الفضل في الدنيا يكون بالجنس وفي الآخرة بالتقوى
السؤال
فضيلة الشيخ! كيف التوفيق بين قول الله عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] وبين ما هو ثابت من أن جنس العرب أفضل من جنس العجم، وكذلك فضل قريش على سائر العرب, وكيف نوفق بين هذا؟ وجزاكم الله خيراًَ.
الجواب
أقول: لا تناقض، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة) ، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن: (خيار الناس في الإسلام خيارهم في الجاهلية) وعلى هذا فأكرم الناس من قريش أتقاهم لله، وأكرم الناس من تميم أتقاهم لله، وهَلُمَّ جَرَّاً.
أما الجنس فالجنس شيء آخر، فجنس العرب أفضل من جنس العجم، لا شك، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله اصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) فهنا الخيار يعني بين الناس من هؤلاء، أما عند الله فأكرمهم أتقاهم، حتى وإن كان من الجنس المفضَّل.
يعني: في الجنس فضَّل قريشاً على العرب الآخرين أما عند الله فأكرمهم أتقاهم.(125/21)
لا قضاء ولا كفارة على من أفطر في صيام النفل
السؤال
رجل صام يوم عاشوراء وعمله شاق قليلاً، ثم أفطر في نفس اليوم هل عليه قضاء أو كفارة؟ أحسن الله إليكم.
الجواب
ليس عليه قضاء خصوصاً إذا كان النفل مقيداً بيوم معين ثم فات، أما لو كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصام أحد الأيام وحصل عليه مشقة وأفطر فهنا يصوم يوماً بدله من أجل أن يستكمل صيام ثلاثة أيام.(125/22)
حكم العمليات الاستشهادية
السؤال
ماذا تقول في العمليات الانتحارية في فلسطين؟ هل هم شهداء؟
الجواب
هذه سبق الجواب عليها وقلنا: إن هذا الذي يفعل ذلك قد قَتَل نفسه وأنه معذَّب بما قتل به نفسه في نار جهنم خالداً فيها مخلداً، كما ثبت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام، وأن هذا حرام عليه؛ لأن الله قال: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء:29] ؛ لكن هؤلاء الجهال الذين فعلوا ما فعلوا إذا كانوا جاهلين ويظنون أن هذا يقربهم إلى الله عز وجل، فإني أرجو ألا يعذبوا بهذا العذاب؛ لكن ليس لهم أجر؛ لأن ما فعلوه إثماً لو تعمدوا ذلك لكنهم متأولون فيُعفى عنهم، ثم إننا لا نتدخل في النيات، هل هذا لأجل أن تكون كلمة الله هي العليا أو انتقاماً لأنفسهم فقط؟ لا ندري هذا شيء علمه عند الله؛ لكن يجب أن نلاحظ الفرق بين من يقاتل العدو انتقاماً وبين من يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، مَن الذي في سبيل الله؟ مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، أما مَن قاتل انتقاماً لنفسه من قوم اعتدوا عليه فهذا لا يكون مقاتلاً في سبيل الله، لذلك يجب علينا أن نتعقل لئلا يفوتنا النصر، فإن فوات النصر للأمة الإسلامية التي تبلغ ملايين الملايين على طغاة من اليهود أو الوثنيين أو غيرهم أسبابها أنهم ما مشوا على ما ينبغي، أولاً: المعاصي عندهم كثيرة والإهمال كثير، وتجد الواحد منهم يذهب -مثلاً- يقاتل العدو لكنه لا يصلي، هو نفسه لا يصلي، فلا بد أن نجاهد أنفسنا قبل كل شيء، ونصحح مسيرتنا إلى الله عز وجل قبل أن نقاتل؛ وأن نحاول تصحيح مسيرة غيرنا.
على كل حال الجواب باختصار: إن الانتحار حرام، وأن من فعله فقد قتل نفسه وعرض نفسه للعقوبة العظيمة فإنه يعذب بما قتل به نفسه في نار جهنم خالداً فيها مخلداً؛ لكن من فعله عن جهل أو تأويل فإننا نرجو من الله سبحانه وتعالى ألا يلحقه هذا العقاب.(125/23)
أساليب الدعوة إلى الله
السؤال
الدعوة إلى الله من أهم الأمور وخاصة إذا كان الإنسان إمام مسجد، أو أن عنده شيئاً من العلم، وكما تعلمون في الأحياء الجديدة، أو أطراف المدن، أو في الهِجَر يجد الإنسان أن بعض الناس لا يأتي إلى المسجد، ومنهم من يقصر في السنة، ومنهم من يقصر في الصلاة، ومنهم من يقصر في أمور كثيرة من أمور الدين، فكيف تكون المعاملة مع هؤلاء إذا دُعِي الإنسان إلى بيت كمثال، يجد أن الأب يأتي إلى المسجد وأبناءه الكبار لا يأتون، أو الأقارب الذين لا بد من الاجتماع بهم في المناسبات لكونهم من الأرحام يجب صلتهم، وهؤلاء بعض أبنائهم لا يأتون إلى المسجد؟! فكيف يكون؟ يعني: هل يستخدم التوبيخ والشدة أو أنه يصبر أو ما السبيل إلى ذلك؟
الجواب
قال الله عز وجل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام، والعشيرة تنقسم إلى قسمين: قسم لك ولاية عليهم مباشِرة، كأولادك وأهلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته) .
وقسم آخر من العشيرة منفصلاً عنه، ولست مسئولاً عنه سؤالاً مباشراً.
فأما الأول فإن مسئوليتك نحوه أبلغ من الثاني، والثاني له عليك مسئولية أبلغ من الأجانب الذين ليس بينك وبينهم قرابة، والجيران أبلغ ممن ليس بجار.
فعليك أن تؤدي لكل إنسان حقه، وأن تكون دعوتك بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، وأن تستعمل العنف إذا كان أنفع، واللين إذا كان أنفع، فمن المعلوم -مثلاً- أن دعوة الإنسان لأهله الذين له الولاية المباشرة عليهم ليست كدعوته للأجانب، الأولون قد تستعمل معهم الشدة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (واضربوهم عليها لعشر) لكن الآخرين لا تستعمل الشدة، استعمل الرفق واللين، وكم من كلمة لينة جذبت من كان بعيداً عن الحق، والإنسان العاقل يستعمل ما يرى أنه أصلح، فليس هناك ضابط يستوي فيه الناس كلهم.(125/24)
حكم إفراد السبت بصيام
السؤال
امرأة طهُرت يوم الجمعة وكان الوقوف بـ عرفات يوم السبت، هل يجوز صيام السبت إفراداً؟
الجواب
صوم يوم السبت إذا كان لسبب فلا بأس مثل أن يصادف يوم عرفة أو يوم عاشوراء، أو يكون ممن يصوم يوماً ويفطر يوماً فيصادف صيامه يوم السبت فهذا لا بأس به؛ لكن لو أفرده لغير سبب فمن العلماء من قال: لا بأس به أيضاً؛ لأن الذي ورد النهي عن صيامه على وجه صحيح أو بدليل صحيح هو يوم الجمعة، أما يوم السبت فالحديث الوارد فيه قال: إن هذا حديث شاذ ولا يُعْمَل به، وممن قال به شيخنا عبد العزيز بن باز وفقه الله ورحمه يقول: إن النهي عن صوم يوم السبت حديث شاذ لا عمل عليه، وذلك لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة، فإن (النبي صلى الله عليه وسلم أتت إليه امرأته جويرية وهي صائمة يوم الجمعة قال: أصمتِ أمسِ؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري) فقوله: (أتصومين غداً) دليل واضح على أن صوم يوم السبت ليس به بأس، ومعلوم أن الأحاديث الصحيحة القوية إذا جاء حديث يخالفها وهو أضعف منها يعتبر شاذاً كما هي القاعدة في مصطلح الحديث: أن الشاذ ما خالف فيه الثقة من هو أوثق منه.
وعلى هذا فيكون صيام يوم السبت ليس مكروهاً مطلقاً سواء ضم إليه ما قبله أو ما بعده أو لم يضم، وسواء كان له سبب أم لم يكن.
وعلى هذا فنقول: إذا صام يوم السبت فلا حرج عليه؛ لكن الإمام أحمد رحمه الله في المشهور عند أصحابه يقول: إن إفراد يوم السبت لغير سبب مكروه، وإذا صام إليه يوماً آخر إما الجمعة أو الأحد فلا بأس به، كما أنه إذا كان لسبب فلا بأس به.
ولعل هذا أقرب الأقوال لئلا نلغي حديث النهي عن صوم يوم السبت، فيقال: من صام يوم السبت لأنه يوم السبت فهذا منهي عنه لا نقول: لا يجوز، نقول: منهي عنه، ومن صامه لسبب أو ضم إليه غيره فلا بأس به.(125/25)
حكم من يترك المعصية حياءً من الناس لا خوفاً من الله
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل مسلم لا يمنعه عن فعل المعصية إلا حياؤه من الناس، وليس رجاء ما عند الله أو الخوف من عقابه؟
الجواب
هذا ليس له شيء، يعني: ليس له أجر قطعاً؛ لكن هل يكون عليه إثم؟ هذا محل تردد.
قد يقال: إن عليه إثماً؛ لأنه تقرب إلى المخلوقين بطاعة الله عز وجل أو بترك معصيته، وقد يقال: ليس عليه إثم؛ لأن الله عز وجل شرع الحدود والعقوبات ردعاً للعصاة، ومعلوم أن العاصي قد يمنعه عن المعصية الخوف من هذه العقوبات، دون أن يكون على باله الخوف من الله عز وجل.
فعلى كل حال: ندعو مثل هذا الرجل إلى إخلاص النية لله عز وجل، وأن تكون طاعته تقرباً إلى الله، وتركه المعصية خوفاًَ من الله.(125/26)
أقوال أهل العلم في أم الزوجة من الرضاع هل هي محرم للزوج أم لا؟
السؤال
فضيلة الشيخ: أم الزوجة من الرضاع هل تكون محرماً للزوج؟
الجواب
نعم.
أكثر العلماء ومنهم الأئمة الأربعة يقولون: إن أم الزوجة من الرضاع كأمها من النسب.
فزوج ابنتها من الرضاع محرم لها كزوج ابنتها من النسب، واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: إن أم الزوجة من الرضاع ليست كأمها من النسب وإن زوج ابنتها من الرضاع ليس محرماً لها، واستدل بنفس الحديث، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) .
ومعلوم أن أم زوجتك حرام عليك لكن بأي سبب: بالنسب أو بالمصاهرة؟ بالمصاهرة، وإذا كانت بالمصاهرة فقد دل الحديث بمفهومه أنها ليست محرماً لك، وما ذهب إليه الشيخ رحمه الله أقرب للصواب: أن أم زوجتك من الرضاع وبنت زوجتك من الرضاع ليست من محارمك.
يبقى النظر: هل يجوز للإنسان إذا ماتت زوجته أن يتزوج أمها من الرضاع أو ابنتها من الرضاع؟ نقول: شيخ الإسلام رحمه الله يقول: نعم.
يجوز؛ لأنها ليست محرماً له، لكني أقول أنا من باب الاحتياط: ألا يتزوجها؛ لأن الخلاف الكبير الذي في هذه المسألة قد يوجب للإنسان التوقف في حِلِّها له.
فإذا قال قائل: كيف تقولون: لا يتزوجها وتقولون: إنها ليست من محارمه؟ وهل هذا إلا نوع من التناقض؟ نقول: لا بأس عند الاحتياط من أن نجمع بين الحُكْمَين، ودليلنا في هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى للغلام الذي تنازع فيه عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاص قضى به لمن؟ قضى به لـ زمعة فيكون أخاً لـ سودة؛ وسودة زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم شَبَهاً بيِّناً بعتبة في هذا الغلام قال لزوجته: (احتجبي منه) ، فهنا جمع بين حُكْمَين مختلفَين متناقضَين من أجل الاحتياط.
فأرى في هذه المسألة: أن أم الزوجة من الرضاع وبنت الزوجة من الرضاع ليست محرماً كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية لكني أرى من باب الورع والاحتياط ألا يتزوجها إلا في حالة واحدة: إذا لم يبقَ من بنات آدم إلا هذه المرأة فحينئذ يتزوجها.
والرضاع لا يؤثر بالميراث اتفاقاً، ولا بوجوب النفقة، ولا بوجوب تحمل العاقلة، ولا غيرها.(125/27)
أنواع صبغ الشعر وحكم كل نوع
السؤال
يدور حول صبغ الشعر بالسواد، وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: هل يجوز لمن كان شعره أسود أصلاً أن يصبغه بالسواد تقوية لهذا النوع وتجميلاً؟ القسم الثاني: إذا كانت المرأة أصل شعرها أسود فغيرته إلى لون آخر كالأصفر أو الأحمر، ثم أرادت أن ترجع لون شعرها الأصلي الأسود هل يجوز لها أن تصبغ بالسواد؟ القسم الثالث بارك الله فيك: هل يجوز الصبغ بالحناء السوداء بما يسمى بالخضاب الأسود؟
الجواب
أما الصبغ بالسواد لمن أصابه الشيب، فهذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتغيير الشيب وقال: (جنبوه السواد) وورد أيضاً حديث فيه الوعيد على من فعل ذلك، ولأن فيه مناقضة لخلق الله عز وجل.
أما من صبغ بالأسود ليزداد سواده فلا أظنه مثل هذا؛ لأن الأصل أن الشعر أسوداً؛ لكن مع ذلك أرى ألا يفعل.
وأما من صبغ الأسود بلون آخر، ثم أراد أن يرده إلى الأسود فهذا لا بأس به؛ لأنه إنما رده على خلقته الأولى.
أما من جهة الحناء السوداء فهي سواد، ولكن ينبغي أن يَخْلِط هذا الحناء الأسود بحناء أصفر حتى يكون اللون بنياً ليس أسود خالصاً.(125/28)
ضعف حديث أن الرجل يدعى بأمه يوم القيامة
السؤال
اشتهر عند كثير من الناس أن يوم القيامة يُدْعَى أي أحد بأمه! فهل هذا صحيح؟
الجواب
ليس بصحيح، فإنه ثبت في البخاري وغيره (أن لكل غادر لواءً يوم القيامة ينادَى: هذه غدرة فلان بن فلان) وبهذا نعرف ضعف حديث أبي أمامة في تلقين الميت بعد دفنه أنه إذا دفن الميت يوقف عليه ويقال: يا فلان بن فلانة، اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم بقية التلقين، فإن هذا ليس بصحيح، وعليه فيكون هذا التلقين بدعة، والصحيح: أنه إذا دُفِن الميت فإن الإنسان يقف على قبره ويستغفر له، يقول: اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم ثبته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من دفن ميت وقف عليه وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل) .(125/29)
الخروج من المسجد بنية الرجوع عن قريب لا يلزم تحية المسجد
السؤال
فضيلة الشيخ! دخلتُ المسجد وصليتُ ركعتين تحية المسجد وخرجتُ بنية الرجوع، فإذا رجعتُ هل يلزمني أن أصلي ركعتين؟
الجواب
إذا خرج الإنسان من المسجد بنية الرجوع فإن رجع عن قرب فإنه لا يصلي تحية المسجد، مثل لو خرج للوضوء ورجع، أو خرج يأتي بكتاب من البيت ورجع، أو خرج يكلم إنساناً ورجع، هذا لا يصلي؛ لأن الوقت قصير، أما إذا طال الوقت فليصل ركعتين، كلنا إذا صلينا الظهر نخرج من المسجد بنية الرجوع إلى صلاة العصر، فهل نقول إذا رجعنا لصلاة العصر: لا نصلي؟ لا.
نصلي.
المهم أنه إذا كان لشغل يرجع به قريباً، فهذا لا يصلي اكتفاء بالأول.
والدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام أذن للمعتكف أن يخرج للحاجة إلى بيته ثم يرجع، فدل هذا على أن الخروج اليسير لا يعتبر خروجاً من المسجد، فكأن هذا الذي خرج من المسجد وهو بنية الرجوع عن قرب، كأنه لم يخرج منه.(125/30)
لقاء الباب المفتوح [126]
هذا اللقاء أكمل فيه الشيخ تفسير قوله تعالى: (قالت الأعراب آمنا.
) فذكر الشيخ أن الأعراب هم أهل البادية، والغالب عليهم أنهم لا يعرفون حدود ما أنزل الله، وذكر معنى قوله تعالى: (ولما.
) وأنها إذا أتت بدل لم يكن ذلك دليلاً على قرب وقوع ما دخلت عليه، ثم فصّل الكلام على مسألة الفرق بين الإسلام الإيمان وأنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.(126/1)
تفسير آيات من سورة الحجرات
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس والعشرون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح، التي تتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو العشرون من شهر محرم عام (1417هـ) .
نكمل الكلام على قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14] :- الأعراب هم: سكان البادية، والغالب عليهم أنهم لا يعرفون حدود ما أنزل الله على رسوله فيقولون: آمنا، فقال الله تعالى يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} .(126/2)
تفسير قوله تعالى: (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم)
قال تعالى: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14] :- ووجه ذلك: أن الإيمان في القلب، وهو صعب، والإسلام علانية في الجوارح، وكل إنسان يمكن أن يعمل في جوارحه عملاً متقناً من أحسن ما يكون.
فلقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن الخوارج أنهم يقرءون القرآن، وأنهم يصلون، وأن الواحد من الصحابة يحقر صلاته عند صلاتهم وقراءته عند قراءتهم، ومع ذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إنهم يقرءون القرآن لا يتجاوز حناجرهم -نسأل الله العافية- وأنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) .
وهذا يدل على أن الإسلام يستطيعه كل إنسان، كل إنسان يمكن أن ينافق، يمكن أن يصلي ويسجد ويقرأ ويصوم ويتصدق وقلبه خالٍ من الإيمان، ولهذا قال: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} هنا التعبير {وَلَمَّا يَدْخُلِ} ولم يقل: ولم يدخل، قال العلماء: وإذا أتت لَمَّا بدل لَمْ كان ذلك دليلاً على قرب وقوع ما دخلت عليه.
فمثلاً إذا قلت: فلان لَمْ يدخل القرية ولَمَّا يدخلها، أي: أنه قريب منها.
وكذلك قوله تعالى: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} [ص:8] أي: لم يذوقوه ولكنه قريب منهم.
هنا قال: {لَمَّا يَدْخُلِ} أي: ما دخل الإيمان في قلوبهم ولكنه قريب من الدخول.(126/3)
تفسير قوله تعالى: (وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً)
قال تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً} [الحجرات:14] :- إن أطعتم الله ورسوله بالقيام بأمره واجتناب نهيه فإنه لن ينقصكم من أعمالكم شيئاً، بل سيوفرها لكم كاملة كما قال الله تبارك وتعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الأنعام:160] كل إنسان سيجد عمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر.(126/4)
تفسير قوله تعالى: (إن الله غفور رحيم)
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:14] :- ختم الآية بالمغفرة والرحمة إشارة إلى أن هؤلاء الذين قالوا: إنهم آمنوا قريبون من المغفرة والرحمة؛ لأنهم لم يدخل الإيمان في قلوبهم ولكنه قريب من دخولها.
هنا فرَّق بين الإسلام والإيمان، وكذلك في حديث جبريل فرَّق بين الإسلام والإيمان، ففي حديث جبريل لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (ما الإسلام؟ -ماذا قال؟ - قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت) ، في الإيمان ماذا قال له؟ قال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره) ففرق بين الإسلام والإيمان.
وفي أدلة أخرى يجعل الله الإيمان هو الإسلام والإسلام هو الإيمان، فهل في هذا تناقض؟
الجواب
لا.
إذا قُرِن الإسلام بالإيمان صارا شيئين، وإذا ذكر الإسلام وحده أو الإيمان وحده صارا بمعنى واحد، ولهذا نظائر في اللغة العربية كثيرة، ولهذا قال أهل السنة والجماعة: إن الإسلام والإيمان شيء واحد إذا افترقا، وشيئان إذا اجتمعا، أي: إذا ذُكِرا في سياق واحد فهما شيئان، وإن ذُكِر أحدهما دون الآخر فهما شيء واحد، ويدل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم عدَّد أعمالاً هي من الإسلام وجعلها من الإيمان فقال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها: قول: لا إله إلا الله.
) مع أنها من الإسلام، (قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله) ، (… وأدناها إماطة الأذى عن الطريق …) وإماطة الأذى عن الطريق من الإسلام؛ لأنها عمل من أعمال الجوارح (… والحياء شعبة من الإيمان) هذا في القلب.
والمهم: أن الإيمان والإسلام شيء واحد إذا افترقا، وشيئان إذا اجتمعا.(126/5)
الأسئلة(126/6)
الحكم فيمن أتى بالاستعاذة بعد تكبيرة الإحرام مباشرة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما الحكم فيمن يكبر ويقول بعد تكبيرة الإحرام: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وذلك ليتجنب وساوس الشيطان؟
الجواب
السنة بعد تكبيرة الإحرام أن يستفتح، فيقول: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك) ، أو يقول: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) ، ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
هذا هو السنة.
ومن يبدأ بالاستعاذة يقال له: خالفتَ السنة، ما بينك وبين الاستعاذة إلا أن تقول الاستفتاح، اقرأ الاستفتاح ثم استعذ.(126/7)
جواز الصلاة في الشارع إذا لم يتسع المسجد
السؤال
فضيلة الشيخ! تَكْثُر في بعض القرى المساجد الصغيرة، التي لا تتحمل إلا صفاً أو صفين أو ثلاثة، فربما يكون صاحب هذا البيت عنده وليمة عشاء أو غداء، لا يسعهم هذا المسجد لِضِيْقِه، فهل يصلون في الحوش عنده في المجلس الكبير الذي يسعهم؟
الجواب
هل يصلح أن نقول: إذا ضاق المسجد عن أهله، فهل يصلون في الحوش الذي بجوار المسجد؟ نقول: لا.
إذا ضاق المسجد عن أهله يصلون ولو في الشارع، وذلك من أجل أن تتصل الصفوف؛ لأنه لو صلى في البيت ما صار مع الجماعة في الواقع، فيصلون ولو في المسجد من أجل اتصال الصف.(126/8)
حكم من صلى بالناس وهو جنب ناسياً
السؤال
فضيلة الشيخ! إمام مسجد، وجامَع زوجتَه وصلى بالناس صلاة الصبح والظهر والعصر ولم يتذكر أنه جنب إلا وقت المغرب.
فماذا عليه؟ نقول: عليه أن يغتسل ويعيد صلاته، وأما الجماعة فلا شيء عليهم.(126/9)
حكم زيارة القريب إذا كان لا يستفيد من الزيارة ولا يعرف من الزائر
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا كان لي عم فاقد العقل، فهل تجب زيارته إذا كان هو لا يستفيد من الزيارة، ولا يعرف مَن أنا؟
الجواب
نعم.
إذا كان لك عم ليس عاقلاً فزره لأجل أن تطمئن عليه، ليس بشرط أن يكون عارفاً بك، لكن زره من أجل الاطمئنان عليه، ومن أجل أن يعلم أقاربه بأنك واصلٌ لرحمك.(126/10)
صلة الرحم ليس لها فترة زمنية محددة
السؤال
هل لصلة الرحم حد بالنسبة للمدة؟
الجواب
يجب أن نعلم قاعدة مفيدة لطالب العلم ولغير طالب العلم، وهي: إذا ذكر اللهُ شيئاً ولم يحدده فإنه يرجع إلى عادة الناس وأعراف الناس، صلة الرحم جاءت في القرآن والسنة غير محددة فترجع إلى عادة الناس، وعادة الناس تختلف باختلاف الأزمان، وباختلاف البلدان، وباختلاف الأحوال، فمثلاً: في بعض البلاد لا بد أن تزور قريبك كل شهر، فإن لم تفعل فأنت قاطع، وكذلك عند بعض القبائل، وكذلك -أيضاً- في الأزمان في بعض الأحيان، يكون الناس في حاجة إلى التواصل وألا يتأخر أحد عن الآخر، وفي بعض الأحوال لا، كذلك -أيضاً- القريب قد يكون مريضاً يحتاج إلى التكرار وصلته، وقد يكون فقيراً يحتاج إلى إعانته بالمال، المهم ما دامت الصلة لم تُحَدَّد لا في القرآن ولا في السنة، فإنه يُرْجَع فيها إلى ما يتعارفه الناس، في الوقت الحاضر تستطيع أن تصل أقاربك في الهاتف، لو تتصل كل يوم، لكن من المعلوم أنك لو اتصلت كل يوم قد يملون هم، لو جعلتها أسبوعياً أو نصف شهر أو شهرياً حسب الحال، ثم أيضاً الأقارب يختلفون بالقرب، يعني: ليس ابن العم كالأخ.(126/11)
كيفية تصرف الوكيل في أموال الناس
السؤال
أنا عندي أثلاث أموال، يعني: دراهم، أجعلها في تجارة السيارات، وسألت عن السيارة من يوم أن أسلم دراهمها، وآخذ مفتاحها ويكفي، أو نحركها، وهل ثمنها المكسب له حدٍ بيِّن، وما عاد عليه الزكاة على رأس الحول أو كلما حصل فلي شيءٌ منها؟ الشيخ: هذه الأثلاث التي عندك هل هم ذكروا شيئاً معيناً توضع فيه أم هي على رأيك؟ السائل: هؤلاء باقي منهم أحياء وبعضهم توفي وله أيتام، جمعنا أموالهم لننميها لهم.
الجواب
أما من جهة الأحياء التي يهبونها لله، فهذه أحسن ما نرى فيها الآن أن يُبْنَى بها مساجد إن تحمَّلَت بناء المسجد كاملاً فهذا المطلوب، وإن لم تتحمل فالمشاركة فيه؛ وذلك لأمور: أولاً: أن المسجد أجره في الليل والنهار، الناس يصلون فيه في النهار، ويصلون فيه في الليل، وطلاب العلم يجلسون فيه يتذاكرون العلم، وحلق القرآن كذلك يدرسون فيه ويتلون كتاب الله.
ثانياً: أن فيه راحة للإنسان في حياته وبعد مماته، الإنسان ما دام هو حي ربما يعني: يمشي جيداً في تنفيذ الثلث؛ لكن إذا مات ربما يهلك هذا الثلث، ولا أحد يقوم به على الوجه المطلوب.
ثالثاً: أن المسجد يؤدَّى فيه شعائر الإسلام، وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين هي: الصلاة التي تؤدَّى فيه، وينال باني المسجد من أجر هؤلاء المصلين ما ينالهم من الثواب، فهي أفضل، ولهذا أنا أشير على كل إنسان عنده مال يريد أن يوصي به، أن يصرفه في بناء المساجد، أحسن له ولذريته، ولئلا يقع النزاع أو يتلف الثلث فيما بعد.
أما بالنسبة لأموال اليتامى: فلا تُجْعَل في المساجد، الواجب على الولي أن يتَّجر بها إذا كان هذا أحسن، وإن لم يكن أحسن أبقاها، الحمد لله، ولْتَبْقَى حتى يأكلوها وتفنى والله يرزق من يشاء بغير حساب.
وربما يكون من المصلحة أنك تساهم في أراضٍ -مثلاً- إذا كان للأرض مستقبل وتساهم ويجيء الله بالرزق، تساهم مع إنسان مثلاً: ثقة، تعطيه ما تيسر وتقول: يا فلان! خذ هذا بِعْ به واشترِ، والمكسب بيننا أنصافاً أو أرباعاً أو أثلاثاً، أما مسألة بيع السيارات فأنا أشير عليك ألا تدخل فيها، لا تخفر ذمتك وتؤكِّل غيرك شيئاً حراماً؛ لأن غالب بيع السيارات المستعملة الآن حرام، تجده يشتري السيارة ويبيعها في مكانها، ويشتري السيارة ويبيعها، ويشتري السيارة الثانية وهو ما قصده السيارة وإنما قصده الزيادة وهذا ربا؛ لكنها حيلة، لهذا يكون بين يديك الآن المساجد، الأثلاث أرى أن تصرفها في بناء المساجد وتستريح.
ثانياً: أموال اليتامى أرى أن تتصرف فيها تصرفاً مباحاً، وألا تقرَب ما كان محرماً، لأن الله يقول: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام:152] وليس من الأحسن أن توقعه في أمر فيه ربا، تؤكِّلهم السحت وتضرهم.
وأرى ألا تقربها يا أخي، لأن مثلاً أنا إنسان أريد سيارة، يجيء من يقول: هذه السيارة الفلانية، فتقول: حسن! اشترِ وأنا أعطي المعرض البقية وأقرضك إياها، هذه حيلة واضحة مثل الشمس.
حتى لو أخبرته بالمعروف يبقى عليك أنه لابد أن تجيء به إلى بيتك، ولابد أن تنقلها باسمك وهم لا يفعلون هذا، ثم إن بعض العلماء يقول: الدينة المعروفة هذه حرام يسمونها: مسألة التَّوَرُّق، فـ ابن تيمية رحمه الله شيخ الإسلام المعروف المشهور بعلمه وفقهه وأمانته يرى أنها حرام.(126/12)
ترك النوافل بسبب الخواطر والوساوس
السوال: في بعض الأحيان في الصلاة تأتينا خاطرة نترك الصلاة الراتبة بعد الصلاة، وهي خاطرة بسيطة وتذهب بسرعة.
الجواب
إذا كنت تخشى أنك إذا صليت النافلة يشتغل قلبك، فاعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان) اذهب واقضِِ شغلك ثم صلِّ في البيت، ولك ما بين صلاة الظهر إلى أذان العصر، يعني: راتبة الظهر وقتها إلى أذان العصر.(126/13)
أهمية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
السؤال
تعلمون -بارك الله فيكم- ما يقوم به رجال الهيئة من أعمال -نسأل الله أن يعينهم على ذلك- إلا أن هناك أمراً هاماً ألا وهو الإحساس بالقسوة في القلب، فنرجو منكم -بارك الله فيكم- أولاً: الدعاء لهم، ثم كلمة توجهونها لهم في علاج هذا الأمر، حفظكم الله!
الجواب
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا وإياهم على ما كلَّفنا به من الدعوة إلى الله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأسأل الله لهم التوفيق.
ولا شك أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي أعظم مرافق الدولة نفعاً للعباد ودفعاً للفساد، وهم كما يُعَبِّر بعض المعاصرين: هم الجندي المجهول الذي لا تُعْرَف قيمته إلا بفقده، والحقيقة أني أرى أنهم أنفع ما يكون للبلاد، وأنهم أشد ما يكونون حفاظاً على الأمن، يعني: هم أشد حفاظاً على الأمن من رجال الأمن المجندين.
لأن الأمن لا يمكن أن يستتب في البلاد إلا إذا قامت شرائع الله وشعائره في البلاد، واستقام الناس على دين الله، قال الله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96] .
وقال عز وجل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ} [الأنعام:82] ، فقرن الله الأمن بالإيمان، {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82] .
وأخبر الله عز وجل أنه إذا لم يكن أمر ولا نهي حصل التفرق، وإذا حصل التفرق في الأمة فلا تسأل عن الفوضى وعن التعادي والتباغض، يقول الله عز وجل: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران:104-105] .
فلما أمر بالدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا} [آل عمران:105] إشارة إلى أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله سببٌ للتفرق، وإذا تفرقت الأمة فلا تسأل عن حالها.
فالحقيقة: أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفضل مرافق الدولة، وأنه ينبغي بل يجب أن تُشَجَّع هذه الهيئات على إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يُجْعَل لها من الصلاحيات ما يُحْفَظ به الأمن ويُدْفَع به الفساد.
صحيحٌ أنه قد يوجد عند بعضهم غَيرة قوية توجب له أن يندفع وأن يتعسف وأن يفعل ما لا ينبغي أن يفعله؛ لكن هذا يمكن إصلاحه، يعني: نُصْلح هذا الذي حصل من الفساد ونُبْقي الأمر كما هو.
أما قسوة القلب تحصل للهيئات وغير الهيئات، حتى الإنسان نفسه يحس إذا جلس مجلس ذكر وموعظة وترقيق قلب يحس باللين والخشوع واستحضار ما أمامنا من المخاوف؛ عذاب القبر، يوم القيامة، وما أشبه ذلك، فيرق قلبه، ثم يخرج إلى سوقه، ومزرعته، وأهله، فينسى ذلك؛ لكن على الإنسان أن يكون دائماً ذاكراً لله عز وجل بقلبه وجوارحه، واقرأ قول الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ} لِمَن؟ {لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران:190] أصحاب العقول، فمن هؤلاء أصحاب العقول؟! هل هم كبراء السياسة؟! هل هم كبراء المال؟! لا.
{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191] إلى آخر ما ذكر الله من أوصاف.
فهذا هو الذي يجعل القلب يلين ويرق؛ أن يكون الإنسان دائماً يذكر الله عز وجل، ليس في النطق -اللسان- أهَمُّ شيء بالقلب، اذكر قول الله تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الكهف:28] لم يقل: من أغفلنا لسانه عن ذكرنا، الذكرُ حقيقةً ذكرُ القلب.
إذا كان الإنسان دائماً مع الله يذكر الله عز وجل، إن قام فبالله وفي الله، مستعيناً بالله تعالى، قائماً تعبداً له وخشية له، يجد خيراً كثيراً في هذا.(126/14)
حقيقة الخذف المنهي عنه
السؤال
فضيلة الشيخ! هل كل خذف منهيٌّ عنه أم لا؟
الجواب
المسابقة في رمي الأحجار وحمل الأثقال لا بأس بها، من الأشياء المباحة، لكن بشرط أن يأمن الخطر.
أما أن يخذف الحصاة وحول مرماها أناس جالسون أو واقفون فهذا لا، هذا خطر؛ لأن اليد تزل، ويضرب أحداً من هؤلاء الذين أمامه؛ لكن إذا كانت المسألة مأمونة الخوف فلا بأس.
أما الخذف الذي نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام فأخبر بأنها لا تنكأ عدواً وهم يستعملون حصىً صغاراً، ولهذا قال جابر رضي الله عنه في صفة حصى الجمار، مثل حصى الخذف، صغيرة، تُجْعَل بين الأصابع ويخذفها الإنسان هذه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عنها: (إنها لا تنكأ عدواً؛ ولكنها تكسر السن وتفقأ العين) وأما ما ذكرتَ فهذا من باب المسابقات المباحة.(126/15)
السفر بنية التمشية والعمرة
السؤال
أحد الشباب تزوج وقرر في نيته أن يسافر إلى الحجاز، وسافر على الطائرة إلى جدة، وجلس يومين في جدة، واستأجر سيارة وذهب إلى الطائف وظل هناك أياماً، ثم خرج إلى السيل الكبير وأحرم، وكان ناوياً أن يعتمر لكن بعد أن يتمشى فما الحكم؟
الجواب
يُنظر: هل ذهابه هنا للعمرة، أم للتمشية؟ إذا كان الأول فلا بد أن يحرم من الميقات لا يتجاوزه، والطائرة كما تعلم إن سافرت من القصيم، فالميقات ميقات أهل المدينة؛ ذو الحليفة.
وأما إذا كان نيته أنه يتمشى ويقول: إن تيسر لي فسأقوم بالعمرة، فهنا لا بأس أنه يتجاوز الميقات ويذهب إلى الطائف أو إلى الجنوب، وإذا رجع أحرم.
وعلى كل حال إن احتاط وذبح فدية في مكة لزوجته واحدة وله واحدة توزَّع على الفقراء فهذا حسن! إبراءً للذمة، وإن لم يفعل أو كان عاجزاً فلا حرج عليه.(126/16)
كيفية العلم بدخول الفجر
السؤال
يا شيخ! نحبك إن شاء الله في الله، عندي سؤال عن دخول الفجر، الفجر يعني: بيان ما يدخل به؟ -الله يجزيك خيراً-!
الجواب
أولاً: أقول: أحبك الله الذي أحببتنا فيه، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً محبتنا في الله وبغضنا في الله، أن نبغض من أبغضه الله ورسوله ونحب من أحبه الله ورسوله.
إذا كنت في قرية ليس فيها أنوار يمكن أن تعرف الفجر بنفسك، إذا لم يكن هناك غيم ولا قتر.
والله حدد هذا حَدَّاً بَيِّناًَ قال: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة:187] يعني: الزوجات في ليالي الصيام، {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] ، فإذا خرجتَ إلى البر وليس أمامك أنوار وليس قتر ولا غيم انظر للأفق، متى وجدت هذا الخيط المعترض من الشمال إلى الجنوب، هذا البياض، فهذا الفجر، فَصَلِّ، وامتنع عن الأكل والشرب إن كنت تريد الصوم، ومتى لم تره فأنت في ليل.
وهو خيط أبيض يكون في الأفق، في أسفل السماء، أبيض وليس مجر النجوم، أما إذا كنت لا يمكن أن ترى الفجر إما للغيم أو للقتر أو للأنوار أو متى أنت بين البيوت، فالتوقيت الموجود الآن فيه تقديم خمس دقائق في الفجر خاصة على مدار السنة بمعنى: أنك إذا أردت أن تصيب الفجر بإذن الله فأخِّر خمس دقائق.
وبعض الإخوان يقول: لا.
بل يؤخر أكثر، ويقول: أنا خرجتُ عدة مرات في ليالٍ ليس فيها قمر، وليس فيها قتر، وليس فيها سحاب، ووجدت أنه يتأخر إلى ربع ساعة، والظاهر لي أن هذا طويل -يعني: كثير- أي: يجعل الفرق بين التوقيت الحاضر المكتوب وبين طلوع الفجر عشر دقائق أو ربع ساعة، لكن هذا أظنه مبالغة، إنما الخمس دقائق حسب تقدير الفلكيين يقولون: إنه لا بد من أن يؤخر الإنسان لأذان الفجر خمس دقائق.(126/17)
حكم من نسي السجود للسهو
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا نسي الإنسان سجود السهو ثم تذكر بعدما فرغ من الصلاة.
ماذا يفعل؟
الجواب
إذا نسي الإنسان سجود السهو حتى سلم فليسجد، أما إذا طال الفصل، فإنه يسقط عنه عند أكثر العلماء، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: متى ذكر سجد، حتى لو مضت عليه ساعة أو ساعتان فإنه يسجد؛ ولكن الذي يظهر لي: أنه لا يسجد إذا طال الفصل، أما إذا كان أربع أو خمس دقائق فيسجد ويسلم.(126/18)
الفرق بين التوسل بجاه النبي أو ذاته
السؤال
فضيلة الشيخ! هل هناك فرق بين التوسل بالجاه والتوسل بالذات؟
الجواب
لا فرق بين أن يتوسل الإنسان بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو بذات النبي؛ وذلك لأن التوسل يا إخواني معناه: اتخاذ وسيلة توصلك إلى المقصود، هذا التوسل، أن تتخذ وسيلة توصلك إلى المقصود، فهل جاه الرسول عليه الصلاة والسلام ينفعك؟ الجواب: لا.
لا ينفعك، ينفعك الإيمان بالرسول، ومحبة الرسول، واتباع الرسول، وما أشبه ذلك، أما جاهه فهو له، لا ينفع، كذلك ذات الرسول عليه الصلاة والسلام لا تتوسل بها، يعني: لو توسلت ما الفائدة؟ لو قلت: أسألك بالنبي، لا يستقيم هذا، وليس هذا وسيلة.
واعلم أنك إذا توسلت بما لم يكن وسيلة فإن هذا بدعة ونوع من الشرك؛ لكن من الشرك الأصغر، أما إذا اتخذت وسيلة تنفعك وتثاب بها عند الله فَنَعَمْ توسل، ألم تر إلى قول الله تعالى في دعاء أولي الألباب يقولون: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} [آل عمران:193] مَن المنادي الذي ينادي للإيمان؟ الرسول عليه الصلاة والسلام، هذا هو رأس مَن ينادي للإيمان، ومن بعده مَن خلفه في أمته، والعلماء ورثة الأنبياء، كلهم يدعون للإيمان، {أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} [آل عمران:193] فهنا التوسل إلى الله بالإيمان به وبرسوله، فالمنادي للإيمان: الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو على رأس المنادين للإيمان، فأنت تتوسل إلى الله بالإيمان به، أما جاه الرسول فلا منفعة لك منه.(126/19)
حكم استعمال الرجال للحناء في أيديهم وأقدامهم
السؤال
في بعض القرى يستعمل الرجال الحناء في أقدامهم سواء ذلك للتبرُّد أم لغيره فما الحكم؟
الجواب
الحكم في ذلك أن الإنسان الذي يحني قدميه أو يديه يكون متشبهاً بالنساء؛ لأن صبغ الأقدام والأكف بالحناء من خصائص النساء، وقد علمتَ أن النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال) .
أما إذا كان هناك حاجة فهذا لا بأس به؛ لكن يجعله على هيئة تخالف صبغ المرأة؛ حتى لا يُظَن أنه تشبه.(126/20)
حكم تقبيل الرجل لمحارمه
السؤال
فضيلة الشيخ! يكْثُر في بعض العوائل أن الرجل إذا كان قادماً من سفر أو في مناسبات أو الأعياد يقبِّل محارمه كعماته أو خالاته أو أخواته.
فما رأيكم في هذا؟
الجواب
تقبيل الرجل عماته أو خالاته أو أخواته أو أمهاته أو جداته أو بناته أو بنات أبنائه أو بنات بناته كل هذا جائز ولا بأس به؛ لأنهن محارم، لكن العلماء رحمهم الله شددوا في تقبيل الفم، وقالوا: لا يقبل على الفم إلا زوجته؛ لأن هذا ربما يُحَرِّك الشهوة.
وعلى هذا فإن كانت المرأة التي تريد أن تقبلها من المحارم أكبر منك فقبل جبهتها أو رأسها، وإن كانت دونك فقبل الخد والجبهة بشرط ألا تحس بحركة، فإن كنتَ تخشى على نفسك فلا تَقْبَل ولا تُقَبِّل، هذا هو الحكم؛ لكن نسأل أولاً عن التقبيل: هل هو مشروع كلما لاقيت إنساناً تقبله؟ لا.
ليس مشروعاً، الذي يُشْرع كلما لاقيت إنساناً هو: المصافحة دون التقبيل؛ إلا إذا كان هناك سبب مثل: قدم من سفر، أو كان لك مدة لم تره، فهذا لا بأس، وإلا فالمصافحة هي السنة.
وبالمناسبة: أنبه على شيء حدث أخيراً وكنا قبل لا نعرفه: إذا لاقاك إنسان لا يأخذ بيدك ويصافحك وإنما يأخذ برأسك على طول، هذا غلط، نحن لا نقول: لا تقبل الرأس، قَبِّل الرأس ممن يستحق أن يُقَبَّل؛ لكن لا تجعله هو الأصل، على طول تمسك يدُك رأسَه وتُقَبِّله، هذا خطأ افعل السنة أولاً وهي: المصافحة، ثم إن كان الرجل أهلاً لأن يُقَبَّل قَبِّل رأسَه، نعم.(126/21)
حكم إطالة الشعر
السؤال
إطالة شعر الرأس وتوفيره هل هو من السنة أم لا؟
الجواب
لا.
ليس من السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذه حيث إن الناس في ذلك الوقت يتخذونه، ولهذا لما رأى صبياً قد حَلَقَ بعض رأسه قال: (احلقه كله أو اتركه كله) ولو كان الشعر مما ينبغي اتخاذه لقال: أبقه.
وعلى هذا فنقول: اتخاذ الشعر ليس من السنة، لكن إن كان الناس يعتادون ذلك فافعل، وإلاَّ فافعل ما يعتاده الناس؛ لأن السنة -يا إخواني- قد تكون سنة بعينها، وقد تكون سنة بجنسها: فمثلاً: الألبسة إذا لم تكن محرمة، والهيئات إذا لم تكن محرمة السنة فيها: اتباع ما عليه الناس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها اتباعاً لعادة الناس.
فنقول الآن: جرت عادة الناس ألا يُتَخَّذ الشعر؛ ولذلك علماؤنا الكبار أول من نذكر من العلماء الكبار شيخنا عبد الرحمن بن السعدي وكذلك شيخنا عبد العزيز بن باز وكذلك المشايخ الآخرون كالشيخ محمد بن إبراهيم وإخوانه وغيرهم من كبار العلماء لا يتخذون الشعر؛ لأنهم لا يرون أن هذا سنة، ونحن نعلم أنهم لو رأوا أن هذا سنة لكانوا من أشد الناس تحرِّياً لاتباع السنة.
فالصواب: أنه تَبَعٌ لعادة الناس، إن كنت في مكان يعتاد الناس فيه اتخاذ الشعر فاتخذه وإلا فلا.(126/22)
عورة المرأة مع محارمها
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هي عورة المرأة مع محارمها؟ وهل يدخل الظهر أو الصدر في جملة العورة أو لا؟ أفيدونا! جزاكم الله خيراً.
الجواب
أولاً: بارك الله فيكم يجب أن نعلم أن هناك فرقاً بين قولنا: ما هي العورة؟ وبين قولنا: ما هو اللباس الذي يُشرع للمرأة أن تلبسه، حتى لا يكون اختلاط بين الأمرين.
اللباس الذي يُشرع للمرأة أن تلبسه: أن يكون سابغاً لجميع البدن ما عدا الرأس والكفين والقدمين بالنسبة للمحارم، هذا هو المشروع.
أما مسألة العورة: فالعورة للمرأة مع المرأة كالعورة للرجل مع الرجل يعني: ما بين السرة إلى الركبة، لكن ليس معنى قولنا هذا أنه يجوز للمرأة أن تخرج للنساء ليس عليها إلا سروال إلى الركبة وإلى السرة، لا أحد يقول بهذا، يعني: أي إنسان يقول بهذا فهو ضال، لكن المعنى: لو أن المرأة عليها ثياب سابغة واحتاجت إلى أن تكشف عن ذراعيها لشغل أو لمرض في الذراع أو ما أشبه ذلك، أو أرادت أن تُرْضِع طفلها أمام النساء وأخذت الثدي أمام النساء فلا بأس.
فهناك فرق بين العورة وبين اللباس المشروع، فالمشروع للنساء أن يكون لباسهن سابغاً، ويجوز أن تُخْرِج رأسها ووجها ورقبتها وكفيها بل وذراعيها وقدميها وساقيها عند محارمها؛ لكن ليس معنى ذلك أن نقول: تلبس الثوب القصير عند محارمها، لا.
هذا شيء آخر، لكن لو فُرِض أنها -مثلاً- رَفَعت ثوبها لحاجة وأمامها المحارم وخرج الساق فلا بأس.(126/23)
الراجح من أقوال العلماء في وقت التكبير المطلق والمقيد
السؤال
اختلف بعض طلبة العلم على التكبير المطلق والمقيد، إذ أن بعضهم بدأ يكبِّر التكبير المقيد بعد الصلاة في أول العشر، وقال آخر: إنه لا يصلح هذا؛ لأنه ليس من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كما نَقَل الصحابة عنه أنه كبر حينما انْفََتَل من صلاة الفجر لَمَّا لَمْ يكن حاجاً من يوم عرفة، وفي يوم النحر لما كان حاجاً، في هذا تقييد للتكبير المقيد بأنه لا يستعمل بعد الصلاة التي في وقته، واعترض آخرون بأنه ورد في الكتب أن التكبير المطلق يُشرع في المساجد وفي الأسواق وفي غيرها؟
الجواب
هذا ليس فيه سنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، يعني: فاصلة بين خلاف العلماء، والعلماء لهم اجتهادات في هذا، وأقرب ما يقال: إن التكبير المقيد يكون من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر يوم من أيام التشريق، ومعنى قولنا: إنه مقيد يعني: أنه داخل في الذِّكر عقب الصلاة، وليس المعنى: أننا نكبر من حين السلام، بل المشروع من حين السلام الاستغفار ثلاثاً، و (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام) ، ثم بعد ذلك تكبر، وأما ما قبل ذلك فهو تكبير مطلق إلى غروب الشمس؛ آخر يوم من أيام التشريق، وعلى هذا فيشتمل من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق يجتمع مطلق ومقيد، ومن قبل ذلك من دخول شهر ذي الحجة يكون مطلقاً، أما ليلة العيد من رمضان فإنه مطلق وليس بمقيد، والأمر واسع والحمد لله كله ذكر، والله عز وجل يقول: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء:103] ولا ينبغي أن يكون في هذا نزاع بين الناس أو مخاصمة أو تشويش على العامة، الأمر في هذا واسع.(126/24)
حكم الأكل من مال شخص كسبه حرام
السؤال
فضيلة الشيخ! السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته، لي أخ يعمل في أحد البنوك الربوية قد تحدثتُ معه في هذا الأمر، ولكنه يعتمد في صحة شرعية عمله على فتوى الشيخ محمد سيد طنطاوي مفتي مصر آنذاك، وعند عودتنا إلى مصر في العطلة الصيفية فإنه يدعوني وأسرتي إلى تناول الطعام في بيته وليس له دخل سوى مرتبه من هذا العمل، فهل لي أن ألبي الدعوة حرصاً على صلة الرحم أم لا؟ وهل يجوز إعطاؤه مبلغاً من المال على سبيل الهدية بنية أنه إذا دعاني للطعام عنده أكون بذلك قد أكلت من مالي حفاظاً على صلة الرحم؟ أفتونا، جزاكم الله خيراً؟
الجواب
أقول: إذا كان هذا الرجل صادقاً في أنه اتبع فتوى هذا العالم، وليس قصده تتبع الرخص فليس عليه إثم أصلاً؛ لأن الله يقول: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] ، وهذا قد اقتدى بعالم وليس عليه شيء، كما لو أن إنساناً أكل لحم جزور وسأل عالماً من العلماء فقال له: إن أكل لحم الجزور لا ينقض الوضوء، فصلى وهو آكل لحم الجزور فهل تبطل صلاته؟ لا.
هذا الذي أكل الربا محتجاً بقول عالم مقلَّدٍ للفتيا، ليس قصده الهوى واتباع الرخص لا شيء عليه، هذا من حيث عمل أخيك.
أما الذي نرى أن فتوى مفتي مصر في هذا الباب خطأ وغلط وأنه لا فرق بين الربا الاستثماري والربا الاستغلالي، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِيَ إليه بتمر طيب فسأل، فقالوا: كنا نأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال: (هذا عين الربا) ، وأمر برده، وهذا واضح أنه ليس به استغلال وليس به ظلم، ومع ذلك حرمه النبي عليه الصلاة والسلام، فالفتوى غلط.
وعلى هذا فنرى أن أخاك ما دام يعين على أكل الربا ويكتبه ويشهد به نرى أنه آثم، وأنه يجب عليه التخلي عنه؛ لكن إن أصر وبقي وذهبتَ أنت إليه وأكلت مما عنده فلا بأس، ولا إثم عليك، حتى وإن كنت تعتقد أن هذا حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثَبَتَ عنه أنه أكل من طعام اليهود، واليهود كما تعلمون أكالون للسحت، آخذون للربا، ولم يسأل الرسول يقول: هل تعاملتم بالربا أو لا؟ فدل ذلك على أنه يجوز للإنسان أن يأكل ممن كَسْبُه حرام، ولا إثم عليه، ولكن لا تيئس أكثر من النصيحة لأخيك لعل الله يهديه، وبشره أنه إن تاب فله ما سلف، كل ما كسبه قبل ذلك فهو له حلال؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:275] لا سيما إذا كان مستنداً إلى فتوى يرى أنها صحيحة.
نسأل الله أن يرزقني وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً.(126/25)
لقاء الباب المفتوح [127]
تحدث الشيخ رحمه الله في هذه المادة عن تفسير آيتين من سورة الحجرات بين فيهما أهمية الإيمان بالله تعالى، والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم وأن أهل هذه الصفة هم المؤمنون حقاً، ثم ألحق ذلك ببيان أهمية الجهاد في سبيل الله وأنه أمر مطلوب في الشرع وواجب على العباد، ثم ختم ذلك ببيان ما ذكره الله من توبيخ الأعراب الذين يعلمون الله بدينهم، فأدبهم الله بهذه الآية، ثم ختم المادة بأجوبة متفرقة.(127/1)
تفسير آيات من سورة الحجرات
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع والعشرون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية المعبَّر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) ، والتي تكون في كل يوم خميس.
وهذا الخميس هو السابع والعشرون من شهر محرم عام (1417هـ) نسأل الله لنا ولكم التوفيق لما يحب ويرضى.
لقاؤنا هذا يُفْتَتح بالكلام في تفسير آخر سورة الحجرات.(127/2)
تفسير قوله تعالى: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم)
قال الله تعالى: {قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14] :- بيَّنَّا فيما سبق أن هؤلاء القوم لم يتحقق فيهم كمال الإيمان، أي: معهم أصل الإيمان فقالوا: آمنا، والإيمان المطلق لا يُعْطَى لمن لم يتم إيمانه، ولهذا قال الله عز وجل: {وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} أي: لم يدخل الإيمان الكامل في قلوبكم ولكنه قريب، لأن (لما) تفيد قرب مدخولها.
قال الله عز وجل: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً} [الحجرات:14] :- أي: إن قمتم بطاعة الله ورسوله بامتثال أوامر الله ورسوله، واجتناب نهي الله ورسوله، فإن الله لن ينقصكم أعمالكم شيئاً، سيعطيكموها تامة بلا نقصٍ، وقد تقرر أن من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وأن من جاء بالسيئة فإنه لا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون.(127/3)
تفسير قوله تعالى: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا)
ثم قال عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات:15] :- (إنما) أداة حصر تفيد إثبات الحكم في المذكور، ونفيه عما سواه، أي: ما المؤمنون إلا هؤلاء، والمراد بالمؤمنين حقاً: الذين تم إيمانهم الذين آمنوا بالله ورسوله، آمنوا: أقروا إقراراً مستلزِماً للقبول والإذعان، وليس مجرد الإقرار كافياً، بل لابد من قبولٍ وإذعان، والدليل على أن مجرد الإقرار ليس بكافٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن عمه أبي طالب أنه في النار، مع أنه مؤمن بالرسول عليه الصلاة والسلام مصدِّق به، يقول في لاميته المشهورة:
لقد علموا أن ابننا لا مكذَّبٌ لدينا ولا يُعْنَى بقول الأباطلِِ
ويقول عن دين الرسول:
ولقد علمتُ بأن دين محمد من خير أديان البرية ديناً
لكنه والعياذ بالله لم يقبل هذا الدين، ولم يذعن له، وكان آخر ما قال أنه على الشرك، على ملة عبد المطلب.
فالذين آمنوا بالله ورسوله: هم الذين أقروا إقراراً تاماً بما يستحقه الله عز وجل، وبما يستحقه الرسول عليه الصلاة والسلام وقبلوا ذلك وأذعنوا له.
{ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} : كلمة (ثُمَّ) هنا في موقع من أحسن المواقع، (ثم) تدل على الترتيب بمهلة، يعني: ثم استقروا وثبتوا على الإيمان مع طول المدة: (لَمْ يرتابوا) : أي: لم يلحقهم شك بالإيمان بالله ورسوله.
وهنا ننبه إلى مسألة يكثُر السؤال عنها في هذا الوقت وإن كان أصلها موجوداً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وهي: الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلب الإنسان، يلقي الشيطان في قلب الإنسان أحياناً وساوسَ وشكوكاً في الإيمان، في القرآن، في الرسول، في الرب عز وجل، وساوس يحب الإنسان أن يُمَزَّقَ لَحْمُه ويُكْسَرَ عَظْمُه ولا يتكلم بذلك، فما موقف الإنسان من هذا؟ موقف الإنسان من هذا: أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وينتهِ، ويُعرض عن هذا ولا يفكر فيه إطلاقاً، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن مثل هذه الوساوس صريح الإيمان أي: خالص الإيمان، هذا إنما كان صريح الإيمان؛ لأن الشيطان لا يأتي لإنسان شاكٍّ يشككه في دينه، وإنما لإنسان ثابتٍ مستقرٍ ليشككه في دينه فيفسده عليه، وأما المؤمن الذي استقر الإيمان في قلبه، واطمأن قلبه بالإيمان؛ فإنه هو الذي يأتيه الشيطان ليفسد عليه دينه، أما من ليس بمؤمن فإن الشيطان لا يأتيه بمثل هذه الوسواس لأنه مُنْتَهٍ منه.
والمهم أن قوله: {ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} يدل على أنهم ثبتوا على الإيمان ولو طالت بهم المدة، فإذا قال قائل: ما هي الطريق التي توجب للإنسان ثبوت الإيمان واستقراره؟ قلنا: أولاً: أن يتفكر في مخلوقات الله سبحانه وتعالى، وأن هذه المخلوقات العظيمة لم تكن وليدة الصدفة، ولم تكن وليدةً بنفسها، وأن يتفكر أيضاً في شريعة الله وكمالها، وأن يتفكر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزاته، وما إلى ذلك، وكذلك أيضاً يُكْثِر من ذكر الله عز وجل، فإنَّ بذكر الله تطمئن القلوب، ويكثر من الطاعات والأعمال الصالحة؛ لأن الطاعات والأعمال الصالحة تزيد في الإيمان كما هو مذهب أهل السنة والجماعة رحمهم الله.
{وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الحجرات:15] :- هذا أيضاً معطوف على قوله: {آمَنُوا} أي: هم الذين مع إيمانهم بالله عز وجل، ويقينهم وعدم ارتيابهم يريدون أن يصلحوا عباد الله، بماذا؟ بالجهاد في سبيل الله، يجاهدون أعداء الله ليَرْجِعوا إلى دين الله، ويستقيموا عليه، لا للانتقام منهم، ولا للانتصار لأنفسهم، ولكن ليَدْخُلوا في دين الله عز وجل.
والجهاد في سبيل الله: هو القتال لتكون كلمة الله هي العليا، لا للانتقام، القتال للانتقام ليس إلا مدافعة عن النفس أو أخذاً بالثأر فقط، لكن الجهاد حقيقةً: هو أن يقاتل الإنسان لتكون كلمة الله هي العليا، أما الجهاد انتصاراً للنفس، أو دفاعاً عن النفس فقط فليس في سبيل الله، لكن لا شك أن من قاتل دفاعاً عن نفسه فإنه إن قُتِل فهو شهيد، وإن قَتَل صاحبَه فصاحبُه في النار، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن أراد أن يأخذ ماله قال: (لا تعطِه، قال: يا رسول الله! أرأيت إن قاتَلَني؟ قال: قاتِلْه، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت أن قتلتُه قال: فهو في النار) .
إذاً: ما هو الجهاد في سبيل الله؟ القتال لتكون كلمة الله هي العليا، هذا هو الذي حَدَّه النبي عليه الصلاة والسلام وفَصَلَه فَصْلاً قاطعاً.
{أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ} [الحجرات:15] :- أولئك هم الصادقون في إيمانهم وعدم ارتيابهم، أما الذين قالوا من الأعراب: آمنا، ولكنهم لم يؤمنوا حقيقةً، ولكن أسلموا فإنهم ليسوا صادقين، ولهذا قال الله تعالى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14] .(127/4)
تفسير قوله تعالى: (قل أتعلمون الله بدينكم)
قال تعالى: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحجرات:16] :- هذا إنكارٌ لقول الذين قالوا: آمنا، يعني: أتعلِّمون الله تعالى بأنكم آمنتم وهو عليم بكل شيء؟! و (تعلِّمون الله) أي: تخبرون الله، وليس المراد ترفعون جهله عن حالكم؛ لأنه يعلم حالهم عز وجل، ويعلم أنهم مؤمنون أو غير مؤمنين، لكن (تعلِّمون) هنا بمعنى تخبرون، وليس بمعنى: ترفعوا الجهل عن الله عز وجل؛ لأن الله ليس جاهلاً بحالهم، بل هو عالم.
{أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ} أي: حينما قلتم: آمنا.
{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} أي: ومنه -أي: مِمَّا في السموات والأرض- حالكم إن كنتم مؤمنين أو غير مؤمنين.
وفي هذه الآية إشارة إلى أن النطق بالنية في العبادات منكر؛ لأن الإنسان الذي يقول: أريد أن أصلي، يُعْلِم الله سبحانه وتعالى بما يريد من العمل، والله يعلم، والذي يقول: أريد أن أصوم كذلك، والذي يقول: نويت أن أتصدق كذلك، والذي يقول: نويت أن أحج كذلك أيضاً، وكذلك لا يُسَنّ النطق بالنية في العبادات كلها، لا في الحج ولا في الصدقة، ولا في الصوم، ولا في الوضوء، ولا في الصلاة، ولا في غير ذلك، لماذا؟ لأن النية محلها القلب والله عالم بذلك لا حاجة أن تخبر الله به.
{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .
(ما في السموات) عام، (وما في الأرض عام) كل شيء يعلمه الله، وقد تقدم لنا الكلام مراراً على هذه الصفة العظيمة من صفات الله، والتي هي من أوسع صفاته جل وعلا.
{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} بكل شيء: خفيٌ أو بيِّنٌ، عامٌ أو خاصٌ، هو عالم به جل وعلا.(127/5)
الأسئلة(127/6)
حكم من أوصى أن يُصلى عليه في المسجد الحرام ويدفن في مكة أو البقيع
السؤال
فضيلة الشيخ: قررتُ أنا وكتبت في الوصية لأولادي أني إذا مت أن يُصَلَّى عليَّ في المسجد الحرام أو النبوي، وأُدْفَن في البقيع أو في مكة، هل هذا جائز؟
الجواب
لا أرى أن توصي بذلك، ولا يجب على أولادك أن يفوا بهذه الوصية؛ لأنك إذا أوصيت بذلك ألحقتهم الحرج الشديد، وكلَّفتهم المال وفتحت على الناس أبواباً مغلقة؛ لأن الناس بعاطفتهم إذا سمعوا أن فلاناً أوصى أن يصلَّى عليه في المسجد الحرام وأن يدفن في البقيع تسارعوا إلى ذلك وحصل بذلك من الأمور التي لا تُحمَد عقباها ما لا يعلمه إلا الله، فلا توصِ بهذا، أرض الله واحدة، وكل من في الأرض سوف يبعث يوم القيامة من مكانه إلى المشهد، ولن يتخلف أحد، وكونك تُدْفَن في مكة أو البقيع لا تستفيد شيئاً، نعم إن كنت قريباً من مكة كما لو كنت في الشرائع مثلاً أو في جدة فربما يقال: إن هذا لا بأس به؛ لأن هذا قريب ولا يكلف، ولا يوجب أن الناس يقتدون بهذا، أما إذا كنت بعيداً فلا توصِ، ولا يلزم أولياءك أن يفوا بهذه الوصية.(127/7)
شركة كوكاكولا واستهتارها بالكعبة والمسلمين
السؤال
فضيلة الشيخ! وفقكم الله: ذكَرَت جريدة المسلمون الأسبوع الماضي، (21/ محرم/ 1417هـ) عن شركة (كوكاكولا) أنها وضعت مجسماً على شكل الكعبة، وكتبت عليه: شارون كاكولا، ثم جاء رجل من أفريقيا يسجد لهذا الشكل، فما تعليقكم على هذا؟
الجواب
والله! لابد أن ننظر في الأمر إن شاء الله، ويحصل الخير إن شاء الله.(127/8)
حكم استلاف المال بعملةٍ ورده بعملة أخرى
السؤال
إذا استلف إنسان من آخر مبلغاً من المال، ورده بعملة أخرى، أخذه بالريال السعودي -مثلاً- وذهب إلى الكويت، فرده بالدينار الكويتي! هل هذا جائز؟
الجواب
هذا وقع في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: كنا نبيع الإبل بالدراهم ونأخذ عنها الدنانير، ونبيع بالدنانير ونأخذ عنها الدراهم، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (لا بأس أن تأخذها بسعر يومك، ما لم تتفرقا وبينكما شيء) فإذا أخذت دراهم من نقد السعودية واستوفيته في الكويت بالدينار الكويتي فلا بأس، لكن بشرط أن تكون بقدر القيمة هناك، يعني فيما يساوي الريال السعودي وتعطي بالقيمة بدون زيادة ولا نقص.(127/9)
حكم من خرج للنزهة أو كان مسكنه بعيداً يبلغ مسافة القصر في السفر
السؤال
عفا الله عنك! بعض الموظفين يبعُد مقر عمله عن سكنه أكثر من مائة كيلو، وكذلك من يخرجون إلى النزهة فيذهبون إلى مسافة مائةٍ وخمسين كيلو ويرجعون من يومهم، هل لاختصار الزمن تأثير في عدم الترخص برخص السفر؟
الجواب
هذه المسألة من حدد المسافة بثلاثة وثمانين كيلو أو نحوها يقول: إن هؤلاء إذا ذهبوا ولو كان لعمل يرجعون منه في آخر اليوم فإنهم مسافرون، وهذا هو المشروع من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
وأما من قال: إنه يعود إلى العادة والعرف فمثل هذا لا يُعَد سفراً.
السائل: ما رأيك بالنسبة للمسافرين إذا ذهبوا للنزهة؟ الشيخ: إذا خرجت للنزهة مثلاً: بيوم ورجعت في نفس اليوم سفراً على القول بأن المرجع إلى العرف، اللهم إلا أن تبقى هناك يوماً أو يومين، فإن مثل هذا يُعدُّ سفراً؛ لأن السفر في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كما قُدِّر عند بعض العلماء مسافة يومين، ولأن الإنسان إذا نوى أن يقيم هناك يوماً أو يومين، يعني: يومين فأكثر فلابد أن يتأهب أُهْبَة السفر، فأنت إن أمكن أن تضبط هذا بالعرف فلا بأس، فهو أقرب للصواب، وإن لم يمكن كما لو اختلف العرف أو اضطرب، أو شككتَ فخذ بالمسافة، نعم.(127/10)
السنة في تشميت العاطس بعد الثلاث
السؤال
فضيلة الشيخ: هل يلزم تشميت العاطس على صفة واحدة ولو تكرر العطاس ثلاث مرات فأكثر؟
الجواب
إذا عطس ثلاث مرات وأنت تشمته في كل مرة فقل له بعد الثالثة: عافاك الله؛ لأن ذلك يكون زكاماً، فقل: عافاك الله، إنك مزكوم، وإنما تقول: عافاك الله وتقول: إنك مزكوم؛ لئلا يتوهم أنك دعوت له بأن يعافيه الله تعالى من معصية فَعَلَها أو ذنب فعله، فتقول: إنك مزكوم، تخبره أنك إنما سألت له العافية من أجل هذا فقط.(127/11)
حكم من مات وعليه صوم
السؤال
فضيلة الشيخ: امرأة صامت شهر رمضان وأفطرت ثلاثة أيام منه، وتوفيت في شهر ذي الحجة، ولم تقضِ هذه الأيام بسبب مرض السكر ماذا نفعل؟ الله يغفر لها ويرحمها، لو أطعمت عن كل يوم مسكيناً يكون طيباً، تطعم عن كل يوم مسكيناً مقدار صاع يكفي لثلاثة مساكين عن الأيام الثلاثة، صاعاً من الأرز.(127/12)
خطأ من قال: إن الكفر العملي لا يكون كفراً أكبر
السؤال
فضيلة الشيخ: سمعت من أحد العلماء قوله: إن الكفر اعتقادي وعملي، وأن العملي يكون كفراً أصغر فقط لا يدخل فيه الكفر الأكبر، سواءً ترك الصلاة أو فعل أي فعل آخر؟
الجواب
هذه قاعدة عند بعض العلماء أن الكفر لا يكون إلا عن اعتقاد، وأما كفر العمل فلا؛ لكن الصحيح خلاف ذلك، الصحيح أنه قد يكون الكفر عملياً كترك الصلاة مثلاً؛ لأن القرآن والسنة وأقوال الصحابة تدل على أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة مع اعتقاده للوجوب، هذا هو القول الراجح.
ولكن بهذه المناسبة أنا لا أود من إخواننا وشبابنا أن يكون أكبر همهم أن يبحثوا عن كفر الحكام أو غير الحكام؛ كأنهم لم يُخْلَقوا إلا للبحث عن هذا كافر أو غير كافر، عليهم أن يبحثوا في بيان حدود ما أنزل الله على رسوله، من العبادات وغير العبادات، أما مسألة أن يشغلوا أنفسهم بأن هذا كافر، أو غير كافر فهذا غلط، وإضاعة للوقت ولا فائدة فيه، حتى لو وصلوا في النهاية إلى كفر حاكم من الحكام فماذا يفعلون؟ لن يستطيعوا أن يعملوا شيئاً إلا الفتنة، وزوال الأمن، وحصول الشر الذي لا نهاية له، مع أنهم أيضاً ربما يكفرون الحاكم بأهوائهم لا بمقتضى الدليل، عندهم -مثلاً- عاطفة دينية أو غير دينية يقولون: هذا كافر، وليس من قال الكفر أو فعل الكفر؛ يكون كافراً، دلَّ على ذلك القرآن والسنة.
ففي القرآن: يقول الله عز وجل: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106] فرفع حكم الكفر عن المكره مع أنه يقول كلمة الكفر، ويفعل فعل الكفر.
وفي السنة: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن (رجل كان مسرفاً على نفسه فأوصى أهله إذا مات أن يُحْرِقوه ويذروه في اليم وقال: لئن قَدِرَ الله عليَّ لَيُعَذِّبَنِّي عذاباً لا يُعَذِّبُه أحداً، فلما فعلوا جمعه الله عز وجل وسأله لماذا فعلت؟ قال: يا رب! فعلت ذلك خوفاً منك) مع العلم بأنه في هذه الحال حين أوصى كان شاكاً في قدرة الله، يظن أن الله لا يقدر أن يعيده.
وكذلك أخبر أن: (الله يفرح بتوبة عبده المؤمن كفرح الرجل الذي أضاع ناقته وعليها طعامه وشرابه، فاضطجع تحت شجرة ينتظر الموت فإذا بالناقة، فأخذ بخطامها وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) وهذه الكلمة: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك) كلمة كفر لا شك فيها؛ لكن لما كانت خطأ من شدة الفرح عُفِي عنه.
فنصيحتي التي أدين الله بها، وأرجو لأبنائنا وشبابنا أن يعملوا بها: ألا يكون أكبر همهم وشغلهم هو هذا، أي: ما تقول في الحاكم الفلاني؟ والحاكم الفلاني كافر، وما أشبه ذلك؛ لأن هذا لا يغني شيئاً، ولنا مثل قريب فيما حصل في الجزائر مثلاً ما الذي حصل في الجزائر؟ حصل أن قُتِل خمسون ألفاً في ثلاث سنوات، بغير حق، سواءً من الحكومة تقتُل هؤلاء أو منهم يقتلون من هو معصوم الدم، كل هذا من الشر والبلاء.
فلذلك يجب أن يُعرِض الشباب وأهل الخير عن هذا إطلاقاً؛ لأنه لا يفيد أبداً وإنما يُحْدِث الشر والفتنة والفوضى، والحمد لله ما دمنا لا نستطيع أن نغير شيئاً حتى لو رأينا كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان، فما الفائدة؟! ثم علينا أن نفكر وننظر إلى كل البلاد التي حصلت فيها الثورة ما ازدادت بعد الثورة إلا شراً في دينها ودنياها.
السائل: ما حكم تارك الصلاة يا شيخ؟ الشيخ: تارك الصلاة عندي لا شك فيه أنه كافرٌ كفراً مخرجاً عن الملة، حتى لو قال: أنا أشهد أنها فرض، وأنها ركن من أركان الإسلام؛ لكنه لا يصليْ فهذا كافر.(127/13)
حكم اللقطة التي تسقط في الطريق من سيارات التجار
السؤال
فضيلة الشيخ: ما يسقط من سيارات التجار البائعين ويوجد على الطرق إذا وجده الإنسان هل يعتبر لقطة ينشد عليه سنة كاملة، أو يأخذه وينتفع به، أو يتركه؟
الجواب
هذا يقع كثيراً، يسقط من السيارات، كرتون أوانٍ، أو كرتون فاكهة، أو ما أشبه ذلك فإذا وجده الإنسان فهو لقطة؛ لأنه مال ضائع عن ربه، وهذه هي اللقطة، فإن كان يعلم من نفسه أنه قادر على أن ينشده فليأخذه وينشده، وإذا كان فواكه لا يمكن أن تبقى لمدة سنة يبيعها بعد أن يعرف أوصافها ويحتفظ بثمنها إذا جاء صاحبها وإلا فهي له، وإن كان لا يثق من نفسه ويعرف أنه غير قادر على أن يبقى ينشدها سنة كاملة فليتركها.(127/14)
جواز قتل النمل إذا كان مؤذياً
السؤال
فضيلة الشيخ: عندنا في البيت نمل صغير يؤذينا، ما رأيك فيها؟
الجواب
أقول: النمل وغير النمل إذا آذى ولم يندفع إلا بقتله فليُقتل، أما إذا لم يكن منه أذية، لا إفساد البناء، ولا إفساد الطعام، ولا تنكيد النوم على الصبيان أو على الإنسان فليتركه؛ لكن إذا حصل منه أذية ولم يندفع إلا بالقتل، فله ذلك، ويقتل بسُمِّ (كالفليت) أو غيره.(127/15)
حكم الرسوم المتحركة التي تسمى بالرسوم الإسلامية
السؤال
فضيلة الشيخ: ظهر الآن في بعض التسجيلات الإسلامية رسوم متحركة يقولون: إنها إسلامية يعني: ظهر منها مثلاً فتح القسطنطينية أو رحلة السلام، وأخيراً ظهر غلام نجران الذي ذكر في سورة البروج، أو في الحديث الذي في صحيح مسلم، وهذه الرسوم المتحركة يجعلونها بديلاً عن الرسوم المتحركة الفاسدة، ما هو الحكم في ذلك يا شيخ؟!
الجواب
والله! أنا أرى أنها إن شاء الله ما فيها بأس؛ لأن الواقع أنك كما تفضلتَ أنها تحمي الصبيان عن الأشياء المحرمة، فأقل ما فيها إذا كان ولابد أن نقول بالتشديد أنها أسهل من الرسوم الأخرى التي يسمونها أفلام الكرتون، يعني: تلك كما سمعنا فيها التشكيك في العقيدة، وتمثيل -والعياذ بالله- للرب عز وجل عند إنزال المطر وما أشبه ذلك، فعلى كل حال لا أرى فيها بأساً.
السائل: من حيث كونها مرسومة باليد -يا شيخ- أما تأخذ حكم التصوير؟ الشيخ: الكلام على الذي رسمها إن كان هناك شيء من الإثم فعليه هو، أما نحن فنشاهد شيئاً مكتوباً منتهياً، ثم إن الظاهر أنها لا ترسم على صفة إنسان.
-على صورة إنسان! إنسان عادي؟ -إنسان عادي، ولِحَى، وعمائم، وكل شيء.
-يبقى للنظر، لا ينسبون إلى أحد من قواد هذه الفتوحات ما لم يقله، هذه هي المشكلة، فأرى أنه إذا كانت ليس فيها إلا الخير ما فيها شيء إن شاء الله.
وإذا كانت مصحوبة بموسيقى فهذا لا يجوز؛ لأن الموسيقى من المعازف المحرمة.(127/16)
حكم رقص المرأة بين النساء
السؤال
حكم رقص المرأة بين النساء؟
الجواب
كنا لا نشدد فيه ونقول: هذه ألعاب في مناسبة الزواج ولا بأس بها، لكن سمعنا أنه يحصل فيها فتنة وأن بعض النساء أو بعض الفتيات الشابات لا سيما إذا كانت جميلة تهيج النساء الأخريات، حتى قيل لي: إنه أحياناً تقوم المرأة من الحاضرات تَضُمُّ المرأة التي ترقص، ويحصل بذلك إثارة شهوة، فرأيت أن يمنع الرقص.
أما رقص البنات الصغار بين الفتيات هذا قد يقال: إنه لا بأس به؛ لأنه يُرَخَّص للصغار في مثل هذا ما لا يُرَخَّص للكبار.(127/17)
المراد من الجمع بين الصلاتين من غير خوف ولا مطر
السؤال
فضيلة الشيخ! متى كان قول ابن عباس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع من غير خوف ولا سفر) ؟ وهل نعمل بهذا الحديث أم لا؟
الجواب
كان هذا في المدينة، والحديث روي على ما ذكرت: (من غير خوف ولا سفر) ورُوِي: (من غير خوف ولا مطر) وهذا أَسَدُّ من اللفظ الأول؛ لأن قوله: (في المدينة) يغني عن قوله: (من غير سفر) ؛ لكن ابن عباس رضي الله عنهما سُئل: [ما أراد بذلك -يعني: لماذا الرسول جمع؟ - قال: أراد أن لا يُحَرِّج أمته] فدل هذا على أن الجمع إنما يجوز إذا كان في تركه حرج ومشقة، وأما إذا لم يكن هناك حرج ومشقة فلا يجوز الجمع؛ لأن الله قال في القرآن الكريم: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103] ، والنبي صلى الله عليه وسلم وقَّت الصلوات الخمس، وجعل لكل صلاة وقتاً محدداً بأوله وآخره؛ لكن إذا كان الإنسان يلحقه حرج، كمريض يلحقه الحرج، أو من به سلس البول، أو المستحاضة، أو الإنسان الذي أصابه نومٌ شديد جداً لا يستطيع مدافعته، ويريد أن يجمع العشاء مثلاً إلى المغرب لأجل أن ينام، أو غير ذلك من الأمور التي ذكرها الفقهاء رحمهم الله، فإنه لا بأس بذلك.
المهم أن يكون هناك حرج ومشقة، ومن ذلك الجمع لإدراك الجماعة، فلو فُرِض أن جماعة يعرفون أنهم إذا وصلوا البلد تفرقوا ولم يصلوا جماعة، وأرادوا أن يجمعوا قبل التفرق فلا بأس، والدليل على هذا: أن الجمع في المطر في البلد المقصود اجتماع الجماعة وإلا لكان كل إنسان يذهب إلى أهله، وإذا دخل وقت العشاء صلى في بيته؛ لأنه معذور بواسطة المطر، فالمقصود ألا يحرِّج الأمة، لا أن يبقي الباب مفتوحاً من شاء جمع ومن شاء لم يجمع، فالجمع مربوط بالمشقة والحرج.(127/18)
حكم مقولة: (سوف آخذك أخذ عزيز مقتدر)
السؤال
هذا سائل يقول: كنت جالساً في مجلس، ثم قام رجل فقال لزميله: سوف آخذك أخذ عزيز مقتدر، ما حكم هذا التلفظ بهذا الكلام شرعاً؟ وهل هناك فرق حينما أقول: سوف آخذك أخذ عزيز مقتدر، أو بأخذ عزيز مقتدر أرجو التوضيح؟
الجواب
هذا لا يجوز من حيث اللغة والشرع؛ لأن (أخذ عزيز مقتدر) الوصف هذا لا يكون إلا لله عز وجل، هو العزيز المقتدر، أما الآدمي فهو ذليل وعاجز كيف يصف نفسه بهذا؟! ثم إن هذا القول لا يصدر إلا من شخص مملوء قلبه بالكبرياء والتسلط والعياذ بالله والتسلط، فالواجب على هذا الذي قالها أن يتوب إلى الله، وألا يعود لمثلها، وأن يعلم أنه ما من يد إلا يد الله فوقها.(127/19)
حكم الصلاة خلف إمام يخل بالأركان
السؤال
فضيلة الشيخ: إمامٌ كبيرٌ في السن يكبِّر للسجود قبل أن يصل إلى الأرض، وكذلك يقرأ الفاتحة قبل أن يقيم صلبه، يعني: وهو قائم، وقد نصح لكن عاد مرة ثانية إلى حالته الأولى، فما حكم صلاتنا خلفه؟
الجواب
أما إذا كان يشرع في الفاتحة قبل أن يستتم قائماً فإن صلاته لا تصح، ولا تصلوا خلفه، وعليكم أن تبلغوا بذلك الجهات المسئولة، حتى يعدِّلوه أو يبدِّلوه.
وأما تكبيره للسجود قبل أن يَصِل إلى السجود أو يقارب السجود فهذا بالنسبة له لا يُخِل بصلاته؛ لكن بالنسبة للمأمومين ربما يستعجل بعضهم إذا سمع التكبير فيَصِل إلى الأرض قبل أن يصل هذا الإمام، فهذا الذي يُحْذَر منه، أما الأول فهو المحذور العظيم؛ لأنه لا يجوز للإنسان القادر على القيام أن يشرع في قراءة الفاتحة إلا إذا استتم قائماً.
فأنتم بارك الله فيكم بين أمرين: إما أن تدخلوا المسجد وتصلوا خلف إنسان يتم الأركان.
وإما أن تبلغوا الجهات المسئولة وتقولوا: ائتوا وصلوا خلفه، وانظروا ماذا يفعل.
وإذا كان مأموماً فكل إنسان يقدر أن يقوم لا يمكن أن يقرأ الفاتحة حتى يستتم قائماً.(127/20)
وجوب إعادة الهدي إذا ذبح خارج الحرم
السؤال
قال لنا أحد الإخوة ونحن في الحج: إنه ليس في منى غنمٌ جيد يجزئ في الحج، فذهبنا شمال شرق مكة وذبحنا هناك، هل يجوز الذبح هناك أم لابد أن يكون الذبح في منى؟ وهل فيه شيء وجزاك الله خيراً؟
الجواب
إذا كان هذا داخل حدود الحرم فلا بأس؛ لأن جميع الحرم محل للذبح، وأما إذا كان خارجاً فغير صحيح، لابد أن تعيدوها الآن، ويكون ذاك تطوعاً، وتعيدوا الآن بدله؛ لأنه يشترط هدي التمتع والقران أن يكون في مكة يعني: في الحرم، في مكة، أو في منى، أو في مزدلفة.(127/21)
حكم التطيب بعد لبس الإحرام وعقد النية في الميقات
السؤال
بعدما لبستُ ملابس الإحرام وعقدت النية وأنا في الميقات جاء أحد الإخوان وناولني المسك وطيبَّنا، فقلت له: قد لبست الإحرام وعقدت النية فقال: مازلنا في الميقات هل في ذلك بأس، وكان بعد لبس الإحرام بساعة أو ساعتين تقريباً؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
لا بأس أن يتطيب الإنسان بعد لبس الإحرام إذا كان لم يعقد النية، أما إذا عقد النية فإنه لا يتطيب.
والعبرة في النية إذا كنتَ نويتَ الدخول في النسك لا تتطيب، أما في مسألتك هذه فليس عليك شيء؛ لأن الله يقول: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] وأنت لم تتعمد أن تأخذ الطيب، وظننتَ أن هذا جائز، فلا شيء عليك؛ لكن في المستقبل متى نويتَ فلا تتطيب، حتى ولو أنك في الميقات.(127/22)
قاعدة في نقد الرجال والرد على أخطائهم
السؤال
أخذنا معكم في الدرس: أن الإنسان إذا رد على خطأ إنسان آخر لا يلزمه أن يذكر مع أخطائه محاسنه؛ لأن ذلك يضعف جانب الرد؛ بل يغتر بذلك من يسمع هذه المحاسن فيُعجب ويغتر بهذا المخطئ، فهل يقال كذلك أنه ينبغي ألا يُسمع لهذا المخطئ في كل أقواله وكلامه؛ حتى في التي لم يخطئ فيها، بل أصاب، وذلك لكي لا يُعجب به الغير، ويكون ذلك مدعاة لأخذهم أخطاءه؛ وتبنيهم إياها، وهذا في طبيعة الحال في الذي أخطاؤه كبيرة كأخطاء في العقيدة، ومنهج الدعوة إلى الله، وفي الأمور التي تترتب عليها الفتن وإراقة الدماء وانتقاص العلماء مثلاً؟
الجواب
ذكرنا ما قاله الأخ في الدرس، قلنا: إن الإنسان إذا كان يريد أن يقوِّم الشخص من حيث هو، فالواجب أن يذكر المحاسن والمساوئ؛ لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] ولهذا كان العلماء عندما يتكلمون عن حياة الرجل، يذكرون محاسنه، ومثالبه.
أما إذا كنتَ في معرِض الرد عليه فلا تذكر مَحاسنه؛ لِمَا ذكرنا -فيما سَمعتم في السؤال- أنك إذا ذكرت المَحاسن ضعُف جانب الرد عليه، وربما يُعجب الإنسان بما عنده من المحاسن ويترك الأخطاء جانباً، هذا هو الطريق في ذكر محاسن الناس ومساوئهم.
ولكن إذا تحدثتَ عنه في أي مجلس من المجالس فإن رأيتَ في ذكر محاسنه فائدة فلا بأس أن تذكرها، وإن خفتَ من مضرة فلا تذكرها؛ لأنه ليس بواجب علينا أن نعرف أن هذا الشخص معه حق أو باطل.
أما ما يقوله من الحق بقطع النظر عن إضافته إليه فيجب قبوله؛ لماذا؟ لأن الحق يجب أن يُقبَل من أي أحد تكلم به، فالله عز وجل قَبِل قول المشركين لما قالوا حين يفعلون الفاحشة: {وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف:28] قَبِل قولهم: {وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} [الأعراف:28] ؛ لأنه حق، فقال الله تعالى في جوابهم: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف:28] ، وسكت عن قولهم: {وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} [الأعراف:28] .
والنبي عليه الصلاة والسلام لما أخبره أبو هريرة بما أوصاه به الشيطان أن يقرأ آية الكرسي كل ليلة؛ ولا يزال عليه من الله حافظ؛ ولا يقربه شيطان حتى يصبح قال النبي عليه الصلاة والسلام: (صَدَقَكَ وهو كَذُوب) .
ولما حدَّث حبر اليهود أنهم وجدوا في التوراة: أن الله يضع السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع ضحك النبي عليه الصلاة والسلام مقرراً هذا القول ومصدقاً له.
فالمهم أن الحق يجب قبوله من أي شخص؛ لكن إذا خفتَ أن تنسب هذا إلى قائله وهو رجلُ بِدْعَةٍ وخِفْتَ أن يَغْتَرَّ الناس به ويُعجَبوا به فلا تفعل؛ لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح.(127/23)
حكم القراءة للمريض وإهداء ثوابها وأخذ الأجرة عليها
السؤال
فضيلة الشيخ: هل يجوز قراءة القرآن لمريض لوجه الله تعالى تقول: اللهم اجعل ثوابه لفلان، أو القراءة له بأجرة؟
الجواب
هذا ينبني على إهداء القرَّاء، هل يجوز أم لا، والمسألة فيها خلاف، والذي ينبغي للإنسان ألا يهدي حسناته لأحد كائناً من كان، بل يجعل حسناته لنفسه ويدعو لإخوانه الذين يستحقون الدعاء.
ولا أستطيع أن أقول: لعلك تريد القراءة على المريض ليُشْفَى لأنك تقول: لا أريد هذا.
وأما الأجرة إذا كان الإنسان يريد أن يقرأ على مريض وقال للمريض: أنا أقرأ بكذا وكذا على الشفاء والبرء؛ فهذا لا بأس به؛ لأن الصحابة الذين نزلوا ضيوفاً على قوم من العرب ولم يضيفوهم سلط الله على رئيسهم عقرباً شديدة اللسع، لدغته العقرب، فطلبوا من يقرأ، وجاءوا إلى الصحابة فقال الصحابة: لا نقرأ إلا بكذا وكذا، وذكروا من الغنم، فأعطوهم إياها، فقام أحد الصحابة على هذا اللديغ، وجعل يقرأ عليه سورة الفاتحة، فقام كأنَّما نُشِط من عقال، فلما وصلوا إلى المدينة وأخبروا النبي عليه الصلاة والسلام بذلك، وكأنهم رضي الله عنهم شكَّوا في جواز هذا العوض، قال: (خذوا واضربوا لي معكم بسهم) قال عليه الصلاة والسلام، هذا تطييباً لقلوبهم وإلا فليس بحاجة إلى أن يسألهم أن يعطوه؛ لكن تطييباً للقلب، وهذا نأخذ منه قاعدة مفيدة وهي: أن صاحبك الذي تخاطبه إذا كان لا يقتنع أو لا تطيب نفسه إلا بفعلك ما قلتَ له فافعل؛ فإن هذا من الخير.(127/24)
معنى التوسل في حديث الأعمى الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال
فضيلة الشيخ! ذكرنا في حديث توسُّل الأعمى أنه حديث مُتَكَلَّمٌ فيه، وهو (اللهم إني أتوجه إليك.
) ؛ لأن بعض العلماء صحح هذا الحديث فنريد الجواب عن قوله حينما علم الأعمى الدعاء في بعض الحديث قال: (يا محمد! إني أتوجه بك إلى ربك) وفي نهاية الحديث ذكر الراوي قال: (فدخل علينا الرجل كأن لم يكن به شيء) فهذا يفيد أن الرجل كان في الخارج، أو لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك دعاه، فقال: (يا محمد) ، ما الجواب عن ذلك؟
الجواب
الجواب على هذا أنه كما ذكر شيخ الإسلام في التوسل والوسيلة وارجع إلى كلامه في هذا الكتاب، أن قوله: (أتوسل إليك بنبيك) له معنيان: المعنى الأول: أتوسل إليك بالإيمان بنبيك.
والمعنى الثاني: أتوسل إليك بنبيك، إي: بدعائه، وأنه طلب من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يدعو له، وهذا هو المتعيِّن؛ لأجل أن نوافق الأدلة الأخرى.
السائل: هو قال: (يا محمد) ؟! الشيخ: يا محمد، بِمَعْنَىً وهو موجود، راجع الكتاب الذي قلتُ لك، التوسل والوسيلة، حتى يتبين لك الأمر.(127/25)
حكم قتل الصيد في رأسه بعد إمساكه حياً
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل جرح صيداً وأمسكه حياً ولم تكن معه شفرة، فصوب البندقية على رأس الصيد وقتله، هل يحل مثل هذا الشيء؟
الجواب
هذا لا يحل لكن لو أنه صوبها على محل الذبح، لكانت حلالاً؛ ولذلك لو فرضنا أن إنساناً معه شاة، وانكسرت أو جُرِحَت وخاف أن تموت، وليس معه سكين، ومعه بندقية، فإنه يصوبها على أوداجها، فإذا أَنْهَرَ الدمَ حلَّت.(127/26)
حكم القراءة على الحشرات في البيوت
السؤال
سمعت منكم أن بعض السلف كانوا يقرءون على الحشرات التي تؤذيهم في البيوت فتذهب، وفعلاً في شقتنا كانت هناك وزغة آذاتنا لمدة ستة شهور كانت دائماً تصيح، ثم جلستُ أقرأ القرآن، وتذكرت قولك، فقرأتُ القرآن وفكرتُ في نفسي الآن، وكنت شاكاً، والآن لمدة أسبوعين ما سمعتُ هذه الوزغة، هل عليَّ شيء؟
الجواب
ليس عليك شيء؛ لكن لو تخبر الأخ موسى بالآيات التي قرأتَ لأجل أن ينتفع بها، أو لعل الوزغة التي ذكرتَ يسر الله لها من يقتلها، على كل حال كفاك الله شرها، والحمد لله.(127/27)
حكم الرد على المخالف في المسائل الاجتهادية
السؤال
بعض الناس يقول: إنه لا يرد على كل واحد؛ لأنه لو رُدَّ على هذا وعلى هذا فمن يبقى للمسلمين ينصحهم؟! فهل هذا صحيح؟
الجواب
المسائل الاجتهادية لا يرد الناس بعضهم على بعض، المسائل الاجتهادية مثل شخص يقول: إن الإبل لحمها ينقض الوضوء، والثاني لا يرى هذا، لا يرد عليه، أما أن يكون مبتدعاً يدعو إلى بدعة فلابد أن يُرَدَّ عليه؛ لأن البدع ليس فيها محل للاجتهاد، لأن السلف كلهم مجمعون على نبذ البدع، هذه ما فيها محاباة؛ لكن كونها مسائل فقهية -مثلاً- يختلف الناس فيها وهي محل للاجتهاد لا يمكن أن نقول: كل من خالفك باجتهادك ارْدُد عليه، وكما قلتُ: لو فتحنا هذا الباب أصبحت الدنيا كلها راد ومردود عليه.(127/28)
جواز الجمع والقصر قبل الوصول إلى البلد بقليل
السؤال
يا شيخ! أحسن الله إليك! بالنسبة للقادم من السفر ووصل البلد وأدرك المغرب -مثلاً- قبل وصوله إلى البلد بثلاثين كيلو، فهل يجمع في هذه الحالة خشية أن إذا وصل البلد يكون مرهقاً ولا يستطيع أن يصلي مع الجماعة؟
الجواب
نعم؛ يعني: إذا أقبل المسافر على بلده، ولم يبقَ عليه إلا قليل، وقد حان وقت صلاة المغرب، فهل يجوز أن يجمع إليها العشاء؟ نقول: نعم؛ ما دام لم يدخل البلد فهو مسافر، وله أن يقصر ويجمع.(127/29)
حال حديث: (إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق)
السؤال
ما صحة حديث: (إن أبغض الحلال عند الله الطلاق) ؟
الجواب
نعم، هذا الحديث: (أبغض الحلال عند الله الطلاق) ضعيف؛ لكن لا شك أن الإنسان لا ينبغي له أن يطلق، وأن الأصل في الطلاق أنه مكروه؛ لأن الله تعالى حثنا على إمساك الزوجة ولو كرهناها، فقال: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19] ، والنبي عليه الصلاة والسلام أمر بالإمساك، وإن كان على عوج، قال: (إن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها) .(127/30)
حكم قتل من كَذَّبَ الرسول صلى الله عليه وسلم
السؤال
فضيلة الشيخ: شخص في المجلس يخطب ويقول: قال الله تعالى كذا قال رسوله صلى الله عليه وسلم كذا.
ثم في المجلس أحد المبتدعة قال: هذا كذاب، ثم كذَّب الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا أخذ سكيناً وطعنه، هل عليه إثم؟
الجواب
الأولى أن يتحاكم أولياء المقتول والقاتل إلى القاضي.
السائل: أخطأ على الرسول! الشيخ: أقول: ليس للإنسان أن يفتئت على ولي الأمر ويقتل كل شخص.
السائل: هو كذَّب الرسول! الشيخ: لكن طيب كذَّب الرسول، يُرْفَع إلى الجهات المسئولة.
السائل: الجهات المسئولة أحياناً لا يبالوا! الشيخ: ما أرى أنه يُقْتَل أبداً، يخوف بالله، ويقال له: عليك أن تتوب؛ لأنه حتى لو قتله الآن ألا يكون في هذا فتنة، يأتي أولياؤه ويقتلون هذا الرجل.
السائل: هو كذَّب الرسول صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: لا، لا، ولو قال، أنت في عصر الفتن، ولا يقبل قولك: إن الرجل كذَّب الرسول، ثم لاحظ أن بعض الناس يكون عنده غضب شديد، وربما ينطق بهذه الكلمة من شدة الغضب لا يملك نفسه.
السائل: هل عليه إثم، أم لا؟ الشيخ: على القاتل؟ على الثاني.
الشيخ: قُتل الآن! السائل: لا، ما قُتِل، القاتل.
الشيخ: أنتَ تقول: هل عليه إثم؟ أسألك أقول لك: القاتل؟ تقول: لا! السائل: القائل، القائل.
الشيخ: ما ندري، هذا يرجع إلى هذا القائل، هل إنه قاله بانفعال وغضب شديد لم يملك نفسه فعليه إثم.(127/31)
حكم اختلاف المطالع في هلال ذي القعدة
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا اختلفت مطالع الهلال بين المملكة العربية السعودية وبلد آخر مثل: الأردن، فمثلاً في شهر ذي القعدة لم يُرَ الهلال في المملكة العربية السعودية فأتموا ثلاثين يوماً، وفي الأردن مثلاً تسعة وعشرين يوماً، فمتى يصوم أهل الأردن يوم عرفة، خصوصاً إذا وافق يوم العيد؟
الجواب
نعم، من المعلوم أن المسلمين فيما أعلم بالنسبة لعيد الأضحى يتفقون، ما أظن -مثلاً- أن الأردن يضحون في اليوم التاسع في المملكة، في رمضان صحيح يختلفون؛ لكن في الأضحى ما أظن أنهم يختلفون.
السائل: أكثرهم يوافقون.
الشيخ: ما أدري، اسأل الآن: هل الأردنيون ذبحوا ضحاياهم يوم (9) بالنسبة للمملكة؟! السائل: لا، هم يشترطون أنهم يوافقون المملكة.
الشيخ: مسألة الشرط هذا شيء آخر؛ لكن أنا أتكلم عن الواقع، أن الناس في عيد الأضحى لا يختلفون أبداً، تجد يوم التاسع هنا هو يوم التاسع في كل البلاد الإسلامية.
إلى هنا ينتهي هذا اللقاء.
ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم، ويتقبل منا ومنكم.(127/32)
لقاء الباب المفتوح [128]
بدأ الشيخ لقاءه بتفسير آخر آيات سورة الحجرات من قوله تعالى: (يمنون عليك أن أسلموا.
) فذكر أن الله بين أن المن له وحده وليس لهم.
ثم بينت الآية الأخيرة أن الله محيط بالأمر عليم بكل شيء فلابد للإنسان من مراقبة الله وحفظ أوامره واجتناب نواهيه فهو بصير بجميع الأعمال.(128/1)
تفسير آخر سورة الحجرات
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا نبتدئ هذا اللقاء لقاء يوم الخميس، الرابع من شهر صفر عام (1417هـ) ، في جملة لقاءات الباب المفتوح، وذلك ضمن برنامج مستمر -ولله الحمد- نسأل الله تعالى أن يجعل فيه الخير والبركة، وهذه هي الحلقة الثامنة والعشرون بعد المائة، بل هذا هو اللقاء الثامن والعشرون بعد المائة، ونفتتحه بالكلام على ما تيسر، أو بما تيسر من الكلام على تفسير قول الله لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17] :(128/2)
تفسير قوله تعالى: (يمنون عليك أن أسلموا)
في هذه الآية تكررت (أَنْ) مرتين، {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ.
} [الحجرات:17] تكررت مرتين، وهي على تقدير الباء، أي: يمنون عليك -يا محمد- بإسلامهم، هذا هو التقدير، وحذف الجار مع (أَنَّ) و (أَنْ) مُطَّرِدٌ، كما قاله ابن مالك رحمه الله في الألفية، في الخلاصة يقول رحمه الله: إن حذف الجار مع (أَنَّ) و (أَنْ) يَطَّرِد مع أَمْنِ اللبس.
{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} : أي: بأن أسلموا، أي: بإسلامهم، ويعني بذلك: قوماً أسلموا بدون قتال، فجعلوا يَمُنُّون على الرسول عليه الصلاة والسلام، يذكرون الفضائل ويقولون: إننا نحن آمنا بك ولم نقاتلك، كما قاتلك الناس، مع أن المصلحة لِمَنْ؟ المصلحة لهم، ولهذا قال الله تعالى: {بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ} .
وقوله: {بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ} هذا إضرابٌ لإبطال ما سبق، أي: ليس لكم مِنَّةٌ على الرسول عليه الصلاة والسلام بإسلامكم، بل المنة لله عز وجل عليكم أن هداكم للإيمان، ولا شك أن هذا أعظم مِنَّة؛ أن يمن الله تعالى على العبد بالهداية للإيمان، مع أن الله أضل كثيراً من الأمة عنه، فإن بني آدم منهم تسعمائة وتسعة وتسعون كلهم في النار، وواحد من الألف في الجنة، فمن وُفِّق لأن يكون من أهل الجنة؛ فذلك مِنَّة من الله عليه عظيمة، ولهذا (كان الأنصار رضي الله عنهم؛ حينما جَمَعهم النبي صلى الله عليه وسلم -يوم قَسَّم غنائم حنين - كلما ذكر لهم شيئاً قالوا: الله ورسوله أمَنُّ، قال: ألَمْ أجِدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ قالوا: الله ورسوله أَمَنُّ، قال: ألَمْ أجِدكم متفرقين فجمعكم الله بي؟ قالوا: الله ورسوله أَمَنُّ) ، كلما ذكر شيئاً قالوا: الله ورسوله أَمَنُّ، فالمِنَّة لله علينا، على كل من هداه الله، وأنعم الله عليه بنعمة، فالمِنَّة لله عز وجل عليه.
وقوله: {إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17] : أي: إن كنتم من ذوي الصدق، القائلين به؛ فاعرفوا أن المِنَّة لله عليكم.
{بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} .(128/3)
تفسير قوله تعالى: (إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون)
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السماوات وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحجرات:18] :- أخبر الله بهذه الآية أنه يعلم كل ما غاب في السماوات والأرض، وما ظهر فهو من باب أولى.
وأخبر عز وجل أن من جملة ما يعلمه: عمل بني آدم، ولهذا قال: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ، وهذه الآية تفيد مسألةً عظيمةً في سلوك الإنسان وعمله، وهي: أن يعلم بأن الله تعالى بصير بعمله محيط به، فيخشى الله ويتقيه.
نسأل الله تعالى أن يَمُنَّ علينا وعليكم بالهداية والتوفيق.
ويا حبَّذا لو أن أحدكم تكلم على هذه السورة، واستنبط ما فيها من الآداب العظيمة، وجمعها، حتى تكون مرجعاً له عند الحاجة، ولقد رأيت بعض الناس ألَّف تأليفاً مستقلاً فيما يُستَنْبَط من هذه الآيات الكريمة من الآداب والأخلاق، وهي جديرةٌ بذلك.
نسأل الله أن يَمُنَّ علينا وعليكم بالأخلاق الفاضلة، والآداب العالية، إنه على كل شيءٍ قديرٌ.(128/4)
الأسئلة(128/5)
تقسيم أوامر ولاة الأمر من حيث الطاعة وعدمها
السؤال
فضيلة الشيخ! هل أوامر ولاة الأمور كلها للوجوب؟ أم أن منها ما هو للوجوب ومنها ما هو للاستحباب؟ وكيف يمكن معرفة ذلك؟ أثابكم الله تعالى؟
الجواب
أوامر ولاة الأمر تنقسم إلى أقسامٍ: القسم الأول: ما لا يجوز طاعته:- وذلك فيما إذا أمره بِمعصية الله، مثل: أن يأمره بِحلق اللحية، أو يأمره بأشياء منكَرةٍ، فهذا لا يَجوز طاعتهم فيه؛ لأن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] فعطف طاعة أولي الأمر على طاعة الله ورسوله؛ بدون إعادة العامل، مِمَّا يدل على أن طاعة أولِي الأمر على سبيل التبع؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّما الطاعة في المعروف) أي: فيما ليس بمنكر، ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث رجلاً على سرية، وأمرهم بطاعته، وفي يوم من الأيام أغضبوه، فأمرهم أن يَجمعوا حطباً، فجمعوا حطباً، ثُمَّ أمرهم أن يشعلوا فيه النار، فأشعلوا فيه النار، ثُمَّ أمرهم أن يلقوا أنفسهم فيها، فتوقفوا، وقالوا: إننا لم نتبع الرسول صلى الله عليه وسلم إلا خوفاً من النار! وأبوا أن يدخلوا النار، فلما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبروه، قال: (إنَّهم لو دخلوها، ما خرجوا منها، إنَّما الطاعة في المعروف) هذا واحد.
القسم الثاني: أن يأمر بما أمر الله به ورسوله: أن يأمر ولي الأمر بما أمر الله به ورسوله من العبادات، فهذا إن كان واجباً مثل: أن يأمر بصلاة الجماعة، ويتفقد الناس عليها، فطاعته هنا واجبة، واجبة من وجهين: الوجه الأول: أنها واجبة في الشرع بدون أمر ولي الأمر.
والثاني: أنها تزداد تأكيداً إذا أمر بها ولي الأمر.
القسم الثالث: أن يأمر بعبادة غير واجبة؛ لكنها مشروعة:- مثل أن يأمر الناس بالصيام، يقول: أيها الناس! صوموا غداً، فإننا سوف نخرج إلى الاستسقاء نستسقي، ودعاء الصائم مستجاب، فصوموا غداً، فهنا لا تلزم طاعتهم؛ لأن هذا عبادة بين العبد وبين ربه فلا تلزم طاعتهم.
القسم الرابع: أن يأمر بما فيه حفظ الأمن وصلاح المجتمع:- فهذا تجب طاعته فيه، وإن لم يأمر الله به ورسوله، ما لم يكن معصية، كالأوامر الآن؛ في النظم التي تقرَّر وهي لا تخالف الشرع، فإن طاعة ولي الأمر فيها واجبة، ومَن عصى وخالف فهو آثم.
هذا ما يحضرني الآن من أقسام طاعة ولاة الأمور.
ولكن هنا مسألةٌ وهي: أن بعض الناس لغيرته على دين الله عز وجل إذا رأى هذه المنكرات، وأن هذه المنكرات متفشية في الناس، مما يُوجَد في الصحف، أو يُسمَع في بعض الإذاعات، أو يُشاهَد عن طريق (الدشوش) -مثلاً- ويَغار على هذا، ويَرى أن الحكومة مقصِّرة في هذا الشيء، ثم يذهب يشيع مساوئ الحكومة بين الناس ويوغِر الصدور عليها، ويلزم من عمله هذا أن يكره الناس ولاة أمورهم.
والحقيقة: أن هذه جادةٌ خاطئةٌ جداً، ومخالِفةٌ للشرع، وخطيرةٌ على المجتمع، وسببٌ للفتن، ولو أنه سعى في إصلاح المجتمع نفسه، لكان خيراً له، فمثلاً: ما يُبَث في الإعلام من مقروءٍ ومسموعٍ ومنظورٍ، يُحذِّر الناس منه، يقول: احذروا -مثلاً- من هذه المجلات! احذروا من مشاهدة الأشياء الضارة في الدين، وفي الدنيا! احذروا من كذا! احذروا من كذا! احذروا من الربا مثلاً! احذروا من الرشوة! لَكانَ خيراً له، والمجتمع إذا صلح فإن ولاة الأمور جزءٌ من المجتمع، لابد أن يصلحوا، إما اختياراً وإما اضطراراً، أما أن يصبَّ جام غيرته على ولاة الأمور، من أجل أن يوغر صدور الناس عليهم، فيحصل بذلك الشر والفساد؛ فهذا لا شك أنه خلاف الصواب، وحَيْدَةٌ عن الجادة السليمة، ولا يخفى عليكم جميعاً ما حصل من الفتن العظيمة في زمن علي بن أبي طالب، بل في زمن عثمان رضي الله عنه، فما حصل من الشر والفساد، واستحلال النفوس والأموال؛ بسبب هذا؛ لأن مستعظم النار من مستصغر الشرر.
فلذلك نحن نرى أن مثل هذا المسلك مسلك خاطئ ومحرم ولا يجوز.
إذا كان في الإنسان غيرةٌ حقيقة فليوجه الشعب إلى الخير، والعَجَب أن بعض الناس تجده يصب جام غيرته على ولاة أموره، وهو يجد في شعبه من يشرك بالله عز وجل، ولا يتكلم! والشرك أعظم مما حصل من المعاصي من ولاة الأمور، أو يذهب يحاول أن ينزل الآيات على ما يهواه هو من المعاني.
يقول مثلاً: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] ثم يقول: كل نظام أو كل قانون يخالف الشرع فهو كفر، وهذا أيضاً من الخطأ.
وإذا فرضنا -على التقدير البعيد- أن ولي الأمر كافر، فهل يعني ذلك أن نوغر صدور الناس عليه حتى يحصل التمرد، والفوضى، والقتال؟! لا، هذا غلط، ولا شك في ذلك، فالمصلحة التي يريدها هذا لا يمكن أن تحصل بهذا الطريق، بل يحصل بذلك مفاسد عظيمة؛ لأنه -مثلاً- إذا قام طائفةٌ من الناس على ولي الأمر في البلاد، وعند ولي الأمر من القوة والسلطة ما ليس عند هؤلاء، ما الذي يكون؟ هل تغلبُ هذه الفئةُ القليلة؟ لا تغلب، بل بالعكس، يحصل الشر والفوضى والفساد، ولا تستقيم الأمور.
والإنسان يجب أن ينظر: أولاً: بعين الشرع، ولا ينظر أيضاً إلى الشرع بعين عوراء؛ إلى النصوص من جهة دون الجهة الأخرى، بل يجمع بين النصوص.
ثانياً: ينظر أيضاً بعين العقل والحكمة، ما الذي يترتب على هذا الشيء؟ لذلك نحن نرى أن مثل هذا المسلك مسلك خاطئ جداً وخطير، ولا يجوز للإنسان أن يؤيد من سلكه، بل يرفض هذا رفضاً باتاً، ونحن لا نتكلم على حكومة بعينها؛ لكن نتكلم على سبيل العموم.
أما فيما يتعلق بهذه الحكومة -ولله الحمد- فالبلاد -كما تعلمون- بلاد تحكم بالشريعة الإسلامية، والقضاة لا يحكمون إلاَّ بالشريعة الإسلامية، والصيام قائم، والحج قائم، والدروس في المساجد قائمة، إلا مَن حصلت منه مخالفةٌ أو خُشِي منه فتنةٌ، فهذا لابد أن يُمْنَع دفعاً للشر وأسباب الشر.
ثم إذا نظرنا -والحمد لله- إلى بلادنا نجد أنه ليس هناك بناءٌ على القبور، ولا طوافٌ بالقبور، ولا بِدَعٌ صوفية أو غيرها ظاهراً، قد يكون عند الناس بدعةٌ صوفية، أو ما أشبه ذلك خفيةً، الخفية هذه ما يخلو منها مجتمع، فكل مجتمع لابد أن يكون فيه شيء من الفساد.
إذا نظرنا إلى هذا، وقارنَّا -والحمد لله- بين هذه المملكة، والبلاد الأخرى القريبة منا؛ وجدنا الفرق العظيم، يوجد في بعض البلاد القريبة منا جِرار الخمر علناً في الأسواق تباع، والمطاعم تُفْتَح في نهار رمضان، يأكل الإنسان ويشرب كما يريد، بل توجد البغايا علناً، حتى حدثني بعض الناس أن الذين يأتون إلى بعض البلاد للسياحة، منذ نزوله من المطار؛ يجد عندهم فتيات وفتيان -والعياذ بالله- يقول: ماذا تختار؟ أفتىً أم فتاة؟ علناً، سبحان الله! الإنسان يجب أن ينظر إلى واقع حكومته وواقع بلاده، ولا يذهب ينشُر المساوئ التي قد يكون الحاكم فيها معذوراً؛ لسبب أو لغيره، ثم يَعْمَى عن المصالح والمنافع عمايةً تامةً، وكأن الحكومة لا شيء عندها من الخير إطلاقاً، هذا ليس من العدل.
يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] .
فإذا قال قائل: ما الذي يجعل هذا واقعاً؟ نقول: أولاً: الغيرة التي لا حدود لها، لا تتقيد بشرع ولا بعقل: وهذا يعود إلى الجهل.
ثانياً: الهوى: فهذا سببه أمران: إما الجهل بالشرع أو بالحكمة.
وإما الهوى: بمعنى أن يكون الإنسان يعرف أن هذا غلط؛ لكن لشيء في نفسه على ولاة الأمور، يريد أن ينفِّس عن نفسه بنشر مثل هذه الأشياء؛ التي توجب أن يَنْفُرَ الناس من ولاة أمورهم، وأن يوغر صدورهم عليهم.(128/6)
حكم الصرف الآلي من المكائن الآلية في البنوك
السؤال
ما حكم ما يسمى بالصرف الآلي من المكائن الآلية، خصوصاً أن البنك المصروف منه يستفيد من عملية الصرف؟ الشيخ: ما هي الصورة؟ لأجل أن يسمع الإخوان، يسأل عن الصرف الآلي.
السائل: يعني مثلاً: إذا كان في حساب بنك الراجحي مثلاً.
الشيخ: نعم، شركة الراجحي.
السائل: وأنت تصرف مثلاً من بنك الرياض، فبنك الرياض يرجع بفائدة على بنك مصرفية الراجحي بالعملية هذه، يعني فائدة معينة، بهللاتٍِ العمليةُ الواحدة؟
الجواب
الظاهر: أن هذا لا بأس به، مادام أنت ما أخذت ربا ولا دفعت ربا.
السائل: لكن يستفيد بنك الرياض.
الشيخ: خليك معي، أنت ما أخذت ربا ولا دفعت ربا، أليس كذلك؟ السائل: بلى.
الشيخ: إذاً: بقينا في المعاملة بين البنك وبين شركة الراجحي، هو مثلاً يقول: أنا ما أقرضتكِ إقراضاً؛ ولكن بدلاً من أن تتعبي أنتِ؛ وتضعي صرافاً في السوق الفلاني، أنا وضعتُ وأريد أجرة على ذلك، هذا هو كلامهم في هذا الشيء، وعندي فيه تردُّد، لا شك أن الإنسان لا يقول إنه حلال (100 %) ، وإذا كان الإنسان عنده تردد في أي معاملة من المعاملات، فلَدَينا قاعدة عريضة معروفة في الشريعة، وهي: (أن الأصل في المعاملات الحل) إلا إذا تيقنتُ أنه حرام، فحينئذ امنع، وإلا فلا نضيَّق على عباد الله شيئاً لا نعلم أن الله حرمه، أما العبادات؛ فالأصل فيها المنع، فأي إنسان نراه يتعبد بعبادة نقول: ما الدليل على هذا؟ لكن المعاملات الأصل فيها الحل، فإذا قال إنسان: هذا حرام، نقول: ما هو الدليل؟!(128/7)
صحة حديث: (إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه جنب)
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك حديث سمعتُه من أن البيت الذي فيه جُنُب لا تدخله الملائكة، فما صحة الحديث؟
الجواب
هذا صحيح، إنَّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه جُنُب؛ لكن ينبغي للإنسان إذا كان على جنابة، أن يبادر بالغسل، ولاسيما عند النوم؛ فإنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام سُئِل: أيرقد أحدنا وهو جنب قال: (نعم، إذا توضأ فليرقد) .(128/8)
حكم طاعة الأبوين في معصية الله
السؤال
فضيلة الشيخ هناك شاب التزم على الطريق الصحيح، فأطلق لحيته وقصر ثوبه، ثم لما رآه والده على ذلك طرده من المنزل، وأمره بعدم العودة حتى يحلق لحيته، ثم خرج من المنزل، وبعد عدة سنوات عاد إلى المنزل للسلام على أهله، فقام عمه وأخوه بحلق لحيته بالقوة، ثم خرج من المنزل، ووعده بعد ذلك عمُّه بأن أباه رضي عليه، وعاد مرة أخرى إلى المنزل بعد أن نبتت لحيتُه مرة أخرى، وحينما رآه والده؛ طرده وقال: لا ترجع حتى تحلق لحيتك للمرة الثانية، فخرج من المنزل إلى الآن، فهل يسقُط حقُّ والدِه ولا يعود لمنزله، علماً بأنه قد يتضرر من عودته؟ أفتونا مأجورين!
الجواب
والله! أنا أظن أن هذه أضغاث أحلام، لا يمكن أن تقع، هل وقع حقيقة؟ السائل: نعم! وقع.
الشيخ: سبحان الله! لا شك أن الوالد الآن مُحادٌّ لله ورسوله، إن كان الأمر كما قلتَ؛ لأن الرسول أمر بإعفاء اللحية وهذا يأمر بحلقها؟ ثانياً هذا الأب عاصٍ لله ورسوله، حيث قَطَعَ رحمه؛ لأن ابنه من قرابته يجب عليه أن يصله، وأي قطيعة أعظم من هذه القطيعة، أن يأمره بمعصية الله.
لذلك أرى أنه لا حق لأبيه عليه في هذه الحال، ولا يلزمه أن يصل أباه، ما دام يأمره بالمنكر؛ إلا ما اقتضت الحاجة الضرورية إليه، لأن الله يقول: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15] .
وأما هؤلاء الذين حلقوا لحيته قهراً؛ فحسابهم على الله عز وجل؛ لأن هؤلاء اعتدوا على سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، واعتدوا على رجل مسلم من عباد الله ينفِّذ شريعة الله.
فنصيحتي لأبيه وعمه أن يتوبا إلى الله عز وجل، وأن يرجعا إليه، وأن يتحللا هذا الولد مما فعلا به قبل أن يأتيهما الموت، فكم من إنسان أصبح ولم يمسِ! وكم من إنسان أمسى ولم يصبح! ولا يدري هذان متى يأتيهما الموت، فعليهما أن يتوبا إلى الله.
أما الابن فلا يرجع إلى البيت ما دام أنه برجوعه يحصل له هذا الشر، وهو في حل من هذا.(128/9)
حكم من ساهم في جمعية بشرط أن يقرضه أعضاؤها
السؤال
هناك جمعية كل نفر منهم يدفع (200) ريال، وشروط الجمعية هذه، أن ما يقترض منها إلا المساهمون، وهناك شخص يريد أن يشترك في الجمعية هذه على شرط أن يقترض، هل هذا فيه شيء من الربا؟
الجواب
الظاهر: أن فيها شيئاً، لماذا؟ لأن دفعه المائتين، لأجل يقرضها إخوانه، فإذا اشترط عليهم أن يقرضوه، فسوف يشترط أن يقرضوه أكثر من المائتين، فلا يجوز.(128/10)
حكم الانتداب في الوظائف الحكومية
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة للانتدابات العسكرية مثلاً في الرياض ستكون إلى المنطقة الغربية، ولا تذهب، ويجيئك مقابل انتداب بناء على أنك انتُدِبْت، وأنت لم تطالب بالانتداب بل هم الذين يضعونك أينما يريدون!
الجواب
والله! أرى أنه أولاً: لا يجوز للمسئولين أن يضعوا راتب انتداب أو مكافأة انتداب، بدون أن يذهب الرجل إلى ما وُجِّه إليه؛ لأن هذا حقيقةً فيه خيانةٌ لولي الأمر.
ثانياً: إذا قُدِّر أنهم أعطوه بدون طلب، وهو يعرف أنه ما ذهب، فحينئذ إن أمكنه أن يرده ويقول: أنا لا أقبله، بدون ضرر عليه فليفعل، فإن كان لا يمكنه إلا بضرر، بمعنى أن المسئولين الذين أعطوه هذه المكافأة بدون انتداب، لو رده لأضروا به؛ فيأخذه ويتصدق به تخلصاً منه.(128/11)
الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة لها أثر كبير في نفوس العصاة
السؤال
زرنا شباباً على الرصيف، وتحدثنا معهم وذكرناهم؛ لكنَّ واحداً منهم استمر يشرب الدخان ولم يطفئ السيجارة ما العمل؟ وكذلك هل يجوز أن أقول لشخص كان جالساً معي أذكِّره -وأحسستُ أنه يريد شرب الدخان- اذهب ثم ارجع؟
الجواب
أقول: عملكم بالطواف على ما ذكرتَ من الأرصفة لدعوة الشباب؛ عمل طيب وتؤجرون عليه، فإن استُجِيْب لكم فالمنة لله على الجميع، وإن لم يُسْتَجَب لكم؛ فقد أديتم ما وجب عليكم، {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ} [النور:54] ، فإذا جلستم إليهم، وتحدثتم بهدوء ولِينِ جانِب، فظني -والله أعلم- أنه لن يتقدم أحد ليفعل المنكر أمامكم، لو لم يمنعه من ذلك إلا الحياء والخجل.
لكن لو فُرِض أن بعضهم أصر إلاَّ أن يفعل المنكر؛ فانصرِفوا واتصلوا بهذا الشخص على انفراد مرة ثانية، وخوفوه وعظوه لعل الله أن يهديه.
وكذلك إذا كان معك صاحب لك، ورأيته يتأهب ليفعل منكراً؛ فانصحه وخوفه بالله، ولا تيئس، فالذي لا يهتدي في هذه المرة يهتدي المرة الثانية.(128/12)
كفارة الحلف بالطلاق
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك رجل يسأل أنه طلق زوجته، فقال: عليَّ الطلاق -لزوجته- إن أصبح كلامكِ صحيحاً؛ لأبيعن السيارة وأشتري بثمنها لك ذهباً، ولكن ثبت أن كلامها كان صحيحاً، والرجل لا يستطيع أن يبيع السيارة، ما رأيك في هذا؟ أولاً: نقول له: الحلف بغير الله لا يجوز، فعليه أن يتقي الله عز وجل، ويتوب إلى الله من هذا، ويطعم عشرة مساكين، وتنتهي القضية، ولا يعود لذلك.
السائل: جزاكم الله خيراًَ.(128/13)
حكم طاعة ولي الأمر
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة لأحد أئمة المساجد منع الجلوس بعد صلاة الفجر إلى الشروق وقال: هذا الأمر من الأوقاف، فهل يجوز هذا؟
الجواب
والله! سمعنا هذا، سمعنا أنه جاء تعميم بأنه إذا انتهت الجماعة تغلق الأبواب.
الحمد لله، نقول: سمعنا وأطعنا.
وإن كان أحد يحب أن يقرأ، ويذكر الله؛ ففي بيته، أو إذا كان يمكن أن يلتزم لهم بأن يغلق باب المسجد إذا خرج ووافقوا على ذلك؛ فطيب.(128/14)
حكم الحركة في الجمعة والإمام يخطب
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يقاس إغلاق المكيف، وإغلاق جرس الساعة، وإغلاق الباب أثناء خطبة الجمعة على حديث: (مَن مَسَّ الحصى فقد لغا) ؟
الجواب
لا، إذا كان هذا يشوش، وقام الإنسان يغلقه؛ فهو على أجر وعلى خير، بخلاف من مس الحصى، والمراد بالحصى: أن مسجد النبي عليه الصلاة والسلام مفروش بالحصباء، وهي: الحجارة الصغيرة، فبعض الناس -مثلاً- يعبث بهذا، إما يمسحه بيده مثلاً، أو يأخذ حصيات يقلبها، أو ما أشبه ذلك، وهذا لغوٌ لا فائدة منه، أما إنسانٌ مثلاً شَوَّش عليه المكيف أو سمع صوتاً، فأراد أن يغلقه، كما يوجد الآن في (البياجر) بعضها لها صوت رفيع يشوِّش على من حوله، فهذا ليس من اللغو، بل هذا من إزالة المؤذي.(128/15)
جهاد الدفع لا يشترط فيه وضوح الراية
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا حضر المسلم صف القتال بين أهل الكفر -يعني: اليهود والنصارى والمشركين- وبين من يمثل الإسلام، ولكن الذين يمثلون الإسلام من الفرقة الضالة.
فما موقف هذا الرجل المسلم من هذا القتال؟
الجواب
إذا حضر الصف لا بد أن يقاتل.
ولو كان من الفرقة الضالة.
لأنه يقاتل للإسلام، وليس للفرقة الضالة، فيجب عليه أن يثبت، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45] .
ويقول عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال:15-16] .
وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن التولي يوم الزحف من موبقات الذنوب.(128/16)
حكم بيع المدرسين بعض السلع للطلاب في المدرسة
السؤال
بعض المدرسين أو المدرسات في بعض المدارس يجيئون ببضائع لأنفسهم، ويبيعونها داخل المدرسة للطلاب أو الطالبات، فما أدري ما حكم المال الذي يحصلون عليه!
الجواب
والله! الظاهر لي أنه ممنوع، وإذا صار ممنوعاً فلا يحل لهم هذا، لا يجوز أن يجيئوا بأشياء ممنوعة؛ لأن المدرسة للحكومة، فإذا منعت من إدخال شيء إليها؛ وجب الامتناع، ثم إن هذا الذي يبيع هل سيبيع برخص؟ لا، بغلاء.
طَيِّبٌ! هذا ليس بائعاً بثمن المثل، ولا برخص، ولا استأذن، فليس فيه إشكال أنه حرام، فعليه أن يتوب إلى الله ولا يعود، وما أخذه من الكسب قبل أن يعلم بالتحريم؛ فهو معفو عنه.(128/17)
حكم المبايعة لولي الأمر مع عدم وجود خليفة
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك من يحاول أن يشكك في أمر البيعة لولاة أمرنا بأمور منها: - أن البيعة لا تكون إلا للإمام الأعظم.
- أو بقوله: أنا لم أبايع.
- أو بقوله: أن البيعة فقط للملِك وليس لإخوته.
فما قولك؟
الجواب
لا شك أن هذا من جنس ما أشرنا إليه في أول سؤال سُئِلنا إياه، وأنَّ هذا خاطئ، وإذا مات صاحبه فإنه يموت ميتة جاهلية؛ لأنه سيموت وليس في رقبته بيعة لأحد.
والقواعد العامة في الشريعة الإسلامية أن الله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] فإذا لم يوجد خليفةٌ للمسلمين عموماً فمن كان ولي أمر في منطقة فهو ولي أمرها، وإلا لو قلنا بهذا الرأي الضال؛ لكان الناس الآن ليس لهم خليفة، ولكان كل الناس يموتون ميتة جاهلية، ومن يقول بهذا؟! الأمة الإسلامية تفرقت من عهد الصحابة، تعلمون أن عبد الله بن الزبير في مكة، وبنو أمية في الشام، وكذلك في اليمن أناس، وفي مصر أناس، وما زال المسلمون يعتقدون أن البيعة لمن له السلطة في المكان الذي هو فيه، ويبايعونه ويدعونه بأمير المؤمنين، ولا أحد ينكر ذلك.
فهذا شاق لعصا المسلمين من جهة عدم التزامه بالبيعة، ومن جهة أنه خالف إجماع المسلمين من عهد قديم، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (اسمعوا وأطيعوا وإن تأمر عليكم عبد حبشي) ، هذه واحدة.
الثانية: يقول: إنه لم يبايع.
وهذه في الحقيقة دعوة جاهل من أجهل عباد الله، الصحابة رضي الله عنهم لما بايعوا أبا بكر، هل كل عجوز وكل شيخ وكل يافع جاء وبايع، أم بايعه أهل الحل والعقد؟ فإذا بايع أهل الحل والعقد أميراً على البلاد؛ فقد تمت البيعة، وصار أميراً تجب طاعته.
والثالث: أنهم ما بايعوا للملِك، ما الذي أدراهم أنهم ما بايعوا للملك، الناس بايعوا للملك، أنا حضرتُ البيعة لـ خالد رحمة الله عليه، وللملك فهد وبايعنا، صحيح ما جاء كل صغير وكبير يبايعونه، إنما بايع أهل الحل والعقد فقط.
ثم إنه إذا بويع الإنسان بالإمرة على بلد من البلاد، ثم جعل له ولي عهد؛ فهو ولي عهدٍ مِن بعدِه، إذا انتهت ولاية الأول صار هذا الثاني -بدون مبايعة- ولي أمر، ولا يصلح الناس إلا هذا، لو قلنا: إن ولي العهد ليس له ولاية عهد حتى يبايَع من جديد، صار فيه فوضى؛ لكن مثل هذه الآراء يلقيها الشيطان في قلوب بعض الناس؛ من أجل أن يفرق جماعة المسلمين، ويحصل التحريش الذي بيَّنه الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال: (إن الشيطان قد أَيِسَ أن يُعْبَد في جزيرة العرب ولكن بالتحريش بينهم) .
فبلِّغ هذا الأخ نصيحتي إياه، أن يتقي الله عز وجل، وأن يعتقد أنه الآن في ظل أميرٍ ذي ولاية عليه، حتى لا يموت بعد ذلك ميتة جاهلية.(128/18)
التقيد بالألفاظ المشروعة في خطبة الجمعة
السؤال
هل للخطيب أن يتشهد بصيغة الجمع يقول: نشهد أن لا إله إلا الله ونشهد أن محمداً رسول الله، وإذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم هل يكفي المستمع أن يؤمِّن؟
الجواب
أما الأول: فالأحسن أن يتشهَّد بالوارد، والوارد: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، في خطبة الحاجة: (الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله) فجعل الضمائر الأولى بصيغة الجمع، والثانية بصيغة الإفراد، قال العلماء: ووجهه: أن الشهادة بالتوحيد، الأنسب أن يكون الفعل أيضاً موحَّداً حتى تكون الصيغة والمعنى متفقَين؛ لكن لو قال: نشهد؛ فلا أرى في هذا بأساً، بل يُرْشَد إرشاداً ويوجه، فيقال: الأفضل أن تقول: أشهد.
أما الفقرة الثانية: وهي أنا لو سمعنا شخصاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: آمين، يكفى؛ لأن هذا الشخص الذي قال صلى الله عليه وسلم، إنما يدعو بالصلاة للرسول عليه الصلاة والسلام كما لو قال: اللهم ارضَ عن الخلفاء الراشدين -مثلاًَ- قلنا: آمين، يكفي، فكذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.(128/19)
من يقيم في بلد غير بلده لمن يعطي بيعته
السؤال
فضيلة الشيخ! ماذا يجب على مقيم يقيم في بلدة معينة ولها حاكم معين؟ هل له البيعة للحاكم في البلدة هذه أم لحاكم بلدته؟
الجواب
هو -بارك الله فيك- الآن -مثلاً- لو قدرنا أن إنساناً في السعودية، فلا يمكن أن يبايع أميراً في أي مدينة من المدن، مع وجود الحاكم العام.
وكذلك أيضاً في بقية البلاد الإسلامية، ما دام هناك حاكمٌ عامٌ؛ فإنه لا بيعة لأحدٍ سواه، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر أن نفي ببيعة الأول فالأول، وأن من جاء يريد أن يشق العصا فإننا نقتله؛ لأنه مفسد.(128/20)
الخصومات يرجع فيها إلى القضاء لا إلى المفتي
السؤال
فضيلة الشيخ! زوجان وقع بينهما طلاق لا رجعة فيه، وبينهما ولد وبنت، وعمر البنت حين وقع الطلاق اثنتا عشرة سنة، والولد ثمانِ عشرة سنة تقريباً، فإلى مَن يذهبون؟ إلى الأب؟ أو إلى الأم؟ وبينهما خصومة إلى الآن!
الجواب
هذه -بارك الله فيك- ترجع للقاضي، المسائل التي فيها خصومة من الحكمة ألا يُفْتِي فيها أحد؛ لأنه قد يُفْتِي بحسب ما سمعه من الخصم، ويكون عند خصمه ما يدفع به الحجة؛ ولأنه إذا أفتى فربما يأخذ الخصم هذه الفتيا من أجل أن يحتج بها على القاضي إذا جلسوا بين يديه، مع أن المفتي لم يعلم عن دفع هذه الحجة.
فأنا أشير على إخواني طلبة العلم بأنه إذا استفتاهم أحد في مسائل فيها خصومة أن يقولوا: هذه أمرها إلى القضاة، لئلا يوقعوا الناس في شر وبلاء.(128/21)
حكم تعجيل زكاة الفطر قبل وقتها نتيجة الانشغال بسفر أو غيره
السؤال
عن رجل أدى زكاة الفطر، في اليوم السادس والعشرين من رمضان بسب سفره؟
الجواب
يقول أهل العلم: إن الإنسان إذا فعل العبادة المؤقتة قبل وقتها؛ فإنها لا تصح؛ لكن ليس معنى قولهم: لا تصح؛ أنه ليس فيها ثواب، إذا كان الإنسان فعل ذلك جاهلاً؛ فإنه يثاب عليها، لكن يلزمه أن يفعلها في الوقت.
فهؤلاء القوم الذين دفعوا فطرتهم في السادس والعشرين، نقول لهم: يعيدونها الآن، يدفعونها الآن قضاءً، نظيرُ ذلك لو أن أحداً ظن أن وقت الظهر قد دخل؛ فصلى الظهر قبل الوقت، ثم تبين الأمر؛ فإنه يصلي الظهر في وقتها، وتكون صلاته الأولى نافلة يثاب عليها.(128/22)
حكم جهر المرأة في الصلاة الجهرية في حالة وجود أجانب أو عدم وجودهم
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة للمرأة في الصلاة الجهرية، هل تجهر مثل الرجال إذا لم يكن حولها رجال أجانب، ولا يسمع صوتها أحد أم أنها تسر في الجهرية والسرية؟ حفظكم الله.
الجواب
نعم، المرأة لا تجهر في الصلاة، لا في الصلاة الجهرية ولا في السرية، حتى وإن لم يكن عندها أحد، لأنها مأمورة بخفض الصوت، وربما يقال: إذا لم يكن عندها أحد وكان جهرها بالقراءة أنشط لها، كما لو كان ذلك في التهجد في الليل، ربما يقال: إنه لا بأس به؛ لأنه ليس فيه محظور.(128/23)
فكرة ترقيع الإسلام في العقيدة والمنهج
السؤال
ما حكم فكرة ترقيع الإسلام، ومعناها: أن يعتقد الشخص عقيدة سلفية؛ لأنه درس وتخرج على منهج سلفي من كلية الدعوة، أو كلية الشريعة، أو كلية الحديث -مثلاً- لأنه درس دراسة سلفية؛ ولكنه عندما يأتي إلى الدعوة يقول: لا هذا المنهج لا ينفعنا، بل ننهج نهجاً آخر: إخوانياً أو تبليغياً أو غير ذلك، فإنه لا يضرنا لأننا سلفيون عقيدةً، أما منهجاً ودعوة؛ فلا يصلح، فهل كان السلف الصالح يفرقون بين العقيدة، ومنهج الدعوة؟ بارك الله فيكم.
الجواب
المنهج -بارك الله فيك- مبني على العقيدة، فمن كانت عقيدته سليمة؛ فسيكون منهجه سليماً بلا شك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر: (افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: مَن هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثلما أنا عليه وأصحابي) ، فقوله: (على مثلما أنا عليه وأصحابي) يعني في العقيدة والمنهج والعمل وكل شيء، ولا يمكن أن يختلف هذا وهذا، فمثلاً الإخوانيون والتبليغيون والإصلاحيون وغيرهم، إذا كان منهجهم لا يخالف الشريعة؛ فلا بأس به، وإذا كان يخالف الشريعة؛ فإنه لا بد أن يصدر عن عقيدة؛ لأن كل عمل له نية، فإذا اتخذ إنسان منهجاً مخالفاً لمنهج الرسول عليه الصلاة والسلام وخلفائه الراشدين؛ فمعناه: أنَّ عقيدته غير سليمة، وإلاَّ متى سلمت العقيدة سلم المنهج.
ثم إنه بهذه المناسبة أود أن أقول: إن من البلاء الذي حل بالأمة، ولا سيما في الوقت الحاضر، التفرق والتشتت، هذا ينهج منهج فلان، وهذا ينهج منهج فلان، وليتهم يدعُ بعضُهم بعضاً، بل تجد كل واحد يضلل الثاني، وربما يكفره في أمور ليست ضلالاً، وليست كفراً، وهذه بلوى ضُرِبَت بها الصحوة الإسلامية التي كنا نؤمل فيها خيراً قبل سنوات قليلة، الآن أصبح كثير من الشباب متفرقين، ربما يُبْغِض هذا الأخ الشاب الذي يريد الحق مثلما يريده، أشد مما يُبْغِض الإنسان الفاسق، نسأل الله العافية، كل هذا لا شك أنه من وحي الشيطان، وأوامره، فالواجب علينا أن يأتلف بعضُنا إلى بعض وأن نجلس ونبحث، من كان على حق نصرناه، ومن كان على باطل بيَّناه له؛ لكن إذا قال: أنا لا أعرف إلا هذا وهذا اجتهادي، وله مسوغ في اللغة العربية، وفي الشرع؛ فإننا لا نضلله، والحمد لله الأمر واسع.(128/24)
حكم التوكيل في إخراج زكاة الفطر
السؤال
ذكرتم في تقديم زكاة الفطر أنه يُثاب عليها إذا قدَّمها، ولكنها لا تجزئه.
فبعض الإخوان هنا يرسل زكاته إلى خارج البلاد، مثلاً: في السعودية، يرسلها إلى السودان، فهل في هذه الحالة يجزئ عنه؟
الجواب
إذا أخرج الإنسان زكاة الفطر يعني: أرسلها إلى شخص وقال: أدِّها عني، فهذا الشخص -أي: وكيله- يُبْقيها عنده إلى أن يبقى يوم أو يومان على العيد ثم يخرجها، ولا بأس بارك الله فيكم.(128/25)
الجمع بين حديث (النهي عن الاغتسال بفضل المرأة والعكس) وحديث (اغتسال النبي مع زوجته ميمونة)
السؤال
جاء في حديثٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن تغتسل المرأة بفضل الرجل والرجل بفضل المرأة وليغترفا جميعاً) ، وجاء في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم (اغتسل بفضل ميمونة) ، فكيف الجمع بين هذين الحديثين؟ أحسن الله إليك.
الجواب
الجمع بينهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ السببَ، قال: (لا يغتسل الرجل بفضل المرأة، ولا المرأة بفضل الرجل، وليغترفا جميعاً) ومعلوم أنهما إذا اغترفا جميعاً سوف يغتسلان جميعاً، ولهذا كان هدي الرسول الفعلي كهديه القولي، أن الرجل يغتسل هو وزوجته من إناءٍ واحدٍ؛ لأن هذا أبلغ في الألفة والمودة، وليس هناك عورة يجب اتقاؤها بين الرجل وامرأته؛ لهذا الرسول قال: لا يفعل كذا، وليفعل كذا، لو أطلق صار بين الحديثين شيء من التعارض؛ لكن لما قال: (وليغترفا جميعاً) كأنه نهانا عن التفرق أن يغتسل كل واحد منا على حِدَة، وأمرنا أن نجتمع على الماء.
تقول عائشة: (إنها كانت تغتسل مع النبي صلى الله عليه وسلم في إناء واحد، تختلف أيدينا فيه) هذا هو المشروع، وليس معنى ذلك أنه لو تقدمت المرأة في غسلها بدون اتفاق بينهما على التقدم والتأخر؛ فإن الرجل يُنهى أن يغتسل بعد هذا، لا، ليس فيه نهي، الرسول عليه الصلاة والسلام اغتسل بفضل ميمونة، حتى إنه اغتسل بفضل إحدى زوجاته وقد كانت جنباً، قال: (إن الماء لا يجْنب) ، فهذه الحكمة، ربما بعض الناس يأنف أن يكون هو وزوجته في الحمام يغتسلان جميعاً! فنقول: ليس فيها أنفة، إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أشد الناس حياءً؛ يفعل ذلك مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فما المانع؟ فالنهي المراد به: الإرشاد إلى حال أخرى وهي: أن يغترفا جميعاً.
السائل: ونوم الجُنُب بغير وضوء! الشيخ: نوم الجنب بدون وضوء، يرى بعض العلماء أنه حرام؛ لأن الرسول قال: (إذا توضأ فليرقد) ، والمشهور من المذهب عندنا أنه مكروه، وهذا هو الأقرب؛ لكن أحياناً يكون -مثلاً- في أيام الشتاء والبرد شديد، ويشق عليه أن يغتسل ثم يرجع فينام، أو يتوضأ ثم يرجع فينام، فالذي أرى أنه إن شاء الله ليس فيه بأس.
السائل: لكن الوضوء لا يكلفه شيئاً.
الشيخ: لا تدري، ربما يكلفه وربما إذا صار الإنسان في برد، وليس عنده إلا ماء بارد فقد يكلفه.
بارك الله فيكم.
إلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى.
ونسأل الله تعالى أن يثيبكم على حضوركم؛ لأن (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة) .
جعلنا الله وإياكم من أهل مَنِّه وكرمه.(128/26)
لقاء الباب المفتوح [129]
في هذا اللقاء تفسير آيات من سورة (ق) ، تحدث الشيخ في مطلع السورة أن القرآن نزل بالعربية ومع ذلك أعجز الفصحاء والبلغاء من العرب، وهنا أقسم الله بالقرآن؛ لأنه كلامه، وكلامه صفة من صفاته، وقد ذكر أهل العلم أنه يجوز الإقسام بالصفة بالإضافة إلى ما ذكره الله من وصف الكافرين الذين تعودوا على التكذيب للرسل، وكذلك تعجبهم على ذلك وعجبهم هنا عجب استغراب واستنكار، وكذلك إنكارهم للبعث، فرد عليهم سبحانه أن الإنسان يبلى في الأرض إذا مات، فالله سبحانه وتعالى يعلم ما تنقص الأرض منهم، وذلك محفوظ في الكتاب عنده سبحانه وتعالى، ثم انتقل الشيخ للإجابة عن الأسئلة.(129/1)
تفسير آيات من سورة (ق)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع والعشرون بعد المائة، من اللقاءات التي يُعَبَّر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا هو يوم الحادي عشر من شهر صفر من عام (1417هـ) .
نسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك لنا ولكم في أعمالنا وأقوالنا، إنه على كل شيء قدير.
نبدأ هذا اللقاء بتفسير سورة {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق:1] حيث انتهينا ولله الحمد من تفسير سورة الحجرات.
أولاً: البسملة:- سبق الكلام عليها، وأنها آية مستقلة يؤتى بها في ابتداء كل سورة، إلا سورة براءة، فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يكتبوا أمامها بسملة، ولكنهم جعلوا فاصلاً بينها وبين آخر سورة الأنفال.
وليس هناك ذكر يُذْكَر بدلاً عن البسملة كما يوجد في هوامش بعض المصاحف، حيث كُتِب: (أعوذ بالله من النار، ومن كيد الفجار، ومن غضب الجبار، العزة لله ولرسوله وللمؤمنين) .
وهذا لا شك أنه كلام بدعي لا أصل له ولا صحة له.(129/2)
تفسير قوله تعالى: (ق والقرآن المجيد)
يقول الله عز وجل، بسم الله الرحمن الرحيم: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق:1] (ق) : حرف من الحروف الهجائية التي يتركب منها الكلام العربي، وهي كسائر الحروف ليس لها معنىً في حد ذاتها، ومن المعلوم أن القرآن نزل باللسان العربي، وإذا كانت هذه الحروف ليس لها معنىً باللسان العربي، فهي كذلك ليس لها معنىً في كتاب الله عز وجل من حيث المعنى الذاتي لها.
وأما بالنسبة للمغزى العظيم الكبير فهو أن هذا القرآن -الذي أعجز العرب مع بلاغتهم وفصاحتهم- لم يأت بشيء جديد من حروف ليس يعرفونها، بل أتى بالحروف التي يعرفونها، ومع ذلك عجزوا على أن يأتوا بمثله، فدل ذلك على أنه من كلام العزيز الحميد جل وعلا، ولهذا لا تكاد تجد سورة ابتُدئت بهذه الحروف الهجائية إلا وبعدها ذكر القرآن.
هنا قال عز وجل: {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} (الواو) حرف قَسَم، أقسم الله تعالى بالقرآن؛ لأن الله تعالى له أن يقسم بما شاء، وإقسامه هنا بالقرآن إقسامٌ بكلامه، وكلام الله تعالى من صفاته.
وقد ذَكَر أهل العلم رحمهم الله أنه يجوز الإقسام بالله تعالى أو بصفةٍ من صفاته، وأما آياته فلا يُقْسَم بها إلا إذا قصد الإنسان بالآيات كلماته كالقرآن الكريم، والتوراة، والإنجيل، وما أشبه ذلك، وأما الآيات الكونية كالشمس والقمر فلا يجوز لنا أن نقسم بها، أما الله عز وجل فله أن يقسم بما شاء.
{وَالْقُرْآنِ} [ق:1] مأخوذ من قرأ إذا تلا، أو من قرى إذا جمع، ومنه: القرية؛ لأن الناس يجتمعون فيها، والقرآن يتضمن المعنيين: - فهو متلو.
- وهو مجموع أيضاً.
{وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق:1] أي: ذو المجد، وهي العظمة والسلطان المطلق، فالقرآن له عظمته العظيمة، مهيمنٌ مسيطر على جميع الكتب السابقة، حاكم عليها، ليس محكوماً عليه.
وهو أيضاً مجيد به، يمجد ويعلو ويظهر مَن تمسك به، وهذا كقوله تعالى {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج:21-22] .(129/3)
تفسير قوله تعالى: (بل عجبوا أن جاءهم منذر)
قال تعالى: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} [ق:2] هنا لا يتراءى للإنسان التالي جواب القسم، فاختلف العلماء رحمهم الله في مثل ذلك هل له جواب أو جوابه يُعْرَف من السياق، أو يُعْرَف من المقسَم به؟ فيه أقوال متعددة للعلماء، وأظهر ما يكون أن نقول: إن مثل هذا التركيب لا يحتاج إلى جواب للقسم؛ لأنه معروف من عظمة المقسَم عليه، فكأنه أقسم بالقرآن على صحة القرآن.
فالقرآن المجيد لكونه مجيداً كان دليلاً على أنه حق، وأنه منزل من عند الله عز وجل، وحينئذ لا يحتاج القسم إلى جواب، لأن الجواب في ضمن القسَم.
{بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} [ق:2] {عَجِبُوا} (الواو) تعود على المكذبين للرسول عليه الصلاة والسلام الذين كذبوا رسالته، كذبوا بالقرآن كذبوا بالبعث كذبوا باليوم الآخر، ولهذا {عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} [ق:2] ، عجبوا عجب استغراب واستنكار، وإنما قلنا ذلك لأن العجب: - تارة يُراد به: الاستنكار والتكذيب.
- وتارة يُراد به: الاستحسان فقول عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمُّن في تنعله وترجله وطهوره، وفي شأنه كله) ، المراد بالعجب هنا الاستحسان.
وقوله هنا: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} المراد به: الاستنكار والتكذيب، {أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} ليس بعيداً عنهم، هو منهم، نسباً، وحسباً، ومسكناً، يعرفونه، ومع ذلك قالوا: {هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} .(129/4)
تفسير قوله تعالى: (أئذا متنا وكنا تراباً)
قال تعالى: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} لما جاءهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبرهم بأن الناس سوف يبعثون، وسوف يجازَون ويحاسبون تعجبوا! كيف هذا؟! أيحيا الإنسان بعد أن كان رفاتاً؟! {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً} (إذا) من المعروف أنها ظرفية، وكل ظرف يحتاج إلى عامل، والعامل هنا محذوف دل عليه ما بعده، والتقدير: أئذا متنا وكنا تراباً نُرْجَع ونبعث؟! ثم قال: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً} ولهذا يحسن عند التلاوة أن تقف على قوله: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً} لأن قوله: {ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} جملة استئنافية، لا علاقة لها من حيث الإعراب بما قبلها.
(أئذا) الاستفهام هنا بمعنى الإنكار والتكذيب، كأنهم يقولون: لا يمكن أن نرجع ونبعث بعد أن كنا تراباً وعظاماً! ولكن بيَّن الله عز وجل أنه قادر على ذلك، فلما قالوا: {ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} ومرادهم بالبُعْد هنا: الاستحالة، هم يرون أن ذلك مستحيل، وربما تلطف بعضهم وقال: {ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} فهم تارة ينكرون إنكاراً مطلقاً ويقولون: هذا محال! وتارة يقولون: هذا بعيد.(129/5)
تفسير قوله تعالى: (قد علمنا ما تنقص الأرض منهم)
قال الله تعالى مبيناً قدرته على ذلك: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ} [ق:4] الأرض تأكل الإنسان إذا مات، فالله تعالى يعلم ما تنقص الأرض منه، من أجزاء بدنه، ذرةً بعد ذرة، ولو أكلته الأرض.
وقوله: {مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ} قد يفيد أنها لا تأكل كل الجسم، وفي ذلك تفصيل.
أما الأنبياء فإن الأرض لا تأكلهم ما داموا في قبورهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) .
وأما غيرهم فقد يبقى الجسم مدة طويلة لا تأكله الأرض إلى ما شاء الله، وقد تأكله الأرض؛ لكن إذا أكلته الأرض فإنه يبقى عَجْبُ الذَّنَب، وعَجْبُ الذَّنْب: هو عبارة عن جزء يسير من العظم في أسفل الظهر، هذا يبقى بإذن الله، لا تأكله الأرض، كأنه يكون نواة للجسم عند بعثه يوم القيامة، فإن منه يُخْلَق الآدمي في قبره، فإذا تَمَّ، نُفِخ في الصور، ثُمَّ قاموا من قبورهم لله عز وجل.
{قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ} وإذا كان الله تعالى عالماً بما نقصت الأرض فهو قادر على أن يرد هذا الذي نقصته الأرض عند البعث.
{وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} [ق:4] عند الله تعالى كتاب حفيظ، أي: حافظ لكل شيء، قال الله تعالى: {كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:9-12] .(129/6)
تفسير قوله تعالى: (بل كذبوا بالحق لما جاءهم)
قال تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} (بَلْ) هنا: للإضراب الانتقالي، وليست للإضراب الإبطالي؛ لأن الأول ثابت، والثاني زائد عليه، وهذا هو الفرق بين (بَلْ) التي لإضراب الإبطال، وبين (بَلْ) التي لإضراب الانتقال، فصارت (بَلْ) للإضراب دائمة؛ لكن إن كانت تبطل الأول فسموها: إضراب إبطال، وإن كانت لا تبطله فهي: إضراب انتقال، كأنه انتقل من موضوع إلى آخر.
{بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} ولكن قلوبهم موقنة، إلا أن ألسنتهم تكذب، كما قال تعالى عن آل فرعون: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً) [النمل:14] .
{بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} (لَمَّا) هنا: بمعنى حين، فهي ظرف، وليست حرفاً.
{لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} (الفاء) هنا: للتعقيب والسببية، والمعنى: فهم لما كذبوا بالحق في أمرٍ مختلط، اختلط عليهم الأمر والعياذ بالله، وهذا كقوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [الأنعام:110] لأنهم لم يؤمنوا به أول مرة {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110] هؤلاء لما كذبوا صاروا في أمر مريج، التبس عليهم الأمر، وترددوا في أمرهم.
وهكذا كل إنسان يَرُدُّ الحق أول مرة فليعلم أنه سيُبتلى بالشك والريب في قبول الحق في المستقبل.
ولهذا يجب علينا من حين أن نسمع أن هذا الشيء حق أن نقول: سمعنا وأطعنا، خلافاً لبعض الناس الآن: تقول له: أمر الرسول بهذا.
يقول: لكن! الأمر للإيجاب أو للاستحباب؟! سبحان الله! افعل ما أمرك به سواء على الوجوب أو على الاستحباب.
فإذا ترددتَ؛ لأن معنى قوله: هل هو للوجوب أو للاستحباب؟! معناه: إذا كان للاستحباب فأنا في حل منه، وإذا كان للوجوب فعلته، هذا خطأ، قل: سمعنا وأطعنا، ثم إذا وقعت المخالفة فحينئذ ربما يكون السؤال عنه: هل هو واجب أو مستحب، ربما يكون وجيهاً، أما قبل ذلك فلا.
قد يقول قائل: هل هو واجب أو مستحب؛ لأن هناك فرقاً بين الواجب والمستحب أيهما أحب إلى الله؟ الواجب أحب إلى الله، فأنا أفعله من أجل إذا اعتقدتُ أنه واجب أثاب عليه ثواب واجب، وإذا اعتقدتُ أنه سنة أثاب عليه ثواب سنة.
قلنا: نعم، هذا أفضل، لكن ثواب انقيادك للحق لأول مرة وبكل سهولة وبدون سؤال أفضل من كونك تعتقده واجباً أو مستحباً، وإذا كان الله قد أوجبه عليك أثابك ثواب الواجب، وإن كنت لا تدري، فالانقياد وتمام الانقياد أفضل بكثير من كوني أعتقد هذا واجباً أو مستحباً.(129/7)
الأسئلة
.(129/8)
حكم التفجيرات داخل البلاد الإسلامية
السؤال
فضيلة الشيخ، لا يخفى عليكم حادث التفجير الذي سبق وأن وقع في العليا، وحدث فيه إزهاق للأرواح من المعاهَدين وغير ذلك، والذي حدث من أحداث الأسنان وسفهاء الأحلام، وأنكم تعلمون عِظَم هذا الفعل وما فيه من مخالفةٍ لأمر الله، وأمر رسوله وعدم الأخذ بالأدلة الشرعية، وتسفيه لآراء العلماء والراسخين في العلم، ومن مشاقة ومحاربة لولي الأمر، والآن وقد حدث تفجير جديد في الخبر، فهل من كلمة لتبيين دين الله تعالى في ذلك، والتحذير من هذا المنزلَق الخطير الذي سلكه فئة من الشباب وهم قلة ولله الحمد، وهو مستمد من فعل الخوارج وهم قد لا يعلمون أنهم يفعلون ذلك، وأن فعلهم فعل الخوارج؟ فهل من تبيين لدين الله سبحانه وتعالى؟
الجواب
والله لا شك أن هذا العمل عمل لا يرضاه أحد، كل عاقل، فضلاً عن المؤمن لا يرضاه؛ لأنه خلاف الكتاب والسنة، ولأن فيه إساءة إلى الإسلام في الداخل والخارج؛ لأن كل الذين يسمعون بهذا الخبر، لا يضيفونه إلا إلى المتمسكين بالإسلام، ثم يقولون: هؤلاء هم المسلمون، هذه أخلاق الإسلام، والإسلام منها بريء.
فهؤلاء في الحقيقة أساءوا قبل كل شيء إلى الإسلام، ونسأل الله تعالى أن يجازيهم بعدله بالنسبة لهذه الإساءة العظيمة.
ثانياً: أنهم أساءوا إلى إخوة لهم من الملتزمين؛ لأنه إذا تصوَّر الناس حتى المسلمون أن هذا يقع ممن يدَّعي أنه مسلم وأنه يغار للإسلام فسوف يَكْرَه مَن هذه أخلاقه، وسوف يظن أن هذه أخلاق كل ملتزم.
ومن المعلوم أن هذا لا يمثل أحداً من الملتزمين إطلاقاً؛ لأن الملتزم حقيقة هو الذي يلتزم بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
ولا يخفى علينا جميعاً أن الله تعالى أمر بوفاء العهود وأمر بوفاء العقود، وقال: {إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء:34] .
ولا يخفى علينا أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من قتل معاهَداً لم يرح رائحة الجنة) .
ولا يخفى علينا أيضاً أنه قال عليه الصلاة والسلام: (ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) .
ولا يخفى علينا أن الائتمان أو التأمين والإجارة يكون حتى من واحد من المسلمين، وإن لم يكن ولي أمر، ولو كانت امرأة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ) ، فكيف إذا كان هذا الأمان من ولاة الأمور؟! فهذا هو عين المحادة لله ورسوله وعين المشاقة لله ورسوله.
ثالثاً: لو قدرنا على أسوء تقدير أن الدولة التي ينتمي إليها هؤلاء الذين قتلوا دولة معادية للإسلام فما ذنب هؤلاء؟! هؤلاء الذين جاءوا بأمر حكومتهم ولم يأتوا بأمرهم، قد يكون بعضهم جاء عن كره، ولا يريد الاعتداء.
ثم ما ذنب المسلمين الساكنين هناك؟! فقد قتل من المسلمين من هذه البلاد عدة وأصيب عدة من هؤلاء، من أطفال، وعجائز، وشيوخ، في مأمنهم، في ليلهم، عند الرقاد على فرشهم.
ولهذا تعتبر هذه جريمة من أبشع الجرائم، ولكن بحول الله {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام:21] سوف يُعْثَر عليهم إن شاء الله ويأخذون جزاءهم.
لكن الواجب على طلاب العلم أن يبينوا أن هذا المنهج منهج خبيث، منهج الخوارج الذين استباحوا دماء المسلمين وكفوا عن دماء المشركين، وأن هؤلاء إما جاهلون، وإما سفهاء، وإما حاقدون.
فهم جاهلون: لأنهم لا يعرفون الشرع، الشرع يأمر بالوفاء بالعهد وأوفى دِينٍ في العهد هو دين الإسلام والحمد لله.
وهم سفهاء أيضاً: لأنه سوف يترتب على هذه الحادثة من المفاسد ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، يعني: ليست هذه وسيلة إصلاح، حتى يقولوا: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:11] بل هم المفسدون في الواقع.
أو حاقدون على هذه البلاد وأهلها، لأننا لا نعلم والحمد لله بلاداً تنفذ من الإسلام مثلما تنفذه هذه البلاد.
الآن البلاد الإسلامية أليس فيها القبور تُعْبَد من دون الله؟! أليس فيها بيوت الدعارة؟! أليس فيها الزنا؟! أليس فيها اللواط؟! أليس فيها الخمر علناً في الأسواق؟! أليس حكامها يصرِّحون بأنهم يحكمون بالقوانين لا بالكتاب والسنة؟! فماذا يريدون؟! ماذا يريدون من فعلهم هذا؟! أيريدون الإصلاح؟! والله ما هم بمصلحين، إنهم لمفسدون؛ ولكن علينا أن نعرف كيف يذهب الطيش والغَيْرة -التي هي غُبْرة وليست غَيْرة- إلى هذا الحد؟! ولا شك أن هذا إساءة أيضاً في المرتبة الرابعة أو الخامسة إلى هذه البلاد وأهلها وترويع الآمنين.
كل إنسان يتعجب! كيف يقع هذا في هذا البلد الأمين.
ولكن نسأل الله سبحانه وتعالى أن يخزي هؤلاء، وأن يُطْلِع ولاة الأمور عليهم، وعلى من خطط لهذه الجرائم، حتى يحكموا فيهم بحكم الله عز وجل.(129/9)
حكم تصرف الأم بهدايا طفلها المولود
السؤال
الهدايا التي تُقَدَّم إلى الأطفال حديثي الولادة هل للأم التصرف فيها بإهداء أو بيع أو نحوه؟
الجواب
الهدايا التي تُهدى للمولود من أول ما يولد هي ملك له، والأم ليس لها ولاية على ولدها مع وجود أبيه، وعلى هذا فلا يحل لها أن تتصرف فيها إلا بإذن أبيه، أما إذا أذن فلا بأس، وسواء كان المولود بنتاً أو ابناً، الحق في المال للأب لا للأم.(129/10)
حكم طلاق الغضبان
السؤال
أنا يا شيخ أعمل في الرياض وزوجتي هنا، فذهبتُ أنا وزوجتي إلى الرياض إلى أخي فآذتني زوجة أخي، وتلفَّظَت عليَّ بكلمات قبيحة فقلت: ارجعي، انظري! فلانة طالق؛ لأن زوجتي خالة المرأة هذه، فأريد أن أخوف المرأة هذه لكي ترجع وتكف أذاها عني، فرجَّعَتْ كلاماً ثانياً عليَّ وتلفظت عليَّ ففقدت شعوري خِفْتُ أني أضرب المرأة هذه، أو يحصل مني مساً بها، فقلت: انظري! هي طالق.
