حكم انتقال المتمتع من بلد إلى آخر
السؤال
من أراد أن يحج -إن شاء الله- هذا العام وأخذ عمرة متمتعاً بها إلى الحج قبل أيام الحج فهل يجوز له أن يذهب إلى جدة أو الطائف؟
الجواب
لا بأس، يجوز للمتمتع أن يسافر إلى جدة والطائف بين عمرته وحجه.
وإلى هنا انتهى هذا اللقاء، نسأل الله تعالى أن يرزقنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً إنه على كل شيء قدير.(91/28)
لقاء الباب المفتوح [92]
تكلم الشيخ رحمه الله عن أحكام الأضحية من جهة شروطها الواجب توفرها فيها.
وكذا بلزوم الأضحية في نفس البلد، ونبه على ما يحدث من مفاسد بسبب ذبحها في غير بلد المضحي من قبل الهيئات والمؤسسات.
وأجاب عقب ذلك على أسئلة متعلقة بأحكام الأضحية والهدي والحج.(92/1)
أحكام الأضحية
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والتسعون من لقاءات الباب المفتوح، والذي يكون يوم الخميس الرابع من شهر ذي الحجة عام (1415هـ) نتكلم فيه الآن عن الأضحية.
الأضحية مشروعة بإجماع المسلمين، قال الله تبارك وتعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] ، {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج:34] .
وقد قال بعض العلماء: إنها واجبة ومن كان قادراً ولم يضح فهو آثم.
وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
والأضحية مشروعة للأحياء إذ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن الصحابة أنهم ضحوا عن الأموات استقلالاً، وإنما كان الرجل يضحي عنه وعن أهل بيته.(92/2)
شروط الأضحية
الأضحية تكون من الإبل والبقر والغنم، ولهذا نقول: إن شروط ما يضحى به أربعة: الشرط الأول: أن يكون من الجنس الذي ثبت في الشرع أنه يضحى به، وهو: الإبل والبقر والغنم، فلو ضحى بفرس مثلاً فإنه لا يقبل منه؛ لأنه ليس من الجنس الذي يضحى به، حتى وإن كان أغلى من الإبل والبقر والغنم، ودليل هذا: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه.
الشرط الثاني: أن يبلغ السن المعتبر شرعاً: وهو في الضأن نصف سنة، وفي المعز سنة، وفي البقر سنتان، وفي الإبل خمس سنوات، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) .
الشرط الثالث: السلامة من العيوب التي تمنع الإجزاء، وهي المذكورة في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء التي لا تنقي) العجفاء: الهزيلة، والتي لا تنقي: ليس فيها مخ، فهذه العيوب الأربعة تمنع من الإجزاء.
لو ضحى الإنسان بشاة عوراء بين عورها فإنها لا تجزئ.
ولو ضحى بشاة عرجاء بين ضلعها لم تقبل.
ولو ضحى بشاة مريضة بين مرضها لم تقبل.
ولو ضحى بهزيلة ليس فيها مخ فإنها لن تقبل.
وكذلك ما كان بمعنى هذه العيوب أو أولى منها: كالعمياء مثلاً، فإنه لو ضحى بعمياء لم تقبل منه، كما لو ضحى بعوراء بين عورها، وكذلك مقطوعة اليد أو الرجل؛ لأنه إذا كان لا تجزئ التضحية بالعرجاء فالمقطوعة اليد والرجل من باب أولى، ولا تجزئ التضحية بما أصابها سبب الموت كالتي في الطلق المتعسر حتى تنجو، وكذلك المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع كل هذه لا تجزئ؛ لأنها أولى بعدم الإجزاء من المريضة.
وأما العيوب التي دون هذه فإنها تجزئ الأضحية ولو كان الأضحية فيها شيئاً من هذه العيوب، لكن كلما كانت أكمل فهي أفضل، فالتي قطع من أذنها شيء أو من قرنها شيء أو من ذيلها شيء تجزئ، لكن الأكمل أولى، ولا فرق بين أن يكون القطع قليلاً أو كثيراً حتى لو قطع القرن كله أو الأذن كلها أو الذيل كله فإنها تجزئ، لكن كلما كانت أكمل فهي أفضل.
الشرط الرابع: أن تكون الأضحية في الوقت الذي حدده النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو من صلاة العيد إلى آخر يوم من أيام التشريق، فتكون أيام الذبح أربعة: يوم العيد وثلاثة أيام بعده، فمن ذبح قبل الصلاة فإنه لا أضحية له، حتى وإن كان جاهلاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس وأخبر: (أن من ذبح قبل الصلاة فلا نسك له، فقام رجل يقال له أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول الله، إني نسكت قبل أن أصلي، فقال: شاتك شاة لحم) ، وقال: (من ذبح قبل الصلاة فلا نسك له، وقال: فليذبح مكانها أخرى) .
وكذلك من ضحى بعد انقطاع أيام التشريق فإنه لا أضحية له، وذلك لأنه ضحى خارج الوقت، فهذه شروط ما يضحى به: أن تكون من بهيمة الأنعام: وهي الإبل والبقر والغنم، وأن تبلغ السن المعتبر شرعاً بأن تكون ثنية من الإبل والبقر والماعز، أو جذعة من الضأن، والشرط الثالث: أن تكون سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء، والشرط الرابع: أن تكون في الوقت المحدد.
ثم إن السنة ألا يغالى بالأضاحي لكثرة العدد؛ لأن هذا من الإسراف، فإن بعض الناس الآن تجد الرجل يضحي عنه وعن أهل بيته بأضحية كما كان النبي عليه الصلاة والسلام والسلف الصالح يفعلون ذلك، ولكن تأتي الزوجة تقول: أريد أن أضحي، وتأتي البنت تقول: أريد أن أضحي، وتأتي الأخت وتقول: أريد أن أضحي، فيجتمع في البيت ضحايا متعددة، وهذا خلاف ما كان عليه السلف الصالح، فإن أكرم الخلق محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه لم يضح إلا بواحدة عنه وعن أهل بيته، ومعلوم أن له تسع نساء -يعني: تسعة بيوت- ومع ذلك ما ضحى إلا بواحدة عنه وعن أهل بيته، وضحى بأخرى عن أمته صلى الله عليه وسلم.
وكان الصحابة يضحي الرجل منهم بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته، فما عليه كثيرٌ من الناس اليوم فهو إسراف، ونقول لهؤلاء الذين يضحون بهذه الضحايا: إذا كان عندكم فضل مال فهنا أناس محتاجون إليكم في الأرض من المسلمين، كـ البوسنة والهرسك وكذلك في أفريقيا مدن كثيرة من هذا، وكذلك أيضاً في الجمهوريات الروسية التي تحررت من قبضة الشيوعية فيهم حاجة كثيرة.(92/3)
ذبح الأضحية في بلد المضحي
ومما ينبغي التنبه له والتنبيه عليه: ما شاع وذاع من هيئة الإغاثة بطلب الفلوس من الناس يضحى بها في أماكن أخرى، فإن هذا خلاف السنة، السنة: أن الإنسان يضحي في بيته عنه وعن أهل بيته يأكلون ويتمتعون ويشكرون الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة، ونقل الأضحية إلى أماكن أخرى يفوت به مصالح كثيرة: منها: ظهور الشعيرة، فإنك إذا ضحيت في مكان آخر خفيت الشعيرة في البلد، وربما مع طول الزمن لا يكون في البلد أضاحي إطلاقاً تصرف إلى الخارج، لا سيما إذا قيل للناس: إنها في الخارج أرخص من هنا، وإنك إذا ضحيت هنا بأضحية واحدة تستطيع أن تضحي بثلاث ضحايا في البلاد الأخرى، ولا شك أن خفاء الشعائر ضرر.
ومن المصالح التي تفوت: أن الإنسان إذا ضحى في بلاد أخرى فإنه يفوته ذكر اسم الله عليها، وذكر اسم الله عليها من أفضل الأعمال كما قال تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج:36] .
ومنها: أنه يفوته أن يأكل منها، والأكل منها مؤكد فقد قدمه الله تعالى على الصدقة: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] ، ولهذا لما أهدوا النبي صلى الله عليه وسلم مائة بدنة أمر أن يؤخذ من كل بدنة قطعة فجعلت في قدرٍ فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها؛ تحقيقاً لأمر الله تعالى في قوله: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج:28] .
ومن المصالح التي تفوت في التضحية خارج البلد: أن الإنسان لا يطمئن كيف وزعت، وهل وزعت على وجه مشروع أم على وجه غير مشروع؟ وإذا كانت عنده اطمأن، ووزعها بنفسه أو يوزعها وكيله الذي يشاهده.
ومنها: أنها إذا ضحيت في بلاد أخرى فإنه لا يدري متى تضحى، قد تضحى قبل الوقت جهلاً من المضحي، وقد تضحى بعده، ثم هو مرتبط بها؛ لأنه لا يأخذ من شعره ولا من بشرته ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي، ولا يدري متى تذبح هذه الأضحية فيبقى معلقاً كل أيام العيد لا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من بشره شيئاً؛ لأنه لا يدري هل ذبحت الأضحية أم لا، ولا سيما إن كانت في بلاد شرقية فإنهم يتأخرون عنها في الغالب يوماً وربما يتأخرون يومين، فيبقى معلقاً من العيد إلى أيام التشريق الثلاثة إلى اليوم الرابع الزائد أو الخامس.
ومن المصالح التي تفوت: التعيين وهو أمر مهم، فإن الأضاحي هناك إذا جمعوا -مثلاً- ألف رأس ثم أرادوا أن يذبحوها لا يقولون: هذه عن فلان؛ لأن هذا يصعب عليهم، فلا يعينوها، وإذا لم تعين فقد يقال: إنها لا تجزئ؛ لأنه إذا ذبح واحدة من ألف وسئل: لمن هذه؟ قال: هذه لواحد من هؤلاء الألف، فمن الواحد إذ أنه ليس عندهم قوائم كتبت بها الأسماء وصاروا يعطون للغنم ويذبحونها على حسب هذه القائمة، وهذا أمر خطير؛ لأنه قد يقال بعدم الإجزاء في هذه الصورة إذا لم يعين من هي له.
ليست الأضاحي كطعام يجمع ويوزع وكل ينال أجر صدقته، ولا دراهم كذلك تجمع وتوزع وكل له أجر صدقته، هذه قربات يتقرب الإنسان بها إلى الله في ذبح المعينة التي له، وهذا قطعاً لا يتسنى فيما إذا ضحى في بلد آخر.
ومن المحاذير التي تحصل: أنه إذا جمع مثلاً في هذا المكان آلاف الضحايا فهل بإمكانهم أن يذبحوها في وقت الأضحية، قد لا يستطيعون كما جرى هذا في المسالخ التي في منى، فإنهم في سنة من السنين عجزوا أن يقوموا بذبح الهدايا كلها قبل فوات أيام التشريق، وحينئذٍ لا تذبح الأضحية إلا بعد فوات الوقت، والحاصل: أن كل شيء يخل الإنسان فيه بالمشروع فإنه يترتب عليه محاذير.
إذاً المشروع أن تذبح الأضحية في البلد، والأفضل أن يذبحها الإنسان في بيته ويشاهدها أهله وأولاده، ويصطبغ في قلوبهم محبة هذه الشعيرة، وليعلم أنه ليس المقصود من الأضحية الفائدة المادية -يعني: الأكل أو الدراهم- لقول الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] والدليل على ذلك: أن هذه الأضحية جعل الله لها حرمات قبلها، واعتنى الشرع بها، فإذا دخلت العشر من ذي الحجة والإنسان يريد أن يضحي حرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره أو بشرته أو جلده، ونسأل: لو أراد أن يتصدق يوم العيد بألف ريال فهل يحرم عليه إذا دخل العشر أن يأخذ من شعره وبشرته وأظفاره شيئاً؟ لا، إذاً عرفنا أن الأضحية عبادة مستقلة لها كيانها ولها أهميتها، وليس المقصود لحماً يأكله الفقير أو ما أشبه ذلك.
فنسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم البصيرة في دينه، وأن يعيننا على العمل به إنه على كل شيء قدير.
وإنني بهذه المناسبة: أود من إخواني المسلمين أن لا ينسابوا أمام العواطف، بل يجب عليهم أن يتحروا ما كان موافقاً للشرع.(92/4)
الأسئلة(92/5)
حكم دفع الصدقات لهيئة الإغاثة
السؤال
فضيلة الشيخ: ما رأيكم إن ضحيت هنا ودفعت قيمة الأضحية لـ هيئة الإغاثة الإسلامية تذبح هناك؟
الجواب
لا بأس، يعني: إنسان يريد أن يضحي في بلده ويتصدق على أولئك الفقراء لا بأس هذا طيب، ويشجع الإنسان على هذا، يحصل على الفائدتين: فائدة الأضحية، وفائدة إخوانه هناك.
وأنا أريد أن يقصد بالدراهم التي يدفعها ليس فقط أضحية، وإنما يشترى بها طعام أو لباس أو فراش.
يقول: هذه دراهم اشتروا بها ما يحتاجون إليه، قد يحتاجون إلى الطعام قد يحتاجون إلى اللحم قد يحتاجون إلى فرش قد يحتاجون إلى ثياب، فأنت اجعلها صدقة، وقل: هذه ادفعوها لمصلحتهم.(92/6)
راعي البيت هو المسئول عن الأضحية
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا كان في البيت أم وأولادها متزوجون ولهم أولاد فمن يضحي منهم؟
الجواب
البيت الواحد يضحي عنه القيم على البيت، إن كان الأب أو الزوج أو الأخ الأكبر، المهم القيم على البيت هو الذي يضحي وينوي أنها أضحية عن الجميع.
فإذا كانت الوالدة عندها أولاد في البيت وأولادها لهم أولاد في البيت، فأكبر الأولاد يعتبر راعياً لهذا البيت.
إذاً هو الذي يضحي، والأم لا تضحي؛ لأنها تدخل في أضحية الولد.(92/7)
النيابة في الحج
السؤال
هذه امرأة تريد الحج ولكن إذا رأت الزحام تصرع فهل يناب عنها في الحج؟ ومن سينوب عنها هل توصونه بشيء؟ الشيخ: إذا كان هذا مؤكداً أنها إذا رأت كثرة الناس انصرعت فهنا نقول: لا تحج، لكن إن كان عندها مال تستطيع أن تدفعه إلى أحدٍ يحج عنها وجب عليها ذلك، وإن لم يكن عندها مال فليس عليها شيء.
أما من أخذ نيابة عن غيره فنوصيه بتقوى الله عز وجل، وأن يشعر بأنه مسئول سؤال أمانة عن هذا النسك، وأنه يجب عليه أن يأتي به على أكمل الوجوه بقدر المستطاع؛ لأن الذي يحج عن نفسه ليس كالذي يحج عن غيره، الذي يحج عن غيره يجب عليه أن يعتني بالواجبات والسنن وكل المصالح، وأما الذي يحج عن نفسه فله أن يقتصر على الواجب.(92/8)
حكم رمي الجمار بحصاة من الإسمنت
السؤال
فضيلة الوالد: هناك كثير من الحجاج إذا أراد أن يرمي الجمار أخذ من الحصاة التي صنعت من الإسمنت، فنرجو توضيح ذلك بما أننا قد أقبلنا على موسم الحج؟
الجواب
يرى بعض العلماء: أن الأحجار التي تؤخذ من الإسمنت لا يجزئ الرمي بها، إلا إذا كانت كتلة مشتملة على حصى؛ لأنه أحياناً هذا الإسمنت يكون فيه رملاً وفيه حصاة، فإذا كان مشتملاً على حصاة فلا بأس.(92/9)
حكم من لم تجد محرماً في الحج
السؤال
في البلاد البعيدة لا يتوفر للمرأة المحرم ولكن يتوفر لها الرفقة المأمونة، فمن الصعب تجد محرماص تحرم معه، ولكن تجد ابن عمها ويكون في سن كبير وهي كبيرة أيضاً، ففي هذه الحال هل عليها حج مع قدرتها على النفقة؟
الجواب
إذا كانت المرأة قادرة على الحج بمالها وعندها مال كثير لكنها لم تجد محرماً فإن الحج ساقطٌ عنها، وليس عليها إثم بتركه؛ لأن الله تعالى يقول: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] وهذه المرأة لا تستطيع إليه سبيلاً بحكم الشرع، إذ لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم، ويقال لها: اطمئني بأنه لا شيء عليك وإن وجدتي الرفقة وإن كانوا أمناء.(92/10)
انفساخ الوكالة بموت الموكل
السؤال
فضيلة الشيخ: عندي مبلغ قدره أربعة آلاف ريال لأختي وقد أصيبت بمرض وتوليت رعايتها الصحية، وقلت لها في أثناء المرض: ماذا تريدين أن أفعل بالمبلغ؟ فقالت: خذه لك، فقد خسرت الشيء الكثير من أجلي، فقلت لها: ما رأيك أن يكون به حجة لك، فقالت: افعل ما تراه، وبعد مدة طويلة ماتت، ولم أحج هل أعطي المال الورثة، أم أحج عنها بارك الله في عمرك؟
الجواب
أعط المال الورثة؛ لأن الوكالة تنفسخ بموت الموكل، فلو أنك أمضيتها في حياتها لكان الأمر واضحاً، أما إذا ماتت قبل أن تمضي هذه الحجة فقد انفسخت الوكالة، ويجب عليك أن ترد المال إلى الورثة، ولكن أخبرهم قل: إنها أوصتني من قبل موتها أن أحج عنها.(92/11)
حكم صيام أيام عشر ذي الحجة
السؤال
فضيلة الشيخ: هل ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم صيام عشر ذي الحجة كاملة؟
الجواب
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما هو أبلغ من أن يصومها، فقد حث على صيامها بقوله عليه الصلاة والسلام: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله؛ إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) ومن المعلوم أن الصيام من أفضل الأعمال الصالحة، حتى إن الله تعالى قال في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له، والحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) فيدخل في عموم قوله: (ما من أيام العمل الصالح فيهن.
) إلخ.
أما فعله هو بنفسه فقد جاء فيه حديثان: حديث عائشة، وحديث حفصة، أما حديث عائشة فقالت: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صام العشر قط) ، وأما حديث حفصة فإنها تقول: (إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع صيامها) وإذا تعارض حديثان أحدهما يثبت والثاني ينفي فالمثبت مقدم على النافي، ولهذا قال الإمام أحمد: حديث حفصة مثبت وحديث عائشة نافي والمثبت مقدم على النافي.
وأنا أريد أن أعطيك قاعدة: إذا جاءت السنة في اللفظ فخذ بما دل عليه اللفظ، أما العمل فليس في الشرط أن نعلم أن الرسول فعله أو فعله الصحابة، ولو أننا قلنا: لا نعمل بالدليل إلا إذا علمنا أن الصحابة عملوا به لفات علينا كثيرٌ من العبادات، ولكن أمامنا لفظ وهو حجة بالغة واصل إلينا يجب علينا أن نعمل بمدلوله سواء علمنا أن الناس عملوا به فيما سبق أم لم يعملوا به.(92/12)
حكم من لم يحج بسبب ظروف عمله
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل إذا أتى موسم الحج ذهب إلى مكة بشأن عمله المكلف به في موسم الحج، ولم يؤد فريضة الحج بعد وهو مستطيع، فهل عليه شيء؟ الشيخ: لماذا لم يؤد الحج وقد وصل إلى هناك؟ على كل حال: الرجل إذا كان لا يستطيع أن يحج بناءً على وظيفته فإنه لا شيء عليه؛ لأنه لم يستطع إليه سبيلاً، لكن أنا أسمع كثيراً ما يذهب الإخوان من أفراد الجنود أو غيرهم إلى مكة مندوبين، وإذا دخل وقت الحج أذنوا لهم في الحج، فإذا أذنوا لك فحج ولا شيء عليك، أما إذا لم يأذنوا فأنت غير مستطيع ولا حج عليك.(92/13)
حكم الزوجة إذا وكلت زوجها بالأضحية
السؤال
الزوجة إذا أرادت أن تضحي هل يجوز لها أن توكل زوجها بحيث يذبح الأضحية، وهي تكد رأسها وتقلم أظافرها؟ وإذا تبين له جرح في الأضحية بعد شرائها هل تجزئ؟
الجواب
لا يجوز هذا، إذا وكل الإنسان شخصاً يذبح عنه الأضحية فإن الحكم يتعلق بصاحب الأضحية، فإذا وكلت المرأة زوجها قالت: يا فلان، هذه مائة ريال أو أكثر أو أقل ضح بها عني، فإنه يحرم عليها أن تأخذ شيئاً من شعرها أو أظفرها أو بشرتها، حتى وإن كان الزوج هو الذي اشترى الأضحية، فلا يجوز لها أخذ شيء من ذلك.
وإذا كان اشترى الأضحية بنية أنها أضحية ثم وجد بها جرحاً قال: جعلت هذه أضحية، أو اشتراها بنية الأضحية؟ إذاً هو بالخيار، إذا وجد بها عيباً أو انجرحت نقول له: اتركها واشتر شيئاً سليماً.
واللحية أهون؛ لأن الرأس يكون متداخلاً، فإذا جاءت أسنان المشط عليه قطعته، مع أن المرأة لو احتاجت إلى أن تنقض الشعر للحاجة كغسل من حيض أو ما أشبه ذلك فلا بأس، ولكن يكون بالرفق شيئاً فشيئاً، ما في أحد لحيته إذا كدها تناثر الشعر، لكن لو فرضنا فالحكم واحد.(92/14)
كيفية حج المتمتع
السؤال
فضيلة الشيخ: لم يحج متمتعاً ولم يصل إلى مكة اليوم الثامن هل يحل الحرام أو يحرم للحج بعد العمرة، أو يبقى على الإحرام والعمرة؟
الجواب
نحن نرى أن التمتع ينقطع إذا دخل وقت الحج، ووقت الحج يكون في ضحى اليوم الثامن، فمن لم يصل إلى مكة إلا بعد خروج الناس إلى منى نقول: لا تأت بعمرة، فقد انتهى وقت العمرة.
لأن الله يقول: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة:196] فجعل عمرة وحجاً وجعل غاية بينهما مسافة، لقوله: (إلى الحج) فإذا وصل في هذا اليوم قلنا له الآن: إما أن تحرم مفرداً، وإما أن تحرم قارناً.
والضحى قبل الزوال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بالمسلمين إلى منى وصلى بها الظهر، يعني: قبل الزوال بساعة أو ساعتين.
وإذا انتهى من العمرة قبل ساعة أو ساعتين من الزوال فليس بلازم أن يخلع الثوب، أي: لا بأس أن يبقى على ثياب إحرامه ويعقد الحج بالنية.(92/15)
القول بوجوب الأضحية على كل قادر
السؤال
يقول الحنفية وابن تيمية رحمه الله بوجوب الأضحية على كل أحد، وإذا كان على هذا القول فقولك بارك الله فيك: بأن الولي في البيت أضحيته مجزأة عن أهل البيت هذا خلاف لقولهم؟
الجواب
لا هم لا يقولون: إن على كل أحد أضحية، الأضحية واجبة على حسب ما جاءت به الشريعة، لم يقولوا: كل شخص يضحي.
يعني مثلاً: أهل البيت يضحون، وليس بلازم أن كل شخص يضحي، لا يريدون هذا.
ولا يشترط على كل أحد أن يضحي، بل قلنا: إن كل شخص يضحي هذا خلاف السنة، لكن نقول: هذا البيت ما داموا قادرين لا يمكن أن يتركوا الأضحية لا بد أن يضحوا.
ولهم أدلة ومناقشات ليس هذا وقتها، لكن ارجع إلى كتابنا الأضحية والزكاة فإن فيه إن شاء الله الكفاية.(92/16)
حكم ترك رمي الجمار أو رميها قبل الزوال
السؤال
كثير من الحجاج حجزوا على الطيارة في يوم الثالث عشر على أنهم سيرجعون في يوم الثاني عشر، وربما أن ذا القعدة أصبح ثلاثين يوماً فصار اليوم الثالث عشر هو الثاني عشر، فكثير منهم عجلوا ورموا الجمار قبل الزوال لكي يدركوا الطيارة، فهل نقول: يمكنهم الرمي والسفر؟ الشيخ: الآن الفرق ما نقول ساعات الفرق يوم.
السائل: بعضهم حجز ليوم الثالث عشر، ثم صار يوم الثالث عشر اثنا عشر.
الشيخ: ولماذا لا تؤجل الرحلة؟ السائل: لا يوجد حجز، وكثير من الحجاج الذين يحجزون على الطائرة هكذا، فهل يعني: إذا ما رموا الجمار قبل الزوال ما أدركوا الطائرة.
الشيخ: أنا أرى في هذه الحال أنهم ينزلون مكة ويطوفون طواف الوداع ويمشون، والقادم منهم يذبح فدية في ترك الواجب الذي هو الرمي.
السائل: ما يسقط عنهم؟
الجواب
ما يسقط عنهم لأنه واجب.
السائل: بعض المشايخ يبيح للعجائز أو لكبار السن عند الزحمة أنه يرمي -إذا وجدت مثل هذه الأشياء الطارئة- قبل الزوال.
الشيخ: لا أرى هذا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص للضعفاء الذين رخص لهم في العيد أن يرموا قبل الزوال، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرخص مع وجود السبب دل هذا على أنه لا يجوز، لكن نقول: إنهم محصورون الآن كالمحصن، حصروا عن فعل الواجب، وقد قال الله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] هذا أقرب شيء.
السائل: يذبحه في مكة؟ الشيخ: في مكة، أو يوكل عليه لا مانع في ذلك.(92/17)
حكم المبيت في منى ومزدلفة
السؤال
هل يجب المبيت في منى كل الليل أم أغلبه وكذلك مزدلفة؟
الجواب
أما مزدلفة فليبق حتى يصلي الفجر ويسفر جداً، هذا هو الأفضل، ولكن إذا كان معه ضعفة فلهم أن يدفعوا آخر الليل -أي: قبل الفجر في الثلث الأخير من الليل- وأما منى فأمرها سهل؛ لأنها ليست كـ مزدلفة في وجوب المبيت بها، والواجب أن يبقى فيها معظم الليل وليس الواجب أن يبقى كل الليل، لكن لو فرض أنه لم يجد مكاناً في منى نقول: انزل حيث انتهت خيام الناس.
وكذلك لو فرض أنه نزل إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة ولكنه لم يستطع الوصول إلى منى إلا بعد طلوع الفجر، فنقول: لا شيء عليك.
السائل: في مزدلفة من خرج بعد منتصف الليل بغير عذر يعني: ليس معه ضعفة؟ الشيخ: لا، نقول: لا تخرج إلا في الثلث الأخير من الليل.
السائل: يكون عليه هدي يا شيخ؟ الشيخ: لا بد أن ينظر في السبب: هل هو مسافر وخرج قبل الوقت المحدد، هل هو جاهل أو غير جاهل، وهل لعذر أو لغير عذر، بمعنى: هل المرور منعه أن ينزل، لأن الإنسان أحياناً لا يستطيع أن ينزل فيمشي مشياً مباشرة.(92/18)
حكم الهدي إذا كسرت يده
السؤال
فضيلة الشيخ: بارك الله فيك! اشتريت هدياً في أيام الحج، فأثناء إنزاله من السيارة انكسرت يده وأول ما اشتريته وهو سليم فماذا عليَّ؟ الشيخ: يكون هذا لك، واشتر شيئاً سليماً واذبحه.
السائل: إذا كان في هذا الوقت ليس معي مال؟ الشيخ: تصوم ثلاثة أيام في الحج أيام التشريق وسبعة إذا رجعت.(92/19)
مكان ذبح الأضحية
السؤال
فضيلة الشيخ: بالنسبة للأضحية إذا سافر الشخص إلى بلد آخر هل يضحي في البلد الذي سافر له أم يوكل في بلده؟ الشيخ: أهله معه أو في بلده؟ السائل: في بلده.
الشيخ: إذاً الأفضل أن يوكل من يضحي عن أهله؛ لأجل أن يتمتع الأهل بالأضحية.
السائل: وإذا كان أهله معه؟ الشيخ: يضحون حيث أدركهم العيد.
السائل: طيب جزاك الله خيراً هيئة الإغاثة ألا تعتبر في مثابة الموكل إذا أراد أحد أن يسافر؟ الشيخ: بلى، هي بمنزلة الوكيل، لكن يكون التوكيل في بلد الإنسان وليس في بلد أخرى، أي: أن المحظور في هيئة الإغاثة أنها تضحي في بلد آخر، أما لو كان في بلدك فلا بأس أن توكلهم وتقول لأحدهم: أنا سوف أسافر فضح عني وأعط الأضحية أهلي فهذه لا شيء فيها.(92/20)
حكم النكاح إذا لم يعلم عدد الرضعات
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل عقد على امرأة وبعد ذلك وجد عجوزاً كبيرة تقول: إنها أرضعتهما ولا تعلم كم عدد الرضعات؟
الجواب
لا يحتار.
النكاح صحيح والملكة صحيحة؛ لأنه لا بد أن نعلم أن الرضاع بلغ خمساً فأكثر.
السائل: هذه لا تعلم عدد الرضعات العجوز كبيرة وعمرها نحو تسعين سنة ولا تدري.
الشيخ: إذاً الملكة صحيحة ولا شيء عليهم.(92/21)
حكم الحلق والذبح قبل الفجر في منى
السؤال
رجل دفع في الثلث الأخير من مزدلفة فحلق وذبح الهدي ورمى الجمرة قبل طلوع الفجر؟
الجواب
الذبح لا يكون إلا بعد طلوع الفجر.
السائل: لا يجزئ يا شيخ؟ الشيخ: لا يجزئ إلا بعد طلوع الفجر، أما الحلق والرمي فلا بأس.
السائل: يقدم الحلق؟ الشيخ: لا بأس.
السائل: والفجر مباشرة يرمي؟ الشيخ: لا.
إنما يرمي قبل الفجر متى ما وصل إلى منى يرمي.
السائل: الهدي بارك الله فيك؟ الشيخ: الهدي إذا طلع الفجر جاز له أن يذبحه، وقبل الفجر لا يجوز؛ لأن يوم النحر معناه أنه لا يدخل إلا بعد طلوع الفجر.(92/22)
حكم ذبح الهدي إذا كسرت قدمه
السؤال
لماذا رخصنا للعجزة والضعاف والمضطرين في النفور من مزدلفة قبل الوقت ولم نرخص لهم في رمي الجمار قبل الوقت؟
الجواب
رخصنا للضعفة في الدفع من مزدلفة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص لهم.
السائل: ألا يقاس على رمي الجمرات؟ الشيخ: لا يصح القياس؛ لأن العلة موجودة في عهد الرسول، الزحام الذي يكون عند رمي الجمرات في أيام التشريق هو الذي يكون عند رمي جمرة العقبة يوم العيد، ومع ذلك لم يرخص لهم.
السائل: الهدي يعطى للراجل وغيره؟ الجواب: لا بأس الذي لا يستطيع أن يذبحه بنفسه، أو بوكيله المباشر يعطي الراجل.
السائل: الهدي التي كسرت يده إذا كنت لم أفعل هذا في السنة الماضية أفعله هذه السنة؟ الشيخ: انكسرت يده قبل أن تعينه، أم بعد ما عينته؟ السائل: بعد ما عينته.
الشيخ: قلت هكذا؟ السائل: إيه وذبحته.
الشيخ: ذبحته بهذه النية ولكن قبل أن ينكسر هل أنت عينته، أم اشتريت وتريد أن تجعله هدياً؟ السائل: لا اشتريته وهو هدي.
الشيخ: افرض إنساناً اشترى عبداً يريد أن يكون كفارة هل يعتق قبل أن يقول أنت عتيق؟ السائل: لا.
الشيخ: لا يعتق مع أنه اشتراه بنية العتق، لكن لا يعتق حتى يقول: إنه عتيق، أيضاً: اشترى بيتاً ليجعله وقفاً هذه نيته، هل يكون البيت وقفاً لمجرد الشراء، أو لا بد أن يقول: هذا وقف؟ السائل: لا بد أن يقول: هذا وقف.
الشيخ: هذه أيضاً الأضحية أو الهدي اشترى هذه الشاة لتكون هدياً فهل قال: إنها هدي؟ إن كان كذلك فالآن تعينت، وإن لم يقل ذلك تعينت بالذبح لكن بشرط أن تذبح وهي سليمة.
السائل: أنا يا شيخ أثناء شرائي لها ونيتي أنها هدي.
الشيخ: لكن هل قلت: إن هذا هدي بلسانك أم لا؟ السائل: نعم قلتها.
الشيخ: بلسانك؟ السائل: نعم.
الشيخ: ثم انكسرت بعد ما قلت من كلامك؟ السائل: نعم.
الشيخ: إذاً الحمد لله أجزأت، ما دام أن انكسارها ليس بسبب منك، أنت الذي أخذتها وأخرجتها من السيارة، أو أنت الذي أفزعتها حتى قفزت من السيارة، المهم إذا لم يكن ما هو منك فتجزئك.
السائل: بعض العوام لا يعينون ويقولون: هذا هديي، وإنما يشتريه على أساس أنه بنية هدي لكن لا يعين؟ الشيخ: إذا لم يقل: هذا هديي، أو إذا سأله شخص: ما هذا؟ قال: هذا هدي، فهي لا يكون هدي.
السائل: لأن غالب الناس يشترون الهدي على أساس أنه هدي لكن لا يعينون.
الشيخ: نقول: ما دام أنها تعيبت اتركها واشتر غيرها السائل: ما تعيبت وإنما تعينت.
الشيخ: السؤال الآن بارك الله فيك عن التي تعيبت قبل التعيين، لكن الآن تبينت أنها معينة قبل.
السائل: لكن أقصد لك يا شيخ التعيين إذا ما عينت أن هذا هدي لكن اشتريته على أنه هدي؟ الشيخ: ما صار هدياً، ولهذا يجوز لك أن تبيعه لأنك لو اشتريته على أنه هدي، ووجدت من قال: بكم اشتريت هذا؟ تقول: بمائتين، قال: أريده بمائتين وخمسين، لك أن تبيعه منه، لأنك ما عينته باللفظ.
السائل: يوجد كثير من الناس الآن يشترون الهدي ولا يعينونه.
الشيخ: لكن الغالب أنه يذبح وهو ما قال شيئاً، هو إذا ذبحها تعينت، لأن التعيين يحصل إما بالقول وإما بالذبح، فالذبح يعتبر تعييناً، لكن النية بلا قول ولا ذبح هذه لا تصلح.
السائل: هذا مثل وكالة الراجحي أنا أعطيه المال وأنا لم أرها ولم أعينها.
الشيخ: هذه المشكلة من وكالة الراجحي أو غير وكالة الراجحي أو الإغاثة، هذه مشكلة؛ لأن الإغاثة الآن إذا اجتمع عندهم ألفا رأس لا يقولون: هذه أضحية موسى، وهذه أضحية محمد، وهذه أضحية عبد الله، وإنما يريدون أن يذبحوها عن هذا المجموع، طيب! أنا الآن لا أدري أين أضحيتي.
وأنا قلت لكم في أثناء الكلام: إن الخروج عن العمل المشروع لا بد أن يحدث مشاكل.(92/23)
بم يكون إدراك الحاج؟
السؤال
جرى نقاش حول إدراك الحج: هل الذي يأتي إلى عرفة بعد غروب الشمس يكون مدركاً للحج؟
الجواب
نعم، ما دام أنه أتى قبل طلوع الفجر يوم العيد فقد أدرك.(92/24)
لقاء الباب المفتوح [93]
وافق هذا اللقاء نهاية العام الهجري، فكان حديث الشيخ عن أصناف الناس وأحوالهم بالنسبة لحياتهم، فمنهم مجتهد، ومنهم مقصر، ومنهم خاسر لدنياه وأخراه.
ثم أجاب عن الأسئلة والتي كان معظمها متعلق بالصلاة والحج.(93/1)
أقسام الناس بالنسبة لزمانهم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والتسعون من لقاء الباب المفتوح والذي يتم يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة عام (1415هـ) وحيث إن هذا اللقاء هو آخر لقاء في هذا العام، وأنه أعقب موسم الحج؛ فإننا نهنئ أنفسنا وإياكم بما منَّ الله به على المسلمين في هذا العام من الحج الهادئ الذي تم فيه أداء النسك على الوجه الأتم، وعلى أكمل راحة ولله الحمد، لا من جهة الجو والطقس حيث كان بارداً في الليل ومقبولاً في النهار ولا سيما في يوم عرفة حيث أظل الله المسلمين بالغمام.
ثم إننا نشكر الله سبحانه وتعالى أن أمضينا من أعمارنا عاماً كاملاً، نرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون قد استفدنا منه وانتهزنا فرص العمر؛ وذلك لأن العمر لحظات ودقائق وأيام تمضي سريعاً وتزول جميعاً، والسعيد من عمرها بطاعة الله عز وجل، وليس للإنسان من عمره إلا ما أمضاه بطاعة الله، أما ما لم يمضه في طاعة الله فهو إما خسارة وإما عقوبة وإثم، فالناس بالنسبة لزمانهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:(93/2)
قسم استغل وقته في طاعة ربه
قسم أمضى زمانه في طاعة ربه حتى في العادات التي اعتادوها من أكل وشرب ولباس ودخول وخروج وغير ذلك إذا ابتغى به وجه الله أثابه الله عز وجل لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ سعد بن أبي وقاص: (واعلم أنك لم تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فم امرأتك) فهؤلاء هم الرابحون الذين استغلوا الوقت ولم يمض عليهم ساعة من الزمن إلا ولله تعالى فيها طاعة من هؤلاء البررة الأطهار.(93/3)
قسم أمضى عمره في معصية الله تعالى
القسم الثاني: عكس ذلك من أمضى عمره في معصية الله عز وجل وفي اللهو والسهو والترف الذي فيه التلف حتى ضاع عليه العمر وندم ولات ساعة مندم، تجده يُمضي عمره في غير ما يرضي الله عز وجل، وإذا أتى بالطاعة أتى بها على الوجه الذي لا يقرب منه، بل ربما يأتي بالطاعة على وجه العادة فقط اعتاد أن يفعل هذا الشيء فصار جبلة له وطبيعة دون أن يقصد به وجه الله وهذا أيضاً خاسر غاية الخسران والعياذ بالله.(93/4)
قسم خلط عمره بأعمال صالحة وسيئة
القسم الثالث: من خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فصار لهم نصيباً من حياتهم ولكنه ليس النصيب الأكمل، ولهذا ينبغي للإنسان العاقل أن ينتهز فرص العمر قبل أن ينتهي عمره وهو لا يشعر فيضيع عليه الوقت.
كم من إنسان أمَّل أملاً بعيداً، وعُمراً مديداً ولكن حال بينه وبين ذلك غيب المنون فاقتنصته الآجال، وصار بعد الوجود إلى الزوال، ولنا أسوة فيما يقع من الحوادث التي نشاهدها أحياناً ونسمع بها أحياناً تتكرر كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر يلبس الإنسان ثوبه، ويزر إزاره بيده، ثم لا يفك هذا الإزار إلا الغاسل والإنسان على سرير غسله.
يدخل السيارة فاتحاً الباب مغلقاً على نفسه ثم لا يخرج منها، بل يخرج ميتاً جنازة، وفي هذا عبر لمن اعتبر نسأل الله يجعلنا وإياكم من المعتبرين.
أما فيما يتعلق في ختام هذا العام فإنه ينبغي للإنسان أن يحاسب نفسه وأن ينظر ماذا قدم في هذا العهد ماذا قدم لنفسه إن كان مسرفاً فليستعتب وليتب إلى الله عز وجل (والتائب من الذنب كمن لا ذنب له) ، وإن كان محسناً فليحمد الله عز وجل وليسأل الله الثبات على ذلك، ويجب أن يبعد عن نفسه الغرور والعجب بما أنعم الله عليه من نعمة الإسلام وفعل الخيرات، لأنه إذا أُعجِبَ وغُرَّ بنفسه دخل في قول الله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17] .
فنسأل الله تعالى أن يجعل لنا ولكم من أعمالنا نصيباً نتقرب به إلى الله عز وجل، وألا يجعل ما علمنا وبالاً علينا إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.(93/5)
الأسئلة(93/6)
حكم من حج وترك طواف الإفاضة
السؤال
رجل حج قارناً وفي اليوم الثاني عشر من ذي الحجة طاف طواف الوداع ورجع إلى بلده؟ الشيخ: ولم يطف للإفاضة؟ السائل: ما نوى ولا طاف ولا سعى، ولكن يقول: إنه طاف طواف الوداع.
الشيخ: أول ما قدم سعى؟ السائل: طاف وسعى أول ما قدم.
الشيخ: هذا الرجل الذي حج حج قران وطاف للقدوم أول ما قدم إلى مكة وسعى، ثم بعد أن وقف بـ عرفة ومزدلفة طاف للوداع وانصرف، نقول: إنه بقي عليه طواف الإفاضة وهو ركن لا يتم الحج إلا به، ويبقى عليه من الإحرام التحلل الثاني، وعلى هذا فلا يقرب زوجته إن كان ذا زوجة، ويجب عليه أن يكمل حجه ما دام الشهر باقياً الآن يجب عليه أن يسافر إلى مكة، والأفضل أن يأخذ عمرة حين يمر بالميقات فيحرم من الميقات ويطوف ويسعى ويقصر ثم يطوف طواف الإفاضة.
السائل: يا شيخ هذا كان قبل ثلاث سنوات.
الشيخ: إذاً: لابد الآن أن يذهب إلى مكة ولو كان قبل ثلاث سنوات الآن يجب عليه أن يذهب إلى مكة ويفعل ما قلت لك، يأتي بعمرة؛ لأنه مر بالميقات ويريد إكمال النسك، فيحرم بعمرة ويطوف ويسعى لها ويقصر ثم يأتي بطواف الإفاضة.
وأما جماع زوجته أنا أرى أن نعاقبه بالأشد؛ لأن الرجل متهاون له ثلاث سنوات وما سأل وهذه مشكلة، لكن على القول: بأن الجاهل لا يلزمه شيء نقول: إذا تاب إلى الله وأصلح عمله فإنه لا يلزمه سوى ما ذكرت.(93/7)
حكم الوقف إذا اشتمل على بدع ومحرمات
السؤال
فضيلة الشيخ: هذا شخص يسأل ويقول: في أحد مكتبات المساجد كتبٌ فيها بدع وكتب فيها صور ويقال: إن أصحابها جاءوا بها وقفاً على هذه المكتبة! فماذا نفعل بهذه الكتب التي في المكتبة، وهي مكتبة أحد المساجد؟
الجواب
الواجب على القائمين على مكاتب المساجد إذا رأوا كتباً فيها بدع أو فيها صور فاتنة أن يحرقوا هذه الكتب، وألا يبقوها في أيدي الشباب؛ لأنها تضرهم من ناحية العقيدة، وتضرهم أيضاً من ناحية الأخلاق فيما يتعلق بالصور، حتى وإن كان صاحبها أوقفها، لكن إن كان صاحبها حياً فينبغي أن يبلغ، ويقال: إن هذا لا يحل لك أن تجعله في المكتبة، ونرى أن تشتري بدله من الكتب المفيدة.(93/8)
حكم التمتع في الحج لمن أتى في اليوم الثامن
السؤال
من وصل إلى الميقات في اليوم الثامن هل له أن يتمتع؟ وإذا كان له ذلك هل الأفضل التمتع أم القران؟
الجواب
إذا وصل إلى الميقات في اليوم الثامن قبيل الظهر فلا أرى أن يأتي بعمرة؛ لأن الله يقول: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة:196] فلابد أن يكون هناك وقت يفصل بين العمرة وبين الحج، والإنسان إذا وصل إلى الميقات بعد أن دخل وقت الحج مأمور أن يخرج إلى منى، وأن يسعى في الحج ويكمل الحج.
وبناءً على ذلك: أرى أن الأفضل لمن مر بالميقات في الوقت الذي يخرج الناس فيه إلى منى أرى أن يأتي بقران، وألا يأتي بتمتع؛ لأن التمتع في الحقيقة فات وقته إذ أن الله يقول: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة:196] وهذا يدل على أن هناك فاصلة ووقتاً بين العمرة الحج.
ونقول: إذا كنت تريد أن يحصل لك حجٌ وعمرة فأقرن والقران يحصل به حجٌ وعمرة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (طوافك بالبيت وبـ الصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك) .
ومعروف أن الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه خرجوا إلى منى في ضحى اليوم الثامن.(93/9)
حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد
السؤال
فضيلة الشيخ: ما رأيكم في تبادل التهنئة في بداية العام الهجري الجديد؟
الجواب
أرى أن بداية التهنئة في قدوم العام الجديد لا بأس بها ولكنها ليست مشروعة بمعنى: أننا لا نقول للناس: إنه يسن لكم أن يهنئ بعضكم بعضاً، لكن لو فعلوه فلا بأس، وإنما ينبغي له أيضاً إذا هنأه في العام الجديد أن يسأل الله له أن يكون عام خيرٍ وبركة فالإنسان يرد التهنئة.
هذا الذي نراه في هذه المسألة، وهي من الأمور العادية وليست من الأمور التعبدية.(93/10)
حكم نيابة من لا يصلي في الحج
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل ملتحٍ يحج عن الناس ولا يصلي، ما صحة الحج؟
الجواب
الرجل الذي لا يصلي أبداً لا في المسجد ولا في البيت هذا كافر مرتد، يجب أن يدعى إلى الصلاة وإلا قتل كافراً، يعني: هو مرتد، ولا يصح حجه، حتى لو حج لغيره فإنه لا يصح لأنه كافر، وقد قال الله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة:54] مع أن النفقات نفعها متعدٍ ومع ذلك لا تقبل منهم لكفرهم، وعلى من علم أن هذا الرجل كافر عليه أن يغرمه ما أعطاه من الأموال وأن يحج بدل هذه الحجة إذا كانت فرضاً، وإن كانت تطوعاً فليس عليه شيء يعني: إن شاء أقام من يحج عنه، وإن شاء حج بنفسه وإن شاء لم يحج.(93/11)
الفرق بين الغيبة والنميمة
السؤال
ما الفرق بين الغيبة والنميمة، وهل هناك أحوال يجوز للإنسان أن يغتاب فيها الناس؟
الجواب
الفرق بين الغيبة والنميمة، أن الغيبة: ذكرك أخاك بما يكره في غيبته، بأن تسبه في دينه أوخلقه أو خلقته أو عمله أو أي شيء، فإذا ذكرته بما يكره في غيبته فهذه الغيبة، (قالوا: يا رسول الله! أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) .
وأما النميمة فهي: نقل كلام الناس بعضهم لبعض بقصد الإفساد مثل: أن يأتي إلى شخص ويقول: إن فلان يقول فيك كذا وكذا، سواء كان صادقاً أو كاذباً، هذه هي النميمة مأخوذة من نم الحديث إذا عزاه إلى غيره، والنميمة أعظم من الغيبة؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه مر بقبرين وقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير: أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) فهذا هو الفرق بينهما.
أما هل تجوز الغيبة أو النميمة؟! فهذا ينظر إذا كان ذلك للمصلحة فلا بأس أن تذكره بما يكره إذا كان للمصلحة، مثل: أن يأتي إليك رجل يستشيرك في شخص يريد أن يعامله أو يزوجه وأنت تعلم أن فيه شيئاً مذموماً فلك أن تذكر ذلك الشيء، فإن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تستشيره حيث تقدم لها ثلاثة رجال: أبو جهم ومعاوية بن أبي سفيان وأسامة بن زيد، فجاءت تستشير النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك: من تتزوج منهم فقال: (أما أبو جهم فضراب للنساء، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة) فهنا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر معاوية وأبا جهم بما يكرهون لكن لإرادة أن ينصف، فهذا لا بأس به.
كذلك النميمة لو نممت إلى: إنسان ما يقول به شخص آخر ترى أن هذا الشخص صديق له واثق منه، ولكن هذا الصديق الذي وثق منه ينقل كلامه إلى الناس، فتأتي إليه وتحذره وتقول: إن فلاناً ينقل كلامك إلى الناس، وأنه يقول فيك كذا،وكذا فهذا أيضاً لا بأس به، بل قد يكون واجباً.
والمسألة تعود إلى: هل في ذلك مصلحة تربو على مفسدة الغيبة فتقدم المصلحة، هل في ذلك مصلحة تربو على مفسدة النميمة فتقدم المصلحة؛ لأن الشرع كله حكمة يوازن بين المصالح والمفاسد فأيهما غلب صار الحكم له، إن غلبت المفسدة صار الحكم لها، وإن غلبت المصلحة صار الحكم لها، وإن تساوى الأمران فقد قال العلماء رحمهم الله: درأ المفاسد أولى من جلب المصالح.(93/12)
حكم جمع الصلوات بدون عذر شرعي
السؤال
فضيلة الشيخ: أناس بعد رمي جمرة العقبة لم يؤدوا جميع الصلوات حتى قدموا إلى أهلهم، فعند قدومهم جمعوا صلاة أربعة أيام مرة واحدة! الشيخ: ولماذا؟! السائل: بحجة أنهم متعبون!
الجواب
هؤلاء الذين ذكرت أنهم لما رموا جمرة العقبة تركوا الصلاة حتى رجعوا إلى أهلهم وعذرهم في ذلك أنهم متعبون نقول: إن هؤلاء آثمون؛ لأنهم أخروا الصلاة بلا عذر شرعي ولا ينفعهم قضاؤها، يعني: لو قضوها ألف مرة فإنها لا تقبل منهم؛ لأنهم خرجوا بها عن الوقت الذي حدده الله سبحانه وتعالى بلا عذر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه.
فبلغهم أن يتوبوا إلى الله عز وجل وأن يرجعوا إليه مما صنعوا وألا يقدموا على شيء في العبادات إلا بعد أن يسألوا أهل العلم.(93/13)
حكم إقامة أكثر من جماعة في نفس المسجد
السؤال
إذا انتهت جماعة المسجد من الصلاة ودخلت جماعة أخرى تبدأ بالصلاة، ودخلت جماعة ثالثة وبدءوا بالصلاة ما حكم الجماعة الثانية من ناحية الصحة والبطلان؟
الجواب
أما الجماعة الأولى التي أقامت الصلاة بعد أن فاتتها جماعة المسجد هؤلاء مأجورون مثابون على عملهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) ، ولأن رجلاً دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه وقد فاتته الصلاة فقال: (من يتصدق على هذا فيصلي معه، فقام إليه بعض الصحابة وصلى معه) .
أما الجماعة الثالثة التي جاءت والجماعة الثانية تصلي فصلوا وحدهم فهؤلاء مفارقون لجماعة المسلمين وأرى أن يعيدوا صلاتهم احتياطاً؛ لأنهم فارقوا الجماعة، اللهم إلا أن يكون هناك لهم عذر مثل أن يقولوا: هؤلاء يصلون صلاة العشاء ونحن نصلي صلاة المغرب، فهم قد يكون لهم شبهة ووجهة نظر لكن مع ذلك نرى أن يدخلوا مع الجماعة الثانية ولو كانوا يصلون العشاء وهؤلاء يصلون صلاة المغرب؛ لأن اختلاف نية الإمام والمأموم لا يضر على القول الراجح.(93/14)
ضابط الجمع بين الصلاتين للمسافر
السؤال
شخص يسافر إلى البلاد الكافرة ويقيم بها حوالي شهر ويكون في أوقات الصلاة خارج مقر إقامته فتصعب عليه الصلاة، فمثلاً: قد يكون في مكان يصلي الظهر ثم في مكان آخر قد لا تتسنى له صلاة العصر، فما هو أسهل أمر له، هل ترون الجمع أو القصر وما هي أسهل طريقة حفظكم الله؟
الجواب
نرى أن المسافر إذا كان لا يمكنه أن يصلي كل صلاة في وقتها إلا بمشقة أو بفوات مصلحة أن يجمع إما جمع تقديم أو جمع تأخير، حسب ما يكون أيسر له وأسهل في حاجته سواء كان يريد البقاء شهراً أو شهرين أو أكثر؛ لأنه ليس هناك دليل على تحديد المدة التي ينقطع بها السفر، وعلى هذا فنقول لهذا الأخ: اجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم أو تأخير حسب ما يتيسر لك، وكذلك بين المغرب والعشاء.(93/15)
مقدار المبيت الواجب بمنى
السؤال
ما مقدار المبيت بـ منى؟
الجواب
ذكر العلماء رحمهم الله: أن المبيت بـ منى واجب وأن يكون معظم الليل.
مثلاً: إذا قدرنا أن الليل عشر ساعات فليكن خمس وساعات ونصف كلها بـ منى، وما زاد على ذلك فهو سنة.(93/16)
حكم الجدال في الطريق إلى الحج
السؤال
أناس يتجادلون في الطريق إلى الحج، فهل هذا صحيح؟
الجواب
يقول الله عز وجل في الحج: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197] والجدال ثلاثة أنواع: الأول: جدال يريد به إثبات حق فهذا واجب حتى وإن كان الإنسان في الحج، ما دام يريد إثبات الحق فواجب عليه أن يجادل لكن بالتي هي أحسن لقول الله تبارك وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] لا يقول: إن هذا جدال والله يقول: {وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197] نقول: هذا جدال واجب لابد منه، وهو دفاع في الواقع عن الحق أو إثبات له.
والثاني: جدال في أمور ليست حقاً ولا باطلاً، مثل أن يقول: الشيء الفلاني الذي في الجبل إنسان، وهذا يقول: حجلة، وهذا يقول: حجر وما أشبه ذلك ويتجادلون، هذا أيضاً منهي عنه لما فيه من تحريك النفس وصدها عما هي بصدده من الإقبال على النسك.
والثالث: أن يكون جدالاً باطلاً بمعنى: أنه يجادل وهو يعلم أن الحق بخلاف ما يقول، لكن يريد أن ينتصر لنفسه وأن تكون كلمته هي العليا فهذا آثم، آثم من جهة أنه جادل وهو محرم بالحج، ومن جهة أنه أراد أن يحق الباطل ويبطل الحق.
وفي هذه الحال: حبذا لو أن القافلة جعلت لها أميراً يحدد لها المصالح حتى لا يحصل النزاع؛ لأنه أحياناً يكون جدال: يقول: نريد أن نبقى، والثاني يقول: نمشي، هذا يقول: نقدم الغداء وهذا يقول: نؤخره، ويحصل جدال، إذا كان هناك أمير فحسن، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسافرين إذا كانوا ثلاثة أن يأمروا أحدهم.
وتأمير هذا الواحد ليس معناه: أنه أمير بلا إمارة بل هو أمير له إمارة وله كلمة يجب قبولها؛ لأنه لما كان أميراً صار من أولياء الأمور، وقد أمر الله بطاعة ولي الأمر إذا لم يأمر بالمعصية.(93/17)
صور من البيوع التي يدخل فيها الربا
السؤال
رجل يبيع سيارات فأتاه شخص يريد أن يشتري منه سيارة، فقال: عندي سيارتان السيارة الثانية أفضل من السيارة الأولى، وسوف أشتريها لك وأبيعها لك كما تشاء إما نقداً أو تقسيطاً، والنقد حوالي أربعين ألف والتقسيط اثنين وستين ألف، فما حكم هذا البيع هل فيه ربا؟
الجواب
إذا كان هذا الذي يريد أن يبيع السيارة ليست السيارة في ملكه ولكن يريد أن يشتريها لهذا الشخص، فهذا حرام عليه أن يأخذ أكثر من القيمة التي دفع، فإذا اشتراها بخمسين لا يجوز أن يبيعها بواحد وخمسين؛ لأنه إن فعل ذلك وقع في الربا، ولكن يبيعها بخمسين ويكون قد أقرض المشتري ثمن السيارة، وهذا خير.
أما إذا كانت السيارات موجودة عند الرجل وصار الناس يأتون يشترون منه فيقول لهم: إن اشتريتم بتقسيط فهو بكذا، وإن اشتريتم نقداً فهو بكذا، يعني: أنزل، مثلاً يقول: هي بالتقسيط بستين ألف، وهي بالنقد بخمسين ألف، فهذا لا بأس به، إذا أخذها المشتري بأحد الثمنين؛ لأن هذا لا محظور فيه، وليس فيه ربا، وليس فيه جهالة وغرر، بل هو بيع واضح، لن ينصرف المشتري إلا وقد علم حاله هل اشتراها بمؤجل أو اشتراها بنقد.
وأما ما ذهب إليه بعض أهل العلم وقالوا: إن هذا من البيعتين في بيعة والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيعتين في بيعة، فهذا ليس بصواب، لأنك إذا قلت: هذه بعشرين نسيئة أو بعشرة نقداً فأخذها بأحد الثمنين فليس هناك بيعتان، هي بيعة واحدة لكن خُيِّرَ الإنسان فيها بين ثمنين، أحدهما أكثر ولكنه مؤجل والثاني أقل ولكنه نقد.
والبيعتين في بيعة إنما تنطبق على مسألة العينة وهي: أن يبيع الإنسان شيئاً بمائة إلى أجل ثم يشتريه بثمانين نقداً، فإن هذا هو العينة التي حذرنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم بأذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه من قلوبكم حتى ترجعوا إلى دينكم) .(93/18)
حكم من بدأ رمي الجمار بالعكس جاهلاً
السؤال
رجل رمى الجمار في اليوم الحادي عشر وبدأ بالصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى فما الحكم؟ الشيخ: إذا بادر بالصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى صحيح.
السائل: لا -يا شيخ- بدأ بالعقبة.
الشيخ: العقبة تسمى الكبرى.
السائل: ثم الوسطى ثم الصغرى.
الشيخ: عكس.
السائل: نعم.
الشيخ: جاهلاً أو عالماً؟ السائل: جاهلاً.
الشيخ: لو كنا الآن في وقت الجمار قلنا له: اذهب وارم الوسطى ثم العقبة وينتهي الإشكال، لكن الآن وقد فات الأوان وانتهت أيام الرمي وهو جاهل لا يدري فأرى ألا شيء عليه إن شاء الله؛ لأنه جاهل، لكن عليه وعلى غيره ممن يريد الحج أو العمرة أن يعرف الأحكام قبل أن يشرع في العبادة؛ لئلا يقع في خطأ، ثم بعد ذلك يحاول أن يصحح هذا الخطأ.(93/19)
حكم الخروج من صلاة الفريضة
السؤال
فضيلة الشيخ: أنا من أهل المدينة وصليت في الحرم، وأتى رجل وقد فاتته ركعة -وأنا لم تفتني ولا ركعة- ورائحته دخان، فلما أتى بجانبي خرجت من الصلاة وتأخرت إلى الثاني فهل هذا يجوز أم لا؟
الجواب
إذا صلى إلى جنبك أحدٌ رائحته كريهة سواء بسبب الدخان -في ملابسه- أو بصل أو ثوم أو غير ذلك: فإن كان يمكنك أن تؤدي صلاتك بطمأنينة وراحة فإنه لا يحل لك أن تنصرف منها؛ لأن الفريضة إذا دخل فيها الإنسان حرم أن يخرج منها إلا لضرورة.
وأما إذا كنت لا تحتمل هذا ولا تستطيع، وخشيت من أن يكون فيك دوخة أو أن تتقيأ، أو على الأقل شوش عليك صلاتك، فهنا لا بأس أن تدع هذا المكان إلى مكان آخر خالٍ من ذلك.(93/20)
علاج العين والسحر
السؤال
فضيلة الشيخ رجل تزوج امرأة، ومنذ ليلة الزواج وامرأته يأتيها آلام وأوجاع، والآن لها ما يقارب ثلاث سنوات من الزواج، ولما ذهبت إلى أهلها أخذها أخوها إلى رجل يقرأ -يثنى عليه ويذكر بخير- فلما ذهب بها إليه وفي مكان في المجلس قال لها: انظري إلى الجدار وانظري فوق الدائرة وشدي خطوتك عليك وقُرّبَتْ منه، ثم أخذ المشلح الذي عليه ووضعه على رأسها وغطى بعض جسمها، ثم بعد ذلك مسك إصبعها ثم وضع يده على رأسها، ثم قرب منها فقال: أنت بك عين، والذي عانك امرأتان فيهما عور أحدهما أمك وعين أمك محبة، والأخرى زوجة عم زوجك، وأراهما الآن في جبهتك، ويصف المرأة أن عرض جبهتها قدر إصبعين من أصابعه ثم أخذ يتمتم تقول المرأة: لم يقرأ أي حرف، يتمتم ولا أستطيع أن أجزم أنه يتمتم.
قرأ الفاتحة ثم بعد ذلك قالت: إني أرى رجلاً يأتيني في غرفتي ويزعجني في المنام فقال: لا عبرة بهذا الرجل، أنت الذي بك هو ما قلت لك.
ثم بعد ذلك تأتين يوم الثلاثاء القادم بسدر وملح مخلوط مع بعضه وماء وزيت ثم سأقرأ به، فبعدما أتى أخوها يوم الثلاثاء القادم بالزيت أخبره بالمرأة الثانية قال: المرأة الثانية زوجة عم الزوج، فما رأيك بهذا؟ الشيخ: وهل هذا الرجل الذي أخبر بأن الذي أصابها بالعين فلانة وفلانة هل هذا حقيقة؟ السائل: لا نعلم.
الشيخ: إذاً: من أين جاءه هذا العلم، أنا أخشى أن يكون هذا من المشعوذين المفرقين بين الناس.
السائل: أنا ناقشت أخا هذه المرأة وقلت: كيف تذهب بأختك إلى هذا الرجل؟ قال: إنه رجل يذكر بخير، وهو شيخ، وأنه شفى الله على يديه كثيراً من المرضى، وأنه يقرأ قرآناً وليس صحيحاً الذي قيل عنه، فقلت له أسألك سؤالاً واحداً: هو يقرأ، وقد يستخدم مثلاً جناً مسلمين يبشروه كما ذكر شيخ الإسلام مثلاً أو كذا، لكن أريد سؤالاً واحداً وهو أنه: كيف يرى المرأتين في جبهتها؟ الشيخ: على كل حال: أنا أرى أن يذهب إلى هذا وأمثاله، وأن يقال: إذا كان صاحب خير يقرأ على المصاب بالعين أو غيرها من الأمراض ويكفي، أو يعلم العائن ويطلب منه أن يفعل ما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام.
السائل: الآن زوجها يقول: هل آخذ من هذين المرأتين لزوجتي، أو أن أكون إذا أخذت منهما يكون من تصديق الكاهن؟ الشيخ: هو لا شك أنه إذا أخذ فهو مصدق، حتى نعرف عن هذا الرجل وعن حاله، قد يكون رجل ظاهره الصلاح لكنه يستعين بالجن، بأشياء محرمة، فمثل هذه الأمور يجب التوقف فيها.
السائل: يعني لا يأخذ من هاتين المرأتين؟ الشيخ: لا أنا لا أشير عليه أن يأخذ منهن أبداً، يستعين بالله ويقرأ ويستعمل الأشياء المفيدة.(93/21)
كفارة قتل الخطأ
السؤال
فضيلة الشيخ: أولاً: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ نشهد الله على حبك فيه.
ولي سؤال: امرأة عليها كفارة قتل الخطأ مثل صيام شهرين متتالين، صامت شهر وأتتها العادة فما الحكم؟
الجواب
أولاً: بارك الله فيك! أسأل الله تعالى أن يحبك كما أحببتني فيه.
ثانياً: السلام عند إلقاء السؤال ليس له أصل؛ لأننا قد جلسنا جميعاً زمناً، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يسألون الرسول عليه الصلاة والسلام في المجلس دون أن يسلموا، لكن هذه اعتادها بعض الناس وما أعلم لها أصلاً.
وسؤالك يحتاج أن ننظر كيف كان القتل؛ لأن بعض الناس قد يظن أن هذا القتل موجب للكفارة وليس كذلك، ولهذا نسأل هذه المرأة ربما تقول: إنها نامت عند ابنتها أو عند طفلتها ثم قامت فوجدت الطفلة ميتة، فيقول لها الشيطان: أنت التي قتلتيها، وهذا ليس بصحيح، فلابد أن نسأل: هل هي سبب لموتها أو لا؟ وإذا قدرنا أننا وصلنا إلى غاية وهي أنها هي السبب في موتها، فعليها الكفارة وعلى عاقلتها الدية، والكفارة كما نعلم أو كما يعلم كثير منا هي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، ولا يقطع التتابع إذا أفطرت المرأة للحيض؛ لأن هذا فطر لابد منه، ولا يقطع التتابع أيضاً إذا أفطر للسفر، ولا يقطع التتابع إذا مرض فشق عليه الصوم، وهنا نقول القاعدة: أن ما يجب عليه التتابع من الصيام إذا قطعه لعذر شرعي فإنه لا ينقطع التتابع، فإذا زال العذر أكمل الصيام ولا يلزمه أن يستأنف من جديد.
السائل: وأيام العيد يا شيخ؟! الشيخ: أيام العيد ما تقطع التتابع، يعني: يوم العيد في رمضان ويوم العيد في الأضحى وثلاثة أيام من أيام التشريق أربعة لا تقطع التتابع.(93/22)
حكم إقامة جماعة مع الجهل بوجود جماعة أخرى في المسجد
السؤال
بالنسبة لجماعتين في مسجد: الجماعة الثانية لا تدري أنه يوجد جماعة في هذا المسجد كما يوجد هذا كثيراً في الحرم أو غيرها من المساجد، فصلت فهل نقول: صلاتهم مقبولة، أم يلزمهم قطعها من حين الشروع في التكبير.
الشيخ: دخلوا المسجد وظنوا أن الناس قد صلوا، فشرعوا بالصلاة، ثم تبين أن أهل المسجد لم يصلوا؟ السائل: لا، ثم تبين أن جماعة أخرى يصلون في جهة ثانية.
الشيخ: هؤلاء ثم تبين أن جماعة أخرى يصلون في جهة ثانية.
فهؤلاء لا يلزمهم قطع الصلاة؛ لأنهم دخلوا على وجه معذورين فيه؛ دخلوا على أنهم قد فاتتهم الصلاة، ومن فاتته الصلاة أقامها جماعة، فلا يلزمهم أن يقطعوا الصلاة.
بخلاف ما لو دخلوا وكبروا على أن الناس قد خرجوا من الصلاة، ثم تبين أن الجماعة في المسجد لم يصلوا بعد، يعني: أقام المؤذن الصلاة وهم قد شرعوا في الصلاة، فهنا نقول: اقطعوها؛ لأن إمام المسجد ذو سلطان، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤم الرجلُ الرجلَ في سلطانه.
فيفرق بينما إذا كانت الجماعة الأم الأولى أو جماعة لاحقة، فإن كانت الجماعة الأولى قطعوا صلاتهم ولو بعد شروعهم فيها ثم دخلوا في الجماعة الأولى، وإن كانت الجماعة الثانية قد فاتتهم الصلاة -مثلاً- فإنهم لا يقطعون الصلاة من أجلهم.(93/23)
الرد على من يقول بفساد حج من وطئ ناسياً
السؤال
يا شيخ! بعض أهل العلم يرون: أن وطئ الحاج الناسي المحرم يفسد الحج، واستدلوا: أنه يجب عليه غسل الجنابة وإنما المرفوع هو المأثم والمغرم، كيف يرد عليهم؟
الجواب
نرد على هؤلاء الذين يقولون: إن الإنسان إذا جامع وهو صائم في رمضان أو جامع وهو محرم فعليه كفارة ويسقط عنه الإثم، نرد عليهم بأمرين: أمر أثري وأمر نظري: أما الأثري فنقول: إن الله تعالى قال في كتابه: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] (فقال الله تعالى: قد فعلت) وقال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] وهذا لم يتعمد.
وحصل تطبيق عملي لهذه القاعدة: وهي عدم المؤاخذة بالجهل والنسيان.
فقد أفطر الصحابة رضي الله عنهم في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس ولم يأمرهم بالقضاء؛ لأنهم كانوا جاهلين، ظنوا أن الشمس قد غربت.
وعدي بن حاتم رضي الله عنه أراد أن يصوم فجعل تحت وسادته عقالين وهما الحبلان اللذان تشد بهما يد البعير أحدهما أسود، والثاني أبيض، فجعل ينظر إليهما، فلما تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود أمسك، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة.
ومعاوية بن الحكم تكلم في الصلاة ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة.
فالمهم أن نقول: هذه الأدلة تدل على أن الإنسان إذا فعل شيئاً محرماً جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه.
أما الدليل النظري الذي نرد عليهم فنقول: إذا سقط الإثم لزم سقوط الكفارة؛ لأن الكفارة إنما تكون من أجل اتقاء عقوبة هذا الإثم، فإذا لم يكن هناك إثم فلا عقوبة.
وعموم العفو في قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] يشمل العفو عن الذنب والعفو عن الكفارة.(93/24)
حكم حج من قلد الناس في حجهم
السؤال
امرأة تقول: إنها لا تعلم مناسك الحج الثلاثة، ولا تعلم النية فيهما، ماذا تقول في نيتهما؟ وتقول: لها خمس حجات وهي تحج، يوم التروية تذهب مع الناس إذا ذهبوا عرفة ومزدلفة وترمي الجمار وما لها نية محددة من الأنساك الثلاثة، فتسأل عن صحة حجها في هذه الأعمال؟
الجواب
الظاهر أن حجها صحيح؛ لأنها كأنما تشاهدها الآن، كأنها تقول: أحرمت بما الناس محرمون به، والإحرام بما أحرم به فلان جائز كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ علي بن أبي طالب في حجة الوداع وكان قد بعثه إلى اليمن مع أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال له: بما أهللت؟ قال: بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: فإن معي الهدي فلا تحل -فجعله قارناً- وأما أبو موسى فقال أنه أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لما لم يكن معه هدي أمره أن يجعلها عمرة؛ لأن التمتع أفضل من القران.
فهذه المرأة لا شك مما يظهر لنا أنها أحرمت بما أحرم به الناس، وأنها تقول: دربي درب الناس، لكن كما ذكرت قبل قليل: الواجب على الإنسان إذا أراد العبادة سواءً حجاً أو صوماً أو صدقة أو غير ذلك أن يتعلم قبل أن يتقدم، أما بعد أن فعل يأتي ويقول: ما الحكم؟ فهذا لا شك أنه خلاف الأولى.(93/25)
تحري زيادة العمر ونقصانه في الوثائق الرسمية
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل له والد ولد عام ثلاثة وسبعين، وفي حفيظة النفوس مكتوب خمسة وسبعين، والوظائف الآن حددت لسن معين بحسبه يكون القبول والتقاعد وضعت الوزارة لجنة للنظر في مثل هذا السن، فهل له أن يتقدم إلى اللجنة للنظر في سنه لعدم وجود سابق شهادة ميلاد تحدد سنه؟ وهل عليه مأثم لو أنقصوا سنه أو زادوا؟ الشيخ: هو لماذا نقلها من ثلاثة وسبعين إلى خمسة وسبعين؟ السائل: لا يدري.
والدي يرحل، وهو صاحب أغنام لا يدري! الشيخ: الواجب بارك الله فيك أن تقول له: يجب عليك التوبة، والتوبة ألا تستمر في الذنب يجب أن تبلغ المسئولين بأن الحقيقة أن ولادته عام ثلاثة وسبعين.
السائل: لو ذهب إلى اللجنة وطلب النظر في سنه مرة ثانية؟ الشيخ: هذا طيب.
السائل: واللجنة زودت أو نقصت في سنه.
الشيخ: لا.
اللجنة الآن إن كان يظن أنها لن تقبل قوله، ولن تلتفت له؛ فهذا لا فائدة منه، لا يذهب، أما إذا كان يرى أن اللجنة ستقبل ما يقول، وستبني عليه؛ فالواجب عليه أن يذهب ويقول: أنا عمري الواقع كذا وكذا.
والرزق على الله، لا يمكن أن يستجلب رزق الله في معصيته إطلاقاً، لأن الله يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3] ومفهومها: أن من لا يتق الله لا يجعل له مخرجاً.
السائل: يبني على قول والده يا شيخ؟ الشيخ: معلوم؛ لأنه هو نفسه يمكن ما يعلم متى ولد.
الشيخ: طيب والده بدوي يرحل، ما يدري هو صواب أو خطأ، فالوالد صاحب ماشية ما يدري.
على كل حال أولاً: كما قلت: إن الناس يغلب عليهم الجهل.
وثانياً: أن الناس يغلب عليهم التهاون والطمع، وفي الأول ليست الأمور كاليوم -والحمد لله- في الأول الناس عندهم فقر ويريدون أن يصلوا إلى المال بأي طريق، لكن الحمد لله الآن تحسنت الأحوال، فالواجب أن يبلغ المسئولين بالواقع، هذا إذا كان يغلب على ظنه أنهم سيوافقونه، أما إذا كان يقول: لن يسمعوا لقوله فلا فائدة.(93/26)
حكم تجاوز الميقات بنية العودة إليه
السؤال
من تجاوز الميقات عالماً عامداً لكنه أراد الراحة، مثلاً: تجاوز ميقات قرن إلى الشرائع ليرتاح عند أقربائه، ثم يرجع إلى الميقات ويحرم منه، وهو يريد نسكاً، هل يأثم بهذا التجاوز أم أن الأمر فيه سهولة؟
الجواب
لا الأمر فيه سهولة، يعني: الأفضل ألا يتجاوز الميقات حتى يحرم، ويمكنه أن يستريح عند أقاربه وهو محرم، والناس لا يرون في هذا بأساً ولا خجلاً ولا حياء، لكن لو فعل، وقال: سأذهب أستريح الآن، وأرجع إلى الميقات وأحرم منه؛ فلا حرج.
السائل: تكون مدة أسبوع؟ الشيخ: ما هناك مانع أبداً، المهم أنه يتجاوز الميقات ونيته أن يرجع ويحرم منه.
السائل: يلزمه أن يرجع إلى الميقات الذي تجاوزه.
الشيخ: يلزمه أن يرجع إلى الميقات الذي تجاوزه.
السائل: بعد أم قرب؟ الشيخ: سواء بعد أم قرب.(93/27)
حكم صلاة المنفرد خلف الصف
السؤال
أنا إمام مسجد ويحصل من جماعة المسجد أن يأتي شخص مثلاً يصلي منفرداً خلف الصف، ويأتي البعض فيصف معه فأنا أنبههم على أن الصف لم يكتمل فأسأل عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من وصل صفاً وصله الله ومن قطعه قطعه الله) فعلى ماذا يحمل هذا الحديث؟ وهل يأثم من لم يكمل الصف وصلى بجوار المنفرد؟
الجواب
لا بأس، يعني: مثلاً إذا أتيت والصف ما اكتمل لكن وجدت هذا الرجل قد صف وحده خلف الصف فصف معه، هذا إذا كان في أول ركعة، أما إذا كان في ثاني ركعة فقد بطلت صلاة هذا الرجل فلا فائدة من أن تصف معه.
وإذا كنت لا تعلم فأرى أن تصف معه أحسن، ويكون هذا ترك مستحب من أجل المعاونة على واجب.
والحديث فيه نظر.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى اللقاء القادم إن شاء الله تعالى في السنة القادمة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(93/28)
لقاء الباب المفتوح [94]
تحدث الشيخ رحمه الله عما يجب على الداعية المسلم من أخلاق يتحلى بها لنشر دين الله في أرضه، فلابد أن يخلص نيته لله ويرجو بدعوته رضا الله تعالى، وأن يعامل المدعوين بحكمة ورفق، ويعلم حالهم قبل دعوتهم.
وأجاب بعد ذلك عن الأسئلة الموجهة إليه، وكان من أبرزها ما يتعلق بالتعامل مع الحكام ومسائل الخروج عليهم.(94/1)
أخلاق الداعية المسلم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو المجلس الرابع والتسعون من لقاءات الباب المفتوح، ويتم هذا في أول خميس من عام (1416هـ) وذلك في اليوم الثالث من شهر محرم، نسأل الله أن يجعله عاماً مباركاً علينا وعلى المسلمين، وأن يجعله محفوفاً بالنصر العزيز والفتح المبين إنه على كل شيء قدير.
إننا بافتتاح هذا العام الجديد نود أن نبين أنه لابد للأمة الإسلامية من الدعوة إلى الحق؛ لأن الدين الإسلامي لم يستقم إلا بالدعوة إلى الله، وقد قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] ، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] .
والداعي لابد له من أمور تجب عليه مراعاتها:(94/2)
إخلاص النية لله عز وجل
وهذا هو أهم الأمور وأشدها على النفوس، حتى قال بعض السلف: [ما جاهدت نفسي على شيء ما جاهدتها على الإخلاص] لأن الإنسان يعتري نفسه النظر إلى أشياء كثيرة: إما إلى الجاه، أو إلى القرب من الناس، أو إلى التصدر، أو إلى أمور دنيوية أخرى كثيرة تخدش الإخلاص وتخل به.
فما هو الإخلاص في الدعوة إلى الله عز وجل؟ الإخلاص في الدعوة إلى الله عز وجل: أن ينوي الداعي قبل كل شيء أنه ممتثل لأمر الله، قائم بأمره، مطيعٌ له؛ لأن الله أمره بذلك: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل:125] وإذا نوى هذه النية صارت دعوته عبادة، لا يكتب كلمة إلا وله فيها أجر، ولا يلفظ بحرف إلا وله فيه أجر، ولا يمشي إلا وله أجر، ولا يجلس إلا وله أجر، ولا يقوم إلا وله أجر، ما دام في هذه المهمة العظيمة الدعوة إلى الله.
ويضاد ذلك: أن يكون الإنسان يريد من القيام داعياً بين الناس أن يظهر أمامهم، وأن يجلوه، وأن يعظموه، وأن يجعلوه قائداً، فإن هذه نية دنيئة، أدنى من الدين الإسلامي، الدين الإسلامي يجب أن يكون هو المراد، وألا يكون المراد هو النفع الذاتي، فإن ذلك نقص عظيم.
ثانياً من أمور الإخلاص: أن يقصد الإنسان بالدعوة إلى الله عز وجل إقامة دين الله في عباد الله، لأن الدين مثل الأرض الرياض الأرض الرياض قابلة للزرع لكنها تحتاج إلى ماء، فالدعوة إلى الله بمنزلة الماء الذي ينزل على الأرض الروضة القابلة للإنبات، كذلك ينزل هذا الوحي على قلوب الرجال بواسطة هذا الداعية فتقوم الملة وتستقيم الأمة، وهذا مقصد حسن؛ أن يكون قصد الإنسان بالدعوة إلى الله إقامة دين الله في عباد الله.
ويتعلق بالإخلاص كذلك: أن ينوي إصلاح عباد الله؛ لأن العباد يعتورهم ثلاثة أمور: الأمر الأول: هوى النفس.
والثاني: الشيطان.
والثالث: البيئة والمجتمع.
ولهذا جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (كل مولودٌ يولد على الفطرة: فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) لأن البيئة لها تأثير عظيم.
الهوى أيضاً، الشيطان فلابد أن يكون هناك دعوة تعين عباد الله على محاربة الأعداء الثلاثة وهي: النفس، والشيطان، والمجتمع، ولهذا تجد فرقاً بين شخص يعيش بين أهلين مستقيمين، وبين آخر يعيش بين أهلين منحرفين، فالدعوة إلى الله لابد أن ينوي الإنسان بها إصلاح عباد الله.(94/3)
الدعوة إلى الله بحكمة
الحكمة: هي أن يضع الأشياء مواضعها.
ومن الحكمة العلم، أن يكون عالماً بما يدعو إليه، عالماً بحال من يدعوهم أيضاً، فأما كونه عالماً بما يدعو إليه فلابد أن يكون عنده علم من الشرع، يعرف أن هذا حق فيدعو إليه، ويعرف أن هذا باطل فيحذر منه، وأما أن يقوم رجل جاهل لا يعرف فيدعو ويدَّعي أن الله يلهمه حين كلامه وحين خطابه، فهذا غلط، بل لابد أن يعلم أولاً ثم يدعي؛ لأنه إذا لم يعلم ما يدعو إليه فقد يَضِلْ ويُضِلْ أيضاً، وإصلاح الناس بعد الإضلال على يد شخص يقول إنه داعية يصعب على الإنسان أن يقيمه، وأن يزيل هذا الضلال.
وإذا تكلم بما لا يعلم فقد وقع هو نفسه فيما حرم الله عليه، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] ، وقال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] فكيف تدعو بما لا تعلم؟ وأن يكون عنده علم بحال المدعو حتى يكون منزلاً له منزلته، لأن هناك فرقاً بين أن تدعو شخصاً جاهلاً ساذجاً لا يعرف شيئاً، وهو لين العريكة طيب القلب، فهذا دعوته سهلة، ينقاد بأدنى سبب، وبين أن تدعو رجلاً مارداً عنده جدل ولسان فصيح، فهذا يحتاج إلى دعوة قوية، وتكون بأسلوب مقنع واضح بين ينبني على الأدلة من الكتاب والسنة وعلى الأدلة من العقل أيضاً؛ لأن من الناس من إيمانه بالكتاب والسنة ضعيف، لكن إذا ذكرت له أشياء معقولة خضع وعجز عن الجدال؛ فلا بد أن تعلم حال من تدعوهم إلى الله عز وجل لتكون على بصيرة من الأمر في كيفية دعوتهم، ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه معاذاً إلى اليمن قال له: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب) فبين له حالهم من أجل أن يكون لديه استعداد لمواجهتهم وكيفية مخاطبتهم.
وإذا كان عنده -أي عند الداعية- علم بأحوال المدعو فإنه سوف ينزله منزلته، إن كان من أصحاب لين القول ألان له القول، وإن كان من أصحاب إغلاظ القول أغلظ له القول ولا بأس، فإن الله يقول: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} [العنكبوت:46] فهؤلاء الذين ظلموا يعاملون معاملة تليق بظلمهم، والظلم هنا بمعنى المعاندة، أي: معاندة الحق والمراوغة.(94/4)
الأسوة الحسنة
ومما تجب العناية به بالنسبة للداعي: أن يكون هو أسوة حسنة، عنده عبادة ومعاملة طيبة، وعنده أيضاً أخلاق يدعو الناس بها، وفي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (إنكم لن تسعوا الناس بأرزاقكم ولكن تسعوهم بحسن الخلق) فحسن الخلق جذاب، كم من إنسان قليل العلم يهدي الله على يديه أمماً لأنه حسن الخلق، وكم من إنسان عنده علم واسع كثير لكنه جاف سيئ الخلق ينفر الناس منه، وقد ذكر الله نبيه بهذا فقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] وهذه الرحمة رحمة للداعي وللمدعو، فهي رحمة من الله لرسوله عليه الصلاة والسلام، ورحمة من الله للخلق الذين يدعوهم الرسول؛ لأنه لو كان فظاً غليظ القلب ما اهتدوا على يديه، فلهذا ينبغي للداعية أن يكون رحب الصدر واسعاً، يأخذ ويعطي ولا يأنف، ولهذا قال: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة:24] ومن صبرهم: أن يصبروا على أذى الناس الذين يدعونهم؛ لأنه لابد من أذية، فلابد من الصبر.
وكذلك من آداب الداعية: أنه ينبغي له أن يتقيد بما يقول حسب ما تقتضيه الحاجة، فهناك أناس لا يحسن أن تتكلم معهم في أمور اجتماعية توجب تشتت أفهامهم وأفكارهم، وربما توجب العداوة بينهم، وهناك أناس مميزون يمكن أن تتكلم عندهم في الأمور الاجتماعية لمحاولة إصلاحها، فالناس يختلفون، ولهذا أنا أحث نفسي وإياكم على ألا نحقر أنفسنا على أن ندعو إلى الله بكل ما نستطيع وبكل أسلوب وعلى كل حال؛ لأن ذلك خيرٌ لنا ولمن ندعوهم إلى الله، فإن (من دعا إلى هدى كان له مثل أجر من عمل به إلى يوم القيامة) .
أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وقادة مصلحين، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.(94/5)
الأسئلة(94/6)
فساد المجتمع ودور المسلم تجاهه
السؤال
فضيلة الشيخ: في هذا الزمن ظهرت بعض المنكرات التي تفسد عقيدة المسلم، والشاب الملتزم يتألم من الداخل لرؤية بعض أحوال المسلمين في استعمالها، ويخشى أيضاً من هذا القول: إذا لم تدع تدعى.
فما دور الشاب الملتزم، وأوجه لكم هذا السؤال يا فضيلة الشيخ لإبراء ذمتي أمام الله عز وجل؟ الشيخ: لو ذكرت شيئاً من المنكرات التي ظهرت.
السائل: من هذه المنكرات بارك الله فيكم: ما تسمى بالصحون التي على البيوت بما فيها من الهدم للعقيدة، وكذلك تخريب أخلاق المسلمين.
الشيخ: نحن تكلمنا من هذا المكان عدة مرات على هذه الدشوش، وبينا أنه لا يجوز للإنسان أن يقتنيها لما فيها من الأضرار العظيمة الهادمة للعقيدة والأخلاق، وكذلك المفسدة، يعني: هي تهدم وتفسد أيضاً، وقد بلغنا أشياء عجيبة عن هذا وقصص غريبة، يتخذها من يشاهد هذه الخبائث وكأنها أحاديث سمر، ولهذا نحن نحذر من اقتنائها، ونقول لمن اقتناها: إن عليك إثمها وإثم من استعملها؛ لأن هذه البلية تتصل بالجيران أيضاً، الجيران يمكنهم أن يأخذوا منها، فهي بلاء، وما أدر هذا المسكين الذي وضعها في بيته هل هو يعلم، أو عنده عهد من الله أنه سيخلد؟!! {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} [مريم:78] ما يدريه لعله يموت في يومه قبل غروب شمسه، أو في ليله قبل طلوع فجره، ثم تبقى هذه الآثام مسجلة عليه في صحائف أعماله وهو في قبره والعياذ بالله، لهذا نحن نحذر منها غاية الحذر، ونرى أن وجودها في البيوت حرام، وأن الإنسان يجب عليه أن يتقي الله تعالى في نفسه أولاً، وفي أهله ثانياً، وفي جيرانه ثالثاً، وفي مجتمعه رابعاً؛ لأن المجتمع إذا رأى فلاناً وضعها قال: إذاً ليس فيها بأس.
ثم إن السوء يجر بعضه بعضاً، وأهل السوء يعتصم بعضهم ببعض، ويقوى بعضهم ببعض، ولهذا قال الله تعالى في عذاب أهل النار: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف:39] .
فالمهم أني -نصحاً لله عز وجل وإبراءً للذمة- أحذر إخواننا المسلمين من هذه الدشوش، أو الصحون، أو المستقبلات التي توضع في بيوتهم، وأقول: اتقوا الله في أنفسكم، وأهليكم، وجيرانكم، وفي مجتمعكم {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر:5] .
السائل: ما هو دور الشاب؟ الشيخ: دور الشاب في هذا أن ينصح، ويحذر، وإذا كان في بيته فليهجر إذا كان ذلك سبباً للإصلاح، وإذا لم يكن سبباً للإصلاح فلا يهجر، وينزوي في غرفة من الغرف، أو حجرة من الحجر.(94/7)
حكم الشراء من محلات تبيع المنكرات
السؤال
فضيلة الشيخ: بعض الأسواق تبيع المجلات والدخان، ومن الشباب الملتزمين من يشتري من هذه البقالات يعني: يدعمونهم، ما حكم الذي يشتري منها؟ الشيخ: يعني: المجلات فيها صور دخان، أو ماذا قصدك؟ السائل نفسه: أسواق ومحلات تبيع الدخان والمجلات والجرائد، والذين يرتادونها أناس ملتزمون، ما حكم الذين يشترون منها، هل يجوز لهم الشراء من هذه المحلات؟ الشيخ: نعم فهمت، يعني تقول: هذه البقالات والمحلات التجارية إذا كانت تبيع أشياء محرمة، هل يجوز أن نشتري منها شيئاً مباحاً، أو لا؟ أرى أنه إن أمكن أن تشتروا من غيرها فهو أولى، حتى يتقلص الناس عنها، وحينئذٍ تضطر إلى أن تدع هذا الشيء المحرم الذي تبيعه.
أما إذا لم تجدوا غيرها، أو كانت هي أنسب من غيرها إما لكونها أرخص، أو لكونها أقرب إلى البيت، أو ما أشبه ذلك فلا حرج عليه.(94/8)
حكم تغطية المحرم رأسه عند النوم
السؤال
هل يجوز للمحرم أن يغطي رأسه عند النوم؟
الجواب
المحرم إن كان أنثى فمعروف أنه يجوز أن تغطي رأسها، أما إذا كان رجلاً فلا يجوز لا عند النوم ولا في حال اليقظة، لكن لو أنه غطاه وهو نائم ثم استيقظ وجب عليه إزالته أي: كشف رأسه ولا شيء عليه؛ لأن النائم مرفوع عنه القلم.
وحتى لو كان الجو بارداً فلا يجوز أن يغطيه، لكن إن خاف ضرراً فهو كالذي يكون به عللاً من رأسه يغطيه ويفدي، إما بصيام ثلاثة أيام، وإما بإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وإما بذبح شاة.(94/9)
معنى حديث: (إن هذا الدين متين)
السؤال
فضيلة الوالد: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق.
) الحديث.
فما معنى: هذا الحديث بارك الله فيك؟
الجواب
هذا الحديث لا أظنه يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن معنى: (إنه لمتين) أي: قوي، يحتاج إلى صبر ومصابرة، فليكن الإنسان رفيقاً في الدعوة إليه حتى لا ينفر الناس منه.(94/10)
حكم الذبح لأهل الكتاب
السؤال
فضيلة الشيخ: في بلادنا هناك عادات للكفار فلا يأكلون الذبيحة إلا إذا ذبحها رجل مسلم، وهذا الرجل المسلم يأخذ منهم مبلغاً معيناً، فهل هذا يجوز؟ الشيخ: يعني: أجرة على الذبح؟ السائل نفسه: نعم.
الشيخ: أولاً: كونهم لا يأكلون إلا ما ذبحه مسلم، فيه غلط؛ لأن الله أباح لنا ما ذبحه اليهود والنصارى فقال تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة:5] قال ابن عباس رضي الله عنه وعن أبيه: [طعامهم ذبائحهم] فالذين تحل ذبائحهم ثلاثة أصناف: المسلم، واليهودي، والنصراني، فإذا ذبح المسلم ذبيحة وطلب الأجرة عليها سواء قبل الذبح أو بعده فلا بأس؛ لأن هذا عمل مباح، وأخذ الأجرة على العمل المباح مباح.(94/11)
صلاة الضحى للمسافر
السؤال
فضيلة الشيخ! هل تصلى سنة الضحى في السفر؟
الجواب
سنة الضحى تصلى حتى في السفر، وقد ذكر كثيرٌ من العلماء: أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح في بيت أم هانئ ثماني ركعات ضحى قال: (إن هذه سنة الضحى) .