الشيخ: خالتها؟ السائل: إي نعم، انهارت أعصابي، وأنا يا شيخ ما نيتي الطلاق، نيتي أن أكف أذى المرأة هذه عني؛ لأن امرأتي خالة المرأة هذه؟ الشيخ: طلاقك هو طلاقك الأخير لَمَّا أغضبتكَ المرأة.
السائل: نعم.
الشيخ: طلقَّت الطلاق الأخير وأنت في شدة غضب ما تملك نفسك؟ السائل: نعم يا شيخ، ولكن بعدما أغضبتني المرأة هذه استرجعَت و.
الشيخ: المهم: أجب عن سؤالي فقط! السائل: سمعاً.
الشيخ: هل أنت في تلك الساعة لا تملك نفسك؟ السائل: نعم يا شيخ.
الجواب
إذاً ليس عليك طلاق، المرأة زوجتك وليس عليك طلاق؛ لكني أشير عليك ألا تتسرع في الطلاق.
السائل: جزاك الله خيراً يا شيخ.
الشيخ: الأمر ينقضي بدون تسرع.
السائل: جزاك الله خيراً.
الشيخ: وهذه المرأة التي تقول: إنها تؤذيكم، إن كنت تستطيع أن تنصحها فهذا المطلوب، وإلا فزوجها ينصحها أو أبوها أو ما أشبه ذلك.
السائل: جزاك الله خيراً يا شيخ.(129/11)
حكم إمامة المصروع للناس
السؤال
فضيلة الشيخ، هل يجوز للإنسان المصروع أن يؤم الناس؟
الجواب
الإنسان المصروع له أن يؤم الناس، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله) ، لكن إذا كانت نوبات الصرع تعوده بكثرة فالأَولى ألا يفعل؛ لئلا يقع ذلك وهو يصلي فيحصُل في ذلك التشويش على الناس، ثم هو أيضاً يخجل ويفشل أمام الناس.(129/12)
حكم التصرف بالمال الزائد المتبرع به عن مطلوبه
السؤال
يا شيخ، هناك شخص يجمع تبرعات في مقر عمله، ويذهب بها إلى مركز خيري في نفس مقر العمل من أشخاص محدودين في ورقة.
الشيخ: يعني: قليلي ذات اليد.
السائل: في ورقة، العدد، معينين.
الشيخ: نعم.
السائل: وما زاد عنهم يتصرف به هو، يعطيه لمحتاجين يعرفهم.
الشيخ: يعني: يجمع التبرع لأناس.
السائل: لأناس في هذا المركز.
الشيخ: لأناس في المركز.
السائل: نعم.
الشيخ: هل هو يجمع من الناس أو يجمع للناس؟ السائل: لا، بل يجمع من الناس.
الشيخ: من زملائك؟ السائل: نعم، للمركز الخيري، وأسماؤهم محدودة أَمرُّ عليهم شهرياً.
الشيخ: في المركز الخيري.
السائل: نعم، في نفس مقر العمل، وأَمرُّ عليهم شهرياً أجمع من عندهم، وما زاد عن التبرعات هذه أتصرف بها أنا لأناس أعرفهم محتاجين.
الشيخ: أنت تجمع لماذا؟ السائل: للمركز الخيري.
الجواب
المركز الخيري لو كان عنده ملايين ليس ذلك بِزائدٍ عليه، فالمركز الخيري يتحمل كل شيء.
السائل: لا، يزيدون عن الورقة التي معي.
الشيخ: يعني: كأن المركز الخيري يعطيك ورقة ويقول: اجمع لنا هذا القدر؟ السائل: نعم.
الشيخ: وتجمع من زملائك ويزيد؟ السائل: يزيد، نعم.
الشيخ: لكن! الزائد لا تأخذه، إذا بلغتَ الحد الذي حدد لك المركز الخيري، مثلاً قال لك: عشرة آلاف، نريد عشرة آلاف اجمع لنا عشرة آلاف جزاك الله خيراً، جمعتَ عشرة آلاف من عشرة أشخاص، لا تأخذ من الحادي عشر أبداً.
السائل: لا، أنا لا آخذ؛ لكن هو متبرعٌ؟ الشيخ: ولو تبرَّع، هل أنت مُحَدَّدٌ لك؟ قيل لك: اجمع عشرة آلاف للمركز الخيري، عرفتَ أو لا؟ السائل: نعم.
الشيخ: تجيء مثلاً تجمع عشرة آلاف من عشرة أشخاص، الزملاء الذين عندك عشرون شخصاً، لا تأخذ من الباقين، عرفتَ؟ السائل: لكن المجال مفتوح! الشيخ: يا مُحِب، أنت الآن تجمع ليس للتبرع مطلقاً، وإنما تجمع للتبرع لمركز خيري، جمعت المطلوب، الباقي ماذا نريد أن تقول لهم؟ تريد أن تقول: أعطيكم الورقة هذه، عندي جمع تبرُّع؟ إذا قلتَ هذا معناه: أنك أخذت للمركز الخيري والمركز الخيري ليس محتاجاً.
على كل حال إذا حدد لك المركز الخيري قدراً معيناً ثم جمعته من الذين عندك فلا تأخذ زيادة، هذا الجواب.
السائل: لكن المركز الخيري ما حدَّد لي؟ الشيخ: سبحان الله! يا جماعة! أنت تقول لي: حدد لي.
السائل: أنا بنفسي مُحَدِّدٌ في الورقة.
الشيخ: انظر بارك الله فيك، إذا كان المركز الخيري يقول: هذه الورقة اجمع لنا المبلغ ولم يحدد، اجمع حتى ولو جمعت مائة ألف، وأعطها المركز الخيري، لا تتصرف بها أنت؛ لأنها للمركز الخيري، ليس لك عليها حق، وإذا حدد لك وبلغت المحدد لا تزِدْ، هذا الجواب.(129/13)
حكم الزواج من امرأة رضعت من زوجة الأخ مرتين
السؤال
يا شيخ، عفا الله عنك، أنا تزوجت امرأة، والمرأة هذه قد أرضَعَتْها امرأةُ أخي مرتين.
الشيخ: مرتان فقط؟ السائل: مرتان فقط يا شيخ.
الشيخ: ما تزيد؟ السائل: أبداً.
الجواب
هي حلال لك.
السائل: بارك الله فيك، وأحسن الله إليك.
الشيخ: لأن الرضاع الذي يُحَرِّم هو: خمس رضعات، فالواحدة والثنتان والثلاث والأربع كلها ليست بشيء.
السائل: بارك الله فيك، وأحسن الله إليك.(129/14)
حكم تحية المسجد في وقت النهي
السؤال
فضيلة الشيخ، هل يُنْكَر على رجل دخل المسجد ولم يؤدِّ تحية المسجد في وقت النهي؟ وما الأصل في ذلك؟
الجواب
هذه المسألة فيها خلاف، فإذا دخل إنسان وجلس لا تُنْكِر عليه؛ لأن غالب الناس في هذه البلاد يعرفون أن وقت النهي ليس فيه تحية المسجد، فلا تُنْكِر.
لكن إن كنت ترى أن الرجل سيقبل منك، فإذا انتهى من الصلاة قل: يا أخي -مثلاً- إني سمعت أن تحية المسجد ليس عليها نهي، فقط ولا تزِد على هذا.
السائل: ليس عليها نهي؟ الشيخ: الصحيح أنه ليس عليها نهي، وأنها تُصَلَّى في كل وقت تدخل فيه إلى المسجد.(129/15)
حكم لبس (الشماغ) و (الغتر)
السؤال
عفا الله عنك يا شيخ، الآن مسألة لبس (الشماغ) أو (الغترة) ما حكمه في الشرع؟ الشيخ: ماذا تريد أن تقول؟ السائل: لأنه كثر الكلام على المسألة، شخص يقول: ليس لها داعٍ؛ لأنها تسبب الحر في الرأس! الشيخ: يعني: يريدنا أن نُصَلِّع؟! السائل: لا، يقول: لا نحتاج أن نلبس (شماغ) .
الشيخ: ماذا؟ السائل: يقول: لا نحتاج أن نلبس شماغ، ولا أدري ما هو الرد على هذا السؤال؟!
الجواب
قل له: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) [الأعراف:32] هذه الآية، ثم قل له آية أخرى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116] .(129/16)
حكم التصرف بالمال الزائد عما أوصى به الموصي
السؤال
فضيلة الشيخ! إن لي جداً توفي وله بيت يؤجَّر بريالين، أوصى بها أضحية، وقد ثُمِّن هذا البيت ونُمِّي المال حتى أصبح الآن قرابة المائة والخمسين ألفاً، ما بين أسهم في شركة الكهرباء، وأراضٍ ومبالغ سائلة، فما رأيكم فضيلة الشيخ هل يمكن صرف الوصية في الأضحية وبقية المبلغ في وجوه البر المختلفة؟ أم ماذا أصنع بها لا سيما وأني محتار؟
الجواب
لكن هل الوصية معك الآن لننظر إليها؟ السائل: لا؛ لكن هي قديمة، يعني: ربما الجد الرابع أو الخامس.
الشيخ: لا بد أن ننظر إليها، بعدما ننظر الورقة إن شاء الله نعلق، واكتب لي صيغة السؤال من أجل أن نفتيك على حسب السؤال.(129/17)
كيفية الخطبة بسورة (ق)
السؤال
كيف تكون الخطبة بسورة ق؟ هل تقرأ أم يُفَسَّر معناها؟
الجواب
كان النبي عليه الصلاة والسلام يخطب بسورة (ق) ، وكان يقول في خطبته: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها) وهذا يدل على أنه لا يقتصر على السورة فقط، وأنه يذكر معها أشياء.(129/18)
حكم المرأة إذا سها الإمام وهي خلف في الصلاة
السؤال
رجل يصلي بعائلته في البيت، فإذا سها في الصلاة هل المرأة تسبح أو تصفق؟ الشيخ: يعني: هل المرأة تجهر بالتسبيح؟ السائل: نعم.
الجواب
الظاهر أن المرأة لا تجهر بالتسبيح، لا في المسجد ولا في بيتها؛ لأن النساء لسن من ذوي الجهر بالعبادات، حتى التلبية التي أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يرفع الناس أصواتهم بها، لا تجهر بها المرأة، ولو لم يكن عندها أحد، ولو كانت في خيمتها فإنها لا تجهر بالتلبية، إلا بقدر ما تسمع رفيقتها فقط.(129/19)
حكم إمامة المسافر للناس الجمعة
السؤال
بالنسبة للمسافر هل يؤم الناس في الجمعة؟
الجواب
نعم، لا حرج في ذلك لحديث: (يؤم القومَ أَقْرَؤُهُم لكتاب الله تعالى) إلا إذا كان إمام مسجد فهو صاحب السلطان فيه، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه) وأما إذا لم يكن إمام مسجد فأَقْرَأُ القومِ هو أحقهم بالإمامة حتى وإن كان صغيراً، عمرو بن سلمة الجرمي رضي الله عنه كان صغيراً وكان أَقْرَأَ قومه؛ لأنه يتلقى القرآن ممن يمرون به من الصحابة، فقدَّموه وله ست أو سبع سنين، تصوَّروا! قدَّموه يصلي بقبيلته، لم يصل بواحد أو اثنين أو ثلاثة، بل قبيلتِه كلها، وكان عليه ثوب قصير، إذا سجد ربما تبدو عورته، فخرجت امرأةٌ من الحي ذات يوم وقالت: [غَطُّوا عنا است صاحبِكم] ، الإست ليس هو الفرج، الإست: هو الدُّبُر، يقول: [فاشتروا لي ثوباً -بدل ما كان عليه- فما فرحتُ بعد الإسلام فرحي بذلك الثوب] لأنه صبي صغير، وابن ست سنين وسبع سنين كل شيء يفرح به.
فالمهم: عليك بهذا الحديث: (يؤم القومَ أَقْرَؤُهُم لكتاب الله تعالى) ويستثنى من ذلك إمام المسجد؛ لأن إمام المسجد سلطان في المسجد، وكذلك السلطان الأعظم رئيس البلاد لو حضر المسجد، يكون أحق من غيره.
لكن البلاء كل البلاء أن الناس الآن يتدافعون الإمامة: صلِّ يا فلان.
فيقول: لا، أنت صلِّ.
يا أخي، احمد ربك إذا قيل لك: صلِّ، وأنت أحق القوم بالإمامة، احمد الله؛ لأن عباد الرحمن {يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74](129/20)
كيفية طهر المرأة بعد الولادة
السؤال
فضيلة الشيخ! كيف تطهُر المرأة إذا كانت لأول مرة تلد، ومضى عليها بعد الولادة ثلاثين يوماً، والدم لا يزال مستمراً، ثم أتى بعدها مباشرة صفرةٌ، واستمرت حتى اليوم الخمسين، فكيف تطهُر؟
الجواب
هذه المرأة نرى أنها إذا انقطع الدم عنها تغتسل وتصلي وتصوم، ولو كان قبل أربعين، ولو كان معها صفرة، لحديث أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً) هكذا لفظ البخاري.
فلو أنها تطهرت وصلت لكان خيراً لها؛ لكن إن أعادت ما سبق فهذا حسن، وإن لم تعد فلا شيء عليها.
السائل: في السؤال بقية، في رسالتكم: في دماء النساء، لعله يكون فرق بين الحيض والنفاس، أنه إذا انقطع الدم في الحيض ثم عادت الصفرة في وقت الحيض فهو يعتبر حيضاً، النفاس هل هو مقيَّد بوقت أربعين يوماً أو أنه أكثر أو أقل؟ الشيخ: الصحيح أن النفاس إلى ستين يوماً هذا الصحيح، لكن إذا انقطع قبل الستين أو قبل الأربعين أو قبل العشرين، فإنها تغتسل وتصلي وتصوم ويجامعها زوجها، ولا بأس.
السائل: ولو كان بعد الدم الصفرة مباشرة بدون أي طهر؟ الشيخ: إي نعم، هذا ما رأيناه أخيراً؛ لأن هذا أريح للنساء، وبعض النساء يقلن لنا: إن الصفرة تبقى معهن أكثر الشهر، وبعضهن يقلن: الصفرة تستمر إلى الحيضة الثانية.(129/21)
حكم بيع كتب الوقف إذا تعطلت منفعتها
السؤال
بيع كتب الوقف إذا تعطلت المنفعة، سواء بقِدَم الكتاب، أو خروج كتاب محقق أفضل أو تَمَزُّق الكتاب حيث يباع الكتاب هذا ويُشترى كتاب آخر أفضل منه، سواء تحقيقاً أو طباعة أو إلى آخره، هل هذا يجوز؟
الجواب
أما إذا تعطلت منفعة الكتاب الموقوف بحيث تَمَزَّق أو صار ورقه بالياً، ولا يمكن القراءة به فلا بأس أن يباع ويشترى بدله.
وأما إذا كان باقياً يمكن الانتفاع به، فإن اشترى أحد بدله خيراً منه على أن أجر هذا الوقف الأخير للأول فلا بأس أيضاً؛ لأنه أبدل الوقف بأحسن منه، أما إذا كان يريد أن يلغي الوقف الأول ويجعل الأجر له فهذا لا يجوز؛ لأنه عدوان على صاحبه، عرفتَ الآن؟ السائل: كيف يعني؟ الشيخ: الآن أقول: إذا عُدِم الانتفاع بالوقف لِتَمَزُّق الورق، أو لكونه قد بلي وخلق، هذا يباع ويشترى بدله، حتى لو فرضنا أننا لم نجد مثله، إنما وجدنا كتاباً آخر يقوم مقامه، أو بعض مقامه فلا بأس، أما إذا كان يمكن الانتفاع به، لكن ظهرت طبعة جديدة أحسن ورقاً أو عليها تعليقات، فإنه لا يجوز أن يُبْدَل هذا بهذا، إلا إذا كان الذي يريد أن يجعل الطبعة الأخيرة ثوابها للأول فلا بأس.(129/22)
الكلام على قول الشاعر: "دع الأيام تفعل ما تشاء"
السؤال
عفا الله عنك يا شيخ، قول الشاعر:
دع الأيام تفعل ما تشاءُ وطِب نفساً إذا حكم القضاءُ
هل فيه شيء يا شيخ؟
الجواب
نعم، لا شك أن فيه شيئاً في الشطر الأول؛ لأن الأيام ليست تفعل، إنما الذي يفعل هو: الله عز وجل؛ لكن قد يُعَبَّر بالزمن عن الفاعل وهو الله عز وجل، ومن ذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر) فقد يريد الشاعر بقوله:
دع الأيام تفعل ما تشاءُ
يريد بذلك الرب عز وجل، بمعنى أنه يقول: ارضَ بقضاء الله كما بيَّن ذلك في الشطر الثاني:
وطب نفساً إذا حكم القضاءُ
فعلى كل حال: الشاعر له وجهة نظر في الشطر الأول، أما الشطر الثاني فلا غبار عليه؛ لكننا نقول: لا ينبغي للإنسان أن يقول هكذا، وأن يضيف الحوادث إلى زمنها.(129/23)
حكم من اغتسل من جنابة وصلى وفي ثوبه أثر الجنابة
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل احتلم واغتسل وصلى في نفس الملابس التي احتلم فيها فهل عليه شيء؟
الجواب
ليس عليه شيء، إذا احتلم الرجل وصلى في ثوبه الذي احتلم فيه وفيه أثر من الجنابة فليس عليه شيء؛ لأن الجنابة وهو الماء الدافق طاهر، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل رَطْبَه ويَفْرُك يابسَه، قالت عائشة رضي الله عنها: (كنتُ أفركه من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم فركاً -لا غسلاً- فيصلي فيه) ولو كان نجساً لوجب أن يُغْسَل.
ولكن بالمناسبة: ينبغي للإنسان إذا أراد أن ينام أن يستنجي بالماء، أو يستجمر استجماراً شرعياً، حتى إذا خرج الماء الدافق لم يصادف محلاً نجساً؛ لأنه لو لم يستجمر استجماراً شرعياً بل تيبَّس بمسحة أو مسحتين، ثم ظهر الماء الدافق صادف محلاً نجساً وتنجس به وحينئذ يحتاج إلى غَسل.(129/24)
توجيهات في مسألة تأخير الإقامة
السؤال
عن ظاهرة التبكير بالإقامة، حتى أصبحت مصادر المدح في المسجد صاحب التبكير، وقد أدى ذلك إلى هجر المصاحف بسبب السرعة؟
الجواب
أولاً: أنه قد وُزِّع من قبل المسئولين عن الأوقاف جدول يبيِّن المدة التي بين الأذان والإقامة، وولاة الأمور طاعتهم واجبة في غير معصية الله، والوزارة لها وجهة نظر في تحديد المدة؛ لئلا تختلف المساجد؛ لأنها لو اختلفت ثم مررتَ بشخص قد فتح دكانه أو وقف في السوق مع صاحبه وقلتَ: صَلِّ، وكانت المساجد مختلفة سيقول لك: صليتُ في المسجد الفلاني، ولا تستطيع أن تقول: لا؛ لأن الإنسان مؤتَمَنٌ على دينه، فإذا توحدت الإقامة، كما يتوحد الأذان ما بقي لأحد حجة، هذه وجهة نظر الوزارة.
فإذا قدرنا أن هذا النظام نظام توجيهي وليس إلزامي، فإن الإمام لا ينبغي له أن يستعجل في الإقامة في الصلاة التي لها راتبة قبلها، مثل: صلاة الفجر، وصلاة الظهر؛ لأن الناس يحتاجون إلى أن يكون هناك وقت، يتوضئون ويصلون الراتبة، فليلاحظ هذا.
كذلك أيضاً يلاحظ أن الفجر في أيام الصيف وقِصَر الليل؛ لأن الناس ربما لا يكفيهم النوم القليل، فلا يقومون إلا بعد الأذان فيحتاجون إلى أن يُنْتَظر قليلاً.(129/25)
حكم رد الشتيمة على من شتم بالمثل
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم رد الشتيمة على من شتم بمثلما قال؛ مستدلاً بالآية: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) [الشورى:40] ؟
الجواب
إن دين الإسلام دين العدل، يقول الله عز وجل في أمور الخير: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) [النساء:86] .
ويقول عز وجل في ضد ذلك: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) [البقرة:194] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من لعن والديه، قالوا: يا رسول الله، كيف يلعن الرجل والديه؟! قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه) .
وهذا يدل على أنه يجوز للإنسان أن يرد على ظالِمِه بمثل ما ظلَمَه فيه، لكن لا يعتدي، فإن عفا وأصلح فأجره على الله.
لكن هنا مسألة: لو قذفه فإنه لا يرد عليه بقذف، لو أن المعتدي قال له: يا زانٍ أو يا لوطي، فإنه لا يَرُد عليه بمثل ذلك، وهذه مسألة يجب التنبه لها، أما لو قال: لعنك الله، فليقل: لعنك الله أنت، أو أخزاك الله، يقول: أخزاك الله أنت.(129/26)
ضابط جمع الصلاة في السفر والحضر
السؤال
فضيلة الشيخ! ما الأصل في جمع الصلاة الرباعية في السفر؟ الشيخ: جمعها أو قصرها؟ السائل: جمعها.
الجواب
ما تُحْصَر في الرباعية؛ لأن الجمع يكون في الرباعية ويكون في الثلاثية، كالمغرب مع العشاء، والجمع أوسع من القصر من وجه، وأضيق منه من وجه: الجمع يكون كلما شَقَّ عليك أن تصلي كل صلاة في وقتها فاجمع، سواء كنت في الحضر أو في السفر، ولهذا يجوز الجمع في المطر وأنت في البلد، ويجوز الجمع للمرض وأنت في البلد.
وأما القصر فلا يجوز إلا في السفر؛ لكن في السفر القصر سنة على كل حال، حتى لو أنك ماكث، والجمع ليس بسنة في السفر إلا إذا جدَّ به السير فيَجْمَع.(129/27)
حكم رفع السبابة عند الاحتضار
السؤال
من المعلوم أن البخاري رحمه الله روى حديثاً: (أن النبي صلى الله عليه وسلم عند احتضاره رفع يده أو إصبعه -هكذا جاء في رواية عائشة رضي الله عنها- ثم قال: في الرفيق الأعلى ثلاثاً، ثم قضي عليه عليه الصلاة والسلام) هل تصلح هذه الرواية دليلاً لما يفعله بعض الناس عند احتضارهم، أيُفْعَل به ذلك، وهو أنهم يرفعون أصابعهم السبابة ليتشهدوا، فيكون آخر كلامهم من هذه الدنيا الشهادة، أي: يشيرون بأصابعهم السبابة لأجل ذلك؟
الجواب
إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع يديه للشهادة للدعاء، ورفع الإصبع عند الشهادة يحتاج إلى ثبوت عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن عند الدعاء يُرفع الإصبع أو ترفع اليد.
فالرسول عليه الصلاة والسلام رفع يده مشيراً إلى الرفيق الأعلى؛ لأنه دعا، قال: (اللهم في الرفيق الأعلى) .(129/28)
المذاهب الأربعة ليست من الفرق الثلاث والسبعين
السؤال
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة) هل يدخل في هذا الوعيد من يتحصن بمذهب معين، مثل: المذاهب الأربعة؟
الجواب
لا يدخل في هذا، مراد الرسول عليه الصلاة والسلام بثلاث وسبعين فرقة في الذين يضللون الفرق، والمذاهب الأربعة لا يضلل بعضهم بعضاً.(129/29)
حكم من حلف على شيء وألزم نفسه بصيام ثم رجع إليه
السؤال
قالت امرأة بعد أن بعُدَت عن أهلها خمس سنوات: والله لئن رجعتُ إلى أهلي لأصومن شهرين، فما حدَّدت مدى رجوعها، فحصل ظرف اضطراري إلى أن تسافر إلى أهلها فسافَرَت، فماذا عليها؟
الجواب
حسب نيتها، إذا كان من نيتها أنها متى رجعت إلى أهلها على وجه الاختيار والطمأنينة صامت الشهرين وليس عليها صيام إذا رجعت إلى أهلها للضرورة.
وإن قصدت الرجوع مطلقاً فعليها أن تصوم شهرين.
ثم إن كانت اشترطت بنيتها، أو بلفظها أنها متتابعة، فهي متتابعة، وإن لم تشترط أنها متتابعة فتصوم ستين يوماً ولو متفرقة.
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(129/30)
لقاء الباب المفتوح [130]
يوجه القرآن عقول الكفار والمشركين إلى النظر في ملكوت السماوات والأرض، وما زخرت به من آيات دالة على حكمة الخالق القادر على كل شيء، ذلك كله لمن كان ذا بصر وبصيرة، فيعرف لله حقه وقدره ويؤمن به، ونجد ذلك واضحاً في تفسير أوائل سورة (ق) والتي كان للشيخ معها وقفات مباركة.(130/1)
تفسير آيات من سورة (ق)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثلاثون بعد المائة من اللقاءات التي تسمى (لقاء الباب المفتوح) ، والتي تتم كل خميس في كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثامن عشر من شهر صفر عام (1417هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بالاستمرار في تفسير سورة ق، وقد وصلنا إلى قوله تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق:4-5] .(130/2)
تفسير قوله تعالى: (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج)
قال تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق:6] الاستفهام هنا للتوبيخ، يوبخهم عز وجل، لماذا لم ينظروا في هذا؟! لماذا لم ينظروا إلى السماء، وما فيها من عجائب القدرة الدالة على أن الله تعالى قادر على إحياء الموتى الذي أنكره هؤلاء المكذبون؟! وقوله: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ} يشمل نظر البصر، ونظر البصيرة، نظر البصر يكون بالعين، ونظر البصيرة يكون بالقلب، وهو: التفكر.
وقوله: {إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا} قد يقول قائل: إن كلمة (فوقهم) لا فائدة منها؛ لأن السماء معروفة أنها فوق؛ ولكن نقول: إن النص على كونها فوقهم إشارة إلى عظمة هذه السماء، وأنها مع علوها وارتفاعها وسعتها وعظمتها تدل على كمال خالقها وقدرته جل وعلا.
{كَيْفَ بَنَيْنَاهَا} بناها الله عز وجل بقوة، وجعلها قوية، فقال جل وعلا: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} [النبأ:12] أي: قوية، وقال تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات:47] ، أي: بقوة {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] .
وهذا البناء لا نعلم كيف بناه الله عز وجل؛ لكننا نعلم أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، خلق الأرض في أربعة أيام، والسماء في يومين، كما قال تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت:12] .
وقوله: {وَزَيَّنَّاهَا} أي: حسَّنَّا منظرها بما خلق الله تعالى فيها من النجوم العظيمة المنيرة المنتظمة في سيرها، وهذه النجوم قال قتادة رحمه الله -وهو من أئمة التابعين-: [خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينةً للسماء.
وعلامات يُهتَدى بها.
ورجوماً للشياطين.
فمن ابتغى فيها شيئاً سوى ذلك فقد أضاع نصيبه، وتكلَّف ما لا علم له به] يشير إلى ما ينتحله المنجمون من الاستدلال بحركات هذه النجوم على الحوادث الأرضية، حتى إنهم يبنون سعادة الشخص وشقاءه على هذه النجوم، مثلاً: يقولون: إذا وُلِد في النجم الفلاني فهو سعيد، وإذا ولد في النجم الفلاني فهو شقي، وهذا لا أثر له، أي أن تحركات النجوم في السماء ليس لها أثر فيما يحدث في الأرض.
ثم قال تعالى: {وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} يعني: ليس في السماء من فروج، أي: مِن فُطور وتشقُّق، بل هي مبنية محكمة قوية.(130/3)
تفسير قوله تعالى: (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج)
{وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق:7] هذه ثلاثة أمور: أولاً: الأرض مدها الله عز وجل: مع أنها بالنسبة للسماء صغيرة جداً؛ لكنها ممدودة للخلق مسطحة لهم، كما قال تعالى: {وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:20] .
ثانياً: ألقينا فيها رواسي: أي: جبالاً ثابتات لا تزعزعها الرياح فهي راسية وكذلك أيضاً مُرسية للأرض.
{وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} أي: من كل زوج سارٍّ لناظره، والمراد بالزوج هو الصنف، أي: أن ما ينبت في الأرض أصناف متعددة متنوعة حتى أنك ترى البقعة من الأرض وهي صغيرة تشتمل على أنواع من هذه الأصناف تختلف في ألوانها وتختلف في أحجامها، وتختلف في ملمسها ما بين شديدة وليِّنة إلى غير ذلك من الاختلافات العظيمة، بل إنها تختلف حتى في مذاقها إذا كانت من ذوات الثمر، كما قال تعالى: {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} [الرعد:4] فمَن القادر على هذا؟! إنه الله تعالى القادر على أن يخلق هذه الأشياء التي فيها من كل زوج بهيج مع أنها في مكان واحد، وتُسقى بماء واحد، والأرض أيضاً واحدة.
مَن يقدر على هذا؟! إنك تأتي الأرض المعشبة التي أنبت الله تعالى فيها من أصناف النبات فتتعجب، ترى هذه -مثلاً- زهرتها صفراء، وهذه بيضاء، وهذه بنفسجية، وهذه منفتحة، وهذه منظمة، إلى غير ذلك من الآيات العظيمة، فهذا أكبر دليل على أن الله قادر على إحياء الموتى الذي أنكره هؤلاء المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} [ق:3] .
فالقادر على خلق هذه المخلوقات العظيمة قادر على إحياء الموتى، ثم يقال: مَن الذي خلق الإنسان؟ هو الله، وإعادة الخلق أهون من ابتدائه كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27] فإذا كنتم -أيها المشركون- تقرون بأن الله هو الخالق وأنه هو الذي خلقكم وأوجدكم فلماذا تنكرون أن يعيدكم الله، مع أن أمره {إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] ؟!(130/4)
تفسير قوله تعالى: (تبصرة وذكرى لكل عبد منيب)
{تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق:8] أي: أن الله تعالى حثنا على أن ننظر إلى السماء وإلى الأرض وما يحدث فيهما.
{تَبْصِرَةً} أي: لأجل التبصرة والذكرى، قال العلماء: الفرق بين التبصرة والذكرى؛ أن التبصرة مستمرة، والذكرى عند النسيان، فهذه الآيات تُذَكِّرك إذا نسيتَ وتبصِّرك إذا جهلت، وقد يقال: إن الفرق بينهما أن التبصرة في مقابل الجهل، والذكرى في مقابل النسيان، وكلا القولين حق.
المهم أنك إذا نظرت إلى السماء وإلى الأرض وما فيها مما أودعه الله عز وجل من النبات؛ فإنك سوف تبصر بقلبك وتذكر أيضاً إذا نسيت، ولكن لمن هذه التبصرة والذكرى؟ {لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق:8] : ليست لكل إنسان، ما أكثر ما ينظر الكفار في الآيات! ولكن {وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101] إنما الذي ينتفع بها هم من قال الله عنهم: {لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق:8] أي: رجَّاع إلى الله عزَّ وجلَّ.
نسأل الله أن يعيدنا وإياكم عوداً حميداً، وأن يرزقنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً.(130/5)
الأسئلة(130/6)
سيد قطب في الميزان
السؤال
سيد قطب: رجل ظهر على العالم الإسلامي بفكر، واختلف فيه الناس بين ممجد وقادح قدحاً شديداً جداً، فنود أن يبين شيخنا لنا بياناً وافياً عن هذا الموضوع، وكيف يكون موقف المسلم نحو الرجل؛ لأن سيداً له أثر في العالم الإسلامي، وله آثار من كتب ومؤلفات فنريد بياناً من فضيلتكم؟
الجواب
بارك الله فيكم! لا أرى أن يكون النزاع والخصومة بين الشباب المسلم في رجل معين، لا سيد قطب ولا غير سيد قطب، بل النزاع يكون في الحكم الشرعي، فمثلاً: نعرض قولاً من الأقوال لـ قطب أو لغير قطب، ونقول: هل هذا القول حق أو باطل؟ ثم نمحصه إن كان حقاً قبلناه وإن كان باطلاً رددناه، أما أن تكون الخصومة والنزاع بين الشباب، والأخذ والرد في رجل معين فهذا غلط وخطأ عظيم.
فـ سيد قطب ليس معصوماً، ومَن فوقه من العلماء ليسوا معصومين، ومَن دونه من العلماء ليسوا معصومين، وكل شخص يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيجب قبول قوله على كل حال.
فلذلك أنا أنهى الشباب أن يكون مدار نزاعهم وخصوماتهم على شخص معين أياً كان؛ لأنه إذا كانت الخصومات على هذا النحو فربما يُبْطل الخصم حقاً قاله هذا الشخص، وربما يَنْصُر باطلاً قاله هذا الشخص، وهذا خطر عظيم؛ لأنه إذا تعصب الإنسان للشخص وتعصب آخر ضده، فالذي يتعصب ضده سوف يقول عنه ما لم يقله، أو يؤول كلامه، أو ما أشبه ذلك، والثاني ربما يُنْكِر عنه ما قاله، أو يوجه ما قاله من الباطل.
فأنا أقول: لا نتكلم في الأشخاص، ولا نتعصب لأشخاص، وسيد قطب انتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، والله تعالى حسيبه، وكذلك غيره من أهل العلم.
أما الحق فيجب قبوله سواء جاء من سيد قطب أو من غيره، والباطل يجب رده سواء كان من سيد قطب أو من غيره، ويجب التحذير من أي باطل كُتِب أو سُمِع سواء من هذا أو من هذا، من أي إنسان.
هذه نصيحتي لإخواننا، ولا ينبغي أن يكون الحديث والمخاصمة والأخذ والرد في شخص بعينه.
أما سيد قطب فرأيي في آثاره أنه مثل غيره، فيه حق وباطل، ليس أحد معصوماً، ولكن ليست آثاره مثلاً كآثار الشيخ محمد ناصر الدين الألباني فبينهما كما بين السماء والأرض، فآثار الرجل الأول هي عبارة عن أشياء أدبية وثقافية عامة، وليس عنده كما عند الشيخ الألباني في التحقيق والعلم.
ولذلك أنا أرى أن الحق يؤخذ من كل إنسان، والباطل يُرَد من كل إنسان، وأنه لا ينبغي لنا بل ولا يجوز لنا أن نجعل مدار الخصومة والنزاع والتفرق والائتلاف هو أسماء الرجال.(130/7)
أهمية تكرار النصيحة لمن يشهد الصلاة مع الجماعة
السؤال
إذا كان إنسان يعرف رجالاًَ لا يشهدون الصلاة مع الجماعة، ويعلم أنهم قد نُصِحُوا من غيره، فهل تبرأ ذمته بذلك؟
الجواب
لا تبرأ ذمته، إذا علمت أن شخصاً يرتكب محرماً أو يترك واجباً، وقد نصح من غيرك ولم يوفَّق لموافقة، فيجب عليك أن تنصحه؛ لأنه ربما يقبل منك ولا يقبل من الآخر، وربما يكون الذي نصحه أولاً أتاه بعنف، وأنت تأتيه برفق، وقبول الرفق واضح، فيقبل من الثاني ولا يقبل من الأول.(130/8)
حكم التقيئ في دورة المياه
السؤال
إذا استفرغ الإنسان -أعزكم الله- وظهر في هذا الاستفراغ بعض الأطعمة الواضحة فهل له أن يجعل ذلك في دورة المياه؟
الجواب
نعم، القيء إذا خرج من المعدة فهو نجس عند كثير من العلماء أو أكثر العلماء، وعلى هذا فلا بأس أن يتقيأ في دورة المياه، وإن كان يوجد جرم الطعام؛ لكنه نجس على قول جمهور العلماء، وعلى قولٍ بأنه طاهر ليس له حرمة، ولهذا ذكر النبي عليه الصلاة والسلام هذا في مقام الذم فقال: (العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) فجعل هذا شيئاً قبيحاً.(130/9)
حكم قراءة الفاتحة للمأموم خلف الإمام
السؤال
هل تجب على المأموم قراءة الفاتحة خلف الإمام؟ وما صحة حديث: (قراءة الإمام قراءة لمن خلفه) ؟
الجواب
نعم، هذه مسألة اختلف فيها العلماء على أقوال متعددة نذكر منها رءوس الأقوال وهي: القول الأول: أنه لا قراءة على المأموم مطلقاًً، لا في السرية ولا في الجهرية، استدلالاً بهذا الحديث الذي أشرت إليه: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) .
القول الثاني: أنها تجب مطلقاً في السرية والجهرية؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم انفتل ذات يوم من صلاة الصبح، فقال: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟! قالوا: نعم.
قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) .
القول الثالث: وسط بين القولين يقول: إذا كانت الصلاة جهرية فقراءة الإمام قراءة لمن خلفه، ولهذا يؤمنون على قراءته الفاتحة، إذا أكمل قالوا: آمين معه، وهذا يدل على أن قراءته قراءة لهم، وأما إذا كانت الصلاة سرية؛ فأنه لابد من قراءة الفاتحة على المأموم.
والذي يظهر لي أن قراءة الفاتحة واجبة في الصلاة السرية والجهرية إلا في حال واحدة، وهي إذا دخل الإنسان وقد ركع الإمام، فإن قراءة الفاتحة تسقط عنه في هذه الركعة، وكذلك لو دخل قبل الركوع ولكن لم يتمكن من إتمام الفاتحة حتى ركع الإمام فإنه يركع وتسقط عنه في هذه الحال.(130/10)
درجة حديث: (لا يؤمَّنَّ فاجرٌ مؤمناً)
السؤال
ما صحة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمَّنَّ فاجرٌ مؤمناً إلا أن يضربه بسوط أو عصا) ؟
الجواب
هذا حديث ضعيف، لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة: إنه تجوز إمامة الفاسق، مثلاً: لو تقدم إنسان قد حلق لحيته، وصلى بنا فإن الصلاة صحيحة؛ لكن لا شك أنه كلما كان الإمام أتقى فهو أَولى.(130/11)
حكم إبقاء التلفاز في البيت تجنباً للمشاكل الأسرية
السؤال
أنا متزوج وعندي أربعة أطفال، وعندي تليفزيون داخل البيت، وهناك فيديو أدخلته عليَّ الزوجة، وأنا ما أريد إدخاله، مَنَعْتُه، ومرة أخرى دخل الفيديو وأنا ما أدري، فجئت وأولادي كلهم، وفيه رجل يقبل امرأة، فأخذت هذا الفيديو وكسرتُه وضربتها وقلت: والله! إذا خرجت من البيت بدون أذني فأنت حرام علي، فما رأيك يا شيخ؟! فقد جاءها إخوتها وأخذوها من البيت بدون علمي.
الجواب
نسأل الله أن يصلحها ويصلح بها.
أولاً: إذا كان إخوتها أخذوها بغير اختيارها فلا شيء عليها، وإن كانوا قد أخذوها باختيارها عليك كفارة يمين، تطعم عشرة مساكين وتحل لك، ما دمتَ قلتَ: أنتِ عليَّ حرام فقط، ولم تقل: كظهر أمي؛ لأن هذا التحريم قد بيَّن الله سبحانه وتعالى حكمه في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:1-2] فجعل الله التحريم يميناً، أعرفتَ؟ أما بالنسبة للتلفاز والفيديو فإذا أمكن ألا يدخل البيت فهو أحسن بلا شك، وإذا لم يمكن وترتب على منعه مفاسد كبيرة فليبق في البيت؛ ولكن لا يُفْتَح إلا على الأخبار والأشياء النافعة.(130/12)
حكم طفل رضع من أم أبيه
السؤال
إنسان له أخ وله زوجة، عند الولادة توفيت هذه الزوجة وأنجبت ولداً، وجدة الولد الرضيع أم أبيه عجوز كبيرة، لها فوق الستين، عند وفاة أم الولد أرضَعَتْ هذا الولد سنتين ودَرَّت اللبن، فالأخ الثاني له بنات فما حكم البنات بالنسبة لهذا الولد؟
الجواب
الأم العجوز لما أرضعت الطفل صارت أماً له، وإذا كانت أماً له صار أخاً لأولادها الذكور والإناث، فأولاد الإناث يكون هو خالهم، وأولاد الذكور يكون هو عمهم، والدليل على ذلك قول الله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء:23] وهذه أرضعت ودَرَّ لبنُها عليه، فرضع منها.(130/13)
حكم الاستعانة بالسحرة لحل مشكلة رجل ابتلاه الله بالزنا واللواط، وحكم السفر إلى الخارج
السؤال
رجل مسلم ابتلاه الله بالزنا واللواط بعد أن سافر ورجع من خارج البلاد، ويتوقع أهله بأنه قد عُمِل له سحر، فهل يجوز لهم الاستعانة بالسحرة لحل مشكلته؟
الجواب
لعل هذا مرضاً، وليس بلازم أن يكون سحراً؛ لأن بعض الناس والعياذ بالله يُبتلى بمحبة الزنا وإن كان عند امرأة، ومحبة اللواط وإن كان عنده امرأة، أليس لوطٌ قال لقومه: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء:165-166] ؟! فنحن ما نتيقن أنه سحر، وربما أنه لما رأى تلك المجتمعات الفاسدة ابتُلِي بها، وهذا يدلنا على أنه يجب الحذر من السفر إلى مثل هذه البلاد، وأنه لا يجوز للإنسان أن يسافر إليها إلا عند الضرورة كمريض وما أشبه ذلك.(130/14)
وراثة المرتد
السؤال
قلتم فيما سبق: أن تارك الصلاة إذا مات على ذلك لا يوْرَث؛ ولكن عندما اطلعتم على قول شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يقول: إنه يوْرَث توقفتم في المسألة، فما القول فيها؟
الجواب
القول ما قلناه: أنه إذا مات لا يوْرَث، وإذا مات قريبُه لا يرِثُه؛ لكن شيخ الإسلام رحمه الله عنده قاعدة أن المرتد يوْرَث ولا يَرِث.
أما أنا فأرى أن المرتد لا يَرِث ولا يوْرَث، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أسامة بن زيد رضي الله عنهما: (لا يَرِث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) فإذا مات تارك الصلاة وهو كافر كيف نوَرِّث قريبَه منه؟! فالصواب أنه العموم، وأن المسلم لا يرث الكافر والكافر لا يرث المسلم، سواء كان كفره أصلياً أو كان ردة.(130/15)
معنى قول الإمام أحمد في حديث النزول والرؤية: (نؤمن بها ونصدق بها بلا كيف ولا معنى)
السؤال
ما معنى قول الإمام أحمد رحمه الله في حديث النزول وأحاديث الرؤية وغيرها: نؤمن بها، ونصدق بها بلا كيف ولا معنى، ولا نرد شيئاً منها؟
الجواب
أما قوله: بلا كيف، أي: لا نكيفه، لا نقول: ينزل على صفة كذا وكذا؛ لأن الكيف مجهول.
وأما قوله: ولا معنى، فقال شيخ الإسلام رحمه الله: مراده بذلك: معنى أهل التأويل الذين يؤولونها، أي: أننا لا نأتي لها بمعنى يخالف ظاهرها، وهذا حق، يعني: ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في مراد الإمام أحمد صحيح بلا شك؛ لأن الإمام أحمد كغيره من أهل السنة يؤمنون بالمعاني التي تدل عليها هذه الكلمات.(130/16)
حديث تعلق الجار برقبة جاره يوم القيامة
السؤال
هل صحيح أن الجار يتعلق برقبة (الجار يوم القيامة فيقول: يا رب! رآني على منكر فلم ينهني عنه، فيقول الله عز وجل: ادخلا النار) ؟
الجواب
والله! هذا الحديث لا أدري عن صحته؛ لكن كل إنسان يرى أخاه على منكر سواء كان جاراً له أم لا، إذا لم ينهه فإنه غير ناصح له؛ لأن من تمام النصيحة لإخوانك المسلمين إذا رأيتهم على منكر أن تبيِّن لهم المنكر وتحذرهم منه، وأما السكوت فغلط، لكن هناك منكرات ظاهرة بيِّنة لكل أحد، فهل يلزمني كلما رأيت رجلاً متلبساً بها أن أنكر عليه، حلق اللحية -مثلاً- مشتهر عند الناس الآن، الكل يعرف أنه حرام، هل يلزمني كلما مر بي رجل أو مررتُ برجل حالق لحيته أن أنكر عليه، هذه فيه صعوبة؛ لأن هذا معروف، وكذلك شرب الدخان، وأما المنكرات التي ليست ظاهرة وليست معروفة، فهذه يجب عليَّ إذا رأيتُ أحداً تلبس بها أن أنكر عليه.
وأما القسم الأول وهو المنكرات المشهورة المعروفة فهذه تقيَّد بالاستطاعة، لو أنك جلست معه على طعام أو شراب أو ما أشبه ذلك، حينئذ يوجه بالنصيحة، وإن كان من الأمور المشهورة، أما إن مر بك في السوق، فتجيء وتوقِّفه وتقول: تعال، هذا منكر، فهذا لا يلزمك.(130/17)
حكم التصرف بالمال العام في مستحقاته
السؤال
يُصرف بترول للسيارات في الدوائر الحكومية ويزيد من البنزين، ونتصرف فيه في إصلاح السيارات، وقد قست على ذلك، واتصلت بالمسئول المفوض صاحب الصلاحية بشأن الماء الذي يُصرف رَدَّين مثلاً، فقال: لا توجد مشكلة تشتري أربعة ردود بقيمة الردين، فهل يجوز لي أن أتصرف في البنزين لكي أصلح به سيارات الحكومة، ميكانيكا وكهرباء وما شابه ذلك؟
الجواب
إذا كان المسئولون يعلمون أن هذا العوض للبنزين أكثر مما يتحمله العمل، وفي بعض الأشهر يزيد وبعض الأشهر لا يزيد البنزين فإذا زاد يقولون: لا بأس أن تصرفه في إصلاح السيارة فهذا طيب، وجزاك الله خيراً، أما أنه إذا زاد تأخذه لنفسك، هذا هو الممنوع.
وإذا سألتهم عن الماء قالوا: لا بأس فهذا عمل طيب، وأنت تريد الإصلاح بذلك.(130/18)
حكم بيع الذهب الذي فيه فصوص نقداً
السؤال
يوجد في بعض الذهب فصوص فما حكم شرائه إذا كان المشتري راضياً، مع العلم أنه يوزن على أنه ذهب، وعند البيع يُخصم من سعره، وهو لا يشتريها بذهب لكن بدراهم؟
الجواب
لا بأس بذلك؛ لكن هنا يحسن أن يبيَّن له قدر الفص.(130/19)
كيفية رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء عليهم السلام
السؤال
ذكر بعض أهل العلم أن قوله عليه الصلاة والسلام: (عُرِضَت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط.
) إلى آخره، أن ذلك كان في ليلة الإسراء، يؤيده ما رواه الترمذي عن ابن عباس قال: (لله لَمَّا أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يمر بالنبي والنبيَّين) وذكر آخرون من أهل العلم أن ذلك كان في المنام، فكيف الجمع؟ وما هو الراجح؟
الجواب
الحديث محتمل يعني قوله صلى الله عليه وسلم: (عُرِضَت علي الأمم) هل هو في المنام أو في اليقظة ليلة المعراج، فإذا ورد حديث صحيح يبيِّن أنه كان في ليلة المعراج فإنه يجب الأخذ به، وذلك بناءً على القاعدة المعروفة والتي دل عليها القرآن وهي رد المتشابه إلى المُحْكَم، ومنه: إذا كان النص يحتمل معنيين، ثم جاء نص آخر يعيِّن أحد المعنيَين، فإنه يجب اتباع النص الثاني، فإذا صح هذا الحديث الذي ذكرتَه أنه كان ليلة المعراج فليؤخذ به.(130/20)
حكم جمع العصر إلى الظهر في السفر مع التيقن الوصول قبل العصر
السؤال
سافرنا من عفيف إلى القصيم وفي الطريق حان وقت صلاة الظهر، وأردنا أن نجمع الظهر مع العصر علماً أننا على يقين بأننا سنكون وقت العصر في القصيم، فهل يصح الجمع مع العلم أننا من أهل عفيف؟
الجواب
لا بأس أن تجمعوا، حتى لو علمتم أنكم تصلون إلى القصيم؛ لأن القصيم ليس بلدكم، بل حتى لو رجعتم -مثلاً- وجاء وقت صلاة الظهر وأردتم أن تجمعوا إليها العصر، وأنتم تعلمون أنكم ستصلون إلى بلدكم قبل العصر فلا بأس.
لكن في هذه الحال يعني: إذا كنت تعلم أنك ستصل إلى بلدك قبل دخول وقت الثانية الأفضل ألا تجمع؛ لكن لو جمعت فلا بأس.(130/21)
حكم القول في الصفات باعتبار الأصل أم باعتبار الآحاد
السؤال
قولنا في صفة الكلام باعتبار الأصل ذاتية وباعتبار الآحاد فعلية، هل ينطبق ذلك على بقية الصفات أو بعضها، كالمجيء والإتيان والسمع والبصر بمعنى هل نقول: إنها ذاتية باعتبار الأصل، وفعلية باعتبار الآحاد؟ وما الضابط في ذلك؟
الجواب
لا، أولاً: صفات الله عز وجل تنقسم إلى: - صفات خبرية.
- صفات معنوية.
الصفات الخبرية: مثل الوجه، واليد، والعين، والساق، والقدم، هذه لم يزل الله تعالى ولا يزال متصفاً بها.
الصفات المعنوية: منها ما يتجدد أفرادُه، ومنها ما لا يتجدد، فالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، هذه لا تتجدد أفرادها، ولم يزل ولا يزال عليماً بكل شيء، ولم يزل ولا يزال قادراً على كل شيء، ولم يزل ولا يزال سميعاً بصيراً، هذه لا يمكن أن نقول: إنها صفة فعلية، لا في أصلها ولا في آحادها.
هناك صفات قسم ثالث: صفات معنوية لكنها فعلية باعتبار تجدد آحادها.
فالكلام مثلاً تتجدد آحاده، تكليم الله لموسى كان في وقت موسى، وتكليم الله تعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام كان في وقت محمد، أي أن الكلام الثاني ليس هو الكلام الأول، فهنا أفراده تتجدد، ولهذا نقول: هو صفة ذاتية باعتبار أصله أي: باعتبار أن الله لم يزل ولا يزل متكلماً، وباعتبار أفراده وآحاده يكون صفة فعلية، أما النزول إلى السماء الدنيا فإنها صفة فعلية فقط، لأنه ينزل إلى السماء الدنيا، والسماء الدنيا مخلوقة حادثة بعد أن لم تكن، فيكون النزول صفة فعلية فقط، لكن جنس الفعل وأن الله لم يزل ولا يزال فعالاً، هذه صفة ذاتية.(130/22)
حكم قتل النمل إذا كان مؤذياً
السؤال
ورد حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه (لا يُقْتَل أربع.
وذكر منها: النمل) والنمل أحياناً يؤذي في البيوت، يعني: يدخل الغرف وتتكون جماعات، هل يجوز لنا قتله بالسم وغيره؟
الجواب
نعم.
(نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن قتل أربعة من الدواب: النملة، والنحلة، والهدد، والصُّرَد) وحرم الله تعالى قتل النفس المسلمة، فإذا آذى المسلم بقطع الطريق أو نحوه مما يُبِيْحُ قَتْلَه أُبِيْحَ قَتْلُه، ولهذا لو أن إنساناً هجم عليك يريد أخذ مالك فلا تعطه مالك، فإن قاتلك فقاتله، ويحل لك أن تقتله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يريد أخذ المال، قال: (لا تعطه، قال: يا رسول الله! أرأيت إن قاتلني؟ قال: إن قاتلك فقاتله.
قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد.
قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار) فالمؤذي يجوز قتله.
فإذا كان هذا النمل لا يندفع آذاه إلا بقتله، فاقتله ولا حرج عليك؛ لكن هناك وسيلة قبل أن يقتل وهي أن تصب على بيوته شيئاً من الجاز، فإننا جربنا هذا ورأيناه إذا صُبَّ على بيته شيء من الجاز فإنه يرتحل، ولا يبقى، فإذا أمكن ذلك فهو أحسن، وإذا لم يمكن فلا بأس بقتله.(130/23)
معنى حديث: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)
السؤال
فضيلة الشيخ! ما معنى هذا الحديث وما مدى صحته: (إن الله لَيَزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن) ؟
الجواب
لا يحضرني الآن عن صحته شيء؛ لكن معناه: أن من الناس من لا يصلحه إلا قوة السلطان، ومن الناس من يصلحه القرآن، إذا قرأ القرآن اتعظ وانتفع، ومن الناس من هو شرير لا يصلحه إلا السلطان، ويدل لهذا أن الزاني إذا زنا ماذا يُصنع به؟ يُجلد، لا نقول: نأتي به، نقرأ عليه القرآن، ونحذره من الزنا، وما أشبه ذلك، نجلده؛ لأن هذا يردعه وأمثالَه عن العودة إليه، فالمعنى صحيح، أن الله تعالى يَزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن؛ لكن لفظ الحديث لا يحضرني الآن.(130/24)
حكم الحجز يوم الجمعة في المسجد
السؤال
ما حكم الحجز يوم الجمعة في المسجد؟
الجواب
الحجز في المكان جائز بشرط: أن يكون الرجل في المسجد؛ كأن يكون حجز في الصف الأول وذهب في طرف المسجد من أجل أن يقرأ وحده لئلا يشوش عليه الناس.
وبشرط آخر: أنه إذا أراد الوصول إلى مكانه في الصف الأول، فإنه يلزمه أن يتقدم إلى مكانه؛ لأنه لو تأخر لزم من ذلك أن يتخطى رقاب الناس، إلا إذا كان في المسجد باب في المقدَّم يمكنه أن يخرج من المسجد ويرجع إلى الباب من جهة الباب، فهذا لا بأس أن ينتظر حتى تطيب نفسه ثم يخرج من المسجد ويذهب إلى مكانه.(130/25)
حكم الطلاق بالنية
السؤال
فضيلة الشيخ! لو أن إنساناً نوى الطلاق هل يقع الطلاق؟
الجواب
إذا نوى الطلاق فإنه لا يقع الطلاق، بل لو حدَّث نفسه أنه يطلق؛ فإنه لا يقع الطلاق، لو قال: سأكتب ورقة طلاق امرأتي الآن، ثم أتى بالقرطاس والقلم؛ ولكنه عدل عن هذا، فلا طلاق، دليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدَّثت به أنفُسَها، ما لم تعمل، أو تتكلم) وهذه نعمة من الله، هذا بالنسبة للإنسان العادي الذي هو متزن.
أما بالنسبة للإنسان الموسوس فهذا لا يقع طلاقه ولو تلفظ بالطلاق؛ لأن بعض الناس -نسأل الله العافية- يُبْتلى بالوسواس في أهله، فتجده يُطَلِّق زوجته غصباً عليه، حتى إنه لو فتش المصحف أو الكتاب ليقرأ قال له الشيطان: إنك قلتَ: إن فتشتُ الكتاب فامرأتي طالق، حتى إنه يوسوس إليه في كل شيء، وهذا لا يقع طلاقه حتى لو كتبه بيده ونطق به بلسانه، دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق في إغلاق) والإغلاق معناه: أنه يغلق على الإنسان حتى يفعل الشيء بدون إرادة.(130/26)
حكم صلاة الجماعة في السفر في المنزل
السؤال
بالنسبة لصلاة الجماعة في السفر هل تصح في المنزل إذا كنا جماعة؟
الجواب
إذا كنتم جماعة في مكان بعيد عن المساجد فلا بأس، وإن كنتم في مكان قريب فأنتم وأهل البلد سواء؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار) وقوله للرجل الذي استأذنه أن يدع الجماعة قال: (تسمع النداء؟ قال: نعم.
قال: فأجب) وكذلك الجمعة إذا كنتم في بلد وأقيمت الجمعة وجب عليكم حضور الجمعة؛ لعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] .(130/27)
الرد على الجبرية المستدلين بحديث: (أن الله تعالى لما خلق آدم مسح ظهره،)
السؤال
ورد في الحديث الذي معناه: (إن الله لما خلق آدم مسح مسحة فقال: هؤلاء للنار، ثم مسح مسحة أخرى فقال: هؤلاء للجنة) كيف يكون الرد على الجبرية إذا استدلوا بهذا الحديث؟
الجواب
بالنسبة لهذا الحديث اختلف العلماء في صحته هل هو صحيح: (إن الله تعالى لما خلق آدم مسح ظهره، وأخرج منه ذريته وقال: هؤلاء إلى النار ولا أبالي، وهؤلاء إلى الجنة ولا أبالي) فيه كلام طويل عريض للعلماء، وليس فيه حجة للجبرية؛ وذلك لأن الإنسان يفعل ما يريد باختياره، وهل أحد منا يعلم أنه من أهل النار أو من أهل الجنة؟ لا أحد يعلم، فإذا كان لا يعلم؛ فلماذا أقدم على فعل أهل النار، لماذا لم يقدر نفسه أنه من أهل الجنة ويعمل بعمل أهل الجنة؟! فلا حجة للجبرية في كل النصوص التي تدل على أن الله تعالى كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة؛ لأننا نقول للإنسان العاصي، أو الذي يقول: إنه مجبر: ما دليلك على أن الله تعالى خلقك من أهل النار؟! لا أحد يستطيع أن يعرف؛ لأن القدر سر مكتوم لا يُعْلَم إلا إذا وَقَع: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً} [لقمان:34] فلا حجة للجبرية في النصوص الدالة على أن كل شيء مكتوب ومقدر.(130/28)
الخطأ في رمي الجمار
السؤال
في الحج السابق كنت في منى، فجاءتنا زحمة، ومن غير شعور حذفت الجمار في الأولى التي هي واحد وعشرون حصاة، ثم قَفَّيْتُ السبع الثانية، وأفتيتم وأنتم في منى لي أنه لا بأس إن أخذت الحجر من حول الجمرات، وحذفت بها في الثنتين الباقيات، أنا في نفسي لا أدري ماذا قلتَ لي، عندما حذفت فيها واحداً وعشرين، هل جائزة كلها؟ أنت قلت: لا بأس، تأخذ من الحجر من حول الجمرات وتحذف بها.
الجواب
المهم أن الجمار -بارك الله فيك- حصى من أي مكان أخذتها خذها حتى من عند الحوض لا مانع.
لكن الواحد والعشرين في الأولى ما لك منها إلا سبع.(130/29)
حكم عمل النصارى في جزيرة العرب
السؤال
جوار مسجدنا يوجد عمال نصارى يعملون في ورشة وصاحب هذه الورشة لا يأخذ بالنصيحة بأن يجلي هؤلاء العمال عن المسجد، وأن هذه الورشة بجوار المسجد، وإذا حدثت والدي عن هذا -رغم أن والدي زميل له وصديق- قال لي والدي: إنه في الشرع يجوز الإتيان بالعمال، وحجة والدي يقول: لأني كنت عند أحد المشايخ ورأيت عاملاً كافراً، وقال لي الشيخ: الذي لديه عامل كافر فإنه في الشرع يجوز فما رأيكم في هذا؟ وما دوري في هذا؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
نعم، أما جلب غير المسلمين إلى هذه البلاد فلا أشك أنه خلاف الأولى، وأن الأولى ألا يأتي لهذه البلاد إلا رجال مسلمون، ونساء مسلمات، وقد قال الله تعالى {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة:221] لكن لا نقول: إنه حرام، الحرام أن يأتي الكافر يسكن في الجزيرة، هذا هو الذي نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام، وأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، لكن إذا جاءوا عمالاً أو تجاراً فلا بأس، وكذلك إذا جاءوا خداماً لأنهم تبع لأسيادهم، ولهذا كان الذي قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه غلامٌ مجوسيٌّ في المدينة للمغيرة بن شعبة، وكذلك الرسول عليه الصلاة والسلام مات ودرعه مرهونة عند يهودي في المدينة أيضاً.
فهؤلاء العمال الذين هم نصارى عند المسجد إذا كان يحصل منهم أذية للمسجد بحيث يشتغلون والناس يصلون فإنه يجب منعهم، وأما إذا لم يكن منهم أذية فلا يجوز أن نمنعهم؛ لأننا لو منعناهم تضرر الذي أتى بهم.
وخلاصة الجواب: أن نقول: متى أمكن أن تأتي بعمال مسلمين فهو الأَولى، وإذا لم يمكن فلا حرج أن يأتي هؤلاء العمال ويعملوا؛ لكن إن تأذى بهم المسجد أو أهله، فإنهم يُمْنَعون.
الله يوفقنا وإياكم للخير والحمد لله رب العالمين.(130/30)
لقاء الباب المفتوح [131]
تحدث الشيخ في هذا اللقاء عن بدعية الاحتفال بالمولد النبوي؛ مبيناً فساد الدوافع التي من أجلها يقام المولد وبطلانها، ومضيفاً إليها ذكر مفاسد البدع وخطرها.
ثم انتقل رحمه الله إلى الإجابة عن الأسئلة التي احتوت على جزء كبير فيما يتعلق بالمولد.(131/1)
دوافع إقامة المولد والرد عليها
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو يوم الخميس، الثالث من شهر ربيع الأول عام (1417هـ) وهو يوم اللقاء الأسبوعي، الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع.
في هذا اللقاء نود أن نتكلم عن مسألة اجتاحت العالم الإسلامي، وهي لا أصل لها، لا في القرآن، ولا في السنة، ولا في عمل الصحابة والتابعين، ألا وهي: الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن هذا الاحتفال قد عم وطم، واعتقده بعض الناس ديناً وشريعة، بل ربما ظنه بعض الناس أنه من أوجب الواجبات، وأنه لا تتم محبة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا به.
ونحن نبيِّن إن شاء الله تعالى في هذا اللقاء أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في اليوم الثاني عشر من هذا الشهر ليس له أصل، لا في التاريخ، ولا في الشرع.(131/2)
بطلان المولد من الناحية التاريخية
أما التاريخ: فإنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في اليوم الثاني عشر، بل إن بعض المحققين من علماء الفلك أَكَّدوا أن مولده كان في يوم التاسع من هذا الشهر، واختلف العلماء المؤرخون القدامى على نحو سبعة أقوال أو ستة أقوال في تعيين يوم مولده.
هذا من الناحية التاريخية.(131/3)
بطلان المولد من الناحية الشرعية
أما من الناحية الشرعية: فيقال: إن الذين يقيمون هذا الاحتفال: - إما أن يكون الحامل لهم محبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
- وإما أن يكون الحامل لهم مضاهاة النصارى في الاحتفال بمولد عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام.
- وإما أن تكون هذه عادة درجوا عليها.
فأما الاحتمال الأول: وهو أن يكون الحامل لهم على ذلك محبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فنحن نقول: إن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض على كل مؤمن، بل يجب على كل مؤمن أن يقدم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على محبة كل بشر؛ وأن يقدم محبته على محبة نفسه، وولده، ووالده، والناس أجمعين، ولا يتم الإيمان إلا بذلك.
ولكن ميزان المحبة الحقيقية هو: الأدب مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن لا نتقدم بين يديه، وأن لا نشرع في دينه ما لم يشرعه.
لأننا لو تقدمنا بين يديه لأسأنا الأدب، وإساءةُ الأدب يعني: عدم المبالاة بِمَن يكون أمام الشخص.
ولو شرعنا في دينه ما لم يشرعه لكان في هذا قدح في تبليغه للأمة عليه الصلاة والسلام.(131/4)
مفاسد البدع
ونحن نتكلم الآن عن البدع من حيث هي، ومنها: الاحتفال بالمولد.
أي إنسان يحدث بدعة فإننا نقول له: إنك واقع في معصية الرسول عليه الصلاة والسلام، وفيما حذر عنه في قوله عليه الصلاة والسلام: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) وهذه مفسدة عظيمة.
- ومن مفاسد البِدَع: أنها نوع من الشرك، كما قال الله تبارك وتعالى، {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] .
ولا يخفى أن الشرك لا يُغْفَر، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] ، وظاهر الآية الكريمة: أن الشرك لا يُغْفَر ولو كان أصغر.
- ومن مفاسد البدع: أن فيها صداً عن سبيل الله؛ لأن الإنسان يشتغل بها عن العبادة الثابتة حقاً، فما ابتَدَع قومٌ بدعة إلا أضاعوا من السنة ما هو مثلها، أو أعظم منها.
- ومن مفاسد البدع: أنها تستلزم القدح في الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يبلغ ما أرسل به، أو كان جاهلاً به، ووجه ذلك: أننا إذا بحثنا في القرآن والسنة لم نجد هذه البدعة، فإما أن يكون الرسول عليه الصلاة والسلام غير عالم بها، وهذا قدح فيه عليه الصلاة والسلام وإما أن يكون عالماً لكن لم يبلغها الناس، وهذا قدح فيه أيضاً، في أنه لم يبلغ ما أرسل إليه.
- ومن مفاسد البدع: أنها تنافي قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] ؛ لأن مقتضى المبتدع: أن الدين لم يَكْمُل؛ لأننا لا نجد هذه البدعة في دين الله، وإذا كانت من دين الله على زعم هذا المبتدع، وهي لم توجد فيه فإن الدين على زعمه لم يَكْمُل، وهذه مصادمة عظيمة؛ لقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] .
- ومن مفاسد البدع: أن مبتدعها نَزَّل نفسه منزلة الرسول؛ لأنه لا أحد يشرع للخلق ما يقرب إلى الله تعالى إلا مَن أرسله الله عز وجل، ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فهذا الذي ابتدع كأنه بلسان الحال يقول: إنه يُشَرِّع للناس ما يقرب إلى الله، وهذه تعني أنه مشارك للرسول صلى الله عليه وسلم في الرسالة.
- ومن مفاسد البدع: أنها قول على الله بلا علم، وهذا محرم بإجماع المسلمين، قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] .
ولها مفاسد أخرى لو تأملها الإنسان لوجدها تزيد على هذا بكثير؛ لكنَّا نقتصر على ذلك.(131/5)
أقسام الناس المحتفلين بالمولد
نعود إلى أصل الكلام وهو: الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم فنقول: إن الذين يحتفلون بذلك لا تخلو حالهم من ثلاث حالات: - إما أن يكون محبة للرسول عليه الصلاة والسلام.
- أو مضاهاة للنصارى.
- أو لأنه أمرٌ معتاد مَشَوا عليه.(131/6)
شبهة من يقيمون المولد محبة لرسول الله والرد عليهم
الذين يحتفلون بالمولد إذا كان محبةً للرسول عليه الصلاة والسلام فنقول: لا شك أن محبة الرسول واجبة، بل يجب تقديم محبته على محبة النفس والناس أجمعين؛ لكن هل من محبته أن نتقدم بين يديه وأن نشرع في دينه ما ليس منه؟ كلا، يقول الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] .
ويقول الله تبارك وتعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:158] .
فلازم المحبة الصادقة: أن لا يتقدم الإنسان بين يدي الرسول فيدخل في دينه ما ليس منه.
ثم نقول ثانياً: هل أنت أيها المحتفل بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام أشد حباً لرسول الله من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وفقهاء الصحابة وعامتهم وأئمة التابعين مِن بعدهم وتابعي التابعين؟! إن قال: نعم، فهو من أكذب الناس، وإن قال: لا، نقول: يسعك ما وسعهم، فهل أقاموا احتفالاً للرسول عليه الصلاة والسلام؟! أبداً لم يُقَمْ هذا الاحتفال إلا في القرن الرابع الهجري، فما بال الأمة الإسلامية لم تقمه قبل ذلك؟! أهي جاهلة به، أم مخالفة عن علم، أم هي ناقصة المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ثم نقول ثالثاً: إذا كان ذلك بدعوى أنك تحيي ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقول له: ألا يكفيك ما تحيا به ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل عباداتك؟! كل عبادة هي إحياء لذكرى الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن كل عبادة شرطها: 1- الإخلاص.
2- المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام.
فإذا شعرت وأنت تتعبد لله تعالى بهذين الشرطين: الإخلاص لله، والمتابعة، فإن هذه ذكرى للرسول عليه الصلاة والسلام.
لكن مع الأسف أن كثيراً من الناس اليوم يتعبدون لله بالعبادات على أن هذا هو الأمر الجاري، وقَلَّ مَن يتنبه إلى أنه يصلي إخلاصاً لله ومتابعةً لرسول الله، أو يتطهر لذلك، أو ما أشبهه، وإلا فكل إنسان يشعر حين العبادة بالإخلاص والمتابعة للرسول، فإن عبادته إحياء لذكرى الرسول عليه الصلاة والسلام.
ثم نقول: إن الله شرع لعباده ما تكون به ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو خير من هذا الذي تريد، خير وأعم وأشمل.
فالمسلمون في كل صلاة مفروضة يُعْلِنون إعلاناً بأعلى ما يكون من الصوت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، في كل أذان، وليس يقتصر على ليلة من العام، بل كل العام، بل كل يوم، والمسلمون في كل صلاة يقولون: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
فهذا كافٍ في إحياء ذكرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وهذا -أعني: اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والتقيد بسنته- أكبر دليل على محبته، وكلما كان الإنسان للرسول أتبع، كان له أحب، وكلما كان أحب فهو له أتبع.(131/7)
من يقيمون المولد مضاهاة للنصارى والرد عليهم
الثاني: أن يفعلوا ذلك مضاهاة للنصارى: فنقول: إن ثبت أن النصارى قد شُرِع لَهُم أن يَحتفلوا بِمَولد نبيهم عيسى عليه الصلاة والسلام فقد ورد شرعنا بِخِلافه، فهل نأخذ بشريعة النصارى؟ أم بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام؟!
الجواب
الثاني بلا شك.
إذا قُدِّر على الفرض الذي قد يكون محالاً: أنه من المشروع للنصارى أن يحتفلوا بميلاد المسيح عليه الصلاة والسلام، فإن شريعتنا لم تَرِد بالاحتفال بمولد رسولنا صلى الله عليه وسلم، فكيف تتأسى بالنصارى في احتفالهم بمولد عيسى عليه الصلاة والسلام، ولا تتأسى بـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وفقهاء الصحابة وعامتهم وأئمة المسلمين مِن بعدِهم؟! ليس هذا إلا جهل وسفه.(131/8)
من يقيمون المولد على سبيل العادة والرد عليهم
وأما إذا كان الاحتفال على سبيل العادة وهو الاحتمال الثالث؛ أنها عادة مشى الناس عليها: فإننا نقول: العبادات لا تنقلب عادات باستمرار الناس عليها، ولو أننا أخذنا بذلك لكانت صلاتنا وصيامنا وحجنا وزكاتنا كلها عادات، ولا أحد يقول بهذا.
ولو فتحنا هذا الباب لكنا نسمي هذه العبادات العظيمة: تقاليد وعادات، وما أشبه ذلك، ونسلب عنها معنى العبادة وروحها.
ثم نقول: هل العادات يَحِلُّ فيها أن يَذْكُر الإنسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بما نهى عنه هو عليه الصلاة والسلام؟
الجواب
لا، فهو عليه الصلاة والسلام نهى عن البدع وقال: (كل بدعة ضلالة) ونهى عن الغلو فيه.
والذي بَلَغَنا أن هؤلاء الذين يحتفلون بعيد المولد، أنهم يذكرون من الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم ما يصل إلى حد الشرك، فنسمع أنهم يرددون ما قاله البوصيري في قصيدته، فيرددون:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العَمِمِ
إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي عفواً وإلا فقل: يا زلة القَدَمِ
حتى قال:
فإن من جودك الدنيا وضرتهاومن علومك علم اللوح والقَلَمِ
إذا كانت الدنيا وضرتها -وهي: الآخرة- من جود الرسول فماذا يبقى لله؟! لا يبقى لله شيء! ومع ذلك ليست الدنيا والآخرة هي جود الرسول بل هي من جوده، وهناك جود آخر فوق الدنيا والآخرة.
ومن علومك علم اللوح والقَلَمِ
من علومه: علم اللوح والقلم، والله عز وجل يقول لرسوله: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام:50] وهذه الجملة تعني: أنه يقول: إنما أنا عبد أتبع ما يوحَى إلي، وهؤلاء يرددون:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقَلَمِ
وبلغنا أيضاً: أنه يجتمع الرجال والنساء في مكان واحد، ويحصل التصفيق، وترنَّمات بأصوات مغرية، مثيرة للشهوة، موجبة للفتنة.
وبَلَغَنا عنهم -يعني: عن بعضهم، والمراد: الجنس، ليس هو كل واحد بعينه- ما يُعَدُّ سفهاً في العقل، كما هو ضرر في الدين، بلغنا أنهم في أثناء هذه السَّكرة؛ ولا أعني سكرة الخمر؛ ولكنها سكرة الفكر، في هذه السكرة يقومون: عليك السلام، عليك السلام، يقولون: إن الرسول حضر ودخل عليهم، ولو كانوا في أقصى المشرق أو أقصى المغرب، قام من قبره في المدينة، وأتى إليهم، وسلم عليهم، وهذا لا شك أنه سفه، هل أحد يبعث قبل يوم القيامة؟! الجواب: ليس هناك أحد يبعث من هذه الأمة قبل يوم القيامة، إلا أن يكون كرامة لسبب من الأسباب ويزول، أما أن يبعث الرسول عليه الصلاة والسلام ويأتي إلى هؤلاء، وإذا قدَّرنا أن في الأمة الإسلامية عشرات الآلاف يَحتفلون بهذا، في عدة أماكن، والليلة واحدة، كيف يدور الرسول عليه الصلاة والسلام على هؤلاء؟! أقول ذلك ليتبين أن مثل هذه الاحتفالات كما أنها مخالفة للشرع فإنها مخالفة للعقل، ضلال في الدين، وسفه في العقول.
أقول هذا لا لأنها موجودة عندنا في المملكة العربية السعودية -والحمد لله- على وجه ظاهر كما توجد في البلاد الأخرى؛ ولكن ليتبين لطالب العلم حكم هذه المسألة، ولتقوم الحجة عليه -أي: على طالب العلم- بأن يعلنها صريحة لقومه بأن هذا ليس من شريعة الله.
يعني: يخاطب الناس ويقول: أنتم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإذا كان لا إله إلا الله فالحكم لمن؟ لله، وإذا كان محمد رسول الله فالشريعة شريعة رسول الله، فليس لنا أن نحكم بشيء إلا ما حكم الله به، ولا أن نتبع بشراً إلا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
هذا ما أحببت أن يكون موضوع درسنا في هذا اللقاء.
وأسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً متقبلاً، وأن يهدي المسلمين لاتباع سنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إنه على كل شيء قدير.(131/9)
الأسئلة(131/10)
حكم تنازل البائع عن جزء من الثمن للموكل بالبيع
السؤال
ما حكم هذا البيع: رجل دفع سلعة لرجل آخر وقال: ائتني في هذه السلعة بالمبلغ الفلاني -بمبلغ كذا مقدراً- وما زاد فهو لك، فما حكم هذا البيع؟
الجواب
هذا لا بأس به، يعني: لا حرج أن يوكل الإنسان شخصاً يبيع له سلعة، يقول: بعها بمائة وما زاد فهو لك.
لكن إذا كان الوكيل يعلم أن الشيء قد زاد، وأن تقدير الثمن من صاحب السلعة بناءً على ثمن سابق، على قيمة سابقة، فيجب عليه أن ينبهه، ويقول: إن الأشياء قد زادت، وأنها تساوي الآن مائتين، هذه قيمتها في السوق، فإذا أخبره بالواقع وقال: بعها بمائتين فما زاد فهو لك، أو بمائة فما زاد فهو لك، فلا بأس؛ لا الإنسان أحياناً يكون جاهلاً بالسعر، ويظن أن هذه السلعة لا تساوي أكثر من مائة، أو تزيد قليلاً فيقول لوكيله: خذها بعها بمائة وما زاد فهو لك، فهذا جائز؛ لكن -كما قلت- إذا كان السعر زائداً فيجب أن ينبه صاحب السلعة، ويقول: إن السعر قد زاد، فإذا قال: ليس عندي مانع، الله يرزقك، ما زاد فهو لك، فحينئذ لا بأس به.
أحب أن يكون موضوع الأسئلة ما يتعلق بالاحتفال بالمولد؛ لأن منكم من يعرف في بلاده أكثر مما أعرفه أنا، فإن لم يكن عندكم أسئلة فلا بأس بالأسئلة الثانية، لكن هذا موضوع مهم حساس ينبغي لنا -أعني: مسألة المولد- أن نعرف أحوال الناس فيه ونطبقه على الشرع.(131/11)
حكم مشاهدة الاحتفال بالمولد عبر وسائل الإعلام
السؤال
يا شيخنا، ذكرتم أنه لا يوجد -والحمد لله- عندنا هذا الاحتفال؛ ولكن كثير من العوام يشاهدون الدشوش الخارجية فينظرون إليها ويتأثرون، لكن السؤال هنا بالنسبة للخطيب نلاحظ الخطباء قد يذكرون سيرة النبي صلى الله عليه وسلم هكذا من دون أن يتعرضوا للمولد، فعندما تأتي إليه تقول: يا أخي أنت الآن كأنك تشيد بالأمر، فيقول: لا، أنا لا أقصد هذا؟
الجواب
نعم، هذا سؤال يتضمن سؤالين في الواقع: الأول: أن المسلمين الذين لا يقيمون هذا الاحتفال يشاهدونه عبر وسائل الإعلام، وربما تنقل وسائل الإعلام المبثوثة مثل هذا ويَشِيْعُ بين الناس، فنقول: إذا رأيت مثل هذا في التلفاز أو عبر قنوات الدشوش، فأغلق التلفاز؛ لأن البدعة بدعة، ويُخْشَى أن تؤثر على قلبك فتصدق بها، وهذا خطر.
أما الشق الثاني من السؤال: فهو أن بعض الناس في ربيع الأول يذكر حال العرب قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام وحالهم بعد بعثته وكيف أتى الوحي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أشبه ذلك، وهذا ليس من الاحتفال بالمولد؛ لأن الخطيب يذكره في خطبة مشروعة، ليس يُجَدِّد خطبة أو يُحْدِث اجتماعاً، بل الخطبة مشروعة، فذكر ما يناسب المكان أو الزمان لا أرى فيه بأساً، لكن البأس أنك تُحْدِث شيئاً لم يكن، أما هذا فالخطبة مشروعة في كل جمعة، وذكر ما يناسب الزمان أو المكان لا يُعَدُّ بدعة.
السائل: يعني: يذكر يا شيخ.
الشيخ: لا بأس يذكر -مثلاً كما أشرتُ إليه- حال الناس قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام، وحالهم بعد بعثته، وكيف بُعِث عليه الصلاة والسلام.
السائل: ولا مانع من ذلك؟ الشيخ: نعم.(131/12)
توضيح لسبب جمع لفظة (السبيل) المضافة إلى الله سبحانه وتعالى
السؤال
ذكر الله تعالى لفظة السبيل في القرآن بصيغة الإفراد، كقوله سبحانه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153] ؛ لأن السبيل الموصل إلى الله تبارك وتعالى واحد، وهو: طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ قال سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108] .
ولكن ذكر في مواطن أخرى في القرآن الكريم لفظة السبيل بصيغة الجمع، كقوله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] ، وقوله: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} [إبراهيم:12] فكيف نحل هذه الإشكالية يا شيخ؟
الجواب
السبيل المضاف إلى الله تعالى تارة يكون مفرداً، وتارة يكون جمعاً؛ لكن إذا كان جمعاً، فإنه لا بد أن يكون مضافاً إلى الله، وأما إذا كان غير مضاف إلى الله فهو سبل الضلال، يُفْرَد السبيل المضاف إلى الله تعالى؛ لأنه واحد سبيل واحد يوصل إلى الله، وهو الإسلام، وتُجْمَع سبل الضلال؛ لأنها متفرقة هذا نصراني، وهذا يهودي، وهذا شيوعي، وهذا بعثي، وهذا ملحدُ، إلى آخره، فهي سبل متفرقة، وكلها ضلال، وما جمعه الله تعالى من السبيل المضاف إليه، فإنما يجمعه لتنوع العبادات التي هي سبيل الله عز وجل؛ هذه صلاة، وهذه زكاة، وهذا صيام، وهذا حج، وهذا جهاد، وهذا أمر بمعروف ونهي عن منكر، وهذه دعوة إلى الله عز وجل، فصار جمعه له وجه، وإفراده له وجه آخر.
أما سبل الضلال فإنها متفرقة فلا تكون إلا مجموعة.(131/13)
حكم تأجيل الصداق إلى الفراق
السؤال
فضيلة الشيخ: هناك بعض الناس يطلبون تأخير الصداق؛ ولكن بشرط الطلاق! يعني: إذا حصل الطلاق يدفع المؤخر، فما حكم ذلك؟
الجواب
نعم، صيغة السؤال المفهومة المعلومة: أن بعض الناس يجعل الصداق شطرين: 1- شطراً مقدماً عند العقد أو قبل العقد.
2- شطراً آخر مؤجلاً، ويجعل أمد الأجل الفراق.
ونحن نقول: الصداق حق للمرأة، قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4] إن شاءت قالت: لا بد أن يكون مقدماً، هذا واحد وإن شاءت أجَّلته، إما بأجل معلوم كأن تقول مثلاً: كل سنة تعطيني كذا وكذا، وإما بأجل مُطْلَق، ويصح هنا الأجل المطلق، قال العلماء: والأجل المطلق يحل بالفرقة، إما بموت، أو طلاق.
فالصداق المؤجل وإن لم يذكر له أجل معين يَحِل إذا حصلت الفرقة بموت أو طلاق أو فسخ أو ما أشبه ذلك، فهذا جائز؛ لأنه حق لها.(131/14)
زكاة الدين
السؤال
فضيلة الشيخ: شخص لديه محل بيع، ويشتري البضائع من شركة بالدين، فتكون هذه البضائع، أحياناً يبيع هذه البضائع على الناس أيضاً بالدَّين، وحال عليه الحول فكيف يخرج زكاة هذا المحل؟
الجواب
أما الدَّين الذي له على الناس، فإن كان على أناس أغنياء يستطيع أن يقول: أعطني ديني، فيعطيه، فإن الزكاة واجبة عليه، يزكيه كل سنة؛ لكن إن شاء زكاه مع ماله وإن شاء انتظر حتى يقبضه ثم يزكيه لكل ما مضى، هذا إذا كان الدين على غني.
أما إذا كان على فقير فلا زكاة فيه حتى تقبضه، وإذا قبضته زكه لسنة واحدة، ولو مضى عليه سنوات كثيرة.
وأما بالنسبة للدَّين الذي عليه، فالقول الراجح: أنه لا يمنع وجوب الزكاة، وأن من بيده ألف درهم وعليه ألف درهم يزكي الألف التي في يده؛ لأنه مالك لها، وعمومات الكتاب والسنة تدل على أنه متى وُجِد هذا النصاب في يد إنسان وجب عليه أن يزكيه.(131/15)
حكم الإجازة في يوم المولد النبوي وحكم استيفاء الدين ناقصاً أو زائداً
السؤال
فضيلة الشيخ، بعض الدول الإسلامية تعطل في يوم المولد النبوي، لكن السؤال: رواتب بعض الموظفين تحال على بنك الرياض وأظن مِن طريقة البنك أنه إذا كان أقل من خمسين هللة يتركها عنده، وإذا كان أكثر من خمسين جبرها ريالاً، فما حكم ذلك؟ وما حكم ترك هذه الهللات عند البنك مثل بنك الرياض، وهل هو تعاون على الإثم والعدوان؟
الجواب
لكن سؤالك خليط.
السائل: لا، هذه فقط معلومة.
الشيخ: معلومة؛ ولكنها خطأ، أي: إثبات عطلة بمناسبة عيد المولد خطأ عظيم؛ لأن معنى ذلك إثبات هذه البدعة بين الناس صغيرهم وكبيرهم، حتى يعتقدوها عيداً فيه عطلة كما يُعَطَّل لعيد الأضحى وعيد الفطر.
أما بالنسبة لما ذكرت من أنك تحال على بنك أو غير بنك فإن بقي كَسْرٌ يتجاوز النصف وأعطاك كاملاً وإن بقي كَسْرٌ دون النصف سمحت به أنت، هذا لا بأس به؛ لأنه من باب الاستيفاء، ولا بأس أن الإنسان يستوفي أقل من حقه أو يوفىّ أكثر مما عليه.(131/16)
حكم الجلوس لسماع الاحتفال بالمولد النبوي
السؤال
فضيلة الشيخ: لقد ذكرتَ أن الاحتفال بالمولد بدعة، فما حكم من يجلس في المساجد مع محدثه، يعني: يتكلم عن نشأة الرسول صلى الله عليه وسلم ومولده؟ جزاكم الله خيراً
الجواب
كل من شارك أحداً في بدعة فإن عليه إثمه، ولا يجوز للإنسان أن يشارك هؤلاء في احتفالاتهم؛ لأنها بدعة، كيف يرضى الإنسان أن يجلس مع قوم على بدعة وصَفَها النبي عليه الصلاة والسلام بأنها ضلالة؟!(131/17)
حكم ترقيق الحاجبين ببعض الأصباغ
السؤال
فضيلة الشيخ، يوجد بعض الأصباغ والألوان توضع على الحاجبين حتى تبدو رقيقة، وتبقى هذه مدة شهر تقريباً، فهل هذا في حكم النَّمْص؟
الجواب
لا، يعني: تلوين الشعر بغير السواد لمن ابيضَّ شعره لا بأس به، هذا هو الأصل؛ لأن الأصل في غير العبادات الحِل، وليس هذا من النَّمْص؛ لكنه من ترقيق الشعر.
كما أن بعض الناس يختار أن يكون شعره جعداً ويَطَّلَيه بما يقوي الشعر.
السائل: الحاجبان يا شيخ، يرققها باستخدام بعض الألوان عليها حتى تبدو رقيقة، ولا يقص شعر الحاجبين؛ ولكن يضعها عليه ويلوِّن البشرة! الشيخ: ليس فيه بأس؛ لكن المسألة: هل هذا جائز في حق الرجال أم لا؟ الرجل لا ينبغي له أن يتجمل بما تتجمل به المرأة، أما المرأة فلا بأس.(131/18)
ما يصل نفعه إلى الميت
السؤال
يا شيخ! إذا جعل أبناء الميت للميت صدقة جارية، أو علماً ينتفع به، هل ينفع هذا الميت وإن لم يوصِ بهذا لعدم قدرته عليه؟
الجواب
نعم، إذا جعل أولياء الميت صدقة للميت نفعه ذلك، فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن سعد بن عبادة رضي الله عنه استأذنه أن يجعل مخرافه في المدينة -أي: نخله الذي يُخْرف- صدقة لأمِّه فأذن له، وسأله رجل فقال: (يا رسول الله! إن أمي افتُلِتَت نفسُها، وأظنها لو تكلمت لتصدقت -افتُلِتَت نفسها أي: ماتت بغتة- أفأتصدق عنها؟ قال: نعم) ، فلا بأس.
أما العلم النافع فكيف يكون هذا، يمكن هذا بشراء الكتب ويجعلها صدقة لوالده، فيكون علماً نافعاً.(131/19)
حكم من تزوج بمن رضعت معه مرة واحدة
السؤال
يا شيخ! امرأة أرضعت بنتاً وولداً، وهي أجنبية عنهما، وهما من أُمَّين مختلفتين وعلى حسب تقديرها قالت: بأنها أرضعتهما رضعة واحدة، فهل يجوز الجمع بينهما في الزواج؟
الجواب
نعم، يجب أن نعلم أنه لا بد في الرضاع من خمس رضعات، وما دونها لا أثر له، فلو ارتضعت طفلتان من امرأة مرة واحدة أو مرتين أو ثلاث مرات أو أربع مرات، لم تكونا أختين، وعلى هذا فيجوز الجمع بينهما.(131/20)
حكم من مات وترك بعض الصور
السؤال
بعد وفاة الوالد بقيت بعض الصور الفوتوغرافية التي تخصه مع بعض أفراد العائلة، وتلفاز، فهل إذا تركت يبقى في ذمته شيء، علماً أنه يكره هذه الأشياء؟
الجواب
أما الميت فلا يلحقه شيء ما دام أنه يكره ذلك؛ لكن يلحقهم هم، وأبلغهم أنه لا بد عليهم أن يحرقوها إحراقاً تاماً؛ لأن بقاءها يجدد ذكر الميت والحزن عليه، والذي ينبغي للإنسان أن ينسى المصيبة.
السائل: بقي التلفاز في البيت! الشيخ: لا، أنا فهمت أنها صورة تلفاز.
السائل: الاثنين.
الشيخ: الاثنين؟ السائل: نعم.
الشيخ: لا، التلفاز ليس عليه منه، ما دام كارهاً له؛ لكن لماذا لم يمنعه في حياته؟ السائل: يُسَوِّف، وكان مريضاً، قال: إن شاء الله إذا تعافيتُ أخرجه.
الشيخ: إذا تعافى يُطَلِّعُه؟ السائل: إن شاء الله.
الشيخ: لا، هذا مُسَوِّف، لا شك أن عليه إثماً منه.(131/21)
حكم الأكل من المزرعة بدون أذن المالك
السؤال
ما مدى صحة من يقول: إنه يجوز لأي إنسان أن يأكل من ثمار مزرعة من دون أن يستأذن من مالكها، محتجاً بحديث جابر عند الإمام مسلم: (ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان أو دابة أو شيء إلا كانت له به صدقة) ؟
الجواب
نعم، هذا الحديث الذي ذكرت فيه الترغيب في غرس النخل والزرع، أما بالنسبة لمن أكل فإن له الرخصة أن يأكل بفمه فقط غير متخذ خُبْنَة، بشرط أن لا يكون عليه حارس، ولا حاجز، أي: لو مررت بنخل ليس عنده حارس وليس فيه حاجز من جدار أو شبك فلك أن تأكل بفمك فقط دون أن تتخذ خُبْنَة؛ إلا إذا علمنا أن صاحب هذا البستان بعينه لا يسمح، مثل: أن يكون قد كتب لوحاً: ممنوع الأكل، فهنا لا تأكل.
فصار الإنسان إذا مر ببستان عليه حاجز يأكل، أو مر ببستان عليه حارس فلا يأكل، أو مر ببستان عليه لوحات مكتوب فيها: ممنوع الأكل فإنه لا يأكل، أو مر ببستان ليس عليه حاجز ولا حارس، ولا لوحات منع، فله أن يأكل؛ لكن يأكل بفمه فقط، دون أن يتخذ خُبْنَة، أي: ما يأخذ معه، يأكل فقط بفمه.
السائل: يا شيخ! إذا كان عليه حاجز وحارس وعلمنا رضاه؟ الشيخ: لا بأس، إذا علمنا رضاه؛ لكن نقول: إن علمنا رضاه، فالحارس لماذا؟ السائل: حاجز فقط.
الشيخ: هنا لا بأس؛ لأنه ربما يضع الحاجز لئلا تدخل المواشي والإبل، وما أشبه ذلك.
السائل: لا تدخل المواشي.
الشيخ: المدار كله على رضا المالِك.(131/22)
مدى صحة القول بأن عمر بن عبد العزيز كان صوفياً
السؤال
هل الصوفية يتبعون الخليفة عمر بن عبد العزيز؟
الجواب
لا.
أبداً.
السائل: أحد الإخوان يقول: إن عمر بن عبد العزيز كان صوفياًَ؟ الشيخ: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم، نقول: هات الدليل! السائل: يقولون: كان يلبس الصوف! الشيخ: هذا ليس بصحيح، وقل لهؤلاء: أنتم لا تلبسوا الصوف، وهل كل مَن لبس الصوف هو صوفي؟! ثم إن الصوفية تطورت، يعني: يوجد من السلف من فيه تصوف لا شك؛ لكنها ليست الصوفية الغالية الآن، الآن الصوفية تطورت إلى أن بلغت إلى القول بوحدة الوجود والعياذ بالله، حتى كان الواحد منهم يقول: ليس هناك أحد، كل الكون هو الله عز وجل، ويقول أحدهم: ليس في الجُبَّة إلا الله، فيقول: هو الجبة، الجبة: أليس هو لابِسٌ جُبَّتَه؟! يقول: ليس في الجُبَّة إلا الله، وبعضهم يحصل له هوس، يقول: أنصب خيمتي على جهنم -هكذا نقل عنهم شيخ الإسلام وهو ثقة- ويقول بعضهم: سبحاني سبحاني، أنا الله، فـ الصوفية ليست هينة، بل تطورت.(131/23)
حكم نصب خيمة أمام خيام المبتدعة لصرف الناس عن البدعة
السؤال
من المعروف عندنا أن في ليلة المولد أو قبلها بأيام ينصبون الخيام، وكذلك في كل طائفة من الطرق الصوفية عندهم خيمة، فيذكرون الله ويتراقصون وما إلى ذلك، ثم أن هناك أيضاً خيمة لـ أهل السنة يعني: يتكلمون فيها، وبيان الأمر والنهي يعني: أنه لا بد من طاعة الله وتوحيد الله عز وجل وما إلى ذلك، فهل لهم أن ينصبوا الخيمة في هذا المكان مع أنها وسط خيام الصوفية وغير ذلك، هذا بالنسبة للخيمة نفسها؟
الجواب
فهمتُ كلامك الآن، أنت تريد أن تقول: إن عندكم أناساً مبتدعين، بدعتهم غليظة جداً، وأناساً غير مبتدعين، بل هم ملتزمون بالسنة؛ لكن ينصبون خيامهم عند خيام هؤلاء لجذب الناس، أو لحماية الناس عن البدع الغليظة التي يفعلها هؤلاء، فهذه المسألة تَجاذَبَها شيئان: الشيء الأول: بدعة، وهذا يقتضي أن تُمْنَع، وأنه لا يجوز لـ أهل السنة أن ينصبوا خياماً لهذه البدعة.
الثاني: حماية عن بدعة أعظم، وحينئذ نقول: لا بأس؛ لأن صد الناس عما هو أعظم بما هو أخف من الأمور المطلوبة شرعاً؛ لقوله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108] ولأن أهل السنة لو لم يفعلوا ذلك لشنَّع عليهم هؤلاء، وأقاموا عليهم العامة، وقالوا: هؤلاء لا يحبون الرسول عليه الصلاة والسلام، والعوام هوام، لا تعرفهم.
فإذا قالوا: نحن نفعل ذلك لنذكر الناس بأحوال الرسول عليه الصلاة والسلام، وغزواته وجهاده ودعوته بدون غُلُو؛ لنحميهم عن البدع الكبيرة التي قد تخرجهم من الدين، ولندفع عن أنفسنا التهمة التي يجعلونها علينا، فينفِّرون الناس من الحق بهذا.
أقول: لعل هذا إن شاء الله من الأمور المباحة إذا لم يمكن الطريقة الأخرى وهي: أن لا نشاركهم في خيامهم، فإن أمكنت هذه بدون ضرر فهذا هو المطلوب.
السائل: هل يحق لغيرهم -يعني: لغير الآمرين- أن يذهبوا إلى هذه الخيمة؟ مع العلم أن هذه بدعة وكذا؟ الشيخ: لا يذهبوا، نحن نتكلم عن نصب الخيمة، وأما غيرهم فلا يذهبوا؛ لكن من رأوه ذاهباً إلى الخيام التي فيها المفسدة الكبيرة يدعونه.(131/24)
الفرق بين البدعة والمعصية من حيث الوزر
السؤال
أيهما أعظم: المعصية، أم البدعة؟ وهؤلاء مثلاً الذين يتخذون بعض الوسائل البدعية في الدعوة للتخفيف وصد الناس عن بعض المعاصي؟
الجواب
البدعة معصية وزيادة، وهي من حيث أثرها وكونها تقدماً بين يدي الله ورسوله أشد، حتى إن بعض أهل العلم قال: إنه لا توبة لمبتدع؛ لأن البدعة تنتشر وردها صعب بعد انتشارها، لا سيما وأن البدعة غالباً تُغَلَّف بأمر عاطفي، وأنتم تعرفون أن عاطفة المسلمين بالنسبة لله ورسوله شديدة جداً، فقد تكون البدعة أكبر وقد تكون المعصية أكبر حسب الحال، لكن لو تساوتا من حيث الوزن، فآثار البدعة أشد وأضر على المسلمين.(131/25)
حكم عقد الاستصناع
السؤال
رجل لديه محل لبيع الأثاث، ثم إنه قد يأتيه المشتري فيطلب تفصيل مجلس فيحتاج أن يذهب إلى مدينة أخرى ليفصل له، ثم يتفق معه على الثمن وربما قبض العربون قبل أن يذهب إلى التفصيل! فما رأيك؟
الجواب
نعم، هذا لا بأس به؛ لأنه لم يبع عليه شيئاً معيناً، إنما اتفق معه على استصناع شيء معين، فالصواب: أنه لا بأس به، وليس فيه مانع، ويكون هذا ثابتاً في ذمته ويعمل بمقتضى العقد.(131/26)
المسافة التي تقصر فيها الصلاة
السؤال
بعض الناس إذا خرج إلى البر قصر الصلاة ويقول: إن الصحابة اختلفوا وفَهِمَ من قوله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101] قال: تعريفه في اللغة: البروز، والخروج، فمتى ما خرجتُ سوف أقصر الصلاة، ومن أراد أن يمنعني فعليه بالدليل!
الجواب
لا شك أن الأصل أن الضرب في الأرض يبيح القصر، وأنه لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه حدد ذلك بمسافة معينة أو بزمن معين؛ لكن الرسول ثبت عنه أنه كان يخرج إلى قباء وهو خارج المدينة ومع ذلك لا يقصر.
وعلى هذا فالمرجع إلى ما يتعارفه الناس، إذا قالوا: هذا سفر فهو سفر، فيفرَّق الآن بين المسافة القصيرة مع الزمن القصير، والمسافة الطويلة مع الزمن القصير، والزمن القصير مع المسافة الطويلة، فالأحوال أربع: - إما أن تكون المسافة قصيرة والزمن قصير.
- أو المسافة طويلة والزمن طويل.
- أو المسافة طويلة والزمن قصير.
- أو المسافة قصيرة والزمن طويل.
إذا كانت المسافة قصيرة والزمن قصير فليس بسفر، فلو ذهب إنسان يتمشى إلى ضواحي البلد ويريد أن يرجع في آخر النهار هذا غير مسافر، لا يسمى سفراً لا في اللغة ولا في الشرع، ودليلنا على هذا: أن الرسول كان يخرج إلى قباء وهو منفصل عن المدينة، وفي عهد الرسول بينهما مسافة، ويخرج أيضاً إلى العوالي في المدينة ولا يترخص برخص السفر.
أما لو خرج إلى مسافة قصيرة لكنه يريد أن يبقى فيه مدة طويلة، فهذا مسافر.
ولو سافر إلى بلد بعيد ويريد أن يرجع في يومه كأن يسافر إلى الرياض من القصيم وهو يريد أن يرجع، فهذا مسافر، وذلك لطول المسافة.
فإذا صار طول مسافة أو طول زمن، أو طول مسافة وزمن، فهو مسافر، وإذا كان قصر مسافة مع قصر زمن، فهذا ليس بِمُسافر.(131/27)
لقاء الباب المفتوح [132]
شرح الشيخ في هذا اللقاء تفسير آيات من سورة (ق) ، فتكلم عن إنزال المطر من السماء، والحكمة من ذلك، وعن إنبات الجنات والبساتين وحب الحصيد، وعن النخيل وشرفها بين الأشجار، ثم ذكر الحكمة من ذلك كله وأنها لكي تكون رزقاً للعباد، ثم تكلم عن قوم نوح وفرعون، وكيف أن الله تعالى عاقبهم بسبب تكذيبهم لرسلهم، ثم ذكر الحكمة من ذكر قصص الأولين، ثم أجاب على الأسئلة.(132/1)
تفسير آيات من سورة (ق)
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والثلاثون بعد المائة من (لقاء الباب المفتوح) والذي يتم في كل يوم خميس من كل أسبوع، ما لم يكن هناك مانع، وهذا الخميس هو الرابع والعشرون من شهر ربيع الأول سنة (1417هـ) نبتدئ هذا اللقاء بما تيسر من الكلام على آيات من سورة (ق) وهي قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ} [ق:10-11] .(132/2)
تفسير قوله تعالى: (ونزلنا من السماء ماءً مباركاً فأنبتنا به جنات وحب الحصيد)
يقول تعالى: {وَنَزَّلْنَا} [ق:11] ، لأن المطر ينزل شيئاً فشيئاً، وربما يُعَبر عنه بـ (أَنْزَلَ) ؛ لأنه تجري به الأودية والشعاب.
وقوله: {مِنْ السَّمَاءِ} [ق:9] ، أي: من العلو؛ لأن هذا المطر ينزل من السحاب، وليس من السماء التي هي السقف المحفوظ؛ بدليل قوله تعالى: {وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [البقرة:164] إذاً هو ينزل من العلو، والحكمة في إنزاله من العلو ليشمل قمم الجبال، ومراتع الإبل، والسهل، والأودية؛ لأنه لو جاء يمشي سيحاً على الأرض ما وصل إلى قمم الجبال، ولكن الله عز وجل جعله من فوق.
وقوله: {مَاءً مُبَارَكاً} [ق:9] من بركته أن الله ينبت {بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [ق:9] (الجنات) هي: البساتين كثيرة الأشجار، وسُمِّيَت البساتين كثيرة الأشجار جنات لأنها تَجِنُّ، أي: تستر ما تحتها، وكل بستان ذو شجر ملتف بعضه إلى بعض يسمى: جنة.
وأما قوله: {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [ق:9] أي: الزروع التي تُحصد، فذكر الله هنا الأشجار والزروع، فمن الأشجار تُجَذُّ الثمار، ومن الزروع تُحْصَد الحبوب.(132/3)
تفسير قوله تعالى: (والنخل باسقات لها طلع نضيد)
قال تعالى: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق:10] ، خص الله النخل بأنها أشرف الأشجار، ولهذا شُبِّه بها المؤمن، حيث قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن من الشجر شجرة مَثَلُها مَثَل المؤمن.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: فذهب الناس يخوضون في شجر البوادي -كل يقول: هي الشجرة الفلانية- يقول ابن عمر: فوقع في قلبي أنها النخلة؛ لكني كنت أصغر القوم -أي: أنه استحيا أن يتكلم وهو أصغرهم- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هي النخلة) ، وهي الشجرة المذكورة في قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم:24] ، فلهذا خصها هنا بالذكر، فقال: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [ق:10] أي: عاليات.
{لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق:10] أي: منضود، فالطلع في شماريخه تجده منضوداً من أحسن ما يكون من النضد، ومع ذلك تجد هذه الثمرات تُسقى بالشمراخ الدقيق اللين مع أنه قد يكون فيه أحياناً فوق ثلاثين حبة أو أكثر.(132/4)
تفسير قوله تعالى: (رزقاً للعباد وأحيينا به بلدة ميتاً كذلك الخروج)
قال تعالى: {رِزْقاً لِلْعِبَادِ} [ق:11] ، أي: فعلنا ذلك؛ أنزلنا من السماء ماءً {فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [ق:9-10] فَعَلْنا ذلك {رِزْقاً لِلْعِبَادِ} [ق:11] أي: عطاءً وفضلاً للعباد، والعباد هنا يشمل العباد المؤمنين والعباد الكافرين؛ لأن الكافر عبد لله، كما قال الله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [مريم:93] ، والمراد هنا: العبودية الكونية القدرية، أما العبودية الشرعية فلا يكون عبداً لله إلا من كان ممتثلاً لأمره، مجتنباً لنهيه، مصدقاً بخبره.
إذاً: (لِلْعِبَادِ) يشمل الكفار والمؤمنين.
{وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً} [ق:11] :- {وَأَحْيَيْنَا بِهِ} أي: بالماء الذي نزلناه من السماء.
{بَلْدَةً مَيْتاً} البلدة لما كانت مؤنثة اللفظ مذكرة المعنى؛ صح أن توصف بوصف مذكر {بَلْدَةً مَيْتاً} أي: بلداً ميتاً، أحياه بهذا الماء الذي نزل من السماء كيف إحياؤه؟ تجد الأرض هامدة خاشعة ليس فيها نبات، فإذا أنزل الله المطر عجَّت بالنبات واخضرت وازدهرت، فهذه حياة بعد الموت.
{كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:11] ، أي: مثل ذلك الإحياءِ خروج الناس من قبورهم لله عز وجل، وإنما ذكر الله تعالى الخروج؛ لأن من عباد الله من أنكر ذلك {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن:7] ، وحجتهم أن قالوا: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] ، كيف تحيي العظام بعد أن رمت وصارت تراباً؟! هذا مستنكر عندهم وبعيد؛ ولكن الله سبحانه وتعالى بين أنه ليس ببعيد، وأنه كما يشاهدون الأرض الميتة ينزل عليها المطر فتحيا، إذاً فالقادر على إحياء الأرض بعد موتها بنزول المطر قادر على إحياء الأموات بعد موتها، وهذا قياس جلي واضح.(132/5)
تفسير قوله تعالى: (كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود)
قال تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ} [ق:12-14] :- ذكر الله هؤلاء المكذبين لفائدتين: الفائدة الأولى: تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ليس أول رسول كُذِّب، بل قد كُذِّبَت الرسل من قبله، كما قال تعالى: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فصلت:43] فقيل: إنه شاعر، وقيل: إنه مجنون، وقيل: إنه كاهن، وقد قال الله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:52] .
هذه فائدة لذكر قصص الأمم السابقة، وهي تسلية النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الإنسان إذا رأى غيره قد أصيب بمثل مصيبته، يتسلى بلا شك، وتهون عليه المصيبة.
الفائدة الثانية: تحذير المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال في آخر ما ذكر: {كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} [ق:14] ، أي: حق عليهم وعيد الله بالعذاب، وقد قال عز وجل: {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} [العنكبوت:40] أي: كل واحد من هذه الأمم جُوْزِي بمثل ذنبه فعوقب بمثل ذنبه.
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ} ، قوم نوح كذبوا نوحاً عليه الصلاة والسلام وقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، تسعمائة وخمسون سنة وهو يدعوهم إلى الله عز وجل؛ ولكن لم يستفيدوا من ذلك شيئاً، كلما دعاهم ليغفر الله لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم، واستغشوا ثيابهم -أي: غطوا- واستكبروا استكباراً، وبقي فيهم هذه المدة، وقد قال الله تعالى في النهاية: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40] .
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ} أصحاب الرس: قوم جاءهم نبيهم ولكنهم قتلوه بالرس، وهي البئر، أي: حفروا بئراً ودفنوه، هذا قول، والقول الثاني: أصحاب الرس: قوم حول ماء، وليسوا بالكثرة الكاثرة، ومع هذا كذبوا رسولهم.
{وَثَمُوْدُ} وهم قوم صالح في بلاد الحِجر المعروفة، كذبوا صالحاً وقالوا: {ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف:77] وهذا تحدٍّ، فماذا فعل الله بهم؟ أرسل عليهم صيحة ورجفة، {فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود:67] .(132/6)
تفسير قوله تعالى: (وعاد وفرعون وإخوان لوط)
قال تعالى: {وَعَادٌ} [ق:13] ، كذلك أيضاً عاد أرسل الله إليهم هوداً فكذبوه، فأهلكهم الله عز وجل بالريح، أرسل الله {عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات:41-42] .
وكانوا يفتخرون بقوتهم يقولون: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:15] فأراهم الله عز وجل قوته، وأهلكهم بالريح اللطيفة التي لا يُرَى لها جسم ومع ذلك دمرتهم تدميراً.
{وَفِرْعَوْنَ} [ق:13] الذي أرسل الله إليه نبيه موسى عليه السلام، وكان معروفاً بالجبروت والعناد والاستكبار، حتى إنه استخف قومه، وقال لهم: إنه رب، قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24] فأطاعوه، فجاءهم موسى عليه الصلاة والسلام بالآيات البينات؛ ولكنهم كذبوا، وأراهم الله تعالى آية، كانوا يفتخرون بما يضاد ما جاء به موسى وهو السحر، فجمعوا لموسى عليه الصلاة والسلام كل السحرة في مصر، واجتمعوا وألقَوا الحبال والعِصِي، وألقوا عليها السحر فصار الناس يشاهدون هذه الحبال والعصي وكأنها حيات وثعابين، ورُهِبَ الناسُ، كما قال تعالى: {وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف:116] حتى إن موسى عليه الصلاة والسلام أوجس في نفسه خيفة، عندما شاهد أن كل الجو حوله ثعابين تريد أن تلتهم ما تقابله، فأوحى الله تعالى إِلَى مُوسَى {أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} [الأعراف:117] ، فألقى العصا فالتهمت جميع هذه الحيات، وهذا من آيات الله، إذ إن الحية -كما هو معروف- ليست بذاك الكِبَر، لكن تأكل هذا وكأنه يذهب بخاراً إذا أكلت هذه الحبال والعصي، السحرة رأوا أمراً أدهشهم، ولم يملكوا أنفسهم إلا أن يؤمنوا.
ومع ذلك إيماناً تاماً، أُلْقِيَ السحرة ساجدين، وتأمل قوله تعالى: {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} [الأعراف:120] ولم يقل: سجدوا، كأن هذا شيء اضطرهم إلى السجود، كأنهم سجدوا بغير اختيار، لقوة ما رأوا من الآية العظيمة، ومع هذه الآية البينة الواضحة على صدق موسى عليه الصلاة والسلام لم يؤمن فرعون، وقال: {إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} [الشعراء:54-55] فهَمَّ بأن يهجم على موسى ومن معه من المؤمنين، فأمر الله موسى أن يخرج من مصر إلى جهة المشرق نحو البحر الأحمر؛ فامتثل أمر الله، خرج من مصر إلى هذه الناحية، فتبعهم فرعون بجنوده على حنق يريد أن يقضي على موسى وقومه، فلما وصلوا إلى البحر قال قوم موسى له: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا} [الشعراء:61-62] أي: لن نُدرَك {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] ، فأوحى الله إليه أن يضرب بعصاه البحر الذي عرضه مسافات طويلة، فضرب البحر فانفلق البحر اثنتي عشرة طريقاً، وصارت قطع الماء كأنها الجبال، وصارت هذه الطرق التي كانت رَيَّاً من الماء وطيناً زلَقاً صارت طريقاً يَبَساً بإذن الله في لحظة، فدخل موسى وقومه عابرين من إفريقيا إلى آسيا، من طريق البحر، فلما تكاملوا داخلين وخارجين إلى الناحية الشرقية دخل فرعون وقومه، فلما تكاملوا في الدخول أمر الله البحر فانطبق عليهم.
فلما أدرك فرعون الغرق أعلن: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:90] ، وتأمل أنه لم يقل: (آمنت بالله) قال: آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل، لماذا؟ إذلالاً لنفسه؛ حيث كان ينكر على بني إسرائيل، ويهاجمهم، فأصبح عند الموت يقر بأنه تبع لهم، وأنه من أذنابهم، بمعني: أنه يمشي خلفهم، ولكن ماذا قيل له؟: {آلْآنَ} [يونس:91] تؤمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل وأنك من المسلمين، {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:91] فلم تُقبل توبته؛ لأنه لم يتب إلا حين حضره الموت، والتوبة بعد حضور الموت لا تنفع، كما قال الله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء:18] ، لا تنفع التوبة إذا حضر الموت، نسأل الله تعالى أن يمن علينا وعليكم بتوبة قبل الموت.
ولكن الله قال: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92] نُنَجِّيْكَ بِبَدَنِكَ لا بروحك، الروح فارقت البدن؛ لكن البدن بقي طافياً على الماء، لماذا؟ بيَّن الله الحكمة: {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92] ؛ لأن بني إسرائيل قد أرعبهم فرعون، فلو لم يتبين لهم أنه غرق بنفسه لكانت أوهامهم تذهب كل مذهب لعله لم يغرق! لعله يخرج علينا من ناحية أخرى! فأقر الله أعين بني إسرائيل بأن شاهدوا جسمه غارقاً في الماء: {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92] .(132/7)
الأسئلة(132/8)
الإقسام على الله عز وجل
السؤال
نريد ضابط الإقسام على الله عز وجل المذكور في الحديث، وهل يجوز على إطلاقه؟
الجواب
الإقسام على الله إنما يكون من يقين المرء وإيمانه وتصديقه وتعلقه بالله، وليس كل من أقسم على الله يبره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره) ، والإقسام الذي يكون الحامل عليه الإعجاب بالنفس وبالعمل لا يمكن أن يبره الله أبداً، بل بالعكس، ولهذا قيل للذي رأى المسرف على نفسه وقال: والله لا يغفر الله لفلان، قال الله له: (من ذا الذي يتألَّى علي ألا أغفر لفلان، قد غفرتُ له وأبطلتُ عملك) .(132/9)
وقت صلاة الجمعة
السؤال
بالنسبة لصلاة الجمعة هل يصح أن تؤدى قبل الزوال؟
الجواب
نعم، إذا صلى إمامك في بلدك فصلِّ، حتى لو صلى قبل الفجر فصلِّ، أنت تعرف الآن الجمعة، كل الناس لا يؤدونها إلا بعد الزوال؛ لأن جمهور العلماء على أنها لا تؤدَّى إلا بعد الزوال، ولا أعلم أحداً خالف وأداها قبل الزوال، أما أهل العلم فقد اختلفوا في دخول وقتها: - فمنهم من قال: يدخل وقت الجمعة من حين ارتفاع الشمس قيد رمح، بمعنى: أن دخول وقت صلاة الجمعة كدخول وقت صلاة العيد إلى صلاة العصر.
- وبعضهم قال: إن وقت صلاة الجمعة يدخل بعد الساعة الخامسة، أي: في الساعة السادسة، أي: قبل الزوال بساعة.
- وبعضهم قال: لا يدخل إلا بعد الزوال، كصلاة الظهر.
فالمسألة فيها خلاف؛ لكن نحن -والحمد لله- محكومون بحكومة تَتَّبِع الشرع، ولا ينبغي للإنسان أن يشذ عن الناس، وقد صدر من هيئة كبار العلماء في المملكة المنع مِن أن يتقدم أحد من أئمة الجمعة قبل الزوال؛ اتباعاً لأكثر أهل العلم، ولتتفق الكلمة، ولئلا يتقدم أحد فيصلي قبل الزوال، ثم يكون هذا فسحة للمتخلف عن الجمعة إذا أُمِر قال: صليتُ في المسجد الفلاني، هل عرفتَ خلاف العلماء؟! أما من الناحية العملية: فالواجب على الأئمة أن يتبعوا ما يأمرهم به ولي الأمر؛ لأن هذا من الأمور المباحة، ما هو حرام، وأنا قلت: لو صلى إمامك قبل الفجر من باب الفرض، وإلا ليس هناك أَحَد يريد أن يصلي الجمعة قبل الفجر؛ لكن الإنسان يتبع ما تأمره به ولاة الأمر.(132/10)
حكم التعامل مع من اختلطت أمواله بالحلال والحرام
السؤال
هل يجوز التعامل بالبيع والشراء مع رجل اختلطت أمواله بالحلال والحرام؟ وهل يدخل ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن اتقى الشبهات.
) ؟
الجواب
نعم، يجوز للإنسان أن يعامل مَن في ماله حلال وحرام بالبيع والشراء، فقد عامل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود وهم معروفون بأنهم يأكلون الربا والسحت، اشترى منهم، بل مات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي، وما أحسن -وباعتبار أنك طالب علم- أن تراجع شرح ابن رجب رحمه الله على الأربعين النووية عند حديث النعمان بن بشير: (الحلال بيِّن والحرام بيِّن) فقد ذكر ما تطيب به نفسك إن شاء الله، حتى إن ابن مسعود رضي الله عنه قال: [من اكتسب مالاً محرماً ثم انتقل منه إلى غيره بطريق شرعي فلا إثم عليه، له مهنؤه وعلى الأول مغرمه أو مأثمه] ، إلا شيئاً تعرفه بعينه أنه حرام، مثل: أن يبيع عليك السارق ما سرقه، وأنت تعرف أن هذا هو المسروق، هذا لا تشتريه.(132/11)
المجلات الخليعة ضررها وإنكارها
السؤال
فضيلة الشيخ! يُعرض في الأسواق التجارية وفي المحلات وفي البقالات صور مجلات من المجلات الوافدة، فيها صور نساء ظاهرة للعيان في الخارج والداخل، فهل يحق للإنسان أن يمزق هذه الصور للحديث: (من رأى منكم منكراً.
) ؟ وما أدري ما الهدف من إدخال هذه المجلات؟ ولماذا لَمْ تُمْنَع؟
الجواب
المجلات التي أشرتَ إليها لا شك أنها تكدر الخاطر، وتولِّد الأسف والحزن أن يَرِد إلى بلادنا مثل هذه المجلات الفاسدة المفسدة، وكذلك أيضاً يوجَد في المجلات الواردة إلينا من الأفكار المناقضة للدين تماماً وللأخلاق، التي ربما يكون إفسادها أكثر من إفساد صورة خليعة.
وأما مسألة تغييرها باليد فإنه يحدث أو يحصل به مفاسد أكبر من بقائها، وهي أيضاً لن تزول، لو مزقتها اشترى بدلها، ويحصل مفاسد، وأنت تعرف الآن -مثلاً- لو أن أحداً أقدم هذا الإقدام وليس له السلطة من قبل ولي الأمر لكان في ذلك مفسدة ليس عليه هو فقط بل على كل الدعاة، ولأخذ الناس صورة سيئة عن الدعاة، ولهذا يجب أن يكون الإنسان حكيماً، فإذا كان تغيير المنكر يترتب عليه ما هو أنكر منه وأضر، على أنه لا يتغير، فليدعه، ويشكو إلى الله عز وجل، ويسأل الله عز وجل أن يرحم العباد، فيترك ويُخَاطب المسئولين.
السائل: لا يُغَيِّر؟ الشيخ: لا يُغَيِّر؛ لأنه غير قادر، ولهذا جاء من الحكمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمر الله به بدون شرط {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104] ولكن التغيير بشرط (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه) ، ففَرَّق الشرع بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين تغيير المنكر، فأنت ليس عليك إثم؛ لكن انصح هذا الرجل، مُرْه بالمعروف، انهه عن المنكر، حذِّره، وقل: إن ما اكتسبته من هذه المجلات حرام عليك، وإذا تغذى بدنك به فالنار أولى به، وما أشبه ذلك من المواعظ المعروفة.(132/12)
حكم العمل في مكان يوجد فيه نساء
السؤال
إذا كان الرجل في بلده يصعب عليه أن يعمل في مكان لا يوجد فيه نساء، حيث إن هذا البلد يكثر فيه عمل النساء، فما الحكم هل يعمل؛ لأن المجالات التي فيها النساء أكثر مجالات معظم الدوائر، أم يترك؟
الجواب
إذا كان يمكنه أن يعمل في مكان ليس فيه نساء فليدَع هذا المكان الذي فيه النساء ويعمل فيه، وإذا كان لا يمكنه وهو محتاج إلى العمل فليعمل وليحرص على البُعد عن النساء وليغض بصره {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ولو كنا -مثلاً- في بلد النساء تخرج متبرجة متطيبة، فهل نقول: لا تخرج للصلاة؛ لأن السوق ممتلئ من هؤلاء النساء؟ لا، هل نقول: لا تخرج تأتي بحوائج البيت؟ لا، فإذا احتجت إلى العمل في هذا المكان الذي فيه النساء ولم تجد غيره وأنت في حاجة إلى المال، فاعمل واحرص على البُعد عن النساء وغض البصر.(132/13)
حكم الصلاة منفرداً خلف الصف الذي لم يكتمل
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا صلى خلف الصف رجل والصف الأول لم يكتمل، فما حكم صلاته مع أنه جاهل؟
الجواب
الصحيح: أنه إذا صلى خلف الصف منفرداً ولم يكن الصف قد كَمُل الذي أمامه أن صلاته باطلة، وأن عليه الإعادة ولو كان جاهلاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة، ولم يقل: هل كنت تعلم أم لا؟(132/14)
حكم بناء المقابر بالطوب والأسمنت وغيره
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم الدفن في قبور مبنية من الطوب والأسمنت والحديد المسلح؟
الجواب
لا أظن أحداً يبني القبور بالطوب والإسمنت إلا للضرورة، فالبلاد الساحلية ربما إذا حفرت القبور نزل الماء فيها ولم يتمكنوا من قبر الرجل أو المرأة فيها إلا بهذا البناء الذي ذكرت، فإذا كان هناك ضرورة فلا بأس، وأما مع عدم الضرورة فلا يجوز؛ لما في ذلك من إضاعة المال، ولأن العلماء رحمهم الله قالوا: يكره أن يكون في القبر ما مسته النار، وبناءً على ذلك حتى لو فرضنا أن القبر ليس فيه طوب ووضعوا بدلاً من اللبِن طوباً، فهذا يُكْرَه عند العلماء؛ لأن الطوب مما مسته النار.(132/15)
العدل بين الأولاد وحكم تنفيذ الوصية لأحد الأولاد
السؤال
فضيلة الشيخ: هل يلزم إذا اشتريتَ لولدك شيئاً أن تعطي الآخر مثله؟ كذلك رجل أوصى أن يُشْتَرى لابنه سيارة بعد وفاته، فهل تُنَفَّذ هذه الوصية؟
الجواب
أما الأول وهو العطاء في الحياة، فيجب العدل بين الأولاد، {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء:11] هذا إذا كان العطاء تبرعاً، أما إذا كان العطاء لسد حاجة فهذا يُعْطِي كل إنسان ما يحتاجه، فمثلاً: إذا كان عنده ولدان: أحدهما يدرس، فيحتاج إلى كتب إلى أقلام إلى دواة إلى غيرها، فيعطيه ولا يعطي الآخر الذي لا يدرس.
يحتاج أحدهما إلى معالجة، يعالجه، ولا يعطي الآخر مثلما صرف في دواء هذا الولد وعلاجه.
كذلك النساء، فالمرأة تحتاج إلى حلي في آذانها وفي رقبتها وفي رأسها، والولد لا يحتاج مثل هذا، فتشتري للأنثى ولا تشتري للولد هذه بالنسبة للنفقة.
كذلك أيضاً: أحد الأولاد يحتاج إلى الزواج، زَوَّجْتَه، والآخر صغير لم يصل إلى حد الزواج فلا تعطه.
وأما الوصية بعد الموت فهي حرام مطلقاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا وصية لوارث) .(132/16)
تعليق على كتاب مدارج السالكين لابن القيم
السؤال
فضيلة الشيخ، هل لكم ملحوظات على كتاب مدارج السالكين لـ ابن القيم؟
الجواب
ابن القيم رحمه الله أكبر من أن يكون لي وأمثالي ملحوظات عليه، وإن كان غير معصوم؛ لكن الكتاب كما تعرف هو شرح لـ منازل السائرين، وأصل الكتاب المشروح فيه بعض الملحوظات، ففيه ما يومئ إلى شيء كبير في علم الدين، وإن كان ابن القيم رحمه الله اعتذر عنه، وبيَّن أنه بريء مما يتبادر من كلامه، وما من إنسان إلا ويؤخذ من قوله ويُترك، وأنا لم أقرأ الكتاب من أوله إلى آخره؛ لكن أقرأ بعض المواضيع منه؛ لأن بعض المواضيع لا يمكن أن تجدها في كتاب، وبعض الهفوات لا أحد يسلم منها.(132/17)
حكم من أسر بالفاتحة في الصلاة الجهرية
السؤال
فضيلة الشيخ، إمام يصلي بمأمومين والصلاة جهرية، وفي أثناء الفاتحة تذكر أنها جهرية، هل يعيد الفاتحة من جديد أم يستأنف؟ الشيخ: معناه أنه أسر بالقراءة أولاً.
السائل: نعم، أسَرَّ.
الشيخ: ثم ذكر؟ السائل: ثم ذكر أثناء الفاتحة.
الجواب
لا حرج عليه، إن شاء ابتدأ من الأول لأجل أن يقرأ القراءة جهراً كما هو السنة، ويكون عوده هنا من أجل فعل السنة، لا لمجرد التكرار، وإن شاء ابتدأ مما وقف عليه؛ لكن لو بدأ لكان أحسن للناس من أجل أن يسمعوا الفاتحة كلها.
السائل: هل يلزمه سجود سهو؟ الشيخ: لا يسجد سجود سهو.(132/18)
مقدار اللقطة التي تؤخذ وتعرف
السؤال
ما هو الحد الأعلى فيما يجوز التقاطه من اللقطة المالية في هذا الزمان؟ الشيخ: هل تريد الذي يُملك بالالتقاط، أو الذي يجوز التقاطه؟ السائل: الذي يُمْلَك بالالتقاط.
الجواب
وذلك لأن بينهما فرق؛ فالذي يجوز التقاطه التقطه ولو بلغ الملايين، لكن الذي يُمْلَك بالالتقاط يختلف باختلاف الأحوال، باختلاف الناس، ففي زمن مضى كان الدرهم الواحد عند الناس غالياً تتبعه الهمة، وفي عصرنا الآن يمكن عشرة ريالات لا يهم، لو ضاعت من الإنسان عشرة ريالات لن يبحث عنها، اللهم إلا إذا كان في مكان قريب، وكان -أيضاً- بالأول لما كانت الدراهم متوفرة بأيدي الناس والسيولة -كما يقولون- متوفرة أيضاً لو ضاع منه خمسون ريالاً لا يهمه؛ لكن الآن بدأت تشح الدراهم، وربما نقول: الثلاثون ريالاً تتبعها همة أوساط الناس، فيجب أن تعرفها.(132/19)
كيف يصلي المغرب من أتى والناس يصلون العشاء؟
السؤال
شخص مسافر قَدِمَ ووجد شخصاً يصلي العشاء قصراً، هل يدخل معه بنية صلاة المغرب ويأتي بركعة ثالثة؟ وكذلك صلاة الظهر خلف من يصلي العصر؟ أحسن الله إليك.
الجواب
أنا أريد أن أبيِّن لك أولاً القول الراجح: إذا أتيت وأنت لم تصلِّ المغرب ووجدتهم يصلون العشاء فادخل معهم بنية المغرب، ولكل امرئ ما نوى، ثم إن كنت دخلت من أول ركعة فستتم صلاتُك قبل أن يقوم الإمام إلى الرابعة، انفصل عنه واقرأ التشهد وسلم، ثم ادخل معه فيما بقي من صلاتك، هذا أرجح ما يكون من الأقوال.
القول الثاني: أن تدخل معه بنية العشاء، وإذا انتهيت تصلي المغرب، وهنا فات عليك الترتيب من أجل إدراك الجماعة.
القول الثالث: لا تدخل لا بنية المغرب ولا بنية العشاء، وصلِّ المغرب وحدك ثم ادخل معهم فيما بقي من صلاة العشاء.
لكن القول الأول هو أرجح الأقوال، وإنما ذكرتُ الأقوال -وأنا لا أحب أن أذكر الأقوال إذا كان هناك قول راجح- لئلا تسمعوا فتوى بخلاف ما رجحناه.(132/20)
حكم شراء محلات الشر والفساد وتغييرها إلى محلات نافعة
السؤال
قيام بعض الناس الذين يحبون نشر الخير بشراء بعض المحلات التي تنشر الشر؛ كالتسجيلات الغنائية وخلافها، وتحويلها إلى محلات لنشر الخير، هل هذا العمل سائغ أو يكتفى بالدعوة فقط؟
الجواب
إذا كان عند الإنسان قدرة أن يشتري هذا المحل الذي ينشر الشر والفساد ليحوله إلى محل خيِّر طيِّب، فهذا من أفضل الأعمال؛ لأن مصلحة هذا متعدية، ولكن يُشْكِل على هذا أنك ربما تشتريه ثم يذهب ويفتح محلاً آخر، فإذا علمت أن هذا الرجل ممن يريد الشر، ولن ينكفَّ إذا اشتريت محله، بل سيأخذ دراهمك ويفتح بها محلاً آخر فلا فائدة من شرائه، وهذا يختلف، ربما يكون البلد لا يسمح بافتتاح محل جديد ينشر الرذيلة، حينئذ لا شك أنه ينفع، إذا اشتريته أنت وحولته إلى محل خيِّر طيِّب، لكن إذا كان الباب مفتوحاً لكل من أراد أن يفتح يفتح ما شاء، فهي مشكلة، قد تصرف هذه الدراهم تريد الخير؛ لكن لن يحصل لك ما تريد، فصرفها في محل آخر أنفع لك وللمسلمين أفضل.(132/21)
حكم تأجير المحلات على المشاغل النسائية
السؤال
فضيلة الشيخ، ما حكم تأجير المحلات على المشاغل النسائية؟
الجواب
لا أرى في هذا بأساً؛ لأن المشاغل النسائية ليس فيها بأس، إلا إذا علمنا أن هذا الرجل ممن عُرِف بأنه يخيط للنساء ما لا يتلاءم مع اللباس الإسلامي؛ فحينئذ لا تعطِه، ونظير ذلك أيضاً، التسجيلات، والحلاَّق، وكذلك خياط الرجال ربما يخيط للناس ما لا يجوز، مما كان إسبالاً فالمهم كل إنسان تعرف أنه يستأجر منك هذا المحل ليفعل به المحرم فإنه حرام عليك أن تؤجره؛ لأن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه.
السائل: إذا كان فيه قص لشعر النساء بما يسمى الكوافير في نفس المحل؟ الشيخ: إذا علمت أنه استأجره لهذا فلا تؤجره.(132/22)
حكم الأذان قبل دخول الوقت كما في بعض التقاويم
السؤال
سمعنا أن التقاويم الموجودة الآن فيها تقديم خمس دقائق بالنسبة لصلاة الفجر أو غيرها، فما النصيحة في هذا؟
الجواب
التقويم الموجود الآن -تقويم أم القرى- فيه تقديم خمس دقائق بالنسبة للفجر فقط، أما غير الفجر فليس فيه شيء، اختلاف يسير إما دقيقة أو دقيقتين، ولهذا نرى أن الأئمة يجب أن يلاحظوا هذا في أذان الفجر، يتأخروا خمس دقائق، وهم إذا تأخروا خمس دقائق لا يضر، فلو قدرنا أن التقويم على الفجر تماماً، وتأخر الإنسان خمس دقائق لا يضر؛ لكن لو تقدَّم دقيقة ضَرَّ؛ لأنك لو قلت في الأذان: الله أكبر قبل دخول الوقت لم يصح الأذان، فلو أن إنساناً يرقب الشمس عند الغروب، وأذَّن وقد بقي على قرص الشمس مثل الهلال، فإن أذانه لا يصح؛ لأنه كان قبل الوقت، فكيف إذا كان يؤذن قبل الوقت بخمس دقائق، وتجد بعض الناس -مثلاً- ينتظر متى يؤذن ثم يصلي مباشرة، إما إنسان مريض، أو إنسان فيه نوم، أو امرأة محصورة تنتظر متى يؤذن، فالمهم على المؤذنين أن يتأخروا خمس دقائق في أذان الفجر.
السائل: وإذا خشي يا شيخ من كلام الناس مثلاً؟ الشيخ: خمس دقائق لا يكون هناك كلام؛ لأنه لا يأتي أولهم يؤذن وآخرهم، الآن بين المؤذنين بعضهم عشر دقائق، ثم يا أخي! الشيء الذي تفعله لله لا تخشى من غيره، أنت تفعله لله لا تخشى من غيره.(132/23)
حكم بيع واقتناء المجلات الإسلامية التي فيها صور
السؤال
المجلات الإسلامية التي فيها صور ما حكم بيعها؟
الجواب
المجلات الإسلامية التي فيها الصور من تمام الإيمان ألا يجعل الإنسان مجلته كلها صوراً، هناك مجلات معروفة مجلات صور، مجلات أزياء، هذه لا يجوز بيعها ولا شراؤها ولا اقتناؤها، وهناك مجلات المقصود فيها ما فيها من أخبار والكلمات لكن يوجد -مثلاًَ- صورة المتكلم، أو صورة الكاتب، أو صورة مشهد، هذه ليست حراماً، ولكن هل يجوز أن تقتنيها أو لا بد أن تطمس على وجه كل أحد، الظاهر أنه لا يجب أن تطمس على وجه كل أحد؛ لأنه غير مقصود, والإنسان الذي يشتري -مثلاً- صحيفة من الصحائف فهذا لا يريد الصورة إطلاقاً، ففرق بين مجلات أو صحف أُعِدَّت للتصوير، وبين مجلات أعدت لغير التصوير، لكن فيها صور: الأولى: حرام بيعها، وشراؤها، واقتناؤها.
والثانية: لا يحرم ذلك.(132/24)
حكم مقاطعة الجيران والأقارب الذين يمتلكون الدشوش
السؤال
هل يجوز مقاطعة الجيران والأقارب الذين في بيوتهم دش من الزيارة وغيرها؟
الجواب
لا تجوز مقاطعتهم، بل تجب صلتهم؛ لأن النصوص في وجوب صلة الرحم عامة، بل إن الله تعالى قال في الوالدين: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15] ، فهذان الوالدان، أبوك وأمك، كلاهما مشرك وقد بذلا الجهد في أن تشرك بالله، ففعلوا الشرك بالله ودعَوا إلى الشرك بالله، ومع ذلك يقول الله: {فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15] .
وصلة الرحم ليس فيها نص واحد، يقول صلى الله عليه وسلم: (صلوا الأرحام ما لم يفعلوا المعصية) فالواجب صلتهم.
نعم لو علمنا أننا إذا قاطعناهم تابوا إلى الله من هذا، فهنا نقاطعهم دواءً، حتى يتوبوا، كذلك لو أتينا إليهم وهم قد فتحوا الجهاز على الدشوش ثم نهيناهم عن ذلك لم يبالوا بنا، وأبقَوا الجهاز يشتغل فهنا لا تذهب إليهم؛ لأنك إن ذهبت شاركتهم في المعصية.(132/25)
حكم الصلاة خلف إمام يلحن
السؤال
الإمام المكلف بالصلاة بالناس، مكلف من وزارة الأوقاف، ويخطئ كثيراً في التلاوة.
الشيخ: وهو إمام راتب.
السائل: نعم، إمام راتب، ويخطئ كثيراً في التلاوة، فهل للحافظ الذي خلفه أن يرده مع كثرة الخطأ أم ماذا يفعل؟ وما حكم الصلاة خلفه؟
الجواب
الواجب إن كان إماماً راتباً وهو يخطئ في القرآن أن تبلغ الجهات المسئولة عنه؛ لأنه لا يحل للجهات المسئولة أن تجعل إماماً راتباً وهو لا يحسن القراءة، فوظيفة المأمومين هنا أن يبلغوا.
السائل: يا شيخ، بلغنا ولا فائدة الشيخ: هل اللحن يحيل المعنى؟ السائل: يخفض مرفوعاً ويرفع منصوباً وهكذا.
الشيخ: إن كان لا يحيل المعنى فصلوا خلفه لا بأس، وإن كان يحيل المعنى فلا تصلوا خلفه، اطلبوا مسجداً آخر.(132/26)
التقويم يشمل جميع البلدان
السؤال
الخمس دقائق هذه التي قبل الفجر، في كل البلدان أم فقط هنا؟
الجواب
في كل البلدان؛ لأن التقويم مبني على أساس كل البلدان، سواء في القصيم، أو مكة، أو في جدة، أو في أي مكان.(132/27)
حكم مطالبة الزوجة بسكن منفرد عن سكن الأهل
السؤال
هل يجوز للزوجة أن تشترط على الزوج السكنى بمفردها بعد أن كانت تسكن مع والدته ووالده؟ الشيخ: أن تشترط أو تطلب؟ السائل: تطلب أو تشترط.
الشيخ: لا، بينهما فرق، أن تشترط، هذا عند العقد.
السائل: أن تطلب -أحسن الله إليك- وهل له أن يحقق طلبها؟
الجواب
إذا كانت الزوجة اشترطت عند العقد ألا يُسْكِنَها مع أهله والتزم بالشرط وجب عليه الوفاء بذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) ، وإذا لم تشترط هذا وجرت عادة الناس أن يُسْكِنَها مع أهله فليس لها الحق في المطالبة، إذا كان هذا هو العرف، أما إذا كانت في بلد جرى العرف بأن الزوج لا يُسْكِن الزوجة مع أهله فالمعروف كالمشروط، فمثلاً: نحن عندنا الآن جرت العادة أن الزوج يسكن زوجته مع أهله؛ لكن هناك طائفة كبيرة من المجتمع يعرف الناس أنهم إذا تزوجوا سوف يجعلون لها مسكناً خاصاً، فيكون هذا كالمشروط.
بقينا فيما إذا لم يكن هناك شرط ولا عرف وسكَّنها مع أهله، فلها أن تطلب الانفراد إذا لم يمكن العيش مع أهله؛ لأنه أحياناً يسيء الأهل إلى الزوجة إساءة بالغة، لا سيما إذا رأوا أن الزوج يحبها، تجدهم يسيئون إليها وينفرونها من البقاء معهم، فهؤلاء لا شك أن للزوجة أن تطلب الانفراد.
السائل: لكن البر بالوالدين؛ لأنهما يتأثران.
الشيخ: الحمد لله، يقول لوالديه: أحْسِنا العشرة مع الزوجة، وأنا سوف أجلس، وإذا لم تحسنا العشرة فهل تبقى المسكينة في نار طيلة حياتها؟! ثم إذا خرج بها وانفرد يمكنه أن يبر والديه، يأتي إليهما في الصباح والمساء، وعند الحاجة يبقى عندهما يوماً وليلة، حسب الحال.(132/28)
حكم طاعة الوالدين في المسائل الخلافية
السؤال
تعرفون -حفظكم الله- أن كثيراً من المسائل الخلافية التي في كتب أهل العلم رحمهم الله يكثر أحياناً فيها الخلاف وربما يصعُب التحقيق فيها السؤال: قد تطلب الوالدة أو الوالد بعض الأمور التي فيها خلاف بين أهل العلم من ابنهما، فماذا يصنع الابن في أمر قد لا يرجحه وهو طالب علم؟ الشيخ: مثاله؟ السائل: الأمثلة على ذلك كثيرة، كاللحوم المستوردة مثلاً، التي جرى فيها الخلاف في جواز أكلها وعدم الأكل، ومثل زيارة القبور.
الشيخ: الوالدان يقولان: هات من هذا اللحم، أو يقولان: لا تأتِ به؟ السائل: يقولان: ائت لنا منه.
الشيخ: وهو لا يريد.
السائل: نعم.
الجواب
هذه سهلة، هذه ليست مشكلة، يقول: مقصودكما أكل اللحم، نأتي لكما بلحم.
السائل: لا، يريد هذا النوع.
الشيخ: لا يخالف، يأتي بثانٍ.
السائل: لا، يريد النوع الذي جرى فيه خلاف.
الشيخ: لا يخالف، النوع الذي جرى فيه الخلاف الذي يرد إلى البلاد من الخارج، إذا قال الوالدان: نحن نريده، يقول: أنتما تريدان اللحم نأتي لكما بدله.
السائل: لا يريدان بدله.
الشيخ: وهل إذا أتى باللحم العادي من الدجاج الوطني هل يمتنعان من الأكل؟ السائل: لا يمتنعان لكن يريدان هذا وذاك، تارة يريدان ذاك، وتارة الذي يحصل يحصل.
الشيخ: تأتي لهما بلحم غنم، ما فيه مشكلة.
السائل: لو جرى على هذا لا بأس، لكن أحياناً يريدان هذا، يرغبان مرة في هذا ومرة يريدان هذا.
الشيخ: الإنسان الحكيم يستطيع أن يتخلص من هذا؛ لكن عندنا مسألة زيارة القبور فإذا كان الولد يرى أن المرأة لا يحل لها أن تزور المقبرة وطلبت أمه أن تزور، فلا يذهب بها؛ لأن الله قال: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان:15] ، فيُقاس عليه كل معصية طلبها الأب أو الأم فلا يطاعا، (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ، لكن هناك أشياء -كما ذكرتَ- يمكن أن يختلف الولد والوالدان فيه، فهنا لا بأس أن يعطيهما ما فيه الخلاف لكنه بنفسه لا يفعله.
السائل: هو لم يفعله، لكن يريد إرضاء أمه.
الشيخ: يعطيها الأم وحدها، أما هو فلا يصنعه.
السائل: لأنه جائز في حقها؟ الشيخ: نعم؛ لأنه جائز في حقها، وهنا مشكلة غير هذه، هناك شخص يقول: إن أباه يرى حل الدخان، وهو يرى التحريم، فيقول له أبوه: اذهب يا بني، هذه عشرة ريالات اشترِ بها دخاناً، هذه مشكلة؛ لأنه يرى أنه حرام والأب يرى أنه حلال.
السائل: هذه ليست كبيرة.
الشيخ: لا، هذه من أصعبها، ثم قد يكون الأب ليس عنده مال ويقول: اشترِ لي من مالك.
السائل: ومثلها القات أحسن الله إليك؟ الشيخ: نعم، ومثل ذلك القات عند أهل اليمن.(132/29)
وصف الله سبحانه وتعالى بالسكوت؟
السؤال
فضيلة الشيخ، جاء في الحديث: (وسكت عن أشياء رحمة بكم) فهل يوصف الله بالسكوت؟
الجواب
من الذي قال هذا الكلام؟ السائل: قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الرسول قال: (وسكت عن أشياء) فهل يمكن أن أحداً يسأل: هل يجوز أن نقول: إن الله يسكتُ؟ لا يجوز يا أخي.
السائل: إذا لا يوصف بالسكوت.
الشيخ: يوصف.
السائل: يوصف يا شيخ؟ الشيخ: نعم، على ظاهره، (سكت عن أشياء -أي: لم يحرمها- رحمة بكم) ، وقطعاًَ إذا كان سكت عن أشياء لم يحرمها أنه لم يتكلم بها، لكن السكوت من حيث هو بالمعنى اللغوي يطلق على عدم الكلام، ويطلق على عدم إسماع الكلام، ومن ذلك قول أبي هريرة للنبي عليه الصلاة والسلام: (أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟) فوصف الرسول بالسكوت مع أنه يقول: ما تقول؟ فالسكوت من حيث اللغة العربية يطلق على هذا وهذا.
أما بالنسبة لله إذا سكت معناه: يتكلم على مَن؟ إذا سكت عن أشياء لم يحرمها فهو ساكت عنها.
وبالمناسبة هذه أنا أود من إخواني طلبة العلم ألا يتعمقوا فيما يتعلق بالصفات، يأخذ الأحاديث والقرآن على ظاهره ولا يسأل؛ لأن ما يتعلق بصفة الله من دين الله، فإذا كان الصحابة لم يسألوا عنها فليَسَعنا ما وسعهم، ولهذا قال الإمام مالك للذي سأل عن الاستواء، وقال: كيف استوى؟ قال له: ما أراك إلا مبتدعاً، وقال: السؤال عن هذا بدعة.
السائل: هل يثبت الحديث؟ الشيخ: إذا ثبت.
والنووي ذكره في الأربعين النووية.
السائل: أليس متكلَّمٌ فيه؟ الشيخ: متكلَّمٌ فيه؛ لكن عندما أثبته يكفي.
والحمد لله رب العالمين.(132/30)
لقاء الباب المفتوح [133]
تحدث الشيخ رحمه الله في هذه المادة عن نصائح وتوجيهات أسداها لطلاب العلم، حتى يكون علمهم هذا مقبولاً عند الله عز وجل، ويزيد من رفع درجاتهم في الجنة، ثم ختم ذلك بتفسير بعض آيات من سورة (ق) بين فيها أحوال الأمم الذين كذبوا الرسل وعاندوهم، وكيف كانت عاقبتهم والعياذ بالله.(133/1)
نصائح وتوجيهات لطلاب العلم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي يعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) والتي تتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس التاسع والعشرون من شهر ربيع الثاني عام (1417هـ) .
وبما أن الناس يستقبلون الدراسة النظامية في الأسبوع القادم فإننا نوجه إخواننا إلى الأمور التالية:(133/2)
أهمية الإخلاص لطلاب العلم
الأمر الأول: إخلاص النية في طلب العلم: وذلك أن طلب العلم من العبادات، والعبادات لا بد فيها من أمرين: الأول: الإخلاص لله سبحانه وتعالى.
الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
والإخلاص في طلب العلم يكون بأمور: الأمر الأول: أن ينوي العبد بطلب العلم امتثال أمر الله؛ لأن الله تعالى أمر بالعلم في قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] قال البخاري رحمه الله في ترجمة هذه الآية: بابٌ العلم قبل القول والعمل، ثم ساق الآية.
ثانياً: أن ينوي بطلب العلم حفظ شريعة الله تعالى؛ لأن طلب العلم من أكبر وسائل حفظ الشريعة، فالشريعة كما تحفظ في الكتب المؤلفة كذلك تحفظ بطلب العلم الذي يتضمن معرفة الشريعة.
ثالثاً: أن ينوي بطلب العلم الدفاع عن الشريعة وحمايتها من أعدائها، وذلك أن الشريعة الإسلامية لها أعداء يتربصون بها الدوائر أعداء يصرحون بالعداوة، وأعداء لا يصرحون بالعداوة؛ ولكنهم يبطنون العداوة، وهؤلاء الأعداء أشد أثراً من النوع الأول؛ لأن النوع الأول يظهر العداوة ويمكن للإنسان أن يتحرز منه ويعرف ما عنده من الأمور التي يمكن إزالة الشبهة فيها؛ لكن المشكل إذا كان يبطن العداوة بظاهرِ صَدِيق أو بثوبِ صَدِيق، هذا لا يمكنك أن تعرف ما عنده حتى تجلوَه، ولا يمكن أن تعرف ما عنده حتى تحترز منه، فالشريعة الإسلامية لها أعداء يتربصون بها الدوائر، إما في العقيدة، وإما في الأخلاق، وإما في الأفكار السيئة أو غير ذلك، فلا بد أن ينوي الإنسان بطلب العلم حماية الشريعة والذود عنها من أعدائها.
ومن ذلك أيضاً: أن ينوي الإنسان بطلب العلم رفع الجهل عن نفسه؛ لأن الأصل في الإنسان الجهل، كما قال الله تبارك وتعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78] ولا يمكن رفع الجهل عن النفس إلا بالتعلم، ولهذا تشعر الآن أنك إذا جلستَ مجلس علم أدركتَ في هذا المجلس ما ليس عندك سابقاً، اقرأ مثلاً كتاباً، تقرؤه من أوله تحصل على علم؛ لكن آخره لا تدري ما فيه، حتى تأتي إليه؛ لذلك يكون في طلب العلم رفع الجهل عن النفس.
ومن ذلك أيضاً: أن تنوي رفع الجهل عن غيرك؛ لأن الناس محتاجون إلى طلب العلم ومحتاجون إلى علماء يبصِّرونهم ويدلُّونهم على شريعة الله، ويحثونهم عليها، ويرهِّبونهم مما يخالفها، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله: العلم لا يعدله شيء لمن صحَّت نيته، قالوا: كيف تصح النية؟ قال: ينوي به رفع الجهل عن نفسه وعن غيره.(133/3)
أهمية الدعوة إلى الله عز وجل لطلاب العلم
لا بد لطالب العلم بعد ذلك: من أن يكون داعياً إلى الله عز وجل، والدعوة غير التعليم، المعلم يجلس على كرسيه من جاءه علمه، أو يجلس في مكانه في المسجد من جاء علمه؛ لكن الداعية هو الذي يخرج ليعلم الناس، لا بد أن يكون داعية، الداعية هو الذي يتجول في القرى والمدن، ويدعو إلى الله عز وجل، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يعرض نفسه على القبائل في أيام الموسم قبل أن يهاجر ويدعوهم إلى الله، فالداعية إلى الله تعالى لا بد له من حركة، ثم يجب عليه أن يتجنب ما يكون سبباً للتشويش والخوض فيه، وفي رأيه، فمثلاً إذا كان عنده أشياء تخالف ما عليه الناس فلا يبثها بين الناس، حتى يتمكن ويكون له قيمة، يؤخذ بقوله؛ لأنه إذا كان صغيراً وأتى بما يجهله الناس ولا يعرفونه صار عرضة للكلام والقيل والقال، وربما لا يُقْبَل منه شيء بعد ذلك.(133/4)
لزوم العمل بالعلم وثماره
كذلك يجب على طالب العلم أن يكون عاملاً بما علم؛ لأن هذه هي ثمرة العلم، أيُّ ثمرة للعلم إذا علمت ولم تعمل؟! لا شيء، بل إن هذا الذي علم ولم يعمل أشد ضرراً على الأمة من رجل جاهل؛ لأنه سيكون قدوة، والناس أكثر ما يأخذون هو: الاقتداء والتأسي بفعل العالِم، فإذا كان هذا العالِم يبث الشرع في عباد الله ويدعو إليه لكن لا يَعْمَل به لم يثق الناس بعلمه ولا بدعوته، وهو مع ذلك من أول من تُسَعَّر بهم النار يوم القيامة نسأل الله العافية.(133/5)
حاجة الداعية إلى الحكمة في الدعوة
ومما يجب أيضاً على طالب العلم: أن يكون عند دعوته إلى الله عز وجل ذا بصيرة وحكمة بحيث يُنَزِّل الأشياء منازلها، قد يأتي قوماً يكون الخير في دعوتهم أن يرغبهم في الخير، ولا يذكر الوعيد، وقد يكون معه في قوم الخير أن يذكر لهم الوعيد حتى يتوبوا إلى الله ويرجعوا مما هم عليه، فلكل مقام مقال.
فإذا استعمل الإنسان الحكمة في دعوته إلى الله عز وجل صار له أثر كبير بالغ.
وليُعْلَم أن الإنسان كلما عمل بعلمه زاده الله علماً، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] .
وفي الأثر: (من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم) .
وقيل:
العلم يهتف بالعملْ فإن أجابه وإلا ارتحلْ
نسأل الله لنا ولكم التوفيق لما فيه الخير الصلاح، وأن يجعلنا قادة هدى وإصلاح، إنه على كل شيء قدير.(133/6)
تفسير آيات من سور (ق)(133/7)
تفسير قوله تعالى: (وإخوان لوط)
أما ما نريد أن نتكلم عليه من التفسير فإنه سبق أن وصلنا إلى قول الله تعالى: {وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} [ق:13-14] .
قوله: (وَإِخْوَانُ لُوطٍ) أي قوم لوط، أُرسل إليهم لوط عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم كانوا -والعياذ بالله- يأتون الذكران ويدَعُون النساء، أي: أن الواحد يجامع الذكر ويَدَع النساء، كما قال لهم عليه الصلاة والسلام: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء:165-166] دعاهم إلى الله عز وجل وأنذرهم وخوفهم من هذا الفعل الرذيل؛ ولكنهم أصروا عليه، فأرسل الله: {عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً} [الذاريات:33-34] أي: مُعَلَّمَة، كل حجارة عليها العَلَم، أي: علامة على مَن تنزل عليه وتصعقه.
وهذه الخصلة الرذيلة من أقبح الخصال، ولهذا كان حدها في الشريعة الإسلامية القتل؛ لأنها أعظم من الزنا، لأن الزاني إذا كان لم يتزوج من قبل فإنه يُجلد مائة جلدة ويُغَرَّب عن البلد سنة كاملة، وإن كان محصناً وهو الذي قد تزوج وجامع زوجته فإنه يرجم حتى يموت، أما اللواط فإن حده القتل بكل حال، فلو لاط شخص بالغ بآخر بالغ باختيار منهما، فإنه يجب أن يُقتل الفاعل والمفعول به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الصحابة أجمعوا على قتله؛ لكنهم اختلفوا كيف يقتل، فقال بعضهم: يحرَّق بالنار؛ لعظم جرمه والعياذ بالله.
وقال آخرون: يُرجم بالحجارة.
وقال آخرون: يُلقى من أعلى مكان في البلد ويُتْبَع بالحجارة.
والشاهد أنه رحمه الله نقل إجماع الصحابة على قتله، وإجماع الصحابة حجة، فيكون مؤيِّداً للحديث: (مَن وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) .
ولأن هذه الفاحشة الكبرى -والعياذ بالله- فاحشة مفسِدة للمجتمع؛ لأن المجتمع الرجالي يصبح مجتمعاً نسائياً، وهو أيضاً لا يمكن التحرز منه، الزنا يمكن التحرز منه إذا رؤيت امرأة مع رجل في محل ريبة، فإنه يمكن مناقشتهما؛ لكن إذا رؤي ذكر مع ذكر كيف يمكن أن نناقشهما، والأصل أن الرجل مع الرجل يجتمع ولا يتفرق؛ لهذا كان القول بوجوب قتلهما هو الحق.
أما قوم لوط فقد عرفتم أن الله تعالى أرسل عليهم حجارة من سجيل مسومة فدمرهم تدميراً، حتى جعل عالي قريتهم سافلها.(133/8)
تفسير قوله تعالى: (وأصحاب الأيكة)
ثم قال تعالى: {وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ} [ق:14] أي: الشجرة، أرسل الله تعالى إليهم شعيباً فدعاهم إلى الله، وذكرهم به، وحذرهم من بخس المكيال والميزان؛ لكنهم -والعياذ بالله- بقوا على كفرهم وعنادهم: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} [الشعراء:189] وهذا العذاب يقال: إن الله تعالى أرسل عليهم حراً شديداً، فلم يجدوا مفراً منه؛ إلا أنه أُرْسِلَت غمامة واسعة باردة فصاروا يتدافعون إلى ظلها يتظللون بها، فأنزل الله عليهم ناراً فأحرقتهم، وفي هذا يقول تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء:189] .(133/9)
تفسير قوله تعالى: (وقوم تبع كلٌ كذب الرسل)
قال تعالى: {وَقَوْمُ تُبَّعٍ} [ق:14] أيضاً ممن كذبوا الرسل، وهم أصحاب تبع، وهو ملك من ملوك اليمن أرسل الله إليهم رسولاً فكذبوه، ولم ينقادوا له.
فيقول عز وجل: {كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} [ق:14] أي: أن هذه الأمم الذين حكى الله عنهم الإشارة، بل أشار الله تعالى إلى قصصهم، كلهم كذبوا الرسل فحق عليهم وعد الله بعذابه وانتقامه.
نسأل الله لنا ولكم الهداية والعافية، إنه على كل شيء قدير.(133/10)
الأسئلة(133/11)
استحباب الدخول في الصلاة مع الإمام في المسجد لمن كان قد صلاها بنية النفل
السؤال
فضيلة الشيخ: رجال صلوا في مساجدهم ثم ذهبوا إلى مسجد آخر لشهود جنازة، التي هي صلاة العصر، فعندما أتوا إلى المسجد الذي فيه الجنازة وجدوا جماعة المسجد يصلون، فمنهم من جلس، ومنهم من دخل مع الإمام، وصلى صلاة العصر، ومنهم من صلى تحية المسجد منفرداً، فما الحكم في ذلك؟
الجواب
الصواب مع الذين دخلوا مع الإمام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لرجلين رآهما لم يصليا معه صلاة الفجر فقال: (ما منعكما أن تصليا معنا، قالا: يا رسول الله! صلينا في رحالنا، فقال: إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة) .
فالصواب مع الذين دخلوا مع الإمام، ولكن إذا دخلوا مع الإمام من أول الصلاة فالأمر ظاهر يتابعونه حتى يسلِّموا معه، وإن دخلوا معه في الركعة الثانية أَتَمُّوا الرابعة خفيفة، وإن دخلوا معه في الركعة الثالثة سلَّموا معه؛ لأنهم حينئذ يكونوا قد صلوا ركعتين فيسلمون مع الإمام لئلا تفوتهم صلاة الجنازة.
السائل: والذي صلى منفرداً تحية المسجد! الشيخ: الذي صلى منفرداً تحية المسجد، هذا لم يعلم، ونحن قلنا: الصواب مع الإمام.
السائل: الواجب عليه أن يدخل مع الإمام، أو يصلي لوحده؟ الشيخ: قلت لك: إن الصواب مع الذين دخلوا مع الإمام، وأتيتُ لك بالحديث.
السائل: يعني: هذا الصواب.
الشيخ: وأما الواجب فليس واجب على أحد شيئاً، فلو وقفوا ينتظرون سلامه ثم صلوا معه صلاة الجنازة فلا إثم عليهم.(133/12)
ما يجب وما يستحب في إجابة دعوة الوليمة
السؤال
إجابة الدعوة واجبة وهي دعوة وليمة العرس، فمنهم من يعيِّن يقول: لا تنس، يعني: بالعين مباشرة، ومنهم من يوصي شخصاً آخر إلى شخص آخر يقول: اتصل بفلان حتى يأتي إلى وليمة العرس، ومنها كذلك بطاقة الدعوة، فهل كلها واجبة أو بعضها مستحب؟
الجواب
يقول العلماء رحمهم الله: إنه تجب إجابة دعوة العرس في أول مرة، أي أول وليمة إذا عيَّنه سواء بنفسه، أو بوكيله، أو ببطاقة يرسلها إليه، بشرط ألا يكون في الوليمة منكر، فإن كان فيها منكر ففيه تفصيل، إن كان إذا حضر أمكنه منع المنكر وجب عليه الحضور، وإن كان لا يستطيع فإنه لا يجوز له أن يحضر.
أما البطاقات التي توزع هكذا عموماً دون أن يعرف أنها أرسلت إليه بعينه، فالظاهر أنها لا تجب الدعوة؛ لأن كثيراً من الناس يرسلوا البطاقات إلى الشخص من باب المجاملة فقط، أو الإعلان بأن لديه وليمة عرس؛ لكن إذا عرفت أنه إنما أرسل إليك هذه البطاقة يريد أن تحضر لقرابة بينك وبينه أو لصداقة، فالواجب أن تحضر.(133/13)
استحباب دفن المرأة رجل بَعُدَ عهده بالجماع
السؤال
بالنسبة للمرأة هل في حقها أن يدفنها أي شخص أم ينطبق عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم عندما أراد دفن إحدى بناته: (مَن منكم لم يقارف هذه الليلة) فهل ينطبق عليه هذا؟
الجواب
المرأة يضعها في قبرها أي رجل من الرجال، سواء كان من محارمها أو من غير محارمها؛ لكن الأفضل من محارمها، إلا إذا علمنا أن أحداً من الناس لم يجامع تلك الليلة كرجل نعلم أنه ليس له زوجة، أو نعلم أنه قد تجاوز سن الشهوة، فقد قال العلماء رحمهم الله: إن من بَعُدَ عهده بالجماع أولى ممن قَرُب.(133/14)
معنى قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)
السؤال
قوله تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] ورد تفسير لـ سيد قطب رحمه الله في قوله: أي إنما دعوتي لكم لأجل قرابتي فيكم، وذكر تفسير ابن عباس؛ ولكنه قال: أنا إلى هذا أميل.
الشيخ: ما هو تفسير ابن عباس؟ السائل: تفسير ابن عباس قال: كفوا عني أذاكم لقرابتي فيكم، فهل نأخذ بقول المعاصر أم نأخذ بقول ابن عباس؟ الشيخ: قول المعاصر يقول ماذا؟ السائل: يقول: إنما دعوتي إليكم لأجل هذه القرابة.
الجواب
الآية فيها عدة أقوال: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] أي: لكن المودة في القربى، فما معنى المودة في القربى؟ هل المعنى: إلا أن تودوني لقرابتي؟ وهذا فيه نظر؛ لأن الواجب أن الرسول عليه الصلاة والسلام يُحَبُّ أول ما يُحَبُّ من أجل دعوته إلى الحق، دون القرابة.
والقول الثاني: إلا أن تودوا قرابتي، فيكون المعنى: لا أسألكم أجراً إلا أن تودوا قرابتي؛ لأن قرابة النبي صلى الله عليه وسلم لهم حق على الأمة، إذا كانوا مؤمنين لقرابتهم من الرسول عليه الصلاة والسلام.
وقيل: المعنى: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] أي: لكن مودتي إياكم لقرابتكم أوجبت أن أدعوكم، وكلها محتَمِلة؛ لكن الظاهر والله أعلم أن معنى: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] أي: إلا المودة التي تكون للأقارب بعضهم مع بعض، فكيف يليق بكم أن تعادوني مع أن القرابة من حيث هي قرابة تقتضي المودة.
السائل: يا شيخ، إلى من نذهب؟ إلى قول المعاصر في مقابلة قول الصحابي أو ننظر فيه؟ الشيخ: لا.
الواجب النظر في معنى الآية؛ لكن لا شك أن قول الصحابة رضي الله عنهم يرجع إليه في التفسير أكثر من غيرهم؛ لكنهم ليسوا معصومين.(133/15)
حكم من أحرم للحج ثم حصل بينه وبين المسئول خلاف فرجع وترك الحج
السؤال
يا شيخ! حججتُ السنة هذه التي فاتت مع حملة، فحصل بيني وبين صاحب الحملة نقاش وأنا كنت محرماً ورجعت، وأحللت إحرامي.
الشيخ: ثُمَّ ماذا! السائل: ثم رجعت إلى بلدي.
الشيخ: وتركتَ الحج؟ السائل: إي نعم.
الجواب
اعلم أنك الآن تعتبر محرماً، فعليك أن تبادر بخلع الثياب، ولبس ثياب الإحرام، وتذهب إلى مكة، وتأتي بالعمرة، تطوف وتسعى وتقصر، ثم عليك أن تحج من العام القادم.
السائل: هذا فقط؟ الشيخ: اصبر، وعليك الهدي؛ لأنك تحللت بلا عذر، فالآن جزاك الله خيراً بادر الآن.
السائل: أنا فعلتُ عمرة على هذا يا شيخ في هذا الصيف، رجعت وأحللت إحرامي ولبست المخيط، ثم جئت في الصيف هذا وأخذتُ عمرة قبل شهر تقريباً! الشيخ: لكن هل نويتها للعمرة الماضية؟ السائل: لا.
الشيخ: هذا محل نظر، عليك أن تحج العام القادم وعليك الهدي.
السائل: فقط؟ والأهل؟ الشيخ: الأهل مثلك، إذا كانوا تحللوا بعد.
السائل: لا، لا، قصدي يعني: ما فيه.
الشيخ: ما فيه إلا أنك جاهل.
يا أخي! أنا أنصحك أنت ومن يسمع إذا وقعت لكم مشكلة فاسألوا العلماء من حينها، فلو أنك في ذلك الوقت سألت العلماء هل يجوز لك أن تتحلل لمجرد الخصومة بينك وبين صاحبك لكانت المسألة سهلة، فنصيحتي لك ولغيرك أنه إذا وقعت إشكالات في العبادة أن تبادر بالسؤال عنها.
السائل: يجب عليَّ الآن عمرة.
الشيخ: انتهت العمرة، إن شاء الله نرجو أن يكون ما حصل كافياً؛ ولكن عليك أن تحج من العام القادم وتُهدي.
السائل: طَيِّبٌ! والأهل ليس عليهم شيء؟ الشيخ: أنت جاهل، وإذا كان الإنسان جاهلاً فلا شيء عليه.
السائل: لا، الآن في الوقت الحاضر! الشيخ: لا، الآن خلاص انتهى.
السائل: لأني أنا سألت شخصاً وفعلتها.
الشيخ: انتهت، إذاًَ ما بقي عليك شيء، عليك أن تتوب وألا تعود، نعم.(133/16)
حكم إجابة الدعوة إذا دعا الشخص أكثر من واحد
السؤال
أيهما أولى: تلبية دعوة القريب أو البعيد إذا تعارضتا؟
الجواب
إذا دعاك اثنان فأجب أسبقهما دعوة، سواء كان هو القريب أو البعيد؛ فإن كانت الدعوة واحدة فأجب أقربهما إليك باباً.
لكن لو دعاك أحد من أقاربك كأخيك وعمك وخالك، ودعاك رجل أجنبي وخفتَ إن أجبت الأجنبي أن يكون بينك وبين قريبك قطيعة فماذا تصنع؟ في هذه الحال نقول: اطلب السماح من الرجل الأجنبي الذي دعاك، وبيِّن له السبب، قل له: والله دعاني مثلاً خالي، أو عمي، أو أخي، فأرجو أن تسمح لي؛ لئلا يقع في قلبه شيء، وعلى الذي دعاك أولاً في مثل هذه الحالة أن يسمح لك لِمَا في ذلك من درء المفسدة.(133/17)
حكم التداوي بالأعشاب والأدوية وكتابة الآيات على الورق
السؤال
امرأة كلما حملت أسقطت الحمل، فذهبت إلى امرأة مشهورة بالعلاج؛ تعطي علاج السقط فقالت: أنت فيك زلق، وأعطتها أدوية وأعشاباً وقالت لها: في ثاني أيام الحيض تضعينه في الجمر، ثم الدخان هذا تسلطينه على الفرج، ويدخل إلى الفرج.
الشيخ: الدخان؟ السائل: إي نعم، يعني: هل يعتبر هذا من باب الشعوذة وكذا؟
الجواب
والله علي أي أساس؟ هذه المرأة التي وصفت للمرأة التي تسقط حملها وصفت لها الدواء، هل عندها برهان في ذلك؟ السائل: لا أدري، هي أعطتها عدة أدوية.
الشيخ: هي لو كانت المسألة أكلاً أو شرباً لكانت أهون.
السائل: بعضها يؤكل وبعضها يشرب.
الشيخ: لا بأس، بعضها يؤكل وبعضها تضعه في ماء وتشرب، هذه ما فيها إشكال؛ لكن ما هي العلاقة بين الدخان الذي يدخل إلى الفرج وبين بقاء الحمل؟! السائل: هذا الذي أشكوه.
الشيخ: نعم، أرى ألا تستعمل الأخير، الدخان هذا لا تستعمله، على أن الإسقاط قد يكون سببه ضعف المرأة، وقد يكون سببه كثرة العمل، وقد يكون سببه أنها تَسْقُط مثلاً -يعني: تعثر- وقد يكون سببه أنها تخصر بطنها، المهم تتوقى الأسباب الظاهرة التي توجب إسقاط الحمل، ولها أن تشرب الأدوية التي وصَفَت؛ لكن مسألة التبخير هذه لا نراها.
السائل: ما يسمونها بالعزيمة هذه، تَكْتُب آيات بالعُصْفُر الظاهر، هل تشربها؟ الشيخ: ما فيه بأس، إن كتبتها على إناء ثم شربت.
السائل: نعم، الورقة؟ الشيخ: لا بأس، ما فيه شيء، هذا ورد عن السلف إذا كانت آيات من القرآن أو أحاديث نبوية.(133/18)
حكم قراءة القصص التي فيها شيء من الكذب
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم قراءة القصص المسلية التي يكون فيها شيء من الكذب، هل يدخل هذا في باب الكذب؟
الجواب
القصص التي تتضمن الكذب حرام؛ لأنها كذب، وقد جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه توعد من حدَّث فكذب ليضحك به القوم، فقال: (ويل له، ثم ويل له) .(133/19)
حكم من اعتمر ولم يحلق أو يقصر
السؤال
ذهبت أنا وأولادي للعمرة ولم نقصر ولم نحلق ما هي الطريقة؟ الشيخ: ما حَلقْتُم ولا قَصَّرْتُم؟ السائل: ما حَلقْنا ولا قَصَّرْنا، عمرة! الشيخ: وأحللتم؟ السائل: أحللنا ثم ما قَصَّرْنا، لأنني قلت: هي عبارة عن عمرة، التقصير ليس لازم، أنا جئت من الكويت، طال عمرك.
الشيخ: طَيِّبٌ! اذبحوا فدية في مكة، ووزعوها على الفقراء.
السائل: فدية، كيف يعني؟ الشيخ: الآن وكل إنساناً في مكة، قل: اشترِِ لي ذبيحة واذبحها وفرقها على الفقراء.
السائل: كل واحد عليه ذبيحة أو كلنا علينا فدية واحدة؟ الشيخ: كل واحد عليه ذبيحة، وكما سمعتَ قبل قليل، نصيحتي: أن الإنسان إذا أخل بشيء فليسأل عنه فوراً ولا يتأخر.
السائل: أنا اعتقدت أن العمرة ما فيها حلق، جهلاً مني.
الشيخ: على كل حال هذا هو الواجب، إن شاء الله تعالى يقبل.
السائل: يصلح أن أوصي عليها، وأدفعها؟ الشيخ: يجوز أن توصي عليها.
السائل: أوصي عليها.
الشيخ: توصي عليها إنساناً، وإن كنتَ تريد أن تذهب أنت فهو طيب، تأخذ عمرة وتفدي.
السائل: ألا يوجد أحدٌ أوصيه عندكم هنا جزاكم الله خيراً أنا من الكويت.
الشيخ: والله فيه، يعني: إذا أعطيتنا (400) ريال.
السائل: المبلغ عندنا.
الشيخ: أعطنا (400) ريال وإن شاء الله نجد أحداً.
السائل: كل فرد له (400) ؟ الشيخ: كل فرد (400) .
السائل: جزاك الله خيراً.(133/20)
حكم الإمام إذا تأخر عن الصلاة فأتى المسجد فوجدهم قد صلوا
السؤال
هناك أحد الأئمة جاء إلى المسجد فتأخر عليهم، فصلوا، وعندما جاء وجدهم قد أكملوا الصلاة، فهل يصلون معه أم ماذا؟
الجواب
ليس عليهم إعادة الصلاة؛ لأنهم صلوا صلاة صحيحة، أما لو صلوا قبل أن يأتي موعد الإقامة فهنا قد نقول: إنه يلزمهم الإعادة؛ لأنهم تعدوا أمر النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: (لا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه) لكن ما دام الوقت قد فات وتأخر عليهم فإن صلاتهم صحيحة؛ لكن في المستقبل إذا تأخر الإمام فالذي ينبغي أن يراجَع، يُذْهَب إليه في بيته ويقال: احضر، كما كان الصحابة رضي الله عنهم إذا تأخر النبي عليه الصلاة والسلام جاءوا إلى بيته، وقالوا: الصلاة يا رسول الله، ثم يخرج ويصلي.
أما كونه إذا تأخر خمس دقائق، أو عشر دقائق صلوا، فهذا يَحْصل فيه فوضى، والإمام الراتب له حق في إمامته في هذا المسجد.(133/21)
الحكمة من نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان
السؤال
فضيلة الشيخ: بعض النصارى يسألون في الدعاء أحياناً حول سؤال المغزى والحكم من عودة عيسى عليه السلام أو نزوله قبل يوم القيامة إلى الأرض، فيجيب الدعاة أحياناً بأشياء ثابتة وأشياء بعيدة، فما قول السادة العلماء -جزاكم الله خيراً- في هذا الأمر حتى يتبين للدعاة؟ الشيخ: يعني: النصارى يقولون: لماذا ينزل عيسى؟ السائل: نعم، ما هي الحكمة من نزوله؟ فيجيب بعضهم بشيء مُثْبَت، وشيء بعيد.
الشيخ: ما الذي أجابوا به؟ السائل: البعض منهم أجاب: أن ذلك إقامة حجة عليهم لما بدلوا به دين الله عز وجل.
الشيخ: على النصارى يعني؟ السائل: إي نعم، هذه بعض الإجابات وكثير منها أيضاً؛ لكنها بعيدة، يأتي بأشياء من عقله دون دليل؟
الجواب
أما كونه إقامة حجة عليهم فالحجة قائمة عليهم وإن لم ينزل، وهذا لو عُلِّل به لقلنا أيضاً: موسى ينزل من أجل إقامة الحجة على اليهود، وإن كان موسى قد مات، وعيسى لم يمت.
لكن الحكمة والله أعلم هو: إظهار فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم، وتقرير نبوته، حيث إن هذا النبي الذي ينزل يحكم بشريعة الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى وإن كان يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ولا يقبل إلا الإسلام، فهذه ليست شريعة جديدة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام حكاها مقرراً لها، فتكون من شريعة النبي صلى الله عليه وسلم.
فالظاهر أن الحكمة من ذلك هو إظهار شرف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأن الأنبياء يجب عليهم أن يتبعوه فيريهم الله ذلك في الدنيا قبل الآخرة، ويدل لهذا أنه في الشفاعة يأتي الناس إلى آدم، ثم إلى نوح، ثم إلى إبراهيم، ثم إلى موسى، ثم إلى عيسى، كل الخمسة الأولون آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، الأربعة هؤلاء كلهم يعتذرون بحجة، أما عيسى فلا يعتذر بحجة، وإنما يقول: اذهبوا إلى محمد، عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكون الله يلهم الناس أن يذهبوا إلى عيسى مع أنه لن يشفع، ولم يذكر خطيئة، المقصود منه: إظهار شرف النبي صلى الله عليه وسلم على الأنبياء السابقين.(133/22)
حكم الذهاب إلى بعض البلدان لأجل الزواج بنية الطلاق
السؤال
فضيلة الشيخ: سمعتُ بعض الشباب في هذه الإجازة يقولون: نحن لا نقدر على الزواج، ونريد أن نذهب إلى بعض البلدان ونتزوج بنية الطلاق، فما حكم فعلهم؟
الجواب
ما شاء الله، هؤلاء ذهبوا للزنا، فإذا فعلوا ذلك فهم زناة؛ لأن الذين أجازوا النكاح بنية الطلاق من أهل العلم إنما أرادوا الرجل الغريب الذي ذهب لغير هذا القصد، ذهب لتجارة، أو لطلب علم، أو لعلاج وبقوا هناك، فهنا اختلف العلماء: هل له أن يتزوج بنية الطلاق أم لا يجوز؟ فمنهم من جوَّزه، ومنهم من منعه، وأما أن يذهب لهذا الغرض فلا شك أن هذا زنا، وأنه لا يقول به أحد من الناس أبداً، ولو أن هؤلاء اتقوا الله لجعل لهم فرجاً ومخرجاً، لو أنهم فعلوا ما أرشدهم إليه الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم) لكان خيراً.
هؤلاء ذهبوا بتذكرة ورجعوا بتذكرة، ونزلوا فنادق هناك قد تكون من أغلى الفنادق وأكثرها ثمناً، وتزوجوا على شيء، ثم سيعودون، فهم في الحقيقة ذهبوا للزنا، فعليهم أن يتوبوا إلى الله عز وجل وأن يتقوا الله تعالى، وأن يسترشدوا بإرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم، بلغهم هذا عني، جزاك الله خيراً.(133/23)
حكم مناداة أبوي الزوجة بيا عم ويا عمة، ويا خال ويا خالة
السؤال
فضيلة الشيخ: حفظك الله، هل صحيح أنه لا يجوز للزوج أن يقول لأبي زوجته: يا خال، ولأم زوجته: يا خالة؟ وكذلك الزوجة؟
الجواب
هو إذا كان من باب الإكرام فلا بأس، مثل: أن يقول: يا عم حين مخاطبته إياه، أو يا خال، أو يا عمة، أو يا خالة، حين المخاطبة، هذا من باب الإكرام ولا بأس به، وأما إذا وصفهم (بخال أو عم) فهذا لم يرد في القرآن ولا في السنة أن أبا الزوجة عم أو خال أو أن أم الزوجة عمة أو خالة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يغلبنكم الأعراب على صلاتكم العشاء) الأعراب يسمون العشاء العتمة؛ لأنهم يعتمون بالإبل، والنبي عليه الصلاة والسلام أمر أن نسميها بالعشاء؛ لأن هذا هو الذي جاء في كتاب الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} [النور:58] فأرشد النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن الكلمات لا تطلق إلا على معناها الشرعي.
وكثيراً ما يأتي إليك إنسان يسأل يقول: قال خالي، وقالت عمتي، فيتوهم المسئول أنهم أخوال وأعمام من النسب.
فالمهم أن الجواب: إذا كان ذلك حين المخاطبة يقول لأبي زوجته: يا خال، أو يا عم، فلا بأس، أما إذا كان حين التحدث والإخبار عنه فإن ذلك لا ينبغي؛ لكن التحريم شيء صعب.(133/24)
حكم تسمية فاحشة قوم لوط باللواط
السؤال
فضيلة الشيخ: أحسن الله إليكم، يقول البعض: إن تسمية الفاحشة التي قام بها قوم لوط لا ينبغي أن تسمى باللواط؛ لأن فيها تعريضاً باسم هذا النبي فما هو توجيهكم لهذا الكلام؟
الجواب
هذا ليس بصحيح؛ لأن العلماء رحمهم الله يقولون هذا، يقولون: اللوطي، ويقولون: اللواط، وحتى جعلوا قول القائل للشخص: يا لوطي من باب القذف الذي يجلد فيه القائل ثمانين جلدة إلا أن يقيم بيِّنَة، أو يُقِر ويعترف الموصوف بهذه الصفة.(133/25)
حكم أكل الصقنقور
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم أكل ما يسمى بالصقنقور؟ الشيخ: الصقنقور إيش هو هذا؟ السائل: دابة تكون في الرمل!
الجواب
الظاهر أنها من الحشرات المحرمة؛ لأنها مستخبثة، وهي كما ذكر الأخ دويبة تندس في الرمل، ليس لها جحر معلوم، إذا لحقها الإنسان اندست في الرمل، ولهذا يسميها بعضهم: الدِّسَّيْسَة؛ لأنها تندس في الرمل، هذه من المحرمات؛ لكن يجب أن نعلم أن فيما أحل الله تعالى لنا غنىً عنها، فلو قال قائل: ما هو الدليل على التحريم؟ لا يستطيع الإنسان أن يأتي بدليل على تحريمها بعينها، فربما يقول قائل: الأصل الحل، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة:29] فيقال: من باب الورع واجتناب الشبهات وأن تتركها إلى ما أحل الله لك على وجه لا شبهة فيه ولا إشكال، نقول: بدلاً من هذا اطلب ضباً وكله؛ لأن الضب حلال.(133/26)
حكم من خرج من بلده مسافراً فصلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً ثم رجع إلى بلده ولم يتم السفر
السؤال
رجل ذهب من مدينة مسافراً ثم وقف وجمع الظهر والعصر قصراً، ثم جاءه شيء طارئ أو كذا فرجع، فهل تسقط عنه صلاة العصر؟
الجواب
لا يلزمه؛ لأنه صلى صلاة مأموراً بها، مأذوناً فيها، وكل إنسان يفعل عبادة مأذوناً فيها فإنه لا يلزمه الإعادة؛ لأن الله تعالى لا يوجب على العبد صلاتين أو عبادتين؟ ولو فرضنا أنه جمع جمع تقديم، خرج قبل صلاة الظهر ودخل وقت الظهر فصلى الظهر والعصر جمع تقديم على أنه سيواصل السفر، ثم بدا له فرجع، فجاء وقت العصر وهو في بلده هل يعيد الصلاة؟ الجواب: لا يعيد الصلاة؛ لأن ذمته برئت بصلاته الأولى، حيث إنه صلى صلاة مأذوناً فيها.
السائل: هل يصلي مع الجماعة نافلة؟ الشيخ: ليس بلازم، إن حضر المسجد صلى مع الجماعة.(133/27)
حكم الأكل والشرب عند أخ كسبه من حرام
السؤال
لو أن الإنسان له أخ حلاق السائل: إي نعم، وفي عُرْف البلد أنه إذا عُلِِم أنه لا يحلق اللحية لا يذهب إليه أحد فهل لو حلق اللحية ودخل هذا المال البيت، والكل يأكل من هذا المال، يكون فيه إثم؟
الجواب
يقول: إن له أخاً يكسب المال من عمل محرم وهو حلق اللحية، كذا؟ السائل: نعم.
الشيخ: طَيِّبٌ! فهل يجوز للأخ أن يذهب إلى أخيه هذا ويأكل من طعامه ويشرب من شرابه؟ الجواب: نعم.
له أن يذهب إليه، ويأكل من طعامه، ويشرب من شرابه، إلا إذا كان في هجره مصلحة بأن كان إذا لم يجبه إلى دعوته تاب الرجل وترك المحرم، فليفعل، ولا يذهب إليه، أما إن كان لن يترك المحرم سواء حضر أو لم يحضر فلا حرج أن يذهب إليه ويأكل من طعامه وشرابه، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل هدية اليهود ودعوتهم، فأهدت إليه امرأة يهودية عام خيبر شاة؛ ولكنها شاة مسمومة تريد أن تقتله إلا أن الله تعالى حماه من ذلك وعصمه، ودعاه يهودي في المدينة إلى طعام خبز شعير وإهالة سنخة، فأجاب وأكل، والمعروف عن اليهود أنهم أكَّالون للسحت أخَّاذون للربا.(133/28)
استحباب أن يدفن المرأة رجل لم يجامع خاص بالمرأة دون الرجل
السؤال
هل يختص الرجل كما تختص الأنثى بإدخالها في القبر أن يكون الذي لم يجامع أفضل أن يدخل الرجل؟
الجواب
هذا هو الظاهر؛ لكن قصدك مثلاً إذا جيء برجل ليُدْفَن؟ السائل: نعم.
الشيخ: لا يختص؛ لأن هذا إنما ورد في المرأة فقط.(133/29)
حكم نقل الوقف من بلد إلى آخر
السؤال
ما حكم نقل الوقف من بلد إلى بلد آخر؟
الجواب
هذا يرجع إلى المحكمة، يعني: لا بد أن تصل إلى المحكمة ويُنْظَر المصلحة.(133/30)
استخدام السواك عند المضمضة أثناء الوضوء
السؤال
بالنسبة للسواك عند الوضوء، في أي مكان يستخدم هل هو قبل الوضوء أو أثناء الوضوء؟
الجواب
السواك في الوضوء سنة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء) قال أهل العلم: ومحله عند المضمضة؛ لأن المضمضة هي التي يكون بها تطهير الفم، فيكون عند المضمضة، فإن لم يتيسر له ذلك فبعد الوضوء، والأمر في هذا واسع.(133/31)
حكم السفر إلى بلاد أخرى لأجل المعصية
السؤال
كثير من الناس بمناسبة هذه العطلة الصيفية يسافر إلى الدول العربية لغرض السياحة هو وأهله، فما حكم السفر علماً أنهم يخالطون كثيراً من الكبائر وبعض المعاصي، مثل: الأغاني، والزنا، والخمور، بعض الدول يُحْتَجُّ بأنها قريبة جداً، علماً أن وجود هذه المنكرات منتشرة جداً؟
الجواب
الذي يسافر إلى البلاد الأخرى عربية كانت أو غير عربية لقصد فعل المحرم لا شك أنه عاصٍ لله من حين أن يسافر من بيته إلى أن يرجع إليه.
وقد قال أكثر أهل العلم: إنه في هذه الحال إذا سافر لأجل هذا الغرض فإنه لا يترخص برخص السفر، فلا يقصر، ولا يجمع، ولا يمسح على جواربه ثلاثة أيام؛ لأنه عاص بسفره، والعصيان منافٍ للرخصة، أما إذا كان لغير هذا الغرض لكنه سيشاهد ذلك ويسمعه فقد يتوقف الإنسان في تحريم السفر؛ إلا أننا نقول: ليس هذا من كمال العقل وكمال التدبير والتصرف أن يذهب إلى هذه البلاد وينفق النفقات الكثيرة الطائلة التي قد يغني عُشْرُها فيما لو سافر إلى الحرمين مكة والمدينة وإلى مصائف هذه البلاد -بلاد المملكة العربية السعودية - ثم إن الغالب أنه لا يخلو من الجلوس إلى قوم يمارسون المحرم، إما بالأغاني أو شرب الدخان أو غير ذلك، ثم إنَّا نسمع أن بعض البلاد فيها شبه عُرْي بالنسبة للباس النساء وهذا يؤثر على طبيعة النساء اللاتي يشاهدن هذا، فنصيحتي لكل مؤمن بالله واليوم الآخر: ألا يسافر إلى مثل هذه البلاد التي لا يزداد بها إيماناً ولا تقىً، وينفق فيها النفقات الكثيرة الطائلة.(133/32)
حكم تحديد النسل
السؤال
ما رأيك في تنظيم أو تحديد النسل؟
الجواب
رأيي أن هذا ليس إلى الإنسان بل هو إلى الله عز وجل، فأما تحديد النسل بمعنى أن الإنسان حين يولد له عدد معين من الأولاد يستعمل ما يقطع الحمل نهائياً، فهذا حرام، نص عليه أهل العلم.
وأما ما يسمى بالتنظيم فهذا إن دعت الحاجة إليه مثل أن تكون المرأة ضعيفة أو مريضة لا تتحمل الحمل فهذه تُعْطَى ما يمنع الحمل في وقته، وفي حينه، ويختلف باختلاف النساء، وباختلاف حال المرأة نفسها أيضاً، قد تكون في سنة من السنوات قادرة على الحمل بسهولة وبدون مرض أو ضرر، وقد تكون بالعكس.
ثم إننا نقول لمن أراد أو ادعى التنظيم: هل الأمر بيدك بالنسبة للموجودين أن يبقوا أحياءً؟ كل شخص يقول: لا، ربما تصيبهم مصيبة تقضي عليهم جميعاً في سنة واحدة، فأين التنظيم؟! ومن المعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام حث الأمة على تزوُّج الودود الولود -أي: كثيرة الولادة- لأجل تكثير نسل الأمة الإسلامية، وكثرة الأمة لا شك أنه من عزتها وقوتها.(133/33)
زوج بنت البنت يكون محرماً لجدتها
السؤال
فضيلة الشيخ! امرأة تسأل وتقول: هل زوج بنت بنتها يكون مَحْرَماً لها؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
نعم، زوج بنت البنت محرماً للجدة؛ لأن من تزوج امرأة صار محرماً لأمها وجدتها من قِبَل أبيها وجدتها من قِبَل أمها وجداتها وإن علت.(133/34)
السنة في مكان أداء صلاة الجنازة
السؤال
فضيلة الشيخ! صلاة الجنازة الأفضل أن تكون في المصلى أم في المسجد؟
الجواب
الأفضل ما هو الأيسر، ولم نعلم الآن أن هناك مصليات خاصة للجنائز فيما بلغنا، ربما يكون بعض البلاد للجنائز مصلىً خاصاً، لا أدري.
السائل: القصد: السنة يا شيخَ؟ الشيخ: لا، السنة: الأيسر على الناس؛ لأن كثرة العدد والمشيعين أفضل بالنسبة للمكان.(133/35)
أحوال العفو عن القاتل
السؤال
فضيلة الشيخ: نسمع من آونة إلى أخرى -خاصة في الصحف- عملية العفو عند القتل، يعني: في آخر دقيقة، فما هو الأجر، نرجو كلمة في هذا الموضوع؟ الشيخ: كيف يعني؟ السائل: حينما يكون القصاص على رجل قاتل، في آخر لحظة يعفو ولي المقتول، أريد أن توردوا لنا جزاء ذلك؟
الجواب
لا شك أن العفو أفضل، قال الله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة:237] ولكن العفو لا بد أن يكون مقروناً بالإصلاح، بمعنى أنك إذا عفوت صار في هذا إصلاح للأمة، أما لو كان سوى ذلك فلا تعفو، فمثلاً: لو قدرنا أن هذا القاتل كان قتل عن إجرام، وعن حب للاغتيالات، وأننا لو عفونا عنه اليوم لذهب يقتل آخر في اليوم الثاني، أو لتجرأ آخرون على ما تجرأ عليه من القتل، فهنا لا ينبغي العفو، بل الأخذ بالحزم، والحمد لله الإنسان الذي لا يموت اليوم يموت غداً، وقتل هذا القاتل يكون كفارة له بالنسبة لأولياء المقتول، وإذا كان قد تاب إلى الله توبة نصوحاً كان أيضاً كفارة له بالنسبة لحق الله عز وجل، ويبقى حق المقتول؛ لأن القاتل عمداً يتعلق بجرمه ثلاثة حقوق: 1- حق الله عز وجل.
2- وحق المقتول.
3- وحق أولياء المقتول.
فإذا تاب إلى الله وندم وسلَّم نفسه لأولياء المقتول فقد سقط عنه حقان، وبقي حق المقتول.
فمن العلماء من يقول: إن المقتول لا بد أن يأخذ بحقه يوم القيامة، حتى لو تاب القاتل.
ومن العلماء من يقول: إنه إذا تاب توبة نصوحاً وعلم الله منه ذلك فإن الله يتحمل مظلمة المقتول ويؤديها عن القاتل.
وهذا عندي هو الأقرب؛ لعموم قول الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان:68-70] فالآية عامة، تدل على أنه إذا تاب سقط عنه كل ما يتعلق بهذا القتل.(133/36)
القصر يكون إما بالكمية أو بالكيفية والكمية
السؤال
قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101] ما هو التحقيق في المراد بالقصر؟ هل هو قصر الكمية أو الكيفية؟ لا سيما أن السياق في صلاة الخوف؟
الجواب
الصحيح: أنه عام لهذا وهذا، لكن بلا خوف بالكمية فقط.
السائل: بلا خوف؟ الشيخ: بلا خوف، ومع الخوف بالكمية والكيفية.
السائل: كيف يجاب على حديث عائشة: (أن الصلاة شرعت ركعتان، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر) هي الأصل ركعتان فكيف نعبر عنها بالقصر؟ الشيخ: نعم، لأنه لما كان المسلمون أكثرهم غير مسافرين، كلهم يتمون، فبيَّن الله عز وجل أنهم إذا سافروا وضربوا في الأرض فليس عليهم جناح أن يقصروا من الصلاة، ثم إن نفي الجناح لا يعني أن المشروع هو القصر، كما قال الله تعالى في الصفا والمروة: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة:158] لأنهم كانوا يتحرجون من الطواف بهما، فبُيِّنَ لهم أنه لا جناح عليهم بالطواف بهما، والطواف بهما من شعائر الله، كذلك أيضاً لا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاة؛ لأنهم تحرجوا من ذلك، فبيَّن الله عز وجل أنه لا جناح، ثم يُنْظَر إلى حكمه، فنجد أنه سنة لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى اللقاء القادم إن شاء الله تعالى في مثل هذا اليوم.(133/37)
لقاء الباب المفتوح [134]
تحدث الشيخ رحمه الله عن تفسير بعض آيات سورة (ق) ، حيث بين الله عز وجل شبه بعض الملاحدة الذين ينكرون البعث، ثم انتقل إلى بيان معرفة الإنسان بنفسه وأنه ضعيف يعلم ما تحدث به نفسه، فما من لفظ يلفظه خيراً أو شراً إلا وملائكة الرحمن يكتبونه، ثم ختم ذلك بإجابات متنوعة تعليماً وتوجيهاً للمسلمين وإرشاداً ونصحاً لهم.(134/1)
تفسير آيات من سورة (ق)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع والثلاثون بعد المائة من (لقاء الباب المفتوح) الذي يتم في كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس السابع من شهر جمادى الأولى عام (1417هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بما تيسر من الكلام على سورة: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق:1] .(134/2)
تفسير قوله تعالى: (أفعيينا بالخلق الأول)
يقول الله عز وجل: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق:15] : الاستفهام هنا: للنفي.
و (عَيِيْنا) بمعنى: تعبنا.
والخلق الأول هو: ابتداء الخلائق.
يعني: هل نحن عجزنا عن ابتداء الخلائق حتى نعجز عن إعادة الخلائق؟! من المعلوم أن
الجواب
لا، كما قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ} [الأحقاف:33] أي: لم يتعب بذلك.
فإذا كان جل وعلا لم يتعب بالخلق الأول، فإن إعادة الخلق أهون من ابتدائه، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم:27] وهذا استدلال عقلي يراد به إقناع هؤلاء الجاحدين لإعادة الخلق، فإن الذين كفروا زعموا أن لن يبعثوا وأنه لا بعث، وأنكروا هذا، واستدلوا لذلك بدليل واهٍ جداً فقالوا: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] فقال الله تعالى: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:79] ثم ساق الأدلة العقلية الدالة على أن الله تعالى قادر على أن يحيي العظام وهي رميم.
قال تعالى: {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق:15] : أي: هم مقرون بأننا لم نعيَ بالخلق الأول وأننا أوجدناه؛ لكن: {هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق:15] لهذا حسن الإضراب هنا، حيث قال: {بَلْ هُمْ} [ق:15] أي: أن هذا عجب من حالهم، كيف يقرون بأول الخلق ثم ينكرون البعث بعد الموت؟! {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ} : أي: في شك وتردد من خلق.
{مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} : وهو: إعادة الخلق.
وإني أسألكم الآن: هل القادر على ابتداء الخلق يكون قادراًَ على إعادته من باب أولى؟ الجواب: نعم، وهذا دليل عقلي لا يمكن لأي إنسان أن يفر منه.(134/3)
تفسير قوله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه)
ثم قال عز وجل مستدلاً على قدرته على البعث: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16] أي: ابتدأنا خلقه، فأوجدناه، وجعلنا له عقلاً وسمعاً وبصراً وتفكيراً وحديثاً للنفس.
{وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} أي: ونحن نعلم ما توسوس به نفسه، أي: ما تحدثه به نفسه دون أن ينطق به، فالله تعالى عالم به، بل إن الله عالم بما سيحدث به نفسه في المستقبل، والإنسان نفسه لا يعلم ماذا يحدث به نفسه في المستقبل.
انظر الآن ما يوسوس به الإنسان نفسه في الحاضر يعلمه الإنسان، أليس كذلك؟ والله تعالى يعلمه، ونقول: بل الله يعلم ما سوف توسوس به نفسه في المستقبل، والإنسان لا يعرف، أي: أن الله يعلم ما ستوسوس به نفسُك غداً وبعد غد وإلى أن تموت وأنت لا تعلم.
إذا كان الله يعلم ما توسوس به النفس فما الذي يوجب لنا هذا العلم؟ يوجب لنا مراقبة الله سبحانه وتعالى، وألا نحدث أنفسنا بما يغضبه، وبما يكرهه علينا أن يكون حديث نفوسنا كله بما يرضيه، لأنه يعلم ذلك، أفلا يليق بنا أن نستحي من ربنا عز وجل أن توسوس نفوسنا بما لا يرضاه.
قال الله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق:16-17] .
{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16] (حبل الوريد) هو الأوداج، وهما: العرقان العظيمان المحيطان بالحلقوم، يُسمى: الوريد، ويسمى: الودج، وجمعه: أوداج، ويُضْرَب المثل بهما في القرب، يقول: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16] أي شيء أقرب إليه؟ أقرب شيء إلى قلبك هو: حبل الوريد هذا، أقرب من المخ، وأقرب من كل شيء فيه الحياة هما: الوريدان.
وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16] هل المراد قرب ذاته جل وعلا أو المراد قرب ملائكته؟ الصحيح: أن المراد: قرب ملائكته، ووجه ذلك: أن قرب الله تعالى صفة عالية لا يليق أن تكون شاملة لكل إنسان؛ لأننا لو قلنا: إن المراد قرب ذات الله؛ لكان قريباً من الكافر، وقريباً من المؤمن لماذا يلزم ذلك؟ لأن الله قال: {خَلَقْنَا الإِنْسَانَ} [ق:16] أيَّ إنسان خلق؟ المؤمن والكافر: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} [ق:16] أي: إلى هذا الإنسان الذي خلقناه من حبل الوريد.
فإذا قلنا: الآية الشاملة، وقلنا: إن القرب هنا القرب الذاتي: صار الله قريباً بذاته مِن الكافر.
وهذا غير لائق، بل الكافر عدو لله عز وجل.
لكن الراجح: ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن المراد بالقرب هنا قرب الملائكة، أي: أقرب إليه بملائكتنا، ثم استدل بقوله تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ} [ق:17] فـ (إِذْ) بمعنى: حين، وهي متعلقة بأقرب، أي: أقرب إليه في هذه الحال حين {يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق:17] .
فإن قال قائل: كيف يضيف الله المسند إليه والمراد به الملائكة؟ ألهذا نظير؟ قلنا: نعم، له نظير، يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة:16-18] (قرأناه) : المراد بذلك؟ جبريل، ونَسَبَ الله فِعْل جبريل إلى نفسه؛ لأنه رسوله، كذلك الملائكة نسب الله قربهم إليه؛ لأنهم رسله، كما قال تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} .
{بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80] .
وما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله هو الصواب.
فإن قال قائل: وهل الله تعالى قريب من المؤمن على كل حال؟ قلنا: بل في بعض الأحوال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) فهذا قرب في حال الدعاء، مصداق ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] كذلك هو قريب من المؤمن في حال السجود؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) .
وعلى هذا فيكون الله تعالى قريباً من المؤمن حال عبادته لربه، وحال دعائه لربه.
أما القرب العام: فإن المراد به القرب بالملائكة، على القول الراجح.
وقوله: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ} [ق:17] هما ملَكان، بيَّن الله مكانهما من العبد، فقال: {عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق:17] .
{عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ} [ق:17] ولم يقل: على اليمين وعلى الشمال؛ لأنهما ليسا على الكتفين بل هما في مكان قريب أقرب من حبل الوريد.
ولكن قد يقول قائل ملحد: أنا ألتمس حولي لا ألمس أحداً، أين القاعد؟ أين القعيد؟! فنقول: هذا من علم الغيب الذي لا تدركه عقولنا، وعلينا أن نصدق به، ونؤمن به كما لو لمسناه بأيدينا، أو شاهدناه بأعيننا، أو غير ذلك من أدوات الحواس، علينا أن نؤمن بذلك؛ لأنه قول الله عز وجل.
فنقول: {عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق:17] : قاعد، مستقر، أحدهما يكتب الحسنات، والثاني يكتب السيئات، هذا المكتوب الذي بأيدي الملائكة عرضة للمحو والإثبات؛ لقول الله تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39] أي: أصل أم الكتاب هو: اللوح المحفوظ، مكتوب فيه ما يستقر عليه العبد، لكن ما كان قابلاً للمحو والإثبات فهو الذي في أيدي الملائكة، قال الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] انظر! حسنة تذهب السيئة، تمحوها بعد أن كُتِبَت، وهذا باعتبار ما في أيدي الملائكة، أما أم الكتاب الأصل فمكتوب فيها ما يستقر عليه العبد.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يستقر على الإيمان والثبات في الدنيا والآخرة.(134/4)
تفسير قوله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)
قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] {مَا يَلْفِظُ} (ما) : نافية، و (قول) : مجرورة بـ (مِنْ) الزائدة إعراباً، المفيدة معنىً، وأصلها بدون زيادة: ما يلفظ قولاً؛ لكن تأتي حروف الجر أحياناً زائدة في الإعراب لكنها تفيد معنى التوكيد، ولهذا النفي إذا اقترن المنفي بِمِنْ الزائدة أو بـ (الباء) الزائدة، مثل: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] فإنه أوكد في العموم من النفي المجرد من حرف الجر الزائد.
{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} إذا جعلنا (مِنْ) زائدة إعراباً مفيدة معنى فما فائدة معناها؟ التوكيد على العموم، أي: أيُّ قولٍ يلفظه الإنسان: {لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] سبحان الله! {رَقِيبٌ} [ق:18] يراقب ليلاً ونهاراً لا ينفك عن الإنسان: {عَتِيدٌ} [ق:18] حاضر، لا يمكن أن يغيب ويوكل غيره، هو قاعد مراقب حاضر لا يفوته شيء: {مِنْ قَوْلٍ} [ق:18] أي قول؟ كل القول؛ لأن (مِنْ) هذه زائدة، و (قَوْل) نكرة في سياق النفي لبيان العموم، أيُّ قولٍ يقوله.
وظاهر الآية الكريمة: أن القول مهما كان يُكتب سواءً كان خيراً أم شراً أم لغواً، لكن المحاسبة على ما كان خيراً أو شراً، ولا يلزم من الكتابة أن يحاسَب الإنسان عليها، وهذا ظاهر اللفظ، وهو أحد القولين لأهل العلم.
ومن العلماء من يقول: إنه لا يكتُب إلا الحسنات والسيئات فقط، أما اللغو فلغو لا يُكتب، فأيُّ القولين أولى؟ الأول أولى وهو: العموم، أما النتيجة فواحدة؛ لأنه حتى على القول بأن الكاتب يكتُب كل شيء، يقولون: إنه لا يحاسَب إلا على الحسنات والسيئات.
لكن كوننا نقول بالعموم هو المطابق لظاهر الآية، ثم هو الذي فيه الدليل على أن الملكَين لا يفوتان ولا يتركان شيئاً، مما يدل على كمال عنايتهما بما ينطق به الإنسان.
وبناءً على ذلك يجب علينا أن نحترز غاية الاحتراز من أقوال اللسان، فكم زلة لسانية أوجبت الهلاك والعياذ بالله، قال أبو هريرة رضي الله عنه في الرجل الذي قال: (والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله: من ذا الذي يتألى علي ألا أغفر لفلان؟ قد غفرتُ له وأحبطتُ عملك) قال: [إنه تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته] نسأل الله العافية.
احذر لسانك أن تقول فتُبتلى إن البلاء مُوَكَّلٌ بالمنطقِ
احذر آفات اللسان، إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل حفظ اللسان مِلاك الأمر كله، فقال عليه الصلاة والسلام لـ معاذ بن جبل: (أفلا أدلك على ملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله! فأخذ بلسان نفسه وقال: كف عليك هذا -لا تطلقه، لا تتكلم- قال: يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال له: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائدُ ألسنتِهم) فالمؤمن يجب أن يحذر لسانه، فإنه آفة عظيمة.
ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) .
وحينئذ نعرف أن الصمت مفضل على الكلام؛ لأن الكلام قد لا يدري الإنسان أخير هو أم شر.
ثم إني أقول لكم: الكلمة إذا أطلقتها وخرجت من فمك فهي كالرصاصة تطلقها على ولدك، هل يمكنك أن تمنع الرصاصة إذا خرجت من فوهة البندقية؟ لا، خلاص انطلقت، تفسد أو تصلح، كذلك الكلمة، فالعاقل يمنع لسانه ولا يتكلم إلا بالخير، والخير إما في ذات المتكلَّم به، وإما في غيره: قد يكون الكلام ليس خيراً بنفسه لكنه خير من جهة آثاره، قد يتكلم الإنسان بكلام لغو في مجلس، والكلام ليس أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر، وليس إثماً ووِزراً؛ لكن يتكلم من أجل أن يفتح الباب للحاضرين؛ لأنه أحياناً تستولي على المجلس الهيبة ولا يتكلم أحد، فيبقى الناس كأنهم في غَمْ، فيتكلم من أجل أن يفتح الباب للناس، وتنشرح صدورهم، ويحصل تبادل الكلام الذي قد يكون نافعاً، نقول: هذا الكلام الذي تكلمه وفتح به باب الكلام وأزال عن الناس الغمة يُعتبر خيراً لغيره، وهذا داخل -إن شاء الله- في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) .
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم حفظ ألسنتنا وجوارحنا عما يغضبه، وأن نستعملها فيما يرضيه، إنه على كل شي قدير.(134/5)
الأسئلة(134/6)
الحكمة والتروي عند الإفتاء
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك مجموعة من الموظفين تخصصاتهم فنية، اقتضت مصلحة العمل بتوليتهم أعمالاً إدارية في غير مكانهم الأول، ساعات العمل فيه أقل من المطلوب منهم لو كانوا في عملهم السابق، وهذا معروف على مستوى الوزارة، ويوم الخميس يتناوب عليه مجموعتان بموافقة مديرهم المباشر، ويُعَلَّل هذا بقلة العمل في هذا اليوم، فهل هذا الوضع جائز؟ علماً أن لهذا العمل الإداري بدلات لا يأخذونها بسبب اختلاف مسمى الوظيفة؟
الجواب
هذا سؤال مهم، ولكن الذي يوجه السؤال هو المسئول عن المصلحة؛ لأني أرى أنه ليس من المصلحة أن يأتي موظف تحت مدير أو رئيس ويسأل عن عمل يعمله المدير أو الرئيس قد يكون مخالفاً للنظام ومخالفاً للأمانة، فمثل هذا ينبغي ألا يجاب؛ لأنه ليس بيده شيء، حتى لو أجبته هل يمكن أن يغير الوضع ما دام المدير مُصِرَّاً على ما يريد؟! لا يمكن أن يغير الوضع، بل ربما يزيد الأمر شدة، ربما يكون هذا الجواب ممن وُجِّه إليه السؤال، يتخذه السائل سلاحاً على هذا المدير لتشويه سمعته وحصول البلبلة، وأنا لست أقصد شخصاً بعينه، فالسائل هو مشكور على سؤاله؛ لكني أقصد على سبيل العموم، أنه لا ينبغي للمفتي أن يفتي في مثل هذه المسائل؛ لأنها لا تخدم المصلحة إطلاقاً، مَن الذي يتولى السؤال لو كان يريد السؤال؟ الرئيس أو المدير الذي يستطيع أن يغيِّر، أما فرد من أفراد هذه المجموعة يسأل، إذا قيل: هذا حرام، ولا يجوز، هذا خيانة، والراتب حرام، وما أشبه ذلك ما هي الفائدة؟! لا فائدة في الواقع.
ولهذا أنا أشكر إخواني الشباب الذين يجدون في أعمالهم مخالَفة ثم يسألون عنها، نشكرهم؛ لكن لا أرى أن يجاب عليها؛ لأن ذلك لا يخدم المصلحة.
ثم أنصح أيضاً القائمين على الأعمال أن يتقوا الله عز وجل وأن يمشوا على ما رسم لهم من فوق، وإذا رأوا المصلحة في خلافه فليقدموا تقريراً ومشورة إلى مَن فوقهم لتعديل الوضع؛ إلاَّ أن يُمَكَّنوا من ذلك ويقال: أنتم مؤتَمَنون، وأنتم أحرار على ما ترون من توجيه وتغيير اختصاصات الموظفين فهذا شيء آخر.
ثم إن مثل هذه الأسئلة أيضاً أحب من إخواني الشباب الحريصين أن يكون السؤال سراً بينهم وبين المسئولين؛ لأننا لا نحب أن تنتشر المعايب في جهات العمل والمؤسسات.
السائل: طَيِّبٌ! يا شيخ، يمكن أن يقع شراًَ؟ الشيخ: إذا قلتُ لك بجواب هذا السؤال، فهذا هو الجواب ولا يمكن.(134/7)
ضابط العرف في الإسراف وخروج المرأة إلى السوق
السؤال
فضيلة الشيخ: أشكل علينا كون العرف مرجعاً لضبط بعض الأفعال، وبالذات شراء الألبسة وخروج المرأة، ووجدنا من يشتري الثوب بستمائة ريال أو أكثر أو أقل، ويحتج بالعرف، وهل يعارض هذا ما جاء في السنة من الحث على التقلل والنهي عن التبذير وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
نعم.
العرف مرجع حيث لا يوجد في الشرع تحديد، أما إذا حُدَّ في الشرع فالشرع حاكم على العرف وليس العرف حاكماً على الشرع، وفي نَظْم القواعد:
كل ما أتى ولَمْ يُحَدَّدِ بالشرع كالحرز فبالعرف احْدُدِ
والله تعالى قد أحال على العرف في قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] .
{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228] .
{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233] .
والأمثلة في هذا كثيرة.
ولكن إذا خرج الإنسان عن النطاق الذي ينبغي أن يكون عليه صار مسرفاً، وقد قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31] .
فالناس الآن ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: 1- قسم طبقة عليا.
2- قسم طبقة دنيا.
3- قسم متوسط.
فلو أراد أصحاب الطبقة الدنيا أن يلبسوا ما تلبسه الوسطى، أو يأكلوا ما تأكله الوسطى، أو يركبوا ما تركبه الوسطى قلنا: هذا إسراف، يُنْهَون عنه.
ولو أراد أهل الطبقة الوسطى أن يلبسوا ما يلبسه الطبقة العليا، أو يركبوا ما يركبونه، أو يأكلوا ما يأكلونه، لقلنا: هذا إسراف.
ولو أراد أهل الطبقة العليا أن يلبسوا ويشربوا ويأكلوا ويسكنوا ما يكون للطبقة السفلى قلنا: هذا بخل؛ إلا إذا أراد التواضع، بحيث يريد ألا يظهر أمام إخوانه الفقراء إذا كان مثلاً أكثر الحي فقراء فيحب ألا يظهر أمامهم على وجه تنكسر قلوبهم فهذا يكون خيراً، وفيه ورد الحديث في ثواب مَن ترك أعلى اللباس تواضعاً، أفهمتَ الآن؟ السائل: نعم بالنسبة للخروج يا شيخ! الشيخ: يعني: إلى الأسواق؟ السائل: ينبغي ألا تخرج بناءً على العرف السائد.
الشيخ: لا، أما خروج المرأة فلا شك أن العرف والحياء والشيمة والدين كلها تقتضي أن تكون المرأة في بيتها، وبيوتهن خير لهن، هذا عام، ولا تخرج إلا لحاجة؛ وذلك أن المرأة وإن كانت خرجت غير متطيبة وغير متبرجة وهي نزيهة وسليمة وعفيفة تُبْتَلى، يوجد في الأسواق فسَّاق ليس لهم هم إلا ملاحقة النساء والعياذ بالله، ومغازلتهن، وإلقاء الأوراق وأرقام الهواتف عليهن، وما أشبه ذلك، مع أنهن نزيهات، فلهذا نقول: خير مكان للمرأة أن تبقى في بيتها، وهي في الواقع مسئولة عن نفسها، ووليها أيضاً مسئول عنها، حتى كثير من الرجال -نسأل الله لنا ولهم الهداية- قد أطلقوا العنان للنساء، تخرج المرأة متى شاءت، تتسكع في الأسواق وفي المتاجر ولا يبالي ولا يسأل، نسأل الله أن يعيننا وإياكم على أداء الأمانة.(134/8)
تحقيق الأخوة والتعارف بين المسلمين مصلحة عظيمة
السؤال
نحن عائلة كبيرة، نخرج سنوياً إلى البر، ويصير فيه بعض المنكرات مثل: الغناء، والغيبة، والدخان، ونخرج معهم وندخل قبل ما تحدث هذه المنكرات، يعني: قبل ما يكون فيه غناء للرجال بالدف، والنساء كذلك؟ الشيخ: يعني: قصدك اجتماع تعارف.
السائل: نعم، اجتماع سنوي يا شيخ.
الجواب
المهم أنه اجتماع تعارف، المقصود به التعارف والتآلف، إذا كان.
السائل: وعادة أخذناها سنوياً.
الشيخ: أقول: ما فيه خلاف، إذا كان هذا للتعارف والتآلف، ودراسة أحوال العائلة، مَن يحتاج ومَن لا يحتاج فهذا طيب، وإذا جاء المنكر فإنه لا يَسَع الإنسان إلا أن يفارق، أفهمتَ؟ أما إن كان مجرد خروج نزهة وليس فيه مصلحة فهذا من إضاعة الوقت ولا حاجة، أما كونه يتكرر فما دام أنه غير مقيد بشهر معين فلا بأس به.
السائل: إذا كانت العائلة كبيرة جداً، والمنكرات هذه سبق وأن أنكرنا عليها ولكن لا استجابة.
الشيخ: أنت ذكرتَ في سؤالك بارك الله فيك أنكم تجتمعون وإذا جاء المنكر الذي ترونه منكراً فارقتهم؟ السائل: بعض الإخوان، والبقية يجلسون.
الشيخ: على كل حال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت:46] الذي يجلس مع أهل المنكر كفاعل المنكر.
السائل: ولكن بالنسبة لنا يجوز أن نقاطعهم يا شيخ، مثلاًَ: لا نخرج؟ الشيخ: كما قلتُ لك: ما دام فيه مصلحة لا تقاطعهم.
السائل: لا توجد مصلحة.
الشيخ: أما قلتَ أنتَ أنه يجري التعارف والتآلف؟! هذه مصلحة عظيمة، الآن لو تسأل بني العم: كم لعمك لم يأتِ؟ قال: لا أدري، يمكن لو سألت أخاك: كم له لم يأت؟ لقال: لا أدري، هذا تقاطع، كون الناس لا يعرف بعضهم بعضاً ليس بطيب، فأنا من رأيي أنه يخرج وإن كان له كلمة ووجاهة بين القوم فبإمكانه إذا رأى المنكر أن يقول: يا جماعة! اتقوا الله، وينصحهم، ولعل الله أن يهديهم على يده، وأما إذا كان من عامتهم يخرج مثلاً ويشاركهم في الغداء أو نحوه ويعرض مشكلاتهم إن كان عنده مشكلات وينصرف.(134/9)
جواز قراءة الإمام من المصحف إذا احتاج إلى ذلك
السؤال
فضيلة الشيخ: إمام مسجد مُعظم جماعته من الذين لا يحفظون ما يقرؤه في الصلاة ويحتاج من يستفتح عليه أحياناً فلا يجد، فهل يجوز له وضع مصحف في جيبه يقرأ به؟
الجواب
لا بأس، يجوز للإنسان الإمام والمأموم، المأموم قد لا يحتاج إليه، لكن الإمام والمنفرد يجوز أن يقرأ من المصحف، ولا سيما في السور الطوال مثلاً إذا قال: أنا فجر يوم الجمعة السنة أن يقرأ الإنسان فيه بـ {الم} سورة السجدة، في الركعة الأولى، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ} [الإنسان:1] في الركعة الثانية وهو لا يحفظها نقول: اقرأ من المصحف ولا حرج؛ لأن هذا مروي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تفعله في صلاة الليل.(134/10)
حكم رجل نسي السجود الثاني ثم ذكره بعدما قضى الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ: لو أن إنساناً نسي السجود الثاني، وبَعْدَما قضى الصلاة تذكر أنه بقي عليه سجود ماذا يفعل؟ هل يعيد الصلاة؟
الجواب
نعم، إذا نسي السجدة الثانية في آخر ركعة وسلم وتذكر، نقول: عد إلى الصلاة وانوِ أنك الآن جلست للدعاء بين السجدتين، ثم اسجد السجدة الثانية، ثم سلم، ثم اسجد سجدتين بعد السلام.(134/11)
الدليل على صلاة ركعتين بعد الطواف
السؤال
ما دليل تنفُّل الطواف؟
الجواب
تنفُّل الطواف لا أعلم له دليلاً إلا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ثابتاً أنه لما طاف طواف القدوم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] وصلى خلفه ركعتين، فالعلماء يرحمهم الله ألحقوا بذلك جميع الأطوفة كطواف الإفاضة، وطواف الوداع، والطواف المستحب، ولكني لا أعلم دليلاً خاصاً أن كل طواف يُصلى ركعتان بعده.
السائل: الأصل الدليل في الطواف! الشيخ: هذا هو الأصل، فقد: ثبت عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه بعد طواف القدوم في حجة الوداع تقدم إلى مقام إبراهيم وقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] وصلى ركعتين، هذا ثابت في صحيح مسلم، فالعلماء ألحقوا به جميع الأطوفة، وإلا فإننا يحضرني الآن أن الرسول كان كلما طاف صلى ركعتين، لا في طواف الإفاضة، ولا في طواف الوداع، بل لو قال قائل: إن طواف الإفاضة ظاهره حديث جابر أنه لم يصلِّ؛ لأنه ذكر أنه طاف، وأنه أتى زمزم وشرب منه، وذكر الحديث؛ لكن في حديث جابر أنه صلى بـ مكة الظهر، فيمكن أن يكون صلى بعد الطواف واكتفى بالفريضة عن النافلة، والله أعلم.(134/12)
الرد على من جوز النظر إلى المرأة
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل متبوع، ويرأس جماعة إسلامية كبيرة يقول لأتباعة: إن النظر إلى المرأة يجوز، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى لما قال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] أن حرف (مِنْ) هنا تبعيضية أي: غضوا بعض أبصاركم، وأطيلوا النظر إلى المرأة، فإذا جاءت أو حصلت الشهوة فغضوا من أبصاركم، فهل يجوز مثل هذا القول؟
الجواب
هذه مسألة خلافية، والخلاف فيها مشهور، والصحيح: أنه يجب على المرأة أن تغطي وجهها، ولذلك أدلة مذكورة في موضعها، ويحسُن أن تراجع الكتب المؤلفة في هذا، ومن أوسعها كتاب: عودة إلى الحجاب ففيه بحوث جيدة طيبة، والمؤمن إذا فكَّر وجد أن أدعى ما يكون شهوة هو كشف الوجه، أشد من كشف الرجلين، وأشد من كشف اليدين، والإنسان لا ينبغي أن يعتبر بنفسه، قد يكون الإنسان ليس له شهوة قوية فلا يتأثر برؤية وجه المرأة، وقد يكون شاباً له شهوة قوية يتأثر بوجه المرأة، ولو لم تكن جميلة، والعبرة بالأعم، وأما قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} فإنما جاءت (مِنْ) لأسباب: منها: أن نظر الفجأة لا يضر.
ومنها: أنه يجوز للرجل أن ينظر إلى مخطوبته، وهي لا تحل له.
ومنها: أن ينظر لمن أراد أن يشهد عليها.
ومنها: أن يعاملها ولا يعْرِفها إلا بالوجه.
أو ما أشبه ذلك مما ذكره أهل العلم مما يباح به النظر.
ويكفي في البعضية أن تخرج صورة واحدة من الصور.(134/13)
حكم سفر الخادمة مع أهل البيت بدون محرم
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم سفر الخادمة مع الأسرة التي تعمل عندها لا سيما إذا لم يكن لها محرم أتت معهم؟
الجواب
أما إذا كان معها محرم فلا إشكال فيه، وإذا لم يكن معها محرم فنحن نرى أنه لا بد أن تأتي الخادمة بمحرم، رأَيْنا ذلك وإن كنا في الأول نتساهل فيه؛ لأننا سمعنا حوادث مزعجة مروعة في مجيء الخادمة بدون محرم يحميها، ولا سيما في بيت فيه شباب مراهقون، فإنه يحصل الوقوع في الفاحشة العظمى والعياذ بالله؛ لكن إذا قُدِّر أن الناس ابتلوا بهذه الخادمة، وسافروا ولم يكن في البيت من هو مأمون تبقى عنده فإن سفرها معهم أمر متعيَّن؛ لأن بقاءها ضرر وفتنة، فلا بأس في هذه الحال أن تسافر معهم للضرورة.(134/14)
توجيه حديث الأعرابي في قوله في الصلوات الخمس: (هل علي غيرها)
السؤال
فضيلة الشيخ: جاء في الصحيحين من حديث طلحة في حديث الأعرابي الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (هل عليَّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع) هل يؤخذ من هذا الحديث أن يكون صارفاً لعدم وجوب غير الصلوات الخمس؟
الجواب
لا، هذا الحديث يدل على أنه ليس هناك صلوات، أي: تجب كل يوم إلا هذه الصلوات الخمس، وأما الصلوات المقرونة بأسبابها فهذه ينظر فيها، من العلماء من قال: إن هذه الصلوات المقرونة بأسبابها وإن وجد فيها قرائن تدل على الوجوب، فإن هذه القرائن ممنوعة؛ لحديث الأعرابي: (هل عليَّ غيرها) .
ومن قال: إن التي لها سبب ينظر في سياق دليلها هل يقتضي الوجوب أم لا؟ فمثلاً: صلاة الكسوف جمهور العلماء يرون أنها ليست بواجبة، لا على الأعيان ولا على الكفاية، ويستدلون بحديث الأعرابي.
ومن العلماء من يقول: هي واجبة، وعلى الأقل واجبة على الكفاية؛ لأن كون الرسول صلى الله عليه وسلم يفزع ويجمع الناس على إمام واحد في مصلى الجمعة، ويطيل هذه الصلاة العظيمة، وتُعرض عليه الجنة والنار، ويأمر عليه الصلاة والسلام بالصلاة، بل أمر بالفزع إلى الصلاة: (افزعوا إلى الصلاة) فكأنه عدو يحتاج إلى أن يفزع الناس منه، وأخبر أن الله يخوف العباد، فماذا يقول القائل: لو أنه خسف القمر أو كسفت الشمس والناس كل في بيعه وشرائه ومنامه، والرسول يقول: (يخوف الله بهما عباده) فيواجهون هذه الآية المخوفة بكل برودة، هل هذا لائق بالعبد؟! ليس بلائق.
ولهذا: كان أصح أقوال العلماء في هذه المسألة: أن صلاة الكسوف واجبة، إما على الأعيان، وإما على الكفاية.
نقول: الحديث يدل على أنه ليس هناك صلاة واجبة تُكَرَّر كل يوم وليلة إلا الصلوات الخمس والجمعة بدلاً عنهما، نعم يستدل به على أن الوتر ليس بواجب، وإن كان قد قال به بعض العلماء؛ لأنه من الصلوات الدورية.
أما ما كان لها سبب فعلى حسب الدليل الوارد في الصلاة في هذا السبب.
السائل: لو أقيمت الجمعة مستقلة؛ لأنها قَصْرٌ على المسافر؟ الشيخ: الجمعة لا يصليها المسافر، في البر لا يصليها؛ لكن لو كان في بلد تقام فيه الجمعة لا بد أن يحضر.
السائل: يضطر أنه يخرج عن صاحبه! الشيخ: حتى ولو لم يستقل، أليس الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] ؟! نقول لهذا المسافر: هل أنت مؤمن؟! سيقول ماذا؟ السائل: نعم.
الشيخ: نقول له: اسعَ.(134/15)
وجوب إتمام الصلاة لمن انقطع سفره بوصوله إلى بلده
السؤال
مثلاً أنا سافرت من الرياض إلى القصيم ومكثت يوماً أو يومين في القصيم ورجعت إلى الرياض ووجبت علي صلاة الظهر في نصف الطريق، نويت أن أؤخرها مع العصر، هل إذا وصلت منطقتي، أصلي ركعتين أو أربع ركعات؟ الشيخ: وأنت من أهل الرياض؟ السائل: نعم.
الجواب
إذا وصل الإنسان إلى بلده وهو لم يصلِّ الصلاة التي دخل وقتها وهو مسافر فعليه أن يتمها؛ لأنه قطع السفر، والعكس بالعكس لو أن الإنسان دخل عليه الوقت وهو في بلده ثم سافر قبل أن يصلي فإنه يقصرها، كرجل أُذِّن الظهر وهو في البلد ثم سافر قبل أن يصلي فنقول: صلِّ الظهر في السفر ركعتين.
السائل: مثلاً أذن الظهر وأنا في البلد! الشيخ: يصلي ركعتين، إذا خرج من بلده قبل أن يصلي يصلي ركعتين.
السائل: حتى ولو أذن الظهر وهو في البلد؟ الشيخ: ولو أذن الظهر وهو في البلد، العبرة بفعل الصلاة، لا بوقتها.(134/16)
حكم إخراج الرجل بما معه من الحقائب والفلوس والملابس عند أداء العمرة
السؤال
فضيلة الشيخ: بعض العوام من الرجال والنساء حينما يأتون إلى المواقيت للعمرة يقولون: إذا أراد أن يدخل بشيء إلى مكة يدخل ويحرم به معه، مثل: حقيبة أو فلوس، فما قولك في هذا؟ السائل: إذا أراد أن يعتمر، وجاء الميقات فهو يريد أن يدخل معه بحقيبة إلى مكة، أو فلوس، يحرم بها معه؟
الجواب
هذا غلط يعني معناه: أنه يقول: لا بد إذا أراد أن يعقد الإحرام لا بد أن تكون أغراضه التي سيدخل بها مكة معه.
السائل: معه في نفس الإحرام! الشيخ: لا.
هذا غلط، هذا عامِيٌّ جلد، ليس له أصل إطلاقاً.
السائل: من البدع.
الشيخ: لا، غلط هذا، ليس ببدعة، هذا شخص جاهل، نقول: حتى لو فرضنا أن الإنسان أحرم بدون نعال ثم بعد ذلك لبس النعال ما فيه شيء.
أما قول بعض العوام: لا بد أن تحرم في نعالك، ولا تفسخها حتى تنتهي من الإحرام، أي: لا تغيِّرها! هذا غلط، كل هذا غلط، تغيِّر ثياب الإحرام إلى ثياب أخرى يجوز الإحرام بها، تغيِّر النعال، تلبس النعال وإن كنتَ حين الإحرام غير لابس لهما، والطيب إذا لم تتطيب قبل الإحرام فلا تتطيب بعد الإحرام.
السائل: مثل النساء، إذا أرادت تأخذ غطاءً لازم أنها تحرم بها معها! الشيخ: لا، ليس بصحيح.(134/17)
حكم ضرب النساء للدف في غير الأعراس
السؤال
حكم ضرب الدف للنساء في غير العرس؟
الجواب
إذا كان لسبب فلا بأس؛ لأن امرأة أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: (إني نذرتُ إن ردك الله سالماً أن أضرب بالدف بين يديك، فقال لها: أوفي بنذرِكِ) .
أما مجرد اللهو فهذا لا يجوز؛ لكن إذا كان لسبب كقدوم غائب مثلاً أو ما أشبه ذلك فلا حرج.(134/18)
سنية رفع الذكر بعد الصلاة المكتوبة
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم رفع الصوت بالذكر عقب الصلاة المكتوبة؟ الشيخ: سنة، إلا إذا كان إلى جنبك رجل يتم وتخشى إن رفعت الصوت أن تشوش عليه فلا ترفع صوتك.
السائل: والدليل يا شيخ؟ الشيخ: الدليل حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في صحيح البخاري قال: (كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكنت أعرف انقضاء صلاتي بذلك) .(134/19)
سجود السهو عن شك أو زيادة يكون بعد التسليمتين
السؤال
فضيلة الشيخ: في سجود السهو للزيادة هل بعد التسليمتين أو بعد التسليمة الأولى؟
الجواب
سجود السهو إذا كان بعد السلام سواء كان عن زيادة أو عن شك مع ترجح أحد الأمرين؛ لأن سجود السهو بعد السلام يكون عن أمرين: إذا زاد أو شك وترجح عنده أحد الأمرين وبنى عليه.
السائل: لكن بعد التسليمة الأولى أو بعد التسليمتين؟ الشيخ: انتظر أنا قصدي التعقيب على قولك: إذا كان عن زيادة؛ لأُبَيِّن أنه يكون: - عن زيادة.
- عن شك مع ترجح أحد الطرفين.
فيكون سجود السهو، بعد التسليمتين جميعاً؛ لأن الإنسان لا يفرغ من صلاته إلا بالتسليمتين.
السائل: في السفر هل من الأفضل أن المسافر يقصر ويجمع أو يقصر قصراً؟ الشيخ: المسافر السنة أن يقصر حتى يرجع إلى بلده ما لم يصلِّ خلف إمام يتم، فإن صلى خلف إمام يتم وجب عليه الإتمام.
أما الجمع فإن جدَّ به السير فالجمع أفضل، وإن كان نازلاً فترك الجمع أفضل، وإن جمع فلا بأس.
السائل: بعض المسافرين يجمعون أربعاً أربعاً! الشيخ: لا، هذا غلط، الجمع أربعاً أربعاً إذا كان الإنسان غير مسافر.(134/20)
رجوع المهر على ولي المرأة إذا غش الزوج فيها
السؤال
امرأة تُصْرَع بسبب الجن، وأخبرها بعض المشايخ الذين قرءوا عليها أن هذا الجني عاشق وسيذهب بإذن الله بعد الزواج، فخطبها رجل وأخفى عليه أهلها مرضها ليس غشاً إنما استناداً على كلام ذلك الشيخ؛ ولكن تفاجئوا باستمرار الصرع معها فطلقها زوجها بسبب صرعها.
السؤال: هل يرجع المهر إلى الزوج أم لا؟ وإن كان يعاد هل يعاد كله أم نصفه؟
الجواب
هم لا شك أنهم غشوا الرجل وخدعوه، ويَرْجِع بالمهر على من غرَّر، والذي باشر تغريره هو الولي، فيرجع بِه على ولي المرأة، سواء كان أباها أو أخاها، وأما المرأة فلا يؤخذ من مهرها شيء.
السائل: وليها الأب يعني؟ الشيخ: وليها قد يكون أبوها إن زوَّجها، وقد يكون الذي زوجها أخوها، المهم أن الزوجة مهرها عندها لا يؤخذ منه شيء؛ لأنها ما غرته، الذي غر الزوج وليُّها حيث عقد له ولم يشترط ذلك في العقد؛ لكن أشير عليه ألا يأخذ شيئاً، ولا يثير المشاكل جبراً لخاطر هذه المرأة المصابة؛ لكن إن أراد أن يأخذ بحقه فله الحق أن يرجع على وليها.(134/21)
حكم المحاماة في الإسلام
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم المحاماة في الإسلام؟
الجواب
المحاماة في الإسلام إذا كان الإنسان يريد إحقاق الحق وإبطال الباطل فهي خير ومأمور بها، لما فيها من إزالة الظلم عن المظلوم، ومعاونة صاحب الحق على حقه.
وأما إذا كان الإنسان يحامي بالباطل بأن يكون كلامه هو المنتصِر فهذا حرام، فهي ترجع إلى نية المحامي.(134/22)
لقاء الباب المفتوح [135]
في هذا اللقاء تفسير آيات من سورة (ق) مبيناً من خلالها معنى سكرة الموت، وأن هذا الموت مهما طال عمر الشخص فإنه ملاقيه ومدركه ولا مفر منه ولا محيد عنه.
وعلى كل حال ففي الآيات تحذير من التهاون بالأعمال الصالحة والتكاسل عن التوبة، وأن الإنسان يجب أن يبادر؛ لأنه لا يدري متى يأتيه الموت.(135/1)
تفسير آيات من سورة (ق)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والثلاثون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي يعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا هو الخميس الرابع عشر من شهر جمادى الأولى عام (1417هـ) .
وقبل أن نبتدئ في هذا اللقاء أود أن أنبه إلى أن الأسبوع القادم ليس فيه لقاء لأن عندي شغل.
ونبتدئ هذا اللقاء بالكلام على ما تيسر من تفسير سورة ق.
والآية هي قوله تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق:19-21] .(135/2)
تفسير قوله تعالى: (وجاءت سكرة الموت)
قال تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} [ق:19] :- السكرة هنا هي: تغطية العقل، كالإغماء ونحوه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن للموت سكرات) وعلى هذا فيكون قوله: {سَكْرَةُ الْمَوْتِ} : مفرداً مضافاً، فيشمل الواحدة أو أكثر.
وقوله: {بِالْحَقِّ} : أي: أن الموت حق كما جاء في الحديث: (الموت حق، والجنة حق، والنار حق) ، فهي تأتي بالحق، وتأتي أيضاً بحق اليقين؛ فإن الإنسان عند الموت يشاهِد ما تُوُعِّد به وما وُعِدَ به؛ لأنه إن كان مؤمناً بُشِّر بالجنة، وإن كان كافراً بُشِّر بالنار، أعاذنا الله وإياكم منها.
{ذَلِكَ} أي: الموت.
{مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} اختلف المفسرون في (مَا) هل هي نافية، فيكون المعنى: ذلك الذي لا تحيد منه، ولا تنفك منه، أم أنها موصولة والمعنى: ذلك الذي كنت تحيد منه؛ ولكن لا مفر منه.
فعلى الأول: يكون معنى الآية: ذلك الذي لا تحيدون منه، بل لابد منه، وقد قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} [الجمعة:8] ، وتأمل يا أخي: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} ولم يقل: فإنه مدرككم، وما ظنك بشيء تفر منه وهو يلاقيك، إن فرارك منه يعني دنوك منه في الواقع، لو كنت فاراً من شيء وهو يقابلك، فكلما أسرعت في الجري أسرعت في ملاقاته، ولهذا قال: {فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} .
في الآية الثانية: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) [النساء:78] ؛ لأنه ذكر في هذه الآية الثانية أن الإنسان مهما كان في تحصنه فإن الموت سوف يدركه على كل حال.
هنا يقول: {ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] يعني: ذلك الذي لا محيد لك عنه.
المعنى الثاني في (مَا) : أن تكون موصولة، إي: ذلك الذي كنت تحيد منه وتفر منه في حياتك قد وصلك وأدركك.
وعلى كل حال ففي الآية التحذير من التهاون بالأعمال الصالحة، والتكاسل عن التوبة، وأن الإنسان يجب أن يبادر؛ لأنه لا يدري متى يأتيه الموت.(135/3)
تفسير قوله تعالى: (ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد)
ثم قال: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} [ق:20] :- النافخ في الصور هو: ملك وكَّلَه الله تعالى به يسمى: إسرافيل، والنفخ في الصور نفختان: الأولى: نفخة الصعق: فيسبقها فزع، ثم صعق.
والثانية: نفخة البعث: وبينهما أربعون، وقد سئل أبو هريرة راوي الحديث: ما المراد بالأربعين؟ فقال: [أَبَيْتُ] أي: إني لا أدري ما المراد بالأربعين التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم.
المهم أن المراد بقوله هنا: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} النفخة الثانية، بدليل قوله: {ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} ، وهذا يعني أنه بهذه النفخة صار يوم القيامة الذي هو يوم الوعيد.
فإن قال قائل: يوم القيامة يوم وعيد ويوم وعد، وعيد لمن؟ للكفار، ووعد لمن؟ للمؤمنين.
فلماذا ذكر الله تعالى هنا الوعيد دون الوعد؟ لأن السورة كلها مبدوءة بتكذيب المكذبين للرسول عليه الصلاة والسلام فناسَبَ أن يُغَلَّب فيها جانب الوعيد {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ.
} [ق:1-2] إلى آخره، فكان من الحكمة أن يُذْكَر الوعيد دون الوعد، ومع ذلك فقد ذكر الله تعالى أصحاب الجنة فيما بعد؛ لأن القرآن مَثانٍ.(135/4)
تفسير قوله تعالى: (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد)
ثم قال تعالى: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق:21] :- {وَجَاءَتْ} يعني: يوم القيامة.
{كُلُّ نَفْسٍ} أي: كل إنسان، وكل بشر، ويحتمل أن يكون المعنى: كل نفس من بني الإنسان ومن الجن أيضاً ممن يُلزمون بالشرائع؛ لأننا إن نظرنا إلى السياق وهو قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16] قلنا: المراد بالنفس هنا: نفس الإنسان، وإذا نظرنا إلى أن الشرائع تلزم الجن كما تلزم الإنس، وأن الجن يحشرون يوم القيامة ويدخل مؤمنهم الجنة وكافرهم النار قلنا: إن هذا عام، فالله أعلم بما أراد.
{مَعَهَا سَائِقٌ} يسوقها.
{وَشَهِيدٌ} يشهد عليها بما عملت؛ لأن هؤلاء الملائكة عليهم الصلاة والسلام قد وكلوا بكتابة أعمال بني آدم، من خير وشر، وكما سبق أنهم يكتبون كل شيء من الخير، والشر، واللغو، لكن لا يحاسَب الإنسان إلا على الخير أو الشر.(135/5)
تفسير قوله تعالى: (لقد كنت في غفلة من هذا)
ثم قال تعالى: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا) [ق:22] :- {كُنْتَ} الخطاب للإنسان، وفيه ما يسمى بالالتفات، والالتفات معناه: أن ينتقل الإنسان في أسلوبه، من خطاب إلى غَيبة أو من غَيبة إلى خطاب، أو من تكلُّم إلى غَيبة، المهم أن تختلف الضمائر، وفائدة ذلك الالتفات: أنه يشد ذهن السامع، فبينما الكلام على نسق واحد إذا به يختلف.
انظر إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ) [المائدة:12] وبعده {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) [المائدة:12] ولم يقل: وبعث.
وانظر إلى الفاتحة التي نقرأها كل يوم في كل ركعة من صلواتنا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة:1-3] بعده؟ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة:5] ولم يقل: إياه نعبد، وسياق الآيات للغائب، الحمد لله ليس هو للمخاطب، فما قلتَ: الحمد لك يا رب.
فالمهم أن الالتفات أسلوب من أساليب اللغة العربية وفائدته: شد ذهن السامع لما يلقى إليه من الكلام.
{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا) ، وكما تعلمون أن الجملة هنا مؤكدة بثلاث مؤكدات؛ {لَقَدْ كُنْتَ} ، وهي كثيرة الوقوع في القرآن دائماً: (لقد كنتَ) (لقد كان) (لقد جاء) هذه الجملة يقول العلماء: إنها مؤكدة بثلاث مؤكدات: الأول: القَسَم.
والثاني: اللام.
والثالث: قد.
إذاً التقدير: والله! لقد كنت في غفلة من هذا، وهنا نطرح سؤالاً: أليس خبر الله تعالى حقاً وصدقاً سواء أُكِّد أم لم يؤكد؟ بلى ولاشك؛ لكن ما دام القرآن نزل باللسان العربي، فإنه لابد أن يكون التأكيد في موضعه وعدم التوكيد في موضعه؛ لأن المقصود أن يكون هذا القرآن في أعلى مراتب البلاغة.
{لَقَدْ كُنْتَ} [ق:22] أي: أيها الإنسان.
{فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} [ق:22] أي: كنتَ غافلاً عن هذا اليوم، ساهٍ في الدنيا، كأنك خُلِقْتَ لها.
{فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} [ق:22] يعني: هذا اليوم كُشِف الغطاء وبان الخفي واتضح كل شيء.
{فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) [ق:22] أي: قوي بعد أن كان في الدنيا أعشى أعمى غافلاً؛ لكن يوم القيامة {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) [آل عمران:30] يتبيَّن كل شيء.
نسأل الله تعالى أن يحسن لنا ولكم الخاتمة والعاقبة، وأن يحشرنا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.(135/6)
الأسئلة(135/7)
حكم وسائل الدعوة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هو القول الصحيح في وسائل الدعوة هل هي توقيفية أو اجتهادية؟
الجواب
نعم، القول الصحيح في مسائل الدعوة أنها توقيفية، لا يُدعى إلا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لكن إذا احتيج إلى التأليف والتقريب فلا بأس أن يستعمل الإنسان ما يكون به تأليف القلوب وتقريبها، ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو بالقرآن والسنة، ومع ذلك يعطي المؤلفة قلوبهم من الزكاة؛ لأجل أن يقربهم.
فإذا قدر أن هناك شيئاً مباحاً يُستعمل للتقريب والتأليف فلا بأس به؛ لكن بشرط أن تكون الركيزة الأولى هي: الكتاب والسنة وطريق السلف الصالح.(135/8)
تسويق المنتجات التابعة للرافضة
السؤال
ما حكم تسويق بعض المنتجات لبعض الشركات التي أصحابها من الرافضة، مع أنه موجود في السوق بعض المنتجات البديلة عنها.
كالمياه ونحوها؟ وجزاك الله خيراً.
الجواب
الذي نرى أنه إذا أمكن أن يكون التسويق من أهل السنة البعيدين عن البدع، فلا شك أنه خير وأحسن كما أنه أيضاً إذا وُجِدَت مثلاً سلعة من صنع الكفار وسلعة من صنع المسلمين، فإن الأولى أن يأخذ الإنسان بصنع المسلمين بلا شك، لكن قد تتميز الصنعة الأخرى بجودة وأناقة وما أشبه ذلك، فلا حرج على الإنسان أن يأخذ منها، ولهذا مثلاً يوجد الآن سخانات بمصنع سعودي ويوجد أيضاً مكيفات بمصنع سعودي وغيرها، هذه نقول: الأولى أن تكون هي التي تسوَّق وهي التي تُشْتَرى قبل كل شيء؛ إلا إذا تميز غيرها عنها بميزة، فالإنسان يريد ما فيه مصلحته.(135/9)
حكم تحويل دورة المياه إلى مصلى
السؤال
السلام عليكم.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله.
السائل: فضيلة الشيخ، هل يجوز.
الشيخ: السلام هنا غير مشروع؛ لأنك حاضر من أول الدرس.
السائل: فضيلة الشيخ، هل يجوز تحويل دورات المياه -أعزكم الله- إلى مصلى.
الشيخ: يعني: يصلي في حمام؟ السائل: لا، وإنما بعد تغييرها، يعني: هدّها وردمها وتغييرها.
الشيخ: أنا سأسألك: لماذا لا تجوز الصلاة في المراحيض؟ السائل: لأنه مكان نجس.
الشيخ: لأنه نجس، وإذا أزيل وطُهِّر، فتجوز الصلاة؟ السائل: تجوز.
الشيخ: الآن الأرض إذا كانت نجسة وطهرتها بالماء، ألا تجوز الصلاة عليها؟ فالأعرابي الذي جاء وبال في المسجد أمر النبي صلى الله عليه وسلم، أن يُصَبَّ على بوله ماء، ثم طَهُر ويُصَلَّى فيه، كما أن القبور لو نُبِشَت وجُعِل مكانها مسجداً جازت الصلاة فيها، ألم تعلم أن المسجد النبوي كان فيه قبور للمشركين، ثم نُبِشَت وجعل مسجداً نبوياً، الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام؟! أفهمتَ؟ السائل: نعم.
الشيخ: إذاً: الحكم يدور مع علته، الآن يوجد تطهير المياه بمواد كيماوية، كتطهير المياه النجسة، والمجاري، هذه إذا ألقي عليها المواد الكيماوية وطهُرت صارت طاهرة، ليس فيها شيء، وخذها عندك قاعدة شرعية: (الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً) .(135/10)
حكم لبس البنطال للمرأة
السؤال
فضيلة الشيخ! لقد كثر لبس الناس للبنطال وخاصة في الأسواق، فما حكم لبسه للمرأة سواء في بيتها عند زوجها، أو عند النساء، أو في الأسواق؟ وهل فيه مشابهة للرجال؟ وفقكم الله.
الجواب
والله هذه المسألة أصبحت مشكلة، أنا أرى أنها تُمْنَع من لبس البنطلون مطلقاً حتى عند زوجها، لما فيه من التشبه، ولِمَا يُخْشَى منه من المحظور في المستقبل؛ لأنه ربما في يوم من الأيام تَلْبَس النساء البناطيل الضيقة ثم تنتقل من بناطيل ضيقة إلى بناطيل ملونة بلون الجسم، فإذا كانت ضيقة ولونها لون الجسم أصبحت المرأة كأنها عارية، والحمد لله الآن المجلات والصحف تبين أن هذا حرام؛ لكن مع الأسف، يوجد فتوى نقلتها الجزيرة عن الشيخ عبد العزيز بن باز أنه حرام، وفتوى عن الشيخ ابن جبرين أنه حرام، وفتوى عن اللجنة الدائمة أنه حرام، وفتوى مني أيضاً أنه حرام، وأنا لا أدري أين يذهب الناس الآن، إذا كان هؤلاء علماؤهم يقولون بالتحريم وهم يصرون إلا أن يفعلوا، من يقود الأمة؟! إذا لم يقد الأمةَ علماؤها فمن الذي يقودها؟! الجهال؟! أو الأهواء؟! أو هؤلاء الذين يريدونها علينا ليفسدوا علينا أخلاقنا، كما أفسدوا على كثير من الأمم؟! أنا لا أدري.
الواجب على طلبة العلم أن يشنوا حملة على مثل هذه الألبسة، وأن يبينوا للناس أن المرأة ليست صورة بلاستيك يُنْظَر إليها فقط وليست هي أحسن دمية يُنْظر إليها! المرأة كالرجل إلا أنها تخالفه في مسألة التجمل لزوجها، وما أشبه ذلك مما جعله الله تعالى وسيلة إلى أن يتصل زوجها بها، حتى يكثر النسل وتكثر الأمة، فالآن أعطيتك أربعة، كلهم يقولون: إنه حرام.(135/11)
الأحكام الوضعية ونقد لمصطلح التكاليف الشرعية
السؤال
أرجو توضيح الأحكام الشرعية الوضعية للضابط والتكليف؟
الجواب
على كل حال: الواجب، والسنة، والمباح، والمكروه، والحرام، هذه تسمى عندهم: أحكام تكليفية.
والسبب، والشرط، والمانع، والركن، والواجب، والفاسد، والصحيح، والباطل، هذه تسمى عندهم: أحكام وضعية.
ثم إن كلمة أحكام تكليفية هذه منتقدة أيضاً، فليس في الكتاب والسنة كلمة تكليف إلا منفياً لا مثبتاً، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ولهذا ينبغي أن نقول بدل تكليفية: أحكام أُمِر بها أو نُهِي عنها، حتى نوافق الكتاب والسنة، أما تكليفية إذ سمعتَ تكليفية فمعناها: أن الإنسان يكلف، ليس هو مكلفاً والحمد لله، الإنسان يعطى على قدر طاقته، ولهذا لما أنزل الله تعالى قوله: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة:284] جاء الصحابة للرسول عليه الصلاة والسلام وجثوا على ركبهم، وقالوا: (يا رسول الله! ما لنا طاقة بهذا، أن يحاسبنا الله على ما في أنفسنا سواء أبديناه أو أخفيناه ما نطيق هذا، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: لا تكونوا كالذين قالوا: سمعنا وعصينا، قولوا: ((سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)) [البقرة:285] فقالوا: سمعنا وأطعنا، لما انقادوا واستسلموا أنزل الله الآية التي بعدها ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)) [البقرة:286] قال الله: نعم، ((رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا)) [البقرة:286] قال الله: نعم، ((رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)) [البقرة:286] قال الله: نعم) .
فانظر إلى أن الله عز وجل لا يكلف أحداً إلا ما يطيق، فما يطيق فهو مكلف به، بمعنى أنه مأمور به أو منهي عنه.(135/12)
حكم أخذ الورثة من التركة التي تكون من الربا
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا علم الوارث أن مورثه يأكل الربا هل يجوز له أخذ نصيبه من الميراث؟
الجواب
يعني: إذا علمنا أن الميت كان يتعامل بالربا فهل يجوز لورثته أن يأخذوا نصيبهم من التركة؟ نقول: نعم يجوز، والإثم على نفس الميت؛ إلا إذا كان الربا لم يقبض حتى الآن فهنا نقول للورثة: اقبضوا الربا ممن هو عليه، ولكن لا تأكلوه، وتصدقوا به، أو اجعلوه في المساجد، أو في الطرق، أو في أعمال خير، أما ما قُبِص فالقابض هو الميت والإثم عليه، وما لم يُقْبَض لا يحل للورثة أن يقبضوه لأنفسهم بل يقبضوه لأجل أن يصرفوه في أعمال الخير، قد يقول قائل: لماذا يقبضونه -مثلاً- وهو ربا؟ نقول: لأن هذا المرابي الذي دفع الربا قد أقدم عليه ورضي به وعامل به فلا نجمع له بين أن ينتفع بالمال هذه المدة وينتفع أيضاً بالربا، نقول: هاته، فنأخذه ونعطيه، ونجعله في المصالح العامة.
وإن رأوا أن من المصلحة ترك الربا كما لو كان فقيراً فلا يأخذونه أصلاً.
أفهمتَ الآن؟(135/13)
حكم الإبراء من العيب
السؤال
فضيلة الشيخ: بعض الباعة أو البائعين للأجهزة الكهربائية بالذات يبيع للمشتري الجهاز، وإذا وُجِد فيه خلل بعد أخذه إلى المنزل ولو كان رئيسياً، بل حتى ولو كان معطلاً لا يعمل، فإنه يرفض أن يعيده أو يستبدله، ويحيل على شركة صيانة مرتبط بها هو لصيانته، فهل يحق له ذلك؟ بارك الله فيك.
الجواب
نعم، هذه مسألة ترجع إلى الإبراء من العيب، والإبراء من العيب جائز، يعني: إذا قال البائع للمشتري: أنا لا أعرف عن السلعة، وأنا بريء من كل عيب فيها، فقال المشتري: نعم، لزمه الشرط، فإذا وجد فيها أي عيب فإنه لا يستحق الرد، ولا يمكن ردها على البائع، وللبائع أن يمتنع وليس في ذمته شيء.
وأما إذا كان البائع يعلم العيب في السلعة لكن أراد أن يخدع المشتري وقال له: أنا لا أبيع عليك إلا هذا الهيكل، ولست ملزماً به، فهذا حرام ولا يجوز، هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.
وبعض العلماء يقول: إن أبرأه بعد العقد برئ حتى لو كان البائع عالماً وإن أبرأه قبل العقد، فإنه لا يبرأ سواء كان البائع جاهلاً أو عالماً.
والصواب الذي ورد عن الصحابة رضي الله عنهم -كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية - هو: الأول، وهو أنه إذا كان البائع عالماً بالعيب لكن خدع المشتري وكتمه وجعل الأمر ملتبساً عليه فإن المشتري إذا وجد عيباً له الرد، وأما إذا كان لا يعلم فلا بأس أن يبرئه منه.
والظاهر: أن الآلات هذه أنها لا تُعْلَم، تَرِد للباعة ويبيعونها هكذا؛ لكن ينبغي للمشتري أن يكون حذراً حازماً فيقول للبائع: جربها الآن أمامي حتى لا يبقى إشكال في المسألة.(135/14)
حكم قول: قال الله على لسان نبيه كذا ونحوه وقول الشاعر: لعمري
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز قول: قال الله على لسان نبيه نوح أو حكاية؟ وهل يجوز قول الشعراء: لَعَمْرِي؟
الجواب
نعم، أما قول القائل: قال الله تعالى على لسان نوح فلا بأس به، أو على لسان موسى فلا بأس به؛ لأن المعنى أنه نقل ما قاله موسى أو ما قاله نوح، ولا بأس به، والله عز وجل ينقل عن الرسل وعن غير الرسل، نقل عن الرسل، وعن فرعون، وعن المكذبين للرسل.
وأما قول: لَعَمْرِي فكذلك أيضاً لا بأس بها، وهي واردة عن النبي عليه الصلاة والسلام وعن الصحابة أيضاً، وليس هذا قسماً لكنها بمعنى القسم، القسم أن يأتي بالواو فيقول وعَمْرِي، أو وحياتي، أو ما أشبه ذلك، أما لَعَمْرِي فلا بأس به.(135/15)
حكم من كان مرحاض بيته باتجاه القبلة
السؤال
فضيلة الشيخ! استأجرتُ منزلاً واتجاه المرحاض إلى القبلة، فماذا أصنع؟
الجواب
أليس بينك وبينه جدار؟ السائل: بلى.
الشيخ: ليس فيه شيء، خذوا هذه القاعدة يا إخوان! (جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) ، كل الأرض مسجد إلا ما جاء الحديث بالنهي عنه؛ لكنه لما قالوا: إنه يُكره أن يكون أمامه مرحاض أو بيت قضاء الحاجة أو ما أشبه ذلك، كراهةً وليس حراماً.(135/16)
ضرورة التزام الأحكام الشرعية بعد البلوغ
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك بعض الناس إذا حدثته عن سلوك الطريق المستقيم قال لك: إن الدين في القلب وليس في الأشكال ويقول: بأن الرجل لا يلتزم أو يسلك الطريق المستقيم إلا بعد بلوغ الأربعين ويحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث إلا بعد الأربعين! الشيخ: لا إله إلا الله! السائل: فما قولكم يا شيخ؟!
الجواب
قولنا: نوافقه في قوله: إن التقوى في القلب، والإيمان في القلب؛ لكننا نقول له: إن الذي قال: (التقوى هاهنا) وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، هو الذي قال: (إنها إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله) ، ففساد الظاهر عنوان على فساد الباطن، ثم إن كان هذا الفساد مخرجاً عن الإسلام كان الباطن خارجاً عن الإسلام، وإن لم يكن مخرجاً ففي القلب مرض لكنه لا يبلغ حد الكفر.
فنحن نجيبه بما استدل به، نقول: أنت قلت: التقوى هاهنا ونحن نقول: الذي قال: (التقوى هاهنا) هو الذي قال: (إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) .
ففساد الظاهر دليل على أن الباطن فيه بلاء، أفهمتَ؟ الفقرة الثانية ماذا يقول؟ السائل: إنه لا يسلك الطريق المستقيم إلا بعد بلوغه الأربعين.
الشيخ: وأما هذا فنقول: هذا خطأ عظيم، نعم تمام الأربعين فيه كمال قوة العقل والبدن، وأما التكليف فإن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق) فالحد هو البلوغ، فمتى ما بلغ الإنسان وكان عاقلاً أُلْزِم ما يُلْزِم به من له أربعون سنة ومن له خمسون سنة ومن له دون ذلك؛ لكن يستحسن في مثل هذا يُرْفَع إلى ولاة الأمور حتى يستتيبوه فإن تاب، وإلا عاملوه بما يقتضيه هذا الكلام، فهذا الكلام خطير جداً.(135/17)
كيفية الجمع بين حديثي: (لا عدوى ولا طيرة) و (فر من المجذوم)
السؤال
فضيلة الشيخ! كيف نوفق بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر) وبين قوله: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) ؟
الجواب
إي نعم، أولاً: يجب بارك الله فيكم! أن تأخذوا قاعدة مهمة وهي: (أنه لا يمكن التناقض في القرآن أبداً) وإذا مر بك آيتان تظن أنهما متناقضتان فاعلم أن ذلك إما لقصور فهمك، أو لقصور علمك، فتوقَّف ولا تحكم بالتناقض حتى تسأل العلماء، هذا بالنسبة للتناقض.
وكذلك أيضاً صحيح السنة لا يمكن أن يتناقض حديثان عن الرسول عليه الصلاة والسلام أبداً، فإذا مر بك ما تظن أنه متناقض فإنما ذلك لقصور فهمك وقصور علمك وعليك أن تتريث حتى تسأل من هو أعلم منك.
وبين القرآن والسنة الصحيحة أيضاً لا يمكن التناقض؛ لأنه كله حق، والحق لا يتناقض.
هذه القواعد الثلاث اعرفوها تماماً.
فنقول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) يدل بظاهره على أن المجذوم قد يعدي، وهو كذلك، فالجذام مرض معدٍ، وهناك أمراض كثيرة معروفة بأنها تعدي، فصاحب المرض المعدي لا تجالسه، اتركه، ولهذا قال العلماء: يجب على ولي الأمر أن يحصر الجذماء -الذين أصيبوا بالجذام- في مكان خاص لا يتصل الناس بهم ولا يتصلون بالناس، خوفاً من العدوى.
لكن قول الرسول: (لا عدوى ولا طيرة) هذا نفي لما كانوا يعتقدونه في الجاهلية من أن العدوى لابد أن تكون، وأنها فاعلة على كل حال، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (لا عدوى ولا طيرة) أورد عليه أعرابيٌّ إشكالاً فقال: (يا رسول الله! الإبل تكون في الرمل كالظباء -يعني: ليس فيها أي شيء- فيخالطها الأجرب فتجرب -وهذه ماذا؟ هذه عدوى- فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: مَن أعدى الأول؟) معناها مَن الذي جعل الجرب في الأول بدون أن يخالط الجرباء؟ إنه الله، فالذي نقل العدوى من هذا المريض إلى الصحيح هو الله عز وجل وليس هي العدوى نفسها.
فالنفي: لتأثير العدوى بنفسها.
والإثبات: لإثبات أن العدوى من الله عز وجل.
ولهذا جاء في الحديث: (لا يورد مُمْرِض على مُصِحٍّ) وهذه أعم، يعني: أن من له إبل مريضة أو غنم مريضة فلا يوردها على الصحيحة؛ لأن ذلك من أسباب انتقال المرض إلى الصحيح، فهمتَ الآن؟ النفي معناه: يعني: العدوى لا تؤثر بنفسها كما يعتقده أهل الجاهلية.
والأمر بالفرار من المجذوم وكذلك كل مريض مرضه معدٍ من باب توقي الأسباب الضارة.(135/18)
حكم قول: احمني من أصدقائي أما أعدائي فأنا كفيل بهم
السؤال
فضيلة الشيخ! هنالك قول شائع وهو دعاء يرد في الكتب، كتب مَن يسمَّون بالأدباء، وفي المجلات والصحف يقول: (اللهم احمني من أصدقائي أما أعدائي فأنا كفيل بهم) فهل يجوز مثل هذا القول؟
الجواب
هذا قول لا يجوز، لو قال: (اللهم احمني من كل من أراد بي سوءاً) صَحَّ، أما احمني من أصدقائي وأنا أتكفل بأعدائي فهذا معناه أنه معجب بنفسه، وأنه قادر على دفع الأعداء، ثم إن صورة الدعاء هذه صورة مخالفة للواقع، مَن الذي يُخاف منهم حقيقةً: الأصدقاء والأعداء؟ الأعداء لا شك، فلذلك نرى أن هذا الدعاء لا يصح ولا يستقيم.(135/19)
حكم شراء الدجاج المستورد
السؤال
بالنسبة للدجاج المستورد كثر الكلام عنه، فإذا اضطر الإنسان إلى الشراء من المطاعم، هل يجوز له أن يسأل أو يشتري دون سؤال؟
الجواب
والله! الأفضل أن يأكل بدون سؤال.
ودليل ذلك أنه ثبت في صحيح البخاري رحمه الله أن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاء قوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! إنه قوماً يأتوننا باللحم، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا! فقال: سَمُّوا أنتم وكلوا، قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر) يعني: إسلامهم قريب، قد يجهلون كثيراً من أحكام الإسلام ومع ذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (سَمُّوا أنتم وكلوا) ولم يأمر بالسؤال، بل ظاهر الحديث أن المشروع ألا نسألهم، ولو أننا أتعبنا أنفسنا في مثل ذلك لقلنا: حتى اللحم الذي عندنا الآن المذبوح يحتاج إلى نظر، مَن الذي ذبحه؟ قد يكون مِمَّن لا يصلي، قد يكون مِمَّن عنده بدعة مكفرة لا يحل ذبحه، فلهذا إذا وُضِع بين يديك لحم في بلد إسلامي فالأصل أنه مذبوح على طريقة الإسلام؛ كُلْ؛ لكن سمِّ الله كما قال الرسول: (سَمُّوا أنتم وكلوا) .(135/20)
كيفية توبة المستهزئ
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك من يستهزئ بهذا الدين، فكيف أكسب قلبه للدخول في هذا الدين؟
الجواب
يعني: كيف يتوب؟ يتوب إلى الله عز وجل مما صنع، الكفر مهما عظم فإنه إذا تاب الإنسان منه تاب الله عليه؛ لقول الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] أيُّ ذنب يعمله الإنسان ثم يتوب إلى الله توبة نصوحاً فإن الله يمحوه، بل قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} إلى قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:68-70] .
فنقول لهذا: تُبْ إلى الله عز وجل، واعمل عملاً صالحاً، وأيقن وآمن حتى يُمْحَى عنك كل ما عملتَ، وهو سهل إذا يسره الله للعبد، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للتوبة النصوح، نعم.
السائل: يقول: كيف أكسب قلبه، حتى أؤثر عليه؟ الشيخ: لا، الذي فهمته أنه يقول: هو كيف يتوب.
أنت تريد أن هذا الذي استهتر بالدين كيف يتوب أو تريد إذا أراد أحد أن يدعوه؟ السائل: يدعوه.
الشيخ: سهلة، أنت ليس عليك إلا البلاغ، ادعُه للإسلام وقل: هذا حرام عليك، وهذا كفر، والاستهزاء بالدين كفر، والاستهتار بالدين كفر أيضاً، ثم ادعه للإسلام، إن اهتدى فهو لك وله، وإن لم يهتدِ فهو لك وعليه.(135/21)
ما يقال في سجود السهو والتلاوة
السؤال
فضيلة الشيخ! ماذا يقال في سجود السهو وسجود التلاوة؟
الجواب
يقال فيهما ما يقال في سجود الصلاة، فيقال -مثلاً- (سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات) (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) .
وفي سجود التلاوة: (اللهم لك سجدت وبك آمنت وعليك توكلت، سجد وجهي لله الذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين) (اللهم اكتب لي بها أجراً وحط عني بها وزراً واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داوُد) .(135/22)
بيان كفارة اليمين
السؤال
فضيلة الشيخ! عليَّ كفارة يمين هل أعطيها أربعة أشخاص؟
الجواب
هل لليمين كفارة توزع على الفقراء؟! أسألك! السائل: إطعام عشرة مساكين.
الشيخ: إطعام عشرة مساكين بارك الله فيك، هل الأربعة يكونون عشرة؟! السائل: لا، يا شيخ! الشيخ: إذاً: أطعم عشرة مساكين.
السائل: بمعنى لابد من إطعامهم يا شيخ؟! الشيخ: لابد من إطعام عشرة، وأنا أحببت أن يكون الجواب على صفة السؤال لك حتى يرسخ في ذهنك، إذا قيد الله الشيء بقيد لابد أن نتبع هذا القيد، فمثلاً يقول: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة:89] ولم يقل: طعام عشرة مساكين، لو قال: طعام عشرة مساكين، كان يكفي أن أتصدق بما يكفي للعشرة، لكن قال: {إِطْعَامُ} ، يعني: أن تطعم عشرة مساكين، كما قال في الظهار: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المجادلة:4] معناه: لابد أن أطعم ستين مسكيناً بالعدد، أفهمتَ؟ السائل: يعني: ما يكفي بالمقدار؟ الشيخ: لا، لا، لا، ليس بالمقدار، لو كان الله أراد المقدار لقال: فكفارته طعام عشرة مساكين، قال: {إِطْعَامُ} فهمتَ؟ لكن كيف تطعمهم؟ هل تعطيهم شيئاً يابساً وهم يطبخونه، وإلاَّ تطبخ وتدعوهم؟ نقول: الأمر واسع، إن شئت فاطبخ غداء أو عشاء لهم وادعهم إليه، وإن شئت فأعطهم إياه يطبخونه هم، وإذا أردت أن تعطيهم إياه ليطبخوه فمقداره حوالي كيلو من الأرز لكل مسكين، ويحسُن أن تجعل معه لحماً ليكون إداماً له.(135/23)
مدى صحة حديث: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان)
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حال حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان) ؟
الجواب
لا، ليس بصحيح؛ لكن قضاء الحوائج بلا شك أنه يختلف، أحياناً يكون الأفضل للإنسان أن يعلن الحاجة ليقتدي به الناس، وأحياناً يكون الأفضل أن يخفيها، لا سيما في مثل زماننا هذا الذي كثر فيه الحساد، وكثر فيه من يعتدون على الناس، ربما لو أبديتَ حاجتك للناس نكَّدوها عليك.
فعلى كل حال الإنسان ينظر للمصلحة، إن شاء أخفى، وإن شاء بيَّن، حسب ما تقتضيه المصلحة.
والحمد لله رب العالمين.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(135/24)
لقاء الباب المفتوح [136]
في ظلال تفسير آيات من سورة (ق) كان هذا اللقاء مع فضيلة الشيخ حيث تناول صفات أهل جهنم المذكورة في الآيات وحالهم عند دخولها والاختصام الذي يحصل بين القرين وذلك الكافر، ثم فصل الحكم بينهما يوم القيامة.(136/1)
تفسير آيات من سورة (ق)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: هذا هو اللقاء السادس والثلاثون بعد المائة من لقاءات (الباب المفتوح) التي تتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس الثامن والعشرون من شهر جمادى الأولى عام (1417هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء كما هي العادة بالكلام على تفسير كلام الله عز وجل، الذي هو أشرف الكلام وأفضله وأنفعه للقلوب، فإن الله سبحانه وتعالى نزَّل هذا القرآن على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليبين للناس ما نزل إليهم، وقد بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم بياناً شافياً كافياً، لكنه قد يخفى على بعض الناس إما لقصور علمه، أو لضعف فهمه، أو لغير ذلك من الأسباب المعروفة.(136/2)
تفسير قوله تعالى: (وقال قرينه هذا ما لدي عتيد)
يقول الله تعالى: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} [ق:23] : قرين الإنسان هو: الملَك الموكَّل به ليحفظ عنه أعماله؛ لأن الله تعالى وكل بأعمال بني آدم عناية بهم، وكل بهم ملائكة، {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق:17] ، وهذا من عناية الله بك أيها الإنسان! أنْ وكَّل بك هؤلاء الملائكة يعلمون ما تفعل ويكتبونه، لا يزيدون فيه ولا ينقصون منه.
يقول: {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} أي: حاضر، ويحضر للإنسان.(136/3)
تفسير قوله تعالى: (ألقيا في جهنم كل كفار عنيد)
فيقال: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} [ق:24] : قوله: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} قد يُشكل على طالب العلم؛ لأنه قال: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} القرين مفرد وهنا {أَلْقِيَا} فيها ألف التثنية، فكيف صح أن يخاطَب الواحد بخطاب الاثنين؟! اختلف المفسرون في الجواب عن هذا: فقال بعضهم: {أَلْقِيَا} ثنيت الجملة أو اتصل بها ضمير التثنية بناءً على تكرار الفعل فيكون قوله: ((أَلْقِيَا)) مثل قوله: ألقِ ألقِ، فالتكرار إذاً للفعل لا للفاعل، هذا قول.
القول الثاني: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} إما أن يكون مفرداً مضافاً، والمعروف أن المفرد المضاف يكون للعموم، فيشمل كل ما ثبت من قرين، وعلى هذا فيكون {وَقَالَ قَرِينُهُ} أي: الملَكان الموكَّلان به.
فإذا قال قائل: أروني دليلاً أو شاهداً على أن المفرد يكون لأكثر من واحد.
قلنا: مرحباً، يقول الله عز وجل: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم:34] وهل نعمة الله واحدة؟! لا؛ لأن الله تعالى قال: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان:20] ؛ لكن نعمة الله مفرد مضاف فيكون شاملاً لكل نعمة.
ويمكن أن يقول قائل: إن قوله: {وَقَالَ قَرِينُهُ} هو: واحد من الملكَين، ولا شك أنه يجوز أن يتكلم واحد من الاثنين باسم الاثنين.
وعلى كل حال فيكون قوله: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} على بابه، أي: أن الضمير هنا ضمير تثنية الفاعل.
{كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} [ق:24-26] ستة أوصاف: {كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} : و (كَفَّار) أما أن يقال: إنها صيغة مبالغة؛ لأن هذا الكافر قد فعل أنواعاً من الكفر، فإذا جمعت الأنواع صارت كثيرة.
وقد يقال: إن هذه الصيغة ليست صيغة مبالغة وإنما هي صيغة نسبة، كما يقال: نجار وحداد وما أشبه ذلك ممن يُنسب إلى هذه الحرفة، فيكون المعنى كَفَّار أي: كافر؛ لكن قد تمكن الكفر في قلبه والعياذ بالله.
{عَنِيدٍ} أي: معاند للحق، لا يقبل مهما عُرِض له الحق بصورة شيقة بينة واضحة لا يقبل.
الوصف الثالث: {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} يمنع الخير، فيمنع الدعوة إلى الله، ويمنع بذل أمواله فيما يرضي الله، ويمنع كل خير؛ لأن قوله: {لِلْخَيْرِ} لفظ عام يشمل كل خير، وقوله: {مَنَّاعٍ} كأنه يلتمس كل خير فيمنعه، فتكون هذه الصيغة صيغة مبالغة.
{مُعْتَدٍ} أي: يعتدي على غيره، يعني: ليته يمنع غيره من الخير، بل يعتدي عليه، انظروا -مثلاً- إلى كفار قريش، ماذا صنعوا مع الرسول؟! منعوه من الخير واعتدوا عليه.
{مُرِيبٍ} أي: واقع في الريبة والشك والقلق، وكذلك أيضاً يشكك غيره فيدخل في قلبه الريبة، فكلمة مريب تقتضي وصف الإنسان بها وحمل هذا الوصف إلى غيره.
الوصف السادس: {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} وما أوسع هذه الكلمة! وإذا كانت هذه الكلمة وصفاً للكَفَّار العنيد، فالمعنى: أنه يعبد مع الله غيره، وكلنا يعلم أن المشركين كانوا يعبدون مع الله غيره، فيعبدون اللات والعزى ومناة وهُبل، وكل قوم لهم طاغية يعبدونها كما يعبدون الله، يركعون لها، ويسجدون لها، ويحبونها كما يحبون الله، ويخافون منها كما يخافون من الله، نسأل الله العافية.
هذا إذا جعلنا {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} وصفاً لهذا الكافر العنيد، أما إذا جعلناها أشمل من ذلك فإنها تعم كل إنسان تعبَّد لغير الله، وتذلَّل لغير الله، حتى التاجر الذي ليس له هم إلا تجارته وتنميتها فإنه عابد لها، حتى صاحب الإبل الذي ليس له هم إلا إبله هو عابد لها، والدليل على أن من انشغل بشيء عن طاعة الله فهو عابد له، الدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة) عبد الدينار هذا: تاجر الذهب، عبد الدرهم: تاجر الفضة، تعس عبد الخميصة: تاجر الثياب؛ لأن الخميصة هي الثوب الجميل المنقوش، تعس عبد الخميلة: تاجر الفرش، أو ليس بتاجر؟ لا يتجر بهذه الأشياء؛ ولكنه مشغول بها عن طاعة الله، {إن أعطي رضي وإن لم يعطَ سخط) فسمَّى النبي صلى الله عليه وسلم من اشتغل بهذه الأشياء الأربعة عن طاعة الله سماه عبداً لها.
أيضاً في القرآن الكريم ما يدل على أن العبادة أوسع من هذا أيضاً قال الله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان:43] فدل ذلك على أن كل من قدم هوى نفسه على هدى ربه فهو قد اتخذه إلهاً، ولهذا يمكننا أن نقول: إن جميع المعاصي داخلة في الشرك بهذا المعنى، حيث أنه قدمها على مرضاة الله تعالى وطاعته فجعل هذا شريكاً لله عز وجل في تعبده له، واتباعه إياه.
فالشرك أمره عظيم وخطره جسيم حتى الرجل إذا تصدق بدرهم وهو يلاحظ لعل الناس يرونه ليمدحوه ويقولون: إنه رجل كريم، يعتبر مشركاً مرائياً، والرياء شرك، أخوف ما خاف النبي عليه الصلاة والسلام على أمته الشرك الخفي، وهو: الرياء.
فعلى هذا نقول: {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} [ق:26] : إن أردت أنها وصفاً خاصاً بالكَفَّار العنيد فإنها تختص بمن يعبد الصنم والوثن، وإن أردتها بالعموم فهي تشمل كل من اشتغل بغير الله عن طاعة الله، وعرفتم الأمثلة والأدلة على ما ذكرنا.
قال الله تعالى: {فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} [ق:26] وهو عذاب النار، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم منها بمنه وكرمه.(136/4)
تفسير قوله تعالى: (قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد)
قال تعالى: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} [ق:27] :- هو يدَّعي أن قرينه هو الذي أطغاه، وهو الذي صده عن سبيل الله، فيقول قرينه: {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} ما أمرته أن يكفر ولا أن يكون عنيداً، ولا أن يكون معتدياً، ولا أن يكون مريباً، ولا أن يكون مشركاً مع الله أحداً، ما فعلتُ هذا.
{وَلَكِنْ كَانَ} أي: هذا الكافر، {فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} عن الحق، حينئذ لدينا خصمان: - الكافر العنيد.
- والقرين.
الكافر العنيد يدعي أن القرين هو الذي أغواه وأطغاه، والقرين ينكر ذلك.(136/5)
تفسير قوله تعالى: (قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد)
قال الله عز وجل: {قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} [ق:28] الخصومة منقطعة؛ لأن الحجة قائمة ولا عذر لأحد.
{وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} [ق:28] :- أي: أوعدتكم على المخالفة فلا حجة لكم.(136/6)
تفسير قوله تعالى: (ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد)
قال تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} [ق:29] :- يعني لا أحد يستطيع أن يبدل قولي؛ لأن الحكم لله عز وجل وحده، فإذا كان الله تعالى قد وعد أو أوعد فهو صادق في وعده سبحانه وتعالى، وأما الإيعاد فقد يغفر ما شاء من الذنوب إلا الشرك.
{وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} يعني: لستُ أظلم أحداً، وكلمة (ظلاَّم) لا تظن أنها صيغة مبالغة وأن المعنى أني لست كثير الظلم، بل هي من باب النسبة أي: لست بذي ظلم، والدليل على أنه يتعين أن يكون هذا المعنى قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء:40] .
ويقول عز وجل: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً} [طه:112] .
ويقول عز وجل: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] .
والآيات كثيرة في أن الله لا يظلم، بل إننا إذا تأملنا وجدنا أن فضل الله وإحسانه أكثر من عدله {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40] ، جزاء حسنة عشرة أمثالها، لو أردنا نأخذ بالعدل لكانت سيئة بالسيئة والحسنة بالحسنة، لكن فضل الله زائد على عدله عز وجل، فهو سبحانه وتعالى يجزي بالفضل والإحسان لمن كان محسناً، وبالعدل بدون زيادة لمن كان مسيئاً {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} .
ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على هذه السورة.
نسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم بما علمنا، وأن يجعل علمنا دالاً لنا على مرضاته، إنه على كل شيء قدير.(136/7)
الأسئلة(136/8)
حكم المسابقات والجوائز التي تعدها بعض المحطات البترولية
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض المحطات البترولية تضع كروتاً من فئة عشرة وعشرين على قدر البنزين الذي يعبي به الشخص، فلما تصل مثلاً إلى مائة وخمسين لتراً أو ألف وخمسمائة أو مائتين وخمسين تجمع هذه الكروت ثم يأتي صاحب الكرت لتغسيل سيارته مجاناً أو تغيير زيته مجاناً، فما رأيك في هذا؟
الجواب
رأينا أننا نعطيكم -بارك الله فيكم- قاعدة: كل شيء فيه إما أن الإنسان يسلم وإن خسر أو يغنم فهذا لا بأس به؛ لأنه إما خير يأتيه والخير مطلوب، وأما الغرم ما عليه هو، فمثلاً: إذا قال صاحب المحطة: من عبأ كذا وكذا لتراً، فأنا أغسل له السيارة مجاناً وهو يبيع البنزين كسائر الناس ولا يزيد، فإذا عبأ الإنسان منه هذا القدر فإنه لم يخسر شيئاً، لكنه ربح لأن سيارته تنظَّف وتغسل، إذاً فهذا العقد صحيح.
لكن بعض الناس يقول: إن هذا فيه قطع رزق للمحطات الأخرى التي لم تضع هذه الجائزة.
فنقول: المحطات الأخرى ما تُمْنَع، إذا كان هذا يغسل بعد مائتي لتر يقول الثاني: أنا أغسل بعد مائة وتسعين لتراً، وحينئذ لا يضره، نعم لو فُرِض أن الناس في هذه الحال تسابقوا إلى هذه الجائزة وضر بعضهم بعضاً فحينئذ لولي الأمر أن يتدخل في الموضوع ويمنع، أما إذا صار الأمر عادياً فلا بأس به.(136/9)
حكم أخذ زوجة الكفيل نقوداً من خادمة مسلمة دون حق
السائل: يا فضيلة الشيخ! خادمة مسلمة بقي من انتهاء مدتها شهر، فأراد كفيلها إرسالها فأعطاها راتب الشهر الذي لم تشتغله، فأخذت زوجة الكفيل منها مائة ريال؛ لأنها في نظر الزوجة لا تستحقها بسبب عنادها ومكابرتها وعدم طاعة أوامر الزوجة في بعض الأحيان فخافت الزوجة من الإثم بعد ذهاب الخادمة! أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الشيخ: يعني: الخادمة سافرت! السائل: إي نعم.
الشيخ: أقول: إن عمل الزوجة وأخذها من الدراهم التي أعطى زوجها للخادمة خطأ عظيم، فعليها أن تتوب إلى الله عز وجل، وإذا كانت تعرف عنوان الخادمة فلترسل إليها ما أخذته، يجب وجوباً، وإذا كانت لا تعرف فلتتصدق به، تنويه عن الخادمة إذا كانت مسلمة، وإن كانت كافرة تتصدق به تخلصاً منه.(136/10)
حكم القصر والجمع للصلاة عند القدوم إلى الأهل يومي الخميس والجمعة
السائل: فضيلة الشيخ! هل الأفضل لي إذا قدِمْتُ للأهل الخميس والجمعة أن أقصر أو أتم؟ وهل الجمع جائز؟ الشيخ: لأهلك؟ السائل: نعم.
الشيخ: إذا قدم الإنسان إلى أهله الخميس والجمعة فإنه انتهى سفره، فعليه أن يتم الصلاة، ولا يحل له أن يجمع.(136/11)
حكم تأخر المأموم عن إمامه بركن أو واجب
السائل: فضيلة الشيخ! ما حكم المأموم إذا تأخر عن إمامه بركن؟ يعني: مثلاً الإمام سجد وعندما قام الإمام سجد المأموم! الشيخ: العلماء -بارك الله فيك- يقولون: إن تعمد التأخر حتى سجد الإمام وقام بطلت صلاته؛ لأنه إمامه سبقه بركن تام، وإن كان لم يتعمد مثل: أن يكون غفل، أو ما سمع الصوت؛ صوت الإمام، فإنه يأتي بالركن الذي فاته، ويتابع الإمام.
وعلى هذا فإذا قام الإمام من السجود إلى القيام وهو غافل نقول: اسجد وتابع الإمام.
السائل: وما حكم إذا ترك واجباً من الواجبات، مثل: التسبيح، سبحان ربي الأعلى! الشيخ: مثلاً لو سجد متابعاً مع الإمام؛ لكن نسي أن يقول: سبحان ربي الأعلى في السجود نقول بارك الله فيك: في هذه الحال يجب عليك سجود السهو، إلا إذا كنتَ داخلاً مع الإمام من أول الصلاة فإن الإمام يتحمل عنك السجود ولا تسجد.(136/12)
الأسباب المعينة على حفظ القرآن
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هي الأسباب المعينة على حفظ القرآن؟
الجواب
أهم شيء -بارك الله فيكم- بالنسبة لحفظ القرآن أو غيره من المتون: أن يحفظها الإنسان وهو صغير؛ لأن الحفظ في الصغر أسرع وأثبت.
ثم شيء آخر: أن يتفرغ لما يريد حفظه، بمعنى لا يشتغل بغيره.
ثالثاً: أن يتعهد ما حفظ؛ لأن بعض الناس يحفظ ولكنه لا يتعاهد ما مضى ثم ينساه، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام بتعاهد القرآن وقال: (تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفسي بيده! لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) .
هذه ثلاثة أشياء هي من أهم الأمور المعينة على حفظ القرآن.
واعلم أن الناس يختلفون في سرعة الحفظ وسرعة النسيان اختلافاً عظيماً، وخيرهم سريع الحفظ بطيء النسيان.(136/13)
حال من كان مسافراً فصلى المغرب جماعة ثم أراد أن يصلي العشاء
السائل: فضيلة الشيخ! جماعة سافروا فوجبت عليهم صلاة المغرب، فتوقفوا لأداء صلاة المغرب في مسجد، فصلوا مع جماعة المسجد صلاة المغرب فبعد أن قضوا صلاة المغرب ذهبوا إلى مؤخرة المسجد فوجدوا أناساً يصلون صلاة المغرب، فتفرق هؤلاء الجماعة إلى ثلاث جماعات: جماعتان دخلتا مع الإمام، وأناس صلوا العشاء ركعتين، فالذين دخلوا.
الشيخ: والثالثة؟ أنت قلت: ثلاث.
السائل: إي نعم، ثلاث.
الشيخ: ثلاث فئات، الفئة الأولى.
السائل: الفئة الأولى: خرجوا وصلوا ركعتين على العشاء، والفئتين الثانية والثالثة دخلوا مع الإمام، فبعضهم أكمل أربع ركعات، وبعضهم حينما جلس الإمام للتشهد الأول بعد الركعتين جلس، فانتظر الإمام حتى سلم فسلم معه، فهل عمل هؤلاء صحيح؟ الشيخ: هؤلاء كلهم على صواب.
أما الذين انفردوا وصلوا العشاء وحدهم فهم على صواب لأن بعض أهل العلم يقول: لا يمكن أن يصلي إنسان العشاء خلف من يصلي المغرب، وأنه لو صلى العشاء خلف من يصلي المغرب بطلت صلاته، هؤلاء صحت صلاتهم.
الآخرون الذين لما قام الإمام إلى الثالثة وهم قد نووا القصر يقولون: نحن نعتقد أن هذه الركعة ثالثة غير مشروعة لنا، فجلسوا إما أن يسلموا وحدهم وإما أن ينتظروا الإمام أيضاً على صواب.
والثالثة: الذين قالوا: ما دام الإمام يصلي يجب علينا متابعته ثم إذا سلم قضينا الرابعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بأهل مكة ركعتين كان يقول: (أتموا يا أهل مكة! فإنا قوم سَفُر) فإذا صلى الركعتين وسلم قاموا فأتموا، وهذا كان في غزوة الفتح.
فالكل إن شاء الله على صواب.
لكن الذي أرى في مثل هذه الحال ألا تتفرق الأمة، وأن يدخلوا مع الناس في صلاة المغرب والأحوط في حقهم أن يتابعوا الإمام في الثلاث ثم إذا سلم أتموا لأنفسهم، هذا أحوط الأقوال الثلاث.
السائل: حتى الذي جلس وصلى ركعتين لا تبطل صلاته؟ الشيخ: لا، ما عليه ذنب.(136/14)
حكم هجر الجيران الذين لا يصلون مطلقاً وإبلاغ الإمام عنهم
السائل: ما رأي فضيلتكم في رجل له جيران مقصرون في الصلاة بل بعضهم لا يشهد الصلاة لا ظهراً ولا عصراً ولا فجراً ولا مغرباً، نصحهم وأرسل لهم بعض الإخوان ورفضوا دخولهم البيت، وتوقف الشخص هذا من زيارتهم؛ لأنهم قريبون عنده، جيران قريبون، فما رأي فضيلتكم في هجر هذا الشخص؟ الشيخ: أرى أنه أحسن صنعاً في كونه ينصحهم، ويتابع النصيحة وإن اهتدوا فهذا المطلوب، وإن لم يهتدوا فليس عليه من إثمهم شيء.
يبقى النظر حق الجار هل يسقط لكون جاره عاصياً؟ لا يسقط، الجار له حق ولو كان عاصياً حتى لو كان كافراً، له حق الجوار، ولكن لو قدرنا أنه بهجره إياهم تصلح أحوالهم وصار الهجر دواءً فهذا طيب لا بأس، لكن كما ترى اليوم الهجر لا يزيد العاصي إلا شدة وكراهية لصاحبه، يعني نحن نسمع وجربنا أنه ما ينفع الهجر الآن، لو كان الناس إذا هُجِر العاصي عاد كحال كعب بن مالك وصاحبيه، لقلنا: لا بأس، لكن الأمر بالعكس، فأرى أن يعطيهم حقهم وألا يفرط في دعوتهم يدعوهم مرة بعد مرة ولا يكثر عليهم فيضجروا.
السائل: وما موقف الإمام من هؤلاء؟ الشيخ: الإمام أيضاً نفس الشيء، الإمام يدعوهم بالتي هي أحسن دون أن يكون علناً أمام جماعة، مثلاً يذهب إلى أحدهم في البيت أو يدعوه إلى بيته، والناس اليوم مع الأسف لا ينفع معهم إلا اللين غالباً، إلا إنسان ذو سلطة وإمرة هذا يجب أن يستعمل إما اللين أو الشدة حسب ما تقتضيه الحال.
السائل: إذا طلبت الهيئة من الإمام إعلامهم بتشكيل الأسماء الذين لا يصلون بعد أن تم نصحهم مرتين، أو ثلاثاً، أو عشراً، ولا زالوا مستمرين في عدم الصلاة، خمس صلوات! الشيخ: أن أرى أن الإمام إذا طُلب منه من جهة رسمية أن يكتب أسماء المتخلفين بعد أن ينصحهم أرى أنه يجب عليه أن يفعل؛ لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى، والحمد لله إن الله خفف عليه، ما قلنا: لابد أنت تذهب إلى بيوتهم وتطلعهم، ما نقول هذا، أدنى الواجب أن تخبر من له الأمر.(136/15)
حكم من فاتته الركعة الأولى من صلاة الخسوف
السائل: فضيلة الشيخ! رجل فاتته الركعة الأولى من صلاة الخسوف فهل يلزمه الإتيان بالركعة الثانية؟ الشيخ: الركعة الأولى؟ السائل: إي نعم.
الشيخ: يعني: يبني عليها.
السائل: يبني عليها، الركوع الأول فاته! الشيخ: يجب عليه أن يأتي بالركعة الثانية؛ لأنه لما دخل مع الإمام التزم بصلاة الإمام، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) فهذا الإنسان مخير قبل أن يدخل إن شاء دخل وحصل الأجر، وشارك الناس في فرض الكفاية، وإن لم يشأ لم يدخل، لكن إذا دخل التزم وتوجه إليه الخطاب الذي سمعت من قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) اللهم إلا أن يكون له عذر مثل أن احتبس بوله أو ريح أو ما أشبه ذلك يضطر إلى أن يقطع الصلاة فيقطعها ولا إثم عليه.(136/16)
حكم ترك المطلوبات الشرعية ندباً
السؤال
قال في اختصار كتاب الاعتصام للشاطبي: فتارك المطلوبات الشرعية ندباً أو وجوباً هل يسمى مبتدعاً أو لا؟ ف
الجواب
أن تارك المطلوبات على ضربين: أحدهما: أن يتركها لغير التدين إما كسلاً أو تضييعاً أو ما أشبه ذلك من الدواعي النفسية، فهذا الضرب راجع إلى المخالفة للأمر، فإن كان في واجب فمعصية -وهنا السؤال يا شيخ- وإن كان في ندب فليس بمعصية إذا كان الترك جزئياً، وإن كان كلياً فمعصية حسب ما تبينت الأصول؟ الجواب: لا، هو على كل حال كلمة: (إن كان كلياً فمعصية) فيه نظر؛ لكن كأنه والله أعلم أخذه من قول الإمام أحمد رحمه الله: (من ترك الوتر فهو رجل سوء ينبغي ألا تقبل له شهادة) مع أن الوتر سنة على ما ذهب إليه الإمام أحمد، وكذلك قال أصحاب الإمام أحمد: من ترك الرواتب وإن كانت ليست بواجبة فإنها لا تقبل شهادته، وما قال من التفصيل جيد، يعني مثلاًَ: إذا ترك الإنسان المسنون تعبداً، يعني يتعبد لله بتركه صار مبتدعاً؛ لأن الترك بنية كالفعل، وأما إذا تركه تضييعاً أو تكاسلاً أو تهاوناً أو يقول: الواجب هو الواجب وغير الواجب فليس بواجب فلا شيء عليه، سواءً كان كلياً أو جزئياً.(136/17)
حكم استخدام العدسات الملونة للنساء
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم العدسات الملونة للنساء؟
الجواب
العدسات الملونة أولاً: لابد من مراجعة الطبيب، هل هذا يضر على العين أو لا يضر، هذا قبل كل شيء.
ثانياً: إذا تقرر إنها لا تضر، نَظَرْنا إذا كانت هذه العدسات تجعل العين كعيون الحيوان فهذه لا تجوز؛ لأن التشبه بالحيوان مذموم، وأما إذا كان أنها تعطي جمالاً فهذا لا بأس به؛ لأن الأصل الإباحة.(136/18)
حكم الاكتفاء بعبادة واحدة إذا اتفقت عبادتان في الهيئة
السؤال
إذا اتفقت عبادتان في الهيئة واختلفت مسألة الإيجاب، كغسل يوم الجمعة وغسل الجنابة أو كمن أخر سنة الفجر إلى طلوع الشمس ثم صلى الركعتين التي ترد في السنة إذا طلعت الشمس حتى تصير قيد رمح، فما حكم أن يجمعهما في فعل واحد.
الجواب
هذا سؤال مهم إذا اجتمعت عبادتان فهل يُكتفى بإحداهما عن الأخرى؟ إن كانت العبادة مقصودة بذاتها فإنها لا تجزئ عن الأخرى، لابد من فعل الثنتين جميعاً، وإذا كانت غير مقصودة بذاتها، وإنما المقصود حصول هذا الفعل بأي وصف وصفناه، اكتُفي بواحدة عن الأخرى، فمثلاً الغسل يوم الجمعة عن جنابة ومن أجل الجمعة نقول: المقصود بغسل يوم الجمعة هو: الطهارة والتنظف، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام للصحابة الذين يأتون من العوالي ومن أمكنة بعيدة ويكون فيهم العرق والرائحة قال: (لو أنكم تطهرتم يومكم هذا) فهنا المقصود والتطيب لكن بأمر الرسول به صار عبادة.
نقول الآن: إذا نوى بغسل الجنابة كفى عن غسل الجمعة، كما تكفي الفريضة عن تحية المسجد، وإذا نوى غسل الجمعة لم يجزئ عن الجنابة؛ لأن غسل الجمعة ليس عن حدث وغسل الجنابة عن حدث، ولهذا لو تعمد ترك غسل الجمعة وصلى الجمعة صحت صلاته، لكن لو تعمد ترك غسل الجنابة أو لم يتعمد وصلى الجمعة وهو عليه الجنابة فإن صلاته لا تصح.
أما مسألة سنة الفجر مع سنة الإشراق أو سنة الضحى فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى؛ لأن سنة الضحى مقصودة بذاتها، ولهذا لو كان على الإنسان مثلاً راتبة الظهر الأولى أربع ركعات في تسليمتين لو أنه فاته ذلك في الأول، جاء والإمام يصلي وأراد أن يقضيها، هل يصلي ركعتين عن الأربع؟ فهذا التفصيل هو الذي في الشرح، إذا كانت العبادة مقصودة بذاتها فلابد من فعلها ولا تجزئ الأخرى عنها، وإذا كان المقصود حصول ذلك الفعل على أي وصف كان اكتُفي بواحدة عن الأخرى، لكن يُكتفى بالكبيرة عن الصغيرة، ولا يكتفى بالصغيرة عن الكبيرة.(136/19)
حكم الصلاة خلف إمام لا يستطيع السجود على جبهته
السؤال
فضيلة الشيخ، إمام يصلي قائماً ولكنه لا يستطيع السجود على جبهته، فهل يسجد المأمومون أم يفعلون مثله؟
الجواب
هذا سؤال مهم وهو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في الإمام: (إذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً) فهل إذا عجز عن السجود -أعني: الإمام- هل يُطلب من المأمومين ألا يسجدوا؟ الجواب: يرى بعض العلماء أن الإمام إذا عجز عن ركن سوى القيام فإنه لا يجوز للقادر عليه أن يأتَمَّ به، يعني هذا الإمام إن عجز عن السجود لا يجوز للآخرين الذين يستطيعون السجود أن يأتموا به، بل يبحثوا عن إمام آخر، وبناءً على هذا القول هل يَرِد هذا السؤال أم لا؟ لا يَرِد هذا السؤال؛ لأنهم أصلاً ليسوا مصليين معه؛ لكن الصحيح أنه يصح أن يأتم المأموم القادر على الركن بالعاجز عنه، ففي هذه الحال نقول: إذا سجد الإمام فهو يجب عليه أن يسجد إلى قريب من الأرض، بحيث لا يتضرر، وعلى المأمومين أن يسجدوا على الأرض، لا يتابعونه في هذا، فإذا قال قائل: ما الفرق بين القيام والسجود؟ قلنا: الفرق بيَّنه الرسول عليه الصلاة والسلام، لما صلى بأصحابه قاعداً وهم قيام أشار إليهم إن اجلسوا ثم بيَّن لهم الحكمة قال: (لا تقوموا كما تقوم الأعاجم على ملوكها) لأنه إن صار الإمام قاعداً والناس كلهم وراءه قيام، صاروا كأنهم قائمون عليه، والقيام على الرجل منهيٌّ عنه إلا إذا كان فيه مصلحة.
إذاً: نقول: على القول الراجح: عليهم أن يسجدوا على الأرض وهو يسجد إلى قرب الأرض إلى الحد الذي يمكن أن يصل إليه.(136/20)
حكم إعطاء زيادة عند قضاء الدين من غير اشتراط في البداية
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا أخذت من إنسان مثلاً خمسمائة ريال سلفاً، فبعد مدة أرجعتها له ستمائة ريال من نفسي أنا زدت له مائة ريال وهو ما طلب مني هذا، هل يدخل في الربا أو ما يدخل في الربا؟
الجواب
نقول: ليس من الربا؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (خيركم أحسنكم قضاءً) وكما أنه يجوز أن أعطيه أحسن مما استقرضتُ منه في الوصف فكذلك أزيَد في العدل ولا فرق، يعني لو أنك استسلفتَ منه صاع أرز من الأرز الوسط، ثم أعطيتَه صاع أرز من الأرز الجيد، يجوز أو لا؟ يجوز.
إذاً: لو أعطيته صاعاً ونصف ما هناك مانع، بشرط ألا يكون مشروطاً عند القرض، فإن كان مشروطاً عند القرض، فلا يجوز.(136/21)
حكم تعليم الخدم والسائقين والعمال أمور الدين من قبل كفلائهم
السائل: هناك خادمة مسلمة غير متعلمة تصلي جميع الفرائض من غير إتقان وكان عليها من العام الماضي بعض القضاء فإذا أمِرَت بصيام وقضاء لم تفهم شيئاً، علماً بأن كفيلها جلب لها بعض الأشرطة الدينية التي تعلِّمها كيفية الصلاة والصيام وغيرها من الفرائض، وسَمِعَتْها فلم تَفْهَمْها فهل على كفيلها إثم أم لا؟ وهل برئت ذمته؟ الشيخ: والله هو الواجب على الكفلاء بالنسبة للقادمين من الخدم وغير الخدم، كالسائقين والعمال، الواجب عليهم أن يدعوهم إلى الإسلام؛ لأن الله تعالى أمر بذلك: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل:125] ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاذ بن جبل أن يدعو أهل اليمن إلى الإسلام، وأمر علي بن أبي طالب أن يدعو أهل خيبر إلى الإسلام، فالكفلاء يجب عليهم أن يدعوا مَن عندَهم من غير المسلمين إلى الإسلام، بقدر المستطاع، وإذا كانوا يعلمونها كيف تطبخ، كيف تغسل الإناء، كيف تفرش المكان، لماذا لا يعلمونها الصلاة والطهارة؟! أيهما أنفع للإنسان؟! الأنفع أن نعلمها أمور الدين، تنتفع هي، وينتفع هو، وربما أن الله يهدي على يديها هي أيضاً من أهلها.
ثم أنت تقول أنها لا تفهم؟ السائل: نعم؟ الشيخ: سبحان الله! لا تفهم؟! أليست تفهم الطبخ والأشياء التي لا تعرفها في بلادها، تفهم لكن الناس يقصرون، إذا كلمها مرة أو مرتين أو ثلاث وإذا ما عرفت، قال: ما فيها خير، أو يجيب مثلاً نظيرتها من التي كانت جاءت من قبل، وإلاَّ أول ما تجيء هناك صعوبة، حتى يعني ما تعرف شيئاً إلا بالإشارة.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء.
وإلى اللقاء الآخر إن شاء الله تعالى، وجزاكم الله خيراً، وأبشروا بالخير فإن (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) .
نسأل الله تعالى أن يسهل لنا ولكم طريقاً إلى الجنة، إنه على كل شيء قدير.(136/22)
حكم الجمع بين نيتين في غسل واحد
السؤال
إذا نوى الغسلين: الجمعة والجنابة في غسل واحد، فهل يجزئ ذلك؟
الجواب
يحصل به ويجوز ذلك.(136/23)
لقاء الباب المفتوح [137]
في هذا اللقاء تفسير لآيات من سورة (ق) تتضمن وصف جهنم وامتلائها بالكافرين، كما تتضمن وصف الجنة وتقريبها للمتقين، وبعض صفات هؤلاء المتقين، وفوائد متفرقة في اللغة والعقيدة.
وفي هذا اللقاء أيضاً فتاوى وفوائد فقهية تضمنتها فقرة الأسئلة.(137/1)
تفسير آيات من سورة (ق) .
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع والثلاثون بعد المائة من لقاءات (الباب المفتوح) الذي يتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الخامس من شهر جمادى الثانية عام (1417هـ) .(137/2)
تفسير قوله تعالى: (يوم نقول لجهنم هل امتلأت فتقول هل من مزيد) .
نبدأ فيه كما هي العادة بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل ونحن في سورة ق، عند قوله تبارك وتعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلْ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:30] : (يوم) هذه ظرف زمان، والظروف الزمانية والمكانية، وكذلك حروف الجر، لابد لها من متعلَّق، أي: لابد لها من فعل أو ما كان بمعنى الفعل تتعلق به.
فما هو متعلَّق قوله: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ} ؟ نقول: هو محذوف، والتقدير: اذكر يوم نقول لجهنم، وليُعلم أنه يوجد في اللغة العربية كلمات تُحذَف، بل ربما جمل تحذف وذلك فيما إذا دل عليها السياق، فهنا الكلمة التي تتعلق بها كلمة (يوم) محذوفة بتقدير: اذكر يوم نقول لجهنم: هل امتلأتِ وتقول: هل من مزيد.
يسألها الله عز وجل: {هَلْ امْتَلأْتِ} : وهو يعلم سبحانه وتعالى أنها امتلأت أو لم تمتلئ؛ لأنه لا يخفى علي شيء؛ لكنه يسألها: هل امتلأت ليقرر لها ما وعدها سبحانه وتعالى فإن الله يقول: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود:119] .
فيسألها: {هَلْ امْتَلأْتِ} : يعني: هل حصل ما وعد الله به؛ لأن الله تكفل بأن يملأ الجنة ويملأ النار.
فتقول: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} : (هل) هنا أداة استفهام، وهي حرف، (هل) هي استفهام طلب أم استفهام نفي؟ انتبهوا للفرق، هل هي استفهام طلب بمعنى أنها تطلب الزيادة؟ أو استفهام نفي بمعنى أنها تقول: لا مزيد على ما فيَّ؟ في هذا للعلماء قولان: القول الأول: أن المعنى {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} أي: لا مزيد على ما فيَّ، و (هل) تأتي لاستفهام النفي كما في قوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [فاطر:3] أي: ما من خالق، وعلى هذا فتكون النار امتلأت، إذا قالت: لا مزيد على ذلك فالمعنى أنها امتلأت.
القول الثاني: (هل) للطلب: أي تطلب الزيادة.
وإذا اختلف العلماء في التفسير أو غير التفسير فالمرجع إلى ما قاله الله ورسوله، فلننظر أي القولين أولى بالصواب؟ ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لا تزال جهنم يُلقى فيها وهي تقول: هل من مزيد، حتى يضع رب العزة عليها قدمه، أو قال: عليها رجله، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط) .
فأي القولين أولى بالصواب؟ أنها استفهام طلب، أي تطلب الزيادة ولكن رحمة الله سبقت غضبه يضع عز وجل عليها رجله على الوجه الذي أراد، ثم ينزوي بعضها، ينضم بعضها إلى بعض وتتضايق وتقول: لا مزيد على ذلك، أو تطلب ثم ينتهي الموقف.
فحقت كلمة الله أنه ملأ جهنم من الجِنة والناس أجمعين.
في الحديث الذي سقته إثبات القَدَم أو الرِّجل لله عز وجل، فهل هو قَدَم حقيقة أم قَدَم بمعنى المقدِّم يعني يضع الرب عز وجل من يقدمهم إلى النار حتى يملأها؟ وهل الرِّجل حقيقة أو الرِّجل بمعنى الطائفة لأنه يقال: رِجل من جراد مثل طائفة من جراد، أيهما أولى؟ الأول يعني: أن المراد رجل حقيقة لله عز وجل، إلا أنها لا تشبه أرجل المخلوقين بأي وجه من الوجوه، نعلم علم اليقين أنها ليست مثل أرجل المخلوقين، من أين علمنا أنها ليست مثل أرجل المخلوقين؟ من أين علمنا أن رجل الله لا تشبه ولا تماثل أرجل المخلوقين؟ مِن قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] .
والمقصود من قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ} هو: تحذير الناس؛ لأن كل واحد منا لا يدري أيكون من حطب جهنم أم يكون ممن نجا منها، نسأل الله أن ينجينا وإياكم منها.(137/3)
تفسير قوله تعالى: (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد.
) .
قال عز وجل: {وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [ق:31] : أي: قُرِّبت للمتقين مكاناً غير بعيد {هَذَا} [ق:32] :ما تشاهدون من قرب الجنة.
{مَا تُوعَدُونَ} أي: هذا الذي توعدون.
فإن الله تعالى قد وعد المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالجنة، وصدق وعده عز وجل، ولكن لمن؟ {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} [ق:32] : الأواب: صيغة مبالغة من آب يئوب بمعنى: رجع، أي لكل أواب إلى الله أي: رجاع إليه.
{حَفِيْظٍ} : أي حفيظ بما أمره الله به، وهذا كقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ عبد الله بن عباس: (احفظ الله يحفظك) المعنى: أنه حفيظ لأوامر الله، لا يضيعها ولا يقابلها بكسل وتوانٍ، بل هو نشيط فيها وإذا أذنب في ترك واجب أو فعل محرم، تجده يرجع إلى الله، {لِكُلِّ أَوَّابٍ} : فهو أواب رجاع إلى الله تعالى من المعاصي إلى الطاعات، وكذلك حفيظ: حافظ لما أمر الله به، محافظ عليه قائم به، {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} [ق:32] .(137/4)
تفسير قوله تعالى: (من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب) .
قال تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق:33] : (مَنْ) هذه بدل مما سبقها.
{مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ} : أي: خافه عن علم وبصيرة؛ لأن الخشية لا تكون إلا بعلم، والدليل قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] ، فهي خشية، أي: خوف ورهبة وتعظيم لله عز وجل؛ لأنها صادرة عن علم، وقوله: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} : لها معنيان: المعنى الأول: أنه خشي الرحمن مع أنه لم يره؛ لكن رأى آياته الدالة عليه.
والمعنى الثاني: خشيه بالغيب، أي: بغيبته عن الناس، يخشى الله وهو غائب عن الناس؛ لأن من الناس من يخشى الله إذا كان بين الناس، وأما إذا انفرد فإنه لا يخشى الله، مثل من؟ المرائي، المنافق، إذا كان مع الناس تجده من أحسن الناس خشية، وإذا انفرد لا يخشى الله.
كذلك أيضاً من الناس من يكون عنده خشية ظاهرية لكن القلب ليس خاشياً لله عز وجل، فيكون بالغيب أي: بما غاب عن الناس، سواء عمله في مكان خاص، أو ما غاب عن الناس في قلبه، فإن خشية القلب هي الأصل.
{وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} : أي: جاء يوم القيامة بقلب منيب أي رجَّاع إلى الله عز وجل، أي أنه مات وهو منيب إلى الله، فهو كقوله: {وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] المعنى: أنه بقي على الإنابة والرجوع إلى الله عز وجل إلى أن مات، إلى أن لقي الله؛ لأن الأعمال بالخواتيم، نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالخير.(137/5)
تفسير قوله تعالى: (ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود) .
ثم قال تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} [ق:34] : ادخلوها أمر، هل هو أمر إلزام أم أمر إكرام؟ أمر إكرام؛ لأن الآخرة ما فيها تكليف وإلزام، بل إما إكرام وإما إهانة، فقوله تعالى في المجرمين: {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} [الزمر:72] ، هذا أمر إهانة.
وقوله للمؤمنين هنا: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ} : هذا أمر إكرام.
وقوله: {بِسَلامٍ} : (الباء) هنا للمصاحبة، المعنى: دخولاً مصحوباً بسلام، سلام من ماذا؟ سلام من كل آفة، أصحاب الجنة سالمون من الأمراض، وسالمون من الهرم، وسالمون من الموت، وسالمون من الغل، وسالمون من الحسد، وسالمون من كل شيء، كل شيء تُذكر فيه السلامة فأهل الجنة سالمون.
{ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ} : أي: هذا اليوم.
{يَوْمُ الْخُلُودِ} : أي: اليوم الذي لا هلاك بعده، خلود دائم سرمدي لا نهاية له.(137/6)
تفسير قوله تعالى: (لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد) .
قال تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا} [ق:35] : أي: لهؤلاء المتقين، ما يشاءون فيها أي: في الجنة.
{وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} : أي: مزيد على ما يتمنون ويشاءون؛ لأن الإنسان بحكمه مخلوق يعجز عن أن يستقصي كل شيء، وتنقطع أمنيته بحيث لا يدري ما يتمنى؛ لكن هؤلاء أهل الجنة كل ما يشتهون فيها فإنه موجود.
طَيِّبٌ! لو اشتهى الإنسان ثمرة معينة كرمان أو عنب أو ما أشبه ذلك، هل يجدها؟ يجدها، في أي وقت؟ في أي وقت، كل شيء يشتهيه الإنسان ويطلبه فإنه موجود لا يمتنع، بل قال الله عز وجل: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} أي: نعطيهم فوق ما يشتهون ويتمنون، ومن الزيادة: النظر إلى وجه الله عز وجل.
ولهذا استدل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من أهل العلم بهذه الآية على إثبات رؤية الله عز وجل، وقال: إن هذه الآية: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} كقوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] .
نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم منهم، وأن يرزقنا النظر إلى وجهه الكريم في جنات النعيم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(137/7)
الأسئلة(137/8)
حرمة الصلاة إلى القبور
السؤال
ما رأيكم في الصلاة في المساجد التي يكون فيها بين الإمام وبين القبلة قبور وبينه وبين القبور حوائل، إما أن يكون جداراً أو أن تكون هناك مسافة بعيدة؟
الجواب
نعم، إذا صلى الإنسان في مسجد أمامه مقبرة، فإن كان هناك فاصل؛ شارع مثلاً أو جدار تام، بحيث يكون المصلون لا يشاهدون المقبرة فلا بأس بذلك، أما إذا كان قريباً يلي المسجد مباشرة، وليس فيه جدار أو فيه جدار قصير، بحيث يشاهد المصلون هذه القبور فإنه لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها) .
السائل: أحسن الله إليكم؛ لكن أوضح لك الصورة، هو المسجد والفناء؛ وفناء المسجد واحد، ثم مكان الصلاة مسقف، فبين الجدار في فناء المسجد بينه وبين الإمام، ويكون هناك جدار هل يعتبر هذا خطيراً؟ الشيخ: فناء المسجد في سور المسجد؟ السائل: نعم، في سور المسجد.
الشيخ: في سور المسجد! السائل: نعم.
الشيخ: معناه: أن المقبرة تلي المسجد مباشرة.
السائل: نعم.
الشيخ: لا يجوز هذا، لابد أن يخرجوا من هذا الفناء سوراً، يحوطون به المسجد.
السائل: أحسن الله إليكم.(137/9)
حكم صلاة النساء جماعة في غير المسجد
السؤال
فضيلة الشيخ! هل الأفضل في حق النساء إذا كنَّ في بيت واحد مثلاً أداء الصلاة جماعة وأن تؤمهن امرأة، أم الأفضل أن تصلي كل واحدة منهن على انفراد؟ وإذا كانت الجماعة أفضل في حقهن، فهل يجوز لإمامة النساء أن تجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية أم لا؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
صلاة النساء جماعة في بيوتهن فيها خلاف بين العلماء منهم من يقول: إنها سنة، ومنهم من يقول: ليست بسنة، والأظهر أنها ليست بسنة، لكن إن فعلنها أحياناً فلا بأس كما يوجد الآن في مدارس البنات تجتمع المعلمات ويصلين جماعة، هذا لا بأس به أحياناً، وإذا قُدِّر أن الصلاة كانت في الليل فلا حرج أن تجهر إذا لم يسمعها أحد من الرجال.(137/10)
صفة الاستغفار وفضله
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هي صفة الاستغفار؟ وما هو فضل الاستغفار؟ الشيخ: أظنك من عنيزة.
السائل: لا، من الرس.
السائل: صفة الاستغفار، وفضل الاستغفار؛ لأن أحد الإخوة أُنكر عليه الدعاء بـ (أستغفر الله الذي لا إله إلا هو وأتوب إليه) ، (أستغفرك من كل ذنب عظيم) قال: لا، لا يوجد من كل ذنب عظيم!
الجواب
الاستغفار أن يقول الإنسان: (اللهم اغفر لي) أو يقول: (استغفر الله وأتوب إليه) أو يقول سيد الاستغفار: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي ذنبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) .
ولا حرج على الإنسان أن يزيد شيئاً لكن لا بقصد التعبد لله بذلك، ولكن من باب الدعاء مفتوح، مثل: أستغفر الله وأتوب إليه من كل ذنب وما أشبه ذلك، وقد كان الخطباء يقولون على المنابر أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، ولا حرج أن تقول: اللهم اغفر لي، أو أستغفر الله من كل ذنب عظيم، أو ما أشبه ذلك، ليس فيه بأس، نعم.(137/11)
ضوابط في التعامل مع الخادمات
السؤال
فضيلة الشيخ! توجد عندنا في البيت خادمة وقلت أنا للأهل -يعني: الوالدين- حاولوا أن تخرجوها من البيت.
الشيخ: نعم، ترجعونها! السائل: نعم، قالوا لي هم: لا نقدر، وهي على قدر من الجمال، فهل يوم أن ردوا عليَّ وقالوا لي: لا نقدر، أو أعجبك أو بكيفك، هل تنتهي مسئوليتي أنا هكذا، أم أطلب منهم شيئاً؟
الجواب
أولاً: بارك الله فيك! الخادمة لا نرى أنها تأتي بلا مَحْرَم، لابد من محرم، وإذا لم يكن لها محرم، فالواجب أن يطلبوا محرمها أو يردوها.
ثانياً: إذا كانت لا تتحجب عند الرجال، فالواجب أن تجبر على الحجاب أي: تغطي وجهها، لابد من هذا.
ثالثاً: إذا كان الإنسان يخشى على نفسه منها لكونها شابة أو جميلة، أو ما أشبه ذلك، فالواجب أن تُبْعَد عن البيت؛ لأننا لو قدرنا أن الأب سَلِم من شرها فالأبناء قد لا يسلمون من شرها، وإذا خشي الإنسان على نفسه خشية مباشرة حقيقةً، فالواجب عليه إذا كان عنده قدرة وأبى أهله أن يردوها أن ينفرد ببيت وحده؛ لأن المسألة ليست هينة والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فربما يوسوس له في يوم من الأيام أو ليلة من الليالي أن يفعل معها الفاحشة، فأنت أولاً قل لهم: إن هذا خطر علي، وعلى خُلُقي وديني فإن أبيتم إلا أن تَبْقَى فلابد من أن يأتي محرمها معها، وإن أبيتم ذلك فاسمحوا لي أن أنفرد بسكن وحدي، إذا كان عندك قدرة، نعم.
السائل: لو طلبتُ منها شيئاً، أو أخذتُ شيئاً فلتستر وجهها، لكنهم لا يقولون لها.
الشيخ: أنت يا أخي! أنت قل لها، إذا جاءت وهي كاشفة إليك قل لها: غطي وجهك.
السائل: يمكن أن أتكلم معها؟! الشيخ: نعم، تقدر أن تقول لها: غطي وجهك، واحرص على أن لا يكون بينك وبينها كلام لين، أو ما أشبه ذلك، وأضمر في نفسك أنك تكره وجودها في البيت.
السائل: بعض الأحيان كلموها على هذا، قالوا: تتحجبي أو تمشي، ألا يكون هذا قطعاً لرزقها؟ الشيخ: لا، لا، أبداً، لا يكون قطع رزق، هذا اتقاء شر.
السائل: جزاك الله خيراً.(137/12)
استشعار معاني الذكر في الصلاة
السؤال
يا شيخ! استشعار الذكر في الصلاة وفي قراءة القرآن أحياناً الإنسان يستشعر الألفاظ ومعانيها، وأحياناً يفوت عليه الكثير، يعني ما رأيك في الصلاة؟
الجواب
الإنسان لا شك إذا كان يصلي أنه أحياناً يستحضر ما يقرأه، ويستحضر ما يدعو به، ويستحضر الذكر، وأحياناً يغفل ويمشي على العادة، ولا يدري إلا وهو واصل إلى السلام، فنقول: إن أمكن أن يستحضر ما يقول وما يفعل فهو أفضل، وإن لم يمكن فصلاته صحيحة؛ لكنها ناقصة، نعم.(137/13)
ضابط إجزاء الغسل عن الوضوء
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا عم الشخص بدنه بالماء غسلاً للجمعة أو لنظافة، هل يجزئه عن الوضوء؟
الجواب
لا، إذا اغتسل للجمعة فلا يجزئه عن الوضوء، والنظافة لا تجزئ عن الوضوء، وذلك لأن غسل الجمعة والنظافة ليسا عن حدث، والوضوء إنما يكون عن الحدث.
السائل: الحدث الأكبر؟ الشيخ: الحدث الأكبر يجزِئ، يعني: لو اغتسل الإنسان وعليه جنابة أجزأ عن الوضوء؛ لكن لابد من المضمضة والاستنشاق.
السائل: وغير الجنابة لا يجزئ؟ الشيخ: لا، ربما يجزئ عن المرأة الحائض، المهم إذا كان الغسل عن حدث أجزأ عن الوضوء، وإذا لم يكن عن حدث لم يجزئ، هذا هو الضابط.
السائل: أحسن الله إليك.(137/14)
حكم اشتراك المسلمين مع النصارى في الاحتفالات
السؤال
أنا مواطن من سوريا، محافظة درعا، مدينة إزرع، لي سؤال وطلب.
سؤالي: في بلدنا (مدينة إزرع) تقسم إلى قسمين: قسم نصارى، وقسم مسلمين، هناك قسم من المسلمين يتعاملون مع النصارى يشاركونهم في الأفراح والأحزان، ويأكلون من أكلهم، ويشربون من شربهم، وهم كذلك، وقسم يرفض، فما هو حكم الإسلام في هذه القضية؟
الجواب
أولاً: بارك الله فيك! أنا وأمثالي لا يوجه إليهم السؤال بلفظ ما هو حكم الإسلام؛ لأننا غير معصومين، فيقال مثلاً: ما هو حكم الإسلام في نظرك أو ما تقول في كذا.
ثانياً: بالنسبة للمشاركة مع هؤلاء إن كانت الأفراح دينية فإنه يحرم علينا أن نشاركهم في أفراحهم كعيد الميلاد أو غيره؛ لأن مشاركتنا إياهم في هذه الأفراح تتضمن الرضا بما هم عليه من الكفر وهذا خطر على الإنسان، يقول ابن القيم رحمه الله: هذا إن لم يكن كفراً فهو أشد من الرضا بشرب الخمر والمسكرات وغيرها، فالمسألة خطيرة جداً.
أما إذا كانت أفراحاً عادية أو أفراحاً عامة وطنية وإن كانت بدعة فهي لا تصل إلى هذا الحد.
وإذا كانوا لم يقاتلونا في الدين ولم يخرجونا من ديارنا فقد قال الله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة:8] ، فأمرنا عز وجل يعني: رخَّص لنا أن نعاملهم بالبر والإحسان أو بالعدل، {أَنْ تَبَرُّوهُمْ} : هذا إحسان، {وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} : هذا عدل، وعليه: فإنه ينهانا أن نضرهم ما داموا لم يقاتلونا في الدين، ولم يخرجونا من ديارنا.
أما مشاركتهم هم لنا في أعيادنا، فنحن أعيادنا شرعية، لا حرج عليهم أن يشاركونا فيها، لأنها شرعية مرضية عند الله عز وجل، ولذلك يهنئوننا في أعيادنا ولا نهنئهم في أعيادهم.