وقال بعض أهل العلم: إن هذه سنة الفتح.
وعلى كل حال فسأعطيك قاعدة ينفعك الله بها إن شاء الله: لا يسقط عن المسافر من النوافل إلا ثلاث: راتبة الظهر وراتبة المغرب وراتبة العشاء، وما عدى ذلك فهو باقٍ على أصله، فالنوافل المطلقة للإنسان المسافر أن يتنفل بما شاء، وصلاة الضحى، وصلاة الليل، والوتر، وسنة الفجر، وصلاة الاستخارة، وتحية المسجد؛ كلها باقية على أصلها، فأنت استثنى ثلاثاً والباقي على أصله، الثلاث: هي راتبة الظهر والمغرب والعشاء.(94/12)
معنى حديث: (أشد الناس بلاءً)
السؤال
يا شيخ: أحسن الله إليك! روى الإمام أحمد عن معاذ بن جبل: (أشد الناس بلاءً الأنبياء فالأمثل والأمثل) فما المقصود بالأمثل الأخير؟
الجواب
(أشد الناس بلاءً الأنبياء) لأن الله سبحانه وتعالى ابتلاهم بالنبوة، وابتلاهم بالدعوة إلى الله، وابتلاهم بقوم ينكرون ويصفونهم بصفات القدح والذم كما قال تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:52] ولكن هذا الابتلاء هو في الواقع؛ لأن كل ما أصابهم من جرائها فهو رفعة في درجاتهم.
(ثم الأمثل فالأمثل) يعني: الأصلح فالأصلح، كلما كان الإنسان أصلح، وكلما كان أقوى دعوة إلى الله، وكلما كان أشد تمسكاً في دين الله، كان له أعداء أكثر، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ} [الفرقان:31] وعداوة المجرمين للأنبياء ليس لأشخاصهم بل لما جاءوا به من الحق، وعلى هذا فيكون كل من تسمك بما جاءوا به من الحق ناله من العداوة من المجرمين مثلما ينال الأنبياء أو أقل بحسب الحال، والله عز وجل حكيم يبتلي بالنعم ويبتلي بالنقم، فابتلاؤه بالنعم ليبلونا أنشكر أم نكفر، وبالنقم ليبلونا أنكفر أم نصبر، هذا هو معنى الحديث.
وهذا في الحقيقة تسلية للمؤمن الداعي إلى الله إذا ناله ما ناله من الناس فإنما ذلك في سبيل الله، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أدميت إصبعه قال:
هل أنت إلا إصبعٌ دميتي وفي سبيل الله ما لقيتي
فأنت اعلم أن كل ما أصابك من استهزاء أو سخرية من المجرمين بسبب ما قمت به من الدعوة إلى الله، أو التمسك بدين الله، فاعلم أن لك أجراً في ذلك؛ لأنه في سبيل الله.(94/13)
منهج أهل السنة في إنكار المنكر
السؤال
فضيلة الشيخ: هل يجوز لمن أراد أن ينكر المنكرات أن ينكرها على المنابر، وهل هذا هو منهج أهل السنة والجماعة؟
الجواب
أما المنكرات إذا شاعت فلابد أن تنكر على المنابر، لكن لا يتكلم بالأشخاص أنفسهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينكر على قوم قال: ما بال قوم يقولون كذا وكذا.
وأما إذا كان المنكر قليلاً في الناس فلا ينبغي أن ينكر على المنابر؛ لأن إنكاره على المنابر معناه إشاعته بين الناس، كما يقول العوام: (والذي ما دري يدري) فإذا شاعت هذه الفعلة المنكرة بين الناس أنكرها على المنابر حتى يفهم الناس، لكن لا تفعل شيئاً يوجب أن يثور الناس على ولاة الأمور وأن يكرهوهم وينبذوهم؛ لأن خطر هذا عظيم، قد يتراءى للناس أو يريه الشيطان أنه إذا فعل ذلك كان فيه ضغط على الولاة بأن يستقيموا على دين الله، ولكن الأمر ليس كذلك، هذا إذا كانت القوى متقابلة، فقد يكون هناك ضغط، كالبلاد -غير السعودية - تجد أن الولاة إنما يصلون إلى المناصب عن طريق الانتخاب، فهذا ربما يكون إعلان ما يفعله الحاكم من السوء ضغطاً عليه بحيث يستقيم حتى يرشح مرة ثانية، لكن بلاد تكون فيها القوة مع السلطة لا يستقيم به هذا الأمر إطلاقاً.
وليس من الحكمة أن يثير الإنسان الرعية على رعاتها حتى تكرههم ولا تنقاد لأمرهم، أو ترى أنهم لا يستحقون أن يكونوا ولاة، مع العلم بأننا إذا نظرنا إلى من حولنا وجدنا أننا والحمد لله بخير، فبلادنا ولله الحمد يعلن فيها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان فيه شيء من الضعف لكن لا يوجد أي بلاد غير بلادنا فيها هيئة تسمى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كذلك أيضاً المحاكم كلها مبنية على الشرع، ماذا قال صاحب الإقناع، ماذا قال صاحب المغني، ماذا قال صاحب المجموع للنووي، ماذا قال فلان، ماذا قال فلان، لا يرجعون إلى قوانين وضعية، إنما إلى الكتاب والسنة وما استنبط منها في كتب أهل العلم، هذه نعمة عظيمة، ومن أراد الكمال في مثل هذا الزمن فليكمل نفسه أولاً قبل أن يحاول تكملة غيره، هل الشعب الآن مثلاً هل هو مكمل نفسه؟ لا.
الشعوب فيها انحراف كثير، فيها كذب وغش في المعاملات، سوء أخلاق، استماع إلى الأغاني وغير ذلك، يوجد في الشعب من هذا حاله، فإذا كنا كذلك فلا ينبغي أن نريد من ولاة الأمور أن يكونوا على مستوى أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.
وذكر: أن رجلاً من الخوارج جاء مرة إلى علي بن أبي طالب وقال له: يا علي ما بال الناس اختلفوا عليك -أظنكم تعرفون ما جرى لـ علي من الفتن وخروج الخوارج عليه وغير ذلك- ولم يختلفوا على أبي بكر وعمر؟ فقال له كلمة أفحمت الخارجي قال له: [رجال أبي بكر وعمر أنا وأمثالي، ورجالي أنت وأمثالك] فألقم حجراً، وهذا صحيح.
فالحاصل: أن المنكرات إذا شاعت بين الناس فلابد من إنكارها، لكن دون أن يحصل بذلك فتنة، أو تعرض لأحد، أو إيغار الصدور على ولاة الأمور، أما إذا كانت يفعلها واحد من بين مائة نفر مثلاً، أو ألف نفر فهنا نختص بهذا الرجل وننهاه ونخوفه من الله عز وجل؛ لأنك إذا أنكرت المنكر على المنابر وهو لا يفعله إلا قلة من الناس معناه: أنك أشعته بين الناس.(94/14)
معنى البيعة عند أهل العلم
السؤال
فضيلة الشيخ: ثبت في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مات وليس في عنقه بيعة لأحد مات ميتتة جاهلية) ومعلوم: أنه في أكثر بلاد المسلمين اليوم لا يتحقق هذا الأمر، وأنه ليس في عنقهم بيعة، لأسباب كثيرة منها: الاضطرابات السياسية، والانقلابات وغيرها، فكيف يخرج المسلمون في تلك البلاد من هذا الإثم وهذا الوعيد جزاك الله خيراً؟
الجواب
المعروف عند أهل العلم: أن البيعة لا يلزم منها رضى كل واحد، وإلا من المعلوم أن في البلاد من لا يرضى أحد من الناس أن يكون ولياً عليه، لكن إذا قهر الولي وسيطر وصارت له السلطة فهذا هو تمام البيعة، لا يجوز الخروج عليه، إلا في حالة واحدة استثناها النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) فقال: (إلا أن تروا) والرؤية إما بالعين أو بالقلب، الرؤية بالعين بصرية، وبالقلب علمية، بمعنى: أننا لا نعمل بالظن أو بالتقديرات أو بالاحتمالات بل لابد أن نعلم علم اليقين، وأن نرى كفراً لا فسوقاً، يعني مثلاً: الحاكم لو كان أفسق عباد الله، عنده شرب خمر، وغيره من المحرمات، وهو فاسق لكن لم يخرج من الإسلام؛ فإنه لا يجوز الخروج عليه وإن فسق؛ لأن مفسدة الخروج عليه أعظم بكثير من مفسدة معصيته التي هي خاصة به.
الثالث قال: (بواحاً) البواح يعني: الصريح، والأرض البواح: هي الواسعة التي ليس فيها شجر ولا مدر ولا جبل بل هي واضحة للرؤية، لابد أن يكون الكفر بواحاً ظاهراً ما يشك فيه أحد، مثل: أن يدعو إلى نبذ الشريعة، أو أن يدعو إلى ترك الصلاة، وما أشبه ذلك من الكفر الواضح الذي لا يحتمل التأويل، فأما ما يحتمل التأويل فإنه لا يجوز الخروج عليه حتى وإن كنا نرى نحن أنه كفر وبعض الناس يرى أنه ليس بكفر، فإننا لا يجوز لنا الخروج عليه؛ لأن هذا ليس بواحاً.
الرابع: (عندنا فيه من الله برهان) (أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) فإن لم يكن عندنا برهان أي: دليل واضح، ليس مجرد اجتهاد أو قياس، بل هو بين واضح أنه كفر، حينئذٍ يجوز الخروج.
ولكن هل معنى جواز الخروج أنه جائز بكل حال، أو واجب على كل حال؟ الجواب: لا.
لا بد من قدرة على منابذة هذا الوالي الذي رأينا فيه الكفر البواح، أما أن نخرج عليه بسكاكين المطبخ، وعواميل البقر، ولديه دبابات وصواريخ، فهذا سفه في العقل وضلال في الدين، لأن الله لم يوجب الجهاد على المسلمين حين كانوا ضعفاء في مكة ما قال: اخرجوا على قريش وهم عندهم، ولو شاءوا لاغتالوا كبراءهم وقتلوهم، لكنه لم يأمرهم بهذا، ولم يأذن لهم به، لماذا؟ لعدم القدرة.
وإذا كانت الواجبات الشرعية التي لله عز وجل تسقط بالعجز فكيف هذا الذي سيكون فيه دماء، يعني: ليس إزالة الحاكم بالأمر الهين، أو مجرد ريشة تنفخها وتروح، لابد من قتال منك وقتال منه، وإذا قتل فله أعوان، فالمسألة ليست بالأمر الهين حتى نقول بكل سهولة: نزيل الحاكم ونقضي عليه وينتهي كل شيء.
فلابد من القدرة، والقدرة الآن ليست بأيدي الشعوب فيما أعلم والعلم عند الله عز وجل، ليس في أيدي الشعوب قدرة على إزالة مثل هؤلاء القوم الذين نرى فيهم كفراً بواحاً، ثم إن القيود التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم قيود صعبة، من يتحقق من هذا الحاكم مثلاً، علمنا أنه كافر علم اليقين، نراه كما نرى الشمس أمامنا، ثم علمنا أن الكفر بواح ما يحتمل التأويل، ولا فيه أي أدنى لبس، ثم عندنا دليل من الله وبرهان قاطع؛ هذه قيود صعبة، أما مجرد أن يظن الإنسان أن الحاكم كفر، هذا ما هو صحيح أنه يكفر، لابد من إقامة الحجة، وأنتم تعلمون أنه ما ضر الأمة من أول ما ضرها في عهد الخلفاء الراشدين إلا التأويل الفاسد، والخروج على الإمام.
الخوارج لماذا خرجوا على علي بن أبي طالب؟ قالوا: لأنه حكَّم غير القرآن.
كانوا في الأول معه على جيش معاوية ولما رضي بالصلح والتحاكم إلى القرآن قالوا: خلاص أنت الآن حكمت آراء الرجال ورضيت بالصلح فأنت كافر، فسوف نقاتلك.
فانقلبوا عليه بماذا؟ بالتأويل، وليس كل ما رآه الإنسان يكون هو الحق، قد ترى أنت شيئاً محرماً، أو شيئاً معصية، أو شيئاً كفراً، وغيرك ما يراه كذلك، أليس نرى نحن أن تارك الصلاة كافر؟ نرى ذلك لا شك، يأتي غيرنا ويقول: ليس بكفر.
والذي يقول: ليس بكفر علماء ليس ناس أهل هوى، علماء لكن هذا الذي أدى لهم اجتهادهم، فإذا كان العلماء من أهل الفقه قد يرون ما هو كفر في نظر الآخرين ليس بكفر فما بالك بالحكام الذين بعضهم عنده من الجهل ما عند عامة الناس.
فالمهم أن هذه المسائل مسائل صعبة وخطيرة، ولا ينبغي للإنسان أن ينساب وراء العاطفة أو التهييج، بل الواجب أن ينظر بنظر فاحص متأنٍ متروي، وينظر ماذا يترتب على هذا الفعل، ليس المقصود أن الإنسان يبرد حرارة غيظته فقط، المقصود إصلاح الخلق، وإلا فالإنسان لا شك أنه يلحقه أحياناً غيرة ويمتلئ غيظاً مما وقع، أو وقع من بعض الولاة، لكن يرى أن من المصلحة أن يعالج هذه المشكلة بطريق آخر غير التهييج.
وكما قلت لكم: إن بعض الناس يظن أن هذا سببٌ يقتضي الضغط على ولي الأمر حتى يفعل ما يرى هذا القائل أنه إصلاح، ولكن هذا غير مناسب في مثل بلادنا.(94/15)
حكم جعل أحاديث الطاعة منحصرة في القائد العام للمسلمين
السؤال
فضيلة الشيخ: ما رأيكم فيمن يقول: إن أحاديث السمع والطاعة لولاة الأمر تنصرف إلى القائد العام الذي يقود المسلمين جميعاً؟
الجواب
رأينا أن هذا ليس بصحيح، كل ولي أمر تجب طاعته، حتى الرجل في أهل بيته يجب على أهل بيته طاعته ما لم يأمرهم بمعصية، حتى القوم الثلاثة إذا سافروا وأمَّروا أحدهم وجب عليهم طاعته؛ لعموم الأدلة على وجوب طاعة الأمير.
ثم إن الخليفة الواحد على سائر الأمة هذا قد انقضى زمنه منذ عهد بعيد، من حين انقرض عهد الخلفاء الراشدين الأربعة تمزقت الأمة، فبنو أمية في الشام وما حوله، وعبد الله بن الزبير في الحجاز وما حوله، وآخرون في المشرق وما حوله، وآخرون في اليمن، تمزقت الأمة، ومع ذلك فكل العلماء الذين يتكلمون على وجوب السمع والطاعة يتكلمون على وجوب السمع والطاعة في عهدهم مع تفرقهم، وكل إقليم أو ما أشبهه فيه أمير يختص به، وعلى هذا الرأي الفاسد الباطل، معناه: أن الآن ليس للأمة إمام، والأمة الآن تعيش في أمر جاهل، ليس هناك إمام ولا رعية، ولا سلطان ولا مسلط عليه.
ثم نقول لهؤلاء: إن كنتم صادقين فأوجدوا لنا إماماً عاماً لكل الأمة، لا يستطيعون.
اللهم إلا إذا جاء المهدي، فهذا أمره إلى الله عز وجل.(94/16)
حكم لعب الصبيان في المساجد
السؤال
فضيلة الشيخ: ربما يحدث في المسجد إزعاج من بعض الصبيان فهل لأحد المأمومين أن يقطع صلاته لمنع ذلك، أو يلتفت فقط ليعرف هؤلاء لتأنيبهم فيما بعد؟
الجواب
أولاً: يجب على ولاة أمور هؤلاء الصبيان أن يتقوا الله عز وجل، وألا يمكنوا صبيانهم من الحضور ما داموا عابثين يلعبون، فإن قدر أن هؤلاء الصبيان جاءوا بغير علم آبائهم كما هو الواقع أحياناً فإنه يجب أن يقال لأبيه إذا كان حاضراً: يا فلان! خذ ولدك اذهب به إلى أهلك.
فإن عجزنا وعجزنا عن دفع أذاهم إلا بإخراجهم من المسجد أخرجناهم، أما قطع الصلاة من أجل ذلك فلا يجوز؛ لأن الإنسان إذا دخل في فرض وجب عليه إتمامه، وإزعاج هؤلاء الصبيان لا يؤدي إلى إفساد صلاة الآخرين، لو كان يؤدي إلى إفساد صلاة الآخرين لكان التماس الأمر محل نظر، لكنه لا يؤدي إلى إفساد صلاة الآخرين فليصبروا حتى تنتهي الصلاة، ثم يعرفوا هؤلاء الصبيان ويتصلوا بآبائهم.
والالتفات في الحاجة لا بأس، لكن يكون التفات بالوجه فقط لا بالجسم كله.
وهؤلاء الأولاد ربما يمكن إصلاحهم بمهادأتهم ويقال: يا أبنائي هذا لا يجوز، وهذا بيت الله، وهؤلاء آباؤكم وإخوانكم لا تزعجوهم، لا تفسدوا عليهم الصلاة.(94/17)
وسائل الدعوة إلى الله
السؤال
ذكرت أن الداعي لابد له من معرفة حال المدعو، هل الوسائل مثل المكاتبة والشريط والكتاب تكفي إذا علمت أن حال المدعو قد تدخل في جدال معه ونقاش طويل؟
الجواب
لا شك أن وسائل الدعوة كثيرة إما بالمقابلة أو المشافهة، وإما بالمراسلة بالكتابة، وإما بالمراسلة عن طريق الشريط، المهم الوصول إلى هداية الخلق بأي وسيلة، وإذا رأيت مثلاً: أنك إذا دخلت معهم مشافهة يحصل في هذا جدل ولا ينتفع أحدكما بالآخر، فلا بأس أن ترسل له رسالة خطية أو شفوية عن طريق الشريط.(94/18)
نفع آية الكرسي لمن قرأها
السؤال
فضيلة الشيخ: ما صحة حديث: (من قرأ آية الكرسي ثلاث مرات ففي أول مرة حفظ له، وثاني مرة حفظ لأهله، وثالث مرة حفظ لحيه) ؟
الجواب
هذا حديث باطل ليس بصحيح، آية الكرسي لا تنفع إلا من قرأها، (من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح) .(94/19)
حكم أخذ الراقي للمال
السؤال
هذا أحد الإخوة يسأل: بالنسبة للراقي الذي يأخذ المال من المريض ما حكمه؟ وهل يتوضأ المريض من الآيات المغموسة بالماء أو يغتسل؟ وهو يريد الدعاء يا شيخ!
الجواب
الراقي لا بأس أن يشترط شيئاً لنفسه لأن الصحابة رضي الله عنهم الذين بعثهم النبي عليه الصلاة والسلام واستضافوا قوماً ولم يضيفوهم، فقدر الله على سيدهم أن لدغته عقرب، فطلبوا راقياً يرقيه، فجاءوا إلى الصحابة وقالوا: هل فيكم راقٍ؟ قالوا: نعم، ولكن لا نرقي إلا بكذا وكذا من الغنم، فأعطوهم، فذهب أحدهم وجعل يقرأ عليه فاتحة القرآن حتى قام هذا اللديغ كأنما نشط من عقال، فأخذوا ما جعلوا لهم حتى أتوا به النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه عن ذلك فقال: (خذوا واضربوا لي معكم بسهم) فهذا لا بأس به.
لكن كوننا نجعلها متجراً -يعني: تجارة- حتى إني سمعت بعض الناس يكتب آيات من القرآن على أوراق بالزعفران، وهذه الورقة قيمتها سبعون ريالاً، وهذه قيمتها مائة ريال، وهذه قيمتها خمسون ريالاً يعني: كأنه دكان صيدلي، فأنا أشك في جواز هذا الشيء.
ثم أقول لإخواني القراء: ليجعلوا عملهم لله عز وجل، ولنفع إخوانهم، حتى يجعل الله في قراءتهم البركة والخير.
وقصة الصحابة رضي الله عنهم قد يكون عذر الصحابة أن هؤلاء لم يضيفوهم مع وجوب ضيافتهم، فقالوا: هؤلاء قوم لم يكرمونا ولم يقوموا بواجبنا إذاً لا ننفعهم إلا بهذا.
وأما الاغتسال بالماء المقروء به أو الوضوء به، فلا أرى هذا، الذي أعلمه عن السلف الصالح أنهم يشربون الماء الذي قرئ فيه، وأنهم لا يغسلون به أجسادهم ولا يتوضئون به.(94/20)
معنى كلمة الشارع في كتب أهل العلم
السؤال
فضيلة الشيخ: يرد في بعض كتب أهل العلم لفظة: (ولذا أراد الشارع، ومن حكمة الشارع) .
هل هذه كلمة من أسماء الله تعالى؟
الجواب
لا، يرد في كتب أهل العلم كلمة الشارع، والشارع هذا وصف وليس اسماً، مأخوذ من قول الله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً} [الشورى:13] ويطلق الشارع في كتب أهل العلم على الله عز وجل، وهو الذي له الحكم وإليه الحكم، ويطلق أحياناً على النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مشرع لأمته، فإنه عليه الصلاة والسلام إذا قال قولاً أو فعل فعلاً يتعبد به لله فهو شرع، فلهذا يطلق الشارع على الرب عز وجل وعلى النبي، وليس اسماً بل هو وصف.(94/21)
حكم التقليد في أبواب العقائد
السؤال
هل يجوز التقليد في أبواب العقيدة، أم لابد من الأخذ بالدليل؟
الجواب
يجوز التقليد في العقائد مما لا يتمكن معرفته بالدليل، ولهذا نرى العامة الآن كلهم يقلدون، بل قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] سؤالنا أهل الذكر عن هؤلاء الرسل معناه أن نقلد المسئول ونأخذ بقوله، فالتقليد في المسائل العقدية كالتقليد في المسائل العملية تماماً ولا فرق، فالذي لا يستطيع الوصول إلى الحق بنفسه ففرضه التقليد {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] .
وأما من قال: إنه لا يصح إيمان المقلد.
فمقتضى قوله: أن العوام من الناس لا يصح إيمانهم؛ لأنهم إنما بنوا إيمانهم على التقليد، علمائهم قالوا كذا يقولون كذا.(94/22)
نصيحة لمشاهدي الدش بحجة الأخبار
السؤال
فضيلة الشيخ: كيف ننصح صاحب الدش، وإذا أتيت أنصح صاحب الدش أوقفني بحجج، فمن الحجج أنه يقول: أنا أتيت بهذا الدش لكي أسمع الأخبار فبدلاً من أن أسمع من الراديو أسمع من جهاز يأتي لي بالأخبار مثل الراديو، وكذلك لأن أكثر الأخبار لا تصح، والأخبار الأوروبية أكثر صحة من أخبار الدول المجاورة، وأما المنكرات فإنها لا تأتي إلا في آخر الليل، وأنا لا أشاهدها، وأمنع أولادي منها ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وإن قلت له: هو حرام، فإنه يعلم أن هذا حرام، فكيف أدعوه؟
الجواب
إذا كان يعلم أن هذا حرام وأصر عليه فإن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة كما قال العلماء رحمهم الله، وأنا أقول: يكفي حجة عليك أن تعرف أنه حرام، فإذا كنت تعلم أنه حرام فما الذي يجعلك تقتنيه؟!! وأما مسألة الأخبار فالأخبار ما هي؟ إذا كانت الأخبار دولية فإننا نجزم جزماً أنه لا يذاع في الأخبار إلا ما يخدم المصالح الكفرية، سواء عن طريق الدش، أو عن طريق الإذاعات الأخرى، أو عن طريق الصحافة أو غيرها.
ولهذا دائماً يتحدثون عن أشياء واقعية، وإذا سألنا وجدنا أنها كذب، وليس لها صحة، يتكلمون أحياناً عن مسألة الشيشان وعن مسألة البوسنة والهرسك، وبما أننا نتتبع الأخبار من الإخوان الذين يتصلون بنا نجد أن هذا الذي يقال في الإذاعات كله تغطية وتعتيم، ليس صحيحاً، فمن الذي قال لك: إن ما يقال في الدش صحيح، وما ينقل في الأخبار الأخرى غير صحيح؟! ثم إنك افرض أنك بقيت إلى الساعة الثانية عشرة أمام هذا الدش، وأن كله أخبار من المغرب إلى هذا ماذا استفدت؟ لا شيء، هل أنت ستذهب إلى رئيس الروس أو رئيس أمريكا أو إلى رئيس الإنجليز أو إلى رئيس الفرنسيين، تقول له: يا فلان! قف عند حدك، ما يمكن كذا.(94/23)
حكم اليهود والنصارى الموجودين الآن
السؤال
فضيلة الشيخ: هل اليهود والنصارى الموجودون الآن هم من أهل الكتاب؟
الجواب
الذي أرى أنهم من أهل الكتاب، ما داموا يدينون بدين أهل الكتاب أو ينتسبون إلى دين أهل الكتاب فهم من أهل الكتاب، لأن الله ذكر في سورة المائدة: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة:5] مع أنه قال في نفس المائدة: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة:17] ، وقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:73] فكفرهم وأحل طعامهم.
السائل: حتى مع تحريفهم لكتبهم.
الشيخ: إي نعم! حتى مع التحريف كان موجوداً في عهد الرسول أيضاً.
السائل: وإذا خرجوا إلى الشيوعية.
الشيخ: لا، هو إذا قالوا: نبذنا دين أهل الكتاب ولا نعترف به، ولا ندخل في الإسلام سندخل في الشيوعية القائلة بأنه: لا إله ولا رب.
هؤلاء واضح، لكن أناس يدينون بالمسيحية ويصلون في الكنائس، ويترحمون على أمواتهم، ويفعلون الأعياد وإن كانت كفرية لكن يرونها أعياداً لهم، فلهم حكم أهل الكتاب.
وإلى هنا انتهى هذا اللقاء، وأسأل الله أن يجعله خيراً وبركة، وأن يرزقنا وإياكم العصمة في القول والعمل.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.(94/24)
لقاء الباب المفتوح [95]
شرح الشيخ عليه رحمة الله في هذا اللقاء سورة الزلزلة، فجلى معانيها، وأوضح عباراتها بأسلوب يسير، وتحدث عن عرض الأعمال على الإنسان يوم القيامة؛ لأن كل صغير وكبير موزون عليه، وتعرض لمسائل تتعلق بالميزان وخلاف العلماء فيها.
وعقب ذلك أجاب عن الأسئلة، وكان أهمهما سؤال عن الحكم الشرعي عند عدم ظهور الهلال، وكيف يصوم الناس في هذه الحالة؟(95/1)
تفسير سورة الزلزلة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو يوم الخميس التاسع من شهر محرم (عام 1416هـ) وهو اللقاء الثاني من هذا العام نبدؤه بتفسير قول الله تبارك {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:1] .
يقول الله عز وجل: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة:1-4] هذا هو جواب الشرط.(95/2)
تفسير قوله تعالى: (إذا زلزلت الأرض زلزالها)
قال تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:1] والمراد بذلك ما ذكره الله تعالى في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1-2] وقوله: (زلزالها) أي: الزلزال العظيم الذي لم يكن مثله قط، ولهذا يقول الله عز وجل: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الحج:2] من شدة ذهولهم وما أصابهم تجدهم كأنهم سكارى وما هم بسكارى بل هم صحاة لكن لشدة الهول صار الإنسان كأنه سكران، لا يدري كيف يتصرف ولا كيف يفعل.(95/3)
تفسير قوله تعالى: (وأخرجت الأرض أثقالها)
قال تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} [الزلزلة:2] والمراد بهم أصحاب القبور، فإنه إذا {نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68] يخرجون من قبورهم لرب العالمين عز وجل كما قال الله تبارك وتعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] .(95/4)
تفسير قوله تعالى: (وقال الإنسان مالها)
قال تعالى: {وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا} [الزلزلة:3] (قال الإنسان) المراد به الجنس، أي: أن الإنسان البشر يقول: ما لها؟! أي شيء لها هذا الزلزال، ولأنه يخرج وكأنه كما قال الله تعالى: كأنه سكران، فيقول: ما الذي حدث لها وما شأنها؟ لشدة الهول.(95/5)
تفسير قوله تعالى: (يومئذٍ تحدث أخبارها)
قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ} [الزلزلة:4] أي: في ذلك اليوم إذا زلزلت {تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة:4] أي: تخبر عما فعل الناس عليها من خير أو شر، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أن المؤذن إذا أذن فإنه لا يسمع صوته شجر ولا مدر ولا حجر ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة) فتشهد الأرض بما سمع عليها من خير أو شر، وهذه الشهادة من أجل بيان عدل الله عز وجل، وأنه سبحانه وتعالى لا يؤاخذ الناس إلا بما عملوه، وإلا فإن الله بكل شيء محيط، ويكفي أن يقول لعباده جل وعلا: عملتم كذا وعملتم كذا، لكن من باب إقامة العدل وعدم إنكار المجرم؛ لأن المجرمين ينكرون أن يكونوا مشركين، قال الله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام:23] لأنهم إذا رأوا أهل التوحيد قد خلصوا من العذاب ونجوا منه أنكروا الشرك لعلهم ينجون، ولكنهم يختم على أفواههم وتتكلم الأيدي وتشهد الأرجل والجلود أيضاً والألسن كلها تشهد على الإنسان بما عمل، وحينئذٍ لا يستطيع أن يبقى على إنكاره بل يقر ويعترف، إلا أنه لا ينفع الندم في ذلك الوقت.(95/6)
تفسير قوله تعالى: (بأن ربك أوحى لها)
وقوله: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة:5] أي: بسبب أن الله أوحى لها، يعني: أذن لها في أن تحدث أخبارها، وهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، إذا أمر شيئاً بأمر فإنه لا بد أن يقع، يخاطب الله الجماد، فيتكلم الجماد كما قال الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:11] (وقال الله تعالى للقلم: اكتب، قال: ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيام) .
وقال الله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:65] فالله عز وجل إذا وجه الكلام إلى شيء ولو جماداً فإنه يخاطب الله ويتكلم ولهذا قال: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة:4-5] .(95/7)
تفسير قوله تعالى: (يومئذٍ يصدر الناس أشتاتاً)
قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ} [الزلزلة:6] يعني: يوم تزلزل الأرض زلزالها {يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً} [الزلزلة:6] أي: جماعات متفرقين، كل يتجه إلى مأواه، فأهل الجنة جعلنا الله وإياكم منهم يتجهون إليها، وأهل النار والعياذ بالله يساقون إليها {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً * لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} [مريم:85-87] فيصدر الناس جماعات وزمراً على أصناف متباينة تختلف اختلافاً كبيراً كما قال الله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} [الإسراء:21] .(95/8)
تفسير قوله تعالى: (ليروا أعمالهم)
قال تعالى: {لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} [الزلزلة:6] أي: يصدرون أشتاتاً فيروا أعمالهم، يريهم الله تعالى أعمالهم إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وذلك بالحساب وبالكتاب، فيعطى الإنسان الكتاب إما بيمينه وإما بشماله، ثم يحاسب على ضوء ما في هذا الكتاب، يحاسبه الله عز وجل، أما المؤمن فإن الله تعالى يخلو به وحده ويقرره بذنوبه ويقول: فعلت كذا وفعلت كذا وفعلت كذا وفعلت كذا حتى يقر ويعترف، فإذا رأى أنه هلك قال الله عز وجل: (إني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) ، وأما الكافر والعياذ بالله فإنه لا يعامل بهذه المعاملة بل ينادى على رءوس الأشهاد: {هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18] وقوله: {لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} [الزلزلة:6] هذا مضاف، والمضاف يقتضي العموم، وظاهره: أنهم يرون الأعمال الصغيرة والكبيرة، وهو كذلك إلا ما غفره الله من قبل بحسنات أو دعاء أو ما أشبه ذلك فهذا يمحى كما قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] فيرى الإنسان عمله يرى عمله القليل والكثير، حتى يتبين له الأمر جلياً ويُعطى كتابه ويقال: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] ولهذا يجب على الإنسان ألا يقدم على شيء لا يرضي الله عز وجل؛ لأنه يعلم أنه مكتوب عليه، وأنه سوف يحاسب عليه.(95/9)
تفسير قوله تعالى: (فمن يعمل مثال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره)
قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] (من) شرطية تفيد العموم يعني: أي إنسان يعمل مثقال ذرة فإنه سيراها، سواء من الخير أو من الشر، ومثقال ذرة يعني: وزن ذرة، والمراد بالذرة صغار النمل كما هو معروف، وليس المراد بالذرة الذرة المتعارف عليها اليوم كما ادعاه بعضهم؛ لأن هذه الذرة المتعارف عليها اليوم ليست معروفة في ذاك الوقت، والله عز وجل لا يخاطب الناس إلا بما يفهمون، وإنما ذكر الذرة؛ لأنها مضرب المثل في القلة، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء:40] وإن من المعلوم أن من عمل ولو أدنى من الذرة فإنه سوف يجده، لكن لما كانت الذرة مضرب المثل في القلة قال الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة:7] .
وقوله تبارك وتعالى: {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [الزلزلة:7] يفيد أن الذي يوزن هو الأعمال.
وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم: فمن العلماء من يقول: إن الذي يوزن هو العمل.
ومنهم من يقول: إن الذي يوزن هي صحائف الأعمال.
ومنهم من يقول: إن الذي يوزن هو العامل نفسه.
ولكل دليل.
أما من قال: إن الذي يوزن هو العمل فاستدل بهذه الآية: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [الزلزلة:7] ؛ لأن تقدير الآية: فمن يعمل عملاً مثقال ذرة، واستدلوا أيضاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان) وهذا القول كما ترى له دليل من القرآن ومن السنة.
لكن يشكل على هذا: أن العمل ليس جسماً يمكن أن يوضع في الميزان بل العمل عمل انتهى وانقضى.
ولكن يجاب عن هذا: أولاً: بأن يقال: على المرء أن يصدق بما أخبر الله به من أمور الغيب، وإن كان عقله قد يحار فيه ويتعجب ويقول: كيف يكون هذا؟ فعلينا التصديق؛ لأن قدرة الله تعالى فوق ما نتصور.
ثانياً: أن الله تعالى يجعل هذه الأعمال أجساماً توضع في الميزان وتثقل وتخف، والله تعالى قادر على أن يجعل الأمور المعنوية أجساماً كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن الموت يؤتى به على صورة كبش ويوقف بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة فيشرئبون ويطلعون لماذا نودوا، ويقال: يا أهل النار فيشرئبون ويطلعون لماذا نودوا، فيقال لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولوا: نعم هذا الموت مع أنه في صورة كبش، والموت معنىً ليس جسماً، ولكن الله تعالى يجعله جسماً يوم القيامة فيقال: (هذا الموت فيذبح أمامهم ويقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت) وبهذا يزول الإشكال الوارد على هذا القول.
أما من قال: إن الذي يوزن هو صحائف الأعمال، فاستدلوا بحديث صاحب البطاقة: (الذي يؤتى يوم القيامة به ويقال: انظر إلى عملك، فتمد له السجلات مكتوب بها العمل السيئ -سجلات عظيمة- فإذا رأى أنه قد هلك، أوتي بالبطاقة الصغيرة فيها: لا إله إلا الله، فيقول: يا رب! ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال له: إنك لا تظلم شيئاً، ثم توزن البطاقة في كفة والسجلات في كفة فترجح بهن البطاقة) وهي: لا إله إلا الله.
قالوا: فهذا دليل على أن الذي يوزن هو صحائف الأعمال.
وأما الذين قالوا: إن الذي يوزن هو العامل نفسه، فاستدلوا بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أنه كان ذات يوم مع النبي صلى الله عليه وسلم فهبت ريح شديدة، فقام عبد الله بن مسعود فجعلت الريح تكفئه -لأنه نحيف القدمين والساقين- فجعل الناس يضحكون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مم تضحكون؟ أو: مم تعجبون؟ والذي نفسي بيده! إن ساقيه في الميزان أثقل من أحد) وهذا يدل على أن الذي يوزن هو العامل.
فيقال: نأخذ بالقول الأول: أن الذي يوزن العمل، ولكن ربما يكون بعض الناس توزن صحائف أعماله، وبعض الناس يوزن هو بنفسه.
فإن قال قائل: على هذا القول أن الذي يوزن هو العامل هل ينبني هذا على أجسام الناس في الدنيا؟ وأن صاحب الجسم الكبير العظيم يثقل ميزانه يوم القيامة؟ ف
الجواب
لا، لا ينبني على إنسان الدنيا، يؤتى بالرجل السمين الغليظ الكبير الواسع الجسم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، وهذا عبد الله بن مسعود يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن ساقيه في الميزان أثقل من أحد) فالعبرة ليست بثقل الجسم أو عدم ثقله يوم القيامة وإنما بما كان معهم من أعمال صالحة.
يقول الله عز وجل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] .
وفي هذه السورة كلها: التحذير والتخويف من زلزلة الأرض.
وفيها: الحث على الأعمال الصالحة.
وفيها: أن العمل لا يضيع مهما قلَّ حتى لو كان مثقال ذرة أو أقل فإنه لا بد أن يراه الإنسان ويطلع عليه يوم القيامة.
نسأل الله تعالى أن يختم لنا ولكم بالخير والسعادة والصلاح والفلاح، وأن يجعلنا ممن يحشرون إلى الرحمن وفداً، إنه على كل شيء قدير.(95/10)
الأسئلة(95/11)
حكم قضاء الضامن لدين ضمينه من الزكاة
السؤال
رجل ضمن لآخر ديناً على ثالث فأعسر المدين، هل يجوز للضامن أن يسدد دين المضمون عليه من زكاته؟
الجواب
نعم يجوز هذا لدخوله في عموم قول الله تعالى: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة:60] يقول الضامن: وأنا لم أقض الدين عن نفسي وإنما قضيته عن المدين، وأبرأت ذمته، وأعلم أنني لو قضيته من مالي لبقي الدين في ذمة الغريم، وحينئذٍ يكون قضائي إياه من زكاتي إبراءً لذمة الغريم، فيدخل في عموم الآية.(95/12)
حكم إفراد يوم عاشوراء بالصيام
السؤال
ما رأيكم في إفراد اليوم العاشر من شهر المحرم بالصيام بنية صيام عاشوراء؟ الشيخ: لعلك تريد الجمعة أم مطلق؟ السائل: مطلق.
الشيخ: صيام عاشوراء له أربع مراتب: المرتبة الأولى: أن نصوم التاسع والعاشر والحادي عشر، وهذا أعلى المراتب، لما رواه أحمد في المسند: (صوموا يوماً قبله ويوماً بعده خالفوا اليهود) ، ولأن الإنسان إذا صام الثلاثة أيام حصل على فضيلة صيام ثلاثة أيام من الشهر.
المرتبة الثانية: التاسع والعاشر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) لما قيل له: إن اليهود كانوا يصومون اليوم العاشر وكان يحب مخالفة اليهود، بل مخالفة كل كافر.
والمرتبة الثالثة: العاشر مع الحادي عشر.
والمرتبة الرابعة: العاشر وحده، فمن العلماء من قال: إنه مباح، ومنهم من قال: إنه يكره، فمن قال: إنه مباح استدل بعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام حين سئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبلها) ولم يذكر التاسع.
ومن قال: إنه يكره، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا اليهود صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) ، وفي لفظ آخر: (صوموا يوماً بعده ويوماً قبله) وهذا يقتضي وجوب إضافة يوم إليه من أجل المخالفة، أو على الأقل: كراهة إفراده.
والقول بالكراهة لإفراده قوي، ولهذا نرى أن الإنسان يخرج من هذا بأن يصوم التاسع قبله أو الحادي عشر.(95/13)
حكم رد السلام والمصافحة على غير المسلمين
السؤال
هؤلاء إخوة يقولون: في عملنا يوجد رافضة ويهود ونصارى ويسلمون علينا بالمصافحة فهل نصافحهم؟
الجواب
إذا سلم عليك يهودي أو نصراني أو وثني أو ملحد أو شيعي أو غير ذلك وصافحك فصافحه؛ لعموم قول الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] ، والنبي عليه الصلاة والسلام إنما نهى أن تبدأهم بالسلام، أما إذا سلموا فرد عليهم كما سلموا؛ لأن هذا هو العدل، ودين الإسلام دين العدل.(95/14)
حكم السهر للطاعة وتفويت صلاة الفجر
السؤال
هناك أشخاص من طلاب العلم يسهرون في الليل أحياناً في الصلاة أو في المذاكرة ويضيعون صلاة الفجر، وإن نصحتهم أعطاك حججاً: أن الرسول أخر مرة صلاة الفجر، ويأتي بأدلة لا أدري من أين يأتي بها؟
الجواب
لا هذا من الغلط أن الإنسان يبقى ساهراً في الليل بتهجد أو بمراجعة علم ثم ينام عن صلاة الفجر، هذا غلط عظيم، وأما ما استدلوا به أن الرسول فاتته صلاة الفجر فهذا كان في سفر، وكانوا قد نزلوا في آخر الليل وقالوا: من يرقب لنا الفجر، فاعتمد بلال رضي الله عنه على ذلك، ولكنه نام وأخذه الذي أخذه، وهذا ليس كالإنسان الذي يجعل هذا عادة.
يعني: قد نعذر إنساناً في ليلة من الليالي سهر بعمل أو بغير عمل، أو أرق وما نام، ثم نام حتى طلعت الشمس، فهذا يعذر، لكن كونه يتخذ هذه عادة فليس بمعذور ولا يحل له.
ثم الواجب على الإنسان إذا استدل بالقرآن أو بالسنة أن يكون الدليل مطابقاً للحال التي استدل به عليها، فإن لم يفعل كان محرفاً للقرآن والسنة، ومنزلاً للقرآن والسنة غير منازلهما.(95/15)
الواجب فعله إذا اختلفت الفتوى
السؤال
كثير من طلبة العلم الذين لم يصلوا إلى مرحلة النضوج في الطلب يأخذون بقول فلان في بعض الأحكام والرخص، يأخذون مثلاً بقول فلان في غسل الجمعة، وبقول فلان في زكاة الحلي، فعلى ماذا يمشي طالب العلم إذا لم يصل إلى مرحلة الترجيح؟
الجواب
الواجب على طالب العلم وعلى العامي أيضاً إذا اختلف الناس عنده في الفتوى، أن يختار من الفتاوي من يرى أنه أقرب إلى الصواب، ومعلوم أن الإنسان يعرف أن فلاناً من العلماء أقرب إلى الصواب من فلان؛ وذلك لغزارة علمه ولورعه ودينه، لأننا لا نعتمد على كثرة العلم وغزارة العلم، إذ أن بعض الناس عنده غزارة علم وكثرة علم لكن ليس عنده تقوى ولا خوف من الله، فتجده يتهاون في الإفتاء، وبعض الناس عنده تقوى وورع لكن ضعيف في العلم، فيختار من هو أغزر علماً وأقوى تقوى، فإن تساوى عنده الرجلان، أو لم يعلم أن أحدهما أفضل فقيل: إنه يخير بين القولين، وقيل: يأخذ بالأشد، وقيل: يأخذ بالأيسر، والصحيح: أنه يأخذ بالأيسر لتكافؤ الأدلة، ولأن الأصل عدم إشغال الذمة وبراءتها.
أما كونه يتتبع الرخص عن عمد، فإذا أُفتي بشيء ولم يناسبه قال: أسأل فلان الثاني، وإذا لم يناسبه قال: أسأل الثالث، فهذا لا يجوز؛ لأن هذا من باب التلاعب في دين الله، وقد نص أهل العلم على أن من تتبع الرخص فسق، فالبعض يبالغ وقال: من تتبع الرخص تزندق؛ لأنه لم يتعبد لله بالهدى ولكن تعبد له بالهوى.(95/16)
التوفيق بين كره العاصي والتلطف معه
السؤال
كيف يتم التوفيق بين الحب في الله والكره فيه والتودد إلى العصاة لجذبهم إلى الهداية؟
الجواب
الحب في الله: أن تحب الرجل لا تحبه إلا لله، والكره في الله: أن تكرهه لا تكرهه إلا لله.
وأما التودد لشخص من أجل تأليف قلبه للإسلام أو للطاعة إذا كان عاصياً فهذا ليس حباً ولكنه تلطف، فأنت تتودد إليه تلطفاً فقط في المعاملة، أما قلبك فيكرهه ويكره ما عليه من المعاصي، فهذا هو الفرق، الحب في الله قلبك يحبه، وأما التودد لشخص من أجل أن نحمله على التقوى إن كان عاصياً، أو على الإسلام إن كان كافراً، فهذا ليس حباً له ولكن حباً لما ندعوه إليه مع كراهتنا لعمله وكفره.(95/17)
وجوب الصلاة على من بلغ سبع سنين
السؤال
الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم: (مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين.
) الحديث.
هل الأمر هذا يقتضي الوجوب؟
الجواب
الأمر هنا للوجوب.
أولاً: لأنه أمر، والأصل في أوامر الله ورسوله الوجوب.
وثانيا: لأنه من باب الرعاية وحسن الولاية، ومعلوم أن الولي على الشيء يجب عليه أن يفعل له ما هو أنفع وأصلح.
فالأمر للوجوب، وكذلك قوله: (اضربوهم عليها لعشر) الأمر للوجوب، لكن يقيد بما إذا كان الضرب نافعاً؛ لأنه أحياناً تضرب الصبي ولكن ما ينتفع بالضرب، ما يزداد إلا صياحاً وعويلاً ولا يستفيد، ثم إن المراد بالضرب الضرب غير المبرح، الضرب السهل الذي يحصل به الإصلاح ولا يحصل به الضرر.
أما مسألة صلاة الفجر فقد يقال: إنها فيها كلفة لا سيما في أيام الشتاء، وأنه ما دام لم يكلف ولم يجب على الصبي فإنه يسقط عن الولي.(95/18)
معنى ارتهان الغلام بعقيقته
السؤال
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (كل غلام مرتهن بعقيقته) ؟
الجواب
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (كل غلام مرتهنٌ بعقيقته) أن الغلام محبوس عن الشفاعة لوالديه يوم القيامة إذا لم يعق عنه أبوه، هكذا فسره بعض أهل العلم.
وقال بعض العلماء: مرتهن بعقيقته أي: أن العقيقة من أسباب انطلاق الطفل في مصالح دينه ودنياه، وانشراح صدره عند ذلك، وأنه إذا لم يعق عنه فإن هذا قد يحدث له حالة نفسية توجب أن يكون كالمرتهن.
وهذا القول أقرب، وأن العقيقة من أسباب صلاح الولد وانشراح صدره ومضيه في أعماله.(95/19)
نصيحة لأولياء الأمور بشأن ملابس الأطفال
السؤال
انتشر في الوقت الأخير لبس الملابس القصيرة بين البنات والأولاد، وكذلك لبس البناطيل للبنات، فهل من كلمة توجيهية لأولياء الأمور من الآباء والأمهات في هذا المجال جزاك الله خيراً؟
الجواب
أما الثياب القصيرة بالنسبة للذكور فليس فيها شيء، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أزرة المؤمن إلى نصف الساق) ، وأما بالنسبة للنساء فهذا لا شك أنه خلاف المشروع، وأن نساء الصحابة كن يلبسن الثياب إلى الكعب، وإذا خرجن إلى السوق يرخينه إلى ذراع؛ حتى لا تنكشف أقدامهن.
وأما لبس البنطال للمرأة فهو حرام فيما نرى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهات من النساء بالرجال، ولأنه ذريعة إلى أن تلبس المرأة بنطالاً ضيقاً يصف حجم أفخاذها وعجيزتها، ولا يغرنك قول بعض النساء: أنا ألبس بنطالاً واسعاً فضفاضاً، فإن هذا وإن صح في امرأة من عشر نساء فإنه في المستقبل سوف لا يصح في أي امرأة، ثم إن علة التشبه توجب المنع سواء كان ذلك البنطلون واسعاً أو غير واسع.
والعجب أن بعض النساء يقلن: إن هذا هو رغبة الزوج، وإني لأعجب من الزوج أن يختار هذا اللباس لامرأته وهو لبس رجل، وأقول للزوج: إنه يباح لك ما تقضي به وطرك وتقوى به شهوتك يباح لك ما هو أعظم من هذا، اجعلها تلبس ثوباً خفيفاً رهيفاً وهذا أدعى إلى جماعها والرغبة فيها من لبس هذا البنطلون، لكن الشيطان يزين للناس بعض الأعمال المنكرة نسأل الله السلامة.
بعض البنات الصغار يلبسن إلى فوق الركبة، وانتشرت ملابس للصغار في الأسواق إلى فوق الركبة؟ الشيخ: هذا كما تفضلت، بعض الصغار يلبسن ثياباً صغيرة إلى فوق الركبة والفخذ بعضه خارج، ويدعي أولياءهن -الذين سوف يسألون عن ذلك يوم القيامة- يدعي أنهن صغار، وأن عورتهن لا تتجاوز السوءة، وما أشبه ذلك.
فيقال: إن الطفلة إذا تعودت هذا اللباس ألفته، ولم تستنكره، ونزع منها الحياء أيضاً، ولذلك تجد الفرق بين إنسان يحافظ على ستر عورته وإنسان لا يحافظ، تجد الذي لا يحافظ كالعمال مثلاً: يرفع ثوبه إلى أن يبدو من فخذه الشيء الكثير لا يبالي؛ لأنه ألف ذلك واعتاده، لكن تأتي لإنسان محترم لا تجده يسمح لنفسه أن يرفع ثوبه إلى أن يبدو فخذه، اللهم إلا لحاجة لا بد منها فهذا شيء آخر.
فالحاصل أننا نقول: حتى الصبيان لا يلبسون هذا، وأعني بالصبيان: الفتيات؛ لأنها تعتاد عليه، وينزع منها الحياء، ثم إذا كبرت تكون قد ألفت هذا اللباس.(95/20)
بم يثبت دخول الشهر؟
السؤال
لقد كثر في اليومين السابقين الكلام حول يوم عاشوراء وفي أي يوم سيكون، فبعضهم قال: إن يوم أمس الأربعاء هو يوم التاسع، واليوم الخميس هو العاشر، وبعضهم قال: إن يوم الأربعاء هو يوم الثامن ويوم الخميس هو التاسع، وقد سمعنا أنك بعد صلاة فجر يوم أمس الأربعاء أخبرت المصلين في المسجد: أن اليوم يوم التاسع وهو يوم الأربعاء، فما صحة هذه الأقوال؟ وماذا يفعل من لم يصم يوم الأربعاء إن كان هو يوم التاسع؟ وبماذا تنصح المسلمين تجاه هذا اليوم؟
الجواب
أما نصيحتي للمسلمين تجاه هذا اليوم فإني أقول: إن هذا اليوم يوم سن صومه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رغب فيه حين قال: (إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبلها) .
وأما فيما يتعلق بإثبات عاشوراء، فأنا أعطيك قاعدة تبني عليها شرعية من رسول الله عليه الصلاة والسلام: أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام إذا لم نر الهلال ليلة الثلاثين أن نكمل الشهر ثلاثين يوماً، فقال في رمضان: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) وهذه قاعدة في كل الشهور، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان؛ لأنه هو الشهر الذي يحرص الناس به على ترائي الهلال.
وبناءً على ذلك نقول: شهر ذي الحجة متى يكون ثلاثين في هذه السنة؟ يوم الثلاثاء ثلاثين، هل رأيناه ليلة الثلاثاء رأينا هلال محرم؟ الجواب: إن رأيناه وثبت بشهادة اثنين فهذا يوجب دخوله، وإن لم يره إلا واحد أو لم يره أحد فإن الواجب أن نكمل شهر ذي الحجة ثلاثين، وإذا كملنا شهر ذي الحجة ثلاثين صار أول الشهر هذا يوم الأربعاء فيكون يوم الأربعاء هو الثامن، ويوم الخميس هو التاسع، ويوم الجمعة هو العاشر، وهذا هو المتمشي على القواعد الشرعية.
وأما من حدثك أنني قلت للناس: فجر يوم الأربعاء أن اليوم تاسع، فقد كذب، ولم نتكلم، والحمد لله أن الله ربط علينا ألا نتكلم أمس العصر، وإلا كنت أقول: لعلي أعلم الناس حتى لا أغرهم لأني قلت لهم في الخطبة: إن العاشر هو يوم الجمعة، فقلت: لعلي أنبههم، لكن الحمد لله أن الله ربط على لساني ولم أقل شيئاً؛ لأن الناس أكثروا عليَّ، يعني قال واحد: قال: حدثني الشيخ عبد الله السعد عن الشيخ ابن قعود وكلاهما معروف ثقة عن مجلس القضاء: بأن أمس هو التاسع.
ثم جاء آخر وقالوا: سمعنا بالإذاعة عن مجلس القضاء أن الشهر دخل يوم الثلاثاء.
لكن الذي سمعته أيضاً وهو في سند صحيح: أن أحد القضاة سأل الشيخ صالح اللحيدان رئيس المجلس الأعلى للقضاء؟ وقال: إنه لم يثبت عندنا إلا بشهادة واحد.
وشهادة الواحد لا يثبت فيها دخول الشهر إلا في رمضان، فالحمد لله خرجت الآن فتوى من الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي المملكة: بأن يوم الجمعة هو اليوم العاشر، والأمر سهل، الذي صام يوم الأربعاء على أنه التاسع والخميس على أنه العاشر يصوم غداً على أنه العاشر، ويكون له ثلاثة أيام.
ثم أيضاً لا تصدقوا كل ما ينقل عن العلماء، فقد ينقل عن العلماء أشياء تشيب الرأس ما لها أصل.
من الذي نقل يا شيخ قول الشيخ عبد الله السعد؟ أما عبد الله السعد فحدثني أحد الطلبة وهو رجل ثقة عن عبد الله السعد عن عبد الله بن قعود عن مجلس القضاء، وحدثني أيضاً (خالد المزيني) من طلابنا في الجامعة معيد عن مجلس القضاء مباشرة: أن أمس تاسع واليوم عاشر.
والذي يظهر لي والله أعلم: أن هؤلاء الذين في المجلس سمعوا أنه شهد شاهد واحد وقاسوا هذا على شهر رمضان فقالوا ثلاثين.
على كل حال: الحمد لله الأمر واسع، ولم يفت شيئاً، معك غداً تصوم ويكون هو العاشر.
أنا ذكرت حديثاً عن الرسول إذا لم نره نكمل ثلاثين، لكن بعض الناس رضوا في شيء آخر بعد التقويم ثلاثين ذي الحجة حسب الرؤية تعتبر واحداً وثلاثين في التقويم؛ لأن التقويم سبقنا بيوم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وإلى لقاء آخر.(95/21)
لقاء الباب المفتوح [96]
استمراراً من الشيخ في شرحه لجزء عم فقد شرح في لقائه هذا سورة العاديات، وبين أن المقصود بالعاديات الخيل المجاهدة في سبيل الله، وكذا مناسبة الجمع بين تحصيل ما في الصدور وبعثرة ما في القبور، وغير ذلك من الفوائد الواردة في السورة.(96/1)
تفسير سورة العاديات
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث من لقاء الباب المفتوح، والذي يتم كل يوم خميس، وهذا هو اليوم السادس عشر من شهر محرم عام (1416هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بما يسر الله تعالى من تفسير سورة العاديات يقول الله تبارك وتعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} [العاديات:1-5] إلى آخر السورة.(96/2)
تفسير قوله تعالى: (والعاديات ضبحاً)
ولا يخفى على الجميع أن هذا قسم {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً} [العاديات:1] وأن العاديات صفة لموصوف محذوف، فما هو هذا الموصوف: هل المراد الخيل يعني: والخيل العاديات، أو المراد الإبل يعني: والإبل العاديات؟ في هذا قولان للمفسرين: فمنهم من قال: إن الموصوف هي الإبل، والتقدير: والإبل العاديات، ويعني بها: الإبل التي تعدوا من عرفة إلى مزدلفة ثم إلى منى وذلك في مناسك الحج.
واستدلوا لهذا: بأن هذه السورة مكية، وأنه ليس في مكة جهاد على الخيل حتى يقسم بها.
أما القول الثاني من جمهور المفسرين وهو الصحيح: فإن المحذوف هو الخيل، والتقدير: والخيل العاديات، والخيل العاديات معلومة للعرب حتى قبل مشروعية الجهاد، هناك خيلٌ تعدوا على أعدائها سواء بحق أو بغير حق فيما قبل الإسلام، أما بعد الإسلام فالخيل تعدوا على أعدائها بحق.
يقول الله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ} والعادي: اسم فاعل من العدو وهو سرعة المشي والانطلاق، وقول: {ضَبْحاً} الضبح: ما يسمع من أجواف الخيل حين تعدوا بسرعة يكون لها صوت يخرج من صدورها، وهذا يدل على قوة سعيها وشدته.(96/3)
تفسير قوله تعالى: (فالموريات قدحاً)
قال تعالى: {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً} [العاديات:2] الموريات: من أورى أو ورى بمعنى قدح، ويعني بذلك: قدح النار حينما يضرب الأحجار بعضها بعضاً، كما هو مشهور عندنا في حجر المرو فإنك إذا ضربت بعضه ببعض انقدح.
هذه الإبل لقوة سعيها وشدتها وضربها الأرض إذا ضربت الحجر ضربت الحجر الثاني ثم يشعل ناراً؛ وذلك لقوتها وقوة سعيها وضربها الأرض {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً} .(96/4)
تفسير قوله تعالى: (فالمغيرات صبحاً)
قال تعالى: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً} [العاديات:3] أي: فالتي تغير صباحاً على العدو، وهذا أحسن وقت يغار به على العدو أن يكون في الصباح؛ لأنه في غفلة ونوم، وحتى لو استيقظ من الغارة فسوف يكون على كسل وعلى إعياء، فاختار الله عز وجل للقسم بهذه الخيول أحسن وقت للإغارة وهو الصباح، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغير على قوم في الليل بل ينتظر فإذا أصبح إن سمع أذاناً كف وإلا أغار.(96/5)
تفسير قوله تعالى: (فأثرن به نقعاً)
قال تعالى: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً} [العاديات:4] أي: أثرن بهذا العدو، وهذه الإغارة (نقعاً) : وهو الغبار الذي يثور من شدة السعي، فإن الخيل إذا سعت واشتد عدوها في الأرض صار لها غبار من الكر والفر.(96/6)
تفسير قوله تعالى: (فوسطن به جمعاً)
قال تعالى: {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} [العاديات:5] توسطن بهذا الغبار (جمعاً) أي: جموعاً من الأعداء، أي: أنها ليس لها غاية ولا تنتهي غايتها إلا وسط الأعداء، وهذا غاية ما يكون من منافع الخير، مع أن الخيل كلها خير كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) .
أقسم الله تعالى بهذه العاديات من الخيل التي بلغت الغاية: وهو الإغارة على العدو، وتوسط العدو من غير خوف ولا تعب ولا ملل.(96/7)
تفسير قوله تعالى: (إن الإنسان لربه لكنود)
أما المقسم عليه فهو الإنسان فقال: {إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} [العاديات:6] والمراد بالإنسان هنا الجنس، أي: أن جنس الإنسان إذا لم يوفق للهداية فإنه كفور لنعمة الله عز وجل كما قال الله تبارك وتعالى: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72] وقيل المراد بالإنسان هو الكافر، فعلى هذا يكون عاماً أريد به الخاص، والأظهر: أن المراد به العموم، وأن جنس الإنسان لولا هداية الله لكان كنوداً لربه عز وجل، والكنود: هو الكفور أي: كافراً لنعمة الله عز وجل؛ يرزقه الله عز وجل فيزداد بهذا الرزق عتواً ونفوراً، فإن من الناس من يطغى إذا رآه قد استغنى عن الله، وما أكثر ما أفسد الغنى من بني آدم، فهو كفور بنعمة الله عز وجل يجحد نعمة الله ولا يقوم بشكرها، ولا يقوم بطاعة الله؛ لأنه كنود لنعمة الله.(96/8)
تفسير قوله تعالى: (وإنه على ذلك لشهيد)
قال تعالى: {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} [العاديات:7] (إنه) الضمير قيل: يعود على الله، أي: أن الله تعالى يشهد على العبد بأنه كفور بنعمة الله، وقيل: إنه عائدٌ على الإنسان نفسه، أي: أن الإنسان يشهد على نفسه بكفر نعمة الله عز وجل.
والصواب: أن الآية شاملة لهذا وهذا، فالله شهيد على ما في قلب ابن آدم وشهيد على عمله، والإنسان أيضاً شهيدٌ على نفسه، لكن قد يقر بهذه الشهادة في الدنيا وقد لا يقر بها فيشهد على نفسه يوم القيامة، كما قال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور:24] .(96/9)
تفسير قوله تعالى: (وإنه لحب الخير لشديد)
قال تعالى: {وَإِنَّهُ} [العاديات:8] أي: الإنسان {لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات:8] الخير هو المال كما قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} [البقرة:180] أي: إن ترك مالاً كثيراً، فالخير هو المال، والإنسان حبه للمال أمر ظاهر، قال الله تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} [الفجر:20] ولا تكاد تجد أحداً يسلم من الحب الشديد للمال، أما مطلق الحب فهذا ثابت لكل أحد؛ ما من إنسان إلا ويحب المال، لكن الشدة ليست لكل أحد، بعض الناس يحب المال الذي تقوم به الكفاية ويستغني به عن عباد الله، وبعض الناس يريد أكثر، وبعض الناس يريد أوسع وأوسع، المهم أن كل إنسان فإنه محب للخير أي للمال، لكن الشدة يختلف فيها الناس من شخص لآخر.(96/10)
تفسير قوله تعالى: (أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور)
ثم إن الله تعالى ذكر للإنسان حالاً لابد له منها فقال: {أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ} [العاديات:9] فيعمل لذلك ولا يكون همه المال، {أَفَلا يَعْلَمُ} أي: يتيقن {إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ} أي: نشر وأظهر، فإن الناس يخرجون من قبورهم لرب العالمين كأنهم جراد منتشر، يخرجون جميعاً بصيحة واحدة {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:53] .(96/11)
تفسير قوله تعالى: (وحصل ما في الصدور)
قال تعالى: {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:10] أي: ما في القلوب من النيات وأعمال القلب كالتوكل والرغبة والرهبة والخوف والرجاء وما أشبه ذلك.
وهنا جعل الله عز وجل العمدة ما في الصدور، كما قال تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ} [الطارق:9-10] لأنه في الدنيا يعامل الناس معاملة الظاهر، حتى المنافق يُعامَل كما يُعامَل المسلم حقاً؛ لكن في الآخرة العمل على ما في القلب، ولهذا يجب علينا أن نعتني بقلوبنا قبل كل شيء قبل الأعمال؛ لأن القلب هو الذي عليه المدار، وهو الذي سيكون الجزاء عليه يوم القيامة، ولهذا قال: {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} .
ومناسبة الآيتين بعضهما لبعض: أن بعثرة ما في القبور إخراج للأجساد من بواطن الأرض، وتحصيل ما في الصدور هو إخراج لما في الصدور مما تكنه، فالبعثرة بعثرة ما في القبور عما تكنه الأرض، وهنا عما يكنه الصدر، والتناسب بينهما ظاهر.(96/12)
تفسير قوله تعالى: (إن ربهم بهم يومئذٍ لخبير)
قال تعالى: {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} [العاديات:11] أي: أن الله عز وجل (بهم) أي: بالعباد لخبير، وقال: بهم ولم يقل به مع أن الإنسان مفرد باعتبار المعنى، أي: أنه أعاد الضمير على الإنسان باعتبار المعنى، لأن معنى: (إن الإنسان) أي: أن كل إنسان، وعلق العلم في ذلك اليوم {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ} لأنه يوم الجزاء والحساب، وإلا فإن الله تعالى عليم خبير في ذلك اليوم وفيما قبله، فهو جل وعلا عالم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون.
هذا هو التفسير اليسير لهذه السورة العظيمة، ومن أراد البسط فعليه بكتب التفاسير التي تبسط القول في هذا، وإنما نحن نشير إلى المعاني إشارة موجزة، وقد بينا أول ما بدأنا في هذا الجزء المبارك أننا اخترنا هذا لأنه كثيراً ما يسمعه الناس في الصلاة الجهرية في المغرب والعشاء والفجر.
نسأل الله لكم الهداية والتوفيق، وأن يجعلنا ممن يتلون كتاب الله حق تلاوته إنه على كل شيء قدير.(96/13)
الأسئلة(96/14)
مسألة العمريتان في المواريث
السؤال
ما وجه فرض الثلث للجد مع الإخوة وثلث الباقي والأصل فرض الأب والجد السدس؟
الجواب
القول الراجح في هذه المسألة التي تدل عليه الأدلة، وقال به أبو بكر الصديق وثلاثة عشر من الصحابة رضي الله عنهم: أن الجد كالأب سواء بسواء، إلا في العمريتين فقط فإن للأم ثلث الباقي مع الأب ولها مع الجد الثلث كاملاً، والعمريتان هما: أن يموت شخص عن زوجة وأم وأب، فنقول: للزوجة الربع إذا مات الزوج عنها وعن أبيه وأمه، وللأم ثلث الباقي وللأب الباقي، أو تموت هي عن زوج وأم وأب فيكون للزوج النصف وللأم ثلث الباقي وللأب الباقي.
ولو ماتت عن زوج وأم وجد لكان للزوج النصف وللأم الثلث كاملاً وللجد الباقي، وكذلك لو مات عن زوجة وأم وأب لكان للزوجة الربع وللأم الثلث كاملاً وللجد الباقي، فهاتان المسألتان وهما العمريتان هما التي يختلف فيها الأب والجد، أما ما عداها من الصور والمسائل فإن الجد كالأب.
وأما من ذهب إلى أن الجد له أحوال وأن الإخوة الأشقاء أو لأب يرثون معه، فإن هذا القول ضعيف ليس عليه دليل لا من كتاب الله ولا من سنة رسول الله ولا من الإجماع ولا من القياس الصحيح.
فالصواب: أن الجد يسقط الإخوة الأشقاء أو لأب مطلقاً، وعلى هذا فيكون السؤال الذي أورده غير واحد؛ لأنه ليس هنا ثلث باقي، ولا مقاسمة مع الإخوة.
ووجه إيراده أنه بناءً على آراء وأفكار يقولون مثلاً: إن قوة ارتباط الجد بابن ابنه أقوى من الإخوة فيكون له الفضل والتمييز، فيقال: هب أننا قلنا ذلك فما هو الدليل على أن له الثلث أو الثلث الباقي مثلاً؟ ليس هناك دليل.(96/15)
حكم النافلة قبل الزوال يوم الجمعة
السؤال
فضيلة الشيخ: أرى بعض الناس يوم الجمعة وقبل دخول الخطيب بخمس دقائق إلى ربع ساعة يقوم ثم يصلي نافلة فهل لذلك من وجه؟ وهل في يوم الجمعة عند الزوال نهي عن الصلاة؟
الجواب
لا وجه لهذا، أي: لا وجه لكون بعض الناس ينتظر فإذا بقي عشر دقائق أو نحوها قبل مجيء الخطيب قام فصلى، ولا أعلم أحداً قال بهذا القول إطلاقاً.
وأما كون الجمعة فيها وقت نهي: فالصحيح أن فيها وقت نهي، وأنها كغيرها من الأيام لعموم الأدلة، وليس هناك دليل يدل على تخصيص يوم الجمعة بأنه لا نهي فيه عند الزوال، وقد ورد في هذا حديث ضعيف عن النبي عليه الصلاة والسلام، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله: أنه لا ينهى الإنسان عن الصلاة إذا كان مستمراً في صلاته حتى يأتي الخطيب، قال: لأن هذا كان الصحابة يفعلونه.
لكن كونه يبقى جالساً حتى إذا قارب وقت الخطيب قام فصلى وهو وقت نهي، فهذا لا أصل له، ولا يحل لهذا أن يقوم فيصلي في هذا الوقت إذا كان قبل الزوال بنحو عشر دقائق.(96/16)
معنى تعوذ المسافر من كآبة المنظر وسوء المنقلب
السؤال
السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته، ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم في دعاء السفر: (وكآبة المنظر وسوء المنقلب.
) ؟
الجواب
أولاً: السلام عند إلقاء السؤال ليس بسنة؛ لأن السائل معنا، والصحابة كانوا يسألون الرسول عليه الصلاة والسلام في مجالسهم ولا يسلمون.
وأما ما ذكرت من كآبة المنظر ووعثاء السفر، فالمعنى: أن الإنسان المسافر قد يعتريه في سفره أشياء تتغير بها خلقته، فاستعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك.
سوء المنقلب معنى: أن يكون انقلابه إلى أهله سيئاً إما بحادث يحدث له، أو بحادث يكون عليهم بعد مفارقتهم، أو ما أشبه ذلك، فهو من باب إضافة الصفة إلى موصوفها، أي: المنقلب السيئ.(96/17)
حكم بول ما يؤكل لحمه
السؤال
يرى بعض المذاهب: نجاسة بول ما يؤكل لحمه.
فهل عندهم أدلة صحيحة؟
الجواب
نقول: نعم لهم دليل، لكن لا دلالة فيه على ما يقولون.
دليلهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل الذي يعذب في قبره: إنه كان لا يستنزه من البول، وقالوا: إن البول كلمة عامة تشمل كل بول، لكن لا دلالة لهم في ذلك؛ لأن المراد بالبول هنا بوله كما جاء ذلك في صحيح البخاري: (أما أحدهما فكان لا يستنزه -أو لا يستبرئ- من بوله) فيكون (ألـ) في البول للعهد الذهني، ولأن بوله هو الذي يتلطخ به غالباً، أما بول ما يؤكل لحمه فهو نادر لا يكون إلا لرعاة الإبل أو الغنم والبقر، فهذا ليس لهم فيه دليل.
ونقول أيضاً: إنه قد دل الدليل أن بول ما يؤكل لحمه طاهر؛ فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم العرنيين أن يلحقوا بإبل الصدقة وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، ولم يأمرهم بغسل ما أصابهم من ذلك، وأيضاً لو كان بولها نجساً لكان حراماً لا يجوز الاستشفاء به.
ثم نقول أيضاً: الأصل في الأشياء الطهارة، فلا يمكن أن نحكم بنجاسة شيء إلا بدليل واضح بين.
إذاً فالقول الراجح والصواب: أن بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر، سواء كان من الإبل أو البقر أو الغنم أو الدجاج أو الأرانب أو الحمام أو غير ذلك.(96/18)
حكم المكوث في مجالس ذكر مشتملة على الحديث في السياسة
السؤال
فضيلة الشيخ: يكثر في بعض المجالس الكلام عن السياسة، وعندما تنكر عليهم، يقولون: السياسة من الدين.
بل إنهم يقعون في الغيبة، وما يميز مجلسهم هو وجود ذكر الله فيه، فما رأيك في جلوسي معهم؟
الجواب
أنا رأيي: أن الكلام في السياسة في عامة الناس خطأ؛ لأن السياسة لها رجال وأقوام، رجالها ذوو السلطة والحكم، أما أن تكون السياسة منثورة بين أيدي العوام وفي المجالس، فهذا خلاف هدي السلف الصالح، فما كان عمر بن الخطاب ومن قبله كـ أبي بكر رضي الله عنهما يبثون سياستهم في مجامع الناس يذوقها الصغير والكبير والسفيه والعاقل، أبداً! ولا يمكن أن تكون السياسة هكذا، السياسة لها أقوام متمرسون فيها يعرفونها ويعرفون مداخلها، ولهم اتصال بالخارج، واتصال بالداخل، لا يعرفه كثير من الناس.
ولا ينبغي للشباب وغير الشباب أن يمضوا أوقاتهم ويضيعوها في مثل هذا القيل والقال الذي لا فائدة منه، ثم إنه قد يبدو لنا مثلاً أن صنيع واحد من الناس خطأ وقد يكون الصواب معه؛ لأنه يعلم من الأمور ما لا نعلم نحن، وهذا شيء مشاهد مجرب، وغالب الذين يتكلمون بالسياسة إنما يستنتجونها من أشياء لا أصل لها ولا حقيقة لها، وإنما هي أوهام يتوهمونها ثم يبنون عليها ما يتكلمون به، فيقفون ما ليس لهم به علم، وقد قال الله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] .
أما الجلوس معهم فما داموا على ذكر فاجلس معهم، وإذا قاموا يخوضون هذا الخوض الذي لا فائدة فيه فانصحهم أولاً، فإن اهتدوا فهذا هو المطلوب، وإلا ففارقهم، ثم إذا كان حضورك مجالسهم التي للذكر يؤدي إلى أن يغتروا بأنفسهم أو أن يغتر بمجيئك إليهم غيرهم فيقال: لولا أن هؤلاء على خير ما جاء إليهم فلان ولا فلان، فلا تأتي إليهم أيضاً حتى للذكر؛ لأن أبواب الذكر -والحمد لله- كثيرة.(96/19)
توجيه كون ميكائيل الموكل بالقطر والنبات
السؤال
فضيلة شيخنا! لقد قرأنا: أن ميكائيل عليه الصلاة والسلام موكل بالقطر والنبات، فنرجو شرح هذا الكلام حيث إنه لا يمكن أن يكون عمله زجر السحاب وما إلى ذلك بقول وأمر؛ لأن ذلك خاص بالله سبحانه وتعالى؟
الجواب
هو هكذا شاع بين العلماء: أن ميكائيل موكل بالقطر والنبات.
وليس هناك مانع أن يكون موكلاً بالقطر والنبات بأمر الله عز وجل، فيكون القطر والنبات مسخراً مذللاً له بأمر الله، ألم تر أن الله تعالى قد سخر الرياح لسليمان عليه الصلاة والسلام، مع أن الذي يسخر الرياح ويأمرها في الأصل هو الله عز وجل، فلله تعالى أن يجعل أمراً من أمور مخلوقاته إلى أحد من المخلوقين، وليس ذلك بغريب.
قبض الأرواح موكل فيه ملك يقبض أرواح بني آدم وغيرهم، وأصل الإحياء والإماتة إلى الله عز وجل، لكن الله تعالى قد يوكل أحداً من خلقه على شيء من شئونه جل وعلا، ويكون هذا فاعلاً بأمر الله، والله تعالى إذا أراد شيئاً قال له: كن فيكون، حتى في الجماد يأمره أن يفعل فيفعل {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت:11-12] إلى آخر الآية.
السائل: وهل هناك دليل على أن ميكائيل موكل بالقطر والنبات؟ الشيخ: هذا هو المشهور بين أهل العلم، قالوا: إن ميكائيل موكل بالقطر والنبات، وأن إسرافيل موكل بنفخ الصور، وأن جبرائيل موكل بالوحي ينزل به بإذن الله عز وجل إلى الرسل، وقالوا: إن هؤلاء الثلاثة هم الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح في صلاة الليل بربوبية الله تعالى لهم حيث يقول: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) قالوا: إنما كان يستفتح بهؤلاء الثلاثة؛ لأن كل واحد موكل بما فيه الحياة، فجبريل موكل بما فيه حياة القلوب وهو الوحي، وإسرافيل موكل بما فيه حياة الأبدان الحياة النهائية وهي النفخ في الصور، وميكائيل موكل بما فيه حياة الأرض وهو القطر والنبات، وهذا لا يعني: أن الله عز وجل عاجز، الله عز وجل لو شاء لقال: كن فيكون في كل شيء، لكن هذا لإظهار الحكمة وإظهار قوة السلطان وأنه جل وعلا له جنود لا يعلمها إلا هو عز وجل ويعلمنا ما شاء منها.(96/20)
معنى (الخير) في قوله تعالى: (وإنه لحب الخير لشديد)
السؤال
ألا يحتمل تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات:8] بمعنى: الخير هنا الخيل، بأن السنة مفسرة للقرآن في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) ؟
الجواب
ما رأيت أحداً قال بأن المراد بحب الخير هي الخيل، وفي السنة قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير) ولم يقل هي خير، أو يقل هي الخير، وأيضاً ليس كل أحد يحب الخيل، ولو أنك تأملت أحوال بني آدم لوجدت من الألف واحد.
وكل واحد وما يهوى، واحد يحب الإبل، واحد الغنم، واحد يحب الغنم، واحد يحب التجارة، واحد يحب الخيل، واحد يحب السيارات.
السائل: وسبب النزول للسورة.
الشيخ: هذه ما فيها سبب نزول.(96/21)
معنى قول الله تعالى: (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب)
السؤال
أطلب منك شرح آية من القرآن بسم الله الرحمن الرحيم: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:64] ؟
الجواب
المعنى: أن هذه الدنيا حقيقتها أنها لهو يلهو بها الإنسان، (ولعب) يلعب بها وليست جداً، فالعمل الدنيوي المحض ليس إلا لعباً، يذهب هباءً.
(وإن الدار الآخرة لهي الحيوان) أي: لهي الحياة الكاملة، الحيوان هنا ما هو الحيوان المعروف، المراد الحياة الكاملة كما قال الله تعالى: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:24] فهي الحياة الكاملة، وقوله: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} يعني: لو كانوا من ذوي العلم ما آثروا الدنيا على الآخرة بل آثروا الحياة الآخرة على الدنيا، ولعلك تظن أن الحيوان يعني: البعير والحمير وما أشبه ذلك وليس كذلك، المراد بالحيوان أي الحياة الكاملة ولهذا نقول: الألف والنون هنا زائدة للتكثيف والمبالغة.(96/22)
السنة في موضع الإمام من المأمومين
السؤال
فضيلة الشيخ: هل يشترط الإمام المسجد أن يكون في وسط المسجد؟
الجواب
السنة أن يكون الإمام في الوسط، لا يكون على اليمين ولا على اليسار، والدليل على هذا: أنه كان في أول الأمر إذا صلى ثلاثة صاروا صفاً واحداً وإمامهم بينهم، لا يجعلهم كلهم على اليمين، بل واحد على اليمين وواحد على اليسار، وهذا يدل على مشروعية توسط الإمام على أنه ورد حديث لكنه ضعيف ((وسطوا الإمام) لكنه ضعيف، ثم معروف من فعل النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يتوسط الناس في صلاته، ولهذا قال بعض أهل العلم قولاً سديداً: أنه إذا ترجح أحد جانبين من الصف وصار بعيداً من الإمام فالأولى أن يكون الإنسان في الجانب الآخر، يعني مثلاً: لو أن الناس صفوا مع يمين الصف وكثروا نقول: لا، الأفضل أن تأتوا إلى اليسار، أولاً: لأنه أقرب من الإمام، والثاني: لأنه أقرب إلى توسط الإمام.
السائل نفسه: هل يطلب منهم الإمام ذلك؟ الشيخ: نعم.
إذا رآهم خالفوا يطلب ذلك منهم.(96/23)
وجوب قراءة المأموم للفاتحة في الصلاة الجهرية
السؤال
اختلف العلماء في قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية، فهل يقرأ المأموم الفاتحة أم لا يقرأ؟
الجواب
الصحيح: أن المأموم تلزمه قراءة الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية، وأنه يقرأ ولو كان الإمام يقرأ، وأن هذا مخصص لقول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] ودليل التخصيص: عموم قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) فإذا قال قائل: بين هذا الحديث وبين الآية عموم وخصوص من وجه؟ قلنا: لكن خصوص: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) مؤيَّدٌ بما جاء في السنن من حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم انفتل ذات يوم من صلاة الصبح فقال: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) وصلاة الصبح صلاة جهرية.
القول الراجح في هذه المسألة: هو العموم، فنقول للمأموم: إذا انتهى إمامك من قراءة الفاتحة فابدأ بقراءتها، ثم استمر حتى وإن بدأ الإمام بقراءة ما بعد السورة فاستمر حتى تتمها.(96/24)
حكم وضع المال في البنك الربوي لمن احتاج
السؤال
هل يصح أن أخرج بعض أموالي أو كل أموالي التي كانت بالبنوك من مساهمات وكذا، ولكن أنا لم أستفسر كذلك متى أخرجها، أو ماذا أفعل فيها، ولو جعلتها بالبيت فلا آمن عليها حقيقة فما رأيكم في ذلك؟
الجواب
رأيي في ذلك: أن إدخال الدراهم في البنوك ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن يأخذ ربا، أي: يعطي البنك مثلاً عشرة آلاف ريال وبعد سنة يأخذ إحدى عشر ألفاً، فهذا لا يجوز؛ لأنه رباً صريح.
والقسم الثاني: أن يجعلها في البنك ولا يأخذ ربا، فهذا الأفضل ألا يجعلها في البنك؛ لأنه إذا جعلها في البنك توسع البنك وازداد ماله وكثرت أرباحه الربوية.
ولكن إذا احتاج إلى هذا مثل: أن يخاف على أمواله في البيت فلا حرج أن يجعلها عند البنك، لكن لا يأخذ شيئاً زائداً عما جعل فيه، وليعلم أن بعض الناس يسمي هذا وديعة، ولكنه ليس بوديعة في الحقيقة بل هو قرض؛ لأنك تعطي دراهمك البنك ويجعلها في صندوقه وينتفع بها، والوديعة لا ينتفع بها المودع، الوديعة يبقيها بنفسها وحتى يأتي صاحبها ويطلبها.
خلاصة الجواب الآن: أقول لك: إذا كنت محتاجاً إلى وضعها في البنك فلا بأس، وإن كان يمكنك أن تحفظها بدونه فهو أحسن وأفضل.
السائل: سألتُ قبل قليل عن مالي أو بعض مالي الذي في البنوك ولكني لا آمن عليه في البيت.
الشيخ: قلت: الأفضل سحبه من البنك، لكن إذا كنت محتاجاً وتخاف على مالك فلا بأس.
السائل: ولو أني أشك أن فيها ربا.
الشيخ: لا، أنت لا تأخذ فيها ربا.
السائل: أنا ما آخذ.
الشيخ: تعطي عشرة وتأخذ عشرة.
السائل: يمكن يأخذوا هم عليها.
الشيخ: ما عليك منهم وهذا الذي جعلنا نقول: الأفضل ألا تعطيهم.
لأننا نخشى أن يدخلوها في الربا، لكن هل البنوك الآن شغلها كله ربا مائة بالمائة؟ إن كان كذلك فلا يجوز إعطاءهم أبداً لو تدفنها في التراب، لكن نعلم أن البنوك لها مقاولات، لها تجارات، لها أخذ وعطاء غير ربا، بعض الناس يقول: حرام مطلقاً؛ لأن كل أمواله ربا! ما هو صحيح، هي تأخذ هذا وهذا، تعمل بهذا وهذا، ومن أجل ذلك سهلنا الأمر، لو قلنا: إن كل أعماله ربا مائة بالمائة قلنا: لو تدفن دراهمك في التراب وتأكله الأرض أحب إليك.
السائل: أنا رأيت وقرأت أن أحد البنوك مكتوب على سند الشيك السند الثاني: إذا لم يزد دخلك -بمعنى: ربحك- اثني عشر ريالاً، فراجع الذي أعطاك الشيك.
الشيخ: لا، هذه ما فيها شيء.
السائل: يقول: إذا لم يزد ربحك.
الشيخ: لا.
هذا لا تعامله.(96/25)
معنى الحروف المقطعة في أوائل السور
السؤال
فضيلة الشيخ: تعددت أقوال المفسرين في الحروف المقطعة في أوائل السور، والسؤال: هل هذه الحروف لها معنى أو ليس لها معنى؟ وإذا كان لها معنى فهل استأثر الله بعلمه أو يعرفه الراسخون في العلم؟ وإذا كان ليس لها معنى فقد يرد علينا إشكال: أنه كيف يتكلم الله عز وجل وهو الحكيم العليم بكلام ليس له معنى.
أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
الجواب
الصحيح أن هذه الحروف الهجائية التي في أوائل السور ليس لها معنى، لقول الله تبارك تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:193-195] واللسان العربي لا يجعل لهذه الحروف معنىً إطلاقاً، بل هذه الحروف حروف يتكون منها كلام الناس، وليس معنى قولنا: إنه ليس لها معنى أي: ليس لها فائدة، هي لها فائدة عظيمة، فائدتها: أن هذا القرآن الكريم الذي أعجزكم معشر العرب مع قدرتكم وبلاغتكم وفصاحتكم لم يكن أتى بجديد من الحروف التي لا تعرفونها، بل هو من الحروف التي أنتم تعرفونها وترتبون كلامكم منها، ويدل لهذا: أنك لا تكاد ترى سورة مبدوءة بالحروف الهجائية إلا وبعدها ذكر القرآن، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إن لها مغزى لكنه ليس لها معنى في حد ذاته.
وعرفت الدليل على أنه ليس معنى في حد ذاتها من القرآن نفسه: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:195] وبناءً على ذلك: لو ادعى مدعٍ أنها حروف ترمز إلى شيء من الأشياء فإننا لا نقول قوله، لأننا لو قلنا: إنها حروف ترمز إلى شيء من الأشياء لا يعلمها إلا الله.
لكان في القرآن ما لا يعلمه إلا الله، وقد تكفل الله عز وجل أن يبين القرآن لعباده، فقال: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة:18-19] وليس في القرآن كلمة ولا حرف لا يعلم معناه إلا الله أبداً، لا بد أن يعلم، لكن العلوم تختلف، فالراسخون في العلم لهم علم ومن دونهم لهم علم، والعامي له علم، أما أن يوجد شيء في القرآن لا يعلمه أحد من الناس فهذا شيء مستحيل، بل لا بد أن يكون معلوماً.(96/26)
حكم تجريد الوعظ من كلام الله ورسوله
السؤال
فضيلة الشيخ! لو وجد داعية يكثر في محاضراته أو خطبه من الكلام الإنشائي المجرد عن الكتاب والسنة، فهل هذا يكون عليه مأخذ إلا أن أصل كلامه يعد من الكتاب والسنة مثل قوله: كيف بك لو حوسبت، وكيف بك لو دخلت تحت القبور، وقوله: واتقوا الله وكذا، لكن مجرد ذكر نصوص آيات القرآن أو نصوص الكتاب والسنة يكاد يكون مجرداً عنه، فهل يعد عليه مأخذ؟
الجواب
لا شك أن الإنسان إذا خطب خطبة مؤثرة ولو من إنشائه الخاص لكنها لا تعدو ما جاء بالكتاب والسنة؛ فإنه مفيد وليس عليه مأخذٌ يعاب عليه، لكن ربطه ذلك بالقرآن والسنة أحسن وأفضل، لفائدتين: الفائدة الأولى: أن يعرف الناس أن كلامه مبني على دليل من الكتاب والسنة.
والفائدة الثانية: أن يربط الإنسان الناس بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأضرب لك مثلاً: أنه يوجد مثلاً في كتب الوعاظ كلمات تؤثر ويبكي الإنسان منها ويخشع قلبه، كما يوجد في التبصرة لـ ابن الجوزي رحمه الله وغيرها، وإذا قرأ عليه القرآن في هذا المعنى نفسه لم يتأثر تأثره بكلام هذا الكاتب، وذلك لأن القرآن لا يذكر في وعظ هؤلاء الواعظين، ولهذا نرى أن الإنسان أفضل له أن يجمع بين الحسنيين: فيأتي بالكلام المؤثر من قوله، ويأتي أيضاً بما يتضمنه الكتاب والسنة من كلامه.
السائل: يا شيخ! لا يكون معارضاً لقوله: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق:45] ؟ الشيخ: لا.
ما دام أنه قد أتى بمعناه فهو ليس بعيداً عنه، لكن كونه يأتي بالمعنى واللفظ أحسن.(96/27)
حكم تأجير الدكان للعامل المستقدَم
السؤال
فضيلة الشيخ! هذا رجل استقدَم عاملاً ووضع محلاً تجارياً وقال للعامل: سأؤجرك هذا المحل بأجرة شهرية، فما حكم هذا الفعل؟
الجواب
هذا الفعل حرام، أولاً: لأنه مخالف للعقد الذي تم بينه وبين هذا العامل.
وثانياً: مخالف لنظام الحكومة، ونظام الحكومة يجب العمل به إلا أن يخالف الكتاب والسنة أي: إلا أن يتضمن معصية.
وثالثاً: أن هذا حيلة، حيلة على أن يأخذ منه كل شهر كذا أو كل سنة كذا سواء ربح هذا أو لم يربح.
ولهذا نقول: إذا أتيت بعامل وأردت أن يكون مباشراً في البيع والشراء في دكان فهو على أجرته التي حصل عليها الاتفاق، وأنت إذا كنت تخشى ألا ينصح اجعل له جعلاً على ما يصرفه، فقل مثلاً: كلما صرفت مقدار ألف ريال فلك عشرة ريالات أو مائة ريال وهكذا وحينئذٍ ينشط ولا يحصل في هذا مخالفة للحكومة.
السائل: والراتب يا شيخ؟! الشيخ: ويعطيه الراتب كاملاً، الآن أتيت إليك بسبع مائة في الشهر هذه سبع مائة، لكن مع ذلك تشجيعاً لك إذا صرفت من الدكان ألف ريال كلما صرفت ألف ريال أعطيك مائة ريال زائدة على الراتب.(96/28)
حكم استخدام مكائن لفرم الأوراق التي فيها ذكر الله
السؤال
أحسن الله إليكم يا شيخ! توجد آلة تفرم الورق فرماً، بحيث إنه ما يقرأ الكلمات الموجودة، فهل يجوز أن يوضع بها أوراق فيها آيات من القرآن لأنها تفرم الورق؟
الجواب
هذه الآلة التي تقطع الورق إذا وضعت فيها ورقة مصحف أو ورقة حديث أو ورقة تتضمن آية أو حديثاً ومزقته حتى لا يوجد اسم الله مثلاً فلا بأس.
السائل: ربما تظهر بعض الحروف.