السائل: المطلب سيدي! رزقني الله خمسة أطباء (أبنائي) ومدرس شريعة وحقوق، ومدرِّسة أدب عربي وأتيتُ إلى هذه البلاد العامرة بعون الله تعالى محرماً مع إحدى بناتي، وهي الطبيبة في مستوصف البركة الذي سيُحدَث حديثاً قُرب الساعة، وتطبيقاً لقوله تعالى: وإن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ.
الشيخ: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ} [إبراهيم:7] .
السائل: الحمد لله وضعتُ نفسي في خدمة بناء المساجد، وكان هناك خلاف بيننا في ذلك البلد على قطعة أرض فاصلة بيننا وبين النصارى، هم أرادوا أن يبنوا كنيسة ونحن أردنا أن نبني مسجداً، ويوجد في بلدنا إزرع كنيستان من قبل الميلاد، يؤمهما السواح من كافة البلاد الغربية، ويقدِّمون لهما كل التبرعات، وقد قمنا نحن بحركة بعون الله تعالى وأيَّدَنا فيها الله بنصره، ورحمه الله الدكتور عبد المجيد الطرابلسي وزير الأوقاف بـ دمشق الذي توفي منذ ثلاثة أشهر أو أكثر، وقدَّم لنا ترخيصاً في بناء مسجد سُمِّي مسجد الإمام علي بن أبي طالب، صَبَبْنا القواعد ورفعنا قسماً من الأعمدة، ووقفنا عند هذا الحد، ولم نجد أيَّ مساعدة، حضرتُ إلى هنا ومعي القرارات من الوزير والأوقاف، وبطاقات التبرع، فأرجو من فضيلة الشيخ أن يقدم لنا العون إن شاء الله، والله على ما أقول شهيد؟ الجواب: بارك الله فيك! اللهم يسِّر، لا شك أن المشاركة في عمارة المساجد من أفضل القرب إلى الله عز وجل، وقد قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ} [التوبة:18] ، وهذه تشمل العمارة الحسية والمعنوية، لكن تعلم بارك الله فيك أننا هنا محكومون بوازرة الشئون الإسلامية، وزارة الشئون الإسلامية إذا أعطتكم تزكية في هذا الأمر فإن شاء الله سنساعدك.
السائل: أنا لا أعرف،.
الشيخ: إن شاء الله أنت كلما ازددت يوماً في هذه البلاد ستعرف أكثر إن شاء الله تعالى، نعم.(137/15)
الدعاء للميت أفضل من حج النافلة عنه
السؤال
فضيلة الشيخ! هل لي أن أحج أو أعتمر عن جد لي متوفىً.
الشيخ: عماذا؟ السائل: عن جد لي متوفىً؟ مع العلم أن له من الأبناء الكثير؟ الشيخ: فريضة أم نافلة؟ لا، نافلة.
الجواب
نافلة، أولاً: بارك الله فيكم تعلمون أن الأموات إذا ماتوا انقطعت أعمالهم، لا يأتيهم عمل صالح إطلاقاً، إلا على حسب ما جاءت به الشريعة، دليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ، وانتبه إلى كلمة (يدعو له) ، مع أن الحديث في الأعمال وجريان الأعمال بعد الموت، يقول: ينقطع إلا من ثلاث: صدقة جارية، يعني: هو يضعها، أو علم ينتفع به: يكون عالماً معلماً للخلق ينتفع الناس بعلمه، الثالث: أو ولد صالح يدعو له، فلماذا عدل النبي عليه الصلاة والسلام عن العمل للميت -والحديث في سياق العمل- إلى الدعاء؟ لماذا؟ لأنه يريد من الأمة أن تكون أعمالهم الصالحة لهم أنفسهم، فهم سوف يحتاجون إلى العمل كما احتاج إليه هذا الميت، فاجعل العمل الصالح لنفسك واهتدِ بهدى نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ادعُ لجدِّك يكفي عن الحج والعمرة، وهو أفضل من الحج والعمرة أيضاً، عرفتَ؟ لكن ما جاءت به السنة لا بأس به، مثل: الصدقة عن الميت، جاءت به السنة، فإن سعد بن عبادة رضي الله عنه أراد أن يجعل بستاناً له صدقة لأمه فأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم.
وكذلك الرجل الذي قال: (يا رسول الله! إن أمي افتُلِتَت نفسُها - أي: ماتت بغتة- وأظن أنها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم) .
كذلك ورد حج الفريضة عن الميت، كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: نعم) .
فما جاءت به السنة افعله، بالنسبة للعمل للأموات، وما لم تأتِ به السنة فاعدل عنه إلى ما وجهك إليه الرسول عليه الصلاة والسلام وهو الدعاء.
فأوصيك الآن أن تجعل العمرة لنفسك والحج لنفسك وأنت تدعو لجدك ولأبيك وأمك أيضاً في المواقف التي يُرجى فيها إجابة الدعاء، كـ عرفة، وصبيحة ليلة مزدلفة، وكذلك عند رمي الجمرات، وفي الطواف، وفي السعي، فهذا خير لك، نعم.(137/16)
حكم بقاء طالب العلم لتعليم أهل بلده
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأيكم في طالب علم التحق بهيئة تدريس.
؟! الشيخ: ماذا؟ السائل: التحق مثلاً بمكان يَدْرُس فيه، مثل: مكان يكون فيه طالب علم.
الشيخ: يَدْرُس وإلاَّ يُدَرِّس؟ السائل: لا، يَدْرُس، وهو من منطقة يحتاجون إليه، شبه احتياج؛ لأنه طُلِب في نفس الهيئة هذه مدرِّساً، كأن يكون مثلاً معيداً في الجامعة أو كذا، فما رأيكم يا شيخ! في هذا؟ الشيخ: هل يأتي إلى الجامعة أم يبقى في بلده؟ السائل: بلده تحتاج إليه أشد الاحتياج! الشيخ: طَيِّبٌ! هل إذا بقي في بلده يتمكن من الاستمرار في الدراسة الجامعية؟ السائل: نعم.
الشيخ: طَيِّبٌ! أرى أن يبقى في بلده.
السائل: ما يوجد مثلاً خانة جامعية في البلد التي هو فيها؟ الشيخ: لا، لا، قصدي ما يمكن ينتسب؟ السائل: ممكن؛ لكن يا شيخ! مثلاً إذا انتسب ويُحضِّر الماجستير والدكتوراه يلزم أن يكون في الجامعة أو لا؟ الشيخ: على كل حال يمكن الجامعة تحتاجه له سنة أو سنتين أو ثلاث، ثم يرجع إلى بلده؛ لكن مادام البلد محتاجاً إليه فيكون بقاؤه في البلد فرض عين؛ لأنه لابد أن يكون في الأمة الإسلامية من يعلمها دينها، فيكون بقاؤه في البلد فرض عين، إذا قدرنا أنه راح وبقي هؤلاء العامة ليس لهم مرشد، فأرى أنه يبقى ويحاول أن يستمر في دراسته ولو عن طريق الانتساب، نعم.(137/17)
تفصيل حكم البيع بالتقسيط
السؤال
فضيلة الشيخ! قمت أنا وشخص آخر بدفع مبلغ من المال قدره: ثلاثمائة ألف ريال ونقوم بشراء سيارات جديدة ونضعها في معرض وبعد ذلك إذا جاءنا المشتري نبيعها بالتقسيط، سمعنا من أهل البلدة التي نسكن فيها أنهم عملوا نفس العمل، وأنهم استفتوك، وأنك ما أجزت الشيء هذا؟
الجواب
نعم، أولاً: بارك الله فيك! بيع التقسيط تارة يأتي إليك الإنسان يقول: أنا أريد سيارة، فتقول: ما عندي سيارات، اذهب إلى المعرض واختَر أي سيارة وأنا أشتريها باسمي وأنقل النقود إلى المعرض، ثم أبيعها عليك مقسطة بثمن زائد، فهمتَ هذه؟ هذه حرام، لا إشكال فيها: أولاً: لأن الدائن باع ما لا يملك.
ثانياً: أنه لم يشترِ هذه السيارة إلا من أجل الربا، وهو أن يبيعها له بثمن زائد، ولولا الربا ما اشتراها، لو جاء وقال: جزاك الله خيراً، سلفني واشترِ السيارة لي، وأنا أعطيك لاحقاً، ما رضي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) هذه واحدة.
ثانياً: يكون عند الإنسان السيارات موجودة داخلة في ملكه، وقد اشتراها شراء صحيحاً، يأتي إليه ناس يقولون: نريد منك أن تبيع لنا بالتقسيط، هذه لها ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أنه يريد أن يشتري بالتقسيط سيارة ليستعملها، إما لنفسه وإما للأجرة، هذا جائز ولا إشكال فيه.
ثانياً: يشتري السيارة بالتقسيط ليذهب إلى بلد آخر يبيعها بأكثر.
المدين الذي احتاج السيارة يقول: إنا سأشتري منك السيارة هذه بالتقسيط بخمسين ألفاً! وهي تساوي أربعين ألفاً، فيأخذها منه ثم يذهب ليبيعها في بلد آخر السعر فيه أكثر، يبيعها بخمسين نقداً، هذا أيضاً لا بأس به؛ لأن هذا نوع من التجارة.
الثالث، أو الصورة الثالثة: أن يشتريها منك من أجل الدراهم، دراهمها فقط، يشتريها منك ويذهب فوراً ليبيعها، ربَّحت أو خسَّرت؛ لأنه لا يريد إلا الدراهم، هذه المسألة تسمى عند العلماء مسألة التورك؛ فمن العلماء من قال: تجوز للحاجة، الإنسان إذا احتاج لزواج أو لبناء بيت أو ما أشبه ذلك، لا بأس.
ومن العلماء من قال: لا تجوز مطلقاً، وممن قال: لا تجوز مطلقاً: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال: مسألة التورك هذه حيلة؛ لأن المشتري بدلاً من أن يقول أعطني دراهماً أربعين ألفاً خمسين ألفاً إلى سنة يقول: بِعْ عليَّ هذه السيارة وهو يعرف هو والبائع أيضاً أنه لا يريد إلا الدراهم، فيقول شيخ الإسلام: (إنما الأعمال بالنيات) .
لكن عندي أنا في الصورة الثالثة هذه تفصيل، وأن الإنسان إذا اضطر إلى ذلك ولم يجد من يقرضه، يعني: من يسلفه، ولم يجد من يبيع عليه سَلَماً فلا بأس، أفهمتَ الآن؟ السائل: نعم؛ لكن يا شيخ! نحن نشتري وندفع المال سواء نقداً أو شيكاً، ونضع السيارة في المعرض، هل نستمر أم نتوقف؟! الشيخ: طَيِّبٌ! تضعها في المعرض، أنا أجيء أشتري منك؟ السائل: أي شخص مثلاً له رغبة في الشراء والبيع وأنا لا أدري هل هو يريد أن يبيعها أم يريدها لنفسه، فما العمل؟ الشيخ: لكن إذا علمتَ أنه إنما أراد أن يشتريها منك لأجل أن يبيعها فوراً من أجل الدراهم، فلا تبع له لكن إذا جاءك إنسان لا تدري هل يريد أن يكدها أم يريد أن يتجر بها في مكان آخر، أم يريد أن يبيعها الآن ويأخذ قروشها، فلا بأس بأن تبيع له، لكن تعرف أن هذا الرجل فقير ما راح يتكسب؛ ولكن يريد يأخذها منك ويبيعها مباشرة، هذا لا شك أن الورع ترك هذه المعاملة.
السائل: طَيِّبٌ! نتركها يا شيخ! نترك عملية التقسيط هذه كلها؟ الشيخ: لا، لا، إذا جاءك إنسان محتاج لسيارة، ليعمل بها، أو يذهب بها لعمله، لمدرسته، لسفره أو إنسان يريد أن يترزق الله عليها، هذا بِع له فلا مانع.
السائل: أغلب المشترين يشترون من أجل الورق؟ الشيخ: إذا كان أغلب المشترين هكذا فأنا أشير عليك أن تتركه، لهذا اتركه.(137/18)
كيفية قضاء الوتر في النهار
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يُقضى من النهار صلاة الليل والوتر معاً، أم صلاة الليل فقط بدون وتر؟ الشيخ: كيف؟ السائل: هل يُقضى من النهار صلاة الليل مع الوتر، الركعة؟ الشيخ: يعني لو نام ولم يتهجد ولم يوتر.
السائل: نعم.
الشيخ: ما عادت وتراًَ، كم تصلي في الليل؟ السائل: ثلاث ركعات.
الشيخ: ثلاث ركعات؟ السائل: نعم.
الجواب
تصلي في النهار أربع ركعات، يعني أن الإنسان إذا نام عما كان يصليه في الليل، صلاه في النهار؛ لكن بدلاً من أن يجعله وتراً يجعله شفعاً، لحديث عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غالبه نوم أو وَجَع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) .
السائل: طَيِّبٌ! بالنسبة للركعة هذه الرابعة! الشيخ: ركعة، ركعتين.
السائل: هل يعتبر وتراً؛ لكن زاد عليه ركعة؟ الشيخ: لا، لا، ما هو بوتر الآن، الآن صار شفعاً؛ لكن يعتبر أن الإنسان ينبغي له إذا عمل عملاً أن يثبته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) .
السائل: المقصود يا شيخ! الركعة الزائدة هذه الركعتان، هل تعتبر كالوتر؟ الشيخ: هي نائبة مناب الوتر؛ لكنه لا يوتر؛ لأن الوتر انتهى وقته بطلوع الفجر، فيعتبر هاتين الركعتين قضاءً.(137/19)
حكم توزيع أعمال البيت بين النساء ومدى مسئوليتهن عن ذلك
السائل: فضيلة الشيخ! الشيخ: نعم.
السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأفيدك بأن السلام غير مشروع في هذه الحال.
السائل: جزاك الله خيراً.
الشيخ: لأن الصحابة يسألون الرسول في مجالسهم ولا يقولون: السلام عليكم ورحمة الله؛ إلا إنسان قدم وسلم فلا بأس، تفضَّل.
السائل: هناك تقسيم لبعض النسوة في المنزل.
الشيخ: أيش؟ السائل: تقسيم لبعض النسوة في المنزل، بحيث تكون واحدة من النسوة مسئولة عن البيت، جميع أمور البيت، من ضمن المسئوليات: المحافظة على الأطفال، وفي مرة من المرات ذهب أحد الأطفال وطاح في بركة ماء، ومات، ماذا يلزم هذه المرأة؟
الجواب
لا يلزمها شيء، ما دامت ما فرطت.
السائل: لا، غصباًَ عليها.
الشيخ: لا يلزمها شيء، يعني: هذا الصبي هو الذي قتل نفسه.
السائل: جزاكم الله خيراً.
الشيخ: وقد جرت العادة أن الأطفال يروحون في البيت ويأتون، لا أحد يمسك بهم دائماً، فلا بأس، يعني: ليس عليها شيء؛ لكن هؤلاء النساء زوجات أم أهل البيت.
السائل: فيهن زوجات، وفيهن من أهل البيت.
الشيخ: لا، قصدي زوجات، يجب أن يعدل بينهن، لا يخلِّي واحدة عليها الطبخ والنفخ والغسيل، وهذه ما عليها إلا تقديم العشاء أو الغداء.
السائل: يعني لا يلزمها صوم يا شيخ؟! الشيخ: هاه؟! السائل: لا يلزمها الصوم؟ الشيخ: أنت فهمتَ كلامي الأخير؟ السائل: نعم.
الشيخ: الزوجتان لازم تعدل بينهما.
السائل: إن شاء الله، إن شاء الله.
الشيخ: أما المسألة الأولى أخبرتك أنه لا صوم فيها، وليس عليها كفارة.
السائل: هي صائمة ثلاثة أيام إلى الآن؟ الشيخ: إذا شاءت تفطر، فما عليها شيء.
السائل: جزاك الله خيراً.
الشيخ: إلا إذا كانت ترىالبركة أمامها، وتركت الصبي، وراحت عنه وخلته.
السائل: أنت أفتيت طال عمرك، هي قالت: أنك أفتيت بالصوم وصامت، لكن قلت أنا: لا، الظاهر أن فيها شك، فأتأكد بنفسي، وقد جئت لأتأكد.
الشيخ: المهم الذي أرى أن ما عليها شيء، الشيء على من فرط وتعدى، فهل المرأة ترى البركة أمامها وأبقت الطفل وذهبت؟ السائل: لا.
الشيخ: انتهى، ما فرطت.
السائل: جزاك الله خيراً.
الشيخ: كما لو مثلاً قدرنا أن الطفل هذا فتح الباب، وخرج إلى الشارع، ودعسته السيارة، يكون المسئول الذي دعسه لا أهل البيت.
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.(137/20)
لقاء الباب المفتوح [138]
في هذا اللقاء تفسير للآيات الأخيرة من سورة (ق) وما اشتملت عليه من بيان إهلاك الأمم السابقة، وخلق السموات والأرض في ستة أيام، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتسبيح بحمد الله في مواطن معينة.
وبالإضافة إلى ذلك ورد وصف لبعض مشاهد يوم القيامة، وإجابات وافية مفصلة عن أسئلة الحاضرين.(138/1)
تفسير آيات من سورة (ق)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن والثلاثون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثاني عشر من شهر جمادى الثانية عام (1417هـ) .(138/2)
تفسير قوله تعالى: (وكم أهلكنا قبلهم من قرن)
نبتدئ هذا اللقاء بما كنا نبتدئ به اللقاءات السابقة من الكلام في تفسير آيات من كتاب الله، وكنا قد بدأنا بسورة ق حتى انتهينا إلى قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} [ق:36] :- لما كانت قريش تكذب النبي عليه الصلاة والسلام وتنكر البعث وتقول: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [المؤمنون:82] حذَّرهم الله عز وجل أن يقع بهم ما وقع لمن سبق من الأمم، فقال: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ} [مريم:74] أي: كثيراً من القرون أهلكناهم، و (القرن) هنا بمعنى: القرون، كما قال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ} [الإسراء:17] .
فأممٌ كثيرة أهلكها الله عز وجل لما كذبت الرسل.
{فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ} : أي بحثوا في البلاد، يريدون المفر والملجأ من عذاب الله، ولكن لم يجدوا مفراً، ولهذا قال: {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} : أي: لا محيص لهم، {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * {وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [سبأ:51-52] .
فما أصاب القوم الذين كذبوا الرسل أولاً يصيب هؤلاء ثانياً؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} [محمد:10] .(138/3)
تفسير قوله تعالى: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)
قال عز وجل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37] :- {إِنَّ فِي ذَلِكَ} : أي: ما سبق من الآيات العظيمة، ومنها ما قص الله تعالى أو ما أشار الله به في هذه الآيات الكريمة من إهلاك الأمم السابقة فيه ذكرى لنوعين من الناس: الأول: (من كان له قلب) ، أي: من كان له لب وعقل يهتدي به بالتدبر.
(أو ألقى السمع وهو شهيد) أي: استمع إلى غيره ممن يعظه وهو حاضر القلب.
فبيَّن الله تعالى أن الذكرى تكون لصنفين من الناس: الأول: من له عقل ووعي يتدبر ويتأمل في نفسه ويعرف.
والثاني: من يستمع إلى غيره؛ لكن بشرط أن يكون شهيداً، أي: حاضر القلب.
وأما من كان لا يستمع للموعظة، أو يستمع بغير قلب حاضر، أو ليس له عقل يتدبر به، فإنه لا ينتفع بهذه الذكرى لأنه غافل، ميت القلب.(138/4)
تفسير قوله تعالى: (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب)
ثم قال عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38] :- هذه ثلاث مخلوقات عظيمة بيَّن الله عز وجل أنه خلقها في ستة أيام، وأكد هذا الخبر بثلاثة مؤكدات: القَسَم.
واللام.
وقد.
لأن تقدير الآية: والله لقد خلقنا السماوات والأرض.
فالسماوات معلومة لنا جميعاً وهي: سبع سماوات طباقاً.
والأرض هي هذه الأرض التي نحن عليها، وهي سبع أرضين كما جاءت به السنة صريحاً، وكما هو ظاهر في القرآن في قوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:12] .
{وَمَا بَيْنَهُمَا} : أي: بين السماء والأرض، والذي بين السماء والأرض مخلوقات عظيمة، يدل على عظمها أن الله جعلها عديلة لخلق السماوات وخلق الأرض، فهي مخلوقات عظيمة.
والآن كلما تقدم العلم في الفلك ظهر من آيات الله عز وجل فيما بين السماء والأرض ما لم يكن معلوماً لكثير من الناس من قبل.
{فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} : أولها: الأحد، وآخرها: الجمعة، ولو شاء عز وجل لخلقها بلحظة؛ لأن أمره {إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ؛ لكنه جل وعلا يخلق الأشياء بأسباب ومقدمات تتكامل شيئاً فشيئاً حتى تتم، كما أنه لو شاء لخلق الجنين في بطن أمه بلحظة، لكنه يخلقه أطواراً حتى يتكامل، كذلك السماوات والأرض وما بينهما لو شاء لخلقها بلحظة لكنه عز وجل يخلق الأشياء تتكامل شيئاً فشيئاً.
وقال بعض العلماء: وفيه فائدة أخرى وهي: أن يعلم عباده التأني في الأمور، وألا يأخذوا الأمور بسرعة؛ لأن المهم هو الإتقان وليس الإعجال والإسراع.
{وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} ، أي: ما مسنا من تعب وإعياء، وهذا كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ} [الأحقاف:33] ، فهو عز وجل خلق هذه السماوات العظيمة والأرضين وما بينها بدون تعب ولا إعياء، وإنما انتفى عنه التعب جل وعلا لكمال قوته وقدرته، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} [فاطر:44] .(138/5)
تفسير قوله تعالى: (فاصبر على ما يقولون)
قال تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [ق:39] :- أمر الله نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يصبر على ما يقولون، وقد قال عز وجل في آية أخرى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} [الأحقاف:35] .
{فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود:49] .
{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} : وهم يقولون: إن محمداً كذاب، وساحر، وشاعر، وكاهن، ومجنون، وإنه لا بعث، وإن كانوا يقرون بالرب عز وجل وأنه خالق السماوات والأرض؛ لكن لا يقرون بأمور الغيب المستقبلة، فأمره الله أن يصبر على ما يقولون، والصبر على ما يقولون يتضمن شيئين: الأول: عدم التضجر مما يقول هؤلاء، وأن يتحمل ما يقوله أعداؤه فيه وفيما جاء به.
والثاني: أن يمضي في الدعوة إلى الله، وألا يتقاعس.(138/6)
تفسير قوله تعالى: (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب)
قال تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق:39] :- سبح تسبيحاً مقروناً بالحمد في هذين الوقتين: قبل طلوع الشمس.
وقبل الغروب.
قال أكثر المفسرين: المراد بذلك صلاة الفجر، وصلاة العصر، وهما أفضل الصلوات الخمس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى البَرْدَين دخل الجنة) والبردان هما: الفجر، وفيه بردوة الليل، والعصر، وفيه برودة النهار.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) فالصلاة التي قبل طلوع الشمس هي الفجر، والصلاة التي قبل غروبها هي العصر، وفيه دليل على أن المحافظة على هاتين الصلاتين من أسباب دخول الجنة والنظر إلى وجه الله الكريم.
وأفضلهما العصر؛ لأن الله تعالى خصها بالذكر حين أمر بالمحافظة على الصلوات، فقال: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] وهي: العصر كما فسرها بذلك أعلم الخلق بكتاب الله وهو: الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} : المراد صلاة الفجر.
{وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق:39] : المراد صلاة العصر.(138/7)
تفسير قوله تعالى: (ومن الليل فسبحه وأدبار السجود)
قال تعالى: {وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} [ق:40] : أيضاً سبح الله من الليل و (مِنْ) هنا للتبعيض، يعني: سبحه أيضاً من الليل جزءاً من الليل، ويدخل في ذلك صلاة المغرب وصلاة العشاء، ويدخل في ذلك أيضاً التهجد.
{وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق:40] أي: وسبح الله أدبار السجود، أي: أدبار الصلوات، وهل المراد بالتسبيح أدبار الصلوات هنا هل المراد النوافل التي تصلَّى بعد الصلوات كراتبة الظهر بعدها، وراتبة المغرب بعدها، وراتبة العشاء بعدها، أم المراد التسبيح الخاص، الذي هو سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، فيه قولان للمفسرين؛ ولكن لو قيل بهذا وهذا لكان له وجه.(138/8)
تفسير قوله تعالى: (واستمع يوم يناد المنادي من مكان قريب)
قال تعالى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} [ق:41-42] :- أي: انتظر لهذا النداء الذي يكون عند النفخ في الصور، وحشر الناس.
{يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ} : أي: اليوم، يوم الخروج من القبور.
{يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} .
{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ} [ق:43] :- إنا -يقول الله عن نفسه- (إنا نحن) تعظيماً لها.
{نُحْيِي وَنُمِيتُ} : أي: نحيي بعد الموت ونميت بعد الحياة، فهو سبحانه قادر على الإحياء بعد الموت وعلى الموت بعد الإحياء.
{وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ} أي: المرجع.
{يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً} [ق:44] أي: مصيرهم إلينا في ذلك الوقت.
{تَشَقَّقُ الأَرْضُ} أي: تتفتح.
{عَنْهُمْ} أي: عن هؤلاء في قبورهم، تتشقق كما تتشقق الأرض عند طلوع النبات.
{سِرَاعاً} أي: يأتون سراعاً إلى المحشر.
{ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق:44] :- أي: سهل علينا؛ لأن الله تعالى يقول في كتابه: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ} [الصافات:19] .
نعم، يقول في كتابه: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:13-14] .
ويقول: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:53] .
وهذا يدل على يُسْر ذلك على الله عز وجل.
{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} [ق:45] :- وهذا وعيد لهؤلاء الذين يقولون في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يقولون، أخبر الله هنا أنه لا يخفى عليه حالهم وأنه يعلم ما يقولون.
ثم قال: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق:45] :- أي: لستَ عليهم بذي جبروت، فتجبرهم على أن يسلموا ويؤمنوا بك، ولهذا قال في آية أخرى: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99] .
{فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق:45] :- أي: عِظْ بالقرآن الكريم {مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} أي: من يخاف وعيدي بالعذاب؛ لأن هؤلاء هم الذين ينتفعون بالتذكر في القرآن، القرآن يُذَكَّر به جميع الناس، لكن لا ينتفع به إلا من يخاف الله عز وجل.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المتذكرين لكتابه المتعظين بآياته.(138/9)
الأسئلة(138/10)
حكم تقسيم الشرك إلى بدائي وحضاري
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك سؤال وهو أننا نقرأ في بعض الكتب: أن هناك من قسَّم الشرك إلى نوعين: شرك بدائي.
وشرك حضاري.
وقالوا في الشرك البدائي: أنه شرك القبور والأصنام والأوثان.
وأن الشرك الحضاري هو: الذي وقع فيه الناس الآن من عبادة الشهوات، وحب الرئاسة، والحكم بغير ما أنزل الله، وهكذا، فما هو رأيكم في هذا التقسيم الجديد؟
الجواب
رأينا أن هذا تقسيم مبتدَع، لم يقسمه الأوائل من سلف هذه الأمة، وإنما قال سلف الأمة: إن الشرك نوعان: أصغر، وأكبر.
وجلي وخفي.
فالشرك الأكبر هو: المخرج عن الملة، والشرك الأصغر أو الخفي: ما لا يُخرج من الملة.
هذا هو التقسيم الصحيح الذي عليه سلف الأمة؛ ولكن ما ذكره من كون محبة الرئاسة والمال والجاه نوعاً من الشرك صحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة) فجعل الذين تعلقت قلوبهم بهذا وصار ذلك أكبر همهم جعل ذلك نوعاً من العبادة.
أما أن نضرب بما ذكره سلفنا بل بما جاءت به النصوص أيضاً؛ الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسُئِل عنه قال: الرياء) .
فعلى كل حال التقسيم الذي ذكرتَ مبتدَع ولا يؤخذ به؛ لكن القول بأن الإنسان الذي ينهمك في الدنيا، ويرضى لحصولها، ويسخط لفواتها، قد وقع في نوع من الشرك؛ لأن الرسول سمى هذا عبداً لها.
السائل: وهل يدخل تحت ذلك عبادة الشهوات.
الشيخ: نعم.(138/11)
خطر التعميم في محاربة العلم الموروث
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك الآن كثير من الندوات والمحاضرات تلقى وأغلبها في الخارج حقيقة تركِّز على ما يسمى كسر أغلال العلم الموروث، ونقد موسَّع دون تفصيل في هذا الأمر، يأخذون بعض الأمور مثل وجود إسرائيليات أو وجود مثل هذا في بعض ما نُقل عن السلف رحمهم الله ويعممون على الإطلاق، يقولون: إن هذا العلم الموروث هو أغلال أمام التقدم الحضاري، وعندنا الآن مشروع حضاري كبير يجب أن نتقدم، ونلحق الركب، وهكذا، فهل من توضيح لهذه المسألة؟
الجواب
لا شك أن العلم الموروث إن قصدوا به التعميم فمقتضى تعميهم هذا أن ننبذ كتاب الله وراء ظهورنا، وأن ننبذ ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء ظهورنا، لأنه كله علم موروث، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (العلماء ورثة الأنبياء) إذا كانوا يريدون هذا، فلا شك أنهم -إن لم نقل: إنهم خارجون من الإسلام مرتدون عنه- فهم إلى ذلك أقرب من الإيمان، {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ} [آل عمران:167] .
وإن أرادوا ما وُرث عن بني إسرائيل من القصص التي يكذبها حال مَن نسبت إليه فهذا حق ونحن معهم، مثلاً من قال: إن قصة داود عليه الصلاة والسلام في قوله: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص:21] إن داود عليه الصلاة والسلام عشق امرأة أحد الجنود وأنه أمره أن يذهب ليقاتل لعله يُقْتَل فيأخذ امرأته، هذا لا شك أنه كذب، ولا يليق بداوُد عليه الصلاة والسلام، فهو من بني إسرائيل، التي يجب علينا أن نقطع بكذبها، و {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} [ص:23] أي: امرأة، هذا أيضاً كذب لا شك.
فمثل هذه القصص نكذبها، ومثل قصة سليمان وأن الجني أخذ خاتمه، وما أشبه ذلك، كل هذا نكذبه، ونحن معهم في نبذه.
وأما الحق الموروث فإننا ننبذ من ينبذه، نعم.(138/12)
سنة ترتيل القرآن وتدبره في صلاة المنفرد
السؤال
إذا كان الإنسان في صلاة منفرداً سواء كانت هذه الصلاة نافلة أو فرضاً، فهل يجب عليه أن يقرأ سورة الفاتحة وما تيسر من القرآن بترتيل وتدبر وخشوع، وما هي السنة في ذلك؟
الجواب
السنة في قراءة القرآن للمصلي أن يقف عند كل آية، وأن يمد ما ينبغي مده، فقد كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم مداً يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:1-3] يمد، ويقف عند كل آية، هذا هو الأفضل والمشهور؛ لكنه ليس بواجب، لو لم يقف الإنسان عند كل آية ولو لم يمد فلا بأس.
لكن الأفضل هو هذا، وإذا كان الإنسان وحده، فليقرأ كما شاء بتطويل وترتيل وإسراع لا يخل بالحروف والحركات، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء) أما إذا كان إماماً فلا يجوز أن يطول بهم على وجه يخالف السنة.
السائل: وإذا كانت قراءة عادية؟ الشيخ: لا بأس، لا مانع أبداً، المهم ألا تسقط شيئاً من الحروف، وألا تغير شيئاً من الحركات.
السائل: جزاك الله خيراً.(138/13)
الوزغ مأمور بقتله وهو من الطوافين
السؤال
فضيلة الشيخ! هل (الوزغ) من الطوافين قياساً على الهرة؟
الجواب
الوزغ لا شك أنه من الطوافين؛ لكن الوزغ مأمور بقتله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتل الأوزاغ، وأن من قتله في أول مرة فله كذا وكذا من الأجر، مائة حسنة، والثانية خمسين، فهو مما أُمِر بقتله، وكيف لا نحرص على قتله وهو ينفخ النار على إبراهيم عليه الصلاة والسلام، كما ثبت في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
فأحثُّك على أنك إذا وجدت وزغاً أن تقتله، وأن تبادر، وقد كان عند عائشة رضي الله عنها رمح، أعدته لقتل الأوزاغ.
السائل: حديث: الحسنات أهو صحيح؟ الشيخ: يعني: بمائة.
السائل: صحيح.
الشيخ: نعم.(138/14)
حكم التحية بلفظ: سلمك الله
السؤال
هل يجوز الرد على من سلَّم بقول: سلمك الله؟ الشيخ: يعني: يقتصر على هذه؟ السائل: نعم.
الجواب
لا، إذا سلم عليك أحد قل: عليك السلام، لابد من هذا، أما سلمك الله فهذه لم تَرِد هذه الصيغة، وأيضاً عليك السلام صيغة اسمية تدل على الثبوت والاستمرار، ولهذا قال أهل العلم: إن قول الملائكة لإبراهيم: سلاماً، وقوله: سلامٌ إن رده أكمل من سلامهم؛ لأن قوله: سلامٌ جملة اسمية، وسلاماً جملة فعلية، والجملة الاسمية أدل على الثبوت والاستمرار من الجملة الفعلية، نعم.(138/15)
حكم القراءة من المصحف في صلاة الفريضة
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز القراءة من المصحف أثناء صلاة الفريضة؟ الشيخ: متى؟ السائل: في صلاة الفريضة.
الجواب
نعم، يجوز للإنسان أن يقرأ من المصحف وهو يصلي، سواء صلاة فريضة أو نافلة؛ لكن عند الحاجة، أما إذا لم يكن حاجة فلا؛ لأنه إذا قرأ في المصحف سوف يفوت بعض السنن، سوف يفوت وضع اليد اليمنى على اليسرى في القيام وسوف يحدث منه حركة في تقليب الأوراق وفي حمل المصحف ووضعه، وسوف يشتغل بصره بتتبع الكلمات والحروف عن النظر إلى موضع السجود، أو عن النظر الثابت سواء عند موضع السجود أو غيره، فتجد بصرَه يتردد وهذه حركة للبصر، إي نعم.
المهم خلاصة الجواب: أنه لا بأس أن يقرأ في المصحف عند الحاجة، سواء في الفريضة أو في النافلة، نعم.(138/16)
صلاة العصر هي أفضل الصلوات
السؤال
ذكرتَ أن صلاة العصر هي أفضل الصلوات المكتوبة، وقول الله سبحانه وتعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78] ألا يدل على أن صلاة الفجر قد تكون أفضل يا شيخ؟!
الجواب
لا يدل على هذا؛ لأن هذا قرآن الفجر مشهود وكذلك أيضاً العصر؛ لكن العصر لم يذكر لها قرآناها؛ لأن قراءتها أقل من الفجر؛ ولأنها ليست جهراً، وإلا حتى العصر تجتمع فيها الملائكة: ملائكة الليل، وملائكة النهار، كما تجتمع في صلاة الفجر؛ لكن السر والله أعلم أنه لما كانت صلاة الفجر تختص بتطويل القراءة وبكونها جهراً، عَبَّر الله عنها بالقرآن، فقال: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78] ، ولم يكن ذلك في صلاة العصر، وكما ذكرتُ لكم أن الله قال: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] والصلاة الوسطى هي صلاة العصر فسرها بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، نعم.(138/17)
الحيوانات النجسة والحيوانات الطاهرة
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة للحيوانات المحرمة هل هي نجسة، وماذا يجب على مَن لَمَسها بيده أو بثوبه؟
الجواب
الحيوانات المحرمة قسمان: قسم ليس له دم، كالعقرب، والخنفساء، والجعلان، وما أشبهها، هذه ليست نجسة لا في الحياة ولا في الممات، ودليل ذلك: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر من وقع الذباب في شرابه أن يغمسه ثم لينزعه ثم ليشربه، ومن المعلوم أنه إذا غُمِس في ماء حار فسوف يموت، فأخذ العلماء من هذا أن كل حيوان ليس له دم يسيل فهو ليس بنجس في الحياة وبعد الممات.
- أما الذي له دم يسيل فهو طاهر في الحياة نجس بعد الممات، كالفأرة والوَزَغ وأشباه ذلك، هذا طاهر في الحياة لا بعد الممات، لكنَّ الطوافين منه الذي يكثر ترددهم على الناس سهَّل الله فيه للعباد، فجعله طاهراً في الحياة مثل الهرة والفأرة وما أشبه ذلك، هذه تكون طاهرة في الحياة ونجسة بعد الموت، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الفأرة إذا وقعت في السمن أن تلقى وما حولها؟ النجس من الحيوان بعضه نجس نجاسة مغلظة، كالكلب نجاسته مغلظة، إذا شرب في الإناء فإنه يجب أن يُغسل سبع مرات، إحداها بالتراب.
فالخلاصة الآن: كل حيوان محرم الأكل فإنه نجس في الحياة وبعد الممات، إلا ما ليس له دم يسيل فهذا طاهر في الحياة وبعد الممات، وما كان له دم يسيل فهو نجس في الحياة وبعد الممات، إلا الطواف الذي يكثر تردده على الناس فهو طاهر في حياته نجس في موته.
السائل: إذا لمستُ الكلب؟ الشيخ: عرفتَ التفصيل الآن؟ السائل: الطهارة بالنسبة لمن لمسه! الشيخ: هو ما كان نجساً فلا تلمسه وأنت رطب، إذا لمستَه وأنت رطب أو هو رطب فلابد من غسل يدك.
السائل: وإذا كان ناشفاً يا شيخ؟! الشيخ: لا يضر، إذا كان ناشفاً لا يضر.(138/18)
التوكل المشروع والتوكل الممنوع
السؤال
فضيلة الشيخ! وبعد: ما الحكم لمن قال لإنسان وهو يبعثه في حاجة ما: اذهب فإني أتكل على الله ثم عليك في قضاء حاجتي هذه؛ لأنا سمعنا من بعض أهل العلم أن هذا الكلام كفر صريح مخرج من الملة، ثم ما الفرق بين هذا القول وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تقل: ما شاء الله، وشاء فلان؛ ولكن قل: ما شاء الله ثم شاء فلان) ؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
التوكل نوعان: النوع الأول: توكل بمعنى التفويض والتسليم، هذا لا يجوز إلا لله، وهذا النوع يعتقد المتوكل أنه دون المتوكَّل عليه، أنه دونه بكثير، وهذا لا يصح إلا لله.
النوع الثاني: توكل بمعنى الاعتماد على الشخص مع الاعتقاد بأنه دونك في الرتبة، وأنك تستطيع أن تفسخ وكالته، وأن تعتمد على غيره، هذا لا بأس به، فإذا قلت: اذهب فأنت وكيلي، أو فأنا موكلك فلا بأس بهذا، وليس هذا عبادة.
أما التوكل الذي هو عبادة مثل أن يتوكل الإنسان مثلاً على ميت، أو على إنسان غائب؛ فهذا شرك.
السائل: يا شيخ! المقصود به قضاء الحوائج، فيقول: أنا أوكل وكالة شريعة! ما فيه شيء أبداً.
الشيخ: فيقول: أتوكل على الله ثم عليك.
ما فيها شيء، الرسول قال: (إذا أتاك وكيلي فأعطه كذا وكذا، فإن طلب منك علامة فضع يدك على ترقوته) .
لأن بعض أهل العلم يفرق بين (ثُمَّ) في المشيئة وفي التوكل؟ لكن التفريق في التوكل هل هو عبادة وتفويض وتسليم مطلق؟ هذا لا يصح إلا لله، هل المراد وكلتك بمعنى جعلتك نائباً عني في هذا الشيء؟ هذا هو.
فهذا لا بأس به.
بارك الله فيك.(138/19)
حديث من بايع النبي على صلاتين فقط
السؤال
يا شيخ! ورد في مسند أحمد أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه على أن لا يصلي إلا صلاتين، فبايعه النبي صلى الله عليه وسلم، يقول محقق الكتاب: إسناده جيد، نود توجيه الحديث، بارك الله فيك!
الجواب
هذا بارك الله فيك! اختلف العلماء في صحته وضعفه، فأما من قال: إنه ضعيف فقد كفانا همه، وأما من قال: إنه جيد أو حسن فوجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في ذلك في حديث آخر قال: (إنهم إذا أسلموا صلوا) ، فقَبِل منه هذا؛ لأنه يعلم أنه إذا أسلم حقيقة فسوف يصلي.
وهل يقال لمن كان في زماننا هذا، من أراد أن يدخل الإسلام بهذا الشرط؟ والله قد أتوقف فيه؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما قال: (إذا أسلم فسيصلي) قد يكون هذا من علم الغيب الذي أطلع الله رسوله عليه، أما نحن فلا، ولذلك (أمر النبي معاذاً أن يدعوهم إلى خمس صلوات فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة) ، وهذا يدل على أنه لابد أن نقول: خمس صلوات، نعم.(138/20)
الجمع بين وجوب القصر ووجوب الجماعة في السفر
السؤال
فضيلة الشيخ! جزاك الله خيراً، بالنسبة لصلاة المسافر، نحن نعلم أن صلاة المسافر ليس لها مسافة معينة ولا مدة معينة، وأن الصحيح أن كل ما يطلق عليه سفر يجوز لصاحبه أن يقصر الصلاة، وأن أكثر أهل العلم أوجب عليه القصر ولم يجعله رخصة يُتِم أو يقصر بل أوجبه عليه، فكيف نجمع بين إيجاب القصر على المسافر، وإيجاب أن يصلي مع الجماعة، هذا أولاً.
ثانياً: إذا كان هذا المسافر يستطيع أن يصلي مع جماعة من المسافرين ويقصرون الصلاة فهل يجب عليه أن يصلي مع جماعة المسجد أم يصلي مع الرفقة التي معه؟ الشيخ: أما قولك: إن أكثر العلماء أوجبوا عليه القصر فهذا ليس بصحيح، بل أكثر العلماء على عدم وجوب القصر، والمسألة فيها خلاف معروف مشهور، والذي يظهر بعد التأمل: أن القصر ليس بواجب، ودليل ذلك: ما يكاد يكون إجماعاً من الصحابة حيث إن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه كان يقصُر الصلاة في منى في أيام الحج وفي آخر خلافته صار يُتِم، فأنكر عليه ذلك مَن أنكر من الصحابة، ومنهم: عبد الله بن مسعود، حتى إنه لما بلغه أن عثمان أتَمَّ قال: [إنا لله وإنا إليه راجعون] ، واستدل لإنكاره هذا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يقصُرون الصلاة، ثم كان يصلي هو خلف عثمان ويُتِم، وكذلك الصحابة يصلون خلفه ويتمون، وسئل عن ذلك فقال: [إن الخلاف شر] ، ولو كان الصحابة يرون أنه واجب -أي: القصر- ما أتموا خلف عثمان؛ لأن من رأى أنه واجب قال: إذا زاد على ركعتين بطلت صلاته، ولا يمكن أن يصلوا خلف عثمان صلاة باطلة؛ لأن هذا محرم، فكنتُ أقول في الأول: إن القصر واجب، استناداً إلى حديث عائشة: (أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فأُقِرَّت صلاة السفر وزِيْدَت في صلاة الحضر) ؛ لكن من فعل الصحابة رضي الله عنهم يترجح أن القصر ليس بواجب؛ ولكنه سنة مؤكدة لا شك، وإذا قلنا: إنه سنة مؤكدة فإننا نقول: إذا ائتم المسافر بمقيم وجب عليه أن يتم؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) .
ولقول ابن عباس حين سئل عن الرجل المسافر يصلي ركعتين ومع الإمام أربعاً قال: [تلك هي السنة] .
ويبقى هل يجب عليه أن يصلي مع الجماعة أم لا؟ نقول: يجب عليه أن يصلي مع الجماعة لعموم الأدلة الدالة على أن من سمع النداء وجب عليه أن يحضر، وأن يجيب؛ لكن لو فاتته الصلاة أو كان في مكان بعيد يشق عليه أن يذهب إلى المسجد الذي تقام فيه الجماعة فإنه يصلي صلاة مسافر، وإذا كانوا جماعة أقاموا الجماعة، نعم.(138/21)
حكم الإمساك بالميكرفون أثناء الصلاة للحاجة
السؤال
نحن نصلي أحياناً بمجموعة كبيرة من الطلاب، ونضطر إلى مسك الميكرفون باليد سجوداً وركوعاً وقياماً، فهل في هذا بأس؟
الجواب
ليس فيه بأس؛ لكن لماذا لا تشتروا سماعة؟ هناك سماعة صغيرة يستطيع الإنسان أن يجعلها في جيبه ويصلي.
السائل: صوتها عالٍ؛ لكن أحياناً قد أضطر إلى إبعادها.
الشيخ: المهم على كل حال: أن هذا لا بأس به؛ لأن هذه حركة يسيرة لمصلحة المأمومين، وقد فعل النبي عليه الصلاة والسلام ما يشابه ذلك، فإنه لما صُنِع له المنبر صار يصلي عليه فكان يقوم على الدرج يصلي قائماً ويركع فإذا أراد السجود نزل من المنبر وسجد، وقال: (إنما فعلتُ هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي) فقوله: (لتأتموا بي) نظير من أمسك بيده الميكرفون أو مكبر الصوت من أجل أن يأتم به مَن خلفَه، نعم.(138/22)
حكم تسمية (عباد عثمان)
السؤال
فضيلة الشيخ، رجل يقال له: عبَّاد عثمان العبَّاد، ما رأيك في هذا الاسم؟ الشيخ: يعني عبَّاد بن عثمان.
السائل: نعم.
الجواب
ما فيها شيء، أنت تظن أن (عبَّاداً) مضاف و (عثمان) مضاف إليه؟ يعني: أنه يعبد عثمان؟ السائل: نعم.
الشيخ: لا، مراده: عبَّاد بن عثمان، لكن جاءتنا هذه اللغة ما ندري من أين جاءت! كنا لا نعرف إلا عبَّاد بن، محمد بن، علي بن، لكن جاءتنا هذه اللغة الأعجمية، وهي: حذف (ابن) ، وصار الناس يقولون مثلاً: علي بن عبد الله: على عبد الله، محمد بن عبد الله: محمد عبد الله، ونسأل الله أن لا يأتي إلينا بإضافة الزوجة إلى زوجها، كما يقولون في زوجة الرجل: فلانة فلان ويتركون الأب، صار أبوها زوجها.
السائل: حاصل الآن.
الشيخ: حاصل عند غير السعوديين، الحمد لله؛ لكن أنا أقول: نسأل الله أن يحمينا، أخشى أنه لما جاءنا داء حذف (ابن) يأتينا بعده الداء الآخر.
السائل: إلى أين يستمر في (ابن) ؟ الشيخ: أبداً، يستمر حتى يصل إلى القبيلة، مثلاً: محمد بن علي بن خالد بن عبد الله بن عباس إلى آخر شيء حتى يصل إلى القبيلة، ويؤتى باسم القبيلة، نعم.(138/23)
التكلف في بيان المناسبة بين الآيات والسور
السؤال
صنف بعض أهل العلم في كتب التفسير ما يسمى بربط الآيات والسور، وصنفوا مصنفات اختصت بذلك فقط، وبعضهم من تكلف في هذا الربط مع أن الآيات كما نعلم نزلت في أزمنة وأحداث مختلفة، وقد تكون متباعدة، وقد يكون هذا الربط فيه تكلف وفيه من الربط البعيد، فما القول في ذلك؟
الجواب
القول في هذا أن الأمر تجد هؤلاء الذين تكلموا في ذلك يتكلفون المناسبة بين الآية والتي تليها، وهذا لا شك أنه من التكلف، نحن نقول: ترتيب الآيات بأمر النبي عليه الصلاة والسلام فهو توقيفي، وهل كل شيء جاءت به الشريعة نعرف معناه، ونعرف حكمته، انظر إلى قوله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] كيف جاءت بين آية العِدَد، أكثر الناس لا يفهم معناها، فالله عز وجل حكيم قد تأتي الآية وبينها وبين التي قبلها من البُعْد في المناسبة ما يحتار له الإنسان.
فالذي نرى أن يقول الإنسان في ترتيب كلام الله عز وجل: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285] ، وألا يتكلف ذكر المناسبات؛ لكن هناك شيء واضح، مثلاً: لما ذكر الله عز وجل قصة الثلاثة الذين خلفوا وصدقهم قال بعدها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119] ، فبعض الآيات المناسبة فيها واضحة، وبعضها فيها تكلف، فينبغي العدول عنه، نعم.(138/24)
المسح على الخفين لمن تيمم أثناء لبسهما
السؤال
عفا الله عنك! من تطهر ولبس الخفين ثم سافر وصار يتطهر بالتيمم وهو لم يمسح قبل يومين، ثم وجد الماء ومسح، فمتى تبتدئ مدة المسح؟
الجواب
نعم، هذا الرجل إذا تطهر وسافر قبل أن يمسح، أم بعد أن مسح؟ السائل: لا، قبل أن يمسح.
الشيخ: قبل أن يمسح، نقول: الآن ما دام طهارته بالتيمم فإنه لا يحسب له؛ لكن إذا وجد الماء فالاحتياط في حقه إذا كان قد تم له ثلاثة أيام، الاحتياط أن يغسل قدميه، وإن ابتدأ المسح من أول مرة وجد الماء فلا شيء عليه؛ لكن الاحتياط هو الذي تطمئن له النفس، أن يقال له: إذا تمت ثلاثة أيام من الحدث الذي تيمَّمْتَ بعده فاخلع الخفين واغسل القدمين، نعم.(138/25)
حكم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال
فضيلة الشيخ! هل تستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟ وما هي السنة في ذلك؟ وهل فعل عبد الله بن عمر اجتهاداً منه أم هو مبني على السنة؟
الجواب
شيخ الإسلام رحمه الله يرى أنه لا يسن أن الإنسان يأتي إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام إذا قَدِم من السفر أو يودعه إذا رجع، أو يأتي إليه بعد كل صلاة، ويقول: إن فعل ابن عمر هذا اجتهاد منه، ولم يفعله الصحابة رضي الله عنهم.
لكن نحن نقول: نتخذ مسلكاً وسطاً، نقول: أما كثرة زيارته وأنت في المدينة فهي غلط، ولا شك أنها إلى البدعة أقرب منها إلى السلامة.
وأما إذا قدمتَ وذهبت إلى قبره تزوره فإنه يدخل في عموم قوله: (زوروا القبور) ؛ لكن المخالف يقول: إن هذا لم يزر قبر النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن قبر النبي محجوب، بثلاثة جدران، فهو وإن ذهب ووقف عنده لم يكن زائراً له، فيكون هذا العمل عبثاً.
إنما أنا أرى والذي أنا أفعله: أن نذهب ونسلم عليه ونصلي عليه عند القدوم وعند الرجوع من السفر.
وأما كل مرة نصلي، نذهب ونسلم عليه، فهذا إلى البدعة أقرب منه إلى السلامة -ما هو إلى السنة- إلى السلامة، يعني يُخْشَى أن يكون هذا الرجل مبتدعاً؛ لأنه لم يكن من عهد السلف الصالح.(138/26)
قول المعلم لتلميذه: يا أخ فلان
السؤال
فضيلة الشيخ! أعمل معلماً ولي تلاميذ صغار أناديهم بكلمة: يا أخ فلان! هل في ذلك بأس؟ الشيخ: أيش؟ السائل: أعمل معلماً، ولي تلاميذ صغار في الصف الأول الابتدائي، أناديهم بكلمة: أخ فلان، وأخ فلان، وأخ فلان، فهل في ذلك بأس؟
الجواب
ليس فيه بأس؛ لأنهم إخوة لك في الإيمان.
السائل: بعض الزملاء يقولون.
الشيخ: لكني أرى أن تقول: يا بُنَي! السائل: يا بُنَي! الشيخ: أو يا ابْنِي، أحسن.
السائل: جزاك الله خيراً.
الشيخ: حتى يتعود الصغير على توقير الكبير؛ لأنك إذا قلت له: يا أخي! فهم منك أنك وإياه في مستوىً واحد، والذي ينبغي أن نربي أبناءنا على احترام الكبير الاحترام اللائق به.
السائل: جزاك الله خيراً.(138/27)
لقاء الباب المفتوح [139]
تناول الشيخ في مطلع تفسيره لسورة الذاريات للكلام عن البسملة، ثم شرع في الدخول في تفسير الآيات موضحاً ومبيناً الفوائد المستنبطة والدلائل والإشارات الخفية التي تضمنتها الآيات ثم أردف ذلك بالجواب عن أسئلة المستمعين.(139/1)
تفسير آيات من سورة الذاريات
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع والثلاثون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو التاسع عشر من شهر جمادى الثانية عام (1417هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء كالعادة بتفسير القرآن الكريم، وقد انتهينا إلى آخر سورة (ق) ونبتدئ الآن بمعونة الله وتوفيقه بسورة الذاريات.
قال الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً} [الذاريات:1-2] إلى آخره.
اعلم أولاً: أن البسملة آية من كتاب الله؛ لكنها آية لا تحسب من السورة التي قبلها، ولا من السورة التي بعدها، ولذلك نقول: إن الفاتحة أول آياتها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:1] كما جاء ذلك صريحاً في الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قال: (قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الفاتحة:1] قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: ((الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) [الفاتحة:2] قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: ((مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)) [الفاتحة:3] قال: مجدني عبدي، وإذا قال: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) [الفاتحة:4] قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)) [الفاتحة:5] قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) .
وبناءً على ذلك لو قرأ الفاتحة بدون أن يقرأ البسملة فصلاته صحيحة؛ لأن البسملة ليست آية من الفاتحة، وتجدون في المصحف أنها معدودة من آياته، فهي رقم (1) ؛ لكن هذا مبني على قول ضعيف، والصواب أن آياتها سبع: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ * غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:1-7] سبع آيات.
يقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً * فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً} [الذاريات:1-4] : أقسم الله تعالى بهذه المخلوقات؛ لأنها دالة على عظمته تبارك وتعالى، ولما فيها من المصالح والمنافع.(139/2)
تفسير قوله تعالى: (والذاريات ذرواً)
أما قوله: {وَالذَّارِيَاتِ} [الذاريات:1] : فالذاريات هي: الرياح تذروا التراب وغير التراب، قال الله تبارك وتعالى: {فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [الكهف:45] أي: تفرقه، وفي أمكنة متعددة.
وأقسم الله بالذاريات لما فيها من المصالح الكثيرة، ففي تصريفها حكمة بالغة، فمنها الرياح الدافئة، ومنها الرياح الباردة، على حسب ما تقتضيه حكمة الله عز وجل؛ ولأنها أيضاً -أعني الرياح- تثير سحاباًَ، فيسقي به الله الأرض، ولأنها تسير السفن، ففيما سبق كانت السفن تجري على الرياح، قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} [يونس:22] .(139/3)
تفسير قوله تعالى: (فالحاملات وقراً)
قال تعالى: {فَالْحَامِلاتِ وِقْراً} [الذاريات:2] : المراد بها: السحاب، تحمل المياه مُوَقَّرة، أي: مُثْقَلَة محمَّلة، قال الله تبارك وتعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} [الرعد:12] ، فهي ثقيلة محمَّلة بمياه عظيمة -بحار- ولذلك تنظر الأرض فتجد الأرض أنهاراً بإذن الله عز وجل.
إذاً: الذاريات: الرياح، والحاملات: السحاب، والارتباط بينهما ظاهر؛ لأن الرياح هي التي تثير السحاب، وأيضاً هي التي تلقح السحاب بالماء، قال الله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} [الحجر:22] .(139/4)
تفسير قوله تعالى: (فالجاريات يسراً)
قال تعالى: {فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً} [الذاريات:3] (الجاريات) هن السفن.
(يُسْراً) أي: بسهولة، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة:11] أي: في السفينة، هذه السفن تجري ميسَّرة بإذن الله عز وجل بما يسره الله تعالى من الرياح الطيبة.
{فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً} هي: السفن، تجري بإذن الله عز وجل ميسرة مسهلة، وكلما كانت الريح مناسبة كان سيرها أيسر.
جاءت السفن الآن -النارية- التي لا تحتاج إلى الرياح، فصارت أيسر وأيسر، تجدها قرى كاملة تمخر عباب الماء، وتسير بسهولة.
الارتباط بين هذه الثلاثة: أن السحب تحمل الأمطار فتنزل إلى الأرض ويكون فيها الرزق للمواشي والآدميين.
الجاريات يعني: السفن، هي أيضاً تحمل الأرزاق من جهة إلى جهة، لا يمكن أن تصل مثلاً الأرزاق من جهة إلى جهة أخرى بينها وبينها بحر إلا عن طريق السفن.(139/5)
تفسير قوله تعالى: (فالمقسمات أمراً)
قال تعالى: {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً} [الذاريات:4] وهم الملائكة، وجَمَعَهُم لأنه يجوز جمع المؤنث باعتبار الجماعات، أي: فالجماعات المقسمات.
(أمراً) التي تقسم الأمر أي: شئون الخلق، ويحتمل أن يكون أمراً أي: بأمر الله، والمعنى صحيح على كلا التقديرين، فإن هؤلاء الملائكة عليهم الصلاة والسلام يقسمون -ما يريد الله عز وجل من أرزاق الخلق وغيرها- بأمر الله عز وجل، هذه أربع جمل: الأولى: الذاريات.
الثانية: الحاملات.
الثالثة: الجاريات.
الرابعة: المقسمات.
كل هذه مُقْسَم بها.(139/6)
تفسير قوله تعالى: (إنما توعدون لصادق)
المُقْسَم عليه: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ} [الذاريات:5] : أي: ما وعدكم الله تعالى فهو وعد صادق، والصادق هو: المطابق للواقع؛ وذلك لأن الخبر نوعان: نوع يخالف الواقع، وهذا يسمى: كذباً.
ونوع يطابق الواقع، وهذا يسمى: صدقاً، سواء كان المخبر عنه ماضياً أو مستقبلاً.
فأقسم الله عز وجل بهذه المخلوقات العظيمة على أن ما يوعَد صادق، فلابد أن يقع، إذا وقع ما نوعَد وهو: البعث يوم القيامة يتلوه الجزاء.(139/7)
تفسير قوله تعالى: (وإن الدين لواقع)
ولهذا قال: {وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} [الذاريات:6] : (الدِّين) يعني: الجزاء، وتعلمون أن الدين يطلق أحياناً بمعنى الجزاء، وأحياناً بمعنى العمل، ففي قوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6] المراد به العمل، وفي قوله تبارك وتعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} [الانفطار:17-18] المراد به الجزاء.
هنا {وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} أي: الجزاء لابد أن يقع؛ لأن الله على كل شيء قدير، وقد مر في سورة (ق) أن الله تعالى قال: {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق:44] .(139/8)
تفسير قوله تعالى: (والسماء ذات الحبك)
ثم قال تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} [الذاريات:7] :- (السماء) معروفة.
{ذَاتِ} بمعنى: صاحبة.
{الْحُبُكِ} أي: الطرق أنها من حسنها كأنها ذات طرق محبوكة متقنة، كما ترون ذلك في جبال الرمل، جبال الرمل تجدها مضلعة، الهواء مع كثرته عليها تكون مضلعة، إذاً: السماء كذلك، {ذَاتِ الْحُبُكِ} .(139/9)
تفسير قوله تعالى: (إنكم لفي قول مختلف)
قال تعالى: {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ} [الذاريات:8] : {إِنَّكُمْ} الخطاب للكافرين.
{لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ} أي: يختلف بعضه عن بعض، كيف ذلك؟ بعض الكفار قالوا للرسول عليه الصلاة والسلام: إنه مجنون، هذا قول.
وبعضهم قالوا: إنه ساحر، هذا قول.
وبعضهم قالوا: إنه كاهن، هذا قول.
وبعضهم قالوا: إنه شاعر، هذا قول.
وبعضهم قالوا: إنه كذاب، هذا قول.
فهم مختلفون في النبي صلى الله عليه وسلم، واختلاف الأقوال يدل على كذبها وفسادها، كلما رأيت قولاً مختلفاً متناقضاً، فاعلم أنه باطل وليس بصحيح؛ لأن الحق لا يمكن أن يتناقض، فهؤلاء المكذبون للرسول عليه الصلاة والسلام اختلفوا على ما سمعتم، {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ} .(139/10)
تفسير قوله تعالى: (يؤفك عنه من أفك)
قال تعالى: {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} [الذاريات:9] : {يُؤْفَكُ} بمعنى: يُصْرَف.
{عَنْهُ} قيل: إن الضمير يعود على الرسول عليه الصلاة والسلام، أي: يُصْرَف عن الرسول صلى الله عليه وسلم مَن صُرِف من الناس.
وقيل: إن الضمير يعود على القول، وعلى هذا القول تكون (عَنْ) بمعنى (الباء) ، أي: يؤفك بهذا القول مَنْ أُفِكَ، يُصْرَف بهذا القول عن الحق مَن صُرِف، وهما -أي: المعنيان- متلازمان، والأقرب: أن الضمير في قوله: {عَنْهُ} يعود على القول؛ لأنه أقرب مذكور، {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ} أي: عن هذا القول، أي: بسببه {مَنْ أُفِكَ} أي: مَن صُرِف عن الحق؛ وذلك لأن من البيان سحراً، إذا جاءك رجل بليغ فصيح وصار يورد عليك الشبهات والشكوك، ألست تنخدع بقوله؟ بلى.
هؤلاء المكذبون للرسول عليه الصلاة والسلام عندهم فصاحة، عندهم بلاغة، عندهم تمويه، دجل، فيصرفون الناس، وقوله: مَن صُرِف {مَنْ أُفِكَ} هل المراد: مَن قدر الله عليه أن يُصْرَف؟ أو المراد: {مَنْ أُفِكَ} أي: من صرفه هؤلاء المختلفون؟ هما متلازمان أيضاً، فإن هؤلاء الذين يضلون الناس لا يمكن أن يضلوهم إلا بإذن الله عز وجل، (من يضلل الله فلا هادي له، ومن يهده فلا مضل له) فهم الذين يأفِكون الناس، أي: يصرفونهم سبباً -هم السبب- لكن المقدر للصرف هو الله عز وجل.
ولكن اعلم -أخي المسلم- أنه لا يمكن أن يصرف عن الحق إلا من علم الله منه أنه ليس أهلاً للحق -نسأل الله لنا ولكم السلامة- ولهذا قال الله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124] وكذلك الله أعلم حيث يجعل رسالته في الذين يمتثلونها ويؤمنون بها، ويدل على هذا الذي قلنا قول الله تبارك وتعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5] ؛ ولكن احذر إذا رأيت ضالاً أن تقول: هذا ليس أهلاً للهداية؛ لأن هناك فرق بين القول بالعموم، والقول بالتعيين.
القول بالتعيين حرام؛ لأنك قد ترى شخصاً ضالاً، وتقول: هذا لا يهتدي، وإذا به يهديه الله عز وجل، والعكس بالعكس ربما ترى شخصاً مستقيماً تقول: هذا لا يمكن أن يضل، فإذا به يضله الله، المهم: إياك أن تشهد لمعين، لكن حقيقة أنك إذا رأيت ضالاً متمرداً مستكبراً عن الحق، فإنك بقلبك تستبعد أن الله يهديه؛ لكن لا تقل: إن الله لا يهديه! ألم يبلغكم أن رجلاً كان مجتهداً في العبادة، وهناك آخر مُسْرِف على نفسه، فكان يمر به هذا الرجل وينصحه ولكن ذاك يقول: إنك لا تحول بيني وبين ربي، دعني وربي، فقال المجتهد بالعبادة ذات يوم: والله لا يغفر الله لك، أو قال: والله لا يدخلك الله الجنة، فقال الله تعالى: (من ذا الذي يتألَّى عليَّ أن لا أغفر لفلان، إني قد غفرتُ له وأحبطتُ عملك) نسأل الله العافية، لهذا لا تعجب بنفسك، ولا تيأس من رحمة الله، لا فيما يتعلق بك، ولا فيما يتعلق بغيرك، فإن الله على كل شيء قدير.
لكن نعلم على سبيل العموم أن الإنسان إذا لم يكن أهلاً للهداية، فإنه لن يهتدي، فإذا رأينا هذا الشخص منحرفاً مستكبراً، معانداً فلا شك أنه يغلب على ظننا أنه ليس أهلاً للهداية؛ لكن ليس لنا أن ننطق بذلك، يحرم علينا أن ننطق، ويُخشى أن يقال لنا كما قيل لهذا الرجل: (قد غفرتُ له وأحبطتُ عملك) .
وهنا نقطة مهمة وهي: الفرق بين التعيين والإطلاق، مثلاً نحن نشهد لكل مؤمن بأنه في الجنة؛ صح أم لا؟ نعم.
لكن إذا رأينا شخصاً مستقيماً يصلي ويزكي ويصوم ويحج ويتصدق ويحسن ويبر والديه ويصل رحمه، هل نشهد بأنه في الجنة؟ لا.
التعيين شيء، والإجمال شيء آخر، حسن! رأينا رجلاً كافراً ملحداً مُسَلَّطاً على المسلمين يمزق كتاب الله ويدوسه برجليه ويستهزئ بالله ورسوله هل نقول: هذا من أهل النار؟ لا، بل نقول: مَن فعل هذا فهو من أهل النار، والتعيين لا تعين؛ لأنه من الجائز في آخر لحظة أن الله يمن عليه ويهديه، فأنت لا تدري.
لذلك يجب عليكم أن تفرقوا بين التعيين والإطلاق، أو التعيين والإجمال.
مات رجل ونحن نعرف أنه مات على النصرانية حسب ما يبدو لنا من حاله، هل نشهد له بالنار، لا نشهد؛ لأنه أولاً إن كان من أهل النار فسيدخل ولو لم نشهد، وإن لم يكن من أهل النار فشهادتنا شهادة بغير علم، فمثل هذه المسائل لا داعي لها، يعني: لو قال قائل: مات رجل من الروس من الملحدين منهم، مات رجل من الأمريكان من الملحدين منهم، من اليهود من الملحدين، العنه واشهد له بالنار، نقول: ما يمكن، نحن نقول: من مات على هذا فهو من أهل النار، من مات على هذا لعناه، أما الشخص المعين فلا، ولهذا كان من عقيدة أهل السنة والجماعة قالوا: لا نشهد لأحد بالجنة أو بالنار، إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولكننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة.(139/11)
الأسئلة(139/12)
مسائل تتعلق بالفتيات الصغيرات
السؤال
فضيلة الشيخ! سؤالي هو: عن البنت الصغيرة التي لم تحض، ماذا يكون الحكم بالنسبة لها في الثلاث حالات التالية: بالنسبة لغطاء الوجه خارج المنزل؟ ولبس ما اشتهر من البنطلون بأي شكل من الأشكال، أو أي حال، أو سبب؟ وكذلك الاختمار عند الصلاة؟
الجواب
نعم.
هذا الأخ ذكي، جمع ثلاثة أسئلة في سؤال واحد، عفا الله عنا وعنه.
البنت الصغيرة التي دون السبع هذه لا حكم لعورتها، يعني تكشف وجهها، وتلبس الثوب القصير، ولا بأس، وإن كنا نرى ألا تعود لبس الثوب القصير؛ لأنها إذا لبست الثوب القصير خفَّ حياؤها إذا كَبُرَت؛ لكن مَن جاوزت ذلك فإن النساء يختلفن، مِن النساء مَن يكون شبابها طيباً، ولحمتها كبيرة حتى ترى مَن لها عشر سنوات تقول: هذه بالغة، فمتى تعلق النظر بها -بقطع النظر عن سنها- وجب عليها أن تحتجب.
وأما لبس البنطلون: فإنه حرام؛ لأنه من باب التشبه بالرجال، ولأنه يكون ذريعة إلى الدخول في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (نساء كاسيات عاريات، وهن من أهل النار) .
وأما بالنسبة للصلاة: فالصلاة لها أن تكشف رأسها ووجهها وقدميها وكفيها، ما لم تبلغ، فإذا بلغت فقد قال العلماء رحمهم الله: يجب عليها أن تستر جميع بدنها إلا الوجه، وأَلْحَقَ بعضُ العلماء بالوجه: الكفين، والقدمين، هذا إذا بلغت، أما قبلُ فإن عورتها كعورة الرجل على ما ذكره الفقهاء رحمهم الله.(139/13)
الأشرطة التي فيها قرآن لا يثبت لها حكم المصحف في المس
السؤال
فضيلة الشيخ! هل الأشرطة التي تحمل بعض سور القرآن الكريم، وربما تحمل القرآن كاملاً هل يكون لها من الاحترام مثل القرآن -أي: المصحف- من حيث وضعها في بعض الأماكن، وربما ترمى في الأرض أو السيارة ونحو ذلك؟ وكذلك لمسها وحملها هل يشترط له طهارة أم لا؟ وأيضاً الأشرطة التي فيها ذكر غير القرآن هل لها نفس الحكم أم لا؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
الأشرطة التي فيها القرآن لا يثبت لها حكم القرآن من حيث المس، فلك أن تمسها بغير وضوء؛ لكن كونها تُلْقَى في الزبل، والإنسان يعلم أن فيها قرآناً، النفس تنفر من هذا لا شك، ولا ينبغي.
أما الأشرطة التي فيها الذكر فهي أقل شأناً من ذلك؛ لأنك تعلم أن ما كُتب فيه الذكر لا يُعطى حكم المصحف؛ لكن مهما عظَّمت كلام الله وذكر الله فهو خير لك.
ثم هناك جهاز يَمْحو جميع الذي في الشريط، ممكن الإنسان يشتريه، وإذا استغنى عن الأشرطة هذه سحبها عليه وانمحت بالمرة.(139/14)
حكم استقدام السائق والخادمة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هو حكم الشرع بالنسبة لاستقدام السائق والخادمة؟ أرجو التفصيل!
الجواب
أولاً: أنا أنهاك أن تقول لشخص: ما حكم الشرع؛ لأن الشخص قد يخطئ ويصيب، ويقول: هذا حكم الشرع وليس حكم الشرع، إلا إذا قيَّدتَ قلت: ما حكم الشرع في نظرك، لا بأس، أو ماذا ترى في كذا.
استقدام الخادم والخادمة لا شك أنه من الترف، ويقولون: إن في الترف التلف؛ إلا عند الحاجة، إذا دعت الحاجة فلا بأس باستقدامهما؛ لكن يكون كلٌّ منهما مسلماً.(139/15)
حكم استقدام الخادمات الكافرات
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم استجلاب الخادمات الكافرات داخل المملكة العربية السعودية؟
الجواب
هذا أجبنا عليه.
السائل: الكافرات! الشيخ: قلنا: لا تستقدم إلا خادمة مسلمة، وأيضاً معها محرمها، إلا عند الضرورة، إذا لم تجد مسلمة وكنت مضطراً إلى الخادمة فأتِ بها مع محرمها؛ لأن الخادمة الكافرة في الحقيقة أولاً كيف الإنسان يُبْقِي عنده في بيته من كان عدواً له ولله؟! كيف يرضى بهذا؟! ثانياً: بلغني أن بعض الخادمات من نصحهن إذا أصبحن قلن للصبيان الصغار: قولوا: المسيح ابن الله، قولوا: يا مسيح! يا ربنا المسيح، وما أشبه ذلك، هي جاءت بهذا اجتهاداً منها؛ لأنه دينها، فيُخْشَى من مثل هؤلاء النساء أن يُضْلِلْنَ العائلة.
ثم إنها إذا كانت عندك في البيت وأذَّن المؤذن، وقام الناس يصلون، وهي لم تصلِ، ثق بأن شأن الصلاة سوف يخف في قلوب النشء، ويقولون: الصلاة مَن شاء صلى ومَن شاء لم يصلِّ.
ففي استجلاب الخدم الكافرات محاذير كثيرة.(139/16)
حكم التوكيل في الإمامة
السؤال
فضيلة الشيخ! إمام مسجد استلم المسجد، ثم وكَّل واحداً، يعني: هو يستلم الراتب، ويتقاسَمون الراتب، هل يجوز هذا؟
الجواب
إمام استلم المسجد، وأقام من يصلي عنه! السائل: نعم.
الشيخ: من يصلي عنه بالراتب أو ببعض الراتب أرى أن هذا لا يجوز، إذا كان هذا الذي أقامه مقامه إذا كان أهلاً للإمامة فليتقدم هو بنفسه ويكون إماماً، إذا لم يكن أهلاً للإمامة إما لصغر سنة، أو لكون النظام لا يوظِّف مثله فلا يجوز أن يتستر عليه.(139/17)
طهارة القيء
السؤال
ما حكم القيء؟ الشيخ: من أي ناحية؟ السائل: من ناحية نجاسته!
الجواب
القيء ليس بنجس.
السائل: سواء الصغير أو الكبير! الشيخ: سواء من الصغير أو من الكبير؛ إلا إذا وجدتَ دليلاً عن الرسول عليه الصلاة والسلام فخذ به؛ لأن القيء كما تعلم يكثُر وقوعه من الناس؛ فإذا لم نجد في القرآن ولا في السنة أنه نجس فليس بنجس، كما أنه لا ينقض الوضوء أيضاً.(139/18)
حكم سفر المرأة مع السائق إذا كان معها نساء
السؤال
ما حكم سفر المعلمة لوظيفة في قرية من قرى المنطقة التابعة لتخرج مع السائق التابع لنقل المعلمات، ومعه والدته أو زوجته أو أخته، ومع مجموعة من المعلمات؟
الجواب
خروج المرأة مع السائق إذا كان معها نساء، وليس سفراً بل لضواحي البلد أو أبعد من ذلك؛ لكنها ترجع في يومها فلا حرج في ذلك؛ لأن الممنوع واحد من أمرين: إما السفر.
وإما الخلوة.
وهنا لا سفر، ولا خلوة.(139/19)
حكم تأخير السنة الراتبة عن وقتها
السؤال
فضيلة الشيخ! السلام عليكم، ما حكم تأخير السنة الراتبة إلى وقت آخر، يعني: عندما يخرج وقت الظهر، يبدأ بالسنة الراتبة في وقت العصر، أو المغرب إلى العشاء؟
الجواب
أعطيك قاعدة تنتفع بها إن شاء الله: كل عبادة مؤقتة إذا أخرها الإنسان عن وقتها بلا عذر فإنها لا تقبل منه، سواء فرضاً أو نفلاً، والرواتب مؤقتات أم غير مؤقتات.
السائل: مؤقتات.
الشيخ: مؤقتات، إذا أخرتها عن وقتها لغير عذر فلن تقبل منك، وإن أخرتها لعذر فمتى زال العذر فصلِّها، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك) .(139/20)
حكم التدريس في المعاهد التي تتعامل مع البنوك
السؤال
فضيلة الشيخ! بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، عظم الله لك الأجر يا شيخ! ووفقنا وإياك إن شاء الله وجميع الحاضرين والسامعين، في الحقيقة هناك ملاحظة قبل السؤال حاولت أنا كثيراً من الرياض أن أتصل بالهاتف، فلم أستطع وبعض الزملاء، فأرجو إذا يمكن أنه يُطال فترة الاتصال بالهاتف حتى يتمكن الناس من خارج المنطقة من الاتصال.
فلكم النظر إن شاء الله فيما بعد في هذا.
سؤالي هو: سؤال لي ولبعض الزملاء في العمل، وهو متعلق بالعمل، نحن دكاترة في الجامعة ندرس مادة الإدارة والتسويق وخلافها، وطُلِب منا التعاون مع مؤسسة النقد العربي السعودي، والمؤسسة يتبعها معهد اسمه (المعهد المصرفي) يدرس في هذا المعهد طلاب أو موظفون؛ موظفو البنوك التجارية، يقوم بتمويل المعهد: المؤسسة مع المعهد، بالإضافة أن هناك رسوم للدراسة تقدم للموظفين يدفعها البنك عنهم، طُلِب منا في الجامعة التعاون مع المعهد، هذا للتدريس.
فسؤالنا هو: عن حكم التدريس في مثل هذا المعهد؟ مع العلم أن التدريس هذا طبعاً لا يتعلق بالنواحي المالية أو الربوية، وإنما يتعلق بالنواحي الإدارية.
ويدور السؤال حول الرسوم التي تدفع من البنوك أيضاً، تشترك فيها المؤسسة -مؤسسة النقد العربي السعودي- بالإضافة إلى الرسوم التي يأخذونها من البنوك.
فسؤالنا هو: عن وظيفتنا نحن في مثل هذا المعهد، كتعاون معهم في التدريس! وجزاكم الله خيراً.
الجواب
هل تتعاونون على إثم وعدوان؟ السائل: هو هذا الذي نسأل عنه يا شيخ! الشيخ: أسألك أنا! أنا ما أعلم، هل يقولون: ائتوا علمونا الربا، وكيف نستغله، وكيف نحصل عليه؟ السائل: ذكرتُ لك يا شيخ! أنه في جانبين: في النواحي الإدارية، نعلمهم كيف يديرون العمل، وكيف يتعاملون مع الناس، يعني: لا نعلمهم النواحي الربوية وكيف يديرون عملية الربا؛ لكن السؤال هو: أنه سوف تتقاضى الأجر، يعني: الأجر أتى أصلاً من دفع رسوم الدراسة! الشيخ: ليس فيه شيء؛ لأن دفع رسوم الدراسة ليس ظلماً ولا إكراهاً، بل هو باختيار الدارس، أليس كذلك؟ السائل: نعم.
الشيخ: إذاً، مأخوذ عن طيب نفس منهم.
السائل: فهل هذا يعني أننا نفصل بين ما إذا كانت تدرسهم المعاملات الربوية والنواحي المالية، وتدرسهم شيئاً آخر يتعلق بالوظيفة؟ الشيخ: حتى تدريس المصارف الربوية أو العقود الربوية، إذا كنتَ تدرسها من أجل أن تبين حرمتها، وأن هذا لا يجوز فهذا طيب، يعني: فيه بيان حق.
السائل: لكن حتى لو كنتُ أعرف أن الشخص هذا أنا سوف أدرسه النواحي الربوية، نأخذ الجانب الآخر؛ ولكن أعرف أنه سوف يطبقها، وسوف يتعامل فيها حتى وإن بينت له؟ الشيخ: لا.
إذا علمتَ أنه سيطبقها لا تعلمه، كل عمل مباح تعرف أن صاحبه -أو يغلب على ظنك أن صاحبه- يستعمله في المحرم لا تفعل.
السائل: وإذا كان من نواحٍ غير ربوية.
الشيخ: ما فيها شيء، ما أرى فيها شيئاً.(139/21)
حكم إعطاء الزكاة للغرماء
السؤال
فضيلة الشيخ! امرأة تأتيها زكوات، وتعرف بعض الفقراء المدينين لها، هل تأخذ هذه الزكاة تقاضياً لحقها؟
الجواب
هذا لا يجوز، لا يجوز -إذا أعطي الإنسان زكاة- لا يجوز أن يخص بها غرماءه الذين يطلبهم؛ لأن هذه محاباة؛ لكن إذا كان صادقاً فليقل للذي أعطاه الزكاة: يا فلان! أعطيتني الزكاة أوزعها، وأنا أطلب فلاناً وفلاناً كذا وكذا، هل تسمح أن آخذ الزكاة عن هؤلاء؟ إذا قال: نعم.
لا بأس، أما بدون أن يخبره، فلا يجوز أن يعطي غرماءه شيئاً منها؛ لأن هذه محاباة.(139/22)
حكم سنة الوضوء لمن توضأ قبيل المغرب
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم سنة الوضوء، لمن توضأ قبيل المغرب؟
الجواب
سنة الوضوء، إذا توضأ الإنسان قبل المغرب فإنه يصلي سنة الوضوء؛ لأن القول الراجح من أقوال العلماء أن كل صلاة لها سبب، فإنها تُفْعَل ولو في وقت النهي، وأن النهي إنما هو عن الصلاة التي لا سبب لها، خذوا هذه، كل صلاة لها سبب صلِّها ولو في وقت النهي، مثل: سنة الوضوء، وغيرها.
! السائل: وتحية المسجد.
الشيخ: وتحية المسجد.
السائل: وصلاة الكسوف.
الشيخ: وصلاة الكسوف.
السائل: وصلاة الاستخارة.
الشيخ: وصلاة الاستخارة إذا كان يفوت الشيء قبل زوال وقت النهي، فالمهم أن كل صلاة لها سبب فلا نهي عنها.(139/23)
حكم الاستنشاق والمضمضة في الغسل
السؤال
رجل اغتسل من جنابة، ثم لم يتمضمض ولم يستنشق، هل يصح منه ذلك؟
الجواب
هذا لا يصح الغسل، المضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء والغسل، ولابد منهما، أما الوضوء فليس واجباً في الغسل، يعني: لو أن الإنسان تمضمض واستنشق وانغمس في بركة ناوياً رفع الجنابة فلا حرج عليه، يصلي ولا حرج؛ لأن الله جعل للجنب طهارة خاصة، ماذا قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] ولم يذكر الوضوء، فدل هذا على أن فرض الجنب أن يتطهر وإن لم يرتب، وإن لم يتوضأ.
السائل: والاستنشاق؟ الشيخ: لابد من المضمضة والاستنشاق في الغسل والوضوء.(139/24)
حكم امرأة زُوِّجت بإذن ولي الأمر البعيد مع وجود القريب وإقراره بعد ذلك
السؤال
امرأة زُوِّجَت بولي الأمر البعيد مع وجود القريب، وبعد ذلك أقر، ما حكم هذا الزواج؟
الجواب
يعني: القريب أقر النكاح؟ السائل: أقر النكاح، سواء كان في الأسبوع الأول أو بعد مضي سنين عديدة، يترتب عليه سؤال آخر قصير، مثلاً: إذا كان هذا هو لا بأس عند المذهب، هل إذا كان الصحيح أنه ما يجوز، مثلاً الشخص يفتي بعدم جواز ذلك؟ الشيخ: هو على كل حال: المشهور عند فقهاء الحنابلة أن هذا لا يصح، يعني: لا يصح تزويج البعيد مع وجود القريب، ولو أذن له بعد ذلك، وعلى هذا فيجب إعادة العقد، وما حصل من ذرية قبل ذلك فهي للرجل، كما أنه للمرأة.
ولكن القول الراجح: أنه إذا أقر الولي القريب عقد الولي البعيد فإن النكاح صحيح.(139/25)
حكم أيمان الكفار من حيث القبول وعدمه
السؤال
فضيلة الشيخ! هل تُقبَل أيمان الكفار عموماً؟ أم لا تُقبَل إلا من أهل الكتاب فقط؟
الجواب
قال النبي عليه الصلاة والسلام: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) وهذا عام، والخصومات يستوي فيها الكافر والمسلم، والكتابي وغير الكتابي، ولهذا حتى لو فرضنا رجلان: أحدهما مسلم، والثاني كافر، جاءا يختصمان إلى قاضٍ، لا يجوز أن يقدم المسلم على الكافر، بل يجعلهما جميعاً بين يديه، حتى في الدخول، ما يقول للمسلم: ادخل قبل الكافر، يجعل الدخول موكولاً إليهما، إن دخل هذا قبل هذا ما عليه منه، فالجلوس لابد أن يجلسهما أمامه على حد سواء، في النظر إليهما، في بسط الوجه، يجب أن يكون سواءً أيضاً؛ لأن هذا حكم، والحكم يجب فيه العدل، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] .(139/26)
من أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم قبل النوم
السؤال
يا فضيلة الشيخ! كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم قبل النوم أن ينفث في كفيه، فما أدري، يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] ، وسورة الناس، والفلق؟ ما أدري ما هي الصفة؟
الجواب
الصفة أنه يقول هكذا بيديه، يعني: يضم بعضها إلى بعض، ثم ينفث فيهما، ويقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] ، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] ، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] ، ويمسح بهما وجهه، وما استطاع من بدنه.
ثلاث مرات مع بعضها! السائل: مع بعضها! الشيخ: نعم.
السائل: والنفث قبل يا شيخ؟ الشيخ: النفث قبل أو بعد، ظاهر الحديث أن النفث يكون قبل؛ لكن الأمر واسع إن شاء الله.
السائل: كلها ثلاث مرات.
الشيخ: كلها ثلاث مرات، تقرأ ثلاث مرات مع المسح.
السائل: المسح ثلاث مرات يعني! الشيخ: إي نعم، يتبعه قراءة.
السائل: أي: النفث ثلاث مرات! الشيخ: النفث ثلاث مرات، والقراءة ثلاث مرات.(139/27)
الحث على دعوة غير المسلمين إلى الإسلام
مثل هذه الدولة التي وقعت بين المسلمين وهي: دولة اليهود، فيما نرى أن يوجه لها كلام إرشاد إذا كانوا يقبلون الإرشاد، في كيف يسلمون مثلاً؟ وكيف كذا؟ وعسى أن يسلموا ويسلم الجميع، كما قال الله سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ:28] ! بارك الله فيكم! وعن طريق الإذاعات، وإذا كانوا يقبلون الإرشاد يدخل إليهم مرشدون، وفلسطين عندهم تقصير كثير، والمسلمون عندنا تقصير في أرضنا، والكمال لله سبحانه؟
الجواب
أما المسألة الأولى: فلا شك أنه واجب على المسلمين أن يدعو عباد الله إلى دين الله، من اليهود والنصارى وغيرهم، قال الله تبارك وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] ؛ ولكن هذا الواجب في الواقع قد أضاعه المسلمون، إما عجزاً منهم، أو يأساً، أو غير ذلك من الأسباب التي نعلم بعضها أو لا نعلمها، ونسأل الله تعالى أن يعيد للأمة الإسلامية عزها وكرامتها حتى تستطيع أن تدعو الناس إلى دين الله أو إلى الخضوع لدين الله؛ لأن الواجب أن نقاتلهم إلى أن يسلموا، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.(139/28)
كيفية التصرف بالمصاحف التالفة
السؤال
عندي سؤال عن كيفية التصرف بالتالف من المصاحف في البيوت وفي المساجد كيف نعمل بهما؟ أرشدكم الله لجميع المسلمين.
المصاحف التالفة تُحْرَق كما فعل الصحابة رضي الله عنهم حين أحرقوا المصاحف الزائدة عن مصحف عثمان، تُحْرَق وتُدْفَن في مكان نظيف.
السائل: أو يُحفر لها حفرة بدون حرق! الشيخ: لا.
أحسن تحرق؛ لأنه ربما إذا حفرت حفرة تُنْبَش فيما بعد.(139/29)
حكم قضاء الصلاة على من أغمي عليه
السؤال
ما حكم من أُغْمِي عليه لمدة أربعة أيام وزيادة بسبب جلطة، وبعدها أفاق وعادت عليه الجلطة هذه، فيسأل هل يقضي ما فاته من الصلاة أم ماذا يفعل؟
الجواب
الصحيح أنه لا قضاء على المغمى عليه إذا كان بغير اختياره.
السائل: يعني: حتى ولو كان ببنج؟ الشيخ: لا.
أنا قلت لك: بغير اختياره، من أجل أن تعرف أنه إذا أغمي عليه باختياره فعليه القضاء، والبنج يغمى عليه باختياره؛ يعني لو بُنِّج الإنسان ولم يصحُ من البنج إلا بعد يوم أو يومين فعليه القضاء؛ لكن إذا كان بغير اختياره، مثل -كما قلتَ- جلطة أو صدمة، أو سقوط من جدار أو نحوه، فلا قضاء عليه، إلا الصوم، الصوم لابد أن يقضيه، حتى وإن كان مغمىً عليه؛ لأن الصوم ليس كالصلاة تتكرر كل يوم، ولهذا أمرت الحائض بقضاء الصوم ولم تؤمر بقضاء الصلاة.(139/30)
معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا مررت بقبر الكافر فبشره بالنار)
السؤال
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مررتَ بقبر الكافر فبشره بالنار) ماذا يؤخذ من هذا الحديث؟
الجواب
مراد الرسول عليه الصلاة والسلام، الذين دُفِنوا في حياته؛ لأن غالبهم قامت عليهم الحجة.(139/31)
حكم مؤذن منع وكيل الإمام من الصلاة بالناس وقدَّم غيره
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم من وكله الإمام بالمسجد للصلاة بهم، وعندما حضر الوكيل للصلاة منعه المؤذن للصلاة، وأقام رجلاً آخر، وعلة المؤذن في ذلك قلة علم الموكَّل؟
الجواب
هذه في الواقع جناية من المؤذن، المؤذن ليس له دخل في الإمامة إطلاقاً، الإمامة أمرها إلى الإمام، وليس أحد من الناس يعجز عن أن يؤم الناس، القراءة الفاتحة وما تيسر، كل يقرؤها الحمد لله.
فأرى أن هذا المؤذن -هداه الله عما يستقبل، وعفا عما سلف- أنه أخطأ، وتجرأ على حق الإمام، وليس له الحق أن يقيم الآخر.
وعلى رأي بعض العلماء تكون صلاتهم باطلة، وصلاة الذي أمهم باطلة؛ لأنه ليس إماماً راتباً، ولا نائباً عن الإمام الراتب؛ لكن نرى أن الإمامة صحيحة إن شاء الله، قصدي أن الصلاة صحيحة، وأن الفعل محرم.
ثم هذا الذي أقام المؤذن كان يجب عليه أن يقول: لا.
لا أصلي ووكيل الإمام موجود؛ لأن وكيل الإمام قائمٌ مقام الإمام، فبلِّغ هذا المؤذن أن يتوب إلى الله ويستغفر الله، وألا يعود لمثلها.(139/32)
حكم تأخير ما حقه التقديم في سجود السهو
السؤال
يا شيخ! السلام عليكم.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله.
السائل: رجل ترك التشهد الأول سهواً في صلاة الظهر، فسجد للسهو بعد السلام، هل فيه بأسٌ؟
الجواب
إذا ترك التشهد الأول فمحل السجود قبل السلام، كما جاءت به السنة.
ولكن إذا أخره إلى ما بعد السلام نسياناً فلا بأس، وعمداً يكون آثماً عند بعض العلماء، وعند أكثر العلماء لا يكون آثماً؛ لأن كونه قبل السلام أو بعده عند أكثر العلماء على سبيل الاستحباب، وليس على سبيل الوجوب.
أما ابن تيمية شيخ الإسلام رحمه الله فيقول: ما ورد قبل السلام يجب أن يكون قبل السلام، وما ورد بعد السلام يجب أن يكون بعد السلام، فانتبهوا لذلك! وعلى رأي شيخ الإسلام يجب على الإمام أن يدرس سجود السهو، دراسة وافية، ويعرف الذي يكون قبل السلام والذي بعد السلام.(139/33)
حكم صلاة المسافرين جماعة مع وجود الجماعات في المساجد
السؤال
فضيلة الشيخ! نحن في مناطق ساحلية ويتوافد إلى المنطقة كثير من المتنزهين ممن يقصرون الصلاة ويجمعون، ونحن في الهيئة رجال الحسبة يُشْكِل علينا ذلك؛ حيث يتوافد الكثير، ويتجمعون وقت الصلاة، وإذا ما كُلِّموا في ذلك يقولون: نحن في سفر، ونحن في رخصة، مع أن الصلاة تقام، والمساجد تصلي؛ لكنهم يتجمعون، وربما يختلط علينا بعض أصحاب المنطقة من المقيمين، فما توجيهكم في ذلك؟ الشيخ: المساجد قريبة؟ السائل: يستطيعون أن يصلوا فيها يا شيخ.
الجواب
هؤلاء يُبَيَّن لهم أن الواجب عليهم أن يصلوا مع الجماعة، فإن قالوا مثلاً: نحن لا نستطيع، معنا عوائل، وإذا ذهبنا عن العوائل ما ندري عنهم، نَخشى عليهم من الضياع أو غير الضياع، فلا بأس، والإنسان مؤتَمَن على دينه.
فما دام قوله محتملاً، ويمكن أن يكون صحيحاً فدعوه.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء.
أعادنا الله وإياكم على خير، وجعلنا وإياكم من المتعاونين على البر والتقوى، إنه على كل شيء قدير.(139/34)
لقاء الباب المفتوح [140]
بدأ الشيخ لقاءه بتفسير آيات من سورة الذاريات من قوله تعالى: (قتل الخراصون) وبين أن معنى (قتل) أي: (أهلك) والخراصون هم المرتابون والشاكون، وعقب بتفسير ما وصفوا به وهو أنهم في غمرة من الجهل قد أحيطوا به من كل جانب وهم غافلون.
وبين معنى قوله تعالى: (يسألون أيان يوم الدين) وفرق بين هذا السؤال وسؤال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم، وأن سؤالهم سؤال استبعاد وإنكار وسؤال جبريل للتعليم سؤال استفهام واستخبار.
ثم رد الله عليهم بأن يوم الدين هو يوم القيامة حين يفتنون في النار، يقال: ذوقوا احتراقكم في النار التي كنتم تنكرونها، فيعذبون عذاباً حسياً ومعنوياً.(140/1)
تفسير آيات من سورة الذاريات
الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو يوم الخميس السادس والعشرون من شهر جمادى الثانية عام (1417هـ) ، وبه يكون اللقاء الأسبوعي الذي يتم كل يوم خميس.
نسأل الله تعالى أن ينفع به، وأن يجعل العمل خالصاً لوجهه.
هذه هي الحلقة الأربعون بعد المائة، بل هذا هو اللقاء الأربعون بعد المائة نفتتحه كالعادة بتفسير بعض آيات من القرآن، حيث إننا سبق أن تكلمنا على أول سورة الذاريات.
قال الله تبارك وتعالى: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً * فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ * وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} [الذاريات:1-9] كل هذا تقدم الكلام عليه.(140/2)
تفسير قوله تعالى: (قتل الخراصون)
قال جل وعلا: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} [الذاريات:10-11] :- (قُتِلَ) : كثيرٌ من المفسرين يفسرها بـ (لُعِنَ) ، واللعن هو: الطرد والإبعاد عن رحمة الله؛ ولكن الصحيح أنَّ قُتِلَ بمعنى: أُهْلِكَ؛ لأنه لا داعي إلى أن نصرفها عن ظاهرها، وظاهرها صحيح مستقيم، فمعنى قُتِلَ: أُهْلِكَ.
و (الْخَرَّاصُونَ) : جمع خرَّاص، وهو: الذي يتكلم بالظن والتخمين والارتياب والشك؛ لأنه منغمر في الجهل والسهو والغفلة.(140/3)
تفسير قوله تعالى: (الذين هم في غمرة ساهون)
ولهذا وصفهم بقوله: {الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} : أي: في غمرة من الجهل، قد أحاط بهم الجهل من كل جانب.
{سَاهُونَ} غافلون، لا يحاولون أن يُقْبِلوا على ما أنزل الله على رسله عليهم الصلاة والسلام.(140/4)
تفسير قوله تعالى: (يسألون أيان يوم الدين)
ومن جهل المشركين أنهم {يَسْأَلونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} [الذاريات:12] سؤال استبعادٍ وإنكارٍ، لو كانوا يسألون سؤال استعلامٍ واستخبارٍ لعُذِروا، كما قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: (أخبرني عن الساعة) ، لكن هل قاله استبعاداً وإنكاراً؟ لا، بل استفهاماً واستخباراً، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل) .
لكن أولئك الخراصون، {يَسْأَلونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} أي: متى هو، استبعاداً، ولهذا قال الله عنهم في سورة (ق) : {فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} [ق:2-3] يعني: أنُرْجَع بعد أن كنا تراباً، هذا رجع بعيد.
فهم يسألون عن يوم القيامة لا سؤال استفهام واستخبار؛ ليستيقنوا؛ ولكن سؤال استبعاد وإنكار.(140/5)
تفسير قوله تعالى: (يوم هم على النار يفتنون)
قال الله تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات:13] هذا الجواب، أي: يوم القيامة {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} وعلى هذا فـ (يوم) هنا ظرفٌ خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقدير: يوم القيامة يوم هم على النار يفتنون.
ومعنى {عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات:13] أي: يُعْرَضون عليها فيحترقون بها، يعني: الفتنة بمعنى الاحتراق؛ ولكنَّها عُدِّيت بـ (على) لأنها ضُمِّنت معنى العرض، أي: يعرضون على النار فيحترقون بها، هذا يوم الدين {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} .(140/6)
تفسير قوله تعالى: (ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون)
قال تعالى: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} [الذاريات:14] :- {ذُوقُوا} هذه جملة مقولٍ لقولٍ محذوفٍ، التقدير: يقال لهم: ذوقوا فتنتكم.
و {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} هذا أمر إهانةٍ وإذلالٍ، أي: ذوقوا احتراقكم في النار التي كنتم تنكرونها.
{هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} لأنهم يقولون: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس:48] فيستعجلون بالقيامة استبعاداً لها، كما قال تعالى: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} [الشورى:18] فيقال لهؤلاء: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} ، ويقال لهم: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:15-16] .
أنا أسألكم الآن: يفتنون على النار فيحترقون بها ويقال: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} ماذا تفهمون من هذا؟ أتفهمون أن في هذا عذاباً بدنياً وقلبياً؟ نعم؛ لأن الاحتراق عذابٌ بدنيٌ، {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} .
{ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} هذا توبيخٌ وإهانةٌ وإذلالٌ يكون به العذاب القلبي، فيُجمع لهم -والعياذ بالله- بين العذاب البدني، والعذاب القلبي، فتجده في أعلى ما يكون من الحسرة، فيتحسرون ويقولون: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام:27] .
ثم كان القرآن الكريم مثاني تُثَنَّى فيه المعاني الشرعية والخبرية، إذا ذكر الشيء ذكر ضده.(140/7)
تفسير قوله تعالى: (إن المتقين في جنات وعيون)
لما ذكر عذاب هؤلاء المكذبين الخراصين، قال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} .
{الْمُتَّقِينَ} هم: الذين اتقوا الله، وأنتم ترون أن التقوى تَرِد في القرآن الكريم على وجوه متعددة، بالوصف تارة، وبالفعل تارة، وبالأمر تارة، وتارة تكون مضافةً إلى الله، وتارة تكون مضافةً إلى العقوبة، وغير ذلك، مما يدل على أن التقوى شأنها عظيم في الإسلام، وليست التقوى قولاً يقال باللسان، بل هي قولٌ يتبعُه فعلٌ وتطبيقٌ.
فإن سألتم: ما هي التقوى؟ قلنا: التقوى كلمتان: فعل ما أمر الله به، وترك ما نهى الله عنه.
على علمٍ وبرهانٍ واحتسابٍ وخوفٍ.
تفعل ما أمر الله به؛ لأنك تعلم أن الله أمر به، تفعل ما أمر الله به؛ لأنك تحتسب ثوابه، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرةٍ.
تترك ما نهى الله عنه؛ لأنك تعلم أن الله نهى عنه، تترك ما نهى الله عنه خوفاً من عقاب الله؛ لأنك موقن بالعذاب، هذه هي التقوى.
يقول عز وجل: {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} أي: مستقرون في جناتٍ وعيونٍ، والجنات جمع جنةٍ، وأنتم يمر بكم في القرآن (جنة) مفرداً، و (جنات) جمعاً، فهل هي جناتٌ متعددةٌ؟ أم هي جنةٌ واحدةٌ؟ هي جناتٌ متعددةٌ، لكن ذُكِرَت بلفظ المفرد من باب ذكر الجنس، وإلاَّ فهي جناتٌ، انظروا إلى آخر سورة الرحمن، ذكر الله أربع جناتٍ، قال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] ، ثم قال: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن:62] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (جنتان من ذهبٍ آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضةٍ آنيتهما وما فيهما) .
إذاً فالجنات متعددةٌ.(140/8)
الأسئلة(140/9)
حكم السلام على الجالسين في حلقة العلم
السؤال
فضيلة الشيخ! نقل عنكم أنكم أفتيتم بأن الداخل على حلقة بها شيخ يلقي درسه، فإنه لا يسلم، بل يجلس، وذلك خوفاً من أن يشوش عليهم، فهل هذا صحيح؟
الجواب
ذكر العلماء رحمهم الله أنه إذا دخل على قوم جلسوا مجلس ذكر؛ فإنه لا يسلم؛ لئلا يشوش عليهم، وإذا كان من العادة أنه لا يُشَوَّش، وأن الطلاب جرت عادتهم أنهم يسلمون كلما دخلوا فلا بأس، إلاَّ أن يكثر الداخلون، فهنا لا شك أنه لو بقي الشيخ مشتغلاًَ بالرد على السلام، وهم يدخلون واحداً واحداً، وإذا قدرنا أنهم خمسون نفراً كم يبقى؟ نصف الدرس وهو يقول: عليكم السلام عليكم السلام، وإن كان ذاك يقول: السلام عليكم فسيقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وإن كان يقول: صبَّحك الله بالخير، فسيقول: صبحك الله بالخير، ثم يمضي الدرس في الرد.
فعلى كل حال: كل مقام له مقال، إذا كانت الجلسة يعني: جلسة عادية كجلستنا هذه -مثلاً- وليس فيها إشغال فلا بأس، أما إذا كان فيه إشغال، كلما دخل رجل وسلَّم رددنا عليه السلام؛ فلا شك أنه لا ينبغي.
أنا قلتُ: كجلستنا هذه؛ لكنها سقط لسان؛ لأن جلستنا هذه جلسة علم ليست جلسة قهوة وشاي.(140/10)
تحريم قراءة القرآن الكريم بغير اللغة العربية
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم قراءة القرآن بغير اللغة العربية في الصلاة وخارجها، لمن لا يمكن أن يتكلم باللغة العربية؟ وهل يحصل له الأجر إذا قرأ بغير العربية؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
يحرم على الإنسان أن يقرأ القرآن بغير اللغة العربية، وأظن أنه لا خلاف بين العلماء في ذلك؛ لأنه إذا قرأه بغير العربية لم يكن قرآناً، وقد قال الله تعالى عن القرآن: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:195] ، وإذا قرأه بغير العربية لم يحصل الإعجاز بلا شك، وإذا قرأه بغير العربية، سوف يتغير الترتيب؛ لأن المعروف في غير العربية أنه إذا اجتمع مضافٌ ومضافٌ إليه، يقدم المضاف إليه قبل المضاف، أو صفةٌ وموصوفٌ تُقدم الصفة، وما أشبه ذلك، فلهذا لا يحل أن يقرأ القرآن بغير العربية.
وعلى هذا: فمن لا يحسن العربية، وأراد أن يصلي يقول الذكر الذي ورد فيمن لم يستطع القراءة، تسبيح، وتكبير، وتهليل، وتحميد، فإن عجز عن هذا باللغة العربية؛ فلا بأس أن يقرأ الذكر بغير اللغة العربية؛ لأنه ليس قرآناً.(140/11)
عدم جواز قول: (بسمة أمي هي سر وجودي)
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك أناشيد للأطفال: (بسمة أمي هي سر وجودي) .
فما رأيكم فيها؟
الجواب
هذا كذب، ولا يجوز للإنسان أن يقولها، وليس لأحد صفة للوجود، وهذه كلمة صوفية، منكَرة، الذي أوجد الخلق هو الله.
والعجب: أنه يقول: بسمة أمي أنها سر وجودي، يعني: هي التي وُجِدْتُ بها، وهذا كذبٌ ولا شك، وفي بطن أمه لا يرى بسمة أمه، ولا يعرف عنها شيئاً، فلذلك يجب إنكارها.(140/12)
حكم من يعمل في المستشفيات ويضطر للمخالطة أو الملامسة أو الخلوة
السؤال
فضيلة الشيخ! نحن طلبة في المعهد الصحي، من ضمن منهجنا التطبيقي العملي في المستشفيات، والذي يضطرنا إلى ملازمة النساء من الممرضات، والاستفادة منهنَّ في مجال التمريض، ومحادثتهنَّ وسؤالهنَّ، وقد يكنَّ غير مسلماتٍ، وقد تحصل الخلوة بهنَّ في بعض الأحيان، فما رأي فضيلتكم؟
الجواب
أرى أن هذا إذا دعت الضرورة إليه، ولم يكن لكم من هذا بُدٌ، فاتقوا الله ما استطعتم، ولا تكثروا محادثتهنَّ، إلا فيما دعت إليه الضرورة، وغضُّوا البصر عنهنَّ بقدر ما يمكن، ونسأل الله تعالى، أن يأتي باليوم الذي ينفرد فيه الرجال بعلومهم، والنساء بعلومهن.
أما في مسألة الخلوة؛ فلا يجوز إطلاقاً، ولكن كيف يخلو بها وعندهما المريض؟! إلاَّ إذا كان المريض لا يشعر! السائل: في بعض الأوقات إذا جئت أضحك أو أسلم.
الشيخ: لا.
لا تضحك، أتضحك لامرأةٍ أجنبيةٍ منك؟! أبداً؛ لكن لا ترها وجه عبوسٍ ولا وجه طلاقةٍ، وكن طبيعياً للضرورة، وهي إذا رأت أنك ستخبر عنها لو أنها أخلت بما يجب عليها فلن تخل بالواجب، خصوصاً الأجنبية التي تعرف أنها إذا أخلت بالواجب فستسفر.(140/13)
حكم من أنكر نسبة ولده إليه
السؤال
فضيلة الشيخ! شخصٌ يدَّعي هو وأمه نسبةً لأبيه، والأب ينفي هذا الابن، فهل إجراء تحاليل في المستشفى بين الأب والابن تثبت نسبة الابن للأب؟
الجواب
والله يا أخي! هذه ترجع للقاضي، المسألة ليست هينة، فإذا ادعى أنه ليس ولدها، فإما أن يقذفها بالزنا، وإما أن يدعي أنها مبضوعة بشبهة، وعلى كل حال، فلابد من إجراء الملاعنة بينه وبين الزوجة.
السائل: وإجراء التحاليل في المستشفى؟ الشيخ: لا ينفع أبداً، لا بُدَّ من الذهاب إلى المحكمة، فهذه لا يمكن أن يحلها إلاَّ قاضٍ شرعي، وأولاً: أن يقال للزوج: ليس لك الحق في أن تتبرأ من الابن، حتى لو فُرِض أنه خالف لونه لونك، أو خالف رسم وجهه رسم وجهك، لا يجوز أن تتهم المرأة بهذا، ودليل ذلك، أن رجلاً جاء إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: (يا رسول الله! إن امرأتي ولدت غلاماً أسوداً! .
) كأنه يريد أن يسأل ما السبب! وقد يكون في نفس الرجل حرجٌ من زوجته، أو اتهام، فيحتمل أنه سأل الرسول لأجل أن يبين له وجه ذلك، ويحتمل أنه سأل الرسول لأنه شاك في زوجته، وعلى كل تقدير، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له مبرهناً أن ذلك ممكنٌ ومطَمْئِناً قلبه قال: (هل لك من إبل -لأن الرجل كان بدوياً فيما يظهر- قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق -والأورق الذي فيه شعرة بيضاء، وشعرة سوداء مختلطة كأنه الوَرِق أي: الفضة- قال: نعم، قال: من أين أتى؟ -كيف تقول: هي حمر، وهذا أورق؟ - قال: لعله نزعه عرق -يعني: ربما يكون أحد آبائه وأمهاته السابقات بهذا اللون- قال: فابنك هذا لعله نزع عرق) ، فاطمأن الرجل.
فقل لهذا الزوج -إن كنت تعرفه- فليتق الله، ولا يتهم الزوجة بهذا، والولد ولده، والحمد لله، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (الولد للفراش، وللعاهر الحجر) أي: لو تنازع الزاني والزوج في الولد، وقال الزوج: هو ولدي، وقال العاهر: هو ولدي، فالولد للفراش.
السائل: لكن يا شيخ! القاضي لا يستند إلى هذه التحاليل؟ الشيخ: نتهم القاضي، ما الذي يحولهم عليه؟ لكن أولاً الخطوة الأولى: أن تقول للرجل هذا: اتق الله، ولا تتهم الزوجة، والولد ولدك، وليس فيه إشكال، فإن أصر على أن ينفيه، فلابد من الرجوع إلى المحكمة.(140/14)
فضيلة الصف الأول
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا دخل الرجل المسجد يوم الجمعة، فهل يتم الصف الأول إذا كان طويلاً أم يدنو من الإمام؟
الجواب
لا، الأفضل أن يتم الأول، في الجمعة أو في غيرها، ودليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلاَّ أن يستهموا عليه لاستهموا) يعني: لو لم يجدوا طريقاً إلى الصف الأول إلاَّ بالقرعة لفعلوا ذلك، وذلك لكثرة ثوابه، وتكميل الأول فالأول أيضاً هو السنة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها، قالوا: كيف ذاك يا رسول الله؟! قال: يتراصون ويُتِمُّون الأول فالأول، أو قال: يُكمِّلون الأول فالأول) .(140/15)
جواز الجمع بين زوجتين الأولى حرة والثانية أمة
السؤال
فضيلة الشيخ! ذكر ابن قدامة المقدسي رحمه الله في كتاب الكافي: في كتاب النكاح باب القَسْم، أن الرجل إذا تزوج حرة وأمَة، فليجعل للحرة ليلتين وللأمَة ليلة، فكيف يجمع مع الحرة أمَةً مع أن أكثر أهل العلم ذكر أنه لا يكون ذلك إلاَّ بشرطين: خشية العنت.
وعدم الطول للحرة؟
الجواب
هذا يمكن، فربما تكون الحرة لا تكفيه، وإذا كانت لا تكفيه، فلابُدَّ أن يتزوج بأخرى، وإذا لم يجد حرة ووجد أمَة فذاك جائز.
لكن كونه يجعل للأمَة ليلة وللحرة ليلتين فيه نظر؛ لأنه لمَّا تزوجها وأبيح له أن يتزوجها، وجَبَ عليه أن يسوي بينهما، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من كان له امرأتان، فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقه مائل) وهذا الحديث عام، (كان له امرأتان) ، وهذا له امرأتان، فيجب أن يعدل بينهما.(140/16)
عدم جواز إدخال الواسطة لإلغاء المخالفة المرورية
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم استخدام الواسطة؛ لإلغاء المخالفة المرورية؟
الجواب
لا يجوز إدخال الواسطة من أجل التخلُّص من غرامة مرورية أو غيرها، وذلك لأن الدولة إنما وَضَعت هذه العقوبات لإصلاح المجتمع، فليس الغرض من ذلك أن تؤخذ دراهم من شخص، بل الغرض إصلاح المجتمع، وأنت تعرف الآن أن كثيراً من الناس لا يردعه الوازع الديني، وإنَّما تردعه السلطة والخوف.
فلا يجوز له أن يستخدم واسطة في إلغاء ما يجب عليه من مخالفة مرورية أو غيرها، ولا يجوز -أيضاً- لأحد أن يتوسط في ذلك.
فعليك -جزاك الله خيراً- أن تنصح من علمته هكذا، وتقول له أن يحمد الله على ذلك، وهذه الغرامة قد تكون تأديباً له.(140/17)
الأولى استواء الصفوف من ناحيتي الإمام
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض الأحيان الجهة اليمنى من الصف في الصلاة تكون أكثر من الجهة اليسرى، فيقوم الإمام بتعديل الصف، ما رأيكم في هذا؟
الجواب
رأيي أن هذا صواب، فأحياناً يأتي المأمومون ويصفون في يمين الصف ويطول، وتجد اليمين فيه ثلاثون رجلاً واليسار فيه خمسة، ستة، هذا لا ينبغي، وله أن يعدله؛ وذلك لأن اليمين أفضل من اليسار مع التساوي أو التقارب، كرجل أو رجلين مثلاً أما مع التباين العظيم فلا، ويدل لهذا، أنه كان في أول الأمر إذا كانوا ثلاثة صار واحد على اليمين، وواحد على اليسار، في أول الأمر، ثم نُسِخ هذا، وصار الثلاثة يتقدمهم إمامهم، فدل ذلك على أن اليمين ليس أفضل بكل حال، ولو كان أفضل بكل حال لقلنا: إذا كانوا ثلاثةً يكون كلا الرجلين عن يمين الإمام.
ثم إن الأحاديث الدالة على الترغيب في الدنو من الإمام -أيضاً- تؤيد ذلك، فلهذا لا حرج على الإمام أن ينبه الناس، ويقول: إذا كان الصف الأيمن طويلاً؛ فائتوا في اليسار، هذا إذا قلنا: بأن حديث: (وسِّطوا الإمام) ضعيف، كما هو معروف عند أهل الحديث، أما إذا كان صحيحاً؛ فالأمر واضح أنه يوسط الإمام.(140/18)
لا يجوز تفريق المسلمين إلى جماعات وأحزاب
السؤال
فضيلة الشيخ، عندنا في الجامعة عدة جماعاتٍ، وكل جماعةٍ تحاول اجتذاب أكبر عددٍ من المستجدين، فالذي يذهب إلى جماعةٍ، تنشأ بينه وبين الجماعات الأخرى نوع من العداوة، حتى إن الواحد يمر وما يسلم، أو ما يسلمون عليه، فماذا يفعل الشخص حتى يبرأ لدينه، ولا تنشأ بينه وبين إخوانه المسلمين عداوة؟
الجواب
أولاً: نقول: يجب أن تُزال هذه الفرقة، وأن يكون المؤمن أخاً لأخيه المؤمن، لا يظلمه ولا يكذبه ولا يحقره.
فالواجب على كبار الذين في الجامعة من الأساتذة، أو المدير، أو من عرفاء الفصول، أن يحاولوا إزالة هذا التفرق قبل كل شيء، فإن حصل فبها ونعمت، وإن لم يحصل فاعتزلوا الفرق كلها، لا تكن مع هؤلاء ولا مع هؤلاء.
لكن لو فرضنا أن هناك -مثلاً- طائفة انحرافها واضح، وهناك طائفة استقامتها واضحة، فمعلوم أن الإنسان يختار الثانية على الأولى.(140/19)
شروط إباحة التمثيل
السؤال
فضيلة الشيخ، ما هي الشروط التي وضعها فضيلتكم للتمثيل؛ ليكون مباحاً؟
الجواب
الشروط: أولاً: أن لا يكون فيه كذب: فإن كان فيه كذب؛ فإنه لا يجوز.
ثانياً: أن لا يُمثلَ من له حق الاحترام: كالصحابة رضي الله عنهم، وأئمة المسلمين، وما أشبه ذلك.
الشرط الثالث: أن يكون في ذلك مصلحة: كمعالجة مسائل اجتماعية، وما أشبه ذلك.
الشرط الرابع: أن لا يقوم بدور المرأة وهو رجل، أو تقوم المرأة بدور الرجل.
والخامس: أن لا يكون فيه دور حيوان: بأن يقوم بعض الممثلين بدور شاة، أو بعير، أو بقرة، أو كلب، أو ما أشبه ذلك.
السادس: أن لا يقوم بدور كافر: كأن يقوم أحد الممثلين بدور أبي جهل -مثلاً- أو بدور أبي لهب، أو ما أشبه ذلك؛ لأن هذا ربما يوقع في قلبه شيئاً، أو ربما يقع في قلبه شيء، وربما يُعَيَّر به أيضاً بين الناس، فيقال: يا أبا جهل، يا أبا لهب، وما أشبه ذلك.
المهم: الضابط العام: أن لا يتضمن التمثيل شيئاً محرماً لأي سبب، قد يكون من جنس ما مثلنا به، وقد تكون هناك أشياءٌ غابت عنا أيضاً.(140/20)
حكم مجالسة من يفعل المنكر
السؤال
فضيلة الشيخ، إنسانٌ رأى شخصاً على منكر، فأنكر عليه، وهذا الشخص لابد أن يعاشره مثل: أبيه، وأخيه، أو عمه، فهل إذا -مثلاً- ما انتهى ذاك عن المنكر تبرأ ذمة هذا الشخص، وله -مثلاً- مجالسته مع كرهه للشيء الذي يفعله؟
الجواب
أما مجالسته مع فعل المنكر فلا تجوز، حتى لو كان أباك أو أمك، وأما مجالسته على غير هذا المنكر فلا بأس، إلا إذا كان في هجره مصلحة، بحيث يتوب عما كان عليه، فليهجر حتى الجلوس معه؛ لكنَّ الإحسان من دون مجالسة للوالدين والأقارب لابد منها، أفهمت؟؟ فمثلاً: إذا قدرنا أن الوالد -مثلاً- يشرب الدخان، وقال: لابد أن تجلس معي، وهو يشرب لا تجلس معه، لمعصيته؛ لكن إذا كان لا يشرب فلك أن تجلس معه وتحادثه، ولو كنت تعرف أنه يفعل منكراً من شرب دخان أو غير الدخان.
السائل: لكن هل تبرأ ذمته من يوم نَصَحَه؟ الشيخ: إي نعم! تبرأ ذمته، قال الله للرسول عليه الصلاة والسلام: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:21-22] .(140/21)
كيفية قضاء دين من مات وعليه ديون مؤجلة
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك رجل توفي وكان عليه ديون مؤجلة، فهل هذه الديون المؤجلة تقسم من التركة قبل الإرث، أم أنها تبقى في ذمته، حتى تسدد على حسب الأقساط السنوية؟
الجواب
على كل حال: إذا كان الدين مؤجلاً، فإنه إذا مات الميت يحل الدين، ويُلْغى الأجل، إلا إذا وثَّق الورثة برهن يُحْرز يكفي أو ضامن مليء.
فمثلاً: إذا مات وعليه دين للبنك العقاري في بيته الذي هو ساكن فيه، فنقول: إن كان هناك أقساط حلت عليه قبل أن يموت، ولم يسددها، فالواجب أن يسددها الورثة فوراً، أو يبيعوا البيت فيسددوها، وإن كان قد أدى الأقساط التي حلت في حياته، وبقيَت الأقساط التي تحل فيما بعد فالميت بريء من ذلك، وتتعلق الديون بالبيت المرهون للبنك، هل هذا واضح؟ السائل: وهل للورثة أن يسددوا الديون على حسب الأقساط السنوية مثلاً؟ الشيخ: لا بأس بهذا؛ لأن فيه رهناً؛ لكن لو فرضنا أن إنساناً قد استقرض من شخص مائة ألف -مثلاً- أو اشترى منه سيارة بخمسين ألفاً مؤجلة، فهنا نقول للورثة: إما أن تأتوا برهن، وإلا حلت الدراهم، أو تأتوا بضامن يضمن، وهو غني مليء.
السائل: إذاً بالنسبة للديون التي عليه وحلت، تكون في ذمته؛ لكن المتبقية كيف يكون تسديدها؟ أنا قلت لك: المتبقية أصلاً ما يمكن تبقى، لنفرض: مسألة العقار عرفتَ الآن حكمها، أما غير العقار فمثلاً: إنسان اشترى سيارةً من شخص مؤجلةً خمسين ألفاً، كل شهر ألفين ريال، أفهمتَ؟ وأدى ما حل قبل أن يموت، لما مات قدرنا الباقي في قيمتها ثلاثين ألفاً من خمسين، نقول للورثة: إما أن تسددوها الآن من تركته، وإما أن تأتوا برهن للذي باع السيارة، تأتون برهن يكفيه، أي: يساوي ثلاثين ألفاً أو أكثر، وإما أن تأتوا بشخص يكون ضامناً ضمان غرامة؛ لأجل أن يؤمِّن البائع حقه، أما أن تبقى -هكذا- مؤجلة في ذمة أناس لا ندري متى يقضونها، هذا لا يمكن.(140/22)
عند اختلاف العلماء يؤخذ بالقول الأيسر إن كان موافقاً للحق
السؤال
فضيلة الشيخ! في حالة اختلاف العلماء في الأقوال الفقهية، هل نأخذ بالذي يقول الأشد إبراءً للذمة أم نأخذ بالذي يقول بالأسهل عملاً بالحديث: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا خُيِّر بين أمرين، أخذ بأسهلهما) ؟
الجواب
أرأيت لو كان إنسان مريضاً واختلف عليه طبيبان، أحدهما قال: خذ هذا العلاج، والثاني قال: خذ هذا العلاج، من يأخذ بقوله؟ السائل: بالأقوى في الطب.
الشيخ: نعم، بالأوثق، الأوثق عنده علمٌ وفهمٌ.
هكذا أيضاً المسائل الدينية، إذا اختلف عندك عالمان، فالذي ترى أنه أقرب إلى الصواب خذ به، سواء كان أشد أو أيسر.
فإن تساووا عندك أو لا تدري، فمن العلماء من يقول: خذ بالأحوط، وهو الأشد.
ومنهم من يقول: خذ بالأيسر.
ومنهم من قال: أنت مخير، حتى لو عملت بقول هذا العالم اليوم، وبقول العالم الثاني غداً فلا بأس في ذلك.
لكن الأقرب عندي أنك تأخذ بالأيسر، إلاَّ إذا وجدت قلبك يميل إلى القول الأشد فخذ به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في نفسك) .(140/23)
حكم من لم يكمل صلاته خلف إمامه عند سجود الإمام للسهو
السؤال
رجل صلى، وفاتته من الرباعية ولما قام ليقضيها سجد الإمام السهو، أو تكلم هو والمأمومون، وقد قام هذا الذي فاتته ركعة ليأتي بالركعة، فسجد الإمام فكيف يفعل؟ هل يرجع؟
الجواب
أُعطيك قاعدةً: إذا كان سجود الإمام بعد السلام؛ فقم من حين أن يسلم، ولا تسجد معه؛ لأن صلاته تمت، ولا يمكنك أن تتابعه فيها؛ لأنك لو تابعته لوجب أن تسلم ولا يمكنك أن تسلم قبل انتهاء الصلاة، وعلى هذا فقم وأكمل صلاتك، ثم إن كان سهو الإمام الذي سجد من أجله قبل أن تدخل معه، فليس عليك شيء، وإن كان سهو الإمام بعد أن دخلت معه، فهنا إذا انتهيت من الصلاة وسلَّمت فاسجد سجدتين.
فخذ هذه القاعدة، أي مسألة ترد عليك طبِّقها على هذا.(140/24)
الأفضل في السنة الراتبة أن تصلى في البيت
السؤال
فضيلة الشيخ! أيهما أفضل في الأجر: التبكير إلى المسجد وحضور الصف الأول، أم صلاة السنة الراتبة في البيت، وبذلك يفوت الصف الأول؟
الجواب
الذي يظهر لي أن الأفضل أن تصلي في البيت؛ لأن مخاطبتك بالراتبة قبل مخاطبتك بالصف، ويُبدأ بالأول فالأول، فصلِّ الراتبة ثم اذهب إلى المسجد، وكن حيثما تجد المكان.(140/25)
مصارف الزكاة
السؤال
هل يجوز للمرأة أن تعطي من زكاتها زوجَها وولدَها إذا كان عليه ديون؟
الجواب
إي نعم! يجوز للزوجة أن تعطي من زكاتها في قضاء دين زوجها، ويجوز للإنسان أن يعطي من زكاته في قضاء دين ولده، إلاَّ إذا كان الولد قد استدان من أجل النفقة، والأب غني، فلا يجوز أن يقضي دينه من زكاته؛ لأنه مطالب بالإنفاق عليه، فلو أننا قلنا: يجوز أن تعطيه من زكاتك، لَمَاطَلَ في النفقة من أجل أن يعطيه من الزكاة.(140/26)
جواز أخذ الزكوات ممن يتعاملون بطرق غير شرعية
السؤال
أحسن الله إليك! -يا شيخ- ما حكم قبول -يا شيخ- الزكوات من بعض البنوك الربوية؟ -فذلك في منطقتنا- بعض جمعيات البر تقبل الزكوات من بعض البنوك الربوية.
الجواب
لا بأس بقبول الإنسان الزكاة أو التبرعات من البنوك الربوية؛ لأنه أخذها بحق، والإثم على البنك إذا كان اكتسبه بربا، والدليل على هذا: أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قَبِل الهدية من اليهود، وأجاب دعوة اليهود، ومعلومٌ أن اليهود يأكلون الربا، ويكسبون الأموال بالسحت، وكذلك أيضاً عامَلَ اليهود في خيبر، أي: أعطاهم من النخل والزرع، على أن لهم النصف وللمسلمين النصف، ومعلوم أنهم يكتسبون من الربا.
فلذلك خذ قاعدةً مفيدةً: كل من اكتسب شيئاً بطريق مباح، فليس عليه إثم من اكتسبه بطريق محرم؛ لأن هذا محرم لكسبه، فيكون حراماً على من كسبه بغير حق، إلاَّ إذا علمت أن هذا المال مال فلان، مثل: إنسانٌ سارقٌ سرق شاة وأتى بها إليك يهديها لك، هذا لا يجوز أن تقبلها منه؛ لأنك تعرف أن هذه الشاة شاة فلان، لكن ما كان محرماً من أجل الكسب، فإن مَن أخذه بحق فهو حلال له، فهمتَ القاعدة هذه؟ فهذه القاعدة طبِّق عليها كل شيء، كل ما ورد عليك طبقه عليها، من اكتسب شيئاً محرماً -أي: بطريق محرم- ثم أخذه الإنسان منه بطريق مباح فلا بأس.(140/27)
عدم جواز مس العورة
السؤال
فضيلة الشيخ، قرأتُ في كتابٍ اسمه: محرمات استهان بها الإنسان، لفضيلة الشيخ محمد صالح المنجد، تصحيح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ويقول فيه: (وكل عورةٍ لا يجوز النظر إليها، لا يجوز مسها ولو من وراء حائل) ، وفي المدرسة درستُ الفقه، ويقال فيه: يجوز مس العورة بشرط: أن يكون من وراء حائل، فماذا أصدق الكتاب أم المدرسة؟
الجواب
ليس بينهما تناقضٌ -بارك الله فيك- الذي قرأتَ في الكتاب كتاب المدرسة يريد عورة نفسه، أي: أن الإنسان لو مس عورته بحائل؛ فإنه لا ينتقض الوضوء.
أما الأول: -وهو الذي في كتاب المنجد - إذا نظر الإنسان إلى عورة غيره، فهذا لا يجوز له النظر إلى عورة غيره إلا واحداً فقط، وهو الزوج مع زوجته، فيجوز لها أن تنظر إلى عورة زوجها، ويجوز لزوجها أن ينظر إلى عورتها، ويجوز له مس عورتها، ويجوز لها مس عورته؛ لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:5-7] .
وفي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وإن كان فيه ما فيه من الضعف: (احفظ عورتك إلا من زوجك، أو ما ملكت يمينك) إذاً: القولان لا يتعارضان.
جزاكم الله خيراً.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء.
نسأل الله تعالى أن ينفع به، ويجزيكم الثواب الجزيل، وأبشروا بالخير، فإن (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة) وكلنا نود أن نصل إلى الجنة بأي طريق، وهذا الذي يسلك الطريق الحسي أو المعنوي في التماس العلم فإن الله يسهل له به طريقاً إلى الجنة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(140/28)
لقاء الباب المفتوح [141]
يبدأ الشيخ مطلع كل لقاء بتفسير بعض الآيات من كتاب الله عز وجل، وفي هذا اللقاء فسر آيات من سورة الذاريات من قوله تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) إلى قوله تعالى: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) .
ثم ختم لقاءه بالإجابة عن الأسئلة التي وردت إليه.(141/1)
تفسير آيات من سورة الذاريات
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الحادي والأربعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح، الذي يتم كل يوم خميس، وهذا هو يوم الخميس الثالث من شهر رجب عام 1417هـ لنبدأ هذا اللقاء بما هو العادة بتفسير آية من كتاب الله عز وجل.(141/2)
تفسير قوله تعالى: (إن المتقين في جنات وعيون)
قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الذاريات:15] فهذه الجملة خبرية، مؤكدة (بإن) {إِنَّ الْمُتَّقِينَ} [الذاريات:15] والمتقون: هم الذين اتقوا عذاب الله عز وجل بطاعته -بامتثال أمره واجتناب نهيه- {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الذاريات:15] جنات جمع جنة، وجمعت باعتبار أنواعها وأصنافها، وقد جاءت في القرآن مفردة مثل قوله: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا} [الزخرف:72] وجاءت -أيضاً- مجموعة فهي مفردة باعتبار الجنس، ومجموعة باعتبار النوع، و (عيون) : جمع عين وهي: الأنهار الجارية، وقد ذكر الله تعالى أنها أربعة أنواع: {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:15] .(141/3)
تفسير قوله تعالى: (آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين)
قال تعالى: {آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} [الذاريات:16] قوله: آخذين: هذه حال من الضمير المستتر بالخبر، أي: حال كونهم آخذين ما آتاهم ربهم، أي: ما أعطاهم من النعيم، وهذه الآية كالآية التي في سورة الطور: {فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} [الطور:18] أي: ما أعطاهم الله من النعيم في هذه الجنات، ثم بين السبب الذي وصلوا به إلى هذا فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} [الذاريات:16] .
{كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ} : أي: في الدنيا {مُحْسِنِينَ} أي: قائمين بطاعة الله على الوجه الذي يرضاه الله عز وجل -وقد سبق- بل وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) هذا الإحسان في العبادة، أما الإحسان في معاملته للخلق، فإن أجمع ما يقال فيه، ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام: (من كان يحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم والآخر، وليأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه) ، هذا هو الإحسان إلى الناس: أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، من حسن خلق وطلاقة الوجه، وكف الأذى، وبذل الندى، إلى غير ذلك مما هو معروف، فهؤلاء المحسنون في عبادة الله، محسنون إلى عباد الله، كانوا قبل ذلك، أي: قبل أن يأخذوا ما آتاهم الله من النعيم محسنين.(141/4)
تفسير قوله تعالى: (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون)
ثم فصل نوعاً من هذا الإحسان فقال: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:17] (ما) قيل: إنها زائدة في اللفظ، لكنها ليست زائدة في المعنى، وأن التقدير: كانوا قليلاً يهجعون، أي: لا ينامون إلا قليلاً، وماذا يصنعون في هذه اليقظة؟ يصنعون ما ذكره الله في سورة المزمل: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} [المزمل:20] .
هم لا يسهرون على اللهو واللغو أو يستيقظون على مثله، ولكنهم يقل نومهم للتفرغ لطاعة الله عز وجل.(141/5)
تفسير قوله تعالى: (وبالأسحار هم يستغفرون)
قال تعالى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:18] (الأسحار) جمع سحر وهو آخر الليل، (هم يستغفرون) الله، أي: يسألون الله المغفرة، وهذا من حسن عملهم وعدم إعجابهم بأنفسهم، وكونهم يشعرون بأنهم وإن اجتهدوا فهم مقصرون فيستغفرون الله بعد فعل الطاعة، جبراً لما حصل فيها من خلل، وأنتم تعلمون أنه يشرع في نهاية العبادات أن يستغفر الإنسان ربه مما قد يكون فيها من خلل، فبعد الصلاة يستغفر الإنسان ربه ثلاثاً، وبعد الحج قال الله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:198-199] .
فهم يسألون المغفرة بعد تهجدهم وقيامهم وسهرهم في طاعة الله، خوفاً من أن يكون هناك تقصير وهذا مما يدل على معرفتهم بأنفسهم وأنهم يرون أنفسهم مقصرين، خلافاً لما يفعله بعض الناس اليوم إذا تعبد لله بأدنى عبادة شمخ بنفسه وأدل على الله تعالى بها، وظن أنه من عباد الله الصالحين، صحيح أن الإنسان ينبغي أن يرجو ربه إذا أنعم عليه بالطاعة أن الله يقبلها، لكن كونه يرى أنه قد أتم كل شيء، هذا يخشى عليه أن يحبط عمله وهو لا يشعر.(141/6)
تفسير قوله تعالى: (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم)
قال تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات:19] في أموالهم كلها، سواء الأموال الزكوية أو غير الزكوية فيها حق للسائل والمحروم، إذا أتاهم سائل أعطوه، إذا رأوا محروماً -أي: ممنوعاً من الرزق وهو الفقير- أعطوه، فمالهم قد أعدوه لما يرضي الله عز وجل من السؤال والمحرومين، وغير ذلك من الإنفاق، المهم من الإنفاق المشروع، إذاً هم يقومون بطاعة الله، تهجد في الليل واستغفار وبذل للمال، لكن من غير سرف ولا مخيلة.
ونقتصر على هذا؛ حتى نتفرغ للأسئلة؛ ولأنه سنبدأ في آيات جديدة ليست من الموضوع الذي نحن بصدده.(141/7)
الأسئلة(141/8)
معنى قوله تعالى: (وبالأسحار هم يستغفرون)
السؤال
قوله: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:18] هل هو في صلب الصلاة أو من بعد انتهائهم من الصلاة؟
الجواب
بعد انتهائهم من الصلاة، هكذا قال أهل العلم، أن بعد الانتهاء من الصلاة يخشون أن يكون فيها نقص فيستغفرون الله.(141/9)
الدليل على أن السكان الأصليين لهم حقوق أكثر من الوافدين
السؤال
هل هناك في الشريعة الإسلامية أدلة تقوي قول الذين يقولون: إنه ينبغي أن يكون المسلمون الذين يعيشون في مكان ما، هم من المستوطنين فيه منذ زمن، أو أنهم سكان أصليون تعطى لهم حقوق أكثر من المسلمين الوافدين، هل هناك أدلة على ذلك، وما حكم من يفعل ذلك؟
الجواب
ليس هناك إلا حديث معاذ بن جبل: (أعلمهم أن الله كتب عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) فبدأ بفقرائهم؛ لأنهم أحق من غيرهم، لكونهم من الجيران، ولتعلق نفوسهم بأموال الأغنياء عندهم، هذا ما أعلمه في هذه المسألة.(141/10)
دعاء ضعيف يقال قبل النوم
السؤال
هذه المرأة تسأل عن دعاء قبل النوم تقول: إنها سمعته في التلفاز قبل صلاة الجمعة، ويقال: إنه ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ونص هذا الدعاء: من قرأ الفاتحة أربع مرات كأنه تصدق بأربعة آلاف درهم، ومن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كأنه طاف بالكعبة، ومن قال: أستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، وسبحان الله العظيم عشر مرات ضمن الله له الجنة، فهل هذا الدعاء صحيح أم لا؟
الجواب
ليس بصحيح وليتها تبين لنا الحلقة التي ذكر فيها هذا الدعاء في تلفاز المملكة؛ لأننا لا نأخذ من الإذاعة ومن تلفاز المملكة ما ليس بصحيح، فهذا الحديث ليس له أصل ولا تعمل به، وأريد أن تحدد لي الحلقة ومن هو المتكلم.(141/11)
المعاشرة بين الزوجين تكون بالمعروف
السؤال
هذه امرأة تذكر أنها متزوجة وذكرت أن لها كثيراً من الأولاد، وتقول: زوجها تزوج قبلي وبعدي وأن عمرها فوق الأربعين وتقول: زوجي سيئ المعاملة وأخلاقه شرسة، ويعاملني أسوء المعاملة، يقصر في حقوقي، ولا يلبي لي أي طلب، ولو كان تافهاً، وإذا أتى إلى فراشي يقول لي: إني أجامعك ليس محبة فيك وإنما خوفاً من الله، وتقول: إني كرهته واشمأزت نفسي منه، وإذا أتى يريدني دفعته، وحتى الأكل لا يريدني أن أخالطه فيه فهل عليّ إثم في ذلك، وهل هو عليه إثم فيما يفعل أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
الجواب
لا شك أن الواجب على الزوجين أن يعاشر كل منهما الآخر بالمعروف لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] وما وصفت عن زوجها ليس من العشرة بالمعروف ولها أن تمنعه حقه عليها، كما أنه منع حقها عليه، ولكني أشير عليها بالصبر والاحتساب وانتظار الفرج من الله عز وجل، وكل شيء له مدة، هذا ما أراه بالنسبة له، أما إذا أرادت أن تحقق وأن تأخذ حقها منه، فكما قلت: من ضيع حق زوجته فلها أن تضيع من حقه بقدر ما ضيع من حقها؛ لأن الله قال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] .(141/12)
حكم دفع إيجار مبنى الجمعية الخيرية من الزكاة
السؤال
الجمعية الخيرية تجمع أموال زكاة وتوزعها على الفقراء والمساكين وهي الآن في بناية لي فهل لها أن تدفع إيجار المبنى من أموال الزكاة؟
الجواب
أموال الزكاة لا يجوز أن يدفع منها، ثم الواجب على هذه الجمعية أن تفعل كما فعل غيرها أن تجعل بنداً خاصاً للزكاة، وبنداً للصدقات، وبنداً للأعمال الخيرية العامة، المهم أنها لابد أن تميز الزكاة عن غيرها.
السائل: ما وجدنا يا شيخ! من أموال الصدقات أو التبرعات الأخرى ما يفي سداد الإيجار؟ الشيخ: إذا لم تجد تطلب من شخص معين أجرة هذا المكان.
السائل: والعاملين في الجمعية هل يعطون من أموال الزكاة؟ الشيخ: العاملين إذا كانوا منصوبين من قبل الدولة.
السائل: لكن من الجمعية محاسب راتبه ما يكفيه؟ الشيخ: لا يمكن إلا من جهة الدولة؛ لأن العاملين عليها هم العاملين من قبل الدولة، من قبل ولي الأمر، ولهذا جاء حرف الجر عليها، ولم يقل فيها، إشارة إلى أنه لابد أن تكون لهم ولاية، ولا ولاية لهم إلا إذا أنابهم ولي الأمر منابهم.
السائل: يا شيخ! هو محاسب في الجمعية وراتبه لا يكفي؟ الشيخ: الجمعية تبين لي من كلامك أنها ضعيفة، وأن اعتمادها الأصلي على الزكوات، إذاً تترك المجال لغيرها، الزكوات الآن جعلت لها مورد معين، ومصدر معين، ومصرف معين.(141/13)
حكم قضاء ما على المدمن للمخدرات لصاحب المخدرات
السؤال
هناك شاب كان مسرفاً على نفسه، وكان يستعمل المخدرات فهو مديون الآن لأصحاب المخدرات، هل يسددهم قيمة ما أخذه من المخدرات أم لا؟
الجواب
أنا أرى أنه بارك الله فيك! يُعطي قيمة ما أخذ منهم إلى بيت المال، ولا يردها عليهم، وأما كونه لا يردها عليهم؛ لأنه ثمن شيء محرم، وأما كونه يعود إلى بيت المال، لئلا يجمع بين العوض والمعوض، لو قلنا: لا تعطيه، بمعنى أنه أخذ العوض سابقاً من هذه المخدرات نسأل الله العافية وأمسك قيمتها، فنقول: القيمة التي اشتريتها لابد أن تعطيها بيت المال، وأما هم فلا يستحقون شيئاً؛ لأنهم أصل كسبهم مال حرام.
السائل: إذا تصدق به يا شيخ؟! الشيخ: لا ينفع، لأنه إذا ردوه إلى بيت المال وقال لهم القاضي تصدقوا به، لا بأس.(141/14)
حكم تزوير بعض الأوراق للهروب من الضرائب
السؤال
هناك بعض دور النشر يُطلب منها كتب خصوصاً الكتب الإسلامية ترسل إلى موزعين مسلمين يوزعونها بشكل تجاري -طبعاً- في بلاد الكفر للأقليات المسلمة الموجودة في بلاد الكفر، ولكن حين دخول هذه البضاعة التي هي الكتب يفرض عليها ضرائب عالية جداً إذا عُلم أنها للتجارة، فيطلب الموزعون من دار النشر أن ترسل فاتورة أخرى مكتوب عليها أقل من القيمة التجارية الأولى -قيمة الثمن الأصلي- بحد معين الذي هو أدنى من الحد الذي تفرض عليه الضرائب وبالتالي يتجنبون دفع ضرائب كبيرة على تلك البضاعة، فيسألون هل هذا يجوز إرسال الفاتورة الثانية التي هي ليست حقيقية إنما لتعرض لأصحاب الجمارك في تلك الديار، حتى لا يدفعوا الضرائب الباهضة عليهم؟
الجواب
هل سيعاملون الزبائن بمقتضى السعر المخفض؟ لا.
السعر هذا الذي على الفاتورة الثانية لا يتعدى اثنين بالمائة من القيمة الحقيقية- أي: لا بأس ما في مانع، غاية ما فيه أنهم أسروا ثمناً وأعلنوا ثمناً دفعاً للظلم عن أنفسهم ولا بأس بذلك.(141/15)
حكم العباءة إذا لم تكن مطرزة وكانت ضيقة وشفافة
السؤال
هناك عباءة لها أكمام تشابه ما تسمى بالفرنسية ولا يكون فيها تطريز، وبعضهم يقول: هذه ليست فرنسية، وتكون بعض الأحيان ضيقة، بالإضافة إلى نقاب يكون عليها غطاء، لكن لون البشرة يكون واضحاً من خلف الغطاء، ما رأي فضيلتكم؟
الجواب
أرى أنه يجب أن يكون غطاء الوجه غطاءً صفيقاً يستر الوجه، لا بد من هذا، أما مسألة العباءة فإذا كانت لا تصف حجم البدن فلا بأس بها، على أنني أكره كل جديد من هذا النوع؛ لأن النساء إذا كانت تتلقف كل موضة تأتي فسوف تتوسع، فاليوم يمكن يصلون عباءات واسعة وفضفاضة، وبعدئذ تكون ضيقة، ثم بعد مدة ليست بعيدة، تترك العباءة نهائياً، ولا أدري ماذا سيكون، ولهذا أرى أنه يجب على الرجال الذين هم أولياء النساء، أن يلاحظوا هذه المسألة وألا يترك العنان للنساء تشتري ما شاءت وتلبس ما شاءت، فالمهم أن غطاء الوجه لابد أن يكون صفيقاً، كل غطاء يتبين فيه لون البشرة فإنه ليس بغطاء في الحقيقة، وبالنسبة للعباءة فلا شك أن العباءة الأولى التي ليس لها أكمام والتي تستر المرأة كلها ولا يتبين منها شيء هي خير من هذه، لكن التحريم يحتاج إلى شيء بين، أي: يحتاج إلى دليل واضح.(141/16)
حكم الدعاء على شخص بأن يهلكه الله
السؤال
إذا دعا شخص وقال: اللهم إن كان في سابق علمك إن هذا الشخص من أهل النار، اللهم أهلكه واقتله ولا تبقه، وإن كان في سابق علمك أنه من أهل الجنة اللهم أبقه؟
الجواب
هذا غلط عظيم، ولا يجوز الدعاء بهذا، بل الواجب أن تدعو لإخوانك بالهداية، وكونه في سابق علم الله، لا تعترض عليه أنت؛ لأن الله تعالى إذا دعوت له بالهداية، فإن كان الله قد قدر أنه غير مهتدي فإنه سيبقى غير مهتدي، وإن كان قد قدر أنه سيهتدي صرت أنت من سبب الخير، من أسباب هدايته؛ لأن الله يجيب دعوة الداع إذا دعاه.
فأما هذا الدعاء الذي ذكرت فهو دعاء بدعي، ما كان الرسول يقول به ولا السلف وفيه نوع من الاعتراض على القضاء والقدر.(141/17)
حديث: (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك)
السؤال
مجموعة أشخاص أودعوا مالاً عند شخص، فأتوا يطلبون منه هذا المال، فأنكر، فقاموا وتحيلوا عليه حيلة من أجل أن يستخلصون مالهم -كيف؟ - أرسلهم يأتون بجهاز، ويشترون له حاجة، ويقولون: الجهاز حصلناه مثلاً بخمسمائة ريال وهو في الحقيقة بمائة أو حصلوا عليه هدية وأعطوه من أجل أن يحصلوا على هذا المال.
الجواب
المهم سأعطيك حديثاً عن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (أد الأمانة إلى من أتمنك ولا تخن من خانك) .
فإذا كان قد جحد حقهم ولم يمكن إقامة البينة عليه عند القاضي، فإنهم سيجدونه في وقت يكون أنفع لهم من الحياة الدنيا، وأما التحيل فلا يجوز.
نعم.
لو تحيلوا عليه أن يقر، مثل أن يعدوه يقولون: أنت إذا أقررت ربما نعفو عنك، أو ما أشبه ذلك، لا يعدونه وعداً جازماً، ربما نعفو عنك أو ربما تتسهل أمورك، أو ما أشبه ذلك فإذا أقر فحينئذٍ يلزم الحق.(141/18)
ترك الحلف بالطلاق وكفارة الأيمان
السؤال
قريب لي كان بينه وبين زوجته مشاكل كبيرة، فعند نصحي له؛ لأنه قريب لي بعد ما نصحته قال لي: تعرف الباب؟ قلت: نعم.
أعرف الباب، يعني: المقصود طردني من البيت، ونحن في بيت أبيه ليس بيته هو، أنا سكت وكأن لم يكن شيئاً، ولكن بعد فترة من الزمان تبين لي من ثانٍ أنه قال لي: إني لم أفهم قصده ولم أفهم من كلامه شيء، فقلت لهذا الشخص وأنا في حالة غضب: أنا أتيت أنصحه وبالأخير يرد علي بالكلام هذا، وأنا ساكت أريد الأجر من الله سبحانه وتعالى، فالغضب هذا حلفت بالطلاق وأنا ندمان عليه قلت لعيالي: أنا لا أدخل بيته هو، ما هو بيت أبيه، إلا أن هذه المشكلة بينه وبين زوجته انتهت ورجع إلى زوجته، وأنا ندمان على هذا الفعل حتى أنه قريب لي، لا بد في يوم من الأيام أني أدخل بيته؟
الجواب
أولاً: بارك الله فيك! أنصحك ألا تحلف بالطلاق -قلتها بغير قصد- (من كان حالفاً - كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- فليحلف بالله أو ليصمت) ، وأما حل مشكلتك التي وقعت فيها الآن، فمع التوبة أخرج كفارة يمين، بأن تطعم عشرة مساكين عشرة كيلو من الرز، لكل مسكين كيلو ونرجو من الله أن يعفو عنك.(141/19)
السلم وشروطه
السؤال
عندنا نوع من المعاملة المالية تشبه السلم، يأتي التاجر أو صاحب المال فيعطي الفلاح مبلغاً مثلاً ألف ريال ويقول له: إذا حصدت البر أو الأرز أعطني به براً، لكنه إذا جاء يشتري منه يشتري بسعر يوم الحصاد؛ لأنه لو اشترى بسعر يوم الدفع يكون فيه ظلم على صاحب المال؛ لأنه سيكون في هذا الوقت السلعة غالية جداً، فإذا جاء الحصاد وراجت السلعة رخص ثمنها ثم هم في الغالب لا يحدد كم بهذا الألف لا يحدد الكمية المضبوطة التي يشتري منه فهل هذا صحيح؟
الجواب
هذا سلم وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من أسلم في شيء فليسم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) فلابد أن يعين الأجل وأن يعين الكيل والوزن والنوع والوصف رديء أو جيد، ولابد أن يكون تقدير الثمن وقت الإسلاف، يجوز بسعره بأقل أو أكثر المهم أن يتفقوا على القيمة في ذلك الوقت.
السائل: المخالفة الوحيدة هنا عدم الاتفاق على الكيل؟ الشيخ: لا، الكيل على قدر القيمة، لابد أن يقدروا القيمة، في وقت دفع المال يقدرون القيمة بما شاء، حتى لو فرضنا أن الصاع يساوي عشرة وقدره بإحدى عشر، أو باثني عشر، أو بثلاثة عشر، أو بستة، أو سبعة هم أحرار.
السائل: هذا في الغالب التاجر يقول: أنا لا أشتري بسعر اليوم؟ الشيخ: بكم تشتري؟ السائل: يريد أن يشتري بسعر الحصاد؟ الشيخ: سعر الحصاد مجهول.
السائل: يتغير يوماً بعد يوم.
الشيخ: لا يجوز، هم إذا قدروا الثمن التاجر يحتاط لنفسه ويرفعه قليلاً، وقد ينزله قليلاً، وبدل ما يكون الصاع بعشرة يقول: بثمانية، أيضاً يجب أن يعلم أن النقد ما هو مثل المؤجل، لابد أن يكون أنقص من السعر الآجل.(141/20)
التفصيل فيمن دخل المسجد والإمام ساجد أو في التشهد
السؤال
في دخول المسجد وإدراك الإمام ساجداً سواء في الركعة الأولى أو في الركعة الأخيرة، البعض ينتظر حتى يرفع الإمام، والبعض يسجد، ويحصل بعض النقاش من الجماعة؟
الجواب
إذا كان يخشى أن تكون هذه الركعة الأخيرة فلينتظر؛ لأنها إذا كانت الركعة الأخيرة ودخل معهم لم يدرك الجماعة، أما إذا كان لا يدري، أو يعلم أنها ليست الركعة الأخيرة؛ لأنه سمع الإقامة من قبل فهنا يدخل معهم، ويبادر بالدخول ليحصل على الأجر.
أولاً: ليكون ممتثلاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فما أدركتم فصلوا) .
وثانياً: يحصل له أجر السجود، والتسبيح في السجود وزيادة الزمن في العبادة، فصار فيه التفصيل.(141/21)
حكم بيع العظم وشرائه
السؤال
هل يجوز لنا الانتفاع من العظم؛ لأنه في بلادنا يباع ويشترى؟
الجواب
يرى بعض العلماء أنه لا بأس ببيعه؛ لأن العظم يقولون: لا تحله الحياة، فلا يدخل في الميتة، ولكن أكثر العلماء يقولون: أنه تحله الحياة، وأنه يعتبر ميتاً، وقد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم نهى عن بيع الميتة، إلا الجلد إذا دبغ فإنه يكون طاهراً، ويباع وينتفع به، فالاحتياط ألا يتبايعوا، لكن لعل علماءكم هناك يفتون بالقول الثاني الذي يقول: إنه ليس بميتة؛ لأنه لم تحله الحياة.
وأما ما يقال: إن الجنب الأيسر حرام والجنب الأيمن حلال فهذا لا أصل له، إما أن تكون كلها حلال أو حرام.(141/22)
حديث: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم)
السؤال
(إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً) -صحيح- والإشكال عندي في رواية يعفر الثامنة بالتراب (ثامنهن بالتراب) ؟ وفي رواية (سبعاً) ؟
الجواب
هو ضمن السابعة، لكن إذا أضفت سبع غسلات بالماء والتراب كم صار؟ ثمان، ليس معناه أنك تغسله بالماء ثمان مرات، بالماء سبع، لكن إذا أضفت إليه التراب صار ثمان، فلا منافاة بين الروايتين؛ لأن كلاهما صحيحة وكلتاهما لا تنافي الأخرى.(141/23)
حكم المال الذي يحصل عليه السمسار
السؤال
إذا أراد رجل أن يبيع بيته فإنه يذهب إلى سمسار حتى يبيع هذا البيت ويحدد له السعر ويقول: نصيبك إن بعت البيت بكذا جزء من هذا السعر أو من هذا المال، فيذهب هذا السمسار ويتفق مع مشترٍ ويزيد له في السعر وتكون هذه الزيادة له، فبهذا يحصل على هذه الزيادة ومن البائع أيضاً هل هذه المعاملة جائزة؟
الجواب
إن كان صاحب البيت قال له: بعه بعشرة آلاف، ولك (10%) أو (5%) أو (1%) حسب ما يتفقون، فهنا إذا باعه بأكثر من عشرة آلاف الزيادة لصاحب البيت، وليس للسمسار إلا نصيبه الذي قدر، (10%) أو أقل أو أكثر، أما إذا قال: بعه بعشرة آلف وما زاد فلك، ووافق فلا بأس، لو باعه بأكثر من عشرة آلاف الزيادة تكون له.(141/24)
سنة الإشراق هي سنة الضحى
السؤال
سنة الإشراق هل هي سنة الضحى؟
الجواب
سنة الإشراق هي سنة الضحى، لكن إن أديتها مبكراً من حين أشرقت الشمس وارتفعت قيد رمح فهي صلاة الإشراق، وإن كان في آخر الوقت أو في وسط الوقت فإنها صلاة الضحى، لكنها هي صلاة الضحى؛ لأن أهل العلم رحمهم الله يقولون: إن وقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى قبيل الزوال.(141/25)
حكم استدبار الخطيب للقبلة في خطبة الجمعة
السؤال
في خطبة الجمعة يجب على الخطيب أن يستدبر القبلة؟
الجواب
الأفضل أنه يستقبل المأمومين، لكن وجوباً ليس بواجب.
السائل: هل هناك عبادة يجب أن يستدبر المرء فيها القبلة؟ الشيخ: ليس هناك عبادة يجب أن تستدبر فيها القبلة، وقلت لك هذه ليست بوجوب وإنما هي الأصل لكن أحياناً يجب على الإنسان أن يستدبر القبلة أو أن يستقبل القبلة، أو تكون عن يمينه أو شماله حسب ما وردت به النصوص، ولا أذكر مثالاً الآن، لكنها هي تنقسم إلى كل جهات الأرض استدبار واستقبال وعن جنوب وعن يمين وعن الشمال.(141/26)
البدع كلها ضلال
السؤال
ما هي البدعة الحسنة والبدعة السيئة؟
الجواب
ليس هناك بدعة حسنة أبداً، وكيف يمكن أن يكون هناك بدعة حسنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) .
السائل: يستدلون بكلام عمر؟ الشيخ: دعك من كلام عمر، هل تجد كلاماً أبلغ من كلام رسول الله؟ لا تجد، وهل تجد أحداً أعلم من الرسول بالشريعة؟ لا.
وهل تجد أحداً أنصح من الرسول؟ لا.
إذاً يقول: (كل بدعة ضلالة) وأما قول عمر: [نعمت البدعة هي] حينما أقاموا قيام رمضان على إمام واحد، فالمراد البدعة بعد أن تركت؛ لأنك تعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في رمضان ثلاث ليال ثم تخلى، وقال: (إني خشيت أن تفرض عليكم) فكونه يقيم بالناس ثلاث ليال ويتأخر في الرابعة خوفاً من أن تفرض، يقال: إن هذا الخوف الذي خافه الرسول انتفى بموته عليه الصلاة والسلام فما بقي خوف لكن في عهد أبي بكر كانت المدة قصيرة خلافته سنتان وشهران وأيام، وصار الناس باقون على ما كانوا عليه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، يصلي الرجل وحده ومعه الرجلان والثلاثة، وكذلك في أول خلافة عمر، ثم إنه رضي الله عنه أمر تميماً الداري وأبي بن كعب أن يصليا بالناس إحدى عشرة ركعة على إمام واحد، فخرج يوماً وهم يصلون فقال: [نعمت البدعة هذه] فهي بدعة باعتبار أنها تركت، ثم جددت، بدعة مجددة.(141/27)
حكم صلاة ركعتين بعد الوتر
السؤال
بالنسبة للركعتين الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصليهما بعد الوتر آخر الليل؟
الجواب
كان يصلي أحياناً ركعتين جالساً بعد الوتر لكنه قال: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) فمن قدم قوله على فعله قال: لا نقتدي بالركعتين هذه؛ لأنه إذا تعارض قول الرسول وفعله، قدمنا قوله، وعلى هذا فلا نصليها، ومن قال أنهما ركعتان تابعتان للوتر والرسول لا يفعلهما دائماً، قال: إنه لا بأس بفعلهما أحياناً ولهذا جعلهما النبي عليه الصلاة والسلام دون الوتر، الوتر يوتر قائماً وهذا يصلي ركعتين قاعداً، حتى تكون للوتر بمنزلة الراتبة لصلاة الفريضة، فالإنسان إذا فعلهما أحياناً فلا بأس، وإن تركهما فلا بأس.
السائل: وإذا صلى ركعتين هل يصلي ركعتين قبل صلاة الفجر؟ الشيخ: الركعتان التي قبل صلاة الفجر هذه راتبة الفجر ليس لها دخل في الوتر، ولا تكون إلا بعد طلوع الفجر، والركعتان اللتان بعد الوتر قاعداً هذه قبل الفجر.(141/28)
الجمع والقصر في السفر
السؤال
سافرت من بلد إلى بلد آخر، وبقي على البلد هذا مثلاً خمسة عشر كيلو وأدركت الوقت، هل يحق لي أن أجمع؟
الجواب
ما في مانع، اجمع واقصر.
السائل: لما أصل مثلاً إلى البيت الذي أسكن فيه يبقى عليها مثلاً نصف ساعة أو ربع ساعة؟ الشيخ: ما في مانع أنت أديت الواجب الذي عليك وانتهى.
السائل: والعكس إذا قدمت إلى البلاد التي أنا فيها؟ الشيخ: إذا قدمت إلى بلدك ما في بأس أيضاً، لكن إذا كان البلد الذي ستقدم عليه هو بلدك، فلا تجمع، اقصر ولا تجمع.
السائل: ما أدري هل أدرك الوقت أم لا؟ الشيخ: المهم أنا قلت: إذا كنت تعرف أنه ما بقي على البلد عادة إلا نصف ساعة، والوقت باقي ساعتين كنا نقول: الآن لا تجمع؛ لأنك سوف تصل مبكراً وتصلي الصلاة بوقتها، ولو جمعتها فلا بأس، لكن الأفضل ألا تجمع.
وإلى هنا ينتهي هذه اللقاء وإلى لقاء آخر إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(141/29)
لقاء الباب المفتوح [142]
في هذا اللقاء فسر الشيخ آياتٍ من سورة الذاريات وهي قوله تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) فتحدث عن الآيات وأنها جاءت نكرة لتشمل كل آية في الأرض، وفسر قوله تعالى: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) وقال: إن آيات النفس ليس في تركيب الجسم فحسب بل حتى في تقلبات الأحوال، وفسر كذلك قوله تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) .(142/1)
تفسير آيات من سورة الذاريات
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والأربعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو العاشر من شهر رجب عام 1417هـ.
نبدأ فيه كالعادة في تفسير ما تيسر مما وقفنا عليه في سورة الذاريات.(142/2)
تفسير قوله تعالى: (وفي الأرض آيات للموقنين)
قال الله تبارك وتعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} [الذاريات:20] .
(وفي الأرض آيات للموقنين) لم يبين الله عز وجل هذه الآيات بل جاءت مُنَكَرة ليشمل كل آية في الأرض، سواء كانت الآيات فيما يحدث فيها من الحوادث، أو كانت في نفس طبيعة وتركيب الأرض، فإن فيها آياتٍ عظيمة، في الأرض آيات من حيث التركيب، كما قال الله عز وجل: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} [الرعد:4] فتجد الحجر الواحد يشتمل على عدة معادن، وهو حجر واحد، وترى أحياناً في الجبال {جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر:27] .
وتجد فيها الأرض اللينة، والرخوة، والصلبة إلى غير ذلك مما يعرفه علماء الجيولوجيا من الآيات العظيمة، فيها آيات من جهة الحوادث التي تحدث فيها، من الزلازل والبراكين وغيرها، فيها آيات -أيضاً- من جهة طبيعة الجو من حر وبرد، ورياح عاصفة، ورياح باردة، ورياح دافئة وغير ذلك مما إذا تأمله الإنسان عرف بذلك قدرة الله عز وجل من جهة، وعرف حكمته ورحمته -أيضاً- من جهة أخرى؛ لأن آيات الله سبحانه وتعالى يتبصر بها الإنسان لا من حيث القدرة والعظمة بل حتى من حيث الحكمة والرحمة؛ لأن كل شيء تجده مناسباً لمكانه وزمانه، وكل شيء تجده من آثار رحمة الله تبارك وتعالى.
المهم أن كلمة (آيات) نجد أنها نكرة عامة لكل ما يحدث في الأرض من آيات، ولكل ما فيها من طبيعتها وتركيبها وغير ذلك.
(آياتٌ للموقنين) أي: لمن أيقن بوجود الله عز وجل وعظمته وجلاله، أما من شك -والعياذ بالله- فإنه لن ينتفع بهذه الآيات، بل قد تكون هذه الآيات ضرراً عليه، فإن الآيات الكونية أو الشرعية قد تكون خيراً للإنسان وقد تكون شراً، واستمع إلى قول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ} [التوبة:124] أي: من القرآن {فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:124-125] .
كذلك الآيات الكونية، من الناس من ينتفع بها ويستدل بها على ما فيها من آيات الله عز وجل، ومن الناس من يكون بالعكس يؤدي ما يجده من الآيات إلى الإلحاد والعياذ بالله، ولهذا قال: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} [الذاريات:20] أي: ليس لكل إنسان بل للموقن، أما الشاك والمتردد والكافر فإنه لن ينتفع بهذه الآيات.(142/3)
تفسير قوله تعالى: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)
وفي الآيات التي بعدها {وَفِي أَنْفُسِكُمْ} [الذاريات:21] أيضاً في أنفسكم آيات {أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] و (آيات) محذوفة هنا، ولهذا نقول في الإعراب: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ} [الذاريات:21] جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: (وفي أنفسكم آيات) والحكمة -والله أعلم- ونحن بعلمنا القاصر نظن أن الله حذف هذه الآيات؛ لأنها أمس بالإنسان من الأرض، وأدخل بالإنسان من الأرض؛ لأنها هي في نفسه (في أنفسكم آيات) .
آيات النفس ليس في تركيب الجسم فحسب، وليس فيما أودعه الله تعالى من القوى فحسب، بل حتى في تقلبات الأحوال، الإنسان تجده يتقلب من سرور إلى حزن، ومن غم إلى فرح، وتقلبات عجيبة عظيمة، حتى إن الإنسان في لحظة يجد نفسه متغيراً بدون سبب، يكون منشرح الصدر واسع البال مسروراً، وإذا به يغتم بدون سبب، أحياناً بالعكس، هذا بالنسبة للأحوال النفسية.
كذلك -أيضاً- بالنسبة للإنسان بالأحوال الإيمانية، وهي أعظم وأخطر، تجد الإنسان في بعض الأحيان يكون عنده من اليقين ما كأنه يشاهد أمور الغيب مشاهدة حسية، كأنما يرى العرش، وكأنما يرى السماوات، أو يرى الملائكة، أو يرى كل ما أخبر الله به من أمور الغيب، وفي بعض الأحيان يقل هذا اليقين لأسباب قد تكون معلومة وقد تكون غير معلومة، لكن من الأسباب المعلومة قلة الطاعة، فإن قلة الطاعة من أسباب ضعف اليقين، قال الله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة:49] .
وهناك -أيضاً- أسباب لا يدري الإنسان ما هي، ومنها: اللهو والغفلة، ولهذا قال الصحابة للرسول عليه الصلاة والسلام: [إنا إذا كنا عندك وذكرت الجنة والنار فكأنما نراها رأي العين، فإذا ذهبنا إلى أهلينا وعافسنا الأولاد والأهل -أو كما قالوا- نسينا] وهكذا الإنسان كلما التهى قل يقينه وإيمانه، ومن ثم نهى الشرع عن الألعاب واللهو الباطل الذي يزداد به الإنسان بعداً عن طاعة الله، وعن التفكير في آيات الله.
أيضاً في النفس فيها آيات في نفوس الناس، من الناس من تجده هيناً ليناً طليق الوجه مسروراً كل من رآه سُر في وجهه، وكل من جلس إليه زال عنه الغم والهم، ومن الناس من هو بالعكس قطوب عبوس بمجرد ما تراه لو كنت مسروراً لأتاك الحزن والسوء، هذه -أيضاً- من آيات النفس وهي كثيرة جداً، ومن أراد المزيد من هذا والاطلاع على قدرة الله تعالى فيما في أنفسنا من الآيات فعليه بمطالعة كلام ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة، يجد العجب العجاب، وكذلك -أيضاً- في كتابه الصغير وهو كبير في المعنى وهو التبيان في أقسام القرآن، ذكر من ذلك العجب العجاب.
{أَفَلا تُبْصِرُونَ} الاستفهام هنا للتوبيخ والإنكار، كأن الله عز وجل يقول: ابصروا في أنفسكم، تبصروا، تأملوا، تفكروا، فإذا لم تعرفوا هذه الآيات فأنتم لا تبصرون، فيكون الاستفهام هنا للتوبيخ والإنكار، ألا نتبصر، وهي دعوة من الله عز وجل لعباده أن يتبصروا في الآيات، إذا لم تتبصر في الآيات فاعلم أنك محروم، قال الله تعالى: {وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101] .
إذاً إذا لم تتعظ بالآيات فاعلم أنك محروم وأن إيمانك ناقص {وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101] فعليك يا أخي! أن تتفكر، في آيات الله الكونية وما في هذا الكون العظيم من آيات الله الدالة على عظمته وسلطانه ورحمته وحكمته، وكذلك في آيات الله الشرعية ومن فتح الله عليه في الآيات الشرعية ينتفع بها أكثر مما ينتفع بالآيات الكونية، إذا تأمل ما أخبر الله به عن نفسه من الأسماء والصفات والأفعال والأحكام ازداد إيماناً بالله عز وجل، وعرف بذلك الحكمة والرحمة، إذا تأمل فيما أخبر الله به عن اليوم الآخر وما يكون فيه من ثواب وعقاب وجزاء وحساب -أيضاً- ازداد إيماناً بالله، وكلما تأمل الإنسان في آيات الله الشرعية ازداد إيمانه، وبعض الناس الموفقين يكون ازدياد إيمانه بالآيات الشرعية أكثر من ازدياد إيمانه بالآيات الكونية، أما الإنسان الذي يفتح الله عليه في هذا وهذا فيا حبذا.(142/4)
تفسير قوله تعالى: (وفي السماء رزقكم وما توعدون)
قال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات:22] السماء فيها رزق، فما رزقنا هذا؟ ذهب كثير من العلماء أن المراد بالرزق هنا المطر؛ لأن الله تعالى قال: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} [غافر:13] .
فقال في السماء: (رزقكم) أي: المطر، وسمي المطر رزقاً؛ لأنه سبب للرزق، إذا أنزل الله المطر أخرجت الأرض الماء والمرعى متاعاً لنا ولأنعامنا، وهذا رزق، كم من أناس يكون رزقهم على ما ينزل من المطر، من الزروع والحشيش والمياه وغيرها، بل إن الله تعالى قال: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} [الواقعة:68-69] .
هل أحد يستطيع أن ينزل من المزن ماءً؟ لا يمكن.
هل أحد يستطيع أن يخلق في المزن ماءً؟ لا يمكن.
الله عز وجل هو الذي يتولى ذلك، هذا هو مادة الرزق، لولا الماء لهلكنا، وتأمل قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} [الواقعة:69-70] .
لم يقل: لو نشاء لم ننزل، مع أنه لو شاء لم ينزل، لكن قال: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} [الواقعة:70] أي: لو نشاء أنزلناه، لكن جعلناه أجاجاً مالحاً لا يمكن أن يُشرب، وحسرة الإنسان على ماء بين يديه ولكن لا يستطيعه ولا يستسيغه أشد من حسرته على ماء مفقود؛ لأن الماء الموجود الذي لا تنتفع به ولا تستطيع شربه أشد حسرة من الماء المفقود، ولهذا ذكرنا الله هذه الحالة، أرأيتم الآن هذا المطر العذب الزلال اللذيذ صار أجاجاً مالحاً كيف تكون الحال؟ صعبة جداً، ولهذا قال: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} [الواقعة:70] .
يقول: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} [الذاريات:22] إذاً الرزق هو المطر، كما في الآية الكريمة: {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً} [غافر:13] .
ويمكن أن نقول: إن الرزق الذي في السماء أعم من ذلك، فقد يقال: إن في السماء رزقنا من المطر، وما كتب الله لنا في اللوح المحفوظ من المصالح والمنافع الجسدية من أموال وبنين وغير ذلك، فيكون هذا القول أشمل وأعم.
واعلم أنه ينبغي أن يراعي المستدل بالقرآن والسنة قاعدة وهي: إذا فسرنا النص القرآني أو النبوي بمعنى أقل وفسرناه بمعنى أعم، فأيهما نأخذ؟ نأخذ بالأعم؛ لأن الأعم يدخل فيه الأخص ولا عكس، اللهم إلا إذا دل دليل على أنه خاص فهذا يتبع فيه الدليل، لكن عندما لا يدل الدليل خذ بالأعم؛ لأن الأعم يدخل فيه الأخص ولا عكس، فهنا إذا قلنا: المراد بالرزق ما هو أعم من المطر، فالجواب صحيح، فيدخل فيه المطر والشمس والقمر وغيره.
وقوله: {وَمَا تُوعَدُونَ} أي: وفيه الذي توعدون، فما الذي نوعد؟ الذي نوعد الجنة، والجنة في السماء وليست في الأرض، ولهذا قال الله في قصة آدم: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا} [البقرة:38] والهبوط يكون من أعلى إلى أسفل، فالجنة في السماء، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الجنة درجات، وأن أعلاها الفردوس، وأنه أعلاها وأوسطها، وهو إشارة إلى أن الجنات مثل القبة، أعلاها هو وسطها، قال: (ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن) إذاً هي أعلى شيء، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من ساكنيها، إنه على كل شيء قدير، فالذي نوعد هو الجنة، فالرزق في السماء، والجنة التي نُوعدها في الآخرة في السماء.
إذاً نحن أهل الأرض مرتقبون إلى السماء في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ففي السماء رزقنا في الدنيا، وفيها ما نوعد في الآخرة وهي الجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها.(142/5)
الأسئلة(142/6)
الرد على من يقول: إن الله معنا بذاته في الأرض
السؤال
أخذت كتاباً من مكتبة المدرسة يقول فيه صاحبه: إنه يرد على فضيلتكم في قضية قديمة مطبوعة، يقول: إنكم تقولون: معية الله للخلق معية ذاتية، أرجو الفصل في هذه القضية، وهل يقرأ هذا الكتاب أم لا يقرأ؟
الجواب
نحن تكلمنا على مسألة المعية وقلنا: إن المعية معية حقيقية، أنه سبحانه وتعالى نفسه مع خلقه لكن ليس في الأرض، وذكرنا أدلة على ذلك، منها سياق الآيات الكريمة، مثل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد:4] .
الضمائر هذه كلها تعود إلى الله، فإذاً هو ذات، لكن لا يعني ذلك ما ذهبت إليه الجهمية الذين يقولون: إن الله في الأرض، فهذا نرى أنه ضلال وكفر، وأن من اعتقده في ربه فهو كافر، لكننا نقول: هو معنا وهو في السماء، فهو معنا حقيقة وهو في السماء، ولا منافاة.
فإذا قال قائل: كيف يكون معنا وهو في السماء؟ جوابنا على هذا من عدة وجوه.
الوجه الأول: أن الله قال: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد:4] وقال: هو في السماء، ومادام أنه قال: هو معنا وهو في السماء نؤمن بهذا وهذا، ولا يمكن أن يخبر الله بشيء ثم يخبر بضده مما يناقضه أبداً، والأمور الغيبية ولاسيما فيما يتعلق بذات الله، لا يجوز للإنسان أن يسأل كيف ولم؛ لأنه مهما كان لا يمكنه أن يدرك هذا.
الوجه الثاني: أنه لا منافاة بين العلو والمعية، قد يكون الشيء معك وهو بعيد عنك، ولهذا العرب كان من كلامهم أنهم يقولون: ما زلنا نسير والقمر معنا، ما زلنا نسير والقطب معنا، وما أشبه ذلك، ومن المعلوم لكل أحد أن موضع القمر وموضع القطب في السماء، وتطلق العرب عليه أنه معها، ولا يرون هذا منافياً لهذا، وإذا كان لا منافاة في العلو والمعية في حق المخلوق ففي حق الخالق من باب أولى.
الوجه الثالث: على فرض أن هذا لا يتصور في المخلوق، أن يكون بعيداً عنك وتقول: إنه معك، على فرض شيء غير واقعي، نقول: على فرض أن ذلك لا يقع بالنسبة للمخلوق فهو واقع بالنسبة للخالق؛ لأن الله تعالى محيط بكل شيء السماوات السبع والأرضين السبع في كفه عز وجل كخردلة ما هي بشيء، يوم القيامة يطوي الله سبحانه وتعالى السماء كطي السجل للكتب، الكاتب إذا طوى الورقة سهل عليه، ما هي صعب، ويقول عز وجل: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً} [الزمر:67] كل الأرض بما فيها من بحار وأنهار وأشجار وغيرها {وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67] كل السموات السبع التي لا يعلم قدرها إلا الله عز وجل (مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) فالله عز وجل محيط بكل شيء، لكن أن نقول كما قالت الجهمية: إنه معنا في الأرض هذا كلام باطل، فنحن نقول: إن الله معنا حقاً، وكما قاله غيرنا كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من العلماء ولكننا لا نقول: إنه معنا هنا في الأرض، ونقول: من قال ذلك فهو ضال وكاذب، لكن بعض الناس فهم من هذا فهماً خطأً ونحن بريئون منه والحمد لله، من أول عقيدتنا إلى أن نلقى الله عز وجل، أن نقول: إن الله معنا في الأرض هذا لا نقول به إطلاقاً، ففهم بعض الناس هذا الفهم وإذا فهم هذا فلا شك أن هذا منكر يجب إنكاره، فهو إذا كانت نيته حسنة لا يلام على هذا، وإن كان سيئاً فالله يتولى السرائر.(142/7)
من اغتسل غسلاً مسنوناً دون نية رفع الحدث لا يرتفع الحدث عنه
السؤال
إذا نوى الإنسان غسلاً مسنوناً وعمم جسمه بالماء بدون وضوء وبدون نية رفع الحدث، هل يرتفع الحدث عنه؟
الجواب
الذي أرى أنه لا يرتفع الحدث، إذا نوى غسلاً مسنوناً لا يرتفع الحدث؛ لأنه لم ينوِ رفع الحدث، مثل ما لو اغتسل من غسل الميت، إذا غسل الميت يسن له أن يغتسل، فإنه لا يجزئ عن الحدث، وإذا كان لا يجزئ عن الجنابة، فلا يجزئ -أيضاً- عن الوضوء، لا بد له أن يتوضأ، كما أن غسل الجمعة -وهو واجب فيما أرى- لا يجزئ عن الوضوء؛ لأن غسل الجمعة ليس عن حدث وإنما للتطهر، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو تطهرتم يومكم هذا) فهو لا يجزئ عن الوضوء، فالذي يجزئ عن الوضوء هو غسل الجنابة فقط.(142/8)
الرد على من يقول: لا يجوز دعوة غير المسلمين بغير اللغة العربية
السؤال
سمعت أحد المشايخ يقول: إنه لا يجوز دعوة غير المسلمين بغير اللغة العربية، واستدل بكتاب الرسالة للإمام الشافعي رحمة الله عليه، أنه قال رحمه الله: إن اللغة العربية لا تكون تابعة بل هي متبوعة، وإنه لا يجوز أن يتكلم بغير اللغة العربية في الدعوة بحرف واحد، فما تقولون في هذا بارك الله فيكم؟
الجواب
نقول: استدلاله بقول الشافعي في غير محله؛ لأن قول الشافعي لا يحتج به، وإنما يحتج له، هذا إذا سلمنا أن الشافعي قاله، وأنا لا أدري، لكن إذا سلمنا وأن هذا الرجل متأكد نقول: قول الشافعي لا يحتج به، وإنما يحتج له، والشافعي رحمه الله وغيره من الأئمة يقولون: إذا وجدتم كلامنا مخالفاً لكلام الله وكلام رسوله فاضربوا به عرض الحائط.
ثانياً: لا يمكن دعوة من لا يفهم اللغة العربية إلا بلغته بنص القرآن، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم:4] ومعلوم أن العربية سابقة، منذ زمن إسماعيل والعربية موجودة، ومع ذلك يرسل الله الرسل بلغة قومهم؛ لأنه لا يمكن أن يفهم الإنسان لغة عربية إلا إذا كان من أهلها، أو قد تعلمها.
فالصواب أنه يجب أن يتعلم الإنسان لغة من يريد أن يدعوهم إلى الإسلام إذا لم يوجد غيرها، فتعلم اللغة التي يدعى بها إلى الإسلام إذا أردنا أن ندعو من لا يعرف العربية فرض كفاية، كما أن الدعوة إلى الإسلام فرض كفاية، الذي يعرف اللغة العربية لا ندعوه بغيرها، والذي ينطق بالعربية لا ينطق بغير العربية، ولهذا كان عمر بن الخطاب يضرب الناس إذا تكلموا برطانة الأعاجم، والعلماء كرهوا أن يكون التخاطب بلغة غير العربية لمن يعرف اللغة العربية، ولذلك -مع الأسف الشديد- الآن عندنا هنا في السعودية التي هي أم العربية نجد بعضهم يتكلم باللغة غير العربية مع أخيه العربي، بل بعضهم يعلم صبيانه اللغة غير العربية، بل بعضهم يعلمهم التحية الإسلامية باللغة غير العربية، سمعنا من يقول لصبيه إذا أراد مغادرته أو أتى إليه، يقول: باي باي، ما معنى باي باي؟ معناها: مع السلامة في الإنجليزي، كيف نذهب إلى هذا؟ ثم نرى الآن مع الأسف الشديد أنه يوجد لافتات على بعض المتاجر باللغة غير العربية، يعني: في بلادنا العربية يأتي العربي من البلد يقف على هذا الدكان لا يدري ما معناه، وما الذي فيه؟ ولا يدري ما هذا المتجر؟ ويأتي إنسان أوروبي لا يعرف البلد، ويقف ويعرف ما في الدكان، لماذا؟ لأن المكتوب باللافتة بلغته، أما نحن فلا، وهذا لا شك أنه من نقص التصور في شأننا في الواقع، من عندك ممن يفهم من اللغة الإنجليزية، أي: ولا (1%) من السكان، ثم تجعل اللافتة على دكانك بهذه اللغة! هذا أقل ما يكون حياءً من أهل البلد، لكن الحقيقة أن القلوب ميتة، وإلا كان يهجر هذا الذي جعل دكانه باللغة غير العربية، كان الذي ينبغي لنا نحن ونحن عرب، والله أنت ما فتحت دكانك لنا، إنما فتحته لأهل هذه اللغة ونقاطعه، ولو أننا قاطعناه لكان غداً يكتبها بالحرف الكبير باللغة العربية، لكن الناس الحقيقة أن قلوبهم موتى إلا من شاء الله، وأنا أرى أنه يجب على المسئولين وإن كنت أحب ألا أقول هكذا أن يدوروا على هذه الدكاكين والمتاجر ويقولوا: أدنى ما نقول لكم: إذا غير العرب فيكم كثيرون أقل ما يجب عليكم أن تكتبوها باللغة العربية فوق، وباللغة غير العربية تحت، ثم نقول: إذا كان هذا البلد أكثر الأجانب الذين هم غير العرب، أكثرهم باكستانيين، هل يليق أن نكتبها باللغة الإنجليزية أم باللغة الباكستانية، إذا أردنا أن نكوّن لغة غير العربية، اللغة الباكستانية.
الآن هؤلاء يكتبون إذا كان أكثر الذي في البلد من العمال باكستانيين -مثلاً- وكتب باللغة الإنجليزية وترك العربية والباكستانية، بقي الآن لا يعرف لا العرب ولا الباكستانيين، كل هذه من أجل إضاعة الشخصية في كثير من الناس، بهرتهم هذه الحضارة في الدول العالمية، فظنوا أنها هي منطلق التقدم.
المهم على كل حال هذه جاءت استطراداً، والكلام على من دعا قوماً غير عرب يجب أن يدعوهم بلغتهم وإلا فلن يستفيدوا.
السائل: الدعوة توقيفية؟ الشيخ: الدعوة توقيفية لكن الوسائل؟ وهل يمكن الآن أن أجلس بين عشرة من غير العرب وأتكلم بأرقى الفصاحة والبيان باللغة العربية ماذا يفهمون؟ لا شيء، فهل يقال: إن هذه دعوة إلى الله؟! ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتعلم لغة اليهود من أجل أن يرد عليهم كتاباتهم ويقرأ كتاباتهم، أمره أن يتعلم ذلك، ثم إنه قال لـ أم خالد: سنة سنة، لما جاءت إلى الحبشة ووجد عليها ثوباً أظنه جديداً قال: سنة سنة، أي: حسن حسن، الرسول تكلم بغير العربية، مع أنه ليس في مقام دعوة، لكن بعض الناس يتكلم عن جهل، وهنا أسأل: أيهما أشد خطراً على الإسلام، الجهل البسيط أم الجهل المركب؟ الجهل المركب؛ لأن الجاهل جهلاً مركباً يظن أنه عالم، وهو جاهل فيتكلم بما لا يعرف، والجاهل جهلاً بسيطاً لا يتكلم، عارف بنفسه، يقول: لا أدري، فنصيحتي لهذا الأخ أن تبلغه سلامي وتقول له: عليه أن يتأمل في الأدلة ويتقي الله، ولا يتكلم بما لا يعرف إنه مسئول: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] .(142/9)
حكم التعامل مع البنوك في إيداع النقود من أجل تصديق الشيكات
السؤال
ما رأيك في التعامل مع بنك الرياض، وذلك في إيداع النقود من أجل تصديق الشيكات؟
الجواب
ما معنى تصديق الشيكات.
السائل: إيداع على شأن تصديق شيك.
الشيخ: من أجل أن تسحب منه؟ السائل: لا.
وإنما من أجل أن تأخذ الشيك منه وتعطيه شخصاً آخر مصدق ويوضع حساب الشخص هذا.
الشيخ: المهم لا تأخذ ربا ولا شيئاً، فإن كان لحاجة فلا بأس، وإن كان لغير حاجة فلا.(142/10)
حكم الرقية بالقرآن بطرق لم ترد عن السلف
السؤال
يوجد الآن في هذا العصر طرق في الرقية بالقرآن قد لا تكون معروفة عند السلف رضي الله تعالى عنهم مما ألبس حكمها على كثير من طلبة العلم فضلاً عن العوام، ولذا نود لو كان هناك كتاب يتكلم عن حكم هذه المسائل، أسأل عن طريقتين هذا المجلس، الطريقة الأولى: يفعلها بعض الناس أنه يضع عباءة سوداء على المعيون، ثم يقرأ عليه القرآن، ثم يقول الذي أعانك هو فلان بن فلان، أو يقول: صورته كذا وكذا من أوصافه.
والطريقة الثانية: أن بعضهم يمسك بيد المعيون ثم يقرأ القرآن، ثم يقول: تخيل في مخيلتك شخصاً ثم يتخيل، فيقول: هذا هو الذي أعينك، فما الحكم في هذه الطريقة؟
الجواب
كلتا الطريقتين لا أعرف لهما أصلاً عن السلف الصالح، والشيء الذي ليس له أصل في هذه الأمور يوجب الشك، والأصل المنع، حتى يقوم دليل على أن ذلك مفيداً، وما دمنا لا ندري فإننا نقول: الطريقة الثانية من تتهم من تظن؟ ما الفائدة من هذا؟ لأنه ربما يقول هذا المصاب: أنا أتهم فلاناً لسوء تفاهم معه أو لأحقاد بينه وبينه، وهو ليس كذلك، ثم يبني هذا القارئ على ما ظنه، فالذي أرى أن نتجنب مثل هؤلاء، لا يذهب إليهم ولا يؤبه بقولهم.(142/11)
الحكمة في إنكار المنكر
السؤال
هناك يا شيخ بعض الحريصين على الدعوة ولكنه يجد حرجاً من ناحية إنكار المنكر، خصوصاً الأقارب أو بعض الفسقة من المسلمين، أي: من ناحية أنه يقول: هل يجب عليّ إنكار المنكر كلما رأيت هذا الشخص الذي يقع في المنكر مثل أن تكون في مجلس وعامتهم من الحداثيين والمسبلين، فهل يلزم أن ينكر المنكر هذا، ولو أنكر يقول: إنه يحصل بيني وبينهم بعض الوحشة، وأنا أريد فسح قلوبهم وأؤجل الإنكار إلى وقت، فهل هذا صائغ أم يجب عليه أن ينكر المنكر؟ الشيخ: أقول إن الله تعالى رسم لنا الطريق، فقال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] .
فهل من الحكمة أنك كلما رأيت إنساناً على معصية تنصحه -مثلاً- حلق اللحية، شرب الدخان، ربما لا تجده على شرب الدخان، لكن إذا رآك لن يشرب، لكن حلق اللحية تعرف هذا الرجل حلق لحيته، نصحته أول مرة، ثم مضى شهر أو شهران ووجدته حالق اللحية، وبعد شهر أو شهرين يمكن أكرر، هل كلما رأيته أنصحه؟ هذا ليس من الحكمة؛ لأنه سوف يمل ويتعب، فأنت حين ترى أن للموعظة مكاناً عظه، ولهذا يجب أن نتذكر دائماً قول الله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9] .
فهذا الشرط لا بد من اعتباره، أحياناً الذكرى لا تنفع بل تضر، والمقصود إصلاح الخلق لا إطفاء الغيرة، الإنسان في قلبه غيرة، ويكره كل معصية، لكن هل المقصود أنك تطفئ غيرتك بالإنكار أو تصلح غيرك بالإنكار؟
الجواب
الثاني ولهذا نجد الطب الحسي، تجد -مثلاً- الطبيب يباشر هذا المريض المنتن الريح، الكريه المنظر، لكن من أجل المصلحة، تجد أنه يشق شرح الخبيث من أجل المصلحة، فأنت انظر إلى المصلحة، فنحن لا نستطيع أن نحدد؛ لأن الناس يختلفون، لكن إذا كانت المصلحة في الدعوة والإنكار فافعل، وإلا فاسكت إلى وقت آخر، ولهذا أول ما أمر الرسول بالإنذار قال الله له: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] ثم بدأت الدعوة تتوسع حتى انتهت بعد أن هاجر الرسول إلى قتال الأعداء.(142/12)
الرد على من يقول: دينكم هذا دين خامس
السؤال
الاستهزاء على نوعين: أحدهما: الاستهزاء الصريح الذي نزلت الآية فيه، وهو قولهم: ما رأينا مثل قرآئنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسنة، ولا أجبن عند اللقاء أو نحو ذلك من أقول المستهزئين، كقول بعضهم: دينكم هذا دين خامس، وقول الآخر: دينكم أخرق، وقول الآخر إذا رأى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر: جاءكم أهل الدين.
من باب السخرية بهم وما أشبه ذلك، مما لا يحصى إلا بكلفة مما هو أعظم من قول من نزلت فيهم الآية؟
الجواب
لهؤلاء الذين يقولون: الدين الخامس يمكن بعضهم يعبر بهذا المذهب الخامس؛ لأنه يقول: أنتم الوهابية، المذاهب أربعة، الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، وأنتم مذهب خامس، يعني: للتعبير بالدين الخامس هذا لا يعبر به إلا العوام؛ لأنه ليس ديناً مستقلاً، لكن مذهب -على زعمهم- مستقل وهذا كذب، هذا إنما أذاعه أعداء الدعوة إلى التوحيد تشويهاً له، قالوا: محمد عبد الوهاب أتى بمذهب خامس خرج عن إجماع الأمة؛ لأنهم يعتقدون أن ما اتفقت عليه المذاهب الأربعة فهو إجماع، وهم أخطئوا، محمد عبد الوهاب رحمه الله مذهبه حنبلي وكتبه في العقيدة والتوحيد والفقه كلها مبنية على أصول الإمام أحمد رحمه الله.
ولم يأتِ بمذهب خامس، ولكن أنت تعرف أن الأعداء يشوهون الدعوة والداعي، أعداء الرسل ماذا قالوا؟ قالوا: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصافات:15] فطعنوا في الدعوة، وقالوا في الداعي: إنه {سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص:4] فطعنوا في الداعي.
كذلك هؤلاء طعنوا فيما يدعو إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من التوحيد، وشوهوا السمعة لسببين: السبب الأول: تنفير العوام من التمسك به.
السبب الثاني: استساغة حرب هذا الرجل ومن أخذ بطريقته، أنه أتى ببدع من مذاهب المسلمين فاستحق أن يحارب ويقاتل، وكل هذا كذب على محمد بن عبد الوهاب.
على كل حال، حتى الساخرين بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر -أيضاً- قد يتوقف الإنسان في كونه كفراً؛ لأن الإنسان ربما يسخر بالآمر دون الأمر، وبالناهي دون النهي، وأضرب لكم مثلاً: لو جاء إنسان من العلماء المعتبرين هنا في البلاد، ونهاك عن شيء، وجاء إنسان آخر من الذين لا يعرفون ونهاك، هل تكون قيمة النهي من الرجلين سواء؟ لا.
تحترم الأول، والثاني ربما لا تحترمه ليس أنك لم تحترم المنكر لكن لأنك لا تأبه بهذا الناهي ولا تأخذ عنه.
الآن يأتينا طالب علم صغير يرفع ثوبه إلى نصف الساق، وتجد بعض العوام يسخرون به ويرونه أخطأ، ويأتي إنسان من العلماء المعتبرين الموثوق بهم يجعل ثوبه إلى نصف الساق هل يسخرون به؟ لا.
إذاً ليست السخرية بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في زمننا كالسخرية بمحمد وأصحابه، بينهما فرق عظيم؛ لأن محمداً عليه الصلاة والسلام معصوم، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في زمننا غير معصومين، لكن الذي يسخر بالمعروف نفسه، هذا الذي يكون كافراً، أما بالآمر به فلا يمكن أن نطلق عليه الكفر؛ لأنه قد يسخر بالرجل دون ما دعى إليه، وهذه مسألة يجب أن نتفطن لها، وأن نعلم الفرق بين السخرية بالرسول وأصحابه، والسخرية بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هنا.
فيقال للساخر: هل أنت تسخر بالمعروف الذي أمروا به كما لو أمروك بالصلاة مع الجماعة وقلت: ما هذا؟ هذا تأخر، هذا تقهقر، يريدون أن نرجع إلى العصور الوسطى وما أشبه ذلك، فهذا كفر، أم أنه يسخر بالرجل نفسه؟ فالرجل نفسه قد يكون الإنسان غير قابل له، والله أعلم.(142/13)
دعاء دخول الحمام يكون قبل الدخول
السؤال
هل إذا دخلت الحمام سميت؟ الشيخ: لا.
التسمية قبل الدخول، تقول: باسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث.
السائل: إذا نسيت؟ الشيخ: إذا نسيت قد أقول ولا أجزم بذلك: اخرج وسم وادخل، لأجل ألا تفوتك التسمية ولا تسم داخل الحمام.(142/14)
جواز التوكيل في رمي الجمار للأم التي تخاف على ابنها
السؤال
امرأة حجت ولم ترم الجمار وهي قادرة، إلا أنه معها طفل له شهران؟ الشيخ: ولا تأمن عليه.
السائل: ليس معها إلا محرمها ومعها امرأة ثانية.
الشيخ: لكن لا تأمن أن تضع الطفل عند المرأة الثانية وتذهب ترمي.
السائل: لأنهم جماعة سوف يرمون سوياً والله أعلم.
الشيخ: على كل حال إذا تركت ذلك خوفاً على ابنها أو عجزاً ووكلت فلا بأس.
السائل: وإذا أرادت أن تذبح؟ الشيخ: إن أرادت أن تذبح هدياً في مكة، فدية توزع على الفقراء فجزاها الله خيراً، وإن كان واجباً عليها أدت الواجب، وإن كان غير واجب فهو تطوع {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة:158] .
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.(142/15)
لقاء الباب المفتوح [143]
يستمر الشيخ رحمه الله كما في مطلع كل لقاء في تفسير بعض الآيات، وفي هذا اللقاء فسر قوله تعالى: (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) فبين أن الله سبحانه وتعالى أقسم بنفسه بمقتضى ربوبيته بالسماء والأرض أن ما يوعدون حق، وقال: يحتمل أن يكون الضمير عائد للقرآن، ويحتمل أن يكون عائد للنبي صلى الله عليه وسلم، وفسر أيضاً قوله تعالى في سورة الذاريات: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ) إلى قوله تعالى: (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ) .(143/1)
تفسير آيات من سورة الذاريات
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والأربعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم في كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو السابع عشر من شهر رجب عام 1417هـ.
نبدأ كالعادة بالكلام على ما تيسر من تفسير القرآن الكريم؛ لأني أحب دائماً أن يكون للمسلمين صلة في معرفة معاني كلام الله، فإن الله تعالى أنزل القرآن لهذا فقال: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] وتدبر الآيات -أي: تفهم معانيها، والتذكر: هو: الاتعاظ والعمل والتصديق.(143/2)
تفسير قوله تعالى: (فورب السماء والأرض إنه لحق)
انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات:23] (الفاء) عاطفة، و (الواو) للقسم، و (رب السماء والأرض) هو الله عز وجل، أقسم بنفسه تبارك وتعالى بمقتضى ربوبيته بالسماء والأرض أن ما يوعدون حق؛ لأنه قال: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ} [الذاريات:22-23] أي: ما توعدون، ويحتمل أن يكون الضمير عائدٌ إلى القرآن، ويحتمل -أيضاً- أنه عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والمعاني الثلاثة كلها متلازمة، وقوله: (إنه لحق) أي: ثابت؛ لأن الحق والباطل متقابلان، فالباطل هو: الزائل الضائع، والحق هو: الثابت الذي فيه الفائدة والخير والصلاح.
وقوله: {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات:23] أي: كما أن الإنسان يتيقن نطقه فإن هذا القرآن حق، ومن المعلوم أن كل أحد منا لا ينكر نطقه، وإذا نطق تيقن أنه نطق، إذاً هذا القرآن كلام الله عز وجل حق، مثلما أن نطقنا حق.(143/3)
تفسير قوله تعالى: (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين)
قال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات:24] .
هل أتاك الخطاب؟ ليس للنبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل له ولكل من يتأتى خطابه ويصح توجيه الخطاب إليه، كأنه قال: (هل أتاك) أيها المخاطب (حديث ضيف إبراهيم المكرمين) ؟ والاستفهام هنا للتشويق، كما أنه في بعض الأحيان يكون للتخويف، فيكون للتشويق، فقوله هنا: {هَلْ أَتَاكَ} [الذاريات:24] كأنه يشوقك إلى أن تسمع هذا الحديث، ونظيره في التشويق قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الصف:10] ليس المراد بمثل هذا الاستفهام أنه يستفهم: هل يدلنا؛ لأنه لا يريد أن يستفهم لنفسه، ولكن أراد أن يشوق المخاطبين إلى ذلك.
ويكون الاستفهام للتهديد، والإنذار، والتخويف في مثل قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] ثم قال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية:2-3] .
فإذا قال قائل: أي شيء يدلنا على أن الاستفهام للتشويق أو للتهديد أو للاستخبار أو ما أشبه ذلك؟ نقول: الذي يدلنا على هذا السياق وقرائن الأحوال، والعاقل يفهم هذا وهذا.
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ} أي: خبر {ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} وضيف هنا مفرد لكنه يسع فيه الجماعة والواحد، وهم جماعة ملائكة كرام عليهم الصلاة والسلام، (ضيف إبراهيم) أي: الذين نزلوا ضيوفاً عنده، و (إبراهيم) هو الخليل عليه الصلاة والسلام وهو أبو العرب وأبو بني إسرائيل، كما قال الله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج:78] وهو الذي أمرنا الله تعالى أن نتبع ملته، قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:123] .
ولهذا ادعت اليهود أن إبراهيم يهودي، والنصارى ادعو أنه نصراني، ولكن الله تعالى كذبهم في ذلك، فقال: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:67] .(143/4)
تفسير قوله تعالى: (إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً)
يقول عز وجل: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً} [الذاريات:25] يحتمل أن (إذ دخلوا) متعلق بقوله: (المكرمين) أي: الذين أكرمهم حين دخولهم عليه، ويحتمل أنها مفهوم لفعل محذوف، والتقدير: اذكر إذ دخلوا على إبراهيم {فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} [الذاريات:25] .
{فَقَالُوا سَلاماً} أي: نسلم سلاماً، وعليه فسلاماً مصدر عامله محذوف والتقدير: نسلم {قَالَ سَلامٌ} (سلامٌ) : مبتدأ خبرها محذوف، والتقدير: عليكم سلام، وعلى هذا فيكون التسليم هنا ابتداءه بالجملة الفعلية، وجوابه أو رده بالجملة الاسمية، والجملة الاسمية تفيد الثبوت والاستمرار، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إن رد إبراهيم أكمل من تسليم الملائكة؛ لأن تسليم الملائكة جاء بالصيغة الفعلية، ورد إبراهيم جاء بالصيغة الاسمية.
{قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} قوم: خبر مبدل المحذوف، والتقدير: أنتم قوم، وإنما قال: إنهم قوم؛ لأنهم في صورة البشر، وقوله: {مُنْكَرُونَ} أي: غير معروفين، كما قال تعالى: {فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} [هود:70] .
في هذه الآية شاهد لحذف المبتدأ وحذف الخبر، أين الشاهد لحذف الخبر؟ (سلامٌ) والشاهد لحذف المبتدأ (قوم) لأن التقدير: أنتم قومٌ.(143/5)
تفسير قوله تعالى: (فراغ إلى أهله)
قال تعالى: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ} [الذاريات:26] (راغ) انسل بخفية وسرعة، وذلك لحسن ضيافته، لم يقل: انتظروا آتي لكم بالطعام، ولم يقم متباطئاً كأنما يدفع دفعاً، إنما قام بسرعة منسلاً لئلا يقوموا إذا رأوه ذهب إلى أهله، فكأنه أخفى الأمر عنهم، (إلى أهله) أي: أهل بيته، {فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:26] وفي آية أخرى: {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود:69] أي: مشوي.
واللحم إذا شوي يكون أطعم وألذ؛ لأن طعمه يبقى فيه، لا يمتزج بالماء، بخلاف إذا ما طبخ، إذا طبخ يمتزج طعمه بالماء فتقل لذاذته، لكن إذا كان مشوياً صار أطيب وأحسن {بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:26] أي: إنه عليه الصلاة والسلام لا يتخير للضيوف البهائم العجفاء الهزيلة، وإنما يتخير لهم البهائم السمينة؛ لأنها ألذ وأطرى وأنفع، واختيار العجل: إما أن يكون عليه الصلاة والسلام من عادته أن يكرم الناس بهذا، أو أنه يكرم الضيوف بحسب ما تقتضيه الحال، فإذا كانوا كثيرين أتى بالعجل، وإذا كانوا أقل أتى بالغنم، وما أشبه ذلك، حسب عادة الكرماء.(143/6)
تفسير قوله تعالى: (فقربه إليهم قال ألا تأكلون)
قال تعالى: {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات:27] .
(قربه إليهم) أي: لم يجعله بعيداً ويقول: قوموا إلى طعامكم، بل خدمهم حتى جعله بين أيديهم، قربه إليهم قال: ألا تأكلون؟ ولم يقل: كلوا، وإنما عرض عليهم عرضاً؛ لأن هذا أبلغ في الإكرام، انتبهوا لهذا والعرض أخف وألطف من الأمر، إذ أنه لو قال: كلوا كان يحتمل أنه أراد أن يستعلي عليهم ويوجه الأمر إليهم، لكن {قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات:27] تعرفون الفرق بين العبارتين في الرفق، أيهما أرق وأرفق؟ ألا تأكلون، هل الآن قرب الطعام إليهم، هل نقول: إن السنة والأفضل أن الإنسان إذا دعا ضيوفاً أو أتاه ضيوف أن يقربه إليهم في مجلس الجلوس؟ أو نقول هذا يختلف باختلاف الأحوال؟ الثاني هو الأفضل؛ لأن عموم قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) يدل على أنك تكرمهم بما جرت به العادة في إكرامهم به، عندنا الآن إذا عزمت أصحابك وأصدقاءك وهم قلة فلا يعدون تقديم الطعام -مثلاً- في المجلس إهانة؛ لأنهم إخوانك وأصدقاءك، الأدب بينكم متسامح فيه، لكن لو نزل بك ضيف أو دعوت ضيفاً ليس بينك وبينه الصلة التي يسقط بها كما يقال الأدب، فإنه في عرفنا الآن ليس من إكرامه أن تقدم الطعام في محل الجلوس اللهم إلا لضرورة إذا لم يكن عندك مكان، الآن الإكرام أن تجعل الطعام في مكان ثم إذا أردت أن يأكلوا تقول: تفضلوا، ألا تتفضلون أو نغير المجلس، أو ما أشبه ذلك من الكلمات المتداولة، فالمهم أن قوله تبارك وتعالى عن إبراهيم: {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات:27] .
ينبغي أن يجعل هذا حسب عادة الناس، إذا كان من الإكرام أن تأتي بالطعام إلى محل جلوسهم فأت به، وإذا كان من الإكرام أن تجعله في مكان آخر فافعل، دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) .(143/7)
الأسئلة(143/8)
نصيحة للمرأة أثناء الولادة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما نصيحتكم للمرأة عند الولادة وماذا تقرأ من القرآن؟
الجواب
أنا لا أرى نصيحة نوجهها للتي أخذها الطلق إلا أن تعلق قلبها بالله عز وجل وتلجأ إليه، وتسأله التنفيس لها ولا سيما إذا اشتد بها الطلق، أما أن تقرأ شيئاً معيناً فلا حاجة، لكن عند عسر الولادة يمكن للإنسان أن يكتب في إناء الآيات التي تدل على تنفس الأشياء، مثل {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} [الزلزلة:1-2] .
ومثل قوله تعالى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} [الرعد:8] ومثل قوله: {وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فصلت:47] وما أشبه ذلك وتسقى إياها، ويمسح ما أسفل بطنها، فهذا يسهل الولادة.(143/9)
حكم أبناء الكفار الذين يتوفون قبل البلوغ
السؤال
بماذا نطلق على أبناء الكفار الذين توفوا قبل البلوغ، هل هم مسلمون أم كفار؟
الجواب
حكمهم حكم آبائهم، إذا كان الأبوان كافرين، فحكمهم حكم آبائهم في الدنيا، بمعنى: أننا لا نغسلهم ولا نكفنهم ولا نصلي عليهم، ولا يدفنون في مقابر المسلمين، أما في الآخرة فأمرهم إلى الله كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الله أعلم بما كانوا عاملين) والذي يهمنا نحن هو أحكام الدنيا ماذا نصنع بهم؟ أما أحكام الآخرة فهي عند الله عز وجل، وقد ذكر كثير من العلماء رحمهم الله أن هؤلاء الأطفال وكذلك من لم تبلغهم الدعوة النبوية أنهم يمتحنون يوم القيامة، يأمرهم الله تعالى بما شاء، فمن أطاع منهم دخل الجنة، ومن عصى دخل النار.(143/10)
حكم دفن الميت في بلد غير الذي توفي فيه
السؤال
هل يجور للمرأة التي توفاها الله سبحانه وتعالى أن تسافر مع رجل أجنبي بدون محرم؟ وسمعنا أنكم تقولون: الوفاة يوم الجمعة ليس من علامات حسن الخاتمة، هل هذا صحيح؟ الشيخ: نعم.
أما جانب السؤال الأول فلا أدري ما معناه.
السائل: جسد المرأة التي توفيت -مثلاً- هنا في عنيزة وأرسلت إلى الرياض مع رجل أجنبي ليس محرماً لها أقصد الجثة؟ الشيخ: أولاً لا ينبغي أن ينقل الميت عن الأرض التي مات فيها، بل الأفضل أن يدفن في مكانه وأرض الله تعالى كلها سواء، اللهم إلا أن يكون في بلد الكفر وليس فيه مقابر للمسلمين فهنا ينقل إلى بلد إسلامي ويدفن مع المسلمين، وأما في البلاد الإسلامية يدفن الإنسان في مكانه، ولهذا قال العلماء: يكره أن ينقل الميت إلى مكان آخر، هذا بالنسبة لنقل الجثة، وأما بالنسبة للموت يوم الجمعة أو يوم الإثنين فهذا ليس فيه فضيلة؛ لأن الإنسان إنما يثاب على أمر له فيه فضيلة، أي: له فيه عمل، وهل الإنسان إذا تمكن أن يؤجل الموت إذا جاءه يوم الخميس إلى يوم الجمعة؟ لا يمكن، فالشيء الذي ليس للإنسان فيه عمل هذا ليس فيه ثواب، وليس فيه عقاب، لكن إن وردت أحاديث تدل على فضيلة الموت يوم الإثنين مثلاً، فنقول بها، أما إذا لم يرد فالأصل أن ما ليس للإنسان فيه اختيار ليس فيه ثواب ولا عقاب.
وأما قول أبي بكر حينما كان مريضاً فكان يود أن يموت يوم الإثنين في مرضه ولم يمت، فهذا حباً منه أن يموت في اليوم الذي مات فيه الرسول عليه الصلاة والسلام.(143/11)
الجمع بين قوله عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وقوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا)
السؤال
كيف يمكن أن نجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف:204] والخشوع في الصلاة؟
الجواب
الجمع بينهما أن قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) خاص، وقوله: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف:204] عام، ما ذكر الله تعالى في الصلاة ولا في غير الصلاة، فيكون هذا العموم مخصوصاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ونقول للمأموم مع إمام يجهر بصلاته: اقرأ فاتحة الكتاب فقط، والباقي يجب عليك الإنصات، وكل أحد يعلم أن النصوص العامة قد يلحقها تخصيص، ولهذا جاء في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم ذات يوم صلاة الفجر ثم انصرف وقال للصحابة: مالي أنازع القرآن؟ ثم قال لهم: إذا سمعتم الإمام فلا تقرءوا إلا بأم الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) .
وهذا في صلاة الفجر وهي صلاة جهرية.(143/12)
حكم موافقة الزوج لزوجته على أن تعمل بشرط إسقاط النفقة
السؤال
هناك فتوى نريد أن نتأكد منها، فتوى امرأة أرادت النكاح وشرطت على زوجها أن تعمل، وشرط عليها الزوج ألا تفعل، ثم سمح لها أن تعمل لكن لا ينفق عليها، ما المعنى أنك أجزت هذا؟
الجواب
إذا شرطت أن تعمل في التدريس وغيرها من الوظائف ورضي الزوج بذلك فلا بأس، وأيضاً اشترط عليها النفقة، فكذلك لا بأس بها؛ لأن النفقة حق لها، فإذا أسقطتها فلا حرج عليها.(143/13)
حكم من أراد السفر في وقت أحد فروض الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا من خارج مدينة عنيزة، أريد السفر إلى الرياض، ونويت السفر قبل أن أتم هل يحق لي أن أسافر وأؤخر صلاة الظهر مع العصر جمع تأخير؟
الجواب
إذا كنت مقيماً هنا.
السائل: دخل وقت الظهر فقط؟ الشيخ: لا بأس إذا صليت مع الجماعة، فصلِّ العصر قصراً، واستمر.(143/14)
حكم تجزئة الزكاة
السؤال
هل يجوز لي أن أجزئ القدر الواجب لزكاة الذهب، بأن أدفع الآن خمسمائة وبعد شهرين مثلاً خمسمائة أخرى إذا حال الحول، وهل -أيضاً- لا بد من الحول، وهل إذا زاد على الحول يعتبر آثماً أم لا؟
الجواب
تجزئة الزكاة إذا كانت تقديماً فلا بأس، مثل أن يكون حوله يتم في رمضان، وبدأ يزكي من جمادى فهذا لا بأس به؛ لأن غاية ما فيه أنه قدم بعض الزكاة، وتقديم بعض الزكاة جائز كتقديم جميع الزكاة، أما في التأخير فلا يجوز، إذا حلت الزكاة أن يؤخر بعضها ويقسطه؛ لأن الزكاة يجب دفعها على الفور مرة واحدة، إلا أن يعفى عن عشرة أيام، شهر نصف شهر، وكذلك لو فرضنا أن الفقراء عنده قليل، ولو دفع إليهم جميعاً أفسدوها، فيريد أن يقسطها عليهم لمصلحتهم، فلا بأس؛ لأن هذا لمصلحة المعطي.(143/15)
حكم ألعاب الأطفال التي على شكل تمثال
السؤال
ما حكم اقتناء لعب الأطفال التي على شكل تمثال من حصان أو حمار أو طير أو غير ذلك؟
الجواب
الألعاب التي يلعب بها الصبيان نتسامح فيها قليلاً؛ لأن عائشة رضي الله عنها كان عندها لعب بنات تلعب بها، ويسامح للصغار ما لا يسامح للكبار، لكن الأفضل في هذه الحالة أن يشتري لهم لعبة من هذه اللعب التي بدأت تصدر حديثاً، وهي ألعاب من القطن أو من الإسفنج على شكل آدمي على شكل حصان أو على شكل بعير، إلا أنها ليست بينة، أي: ما فيها أنف بارزة ولا شفتان ولا شيء من الأشياء البارزة، يتلهى بها الصبي وهو أحسن وأحوط.(143/16)
حكم إغلاق الميكرفونات الخارجية في المساجد أثناء الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! صدر في منطقتنا قرار أو تعميم من الأوقاف بإطفاء مكبرات الصوت الخارجية، ولكن الأئمة وجدوا معارضة من الجماعة، وكثير من الجماعة يعارضون، فالآن هم في ورطة فما الحل فضيلة الشيخ؟
الجواب
أما الأئمة فعليهم أن يطيعوا الله ويطيعوا الرسول وأولي الأمر منهم، وما داموا أمروا بذلك فيجب عليهم التنفيذ، ولا يهتمون بالناس، ثم الذي يطالب بأن تفتح الميكرفونات الخارجية فقد أخطأ؛ وذلك لأن هذه الميكرفونات الخارجية تشوش على من حولهم من المصلين ومن حولهم من المساجد، ويحصل في هذا أذى، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا حين خرج إلى أصحابه يوماً أو ليلة، فوجدهم يجهرون بالصلاة، فقال: (لا يؤذين بعضكم بعضاً بالقراءة) فجعل ذلك إيذاء، وقال: (لا يجهر بعضكم على بعض في القراءة) والأذية في هذا مؤكدة ولا إشكال فيها، حتى سمعنا أن في بعض المساجد القريبة بعضهم من بعض إذا كانت قراءة المسجد الآخر أحسن من قراءة إمامهم صاروا ينصتون لها ويتابعونها حتى أني سمعت أن بعضهم قرأ إمام المسجد المجاور: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] قال هو: آمين!!! ولذلك يتبين الأذية التامة في هذا، فالصواب بلا شك أنها تقفل حتى وإن لم تأمر بذلك وزارة الأوقاف لما في ذلك من الأذية، وما سمعنا بهذا إلا أخيراً، وأي فائدة من رفع القراءة في الصلاة على المنائر، ما الفائدة إلا أنها تشوش على المساجد التي حولها وتشوش على المصلين في البيوت، في البيوت نساء يصلين تشوش عليهن، كذلك -أيضاً- في أيام الصيف تزعج الصبيان النائمين في السطوح أو في الأحواش، ولا شك أن قفلها هو الصواب، وأن الذي يفتحها ويتأذى الناس به أنه مخالف للنبي عليه الصلاة والسلام.(143/17)
الحق من أسماء الله الحسنى
السؤال
هل كلمة (الحق) من أسماء الله الحسنى؟ الشيخ: نعم.
قال الله تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} [الحج:6] .
{وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور:25] .(143/18)
حكم مراجعة الزوجة المطلقة هزالاً
السؤال
كتاب الطلاق هو كتاب المعاملات؛ لأننا وجدنا كلاماً للإمام النووي في المجموع أنه قال: إن الفقهاء يختلف اصطلاحهم عن الأصوليين، فإن الأصوليين مثلاً قالوا: الشك ما تراوح بين أمرين -معروف تقسيم الأصوليين- أما تقسيم الفقهاء فإنهم يرون كما تعلمون أن الشك ولو كان في غلبة الظن يعتبر شكاً عندهم، ولكن هل يعمل بهذا -مثلاً- في كتاب الطلاق، وهل من قال -مثلاً-: رجعت كاذباً فهل تعتبر هذه رجعة؟
الجواب
أولاً: ما ثبت بيقين لا يرفع بالظن، هذه قاعدة: ولهذا لما شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد في بطنه شيئاً ويخشى أنه أحدث قال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فاليقين لا يزول بالظن، لا يزول اليقين إلا باليقين، وعلى هذا فمن علق طلاق امرأته على شيء، وشك هل حصل هذا الشيء أم لم يحصل فلا طلاق عليه حتى لو غلب على ظنه أنه حصل فلا طلاق عليه.
أما مسألة التفريق بين الظن والشك: فمعلوم أن الأصوليين يقسمون الإدراك إلى خمسة أقسام: علم وظن وشك وتردد وجهل.
وأما الفقهاء فهم يقولون: إما يقين فقط، واليقين والظن لا يزول به اليقين، وهذه قاعدة مهمة.
السائل: إذا قال: راجعت قالها الرجل كاذباً ليس بصادق فيها واعترف بهذا؟ الشيخ: ادعى بهذا أنه راجع زوجته وأنكرت الزوجة؟ السائل: بل أنكر هو نفسه قال: قلت ذلك كاذباً، فهل هذه تعتبر رجعة أو لا تعتبر؟ الشيخ: تعرف أن الإقرار الذي يتعلق به حق الغير أن الإنسان إذا رجع عنه لا يقبل في حق الغير، فلو أنه قال: إنه راجع زوجته ثم لما ادعت عليه أن ينفق عليها وغير ذلك قال: أما ما راجعتها وإني كنت راجعتها كاذباً، فهذا لا يسقط حقها من النفقة؛ لأن هذا يتعلق به حق الغير، أما إذا كان إقراراً لا يتعلق به حق الغير فهذا له أن يرجع فيه.(143/19)
حكم قضاء صلاة من كان في غيبوبة
السؤال
رجل حدث له حادث وصار في غيبوبة لمدة شهر تقريباً وعافاه الله ويسأل: هل يقضي الصلوات؟ الشيخ: إذا حصل على الإنسان حادث وأغمي عليه مدة طويلة أو قصيرة فإنه لا يقضي الصلاة؛ وذلك لأنه غاب عقله بغير اختياره، بخلاف الإنسان إذا بنج، وغاب عقله لمدة يومين أو ثلاثة، فعليه أن يقضي، والفرق بينهما أن الذي بنج غاب عقله بسبب منه، وأما الذي أغمي عليه بسبب الحادث أو بشدة المرض فإنه لا يقضي؛ لأن هذا حصل بغير اختياره، هذا هو القول الراجح والصحيح، لكن لو صادف هذا في أيام رمضان، فعليه أن يقضي الصوم، والفرق بين الصوم والصلاة ظاهر، كالفرق بينهما في حال الحيض، فالمرأة تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة.(143/20)
سبب تأخر نشر كتب الشيخ ابن عثيمين
السؤال
الكتب التي خرجت سمعنا أنها توقفت مثل شرح الزاد؟
الجواب
ما توقفت لكن غالب الكتب التي خرجت لي أخيراً الأولى التي طبعت وكانت محررة من قبلي ما فيها إشكال لكن الأخيرة صار بعض الإخوة لحبهم نشر العلم والمبادرة فيه، صاروا يأخذونها من الأشرطة، والأشرطة كما تعلمون أشرطة درس، الدرس يكون فيه التقديم والتأخير واللحن وربما يسهو الإنسان مثلاً، ربما يسبق لسانه إلى شيء فصاروا يأخذونها من الأشرطة ثم يفرغونها ثم يأتون إلينا ويقولون: ائذن لنا بالطبع، ونثق ببعضهم لعلمه وخبرته لكن كما يقولون: (لا يحك ظهرك إلا ظفرك) مهما كان الإنسان لا بد أن يكون هناك خلل ولكن هذه الكتب مثلاً على رأسها الممتع شرح زاد المستقنع وهو من أفيدها فيما أعلم؛ لأن فيه أشياء قد لا تجدونها في كتب السابقين مما حدث أخيراً، هذا الآن نصححه؛ لأن فيه أشياء محذوفة مهمة لكن الذين قاموا على طبعه رأوا في رأيهم أنها لا تحتاج إلى ذكر فنحن نلحقها الآن، وكذلك القول المفيد شرح كتاب التوحيد فيه بعض النواقص وقد تم والحمد لله الآن تصحيحه حتى يطبع كما طبع شرح العقيدة الواسطية، هذه أهم الكتب، أما الأشياء الصغيرة مثل شرح الآجرومية أو شرح الورقات فهذه أمرها سهل، لكن المهم هذه الكتب العظيمة التي تتعلق بالعقائد أو تتعلق بالفقه، هذه مهمة.
السائل: الكتب هذه نحرقها بعدين وإلا كيف؟ الشيخ: لا تحرقها عليك أن تشتري الطبعة الجديدة، وانظر الناقص على الكتاب ويبقى كتابك عندك.(143/21)
علاج الوساوس التي تعرض للإنسان
السؤال
هل الإنسان مؤاخذ على ما يجد في نفسه من وساوس الشيطان؟
الجواب
الإنسان لا يؤاخذ على ما يجد في نفسه من وساوس الشيطان أبداً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) وقد شكى الصحابة رضي الله عنهم ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم، وأن ينتهوا من هذه الوساوس، والإنسان إذا انقاد للوساوس فإنه على خطر، ولكن يجب أن يقول لنفسه: هل أنا أعتقد هذه الوساوس؟ الجواب: لا يعتقدها أبداً بل يحاربها غاية المحاربة، إذاً يجب أن تعرض عنها، مادامت غير مستقرة في نفسك، يعلم لو أن أحداً من الناس قالها لقاتله عليها، إذاً يعرض عنها ولا تضره ويمضي في حاله، لو شك في الطلاق أو شك في الوضوء أو في الصلاة، أو فيما هو أعظم من ذلك فلينته عن هذا ويعرض ولا تضره هذه الوساوس، وهذا من نعمة الله عز وجل أن الله جعل لنا سعة ومخرجاً من هذه الوساوس.
ثم إني أقول لك: إن هذه الوساوس إنما تعرض لمن عنده يقين وإيمان راسخ، لأجل أن يتزحزح عن يقينه إلى الشك، والشيطان لا يأتي إلى الإنسان الذي قلبه خراب؛ لأنه منتهٍ، ولهذا قيل لـ ابن عباس: إن اليهود يقولون: نحن لا نوسوس في صلاتنا والمسلمون يوسوسون فقال: [صدقوا لا يوسوسون في صلاتهم، وما يصنع الشيطان بقلب خرب] يقبلون على صلاتهم ولكنها غير مقبولة عند الله، ولا يمكن أن يفكر بغير الصلاة التي فيها ولا يوسوس ولكنه خرب، أما المؤمن راسخ الإيمان فهو الذي يتسلط عليه الشيطان.
ولذلك اضبط نفسك الآن عندما يأتيك الشيطان في الصلاة ثم تذكرت وأقبلت على صلاتك، يفتح لك باباً ثانياً، وإذا ضبطت نفسك وانتبهت فتح عليك باباً ثالثاً، وهو معك دائماً في صلاتك إذا كفيت نفسك عن هذه الوساوس فتح لك باباً آخر، إلى أن تخرج من الصلاة، لكن احرص على أن يكون أول الصلاة وآخر الصلاة مضبوطاً، فلعل الله أن يغفر لك ما بينهما كما جاء في الحديث: (من استغفر الله في أول النهار وآخره غفر الله له ما بينهما) نسأل الله أن يعيننا وإياكم.(143/22)
حكم الجلوس على جلود السباع من النمور وغيرها
السؤال
بالنسبة لجلود السباع من النمور وغيرها من الحيوانات، هل يجوز الجلوس عليها أو وضعها في السيارة على مقعدة السيارة أو على طبلونها أمام السائق؟ الشيخ: أما إذا كان على وجه لا يتعدى فلا بأس مثل طبلون السيارة لا يتعدى، أما الجلوس فلا؛ لأن الجلوس لا يخلو الإنسان من عرق أو ماء أو ما أشبه ذلك، والقول الراجح أنه لا يطهر بالدبغ إلا جلد ما كان مأكولاً في الحياة، هذا يطهر بالدبغ، فلو ماتت شاة وأخذنا جلدها ودبغناه وجعلناه قربة فهو طاهر لا يؤثر على الماء، وكذلك لو دبغناه وجعلناه في مكان يجلسون عليه لا بأس، لكن ما يحرم أكله لا يطهر جلده بالدبغ، هذا هو القول الراجح، والمسألة فيها خلاف طويل عريض.(143/23)
أمور تساعد على الاتزان وسرعة الفهم
السؤال
ما الأمور التي تساعد طالب العلم خاصة والمسلم عامة على الثقل والاتزان، أي: ترك الأمور العملية تساعد على ذلك، وما الأمور التي تساعده على فهم النصوص وما أشبه ذلك؟
الجواب
أما مسألة الفهم فهو يؤتيه الله من يشاء، ولهذا لما سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [هل عهد إليكم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء؟ قال: ما عهد إلينا بشيء إلا فهماً يؤتيه الله تعالى عبداً في كتابه وإلا ما في هذه الصحيفة] فقوله: (فهماً) يدل على أن الفهم يختلف الناس فيه اختلافاً كبيراً وهو كذلك، من الناس من يقرأ آية من كتاب الله يستخرج منها أحكاماً كثيرة، ومنهم من يقرأها ولا يستخرج منها شيئاً، وانظر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال الأنصار له: يا أمير المؤمنين! كيف تحضر عبد الله بن عباس وهو من صغار الناس وتدع أبناءنا؟ فسكت وجمعهم يوماً من الأيام، وقال لهم: [ما تقولون في قول الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:1-3] .
ما تقولون فيها أنتم؟ فسروها بظاهرها قالوا: أمر الله نبيه أنه إذا جاءه النصر والفتح أن يستغفر الله وأن يسبح بحمده، فقال: ما تقول يا ابن عباس؟ قال: أقول: إنه أجل رسول الله، أي: أن الله قال له: إذا حصل هذا فما بقي عليك شيء، ما بقي إلا أن تختم عمرك بالاستغفار والتسبيح، قال عمر: والله ما فهمت منها إلا هذا] .
فالفهم لا يمكن أن يضبط، لكن لا شك أن الإنسان إذا مارس التدبر والتفهم فإن فهمه يزيد؛ لأن هذه غريزة، والغريزة تزاد بالكسب، كل الغرائز تزداد بالكسب.
أما مسألة التأني وانضباط العمل والقول، فهذه -أيضاً- تحصل بالمرونة وهي أيضاً طبيعة ومكتسبة، بعض الناس بطبيعته تجده مطمئناً حتى كأنه يدلع الكلام تدليعاً، حتى إذا جاء يخاطبك، تقول: لماذا لا يتكلم هذا بسرعة؟ وبعض الناس بالعكس فيهم خفة في مقاله وفعاله وعقله، فضل الله يؤتيه من يشاء، لكن كل هذه الأمور تحصل بالممارسة والاكتساب، يمرن الإنسان نفسه إذا استعجل يوماً من الأيام يفكر ويقول: كيف ما أتأنى؟ لماذا أتكلم؟ ثم إذا دار الأمر في فعل من الأفعال بين تركه وفعله فغلب جانب الترك؛ لأنك إذا تركت فأنت.
فما تقتضي الحاجة التعجل فيه فهذا شيء آخر.
السؤال: لباس الشهرة المنهي عنه هل هو مختص بالنوعية أو يشمل الكيفية؟ وإذا كان يشمل الكيفية فما رأيكم فيمن يقصر ثوبه أو يطيله فيخرج عن العادة؟ الشيخ: الشهرة عام في النوعية والكيفية، والعلو والسفول، حتى إن الغني إذا لبس ما يلبسه الفقير صار شهرة، لو أن إنساناً غنياً خرج إلينا بعباءة مرقعة وثوب مرقع، ثوب وسخ وليس له أزرة، هذا شهرة، أليس كذلك؟ أليس الناس ينظرون إليه ويقولون: انظروا؟ وكذلك بالعكس، ولهذا جاء في الحديث: (أنه نهى عن لباس الشهرتين) أي: نزولاً وعلواً.
وكذلك -أيضاً- في الكيفية، لكن إذا قدرنا أن الكيفية من السنة، وكان هذا الرجل ممن يقتدى به، أي: إمام من بين الناس، لا ينكر فعله بل يقتدى به، فهنا نقول: طبق السنة، وأما إذا كان فعله سيكون شهرة وربما يكون سبباً في الاشمئزاز منه والنفور عنه ففي الأمر سعة والحمد لله، والرسول عليه الصلاة والسلام جعل المنتهى الكعبين، فكله فيه سعة، والصحابة كانوا يفعلون هذا أيضاً، ينزلونها عن نصف الساق فالأمر واسع والحمد لله، ولا يخفى علينا جميعاً أن أبا بكر لما حدث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من جر ثوبه أو إزاره خيلاء فلا ينظر الله إليه، قال: يا رسول الله! إن أحد شقي إزاري يستطيل عليّ إلا أني أتعاهده قال: إنك لست مما يصنع ذلك خيلاء) .
ونحن إذا تأملنا وجدنا أن إزار أبي بكر إذا استرخى عليه نزل علمنا أنه نزل عن نصف الساق؛ لأنه لو كان إلى نصف الساق ثم نزل إلى الأرض انكشفت العورة وهذا مما يجعل الإنسان أن يكون في سعة من هذا الأمر.
فالمهم أن الشهرة تختلف باختلاف الشخص إذا كان إماماً يقتدى به، وأن الناس إذا رأوه -مثلاً- لبس هذا الشيء من اللباس قالوا: هذا هو السنة وافعلوه، هذا حسن، ولكل مقام مقال.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، ونسأل الله أن يعيدنا وإياكم معاد الخير، ويرزقنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، ورزقاً طيباً واسعاً.(143/24)
لقاء الباب المفتوح [144]
هذا اللقاء تفسير لقوله تعالى: (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً.
) إلى قوله تعالى: (قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) وفيه بيان سبب خوف إبراهيم من ضيوفه، وذكر أيضاً أن الغلام الحليم غير الغلام العليم، وبين أن الحكيم له معنيان: حكيم من الحكمة، وحكيم من الحكم.(144/1)
تفسير آيات من سورة الذاريات
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو المجلس الرابع والأربعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع إلا ما شاء الله، وهذا الخميس هو الرابع والعشرون من شهر رجب من عام (1417هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء كما هي العادة بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل، وقد انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} [الذاريات:24-28] .(144/2)
تفسير قوله تعالى: (فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف)
من هنا نبدأ من قوله: {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} [الذاريات:28] أي: أحس في نفسه بخيفة منهم، وسبب تلك الخيفة أنه عليه الصلاة والسلام لما قدم إليهم الطعام لم يأكلوا منه {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} لأن العادة أن الضيف يأكل مما قدم له المضيف، لكن هؤلاء الملائكة لم يأكلوا؛ لأن الملائكة صم أي ليس لهم أجواف كما جاء ذلك مأثوراً عن السلف، ولهذا لا يحتاجون إلى أكل ولا إلى شرب {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ} [الذاريات:28] طمأنوه قالوا: لا تخف لما رأوا على وجهه من علامة الإنكار والخوف، وكل إنسان يعرف ذلك ويعرف هل هو في سرور؟ هل هو في انشراح؟ هل هو خائف؟ هل هو مطمئن؟ لأن هذا أمر معلوم بالفطرة، ولا يحتاج إلى كبير فراسة.
قال تعالى: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات:28] (البشارة) هي الإخبار بما يسُر، أي: أخبروه بما يسره وهو الغلام العليم، وكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام قد بلغ من الكبر عتياً قبل أن يولد له، لا هو ولا امرأته، بشروه بهذا الغلام وبشروه بأنه عليم، أي: سيكون داعٍ؛ لأن الله تعالى جعله من الأنبياء، والأنبياء هم أعلم الخلق بالله عز وجل وأسمائه وصفاته وأحكامه وأفعاله، وهذا الغلام العليم غير الغلام الحليم؛ لأن في القرآن أن إبراهيم بشر بغلام عليم في آيتين من كتاب الله، وبشر بغلام حليم في آية واحدة، وهما غلامان، أما الغلام الحليم فإنه إسماعيل أبو العرب، وأما الغلام العليم فإنه إسحاق أبو بني إسرائيل، ولذلك تجد قصتهما مختلفة.
ولقد أبعد عن الصواب من قال: إن الغلام الحليم هو الغلام العليم، بل هو نص صريح في سورة الصافات أنهما غلامان مختلفان؛ لأن الله تعالى لما ذكر قصة الذبيح في سورة الصافات قال بعدها: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات:112] فكيف يبشر بمن أمر بذبحه وكان عنده وبلغ معه السعي؟ كل هذا مما يدل على أن القول بأن الغلام الحليم غير الغلام العليم، بشروه بغلام عليم وهذه بشارة كما ترون، بشارة تضمنت شيئين وإن شئتم فقولوا: ثلاثة أشياء: أولاً: بأنه سيأتيه مولود يصل إلى أن يكون غلاماً.
ثانياً: أن هذا المولود ذَكَرٌ لقوله: غلام.
ثالثاً: أنه عليم، أي ذو علم، وكل هذه البشارات عظيمة، كل واحدة تكفي أن تكون بشارة.(144/3)
تفسير قوله تعالى: (فأقبلت امرأته في صرة)
قال تعالى: {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ} [الذاريات:29] من امرأته هذه؟ هي: سارة، أم إسحاق، أقبلت لما سمعت البشرى في صرة، أي: في صيحة! سروراًً؛ أو ندماً وحزناً؟
الجواب
أنها أتت بصرة سروراً؛ لأنها جاءتها هذه البشرى بعد أن تقدمت بها السن، تصيح وكأنها -والله أعلم- تقول: غلام! غلام! أي: ضربت وجهها بيدها كالمتعجبة كما يصنع الناس إلى اليوم، إذا أتاهم خبر فلان مات، الله أكبر وضرب على وجهه.
{فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} [الذاريات:29] (عجوز) خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: أنا عجوز عقيم، فكأنها تعجبت أن تحصل لها البشرى بهذا الغلام العليم بعد أن تقدمت بها السن، وعقمت من الولد ولكنهم بينوا لها السبب الوحيد الذي به وجد هذا الولد، فقالوا: {كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ} [الذاريات:30] أي: مثلما قلنا وبشرنا به، قال الله عز وجل.
وانظر إلى قوله: {قَالَ رَبُّكِ} [الذاريات:30] حيث أضاف الربوبية هنا إلى هذه المرأة العجوزة الكبيرة إشارة إلى أن هذا من عناية الله بها؛ لأن إضافة الربوبية إلى الشخص المعين، تكون ربوبية خاصة، وانتبهوا إلى الفرق: الربوبية العامة لكل أحد، الله رب كل شيء، الخاصة ليست لأحد إلا لمن كان خاصاً بالله، وأتلو عليكم هذه الآية {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الشعراء:47-48] .
الربوبية العامة، (رب العالمين) ، والربوبية الخاصة: {رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الشعراء:48] هنا قالوا لها: (قال ربك) ، من باب الربوبية الخاصة، التي تقتضي عناية خاصة، {قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الذاريات:30] عز وجل، {إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} ، أنت تجعل (هو) هنا: مبتدأ.
و (الحكيم) : خبر.
أو تجعل (هو) ضمير فصل.
و (الحكيم) خبر؟ لك الخيار، إن شئت فقل: (الحكيم) : خبر.
و (هو) ضمير فصل لا محل له من الإعراب، وإن شئت فقل: (هو) مبتدأ و (الحكيم) خبر (هو) ، والجملة خبر إن، وهنا قدَّم (الحكيم) على (العليم) لأن المقام يقتضي هنا تقديم الحكمة على العلم.
الحكمة هنا في شيئين: أولاً تأخير الولادة بالنسبة لهذه المرأة، إن الله لم يؤخر ولادتها إلى أن تبلغ العجز إلا لحكمة، وهي كونها ولدت بعد أن أيست واعتقدت أنها عقيم، فها هنا حكمتان حكمة سابقة، وحكمة لاحقة ومن ثم قدَّم اسم (الحكيم) على اسم (العليم) وأنتم تشاهدون أن القرآن الكريم إذا جمع الله بين هذين الاسمين الكريمين: (العليم والحكيم) يقدم غالباً العليم، لكن هنا قدم الحكيم؛ لأن المقام يقتضي ذلك {إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} .
وهنا أسأل: ما معنى الحكيم؟ أكثر الناس يظنون أن معنى الحكيم أنه المتصف بالحكمة، والحكمة هي: وضع الشيء في مواضعه، ولكن الواقع أن الحكيم له معنيان: حكيم من الحكمة، وحكيم من الحكم، فالله عز وجل حكيم من الحكمة؛ لأن الله تعالى هو الحكم بين العباد والحاكم في العباد، هو حاكمٌ فيهم وهو الحكم بينهم، وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] وقال: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] وهذا الاستفهام للتقرير، أي: أن الله تعالى أحكم الحاكمين، وأرجو الانتباه هنا قال: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً} [المائدة:50] في سورة المائدة، وفي سورة التين: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] .
كلاهما في محله المناسب، ففي سورة المائدة ذكر الله {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] {.
الظَّالِمُونَ} [المائدة:45] {.
الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47] وتتابعت الآيات حتى قال: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] فكأن المقام مقام مفاضلة بين الأحكام، وبين أن حكم الله أحسن الأحكام، لكن في سورة التين المقام مقام سلطة وقوة والله أحكم الحاكمين، أي: أن حكمه نافذ وسلطته تامة، ولا أحد يعارض حكمه أبداً مهما قويت شوكته.
وانظر إلى قول الله تعالى عن عاد: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:15] أي: لا أحد أشد منا قوة، فقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت:15] وعذبهم بألطف الأشياء، عذبهم بالريح، الهواء اللطيف التي لا تحس به ملمساً وإن كان قوياً، يدفع كل شيء وهو أقوى من الماء كما هو معروف، وهذا الهواء اللطيف أهلك فيه هؤلاء القوم الذين يقولون: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:15] أهلكم به.
الحاصل أن الله أحكم الحاكمين حكمه نافذ صادر عن قوة وسلطان، ثم إن أحكم الحاكمين تتضمن -أيضاً- حسن الحكم.
إذاً الحكيم في قوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الذاريات:30] يتضمن معنين معنىً من الحكم، ومعنىً من الحكمة، انتهينا من الحكمة صار حكم الله عز وجل يتضمن أنه الحاكم في العباد وأنه الحاكم بين العباد، وأن حكمه أحسن الأحكام، وأنه تعالى أحكم الحاكمين.
أيضاً لله تعالى الحكمة البالغة، ولا شيء من الأفعال القائمة في الوجود أحكم من حكمة الله، وإذا آمنت بهذا أيها المؤمن! سهل عليك أمور كثيرة تشكل على كثير من الناس، منها بعض الأحكام الشرعية لا يدرك الناس حكمتها، فهل نقول: إذا لم يجد الحكمة أنه لا حكمة لها، أو نقول: إن لها حكمة لكن عقولنا قاصرة؟ الثاني، وإذا آمنا هذا الإيمان اطمأننا إلى كثير من الأمور الشرعية التي تخفى علينا حكمتها، هل نحن ندرك الحكمة في كون الصلوات خمساً؟ لا.
أو أنها سبعة عشر ركعة؟ لا.
وأشياء كثيرة من الأمور الشرعية، لا يدرك الإنسان حكمتها، لكن إذا آمنت أن الله حكيم، آمنت بأن لهذه الأشياء حكمة تقتضيه.
كذلك في الأمور القدرية: قد يرسل الله سبحانه وتعالى عذاباً يشمل الصالح والطالح، وقد يرسل الله عذاباً على قوم لا تتوقع أن يرسل لهم العذاب، فهل تقول: ما الحكمة؟ أو تقول: إن الله عز وجل لابد أن يكون تقديره لهذا عن حكمة، ولذلك أقول لكم: إن الواجب علينا فيما أمر الله به من الشرائع وفيما قضاه من الأقدار أن نستسلم غاية التسليم، وألا نعترض هذا بعقولنا.
واستمعوا إلى قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:65] هذه واحدة {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ} [النساء:65] الثانية، والثالثة: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] .
أقسم الله عز وجل أنه لا يمكن أحد يؤمن إلا بهذه الشروط الثلاثة، هي: الأول: أن يحكموك فيما شجر بينهم.
والثاني: ألا يجدوا في صدورهم حرجاً بمعنى: ألا تضيق صدورهم بحكم الله.
الثالث: أن يسلموا تسليماً، أكد هذا المصدر أي: تسليماً تاماً، لا يتهاون الإنسان ويتباطأ في تنفيذ حكم الله، فإذا وجدت من نفسك عيباً يتعلق بهذه الأمور الثلاثة فصحح إيمانك، إذا رأيت أنك تود أن يكون التحاكم إلى غير الله ورسوله صحح إيمانك، وإذا رأيت من قلبك أنك لا تريد إلا حكم الله ورسوله لكن يضيق صدرك لحكم الله ورسوله، وأنت تحدث نفسك أنك لا يمكن أن تتحاكم إلى غير الله ورسوله، لكن يضيق صدرك، إذا كان لا يضيق صدرك لا تحاكم إلى غير الله ورسوله وأنت منشرح الصدر بحكم الله ورسوله، لكن تتباطأ وتتهاون فأنت ناقص الإيمان، اقرأ قول الله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110] .
لما لم يؤمنوا به أول مرة ولم يقبلوه من أول مرة صارت -والعياذ بالله- قلوبهم متقلبة، وتركهم الله في طغيانهم يعمهون، ولهذا يجب عليك أيها المؤمن! أن تبادر بانقياد تام لحكم الله تعالى القدري.
نرجو الله سبحانه وتعالى للجميع التوفيق والسداد إنه على كل شيء قدير.(144/4)
الأسئلة(144/5)
الأخلاق من مضمون الرسالة وأساسياتها
السؤال
ما رأي فضيلتكم في مقالة: الأخلاق الإسلامية ليست من مسائل الاعتقاد؟
الجواب
الأخلاق الإسلامية لاشك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ليتمم مكارم الأخلاق، وإذا كان بعث لذلك صارت الأخلاق من مضمون الرسالة، ومن أساسياتها، بل قد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (البر حسن الخلق) وليعلم أن كل حكم شرعي يفعله الإنسان امتثالاً لأمر الله واتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه عقيدة، بمعنى: بأنك لا تفعله إلا معتقداً أنه قربة وأنك ممتثل فيه لأمر الله، متبع فيه لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولولا هذه العقيدة ما كان العمل شيئاً إطلاقاً، والقول بأن الدين عقائد وأحكام إذا أريد أنها أحكام مجردة عن العقيدة فهذا خطأ، أليس من شرط كل عبادة أن تكون خالصة لله، موافقة لشريعة الله؟ بلى.
إذاً: هذه حقيقة، لكن العقيدة قد تكون عقيدة إيمانية بحتة كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وقد تكون عملاً بالشريعة وهي لابد أن تكون مصحوبة بعقيدة، ولا شك أن الأخلاق ومكارم الأخلاق من الدين الإسلامي، وأن الإنسان كلما تخلق بها متبعاً بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عبادة عظيمة.(144/6)
من تزوج امرأة ودخل بها حرم عليه أصلها وفرعها وإن نزل
السؤال
رجل تزوج امرأة ولها أولاد فتزوج الأولاد وأنجبوا بنات، فهل يكون زوج أمهم محرماً لبناتهم؟
الجواب
نعم.
يكون محرماً لهن؛ لأن القاعدة -بارك الله فيكم- أن الإنسان إذا تزوج امرأة ودخل بها صار جميع ذريتها داخلين في قوله {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} [النساء:23] والقاعدة: أن الإنسان إذا تزوج امرأة ودخل بها، حرم عليه أصلها وفرعها وإن نزل، سواء كانوا بنات أبناء، أم بنات بنات، التزموا بهذه القاعدة، كذلك أصلها أي: أمها وجداتها من قبل الأم، أو من قبل الأب، وهي كذلك مثله إذا تزوجت رجلاً صار أبناؤه وأبناء أبناء أبنائه وأبناء بناته وأجداده من قبل الأم أو الأب وأبوه -أيضاً- من محارمها.
فلدينا أربع شعب، أصول الزوج وفروع الزوج، وأصول الزوجة وفروع الزوجة، هؤلاء الشعب بمجرد العقد يثبت التحريم، كيف التحريم؟ يحرم على الزوجة أصول زوجها وفروع زوجها، ويحرم على الزوج أصول زوجته وفروع زوجته إلا أنه يشترط في فروع الزوجة أن يكون قد دخل بها، أي: قد جامعها، خذوا هذه القاعدة من أجل أن تستريحوا؛ لأن بعض الناس قد يخطئوا فيها حتى من طلبة العلم، لكن هذه هي القاعدة، وإذا قيل: أصول وفروع في هذا المقام في تحريم النكاح فإنه يشمل الأصول من جهة الأب والأصول من جهة الأم، والفروع من جهة الأبناء، والفروع من جهة البنات، ولو طلقها أو مات عنها.(144/7)
حكم هجر الوالدين إذا كان في مصلحة شرعية
السؤال
هل يجوز الهجر للوالدين المسلمين إذا كان في مصلحة شرعية؟
الجواب
نعم، إذا كان في هجر الوالدين مصلحة شرعية لهما فلا بأس من هجرهما، لكن لا يقتضي ذلك منع صلتهما، صلهما بما يجب عليك أن تصلهما به، كالإنفاق عليهما، في الطعام والشراب والسكن وغير ذلك، ولماذا لا تنصحهما أولاً؟ السائل: لأنهما تركا الصلاة؟ الجواب: ترك الصلاة كفر، لكن على كل حال ألح عليهما.(144/8)
حكم من ترك ركعة من الصلاة ثم تذكر بعد خروج الوقت
السؤال
جماعة صلوا العصر ثلاث ركعات فقط ولم يعلموا ولم يتيقنوا إلا في صلاة العشاء، لكن هناك شخص دخل معهم وظن أنه فاتته ركعة، فلما سلم الإمام قام وأكمل الرابعة فما حكم صلاته وصلاتهم؟
الجواب
أما الذي أتم أربعاً فصلاته صحيحة، وأما الجماعة الذين سلموا عن ثلاث فيجب عليهم قضاء الصلاة جماعة، الذي يمكنه، والذي لا يمكنه جماعة ليس بواجب عليه الصلاة جماعة وإنما تجزئ انفراداً؛ لأن هذه مقضية وليست مؤداة، ويبلغون إما أن يكتب إعلان عند باب المسجد بأن من صلى معنا العصر الفلاني فعليه إعادة الصلاة.(144/9)
نصيحة لمن انتشر عندهم التنصير وحكم مشاركتهم في أعيادهم والتشبه بهم
السؤال
لقد تزايد المد التنصيري عندنا في الكويت حتى أصبحت كثيراً من الأسر المسلمة تحتفل بأعياد النصارى، وقام بعض الشباب بتقليد النصارى بلباسهم وزيهم وتعليق بعضهم للصليب على صدورهم، فما هو توجيهكم لنا علماً بأننا في بلد يسمح أحياناً بحرية الأديان؟
الجواب
النصيحة في آية من كتاب الله وهي قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51] هذه الآية تكفي لكل مؤمن، ثم إني أحذرهم من تقليد هؤلاء النصارى بقول الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة:109] فعليهم ألا يقتفوا بهذا، وليعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال: (من تشبه بقوم فهو منهم) ولتضرب لهم الأمثال بما فعل النصارى بالمسلمين سواء في العصر الحاضر أو العصور السابقة، وكيف يتولونهم وهم يفعلون بالمسلمين ما يفعلون، بل كيف يتولونهم وهم أعداء الله ورسوله؟! فالإنسان المؤمن حقيقة لا يمكن أن يقلد هؤلاء.
أما احتفالهم بأعيادهم فقد قال ابن القيم رحمه الله: إن هذا إن سلم من الكفر ففعله من أكبر المعاصي، وأشد من إقرارهم على شرب الخمر؛ لأنهم يحتفلون بهذه الأعياد على أنها أعياد شرعية عندهم، وهي أعياد كفرية لا يجوز للمسلمين أن يحتفلوا بها، ولا أن يرفعوا بها رأساً.
قد يقولون مثلاً: ألسنا نهنئكم على عيدكم في الفطر والأضحى؟ فنقول: بلى.
لكن عيدنا عيد شرعي مرضي عند الله، وعيدكم عيد كفري مسخوط عند الله، ونحن وأنتم بشر متعبدون بشريعة الله، وكان الواجب عليكم أن تحتفلوا بعيدنا وأن تدخلوا في ديننا، فضلاً عن أن تحتفلوا بعيدكم، أما نحن فمحرم علينا أن ندخل في دينكم ومحرم علينا أن نحتفل بشرائعكم وشعائركم، وعليكم -أيها الإخوة- أنتم في بلادكم أن تكافحوا هذه الفكرة السيئة وأن تتصدوا للرد عليها، ولكن ليس بعنف؛ لأن العنف لا يولد إلا العنف، فعليكم بالرفق وبيان الحكم الشرعي على وجه هادئ يحصل به المقصود.
بارك الله فيكم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(144/10)
لقاء الباب المفتوح [145]
كان من المفترض أن يكون في هذا اللقاء تفسير لبعض الآيات كما هي عادة الشيخ في جميع اللقاءات ولكن بسبب مروره على قوله تعالى: (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) فرأى أن يتكلم على آداب السلام، فذكر منها: وجوب رد التحية على من ألقي عليه السلام، وأن يكون مع السلام شيء من انبساط الوجه وانشراح الصدر، وغيرها من الآداب التي يستحب أن تكون مصاحبة للسلام.(145/1)
آداب السلام في الإسلام
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والأربعون بعد المائة من اللقاءات التي تسمى: (لقاء الباب المفتوح) والتي تتم في كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس الثاني من شهر شعبان عام (1417هـ) .
نستفتح هذا اللقاء في الكلام على ما تيسر من تفسير سورة الذاريات، انتهينا إلى قول الله تعالى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} [الذاريات:31] لكني رأيت أن أتكلم على آداب السلام حيث أن الملائكة قالوا: سلاماً، فقال إبراهيم: سلامٌ، وذكرنا فيما سبق أن رد إبراهيم أحسن من ابتداء الملائكة؛ لأن رد إبراهيم جملة اسمية تفيد الثبوت والاستمرار، بخلاف سلام الملائكة.(145/2)
رد التحية
واعلم أن رد التحية واجب؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] فقال: إذا حييتم ولم يذكر من يحيينا، فيشمل أي إنسان يحيينا فإننا نحييه، نرد عليه أحسن من تحيته أو مثلها، كما قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] فبدأ بالأحسن؛ لأنه هو الأفضل (أو ردوها) أي: ردوا مثلها، ويشمل هذا ما إذا سلم علينا أحد من اليهود، أو النصارى، أو البوذيين أو غيرهم نرد عليهم، لكننا لا نبدأ اليهود والنصارى بالسلام لنهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك.
ثم إن السلام يقال هكذا: السلام عليكم، هذا هو المشروع، وأما أهلاً وسهلاً ومرحباً وكيف حالك؛ وما أشبهها فهذا ليس بمشروع، المشروع أن تبدأ أولاً بالسلام، ولهذا كان في حديث المعراج حين كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالأنبياء فيسلم عليهم قال: فرد عليه السلام وقال: مرحباً بالنبي الصالح، فابدأ أولاً بقولك: السلام عليكم،
الجواب
يكون مثل ذلك وأحسن، يقول: عليكم السلام، أو وعليكم السلام ورحمة الله، أو عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، كل هذا من المشروع.
نرى كثيراً من الناس إذا سلم عليه، يقول: أهلاً وسهلاً، أو يقول مرحباً بأبي فلان، وهذا لا يجزئ، يعني لو قال: أهلاً وسهلاً مدى الدهر فإنه لا يجزئ؛ لأن الله يقول: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] ومعلوم أن الذي يقول: السلام عليك يدعو لك بالسلام من كل نقص ومن كل عاهة، ومن كل مرض في القلب أو البدن، ولا يكفي أن يقول: مرحباً وأهلاً، بل لابد أن تقول: عليك السلام، أو وعليكم السلام، وإن زدت ورحمة الله وبركاته كان أحسن.(145/3)
تسليم الصغير على الكبير
ثانياً: من المطلوب منه أن يسلم؟ جاءت السنة ببيان ذلك: يسلم الصغير على الكبير؛ لأن حق الكبير على الصغير أعظم من حق الصغير على الكبير، فيبدأ الصغير بالسلام على الكبير، ولكن إذا قدر أنه لم يسلم، فهل الكبير يدع السلام لأن الحق له، أو يسلم لئلا تفوت السنة؟
و
الجواب
يسلم، لئلا تفوت السنة، فكون الإنسان يقول: أنا صاحب الحق لماذا لم يسلم عليّ؟ هذا خطأ، صحيح أنك صاحب الحق، وأن المشروع أن يسلم هو عليك، لكن إذا لم يفعل فسلم أنت.(145/4)
تسليم الماشي على القاعد
يسلم أيضاً الماشي على القاعد، فإذا مر شخص بإنسان قاعد فليسلم عليه، ولو كان أصغر منه سناً أو قدراً، وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يسلم على الصبيان إذا مر بهم وفي ذلك فائدة عظيمة، منها التواضع، أن الإنسان يضع نفسه إذا سلم على من هو دونه، ومنها الرحمة؛ لأن سلامك على الصغار، نوع من الرحمة، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن (الراحمين يرحمهم الله عز وجل) ومنها: تعويد السلام لهؤلاء الصبيان، يعني: أن الصبي يعرف أن شعار المسلمين أن يسلم بعضهم على بعض فيأخذ من هذا أدباً وخلقاً، ينتفع به في شبابه وبعد هرمه.(145/5)
تسليم القليل على الكثير
ثالثاً: يسلم الكثير على القليل، أو القليل على الكثير؟ القليل، كالصغير مع الكبير، يسلم القليل على الكثير، أي: إذا تقابل جماعة خمسة وستة، من يسلم؟ الخمسة يسلمون على الستة؛ لأن الستة فيهم زيادة له حق -الزائد له حق- فيسلم القليل على الكثير، وإذا لم يفعلوا فليسلم الكثير على القليل لئلا تفوت السنة بينهم.
كذلك أيضاً الراكب والماشي تقابل رجلان أحدهما يمشي والثاني راكب في سيارته أو على بعيره، من الذين يسلم؟ يسلم الراكب على الماشي؛ لأن الراكب له علو فيسلم على الماشي؛ لأن السنة جاءت بهذا، الصاعد على النازل؟ أو النازل على الصاعد؟ الصاعد على النازل، لو أن اثنين التقيا في درجة سلم فإن الصاعد هو الذي يسلم على النازل.
وإذا لم تأت السنة ممن عليه أن يبدأ بها، فليبدأ بها الثاني، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) قال: خيرهما، فدل ذلك على أن من بدأ غيره بالسلام فهو خير، وهو كذلك؛ لأنك أنت إذا سلمت حصلت على عشر حسنات، ثم إذا رد صاحبك حصل على عشر حسنات، وما هو السبب الذي جعله يحصل العشر الحسنات؟ السبب البادئ، لولا أنك سلمت مارد فتكون أنت متسبباً لهذا الذي عمل عملاً صالحاً فلك أجره، ولهذا قال العلماء: ابتداء السلام سنة ورده واجب، ثم أوردوا على هذا إشكالاً، قالوا: أيهما أفضل: ابتداء السلام، أو رد السلام؟ ابتداء السلام، أفضل، ثم أوردوا إشكالاً قالوا: كيف تكون السنة أفضل من الواجب، والقاعدة الشرعية: أن الواجب أفضل كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: (ما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه) .
أجابوا عن ذلك قالوا: هذا الإشكال جوابه أن هذا الواجب كان مبنياً على السنة، فصارت السنة التي بني عليها الواجب لمن أتى بها، ثواب أجره الخاص، وثواب أجر الراد الواجب.(145/6)
رفع السلام بصوت مسموع
كذلك -أيضاً- السلام ينبغي أن يكون بصوت مسموع، بعض الناس يلاقيك ويسلم، لكن تشك هل سلم أم لا؟ لأنه لم يرفع صوته وهذا غلط، ارفع الصوت على وجه يدل على أنك فرح بهذا الأخ الذي قابلك، أو الذي سلمت عليه لا بصوت مزعج، ولا بخافتٍ لا يسمع، على عكس ذلك بعض الناس يسلم بصوت مزعج، والدين وسط بين الغالي والجافي، فنقول: سلم سلاماً مسموعاً يسمعه أخوك، ويكون بأدب واحترام.(145/7)
انبساط الوجه وانشراح الصدر
ومن آداب السلام -أيضاً- أن يكون المسلِّم منبسط الوجه منشرح الصدر، فإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، فإن طلاقة الوجه، وانشراح الصدر، والابتسامة في وجه أخيك لا شك أنها من الأمور المطلوبة؛ لما فيها من إدخال السرور على إخوانك، وإدخال السرور على إخوانك من الأمور المستحبة التي تؤجر عليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل معروف صدقة) كل معروف فإنه صدقة.(145/8)
أنواع السلام المحمول وكيفية الرد عليه
وإذا ورد عليك السلام محمولاً، فإن كان الحامل له شخصاً وقال: فلان يسلم عليك، فقل: عليك وعليه السلام، وإن شئت فقل: عليه السلام أي: على الذي حمَّله، أما إذا كان محمولاً في كتابه، أي: إنسان كتب لك كتاباً وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فإن كنت تريد أن تجيبه بكتاب فرد عليه الجواب، مثلاً كتب إليك إنسان كتاباً، وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عند الجواب تكتب ج/ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، قرأت كتابك وفهمت ما فيه والجواب كذا وكذا، أكثر الناس لا يهتمون الآن بهذا، تجده يكتب الجواب ويقول في ابتدائه السلام عليكم ورحمة الله، هذا حسن، لكن الذي سلم عليكم يريد جواباً، قل: ج/ جواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وصلني كتابك أو قرأت كتابك وفهمت ما فيه، وهذا جوابه، وتجيبه بما سألك، فهذا إذا كان السلام مكتوباً فجوابه بالكتابة.
حسن إذا كان لا يحتاج إلى جواب، مثل أن يكون شخص كتب إليك كتاباً يخبرك بخبر لا يحتاج إلى جواب، فهنا إذا قرأت الكتاب فقل: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، لا أقول وجوباً؛ لأن صاحبك لن يسمع، لكن على سبيل الاستحباب، رجل دعا لك بظهر الغيب فادع له أنت بظهر الغيب، وإلى هنا ينتهي الكلام على السلام وإن شاء الله تعالى نكمل تفسير ما تيسر من سورة الذاريات.(145/9)
الأسئلة(145/10)
حكم الصلاة في المسجد الذي فيه قبر
السؤال
ما حكم الصلاة في مسجد فيه قبر، ومن صلى في مسجد فيه قبر هل يعيد الصلاة؟
الجواب
ينظر في هذا إذا كان المسجد مبنياً على القبر فالصلاة فيه لا تصح؛ لأن هذا المسجد محرم ويجب هدمه، وإذا كان المسجد سابق ودفن فيه ميت، فينظر إذا كان القبر في جهة القبلة، فإنه لا يُصلى في هذا المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصلوا إلى القبور) وأما إذا كان على يمين مستقبل القبلة أو يساره أو خلف ظهره، فلا بأس، ولكن يجب على أهل الميت الذي دفن في هذا المسجد أن ينبشوه، وأن يدفنوه مع الناس.(145/11)
حكم رد السلام على الكافر
السؤال
هل رد السلام على الكافر واجب ويأثم تاركه؟
الجواب
رد السلام على الكافر واجب، لقوله تعالى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} [النساء:86] وهذا هو الحكمة والله أعلم، لأن الله قال: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ} ولم يقل: إذا حيا بعضكم بعضاً، ولم يقل إذا حياكم إخوانكم، فقال: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ} فيجب الرد، لكن هل إذا قال المسلِّم، مرحباً بفلان، أهلاً بفلان هل يجب الرد؟ ظاهر القرآن الكريم أنه يجب الرد؛ لأن هذا يسمى تحية عرفاً وإن كانت التحية الفضلى أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ولكن مادام الناس قد تعارفوا بينهم أن قول أهلاً، مرحباً، حياكم الله؛ تحية، فإن ظاهر القرآن الكريم يقتضي أن ترد عليه.(145/12)
صوت المرأة ليس بعورة
السؤال
سمعنا في برنامج الفتاوى الذي يذاع بالراديو أصوات نساء يسألن ولكنها المرة الأولى التي يظهر فيها صوت المرأة عبر إذاعة القرآن الكريم، ونعلم أن سماحتكم من الحريصين والحمد لله على الخير، فنريد أن توضحوا لنا ولمن قد يلتبس عليه الأمر في ذلك، هل صوت المرأة عورة، وما حكم إذاعته بعد تسجيله، وقد ترون أن من الأفضل أن يعود طرح الأسئلة كما كان سابقاً عن طريق مذيع البرنامج؟ الجواب على هذا بأن أقول: صوت المرأة ليس بعورة، بنص القرآن، قال الله تبارك تعالى لأمهات المؤمنين، زوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] فقوله: فلا تخضعن بالقول؛ إذنٌ بالكلام مع الرجال، وأن المرأة لا بأس أن يسمع صوتها الرجل، لكن بدون خضوع، وكذلك كانت النساء في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تأتي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام في مجلسه، تأتي المرأة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في مجلسه وتسأله، والرجال حاضرون، فلا بأس أن يسمع الرجل صوت المرأة.
لكن يبقى هل الذين يستمعون إلى صوت المرأة يتمتعون بهذا الصوت أو يتلذذون به؟ يكون المسئول هو الرجل الذي يتمتع بأصوات النساء أو يتلذذ بها، أما صوت المرأة من حيث هو فليس فيه شيء إطلاقاً، ثم إن غالب النساء التي يسألن في هذا البرنامج يسألن مسائل فقهية، أو عن تفسير آية، أو ما أشبه ذلك، شيء لا يمت إلى الفتنة بصلة، وإلا فنحن إن شاء الله تعالى من أحرص الناس على تحاشي ما يكون فيه الفتنة.
وأما قول السائل: كما كان سابقاً ما أعرف أنه كان سابقاً، لعله يريد هو نور على الدرب، نور على الدرب يكتب بأوراق، رسائل تأتي إلى الإذاعة وتعرض على المشايخ ولا حاجة أن نقول: إن المرأة تُسمع المذيع ثم المذيع ينقل سؤالها إلينا؛ لأن هذا يؤدي إلى أن يستغرق وقتاً أكثر فتقل الأسئلة في هذا البرنامج، البرنامج كانوا يريدونه عشر دقائق فقط، فطلبنا منهم أن يكون ثلث ساعة؛ لأنه أوسع للناس، واليوم اتصلوا بنا وقالوا أنهم جعلوه ثلث ساعة، وهو الإذاعة الساعة الخامسة إلا ثلثاً بعد العصر، من كل أحد وكل أربعاء، وستكون إذاعته في رمضان كل يوم عند الإفطار.(145/13)
الواجب على المرأة إذا حجت وهي حائض
السائل: امرأة حجت نيابة، وفي اليوم التاسع يوم عرفة نزل بها الحيض ولم تبلغ محرمها، وعملت جميع مناسك الحج وهي حائض بما فيه الطواف، ثم وادعت وهي حائض، وعندما وصلت لم تخبر محرمها ومر على ذلك أربع سنوات مع أنها أرملة، فما حكم هذا الحج؟
الجواب
حكم هذه أن حجها لم يتم، وباقٍ عليها الآن طواف الإفاضة؛ لأنه ركن ولا يتم الحج إلا به، فعليها الآن أن تذهب إلى مكة، وتحرم بعمرة، وتطوف، وتسعى، وتقصر للعمرة، ثم تأتي بطواف الحج السابق، وإلا فإنها باقية على ما بقي من إحرامها وآثمة بالنسبة للنيابة التي أخذتها؛ لأنها إلى الآن لم تتمها، وهي متعلقة بذمتها، فبلغها أن تذهب إلى مكة فوراً قبل رمضان، يعني: من اليوم إذا أمكن ويذهب معها محرمها.(145/14)
حكم مناقشة الطالبات للأستاذ
السؤال
بحكم أني مدرس في كلية البنات فأنا أدرسهن عن طريق إما المصورة -التلفزيون- أو الإذاعة، وطبعاً وفي أثناء الدرس يعقبه حوار بيني وبين الطالبات فما رأي الدين؟
الجواب
والله رأي الدين صعب أنك توجه رأي الدين لي أنا؛ لأني أنا لست معصوماً ومثل هذا التعبير لا تلقيه على أي أحد من العلماء، أي أحد من العلماء لا يمكن أن يتكلم باسم الدين؛ لأنه ليس معصوماً، لكن قل في نظرك لا بأس، قيد.
أما الجواب: فرأيي أنه لا بأس به أن الطالبة تحاور الأستاذ لكن إذا علمت أنها تمادت في البحث على وجه لا فائدة منه فاقطع الحوار، وأما إذا كانت لغرض فالنساء كن يحاورن الرسول عليه الصلاة والسلام، خطب يوم العيد ثم ذهب إلى النساء ووعظهن وذكرهن وقال: (إنكن أكثر أهل النار، قلن: بم يا رسول الله؟) فحاورنه، وكذلك أيضاً لما أخبر: (ما من امرأة يموت لها ثلاث لم يبلغوا الحنث إلا كان ستراً لها من النار، قلنا: يا رسول الله! واثنان؟ قال: واثنان، قلنا: يا رسول الله! وواحد) فهذا لا بأس به؛ لأنه كوننا نشدد في موضوع المرأة من جانب ويأتي الناس -والعياذ بالله- يتحللون في حق المرأة من جانب آخر، كما يبدر من السفهاء الموجودين في بلادنا وغير بلادنا ممن يريدون أن يلحقوا المرأة بالرجل، هذا لا شك أنه منكر وأنه لا يقره أحد.
لكن كوننا نشدد حتى نقول: لا يسمع صوتها، وهو صوت ولا محذور فيه إطلاقاً؛ فليس بصحيح، فأرى أنه لا بأس أن تحاورها، وأن تبين لها وتكشف لها؛ لكن إذا رأيت منها استدراجاً في كلام لا فائدة منه فاقطع الكلام.(145/15)
سبب تخصيص الله للبنين في قوله تعالى: (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ)
السؤال
في قوله تعالى على لسان نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح:10-12] .
قوله تعالى: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} في قوله: {وَبَنِينَ} هل هذه النعمة تستلزم صلاح الذرية؟
الجواب
هو أن نوح عليه الصلاة والسلام وعد قومه أنهم إن استغفروا الله أرسل عليهم السماء مدراراً، وأمدهم بأموال وبنين، وجعل لهم جنات وجعل لهم أنهاراً، وإنما خص هنا البنين دون البنات؛ لأن غالب ما يفتخر به الناس هم الأبناء، دون البنات، والنسل إذا جاء فإنما ينسب إلى الأجداد من جهة البنين لا من جهة البنات، فلهذا قال: {وَبَنِينَ} ولا يلزم من هذا أن يكونوا كافرين أو مؤمنين، المهم أن ظاهر ما تريده نفوسهم المال والبنين والبساتين وغيرها {وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} .
ولكن هنا سؤال، يقال: هل إذا أراد الإنسان بالعمل ثواب الدنيا والآخرة، بمعنى أنه عمل عملاً صالحاً واستغفر ربه ليمده الله عز وجل بما ذكر نوح عليه الصلاة والسلام مع رجاء ثواب الآخرة، هل ينقص هذا من أجره؟ الجواب: لا ينقص؛ لأنه لو كان ينقص من الأجر لكان الله تعالى لم يرغب عباده بذلك، لكن لا شك أن هذه الأشياء تحمل الإنسان على التقدم بالعمل الصالح، ومن ذلك التطبيق الفعلي للرسول عليه الصلاة والسلام حيث كان يجعل للقاتل المجاهد في سبيل الله سلب القتيل أي: إذا قتل رجلاً من الكفار يكون له سلبه وهو: ما عليه من الثياب، وما أشبه ذلك، لكن لا شك أن الإنسان يجب عليه أن يغلب جانب الآخرة على جانب الدنيا، وجانب الدنيا ما هو إلا حافز فقط.(145/16)
امرأة نامت بالقرب من طفلتها فاستيقظت وقد ماتت الطفلة
السؤال
والدتي تزوجت قبل ثلاثين عاماً أو يزيد، كان عمرها بين الخامسة عشرة والسابعة عشرة، ولدت لها طفلة -بنت- فلما بلغت أربعة عشر يوماً تقريباً كانت نائمة فلما أصبحت وجدتها ميتة قد تلونت، أو انقلب لونها إلى الأزرق وكأنها ماتت مخنوقة وهي تشك وتقول: هي السبب -الوالدة- علماً بأن الطفلة ولدت على ثمانية أشهر ويقال: أن ابن الثمان الأشهر قد لا يعيش كثيراً والله أعلم، نريد الحكم جزاكم الله خيراً؟
الجواب
الحكم لا شيء على الوالدة؛ لأنها لم تتيقن أنها ماتت بسببها، فإذا لم تتيقن فالأصل براءة ذمتها، حتى في الشك، حتى لو غلب على ظنها أنها هي التي قتلتها ما عليها شيء، لابد من اليقين؛ لأن الأصل براءة الذمة، ومادامت أيضاً ولدت في هذه الأشهر الثمانية، وفيه كما ذكرت الغالب أنها لا تعيش، لكن هذا لا يهمنا، ولكن الذي يهمنا الأصل براءة الوالدة، وأن الطفلة ماتت بقضاء الله وقدره.(145/17)
كيفية قراءة الفاتحة بخشوع ويقين في الصلاة الجهرية
السؤال
في الصلاة الجهرية كيف نقرأ الفاتحة بخشوع ويقين؟
الجواب
أولاً انصت للإمام بخشوع ويقين، وأمِّن إذا انتهى من قوله ولا الضالين، ثانياً: إذا انتهى من قراءة الفاتحة اقرأها أنت، فما دام ساكتاً فيمكن أن يكون لديك خشوع، وإن قرأ فأنت مأمور بقراءتها سواء بخشوع أو بغير خشوع، افعل ما أمرت به واقرأها ولو كان الإمام يقرأ، ثم إن حصل لك خشوع فهذا المطلوب، وإن لم يحصل كما هو الغالب الآن؛ لأن أكثر المساجد تصلي بالميكرفون ولا يحصل خشوع، فأنت اقرأها امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وقال عليه الصلاة والسلام: (حين انفتل من صلاة الفجر وأخبره الصحابة أنهم كانوا يقرءون قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) .(145/18)
حكم العمل مع رجل يكسب المال بالتحيل
السؤال
هناك عامل يعمل مع رجل وهذا الرجل يكسب المال بالتحيل فما حكم راتب العامل؟
الجواب
العامل يعمل عند رجل يكسب المال على وجه محرم، لكنه يوفي عمله ليس عليه شيء، إلا إذا كان يعمل في أمر يساعد ذاك على المحرم فلا يجوز.
السائل: يعمل ويعينه على ذلك العمل؟ الشيخ: إذاً يسفره، لا يعمل إطلاقاً؛ لأنه أعان على الإثم والعدوان، لكن لو فرض أن الكفيل له مزرعة وهو يكسب مالاً بغير حق، وهذا يعمل في المزرعة ما له دخل في كسبه، فلا بأس، أما إذا كان يساعده على اكتساب المال على وجه محرم؛ فإنه لا يجوز إطلاقاً أن يبقى عنده، من الآن بلغه الراتب الذي سبق معفو عنه، لقوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة:275] لكن في المستقبل بعد أن يعلم الحكم الشرعي لا يجوز أن يبقى.(145/19)
معنى قول الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) أنها هي الآية الجامعة
السؤال
ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] أنها هي الآية الجامعة ال.
؟
الجواب
الجامعة، أي: أنها جمعت كل شيء، وأن الإنسان إذا عمل خيراً قل أو كثر فإنه مثاب عليه؛ لأنهم لما سألوه عن الحمر، هل فيها من أجر قال: (أنه أنزل عليّ هذه الآية الجامعة) معناه: أي خير تعملوه في أي شيء، فإنكم مأجورون عليه، حتى الإنسان إذا أطعم أهله بنية صار له أجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ سعد بن أبي وقاص: (واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فم امرأتك) .(145/20)
جواز الفتيا في الأشياء الظاهرة
السؤال
نحن مدرسون يوجه إلينا بعض الأسئلة، فنجيب الطلاب بما نعلم فهل هذا من الفتيا والجرأة على الله عز وجل؟
الجواب
إذا كان بما تعلم أنه الحق، فليس فيه جرأة.
السائل: كأننا صرنا في مقام المفتي نجيبهم؟ الشيخ: الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (بلغوا عني ولو آية) الكلام على أنك هل أنت متيقن وإلا لا.
السائل: إذا كان الحكم ظاهراً وبيناً؟ الشيخ: مثلاً لو سألك طالب وقال: ما تقول في الزنا؟ تقول حرام، هذا ما فيه إشكال، لكن يسألك عن مسألة لا يعرفها إلا طالب العلم، وتظن أنت أو يخيل لك أنها جائزة، وأنها حرام، وتفتي بهذا، فهذا لا يجوز، لكن الشيء الظاهر ظاهر.
السائل: الإشكال أن يخفى الحكم في الوقت الحاضر، قد يكون يعلم الحكم ولا يتقين منه لنسيان الدليل مثلاً؟ الشيخ: لا.
ينتظر يقول للطالب: انتظر حتى أبحث أو حتى أسأل؛ لأنه مادام الكلمة في نفسك ما عليك شيء، لكن إذا خرجت ما عدت تملكها.(145/21)
حكم قول القائل: سلام عليكم دون الإتيان بالألف واللام في كلمة سلام
السؤال
مر علينا الكلام عن السلام وهناك بعض الألفاظ تؤخذ من السلام، بدلاً من أن يقول السلام عليكم، يحذف الألف واللام، يقول: سلام عليكم، أو يكون الجواب أيضاً: سلام ورحمة الله، دون أن يقول: وعليكم السلام؟
الجواب
لا بأس إذا قال: سلام عليكم أتى بها منكرة، فلا بأس، لكن التعريف أفضل السلام عليكم، وكذلك سلام ورحمة الله وبركاته، يريد وعليكم السلام لا بأس، يجوز حذف الخبر ويجوز حذف المبتدأ، إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال: سلام حذف ماذا؟ حذف الخبر، أي: عليكم سلام.(145/22)
حكم قول القائل إذا دخل بيتاً وليس فيه أحد: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
السؤال
إذا دخل أحد بيتاً وليس فيه أحد هل يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وهل في هذا دليل صحيح؟
الجواب
لا أعلم عن هذا، الله تعالى يقول: {وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور:27] أما إذا لم يكن فيها أحد فلا أعلم في ذلك شيء.(145/23)
السلام بالإشارة
السؤال
هل الإشارة تكون مقام العبارة في السلام كالاقتصار على رفع اليد؟
الجواب
لا يجوز أن يقتصر الإنسان على الإشارة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، ولكن إذا كان الإنسان بعيداً أو كان أصم فاجمع بين الإشارة والعبارة، وأما أن تقتصر على الإشارة فلا، فهنا ثلاث حالات: الأولى: أن تقتصر على الإشارة فقط، فهذا لا يجوز.
الثانية: العبارة فقط، وهذا جائز وهو الأصل.
الثالث: أن تجمع بين الإشارة والعبارة وهذا إذا كان هناك سبب، ككون الإنسان بعيداً أو كونه لا يسمع اجمع بين الإشارة والعبارة، وأما إبلاغ السلام لمن أوصاك به، فإن تحملت ذلك وقلت حين قال: سلم لي على فلان قلت: نعم إن شاء الله، فإنه يجب عليك أن تبلغ، ولكن في مثل هذه الحال، إذا قال لك سلم لي على فلان، تقول: إن شاء الله، ما لم أنس، قيد، من أجل ألا تخرج بإثم، وإلا قال العلماء: إذا التزم الإبلاغ وجب عليه الإبلاغ.
السائل: عندنا كثير من الناس يقولون: نبلغك السلام وننسى أحياناً الشيخ: عليهم جميعاً السلام.(145/24)
السلام على المبتدع
السؤال
المبتدع هل نسلم عليه؟
الجواب
المبتدع إن كان داعياً لبدعته وكان في هجره مصلحة لا تسلم عليه، وأما إذا لم يكن في هجره مصلحة فسلم، صاحب البدعة إذا هجرته اتخذك عدواً وأثار الناس عليك، ولا فائدة من هجره، ولكن إذا كان في هجره فائدة بأن كان الرجل كبيراً في قومه وله منزلته، وصار هذا المبتدع إذا هجره هذا الرجل سوف يهتم بهذا؛ فلا بأس، وهذه قاعدة عامة، كل من كان على معصية ليست بكفر فلا يجوز هجره إلا إذا كان في ذلك مصلحة.(145/25)
الرد على من يقول: تفرق المسلمين أمر لابد منه
السؤال
بعض الناس يقولون: تفرق المسلمين أمر لابد منه، ويستدلون بقول الله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:118-119] أن يكون لام التعليل، الله سبحانه وتعالى خلقهم على هذه، هل هذا صحيح؟
الجواب
هذا غلط عظيم، الأصل في المسلمين الاجتماع وعدم التفرق، كما قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13] وقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران:105] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام:159] هذا هو الأصل، أما استدلاله بالآية، فإن الله تعالى يقول: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} [هود:118] الناس عموماً، لو شاء الله لجمعهم على الهدى فكانوا أمة واحدة {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود:118-119] فإنهم لا يختلفون، وهل المسلمون ممن رحم الله؟ الجواب: نعم.
إذاً فلن يكون بينهم اختلاف، وأما قوله: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:119] فهو تعليل للناس عموماً، أي: ومن أجل هذا الاختلاف خلقهم، لولا هذا الاختلاف لم تجد النار أحداً، ولكان خلق النار ما منه فائدة، والله عز وجل قال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [التغابن:2] .
هذه المقالة غلط، لكن لا شك أن الناس يختلفون في العلم، يختلفون في الفهم ويختلفون في التقوى، فإذا اختلفوا في هذا لابد أن يختلف رأيهم، لكن هل اختلاف الرأي بأن يقول هذا الرجل: الوضوء من لحم الإبل واجب، وهذا يقول: ليس بواجب، هل هذا يؤدي إلى اختلاف القلوب؟ يجب ألا يؤدي إلى اختلاف القلوب، لكن مشكلتنا الآن أن كثيراً من الناس إذا خالفته في مثل هذه الأمور خالفك بقلبه، حتى في الأمور التي دون ذلك، تجده -مثلاً- يكرهك إذا كنت تقدم ركبتيك قبل يديك في السجود؛ لأنه يرى أنك تقدم اليدين، مع أن القول الراجح هو تقديم الركبتين، كذلك -أيضاً- يكرهك إذا جعلت يديك على صدرك في حال القيام بعد الركوع؛ لأنه يرى أنها لا تجعل، مع أن الصحيح أنها تجعل، مع أن المسألة كلها اجتهادية وفيها مساغ للاجتهاد، والواجب أنك إذا خالفك إنسان لمقتضى الدليل عنده، الواجب أن تزداد محبتك له، أي: كونه خالفك وهو يعلم أنك تكره أن يخالفك من أجل قيام الدليل عنده، يدل على تمسكه بما يراه دليلاً، وهذا مما يوجب زيادة المحبة لهذا الرجل، هكذا الحق، أما أن أتخذ من مثل هذا الخلاف عداوة وبغضاء فهذا لا شك أنه منهي عنه.(145/26)
حكم السلام على من يجلسون وقت الصلاة على الأرصفة
السؤال
نجد أناساً من البلد لا ندري هل هم مسلمون أم كفار، مع أن القرينة أن الناس يتجهون إلى المساجد، وهم جالسون على الشوارع والأرصفة، هل نسلم عليهم؟
الجواب
هؤلاء لا تسلم عليهم ماداموا جالسين والناس يصلون، الغالب أن هؤلاء كفار، لكن مرهم أن يصلوا وإذا قالوا: إنهم غير مسلمين، تقول لهم: ابتعد عن المسجد لا يمكن أن يرخص للكافر أن يبقى أمام المساجد، والمسلمون يدخلون يصلون وهو باقٍ؛ لأن هذا تحدٍ لشعور المسلمين، فيقال: اذهب إلى غرفتك أو تجول في الأسواق لا تأتِ هنا وتجلس عند المسجد.(145/27)
حكم دعوة النساء كاشفات الوجه
السؤال
في أمر الدعوة إلى الله في دولة مسلمة، الداعين يقومون بأمر الدعوة للنساء من دون أن يكون هنالك حجاب، لكن النساء كن لابسات زياً إسلامياً، أو أقرب إلى الزي الإسلامي تماماً، فينكر عليهم؛ ونحن نقوم بهذا الأمر لمتطلبات منها: ربما القوم لم يأتهم داعية من قبل فيكون إذا ضرب الحجاب أو يكون الآن ليس له وقت، أو لا يستوعبون الكلام كما ينبغي، وهل الأمر بالحجاب في الآية أن يكون الحجاب الذي يكون بينك وبين النساء أم أن المرأة نفسها إذا لبست الحجاب، يكون كافياً وفقكم الله؟
الجواب
الواجب على الداعية أن يدعو إلى الله عز وجل وأن يجعل الحسنات الصافية غامرة للسيئات التي هي أقل منها، فكونه يأتي إلى النساء ويدعوهن إلى الله عز وجل، ويبين ما يجب من أركان الإسلام، والإخلاص، والمتابعة، والصلاة، خير من كونه يدعهن؛ لأنهن كاشفات الوجوه، نقول: اذهب وادعهن ولو كن كاشفات الوجوه، وغض البصر ما استطعت، ثم بعد أن يتقرر الإيمان في قلوبهن، وتتبين منزلتك عندهن، مرهن بتغطية الوجه، والحجاب ليس معناه أن يكون بينك وبين المرأة ساتر، الحجاب إذا غطت وجهها كفى.(145/28)
صلاة الراتبة في السفر
السؤال قلنا بالأمس: إن راتبة الجمعة لا تلزم المسافر.
الجواب
لأن الراتبة أصلاً غير لازمة لا جمعة ولا غير جمعة، قلنا: يمكن أن يقال لمن صلى الجمعة من المسافرين: صل الراتبة، ويمكن أن نقول: لا تصل الراتبة، أي: إن صلى فلا بأس، وإن ترك فلا بأس.(145/29)
الواجب على المسافر إذا سمع نداء الجمعة
السؤال
هل إذا سمع المسافر النداء تلزمه الجمعة؟
الجواب
هذا أمر وجوب، هذا أمر واجب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] .
السائل: والراتبة يا شيخ؟! الشيخ: لا.
ليس هناك علاقة بين الراتبة وحضور الجماعة، يعني: يقول مثلاً: لازم على من حضر الجماعة أن يصلي راتبة، ومن لم يحضر لا يصل راتبة؟! لا.
انتهى هذا اللقاء وإلى اللقاء القادم إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(145/30)
لقاء الباب المفتوح [146]
في هذا اللقاء فسر الشيخ بعض الآيات من سورة الذاريات ومنها قوله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام والمرسلين الذين أرسلهم الله إليه: (قال فما خطبكم أيها المرسلون، قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين) فتكلم عن اللواط وأنه جريمة كبيرة يستحق فاعلها والمفعول به القتل، وفي نهاية الآيات ذكر الفرق بين الإسلام والإيمان ثم أجاب عن الأسئلة.(146/1)
تفسير آيات من سورة الذاريات
الحمد رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس والأربعون بعد المائة من لقاء الباب المفتوح، الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا اليوم الخميس التاسع من شهر شعبان عام 1417هـ، نتكلم فيه بما يسر الله عز وجل من التفسير في سورة الذاريات.(146/2)
تفسير قوله تعالى: (قال فما خطبكم أيها المرسلون)
انتهينا إلى قوله الله تعالى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} [الذاريات:31-32] .
القائل: ما خطبكم؟ هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أي: ما شأنكم أيها المرسلون؟ {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ} [الذاريات:32-33] .
(أرسلنا) أي: أرسلنا الله عز وجل؛ لأنه من المعلوم أنه لا يرسل أحداً من الملائكة إلا خالقهم تبارك وتعالى، إلى قوم مجرمين، أي: ذوي جرم عظيم، ألا وهو اللواط -والعياذ بالله- فإنهم كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء، فيأتون ما لم يخلق لهم، ويدعون ما خلق لهم، كما قال لهم نبيهم لوط عليه الصلاة والسلام: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [الشعراء:166] .
وهذه الفاحشة، فاحشة نكراء لا يقرها عقل، ولا فطرة، ولا دين، ولهذا كانت عقوبتها الإعدام للفاعل والمفعول به، إذا كانا بالغين عاقلين، سواء كانا محصنين أم غير محصنين، بخلاف الزنا، فهو أهون عقوبة؛ لأن الزنا من لم يكن محصناً فعقوبته أن يجلد مائة جلدة ويغرب عن البلد سنة كاملة، وإن كان محصناً -وهو: الذي قد تزوج وجامع- عقوبته أن يرجم بالحجارة حتى يموت، أما هذا فعقوبته القتل بكل حال، كما جاء في الحديث: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) .
ووقعت هذه الفاحشة في عهد أبي بكر رضي الله عنه، فأمر أن يحرق كل من الفاعل والمفعول به؛ لأن الإحراق أعظم عقوبة يعاقب بها بنو آدم، وكذلك جاء عن بعض الخلفاء أنهم أمروا بإحراق اللوطي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أجمع الصحابة على قتل اللوطي فاعلاً كان أو مفعولاً به، لكنهم اختلفوا كيف يقتل، منهم من أحرق ومنهم من قال: يرمى بالحجارة حتى يموت كالزاني المحصن، ومنهم من قال: يلقى من أعلى شاهق في البلد، يعني: من مكان مرتفع أعلى ما يكون في البلد، ثم يتبع بالحجارة حتى يموت.
فالمهم أنهم متفقون على قتله، ولا شك أن قتله هو الحكمة؛ لأن هذه الفاحشة متى دبت في الرجال، صار الرجال كالنساء، وبدأ الذل والعار والخزي على وجه المفعول به لا ينساه حتى يموت.
ثم استغنى الرجال بالرجال وبقيت النساء؛ لأن هذه الفاحشة -والعياذ بالله- إذا ابتلي بها الإنسان لا يلتفت إلى غيرها؛ لأنه مرض فتاك سارٍ، فإذا أعدم هؤلاء وهم في الحقيقة جرثومة فاسدة مفسدة للإنسان؛ كان ذلك عين الإصلاح، ثم اللواط، -والعياذ بالله- لا يمكن التحرز منه؛ لأنه بين ذكرين، لا يمكن لأي إنسان أن يجد ذكرين يمشيان في السوق أن ينكر عليهما اجتماعهما؛ لكن الزنا يمكن، رجل مع امرأة تستنكره أو تتهمه وتتكلم معه، ولذلك كان عقوبة الإعدام في حق اللوطي أوثق ما يكون للحكمة، بل الرحمة أيضاً، هي رحمة بالفاعلين، باللائط والملوط به، حتى لا يبقيا في حياتهما يكتسبان الإثم وتزداد العقوبة عليهما، ورحمة للمجتمع، تكون عقوبتهما نكالاً، حتى لا يفسد المجتمع، لهذا قالت الملائكة لإبراهيم: {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} .
وجرمهم -والعياذ بالله- ما سبقوا إليه، كما قال لهم نبيهم: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:80] أرسلوا {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات:33-34] حجارة من طين، لكنه ليس الطين الذي يتفتت، بل الطين الصلب العظيم، الذي إذا أصابت هذه الحجارة أحداً من الناس وضربته على رأسه خرجت من دبره، لا يردها عظم ولا لحم، لقوتها وشدتها وصلابتها والعياذ بالله، وهي معلمة.(146/3)
تفسير قوله تعالى: (مسومة عند ربك للمسرفين)
قال تعالى: {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات:34] المتجاوزين حدودهم، ومعنى (مسومة) أي: معلمة عند الله، أي: عليها علامة؛ لأن كل شيء عند الله بمقدار، لا تظن أن الأمور التي يقدرها الله عز وجل تأتي هكذا صدفة، بل هي بمقدار حتى تباعد ما بين النجوم الآن وتفاوت ما بينها من الكبر والإضاءة بمقدار، لم يكن هكذا فلتة أو جاء صدفة، كل شيء مقدر بالشعرة أو أدق، كل شيء عند الله بمقدار، لابد أن هذه الحجارة معلمة عند الله، وهي معلمة بمعنى أن هذه مكتوب عليها مثلاً: حجارة عقوبة، أو مسومة حتى بالنسبة لمن تقع عليه؟ الجواب الثاني أدق، أي: هذه الحجارة لفلان، وهذه الحجارة لفلان {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} .
أي: للمتجاوزين حدودهم، ولا شك أن اللواط مجاوزة للحد وإسراف والعياذ بالله.(146/4)
تفسير قوله تعالى: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين)
قال الله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:35] أخرجناهم، أي: أمرناهم أمراً قدرياً فخرجوا، قال الله للوط: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} [هود:81] أخرج الله من كان فيها من المؤمنين، من هم؟ لوط وأهله إلا امرأته، ولهذا قال: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:36] .
بيت واحد! قرية كاملة يدعوهم نبيهم إلى توحيد الله، وإلى ترك هذه الفاحشة فلم يتبعه أحد حتى أهل بيته، فيهم من لم يؤمن بلوط، فانتبه يا أخي الداعية! لا تجزع إذا دعوت فلم يستجب لك من المائة إلا عشرة، هذه نعمة، الرسل عليهم الصلاة والسلام، يبقون في أممهم دهوراً كثيرة، ولا يتبعهم إلا القليل، لوط عليه الصلاة والسلام من اتبعه من القرية؟ لا أحد، من اتبعه من أهله؟ اتبعه من أهله من اتبعه وتخلف عن دعوته من تخلف ولهذا قال: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} .
وهنا يتساءل الإنسان في نفسه! كيف قال: (أخرجنا من كان فيها من المؤمنين، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) هل المسلمون هنا بمعنى المؤمنين بالآية التي قبلها؟ ذهب بعض العلماء إلى ذلك وقالوا: إن في هذا دليل على أن الإيمان والإسلام شيئ واحد.
وذهب آخرون إلى الفرق وقالوا: أما المؤمنون فقد نجوا، وأما البيت فهو بيت إسلام؛ لأن المظهر في هذا البيت بيت لوط أنه بيت إسلامي، حتى امرأته لا تتظاهر بالكفر، تتظاهر بأنها مسلمة، ولهذا قال الله تعالى في سورة التحريم: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} [التحريم:10] ليس معنى خانتاهما بالفاحشة؛ بل خانتاهما بالكفر، لكنه كفر مستور، وهو خيانة من جنس النفاق، ولهذا يقال للمجتمع الذي فيه المنافقون: إنه مجتمع مسلم، وإن كان فيه المنافقون؛ لأن المظهر مظهر إسلامي، إذاً نقول {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ، إنما قال: من المسلمين؛ لأن امرأته ليست مؤمنة ولكنها مسلمة.(146/5)
تفسير قوله تعالى: (وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم)
قال تعالى: {وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [الذاريات:37] {وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً} أي: علامة، فما العلامة؟ أهي علامة حسية أم علامة معنوية؟ أم علامتان معنوية وحسية، أقول لكم قاعدة مفيدة في التفسير: إذا احتملت الآية أكثر من معنى لا مرجح لأحدهما للآخر ولا منافاة بينهما وجب حملها على المعنيين جميعاً، هذه الآية نقول: آية، الآية هذه حسية ومعنوية، أما الحسية فما يشاهد من مكان قريتهم، التي تسمى بحيرة لوط، فإن هذا كان موضع القرية، كلٌ يمر به ويراه ويشاهده، كما قال تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الصافات:137-138] .
آية معنوية: كل من قرأ قصتهم في جميع ما ورد فيه من السور الكريمة اعتبر واتعظ وخاف، هذه آية معنوية، لكن من الذي ينتبه لهذه الآيات، من يخافون العذاب الأليم {لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} أما المنكرون الذين قست قلوبهم، فإنهم لم ينتفعوا بالآيات، قال الله تعالى: {وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101] نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المنتفعين بالآيات، انتهى الكلام على قصة إبراهيم ولوط عليهما الصلاة والسلام، ويأتي بقية الكلام على آخر السورة.(146/6)
الأسئلة(146/7)
لا يجزئ الغسل المستحب عن الوضوء الواجب
السؤال
الأَغسال المستحبة إن لم تكن على صفة غسل الجنابة تجزئ عن الوضوء؟
الجواب
بارك الله فيك! الأَغسال المستحبة على اسمها مستحبة، والوضوء واجب، ولا يغني المستحب عن الواجب، فالأغسال المستحبة لا تجزئ عن الوضوء، بل لابد أن يتوضأ ثم يغتسل، أو يغتسل ثم يتوضأ.(146/8)
الواجب على المأموم الذي لا يتيح له إمامه إكمال الفاتحة
السؤال
إذا كبر الإمام للركوع والإنسان لم يكمل الفاتحة، هل يكملها ولو أدى ذلك إلى عدم متابعة الركوع؟
الجواب
إذا كان الإمام قد عُلم أنه لا يطمئن في صلاته ولا يقوم مقاماً يتمكن فيه المأموم من إتمام الفاتحة، فالواجب ألا تصلي معه أصلاً؛ لأن هذا لا تجوز الصلاة معه، لأنك بين أمرين: إما أن تتابعه وتترك الركن وإما أن تفعل الركن وتفوتك المتابعة، وإننا نحذر هؤلاء الأئمة من مثل هذا الأمر، وقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه يحرم على الإمام أن يسرع سرعة تمنع المأموم فعل ما يجب، والطمأنينة واجبة، فهؤلاء الأئمة لا يصح أن يكونوا أئمة للمسلمين، ويجب عزلهم عن الإمامة إذا كانوا أئمة موظفين، ويجب على المسئولين عن الأئمة أن يطوفوا بالمساجد ومن وجدوه على هذه الحال ولم يقم بواجب الإمامة أزاحوه عنه؛ لأن هذه عادة سيئة فأقول: إذا كان من عادة هذا الإمام أن يسرع هذه السرعة التي لا يتمكن المأموم معها من قراءة الفاتحة، فالواجب على أهل المسجد أن يطالبوا بإزالته وإزاحته وإبعاده، ومن علم منه ذلك فلا يدخل معه أصلاً، يذهب إلى مسجد آخر، لكن قد يكون الإنسان ما يدري عن الإمام فدخل معه، وركع قبل أن تتم، فنقول: أتم الفاتحة ثم تابعه في الركوع، وإذا رأيت أنه سيبقى هكذا ففارقه ولو في أثناء الصلاة.(146/9)
حكم الملابس التي يصيبها المذي
السؤال
إذا كان الإنسان شديد الشهوة بحيث يكون كثير المذي، هل يلزمه أن يخلع كل ملابسة كلما أصابه مذي حيث أنه أحياناً لا يعلم المكان؟
الجواب
المذي هو الذي يأتي عقب الشهوة، وقد أصيب به علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كان رجلاً مذاءً فأمر المقداد بن الأسود أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكمه، فقال: يغسل ذكره ويتوضأ) فلابد من أن تغسل ذكرك وتتوضأ، أما من جهة الملابس فنجاسته أخف من نجاسة البول، يكتفى فيها بالنضح، بمعنى أن تصب عليه الماء وإن لم يتقاطر وإن لم تغسله، كبول الغلام الصغير الذكر إذا لم يأكل الطعام وما زال يتغذى على اللبن، فهذا إذا بال على مكان يكفي أن يصب عليه الماء فقط، وإن لم يتقاطر.(146/10)
الأسئلة التي ليس فيها فائدة
السؤال
هل ملك الموت موكل بقبض أرواح الحيوانات؟
الجواب
ما رأيك إذا قلت أن ملك الموت موكل بقبض أرواح الحيوانات أو غير موكل، ما الفائدة من هذا؟!! هل سأل الصحابة عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، هم أحرص منا على العلم، والرسول أقدر منا على الإجابة، ومع ذلك ما سألوا، إنما قال الله عز وجل: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة:11] موكل بقبض أرواح بني آدم، أما غير أرواح بني آدم لم يثبت، الله أعلم.
ولكننا أهم شيء في جواب هذا السؤال أن الإنسان لا يتنطع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون) فلا تسأل عن شيء ليس فيه فائدة، والله لو كانت فيه فائدة بعلمنا أن ملك الموت يقبض أرواح الحيوانات الأخرى لبينها الله سبحانه وتعالى إما في القرآن أو السنة، أو أن الله يقيض من يسأل الرسول عن هذا، ولهذا كان الصحابة يفرحون أن يأتي أعرابي من البادية يسأل عن شيء ربما يستحون أن يسألوا الرسول عنه، الحاصل يا أخي أنت ومن يسمع أقول: إن التعمق في هذه الأمور خطأ؛ لأن الرسول قال: (هلك المتنطعون) ما قالها مرة: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) ثلاث مرات، في مثل هذه الأمور الغيبية خذ ما ثبت ودع ما لم يذكر.
وهذا كما يقول في مثل هذه الأمور يكون فيما يتعلق بصفات الله أو أعظم، وأولى ألا نتكلم فيها، خلافاً لبعض الطلبة الذين يقولون: إنا نريد أن نحرر مسائل العقيدة، فيسألون عن أشياء في العقيدة لم يسأل عنها الصحابة ولا بينت في الكتاب والسنة، وهذا أيضاً مما يجب الحذر منه، ولعلكم تعلمون ما جرى لـ مالك رضي الله عنه حين سأله السائل، وقال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى؟ ماذا صنع مالك؟ مالك أطرق برأسه، عجز أن يقيم رأسه من شدة ما وقع عليه، وقام يتصبب عرقاً، ثم رفع رأسه، وقال: يا هذا! الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وهو إمام من الأئمة، فعلينا يا إخواني! أن نأخذ من مسائل الغيب ما ثبت عندنا، والباقي نسكت عنه، لو كلفنا به أو كان لنا مصلحة في معرفته لبينه الله، قال الله تعالى للرسول عليه الصلاة والسلام: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44] فالرسول ما ترك شيئاً نحتاجه إلا بينه.(146/11)
إذا خلع الإنسان ما مسحه فلا يعيد المسح حتى يتوضأ ويغسل قدميه
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا توضأ شخص ثم لبس الشراب ولبس الجزمات ومسح على الجزمات، ولما أتت الصلاة خلع الجزمات، فهل هذا ينقض الوضوء أم لا؟
الجواب
لا.
الوضوء لا ينتقض إذا خلع الإنسان ما مسح من الجوارب التي هي الشراب أو الجزمات فإن الوضوء لا ينتقض، لكن أعطيك قاعدة أرجو من الله أن أكون فيها موفقاً للصواب: إذا خلعت ما مسحته فلا تعد المسح بعد ذلك حتى تتوضأ وتغسل قدميك، الآن مسحت على الجزمات ثم خلعتها عند الصلاة، إذا أردت أن تتوضأ مرة ثانية، لازم تخلع الشراب؛ لأن القاعدة الآن اجعلوها أمامكم: إذا خلع الإنسان ما مسح من الجوارب، أو الجزمات، فالوضوء لا ينتقض لكن لا يمكن أن يلبسها إلا على طهارة، أي: لا يمكن أن يلبسها مرة ثانية، حتى يتوضأ.(146/12)
حكم تقبيل النساء المحارم
السؤال
ما حكم تقبيل النساء المحارم كالأم والأخت؟
الجواب
تقبيل الزوجة معروف أنه من الأمور المطلوبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يقبل نساءه وهو صائم، فتقبيل المرأة من الأمور المطلوبة التي هي الزوجة أما تقبيل المحارم فإن كانت الأم، أو الأخت الكبيرة أو الجدة، أو البنت، فهذا لا بأس به، وقد قبل أبو بكر ابنته عائشة رضي الله عنها على خدها.
وأما غيرهن من المحارم غير الأصول والفروع، فالأولى ألا يقبلها إلا إذا كانت أختاً كبيرة، فهنا يقبلها على جبهتها، أو على رأسها، أما يقبل أخته الشابة، فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فليتجنب هذا لا يقبلها، وأبلغ من ذلك في التحذير منه أن يقبل محارمه من الرضاع؛ لأن المحارم من الرضاع أقل هيبة عند الإنسان من المحارم من النسب، ولهذا يجب الحذر من أختك من الرضاع أن تقبلها، لاسيما إن كانت شابة جميلة، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
الخلاصة: تقبيل الزوجة مطلوب، وتقبيل غيرها من المحارم إن كان من الأصول أو الفروع فلا بأس به، وإن كان من غيرهن فالحذر من ذلك أولى.(146/13)
الصف مع الصغار صف صحيح تنعقد به الصلاة
السؤال
الصلاة بين الطفلين الصغيرين كصلاة المنفرد؟
الجواب
إذا قام مع الإنسان طفل أو طفلان خلف الصف فليس بمنفرد؛ لأنه ثبت من حديث أنس بن مالك (أنه قام وراء النبي صلى الله عليه وسلم هو ويتيم معه) واليتيم لم يبلغ، فالصواب أن الصف مع الصغار صف صحيح تنعقد به الصلاة، كما أنه يجوز أن الصغير الذي لم يبلغ أن يكون إماماً لك، وهو أولى منك إذا كان أقرأ منك، يعني: إنسان له أربعون سنة وصبي له عشر سنوات، لكنه يحفظ القرآن، أو يحفظ أكثر القرآن حفظاً جيداً، والرجل الكبير لا يحفظ شيئاً، أيهما أولى بالإمامة؟ الصغير وإن لم يبلغ، لأن عمرو بن سلمة الجرمي رضي الله عنه أمَّ قومه وله ست أو سبع سنين، أي: صار إماماً لهم وله ست أو سبع سنوات، في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان أقرأ قومه؛ لأنه صغير ما عنده أشغال تلهيه فكان يتلقى الركبان الذين يركبون من المدينة فيتعلم منهم القرآن، فجعلوه إماماً، امتثالاً لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) ويقول: إنه كان عليه قميص أو إزار قصير، وكان إذا سجد ارتفع الثوب، حتى يقرب من السوءة -ينكشف- فخرجت امرأة من الحي ذات يوم وهو ساجد وثوبه مرتفع، لكنه ما ظهرت عورته، فقالت من المبالغة: غطوا عنا إست قارئكم، الإست: هو الدبر وليس فرج المرأة، فلما قالت هذا، كأن القوم فهموا أن المرأة تلمزهم، تقول: كيف يكون قارئكم وما تكسونه ثوباً؟ فاشتروا له ثوباً فكسوه إياه، قال: فما فرحت بعد الإسلام مثل فرحي بهذا الثوب، الله أكبر.(146/14)
سماع القرآن قبل النوم، أو وقت المذاكرة، أو وقت الانشغال
السؤال
بعض الناس يسمع القرآن قبل النوم، أو مثلاً وقت مذاكرة أو انشغال بالأشغال فهل هذا من الآداب وما حكمه؟
الجواب
هذا ليس من الآداب، ليس من الآداب أن يتلى كتاب الله ولو بواسطة الشريط وأنت متغافل عنه، لقول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف:20] فلذلك نقول: إن كنت متفرغاً لاستماعه فاستمع، وإن كنت مشغولاً فلا تفتحه، ولهذا نرى أن من الخطأ الذي يريد صاحبه به خيراً ما نسمعه عند الاتصال بالهاتف، فيقول: مثلاً انتظر، فتسمع القرآن، كأن القرآن جاء لمعنى في غيره، حرف جاء لمعنى، من أجل أن يجعل الناس ينتظرون، القرآن أكرم وأشرف من أن تجعله شيئاً ينتظر لغيره، ولولا أن نية هؤلاء نية طيبة، لقلنا: إنهم آثمون، على العكس من ذلك هناك أناس إذا اتصلت بهم وقلت أريد كذا، أريد فلاناً أسمعوك موسيقى، أستغفر الله! أي: كأنهم يريدون أن يوجهوا الناس إلى سماع المحرم، وليس لهم عذر إذا قالوا: هكذا صنعت، نعم.
الكفار لا يرون بهذا بأساً؛ لأن الكفر في الحقيقة أعظم من هذا، والحمد لله، هذا لا يمكن أن يشتغل إلا باتصال الكهرباء به، أليس كذلك! ممكن تفصل، افتح الآلة واقطع الشريط الذي يتصل بالموسيقى وينتهي، إذاً ماذا أضع؟ أقول: ضع كلمة انتظر، كلمة مطابقة للواقع ومفيدة للسامع، بعد ثلاثين ثانية أو شبهها انتظر، وهكذا.
الشيء الذي من غير القرآن قد يكون مفيداً لماذا؟ لأنه ربما يأتي حكم مسألة ثم يبدأ الاتصال قبل تمام الشروط، فيفهمها السامع على أنها ليس لها شروط، فيحصل ضرر، كذلك الحكم، الحكم ربما يحصل اتصال قبل تمام الحكمة، ويكون آخرها متعلقاً بأولها، كلمة انتظر ما لها أي إثم مفيدة.
بعض الناس يقول لي: لا ينام إلا على سماع القرآن، إذا كان كذلك فلا بأس إذا كان مضطجعاً ينتظر النوم ما عنده شغل، فيستمع هذا لا بأس به، ومن استعان بسماع كلام الله، على ما يريد الإنسان من الأمور المباحة، لا بأس ليس هناك مانع.(146/15)
حرمة الاستعانة بالسحرة
السؤال
شخص كان في منطقة ثم استعان بساحر حتى ينتقل إلى منطقة أخرى ليقرب من والديه ليبرهما؛ لأنه لم يستطع أن ينقل إلى تلك المنطقة بطريقة نظامية وله ست سنوات منذ أن استعان بذلك الساحر، فما حكم رواتبه التي استلمها طوال هذه السنين؟
الجواب
هذا حرام عليه والعياذ بالله، وقد يؤدي إلى الكفر؛ لأن الساحر سيستعين بالشياطين، والشياطين في الغالب لا تعين أحداً إلا بواسطة الشرك، فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل مما صنع، وإذا تاب إلى الله مما صنع فقد قال الله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:275] .
وأحب أن يدع هذه الوظيفة إلى وظيفة أخرى؛ لأن هذه في الحقيقة وظيفة مترتبة على شيء غير مأذون فيه، لكن ليس فيها ظلم لأحد فيما نظن، فلا نقول: يجب عليه أن يتخلى عنها، لكن أنا أحب أن يتخلى عنها، وأرى أن ذلك إن شاء الله تعالى من تمام توبته، ولعل الله أن يثبته إذا علم منه صدق النية والتوبة إلى الله.(146/16)
حرمة سماع الموسيقى سواء كانت ترمز إلى شيء ديني أو غير ذلك
السؤال
هذه لفتة إلى إشارتكم السابقة وهي معلومة من فضيلتكم أن ما يسجل على مكينات التسجيل يأتي عادة مسجل من الخارج، والموسيقى أو الأشياء التي توضع غالبها -والعياذ بالله- يحوي موسيقى خاصة باحتفالات الكريسمس، الذي يسمونه عيد ميلاد عيسى عليه السلام أو كما يقولون: فهذه مشهورة جداً في بلادهم، ويضعوها مسجلة جاهزة مجرد أنك فقط أنك تضع الزر وتأتي، وكثير من الناس يستعملون هذه الأشياء ولا يدرون حقيقة ما يدور؟
الجواب
صحيح، نحن نقول: حتى وإن لم تكن رمزاً إلى شيء ديني، هي بذاتها محرمة، الموسيقى التي نسمعها عند انتظار المكالمة.(146/17)
حكم امرأة شكّت هل جاءها الحيض قبل الأذان أم بعده
السؤال
إذا دخل وقت الصلاة وذهبت المرأة دورة المياه للاستنجاء فرأت دم الحيض فلا تدري هل نزل هذا الدم قبل الأذان أو بعد الأذان فماذا يجب عليها؟
الجواب
الأصل أنه لم ينزل، وعلى هذا فإذا طهرت تقضي الصلاة التي دخل وقتها، إلا إذا كانت من حين سمعت الأذان ذهبت بسرعة ورأت الدم فالغالب أنه يكون هذا قبل الوقت، وإذا كان قبل الوقت لم تجب عليها الصلاة.(146/18)
كل شخص مفارق لوطنه فحكمه حكم المسافر
السؤال
رجل له أعمال في مصر وله أعمال في السعودية وله أعمال في فرنسا، وبدلاً من أن ينزل في شقة في فندق مستأجر شقة ينزل فيها إذا أراد العمل، فيسأل: إذا ذهب إلى فرنسا ونزل في هذه الشقة يعتبر إقامة له، أو يجوز له الجمع والقصر؟
الجواب
يا أخي! الإنسان مادام مفارقاً لوطنه فهو مسافر حتى لو بقي في البلاد الأخرى شهراً أو شهرين، لكن إن كان في بلاد إسلامية وجب عليه أن يحضر وأن يصلي مع المسلمين تماماً بدون قصر، لكن إذا فاتت يصلي ركعتين، وإن كان في بلد غير إسلامية ليس فيها جماعة يصلي ركعتين حتى يرجع.(146/19)
مسألة ضع وتعجل في بيع التقسيط
السؤال
شركة تعمل في بناء الشقق، وتبيعها بالقسط وبالنقد، يسأل: إذا اشترى رجل شقة من هذه الشقق بالقسط بالنسبة القسط لمدة عشر سنوات، ودفع ثلاثة أقساط وأراد أن يدفع باقي الأقساط جملة واحدة فهل له الحق في نسبة خصم؟
الجواب
ليس له الحق، يعني: من اشترى سلعة بأقساط لمدة خمس سنوات، ثم يسر الله عليه وتمكن من الوفاء في خلال سنتين، فهل له الحق أن يطالب البائع بالتنزيل أم لا؟ نقول: ليس له الحق، لكن إذا وافق البائع وقال: أنا أقبل منك التعجيل مع الإسقاط فالصحيح أنه لا بأس به؛ لأن هذا فيه مصلحة للدائن والمدين وليس فيه ظلم ولا ربا.(146/20)
الرد على من يقول بجواز فوائد البنوك
السؤال
هناك فتوى من سماحة الشيخ سيد طنطاوي في مصر بجواز فوائد البنوك، فيقول: الشيخ استند على رأي فقهي يقول: إن هناك رأيان في مسألة البنوك رأي يحدد الفائدة مقدماً ورأي لا يحدد فائدته، فهو بنى فتواه على الرأي الذي يحدد الفائدة مقدماً فيسأل الإخوة هل هذا رأي معتبر له سند في الشرع أو أنه اجتهاد من الشيخ؟
الجواب
الذي نرى أنه ليس له مستند من الشرع وأنه غلط؛ لأن الربا هو الزيادة، سواء كانت الزيادة فيها مصلحة للجميع أو لا، بعض إخواننا من العلماء المعاصرين، يقولون: إن الربا الاستثماري فيه مصلحة، للآخذ والمعطي، الآخذ مصلحته أنه يزيد ماله يعطي ألفاً ويأخذ ألفاً ومائتين، والمعطي للربا يستفيد أنه يأخذ هذا المال ويشتري به معدات، أو إنشاء مشروع أو ما أشبه ذلك، فيقولون: هذا فيه فائدة للطرفين والشريعة الإسلامية ما جاءت إلا لتكثير المصالح وتحصيلها، والربا أصله مبني على الظلم لقوله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:279] .
هذه نظرية ما نقول فيها شيء، لكن إذا كانت تخالف النص، وجب إبطالها؛ لأنه لا يمكن أن تستقيم النظريات مع مخالفة النص، وإلا لاستقام لإبليس دعواه أنه خلق من نار وآدم من طين، على أن الطين خير من النار، حتى أصل قياس إبليس خطأ، أقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام أُتي إليه بتمر جيد، فقال: (من أين هذا؟ قالوا: يا رسول الله! نأخذ الصاع من هذا بالصاعين من الردي والصاعين بالثلاثة) .
أسألك أنت أيها السائل، هل فيها ظلم؟ أعطيتك صاعين رديئين قيمتهما عشرة دراهم، وأعطيتني صاعاً جيداً قيمته عشرة دراهم، فيها ظلم؟ الظاهر والباطن ما فيه ظلم، هذا لو بعته بالسوق أخذت عشرة، والاثنين لو بعتهم بالسوق أخذت عشرة ما في ظلم، ومع ذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (أوه عين الربا رده) ، فقال: هذا عين الربا، وقال: (رده) وقال: (أوه) أتوجع من هذا العمل، ومع ذلك ليس فيه ظلم وفيه مصلحة، فأبطله الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: (هو عين الربا) بهذا نعرف أن الفتوى التي أشرت إليها وما قاله بعض المعاصرين فتوى غلط، ليست بصحيحة، والربا الاستغلالي الظلمي، والاستثمار المصلحي؛ كلاهما حرام، نسأل الله أن يحمينا وإياكم ويدلنا على الحق، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(146/21)
لقاء الباب المفتوح [147]
صيام رمضان ركن من أركان الإسلام الخمسة، ويثبت بدخول الهلال أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً، والصيام هو التعبد لله تعالى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بترك المفطرات من الأكل والشرب والجماع وغير ذلك، والمقصود من الصيام حقيقة هو: تقوى الله عز وجل، ومما يدخل في صيام رمضان القيام والاعتكاف، فالقيام مندوب شرعاً والاعتكاف سنة وكلاهما فيهما الأجر العظيم من الله سبحانه.(147/1)
مسائل تتعلق بشهر رمضان
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع والأربعون بعد المائة الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو اليوم السادس عشر من شهر شعبان عام (1417هـ) .
ونظراً لأنه لم يبق علينا إلا لقاء واحد بعد هذا اللقاء فإننا نرى أن يكون كلامنا في هذا اللقاء فيما يتعلق بشهر رمضان، ونتممه إن شاء الله في اللقاء القادم.(147/2)
فرضية الصيام
نقول: إن شهر رمضان فيه ثلاث عبادات مشروعات: الأولى: الصيام، وهي أعظمها، والثانية: القيام، والثالثة: الاعتكاف.
فأما الصيام فإنه فرضٌ بإجماع المسلمين؛ لأنه أحد أركان الإسلام التي عبر عنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت) وهذه الخمس كما يتراءى لبعض الناس أنها ست، ولكنها خمس؛ لأن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله واحدة؛ لأنهما ركنا كل عبادة، وشرطا كل عبادة، فلا عبادة صحيحة إلا بالإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالإخلاص لله، تتضمنه شهادة أن لا إله إلا الله، والمتابعة للرسول، تتضمنه شهادة أن محمداً رسول الله.(147/3)
حكم من أنكر صيام رمضان
فصيام رمضان أحد أركان الإسلام، فمرتبته في الإسلام عظيمة وهو فرض بإجماع المسلمين، ولهذا قال العلماء: من كان عائشاً بين المسلمين وأنكر فريضة صوم رمضان كان كافراً مرتداً ولو صام؛ لأنه أنكر فرضاً مجمعاً عليه معلوم بالضرورة من دين الإسلام.(147/4)
متى يثبت دخول رمضان
صيام رمضان يثبت برؤية هلاله أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً، وهو أعني الصيام: التعبد لله تعالى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بترك المفطرات من الأكل والشرب والجماع وغيره.(147/5)
المقصود من الصيام
والمقصود من الصيام حقيقة هو تقوى الله عز وجل، بدلالة الكتاب والسنة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] لم يقل: لعلكم تجبرون، أو لعلكم تتمرنون على تحمل الجوع والعطش وكف النفس عن الشهوات، قال: لعلكم تتقون.
والتقوى: فعل أوامر الله وترك نواهيه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به، والجهل؛ فليس لله حاجة بأن يدع طعامه وشرابه) هذا هو المقصود حقيقةً بالصوم، لكنه الآن في مفهوم كثير من المسلمين هو الإمساك عن المفطرات، ولذلك تجد بعضهم لا يهمه في نهار رمضان إلا أن يقطع أوقاته في النوم تارة، وباللهو تارة أخرى، ولا تجد عليه علامات الصوم، وليس يوم صومه مخالفاً ليوم فطره، بل هما سواء عند كثير من الناس.
وهذا هو الذي أفقد الأمة الإسلامية روح عباداتها وشعائرها حتى أصبح المسلمون الآن في كثير من الأحيان وفي كثير من شعوبهم وأفرادهم يأتون هذه العبادات وكأنها شعار قومي، لا كأنها عبادة دينية، كأنها عادة مشوا عليها، وكان عليها آباؤهم وأجدادهم، ولذلك فقدت المعاني العظيمة التي تترتب على هذه العبادات الجليلة.
فمثلاً الصلاة تنهى عن الفحشاء يومياً، أكثر الناس ينصرف من صلاته ولم يتأثر إطلاقاً، لم يتأثر بكراهة الفحشاء والمنكر، مع أن صلاته لو كانت على الحق وعلى ما ينبغي لوجد من نفسه أنه إذا خرج منها كان كارهاً للفحشاء والمنكر؛ لأنها تنهاه عن الفحشاء والمنكر، كذلك الصيام، الناس يصومون الآن شهراً كاملاً، لو كانوا كما أراد الله منهم أن يتقوا الله ويدعو قول الزور والعمل به والجهل، لكان شهراً كاملاً يعني: نصف سدس السنة لا يمكن أن يخرج إلا وقد تربوا تربية تامة على طاعة الله وتقوى الله، لكن من منا إذا خرج رمضان وجد من نفسه استقامة وحسن عمل أكثر مما كان في شعبان، أكثر الناس إذا انتهى رمضان فرحوا فرح شهوة بانتهاء الصوم، فكأنهم فرحوا بخروجه ولم يفرحوا من خروجهم من ذنوبهم.
ولذلك يجب علينا أن نعرف الحكمة العظيمة من الصوم، وأن نصوم كما أراد الله منا، وكما بين لنا رسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، نصوم عن معاصي الله، إلى طاعة الله عز وجل، الصوم كما ذكرنا لكم هو: التعبد لله بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، هذا هو الصوم، لابد أن تلاحظ أنك في عبادة.(147/6)
مقدمات الصوم ومؤخراته من العبادات
مقدمات الصوم ومؤخراته من العبادات، فالسحور -مثلاً- من العبادات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، فقال: (تسحروا) وبيّن أن في تسحرنا مخالفة لليهود والنصارى، حيث قال: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور) .
ثم إن نبينا وإمامنا محمداً صلى الله عليه وسلم كان يتسحر ويتسحر معه الصحابة، كما قال زيد بن ثابت: (تسحرنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة) .
فإذاً نقصد بسحورنا أولاً: امتثال أمر الرسول عليه الصلاة والسلام، هذه واحدة.
ثانياً: مخالفة اليهود والنصارى.
ثالثاً: الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قلت لكم: إن الرسول كان يتسحر ويتسحر المسلمون معه، فهذه ثلاثة أشياء كلها عبادة، ثم إننا نقول أيضاً: الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إن في السحور بركة) أين البركة؟ كله بركة: عبادة، واقتداء بالرسول، ومخالفة لأصحاب الجحيم، وعون على الصوم، وإعطاء للنفوس حقها، حيث أنها ستقبل على وقت تمسك فيه، فتنال حضها من الأكل والشرب لتتقوى به على طاعة الله عز وجل، هذه مقدمة الصوم.
المؤخر الذي يلحق الصوم: الفطر، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بل حث النبي صلى الله عليه وسلم على التعجل بالإفطار فقال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) لكن بعد تيقن غروب الشمس أو غلبة الظن في غروبها إذا لم يمكن اليقين.
إذاً السحور: عبادة، والفطور: عبادة، وليكن على تمر، فإن لم يجد فعلى ماء، أولاً: التمر الأفضل منه الرطب، ثم التمر غير الرطب، ثم الماء إذا لم يجد.
فضلاً عما يقع في الصيام من الصبر الذي قال الله فيه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10] .
الصيام فيه صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله.