الشيخ: هذه الآلات قسمين: قسم تجعل الورق شرائح طويلة، هذه ربما تظهر فيها لفظ الجلالة مثلاً، أو كلمة من آية، هذه ما تصلح، وبعضها ينتفه حتى يكون كحب الرز يعني: تقطعه طولاً وعرضاً، فهذه لا تبقى أي حرف فيها، فإذا أردت أن تشتري مثل هذا فاشتر مثل هذا النوع، أما الأول فكما قلت لك: إذا استعرضنا هذه الشرائح ووجدنا فيها لفظ الجلالة أو لفظ الآية فلا بد من أن نحرق الورق الذي وجدنا فيه لفظ الجلالة.(96/29)
حكم المخيمات الكشفية والذهاب إليها
السؤال
فضيلة الشيخ: يوجد من ضمن الأنشطة اللامنهجية في المدارس ما يسمى بالنشاط الكشفي، ولهم رحلات وأنشطة أخرى، وقد قرروا إقامة مخيمات في مدينتي جدة والطائف لمدة أسبوع خلال الإجازة، ومن يذهب إلى هذه المخيمات من الشباب لا يقل عمره عن ستة عشر عاماً، ويزعمون أن معهم بعض طلاب العلم، فما حكم مشاركة الشباب في تلك المخيمات وتوجيهاتكم إلى أولياء أمورهم من ناحية السفر؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
أرى أنه ينبغي أن تقام مثل هذه المراكز في نفس البلاد، يعني: كل بلد يقيمون لهم مركزاً من أجل أن يجمعوا الشباب حوله فلا يحتاجون إلى سفر، ويكونوا عند أهلهم أكثر طمأنينة لأهلهم وأحفظ عن التسيب؛ لأن الذين يسافرون إلى بلاد أخرى ربما يفسح لهم المجال في التسيب في أول النهار أو في آخره، أو في الليل، ولا سيما مثلاً في بعض المنتزهات على البحر في جدة أو ما أشبه ذلك، فأرى أن يحرص الموجهون على أن تقام المراكز في بلادهم.
لكن من كان كبيراً عاقلاً محترماً وأراد أن يذهب مع هؤلاء من أجل أن يشارك في التوجيه والإرشاد فهذا لا بأس به، أما أن يذهب شاب صغير لمجرد النزهة فلا أرى هذا، وإن كنت لا أقول: إنه حرام، لكن أرى أن غيره أفضل منه.(96/30)
حكم زيادة ثمن السلعة إن كان آجلاً
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا أردت أن أبيع سيارة بالتقسيط وأخذت زيادة على مبلغها نقداً فهل يعتبر هذا ربا؟ وهل يلزمني أن أنقلها باسمي أم لا؟
الجواب
إذا كانت السيارة عندك، وكان المشتري يريد السيارة نفسها، أو يريد أن يتكسب بها، فهذا لا بأس به ما دامت معلومة والثمن معلوم، حتى وإن بعتها بأكثر من قيمتها حاضراً، يعني: لو كانت حاضراً تساوي خمسين فبعتها بستين لا بأس.
أما إذا كانت السيارة ليست عندك، بأن جاء هذا الرجل وقال: أنا أريد السيارة الفلانية واذهب إلى المعرض واشتر السيارة وأنا سأشتريها منك بعد ذلك بالتقسيط زائداً عن ثمنها الذي اشتريتها به، فهذا لا يجوز، وهذا حرام؛ لأنه حيلة على أن يقرضه بفائدة.
وأما إذا كانت السيارة عنده وجاء إنسان يشتريها لا لغرض السيارة ولا لغرض أن يتكسب بها ولكن لغرض الدراهم بمعنى: أنه يشتري سيارة ليبيعها ويشتري بيتاً، أو ليبيعها ويتزوج بها، أو ما أشبه ذلك، فهذه مسألة تسمى عند العلماء مسألة التورق وهي عند شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من العلماء حرام وعند غيرهم حلال.
والذي يظهر لي: أنه إذا احتاج الإنسان حاجة شديدة إلى هذه ولم يجد طريقاً سواها يقضي به حاجته فلا بأس بهذا.
السائل: هل يلزمني مثلاً أن أنقلها باسمه الآن إذا أخذتها -مثلاً- الآن فجاءني هو وقال: أريد السيارة من عندك والسيارة ما هي موجودة عندي الآن لكن أنا مثلاً أشتري السيارة؛ لأنه ليس عن قصد أن أعطيك إياها.
أشتريها مثلاً ثم أتفق أنا وإياه.
الشيخ: ما يصلح هذا؛ لأنه ما اشتراها إلا له، لولا أنه جاء يقول: أريد السيارة الفلانية ما اشتراها، وكونه يقول: أنا أشتريها وإذا شاء هَوَّنّ؛ هذا غير وارد، لأن هذا الذي جاء وعين السيارة ما يمكن يهون، ثم إذا هون بقيت هذه التهوينة نقطة سوداء في معاملتكم.(96/31)
حكم صيام كفارة قتل الخطأ عمن مات وهي عليه
السؤال
فضيلة الشيخ: شخص حصل له حادث وتوفي به فقرر المرور أن الخطأ عليه مائة بالمائة واشترك معه في هذا الحادث ناسٌ آخرون أي: السيارة الثانية، ومات منهم شخص واحد، السؤال: هل على الرجل الأول الذي عليه الخطأ كفارة؟ وهل يجوز أن يشترك في هذه الكفارة خمسة أشخاص لأجل أن يقضوها بسرعة؟ وهل يجوز أن يؤخروا هذه الكفارة إلى أن يمضي وقت؟
الجواب
الأول الذي كان الخطأ منه مائة بالمائة ومات وكان قبيله أيضاً مات عليه أن يكفر بعتق رقبة، فإذا كان له مال ووجدت الرقبة اُشتري من ماله رقبة وأُعتقت، فإن لم يكن له مال يكفي لإعتاق الرقبة أو لم توجد رقبة فإنه لا شيء عليه لأن الواجب عليه في مثل هذا الحال الصيام ولم يتمكن، وقد قال الله تبارك وتعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] فلا يصوم عنه أحد في هذه الحال؛ لأنه -أصلاً- ما وجب عليه الصوم، إذ لم تكن ثمة مدة يمكنه أن يصوم فيها، فلا يصوم عنه أحد.(96/32)
حكم المقابر المنفردة في الصحاري
السؤال
يوجد في بعض الصحاري القريبة من القرى قبور في غير المقابر وأحياناً تكون مسورة، فما الحكم في مثل هذه القبور؟
الجواب
أرى أنه إذا تيقن أنها قبور؛ لأنه قد يكون هناك شيء يشبه القبر وليس بقبر، لكن إذا تيقنا أنها قبور واجب التشاور مع القاضي والبلدية: هل الأولى أن تنقل هذه القبور إلى المقابر؛ لأنه أصون لها وأحفظ لها، أو أن تبقى في مكانها؟ السائل: طيب؛ يا شيخ! هل يلزم أن يدفن الميت في مقبرة خاصة، مثلاً: لو توفي أحد في الصحراء، هل يلزم بأن نذهب به إلى المقبرة.
الشيخ: الذهاب به إلى المقبرة أحسن؛ لأنه أحفظ له، قد يأتي إنسان مثلاً يتملك هذه الأرض ويحرث فيها ويزرع فوق القبر وهو لا يعلم، فكوننا ننقله إلى المقابر أحسن بكثير.(96/33)
حكم مقولة: إن كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم من الأنبياء فهو صحابي
السؤال
فضيلة الشيخ: نقل أحد الكتاب عن الإمام الذهبي في كتاب تجريد أسماء الصحابة: أن عيسى بن مريم صحابي ونبي.
وتعليلاً لكونه صحابياً؟ قال: لأنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم، وسلم عليه، فالسؤال: هل جميع الأنبياء الذين لقوا النبي صلى الله عليه وسلم يطلق عليهم تعريف الصحابة، وكذلك المؤمنون من الجن؟
الجواب
أرى أن هذا من التكلف، كوننا نعد عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من الصحابة من التكلف؛ لأن جميع الأنبياء رأوا النبي عليه الصلاة والسلام وسلموا عليه، يعني: رآه كثير منهم في ليلة المعراج، والرسول عرج به بجسده، ورآهم حقاً وكلمهم وكلموه وسلم عليهم وسلموا عليه، فهل نقول: إن آدم صحابي، ويحيى صحابي، وعيسى صحابي، وموسى صحابي وإبراهيم صحابي؟!! ثم إن وصف عيسى عليه الصلاة والسلام بأنه نبي رسول من أولي العزم أفضل من أن نصفه بأنه صحابي، هو في غنى عن أن يوصف بأنه صحابي، ولا أدري هذه الدسيسة من أين جاءت؟ لأن هذا يستلزم ألا نقول: إن أبا بكر هو خير هذه الأمة.
وهذا لا شك أن هذا يحبه الرافضة، يحبون ألا يكون أبو بكر خير هذه الأمة، ونحن نقول: خير هذه الأمة أبو بكر، أما عيسى بن مريم فهو مثل الرسول عليه الصلاة والسلام في منزلته، وإن كان الرسول أفضل الرسل لكنه في منزلة الرسالة، أقوى من منزلة الصحبة وأفضل، ولو أردنا أن نقول هكذا لقلنا: كل من لاقاهم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة المعراج كلهم صحابة.
أرى: أن هذا من التنطع ومن التكلف، وقد قال علي بن أبي طالب وغيره من الصحابة: [خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر] وكان علي بن أبي طالب يخطب على المنبر ويقول: [خير هذه الأمة أبو بكر] وكذلك ابن عمر صح عنه أنهم كانوا يخيرون في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ويقولون: [خير هذه الأمة أبو بكر] في عهد الرسول.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(96/34)
لقاء الباب المفتوح [97]
زخر القرآن الكريم بالآيات والسور التي تبين كثيراً من أهوال يوم القيامة، ومن تلك السور سورة القارعة، والتي كان للشيخ معها هذا البيان والتفسير لما احتوته من ذكر لبعض أهوال يوم القيامة وأحوال الناس في ذلك اليوم.
ذلك هو محور لقاء الشيخ وكلامه في هذا اللقاء المفتوح.(97/1)
تفسير سورة القارعة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع لهذا العام عام (1416هـ) وهو من اللقاءات التي يعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) والذي يتم كل خميس في كل أسبوع، وهذا هو يوم الخميس الرابع والعشرون من شهر محرم عام (1416هـ) .(97/2)
تفسير قوله تعالى: (القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة)
نبتدئ هذا اللقاء بما انتهينا إليه من تفسير جزء النبأ حيث انتهينا إلى سورة القارعة.
يقول الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:1-2] .
الخ.
البسملة آية من كتاب الله، يؤتى بها في ابتداء كل سورة ولا تحسب من آيات السورة لا في الفاتحة ولا في غيرها على القول الراجح من أقوال العلماء، فأول آية في الفاتحة هي قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:1] والثانية: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:2] والثالثة: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:3] والرابعة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:4] والخامسة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:5] والسادسة: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:6] والسابعة: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] إلا أنه لم يؤت بها في أول سورة براءة؛ نظراً لأن ذلك لم يثبت عند الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأشكل عليهم الأمر: هل هي بقية سورة الأنفال، أم هي سورة مستقلة؟ فلهذا وضعوا فاصلاً دون البسملة.
يقول الله تعالى: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:1-2] (القارعة) اسم فاعل من قرع، والمراد التي تقرع القلوب وتفزعها، وذلك عند النفخ في الصور، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [النمل:87] فهي تقرع القلوب بعد قرع الأسماع، وهذه القارعة هي قارعة عظيمة لا نظير لها قبل ذلك، وهي من أسماء يوم القيامة كما تسمى الغاشية والحاقة.
وقوله: {مَا الْقَارِعَةُ} (ما) هنا استفهام بمعنى التعظيم والتفخيم، أي: ما هي القارعة التي ينوه عنها؟ {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} هذا زيادة في التفخيم والتعظيم والتهويل، يعني: أي شيء أعلمك عن هذه القارعة، أي: ما أعظمها وما أشدها.(97/3)
تفسير قوله تعالى: (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث)
ثم بين متى تكون، فقال جل وعلا: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} [القارعة:4] أي: أنها تكون في ذلك الوقت {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} حين يخرجون من قبورهم، قال العلماء: يكونون كالفراش المبثوث، والفراش -كما تعرفون- هو هذه الطيور الصغيرة التي تتزاحم عند وجود النار في الليل، وهي ضعيفة وتكاد تمشي بدون هدى وتتراكم، وربما لطيشها تقع في النار وهي لا تدري، فهم يشبهون الفراش في ضعفه، وحيرته، وتراكمه، وسيره إلى غير هدى، والمبثوث يعني: المنتشر، فهو كقوله تعالى: {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر:7] لو تصورت هذا المشهد يخرج الناس من قبورهم على هذا الوجه لتصورت أمراً عظيماً لا نظير له، هؤلاء العالم من آدم إلى أن تقوم الساعة كلهم يخرجون خروج رجل واحد في آن واحد من هذه القبور المبعثرة في مشارق الأرض ومغاربها، ومن غير القبور: كالذي ألقي في لجة البحر وأكلته الحيتان، أو في فلوات الأرض وأكلته السباع، أو ما أشبه ذلك، كلهم سيخرجون مرة واحدة يصولون ويجولون في هذه الأرض.(97/4)
تفسير قوله تعالى: (وتكون الجبال كالعهن المنفوش)
قال تعالى: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} القارعة:5] أما الجبال وهي تلك الجبال العظيمة الراسية الصلبة فتكون كالعهن المنفوش، العهن: الصوف، والمنفوش: المبعثر، أو إن العهن هو القطن والمعنى واحد، المهم أنها تكون بعد أن كانت صلبة قوية راسخة تكون مثل العهن المنفوش الصوف أو القطن، والمنفوش كما قلنا: المبعثر سواءٌ نفشته بيدك أو بغير ذلك فإنه يكون خفيفاً يتطاير مع أدنى ريح، وقد قال الله تعالى في آية أخرى أن الجبال تكون هباء منثورا، وقال جل وعلا هنا: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة:5] .(97/5)
تفسير قوله تعالى: (فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية)
قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:6-11] قسم الله تعالى الناس إلى قسمين: القسم الأول: من ثقلت موازينه، وهو الذي رجحت حسناته على سيئاته.
والقسم الثاني: من خفت موازينه، وهو الذي رجحت سيئاته على حسناته، أو الذي ليس له حسنة أصلاً كالكافر، يقول تعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [القارعة:6-7] العيشة مأخوذة من العيش وهو الحياة، يقال: عاش الرجل زمناً طويلاً، أي: بقي وحيي زمناً طويلاً، والعِيْشَة هنا على وزن فعلة فهي هيئة وليست مصدراً، المصدر الدال على الوحدة أن تقول: عَيْشَة، وأما إذا قلت: عِيْشَة فهي فعلة تدل على الهيئة كما قال ابن مالك رحمه الله:
وفعلة لمرة كجَلسة وفِعلة لهيئة كجِلسة
المعنى: أنه في حياة طيبة راضية، وراضية قيل: إنها اسم فاعل بمعنى اسم المفعول أي: مرضية، وقيل: إنها اسم فاعل من باب النسبة أي: ذات رضا، وكلا المعنيين واحد، المعنى: أنها عيشة طيبة ليس فيها نكد، وليس فيها صخب، وليس فيها نصب، كاملة من كل وجه، وهذا يعني: العيش في الجنة، جعلنا الله وإياكم منهم، هذا العيش {لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:48] لا يحزنون ولا يخافون، في أنعم عيش، وأطيب بال، وأيسر حال، فهي عيشة راضية.(97/6)
تفسير قوله تعالى: (وأما من خفت موازينه فأمه هاوية)
قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة:8-9] ومن خفت موازينه إما أنه الكافر الذي ليس له أي حسنة؛ لأن حسنات الكافر يجازى بها في الدنيا ولا تنفعه في الآخرة، أو أنه مسلم لكنه مسرف على نفسه وسيئاته أكثر {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} (أم) هنا بمعنى مقصود، أي: الذي يقصده الهاوية، والهاوية من أسماء النار، يعني: أنه مآله إلى نار جهنم والعياذ بالله، وقيل: إن المراد بالأم هنا أم الدماغ، والمعنى: أنه يلقى في النار على أم رأسه نسأل الله السلامة، وإذا كانت الآية تحتمل معنيين لا يترجح أحدهما على الآخر، ولا يتنافيان؛ فإنه يؤخذ بالمعنيين جميعاً، فيقال: يرمى في النار على أم رأسه، وأيضاً: ليس له مأوىً ولا مقصد إلا النار.(97/7)
تفسير قوله تعالى: (وما أدراك ما هيه نار حامية)
قال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} [القارعة:10] هذا من باب التفخيم والتعظيم لهذه الهاوية والعياذ بالله، يسأل: ما هي؟ أتدري ما هي؟ إنها لشيء عظيم، إنها {نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:11] ، في غاية ما يكون من الحمو وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنها فضلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءاً) إذا تأملت نار الدنيا كلها سواء نار الحطب، أو الورق، أو (البوتوغاز) أو أشد من ذلك فإن نار جهنم مفضلة عليها بتسعة وستين جزءاً نسأل الله العافية.
في هذه الآية: التخويف والتحذير من هذا اليوم، وأن الناس لا يخرجون عن حالين: إما رجل رجحت حسناته، أو رجل رجحت سيئاته، وفيها أيضاً دليل على أن يوم القيامة فيه موازين، وقد جاء في بعض النصوص: أنه ميزان، فهل هو واحد أو متعدد؟ قال بعض أهل العلم: إنه واحد وإنما جمع باعتبار الموزون؛ لأنه يوزن فيه الحسنات والسيئات، وتوزن فيه حسنات فلان وفلان، وتوزن فيه حسنات الأمة هذه والأمة الأخرى، فهو مجموع باعتبار الموزون لا باعتبار الميزان وإلا فالميزان واحد.
وقال بعض أهل العلم: إنها موازين متعددة، لكل أمة ميزان، ولكل عمل ميزان فلهذا جمعت.
والأظهر والله أعلم: أنه ميزان واحد لكنه جمع باعتبار الموزون على حسب المال أو على حسب الأمم أو على حسب الأفراد.
وفي هذه الآية: دليل على أن الإنسان إذا تساوت حسناته وسيئاته فإنه قد سكت عنه في هذه الآية، ولكن بين الله تعالى في سورة الأعراف أنهم لا يدخلون النار وإنما يحبسون في مكان يقال له (الأعراف) وذكر الله تعالى في سورة الأعراف ما يجري بينهم وبين المؤمنين وأنهم {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف:47] .
نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن رجحت حسناته على سيئاته، وأن يغفر لنا ولكم، ويعاملنا بعفوه إنه على كل شيء قدير.(97/8)
الأسئلة(97/9)
حكم الزكاة في الزيوت والسكر والتوابل وبذور الأعلاف
السائل: هل في الزيوت والسكر والتوابل وبذور الأعلاف زكاة، وإذا كان فما دليل ذلك وما نصابه؟ الشيخ: اختلف العلماء رحمهم الله في الحبوب التي لا تؤكل ولا تكون قوتاً هل فيها زكاة أو لا؟ فمنهم من قال: إن فيها زكاة لعموم قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة:267] .
ومنهم من قال: إنها لا تجب فيها الزكاة.
وهذا هو الأقرب، وهو أن الزكاة لا تجب إلا في المطعوم الذي يكال ويدخر، وعلى هذا فلا تجب الزكاة في هذه البذور؛ لأنها ليست مطعوماً مدخراً، وهذا القول هو الأرجح، والأصل براءة الذمة حتى يقوم الدليل على الوجوب.
ولقد أخرج البخاري قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ليس في ما دون خمسة أوسق من ثمر ولا حب صدقة) وهذا الذي يوسق في العادة الذي يطعم ويدخر.(97/10)
جواز الاستماع إلى القرآن مع الأكل إما في البيت أو السيارة
السؤال
ما حكم من يسمع القرآن وهو يأكل إما في البيت أو في السيارة؟ الشيخ: لا حرج عليه أن يستمع الإنسان إلى القرآن وهو مشتغل بالأكل؛ لأن ذلك لا يمنعه من الاستماع، أما لو كان العمل يستدعي حضور القلب والفكر ويلهيه عن استماع القرآن فالأولى ألا يستمع مثل: لو كان يعمل عمل مهنة مثلاً يصلح سيارة، أو يصلح أشياء تحتاج إلى أن يكون الذهن مرتبطاً بهذا العمل فهنا نقول: الأولى ألا يستمع إلى القرآن؛ لأنه حينئذٍ يكون غافلاً عنه.
السائل: والمحاضرات يا شيخ؟! الشيخ: وهو يقرأ يعني؟ السائل: لا، وهو يأكل أو يشرب؟ الشيخ: لا بأس لأن الذي غير القرآن أمره أخف.(97/11)
معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه)
السؤال
ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) ؟
الجواب
معناها: أنه لا يكمل إيمان العبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير الديني والدنيوي.
وفي هذا الحديث: تحذير من الحسد الذي هو كراهة ما أنعم الله به على غيرك؛ لأن الحسد من خصال اليهود.
وبهذا عرفت أنه ليس المعنى أنه ليس له إيمان إطلاقاً، بل المعنى لا يكمل إيمانه.(97/12)
عدم جواز بيع الأسهم الذي في البنك العقاري لشخص آخر
السائل: رجل سجل اسمه في البنك ليقوم بالبناء، وبعد سنوات باع اسمه ما حكم ذلك العمل؟ الشيخ: إذا تقدم الإنسان إلى البنك العقاري لبناء بيتٍ له فإنه لا يجوز أن يتحول عن هذا الطلب إلا بموافقة البنك؛ لأنه لو فتح الباب لتلاعب الناس بهذا، فيقال لهذا الرجل: إن كنت استغنيت الآن عن البناء، أو عدلت عن رأيك فاذهب إلى البنك وقل: ألغوا اسمي، وإن كنت محتاجاً فاستعن بالله وكمل المسيرة.
السائل: لا يجوز يا شيخ؟! الشيخ: لا، لا يجوز البيع؛ لأنه ليس لك إلا حق الانتفاع فقط، فإن انتفعت بما قيدت به اسمك وإلا فاترك.(97/13)
صفة الأذكار بعد الصلاة
السؤال
كم صفة للأذكار بعد الصلاة يا شيخ! وما يفرق في صلاة المغرب والفجر؟
الجواب
الأذكار بعد الصلوات أول ذكر: أن تستغفر الله ثلاثاً أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله.
ثم تقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
ثم تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ثلاث مرات، إلا في المغرب والفجر فتقولها عشر مرات، وتزيد فيها يحيي ويميت.
ثم تسبح والتسبيح له أربع صفات: الصفة الأولى: أن تقول: سبحان الله عشر مرات، والحمد لله عشر مرات، والله أكبر عشر مرات.
والصفة الثانية: أن تقول: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر أربعاً وثلاثين.
والصفة الثالثة: أن تقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم تقول لإتمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
الصفة الرابعة: أن تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمساً وعشرين مرة.
فصار ثلاثاً منها تكمل المائة، وواحد لا تكمل المائة ما تقول إلا ثلاثين سبحان الله عشراً، والحمد لله عشراً، والله أكبر عشراً.(97/14)
حكم وقوع الطلاق لمن قال لزوجته: إذا لم تسقطي ما في بطنك فأنت طالق
السائل: جاءني سؤال من أخ مصري: إنه طلق زوجته قال لها: إذا لم تسقطي ما في بطنك فأنت طالق، وكانت حامل من ثلاثة إلى أربعة أشهر، فهل يقع منه الطلاق أو لا يقع؟ الشيخ: أولاً نقول لهذا الزوج: أنه أخطأ حيث أراد من زوجته أن تضع حملها، وليس له الحق في إجبارها على ذلك، ثم إنه إذا بلغ إلى هذه المدة ثلاثة أو أربعة شهور لا يجوز إسقاطه إلا لضرر محقق.
وليعلم أن إسقاط الجنين إن كان بعد نفخ الروح فيه فإنه لا يجوز إسقاطه بأي حال من الأحوال؛ لأنه قد نفخ فيه الروح، وإسقاطه يؤدي إلى قتله وهلاكه، حتى لو قيل: إن الأم إن لم يسقط عنها هذا الحمل ماتت، نقول: ولتمت؛ لأنها إذا ماتت ماتت بفعل من؟ بفعل الله، لكن لو أننا أسقطنا الحمل وأمتناه ومات في ذلك فقد مات بفعلنا، ومن المعلوم أنه لا يجوز إماتة شخص لإحياء شخص آخر.
الحالة الثانية: قبل أن تنفخ فيه الروح لا شك أنه يختلف بحسب بلوغ الجنين فهو أول ما يكون نطفة أهون، ثم إذا كان علقة صار إسقاطه أشد، ثم إذا كان مضغة صار إسقاطه أشد.
هذا حكم إسقاط الجنين.
فنقول لهذا الزوج: إنك أخطأت بعملك هذا كونك ترغم امرأتك على أن تسقط الجنين ونقول: للزوجة ليس عليك أن تضعي الحمل بل لكِ أن تعصي هذا الزوج.
وإذا لم تضعه فهل يقع عليها الطلاق أو لا؟ هذا يرجع إلى نية الزوج إذا كان نيته بهذا الكلام منعها وتأكيد منعها من إبقاء الحمل في بطنها فإنها لا تطلق، وأما إذا كان قصده الطلاق فإنها تطلق.
السائل: مع العلم أنها الطلقة الثالثة لها.
الشيخ: سواء الثالثة أو الثانية أو الأولى، الحكم واحد، إن كان ناوياً للطلاق فهي تطلق.(97/15)
حكم من لم يسلم على إخوانه في المسجد بحجة أنهم على عقيدة فاسدة
السائل: ما هي نصيحتكم لمن يصلي مع إخوة له في المسجد، ولا يسلم عليهم في المسجد بحجة أن عقيدتهم فاسدة؟ الشيخ: وكيف تكون عقيدته هو؟ السائل: حسب زعمه صحيحة.
الشيخ: لا يسلم عليهم حتى في الصلاة، يعني: ما يقول: السلام عليكم ورحمة الله.
السائل: بعد الصلاة لا يسلم.
الشيخ: يعني: إذا قرأ التحيات قام ولا يسلم؟ السائل: لا يسلم عليهم.
الشيخ: يعني يسلم في الصلاة؟ السائل: إي نعم.
الشيخ: ولكن لا يلتفت؟ السائل: لا.
بعد الصلاة لا يسلم عليهم أساساً حتى داخل المسجد، وهم واحد باكستاني وواحد هندي بحجة أن عقيدتهم فاسدة.
الشيخ: على كل حال السلام كما تعلم سنة، السلام في غير سلام الصلاة سنة إن شاء سلم وإن شاء لم يسلم، لكننا نرى أن هذا الإمام ما دام إماماً فالذي ينبغي أن يتألف هؤلاء، وأن يعلمهم العقيدة الصحيحة؛ لأنهم جهال، وغالب هؤلاء العمال الذين يأتون إلينا عاشوا في بلدٍ أهله عندهم بعض الانحراف ولا يعلمون، ومن حقهم علينا أن نعلمهم وأن ندعوهم للسنة، فنشير على هذا الرجل أن يسلم إذا دخل، وأن يتألفهم، وأن يعلمهم إما في كل فرض وإما في الفرض الذي يكونون فيه غير مشغولين.(97/16)
حقيقة عدم مبايعة علي بن أبي طالب لأبي بكر الصديق بالخلافة
السؤال
فضيلة الشيخ! ذكر بعض المؤرخين أن علياً رضي الله عنه لم يبايع أبا بكر بالخلافة إلا بعد مضي ستة أشهر من خلافته، وبعد وفاة فاطمة بنت محمد رضي الله عنها، فما مدى صحة هذا القول؟
الجواب
أولاً: إن هذا قوله لا يصح، وقد قيل: إن علي بن أبي طالب بايع أبا بكر من يومه لكنه أسرَّ ذلك عن فاطمة؛ لأن فاطمة رضي الله عنها صار في قلبها شيء على أبي بكر رضي الله عنه حين منعها من ميراث أبيها صلوات الله وسلامه عليه وقوله هو الحق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إننا معشر الأنبياء لا نورث) لكن تعرف النساء، وربما يكون هناك أحدٌ من الأعداء يملأ قلبها غيظاً على أبي بكر رضي الله عنه، ولا أدري إن كنت نسيت أنها رضي الله عنها بايعت في آخر الأمر، لكن علياً بايع بلا شك مع الناس، إنما غاية ما هنالك أنه أسر ذلك عن فاطمة رضي الله عنها.(97/17)
حكم من توضأ ثم وجد بعد الوضوء لاصقاً بمقدار الظفر على يده ورجله لم يصله الماء
السائل: فضيلة الشيخ! إذا توضأ الإنسان ثم وجد بعد الوضوء أن على يده أو رجله لاصق بمقدار الظفر بحيث أنه يجزم أن الماء لم يصل سواء قبل الصلاة أو بعد الصلاة، فما الحكم؟ الشيخ: إذا تيقن أن هذا اللاصق كان قبل الوضوء فوضوؤه لم يصح، لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] وما تحت هذا اللاصق لم يغسل، فيكون وضوؤه غير صحيح، وأما إذا أشكل عليه هل حصل هذا قبل الوضوء أو بعده فوضوؤه صحيح ولا تلزمه الإعادة؛ لأن الأصل عدم وجوده.
السائل: وهل يعيد الصلاة؟ الشيخ: إذا كان قد تيقن أنه قبل الوضوء فإنه يزيله ويتوضأ ويعيد الصلاة.(97/18)
خطورة الكلام على الحكام والعلماء والدعاة والجماعات
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأيكم في كثير من الشباب الذين إذا اجتمعوا في مجلس من المجالس يقضون جلَّ وقتهم في الكلام على ولاة أمور المسلمين، أو الدعاة، أو العلماء، أو الجماعات الإسلامية، ويرون أن هذا من باب النصح، أو من باب التحذير من الأخطاء، أو نحو ذلك؟
الجواب
أرى أن هؤلاء أضاعوا أوقاتهم بلا فائدة، واشتغلوا عما هو مهم فيما ليس فيه فائدة أيضاً، بل فيه مضرة، خصوصاً الكلام عما يتعلق بأهل العلم والأمراء لما في ذلك من الضرر العظيم على الأمة؛ لأن الكلام في العلماء في الغيبة يهون قدرهم في نفوس الناس، وإذا هان قدر العلماء في نفوس الناس صار قبولهم لما يقول هؤلاء العلماء ضعيفاً، واختلت بذلك الشريعة، وأما الأمراء فيقال أيضاً: إنه إذا تُكلم فيهم بالغيبة، والسب، والشتم، وذكر المساوئ، والإعراض عن المحاسن؛ فإنه يؤدي إلى كراهة الناس لهم، وعدم انصياعهم لأمرهم، وإلى الفوضى والتفرق بين الأمة، والوزر على هؤلاء إن حصل شيءٌ من ذلك، ثم نقول لهؤلاء: هل كلامكم هذا يؤدي إلى الإصلاح؟ سيكون الجواب: لا، لا يؤدي إلى الإصلاح بل يزيد الشر شراً.(97/19)
كلام حول نظرية علمية جيولوجية لأحد الكتاب
السؤال
فضيلة الشيخ! أحد الكتاب في إحدى المجلات ذكر نظرية علمية جيولوجية قال: إن الأرض تتكون من قشرة ولب، والقشرة تخالف حركة اللب، وفي وقتنا هذا اللب يتجه من الشرق إلى الغرب، والقشرة تتجه من الغرب إلى الشرق، فتطلع الشمس من المشرق، ثم بعد ذلك يقول: أنه يحصل تباطؤ من اللب مع القشرة حتى يأتي إلى فترة استقرار، ثم بعد ذلك يحصل تعاكس في الاتجاه بين القشرة واللب، فالقشرة تتجه من الشرق إلى الغرب واللب العكس، ثم يحصل تباطؤ، والتباطؤ هذا يحصل اليوم في التسارع قد يكون عشر ساعات، والتباطؤ قد يكون خمسين ساعة، يعني: تباطؤ القشرة عن اللب يكون اليوم خمسين ساعة، لأن مسألة الاحتكاك بين القشرة واللب فيطول اليوم دوران الأرض، ثم بعد ذلك يستدل ويقول بقصة ذي القرنين قال: إنها كانت تلك الفترة فترة استقرار بين القشرة واللب فذو القرنين بلغ مغرب الشمس وبلغ مطلع الشمس، فنصف الكرة الأرضية كان في ضوء كامل {لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً} [الكهف:90] والآخر: كانوا في ظلام كانوا لا يفقهون قولا، فما عندهم إضاءة الشمس، ثم قال: نجعل ذلك بين علمائنا وما هي إلا قابلة للأخذ والرد، فما رأيكم؟
الجواب
والله أنا أرى أنها قابلة قبولاً لا يعدل عنه إلى عدم الخوض في ذلك، لأن هذا ليس عندنا منه علم، أما الذي أعلمه أن هناك قشرة ولب يتعاكسان في المسير ثم يتباطأ أحدهما فيتفقان، ثم تنعكس المسألة فيكون الليل نهار والنهار ليل، هذا لا علم لنا به، كل هذا من الأقوال التخرصية التي لا يمكن أن يصل فيها إلى علم أبداً.
أما هذا فغلط لأن ذا القرنين كان قد أعطاه الله تعالى ملكاً وقدرة ولهذا قال: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّى إِذَا بَلَغَ} [الكهف:89-90] فهناك غاية مدة، و (أتبع سبباً) أيضاً يعني السبب كل ما وصل إلى المقصود، وكونه يأت بصيغة التنكير يدل على أنه سبب عظيم، وليس المعنى أنه في لحظة ولحظة وصل هذا وهذا، وأما قوله: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً} [الكهف:90] المعنى: أنهم بدائيين ليس عندهم منازل، ولا أظلة، ولا شيء كالحيوانات.(97/20)
حكم من لا يستنشق خوفاً من ضرر الماء على خياشيمه
السائل: بعض الناس لا يستنشق خوفاً من أن يضر الماء بخياشيمه فهل الوضوء صحيح أم لا؟ الشيخ: لا يستنشق خوفاً من الماء؟ السائل: يضره الماء.
الشيخ: الخياشيم؟ السائل: الخياشيم.
الشيخ: لا، هو ممكن أن يدخل الماء بين المنخرين وإن لم يستنشقه.
السائل: يعني ليس هناك داعي للاستنشاق الشيخ: إي نعم.
ما دام يعرف أن منه ضرراً؛ لأن بعض الناس يكون عنده جيوب في الخياشيم إذا دخلها الماء تضرر من ذلك.
السائل: ما عنده ضرر، لكن هو يخاف كالأولاد الصغار؟ الشيخ: العيال الصغار.
السائل: هم لا يستنشقون، لكن هو يخاف.
الشيخ: على كل حال إذا كان مجرد وهم لا عبرة به، فلا يصح وضوؤه، هو لابد أن يصل الماء إلى باطن المنخرين هذا الواجب.
السائل: قريب أم بعيد؟ الشيخ: قريب هذا الواجب ما هو لازم يصل إلى الخياشيم.(97/21)
معنى قوله تعالى: (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب)
السؤال
فضيلة الشيخ: ما معنى قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل:88] ومتى يكون ذلك؟ وما كيفية مرورها؟
الجواب
يكون ذلك يوم القيامة، لأن الله تعالى قال: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ * وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل:87-88] وهذا معنى كونها هباءً، والقرآن يفسر بعضه بعضاً، ومن فسرها: بأنه دوران الأرض في الدنيا.
فقد قال على الله بلا علم، بل قال ما يخالف قول الله عز وجل؛ لأن الله ذكر هذا بعد أن ينفخ في الصور.
وأما قوله: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} أن يوم القيامة كله يقين ولا يمكن فيه شيء يسمى فيه حسباناً ولا ظناً، فيقال: إن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الحج:1-2] ومع هذا فإن الله يقول: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} وهذا يكون يوم القيامة.(97/22)
حكم استخدام جهاز الصدى في المساجد
السؤال
فضيلة الشيخ يوجد في بعض المساجد بالإضافة إلى مكبرات الصوت يوجد جهاز يسمى جهاز الصدى، ولكن أئمة المساجد يختلفون في ضبطهم لهذا الجهاز، فبعضهم يزيد في تكرير الحرف من الآية إلى مرتين فأكثر، ويتضح ذلك أكثر في حرفي السين والصاد، وبعضهم الآخر يجعل الجهاز يضخم بدون ترديد فلا يؤثر هذا على القراءة للقرآن الكريم، فما حكم وضع الصنف الأول الذي يردد بكثرة، وما توجيهاتكم لمن يفعلونه، علماً أن الصنف الثاني لا يكون فيه تكراراً للأحرف وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
أما الصنف الأول الذي يكون فيه تكرار الحرف هذا لا يجوز؛ لأنه يؤدي إلى زيادة حروف في كلام الله عز وجل.
وأما الثاني الذي ليس فيه إلا تفخيم الصوت فينظر إن كان هذا أدعى للخشوع فلا بأس، وإلا فتركه أولى؛ لأن كون الناس يستمعون القرآن بدون واسطة في الغالب أخشع، وإذا اعتاد الإنسان أنه لا يخشع إلا إذا سمع عبر هذا الصوت صار إذا قرأ القرآن وحده لا يحصل له الخشوع، وعلى هذا فتركه أولى في كلا الحالين.
لكن الحالة التي تؤدي إلى تكرار الحروف يكون فيها حراماً؛ لأنه لا يحل للإنسان أن يزيد في كلام الله ما ليس منه.(97/23)
حكم صلاة الجماعة للنساء في البيوت
السؤال
هناك امرأة في بيتها تقوم مع بنات لها بصلاة الجماعة في إحدى الغرف إلزامياً يومياً في خمس صلوات ما حكم هذا؟
الجواب
لا يجب على النساء صلاة الجماعة لا في بيوتهن ولا في المساجد، لكن اختلف العلماء: هل تسن صلاة الجماعة للنساء في بيوتهن أو لا؟ فمنهم من قال: تسن لهن صلاة الجماعة.
ومنهم من قال: إنها لا تسن.
فلتنظر هذه المرأة مع بناتها إذا كانت صلاتهن جماعة أحسن لأنهن يقمن من النوم ويصلين جميعاً، ثم إن إمامتهن ستكون مطمئنة في الصلاة لا تسرع الإسراع المخل، فإنه في هذه الحال تكون صلاتهن جماعة أفضل، وإذا كان لا يحصل هذه الميزة فلتكن صلاتهن جماعة أحياناً وأحياناً.(97/24)
حكم قول: (الدين الإسلامي فيه لب وقشور)
السؤال
هل الدين الإسلامي فيه قشور بحيث نقول: هذه المسألة من القشور أو جزئيات؟
الجواب
الدين الإسلامي ليس فيه قشور، كله أصول، وكله لب، وكله نافع، وكله خير، قال الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] ، وقال تعالى: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الممتحنة:10] ، وقال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] وهذا كله يدل على أن القرآن ليس فيه شيء لا فائدة منه.
نعم في الدين الإسلامي ما هو مؤكد أكثر من الآخر، فالصلوات المفروضة آكد من التطوع، والصلاة أفضل من الصيام، وما أشبه ذلك، أما أن يقال: قشور ولب فلا، ولا يجوز لنا أن نقول هذا إطلاقاً؛ لأن هذا يفهم أن القرآن فيه ما لا فائدة منه، كما أن القشور ليس منها فائدة.(97/25)
كلام حول مسألة التكفير
السؤال
فضيلة الشيخ! عنك خرجت في الآونة الأخيرة بعض الكتب، والكتيبات، والنشرات؛ تتكلم في مسألة عظيمة وهي مسألة الكفر، وذلك أن الذين تكلموا في هذه المسألة انقسموا إلى قسمين: منهم من يتشدد فيكفر الحكومات ومن يعمل بها، ويكفر كذلك المجتمعات.
ومنهم -وهو الصنف الثاني- من تساهل في هذا الأمر وقال: إن الكفر لا يكون في الكفر العملي أي: لابد أن يكون في الاعتقادي، ولابد أن يكون تكذيباً وجحوداً، وإذا لم يكن كذلك فليس هناك كفر.
وبين يديَّ رسالة تكلمت في هذه المسألة، وانتشرت بين الناس، وطبعت بكثرة، ووزعت على الناس، وهي مسألة: إحكام التقرير في أحكام مسألة التكفير لمصنف سمى اسمه: بـ مراد شكري، وذكر في هذا الكتاب مسائل كثيرة، أذكر نموذجين يا فضيلة الشيخ.
قال في الصفحة السابعة عشرة: وهذه السطور أخي الموفق لخصت فيها أقوال نحارير أهل العلم، وأكابرهم في كل عصر، أعلم الناس بمقالات السلف ومن بعدهم، وأعيد لك التلخيص بألخص منه مرة أخرى: فلا يكفر قطعاً إلا المكذب للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يثبت التكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد ثبوت أمرين اثنين: الأول: ثبوت النص قطعياً بإجماع ضروري متواتر أنه صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني: ثبوت المعنى كذلك بإجماع متواتر ضروري أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد كذا.
وعندها نجزم أن المخالف لهذين الشرطين مكذب، ومثله الجاحد؛ فهو مكذب للنبي صلى الله عليه وسلم بلا أي شبهة، ولا عارض تأويل؛ فهو كافر، فاعلم واحرص على هذا التحقيق، واحرز دينك من الموسوسين.
وقال في الصفحة الثامنة والعشرين بعد أن ذكر أقوال الناس: فهذه النصوص -يعني: الأقوال- المتقدمة ظاهرة وجلية أن الكفر هو: تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم، والجحود هو الاستحلال والعناد والإنكار والنفي كلها بمعنى، وبهذا التقرير لا يمكن أن يكون عملٌ من الأعمال كفراً ناقلاً عن الملة إلا إذا تضمن ضرورة وقطعاً التكذيب وذلك مثل: سب الله، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو السجود لصنم، أو إلقاء المصحف في القذر، ومثل ذلك دون أي شبهة تتعرض أو إشكال يفترض.
فما توجيهكم فضيلة الشيخ في هذين الصنفين؟
الجواب
هذه مسألة كما ذكرت خطيرة وهي التكفير والتبديع والتفسيق وما إلى ذلك، تجد بعض الناس يتحاشى أن يقول: هذا حلال أو هذا حرام إلا بعد أن يكون ذلك ثابتاً بالشرع.
ويقول: ليس لي أن أحلل وأحرم، التحليل والتحريم من الله ورسوله، لكنه في مسألة التكفير يتساهل، ويكفر من لا يكفره الله ورسوله، ولم يعلم هذا المسكين أن خطر التكفير أعظم من خطر التحليل والتحريم؛ لأن من كفر من ليس أهلاً عاد كفره عليه كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سواءً قلنا: إنه يعود إليه شرعاً، أو يعود إليه قدراً، فهو لن يتخلص من أن يكون كافراً إذا كفر من لم يكفره الله ورسوله.
وأما حصر التكفير بالاعتقاد فهذا غلط أيضاً ومخالف للقرآن وللسنة وأقوال السلف: أما القرآن: فإن الله تعالى ذكر عن إبليس أنه كفر مع أن إبليس مقر بالله عز وجل وعالم بما له من الأسماء والصفات والقدرة، ومع هذا كفر بتركه السجود الذي أمر به، وهذا ليس كفراً عقدياً بل هو كفر عملي.
وأما السنة: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قال: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) ، وقال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) وهذا كفر عملي يكفر بترك الصلاة مع اعتقاده وجوبها.
وأما مخالفته لأقوال السلف: فقال عبد الله بن شقيق رحمه الله: [كان أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال -وانتبه إلى قوله من الأعمال- تركه كفر غير الصلاة] .
فالكفر نوعان: كفر جحود وتكذيب، وكفر استكبار وإباء، وكلاهما ثابت.
وأما المفرط الذي يكفر كل إنسان كان على غير رأيه فهذا أيضاً على خطر عظيم، ويشبه أن يكون من الخوارج الذين يكفرون بالكبيرة، ويقولون: إن فاعل الكبيرة كافر مخلد في النار.
فعليك بالطريق الوسط لا تتجاوز ما دل عليه الكتاب والسنة، والعباد عباد الله، هو الذي يحكم بكفر هذا أو إسلام هذا، وأنت لست محللاً ولا محرماً، ولا مكفراً ولا نافياً للكفر، الأمر إلى الله عز وجل.
فرأيي: أن هؤلاء مفرطون، وهؤلاء مفرطون، فمن كفر بكل شيء فهو مفرط، ومن نفى الكفر العملي فهو مفرط.(97/26)
حكم الخروج مع جماعة التبليغ
السؤال
فضيلة الشيخ! قبل سنوات قريبة كان هناك كثير من الإخوان يأتي ويتساءل عن الخروج مع جماعة التبليغ، فأكثر ما نسمع من طلبة العلم أنهم يحضونه على العلم، وعلى الاتجاه إلى حلقات الذكر، وحلقات العلم الموجودة في المدن، وأيضاً إلى التعاون مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إلخ.
ولكن من سنتين تقريباً حصل هبوط وتلاشي بحلقات العلم في كثير من المدن، بل تكاد تكون معدومة في بعض المدن، فالإخوان في جماعة التبليغ يتساءلون يقولون: نحن الآن أين نذهب إذا ما كان هناك طالب علم نجتمع إليه، أو نتعلم منه فأين نذهب؟ علماً بأن الإخوان في جماعة التبليغ هم الوحيدون فقط الذين يستمرون على نشاطهم، وعلى اجتماعاتهم، وعلى جهدهم المقل أو المكثر، فنريد يا فضيلة الشيخ! حقيقة ولو أنه طال الكلام عن هذا الأمر ونحن حقيقة معنا مجموعة من الشباب يأتون من مدن تبعد خمسمائة أو ستمائة كيلو ليحضروا هذا اللقاء؛ لأنه في المدن التي نعيش فيها ليس هناك حقيقة تعرف يعني ما الذي حصل لأكثر طلبة العلم ابتعدوا عن الحلقات، فالحقيقة يا شيخ! نحن لا ندري نخليهم يواصلون مع جماعة التبليغ، أو نبقى على موقفنا الأول ونقول: اتجهوا إلى العلم، وإذا قلنا لهم: اتجهوا إلى العلم يقولون: لا نجد من يعلمنا، أو إذا جلسنا عند بعض طلبة العلم بدأ يبدع ويفسق، فيقولون: ما نجد حقيقة الذي يعيننا على أنفسنا، أو على استمرار النشاط إلا هؤلاء الإخوة، فما رأي فضيلتكم خاصة في هذه الأيام التي بدأ فيها الضعف الحقيقي في أكثر المناطق؟
الجواب
أقول: نسأل الله العافية، ونسأل الله أن يعيد نشاط الشباب فيما فيه الخير لهم وللبلاد.
جماعة التبليغ جماعة نشطة، وجماعة فيها خير، وجماعة لها تأثير لا يوجد لأي جماعة أخرى، وجماعة تكف شرها عن الناس لا تتكلم في الناس؛ لا في الحكام، ولا في العلماء، ولا في الأمراء، وهذا شيء مشهور، بل إنهم يحاولون ترك الجدال عندهم حتى في مسائل العلم، كل هذا للابتعاد عن التنافر، وتأثيريهم واضح، كم من إنسان فاسق صار بواسطتهم عدلاً مستقيماً، وكم من إنسان كافر دخل في الإسلام من أجلهم، وحسن أخلاقهم، لكن ينقصهم العلم، يحتاجون إلى طلبة علم يكونون معهم ويبينون لهم الحق؛ حتى يكونوا على بصيرة من الأمر، ويخشى من السفر إلى الخارج إلى باكستان أو بنجلادش أو غيرها مما يخاف عليهم من البدع هناك، على أن بعض الإخوة من أهل القصيم ذهبوا في هذه السنة لاجتماع كان في باكستان أو بنجلادش -لا أدري- لكنهم ذكروا أن كبيرهم الذي ألقى الخطبة في هذا الجمع الغفير كان من أول ما بدأ من صلاة المغرب إلى أربع ساعات بعد الغروب وهو يقرر التوحيد، يقولون: ولم نسمع عنه ما يدل على مخالفة التوحيد أبداً، ومع ذلك لما حصل بيننا وبينهم لقاء أثنى على أهل العلم في هذه البلاد وقال: نحن نتمنى أن يأتينا أحدٌ منكم يبين لنا الخطأ حتى نرجع عنه.
فعلى كل حال: يحتاجون إلى طلبة علم يكونون معهم، فطالب العلم إذا كان معهم سيستفيد من جهتين: الجهة الأولى: أنه يعلمهم ويرشدهم ويوجه هذه الفئة التي تدعوا الناس بأخلاقها، وآدابها، وإيثارها، يعلمهم ما يجب عليهم من أمور الشرع.
والجهة الثاني: أنه هو بنفسه إذا كان شامخ الرأس لكونه طالب علم؛ فإنه يلين ويعرف التواضع، والقيام بالإيثار، فذمهم مطلقاً غلط، ومدحهم مطلقاً غلط، لكن فيما أعلم حسناتهم أكثر من سيئاتهم، والنقص الذي عندهم هو مسألة العلم، عندهم جهل.
نسأل تعالى أن يجمعنا جميعاً على العلم النافع والعمل الصالح إنه على كل شيء قدير.(97/27)
لقاء الباب المفتوح [98]
في هذا اللقاء تفسير آيات سورة التكاثر، حيث تحدث الشيخ خلالها عن الانشغال بالتكاثر والفخر بذلك، وهذا يعد من أسباب اللهو التي تشغل الإنسان عن طلب الآخرة، فيمتد اللهو والانشغال بالتكاثر إلى أن تأتي للشخص منيته، فقد هدد الله تعالى من ألهاه التكاثر وأكد التهديد بصيغة الردع والزجر برؤية الجحيم، وأكد رؤيتها في يوم القيامة، والسبب يعود إلى الغفلة وقلة العلم، بالإضافة إلى سؤال الله لعباده عن النعيم الذي كانوا يتنعمون به في الدنيا وذلك يوم القيامة، ثم انتقل الشيخ إلى الإجابة عن الأسئلة المتنوعة.(98/1)
تفسير سورة التكاثر
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن والتسعون من لقاء الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس الثامن من شهر صفر عام (1416هـ) .(98/2)
تفسير قوله تعالى: (ألهاكم التكاثر)
نفتتح هذا اللقاء بما انتهينا إليه من تفسير جزء سورة النبأ، حيث وصلنا إلى سورة التكاثر يقول الله عز وجل: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2] هذه الجملة جملة خبرية، يخبر الله عز وجل بها العباد مخاطباً لهم يقول: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1] ومعنى (ألهاكم) أي: شغلكم حتى لهوتم عما هو أهم من ذكر الله تعالى والقيام بطاعته، والخطاب كما تعلمون لجميع الأمة، إلا أنه يخصص بمن شغلتهم أمور الآخرة عن أمور الدنيا وهم قليل، وإنما نقول: هم قليل؛ لأنه ثبت في الصحيحين أن الله تبارك وتعالى يقول يوم القيامة: (يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون) واحد في الجنة والباقي في النار، وهذا عدد هائل إذا لم يكن من بني آدم إلا واحد من الألف إلى الجنة والباقون من أهل النار، إذاً فالخطاب بالعموم في مثل هذه الآية جارٍ على أصله؛ لأن الواحد من الألف ليس بشيء بالنسبة إليهم.
وأما قوله: {التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1] فهو يشمل التكاثر بالمال، والتكاثر بالقبيلة، والتكاثر بالجاه، والتكاثر بالعلم، وبكل ما يمكن أن يقع فيه التفاخر، ويدل لذلك قول صاحب الجنة لصاحبه: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} [الكهف:34] فالإنسان قد يتكاثر بماله فيطلب أن يكون أكثر من الآخر مالاً وأوسع تجارة، وقد يتكاثر الإنسان بقبيلته، يقول: نحن أكثر منهم عدداً كما قال الشاعر:
ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر
أكثر منهم حصى؛ لأنهم كانوا فيما سبق يعدون الأشياء بالحصى، فمثلاً: إذا كان هؤلاء حصاهم عشرة آلاف والآخرون حصاهم ثمانية آلاف صار الأول أكثر وأعز، فيقول الشاعر:
ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر
كذلك يتكاثر الإنسان بالعلم، فتجده يفخر على غيره بالعلم، لكن إن كان بالعلم الشرعي فهو خير، وإن كان بالعلم غير الشرعي فهو إما مباح وإما محرم، المهم أن مما يقع فيه التكاثر العلم، وهذا هو الغالب على بني آدم التكاثر فيتكاثرون في هذه الأمور عما خلقوا له من عبادة الله عز وجل.(98/3)
تفسير قوله تعالى: (حتى زرتم المقابر)
قال تعالى: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:2] يعني: إلى أن زرتم المقابر، يعني: إلى أن متم، فالإنسان مجبول على التكاثر إلى أن يموت، بل كلما ازداد به الكبر ازداد به الأمل، فهو يشيب في السن، ويشب في الأمل، حتى إن الرجل له تسعون سنة مثلاً تجد عنده من الآمال وطول الأمل ما ليس عند الشاب الذي عمره خمس عشرة سنة.
هذا معنى الآية الكريمة، أي: أنكم تلهوتم بالتكاثر عن الآخرة إلى أن متم.
وقيل إن معنى: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:2] حتى أصبحتم تتكاثرون بالأموات كما تتكاثرون بالأحياء، فيأتي الإنسان فيقول: أنا قبيلتي أكثر من قبيلتك، وإذا شئت فاذهب إلى القبور، عد القبور منا وعد القبور منكم فأيهم أكثر، لكن هذا قول ضعيف، بعيد من سياق الآية، والمعنى الأول هو الصحيح، هو أنكم تتكاثرون إلى أن تموتوا.
وقوله: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:2] استدل به عمر بن عبد العزيز رحمه الله: على أن الزائر لا بد أن يرجع إلى وطنه، وأن القبور ليست بدار إقامة.
وكذلك ذكر عن بعض الأعراب أنه سمع قارئاً يقرأ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2] فقال: والله لنبعثن، لأن الزائر كما هو معروف يزور ويرجع فقال: والله لنبعثن، وهذا هو الحق، وبهذا نعرف أن ما يذكره بعض الناس الآن في الجرائد وغيرها، يقول عن الرجل إذا مات: إنه انتقل إلى مثواه الأخير، أن هذا كلام باطل وكذب؛ لأن القبور ليست هي المثوى الأخير، بل لو أن الإنسان اعتقد مدلول هذا اللفظ لصار كافراً بالبعث، والكفر بالبعث ردة عن الإسلام، لكن كثيراً من الناس يأخذون الكلمات ولا يدرون ما معناها، ولعل هذه موروثة عن الملحدين الذين لا يقرون بالبعث بعد الموت.(98/4)
تفسير قوله تعالى: (كلا سوف تعلمون)
قال الله تعالى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر:3-4] قيل: إن كلا بمعنى: الردع، يعني: ارتدعوا عن هذا التكاثر، وقيل: أنها بمعنى حقاً، ومعنى: (سوف تعلمون) أي: سوف تعلمون عاقبة أمركم إذا رجعتم إلى الآخرة، وأن هذا التكاثر لا ينفعكم، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: (أن العبد يقول: مالي مالي -يعني يفتخر به- وليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت) والباقي تاركه لغيرك، وهذا هو الحق، الآن أموالنا التي بين أيدينا إما أن نأكلها فتفنى، وإما أن نلبسها فتبلى، وإما أن نتصدق بها فنمضيها وتكون أمامنا يوم القيامة، وإما أن نتركها لغيرنا، لا يمكن أن يخرج المال الذي بأيدينا عن هذه القسمة الرباعية.
{كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر:3] أي: سوف تعلمون عاقبة أمركم بالتكاثر الذي ألهاكم عن الآخرة, {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر:4] وهذه الجملة تأكيدٌ للردع مرة ثانية.(98/5)
تفسير قوله تعالى: (كلا لو تعلمون علم اليقين)
ثم قال تعالى: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} [التكاثر:5] يعني: حقاً لو تعلمون علم اليقين لعرفتم أنكم في ضلال، ولكنكم لا تعلمون علم اليقين؛ لأنكم غافلون، لاهون في حديث الدنيا، ولو علمتم علم اليقين لعرفتم أنكم في ضلال وفي خطأ عظيم.(98/6)
تفسير قوله تعالى: (لترون الجحيم)
قال تعالى: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [التكاثر:6-7] (لترون) هذه جملة مستقلة ليست جواب لو، ولهذا يجب على القارئ أن يقف عند قوله: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} [التكاثر:5] ونحن نسمع كثيراً من الأئمة الذين عندهم علم يصلون فيقولون: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر:5-6] وهذا الوصل إما غفلة منهم ونسيان، وإما أنهم لم يتأملوا الآية حق التأمل، وإلا لو تأملوها حق التأمل لوجدوا أن الوصل يفسد المعنى؛ لأنه إذا قال: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر:5-6] صار رؤية الجحيم مشروطة بعلمهم، وهذا ليس بصحيح، لذلك يجب التنبه والتنبيه لهذا إذا سمعتم أحداً يقرأ: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر:5-6] نبهوه، قل: يا أخي وصلك هذا يوهم فساد المعنى، وأنت قف أولاً: لأنها رأس آية، والمشروع أن يقف الإنسان عند رأس كل آية.
وثانياً: أن الوصل يفسد المعنى {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر:5-6] إذاً {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر:6] جملة مستأنفة لا صلة لها بما قبلها، وهي جملة قسمية فيها قسم مقدر والتقدير: والله لترون الجحيم.
ولهذا يقول المعربون في إعرابها: إن اللام موطأة للقسم، وجملة ترون هي جواب القسم، والقسم محذوف، والتقدير: والله لترون الجحيم.
والجحيم اسم من أسماء النار.(98/7)
تفسير قوله تعالى: (ثم لترونها عين اليقين)
قال تعالى: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [التكاثر:7] تأكيداً لرؤيتها، يوم القيامة، يؤتى بها تجر بسبعين ألف زمام، كل زمام يجره سبعون ألف ملك، فما ظنك بهذه الدار والعياذ بالله؟ إنها دار كبيرة عظيمة؛ لأن فيها سبعين ألف زمام، كل زمام يجره سبعون ألف ملك، والملائكة عظام شداد، فهي نار عظيمة أعاذنا الله وإياكم منها.(98/8)
تفسير قوله تعالى: (ثم لتسألن يومئذٍ عن النعيم)
قال تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8] يعني: ثم في ذلك الموقف العظيم تسألن عن النعيم، واختلف العلماء رحمهم الله في قوله: {لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8] هل المراد الكافر، أو المراد المؤمن والكافر؟ والصواب: أن المراد به المؤمن والكافر، كلٌ يسأل عن النعيم، لكن الكافر يسأل سؤال توبيخ وتقريع، والمؤمن يسأل سؤال تذكير، والدليل على أنه عام: ما جرى في (قصة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر حيث خرجوا ذات يوم من الجوع، فذهبوا إلى بستان رجلٍ يقال له أبو الهيثم بن التيهان فاستأذنوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: السلام عليكم -وكانت امرأته وراء الباب- فردت عليهم السلام وفدت بالأم والأب، فسألوا عن زوجها فقالت: إنه ذهب يستعذب الماء أي: يأتي بالماء العذب الطيب، فجلسوا ثم جاء الرجل ففرح بهم فرحاً عظيماً، وقال: إنه لا أحد أكرم أضيافاً مني اليوم، ثم قطع لهم عذقاً من النخل وأتى به وألقاه بين أيديهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هلا جنيت.
يعني: خرفت، وتعلمون أن الخراف أن يأخذ الإنسان الرطب فقط، فقال: أردت يا رسول الله أن يكون بين أيديكم البسر والرطب والمذنب -لأن العذق يشمل كل الثلاثة- فأكلوا ثم دعوا بالماء فشربوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماء طيب، وطعام طيب، وظل طيب، لتسألن يومئذٍ عن النعيم) وهذا دليل على أن الذي يسأل المؤمن والكافر، لكن يختلف السؤال، سؤال المؤمن سؤال تذكير بنعمة الله عز جل عليه، حتى يفرح ويعلم أن الذي أنعم عليه في الدنيا أكرم من أن ينعم عليه بالآخرة، بمعنى: أنه إذا تكرم عليه في الدنيا تكرم عليهم بنعمته في الآخرة، أما الكافر فإنه سؤال توبيخ وتنبيه.
نسأل الله تعالى أن يستعملنا وإياكم في طاعته، وأن يجعل ما رزقنا عوناً على طاعته، إنه على كل شيء قدير.(98/9)
الأسئلة(98/10)
الحالة التي يجب فيها التيمم
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز لنا أن نتيمم بمجرد فقد الماء مع أننا سوف نجده قبل انتهاء الوقت؟
الجواب
يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة:6] فأمر أن نتوضأ من الحدث الأصغر ونتطهر من الحدث الأكبر إذا قمنا إلى الصلاة، فإن لم نجد تيممنا، فيجوز لمن ليس عنده ماءٌ عند دخول وقت الصلاة أن يتيمم، لكن العلماء رحمهم الله قالوا: إذا كان يغلب على ظنه أنه يجد الماء قبل خروج الوقت فالأفضل أن يؤخر التيمم إلى أن يصل إلى الماء.
السائل: لكن بعض الإخوة قد ذكر لنا أن ابن عمر رضي الله عنهما تيمم وصلى وهو يرى جدران المدينة.
وكان هذا في أول الوقت فما توجيهكم بهذا الأثر؟ الشيخ: هذا الأثر لا أدري عنه، لكننا نستدل بالآية كما سمعتم: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة:6] أي وقت، لكن الأفضل كما قلت: أن يؤخر ما دام يرجو وجود الماء.(98/11)
معنى التعزية وصفتها ووقتها
السؤال
فضيلة الشيخ! ما صفة التعزية؟ وهل يعزى غير أقرباء الميت وزملائه وجيرانه؟ وهل التقبيل أو المصافحة عند التعزية مشروع؟ وهل يعزى بالهاتف أو الذهاب إلى المنزل المعزي؟ وهل هو حديث: (إنما التعزية للمصاب) أم ماذا وما معناه؟
الجواب
التعزية سنة مؤكدة للمصاب، من قريب أو صديق أو زميل أو غير ذلك، ومعنى التعزية: تقوية المصاب على تحمل ما نزل به من المكروه، هذه التعزية، ومنه الأرض العزاز يعني الصلبة، فكأنك تصلب هذا الرجل وتقويه، حتى لا يلين أمام هذه المصيبة بل يكون قوياً، فكلما رأيت مصاباً بما عليه أو فقد حبيبه أو مرض أو غير ذلك أن تعزيه، وأحسن صيغة للتعزية ما عزى به النبي صلى الله عليه وسلم، إحدى بناته حيث قال للرسول الذي أرسلته إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مرها فلتصبر ولتحتسب: فإن لله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بأجل مسمى) هذا أحسن ما يقول، وله أن يقول دعاء مناسباً مثلما هو مشهور عند الناس اليوم: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر الله لميتك، أو غير ذلك من الدعاء المناسب.
وأما التقبيل والمصافحة فليس من سنن التعزية، إلا إذا كان هذا أول ما لقيته فإنك تصافحه؛ لأن المشروع عند الملاقاة المصافحة، وأما أن تتخذ سنة على أنها من سنن التعزية فهذا بدعة؛ لأن كل من تقرب إلى الله عز وجل بشيء لم يشرعه الله كان مبتدعاً.
وأما مكانها: فليس لها مكان معين، أي مكان تجد فيه المصاب وتشعر بأنه مصاب فإنك تعزيه.
وأما زمنها: فقيل إنها تقيد بثلاثة أيام من حدوث المصيبة، استدلالاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة أن تحد على ميتٍ فوق ثلاث إلا على زوجها) ولكن الاستدلال بهذا الحديث فيه نظر؛ لأن الحديث في الإحداد وليس في التعزية، والصواب: أن التعزية مشروعة ما دامت المصيبة باقية، فإن نسيها أو رؤي أنه ليس بمصاب إلى ذلك الحد فإنه لا يعزى، ولكن هل تكرر التعزية بمعنى: أنك إذا عزيته اليوم ثم رأيته من الغد هل تعيد التعزية عليه؟ أقول: إن وجد سبب فنعم، فمثلاً: لو عزيته اليوم وأتيته من الغد ووجدت الرجل ما زال حزيناً وما زال يبكي مثلاً فإني أقول له: يا أخي اتق الله عز وجل ولا تؤذي الميت؛ لأن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، ولكن ليس تعذيب عقوبة بل تعذيب تألم وضيق نفس وما أشبه ذلك.
فصار الخلاصة: أنها لا تختص بأحد، وإنما تشمل كل مصاب، ولا تختص بمكان، ولا تختص بزمن، ما دام أثر المصيبة باقياً فعزه، أما تكرارها فكما علمتم إن دعت الحاجة إلى ذلك وإلا فلا تكرر.
السائل: التعزية بالهاتف؟ الشيخ: بأي شيء يكون، التعزية بالهاتف أو بكتابة أو بأي شيء.
السائل: والذهاب إليه؟ الشيخ: لا نرى الذهاب إليه في البيت؛ لأن جرير بن عبد الله رضي الله عنه يقول: [كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة] اللهم إلا أن يكون قريباً جداً، وتخشى إن لم تذهب عَدَّوا ذلك من قطيعة الرحم فهذا شيء آخر.
السائل: والحديث يا شيخ ما صحته؟ الشيخ: ليس هذا حديث.(98/12)
حكم نفخ الكفين بعد الضرب بهما في الأرض للمتيمم
السؤال
هل يشرع للمتيمم أن ينفخ في كفيه بعد أن يضرب يديه في الأرض؟
الجواب
نفخ المتيمم يديه إذا ضرب بهما الأرض قد ثبتت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو محمول على أنه كان علق بها تراب كثير، وأما إذا كان لا يعلق بها تراب كثير فلا نفخ.(98/13)
حكم بيع الشيء بثمن مرتفع على ثمنه الأصلي عند التأجيل
السؤال
تاجر يشتري من شخص سيارة بمبلغ مليونين ونصف جنيه بشيك مؤجل، لمدة ستة أشهر، أو أربعة ملايين جنيه سوداني لمدة سنة، ثم يبيع السيارة في ذلك المجلس بمبلغ مليون ونصف جنيه سوداني، ما الحكم في هذا البيع؟ وهل الشيك المؤجل إذا حال عليه الحول تجب فيه الزكاة علماً بأنه ما زال مستنداً في يد البائع الأول؟ ويقول ملحوظة: علماً بأن قيمة السيارة الحقيقية في السوق مليون ونصف.
الجواب
هو لا بأس أن الإنسان يشتري سيارة أو غيرها بثمن نقداً حاضراً أقل مما لو اشتراها بثمن مؤجل، فمثلاً يقول: أنا أشتري هذه السيارة بعشرة آلاف نقداً أو باثني عشر ألفاً إلى سنة، ثم يتفقان على أحد الثمنين قبل التفرق، هذا لا بأس به، وليس من باب بيعتين في بيعة كما ظنه بعض أهل العلم، بل هذا تخيير للرجل بين هذه البيعة أو هذه البيعة، وسوف لا ينصرفان من مكانهما إلا وقد عينا ذلك إما المؤجل أو المعجل، وأما التحويل على الثمن بالشيك فلا بأس به أيضاً؛ وذلك لأن بيع السيارة بالدراهم ليس فيه ربا.
وأما كون المشتري يبيع السيارة بثمن أقل من أجل أن يأخذ ثمنها فهذه تسمى عند العلماء مسألة التورق، إن باعها على غير الذي اشتراها منه، وإن باعها على الذي اشتراها منه فهي مسألة العينة، فصاحب السيارة اشتراها من زيد باثني عشر ألفاً مؤجلاً إلى سنة، ثم باعها على عمر بعشرة آلاف نقداً هذه تورق، فإن باعها على زيد الذي اشتراها منه أولاً بعشرة آلاف فهذه مسألة العينة، وقد اختلف العلماء رحمهم الله في مسألة التورق هل هي حلال أو حرام؟ فاختار بعض العلماء: أنها حلال إذا احتاج الإنسان إلى النقد يعني: إلى الثمن، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنها حرام وأنها من العينة التي حرمها النبي صلى الله عليه وسلم، والاحتياط ألا يفعل، يقال: إذا كنت محتاجاً دراهم ووجدت من يقرضك فهذا المطلوب، وإن لم تجد فعليك بالسلم يعني: أن تأخذ دراهم بسلعة مؤجلة تصفها وتبين صفاتها بأن تقول مثلاً: أعطني عشرة آلاف ريال وأنا أعطيك سيارة بعد سنة صفتها كذا وكذا وتضبطها بالصفات هذا جائز لأن الصحابة فعلوه حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) .
السائل: هل الشيك المؤجل إذا حال عليه الحول تجب فيه الزكاة علماً بأن المستند ما زال في يده يعني يكون لمدة سنة؟ الشيخ: الشيك المؤجل يعني: الشيك الذي كتب لإنسان بثمن مؤجل إذا كلم صاحب البنك وقال: نعم عندي هذا، صار كأنه دين تجب الزكاة فيه.(98/14)
بيان كيفية إقامة الحجة في تبليغ دين الله
السؤال
مسألة فهم الحجة شيخ الإسلام رحمه الله -وكذلك ابن القيم وابن العربي المالكي رحمهم الله- يقولون: وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون بلغته ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها كلامه هذا في الفتاوى.
اختلف الدارسون لكتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في هذه القضية أيضاً، وحاولت أن أفهمها ويسر الله لي بعض النقولات الخفيفة التي سأعرضها عليكم ليتجلي الأمر أكثر: رأى بعض طلبة الشيخ رحمهم الله أن الشيخ لا يشترط لقيام الحجة فهمها، ونقلوا عنه بعض النقولات منها: فإن حجة الله هو القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة، وقيام الحجة وبلوغها نوع، وقد قامت عليهم أي: الكفار والمنافقين وفهمهم إياها نوع آخر.
ثم وجد نص آخر للشيخ رحمه الله في رسالة للشريف يقول فيها: وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبة عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم وفي رواية: عدم من يفهمهم.
ثم في قول آخر: فإذا كان المعين يكفر إذا قامت عليه الحجة، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر الصديق رضي الله عنه بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به فهو كافر.
وآخرها ما وقفت على كلام للشيخ أخرجه محمد رشيد رضا في طبعة الرسائل النجدية: وليس المراد بقيام الحجة أن يفهمها الإنسان فهماً جلياً كما يفهمها من هداه الله ووفقه وانقاد لأمره، فالرجاء البيان حفظك الله.
الجواب
الذي نراه: أن الحجة لا تقوم إلا إذا بلغت المكلف على وجه يفهمها، لكن نعرف أن أفهام الناس تختلف، من الناس من يفهم من هذا النص معنىً جلياً مثل الشمس، ومعنىً لا يحتمل عنده أي شك، ومن الناس من يفهم النص فهماً أولياً مع احتمال شك في قلبه، فالأول في قمة المعرفة والعلم، والثاني في أول العلم، والثاني قد قامت عليه الحجة لا شك؛ لأنه فهم منه ما يراد به، لكن ليس على الفهم التام الذي فهمته الطائفة الأولى كـ أبي بكر وعمر، وأما من بلغه النص ولكنه لم يعرف منه معنىً أصلاً كرجل أعجمي بلغه النص باللغة العربية ولكن لا يدري ما معنى هذا النص، فهذا لم تقم عليه الحجة بلا شك، ودليل هذا قول الله تبارك وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [إبراهيم:4] أي: بعد البيان بهذا اللسان الذي يفهمونه يضل الله من يشاء، فلا يقبل ويهدي من يشاء فيقبل.
وأي فائدة لرجل أعجمي يُقرأ عليه القرآن من لسان عربي وهو لا يدري ما هو، أنت الآن لو أتى إليك رجل أعجمي وأنت عربي لا تفهم الأعجمية ثم كلمك بخطبة خمس صفحات أو أكثر لا تفهم منها شيئاً إطلاقاً فكذلك العجم بالنسبة للعرب.
فالذي نرى: أنه لا بد من بلوغ الحجة وفهم معناها على وجه يتبين له الحق، وأما قوله تعالى: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام:19] فلا شك أن القرآن نزل بلفظ ومعنى، فالمراد من بلغه لفظه ومعناه، أو ومن بلغه من أهل هذه اللغة الذين تقوم عليهم الحجة إذا بلغهم القرآن بمجرد وصوله إليهم، وهذا القول هو الذي تدل عليه الأدلة بخصوصها وأدلة أخرى بعمومها مثل قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] وقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ومن المعلوم أن من لا يعرف المعنى فإنه ليس بوسعه أن يقبله، لكن على من بلغه أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم قد بعث، وأن دينه نسخ الأديان كلها، يجب عليه أن يبحث، وهنا قد يفرط في البحث فلا يكون معذوراً لتفريطه.(98/15)
حكم الصلاة في الملابس التي عليها صور
السؤال
فضيلة الشيخ ما حكم الصلاة في الملابس التي عليها صور بعض ذوات الأرواح؟
الجواب
لا يجوز لبس الملابس التي فيها صور ذوات الأرواح مطلقاً؛ وذلك لأن استعمال الصور محرم.
أما صحة الصلاة فالصحيح أن الصلاة صحيحة؛ وذلك لأن اللباس المحرم لا يبطل الصلاة، فالصلاة بالثوب المغصوب صحيحة، والصلاة في ثوب الحرير للرجل صحيحة، والصلاة في ثوب فيه صور للرجال والنساء صحيحة، لكنه آثم بلبس هذه الألبسة التي فيها الصور، ولا فرق بين الرجل البالغ وبين الصبي، كل يجب أن يتجنب لباس هذه الثياب التي فيها الصور.(98/16)
معنى الرياء مع ذكر أقسامه
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض العلماء يقسمون الرياء إلى رياء شرك ورياء إخلاص، وقد روي عن الفضيل بن عياض قوله: أن من فعل الطاعة من أجل الناس فهو رياء، ومن ترك طاعة خشية الرياء فهو شرك، فما معنى التقسيم؟ وما صلته بقول الفضيل بن عياض حفظكم الله؟
الجواب
الرياء بارك الله فيك: هو أن يعمل الإنسان العبادة ليراه الناس فيمدحوه عليها، وليس له نية أن ينتفع بها في الآخرة، وإنما يريد الذكر والشهرة بين الناس، هذا هو الرياء، لكن يقال أحياناً: رياء وسمعة، فالرياء لما يُرى والسمعة لما يسمع، ثم إن الرياء قد يكون شركاً أكبراً وقد يكون شركاً أصغراً على حسب ما قام في قلب الفاعل، فمن فعل العبادة لمجرد الرياء فقط، فهذا مشرك شركاً أكبر؛ لأنه لم ينو لله تعالى إطلاقاً، ولا يريد التقرب إليه، إنما يريد التقرب إلى الناس فقط، ومن كان يريد الله عز وجل لكن يحب أن يراه الناس حتى يمدحوه فهذا رياء ولا يصل إلى الشرك الأكبر، ولهذا تجد في تعبير ابن القيم رحمه الله للشرك الأصغر أنه يقول: ويسير الرياء، وهذا يعني: أن كثير الرياء أكبر من ذلك، ولكن إذا حدث للإنسان رياءٌ في عبادة ثم دافعه، ولم يركن إليه فهذا لا يضره الرياء، بل يكون مجاهداً له أجر العبادة وأجر الجهاد أي: جهاد النفس عن الرياء، لكن من لم يطرأ على قلبه الرياء مطلقاً أفضل، كما جاء في الحديث الصحيح: (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه فله أجران) إذاً الرياء الخالص هذا شرك أكبر، والرياء المشوب بإخلاص لله عز وجل هذا شرك أصغر، والرياء الوارد على القلب إن استرسل معه الإنسان فقد وقع في الشرك أصغره أو أكبره، وإن حاول التخلص منه ودافعه فإنه لا يضره.(98/17)
حكم النذر لأحد الأولياء وما يترتب عليه
السؤال
امرأة نذرت لأحد الأولياء وهو ميت، نذرت له كلما تضع مولوداً ذكراً كان أم أنثى أن تعطيه خروف (طلي) الشيخ: تعطيه من؟ السائل نفسه: تعطيه الولي.
الشيخ: وهو ميت؟ السائل: نعم تذبح.
ولقد سبق أن أوفت باثنين والباقي اثنان، وطبعاً هذا الخروف تسلمه لشخص يقال له الخليفة أي: خليفة الولي المتوفى، وهو يتصرف في هذا الخروف على مزاجه إن شاء ذبحه للموجودين، وإن شاء باعه في السوق وقبض قيمته سؤالنا: هل يجوز لزوجها أن يعطيها في الإيفاء بهذا النذر؟ الشيخ: يعطيها مال لتوفي؟ السائل: إي نعم.
أو يرفض، علماً بأن الزوجة متمسكة بهذه العقيدة أي: أنها تعتقد اعتقاداً جازماً أن هذا الولي المتوفى يمكنه أن ينفع ويضر، وما حكم بقاء زوجها معها وهي على هذه الحالة؟ أرجو من سماحتكم إفادتنا في ذلك ولو كانت الإجابة مسجلة في شريط تكون أفضل لإرسالها إلى الكثير الذين عندهم هذا الاعتقاد، وإذا لم يتيسر الشريط أرجو الإجابة بأي وسيلة كما أرجو أن تدلونا على أسماء أشرطة من المكتبات يكون فيها عظة لمثل هذه المشكلة أثابكم الله ووفقكم إلى كل خير، مقدمه أخوكم سوداني الجنسية؟
الجواب
الجواب على هذا يتضمن شيئين: الشيء الأول: يقول: هل يلزم زوجها أن يعطيها لوفاء النذر؟ ونقول: لا يلزم زوجها بل ولا يحل له أن يعطيها للوفاء بهذا النذر، بل إذا أصرت على العقيدة التي ذكرها السائل: أن هذا الولي ينفع ويضر، فهي مشركة ولا يجوز له أن تبقى معه، يجب عليه الفراق؛ لأن المسلم لا يحل له أن يتزوج المشركة.
أما الثاني: فنقول لهذه المرأة: إن نذرك نذر باطل؛ لأنه معصية، ولا نذر في معصية، وعليها أن تكفر كفارة يمين عن النذر، وعليها أن تتوب إلى الله تعالى من هذه العقيدة، وتعلم أنه لا ينفع ولا يضر إلا الله عز وجل، قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهو سيد الأولياء قال له: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً} [الجن:21-22] يعني: لو أرادني الله تعالى بشيء فلا أحد يجيرني من الله، ويعصمني منه، فكيف أنا أجير غيري؟! وإذا كان هذا بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكيف بمن دونه؟! وعلى هذا نقول: إن الأولياء لا ينفعون ولا يضرون، والذبح لهم شرك بالله عز جل مخرج عن الملة، ولو ماتت وهي على هذه الحال لكانت من أصحاب النار، لقول الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72] .
فالآن قل للأخ: أولاً: يجب عليه مفارقتها حتى تتوب من هذا الشرك، فإذا تابت فإنه يجب عليها أن تكفر عن نذرها كفارة يمين.
وثانياً: يجب عليه أن يعظ هذه المرأة ويخوفها بالله، ويقول: إن عملها هذا شرك أكبر ولو ماتت عليه لماتت إلى النار والعياذ بالله.(98/18)
نصيحة لمن يقوم بنزع الأوراق الدعوية المعلقة في المساجد
السؤال
فضيلة الشيخ! ما توجيهكم لمن يقوم بنزع فتاوى العلماء التي تلصق على أبواب المساجد وفي الأماكن العامة، وكذلك من ينزع إعلانات المحاضرات التي يلقيها بعض العلماء وطلاب العلم، وإعلانات الدورات العلمية، ولأضرب على ذلك مثلاً هو: أنه قام أحد الإخوة بتوزيع ما صدر من فضيلة الشيخ الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وما صدر من فضيلتكم حفظكم الله مما يتعلق بخطورة انتشار النشرات التي تأتي من لندن، قام بتوزيعها في أحد المساجد، فقام بعض الناس بسحبها فوضعها مرتين فثلاث فسحبت، فلما سأل من قام بهذا العمل؟ قال: هذه تثير الفتن بين الناس، فما توجيهكم حفظكم الله تعالى؟
الجواب
توجيهنا أن هذا الرجل إذا كان يفعل ما يفعل كراهة للحق فإنه على خطر عظيم؛ لأن كراهة الحق من نواقض الإسلام، وأما إذا كان يفعل ذلك كراهة للشخص الذي يقوم بالحق بقطع النظر عما يقوم به فهذا دون الوجه الأول، ولا يعتبر في الحكم الأول، لكنه آثم ومعتدٍ على أخيه، حيث منع من انتشار علمه ومزق وسائل الانتشار.
وأما دعواه: أن الفتوى بخطورة النشرات التي تأتي من لندن تثير الفتنة، فلا أظنه صادقاً، أي: أنه قال هذا ولا أظنه صادقاً فيه؛ لأنه يعلم أن الفتنة كل الفتنة في انتشار هذه النشرات، وتمزيقها وإحراقها هو سبب لإطفاء الفتنة، ولا أحد يفتتن بها ويحب أن تنتشر إلا وهو من رءوس الفتة والعياذ بالله.
فنصيحتي لهؤلاء: أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وفي شعبهم الوادع الهادئ المطمئن، وألا يقبلوا مثل هذه النشرات التي تثير البغضاء والعداوة والكراهة للعلماء ولولاة الأمور، وتوجب الشقة والفرقة بين الرعية والراعي؛ لأن هذا من أسباب الفتن، ومن تتبع التاريخ وجد أن أول الفتنة كلام وآخرها سهام.
فنصيحتي لهؤلاء: أن يتقوا الله عز وجل، وأن يكونوا من دعاة الحق، ومحبي الخير للأمة، ولكننا واثقون بإذن الله عز وجل أن هؤلاء لن يفلحوا، كل من كان ظالماً فإنه لا يفلح لقول الله تعالى: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام:21] ، ولقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81] .
ولا شك أن النشرات التي تأتي من لندن كما قال الأخ السائل حسب ما نعلم: إنها إفساد، ومثار للفتنة، وأن إتلافها هو الذي يحصل به زوال الفتنة، وأنا أنصح كل من رآها أن يمزقها ويحرقها، وأن ينصح من ابتلي بمحبة انتشارها.(98/19)
حكم الصلاة في ملابس النوم
السؤال
هل يجوز للإنسان أن يصلي النافلة بملابس النوم؟
الجواب
يقول الله عز وجل: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] أي: عند كل صلاة، وملابس النوم إذا كانت طاهرة ليس حراماً أن يصلي فيها.
لكن هل يقال: إن هذا الرجل اتخذ زينته؟ الجواب: لا، يعني: وإن كانت تجزئه الصلاة لكن الأفضل أن يصلي بالثياب المعتادة؛ لأنه سوف يقف بين يدي الله عز وجل، فالآن نقول: لا حرج أن يصلي الإنسان في ثياب النوم إذا كانت طاهرة، لكن الأفضل أن يكمل زينته لقول الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] .(98/20)
حكم ذكر الشخص في حال غيبته بما يكره للتحذير والنصيحة
السؤال
فضيلة الشيخ! قام أحد الإخوة بإلقاء كلمة عن الغيبة وحذر من الغيبة، وحذر مما يقوم به محمد المسعري من هذه النشرات الباطلة، فقام أحد الناس ورد عليه وقال: فعلك هذا غيبة لهذا الشخص، فهل هذا صحيح؟ ثم هل صحيح ما ذكر عنكم أن هذا الشخص المسعري ليس له عرض وليس له غيبة، وقد نقل ذلك إلينا فنرجو التثبت من هذا؟
الجواب
أما من حذر من الغيبة ومن نشرات الرجل الذي ذكرته فلا شك أنه محق، والغيبة النهي فيها موجود في كتاب الله: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12] .
وأما من قال له: إن ذكرك هذا الرجل الذي ينشرها من الغيبة.
أيضاً فنقول له: إن ذكر ذلك ليس من الغيبة بل هو من النصيحة، وذكر الإنسان بما يكره نصحاً للمسلمين من النصيحة والخير، أليس النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءته فاطمة بنت قيس تستشيره تقول: إنه خطبها معاوية وأبو جهم وأسامة بن زيد، أليس قد قال عليه الصلاة والسلام: (أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فضراب للنساء، أنكحي أسامة) فذكر النبي صلى الله عليه وسلم بما يكرهان بلا شك لكن للنصيحة.
فإذا كان ذكرنا هذا الرجل الذي يثير الفتنة بين الناس، وينشر معايب العلماء، ومعايب ولاة الأمور، إذا كان ذكرنا له على سبيل النصيحة وتحذير الناس منه، فهذا خير، وهو مما يتقرب به العبد إلى ربه، والناهي عن ذلك أي عن التحذير من هذا الرجل ناهي عن الخير، وناهياً عن النصيحة.
وأنا أرى: أن يترك هذا الرجل، وألا يكون مثاراً للجدل بين الشباب وبين الناس، وكما قيل في المثل: (إذا جاءك البئر بريح فسده تستريح) .
ولا ينفع أن يكون مثال الجدل، هذا فيما أظن أنه إذا لم تحصل الكلمات الكثيرة فستنطفئ ناره بإذن الله كما قلنا فيما سبق: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام:21] ، {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81] السائل: كلها مزاعم ويوزعون هذه الأمور في المساجد.
الشيخ: على كل حال سيلقون جزاءهم.
السائل: هل صحيح ما نقل عنكم: أن هذا الشخص لا عرض له ولا غيبة له؟ الشيخ: لا أبداً، وأنا من عادتي أني لا أذكر الشخص بعينه إطلاقاً، ولهذا تجدني الآن في جوابي هذا أحب ألا أذكر اسمه؛ لأن تعليق الأشياء بالأوصاف أفضل من تعليقها بالأشخاص، أنت إذا علقتها بالشخص ربما يتوب هذا الشخص ويرجع إلى الله وتبقى كلمتك فيه إلى يوم القيامة، لكن إذا ذكرتها بالأوصاف صارت عامة له ولغيره وصار إذا قدر الله هدايته سالماً من تعيينه، فأنا أقول: كل إنسان يبث الفرقة وينشر المساوئ، فإنه يجب التحذير منه.(98/21)
التفصيل في مسألة معية الله مع خلقه
السؤال
فضيلة الشيخ يقول أحد الطلاب عن مسألة صدرت وينسبها إليك في المعية معية الخالق مع الخلق، يقول: أنك تقول: أن الله جل وعلا مستوىٍ على عرشه ويكون بذاته مع خلقه.
فهل هذا القول صحيح؟
الجواب
أبداً، نحن نقول: إن الله معنا وهو مستوىٍ على عرشه، كما جاء في القرآن الكريم كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4] فنثبت لله ما أثبته لنفسه، ولكننا نقول: أي إنسان يقول: إن الله معنا بذاته في أمكنتنا فإنه كافر؛ لأنه مكذب لأدلة العلو، ويلزم من قوله: أن يكون الله تعالى في أماكن الأقذار والأنتان، ويلزم من قوله: أن الله إما أن يتعدد وإما أن يتجزأ، لكن بعض الناس يفهم من الكلام شيئاً آخر غير المراد فينقله على ما فهمه ويبني على فهمه الخاطئ.
السائل: يقول: يستدل بالآية هذه: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] ؟ الشيخ: لا، نحن نقول: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] فيها قولان للسلف: القول الأول: ثم وجه الله حقيقة، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم للمصلي: (إن الله قبل وجهك) .
والقول الثاني في الآية: أن المراد بالوجه الجهة، يعني: فثم جهة الله أن الله سبحانه وتعالى أكبر من كل شيء، محيط بكل شيء، لكننا نستدل بالآية التي تلونها أولاً: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد:4] هو نفسه، لكنه ليس معناه أن ذاته تكون في الأرض لا أحد يقول به ممن يعرف الله حق المعرفة.
وقد ضرب شيخ الإسلام رحمه الله في العقيدة الواسطية لما ذكر أنه معنا حقيقة ضرب مثلاً يتبين به الأمر، قال: هذا القمر في السماء ونقول: إنه معنا حقيقة، المسافر يقول: سرت والقمر معي أو النجم معي وهو في السماء، فإذا كان هذا في المخلوق فما بالك في الخالق، فيصح أن نقول: معنا حقيقة وهو على عرشه حقيقة كما نقول: ينزل إلى السماء الدنيا في آخر الثلث الآخر من الليل حقيقة وهو على عرشه حقيقة.(98/22)
ضابط السفر الذي يباح القصر فيه
السؤال
فضيلة الشيخ! نريد ضابط السفر هل هو على العرف، أم أربعة أيام فما فوق، أم ثمانية كيلو، نريد الضابط في هذه المسألة؟
الجواب
حد السفر الذي يبيح فيه القصر مختلف فيه.
فالعلماء منهم من قال: إنه محدود بالمسافة، فمن نوى هذه المسافة فهو مسافر إذا خرج من بلده، ومنهم من قال: إنه مقيد بالعرف، والثاني هو الصحيح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ويدل على هذا حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج ثلاثة أميال أو فراسخ صلى ركعتين) والشك من شعبة، فهذا يدل على أنه لا يقدَّر مسافة مسيرة يومين؛ لأن ثلاثة فراسخ أو ثلاثة أميال أقل بكثير، فالمرجع في هذا إلى العرف، ولكن إذا كنت لا تحيط بالعرف، وهذه هي المشكلة أن الإنسان يقول: هل هذا سافر عرفاً أو لا؟ فالأصل الإتمام، متى شككت في مسوغ القصر فعليك بالإتمام لبراءة الذمة.(98/23)
لقاء الباب المفتوح [99]
في هذه المادة يتحدث الشيخ عن تفسير سورة العصر والوقوف مع آياتها وبيان حقائقها، ثم بعد ذلك يجيب عن الأسئلة الواردة في اللقاء.(99/1)
تفسير سورة العصر
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الأسبوعي المسمى بلقاء الباب المفتوح، وهو اللقاء التاسع والتسعون، يتم هذا اللقاء يوم الخميس الرابع عشر من شهر ربيع الأول عام (1416هـ) نتكلم فيه بما شاء الله عز وجل من تفسير سورة العصر.(99/2)
تفسير قوله تعالى: (والعصر)
يقول الله عز وجل: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:1-2] فما المراد بالعصر؟ قيل: إن المراد بالعصر: آخر النهار؛ لأن آخر النهار أفضله، وصلاة العصر تسمى الصلاة الوسطى أي: الفضلى كما سماها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك.