صبر على طاعة الله؛ لأن الإنسان يتحمل الصوم ويصبر عليه، ويكف نفسه وبذلك يكون صابراً عن معصية الله، الصوم يلحق الإنسان فيه: جوع، وعطش، وهبوط نفس، وكسل ولاسيما في الأيام الطويلة الحارة، فتجتمع فيه أنواع الصبر، ولهذا جاءت تسمية شهر رمضان بشهر الصبر؛ لأن فيه أنواع الصبر الثلاثة، فهو خير.
ثم إن الواجب علينا، أن نفكر إذا كان الله تعالى نهانا عن شهواتنا، الجسدية -البدنية- من أكل وشرب وجماع، فلننهى أنفسنا عن الشهوات المعنوية، كثير من الناس نسأل الله العافية، يشتهي المعاصي، يشتهي الكذب، الغيبة، السب، الشتم، فهل من المعقول أن الله سبحانه وتعالى ينهانا عن الشهوات الجسدية ثم نبيح لأنفسنا الشهوات المعنوية؟
الجواب
لا.
أبداً ليس من الحكمة، ولهذا نقول: إن المعاصي كترك صلاة الجماعة -مثلاً- ممن تجب عليه وكالغش، وكالكذب، والغيبة وما أشبهها؛ إنها تنقص صومه، حتى لو فرضنا أن الإنسان من حين صام إلى أن أفطر وهو في المسجد يقرأ ويصلي ويسبح ويهلل ولكنه يفعل هذه المعاصي فإنها سوف تنقص الصوم لا شك في هذا؛ لأنه لم يأت بالحكمة التي من أجلها شرع الصوم.
إن الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: (الصوم جنة) يعني: وقاية يتقي به الإنسان معصية الله عز وجل، (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب) يعني: لا يفعل الإثم ولا يصخب بالكلام (وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني امرؤ صائم) أرشده النبي عليه الصلاة والسلام إلى ألا ينتصر لنفسه بل يقول: إني امرؤ صائم، فلو أن أحداً سبك وقال لك: يا حمار! يا كلب! أنت بليد! أنت فيك كذا! وأنت صائم لا ترد عليه، مع أنك لو رددت عليه لكان جائزاً وجزاء السيئة سيئة مثلها لكن في الصيام لا.
لا ترد عليه ولكن لا تظهر بمظهر العاجز عن مقابلته وقل: إني صائم، وفي قولك: إني صائم فائدتان: الفائدة الأولى: توبيخه.
الفائدة الثانية: أن بك قدرة على الرد عليه ومقابلته لكن يمنعك الصيام.
كل هذا يدل على أن الصوم ليس حبس النفس عن الشهوات الجسدية بل هو بمعنى أعمق، وأبلغ، وأتم.(147/7)
حكم من أكل أو شرب في نهار رمضان ناسياً أو جاهلاً
نتعرض في هذه المسألة لمسائل منها مثلاً: لو أن الإنسان أكل حين سمع صوت مؤذن، والمؤذن عادة يؤذن إذا غابت الشمس، ثم تبين أن المؤذن أخطأ وأن الشمس لم تغرب فهل يلزمه القضاء؟
الجواب
لا يلزم، ليس عليه قضاء، لكن إذا رأى الشمس يجب أن يمسك، حتى الذي في فمه يجب أن يلفظها لكن ما كان قبل أن يعلم فإنه لا شيء عليه، الدليل قول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] ، وهذا خطأ لكن بغير قصد، فقال الله تعالى في الآيات الكريمة: قد فعلت، ثم إن الصحابة رضي الله عنهم في عهد نبيهم عليه الصلاة والسلام أفطروا في يوم غيم، ظناً منهم أن الشمس قد غربت ثم طلعت الشمس ولم يقل لهم الرسول عليه الصلاة والسلام اقضوا يوماً مكانه، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به، ولو أمرهم به لنقل إلينا؛ لأنه إذا أمر به كان من الشريعة، والشريعة لا يمكن أن يترك منها شيء، لابد أن تنقل.
رجل آخر نسي أنه صائم فأكل أو شرب ماذا نقول له؟! أعليه قضاء؟! ليس عليه قضاء، لكن إذا ذكر توقف وجوباً، الدليل على أنه لا قضاء عليه هو: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] وهذه يا إخواني آية من كتاب الله لم يقلها فلان الفلاني، ثم آية أقرها الله عز وجل هي دعاء من المؤمنين لكن أقرها الله وأعطاهم دعاءهم، قال: قد فعلت، وفيه حديث في نفس المسألة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) فلم ينسبها إليه بل نسبها إلى الله؛ لأنه بغير قصد.
إذاً كل من أكل أو شرب وهو صائم ناسياً أو جاهلاً ليس عليه شيء للآية، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) هذا النسيان، الجهل: تقول أسماء بنت أبي بكر والحديث في صحيح البخاري: (أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس) وهذا نص صريح.
فإذاً نأخذ قاعدة: من فعل شيئاً من المفطرات ناسياً أو جاهلاً فصيامه صحيح أياً كان، حتى لو أن الرجل -مثلاً- كان معه أهله وظن أن الفجر لم يطلع فجامع أهله ثم تبين أنه قد طلع فليس عليه شيء لا قضاء، ولا كفارة، ولا إثم، هذا ما يتعلق بالصوم.(147/8)
القيام في شهر رمضان
أما ما يتعلق بالقيام: فقيام رمضان مندوب مشروع، قال فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنب) وينبغي أن يكون جماعة في المساجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ثلاث ليال أو أربع ليال ثم تأخر وقال: (إني خشيت أن تفرض عليكم) ويكون: بإحدى عشرة ركعة أو بثلاثة عشرة ركعة هذا هو الأفضل؛ لأن هذا هو الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قالت: [ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهم وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً] فالجميع أحد عشر ركعة.
لكن قولها: (يصلي أربعاً) هل معناه يجمعها في سلام واحد؟
الجواب
لا.
لأنه قد ثبت في حديثها نفسه أنه كان يصلي ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم يوتر بواحدة، وعلى هذا فيكون قولها يصلي أربعاً أي: يجمعها ثم يستريح، ولهذا أتت بثم الدالة على التراخي، خلافاً لما توهمه بعض الناس من أنه يصلي أربعاً جميعاً، وأربعاً جميعاً، وثلاثاً جميعاً، وهذا خطأ في الفهم سببه أن بعض الناس ينظر إلى النصوص بعين أعور من جانب دون آخر، لا يجمع بين النصوص، يجمع أطراف النصوص، يحمل هذا على هذا، فظنوا أنها أربعاً مقرونة، وهذا غلط.
والمهم من هذا القيام أن يحرص الإنسان عليه ويصليه مع الإمام حتى ينصرف إمامه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) فضل من الله عز وجل تبقى مع الإمام حتى ينصرف يكتب لك قيام ليلة كاملة حتى في ليالي الشتاء وحتى وأنت على فراشك، يعني الصحابة، قالوا: [لو نفلتنا بقية ليلتنا] يعني: لو أنك أقمت بنا بقية الليل، قال: (إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وهذا يدل على أن الأفضل على الإنسان أن يخفف على نفسه، فأنت تبقى مع الإمام حتى ينصرف ويكتب لك قيام ليلة كاملة ليس هناك حاجة أن تكلف نفسك القيام بعد هذا.(147/9)
مشروعية الاعتكاف في رمضان
أما الاعتكاف فإنه سنة ولكن ليس في رمضان كله بل في العشر الأواخر منه فقط؛ لأن المقصود بالاعتكاف: التعبد في لزوم المسجد لطاعة الله عز وجل، هذا هو المقصود تحرياً لليلة القدر، ودليل أن الاعتكاف من أجل التحري لليلة القدر أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول يتحرى ليلة القدر؛ لأن ليلة القدر في رمضان ثم الأوسط وعند إكماله أي: الأوسط قيل له: إنها في العشر الأواخر فاعتكف العشر الأواخر كلها وترك الاعتكاف في العشر الأوسط وفي العشر الأول، ولم يعتكف في غير رمضان أبداً إلا سنة واحدة تأخر عن الاعتكاف في رمضان بسبب ثم قضاه في شوال.
فهمنا الآن أن الاعتكاف مشروع متى؟ في العشر الأواخر من رمضان فقط وليس مشروعاً كل وقت، وبه عرفنا خطأ قول بعض الفقهاء الذين يقولون: إنه ينبغي للإنسان إذا جاء إلى المسجد أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه في المسجد، فإن هذا القول لا أساس له من الصحة، بل لو شئنا لقلنا إنه بدعة، والدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعتكف قط إلا في العشر الأواخر من رمضان (ولما التزم بعض الصحابة ألا يتزوج والثاني قال: أنا أقوم ولا أنام، والثالث قال: أنا أصوم ولا أفطر أخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام أنه يصوم ويفطر ويقوم وينام ويتزوج النساء وأن من رغب عن سنتي فليس مني) فمن رغب عن سنة الرسول واعتكف في غير رمضان قلنا: إنك مبتدع، الزم سنة الرسول، لو كان خيراً لكان الرسول أول من يفعله.
ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام في يوم الجمعة حث على التقدم، قال: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قدم بدنه) وذكر بقية الحديث، هل قال لمن تقدم يوم الجمعة: انو الاعتكاف لتحصل على فائدتين: على التقدم إلى المسجد، والاعتكاف؟ أبداً ما قاله، وهل تظنون أن الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم أن نية الاعتكاف مما يقرب إلى الله في هذا الحال ولم يبلغها؟ معاذ الله! وحاشاه من ذلك.
إذاً لو كانت نية الاعتكاف عند المقام في المسجد مشروعاً ومحبوباً إلى الله لوجب على الرسول عليه الصلاة والسلام أن يبلغه عباد الله لقوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67] ولهذا نقول لمن قال: إذا دخلت المسجد تنوي الاعتكاف، نقول: هات برهانك، أين الدليل على هذا؟ بل الدليل على خلافه، هذا كلام مختصر على الصيام والقيام والاعتكاف.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يصوم رمضان ويقومه أيماناً واحتساباً، وأن يهيىء لنا من أمرنا رشداً إنه على كل شيء قدير.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم إلى ما يحب ويرضى.(147/10)
الأسئلة(147/11)
حمل الطفل في الصلاة وعليه نجاسة
السؤال
امرأة تسأل وتقول إنها حملت الطفل والطفل عليه نجاسة، ما حكم صلاتها، وهي متأكدة أن عليه نجاسة؛ لأنه كان يصيح فحملته؟
الجواب
لا يجوز، لكن هذه إذا كانت جاهلة لا تدري أنه حرام ليس عليها شيء.(147/12)
محاسبة الإنسان على ما أسره من الذنوب لا على حديث النفس
السؤال
كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في سجوده: (اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله، وأوله وآخره وعلانيته وسره) هل يحاسب الإنسان على ما أسر في نفسه؟
الجواب
يحاسب على ما أسره عن الناس من الذنوب، أما حديث النفس فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه معفو عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت بها أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) لكن سره الذي أسره على الناس من الذنوب هو الذي يحاسب عليه.(147/13)
الرد على من يقول: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة
السؤال
ما قولكم في قول بعض العلماء: إنه لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: في الحرم، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، هل في هذا دليل وهل صح هذا القول؟
الجواب
هذا فرد من أفراد المسألة التي قلت لكم قبل قليل وهي: النظر إلى بعض النصوص دون بعض، هذه العلة، أولاً: حديث كما تعرف أن ابن مسعود رضي الله عنه قال لـ حذيفة: [لعلهم حفظوا ونسوا] يعني: كأن ابن مسعود رضي الله عنه طعن في فهم حذيفة رضي الله عنه.
ثانياً: أن لا اعتكاف يعني: لا اعتكاف كامل كما في قوله: (لا صلاة بحضرة الطعام) أي: لا صلاة كاملة.
ثالثاً: كيف يقول الله عز وجل: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187] خطاب للأمة ثم نقول: هذا الخطاب العظيم القرآني يختص بثلاثة أماكن من بقع الأرض، أيهما أكثر العالم الذين يعتكفون في المساجد الثلاثة أو بغيرها؟ نعم.
الثاني بلا شك، كيف ننزل الآية على شيء خاص مع أنه عام لكل الناس فهذا من الفهم الخطأ، وإن كان قد قال به بعض العلماء السابقين لكن كلاً يأخذ من قوله ويترك، فالاعتكاف مشروع في كل مسجد.(147/14)
كيفية تأدية الراتبة في حالة الجمع بين صلاتين
السؤال
هل تؤدى السنن الراتبة القبلية والبعدية في حالة الجمع بين الصلاتين كالظهر والعصر والمغرب والعشاء، وإذا كانت تؤدى فكيفية تأدية هذه الراتبة هل تكون بعد الصلوات أو قبلها؟
الجواب
أما السنة القبلية فلا يوجد في سنة قبلية في المجموعة، ما فيها إشكال صلها قبل، يعني: مثلاً إنسان مريض أو جمع الناس من أجل المطر فأخر الظهر إلى العصر يصلي الراتبة أولاً أربع ركعات في، ثم إذا فرغ من صلاة العصر صلى الراتبة البعدية التي للظهر، يجمع بين المغرب والعشاء ثم إذا فرغ صلى راتبة المغرب أولاً ثم راتبة العشاء وتزاد بعد المجموعة.(147/15)
جواز الإيجار للكافر
السؤال
إذا كان الإنسان لديه منزل أعطي من قبل عمله وهذا البيت مؤجر على شركة، والشركة تؤجر أحياناً مسلماً وأحياناً كافراً فهل يجوز أن يأخذ الإيجار علماً أن هذا البيت الآن الموجود فيه كافر؟
الجواب
لكن هل الدولة أعطته البيت هل أعطته إياه ليسكنه.
السائل: نعم.
يعني: أليس هناك مانع أن أؤجر الشركة حتى إذا كانت تؤجر كافر؟ الجواب: الكافر لابد أن يكون هنا بحسب عمله.(147/16)
حكم اتخاذ الحيوانات المحنطة
السؤال
اتخاذ الحيوانات المحنطة من تصوير ما ينهى عنه؟
الجواب
اتخاذ الحيوانات المحنطة ليس من التصوير المنهي عنه؛ لأنك إنما اتخذت ما خلقه الله، أليس من مخلوقات الله؟ لكن يبقى النظر إذا كانت مما لا يؤكل فهي نجسة لا يجوز اقتناؤها، وإذا كانت مما يؤكل ولم تذكى ذكاة شرعية فهي أيضاً نجسة لا يجوز اقتناؤها، أما إذا كانت مما يؤكل ولكنك ذكيتها ثم حنطتها فلا بأس، وإذا كان يبذل فيها أموالاً كثيرة يكون هذا من إضاعة المال.(147/17)
حكم اللحوم التي تأتي من الخارج
السؤال
اختلط في أسواقنا في الكويت الدجاج المذبوح وفق الطريقة الإسلامية وغيره، فهل يشرع لمن حل ضيفاً أو زار مطعماً أن يسأل عن نوعية الدجاجة طريقة ذبحه علماً بأن غير الشرعي هو الغالب؟
الجواب
أولاً بارك الله فيك! ما الذي أدراك أن غير الشرعي هو الغالب؟ السائل: لجان.
الشيخ: اللجان بارك الله فيك! رأت مصنعاً يفعل هذا لكن آلاف المصانع تصنع غير هذا، ولا أعتقد أن دولة مسلمة تسمح لدخول بلادها بالميتات التي يأكلها الشعب ما أظن هذا، ثم إن السؤال هذا من باب التعمق؛ لأننا لو فرضنا أن اللازم تسأل قلنا: هل هو مذبوح بالطريقة الإسلامية أم هو بغير ذلك؟ يجب أن نسأل هل الذابح يصلي أم لا يصلي؟ بعض الجزارين لا يصلي هل يلزمك أن تسأل؟ مذبوح عندك بـ الكويت ذبحه أهل الكويت، أليس في الجزارين من لا يصلي؟ هل يلزمك أن تسأل هل الذابح يصلي أم لا؟ لأنه إذا كان لا يصلي لا تجوز الذبيحة يلزمك أو لا يلزمك؟ إذا أجبتني الآن لو تجد دجاجة مذبوحة في الكويت هل عندك إشكال أنك تأكلها أو لا تأكلها أو تأكلها وفيها إشكال؟ كلا.
أنا قصدي أننا لو أردنا التشدد لكن الله سامحنا عنه قلنا: من الذي ذبحها هل يصلي وإلا ما يصلي؟ ثم إذا قالوا: يصلي، ما لكها ربما نصاب هل هي مسروقة وإلا مشتراة بشراء حلال، إذا قالوا: مشتراه من حلال، طيبة الثمن: هو مسروق وإلا حلال؟ وهلم جرا، لكن من نعمة الله أن ما لا تعلمه معفو عنه، حديث عائشة رضي الله عنها تقول: (إن قوماً أتوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقالوا: إنه يأتينا قوم بلحم ولا ندري أسموا الله عليه أم لا؟ قال: سموا أنتم وكلوا) أنت مطالب أن تسمي عند الأكل، وما قبل ذلك ما عليك شيء.
السائل: بعض المجلات تقول: إنها زارت بعض المسالخ فرأوهم لا يذكرون الله عند الذبح.
الشيخ: تلك المجلات يا أخي يقولون شيئاً ونحن نقول: هم صادقون إن شاء الله تعالى، لكن كم أتوا على مصنع، هل أتوا على كل المصانع؟ بالنسبة للسعودية هيئة كبار العلماء جاءوا بأناس من وزارة التجارة وأظن وزارة البلدية ما أدري لكن سألوهم فقالوا: أبداً كل الذي في السعودية عليه مراقبة.
السائل: وهل نقبل شهادة من يشهد في هذا الباب؟ الشيخ: أبداً ما نقبل أي شهادة إلا من قال هذا الكرتون وهذه الدجاج السبع والثمان الذي فيه أشهد أنها مذبوحة على غير الطريقة الإسلامية، هذا واحد، شيء آخر: بعض العلماء الأقدمين ليسوا المتأخرين العصريين الذين يتساهلون في الأمور، يقولون: إن ما اعتقده أهل الكتاب طعاماً مذكى فهو حلال وإن ذكوه بالخنق؛ لأن الله تعالى قال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة:5] فما اعتقدوه طعام فهو حلال لنا؛ لأنه أضاف الطعام إلى جهة مخصوصة فما اعتقدوه طعام فهو طعام حلال لنا، يعني: على رأي هؤلاء ما حاجة خلو أهل الكتاب يذبحونه على خنق أو على أي صفة أرادوا ما دام قال: طعام الذين أوتوا الكتاب وهم يعتقدون أنه طعام حلال فهو حلال لنا، أنا قلت لك هذا من أجل تخفيف الوطء على قلبك لست مقراً لهذا، أنا ما أقر هذا، نقول: الذي يذبح بغير ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فهو حرام، لكن قصدي أن تخففوا الوطء على أنفسكم فأولاً: لا ندري هل هذا مما صعق أم لا؟ لأنه الرءوس تأتينا مقطعة، ثم إذا علمنا أن هذه بعينها ذبحت على غير وجه شرعي، أو قتلت على غير وجه شرعي، نقول: إن بعض العلماء يقول: إن ما اعتقده أهل الكتاب طعاماً فهو حلال حتى وإن ذبحوه على غير الطريقة الإسلامية، والخلاف هذا مشهور في كتب الأقدمين ليس المعاصرين، المهم سم الله وكل ولا تقل: هل هذا مما ذبح هنا أو مما ذبح هناك؟ لا تسل.(147/18)
الحامل المطلقة ثلاثاً
السؤال
هل المطلقة ثلاثاً وهي حامل لها أجرة مصاريف مراجعة المستشفى وشراء الأدوية وبعد الولادة، هل تستحق حقاً آخر غير حق الرضاعة مثل أجر السكن للمولود؟
الجواب
المطلقة ثلاث طلقات هذه ليس على زوجها نفقة لها هي، لكن ينفق عليها من أجل الحمل، وعلى هذا فما احتاجت إلى الإنفاق على الحمل فيجب على زوجها أن يأتي به، بعد الوضع يكون الإنفاق على الحمل خاصة يعني: أجرة الرضاع -حليب- وأيضاً ثياب الصبي، وما شابه ذلك، كل ذلك، لكن طعام الأم بعد الوضع ليس عليه، قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:6] .(147/19)
حكم مصافحة كل من في المجلس
السؤال
إذا دخل شخص على أناس وهم جلوس وسلم عليهم هل يستحب أو يسن له أن يصافحهم؟
الجواب
والله لا أعلم سنة واقعة في هذا، السنة فيما أعلم أن الإنسان إذا دخل سلم وجلس حيث ينتهي به المجلس، ولا يصافح، وأنا بحثت مع أناس كثيرين، قالوا: ما نعلم فيها سنة وطلبت من بعض الشباب أن يبحثها وينظر هل ورد عن الرسول هذا أم لا؟ فلم يجد شيئاً وأنا أقول: من وجد شيئاً فليتحفنا به؛ لأننا إلى الآن نعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا دخل جلس حيث ينتهي به المجلس، ولم يرد حرف صحيح ولا ضعيف فيما أعلم أنه يمر على الجالسين يصافحهم.
السائل: حديث: (إذا التقى المسلمان) ؟ الشيخ: هذه في الملاقاة (إذا التقى المسلمان) لا يدخل في هذا، هذا وارد عليهم ولم يلقهم ولا يصافح ولا شيء إن كان هناك مكان جلس فيه، وإن لم يكن هناك مكان جلس حيث ينتهي به المجلس.(147/20)
التقويم ومدى صحته
السؤال
أصدر سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله بأن تقويم أم القرى في أذان الفجر مطابق تماماً لطلوع الفجر في الرياض فهل ينطبق في جميع مدن المملكة؟
الجواب
والله ما أدري لو تسألونه؟ لأنه هو الذي أصدر البيان والمسألة بسيطة، الفرق على ما نرى خمس دقائق فقط وإذا تأخر خمس دقائق فليس هناك فرق، وإن قال: من تولى قارها فليتول حارها وبذمته وهي أهم شيء الصلاة في مسألة الفجر، أما مسألة الصيام فلو تقدم خمس دقائق ما في فرق.
السائل: إذا تأخر عن التقويم خمس دقائق في الصيام؟ الشيخ: يعني: إذا قلنا أن التقويم صحيح وأمسك على التقويم وقلنا: إن الصواب أنه في خمس دقائق متقدمة ما يضر شيء المهم هو الصلاة، والصلاة إذا تأخر الإنسان خمس دقائق احتياطاً لا يضر.
السائل: المشكلة التأخر في الصيام -في الإمساك- المؤذنون يتأخرون عشر دقائق الآن أو ربع ساعة عن التقويم؟ الشيخ: شيء صدر من مفتي المملكة ما لنا دخل ولا نقول في مخالفته شيء أبداً، لكن نقول: بالنسبة للصلاة خاص يحتاط الإنسان خمس دقائق يتأخر ما في شيء.(147/21)
قاعدة فقهية في العموم واستغراقه جميع أفراده
السؤال
عندي إشكال في الاستدلال وهو حفظنا منك أو حفظتنا جزاك الله خيراً القاعدة الفقهية المشهورة أنه: إذا جاء النص عاماً أو اللفظ عاماً، ثم فرع ببعض أفراده فهل يحمل هذا اللفظ ويخصص في هذا الفرد، أم أنه يؤخذ بالعموم ويجعل هذا الفرد كمثال؟ اخترت أنت يا شيخ! الثاني أليس كذلك؟
الجواب
هذا إذا وافق حكم العام.
السائل: لكن في حديث: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً فإنه لا يدري أحدكم أين باتت يد) اعتبرت بهذا القيد أين باتت يده وخصصته في نوم الليل مع أن اللفظ استيقظ عام؟ الشيخ: بارك الله فيك! هذا سؤال جيد، وقد يكون فيه إشكال، نسأل الآن: هل الصحابة رضي الله عنهم أكثر نومهم في الليل أو في النهار؟ أكثر في الليل، فإذا كان هذا التعليم موافق للأكثر حمل عليه، يعني: هنا يوجد قرينة وإلا كلامك صحيح وينطبق على القاعدة لكن فيه قرينة، القرينة للمعلوم خصص لكن إذا كان الصحيح -مثلاً- قول جابر رضي الله عنه: (قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) عندنا لفظ عام ولفظ خاص في كل ما لم يقسم، هذا عام يعم حتى السيارة إذا باع شريكك لك الشفعة فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق هذا خاص بالأرض هي التي فيها الحدود والطرق فهل نقول: إن الشفعة لا تكون إلا في شركة الأرض، أم في كل شيء؟ هذا مما ينبني على القاعدة.
بارك الله فيكم ورزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.(147/22)
لقاء الباب المفتوح [148]
الزكاة هي أحد أركان الإسلام، وتأتي في الأهمية بعد الصلاة، والقارئ للقرآن يرى أنه لا يأتي ذكر الصلاة في آية إلا ويأتي بعدها ذكر الزكاة، مما يدل على أهميتها والتحذير من التهاون في أدائها، وقد اختلف العلماء في حكم مانعها بخلاً مع الإقرار بفرضيتها هل يكون كافراً أم لا؟ والزكاة تجب في الأموال النامية في الغالب، وقد لا تجب في الأموال الراكدة على حسب ما جاء في النصوص، وأما مصارف الزكاة فقد جاء ذكرها في القرآن الكريم مفصلة مبينة.(148/1)
أحكام تتعلق بالزكاة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن والأربعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثالث والعشرون من شهر شعبان عام (1417هـ) وسيكون هذا آخر لقاء في هذا الشهر وتستأنف اللقاءات بعد إفطار الناس من صيام الست في شوال.
وعدنا أن نتكلم في هذا اللقاء عن الزكاة.(148/2)
فرضية الزكاة وفضلها وحكم مانعها
الزكاة هي أحد أركان الإسلام، وهي الركن الثالث من أركانه، وهي أوكد أركان الإسلام بعد الصلاة، وفي بذلها مصالح عظيمة دينية ودنيوية، وفي منعها والبخل بها عواقب وخيمة دينية ودنيوية، وقد أجمع العلماء على فرضيتها وإن كانوا اختلفوا في بعض الأشياء، لكن في الجملة أجمعوا على فرضيتها وأن من جحد فرضها وهو مقيم في بلاد المسلمين فإنه كافر مرتد خارج عن الإسلام؛ وذلك لأن فرضيتها مما يعلم بالضرورة من دين الإسلام، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام) .
وقد اختلف العلماء فيمن منعها بخلاً مع إقراره بفرضيتها هل يكون كافراً أم لا؟ فمنهم من قال: إنه يكون كافراً واستدلوا بقوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت:6-7] واستدلوا بذلك أيضاً بأن الزكاة أحد أركان الإسلام والركن بمنزلة العمود للبناء فإذا سقط سقط البناء، لكن القول الراجح: أن من منعها بخلاً لا يكفر لكنه معرض للوعيد الشديد والعياذ بالله.
أما الآية وهي قوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت:6-7] فالمراد بالزكاة هنا تزكية النفس وهو الإسلام والتوحيد، أما الدليل على عدم كفره فهو ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته) وذكر الحديث، وكذلك قوله: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها زكاتها -أو قال: حقها- إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأوقد عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار) ووجه الدلالة من هذا الحديث ظاهر، يعني: قوله: (يرى سبيله إما إلى الجنة) يدل على أنه ليس بكافر وإلا لم يكن له سبيل إلى الجنة.(148/3)
الأموال التي تجب فيها الزكاة
والزكاة تجب في الأموال النامية في الغالب، وقد لا تجب في الأموال النامية وتجب في الأموال الراكدة على حسب ما جاء في النصوص، فمثلاً مما تجب فيه الزكاة: - الذهب والفضة على كل حال سواء كانت نقداً كالدنانير والدراهم أو كانت حُلياً أو كانت قطعاً من الذهب أو قطعاً من الفضة، المهم أن الزكاة واجبة في الذهب والفضة على كل حال، وأما غيرهما من المعادن الثمينة فلا زكاة فيها إلا أن تكون للتجارة.
- ومما تجب فيه الزكاة عروض التجارة يعني: الأموال التي يعدها الإنسان للتجارة والتكسب، لا تسأل أي نوع من المال يريده مالكه للتكسب فهو عروض تجارة فيدخل في ذلك العقارات والأراضي والسيارات والحراثات والساعات والأقمشة والأواني كل شيء تعده للتجارة فإن فيه زكاة، ووجه ذلك أن الغرض من التجارة ما هو؟ هل الغرض نفس السلعة أو قيمتها وربحها؟ الثاني لا شك، ولهذا يشتري الإنسان السلعة في الصباح ويبيعها في المساء إذا وجد ربحاً، بخلاف الشيء الذي اقتناه الإنسان لنفسه كبيته وعقاراته التي يؤجرها هذه أراد أن تبقى لا يريد أن يبيعها لذلك نقول: عروض التجارة تجب فيها الزكاة في أي مال؟! في كل الأموال سواء كان أي نوع من الأموال يقسطه الإنسان للتجارة فهو عروض تجارة، فما مقدار الزكاة في الذهب والفضة وعروض التجارة؟ مقدار الزكاة ربع العشر يعني: واحد من أربعين بشرط أن يبلغ النصاب: - نصاب الذهب عشرون مثقالاً.
- نصاب الفضة مائة وأربعون مثقالاً.
- نصاب الذهب في المعايير الموجودة الآن خمسة وثمانون جراماً.
- ونصاب الفضة خمسمائة وخمسة وتسعون جراماً فما دون ذلك ليس فيه زكاة.
ولا يُضم الذهب إلى الفضة في النصاب، بمعنى: لو كان عند الإنسان نصف نصاب من ذهب ونصف نصاب من فضة فإننا لا نكمل ببعضهم البعض الآخر نقول: لا زكاة عليك؛ لأنك لا تملك نصاباً من الذهب ولا نصاباً من الفضة، إذاًَ: لا زكاة عليه.
وقال بعض العلماء: إنه يضم الذهب للفضة في تكميل النصاب، فإذا كان عنده نصف نصاب من الذهب ونصف نصاب من الفضة وجبت عليه الزكاة، ولكن القول هذا مرفوض ولا يصح؛ لأنه كما لا يضم الشعير إلى الحنطة في تكميل النصاب فلا يضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب، والنبي عليه الصلاة والسلام فرق بينهما، قال: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد) .
وعليه فلو كان عند الإنسان نصاب من الذهب ونصف نصاب من الفضة هل عليه الزكاة؟ عليه في الذهب زكاة وليس عليه في الفضة زكاة، أما قيمة العروض فتضم إليك؛ لأن المقصود من العروض القيمة، فمثلاً إذا كان عند الإنسان عروض تجارة يساوي نصف نصاب من الفضة وعنده نصف نصاب من الفضة خالص هل تجب عليه الزكاة؟ عليه الزكاة، لماذا؟ لأن عروض التجارة المقصود بها قيمتها أما عينها لا يريدها الإنسان.(148/4)
زكاة الديون
بقي من الأموال الزكوية: الديون، الديون تنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1- ديون عند شخص غني باذل، لو قلت له: أعطني حقي، قال: تفضل.
2- وديون عند شخص غني لكنه مماطل، كلما جئته يقول: غداً غداً غداً.
3- عند فقير.
القسم الأول: أما الديون التي عند غني باذل ففيها الزكاة ولا إشكال فيه؛ لأنها كأنها في صندوقه ما دام ليس بينك وبينها إلا أن تقول: يا فلان! اعطني حقي فهي كالتي في الصندوق ليس بينك وبينها إلا أن تفتح الصندوق وتأخذ الدراهم، فتجب فيها الزكاة.
لكن هل يجب إخراج زكاتها مع مال صاحب الدين أو إذا قبضها زكى لما مضى؟ يقول العلماء: أنت في رخصة إن شئت ضُمها إلى مالك وأخرج زكاتها مع مالك، وإن شئت أخرها حتى تقبضها ثم تزكيها فيما مضى.
القسم الثاني: ديون على غني مماطل، يعني: هو غني عنده أموال كثيرة يستطيع أن يوفي لكنه مماطل، هذا فيه تفصيل: إن كان لا يمكنك مطالبته فهو كالفقير، وإن كان يمكنك مطالبته فهو كالغني الباذل، وإذا كان المال الذي لك عند أمير لا يمكنك أن تطالبه وهو غني، فهذا كالذي على الفقير؛ لأنك لا تستطيع الانتفاع بمالك.
أو عند إنسان شرير تخشى إن كررت الطلب أن يؤذيك في أهلك أو في بيتك أو في عرضك أو ما أشبه ذلك، فهذا أيضاً كالدين الذي على فقير؛ لأنه لا يمكنك مطالبته.
وأما إذا كان يمكنك مطالبته وهو غني مماطل لكن يمكنك مطالبته ترفعه إلى القاضي وتستخرج حقك منه، فهذا تجب فيه الزكاة؛ لأنك تستطيع أن تطالبه وأن يؤتيك حقك، ثم إن شئت زكِّه مع مالك وإن شئت أخره حتى تقبضه وتزكيه لما مضى.
القسم الثالث: الدين الذي على فقير، هذا لا زكاة فيه! لماذا؟! لأنه لا يمكنك أن تطالبه ولا أن تطلبه حتى قول: اعطني حقي حرام عليك وهو فقير لقول الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] هذا ليس فيه زكاة؛ لأنك لا هو في مالك ولا هو في حكم مالك لا تستطيع أن تنتفع به إطلاقاً، ممنوع من هذا شرعاً، وإذا قبضته هل تزكِّه لما مضى أو لا؟ نقول: لا تزكيه فيما مضى؛ لأن كل ما مضى ليس فيه زكاة أصلاً، لكن هل تزكي لسنة قبضه أو تنتظر حتى يتم عليه الحول؟ فيه خلاف بين العلماء منهم من قال: ابتدئ به حولاً جديداً وانتظر إذا تم الحول زكه، ومنهم من يقول: لا.
زكه الآن زكاة سنة واحدة ثم استمر في زكاته في المستقبل إن بقي عندك، هذا القول أحوط وأحسن، فمثلاًَ إذا كان الإنسان عنده عشرة آلاف في ذمة فقير ثم قبضها بعد عشر سنوات هل يزكيها لعشر سنوات؟ لا.
إنما يزكيها سنة واحدة، يؤدي زكاة عشرة آلاف الآن حين قبضه ثم إن بقيت عنده حتى يتم عليها سنة زكاها وإن أنفقها ذهبت.
وبعض أهل العلم يقول: لا.
لا يجب عليه زكاة هذا المال، انتظر حتى تتم سنة عندك ثم زكِّ، لكن القول الأول أحوط، وإذا كان أحوط فالأخذ بالاحتياط أولى.(148/5)
واجب المسلم تجاه الزكاة
إن الزكاة في الحقيقة يجب أن يشعر الإنسان أنها ليست غرماً بل هي غنيمة، كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة، وإذا أنفقت من مالك شيئاً فإن الله وعدك أن يخلفه عليك {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:39] إما أن يخلف الله عليك شيئاً محسوساً فتكون المائة مائتين، وإما أن يخلف الله عليك شيئاً غير محسوس بل يبارك لك في هذا المال ويقيه الآفات.
المهم أن الإنفاق لله عز وجل كله خير، أما زكاة الماشية وزكاة الحبوب فالظاهر أن الوقت قصير ندع الكلام عليهما، وأظن أن أكثركم ليس عنده ماشية ولا بساتين.(148/6)
مصارف الزكاة
هناك شيء مهم أيضاً: إذا وجبت الزكاة فمن نعطيها؟ أنعطيها من نشاء؟ لا.
الزكاة تولى الله تعالى بيان مصارفها بنفسه جل وعلا، فقال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60] فمن أدى الزكاة في غير أهلها لم تجزئه ولم تبرأ بذلك ذمته، كالذي يصلي قبل الوقت لا تجزئه الصلاة.
الفقراء والمساكين يعطون لحاجتهم وضابط ذلك على ما قاله الفقهاء: ألا يكون عند الإنسان ما يكفيه وعائلته لمدة سنة -فمثلاً- إذا قدرنا أن هذا الفقير أو أن هذا الرجل ينفق في السنة اثني عشر ألفاً، كل شهر ألف ريال وعنده ستة آلاف أيكون فقيراً؟ نعم يكون فقيراً نعطيه ستة آلاف فقط حتى يصبح وعنده ما يكفيه لعائلته لمدة سنة.
إنسان عنده راتب ثلاثة آلاف ريال في الشهر، لكنه ينفق كل شهر أربعة آلاف هل نعطيه أو لا؟ نعطيه، كم نعطيه؟ نعطيه اثني عشر ألفاً يعني: ثلاثة آلاف وهو ينفق أربعة آلاف، إذاً: لابد أن نكمل له، نعطيه أربعة آلاف كل شهر وثلاثة عنده وألف من عندنا وهلم جرا.
الغارمون ومفردها غارم وهو: الذي عليه دين ولا يستطيع وفاءه ليس عنده دراهم نقدية سائلة، وليس عنده عقارات، وليس عنده صنعة، المهم أنه لا يستطيع أن يوفي دينه، هذا يوفى دينه من الزكاة ولنا في ذلك طريقان: - الطريق الأول: أن نعطيه وهو يسدد.
- والطريق الثاني: أن نسدد عنه، يعني: نذهب إلى الذي يطلبه ونعطيه، أيهما أولى؟ فيه تفصيل: إذا علمنا أن الرجل أمين وحريص على إبراء ذمته، وأننا إذا أعطيناه أوفى، فالأفضل أن نعطيه هو ويسدد؛ لأن في ذلك ستراً عليه وإبعاداً للرياء عن المعطي، وأما إذا علمنا أن الرجل مفسد للمال لو أعطيناه يقضي الدين يشتري به أشياء لا داعي لها، فهذا لا نعطيه وإنما يذهب إلى دائنه ويوفى عنه حتى وإن لم يعلم؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ} [التوبة:60] ولم يقل: وللغارمين، فلما لم يذكر اللام علمنا أنه لا يشترط تمليك المدين لقضاء دينه، فنذهب إلى الدائن ونقول: تطلب فلان ألف ريال هذه ألف ريال وننويها من الزكاة، وفي هذه الحال يجب أن نخرج الغريم فنقول: إنا أوفينا عنك، لماذا؟ لأن الدائن ربما ينسى ويطالب الغريم بالدين، وهو قد سدد ولأجل أن يطمئن الغريم بأن الله قضى دينه.
واعلم أنه متى وجدت الأوصاف في شخص من الناس فهو أهل للزكاة، سواء كان قريباً أم بعيداً، حتى أخوك أو ابنك أو أبوك أي شخص توجد فيه الأوصاف فهو مستحق، إلا إذا كان هذا الذي فيه الأوصاف ممن يجب عليك أن تنفق عليه فهنا لا تعطه لحاجته، مثل إنسان عنده أب هو في بيت وأبوه في بيت، أبوه يحتاج وهو غني واسع الغنى، هل يعطيه من زكاته؟ لا.
لماذا؟ يجب عليه أن ينفق على أبيه ولا يحل له أن يعطيه من زكاته؛ لأنه لو أعطى من زكاته وفر على نفسه النفقة.
حسناً! إنسان عنده مال كثير وأبوه أموره ماشية لا يحتاج إلى إنفاق، لكن عليه دين هل يقضي دين أبيه؟ يقضي دين أبيه، لماذا؟ لأنه لا يجب على الابن قضاء دين أبيه، فهو -إذاً- لا يوفر ماله، وإذا قدر أن هناك مدين آخر غير أبيه فأبوه أحق في قضاء دينه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقتك على القريب صدقة وصلة) .
لعلنا نكتفي بهذا القدر لنأخذ شيئاً يسيراً من الأسئلة في خلال ما بقي من الوقت، نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعل ما علمنا لنا حجة يوم نلقاه.(148/7)
الأسئلة(148/8)
من لبس خفاً على خف قد مسح على الأسفل فليمسح على الأعلى
السؤال
إذا لبس المسلم الجورب -الشراب- ثم مسح عليها ثم لبس شراباً آخر فعندما جاء وقت الصلاة الثانية مسح على الشراب، وقد لبسها على طهارة، ثم صلى، فهل يعيد صلاته؟
الجواب
لا يعيد صلاته، الصحيح أن هذا جائز، أي: إذا لبس خفاً على خف قد مسح الأسفل فليمسح على الأعلى، لكن في خلال مدة المسح ابتداء من المسح الأول.(148/9)
زكاة الأراضي
السؤال
بالنسبة لزكاة الأراضي يعني: اشترى رجل أرضاً ولم يزكها لمدة سنوات ثلاث أو أربع سنوات، وقام بإدخالها بعد الشراء إلى البلدية لتقسمها لعدة قطع، وأخذت الأرض مدة أربع أو خمس سنوات ولم تنته حتى الآن؛ فهل يجب عليها زكاة المدة السابقة أم يدفع مرة واحدة عند البيع؟ الشيخ: هل اشتراها للتجارة؟ السائل: اشتراها للتجارة، ولكن كان يعتقد بناءً على فتوى بعض العلماء على أن الأراضي ليس عليها زكاة، ثم طالت المدة في انتهاء معاملة الأرض هذه، ولا يستطيع بيعها على قطع قطع حتى تنتهي.
الشيخ: ولا بيعها جميعاً.
السائل: لا يستطيع بيعها قطعة واحدة لكن الشركاء كانوا قد اشتروا الأرض لتقطيعها عدة قطع.
الشيخ: يعني: انتقلت من ملكه.
السائل: لا ما زالت في ملكه.
الشيخ: هم شركاء.
السائل: الشركاء يعني: هم سجلوا باسم شخص واحد أحد الشركاء.
الشيخ: أولاً: بارك الله فيك، إذا كان قد استفتى شخصاً بأنه لا زكاة فيها وهذا الشخص عمدة في علمه ودينه فلا زكاة عليه؛ لأن الله قال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] وأما إذا كان يعتقد أن الزكاة واجبة فعليه الزكاة إلا في السنوات التي يمنع من التصرف فيها فلا زكاة عليها؛ لأن هذه تشبه الديون على غير المعسر، لكن القول الراجح كما علمت أن عروض التجارة فيها زكاة.(148/10)
حكم صلة الأرحام إذا كان لديهم بعض المنكرات
السؤال
هل يجوز للمسلم عندما يزور أرحامه وأقاربه أن يجلس في مجالسهم التي تعج بالمنكرات من تلفاز والقنوات الفضائية، وشرب دخان، ولعب الورق المحرم، وحلق لحى وإسبال ثياب وغيبة وكذب إلى آخره فهو إن واصلهم كان حال ما ذكرت، وإن ترك كانت قطيعة رحم، فماذا يعمل علماً بأنه يعلم أنه لا يوجد من يسد مكانه من النصح والتذكير بالله أفيدونا في ضوء هذا السؤال؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
أما مشاركته لهم في الإثم فلا تجوز؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يفسد نفسه لإصلاح غيره، وقد قال الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء:140] لكن من المعلوم أنهم لن يبقوا عاكفين على هذه المنكرات سيكون لهم فراغ وقت عشاء أو وقت غداء يستطيع أن يذهب إليهم في هذا الوقت ويصلهم.
إلا إذا جاء إليهم في حال تلبسهم بهذه المنكرات من أجل النصيحة فلا بأس أن يأتي من أجل النصيحة ويقول: انظر هذا وانظر هذا، وأما تمثيلك بحلق اللحية والإسبال: حلق اللحى والإسبال إن كان حين الحلق هذا لا يجوز، أما إذا كان قد حلق وراح فهذا مثل رائحة الدخان في فم شاربه، لو فرضنا أن إنساناً يشرب الدخان وأتيت تزوره بعد أن أكمل ولم يبق إلا الرائحة هل نقول: إنك الآن مشارك له في الإثم؟ لا.
هذا نفس الشيء حلق اللحية وإسبال الثوب، أما حين يفعل المحرم فلا تجلس إلا إذا كان القصد النصيحة فهذا لا بأس.
السائل: كل المجلس دائماً انشغال.
الشيخ: على كل حال صلة الرحم إذا كانوا لا يمكن أن يوجدوا إلا على هذا المنكر لا تصلهم، صلهم بالهاتف أو بالكتابة.(148/11)
حكم الزكاة إذا صرفت في غير مصارفها
السؤال
بالنسبة لرجل يخرج زكاته سنوياً لكنه يخرجها لمن لا يستحقها هل تجزئه هذه الزكاة؟
الجواب
لا تجزئه، من أدى الزكاة إلى من ليس أهلاًَ فهو كالذي لم يزك إلا إذا غلب على ظنه أنه أهل، ثم تبين بعد ذلك أنه ليس بأهل فتجزئه.
السائل: كان يخرجها إلى فقير لكن هذا الفقير الآن أصبح ميسور الحال؟ الشيخ: لا يجوز أن يستمر ما دام يعرف أنه زال فقره.(148/12)
من كان في هجره مصلحة فإنه يهجر
السؤال
رجل ابتلي بملاحقة النساء في الأسواق والنظر إليهن، وله معاصي ظاهرة كالدش والدخان فعلم به أحد إخوانه فأخبر من حوله من الشباب فهجروه خمس سنوات فلم يكلموه وينصحوه ويحذروه عن هذا العمل مع أنه ولله الحمد تاب إلى الله ويسأل الله الثبات، أما إخوانه فقد استمروا في هجره ويخاف ألا يثبت في الهداية فإنهم يعينون الشيطان عليه فما توجيهكم نحو من جاهر بالمعصية؟
الجواب
أقول من جاهر بالمعصية التي دون الكفر فإن كان في هجره مصلحة وجب هجره، بمعنى: أننا إذا هجرناه استقام فيجب أن نهجره، وإن لم يكن في هجره مصلحة حرم أن نهجره؛ لأنه مؤمن، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) فينظر هذا الرجل الآن حسب ما جاء في السؤال أنه استقام وزال عن الوصف الذي رأوا أنه يستوجب الهجر فعليهم الآن أن يكرموه وأن يفرحوا بهدايته وأن يعينوه على ذلك، أما هو فعليه أن يثبت على ما هداه الله إليه ولا يلتفت لهؤلاء سواء هجروه أو واصلوه لا يهمه، هو إنما تاب لله لا لعباده، فعليه أن يصبر، وليعلم أن العاقبة للمتقين.(148/13)
صورة من صور الربا
السؤال
أنا صاحب تجارة فأبيع بضاعتي على مؤسسات أو شركات أو جمعيات ثم أحصل هذه الفلوس بعد عدة أشهر، خمسة أشهر أو ستة أشهر وأحياناً تطول هذه المدة حتى تتجمد فلوسي عند هذه الشركات، يقوم البنك -أحياناً بنوك إسلامية عندنا- بدفع هذه الفلوس حالاً ناقص قيمة الفائدة مثلاً المائة دينار يعطيني البنك خمسة وتسعين ديناراً يدفعها حالاً والبنك يحصلها من التاجر هذا في المستقبل، فأنا استفدت منها أني أخذت فلوسي حالاً بدل أن تبقى عندهم ستة أشهر بهذه الطريقة؟ الشيخ: والبنك استفاد الزيادة؟ السائل: نعم.
الشيخ: هذه فيها محذوران: المحذور الأول: هو الربا؛ لأن البنك أعطاك خمسة وتسعين بمائة وهذا رباً صريح، وهناك أيضاً ربا الفضل وربا النسيئة يعني: ربا الزيادة وربا التأخير؛ لأن البنك سيتأخر قبضه لهذا العوض.
المحذور الثاني: أنه بيع ما ليس عندك وما ليس في قبضتك؛ لأنك بعت ما في الذمة على هذا البنك، بعتها الآن على هذه الشركة ما الذي في ذمتها؟ دنانير مثلاً، بعت الدنانير للبنك قبل أن تقبضه وقبل أن تكون بملكك ففيها محذوران، فإن كان الأمر قد مضى فالواجب التوبة إلى الله عز وجل وألا ترجع لمثل تلك المعاملة، وإن كان لم يكن فالواجب عليك ألا تدخل في مثل هذا.(148/14)
حكم المتيمم إذا شرع في الصلاة ثم رأى الماء
السؤال
جماعة في البر عندما تيمموا وأرادوا أن يصلوا أتاهم رجل بماء بعد أن أقيمت الصلاة؟
الجواب
هذه فيها خلاف بين العلماء، إذا وجد الماء بعد أن شرع الإنسان في الصلاة فهل يلزمه قطعها واستعمال الماء أو يمضي في ذلك قولان من العلماء، والاحتياط أن يقطع الصلاة ويتوضأ الماء.(148/15)
حكم الصلاة خلف صاحب البدعة
السؤال
عندنا إمام صاحب بدع، ولكونه أشعرياً أو صوفياً هل تصح صلاتنا خلفه؟
الجواب
كل من صحت صلاته صحت إمامته إلا المرأة بالرجل، فحالق اللحية، مسبل الثوب، شارب الدخان، المبتدع بدعة لا تكفره؛ كل هؤلاء تصح الصلاة خلفهم، إلا أن يكون في الصلاة خلفهم إغراء لهم على الإقامة على ما هم عليه بحيث يقولون: ما شاء الله فلان يصلي خلفنا نحن على صواب، فهنا لا تصلِّ خلفه، أما إذا كان يعني: من عامة الناس الذي لا يهم الإمام أن يصلي خلف هؤلاء فليصل خلفه فهمتم القاعدة الآن: كل من صحت صلاته صحت إمامته إلا المرأة بالرجل.
حسناً! الصبي بالبالغ تصح صلاته، لكن إذا كان صاحب بدعة أو فسوق وخشيت أنك إذا صليت خلفه حصل له إغراء وإعجاب بنفسه وأنه على صواب، أو أن الناس أيضاً يغترون فلا تصلِ خلفه.
السائل: إذا كانت راتبة؟ الجواب: أياً كان راتبة أو غير راتبة.(148/16)
حكم الزكاة في الرواتب الشهرية
السؤال
موظف يستلم راتباً مقدراً وليس عنده دخل سوى هذا الراتب هل عليه زكاة؟
الجواب
إذا تم الحول عليه زكاة، أما إذا كان -مثلاً- ألف ريال وهو ينفق في الشهر ألف ريال هذا ما عليه زكاة؛ لأنه قطعاً كما سينفق ألف ريال في شهر محرم سينفقه قبل أن يدخل شهر صفر وشهر صفر قبل ربيع، فيبقى ليس عنده شيء، أما إذا كان يبقى عنده شيء فعليه الزكاة، لكن كيف يزكي هذه الرواتب؟ هناك طريقان: الطريق الأول: أن يقول -مثلاً-: دخل علي في شهر محرم خمسمائة ريال، وفي شهر صفر خمسمائة ريال أؤدي زكاة خمسمائة ريال في شهر محرم، وزكاة خمسمائة ريال في شهر صفر وهذا لا شك أن فيه صعوبة، كون الإنسان يحصي ما دخل عليه في الأشهر وينتظر تمام الحول فيه صعوبة، فنرى أن الإنسان يجعل له شهراً معيناً وهو الشهر الذي أخذ فيه الراتب ويجعله وقت زكاة.
فمتى؟ إذا كان أخذه في محرم، إذا جاء محرم في السنة الثانية ينظر ماذا عنده، إذا كان عنده -مثلاً- خمسة آلاف ريال يزكي خمسة آلاف ريال، حتى راتب شهر ذي الحجة القريب فيه زكاة يعني: هذا أريح.
حسناً! شهر ذي الحجة ما تم حوله ما في بأس أن يخرج الإنسان الزكاة قبل تمام الحول.(148/17)
هل الغسل يجزي عن الوضوء؟
السؤال
إذا اغتسل الإنسان الجمعة أو تبرداً ونوى الوضوء يكون له الوضوء مع أنه غسل أعضاءه مرتبة؟
الجواب
إذا غسلها مرتبة صار وضوءاً، أما إن عمم على بدنه بدون ترتيب فإن كان عن جنابة، أو عن حيض في المرأة أجزأه عن الوضوء، وإن كان تبرداً أو للجمعة لم يجزئ؛ لأن هذا عن غير حدث.(148/18)
الجمع في المطر بسبب المشقة لا لذات المطر
السؤال
هل الجمع في المطر من أجل المشقة أم لذات المطر؟
الجواب
من أجل المشقة، والدليل على هذا أن حديث ابن عباس رضي الله عنهما في صحيح مسلم (جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر، قالوا: ما أراد من ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته) يعني: ألا يشق عليها، المسألة تدل على أنه للمشقة.(148/19)
قضاء الدين عن الميت لا يجزئ
السؤال
قضاء الدين من الزكاة عن الميت، ما القول الراجح في هذه المسألة؟
الجواب
القول الراجح أن قضاء الدين عن الميت لا يجزئ، وقد حكاه ابن عبد البر وأبو عبيد إجماع العلماء أنهم أجمعوا على أنه لا يجزئ، لكن نقل الإجماع فيه نظر؛ لأن فيه خلافاً، إلا أن هذا الخلاف ضعيف والدليل على عدم إجزائه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يؤتى بالرجل يصلي عليه وعليه الدين فلا يصلي مع أن عنده أموالاً زكوية في الغالب، ولما فتح الله عليه وأفاء الله عليه من أموال المشركين وكثر المال عنده صار إذا قدم إليه ميت وعليه دين يقضي دينه، يقول: (الدين علي وإلي) فالصواب أنه لا يجزئ، ثم إن فيه ضرراً على الأحياء؛ لأن عاطفة الناس على الأموات أقوى من عاطفتهم على الأحياء، فلو فتحنا هذا الباب لكان الإنسان يراجع حسابات أجداده وجداته من قبل أبيه وأمه هل عليهم دين ثم يذهب يقضيها، وكذلك -أيضاً- الآباء والأمهات والإخوان الذين ماتوا قريباً وعليهم ديون، يذهب يراجع الحسابات ويقضيها، ويبقى الأحياء الذين على وجوههم ذل الدين غير مقضي عنهم الدين، فالقول أنها تجزئ مخالف لظاهر النصوص من وجه، ولما تقتضيه مصلحة الأحياء من وجه آخر، وهؤلاء الأموات إذا كانوا أخذوا أموال الناس يريدون أداءها فإن الله يؤدي عنهم كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً فيه محذور ثالث: إذا علم الورثة أن دين مورثهم سيقضى، وليس مشهوراً بالغنى ربما يكتمون التركة ويقولون: إنه لم يخلف شيئاً من أجل أن يقضى دينه وتبقى التركة لهم، ففيه محذورات يعني: لو تأملها الإنسان وجدها أكثر من هذا.(148/20)
معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال
حديث الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت إلى أن قال الرجل: أجعل لك كل صلاتي، قال صلى الله عليه وسلم: إذاً! تكفى همك.
) أرجو توضيح هذا؟
الجواب
هناك احتمالان: الاحتمال الأول: وإليه ذهب شيخ الإسلام فيما أظن أن الرسول كان يعلم له دعاءً معيناً، فأراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يجعل دعاءً معيناً كله للرسول عليه الصلاة والسلام.
والوجه الثاني: أن يقال: المراد أنك تشرك النبي عليه الصلاة والسلام في كل دعاء تدعوه، وإلا فإن من المعلوم أن الإنسان لو أخذ بظاهر الحديث لكان لا يقل: رب اغفر لي، ولا يقل: اللهم ارحمني، ولا يقل اللهم ارزقني بل يقول: اللهم صل على محمد ويكفى الهم، وهذا خلاف ما جاءت به الشريعة، الإنسان مأمور أن يدعو لنفسه في السجود وفي الجلسة بين السجدتين وفي دعاء الاستفتاح على أحد الوجوه التي وردت فيه، فهذا يحمل على المعنيين إما أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعلم أنه يدعو بدعاء معين فأراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يجعله للرسول وإما أن يشركه معه في دعائه فكأنه قال صلاتي كلها يعني: كلما دعوت لنفسي صليت عليك.(148/21)
حكم قراءة القرآن مع وجود اللبان في الفم، وحكم صلاة من أكل الكراث
السؤال
شوهد رجل يقرأ القرآن وفي فمه العلكة ما الحكم في ذلك، كما أنه يأكل الكراث بعد صلاة العشاء ويقول: إن المدة طويلة وإني أستخدم المعجون والفرشاة قبل صلاة الفجر وأخفف الرائحة، وإني آكلها للتداوي؛ لأن الطبيب قال: إنها تنظف الأمعاء؟ أفدنا جزاك الله خير.
- أولاً: ما أظنه يقيم الحروف إذا قرأ وهو يعلك؛ لأن مخارج الحروف سوف تكون مشغولة بالعلك، ومعلوم أنه لا يجوز للإنسان أن يقرأ القرآن إلا إذا أظهر حروفه حسب القدرة، فإذا أراد أن يقرأ القرآن فليدع العلك.
وأما مسألة الكراث كونه يأكل قبل أن ينام ويذهب رائحته قبل أن يقوم: فالحكم يدور بما وجد إن كان أثر الرائحة باقياً يؤثر على من حوله؛ فإنه لا يجوز أن يدخل المسجد، بل يجب عليه أن يصلي في بيته دفعاً لأذاه لا ترخيصاً له، يعني: بعض الناس يقول: إذا قلنا لآكل الكراث والبصل وما أشبهها من الأنواع صلِّ في بيتك أن هذا ترخيص له وتسهيل، نقول: لا، بل هو دفع لأذاه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقربن مساجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان) فهذا لا شك أنه يؤذي الملائكة، وإن كان من المأمومين آذى المصلين الذين عن يمينه ويساره، لكن قد قيل لي: أنه يوجد معجونات وأشياء تزيل الرائحة لا أدري.
إذا كان يأكله للتداوي فلا حرج عليه، ولكن لا يصلي مع الجماعة حتى يزول يعني: لو قال قائل ربما يجيء أحد يقول: أنا لا أصلي الجماعة؛ لأني أكلت الكراث لكي لا أصلي، قلنا: هذا حرام، أليس السفر في رمضان جائزاً وسيفطر في رمضان وهو فرض ركن من أركان الإسلام، لكن لو سافر من أجل أن يفطر حرم عليه السفر والفطر.(148/22)
صلاة الجمعة للمسافر
السؤال
إنني أخرج للنزهة كل يوم خميس وجمعة بحيث أنني أتجاوز (300كم) وذلك لغرض الصيد لمدة ثلاثة شهور متتالية في السنة والأماكن التي أتواجد فيها ليس بها جمعة، فهل ينطبق علي ما ورد في الحديث من الوعيد لمن ترك الجمعة ثلاث مرات متتالية؟
الجواب
إذا كان الأمر كما قال ذكر -مثلاً- يخرج يوم الخميس ويبقى يومين هناك فهو مسافر بلا شك، والمسافر ليس عليه جمعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه) فإذا كان يخرج للنزهة في هذه الأيام تهاوناً بالجمعة حق عليه هذا الوعيد، إلا أن يعفو الله عنه، وأما إذا كان يخرج لغرض صحيح كالصيد فلا حرج عليه ولا يعد هذا تارك للجمعة تهاوناً؛ لأن الجمعة لا تجب عليه في حال السفر، ولكن يبقى أن يقول: هل له رخصة أن يخرج للصيد مع منع الحكومة من ذلك؟ لا.
ما دام المنع باقياً فإنه لا يحل له مخالفة الحكومة ولا يجوز له أن يصطاد، لكن إذا كان في الوقت الذي ترخص فيه بالصيد هذا لا بأس به كما سمعت في الجواب.(148/23)
حكم تصوير ذوات الأرواح في كاميرا الفيديو
السؤال
ما حكم تصوير ذوات الأرواح في كاميرا الفيديو؟
الجواب
إذا كان لحاجة أو مصلحة فلا بأس، فالحاجة مثل أن يريد الإنسان إثبات واقع من الوقائع ويصورها بالفيديو، والمصلحة مثل أن يصور أشياء مفيد لأبنائه بدلاً عن التلفزيون؛ لأن كثيراً من الناس صاروا يستعملون الفيديو فيصورون أشياء تلهي الصغار وتمنعهم من النظر إلى التلفزيون وما فيه من البلاء، أما لغير ذلك فإنها مضيعة للمال ومضيعة للوقت.
مضيعة للمال؛ لأن الأشرطة هذه لها قيمة ثم عرضها على الشاشة أيضاً له قيمة، تأخذ من الكهرباء، ثم إنها مضيعة للوقت أيضاً، وعلى هذا إذا كان في مصلحة دينية صار أمراً مطلوباً كما لو أردنا أن نصور محاضراً يحاضر في أمر شرعي يوجه الناس ويرشدهم هذا أمر طيب.(148/24)
المصلى في البيت أو العمل ليس له حكم المسجد
السؤال
إذا كان للمرأة مكان خاص بالبيت تنظفه ولا يدخله الأطفال لكي تصلي فيه، فهل يكون في حكم المسجد؟ مثلاً عند الدخول هل تصلي ركعتين أو الاعتكاف؟
الجواب
المصلى سواء في البيت أو في الدائرة الحكومية أو في دائرة الشركة أو غير ذلك ليس له حكم المسجد بل هو مصلى كما يعد الإنسان -مثلاً- سجادة يصلي عليها فليس لها حكم المسجد.(148/25)
فوات تكبيرة الإحرام إذا فاتت المتابعة
السؤال
متى تفوت تكبيرة الإحرام؟
الجواب
تفوت إذا فاتت المتابعة، مثلاً قال: الله أكبر وتأخرت زمناً تنقطع به المتابعة لهذه التكبيرة، وعلى هذا لا نقول: إنه إذا شرع في الفاتحة أنه فاتتك التكبيرة؟ لا.
لأن الإنسان مأمور أن يتابع فوراً، إذاً تفوت تكبيرة الإحرام إذا تأخر المتابع زمناً تنقطع به المتابعة.(148/26)
الدين الذي على المعسر ليس عليه زكاة
السؤال
رجل استلف من أخيه ثلاثة آلاف ريال منذ ثلاث سنوات، ولا يعتقد أنه سوف يسدد المبلغ؛ لأنه معسر هل عليها زكاة؟
الجواب
لا.
ليس عليها زكاة ما دام معسراً فإنه ليس عليه زكاة حتى يقبضه، وإذا قبضه زكاه سنة واحدة فقط، ثم إن بقى عنده حتى تدور عليه السنة زكاه للسنة الثانية وهلم جرا، وإن أنفقه قبل أن تأتي السنة الثانية فلا زكاة عليه.(148/27)
تغيير النية في الوضوء لا يبطل الوضوء
السؤال
رجل خرج من بيته متطهراً وعندما وصل إلى المسجد أراد أن يغير نيته للوضوء، ومع ذلك دخل المسجد فهل تغيير النية في الوضوء -يا شيخ- يبطل الوضوء هناك؟
الجواب
أسألك: رجل صلى الظهر ولما سلم قال: أشهدكم أني أبطلت صلاتي تبطل أو لا تبطل؟ ما تبطل.
كذلك الوضوء إذا انتهى الإنسان من العبادة فإنه لا يمكن أن يبطلها؛ لأنه لا يبطل العبادات إلا الردة والعياذ بالله إذا مات على ردته، خذ هذه قاعدة: في أثناء العبادة تبطل العبادة إذا نوى الخروج منها إلا الحج والعمرة، فإن نوى الإنسان الخروج منهما فإنه يبقى على إحرامه حتى يتمه.(148/28)
جواز إقامة مصلى في مركز صحي مع قرب المسجد منه
السؤال
أنا أعمل في مركز صحي ونصلي داخل المركز على العلم أن المسجد قريب منا، فهل علينا إثم في ذلك؟
الجواب
والله! بقاءكم في المركز أحسن؛ لأنه ربما يأتي إنسان على وجه المفاجئة فلا يجد أحداً فلا حرج عليكم أن تصلوا في مكانكم خصوصاً وأن بعض العلماء كالمشهور في مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن الصلاة في المسجد أفضل وليست واجبة، ولكني أرى أنها واجبة في المسجد إلا أن هؤلاء الذين أشغالهم تأتي مفاجئة كالأطباء والممرضين، وكذلك الدفاع المدني وما أشبه ذلك إذا صلوا في مكانهم لا حرج عليهم.
السائل: يا شيخ! أنا مدير المركز لو صليت خارجاً ما علي إثم؟ الشيخ: أنت لو خرجت مشكلة؛ لأنهم ربما يخرجون ولا يرجعون.(148/29)
أشهر الحج
السؤال
ما هي أشهر الحج؟
الجواب
أشهر الحج -بارك الله فيك- كما قال الله عز وجل: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197] ، وأشهر جمع شهر؟ والجمع أقله ثلاثة، والثلاثة: شوال، وذو القعدة، وهناك من يقول: عشرة ذي الحجة.
ولذلك نرى أنه يجوز للإنسان أن يؤخر طواف الإفاضة إلى آخر الشهر فلا بأس لكن لا يخرج شهر ذي الحجة إلا وقد أدى الطواف والسعي.(148/30)
حكم أكل البصل للمسافرين
السؤال
إذا اتفق أشخاص مسافرون على أكل البصل هل يجوز؟
الجواب
نعم.
لا بأس، لكن بعض العلماء يقول: إنهم إذا أكلوا بصلاً لا يصلون جماعة؛ لأنه يكره لآكل البصل أن يحضر الجماعة وهذا فيه نظر، والصحيح أنهم يأكلون البصل ويصلون الجماعة لكن لا يأتون للمساجد لئلا تتأذى الملائكة من ذلك.(148/31)
من أدعية الاستفتاح
السؤال
كان الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو بدعاء قبل دعاء الاستفتاح فما هو الدليل؟
الجواب
حديث أبي هريرة قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر للصلاة سكت هنية فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ماذا تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) هذا نوع من أدعية الاستفتاح.
النوع الثاني: {سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك} .
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء وإلى لقاء قادم ألحقنا الله وإياكم خيراً وجعلنا ممن يصومون ويقومون رمضان إيماناً واحتساباً.(148/32)
لقاء الباب المفتوح [149]
إن الله عز وجل لم يجعل لعمل المؤمن انقطاعاً إلا الموت، لهذا جعل الله مواسم للخير لتكون تنشيطاً على العمل الصالح والإقبال إلى الله تبارك وتعالى بالأعمال الصالحة المقربة إليه، ويجب ألا تفتر هممنا عن فعل الطاعات بانتهاء هذه المواسم؛ لأن الله لم يجعل الأعمال الصالحة مقيدة بهذه المواسم، فمثلاً: الصيام يكون في رمضان فريضة وفي غير رمضان نفلاً وغيرها من العبادات.(149/1)
أعمال صالحة لا تنتهي بالمواسم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع والأربعون بعد المائة من لقاءات (الباب المفتوح) الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثالث عشر من شهر شوال عام 1417هـ.
نسأل الله أن يجعل هذه اللقاءات مباركة لنا ولإخواننا المسلمين.
بمناسبة انتهاء شهر الصيام والفراغ النفسي الذي يعتري كل إنسان كان مجتهداً في شهر رمضان أود أن أذكر الإخوان بأن عمل المؤمن لا يتقيد بالمواسم -أي: بمواسم الخيرات- كشهر رمضان وعشر ذي الحجة وما أشبهها، بل هو باقٍ مستمر إلى أن يموت الإنسان، لقول الله تبارك وتعالى: {وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] ، ولقوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] ، فلم يجعل الله تعالى لعمل المؤمن أمداً إلا الموت، ولهذا يجب علينا أن نجعل هذه المواسم تنشيطاً لنا على العمل الصالح والإقبال على الله تبارك وتعالى بالأعمال الصالحة المقربة إليه، وألا تفتر هممنا عن فعل الطاعات بانتهاء هذه المواسم.
وأنا أذكر لكم نماذج تدل على أن أعمال المسلم لا تنتهي بالمواسم.(149/2)
الصيام
الصيام -مثلاً- لا ينتهي بانتهاء رمضان الصيام مشروع كل وقت، وأفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وهناك ألوان أخرى من الصيام، منها: صيام الستة الأيام من شوال، فإن (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر) فإذا صام الإنسان رمضان كله أداءً أو أداءً وقضاء إن كان عليه قضاء ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صيام ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله) وثبت عنه أنه قال: (صوم يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده) وقال في صيام عاشوراء وهو العاشر من شهر محرم: (إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) وأمر بصيام يوم قبله أو يوم بعده.
وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم) .(149/3)
القيام
كذلك القيام لم ينته بانتهاء رمضان، القيام مشروع كل ليلة، فقد قال الله عز وجل في وصف أهل الجنة: {كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17-18] وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ} [المزمل:20] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتورم قدماه، وثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له وذلك كل ليلة) .
إذاً: فقيام الليل لم ينته بانتهاء قيام رمضان، بل هو مستمر دائم في كل ليلة، فينبغي للإنسان أن يجعل لنفسه حضاً من آخر الليل يقوم فيه ولو نصف ساعة حسب ما يتيسر له، وإذا قام الليل فليستمر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل) ثم إنه لا يحقر شيئاً من العمل الصالح، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) وليختم صلاة الليل بالوتر، فإن كان يرجو آخر الليل فليوتر آخره، وإن كان لا يرجو فليوتر أوله قبل أن ينام.(149/4)
النفقات والصدقات
النفقات والصدقات لا تزال أيضاً مشروعة لم تنته بانتهاء رمضان، فإن من الصدقات أن ينفق الإنسان على أهله، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ سعد بن أبي وقاص: (واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فيّ امرأتك) أي: في فمها.
فالصدقات والنفقات لم تزل مشروعة في كل وقت، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام: (أنه ما من مسلم يتصدق بما يعادل تمرة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذه الله تعالى بيمينه فيربيها له كما يربي أحدنا فلوه -أي: صغار خيله- حتى تكون مثل الجبل) وأخبر: (أن سبعة يظلهم الله في ظله -ومنهم:- رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) .(149/5)
العمرة
كذلك العمرة في رمضان وفي غيره، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) فلا تختص برمضان بل هي في أشهر الحج أفضل منها في رمضان عند كثير من العلماء، واحتجوا لهذا القول بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يعتمر في رمضان قط وإنما كانت عمره في أشهر الحج، فعمرة الحديبية في ذي القعدة، وعمرة القضاء في ذي القعدة، وعمرة الجعرانة في ذي القعدة، وعمرته مع حجه كذلك -أيضاً- في ذي الحجة وإحرامها في آخر ذي القعدة.
فالحاصل بارك الله فيكم أن الأعمال الصالحة لا تنقضي بانتهاء المواسم، بل المواسم ما هي إلا بيان لفضل الله عز وجل ورحمته لعباده وتنشيطه للإنسان بعودته إلى الله عز وجل وقيامه بطاعته، وينبغي أن يتخذ من ذلك قوةً ونشاطاً على العمل في المستقبل.
أسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجعلنا من عباده الصالحين الموفقين لكل خير إنه على كل شيء قدير.(149/6)
الأسئلة(149/7)
توجيه لقادة وأفراد الجماعات الإسلامية العاملة في الساحة
السؤال
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، سماحة الوالد الكريم الشيخ/ محمد بن صالح بن عثيمين حفظه الله ورعاه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أستأذنكم فنحمد الله تعالى إليكم على نعمه وندعوه تعالى بدوام العافية وقوة العزيمة وأن يزيدكم الله عز وجل من فضله وهداه ويبارك في عمركم وينفع العباد والبلاد بجهودكم وجهادكم، يا شيخنا الجليل! نحمد الله تعالى بأن أعاننا بتوفيقه ورعايته لشد الرحال إليكم من البلد الشقيق الأردن وبلغنا مجلسكم ومنزلكم في هذه البلدة الطيبة، حاملين لكم كما حملناها لنخبة من مشايخنا الأفاضل في هذه المملكة الطيبة عبر شهر رمضان مروراً بـ المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، ثم جدة والرياض أمانة نحمد الله تعالى أن وفقنا بفضله لتبليغها لهم، ثم الحمد له سبحانه أن أعاننا على حط الرحال في منزلكم هذا وفي وقت انعقاد مجلسكم العلمي الأسبوعي المعهود في يوم الخميس، ولقد قدر الله تعالى أن يوافق وقت وصولي إليكم بتسليمكم هذه الأمانة التي أحملها بين يدي الآن موعد انعقاد مجلسكم هذا مع أبنائكم الطلبة، وأرجو وألح في الرجاء يشاركني في ذلك إخوانكم وأبناؤكم في الأردن يا والدنا الفاضل وأبناءه الحضور! أيها الإخوة الأحبة! زادنا الله وإياكم حرصاً على الخير وزودنا جميعاً البر والتقوى إني لأرجو أن استأذنكم وهو رجاء إخوانكم في الأردن الذي حملوني هذه الأمانة أن أقرأها على مسامعكم وهي سؤالان أطرحهما على فضيلة الوالد الكريم.
يا سماحة الوالد! لقد وفق الله تعالى صهر فضيلة والدنا الشيخ الألباني الأستاذ نظام سلام سكجها وهو صاحب المكتبة الإسلامية حيث وجه هذه الدعوة وهذه المذكرة إلى خمسة وخمسين عالماً من علماء المسلمين في الأردن وخارج الأردن وقد خص هذه المملكة بنخبة طيبة من مشايخنا أن يخصوهم كذلك بهذه المذكرة، وأنتم ولله الحمد بعد أن لاقينا في المدينة وفي جدة وفي الرياض نخبة وعلى رأسهم سماحة والدنا الشيخ عبد العزيز بن باز الذين رحبوا وقدموا بعض توجيهاتهم حيث بعون الله سيتم طبع الكتاب بعنوان: نصائح وتوجيهات علماء المسلمين للجماعات والأحزاب الإسلامية في العالم، وهو كتاب نرجو الله تعالى أن يتوج بكلمة ونصيحة وتوجيه منكم وقد أجاب علماؤنا في الرياض على هذه الأسئلة وهذا هو السؤال الأول: قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] ، وقال عز وجل: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:38] ، وقال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) ، يا سماحة الوالد! على ضوء هذا الهدي الرباني الجليل وذلك التوجيه النبوي الشريف، وبحكم تجربتكم ومسيرتكم الطويلة في ميدان الدعوة والميدان الإسلامي: هل لنا أن نحظى بتوجيهاتكم واقتراحاتكم كما تفضل إخوانكم علماء المملكة إلى قادة وأفراد الجماعات والأحزاب الإسلامية العاملة في الوطن الإسلامي الكبير، وذلك من أجل ولو ببداية خطوة أولى تبدأ بها على الدرب والمسيرة نحو لم الصدع واجتماع الكلمة وتوحيد الجهود فيما بينها أملاً في العمل الجاد المنظم للغاية الواحدة المرجوة وهي: رضوان الله تعالى ونصرة دينه وإعلاء كلمته، وللوقوف صفاً واحداً أمام المتربصين لهذه الأمة -أمة التوحيد- وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
الجواب
أما السؤال الأول: فهو الجماعات المتفرقة المتحزبة التي طفحت على سطح الماء في هذه الآونة الأخيرة، بينما كان الشباب قبل سنوات اتجاههم سليم لا يعتقد أحدهم أن الآخر مضاد لله، أو أنه في جانب وهو في جانب، لكن بدأت في الآونة الأخيرة ما نزغ الشيطان بين شبابنا من التحزب والتحمس لطائفة معينة أو لشخص معين، حتى صار الولاء والبراء موقوفاً على من يحب هذا الشخص أو لا يحبه، ولا شك أن هذه وصمة عظيمة ومرض فتاك يذيب الأمة ويمزق شملها ويفرق شبابها، فنصيحتي لأبنائي الشباب وإخواني: أن يدعوا هذا التحزب وأن يدعوا تصنيف الناس وألا يهتموا بالشخص المعين، ويجعلوا الولاء والبراء موقوفاً على الموالاة أو البراءة منه، وأن يأخذوا بالحق أينما كان ويدعوا الباطل أينما كان، ومن أخطأ من العلماء فخطؤه على نفسه، ومن أصاب فإصابته لنفسه ولغيره.
ولا يجوز إطلاقاً أن نعتقد أن أحداً معصوماً من الخطأ في دين الله إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بالنا نمتحن الناس الآن ونقول: ما تقول في كذا؟ ما تقول في الرجل الفلاني؟ ما تقول في الطائفة الفلانية؟ أكان الرسول عليه الصلاة والسلام يمتحن الناس بهذا؟ أم كان الصحابة يمتحنون الناس بهذا؟ إن هذا من شأن الشعب الضالة التي تريد أن تفرق الناس حتى لا يكون جبلاً راسياً أمام التحديات التي نسمعها كل يوم ونشاهدها في الصحف والمجلات ممن يحاربون هذا الدين وأهل الدين.
إذا تفرق الشباب الذي يقول: إنه يعتني بالإسلام ويغار للإسلام، إذا تفرقوا فمن الذي يجادل عن الإسلام ومن الذي يحاج هؤلاء المبطلين؟ أقول: أيها الشباب! ألم تعلموا أن هذا التفرق قرة عين الملحدين من العلمانيين وغيرهم؛ لأنهم يقولون: كفينا بغيرنا، لو أن أحداً من هؤلاء الملحدين، بل لو أن أمة من هؤلاء الملحدين أرادوا أن يفرقوا شباب الإسلام هذا التفريق وهذا التمزيق ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً لو خلصت النية وصلح العمل، أما الآن فالشباب في وضع يؤسف له، لهذا أنا أناشدهم الله عز وجل أن يكفوا عن هذا التحزب، وأن يكونوا أمة واحدة، قال الله عز وجل: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92] وألا يهتم الإنسان بالتحزب لفلان أو لفلان، أو للطائفة الفلانية أو الطائفة الفلانية فلينظر طريقه وليشق طريقه إلى الله، وهذه التحزبات وهذه المجادلات لا شك أنها تصد الإنسان عن دين الله، لو فتشت عن قلوب هؤلاء الذين يغالون في بعض الأشخاص، ويعتقدون فيهم العصمة، وإذا وقع الخطأ منهم قالوا: لعلهم رجعوا عن هذا الخطأ؛ لأن الأخطاء التي تقع من بعض الناس إن كانت تحتمل التأويل أولوها على المعنى الصحيح، وإن كانت لا تحتمل قالوا: رجع عنه، وهذا غلط، ما عليهم من هذا الرجل الذي أخطأ خطؤه على نفسه، والله هو الذي يحاسبه.
على الإنسان أن ينظر طريقه إلى الله عز وجل كيف يعبد الله؟ وكيف يصل إلى دار كرامته؟ وليس له شأن في الناس.
هذا باعتبار السؤال الأول.
أرى أنه يجب أن يتحد الهدف ويتحد العمل وألا يكون همنا التعصب لحزب أو طائفة أو شخص، ليكن همنا الوصول إلى شريعة الله عز وجل وأن نتحد عليها ونتفق عليها.
هذه واحدة.(149/8)
معالم ومميزات العلماء ودورهم في نشر العلم والدعوة
أما السؤال الثاني: فعن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وأن العلماء ورثة الأنبيا) رواه أحمد وابن ماجة بسند صحيح.
لا يخفى على سماحتكم ما للعلم وأهل العلم من المنزلة والدرجات عند الله تعالى ثم عند الناس وقد بين سبحانه أن العلم بمثابة مفتاح للإيمان به تعالى والسبيل القويم إلى معرفته وتوحيده وعبادته لقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} [محمد:19] ، على ضوء ما تقدم نرجو من سماحتكم في هذا السؤال الثاني وقد من الله عليكم من نعمة العلم والبصيرة ولا نزكي أحداً على الله، نرجو منكم بياناً يوضح لنا المعالم والأمارات التي بها يتميز هذا الصنف من العلماء نعني: العلماء العاملين الذين عناهم صلى الله عليه وسلم ووصفهم بهذا الوصف الجليل (بأنهم ورثة الأنبياء) والذين يصلحون أن يكونوا الأسوة الحسنة في حياة الناس؟
الجواب
أما بالنسبة للعلماء وهو السؤال الثاني، فالعلماء لا شك أن عليهم دوراً كبيراً في نشر العلم وفي الدعوة إلى الله وفي العمل المبني على شريعة الله؛ لأن العلماء هم قادة الشعوب في الحقيقة، والشعوب التي تنقاد للعلماء هي الشعوب الراضية المطمئنة، أما الشعوب التي لا تخضع إلا للسلطة فهذه لا شك أنها سوف تمارس المخالفات في الخفاء؛ لأن السلطة مهما بلغت في مخابراتها ومباحثها فلن تستطيع أن تستولي على العقول، لكن القيادة الدينية هي التي تستولي على العقول، وإذا استولت على العقول صلحت الجوارح.
فالعلماء عليهم دور عظيم أولاً في طلب العلم من منابعه الصحيحة وهي: الكتاب والسنة وعمل الصحابة والسلف الصالح، لا من رأي فلان وفلان من المتأخرين أو المتحمسين حماساً أهوج.
ثانياً: عليهم أن يكونوا أول عامل بعلمه بقدر المستطاع؛ لأنهم إذا علموا بالحق ولم يعملوا به كان علمهم حجة عليهم، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والقرآن حجة لك أو عليك) وليس من العقل ولا من الشرع أن يعلم الإنسان بالشيء أنه حرام فيفعله أو أنه واجب فيتركه، فعليهم بعد طلب العلم من مظانه ومنابعه عليهم أن يعملوا به.
الثالث: أن ينشروه بين الناس بقدر المستطاع سواء في حِلق الدراسة أو في فصول الدراسة أو في المساجد على عامة الناس أو في الصحف أو في الإذاعة، المهم جميع وسائل نقل العلم يجب على العالم أن يسلكها بقدر استطاعته؛ لأن الله أخذ على الذين أوتوا الكتاب أن يبينوه للناس ولا يكتموه.
الرابع: أن يدعو إلى الله على بصيرة، والدعوة إلى الله على بصيرة تكون من وجهين: الوجه الأول: بصيرة في الشريعة بألا يدعو الله على جهل؛ لأن من دعا عباد الله إلى شريعة الله وهو يجهلها فإنه يفسد أكثر مما يصلح، لابد أن يكون لديه بصيرة في شريعة الله حتى يدعو إليها، على بصيرة في كيفية الدعوة؛ وذلك بسلوك الحكمة؛ لأن المقصود الوصول إلى الحق لا الانتقام ولا الانتصار للنفس.
وكثير من الإخوة الدعاة الغيورين تجده لا يستعمل الحكمة في الدعوة بل تحمله الغيرة على العنف وكأنه يريد أن ينتقم من هذا المخالف سواء كان مخالفته جهلاً أو عناداً أو يريد الانتصار لنفسه ولقوله، وهذا غلط؛ لأن الله يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل:125] ، {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} [يوسف:108] لا إلى هواي ورأيي وقولي، اجعل همك أن تدعو إلى الله عز وجل وإلى سبيل الله، وحينئذٍِ لابد أن تكون على بصيرة في كيفية الدعوة إلى الله.
ثم إني أقول لكم: الداعي إلى الله أليس يريد أن يصلح المدعو؟ إذا كان كذلك فلابد أن يسلك السبيل التي تكون وسيلة إلى إصلاحه، ومن المعلوم أنك لو رأيت مخالفاً وانتهرته وغضبت عليه أن هذا لا يزيده إلا نفوراً منك ومما تدعو إليه، ولكن لو أتيته بالتي هي أحسن بأسلوب سهل لين يسير أدركت مطلوبك، {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] لأنه لابد أن يصيبك شيء ولو بالضغط النفسي، قد لا يصيبك قول يجرحك أو فعل يؤلمك لكن الضغط النفسي اصبر عليه، قد ترى أنك لا تستطيع أن تصبر؛ لأنك ترى هذا الرجل على محرم فتعجز عن الصبر وتعنف وتغضب، لكن هذا ليس من طريق الحكمة، اصبر نفسك واضغط عليها والغرض إصلاح المدعو، وقد جربنا هذا وجربه غيرنا أن من دعا بعنف وغيرة زائدة لم يحصل على المقصود، ومن دعا باللين واللطف والتيسير حصل مقصوده.(149/9)
كيفية معاملة العلماء للطلبة وعامة الناس والعكس
وهناك السؤال الثالث: إذا سمحتم وإذا سمح الإخوان الأسئلة الثلاثة التي طرحناها على المشايخ وأجابوا عنها وتختارون أي سؤال، ونرجو أن يكون لكم الوقت للإجابة على ذلك.
السؤال الثالث والأخير: يا سماحة الوالد! عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا، وفي رواية: ويوقر كبيرنا) وكما جاء عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قولها: [أنزلوا الناس منازلهم] ولا شك أن العلماء كما أشرنا في السؤال السابق هم أجدر الناس بالتقدير والتفضيل والاحترام؛ وذلك لشرف العلم الذي يحملونه للخلق، ومن هذا المنطلق نرجو من سماحتكم تقديم نصائحكم وإرشاداتكم لأبنائكم الشباب الناشئ من طلبة العلم وخاصة للمتحمسين منهم للدين والدعوة على ما فيهم من غيرة وحرص على العلم والفقه، فكيف يرى سماحتكم السبيل القويم والمعالجة الناجعة التي يمكن وصفها لهذا الصنف من الشباب المتحمس لتظل موافقه مع علماء الأمة وأهل الاجتهاد مواقف التوقير والاحترام لا مواقف التجريح والاتهام، وكذلك نرجو منكم بيان واجب الطرف الآخر؛ أعني: آباءنا العلماء ورجال الدعوة الكبار إزاء أبنائهم من هذا الشباب، وذلك حتى تتم الموازنة الواردة في الحديث الشريف الآنف الذكر بين رحمة الكبير للصغير مع توقير الصغير للكبير.
انتهى نص الأسئلة ونرجو توجيهاتكم، وهذا تفويض من الإخوة في الأردن؟
الجواب
أما السؤال الثالث وهو: معاملة العلماء للشباب أو لعامة الناس، فيجب أن تكون المعاملة باللطف واللين والتواضع، وأن يضع الإنسان نفسه أمام الحق ويتواضع لله عز وجل، وكذلك لا يحتقر الخلق، لا يقول: هذا شاب صغير وأنا شيخ كبير، لا ألتفت إليه ولا أنظر إليه ولا أصغي لهذا، هذا غلط كبير، كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أرفع الخلق شأناً عند الله كان يمازح الصغير، ويسلم على الصغار، ويحمل الصغار وهو يصلي عليه الصلاة والسلام.
فالتواضع لا شك أن له تأثيراً بالغاً في جذب الناس إلى الإسلام.
ويجب على الشباب -أيضاً- أن يعاملوا من يكبرهم في العلم والسن والقدر أن يعاملوه بما يستحق لا أن يخاطبوه مخاطبة الند للند، بل يخاطبونه بالاحترام والتوقير والتبجيل، حتى يحصل الوئام بين الشباب والكبار، أما مع التفرق فلا شك أنه ضرر عظيم أن يكون الشباب في جانب وأهل العلم والعقل في جانب آخر.
هذا ما يتعلق بهذه الأسئلة.
ونرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون قد أوفينا بعض الشيء.(149/10)
من دعي إلى وليمة وهو صائم
السؤال
امرأة صامت يوم الإثنين والخميس تطوعاً، فذهبت إلى وليمة فلما حضرت قالت: لعلي أفطر معهم، هذا في التطوع وكذلك في القضاء، فما الحكم؟
الجواب
أما القضاء فلا يجوز للإنسان أن يفطر إذا دعي إلى وليمة فليحضر، ويحضر المائدة ولا يأكل، وأما التطوع فينظر إذا كان في إفطاره وأكله جبر لقلب الداعي فليفطر، وإذا كان الداعي لا يبالي فالأفضل ألا يفطر وإن أفطر فلا بأس.(149/11)
قضاء رمضان لا يجب فيه التتابع ولا الفورية
السؤال
امرأة عليها قضاء شهر رمضان أفطرت ستة أيام، فهل يجب التتابع أم تصوم يوماً وتفطر يوماً؟ الشيخ: قضاء رمضان لا يجب فيه التتابع ولا الفورية، ولهذا كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لا تقضي ما عليها من رمضان إلا في شعبان، لكن الأفضل أن يبادر ويتابع؛ لأن ذلك أسرع في إبراء ذمته، ولأجل أن يدرك صيام ستة أيام من شوال.(149/12)
حكم من ترك قضاء صيام رمضان جهلاً
السؤال
فضيلة الشيخ! امرأة ولدت في رمضان فلم تصمه منذ عشرين عاماً جهلاً منها؟
الجواب
يجب عليها أن تصوم الآن وليس عليها سوى الصيام، هذه المرأة النفساء التي لم تصم كل الشهر جهلاً منها نقول: ليس عليها إثم، لكن الآن تطالب بالصوم وليس عليها كفارة.(149/13)
أدلة عدم وجوب تحية المسجد
السؤال
ذكرتم -حفظكم الله- أنكم كنتم ترون وجوب تحية المسجد، ثم رجعتم عن ذلك، فما هي الأدلة الصارفة للوجوب؟
الجواب
الأدلة الصارفة للوجوب: أن الخطيب يوم الجمعة يأتي ويحضر ولا يصلي تحية المسجد، هذه واحدة.
وكذلك أيضاً: ظاهر حديث الثلاثة الذين أتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في حلقة أحدهم جلس، والثاني صار خلفهم، والثالث أدبر، فإنها لا تجب.
وكذلك: قصة كعب بن مالك لما دخل المسجد بعد توبة الله عليه ليس فيه أنه صلى تحية المسجد.
على أنه يحتمل أن هؤلاء الثلاثة وكعب بن مالك لم يكونوا على وضوء، ولكن قضية الخطيب واضحة، هذا الذي جعلني أتراجع عن الإيجاب؛ لأن الإيجاب ليس معناه ألا نأمر الإنسان بصلاة الركعتين، لكن معناه ألا نؤثمه إذا ترك، فنحن نأمره بإلحاح ألا يجلس حتى يصلي ركعتين سواء في وقت النهي أو غير وقت النهي، لكن كوننا نؤثمه إذا لم يفعل، هذا يحتاج إلى دليل تطمئن إليه النفس.
السائل: هل يكون -خاصاً بالخطيب- هذا الاستدلال؟ الشيخ: لا يمكن، الأصل عدم الخصوصية، بل يدل على أنها مؤكدة لكنها لا تجب فالمهم أن التأثيم بالترك يحتاج إلى دليل.(149/14)
المسلم ليس مكلفاً بمسائل الغيب
السؤال
جاء في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لكل إنسان قرينان) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فأين هذان القرينان في رمضان، وأين هما إذا دخلا الحرم؟
الجواب
هذه -يا أخي- من مسائل الغيب، ومسائل الغيب ما لنا فيها أكثر مما سمعنا، فإذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من أمور الغيب أخذنا به ولا نقول: كيف يكون كذلك؟ أو لم كان كذلك؟ هذه مسائل من مسائل الغيب.
وأنا أنصحكم وأنصح من يسمع كلامي هذا: ألا يتعرض لمسائل الغيب بـ (كيف) ولا (لِمَ) ، بل يقول: آمنا بالله وصدقنا بما قال، والحمد لله نحن لسنا مكلفين.(149/15)
الرضاع لا يحرم إلا إذا كان خمس رضعات معلومات
السؤال
امرأة أرضعت طفلاً قبل فترة تقرب من ثلاثين أو أربعين سنة في الليل ولا يدرى كم عدد الرضعات، وبعد الصباح أرضعته مرة أخرى، فما الحكم؟
الجواب
إننا سنعطيك قاعدة مبنية على أن: (الرضاع لا يحرم إلا إذا كان خمس رضعات معلومات) كما جاء في حديث عائشة: (نسخن بخمس رضعات معلومات) يحرمن، فإذا شكت المرضعة هل أرضعت هذا الطفل أو لا، فلا عبرة بالرضاع، وهل شكت هل أرضعته خمساً أو أقل فلا عبرة في ذلك، لكن لو شكت أرضعته خمساً أو ستاً ما تقول؟ أسألك.
السائل: تأخذ بالخمس.
الشيخ: ويكون الرضاع محرماً، لكن لو شكت أرضعته أربعاً أو خمساً؟ السائل: لا تأخذ الأقل.
الشيخ: أحسنت.(149/16)
حكم فرقعة الأصابع بعد الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! فرقعة الأصابع بعد الصلاة، ما الحكم فيها؟
الجواب
فرقعة الأصابع لا بأس به، إذا انتهت الصلاة يبقى العمل الذي ليس من أعمال الصلاة فهذا ما هو عليه على الأصل، ولهذا لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي وسلم من ركعتين شبك بين أصابعه، مع أن تشبيك الأصابع في الصلاة وحال انتظار الصلاة غير مستحب بل هو مكروه.(149/17)
كيفية نصح العاملين في البنوك وتحذيرهم من الربا
السؤال
إنه يسوْؤُنا كثيراً ما نشاهده من بيوت الربا، فهل لو قام الإنسان وقام شخص بتوزيع أشرطة تحذر من الربا أو كروت دعوية على العاملين في نفس البنك، هل هذه لائقة؟
الجواب
لا شك أن بيان حكم الربا وأنه من أعظم الذنوب أمر مطلوب، ولكن يبقى النظر: هل لا يكون في هذا عرضة لهذا الفاعل من أن يعرض نفسه لأمر يكون ضرراً عليه وعلى غيره، فأنت إذا تمكنت من أن تنصح العمال في البنوك نصيحة خاصة قد يكون أثرها أحسن.(149/18)
حكم صيام شخص نوى الصيام من الظهر ولم يتناول مفطراً من الفجر
السؤال
فيما يتعلق في صيام الست من شوال، شخص لم يتناول شيئاً من المفطرات حتى الظهر -مثلاً- ولم ينو الصيام إلا بعد الظهر، فهل هذا يعتبر جائزاً ويعتبر صومه صحيحاً يا شيخ؟! الشيخ: ماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم؟ (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال) ، وماذا قال؟ (إنما الأعمال بالنيات) حسناً، طبق الآن هذين الحديثين على رجل نوى الصيام عند الظهر وهو لم يفعل مفطراً من قبل، ونوى أن يكون هذا أول يوم من الست يصوم بعده كم يوماً؟ السائل: خمسة أيام.
الشيخ: كم صام في الحقيقة بناءً على الحديثين؟ السائل: خمسة أيام ونصف يوم.
الشيخ: هل يصدق عليه أنه صام ستة أيام من شوال؟ السائل: لا.
الشيخ: انتهى الجواب.
إذاً: هذا اليوم الذي نوى صيامه يكون نفلاً مطلقاً يؤجر عليه الإنسان إن شاء من حين نوى، ويصوم بعده ستة أيام.(149/19)
حكم امرأة نفست في شهر رمضان كاملاً وتريد أن تصوم الست من شوال
السؤال
امرأة نفساء نفست في شهر رمضان كاملاً، فتريد أن تصوم الست من شوال، فإذا قضت في شوال رمضان فهل لها أن تقضي الست الأيام من شوال في شعبان؟
الجواب
إي نعم.
إذا قضت ما عليها من رمضان فلتواصل، ولو لم تصم إلا في ذي القعدة.
السائل: تقضي الست يا شيخ؟! الشيخ: إي نعم؛ الست من شوال لكن تعذر صيام الست من شوال؛ لأنها ما صامت رمضان.
السائل: تقضيه في غير شهر شوال.
الشيخ: إي نعم؛ في غير شوال، أليست ذي القعدة من شوال؟!! السائل: لا ليست من شوال.(149/20)
حكم الطواف في سطح الحرم
السؤال
رجل طاف في سطح الحرم وفي أثناء الطواف نزل في المسعى ولم يكن ذلك عن شدة زحام، كان هناك زحام ولكن كان يطيقه، ولكنه نزل وطاف في المسعى عدة أشواط، فما حكم طوافه هذا وهو طواف الوداع في الحج؟
الجواب
حكم طوافه هذا أنه لم يصح؛ لأنه طاف خارج المسجد، وإذا طاف خارج المسجد لم يصدق عليه أنه طاف بالبيت، والله عز وجل يقول: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ} [الحج:29] ، إذا طاف خارج المسجد صار طاف بماذا؟ بالمسجد لا بالبيت؛ لأنه حال بينه وبين البيت جدار المسجد.
فعلى هذا يكون طوافه غير صحيح، وإذا كان طواف الوداع فقد ترك واجباً، والمشهور عند العلماء: أن من ترك واجباً فعليه فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء.(149/21)
كيفية التفريق بين الجنس والنوع والعين والعدد
السؤال
كيف التفريق بين الجنس والنوع والعين والعدد؟ وكيف يجتمع الحرمة والوجوب في العدد؟ وكيف نفرق بين النوع والعدد؟
الجواب
الجنس، مثلاً: كلمة صلاة جنس تشمل الفرض والنفل، الفرض نوع من الصلاة، الظهر عين فرض، يعني: عيناه، مثلاً نقول: الحب جنس يشمل كل الحبوب من ذرة بر أو شعير أو عدس أو أي شيء، القمح نوع من هذا الجنس، الحنطة نوع أخص، وهكذا، يعني: الشيء العام الذي يدخل تحته أنواع هذا نسميه جنساً، والنوع الذي يدخل تحته أفراداً نسميه نوعاً، والفرق واضح تشخصه بعينه.(149/22)
تعدد أجر صلاة الجنازة على عدد الجنائز
السؤال
في الحرم تتعدد الجنائز فهل يتعدد الأجر الذي أخبر عنه الرسول عليه الصلاة والسلام؟
الجواب
إذا تعددت الجنائز في صلاة واحدة هل يأخذ الإنسان أجر عدد هذه الجنائز؟ الظاهر: نعم.
لأنه يصدق عليه أنه صلى على جنازتين أو ثلاث أو أربع فيأخذ الأجر، لكن كيف ينوي؟ ينوي الصلاة على واحدة أو على الجميع؟ ينوي الصلاة على الجميع، وإذا كان معه أطفال فالطفل له دعاء خاص إذا انتهى من الدعاء للكبار دعا للأطفال، وإذا كان رجل وامرأة دعا لهما بصيغة التثنية فيقول: اللهم اغفر لهما، وكذلك إذا كانا رجلين يقول: اللهم اغفر لهما، وكذلك إذا كانا انثيين يقول: اللهم اغفر لهما، أما إذا كانوا جماعة نساء يقول: اللهم اغفر لهن، جماعة ذكور يقول: اللهم اغفر لهم، ذكور وإناث يقول: اللهم اغفر لهم، فيفصل ضمير الذكور على ضمير الإناث.(149/23)
حكم من أغمي عليه عدة أيام في رمضان
السؤال
رجل أغمي عليه في شهر رمضان لمدة عشرة أيام، هل يقضي هذه الأيام؟
الجواب
إذا أغمي على الإنسان في شهر رمضان فإنه يقضي الأيام التي أغمي عليه فيها؛ لأنه لم يحصل منه نية، لكن إذا أغمي عليه في أثناء النهار صح صومه.
السائل: إذا أغمي عليه الشهر كله؟ الشيخ: يلزمه قضاء الشهر كله؛ لأن هذا ليس مجنوناً، الجنون لو جن الإنسان في شهر رمضان فإنه لا يلزمه القضاء؛ لأن المجنون ليس عليه صوم بخلاف المغمى عليه.
عندنا الآن: جنون، وإغماء، ونوم.
لو نام الإنسان في رمضان ثلاثة أيام ما استيقظ فصومه صحيح، ولا يلزمه القضاء.
ولو أغمي عليه لزمه القضاء.
ولو جن لم يلزمه القضاء.(149/24)
المراجعة قد تكون بمعنى الرجوع
السؤال
مر بنا في درس الحرم في حديث ابن عمر: (مره فليراجعها) في الطلاق في الحيض، والخلاف بين شيخ الإسلام والجمهور، وقلتم: إن كلام شيخ الإسلام أقعد والجمهور يعني أحوط وأسد للذريعة، لكن الذي أشكل عليَّ قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها) كلمة المراجعة ألا تكون بعد الطلاق؟
الجواب
لا.
المراجعة قد تكون بمعنى الرجوع كما في قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة:230] ومعلوم أن رجوعها للزوج الأول بعد الزوجة الثانية ليس مراجعة اصطلاحية بل هي مراجعة لغوية أي: فليرجع إليها، فيكون معنى: فليراجعها: يردها إلى عصمته.(149/25)
ما لا يتم الوجوب إلا به فهو واجب
السؤال
نريد مثالاً أو أمثلة على القاعدة التي تقول: ما لا يتم الوجوب إلا به فهو واجب؟
الجواب
مثلاً: الإنسان إذا ملك نصاباً يجب عليه أن يزكي، فهل نقول: يلزمك أن تتجر حتى تملك نصاباً؟ لا يلزمك.
إذا ملك زاداً وراحلة وجب عليه الحج، فهل نقول: يجب عليك أن تسعى في ملك زاد وراحلة؟ لا.
والأمثلة كثيرة جداً، وهذان مثالان، لكن إذا وجب الشيء فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، مثلاً: وجبت عليه الزكاة فيجب عليه أن يرسلها إلى مستحقيها، لا نقول: انتظر حتى يأتيك الفقير، بل نقول: يجب عليك أنت بنفسك أن توصلها إلى الفقير.(149/26)
حكم من خرج خارج البلد ولا يسمع صوت المؤذن إلا عبر مكبر الصوت
السؤال
شباب خرجوا في رحلة إلى منطقة بعيدة ونزلوا في مكان بعيد من البلد لكنهم ما زالوا يسمعون الأذان بسبب وجود المكبرات، فهل تلزمهم الجمعة والجماعة مع أهل ذلك البلد؟
الجواب
لا تلزمهم، يعني: إذا بعدوا عن البلد بحيث لا يسمعون صوت المؤذنين ولولا وجود مكبر الصوت فلا تلزمهم، وأما إذا كانوا قريبين من البلد بحيث لو كان المؤذنون يؤذنون بغير مكبر لسمعوه فإنه يلزمهم.(149/27)
الواجب على من ميز حق الفقراء عن أمواله قبل أن يوصله إلى ذويه
السؤال
رجل عنده مال زكوي ولما حال عليه الحول ميز حق الفقراء عن أمواله، ثم قبل أن يوصله إلى ذويه، ماذا يجب عليه؟
الجواب
يجب عليه أن يضمنها؛ لأن هذا الذي عزله لم يملكه الفقراء، ولهذا لو عزل الزكاة لنفرض أن عنده أربعون شاة عزل منها شاة للزكاة ثم بدا له أن يخرج غيرها فلا بأس؛ لأنها ملكه، فإذا تلفت هذه الشاة يجب عليه إخراج الزكاة شاة أخرى.(149/28)
صيغة الدعاء للطفل في الصلاة عليه
السؤال
صيغة الدعاء على الطفل وهو في صلاة الميت هل تفرق بينه وبين الطفل غير البالغ، وما هي الصيغة مثلاً؟
الجواب
الطفل: المراد به من لم يبلغ.
السائل: وما هي الصيغة؟ الشيخ: الصيغة: أن تدعو له ولوالديه تقول مثلاً: (اللهم اجعله فرطاً لوالديه، وذخراً وشفيعاً مجاباً، اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما وألحقه بصالح سلف المؤمنين واجعله في كفالة إبراهيم) هكذا قال الفقهاء وهو دعاء طيب، وإن كان بعضه لم يكن مأثوراً، لكنه دعاء طيب!(149/29)
الصيام في حال الطهر صحيح
السؤال
امرأة طَهُرت في رمضان وصامت يومين ورجع الدم في رمضان، فما حكم صيام هذين اليومين؟
الجواب
هذا الدم الذي رجع هل هو دم الحيض الذي تعرفه؟ السائل: هي نفست من قبل رمضان ولدت قبل رمضان.
الشيخ: ولدت وإلا حاضت؟ السائل: لا، بل نفاس.
الشيخ: نفاس ثم؟ السائل: ثم صامت رمضان يومين وبعدها رجع الدم مرة ثانية.
الشيخ: هل هذا الدم هو دم حيض الذي تعرفه؟ السائل: والله ما أدري.
الشيخ: تسأل إذا كان دم الحيض فهي حائض، لكن صوم اليومين في حال الطهر صحيح.(149/30)
الدَّين لا يمنع من إخراج الزكاة
السؤال
إنسان لديه محل بيع قطع الغيار -مثلاً- وعليه ديون لهذا المحل وأقساط، هل تجب فيه زكاة عليه؟
الجواب
الصحيح أن عليه الزكاة إذا كان الإنسان عنده تجارة وهو مدين بها، فالصواب: أن الزكاة واجبة عليه؛ لأن الدين لا يمنع وجوب الزكاة لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم حرف واحد يقول: من عليه دين فلا زكاة عليه، والتعليل: بأن الزكاة مواساة وأن المدين ليس أهلاً لها، تعليل في مقابلة النص، فيقال: هذا التعليل لا يخصص أدلة وجوب الزكاة، ثم من الذي قال: إن الزكاة مواساة، قد يقول قائل: إن الزكاة عبادة لله عز وجل هذا أهم ما فيها، فالإنسان حين يخرجها وإن كان يريد أن ينفع الفقراء لكن لا ينبغي أن يكون هذا هو أهم عنده، بل الأهم أنه يتعبد لله تعالى بإخراج ما يحب من الأموال طاعة لله عز وجل، فالقول: بأن الزكاة مواساة وأن المدين ليس أهلاً للمواساة، وأن من عليه دين وعنده مال زكوي لا يزكي، قول ضعيف، الصواب: أن من عليه دين تجب عليه الزكاة لعموم الأدلة، والتعليل بأنها مواساة كما رأيت فيه نظر؛ لأن الزكاة عبادة يخرج الإنسان أحب شيء إليه لمحبة الله عز وجل له، قال الله تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} [الفجر:20] وقال: ((وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ)) يعني: المال {لَشَدِيدٌ} [العاديات:8] ومع ذلك يخرجه طيبة بها نفسه؛ لأن الله أمره بذلك.
السائل: عليه ديون لهذا المحل.
الشيخ: لا بأس يخرج الزكاة، والديون يستعين الله عز وجل على قضائها ويسأله قضاءها.(149/31)
الرد على من يقول: إن ابن عمر وأبا هريرة يجيزان الأخذ من اللحية عن القبضة
السؤال
كيف نرد على من استدل بفعل ابن عمر وأبي هريرة على الأخذ من اللحية مما زاد عن القبضة؟
الجواب
أخذها ابن عمر متى؟ السائل: فيما ثبت عن ابن عمر أنه كان يأخذ من لحيته.
الشيخ: متى؟ السائل: في الحج.
الشيخ: الذين استدلوا بفعل ابن عمر مع الأسف توسعوا وقالوا: خذوا في الحج وغيره، والاستدلال يجب أن يكون مطابقاً للدليل.
السائل: وكيف بقية الصحابة؟ الشيخ: من بقيتهم؟ السائل: أبو هريرة.
الشيخ: تثبت هذا عنه؟ السائل: ورد في مصنف ابن أبي شيبة.
الشيخ: ومصنف ابن أبي شيبة ما أكثر الضعيف فيه.
ولنتنزل معك إلى أبعد الحدود، نقول: صح عن ابن عمر أنه يأخذ من لحيته في الحج وغير الحج، وعن أبي هريرة وعن فلان وفلان من الصحابة.
فعندنا قول إمامهم وهو الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أعفوا اللحى) وهل قال: ولكم أن تأخذوا ما زاد على القبضة؟ السائل: لا.
الشيخ: بماذا تحاجج ربك يوم القيامة؟ والله يقول: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] بماذا تقول؟ تقول: والله أنا سمعت من ابن عمر أو غيره من الصحابة فعل هذا، ما تستطيع.
فمثل هذه المسائل إذا جاء فيها نص فلا تسأل، ابن عباس رضي الله عنه قال: [توشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله وتقولون: قال أبو بكر وعمر] وأين ابن عمر من عمر وأين أبو هريرة من أبي بكر، ومع ذلك أنكر ابن عباس على من يعارض قول الله وقول رسوله بقول هذين الإمامين اللذين قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيهما: (اقتدوا باللذين من بعدي أبو بكر وعمر) وقال: (إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا) .
خذ هذه قاعدة عندك: لا تعارض قول الرسول بقول أحد ولا بفعل أحد، لكن اعتذر عن ابن عمر وأبي هريرة في مخالفتهما ظاهر النص، اعتذر عنهما بأن هذا اجتهاد، فيعذران فيه كما عذر عثمان رضي الله عنه في إتمام الصلاة في منى، وهذه دعها قاعدة عندك: أي إنسان يخالف القرآن أو السنة فاعتذر عنه ولا تحتج بقوله ولا بفعله.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(149/32)
لقاء الباب المفتوح [150]
هذا اللقاء عبارة عن تفسير لبعض آيات سورة الذاريات، ومن هذه الآيات قصة موسى عليه السلام مع فرعون وكيف أن الله أرسله إلى فرعون بالآيات لكي تكون دليلاً على صدقه عليه السلام، ولكن فرعون كما قال تعالى: (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) ومن الآيات أيضاً قصة قوم عاد وكيف أن الله أهلكهم بسبب إعراضهم بالرياح العقيم التي ما تذر شيئاً أتت عليه إلا جعلته كالرميم.(150/1)
تفسير آيات من سورة الذاريات
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء المتمم للخمسين بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الموافق للعشرين من شهر شوال عام (1417هـ) .(150/2)
تفسير قوله تعالى: (وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين)
نبتدئ بما اعتدنا البداءة به من تفسير كلام الله عز وجل، حيث انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:38-39] أي: في موسى آيات من آيات الله عز وجل حين أرسله الله تعالى إلى فرعون، وفرعون علم جنس على كل من حكم مصر وهو كافر، وموسى هو ابن عمران أفضل أنبياء بني إسرائيل وهو في المرتبة الثالثة من الفضل بالنسبة لأولي العزم الخمسة، فإن أفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم نوح وعيسى.
أرسله الله تعالى بسلطان مبين، أي: بحجة بينة في نفسها مبينة لغيرها، فالآيات التي جاء بها الأنبياء بينات واضحات لكل ذي عدل وإنصاف، وهي -أيضاً- مبينة لصدق ما جاءت به الرسل، ولهذا اعلم أنه كلما جاء في القرآن المبين كلمة (مبين) فهي بمعنى مبين في ذاته مبين لغيره، إلا ما دل السياق على أن المراد البين في ذاته.
{إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} من الآيات العظيمة التي جاء بها موسى العصا، عصا موسى التي كان يستعملها فيتوكأ عليها عند الحاجة، ويهش بها على غنمه أوراق الشجر عند رعيها، وله فيها حاجات أخرى، كما قال الله لموسى عليه الصلاة والسلام لما سأله: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:17-18] فهي آية في كونه إذا وضعها على الأرض صارت ثعباناً مبيناً، أي: حية عظيمة تخيف من رآها، ولهذا رهب منها موسى عليه الصلاة والسلام حين ألقاها وولى هارباً، فناداه الله عز وجل: {لا تَخَفْ} [النمل:10] .
ومنها: أنه يدخل يده في جيبه فتخرج بيضاء في الحال، بيضاء بدون سوء، أي: بدون عيب، ليست بيضاء برص، ولكنها بيضاء مخالفة للون جلده في الحال، حقيقة لا تخييلاً.
وقال الله تعالى في سورة الإسراء: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء:101] المهم أنه أتى إلى فرعون بسلطان مبين وحجة دامغة بالغة لكنه -والعياذ بالله- (تولى بركنه) أي: بقوته وسلطانه وجنده، أعرض عن موسى استكباراً وجحوداً وظلماً وعدواناً، قال الله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل:14] .(150/3)
تفسير قوله تعالى: (فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون)
قال تعالى: {فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:39] يعني: أنه اتهم موسى عليه السلام بأنه ساحر؛ لأنه أتى بآيات تشبه ما يصنعه السحرة، عصا من خشب توضع في الأرض وتكون ثعباناً مبيناً، يد تدخل في الجيب فتخرج بيضاء في الحال، هذا يشبه السحر.
(أو مجنون) قال: إنه مجنون؛ وذلك لكونه يدعي أن الله وحده خالق السماوات والأرض، وهو الرب وهو الإله؛ لأنهم كانوا لا يعرفون الإله إلا فرعون، فإذا جاء شخص يقول: هو الله رب العالمين، وأن فرعون ليس إلهاً ولا رباً، فإنهم يرمونه بالجنون، هذا مجنون خرج عما نعلم وخرج عما نعهد.(150/4)
تفسير قوله تعالى: (فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم)
قال الله تعالى: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} [الذاريات:40] أي: طرحناهم فيه، واليم هو: البحر، والبحر الذي هلك فيه فرعون هو البحر الأحمر الذي بين آسيا وأفريقيا، وذلك أن فرعون جمع جنوده وحشدهم وأراد أن يقضي على موسى وقومه، فخرج موسى وقومه من مصر متجهين إلى الشرق، ولكن حال بينهم وبين مرادهم البحر، فلما وصلوا إلى البحر كان البحر بين أيديهم وفرعون وقومه خلفهم، فقالوا لموسى: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61] أي: هلكنا؛ لأن فرعون خلفنا والبحر أمامنا فكيف النجاة؟ فقال: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] وهذه معية خاصة تقتضي النصر والتأييد، وقوله: (سيهدين) ولم يقل: سوف يهدين، قال: سيهدين إشارة إلى قرب هذا الحصر وأنه سيزول قريباً، وهذا هو الذي حصل، أوحى الله تعالى أن يضرب البحر بعصاه فضربه فانفلق اثنتي عشرة طريقاً في الحال، ويبس في الحال، وصار صالحاً للمشي عليه في الحال، كما قال عز وجل: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى} [طه:77] .
فعبر موسى وقومه من هذه الطرق العظيمة التي كان الماء بينها كالجبال، ولما انتهوا خارجين كان فرعون في أثرهم وانتهوا داخلين، فأمر الله عز وجل بقدرته وسلطانه البحر أن يعود إلى ما كان عليه، فانطبق على فرعون وقومه فهلكوا عن آخرهم والحمد لله، ولهذا قال: {فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ} [الذاريات:40] أي: فرعون فعل ما يلام عليه، ولا شك أن رده للرسالة الإلهية وادعاءه أنه الرب وقوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] وما أشبه ذلك من الكلمات التي لا شك أنها كلمات يلام عليها؛ لأنه قد تبين له الحق، ولكنه عاند وأبى أن ينقاد للحق، كما قال له موسى: {لَقَدْ عَلِمْتَ} أي: يا فرعون {مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102] .(150/5)
تفسير قوله تعالى: (وفي عاد إذ أرسلنا عليهم)
قال تعالى: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات:41] أي: وفي عاد آيات {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات:41] عاد في جنوب الجزيرة العربية، وكانوا قوماً أشداء، حتى إنهم قالوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:15] فقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت:15] فأصابهم القحط والجدب، فجعلوا يترقبون المطر، فأرسل الله عليهم الريح العظيمة الشديدة.
{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف:24] قال الله: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف:24] أرسل الله عليهم هذه الريح العقيم التي ليس فيها ثمرة ولم تحمل ماءً، كالمرأة العقيم التي لا تلد هذه، كذلك ريح عقيمة لا تحمل سحاباً ولا مطراً، هذه الريح العقيم هي الريح الغربية، كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام: (نصرت بالصَبا وأهلكت عاد بالدبور) أي: بالريح الغربية.
أرسل الله عليهم هذه الريح العقيم {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات:42] كل شيء تأتي عليه تجعله كالرميم هامداً، حتى إنها تأخذ الرجل -والعياذ بالله- إلى فوق ثم ترده إلى الأرض، فأصبحوا {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَة} [الحاقة:7] .
{كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر:20] هلكوا عن آخرهم.
تأمل الآية! قوم عتاد أقوياء أشداء هلكوا بهذه الريح اللطيفة التي لا ترى لها جسماً وإنما تحس بها بدون أن ترى شيئاً، ومع ذلك قضت عليهم بأمر الله عز وجل، ولهذا قال الله تعالى: {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات:42] فهذا فيه آية من آيات الله عز وجل.
أرسل الله عليهم هذه الريح فأهلكتهم عن آخرهم، ففيهم آيات.(150/6)
الأسئلة(150/7)
حكم منع المستأجر من وضع التلفاز في البيت
السؤال
بالنسبة لرجل يملك داراً وفيها شقق للإيجار، وبعض المؤجرين يطلب وضع جهاز التلفاز، فهل له أن يمنع هذا المؤجر أن يضع هذا الجهاز أم لا؟
الجواب
إذا كان العقد على مدة معينة فإنه لا يستطيع أن يمنعه حتى تنتهي المدة، فإذا انتهت المدة قال له: إما أن ترفعه وإما نلغي عقد الإيجار، وهو في هذه الحال -أي: فيما إذا وضعه المستأجر لمدة الإجارة- ليس عليه إثم؛ لأنه لم يؤجر البيت لأجل هذا.(150/8)
حكم الطواف في سطح المسجد الحرام
السؤال
في موسم الحج يطوف الناس في سطح المسجد الحرام وهو يضيق من قبل المسعى إلى ستة أمتار، فيضطر الناس للخروج إلى سطح المسعى، فهل في ذلك مانع؟ وما التعليل وما الدليل؟
الجواب
المسعى ليس من المسجد الحرام بل هو خارجه، ولهذا يجوز للمرأة الحائض أن تنتظر أهلها في المسعى، لكنها لا تدخل المسجد، ولا يجوز للمعتكف في المسجد الحرام أن يخرج إلى المسعى؛ لأن المسعى خارج المسجد، فإذا كان كذلك فإنه لا يجوز الطواف في سطح المسعى؛ لأنه خارج المسجد، لكن لو حصل ضرورة كالزحام الشديد الذي لا يتمكن الإنسان معه من أن يستمر في سعيه وطوافه فأرجو ألا يكون به بأس؛ لأن جهة المسعى في السطح ضيقة، فقد يأتي الناس -مثلاً- وهم قد ملئوا ما قبلها، فإذا جاءوا منها ضاقت عليهم، فيضطر الإنسان إلى أن ينزل إلى سطح المسعى، أقول: في هذا ضرورة أرجو ألا يكون فيه بأس.
أما الدليل على أنه لا يجوز الطواف في المسعى أو خارج المسجد الحرام فإن الله تعالى قال: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29] وإذا طاف الإنسان من وراء المسجد فقد طاف بالمسجد لا بالبيت، فلا يصح طوافه.(150/9)
جواز إمامة المسافر للمصلين المقيمين إذا كان أقرأهم وليس فيهم إمام راتب
السؤال
إذا كان هناك مقيمون ومسافر فهل يتقدم المسافر ويصلي بهم؛ لأنه أولاهم بالإمامة؟ وإذا صلى بهم فهل يقصر الصلاة، مع العلم بأنه قد يحصل تشويش عليهم؛ لأن أكثرهم عامة أو طلاب مدرسة مثلاً؟
الجواب
إذا كان أقرأهم وليس فيهم إمام راتب فهو أولى بالإمامة، ويصلي ركعتين ويسلم، ويخبرهم من قبل بأنه سوف يصلي ركعتين؛ لأنه مسافر، وكونه يشوش عليهم إنما يقع هذا التشويش من الجهل بالسنة، ولو كانت هذه السنة معروفة معلومة للناس ما حصل التشويش، فكونه يصلي ركعتين ويسلم ويخبرهم من قبل أنه مسافر وأنه سيصلي ركعتين هذا فيه نشر للسنة.
السائل: طلاب صغار.
الشيخ: ولو كانوا طلاباً صغاراً، إذا كانوا طلاباً صغاراً وخشي أن يفهموا شيئاً آخر فلا بأس أن يقول للمقيم: صلِ أنت.
السائل: ولو كان فاسقاً؟ الشيخ: لا إله إلا الله! ولو كان فاسقاً، الفاسق صلاته صحيحة، ومن كانت صلاته صحيحة فإن إمامته تصح.(150/10)
قضاء الدين عن المدين من الزكاة
السؤال
بالنسبة لصاحب الدين إذا تقدم لطلب الزكاة، فهل ينظر إلى سبب هذا الدين إذا كان لغير ضرورة أو لغير حاجة سداده؟
الجواب
ينظر لهذا الدين إذا كان سببه شيئاً محرماً فهذا يقال له: تب ونقضي دينك، وأما إذا كان سببه مباحاً فلا بأس أن يقضى دينه من الزكاة.(150/11)
بدعة إضافة توحيد الحاكمية إلى قسم رابع من أقسام التوحيد
السؤال
ما تقول فيمن أضاف للتوحيد قسماً رابعاً وسماه توحيد الحاكمية؟
الجواب
نقول: إنه ضال وجاهل؛ لأن توحيد الحاكمية هو توحيد الله عز وجل، فالحاكم هو الله عز وجل، فإذا قلت: التوحيد ثلاثة أنواع كما قاله العلماء: توحيد الربوبية فإن توحيد الحاكمية داخل في توحيد الربوبية؛ لأن توحيد الربوبية هو توحيد الحكم والخلق والتدبير لله عز وجل، وهذا قول محدث منكر، وكيف توحيد الحاكمية ما يمكن أن توحد هذه؟ هل معناه: أن يكون حاكم الدنيا كلها واحد أم ماذا؟ فهذا قول محدث مبتدع منكر ينكر على صاحبه، ويقال له: إن أردت الحكم فالحكم لله وحده، وهو داخل في توحيد الربوبية؛ لأن الرب هو الخالق المالك المدبر للأمور كلها، فهذه بدعة وضلالة.(150/12)
اشتراط إذن ولي الأمر في الجهاد
السؤال
ما حكم القول بجواز الجهاد بعدم وجود الإمام أو تخاذله أو تكاسله؟
الجواب
هذا غير صحيح، الجهاد ماضٍ في هذه الأمة إلى يوم القيامة، ولكن الجهاد يجب أن يكون مدبراً من قبل ولي الأمر؛ لأنه إذا كان غير مدبر من قبل ولي الأمر صارت فيه فوضى وصار كل طائفة تفتخر على الأخرى بأنها هي التي فعلت كذا وفعلت كذا، وبالتالي ربما لا تحمد العاقبة، كما جرى في أفغانستان مثلاً، فإن الناس بلا شك ساعدوا الأفغانيين مساعدة عظيمة بالغة وكانت النتيجة ما تسمعون الآن.(150/13)
حكم الصوم عن الميت أو الإطعام
السؤال
أدرك جدتي رمضان وهي امرأة عجوز لا تقدر على الصوم، وأبي كان يتساهل في هذا الأمر من ناحية إطعام يوم محل هذا الفطر الذي تفطر أمه وتوفيت جدتي، ووالدي لجهلٍ أو لتقصير ترك هذا الأمر، فماذا يجب عليه الآن؟ وهل لو أخرجت أنا الإطعام عنه يسقط عنه هذا الإثم؟
الجواب
أولاً: بارك الله فيك الإطعام ليس على أبيك إذ لا يلزم الزوج أن يطعم عن صيام زوجته.
السائل: هي أمه.
الشيخ: ولا أمه أيضاً ولا كفارتها، مسائل العبادات تجب على كل إنسان بنفسه ليست من جنس النفقات، النفقات صحيح أنها تجب على من تجب عليه النفقة حسب الشروط المعروفة عند العلماء، لكن الواجب الذي يتعلق بالعبادة على نفس المكلف.
على كل حال: إذا أحب الآن هو أو أحد إخوته أن يطعم عنها عن كل يوم مسكيناً فهذا جيد.(150/14)
حكم استثمار أموال الزكاة والصدقات في المؤسسات الخيرية
السؤال
هل يجوز استثمار أموال الزكاة والصدقات بالنسبة للجان الدعوية؟
الجواب
أما الزكاة فلا يجوز؛ لأنها لدفع حاجة الفقير الحاضر، وهو إذا استثمرها ربما يحلو للفقراء الموجودين ويستغل هذا الفقراء الذين لم يوجدوا الآن، وهي لدفع حاجة الفقراء الحاضرين، فلا يجوز استثمار الزكاة في مشاريع.
أما الصدقات فنعم، ربما نقول: إذا كانت الصدقات فائضة عن حاجة أهل البلد ورأى أن يستثمرها فهذا جيد، بشرط ألا يحرم الموجودين الآن، فإذا قال قائل في الزكاة: وإذا كان أهل البلد لا يحتاجونها؟ قلنا: اعطها البلاد الأخرى من بلاد المسلمين في الشرق أو في الغرب، أما الصدقة فهي أوسع.
فحاصل الجواب الآن وهو جواب مهم؛ لأن بعض أهل الخير الذين يتولون مثل هذه الجمعيات يتصرفون تصرفاً بحسن نية لكنه غير صالح: الزكاة لا يجوز أن ينشأ فيها أشياء استثمارية؛ لأنها وجدت في حاجة الفقير الحاضر، فإن كان البلد ليس فيه فقراء نقلت إلى أقرب البلاد إليهم.
أما الصدقة فهي أوسع، فيمكن أن يقال: إذا كان أهل البلد ليسوا محتاجين إليها فلا مانع أن ينشأ فيها أشياء استثمارية.(150/15)
حكم اتخاذ آنية الذهب والفضة للزينة
السؤال
قول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) هل الذي يتخذ الفضة للزينة هل يدخل تحت هذا الوعيد؟ وهل هو محرم؟
الجواب
هذه فيها خلاف بين العلماء: من العلماء من يقول: إن اتخاذ آنية الذهب والفضة حرام سواء استعملت أو لم تستعمل، سواء استعملت في الأكل أو الشرب أم في غيرهما.
ولكن الصحيح: إنما يحرم استعمالها في الأكل والشرب فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن الأكل والشرب، والنهي تخصيص؛ لعموم قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة:29] فإذا كان كل ما في الأرض فهو لنا ننتفع به حيث لا نهي فيه فإنه يدخل في ذلك اتخاذه للزينة أو استعمالها مثلاً في غير الأكل والشرب، كما أذن استعمالها في حفظ بعض الأدوية وحفظ الدراهم وما أشبه ذلك، هذا هو الصحيح، وإذا كان الرسول إنما نهى عن الأكل والشرب فسكوته عن بقية الانتفاع يدل على الجواز.
هذا هو الذي يترجح عندي والمسألة فيها خلاف بين العلماء.(150/16)
حكم نتف المرأة شعر وجهها
السؤال
هل يعد نتف شعر وجه المرأة من النمص؟
الجواب
نعم.
النمص: هو نتف شعر الوجه.
السائل: الوجه كاملاً؟ الشيخ: مطلقاً الوجه من الأذن إلى الأذن ومن منحى الجبهة إلى أسفل.
السائل: ونتف الساقين والذراعين؟ الشيخ: لا يدخل في هذا؛ لأنها ليست من النمص المعروف عند العرب، لكن مع ذلك نقول: إزالة الشعر من الساقين والذراعين وما أشبه ذلك إن كان لحاجة مثل: أن يكون الشعر كثيراً مشوهاً فلا بأس، وإلا فإن الأفضل التحرز منه.(150/17)
كيفية التعامل مع أهل الفرق الضالة
السؤال
كيف يكون التعامل مع أهل الفرق الضالة والجماعات وأفرادها؟
الجواب
من جهة السلام أم من جهة البيع والشراء؟ السائل: من جهة السلام.
الشيخ: من جهة السلام سلم على كل إنسان إلا الكافر فلا تبدأه بالسلام، لكن إذا سلم عليك فيجب أن ترد عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نرد على أهل الكتاب اليهود والنصارى، أما إذا كان في هجره مصلحة كرجل فاسق إذا هجرناه ارتدع عن معصيته وتاب إلى الله فهنا نهجره؛ لأن في ذلك مصلحة، كما أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهجر كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع حين تخلفوا عن غزوة تبوك، لكن كان في هجرهم مصلحة، أما إذا كان في هجرنا لهذا الرجل الفاسق مضرة كما لو كان هجرنا إياه يوجب أن يتمادى في معصيته وأن يكرهنا وألا يقبل منا صرفاً ولا عدلاً فهنا لا يجوز الهجر؛ لأن هذا الفاسق مهما عظم فسقه فهو مؤمن، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل للرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث) وهو مؤمن وأخ لنا، ولاحظوا هذه المسألة! فإن بعض الناس من شدة غيرتهم على دين الله لا يعتقدون أخوة بينهم وبين الفساق، وهذا من الغلط العظيم، هذا الرأي تشم منه رائحة مذهب الخوارج، العصاة مهما بلغت معصيتهم فهم إخواننا، علينا أن ننصحهم فإن كان في هجرهم مصلحة بحيث يتركون المعصية فالهجر هنا إما مستحب أو واجب، وإن لم يكن فيه مصلحة فلا تهجره سلم عليه.(150/18)
حكم الصلاة خلف الأئمة التيجانيين
السؤال
حكم الصلاة خلف أئمة تيجانيين مع علمي أن أكثرهم لا يعلمون أن العقائد التيجانية منكرة؟
الجواب
بارك الله فيك أولاً: بين لي ما هي عقائد التيجانية حتى أخبرك عن الجواب؟ السائل: أكثر عقائدهم في الاعتقادات في مشايخهم.
الشيخ: بين لي.
السائل: منهم من يعتقد يا شيخ! أن التيجاني يحل في جلسة حلقة وهم جالسون، وأنه يأتي في وقت معين ويحضر في هذه الحلقة، والتيجاني يحضر الرسول صلى الله عليه وسلم في حلقته، هذا من بعض عقائدهم.
الشيخ: لكن هذه العقيدة هل هي عقيدة حقيقة؟ السائل: نعم؟ الشيخ: هل هي عقيدة حقيقة لو سألت هذا الرجل قلت: الآن تعتقد أن التيجاني أو أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم معك أين هو؟ السائل: عندما تسألهم يحتارون ولا يجيبون.
الشيخ: إذاً يا أخي! بين لهم هذا الكلام، بين لهم أن هذه خيالات، وأنا أعتقد أنك إذا بينت لهم هذا فما أسهل أن يرجعوا عن هذه العقيدة الفاسدة المبنية على الخيال.
السائل: والصلاة؟ الشيخ: الصلاة إذا عاندوا وقالوا: أبداً إن الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي إلينا، وإن التيجاني يأتي إلينا ودعوة الرسول له دعوة التيجاني، فهؤلاء كفار لا تصلي خلفهم.(150/19)
حكم التحاكم إلى الأحكام الوضعية
السؤال
بالنسبة للأحكام الوضعية، هناك بلدان كثيرة تحكم بهذه الأحكام كما هو معروف، السؤال: معروف أن الإنسان مكره، قد يكره على القبول بحكم وضعي، لكن الحال فيمن له حقوق عند الناس ضرب وأخذ ماله وغير ذلك فهو حتى يحصل على هذا المال يحتاج إلى أن يتحاكم إلى الحكم الوضعي، وقد يكون في هذا الحكم الوضعي ما هو مخالف -وهو كثير- للأحكام الشرعية، فهل هناك إطلاق للتحاكم؟
الجواب
إذا لم نجد محكمة تحكم بالشريعة وصارت حقوقه من المال ستضيع فإننا نتحاكم إليهم لا على أن حكمهم شرع ولكن نجعلهم بمنزلة الشُرط نستخرج بهم حقوقنا، لاحظ هذا القيد: (لا يتحاكم إليهم على أن حكمهم شرع ولكن كأنهم شُرط يأخذون حقوقه) فلا بأس أن يتحاكم إليهم لاستخراج حقه، ولكن لو حكموا له بباطل شرعاً فإنه لا يجوز أن يأخذ به؛ لأنه لا يمكن أن يضيع حقوق الناس بحجة أن هؤلاء يحكمون بالقانون ولا يجد تحاكماً إلى الله ورسوله، يقول: أنا لا أتحاكم إليهم على أن قولهم فصل وحكم، لكن أتحاكم إليهم على أنهم شُرط يخرجون حقي أو أستخرج بهم حقي.(150/20)
حكم إفراد يوم السبت بالصيام
السؤال
ما حكم إفراد يوم السبت بالصيام؟ وما توجيهكم للحديث الوارد في النهي؟
الجواب
ما هو الحديث؟ السائل: معنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إفراد صيام يوم السبت في غير الواجب.
الشيخ: الحديث: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب -أي: أعواد العنب.
يأكلها فليفعل) لكن هذا الحديث ليس في الصحيحين ولا في أحدهما، والحديث الثابت في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على إحدى أمهات المؤمنين فوجدها صائمة، فقال لها: أصمت أمس؟ قالت: لا.
قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا.
قال: فأفطري) فهذا الحديث يدل على أن صيام يوم السبت جائز، والحديث الذي أشرت إليه رواه أبو داود وغيره من أصحاب السنن لا يماثل هذا في الصحة، وإذا لم يماثله في الصحة فإن من القواعد المقررة في مصطلح الحديث: أن يكون شاذاً؛ لأنه خالف ما هو أقوى منه، والشاذ لا يعمل به، هذا وجه، وسلكه بعض العلماء، وقال: هذا الحديث شاذ لا يعمل به.
ومنهم من ضعفه سنداً، يعني: الذين يقولون بشذوذه ضعفوه متناً ومنهم من ضعفه سنداً، وقال: لا يصح، وطعن في بعض رواته، ومنهم من قال: إنه منسوخ، ومنهم من جمع بينه وبين حديث جواز الصوم بيوم السبت فقال: إن أفرده وصامه لأنه يوم السبت فهذا هو المنهي عنه، وإن صامه تبعاً لغيره أو لمناسبة تقتضي تخصيص هذا اليوم فلا بأس، وإلى هذا ذهب الإمام أحمد رحمه الله، وهذا لا شك أنه جمع حسن بين الحديثين.
فنقول: لا تفرد يوم السبت بصوم، لكن إن صمته مع غيره فلا بأس، أو صمته لأنه يوم يسن صومه مثل أن يوافق يوم عرفة أو يوافق يوم الخامس عشر من الشهر وأنت تصوم أيام البيض أو يوافق يوم عاشوراء فإنه لا بأس به، وهذا القول أحسن الأقوال التي سمعتم، فليكن هو المعتمد، أي: يكره أن يصوم يوم السبت؛ لأنه يوم السبت، أما إذا صامه لسبب آخر فلا بأس، وكذلك لو لم يفرده بأن صام قبله يوماً أو بعده يوماً فإنه لا بأس به.(150/21)
حكم السرقة من أموال النصارى التي تُصرف لبناء الكنائس
السؤال
هذا رجل نصراني في إحدى دول أفريقيا كان النصارى يمدونه بالأموال وكان يبني الكنائس بمئات الآلاف من الدولارات، ثم أسلم قبل ثلاثة أشهر، وكان قبل إسلامه يسرق من هذه الأموال حتى بلغت أموالاً طائلة عنده، وهو الآن بعد إسلامه يسأل: هل يبني بهذه الأموال التي سرقها مساجد أم لا؟
الجواب
نقول: ابن بها مساجد؛ لأنه أخذها على وجه غير شرعي فليصرفها في نظيرها الشرعي، والكنائس -كما تعلمون- متعبدات النصارى والمساجد متعبدات المسلمين، وصرفها في مساجد المسلمين خير من صرفها في معابد النصارى.
فنقول له: ابن بها مساجد للمسلمين واسأل الله الثبات على الإسلام.(150/22)
حكم مس المحدث للمصحف
السؤال
هل الوضوء شرط لمس المصحف؟
الجواب
لا يجوز للإنسان أن يمس المصحف إلا بوضوء، لكن له أن يقرأ في المصحف بأن يضع على يديه حائلاً يحول بينه وبين مباشرة المصحف ويقرأ ما لم يكن جنباً، فإن الجنب يحرم عليه أن يقرأ القرآن لا في حال الوضوء ولا في غيره.
السائل: ولو كان مضطراً يا شيخ؟ الشيخ: ما في اضطرار ما هي الضرورة؟ السائل: أحياناً لا يجد ماءً يتوضأ به.
الشيخ: أنا قلت لك: ضع شماغك بينك وبين المصحف واقرأ، هل هذا ممكن أم غير ممكن؟ السائل: ممكن.
الشيخ: وأين الضرورة؟ ليس هناك ضرورة.
السائل: الدليل؟ الشيخ: الدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يمس القرآن إلا طاهر) أي: طاهر من الحدث؛ لأن الله تعالى قال في سورة المائدة: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة:6] والقول بأن الطاهر هو المسلم ضعيف؛ لأننا لم نجد في كتاب الله تعالى ولا في سنه رسوله صلى الله عليه وسلم التعبير عن المسلم بالطاهر، لكن يخبر بأن المسلم لا ينجس صحيح، لكن الطاهر هو المتطهر كما قال الله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة:222] فيكون حمل الحديث على المعهود في لغة القرآن والسنة أولى من حمله على وجه بعيد، ثم هو أفضل بالاتفاق، حتى الذين يقولون: يجوز أن يمسه بلا حائل هم يتفقون مع الآخرين بأن الأفضل ألا يمسه إلا على طهارة، فأنت الآن إذا لم تمسه إلا على طهارة صار ذلك أفضل لك بالاتفاق، وأبرأ لذمتك عند من يقول: إنه لا بد من الوضوء عند مس المصحف.(150/23)
حكم من ترددت نيته في صوم القضاء بين الإفطار أو إكمال الصوم
السائل: ما حكم من ترددت نيته في صوم القضاء بين الإفطار أو إكمال الصوم؟ الشيخ: لكنه صائم؟ السائل: أمسك بعد الفجر.
الشيخ: بعد الفجر وإلا قبل؟ السائل: بعد الفجر.
الشيخ: ما نوى إلا بعد الفجر.
السائل: إي نعم.
الشيخ: الأخ صومه غير صحيح ما دام أنه ما نوى إلا بعد الفجر.
السائل: هل يقلبه نقلاً؟ الشيخ: هذا على قول من يقول: إنه لا يصح النفل قبل أداء القضاء، لا يصح أن يقلبه نفلاً، وعلى القول الثاني يصح، لكنه لا يعتبر من الأيام الست؛ لأن الأيام الست لا تكون إلا بعد قضاء رمضان، أما من صام ونوى الصيام قبل الفجر واستمر وفي أثناء النهار تردد هل يتم أو يقطع.
السائل: هذا في القضاء يا شيخ؟ الشيخ: قضاء أو غير القضاء، في رمضان لا يمكن أن يتردد؛ لأنه لا بد أن يبقى، لكن في القضاء فهذا لا يبطل صومه على القول الصحيح؛ وذلك لأن نيته الأولى جازمة والتردد لا يقضي على المجزوم به، ومن العلماء من قال: إذا تردد في أثناء اليوم هل يتم أو لا بطل صومه، والصحيح أنه لا يبطل، بخلاف الذي لم ينو إلا بعد طلوع الفجر فهذا لا يمكن أن يصح قضاؤه.(150/24)
حكم الاهتزاز أثناء قراءة القرآن
السائل: أرى كثيراً ممن يقرءون القرآن وخاصة في حلقات القرآن يهزون أو يتحركون حركة، ما حكم هذا الهز؟
الجواب
هذا إن جاء تلقائياً فهذا ما فيه بأس؛ لأن بعض الناس يستعين -مثلاً- بالهز على التلاوة، وإن جاء تعبدياً فإنه لا يجوز وهو بدعة، ومع ذلك نحن نحث الذين يهتزون تلقائياً أن يعودوا أنفسهم على ترك الهز؛ لأنه قد يقتدي بهم غيرهم ويظن أن هذا أمر مشروع.(150/25)
حكم تأجير الذهب والفضة
السؤال
ما حكم تأجير الذهب والفضة كحلي النساء للزواجات؟
الجواب
لا بأس به، لا حرج للإنسان أن يؤجر الحلي من الذهب والفضة لامرأة تلبسه يوماً أو يومين أو ساعة أو ساعتين؛ لأن المنافع هنا مباحة، وكل نفع مباح يجوز عقد الإجارة عليه.(150/26)
حكم الاحتفاظ بالصور للذكرى أو تعليقها
السؤال
كثير من الناس يتوسعون الآن في الصور الشمسية التي لها ظل، فبعضهم للذكرى والبعض للتعليق، فنريد إلقاء الضوء على هذا الأمر جزاكم الله خيراً؟
الجواب
أنا أرى أن الاحتفاظ بالصور للذكرى حرام؛ لأنه يدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة) وأن تعليقها أشد حرمة؛ لأن تعليقها يوحي بتعظيمها، ولهذا تجد الذين يعظمون آباءهم أو إخوانهم أو مشايخهم يضعون صورهم معلقة في أماكن جلوسهم، وهذا حرام لا شك فيه.
أما الذي يقتنيها لحاجة، إنسان -مثلاً- عنده بطاقة شخصية أو قيادة الرخصة أو يتوقع أن يحتاج هذه الصورة في المستقبل فهذا لا بأس به.(150/27)
بناء المساجد أفضل من بناء البيوت للأئمة والمؤذنين
السؤال
نرى كثرة المساجد الآن ولله الحمد لكن في بعض المساجد لا يوجد فيها بيوت للمؤذن والإمام، أيهما أفضل: وضع دراهم في عمارة مساجد أخرى أو في هذه البيوت؟
الجواب
الأفضل أن توضع الدراهم في عمارة مساجد أخرى، فمثلاً: إنسان عنده مليون ريال وأنفق على هذا المسجد سبعمائة ألف، وبقي عنده ثلاثمائة ألف، يقول: هل الأفضل أن أضعها في مسجد آخر أو أبني بها بيتاً أو بيتين للإمام والمؤذن؟ نقول: الأفضل أن تضعها في مساجد أخرى خصوصاً إذا كنت وكيلاً بأن أعطيت دراهم لبناء المساجد فإنه لا يجوز لك أن تصرفها في بناء بيتين للإمام والمؤذن؛ لأنك وكيل.
السائل: ولو كانت بحاجة؟ الشيخ: أبداً ما في حاجة، المسجد سيقوم سواء كان للإمام والمؤذن بيت أم لم يكن، صحيح أنه يعين على وجود الإمام والمؤذن لكن ليس بحاجة.(150/28)
اختلاف العلماء في وجوب إخراج صدقة الفطرة
السؤال
قلتم أثناء الإجابة على صيام العاجز أنه هو المسئول عن الإطعام عن نفسه، إذاً لماذا يخرج عنه صدقة الفطرة من كان مسئولاً عن مئونته كالزوج عن زوجته؟
الجواب
أولاً: هذا ليس إجماعاً، فإن كثيراً من العلماء ومنهم الشوكاني رحمه الله يقول: إن كل إنسان مخاطب عن فطرته، فالزوج لا يلزمه فطرة زوجته ولا فطرة ابنه ولا بقية عائلته، ومنهم من يقول: إن هذا مستثنى؛ لأن الصحابة كانوا يخرجون عن أنفسهم وعمن يمونون فيكون هذا مستثنى، ولأن هذا أقرب ما يكون إلى النفقة التي يقوم بها عائل البيت، لكني أميل إلى الأول وأقول: إن جريان العادة وهي أن كل إنسان مخاطب عن نفسه بحيث لو أن صاحب البيت قال: لا أخرج عنكم وهم قادرون أن يخرجوا عن أنفسهم لكني أقول: ما دامت العادة الآن جارية بأن الرجل يخرج عن نفسه وعائلته نمشي على هذه العادة.(150/29)
تصوير الآدمي من خلفه
السؤال
بالنسبة لتصوير الآدمي من قفاه، ما رأي فضيلتكم يا شيخ؟
الجواب
من أجل ماذا؟ السائل: بعضهم يا شيخ يصور للذكرى.
الشيخ: ذكرى ليس من قفاه، تذكره من قفاه؟! السائل: لا يا شيخ! أحسن الله إليك، في بعض الأسفار يا شيخ! يكون شخص مسافر فيصور للذكرى.
الشيخ: لا يا أخي لا يصلح هذا، كيف هذا؟ أنا لا أتصور هذا، إنسان تصوره من ورائه لا تدري من هذا.
السائل: وجد هذا يا شيخ.
الشيخ: أنا أرى أنها سفه ولا نفتي بشيء سفه، وإذا قدر أنها وجدت فليست بصورة، يعني: هذه مثل الظل، مثل إنسان يمشي في الشمس يكون له ظل.(150/30)
حكم الأكل أو الشرب وقت أذان الفجر في رمضان
السؤال
ما حكم من شرب الماء في رمضان والمؤذن يؤذن؟
الجواب
هذا ينظر إذا كان المؤذن لا يؤذن إلا إذا رأى الفجر وجب عليه أن يمسك من حين أن يسمع، لكن روى الإمام أحمد في مسنده بسند جيد: (أن الإناء إذا كان في يد الإنسان فلا يضعه حتى يقضي نهمته منه) .
وأما إذا كان المؤذن يؤذن على التقويم فالأمر في هذا واسع؛ لأن هؤلاء المؤذنين لو قلت لهم: تشهدون أن الفجر طالع؟ قالوا: لا نشهد، وتجدهم في المغرب يؤذنون على التوقيت، وأخبرني الثقات أنهم سمعوا المؤذنين يؤذنون والشمس لم تغرب؛ لأنهم لا يشاهدون الفجر ولا يشاهدون الشمس، وحسب علمنا الآن أن المؤذنين لا يؤذنون على الفجر إنما يؤذنون على ما بأيديهم من التقويم، فالأمر في هذا واسع، إذا شرب وهو يؤذن أو أكل شيئاً وهو يؤذن ليس به بأس.
السائل: يقضي احتياطاً يا شيخ.
الشيخ: والله لا أدري، الاحتياط إنما يكون إذا كان له أصل.(150/31)
فضل صيام يوم الإثنين
السؤال
هل ورد حديث يا شيخ على فضل صيام يوم الإثنين؟
الجواب
نعم.
(كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم يوم الإثنين والخميس، فسئل عن ذلك؟ فقال: إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله عز وجل، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) ، وسئل عن صوم يوم الإثنين؟ فقال: (ذاك يوم ولدت فيه وبعثت فيه أو أنزل علي فيه) .(150/32)
سبب نصب (الطير) في قوله تعالى: (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ)
السؤال
ما توجيه القراءة نحوياً، قول الله تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ:10] على نصب الطير؟
الجواب
توجيهها أن الطير هنا معطوفة على محل المنادى: يا جبالُ؛ لأن (جبال) هنا منادى، تقول: مبنية على الضم في محل نصب، فمحلها النصب، فعطفت هذه على جبال باعتبار المحل لا باعتبار اللفظ.(150/33)
صوم الست من شوال لا يكون إلا بعد إتمام صوم رمضان
السؤال
نقل عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: [كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مني] فهل يفهم من ذلك أنها كانت لا تصوم الست، أو هناك توجيه؟ الشيخ: صوم الست هذا أمر لا إشكال فيه، لا يمكن أن تكون مشروعة إلا إذا أتم الإنسان رمضان، والحديث: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال) وقوله: (ثم أتبعه) يقتضي أن يكون رمضان قد تم، فكما أن الإنسان لا يصح منه راتبة الظهر البعدية قبلها كذلك أيضاً أيام الست؛ لأن أيام الست بمنزلة الراتبة بعد الفريضة فلا يصح، لكن قل لي: هل يدل على أنها لا تصوم يوم عرفة أو يوم عاشوراء أو أيام البيض؟ لا ندري، الله أعلم، قد تصومها وقد لا تصومها، إن صامتها فليس بغريب؛ لأن القضاء وقته موسع والنفل قبل الفرض موسع جائز، وإن لم تصمها فهو -أيضاً- ليس بغريب على فقهها؛ لأن الفقه يقتضي أن يبدأ الإنسان بالواجب قبل التطوع، وقد قال أبوها أبو بكر رضي الله عنه: [إن الله لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة] .
فعلى كل حال: صيامها النفل قبل القضاء أمر محتمل، لكن صيام الست قبل القضاء أمر مقطوع به بأنها لم تصمها؛ لأن عائشة رضي الله عنها أفقه منا ونحن نفقه من هذا الحديث الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم أن الست تابعة لرمضان، فلا يمكن أن تصام قبل إتمامه.
قد يقول قائل: أليس الرسول يصوم في أيام البيض أو يصوم ثلاثة أيام من كل شهر أو يصوم يوم الإثنين والخميس، لماذا لم تصم معه؟ فيقال: ألا يمكن أن يكون وقت صوم الرسول عليه الصلاة والسلام حائضاً؟ يمكن، ولهذه الأمور المحتملة لا تكون دليلاً.(150/34)
تقدير الصلاة والصوم في الأوقات التي تكون الأيام كلها نهاراً
السؤال
بالنسبة للمسلمين الذين يعيشون في شمال الكرة الأرضية وما يحصل لهم بالنسبة للأوقات النهار في الصيف يكون طويلاً
الجواب
هل أنت تسكن هناك؟ السائل: لا يا شيخ أنا ذهبت إلى هناك.
الشيخ: وسكنت معهم.
السائل: لا سألوني.
الشيخ: كم بقيت عندهم من ساعة؟ السائل: أنا بقيت أسبوعين.
الشيخ: ماذا تصنع؟ السائل: أنا ما ذهبت إلى المنطقة نفسها إلا أني كنت في جنوبها.
الشيخ: أنت قلت ذهبت إليهم الآن.
السائل: لا.
سألوني الذين يعيشون هناك والتقيت بهم في الجنوب في نفس البلد.
الشيخ: وماذا قلت؟ السائل: لم أفتهم، أنا أعلم يا شيخ فتواكم وهي: أن يقدروا له قدره.
الشيخ: أنا ما سألت عن فتواي.
السائل: لم أفتهم.
الشيخ: قلت: لا أدري.
السائل: لكن أذكر الفتوى وهي: اقدروا له قدره، إلا أني ما استطعت تحديد هذا القدر.
الشيخ: على كل حال لا شك أنهم يقدروا له قدره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حدث عن الدجال قال: (إن أول يوم كسنة، قالوا: يا رسول الله! هل تكفينا فيه صلاة يوم واحد؟ قال: لا اقدروا له قدره) .
فعلى هذا نقول لهؤلاء: اقدروا قدره، ثم ما هو القدر؟ بعض العلماء يقول: يقدر نصف نصف، يعني: أربعة وعشرين ساعة تعتبر يوماً وليلة فيها خمس صلوات، وبعضهم يقول: ينظر إلى أقرب مكان لهم فيه ليل ونهار فيأخذون به، وبعضهم يقول: يرجع في ذلك إلى توقيت مكة؛ لأن الله سماها أم القرى فهي الأم والمرجع، وما دام تعذر العمل في المنطقة فإنه يرجع إلى الأصل وهي الأم.
وأقرب قول عندي من هذه الأقوال الثلاثة: أن يعتبروا بما حولهم ويمشون عليه، أما الصوم إذا قدر أنه يحدث عندهم مشقة وأنهم لا يتحملون فيفطرون ويقضون الصوم في أيامٍ أخر.(150/35)
لقاء الباب المفتوح [151]
في هذا اللقاء كانت الآيات الأولى التي فسرها الشيخ تتحدث عن قوم صالح، وكيف أن الله أهلكهم بسبب إعراضهم وعقرهم للناقة مع تحذير نبي الله لهم ألا يمسوها بسوء، فلما عقروها قال الله لهم: (تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) ومن الآيات كذلك قصة نوح عليه السلام الذي ظل يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ومع ذلك ما آمن معه إلا قليل، ثم فسر قوله تعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ) .(151/1)
تفسير آيات من سورة الذاريات
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الحادي والخمسون بعد المائة من اللقاءات التي تسمى لقاء الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الحادي عشر من شهر ذي القعدة عام 1417هـ.
نفتتح هذا اللقاء كجاري العادة بالكلام على شيء من تفسير كلام الله عز وجل.(151/2)
تفسير قوله تعالى: (وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين)
انتهينا فيما سبق إلى قوله تعالى: {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ} [الذاريات:43] ثمود: هم الذين أرسل الله إليهم نبيه صالحاً عليه الصلاة والسلام، فوعظهم، وذكرهم، وجعل لهم آية وهي الناقة التي شرفها الله تعالى بإضافتها إلى نفسه الكريمة، حيث قال تبارك وتعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس:13] أي: احذروا ناقة الله أن تعبثوا فيها أو تنكروها، وهذه الناقة لها بئر تشرب منه يسمى: بئر الناقة، ولهم {شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء:155] يشربونه، فالناقة تشرب يوماً وهم يشربون يوماً، وهذه الناقة ذكروا أنه ما جاء أحد يستقي من هذا البئر في يومها الذي تشرب منه إلا أخذ بدل شربها شيئاً من لبنها بقدر ما شربه، فالله أعلم هل هذا هو الواقع أو يختلف، لكن على كل حال فهذه الناقة لا شك أنها ناقة ليست كسائر النوق إذ أنها آية من آيات الله عز وجل، لكنهم كذبوا وأبوا وتوعدهم صالح عليه الصلاة والسلام أن يتمتعوا في دارهم ثلاثة أيام، ولكنهم ما زالوا على كفرهم وإنكارهم، ولهذا قالوا: {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ} [الذاريات:43] .
وديارهم معروفة الآن موجودة في مكان يسمى الحجر، ويسمى الآن ديار ثمود، وقد مر بها النبي صلى الله عليه وسلم في ذهابه إلى تبوك لكنه عليه الصلاة والسلام أسرع حين مر من هذه الديار وقنع رأسه ونهى أمته أن يدخلوا إلى هذه الأماكن -أماكن المعذبين- إلا أن يكونوا باكين، قال: (فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوها أن يصيبكم ما أصابهم) وقوله: (يصيبكم ما أصابهم) لا يلزم منه أن يراد به ما أصابهم من العذاب الحسي، قد يكون المراد ما أصابهم من العذاب الحسي وما أصابهم من الإعراض والكفر، فلو قال قائل: إنه يوجد أناس يذهبون إلى هذه الأماكن وهم غير باكين ولم يصابوا بشيء.
نقول: الجواب على هذا من وجهين: الوجه الأول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يؤكد أن يصابوا بهذا، ولكنه قال: خوفاً أو خشية أن يصابوا بما أصاب هؤلاء.
الوجه الثاني: أن نقول: لا يتعين أن يكون المراد بذلك أن يؤخذوا بما أخذ به هؤلاء من العقوبة الحسية الظاهرة وهي الرجفة والصيحة التي أماتتهم عن آخرهم، قد يكون المراد بذلك مرض القلب الذي هو الاستكبار والإعراض ورد الحق.
{إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ} هذا الحين هو ثلاثة أيام.(151/3)
تفسير قوله تعالى: (فعتوا عن أمر ربهم)
قال تعالى: {فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} [الذاريات:44] ولم يرجعوا عن غيهم، {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} [الذاريات:44] الصاعقة التي صعقتهم هي رجفة وصيحة، (وهم ينظرون) أي: ينظر بعضهم إلى بعض يتهاوون ويتساقطون أمواتاً.(151/4)
تفسير قوله تعالى: (فما استطاعوا من قيام)
قال تعالى: {فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ} [الذاريات:45] أي: ما استطاعوا أن يقوموا، (وما كانوا منتصرين) أي: لم يتمكن بعضهم أن ينصر بعضاً بل كلهم هلكوا عن آخرهم.
وهكذا يفعل الله سبحانه وتعالى بمن كذب رسله عليهم الصلاة والسلام، إلا أن العذاب المستأصل رفع عن هذه الأمة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا ربه سبحانه وتعالى ألا يأخذهم بسنة عامة -أي: بعقوبة عامة- لكن ابتلوا بشيء آخر وهو أن يقتل بعضهم بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً، والأمر كذلك وقع؛ فإن هذه الأمة لم تصب بعذاب عام كما أصيبت الأمم من قبلها، ولكن أصيبت بأن جعل الله بأسهم بينهم منذ زمن الخلفاء الراشدين كما اختلفوا على عثمان وعلى علي رضي الله عنهما وحصلت الفتن تتوالى إلى يومنا هذا.
ثم هذه الأمة التي جعل بأسها بينها ليست هي أمة الإجابة فقط، بل أمة الإجابة وأمة الدعوة، ولهذا نقول: ما حصل من الفتن والبلاء في الأرض مشارقها ومغاربها من الكفار وغير الكفار فإنما هو نتيجة للمعاصي، وهي عقوبة هذه الأمة أن الله يذيق بعضهم بأس بعض.(151/5)
تفسير قوله تعالى: (وقوم نوح من قبل إنهم كانوا)
قال تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} [الذاريات:46] أي: اذكر قوم نوح من قبل وهم أول أمة أرسل إليهم الرسول، ولكنهم كذبوا، وهذا الرسول نوح عليه الصلاة والسلام بقي فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله، ويذكرهم، ويعظهم، ولكنهم -والعياذ بالله- لم يؤمنوا {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40] حتى إنه عليه الصلاة والسلام يقول: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} [نوح:7] (جعلوا أصابعهم في آذانهم) لئلا يسمعوا ما يقول، (واستغشوا ثيابهم) أي: تغطوا بها لئلا يبصروه -نسأل الله العافية- وهذا غاية ما يكون من البغضاء لما يقول وما يفعل، {وَأَصَرُّوا} [نوح:7] على باطلهم {وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً} [نوح:7] .
فكان آخر ما قال عليه الصلاة والسلام: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} [نوح:26] ودعا ربه: {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر:10] قال الله تعالى: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:11-12] ولهذا -والله أعلم- سيكون عليهم نصيب من عذاب المكذبين؛ لأنهم هم أول أمة كذبت الرسل (ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) كما أن من قتل نفساً فإن على ابن آدم الذي قتل أخاه كفلاً ونصيباً من عذاب القاتل إلى يوم القيامة.(151/6)
تفسير قوله تعالى: (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون)
قال عز وجل: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] (السماء) مفعول لفعل محذوف تقديره: وبنينا السماء، وقوله: (بأيدٍ) أي: بقوة، كما قال الله عز وجل: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} [النبأ:12] فالأيدي هنا أي: القوة وليست جمع يد كما يظنه بعض الناس، بل هي مصدر (آد يئيد أيداً) كما يقال: باع يبيع بيعاً، (بنيناها بأيد) أي: بقوة، والإنسان إذا تأمل وتفكر في السماوات عرف أنها قوية شديدة عظيمة، وأن قوتها تدل على قوة بانيها عز وجل، (وإنا لموسعون) أي: لموسعون لأرجائها، ولهذا كانت السماوات أكبر بكثير من الأرض وهي محيطة بالأرض من كل جانب، وعلى هذا فتكون أوسع من الأرض وليست الأرض بالنسبة للسماء إلا شيئاً يسيراً.(151/7)
تفسير قوله تعالى: (والأرض فرشناها فنعم الماهدون)
قال تعالى: {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا} [الذاريات:48] أي: فرشناها لأهلها، جعلناها لهم كالفراش يأوون إليها ويتمتعون بها، لم يجعلها الله تعالى صعبة ولا سهلة بل هي متوسطة، لو كانت لينة رخوة ما تمكن أحد من البقاء عليها، ولو كانت صعبة ما تمكن أحد من الانتفاع بها، ولكنها كانت كما وصفها الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15] .
ثم قال: {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} [الذاريات:48] أثنى تبارك وتعالى على نفسه أن جعل هذه الأرض مهاداً للناس يتمتعون بها على ما تقتضيه مصالحهم.(151/8)
الأسئلة(151/9)
حكم ترك زيارة الرحم بسبب ما لديهم من منكرات
السؤال
شخص له أقارب وهو يزورهم صلة للرحم، ويوجد في بيوت هؤلاء الأقارب بعض المنكرات المنتشرة في هذا الزمان، وهذه المنكرات لا تغلق بحضوره ولا بعدم حضوره، فماذا تنصحونه أن يفعل لكي يبقي على هذه الصلة -صلة الرحم-؟
الجواب
لا شك أن صلة الرحم من الفروض العينية، أي: يجب على كل إنسان أن يصل رحمه؛ لأن قطيعة الرحم من كبائر الذنوب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قاطع) ولكن إذا كان هذا الرجل له أقارب يمارسون الأشياء المنكرة بحضوره وغير حضوره فعليه أن يذهب إليهم ثم ينصحهم ويخوفهم بالله، ويذكرهم أيام الله ويذكرهم نعم الله، فإن اهتدوا فهذا هو المطلوب، وإن لم يهتدوا فهو معذور بعدم الذهاب إليهم، ويكفي أن يتكلم معهم بالهاتف أو يراسلهم بالكتابة، وإنما كان معذوراً؛ لأنه إذا ذهب إليهم فلا بد أن يجلس معهم على منكر، فإن من جالس قوماً على منكر وهو قادر على أن يفارقهم كان عليه من الإثم مثل ما عليهم؛ لقوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} [النساء:140] وهو معذور في هذه الحالة، لكنه يمكنه أن يصلهم بالهاتف أو بالكتابة.(151/10)
شروط وجوب الزكاة في العروض
السؤال
رجل كان يبيع ويشتري في الأراضي ثم توفي وبقي ورثته من بعده عاماً كاملاً لحصر تركته ولم يبيعوا منها شيئاً، فهل تجب فيها الزكاة للعام الذي أعقب وفاته؟
الجواب
ننظر إلى هؤلاء الورثة: هل هم نووا بذلك التجارة؟ إذا كانوا نووا بذلك التجارة فعليهم زكاة أبيهم، أما إذا لم ينووا بذلك التجارة فليس عليهم زكاة؛ لأن من شرط وجوب الزكاة في العروض أن ينوي الإنسان التجارة بها، أما إذا كانوا ينتظرون متى تقسم ثم يبيعون وكل شخص يأخذ نصيبه فليس عليهم زكاة.(151/11)
حكم من تأخر عن رمي الجمرات إلى بعد الغروب
السؤال
رفقة خرجوا من منى متعجلين خارجين إلا أنهم رجعوا على الأرجل فرموا الجمرات، فمنهم من رمى قبل غروب الشمس، ومنهم من رمى بعد غروب الشمس، فماذا على المتأخرين؟
الجواب
الظاهر أنه لا شيء على الجميع؛ لأن هؤلاء خرجوا من منى قبل غروب الشمس لكنهم رجعوا ورموا، وهل الذين تأخروا إلى الغروب تأخروا باختيارهم أو نظراً للزحام؟ السائل: للزحام.
الشيخ: إذاً ليس عليهم شيء، لأنهم تأخروا بغير اختيارهم.(151/12)
الخلاف بين الزوجين وكيفية علاج ذلك
السؤال
امرأة صار بينها وبين زوجها خلاف نتيجة تأثير بعض أقاربها عليها وهو كثير ما يقع بين الزوجين، ولكن من شدة التأثر والتأثير قطعت المعاشرة الزوجية وتمادت فيها حتى صارت تحتجب عنه تماماً ولا تظهر عليه أو تقابله، فما توجيهكم بذلك؟ الشيخ: أولاً: نحذر الأقارب أن يتدخلوا في شئون الزوجين إلا بطلب من الزوجين، إذا طلب الزوجان أن يتدخل الأقارب من أجل الإصلاح فهذا شيء آخر، والإصلاح خير، أما بدون إصلاح فإنه لا يحل للأقارب أن يتدخلوا في شئون الزوجين لا سيما إذا كانوا لا يريدون الإصلاح؛ لأن بعض الأقارب -والعياذ بالله- يحاولون أن ينتصروا لابنتهم مثلاً، أو إذا كانوا من قبل الزوج يحاولون أن ينتصروا لابنهم، فتجدهم يؤججون نار الغضب والغيض من الزوجة لزوجها أو من الزوج لزوجته، ولا شك أن هذا حرام وهو من كبائر الذنوب؛ لأنه محاولة للتفريق بين المرء وزوجه، وهذا من عمل السحرة، كما قال الله تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة:102] ولا يحل لهم أن يتدخلوا.
أما بالنسبة للقضية المعينة التي سألت عنها، فنقول: الآن هو بالخيار إن شاء طلقها وتركها {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ} [النساء:130] هكذا قال الله عز وجل، وإن شاء طلب من القاضي حكمين ينظران في الوضع، فإن رأيا البقاء بالشروط التي يريانها مفيدة فليكن، وإن رأيا التفريق بعوض أو بدون عوض فالحكم إليه، لكن إذا كنت تعرفهم فحاول الإصلاح بينهما.(151/13)
حكم التوكيل في رمي الجمرات
السؤال
أنا رجل أعطيت حجة قبل سنتين، وقبل أن أمشي إلى الحج حصل لي حادث مما أدى إلى كسر في رجلي وإحدى يدي فمنعني من الحج، فبقيت الحجة عندي خلال السنتين هذه، وصاحبها علم بما حصل لي ورفض أن يأخذها فامتنعت سنتين عن الحج وهذ السنة -إن شاء الله- نويت الحج فيها ومعي بقية المال، فهل يجوز لي أن أوكل على رجم الجمرة لشدة الزحام؟ وهل المال الذي بقي عندي سنتين عليه زكاة أم لا، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
أولاً نسأل: هل صاحب المال أذن لك أن تحج به الآن؟ السائل: نعم.
لأني في وقت ما حصل لي الحادث قلت له: هذا الذي وقع وهذه نقودك، فقال: النقود عند صاحبها واضع بها كيف ما تريد ولقد حرصت على أن صاحبها يوكل فرفض أن يأخذها ولم أجد من يأخذها؟ الشيخ: إذاً إن شاء الله تحج هذا العام.
السائل: نويت إن شاء الله.
الشيخ: والإشكال في الرمي، والزحام ما هو مستمر أربعة وعشرين ساعة، الزحام غالباً ما يكون في آخر النهار في أيام التشريق (الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر) إن تأخرت، وفي الليل لا سيما بعد منتصف الليل يخف الزحام، ولا يحل لإنسان أن يوكل على رمي الجمرات وهو قادر على المزاحمة أو عاجز ويمكنه أن يرمي في الليل، أما إذا كنت لا تستطيع أن ترمي لا في الليل ولا في النهار لمرض أو نحوه فهنا لا بأس أن توكل من يرمي عنك.
السائل: هل المال عليه زكاة خلال المدة التي مكث فيها عندي هذا المبلغ؟ الشيخ: الزكاة واقعة على صاحبها؛ لأنها ملك له لو شاء لأخذها منك وتصرف فيها، فبلغه هو أن يؤدي زكاتها.(151/14)
الواجب على من اعتمر وترك شوطاً
السؤال
رجل أدى عمرة ولكن سعيه ناقص؟ الشيخ: كيف نقصه؟ السائل: لم يتم السعي عمره تقريباً أربعة عشر عاماً.
الشيخ: يعني: لم يبلغ؟ السائل: لا.
هو بالغ، فماذا عليه؟ الشيخ: كيف لم يكمل السعي هل أنقص شوطاً أم ماذا؟ السائل: أنقص شوطاً.
الشيخ: العمرة في رمضان؟ السائل: نعم.
في رمضان.
الشيخ: أبلغه الآن أنه على إحرام وأنه يجب أن يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام من بلده التي هو فيها فوراً ويذهب إلى مكة ويبدأ السعي من جديد؛ لأنه إلى الآن في عمرته فعليه أن يخلع الثياب العادية ويلبس ثياب الإحرام وألا يتطيب وألا يأخذ شيئاً من شعره ولا من أظفاره.(151/15)
حكم ترك الأبناء لمرافقة أبيهم في المستشفى
السؤال
مرض رجل وله ابنان موظفان ومتزوجان مع العلم أن له أبناء لهم أعمال حرة، واحتاج إلى مرافقته في المستشفى، ولم يتمكن أحد الأبناء من مرافقته، فجعلوا عاملاً يكون عنده يواسيه، والأب ما زال يدعو عليهم هل برأت ذمتهم بجعل عامل؟ وهل يلحقهم من دعائه شيء، أفتونا مأجورين؟
الجواب
هل هؤلاء مشغولون بشغل يمنعهم من الحضور إلى أبيهم؟ إذا كان عندهم ما يمنعهم عن الحضور مع أبيهم فهم معذورون، مثل أن يكونوا موظفين، فالموظف لا يستطيع أن يأتي في وقت العمل، أما إذا كانوا غير معذورين ولا يضرهم شيء إذا حضروا فهم آثمون، ويخشى أن دعاء أبيهم يلحقهم؛ لأنه ليس رأفة العامل كرأفة الابن، ثم ليس استئناس أبيهم المريض إلى العامل كاستئناسه إليهم، فبلغهم أنه إذا لم يكن هناك عذر شرعي يمنعهم من مرافقة أبيهم فعليهم أن يرافقوه وإلا فليتحذروا العقوبة.(151/16)
حكم التقديم لطلب منحة من الأراضي التي توزعها البلدية مع عدم توفر الشروط في المقدم
السؤال
هذه السائلة تقول: إنها تقدمت إلى البلدية بطلب منحة من الأراضي التي توزعها البلدية ومن ضمن شروط التقديم: أن الذي يملك عقاراً أو له منحة من قبل لا يحق له التقديم، وهي تقول: أنا لي عقار قد اشتريته بمالي الخاص، فهل يحق لها أن تأخذ هذه المنحة من البلدية؟ أو هل يحق للأب أن يأخذ الأرض ويعمر عليها ويبيعها؟
الجواب
ما دام من الشروط: ألا يملك الإنسان بيتاً وهي قد ملكت فلا يحل لها أن تقدم بطلب أرض، وتدع الأرض لمن يحتاجها؛ لأن كلمة: (ألا يكون لها بيت تسكن) عام، سواء كانت أخذته بمنحة سابقة، أو كانت اشترته، أو كانت ورثته، المهم بلغها: أنها إن كانت قدمت شيئاً فلتسحب التقديم، وإن كانت لم تقدم فلتمتنع عنه.(151/17)
حكم إعطاء الأم زكاتها لأبنائها
السؤال
ما حكم إعطاء الأم زكاتها لأبنائها؟
الجواب
الأم إذا أعطت زكاتها لأبنائها إن كان عندها مال واسع يمكنها أن تنفق على أولادها فإنه لا يحل لها أن تعطي أولادها شيئاً، يجب عليها أن تنفق عليهم من مالها، أو كان لهم أب يقوم بالكفاية فلا يحل لها -أيضاً- أن تعطي أبناءها من الزكاة؛ لأنهم مستغنون بأبيهم، وإن كان مالها قليلاً لا يتسع للإنفاق عليهم وليس عندهم مال يجب إنفاقه عليهم فلا بأس أن تعطيهم، كذلك إذا كانت تريد أن تعطيهم لقضاء ديون عليهم فلا بأس أن تقضي دينهم من زكاتها؛ لأن الأب لا يلزمه أن يقضي الدين عن ابنه، فإذا قضى الدين عن ابنه من زكاته فلا بأس، أو قضت المرأة الدين عن ابنها من زكاتها فلا بأس.
السائل: يعني: هل يجوز يا شيخ؟ الشيخ: يجوز لكن بشرط ألا يجب عليها نفقتهم، فإن وجبت عليها نفقتهم أو كان عندهم من ينفق عليهم فلا يجوز أن تعطيهم.(151/18)
حكم تعليق إعلانات الحج والعمرة داخل المسجد
السؤال
ما حكم تعليق بعض الإعلانات للحج والعمرة داخل المساجد؟
الجواب
لا يجوز أن تعلق الإعلانات للحج والعمرة داخل المسجد؛ لأن غالب الذين يأخذون هذه الرحلات يقصدون الكسب المالي فيكون هذا نوعاً من التجارة، لكن بدلاً من أن تكون في المسجد تكون عند باب المسجد من الخارج.(151/19)
حكم الإزار إذا كان على الكعبين
السؤال
إذا كان الإزار على الكعبين هل يعتبر مسبلاً؟
الجواب
إذا كان الإزار على الكعبين أو القميص على الكعبين أو المشلح على الكعبين أو السروال على الكعبين فإنه لا يعد إسبالاً، الإسبال ما كان أسفل من الكعبين، كما جاء في الحديث: (ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار) .(151/20)
حكم استخدام التبرعات العينية التي تصل الحلقات الخيرية استخداماً شخصياً
السؤال
بالنسبة للتبرعات العينية التي تصل الحلقات الخيرية، مثل: مستلزمات الرحلات من الخيام وغيرها، هل يجوز لي أن أستخدمها استخداماً شخصياً كأن أخرج بها مع الأهل مثلاً؟
الجواب
الأشياء التي تبرع بها لشيء معين لا يجوز صرفها في غيرها إلا إذا تعطل هذا الشيء المعين فتبذل في مثله، وعلى هذا فالخيام والأواني والغاز وشبهه مما يكون للأعمال الخيرية لا يجوز للإنسان أن يستخدمه لمصلحته الخاصة، هذا عدوان على هذه الجهة من وجه، وأيضاً عدوان على الذين تبرعوا؛ لأن الإنسان إذا تبرع فإن هذا الذي أخذ التبرع يعتبر وكيلاً عنه، والوكيل لا يتصرف في غير ما وكل به، إذا كانت الجهة هذه لا تحتاجها ولا تتضرر هذه الأشياء باستعمالها ورأى من المصلحة أن يؤجرها بأجرة تامة ليست رمزية فلا بأس.(151/21)
حكم الجلوس مع من يشربون الدخان
السؤال
رجل والده وإخوانه يشربون الدخان، وإذا ذهب ليسلم عليهم يشربون الدخان أمامه، فهل يقعد معهم أو يذهب؟
الجواب
هم أبناؤه؟ السائل: هم إخوانه وأبوه.
الشيخ: أولاً: يجب على هذا الذي له أب وإخوان يشربون الدخان إذا ذهب إليهم أن ينصحهم ويعظهم ويرشدهم ويبين لهم مضار الدخان الدينية والجسمية والمالية، فإن انتهوا فهذا المطلوب، وإن لم ينتهوا فعليه أن يصلهم لكن إذا كانوا يشربون أمامه فإنهم إذا شرعوا في الشرب يجب عليه أن يقوم من مكانه؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يجلس مع أهل المعصية إلا إذا كان يرغب أن يناله ما ينالهم من العقوبة.
السائل: حتى لو كان والده يقول له: اجلس.
الشيخ: ولو كان والده، الوالد لا يطاع في معصية الله، كما قال عز وجل: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان:14-15] .(151/22)
حكم الاستمناء والواجب على من استمنى في نهار رمضان
السؤال
شاب استمنى في نهار رمضان، فماذا يجب عليه؟ الشيخ: أولاً: يجب أن تعلم أن الاستمناء محرم سواء كان باليد أو بالتمرغ على الفراش أو بأي وسيلة؛ لأن الله تعالى قال: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:5-7] ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حث الشباب على النكاح، فقال: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم) ولم يرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى شيء آخر مع أنه أهون من الصوم وأدعى للقبول ومع ذلك لم يرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كان جائزاً لأرشد إليه الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه أشد الناس رأفة بأمته، فعلى هذا الذي فعل أن يتوب إلى الله من الاستمناء نفسه، ثم عليه أن يتوب توبة أخرى من كونه فعل ذلك في نهار رمضان، ومن تمام توبته في المسألة الثانية أن يقضي اليوم الذي فعل فيه هذا الاستمناء.(151/23)
حكم الاستقراض من البنك الربوي بدون فائدة
السؤال
هناك رجل يريد أن يتدين من بنك ربوي بشرط دون زيادة؟
الجواب
يعني يستقرض منه.
السائل: نعم، فما حكمه؟ الشيخ: لا بأس، يجوز للإنسان أن يستقرض من البنك الربوي بدون ربا، ويجوز أن يشتري منه سلعة إذا كان عنده سلع يبيعها، ويجوز أن يبيع عليه أيضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عامل اليهود واشترى منهم، وقبل هديتهم، وأجاب دعوتهم وأكل، مع أن المعروف أن اليهود كانوا يتعاملون بالربا ويأكلون السحت، والقاعدة عندي: أن ما حرم لكسبه فهو حرام على الكاسب فقط أما على غيره فإنه حلال إذا أخذ بطريق حلال، ما حرم لكسبه فهو حرام على من؟ السائل: على الكاسب.
الشيخ: فإذا أخذ من هذا الكاسب بطريق حلال فليس بحرام، أما ما حرم لعينه كشيء مغصوب تعرف أن هذا الشيء مغصوب أو مسروق فإنه لا يحل لك أن تقبله ولا تشتريه، وكذلك ما حرم لعينه على سبيل العموم كالخمر والدخان وما أشبه ذلك فلا يجوز أن تقبله ولا تشتريه.
إذاً: الجواب على سؤالك ماذا كان؟ السائل: يجوز.
الشيخ: يجوز أن يستقرض من البنك بدون ربا.(151/24)
حكم ترك الجمع بين الصلاتين بسبب المطر لمن لا يرى الجمع
السؤال
إذا جمع إمام المسجد صلاة العصر مع صلاة الظهر لوجود المطر الشديد، فهل يجوز لمن لم ير الجمع بأن يخرج من المسجد؟ وماذا يفعل المصلي في راتبة الظهر؟
الجواب
إذا جمع الإمام بين الظهر والعصر في المطر وكان في المأمومين من لا يرى ذلك فليصل معهم بنية النافلة؛ لأن صلاته بنية النافلة أجر وثواب وموافقة للأصحاب، وخروجه يتضمن الشقاق والاختلاف، وأن يكون فعله هذا سبباً لتسلط الألسن عليه، ورحم الله امرأً كف الغيبة عن نفسه.
فنقول إذاً: يصلي معهم بنية النافلة، أما من جمع بين الظهر والعصر لمرض أو سفر أو مطر أو لأي سبب مبيح فإنه يصلي راتبة الظهر البعدية بعد صلاة العصر ولا حرج عليه، وهذا مستثنى، لكن لا يصلي غيرها؛ لأنه عندما صلى العصر ولو كان في وقت الظهر دخل وقت النهي في حقه.(151/25)
حكم أبناء تزوج أبوهم امرأة ثم طلقها قبل أن يخلو بها أو يمسها
السؤال
رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يحصل خلوة ولا مساس، فما الحكم بالنسبة للأولاد؟
الجواب
أولاد؟!! السائل: أولاد الرجل من امرأة ثانية.
الشيخ: الحكم أن الزوجة المطلقة هذه محرم لهم؛ لأنهم من محارمها، بمعنى: أنه يجوز السفر بها والخلوة وأن تكشف لهم، إلا إذا وجد سبب يقتضي المنع؛ لأنه ربما يكون هناك فتنة لو خلا بها أحد الأولاد فإنها امرأة أبيهم التي لم يدخل بها، لا يكون عندهم من الإحساس والغيرة ما يمنعهم من مواقعة المحظور، وإلا فالأصل أن الرجل إذا عقد على امرأة وطلقها قبل الخلوة والدخول فإنها تحرم عليه هو ولا تكشف له وجهها، لكن بالنسبة لأولاده -أي: لأبنائه- فهم من محارمها وتكشف لهم ما لم يخش الفتنة.(151/26)
حكم استئذان الإمام العام للجهاد
السؤال
إمام عندنا خطب يوم الجمعة وقال: لا يشترط في الجهاد إمام عام ومن قال هذا فقد جانب الصواب؟
الجواب
لا بد من الإمام لكن ما هو إمام عام، الإمام العام: إمام يكون على كل الأمة، وهذا شيء مضى من زمان، والأمة متفرقة حتى في عهد الصحابة كانت الأمة متفرقة، لكن الإمام الخاص الذي ينتمي إليه هذا المجاهد لا بد أن يأذن له وأن يساعده، أما الجهادات التي تكون من فئات، فهذه تبين الآن أن نتيجتها ليست على المطلوب، ولا يحتاج أن أمثل لكم؛ لأن الأمر واضح عندكم أن هذه تشبه العصابات، ولهذا حصل من الشر والفساد بعد ذلك ما هو معلوم الآن، حتى صار الذين يقاتل من أجلهم صاروا هم بين أنفسهم يقتتلون.(151/27)
جواز أكل البصل والثوم في غير أوقات الصلاة
السؤال
أحد المشايخ يقول: عجبت من أناس يقولون أذكار الصباح والمساء وهم يأكلون الثوم والبصل؟
الجواب
أين وجه العجب؟ السائل: يعني: تذهب عنهم الملائكة وتتأذى منهم.
الشيخ: هذا غلط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: إن الملائكة تتأذى من آكل البصل، أو إنها تفر منه، لكنه نهى من أكل بصلاً أو ثوماً أن يدخل المسجد وقال: (إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) والمراد: الملائكة الذين في المساجد الذين يعمرونها، ولو كان الرسول قال: كل من أكل ثوماً أو بصلاً فرت منه الملائكة وتأذت منه، لكان هذا يقتضي أن يكون حراماً كما قلنا: إن اقتناء الصور حرام؛ لأن الإنسان إذا اقتنى الصور فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، ولهذا لما فتح الناس خيبر ووقعوا في أكل البصل، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم كرهها فقالوا: إنها حرمت، فقال عليه الصلاة والسلام: (إنه ليس لي تحريم ما أحل الله) فأباحها لهم.
ولهذا نقول: إن أكل البصل والثوم والكراث وما أشبهها من النوابت التي لها رائحة ليس حراماً، لكن من أكلها فلا يقرب المسجد؛ لأن الملائكة تتأذى منه، نعم.
لو فرض أن إنساناً أكلها ليجعلها وسيلة لترك الجماعة الواجبة عليه صارت حينئذ حراماً؛ لأنه تحيل على إسقاط الواجب، وهذا كما قال أهل العلم رحمهم الله: إن الإنسان لو سافر في رمضان من أجل أن يفطر صار السفر حراماً والفطر حراماً، يلزمه أن يصوم حتى في السفر؛ لأنه سافر تحيلاً على إسقاط الواجب، والتحيل على إسقاط الواجبات لا يسقطه، كما أن التحيل على تحليل المحرمات لا يجعلها حلالاً.(151/28)
الواجب على من جامع زوجته مكرهة في نهار رمضان
السؤال
رجل جامع زوجته عشر مرات في رمضان خلال الثلاث السنوات؟
الجواب
في يوم واحد؟ السائل: لا.
متفرقة خلال ثلاثة أعوام دون رضا زوجته الشيخ: يعني: الزوجة مكرهة؟ السائل: إي نعم.
ماذا عليه؟ الشيخ: أما الزوجة فلا شيء عليها ما دامت لا تستطيع المقاومة، أو أنها قاومت وعجزت فلا شيء عليها.
وأما هو فعليه لكل فعلة كفارة، إذا كان عشر مرات أولاً إعتاق عشر رقاب، فإن لم يجد صام شهرين لكل فعلة وهي عشر مرات فيلزمه صيام عشرين شهراً، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً لكل فعلة أي: ستمائة، لكن لا يلزم أن يطعم الستمائة يمكن يكرر على الستين الإطعام عشر مرات.(151/29)
سبب قراءة سورة يس على المحتظر لا على الميت
السؤال
لماذا ذكر العلماء عند قراءة سورة يس تكون على المحتظر ولا تكون على الميت، مع أن ظاهر الحديث أنها على الميت؟ الشيخ: أولاً: اعلم أن الحديث هذا فيه مقال: فمن العلماء من ضعفه وقال: إنه لا يصح، ولهذا كفينا إياه.
وأما على القول بأن الحديث حسن وأن العمل به جائز، فقالوا: إن المحتظر يستفيد من قراءتها أكثر مما يستفيد إذا مات، ويكون: (على موتاكم) أي: على الذين حضرهم الموت، وهذا له وجهة نظر؛ لأنه لم يعهد من الرسول عليه الصلاة والسلام أنه كان يقرأ على الموتى بعد ما يدفنون أو قبل أن يغسلوا، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بالإسراع بالميت.(151/30)
حكم تأخير صرف المعاش الذي يكون عن طريق الشيكات
السؤال
رواتب المدرسين في القصيم تأتي عن طريق شيكات من أحد البنوك الربوية، فيعني لو كان المدرس عنده ظروف وأجل الصرف لأسبوع أو أقل أو أكثر هل عليه شيء؟ أو لا بد أن يبادر بسحبه؟
الجواب
ليس عليه شيء، كل إنسان يحول على البنك فإنه لا يلزمه بأن يبادر بأخذه؛ لأننا لم نعلم أحداً يقول: من كان له حق على الشخص الذي يتعامل بالربا فيجب أن يبادر بأخذ حقه، فله أن ينقله، متى احتاجه أخذه.(151/31)
حكم القضاء من مال الزكاة لمن عليه دين ربوي
السؤال
من لزمه دين ربوي تعامل مع بنك ربوي ثم أفلس، فهل يعطى من الزكاة؟
الجواب
من الذي أفلس؟ السائل: المستدين.
الشيخ: نعم.
يعطى من الزكاة؛ لأنه مدين داخل في قوله تعالى: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة:60] أما بمقدار رأس المال فلا إشكال فيه، وأما بالزيادة الربوية فإن كنا في بلد لو رفع الأمر إليه لألغى هذه الزيادة قلنا: لا تساعدوه؛ لأن بإمكان هذا الغارم أن يتخلص منها، وإن كنا في بلد يحكم بهذه الزيادة الربوية فمعناه: أنه لا بد لهذا المدين من إيفائه فيعطى لإيفائه، ولا يقال: إن هذا معونة على الإثم والعدوان؛ لأن الإثم في الأصل على آخذ الربا أو على معطي الربا؟ الأصل على الآخذ؛ لأنه الظالم، أما هذا فمظلوم، فالآن نريد أن نخلصه من هذا الظلم.
ولكن رأيي في الموضوع: أنه إذا تعاقد طرفان على مسألة ربوية سواء في البنوك أو غيرها برضاهما جميعاً فإننا لا نعطي آخذ الربا الزيادة الربوية، ولا نعفي معطي الربا من أخذها، نأخذها ونجعلها في بيت المال؛ لأن كل أحد من هذين قد عصى الله سبحانه وتعالى فلا نمكنه من أن يستمر في معصيته.(151/32)
حكم الزواج بنية الطلاق
السؤال
هل يجوز للرجل أن يتزوج المرأة بنية الطلاق وقت الضرورة؟
الجواب
أسألك الآن: لو كان لك بنت وأراد شخص ما أن يتزوجها بنية الطلاق هل تزوجه؟ السائل: لا أعرف الحكم في هذا.
الشيخ: لا أريد الحكم، إنسان تعرف أنه يريد أن يتزوج بنتك ما دام في هذا البلد، ومن ثم يطلقها تزوجه أو لا تزوجه؟ السائل: لا أزوجه.
الشيخ: لا تزوجه، إذاً إذا أضمر هذه النية يكون قد غش البنت وأهلها، وتعرف أن الغش حرام، هو صحيح فيه رفق بالمتزوج أن يحصن فرجه وأن يسلم من الزنا، لكن فيه ضرر على البنت وأهلها، فيكون هذا العقد متضمناً للغش والغش حرام، لكن لماذا لم يتزوج زواجاً بنية مطلقة؟ وهو إذا تزوج بنية مطلقة ثم بدا له أن يطلقها لكونه رجع إلى بلده أو لأنها لم تعجبه فالأمر واسع.(151/33)
التفريط في صلاة الجماعة وعلاج ذلك
السؤال
لي صديق لا يصلي معي جماعة في المسجد بعض الفروض، وذلك بسبب تفريط في النوم حيث يغيب عن صلاة الجماعة في صلاة الفجر وفي صلاة العصر في الأغلب، وهو لا يعمل بالأسباب التي تساعده على الاستيقاظ من النوم، حيث أنه يغلق باب حجرته على نفسه، وبعد مناصحة له يقول: إنه لا يتعمد النوم، مع أن نومه زائد عن الحد الطبيعي، والسؤال يا شيخ: هل نستمر في مناصحة هذا الصديق، أم نبتعد عنه ونهجره مدة معينة لكي يرتدع؟ وهل هذا الصديق يعتبر جليساً طيباً مع وجود صفات كثيرة من التحلي ببعض الأخلاق الحميدة وشيم الرجال أم يعتبر جليس سوء ويجب الابتعاد عنه؟ ونلاحظ يا شيخ ألا يمر يوم على هذا الرجل إلا وقد أضاع فرضاً أو فرضين أو ثلاثة؟
الجواب
لا شك أن هذا الرجل ممن قال الله فيهم: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً} [التوبة:102] بل فقد الوصف الأول حيث وأنه لم يعترف بالذنب؛ لأنه يقول: إنني نائم والنائم لا مؤاخذة عليه، لكن يجب أن يتخذ الوسائل التي يستيقظ بها من ساعة منبهة أو من صديق له يقول إذا حان الوقت يضرب عليه التليفون أو لأهله، أما كونه يغلق الباب على نفسه وهو يعلم أنه لن يستيقظ فهذا متعمد لترك الجماعة، وقوله: إني نائم ليس بعذر؛ لأن عنده من يوقظه، فأنتم استمروا في مجالسته مع النصح وقولوا له: إن لم تفعل فإننا سوف نهجرك، هددوه بهذه العقوبة فربما يكون عند التهديد مستقيماً إن شاء الله.
السائل: يا شيخ عنده منبه ساعة في حجرته، هل يعني أن نعذره في هذا، يقول: أنا عندي شيء يسعدني لكن أريد أن أغلق الباب على نفسي.
الشيخ: القضية الخاصة ربما يريد أن يغلق الباب على نفسه؛ لأن عنده الصبيان.
السائل: لا.
هو سكن الجامعة يا شيخ.
الشيخ: يعني ما عنده أحد يزعجه.
السائل: ليس معه رفيق في نفس الحجرة، وعنده منبه لكنه يغلق الباب.
الشيخ: إذا كان عنده منبه لماذا لم ينتبه؟ السائل: لا يستيقظ عليه؛ لأنه ثقيل النوم.
الشيخ: إذا كان ما يستيقظ عليه فمعناه: وجوده كالعدم.
السائل: نعم.
الشيخ: إذا كان لا يستيقظ على هذا المنبه -يعني: وجوده كالعدم- فلا بد أن يفتح الباب، أو يعطي صاحباً له مفتاح الباب ويغلق على نفسه، ثم إذا جاء صاحبه فتح عليه الباب.
وقل له: إن فعل هذا -أي: أعطى صاحبه مفتاحاً وأغلق الباب- فلينزع المفتاح من القفل؛ لأنه إن بقي لم يستطيع أحد أن يفتح.(151/34)
حكم قطع آذان الماعز والكي بقصد الزينة ورفع السعر
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما يفعله رعاة الغنم عندما يقومون بقطع آذان الماعز وكي قرونه بقصد الزينة وقصده رفع السعر، علماً بأن الكي والقطع يؤذي الحيوان، فما رأي الشرع في هذا؟
الجواب
أولاً: في هذا السؤال ملحوظتان: الملحوظة الأولى: إلقاء السلام؛ لأننا لا نعلم أن الصحابة إذا أرادوا أن يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم يلقون عليه السلام إلا إذا دخلوا ليحضروا.
الملحوظة الثانية: قولك: ما حكم الشرع في هذا؟ لأني لا أود أن يوجه السؤال لشخص يمكن يخطئ ويمكن يصيب، فيقال: ما رأي الشرع؛ لأنه إذا أجاب بخطأ صار الشرع خطأً.
أما بالنسبة لقطع الآذان فكان أهل الجاهلية يقطعون آذان البهائم لعقيدة وهي: أن هذه البهيمة -مثلاً- إذا ركبت كذا وكذا مدة من السنين قطعوا آذانها إشارة إلى أنها محترمة لا يجوز أكلها، أو إذا حملت هذه الناقة عدة بطون كذلك فعلوا بها، أو إذا أضرب الجمل مدة معينة فعلوا به كذلك، وهذه لا شك عقيدة باطلة ولا تعتمد، أحياناً يكون قطع الآذان من أجل زيادة الثمن كما نسمع الآن أن بعض البهائم المقطعة آذانها تبلغ قيمتها عشرة آلاف، وأنا أرى أن هذا من السفه بالنسبة للمشتري، هذه البهيمة -مثلاً- التي تساوي مائتين قطع آذانها يجعلونها بخمسة آلاف أو ستة آلاف هل زادت بقطع الآذان؟ لا.
هي هي طبيعتها ولبنها وكلها سواء، لذلك نرى أن هذا في الواقع من السفه، لكن بالنسبة لقطع الأذن من حيث هو لا بأس به إلا أنه يشترط أن يبنجها عند القطع لئلا تتألم بشيء ليس ضرورياً، وها هو النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون كانوا يسيمون إبل الصدقة -يكوونها بالنار- ولا شك أنها ستتألم، وربما يتعفن الجرح وتتأذى أكثر.(151/35)
حكم من دخل مسجداً ولم يصل المغرب ووجدهم يصلون العشاء
السؤال
سافرنا من المدينة إلى القصيم وأخرنا صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، وأدركنا ركعتين من صلاة العشاء في إحدى القرى، فهل نجعلها نافلة ونعيد صلاة المغرب من الأول جماعة؟
الجواب
إذا دخل الإنسان المسجد وهو لم يصل صلاة المغرب ووجدهم يصلون صلاة العشاء وأدرك معهم ركعتين فليجعلها مغرباً -ينوي المغرب- فإذا سلم الإمام يقضي واحدة، وإذا دخل معهم في الثانية من صلاة العشاء وسلم الإمام يسلم معه؛ لأنه صلى ثلاثاً، وإذا دخل معهم من أول الصلاة وهو ينوي صلاة المغرب فإنه إذا قام الإمام إلى الرابعة لا يمكن أن يتابعه، فإذا تابعه بطلت صلاته، بل يجلس ويقرأ التشهد ويكمل ويسلم، ثم يقوم ويدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء ويتمها أربعاً؛ لأن المسافر إذا صلى مع إمام وهو يصلي أربعاً وجب عليه أن يتم أربعاً.(151/36)
حكم لبس الساعة المطلية بالذهب أو بصفار يشبه الذهب
السؤال
ما حكم لبس الساعة المطلية بالذهب أو بصفار يشبه الذهب؟ الشيخ: أما بالنسبة للمرأة فلا بأس بها إذا لم تكن ساعة رجالية، لكن الرجال إن كانت مطلية بطلاء يشبه الذهب وليس ذهباً فلا بأس بها، ولكننا ننصح بعدم لبسها؛ لأن من رآها يظنها ذهباً وحينئذ إن كان الرجل قدوة اقتدى به الناس وقالوا: الذهب لا بأس به، وإن كان غير قدوة صار شماتة للناس وصاروا يتكلمون فيه، والحمد لله يوجد ساعات غير مطلية بهذا النوع كثيرة، وأما إذا كانت مطلية بالذهب نظرنا إذا كان الذهب له سمك فهذا لا يجوز إطلاقاً، وإن كان مجرد لون فهو جائز لكن ننصح بعدم ذلك للعلة التي ذكرناها.
وإلى اللقاء إن شاء الله في الأسبوع القادم، وفقنا الله وإياكم للعلم النافع، والعمل الصالح، إنه على كل شيء قدير.(151/37)
لقاء الباب المفتوح [152]
الحج هو أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو فرض عين بإجماع المسلمين، ومن جحد وجوبه فهو كافر، وقد فرض الحج في السنة التاسعة للهجرة، وحج النبي عليه الصلاة والسلام في السنة العاشرة من الهجرة، ويجب على كل من أراد الحج أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم ويحج كحجه عليه الصلاة والسلام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (خذوا عني مناسككم) فأمرنا أن نقتدي به في حجه عليه الصلاة والسلام.(152/1)
صفة حج النبي عليه الصلاة والسلام
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والخمسون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثامن عشر من شهر ذي القعدة عام (1417هـ) .
وبما أننا على أبواب الحج فإننا سنجعل بدلاً عن التفسير كلاماً في الحج.
فنقول وبالله التوفيق: أولاً: الحج مرتبته من الدين الإسلامي أنه أحد أركان الإسلام الخمسة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام) .
وهو فرض بإجماع المسلمين، ومن جحد وجوبه وهو ممن عاش بين المسلمين فإنه يكون كافراً؛ لأن وجوبه مما علم بالضرورة من دين الإسلام، ومن تركه متهاوناً فإنه على خطر؛ لأن من العلماء من قال: إذا ترك الحج تهاوناً فإنه يكفر؛ لقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97] وعلى هذا فالإنسان على خطر إذا تركه.
وقد فرض الله تعالى الحج في السنة التاسعة للهجرة، وحج النبي صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة من الهجرة، فخرج من المدينة في اليوم الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة، ووصل إلى مكة صبيحة يوم الأحد الرابع من ذي الحجة، وكان معه الهدي عليه الصلاة والسلام فأحرم قارناً -أي: بالحج والعمرة جميعاً- قال: لبيك حجاً وعمرة.
وأما من معه من المسلمين فانقسموا إلى ثلاثة أقسام: 1- منهم: من كان قد ساق الهدي فأحرم قارناً كالنبي صلى الله عليه وسلم.
2- ومنهم: من لم يسق الهدي فحج مفرداً.
3- ومنهم: من تمتع.
فصاروا على ثلاثة أقسام: منهم من أحرم بعمرة متمتعاً بها إلى الحج، ومنهم من أحرم بحج، ومنهم من أحرم بعمرة وحج.
وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيت فبدأ بالطواف، فطاف سبعة أشواط مبتدئاً بالحجر، وفي هذا الطواف رمل ثلاثة أشواط -أي: أسرع في مشيه- ومشى أربعة أشواط، وفي هذا الطواف اضطبع بردائه فجعل وسطه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر من ابتداء الطواف إلى انتهائه.
ثم تقدم بعد الطواف إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] وصلى ركعتين قرأ فيهما {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} في الركعة الأولى، وفي الثانية {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مع الفاتحة.
ثم رجع إلى الحجر الأسود فاستلمه، ثم خرج إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] (أبدأ بما بدأ الله به) فصعد على الصفا حتى رأى الكعبة فرفع يديه يدعو ويكبر ويهلل، وكان من ذكره في هذا المكان أن قال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ثم يدعو، ثم أعاد الذكر مرة ثانية، ثم يدعو، ثم أعاد الذكر مرة ثالثة، ثم انحدر متجهاً إلى المروة.
وفي طريقه مر بالوادي مجرى السيل وهو نازل، فلما انصبت قدماه في بطن الوادي سعى عليه الصلاة والسلام -أي: ركض ركضاً شديداً- حتى صعد، ثم مشى إلى المروة، والوادي ليس موجوداً الآن؛ لأن السيول صرفت يميناً وشمالاً لكن موجود فيه علامة ذلك وهي العمود الأخضر من ابتداء أركان الوادي إلى انتهائه، صعد على المروة واتجه إلى القبلة وقال ما قاله على الصفا حتى أتم سبعة أشواط مبتدئاً بـ الصفا ومنتهياً بـ المروة، فكان أول ابتدائه من الصفا وآخر شوط على المروة.
ثم أمر أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي أن يجعلوا نسكهم عمرة، وأن يقصروا ويحلوا من إحرامهم الحل التام حتى النساء، ثم خرج من مكة ونزل في الأبطح بظاهر مكة حتى كان اليوم الثامن من ذي الحجة، فخرج إلى منى وأحرم من حل من عمرته من مكانه، ثم توجه إلى منى في ضحى يوم الثامن ونزل فيها، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً بلا جمع.
ولما طلعت الشمس سار إلى عرفة ونزل بمكان قبل عرفة يقال له: نمرة، حتى زالت الشمس، ثم ركب ناقته بعد ذلك -بعد زوال الشمس- ونزل في بطن الوادي وادي هرنة وخطب الناس خطبة عظيمة بليغة، ثم أذن وأقام فصلى الظهر ثم أقام وصلى العصر جمعاً وقصراً، ثم ركب حتى أتى الموقف الذي اختار أن يقف فيه عليه الصلاة والسلام عند الصخرات عند جبل عرفات، وعليه الآن علم قائم منصوب، وقف هناك إلى أن غربت الشمس، وكان على بعيره عليه الصلاة والسلام مستقبل القبلة يدعو الله تعالى يبتهل إليه؛ لأن خير الدعاء دعاء يوم عرفة.
ولما غابت الشمس واستحكم غروبها دفع متجهاً إلى مزدلفة، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر الناس بالسكينة، وكلما أتى جبلاً من الجبال -يعني: أتى شيئاً مرتفعاً -أرخى لناقته الزمام حتى تصعد، وكلما وجد فجوة أسرع، وفي أثناء الطريق نزل فبال وتوضأ وضوءاً خفيفاً، فقال له أسامة بن زيد وكان رديفه على ناقته: (الصلاة يا رسول الله! قال: الصلاة أمامك) أي: في مزدلفة، وصل إلى مزدلفة بعد دخول وقت العشاء فصلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ثم اضطجع في محل نزوله حتى تبين الصبح.
فلما تبين الصبح صلى الفجر بأذان وإقامة، ولم يذكر في هذه الليلة أنه أوتر ولا أنه صلى سنة الفجر، لكن المعروف من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يدع الوتر حضراً ولا سفراً، وكذلك لا يدع ركعتي الفجر حضراً ولا سفراً، وبناءً على هذا العموم نقول: إن الوتر مشروع ليلة مزدلفة وكذلك سنة صلاة الفجر.
ثم ركب بعد أن صلى الفجر حتى أتى المشعر الحرام، فوقف عنده ودعا ووحد الله وكبره إلى أن أسفر جداً، ودفع قبل أن تطلع الشمس متجهاً إلى منى على راحلته، ووقف عند الجمرة وأمر ابن عباس أن يلتقط له سبع حصيات فقط أخذهن بيده صلوات الله وسلامه عليه، وجعل يوترهن ويقول: (بأمثال هؤلاء فارموا وإياكم والغلو في الدين) فرمى جمرة العقبة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة.
ثم انصرف إلى المنحر فنحر وكان أهدى مائة بعير فنحر منها بيده الكريمة ثلاثاً وستين بعيراً، وأعطى علي بن أبي طالب الباقية فنحرها، وأمره صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بلحومها وجلالها -يعني: حتى جلالها التي كانت مغطاة بها الظهور أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق به- وأمر أن يؤخذ من كل بعير قطعة فجعلت في قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها.
ثم حلق عليه الصلاة والسلام رأسه وحل من إحرامه التحلل الأول، فتطيب صلى الله عليه وسلم ونزل إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة، فطاف سبعة أشواط وليس فيها رمل ولا اضطباع؛ لأن الرمل والاضطباع لمن هم في الطواف الأول، ولم يسع بين الصفا والمروة؛ لأنه كان سعى بعد طواف القدوم، والقارن والمفرد إذا سعيا بعد طواف القدوم فإنهما لا يعيدان السعي، وصلى بـ مكة الظهر.
ثم خرج إلى منى وبقي فيها ليلة الحادي عشر، وفي اليوم الحادي عشر بعد الزوال ذهب ماشياً إلى الجمرات فرمى الجمرة الأولى وهي أبعدهن من مكة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم تقدم قليلاً ووقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو الله، ودعا دعاءً طويلاً ثم انصرف، ثم اتجه إلى الوسطى فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم تقدم قليلاً حتى وقف مستقبل القبلة رافعاً يديه إلى الله ودعا دعاء طويلاً، ثم رمى جمرة العقبة وانصرف إلى رحله.
وفي يوم الثاني عشر فعل مثلما فعل في اليوم الحادي عشر، وفي اليوم الثالث عشر فعل كذلك مثلما فعل في اليومين قبله؛ لأنه تأخر، وكان رميه صلى الله عليه وسلم في الأيام الثلاثة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بعد الزوال قبل أن يصلي الظهر، ولهذا لما رمى الجمرات في اليوم الثالث عشر بعد الزوال نزل إلى مكة وصلى الظهر في الأبطح في المحصف، وبات تلك الليلة -ليلة الرابع عشر- هناك، وفي آخر الليل أمر بالرحيل، فارتحل إلى المسجد الحرام وطاف بالبيت طواف الوداع وصلى الفجر بعد ذلك، ثم رجع قافلاً إلى المدينة.
هذا هو خلاصة حج النبي صلى الله عليه وسلم، ولنا في هذا وقفات:(152/2)
أعمال أيام الحج
الموقف الأول: أيام الحج تبين أنها ستة أيام، وهي: اليوم الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر.(152/3)
أعمال اليوم الثامن من أيام الحج
فماذا نفعل في اليوم الأول -الثامن-؟ يحرم الحجاج المحلون بالحج ضحى اليوم الثامن وينزلون في منى ويصلون فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، هذه أعمال اليوم الثامن وليلة التاسع.(152/4)
أعمال اليوم التاسع من أيام الحج
في اليوم التاسع ينصرف الحجاج من منى إلى عرفة وينزلون إذا تيسر لهم في نمرة، وإن لم يتيسر فلا حرج أن يستمروا في سيرهم إلى عرفة فيصلون فيها الظهر والعصر جمعاً وقصراً، والجمع يكون جمع تقديم؛ من أجل أن يتسع الوقت للدعاء، ويتفرق الناس في مواقفهم، ولهذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم أن يجمع جمع تقديم في يوم عرفة لهذا السبب؛ أولاً: ليطول وقت الوقوف، وثانياً: ليتفرق الناس في مواقفهم؛ لأنهم لو تفرقوا قبل أن يصلوا العصر ما اجتمعوا على صلاة، فلهذا جمع النبي صلى الله عليه وسلم جمع تقديم، ثم إن الموقف الذي وقف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم هل هو متعين أو كل عرفة موقف؟ استمع إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) فأنت إذا وقفت في مكانك أديت السنة، ولا سيما في وقتنا الحاضر مع شدة الزحام والضياع الكثير لمن ذهب ليقف في موقف الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن الأفضل أن يبقى في مكانه.
ثم اعلم أنك لو ذهبت إلى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم فأنت على خطر من الضياع ومن الجوع والعطش، ولن يتسنى لك أن تقف في ذلك الموقف إلى أن تغرب الشمس؛ لأنك لا بد أن تعود إلى رحلك قبل غروب الشمس وإلا لضعت بين هذه السيارات وفات الخشوع الذي يطلب من الإنسان في مثل هذه المشاعر، فالأفضل إذاً أن تقف في مكانك درءاً لهذه المفاسد أو لهذه المضارب.
في يوم عرفة يقف الناس في عرفة -بعد الصلاتين الظهر والعصر جمع تقديم- إلى أن تغرب الشمس، ولا يجوز للإنسان أن يدفع من عرفة قبل غروب الشمس، ودليل ذلك: أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف حتى غربت الشمس وقال: (خذوا عني مناسككم) وهذا أمر أن نتأسى به.
ثانياً: لو كان الدفع جائزاً قبل الغروب لكان أول من يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك أيسر وأرفق بالأمة حيث يدفعون نهاراً، وقد كان من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، ونحن إذا قلنا: إن الأيسر أن تدفع في النهار وقد امتنع منه الرسول صلى الله عليه وسلم نعلم أنه إثم؛ لأن من هديه أن يختار الأيسر ما لم يكن إثماً.
ثالثاً: أننا لو دفعنا قبل الغروب لكان في ذلك مشابهة بالمشركين ومخالفة لهدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم؛ لأن المشركين يدفعون من عرفة قبل أن تغرب الشمس، إذا كانت الشمس على رءوس الجبال كالعمائم على رءوس الرجال دفعوا.(152/5)
أعمال اليوم العاشر من أيام الحج
في ليلة العيد ينزل الحجاج في مزدلفة فهل لهم أن يدفعوا قبل أن يصلوا الفجر؟ نقول: نعم.
النساء والضعفاء الأفضل أن يتقدموا في الدفع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهم، والإنسان لا ينبغي له أن يعدل عن الرخصة لا سيما في وقتنا الحاضر مع الزحام، فإن الأولى أن يدفع النساء والصغار ومن لا يحتمل مزاحمة الناس في آخر الليل من أجل أن يرموا الجمرة قبل زحمة الناس، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن للنساء والصغار أن يدفعوا من آخر الليل.
في مزدلفة وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى الفجر عند المشعر الحرام، لقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة:198] وهل لا بد أن يكون الوقوف هناك -أي: عند المشعر الذي هو محل المسجد اليوم-؟ لا.
ليس من الضرورة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف عند المشعر وقال: (وقفت هاهنا وجامة كلها موقف) وجامة هي في مزدلفة.
في يوم العيد وبعد الوصول إلى منى فهمنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ما يأتي: أولاً: رمى، ثم نحر، ثم حلق وحل، ثم نزل وطاف، وهذا هو الأفضل أن الإنسان يرتبها هكذا، الرمي ثم النحر ثم الحلق ثم الطواف ثم السعي لمن كان متمتعاً أو مفرداً أو قارناً ولم يكن سعى بعد طواف القدوم، هذه الأنساك الخمسة أو الأربعة لو أن الإنسان قدم بعضها على بعض فهل عليه من حرج؟
الجواب
لا.
اسمع الجواب من الرسول صلى الله عليه وسلم حين كان لا يسأل في ذلك اليوم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج) حتى قال له سائل من الناس: (سعيت قبل أن أطوف؟ قال: لا حرج) وهذا من رحمة الله عز وجل أن جعل فسحة للناس في تقديم بعض هذه الأشياء على بعض حتى لا يجتمعوا على شيء واحد؛ لأن الناس إذا اجتمعوا كلهم على الرمي أو كلهم على الطواف أو كلهم على النحر لحصل في ذلك مشقة، لكن إذا فسح الأمر فصار هذا يذهب إلى مكة ويطوف، وهذا يذهب إلى المنحر وينحر، وهذا يذهب إلى المرمى ويرمي، حصل في ذلك توسعة.
ورد في بعض الأسئلة التي وردت على الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم أن السائل يقول: لم أشعر ففعلت كذا قبل كذا.
وورد في بعضها الإطلاق، فهل نأخذ بهذا القيد ونقول: إنه لا يجوز اختلاف الترتيب إلا لإنسان لم يشعر؟ الجواب: لا.
لا نقيد هذا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (افعل ولا حرج) وهذا شيء في المستقبل، لو قال: لا حرج عليك لقلنا: ربما يكون هذا الجواب مبنياً على السؤال، وأنه لا حرج على الإنسان إذا قدم بعضها على بعض في عدم الشعور، لكن لما قال: افعل ولا حرج.
و (افعل) كما يعرف الناس أنها للمستقبل، علمنا أن الترتيب ليس بواجب، ولهذا لما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصحح ما وقع ويمنع مما يستقبل قال لـ أبي بكرة حينما ركع قبل أن يصل الصف: (زادك الله حرصاً ولا تعد) ولو كان هذا الترتيب واجباً لقال للسائل: لا حرج ولا تعد.
على كل حال: المتأمل للسنة في هذا يتبين له أن الأمر واسع، وأنه لا حرج أن يقدم الإنسان بعضها على بعض، سواء كان لعذر أو لغير عذر.
إذاً في يوم العيد يفعل الحاج كم نسكاً؟ خمسة، إذا كان متمتعاً أو كان مفرداً أو قارناً ولم يكن سعى مع طواف القدوم، وأربعة إن كان مفرداً أو قارناً وسعى مع طواف القدوم؛ لأنه في هذه الحال يسقط عنه السعي.
هذا في يوم العيد.(152/6)
أعمال اليوم الحادي عشر من أيام الحج
في اليوم الحادي عشر ليلة الحادي عشر الناس نازلون في منى والنزول في منى واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رخص لأهل الأعذار كالسقاة والرعاة أن يدعوا المبيت في منى، رخص لعمه العباس أن ينزل إلى مكة ليتولى السقاية -سقاية الناس من زمزم- وهذه مصلحة عامة، ورخص للرعاة -رعاة إبل الحجيج- ألا يبيتوا في منى ويبيتوا في مراعيهم؛ لأنهم يشتغلون في مصلحة عامة، فدل هذا على أن غيرهم ليس له رخصة، وتهاون بعض الناس في المبيت بـ منى لا وجه له إطلاقاً، فمن أراد السنة والحج المبرور فليتمسك بما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم.
في اليوم الحادي عشر يرمي الناس الجمرات بعد الزوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمها إلا بعد الزوال، ولا يجوز تقديم الرمي في أيام التشريق على الزوال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بعد الزوال، وقال: (خذوا عني مناسككم) ولولا أن الرمي قبل الزوال لا يصح لرخص للضعفاء والنساء أن يرموا قبل الزوال كما رخص لهم أن يرموا قبل طلوع الشمس في يوم العيد، ولو كان جائزاً -أعني: الرمي قبل الزوال- لفعله النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرمي قبل الزوال أيسر على الناس من الرمي بعد الزوال.
إذاً الرمي بعد الزوال معناه: انتظار اشتداد الحر، وهذا يشق على الناس، فلو كان الرمي في الصباح جائزاً لكان أيسر على الأمة، فلما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم وانتظر حتى الزوال علمنا أن الرمي قبل الزوال ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) .
ويدلك على أنه لا يصح الرمي قبل الزوال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحين -أي: ينتظر حتى تزول الشمس- ومن حين تزول الشمس يرمي قبل أن يصلي الظهر، فكأنه ينتظر -كما يقولون- بفارغ الصبر أن تزول الشمس حتى يرمي.
ولا يغرنك ترخيص بعض العلماء المبني على غير قاعدة شرعية، ولو أننا أردنا أن نأخذ ترخيصاً مطلقاً لقلنا: كل أيام التشريق محل ذكر لله عز وجل، فارم في أي وقت شئت، لكن هذه أمور محددة {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:203] من ذكر الله في الأيام المعدودات رمي الجمرات، هل نأخذ بإطلاق الآية ونقول: متى شئت فارم؟
الجواب
لا، لأن الأمر بالذكر هنا مطلق بينته السنة فلا تغتر، لكن إذا قال قائل: إذا قلتم: إنه لا يكون الرمي إلا بعد الزوال والحجاج يبلغون مليون وخمسمائة ألف كيف يتسنى أن يرمي هؤلاء فيما بين الزوال إلى غروب الشمس، هذا صعب جداً؛ لأنك لو قسمت هذا العدد على هذا الزمن لوجدت أنه لا بد أن يرمي في الدقيقة كذا وكذا من المائة، أو نحو ذلك؟ نقول: الأمر واسع والحمد لله، يمكن أن ترمي بعد غروب الشمس إلى أن يطلع الفجر من اليوم الثاني، والرمي بعد الغروب إن كان أداءً فهو أداء؛ لأن كثيراً من العلماء يقول: إن الرمي في أيام التشريق من الزوال إلى طلوع الفجر من اليوم الثاني، وإذا قلنا بأنه لا يمتد إلى الليل وأنه ينتهي بغروب الشمس قلنا: الرمي بعد غروب الشمس يكون قضاءً، فالحاج عجز أن يرمي في وقت الأداء، فليرم في وقت القضاء، والأمر واسع والحمد لله.
فإن قال قائل: النهار تبع لليل، وأنت إذا قلت: ترمي اليوم الحادي عشر في ليلة الثاني عشر جعلت الليل تابعاً للنهار والحال أن النهار تابع لليل؟ قلنا: لا غرابة في ذلك، أليس الناس في عرفة يقفون من الزوال إلى طلوع الشمس من يوم النحر، فليلة النحر الآن تابعة لليوم التاسع وهي ليلة العاشر فلا غرابة في هذا.
إذاً في اليوم الحادي عشر ماذا نصنع؟ نرمي الجمرات الثلاث، مرتبة كما سمعتم: الأولى ثم الوسطى ثم العقبة.(152/7)
أعمال اليوم الثاني عشر من أيام الحج
في ليلة الثاني عشر: يبيت الحجاج في منى، وعرفتم أن البيتوتة في منى واجبة، وأنه لا يجوز التهاون بها، وفي اليوم الثاني عشر نرمي الجمرات كما رميناها في الحادي عشر، ثم من أراد أن يتعجل فلينصرف من منى ومن أراد أن يتأخر فليبق؛ لأن الله خير، فقال: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة:203] وأيهما أفضل؟ التأخير أفضل؛ لأن الله أثنى على المتأخرين فقال: {وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} ولأن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر، والتأسي به خير، ولأن في التأخر زيادة عمل صالح كالبيتوتة ورمي الجمرات.
إذا انتهى الحج وأراد الإنسان أن يرجع إلى بلده فلا بد أن يطوف للوداع بدون سعي وبدون إحرام سبعة أشواط، ثم ينصرف فوراً إلى بلده ويكون طواف الوداع آخر شيء، وعلى هذا فمن طاف للوداع ثم خرج ورمى ومشى من منى فإن طوافه في غير محله، ويكون كالذي لم يطف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وقد أمر أن يكون طواف الوداع آخر شيء، ويسقط طواف الوداع عن الحائض والنفساء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: (إن صفية قد طافت طواف الإفاضة وكانت حائضاً، قال: فلتنفر) أي: ولا وداع عليها، ولحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف إلا أنه خفف عن الحائض) قال العلماء رحمهم الله: لو أخر طواف الإفاضة الذي يكون يوم العيد فطافه عند السفر أجزأه عن طواف الوداع، كما تجزئ الفريضة عن تحية المسجد، أي: لو دخلت المسجد وصليت الفريضة الرباعية أو الثلاثية أو الثنائية أجزأتك عن تحية المسجد، كذلك طواف الإفاضة فريضة، وهو أوكد من طواف الوداع، إذا طفته عند السفر أجزأك عن طواف الوداع، ولكن ماذا تنوي؟ نقول: النية هنا لها ثلاث صور: 1- إما أن ينوي طواف الوداع وحده.
2- أو طواف الإفاضة وحده.
3- أو ينويهما جميعاً.
إذا نوى طواف الوداع وحده لم يجزئه عن طواف الإفاضة؛ لأنه لا يجزئ الأدنى عن الأعلى، وقد ذكرت لكم: أن طواف الإفاضة أعلى من طواف الوداع؛ بدليل: أن طواف الوداع يسقط عن الحائض وطواف الإفاضة لا يسقط.
وإذا نوى طواف الإفاضة وحده أجزأ عن طواف الوداع، وإذا نواهما جميعاً حصلا له جميعاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) .(152/8)
مسائل عند العامة في الحج
يقولون: إن من عليه قضاء رمضان ولم يصم فلا حج له! وهذا غير صحيح لأنه لا علاقة بين قضاء رمضان والحج.
ويقول بعضهم: من لم يعق عنه فلا حج له، وهذا أيضاً غير صحيح؛ لأنه لا علاقة بين الحج والعقيقة.
ويقول بعضهم: إذا كانت المرأة حائضاً ولم تطف طواف الإفاضة لبست حفاظة على فرجها وطافت وهي حائض، وهذا لا صحة له؛ لأن هذا لو كان جائزاً؛ لقال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث صفية: لتستذفر بثوب وتطوف كما قال لـ أسماء بنت عميس حين ولدت في ذي الحليفة وأرسلت إليه: كيف أصنع يعني: في الإحرام؟ قال: (اغتسلي واستذفري بثوب وأحرمي) ولكن ماذا نفعل إذا كانت المرأة حائضاً ولم تطف طواف الإفاضة وأهلها سيسافرون ماذا تصنع؟ نقول: إن كانت في بلاد السعودية فأمرها سهل لها طريقان: إما أن تبقى هي ومحرمها في مكة حتى تطهر وتطوف، وهذا -والحمد لله- سهل ممكن أن تبقى هي ومحرمها، وإذا طهرت وطافت سافرا بأي وسيلة بطائرة بسيارة النقل الجماعي بسيارة خصوصية بأي وسيلة؛ لأنه سهل في المملكة.
أو أنها تسافر إلى مكان عملها وتبقى على التحلل الثاني؛ لأنها لم تحل إلا التحلل الأول فلا يحل لزوجها أن يستمتع بها ولا يعقد عليها النكاح، فإذا طهرت عادت إلى مكة وطافت طواف الإفاضة، إلا أنه في هذه الحال ينبغي أن تحرم بعمرة من الميقات وتطوف وتسعى وتقصر للعمرة ثم تأتي بطواف الإفاضة، هذا إذا كانت في البلاد السعودية.
وإذا كانت في الخارج فهنا نختار ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنها تتلجم تتحفظ -بأن تضع شيئاً على فرجها يمنع من تسرب الدم إلى المسجد- وتطوف ولو كانت حائضاً؛ وذلك للضرورة؛ لأن من لم تكن في المملكة يشق عليها الرجوع ويشق عليها أن تبقى مع محرمها متخلفة عن القافلة، وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] فالضرورات تبيح المحظورات، فإذا كان طواف الحائض حراماً واضطرت إلى ذلك فإنها تفعل ما يخشى منه المحظور، وهو أن تتحفظ -تضع خرقة على فرجها حتى تمنع تسرب الدم إلى المسجد- وتطوف.
ولعل ما قلناه الآن فيه الكفاية والله الموفق.(152/9)
الأسئلة(152/10)
حكم من ترك واجباً من واجبات الحج ناسياً أو جاهلاً
السؤال
رجل أخذ عمرة ثم نسي أن يحلق شعره، فلبس المخيط، وعندما تذكر حلق شعره وهو لابس المخيط؟
الجواب
جاهلاً.
السائل: جاهلاً.
الشيخ: لا شيء عليه؛ لأنه غاية ما يقال: إنه لبس المخيط قبل أن يحل من إحرامه وهو ناسٍ وجاهل فليس عليه شيء.(152/11)
حكم من استأجر محلاً لمدة معينة ثم باع صاحب المحل محله قبل انتهاء المدة
السؤال
استأجرت محل تجارة من شخص بعقد لمدة ثلاث سنوات، وبعد سنة من استئجاري للمحل قام ببيع المحل والمشتري يريد المحل حقه؟
الجواب
يريد أن تخرج؟ السائل: نعم.
الشيخ: هذه بارك الله فيك لا يحلها إلا القاضي أو المصالحة بينكما، إما أن تصالحه وإما القاضي.(152/12)
حج الزوجة ليس واجباً على زوجها
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا عندي زوجتين وكلهن لم يستطعن الحج مع أهلهن، فهل واجب علي حجهن في الوقت هذا؟
الجواب
حج الزوجة ليس واجباً على زوجها إلا إذا كان مشروطاً عليه في عقد النكاح.(152/13)
الوعيد الذي يلحق صاحب الدش
السؤال
في فتاوى الدش هناك بعض طلاب العلم يقولون: إن أي شخص يركب هذا الجهاز لا يدخل الجنة، وإنما أفتوا بذلك اجتناباً للفتنة، فنريد توضيح المسألة؟
الجواب
هذا بارك الله فيك ما فيه إشكال، نصوص الوعيد تبقى على عمومها لكن ما تطبق على كل شخص بعينه؛ لأننا ما نعلم قد يعفو الله عنه، فقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يسترعيه الله على رعاية يموت يوم يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة) هذا الحديث عام، فإذا وجدنا شخصاً قد ولاه الله على رعية ومات وهو غاش لها دخل في هذا الوعيد، لكن لا نشهد له بعينه بأن نقول: محمد يحرم عليه الجنة؛ لأنه غاش للرعية، هذا ليس فيه إشكال، لكن نظراً لأن العامة لا يفهمون الفرق بين التعيين والتعميم كتبنا بدل: حرم الله عليه الجنة، يخشى أن يلحقه الوعيد أو كلمة نحوها فقط، وإلا فالحديث عام وينطبق على هذا؛ لأننا لو سألنا أي أحد من الناس: هل الرجل استرعاه الله على رعيته على أهله؟ السائل: نعم.
الشيخ: لا شك، هل من النصيحة والأمانة أن يجلب لهم هذا الدش أو يمكنهم منه مع قدرته على منعه؟ السائل: نعم.
الشيخ: من الأمانة؟ السائل: من الأمانة أنه لا يدخله البيت.
الشيخ: إذاً ليس من الأمانة، يكون غاشاً أو غير غاش؟ السائل: غاشاً.
الشيخ: إذا مات يصدق الحديث، لكن لا تشهد لشخص بعينه، الآن -مثلاً- يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه) وجدنا رجلاً يجر ثوبه خيلاء هل نشهد له بعينه أن الله لا ينظر إليه؟ السائل: لا نشهد بعينه.
الشيخ: لكن نقول: أنت داخل في العموم، أما بعينه فلا يجوز أن نشهد؛ لأنه ربما يتوب الله عليه، أو يكون له حسنات تغمر السيئات، أو يستغفر له، أو يشفع له من يصلون عليه؛ لأنه: (ما من رجل مسلم يموت ويقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه) .
الآن مثلاً المؤمن الذي يعمل الصالحات في الجنة أم في النار؟ السائل: في الجنة.
الشيخ: رجل نعلم أنه مؤمن يعمل الصالحات هل نشهد له بعينه في الجنة؟ لا.
فيجب أن يعرف الناس الفرق بين التعميم وبين التعيين.
رجل قتل في الساحة في الجهاد في سبيل الله على يد العدو (من قتل في سبيل الله فهو شهيد) هل نقول: هذا الرجل المقتول شهيد؟ الجواب: لا.(152/14)
التفصيل في جماعة التبليغ
السؤال
تعلمون أن جماعة التبليغ نشأت في بيئة بعيدة عن العلم الشرعي وقلة العلماء -علماء أهل السنة- كما هي عندنا ولله الحمد، ولكن هناك ثلاث نقاط أريد أن أسأل فضيلتكم عنها: هذه الجماعة يا شيخ لها أصول أسست عليها وهي أربعة أصول.
الشيخ: ستة.
السائل: لا.
الأصول التي أسست عليها غير الأصول الستة، وما إلى ذلك من البدع والشركيات.
الشيخ: بينها لنا من أجل أن يكون الجواب مبنياً على السؤال.
السائل: ثم الشيخ: بين الأصول الأربعة أو الستة.
السائل: يعني: الأصول الشيخ: أنا لا أستطيع أن أجيب إلا عن شيء.
السائل: طرق يا شيخ الشيخ: ما هي الطرق؟ السائل: طرق صوفية أربع.
الشيخ: ما هي؟ السائل: الطريقة السهرورودية والنقشبندية والقادرية الشيخ: ألم تعلم أن هذه الطرق من كانوا عندنا في المملكة لا يعرفون عنها شيئاً.
السائل: أنا ما أسأل يا شيخ! عن الذين في المملكة بل عن هذه الجماعة بشكل عام، ثم إن هناك الصفات الست التي هي أصل منهجهم في الدعوة في إقامة حلق الذكر وما إلى ذلك، كذلك الكتاب الذي يعتمدون عليه خصوصاً خارج المملكة والجزيرة كتاب تبليغ النصاب، وفيه من البدع والشركيات التي ذكرها أهل العلم، كذلك هناك في معرض كلام سابق لكم عنهم يا شيخ! قلتم: بأنه ينقصهم العلم، فإذا كان العلم ينقصهم فإن أساس الدعوة وقبول العمل كما هو أساس قبول العبادة معدوم، كذلك يا شيخ! فيمن يخرج معهم قلتم: بأنه لا ينبغي أن يخرج إلا طالب علم يصحح ويتعلم ويعلم، هذه الجماعة يخرج معهم أناس ليس معهم من العلم شيء وقد يواجهون من البدع والشرك والشبه خصوصاً أنهم يدعون الكفار، نريد تعليقاً على هذه النقاط يا شيخ؟ الشيخ: بارك الله فيك، أما أنا نظري لهذه الفئة الذين في خارج البلاد ما أدري عنها وإن كنا نسمع من بعض الإخوة الذين ذهبوا من طلاب العلم وسمعوا خطبهم يقولون: ما رأينا شيئاً، بل هم يقولون: نحن نحملكم أيها السعوديون المسئولية أن تدلونا على ما يوافق الشرع، حدثني عن ذلك ثقتان من أهل بريدة ذهبوا واستمعوا إلى خطبهم، لكن مع ذلك نصيحتي: ألا يذهب أحد من إخواننا في المملكة إلى تلك البلاد؛ لأنهم مع قلة علمهم وفصاحة أولئك قد ينخدعون، فلذلك أرى أن تكون الدعوة هنا وأن يتلقوا أصول دعوتهم من العلماء عندنا، العلماء محاط فيهم؛ لأننا رأينا لهم تأثيراً بالغاً -الحق يجب أن يقال والباطل يجب أن يقال ويبين بطلانه- كم من فاسق هداه الله على أيديهم، بل كم من كافر اهتدى إلى الإسلام على أيديهم؛ لأن دعوتهم مبنية على السماحة والإيثار وطلاقة الوجه؛ وهذا من أساس الدعوة، لكن كونه يقول مثلاً: لا تأخذوا إلا بهذه الصفات دون ما سواها لا شك أن هذا من أكبر الأخطاء، فإذا قالوا: نحن نؤمن بهذه الصفات دون غيرها، قلنا: هذا خطأ عظيم وهذه الصفات ما هي إلا شعرة في جلد الثور، وأما إذا قالوا: لا.
نحن نقول: هذه الصفات ولكن نقر غيرها.
نقول: يجب أن تضيفوا إليها ما جاء في الكتاب والسنة، ولهذا أتمنى أن يكون أساس دعوتهم مبني على حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جاء جبريل فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأماراتها، ثم قال: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) فلو أن أحداً من أهل العلم أسس قواعد تضاد الصفات السبع التي يقولون لكان في هذا خيراً كثيراً.
السائل: يبقى الكافر الذي أسلم على أيديهم بشهادتين يعلمونه فقط -وأنا ممن خرجت إلى بنجلاديش وحضرت- يعلمونه فقط آداب النوم كيف يأكل وكيف يشرب.
الشيخ: هذا حسن، لكن هل يقول: لا تتعلم غيرها؟ ألم تعلم أن هذه الآداب كثير من طلاب العلم عندنا لا يفقهونها، ومن عرفها لا يطبقها السائل: كافر يا شيخ! ما عنده من العلم شيء في أصول ديننا يا شيخ! وأركان الدين الإسلامي.
الشيخ: نحن نعلمهم شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، معناها ولوازمها وبقية أركان الإسلام مثلما قال الرسول لـ معاذ: (أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله) .
السائل: هم لا يعلمون هؤلاء.
الشيخ: لا.
يجب أن يعلموهم، هذا من جملة جهلهم، ولهذا أقول لطلاب العلم: ينبغي أن يخرجوا معهم ليبصروهم.
السائل: فقط طلاب العلم يا شيخ؟ الشيخ: وأنا لا أرى أن يذهبوا إلى خارج البلاد.(152/15)
حكم المبيت في منى
السؤال
هل يلزم المبيت في منى النوم؟
الجواب
لا.
البقاء يكفي، وأيضاً يكفي البقاء معظم الليل ولا يلزم أن ينام كل الليل، يعني: صار الليل عشر ساعات وبقي ست ساعات كفى، لكن الأفضل أن يبقى جميع الوقت، وهنا مسألة وهي: أن بعض الناس يقول: إن منى ضاقت ولا يجد بها مكاناً.
فنقول: إذا لم يجد فيها مكاناً فلينزل عند آخر خيمة حتى يكون مع الناس، كما أن الرجل إذا لم يجد في المسجد مكاناً أين يصلي يذهب إلى بيته أم ماذا يصنع؟ يصلي مع الصفوف إذا اتصلت ولو في الطريق.(152/16)
حكم حج من عليه دين إذا وجد من يحججه
السؤال
رجل عليه دين فوجد من يحججه فهل له أن يحج؟
الجواب
يعني معناه: إنسان عليه دين وإنسان يريد أن يتبرع ويعطيه مالاً يحج به كذا؟ السائل: نعم.
الشيخ: ولا ينقصه للدين شيء، أي: لا يكون هذا عامل يعمل ولو فقيه ينفع أهل الدين، يعني: افرض أن هذا عامل عليه دين -مثلاً- عشرة آلاف وهو يعمل في حرفة يكسب كل يوم -مثلاً- خمسمائة ريال؛ إذا ذهب يحج يبقى على الأقل عشرة أيام كم يفوته من المكسب؟ السائل: خمسة آلاف.
الشيخ: هل هذا الرجل عاطل يقول: سواء سافرت إلى الحج أو بقيت أنا لن أكسب شيئاً، فهذا نقول: لا مانع، خذ من صاحبك وحج به؛ بشرط ألا يخشى فيما بعد أن هذا الذي تبرع له بالمال يمن عليه، وكلما صار شيء قال: هذا جزائي حينما حججت بك، فهذا لا يلزمه أن يحج.(152/17)
حكم من حج متمتعاً ونسي التقصير
السؤال
بعض الحجاج يكون متمتعاً ويدخل في أعمال الحج ولم يقصر، هل يكون في هذه الحالة متمتعاً؟ الشيخ: أليس قد حل بعد السعي؟ السائل: بلى.
الجواب
حل الآن وهو متمتع وربما أنه يجهل وجوب الحلق، نعم نقول: هو متمتع (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) ولكن يبقى الآن أنه لا يمكنه أن يحلق؛ لأنه دخل في الإحرام، فالأحوط فيما أرى أنه يذبح فدية في مكة ويوزعها على الفقراء عن الحلق، بالإضافة إلى هدي التمتع.(152/18)
حكم امرأة أقرضت زوجها مالاً وقالت له: إن حججت عني سامحتك
السؤال
والدتي أقرضت والدي سبعة آلاف ريال وقالت له: إن حججت لي وأخذت ما يكفيك سامحتك في البقية، فهل هذا جائز؟ الشيخ: فريضة أم نافلة؟ السائل: لا.
نافلة.
الشيخ: والله لا بأس، لكني أرى ألا تفعل إن كانت تريد أن تحسن إليه تسامحه بلا شيء.
السائل: هو اقترض منها هذا المال؟ الشيخ: أنا فاهم لكنه الآن لا يستطيع أن يوفي؟ السائل: نعم.
لا يستطيع.
الشيخ: إذا سامحته جزاها الله خيراً، إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) .
السائل: لكن لا يحج؟ الشيخ: والله لا أرى الاستنابة في حج النافلة، في نفسي منها شيء؛ لأننا نقول للإنسان: إما أن تحج أنت بنفسك ولا تدع أحداً يحج عنك، أنت الآن ما استفدت، الحاج يستفيد في طوافه وسعيه ووقوفه وأنت الآن كأنك أعطيتها دراهم لشخص بسلعة اشتريتها، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله في رواية عنه: لا تصح الاستنابة في النفل مطلقاً.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.(152/19)
لقاء الباب المفتوح [153]
هكذا تمر السنوات، فيذهب عمر الإنسان مثل بساط يسحب من تحت رجليه سريعاً، ولكن بهدوء ودون إعلان، فيدرك الإنسان حينئذ أنه قد انتهى وذهب كما يذهب بياض الصفحة تحت سواد المداد.
ولكن! ها هي فرصة المحاسبة والمعاتبة، والمراجعة والتوبة، لا زالت ماثلة يتحدث عنها هذا اللقاء، وعن أهمية الحرص على العلم، والاجتهاد في تحسين الخلق.
يشمل هذا اللقاء -إضافة لما سبق- على إجابات قيمة لتساؤلات الحاضرين.(153/1)
نهاية العام دعوة للمحاسبة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والخمسون بعد المائة من اللقاءات المعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا هو الخميس الأول من شهر محرم عام (1418هـ) نفتتح به هذا العام الجديد، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعله عاماً مباركاً علينا وعلى المسلمين، وأن يجعله عام أمن وإيمان، وسلامة وإسلام، وتعاون على البر والتقوى، وتناهٍ عن الإثم والعدوان، إنه على كل شيء قدير.
من المعلوم أن العام المنصرم مر بأحداثه المؤلمة والسارة والنافعة والضارة وكلٌ سوف يراه الإنسان، كما قال الله تبارك الله وتعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:6-8] .
ومن المعلوم أن التاجر في نهاية عام تجارته ينظر في جداول عمله، وما ربح وما خسر في عامه المنصرم، حتى يستدرك ما فات، ويصلح ما فسد، وإذا كان هذا في تجارة الدنيا، فإن تجارة الآخرة يجب أن تكون أهم وأعظم في قلب الإنسان؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف:10-11] ، ويقول جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة:9] .(153/2)
التوبة ثمرة للمراجعة والمحاسبة
إذا نظر الإنسان في ديوان عمله في العام المنصرم فإما أن يعثر على واجب أهمله وتهاون به، فعليه أن يستدركه؛ لأن الاستدراك مع التوبة إلى الله تعالى والإنابة إليه يصلح ما فسد، ومن كان مجترأً على معاصي الله عز وجل -والإنسان غير معصوم- فإن باب التوبة مفتوح، قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] ، فقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] وهذا في حق التائبين، فإن الإنسان إذا تاب مهما كان ذنبه فإن الله تعالى يغفره له.
وقد ذكر الله أعظم الذنوب في حقه وحقوق عباده، وبين أن التوبة منها تجعل السيئات حسنات، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان:68] وهذه من أعظم الذنوب الأول: {لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} أي: لا يشركون به فالشرك أعظم الذنوب في حق الله عز وجل، {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} وقتل النفس التي حرم الله أعظم العدوان على ابن آدم؛ ولهذا كان أول ما يقضى في الناس يوم القيامة بالدماء، والثالث: {وَلا يَزْنُونَ} والزنا من أعظم الجرم في حقوق الإنسان في تدنيس عرضه، هذه الأصول الثلاثة قال الله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:68-70] وهذه من نعمة الله سبحانه وتعالى أن الإنسان إذا أذنب وتاب إلى الله وآمن وعمل عملاً صالحاً صارت سيئاته السابقة حسنات فضلاً من الله ونعمة، والحمد لله رب العالمين.
فالمهم أن هذا نظرنا في عامنا المنصرم، فما هو نظرنا نحو عامنا الجديد.(153/3)
الأعمال بالخواتيم
إن الإنسان العاقل يجب عليه أن يعتبر ما يستقبل فيما مضى، فالعام المنصرم مضى وكأنه ساعة من نهار، كأنه لحظة من اللحظات، وهكذا العام المستقبل سوف يكون كصاحبه، سيمضى سريعاً، فعلينا أن نعقد العزم والجد والاجتهاد على ما ينفعنا في ديننا ودنيانا في العمل الصالح واجتناب المحرم عسى أن نستدرك ما فات، وبقية عمر المؤمن لا قيمة له، والأعمال بالخواتيم.
ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: (أن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) حتى لا يبقى عليه وينتهي أجله، وليس المعنى: حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع من حيث العمل، يعني: أن عمله سوف يدنيه من الجنة، المعنى: حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع بالنسبة لأجله، ثم يسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار، أما لو عمل بعمل أهل الجنة حقيقة حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع من حيث العمل، فإن الله تعالى لن يخيب سعيه (ومن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً) .
ومحال في حكمة الله ورحمته أن يخذل شخصاً أمضى عمره في طاعة الله حتى لا يبقى إلا ذراع، لكن هذا مراد الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع، يعني: من حيث الأجل لكنه يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس -أعوذ بالله- وهو من أهل النار، نسأل الله العافية.
ويشهد لهذا الحديث الثابت عند البخاري وغيره: (أن رجلاً كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة وكان رجلاً شجاعاً مقداماً يغبطه الصحابة وينظرون إليه نظر إجلال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام: هذا من أهل النار، فعظم ذلك على الصحابة -لماذا؟ لأنه رجل شجاع مقدام لا يدع شاذة للعدو ولا فاذة إلا قضى عليها، فإذا كان هذا من أهل النار وهو بهذه المثابة في الجهاد؛ فكيف بمن دونه- فقال أحدهم: والله! لألزمنه -يعني: لأكونن قريناً له حتى أنظر ماذا يكون الرجل؟ .
ماذا تكون حاله؟ - يقول: فأصيب بسهم، فجزع -وكأنه والله أعلم جزع لأنه رجل مقدام شجاع، والشجاع لا يرضى أن يهزم- جزع فسل سيفه ثم وضعه على صدره واتكأ عليه حتى طلع من ظهره -والعياذ بالله- فقتل نفسه -وقاتل نفسه في النار- فرجع الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أشهد أنك رسول الله، قال: وبم؟ قال: إن الرجل الذي قلت: إنه من أهل النار فعل كيت وكيت، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) .
أصلح الله لنا ولكم السرائر والظواهر، فالعمل على السريرة على سريرة القلب، طهر القلب؛ تطهر الجوارح! والقلب هو الذي يبتلى يوم القيامة كما قال الله تعالى: {أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:9-10] ، وقال تعالى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق:8-9] فعليك -يا أخي المسلم- بتطهير قلبك وتنقيته من الشك والشرك، والنفاق والحقد على المسلمين، والبغضاء والعداوة، حتى يطهر ظاهرك وباطنك.(153/4)
استقبال العام بطلب العلم
علينا أن نستقبل هذا العام الجديد بالاجتهاد بالعمل الصالح المقرب إلى الله تبارك وتعالى، إخلاصاً لله، ومتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولا سيما طلب العلم فإن طلب العلم نوع من الجهاد في سبيل الله، بل هو جهاد في سبيل الله، بل هو أفضل من الجهاد في سبيل الله عند كثير من العلماء؛ لأن الناس محتاجون إلى العلم أكثر من احتياجهم إلى الجهاد إذ أن الجهاد في معالجة إصلاح الغير، وطلب العلم في إصلاح النفس وإصلاح الغير.
فالجهاد في سبيل الله محتاج إلى العلم، وليس العلم محتاجاً إلى الجهاد في سبيل الله، ولذلك فضل كثير من العلماء المحققين طلب العلم على الجهاد في سبيل الله، وإن كان القول الراجح عندي أن في ذلك تفصيلاً بالنسبة لأعيان الناس: فمن الناس من نقول الجهاد في حقه أفضل، ومن الناس من نقول: إن طلب العلم في حقه أفضل، فإذا وجدنا رجلاً مستعداً للعلم حفظاً وفهماً وجلداً ومتابعة، وهو دون ذلك في الجهاد في سبيل الله، قلنا له: العلم في حقك أفضل، وإذا كان آخر شجاعاً مقداماً نشيطاً قوياً وليس بذاك في الحفظ والفهم قلنا له: الجهاد في حقك أفضل، فالتفضيل في العبادات وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن يراعيها: التفضيل في العبادات من حيث هي، والتفضيل في العبادات من حيث الأعيان الذين يقومون بها، هذا يجب أن يعرف الإنسان الفرق، ونحن نقول: التفضيل المطلق هو أن العلم أفضل بلا شك، يعني: طلب العلم أفضل من الجهاد في سبيل الله، لكن من حيث الأعيان فيه التفصيل الذي ذكرته لكم، نقول لهذا الشخص: الأفضل أن تبقى في طلب العلم، وللآخر أن تذهب في الجهاد في سبيل الله.(153/5)
استقبال العام بإصلاح الخُلق مع الناس
علينا أيضاً أن نستقبل هذا العام الجديد بإصلاح الخلق مع الناس أن نلقى الناس بوجه بشوش أن نفشي السلام بيننا ابتداءً ورداً خلافاً لبعض الناس الآن تجدهم من طلاب العلم لكن لا يفشون السلام، يلاقي الإنسان صاحبه وزميله في الدراسة سواء في الكلية أو في المسجد لا يسلم عليه إلا أن يشاء الله، يلاقي إخوانه في السوق لا يسلم عليهم إلا أن يشاء الله، ولهذا اشتهر عند بعض الناس عند بعض العوام -والعوام هوام-: أن طلاب العلم جفاة لا يسلمون وإذا سلم عليهم يردون بآنافهم ولا يسمعهم المسلِّم، كل هذا من غرور الشيطان، فالذي ينبغي لنا بل يجب علينا أن نكون لإخواننا المسلمين أحبة متآلفين.
وإفشاء السلام من أسباب دخول الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ -ثم أجاب نفسه فقال:- أفشوا السلام بينكم) أظهروه أعلنوه، ثم المسلِّم ماذا يأتي له من الأجر؟ التسليمة الواحدة عشر حسنات، عشر حسنات باقيات لك في يوم تحتاج إليها لا تجد زيادة في حسناتك، وأنت أحوج ما تكون إليها، تجدها عند الله تبارك وتعالى، لو قيل للناس: كل إنسان يسلم نعطيه درهماً، ماذا يكون؟ يفشون السلام أم لا؟ يفشون السلام، بل يترددون على الجالس عدة مرات لأجل أن يحصلوا على زيادة دراهم، مع أن الدراهم إما فانية وإلا مفني عنها، الإنسان لن يعمر والدراهم لن تعمر لابد من مفارقة إما من أصحاب الأموال وإما من الأموال نفسها، ولهذا وبخ الله عز وجل من يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة فقال: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:16-17] .
فعلينا أيها الإخوة أن نستقبل عامنا بحسن الخلق مع الناس، فإن حسن الخلق من أفضل الأعمال حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) ويتعين أن يكون حسن الخلق في الدعوة إلى الله؛ لأن الدعوة إلى الله ليس لمجرد الإصلاح بينك وبين غيرك، أو جلب الألفة بينك وبين غيرك، لكنها لإقامة دين الله، فلا ينبغي أن نجفو في الدعوة إلى الله، بل ندعو باللطف واللين وتحمل الأذى، بل وتحمل المخالفة من المدعوين، بمعنى: أننا لا ينبغي أن نطلب أو نأمل الحصول على المطلوب في أول وهلة، كم بقي النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس في مكة؟ ثلاثة عشر سنة يدعوهم إلى الله عز وجل بالتي هي أحسن بالموعظة الحسنة، بكل ما يستطيع من الوصول به إلى تحقيق مراده عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك ربه سبحانه وتعالى وهو أعلم وأحكم ينزل عليه الأحكام فترة فترة، لم يجد من أركان الإسلام في مكة إلا ركنان فقط هما: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والثاني: الصلاة، الباقي كله جاء في المدينة، الزكاة وإن قيل: إن أصلها فرض في مكة لكن الإنسان كان فيها مخيراً، في المدينة فرضت الأنصبة وبينت وبين المقدار وبين أهل الزكاة، لكن هذه التربية من الله عز وجل يجب أن نأخذها محل اعتبار وألا نريد من الناس أن يصلحوا بين عشية وضحاها، هذا شيء مستحيل تأباه حكمة الله عز وجل.
إذاً علينا أن نلاطف الناس في الدعوة إلى الله عز وجل، ونتحمل منهم الأذى، ونتحمل منهم البقاء على بعض المعاصي، رجاء إحسانها في المستقبل.
يوجد من الدعاة من عنده غيرة عظيمة، لكن لا يحسن أن يدعو الناس مع كبح هذه الغيرة، بمعنى: أنه إذا رأى شخصاً على منكر لم يملك نفسه من غيرته أن يعنف عليه بالإنكار، وهذا خطأ ليس بصحيح، عندما تجد إنساناً يشرب سيجارة مثلاً هل تصيح به تقول له: ويلك! هذا حرام هذا حرام، أنت مصر على معصية فأنت من الفاسقين، جانبت العدل، هل هذا لائق؟ لا، أمهله دعه ثم تكلم معه بيسر، أخي! ماذا تنفعك هذه؟ هل فيها منفعة؟ هل فيها مضرة؟ حتى يأخذ عن اقتناع، واعلم أن من وافقك عن قهر وسلطان فإنه لن ينتفع في الغالب، إذا صد عنك أو صددت عنه عاد لما هو عليه، لكن إذا وافقك عن اقتناع فهذا هو المقصود وهذا الذي يحصل به المراد.
فعليكم -أيها الأخوة- باللطف في الدعوة إلى الله، وأن تقابلوا الناس بصدر رحب.(153/6)
الأسئلة(153/7)
حكم بناء المساجد الصغيرة بجوار المنازل
السؤال
نخبرك أننا نحبك في الله، ثم إن السؤال الملاحظ عندنا في منطقة الباحة وبعض القرى، أن الذي يبني له بيتاً -في بعض الأحيان- يجعل له مسجداً صغيراً بجوار البيت، وقد تقتصر الصلاة في هذا المسجد عليه وعلى أهله وما يكون له جيران، والمساجد الكبيرة والعتيقة تبقى مهجورة إلا من قلة من الناس، ما توجيه فضيلتكم في ذلك جزاكم الله خيراً؟
الجواب
أقول -بارك الله فيك-: لا يجوز للإنسان أن يبني مسجداً في بيت قريب من المسجد العام؛ لأن في هذا إضراراً بالمسجد العام سواء أراده الإنسان أم لم يرده، يعني: كثير من الناس لا يريد الإضرار بالمسجد العام لكن يريد الراحة له ولأهله، ولكن هذا حرام، ولهذا قال أهل العلم رحمهم الله: يحرم بناء مسجد بقربه، وإذا بناه وجب هدمه.
ولذلك فنحن نحذر أولاً إخواننا من بناء هذه المساجد لما فيها من تفريق المسلمين، وإذا كان كل واحد يبني حول مزرعته أو حول بيته مسجداً، تفرق المسلمون بلا شك، فالواجب عليهم أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وأن يتقوا الله تعالى في إخوانهم وألا يفرقوا المؤمنين، هذا بالنسبة لمن أراد أن يبني.
أما بالنسبة للجهات المسئولة فيجب أن تخبر الجهات المسئولة بما حدث حتى تتولى هي بنفسها ما يجب فعله شرعاً.(153/8)
المتمتع لا يقدم سعي الحج على الوقوف بعرفة ومزدلفة
السؤال
رجل أتى للحج متمتعاً وأدى العمرة ثم ذهب إلى جدة وفي اليوم الثامن أتى إلى مكة وطاف بقصد أن يسقط عنه السعي يوم العيد، هل يسقط عنه أم لا؟
الجواب
المتمتع من المعلوم أنه يحل بالعمرة يطوف ويسعى ويقصر ويحل، فإذا كان يوم الثامن أحرم بالحج، وخرج إلى منى ولا ينفعه إذا سعى قبل ذلك؛ لأن سعي الحج لا يجوز تقديمه على الوقوف بـ عرفة ومزدلفة إلا إذا كان قارناً أو مفرداً وسعى بعد طواف القدوم، وعلى هذا فقل للرجل الذي فعل هذا، قل له الآن يتجنب أهله إن كان عنده أهل، ويجب عليه أن يسافر إلى مكة ويأتي بالسعي؛ لأنه سعى في غير وقته، والأفضل أن يحرم بعمرة إذا وصل إلى الميقات ويطوف ويسعى ويقصر ثم يأتي بسعي الحج، أبلغه بهذا يا أخي!(153/9)
حكم هدية البائع للمشتري
السؤال
هل يجوز لصاحب المحل إذا اشترى بضاعة وأتت مع البضاعة هدية أو جائزة أن يتصرف في هذه الهدية والجائزة ببيع أو بنحو ذلك، وسواء كانت البضاعة مفردة أو جملة؟
الجواب
نقول: إذا أهدى البائع إلى المشتري هدية فإنها ملكه، يملكها، إلا إذا كان المشتري وكيلاً لشركة أو لجهة حكومية، فإن هذه الهدية تشبه الرشوة لأنه من المعلوم أن هذا الوكيل إذا أهدي إليه الهدية سوف يفضل هذا البائع على غيره، وربما تكون سلعته أقل أو أغلى لكن يخنعه هذه الهدية فتجده يتجنب غيره ويأتي ويشتري من هذا.
أما إذا كان الرجل يشتري لنفسه ويبيع من الناس فأهدى إليه البائع ما أهدى فهذا لا بأس به.(153/10)
حكم المأموم إذا نسي الفاتحة
السؤال
إذا صلى مأموم مع الإمام ولم يقرأ الفاتحة ناسياً، هل يعيد المأموم الركعة أم ماذا يفعل؟
الجواب
الذي نرى أنه يعيد الركعة، المأموم إذا لم يقرأ الفاتحة نسياناً مع الإمام فإنه يعيد الركعة؛ لأن الفاتحة لا تسقط عن المأموم إلا إذا أدرك الإمام راكعاً.(153/11)
جواز المسح على الجوارب
السؤال
سمعنا فتوى بالمسح على الجوارب أنك لا تشترط أن الجورب يكون صفيقاً، ثم سمعنا من بعض الإخوان الفضلاء أنك رجعت عن هذه الفتوى، نريد الحق في هذا بارك الله فيك؟
الجواب
الحق فيما عندي أني ما رجعت وأني لا أزال أفتي أنه لا بأس أن الإنسان يمسح على الجورب الخفيف.
السائل: ولو كان شفافاً؟ الشيخ: ولو كان شفافاً، لأنه ليس فيه دليل على اشتراط أن تكون ساترة، ومن ثم اختلف العلماء الذين يقولون بالاشتراط فقالوا: لو كانت هي لا يدخل من بينها الماء لكن لصفائها تصف ما وراءها كما لو كان بلاستيك في الوقت الحاضر، فبعض العلماء يقول: لا يجوز المسح عليها، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد عند أصحابه، وبعضهم يقول: جائز، وهذا مذهب الشافعية وكلهم ما عندهم دليل واضح، الشافعية يقولون: جائز لأن الماء لا يمكن أن يصل من ورائها، فلا يكون فرضه الغسل في هذه الحال وهؤلاء يقولون: لا يصح المسح عليها لأنها تصف البشرة، وكل منهم فيما نرى أنه لا دليل له وأنه يجوز المسح على الجوارب الخفيفة والصفيقة.
السائل: ولو كان فيها تمزق؟ الشيخ: ولو كان فيها تمزق.(153/12)
بدعة تلقين الميت في قبره
السؤال
بعض الناس عندما يموت الميت ويوضع في قبره وينتهى من دفنه يعود إليه أحد أقاربه شقيقه ويقول له: يا فلان بن فلان! إن الله ربك والإسلام دينك ومحمد نبيك! ويسمى تلقين الميت، ما رأيكم في هذا؟ الشيخ: رأينا أن هذا بدعة، وأنه لا يغني من الحق شيئاً، والضال ضال وإن لقن، وهاهو الدجال إذا بعث فإن من كان في قلبه نفاق -والعياذ بالله- وإن كان يعرف أخباره سوف يتبعه، لكن الثابت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) ولم يقل لقنوه، فتلقين الميت بعد دفنه بدعة.(153/13)
الزيادة في صرف النقود المعدنية بالورقية
السؤال
بالنسبة لصرف النقود بعض الناس يعني يصرف المائة بمائة وبعضهم ينقص عن المائة شيئاً ولا يرى في ذلك بأساً، ما توجيهكم؟ الشيخ: يعني النقود المعدنية.
السائل: المعدنية بالورقية نعم.
الجواب
صرف النقود المعدنية بالورقية مع التفاضل جائز لاختلاف الجنس، لكن لابد من التقابض في المجلس، يعني يقول: خذ وأعطني.(153/14)
الأمانة في كتابة تقارير الأعمال
السؤال
أنا موظف في الحكومة ولدينا شركات صيانة ونظافة فيكون هناك نقص في العمالة، وإذا لم نكتب النقص في التقرير الشهري تعطينا الشركة مبلغاً من المال نستفيد منه في شراء ورق التصوير والأقلام والظروف فما رأيك في ذلك؟
الجواب
على كل حال نقول: هؤلاء الذين لا يكتبون النقص هم في الحقيقة ظلموا أنفسهم وظلموا الشركة وظلموا الحكومة وخانوا الأمانة، الواجب أن يكتبوا للحكومة الواقع ويقولون: حصل نقص كذا وكذا، ومسألة لوازم المكتب إن وفرته الحكومة وإلا يقولون نتوقف، أعطونا وإلا نتوقف.(153/15)
أقسام الهم بالسيئة
السؤال
وردت بعض النصوص الشرعية تدل على أن من هم بالسيئة ولم يعملها تكتب له حسنة، ونصوصاً أخرى: من هم بالسيئة ولم يعملها لا تكتب له.
فكيف التوفيق؟
الجواب
الهم بالسيئة في الواقع له أقسام: القسم الأول: أن يهم بالسيئة ويعمل لها ولكن يحال بينه وبينها، فهذا يكتب عليه وزره، دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه) .
القسم الثاني: أن يهم بها ثم يدعها لله عز وجل، فهذا تكتب له حسنة، لأنه في الحديث الذي أشرت إليه قال الله تعالى: (إنما تركها من جرائي) أي: من أجلي.
القسم الثالث: أن يهم بها ثم يدعها لا خوفاً من الله ولا عزوفاً عنها فهذا لا له ولا عليه، فالميزان بالقسط لأن الرجل لم يتركها لله حتى يؤجر ولم يحرص عليها حتى يأثم، فهذا لا شيء عليه وليس له شيء.(153/16)
الصلاة خلف الفاسق
السؤال
وقعت في بلادنا مشكلة وهي أن إمام وخطيب المسجد أتهم امرأة بالزنا وتم تشكيل لجنة عند شيخ القرية، وثبت أن هذه المرأة بريئة وأن الشخص كاذب، ودفع غرامة مالية مقدارها ثلاثة آلاف جنيه مقابل اتهامه لهذه المرأة، ويقول: الإشكال هل يصلى خلف هذا الإمام الذي أتهم هذه المرأة؟ الشيخ: هذا في أي مكان هو؟ السائل: في خارج البلاد في البلاد المجاورة التي لا تحكم بالشريعة.
الشيخ: طيب يرجع إلى العلماء هناك يسألهم.(153/17)
حكم استخدام أجهزة ترديد الصدى في المسجد
السؤال
يوجد في بعض المساجد الأجهزة الترديد (الصدى) فهل هذا يجوز؟ الشيخ: هذا يسأل يقول: عن الصدى في المساجد.
أرى: أنها لا تجوز، فإن كانت تستوجب ترديد الحرف، فعدم الجواز فيها أمر قطعي عندي؛ لأن ترديد الحرف يعني زيادة في كلام الله عز وجل، وقد كره الإمام أحمد وغيره من العلماء قراءة الكسائي لشدة الإدغام فيها أو لطول المد فيها؛ لأن هذا يقتضي أن يكون هناك زيادة على كلام الله عز وجل، لكن إذا كانت لا توجب ترديد الحرف فأرى أيضاً المنع فيها لكني لا أجزم به جزماً بيناً؛ وذلك لأنه ليس المقصود من القرآن الكريم أن يكون كنغمات الأغاني والطبول، المقصود أن يقرأه الإنسان بخشوع، وربما يكون قراءته بدون مكبر الصوت أدعى للخشوع كما هو المشاهد غالباً، وأما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتزيين الأصوات بالقرآن فالمراد الأصوات التي خلق الله الإنسان عليها، لا بأن يأتي بآلة، لكن إن اضطر للآلة لأننا لا نحرمها بل نقول هي من فضل الله لو كان المسجد واسعاً يحتاج صوتك فيه إلى تكبير فلا بأس كما هو معروف الآن في المسجد الحرام والمسجد النبوي وغيره من مساجد المسلمين، أما هذا الصوت الذي يسمى الصدى فهو إن كان يلزم منه ترديد الحرف فهو حرام ولا إشكال فيه لما فيه من الزيادة على القرآن، وإن كان لا يتضمن ذلك فأنا أيضاً أرى منعه.(153/18)
حكم من حلف على استضافة شخص
السؤال
سائل يقول: أنه جاءه رجل وحلف أن يعشيه وحلف أيضاً أن يذبح يعني قال: والله لأذبحن لك الذبيحة لكن تركه وسافر فماذا عليه في ذلك؟
الجواب
أولاً نحن ننهى إخواننا عن التسرع في الأيمان ,إلزام الناس بعشاء أو قهوة أو ما أشبه ذلك، وإذا رأوا إكرام أخيهم فبدون يمين، ثم إن حلفوا فليقرنوها بكلمة إن شاء الله؛ لأن من قال: إن شاء الله في يمينه فلا يحنث، ثم ننصح إخواننا أيضاً الذين حلف عليهم أن يبروا قسم هذا الرجل؛ لأن من حق المسلم على أخيه أن يبر قسمه وألا يحنثه، لكن إذا حصل العناد من هؤلاء وهؤلاء فالحالف أولاً هو الذي عليه الكفارة يعني: إذا حنث وذهب المحلوف عليه فعلى الحالف الكفارة، وعلى ضيوفهم أن يبقوا، ولكنهم إذا ذهبوا وتركوهم فعلى الحالف أن يكفر كفارة يمين وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة.(153/19)
ذكر القصص المثيرة على المنابر
السؤال
نسمع من بعض الدعاة أو الخطباء إذا تناولوا بعض المواضيع مثل موضوع مثلاً الدش والتحذير منه يورد مثلاً قصة مثيرة مثلاً: أن رجل فعل ببنته الزنا أو أخاً فعل بأخته الزنا، فهل مثل إيراد مثل هذه القصص وإن كانت فعلاً حصلت إيرادها للناس أو تسمعها المجتمع هل في ذلك شيء؟
الجواب
أنا أرى ألا تذكر هذه القصص المشينة سواء في الدش أو في غير الدش؛ لأن الإنسان إذا سمعها سوف يتصور أن هذه المسألة عامة، يعني وهذه المسألة خاصة، لكن يمكن في مجلس من المجالس أن يذكرها الإنسان لبيان مضارها ببيان الدش، أما بصفة عامة على المنبر فهذه فيها نظر، ثم إن الحاضرين قد يكونون من غير البلد فيتصور واحد منهم أن هذا في البلد نفسه ويحصل في هذا سوء سمعة، فأرى ألا تذكر ويكتفى بذلك بالحديث الصحيح وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد استرعاه الله على رعية يموت يوم يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة) فيقال لصاحب العائلة الذي يتمكن من منع دخول بيته الدش يقال: هل استرعاه الله على رعية؟ الجواب: نعم لا شك.
وهل هو إذا قدر على منع هذا الدش ولم يمنعه، مع مشاهدته الفظائع فيه هل يعتبر غاشاً لأهله أم لا؟ يعتبر غاشاً لأهله، إذاً: يصدق عليه الحديث: (ما من عبد استرعاه الله على رعية يموت يوم يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة) يدخل في هذا الحديث بلا شك، ولكن هل نشهد لهذا الرجل بعينه؟ هذا هو الممنوع؛ لأن نصوص الوعيد لا تطبق على كل شخص بعينه، كما أن نصوص الوعد لا تطبق على كل شخص بعينه، ألسنا نعلم أن من قتل في سبيل الله فهو شهيد؟! فلو قتل رجل في المعركة بين المسلمين والكفار هل نقول: فلان شهيد بعينه؟ لا، لأن التعيين غير التعميم.
فهذا الرجل الذي أبقى الدش وهو قادر على منعه أو هو بنفسه جلبه للبيت إذا مات فهو غاش لرعيته، لا أحد يشكل عليه هذا الأمر، فيدخل في عموم الحديث، لكن الممنوع أن تشهد له بعينه فتقول مثلاً لجيرانك إذا مات أبوهم وهو قد أدخل الدش تقول: أبوكم محرم عليه الجنة، حرام هذا؛ لأن العلماء يقولون: من مذهب أهل السنة والجماعة ألا نشهد لشخص معين بجنة ولا نار إلا لمن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم.(153/20)
خطأ مفهوم حرمان من نام أول النهار من رزقه
السؤال
اشتهر عند العوام أن من ينام بعد صلاة الفجر قبل طلوع الشمس أنه قد حرم الرزق، ويستدلون لذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (بارك الله لأمتي في بكورها) فهل هذا له أصل؟
الجواب
هذا ليس له أصل؛ لأن أول النهار لا شك أنه خيره وبركته، وهذا شيء مشاهد، لكن كون الإنسان يحرم الرزق هذا غير صحيح، اللهم إلا رزقاً يكون في أول النهار وينام هذا عنه فيحرم إياه بطبيعة الحال، وأما أن يقال: من نام بعد صلاة الفجر فإنه يحرم الرزق فهذا ليس بصحيح.(153/21)
اللعاب لا يفطر الصائم
السؤال
بالنسبة للريق أو اللعاب هل يفطر الصائم؟ الشيخ: الريق لا يفطر الصائم بالإجماع ولا يمكن أن يقول أحد أنه يفطر، لكن جمع الريق وابتلاعه هو الذي بعض العلماء قال: إنه يفطر، والصحيح أيضاً أنه لا يفطر؛ لأنك لم تدخل لجوفك طعاماً ولا شراباً، هذا حصل ريق حصل من الجوف ورجع إليه، ولهذا كان القول الراجح أيضاً: أن النخامة لا تفطر حتى لو وصلت إلى الفم وابتلعها الإنسان فإنه لا تفطر، لكن الإنسان لا يبتلعها فإن أهل العلم حرموا ذلك؛ لأنه شيء مستقذر ولا ينبغي للإنسان أن يبتلعه، لكن لو تمضمض من أجل العطش هل يفطر؟ إن ابتلع الماء أفطر بلا إشكال، وإذا لم يبتلعه فإنه لا يفطر.(153/22)
مشروعية الخطبتين في العيد
السؤال
ما هي السنة في خطبة العيد هل هي خطبتان أم واحدة، نرجو التفصيل في ذلك؟
الجواب
المشهور عند العلماء من الحنابلة: أنها خطبتان خطبة العيد أولى وثانية، ولو اقتصر الإنسان على واحدة بدون إحداث فتنة فلا بأس، فإن خاف من فتنة بأن يتفلت الناس ويصير كل واحد يعرف حكم مسألة يذهب إليها فهنا يقتصر على ما كان الناس يعتادونه؛ لئلا يفتتح الباب على الناس.(153/23)
الذين يعذرون في المبيت خارج منى
السائل: الرسول صلى الله عليه وسلم عذر ناساً في المبيت خارج منى كالسقاة وغيرهم، لكن ما يقاس عليهم في الوقت الحاضر؟ وهل أصحاب التجارة يعذرون؟
الجواب
إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس أن يبيت في مكة من أجل سقاية الحاج، وهذا عمل عام كما تعرف، وكذلك رخص للرعاة أن يتركوا المبيت في منى؛ لأنهم يرعون رواحل الحجيج، فيشبه هؤلاء من يترك المبيت لرعاية مصالح الناس كالأطباء وجنود المرور وجنود الإطفاء وما أشبه ذلك هؤلاء ليس عليهم المبيت لأن الناس في حاجة إليهم، وأما من به عذر خاص كالمريض والممرض له وما أشبه ذلك فهل يلحقوا بهؤلاء؟ على قولين للعلماء: بعضهم يقول إنهم يلحقون لوجود العذر، وبعضهم يقول إنهم لا يلحقون؛ لأن عذر هؤلاء خاص وعذر أولئك عام، والذي يظهر لي: أنهم يلحقون بهؤلاء، أصحاب الأعذار يلحقون بهؤلاء كإنسان مريض أحتاج أن يرقد في المستشفى هاتين الليلتين إحدى عشر واثنا عشر فلا حرج عليه ولا فدية؛ لأن هذا عذر، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم يرخص للعباس مع إمكانه أن ينيب أحداً من أهل مكة الذين لم يحجوا يدل على أن مسألة المبيت أمرها خفيف، يعني: ليس وجوبها بذاك الوجوب المحتم حتى إن الإمام أحمد رحمه الله رأى أن من ترك ليلة من ليالي منى فإنه لا فدية عليه وإنما عليه أن يتصدق بشيء، يعني: عشرة ريالات خمسة ريالات حسب الحال.
السائل: أصحاب التجارة؟ الشيخ: لا أصحاب التجارة هذه مصالح خاصة، وليست عذراً، لكن ممكن أن يقال: أصحاب الأفران الذين يحتاج الناس إليهم قد يلحقون بهؤلاء.(153/24)
حكم ختان الإناث
السؤال
حديث أم هانئ في اختتان الإناث، ما صحته وما حكم ذلك أحسن الله إليكم؟
الجواب
الصحيح أن اختتان الإناث سنة وليس بواجب بخلاف الذكور والفرق ظاهر؛ لأن القلفة التي في ذكر الذكر لو بقيت لأضرت به عند البول وعند الجماع إذا كبر، أما الأنثى فغاية ما فيها أنه قيل إنها تخفض من شهوتها إذا ختنت، وهذا لا يقتضي أن يكون الأمر واجباً.
فالصواب: أن ختان الإناث سنة وليس بواجب.
السائل: والحديث الوارد في ذلك؟ الشيخ: أحاديث ختان المرأة ليست قوية.
وإلى اللقاء إن شاء الله في يوم آخر، والحمد لله رب العالمين، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.(153/25)
لقاء الباب المفتوح [154]
في ظلال تفسير سورة الذاريات كان هذا اللقاء المفتوح مع الشيخ حيث تناول فيه تفسير بعض الآيات المتحدثة عن السماء والأرض وأنواع الخلق وأقسام البشر ودعوة الناس إلى التوبة والرجوع إلى الله وعدم الإشراك بالله وجعل إلهاً آخر معه.(154/1)
تفسير آيات من سورة الذاريات
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع والخمسون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل أسبوع في يوم الخميس وهو اللقاء المعروف بـ (لقاء الباب المفتوح) وهذا اليوم الخميس هو التاسع من شهر محرم (1418هـ) حسب التقويم، وهو الثامن حسب الطريقة الشرعية التي بينها الرسول عليه الصلاة والسلام وهي أن الهلال إذا لم يمر علينا الثلاثين من الشهر الماضي فإنه محكم بتمام الشهر ثلاثين يوماً.(154/2)
تفسير قوله تعالى: (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون)
نبدأ هذا اللقاء بالكلام على آيات في سورة الذاريات من قول الله تبارك وتعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] ففي هذه الآية يخبر الله تعالى أنه بنى السماء بأيد، أي: بقوة كما قال تعالى: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} [النبأ:12] والأيد هنا ليست جمع يد كما يتوهمه بعض الناس ويظنون أن المراد أن الله بنى السماء بأيد أي: بيديه عز وجل، ذلك لأن الأيد هنا مصدر آد يئيد بمعنى: قوي، ولهذا لم يضف الله تعالى هذه الكلمة إلى نفسه الكريمة كما أضافها إلى نفسه الكريمة في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً} [يس:71] فمن فسر الأيد هنا بالقوة فإنه لا يقال: إنه من أهل التأويل الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، بل هو من التأويل الصحيح.
{وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} أي: لموسعون أرجاءها؛ لأنها واسعة عظيمة محيطة بالأرض من كل جانب.(154/3)
تفسير قوله تعالى: (والأرض فرشناها فنعم الماهدون)
قال تعالى: {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا} [الذاريات:48] أي: جعلناها لأهلها بمنزلة الفراش اللين المريح، {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} [الذاريات:48] أثنى على نفسه تبارك وتعالى بذلك؛ لأنه أهل للثناء، وقد جعلها الله تبارك وتعالى لأهل الأرض على مستوىً نافعٍ للعباد فليست بالقاسية التي يعجز الناس عن الانتفاع بها، وليست باللينة التي لا يستقرون عليها، بل هي مناسبة تماماً لهم، على أن فيها اختلافاً بالليونة وبالصعوبة لكن هذا لا يمنع الانتفاع بها.(154/4)
تفسير قوله تعالى: (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون)
قال تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات:49] خلق الله تبارك وتعالى من كل شيء زوجين متقابلين حتى تتم الحال وتصلح باجتماع بعضهما إلى بعض، فالحيوان كله من إنسان وغيره كله يكون من زوجين: ذكر وأنثى كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:13] إلا أن آدم عليه الصلاة والسلام خلقه الله بيده من غير أم ولا أب، وزوجه حواء خلقت من أب بلا أم، وعيسى بن مريم خلق من أم بلا أب، ولهذا ينقسم البشر إلى أربعة أقسام: الأول: من خلق بلا أم ولا أب وهو آدم.
الثاني: من خلق من أب بلا أم وهي حواء.
الثالث: من خلق من أم بلا أب وهو عيسى.
الرابع: بقية البشر خلقوا من ذكر وأنثى.
من كل شيء خلق الله زوجين: اليبوسة والرطوبة، والحرارة والبرودة، واللين والقسوة، وغير ذلك مما إذا تأمله الإنسان عرف بذلك حكمة الله سبحانه وتعالى.
((لعلكم تذكرون)) أي: بينا ذلك لكم لأجل أن تتذكروا وتتعظوا بآيات الله تبارك وتعالى، فإن الإنسان كلما كان أعلم بآيات الله الكونية أو الشرعية كان أكثر اتعاظاً واعتباراً، ولهذا حث الله على النظر في الآيات الكونية فقال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101] ، وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} [الروم:8] ومدح الله تعالى الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض في قوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190-191] لهذا ينبغي للإنسان أن يتعظ ويتذكر ويتدبر آيات الله سبحانه وتعالى الكونية والشرعية.(154/5)
تفسير قوله تعالى: (ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين)
قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50] هذا كأنه على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، أي: قل لهم: فروا إلى الله ((إني لكم منه)) أي: من الله ((نذير مبين)) والفرار إلى الله يكون بالقيام بطاعته واجتناب نواهيه، لأنه لا ينقذك من عذاب الله إلا أن تقوم بطاعة الله، فكأن الإنسان إذا قام بطاعة الله عز وجل كأنه فر من عدو، أرأيت لو أن سيلاً عرماً يهدر أقبل عليك أكنت تقف أمامه؟ لا تقف أمامه، بل تهرب منه وتفر منه، كذلك لو أن حريقاً ملتهباً أقبل إليك فإنك لن تقف بل تفر، كذلك نار جهنم أشد وأعظم وأولى بالفرار منها ولهذا قال: (ففروا إلى الله) أي: من عذاب الله (إني لكم منه نذير) أي: منذر (مبين) أي: مظهر لما أنذروا به ومبين له.
فهو عليه الصلاة والسلام نذير من الله تعالى لعباده ينذر من خالف أمره بالعذاب، ومع هذا هو صلى الله عليه وسلم بشير، يبشر من آمن وأطاع بالجنة والسعادة في الدنيا والآخرة كما قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] لكن الله تبارك وتعالى يذكر الإنذار فقط في مقام التهديد والوعيد، وهذه السورة كما ترون كلها فيها ذكر للأمم السابقين وما حل بهم من العقوبة بمخالفتهم أمر الله تبارك وتعالى.(154/6)
تفسير قوله تعالى: (ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر إني لكم منه نذير مبين)
قال تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} [الذاريات:51] أي: لا تجعلوا معه معبوداً تعبدونه.
{إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:51] والمعبود أنواع وأصناف: فمن الناس من يعبد الشمس، ومنهم من يعبد القمر، ومنهم من يعبد النجوم، ومنهم من يعبد الحيوان، ومنهم من يعبد الشجر، ومنهم من يعبد الحجر، ومنهم من يعبد المال؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط) فبين الرسول عليه الصلاة والسلام أن الذي ليس له هم إلا المال فإنه عابد له حقيقة وإن كان لا يركع ولا يسجد له، لكن تعلقه في قلبه به واهتمامه به وكونه يرضى لحصوله ويسخط لمنعه لا شك أنه قد استولى على قلبه استيلاءً تاماً، لكن المعبود تختلف عبادته في الحكم؛ فإن كان يصرف له شيئاً من العبادة فهذا شرك أكبر، وإن كان لا يصرف له شيئاً من العبادة ولكنه يتعلق به القلب تعلقاً كاملاً حتى إنه ليدع الواجبات ويقع في المحرمات من أجل الحصول عليه، فهذه عبادة لا تخرج من الدين لكنها حقاً عبادة.
(إني لكم منه نذير مبين) كرر ذلك لأهمية الموضوع.
فنسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الاتعاظ والانتفاع بما سمعنا من آيات الله تعالى، إنه على كل شيء قدير.(154/7)
الأسئلة(154/8)
حكم عمل عقد صوري من أجل الحصول على هاتف
السائل: يشترط عند إدخال الهاتف عقد إيجار أو الصك، وبعض الناس يكون ليس له بيت أصلاً، وبعض الناس يكون ساكن عند أبيه أو كذا، ولكنه يذهب إلى محل العقار ويضع عقداً على لا شيء.
الشيخ: صورياً.
السائل: صورياً حتى يعطيه الهاتف ويدخلونه عنده، وهذا يفعله بعض طلبة العلم وبعض الإخوان، فهل هذا جائز؟ الشيخ: جوابنا على هذا: أن هذا حرام ولا يجوز، وهو من الكذب والخيانة؛ وهو من الكذب لأنه كذب حيث ادعى أنه مستأجر، وهو من الخيانة لأنه خان الدولة ولبس عليهم، ثم إن الدولة إذا أعطت الرجل الذي لا يستحق حسب النظام حرمت رجلاً آخر يستحق حسب النظام فيكون في هذا أيضاً مفسدة ثالثة وهي: منع من هو أحق منه من الاستفادة من هذه الخدمة.(154/9)
حكم الزكاة في مال الوقف المعين
السائل: هل في مال الوقف على معين زكاة مثل: من أوصى بشيء بعد موته وعين أشياء تصرف من مغله والبقية في أعمال البر؟ عفا الله عنك.
الشيخ: نقول: الوقف إذا كان عقاراً فإنه لا زكاة فيه؛ لأن هذا الوقف ليس ملكه تاماً، ولذلك لا يجوز للموقوف عليه أن يتصرف فيه بالبيع أو الهبة، بل ولا الرهن، وهذا لا إشكال فيه، لكن بقي إذا كان الوقف على جهة بر وله مغل كثير فهل في مغله زكاة؟
و
الجواب
لا ليس فيه زكاة لأنه ليس له مالك معين، ومن شروط وجوب الزكاة: أن يكون للمال مالك معين.(154/10)
حكم مخالفة العادات المضرة والتي ليس لها سبب شرعي
السائل: فيما يتعلق ببعض العادات المنتشرة بين الناس والتي يلحق بسببها أعباء اقتصادية فمثلاً: المرأة بعد ولادتها يقدم لها زوجها هدية قد تتجاوز عشرة آلاف ريال فيما يسمى بأطلاعة، فما رأيك -يا شيخ- في هذا مع العلم أن الشخص قد يتلقى لوماً عنيفاً بسبب مخالفته لتلك العادات؟ الشيخ: جوابنا على هذا: أنه لا ينبغي أن يعتاد الناس هذه الأشياء التي لا موجب لها شرعاً وهي كما ذكر السائل نفقات باهضة، ولعل هذا الذي ذكره السائل في بعض البلاد؛ لأن بلادنا لا نعلم فيها هذا الشيء، لكن لعل بعض البلاد يفعلون هذا فننصحهم ألا يرهقوا أنفسهم بهذه النفقات التي ليس لها سبب شرعي.(154/11)
حكم ضمان من أتلف شيئاً موقوفاً
السائل: لو أتلف شخص شيئاً موقوفاً لله سبحانه وتعالى فهل يلزمه ضمانه أو تكفيه التوبة لأن حقوق الله مبنية على المسامحة؟ الشيخ: نعم يلزمه ضمانه، فمثلاً: لو فرض أن هناك إناء موقوفاً لمن ينتفع به، أو هناك برادة ماء في مسجد لمن ينتفع بها، فجاء شخص وأتلف ذلك فإن عليه الضمان بلا شك، وهو أيضاً آثم يجب عليه أن يتوب إلى الله مما صنع، ويضمن الشيء بمثله إذا كان مثلياً، وبقيمته إن كان متقاوماً.(154/12)
حكم قراءة ما تيسر من القرآن بعد الفاتحة لمن دخل مع الإمام في الصلاة الرباعية وهو في الركعة الثالثة
السائل: إذا دخل الرجل مع الإمام في الصلاة الرباعية وفي الركعة الثالثة هل تعتبر له الأولى ويقرأ فيها ما تيسر من القرآن أم ماذا يفعل؟ الشيخ: نعم يقرأ؛ لأن هذا الذي دخل في الركعة الثالثة صارت الثالثة له هي الأولى فيستفتح ويقرأ الفاتحة، ويقرأ بعدها ما تيسر إذا تمكن من ذلك قبل أن يركع الإمام.(154/13)
حكم السلام والمصافحة بين الكافر والمسلم
السائل: إذا لقي المسلم الكافر هل يجوز أن يسلم عليه؟ وإذا سلم عليه الكافر هل يجب عليه الرد؟ الشيخ: إذا تلاقى مسلم مع كافر فإنه لا يسلم عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام) .
وإذا سلم الكافر على المسلم فإنه يجب عليه الرد، لكن إذا كان المسلم لا يدري هل قال الكافر: السام عليك يعني: الموت، أو قال: السلام عليك، فإنه يقول: وعليك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أهل الكتاب يسلمون يقولون: السام عليكم، فقولوا: وعليكم) .
أما إذا قال المُسَلِّم الكافر: السلام عليك بلفظ صريح بين، فلا حرج أن يقول: عليك السلام، لكن لا يزيد، يعني مثلاً: سلم الكافر وقال: السلام عليك، وقلت: وعليك السلام، أو قلت: وعليكم، لا تزد تقل: أهلاً مرحباً؛ لأن هذا يجعله يفخر بنفسه.
السائل: والمصافحة؟ الشيخ: أما المصافحة فإن مد يده إليك فامدد يدك إليه وإلا فلا تبدؤهم بالمصافحة.(154/14)
حكم شراء رقم التليفون
السائل: ما حكم شراء رقم التلفون؟ الشيخ: هذا يرجع إلى الوزارة إذا كانت تسمح بذلك إما مطلقاً وإما بشروط فعلى ما تقول الوزارة.(154/15)
حكم من أحرم بالعمرة لابساً السراويل نسياناً
السائل: شخصاً أحرم بالعمرة لا بساً السراويل ناسياً ما حكمه؟ الشيخ: أنه ليس عليه شيء؛ لقول الله تبارك وتعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] .
وسأقول لك قاعدة مفيدة في هذا: (جميع المحرمات في العبادات وغير العبادات إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه) فلو تكلم الإنسان وهو يصلي ناسياً فصلاته صحيحة، ولو أكل وهو صائم ناسياً فصيامه صحيح، وجميع المحرمات سواء كانت في العبادات أو خارج العبادات إذا فعلها الإنسان جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله تعالى: قد فعلت.(154/16)
الحصول على ثواب تكفير السنة كاملة لمن أفرد عاشوراء بالصوم فقط
السائل: من أفرد عاشوراء بالصوم فقط هل يحصل على ثواب تكفير السنة كاملة؟ الشيخ: نعم له أجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن صوم عاشوراء فقال: (يكفر السنة التي قبلها) ولكن ننصحه ألا يفرد صوم عاشوراء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا اليهود صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) ، وقال: (لأن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) يعني: مع العاشر، وتوفي صلى الله عليه وسلم قبل أن يدركها.
قال العلماء: وصيام عاشوراء أقسام: القسم الأول: أن يصوم التاسع والعاشر والحادي عشر، فهذا أحسن شيء.
القسم الثاني: أن يصوم العاشر والحادي عشر، وهذا فيه الكفاية مطابق لما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: (صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) .
القسم الثالث: أن يصوم التاسع والعاشر، وهذا أفضل، يعني: لو قال قائل: أصوم العاشر والحادي عشر أو التاسع والعاشر؟ قلنا: التاسع والعاشر أفضل، وهذه كلها جائزة وليس فيها كراهة.
القسم الرابع: وهو أن يفرده بالصوم، فهذا كرهه بعض العلماء لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا اليهود صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) .(154/17)
حكم من وجد هديه مذبوحاً ومأخوذاً بعد رجوعه من رمي جمرة العقبة فذبح آخر
السائل: رجل معه الهدي في سيارته فذهب لرمي جمرة العقبة فلما رجع وجد هديه مذبوحاً ومأخوذاً؟ الشيخ: مذبوحاً؟ السائل: نعم ومأخوذاً بعد ذبحه لأنه وجد رأسه وأمعاءه، فذبح آخر مكانه فهل عمله هذا صحيح؟ الشيخ: نعم يجزئه، لأنه عينه على أنه هديه فذبح بعد التعيين وذبح الغاصب على القول الراجح تحل به الذبيحة، وعلى هذا فيكون شراءه للهدي بعد ذلك يكون على سبيل التطوع وجزاه الله خيراً، يعني: لو لم يذبح الهدي بدمه أجزأه لأنه ذُبح، أما لو أُخذ ولا يدري هل ذُبح أم لا، فلابد أن يذبح بدله.(154/18)
من سافر يوم عاشوراء فأفطر وكان قد نوى أن يصوم من قبل السفر
السائل: شخص في نيته صيام يوم عاشوراء لكن طرأ له سفر في هذا اليوم ورجع بعد ذلك، فهل يكتب له صيام هذا اليوم أم لا؟ مع العلم أنه ينوي كذلك صيام يوم قبله أو يوم بعده؟ وهل العبرة -يا فضيلة الشيخ- الرؤية الشرعية أم التقويم؟ الشيخ: هو إذا كان قد نوى أن يصوم يوم عاشوراء ولكنه طرأ عليه سفر نقول: صم وأنت مسافر ما المانع؟ فإذا كان يقول: لا أستطيع أن أصوم وأنا مسافر، قلنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) ونرجو الله تبارك وتعالى أن يكتب له الأجر.
وأما سؤالك: هل العبرة بالتقويم أو العبرة بالطريق الشرعي؟ فالعبرة بالطريق الشرعي في العبادات حتى لو أن التقويم -مثلاً- على أن اليوم هو التاسع؛ لكنه ما رؤي ليلة الثلاثين من ذي الحجة يعني: ما رؤي الهلال فلا عبرة بالتقويم، ولهذا نقول: هذه السنة عاشوراء هو يوم السبت وتاسوعاء هو يوم الجمعة.
وإنني أقول لكم: أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صوم يوم السبت إلا فيما افترض علينا، قال: (فإن لم يجد أحدكم إلا عود عنبه أو لحاء شجر فليمضغه) وهذا الحديث اختلف العلماء رحمهم الله في ثبوته وفي معناه: فمن العلماء من قال: إنه لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: النهي عن صوم يوم السبت، وممن قال بذلك: الإمام مالك رحمه الله، قال: هذا حديث كذب، فكذبه مالك.
ومن العلماء من قال: إنه لا يصل إلى درجة الكذب لكنه ضعيف لشذوذه، ووجه الشذوذ أن هناك أحاديث كثيرة تدل على صيام يوم السبت، منها: أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لإحدى نسائه وهي جويرية وكانت قد صامت يوم الجمعة قال لها: (أصمت أمسِ؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري) .
ومنها: أن قوماً تنازعوا في صيام يوم السبت فأرسلوا إلى أم سلمة رضي الله عنها يسألونها، فقالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من صوم يوم السبت والأحد) .
الحديث الأول أخرجه البخاري وغيره، والثاني في السنن، فيكون الحديث الذي فيه النهي في مقابلة هذه الأحاديث المثبتة لصوم يوم السبت يكون شاذاً والشاذ من أقسام الضعيف لا يعمل به.
ومن العلماء من قال: إنه يمكن الجمع بينهما فيقال: من قصد صيام يوم السبت لأنه يوم السبت؛ فهذا منهي عنه، ووجه النهي: أن يوم السبت هو يوم عيد اليهود، ويوم العيد في العادة يكون يوم ترك للعمل؛ لأن الأعياد لا يعمل فيها، والصائم في الغالب يحتاج إلى الراحة وترك العمل، فيكون في هذا نوع مشابهة لليهود، لكن هذا التعليل في الحقيقة عليل لأنه يرد عليه يوم الأحد فإنه عيد للنصارى ومع ذلك لم ينه عن صومه.
والإمام أحمد رحمه الله ضعف هذا الحديث، حيث ذكر أن يحيى بن سعيد كان يتقيه وكان يأبى أن يحدث به، وكون الإمام أحمد ذكر هذا عن يحيى بن سعيد يدل على أن الحديث ضعيف عنده.
فالآن عندنا طرق: 1/ حكم مالك عليه بأنه كذب.
2/ الحكم عليه بأنه شاذ وضعيف.
3/ ذكره أبو داود وهو أنه منسوخ، لكن هذا الثالث يتوقف فيه الإنسان؛ لأنه ليس هناك دليل على النسخ، والنسخ يحتاج علم بالتاريخ.
وأقرب ما يقال في ذلك: إن إفراده بالصوم مكروه، يعني: أن تصوم يوم السبت لأنه يوم السبت هذا مكروه، أما إذا صادف أنه يوم عاشوراء أو يوم عرفة أو صادف عادة لك بحيث تكون ممن يصوم يوماً ويدع يوماً ووافق يوم السبت يوم صومك، فلا بأس فيه، أو صادف يوم السبت أيام البيض، أو أيام الست من شوال، أو قرنت معه غيره كالجمعة أو الأحد، فكل هذا لا بأس به.(154/19)
حكم إكرام الحجاج وذبح الذبائح عند قدومهم من مكة إلى بلادهم
السؤال
ظاهرة تنتشر في القرى خاصة بعد عودة الحجاج من مكة.
الشيخ: السنة هذه؟ السائل: كل سنة تقريباً يعملون ولائم يسمونها ذبيحة للحجاج أو فرحة بالحجاج أو سلامة الحجاج، وقد تكون هذه اللحوم من لحوم الأضاحي أو لحوم ذبائح جديدة، ويصاحبها نوع من التبذير، فما رأي فضيلتكم من الناحية الشرعية ومن الناحية الاجتماعية؟ الشيخ: هذا لا بأس به، لا بأس بإكرام الحجاج عند قدومهم؛ لأن هذا يدل على الاحتفاء بهم ويشجعهم أيضاً على الحج، لكن التبذير الذي أشرت إليه والإسراف هو الذي ينهى عنه؛ لأن الإسراف منهي عنه سواء بهذه المناسبة أو غيرها قال الله تبارك وتعالى: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام:141] ، وقال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء:27] لكن إذا كانت وليمة مناسبة على قدر الحاضرين أو تزيد قليلاً فهذا لا بأس به من الناحية الشرعية ومن الناحية الاجتماعية، وهذا لعله يكون في القرى أما في المدن فهو مفقود، ونرى كثيراً من الناس يأتون من الحج ولا يقام لهم ولائم لكن في القرى الصغيرة هذه قد توجد ولا بأس به، وأهل القرى عندهم كرم ولا يحب أحدهم أن يُقَصِّر على الآخر.(154/20)
حكم تعليق نزول المطر أو مجيء الخير بقدوم فلان
السائل: إذا قدم شخص على قوم ثم جاءهم المطر أو خير قالوا: هذا بسبب مجيء فلان إلينا أو ببركة مجيء فلان إلينا، فما حكم هذا؟ الشيخ: حكم هذا أنه قول بلا علم، وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] .
لكن لا شك أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما حضنه من حضنه كعمه أنزل الله له بركة، ولكن هذا يظهر أنه خاص بالرسول عليه الصلاة والسلام، أما غيره فلا ينبغي أن تنسب الحوادث الفلكية إلى شخص معين؛ لأننا لو أخذنا بهذه القاعدة ثم جاء إنسان وحصل في مجيئه عواصف من الرياح أو قواصف من الصواعق هل نقول: هذا من شؤم فلان؟ لا، لا يجوز أن نقول هكذا، لكن لو أنه صادف أن شخصاً قدم البلد وجاء المطر فلا حرج أن نقول: هذا من نعمة الله عز وجل أنه لقدومك حصل المطر، لكن لابد لقدومك، ففرق بين من يجعل قدومه هو السبب للمطر وبين من يرى أن هذا من نعمة الله عز وجل أن أنزل المطر لقدومه.(154/21)
حكم إطلاق لقب (الحَكَم) على من يحكم بين لاعبي الكرة
السائل: ورد في حديث أبي شريح أنه كان يكنى أبا الحكم وذكر أن قومه كانوا إذا اختلفوا احتكموا إليه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله هو الحكم) ثم نهوه عن ذلك ولقبوه بـ أبي شريح، لكن الآن يطلق على من يحكم بين اللعابين الذين يلعبون كرة يطلق عليه الحكم، فما حكم ذلك، هل هو محرم أو جائز؟ الشيخ: لا، هذا لا بأس به، مثل قول الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35] لكن قضية أبي شريح فإنهم كانوا يكنونه أبا الحكم كناية مستقرة مستمرة من أجل هذا العمل، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يدفع ذرائع الشرك وأن يكنيه بأكبر أولاده وهو شريح.(154/22)
حكم فتح محل للكوافير
السائل: أخت تريد أن تفتح محلاً بما يسمى كوافيرة أو مزينة، ولكن تريد أن تعرف الضوابط الشرعية الملزمة لها والمحظورات؟ بارك الله فيك الشيخ: أعرض علي الأشياء التي تفعل في هذا من أجل أن نعرف ما هو جائز أو ليس بجائز؟(154/23)
حكم من صلى خلف مسافر يتم
السائل: إذا صلى مسافر بمسافر فأتم الإمام فماذا على المأموم هل يجب عليه أن يتم أو يقصر؟ الشيخ: يعني الإمام مسافر وأتم؟ السائل: إي نعم.
الشيخ: يلزم المأموم أن يتم تبعاً لإمامه، يعني: إذا صلى المسافر وراء إمام يتم لزمه الإتمام سواء كان هذا الإمام مسافراً أو مقيماً لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) ، وقوله: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) ، وسئل ابن عباس رضي الله عنهما: عن الرجل المسافر يصلي ركعتين ومع الإمام يصلي أربعاً؟ قال: [تلك هي السنة] .(154/24)
حكم من نوى جمع التأخير ووصل قبل دخول وقت الثانية
السائل: يقول السائل: إذا كان الشخص مسافراً وكان يجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير، وحضر إلى بلده قبل دخول وقت العشاء فهل يصلي المغرب أم ينتظر إلى وقت العشاء؟ الشيخ: إذا كان مسافراً وأخر صلاة المغرب ليجمعها مع العشاء جمع تأخير ولكنه وصل إلى بلده قبل دخول وقت العشاء، فالواجب عليه أن يصلي المغرب في وقتها لأنه لوصوله إلى بلده انقطع السفر وزال المبيح للجمع، فيجب عليه أن يبادر فيصلي المغرب قبل خروج وقتها، وإذا دخل وقت العشاء صلاها.(154/25)
حكم سؤال الله أن يتقبل العمل الصالح
السائل: لا يزال الناس يقولون ومنهم العلماء إذا عملوا عملاً صالحاً: نسأل الله القبول، ولو أنهم عند أنفسهم أتموا شروط قبوله، فما هي موانع القبول ما دام كذلك؟ الشيخ: إذا عمل الإنسان عملاً صالحاً وسأل الله القبول فهذا من تمامه، ألم تعلم أن إبراهيم وإسماعيل كانا يبنيان الكعبة ويقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:127] ونحن نعلم أن عملهما عمل صالح مبني على نية صالحة ومع ذلك يسألان الله القبول.
السائل: يعني يا شيخ! بعضهم يصل إلى درجة أنه يخشى ألا يقبل منه، فهل هناك موانع الشيخ: نعم يخشى ألا يقبل منه؛ لأن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] ولا يدري عن نفسه هل هو متقٍ أم لا، والإنسان ربما يكون في قلبه شيء يسير من الرياء يحبط العمل، المهم أنه لا بأس أن يدعو الإنسان إذا عمل عملاً صالحاً أن يسأل الله القبول.(154/26)
حكم تأخير إخراج الوصية وتقسيم الإرث حتى يرتفع سعر العقار
السائل: والدي توفي وترك عقاراً ووصى بالثلث، فهل يقوم الورثة بالقسمة وإخراج الثلث أو يتأخرون لأنه قد يرتفع سعر العقار؟ الشيخ: لا إذا أوصى بثلث ماله فإنه يجب تقويم ما خلفه من حين موته ولا يجوز التأخير، وكونهم يؤخرون رجاء أن ترتفع أسعار العقارات هذا غلط؛ لأنه قد يظن الإنسان أن العقارات تزيد ثم هي تنقص، فالواجب إحصاء التركة من حين الموت حتى يعرف ما الذي فيه الوصية.(154/27)
حكم ذبح الأغنام المريضة بقصد حرمان الشيطان مع عدم أكلها
السائل: بعض الناس أصحاب الأغنام إذا مرضت أحد أغنامه أو أحد الشياه وأيس في شفائها يقوم بذبحها ويقول: نحرمها الشيطان ويذبحها ولا يأكلها، فما رأيك في ذلك؟ الشيخ: رأينا أن الإنسان إذا كان عنده شاة أو بعير أو بقرة وأيس منها إن كانت مريضة فلا بأس أن يقتلها ويدعها، وإن كانت غير مريضة فالواجب عليه أن يذبحها ويتصدق بها، وقولي: إنها غير مريضة يعني مثل أن تسقط من عالي وتنكسر رقبتها ويبادر بذبحها فهذه يجب عليه أن يذبحها ذكاة شرعية وأما قوله: لا ندعها للشيطان، فهذا شيء معروف عند العامة ولكن لا أعلم له أصلاً.(154/28)
حكم مجالسة من لا يصلي أبداً
السائل يقول: إذا كان يوجد شخص لا يصلي ويؤمر بالصلاة فهل تجوز مجالسته وجيرته؟ الشيخ: يؤمر بالصلاة ولا يصلي؟ السائل: نعم.
هل يجالس ويزار.
الشيخ: الرجل الذي لا يصلي أبداً لا في المسجد ولا في البيت ينصح ويخوف بالله فإن اهتدى فهذا هو المطلوب؛ وإن لم يهتدِ وجب رفعه إلى ولاة الأمور حتى يلزموه بالصلاة ويستتيبوه فإن تاب وإلا وجب قتله؛ لأنه مرتد والعياذ بالله.
أما بالنسبة لمعاملته فينبغي أن نهجره وألا ندعوه ولا نجيب دعوته؛ لأنه مرتد.(154/29)
حكم من نذر بصوم وأراد تغييره بصدقة
السائل: ما حكم النذر، من قال: لو حصل لي كذا وكذا فعلي صوم شهر، وحصل الشيء الذي يريد وحاول أن يغير هذا الشهر، فهل يتصدق؟ الشيخ: لا، يجب أن يصوم الشهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) وهذا النذر شكر لله عز وجل على النعمة التي حصلت له، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر لأن الإنسان ينذر دائماً ثم يندم ويشق عليه أن يوفي بنذره فيأثم، ألم تر إلى قول الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ.
} [التوبة:75-77] والعياذ بالله، فالنذر أصلاً منهي عنه ومكروه، وإذا كان نذر طاعة وجب على الإنسان أن يوفي به.
وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(154/30)
لقاء الباب المفتوح [155]
لقد من الله عز وجل على عباده في خلقه لهم وأنه ما خلقهم إلا لحكمة وغاية ومقصد ألا وهو: عبادة الله عز وجل من غير إشراك به سبحانه، ولذلك ذكرهم بدوام نعمه عليهم، وأنه هو الذي رزقهم حتى يلتفتوا إليه فيشكروه، فقال: (ما أريد منهم من رزق.
) ثم أتبع ذلك محذراً لهم بأنهم إن عصوه فإن بطشه شديد، وعذابه أليم، فقال: (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) .(155/1)
تفسير آيات من سورة الذاريات
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والخمسون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل خميس، والتي يعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) وهذا اللقاء هو يوم الخميس السادس عشر من شهر محرم عام (1418هـ) .(155/2)
تفسير قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)
نبتدئ هذا اللقاء بتفسير آخر سورة الذاريات من قول الله تبارك وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] أي: ما أوجدتهم بعد العدم إلا لهذه الحكمة العظيمة وهي عبادة الله تبارك وتعالى وحده لا شريك له كما سنبين، واللام في قوله: (ليعبدون) للتعليل لكن هذا التعليل تعليل شرعي أي: لأجل أن يعبدوني، حيث أمرهم فيمتثلوا أمره، وليست اللام هنا تعليلاً قدرياً؛ لأنه لو كان تعليلاً قدرياً للزم أن يعبده جميع الجن والإنس، لكن اللام هنا لبيان الحكمة الشرعية في خلق الجن والإنس، فالجن عالم غيبي خلقوا من نار؛ لأن أباهم هو إبليس كما قال الله تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} [الكهف:50] .
وسموا جناً؛ لأنهم مستترون عن الأعين حيث إنهم يروننا ولا نراهم، هذا هو الأصل أنهم عالم غيبي لكن قد يظهرون أحياناً، والأصل فيهم أنهم كالإنس منهم المسلمون ومنهم غير مسلمين، ومنهم الصالحون ومنهم دون ذلك، لكن الإنس أحسن منهم من حيث الابتداء، حيث إنهم خلقوا من الطين، من التراب، من صلصال كالفخار، وأما أولئك الجن فخلقوا من النار، كذلك يمتاز الإنس عنهم بأن منهم الرسل والنبيين، وأما الجن فليس منهم الرسل، نعم منهم نذر مبلغون الرسالات من الإنس كما في قول الله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف:29] فانظر إلى أدبهم في قولهم: أنصتوا، ثم بقائهم حتى انتهى المجلس، ثم ذهبوا دعاة لما سمعوا: {قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} [الأحقاف:29-30] إلى آخر الآية.
وأما الإنس فهم بنو آدم البشر، هؤلاء خلقوا لشيء واحد لعبادة الله، لا لأجل أن ينفعوا الله بطاعاتهم ولا أن يضروه بمعاصيهم ولا أن يطعموه ولهذا قال: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات:57] يعني: ما أطلب منهم رزقاً أي: عطاءً أنتفع به ولا أن يطعمون أنتفع بإطعامهم، قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ} [الأنعام:14] فهو سبحانه وتعالى له الغنى والجود والكرم، وهو غني عما سواه.
إذاً! لو سألنا: ما الحكمة من خلق الجن والإنس؟ العبادة، يعني: ما خلقوا لأجل أن يعمروا الأرض، ولا لأجل أن يأكلوا، ولا لأجل أن يشربوا، ولا لأن يتمتعوا كما تتمتع الأنعام، وإنما خلقوا لعبادة الله، وخلق لهم ما في الأرض، نحن مخلوقون للعبادة وما في الأرض مخلوق لنا: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة:29] والعجب أن قومنا الآن اشتغلوا فيما خلق لهم عما خلقوا له، ما الذي خلق لهم؟ ما في الأرض، عما خلقوا له وهو العبادة، وهذا من السفه أن يشتغلوا بشيء خلق لهم عن شيء خلقوا من أجله.
فما هي العبادة؟ العبادة نقول: إنها تطلق على المعنى الأول التعبد يعني: فعل العبد، فيقال: تعبد لله عبادة، والثاني: المتعبد به، وهذا المعنى قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنه اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة وكل ما يقرب إلى الله، فهو اسم جامع لكل شيء، فالصلاة عبادة، والصدقة عبادة، والصوم عبادة، والحج عبادة، والأمر بالمعروف عبادة، والنهي عن المنكر عبادة، كل ما يقرب إلى الله من قول أو فعل فإنه عبادة.
فإذاً العبادة تطلق على معنيين: المعنى الأول: التعبد الذي هو فعل العبد.
والمعنى الثاني: المتعبد به الذي هو العبادة.(155/3)
تفسير قوله تعالى: (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون)
قال تعالى: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:57-58] (هو الرزاق) أي: هو صاحب العطاء الذي يعطي، فالرزق بمعنى العطاء ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء:8] أي: أعطوهم، وكلمة (الرزاق) أبلغ من كلمة الرازق؛ لأن الرزاق صيغة مبالغة تدل على كثرة الرزق والمرزوق، فرزق الله تعالى كثير باعتبار كثرة المرزوقين، كل دابة في الأرض على الله رزقها من إنسان وحيوان، من طائر وزاحف، من صغير وكبير.
هل يمكن أن نحصي أنواع المخلوقات التي على الأرض؟ لا يمكن، لو قلت لك: احص العوالم التي في الأرض؟ ما استطعت فضلاً عن أفرادها، كل فرد منها فإن الله تعالى متكفل برزقه: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:6] فإذا كان الأمر كذلك صار رزق الله كثيراً باعتبار المرزوق، من يحصي المرزوقين؟! لا أحد يحصيهم، أيضاً هو كثير بأن نعمة الواحد باعتبار الواحد منهم، كم لله عليكم من رزق؟!! كثير لا يحصى، رزق الله لك دابٌ عليك ليلاً ونهاراً، رزقك عقلاً، وصحةً، ومالاً، وولداً، وأمناً، وأشياء لا تحصى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل:18] ولهذا جاء اسم الرزاق بالتشديد الدال على الكثرة.
وقوله: (ذو القوة) أي: صاحب القوة التي لا قوة تضادها كما قال الشاعر الجاهلي يقول:
أين المفر والإله الطالب والأشرم المغلوب ليس الغالب
هذا وهو جاهلي، فقوة الله عز وجل لا تضاهيها قوة، قوته عز وجل لا يعتريها ضعف بخلاف قوة المخلوق، المخلوق قوته تنتهي إلى ضعف كما قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم:54] أما الرب عز وجل فإن قوته لا يلحقها ضعف بأي وجه من الوجوه، ولما قالت عاد: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:15] ، ماذا قال الله؟ {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت:15] وصدق الله عز وجل.
وقوله: (المتين) يعني: الشديد، فهو شديد في قوته، شديد في عقابه، شديد في كل ما تقتضي الحكمة الشدة فيه، انظر إلى قول الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النور:2] هذه شدة لا تأخذكم بهما رأفة، الله عز وجل أرحم الراحمين ومع ذلك يوصينا بل ينهانا أن تأخذنا الرأفة في الزانية والزاني {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ} [النور:2] وهذا دليل على القوة.
من قوته عز وجل: أنه سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام وهل تعب؟ لا: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ} [الأحقاف:33] .
ومن قوته وقدرته: أنه جل وعلا يبعث الناس كنفس واحدة {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:13-14] ، والأمثلة على هذا كثيرة، فهو جل وعلا له القوة البالغة التي لا يمكن أن يضاهيها أي قوة.(155/4)
الأسئلة(155/5)
حكم التصوير الفوتوغرافي
السؤال
ما حكم التصوير بالكاميرا الفوتغرافية؟
الجواب
التصوير بالكاميرا الفوتغرافية إذا كان لحاجة مثل: تابعية، أو رخصة القيادة لا بأس به؛ لأن الناس في حاجة لهذا، أما إذا صور لأجل أن يحتفظ به للذكرى فهذا لا يجوز؛ لأن اقتناء الصور للذكرى محرم، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة) .(155/6)
نصيحة للشباب حول الثبات على الدين
السؤال
في الآونة الأخيرة كثيراً ما نرى ونسمع عن حالات انتكاس نسأل الله الثبات لنا ولكم فما هي في نظركم الأسباب الدافعة لهذه الظاهرة، وما هي المقومات المعينة على الثبات، نرجو التوضيح؟
الجواب
الواقع أن السؤال يقول: في هذه الآونة الأخيرة نرى كثيراً من الانتكاسة، والانتكاسة والحمد لله ليست كثيرة، بل بالعكس نرى كثيراً من الناس يتجهون، لكن الحقيقة أن الشباب يحتاجوا إلى قيادة حكيمة إلى أناس يثق بهم الشباب ويكون عندهم علم شرعي مستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين، والأئمة من بعدهم وأتباع الأئمة، منهج صحيح قوي ينظر في الحاضر وينظر للمستقبل وأيضاً على علم وإيمان بالله عز وجل.
فالشباب في الحقيقة في الوقت الحاضر يحتاجون إلى قيادة حكيمة؛ لأن القيادة المتهورة توقعه في الهلاك، المتهورة التي تريد أن تصلح الناس بين عشية وضحاها، وهذا أمر مستحيل، سنة الله عز وجل، ونضرب لكم مثلاً: إن نبينا صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي صباحاً ومساءً وبقي في مكة ثلاثة عشر سنة يدعو الناس ولم يستجب له إلا القليل، إلى حد اضطر فيه إلى أن يهاجر ويغادر بلد الله الأمين؛ لأنه لم يجد ما يريد من انقياد الناس له فهاجر، مع أنه رسول الله ينزل عليه الوحي ويؤيد بالآيات، حتى إنهم قالوا: أرنا آية، فأشار إلى القمر فانقسم القمر فلقتين، القمر في العالم العلوي، ومع ذلك أشار إليه الرسول فانقسم فرقتين هل آمنوا؟ ما آمنوا، قال الله عنهم: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر:2] هل في إمكانه أن يصلح ولاة الأمور والشعب بين عشية وضحاها، أو في أيام معلومة، أو في أشهر؟ هذا ليس بالإمكان، إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتيسر له ذلك فكيف بنا؟!! فالقيادة المندفعة نحن لا نريدها للشباب أبداً، والقيادة البطيئة الهينة الميتة أيضاً لا نريدها، نريد قيادة حكيمة عليمة تنظر إلى العواقب والآثار قبل أن تنظر للحاضر؛ لأن الإنسان إذا نظر إلى الحاضر ونظر مثلاً أنه مع الأسف يوجد مثلاً في صحافتنا المحلية والتي تبث إلينا من الخارج وهي أخبث وأشد فتنة، الذي ينظر إلى هذا ثم ينظر أيضاً إلى ما حدث أخيراً من القنوات الفضائية يتمزق من الحسرة وكيف ينهال الناس على مثل هذه الأشياء؟ والحمد لله لا ينهال عليها أحدٌ من الملتزمين لكن غير الملتزمين، ويأسف لهذا الشيء.
فمن الناس من تأخذه الغيرة ويندفع يريد أن يأتي البيوت من غير أبوابها، يريد أن يتسور وهذا لا يمكن، من أراد أن يتسور فعاقبته أن ينكسر أو يكسر، لكن إذا أتينا الأمور من أبوابها وصرنا نحذر الناس من هذه الصحف ومن هذه المجلات ومن هذه المرئيات صار في هذا خير كثير، لكن بعض الناس إذا أراد أن ينكر هذا الشيء أول ما ينصب على الحكومة ولماذا تقر هذا الشيء؟ لكن الحكومة لها قنوات يمكن إصلاحه يخاطب مباشرة، لكن المجامع والمساجد والمحافل الذي يخاطب في المساجد والمجامع والمحافل هم الشعب الناس، حذرهم من هذا، بين لهم ضرره، فأنت إذا وجهت النصيحة للناس يستجيبون لك وينتفعون.
لنضرب مثلاً في هذه البيوت بيوت الربا التي تسمى البنوك، هل إذا أردنا أن نصلح الأمر نصب جام غضبنا على الحكومة ونقول: لماذا مكنتهم من ممارسة الربا؟ الجواب: ليس هذا من الحكمة، انصح الحكومة فيما بينك وبينها لا بأس، أو إذا كان المسئول أمامك خاطبه وناقشه كما كانوا يناقشون عمر أمام عمر رضي الله عنه لكن من وراء الستار غلط، من تخاطب في إصلاح هذا الوضع التي هي البنوك؟ الناس، أحذرهم منه وأقول: لا تتعاملوا معه، والبنوك إذا رأت الناس معرضين عنها سوف تضطر إلى إصلاح الوضع، أو تفتح فروعاً تتمشى في معاملتها على الشريعة؛ لأن الذي يقوم هذه البنوك من هم؟ الشعب، هم الذين يقومونه، فإذا رأى أصحاب البنوك الناس انصرفوا وصاروا يطلبون جهات أخرى فإنها سوف تفلس وتضطر إلى السحب، والحكومة خاطِبْها ستجد عندها مثلاً من يقول لها: إن هذه البنوك حلال، ولعل بعضكم قرأ ما كتب في الصحف حول هذا الموضوع وما نشر أيضاً: أن البنوك ليست حراماً، لماذا؟ قالوا: لأن المحرم هو الربا الذي فيه الظلم وهذه ما فيها ظلم، هذه ينتفع منها البنك وينتفع منها الساحب من البنك، ينتفع منها البنك بالزيادة، يعطيك مثلاً عشرة آلاف يأخذ إحدى عشر ألفاً، ينتفع منها الساحب فيكّون مصنعاً ويكّون مزرعة ويكّون تجارة فالكل منتفع ما في ظلم، والله عز وجل نهانا عن الربا وقال: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:279] وهذا ما فيه ظلم.
يأتي أناس يشار إليهم بأنهم دكاترة أو علماء أو ما أشبه ذلك يلبسون على الحكومة، أيضاً يجيء شخص آخر يقول لك: من قال إن هذه الأوراق فيها ربا؟ هذه أوراق والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح) في أي واحد من الأجناس تدخل هذه الأوراق؟ نعم ما تدخل فليست ذهباً ولا فضةً، وإنما هي مثل الفلوس المعدنية، والفلوس المعدنية نص الفقهاء من السابقين أنه ليس فيها ربا وانظروها في الروض المربع وغيره، تقول هكذا الحكومة، وهي تبقى الآن بين جناحين: جناح خافض وجناح رافع وتناقش في هذا، لكن أما أن نذهب نسب الحكومة من أجل هذا ونحن نريد من الناس أن يحذروا، لا بل نبدأ بالناس أولاً والحكومة نناقشها، ونقول للذي قال: إن الربا المحرم فيه ظلم، هذا ليس بصحيح، والدليل على ذلك: أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أُتي إليه بتمر جيد فقال: (ما هذا؟ قالوا: يا رسول الله! نأخذ الصاع من هذا بصاعين من الرديء، والصاعين بثلاثة، فقال عليه الصلاة والسلام: أوه -يعني توجع- عين الربا! عين الربا!) هذه المعاملة هل فيها ظلم؟ ما فيها ظلم لماذا؟ لأن الصاع الجيد يساوي صاعين رديئين فليس هناك ظلم، ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَوَّهْ! عين الربا) فبطلت حجة من يقول: إن الربا المحرم هو ما كان فيه ظلم، نقول: هذا ما فيه ظلم.
أيضاً: الذي يقول: هذه الأوراق ليست ذهباً ولا فضة؟ نقول: لكن الناس الآن اتخذوها نقداً كما اتخذوا الدراهم والدنانير، والدراهم فضة والدنانير ذهب فقد اتخذها الناس نقداً يستعملونها كما يستعملون الدراهم والدنانير سابقاً، والقاعدة الشرعية أن (البدل له حكم المبدل) فبطلت هذه الحجة أيضاً.
لكني أنا أتيت لكم بهذا المثال لتعلموا أن الدولة ليس عندها إلا من يرى تحريم الربا في هذه الأوراق أو في هذه المعاملة، يأتيها من كل مكان، ولها من يقرءون الكتب، ولها من يقرءون الصحف، وهذا مثال فقط وإلا فهناك أشياء أخرى أيضاً.
ألم تعلموا أن ابن حزم وهو معروف إمام في الفقه من الظاهرية يجيز الغناء والمعازف؟!! هو يجيزه، ومن الناس من ينشر رأيه الآن، وقبل أسبوع قرأنا هذا في الصحف، وتبين لنا أن فيه رسالة دكتوراه تبيح الغناء والمعازف، نعم فما هو موقف الناس؟ ابن حزم من المتقدمين وتبعه من تبعه، وأناس عندنا من المتأخرين يجوزون هذا، نعم ونحن نرى أن هذا غلط، وأن الحديث صحيح، حديث أبي مالك الأشعري الذي رواه البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم المعازف مع الزنا والخمر والحرير للرجال؛ لأن هذه الأمور الأربعة بإذن الله متلازمة نسأل الله العافية أو متقاربة، فإذا كان الرسول جعل المعازف بمنزلة هذه الأشياء علم أنها حرام ما في إشكال، ولم نعبأ بقول ابن حزم ولا غيره، لكني قصدي أني أضرب لكم مثلاً بأن الهجوم على الحكومة علناً خطأ، والسير وراء هذا المنهج خطأ مخالف لما كان عليه السلف الصالح.
لكن يجب على الدعاة وعلى قائدي الشباب أن ينظروا للمصالح، وأن ينظروا للعواقب والنتائج، ما الذي أوصل دولة عربية إلى أن يُقتل في خلال خمسة سنوات أو أقل ستون ألفاً يقتل بعضهم بعضاً إلا مثل هذه الآراء، الآراء المنحرفة التي تريد أن يصلح الناس بين عشية وضحاها ثم يصبون جام الغضب على الحكومة، كل هذا من الغلط، والصواب والحمد لله: أن الأمور مستقيمة يعني: على وجه قاصر بلاشك، ولكننا نأمل بإذن الله عز وجل أن الشباب سيتجه اتجاهاً سليماً معتدلاً ليس فيه تفريط ولا إفراط.