وقيل: إن العصر هو الزمان، وهذا هو الأصح: أن العصر هو الزمان، أقسم الله به لما يقع فيه من اختلاف الأحوال، وتقلبات الأمور، ومداولة الأيام بين الناس، وغير ذلك مما هو مشاهد في الحاضر ومتحدث عنه في الغالب، فالعصر هو الزمان الذي يعيشه الخلق، وتختلف أوقاته شدة ورخاءً، وحرباً وسلماً، وصحة ومرضاً، وعملاً صالحاً وعملاً سيئاً، إلى غير ذلك مما هو معروف للجميع.(99/3)
تفسير قوله تعالى: (إن الإنسان لفي خسر)
أقسم الله بالزمان على أي شيء؟ على قوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:2] والإنسان هنا عام؛ لأن المراد به الجنس، وعلامة الإنسان الذي يراد به العموم أن يحل محله، أي: محل (ألـ) كلمة كل، فهنا لو قيل: كل إنسان في خسر لكان هذا هو المعنى، ومعنى الآية الكريمة: أن الله أقسم قسماً على حال الإنسان أنه في خسر، أي: في خسران ونقصان في كل أحواله، في الدنيا والآخرة، إلا من استثنى الله عز وجل، وهذه الجملة كما ترون مؤكدة بثلاث مؤكدات: الأول: القسم، والثاني: إن، والثالث: اللام، وأتى بقوله: {لَفِي خُسْرٍ} ليكون أبلغ من قوله: لخاسر، وذلك أن (في) معناها الظرفية، فكأن الإنسان منغمس في الخسر، والخسران محيط به من كل جانب.(99/4)
تفسير قوله تعالى: (إلا الذين آمنوا)
قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] استثنى الله سبحانه وتعالى هؤلاء المتصفين بهذه الصفات الأربع: وذلك كما بينه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سأله جبريل عن الإيمان، قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) وشرح هذا الحديث يطول لو تكلمنا عليه الآن، لكن قد تكلمنا عليه في مواطن كثيرة، فالذين آمنوا بهذه الأصول الستة هم المؤمنون، ولكن يجب أن يكون إيماناً لا شك فيه ولا تردد معه، بمعنى: أنك تؤمن بهذه الأشياء وكأنك تراها رأي العين.
والناس في هذا المقام ثلاثة أقسام: القسم الأول: مؤمن إيماناً خالصاً لا شك فيه ولا تردد.
والقسم الثاني: كافر جاحد منكر.
والقسم الثالث: متردد.
فمن الناجي من هؤلاء الأقسام الثلاثة؟ الناجي القسم الأول، الذي يؤمن إيماناً لا تردد فيه، يؤمن بالله بوجوده بأسمائه بصفاته بألوهيته وربوبيته، وغير ذلك مما هو معلوم من صفات الرب جل وعلا، ويؤمن بالملائكة وهم عالم الغيب خلقهم الله تعالى من نور، وكلفهم بأعمال منها ما هو معلوم، ومنها ما ليس بمعلوم، فجبريل عليه الصلاة والسلام مكلف بالوحي ينزل به من عند الله إلى الأنبياء والرسل، وميكائيل مكلف بالقطر والنبات، يعني: وكله الله على المطر وكل ما يتعلق بالمطر والنبات.
وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور، ومالك موكل بالنار، ورضوان موكل بالجنة، ومن الملائكة من لا نعلم أسماءهم ولا نعلم أعمالهم أيضاً، لكن جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من موضع أربع أصابع في السماء إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد) .
كذلك: نؤمن بالكتب الذي أنزلها الله على الرسل عليهم الصلاة والسلام، ونؤمن بالرسل الذين قصهم الله علينا نؤمن بهم بأعيانهم، والذين لم يقصهم علينا نؤمن بهم إجمالاً؛ لأن الله لم يقص علينا جميع أنباء الرسل، قال الله تعالى: {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر:78] .
وكذلك الإيمان باليوم الآخر وهو يوم البعث، يوم يخرج الناس من قبورهم للجزاء حفاة عراة غرلاً بهماً.
فالحفاة، يعني: الذين ليس عليهم نعال ولا خفاف، أي: أن أقدامهم عارية، والعراة: الذين ليس عليهم ثياب، والغرل: الذين لم يختنوا، والبهم: الذين ليس معهم مال، يحشرون كذلك، ولما حدث النبي عليه الصلاة والسلام بأنهم عراة قالت عائشة: (يا رسول الله! الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض، قال: الأمر أعظم من ذلك) أي: من أن ينظر بعضهم إلى بعض؛ لأن الناس كلٌ مشغول بنفسه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ومن الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مما يكون بعد الموت، فيجب أن تؤمن بفتنة القبر، أي: بالاختبار الذي يكون للميت إذا دفن، وتولى أصحابه عنه، فإنه يأتيه ملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه، وتؤمن كذلك بأن القبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار، أي: أن فيه العذاب أو الثواب، وتؤمن كذلك بالجنة والنار وكل ما يتعلق باليوم الآخر فإنه داخل في قولنا: أن تؤمن بالله واليوم الآخر.
القدر تقدير الله عز وجل، يعني: يجب أن تعلم بأن الله تعالى قدر كل شيء، وذلك (أن الله خلق القلم قال له: اكتب، قال: وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى بتلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) .
إذاً: الإيمان في قوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} يشمل الإيمان بالأصول الستة التي بينها الرسول عليه الصلاة والسلام.(99/5)
تفسير قوله تعالى: (وعملوا الصالحات)
أما قوله: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:3] فمعناه: أنهم قاموا بالأعمال الصالحة من صلاة وزكاة وصيام وحج وبر للوالدين وصلة للأرحام وغير ذلك، لم يقتصروا على مجرد ما في القلب بل عملوا وأنتجوا، والصالحات: هي التي اشتملت على شيئين: الأول: الإخلاص لله.
والثاني: المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام.
وذلك أن العمل إذا لم يكن خالصاً لله فهو مردود، قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي الذي يرويه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنه: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) فلو قمت تصلي مراءاة للناس، أو تصدقت مراءاة للناس، أو طلبت العلم مراءاة للناس، أو وصلت الرحم مراءاة للناس، أو غير ذلك، فالعمل مردود حتى وإن كان صالحاً؛ يعني: في ظاهره.
كذلك الاتباع، لو أنك عملت عملاً لم يعمله الرسول عليه الصلاة والسلام، وتقربت به إلى الله مع الإخلاص لله، فإنه لا يقبل منك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) .(99/6)
تفسير قوله تعالى: (وتواصوا بالحق)
قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [العصر:3] أي: صار بعضهم يوصي بعضاً بالحق، والحق هو الشرع، يعني: كل واحد منهم يوصي الآخر، إذا رآه مفرطاً في واجب أوصاه وقال: يا أخي! انفع نفسك، قم بالواجب، إذا رآه يفعل محرماً أوصاه، قال: يا أخي! اجتنب الحرام، فهم لم يقتصروا على نفع أنفسهم، بل نفعوا أنفسهم وغيرهم، تواصوا بالحق، والحق هنا بمعنى الشرع، يوصي بعضهم بعضاً به.(99/7)
تفسير قوله تعالى: (وتواصوا بالصبر)
قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] والصبر: حبس النفس عما لا ينبغي فعله.
وقسمه أهل العلم إلى ثلاثة أقسام فقالوا: إن الصبر صبرٌ على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله.
الصبر على الطاعة: كثيرٌ من الناس يكون فيه كسل عن الصلاة مع الجماعة، مثلاً: لا يذهب إلى المسجد، يقول: أصلي في البيت وأديت الواجب، فيكسل نقول: يا أخي اصبر نفسك، احبسها وكلفها على أن تصلي مع الجماعة.
كثير من الناس إذا رأى زكاة ماله كثيرة شح وبخل، وصار يتردد: أخرج هذا المال الكثير أو أتركه؟ وما أشبه ذلك، نقول: يا أخي! اصبر نفسك، أكرهها على أداء الزكاة، وهكذا بقية العبادات، فإن العبادات كما قال الله تعالى في الصلاة: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] أكثر عباد الله تجد أن العبادات عليهم ثقيلة، فهم يتواسون بالصبر، اصبر على الطاعة ولا تمل ولا تكسل.
كذلك الصبر عن المعصية: بعض الناس تجره نفسه إلى أكساب محرمة: إما بالربا، وإما بالغش والكذب، وإما بالتدليس، أو بغير ذلك من أنواع الحرام، فنقول: اصبر يا أخي! اصبر نفسك لا تتعامل على وجه محرم.
بعض الناس أيضاً يبتلى بالنظر إلى النساء، تجده ماشياً في السوق كلما مرت امرأة أتبعها بصره، نقول: يا أخي! اصبر واحبس نفسك عن هذا الشيء.
أيضاً الصبر على أقدار الله: قد يصاب الإنسان بمرض في بدنه، يصاب الإنسان بفقد شيء من ماله، يصاب الإنسان بفقد أحبته، فيجزع ويتسخط ويتألم، فيتواصون فيما بينهم: اصبر يا أخي! هذا أمر مقدر، والجزع لا يفيد شيئاً، واستمرار الحزن لا يرفع الحزن، اصبر، قدر أن هذا الشيء لم يكن أصلاً، يعني مثلاً: إنسان فقد مليون ريال فحزن لذلك وتعذب منه، ماذا نقول له؟ نقول: اصبر يا أخي! قدر أن هذا المليون لم يوجد، ألست قد خرجت من بطن أمك ليس عليك ثياب، قدر أن هذا ما كان، كذلك أيضاً الأولاد مثلاً: إنسان امتحن بموت ابنه، نقول: يا أخي! اصبر، قدر أن هذا الابن لم يخلق، ثم كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام لإحدى بناته: (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أعطى) الأمر كله لله وليس لك، فإذا أخذ الله تعالى ملكه كيف تعتب على ربك؟! كيف تتسخط؟! فهذه أنواع الصبر: الأول: الصبر على طاعة الله.
والثاني: عن معصية الله.
والثالث: على أقدار الله.
أيها أشق على النفوس؟ هذا يختلف، بعض الناس يشق عليه القيام بالطاعة، وتكون عليه ثقيلة جداً، وبعض الناس بالعكس الطاعة هينة عليه، لكن ترك المعصية صعب شاق، يشق عليه مشقة كبيرة، وبعض الناس يسهل عليه الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية لكن لا يتحمل الصبر على المصائب، يعجز، حتى أنه قد تصل به الحال إلى أن يرتد والعياذ بالله، كما قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:11] .
إذاًَ: نأخذ من هذه الآية: أن الله سبحانه وتعالى أكد بالقسم المؤكد بإن واللام، أن جميع بني آدم خاسرون، بل في خسر الخسر محيط بهم من كل جانب، إلا من اتصف بهذه الصفات الأربع: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.
قال الشافعي رحمه الله: لو لم ينزل الله على عباده حجة إلا هذه السورة لكفتهم.
يعني: كفتهم موعظة وليس كفتهم تشريعاً؛ لأن ليس فيها من التشريع شيء، ليس فيها طهارة ولا صلاة ولا زكاة ولا حج ولا صيام، لكن كفتهم موعظة، فالإنسان عاقل يعرف أنه في خسر، إلا إذا اتصف بهذه الصفات الأربع، فإنه سوف يحاول بقدر ما يستطيع أن يتصف بهذه الصفات الأربع.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الرابحين الموفقين.(99/8)
الأسئلة(99/9)
حكم طاعة الوالدين في الامتناع عن مجالس الذكر
السؤال
أب يمنع ابنه من حضور مجالس الذكر والدروس العلمية، ونتج عن ذلك أن هذا الولد ترك الالتزام، واتجه للأفلام وما شابهه من المحرمات، هل يعتبر فعل هذا الوالد من الصد عن سبيل الله؟ وهل يطاع في هذه الحالة؟
الجواب
إذا نهاك أبوك أو أمك عن حضور المجالس فلا تطعه؛ لأن حضور مجالس الذكر خير، ولا يعود على الوالدين بالضرر، فلهذا نقول: لا تطعهما ولكن احرص على أن تداريهما، ومعنى المداراة: ألا تبين أنك تذهب إلى حلق الذكر كأنك تذهب إلى أصحابك أو ما أشبه ذلك.
أما بالنسبة للأب والأم اللذين يمنعان الولد من حضور مجالس الذكر، فإن منعهما من الصد عن ذكر الله، وهما آثمان في ذلك، والذي ينبغي للأب والأم إذا رأيا ولدهما قد أقبل على العلم أن يستبشرا بذلك، وأن يساعداه بكل ما يستطيعان؛ لأن هذا من نعمة الله عليه وعليهما، فمن الذي ينفع من الأولاد إذا مات الإنسان؟ الولد الصالح، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٌ صالح يدعو له) .(99/10)
الضابط في الرياء إذا طرأ أثناء العمل
السؤال
فضيلة الشيخ: ذكرت أثناء كلامك عن الرياء أن الرياء إذا كان من أصل العمل يبطل العمل كاملاً، فكيف إذا جاء الرياء أثناء العمل؟
الجواب
إذا حدث الرياء في أثناء العبادة فالواجب مدافعته والإعراض عنه، وعدم الالتفات إليه، وإذا كان الإنسان يدافعه وعجز فإن ذلك لا يضره، لقول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] لكن إن استرسل معه ونوى المراءاة، فإن كان في صلاة ونحوها مما إذا بطل آخره بطل أوله فإن الصلاة تبطل؛ لأنه لا يمكن أن نقول: الركعة الأخيرة فاسدة والركعة الأولى صحيحة، وإن كان مما لا ينسحب حكم آخره على أوله كالصدقة مثلاً فإن الأول يصح؛ لأنه خال من الرياء، والثاني لا يصح، فلو أعد عشرة دراهم ليتصدق بها فتصدق بخمسة بنية خالصة، ثم دخلت النية في الخمسة الباقية، فإن الخمسة الأولى صحيحة ولا نقص فيها، والبطلان يكون في الثانية، فهذا هو الضابط فيما إذا طرأ الرياء على العبادة في أثنائها.
الأول: قلنا إذا دافعه وأعرض عنه ولم يسترسل معه فهذا لا يضره.
الثاني: إذا استرسل معه نظرنا فإن كان آخر العبادة مبنياً على أولها، فإنه إذا بطل آخرها بطل أولها كالصلاة، وإلا صح الأول الخالي من الرياء وبطل الثاني الذي شابه الرياء.(99/11)
حكم عقود التأمين
السؤال
رجل يعمل في شركة، وهذه الشركة تقوم باستقطاع دينارين من كل شهر من راتبه قيمة تأمين صحي، وهذا الاستقطاع إجباري بالنسبة للموظف، أما بالنسبة لزوجه وأولاده فهو على الاختيار، والسؤال: هل يجوز أن يقوم بإشراك أهله؟
الجواب
لا يجوز أن يقوم بإشراك أهله في هذا؛ لأنه ربما يعطيهم عوض هذا الاستقطاع ولا يحصل لأهله مرض، وربما يحصل لأهله مرض ويستهلك أكثر مما أعطاهم عدة مرات فيكون هذا العمل دائراً بين الغنم والغرم، وكل عقد دائر بين الغنم والغرم فإنه من الميسر المحرم.
أما بالنسبة له هو فما دام الأمر إجبارياً فليعتبر هذا ظلماً منهم، ثم إن طرأ عليه ما يحتاج إلى علاج فإنه يعالج عندهم بقدر ما أعطاهم فقط.
السائل: لكن المبلغ قليل يا شيخ! الشيخ: تدفع ريالين في الشهر يعني أربعة وعشرين ريالاً في السنة.
السائل: مثلاً مرض في السنة الأولى الأربعة والعشرين الريال قليلة.
الشيخ: هذا هو الشيء المحرم، يعني: قد يمرض في السنة الأولى ويستهلك علاجه آلافاً، وقد لا يمرض أبداً؛ ولذلك نقول: إنه محرم، وما أخذ منه على سبيل الإجبار فليسلمه، وإذا قدر أنه مرض فلا يعالج عندهم إلا بمقدار ما أعطاهم.(99/12)
لا تُدرك الجماعة بالدخول مع الإمام في التشهد الأخير
السؤال
إذا دخلت المسجد والإمام في التشهد الأخير ماذا أفعل؟
الجواب
إذا دخلت المسجد والإمام في التشهد الأخير فادخل معه، كبر تكبيرة الإحرام وأنت قائم ثم اجلس، وإذا سلم تأتي بما بقي عليك.
السائل: هل يعتبر أني أدركت الجماعة؟ الشيخ: الصحيح أنك لم تدركها، لكن تثاب على نيتك وعلى حضورك للمسجد.(99/13)
حكم قراءة القرآن للجنب
السؤال
ما حكم قراءة القرآن بالنسبة للجنب؟
الجواب
الصحيح أن قراءة القرآن للجنب حرام، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، حتى لو توضأ فإنه لا يباح له أن يقرأ حتى يغتسل.(99/14)
من أسباب مضايقة الدعاة
السؤال
فضيلة الشيخ: يقول بعض طلبة العلم: إنما تعانيه الدعوة إلى الله في العالم الإسلامي من تضييق واضطهاد، ناتج عن مخالفة الدعاة للمنهج السديد في الدعوة إلى الله، الذي هو منهج الأنبياء، فما مدى صحة هذه المقولة، آمل من فضيلتكم التفصيل؟
الجواب
أنا لا أستطيع أن أحكم على دول بعيدة عني، فقد يكون مضايقتها للدعاة بناءً على تصرف بعض الدعاة، وقد تكون مضايقتها للدعاة لكراهتها للدعوة، فلا ندري والناس يختلفون، لكن نحن نقول بالنسبة على سبيل العموم: إنه ينبغي للدعاة أن يسلكوا الحكمة في إيصال الحق إلى الخلق، وليس المقصود العتب ولا الانتصار للنفس، ولا احتقار المدعو، والمقصود الإصلاح، فاسلك أقرب الطرق إلى الإصلاح، فقد يكون من المصلحة ألا أتكلم على شخص أمامي متلبساً بمنكر، وأؤجل هذا إلى وقت آخر يكون فيه مجال للكلام، وقد يكون من المصلحة أيضاً ألا أنكر عليه بالقول، ولكني أدعوه بالفعل بالتأليف، أدعوه إلى بيتي، أكرمه بالضيافة، أعطيه هدية عينية أو نقدية؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل من الزكاة نصيباً للمؤلفة قلوبهم.
وما يحصل من التضييق في بعض البلاد على الدعاة، أو على بعضهم فيما أرى أن سببها أمران: الأمر الأول: أن تكون الدولة كارهة للحق، لا تريد الحق إطلاقاً، تريد أن يكون الناس كلٌ: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6] كلٌ على جهته، وكلٌ يفعل ما يشاء بشرط المحافظة على الأمن وعدم الفوضى.
وهذه في الحقيقة علناً لا تمت إلى طريق السلف بصلة.
وقد يكون بعض الحكام لا يكرهون الدعوة إلى الحق، وربما يؤيدونها ويدعون إليها، لكن يكرهون منهجاً معيناً من بعض الدعاة، هذا المنهج هو أنه يثير الرعية على رعاتها، إذا ذكرت المثالب، مثالب الحكام دون محاسنهم، فإن هذا ليس منهجاً سليماً، بل يقال: إن المنهج السليم أن تناصح ولاة الأمور بمشافهتهم إن تمكنت، بالكتابة إليهم، تسلمها بيدك إن استطعت، أو بطريق آخر، فإن اهتدوا فهذا المطلوب، وإلا فليس من المصلحة أن نثير الناس على هؤلاء الحكام؛ لأنه ينتج من الشر والفساد والتفرق أكثر مما يحصل من المصلحة، بل قد تنعدم المصلحة مطلقاً، إذا ركب الحاكم رأسه وقال: أنا لن أخضع لهذا الذي حاول الضغط عليَّ بإثارة الشعب مثلاً.
لذلك نرى أن المنهج السليم أن توجه الدعوة إلى الشعب نفسه، فمثلاً إذا كان في الشعب تعامل بالربا، أوجه الخطاب والدعوة إلى نفس الشعب، تقول: هذا حرام، ولا يجوز للإنسان أن يتعامل فيه، والواجب الكف عنه، كذلك إذا رأيت أن أشرطة الغناء، أو ما يسمع من الإذاعات من الغناء منتشر، أحذر الناس من ذلك، وأقول: اتقوا الله هذا محرم، هذا لا يجوز، لكن بعض الدعاة يضرب عن هذا صفحاً، ويذهب يتكلم عن الحكومة التي أقرت هذا الشيء، فيقول مثلاً: تقر الربا تقر المعازف تقر كذا وكذا، أهم شيء هو إصلاح الشعب، والشعب إذا صلح بالضرورة ستصلح الحكومة؛ لأن الشعب أفراد مكون من حاكم ومحكوم، والمحكوم بلا شك أكثر من الحاكم، يعني: أفراد الحكومة مثلاً لا يأتون.
ولا نسبة لهم بالنسبة للشعب وإذا صلح الشعب فلابد أن تصلح الحكومة، فينتج من هذا أن ولاة الأمر يتصورون أن مقصود هذا الداعية الإساءة إلى الحكومة، وتفريق الناس عنها، والدعوة إلى اختلافهم عليها وعصيانها، وأنها ليست صالحة، وما أشبه ذلك، فيسلطون على هذا الداعية وعلى من ينتصر له.
السائل: والمنكرات المعلنة يا شيخ! هل تنكر علناً؟ الشيخ: بلى تنكر علناً، لكن كيف أنكرها؟ أقول: لا يجوز أن أتعامل مع البنوك مثلاً بربا، لا يجوز أن نستمع إلى الأغاني الماجنة أو المعازف، لا يجوز مثلاً أن نشتري الصحف أو المجلات التي فيها صور خليعة، أو تنشر أفكاراً هدامة، وما أشبه ذلك.(99/15)
حكم صلاة الرواتب قبل الأذان
السؤال
إذا دخل الشخص المسجد قبل صلاة الظهر وصلى ركعتين، وأذن المؤذن هل يصلي أربعاً أو يكتفي باثنتين؟
الجواب
ما صليته قبل الأذان فليس راتبه، يعتبر تحية مسجد، فإذا أذن المؤذن صل ركعتين ثم ركعتين.(99/16)
اسم خازن الجنة
السؤال
هل ورد على أن اسم خازن الجنة رضوان؟
الجواب
اشتهرت به الآثار أن اسمه رضوان، لكنني لا أعرف فيه حديثاً صحيحاً عن الرسول عليه الصلاة والسلام.
السائل: وإسرافيل؟ الشيخ: إسرافيل صحيح.
السائل: في دعاء استفتاح الليل.
الشيخ: إي نعم، في دعاء استفتاح الليل: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل) .(99/17)
حكم بيع الصحف المحلية
السؤال
حكم بيع الصحف المحلية التي تصدر من هنا؟
الجواب
أنا لا أرى فيها بأساً إلا إذا كان فيها أفكاراً سيئة، أو صوراً خليعة.
السائل نفسه: فيها أخبار الرياضة والفن والغناء والدعاية لها؟ الشيخ: هذه اتركها لا تشترِها.
السائل: المجلة لابد أن يكون لها ملحق يومي عن هذا الموضوع.
الشيخ: والله! أنا لا أدري، أنا أرى أن عدم اطلاع الإنسان على ما يكون في العالم يعتبر نقصاً، فالأولى أن يقال: إذا كنت تحب أن تطلع على أخبار العالم اشتر هذا؛ لأن أكثرها غير الذي أنت تقول، وهذا مزقه السائل: السؤال -يا شيخ- عن بيعها -صاحب محل يسأل-: هل يبيع مثلاً الجزيرة والرياض وعكاظ وغير ذلك؟ الشيخ: إذا جاز شراؤها جاز بيعها؛ لأن البيع عقد بين اثنين.(99/18)
حكم الوفاء بالنذر
السؤال
رجل نذر نذراً بصيام الأيام البيض من كل شهر، ولكن الرجل يعاني من كثرة العطش فإن توقف فما عليه؟
الجواب
إذا نذر إنسان أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر؛ لأن الصيام طاعة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) لكن لا يلزم أن تكون متوالية، إذا كان لم يشترط أن تكون متتابعة، فلا بأس أن يصوم يوماً في أول الشهر ويوماً في وسطه ويوماً في آخره، وبهذا يسهل عليه، ما أظن أحداً يعجز أن يصوم يوماً في الأسبوع.(99/19)
حكم مجالسة تارك الصلاة
السؤال
إذا كان الإخوة في المنزل من غير المصلين والمحادين لله ورسوله، فكيف يكون التعامل معهم، علماً بأننا نسكن في نفس المنزل، وإذا كان أحدهم يقوم بالإنفاق من ماله، فهل يجوز أن آكل وأن أشرب معه أو من طعامه؟
الجواب
إذا كان البيت فيه من لا يصلي بل يحاد الله ورسوله، فالواجب قبل كل شيء نصيحته، فلعل الله أن يهديه؛ لأن الله مقلب القلوب سبحانه وتعالى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) فإذا نصح ولم ينتصح فالواجب الخروج من البيت، حتى وإن كان هو المنفق فإنه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3] .(99/20)
حكم من جمع الظهر والعصر في سفره ثم دخل بلده قبيل العصر
السؤال
إذا كنت في سفر ودخل عليَّ وقت الظهر، فهل يحق لي أن أجمع الظهر والعصر جمع تقديم مع العلم أني سأدخل البلد قبل دخول وقت العصر؟
الجواب
نعم لا حرج، يعني: إذا أقبل الإنسان على بلده ودخل وقت الظهر فله أن يجمع العصر إليها؛ لأنه لا زال في سفر، لكن الأفضل إذا كان يعلم أو يغلب على ظنه أنه يصل إلى بلده قبل دخول وقت العصر ألا يجمع؛ لأنه ليس فيه حاجة إلى ذلك، لكن لو جمع فلا حرج.
السائل: لكن لو جمع ثم وصل البلد هل يصلي العصر مرة أخرى.
الشيخ: لا.
قد أدى الفريضة وانتهى.(99/21)
تقويم جماعة التبليغ
السؤال
فضيلة الشيخ: هناك بعض طلاب العلم ينهون عن جماعة التبليغ الذين في السعودية والدعاة يقولون: لا تبالوا بهم فإنهم لا عقيدة لهم، ويغلون فيهم غلواً عظيماً، ما تقول فضيلة الشيخ؟ وهل نذهب معهم أم لا؟
الجواب
أما جماعة التبليغ فتقويمي لهم: أن عندهم جهلاً كثيراً، وأن بعضهم متعصب لا يمكن أن يتحول عن رأيه، وفيهم مقابل ذلك خير كثير بالنسبة للسلوك والتعبد، وكم هدى الله على أيديهم من ضال، كم من فاسق من أفسق الناس هداه الله على أيديهم، وهذا كثير، وكذلك كم من كافر أسلم على أيديهم، فهم فيهم خير وفيهم شر، لكن يغلب عليهم الجهل، وبعضهم كما قلت لك: يعاند حتى لو بينت له الحق فإنه لا يقبله منك، والذين عندنا هنا في المملكة العربية السعودية ما أظن أن في عقيدتهم ما يخدشها، لو سألته: أتؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم.
تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر؟ قال: نعم.
تؤمن بأن أركان الإسلام خمسة؟ قال: نعم.
لكن يؤخذ عليهم كما قلت الجهل، ومن جهلهم: أنهم رتبوا ست صفات لمنهجهم، وهذا الترتيب خطأ، لو أنهم رتبوا لمنهجهم ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنه هو الدين وذلك ما تضمنه حديث جبريل، حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأماراتها، ثم قال في آخر الحديث: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) لو أن هذه الصفات الست وهي صفات مأخوذة من القرآن والسنة لكنها قاصرة، لو أنهم تركوها وجعلوا عمدة منهجهم حديث جبريل لكان خيراً لهم وأولى.
المهم أننا لا ننهى عنها، لكن نرى أنه ينبغي لطلاب العلم أن يخرجوا معهم من أجل تقويمهم وتعديلهم؛ لأنهم يؤثرون على الناس تأثيراً ما علمنا أحداً أثر مثل أثرهم في هداية الفاسق والكافر؛ لأن عندهم رقة وليناً في الدعوة، وأما لو شاء الإنسان يقول: ماذا ترون هل أخرج معهم أو أبقى أطلب العلم؟ قلنا له: أبق اطلب العلم، ولا يصدنك الخروج معهم عن طلب العلم.
وعلى كل حال الناس مختلفون في هذا، وقد ذهب أناس من إخواننا من أهل بريدة هذا العام لمجتمعهم ورفعوا تقريراً وأثنوا على المجتمع هذا قالوا: كله في تقرير التوحيد.
حتى قال هذا الذي كان يخطب فيهم من أذان المغرب إلى الساعة الرابعة يعني أربع ساعات قال: نحن مستعدون أي إنسان يبين لنا خطأنا فنحن مستعدون، ودعا علماء السعودية بالذات إلى بيان الحق، فلعل الله هداهم عما كانوا عليه من قبل.(99/22)
حكم قول الإنسان: (مادة القرآن)
السؤال
هل تكره لفظة مادة القرآن؟
الجواب
لا تكره، يعني: معنى مادة القرآن: حصة القرآن.(99/23)
مشاركة في الكلام على بيان منهج جماعة التبليغ
السؤال
كنت أريد أن أسأل ولكن تسمح لي أن أقول ملاحظة فقط حول هذه الأسئلة التي دارت؟ يا شيخ: تقريباً من خلال عشر سنوات من متابعة ما جمعت في الولايات المتحدة وغيرها وجدنا كثيراً مما تفضلت فيه من قضية التعصب ومثل هذه الأشياء، وهناك بعض الأمور التي يكون فيها بعض الزيارات وإلى آخره.
هذه جيدة والحمد لله وطيبة، وهي من صفات الإسلام، ولكن الشيء الذي أخذوها كأنهم مختصون به لأنفسهم، هذه نقطة.
أما بالنسبة لما يحصل في باكستان وغيرها من الاجتماعات السنوية يحضر هذا الاجتماع تقريباً مليونان من عامة الناس يأتون من باكستان وبنجلادش والهند.
الخ، وإذا حضر بعض العلماء من نجد أو بعض الدعاة من نجد تسمع كلمة التوحيد على الميكرفونات ترتفع بكل الأصوات، ولكن المسجد القريب يكون فيه قبر ويكون قبر في المسجد الذي جنبه وقبر هناك وإلى آخره، ولا تسمع إنكار منكر بتاتاً حول هذا، ويأتون إلى بلاد الدنيا وخاصة أمريكا مثلاً وكنا ننصحهم ونقول: يا إخوان! الشركيات موجودة هناك، فلماذا لا تذهبون إليها؟ هذه واحدة.
ثم أيضاً قضية التعليم كما تفضلت: لا يستطيعون أن يسمعوا كلمتين: كلمة التوحيد، وكلمة شيخ الإسلام ابن تيمية أو محمد عبد الوهاب، هذا رأيناه كثيراً كثيراً، وكان بعض الإخوة من السعوديين موجودين، ومعهم بعض الإخوة القطريين الأفاضل، ولا يستطيعون أن يتكلموا بأي شيء من كتب السنة والتوحيد في الدروس، إلا في أشياء مخصصة بدقة يعطوهم إياها، هذه أنا أنقلها نقلاً، يعني: أمانة لفضيلتكم حتى تكونوا على علم بما رأيت، وأنا إن شاء الله مسئول أمام الله عما أقول وجزاكم الله خيراً.
الشيخ: إي نعم هذا صحيح بالنسبة لبعض المناطق هناك، لكن بالنسبة للجماعة هنا في المملكة فإنهم لا يقرون هذا إطلاقاً.(99/24)
إمكانية إعتاق الرقاب
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عليَّ كفارة قتل خطأ، وسمعت أن هناك إعتاق رقاب في إحدى البلدان الإسلامية، ما علمكم عن هذا الموضوع، وكيف يتسنى لي الوصول إلى ذلك بما تبرأ به ذمتي، وجهونا إلى الأفضل في هذه الكفارة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بالنسبة لما ذكر الأخ من إعتاق الرقاب فهو موجود هنا في القصيم وفي بريدة وموجود في الرياض أناس نحسبهم إن شاء الله من المأمونين يتلقون الطلب، وإذا شئت فإن شاء الله أصلي الظهر وأعطيك رقم الهاتف في الرياض وفي بريدة.(99/25)
حكم الربيبة وهل يشترط أن تكون في الحجر؟
السؤال
فضيلة الشيخ أولاً: نسأل الله لك الأجر والمثوبة على إتاحة هذه الفرصة لأبنائك وإخوانك.
الأمر الثاني: سؤالي ذو شقين: عن الربيبة هل يشترط فيها على القول الصحيح أن تكون في الحجر أم لا؟
الجواب
القول الصحيح: إن تحريم الربيبة ليس مشروطاً بأن تكون في الحجر، بين ذلك قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء:23] فذكر الله وصفين: (اللاتي في حجوركم) الثاني: (من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) ثم قال: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء:23] وسكت عن القيد الأول، فدل ذلك على أن القيد الأول غير معتبر، وإنما هو قيد أغلبي، أي: بناء على أن الغالب أن الربيبة تكون مع أمها في حجر الزوج، فلهذا كان الذي عليه جمهور العلماء وهو القول الراجح أنه لا يشترط في الربيبة أن تكون في حجر الإنسان، بل لو لم تأت إلا بعد أن طلق أمها فهي ربيبة، إذا كان قد دخل بالأم، ولو كانت مثلاً من زوج سابق ولا تعرف الزوج الثاني ولا كانت عنده فهي أيضاً حرام عليه.
لكن هنا سؤال: رجل عقد على امرأة عقداً صحيحاً ودخل عليها، وخلا بها واستمتع بها بما دون الجماع ثم طلقها فهل يجوز أن يتزوج ابنتها؟ وهل تكون بنتها محرماً له؟ الجواب: يجوز، لأنه قال: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء:22] أي: جامعتموهن {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء:23] وعلى هذا فتكون هذه البنت، أعني: بنت المطلقة التي خلا بها زوجها ولكن لم يجامعها تكون حلالاً له من جهة النكاح له أن يتزوجها، ولا تكشف له؛ لأنها ليست من محارمه، وهذه المسألة قد تخفى على كثير من الناس، يظنون أنه إذا عقد عليها وخلا بها وعاشرها دون الجماع أن ابنتها تحرم عليه، وأنه يكون محرماً لها وليس الأمر كذلك.(99/26)
ما يقدر به السفر
السؤال
هل مرد اعتبار الضرب في الأرض سفراً إلى العرف، أرجو التوضيح مع توضيح هل من مكة إلى جدة سفر أم لا؟
الجواب
المسألة هذه فيها خلاف: هل السفر مقدر بالمسافة، أو بالزمن، أو بالعرف: وجمهور العلماء: على أنه مقدر بالمسافة، فما بلغ نحو واحد وثمانين كيلو فهو سفر، ولو قطعه الإنسان بنصف ساعة، ولو رجع منه بيومه.
ومن العلماء من يقول: العبرة بالعرف، فما عده الناس سفراً فهو سفر، وما لم يعدوه سفراً فليس بسفر، فعلى هذا: فلو أن الإنسان سافر في الطائرة إلى الرياض ورجع في يومه لعده الناس سفراً لبعد الرياض، ولو ذهب إلى بريدة وتغدى عند صديق له ثم رجع فإنهم لا يعدونه سفراً لقرب المسافة، وهذا أقرب إلى الصواب: أن العبرة بالعرف، لكن يشكل على هذا أن العرف غير مطرد ولا منضبط، قد يعد بعض الناس هذا سفراً، وقد يعده الآخرون غير سفر، فلذلك المسألة لا يمكن أن ينضبط الناس بها إلا إذا قلنا: إنها مقدرة بالمسافة.
وإنك إذا نويت سفراً مسافة واحد وثمانين كيلو فأكثر، فأنت مسافر وما دون ذلك لست بمسافر.
أما مكة وجدة فكانت المسافة بينهما فيما سبق مسافة قصر لا شك، أما الآن فلا؛ لأن كلتيهما توسع ودنا من الأخرى، فلا يبلغ مسافة ما بين مكة وجدة مسافة القصر.
وأنا أقول لكم: إن الصواب مع من يقول: إن العبرة بالعرف، يدل على هذا: أن أهل مكة حجوا مع النبي عليه الصلاة والسلام وجمعوا معه وقصروا معه في عرفات وفي مزدلفة، وهذا لا يبلغ المسافة التي قدرها من يقدرون السفر بالمسافة.(99/27)
إتمام المسافر الصلاة بعد المقيم ولو أدرك ركعة واحدة
السؤال
أحسن الله إليك أقول: إنسان مسافر وهو في طريقه أراد أن يصلي جماعة في مسجد، وإمام هذا المسجد مقيم، وأراد أن يصلي معهم صلاة العصر فلم يدرك إلا الركعة الرابعة، فهل إذا سلم الإمام يتم ثلاث ركعات، أم ركعة بنية القصر؟
الجواب
إذا أدرك الإمام في آخر ركعة، فإنه يجب عليه أن يتم أربع ركعات، لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) [ولأن ابن عباس رضي الله عنهما سئل: ما بال الرجل المسافر يصلي ركعتين ومع الإمام يصلي أربعاً؟ فقال: تلك هي السنة] .
فعلى هذا: إذا أدركت إماماً يصلي أربعاً ولو في التشهد، ودخلت معه وجب عليك أن تتم أربعاً، فإن كان هذا السائل قد صلى ركعتين مثلاً فبلغه ذلك؛ فلابد أن يعيد الصلاة -الآن- أربعاً.(99/28)
ما يشرع للمسافر من صلاة النفل
السؤال
أثابكم الله: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي أربعاً قبل العصر، ويزيد ركعتين بعد الظهر على الراتبة وصلاة الضحى أيضاً، وأقر بركعتي الوضوء، فهل يحافظ عليها المسافر في سفره؟
الجواب
المسافر في سفره يصلي جميع النوافل، كل النوافل يصليها إلا ثلاث فقط وهي: راتبة الظهر، وراتبة المغرب، وراتبة العشاء.
هذه ثبتت السنة بتركها، وما عدا ذلك فإنه باق على مشروعيته كصلاة الليل، وصلاة الضحى، وصلاة الاستخارة، وتحية المسجد، كل هذا ثابت، استثني من النوافل ثلاثة وهي: راتبة الظهر، وراتبة المغرب، وراتبة العشاء، وما عدا ذلك فهو باق على حاله.(99/29)
ضابط الزيادة التي يشرع لها سجود السهو
السؤال
يا شيخ! إذا كنت في صلاة رباعية وقمت من التشهد الأول سهواً ولم أقم إلى الاعتدال إلى القيام فهل أرجع؟ وما هو ضابط الزيادة الذي يشرع لها سجود السهو؟
الجواب
إذا قام الإنسان عن التشهد الأول فإن استتم قائماً فلا يرجع، يتم صلاته ثم يسجد سجدتين قبل السلام، وإن ذكر قبل أن يستتم قائماً فإنه يرجع؛ لأنه لم يصل إلى الركن الثاني الذي بعد التشهد، يرجع ويتشهد، وفي هذا الحال نقول: إن كان الإنسان قد فارقت إليتاه عقبيه وجب عليه أن يسجد للسهو؛ لأنها زيادة وإلا فلا يجب سجود السهو، وظاهر حديث المغيرة بن شعبة أنه إذا رجع فلا شيء عليه، ولو فارقت إليتاه عقبيه، لأن هذه الزيادة ليست مقصودة لذاتها إذ أنها انتقال من ركن إلى ركن، فإن سجد للسهو كما قال الفقهاء فلا بأس، وإن تركها كما هو ظاهر الحديث فلا بأس.(99/30)
حكم بيع ما لا يملك
السؤال
ما حكم رجل يبيع بيع تقسيط ولكن البضاعة ليست متوفرة لديه، على سبيل المثال: تجد مثلاً سيارة بقيمة ألف دينار لدى أي بائع آخر، فتذهب إلى هذه المؤسسة وتقول: لا أملك المال فيبيعوها لك بزيادة قدرها (30%) مع العلم أنها لم تنتقل من محل البائع الأول؟
الجواب
هنا سؤال: رجل رأى سيارة في معرض فأعجبته وأراد أن يشتريها لكن ليس معه دراهم، فجاء إلى تاجر وقال: أقرضني خمسين ألفاً لأشتري هذه السيارة، فقال: لا بأس، أقرضك خمسين ألفاً لكنها تكون عليك بالتقسيط ستين ألفاً.
ما تقولون في هذا؟ غير جائز.
إذا قال التاجر: أنا أشتريها من المعرض وأعطيه الخمسين الألف وأبيعها عليك بالتقسيط بستين ألفاً؟ -هذه حيلة- غير جائز؛ لأن الموضوع واحد، حقيقته: أنه أقرضك قيمتها بزيادة؛ لأنه لم يشتر هذه السيارة إلا من أجلك، لولا أنك أتيت وقلت هذا الكلام له ما اشتراها.
نعم لو كان عند الإنسان سيارات معدها للبيع وجاء إنسان يشتري نقداً، قال: بخمسين ألفاً، وإذا قال: أريد مقسطاً قال: بستين ألف، هذا لا بأس، هو حر، له أن يقول للمشتري: هي عليك بخمسين نقداً، أو بستين مقسطاً، فيأخذه المشتري بهذا أو بهذا، أما أن نقول: اذهب وانظر السيارة التي تصلح لك في المعارض، ثم أنا أشتريها على حسابي ثم أبيعها إليك.
هذا حيلة وليس فيها إشكال.
السائل: ولو كنت طلبتها منه؟ الشيخ: سواءً طلب أو بغير طلب، لولاك ما اشتراها، بل ولولا الربا الذي سيأخذه منك ما اشتراها.
فإن قال: أنا أشتريها لك بخمسين وأبيعها لك بخمسين؟ هذا قرض، نقول: بدل ما تقول أشتريها وأبيعها عليك أعطه خمسين ألف ريال قرضاً ويعطيك إياها.
وبه ينتهي هذا اللقاء، نعود إن شاء الله إلى لقاء آخر في الأسبوع القادم، وفقنا الله وإياكم ورزقنا وإياكم إلى العلم النافع والعمل الصالح.(99/31)
لقاء الباب المفتوح [100]
في هذا اللقاء تفسير لسورة الهمزة، حيث بيَّن الشيخ الفارق بين الهمز واللمز، ثم تحدث عن جمع المال، وكثرة عده، وأن هذا كله من كبائر الذنوب، ثم ذكر بعض أوصاف الحطمة، كما أجاب عن مسائل فقهية واجتماعية.(100/1)
تفسير سورة الهمزة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء المتمم للمائة من اللقاءات التي تتم كل أسبوع والتي تعرف باسم لقاء الباب المفتوح، وهذا يتم في يوم الخميس الحادي والعشرين من شهر ربيع الأول عام 1416هـ.
نبتدئ هذا اللقاء في الكلام على تفصيل هذه السورة على ما تيسر وهي قوله تبارك وتعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة:1-9] .(100/2)
تفسير قوله تعالى: (ويل لكل همزة لمزة)
في هذه السورة يبتدئ الله سبحانه وتعالى بكلمة (ويل) وهي كلمة وعيد، أي: أنها تدل على ثبوت وعيد لمن اتصف بهذه الصفات: (همزة لمزة) إلى آخره.
وقيل: إن (ويل) اسم لوادٍ في جهنم، ولكن الأول أصح.
قال تعالى: {لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1] (كل) من صيغ العموم، والهمزة واللمزة: وصفان لموصوف واحد، فهل هما بمعنى واحد؟ أو يختلفان في المعنى؟ قال بعض العلماء: إنهما لفظان لمعنىً واحد، يعني: أن الهمزة هو اللمزة.
وقال بعضهم: بل لكل واحد منهما معنىً غير المعنى الآخر.
وثمَّ قاعدة أحب أن أنبه عليها في التفسير وغير التفسير وهي: وهو أنه إذا دار الأمر بين أن تكون الكلمة مع الأخرى بمعنىً واحد، أو لكل كلمة معنى فإننا نتبع الثاني، أي: نجعل لكل واحدة معنى؛ لأننا إذا جعلنا الكلمتين بمعنى واحد صار في هذا تكرار لا داعي له، لكن إذا جعلنا كل واحدة لها معنى صار هذا تأسيساً وتفريقاً بين الكلمتين، والصحيح في هذه الآية: (لكل همزة لمزة) أن بينهما فرقاً: فالهمز بالفعل واللمز باللسان، كما قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [التوبة:58] الهمز بالفعل يعني: أنه يسخر من الناس بفعله، إما أن يلوي وجهه، أو يعبس بوجهه، أو ما أشبه ذلك، أو بالإشارة يشير إلى شخص يقول: انظروا إليه ليعيبه، أو ما أشبه ذلك.
فالهمز يكون بالفعل، واللمز باللسان، وبعض الناس -والعياذ بالله- مشغوف بعيب البشر إما بفعله وهو الهماز، وإما بقوله وهو اللماز، وهذا كقوله تعالى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:10-11] .(100/3)
تفسير قوله تعالى: (الذي جمع مالاً وعدده)
قال تعالى: {الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ} [الهمزة:2] هذه أيضاً من أوصافه القبيحة، جماع مناع، يجمع المال ويمنع العطاء، فهو بخيل لا يعطي، يجمع المال ويعدده (وعدده) قيل معنى التعديد يعني: الإحصاء، يعني: لشغفه بالمال كل مرة يذهب إلى الصندوق ويعد، يعد الدراهم في الصباح، وفي آخر النهار يعدها، وهو يعرف أنه لم يأخذ منها شيئاً، ولم يضف إليها شيئاً، لكن لشدة شغفه بالمال يتردد عليه ويعدده، ولهذا جاءت بصيغة المبالغة (عدده) يعني: أكثر تعداده لشدة شغفه ومحبته له، يخشى أن يكون قد نقص، أو يريد أن يطمئن زيادة على ما سبق، فهو دائماً يعدد المال.
وقيل: معنى (عدده) أي: جعله عُدة له، يعني: ادخره لنوائب الدهر، وهذا وإن كان اللفظ يحتمله ولكنه بعيد؛ لأن إعداد المال لنوائب الدهر مع القيام بالواجب لأداء ما يجب فيه من زكاة وحقوق ليس مذموماً، وإنما المذموم أن يكون أكبر هم الإنسان هو المال، يتردد إليه ويعدده وينظر هل زاد هل نقص، فالقول بأن المراد (عدده) أي: عدَّه للمستقبل قول ضعيف.(100/4)
تفسير قوله تعالى: (يحسب أن ماله أخلده)
قال تعالى: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} [الهمزة:3] أي: يظن هذا الرجل أن ماله سيخلده ويبقيه، إما بجسمه وإما بذكره، لأن عمر الإنسان ليس ما بقي في الدنيا، بل عمر الإنسان حقيقة ما يخلده بعد موته، ويكون ذكراه في قلوب الناس وعلى ألسنتهم، فيقول في هذه الآية {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} [الهمزة:3] أي: أخلد ذكره أو أطال عمره والأمر ليس كذلك، فإن أهل الأموال إذا لم يعرفوا بالبذل والكرم فإنهم يخلدون لكن بالذكر السيئ، فيقال: أبخل من فلان ويذكر في المجالس ويعاب.(100/5)
تفسير قوله تعالى: (كلا لينبذن في الحطمة)
قال تعالى: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} [الهمزة:4] (كلا) هنا يسميها العلماء حرف ردع، أي: تردع هذا القائل أو هذا الحاسب عن قوله أو عن حسبانه، ويحتمل أن تكون بمعنى حقاً (يعني: حقاً لينبذن) وكلاهما صحيح، هذا الرجل لن يخلده ماله، ولن يخلده ذكراه، بل سينسى ويطوى ذكره وربما يذكر بالسوء؛ لعدم قيامه بما أوجب الله عليه من البذل.
{لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} [الهمزة:4] (اللام) هذه واقعة في جواب القسم المقدر، والتقدير: (والله لينبذن في الحطمة) أي: يطرح طرحاً، وإذا قلنا: إن اللام في جواب القسم صارت هذه الجملة مؤكدة باللام ونون التوكيد والقسم المحذوف، ومثل هذا كثير في القرآن الكريم، أي: تأكيد الشيء باليمين واللام والنون هذا شيء كثير في القرآن، والله تعالى يقسم بالشيء تأكيداً له وتعظيماً لشأنه.
وقوله: ((لَيُنْبَذَنَّ)) [الهمزة:4] ما الذي ينبذ: هل هو صاحب المال أو المال؟ قد نقول: كلاهما ينبذ، أما صاحب المال فإن الله يقول في آية أخرى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً} [الطور:13] أي: يدفعون وهنا يقول: (ينبذ) أي: يطرح (في الحطمة) والحطمة: هي التي تحطم الشيء أي: تفتته وتكسره، فما هي؟(100/6)
تفسير قوله تعالى: (وما أدراك ما الحطمة)
قال الله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ} [الهمزة:5] وهذه الصيغة للتعظيم والتفخيم: {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} [الهمزة:6] هذا الجواب، أي: هي نار الله الموقدة، وأضافها الله سبحانه وتعالى إلى نفسه؛ لأنه يعذب بها من يستحق العذاب، فهي عقوبة عدل وليست عقوبة ظلم، أي: نار يحرق الله بها من يستحق أن يعذب بها.
إذاً هي نار عدل وليست نار ظلم؛ لأن الإحراق بالنار قد يكون ظلماً وقد يكون عدلاً، فتعذيب الكافرين بالنار لا شك أنه عدل، وأنه يثنى به على الرب عز وجل، حيث عامل هؤلاء بما يستحقون، وتأمل قوله: (الحطمة) مع فعل هذا الفاعل (همزة لمزة) حطمة، وهمزة لمزة على وزن واحد ليكون الجزاء مطابق للعمل حتى في اللفظ.
{نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} [الهمزة:6] أي: المسجرة المسعرة.(100/7)
تفسير قوله تعالى: (التي تطلع على الأفئدة)
قال تعالى: {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} [الهمزة:7] الأفئدة: جمع فؤاد وهو القلب، والمعنى: أنها تصل إلى القلوب -والعياذ بالله- من شدة حرارتها، مع أن القلوب مكنونة في الصدور وبينها وبين الجلد الظاهر ما بينها من الطبقات، لكن مع ذلك تصل هذه النار إلى الأفئدة.
{إِنَّهَا} [الهمزة:8] أي: الحطمة وهي نار الله الموقدة: {عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} [الهمزة:8] على الهماز اللماز الجماع للمال المناع للخير، ولم يقل: (إنها عليه) مع أن المرجع مفرد: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ} [الهمزة:1-2] لكنه أعاد الضمير بلفظ الجمع باعتبار المعنى؛ لأن لكل همزة عام يشمل جميع الهمازين وجميع اللمازين.(100/8)
تفسير قوله تعالى: (إنها عليهم مؤصدة)
قال تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} [الهمزة:8] أي: مغلقة، مغلقة الأبواب، لا يرجى لهم فرج -والعياذ بالله- {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة:20] يعني: يُرفعون إلى أبوابها حتى يطمعوا في الخروج، ثم بعد ذلك يركسون فيها، ويعادون فيها، كل هذا لشدة التعذيب؛ لأن الإنسان إذا طمع في الفرج وأنه سوف ينجو ويخلص يفرح، فإذا أعيد صارت انتكاسة جديدة، فهكذا يعذبون بضمائرهم وأبدانهم، وعذاب أهل النار مذكور مفصلاً في القرآن الكريم والسنة النبوية.
{إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} [الهمزة:8] مغلقة؛ تأمل الآن لو أن إنساناً كان في حجرة أو سيارة اشتعلت فيها النيران وليس له مخرج، الأبواب مغلقة كيف يكون حاله؟ في حسرة عظيمة، لا يمكن أن يماثلها حسرة، فهم -والعياذ بالله- هكذا في النار، النار عليهم مؤصدة.(100/9)
تفسير قوله تعالى: (في عمدٍ ممددة)
قال تعالى: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة:9] أي: أن هذه النار مؤصدة وعليها أعمدة ممدة، مثلما نقول: شبابيك عظيمة، حتى لا يحاول أحد فتحها: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة:9] أي: ممدودة على جميع النواحي والزوايا حتى لا يتمكن أحد من فتحها أو الخروج منها.
حكى الله سبحانه وتعالى ذلك علينا وبينه لنا لا لمجرد أن نتلوها بألسنتنا أو نعرف معناها بأفهامنا، لكن المراد أن نحذر من هذه الأوصاف الذميمة: عيب الناس بالقول، عيب الناس بالفعل، الحرص على المال حتى كأن الإنسان إنما خلق للمال ليخلد له أو يخلد المال له، ونعلم أن من كانت هذه حالته فإن جزاءه هذه النار التي هي كما وصفها الله الحطمة، تطلع على الأفئدة، مؤصدة، في عمد ممدة.
نسأل الله تعالى أن يجيرنا وإياكم منها، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل والاستقامة على دينه.(100/10)
الأسئلة(100/11)
العمل بعد صلاة الاستخارة
السؤال
فضيلة الشيخ! كيف يعرف الإنسان إذا استخار الله عز وجل وصلى صلاة الاستخارة أن الله عز وجل اختار له هذا الأمر، أو لم يختره؟
الجواب
إذا تردد الإنسان في شيء هل يفعله أو لا يفعله فالمشروع له أن يستخير الله عز وجل، فيصلي ركعتين، وإذا سلم دعا بدعاء الاستخارة المعروف، ثم إن ركن إلى شيء من الأشياء فهذا علامة على أن الله اختار له ذلك، وإن لم يركن وبقي متردداً يعيد الاستخارة مرة بعد أخرى، ثم الاستشارة، ثم يقدم على ما يقدم عليه، وإذا أقدم على ما يقدم عليه مع إخلاصه في الدعاء وثقته بربه عز وجل فإننا نعلم أن هذا الذي قدر له وأقدم عليه هو الخير.(100/12)
الإنكار في المسائل الخلافية
السؤال
إذا رأيت شخصاً يعمل عملاً فيه أقوال للعلماء، فهل يصح أن أنكر عليه، فمثلاً: لو رأيت إنساناً يصلي خلف الصف، وأنا مثلاً أرى أن الصلاة خلف الصف منفرداً لا تصح هل أنكر عليه، أو أترك هذه الأمور التي فيها خلاف؟
الجواب
هناك فرق بين الإنكار وبين المناقشة، الإنكار لا تنكر على أحد في المسائل الخلافية التي يسوغ فيها الاجتهاد، خصوصاً إذا تبين لك أو غلب على ظنك أنه من طلبة العلم، أما العامي فإنه يفعل هذا الشيء لا عن اجتهاد ولا عن تقليد أحد خصوصاً إذا كان في بلد لا يعرفون فيه إلا قولاً واحداً، فالعامي ينكر عليه ويقال: لماذا تصلي خلف الصف والصف لم يتم؟ أما طالب العلم فيسأل ويناقش، ثم إن تبين الحق معه وجب أن يقر فعله، وإن تبين الحق خلاف قوله فإنه يبين له الحق، وعلى من تبين له الحق أن يتبعه، سواءً كان يأخذ به أو لا يأخذ؛ لأن الحق ضالة المؤمن متى وجده أخذ به.
وإن كان العامي أخذ على رأي عالم فنقول: عندنا مثلاً: نحن الآن مذهبنا مذهب الإمام أحمد، ثم إن المذهب الآن صار -في الحقيقة- غير مأمون به من كل وجه، لأننا وجدنا علماء بارزين يفتون بغير المذهب، فإذا اشتهر قولهم في البلاد فالعمل على قولهم بالنسبة للعامي؛ لأن العامي لا يمكن أن يجتهد بنفسه، ولا يمكن أن نفتح له الباب ونقول: اتبع من شئت من علماء المشرق والمغرب.
هذا غير صحيح، لكن إذا برز أحد العلماء في بلده فإنه يكون هو قدوته.(100/13)
الهمز واللمز من الكبائر
السؤال
فضيلة الشيخ! في هذه الآيات قوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1] هل قال الهمز اللمز وجمع المال وتعداده من الكبائر لقوله تعالى: {وَيْلٌ} [الهمزة:1] ؟ وأيضاً في الآية قوله: {الَّذِي} [الهمزة:2] هو معرفة كيف صح أن يكون نعتاً لنكرة؟
الجواب
أما الأول فنعم نقول: كل من اتصف بهذه الصفات فقد أتى بكبيرة من كبائر الذنوب، لأن همز المؤمنين ولمزهم من كبائر الذنوب، ألم تر إلى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} [المطففين:29-31] قالوا: مروا بنا هؤلاء الهمج هؤلاء الدراويش وما أشبه ذلك.
وأما قوله تعالى: {الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ} [الهمزة:2] فإنه صار معرفة؛ لأن قوله: {لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1] نكرة عام بصيغة الكل، فجاز أن يوصف بـ (الذي) باعتبار العموم، أو يقال: إن الذي ليس صفة لهمزة لمزة ولكنه خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: هو الذي جمع ماله وعدده.(100/14)
حكم الدعاء بحرمة النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز أن يقال في أحفاد الرجل إذا أحسنوا عملاً: هذا من بركة أجدادكم.
بدعوى: أن الأجداد هم الذين وجهوهم إلى الإسلام، أو بتعقيب الدعاء هذا بحرمة فلان أو بحرمة الرسول صلى الله عليه وسلم هل هذا يجوز؟
الجواب
أما الدعاء بحرمة الرسول عليه الصلاة والسلام مثل أن تقول: اللهم إني أسألك بحرمة نبيك عندك فإنه بدعة، ولا يجوز التوسل بذلك؛ لأن حرمة النبي عليه الصلاة والسلام خاصة به لا تتعداه إلى غيره، لكن بدلاً من هذا يقول: اللهم إني أسألك باسمك الأعظم، أو أسألك بصفاتك الكاملة، أو ما أشبه ذلك، أو يقول: أسألك بإيماني بنبيك، إذا كان يحب أن يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء، بإيماني بنبيك أو محبتي له وما أشبه ذلك.
وأما بركة الأجداد فلا شك إن كان مراده البركة الجسدية أي: مجرد أن صاروا أجدادك صارت البركة، فهذا لا يجوز، وأما إذا كانت البركة من آثار توجيهاتهم وتربيتهم، فهذا حقيقة، فالإنسان قد يكون فيه البركة على أولاده وعياله في التوجيه والتعليم وقد لا يكون فيه بركة، وقد قال أسيد بن حضير لما نزلت آية التيمم بسبب التباس على عقد عائشة رضي الله عنها قال: [ما هذه بأول بركاتكم يا آل أبي بكر] .
أي: يريد أن أسبابكم أنكم تكونون سبباً لأمور نافعة للمسلمين.(100/15)
الشك في عدد الركعات في الصلاة
السؤال
يا شيخ! المسبوق إذا شك في عدد الركعات، وعلم أن أحد المأمومين دخل معه في أنه مسبوق دخلا جميعاً، فشك في عدد الركعات كم هي، فهل له أن يقتدي بالمأموم الذي دخل معه، أم يعدل لاقتدائه بالمأموم، أم يستأنف صلاته من حيث بدءوا مثلاً إذا تيقن أن هذه الركعة الرابعة؟
الجواب
إذا شك إنسان في صلاته وهو مسبوق وقد دخل معهم شخص آخر دخلا جميعاً في الصلاة ولم يترجح عنده شيء، شك شكاً متساوياً، فإن فعل الذي دخل معه لا شك أنه سيرجح أحد الاحتمالين، فإذا رجح أحد الاحتمالين فله أن يعمل به، وأحياناً لا يرجح كما لو علم أن هذا الرجل الذي دخل معه ليس بذاك الإنسان الثقة، فإنه حينئذٍ يعمل باليقين إذا لم يترجح عنده شيء ويأخذ بالأقل ثم يسجد للسهو قبل السلام، وإذا أخذ بغلبة الظن أي: ترجح عنده أحد الاحتمالين بفعل هذا الذي دخل معه، فإنه في هذه الحاله يسجد بعد السلام؛ لأنه متى كان البناء على غلبة الظن في باب الشك فإن سجود السهو بعد السلام.(100/16)
كيفية دفن امرأة كتابية ماتت وفي بطنها طفل من زوج مسلم
الشيخ: فضيلة الشيخ! هذا رجل مسلم تزوج بامرأة كتابية، فحملت منه طفلين، وعندما تحرك الطفل في بطنها وقد بلغ خمسة أشهر ماتت هذه المرأة فأين تدفن؟
الجواب
أنه يصلى على الحمل في بطنها، ولا يضر الحيلولة بيننا وبين هذا الجنين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على القبر وقد حيل بينه وبين الميت التراب، فيصلى على الجنين في بطنها، وتدفن معنا -أي: مع المسلمين: لكن يكون وجهها خلاف القبلة، وظهرها إلى القبلة؛ لأن الجنين بحكمة الله عز وجل ظهره إلى بطن أمه، ووجهه إلى ظهر أمه، وفي بطنها وجهه إلى الظهر، وظهره إلى البطن، والحكمة من هذا: أنه إذا كان وجهه إلى ظهر الأم صار الظهر وقاية له، وإذا كان ظهره إلى بطن أمه صار ظهره وقاية له، لأن بطن الأم رقيق، كل شيء يؤثر على الجنين، لكن الذي يلي البطن هو الظهر، فهو قوي يتحمل، فهذا من حكمة الله عز وجل، وعلى هذا فندفنها في مقابر المسلمين لكن نجعل ظهرها إلى خلف القبلة؛ ليكون وجه الجنين إلى القبلة.(100/17)
مسألة إسبال الإزار
السؤال
فضيلة الشيخ! هل من دليل في التمييز بين حد الإزار وحد القميص أو الثوب، فإن بعض أهل العلم -حفظهم الله- يرى أن الثوب إذا كان إلى عضلة الساق فإنه مع السجود يكشف العورة وليس هذا كالإزار، وستر العورة واجب، وحد الثوب عنده إذاً سنة، فيقدم الواجب على السنة، وكيف نحمل هذا مع قول ابن عمر ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم: في الإزار فهو في القميص.
أو كما قال، ألا يحمل هذا أنه قول جامع للثياب؟
الجواب
الصحيح أنه جامع، وأن ذكر الإزار إنما كان بناءً على الغالب، حيث كان غالب الناس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يلبسون الأزر والأردية فالجميع سواء.
لكن الذي أحب أن أقول: إنه لا ينبغي التشديد في هذا الأمر بحيث يقال لمن لم يكن إزاره إلى نصف الساق أو إلى عضلة الساق: إنه مخالف لهدي الرسول عليه الصلاة والسلام، ويشدد في هذا.
إذا تأملنا أحوال الصحابة وجدنا أن منهم من كان قميصه إلى قريب الكعب، فها هو أبو بكر رضي الله عنه لما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه، قال: يا رسول الله! إن أحد شقي إزاري يسترخي عليَّ فينزل إلى الأرض إلا أني أتعهده، فقال: إنك لست ممن يصنع ذلك خيلاء) فإذا كان إزار أبي بكر رضي الله عنه ينزل إلى أسفل من الكعبين لزم أن يكون قريباً من الكعبين؛ لأنه لو كان إلى نصف الساق ثم نزل إلى الأرض أو إلى ما دون الكعب لانكشفت عورته من أعلى، فدل هذا على أن الأمر فيه سهل، وأن من لم ينزل عن الكعب فإنه لا يقال: خالف السنة، ولا خالف هدي النبي عليه الصلاة والسلام، بل يقال: الأمر في هذا واسع، أما الحكم فهو عام، ما كان في الإزار فهو في القميص وفي المشلح وفي السراويل.(100/18)
حكم لبس البنطال الضيق في الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! في كثير من المصليين الذين يلبسون البنطال في حالة السجود والركوع تظهر العورة من فوق وهو لا يعلم بذلك، فما الحكم في ذلك؟
الجواب
لا شك أن لبس البنطال في الصلاة يفوت أولاً: الطمأنينة الكاملة في الجلوس، ولهذا تجدهم يجلسون على أعقابهم مع انحناء ظهورهم بعض الشيء.
وأيضاً: يمنع كمال السجود، وكذلك ربما ينكمش عن أعلى العورة حتى تبدو إذا لم يكن الذي على صدره راخياً.
أولاً: ينبغي ألا يلبس البنطال؛ لأن القميص أستر وأوسع وأحسن للإنسان.
وثانياً: إذا لبسه للحاجة إلى ذلك كرجال الشرطة وغيرهم فليكن واسعاً حتى يتمكن من فعل الصلاة على ما ينبغي، وأن يكون الذي فوقه على الذي على الصدر ظاهراً حتى إذا انكمش عند السجود يكون الذي فوقه ساتراً.(100/19)
حكم تكبير المؤذن أربع تكبيرات واحدة واحدة
السؤال
بعض المؤذنين يكبرون أربع تكبيرات منفصلات وآخرون يكبرون تكبيرتين تكبيرتين، فما هي السنة؟
الجواب
السنة في الأذان هذا وهذا، أن تكبر كل تكبيرة وحدها، أو أن تكبر تكبيرتين جميعاً، فمن فعل هذا فهو جائز، ومن فعل هذا فهو جائز.(100/20)
معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة)
السؤال
فضيلة الشيخ! ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) ؟
الجواب
هذا الحديث روي بألفاظ متعددة، منها ما ذكرت، ومنها: (من رآني في المنام فقد رآني حقاً؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي) فأما على اللفظ الثاني فلا إشكال فيه، أن من رآه في المنام على صفته التي هو عليها فقد رآه حقاً، وأما على اللفظ الثاني: (فسيراني في اليقظة) فهو محمول على الصحابة الذين في عهده قبل أن يموت.(100/21)
حكم الصلاة على الراحلة في السفر
السؤال
ما حكم استقبال القبلة في بداية الصلاة على الراحلة في السفر عند التكبير؟
الجواب
المسافر يجوز له أن يتنفل على راحلته إلى القبلة وإلى غيرها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله سلم كان يصلي على راحلته حيثما توجهت به، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة.
والأفضل: إذا لم يشق أن يبتدئ تكبيرة الإحرام وهو متجه إلى القبلة وبقية الأركان إلى جهة سيره، فإن لم يفعل فلا حرج عليه والصلاة صحيحة؛ لأن المقصود تيسير التطوع على المكلف حتى يتمكن من فعل التطوع بدون مشقة، أما الفريضة فلا تجوز على الراحلة إلا للضرورة، مثل: أن تكون هناك أمطار، أو رياح عاصفة لا يتمكن الإنسان من النزول إلى الأرض ويخشى فوات الوقت، فهذه ضرورة، وأما إذا لم يكن هناك ضرورة فإنه يجب أن يقف ويصلي في الأرض ما لم تكن الراحلة واسعة كالسفينة مثلاً بحيث يتمكن من استقبال القبلة والقيام والركوع والسجود والقعود، فهذا لا بأس أن يصلي ولو لغير الضرورة، فصار هناك فرق بين الفريضة والنافلة.(100/22)
مسألة في الجمع والقصر في السفر
السؤال
رجل مسافر -مثلاً- وحان وقت صلاة المغرب هل يجمع ويقصر علماً أنه سوف يدخل وقت العشاء في البلد الذي أراد أن يسافر إليه، هل يجوز له أن يجمع ويقصر، أم يصلي المغرب في وقتها ويؤخر العشاء ويصلي مع الجماعة، أحسن الله إليك؟
الجواب
لو أن إنساناً سافر وهو يعرف أنه سيصل إلى البلد قبل وقت العشاء فهل له أن يجمع العشاء مع المغرب في حال السفر، أو نقول: انتظر حتى تصل إلى البلد؟ فالجواب: له أن يجمع العشاء إلى المغرب؛ أولاً: لأنه في سفر وقد دخل وقت المغرب ووقت المغرب، والعشاء واحد في الحالة التي يجوز فيها الجمع.
ثانياً: أن الإنسان قد يقدر أنه سوف يصل قبل وقت العشاء ولا يصل، قد تتعطل السيارة، أو يحصل أي سبب يمنع من الوصول إلى البلد قبل الوقت.
لكن نقول: الأولى ما دمت تعرف أنك سوف تصل إلى البلد قبل وقت الثانية، الأولى لك ألا تجمع.
ولو أخر المغرب حتى يصل إلى البلد فلا بأس، لكنه إذا وصل إلى البلد ووقت المغرب باقي فإنه لا يجوز له أن يؤخره، بل يجب عليه أن يصليها في وقتها؛ لأن سبب الجمع هو السفر وقد انتهى، ثم إنه في هذه الحالة أنت قلت: يجمع ويقصر، وهو لا يقصر أبداً على كل حال؛ لأن القصر سببه السفر، فمتى انتهى السفر انتهى القصر.(100/23)
التفصيل في جلسة الاستراحة
السؤال
هل جلسة الاستراحة في الصلاة من السنة؟
الجواب
جلسة الاستراحة في الصلاة كأن يقوم إلى الثانية أو إلى الرابعة هل يجلس أم لا؟ الصحيح: أنه لا يجلس إلا إذا كان هناك سبب لكبر أو مرض أو وجع المفاصل أو ما أشبه ذلك؛ وذلك لأننا نعلم أن هذه الجلسة غير مقصودة، لأنها لا تسبق بتكبير ولا تلحق بتكبير وليس فيها ذكر، ثم إن الواصفين لها في صلاة الرسول عليه الصلاة والسلام ذكروا أنه يعتمد على يديه عند القيام، وهذا يدل على مشقة نهوضه مرة واحدة، وأنه لمشقة النهوض يتكئ قليلاً في الجلوس ثم يقوم على يديه، ومعروف أن مثل هذه الصفة لا تكون إلا عند العجز والتعب.
فالذي نرى ما اختاره ابن القيم رحمه الله والموفق صاحب المغني: أنها ليست سنة مطلقة، وإنما تسن لمن احتاج إليها لكبر أو مرض أو وجع مفاصل أو ما أشبه ذلك.
ولكن يبقى النظر: إذا كنت تصلي خلف إمامٍ يفعلها هل تجلس تبعاً للإمام؟ الجواب: نعم تجلس تبعاً للإمام.
وإذا كنت تصلي خلف إمام لا يفعلها، وأنت ترى أنها سنة، فلا تجلس؛ لأن متابعة الإمام أهم.(100/24)
حكم الصلاة خلف الصف منفرداً
السؤال
يا شيخ! بالنسبة لرجل دخل المسجد فوجد الصف تقريباً اكتمل، فليس عليه أن ينشئ صفاً جديداً حتى يجتهد، وهل من الاجتهاد إذا وجد فرجة أن يدخل منها ويصف عن يمين الإمام أو من جهة الباب الذي يكون في المنبر، أم أنه ينشئ الصف؟
الجواب
إذا وجد الصف تاماً فإنه يصلي وحده ولا حرج عليه، ولا حاجة إلى أن يصف مع الإمام، حتى الصف مع الإمام قد نقول: إنه بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما صلى معه أحدٌ في إمامته إلا حين جاء ووجد أبا بكر يصلي بالناس وهو مريض عليه الصلاة والسلام مريض، ثم جاء ووقف عن يسار أبي بكر وجعل يصلي بالناس وأبو بكر يبلغ عنه، وإلا فلم يرد.
وأيضاً الإمام يجب أن يكون إماماً خاصاً بمكانه، ثم إننا إذا قلنا: اخترق الصف وقف مع الإمام، فإن اختراق الصف يؤذي، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام للرجل الذي كان يخترق الصفوف يوم الجمعة قال: (اجلس فقد آذيت) ثم إذا قلنا: نتحمل هذا وصف مع الإمام، وجاء آخر بعد أن دخل هذا مع الإمام ووجد الصف تاماً وقلنا: اذهب صف مع الإمام.
فذهب مع الإمام، صاروا ثلاثة بالإمام، فجاء آخر ووجد الصف تاماً قلنا: تقدم وصف مع الإمام، ربما يكتمل الصف الأول كله مع الإمام، لكن لو أنه دخل في الصلاة في مكانه ثم جاء الثاني والثالث والرابع لكوّنوا صفاً متأخراً.
فالذي نرى: أنه يصلي وحده لتعذر وجود مكان مناسب.
ثم إني أقول: أتدرون خلاف العلماء في هذه المسألة؟ كل المذاهب الثلاثة: مالك والشافعي وأبي حنيفة كلهم يرون جواز الصلاة خلف الصف بدون عذر، والإمام أحمد عنه في ذلك روايتان: رواية: أنه يصح أن يصلي خلف الصف بدون عذر، فتكون مذاهب الأمة الإسلامية على الرواية الثانية مع الإمام أحمد كلها على صحة الصلاة بلا عذر، ليس في المسألة إجماع، ولا الأكثر أيضاً.
لكن الحق أحق أن يتبع، الحديث يدل: على أن من صلى خلف الصف بدون عذر فعليه الإعادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة.
أما إذا تعذر أن يقوم في الصف فإن جميع الواجبات تسقط بالعذر، وهذا إما أن نقول: صل وحدك منفرداً تبعاً لإمامك، أو انصرف ولا تصلي فأيهما أحسن؟ أن يصلي معه منفرداً خير من أن ينصرف ولا يصلي.
فالصواب الذي اختاره شيخ الإسلام رحمه الله، وشيخنا عبد الرحمن السعدي: أنه إذا كان الصف كاملاً فلك أن تصلي وحدك خلف الصف.(100/25)
حكم نشر أخبار التائبين والتائبات
السؤال
هناك رسائل كثيرة يذكر فيها أخبار التائبين والتائبات وكذا، ويكون فيها أيضاً شيء من التفصيل بالنسبة للتائبات: خروجها مع الرجل ثم تاب الله عز وجل عليها.
هل من المستحسن أن يطلع الأولاد والزوجات على هذه الأخبار، أو أنها تحجب عنهم؟
الجواب
الذي أرى وجوب حجبها، وأرى أن الذي تابت لا يجوز لها أن تبوح بذلك، ولا يجوز لأحد أن ينشر هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون، قالوا: من هم؟ قال: الرجل يذنب فيصبح بتحدث بما فعل) أي فائدة أن نقول: فتاة خرجت مع شاب وفعل بها ثم ندمت وتابت.
أليس هذا يوجب أن يهون الأمر في نفوس السامعين والقارئين؟ ولهذا نرى أن هذا الاجتهاد خاطئ جداً، وغلط، ولا يجوز، وأما ما ذكر الله تعالى في خطيئة آدم وتفسيرها وما أشبه ذلك، فهذا ذكره الله عز وجل وله أن يفعل ما يشاء، أما أن نفضح عباد الله، ثم نوجب أن نهون الأمر عليهم.
أتدرون أن هذا الأمر أول ما يسمعه الإنسان: امرأة خرجت مع شخص وفعل بها، يستعظم جداً جداً ويقشعر جلده ويقف شعره، فإذا صار بين أيدي الناس يقرأ هان جداً، وهل كل امرأة تفعل هذا الشيء يمن الله عليها بالتوبة؟! ربما تفعله ولا تتوب، ولهذا أرى أنك إذا رأيت مثل هذا فقص الورقة التي فيها هذه القصة، وإلا اطمسها كلها طمساً تاماً، والحمد لله لو فات عليك خمسة ريالات في المزيل فهذا لا يضر.(100/26)
كيفية المسح على الخفين
السؤال
إذا كان الشخص مصاباً في نصف القدم بألم أو بعظة فكان لا يربط نصف القدم تقريباً والنصف الآخر لفه بشاش أو بضماد، فكيف يكون المسح عليها بارك الله فيك؟
الجواب
هذا بارك الله فيك ما هو مسح خفين، إذا كان الإنسان قد لف على نصف القدم لفافة لألم فيه، هذا يسميه العلماء جبيرة، اغسل ما بدا وامسح على ما ستر على كله، وهذا ليس له مدة، ولا يشترط أن يلبس على طهارة، ويجوز في الحدث الأصغر والجنابة؛ لأن هذا يسميه العلماء جبيرة، فهذا لا يدخل في المسح على الخفين، فالجهة المكشوفة تغسل، والجهة يمسح عليها.(100/27)
مسألة التهاون والتلاعب بالطلاق
السؤال
فضيلة الشيخ! درج كثير من الناس على أنه إذا أراد أن يطلق زوجته أن يطلقها وهي في بيت أهلها، أما في حالة نفاس أو عقب زيارة له، كما أنه يطلقها في بيته إثر خلاف بينهم، ثم يذهب بها إلى أهلها ولا يبقيها عنده، كما أنه لا يراعي إن كانت مستوفية للعدة أو غير ذلك، فما حكم الشرع في ذلك، وما توجيهكم، وما على فاعله؟
الجواب
أولاً: بارك الله فيكم جميعاً اعلموا أن الشيطان أحرص ما يكون على تفريق المرء وزوجته، يحرص على هذا حرصاً عظيماً، حتى إن السحرة جعلوا أكبر ما يتعلمون: {مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة:102] وحتى أنه ورد في بعض الآثار: أن الشيطان يرسل جنوده ليضلوا الناس فيأتي هذا ويقول: أضللت فلاناً حتى فعل كذا، ويأتي الشيطان الثاني ويقول: ما تركت فلاناً حتى فرقت بينه وبين زوجته، فيلتزمه ويقول له: أنت أنت.
يعني: أنت الجيد، ولهذا نرى أن الطلاق اليوم كثر في ألسن الناس مع الأسف، وأن الإنسان يطلق زوجته على أتفه الأشياء، حتى لو جاء وهي لم تكمل إصلاح الشاي، يعني: ما بقي عليها إلا أن تحليه فقط، قال: لماذا لا تفعلي، لماذا تأخرتي؟! أنت طالق بالثلاث، ولا يعلم أعليها حيض أو ليس عليها، هل هي في طهر جامعها فيه أو لا، لا يدري، يأتي الشيطان يأزه حتى يطلق.
ونحن نقول أولاً: لا تطلق امرأتك إلا عن طوية وعجزٍ عن الصبر عليها، وإن أمكن الصبر فاصبر وتحمل، واذكر قول ربك عز وجل: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19] واذكر قول نبيك عليه الصلاة والسلام: (لا يفرك مؤمن مؤمنة -أي: لا يبغضها ويكرهها- إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) واعرف قدر نفسك وأنك رجل وهي امرأة خلقت من ضلع، وأعوج شيء في الضلع أعلاه، أنت تتحمل وهي لا تتحمل، ألم تر أن الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أشرف الخلق اجتمع عليه نساؤه يطالبنه النفقة، مع أنه أحسن الناس خلقاً وأكرمهم أيضاً، حتى هجرهن شهراً عليه الصلاة والسلام.
فالواجب على الإنسان أولاً: ألا يطلق إلا عن روية واقتناع بأن الحال لا يمكن أن تصلح، فإن أمكن إصلاحها ولو على مضض وكراهية فليصلح.
ثم إذا صمم على الطلاق، وأنه لا بد منه فليطلقها إما حاملاً، وإما طاهراً في طهر لم يجامعها فيه، وقولي: إما حاملاً، يدفع ظن بعض العوام: أن الحامل لا تطلق.
ولهذا دائماً الذين يستفتون يقولون: ترى طلقها وهي حامل، يعني معناه: ما لها طلاق، وهذا غلط، الحامل هي التي يجوز أن تطلقها قبل أن تغتسل من الجنابة منها، فلو جامع إنسان المرأة وهي حامل وفور انتهائه من الجماع طلقها، لا بأس، جائز، لكن لو جامعها وهي طاهر ثم أراد أن يطلقها نقول: اصبر، إلى أن يتبين حملها إن حملت من هذا الجماع أو تحيض ثم تطهر ثم تطلقها قبل أن تجامعها.
ولذلك ينبغي للإنسان إذا أراد أن يطلق أن يتريث، فإذا كان لا بد من الطلاق فلينظر حال المرأة إن كانت في حيض انتظر حتى تطهر ثم يطلق قبل أن يجامعها وإن كانت حاملاً طلق، وإن كانت في طهرٍ جامعها فيه انتظر حتى تحيض أو يتبين حملها، وإن كانت في طهرٍ لم يجامعها فيه طلق ولا مانع من ذلك، فلا بد من النظر.
ثم إذا أراد أن يطلق يذهب إلى رجل موثوق عارف بالأحكام ويكتب طلاقاً على الوجه الشرعي؛ لأن بعض الذين يكتبون الطلاق -الله يهدينا وإياهم- يعني: تعرض علينا أشياء من هذا النوع، إذا جاءه الزوج قال: ماذا تريد نكتب؟ الزوج مع الغضب يقول: اكتب ثلاثاً.
كان المفروض أن يقول له: نكتب طلقة واحدة، وإذا كانت الطلقة واحدة الخيار بيد الزوج إن شاء راجع وإن شاء لم يراجع، لكن إذا كان ثلاثاً ربما يفوته الخيار، فعلى كل حال المسألة خطيرة، والتلاعب بالطلاق الآن ويطلق الإنسان على أتفه الأسباب، أو ربما يطلق على شيء لا حاجة له فيه، مثل: أن ينزل عليه رجلٌ ضيفاً فإذا رآه الضيف يتحرك يريد أن يذبح له كبشاً، قال: عليَّ الطلاق لا تذبح، قال الثاني: علي الطلاق لأذبحن لك، فماذا نعمل في هذه الحال؟!! نسأل الله السلامة، فهذا تلاعب.
فهذه المسائل يجب التنبه لها وألا نتخذها هزواً.(100/28)
حكم الطلاق ثلاث مرات في وقت واحد
السؤال
الطلاق ثلاث مرات في وقت واحد هل يعتبر طلقة واحدة؟
الجواب
هذا إذا وقعت أفتيت، لا أفتيك فتوى عامة في هذا؛ لأننا إذا أفتينا فتوى عامة في هذا تهاون الناس، نود الناس يجدون حاجزاً منيعاً عن هذا الفعل، وكان في الأول قبل أن يتسع الاجتهاد كان الإنسان إذا قال: إن فعلت كذا فأنت طالق، أو إن ذبحت فامرأتي طالق، أو عليَّ الطلاق لأذبحن لك، ينفذون الطلاق على كل حال، وينفذون الطلاق ثلاثاً ولو بكلمة واحدة ولو بهمزة واحدة، وكان الناس يهابون هذا، لكن مع الأسف لما اتسع الاجتهاد تلاعب الناس، ولهذا من فقه عمر رضي الله عنه وأرضاه كان الطلاق الثلاث في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وفي عهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر كان الطلاق الثلاث واحدة، يقول الرجل لزوجته: أنتِ طالق أنتِ طالق أنتِ طالق، فيقال: هذه واحدة ردها إن شئت، لما رأى عمر أن الناس تكاثروا في هذا الشيء ولم يتقوا الله؛ لأن هذا حرام، كونه يقول: أنتِ طالق أنتِ طالق أنت طالق، هذا حرام ولا يجوز، لما رآهم تتايعوا في هذا الأمر ووقعوا فيه كثيراً ألزمهم به، وقال: أي إنسان طلق امرأته ثلاثاً فهو ممنوع من مراجعتها، وسد الباب تأديباً لهم، وهذا ينبغي على طلبة العلم المفتين أن ينظروا أحوال الناس قد يكون الأليق بالناس منعهم من شيء مباح لهم سداً للذريعة، فالمفتي ينبغي أن يكون حكيماً فيما يفتي به مربياً للخلق.(100/29)
حكم إخراج المرأة المطلقة طلاقاً غير بائن من بيتها
السؤال
المرأة إذا طلقت طلاقاً غير بائن، هل تبقى في بيت زوجها أم تذهب إلى بيت أهلها؟ الشيخ: لا.
المرأة المطلقة إذا كان الطلاق غير ثلاث -أي: غير بائن- تبقى في بيت زوجها يخلو بها وتتجمل له، وينام معها لكن لا يجامعها؛ لأن المطلقة الرجعية زوجة، كما قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة:228] فسمى الله المطلقين بعولاً؛ لأن المطلقة الرجعية في حكم الزوجة، ولا يحل لها أن تخرج من البيت، ولا يحل للزوج أن يخرجها أيضاً، إذا طلق زوجته ولو طلاقاً رجعياً ما هو الحال عندنا؟ تخرج سريعاً وتذهب إلى أهلها، وبعضهم يقول: اخرجي.
وهذا حرام على الزوج وعلى الزوجة؛ لأن الله قال: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:1] الحكمة: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} [الطلاق:1] لأن القلوب بيد الله عز وجل، قد يطلقها الرجل الآن راغباً عنها كارهاً لها ويجعل الله في قلبه محبتها، فإذا كانت عنده في البيت ما صار هناك كسر مثلما لو خرجت إلى أهلها.(100/30)
حكم تسمية الابن بالقاسم وتكنية الأب بأبي القاسم
السؤال
ما حكم التسمية بالقاسم والتكني بأبي القاسم؟
الجواب
التكني بأبي القاسم لا بأس به؛ لأن الصحيح أن النهي عنه إنما هو في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام حين كان الناس ينادون: أبا القاسم.
فيتوهم الإنسان أنه رسول الله، حتى أنه نادى رجل: يا أبا القاسم، وأظنه التفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرجل: أعني سواك، وهذه ليست هينة، ولهذا كان التكني بأبي القاسم في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام منهياً عنه، أما بعد ذلك فلا بأس.(100/31)
حكم الصدقة على الكافر
السؤال
هل تجوز الصدقة على الكافر؟
الجواب
اقرأ قول الله تعالى في سورة الممتحنة: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} وهذا إحسان {وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة:8] وهذا عدل.
فتجوز الصدقة على الكافر بشرط: ألا يكون ممن يقاتلوننا في ديننا، ولم يخرجونا من ديارنا، لكن إذا كان قومه يقاتلوننا في الدين أو يخرجوننا من ديارنا فلا نتصدق عليه؛ لأننا إذا تصدقنا عليه وفرنا وجبة من الوجبات، والوجبة تكون بعشرة ريالات، العشرة هذه يوفرها لدولته ويستعين الكفار بها على المسلمين، فإذا كان من قوم لا يقاتلوننا في دين الله ولا يخرجوننا من ديارنا فلا بأس أن نتصدق عليه.
أو إذا كان ممن يرجى إسلامه؛ يعني: بعض الكفار الذين يأتون إلى هذه البلاد تلين قلوبهم ويرجى إسلامهم، والمال مما يجب المودة، قال في الحديث: (تهادوا تحابوا) وكما جعل الله المؤلفة قلوبهم من الزكاة؛ لأن هذا يقربهم، وفعلاً هذا وقع، بعض الكفار أسلم لما رأى لين المعاملة من بعض كفلائهم وأنه يهدي إليه ويتصدق عليه أسلم، فإذا كان يرجى إسلامه بعطية أو بهديه إليه فلا بأس.(100/32)
المهر حق للزوجة
السؤال
رجل عقد قرانه على امرأة وعند المأذون الشرعي قال المأذون: المهر قدره؟ فسكت ولي الزوجة، وتكلم أبو الزوج وقال: بقدر هكذا من الذهب وهكذا من النقود، فبعد مدة هل يجوز إذا تراضى الطرفان بأن يغيروا ما في العقد من قيمة المهر، أم هل هم ملزمون بما في العقد؟
الجواب
المهر بين الزوج والزوجة، فإذا سميا شيئاً في العقد ثم تراضيا بعد ذلك على أكثر أو أقل فالأمر إليهم، يعني: لو قالت الزوجة: أنا لا أريد إلا نصف المهر يكفيني.
فلا بأس.
وأنا أذكر لكم قصة وقعت في بلادنا منذ زمن بعيد: تزوج رجل امرأة بصداق ريال واحد وأعطى المرأة الصداق، وكان في اليوم الذي فيه الدخول مع امرأته نائماً، فقرع عليهم الباب رجل بشدة فنزل الزوج يكلم هذا الرجل اشتد الكلام بينهما وارتفعت الأصوات، فنزلت الزوجة واستمعت إليه، وإذا هو يطالب زوجها بريال، رجعت ثم انفض المجلس بين الزوج والرجل وقالت: ماذا يريد هذا الذي كسر الباب وعلت الأصوات بينك وبينه، ماذا يريد؟ قال: هذا يطلبني ريالاً من كم شهر، أو ما أشبه ذلك، وقلت له: إن شاء الله يسهل، قالت: هذا الريال الذي أعطيتني إياه أوفه، فأخذه وأوفى به هل هذا جائز أو غير جائز؟ جائز؛ لأنه حق الزوجة، وإذا كان للزوجة فهي حرة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(100/33)
لقاء الباب المفتوح [101]
تحدث الشيخ رحمه الله في هذه المادة عن قصة أصحاب الفيل حين أرادوا هدم الكعبة المشرفة، وكيف نالهم العقاب من الله سبحانه وتعالى، ثم أتبع ذلك بإجابات متنوعة على أسئلة متفرقة في أبواب الفقه والعقيدة وغير ذلك.(101/1)
تفسير سورة الفيل
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الواحد بعد المائة والذي يتم في كل أسبوع في يوم الخميس, وهذا هو الخميس الثامن والعشرون من شهر ربيع الأول عام 1416هـ, نستعرض فيه استعراضاً خفيفاً لتفسير قول الله تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل:1] إلى آخر السورة, لأنها السورة التي وقفنا عليها سابقاً.
فيقول الله سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل:1] يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم, أو يخاطب كل من يصح توجه الخطاب إليه, فعلى الأول يكون خطاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطاباً له وللأمة؛ لأن أمته تابعة له, وعلى الثاني: يكون الخطاب عاماً له ولأمته ابتداءً.
وعلى كلٍ, فإن الله يقرر ما فعل سبحانه وتعالى بأصحاب الفيل, وأصحاب الفيل هم أهل اليمن الذي جاءوا لهدم الكعبة بفيل عظيم, أرسله إليهم ملك الحبشة , وسبب ذلك: أن ملك اليمن أراد أن يصد الناس عن الحج إلى بيت الله عز وجل, فبنى بيتاً يشبه الكعبة, ودعا الناس إلى حجه ليصدهم عن حج بيت الله, فغضب لذلك العرب وذهب رجل منهم إلى هذا البيت الذي جعله ملك اليمن بدلاً عن الكعبة, وتغوط فيه, ولطخ جدرانه بالقذر, فغضب ملك اليمن غضباً شديداً وأخبر ملك الحبشة بذلك, فأرسل إليه هذا الفيل العظيم قيل: وكان معه ستة فيلة لتساعده.
فجاء هذا الرجل -أعني ملك اليمن - بجنوده ليهدم الكعبة على زعمه, ولكن الله سبحانه وتعالى حافظ بيته, لما وصل إلى مكان يسمى المغمس وقف الفيل وأبى أن يتجه إلى الكعبة, فزجره سائسه ولكنه أبى, إذا وجهوه إلى اليمن انطلق يهرول, وإن وجهوه إلى مكة وقف, وهذه آية من آيات الله عز وجل, ثم بقوا حتى أرسل الله عليهم طيراً أبابيل: {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ} قال العلماء: طيراً أبابيل أي: جماعات متفرقة, كل طير في منقاره حجر صلب من سجيل؛ وهو الطين المحروق، لأنه يكون أصلب, وهذا الحجر ليس كبيراً, بل هو صغير يضرب الواحد من هؤلاء مع رأسه ويخرج من دبره والعياذ بالله: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل:5] أي: كزرع أكلته الدواب ووطأته بأقدامها حتى تفتت.
هذا مجمل ما في هذه السورة العظيمة التي بين الله سبحانه وتعالى فيها ما فعل بأصحاب الفيل, وأن كيدهم صار في نحورهم, وهكذا كل من أراد الحق بسوءٍ؛ فإن الله تعالى يجعل كيده في نحره.
وإنما حمى الله عز وجل الكعبة عن هذا الفيل, مع أنه في آخر الزمان سوف يسلط عليها رجلاً من الحبشة يهدمها حجراً حجراً حتى تتساوى بالأرض؛ لأن قصة أصحاب الفيل مقدمة لبعثة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم التي يكون فيها تعظيم البيت, ثم في آخر الزمان فإن أهل البيت إذا أهانوه وأرادوا به إلحاداً وظلماً ولم يعرفوا قدره حينئذٍ يسلط الله عليه من يهدمه حتى لا يبقى على وجه الأرض, ولهذا يجب على أهل مكة خاصة أن يحترزوا من المعاصي والذنوب والكبائر؛ لئلا يهينوا الكعبة فيذلهم الله عز وجل, نسأل الله تعالى أن يحمي ديننا وبيته الحرام من كيد كل كائد إنه على كل شيء قدير.(101/2)
الأسئلة(101/3)
حكم حضور المناسبات التي فيها منكرات
السؤال
قد تحدث مناسبات ويتعين على الشخص حضوره في مجلس, وقد يحدث في المجلس شيء من المنكرات مثل التدخين وغيره ولا يستطيع الإنكار, فهل يحضر؟
الجواب
إذا دعي الإنسان إلى مجلس بمناسبة عرس أو دعوة عادية, وهو يعلم أن فيه منكراً فإن كان يستطيع أن يغيره, بحيث يكون الرجل المدعو له جاه ومنزلة في قومه؛ فإنه يجب عليه الحضور, لسببين: الأول: إجابة الدعوة.
الثاني: إزالة المنكر.
أما إذا كان يعلم أنه لا يستطيع أن يغيره, فإنه لا يجوز له الحضور؛ لأن من حضر المنكر فإنه مثل فاعله.
وإذا حضر وهو لا يدري أنه سيكون هناك منكر, ثم رأى المنكر وجب أن ينصح ويتكلم فإن اُستجيب له فهذا المطلوب, وإن لم يستجب له وجب عليه أن يفارق المجلس, رضي من رضي وسخط من سخط؛ لأن رضا الله سبحانه وتعالى مقدم على رضا كل أحد.(101/4)
تفسير آيات الإشهاد على الوصية في سورة المائدة
السؤال
أرجو من فضيلتكم شرح الثلاث الآيات من سورة المائدة وهي قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المائدة:106-108] ؟ وجزاكم الله خيراً! الشيخ: هذا السؤال هل أنت في حاجة إليه؟ السائل: والله! أحب أن أعرف معناها؛ لأني اطلعت عليها في التفسير ووجدت كلام علماء فوق مستوانا.
الشيخ: هذه الآية الكريمة تفيد: أنه إذا أراد الإنسان أن يوصي وحضره الموت, فإنه يشهد رجلين من المسلمين؛ لأن غير المسلم لا تقبل شهادته, لكن عند الضرورة لا بأس أن يشهد غير المسلم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ} أي: من المسلمين, فيوصي ويشهد اثنين من المسلمين, ولا يشهد غير المسلمين, لكن عند الضرورة يشهد؛ ولهذا قال: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} ثم ضرب مثلاً للضرورة: {إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} أي: كنتم في سفر {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} يُشْهِدُ اثنين على الوصية: بأني أوصي كذا وكذا, سواء أوصى بدين عليه فقال: أشهدكم أن عليّ لفلان كذا وكذا, أو أوصى بتبرع, فيشهد هذين الاثنين من غير المسلمين, فإذا قدما إلى البلد وأردنا أن نستشهدهما فإننا نحبسهما من بعد الصلاة, أي: بعد صلاة العصر، وهذا الزمن مما تؤكد فيه الشهادة؛ لأنه آخر النهار والدعوة فيه مستجابة في الغالب, فنحبسهما من بعد الصلاة: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} يحلفان عند الشهادة لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى, ولكن ذلك يكون إن ارتبنا في شهادتهما, أما إذا لم نرتب فلا حاجة إلى استحلافهما, لا نحلفهم: {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ} .
نعيد مرة أخرى, يقول: إذا كان الإنسان في سفر وأراد أن يوصي، بأن حضره الموت وعرف أنه سيموت, إما بحادث وبقي فيه رمق ويريد أن يتكلم, وإما بمرض أنهكه ويعرف أنه قرب أجله فإنه يشهد على وصيته اثنين من المسلمين, فإن لم يكن معه مسلمون ومعه من غير المسلمين أشهد اثنين من غير المسلمين للضرورة؛ لأنه ليس هناك وقت وهو يعرف أن أجله حضر، وليس هناك مسلم فللضرورة يشهد الكافرين, الكافران إذا قدما البلد ماذا نعاملهما عند الاستشهاد؟ نحبسهما من بعد صلاة العصر, والحبس هنا ليس حبساً في السجون, لا، أي: نوقفهم, ونقول: احلفا بالله أنكما لم ترتكبا إثماً (فيقسمان بالله لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى) أي: لا نشهد شهادة باطل وزور ولو كانا أقرب قريب له: {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} أي: لا نخفي مما شهدنا به شيئاً: {إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ} , هذا هو الفصل الأول من القصة.
{فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً} أي: إن تبين بعد ذلك أن شهادتهما باطلة: {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} ينظر أولى الناس بهذا الميت وهم أقرب الناس إليه وهم الذين يرثونه: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ} .
وفي الآية الثانية قول آخر, ولا يحضرني الآن, لكن فيها قول آخر: أن الذي يحلف غير ورثة الميت, ونؤجل الكلام عليها إلى أن نطلع عليها إن شاء الله في كتب المفسرين.(101/5)
رفع الصوت أحياناً في الصلاة السرية خاص بالإمام دون المأمومين
السؤال
ورد في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع بالآية والآيتين, فهل هذا التسميع خاص بالإمام أم هو عام للإمام والمأموم, وما هي ضوابطه؟
الجواب
في حديث أبي قتادة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمعهم الآية أحياناً) والذي يسمع هو الإمام أحياناً, وهذا التسميع إما ليعلم الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ شيئاً بعد الفاتحة, وإما أن ينبه الناس بعض الشيء؛ لأنه إذا جهر الإمام في صلاة السر انتبه الناس.
أما المأموم فإنه لا يجهر بشيء, لا بالتسبيح ولا بالقراءة ولا بالتكبير, ولهذا يخطئ بعض الناس في صلاة الجنازة خاصة إذا كبر الإمام لصلاة الجنازة رفعوا أصواتهم: الله أكبر، وبعضهم في تكبيرات صلاة العيد الزوائد, بعضهم إذا كبر الإمام: الله أكبر الله أكبر، رفعوا أصواتهم للتكبير، أعني المأمومين وهذا خطأ, المأموم يقرأ سراً، ويكبر سراً، ويسبح سراً، ويدعو سراً.(101/6)
حكم الفتاوى التي تصدر في المجلات والصحف العربية وغير العربية
السؤال
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله: هناك من الصحف الصادرة باللغة الإنجليزية تترك مجالاً للفتاوى, ولا يعرف من المفتي, وكل ما هنالك أن يقال: رئيس التحرير للصفحة الإسلامية, وتقرأ العجب العجاب في هذه الفتاوى, ومن آخرها حين سئل أحدهم: هل هناك مشاركة حسية للشيطان أثناء الجماع, فنفى ذلك نفياً قاطعاً بعقله, وقال: إن هذا من الخرافات, ثم أيضاً: أنكر أن يكون عمر عائشة رضي الله عنها في هذا السن وقت زواجها المبكر, بل إنه قال: إنها لم يعرف عمرها ولم يكونوا يعرفوا أعمارهم في ذلك الزمان, وصرح بأنه لا بد أن يكون عمرها بين (16) و (18) وتقرأ ضمن هذه الفتوى محاولات تبريرية كثيرة لما يشوهه الغرب أو يثيروا شبهات حول هذا الموضوع, وكثرت حقيقة وتوزع بشكل موسع, فالرجاء لفتة طيبة من فضيلة الشيخ حول هذين الأمرين بالذات؟
الجواب
لا بجوز الاعتماد على الفتاوى التي تصدر في الصحف, سواء كانت باللغة العربية أو بغير العربية, يصدر فتاوى باللغة الأوردية وباللغة الإنجليزية كما قال الأخ, فلا يعتمد على الفتاوى التي تصدر في الصحف أو المجلات أياً كانت باللغة العربية أو غير العربية, إلا إذا علمنا أنها صدرت من عالم معروف موثوق بعلمه ودينه؛ لأنه مع الأسف صار اليوم يتصدر للفتوى من ليس أهلاً له, من يقول بلا علم، بل بمجرد هواه, ولا أقول بمجرد عقله؛ لأن العقل يقتضي بأن توكل الأمور إلى أهلها, ومن الذي يفتي الناس: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ} [النساء:176] الفتوى من الله ورسوله عليه الصلاة والسلام, أو من علماء موثوقين في العقيدة، وفي العلم وفي الأمانة معروفين, لا تفرطوا في دينكم, العمل بالفتوى معناه: دين يتقرب به الإنسان إلى الله, وإذا كان الإنسان لا يأخذ دواءً يتداوى به إلا إذا وصفه له طبيب حاذق مأمون فكيف يأخذ فتوى إنسان لا يدري من هو، وقد يكون منحرفاً في عقيدته أو في سلوكه, أو ضائع ليس عنده علم إطلاقاً يتخبط.
فنصيحتي لكل مؤمن يريد الحفاظ على دينه ألا يأخذه إلا ممن يثق به: ألا يأخذ بأي فتوى في الجرائد أو المجلات, إلا إذا صدرت من إنسان موثوق في عقيدته وفي علمه وفي دينه.
وأيضاً: لابد فيمن يقدم الفتاوي في هذه الصحيفة أو المجلة أن يكون معروفاً؛ لأنه أحياناً تكتب فتاوى تنسب إلى زيد أو عمرو من الناس وهو لم يقلها, لكن هؤلاء الصحفيون إذا رأوا عالماً من العلماء يقتدي به الناس ويأخذون بقوله لطخوا به بأي فتوى يفتون, وهذا أيضاً لابد منه, إذاً: لابد من أمرين: الأول: الثقة بالجريدة أو المجلة.
الثاني: الثقة بالمفتي -ما نقول: بالعالم قد يكون جاهلاً- بحيث يكون من العلماء المعروفين في عقيدتهم وعلمهم ودينهم.
ونحن الآن لسنا نأخذ في الفتاوي في أمور دينية بيع وشراء وتجارة وارتهان, حتى نقول: الذي لم يصلح اليوم يصلح غداً, نأخذ دين ندين به لله عز وجل, نجعله طريقاً إلى الجنة, فلابد أن نعرف هذا.
ولهذا يجب أن نحفظ ديننا, وألا نأخذه إلا من أهله, قال بعض السلف: [إن هذا العلم دين, فانظروا عمّن تأخذون دينكم] .
السائل: فتواه يا شيخ في عائشة؟ الشيخ: كل ما نقله من الفتاوي خطأ, وعائشة رضي الله عنها مشهور إن لم يكن متواتراً أنه تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي صغيرة.
وأنا قلت لكم الآن وأقولها: هؤلاء العقلانيون لم يمشوا على عقولهم أيضاً؛ العقل يقتضي ألا نأخذ الفتاوي إلا ممن هو أهل للفتوى, والفتوى من الله ورسوله, ليست من أي شخص.(101/7)
معنى الاتكاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لا آكل متكئاً)
السؤال
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لا آكل متكئاً) هل يدخل فيه الشرب, وهل الاتكاء مذموم مطلقاً، وما علة النهي؟
الجواب
أولاً: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إني لا آكل متكئاً) ليس نهياً, لكن فيه بيان أدب من آداب الأكل, ألا يأكل الإنسان متكئاً تأسياً بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأكل متكئاً لعله يترتب عليه محذوران: المحذور الأول: أن الأكل متكئاً يدل على أن فاعله عنده عنجهة, وكبرياء, وغطرسة.
المحذور الثاني: أن الأكل متكئاً يأكل وهو مستريح, وربما يأكل كثيراً لأنه مرتاح مطمئن, ولهذا ألحق ابن القيم رحمه الله بذلك أكل الإنسان متربعاً، يعني: هكذا، يقول: لا تأكل هكذا، هذا من الاتكاء؛ لأن الإنسان إذا أكل هكذا يكثر الأكل, لكن الصحيح: أنه ليس من الاتكاء والاتكاء: أن يعتمد الإنسان على يده اليمنى أو اليسرى.
فهذا السبب أن الرسول لا يأكل متكئاً لئلا يتمادى في الأكل ويكثر من الأكل, ومعلوم أن الأكل الكثير غلط في الشرع وفي الطب, أما الشرع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه -لقيمات للتصغير للتقليل- فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) ولو أن الإنسان عود نفسه هذه القاعدة من البداية لاستراح, وقلَّت التخمة عنده والسمنة، وقلّ الكسل, فهو يأكل الثلث، ويشرب الثلث، ويدع الثلث, وإذا جاع أكل, ليس معناه: لازم ألا تأكل إلا الفطور والغداء والعشاء, أنت قدّر الثلث للطعام، والثلث للشراب، والثلث للنفس, وإذا جعت فكل, هذا إن كان لا محالة, وإلا فاللقيمات تكفيك.
لكن -كما تعلمون- كما تعودنا الآن أن الإنسان يأكل حتى يشبع شبعاً كبيراً, فتجده يكسل ويسترخي ويأتيه نوم, وربما يأكل أكلاً يعلم أنه يتأثر ويتأذى به، ويقول: نصبر -يعني: تصبر! لماذا تأكل؟ - يقول شيخ الإسلام: إذا كان الإنسان يخشى من أكله تأذياً أو يخشى تخمة فإنه يحرم عليه الأكل.
بمعنى: أنه يأثم.
ولذلك ننصح إخواننا ونبدأ بنصيحة أنفسنا أولاً -أسأل الله أن يعيننا-: ألا نأكل كثيراً ولا نشرب كثيراً بل بقدر الحاجة, ثلث وثلث وثلث, وإذا جعنا، فالحمد الله الخير موجود.(101/8)
حكم صلاة المأمومين مع إمام لا يسجد في الصلاة لوجود عملية في عينه
السؤال
فضيلة الشيخ: صلى رجل بعد أن أنهى عملية في عينه إماماً, ولم يعلم المأمومون أن به عملية في عينه, فعندما أراد أن يسجد لا يسجد على أساس أنه لا يقدر, والمأمومون لا يعلمون هل يسجدون؟
الجواب
الصحيح أن هذا جائز؛ وذلك لأن هذا الإمام صحت صلاته، يعني هو يسأل ويقول: إمام عمل عملية في عينه، وكان لا يستطيع السجود، فكان يصلي بأصحابه وهو يومئ وهم يسجدون.
نقول: لا بأس بهذا؛ لأنه ما دام صلاته صحيحة فصلاتهم صحيحة, وهو قد اتقى الله ما استطاع, وقد ورد قريب من ذلك: حيث صلّى النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً وهم قادرون على القيام, فقاموا خلفه فأشار إليهم أن يجلسوا فجلسوا, واستمر يصلي بهم.(101/9)
حال حديث: (اقرءوا على موتاكم يس)
السؤال
فضيلة الشيخ: ما صحة الحديث: (اقرءوا على موتاكم سورة يس) نرى بعض الناس يقرءون سورة (يس) وهم ملتفون على القبر ويقرءون سورة (يس) وبعضهم يؤذن داخل القبر, ما صحة ذلك؟
الجواب
أما الحديث: (اقرءوا على موتاكم يس) فإنه ضعيف, وإذا كان ضعيفاً فقد كفينا إياه, أي: لا نعمل به, وعلى قول من قال: إنه حديث حسن، فإنه لا يقرأ عند القبر, وإنما يقرأ عند الاحتضار, وقد قيل: إن قراءتها عند المحتضر تسهل خروج الروح لما فيها من ذكر الثواب لأهل الجنة والنعيم كقوله: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:26-27] وكقوله: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} [يس:55] وتزيد الإنسان إيماناً بالبعث, مثل قوله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس:78-79] .
فعلى كل حال: إن صح الحديث فالمراد قراءتها عند المحتضر, ويدل لهذا أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم يبين بعضها البعض, فلم يرد مرة من المرات أنه قرأ (يس) عند القبر, ولا عند الذين ينزلون القبر يقرءونها, وإنما كان يقول: إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل) .(101/10)
ضابط مسافة القصر في السفر هو العرف
السؤال
قصر السفر هل الاعتبار بالعرف، أم الاعتبار بالمسافة؟
الجواب
قل: السفر المعتبر وليس القصر.
هل المعتبر بالسفر العرف، أو المسافة؟ أما رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فيرى أن المعتبر العرف فما سماه الناس سفراً فهو سفر, والسفر: هو الذي يشد الرحل إليه, ويحمل الطعام والشراب, ويودع ويشيع.
وأما أكثر العلماء فيقولون: بأنه يقدر بالمسافة.
وبناءً على ذلك أضرب لك مثلاً بـ عنيزة وبريدة: المسافة التي بينهما دون المسافة التي حددها من يرى المسافة؛ لأن الذين حددوا المسافة جعلوها (81 كم) , والمسافة من بريدة ما تبلغ (81) إلى عنيزة، فعلى رأي من يرى أن السفر الذي يقصر فيه هو ما بلغ المسافة يقول: من سافر من عنيزة إلى بريدة فلا يقصر, وأما من يرى أن السفر ما اعتبره الناس سفراً فيقولون: من ذهب إلى بريدة من عنيزة ليؤدي عمله الحكومي في الضحى ويرجع إلى أهله يتغدى, فهذا لا يعد سفراً, لكن لو ذهب إلى أقاربه هناك ويريد أن يبقى عندهم يومين أو ثلاثة فإنه يعد سفراً, هذا هو اختيار شيخ الإسلام , ولا شك أن اختيار شيخ الإسلام هو الصحيح من حيث النظر؛ لأن الله قال: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101] ، وروى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ صلّى ركعتين) وهذه أقل من المسافة التي يحددها من يحدد, فقول شيخ الإسلام من ناحية النظر هو الصحيح؛ لكنه غير منضبط في الواقع, أي: يبقى الناس حيارى.
أما إذا حددت قلت: من سافر (81كم) و (300 م) فهو مسافر، صار الناس ما عندهم شك, فهو من حيث التحديد يكون أضبط للناس, لكن من حيث النظر لا شك أن ما يسمى سفراً فهو سفر, وما لا يسمى سفراً فليس سفراً، فيرجع إلى العرف.
السائل: الذي يسافر أربعة أيام هل يعتبر مسافراً؟ الشيخ: إي نعم.
السائل: يقصر الصلاة؟ الشيخ: يعني: سافر مثلاً إلى بلد مسافة قصر.
السائل: سافر مسافة قصر ويريد أن يمكث شهراً.
الشيخ: لا بأس بذلك، هو إذا سافر مسافة قصر وجلس في البلدة فهو مسافر, لو يبقى أربع سنوات, ما دام أنه لم ينوِ الإقامة المطلقة فهو مسافر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام في تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة, وأقام في مكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة ولم يحدد لأمته مدة معينة, وكان الصحابة رضي الله عنهم يسافرون إلى الثغور التي هي حدود الأراضي الإسلامية ويبقى الإنسان سنة أو سنتين قاضياً فيها ويقصر, وابن عمر رضي الله عنه حبسه الثلج في أذربيجان ستة أشهر وهو يقصر الصلاة.(101/11)
تكبيرة الركوع تغني عن تكبيرة الإحرام لمن أدرك الإمام راكعاً
السؤال
رجل أتى إلى الصلاة والإمام راكع, فكبر تكبيرة الإحرام, فهل يلزمه تكبيرة أخرى؟
الجواب
يقول العلماء: إذا أدرك الإمام راكعاً كبّر للإحرام ثم ركع, فإن كبّر للركوع فهو أفضل, وإن لم يكبرّ فلا حرج.(101/12)
ما ينتج بعد صلاة الاستخارة يكون شعوراً نفسياً وما يتيسر من العمل
السؤال
فضيلة الشيخ: بالنسبة لصلاة الاستخارة إذا أراد الشخص أن يستخير الله في أمر, فيصلي صلاة استخارة ثم يدعو بعدها, بالنسبة لنتيجة هذه الاستخارة هل تكون نتيجة نفسية يعني: شعور نفسي برغبته بهذا الأمر, أم يكون اتكاله على الله في هذه الاستخارة، ويرى ما يرى الله فيه من خير؟
الجواب
أولاً: صلاة الاستخارة لا تكون إلا في الأمور التي يتردد فيها الإنسان, أما ما عزم عليه فلا حاجة إلى الاستخارة, لأنه عزم وعزيمته هذه من الله هو الذي قدرها عز وجل, لكن إذا تردد يصلي الاستخارة, ثم إن تبين له رجحان شيء عمل به, وإن لم يتبين أعاد الاستخارة مرة أخرى.
السائل: شعور نفسي؟ الشيخ: شعور نفسي, وقد يرى الإنسان رؤيا تحمله على هذا أو هذا, وقد يتردد أحياناً ثم يقدر الله الأمر على وجه مباغت, وهنا نقول: إن الله تعالى لم يقدره على وجه مباغت وأنت قد استخرته سبحانه وتعالى إلا وهو خير لك.(101/13)
بيان معرفة أيام السفر وتأثيره على قصر الصلاة
السؤال
بالنسبة لقصر الصلاة في السفر, بعض العلماء اشترط قال: إذا كان يعلم مدة سفره فيقصر واحداً وعشرين فريضة من غير أيام المسير, وبعض العلماء قالوا: إذا كان لا يعلم فيقصر إلى أن يرجع إلى بلده, فهل هذا صحيح؟
الجواب
المسألة فيها -يا بني- واحد وعشرون قولاً للعلماء, لكن الراجح: أنه ما دام أنه لم يعزم على الإقامة المطلقة غير المقيدة فإنه يقصر, حتى ولو بقي أربعة أيام, ولو كان يعلم أنه سيبقى أربعة أيام أو خمسة أو عشرة أو أربعة شهور أو أربع سنوات, والتفريق بين كونه يعلم المدة أو لا يعلمها ليس عليه دليل؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قصر في تبوك عشرين يوماً وهو يعلم أنها لا تكفيه أربعة أيام, قطعاً, وأقام عام الفتح تسعة عشر يوماً في مكة يقصر, ومن المعلوم أنه لا يمكن أن يمكث في هذه البلدة التي فتحها ويرسل إلى ما حولها ليهدم الأوثان أنه يكفيه أربعة أيام, ثم لم يقل يوماً من الدهر: يا أيها الناس! من عزم أن يبقى أكثر من أربعة أيام، فلا يقصر, ما قال هذا, بل قدم في حجة الوداع -آخر سفرة سافرها- في اليوم الرابع وجعل يقصر الصلاة حتى رجع إلى المدينة , وهو يعلم أن الناس يأتون قبل اليوم الرابع, هل كل الحجاج لا يأتون إلا من الرابع فما بعد؟ أبداً, من الحجاج من يأتي في أول الحجة، ومنهم من يأتي في ذي القعدة, ومنهم من يأتي في شوال {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197] متى تبدأ؟ من شوال, هل قال لأمته وهو يعلم أن منهم من يأتي قبل اليوم الرابع: من قدم منكم قبل اليوم الرابع فعليه أن يتم؟ هذا أمر ما هو هين.
فلما لم يقل هكذا علمنا أن هذا الحديث الذي استدل به من يقدر بأربعة أيام أنه دليل عليه وليس دليلاً له؛ لأنه يقول: إن الرسول يعلم أن هناك من قدم قبل ذلك ومن يقدم بعد هذا، لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقل للأمة: يا أيها الناس! من قدم منكم قبل اليوم الرابع فعليه الإتمام.
فالمهم أننا نقول: القصر معلق بالسفر فما دمت مسافراً فالقصر ثابت في حقك, ومسح ثلاثة أيام على الجوارب والخفين ثابت في حقك, والفطر في رمضان ثابت في حقك, إلا أننا نقول: الفطر في رمضان لك أن تفطر, لكنه لا ينبغي أن يأتي رمضان الثاني إلا وأنت قد أديت الواجب عليك, لماذا؟ لئلا تتراكم عليك الشهور، وتعرف إذا تراكمت أربعة شهور مثلاً صعب عليك أن تقضيها, فإذا كان إفطاره سبباً لعدم القضاء فليقض.
السائل: هل القصر سنة أم واجب؟ الشيخ: القصر سنة مؤكدة, وبعض العلماء يقول بالوجوب, أما إذا كان في بلد والناس يصلون ويتمون يجب عليه أن يصلي مع الناس ويتم, إلا لعذر.(101/14)
الفرق بين العالم والمفتي
السؤال
فضيلة الشيخ: ما الفرق بين العالم والمفتي؟
الجواب
العالم هو الذي عنده علم, وبعض العلماء يفتون والبعض يتورع ولا يفتي, يقول: الإنسان ضعيف.
والمفتي هو الذي يفتي ولو بغير علم؛ لأن من الناس من يتصدر للفتوى وهو لا يعرف كوعه من كرسوعه، وهل تعرف كوعك من كرسوعك؟ فيه أبيات:
وعظم يلي الإبهام كوع وما يلي لخنصره الكرسوع والرسغ ما وسط
وعظم يلي إبهام رجل ملقب ببوع فخذ بالعلم واحذر من الغلط
الآن اليد في طرف الذراع لها ثلاث جهات: الجهة التي تلي الإبهام هي الكوع, والتي تلي الخنصر الكرسوع, والوسط الرسغ، أما هذا -أي: المفصل الذي بين العضد والساعد- فيسمى المرفق قال الله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6] .
مداخلة: عند العامة يسمى الكوع.
يا شيخ.
الشيخ: العامة ليسوا بحجة.(101/15)
التفصيل في إمام مسجد يقول: لو رفعت هذه المكافأة لتركت إمامة المسجد
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأيكم بإمام مسجد يقول: لو رفعت هذه المكافأة -التي يأخذها شهرياً- لتركت الإمامة في المسجد, وما حكم الصلاة خلفه؟ الشيخ: والله! لا ينبغي أن يقول هكذا, ولكن: (إنما الأعمال بالنيات) هل قصده أنها لو رفعت بقي بدون عيش فيذهب ويطلب العيش, فهذا ما فيه شيء؛ لأن الإنسان يأخذها ليستعين بها على نوائب الدنيا, أو قصده ليتخذها أجرة حتى ولو هو غني إذا رفعت المكافأة ترك الإمامة, لا فهذا لا شك أنه لا يؤجر على إمامته ولا ثواب له في الآخرة؛ لأنه أراد بعمله الدنيا, وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل قال لقومه وقد طلبوا منه أن يصلي بهم قيام رمضان قال: لا أصلي بكم قيام رمضان إلا بكذا وكذا، فقال الإمام أحمد رحمه الله: نعوذ بالله, من يصلي خلف هذا؟!! فالأعمال بالنيات؛ لكن ينبغي أن ينصح هذا الرجل: ما دمت مصلياً والإمامة لا شك أنها نعمة من الله عز وجل على العبد, وتعينه على أداء الصلاة, فاجعل النية لله, والراتب سيأتيك.(101/16)
الشهادة بالحق لا تكون إلا عن علم
السؤال
رجلان ذهبا ليسلما على أحد القضاة, فلما دخلا عليه وجدا عنده رجلاً يدعي أن له أرضاً يريد أن يأخذ لها صكاً, فعندما دخل هذان الرجلان والقاضي يعرفهم, ويعرف أنهم ليس لهم علاقة بالموضوع, وأنهم أتوا فقط للسلام على القاضي, فقال: هذان يشهدان, فكتب القاضي وشهدوا وانتهت المسألة, وأخذ الرجل، والبلد التي فيها القاضي تبعد عن البلد التي فيها الأرض (500) كيلو, فما حكم شهادة هذين الشاهدين؟
الجواب
والله! لابد أن تعرف أن الشهادة لا بد فيها من العلم: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:86] لا بد أن يعرف الشاهد أن من شهد بحق لا بد أن يعلم, يعني الآن: لو أن رجلين أمامك ادعى أحدهما على الآخر مائة ريال, وأنكر الثاني, أنا أعلم أن المدعي صادق رجل عنده دين وأمانة وورع, وأن الآخر المنكر رجل خفيف الدين ولا يبالي أن ينكر ما يجب عليه, الآن أنا أعرف أن المدعي مصيب, أليس كذلك؟ هل لي أن أشهد؟ أنا أعرف أن الحق مع المدعي لأنه رجل ورع ودين, ولا يمكن أن يدعي ما ليس له, لكن هل لي أن أشهد بهذا الحق الذي أعتقده حقاً وأنا لا أعلم؟! لا أشهد، إذاً: لا يجوز لأي إنسان أن يشهد إلا بما علم أنه حق, حتى لو علم أن هذا حق لمقتضى حال المدعي لا يجوز أن يشهد, إلا إذا علم القضية بنفسه.
على كل حال أنا أعلمتك الآن, فلا يجوز للشهود أن يشهدوا إلا بما علموا بأنفسهم مباشرة, ولا يجوز للقاضي أيضاً أن يكتب شهادتهما وهو يعلم أنهما لم يشهدا القضية.(101/17)
حكم إيراد السائل على العالم شبهات في العقيدة لأجل التعلم
السؤال
هل يجوز للسائل إذا سأل العالم أن يورد عليه بعض الشبهات في العقيدة لأجل أن يعرف جوابها والردود عليها؟ الشيخ: سؤال مهم.
مثلاً إنسان قال: إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش, فسأله فقال: استوى على العرش أي: علا عليه عز وجل علواً يليق بجلاله وعظمته, اقتنع أن معنى: استوى على العرش يعني: علا على العرش، ما هناك أي إشكال، لكنه أراد أن يورد الشبهات على الذي أفتاه خوفاً من أن أحداً من الناس يورد عليه هذه الشبهات فلا يعرف جوابها، أفهمتم؟ هذا صحيح، هذا طيب وجيد.
فمثلاً: لو قال له: استوى على العرش، فجاء إنسان وقال: لا، استوى على العرش، أي: استولى على العرش؛ لأن الاستواء على الشيء لا يكون إلا لجسم أو لكذا وأتى بشبهات؛ فهذا طيب، لأجل تقول لنا: استوى استواء يليق بجلاله، لست أقول: استوى على العرش كما يستوي الإنسان على السرير أو على الدابة, استواءً يليق بجلاله وانتهى وإذا أورد عليه شبهات أقول: هذه الشبهات مردودة عليه؛ لأن هذه الشبهات إنما تكون لو قلنا: بأن استواء الله على العرش كاستواء الإنسان على السرير أو على البعير أو على الفلك, أما إذا قلنا: استواء يليق بجلاله عز وجل, فهذا لا إشكال فيه, وهذا طيب.
أنا أيضاً أنصح كل طالب علم ليس عنده مادة قوية يستطيع أن يجادل بها: أن يورد ما يمكن من الشبهات على من هو أعلم منه من أجل أن يجيب عليه, ثم إني أيضاً أنصح العالم الذي عنده علم إذا أوردت عليه مثل هذه الشبهات -لأن بعض العلماء ربما إذا أورد عليه هذه الشبهات ربما يظن أن هذا السائل يريد أن يجادله, أنا أنصح أيضاً العلماء- أن تتسع صدورهم, ربما يكون هذا الذي أورد الشبهات أنها شبهات قد أوردت عليه من قبل فيريد أن يحلها، أو يخشى أن تورد عليك في المستقبل فيريد أن يعرف جوابها.
فالحاصل: أن هذا سؤال مهم وجيد, وأنا أوافق على أنه ينبغي أن نورد كل ما يمكن أن يكون شبهة سواء كانت وردت عليه من قبل أو يخشى عليه أن تورد في المستقبل.
وقد قال الإمام مالك رحمه الله: (الاستواء معلوم, والكيف مجهول, والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) وهذا هو الحق.
مداخلة: لماذا لا يجيب على الكيف؟ الشيخ: قال: الكيف مجهول.
الاستواء معروف: هو العلو على الشيء بصفة مخصوصة, هذه الصفة التي هي الكيفية هل هي معلومة؟ لا, إذاً لا يجوز أن نتكلم فيها أو نتحدث, ولا يجوز أن نقيسها على استوائنا نحن على البعير أو على السرير أو على الفلك, والله قال: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف:12-13] , لو قال لك قائل مثلاً: شخص استوى على بعير, يتحدث ويقول: ثم إن فلاناً أناخ بعيره واستوى عليها, وأنت لا تعلم كيف استوى, هل يمكن أن تصف كيفية استوائه على بعيره وأنت ما رأيته؟ السائل: إذا سمعت عنه.
الشيخ: أنا قلت لك: في الشارع الآن بعير باركة استوى عليها صاحبها مثلما قال الله عز وجل: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف:12-13] استوى عليها صاحبها ومشى، هل تستطيع أن تصف كيفية استوائه عليها وأنت ما رأيته؟ السائل: لا.
الشيخ: لا، إذا كنا نجهل كيفية استواء المخلوق على البعير وهو من جنسنا لكنه غائب عنا فكيف لا نجهل كيفية استواء الخالق عز وجل؟!! ولذلك كيفية الاستواء مجهولة, وهذا جواب سديد.(101/18)
حكم شراء الشيء نقداً وبيعه مقسطاً
السؤال
ما حكم شراء السيارة نقداً لغرض بيعها بالتقسيط مع زيادة في السعر؟
الجواب
إذا كان الإنسان الذي اشتراها نقداً لم يشترها إلا لفلان الذي جاء يطلب منه التقسيط فهذا حرام, يعني مثالاً: أتيت إليك أنا وقلت: أريد السيارة الفلانية في المعرض الفلاني, وأنا ما معي فلوس, فقلت أنت: أنا أشتريها نقداً وأعطي المعرض, وأبيعها لك بالتقسيط بزيادة, هذا حرام؛ لأنها حيلة واضحة بدلاً من أن أقول: خذ قيمتها نقداً سلفاً وقرضاً واشتر بها ولكن توفيني أكثر ذهبت أشتريها اشتراءً غير مقصود, أنا لولا أنك أتيت إلي ما اشتريتها ولا فكرت في ذلك, فهذا لا يجوز.
أما إذا لو كانت السيارة عند شخص في معرضه أو كان اشتراها مثلاً، وقلت: يا فلان! أريد أن أشتري منك السيارة, وهي تساوي (50) نقداً, فقلت: أريد أشتريها منك بـ (60) إلى سنة مؤجلاً, هذا يجوز ما فيه شيء لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282] .
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.(101/19)
لقاء الباب المفتوح [102](102/1)
الحكم بردة من يصور الله سبحانه وتعالى في كاريكاتير
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا نفتتح هذا اللقاء الأسبوعي بعد الإجازة, وذلك يوم الخميس السادس والعشرين من شهر ربيع الآخر من عام (1416هـ) .
ونظراً لأنه حان وقت الأسئلة وأنه لا يمكننا أن نتكلم على شيء من التفسير, فإننا نبدأ بالأسئلة الآن, ونسأل الله للجميع التوفيق.
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأيكم فيمن يصور الله سبحانه وتعالى في تجسيده في (كاريكاتير) يكون في المجلة أو في الجريدة؟
الجواب
رأينا أن هذا ضلال بين؛ لأن الله عز وجل أعظم وأجل من أن يصور في شيء فإنه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] ومهما تخيل الإنسان من صورة فإنه لن يستطيع أن يصور الله عز وجل, وإذا علمنا أن هذا المصور قصد تنقص الرب عز وجل فإنه يكون كافراً مرتداً عن الإسلام, يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل, وقال بعض العلماء: إنه لا يحتاج إلى استتابة، ولكن هذا يرجع إلى نظر الحاكم الشرعي, فإن رأى أنه من المصلحة أن يستتيبه استتابة وإلا قتله فوراً.
ولا شك أن من صور الرب عز وجل بصورة كاريكاتير ساخراً به لا شك أنه مرتد، وأنه يجب قتله فوراً ولا يحتاج إلى استتابة؛ لأن مثل هذا من أخبث عباد الله.(102/2)
العبادات مبنية على التوقف
السؤال
فضيلة الشيخ! جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه يكبر إذا صعد مشرفاً، ويسبح إذا نزل وادياً) وهل هذا التسبيح والتكبير خاص بالسفر, أم أنه يكبر ويسبح عند الصعود -مثلاً- في البيت إلى الدور الثاني والثالث, جزاكم الله خيراً؟
الجواب
كان النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره إذا علا صعداً كبر, وإذا نزل وادياً سبح, وذلك أن العالي على الشيء قد يتعاظم في نفسه, فيرى أنه كبير, فكان من المناسب أن يكبر الله عز وجل فيقول: الله أكبر, وأما إذا نزل فالنزول سفول فناسب أن يسبح الله عز وجل عند السفول, هذه هي المناسبة, ولم ترد السنة بأن يفعل ذلك في الحضر, والعبادات مبنية على التوقيف, فيقتصر فيها على ما ورد, وعلى هذا فإذا صعد الإنسان الدرجة في البيت فإنه لا يكبر, وإذا نزل منها فإنه لا يسبح, وإنما يختص هذا في الأسفار.(102/3)
حكم تأخير الصلاة حتى يضيق وقتها
السؤال
امرأة اعتادت أن تصلي الفجر قبل طلوع الشمس بعشر دقائق -مثلاً- لكي تكسب نوماً أكثر, وأن الوقت ما زال قائماً, وقس على ذلك الأوقات الأخرى, ما رأي فضيلتكم في ذلك؟
الجواب
يحرم على الرجل وعلى المرأة أن يؤخر الصلاة حتى يضيق وقتها, لكن له رخصة بأن يؤخرها إلى أن يبقى بينه وبين خروج الوقت مقدار ما يتمكن به من الطهارة والصلاة كاملة, وأما تأخيرها حتى يضيق الوقت عنها فإن ذلك من كبائر الذنوب, لكن إذا كان لعذر فإنه يجب عليه فور زوال ذلك العذر أن يقيم الصلاة.(102/4)
حكم الماء إذا وقعت فيه نجاسة
السؤال
فضيلة الشيخ! عندنا خزان ماء بال فيه طفل، وكذلك وجدنا فيه فأراً, فما رأيك؟
الجواب
الماء إذا سقطت فيه النجاسة من بول، أو عذرة، أو فأرة أو غيرها مما يكون نجساً، ولم يتغير لا طعمه ولا لونه ولا ريحه بالنجاسة، فهو طهور, لكن النجاسة ذات الجرم يجب إخراجها, مثل: لو كانت عذرة يجب أن تلف من الماء وتخرج, أو فأرة تخرج أيضاً.
السائل: الخزان كبير ما يتمكن من إخراجه؟ الشيخ: لابد, ينزل فيه من يعرف أن يسبح ويخرجها؛ لأنها لو بقيت لكان الماء يتأثر فيما بعد, بعد هذا ينزف الماء حتى لا يبقى فيه إلا قليل وتخرج.(102/5)
حكم تخصيص اليوم السابع من العرس بوليمة
السؤال
فضيلة الشيخ! من العادات المنتشرة بين بعض الناس أن هناك وليمة تقام بعد وليمة العرس بسبعة أيام يطلق عليها اسم (السابع) فهل لهذا أصل في الشرع؟
الجواب
الوليمة التي تقوم في العرس إنما هي الوليمة الأولى التي عند الدخول، أو ما يقارب ذلك, ويجوز أن تقام مرة أخرى ثانية, وأما الثالثة فمكروهة.
وعلى هذا فنقول: يقتصر على الوليمة الأولى, أما تقييدها في الأسبوع، وأن تحدث في اليوم السابع فهذا لا شك أنه بدعة لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه, فلا يلتفت إليه، ويجب أن تُقاطع؛ لأن البدع لا يجوز تشجيعها بأي حال من الأحوال.(102/6)
حكم إقامة الوليمة بمناسبة سلامة الشخص من الحادث
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم إقامة الوليمة بمناسبة سلامة الشخص من الحادث؟
الجواب
لا حرج على الإنسان إذا سلم من حادث أن يصنع طعاماً ويوزعه على الفقراء شكراً لله تعالى على هذه النعمة, ولهذا قال كعب بن مالك: (إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله) .
وأما أن يصنع طعام ويدعى إليه الأحباب والأقارب والجيران فهذا ليس بقربة، ولكنه ليس ببدعة؛ لأنه لا يتخذ على أنه عبادة، ولكنه من باب الفرح، فلا بأس به.(102/7)
أهمية التعلم عند العلماء
السؤال
فضيلة الشيخ! عندنا بعض الشباب يحبون طلب العلم في بلاد النوبة؛ في أقصى جنوب القاهرة، فنصيحتك لهم بأي كتب يبدءون في الفقه أو العقيدة أو الحديث, وخاصة أنه لا يوجد معلم؟
الجواب
الحقيقة أنه إذا لم يوجد معلم في بلد ما فإن المسألة خطيرة؛ لأن مراجعة الإنسان لوحده وهو لم يسبق له طلب علم قد يفهم الكتاب خطأً, فيعتمد على فهمه, فَيَضلّ ويُضِل, فلابد من التعلم على عالم, سواء تعلم مع العالم مباشرة، أو بواسطة كتبه الواضحة البينة، أو أشرطته, أما أن يمسك العامي الكتاب ثم يذهب ليخبر به: الحكم كذا والحكم كذا فهذا خطأ, ولكن لعل أحداً منهم يقدم إلى البلاد العربية والإسلامية يتعلم في الجامعات ثم يرجع إلى قومه فينذرهم, كما قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة:122] وكذلك الجن صرف الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم نفراً منهم يستمعون القرآن, قال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف:29] فحسن لهؤلاء أن ينبعث منهم أحد تقوم به الكفاية ليتعلم على العلماء في البلاد الإسلامية, ثم يرجع إلى قومه فينذرهم.(102/8)
تحريم الحيل في البيع والشراء
السؤال
بعض المحلات التجارية تعلن عمولة أو نسبة أو هدية -مثلاً- لمن يشتري منهم كمية من البضاعة, فبعض العمال وهو يعمل دهاناً, فيقول: هو عندما يتفق مع صاحب العمارة ويذهب إلى هذا المكان المتجر يعطى هذه العمولة, فيسأل: هل له أن يأخذ هذه العمولة، أم يتفق مع صاحب العمارة ويكون بينهما؟
الجواب
حرام على العامل إذا كان صاحب التجارة ينزل من التجارة إذا أخذ منه كمية كبيرة, أن يأخذ هذه النسبة لنفسه, ويقيد على صاحب العمارة بالسعر الأول, يعني: هذا ظلم، نعم لو أنه استأذن من صاحب العمارة وقال: إنهم يبيعونه بـ (10) ، وأنه مع الكمية الكبيرة ينزلون إلى (9) ، وأرجو أن يكون الريال الزائد لي, فإذا سمح فلا بأس, وإلا فإن التنزيل يكون لصاحب العمارة.
السائل: أحياناً تكون في شكل آلة يعمل بها مثل: فرشاة؟ الشيخ: المهم -على كل حال- كل شيء زائد لا يحل.(102/9)
مدى صحة القاعدة التي تقول: كل عبادة مؤقتة بوقت فيسن أداؤها في أول وقتها
السؤال
سمعت بعض طلبة العلم يقول: كل عبادة مؤقتة بوقت فيسن أداؤها في أول وقتها, فهل هذه القاعدة صحيحة؟
الجواب
هذه ليست على إطلاقها, إنما فعلها في أول الوقت أفضل إن لم يورد الشرع بسنية التأخير، فمثلاً صلاة العشاء الأفضل أن تؤخر إلا إذا شق على الناس, فالأصل أن الإنسان كلما بادر في العبادة فهو أفضل؛ لعموم قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران:133] ^، وقال تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148] ، وقال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:21] ^ إلا ما ورد الشرع بتأخيره فإنه يؤخر.(102/10)
الرد على من يحتج بقوله تعالى: (قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول) على عدم العذر بالجهل
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض الناس يحتج بقول الله سبحانه وتعالى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ} [هود:91] في عدم العذر بالجهل, فهل لهم حجة في هذه الآية؟
الجواب
يجب أن تعلم أن القاعدة الشرعية الإيمانية أن الإنسان يحمل المتشابه من النصوص على المحكم منها, والنصوص المحكمة كلها تدل على أن الإنسان معذور بالجهل, {وما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15] ، وقال تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] ، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة:115] والآيات في هذا كثيرة, ولو نعذر بالجهل ما احتجنا إلى الرسل.
وهذه الآية التي قلت: (مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ) لم يقولوا: ما نفقه ما تقول, قالوا: (كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ) , ثم هم قد يكونوا صادقين في قولهم: (ما نفقه) وقد يكونون كاذبين، لكنهم معاندين, فالآية الآن: ليس فيها دليل على أنهم لا يفقهون كل ما يقول, بل لا يفقهون كثيراً مما يقول.
والثاني: أنهم يكونون معاندين وليسوا صادقين في قولهم: (ما نفقه) ، وعلى هذا فلا يجوز أن يعارض الآيات الصريحة بمثل هذه الآية المحتملة.
السائل: لقد جاءت الرسل ولا يوجد رسول آخر بعد ذلك، فنحن مكلفون فقط -أي: نسمعهم الآية- فإذا سمعوا الآية قامت الحجة عليهم الجواب: أرأيت لو قرأت القرآن كله من أوله إلى آخره عند رجل لا يعرف العربية أيفهم؟ لا.
ولهذا قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم:4] .(102/11)
من نام عن صلاة الفجر فليصلها إذا استيقظ
السؤال
رجل غلبه النوم عن صلاة الفجر, وما سبقها من النوافل كصلاة الليل وسنة الفجر, ثم استيقظ قبل طلوع الشمس بقليل, بحيث أنه لو صلّى قد توافق صلاته طلوع الشمس, فكيف يصلي؟
الجواب
يصلي راتبة الفجر ثم الفجر, أما النوافل الأخرى فيصليها في النهار بعد ذلك.
السائل: لكن يصليها بعد طلوع الشمس؟ الشيخ: إي نعم، بعد طلوع الشمس.
السائل: ينتظر قليلاً حتى طلوع الشمس؟ الشيخ: لا.
لا ينتظر، يبادر.
السائل: إلى الآن ما طلعت الشمس.
الشيخ: يبادر لو كان طلوع الشمس بقي عليه دقيقتان لابد عليه أن يبادر إذا لم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.(102/12)
حكم السلام عند دخول المسجد والناس يصلون
السؤال
صلينا في بعض المساجد صلاة الجماعة, وكلما دخل شخص يصلي يقول: السلام عليكم، المصلون كلهم يشيرون عليه، ثلاث مرات وأربع هكذا؟
الجواب
الأفضل ألا يفعلوا, لكن من دخل قاصداً شخصاً معيناً ووجده يصلي سلم عليه إن شاء, وإن شاء لا يسلم, وأما كون كل من دخل فهذا ليس معروفاً عند الصحابة رضي الله عنهم أن كل من دخل سلّم، وهو غلط من الإنسان؛ لأنه يشوش على الناس, فربما يتعجل أحد ويقول: وعليكم السلام, فلذلك ينهى أن يكون الإنسان كلما دخل المسجد سلّم, أما لو كان قاصداً شخصاً معيناً في المسجد وجاء وسلم عليه وهو يصلي فلا بأس أن يشير بيده بالإجابة.
السائل: بعض المصلين يشيرون هكذا أليس تلاعباً؟ الجواب: لا.
هو أصلاً غير وارد, فالمُسلّم لا يستحق رداً إطلاقاً لا بالإشارة إلى فوق ولا إلى أسفل ولا إلى اليمين، ولا إلى اليسار، لا يستحق الإجابة.(102/13)
الحكم فيمن رضعت زوجته من زوجة أخيه من الرضاعة
السؤال
فضيلة الشيخ! لقد تزوجت زوجة وبعد الدخول عليها بأربعة شهور, أتاني خبر أنها رضعت من زوجة أخي من الرضاع عشرة أيام, مع العلم أن والدها ووالدتها وزوج امرأة المرضع كذبوها في ذلك, فهل تحرم عليّ؟ وهل يجوز لي إذا كانت تحرم علي بالمطالبة في حقي الذي دفعته عليها؟
الجواب
إذا كانت المرأة التي أخبرت بأنها أرضعت ثقة مأمونة فإنه يؤخذ بقولها حتى وإن أنكر زوجها أو أبو الزوج أو أمه؛ لأن المثبت مقدم على النافي، وبناءً على ذلك: يتبين أن النكاح غير صحيح, فيفارق أحدهما الآخر.
أما المهر فإن كان قد جامعها فهو لها كاملاً بما استحل من فرجها, ولا يستحق منه شيئاً, وأما الأولاد الذين أتوا من هذه المرأة فهم أولاد شرعيون؛ لأنهم خلقوا من وطء شبهة, فيكون نسبهم فيه ثابت, فهذه ثلاثة أشياء: أولاً: نقدم قول المرضعة إذا كانت ثقة, ولا نعتبر بالمخالف.
ثانياً: لها المهر كاملاً إذا كان قد جامعها بما استحل من فرجها.
ثالثاً: بالنسبة للأولاد فهم أولاد شرعيون لأبيهم؛ لأنهم خلقوا من وطء شبهة.(102/14)
حكم الكتابة على الألواح ثم مسحها وشربها كدواء
السؤال
بعض الناس إذا مرض يكتب على الألواح ويمسح ويشرب كدواء، فهل على ذلك أثر أو شيء؟
الجواب
لا بأس في ذلك, يعني: لا حرج على الإنسان أن يكتب كتابة من القرآن ثم يغسلها بالماء ويشرب الماء؛ لأن هذا ورد عن بعض السلف، ولعله داخل في قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام:92] فهو من بركته, وداخل في قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82] فأطلق الشفاء ولم يقيده بالشفاء المعنوي، كما أن القرآن شفاء معنوي لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57] .(102/15)
حكم التأمين على الممتلكات وخصوصاً السيارات
السؤال
ما رأي فضيلتكم في التأمين على الممتلكات وخصوصاً السيارات, بحيث يدفع أجراً سنوياً لهذه الشركة مقدر بقوانين معروفة, وتتكفل الشركة بتعويض المستفيد لما يحصل لهذه السيارة من حوادث في هذه المدة المحددة, مع ملاحظة: أن الشركة لا تعيد شيئاً من المبلغ إذا لم يحدث للسيارة حادث؟
الجواب
هذا حرام, التأمين على الوجه الذي ذكرت: أن المؤمِّن يدفع دراهم سنوية أو شهرية إلى الشركة، ثم إن حصل حادث فالشركة تقوم به, سواء كان أكثر مما دفع المؤمّن أو أقل, وإن لم يحصل حادث فإن الشركة لا ترد ما أخذته, هذا من الميسر المحرم المقرون تحريمه بتحريم الخمر والأصنام, فلا يحل للإنسان أن يتعامل بهذا التعامل.
السائل: يقولون فيها فتاوى؟ الجواب: فتاوى من عند من؟! السائل: ما أدري.
الشيخ: حتى من أفتى بها فهو ضال.
السائل: يقولون: عندنا فتاوى.
الشيخ: أقول: هذا خطأ ما هو صحيح, ولا أحد يفتي بذلك؛ لأن كل عقد تضمن المخاطرة: وهو أن يكون أحد العقدين غانماً أو غارماً، فهو من الميسر قال تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة:90] .(102/16)
حكم الزكاة عن العملات القديمة التي بطل التعامل بها إن جمعت على سبيل الهواية
السؤال
فضيلة الشيخ! لي قريب كان لديه هواية في جمع العملات الأجنبية قديماً, وانقطع عنها, فهل يزكي عنها أم لا؟ وإذا كانت هذه العملات قد مضى عليها الزمن ولا يتعامل بها, فما الحكم؟ الشيخ: من المعلوم أن هذا الرجل إنما اشتراها للتجارة؟ السائل: ليست للتجارة إنما هواية يجمع فقط.
الشيخ: هل تساوي شيئاً؟ السائل: نعم تساوي شيئاً؛ إلا أنها قديمة.
الشيخ: وحديثاً؟ السائل: انتهت مدتها لا تستخدم أكثرها لا يستخدم.
الشيخ: أولاً نقول: هذه إذا كان اتخذها على سبيل التجارة أي: يتكسب فيها, يشتري هذه العملة بـ (10) ثم يبيعها بعد ذلك بـ (20) هذه عروض تجارة, تقدر قيمتها عند تمام الحول ويخرج ربع العشر.
وأما إذا كان مجرد هواية واقتناء فإن بقيت ماليتها أي: مالية هذه النقود, فهي على قيمتها تزكى قيمتها, وإن أبطلت وانتهى التعامل بها فلا شيء فيها.
السائل: بعضها يعلم أنها انتهت قيمتها, وبعض الدول لا يعلم، هل يتعاملون بها أم لا؟ الشيخ: يبحث ليست مشكلة, الإنسان الحريص يبحث هل انتهت مدتها أو لا, إن قالوا: انتهت مدتها قبل سنة، فهذه السنة التي مضت ما عليه شيء, وإن قالوا: نصف سنة أيضاً ما عليه شيء؛ لأنه لم يتم الحول.(102/17)
الدعاء بعد الأذان للمؤذن والمستمع
السؤال
هل المؤذن إذا انتهى من الأذان يقول الدعاء المأثور بعد الأذان؟
الجواب
الظاهر أنه يقول؛ لأن هذا الدعاء لا يوجد مثله في الأذان, ولكنه لا يجيب نفسه, كما ادعى ذلك بعض العلماء, بعض العلماء يقول: إن المؤذن يجيب نفسه, فإذا قال: الله أكبر بصوت مرتفع, قال في نفسه: الله أكبر, فيكون التكبير ثمان، مرة في الأصل ومرة في التبعية, وكذلك التشهد إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله يقول بلسانه أشهد أن لا إله الله، وعلى هذا يكون الأذان كله مكرر, مرة بالأصالة، ومرة بالتبعية, ولكن هذا القول ضعيف؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا) فجعل السامع شيئاً، والمؤذن شيئاً آخر.
أما الذكر فلما كان المؤذن لا يقوله في حال الأذان فليقله بعد الأذان كما يقوله الآخرون.
فالصواب: أن الدعاء بعد الأذان, يشمل المؤذن والسامع.(102/18)
العبرة في فعل الصلاة لا بوقتها والجمع في الصلاة يشرع عند الحاجة إليه
السؤال
شاب خرج من بلدته مسافراً وحان وقت الصلاة فهل يقصر تلك الصلاة أم لا؟ ثم أقام في البر لمدة ثلاثة أيام، أو خمسة أيام، فهل يقصر الصلاة ويجمعها، هل يسن له ذلك؟
الجواب
أما المسألة الأولى فإنه يصلي ركعتين؛ لأن العبرة في فعل الصلاة لا بوقتها, ولهذا لو قدم الإنسان إلى بلده بعد دخول الوقت صلّى أربعاً, ولا يقول: إنه دخل علي الوقت وأنا مسافر فأصلي ركعتين, لا، العبرة بفعل الصلاة, كما أنه لو أذن وهو في بلده ثم سافر بعد الأذان؛ فإنه يصلي ركعتين اعتباراً بفعل الصلاة.
وأما وقت إقامته يومين أو ثلاثة فالقصر سنة, يعني: يسن أن يقصر الرباعية إلى ركعتين, وأما الجمع فالأفضل ألا يجمع؛ لأنه ليس بحاجة إلى الجمع, والجمع إنما يشرع عند الحاجة إليه, أما إذا لم يحتج إليه فإن الأفضل ألا يجمع.
السائل: يا شيخ! إذا كان هناك -مثلاً- بعض الزملاء يريدون الجمع والبعض لا، فسوف يكون هناك مخالفة بينهم؟ الجواب: لكن هل هناك شيء من المشقة؟ فيقال لهؤلاء الذين اختاروا الجمع: الأفضل ألا يجمعوا, فإن أصروا فليجمعوا ولا بأس.
السائل: يجمع معهم؟ الشيخ: يجمع الجميع؛ لئلا يتفرقوا ولئلا تنقص الجماعة.(102/19)
أفضلية طلب العلم على النوافل
السؤال
أيهما أفضل: قراءة القرآن وصلاة الضحى، أم حضور مجلس العلم؟
الجواب
لا.
مجلس العلم أفضل, أفضل من صلاة الضحى ومن قراءة القرآن, أما قراءة القرآن فلأنه يمكن له أن يستدركها في وقت آخر من ساعة الليل أو النهار, وأما صلاة الضحى فإن طلب العلم أفضل من جميع النوافل, أي: أفضل من صلاة الضحى ومن التهجد ومن جميع النوافل, ولهذا كان أبو هريرة رضي الله عنه يسهر في الليل يتحفظ الأحاديث ولا يتهجد, فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (أوتر قبل أن تنام) ولم يقل اترك العلم وتهجد, وهذه قاعدة ينبغي لنا أن نفهمها, وعلى هذا فطالب العلم في مناقشته ومراجعته ومذاكرته وتحفظه أفضل من القائم الصائم حتى لو قال مثلاً: أنا أحب أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر, لكن إذا صمت تعوقني عن طلب العلم بالتعب والكسل, قلنا: لا تصم؛ ما دام أنه يؤثر عليك في طلب العلم, فطلب العلم أفضل.(102/20)
حكم صلاة الجمعة في البلد الذي تعددت فيه المساجد لغير حاجة
السؤال
إذا تعددت الجمعة في بلد واحد من غير حاجة, فأين نصلي؟
الجواب
إذا تعددت الجمع في بلد واحد من غير حاجة فالواجب على المسئولين أن يمنعوا الثانية؛ يعني: التي حدثت الأخيرة؛ لأنها طرأت على الأولى، والأولى قد ثبتت وصحت, وإذا لم يمكن -كما يوجد في البلاد الأخرى- يعني: إذا لم يمكن منع الجمع, فليصل الإنسان في الجمعة التي تقام أولاً, فإن لم يتيسر له لبعدها فلا بأس أن يصلي الجمعة في المسجد الآخر.(102/21)
التحذير من إفتاء الجنود بغير علم
السؤال
فضيلة الشيخ! أحد الشباب يقول: إنه في سلك عسكري ويسكن معنا عشرون من الشباب, والمسجد يبعد عنا -تقريباً- مسافة كيلو أو أكثر بقليل, فلا يصلي إلا القليل في هذا المسجد, والبقية يصلون في غرفهم, فنصحناهم ووجهناهم فاحتجوا ببعد المسافة, فاقترح هذا الشخص أن يتخذ مصلى في هذا السكن الذي يبعد عن المسجد هذا البعد, فما رأيكم؟
الجواب
رأينا أنه يرجع إلى الجهة المسئولة عن هذه الفرقة ويقرر ما يرى أنه أفضل, أو يوجه سؤالاً إلى دار الإفتاء في الموضوع, أو إليّ, المهم أن يقع السؤال من الرئيس على هذه الفرقة؛ لأن في مثل هذه المسألة أنا أقولها عن نفسي وأنصح إخواني بها: إذا كان هناك فرقة في عمل من الأعمال، وجاء السؤال من أحد هؤلاء الذين يعملون تحت رئاسته, فلا تجبه؛ لأنك سوف تحدث فتنة, فإن هذا العامل إذا أفتيته على ما يرى أنه حق قام يجادل الجهة المسئولة ويحصل فرقة واختلاف, لكن إذا جاء السؤال ممن له الأمر والنهي في هذه الفرقة، والذي يستطيع أن يحكم فيه فيما يتبين له من الشرع فحينئذٍ وجب عليك الجواب, وهذه مسألة انتبهوا لها؛ لأنا جربنا، يأتي جندي -مثلاً- من الجنود يقول: ما تقول في كذا وكذا؟ أنت تفتيه عن سلامة القلب بأن هذا حرام, ماذا يعمل؟ يذهب لأجل أن يضاد مسئوله في هذا, يقول: أنت تقول افعلوا كذا.
وهذه فتوى فلان، فيحصل في هذا فتنة أشد وأعظم, ولا يكاد أحد من المسئولين يسلم من كراهة من تحت يده أو بعضهم إلا أن يشاء الله, فتجده إذا كره مسئوله ذهب يبحث لعل عليه أخطاء في أمور شرعية حتى يسأل عنها ثم يأتي بالجواب من العالم المعتبر عند الجميع, فينابذه في ذلك, فالمهم أنني أنصحكم خاصة طلبة العلم أن ينتبهوا لمثل هذه الأمور.
السائل: هذا الشخص سيرجع إلى الشئون الدينية ويستشيرهم, لكن يريد مسألة شرعية؟ الجواب: يرجع لهم ويستشيرهم, ويبلغهم عن الموضوع.
نسأل الله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح.(102/22)
لقاء الباب المفتوح [103]
لقد منَّ الله على قريش -أهل مكة- بأن جعل لهم الإيلاف -وهو: الضم والجمع ويراد به التجارة- مرتين: مرة في الصيف ومرة في الشتاء، ففي الأولى يتجهون إلى الشام؛ لأن غالب تجارة الفواكه تكون في الصيف، أما في الشتاء فيتجهون إلى اليمن للمحصولات الزراعية فيه، ولقد أمرهم الله تعالى أن يعبدوه؛ لأنه هو الذي أطعمهم بعد أن كانوا جياعاً، وأمنهم بعد أن كانوا خائفين.(103/1)
تفسير سورة قريش
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن هذا اللقاء لقاء الباب المفتوح هو اللقاء الثالث بعد المائة, نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع به, ويقع هذا اللقاء يوم الخميس الحادي عشر من شهر جمادى الأولى عام (1416هـ) .
نتكلم فيه عن قول الله تبارك وتعالى {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:1-4] هذه السورة لها صلة بالسورة التي قبلها, إذ أن السورة التي قبلها فيها بيان منة الله عز وجل على أهل مكة بما فعل بأصحاب الفيل الذين قصدوا مكة لهدم الكعبة.
فبين الله في هذه السورة نعمة أخرى كبيرة على أهل مكة -على قريش- وهو إيلافهم مرتين في السنة: مرة في الصيف ومرة في الشتاء, والإيلاف بمعنى: الجمع والضم ويراد به التجارة التي كانوا يقومون بها مرة في الشتاء ومرة في الصيف, أما في الشتاء فيتجهون نحو اليمن؛ للمحصولات الزراعية فيه؛ ولأن الجو مناسب, وأما في الصيف فيتجهون إلى الشام؛ لأن غالب تجارة الفواكه وغيرها تكون في الصيف مع مناسبة الجو البارد, فهي نعمة من الله سبحانه وتعالى على قريش في هاتين الرحلتين.
لما ذكرهم بهذه النعمة وهي نعمة عظيمة؛ لأنهم يجدون منها فوائد كثيرة ومكاسب كبيرة في هذه التجارة, أمرهم الله عز وجل أن يعبدوا رب هذا البيت عز وجل, قال: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} شكراً له على هذه النعمة, والفاء هذه إما أن تكون فاء سببية, أي: فبسبب هاتين الرحلتين ليعبدوا رب هذا البيت, وأياً كانت فهي مبنية على ما سبق, أي: فبهذه النعم العظيمة يجب عليهم أن يعبدوا الله, والعبادة هي: التذلل لله عز وجل محبة وتعظيماً, أن يتعبد الإنسان لله, ويتذلل له بالسمع والطاعة, إذا بلغه عن الله ورسوله أمر قال: سمعنا وأطعنا, وإذا بلغه خبر قال: سمعنا وآمنا, على وجه المحبة والتعظيم, فبالمحبة يقوم الإنسان بفعل الأوامر, وبالتعظيم يترك النواهي خوفاً من هذا العظيم عز وجل, هذا معنى من معاني العبادة.
وتطلق العبادة على نفس المتعبد به, وقد حدها شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا المعنى فقال: إن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
ولهذا لو سألك سائل: الصلاة عبادة أم عادة؟ قلت: عبادة, ولو سألك سائل: أنت الآن تصلي فما معنى صلاتك هذه؟ لقلت: معناها العبادة لله عز وجل، أتعبد لله عز وجل, أتذلل له بالسمع والطاعة وبما أمرني به.
وقوله: {رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} يعني به الكعبة المعظمة, وقد أضافها الله تعالى إلى نفسه بقوله تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج:26] وهنا أضاف ربوبيته إليه قال: {رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} وهل هو رب لغيره؟
الجواب
نعم.
لكن إضافة الربوبية إليه على سبيل التشريف والتعظيم.
{وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج:26] أليس كل شيء لله؟ {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [المائدة:120] كل شيء لله، كل شيء يملكه الله، لماذا أضاف الله البيت إليه؟ تشريفاً وتعظيماً, إذاً خصصه بالربوبية أي: خصص البيت بالربوبية مرة, وأضافه إلى نفسه مرة أخرى تشريفاً وتعظيماً في آية ثانية: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} [النمل:91] احترازاً من أن يتوهم واهم بأنه رب البلدة وحدها, فقال: {وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} [النمل:91] ولكل مقام صيغة مناسبة, فبقوله: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} [النمل:91] المناسبة: بيان عموم منكر لئلا يدعي المشركون أنه رب للبلدة فقط, أما هنا فالمقام مقام تعظيم للبيت, فناسب ذكره وحده.
{الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} (الذي) هذه صفة للرب أو للبيت؟ للرب, إذاً محله النصب, ولهذا يحسن أن تقف فتقول: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} ثم تقول: {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ} لأنك لو واصلت فقلت: {رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} * {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ} لظن السامع أن (الذي) صفة للبيت، وهذا بعيد من المعنى ولا يستقيم بالمعنى.
{الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} بين الله تعالى نعمته عليهم, النعمة الظاهرة والباطنة, فإطعامهم من الجوع وقاية من الهلاك في أمر باطن وهو الطعام الذي يأكلونه, {وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} وقاية من الخوف في الأمر الظاهر؛ لأن الخوف ظاهر, إذا كانت البلاد محوطة بالعدو خاف أهلها, وامتنعوا عن الخروج, وبقوا في ملاجئهم, فذكرهم الله بهذه النعمة, {أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} وآمن مكان في الأرض هو مكة , ولذلك لا يقطع شجرها، ولا يحش حشيشها, ولا تلتقط ساقطتها, ولا يصاد صيدها, ولا يسفك فيها دم, وهذه الخصائص لا توجد في البلاد الأخرى, حتى المدينة محرمة ولها حرم لكن حرمها دون حرم مكة بكثير، حرم مكة لا يمكن يأتيه أحد من المسلمين لم يأته أول مرة إلا محرماً يجب عليه أن يحرم, والمدينة ليست كذلك, حرم مكة يحرم حشيشه وشجره مطلقاً, وأما حرم المدينة فرخص في بعض شجره للحرث ونحوه، صيد مكة حرام وفيه الجزاء, وصيد المدينة ليس فيه جزاء, المهم أن أعظم مكان آمن هو مكة , حتى الأشجار آمنة فيه, وحتى الصيود آمنة فيه, ولولا أن الله تعالى يسر على عباده لكان حتى البهائم -قصدي حتى بهيمة الأنعام- التي ليست صيوداً لكن الله تعالى رحم العباد وأذن لهم فيه بأن يذبحوا ويأكلوا في هذا المكان, وهذه النعمة ذكرهم الله بها في قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت:67] يعني: أفلا يشكرون الله على هذا؟! فهذه السورة -كما ترى- كلها تذكير لقريش بما أنعم الله عليهم في هذا البيت العظيم, وفي الأمن من الخوف, وفي الإطعام من الجوع, فإذا بلغ أي: ما واجب قريش نحو هذه النعمة؟ وكذلك ما واجب من حل في مكة الآن من قريش أو غيرهم؟ إن الواجب الشكر لله تعالى, بالقيام بطاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه, ولهذا إذا كثرت المعاصي في الحرم فالخطر على أهله أكثر من الخطر الذي على غيره؛ لأن المعصية في مكان فاضل أعظم من المعصية في مكان مفضول، ولهذا قال الله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25] فتوعد الله تعالى من أراد فيه أي: من همّ فيه بإلحاد فضلاً عمن ألحد.
والواجب على المرء أن يذكر نعمة الله عليه في كل مكان, لا في مكة فحسب؛ بلادنا -ولله الحمد- اليوم من آمن بلاد العالم, وهي من أشد بلاد العالم رغداً وعيشاً, أطعمها الله تعالى من الجوع وآمنها من الخوف فعلينا أن نشكر هذه النعمة, وأن نتعاون على البر والتقوى, وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وعلى الدعوة إلى الله على بصيرة وتأن وتثبت, وأن نكون أخوة متآلفين, والواجب علينا ولا سيما على طلبة العلم إذا اختلفوا بينهم أن يجلسوا للتشاور وللمناقشة الهادئة التي يقصد منها الوصول إلى الحق, ومتى تبين الحق من إنسان وجب عليه اتباعه, ولا يجوز أن ينفصل لرأيه؛ لأنه ليس مشرعاً معصوماً حتى يقول: إن رأيي هو الصواب، وأن ما عداه فهو الخطأ, الواجب على الإنسان المؤمن أن يكون كما أراد الله منه, {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36] أما كون الإنسان ينفصل لرأيه, ويصر على ما هو عليه ولو تبين له أنه باطل، فهذا خطأ, هذا من دأب المشركين الذين أبوا أن يتبعوا الرسل وقالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:23] .
نسأل الله أن يديم علينا وعليكم نعمة الإسلام, والأمن في الأوطان, وأن يجعلنا إخوة متآلفين على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.(103/2)
الأسئلة(103/3)
حكم السكوت على المنكر مجاملة
السؤال
هل السكوت على المنكر مجاملة إثم؟
الجواب
السكوت على المنكر مجاملة حرام, ومن جلس مع من يفعل المنكر فإنه مثله؛ لأن الله تعالى قال: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} [النساء:140] .
أما من سكت عن المنكر متعاطفاً بمعنى: أنه يتحين الفرصة المناسبة لإنكاره فلا بأس؛ لأن هذا من باب المعالجة كصبر المريض على مر الدواء، فلو رأيت شخصاً -مثلاً- له قيمته في المجتمع وذو جاه وشرف رأيته على منكر, فإنه لا شك أنه ليس من المستحسن أن تقوم أمام الناس وتقول: يا فلان! أنت على منكر، أنت أسبلت ثوبك، أنت حلقت لحيتك، أو ما أشبه ذلك؛ لأنه يرى أنه في مقام أعلى منك فلا يزيده إلا نفوراً, وربما إن كان قادراً على إيذائك آذاك, لكن يجب عليك أن تحفظ هذه الزلة منه وتحتفظ بها، فإذا خلوت به في مكان فذكره بها, إذا لم يتيسر لك أن تخلو به في أي مكان اكتب له, إذا لم يتيسر فأنت تعرف أنه لا بد لكل إنسان من صاحب وصديق, اتصل بأصحابه وأصدقائه الذين يوصلونه ما تقول وبلغه.(103/4)
حكم قول القائل في الوطن: كل الوجود سواك هالك
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك أغنية أذيعت يقول صاحبها:
كل الوجود وما احتواه إلى الردى إلا هواك يبقى مرفوع اللواء
أو نحوها، فما أدري ينبغي الاعتقاد بهذه أو ترديده من غير اعتقاد هل هو حرام؟
الجواب
لا يجوز تردديها ولا إقرارها, بل يجب على من قالها أن يتوب إلى الله عز وجل منها, فإن تاب وإلا فإن ظاهر كلامه ردة -والعياذ بالله-؛ لأن ذكر: كل الوجود سواك هالك، معناه: ضد قول الله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88] فيكون هذا ردة إن بقي صاحبه عليه مع تذكيره وتبيين الحق له, أما ترديدها فهو حرام, ولا يجوز أن تلقى بين يدي الناس يرددونها.
ثم إن الانتصار للوطن ليس محموداً على كل حال ولا مذموماً على كل حال, إنما هو حسب طاعة الله ورسوله, فإذا كان الإنسان منتصراً لوطنه؛ لأنه وطن إسلامي فيدافع عنه من أجل أنه إسلامي فهذا محمود, أما من أجل أنه وطن فقط فهذه عصبية جاهلية.(103/5)
الأمور التي تعين على ترك المعصية
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هي الأمور التي تعين الإنسان على ترك المعصية؟
الجواب
أهم شيء يعين الإنسان على ترك المعصية خوف الله عز وجل, وأن يردد في فكره قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] وأن يؤمن ويوقن بأن أي عمل يعمله فإنه سيلاقي ربه بذلك.
ثانياً: أن يفكر في العاقبة، ما هي العاقبة من المعصية؟ عواقب المعاصي سيئة؛ لأنها تهون على العبد معصية الله عز وجل, فلا يزال مع الشيطان حتى يوصله إلى الشرك, ولهذا قال بعض أهل العلم: إن المعاصي بريد الكفر.
أي: أن الإنسان يرتحل منها مرحلة مرحلة حتى يصل إلى غايته -والعياذ بالله- ويدل لهذا القول قول الله تبارك وتعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:13-14] فالذنوب لما رانت على القلب -والعياذ بالله- أرته آيات الله القرآن العظيم أنه أساطير الأولين يعني: سواليف, فإذا تأمل الإنسان في عواقب المعصية فإن هذه من أسباب تركها.
ثالثاً: أن يعلم أن المعصية لا تزيده من الله إلا بعداً, وإذا ابتعد عن الله ابتعد الناس عنه, لأن الإنسان إذا ابتعد عن الله -والعياذ بالله- صار في قلبه وحشة, وصار كأن صفحة أمامه يقرؤها الناس بمعايبه ومعاصيه، وتجده قد كتب عليه الذل، فيتأمل مثل هذه الأشياء وهذا مما يقويه على ترك المعصية.
رابعاً: ومن أسباب ذلك أيضاً: إذا كانت المعصية بسبب معاشرة بعض أهل السوء فليبتعد عنهم ويجتنبهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مثّل جليس السوء بنافخ الكير, قال: (إما أن يحرق ثيابك, وإما أن تجد منه رائحة خبيثة) .(103/6)
حكم توزيع المال على الورثة في الحياة
السؤال
هل يجوز للإنسان أن يوزع ماله على الورثة في حياته؟
الجواب
نقول: هذا سفه في العقل؛ لأنه إذا وزعه في حياته، فهل يعرف أن هؤلاء الذين وزع عليهم هم الذين يبقون بعده, أليس من الجائز أن يموتوا قبله، فكيف يوزع عليهم؟! ثانياً: إذا وزعه عليهم وكانوا ممن لا يمكن أن يرجع بهبته لهم كالإخوة مثلاً, ثم احتاجه، وحاجته واردة أو غير واردة؟ يعني: هل يمكن يحتاجون من إرثهم؟ السائل: يمكن يحتاجون.
الشيخ: بعدما وزع الآن ما بقي عنده ولا شيء، يمكن يحتاج أم لا؟ السائل: يمكن يحتاج.
الشيخ: وإذا احتاج والدراهم عند غيره فيبقى فقيراً فلهذا نقول: هذا من السفه, انتظر الموت والله يحسن الختام, إنما جاء لك اليوم يأتيك غداً.
السائل: يقول: أنا كبرت فأوزعه؟ الشيخ: خطأ.
الله عز وجل قال: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء:12] فجعل الشيء بعد تركه، ولا يتركه الإنسان إلا إذا فارق الدنيا بالموت حينئذ يقسم.
وكما قلت لكم: أولاً: لا يدري هل هؤلاء يموتون قبله أو يموت قبلهم.
وثانياً: لا يدري ربما احتاج في المستقبل، هذا الكبير السن لو أصيب بمرض يحتاج إلى آلاف الدراهم من أين له؟ فأنصحك لا توزع لهم، انتظر لا تدري ماذا يكون بعدها.(103/7)
رأي الشيخ في كتاب القطبية
السؤال
ما رأيك في كتاب القطبية الذي انتشر بين أوساط الشباب في بعض المناطق, وهل توصي بقراءته؟
الجواب
أنا سمعت عنه لكني ما قرأته, ولا أدري عنه، لكن الحق أبلج والباطل لجلج, الإنسان يعرف إذا قرأ عرف الحق من الباطل, فإذا كان هذا الكتاب فيه أحكام مبنية على الكتاب والسنة وعلى التثبت وعلى الحقائق، فلا يمكن لأحد أن يقول فيه شيئاً, وإن كان على سوى ذلك فالباطل باطل, أما أنا فما قرأته.(103/8)
حكم التدريس في المدارس التي فيها اختلاط
السؤال
حكم العمل في التدريس في المدارس التي فيها اختلاط الطلبة بالطالبات, واختلاط المدرسين والمدرسات؟
الجواب
لا شك أن خلط البنين بالبنات في المدارس أمر منكر, وأنه لا يجوز, ولكن هذا ليس إلى الشعوب هذا إلى الحكومات, والمسئول عنه الرئيس الأول في كل دولة, وهذا الذي سيحاسبه الله عز وجل يوم القيامة, فإذا لم يكن هناك طريق إلى إيصال العلم إلى الناس إلا بهذه الطريق فليدرس فيها وليغض البصر ما استطاع بالنسبة لرؤية النساء, وليحرص هو بنفسه على أن يفرقها؛ لأن المعلم الأجنبي كالمدير تماماً, يعني: هو في فصله يعمل ما شاء, فتنكره إذا دخلت، أن يخفف من شأن هذا الاختلاط وتقول للنساء: كن في الخلف جميعاً والرجال كلهم في الأمام جميعاً, وليكن حازماً في هذا, وهذا لا شك أن فيه تخفيفاً من الشر والبلاء.(103/9)
حكم من يتلفظ ببعض الشركيات ناسياً
السؤال
جرى على لسان بعض العامة أو بعض الناس أنهم يقولون بعض الشركيات ويتخلصوا منها بحكمها, أي: علموا الحكم ولكنهم يرددونها, فعندما تقول له: هذا كذا، يقول: والله نسيت، مثلاً: يقول كلمة شرك عند القسم يقول: عليك النبي، وحياة النبي, هذه الكلمات، فعندما توضح له يقول لك: والله نسيت يا أخي، لكني لا أقر بهذا؟
الجواب
أنت تعرف أن الله عز وجل قال في كتابه: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فإذا كان الإنسان قد اعتاد الحلف بغير الله, كما يوجد في كثير من الشعوب الإسلامية -مع الأسف- يحلفون بالنبي صلى الله عليه وسلم, فإذا كان قد اعتاد هذا من الصغر، والشعب حوله كلهم يحلفون بالنبي, فإنه ليس من السهل أن يدعها في يوم أو يومين أو في شهر أو شهرين, فإذا قال: إنه نسي فإن الله قد عذر إذا كان ناسياً, ولا يستبعد أن يكون ناسياً؛ لأنه قد اعتاد عليه, فنقول: احرص على أن تتذكر أن هذا حرام, وألا تفعله.(103/10)
حل الإشكال في قول ابن تيمية: دبر الصلاة آخرها
السؤال
ذكر الشيخ ابن تيمية أن المراد بدبر الصلاة آخرها, أي: قبل السلام, ألا يشكل على هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سبح لله دبر كل صلاة ثلاثة وثلاثين, وكبر الله ثلاثة وثلاثين.
) ؟
الجواب
لا يشكل, شيخ الإسلام يقول: دبر الصلاة آخرها إذا كان ذلك في دعاء, وأما إذا كان في تسبيح فهو بعدها, وله دليل على ذلك, أما الأول وهو أنه إذا كان دعاءً فإنه يكون قبل السلام فدليله: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم عبد الله بن مسعود للتشهد قال: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) فدل هذا على أن الدعاء قبل السلام.
وأما إذا كان ذكراً فدليله: أن المراد به بعد السلام قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [النساء:103] فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل الدعاء قبل السلام, والقرآن الكريم جعل الذكر بعد السلام, وهذا واضح.
أما من حيث النظر فإنا نقول لهذا الذي يدعو بعد أن يسلم: أيهما أولى: أن تدعو الله عز وجل وأنت في حال دعاء يقضي من الإجابة؛ لأنك تناجي الله عز وجل, أو تدعو الله بعد الانفصال؟ الأول أولى, فصار كلام شيخ الإسلام رحمه الله راجحاً من وجهين: من جهة النص ومن جهة المعنى, وعلى هذا فقول الرسول صلى الله عليه وسلم لـ معاذ بن جبل: (لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة مكتوبة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) يراد به ما قبل السلام.(103/11)
حكم إجابة المؤذن
السؤال
بعض العلماء يقول في إجابة المؤذن أنها واجبة, ويستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول) فقال: هذا أمر والأمر يدل على الوجوب, فما هو الصارف لهذا الأمر للاستحباب؟
الجواب
أولاً بارك الله فيك, هذا مبني على هل الأصل في الأمر الوجوب, أو الأصل في الأمر الاستحباب؟ هذا فيه خلاف بين العلماء: منهم من يقول: الأصل في الأمر الوجوب.
ومنهم من يقول: الأصل في الأمر الاستحباب.
ولكل أدلة, ومن أقوى أدلة القائلين بأنه للاستحباب قالوا: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أمر به كان ذلك دليلاً على أنه مشروع ومحبوب إلى الله عز وجل, والأصل عدم التأثيم بالترك, ولو كان الأصل التأثيم بالترك فهذا هو المستحب, أن يكون مطلوباً ليس في تركه إثم.
ومنهم من قال: إن الأمر للوجوب لقول الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] .
ولهذا نقول: كل من القاعدتين ليس مطرداً في الواقع, تأتي أوامر كثيرة يتفق عليها على أنها للاستحباب, وأوامر كثيرة يتفق العلماء على أنها للوجوب, لكن إذا كان هناك قرائن, فالقرائن تؤيد.
فالصحيح: أن إجابة المؤذن ليست واجبة, بل هي سنة, ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ مالك بن الحويرث ومن معه: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) ولم يقل: وليجيبه الآخر, أو ليقل الآخر كما يقول, مع أن المقام مقام تعليم وهؤلاء وفد, قد لا يحضرون مرة أخرى إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فالصواب: أنه سنة وليس بواجب, والقرينة الصارفة هو هذا الحديث الذي ذكرته لك.(103/12)
مسألة دوران الشمس حول الأرض
السؤال
العلم الحديث يثبت أن الشمس ثابتة وأن الكواكب تدور حولها, فهل يجوز اعتقاد هذا, وهل ينافي الآية: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس:38] ؟
الجواب
أرى أن الإنسان يأخذ بظاهر القرآن؛ لأن القرآن تكلم به الخالق عز وجل, وهو أعلم بمخلوقاته, والشمس في مكان لا نصل إليه, ولا يصل إليه أحد, فإذا قال الله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس:38] ، وقال: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف:17] فهذه أربعة أفعال كلها مضافة إلى الشمس: إذا طلعت تزاور, وإذا غربت تقرضهم, والأصل في إضافة الفعل إلى فاعله أنه قائم به, فترى الشمس هي التي تطلع, وهي التي تزاور, وهي التي تغرب, وهي التي تقرض, فعلينا أن نؤمن بهذا على ظاهره, وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر حينما غربت الشمس: (أتدري أين تذهب؟ قلت: الله ورسوله أعلم, قال: فإنها تذهب وتسجد تحت العرش وتستأذن فإن أذن لها وإلا رجعت من حيث جاءت) قال: تذهب, وقال: تسجد, وقال: رجعت, فعلينا أن نؤمن بهذا الظاهر إلا إذا جاءنا أمر يقين مثل الشمس: أن الشمس ثابتة، وأن تعاقب الليل والنهار يكون بدوران الأرض فحينئذٍ نؤمن بهذا, ويمكن أن يؤول القرآن إلى أن معنى قوله: (إذا طلعت) أي: في رأي العين, لأن على من يقول: إن تعاقب الليل والنهار بسبب دوران الأرض هل هي التي طلعت علينا، أم نحن الذين طلعنا عليها؟ نحن الذين طلعنا عليها؛ لأننا نحن الذين جئنا إليها, ما دام تعاقب الليل والنهار يكون بدوران الأرض معناه: نحن الذين جئنا إليها حتى رأيناها, وهي واقفة في مكان ثم دارت الأرض, نحن الذين جئنا ونحن الذين طلعنا عليها.
وعلى كل حال: نحن لا نعلم الغيب إلا ما علمنا الله عز وجل, فنؤمن بظاهر القرآن ونقول: إن الشمس والقمر يكون بسيرها تعاقب الليل والنهار, هذا هو الظاهر لنا, فلو قدرنا أننا علمنا علم اليقين بأن الأمر ليس على ظاهره، أمكن أن نصرف الآيات عن ظاهرها إلى معنىً لا ينافيه.(103/13)
جواز الجمع في الصلاة من غير خوف ولا مطر
السؤال
ورد في صحيح مسلم عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في غير خوف ولا مطر, وعندما سئل ابن عباس رضي الله عنهما قال: أراد ألا يحرج أمته) فهل هذا الحديث مقيد، ولو قال قائل: أنا سأعمل بهذا الحديث؟
الجواب
نقول: نعم, إذا أردت أن تقضي بهذا الحديث فمن يمنعك؟ لكن ابن عباس رضي الله عنه قال: (من غير خوف ولا مطر) ويفيد قوله هذا: أنه لا بد أن يكون هناك سبب, إما خوف، أو مطر، أو برد شديد، أو ما أشبهه, ودليل هذا أنه قال: (أراد ألا يحرج أمته) أي: ألا يوقعها في حرج, فيستفاد من هذا الحديث: أن كل أمر يكون عليك حرج كما لو صليت كل صلاة في وقتها فإنه يجوز لك أن تجمع, ولهذا يجوز للمريض الذي يشق عليه أن يصلي في كل وقت يجوز أن يجمع, حتى قال أهل العلم من الحنابلة: يجوز للمرأة المرضع التي يكثر حمل ولدها بين يديها وضرره عليها، يجوز لها أن تجمع بين الظهر والعصر للمشقة, وتجمع بين المغرب والعشاء للمشقة, فالمدار على المشقة متى وجدت المشقة جاز الجمع.(103/14)
طلب العلم أفضل من الصوم إذا كان يضر بالطلب
السؤال
بعض طلاب العلم حرصاً منهم على زيادة الخير ورغبة فيه, يكثر من صيام التطوع يصوم يوماً ويفطر يوماً, ولكن هذا يؤثر من جانب آخر في تحصيلهم على العلم, كألا يراجع المتون أو القرآن, فما حكم هذا العمل؟
الجواب
الصيام لا شك أنه عمل صالح, ومن أفضل الأعمال, واختصه الله لنفسه لقوله: (الصوم لي وأنا أجزي به) وكان داود يصوم يوماً ويفطر يوماً وهو أفضل الصيام, لكن هناك عمل أفضل منه وهو طلب العلم, فإن طلب العلم أفضل من الصيام, وأعني صيام التطوع, فإذا كان صوم يوم وفطر يوم يمنعه من التشاغل بالعلم قلنا له: أنت الآن تعمل بالمفضول وتترك الفاضل, فإن طلب العلم أفضل, قال الإمام أحمد رحمه الله: العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته, قيل: وما تصحيح النية؟ قال: ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره.
أما إذا كان رجلاً قد اعتاد الصيام, والصيام سهل عليه صيفاً أو شتاء, وربما يكون أنشط له، فهذا لا يرده عن طلب العلم ولا يمنعه, ولهذا تجد النبي عليه الصلاة والسلام إنما يصوم الإثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر، ولكنه لا يصوم يوماً ويفطر يوماً؛ لأنه يشتغل دونه، أما رجل عابد وليس عنده اشتغال في العلم والصوم لا يمنعه من صلاة التطوع وقراءة القرآن وأذكار الصباح والمساء، فهذا طيب أن يصوم كما صام داود.(103/15)
حكم وصف الله بأنه يصبر
السؤال
هل يوصف الله عز وجل بالصبر, مثلاً يقول: اليهود فعلوا كذا وكذا فصبر الله عليهم؟
الجواب
يوصف بأنه صابر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا أحد أصبر على أذىً سمعه من الله عز وجل) فجعل الله أصبر من كل الصابرين على أذىً سمعه، لكن لا يسمى بذلك، فلا يقال مثلاً: إن من أسمائه الصابر؛ لأن باب الإخبار أوسع من باب الإنشاء.(103/16)
ضابط المروءة
السؤال
ما ضوابط المروءة التي ينبغي على المسلم أن يسلكها, وما هي السبل التي ييسر للإنسان سلوك هذا العمل؟
الجواب
الضابط بارك الله فيك: أن المروءة فعل ما يجمله ويزينه وترك ما يدنسه ويشينه, كل ما يعبر الناس خلقاً حسناً فهو مروءة, ويجتنب كل ما يدنسه ويشينه, هكذا قال العلماء في ضبطها فهو منضبط, وهذا يختلف باختلاف الناس, من الناس من هو شريف ووجيه وذو مرتبة عالية, إذا فعل ما يفعله ما هو دونه انتقد, وإذا فعله غيره لم ينتقد, فنقول للأول: إذا فعلته فقد خالفت المروءة, ونقول للثاني: إن فعلك إياه لا يخالف المروءة, فهذا مقياس, المروءة: فعل ما يجمله ويزينه وترك ما يدنسه ويشينه.(103/17)
كيفية متابعة الإمام
السؤال
ما هو الضابط في متابعة الإمام هل هو سماع الصوت، أو رؤية الحركة؛ لأن الإمام عندنا في الحي يكبر للسجود وهو واقف فيهوي الناس يسجدون قبله، فما هو الضابط يا شيخ؟ وهل فعلهم هذا صحيح؟
الجواب
الضابط أن يتم الفعل؛ لأن التكبير علامة عليه ودليل عليه, أشاهد الإمام فإذا قال: الله أكبر وهو قائم قبل أن يصل إلى الأرض, وأنا أراه أنه لم يصل إلى الأرض فلا أسجد, لقول البراء بن عازب: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد لا يحني أحد منا ظهره حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً ثم نقع سجوداً بعده) .