أما الطريق إلى الثبات، فالطريق إلى الثبات متعددة: منها: إقبال الإنسان على عبادة الله، وأن يشتغل بنفسه لا بعيوب غيره؛ لأن الإنسان إذا اشتغل بإصلاح نفسه عن عيوب غيره كسب المعركة، لكن لو كان ليس له هم إلا تتبع عيوب الناس والتفكير فيها ضاع عليه الوقت ونقص تعلق قلبه بالله سبحانه وتعالى، فأنت أقبل على ربك، وأصلح ما بينك وبين الله، واسع بما تستطيع لإصلاح عباد الله.
ثانياً: الإكثار من العبادة.
الإكثار من العبادة لا شك أنه يوجب الثبات بدليل قول الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة:49] والذنوب سبب للانحراف، الذنب يأتي بالذنب، والصغير يأتي بالكبير، ولهذا قال بعض العلماء: المعاصي بريد الكفر.
يعني: ينزلها الإنسان منزلة منزلة حتى يصل إلى الكفر والعياذ بالله.
ثالثاً: مصاحبة الأخيار.
أن الإنسان يصاحب أهل الخير وأهل العلم والإيمان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مثل الجليس الصالح بحامل المسك إما أن يحذيك يعني: يعطيك مجاناً، وإما أن يبيعك، وإما أن تجد منه رائحة طيبة، وعكس ذلك جليس السوء كنافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة.
الرابع مما يوجب الثبات: أن ينظر الإنسان ماذا يحصل له من الثبات على الأمر وماذا يحص(155/7)
إذا نسي الإمام التشهد الأول وقام ثم رجع
السؤال
في صلاة العشاء سها الإمام وقام إلى الركعة الثالثة دون الجلوس في التشهد الأول؛ فسبح من وراءه؛ فجلس ورجع إلى التشهد الأول، قبل السلام سجد سجود السهو وسلم ثم قام أحد من الموجودين فقال: إن كان يعلم هذا الحكم فصلاته باطلة، وإن كان لا يعلم فلا أدري حكمه، لكن أرى أن نعيد الصلاة.
؟
الجواب
أما إعادتكم إياها بناءً على أن هذا واجب عليكم فلكم الأجر إن شاء الله، وأما الصواب: فإن الإنسان إذا قام عن التشهد الأول حتى استتم قائماً لا يجوز له أن يرجع، فإن رجع متعمداً بطلت صلاته، أما إذا كان جاهلاً فلا تبطل، فالإنسان إذا ترك التشهد الأول واستتم قائماً نقول: لا ترجع، استمر في صلاتك وكملها ثم اسجد للسهو قبل السلام.
أما إذا ذكر قبل أن يستتم قائماً فإنه يرجع ويكمل.
السائل: حتى ولو لم يقرأ؟ الشيخ: سواء قرأ أو لم يقرأ لا يرجع، إذا استتم قائماً لا يرجع، هذا في التشهد الأول لكن لو نسي سجدة وقام فهذا يرجع ولو قرأ الفاتحة ولو ركع لابد أن يرجع لما ترك، مثلاً لو قام من السجدة الأولى ثم قرأ الفاتحة ثم ركع وذكر أنه ما سجد إلا مرة نقول: اجلس فوراً وقل: رب اغفر لي وارحمني، ثم اسجد ثم كمل الصلاة ثم اسجد للسهو بعد السلام.(155/8)
حكم من نام بعد الظهر ثم قام فصلى العصر ظاناً أنه قد خرج الوقت
السؤال
شخص نام وقت الظهر، فلما قام من نومه ظن أن صلاة العصر انتهت وصلى في البيت، فعلم أن صلاة العصر لم تنته فهل في هذه الحالة يذهب ويصلي في المسجد؟
الجواب
هذا يقول: إنه استيقظ فظن أن الناس قد صلوا العصر فصلى العصر، ثم تبين له أن الناس لم يصلوا، فهذا لا يلزمه أن يذهب إلى المسجد ويصلي مع الناس، لأنه أدى الصلاة وبرئت ذمته.(155/9)
قراءة سورة الإخلاص في سنة المغرب
السؤال
هل ثبت حديث في قراءة سورة الإخلاص في السنة الراتبة لصلاة المغرب؟
الجواب
ما ثبت لكنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في سنة المغرب بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] فإذا قرأ بها فهو خير؛ لأن الحديث إن ثبت فهو ثابت، وإن لم يثبت فنظيره سنة الفجر يقرأ فيها بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] .
ولأن الإنسان يرجو الثواب إن كان صحيحاً فذاك المطلوب وإن لم يكن صحيحاً فلا حرج عليه.(155/10)
حكم صلاة من لبس ثياباً شفافة
السؤال
من شروط الصلاة ستر العورة، فهل نلزم من لبس ثوباً شفافاً أن يعيد الصلاة ونقول له: صلاتك باطلة؟
الجواب
نعم.
من شروط الصلاة ستر العورة؛ لقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] فإذا لبس ثوباً لا يمنع من بيان البشرة فإنه كالعاري تماماً، فهذا الثوب حرام عليه لا يجوز، ولا أظن أحداً يلبس ثوباً كاملاً يصف البشرة، لكن يقع أن بعض الناس يلبس سروالاً قصيراً يعني: لا يصل إلى الركبة، ويلبس فوقه ثوباً شفافاً، هذا نقول: لا تصح صلاته، وإذا فعل ذلك أوجبنا عليه أن يعيد الصلاة؛ لأنه لم يمتثل أمر الله عز وجل لقوله: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] ، وقد ذكر بعض أهل العلم الإجماع على أن من صلى عرياناً وهو قادر على أن يستر عورته فصلاته باطلة.(155/11)
حكم الصلاة على الجنازة في المقبرة لمن فاتته في المسجد
السؤال
ما حكم الصلاة على الجنازة في المقبرة إذا فاتته في المسجد؟
الجواب
لا بأس، يجوز للإنسان إذا فاتته صلاة الجنازة في المسجد أن يصلي عليها في المقبرة.(155/12)
تحريم الكذب في الطرائف والنكت
السؤال
هل يجوز الكذب في الطرائف؟
الجواب
لا يجوز الكذب في الطرائف كما يقولون؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو على الأقل بسند حسن أنه قال: (ويل لمن يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له! ثم ويل له!) وهذا يدل على أنه لا يجوز؛ لأن الوعيد بويل من أدلة تحريم العمل.(155/13)
عموم النهي عن تخطي رقاب الناس في المسجد
السؤال
ورد النهي عن تخطي الرقاب يوم الجمعة والإمام يخطب فهل يعم النهي غير الجمعة؟
الجواب
نعم، كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فرأى رجلاً يتخطى الرقاب فقال: (اجلس فقد آذيت) فجعل العلة في الأمر بالجلوس الإيذاء، وهذا يشمل الجمعة وغير الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: اجلس فإنه يوم الجمعة، قال: (اجلس فقد آذيت) إذاً: فمتى حصل الإيذاء فإن الإنسان ينهى عن تخطي الرقاب، لكن بعض العلماء رحمهم الله يقول: من لم يجد فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي فله أن يتخطى.
أفهمت؟ مثلاً: الإنسان وجد في الصف الأول فرجة ما فيها أحد فله أن يتخطى ليصل إلى هذه الفرجة، وعللوا ذلك رحمهم الله: بأن هؤلاء هم الذين جنوا على أنفسهم؛ لأنهم مأمورون بأن يسدوا الخلل، فإذا لم يسدوه فهم الذين جنوا على أنفسهم، لكن في نفسي من هذا شيء في الواقع؛ لأن الرجل الذي رآه الرسول صلى الله عليه وسلم يتخطى ما أظن أنه يتخطى إلا لفرجة يصل إليها، لا أظنه يتخطى لأجل ينظر هل هناك مكان، فالظاهر أن النهي عن التخطي عام سواء كان هناك فرجة أم لم يكن.(155/14)
مسألة التورق في البيع
السؤال
ما حكم شراء السيارة بالتقسيط مع عدم الحاجة إلى ذلك؟ الشيخ: يعني: إنسان يريد أن يشتري سيارة لأنها أحسن من سيارته التي عنده؟ السائل: نعم.
عنده المبلغ لكنه يشتريها بالتقسيط.
الشيخ: لماذا؟ السائل: يعني: بحاجة إلى هذا المبلغ.
الشيخ: يريد أن يشتري السيارة ويبيع؟ السائل: نعم.
الشيخ: هذه تسمى عند العلماء مسألة التورق: أن يشتري الإنسان السلعة بثمن مؤجل من أجل أن يبيعها وينتفع بثمنها، وهي عند شيخ الإسلام ابن تيمية حرام لا تجوز بأي حال من الأحوال، وهي أيضاً في نظري بالنسبة لسؤالك إذا كان لا يحتاج إليها حرام أيضاً، لماذا يستدين ويشغل ذمته بالدين وهو لا يحتاج إليها؟!(155/15)
سترة الإمام سترة للمأموم أثناء الصلاة
السؤال
نعلم بأن سترة الإمام سترة للمأموم، فإذا انتهى الإمام من صلاته وقام المأموم يقضي فهل تستمر سترة الإمام سترة للمأمومين، أو يكون الإمام سترة للمأموم بعد انفراده؟
الجواب
المأموم لما سلم الإمام صار منفرداً فلا تكون سترة الإمام سترة له حتى الإمام الآن ليس بإمام؛ لأنه انصرف وذهب عن مكانه، لكن هل يشرع للمأموم بعد ذلك إذا قام يقضي ما فاته أن يتخذ سترة؟ الذي يظهر لي: أنه لا يشرع، وأن الصحابة رضي الله عنهم إذا فاتهم شيء قضوا بدون أن يتخذوا سترة، ثم لو قلنا: بأنه يستحب أن يتخذ سترة، أو يجب على قول من يرى وجوب السترة، فإن الغالب أنه يحتاج إلى مشي وإلى حركة لا نستبيحها إلا بدليل بين، فالظاهر أن المأموم يقال له: سترة الإمام انتهت معك وأنت لا تتخذ سترة؛ لأنه لم يرد اتخاذ السترة في أثناء الصلاة، وإنما تتخذ السترة قبل البدء في الصلاة.(155/16)
حكم التفات المؤذن عن اليمين والشمال عند الحيعلتين
السؤال
ما حكم التفات المؤذن في الأذان حين يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح؟
الجواب
يرى بعض العلماء أن تلتفت يميناً أو شمالاً في كل جملة، تقول: حي على الصلاة على اليمين، حي على الصلاة على اليسار، حتى يسمع من على يمينك ومن على يسارك، وتقول: حي على الفلاح عن يمينك، حي على الفلاح عن اليسار، والأدلة في ذلك محتملة، لهذا الوجه وللوجه المعمول به الآن وهو أن تقول: حي على الصلاة مرتين على اليمين، وحي على الفلاح مرتين على اليسار، والعمل على هذا الآن، والنصوص الواردة محتملة، فالذي أرى أنه لا بأس أن تتخذ هذا وهذا، هذا بالنسبة للمؤذن بدون مكبر الصوت، أما الآن فلا حاجة للالتفات؛ لأنك إذا التفت الآن فربما يكون في الالتفات ضرر، لأنه اللاقطة لا تكون أمامك فيضعف الصوت، فالذي أرى في مسألة مكبر الصوت الآن أنه لا يلتفت يميناً ولا شمالاً لا في حي على الصلاة ولا في حي على الفلاح، ويكون الالتفات الآن بالنسبة للسماعات، فينبغي أنه يجعل مثلاً في المنارة سماعة على اليمين وسماعة على الشمال.(155/17)
استحباب اختيار الموضوعات المناسبة للواقع في خطبة الجمعة
السؤال
بالنسبة لبعض الخطباء إذا خطبوا يجعلون للخطب مناسبات، فمثلاً إذا جاء موسم الإسراء والمعراج يخطبون فيه ويبينون بعض الفوائد ويعرجون على بيان بعض البدع والأخطاء التي تقع في هذا اليوم، فما حكمه؟
الجواب
هذا جيد يعني: كون الإنسان يجعل الخطبة مناسبة لما حدث، هذا طيب، وهذا هو الغالب على خطب النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا إذا وقعت حادثة تحتاج إلى خطبة قام وخطب حتى يبلغ الجمهور.
كون الإنسان يراعي الأحوال ويخطب في المناسبات هذا طيب، مثلاً في رمضان يتحدث عن الصيام، وفي الحج يتحدث عن الحج، وفي ربيع الأول عن الهجرة، يعني: ينظر المناسبات، هذا لا بأس به، وهو دليل على أن الخطيب فقيه وحكيم، لكن هنا مسألة بعض الأئمة يفعلونها إذا خطب خطبة قرأ في الصلاة الآيات المناسبة لها هذا هو الذي يقال: إنه بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ملازماً لقراءة سبح والغاشية أو الجمعة والمنافقون، ولم يكن يراعي موضوع الخطبة.(155/18)
حكم التسمي بعزيز وشهيد
السؤال
هل يجوز التسمي بعزيز وشهيد؟
الجواب
أما عزيز فكنت أرى أنه ليس فيه بأس؛ لأن الذين يسمون عزيز لا يقصدون العزة، لكن اطلعت على حديث في النهي عن اسم عزيز، وأما شهيد فالشهيد كما تعرف مفرد شاهد، والله تعالى قد أثبت الشهادة للناس فقال: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:282] لكني أخشى إذا سمي بشهيد أن ينصرف الذهن أول ما ينصرف إلى شهادة الله عز وجل، فإنه شهيد على عباده، فتجنب هذين الاسمين لا شك أنه أولى، والأسماء والحمد لله كثيرة، الذي يريد أن يعرف الأسماء يرجع إلى الإصابة في معرفة الصحابة لـ ابن حجر وعنده اسم عبد الله بالمئات، يعني: تضيق على الإنسان الأمر إلا أن يأتي بمثل هذه الأشياء وهو من المؤسف، الآن الناس يبحثون عن أي شاب يسمون به حتى يسمون أفنان، وأظن أيضاً أغصان وما أشبه ذلك، وشخص سموه: نكتل، قال: هذا موجود في القرآن: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ} [يوسف:63] فظنوا أن (نكتل) بدل من (أخانا) وهي (نكتل) هذه فعل مضارع مجزوم لكن الجهل.
الحمد لله عندك الأسماء كثيرة: عبد الله، عبد الرحمن وهي أحب الأسماء إلى الله، وأسماء الأنبياء: كمحمد، وموسى، وعيسى، ويوسف، وما أشبه ذلك.(155/19)
حكم الجزم بالشهادة لمن مات بسبب الحريق
السؤال
الغريق ومن مات بسبب الحريق هل هم شهداء؟
الجواب
أولاً: أقول: كل من مات بحريق وهو مسلم فإنه من الشهداء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحريق شهيد) لكن ما نقول: فلان شهيد؛ لأنه مات بالحرق، ما ندري، لكن على سبيل العموم نقول: كل من مات بالحريق فإنه شهيد، وإذا كان من رجال الإطفاء كان أشد ثواباً؛ لأن هذا الرجل الذي مات بالإطفاء جمع بين أمرين: بين الحريق وبين الدفاع عن إخوانه، فهو في الحقيقة اكتسب أجرين: أجر الدفاع عن إخوانه المسلمين، وأجر شهادة الحريق، لكن لاحظوا أننا لا نشهد لشخص بعينه، يعني: مثلاً إنسان أحرقته النار أمامنا نقول: الحريق شهيد، لكن ما نقول: هذا الرجل شهيد، وقد ترجم البخاري رحمه الله في صحيحه لهذه المسألة وقال: (باب: لا يقال فلان شهيد) ثم استدل لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مكلوم يكلم في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله) فقال: والله أعلم، إذا كان الله يعلم بمن يُكلم في سبيله؛ إذاً: لا نشهد على أحد، لكن نقول على العموم: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، فيفرق بين العموم وبين الخصوص.
وبحلول أذان الظهر ينتهي هذا المجلس، وإلى اللقاء في المجلس القادم إن شاء الله.
والحمد لله رب العالمين، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(155/20)
لقاء الباب المفتوح [156]
تحدث الشيخ رحمه الله في هذه المادة عن تفسير آخر سورة الذاريات، وبين فيها حال الرسل مع أقوامهم، وكيف كانوا يبتلون ويرمون بالعظائم من قبل أقوامهم، ثم أتبع الله عز وجل ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر قومه ويقيم الحجة عليهم، ويتولى ويعرض عنهم، ثم بين الله عظم منته على عباده من رزق ومعيشة لأجل أن يعبدوه، ولكن الظالمين يتمادون في غيهم وطغيانهم.(156/1)
تفسير آيات من سورة الذاريات
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: هذا هو اللقاء السادس والخمسون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس، وهذا هو الخميس الثالث والعشرون من شهر محرم عام 1418هـ.(156/2)
تفسير قوله تعالى: (كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول)
نستدرك فيه بعض الآيات بل كل الآيات التي نسيناها في الدرس السابق وهي قوله تبارك وتعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:52] أي: أن الأمر الذي حصل لك يا محمد! حصل لمن قبلك، فقوله: (كذلك) خبر مبتدأ محذوف التقدير: الأمر كذلك، يعني: أن أمر الأمم السابقة كأمر هؤلاء الذين كذبوك يا محمد! وفسر هذه الكذبة بقوله: {مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} أي: ما أتاهم رسول إلا قالوا كذا، (ومن) في قوله: (من رسول) زائدة من حيث الإعراب في قوله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ} [المائدة:19] المعنى: ما جاءنا بشير ونذير، لكن تزاد الحروف في بعض الجمل للتأكيد.
فـ (ما أتى الذين من قبلهم من رسول) أي: ما أتاهم رسول إلا وصفوه بهذين الوصفين: (إلا قالوا ساحر أو مجنون) ساحر باعتبار تأثيره وبيانه وبلاغته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من البيان لسحراً) .
(أو مجنون) أي: أو قالوا مجنون باعتبار تصرفاته؛ لأن هذا التصرف في نظر هؤلاء المكذبين جنون نسأل الله العافية، وفي هذا تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الإنسان إذا علم أن غيره أصابه ما أصابه تسلى بذلك وهان عليه الأمر، ولهذا قالت الخنساء وهي ترثي أخاها صخراً قالت في رثاءٍ لها:
ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن أسلي النفس عنه بالتأسي
وقد دل لذلك قول الله تبارك وتعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف:39] لأن الإنسان إذا شاركه غيره في العذاب هان عليه، لكن يوم القيامة لا ينفع الإنسان أن يشاركه غيره في عقوبته، المهم أن في هذه الجملة بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام تسلية له حتى لا يحزن، فإن ما أصابه قد أصاب غيره، وفيها أيضاً دليل على أن المكذبين للرسل طريقتهم واحدة ولو تباعدت أزمانهم وأقطارهم، لأن المجرم أخو المجرم فالطريقة واحدة.(156/3)
تفسير قوله تعالى: (أتواصوا به بل هم قوم طاغون)
قال الله تعالى: {أَتَوَاصَوْا بِهِ} [الذاريات:53] أي: بهذا القول: {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الطور:32] أي: هل هؤلاء المكذبين للرسل الذين اتفقوا على وصفهم الرسل بأنهم سحرة ومجانين هل هم تواصوا بذلك؟ أي: هل كل واحد من هذه الأمم كتب وصية إلى الأمم اللاحقة أن قولوا لأنبيائكم: إنكم سحرة ومجانين؟
الجواب
لا، ولهذا قال: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات:53] وهذا إضراب إبطال، أي: ما حصل تواصل، ولكن تواردت الخواطر؛ لأن الهدف واحد وهو تكذيب الرسل فاتفقت الكلمة، وفي قوله: (طاغون) وصف بأن هؤلاء طغاة معتدون، وهذا من أعظم الطغيان -والعياذ بالله- أن يصفوا دعاة الحق بأنهم سحرة ومجانين.(156/4)
تفسير قوله تعالى: (فتول عنهم فما أنت بملوم)
قال الله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} [الذاريات:54] أي: أعرض عن هؤلاء ولا تهتم بهم.
{فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} [الذاريات:54] أي: لا أحد يلومك؛ لأنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، وصبرت وصابرت، فلقد صبر النبي صلى الله عليه وسلم وصابر على أذى قريش وامتهانهم إياه، ولكنه كانت له العاقبة ولله الحمد، ولهذا قال: (تول عنهم) بمعنى: أنك لا تتعب نفسك فيهم، ولا تهلك نفسك فيهم، فأنت في هذه الحال لا تلام على ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قام بما يجب عليه.
وفي قوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} [الذريات:54] فيها أمران: الأمر الأول: عذر النبي عليه الصلاة والسلام وإقامة العذر له، والأمر الثاني: تهديد هؤلاء المكذبين أن الله تعالى يهددهم بتولي الرسول عنهم؛ لأنهم لا خير فيهم.(156/5)
تفسير قوله تعالى: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)
ثم قال: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55] (ذكر) أي: ذكر الناس بآيات الله بشرائعه بأيامه، شرائعه: ما أوجب الله على العباد، أيامه: عقابه تبارك وتعالى للمكذبين وإثابته للطائعين، لكن أطلق الله الذكر وقال: (ذكر) ولم يقل: ذكر المؤمنين، لكن بين أن الذي ينتفع بالذكرى هم المؤمنون قال: {فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} لأن المؤمن إذا ذكر فهو كما وصفه الله عز وجل، {إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً} [الفرقان:73] بل يقبلونها بكل رحابة صدر وبكل طمأنينة، وفي الآية دليل على وجوب التذكير على كل حال، وفيها أن الذي ينتفع بالذكرى هم المؤمنون، وأن من لا ينتفع بالذكرى فهو ليس بمؤمن، إما فاقد الإيمان وإما ناقص الإيمان، وهنا فتش عن نفسك إذا ذُكِّرْتَ بآيات الله وخُوِّفْتَ من الله عز وجل هل أنت تتذكر أو يبقى قلبك كما هو قاسياً؟ إن كانت الأولى فاحمد الله فإنك من المؤمنين، وإن كانت الثانية فحاسب نفسك ولا تلومن إلا نفسك، عليك أن ترجع إلى الله عز وجل حتى تنتفع بالذكرى.
وفي الآية دليل على أنه كلما كان الإيمان أقوى كان الانتفاع بالذكرى أعظم وأشد، وذلك من قاعدة معروفة عند العلماء وهي: أن الحكم إذا علق بوصف ازداد بزيادته ونقص بنقصانه.
أما قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] * {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات:57] * {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58] فقد سبق الكلام عليها في اللقاء السابق.(156/6)
تفسير قوله تعالى: (فإن للذين ظلموا ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم)
ثم قال الله تعالى: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ} [الذاريات:59] الذين ظلموا بالكفر لهم ذنوب مثل ذنوب أصحابهم، والذنوب في الأصل هو الدلو أو ما يستقى به، وشاهد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (أريقوا على بوله ذنوباً من ماء) والمعنى: هؤلاء الظالمون لهم نصيب مثل نصيب من سبقهم: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} أي: نصيباً من العذاب مثل نصيب أصحابهم.
وانظر كيف سمى الله تعالى السابقين بأزمان بعيدة أصحاباً لهؤلاء؛ وذلك لاتفاقهم في التكذيب، ورمي الرسل بما لا يستحقون، فهم أصحاب في الواقع وإن تباعدت الأزمان والأماكن، (فلا يستعجلون) النون هنا مكسورة على أنها نون الوقاية، وحذف الضمير الياء وأصله: فلا يستعجلوني، فحذفت الياء تخفيفاً، ولهذا لا يشكل على الإنسان فيقول: كيف كانت النون مع (لا) ناهية؟
و
الجواب
أن نقول: إن هذه النون ليست نون الإعراب ولكنها نون الوقاية، فالفعل -إذاً- مجزوم، والنون للوقاية والياء التي هي المفعول به محذوفة، وفي قوله: (فلا يستعجلون) تهديد واضح أن هؤلاء سيأتيهم العذاب لا محالة ولكن لا يستعجلون الله عز وجل؛ لأن الله تعالى يملي للظالم ويمهله حتى إذا أخذه لم يفلته، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته وتلا قوله تعالى: ((وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)) [هود:102] ) .(156/7)
تفسير قوله تعالى: (فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون)
قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} [الذاريات:60] (ويل) بمعنى الوعيد والعذاب، يعني: أنه يتوعدهم عز وجل من هذا اليوم الذي يوعدون وهو يوم القيامة؛ لأنهم سيجدون ما أرسل إليهم حقاً وسيجدون الذل والعار، {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:106] ، {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً} [طه:102] فيكون من بين هذا العالم نسأل الله العافية على هذا الوجه، ولهذا قال: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} [الذاريات:60] وسيكون هذا اليوم يوماً عسيراً عليهم؛ لأنهم كفرة والعياذ بالله.(156/8)
الأسئلة(156/9)
المؤمنون عند شروطهم
السؤال
هناك شخص لديه محل قطع غيار أتى إليه شخص آخر أخذ قطعة منه يريد أن يصلحها في سيارته فأرجع هذا بعد الاستعمال، قال صاحب المحل: أنا ما أقبل القطعة هذه؛ لأنها ملطخة بالزيت وكذا، على أساس أنه لا يأتي شخص آخر فيخسر؟ الشيخ: يعني اشترى منه قطعة غيار ثم ركبها في السيارة؟ السائل: لا.
هو أرجعها على أساس أنها ما تركب وهي الأصل أنها تركب، صاحب المحل رفض أن يأخذ القطعة.
فيقول: إن هذا دعا عليه بسبب أنه ما قبل القطعة وأعطوه مقابلاً فهو يسأل يقول: هل ظلمته أو كذا؟ الشيخ: هل بينهم شرط أنه إذا اشترى هذه القطعة على أن يركبها في السيارة فإن ركبت وإلا ردها عليه؟ السائل: لا أدري.
الشيخ: إذا كان بينهم شرط على أنها إن ركبت في السيارة أخذها وإلا ردها فله الحق أن يردها، وصاحب المحل ليس له حق ألا يقبل الرد؛ بل يجب عليه أن يقبل الرد.
أما إذا لم يكن بينهما شرط بل هو -أي صاحب السيارة- رأى هذه القطعة أنها تركب على سيارته فاشتراها بدون شرط، فهنا لصاحب الدكان الذي باعها أن يرفض الرد.
السائل: صاحب المحل سيخسر القطعة الآن.
الشيخ: يخسر أو لا يخسر السائل: أخذها على أنها تركب فيه، أخذ شخص قبله نفس القطعة وبعده وكلها ركبت ما رجعوا الشيخ: على كل حال جوابي واضح، والتطبيق عليك أنت، ما دام أنه أخذها على أنه يريد أن يركبها في السيارة فإن ركبت وإلا ردها فليس لصاحب القطعة الذي باعها أن يمتنع من قبولها، وإن كان لم يشترط فهي له ولا يلزم صاحب الدكان الذي باعها بقبولها، لكن خير من هذا أن يصطلحا يقول: خذها وأن أضمن النقص إن كان فيها نقص.(156/10)
حكم تقليد بعض الأئمة في القراءة
السؤال
ما حكم تقليد بعض الأئمة في القراءة؟
الجواب
لا بأس بهذا إذا كان المقلد حسن الصوت وحسن الأداء فإن هذا لا بأس به.(156/11)
جواز الدخول مع الإمام بنية النافلة لمن صلى الفرض
السؤال
شخص صلى صلاة الفريضة رباعية وذهب إلى مسجد آخر يريد الصلاة على الجنازة فوجد الإمام في الركعة الثالثة من صلاة الفريضة أي: على انتهاء الصلاة هل يدخل معهم على أنها نافلة؟ الشيخ: إي نعم، هذا يسأل يقول: إنه حضر إلى مسجد آخر بعد أن صلى الفريضة ووجدهم قد صلوا ركعتين ودخل معهم في الركعتين الباقيتين ونواها نفلاً، فهل يجوز؟ نقول: نعم يجوز.
السائل: وإن دخل من أول الصلاة؟ الشيخ: وإن دخل من أول الصلاة يجوز ويتبعهم.(156/12)
جواز قتل الذباب والبعوض بالآلة الكهربائية
السؤال
ما حكم استعمال الآلة في قتل الذباب والبعوض بالكهرباء؟
الجواب
لا بأس بها، يسأل عن استعمال الآلة التي تُعلَّق لقتل الذباب والبعوض؟ فنقول: لا بأس بها؛ لأن هذا ليس تعذيباً بالنار وإنما هو بالصعق، ثم لو فرض أنها نار ولم يتمكن من دفع أذاها إلا بذلك فلا بأس.(156/13)
نصيحة في البدء بحفظ القرآن قبل المتون
السؤال
هل ترى لطالب العلم أن يركز على حفظ القرآن حتى يحفظه، أو يطلب العلم ويحفظ المتون ولو لم يحفظ من القرآن إلا قليلاً؟
الجواب
أنا أرى أن الأولى أن يحفظ القرآن لاشك، القرآن هو أصل العلم، فحفظ القرآن أولى، لكن بإمكانه أن يجمع بينهما فيما أظن إذا لم يكن هناك أشغال أخرى، يجعل أول النهار لحفظ القرآن، وآخر النهار لمراجعة بعض المتون، ويتمكن من هذا وهذا، وإذا لم يستطع فالقرآن أولى، نحن لا نفضل شيئاً على القرآن إطلاقاً.(156/14)
جواز تقبيل الأخ لأخته في الجبهة وكراهته في الخد والفم
السؤال
ما حكم معانقة الأخت لأخيها أو تقبيل الأخ لأخته؟
الجواب
يعني يسأل: هل يجوز أن يقبل الإنسان أخته شقيقة كانت أو لأب أو لأم؟ نقول: الأصل الجواز، لكن لا ينبغي أن يقبلها على الخد أو على الفم، وإنما يقبلها على الجبهة أو على الرأس أو تقبله أيضاً على الجبهة أو على الرأس، أما الخد أو الفم فقد كرهه أهل العلم.(156/15)
شرح حديث: (من سن في الإسلام سنة حسنة)
السؤال
أرجو شرح حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها) وهل هو في الصحيحين؟
الجواب
نعم هذا حديث ثابت في الصحيحين أو أحدهما، شرح الحديث: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) سبب ذلك: أنه قدم أناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وهم فقراء فحث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة، فجاء رجل ومعه صرة قد أثقلت يده فوضعها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) فيكون معنى الحديث: من ابتدأ العمل بسنة ولنضرب لهذا مثلاً في وقتنا: لو فرضنا أن رجلاً من أهل العلم ذكر الناس بشيء لم يكونوا يعرفونه وهو من السنة الثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام، فقام أحدهم فعمل به وصار هو أول من قام نقول: هذا الرجل سن سنة حسنة، والمعنى: أنه عمل بسنة أول من عمل بها هو؛ فصار سن سنة حسنة للعمل بها أول من عمل، هذا أمر.
المعنى الثاني: (من سن في الإسلام سنة حسنة) بمعنى: أن السنة اندثرت ونسيها الناس فقام رجل فعمل بها فسنها للناس، هذا أيضاً سن سنة حسنة، ودليل هذا: أن عمر رضي الله عنه لما أمر الناس أن يجتمعوا في قيام رمضان على إمام واحد قال: [نعمت البدعة هذه] فسماها بدعة وهي سنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعلها، لكن هي سنة باعتبار أنها تركت وهجرت ثم ابتدأها عمر رضي الله عنه.
وأما أن يسن شيئاً من العبادات غير مشروع ويقول: هذه سنة حسنة كما يوجد في بعض الطوائف كطوائف أهل البدع فلا، لا يمكن أبداً أن يكون هذا حسناً، ولهذا زعم بعض أهل البدع الذين سنوا عبادات ما أنزل الله بها من سلطان، زعموا أن هذه سنة حسنة، فيقال: لا يمكن أن تكون حسنة وهي بدعة أبداً، كل بدعة ضلالة.
إذاً صار معنى: (من سن سنة حسنة) .
إذا هو بدأ بها أو أول من عمل بها بعد الدعوة إليها.(156/16)
حد عورة المرأة مع المرأة
السؤال
ما هو حد عورة المرأة مع المرأة هل يجوز أن تكون فتحة لخروج الساق أو الصدر أو العضد؟
الجواب
العجب أن هذا سؤال كثر في الناس هذه الأيام، أنا لا أدري هل يريدون من النساء أن تبقى لا تلبس إلا ما يستر ما بين الركبة والسرة؟!! لعلهم يريدون هذا هم أو أهل الشر، إذا قلنا: إن عورة المرأة بالنسبة للمرأة كعورة الرجل بالنسبة للرجل صارت العورة ما بين السرة والركبة، فهل يريدون هؤلاء السائلون أو النساء السائلات أن تخرج المرأة إلى أختها ليس عليها إلا سروال من السرة إلى الركبة؟!! لهذا يجب العدول عن هذا السؤال، ويجب أن يقال: المرأة يجب أن تلبس ثياباً من الكعب إلى الكف هذا الواجب كما كانت نساء الصحابة يفعلن هذا في بيوتهن، وإذا أرادت أن تخرج جعلت لها ذيلاً في ثوبها يعني: طرفاً من ثوبها يمشي على الأرض حتى لا تتبين قدماها، هكذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه: لباس المرأة، إن النساء يلبسن في بيوتهن من الكف إلى الكعب، وإذا خرجن صارت المرأة تلبس ثوباً يسحب من ورائها حتى لا يرى قدمها، ومعاذ الله أن نقول: إن نساء المسلمات يجوز أن يخرجن بين النساء ليس عليها إلا ما يستر ما بين السرة والركبة، معاذ الله أن نقول هذا، لكن لو فرض أن امرأة عليها ثياب ساترة وافية واسعة ثم رفعت ثوبها من أجل أن تعمل عملاً يعني: فساعدت أمها مثلاً على عمل ما فيه بأس، أو رفعت ثوبها لتمر من على ماء أو ما أشبه ذلك فلا بأس، أو أخرجت ثديها لترضع ولدها أمام أخواتها فلا بأس، أما أن يكون اللباس نقول للمرأة: أن تلبس ما بين السرة والركبة، لا أحد يقول بهذا.(156/17)
حكم قطع صلاة النافلة لمن دعته أمه وهو يصلي
السؤال
قرأت لأحد الإخوة قولاً: أنه يجيز للأم نداء ولدها في صلاة النافلة وقال: له شاهد من حديث الراهب الذي دعته أمه في الصلاة فلم يجبها فدعت عليه فاستجاب الله دعاءها، فما هو الصحيح في هذا؟ بارك الله فيك.
الجواب
الصحيح في هذا أنه إذا دعت الأم ولدها وهو يصلي فإن كانت دعوتها إياه لضرورة وجب عليه أن يقطع صلاته، وإن مضى فيها فهو آثم، أو كان يعلم أن هذه الأم لو لم يجبها لغضبت عليه ورأت ذلك عقوقاً منه، فهذا أيضاً يجب عليه أن يقطع صلاته، وهذه هي قصة الرجل الذي في الحديث؛ لأن أمه غضبت عليه بدليل أنها دعت عليه.
أما إذا علم أن أمه إذا علمت أنه في صلاة فإنها سوف ترضى بذلك أي: بعدم كلامه إياها فإنه لا يجب عليه أن يقطع صلاة النافلة.(156/18)
حكم شراء السلعة مع بقاء بعض النقود عند البائع وحكم ذلك في الصرف
السؤال
إذا ذهب شخص إلى البقالة واشترى شيئاً، ثم أعطاه من الثمن، فقال صاحب الدكان: ليس عندي صرف فترك الثمن معه، أو إذا أعطاه الثمن وقال: ليس عندي صرف وترك الدراهم هذه عند صاحب الدكان، فهل هذا جائز؟
الجواب
يعني رجل اشترى حاجة من الدكان بثمانين ريالاً ومعه ورقة فئة مائة ريال وقال لصاحب الدكان: رد عليَّ عشرين، قال: ليس عندي شيء، فلا بأس أن يجعل المائة عنده ثم يرجع في وقت آخر فيأخذ العشرين.
السائل: إذا أرجع المائة الريال؟ الشيخ: لا حاجة لأن يرجع المائة لماذا يرجعها؟ السائل: إذا رضي البائع بأن يبقى المبلغ عند المشتري.
الشيخ: لا بأس هذه ما فيها إشكال، إذا قال: لا يلزمك أن تنقدني الثمن متى جئت فأت به فلا بأس، لكن إذا قال صاحب الدكان: أنا ما أعطيك إلا أن تعطيني ثمن البضاعة، نقول: أعطه المائة الريال ويبقى عنده عشرون ريالاً بخلاف الصرف، فلو أتيت إلى الصراف وقلت: هذه المائة ريال أعطني فيها من فئة عشرة، قال: ما عندي إلا تسع ورقات فئة عشرة، ما يجوز هذا الصرف، لابد أن يعطيك المائة كلها وإلا ابحث عن غيره.(156/19)
القصر في السفر لا يحتاج إلى نية
السؤال
الشخص إذا كان مسافراً ودخل مسجداً في الطريق ولا يدري هل المصلون يتمون الصلاة أم يصلون قصراً، هل ينوي القصر أم الإتمام؟
الجواب
الصلاة في السفر لا تحتاج إلى نية، لو أن إنساناً مثلاً هو مسافر وحان وقت صلاة الظهر فقام يصلي، في أثناء الصلاة قال: والله! ما أدري هل نويت أني أقصر أم لا؟ نقول: لا حاجة له، الأصل في صلاة المسافر أنها مقصورة لا تحتاج إلى نية، فامض وصلِّ قصراً، كذلك إذا دخل المسجد -كما في السؤال- ووجد المصلين وهو من مساجد الطرق التي على الخطوط، فإن الظاهر أنهم يقصرون، فيدخل ويصلي ركعتين.(156/20)
حكم من انتقض وضوءه أثناء الطواف
السؤال
لو انتقض الوضوء في أثناء الطواف فما الحكم؟
الجواب
إذا انتقض وضوء الطائف فإن الواجب عليه أن يخرج من الطواف ويتوضأ ثم يعود ويستأنف الطواف من جديد، هذا ما عليه جمهور العلماء؛ لأن من شرط الطواف الطهارة، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إذا انتقض الوضوء وهو يطوف فإنه يستمر في طوافه ولا يلزمه الوضوء؛ لأن الطواف ليس من شرطه الوضوء، وما قاله شيخ الإسلام رحمه الله هو الصحيح؛ لأنه ليس هناك دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن الطواف تشترط له الطهارة، غاية ما فيه أن الرسول عليه الصلاة والسلام حين أراد أن يطوف توضأ ثم طاف، وهذا فعل والفعل لا يدل على الوجوب، كذلك أيضاً في حديث عائشة لما حاضت قال: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت) وهذا لأنها حائض، والحيض يلوث المسجد في الغالب، وأيضاً الحائض لا تمكث في المسجد، وكذلك الجنب لا يمكث في المسجد، ومثله أيضاً حديث صفية أنها حاضت بعد الحج فقال: (أحابستنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت، قال: فانفروا) فهو دليل على أنه لو كانت حائضاً ما طافت، فيقال: الحيض غير الحدث الأصغر، لو كان الطهارة واجبة في الطواف لكان الرسول بينها للناس، لأن كثيراً من الناس قد لا يكونوا متوضئين، فالأصل عدم الوجوب، وهذا الذي ذهب إليه شيخ الإسلام وهو الصحيح وهو الذي نفتي به، لكنه لا شك أن كون الإنسان يطوف على طهارة أفضل وأحوط وأبرأ للذمة، لكن أحياناً يقع شيء لا يستطيع الإنسان -يشق عليه مثل أيام الزحام البالغ- أن يتوضأ إذا أحدث في الطواف، لو قلنا: اذهب وتوضأ، ذهب وتوضأ ثم رجع ماذا يصنع؟ يستأنف أو يبني على ما قد سبق؟ مداخلة: يستأنف.
الشيخ: طيب استأنف، في أثناء الطواف أيضاً أحدث، لأن في بطنه غازات مثلاً نقول: اذهب وتوضأ ثم ارجع وابتدأ الطواف؟ قلنا: نعم يفعل، ذهب وجاء ورجع ثم أحدث، وإلى متى؟ لأن الوضوء في أيام الزحمة شاق جداً، أولاً: متى يتهيأ للإنسان أن يخرج؟ ثم إذا خرج متى يجد مكان الوضوء خالياً؟ ثم إذا توضأ ورجع متى يحصل له أن يدخل؟ فكونه موجباً على عباد الله شيئاً ليس فيه دليل واضح من الكتاب والسنة مع هذه المشقة العظيمة، الحقيقة أنه يجد الإنسان نفسه غير مرتاحٍ أن يوجب على عباد الله مثل هذا الشيء بدون دليل واضح، نعم لو كان الأمر سهلاً مثل أيام غير المواسم يخرج ويتوضأ ويرجع ويعيد الطواف هذا أمر سهل، نقول: الأحوط أنك تفعل هذا.
على كل حال: الذي نرى ما رآه شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا يشترط الوضوء للطواف.(156/21)
حكم ختان البنت الصغيرة
السؤال
فضيلة الشيخ: أخوكم من حائل، سؤالي ينفصل إلى شقين: الشق الأول: ما هو حكم الشيعة وما موقفهم يوم القيامة؟ الشق الثاني: ما هو حكم ختان البنات هل تروه من السنة أم لا؟ جزاكم الله خيراً؟
الجواب
أما السؤال الأول فلا نجيب عليه؛ لأن أمرهم واضح من عقائدهم وأفعالهم.
وأما الثاني: فالصحيح أن ختان المرأة سنة وليس بواجب، وأما ختان الذكر فإنه واجب؛ لأن ختان الذكر يترتب عليه من النظافة ما لا يترتب على ختان المرأة؛ لأن الذكر ختانه بقطع القلفة التي فوق الحشفة، وهذه إذا بقيت يحدث منها أمراض، واحتقان البول بينها وبين الحشفة، وهذا يؤدي إلى تلوث الإنسان بالبول، وإلى مفاسد كثيرة، حتى عند الزواج إذا تزوج الواحد من هؤلاء يجد صعوبة عظيمة عند الجماع له ولزوجته، فكان لا شك أن ختان الذكور واجب، وأما الإناث فالصحيح أنه سنة وليس بواجب.
وعلى كل فيجب أن يكون الخاتن حاذقاً يعرف محل الختان ومقداره حتى لا يؤدي إلى التجاوز والتهاون.(156/22)
الإقامة إذا حددت بعمل أو زمن فإن صاحبها في حكم المسافر
السؤال
إذا كان الإنسان مقيماً في مدينة غير مدينته ويريد أن يقيم فيها لمدة سنتين وعندهم منزلين في المدينتين ويتردد على مدينته الأولى في الإجازات، ففي أي المدينتين يأخذ حكم المسافر؟ الشيخ: هل هو في المدينة الثانية ينوي الإقامة المطلقة وإلا إقامة محددة؟ السائل: على ما أعتقد محددة.
الشيخ: إذا كانت محددة فهو مسافر، كل إقامة محددة لعمل أو زمن فإنها في حكم السفر، خذ هذه القاعدة: الإقامة المحددة بعمل مثل أن ينتدب الإنسان لعمل من الأعمال على أنه متى خلص رجع فهو مسافر لو بقى عشر سنوات، مثل: أن ينتدب قاضٍ إلى جهة من الجهات ويقال: اذهب حتى نجد قاضياً يحل محلك، فهذا مسافر لو بقي عشر سنوات، وهذا محدد بماذا بعمل وإلا زمان؟ بعمل، الإقامة المحددة بزمن مثل أن يقال للشخص: اذهب وادرس في هذا المكان لمدة سنة أو سنتين فهذا أيضاً محدد، فلا فرق بين التحديد بعمل أو التحديد بزمن، كل منهما لا يريد الإقامة المطلقة ولا يريد الاستيطان فهو مسافر، لكن بعض أهل العلم يقولون: إن المحدد إذا تجاوز أربعة أيام انقطع حكم السفر في حقه ولزمه الإتمام، وبعضهم يقول: خمسة عشر يوماً، وبعضهم يقول: تسعة عشر يوماً، ولكن كلها أقوال متضاربة ليس بعضها أولى بالقبول من بعض، وليس لكل واحد منها دليل صحيح صريح، فلذلك نرجع إلى الأصل هو أن السفر مفارقة الوطن فمتى فارقه الإنسان على وجه مطلق غير مقيد ونوى الإقامة المطلقة في البلد الثاني فقد انقطع حكم السفر في حقه، ومتى كان مقيداً بزمن أو عمل فهو مسافر، وهذا هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى وبسطه بسطاً تاماً في باب: صلاة الجمعة من مجموع الفتاوى الذي جمعه ابن قاسم.(156/23)
حكم الاستنجاد بالأخ الغائب إذا قصد التخويف
السؤال
يقع بين الشخصين جدال فيقوم هذا المغلوب فينادي أخاه أو أباه وهو يعلم أنه لا يسمع قصده التخويف فقط، هل هذا يدخل في الاستغاثة؟
الجواب
يعني يكون بين اثنين مخاصمة ويستنجد أحدهما بأخيه أو أبيه أو صديقه، يعلم أنه لا يسمعه، أخوه أو أبوه لا يسمع؟ السائل: لا يسمع من السمع يعني.
الشيخ: هل هو الذي لا يسمع؟ السائل: لا يسمع هذا لأنه بعيد عنه وإنما مراده التخويف للآخر.
الشيخ: لا.
هذا ليس من الاستغاثة المحرمة، أولاً: إذا كان هذا الذي استغاث به قريباً فلا بأس كما جاء في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص:15] فأجابه موسى، وهذا يدل على الاستغاثة فيما يقدر عليه المخلوق جائز.
أما لو استغاث ميتاً فهذا شرك أكبر؛ لأن الميت لا يستطيع أن يغيثه، وكذلك لو استغاث بغائب يريد إغاثته إياه هذا أيضاً لا يجوز، لكن لو استغاث لا على أنه يريد أن يغيثه لكن يخوف خصمه فلا بأس بذلك، إذا كان بحق، لأنه ربما تكون الخصومة ومع أخيه الحق فلا يجوز أن يخوفه في باطل، يعني مثلاً: تخاصم وإياه وجعل ينادي: يا أخي! يا أخي! يا أخي تعال، وهو ما هو موجود، وهو ما قصده أن أخاه ينجيه لكن قصده من أجل ذاك يخاف؛ لأنه ربما إذا سمع أن وراءه أحد يهرب إذا كان لصاً أو معتدياً.(156/24)
التفصيل فيمن أدرك الإمام في الركعة الأخيرة أو في التشهد
السؤال
هل الأولى للشخص إذا دخل المسجد والإمام في الركعة الأخيرة أو في التشهد الأخير أن يدخل مع الإمام أو ينتظر حتى يأتي أحد فيصلي معه؟
الجواب
هذا فيه تفصيل: إذا جاء إلى المسجد وهو في التشهد الأخير إن كان معه أحد يعني حوله أحد سيصلي معه انتظر، وإذا لم يكن حوله أحد فليدخل مع الإمام؛ لأن إدراك بعض الصلاة خير من عدم الإدراك.
أما إذا كان سيدرك ركعة كاملة فلا ينتظر أحداً؛ لأنه (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) .(156/25)
قول: (رضيت بالله رباً.
) يكون بعد نطق المؤذن بالشهادتين
السؤال
متى يقال هذا الذكر: (رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً) هل يقال بعد الشهادتين في الأذان، أم بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة له؟
الجواب
قول متابعي المؤذن: (رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً) هذه تكون بعد الشهادتين، أي: قبل أن يقول المؤذن: حي على الصلاة، فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله، وتابعه السامع فإنه يقول بعد ذلك: رضيت بالله رباً مقابل أشهد أن لا إله إلا الله، وبمحمد رسولاً مقابل أشهد أن محمداً رسول الله، وبالإسلام ديناً مقابل الجملتين جميعاً؛ لأن الإسلام مبني على الإخلاص الذي يدل عليه أشهد أن لا إله إلا الله، وعلى المتابعة التي يدل عليها قوله: أشهد أن محمداً رسول الله.(156/26)
حكم الصلح مع أهل البدع في عدم التكلم في آيات الصفات
السؤال
بعض إخواننا الدعاة إلى الله عز وجل في البلاد رأوا أن من المصلحة أنهم يتفقون مع الصوفية في عدم الكلام في المحاضرات أو في الخطب في الاستواء مثلاً أو الاستغاثة وغيرها من الأشياء، واستدلوا باتفاق النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود، فهل الاستدلال صحيح يا شيخ؟ ما توجيهكم؟
الجواب
لا هذا الاستدلال غير صحيح؛ لأن هذا الذي تذكر هو قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:9] ، المداهنة في الدين لا تجوز، والرسول عليه الصلاة والسلام إنما صالح اليهود على ألا يعتدي أحد على أحد، لا على أن نرضى بدينهم أبداً ولا يمكن يرضى الرسول بدينهم أبداً، وهذا الذي تذكر يعني الرضا بما هم عليه من الباطل، فالمصالحة على هذا الوجه هي مداهنة في الواقع، والمداهنة محرمة، لا يجوز لأحد أن يداهن أحداً في دين الله، بل يجب بيان الحق مهما كان، لكن من الممكن إذا رأوا من المصلحة ألا يبدءوا بالإنكار قبل كل شيء، وأن يبدءوا أولاً بالشرح الصحيح، فمثلاً إذا تكلم عن الاستواء كما قلتم يشرح معنى الاستواء ويبين حقيقته دون أن يقول ويوجد أناس يفسرونه بكذا إلا بعد أن يتوطن الناس ويعرفوا الحق ويسهل عليهم الانتقال من الباطل إلى الحق.(156/27)
معنى قوله تعالى: (ووجد الله عنده فوفاه حسابه)
السؤال
ما معنى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} [النور:39] الجملة الأخيرة: {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} ؟
الجواب
المعنى: أن هؤلاء أعمالهم كسراب بقيعة، فهذا السراب يراه الظمآن فيظنه ماءً، وإذا ظنه ماءً سوف يسرع إليه ويظن أن النجاة فيه فيسرع، فإذا وصل فإذا هو بسراب أبعد وحينئذٍ يهلك أكثر، ومعنى: (ووجد الله عنده) أي: بحضور أجله، هذا المراد بالعندية، وليس أن الله تعالى في نفس المكان؛ لأن الله مستوٍ على العرش عالٍ على الخلق، لكن المعنى: أنه (وجد الله عنده) بمعنى: حضر أجله فوفاه حسابه.(156/28)
وجه الجمع بين قوله تعالى: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) وقوله: (فذكر إن نفعت الذكرى)
السؤال
قلنا: عند قوله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55] وجوب التذكير على كل حال، وماذا يقال -يا شيخ- في قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9] ؟
الجواب
هذا خاص، فهناك تذكير تذكر شخصاً معيناً هذا يذكره إن نفعت الذكرى، أما إذا علمنا أنه متمرد ويعرف الحق ولكنه معاند فلا، وأما إذا كان عموماً فهو عام يذكر على كل حال، هذا إذا قلنا: (إن) الشرطية يراد بها: حقيقة الشرط، أما إذا قلنا بالقول الآخر: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9] المعنى: سواء نفعت أم لم تنفع، مثلما يقال للإنسان: علم هذا إن كان ينفعه العلم، المعنى: كرر عليه التعليم، وهذا أسلوب معروف في اللغة العربية أنه يقصد بالشرط الاستمرار، فالعلماء لهم فيها قولان: فهذه الشرط شرط مقصود بمعنى: ذكر إن رأيت في الذكرى منفعة وإلا فلا، فحينئذٍ نحملها على الخصوص لشخص معين أو طائفة معينة.
أما إذا قلنا: (إن) هنا بمعنى: إن نفعت أو لم تنفع يعني معناه: إن هؤلاء كان لا توجد فائدة ذكرت أو لم تذكر، فلا يقتضي التخصيص.(156/29)
عذاب القبر متعلق بالروح وقد يتصل بالبدن
السؤال
أشكل عليَّ مسألة استدلال أهل السنة بردهم على المعتزلة في مسألة عذاب القبر ونعيمه، فإنهم يستدلون مثلاً في المنام، فإن الإنسان في نومه يحصل له كذا، فردوا على المعتزلة، يا شيخ! حفظك الله! إنني أرى -والله أعلم- أن هناك فرقاً بين المنام وبين عذاب القبر: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر:42] يعني: كيف استدل أهل السنة في ردهم على المعتزلة في المنام خاصة؟
الجواب
استدلوا على أن هذا ممكن، ممكن أن يجد الإنسان عذاباً ونعيماً وهو لم يتغير، لأن أولئك قالوا: كيف نحن نثبت عذاب القبر ونحن نجد الرجل إذا دفناه اليوم جئنا من بكرة ووجدناه على ما هو عليه؟ نقول: لا يلزم أن يتغير الجسم، العذاب في القبر الأصل أنه على الروح لكن قد تتصل بالبدن، كذلك الرؤيا في المنام هي للروح في الواقع لكن مع ذلك ربما يتألم الجسم ولهذا تجد الإنسان إذا رأى ما يكره في منامه تجده يضطرب ويتقلب ويقول: هذه الليلة نومي ما هو جيد، بل ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه الروح: أنه أحياناً يجد الإنسان إذا رأى في المنام أنه قد ضرب أو ما أشبه ذلك يجد أثر الضرب على بدنه، فهذا مثال تقريبي وإلا ما في شك أن هناك فرقاً بين المنام وبين الموت، يعني: ما يجده الميت من سرور ونعيم أو عذاب وعقوبة أشد وأشد مما يراه النائم.(156/30)
قصر الصلاة في السفر سنة وليس بواجب
السؤال
ذكرتم حكم قصر الصلاة في السفر أنه واجب في شريط لكم، ثم ذكرتم في الشرح الممتع ترجيح القول بالسنية، فما الراجح لديكم الآن؟ وما الدليل على ذلك؟
الجواب
الراجح أن قصر الصلاة في السفر ليس بواجب، وأن قول عائشة: [كانت ركعتين، فزيد في صلاة الحضر ثم أقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى] ليس دليل على أنها مفروضة، ولكن دليل على أنها لم تزد، ويرجح هذا أن الصحابة رضي الله عنهم لما أتم عثمان في منى صلوا خلفه، وهذا كالإجماع منهم على أن القصر ليس بواجب؛ لأنه لو كان واجباً ما جاز أن يصلوا خلفه أربعاً، فهذا هو الذي ترجح لنا أخيراً: أنه سنة مؤكدة وليس بواجب.(156/31)
حكم رجل مسافر تزوج امرأة مقيمة فأكرهها على الجماع في نهار رمضان
السؤال
شخص تزوج قبل رمضان بثلاثة أيام وكان مغترباً عن وطنه، فلما أعرس وجاء عليه رمضان صام يوماً واحداً وأفطر بقية الشهر وكان يجامع زوجته في نهار رمضان، وزوجته كانت مكرهة على ذلك ورفضت ولكنه أكرهها يعني: على ذلك؟ الشيخ: هي مسافرة؟ السائل: لا هي مقيمة في البلد.
الشيخ: في بلدها؟ السائل: في بلدها وهو كان مسافراً.
الشيخ: وهو مسافر؟ السائل: نعم.
الشيخ: أما بالنسبة له هو فليس عليه شيء يعني: ليس عليه كفارة؛ لأن المسافر يجوز أن يفطر، ولهذا يجب التنبه لهذه المسألة أن بعض الناس في العمرة مثلاً يذهب إلى مكة هو وأهله يبقون الشهر كله أو نصفه أو ما شاء الله ثم يجامعها في النهار وهو صائم نقول: هذا ليس عليه إلا قضاء اليوم فقط، ويجوز أن يجامعها؛ لأنه مسافر، وهذه نقطة يجب التنبه لها؛ لأن بعض الإخوان نسمع أنهم أفتوا أن من جامع زوجته وهو في العمرة أن عليه الكفارة وهذا غلط، ليس عليه شيء إلا قضاء اليوم.
بالنسبة لمسألتك أنت نقول: إنه حرام عليه أن يكره زوجته على الجماع؛ لأنه أفسد صومها، فهو آثم من هذه الناحية، أما زوجته فإذا كانت مكرهة لا تستطيع الدفاع فليس عليها شيء لا قضاء ولا كفارة، فصار الرجل عليه القضاء وليس عليه كفارة، أما بالنسبة للمرأة فليس عليها قضاء ولا كفارة إن كانت مكرهة بحيث لا تستطيع الدفاع، وفي ظني أنها تستطيع الدفاع كيف؟ ألا تأتي إليه، ما دامت تعرف أنها متى أتت إليه يجامعها لا تأتي إليه هي في بيتها.
السائل: البيت واحد يا شيخ! الشيخ: البيت واحد لكن تستطيع أن تروح في مكان آخر إلا إذا كان ما عندهم أحد في البيت.
السائل: ما عندهما أحد.
الشيخ: ولا يمكن أن تتخلص منه؟ على كل حال: الإكراه معناه: أن يأتي على الإنسان شيء لا يستطيع دفعه، فمتى ثبت أنها مكرهة فليس عليها قضاء ولا كفارة.
السائل: هو عليه كفارة أو القضاء فقط؟ الشيخ: عليه القضاء فقط، وعليه الإثم بالنسبة لإكراه المرأة فليتب إلى الله من ذلك وليستحلها هي.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين، وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.(156/32)
لقاء الباب المفتوح [157]
تحدث الشيخ رحمه الله في هذه المادة عن تفسير أول سورة الطور، وبين معاني القسم وفوائده والمراد من ذلك، ثم بيَّن كيف سيكون وقوع العذاب من رب العالمين، بحيث لا يستطيع رده ولا دفعه أحد من البشر، ثم ختم ذلك بإجابات عن أسئلة متنوعة.(157/1)
تفسير آيات من سورة الطور
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع والخمسون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثلاثون من شهر محرم عام (1418هـ) ، نتكلم فيه على ما تيسر من كلام الله عز وجل العزيز الحميد، وقد ختمنا سورة الذاريات فلنبدأ بسورة الطور.(157/2)
تفسير قوله تعالى: (والطور)
قال الله تبارك وتعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم) البسملة آية من كتاب الله نزلت في ابتداء كل سورة إلا سورة براءة فإنها لم تنزل للفصل بينها وبين سورة الأنفال، ولهذا لم تكتب في المصحف، وليست من السورة التي افتتحت بها، فهي ليست من الفاتحة خلافاً لما نشاهده في المصاحف أنها حسبت من الفاتحة باعتبار التوقيت.
والصحيح أنها ليست من الفاتحة، وأن أول آية في سورة الفاتحة هي قول الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] ويدل لهذا السنة القولية والعملية: أما القولية فما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قال: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: فإذا قال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال: مجدني عبدي، وإذا قال: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) .
وأما السنة العملية: فهو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان في صلاة الليل لا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويجهر بالفاتحة، وهذا يدل على أنها ليست من الفاتحة، وهذا هو القول الراجح.
يقول الله تبارك وتعالى: ((بسم الله الرحمن الرحيم وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور:1-6] .
هذه أشياء أقسم الله بها، أولها: الطور؛ وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام، فإن الله تعالى كلمه أول ما كلمه على جبل الطور، فكان لهذا الجبل من الشرف والفضل ما سبق به غيره من الجبال، ولهذا أطلق كثير من العلماء أنه -أي: جبل الطور - أفضل الجبال وأشرفها، وعلى هذا يكون أشرف وأفضل من جبل حراء الذي ابتدأ فيه الوحي لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا ظاهر إطلاق كثير من العلماء، ولكن في هذا الإطلاق نظر؛ لأن حراء كلم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن كلمه جبريل مرسلاً من عند الله، فمنه ابتدأت أفضل الرسالات على أفضل الرسل، وأيضاً حراء داخل الحرم المكي؛ لأنه من الحرم الذي لا يحل صيده، ولا قطع شجره، وبقعة الحرم أفضل البقاع، ويمكن أن يحمل إطلاق كثير من العلماء على هذا فيقال: إلا جبل حراء.(157/3)
تفسير قوله تعالى: (وكتاب مسطور)
قال تعالى: {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} [الطور:2-3] الكتاب المسطور في الرَّق، اختلف فيه العلماء، وهذا الخلاف ينبني على كلمة رَق، هل الرَّق كل ما يكتب فيه من جلد وورق وعظم وحجر وغير ذلك؟ أو هو خاص بما يكتب فيه من جلود ونحوها؟ إن قلنا بالأول صار المراد بالكتاب عدة أشياء منها: اللوح المحفوظ، ومنها: الكتب التي بأيدي الملائكة، ومنها: القرآن الكريم، ومنها: التوراة، فيشمل عدة كتب، إذا قلنا: أن الرَّق هو كل ما يكتب فيه.
وإذا قلنا: أن الرَّق هو الورق وشبهه ما يكتب فيه عادة، فاللوح المحفوظ ليس معنا فلا يدخل في هذا، وإنما المراد به إما التوراة وإما القرآن، فالذين قالوا: إنه التوراة رجحوا قولهم: بأنه قرن بـ الطور، وهو الذي كلم منه موسى عليه الصلاة والسلام، فكان الكتاب المسطور هو التوراة الذي جاء به موسى.
ومن قال: إن المراد به القرآن الكريم رجح ذلك بأن الله ذكر الطور الذي أوحي منه إلى موسى والكتاب الذي هو القرآن أوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فيكون الله تبارك وتعالى ذكر أشرف الرسالات في بني إسرائيل إيماءً إليها بذكر الطور وذكر أشرف الرسالات التي بعث بها من بني إسماعيل محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فيتعين أن يكون المراد بالكتاب المسطور القرآن الكريم.(157/4)
تفسير قوله تعالى: (في رق منشور)
قال تعالى: {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} [الطور:3] الرَّق: هو ما يكتب فيه من جلد ونحوه، وقيل: كل ما يكتب عليه حتى الحجر؛ لأنهم كانوا من قبل يكتبون القرآن على الأحجار وعلى ظهور العظام وعلى عسب النخل؛ لأن الورق ليس موجوداً بكثرة.
وقوله: (منشور) صفة لكتاب، ويحتمل أن تكون صفة لرَقّ، والمعنى واحد، والمراد بالمنشور: المفرق الذي يكون في أيدي كل قارئ، وهذا يصدق تماماً على القرآن الكريم، فإنه -ولله الحمد- بين يدي كل قارئ، حتى الصغار من المسلمين يقرءونه.(157/5)
تفسير قوله تعالى: (والبيت المعمور)
قال تعالى: {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} [الطور:4] هذا هو الثالث مما أقسم الله به في هذه الآيات، وهو بيت في السماء السابعة يقال له: الطراح أو الصراح لعلوه، هذا البيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يتعبدون فيه ثم لا يعودون إليه، فأخبروني بناءً على هذا كم عدد الملائكة؟ مداخلة: الله أعلم.
الشيخ: لا يحصيهم إلا الله، من يحصي الأيام؟! ثم من يحصي سبعين ألفاً؟! كل يوم يدخلون هذا البيت المعمور ولا يعودون إليه.
وقيل: إن المراد بالبيت المعمور: بيت الله في الأرض؛ وهو الكعبة؛ لأنه معمور بالطائفين والعاكفين والقائمين والركع السجود، فهل يمكن أن تحمل الآية على المعنيين جميعاً؟ نحن نحب أن نذكر قاعدة في التفسير وهي أن (الآية إذا احتملت معنيين على السواء وليس بينهما منافاة وجب أن تحمل على كلٍ منهما) ؛ لأن المتكلم بها -وهو الله جل وعلا- عالم بما تحتمله من المعاني، وإذا لم يبين أن المراد أحد المعاني فإنه يجب أن تحمل على كل ما تحتمله من المعاني، أي: المعاني الصحيحة وليست المعاني الباطلة، فلننظر الآن هل هناك منافاة بين أن يكون المقسم به الكعبة أو البيت المعمور في السماء؟ الذي يظهر أن لا منافاة؛ لأن كلا البيتين معظم، ذاك معظم في أهل السماء، وهذا معظم في أهل الأرض، ولا مانع، فالصواب: أن الآية شاملة لهذا وهذا، إلا إذا وجدت قرينة ترجح أن المراد به البيت المعمور في السماء.(157/6)
تفسير قوله تعالى: (والسقف المرفوع)
قال تعالى: {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} [الطور:5] أقسم الله بالسقف المرفوع وهو السماء، قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ} [الرعد:2] ، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً} [الأنبياء:32] فالسماء سقف وهي مرفوعة، إذاً فالسقف المرفوع هو السماء، وسماه الله سقفاً لأنه قد غمر جميع الأرض من جميع الجوانب كما يغمر السقف الحجرة من جميع الجوانب، وإنما أقسم الله تعالى بالسماء لما فيها من الآيات العظيمة من نجوم وشمس وقمر وإحكام وإتقان، قال الله عز وجل: {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك:3-4] يعني: مرة بعد مرة: {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك:4] وأخبر أنه ليس في السماء من فروج، ليس فيها تشقق، ليس فيها عيب، ليس فيها تصدع، لا تبلى على طول المدة فهي جديرة بأن يقسم الله بها.(157/7)
تفسير قوله تعالى: (والبحر المسجور)
قال تعالى: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور:6] كلمة (البحر) قيل: إن المراد به البحر الذي عليه عرش الرحمن عز وجل كما قال تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود:7] .
وقيل: المراد به البحر الذي في الأرض؛ لأنه مشاهد، المعلوم الذي فيه من آيات الله ما يبهر العقول.
والصحيح: أن المراد به بحر الأرض؛ لأن (أل) في البحر للعهد الذهني، أي: البحر المعهود الذي تعرفونه، فأقسم الله به لما فيه من آياته العظيمة: من أسماك، وأمواج، وغير هذا مما نعلمه ومما لا نعلمه، ومن أعظم ما فيه من آيات الله ما أشار إليه تعالى في قوله: (المسجور) أي: الممنوع، ومنه سجر الكلب يعني: في اللغة ليس المعنى هنا، في اللغة يقال: سجرت الكلب يعني: ربطته حتى لا يهرب، البحر المسجور: الممنوع بقدرة الله عز وجل.
إننا نعلم جميعاً أن الأرض كروية، وهذا البحر لو نظرنا إليه بمقتضى الطبيعة لكان يفيض على الأرض؛ لأنه لا يوجد جدران تمنع، والأرض كروية مثل الكرة، فلو نظرنا إلى هذا البحر بمقتضى الطبيعة لقلنا: لابد أن يفيض على الأرض فيغرقها، ولكن الله تبارك وتعالى أمسكه بقدرته سبحانه وتعالى، فهو مسجور -أي: ممنوع- من أن يفيض على الأرض فيغرق أهلها، وهذه آية من آيات الله، صب -مثلاً- فوق كرة من الكرات ماءً أين يذهب؟ يغمرها يميناً وشمالاً، لكن هذا البحر لا يمكن أن يفيض على الأرض بقدرة الله سبحانه وتعالى، وانظر إلى الحكمة أحياناً تأتي أيام المد والجزر نفس البحر يمتد امتداداً عظيماً لعدة أمتار وربما أميال، ثم ينحسر من الذي مده ولو شاء لبقي ممتداً فتغرق الأرض فمن الذي رده؟ إنه الله، ولهذا كان هذا البحر جديراً بأن يقسم الله به.
في البحر آيات عظيمة يقال: إنه ما من شيء على البر من حيوان وأشجار إلا وله نظير في البحر، بل أزيد؛ لأن البحر بالنسبة لليابس يمثل نحو (70%) كبير جداً، ففيه من الأشياء ما ليس في البر، يعني: توجد سمكة على شكل إنسان، وعلى شكل ذئب، وعلى شكل طبلة، وعلى شكل حية، وعلى شكل عقرب، وفيه أشياء لا نرى لها نظيراً في البر، هذه من آيات الله عز وجل.
والبحر المسجور، إذاً أعظم آية في البحر هو أنه مسجور أي: ممنوع من أن يفيض على الأرض فيغرق أهلها.
وقيل المراد بالمسجور هو الذي سيسجر أي: يوقد كما قال الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:6] أي: أوقدت، فهذان قولان، البحر المسجور يعني القول الأول: الممنوع، والبحر المسجور الذي سيسجر أي: يوقد، وهذا متى يكون؟ يوم القيامة، هذا الماء الذي نشاهده الآن والذي لو سقطت فيه جمرة أو مر على جمرة لأطفأها؛ يوم القيامة يكون ناراً، يسجر هذا الماء ويكون ناراً، هذا من آيات الله عز وجل، هذان قولان: الأول: المسجور الممنوع من أن يفيض على الأرض فيغرق أهلها.
الثاني: المسجور الذي سيسجر أي: يوقد، وذلك يوم القيامة.
هل يمكن أن نقول: إن المراد به المعنيان جميعاً؟ نعم، لأنه لا منافاة بين هذا وهذا، فكلاهما من آيات الله عز وجل، يعني: أنه سواء قلنا: المسجور الممنوع من أن يفيض على الأرض، أو المسجور الذي سيسجر أي: يوقد، فكل هذا من آيات الله.(157/8)
تفسير قوله تعالى: (إن عذاب ربك لواقع)
قال تعالى: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} [الطور:7] هذا هو جواب القسم، والجملة هنا مؤكدة بمؤكدين بل بثلاثة: القسم المتعدد، واللام في قوله: (لواقع) ، و (إن) في قوله: (إن عذاب ربك) هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم بخمسة أشياء، وإذا كان قسماً بخمسة أشياء صار كأنه أقسم عليها خمس مرات.
والثاني: بأن.
والثالث: باللام.
{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} أي: لابد أن يقع عذاب الله الذي وعد به، هذه -والله- جملة عظيمة مؤثرة، لكنها لا تؤثر إلا على قلب لين كالزبد أو أشد.
أما القلب القاسي فلا يهتم بها، تمر عليه وكأنها ثلجة، كان عمر رضي الله عنه إذا قرأ هذه الآية يمرض حتى يعاد من شدة ما يقع على قلبه من التأثر حتى يعاد، إذا كان واقعاً وليس له دافع أليس الجدير بنا أن نخاف؟!! بلى والله، هذا هو الجدير.(157/9)
تفسير قوله تعالى: (ما له من دافع)
قوله: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} أي: لابد أن يقع، ولكن هل هذا التأكيد بالنسبة لعذاب المؤمنين أو لعذاب الكافرين؟ لننظر، قال الله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} [المعارج:1-3] ضم هذه الآية إلى الآية التي في الطور تجد أن قوله: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور:7-8] على الكافرين، فعذاب الله على الكافرين ليس له دافع، لا أحد يدفعه، لا قبل وقوعه ولا بعد وقوعه، ولهذا لا تنفعهم الشفاعة فيرفع عنهم العذاب.
أما عذاب الله للمؤمن فإن الأصل أنه واقع، كل ذنب توعد الله عليه بالعذاب فالأصل أنه واقع، لكنه مع ذلك قد يرفع بفضل من الله عز وجل، قد يرفع بالشفاعة، قد يرفع بأعمال صالحة تغمر الأعمال السيئة، ألم تر أن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] ، ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه) فيرتفع عنه العذاب.
وعلى هذا نقول: عذاب الله واقع على الكافرين لا محالة، ولا دافع له، أما على عصاة المؤمنين فإن الأصل الوقوع، ما الذي يمنع وقد أنذر الله العباد وخوفهم وبين لهم؟ لكن مع ذلك قد يرتفع بأسباب متعددة.
قال تعالى: {مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور:8] (ما) نافية، و (دافع) مبتدأ مؤخر دخلت عليه (من) الزائدة للتوكيد، أي: ما من أحد ولو عظمت منزلته وقوته يدفع عذاب الله عز وجل أبداً، لا يمنعه ولا يرفعه؛ لأن (دافع) تشمل المنع والرفع؛ تشمل المنع قبل الوقوع والرفع بعد الوقوع، لا أحد يدفع عذاب الله، لا يمنعه أن ينزل ولا يرفعه إذا نزل، وإنما ذلك إلى الله وحده.
نسأل الله تعالى أن يعاملنا وإياكم بعفوه، وأن يغفر لنا ما سلف من ذنوبنا وما حضر إنه على كل شيء قدير.(157/10)
الأسئلة(157/11)
كيفية تحصين الأب أولاده بالأذكار الشرعية
السؤال
كيف يحصن الأب أولاده بالأوراد الشرعية، هل يكون ذلك صباحاً ومساءً؟ وهل يكون بالمسح أو بالنفث؟
الجواب
أما من جهة الأولاد الصغار فهو يعوذهم بالمعوذتين عند النوم أو عند إقبال الليل أو عند إقبال النهار، أما الكبار فهم بأنفسهم يتولون هذا فيعلمهم ويرشدهم، والإنسان من جملة الدعاء الذي يدعو به الإنسان صباحاً ومساءً: (اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي) هذا نوع من التعويذ.
السائل: هل يكون بالمسح أو بالنفث؟ الشيخ: لا.
بالنفخ فقط.(157/12)
عدم جواز فتح الرسائل إلا بإذن صاحبها
السؤال
إذا وجد شخص رسالة لزميله أتت من البريد وفتحها وقرأها فهل عليه إثم؟ الشيخ: وهي موجهة له؟ السائل: لا.
موجهة لزميله.
الشيخ: لا.
إذا وجد الإنسان رسالة موجهة لصديق له أو زميل له فإنه لا يحل له أن يفتحها إلا إذا كان قد قال له: إذا أتتك الرسالة باسمي فلك أن تفتحها.(157/13)
التعوذ والسؤال والتسبيح عند قراءة القرآن يكون في صلاة الليل دون الفريضة
السؤال
بعض المأمومين إذا قرأ الإمام آية عذاب يتعوذ، فهل هذا صحيح؟
الجواب
التعوذ عند آية العذاب، والسؤال عند آية الرحمة، والتسبيح عند آية التسبيح، هذا سنة في صلاة الليل كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله.
في الفريضة ظاهر السنة أنه لا يتعوذ ولا يسأل ولا يسبح إذا مر بما يقتضي ذلك، هذا بالنسبة للإمام، لكن لو فعل فقد قال فقهاؤنا رحمهم الله: إنه لا بأس به.
المأموم إذا كان لا يمنع من استماع قراءة إمامه فلا بأس، وأظن كلمة واحدة لا تمنع، لو قال: سبحانه، أسأل الله من فضله، لا تمنعه من الاستماع، فلا بأس أن يقول هذا، وإن أنصت فهو أفضل.
السائل: هل يرفع إصبعه؟ الشيخ: لا.
رفع الإصبع حركة لا داعي لها.(157/14)
الفرق بين قول القلب وعمله
السؤال
فضيلة الشيخ: تكرر في كلام العلماء قول القلب وعمل القلب، ما الفرق بينهما؟ وما صفاته؟
الجواب
يقول العلماء: الإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، وبعضهم يقول: عمل القلب واللسان والجوارح.
الفرق بين قول القلب وعمل القلب: فقول القلب: إقراره وإيمانه بالشيء، وعمله: حركته بمعنى: المحبة الخوف الرجاء وما أشبه ذلك، هذه لا تسمى قول القلب وإنما تسمى عمل القلب، لكن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر هذا يسمى قول القلب، هذا هو الفرق بين قول القلب وعمل القلب.(157/15)
استحباب الإتمام لمن صلى خلف الإمام نفلاً
السؤال
إذا أتى الإنسان مسجد جماعة وقد أقيمت الصلاة وهو قد صلى الفرض وأدرك ركعتين معهم، هل يلزمه الإتمام أم يكتفي بركعتين ويسلم؟
الجواب
إذا لم يكن هناك مانع يمنع من الإتمام فالأفضل أن يتم لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) .
أما إذا كان يخشى أن يفوته ما جاء من أجله كمن جاء ليصلي على جنازة وأدرك مع الإمام ركعتين فهنا يسلم مع الإمام؛ لأنه يجوز التنفل بركعتين، وهو إنما حضر للصلاة على الجنازة، وصلاته على الجنازة أفضل من إتمامه؛ لأن الصلاة على الجنازة أولاً فرض كفاية فيكون مشاركاً للمصلين في الفرضية والفرض أفضل من النفل، فيسلم مع الإمام من أجل أن يدرك الصلاة على الجنازة.(157/16)
التوفيق بين قوله تعالى: (في يوم كان مقداره ألف سنة) وقوله: (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)
السؤال
ورد في سورة السجدة قوله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) [السجدة:5] ، وفي سورة المعارج قوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:4] فما التوفيق بين الآيتين؟
الجواب
أما آية السجدة فإن الله يقول: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة:5] هذا في الدنيا {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} [السجدة:5] وذلك أنه قد جاء في الحديث: (بين الأرض والسماء الدنيا خمسمائة سنة، وأن كثف السماء خمسمائة سنة) .
فعلى هذا ألفاً.
أما في سورة المعارج فإن ذلك في الآخرة، ولهذا يظهر لي أن قوله تبارك وتعالى: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:4] متعلق بقوله: {بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ} [المعارج:1-2] أي: أن هذا العذاب الواقع للكافرين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وليس متعلقاً بقوله: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج:4] بل تعرج الملائكة والروح إليه في الدنيا حسب ما جاء في سورة: (ألم تنزيل) السجدة، هذا الذي يظهر لي.(157/17)
الصحيح أن البيت المعمور فوق الكعبة وفي السماء السابعة
السؤال
هل صحيح أن البيت المعمور يقع فوق الكعبة في السماء السابعة؟
الجواب
نعم.
البيت المعمور في السماء السابعة، وهو كما جاء في الحديث: (بحيال الكعبة) وحيال الكعبة هل معناه أنه فوقها؟ وهذا ليس بغريب، والله على كل شيء قدير، أو المعنى: (بحيال الكعبة) بإزائها بمعنى: أنه كما تعمر الكعبة من أهل الأرض يعمر البيت المعمور من أهل السماء، الذي يهمنا أن البيت المعمور في السماء السابعة، وأنه يدخله في اليوم سبعون ألف ملك، هذا أهم شيء.(157/18)
حكم الصلاة في الثوب الشفاف
السؤال
ما حكم الصلاة بثوب شفاف؟
الجواب
الصلاة بالثوب الشفاف إن كان تحته سراويل تستر ما بين السرة والركبة فلا بأس، وإن لم يكن تحته شيء فلا يجوز أن يلبسه في الصلاة أو غير الصلاة؛ لأنه لا بد من ستر العورة، وقد قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] والثوب الشفاف وإن لبسه الإنسان لم يتخذ الزينة، ما الفائدة إذا كان شفافاً وجوده كعدمه.(157/19)
معنى قوله تعالى: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)
السؤال
ما تفسير قول الله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] ؟
الجواب
(وما رميت) يعني: ما رميت وجوههم بهذه الحصى التي أرسلتها عليهم، (إذ رميت) يعني: أرسلت الحصى، فالرمي الأول بمعنى: الإصابة، (ولكن الله رمى) : أصابهم، فرمى تكررت كم مرة؟ مداخلة: ثلاث مرات.
الشيخ: (وما رميت) الأول بمعنى: أصبت وجوههم، (إذ رميت) يعني: أرسلت الحصى، هذا فعل الرسول، (ولكن الله رمى) أصابهم، لأنه من المعلوم أن الرسول إذا أرسل حصيات على قوم بعيدين عنه أنه جرت العادة أنه لا تصل هذه الحصى إلى وجوههم أو التراب لكن الله هو الذي أوصلها.
مداخلة: هل تحمل على الفعل؟ الشيخ: لا.
أصلاً إذا فسرناها بما ذكرنا فلا إشكال أن الرمي يطلق على الإصابة، ويطلق على الفعل، فقوله: (ما رميت) المنفي هنا الإصابة: (إذ رميت) المثبت إرسال الحصى أو التراب: (ولكن الله رمى) الإصابة، ولا إشكال.(157/20)
التوفيق بين اعتقاد الإنسان وتقدير الله عز وجل من المصائب
السؤال
يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30] فكثير من المصائب تحدث للإنسان ويصبح في حيرة هل هذا من نفسه بتقصير في أخذه بالأسباب، أو أن شيئاً مقدراً من الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله لا يختار إلا الخير، فكيف يمكن التوفيق بين اعتقاد الإنسان وتقدير الله سبحانه وتعالى؟
الجواب
أولاً: لي ملاحظة على كلمة: الحق، نحن نؤمن بأن الله تعالى هو الحق المبين وأنه سبحانه وتعالى من أسمائه الحق، لكن كوننا نقول: يقول الحق، قال الحق، وما أشبه ذلك دائماً مع أن استعمالها في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة يقولون: قال الله، وكلمة (الله) تعطي معنىً غير الحق، تعطي أنه وحده الإله وما سواه باطل، وهو الإله الحق، لذلك ينبغي لنا أن نقول: قول الله تعالى، أو قال الله تعالى، أو ما أشبه ذلك، كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (أتدرون ماذا قال ربكم) ويقول: (قال الله تعالى) وما أشبه ذلك، هذا الأمر الأول، وما سمعته في اطلاعاتي على كلام السابقين أنهم يعبرون عن الله بالحق فيقولون: قال الحق إلا في المتأخرين هم الذين يكثرون من قولها، وكذلك يكثرون كلمة المصطفى يعنون به الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا شك أنه مصطفى وأنه أصلاً مصطفى، لكن كوننا نقول: رسول الله، أو قال النبي، أو قال الرسول أفضل؛ لأن هذا هو المستعمل في عرف السلف وكلامهم.
أما السؤال عن الآية: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى:30] فهذا كقوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41] فالمصائب بأسباب الأعمال، لكن المصيبة قد تكون خاصة وقد تكون عامة، والسبب قد يكون خاصاً وقد يكون عاماً، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25] الإنسان قد يشعر بأنه ليس عليه خطيئة لأنه قليل الخطايا، ولأنه إذا أخطأ استغفر، فيقول: من أين أتت هذه المصيبة؟ نقول: هناك شركاء لك قد تكون أعمالهم سبباً لإصابتك: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25] .
ثانياً: كونك ترى نفسك أنك لست مخطئاً هذه سبب المصيبة؛ لأن الإنسان إذا اعتقد هذه العقيدة صار معجباً بنفسه مدلاً على ربه يقول: يا رب! أنا ما فعلت ما يوجب المصيبة أو العقوبة، واعتقاد الإنسان أنه معصوم هو محل الخطأ، يعني: من ادعى العصمة فهو الزال الذي لم يعصم، لأن الإنسان يجب أن يعرف نفسه فأينا لم يخطئ، قد يقول قائل: أليست المصائب تصيب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فنقول: بلى تصيب النبي صلى الله عليه وسلم لكن المصائب بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم لزيادة علو مرتبته؛ لأنه صلوات الله وسلامه عليه قد نال من كل وصف جميل أعلاه، وأقول: من كل وصف جميل يتصف بالمخلوق أعلاه، الصبر يحتاج إلى شيء يصبر عليه، فلهذا أصيب النبي صلى الله عليه وسلم بالأذى في دعوته أليس كذلك أصيب بدعوته؟ مداخلة: نعم.
الشيخ: كيف أصيب؟ ردوا دعوته، وكذبوه وقالوا: ساحر، كذاب، شاعر، مجنون، ألقوا عليه السلى وهو ساجد عند الكعبة، هذه أذية عظيمة فصبر، أيضاً الأمراض التي تصيبه أكثر مما يصيبنا مرتين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم) بل عند مفارقته الدنيا في حال احتضاره عليه الصلاة والسلام أصابه من شدة الموت ما لم يصب غيره عليه الصلاة والسلام لماذا؟ حتى ينال أعلى مرتبة في الصبر على أقدار الله وعلى شرائع الله.
فصار الرسول صلى الله عليه وسلم ما أصابه من المصائب التي نعتقد أنها أصابته من أجل أن تكمل درجة الصبر في حقه حتى يكون صابراً شاكراً، فقد -والله نال- أعلى درجة الشاكرين حتى إنه يقوم في الليل حتى تتورم قدماه ويتفطر ساقه، وقيل له في ذلك، قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً) فنال أعلى درجة الصبر، وأعلى درجة الشكر صلوات الله وسلامه عليه.(157/21)
حكم الصلاة وقراءة القرآن في البقيع وعند قبر النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال
ما حكم قراءة القرآن والصلاة عند مقبرة البقيع وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
لا تقرأ القرآن لا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في البقيع، ولا عند قبور الناس، لا تقرأ القرآن هذا بدعة، لكن سلم إذا وصلت إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم قل: (السلام عليك يا رسول الله! ورحمة الله وبركاته) هذا أحسن صيغة في السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمها أمته في الصلاة (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) فقط وانصرف، وإن قلت: (أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة) فهذا حسن.
وفي البقيع تقول: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم) وتنصرف، وإن شئت أن تسلم على قبر عثمان رضي الله عنه وهو معروف فهذا حسن؛ لأن عثمان ثالث الخلفاء الراشدين في هذه الأمة.
إذاً: لا يُقرأ قرآن عند القبر؛ لا قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا قبر عثمان، ولا في البقيع، ولا في أحد، ولا في أي مقبرة.
مداخلة: يا شيخ والصلاة.
الشيخ: لا.
الصلاة في المقبرة حرام ولا تصح، وعند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ستصلي في المسجد ما تصلي عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أنت تنوي أنك تصلي في المسجد النبوي.(157/22)
حكم السلام على أهل المقابر لمن كان ماراً بهم
السؤال
فضيلة الشيخ: هل يجوز السلام على المقبرة إذا كان على السيارة أو على غير ذلك؟
الجواب
يعني: هل المار في المقبرة يسلم أم لا؟ إن كانت المقبرة مكشوفة ليس عليها جدار فلا بأس أن تسلم، وإن كانت مستورة بجدار فلا تسلم؛ لأنه لا معنى لذلك، إذ أن المار بالسور وبينه وبين القبور جدار كالذي في بيته ولا فرق، لهذا نقول: إن مررت بمقبرة مكشوفة فلا بأس أن تسلم، وإن مررت بمقبرة مسورة فلا تسلم، ولهذا لولا أن الشهداء في أحد قد فتحت منافذ في الباب وأظنه مشبك، يقف الإنسان فيه ويشاهد القبور لقلنا: لا تسلم عليهم؛ لأنهم محجوبون عنك، والسلام على المقبرة وبينك وبينها جدار كالسلام عليهم لو كنت في بيتك، ولا أحد يقول: قف في بيتك وسلم على أهل المقابر.(157/23)
حكم التصنت بالجهاز التجسسي على الأولاد والخادمة من أجل تربيتهم والحفاظ عليهم
السؤال
توجد الآن أجهزة في السوق تساعد الإنسان على التصنت على الهاتف، على العموم أنه بإمكان الإنسان أن يدخل على المتحدثين فيسمع كلامهما، واستخدمها بعض الناس استخداماً فيما يراه أنه استخدام طيب لمعرفة من يتصل بأبنائه حتى يعرف أين سيكون مثلاً مجيئهم الليلة أو ذهابهم هذه الليلة مع من، ومن سيزورهم؟ وما الحديث الذي سيدور بينهم؟ وعلى هذا الأساس يحدد نوع تربيته لأبنائه، أو معرفة من يتصل بالخادمة إذا كانت في البيت، أو بمن تتصل، فهل يجوز لمثل هذا إذا كانت نيته صالحة؟ أولاً: بارك الله فيك الذي أعرف أن هذا النوع من الأجهزة ممنوع.
السائل: لا.
بل يباع الآن.
الشيخ: الآن؟ السائل: نعم.
الشيخ: علناً؟ السائل: على هيئة مسجل يضعه في بيته على هاتفه هو فقط، إذا اتصل أحد عليَّ وأنا في البيت بإمكانه أن يسمع من يتصل بي.
الشيخ: لكن قصدي هل هو مسموح؟ السائل: مسموح، يا شيخ! مسجل عادي.
الشيخ: أما إذا تصنت على الناس فهذا حرام لا إشكال فيه؛ لأن هذا من باب التطلع على أسرار الناس، وخيانة الأمانة، حتى إن العلماء رحمهم الله قالوا: إذا حدثك الإنسان والتفت لينظر هل حوله أحد، فإن ذلك من الأمانة، فلا يجوز لك أن تفضي بسره إلى أحد، فكيف بالذي يتلقف أو يخطف أقوال الناس، هذا لا شك في تحريمه سواء علم وكتم أو علم وأعلن.
أما الذي يأخذه ليتصنت مثلاً على أولاده أين ذهبوا وأين راحوا، أو على الخادمة أو على أهله، فهذا إن كان هناك قرينة فساد واضحة يريد أن يتحقق منها فلا بأس، وإلا فإنه من التجسس والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التجسس، وكم من إنسان تجسس وسمع ما يكره أو رأى ما يكره ثم لا يمكنه أن يغير شيئاً فيزداد لذلك محنة إلى محنته، ويزداد أيضاً كراهة لمن سمعه أو رآه إذا كان يتجسس بالعين وهو في غنىً عن ذلك، حتى إنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن مسعود أنه قال عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحدثني أحد عن أحد بشيء فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر) انظر إلى التربية، كن سليم الصدر، وربما يهدي الله هذا الرجل ويستقيم، لكن إذا كرهته لمعصية عرفتها منه، ربما لا تزول هذه الكراهة ولو استقام.
ثم إن الإنسان إذا سمع أو رأى من شخص ما يكره يظهر أثر ذلك عليه في رؤيته إياه، وفي نظره إليه، وفي وجهه إذا لاقاه، فيشمئز كل واحد من الآخر، وتحصل العداوة والبغضاء.
فالمهم أني أرى أن السلامة من هذا الجهاز الذي يتجسس على الناس أولى بكل حال.
السائل: هناك فرق بين الناس الآخرين والأولاد الشيخ: اسمع يا رجل الكلام، أن السلامة أولى منه بلا شك، فإن دعت الحاجة إليه في أولاده أو أهله فلا بأس بهذا، ومع ذلك أفضل ألا يفعل؛ لأنه أولاً: النفس البشرية طبيعتها أنها تتنقل فربما يأتي يوم من الأيام يقول: هاه أريد أتجسس على الشرطة على كذا على كذا على كذا، وهذا مثل السحر يصير في البدن من حيث لا يشعر الإنسان، كذلك هذا يصير في القلب من حيث لا يشعر، فالسلامة من هذا الجهاز أرى أنها أولى بكل حال.
وهذا الأخ موسى بعد رجوعه من أهله جزاه الله خيراً يشير إلى أن الوقت قد انتهى.
فسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
وإلى اللقاء القادم إن شاء الله إلا إذا رأيتم أننا نلغي الجلسة القادمة نظراً للامتحان؟ مداخلات: ما يؤثر.
الشيخ: إذاً: الأمور تمشي على ما هي عليه بإذن الله.(157/24)
نتيجة الاستخارة هي ما يقدره الله عز وجل من الأسباب أو ميل الشخص إلى شيء ما
السؤال
شروط عقد النية عند صلاة الاستخارة، يعني: أنا جربت شخصياً أكثر من مرة لما أصلي استخارة لكن ما كنت أدرك أي الأمرين فاستخير؟
الجواب
إذا استخار الإنسان في شيء ثم لم يتبين له الأمر فليعد الاستخارة مرة أخرى وثالثة ورابعة، ثم إذا قدر الله له الشيء علم أن هذا هو الخير، إذا قدر الله له الشيء سواء مال إليه الآن أو مال إليه بعد علم أنه هو الخير.
بارك الله فيكم.(157/25)
لقاء الباب المفتوح [158]
في ظلال تفسير آيات من سورة الطور كان لقاء الشيخ حيث تناول كثيراً من مواقف يوم القيامة وأحداثها بدءاً من سير الجبال ومور السماء، وتعريجاً على أحوال أهل جهنم وتوبيخهم وإهانتهم.(158/1)
تفسير آيات من سورة الطور
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة: فهذا هو اللقاء الثامن والخمسون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السابع من شهر صفر عام (1418هـ) .(158/2)
تفسير قوله تعالى: (يوم تمور السماء موراً)
نبتدئ هذا اللقاء كالعادة بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل، حيث انتهينا فيما سبق إلى قول الله تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً * فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [الطور:9-11] .
هذه الجملة بل هذه المفردة: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ} متعلقة بقوله: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} [الطور:7] أي: أن العذاب يقع في ذلك اليوم يوم تمور السماء موراً، وتسير الجبال سيراً، فويل يومئذٍ للمكذبين.
قوله: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً} قد يظن ظان أن المصدر هنا (موراً) لمجرد التوكيد، ولكنه ليس كذلك بل هو لبيان تعظيم هذا الموقف، والمور بمعنى: الاضطراب، أي: أن السماء تضطرب وتتشقق وتتفتح وتختلف عما هي اليوم عليه كما قال تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار:1-5] ولا إنسان يتصور أو يعلم حقيقة ذلك اليوم، ولكننا نعلم المعنى بما أخبر الله به عنه أما الحقيقة فهي شيء فوق ما نتصوره الآن.(158/3)
تفسير قوله تعالى: (وتسير الجبال سيراً)
قال تعالى: {وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً} [الطور:10] أي: تسير سيراً عظيماً، وذلك أن الجبال تكون هباءً منثوراً، وتتطاير كما تتطاير الغيوم، وتسير سيراً عظيماً هائلاً لشدة هول ذلك اليوم، وهذه الآية تدل على أن قول الله تبارك وتعالى في سورة النمل: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل:88] لأن هذه الآية هي نفس هذه الآية التي في الطور من حيث المعنى، فيكون قوله تبارك وتعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل:88] أي: يوم القيامة ولا شك، ومن فسرها: بأن ذلك في الدنيا، وأنه دليل على أن الأرض تدور فقد حرف الكلم عن مواضعه، وقال على الله ما لا يعلم.
وتفسير القرآن ليس بالأمر الهين؛ لأن تفسير القرآن يعني أنك تشهد على أن الله أراد به كذا وكذا، فلابد أن يكون هناك دليل إما من القرآن نفسه وإما من السنة وإما من تفسير الصحابة، أما أن يحول الإنسان القرآن على المعنى الذي يراه بعقله أو برأيه فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال بالقرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار) .
والمهم أن هذا التفسير أعني أن قوله: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل:88] يراد به في الدنيا تفسير باطل، لا يجوز الاعتماد عليه ولا المعول عليه، أما كون الأرض تدور أو لا تدور؟ فهذا يعلم من دليل آخر إما بحسب الواقع، وإما بالقرآن وإما بالسنة، ولا يجوز أبداً أن نحمل القرآن معاني لا يدل عليها من أجل أن يؤيد نظرية أو أمراً واقعاً لكنه لا يدل عليه اللفظ؛ لأن هذا أمر خطير جداً.(158/4)
تفسير قوله تعالى: (فويل يومئذ للمكذبين)
قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [الطور:11] (ويلٌ) كلمة وعيد وتهديد، وإن كان قد روي أنها وادٍ في جهنم، لكن الصواب أنها كلمة تهديد ووعيد، {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} المكذبين لله ورسله، الجاحدين لما قامت الأدلة على ثبوته، فإنهم سيجدون في ذلك اليوم من العذاب والنكال ما لا يخطر لهم على بال.(158/5)
تفسير قوله تعالى: (الذين هم في خوض يلعبون)
قال تعالى: {الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} [الطور:12] (الذين هم) في الدنيا (في خوض) أي: في كلام باطل (يلعبون) أي: لا يقولون الجد ولا يعملون بالجد وإنما أعمالهم كلها لعب ولغو، ولذلك تجد أعمارهم ليس فيها بركة، تمر بهم الليالي والأيام لا يستفيدون شيئاً.(158/6)
تفسير قوله تعالى: (يوم يدعون إلى نار جهنم دعاً)
قال تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً} [الطور:13] هذه متعلقة بما سبق أيضاً (ويدعون) بمعنى: يدفعون بعنف وشدة، {إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً} ؛ لأنهم والعياذ بالله تمثل لهم النار كأنها سراب أي: كأنها حوض نهر وهم على أشد ما يكون من العطش، فيذهبون إليها سراعاً يريدون أن يشربوا منها حتى يزول عنهم العطش، فإذا بلغوها وإذا هي النار والعياذ بالله، فكأنهم -والله أعلم- يتوقفون لئلا يتساقطوا فيها فيدعون إليها دعاً أي: يدفعون بعنف وشدة فيتساقطون فيها، أجارنا الله وإياكم من ذلك.(158/7)
تفسير قوله تعالى: (هذه النار التي كنتم بها تكذبون)
يقال لهم: {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [الطور:14] كانوا في الدنيا يقولون: لا بعث ولا جزاء ولا عقوبة ولا نار وإنما هي أرحام تدفع وأرض تبلع ولا بعث، فيقال: {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} في الدنيا يكذبون بها ويقولون: لا نار ولا بعث ولا جزاء، فيوبخون على هذا الإنكار يوم القيامة، وما أشد حسرتهم إذا وبخوا على أمر كان في إمكانهم أن يتخلوا عنه ولكنهم الآن لا يستطيعون إلى ذلك سبيلاً، يقولون: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام:27] قال الله تعالى: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:28] حتى لو ردوا إلى الدنيا عادوا وكذبوا فلن يستقيموا على أمر الله، لكن يقولون هذا تمنياً ويقول العوام: التمني رأس مال المفاليس.(158/8)
تفسير قوله تعالى: (أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون)
قال تعالى: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] أي: أفهذا الذي ترون اليوم سحر كما كنتم تقولون ذلك في الدنيا حيث يقولون: إن ما جاءت به الرسل سحر، ويصفون الرسول بأنه ساحر، فيقال: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] يعني: لا تبصرون بعين البصيرة، بل أنتم عميٌ عن الحق والعياذ بالله.(158/9)
تفسير قوله تعالى: (اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون)
قال تعالى: {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:16] اصلوها أي: احترقوا بها، والأمر هنا للإهانة كقوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ * إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} [الدخان:49-50] فانظر إلى هؤلاء كيف تتهكم فيهم الملائكة وتذلهم وتخزيهم -والعياذ بالله- وتهينهم، {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ} أي: أن الصبر وعدمه سواء عليكم، ومعنى هذا: أنه لن يفرج عنكم سواء صبرتم أم لم تصبروا، مع أنهم في الدنيا إذا أصيب الإنسان بشيء وصبر فإنه يفرج عنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً) .
{إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: ما تجزون إلا ما عملتموه فلم تظلموا شيئاً.
ثم ذكر الله تعالى جزاء المؤمنين، فقال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:17-19] إلى آخر الآيات، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله مستقبلاً.(158/10)
الأسئلة(158/11)
حكم إقامة الجمعيات التي يعملها المدرسون أو الموظفون في أماكن أعمالهم
السؤال
هذه الجمعيات المصغرة التي يعملها المدرسون في مدارسهم أو الموظفون في إداراتهم نرى فيها وهي معروفة لدى الجميع طبعاً! الشيخ: لا، عرِّفها، يمكن أنا أعرفها، ولعل غيري لا يعرفها.
السائل: نعم، يا شيخ! يشترك فيها الموظفون وعددهم -نفرض أنهم- عشرون شخصاً وكل منهم يدفع ألفي ريال كل شهر فيأخذونها بالتناوب الشيخ: يدفعونها لمن؟ السائل: يدفعونها لأحدهم، وهكذا بالتناوب الشيخ: صار عنده عشرون ألفاً، ألفين من جهته وثمانية عشر ألفاً من جهة الآخرين.
السائل: نعم، ويأخذونها بالتناوب، ولكن نرى أن في هذا الجمعية يشترطون شرط أن يقرض لكي يقترض، فهل في هذا الشرط سيئ؟ الشيخ: أبداً هذا ليس فيه شيء وهو من الوفاء بالعهد؛ لأنهم مثلاً إذا جمعوا عشرين ألفاً أو ثمانية عشر ألفاً وأعطوها فلاناً فلابد أن يوفوا.
السائل: ولو أن واحداً منهم مثلاً قال: أنا ليس عندي ولكن أريد أن تقرضوني، ما أقرضوه.
الشيخ: هذا معلوم، يعني المصلحة مشتركة.
السائل: ألا يجوز في المصلحة.
الجواب
لا، لا، أبداً؛ لأن هذه المصلحة للجميع، والمصلحة الممنوعة إذا كان الذي ينتفع هو المقرض وحده، أما إذا كان من الجانبين فلا بأس، ومن ذلك أي: إذا كان إنسان عنده أرض -أرضه هو- فجاءه مزارع وقال: أريد أن أزرعها بشرط أن تقرضني لشراء البذر وأجرة عمال وما أشبه ذلك فقال: نعم، فلا بأس بهذا؛ لأنه هنا انتفع الزارع وانتفع صاحب الأرض ولا بأس بهذا، الممنوع أن يكون الانتفاع للمقرض وحده؛ لأنه في هذه الحال هو الذي يأخذ الربا، إذا أقرض مثلاً عشرة آلاف واشترط شرطاً آخراً يستفيد منه صار كأنه أقرض عشرة وأخذ عشرة وزيادة فحينئذ يكون ربا، أما إذا كان لمصلحة الطرفين فلا بأس بذلك، وقد ذكر هذا أعني: أنه إذا كان قرضاً لمصلحة الطرفين؛ ذكر هذا ابن القيم رحمه الله في كتابه تهذيب سنن أبي داود.(158/12)
حكم نسيان الإمام لقراءة البسملة
السؤال
إذا نسي الإمام قراءة البسملة فماذا عليه؟
الجواب
إذا نسي الإمام قراءة البسملة في الصلاة أو المأموم أو المنفرد أو تعمدوا تركها فلا بأس، لأن البسملة ليست من الفاتحة، البسملة آية مستقلة يؤتى بها في افتتاح كل سورة إلا سورة براءة.(158/13)
حكم من صلى مسافراً خلف مقيم وبقيت له ركعتان وسلم معه
السؤال
إنسان مسافر صلى مع مقيم ولكنه قصر؛ لأن الإمام بقي له ركعتان فقصر وسلم مع الإمام، فما حكم صلاته؟ وهل يقضيها إذا كانت باطلة؟
الجواب
نعم، صلاته غير صحيحة، وعليه أن يعيدها إتماماً؛ لأنه وجبت في ذمته تامة، دليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وهذا عام في السفر وغير السفر، وسئل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: [ما بال الرجل يصلي ركعتين ومع الإمام أربعاً؟ قال: تلك هي السنة] فبلغ جزاك الله خيراً من فعل هذا أن يعيدها أربعاً حتى تبرأ ذمته، لأنه سيقضي صلاة وجبت عليه أربعاً فيجب أن يصلي أربعاً.(158/14)
موضع قول: (آمين) في الصلاة
السؤال
حديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي هو تأمين المؤمِّنين في سورة الفاتحة، مثلاً قال الإمام: ولا الضالين، والمأموم طبعاً يقول: آمين، فما أدري الإمام يقول: آمين، ثم يرد وراءه المأمومون: آمين، أو إذا قال: ولا الضالين، قالوا: آمين؟ الشيخ: إذا قال: ولا الضالين، قالوا: آمين.
السائل: مع أن الشيخ الألباني يقول: لا هذا مخالف.
الجواب
أولاً: بارك الله فيك! نحن لا نسمح لأي واحد أن يذكر لنا شخصاً معيناً من العلماء.
وإنما لك أن تقول: قال بعض العلماء، أما فلان وفلان لا تذكرونه عندنا أبداً لا نريد.
لكن إذا كان أبو هريرة رضي الله عنه الذي روى: (إذا أمن الإمام فأمنوا) هو الذي روى: (إذا قال الإمام: ولا الضالين، فقولوا: آمين) وعلى هذا يكون معنى قوله: إذا أمن، أي: إذا بلغ موضع التأمين وهو قوله: (ولا الضالين) أو إذا أمن أي: إذا شرع في التأمين فأمنوا، وليس المعنى إذا انتهى من التأمين فأمنوا، فالحديث يفسر بعضه بعضاً، إذا كان هذا الحديث روي: (إذا قال: ولا الضالين، فقولوا: آمين) عرفنا معنى قوله: (إذا أمن فأمنوا) أن المراد: إذا بلغ موضع التأمين أو إذا شرع في التأمين فأمنوا معه.(158/15)
حكم الطواف لمن دخل مكة بغير إحرام
السؤال
هل يلزم طواف الوداع لمن دخل مكة بغير إحرام؟
الجواب
لا، لا يلزم طواف الوداع لمن دخل مكة بغير إحرام، وإنما يلزم من دخل مكة بإحرام، بحج أو بعمرة، هذا ما لم يكن انصرف من عمرته فور انتهائه منها، فإن انصرف من عمرته فور انتهائه منها بمعنى: أنه طاف وسعى وقصر أو حلق ثم ركب سيارته راجعاً فهذا ليس عليه طواف الوداع، أي: أنه يكتفى بالطواف الأول.(158/16)
تفسير قوله تعالى: (ناصية كاذبة خاطئة)
السؤال
في قوله: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق:16] قال البعض متسائلاً في كتاب له: لماذا لم يقل الله عز وجل: إن الإنسان هو الكاذب وهو الخاطئ، بل أشار إلى ناصية كاذبة خاطئة، ثم بعد ذلك ذهب إلى أبحاث علمية فيسلوجية.
إلى آخره، وقال: إن العلماء اكتشفوا أن مقدمة الرأس هي مركز الهم ومركز العمل، بل أنها مركز للتفكير العدواني، فربطوا بين هذا وهذا الاستنتاج وخرجوا بأن هذا دليل، فما وجه الاستدلال في هذا إن كان بعيداً أو كان قريباً بارك الله فيك؟
الجواب
قال الله عز وجل: {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ} [العلق:15] أي: ناصية هذا المجرم المعتدي {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق:16] لأن العادة أنه يمسك الإنسان بناصيته، ثم يؤخذ بجريمته، ولا يبعد أن الناصية هي محل الإقدام؛ لأنها هي مقدم الرأس والرأس هو محل التفكير والتصور، فلا يبعد أن الله أراد هذا المعنى، وإن كان في ظني والله أعلم: أن الناس في ذلك العهد لا يعلمون بهذا الشيء، لكن لا مانع إذا شهد الحس والأمر الواقع لمعنىً صحيح يقاربه القرآن، أقول: لا مانع من أن نقول أنه دال عليه.(158/17)
حكم من أمَّ الناس في إقامتهم وهو مسافر
السؤال
رجل مسافر أم جماعة مقيمين، ماذا يفعل وهو في داخل البلد يقصر الصلاة أم يتم؟
الجواب
السنة أن يقصر الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأهل مكة عام الفتح فكان يصلي بهم ركعتين ويقول: (أتموا فإنا قوم سفر) أي: مسافرون، فيصلي ركعتين ويقول لهم قبل أن يشرع في الصلاة: إني سأصلي ركعتين وإذا سلمت فأتموا، وينبغي للإنسان أن يفعل هذا لأن هذه السنة ميتة الآن، يعني: لو فعلها إنسان وكان ممن لا يشار إليه بالعلم فإن الناس سيصرخون في وجهه ويخطئونه، وإن كان ممن يشار إليه بالعلم ويعلمون أنه فعل ذلك عن علم فإنهم سينتفعون بهذا ويعرفون السنة، كما كان الناس في الأول ينكرون سجود السهو بعد السلام ويرونه مبطلاً للصلاة، فلما عرف الناس ذلك وصار الأئمة يفعلونه صار أمراً مألوفاً عند الناس ولا يستنكر، فالسنن الميتة ينبغي لطلاب العلم الذين يعتنى بقولهم وفعلهم أن يحيوها فإن: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) .(158/18)
حكم أخذ شيء من شعر الميت أو ظفره عند تغسيله
السؤال
اختلف العلماء -رحمهم الله- في أخذ شيء من شعر أو ظفر الميت عند تغسيله، فما رأي فضيلتكم في هذه المسألة؟
الجواب
الذي أرى أنه يؤخذ إذا كان فيه وسخ؛ لأن الأظفار إذا كان فيها وسخ فنقش الوسخ هذا صعب، فتقص الأظفار فترمى أو تدفن، وأما العانة فلا؛ لأنها تستلزم كشف العورة، ولا داعي إلى ذلك، أما الإبط فيؤخذ لأنه غالباً يكون فيه رائحة كريهة، والذي ينبغي أن ينظف الميت تنظيفاً تاماً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء اللائي يغسلن ابنته: (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) ، ولقوله عليه الصلاة والسلام في الرجل الذي وقصته ناقته في عرفة قال: (اغسلوه بماء وسدر) لأن في السدر زيادة تنظيف.
السائل: لكن بالنسبة لشعر الإبط، فإن ذلك مؤلم للميت؟ الشيخ: الميت ميت لا يحس بهذا، ويمكن أن يقص قصاً، لكن كما قلت: يؤخذ منها إذا كان فيهن أذية لأن بقائهن على هذا الطول يصير فيهن أذية.(158/19)
حكم نزع تركيبة الأسنان من أجل الوضوء
السؤال
شخص يسأل: أنه مركب أسنان في بعض أسنانه ويمكنه نزعها؛ لأنها لم تغرس غرساً، لكنه يشق عليه ذلك، فهل في هذا بأس من ناحية الوضوء أي: في المضمضة؟
الجواب
لا يلزمه أن يخلعها عند المضمضة؛ لأنها يسيرة، ولأنه يكفي إدارة الماء في الفم، ولأن الغالب أن الماء يدخل لأن الماء كما تعرفون لطيف يدخل من بين هذه الأسنان المركبة واللثة، لكن لو نزعها خصوصاً في الجنابة فهو أحسن.(158/20)
حكم صلاة من جلس ينتظر الإقامة فعالج ذلك بالنوم
السؤال
بعض الأولاد فوق سن العاشرة عندما يأتي لصلاة الفجر ويجلس ينتظر الإقامة يعالج النوم وأحياناً ينام، ثم أحياناً ينام أثناء جلوس التشهد، فهل يؤمر بإعادة الصلاة عندما يعود إلى البيت أم تكفيه صلاته؟
الجواب
قل: وحال السجود أيضاً.
السائل: نعم.
الشيخ: ما دام هذا الرجل -سواء كان شاباً أو غير شاب- لو أحدث يحس من نفسه؛ فصلاته صحيحة ولا يعيدها، كذلك إذا كان يتكلم بالتسبيح والتكبير والقرآن وإن كان يتكلم ولكنه لا يدركها جيداً فإنه لا بأس تكفيه.
أما إذا غاب شعوره تماماً وصار يجلس مثلاً بين السجدتين أو يجلس للتشهد ولكنه لا يدري أقال شيئاً أم لم يقل، فهذا ينبغي له بل يجب عليه أن يعيد الصلاة، وهنا مسألة: وهي أن العلماء يقولون: إذا كان فيه نعاس شديد لا يدرك معه إتمام الصلاة مع الجماعة فليصل وحده ولينم؛ لأن هذا أشد من حضور الطعام، وإذا كان الإنسان إذا حضر الطعام فإنه لا بأس أن يجلس عليه ويأكل حتى يشبع ولو فاتته الجماعة فهذا من باب أولى، ولا شك أن القياس واضح، فإذا كان الإنسان فيه نوم شديد يقول: إذا ذهبت إلى المسجد ما بقيت أعرف ماذا أقول، لكن إن صليت الآن أدركت الصلاة، نقول: صل الآن ونم.
السائل: حتى لو كانت الأيام مستمرة.
الشيخ: لا ما تكون هذه مستمرة إلا إنساناً لا يبالي، والمهم أن يدرك الصلاة أن يدركها بقلبه ويعييها بقلبه.(158/21)
علاقة المرأة برضا وسخط الزوج
السؤال
حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا ماتت المرأة وزوجها راضٍ عنها دخلت الجنة) منطوق الحديث أن المرأة إذا ماتت وزوجها راضٍ عنها تدخل الجنة، هل مقصود الحديث: أن المرأة إذا ماتت وزوجها ساخط عليها لا تدخل الجنة هل هذا صحيح؟
الجواب
أولاً: لا أعرف هذا الحديث، لكن إذا كان هذا الحديث صحيحاً فالمعنى: أن كون المرأة تعاشر زوجها بالمعروف حتى يكون راضياً عليها هو من أسباب دخول الجنة، والسبب قد يتخلف لوجود مانع، وهذه مسألة يجب علينا أن نعرفها، أحياناً ترد النصوص في الوعد والترغيب بأن من فعل كذا دخل الجنة، وما أشبه ذلك، فالمعنى: أن هذا سبب والسبب قد يتخلف لوجود مانع يمنع، فمثلاً: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد استرعاه الله على رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) يعني: منعه منها، لكن قد يكون هناك مانع يمنع من نفوذ هذا الوعيد، وهو أن يغفر الله له، لأن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وحينئذ لا يستحق هذا الوعيد، فيجب علينا أن نعرف الفرق بين كون الشيء سبباً قد يتخلف لوجود مانع.
فنقول: إن صح هذا الحديث فالمعنى: أن كون المرأة تموت وزوجها راضٍ عنها هذا سبب من أسباب دخول الجنة وقد لا تدخل الجنة لوجود شيء آخر يمنع، لكن قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن المرأة إذا باتت وزوجها ساخط عليها فإن الله سبحانه وتعالى يكون ساخطاً عليها) .(158/22)
حكم كتابة (ص) أو (صلعم) بدلاً عن صلى الله عليه وسلم
السؤال
ما حكم كتابة (ص) أو (صلعم) إذا كان الكاتب مستعجلاً في الكتابة، وما حكمه إذا كان غير مستعجل؟
الجواب
يعني: بعض الناس إذا كتب قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قال النبي ثم يكتب (ص) يرمز إلى صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم يكتب (صلعم) كل هذا حرمان يحرمه العبد: أولاً: أنه إذا كتب صلى الله عليه وسلم فقد كتب دعاءً يكتب له به عشر حسنات، وإذا رمز لم يحصل على هذا الدعاء.
ثم إنه إذا رمز (ص) وجاء إنسان يقرأ ولا يعرف الاصطلاح ماذا يقول؟ يقول: قال النبي صاد، وهذا غلط عظيم، أو يقول: قال النبي صلعم، فيجعل صلعم اسم من أسماء الرسول.
على كل حال: العلماء كرهوا ذلك، وقالوا: إما أن يكتب صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام، وإما أن يدعها والقارئ هو الذي يصلي، وأما أن يكتب الرمز (ص) أو (صلعم) فهذا مكروه.(158/23)
حكم التأمين على الأموال والتجارات والسيارات
السؤال
ظهر حديثاً ما يعرف بالتأمين، التأمين على الأموال والتجارات والسيارات، وظهرت شركات في هذا، ويؤمنون على السيارات بمعنى: إذا صار للسيارة حادث يضمنون ثمنها ويضمنون لو صار هناك قتلى نتيجة الحادث فيدفعون الدية، فما توجيهكم حيث يسمونه بالتأمين التعاوني من باب التعاون، فما توجيهكم في هذا جزاكم الله خيراً؟
الجواب
حسب ما ذكرت نرى أن هذا محرم، يعني: أن يدفع صاحب السيارة كل شهر كذا وكذا أو كل سنة كذا وكذا للشركة، وتقوم الشركة بضمان الحادث الذي ينتج من هذه السيارة، نرى أن هذا حراماً، وأنه من الميسر الذي قرنه الله بعبادة الأصنام وشرب الخمور قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90] ووجه ذلك: أن هذا المؤمِّن إذا دفع كل شهر خمسمائة ريال، كان عليه في السنة ستة آلاف ريال، ربما يحصل حادث في هذه السنة غرم بسببه عشرين ألف ريالاً، وربما لا يحدث شيء، فإن كان الأول يعني: حدث حادث غرم فيه عشرين ألف ريالاً صار المؤمَّن الذي دفع التأمين غانماً والشركة غارمة، وإن كان العكس بأن مضت السنة ولم يحدث حادث كانت الشركة غانمة والمؤمِّن غارم، وهذا هو الميسر تماماً، فهو حرام، فلا يجوز للإنسان أن يتعاطاه، ولا تغتر -أيها الإنسان- بعمل الناس فإن الله تبارك وتعالى يقول: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] .
فنصيحتي لإخواني: أن يقاطعوا هذه التأمينات، وأما قولهم: إنه تأمين تعاوني، فهذا أكذب ما يكون، هل يمكن لأي إنسان لم يدخل في هذا التأمين أن يستفيد من هذه الجمعية؟ أبداً ما يستفيد، بل هو تأمين فيه ميسر وقمار.(158/24)
حكم زيارة النساء لقبر شخص مات ولم يحضروا موته
السؤال
ما حكم زيارة القبور للنساء إذا كانوا مثلاً في بلد وابنهم في بلد ثم مات ولم يروه، أو لم يحضروا موته، ثم ذهبوا ليزوروه في المقبرة، والأم خاصة حساسة، فإذا كانت هذه الأم تكثر النياحة وتقلل العبادة إذا لم ترى ابنها، فما حكم الزيارة لها؟ وما حكم زيارة القبور للنساء عموماً؟
الجواب
زيارة النساء للقبور عموماً محرمة بل من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور، وهذه المرأة التي بقيت حزينة لفقد ابنها لكونها لم تشهد جنازته إنما حصل لها ذلك من الشيطان، وهي إذا ذهبت مثلاً وزارت ابنها فهل سترى ابنها؟ لا تراه، إذاً ما الفائدة، وإذا كان المقصود أن تدعو، قلنا لها: يحصل لك الدعاء وأنت في بيتك، لكن الشيطان يئزها ويقلقها حتى تذهب إلى القبر.
ثم إذا ذهبت إلى القبر ما أراها تزداد إلا حزناً وتعلقاً بالقبر، وربما تكرر الزيارة من أجل ذلك.
لهذا نوجه النصيحة إلى هذه الأم ونقول لها: احتسبي واصبري، فإن لله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بأجل مسمى، وأكثري من الدعاء لابنك، وقولي ما قالته أم سلمة رضي الله عنها: [اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها] فإنه ما من عبد يقول ذلك إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها.
نعم لو أن المرأة مرت مع المقبرة ووقفت ودعت لهم فهذا لا بأس به، أما أن تخرج من بيتها لقصد زيارة المقبرة أو زيارة قبر خاص فإنه حرام بل من كبائر الذنوب.(158/25)
دعاء دخول السوق
السؤال
هل ورد حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعاء عند دخول السوق؟
الجواب
ورد حديث أن الإنسان إذا دخل السوق قال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) لكنه ضعيف.(158/26)
التوفيق بين قول الله تعالى: (وسيرت الجبال فكانت سراباً) وقوله: (وترى الجبال تحسبها جامدة)
السؤال
قول الله تعالى: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} [النبأ:20] ، وفي آية النمل: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل:88] كيف التوفيق بينهما؟
الجواب
وردت نصوص في اليوم الآخر مختلفة في هذا وفي غيره، حتى في بني آدم ورد أنهم يحشرون زرقاً يعني: المجرمين منهم، وورد: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:106] كل هذا لا تعارض بينها؛ لأن يوم القيامة مقداره خمسون ألف سنة فتتغير الأحوال وتتنقل وتختلف، وإذا كنا نرى أن الجو يختلف في الدنيا بين عشية وضحاها، وبين يوم وآخر، وبين أسبوع وأسبوع، وبين شهر وشهر، وبين السنة أولها وآخرها، فإن الجبال والأحوال يوم القيامة تتغير من شيء إلى آخر، ولذلك نقول كل النصوص في يوم القيامة التي ظاهرها التعارض ليس فيها تعارض، بل تحمل على تغيير الأحوال، يعني: يوم القيامة مقداره خمسون ألف سنة.(158/27)
حكم استعمال السبحة لضبط العد في الأوراد
السؤال
كثر السؤال عن استعمال السبحة لإعانة المسبح في ضبط العد، لكثرة ضبط الأوراد في السنة، فبعض الناس يرى أن ضبط العدد يصعب عليه خاصة الكبار فهل لهم أن يستعملون السبحة؟
الجواب
استعمال السبحة في التسبيح لا بأس به، لكنه في الأصابع أفضل كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: (اعقدن بالأنامل فإنهن مستنطقات) والإنسان إذا تعود شيئاً اعتاد عليه والذين لم يكونوا يعرفون السبحة أو الذين كانوا لا يعرفون التسبيح بالسبحة لا يهمهم أن يحصوا العدد ولو كان ألفاً، والذين اعتادوا أن يحصوا العدد بالسبحة هم الذين يضيعون إذا لم يستعملوها فالمسألة على العادة، وإذا كان الأفضل أن يحسب الإنسان العدد بأصابعه فالأفضل أن يعود نفسه على ذلك، وإن كان قد يشق عليه في أول الأمر لكن في النهاية سيكون أمراً سهلاً، هذا إذا تجرد استعمال المسبحة عن الرياء؛ لأن بعض الناس يتخذ ذلك رياءً ليقال: هذا رجل كثير التسبيح، أو يتخذ سبحة معينة يستدل بها على أن هذا الرجل شيخ وأنه من العارفين بالله كما يوجد عند بعض الصوفية، تجد الإنسان عنده سبحة من رقبته إلى عانته كأنما يقول للناس: يا أيها الناس! انظروا إلى عدد التسبيح الذي أسبحه، أو يدعو الناس إلى أن يكرموه ويتخذوه ولياً، هذا لا شك أنه إذا اقترن بها شيء يجعلها محرماً صارت محرماً، لكن مجرد العدد وأنه إذا انتهى منها أدخلها في جيبه نقول: الأفضل أن تعقد بالأنامل.(158/28)
علاقة القلب بالتفكير وكذلك (الدماغ)
السائل: الجمع بين ما قيل: إن الرأس هو محل التصور والتفكير وبين قوله تعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج:46] ؟ الشيخ: الجمع في هذا سهل، فالمتأخرون يقولون: المراد بالقلب هنا قلب التفكير وليس قلب مضخة الدم، وأن القلب الذي في الصدر ما هو إلا آلة ضخ للدم فقط وليس له عمل أي شيء، فيحملون القلوب في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله) على أن المراد بالقلب قلب التفكير وهذا في الدماغ، والمعروف في الدماغ أنه إذا اختل اختل التفكير واختل العمل، والإمام أحمد قال: العقل في القلب وله اتصال بالدماغ.
وبعض المتأخرين يقول: التفكير والتصور هذا في الدماغ.
ثم الدماغ للقلب بمنزلة السكرتير للرئيس، يعني: يتصور الأشياء ويكتب ما يقرر ثم يرسله إلى القلب والقلب هو الذي ينفذ ويأمر أو ينهي، ولهذا شبه أبو هريرة القلب بالملك والأعضاء بالجنود، وهذا القول هو أقرب ما يكون؛ لأنه لا يمكن أن نحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة) على أن المراد القلب المعني، الرسول فسر وبين ووضح: (مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله) .
السائل: ما هي الخلاصة؟ الشيخ: الخلاصة: أن محل التفكير الدماغ، ومحل التدبير القلب.
فالفهم يكون في الرأس ويكون في القلب.(158/29)
لقاء الباب المفتوح [159]
تحدث الشيخ في هذا اللقاء عن النكاح، فذكر حكمه وشروط عقد النكاح، ثم انتقل الشيخ إلى عدة المرأة المفارقة سواءً قبل الدخول والخلوة أو بعده، وفضلاً عما سبق ذكر الشيخ الطلاق الجائز وغير الجائز، ثم أضاف إلى ذلك مسألة فقهية تتعلق بالنكاح وهي وجوب اغتسال الزوجين بعد الجماع سواءً أنزل أم لم ينزل، وأحكاماً أخرى تتعلق بالعشرة الزوجية.
ثم انتقل الشيخ بعد ذلك للإجابة عن الأسئلة التي تركز معظمها على النكاح.(159/1)
مسائل تتعلق بالنكاح
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع والخمسون بعد المائة من اللقاءات المعروفة باسم لقاء الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس، وهذا هو يوم الخميس الرابع عشر من شهر صفر عام (1418هـ) .
ولعلنا نتكلم عن موضوع مهم يكثر وقوعه في أيام الإجازة ألا وهو النكاح.(159/2)
حكم النكاح
النكاح سنة من سنن المرسلين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه: (وأنا أتزوج النساء) ، وقال: (حبب إلي من دنياكم: النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة) .
وقال الله تعالى في كتابه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38] فهو -إذاً- من سنن المرسلين الذين ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وهو واجب على الشاب القادر؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) وهذا يدل على أن المراد بالشباب الذين وجه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم الخطاب هم ذوو الشهوة بقوله: (ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) فإذا كان الشاب ذا شهوة، وكان قادراً عليه وجب عليه أن يتزوج لما في ذلك من المصالح العظيمة، أما إذا كان شاباً ليس له شهوة أو شهوته ضعيفة لا تحمله على النكاح، أو كان عنده شهوة قوية لكن ليس عنده ما يستطيع أن يتزوج به من مهر ونفقات وغيرها فإنه لا يجب عليه، لكن ماذا يصنع؟ أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصوم قال: (عليه بالصوم فإنه له وجاء) ؛ لأن الصوم عبادة يشتغل به الإنسان عما يتعلق بالنكاح والشهوة؛ ولأن الصوم يضعف مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان فيحصل به العفاف.
فإن لم يستطع الصوم فقد قال الله عز وجل: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33] يعني: يتصبر، ومن يتصبر يصبره الله عز وجل، وإذا كان الله تعالى قد وعد: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33] أي: إلى أن يغنيهم الله من فضله، حتى هنا للغاية لكنها تشير إلى أن الله سبحانه وتعالى سيجعل لهم فرجاً ومخرجاً إذا استعفوا.
فإن لم يصبر وعجز وخاف على نفسه من الزنا، فلا حرج عليه أن يتناول ما يهدئ الشهوة من الأدوية ونحوها حتى لا يقع في الحرام.(159/3)
شروط عقد النكاح
ثم إن النكاح عقد عظيم خطير له شروط في ابتدائه وشروط في انتهائه ويترتب عليه أمور عظيمة، فمما يترتب عليه الصلة بين الناس، فإن الإنسان إذا تزوج من قوم صار كأنه قريبهم، ولهذا جعل الله المصاهرة قسيماً للنسب وللقرابة فقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} [الفرقان:54] ولذلك ترى الرجل لا يعرف هؤلاء القوم إلا بالذكر، فيتزوج منهم فيكون كأنه واحد منهم، حتى إنه يجري بينه وبين زوجته الميراث ويجري بينه وبين قرابتها من المحرمية ما هو معروف، ولذلك كان عقداً خطيراً مهماً، ومما ينبغي أن يتكلم في موضوع النكاح: أولاً: لابد في النكاح من شروط، من أهمها: الرضا، فلا يمكن أن يجبر الرجل على أن يتزوج امرأة معينة، ولا تجبر المرأة على أن تتزوج رجلاً معيناً بل لابد من الرضا، وبذلك يتبين جهل بعض العامة الذين يجبرون شبابهم على أن يتزوجوا بقريباتهم، فمثلاً يقول الرجل لابنه: لابد أن تتزوج بنت عمك، ويجبره على هذا إما بالقوة الحسية وإما بالقوة المعنوية بحيث يخجله لو خالفه، وهذا حرام عليه، حرام على الأب أن يجبر الولد على أن يتزوج ببنت عمه أو غيرها من النساء؛ لأن هذه مسائل خاصة بالإنسان نفسه.
ولا يجب على الابن أن يطيع أباه في ذلك، يعني: لو قال الأب: تزوج بنت عمك، وقال الابن: لا أريدها، فإنه لا يجوز للأب أن يجبره ولا يلزم الابن أن يطيعه، فإذا قال الابن: إن لم أطعه غضب عليَّ وهجرني وقاطعني فماذا أصنع؟ نقول: إذا فعل الأب هذا فالذنب عليه، وأنت ليس عليك شيء، بل هو الجاني وهو المعتدي وأنت يجب عليك أن تقوم ببره ولو جفاك ولو هجرك.
كذلك بعض الناس يجبر ابنته أن تتزوج من شخص معين، وهذا أيضاً لا يجوز، لا يجوز أن يجبرها ولو أجبرها فإن النكاح لا يصح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر) بل نص على البكر والأب، فقال عليه الصلاة والسلام: (البكر يستأمرها أبوها) .
وما جرت به عادة بعض الناس من أنه يدخر ابنته لابن أخيه، حتى إنه يخطبها الخطاب ذوو الكفاءة في الدين والخلق ولكن يقول: أنا أريدها لابن عمها، هذا حرام ولا يجوز أن يحتكرها لابن أخيه، بل يجب عليه إذا خطبها من هو كفء في دينه وخلقه ورضيت به أن يزوجها ولا يمنعها؛ لأن هذا أمانة وقد قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72] فإن أجبرها بالقوة على أن تتزوج ابن أخيه أو غيره فالنكاح غير صحيح؛ لأنه نكاح عصي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وخولف فيه، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود باطل، فالمرأة لا تحل للزوج الذي زوجت به وهي كارهة له، ولا يجوز إبقاء النكاح بينهما، لكن لو رضيت البنت بعد أن تم الزواج فهل رضاها ينسحب على العقد السابق ونقول: إن النكاح الآن صحيح؛ لأنها أجازته، أو لابد من تجديد العقد؟ الاحتياط أن يجدد العقد مرة أخرى، فيطلب من الزوج أن يبتعد عنها ويحضر شاهدان ويعقد له ويعود عليها بهذا العقد الجديد الاحتياطي.
ثانياً: ومن المهم في عقد النكاح الولي، فالمرأة لا تزوج نفسها حتى لو كانت من أعقل النساء، وحتى لو كانت ثيباً فإنها لا تزوج نفسها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) وهذا نفي للصحة، يعني: لا يصح نكاح إلا بولي، ويشير إلى هذا قول الله تبارك وتعالى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة:232] وهذا يدل على أن الولي له تأثير في عقد النكاح وعدمه، فلابد من أن يكون النكاح بولي، والولي: هو من يتولى أمرها من العصبات، فلا مدخل لذوي الأرحام في عقد النكاح، ولا لمن أدلى بأنثى في عقد النكاح، مثلاً: الأب ولي، والابن ولي، والأخ الشقيق ولي، والأخ لأب ولي، والعم الشقيق ولي، والعم لأب ولي، وابن العم الشقيق ولي، وابن العم لأب ولي، المهم أنهم من العصبات، أما الأخ من الأم فليس بولي؛ لأنه يدلي بأنثى، وعلى هذا إذا وجد امرأة لها أخ من أم ولها ابن عم بعيد فالذي يزوجها ابن عمها البعيد، أما العم لأم يعني: أخا أبيها من الأم هل له الولاية؟ لا؛ لأنه مدلٍ بأنثى، ويخطأ بعض الناس حيث يظن أن الجد من قبل الأم ولي أو أن الخال ولي أو أن الأخ من الأم ولي أو ما أشبه ذلك، هؤلاء ليس لهم ولاية النكاح إطلاقاً.
فالولي إذاً: من كان من عصباتها، لا من أدلى بأنثى.
ولكن يجب على الولي أن يتقي الله عز وجل في من ولاه الله عليها، فإذا خطبها من هو كفء زوجها إذا رضيت، وإذا خطبها من ليس بكفأ لم يزوجها حتى لو رضيت هي بهذا الرجل وهو ليس كفئاً بدينه، فإنه لا يجوز لوليها أن يزوجها؛ لأنه مسئول عنها، فلو خطبها من لا يصلي لا يزوجه، ولو خطبها من كان معروفاً بالفجور وبشرب الخمر وبالحشيش لا يزوجها، حتى لو رضيت هي وقالت: أنها تريد هذا الرجل فإنه لا يزوجها، لو قالت: لا تريد أن تتزوج بغيره هل يزوجها؟ لا، لا يزوجها، حتى لو ماتت وهي لم تتزوج فليس عليه إثم؛ لأن هذه أمانة يجب عليه أن يختار من هو كفء في دينه وخلقه؛ لأنه مؤتمن على هذه المرأة.(159/4)
من أحكام العدة
ومما يتعلق بالنكاح: العدة، والمرأة إذا فارقها زوجها لابد عليها من عدة، إلا إذا كان لم يدخل بها ولم يخل بها، كرجل تزوج امرأة وهي في بلد ثم طلقها قبل أن يخلو بها، فهذه ليس عليها عدة، كقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49] .
إذاً: العدة إذا طلقت المرأة قبل الدخول والخلوة ليست واجبة، ويجوز أن تتزوج رجلاً آخر، لكن لو مات عنها قبل أن يدخل بها ويخلو بها فعليها العدة، كرجل عقد على امرأة ثم مات قبل أن يدخل بها وقبل أن يخلو بها فعليها العدة؛ لعموم قول الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة:234] ولم يشترط الله تبارك وتعالى دخولاً ولا غيره بخلاف الطلاق، فالطلاق بين الله تعالى أنه إذا طلقها قبل أن يمسها فليس عليها عدة.(159/5)
من أحكام الطلاق
ومما يتعلق بالطلاق أنه لا يجوز للرجل أن يطلق امرأته إلا في ثلاثة أحوال، ولنذكر الممنوع والباقي هو حلال: لا يجوز أن يطلقها في طهرٍ جامعها فيه، إلا إن تبين حملها.
ولا يجوز أن يطلقها وهي حائض ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق:1] إلى قوله: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:1] فما معنى قوله: (فطلقوهن لعدتهن) ؟ بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، هذا هو الطلاق للعدة، إذا طلقها وهي حائض قبل أن يدخل بها ويخلو بها يكون حلالاً؛ لأنه ليس عليها عدة أصلاً، والله يقول: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] وهذه ليس عليها عدة.
وإن طلقها وهي صغيرة بعد أن دخل بها، وهي لا تحيض.
فهذا جائز؛ لأن هذه عدتها بالأشهر، فمن حين أن يطلق تشرع بالعدة، والله عز وجل يقول: ((فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)) [الطلاق:1] والمرأة الصغيرة التي لم يأتها الحيض بعد، عدتها ثلاثة أشهر تبدأ من حين الطلاق، ولهذا قال الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق:4] .
إنسان عنده امرأة قد بلغت سن اليأس، يعني: أنها انقطع حيضها فطلقها بعد الجماع.
فهذا جائز يا إخوان؛ لأنه من حين أن يطلقها تبدأ في العدة وعدتها ليست بالحيض ولكنها بالأشهر وقد شرعت فيه من حين الطلاق.
إنسان جامع زوجته وهي حامل وطلقها بعد الجماع فهذا جائز.
لأنها تشرع في العدة من حين الطلاق، إذ أن عدتها من الفراق إلى أن تضع الحمل، والله عز وجل يقول: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] لكن إذا طلقها في الحيض لم يطلقها للعدة؛ لأن هذه الحيضة التي طلقها فيها لا تحسب من الحيض التي هي ثلاثة قروء.
وإن طلقها في طهر جامعها فيه، لا يدري هل حملت من هذا الوطء فتكون عدتها بوضع الحمل، أو لم تحمل فتكون عدتها بالحيض.
لذلك إذا طلقها في طهر جامعها فيه لم يطلقها لعدة معلومة، لا يفرق، إن نشأ بها حمل من هذا الطلاق فعدتها بالحمل، إن لم ينشأ فعدتها بالحيض، فنحن الآن في شك فهو لم يطلقها لعدة متيقنة.
والخلاصة هي: أن الطلاق قبل الدخول والخلوة جائز بكل حال سواء حائض أو غير حائض، وطلاق الحامل جائز بكل حال، وطلاق الطاهر في طهر لم يجامعها فيه جائز، وطلاق الحائض حرام، وطلاق الطاهر التي جامعها في طهرها حرام، فإن تبين حملها طلقها لأنها تكون حاملاً.(159/6)
من أحكام الغسل
ومما يتعلق بالنكاح: أنه إذا حصل بين الزوجين جماع وجب عليهما جميعاً الغسل سواء حصل إنزال أم لم يحصل، وهذه تخفى على كثير من الناس، كثير من الناس يظنون أنه لا يجب الغسل إلا إذا أنزل، وأنه لو جامع المرأة ولم ينزل فليس عليهما غسل، وهذا خطأ.
هذا كان في أول الإسلام، لكنه بعد ذلك نسخ وصار يجب على الإنسان إذا جامع المرأة أن يغتسل هو وهي أيضاً، دليل ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم ينزل) وهذا نص صريح في وجوب الغسل من الجماع بدون إنزال.
ويجب الغسل أيضاً في حال أخرى وهي ما إذا أنزل سواء جامع أم لم يجامع، فلو قبل زوجته وأنزل وجب عليه الغسل، والمرأة كذلك يجب عليها إن أنزلت وإلا فلا، فصار الغسل واجباً بواحد من أمرين هما: الجماع أو الإنزال، فإن حصل جماع وإنزال يجب الغسل، لكن هل يجب غسل واحد أو اثنان؟
الجواب
واحد؛ لأن الفعل واحد، بل لو جامع ولم يغتسل ثم جامع مرة أخرى ولم يغتسل ثم جامع ثالثة ولم يغتسل كم يجب عليه من الغسل؟ الجواب: واحد؛ لأن الأحداث وإن تعددت يكفي فيها طهر واحد، ولهذا لو أن الإنسان بال وتغوط وخرج منه ريح وأكل لحم إبل ونام نوماً عميقاً، خمسة أشياء، فإن عليه وضوءاً واحداً.(159/7)
التوارث بين الزوجين
ومما يجب بعقد النكاح: التوارث بين الزوجين، فإذا ماتت الزوجة عن زوجها وليس لها أولاد لا منه ولا من غيره فله نصف مالها، وإن مات هو عنها وليس له أولاد منها ولا من غيرها فلها الربع، ويثبت هذا الميراث وإن لم يدخل بها.
مثال: لو أن رجلاً تزوج امرأة وعنده دراهم كثيرة ثم مات قبل أن يدخل عليها أو يخلو بها أترثه؟ نعم ترثه، ويثبت لها المهر كاملاً وعليها العدة كما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم في بَرْوَع بنت واشق.(159/8)
المعاشرة بالمعروف
ومما يتعلق بالنكاح وهو مهم جداً: أنه يجب على كل من الزوجين أن يعاشر الآخر بالمعروف، لقول الله تبارك وتعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] فيجب على المرأة أن تعاشر زوجها بالمعروف وأن تقوم بحقه بقدر الاستطاعة، ويجب على الزوج كذلك أن يعاشر زوجته بالمعروف وأن يتقي الله فيها كما أوصى بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع في أكبر مجمع إسلامي قال: (اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله) فأوصى بالناس، وقال: (استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم) والعواني: جمع عانية والعانية هي الأسيرة يعني: بمنزلة الأسير.
فالواجب على كل من الزوجين أن يقوم بما أوجب الله عليه من العشرة الحسنة وألا يتسلط الزوج على الزوجة لكونه أعلى منها وكون أمرها بيده، وكذلك للزوجة لا يجوز أن تترفع على الزوج بل على كل منهما أن يعاشر الآخر بالمعروف.
ومن المعلوم أنه قد يقع من الزوج كراهة للزوجة إما لتقصيرها في حقه أو لقصور في عقلها وذكائها وما أشبه ذلك، فكيف يعامل هذه المرأة؟ نقول: هذا موجود في القرآن وفي السنة، قال الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19] وهذا هو الواقع، قد يكره الإنسان زوجته لسبب ثم يصبر فيجعل الله عز وجل في هذا خيراً كثيراً، تنقلب الكراهة إلى محبة، والسآمة إلى راحة وهكذا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة) يعني: لا يبغضها ولا يكرهها (إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) انظر المقابلة، الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه الله الحكمة، (إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) هل أحد يتم له مراده في هذه الدنيا؟ لا، أبداً، لا يتم مرادك في هذه الدنيا، وإن تم في شيء نقص في شيء، حتى الأيام يقول الله عز وجل: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] وفي ذلك يقول الشاعر الجاهلي:
ويوم علينا ويوم لنا ويوم نُسَاءُ ويوم نُسَرّ
وجرب هذا تجد، لا تبقى الدنيا على حال واحد، ومن الأمثال السائرة: (دوام الحال من المحال) .
فإذا كرهت من زوجك شيئاً فقابله بما يرضيك حتى تقتنع، وكذلك يقال للمرأة: هذا الذي قدر لك من الرجال فاصبري واحتسبي ويجعل الله لك فرجاً ومخرجاً، فإن تعذر الصبر فإننا نحاول الإصلاح كما قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35] هذا إذا كان الشقاق بين الطرفين.(159/9)
من أحكام الخلع
أما إذا كانت المرأة هي التي لا تريد الزوج فإن لها أن تطالب بالفسخ إذا كانت لا تستطيع إطلاقاً، ولكن لابد أن تعطي الزوج ما خسر من المهر، ودليل هذا: امرأة ثابت بن قيس بن شماس، وتعرفون منزلة ثابت بن قيس بن شماس، حيث إنه من خطباء الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان خطيباً مصقعاً، شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة رضي الله عنه، لكن امرأته كرهته كراهة عظيمة فجاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقالت له: (يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعيب عليه في خلق ولا دين -يعني: خلقه طيب ودينه مستقيم لا أعيب عليه- ولكني أكره الكفر في الإسلام -الكفر يعني كفر العشير ليس هو كفر الدين، يعني: أخشى ألا أقوم بواجبه- فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم -حديقته: مهر أعطاها إياه- فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ ثابت زوجها: اقبل الحديقة وطلقها، ففعل) هذا الأمر هل هو للإرشاد أو للإلزام؟ يرى بعض العلماء أنه للإرشاد، ويرى آخرون أنه للإلزام إذا لم يستقم الحال بينهما؛ لأنهما إذا بقيا على غير استقامة صارت عيشتهما نكداً، وإذا كان بينهما أولاد وحصلت الخصومة بينهما عند الأولاد صار هذا أنكد وأنكد، لكن إذا تفرقا فقد قال الله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ} [النساء:130] يجعل الله له فرجاً ولها فرجاً، فيرى بعض العلماء أن قول الرسول عليه الصلاة والسلام لـ ثابت: (اقبض الحديقة وطلقها) للإلزام؛ وذلك إذا لم يمكن استقامة الحال بينهما، لأن المقصود من الزواج ما ذكره الله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21] فإذا انتفى هذا المقصود فلا فائدة، يبقى كل منهما نكداً حتى ربما يشتغل بهذا النكد عن طاعة الله، يكون همه وتفكيره كله راجع إلى ما بينه وبين أهله وكذلك المرأة، فالفراق هنا خير من البقاء.
والحقيقة أن أحكام النكاح كثيرة لكن لقرب الوقت نقتصر على ما ذكرنا، ولعله يتيسر لنا جلسة أخرى إن شاء الله تعالى نكمل الباقي؛ لأنه مهم، وكثير من الناس تخفى عليه أحكام وكثير من الناس عنده عنجهية لا يبالي بإضاعة الحقوق لا بالنسبة للزوجة ولا بالنسبة للزوج.
نسأل الله لنا ولكم الهداية والاستقامة، وأن يجعلنا ممن تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة.(159/10)
الأسئلة(159/11)
حكم من منع ابنته من الزواج
السؤال
بعض الآباء يمنعون بناتهم من الزواج خاصة إذا كان لهن رواتب، فمثلاً كان عنده ثلاث بنات كل واحدة راتبها سبعة آلاف هو يعتبر هذا ربحاً عظيماً ويمنع بنته ويرد الخاطبين، فما نصيحتكم لهؤلاء الآباء؟
الجواب
أولاً: نقول إن هذا حرام عليه، ولا يحل له أن يمنع ابنته أن تتزوج بشخص كفء إن رضيته، لكن إذا فعل قلنا: الحمد لله اجلس، وننتقل إلى الولي الآخر فمثلاً: إذا كان لها أخ وأبى الأب أن يزوجها نظراً إلى أنه سيستولي على راتبها، يزوجها أخوها ولو مع وجود الأب، والأب إذا تكرر منه الرد أي: رد الأكفاء صار بذلك فاسقاً لا تقبل شهادته ولا تقبل إمامته في الناس أي: لا يصلي بالناس على رأي بعض العلماء، ولا يصح أن يكون ولياً؛ لأنه كان فاسقاً لإصراره على المعصية.
ويقال لهذا الأب: هذا الراتب الذي تأخذه البنت لك أن تتملك منه حتى ولو تزوجت؛ لأن الأب له أن يأخذ من مال ولده ما شاء ما لم يضره أو تتعلق به حاجة الابن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك) فأنت زوجها وخذ من راتبها ما تريد إذا لم يكن عليها ضرر.(159/12)
حكم الخلع قبل الدخول مع بيان مقدار الفدية
السؤال
رجل عقد على امرأة ولم يدخل بها وهي كانت راضية عند العقد، وبعد ذلك وقبل دخوله طلبت من وليها أن يأمره أن يطلقها فوافق الزوج على أن يعطيه مائة ألف ريال، فما الحكم وهو لم يعطها شيئاً؟
الجواب
هذا يسمى خلعاً فله أن يخالعها ولو قبل الدخول، لكن كونه يطلب هذه الفدية لا شك أنه أخطأ في ذلك، ولهذا قال بعض أهل العلم: لا يجوز للزوج أن يطلب فدية من الزوجة إلا بمقدار ما أعطاها فأقل، فمثلاً: إذا كان أصدقها مائة ألف وطلب مائة ألف فهذا يجوز؛ لأنه لم يأتها ضرر، لكن لو أصدقها ألفاً وطلب ألفين فمن العلماء من يقول: إنه لا يحل له ذلك، ولا يعطى ألفين، لا يعطى إلا مقدار ما أعطى فقط، وهذا يرجع إلى اختلافهم في قوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] هل المعنى: فيما افتدت به مطلقاً، أو فيما افتدت به من المهر الذي أعطاها؟ وينبغي أن يرجع في ذلك إلى رأي القاضي الذي يتولى هذه المسألة، فإذا رأى من المصلحة أن يفرق بينهما ولا يعطى الزوج إلا ما أعطى فليفعل لقول النبي عليه الصلاة والسلام لامرأة ثابت: (أتردين عليه حديقته؟)(159/13)
حكم اشتراط المرأة أن تكون العصمة بيدها
السؤال
نسمع عند بعض عقود الزواج أن المرأة تطلب أن تكون العصمة بيدها أو أن يكون أمرها بيدها، فما حكم هذا؟ الشيخ: يعني: أنها تطلق نفسها متى شاءت؟ السائل: نعم.
الشيخ: لا يصح هذا.
السائل: وما حكم العقد -يا شيخ- لو رضي الزوج؟ الشيخ: العقد صحيح والشرط غير صحيح، لكن يجب على العاقد (المأذون) قبل أن يعقد يقول: هذا شرط غير صحيح، لكن لها الخيار في مسألة أخرى -مثاله- لو قالت له: إذا لم يطب لي المقام عند أهلك فلي الخيار، أو إذا لم تكن أخلاقك على ما ينبغي فلي الخيار، فهذه مسألة اختلف فيها العلماء: فمن العلماء من يقول: إنه لا بأس به، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
ومنهم من يقول: لا يصح، لأن المرأة قريبة بعيدة، لو ينتهرها زوجها مرة واحدة قالت: أريد أن أختار لنفسي، فإنها لا تصبر ولا تتحمل، لو أحسنت لإحداهن الدهر كله ثم وجَدَت منك إساءة واحدة قالت: لم أر منك خيراً قط.
لكن ما ذهب إليه شيخ الإسلام لا بأس به؛ لأنه شرط لا ينافي مقتضى العقد، ولمشترطه غرض صحيح، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) .
السائل: يا شيخ! لا يظهر فرق؟ الشيخ: لا، هناك فرق إذا قالت: الطلاق بيدها يعني: تطلق متى شاءت ولو بدون سبب.(159/14)
توضيح لقاعدة العذر بالجهل
السؤال
هل هناك قاعدة أو قواعد للعذر بالجهل فيما فعله الإنسان محرماً؟
الجواب
إي نعم القاعدة هي: أن كل إنسان جاهل يفعل محرماً أو يترك الواجب فلا شيء عليه، إلا إذا كان منه تفريط في السؤال، مثل أن يقال له: هذا الشيء واجب افعله، فيقول: {لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101] ويتهاون في السؤال، فهنا لا نعذره بالجهل لأنه فرط في أنه لم يتعلم.
أما إذا كان إنساناً في بادية بعيداً عن العلم ولا يعرف شيئاً فهذا يعذر بجهله سواء في الواجب أو المحرم، ويدل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما جاء الرجل وصلى صلاة لا يطمئن فيها أمره أن يعيد الصلاة وقال: إنك لم تصل، لكنه لم يأمره بإعادة الصلوات الماضية مع أنه كان يصلي صلاة لا تصح، وكذلك المستحاضة التي كانت لا تصلي مدة استحاضتها تظن أن هذا حيض لم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء الصلاة.
فالحاصل: أن الجهل عذر، لكن قد لا يكون عذراً إذا فرط في السؤال فلم يسأل مع قيام الشبهة عنده.(159/15)
حكم الأولاد من نكاح فاسد
السؤال
إذا أجبرت المرأة على الزواج وقلنا: بأن النكاح فاسد، فما حكم الأولاد؟
الجواب
الأولاد إذا كان الزوج يعلم أن النكاح فاسد فجماعه حرام وأولاده ليسوا له؛ لأنه يعتقد أنهم نشئوا من حرام، وأما إذا كان الزوج لا يدري عن هذا فإن أولاده يلحقون به لأنهم من وطء شبهة.(159/16)
حكم التوسع في وليمة الأعراس
السؤال
بعض الأولياء يتوسع في وليمة النكاح الذي يشمل أكبر عدداً من الأقارب وإذا طلب منه أن يختصر في الدعوة، قال: قد يعتب البعض علينا في عدم دعوته فيتوسع ويذهب إلى صالات الأفراح وكذا، فكيف يوجه مثل هؤلاء؟
الجواب
والله لا شك أن التوسع في ولائم العرس يدخل في باب الإسراف أحياناً، فالأولى أن يقتصر على وليمة ليست بتلك الكثرة، ولهذا تجد الناس في ولائم العرس يستأجرون قصور الأفراح بثمانية آلاف ريال أو عشرة آلاف ريال وربما أكثر، وهذا يرهق الزوج والزوجة وهو ضياع للمال، فلو أن الناس اقتصروا على وليمة واحدة أو كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام لـ عبد الرحمن بن عوف: (أولم ولو بشاة) إذا اقتصروا على شاة أو شاتين وجمعوا الجيران والأقارب في البيت كالعادة الأولى لكان هذا أحسن وأبرك، وقد جاء في الحديث: (أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة) .(159/17)
حكم شرب البيرة الخالية من الكحول
السؤال
ما حكم شرب البيرة الخالية من الكحول؟
الجواب
شرب البيرة جائز، والبيرة التي في بلدنا السعودية كلها قد اختبرت وليس فيها مادة مسكرة، فإذا شربها الإنسان فإنه داخل في عموم قول الله تبارك وتعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة:29] وأنت إذا شككت في شيء هل هو حلال أو حرام فهو حلال، إذا شككت في مطعوم أو مشروب أو ملبوس أنه حرام أو حلال فاجعله حلالاً، حتى يقوم الدليل على أنه حرام.(159/18)
حكم من سُلب عقله وهو تارك للصلاة
السؤال
رجل مسرف على نفسه بالفسوق والعصيان ومن ذلك تركه للصلاة بالكلية، ثم قدر الله أن سلب منه نعمة العقل، ثم مات على ذلك، فما حكمه في الدارين؟
الجواب
إذا كان تاركاً للصلاة فتارك الصلاة كافر، فإذا سلب العقل فهو باقٍ على كفره، وأما المعصية فالمعصية لا تخرج من الإسلام، يعني: لو كان مسرفاً على نفسه في المعاصي في الزنا وفي شرب الخمر وفي السرقة وفي غيرها من المعاصي التي لا توصل إلى الكفر ثم جن بعد ذلك ومات على جنونه فهو فاسق يصلى عليه ويدعى له بالرحمة، ويدفن مع المسلمين.(159/19)
حكم اشتراط المرأة عند العقد ألا يتزوج عليها
السؤال
هل يحق للمرأة أن تشترط عند العقد ألا يتزوج عليها؟
الجواب
نعم يجوز للمرأة عند العقد أن تشترط ألا يتزوج عليها؛ لأنه ليس في ذلك الشرط ضرر على أحد، وفيه منفعة لها، أما منفعتها فظاهر، وأما أنه لا ضرر فيه على أحد؛ فلأن الرجل ليس له زوجة، ولهذا لو اشترطت أن يطلق زوجته التي معه فهذا الشرط حرام ولاغ.(159/20)
حكم مناداة الوالد بكنيته
السؤال
هل يجوز أن تنادي والدك بكنيته يا أبا فلان أي: بابنه الأكبر وهو أخوه الأكبر، وكذا أثناء المحداثة، علماً أن الوالد لا يكره ذلك بل قد يرغبه وهو متعارف عليه؟
الجواب
لا بأس به، يعني: لا بأس أن ينادي الولد أباه باسمه أو كنيته ما لم ير أن أباه يكره هذا، فإذا كان يكره هذا فلا، أو يخالف عادة الناس ويناديه أمام الناس، لأنه ربما يكون الأب لا يكره هذا الشيء لكن عادة الناس أنه لا ينادي الناس باسمه أو كنيته فحينئذ نقول: لا تناديه أمام الناس باسمه أو كنيته؛ لأن هذا عيب عند الناس، أظن أنك لو ناديت أباك مثلاً في السوق عند الناس واسمه عبد الله تقول: يا عبد الله أو يا أبا فلان، الظاهر الناس يعيبون هذا، فإذا كان أمام الناس لا تناديه باسمه ولا بكنيته وإن كان لا يكره، لأنه عيب عند الناس، ويعدون هذا إهانة لأبيه حتى إني سمعت رجلاً يقول: والله! لو ناداني ابني باسمي لأعطيته كفاً، وهو الضرب بالكف.(159/21)
حكم عقد الابن لأمه مع وجود أبيها
السؤال
امرأة عقد لها ابنها مع وجود أبيها، ما حكم هذا العقد؟
الجواب
ننظر أيهما أولى أن يزوج المرأة أبوها أو ابنها؟ الجواب: أبوها هو الذي يزوجها، فإذا زوجها ابنها مع وجود الأب فإن كان الأب في مكان بعيد لا يمكن مراجعته فلا حرج، أو كان الأب منعها أن يزوجها من هذا الشخص الذي رضيته وهو كفء في دينه وخلقه فلا بأس أن يزوجها ابنها، أما إذا كان الأب حاضراً ولم يمتنع فالعقد غير صحيح وتجب إعادته.(159/22)
حكم التسمية بـ (رينان)
السؤال
هل هناك محذور شرعي من أن يسمي الإنسان ابنته بـ (رينان) ؟ الشيخ: الأصل في التسمية الجواز، لكن (رينان) ما هو معناها؟ السائل: بعض مراجع اللغة كلسان العرب ومجمل مقاييس اللغة كأنهم يومئون إلى أنه اسم نوع من الطيب يقولون مفرده: الرندة.
الشيخ: الرندة ليست هي مفردة لرينان، لو كانت الرينة يمكن ذلك.
على كل حال انظر إذا لم يوجد في الأسامي إلا هذا فأنا أبيحه لك، أما إذا مازال في المسألة إشكال فيترك.(159/23)
حكم تمطيط الأذان والترديد بعده
السؤال
عندنا في الحي شخص يؤذن مثل أذان الحرم بتمطيطه، فبعض طلبة العلم قالوا: إنه ما يجوز الترديد خلفه يعني متابعة الأذان معه، فما حكم الأذان؟ وما حكم الترديد بعده؟
الجواب
والله! لا أستطيع أن أقول لك شيئاً، لو قلت لك: هذا أذان غير صحيح معناه أننا أبطلنا أذان الحرمين، وإن قلت: إنه صحيح فأنا لا أستطيع أيضاً؛ لأن العلماء يقولون رحمهم الله: يكره التلحين في الأذان كراهة فقط، ولم يقولوا أن هذا يبطل الأذان، وعليه فنقول: تابعه ولا حرج عليك.(159/24)
حكم نتف الشعر المخالف للون اللحية
السؤال
شد اللحية ونتف ما يكون غريباً من الشعر فيها، أي يكون لونه مخالفاً للون اللحية كأن تكون لحية حمراء؟ الشيخ: قل الشيب أيضاً.
السائل: أو الشيب.
الشيخ: لا يجوز نتفه.
السائل: طيب لحيته شقراء مثلاً ويكون فيها مثلاً شعر أسود أو أبيض أو غير الشيب.
الشيخ: خلقة؟ السائل: أي: يكون مثلاً لوناً مغايراً للون الشيخ: يعني أن الله جعل لونها مثلاً أشقر؟ السائل: نعم.
الشيخ: لا بأس، يبقى أشقر.
السائل: لا.
أقصد يا شيخ! لحيته مثلاً سوداء وظهر فيها بعض الشعرات حمر فلو أزالها مثلاً.
الشيخ: هذا لا يجوز هذا من النمص؛ النمص نتف شعر الوجه، فكيف إذا كانت لحية؟!! ثم إذا نتف هذه الشعرة الحمراء وظهرت الشعرة الحمراء مرة ثانية إذا نتفها ظهرت ثانية وثالثة ورابعة؛ لأنه ربما يعاقب ويخرج من هذا الشعر كثير ثم عاد ما يبقى له لحية إطلاقاً، اتركها على ما هي عليه، واعلم أنك ربما تخجل أول ما تطلع في لحيتك لكن بعدئذ يستقر الوضع.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين.
وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.(159/25)
لقاء الباب المفتوح [160]
تحدث الشيخ عن تفسير آيات من سورة الحديد، وقد اشتملت هذه الآيات على معانٍ عديدة، منها: صفة المتقين ومالهم من النعيم المقيم في الجنة، بالإضافة إلى سرورهم بما أعطاهم الله، مع وجود السلامة من الشرور، فهم في الجنة يتنعمون ويأكلون ويشربون، وسبب ذلك تكريم الله سبحانه وتعالى لهم بما كانوا يعملون في الدنيا من الأعمال الصالحة.
ثم انتقل الشيخ للإجابة عن الأسئلة التي تعلقت بمواضيع شتى.(160/1)