أما إذا كنت لا تراه فهنا تأتي وظيفة السمع, فاعمل بما تسمع, ويكون المسئول عن ذلك الإمام, إذا كان يكبر وهو قائم فالمسئولية عليه.
وبعض الناس يكبر وهو قائم؛ لأنه يصلي (بالميكرفون) وإذا كبر عند السجود لم يسمع, وهذا أخطأ من وجهين: أولاً: استعمال مكبر الصوت في الصلاة, ليس له أصل ولا له حاجة؛ لأنه سيسمع الذين هم خارج المسجد, والذين هم خارج المسجد ليسوا بحاجة له, بل لا يزيدهم ذلك إلا كسلاً, تجد الكسول إذا سمع الإمام في الشرفة قال: أدرك الإمام في الثانية وكذلك في الثالثة والرابعة، بل في قول بعض العلماء: إن الصلاة تدرك بتكبيرة الإحرام, فتفوته الصلاة وهو يسوف, ولهذا يعتبر هذه خطأ من بعض الأئمة: أولاً: أنه لا داعي له.
ثانياً: أنه يوجب تمادي الكسلان في كسله.
ثالثاً وهو أشدها: أنه يشوش على غيره من المساجد, بل ومن الذين يصلون في بيوتهم, أرأيت المرأة -مثلاً- وهي تصلي في بيتها والإمام يقرأ ويكبر الصوت, سوف ترتبك ويشوش عليها, وهذا مما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث سمع أصحابه يقرءون ويجهرون بالقرآن وهم يصلون قال: (لا يجهرن بعضكم على بعض في القرآن أو قال في القراءة) .
ونحن أحياناً نوجه -والحمد لله- عندنا في بلدنا، ولم نسمع أحداً يصلي في مكبر الصوت إلا في يوم الجمعة.(103/18)
حكم الحلف بالقرآن
السؤال
هل يجوز الحلف بالقرآن؟
الجواب
الحلف بالقرآن تريد بذلك القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم جائز؛ لأنه من كلام الله, وكلام الله تعالى صفة من صفاته وجميع صفات الله يجوز الحلف بها.
أما إذا كنت تريد بالقرآن المصحف الذي هو الورق والحروف المكتوبة فهذا لا يجوز؛ لأن هذا مخلوق, والحلف سبالمخلوق شرك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) ثم نقول أيضاً: ما الذي حثك على أن تحلف بالقرآن؟ ما هناك قسم إلا بالقرآن؟ احلف بالله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) .(103/19)
الجهاد ماضٍ إلى قيام الساعة
السؤال
ما حكم الجهاد في الوقت هذا؟ ومن ذهب يجاهد دون إذن والديه فما حكمه؟
الجواب
الجهاد -بارك الله فيك- قائم ماضٍ إلى يوم القيامة, وهو في الأصل فرض كفاية, إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين, ولكن قالوا: إنه يكون فرض عين في أربعة مواضع: الموضع الأول: إذا حضر والتقى الصفان فإنه يجب أن يبقى ولا يجوز الفرار, لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الأنفال:15-16] وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن التولي يوم الزحف من الموبقات المهلكات.
الموضع الثاني: إذا استنفره الإمام, قال: انفر للجهاد, فيجب عليه أن ينفر, لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة:38-39] .
الموضع الثالث: إذا كان الرجل محتاجاً إليه, يعني: يحتاج إليه الناس في هذه الغزوة وجب عليه, مثل: أن يكون لديه سلاح لم يتمرن عليه أحد وهذا الغازي متمرن عليه, فيجب عليه أن يخرج؛ لأنه صار فرض عين في حقه.
الموضع الرابع: قتال الدفاع, إذا حاصر العدو بلده وجب عليه أن يقاتل؛ لأنه إن لم يفعل احتل العدو بلده وحصل من الفساد ما لا تحمد عقباه.
في هذه الأحوال الأربعة يكون الجهاد فرض عين, وما عدا ذلك فهو فرض كفاية.
أما القتال بدون إذن الوالدين فلا يجوز, إلا إذا كان فرض عين, وعرفت الأحوال التي يكون فيها فرض عين، فإذا كان إحدى هذه الأحوال وجب أن يجاهد حتى وإن نهاه والده أو أمه.
والحمد لله رب العالمين، وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, ونسأل الله أن يثيبكم على حضوركم فإن: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) .(103/20)
لقاء الباب المفتوح [104]
في هذا اللقاء تحدث الشيخ عن تفسير سورة الماعون كاملة، فبين فيها المعاني، وأتى بالفوائد والفرائد في شرح مختصر موجز بأسلوب سهل وشيق، وختمه بأجوبه مسددة على الأسئلة التي وردت فيه.(104/1)
تفسير سورة الماعون
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع بعد المائة من لقاء الباب المفتوح, والذي يتم في كل يوم خميس من كل أسبوع, وهذا هو الخميس الثامن عشر من شهر جمادى الأولى عام (1415هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بتفسير قول الله تبارك وتعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [الماعون:2] إلى آخر السورة إن شاء الله.(104/2)
تفسير قوله تعالى: (أرأيت الذي يكذب بالدين)
فيقول الله تبارك وتعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} [الماعون:1] (أرأيت) خطاب لكن لمن؟ هل هو للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه الذي أنزل عليه القرآن، أم هو عام لكل من يتوجه إليه الخطاب؟ العموم أولى, فنقول: (أرأيت الذي) عام لكل من يتوجه إليه الخطاب, {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} [الماعون:1] أي: بالجزاء, فهؤلاء الذين هم ينكرون البعث, ويقولون: {أإذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [الواقعة:47] * {أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} [الواقعة:48] ، ويقول القائل منهم: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] هؤلاء يكذبون بيوم الدين, {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} [الماعون:1] أي: بالجزاء.(104/3)
تفسير قوله تعالى: (فذلك الذي يدع اليتيم)
قال تعالى: {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الماعون:2-3] فجمع بين أمرين: الأمر الأول: عدم الرحمة بالأيتام الذين هم محل الرحمة؛ لأن الأيتام هم الذين مات آباؤهم قبل أن يبلغوا، وهم محل الشفقة والرحمة؛ لأنه فاقد لأبيه, فقلبه منكسر يحتاج إلى جبر, ولهذا ورد في النصوص فضل الإحسان إلى الأيتام, لكن هذا -والعياذ بالله- (يدع اليتيم) يدفعه بعنف؛ لأن الدع هو: الدفع بعنف، كما قال الله تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً} [الطور:13] أي: دفعاً شديداً, فتجد اليتيم إذا جاء إليه يستجديه شيئاً أو يكلمه في شيء يحتقره, ويدفعه بشدة, فلا يرحمه.
الأمر الثاني: أيضاً لا يهتمون برحمة الغير, {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الماعون:3] فالمسكين الفقير المحتاج إلى الطعام لا يحض هذا على إطعامه؛ لأن قلبه حجر -والعياذ بالله- قاسٍ، فقلوبهم {كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74] إذاً ليس فيه رحمة لا للأيتام ولا للمساكين, فهو قاسي القلب والعياذ بالله.(104/4)
تفسير قوله تعالى: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون)
ثم قال الله عز وجل: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:4] و (ويل) هذه كلمة وعيد, وهي تتكرر في القرآن كثيراً, والمعنى: الوعيد الشديد على هؤلاء, (للمصلين) {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:5] هؤلاء مصلون يصلون مع الناس أو أفراداً لكنهم (عن صلاتهم ساهون) أي: غافلون عنها لا يقيمونها على ما ينبغي, يؤخرونها عن الوقت الفاضل, لا يقيمون ركوعها ولا سجودها ولا قيامها ولا قعودها, لا يقرءون ما يجب فيها من قراءة سواء كانت قرآناً أو ذكراً, إذا دخل في صلاته وإذا به غافل, قلبه يتجول يميناً وشمالاً فهو ساهٍ عن صلاته.
وهذا مذموم، الذي يسهو عن الصلاة ويغفل عنها ويتهاون بها، لا شك أنه مذموم, أما الساهي في صلاته فهذا لا يلام, والفرق بينهما: أن الساهي في الصلاة معناه: أنه نسي شيئاً, نسي عدد الركعات, نسي شيئاًَ من الواجبات وما أشبه ذلك, ولهذا وقع السهو من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أشد الناس إقبالاً على صلاته, بل إنه قال عليه الصلاة والسلام: (جعلت قرة عيني في الصلاة) ومع ذلك سها في صلاته؛ لأن السهو معناه: أنه ينسى شيئاً على وجه لا يلام عليه, أما الساهي عن صلاته فهو متعمد بالتهاون في صلاته, ومن السهو عن الصلاة أولئك القوم الذين يدعون الصلاة مع الجماعة, فإنهم لا شك أنهم عن صلاتهم ساهون, فيدخلون في هذا الوعيد.(104/5)
تفسير قوله تعالى: (الذين هم يراءون)
قال تعالى: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:6-7] أيضاً إذا فعلوا الطاعة فإنما يقصدون بها التزلف إلى الناس, وأن يكون لهم قيمة في المجتمع, ليس قصدهم التقرب إلى الله عز وجل, فهذا مراءٍ -والعياذ بالله- يتصدق من أجل أن يقول الناس: ما أكرمه، هذا مصلٍ يحسن صلاته من أجل أن يقول الناس: ما أحسن صلاته، وما أشبه ذلك، هؤلاء يراءون، أصل العبادة لله ولكن يريدون مع ذلك أن يحمدهم الناس عليها, ويتقربون إلى الناس بتقربهم إلى الله, هؤلاء المراءون والعياذ بالله.
أما من يصلي لأجل الناس بمعنى: أنه يصلي بين يدي الملك -مثلاً- أو غيره يخضع له ركوعاً أو سجوداً فهذا مشرك كافر قد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار, لكن هذا يصلي لله مع مراعاة أن يحمده الناس على عبادته على أنه عابد لله عز وجل, وهذا يقع كثيراً في المنافقين كما قال الله تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] انظر إلى هذا الوصف: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] إذاً هم عن صلاتهم ساهون, هنا يقول: (الذين هم يراءون) وإن قال إنسان: وهل الذين يسمعون مثلهم؟ مثلاً: لو أن إنساناً يقرأ القرآن ويجهر في الصلاة ويحسن القراءة، ويحسن الأداء والصوت من أجل أن يقال: ما أقرأه، هل يكون مثل الذين يراءون؟
الجواب
نعم.
كما جاء في الحديث: (من سمّع سمّع الله به, ومن راءى راءى الله به) المعنى: من سمع فضحه الله, وبين للناس أن الرجل ليس مخلصاً، ولكنه يريد أن يسمعه الناس فيمدحوه على عبادته, ومن راءى كذلك راءى الله به, فالإنسان الذي يرائي الناس أو يسمِّع الناس فسوف يفضحه الله, وسوف يتبين أمره عاجلاً أم آجلاً.(104/6)
تفسير قوله تعالى: (ويمنعون الماعون)
قال تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:7] أي: يمنعون ما يجب بذله من المواعين -وهي: الأواني- أي: يأتي الإنسان إليه ويستعير منهم آنية, يقول: أنا محتاج إلى دلو, محتاج إلى إناء أشرب به, أحتاج إلى لمبة كهرباء وما أشبه ذلك ويمنع, هذا أيضاً مذموم, ومنع الماعون ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: يأثم به الإنسان.
القسم الثاني: لا يأثم به ولكن يفوته الخير.
فما وجب بذله فإن الإنسان يأثم بمنعه, وما لم يجب بذله فإن الإنسان لا يأثم بمنعه لكن يفوته خير, مثال ذلك: إنسان جاءه رجل مضطر فقال: أعطني إناءً أشرب به فإن لم أشرب مت, فبذل الإناء له واجب, حتى إن بعض العلماء يقول: لو مات هذا الإنسان فإنه يضمنه ذاك بالدية؛ لأنه سبب موته, ويجب عليه بذل ما طلبه, جاء إنسان إلى آخر يقول: أعطني ثوباً أدفأ به من البرد وإلا هلكت, هنا يجب عليه أن يبذل له ذلك الثوب وجوباً.
لكن اختلف العلماء في هذه المسألة: هل يجب على المستعير -في هذا الحال- أن يعطي المعير أجرة أو لا يجب؟ أو يجب في المنافع دون غيرها, كيف هذا؟ مثلاً: إنسان أتاك وهو مضطر إلى طعام فإن لم تطعمه هلك, هنا يجب عليك أن تطعمه لكن هل يجب عليه أن يعطيك قيمة الطعام؟ قال بعض أهل العلم: يجب عليه أن يعطيك قيمة الطعام, وقال آخرون: لا يجب؛ لأن إطعامه في هذا الحال واجب عليك من عند الله, وهذا القول هو الراجح؛ لأنه ليس له عوض؛ لأن إنقاذ الواقع في الهلكة واجب, ولا يمكن أن يأخذ الإنسان أجراً على ما أوجب الله عليه.
المسألة الثانية: جاءك إنسان مضطر إلى ثوب خوفاً من البرد, فأعطيته الثوب فهل يجب عليه أجره في هذا الثوب؟ بعض العلماء يقول: يجب عليه أجره, وبعضهم يقول: لا يجب, والصحيح: أنه لا يجب عليه أجره, ولكن إذا أعطيته إياه على سبيل التملك فهو ملكه, وإن أعطيته على سبيل الإعارة وجب عليه إذا وجد ثوباً غيره أن يرده عليك, هذا هو القول الصحيح, وبهذا ينتهي الكلام على هذه السورة.
فيجب على المرء أن ينظر في نفسه: هل هو ممن اتصف بهذه الصفات أو لا؟ إن كان ممن اتصف بهذه الصفات قد أضاع الصلاة وسها عنها, ومنع الخير عن الغير فليبشر بالويل -والعياذ بالله-, وإن كان قد تنزه عن ذلك فليبشر بالخير, والقرآن الكريم ليس المقصود منه أن يتلوه الإنسان فقط ليتعبد لله بتلاوته, إنما المقصود أن يتأدب به, ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: (كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم القرآن) (خلقه) أي: أخلاقه التي يتخلق بها، يأخذها من القرآن, وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة.(104/7)
الأسئلة(104/8)
كلمة توجيهية لأئمة المساجد
السؤال
يقول الله في سورة المؤمنون: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1-2] , بعض الأئمة -هداهم الله- يستعجل في الصلاة فيضطر بعض الناس لترك الصلاة في المسجد الذي في الحي الذي يسكن فيه, وينتقل لآخر؟
الجواب
هذا السؤال يحتاج إلى توجيه كلمة للأئمة: وهو أن الإمام هل هو يصلي لنفسه، أو يصلي لنفسه ولغيره؟ الجواب: يصلي لنفسه ولغيره, فيجب عليه مراعاة الناس, لا إفراط ولا تفريط, أي: لا إفراط بحيث يطيل عليهم أكثر مما جاءت به السنة, ولا تفريط بأن يُنقص عما جاءت به السنة, الإنسان الذي يصلي وحده إن شاء طوّل وإن شاء نقص عما جاءت به السنة ولكنه قام بالواجب، وإن شاء اتبع السنة, لكن الإمام يجب أن يتبع السنة, لماذا؟ لأنه أمين على الناس, والأمين يجب عليه أن يفعل الأصلح, كما قال الله في مال اليتيم: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام:152] وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ بن جبل ولمن أطال في صلاة الفجر -رجل آخر-: (إذا أمَّ أحدكم الناس فليخفف) ومعنى (ليخفف) أي: لا يطيل أكثر مما جاءت به السنة, فإن الإنسان لا يصلي لنفسه وإنما يصلي لنفسه ولغيره, فالواجب عليه مراعاة السنة فيها, ولا يهمه انتقاد منتقد, قد يقول: لو أتيت بالسنة، يمكن يقول بعض الناس: أطلت، لكن إذا أخل بالسنة من الذي يقول له: أخللت؟ الله عز وجل يوم القيامة, سوف يحاسب في ذلك اليوم ليس له مفر, وليس له حجة, لكن اليوم له حجة يقول: أنا أتيت بالسنة, ائتني بدليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينقص عما قلت أو عما فعلت وأنا أتبعه, أما أن آتي بالسنة وتقول: أطلت، أليس الرسول عليه الصلاة والسلام أشد الناس رعاية للأمانة؟ بلى.
ومع ذلك يقرأ في فجر يوم الجمعة (الم تنزيل -السجدة-) في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية (هل أتى على الإنسان) ، وربما قرأ في المغرب (سورة الطور) ، وربما قرأ فيها بسورة (الأعراف) ، فأين الخروج عن السنة؟! فالواجب على الإمام ألا يسرع سرعة تمنع المأمومين من فعل السنة؛ لأنه مؤتمن, وأما قوله: إن الناس يقولون: أطلت.
هذا ليس له حجة, لا ينفعه عند الله عز وجل, لكن لا يزيد على ما جاءت به السنة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام غضب في ذلك ونهى عنه.
وإذا كان إمامك لا يمكّنك من أداء الواجب فاطلب غيره, حتى لو فرضنا أنك دخلت مع إنسان بعد أن فاتتكم الصلاة، ثم رأيت أنه يسرع سرعة لا تتمكن معها من الإتيان بالواجب فانفصل عنه وكمّل لنفسك.(104/9)
كيفية التخلص من التعامل بربا النسيئة في التبادل بالعملات
السؤال
هذا سؤال موجه من جماعة من الإخوة السودانيين يقولون فيه: أصحاب الفضيلة أهل الذكر المحترمين, السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: أفيدونا جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء, نحن إخوانكم من السودان ونحن مقيمون في هذا البلد المضياف, وعندما نريد تحويل نقودنا من العملة السعودية إلى العملة السودانية يوجد تجار يشترون منا هذه العملة, ويقولون لنا: إذا أردت التسليم فوراً, بمعنى: أن يقبض الريالات هنا ويستلم أهلنا منه العملة السودانية هناك, فهذا له سعر, وإذا أردنا أن نتركها عنده إلى مدة شهر أو شهرين أو أكثر فهذه لها سعر خاص, وكلما بعدت مدة التسليم زاد في قيمة التحويل, بمعنى: أنه تحويل أجل, فهل يصح لنا التحويل مع هؤلاء التجار، علماً بأن أسعار التحويل بالبنك زهيدة جداً مقابل سعر التجار الفوري والآجل؟ وإذا صح التحويل معهم, هل يصح بالحالتين العاجل والآجل، أم يصح بإحداهما دون الأخرى؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء؟
الجواب
من المعلوم أن التبادل بالعملات يجري به الربا بالنسبة للنسيئة, بمعنى: أنه لا يجوز تأخير القبض لا من الدافع ولا من المدفوع إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) فإذا أراد الإنسان أن يصرف ريالات سعودية بجنيهات سودانية فالواجب أن يقبض العوض من الجانبين, من الدافع والمدفوع إليه, ولا يجوز تأخير القبض.
وعلى هذا: فالصورة الصحيحة: أن يسلم السوداني دراهم سعودية إلى البنك ويأخذ بيده عوضها من الجنيهات السودانية, ثم يقول للبنك: خذها مرة ثانية حوّلها لي إلى السودان , هذا ليس فيه إشكال، هذه معاملة طيبة حسنة.
الصورة الثانية: أن يقول للبنك: هذه دراهم سعودية حولها إلى السودان سعودية, وهناك يأخذها المحال عليه بالجنيهات السودانية بسعرها هناك, ليس بسعرها هنا, مثلاً: لو كان سعرها في السعودية الجنيه السوداني في السعودية -مثلاً- بريالين, وهناك بثلاثة, لازم أن نعتبر بالسعر الذي هناك, والعكس بالعكس لو كان هنا بثلاثة وهناك بريالين لا بد أن نعتبر السعر هناك.
هاتان صورتان لا بأس بهما, الصورة الأولى: التقابل هنا ثم تحويل العملة السودانية إلى البنك هناك في السودان , والثانية: أن تحول الريالات السعودية إلى السودان على أنها سعودية, ثم هناك يقع التصارف يداً بيد بسعر الريال السعودي هناك؛ هاتان صورتان جائزتان وما عداهما فليس بجائز.
وما ذكر في السؤال أشد إثماً؛ لأن فيه تأخير القبض وفيه ربا النسيئة بالزيادة, وهذا يكون ظلمات بعضها فوق بعض, فنقول للإخوة السودانيين وغيرهم -أيضاً- ممن يجري مجراهم: الطريق السليم يبنى على وجهين وقد ذكرا.(104/10)
الحج على امرأة لديها أخت مسنة تقوم برعايتها ولا يوجد أحد يقوم بعناية أختها
السؤال
فضيلة الشيخ! توجد امرأة كبيرة السن, وعندها أخت أكبر منها, هذه المرأة تقوم بعناية أختها الكبيرة بحيث أنها تغسلها وتلبسها وتطعمها وتسقيها, هذه الأخت ما حجت إلى الآن، هل يجوز لها أن تذهب تحج، مع العلم أنه لا يوجد أحد ليقوم بعناية أختها؟
الجواب
إذا كانت الأخت الكبيرة في ضرورة فليس عليها حج, أما إن كانت مجرد أنها ألطف بها من غيرها وأحسن رعاية ويمكن لأحد أن يقوم بالواجب فإنه إذا استطاعت السبيل أي: وجدت النفقة والمحرم يجب عليها أن تحج.
السائل: لا يوجد من يقوم بعنايتها؟ الشيخ: مطلقاً؟ السائل: مطلقاً.
الشيخ: إذاً تبقى معها لا تذهب للحج.(104/11)
حكم الانحناء للمخلوقين
السؤال
بعض الناس عندما يقابل أحداً أكبر منه منزلة أو رتبة, فإنه يخضع له ويطأطئ رأسه يعني: تكريماً, فما رأيكم؟
الجواب
رأينا في هذا أنه لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم منع من ذلك, فلا يحل لأحد أن يحني ظهره إلا لله رب العالمين, وأما المخلوق فلا تحني ظهرك له, وأقبح من ذلك أن يسجد له, فإن السجود للمخلوق تعظيماً وتذللاً من الشرك المخرج عن الملة -نسأل الله العافية-.
وأما الانحناء فإنه حرام, لكن لا يصل إلى حد الشرك.(104/12)
حكم طاعة المسئولين الذين تُعينهم الجمعيات
السؤال
بخصوص الدعوة عندنا بالتنظيم خاصة, فنوزع المنطقة عندنا خاصة جمعية إحياء التراث, حيث تتوزع على عدة قطع, وكل قطعة لها مسئول, والمسئول هذا يرجع إلى مسئول أعلى منه, كتنظيم دعوي, من ناحية دروس وغيره, فالسؤال هنا: هل المسئول هذا طاعته واجبة أم لا؟
الجواب
إذا كان إذا التنظيم من قبل ولي الأمر فإنه يجب التمشي بما يقول؛ لأنه نائب عن ولي الأمر الذي تجب طاعته في غير معصية الله.
وأما إذا كان تنظيماً داخلياً لا علاقة للحكومة فيه، فهؤلاء إن رضوا أن يكون هذا أميرهم فطاعته واجبة, وإن لم يرضوا فلا يجب طاعته.(104/13)
حكم الرد على من يسمع قارئاً يخطئ في قراءته
السؤال
إذا كان الإنسان جالساً في المسجد وعن يمينه أو شماله قارئ للقرآن بصوت مرتفع أو في غير المسجد, وهذا القارئ يخطئ كثيراً في الآيات, فهل يجب عليه أن يرد عليه؟ وإذا كان آثماً لعدم الرد عليه, فهل يغير مكانه حتى لا يسمع قراءته؟
الجواب
هذه مشكلة تقع كثيراً في الواقع, فنقول أولاً: القارئ يُنهى أن يجهر بصوته وحوله من يصلي؛ لأنه يشوش عليهم, ولأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يجهرون بالقراءة فنهاهم, وقال: (لا يؤذيَّن بعضكم بعضاً في القراءة) هذا بالنسبة للقارئ.
أما بالنسبة للسامع فإنه من يقرأ لحناً يحيل المعنى وجب عليه أن يرد عليه, وإن كان لا يحيل المعنى فإنه لا يجب أن يرد عليه, فمثلاً لو قال: "الحمد لله ربَ العالمين, الرحمن الرحيم" هذا لا يغير المعنى, أما إن كان يغير المعنى كما لو قال: "صراط الذين أَنعمتُ عليهم" أو قال: " أَهدنا الصراط المستقيم" وجب عليك الرد؛ لأنك تسمع أن القرآن يُحرَّف فيجب عليك أن تعدله.(104/14)
الضابط في معرفة الشرك الأكبر من الشرك الأصغر
السؤال
يقول شيخ الإسلام: من صرف شيئاً من العبادة لغير الله فهو كافر.
فمثلاً: طلب العلم الشرعي لغير وجه الله, السؤال: ما هو الضابط بين معرفة أن هذا الأمر شرك أكبر أم أصغر, هل هو بالاستقراء؟
الجواب
أولاً هل أنت تعرف العبادات؟ ستقول: نعم أعرف العبادات منها: الصلاة والنذر والذبح وما أشبهها إذا فعلت هذا تقرباً وتزلفاً للآدمي فهذا شرك أكبر, وإذا فعلته لله لكن ليراك الآدمي فيمدحك فهذا رياء وهو شرك أصغر.
طلب العلم لغير الله إن كان العلم مما لا يبتغى به وجه الله مثل علم الدنيا: كالحساب والهندسة والرياضة وما أشبه ذلك فلا حرج على الإنسان أن ينوي به الدنيا؛ لأنه لا يتقرب به إلى الله, وأما إذا كان علم التوحيد والفقه والتفسير والحديث وما أشبه ذلك فإنه لا يجوز أن يريد به عرضاً من الدنيا, لكنه لا يكون شركاً, حتى لو أراد الإنسان بطلب العلم أن ينال وظيفة -مثلاً- فإنه لا يكون مشركاً الشرك المخرج عن الملة لكن يقال: إنك على خطأ, اطلب العلم لله عز وجل.(104/15)
حكم الابتعاد عن الزوجة أكثر من ستة أشهر بغير رضاها
السؤال
هل يجوز للرجل أن يسافر ويبعد عن زوجته سنة أو أكثر بغير رضاها، مع العلم أن لها في هذه المدة حقوقاً؟
الجواب
لا يجوز له أن يغيب عن أهله أكثر من ستة أشهر إلا لحاجة, كعلاج وما أشبهه فلا بأس؛ لأنه مضطر, وأما لغير ذلك فلا يجوز, إلا إذا رضيت وكانت في محل آمن فلا بأس, وأما إذا لم ترضَ فإنه يحرم عليه أن يبقى, وحينئذٍ نقول لها: أنتِ بالخيار إن شئت أن تبقين معه على هذه الحال وإلا فلكِ الفسخ, ونقول له أيضاً: إما أن ترجع إلى أهلك، وإما أن تخيرها هل تبقى معك أو تطلقها, حتى لا يضيع حقها.(104/16)
حكم القيام وتقبيل اليد للعالم والأكبر سناً
السؤال
النبي صلى الله عليه وسلم حينما أتى سيدنا سعد بن معاذ ليفصل في أمر أهل المدينة , النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: إذا كان سيدنا سعد قادماً على دابته قوموا إلى سيدكم هذا ما قرأناه إن كان صحيحاً, ثم ما رأيكم أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل أصحابه يقومون إلى سيدنا سعد بن معاذ لينزلوه عن دابته, ثم ما رأيكم في تقبيل يد العلماء, هذا يقف جنباً إلى جوار ما قلته أنت من الانحناء إلى عالم أو أكبر سناً, وهل رواية سيدنا سعد هل هي صحيحة إلى جانب تقبيل يد العلماء, إلى جانب الانحناء لمن نرى أنه أفضل منا مكانة أو علماً أو غير ذلك؟
الجواب
أما سعد بن معاذ رضي الله عنه، فإنه لما أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قوموا إلى سيدكم) لأنه سيد قومه بلا شك, وقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (قوموا إلى سيدكم) وهذا ليس فيه إشكال أن يقال: سيد بني فلان, أو سيد آل فلان.
وأما القيام إليه فلا بأس به -أيضاً- لو أن رجلاً دخل من الباب هنا ثم قمت من مكانك تستقبله فلا بأس, كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم وفد ثقيف وهو بـ الجعرانة فإنه قام عليه الصلاة والسلام حين أقبلوا، وهذا لا بأس به, وأما الانحناء فإنه خضوع ظاهر, الأول: إكرام استقبال وهذا إكرام بلا شك, وأما الانحناء فهو خضوع, ولهذا: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم: عن الرجل يلقى أخاه أينحني له، قال: لا) لأن الانحناء لا يجوز إلا لله رب العالمين.
وأما تقبيل يد الأب أو الأم أو الأخ الكبير أو العالم أو الشيخ الكبير احتراماً، فهذا لا بأس به ولا إشكال فيه.
السائل: فيه انحناء.
الشيخ: لا يوجد انحناء أبداً, حتى لو فرضنا أن الرجل الذي تريد أن تقبل يده قصير ونزلت رأسك لتقبل يده فهذا ليس انحناء إكرام, هذا الانحناء للوصول للتقبيل, مع أنه يمكن أن يأخذ بيده ويرفعها ويقبلها وهو واقف تماماً.(104/17)
وصايا للكشافة الذين يقومون بخدمة الحجاج
السؤال
فضيلة الشيخ! لا يخفى على فضيلتكم ما يقوم به الكشافة في الحج من أعمال وخدمات, نرجو منكم التكرم بإبداء رأيكم حول هذا الموضوع من خلال ما شاهدتموه وما تتمنوا أن يكون عليه برامجهم في المستقبل؟
الجواب
الكشافة في الواقع أن لهم سعي مشكور في أيام الحج؛ لأنهم يقومون بتنظيم المرور من جهة, وبإرشاد الضائع من جهة أخرى, وبالمساعدة لمن يحتاج إلى مساعدة, وهم بأنفسهم -أيضاً- حسب ما بلغنا مستقيمون, يقومون بالنوافل التي يستطيعونها, وبالعبادات التي يستطيعونها, وفيه أيضاً من التآلف والتعارف بين أفراد الأمة الذين جاءوا من أنحاء شتى، وما يحصل فيه من الخير الكثير, فنصيحتي لهم: أولاً: أن يخلصوا عملهم لله عز وجل, بحيث يريدون التقرب بذلك إلى الله عز وجل.
ثانياً: أن ينووا بهذا الاحتساب على الله عز وجل بالإحسان؛ لأن الله تعالى يجزي المحسنين, ويحب المحسنين, ومن أحسن إلى عباد الله أحسن الله إليه؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه) ، وقال: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) .
ثالثاً: أوصيهم كذلك أيضاً: بغض البصر عن إطلاقه في مشاهدة النساء المتبرجات؛ لأنه -كما تعلمون- في موسم الحج يكون توجد نساء متبرجات بناءً على عادتهن في بلادهن, فيغضون بصرهم, وينصحون أولياء هؤلاء النساء إذا كانوا معهن: بأن يلزموا نساءهم بالحجاب الشرعي الذي أهمه تغطية الوجه, وليس الحجاب الشرعي كما تفعله بعض النساء حين تغطي كل شيء منها إلا وجهها وكفيها، هذا ناقص, فإن الأدلة تدل على وجوب ستر الوجه إلا من المحارم والزوج.
ولا شك أن الإنسان إذا رأى أعمال هؤلاء الكشافة فإسنه يسر بذلك.
فنوصيهم: بألا يتأخروا إذا طلب منهم المشاركة في ذلك, وأن يلاحظوا الإخلاص لله تعالى والرفق بعباد الله والإحسان إليهم.(104/18)
التثويب في أذان الفجر
السؤال
التثويب في أذان صلاة الفجر يكون في الأول أم الثاني؟ الشيخ: التثويب! السائل: نعم.
الشيخ: يعني: قصدك في الإقامة أو في الأذان؟ السائل: في الأذان.
الشيخ: ليس هناك أول ولا ثاني.
السائل: الذي قبله يا شيخ الشيخ: الذي قبل الفجر؟ السائل: نعم.
الشيخ: هذا ليس أذاناً للفجر، فإن محمداً صلى الله عليه وسلم قال: (إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم) لم يقل يؤذن بليل ليخبركم بالفجر, والأذان للصلاة لا يكون إلا بعد دخول وقتها, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) فالأذان الأول الذي يسمى أولاً, هو في الحقيقة ليس للفجر, لكنه لمن يريد أن يقوم في الليل, والتثويب الذي هو قول: "الصلاة خير من النوم" إنما يشرع في أذان الفجر الذي هو الأذان بعد طلوع الفجر, وما ورد من الحديث: (إذا أذنت الأول لصلاة الفجر) المراد به: الأذان الذي بعد طلوع الفجر, لكن سمي أولاً بالنسبة إلى الإقامة؛ لأن الإقامة تسمى أذاناً كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة) ، وكذلك كما جاء في حديث ابن عمر -أظن- أنه سئل عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفجر فقال: (كان يصلي ركعتين بعد أذان الفجر, كأن الأذان بين أذنيه) قال العلماء المراد بالأذان هنا: الإقامة, أي: كأنه يقيم بمعنى: أنه يسرع في سنة الفجر؛ لأن السنة في صلاة الفجر أن تخففها, فالمهم يا أخي! التثويب وهو قول: "الصلاة خير من النوم" إنما يكون في الأذان الذي بعد طلوع الفجر.
السائل: والذي يفعل بالحرم! يا شيخ؟ الشيخ: الحرم! ماذا يفعل به؟ السائل: فيه أذانان يا شيخ.
الشيخ: أين هو؟ السائل: في الحرم.
الشيخ: للفجر؟ السائل: نعم.
الشيخ: لا يوجد أذانان للفجر.
السائل: يكون قبل الوقت أذان.
الشيخ: هذا ليس للفجر إنما لإرجاع القائم وإيقاظ النائم, ويوجد -أيضاً- في غير الحرم, حتى هنا في عنيزة يُؤذن أحدهم قبل الفجر بساعة والآخر بنصف ساعة حسب الناس, المهم أن ما كان قبل دخول الوقت فليس أذاناً للصلاة، خذ هذه قاعدة.(104/19)
الواجب في التبادل بالعملات أن يكون يداً بيد إلا في الضرورة
السؤال
تعقيب بالنسبة للسؤال الأول وهو تحويل النقود السودانية, بالنسبة للتحويل تقرأ نشرة يومية أو أسبوعية من قبل الحكومة بسعر الصرف, فيعطي هذا الدافع قيمة هذه النقود ما يعادل عن طريق البنك بالعملة السودانية, هذا يومياً عن طريق السفارة أو البنوك يعطى هذا الشيك, ولكن يتأخر القبض بموجب هذا الشيك, يعني: يعطوك هذا الشيك ما يعادله، وأنت ترسل إما في هذه اللحظة أو حسب ما تريد، الإشكال الثاني: هو تحويل الرعايا عن طريق التجار, هذا فيه سعر عالٍ والسعر الخاص بالنسبة للدولة، يعني: فرق بسيط ليس بكثير ولكنه زهيد, فيصبح على العامل أو الذي يحول هذه الحوالة عند التاجر أن ينتظر إشارة من التاجر في السودان أن يستلم عن طريق أهله هذا المبلغ, ويخبره بأنه استلم هذا المبلغ, والذي معه هنا -مثلاً- في عنيزة يعطيه هذا المبلغ, فأصبح هناك فرق تقريباً يوم أو ساعات
الجواب
الواجب القبض في المجلس وهو ليس حاصل.
السائل: هذا هو الإشكال يا شيخ.
الشيخ: هو ليس حاصل، أنا أقول: لا بد للإنسان على الأقل أن يتكلم مع أهله هناك ويقول كم سعر الريال السعودي عندكم, ثم يصارح البنك هنا بالسعر الذي قالوا له، ويرسل فوراً.
السائل: هذا الذي يرسل.
الشيخ: هذا للضرورة قد نقول: إنه جائز؛ لأني سمعت أنه لا يمكن إلا هذا, فإذا كان حقيقة لا يمكن إلا هذا فهذا ضرورة ولا بأس به.
السائل: صحيح، لكن الإشكال الذي يورد علينا هو عن طريق التجار لهم أسعار مرتفعة ولا بد أن تنتظر؛ لأنهم يرغمون المحول على أساس أنه ينتظر يوم أو ساعات إلى أن يسلموا أهله هناك.
الشيخ: هذا لا يجوز.(104/20)
وجوب العدل بين الأولاد في الهبات والعطايا
السؤال
أعدَّ لي أبي منزلاً تزوجت فيه, وكان في نيته أن يصنع لإخواني الذكور مثلما صنع لي إذا بلغوا سن الزواج, والسؤال: هل يعتبر ذلك المنزل هبة من أبي ينتقل إلى ملكي بحيث إذا مات لا يرث فيه إخواني, أم أنه يعتبر من ملك أبي حيث إذا مات يرث فيه إخواني الذكور والإناث؟ وإذا كان هبة فهل يجب عليه التسوية بيني وبين أخواتي وهن لا يحتجن إلى ذلك, إذ هن مكفيات بمنازل أزواجهن, جزاكم الله خيراً؟
الجواب
الواجب في هذه الحال ألا يعطى الابن البيت ملكاً, يعطيه إياه إعارة؛ إذ أن الابن هنا سيقضي حاجته لسكناه ولو إعارة, فيكون إعطاؤه إياه زائداً, فإما أن يعطي الآخرين الذكور مثله والبنات نصفه, وإما أن يقول: يا بني! هذا إعارة عندك حتى تستطيع أن توجد بيتاً من عندك.
السائل: لا يجوز أن يكون هبة؟ الشيخ: لا يجوز؛ لأن الهبة ليست ضرورة, أليس كذلك؟ يمكن أن ينتفع به وهو لأبيه، ومثله أيضاً: السيارة عندنا -مثلاً- أحد الأولاد يحتاج إلى سيارة للمدرسة, والآخرون لا يحتاجونها فنقول: اعط ابنك الذي يحتاج السيارة لينتفع بها وملكها لك أنت, حتى إذا حصل موت منك أو منه فتعود إلى التركة.(104/21)
حكم إخراج نصيب تزويج الأبناء من التركة
السؤال
لو أن الأب متعود أنه يزوج أبناءه كلهم, ويدفع المهر لهم, فزوجهم جميعاً إلا واحد أو اثنين، وتوفي وله تركة, هل يخرج نصيب تزويج هذين
الجواب
لا.
لأن الاثنين الباقين لم يحل زواجهم بعد.
السائل: حل.
الشيخ: حل في حياته؟ السائل: حل في حياته.
الشيخ: لماذا لم يزوجهم؟ السائل: هم كانوا ينتظرون أي.
الجواب: إذاً التفريط منهم هم, فإذا توفي أبوهم فإنه لا يخرج من تركته لهم شيء.
السائل: إذا رضوا الإخوان؟ الشيخ: إذا رضوا لا بأس, وهذا حسن إن رضوا.(104/22)
من ساهم بشيءٍ من المال في مال أبيه فلا يضم إلى التركة
السؤال
إذا كان المالك ملك الأرض وأنا الذي تكلفت بناء البيت، فهل يرجع للتركة مكان البيت أم كله؟
الجواب
لا.
يرجع لك ما أنفقت وللورثة البقية.
بارك الله فيكم, وتقبل الله منا ومنكم.(104/23)
لقاء الباب المفتوح [105]
في ظلال تفسير سورتي الكوثر والكافرون كان هذا اللقاء مع فضيلة الشيخ، حيث تناول آيات السورتين واستخرج منهما كثيراً من الأحكام والمعاني والدلالات، وكان من أهمها: ما هو الكوثر؟ وموضوع التكرار في القرآن وفوائده.(105/1)
تفسير سورة الكوثر
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس بعد المائة من لقاء الباب المفتوح الذي يتم في كل خميس من كل أسبوع, وهذا الخميس هو الخامس والعشرون من شهر جمادى الأولى عام (1416هـ) .(105/2)
تفسير قوله تعالى: (إنا أعطيناك الكوثر)
نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على ما تيسر من سورة الكوثر: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر:1-3] هذه السورة قيل: إنها مكية، وقيل: إنها مدنية, والمكي: هو الذي نزل قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة , سواء نزل في مكة أو في المدينة أو في الطريق في السفر، يعني كل ما نزل بعد الهجرة فهو مدني وما نزل قبلها فهو مكي, هذا هو القول الراجح من أقوال العلماء.
يقول الله عز وجل مخاطباً النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} والكوثر في اللغة العربية: هو الخير الكثير, وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطاه الله تعالى خيراً كثيراً في الدنيا والآخرة, فمن ذلك: أنه النهر العظيم الذي في الجنة والذي يصب منه ميزابان على حوضه المورود صلى الله عليه وسلم, ماؤها أشد بياضاً من اللبن, وأحلى مذاقاً من العسل, وأطيب رائحة من المسك, وهذا الحوض في عرصات القيامة يرده المؤمنون من أمة النبي صلى الله عليه وسلم, وآنيته كنجوم السماء كثرة وحسناً, فمن كان وارداً على شريعته في الدنيا كان وارداً على حوضه في الآخرة, ومن لم يكن وارداً على شريعته فإنه محروم منه في الآخرة.
نسأل الله أن يوردنا وإياكم حوضه, ويسقينا منه.
ومن الخير الكثير التي أعطيها صلى الله عليه وسلم في الدنيا: ما ثبت في الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر, وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل, وأعطيت الشفاعة, وأحلت لي المغانم, وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة) هذا من الخير الكثير؛ لأن بعثه إلى الناس عامة يستلزم أن يكون أكثر الأنبياء أتباعاً وهو كذلك, فهو أكثرهم أتباعاً عليه الصلاة والسلام.
ومن المعلوم أن الدال على الخير كفاعل الخير, والذي دلَّ هذه الأمة العظيمة التي فاقت الأمم كثرة هو محمد صلى الله عليه وسلم, وعلى هذا فيكون للرسول صلى الله عليه وسلم من أجر كل واحد من أمته نصيب من الأجر, ومن يحصي الأمة إلا الله عز وجل.
ومن الخير الذي أعطيه في الآخرة المقام المحمود, ومنه الشفاعة العظمى, فإن الناس في يوم القيامة يلحقهم من الكرب والغم ما لا يطيقون, فيطلبون الشفاعة فيأتون إلى آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى حتى تصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقوم ويشفع, ويقضي الله تعالى بين العباد بشفاعته, وهذا مقام يحمده عليه الأولون والآخرون, داخل في قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [الإسراء:79] .
إذاً الكوثر: الخير الكثير، ومنه النهر الذي في الجنة, فالنهر الذي في الجنة هو الكوثر لا شك ويسمى كوثراً لكن ليس هو فقط الذي أعطاه الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من الخير.(105/3)
تفسير قوله تعالى: (فصل لربك وانحر)
ولما ذكر منته عليه بهذا الخير الكثير قال: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] شكراً لله على هذه النعمة العظيمة, أن تصلي وتنحر لله, والمراد بالصلاة هنا جميع الصلوات, وأول ما يدخل فيها الصلاة المقرونة في النحر وهي صلاة عيد الأضحى, لكن الآية شاملة عامة: ((فَصَلِّ لِرَبِّكَ)) الصلوات المفروضة والنوافل وصلاة العيد والجمعة, {وَانْحَرْ} أي: تقرب إليه بالنحر, والنحر يختص بالإبل, والذبح للبقر والغنم, لكنه ذكر النحر؛ لأن الإبل أنفع من غيرها بالنسبة للمساكين؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم في حجه أهدى مائة بعير, ونحر منها ثلاثاً وستين بيده, وأعطى علي بن أبي طالب الباقي فنحرها, وتصدق بجميع أجزائها إلا بضعة واحدة من كل ناقة فأخذها وجعلت في قدر فطبخها, فأكل من لحمها وشرب من مرقها, وأمر بالصدقة حتى بجلودها عليه الصلاة والسلام, والأمر له أمر له وللأمة, فعلينا أن نخلص الصلاة لله وأن نخلص النحر لله, كما أمر بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم.(105/4)
تفسير قوله تعالى: (إن شانئك هو الأبتر)
ثم قال تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر:3] هذا في مقابل إعطاء الكوثر قال: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} (شانئك) أي: مبغضك، والشنئان البغض, ومنه قوله تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا} [المائدة:2] أي: لا يحملنكم بغضهم أن تعتدوا, وقال: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا} أي: لا يحملنكم بغضهم على ترك العدل فقال سبحانه وتعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] , فـ {شَانِئَكَ} أي: مبغضك.
{هُوَ الْأَبْتَرُ} الأبتر اسم تفضيل, من بتر يعني قطع, أي: هو الأقطع المنقطع من كل خير, وذلك أن كفار قريش يقولون: محمد أبتر, لا خير فيه ولا بركة فيه، ولا في اتباعه, أبتر لما مات ابنه القاسم رضي الله عنه قالوا: محمد أبتر, لا يولد له, وإذا ولد له فهو مقطوع النسل, فبين الله عز وجل أن الأبتر هو مبغض الرسول عليه الصلاة والسلام, فهو الأبتر المقطوع عن كل خير, الذي ليس فيه بركة وحياته ندامة عليه, وإذا كان هذا في مبغضه فهو أيضاً في مبغض شرعه, فمن أبغض شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام، أو أبغض شعيرة من شعائر الإسلام، أو أبغض أي طاعة مما يتعبد به الناس في دين الإسلام فإنه كافر خارج عن الدين, لقول الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:9] وما حبطوا في العمل إلا بالكفر, فمن كره فرض الصلوات فهو كافر ولو زكّى, ومن كره فرض الزكاة فهو كافر ولو صلّى, لكن من استثقلها مع عدم الكراهة فهذا فيه خصلة من خصال النفاق لكنه لا يكفر, وفرق بين من استثقل الشيء ومن كره الشيء.
إذاً: هذه الآية تضمنت بياناً لنعمة الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بإعطائه الخير الكثير, ثم الأمر بالإخلاص لله عز وجل في الصلوات والنحر وكذلك في سائر العبادات, ثم بيان أن من أبغض الرسول عليه الصلاة والسلام أو أبغض شيئاً من شريعته فإنه هو الأقطع الذي لا خير فيه ولا بركة فيه.(105/5)
تفسير سورة الكافرون
ثم قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:1-6] هذه السورة هي إحدى سورتي الإخلاص, لأن سورتي الإخلاص: (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما في سنة الفجر, وفي سنة المغرب, وفي ركعتي الطواف, لما تضمناه من الإخلاص لله عز وجل, والثناء عليه بالصفات الكاملة, في سورة (قل هو الله أحد) .(105/6)
تفسير قوله تعالى: (قل يا آيها الكافرون)
يقول الله آمراً نبيه: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] يناديهم ويعلن لهم بالنداء, (يا أيها الكافرون) وهذا يشمل كل كافر سواء كان من المشركين أو من اليهود أو من النصارى أو من الشيوعيين أو من غيرهم, كل كافر يجب أن تناديه بقلبك أو بلسانك إن كان حاضراً لتتبرأ منه ومن عبادته.(105/7)
تفسير قوله تعالى: (لا أعبد ما تعبدون)
قال تعالى: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون:1-5] كرر في الجمل على مرتين مرتين, {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} أي: لا أعبد الذي تعبدونهم, وهم الأصنام, {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} وهو الله, وهنا (ما) في قوله: {مَا أَعْبُدُ} بمعنى: من؛ لأن الاسم الموصول إذا عاد إلى الله فإنه يأتي بلفظ من {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أي: أنا لا أعبد أصنامكم وأنتم لا تعبدون الله {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} الآن يظن الظان أن هذه مكررة للتوكيد, وليس كذلك؛ لأن الصيغة مختلفة {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} هذا فعل أو اسم؟ فعل, {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} عابد وعابدون اسم, وفي التوكيد لابد أن تكون الجملة الثانية كالأولى, إذاً القول بأنه كرر للتوكيد ضعيف, إذاً لماذا هذا التكرار؟ قال بعض العلماء: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} الآن, {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} في المستقبل, هذا قول, فصار: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} يعني في الحال {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} يعني: في المستقبل، لأن فعل المضارع يدل على الحال, واسم الفاعل يدل على الاستقبال, بدليل أنه عمل, واسم الفاعل لا يعمل إلا إذا كان للاستقبال.
لكن أورد على هذا القول إيراد, كيف قال: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} مع أنهم قد يؤمنون فيعبدون الله؟ وعلى هذا فيكون في هذا القول نوع من الضعف, أجابوا عن ذلك بأن قوله: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} يخاطب المشركين الذين علم الله تعالى أنهم لن يؤمنوا, فيكون الخطاب ليس عاماً وهذا مما يضعف القول بعض الشيء, فعندنا الآن قولان: الأول: أنها توكيد, والثاني: أنها في المستقبل.
القول الثالث: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} أي: لا أعبد الأصنام التي تعبدونها, {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أي: لا تعبدون الله, {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أي: في العبادة, يعني: ليست عبادتي كعبادتكم، ولا عبادتكم كعبادتي, فيكون هذا نفي للفعل لا للمفعول له, أي: ليس نفي للمعبود ولكنه نفي للعبادة, أي: لا أعبد كعبادتكم ولا تعبدون أنتم كعبادتي؛ لأن عبادتي خالصة لله, وعبادتكم عبادة الشرك.
القول الرابع: اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, أن قوله: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} هذا الفعل, فوافق القول الأول في هذه الجملة {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أي: في القبول, بمعنى: ولن أقبل غير عبادتي, ولن أقبل عبادتكم وأنتم كذلك لن تقبلوا, فتكون الجملة الأولى عائدة على الفعل, والجملة الثانية عائدة على القبول والرضا, أي: لا أعبده ولا أرضى به, وأنتم كذلك لا تعبدون الله ولا ترضون بعبادته, وهذا القول إذا تأملته لا يرد عليه شيء من الأقوال السابقة, فيكون قولاً حسناً جيداً.
ومن هنا نأخذ: أن القرآن الكريم ليس فيه شيء مكرر إلا وفيه فائدة, لأننا لو قلنا: إن في القرآن شيئاً مكرراً بدون فائدة لكان في القرآن ما هو لغو وهو منزه عن ذلك, وعلى هذا فالتكرار في سورة الرحمن: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} وفي سورة المرسلات: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} قد يقال: ليس لها فائدة, بل هو تكرار لفائدة عظيمة, وهي: أن كل آية ما بين هذه الآية المكررة فإنها تشتمل على نعم عظيمة, وآلاء جسيمة, ثم فيها من الفائدة اللفظية: تنبيه المخاطب, بحيث يكرر عليه: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:13] ويكرر عليه: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات:15] .(105/8)
تفسير قوله تعالى: (لكم دينكم ولي دين)
ثم قال عز وجل: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:5] لكم دينكم الذي أنتم عليه والذين تدينون به, ولي دين, فأنا بريء من دينكم وأنتم بريئون من ديني, قال بعض أهل العلم: وهذه السورة نزلت قبل فرض الجهاد, لأنه بعد الجهاد لا يقر الكافر على دينه إلا بالجزية إن كان من أهل الكتاب وعلى القول الراجح: أو من غيرهم.
ولكن الصحيح أنها لا تنافي الأمر بالجهاد, حتى نقول: إنها منسوخة, بل هي باقية ويجب أن نتبرأ من دين اليهود والنصارى والمشركين في كل وقت وحين, ولهذا نقر اليهود والنصارى على دينهم بالجزية ونحن نعبد الله وهم يعبدون ما يعبدون.
على كل حال: هذه السورة فيها البراءة والتخلي من عبادة غير الله عز وجل, سواء في المعبود أو في نوع الفعل, وفيه الإخلاص لله عز وجل, وألا نعبد إلا الله وحده لا شريك له.
وإلى هنا ينتهي ما تيسر من الكلام على هذه السورة وسورة الكوثر.(105/9)
الأسئلة(105/10)
سنن يوم الجمعة، وحكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة
السؤال
أرجو من فضيلتكم أن تذكروا لنا السنن التي ينبغي على المسلم اتباعها في يوم الجمعة, وما حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة؟
الجواب
قراءة سورة الكهف سنة؛ لأن فيها أجراً عظيماً ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم, وأما ما يفعل في يوم الجمعة فهو: أولاً: الاغتسال, والاغتسال للجمعة واجب, إذا تركه الإنسان بدون عذر كان آثماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) أي: على كل بالغ, وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) ولما دخل عثمان بن عفان رضي الله عنه وأمير المؤمنين عمر يخطب، لامه على تأخره, فقال: (يا أمير المؤمنين! والله ما زدت على أن توضأت ثم أتيت, فقال له: والوضوء أيضاً؟ -أي: وتقتصر على الوضوء أيضاً- وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) فأنت ترى أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه عاتب عثمان بن عفان رضي الله عنه مع مقامه في الإسلام, وكما نعلم جميعاً أنه الخليفة الثالث في هذه الأمة, ومع ذلك عاتبه حين اقتصر على الوضوء, ولكنه واجب تصح الصلاة بدونه؛ لأنه ليس واجباً عن حدث كغسل الجنابة لكنه واجب يأثم الإنسان بتركه إلا لعذر, كما لو كان هناك برد شديد وليس عنده ما يسخن به الماء أو كان مريضاً يتضرر بالغسل أو ما أشبه ذلك.
ومن ذلك أيضاً: السواك, وهذا السواك ليس السواك المعتاد بل هو سواك خاص, تنظف به الأسنان أكثر ويدلكها أكثر.
ومنها: الطيب, أن يتطيب الإنسان في رأسه ولحيته وثوبه.
ومنها: التبكير إليها, أن يبكر حين تطلع الشمس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على ذلك فقال: (من اغتسل -أي: يوم الجمعة- ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة, ومن راح في الثانية فكأنما قرب بقرة, ومن راح في الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن, ومن راح في الرابعة فكأنما قرب دجاجة, ومن راح في الخامسة فكأنما قرب بيضة) فالذي ينبغي للمسلم أن يغتنم الفرصة, فهذه هي فرصة العمر, أي فائدة أن تبقى تقطع الوقت -كما يقولون- في البيت أو السوق, وتترك هذا الأجر العظيم؟ اذهب إلى المسجد يحصل لك ثواب هذا القربان: بدنة، أو بقرة، أو كبش أقرن أو دجاجة أو بيضة بعد أن تغتسل, ثم إذا ذهبت إلى المسجد سيحصل لك خير كثير, تشاغل بالصلاة أو بالقراءة, إذا مللت من الصلاة قرأت, وإذا مللت من القراءة صليت, ولا بأس أن تتحدث إلى أحد إخوانك بشيء نافع, كالمباحثة في العلم أو ما أشبه ذلك, لكن الحرمان! والشيطان -نسأل الله أن يعيذنا وإياكم منه- يغلب على كثير من الناس, تجده في البيت ليس معه شغل فتراه في البيت من أجل أن يقضي الوقت من أجل يأتي وقت الصلاة، وهذا من الحرمان الكثير.
كذلك أيضاً مما يستن في يوم الجمعة قبل الصلاة: أن يلبس الإنسان أحسن ثيابه التي عنده سواء كان جديداً أم غسيلاً؛ لأن ذلك من السنة, وينبغي أن يتحرى الدعاء إذا دخل الإمام يوم الجمعة بما شاء ولا سيما في أثناء الصلاة؛ لأن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئاً وهو قائم يصلي إلا أعطاه إياه.
ومنها: أن يكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم, أكثرها, صل دائماً، الإنسان لا يمل ولا يتعب, صل دائماً: اللهم صل على محمد اللهم صل على محمد وأنت ماشٍ وأنت جالس وفي المسجد وفي البيت وفي السوق.
والخير كثير, وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد أشياء كثيرة ترجع إليها إن شاء الله لتكتمل الفائدة.(105/11)
حكم الصلاة عن الميت
السؤال
فضيلة الشيخ! سمعت أن فضيلتكم يجيز الصلاة للميت, أرجو التوضيح؟
الجواب
نعم, ما سمعت عني فهو صحيح, أن الإنسان لو صلّى ركعتين لوالده أو أمه أو ما أشبه ذلك فلا بأس, ولكن ليس معنى هذا: أننا نطلب من الإنسان أن يفعله, نحن نقول هذا عمل مرجوح, والأفضل أن تدعو لهما, الدعاء لهما أفضل من الصدقة لهما, وأفضل من الحج لهما, وأفضل من الأضحية لهما, وأفضل من كل عمل؛ لأن هذا هو الذي دلنا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم, ولا أظن أن أحداً يشك أن أعظم إنسان يدل على الخير هو الرسول صلى الله عليه وسلم, لا يمكن أن يحجب عنا الخير إطلاقاً, وقد قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية -أي: يعمل لنفسه عملاً يكون صدقة جارية له خلال حياته- أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعو له) ولا يعمل له؟ يدعو له، مع أن سياق الحديث في العمل, فلو كان العمل للميت أمراً مشروعاً لقال: أو ولد صالح يعمل له, أو يصلي أو يزكي أو ما أشبه ذلك لكن المشكلة أن العوام يقولون: لا, ويصرون على أن يتصدق أحدهم أو يعتمر لوالده أو يحج وما أشبه ذلك، ولو فتشت ما وجدته يدعو إلا قليلاً لوالده, وهذا لا شك أنه اختيار المرجوح على الراجح, نقول: يا أخي! اذهب واعتمر لنفسك وادع لأبيك في الطواف وفي السعي وفي الصلاة, أما أن تجعل عباداتك التي أنت ستحتاج إليها يوماً من الدهر تجعلها لهؤلاء الأموات الذين انقطع عملهم وتترك ما أرشدك إليه الرسول عليه الصلاة والسلام؟ هذا خطأ.
لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي
إلا أن الناس الآن -الحمد لله- يسرنا كثيراً أنهم بدءوا ينتبهون, كنا نعهد سابقاً أنه لا أضحية إلا لميت, حتى لو قعدت أضحي لنفسي قالوا: باسم الله عليك! أنت ميت؟ الأضحية للميت, لا يعرفون أن الأضحية للحي, لكن الآن -الحمد لله- انتبهوا وصاروا يعرفون أن الأضاحي للأحياء, والأموات يدخلون تبعاً إذا قلت: اللهم إن هذه عني وعن أهل بيتي وفيهم ميت يدخل تبعاً, أو لهم وصايا هم أوصوا بها نعم يضحى لهم بها.(105/12)
خطورة تهاون من يضبط الساعة للعمل ولا يضبطها لصلاة الفجر
السؤال
قول الله تعالى في سورة الماعون: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:5] هل يدخل في هذا الذين يحسنون ضبط الساعة للعمل ولا يضبطونها لصلاة الفجر, فما توجيهكم لهم؟
الجواب
{الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:5] سبق لنا أنهم يفرطون في واجباتهم, سواء الفجر أو العصر كما يغلب على بعض الناس نسأل الله العافية, في صلاة الفجر لا يقومون إلا إذا جاء وقت العمل, وفي صلاة العصر حيث أنهم يأتون يتغدون ويحتاجون للنوم, لا يصلون إلا عند غروب الشمس, هؤلاء ممن ذكر الله: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} سواء ضبطوا الساعة للعمل أو لم يضبطوها, المهم أنهم يضيعون الصلاة.(105/13)
حكم قول المستفتي: ما حكم الشرع في هذه المسألة وإلقائه السلام عند السؤال
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هناك بعض السائلين إذا أراد أن يسأل أحد المشايخ عن سؤال, قال: ما حكم الشرع في هذه المسألة, أو ما قول الشرع في هذه المسألة, أفتونا جزاكم الله خير؟
الجواب
القول بإسناد كلمة: ما قول الشرع، أو ما حكم الشرع إلى شخص يخطئ ويصيب، هذا خطأ؛ لأن الشرع ليس مقيداً بشخص إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم, هو الذي لا يقر على خطأ في دين الله, أما غير الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن تقول: ما حكم الشرع وهو بشر يخطئ ويصيب, لكن قل: ما حكم الشرع في نظرك؟ أو ما رأيك في كذا؟ هذا هو الأسلم والأولى, افرض أنك قلت لهذا الرجل: ما حكم الشرع؟ فقال: حكم الشرع في كذا أنه حرام وليس بحرام, صار كذباً على الشرع, لهذا نرى: أن الأحسن في التعبير أن يقال: ما حكم الشرع في نظرك؟ أو ما ترى في كذا؟ وأما تصدير السؤال بالسلام وهو جالس مع المسئول فهذا ليس من السنة, يعني: بعض الناس الآن تجده في المجلس ثم يقول: السلام عليكم ورحمة الله، ما حكم كذا وكذا؟ هذا ليس من السنة؛ لأن الذين كانوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم في مكانهم لا يسلمون, إنما يسلم الذي يقدم كما في حديث المسيء في صلاته الذي جاء وصلّى في ناحية المسجد صلاة لا يطمئن فيها, ثم جاء فسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام وقال: (ارجع فصلِ فإنك لم تصلِّ) فهذا نعم يسلم, أما إنسان جالس في الحلقة ثم إذا أراد أن يورد السؤال قال: السلام عليكم ورحمة الله، فهذا ليس من السنة, ومعلوم أننا نحن مُتبِعون بمعنى: أننا نتمشى في عباداتنا على ما شرع لنا لا نتجاوز ولا نقصر، لكني أقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.(105/14)
السنة للإمام في الإتيان إلى المسجد
السائل: ما السنة للإمام هل هو التبكير، أم الإتيان عند الإقامة؟ الشيخ: يعني حضوره إلى المسجد؟ السائل: نعم.
الشيخ: السنة في حق الإمام أن يبقى في بيته يتعبد النافلة القبلية كصلاة الفجر والظهر, أو يفعل ما شاء, ثم إذا جاء وقت الإقامة حضر, هكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل, لكن لو جاء من قبل فلا بأس, يعني لا يقال: هذا بدعة, قد يرى الإمام -مثلاً- من المصلحة أنه يأتي متقدماً من أجل أن يشجع الناس على التقدم, فهذا قد يكون خيراً, أما إذا لم يكن هناك مصلحة راجحة فالأفضل أن يبقى في بيته حتى يأتي وقت الإقامة ولا سيما في يوم الجمعة, وبعض الإخوة في يوم الجمعة يأتي مبكراً وهو إمام وخطيب, يقول: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حث على التقدم يوم الجمعة, فيقال: حث الرسول صلى الله عليه وسلم على التقدم يوم الجمعة لكن شرع لأمته ألا يأتي الإمام إلا إذا جاء وقت الصلاة, فكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأتي للجمعة إلا حين يأتي وقت الصلاة؛ فلا يسن تقدم الإمام يوم الجمعة بل يبقى في بيته إلى أن يحين وقت الصلاة, ويكون مثاباً على بقائه في بيته, كما يثاب المتقدم من المأمومين.(105/15)
حكم استلام راتب المسجد مع غياب الإمام بعض الأيام
السائل: سمعنا عنك طريقة تؤديها عند استلام راتب المسجد, وهي: أنك تخصم راتب الوقت الذي تغيب عنه ولا تؤم المصلين فيه, وعلى ذلك قام بعض الأئمة بوضع جدول يبين فيه جميع أوقات الصلوات اليومية خلال شهر كامل, وإذا تغيب عن هذا الوقت وضع أمامه إشارة أنه غائب عنه, وعند استلامه للراتب إما أن يستسمح من الأوقاف بأخذ الرواتب عن الأوقات التي لم يصليها أو يخصمها هو بنفسه, ويتبرع بها ويلزم نفسه بهذه الطريقة, فهل فعلهم هذا صحيح؟ وهل ما نقل عنكم صحيح أيضاً؟ جزاكم الله خيراً الشيخ: أما ما نقل عنا فليس بصحيح, نتغيب الوقت والوقتين, واليوم واليومين في أعمال تقتضيها الحال, ولا نخصم شيئاً, والإمام إمام, واليوم واليومان في الشهر لا يضر, لكن بعض الناس -والعياذ بالله- يأخذ الإمامة باسمه ويكلها إلى شخص آخر في كل الصلوات, فيأخذ مثلاً راتب قدره (1000) ريال, ويعطي هذا الذي يصلي (500) ريال, من الذي حل له الـ (500) الباقية؟ ولا سيما أنه من بيت المال لا يمكن أن يبذل إلا في مقابل منفعة وعمل, فما الذي أحل لك أن تأخذ (1000) ريال وتعطي هذا النائب عنك (500) ريال؟!! هذا حرام بلا شك, ويأكله آكله سحتاً, وشر من ذلك أن يرسم هذا الإنسان في المسجد مع أن أنظمة الدولة لا تجيزه لكنه يتستر, فيأخذ الوظيفة باسمه ويعطيها لهذا الذي رسمه هو, هذا يتضمن عدوان على الدولة وعلى نظامها, ويتضمن أكلاً للباطل فيما زاد عما يعطيه هذا الذي أقامه, بعض الناس مثلاً يأخذ ممن لا تجيز الدولة أن يقوموا بهذه الوظيفة ويتفق معه على أن يكون هو الذي أمام الدولة -أي: المواطن- ويكون المنفذ للعمل فعلاً هو هذا الذي لا تجيزه الدولة أن يقوم به في هذا المنصب، ولا يبالي ويأخذ الزيادة, هذا حرام أيضاً, وفيه كما قلت محذوران: المحذور الأول: التستر الذي هو خديعة للدولة.
المحذور الثاني: أكل المال بالباطل.
حتى لو فرض أنه قال: أنا أعطي الراتب كله هذا الرجل الذي قام عني، لا يجوز, ما دامت الأنظمة لا تجيز أن يقوم في هذا المنصب؛ لأن كل واحد من أبناء المملكة العربية السعودية له بيعة في عنقه لولي الأمر فيها, تستلزم بمقتضى الآيات الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] تستلزم أن يتمشى على هذا النظام.
السائل: كيف بالنسبة للفراشة في المسجد؟ الفراشة -والله- قالوا لنا أي: الجهة المسئولة- المقصود أن ينظف المسجد, والفراشة لا يختلف فيها القصد, المقصود أن المسجد ينظف ويصان, وربما تكون صيانة الأجنبي في المسجد وفراشته له أحسن من الوطني, الوطني كسول ملول, لكن الأجانب في الغالب أنهم أنفع, وأنا قد سألت بعض المسئولين عن هذه المسألة وقالوا: نحن لا نريد إلا مسجداً مصاناً, لكن من الورع أن الإنسان لا يأخذ شيئاً زائداً عما قام به هذا الشخص أو يعطيه إياه.
أما الذي فعله لنفسه هذا شيء لا نقول: فيه شيء! ربما أنه يحب الورع.
السائل: طيب قلتم: يوزع الأوراق على مجموعة من الشباب الشيخ: لا غلط، هذا من التنطع.
السائل: يعطيهم الأوراق يقول: إن أردتم الشيخ: لا أبداً ولا يعطيهم الأوراق، يفعله بنفسه ولا يلزم الناس به، والناس إذا أعطوا هذه الأوراق على جهة ورع وعبادة ربما يأخذون بها، وهذا من التنطع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون) لكن الورع يختلف الناس فيه, قد يتورع إنسان ويجد في نفسه حرجاً من شيء, وغيره لا يرى هذا, ويذكر أن الإمام أحمد رحمه الله: جاءه سائل يسأل امرأة أو رجل، وأظنها امرأة فقالت له: يا أبا عبد الله إن السلطان يمر ونحن نغزل على ضوء القمر, وإنه بمروره يزداد عملنا, لأنه تكون الأنوار أقوى وأوسع, فهل لنا الحق في هذا؟ فقال: نعم, أنتم لم تجلبوا الأنوار هم الذي مروا في السوق ونفعكم الله بها.
هذا معنى كلامه, هو تعجب من هذا السؤال, فلما انصرفت قال للذي حوله: من هذه المرأة؟ قالوا: هذه فلانة أخت إبراهيم بن أدهم , فقال: ادعوها, فدعوها فجاءت, فقال: ذلك لا يحل لكِ، كيف؟ قال: من بيتكم خرج الورع.
أي: أنتم أهل الورع, والناس يختلفون.(105/16)
لقاء الباب المفتوح [106]
تحدث الشيخ رحمه الله عن سورة النصر وبيّن أن المراد بالنصر هو تسليط الإنسان على عدوه، وأن المراد بالفتح هو فتح مكة الذي كان في السنة الثامنة من الهجرة في رمضان، وذكر الشيخ أن في هذه السورة إخباراً للنبي عليه الصلاة والسلام بانتهاء مهمته وأن أجله قد قرب.
كما تحدث الشيخ عن سورة المسد، فقسم أعمام النبي عليه الصلاة والسلام إلى ثلاثة أقسام، وبين أصنافهم من حيث الإيمان والكفر.
وفي نهاية لقائه أجاب عن أسئلة الحاضرين.(106/1)
تفسير سورة النصر
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس بعد المائة من اللقاءات المعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) التي يتم بها اللقاء كل خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثاني من شهر جمادى الثانية عام (1416هـ) نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزق الجميع علماً نافعاً وعملاً صالحاً.
في هذا اللقاء سنتكلم عن سورتين من كتاب الله عز وجل: أولاهما سورة النصر, يقول الله تبارك وتعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1] * {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} [النصر:2] * {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:3] الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لا شك فيه.(106/2)
تفسير قوله تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح)
يقول الله عز وجل: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1] النصر: هو تسليط الإنسان على عدوه, بحيث يتمكن منه ويخذله ويكبته, وهو -أعني النصر-: أعظم سرور يحصل للعبد في أعماله؛ لأن المنتصر يجد نشوة عظيمة وفرحاً وطرباً, لكنه إذا كان بحق فهو خير, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نصرت بالرعب مسيرة شهر) أي: أن عدوه مرعوب منه إذا كان بينه وبينهم مسافة شهر, والرعب: أشد شيء يفتك بالعدو؛ لأن الذي حصل في قلبه الرعب لا يمكن أن يثبت أبداً, بل سيطير طيران الريح, فقوله: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} [النصر:1] أي: نصر الله إياك على عدوك, {وَالْفَتْحُ} [النصر:1] معطوف على النصر, والفتح به نصر لا شك, لكنه عطفه على النصر تنويهاً بشأنه، وهو من باب عطف الخاص بالعام, كقوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر:4] أي: في ليلة القدر, فالملائكة هم الملائكة والروح جبريل, وخصه بذكره لشرفه, وفي قوله: {وَالْفَتْحُ} [النصر:1] للعهد الذهني, أي: الفتح المعهود المعروف في أذهانكم, وهو فتح مكة.
وكان فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة في رمضان, وسببه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صالح قريشاً في غزوة الحديبية الصلح المشهور نقضوا العهد, فغزاهم النبي عليه الصلاة والسلام, وخرج إليهم مختفياً وقال: (اللهم عم أخبارنا عنهم) فلم يفاجئهم إلا وهو محيط بهم عليه الصلاة والسلام, ودخل مكة في العشرين من شهر رمضان عام (8 هـ) منصوراً مظفراً مؤيداً, حتى إنه في النهاية اجتمع إليه كفار قريش حول الكعبة فوقف على الباب يقول: (يا معشر قريش! ما ترون أني فاعل بكم؟) وهو الذي كان قبل ثماني سنوات هارباً منهم, وهو الآن في قبضته وتحت تصرفه, قال: (ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم, قال: إني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} [يوسف:92] ) ثم منَّ عليهم عليه الصلاة والسلام بالعفو, فعفى عنهم.
هذا الفتح سماه الله تعالى فتحاً مبيناً، فقال: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} [الفتح:1] أي: بيناً عظيماً واضحاً, ولما حصل عرف العرب بل عرف الناس جميعاً أن العاقبة لمحمد صلى الله عليه وسلم, وأن دور قريش وأتباعها قد انقضى, فصار الناس يدخلون في دين الله أفواجاً -أي: جماعات- بعدما كانوا يدخلون فيه أفراداً ولا يدخل فيه الإنسان في بعض الأحيان إلا مختفياً, صاروا يدخلون أفواجاً في دين الله, وصارت النفوذ ترد على النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة من كل جانب, حتى سمي العام التاسع عام الوفود, فجعل الناس يدخلون في دين الله أفواجاً.(106/3)
تفسير قوله تعالى: (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً)
يقول الله عز وجل: إذا رأيت هذه العلامة: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر:3] كان متوقع أن يكون
الجواب
فاشكر الله على هذه النعمة, واحمد الله عليها, نصر وفتح, ما جزاؤه من العبد؟ الشكر, هذا هو المتوقع, لكن صار المتوقع على خلاف ما نتوقع, قال: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر:3] وهذا نظير قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الإنسان:23-24] كان المتوقع {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً} أن يقال: فاشكر ربك على هذا التنزيل, وقم بحقه وما أشبه ذلك, لكن قال: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} إيذاناً بأنه سوف ينال أذىً بواسطة إبلاغ هذا القرآن ونشره بين الأمة, {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} فكان الجواب يبدو متناكراً مع الشرط, لكن عندما تتأمل تعرف الحكمة, المعنى: أنه إذا جاء نصر الله والفتح, فقد قرب أجلك فما بقي عليك إلا التسبيح والحمد: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} أي: سبحه تسبيحاً مقروناً بالحمد, والتسبيح: تنزيه الله تعالى عما لا يليق بجلاله, والحمد: هو الثناء عليه بالكمال مع المحبة والتعظيم, اجمع بين التنزيه وبين الحمد, {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} أي: اسأله المغفرة, فأمره الله تعالى بأمرين: الأمر الأول: التسبيح المقرون بالحمد.
الأمر الثاني: الاستغفار, وهو: طلب المغفرة, والمغفرة: ستر الله تعالى على عبده ذنوبه مع محوها والتجاوز عنها, وهذا غاية ما يريد العبد؛ لأن العبد كثير الذنْب, يحتاج إلى مغفرة, إن لم يتغمده الله برحمته هلك, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله, قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) اللهم تغمدنا برحمتك, لا أحد يدخل بعمله الجنة أبداً؛ لأن عملك هذا لو أردت أن تجعله في مقابل نعمة من النعم -نعمة واحدة- لأحاطت به النعم, فكيف يكون عوضاً تدخل به الجنة؟ ولهذا يقول بعض العارفين في نظم له:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة علي له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام واتصل العمر
قال تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:3] أي: لم يزل عز وجل تواباً على عباده, فإذا استغفرته تاب عليك, هذا هو معنى السورة, لكن السورة لها مغزىً عظيم لا يتفطن له إلا الأذكياء, ولهذا لما سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن الناس انتقدوه في كونه يدني عبد الله بن عباس مع صغر سنه ولا يدني أمثاله من شباب المسلمين, وعمر رضي الله عنه من أعدل الخلفاء الراشدين, أراد أن يبين للناس أنه لم يحابِ ابن عباس في شيء, فجمع كبار المهاجرين والأنصار في يوم من الأيام ومعهم عبد الله بن عباس وقال: ما تقولون في هذه السورة: (إذا جاء نصر الله والفتح) ؟ ففسروها بحسب ما يظهر فقط, فقال: ما تقول يا بن عباس؟ قال: يا أمير المؤمنين! هذا أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم المعنى كأن الله يقول له: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} [النصر:1-2] فقد انتهت مهمتك, ولن يبقى عليك إلا الرحيل, وأنت ما خلقت للدنيا لتتنعم فيها وتبقى فيها طويلاً, خلقت لمهمة انتهت, فهو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال عمر: والله ما أعلم منها إلا ما تعلم.
فتبين من ذلك فضل ابن عباس وتميزه، وأن عنده من الذكاء والمعرفة بمراد الله عز وجل ما افتقده كثير من الناس.
لما نزلت هذه السورة جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم -الذي هو أشد الناس عبادة لله وأتقاهم لله- جعل يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لي) فنقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لنا ذنوبنا, وإسرافنا في أمرنا, وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.(106/4)
تفسير سورة المسد
أما السورة الثانية فهي قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد:1-5] .
سبحان الله! هذا القرآن فيه من الدلالات الكثيرة ما يدل دلالة واضحة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حق, ليس لعلوه ولا لجاهه ولا لرئاسة قومه أبداً, له أعمام انقسموا في معاملته ومعاملة ربه عز وجل إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: آمن به, وجاهد معه, وأسلم لله رب العالمين.
القسم الثاني: ساند وساعد لكنه باقٍ على الكفر -والعياذ بالله-.
القسم الثالث: عاند وعارض وهو كافر.
أما القسم الأول: فـ العباس بن عبد المطلب , وحمزة بن عبد المطلب , والثاني أفضل من الأول؛ لأن الثاني من أفضل الشهداء عند الله عز وجل, ووصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أسد الله وأسد رسوله, واستشهد رضي الله عنه في أحد في السنة الثانية من الهجرة, جمعني الله وإياكم به في جنات النعيم.
أما القسم الثاني: من ساند وساعد مع بقايا الكفر فهو أبو طالب , الذي قام مع النبي صلى الله عليه وسلم خير قيام في الدفاع عنه, ومساندته, ولكنه -والعياذ بالله- قد سبقت له كلمة العذاب, فلم يسلم حتى في آخر حياته وفي آخر لحظة من الدنيا عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلم ولكنه أبى, ومات على قوله: إنه على ملة عبد المطلب , فشفع له النبي عليه الصلاة والسلام حتى كان في ضحضاح من نار وعليه نعلان يغلي منهما دماغه.
أما القسم الثالث: الذي عاند وعارض فهو أبو لهب , أنزل الله فيه سورة كاملة تتلى في الصلوات فرضها ونفلها, في السر والعلن, يثاب المرء على تلاوتها على كل حرف عشر حسنات, أي: من يقرأ سيرة أبي لهب التي في هذه السورة له في كل حرف عشر حسنات, لكن لو قرأت سيرة أبي بكر من سيرة ابن إسحاق أو سيرة البداية والنهاية وغيرها لم يحصل لك هذا الأجر, فالإنسان كأنه يدعى دعوة أكيدة إلى قراءة سيرة أبي لهب , كل حرف تقرأه من سورة المسد لك به عشر حسنات.(106/5)
تفسير قوله تعالى: (تبت يدا أبي لهب وتب)
يقول الله عز وجل: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] وهذا رد على قوله -أي: قول أبي لهب - حينما جمعهم النبي صلى الله عليه وسلم ليدعوهم إلى الله, فبشر وأنذر, قال أبو لهب: تباً لك ألهذا جمعتنا؟! هذه الإشارة للتحقير, أي: هذا أمر حقير لا يحتاج أن يجمع له زعماء قريش, وهذا كقولهم: {أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} [الأنبياء:36] أي: يعيبها ويسبها -يعنون الرسول- قريش تقول: {أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} [الأنبياء:36] والمعنى: للتحقير ليس فيه شيء ولا يهتم بهم, كما قالوا: {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31] .
فالحاصل: أن أبا لهب قال: تباً لك ألهذا جمعتنا؟! فرد الله عليه بهذه السورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] والتباب الخسار, كما قال تعالى: {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ} [غافر:37] أي: خسار, وبدأ بيديه قبل ذاته؛ لأن اليدين هما آلة العند والحركة والأخذ والعطاء وما أشبه ذلك, وهذا اللقب أبو لهب لقب مناسب تماماً في حاله ومآله.
وجه المناسبة: أن هذا الرجل سوف يكون في نار تلظى -والعياذ بالله- لهباً عظيماً, فكنيته مطابقة لحاله ومآله, ويقول الشاعر:
وقل أن أبصرت عينك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه
ولما أقبل سهيل بن عمرو في قصة غزوة الحديبية قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (هذا سهيل بن عمرو وما أراه إلا سهل لكم من أمركم) لأن الاسم مطابق للفعل.
يقول الله عز وجل: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد:2] (ما) يحتمل أن تكون استفهامية, والمعنى: أي شيء أغنى عنه ماله وما كسب؟!
الجواب
لا شيء, ويحتمل أن تكون ما نافية أي: لم يغنِ عنه ماله وما كسب شيئاً, وكلا المعنيين متلازمان, ومعناهما: أن ماله وما كسب لم يغن عنه شيئاً, ومع أن العادة أن المال ينفع, المال يأتي به الإنسان نفسه, لو تسلط عليه عدو وقال: أنا أعطيك كذا وكذا من المال وأطلقني, سيطلقه، لكن قد يطلب مالاً كثيراً أو قليلاً, لو مرض انتفع بماله, لو جاع انتفع بماله, فالمال ينفع, لكن النفع الذي لا ينجي صاحبه من النار ليس بنفع.(106/6)
تفسير قوله تعالى: (ما أغنى عنه ماله وما كسب)
قال تعالى: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ} [المسد:2] أي: من الله شيئاً, وقوله: {وَمَا كَسَبَ} [المسد:2] قيل: المعنى وما كسب من الولد، كأنه قال: ما أغنى عنه ماله وولده, كقول نوح: {وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَاراً} [نوح:21] فجعلوا قوله: {وَمَا كَسَبَ} [المسد:2] يعني بذلك الولد, وأيدوا هذا القول بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم) .
والصواب: أن الآية أعم من هذا, وأن الآية تشمل الأولاد, وتشمل المال المكتسب الذي ليس في يده الآن, وتشمل ما كسبه من شرف وجاه, كل ما كسبه مما يزيده شرفاً وعزاً فإنه لا يغني عنه شيئاً.(106/7)
تفسير قوله تعالى: (سيصلى ناراً ذات لهب)
قال تعالى: {سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد:3] والسين في قوله: (سيصلى) للتتفيس المفيد للحقيقة والقرب, أي: أن الله تعالى وعده أو توعده بأنه سيصلى ناراً ذات لهب, فالسين: للتحقيق والتقريب, أي: أنه سوف يصلى عن قريب ناراً ذات لهب؛ لأن البقاء في الدنيا مهما طال فإن الآخرة قريبة, حتى الناس في البرزخ وإن مضت عليهم ملايين السنين فكأنها ساعة، قال تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [الأحقاف:35] وشيء يقدر بساعة من النهار, أظن أننا نتفق على أنه قريب ولا شيء.
فكونه يصلى النار ذات لهب أمر محقق وقريب.(106/8)
تفسير قوله تعالى: (وامرأته حمالة الحطب)
قال تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد:4] أي: وكذلك امرأته معه -والعياذ بالله- وهي امرأة من أشراف قريش, لكن لم يغنِ شرفها شيئاً؛ لكونها شاركت زوجها في العدوان والإثم والبقاء على الكفر, وقوله: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد:4] قرئت بالنصب وبالرفع, أما النصب فإنها تكون حالاً من امرأة, أي: وامرأته حال كونها حمالة الحطب, أو تكون منصوبة على الذم؛ لأن النعت المقطوع يجوز نصبه على الذم أي: أذموا حمالة الحطب, وأما على قراءة الرفع فهي صفة لامرأة, {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد:4] ما الحطب الذي تحمله، وتحمله بكثرة؟ (حمالة) صيغة مبالغة، ذكروا أنها تحمل الحطب الذي فيه الشوك وتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم -والعياذ بالله- من أجل أذى الرسول صلى الله عليه وسلم.(106/9)
تفسير قوله تعالى: (في جيدها حبل من مسد)
قال تعالى: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد:5] الجيد: العنق, والحبل معروف, والمسد الليف, يعني: أنها متقلدة حبلاً من الليف تخرج به إلى الصحراء لتربط به الحطب الذي تأتي به لتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم -نعوذ بالله من ذلك- وهو إشارة إلى دنو منزلتها وأنها أهانت نفسها, امرأة من أكابر قبائل قريش تخرج إلى الصحراء وتضع هذا الحبل في عنقها وهو من الليف, معناه: فيه من المهانة لكن من أجل أذية الرسول عليه الصلاة والسلام, نسأل الله العافية.
وبهذا انتهى الكلام على ما يسره الله عز وجل على هاتين السورتين.(106/10)
الأسئلة(106/11)
الكلام الذي يقصد به التسلية أو الألغاز التي ظاهرها المساس بالعقيدة
السؤال
في بعض المجالس يحصل أن يتكلم أحد الحاضرين بكلام يقصد به التسلية، أو يأتي به على هيئة ألغاز, ولكن يظهر للسامع أن به مساساً بالعقيدة, ومن ذلك أنه يقول: إن لي في الأرض ما ليس لله في السماء.
ويقصد بذلك الزوجة والولد، والله سبحانه وتعالى منزه عن الصاحبة والولد, كما يقول: لا حمد للاهي ولا شكر له.
وقصده اللاهي الذي ألهته دنياه عن آخرته, فما حكم الشرع في نظركم لذلك؟ وما نصيحتكم لمن يقول مثل هذا الكلام؟
الجواب
أرى أن هذا الكلام حرام؛ لأنه يوهم معنىً باطلاً وإن كان سوف يفسر ما يريد, لكن سيبقي الشيطان أثر ذلك في قلب المخاطب أو المستمع, وأنصح من يتكلم بهذا أن يقرأ قول الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] واعلم أن كلمتك هذه إن ترتب عليها كفر أو شك فالحساب عليك.
فعلى كل مؤمن أن يحترم جانب الحق, جانب الرب عز وجل, وأن يعلم أن الأمر خطير, (رُب كلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً) -والعياذ بالله- أو أكثر, فأرى أن هذا الكلام منكر, وأنه لا يحل للإنسان أن يلقيه, وأن على من سمعه أن ينصحه، فإن اهتدى فله ولمن نصحه, وإن لم يهتدِ فإنه يجب عليه أن يغادر المكان الذي يلقى فيه مثل هذا الكلام.(106/12)
استخدام بعض أجزاء الحيوانات للإنسان
السؤال
هذا شخص أوصاني أن أسألكم هذا السؤال يقول: إن جراحي القلوب قد يضعون عرقاً أو شرياناً معدنياً وقد يضعون -أيضاً- شرياناً يأخذونه من الخنزير, مع أن الشريان الذي من المعدن قد يصيبه الصدى, والشريان الذي من الخنزير يكون أحسن، وقد يلتحم ويصير وكأنه من الإنسان نفسه, فما حكم ذلك؟
الجواب
لا بأس به، أي: لا بأس أن يصل إنسان شريان قلبه بشريان حيوان آخر, وينظر إلى ما هو أنسب لقلبه؛ لأن هذا ليس من الأكل إنما حرم الله أكل الخنزير، وهذا ليس أكلاً, وإذا علمنا أنه لا ينفعه إلا هذا فهذا من باب الضرورة, وقد قال الله تعالى في أكل لحم الخنزير الأكل المباشر: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] .(106/13)
إعطاء الكافر هدية بسبب خدمته للمسلم
السؤال
هناك أناس من الكفار قد يكون زميلك في الدراسة, فعند قدومك في المطار يسهل عليك الأمور الجمركية, وأنت في المقابل تشتري له هدية, هل يجوز هذا؟ الشيخ: أرأيت لو كان مسلماً؟ السائل: لو كان مسلماً ممكن تكافئه على هذا.
الشيخ: والكافر؟ السائل: أنا أسأل.
الشيخ: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه) لكن هل يحل للإنسان أن يكافئ عمال الحكومة ويعطيهم هدايا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هدايا العمال غلول) ؟ يقال: أما إن كان ذلك لدفع شرهم ولا يندفع شرهم إلا بإعطائهم فلا بأس, حتى وإن كان مسلماً, مثلاً: أصحاب الجمارك لو قدرنا أنك تعطيهم مالاًَ ليكفوا عن أخذ الجمرك فلا بأس؛ لأن هذا دفع للظلم, مع أن الأفضل في هذا الحال أن تخضع، لكنه لما لم يكن به منابذة صار جائزاً, أما أن تنابذهم وتقول: لا أعطيكم, أنتم ظلمة, ومال المسلم محترم.
فهذا حرام عليك؛ لأن الواجب على المؤمن أن يسمع ويطيع وإن ضرب ظهره وأخذ ماله, لكن في باب المدافعة بالمال لا بأس به.(106/14)
قصر الصلاة لطلاب الجامعات والفطر في رمضان
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم قصر الصلاة لطلاب الجامعات خلال مدة دراستهم؟ وهل ينطبق إذا كان لهم حق القصر رخصة الفطر في رمضان أم لا؟
الجواب
هذه المسألة مختلف فيها اختلافاً طويلاً عريضاً, فقد اختلف فيها العلماء على أكثر من عشرين قولاً؛ وذلك لأنه ليس هناك نصوص واضحة وصريحة بالتحديد, وإذا لم يكن هناك نصوص واضحة صريحة بالتحديد فالأولى إبقاء النصوص على عمومها, وأن الإنسان ما دام في السفر فهو مسافر, يترخص بجميع رخص السفر, حتى وإن أقام لغرض يعرف أنه ينتهي في المدة الفلانية أو لغرض متى انتهى رجع ولا يدري متى ينتهي.
فالصواب: أن البابين حكمهما واحد, وأن من أقام لغرض متى انتهى رجع إلى بلده فإنه مسافر سواء حدد المدة أم لم يحددها, إذ ليس هناك نص في أن تحديد المدة ينقطع به السفر.
لكني أقول: إن المقيمين للدراسة يجب عليهم أن يصلوا في جماعة إذا كانوا في بلاد إسلامية، ولا يحل لهم التخلف عنها باعتبار أنهم مسافرون؛ لأن المسافر لا تسقط عنه صلاة الجماعة ولا صلاة الجمعة، أيضاً ما دام في البلاد التي تقام فيه الجمعة, لكن لو فاتتهم الصلاة أو كانوا في مكان ليس حولهم مساجد وصلوا فلهم القصر على ما نرى أنه القول الصحيح, ومن قال: إنهم ليس لهم القصر فعليه الدليل؛ لأنهم ما زالوا مسافرين مغادرين لأهليهم ضاربين في الأرض يبتغون من فضل الله.
وأما صيام رمضان فلهم أن يفطروا ويؤخروا إلى وقت يكون فيه النهار أقصر أو أبرد, لكن تأخيره إلى ما بعد رمضان الثاني في نفسي منه شيء؛ لأنهم إذا فعلوا ذلك تراكمت عليهم الشهور, وربما عجزوا عن القضاء في المستقبل, فأرى أنه لا بد أن يصوم رمضان قبل أن يأتي رمضان الثاني.(106/15)
دفن الميت في البيت
السؤال
رجل دفن ابنه السقط من الشهر التاسع في زاوية من البيت, فهل يجوز له أن ينبش عليه القبر ويدفنه في المقابر, أم ماذا عليه؟ الشيخ: هل غسله وكفنه وصلّى عليه؟ السائل: نعم.
الشيح: الأفضل أن يحفره الآن ويأخذ رفاته وينقله إلى المقابر.
السائل: مر عليه زمن طويل.
الشيخ: لا بأس، يحفره الآن ويأخذ رفاته؛ لأنه إن بقي شغل مكاناً من البيت, وإن حجّر عليه فصار مشكلة أن يقال: هذا قبر، ثم بعد مضي سنوات كثيرة ربما يتخذ وثناً.(106/16)
حكم الواسطة في الوظائف
السؤال
ما حكم ما يسمى بين الناس "الواسطة" وقد لا يخفى عليك معناها: وهو الشافع.
أولاً: أن في ظني أن (90%) من المتعارف عليه بالواسطة هو على حساب آخرين, أي: تأخير الأحق وتقديم من دونه, ثم إنها فاشية عند الناس كثيراً, ويتعذر بعضهم بأن يقول: كل شخص يفعل ما يستطيعه، كل الناس يفعلون ولذلك أنا سأفعل ما أستطيع, فما حكمها -حفظكم الله- وبماذا تنصح الناس في ذلك؟
الجواب
طلب الشفاعة لشخص أن يتبوأ وظيفة أو غيرها، إن كان هناك من هو أحق منه وقد تقدم لهذه الوظيفة ويعلم أنه إذا اتخذ الواسطة أو الشافع سوف يقدم هذا على من هو أحق، فهذا لا يجوز؛ لأن هذا يشبه بيع المسلم على أخيه, وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
أما إذا كان الأمر قد حجز من قبل المسئولين وأنه لا يمكن أن يوظفوا أحداً حتى لو كان مستحقاً؛ لأنهم يريدون أن يتقدم من يحابونه لسبب أو لآخر، فله الحق أن يتقدم بالواسطة.(106/17)
تبشير العاصي بالجنة في قبره
السؤال
فضيلة الشيخ! علمت من الحديث الطويل للبراء بن عازب رضي الله عنه عن حال المؤمن والكافر عند الاحتضار والقبر, من بشارة بالنار وخذلان عند السؤال للكافر, وبشارة للجنة وتثبيت للمؤمن, فهل هذه البشارة أيضاً للمؤمنين الذين يخدشون على الصراط، أو يعذبون على بعض معاصيهم في الدنيا قبل دخولهم الجنة، هل هؤلاء يبشرون في القبر بالجنة أم يبشرون بالنار؟
الجواب
الظاهر أن البشرى تحصل للمؤمن وإن كان عليه معاصٍ, وبعد ذلك قد يعفو الله عنها في الآخرة, وقد يعذب بها بمشيئة الله سبحانه تعالى, كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] .
السائل: هو يبشر بالجنة وإن كان عليه معاصٍ.
الشيخ: يبشر بالجنة وإن كان عليه معاصٍ.(106/18)
معنى قوله تعالى: (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت)
السؤال
فضيلة الشيخ! ما معنى قوله تعالى: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} [البقرة:102] ما المراد بقوله: {بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} [البقرة:102] ؟
الجواب
قوله تبارك وتعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} [البقرة:102] بابل منفصل عما بعدها, {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ} [البقرة:102] أي: الناس {مِنْهُمَا} [البقرة:102] أي: من الملكين {مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ} [البقرة:102] أي: الناس {مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:102] .
هذه الآية امتحن الله سبحانه وتعالى عباده وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء, أنزل ملكين من الملائكة بمكان يقال له: بابل؛ وهو معروف في العراق , والملكان اسم أحدهما: هاروت, والثاني: ماروت, أنزل عليهما نوع من السحر يتعلمانه، علمهم الله سبحانه وتعالى إياه, وصارا يعلمان الناس هذا السحر, لكي يقيما الحجة وينفيا العذر: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:102] فمن الناس من يترك ولا يتعلم, ومنهم من يتعلم, هذا هو معنى الآية.
فإذا قال قائل: كيف يكون ملكان يعلمان السحر ويعلمانه الناس, وتعلم السحر حرام كما صرحا به: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:102] ؟ فيقال: من الذي يحلل ويحرم؟ الله, والله سبحانه وتعالى قد يجعل الشيء الحرام حلالاً, بل واجباً, فالله تعالى أذن لهذين الملكين أن يعلما الناس السحر فتعليمهما السحر بإذن الله فلا يكون معصية ولا كفراً.
أرأيتم السجود لغير الله أليس شركاً؟ بلى.
ومع هذا لما امتنع الشيطان من السجود لآدم حين أمر الله الملائكة به صار الشيطان كافراً وصارت الملائكة مؤمنة مسلمة عندما سجدت, معناه: سجدت لغير الله, والسجود لغير الله شرك, فصار في هذه الحال طاعة وعبادة.
قتل الإنسان ولده من كبائر الذنوب, من أعظم الذنوب أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك أو لغير ذلك من الأسباب, ومع ذلك صار طاعة يحمد الإنسان عليها حينما أمر الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن يقتل ابنه.
كذلك السحر تعلمه حرام؛ لكن إذا كان بإذن الله صار حلالاً فلا إشكال في المسألة.
بـ بابل أي: مكان بلد اسمه بابل , وهاروت وماروت اسم للملكين.(106/19)
أب عق عن ابنه بشاة فمات الابن فعليه أن يعق الثانية
السؤال
زوج رزقه الله بمولود ذكر ثم عق عنه بشاة فمات الولد, فهل يعق عنه بأخرى أم يكتفي بالأولى؟ الشيخ: لماذا اقتصر على الشاة في الأول؟ السائل: لأن الولد كان مريضاً, فاقتصر على الشاة.
الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله, كأنه يقول: أعطيتك يا رب نصف واحدة, وسأعطيك نصف العقيقة أم ماذا؟ السائل: لم أسأله يا شيخ! لكن هذا سؤاله.
الشيخ: على كل حال، إذا كان هذا وجهة نظره فهي خاطئة, وعليه أن يتوب إلى الله عز وجل, وأما العق بالثانية فيعق سواء بقي الولد حياً أو ميتاً.(106/20)
التفصيل في أفضلية الصلاة في الصف الأيمن
السؤال
هل الأفضلية في الصف الأول في الصلاة في الأيمن مطلقاً حتى ولو كان الأيسر قليلاً؟
الجواب
لا.
أيمن الصفوف أفضل من أيسرها مع التقارب أو التساوي, أما بعد الإمام فالدنو من الإمام أفضل, والدليل على هذا: أنه كان في أول الإسلام إذا كانوا ثلاثة صف الإمام في الوسط, أحدهم عن يمينه والآخر عن يساره, ولو كان الأيمن الأفضل مطلقاً لكان الذي على اليسار يذهب إلى اليمين, ويكون الإمام عن يسارهما, ثم إن الدنو من الإمام أمر مطلوب, وقد ورد في الحديث الضعيف: (وسطوا الإمام) فصار الأيمن أفضل مع التقارب أو التساوي مثل: أن يكون عن يسار الإمام أربعة وعن يمينه أربعة فدخل إنسان فيكون في الصف الأيمن أفضل, أما إذا كانوا عشرة على اليمين وثلاثة على اليسار فإنه يكون في اليسار.(106/21)
معنى قوله تعالى: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر)
السؤال
شهد من نثق بهم, أنهم رأوا القمر في الصباح في المشرق في وقت الصلاة, وفي نفس اليوم -في المساء- رأوه في المغرب, أي: أن الشهر هلّ في نفس اليوم الذي رأوه, ألا يشكل هذا في قوله تعالى: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [يس:40] ؟
الجواب
الظاهر أنه لا يشكل هذا, معنى: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} [يس:40] أي: لا يمكن للشمس أن تخرج ليلاً, {وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [يس:40] أي: لا يمكن أن يكون الليل في النهار, ومعنى الآية: أن الله تعالى قد قدر الليل والنهار فلا يمكن لأحدهما أن يكون في وقت الآخر, لكنه جل وعلا بحكمته يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل -أي: يدخله- لكنه إيلاج كما يولج السلك في الإبرة, أي: أنه رويداً رويداً هذا هو معنى الآية.
وأما ما ذكرت فالله تعالى يقول: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} [الشمس:2] فربما يسبق الشمس يرى في أول النهار ثم يرى في آخر النهار, وهذا يقع، المهم أنهم ثقات, وعليه فإذا رؤي في صباح اليوم التاسع والعشرين ثم شهد شهود ثقات أنهم رأوه في ليلة الثلاثين بعد الغروب فإنه يحكم بدخول الشهر الثاني.(106/22)
حكم المرأة الشاكة في الحمل المتوفى عنها زوجها
السؤال
رجل توفي عن امرأتين, واكتملت العدة الشرعية من المرأتين, إحدى النساء تقول: أنا عندي بالأشعة شيء غير محدد هو جنين أو غير جنين, علماً أنها تحيض فتقول: أنا سأستعمل أعشاب طب عربي من أجل إن كان طفلاً سيحييه الله, وإن كان غيره فيسقط, فما هو الواجب نحو هذه المرأة؟
الجواب
المرأة الشاكة تنتظر حتى تتيقن أنها غير حامل, والتي ليس عندها شك إذا تمت أربعة أشهر وعشرة أيام انقضت عدتها.(106/23)
حكم صلاة الأطفال في الصفوف وحكم إبعادهم منها
السؤال
في أحد المساجد حلقة للصبية لتحفيظ القرآن الكريم، والأطفال يأتون بجوار والديهم على أساس ألا يعبثون بعضهم مع بعض، فما أدري الحكم في ذلك؛ لأنهم يقطعون الصف؟ الشيخ: يعني: خلاصة سؤالك: هل يجوز للصبيان أن يكونوا في الصف؟
الجواب
نعم, يجوز أن يكون الصبيان في الصف ولو قطعوا الصف؛ لأنهم بشر ليسوا حجراً وليسوا أعمدة, فهم لا يقطعون الصفوف, ولا يجوز لأحد أن يبعدهم من مكانهم -أيضاً- حتى ولو كانوا خلف الإمام مباشرة في الصف الأول، فإنه لا يحل لأحد أن يبعدهم من مكانهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به) ولأن إقامتهم وطردهم من هذا المكان يؤدي إلى كراهتهم للمسجد ولأهل المسجد, ولأن طردهم من ذلك يؤدي أن تقوم العداوة بين آبائهم ومن طردهم, ولأن إقامتهم من ذلك يؤدي إلى أن يجتمع الصبيان في صف واحد, فيكون تشويشهم وإشغالهم للناس أشد, وأما قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليليني منكم أولو الأحلام والنهى) فهو والله على العين والرأس, وفوق كل ذي قول غير قول الله عز وجل, لكن ما معنى الحديث؟ هل قال الرسول عليه الصلاة والسلام: لا يليني إلا أولو الأحلام والنهى, حتى نقول: اطردوا هؤلاء؟ المعنى: أن ذوي الأحلام والنهى يجب عليهم أن يتقدموا حتى يكونوا هم الذين يلونه, ففرق بين أن يقول: لا يليني إلا أولو الأحلام, وقوله: ليليني أولو الأحلام.(106/24)
حكم التمثيل بالكفار
السؤال
قدم علينا أحد الإخوة المجاهدين من البوسنة والهرسك , وتكلم عن الأعداء والتمثيل بهم, فاعترض عليه أحد الإخوة وقال: إن هذا لا يجوز وهو حرام, فرد عليه الأخ القادم من الجهاد وقال: إن هذا يجوز قبل قتله, أما بعد قتله فلا يجوز التمثيل به, فما رأيكم جزاكم الله خيراً؟
الجواب
من رأى أنه لا يجوز التمثيل بالكفار إذا عثر عليه مطلقاً أخذ بعموم الحديث الذي كان الرسول عليه الصلاة والسلام يوصي به من يبعثهم من الجيوش والسرايا: (ألا تمثلوا) ، ولكن هذا العموم مخصوص بقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194] فإذا كانوا يفعلون بنا ذلك فلنا أن نفعل بهم مثلما يفعلون بنا؛ لأننا لو نتقاصر عن هذا صار فيه ذل, وهم لن ينفعهم إذا لم نمثل بهم بحيث يكفون عن التمثيل بنا في المستقبل, وإلا لو رجونا ذلك لقلنا: نظراً لهذه المصلحة لا نمثل بهم.(106/25)
معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوا الأموات)
السؤال
فضيلة الشيخ! حديث عائشة رضي الله عنها في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا) هل هذا يشمل عموم الأموات الكفار وغيرهم، أم أنه خاص؟
الجواب
والله في احتمال أنه من العموم, يعني: في بعض الألفاظ: (فتؤذوا الأحياء) والكافر قد يتأذى قريبه المسلم بسبه, والمسألة تحتاج إلى النظر في المصلحة بالنسبة لسب الأموات الكفار، قد يكون فيه مصلحة.(106/26)
حكم قتل الكافر بعد نطقه بالشهادتين
السؤال
قصة حدثت في أفغانستان , أحد الإخوة المجاهدين وجد شيوعياً فشهد هذا الشيوعي شهادة أن لا إله إلا الله محمداً رسول الله, قال: أنا أسلمت, فقتله هذا المجاهد المسلم بعد أن أعلن شهادته, فهل هذه الحادثة نظير لحادثة أسامة بن زيد، أم تختلف؟
الجواب
نعم.
هي نظيرها, وهذا الرجل المسلم يحرم عليه أن يقتله, ما دام أنه قال: أشهد أن لا إله إلا اله وأن محمداً رسول الله.
السائل: مع أن الشيوعي كان مثخناً بالجراح.
الجواب: ولو أثخن بالجراح, أليس معه عقله؟ كل من معه عقله فإسلامه صحيح, لكن ما دام متأولاًَ فالله يعفو عنه.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(106/27)
لقاء الباب المفتوح [107]
يقول النبي صلى الله عليه وسلم في فضل سورة الإخلاص: (إنها لتعدل ثلث القرآن) ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأها في الركعة الثانية من سنة الفجر وفي سنة المغرب وفي ركعتي الطواف، وكذلك في الركعة الثالثة من الوتر؛ لأنها مبنية على الإخلاص التام لله، ومما ورد في فضل سورتي الفلق والناس أنه عليه الصلاة والسلام كان يتحصن بأذكار يقولها، فلما نزلت هاتان السورتان أخذ بهما وترك ما سواهما، وقد فسر الشيخ هذه السور الثلاث حتى نتدبرها نتفهم معانيها.(107/1)
تفسير سورة الإخلاص
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع بعد المائة من اللقاءات التي تتم كل أسبوع في كل يوم خميس, وهذا هو الخميس التاسع من شهر جمادى الثانية عام (1416هـ) .(107/2)
تفسير قوله تعالى: (قل هو الله أحد)
نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على سورة الإخلاص وما تيسر من السورة التي بعدها, يقول الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] وهذا الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام وللأمة أيضاً, (هو الله أحد) ضمير الشأن مبتدأ عند المعربين, ولفظ الجلالة (الله) هو خبر المبتدأ, و (أحد) خبر ثان، و (الله الصمد) جملة ثانية.
ذكروا في سبب نزول هذه السورة: أن المشركين أو اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: صف لنا ربك؟ من أي شيء هو؟ فأنزل الله هذه السورة, أي: (قل هو الله أحد) أي: هو الله الذي تتحدثون عنه وتسألون عنه هو أحد, أي: متوحد بجلاله وعظمته ليس له مثيل, وليس له شريك, بل هو متفرد بالجلال والعظمة عز وجل.(107/3)
تفسير قوله تعالى: (الله الصمد)
قال تعالى: {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:2] جملة مستقلة, بين الله تعالى أنه الصمد, فما معنى: (الصمد) ؟ أجمع ما قيل في معناه: أنه الكامل في صفاته الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته, فقد روي عن ابن عباس أن الصمد: هو الكامل في علمه, الكامل في حلمه, الكامل في عزته, الكامل في قدرته.
إلى آخر ما ذكر في الأثر, وهذا يعني أنه مستغنٍ عن جميع المخلوقات؛ لأنه كامل, وورد -أيضاً- في تفسيرها: أن الصمد: هو الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجهم.
وهذا يعني: أن جميع المخلوقات مفتقرة إليه, وعلى هذا فيكون المعنى الجامع للصمد هو: الكامل في صفاته التي افتقرت إليه جميع مخلوقاته.(107/4)
تفسير قوله تعالى: (لم يلد ولم يولد)
قال تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:3] (لم يلد) ؛ لأنه جل وعلا لا مثيل له, والولد مشتق من والده, وجزء منه, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في فاطمة: (إنها بضعة مني) والله جل وعلا لا مثيل له, ثم إن الولد إنما يكون للحاجة إليه؛ إما في المعونة على مكابدة الدنيا, وإما في الحاجة إلى بقاء النسل, والله عز وجل مستغنٍ عن ذلك, فلهذا (لم يلد) ؛ لأنه لا مثيل له, ولأنه مستغنٍ عن كل أحد عز وجل, وقد أشار الله عز وجل إلى امتناع ولادته -أيضاً- في قوله تعالى: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام:101] فالولد يحتاج إلى صاحبة تلده, وكذلك هو خالق كل شيء, فإذا كان خالق كل شيء, فكل شيء منفصل عنه, (ولم يلد) وفي هذه الجملة رد على ثلاث طوائف منحرفة من بني آدم، وهم: المشركون, واليهود, والنصارى؛ لأن المشركين جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً وقالوا: إن الملائكة بنات الله, واليهود قالوا: عزير ابن الله, والنصارى قالوا: المسيح ابن الله, (ولم يولد) ؛ لأنه عز وجل هو الأول الذي ليس قبله شيء.(107/5)
تفسير قوله تعالى: (ولم يكن له كفواً أحد)
قال تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:4] أي: لم يكن له أحد مساوياً في جميع صفاته, فنفى الله سبحانه وتعالى عن نفسه أن يكون والداً أو مولوداً أو له مثيل.
هذه السورة لها فضل عظيم, قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنها تعدل ثلث القرآن) لكن لا تقوم مقام ثلث القرآن, بدليل: أن الإنسان إذا كررها في صلاة الفريضة ثلاث مرات لم تكفه عن الفاتحة, مع أنه إذا قرأها ثلاث مرات فكأنما قرأ القرآن كله, لكنها لا تجزئ عنه, ولا تستغرب أن يكون الشيء معادلاً للشيء ولا يجزئ عنه, فهاهو النبي عليه الصلاة والسلام أخبر أن من قال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير فكأنما أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل) ومع ذلك لو كان عليه رقبة كفارة وقال هذا الذكر لم يكفه عن الكفارة, فلا يلزم من معادلة الشيء للشيء أن يكون قائماً مقامه في الإجزاء.
هذه السورة كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقرأ بها في الركعة الثانية في سنة الفجر، وفي سنة المغرب، وفي ركعتي الطواف, وكذلك يقرأ بها في الثالثة في الوتر؛ لأنها مبنية على الإخلاص التام لله, ولهذا تسمى: سورة الإخلاص.(107/6)
تفسير سورة الفلق
يقول الله عز وجل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] ورب الفلق هو الله, والفلق: الإصباح, ويجوز أن يكون أعم من ذلك, أن الفلق كل ما يفلقه الله تعالى من الإصباح والنوى والحب كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} [الأنعام:95] ، وقال: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ} [الأنعام:96] .(107/7)
تفسير قوله تعالى: قل أعوذ برب الفلق)
يقول الله عز وجل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] ورب الفلق هو الله, والفلق: الإصباح, ويجوز أن يكون أعم من ذلك, أن الفلق كل ما يفلقه الله تعالى من الإصباح والنوى والحب كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} [الأنعام:95] ، وقال: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ} [الأنعام:96] .(107/8)
تفسير قوله تعالى: (من شر ما خلق)
قال تعالى: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق:2] أي: من شر جميع المخلوقات، حتى من شر نفسك؛ لأن النفس أمارة بالسوء, فإذا قلت: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} فأول ما يدخل فيه نفسك, كما جاء في خطبة الحاجة: (نعوذ بالله من شرور أنفسنا) وقوله: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} يشمل شياطين الإنس والجن والهوام وغير ذلك.(107/9)
تفسير قوله تعالى: (ومن شر غاسق إذا وقب)
قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق:3] الغاسق: قيل: إنه الليل, وقيل: إنه القمر, والصحيح: أنه عام لهذا وهذا, أما كونه الليل فلأن الله تعالى قال: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء:78] وكما نعلم جميعاً أن الليل تكثر فيه الهوام والوحوش, فلذلك استعاذ من شر الغاسق أي: الليل, وأما القمر فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أرى عائشة القمر وقال: (هذا هو الغاسق) وإنما كان غاسقاً؛ لأن سلطانه يكون في الليل, وقوله: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} هو معطوف على (من شر ما خلق) من باب عطف الخاص على العام؛ لأن الغاسق من مخلوقات الله عز وجل, وقوله: {إِذَا وَقَبَ} أي: إذا دخل, فالليل إذا دخل في ظلامه غاسق, وكذلك القمر إذا أضاء بنوره فإنه غاسق, ولا يكون ذلك إلا في الليل.(107/10)
تفسير قوله تعالى: (ومن شر النفاثات في العقد)
قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق:4] النفاثات في العقد: هن الساحرات, يعقدن الحبال وغيرها، وتنفث بقراءة مطلسمة فيها أسماء الشياطين على كل عقدة, تعقد ثم تنفث تعقد ثم تنفث تعقد ثم تنفث وهي بنفسها الخبيثة تريد شخصاً معيناً, فيؤثر هذا السحر بالنسبة لهذا المسحور, وذكر الله النفاثات دون النفاثين؛ لأن الغالب أن الذي يستعمل هذا النوع من السحر هن النساء, فلهذا قال: {النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} ويحتمل أن يقال: {النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} أي: الأنفس النفاثات فيشمل الرجال والنساء.(107/11)
تفسير قوله تعالى: (ومن شر حاسد وإذا حسد)
قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق:5] الحاسد: هو الذي يكره نعمة الله عليك, فتجده يضيق ذرعاً إذا أنعم الله على هذا الإنسان بمال أو جاه أو علم أو غير ذلك فيحسده, ولكن الحساد نوعان: نوع: يحسد ويكره في قلبه نعمة الله على غيره, لكن لا يتعرض للمحسود بشيء, تجده مهموماً مغموماً من نعم الله على غيره, لكن لا يعتدي على صاحبه, والشر والبلاء إنما هو بالحاسد إذا حسد, ولذا قال: {إِذَا حَسَدَ} , ومن حسد الحاسد العين التي تصيب المعان, يكون هذا الرجل -نسأل الله العافية- يكون عنده كراهة لنعم الله على الغير, فإذا أحس بنفسه أن الله أنعم على فلان بنعمة خرج من نفسه الخبيثة معنىً لا نستطيع أن نصفه؛ لأنه مجهول, فيصيب بالعين من تسلط عليه, أحياناً يموت وأحياناً يمرض وأحياناً يجن, حتى الحاسد يتسلط على الحديد فيوقف اشتغاله, ربما يصيب السيارة بالعين وتنكسر أو تتعطل, أو ربما يصيب رفاعة الماء أو حراثة الأرض, المهم أن العين حق تصيب بإذن الله عز وجل.
ذكر الله عز وجل: الغاسق إذا وقب, والنفاثات في العقد, والحاسد إذا حسد؛ لأن البلاء كله في هذه الأحوال الثلاثة يكون خفياً, الليل ستر وغشاء, قال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل:1] يكمن فيه الشر, ولا يعلم به, النفاثات في العقد -أيضاً- كذلك السحر خفي لا يعلم, الحاسد إذا حسد العائن -أيضاً- خفي, تأتي العين من شخص تظن أنه من أحب الناس إليك، وأنت من أحب الناس إليه ومع ذلك يصيبك بالعين, لهذا السبب خص الله هذه الأمور الثلاثة: الغاسق إذا وقب, والنفاثات في العقد, والحاسد إذا حسد, وإلا فهي داخلة في قوله: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} .
فإذا قال قائل: ما هو الطريق إلى التخلص من هذه الشرور الثلاثة؟ قلنا: الطريق أن يعلق الإنسان قلبه بربه, ويفوض أمره إليه, ويحقق التوكل على الله, ويستعمل الأوراد الشرعية التي بها يحصن نفسه ويحفظها من شر هؤلاء, وما كثر الأمر في الناس في الآونة الأخيرة من السحرة والحساد وما أشبه ذلك؛ إلا بسبب غفلتهم عن الله, وضعف توكلهم على الله عز وجل, وقلة استعمالهم للأوراد الشرعية التي بها يتحصنون, وإلا فنحن نعلم أن الأوراد الشرعية حصن منيع أشد من سد يأجوج ومأجوج, لكن مع الأسف أن كثيراً من الناس لا يعرف عن هذه الأوراد شيئاً, ومن عرف فقد يغفل كثيراً, ومن قرأها فقلبه غير حاضر, وكل هذا نقص, ولو أن الناس استعملوا الأوراد على ما جاءت بها الشريعة لسلموا من شرور كثيرة.(107/12)
تفسير سورة الناس
أما السورة الثالثة فهي: سورة الناس: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس:1-6] .(107/13)
تفسير قوله تعالى: (قل أعوذ برب الناس)
قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] وهو الله عز وجل, وهو رب الناس وغيرهم, رب الناس، ورب الملائكة، ورب الجن، ورب السماوات، ورب الأرض، ورب الشمس، ورب القمر، ورب كل شيء, لكن للمناسبة خص الناس.(107/14)
تفسير قوله تعالى: (ملك الناس)
قال تعالى: {مَلِكِ النَّاسِ} [الناس:2] أي: الملك الذي له السلطة العليا على الناس، والتصرف الكامل هو الله عز وجل.(107/15)
تفسير قوله تعالى: (إله الناس)
قال تعالى: {إِلَهِ النَّاسِ} [الناس:3] أي: مألوههم ومعبودهم, فالمعبود حقاً الذي تألهه القلوب وتحبه وتعظمه هو الله عز وجل.(107/16)
تفسير قوله تعالى: (من شر الوسواس الخناس)
قال تعالى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس:4-6] الوسواس قال العلماء: إنها مصدر يراد به اسم الفاعل, أي: الموسوس، والوسوسة: هي ما يلقى في القلب من الأفكار والأوهام والتخيلات التي لا حقيقة لها, (الخناس) الذي يخنس وينهزم ويولي ويدبر عند ذكر الله عز وجل وهو الشيطان, ولهذا إذا أذن المؤذن انصرف الشيطان وهرب, وله ضراط من شدة ما وجد من الضيق, فإذا انتهى الأذان رجع -نسأل الله العافية- ولهذا جاء في الأثر: [إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان] .
والغيلان: هي الشياطين التي تتخيل للمسافر في سفره، وكأنها أشياء مهولة أو عدو أو ما أشبه ذلك, فإذا كبر الإنسان انصرفت, فقوله عز وجل: (الخناس) أي: الذي يخنس, أي: ينصرف ويدبر ويولي ويذل أمام ذكر الله عز وجل.(107/17)
تفسير قوله تعالى: (من الجنة والناس)
قال تعالى: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس:6] أي: أن الوساوس تكون من الجن وتكون من بني آدم, أما وسوسة الجن فظاهر؛ لأنه يجري من بني آدم مجرى الدم, وأما وسوسة بني آدم فما أكثر الذين يأتون للإنسان يوحون إليه بالشر, ويزينونه في قلبه حتى يأخذ هذا الكلام بلبه وينصرف إليه.
هذه السور الثلاث كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نفث في كفه ومسح بذلك وجهه وما استطاع من بدنه, وربما قرأها خلف الصلوات الخمس.
فينبغي للإنسان أن يتحرى السنة في تلاوتها في مواضعها, كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وبهذا نختم آخر جزء في القرآن وهو جزء النبأ, لكنه قد فاتنا سورة وهي سورة الإنفطار.(107/18)
الأسئلة(107/19)
حكم إجبار الكتابية على الغسل من الجنابة
السؤال
هل تجبر الكتابية على الغسل من الجنابة؟
الجواب
إذا طلب زوجها منها ذلك فإنها تجبر على القول الصحيح, وإن كان هذا لا ينفعها؛ لأنها لن تصلي لكن ينفع زوجها بالنسبة لجماعها, فإذا أجبرها على أن تغتسل وجب عليها أن تغتسل, وقال بعض أهل العلم: إنها لا تجبر، لكن الراجح أنها تجبر لحق الزوج.(107/20)
الصيغة الصحيحة في الدعاء للميت بعد دفنه
السؤال
عندنا في الديار النوبية: إذا مات الميت وانتهى الناس من دفنه يقوم أحد الحاضرين ويدعو, والناس يُؤَمنون خلفه, فنريد الوضع الصحيح في الدعاء؟
الجواب
هؤلاء الذين إذا انتهوا من دفن الميت وقف أحدهم وقام يدعو أخذوا هذا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: (استغفروا لأخيكم, واسألوا له التثبيت) فعملهم هذا له أصل, لكنهم أخطئوا في كيفية العمل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يدعو لأصحابه, ولا كان الصحابة يدعون بعضهم لبعض عند الدفن, لكن يقال للناس: استغفروا لأخيكم, واسألوا له التثبيت, وكل يستغفر له وحده, هكذا السنة.(107/21)
وقت انقضاء عدة الحامل
السؤال
نحن شباب من مدينة رفحة قدمنا إلى منطقة القصيم لزيارة بعض المشايخ والعلماء, فأولاً نقول: إنا نحبكم في الله, ونبلغكم سلام أهالي رفحة , ويدعونكم لإلقاء المحاضرات والدروس العلمية؛ لأن المحاضرات عندنا قليلة يا شيخ، نريد بعض الدعاة وبعض العلماء وبعض المشايخ يزورونا في مدينة الشمال في منطقة رفحة.
وأما سؤالي يا شيخ: هناك رجل توفي وعنده ثلاث زوجات, فكانت إحدى الزوجات حامل, فلما مات الزوج وضعت بعد عشرة أيام, فهل انتهت عدتها؟
الجواب
أولاً نقول: نسأل الله أن يحبكم كما أحببتمونا فيه, وبالنسبة للإخوان في رفحة لا شك أنهم محتاجون إلى من يرشدهم ويعظهم, وأظن أن عندهم من المشايخ كفاية, يمكن أن يطلبوا من رئيس المحكمة ومن كان من طلبة العلم هناك أن يجلس معهم ولو في الأسبوع مرة, وأما المحاضرات العامة فأرى أن يكتب إلى الجهات المسئولة حول هذا الموضوع ويرتب مع المشايخ محاضرات.
وأما الجواب على السؤال: فالمرأة الحامل التي وضعت بعد موت زوجها بعشرة أيام تنقضي عدتها, والزوجتان الأخريان يبقيان إلى أن يتم لكل واحدة أربعة أشهر وعشرة أيام من موت الزوج, ومن كانت حاملاً تنتظر حتى تضع الحمل, دليل ذلك قول الله تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] ، وقوله في غير الحوامل: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة:234] وسبيعة الأسلمية رضي الله عنها مات عنها زوجها وهي حامل فنفست بعد موته بليالٍ, فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتزوج.(107/22)
ضابط الإسراف يرجع إلى العرف
السؤال
رجل اشترى منزلاً باثنين مليون ريال, ثم أثثه بستمائة ألف, وبعد ذلك اشترى سيارة بثلاثمائة ألف ريال, فهل هذا الرجل يعتبر مسرفاً ومبذراً؟ وما حكم التحف في البيوت, أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
الجواب
الإسراف بارك الله فيك: هو مجاوزة الحد, وقد بين الله تعالى في كتابه أنه لا يحب المسرفين, وإذا قلنا: إن الإسراف مجاوزة الحد, صار الإسراف يختلف, فقد يكون هذا الشيء إسرافاً بالنسبة لفلان, وغير إسراف بالنسبة لفلان, فهذا الذي اشترى بيتاً بمليونين من الريالات، وأثثه بستمائة ألف، واشترى سيارة, إذا كان غنياً فليس مسرفاً؛ لأن هذا سهل بالنسبة للأغنياء الكبار, أما إذا كان ليس غنياً فإنه يعتبر مسرفاً, سواء كان من أوساط الناس أو من الفقراء؛ لأن بعض الفقراء يريد أن يكمل نفسه, فتجده يشتري هذه القصور الكبيرة, ويؤثثها بهذا الأثاث البالغ، وربما يكون قد استدان بعضها من الناس, فهذا خطأ, فالأقسام ثلاثة: الأول: غني واسع الغنى, فنقول: إنه في وقتنا الحاضر ولا نقول في كل وقت: إذا اشترى بيتاً بمليونين ريال وأثثه بستمائة ألف ريال واشترى سيارة, فليس بمسرف.
الثاني: الوسط, فيعتبر هذا بحقه إسرافاً.
الثالث: الفقير, فيعتبر في حقه سفهاً؛ لأنه كيف يستدين ليكمل شيئاً ليس بحاجة إليه؟!!(107/23)
حكم المشي بين القبور بالنعال
السؤال
ما حكم المشي بين القبور بالنعال؟
الجواب
المشي بين القبور بالنعال لا بأس به إذا كان لحاجة, كشدة برد أو طين، أو شدة حر أو شوك أو حصى, أما لغير حاجة فلا ينبغي أن يمشي بين القبور بالنعال, وأما ما كان خارجاً عن القبور فلا بأس, ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر: (أن الرجل إذا دفن وجاءه الملكان فإنه يسمع قرع نعال المشيعين إذا انصرفوا) .(107/24)
حكم من عليه كفارة ولا يستطيع الصوم
السؤال
رجل مريض بمرض السكر, وعليه كفارة صيام شهرين -كفارة قتل خطأ- ولا يستطيع أن يصوم لمرضه، فماذا عليه؟
الجواب
إذا كان لا يستطيع أن يصوم فلا شيء عليه؛ لأن كفارة القتل ليس فيها إلا عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين, كما في سورة النساء: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء:92] وليس فيه إطعام, فإن قدر على الصوم صام وإلا سقط عنه.(107/25)
حكم استخدام الحلاق للحاج أو المعتمر صابوناً فيه شيء من الطيب
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض الحلاقين عندما ينتهي المعتمر أو الحاج من العمرة أو الحج يضع نوعاً من الصابون فيه شيء من الطيب, فما حكم ذلك؟
الجواب
إذا كان جاهلاً فلا شيء عليه, سواء كان الجاهل هذا الحلاق أو المحلوق, أما إذا كان المحلوق عالماً بأن فيه طيباً فإنه يمنعه؛ لأنه لا يحل إلا إذا حلق أو قصر بعد التحلل.(107/26)
الجمع بين طلب العلم والدعوة
السؤال
ما هو الأفضل لطالب العلم: الاشتغال بالعلم والدعوة معاً، أو الانتظار حتى ينتهي من طلب العلم ثم الدعوة؟
الجواب
الأفضل أن يجمع بين طلب العلم والدعوة, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) .
السائل: لو كان علمه قليلاً هل يدعو، أو حسب العلم؟ الشيخ: لا.
على حسب العلم، إذا كان علمه قليلاً فمعناه: لو اشتغل في الدعوة وذهب يميناً ويساراً معناه: لا يزداد علماً, لكن قصدنا إذا كان الإنسان علمه لا بأس به ويريد أن يجمع بينهما فليفعل.(107/27)
خطورة لعب بعض الشباب في المسجد حتى ركوع الإمام
السؤال
ما حكم ما يفعله بعض الشباب والإمام يصلي من اللعب والكلام, وإذا ركع الإمام أتوا يركضون ويزعجون المصلين, فما حكم هذه الركعة, وما حكم ما يفعلونه؟
الجواب
أما عملهم هذا فسيئ, يعني: هؤلاء القوم الذين يبقون في المسجد يتحدثون وربما يضحكون والناس يصلون، فإذا ركع الإمام جاءوا يركضون ودخلوا في الصلاة, لا شك أن عملهم هذا سيئ, أما هل أدركوا الركعة؟ فنقول: نعم.
هم أدركوا الركعة إذا كبروا الإحرام قياماً, ثم أدركوا الإمام في الركوع فقد أدركوا الركعة, لكنهم ينهون عن ذلك؛ لما فيه من الأذية للمصلين، والإعراض عن الصلاة والناس يصلون.(107/28)
ظلم الكفلاء لكفلائهم
السؤال
كثير من العمالة الوافدة يشتكون من كفلائهم بهضم حقوقهم، وأخذ أموالهم أو بعدم إعطائهم أموالهم، أو تحميلهم أعمالاً فوق طاقاتهم, أو العمالة الموجودة في المنازل من الخدم والخادمات, فما حكم الشرع في هذا؟
الجواب
الحكم في هؤلاء الكفلاء الذين يظلمون مكفوليهم بالمماطلة في حقوقهم، أو بمنعهم مطلقاً، أو بإلزامهم بما لا يلزمهم أنهم ظالمون, وأنه يجب عليهم أن يتذكروا علو الله عز وجل عليهم, وأن الله إذا كان قد سلطهم على هؤلاء فهو سبحانه وتعالى له السلطة على الكفلاء, وعلى هؤلاء أن يذكروا قدرة الله عليهم, وأن قدرة الله عليهم أعظم من قدرتهم على هؤلاء الفقراء المساكين, ونحن نتكلم عن هذا كثيراً في الخطب وفي بعض المجالس, والإنسان -والعياذ بالله- إذا غلبه الشح فالشح هلكة, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم) .(107/29)
حكم الأحذية التي فيها خطوط تشبه لفظ الجلالة
السؤال
يوجد بعض الأحذية التي فيها بعض الخطوط التي تشبه لفظ الجلالة, وقد أحضرت هذا الحذاء فيشتبه على الناس، فنرجو بيان هل هذا لفظ الجلالة أو ليس بلفظ جلالة؟ وما حكم بيعها ولبسها إذا كان لفظ الجلالة؟
الجواب
أقول: -بارك الله فيك- هذا يقع كثيراً منذ أكثر من أربع أو خمس سنوات، والناس يشتبه عليهم مثل هذا الأمر, ولكن هذا الاشتباه لا حقيقة له؛ لأن الإنسان إذا تخيل شيئاً انطبع في ذهنه أن هذا هو الشيء الذي تخيله, لكن لو يأتي إنسان آخر لم يكن يطرأ على باله هذا الشيء لعرف أنه ليس هو ما تخيله الأول, فكثير ما يتخيل الإنسان -مثلاً- أن قطعة قماش بها نقوش يتخيل أنها طيور, وإذا رآها غيره يقول: أبداً ليست هذه طيور، كذلك هذا الذي نجده في بعض النعال، بعض الناس يتخيل أنه لفظ الجلالة وليس كذلك, لو أتى إنسان آخر لم يطرأ على باله هذا الشيء عرفه أنه لا حقيقة له, والأصل عدم المنع، وإنما والإباحة حتى يتيقن الإنسان أن هذا شيء ممنوع, وأنا الآن رأيت ما قدمت لي ولا أجد فيه شيء يشبه لفظ الجلالة.(107/30)
حكم من أدرك في مسجده التشهد الأخير ثم خرج وسمع مسجداً آخر يقيم الصلاة
السؤال
إذا لم يدرك الرجل من الصلاة مع الإمام إلا التشهد الأخير, وسلّم الإمام وقام وأتم هذه الصلاة, ثم خرج من المسجد فسمع مسجداً آخر يقيم الصلاة من توه, هل له أن يدخل هذا المسجد ويعتبر تلك الصلاة التي صلاها نافلة حتى يدرك صلاة الفرض جماعة كاملة، أو يدرك تكبيرة الإحرام أم لا؟
الجواب
إذا أدرك الإمام في التشهد الأخير ودخل معه وصلى, وأتم صلاته فقد برئت ذمته, وأدى الفريضة, ولا ينبغي أن يذهب إلى مسجد آخر ليصلي فيه, لكن لو فرض أن له شغلاً في المسجد الآخر ودخل ووجد الناس يصلون صلى معهم, وتكون له نافلة -أعني الثانية- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة) قالوا: هذا في رجلين تخلفا عن الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم -صلاة الفجر في مسجد الخير في منى - فلما رآهما دعاهما وسألهما عن السبب, فقالا: صلينا في رحالنا.
السائل: ما فات فضل الجماعة في الأولى؟ الشيخ: فضل الجماعة حسب ما يكون هذا الشخص, إذا كان حريصاً على الجماعة ومن عادته أن يصلي مع الجماعة، ولكن تخلف لعذر فيرجى أن يكتب له أجر الجماعة كاملة قياساً على المريض والمسافر, فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) .(107/31)
حكم فتح محل تجاري لإصلاح أجهزة الهاتف (والدش) وغيرها
السؤال
ما حكم فتح محل تجاري لتصليح أجهزة التلفاز (والفيديو) والهاتف وما شابه ذلك؟
الجواب
فتح محل تجاري لتصليح التلفاز أو (الدش) أو ما أشبه ذلك من الآلات المحرمة حرام؛ لأن هذا من باب التعاون على الإثم والعدوان, وأما إصلاح الهاتف والمسجلات والمذياع فلا بأس به؛ وذلك لأن الغالب في التلفاز (والدش) أنه يستعمل في المحرم, والغالب في المدياع والمسجل والهاتف أن يستعمل في المباح، فيؤخذ بالغالب, فيقال: أما إصلاح التلفاز (والدش) فهذا لا يجوز, وأما لإصلاح الهاتف والمسجل والمذياع فلا بأس.(107/32)
حكم صلاة المسافر إذا دخل بلداً فوجدهم يصلون العصر فصلى ركعتين بنية الظهر وركعتين بنية العصر
السؤال
رجل مسافر دخل بلداً وهم يصلون العصر وهو لم يصلِ لا الظهر ولا العصر, فدخل معهم في الركعتين الأولتين بنية الظهر, ثم سلّم من التشهد الأول، وقام ودخل معهم بنية العصر في الركعتين الآخيرتين, هل تصح صلاته هذه؟
الجواب
صلاته غير صحيحة؛ وذلك لأن الإنسان إذا دخل مع الإمام وهو متم لزمه الإتمام, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا, وما فاتكم فأتموا) ، وسئل ابن عباس رضي الله عنهما: [ما بال الرجل يصلي في السفر ركعتين ومع الإمام أربعاً؟ قال: تلك هي السنة] وبناءً على ذلك نقول للأخ: يجب عليك أن تعيد الصلاة, صلاة الظهر أربعاً وصلاة العصر أربعاً أيضاً, لأجل متابعة الإمام, فأنت جزاك الله خيراً بَلّغه, وقل: يجب عليك أن تصلي أربعاً للظهر وأربعاً للعصر.(107/33)
حكم الذهاب إلى صلاة الفجر حافياً
السؤال
هل من السنة أن الإنسان في صلاة الفجر يذهب إلى المسجد حافياً؟
الجواب
لا.
ليس من السنة أن يمشي الإنسان إلى صلاة الفجر حافياً، ولا لصلاة الظهر، ولا لصلاة العصر، ولا لأي صلاة من الصلوات, لكن السنة أن يمشي الإنسان حافياً في بعض الأحيان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن كثرة الإرفاه, ويأمر بالاحتفاء أحياناً, أما الفجر أو غيرها من الصلوات فليس لها خصيصة في ذلك.(107/34)
حقيقة الحروف الزائدة في القرآن
السؤال
هل يصح أن يقال: إن في القرآن حروف زائدة؟
الجواب
أما إذا أراد بكلمة زائدة ففي القرآن حروف زائدة من حيث الإعراب, أما زائدة يعني: ليس لها معنى فهذا ليس بصحيح, فقوله تبارك وتعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] الباء من حيث الإعراب زائدة, ولهذا لو كانت الجملة في غير القرآن وقلت: وما ربك ظلاماً للعبيد استقام الكلام, لكن من حيث المعنى لا, ليس في القرآن شيء زائد إطلاقاً من حيث المعنى؛ لأننا لو قلنا: في القرآن شيء زائد من حيث المعنى، لزم أن يكون في الكلام ما هو لغو لا فائدة منه, فإذا قال قائل: ما هي الفائدة في الحروف الزوائد في القرآن؟ قلنا: الفائدة التوكيد, فإن هذا من لغة العرب أنهم يؤكدون الشيء بالحروف الزائدة, والقرآن نزل باللغة العربية كما قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:192-195] .
يسأل الرجل: ماذا يريد بالزائد؟ إذا قال: زائد إعراباً, قلنا: صح, وإذا قال: زائد معنى, قلنا: غلط.(107/35)
حكم بيع تسعة ريالات معدنية بعشرة ريالات ورقية
السؤال
سؤال من شقين: سمعنا -يا شيخ- أنكم أفتيتم بجواز بيع تسعة ريالات معدنية بعشرة ريالات ورقية, هل هذا صحيح؟ وإذا كان الجواب بنعم, ما رأيكم الآن وقد استغل البعض هذه الفتوى ببيع أربع ريالات معدنية بخمسة ريالات ورقية, وأصبحت متاجرة، فإني لو فتحت محلاً بهذه الصورة وأبيع بكميات كبيرة -مثلاً- بدأت بمبلغ مليون ريال فإن المكسب سيكون مغرياً؟
الجواب
الفتوى صحيحة, يعني: نقل الفتوى عنا صحيح, وما زلنا نفتي بذلك, وأنه يجوز أن يأخذ الإنسان تسعة ريالات من الحديد بعشرة ريالات من الورق, لعموم الحديث: (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم) ولا حرج أن يتجر الإنسان بها؛ لأن فيها مصلحة للطرفين, فالذي أخذ التسعة عن عشرة استفاد, بالتصرف بهذه التسعة؛ لأنه ربما لا يتسنى له أن يتصل بأصحابه إلا بهذه النقود, والذي أخذ الزيادة استفاد أيضاً, ثم هذا الذي أعطاك التسعة لم يخرجها من دكانه, إنما أتى بها من مؤسسة النقد، أو من محل آخر فصار منه عمل تكلفه وأحضرها إلى هذا الدكان, وإذا كانت المسألة تكون كبيرة وبملايين نقول: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء, وإذا أحل الله البيع فإننا لا نضيق على عباد الله إلا بدليل شرعي, فالأصل أن جميع البيوع حلال وأن الربا حرام, هذا الأصل: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة:275] .(107/36)
الفرق بين صلاة التراويح وصلاة القيام
السؤال
ما الفرق بين صلاة التراويح التي تكون بعد صلاة العشاء، وصلاة القيام التي تكون في آخر الليل في رمضان؟
الجواب
لا فرق بينهما, صلاة التراويح في أول الليل أو في آخر الليل, لكن الناس في أيام العشر من الأواخر من رمضان يحبون أن يحيوا الليل اقتداءً بالرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان في العشر الأواخر يحيي الليل كله, فلهذا جعلوا القيام في آخر الليل, والصلاة الخفيفة التي يسمونها التراويح في أول الليل, ولا بأس بهذا.(107/37)
معنى قوله عليه الصلاة والسلام لعلي: (لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته)
السؤال
فضيلة الشيخ! الرسول صلى الله عليه وسلم بعث علياً فقال: (لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته) ما معنى: سويته في الحديث, علماً أن القبور عندنا في رفحى ما يقارب الشبر؟
الجواب
معنى قوله: سويته أي: بما حوله, أي: جعلته مثل الذي حوله, أو معنى سويته أي: جعلته سوياً أي موافقاً للشريعة, فمثلاً: إنسان جعل على قبر أبيه أو أمه جعل نصائب رفيعة عالية تنظر من بعيد, قلنا: هذا قبر مشرف سوه نزل الحصى, أو بدلها بصغيرة, وكذلك لو جعل له تراباً كثيراً بحيث يتميز عن غيره يقال له أيضاً: لا بد أن تغيره, بعضهم قدره بشبر, والشبر: ما بين رأس الخنصر والإبهام.(107/38)
حكم تدريس المدرسين للطالبات
السؤال
هل يجوز للمدرسين أن يدرسوا الطالبات؟
الجواب
نعم.
لا بأس إذا لم يكن محذوراً, لكن تعلم الآن أنه إذا كان وجهاً لوجه فلا بد أن يكون فيه محذور؛ لأن الطالبات في الغالب يكشفن وجوههن للنظر في مقررهن والكتاب الذي بين أيديهن, ثم أيضاً ربما يكون الرجل شاباً جميلاً يفتن النساء, لهذا نرى أن الأولى أن يكون تدريس الرجل للنساء بواسطة الشبكة التلفازية, وأن يجعل مقابل الرجل ورقة من الكرتون أو غير الكرتون حتى لا يتبين وجهه للنساء, هذا هو الأحسن والأبعد عن الفتنة.(107/39)
معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (نهيت عن كف الشعر والثوب في الصلاة)
السؤال
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (نهيت عن كف الشعر والثوب في الصلاة) ؟
الجواب
نعم, (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وألا أكف الشعر) .
كان الرسول صلى الله عليه وسلم له شعر يضرب إلى منكبيه أحياناً, أو إلى شحمة أذنيه أحياناً, والشعر إذا كان ليناً ينساب حتى يرد إلى الأرض, فيكره الإنسان أن يكف هذا الشعر ويربطه, وأما الثوب فواضح أن الثوب إذا أردت أن تسجد لا تكفه, بعض الناس إذا أراد أن يسجد يرفع الثوب وهذا منهي عنه, دع الثوب على ما هو عليه, قال العلماء: والحكمة من ذلك: هو أن يكون سجوده شاملاً لثيابه وشعره كما هو يسجد على الأعضاء السبعة, ولهذا قرأها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث واحد قال: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وألا أكف شعراً ولا ثوباً) وأيضاً المقصود: أن تكفه لأجل الصلاة, أما لو كان الإنسان قد كفه من قبل لشغل أو نحوه فلا بأس أن يبقيه على ما هو عليه؛ لأن قوله: (أن أسجد ولا أكف) أي: لا أكف عند السجود, أما ما كان مكفوفاً من قبل فلا بأس.(107/40)
ابن توفي وترك تركة وقبل أن تقسم التركة مات الأب
السؤال
مسألة في الميراث: رجل متوفى في السعودية وله مبلغ في السعودية موجود هنا، وله زوجة وأبناؤه ووالدته ووالده, فقبل أن يتم تقسيم الميراث توفي والده, فالمسألة تحتاج إلى تفصيل لو تكرمت؟
الجواب
على كل حال, أولاً يقسم ميراث الولد الذي مات في السعودية يقسم بين ورثته الذين هناك ومنهم الأب, على حسب قرار الله, للأم السدس وللأب السدس, وللزوجة الثمن، والباقي للأبناء والبنات للذكر مثل حظ الأنثيين, ثم يقسم ميراث الأب بعد ذلك, ميراثه الذي ورثه من ابنه والذي كان عنده من قبل, يقسم بين الورثة, الورثة الآن الزوجة التي هي أم الميت الأول وأبناؤه، إن كانوا أبناء فأبناء ابنه لا يرثوه, وإن لم يكن له أبناء فأبناء ابنه ينزلون منزلة الأبناء.(107/41)
كف الشماغ لا يقاس على كف الشعر
السائل: يا شيخ! هل يقاس كف الشماغ على كف الشعر؟ الشيخ: لا.
الكف لا يقاس عليه الشماغ؛ لأن الشماغ الناس يلبسونه على صفات متعددة، شخص يلبسه هكذا كلبسي، -يعني: سابلاً من الطرفين- وشخص يلبسه هكذا يعني: يرد طرفيه من الخلف، وشخص يلبسه هكذا ينسف الطرفين على الرأس، فيختلف اللباس، ولهذا نجد العمامة في عهد الرسول تلبس وهي مكفوفة أليست مطوية على الرأس؟ فلبس الشماغ يختلف فيه الناس.
نسأل الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح, وأن يجعلنا وإياكم ممن سلك طريقاً يلتمس فيه العلم.(107/42)
لقاء الباب المفتوح [108]
لقد جعل الله عز وجل ليوم القيامة آيات وعلامات تحدث، فأخبر بها سبحانه في مواطن كثيرة من كتابه، ومن هذه المواطن سورة الانفطار التي صورت هول ذلك اليوم ومطلعه، وكيف يكون حال الناس حين يبعثروا من قبورهم، ثم بين الله فيها بعد ذلك حال الإنسان حين يغتر بنفسه ويعجب وينسى الله عز وجل الذي خلقه وسواه، ثم بين بعد ذلك أن الإنسان محاسب على كل فعل يفعله، وأن الأمر أولاً وأخيراً سيكون له، فيحاسب هذا العبد على ما قدم وأخر من أعمال.(108/1)
تفسير آيات من سورة الانفطار
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن بعد المائة من لقاء الباب المفتوح, الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع, وهذا الخميس هو السادس عشر من شهر جمادى الثانية عام (1416هـ) , نستدرك فيه ما نسيناه من الكلام على سورة الانفطار.(108/2)
تفسير قوله تعالى: (إذا السماء انفطرت)
قال الله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار:1-5] هذه أربعة أشياء إذا حصلت علمت النفس ما قدمت في أول عمرها وما أخرت.
فقوله: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار:1] أي: انشقت, كما قال الله تبارك وتعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق:1-2] .
{وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} أي: أن النجوم صغيرها وكبيرها تنتثر وتتفرق وتتساقط؛ لأن العالم انتهى.
{وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} أي: فجر بعضها على بعض, وملأت الأرض.
{وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} أي: أخرج ما فيها من الأموات حتى قاموا إليه عز وجل, في حصول هذه الأمور الأربعة.(108/3)
تفسير قوله تعالى: (علمت نفس ما قدمت وأخرت)
قال تعالى:: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار:5] (نفس) هنا نكرة لكنها بمعنى العموم, إذ أن المعنى: علمت كل نفس ما قدمت وأخرت؛ وذلك بما يعرض عليها من الكتاب: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:13-14] , وفي ذلك اليوم يقول المجرمون: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف:49] فيعلم الإنسان ما قدم وأخر, بينما هو في الدنيا قد نسي, فنحن الآن نسينا ماذا عملنا منذ أزمان بعيدة, لكن يوم القيامة يعرض علينا عملنا فتعلم كل نفس ما قدمت وأخرت, والغرض من هذا التحذير: تحذير العبد من أن يعمل مخالفة لله ورسوله؛ لأنه سوف يعلم بذلك ويحاسب عليه.(108/4)
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم)
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6] المراد بالإنسان قيل: هو الكافر, وقيل: الإنسان من حيث هو إنسان, لأن الإنسان من حيث العموم هو إنسان ظلوم جهول، ظلوم كفار: {إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:34] فيقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ} [الانفطار:6] ويخاطب الإنسان من حيث هو إنسان بقطع النظر عن ديانته, {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6] يعني: أي شيء غرك بالله حتى تكذبه في البعث, تعصيه في الأمر والنهي, بل ربما يوجد من ينكر الله عز وجل, فما الذي أغرك؟!! قال بعض العلماء: إن قوله تعالى: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6] إشارة إلى الجواب, وهو أن الذي غر الإنسان كرم الله عز وجل, وإمهاله، وحلمه؛ لكنه لا يجوز أن يغتر الإنسان بذلك: (فإن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) .
إذاً: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6] ؟
الجواب
كرمه وحلمه, هذا هو الذي غر الإنسان, وصار يتمادى في المعصية, يتمادى في التكذيب, يتمادى في المخالفة.(108/5)
تفسير قوله تعالى: (الذي خلقك فسواك فعدلك)
قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار:7] (خلقك) وأوجدك من العدم, و (سوّاك) جعلك مستوي الخلقة, ليست يد أطول من يد, ولا رِجل أطول من رِجل, ولا إصبع أطول من إصبع، بحسب اليدين والرجلين, فتجد الطويل في يد هو الطويل في اليد الأخرى, والقصير هو القصير وهلم جراً, سوى الله عز وجل الإنسان من كل ناحية, من ناحية الخلقة: {فَعَدَلَكَ} وفي قراءة سبعية: (فعدَّلك) أي: جعلك معتدل القامة, مستوي الخلقة, لست كالبهائم التي لم تكن معدلة بل تسير على يديها ورجليها, أما الإنسان فإنه خصه الله بهذه الخصيصة.(108/6)
تفسير قوله تعالى: (في أي صورة ما شاء ركبك)
قال تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:8] أي: أن الله ركبك في أي صورة شاء, من الناس من هو جميل، ومنهم من هو قبيح، ومنهم المتوسط, ومنهم الأبيض، ومنهم الأحمر، ومنهم الأسود، ومنهم ما بين ذلك, أي صورة يركبك الله عز وجل على حسب مشيئته, ولكنه عز وجل شاء للإنسان أن تكون صورته أحسن الصور.(108/7)
تفسير قوله تعالى: (كلا بل تكذبون بالدين)
قال تعالى: {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} [الانفطار:9] (كلا) حرف ردع, (بل) للإضراب, أي: مع هذا الخلق والإمداد والإعداد تكذبون بالدين, أي: بالجزاء, وتقولون: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} [المؤمنون:37] فتكذبون بالدين أي: بالجزاء, وربما نقول: وتكذبون أيضاً بالدين نفسه, فلا تقرون بالدين الذي جاءت به الرسل.
والآية شاملة لهذا وهذا، لأن القاعدة في التفسير وعلم شرح الحديث: أنه إذا كان النص يحتمل معنيين لا ينافي أحدهما الآخر فإنه يحمل عليهما.(108/8)
تفسير قوله تعالى: (وإن عليكم لحافظين)
قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:12] التأكيد بمؤكدين: إنَّ واللام: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} الإنسان عليه حافظ يحفظه ويكتب كل ما عمل, قال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] فعلى كل إنسان حفظة, يكتبون كل ما قال، وكل ما فعل, وهؤلاء الحفظة كرام ليسوا لئاماً, بل عندهم من الكرم ما ينافي أن يظلموا أحداً فيكتبوا عليه ما لم يعمل، أو يهدروا ما عمل, لأنهم موصوفون بالكرم.
قال تعالى: {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} إما بالمشاهدة إن كان فعلاً, وإما بالسماع إن كان قولاً, بل إن عمل القلب يطلعهم الله عليه فيكتبونه, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من همّ بالحسنة فلم يعملها كتبت حسنة، ومن همّ بالسيئة ولم يعملها كتبت حسنة كاملة) لأنه تركها لله عز وجل، والأول يثاب على مجرد الهم بالحسنة.(108/9)
تفسير قوله تعالى: (إن الأبرار لفي نعيم)
قال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار:13] هذا بيان للنهاية والجزاء, (إن الأبرار) جمع بر, وهم كثيرو فعل الخير، المتباعدون عن الشر: {لَفِي نَعِيمٍ} أي: نعيم في القلب، ونعيم في البدن, ولهذا لا نجد أحداً أطيب قلباً ولا أنعم بالاً من الأبرار, حتى قال بعض السلف: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف".
وهذا النعيم الحاصل يكون في الدنيا والآخرة: أما في الآخرة فالجنة, وأما في الدنيا فنعيم القلب وطمأنينته, ورضاه بقضاء الله وقدره, فإن هذا هو النعيم حقيقة, ليس النعيم في الدنيا أن تترف بدنيا, النعيم نعيم القلب.(108/10)
تفسير قوله تعالى: (وإن الفجار لفي جحيم)
قال تعالى: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار:14] (الفجار) هم الكفار ضد الأبرار, {لَفِي جَحِيمٍ} أي: في نار حامية والعياذ بالله.
{يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ} [الانفطار:15] أي: يحترقون بها: {يَوْمَ الدِّينِ} أي: يوم الجزاء، وذلك يوم القيامة.
{وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ} [الانفطار:16] أي: لن يغيبوا عنها فيخرجوا منها, كما قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:48] لأنهم مخلدون فيها أبداً والعياذ بالله.(108/11)
تفسير قوله تعالى: (وما أدراك ما يوم الدين)
قال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} [الانفطار:17-18] هذا الاستفهام للتفخيم والتعظيم, يعني: أي شيء أعلمك بيوم الدين؟!! أي: اعلم هذا اليوم, واقدره قدره.(108/12)
تفسير قوله تعالى: (يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله)
قال تعالى: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:19] في يوم القيامة لا أحد يملك لأحد شيئاً لا بجلب خير ولا بدفع ضر إلا بإذن الله عز وجل لقوله: {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} في الدنيا هناك أناس يأمرون من الأمراء والوزراء والرؤساء والآباء والأمهات لكن في الآخرة لا يمكن, الأمر لله عز وجل: {لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً} إلا بإذن الله, ولهذا كان الناس في ذلك اليوم يلحقهم من الغم والكرب ما لا يطيقون، ثم يطلبون الشفاعة من آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى, حتى تنتهي إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فيشفع بإذن الله, فيريح الله العالم من الموقف: {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} فإن قال قائل: أليس الأمر لله في ذلك اليوم وفي غيره؟ قلنا: بلى، الأمر لله تعالى في يوم الدين وفيما قبله, لكن ظهور أمره في ذلك اليوم أكثر بكثير من ظهور أمره في الدنيا؛ لأنه في الدنيا يخالف الإنسان أوامر الله عز وجل, ويطيع أمر سيده, فلا يكون الأمر لله بالنسبة لهذا, لكن في الآخرة ما في إلا أمر لله عز وجل, وهذا كقوله تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16] والملك لله في الدنيا والآخرة, لكن في ذلك اليوم يظهر ملكوت الله عز وجل وأمره، ويتبين أنه ليس هناك آمر في ذلك اليوم إلا الله عز وجل.
وإلى هنا انتهى ما تيسر من الكلام على سورة الإنفطار.(108/13)
الأسئلة(108/14)
وجوب إرجاع الإرث إلى بيت مال المسلمين إذا لم يعلم للميت ورثة
السؤال
عبد معتق من عمه قبل (45) عاماً, توفي عمه فخدم والدي ثم كبر ومرض ومات, ولديّ بعض المال له, ولم يوصني بشيء, فماذا أعمل به؟ الشيخ: لديك بعض المال لهذا العتيق؟ السائل: نعم، وليس له والٍ إلا الله عز وجل.
الشيخ: هو مات معتقه قبله؟ السائل: نعم.
الشيخ: ثم مات هو؟ السائل: ثم مات هو قريب.
الشيخ: يكون عصبته هم عصبة المعتق، المتعصبون لأنفسهم.
السائل: يعني: هل نبحث عن عصبته؟ الشيخ: لا، يعني: النسب؟ السائل: لا ليس له نسب.
الشيخ: وهل تعرفون له أقارب من النسب؟ السائل: لا ما نعرف.
الشيخ: إذاً الميراث لكم أنتم أبناء ابن المعتق.
السائل: المعتق ليس والدي.
الشيخ: الجد؟ السائل: وليس جدي، بل شخص آخر، وإنما عرفناه هو من 45 سنة وهو جالس.
الشيخ: يعني: ليس بينكم وبينه قرابة؟ السائل: ليس بيننا وبينه قرابة ولا عتق ولا شيء.
الشيخ: نعم، إذاً معناه: لا يعلم الآن له وارث لا بنسب ولا بولاء.
السائل: نعم، كذا.
الشيخ: طيب الجد هذا الذي أعتقه ما له أولاد؟ السائل: يمكن يكون له أولاد لكن لا نعرفهم.
الشيخ: ما تعرفونهم؟ السائل: نعم.
الشيخ: إذاً ارجعوا به إلى المحكمة إلى بيت المال، يعني: كل الذي خلفه الآن لازم يكون في بيت المال, تذهبوا إلى المحكمة.
السائل: ما نضعه في مسجد، أو في شيء آخر؟ الشيخ: لا أبداً؛ لأنه ما أوصى، إذاً يكون في بيت المال، ليس لكم أن تتصرفوا فيه.(108/15)
ركعتي الضحى والسنن الرواتب تغني عن تحية المسجد
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة لركعتي الضحى هل تدخل فيها تحية المسجد؟
الجواب
مثلاً: إنسان دخل المسجد وقت الضحى, وصلى بنية سنة الضحى فتكفي عن تحية المسجد, وكذلك الراتبة تكفي عن تحية المسجد, لو دخل إنسان -مثلاً- وصلى راتبة الفجر أو راتبة الظهر الأولى كفت عن تحية المسجد, لكن تحية المسجد لا تكفي عن هذا, يعني: لو دخل بعد أذان الظهر ونوى بالركعتين تحية المسجد ما أجزأت عن الراتبة.(108/16)
تحديد سن الأطفال في التحجب عنهم
السؤال
هل هناك سن محدد للحجاب عن الأطفال؟
الجواب
ليس هناك سن محدد؛ لقول الله تبارك وتعالى: {أوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور:31] فلم يحددهم بسن معين, فإذا عرف من هذا الصبي أنه ينظر إلى النساء ويتتبع النساء, صار يطلع على عورات النساء فوجب الاحتجاب عنه, وغالباً يكون من العشر سنوات فما فوق, لكن بعض الأطفال غافل عن هذا الشيء ولا يطلع على عورات النساء؛ لأنه لم يسمع به في مجالسه, وبعض الأطفال ينتبه لهذا أكثر لأنهم يتحدثون عنده في المجالس بهذا الأمر فتنشأ معه محبة النساء والنظر إليهن.(108/17)
الضوابط الشرعية للهو المباح
السؤال
بالنسبة للضوابط الشرعية للهو المباح؟
الجواب
اللهو المباح: هو ما يلهو به الإنسان مع فرسه, أو مع رمحه, أو مع أهله, هذا هو اللهو المباح.
السائل: بالنسبة للألعاب الحاضرة مثل الكرة وما شابهه، هل لها ضابط؟ الجواب: الألعاب هذه ما ينفع الإنسان في بدنه ولم يلهه عن واجب فهذا لا بأس به, مثل: كرة القدم لا بأس إن لم تشغلك عن واجب, ولم تشتمل على محرم كتقصير السراويل، أو السب والشتم فيما بين اللاعبين, هذه لا بأس بها, أما الألعاب الأخرى فهذه يرى علماؤنا أنها حرام مثل: (البلوت) و (التنس) وما أشبهها.(108/18)
معنى حديث: (ومن هم بسيئة ولم يعملها كتبت له سيئة)
السؤال
شخص حدثني: أن هناك حديث في مكة: (ومن هم بسيئة ولم يعملها كتبت له سيئة) فما صحة هذا الحديث؟
الجواب
إذا هم ولم يعملها فإن تركها لله أثيب على ذلك, وإن تركها لأن نفسه طابت منها فإنه لا يثاب على تركها تكتب عليه في مكة , قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25] .(108/19)
التفصيل فيمن أراد العمرة وعمله في منطقة بعيدة عن سكنه
السؤال
إنني أعمل في حفر الباطن , ومقر سكن الأهل في منطقة جدة , ولقد عقدت النية وأنا في حفر الباطن أن آخذ العمرة, وحينما ذهبت في الإجازة أحرمت من منزل الأهل وأخذت العمرة, هل ينبغي عليّ أن أحرم من ميقات الطائف أم من المنزل, أفيدوني حفظكم الله؟ الشيخ: لكن هل نيتك عندما أتيت من حفر الباطن الذهاب إلى أهلك، أو نويت العمرة؟ السائل: الذهاب إلى أهلي وعمرة.
الشيخ: لكن أصل مجيئك في الإجازة؟ السائل: أصل مجيئي للأهل.
الشيخ: إذا كان أصل المجيء إلى الأهل فاذهب إلى الأهل بدون إحرام، ومتى أردت أن تحرم أحرم من جدة , وأما إذا كان ما جئت في هذا الوقت إلا للعمرة لابد تأتي الميقات.
السائل: أنا نويت في الأصل الزيارة للأهل بعدها أحرم وأطلع عمرة.
الشيخ: نعم.
لأن هناك فرق بين الذي من أهل جدة وأتى يريد مسكنه, هذا نقول: إذا أردت العمرة أحرم من مكانك من جدة , أو إنسان -مثلاً- من أهل القصيم يريد أن يذهب إلى جدة وإلى مكة هذا نقول: لابد أن تحرم من الميقات.
فأنت الآن حسب ما فهمت من كلامك أنك تريد أهلك بالقصد الأول, فنقول: اذهب إلى أهلك، وإذا أردت الإحرام أحرم من مكانك.(108/20)
حكم الزكاة في الخيل إذا لم تعد للتجارة
السؤال
فضيلة الشيخ: ما رأي الشرع في نظركم في الشخص الذي يقتني الخيول للزينة، أو للتجارة، أو للسباق, وهل عليه فيها زكاة؟
الجواب
ليس عليه فيها زكاة إلا إذا كانت للتجارة, إذا كان الإنسان يتجر بالخيل يبيع ويشتري فيها فعليه زكاة؛ لأنها عروض تجارة، أما إذا أعدها للسباق، أو أعدها للركوب فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) .
مداخلة: ما الحكم يا شيخ في من يتخذه للمسابقة؟ الشيخ: لا بأس بذلك، بل هو من الأمور المطلوبة, ولهذا جاز العوض في السباق على الخيل, يعني: يجوز لك أن تسابق اثنين على الخيل بعوض؛ لأن في هذا إعانة على الجهاد في سبيل الله والتمرن على ركوب الخيل (والخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) .(108/21)
جواز أخذ المكافئة من الجامعة وإن تغيب الطالب
السؤال
المكافآت التي يأخذها طلاب الجامعة, إذا كان يغيب الطالب ويأخذ المكافأة كاملة ولا يجازونه, فهل هذا من الكسب الطيب؟ الشيخ: هل يعلمون بتغيبه؟ السائل: نعم يعلمون.
الجواب
لا بأس أن يأخذها كاملة؛ لأن هذه المكافأة بناءً على أنه طالب ليست أجرة يومية لنقول: إذا غبت يوماً لابد أن تخصم من الراتب, هذه مكافأة لكونك ارتبطت بالجامعة وفرغت نفسك لطلب العلم.
السائل: ما تؤثر على دعائه يا شيخ؟! الشيخ: لا.
إذا قلنا: إنه حلال ما تؤثر على دعائه.(108/22)
حكم قراءة القرآن للجنب
السؤال
هل الجنب يقرأ القرآن؟
الجواب
لا.
الجنب لا يقرأ القرآن؛ لأن الأحاديث تدل على منعه, لكن لو قرأ دعاءً مثلاً قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] ، أو قال وهو يدعو: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8] فلا بأس, أما إذا قصد التلاوة فلا يجوز.(108/23)
جواز تنظيم جمعية للموظفين في الاقتطاع من الرواتب
السؤال
ما حكم الجمعية, مثل: أن يستقطع بعض الأشخاص جزءاً من رواتبهم يأخذه شخص واحد كل شهر؟
الجواب
لا بأس, الجمعية معناها: أن يجتمع مثلاً هؤلاء الموظفون ويقولون: نريد نقتطع من راتب كل واحد منا ألف ريال, نعطيه للأول, والشهر الثاني للثاني, والشهر الثالث للثالث، حتى تدور عليهم كلهم، هذا لا بأس به ولا حرج.
السائل نفسه: هل عليها زكاة؟ الشيخ: نعم عليها زكاة إذا كان المدين غنياً.(108/24)
صحة قول: (منة الله ولا منة خلقه)
السؤال
قول القائل: (منة الله ولا منة خلقه) ما صحة ذلك؟
الجواب
صحيح, منة الله ولا منة خلقه, معناه: أنه اكتفى بمنة الله, والله عز وجل له المنة علينا, ولا منة خلقه يعني: لا أريد أن أسأل أحداً أو أستجدي أحداً, فهي كلمة لا بأس بها.(108/25)
النجاسة لا توجب الوضوء وإنما تغسل
السؤال
رجل في طواف الوداع في الشوط الثاني هو وجماعة فحس أنه وطئ على شيء -أكرمكم الله- مثل البراز في المطر, فشك، ففي الشوط الخامس حصل أن الناس ابتعدوا وكلهم يقولون: نجاسة نجاسة! فجاء عمال النظافة ونظفوا المنطقة التي في الطواف, وكانت زحمة شديدة فعندما انتهى من الطواف, رجع فتوضأ وصلى الركعتين, فما حكم الطواف؟ الشيخ: الطواف صحيح ما فيه شيء, لكن لماذا يتوضأ؟ السائل: لأنه يشك في المسألة يعني إنه فيه الوضوء.
الشيخ: هل أحدث؟ السائل نفسه: ما أحدث.
الشيخ: النجاسة لا توجب الوضوء, النجاسة تغسل فقط وإذا كان الإنسان على وضوء بقي على وضوئه.(108/26)
عدم مشروعية المسابقة إلا فيما نص عليه الشرع
السؤال
الآن بعض الناس يتراهنون على شيء, يقول أحدهم: أنا أعطي خمسين ريالاً أو مائة ريال إذا كان كذا ويقول الثاني: وأنا كذلك إذا كان كذا أو عشاء؟
الجواب
هذا لا يجوز, لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا سبق إلا في خف، أو نصل، أو حافر) الخف الإبل, والحافر الخيل, والنصل السهام -أي: الرمي- هذه الثلاثة يجوز أن نتراهن فيها, وما عدا ذلك فلا يجوز.(108/27)
ضابط التشبه بالكفار
السؤال
التشبه بالكفار سمة في هذا الزمن, انتشرت الوسائل من سيارات وكهرباء وغيرها, فهل من حد في التشبه بالكفار نقول: فعل هذا تشبه، وفعل هذا ليس تشبهاً؟
الجواب
التشبه بالكفار هو أن الإنسان يتزيا بزيهم في اللباس, أو في الكلام, أو ما أشبه ذلك, بحيث إذا رآه الرائي يقول: هذا من الكفار, أما ما يشترك فيه المسلمون والكفار فهذا ليس تشبهاً, مثل: الآن لبس البنطلون للرجال لا نقول هذا تشبه؛ لأنه صار عادة للجميع, وأما مسألة السيارات وغيرها فهذه ما فيها تشبه إطلاقاً.(108/28)
التفصيل في زكاة الدين
السؤال
إذا طلب شخص مبلغاً وهو سلفة هل عليه زكاة يا شيخ؟!
الجواب
هذا الدين سواء كان سلفة، أو ثمن بيع، أو أجرة بيت، أو شيئاً آخر, إذا كان على مليء فإنه تجب زكاته كل عام, فتزكيه مع مالك إن شئت, وإن شئت قيدت الزكاة فإذا قبضته زكيته لما مضى, وأما إذا كان على معسر لا يستطيع الوفاء أو على غاشم ظالم لا تستطيع أن تستوفي حقك منه فإنه لا زكاة فيه, لكن متى قبضته ولو بعد عشر سنوات تزكيه سنة واحدة سنة القبض, وهذا القول هو القول الراجح الوسط بين قولين: قول ليس فيه زكاة، إذا كان على معسر فلا تزكيه إلا إذا قبضته وتمت السنة, والقول الثاني: أن فيه زكاة ولو كان على معسر, الصواب: ما ذكرناه لك بهذا التفصيل, إذا كان على موسر تستطيع أن تستوفيه منه فعليك زكاته كل عام, إذا كان على معسر أو على من لا تستطيع مطالبته فليس فيه زكاة، لكن إذا قبضته زكيته سنة واحدة لما مضى.(108/29)
أمور يجب مراعاتها عند استقدام الخادمة
السؤال
بالنسبة لتشغيل الخادمة في المنزل التي ليس لها محرم وهي كاشفة لوجهها؟
الجواب
الخادمة في المنزل أولاً: لابد أن يكون معها محرم, لا يجوز لإنسان يأتي بخادمة بلا محرم, لأن هذا فتنة عظيمة.
ثانياً: يجب عليها أن تحتجب عن أهل البيت -عن الرجال- كما تحتجب عن أهل السوق, إذ لا فرق، وكلهم غير محارم لها, وتهاون بعض الناس الآن من الأمور التي ابتلي بها الناس, فإن بعض الناس يتهاون في كشف وجه الخادمة, وبعضهم يتهاون أيضاً في كونه يدخل البيت وليس فيه أحد سوى الخادمة, فيخلو بها مع أنه ما خلا إنسان بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان والعياذ بالله فالواجب الحذر.
الواجب أولاً: ألا نأتي بالخادم إلا للحاجة؛ لأنه بدون حاجة من إضاعة المال, لأنها ستطلب منك راتباً شهرياً، فإذا كنت غير محتاج إليها فصرف هذا الراتب إضاعة للمال.
ثانياً: أن يكون معها محرم.(108/30)
حكم المراهنة ولو كان من طرف واحد
السؤال
إذا كان الرهن من طرف واحد, مثلاً: زيد وعمرو, قال زيد: إذا وقع هذا الشيء لك ألف ريال, لكن عمرو لم يقل هذا الشيء لأنه طرف آخر؟ الشيخ: لكن هو الذي التزم أو ألزمه غيره؟ السائل: هو الذي التزم بنفسه.
الشيخ: إن كان هذا الشيء فعليه ألف ريال.
السائل: نعم، من طرف واحد.
الشيخ: لمن الألف الريال؟ السائل: لعمرو.
الشيخ: لماذا استحقها عمرو؟! هل عمل عملاً؟ إذا لم يعمل عملاً وليس فيه مقابلة فهو من أكل المال بالباطل, نعم لو قال شخص: إذا فعلت كذا فلك ألف ريال, وحاول ذاك فعله حتى فعله فهذا يعطى؛ لأنه تعب وعمل.(108/31)
وجوب إنكار الغيبة في المجالس أو هجر أهلها
السؤال
بعض المجالس يحضر الإنسان وفيها بعض الأقارب, وربما تكلموا بغيبة أو تكلموا بكلام لا تدري هل هو غيبة أو لا, فيكون الإنسان في جهاد في هذه المجالس لا يدري هل هي غيبة وربما ينكر الغيبة ويكون فيها بعض الأقارب, هل يهجر هذه المجالس؟ وأيضاً إذا سمع غيبة هل يقوم من هذا المجلس؟
الجواب
إذا حضر الإنسان مجلساً فيه غيبة سواء من الأقارب، أو من الأجانب؛ فالواجب عليه أن ينهى عن هذا, ويحذر هؤلاء من الغيبة؛ فإن انتهوا فهذا المطلوب, وإن لم ينتهوا وجب عليه أن يقوم, ولا يجلس في مجلس فيه الغيبة؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} [النساء:140] فجعل الله الجالسين مثل الخائضين.
السائل: إذا كان الوالد حاضر ويغضب إذا قمت من المجلس، فما الحكم؟ الشيخ: وهي غيبة متأكد من ذلك؟ السائل: نعم.
الشيخ: أيهما أولى أن تقدم رضا الله أو رضا الوالد؟ السائل: رضا الله.
الشيخ: إذاً قم سواء رضي الوالد أو لم يرضَ.(108/32)
عدم جواز قراءة القرآن عن ظهر قلب للجنب
السؤال
ما حكم من يقرأ القرآن عن ظهر قلب وهو على جنب؟
الجواب
ذكرنا أنه حرام لا يجوز, وذكرنا أن الدعاء الذي يوافق القرآن إذا لم يقصد به القراءة لا بأس, مثلاً: يقول بعد الأكل: الحمد لله رب العالمين، أو يقول: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8] وأما قراءة القرآن فلا تجوز.(108/33)
عدم جواز أخذ شهادة الغير ليعطى بها كتباً
السؤال
ما رأيكم فيمن يأخذ شهادة الغير ليذهب إلى دار الإفتاء ليأخذ بها كتباً باسم صاحب هذه الشهادة بعد موافقته؟
الجواب
أسألك هل هذا من الصدق أم من الكذب؟ السائل: من الكذب.
الشيخ: الكذب يسأل عنه حلال أم حرام؟! السائل: وجدنا كثيراً من الشباب يفعلون هذا الشيء وأخذوا كتباً.
الشيخ: الله يتوب علينا وعليهم, هؤلاء الحقيقة هدموا مصراً وعمروا قصراً, أولاً في هذا كذب, والكذب حرام, ثانياً: فيها خيانة وخديعة للجهة المسئولة, ثالثاً: فيها أخذ للكتب بغير حق, فالواجب على الإنسان أن يكون صريحاً, انظر الآن المنافقين لما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك ماذا صنعوا؟ جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعتذرون, ويحلفون بالله, فقال الله تعالى: {فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ} [التوبة:95] والذين صدقوا وصرحوا بأنهم ما لهم عذر أبقى الله ذكرهم إلى يوم القيامة, أنزل فيهم كتاباً يتلى, فهؤلاء الإخوة في الواقع الذين يقولون: نحن نريد أن نتعلم، نقول: لا يمكن أن يستجلب رزق الله بمعاصيه إطلاقاً, اتقوا الله واصدقوا ييسر لكم الأمر, لأن الصدق من التقوى, وقد قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4] .
فلا يحل لهؤلاء أن يأخذوا بطاقة طالب علم ليتوصلوا بها إلى أخذ الكتب, ولا يجوز لطالب العلم أن يعطيهم أيضاً بطاقته ليأخذوا بها كتباً.(108/34)
الذبح لاسترضاء الخصم حكم بغير ما أنزل الله
السؤال
بعض القبائل توجد عندهم عادات إذا تخاصم اثنان وأرادوا أن يصلحوا بينهم, فيقول له: احلف له, الدين سوية إذا حصل مثل هذا منك أن يتغاضى عن الموضوع الذي أنت فيه هذا جزء, والجزء الثاني: إذا أصلح بينهم يقول: اذبح له أنت ذبيحة, أو ما شابه ذلك يعني: استرضاء له من أجل ألا يستمر في الغضب أو ما شابه ذلك, فما الحكم في هذه العادات؟
الجواب
كل هذا باطل وحكم بغير ما أنزل الله.(108/35)
حكم لعبة التنس
السؤال
بالنسبة للعبة التنس تقول حرام وهي تشبه لعبة الطائرة؟
الجواب
إذا فيها فائدة تكون مثل كرة القدم.(108/36)
اصطلاح العلماء على تسمية تحية المسجد بهذا الاسم
السؤال
تسمية تحية المسجد بهذا الاسم هل ورد على ذلك في الشرع دليل؟
الجواب
لا, هذه بارك الله فيك اصطلح عليها العلماء, وقالوا: إنها تحية المسجد، أما النص الذي ورد فيها فهو: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) وكأنهم رحمهم الله سموها تحية؛ لأن القادم من السفر أول ما يبدأ قبل أن يدخل بيته يذهب إلى المسجد ويصلي ركعتين, ليكون حيا الله عز وجل في بيت من بيوته قبل أن يحيي أهله, وهذه سنة الظاهر أن كثيراً من الناس غافل عنها ولا يعرفونها, أنك إذا قدمت البلد تصلي في المسجد ركعتين قبل أن تدخل بيتك, وهذا نظير تسميتهم الجلسة التي تكون بعد الركعة الأولى وقبل الثانية, وبعد الركعة الثالثة وقبل الرابعة يسمونها جلسة الاستراحة, وهذه لم ترد بهذا الاسم لكنهم قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يفعلها ليستريح؛ لأنه كان تثاقل في آخر عمره وصار يجلسها.(108/37)
حكم التأخر عن الصلاة من أجل تهدئة الأطفال في المسجد
السؤال
قضية تلاعب الأطفال وقت الصلاة، هل يجوز لأناس أن يتأخروا عن الصلاة في سبيل أن يمنعوا تلاعب الأطفال داخل المسجد, وكيف تحل هذه يا شيخ؟!
الجواب
حل هذه -بارك الله فيك- ينظر إلى أولياء أمورهم, ويطلب منهم أن يحجزوا أولادهم, وخير من ذلك أن يأتوا بأولادهم إلى المسجد ليربوهم على دخول المسجد وإلف المسجد, ولكن مع الأسف أننا سمعنا بعض الناس -نسأل الله لهم الهداية- إذا رأى الصبي في المسجد طرده, وهذا لا يجوز, بل ينبغي أن نشجع الصبيان على حضور الصلاة في المسجد ونهاديهم ونفسح لهم المجال, وأما كون الإنسان يتأخر عن الصلاة من أجل تهدئتهم فلا أرى هذا.
السائل: آباؤهم يعارضون في قضية نصحهم, يقولون: أبنائي ليسوا معهم, ويتبين أن أبناءه حقيقة كانوا معهم, وهم يتباطئون عن الصلاة، يأتون في الركعة الثانية أو الثالثة، ويحدث ما يحدث من مشاكلهم الجواب: عليهم أن يتقوا الله في هذه المسألة, الواجب تقوى الله, لكن لو فرضنا أن حول المسجد صبيان يزعجون المصلين, ولا يمكن درء شرهم إلا بإنسان يطردهم إلى أن يبقى ركعة واحدة ثم يدخل في الجماعة هذا إن شاء الله لا بأس به, لأن (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) .(108/38)
حكم دعاء ختم القرآن في صلاة الشفع وحكم قنوت النوازل
السؤال
فضيلة الشيخ: ما هو المستند الشرعي الذي يعمل به في القنوت بدعاء ختم القرآن في الشفع, وما هو القنوت؟ وما حكم القنوت في الشفع إذا لم تنزل نازلة؟
الجواب
الصواب أن القنوت يكون في الوتر خاصة, ويكون أيضاً في الفرائض إذا نزلت بالمسلمين نازلة, لكن القنوت في النوازل ليس هو دعاء القنوت في الوتر, بل القنوت في النوازل أن تدعو الله تعالى بما يناسب تلك النازلة.
وأما دعاء ختم القرآن في الصلاة فلا أعلم له أصلاً لا من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا من سنة الصحابة, وغاية ما فيه: أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان إذا أراد أن يختم القرآن جمع أهله ودعا.
وهذا في غير الصلاة, أما في الصلاة فليس لها أصل, لكن مع ذلك هي مما اختلف فيه العلماء رحمهم الله, علماء السنة وليسوا علماء البدعة, والأمر في هذا واسع, يعني: لا ينبغي للإنسان أن يشدد حتى يخرج عن المسجد ويفارق جماعة المسلمين من أجل الدعاء عند ختم القرآن, وإذا وكل الأمر إليه فلا يدعو في الصلاة عند ختم القرآن؛ لأن الصلاة مرتبة من قبل الشرع, القيام له قراءة, والركوع له ذكر, والسجود له ذكر, والقيام بعد الركوع له ذكر, والجلوس بين السجدتين له ذكر, والتشهد له ذكر, مرتبة ليس فيها مكان للقنوت إلا ما جاءت به السنة من القنوت في النوازل, وكذلك الوتر.
وأما الدعاء لختم القرآن فلم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولا عن أصحابه أنهم كانوا يدعون عند ختم القرآن في الصلاة, لكن كما قلت: لا ينبغي للإنسان أن يشدد في هذا الأمر بحيث يقول: هذا الذي يدعو عند ختم القرآن في الصلاة مبتدع ضال, لا تجوز موافقته؛ لأن السلف اختلفوا فيه.(108/39)
حكم الذهاب إلى الكهنة الذين يدعون علم الغيب
السؤال
في بعض البلدان هناك من يقرأ في الفنجان من أنواع السحر, ويسألك عن اسم الأم أو اسم الأب, فيخبرك ببعض الأمور التي حصلت في الماضي, وأيضاً يخبر عن بعض الحوادث التي يمكن أن تحصل في المستقبل؟ الشيخ: لكن هذا الفنجان فارغ وليس فيه ماء؟ السائل: الله أعلم يا شيخ! ما أدري، فقط يسمونه القراءة بالفنجان وهو من أنواع السحر.
الشيخ: الظاهر لي: أن هذا نوع من الشعوذة والسحر, فلا تجوز, ومن صدق أحداً أخبره عن أمر سيقع في المستقبل فقد كفر بما أنزل على محمد؛ لأنه إذا صدق بالإخبار عن شيء في المستقبل فقد كذب القرآن لقوله تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65] فحصر علم الغيب بجانب الربوبية إلى الله, فمن صدق من يقول: إنه سيحصل في اليوم الفلاني كذا وكذا فقد كذب القرآن, ولهذا جاء في الحديث: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) .
السائل: يا شيخ! لكن السؤال يقول: كيف يخبر عن أمور في المستقبل وتحدث، فهذه شبهة؟ الشيخ: هذه شبهة نقول: صادفت, ليس لأنه عالم، هذا يتخرص حتى علم, أو يكون مثل الكهان الذين كانوا في زمن الجاهلية, يسمع الجني بخبر من السماء ويوحيه إلى هذا الكاهن ثم يضيف إليها الكاهن أشياء أخرى فإذا صدق في هذه الكلمة التي سمعت من السماء قالوا: هذا صادق يعلم الغيب.(108/40)
مفهوم قوله تعالى: (وربائبكم اللاتي في حجوركم)
السؤال
يقول الله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء:23] هل لهذا القول مفهوم؟
الجواب
قال الله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء:23] فقيد هذا بقيدين: الأول: أن تكون في الحجر.
والثاني: أن يكون دخل بأمها: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء:23] .
ثم قال: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء:23] فصرح بمفهوم الشرط الذي هو: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء:23] وسكت عن مفهوم الشرط الثاني وهي: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء:23] فدل هذا على أن كونها في حجره ليس بشرط, وأن الربيبة تحرم على زوج أمها سواء كانت في حجره أم لم تكن, والدلالة من الآية واضحة.(108/41)
حكم من تسبب في انقلاب سيارة متعمداً فمات صاحبها
السؤال
شخص تسبب في انقلاب سيارة متعمداً, ولم يكن أحد موجوداً أثناء ذلك, وفيما بعد تبين أن صاحب هذه السيارة توفي؟ الشيخ: كيف تسبب؟ السائل: تسبب في انقلاب السيارة متعمداً.
الشيخ: يعني حط شيء يقلبه.
السائل: لا.
لف عليه في سيارة ثانية، فتوفي صاحب السيارة.
الشيخ: يكون عليه ضمان الدية، وعليه أيضاً كفارة عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
السائل: هل لابد من إبلاغ أهل المتوفي؟ الشيخ: نعم.
لابد.
نسأل الله أن يعلمنا وإياكم ما ينفعنا, وينفعنا بما علمنا, إنه على كل شيء قدير.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(108/42)
لقاء الباب المفتوح [109]
في هذا اللقاء تفسير أول آية في سورة الحجرات، فتحدث الشيخ عن قوله تعالى: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) فذكر الشيخ صوراً عديدة من التقدم بين يدي الله ورسوله، وذكر أن معنى الآية: ألا تسبقوا الله ورسوله بقول أو بفعل، ومن التقدم كذلك البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، ومعنى قوله تعالى: (واتقوا الله) أي: اتخذوا وقاية من عذاب الله عز وجل، وقوله: (إن الله سميع عليم) فيها تحذير لنا أن نقع فيما نهانا الله عنه من التقدم بين يدي الله ورسوله.(109/1)
تفسير أول سورة الحجرات
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا في هذا اليوم الخميس الأول من شهر رجب عام (1416هـ) نلتقي مع إخواننا اللقاء المسمى: لقاء الباب المفتوح, وهذا هو اللقاء التاسع بعد المائة.
وقد أكملنا في آخر لقاء تفسير جزء عم سورة النبأ, ورأينا أن نعود فنبدأ بتفسير سور المفصل التي تبتدئ من سورة ق عند بعض العلماء أو سورة الحجرات عند آخرين.(109/2)
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله)
سنتكلم على سورة الحجرات لما فيها من الآداب العظيمة النافعة, التي ابتدأها الله بقوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:1] واعلم أن الله تعالى إذا ابتدأ الخطاب بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الحجرات:1] فإنه كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [إما خير تؤمر به، وإما شر تنهى عنه, فأرعه سمعك واستمع إليه لما فيه من الخير] وإذا صدر الله الخطاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} دل ذلك على أن التزام ما خوطب به من مقتضيات الإيمان, وأن مخالفته نقص في الإيمان.
يقول الله عز وجل: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:1] قيل معنى: {لا تُقَدِّمُوا} أي: لا تتقدموا بين يدي الله ورسوله, والمراد لا تسبقوا الله ورسوله بقول أو بفعل, وقيل المعنى: لا تقدموا شيئاً بين يدي الله ورسوله, وكلاهما يصبان في مصب واحد, والمعنى: لا تسبقوا الله ورسوله بقول ولا فعل, وقد وقع لذلك أمثلة, فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين) لأن الذي يتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين كأنه تقدم بين يدي الله ورسوله, فبدأ بالصوم قبل أن يحين وقته, قال عمار بن ياسر: [من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم] .
ومن ذلك -أي: من التقدم بين يدي الله ورسوله-: البدع بجميع أنواعها, فإنها تقدم بين يدي الله ورسوله, بل هي أشد التقدم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي, وإياكم ومحدثات الأمور) وأخبر: (أن كل بدعة ضلالة) وصدق عليه الصلاة والسلام, فإن حقيقة حال المبتدع أنه يستدرك على الله ورسوله ما فات مما يدعي أنه شر, كأنه يقول: إن الشريعة لم تكمل، وأنه كملها بما أتى به من البدعة, وهذا معارض تماماً لقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] فيقال لهذا الرجل الذي ابتدع: أهذا الذي فعلته كمال للدين؟ إن قال: نعم.
فإن قوله هذا يستلزم تكذيب قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] وإن قال: ليس كمالاً في الدين, قلنا: إذاً هو نقص؛ لأن الله يقول: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس:32] فالبدعة كما أنها ضلالة في نفسها فهي في الحقيقة تتضمن الطعن في دين الله, وأنه ناقص، وأن هذا المبتدع كمله بما ادعى أنه من شريعة الله عز وجل.
فالمبتدعون كلهم تقدموا بين يدي الله ورسوله ولم يبالوا بهذا النهي, حتى وإن حسن قصدهم فإن فعلهم ضلالة, قد يثاب على حسن قصده ولكنه يوزر على سوء فعله, ولهذا يجب على كل مبتدع علم أنه على بدعة أن يتوب منها, ويرجع إلى الله عز وجل, ويلتزم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده.
والبدعة أنواع كثيرة: بدع في العقيدة, وبدع في الأقوال, وبدع في الأفعال.
أما البدع في العقيدة فإنها تدور على شيئين: إما تمثيل، وإما تعطيل.
إما تمثيل: بأن يثبت لله الصفات لكن على وجه المماثلة, فإن هذا بدعة؛ لأنه لم يكن من طريق النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين فيكون بدعة, فمثلاً يثبت لله وجهاً ويجعله مماثلاً لوجه المخلوقين, أو يداً يجعلها مماثلة لأيدي المخلوقين وهلم جراً هؤلاء مبتدعة لا شك, وبدعتهم تكذيب لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] ، ولقوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:4] ولقوله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:65] .
أما التعطيل: فهو على العكس من هذا, التعطيل: أن ينكر ما وصف الله به نفسه, فإن كان إنكار جحد وتكذيب فهو كفر, وإن كان إنكار تأويل فهو تحريف، وليس بكفر إذا كان اللفظ يحتمله, فإن كان لا يحتمله فلا فرق بينه وبين إنكار التكذيب, مثلاً: لو قال إنسان: إن الله سبحانه وتعالى قال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] والمراد باليدين النعمة، نعمة الدين ونعمة الدنيا, أو نعمة الدنيا ونعمة الآخرة, فهذا تحريف؛ لأن النعمة ليست واحدة ولا ألف ولا ملايين قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل:18] فليست النعمة اثنتين لا بالجنس ولا بالنوع, فيكون هذا تحريفاً وبدعة؛ لأنه على خلاف ما تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأئمة الهدى من بعدهم, هذا بدعة في العقيدة.
البدعة في الأقوال: مثل أولئك الذين يبتدعون تسبيحات، أو تهليلات، أو تكبيرات لم ترد بها السنة, أو يبتدعون أدعية لم ترد بها السنة، وليست من الأدعية المباحة.
وأما الأفعال فكذلك أيضاً مثل: الذين يصفقون عند الذكر, أو يهزون رءوسهم عند التلاوة, أو ما أشبه ذلك من أنواع البدع, وكذلك الذين يتمسحون بالكعبة في غير الحجر الأسود والركن اليماني, وكذلك الذين يتمسحون بحجرة قبر النبي صلى الله عليه وسلم الشريفة, وكذلك الذين يتمسحون بالمنبر الذي يقال: إنه منبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي, وكذلك الذين يتمسحون بجدران مقبرة البقيع أو بغير ذلك.
المهم: أن البدع كثيرة: العقدية، والقولية، والفعلية، وكلها من التقدم بين يدي الله ورسوله, وكلها معصية لله ورسوله, فإن الله يقول: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:1] والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إياكم ومحدثات الأمور) .
ومن البدع ما يصنع في رجب كصلاة الرغائب التي تصلى ليلة أول جمعة من شهر رجب وهي ألف ركعة يتعبدون لله بذلك وهذه بدعة لا تزيدهم من الله إلا بعداً؛ لأن كل من تقرب إلى الله بما لم يشرعه فإنه مبتدع ضال, لا يقبل الله منه تعبده لما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) .
ومن التقدم بين يدي الله ورسوله: أن يقول الإنسان قولاً يحكم به بين عباد الله وليس من شريعة الله, مثل أن يقول: هذا حرام هذا حلال هذا واجب هذا مستحب بدون دليل, فإن هذا من التقدم بين يدي الله ورسوله, وعلى من قال قولاً وتبين له أنه أخطأ فيه أن يرجع إلى الحق, حتى لو شاع القول بين الناس وذاع وانتشر وعمل به من عمل من الناس فالواجب عليه أن يرجع, وأن يعلن رجوعه -أيضاً- كما أعلن مخالفته التي قد يكون معذوراً فيها إذا كانت صادرة عن اجتهاد, فالواجب الرجوع إلى الحق, فإن تمادى الإنسان في مخالفة الحق فقد تقدم بين يدي الله ورسوله.(109/3)
تفسير قوله تعالى: (واتقوا الله)
ثم قال عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحجرات:1] وهذا تعميم بعد تخصيص؛ لأن التقدم بين يدي الله ورسوله مخالف للتقوى, لكن نص عليه وقدمه لأهميته, ثم قال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحجرات:1] أي: اتخذوا وقاية من عذاب الله عز وجل, وهذا لا يتحقق إلا إذا قام الإنسان بفعل الأوامر وترك النواهي, بفعل الأوامر تقرباًَ إلى الله تعالى ومحبة لثوابه, وترك النواهي خوفاً من عقاب الله عز وجل.
ومن الناس من: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} [البقرة:206] فتصاعد في نفسه، وعز في نفسه وأوغل في الإثم, وانتفخت أوداجه, ويقول: أمثلي يقال له: اتق الله؟! وما علم المسكين أن الله خاطب من هو أشرف منه, ومن هو أتقى عباد الله لله فأمره بالتقوى, قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب:1] وفي نفس السورة قال: {وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب:37] ومن الذي لا يستحق أن يؤمر بتقوى الله؟ كل أحد منا يستحق أن يؤمر بتقوى الله عز وجل، والواجب أنه إذا قيل له: اتق الله أن يزداد خوفاً من الله وأن يراجع نفسه, وأن ينظر ماذا أمر به؛ لأنه لم يؤمر أن يتقي فلاناً وفلاناً، وإنما أُمر أن يتقي الله عز وجل, وإذا فسرنا التقوى بذلك أي: بما قلنا من أنها اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره تقرباً إليه ومحبة لثوابه, وترك نواهيه خوفاً من عقابه, فإن أي إنسان يترك واجباً فإنه لم يتق الله, وقد نقص من تقواه بقدر ما حصل منه من المخالفة, فترك الصلاة -مثلاً- ترتفع عنه التقوى نهائياً؛ لأن تارك الصلاة كافر, كما دل على ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة, حتى إن بعض العلماء حكى إجماع الصحابة: على أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة, ومنهم التابعي المشهور عبد الله بن شقيق رحمه الله, حيث قال: [كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة] وكذلك نقل إجماعهم إسحاق بن راهويه , ولم يصح عن أي صحابي أنه قال: إن تارك الصلاة في الجنة, أو إنه مؤمن, أو ما أشبه ذلك فالتقوى مخالفتها تختلف، قد تكون مخالفتها كفر، وقد تكون دون ذلك, الزاني لم يتق الله؛ لأنه زنى فخالف أمراً وعصاه, السارق لم يتق الله, شارب الخمر لم يتق الله, العاق لوالديه لم يتق الله, القاطع لرحمه لم يتق الله, والأمثلة على هذا كثيرة, إذاً فقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحجرات:1] كلمة عامة شاملة تشمل كل الشريعة.(109/4)
تفسير قوله تعالى: (إن الله سميع عليم)
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:1] هذه الجملة تحذير لنا أن نقع فيما نهانا عنه من التقدم بين يدي الله ورسوله أو أن نخالف ما أمر به من تقواه, (سَمِيعٌ) أي: سميع لما تقولون, (عَلِيمٌ) أي: عليم بما تقولون وما تفعلون؛ لأن العلم أشمل وأعم, إذ أن السمع يتعلق بالمسموعات، والعلم يتعلق بالمعلومات, والله تعالى محيط بكل شيء علماً {لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران:5] .
يقول العلماء رحمهم الله: إن السمع الذي اتصف به الرب عز وجل ينقسم إلى قسمين: سمع إدراك, وسمع إجابة.
فسمع الإدراك معناه: أن الله يسمع كل صوت, خفي أو ظهر, حتى إنه عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1] قالت عائشة رضي الله عنها: [الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات, لقد كنت في الحجرة -أي حجرة النبي صلى الله عليه وسلم- والمرأة تجادله وهو يحاورها وإنه ليخفى عليّ بعض حديثها] والله عز وجل أخبر أنه سمع, ويسمع كلما جرى بين هذه المرأة وبين الرسول صلى الله عليه وسلم, هذا نقول له: إنه سمع إدراك.
ثم إن سمع الإدراك قد يراد به بيان الإحاطة والشمول, وقد يراد به التهديد, وقد يراد به التأييد, فهذه ثلاثة أنواع: قد يراد به الإحاطة والشمول مثل هذه الآية.
وقد يراد به التهديد مثل قوله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران:181] وانظر كيف قال: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} حين وصفوا الله تعالى بالنقص قبل أن يقول: {وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاء َ) [آل عمران:181] مما يدل على أن وصف الله تعالى بالنقص أعظم من قتل الأنبياء.
الثالث: سمع يراد به التأييد ومنه قوله تبارك وتعالى لموسى وهارون: {لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] فالمراد بالسمع هنا التأييد, أي: أسمع ما تقولان وما يقال لكما.
أما سمع الإجابة فمعناه: أن الله يستجيب لمن دعاه, ومنه دعاء إبراهيم: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [إبراهيم:39] أي: مجيب الدعاء, ومنه قول المصلي: سمع الله لمن حمده, أي: استجاب لمن حمده فأثابه, ولا أدري أنحن ندرك معنى ما نقوله في صلاتنا؟ أم أننا نقوله تعبداً ولا ندري ما المعنى, عندما تقول: الله أكبر في تكبيرة الإحرام أي: أكبر من كل شيء ولا نحيط بذلك؛ لأنه أعظم من أن تحيط به العقول, وعندما نقول: سمع الله لمن حمده, أي: استجاب الله لمن حمده, ليس المعنى أنه يسمع فقط؛ لأن الله يسمع من حمده ومن لا يحمده إذا تكلم, لكن المراد أنه يستجيب لمن حمده بالثواب, فهذا السمع يقتضي الاستجابة لمن دعاه.
أما قوله تعالى: (عَلِيم) فالمراد أنه ذو علم واسع قال الله تعالى: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} [الطلاق:12] .
عندما تؤمن -أيها الأخ- بأن الله سميع وأن الله عليم, هل يمكن وأنت في عقلك الراشد أن تقول ما لا يرضيه؟! لا؛ لأنه يسمع, فلا ينبغي لك أن تسمع الله ما لا يرضاه منك, أسمعه ما يحبه ويرضاه, إذا كنت مؤمناً حقاً بأن الله سميع, لو أن أباك نهاك عن قول من الأقوال فهل تتجرأ أن تسمعه ما نهاك عنه؟ لا.
فالله أعظم وأجل, فاحذر أن تسمع الله ما لا يرضاه منك, إذا آمنت بأنه بكل شيء عليم, وهذا أعم من السمع؛ لأنه يشمل القول والفعل وحديث النفس, حتى ما توسوس به نفسك يعلمه عز وجل, إذا علمت ذلك هل يمكن أن تفعل شيئاً لا يرضيه؟ لا.
لأنه ليس المقصود من إخبار الله أنه عليم بكل شيء أن نعلم هذا ونعتقده، لا.
المقصود هذا والمقصود شيء آخر وهو الثمرة والنتيجة التي تترتب على علمنا أنه بكل شيء عليم, إذا علمنا أنه بكل شيء عليم هل نقول ما لا يرضى؟ لا.
لأنه سوف يعلمه, إذا علمنا أنه بكل شيء عليم هل نعتقد ما لا يرضى؟ لا.
لأننا نعلم أنه يعلم ما في قلوبنا, قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة:235] بل قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24] يحول بينك وبين قلبك.
فعلى كل حال: يجب علينا -أيها الإخوة- إذا مر بنا اسم من أسماء الله أو صفة من صفات الله, أن نؤمن بهذا الاسم وهذه الصفة, وأن نقوم بما هو الثمرة من الإيمان بهذا الاسم والصفة.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الاستقامة في ديننا ودنيانا، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.(109/5)
الأسئلة(109/6)
وجوب الإخبار بالرؤيا لمن رآها لشخص فيها إنذار له
السؤال
سائلة تقول أنها رأت في المنام رجلاً توفي، فبعد أيام عبرت هذه الرؤيا فظهر أن هذا الرجل أصيب وجهه بالجدري, فخافت خشية أن تخبره بأن يكون عليه دين حسب ما عبرت هذه الرؤيا, فما توجيهك لهذه المرأة؟
الجواب
الواجب عليها هنا أن تخبره، لا أنها رأته ميتاً, أن تخبره وتقول: هذا المرض الذي أصابك إنذار لك بأن تقوم بما يجب عليك من حقوق الله وحقوق العباد، وإذا كان عليك دين فاقضه, أو أوصِ إلى من يقضيه إذا كان لا يمكنك قضاؤه في حياتك.(109/7)
نصيحة لمن ينشغلون بالصيد عن القيام بالواجبات
السؤال
ما قول فضيلتكم فيمن تولى لمتابعة الصيد وافتتن به حتى أصبح هو همه وشغله الشاغل, فأهمل في حق أهله وفي تربية أولاده، وقصر في الإنفاق عليهم, حتى إنه ذكر من حال بعضهم أنه يستدين فوق مرتبه ليشتري طلقات فتذهب كلها وجلها في اللعب, وقد يعرف من بينهم من كان يحفظ القرآن عن ظهر قلب, ثم بعد انشغاله بالصيد نسيه، أو نسي الكثير منه, فما توجيهكم؟
الجواب
توجيهنا لهؤلاء الذين فتنوا بالصيد وأضاعوا الواجب عليهم أن يتقوا الله عز وجل, وأن يعلموا أن سعيهم في الصيد وذهابهم إليه مع إضاعة الواجب عليهم, سواء كان الواجب لله عز وجل، أو واجب للمخلوق، أنهم بذلك آثمون, وأن أي خطوة يخطونها فهي عليهم إثم, حتى يقوموا بالواجب الذي أوجب الله عليهم, سواء كان الحق لله أو حق للعباد, وليعلموا أن هذه الفتنة اختبار من الله عز وجل؛ لأنهم كلما تعلقت النفس بشيء وهو مما يكرهه الله فإنها فتنة للإنسان, فعليه أن يتقي الله وأن يرجع إلى نفسه, وأن يجعل الصيد أمراً ثانوياً، إذا كان عنده فراغ فلا بأس أن يخرج إلى الصيد ليصطاد ما أحل الله له؛ لأن هذا من جملة الرزق الذي يرزق به الإنسان, أما كونه يشغله عن واجب الدين فهذا لا يجوز.(109/8)
حرمة أخذ الربا وكيفية التخلص منه
السؤال
ما رأيكم فيمن حصل على مال ربوي سواء كان من البنوك الربوية أو حصل عليه من نظام الادخار الذي يعمل به في بعض الشركات, ويريد أن يتخلص منه, هل له أن ينفقه في أعمال الخير كبناء المساجد وغيرها, أو يقضي الديون عن المسلمين، أو يعطي أقاربه المحتاجين, أو يترك هذا المال الربوي ولا يأخذ منه شيئاً وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
أما إذا كان لم يأخذ هذا المال فإنه لا يحل له أن يأخذه بل يدعه؛ لأن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} [البقرة:278] أي: اتركوه, وقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بالناس يوم عرفة قال: (ربا الجاهلية موضوع -أي: مهدر- وأول رباً أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله) فألغى النبي صلى الله عليه وسلم كل الربا مع أنه عقد في الجاهلية قبل الإسلام، فمن كان قد عامل معاملة ربوية ولم يأخذ الربا فالواجب عليه أن يدعه لصاحبه, وأن يتوب إلى الله عز وجل.
أما إذا كان قد أخذه فإن كان جهلاً منه ولا يدري أنه حرام فإن توبته تجب ما قبلها وهو له, لقوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة:275] .
وأما إذا أخذه وهو يعلم أنه حرام لكنه كان ضعيفاً في الدين, قليل البصيرة, فهنا يتصدق به, إن شاء في بناء المساجد، وإن شاء في قضاء الديون عمن عجز عن قضائها, وإن شاء في أقاربه المحتاجين؛ لأن كل هذا خير.(109/9)
الواجب على من صلى العصر بنية الظهر ظناً منه أنه لم يصل الظهر ثم تذكر أنه صلى الظهر
السؤال
رجل صلّى وقت العصر بنية الظهر ظاناً أنه لم يصلِ الظهر, ثم أثناء الصلاة تذكر أنه صلّى الظهر, هل له أن يغير نيته أثناء الصلاة؟
الجواب
لا يغير نيته, إذا دخل في الصلاة ناوياً أنها الظهر, ثم ذكر أنه قد صلاها وأراد أن يحولها إلى العصر فإن ذلك لا يجوز, ولكن يكملها نفلاً, ثم يصلي العصر من جديد؛ لأنه لا يمكن إدخال نيتين في فعل واحد, مثلاً: لو كان صلّى ركعتين على أنها الظهر, ثم ذكر قال: أريد أن أجعلها العصر, كم صلّى من العصر؟ ما صلّى إلا نصف الصلاة؛ لأنه لا يحسب له إلا من النية, فالقاعدة هنا: أن من انتقل من معين إلى معين بطل الأول ولم ينعقد الثاني, أي: من انتقل من الظهر إلى العصر بطلت الظهر؛ لأنه ألغاها ولم تنعقد العصر؛ لأنه لم ينوها من جديد.(109/10)
المسافر لا يكون مسافراً إلا إذا فارق العمران ببدنه
السؤال
إنسان خرج من بلده متى يصلي القصر بنية الخروج أم بعد مفارقة العمران؟
الجواب
المسافر لا يعد مسافراً إلا إذا فارق العمران, لكن ليس المراد المفارقة بالرؤية, بل المفارقة بالبدن حتى لو كان بينه وبين البلد ذراعاً واحداً, فله أن يترخص برخص السفر.(109/11)
جواز استخدام بطاقة الصرف التي تسمى: الفيزة
السؤال
بالنسبة لحكم بطاقة الصرف الآن التي تسمى: (الفيزة) فالبعض عندما يريد أن يسافر من بلده إلى بلد آخر لا يأخذ معه النقود إلى البلاد التي يسافر إليها, ولكن معه هذه البطاقة, فيسحب بها من أحد البنوك الموجودة في البلد المسافر إليها, فما حكم السحب؟
الجواب
لا بأس للإنسان أن يستعمل الفيزة؛ لأن فيها راحة, بدلاً أن يحمل الدراهم ويخشى عليها من السرقة يتوصل إلى حفظها بهذه الطريقة, وهذا لا بأس به, وليعلم أن الأصل في جميع المعاملات الحل والإباحة, إلا ما قام الدليل على التحريم, وإذا شككنا هل هي حرام أم لا رجعنا إلى الأصل وهو الحل.(109/12)
حكم الدم
السؤال
فضيلة الشيخ! هل الدم طاهر أم نجس؟ وما أدلة الفريقين الذين قالوا بالطهارة وقالوا بالنجاسة، وما ترجيح شيخنا حفظه الله؟
الجواب
الدم إذا كان مما ميتته طاهرة فهو طاهر, وإذا كان مما ميتته نجسة فهو نجس, هذا الضابط, فدم الحوت طاهر؛ لأن ميتته طاهرة, ودم الإنسان طاهر؛ لأن ميتته طاهرة, إلا ما خرج من السبيلين -القبل أو الدبر- فإن الحديث دل على أنه نجس لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة يصيبها دم الحيض قال: (اغسلي عنك الدم) .(109/13)
حكم استخدام المحسنات الصوتية (الصدى) عند قراءة القرآن في الصلاة
السؤال
أحد أئمة المساجد يسأل يقول: سمعنا لكم كلاماً في المحسنات الصوتية (الصدى) فما نصه؟
الجواب
نص ذلك: أن هذه المحسنات الصوتية (الصدى) إذا كان يلزم منها تكرر حرف فهذا حرام, لأنه زيادة في كلام الله عز وجل ولا يحل, وأما إذا كان لا يلزم منها تكرر الصوت نظرنا إذا كانت تظهر الصوت وكأنه صوت مغنٍ فهذا أيضاً ممنوع, ولكن الآن لا نجزم بالتحريم؛ لأنه ما في زيادة على لفظ القرآن, هذا ما نقوله حول هذه المحسنات, ثم نقول: يا إخواني! العبرة ليس بالطرب والتلذذ عند الصوت، العبرة عند الخشوع, وكم من إنسان قرأ بدون مكبر الصوت فضلاً عن المحسنات الصوتية وكان أخشع له وللمستمعين.(109/14)
معنى قول الشاطبي: (الناذر لترك المباح لا يلزمه الوفاء)
السؤال
فضيلة الشيخ! قال الشاطبي رحمه الله: إجماع المسلمين على أن الناذر لترك المباح لا يلزمه الوفاء بأن يترك ذلك المباح, ما معنى ذلك؟
الجواب
يعني إذا قال: لله عليّ نذر ألا ألبس هذا الثوب، فإنه لا يلزمه هذا النذر, يعني: له أن يلبسه ويكفر كفارة يمين, وهذا مباح إذا نذرته فأنت بالخيار إن شئت تفعله وإن شئت كفر كفارة يمين ولا تفعله, وإذا نذر في الطاعة فلابد أن يفعل الطاعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) فإن لم يطعه فليستعد لنفاق يبقى في قلبه حتى يموت لقول الله تبارك وتعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ} [التوبة:75-77] فمثلاً إذا قال: إذا شفى الله مريضي لله عليّ نذر أن أصوم كل إثنين وخميس, فشفى الله مريضه, يجب عليه أن يصوم كل إثنين وخميس, فإن لم يفعل فليستعد لنفاق يبقى في قلبه حتى يموت, وكذلك لو قال: إن شفى الله مريضي لله عليّ نذر أن أتصدق بمائة ريال, فشفى الله مريضه ولم يتصدق فليستعد لهذا النفاق, والمهم أن نذر الطاعة يجب الوفاء به لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك, وإذا كان على شرط فإنه يخشى على المخالف هذا النفاق العظيم والعياذ بالله.(109/15)
حكم الفضلات التي تخرج من الحيوانات
السؤال
بالنسبة للفضلات التي تخرج من مأكول اللحم -الحيوان والطائر- هل هي نجسة أم طاهرة إذا أصابت الجسم أو الثوب؟
الجواب
كل ما يخرج من حيوان مأكول فإنه طاهر, كبعر الإبل, وثلط البقر وما أشبه ذلك, فالقاعدة: أن كل ما يخرج من حيوان مأكول فإنه طاهر إلا الدم, الدم المسفوح فهو نجس لقول الله تبارك وتعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام:145] والدليل على أنه طاهر ما عدا الدم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين أن يلحقوا بإبل الصدقة ويشربوا من أبوالها وألبانها, وأذن أن يصلى في مرابض الغنم, وهي لا تخلو من بعر وبول.(109/16)
حكم إعطاء السائل الذي ظاهره الغنى
السؤال
هناك حديث نبوي نصه: (للسائل حق ولو أتى على فرس) في مسند أحمد , فهل معنى الحديث: أن السائل إذا أتى ولو كان ظاهره عدم الفقر لابد أن يعطى؟
الجواب
أولاً هذا حديث ضعيف لا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام, لكن لا شك أن الإنسان من كرمه أنه إذا سئل لا يرد سائلاً ما لم يسأل محرماً, لقول الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24-25] وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد سائلاً عن الإسلام, فمن الأخلاق الفاضلة ألا ترد سائلاً, لكن إذا علمت أن هذا السائل يستكثر بسؤاله فانصحه, وذكره بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر) .(109/17)
جواز السلام على أهل القبور للمار الذي لا يريد الزيارة
السؤال
فضيلة الشيخ! يقول البعض: إن السلام على أهل القبور لا يستحسن إلا إذا كان بنية الذهاب لزيارة المقبرة بالذات, ولكن إذا مر الإنسان قرب المقبرة فليس له أن يدعو إلا إذا دخلها بنية الزيارة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم.
) فالرجاء تفسيرها؟
الجواب
عند فقهائنا رحمهم الله: أنه إذا زارها أو مر بها, أي: سواء قصد بخروجه من بيته أو من سوقه الزيارة، أم أنه مر بها لشغل آخر فإنه يسلم, فإذا سلم فلا أرى في ذلك بأساً, حتى وإن كان لم يخرج من أجل الزيارة.(109/18)
حكم الصلاة في المسجد حسب قربه وبعده
السؤال
فضيلة الشيخ! نحن مجموعة من الشباب نجتمع في استراحة لنا من قبيل المغرب حتى بعد صلاة العشاء, ونصلي في الاستراحة ولا نذهب إلى المسجد، وهو ليس بقريب وليس ببعيد, فهل صلاتنا تصح في اجتماعنا هذا ونحن عشرة أفراد نزيد أو ننقص؟
الجواب
الصلاة صحيحة لكن قل: هل هي جائزة أم لا؟ بعض العلماء يقول: إذا كان المسجد قريباً بحيث يدركونه على أقدامهم ليس بالسيارات, يجب عليهم أن يصلوا في المسجد, وأما إذا كانوا لا يدركونه بأقدامهم فإنهم يصلون في مكانهم.(109/19)
الاغتسال بنية الوضوء لا يجزئ إلا إذا كان عن جنابة
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا اغتسل الإنسان بنية الوضوء ولم يتوضأ هل يجزئه عن الوضوء؟
الجواب
إذا اغتسل بنية الوضوء ولم يتوضأ فإنه لا يجزئه عن الوضوء إلا إذا كان عن جنابة, فإن كان عن جنابة فلا بأس الغسل يكفي عن الوضوء لقول الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] ولم يذكر وضوءاً, أما إذا كان اغتسل للتبرد أو لغسل الجمعة أو لغسل مستحب فإنه لا يجزئه؛ لأن غسله ليس عن حدث, والقاعدة إذاً: إذا كان الغسل عن حدث -أي: عن جنابة- أو امرأة عن حيض أجزأ عنه الوضوء وإلا فإنه لا يجزئ.(109/20)
التفصيل في مسألة حل السحر عن المسحور
السؤال
بالنسبة لحل السحر عن المسحور للضرورة؟
الجواب
حل السحر عن المسحور جائز لا إشكال فيه, لكن بالأدعية المباحة, وبالقرآن, وبالأدوية المباحة, أما نقض السحر بالسحر فهذا موضع خلاف بين العلماء: فمنهم من أجازه للضرورة، ومنهم من منعه, ولا شك أن إجازته تؤدي إلى كثرة السحرة؛ لأن هذا الذي ينقضه لا ينقضه إلا بدراهم كثيرة, فيؤدي القول بالجواز إلى أن يتخذ السحر تجارة, ويكثر تعلمه, وأيضاً ربما يتفق الساحر والناقض فيقول الساحر: أنه يسحر, والناقض ينقض, والأجرة بينهما, هذا وارد أم لا؟ وارد, كما يقول العوام: الشرط أربعون لنا عشرون ولكم عشرون, لذلك نرى منعه مطلقاً، وإذا ابتلي الإنسان بهذا فليصبر وليحتسب وليعلم أن لكل شيء منتهى, ولكل حال تغير, وهو إذا أصيب وتألم أو تألم أهله معه فهو تكفير لسيئاتهم, ومع الاحتساب زيادة في ثوابهم ودرجاتهم, إذا كان الرجل إذا أصابته الشوكة كفر بها عنه, ومع الاحتساب يكون له أجر, فما بالك بهذه المصيبة العظيمة.
الخلاصة: إذا كان حل السحر بالقرآن والأدعية المباحة والأدوية المباحة فهذا جائز ولا إشكال فيه, وقد رقي النبي صلى الله عليه وسلم حين سحر بالمعوذتين (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) فزال والحمد لله سحره, وأما إذا كان بسحر آخر فقلت لك: إن العلماء مختلفون في هذا, منهم من أجازه للضرورة القصوى, ومنهم من منعه, وقلت لك: إن إجازته تفضي إلى مفاسد.(109/21)
تخطئة من لا يرى الصلاة على الميت في المسجد
السؤال
ما رأيكم فيمن يقول: إنه لا يصلى على الميت في المسجد؟
الجواب
رأينا أن هذا خطأ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلّى على ابن البيضاء في المسجد.(109/22)
حكم قلب الصلاة السرية إلى جهرية والعكس
السؤال
هل يجوز قلب الصلاة السرية إلى جهرية والعكس؟
الجواب
خلاف السنة, وإن اتخذ الإنسان ذلك سنة قلنا: أنت مبتدع, يعني: لو جهر في صلاة الظهر على أن هذا سنة قلنا: أنت مبتدع, وإذا كان إماماً عزلناه ما لم يتب, وإذا أسر في الجهرية واعتقد أن هذا سنة قلنا: هذه بدعة, وعزلناه ما لم يتب, لكن ليعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة السرية يسمع الصحابة الآية أحياناً, فينبغي للإمام لا للمأموم في الصلاة السرية أحياناً أن يسمع المامومين القراءة, لينبههم على أنه يقرأ, أما المأموم فلا يسن له الجهر بالقراءة مطلقاً؛ لأنه يشوش على الآخرين, ولأنه تابع وليس بمتبوع.
السائل: يا شيخ! لو تقضى صلاة الفجر بعد صلاة الشمس وصلاها فيجهر فيها.
الجواب: نعم.
هذا صحيح, الصلاة المقضية كالصلاة المؤداة, يعني مثلاً: إذا قضيت صلاة الجهرية في النهار فاجهر بها, وإذا قضيت الصلاة السرية في الليل فأسرّ بها, العبرة بالمقضي, ولهذا لما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر التي ناموا عنها وهم في السفر قضاها جهراً.
والحمد لله رب العالمين, وإلى اللقاء القادم إن شاء الله تعالى, متعنا الله وإياكم بالصحة والسلامة والأمن والإيمان.(109/23)
لقاء الباب المفتوح [110]
تحدث الشيخ في هذا الدرس عن تفسير آيات من سورة الحجرات تحدث من خلالها عن النهي عن التقديم بين يدي الله ورسوله في أي شيء، وكذلك النهي عن رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى ذلك النهي على أن يكون مناداة الرسول كما ينادي الشخص صاحبه والنتيجة هي حبوط العمل لمن لا ينتهي عن ذلك، ثم ذكر سبحانه وتعالى الصنف الآخر من الناس وهم الذين يخفضون أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لهم مغفرة من الله لذنوبهم وأجر عظيم على أعمالهم الصالحة، ثم انتقل الشيخ للإجابة على الأسئلة الشرعية المتنوعة.(110/1)
تفسير آيات من سورة الحجرات
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء العاشر بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تتم في كل يوم خميس, وهذا هو الخميس الثامن من شهر رجب عام (1416هـ) .(110/2)
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي)
نتكلم فيه أولاً على ما تيسر بما بدأنا به من سورة الحجرات، فقد تكلمنا على قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:1] وهذا أدب عظيم, وجه الله عباده إليه.
أما الأدب الثاني ففي قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2] .
في الآية الأولى النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله في أي شيء، سواء من الأقوال أو الأفعال أو غيرها, وبينَّا على أي شيء تدل الآية فيما سبق, أما الثانية فهي في رفع الصوت وإن لم يكن هناك تقدم في الأحكام من تحليل أو تحريم أو إيجاب, يقول الله عز وجل: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} فإذا خاطبك النبي صلى الله عليه وسلم بصوت فاخفض صوتك عن صوته, وإذا رفع صوته فارفع صوتك لكن لا بد أن يكون دون صوت الرسول عليه الصلاة والسلام, ولهذا قال: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} .
{وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} أي: لا تنادونه بصوت مرتفع كما ينادي بعضكم بعضاً، بل يكون جهراً بأدب وتشريف وتعظيم يليق به صلى الله عليه وسلم, وهذا كقوله: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [النور:63] أي: إذا دعاكم لشيء فلا تجعلوا دعاءه كدعاء بعضكم لبعض، إن شئتم أجبتم وإن شئتم فلا تجيبوا, بل يجب عليكم الإجابة، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24] وهنا قال: {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات:2] .
كذلك أيضاً: لا تنادونه بما تتنادون به, فلا تقولون: يا محمد! ولكن قولوا: يا رسول الله! يا نبي الله! وما أشبه ذلك, {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} أي: كراهة أن تحبط أعمالكم, أي: إنما نهيناكم عن رفع الصوت فوق صوته وعن الجهر له بالقول كجهر بعضكم لبعض كراهة أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون, ففي هذا دليل على أن الذي يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم أو يجهر له بالقول كجهره لبعض الناس فيه أنه قد يحبط عمله من حيث لا يشعر, لأن هذا قد يجعل في قلب المرء استهانة بالرسول صلى الله عليه وسلم، والاستهانة بالرسول ردة عن الإسلام توجب حبوط العمل.
ولما نزلت هذه الآية كان ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه جهوري الصوت, وكان من خطباء النبي صلى الله عليه وسلم فلما نزلت هذه الآية تغيب في بيته, وصار لا يحضر مجالس النبي صلى الله عليه وسلم, فافتقده الرسول وسأل عنه فأخبروه أنه في بيته منذ نزلت الآية, فأرسل إليه رسولاً يسأله فقال إن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2] وأنه قد حبط عمله, وأنه من أهل النار, فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فدعا به, فحضر وأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة, وقال: (أما ترضى أن تعيش حميداً وتقتل شهيداً وتدخل الجنة؟ قال: بلى رضيت) فقتل رضي الله عنه شهيداً في وقعة اليمامة, وعاش حميداً وسيدخل الجنة بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم, ولذلك كان ثابت رضي الله عنه ممن يشهد له بأنه من أهل الجنة بعينه, لأن كل إنسان يشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه في الجنة فهو في الجنة, وكل إنسان يشهد أنه في النار فهو في النار, وأما من لم يشهد له الرسول فنشهد له بالعموم, نقول: كل مؤمن في الجنة, وكل كافر في النار, ولا نشهد لشخص معين بأنه من أهل النار، أو من أهل الجنة؛ إلا بما شهد له الله ورسوله.
وفي هذه الآية الكريمة بيان تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يجوز لإنسان أن يجهر له بالقول كجهره لسائر الناس, وأنه لا يجوز له أن يرفع صوته على صوت الرسول عليه الصلاة والسلام, ولما نزلت هذه الآية تأدب الصحابة رضي الله عنهم بذلك حتى كان بعضهم يكلمه مسارةً ولا يفهم الرسول ما يقول من إسراره حتى يستثبته مرة أخرى.
وفي هذه الآية أيضاً دليل على أن كل من استهان بأمر الرسول عليه الصلاة والسلام فإن عمله حابط؛ لأن الاستهانة بالرسول عليه الصلاة والسلام ردة، والاستهزاء به ردة, كما قال الله تعالى في المنافقين الذين كانوا يستهزءون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة:65] وكانوا يقولون ويعنون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً -أي: أوسع-، ولا أجبن عند اللقاء, ولا أكذب ألسناً.
فأنزل الله هذه الآية, ولما سألهم الرسول عليه الصلاة والسلام عن ذلك قالوا: {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة:65]-يعني: نتكلم بكلام لا نريده ولكن لنقطع به عنا الطريق- فأنزل الله هذه الآية: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65-66] .
ولهذا كان الصحيح: أن من سب الرسول عليه الصلاة والسلام فهو كافر مرتد, فإن تاب قبلنا توبته لكننا لا نرفع عنه القتل، بل نقتله أخذاً بحق الرسول صلى الله عليه وسلم, وإذا قتلناه بعد توبته النصوح الصادقة صلينا عليه كسائر المسلمين الذين يتوبون من الكفر أو من المعاصي.(110/3)
تفسير قوله تعالى: (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله)
أثنى الله تعالى على الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [الحجرات:3] لما نهى عن رفع الصوت فوق صوته, وعن الجهر له بالقول كجهر بعضنا لبعض, أثنى على الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله, أي: يخفضونها, ويتكلمون بأدب, فلا إزعاج ولا صخب ولا رفع صوت, لكن يتكلمون بأدب وغض, قال الله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} ذكر الإشارة فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ} تعظيماً لشأنهم, ورفعة لمنزلتهم, لأن أولاء من أسماء الإشارة الدال على البعد, وذلك لعلو منزلتهم, وكان الكلام سيتم لو قال: إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله هم الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى, لكن أتى باسم الإشارة بياناً لرفعة منزلتهم وعلوها.
{امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} قال العلماء: معناه أخلصها للتقوى, فكانت قلوبهم مملوءة بتقوى الله عز وجل, ولهذا تأدبوا بآداب الله الذي وجهها لهم, فغضوا أصواتهم عند الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثوابهم: {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} مغفرة من الله لذنوبهم, وأجر عظيم على أعمالهم الصالحة, وفي هذه الآية إشارة إلى أن الصلاح صلاح القلب, لقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} , وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (التقوى هاهنا وأشار إلى صدره الذي هو محل القلب ثلاث مرات) ولا شك أن التقوى تقوى القلب, أما تقوى الجوارح وهي إصلاح العمل ظاهراً فهذا يقع حتى من المنافقين, {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:4] لكن الكلام على تقوى القلب, هي التي بها الصلاح, نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم ذلك.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} يفعل بعض الناس المعاصي وإذا أنكرت عليه قال: التقوى هاهنا, كأنه يزكي نفسه, وهو قائم على معصية الله, فنقول له بكل سهولة: لو كان ما هاهنا متقياً لكانت الجوارح متقية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإن فسدت فسد الجسد كله) تجد شخصاً مصراً على معصية ما, كإسبال الثوب وحلق اللحية وشرب الدخان، فتنهاه وتخوفه من عقاب الله, ويقول: التقوى هاهنا, الجواب نقول: لو كان ما هاهنا -أي القلوب- فيه تقوى, لكان ما هاهنا -أي الجوارح- فيه تقوى, الدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإن فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) .(110/4)
الأسئلة(110/5)
الانصراف بعد طواف الوداع
السؤال
شخص يقول: اعتمرت وأردت الخروج يوم الجمعة, فهل لي أن أجلس ساعة بعد طواف الوداع وأذهب؟
الجواب
طواف الوداع لابد أن يكون آخر شيء, لكن لو طاف للوداع ثم حضر الإمام للجمعة وبقي معه وصلّى فلا بأس أن ينصرف بعد الصلاة؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه طاف للوداع ثم صلّى الفجر ثم سافر) .(110/6)
حكم من أدرك الإمام في التشهد الأخير وكان مسافراً
السؤال
ما الحكم عندما آتي إلى المسجد وأجد الإمام في التشهد الأخير, ودخلت معه فسلم, فلا أدري هل أتم رباعية أم قصراً, على قولكم يا فضيلة الشيخ بأن الطلاب المغتربين لهم حق القصر, علماً بأن هذه الجماعة التي أتيتها أغلبهم من الطلاب المغتربين, وعلماً بأنها ليست الجماعة الأصلية وإنما هي جماعة ثانية؟
الجواب
في هذه الحال ينظر إلى ظاهر الحال, لأن ما ذكرت يحصل في بعض المساجد, يمر بها الإنسان في الطريق ويجد أناساً يصلون, أو في المطار يجد أناساً يصلون, فيشك هل هم مقيمون أم مسافرون, ينظر إلى ظاهر الحال, إذا كان ظاهر هذا الرجل أنه مسافر لكون حقيبته أمامه, وكونه لابس ملابس السفر, فيعتبر مسافراً, وإذا لم يترجح عندك شيء فأتم, لأن الأصل الإتمام.(110/7)
حكم من صلى إلى غير القبلة جاهلاً
السؤال
رجل صلّى في جدة في وسط المدينة قريب من البحر, فصلى إلى اتجاه غير اتجاه القبلة, فبعد ما انتهى من صلاته اكتشف أن القبلة في الموضع المغاير, في العكس، فماذا على هذا الشخص خاصة أنه مر عليه أيام كثيرة؟
الجواب
الواجب على هذا أن يعيد الصلاة الآن؛ لأن صلاته لغير القبلة غير صحيحة, وهو ليس في محل اجتهاد حتى نقول ليجتهد, فعليه أن يعيد صلاته الآن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن نام عن صلاة أو نسيها (فيلصلها إذا ذكرها) وهذا لم يعلم الحكم إلا الآن فليصل الآن.(110/8)
حكم الصلاة والصيام لمن أسقطت الجنين في الشهر الثاني
السؤال
امرأة أسقطت جنيناً وهي في الشهر الثاني من الحمل, ما حكم الصلاة والصيام في هذه الحالة؟
الجواب
هذه المرأة تصوم وتصلي, ويأتيها زوجها, لأن هذا الدم ليس نفاساً ولا حيضاً, وإنما يسمى عند العلماء: دم فساد وذلك أن النفاس لا يثبت إلا بعد أن يتبين في الجنين خلق الإنسان, وأثناء الشهرين لا يمكن أن يتبين فيه خلق الإنسان.
السائل: إلى كم شهر يتبين الخلق تقريباً؟ الشيخ: غالباً يتبين في ثلاثة أشهر.(110/9)
توجيه في كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
السؤال
كما يعلم فضيلتكم ويعلم الجميع وجود بعض المنكرات الظاهرة خاصة في المدن الكبيرة وما فيها من الفتن, وقد أشكل على الكثير كيفية الإنكار، هل هي مقتصرة على رجال الهيئة, حيث أن أغلب الشباب هداهم الله من الملتزمين لا يقومون بواجب الإنكار بحجة أن هذا العمل يسقط عنهم لوجود رجال الهيئة, وبعضهم لا ينكر بحجة الخوف من الوقوع في الخطأ والمساءلة, لذلك يا شيخ! أصبحت المنكرات تزداد يوماً بعد يوم, فالله المستعان فما رأي فضيلتكم؟
الجواب
رأيي: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية, إذا قام به من يكفي سقط عن الناس, وإذا لم يقم به من يكفي وجب على الناس أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر, لكن لابد أن يكون بالحكمة والرفق واللين, لأن الله أرسل موسى وهارون إلى فرعون وقال: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] .
أما العنف سواء كان بأسلوب القول أو أسلوب الفعل فهذا ينافي الحكمة, وهو خلاف ما أمر الله به, ولكن أحياناً يعترض الإنسان شيء يقول: هذا منكر معروف, كحلق اللحية مثلاً, كل يعرف أنه حرام خصوصاً المواطنين في هذا البلد, ويقول: لو أنني جعلت كلما رأيت إنساناً حالقاً لحيته وما أكثرهم, وقفت أنهاه عن هذا الشيء فاتني مصالح كثيرة, ففي هذه الحال ربما نقول بسقوط النهي عنه؛ لأنه يفوت على نفسه مصالح كثيرة, لكن لو فرض أنه حصل لك اجتماع بهذا الرجل في دكان أو في مطعم أو في مقهى فحينئذٍ يحسن أن تخوفه بالله, وتقول: هذا أمر محرم، وأنت إذا أصررت على الصغيرة صارت في حقك كبيرة, وتقول الأمر المناسب, وأما الخوف من أن يكون عنيفاً في أمره ونهيه فهذا على الإنسان, يستطيع الإنسان أن يأمر برفق وأن ينهى برفق.
السائل: بعض رجال الهيئة تخيفهم كثرة المنكرات.
الجواب: رجال الهيئة ليسوا في كل مكان, ولهذا قلنا فرض كفاية, إذا قام به من يكفي سقط عن الناس, وإذا لم يقوموا به وجب على الناس وهذا غير تغيير المنكر؛ لأن هناك ثلاثة أمور: دعوة وأمر وتغيير.
الدعوة واجبة على كل أحد, بأن يعرض الإسلام، ويحذر من الشرك والفسوق, والأمر أن تخص الإنسان: افعل كذا أو النهي: لا تفعل كذا مباشرة.
والتغيير: أن تقوم أنت بنفسك بتغيير المنكر.
ولهذا جاء الأمر بالدعوة إلى الله مطلقاً, قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل:125] وجاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقاً, وجاء بالأمر بالتغيير مقيداً فقال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه) وبعض الناس تلتبس عليهم هذه الأحوال, يظنون أن الأمر بالتغيير كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس كذلك, النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما, بل فرق بين هذه الثلاث كلها, فإذا لم نجد مثلاً من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ وجب علينا أن نأمر نحن بالمعروف وننهى عن المنكر, لكن إذا سلطنا الأمر على شخص معين صار أمره معروفاً أو نهيه عن منكر, أما إذا قمنا مثلاً في هذا الجمع وصرنا نتكلم على المعصية التي تلبس بها هذا الرجل صار هذا من باب الدعوة إلى الله.(110/10)
نصيحة لمن أصيب بالسحر أو توهم بذلك
السؤال
يلاحظ انتشار السحر بكثرة, ونسمع أحياناً ونعاين بعض الحالات المنتشرة بشكل عجيب، وهناك من يظهر عليه أنه مسحور، وحين يقرأ عليه الآيات التي فيها السحر -إن صح التعبير- مثل قصة موسى مع فرعون والسحرة, يحدث تفاعلات مباشرة مع هذه الآيات, ولكن بعض الأشخاص حقيقة ينفر من العلاج أحياناً ويتردد إلخ, ثم يصبح هناك غلبة للشيطان, فالنصيحة يا فضيلة الشيخ! خاصة لأمثال هؤلاء الأشخاص الذين أصيبوا وظهرت عليهم علامات مثل هذه, عل الله سبحانه وتعالى أن يجعل فيها الفائدة, بارك الله فيك؟
الجواب
النصيحة للعموم, إنني أقول: الوهم له أثر كبير في اعتلال الصحة واعتلال العقل أيضاً, وكثير من الناس يتوهم أنه مسحور، أو أنه مصاب بالعين، وليس كذلك, لكن لما كثر التوهم والتخيل انفعل في النفس وظن أنه على حق وأنه مسحور أو مصاب بالعين.
فأولاً: أنصح إخواني المسلمين ألا يخضعوا لهذه الأوهام, لأن هذه الأوهام من إملاء الشيطان, والإنسان إذا غفل وتلهى عنها زالت بإذن الله مع الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم, لكن إذا وقع الأمر حقيقة وصار الإنسان معتل الصحة، أو معتل التفكير فإنه ينقض السحر بالآيات الكريمة مثل: المعوذتين الفلق والناس, وآية الكرسي, وما ذكره الله تعالى عن موسى: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ} [يونس:81] وما أشبه ذلك, أو بأدوية إذا كان السحر بأدوية فهو يقابل بأدوية أخرى معروفة عند الذين يعالجون الناس.(110/11)
حكم العصبية القبلية وحكم إجبار الوالد ولده على الطلاق
السؤال
فضيلة الشيخ! تعلم ما يحدث في المجتمع من قضية العصبية (هذا قبيلي, وهذا غير قبيلي) رجل تزوج من غير قبيلته فغضب عليه أبوه, وقال: طلقها وإلا تنقطع الصلة بيني وبينك, فما رأيك؟
الجواب
أولاً: أنصح المسلمين في مثل هذه الأمور, لأن الله تعالى أذهب عنا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم تربية الجاهلية, ونهانا عن التعصب, ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبغي أحد على أحد, والناس كلهم لآدم وآدم من تراب, ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى, قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] لكن لا شك أن الأنساب تختلف منها ما هو عال، ومنها ما دون ذلك, ومنها من لم يعرف له نسب في العرب, وهذا ما يسمى عند الناس بالنبطي أو بالخضيري أو ما أشبه ذلك, وكل هذه ذهبت بالإسلام, قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] ولهذا جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه -ولم يذكر النسب- إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) .
فإذا كانت هذه المرأة قد أعجبت الرجل -وهذا هو الجواب المباشر لسؤالك- في دينها وخلقها فليستمسك بها, حتى وإن أمره أبوه بطلاقها فلا يسمع له ولا يطيعه, ولا يعتبر معصيته في ذلك عقوقاً, بل إن الوالد هو الذي قطع الرحم, إذا قال: إن أبقيتها فإني أقطع صلتي بك فهو القاطع للرحم، وقد قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22-23] ولا شك أن محاولة التفريق بين المرء وزوجه من الإفساد في الأرض, ولهذا جعل الله ذلك من عمل السحرة, قال: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة:102] والسحرة مفسدون, كما قال موسى عليه الصلاة والسلام: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81] فجعل السحرة من المفسدين.
ومن أعظم سحرهم التفريق بين الرجل وأهله, فهذا الأب الذي يحاول أن يفرق بين ابنه وزوجته, يكون فعله من جنس فعل السحرة, وهو من الفساد في الأرض, فيكون هذا الأب الذي يأمر ابنه بطلاق الزوجة وإلا قاطعه, يكون ممن قطع الرحم وأفسد في الأرض, فيدخل في الآية: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22-23] .
وأنا الآن أوجه نصيحتي إلى الابن وأقول: الزم زوجتك ما دامت قد أعجبتك في دينها وخلقها, ونصيحة أخرى إلى الأب وأقول: اتق الله في نفسك, ولا تفرق بين ابنك وأهله, فتقع في الإفساد في الأرض، وكذلك في قطع الرحم, والابن نقول له: امضِ فيما أنت عليه, وسواء رضي أبوك أم لم يرضَ, وسواء قاطعك أم وصلك, ولكن إذا قُدِّر أنه نفذ وقاطع, فأنت اذهب إليه وحاول أن تصله فإذا أبى فالإثم عليه وحده.
قد يقول بعض الناس: إن عمر رضي الله عنه أمر ابنه أن يطلق زوجته فطلقها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم, وأنا آمر ولدي فليطلق زوجته, نقول: إن هذه المسألة سئل عنها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: فجاءه رجل يقول: إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتي؟ فقال له: ولو أمرك لا تطلقها, وأظن الإمام أحمد سأله: هل هو راغب فيها أم لا؟ فلما أخبره بأنه راغب قال: لا تطلقها, قال: أليس عمر قد أمر ابنه أن يطلق زوجته فطلقها؟ قال: وهل أبوك عمر؟ عمر ما أمر ابنه أن يطلق امرأته بمجرد هوىً أو عصبية, لكن لأمر رأى أنه من المصلحة.
وخلاصة القول: أن للولد أن يبقي زوجته ما دامت قد أعجبته ديناً وخلقاً سواء رضيت أمه أو أبوه أو لم يرضيا.(110/12)
أهمية التوحيد عند كل الرسل
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأيكم في هذه العبارة: (إن مفتاح دعوة الرسل وزبدة رسالتهم هي معرفة المعبود سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله) ؟
الجواب
هذا عبر به بعض العلماء, وذكرها شيخ الإسلام في الفتوى الحموية أنها زبدة الرسالة الإلهية, لكن معرفتها تستلزم الشهادة له بأنه لا إله إلا هو, لأن كل من عرف الله بأسمائه وصفاته لزم من ذلك أن يوحده.(110/13)
الخطوات النافعة لطالب العلم
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة لطالب العلم ما هي الخطوات التي تجب على طالب العلم حتى يكون عالماً أصولياً قائماً على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح رضي الله عنهم؟
الجواب
أول مرتبة هي: حفظ كتاب الله عز وجل، القرآن الكريم يحفظه تلاوة، ويتدبره معنىً، ويعمل به حكماً, هذا أول شيء, ثم بعد ذلك ما صح من السنة النبوية مثل الكتب المختصرة: كـ عمدة الأحكام وبلوغ المرام , ثم ما كتبه العلماء في العقائد والتوحيد, ويبدأ بالمختصرات أولاً, ثم ما كتبه العلماء في الفقه وكذلك يبدأ بالمختصرات, بالإضافة إلى علوم الآلة وهي: علوم العربية من نحو، وصرف، وبلاغة بقدر المستطاع, ولكن الشيء الذي أنصح به طالب العلم ألا يحمّل نفسه ما لا تتحمل, بحيث يقرأ في اليوم الواحد عدة كتب؛ لأن هذا يوجب أن ينسي بعضها بعضاً, وألا يحمل من العلم إلا نُتفاً فقط كالعامي.
وأهم شيء في طلب العلم أن يعتني الإنسان بالأصول والقواعد؛ لأن الأصول والقواعد عبارة عن ضوابط، أو قواعد تجمع مسائل كثيرة, ويحيل الإنسان كل مسألة تأتي عليه إلى هذه القاعدة أو الضابط وينتفع انتفاعاً كبيراً.
وعلى كل حال لابد للطالب أن يطلب العلم على يد عالم, والعالم يوجهه بما يرى أنه مناسب لحاله.(110/14)
النهي عن رفع الصوت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال
هل يشمل عدم رفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم عدم رفعه عنده بعد موته, أي: عند قبره؟
الجواب
رفع الصوت عند قبر الرسول عليه الصلاة والسلام يدخل في قوله تعالى: {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات:2] وإن كنا لا نخاطبه لكن لا يليق أن ترتفع الأصوات عند قبره, ولهذا لما سمع عمر رضي الله عنه رجلين من الطائف يرفعان أصواتهما عند قبر النبي عليه الصلاة والسلام, سألهما وقال: [أتعلمان أين أنتما؟ ثم قال: من أي بلد أنتما؟ قالا: من الطائف , قال: لو كنتما من هذا البلد لفعلت كذا وكذا] فدل هذا على أن من تمام الأدب ألا يرفع الإنسان صوته عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم, وأما ما يفعله بعض الغلاة تجده يقف أمام القبر والقبلة خلفه على ذراعه اليسرى وخشع أكثر من خشوعه في الصلاة فهذا منكر, والرسول صلى الله عليه وسلم لا يحب هذا ولا يرضى به, لأننا نشاهد أناساً يقفون عند القبر على هذه الصفة، ومع ذلك لا يمكن أن يتزحزح، حتى لو أردت أن تزحزحه لتمر من عنده أبى أن يتحرك, وهذا لا شك أنه منكر عظيم, والله أعلم بما في قلبه, ربما يكون هذا الوقوف تعبداً للرسول عليه الصلاة والسلام فيكون مشركاً من حيث لا يشعر.(110/15)
حكم الاجتماع في المسجد للذكر
السؤال
سمعت لكم يا شيخ! في برنامج نور على الدرب, وكان السؤال: ما الحكم في قوم يجتمعون في المسجد على الذكر؟ فتفضلتم بالجواب، وقبل الجواب ذكرت أن فيه تفصيلاً, فحبذا لو ذكرتم هذا التفصيل.
؟
الجواب
الاجتماع على الذكر فيه تفصيل: إن اجتمعوا على قراءة ودرس سواء كان في التفسير، أو الحديث، أو الفقه، أو غيره؛ فهذا لا بأس به, وهذا هو من عادة الرسول عليه الصلاة والسلام، وعادة الأمة إلى يومنا هذا, وإن اجتمعوا أيضاً على القرآن بحيث يتلو بعضهم على بعض القرآن لحفظه، فهذا أيضاً لا بأس به, سواء كان كل شخص يقرأ لوحده، أو كان واحد يقرأ والجماعة يتبعونه, لكن للتعليم لا للتعبد, وأما إذا كان للتعبد بمعنى أنهم يجتمعون ويرفعون الأصوات بالذكر جميعاً، أو بالقرآن جميعاً تعبداً لا تعلماً فهذا من البدع.(110/16)
حكم من قتل ابنه خطأً
السؤال
رجل كبير في السن قام بدهس ابنه بغير عمد, ما هو الحكم عليه علماً أنه مريض بمرض السكر؟ الشيخ: لكنه خطأ؟ السائل: نعم.
الجواب
إذا قتل الإنسان ابنه خطأً فهو كغيره من الناس, بمعنى: أنه يلزمه أن يكفر بإعتاق رقبة, فإن لم يجد فبصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فلا شيء عليه, أما الدية فهي للورثة الذين هم سوى الأب, فمثلاً: إذا كان له إخوان وأم، وليس له أبناء صارت الدية لأمه وإخوانه.
السائل: هل يلزم الأب بدفع الدية؟ الشيخ: نعم يلزم الأب بدفعها إلا إذا سمح الورثة, لأنها حق للورثة، وإذا سمحوا فلا بأس.
السائل: ليس عليه كفارة من إطعام يا شيخ؟! الشيخ: كفارة القتل ليس فيها إطعام إنما فيها إعتاق أو صيام.(110/17)
تعدي الأخوة بالرضاعة إلى أبناء الأم من زوج آخر
السؤال
هناك امرأة تزوجت رجلاً وأنجبت منه أبناء, وأرضعت بنتاً من غير بناتها, وتوفي الزوج, وتزوجت من رجل آخر وأنجبت أبناء من الزوج الثاني, هل البنت المرضعة الأولى تكون أختاً للإخوة من الزوج الثاني؟
الجواب
نعم, ويكونون إخوة من الأم, لأن أمهم واحدة, ونحن نضيف على هذا الجواب: لو كان هذا الزوج له زوجة أخرى فهل تكون البنت التي رضعت من الزوجة أختاً لأولاد الزوجة الأخرى؟ هذا رجل له زوجتان: واحدة زينب والثانية فاطمة, فأرضعت زينب بنتاً فهل تكون هذه البنت أختاً لأولاد فاطمة؟ يكونون إخوة من الأب, والمسألة التي سألت عنها يكونون إخوة من الأم, وأولاد المرضعة من زوجها يكونون إخوة للراضع منها من الأم والأب, فالرضاع كالنسب تماماً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وعلى هذا فقد يكون الإخوة إخوة من الأب فقط، وقد يكونون إخوة من الأم فقط, وقد يكونون إخوة من الأم والأب.(110/18)
حكم الصيام والقيام الجماعي
السؤال
ما حكم الصيام والقيام الجماعي؟
الجواب
أما القيام أحياناً جماعة فلا بأس؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام معه بعض الصحابة أحياناً, كـ حذيفة بن اليمان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس , وأما الصيام جماعة فلا أصل له, لكن لو اتفق أن صاموا هذا اليوم وقالوا نفطر عند واحد منا فلا بأس, وإذا اتفقوا على أنهم سيصومون غداً، أو سيصومون كل اثنين، أو كل خميس فهذا لا أصل له.(110/19)
عدم جواز تعليق عين الذئب لدفع الجن
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم تعليق عين الذئب على شكل تميمة خوفاً من الجن ويقولون: أنها تطرد الجن, وهل يعذر بالجهل؟
الجواب
هذا لا يجوز؛ لأن هذا ليس سبباً شرعياً ولا طبيعياً, فهو من التمائم التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها شرك, ثم من قال: إن الجن يهربون من الذئب؟! نسمع هذا كثيراً لكن لا ندري هل هذا حقيقة أو لا, ولهذا بعض الناس يجعل عنده شيئاً من جلد الذئب ويعلقه في بيته ويدعي أن الجن لا تدخل البيت إذا كان ذلك فيها, ولكن هذا خطأ, الذي يمنعك من الجن حقيقة هو قراءة آية الكرسي, (من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح) .
السائل: نفس السؤال يا شيخ! من قال: إنه كفر مخرج من الملة ولا يعذر بالجهل؟ الشيخ: لا.
هذا غير صحيح, هو لا يخرج من الملة, بناءً على ما اشتهر ظن أن هذا سبب فيقال: هذا ليس بسبب شرعي وتعليقه من الشرك؛ لكنه من الشرك الأصغر.
السائل: يعذر بالجهل يا شيخ؟! الشيخ: نعم, لا شك أنه يعذر بالجهل, كل إنسان معذور بالجهل {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله: قد فعلت.(110/20)
الأحكام المترتبة على من سب الله ورسوله والدين
السؤال
لقد ذكرت في معرض حديثكم في تفسير أول سورة الحجرات, أن ساب الرسول صلى الله عليه وسلم يقتل حتى ولو تاب, فما وجه قتله؟ وما رأيك فيمن يسب الله سبحانه وتعالى، أو يسب الدين عندما ينكر عليه أحد، أو عندما يغضب يقول: ألعن دينك أو ألعن ربك؟
الجواب
أما وجه قتله -أعني ساب الرسول صلى الله عليه وسلم- فلأن هذا حق للرسول عليه الصلاة والسلام, ولابد أن نثأر لرسولنا صلى الله عليه وسلم ونقتله, وإذا كان قد تاب فهو كسائر المسلمين يغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين, وأما من سب الله وتاب من سبه توبة نصوحاً نعرف أنه صادق, فهذا يرتفع عنه القتل؛ لأن القتل حق لله، وقد أخبر الله تعالى بأنه يغفر الذنوب جميعاً قال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] وكذلك من سب الدين فإنه كالذي يسب الله, إذا تاب توبة نصوحاً حقيقة رفعنا عنه القتل.(110/21)
حكم الدعاء عند الفراغ من قراءة الدرس
السؤال
يوجد عندنا في المسجد قوم إذا جلسوا بعد أن تنتهي صلاة الفجر يقرءون رياض الصالحين , وبعد أن ينتهوا يرفعون أيديهم، ويدعو -هذا الذي يحدثهم- ويؤمنون خلفه, فهل هذا الدعاء جائز؟
الجواب
نعم! هذا الدعاء جائز لأن أصل الجلسة ليست للدعاء أو الذكر, أصل الجلسة لقراءة علم, لكن لا ينبغي أن يتخذ هذا سنة راتبة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان كلما وعظ أصحابه أو حدثهم يقوم فيدعو.
السائل: هم مستمرون في ذلك يا شيخ! الشيخ: يقال لهم: لا تستمروا, أحياناً.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.(110/22)
لقاء الباب المفتوح [111]
في ظلال تفسير سورة الحجرات كان للشيخ هذه الوقفة المباركة حيث تناول مواضيع ومسائل هامة، منها: غفران الله للذنوب ما خلا الشرك بالله، ورحمة الله الواسعة، ومنزلة الفاسق في الإسلام وحكم شهادته، وشهادة غير الفاسق وشروطها.(111/1)
تفسير آيات من سورة الحجرات
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الحادي عشر بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل خميس, وهذا هو يوم الخميس الخامس عشر من شهر رجب عام (1416هـ) .(111/2)
تفسير قوله تعالى: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون)
نبدئ هذا اللقاء بالكلام على قول الله تبارك وتعالى في سورة الحجرات: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات:4] هذه الآية تشير إلى قوم أتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وكان معهم قوم جفاة, لا يقدرون الأمور قدرها, فجعلوا ينادون النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حجرات نسائه, ويرفعون أصواتهم بذلك, يريدون أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم, يقول الله في هؤلاء: {أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات:4] أي: ليس عندهم عقل, والمراد بالعقل هنا عقل الرشد, لأن العقل عقلان: 1- عقل رشد.
2- عقل تكليف.
فأما عقل الرشد فضده السفه, وأما عقل التكليف فضده الجنون, فمثلاً إذا قلنا: يشترط لصحة الوضوء أن يكون المتوضئ عاقلاً مميزاً, فالمراد بالعقل هنا عقل التكليف, وإذا قلنا: يشترط للتصرف في المال أن يكون المتصرف عاقلاً أي: عقل رشد يحسن التصرف, فالمراد بقوله هنا: {أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات:4] أي: لا يعقلون عقل رشد, لأنهم لو كانوا لا يعقلون عقل تكليف لم يكن عليهم لوم أو ذم، إذ أن المجنون فاقد العقل ولا يلحقه لوم ولا ذم وقوله: {أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات:4] يفهم منه: أن بعضهم يعقل, وأنه لم يحصل منه رفع صوت, بل هو متأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.(111/3)
تفسير قوله تعالى: (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم)
ثم قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [الحجرات:5] {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ} أي: من بيتك, وتكلمهم بما يريدون, {لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} في أنهم يلتزمون الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم وحاجتهم سوف تقضى, لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأته أحد في حاجة إلا قضاها إذا كان يدركها, وهو أحق الناس بقول الشاعر:
ما قال: (لا) قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم
{وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:5] إشارة إلى أن الله غفر لهم ورحمهم, وهذا من كرمه جل وعلا أنه يغفر ويرحم, وقد أخبر الله تعالى في كتابه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء:48] أي: ما سوى الشرك {لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] فكل أحد أذنب ذنباً دون الشرك مهما عظم فإنه تحت مشيئة الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ما لم يتب, فإذا تاب فلا عذاب؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:68-70] .
هنا قلنا: إن الآية تدل على أن الله غفر لهم ورحمهم, فمن أين نأخذ هذه الدلالة؟ نأخذها من أن الله ختم الآية بقوله: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:5] وهذا يدل على أنه غفر لهم ورحمهم, ولذلك قال العلماء في قول الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:33-34] أخذ العلماء من هذه الآية: أن هؤلاء المفسدين المحاربين لله ورسوله إذا تابوا قبل القدرة عليهم سقط عنهم العذاب, واستدلوا بأن الله ختم الآية بقوله: {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:34] أي: قد غفر لهم ورحمهم, وهذه نكتة ينبغي لطالب العلم أن ينتبه لها في الآيات, أن ختم الآية بعد ذكر الحكم دليل على ما تقتضيه هذه الأسماء التي ختمت بها الآية, ولهذا قرأ رجل: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم) , فسمعه أعرابي عنده، فقال له: أعد الآية فأعادها وقال: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم) , قال له: أعد الآية, فأعادها فقال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة:38] فقال: الآن -أي: الآن أصبت- ثم علل قال: لأنه لو غفر ورحم ما قطع, ولا تتناسب المغفرة والرحمة مع القطع, لكنه عزّ وحكم فقطع.
فتأمل هذا الفهم فإنه مفيد لك جداً.
الشاهد من هذا أن قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:5] أن الآية تدل على أن الله غفر لهم ورحمهم.(111/4)
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا)
ثم قال تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] , قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} قال ابن مسعود رضي الله عنه: [إذا سمعت الله يقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) فأرعها سمعك -أي: استمع لها- فإما خير تؤمر به, وإما شر تنهى عنه] لأن هذا نداء بأشرف الأوصاف وهو الإيمان {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} فمن هو الفاسق؟ هو من انحرف في دينه ومروءته, وضده العدل: وهو من استقام في دينه ومروءته، وهو ضد الفاسق, فإذا جاءنا فاسق منحرف في دينه ومروءته, بمعنى: أنه مصر على المعاصي تارك للواجبات لكنه لم يصل إلى حد الكفر, أو منحرف في مروءته, لا يبالي بنفسه يمشي بين الناس مشية الهوجاء, ويتحدث برفع صوت، ويأتي معه بأغراض بيته يطوف بها في الأسواق وما أشبه ذلك مما يخالف المروءة, فهذا عند العلماء ليس بعدل.
في هذه الآية يقول الله عز وجل: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} [الحجرات:6] خبر, أي خبر من الأخبار وهو فاسق, ولنطبق هذه المسألة على الواقع: جاءنا رجل حالق اللحية, حالق اللحية فاسق لماذا؟ لأنه مصر على معصية الله ورسوله, فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعفوا اللحى) وهذا لم يعفِ لحيته بل حلقها, فهذا الرجل من الفاسقين لأنه مصر على معصية, جاءنا بخبر هل نقبله؟ لا, هل نرده؟ لا, لا نقبله لما عنده من الفسق, ولا نرده احتمال أن يكون صادقاً, ولهذا قال الله عز وجل: {فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] ولم يقل: فردوه، ولم يقل: فاقبلوه, بل يجب علينا أن نتبين, وفي قراءة: (فتثبتوا) وهما بمعنى متقارب, المعنى: أن نتثبت, فإذا قال قائل: إذاً لا فائدة من خبره، قلنا: لا, بل في خبره فائدة وهو أنه يحرك النفس, حتى نسأل ونبحث, لأنه لولا خبره ما حركنا ساكناً, لكن لما جاء بالخبر نقول: لعله كان صادقاً فنتحرك ونسأل ونبحث, فإن شهد له الواقع بالحق قبلناه؛ لوجود القرين الدال على صدقه وإلا رددناه.
وقوله سبحانه وتعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] يفيد أنه إذا جاءنا عدل فإننا نقبل الخبر, لكن هذا فيه تفصيل عند العلماء دل عليه القرآن والسنة, فمثلاً: الشهادة في الزنا, لو جاءنا رجل عدل في دينه مستقيم في مروءته وشهد أن فلاناً زانٍ, هل نقبل شهادته؟ لا, وإن كان عدلاً بل نجلده ثمانين جلدة؛ لأنه قذف هذا الرجل البريء بالزنا، وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور:4] ولا نقبل له شهادة أبداً, ونحكم بأنه فاسق, وإن كان عدلاً حتى يتوب.
شهد رجلان عدلان على زيد أنه زنأ, هل نقبل شهادتهما؟ لا, ثلاثة؟ لا, أربعة؟ نعم, لأن الله تعالى قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:4] ، وقال تعالى: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور:13] لو جاءنا ثلاثة نعرف أنهم ثقات عدول وشهدوا بالزنا على شخص, فهم عند الله كاذبون, غير مقبولين ويجلد كل واحد منهم ثمانين جلدة.
جاءنا رجل شهد على شخص أنه سرق, هل نقبل شهادته؟ لا, لا بد من رجلين.
جاءنا رجل شهد أنه رأى هلال رمضان, هل نقبل شهادته؟ نعم نقبلها, لأن السنة وردت بذلك, فقد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: [تراءى الناس الهلال -أي: ليلة الثلاثين من شعبان- فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بالصيام] .
رجل كان غنياً فأصيب بجائحة ثم جاء يسأل من الزكاة, وأتى بشاهد أنه كان غنياً فأصابته جائحة وافتقر, فهل نقبل شهادة واحد؟ لا, نقبل شهادة اثنين؟ لا, لا بد من ثلاثة, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ قبيصة: (إنها لا تحل المسألة) وذكر منها: (رجل أصابته جائحة -أي: اجتاحت ماله- فشهد ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: أن فلاناً أصابته جائحة فحلت له المسالة) (ثلاثة من ذوي الحجا) أي: من ذوي العقل.
فالحاصل: أن الفاسق ما موقفنا من خبره؟ التوقف حتى يتبين الأمر, أما غير الفاسق ففيه تفصيل, قد لا نقبل إلا خبر أربعة كما في الزنا, أو ثلاثة كما في الرجل الذي كان غنياً فأصيب بجائحة ثم جاء يطلب الصدقة, فإننا لا نقبل منه حتى يشهد ثلاثة, رجلان فيما لو شهد الإنسان بحد سرقة فإننا لا نقبل إلا رجلين.
ممكن نقبل رجلاً مع يمين المدعي، كما لو ادعى شخص على آخر بأنه يطلبه ألف ريال فقلنا للمدعي: هات بينة، قال: عندي رجل واحد, إذا أتى بالرجل الواحد وحلف معه حكمنا له بما ادعاه.
وعلى هذا فخبر العدل فيه تفصيل على ما سمعتم, وهناك أشياء لا يتسع المقام لذكرها.(111/5)
تفسير قوله تعالى: (أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)
ثم بين الله عز وجل الحكمة من كوننا نتبين من خبر الفاسق فقال: {أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] أي: أمرناكم أن تتثبتوا كراهة أن تصيبوا قوماً بجهالة, لأن الإنسان الذي يتسرع ولم يتثبت فقد يعتدي على غيره بناءً على الخبر الذي سمعه من الفاسق, وقد يكرهه, وقد يتحدث فيه في المجالس, فيصبح بعد ذلك إذا تبين خبر الفاسق كذباً يصبح نادماً على ما جرى منه.
وفي هذه الآية: دليل على أنه يجب على الإنسان أن يتثبت فيما ينقل من الأخبار ولا سيما مع الهوى والتعصب, إذا جاءك خبر عن شخص وأنت لم تثق بقول المخبر يجب أن تتثبت وألا تتسرع في الحكم, لأنك ربما تتسرع وتبني على هذا الخبر الكاذب فتندم فيما بعد, ومن ثم جاء التحذير من النميمة: وهي أن ينقل كلام الناس بعضهم إلى بعض ليفسد بينهم, حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قتات) -أي: نمام-, وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه مر بقبرين يعذبان فقال: (إنهما ليعذبان, وما يعذبان في كبير -أي: في أمر شاق عليهما- أما أحدهما فكان لا يستتر -أو لا يستبرئ أو لا يستنزه، هذه روايات- من البول, وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) يمشي بين الناس لنقل الحديث إلى الآخرين ليفسد بين الناس, (ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين وغرزها في كل قبر واحدة, فقالوا: يا رسول الله! لم فعلت هذا؟ قال: لعل الله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا) .
{أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] ومن هذا النوع من ينسب إلى بعض العلماء من الفتاوي التي لم يتكلم بها إطلاقاً أو تكلم بضد ما ينقل عنه, فإن بعض الناس قد يفهم من العالم كلمة على غير مراد العالم بها, وقد يسأل العالم سؤالاً يتصوره العالم غير ما في نفس هذا السائل, ثم يجيب على حسب ما فهمه، ثم يأتي هذا الرجل وينشر هذا القول الذي ليس بصحيح, وكم من أقوال نسبت إلى علماء أجلاء ولكن لم يكن لها أصل, لهذا يجب التثبت فيما ينقل عن العلماء أو غير العلماء, ولا سيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه الأهواء والتعصب، وصار الناس كأنهم يمشون في عماء.(111/6)
الأسئلة(111/7)
حكم كتابة القرآن في أوراق وبلّها في الماء ثم شرب الماء
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم كتابة القرآن في أوراق وبلّها في الماء ثم شرب الماء؟
الجواب
هذه فعلها بعض السلف, يكتب للمريض إما في أوراق وتبل وتشرب, وإما في صحن أو إناء يكتب بزعفران ثم يرج الماء في هذا الإناء ثم يشربه المريض, وينتفع بإذن الله عز وجل.(111/8)
حكم تعليق جريد نخل على الجدار إشارة إلى أن هذا فيه زواج
السؤال
ما حكم تعليق جريدة نخل على الجدار إشارة إلى أن هذا فيه زواج؟
الجواب
لا أرى في هذا بأساً, لأنهم لا يريدون أن يتقربوا إلى الله بهذا العمل, إنما تكون علامة كما توقد المصابيح في بعض الأماكن, وينور البيت ومن حوله, إشارة إلى أن هذا فيه زواج ولعل هذا يدخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أعلنوا النكاح) .(111/9)
عادات جاهلية في الحج عند بعض النساء الكبيرات في السن
السؤال
هناك بعض النساء الكبيرات في السن, توجد عندهن بعض العادات الجاهلية فمثلاً في الحج في العام الماضي, تنهى إحداهن الأخرى أن ترجم الجمار بالحصى, وتقول هناك كلام في النهي عنه, وقد بينت لها وقلت: إنه جائز ووارد عن الرسول, لكن هناك قناعة راسخة أنها أمور صحيحة؟
الجواب
أنت إذا أخبرت إنساناً بالحق فقد أبرأت ذمتك, ثم إن اهتدى فلك وله, وإن لم يهتدِ فلك وعليه, لأن الله قال للرسول صلى الله عليه وسلم: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:20] بلغت جزاك الله خيراً ما تعرفه من الحق, ثم إن قبل من بلغته وإلا ذمتك بريئة.
فيه أيضاً: أنهم يأخذون أحجاراً من مزدلفة ويعتقدون أنه لا يصح رمي الجمرات إلا بأحجار، وهذا غلط, وليس أخذ الأحجار من مزدلفة بسنة, خذ الأحجار من أي مكان.
ثم إن بعضهم أيضاً يأخذ أحجاراً ويزيد معها حصى, وينسى ويأتي بها إلى بلده، ثم يسأل ويقول: هل يجوز أن ألقيها في الأرض؟ هؤلاء نبين لهم أنك لو نسيت أحجاراً في جيبك من الجمرات فارمها في أي مكان.(111/10)
حكم صلاة العيد للمسافر وحكمها للنساء والرجال
السؤال
بالنسبة لصلاة العيد إذا سافر المسافر ووجد مستوطنين في البلدة المسافر إليها, يقيمون الصلاة, هل يجب عليه الدخول معهم؟
الجواب
أولاً صلاة العيد أكثر العلماء قالوا: إنها سنة, وقيل: إنها فرض كفاية, وقيل: إنها فرض عين, والأقرب أنها فرض عين على الرجال, لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء حتى الحيض ذوات الخدور والعواتق أن يخرجن لصلاة العيد, فإذا مررت ببلد وهم يصلون العيد فإن كنت سائراً في سفرك فلا عليك أن تنزل, لكن لو كنت نازلاً في هذا البلد لمدة يومين أو ثلاثة وصادف يوم العيد فإنك تصلي معهم.
السائل: مثلاً نطوف نحن وأهل مكة يؤدونها الشيخ: إذا كنت في مكة وأقيمت صلاة العيد وأنت تطوف فاقطع الطواف وصل العيد, وأكمل من المكان الذي قطعت منه.
السائل: هل صلاة العيد فرض عين على الرجال والنساء؟ الشيخ: النساء لا يظهر أنه فرض عين عليهن, لكن الرسول أمر النساء بالخروج, ولهذا ليس هناك صلاة تدعى إليها المرأة لا الجمعة ولا الصلوات الخمس ولا قيام رمضان إلا صلاة العيد.(111/11)
حكم ضرب الأمثال بالقرآن
السؤال
بالنسبة لضرب الأمثال بالقرآن, مثلاً: يقول أحدهم لرجل احتال عليه: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:30] أو يقول: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] ؟
الجواب
إذا صح أن تنطبق الآية على هذا المعنى فلا بأس, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم استشهد بالقرآن حينما خرج الحسن والحسين يعثران في ثيابهما ثم نزل من المنبر, وأخذهما وجعلهما بين يديه, ثم قال: (صدق الله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15] ) .
لكن المهم أن تنطبق, أما أن تقول لرجل: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] وهو مؤمن، فهذا لا يجوز, لأن هذه الآية في المنافقين.(111/12)
حكم جلسة الاستراحة
السؤال
بالنسبة لجلسة الاستراحة هل هناك تكبيرة من الانتقال من جلسة الاستراحة إلى القيام, أم تكفي تكبيرة القيام من السجود؟
الجواب
أولاً: نسأل عن جلسة الاستراحة هل هي مشروعة أم غير مشروعة؟ جلسة الاستراحة الذي يظهر من النصوص وتجتمع بها الأدلة أنها مشروعة لمن كان عاجزاً عن النهوض من السجود إلى القيام, وأما إذا كان قادراً ونشيطاً فالأفضل ألا يجلس؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر بها, وأصح من تكلم فيها مالك بن الحويرث , ومالك بن الحويرث قدم عام الوفود في السنة التاسعة للهجرة، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام قد أخذه كبر السن فكان يجلس.
ويدل على أنها غير مشروعة: أنه ليس فيها تكبير, لا في الجلوس, ولا في القيام من الجلوس, وأنه ليس فيها ذكر, ولو كان الأمر مقصوداً بذاته لكان لها تكبير عند الجلوس وعند الانتقال من الجلوس ولكان لها ذكر, لأنه ما من فعل من أفعال الصلاة إلا وله ذكر, الركوع له ذكر، والسجود له ذكر، والجلوس بين السجدتين له ذكر, والقيام بعد الركوع له ذكر.
فالراجح من أقوال العلماء القول الوسط: أن من كان محتاجاً إليها فليجلس, ولكن ليس كجلسة الناس الآن، يجلس لحظة، لأن مالك بن الحويرث قال: (لم ينهض حتى يستوي قائماً) أي: يكمل قعوده, وأما إذا كان الإنسان محتاجاً فيجلس جلسة مستقرة ثم يقوم, وإذا قام فإنه يقوم بلا تكبير, يكبر عند النهوض من السجود فقط, وإذا كان الإنسان قوياً نشيطاً فلا يجلس, وإذا كان الإنسان مأموماً فليتبع إمامه إن جلس الإمام جلس وإن لم يجلس لم يجلس المأموم, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به به) ولهذا بعض الإخوان يفعل خلاف الأفضل في هذا, مثلاً: يرى أن جلسة الاستراحة مستحبة وهو خلف إمام لا يراها, ثم تجده جالساً والإمام قد شرع في الفاتحة, وهذا خلاف الأفضل، وقد نص على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال: إن الأفضل متابعة الإمام ولا يجلس.(111/13)
حكم سماع وبيع الأناشيد الإسلامية
السائل: أرجو التفصيل في مسألة الأناشيد وكذلك حكم بيعها؟ الشيخ: أي أناشيد؟ السائل: الأناشيد الإسلامية التي تباع في التسجيلات.
الشيخ: لا أستطيع أن أحكم عليها لأنها مختلفة, لكن أعطيك قاعدة عامة: 1/ إذا كانت الأناشيد مصحوبة بدف فهي حرام, لأن الدف لا يجوز إلا في حالة معينة لا في كل وقت, ومن باب أولى إذا كانت مصحوبة بموسيقى أو طبل.
2/ إذا كانت خالية من ذلك نظرنا: هل أنشدت كأنشودة الأغاني الماجنة، فهذه أيضاً لا تجوز, لأن النفس تعتاد هذا النوع من الغناء, وتطرب له، وربما تتجاوز إلى الأغاني المحرمة.
3/ إذا كانت هذه الأناشيد من فتيان أصواتهم فاتنة, يعني: قد تحرك الشهوة, أو قد يستمتع الإنسان بالصوت دون مضمون القصيدة، فهذه أيضاً لا تجوز.
أما إذا كانت أناشيد حماسية على غير الوجه الذي قلت لك فليس بها بأس, لكن خير من ذلك أن يستمع إلى القرآن, أو يستمع إلى محاضرة جيدة مفيدة, أو يستمع إلى درس من دروس العلماء، هذا أفضل, يستفيد فائدة دينية وفائدة أنه يسهل الطريق على الإنسان, لأن الإنسان ربما يضرب الطريق مثلاً من مكة إلى المدينة يحتاج إلى أشياء توقظه.
السائل: لكن ما حكم بيعها؟ الشيخ: أعطيك قاعدة: كل ما حرم استعماله حرم بيعه, لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) .(111/14)
حكم تعليق الآيات في المجالس
السائل: ما حكم تعليق الآيات في المجالس؟ الشيخ: لماذا يعلقها في المجلس؟ السائل: للزينة.
الشيخ: إذاً معناه: أنه لعب بالقرآن, اتخذه مجرد زينة, أي: كأنه نقوش عادية, ولهذا تجد بعض الآيات مكتوبة كأنها قصر, أو منارة, وما أشبه ذلك, فهذا حرام ولا شك في ذلك.
لكن بعض الناس يعلقها تبركاً بها, وهذا أيضاً ليس بصحيح, لأن القرآن لا يتبرك به على هذا الوجه, ولهذا لم يسبقنا إليه الأولون, ولم يكن السلف يعلقون الآيات على جدرانهم ويتبركون بها.
وبعض الناس يعلقها على أنها حماية ووقاية كالوِرد مثلاً يعلق آية الكرسي, لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح) يقول: اتركها هناك من أجل لا يقرب الشيطان، هذا أيضاً خطأ, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علق الحكم على القراءة ليس على تعليقها.
ثم إن الإنسان إذا علقها اعتمد عليها وصار لا يقرأ آية الكرسي, وهذا ضرر عليه.
وبعض الناس يقول: أعلقها لأتذكر بها, ويعلق مثلاً: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] من أجل أن تنهاه عن الغيبة, هل هذا صحيح؟ تجد {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] وتحت هذه اللافتة المكتوبة يغتابون الناس, لا تنهاهم ولا يرفعون إليها رءوسهم, فيكون هذا شيء من الاستهزاء بآيات الله, أن يكون كلام الله عز وجل فوقك يقول: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] وأنت تشرح الناس وتأكل لحومهم.
فالمهم: أن تعليقها أدنى ما نقول فيه: إنه بدعة, ما كان السلف يفعلونه, أو مكروه، ولا سيما إذا علقت في المساجد أمام الناس؛ لأن بعض الناس يتلهى وهو يصلي إذا كانت في القبلة, ربما يرفع بصره ثم يقرأ الآية وهو في التشهد مثلاً.
والحمد لله القرآن مصحف مكتوب، ومن أراد أن يقرأ فليقرأ من المصحف, ومن أراد أن يتعظ فليكن الواعظ في قلبه.(111/15)
جمع الصلاة في أثناء المطر
السؤال
هل يجوز جمع الصلاة في الليلة المطيرة, يعني: أن المطر ينزل ويقف, ومرات يكون كثيراً يبل الثياب, ومرات يكون رذاذاً, ولو لم يكن المطر موجوداً وقت الصلاة, وإذا كان رذاذاً؟
الجواب
أولاً: لابد أن نعلم أن الصلاة كما قال الله عز وجل: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103] (كِتَاباً) أي: فرضاً, (مَوْقُوتاً) أي: موقتاً بوقت, لا يجوز تقديمها ولا تأخيرها, فإذا كان كذلك فإنه لا يمكن أن نجمع بين صلاتين إلا إذا تحققنا من وجود العذر, وعند الشك هل هذا عذر يبيح الجمع أم لا؟ لا يجوز أن نجمع مع الشك, فالمطر -مثلاً- إذا كان ينزل ونرى أنه يبل الثياب, ومعنى يبل الثياب: أن الثوب يحتاج إلى عصر من هذا المطر, ليس مجرد أن تقع القطرة من الماء ثم يبتل الثوب, هذا ليس عذراً, لكن إذا كان يبلها بحيث يكون فيها ماء إذا عصر خرج, هذا يبل الثياب, أما مجرد الرذاذ فإنه لا يبيح الجمع, إلا إذا كان هناك وحل في الأرض أو مياه ومستنقعات تشق على الناس فلا بأس, فالجمع للمطر إما لعذر في الأرض وإما لعذر في السماء, والعذر في الأرض هو الوحل والمستنقعات التي تتعب الناس, والعذر في السماء هو المطر الغزير الذي يبل الثياب, أما مجرد النقط فلا.
قد يقول بعض الناس: الآن هناك نقط صغيرة قليلة, والسماء مغيمة تماماً فيها سحاب ورعد وبرق، وهناك احتمال أن ينزل مطر كثير, نقول: نعم الاحتمال وارد, لكن شيء لم ينزل علمه عند الله عز وجل, ربما ينزل وربما لا ينزل, فما دام العذر ليس موجوداً، فاحتمال أن يوجد العذر غير مسوغ للجمع, لكن لو فرضنا أنهم لم يجمعوا, ثم خرجوا لبيوتهم, ثم أمطرت السماء مطراً كثيراً فماذا يصنعون؟ نقول: يصلون في بيوتهم, فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول: (صلوا في رحالكم) في الليلة المطيرة أو الشاتية الباردة كثيراً.
فالحاصل: أنه لا يجمع إلا إذا تحقق العذر, أما قبل تحقق العذر فلا يجوز الجمع, لكن إذا وجد ما يبيح الجمع بعد أن تفرق الناس فليصلوا في بيوتهم, وفي هذه الحال إذا كان البيت فيه جماعة فليصلوا جميعاً, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده, وصلاته مع رجلين أزكى من صلاته مع الرجل, وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) .(111/16)
حكم استلام الراتب من البنك والتحاكم أثناء الخلاف بين الموظف والبنك إلى السجل التجاري
السائل: إحدى الشركات ألزمت الموظفين بالتعاقد مع البنك الهولندي لاستلام رواتبهم عن طريق هذا البنك, وحيث أن أحد شروط العقد يقول: إن التحاكم بالخلاف بين البنك والموظف يكون إلى السجل التجاري أو القانون التجاري, فبعض الموظفين وقعوا على هذا العقد والبعض لم يوقعوا على هذا العقد بسبب وجود هذا الشرط؟ الشيخ: كما تفضلت يوجد بعض الجهات من شركات وغير شركات تلزم الموظفين أن يفتحوا حساباً في أي بنك من البنوك من أجل أن تحيل الرواتب إلى هذا البنك, فإذا كان لا يمكن للإنسان أن يستلم راتبه إلا عن هذا الطريق فلا بأس, يفتح حساباً لكن لا يدخل حساباً من عنده, يعني: لا يدخل دراهم من عنده, أما كونه يتلقى الراتب من هذا فلا بأس.
السائل: طيب من ناحية الشرط الذي يحتكمون إليه؟ الشيخ: هذا الشرط لا يقبل.
السائل: طيب إذا أمر بالتوقيع ومن ضمن الشروط هذا الشرط؟ الشيخ: لا يقبله، لأن التحاكم إلى غير الكتاب والسنة حرام.
السائل: يخرج من هذا العمل؟ الشيخ: لا, لا يخرج, لكن لا يقبله, يوقع كالمكره على هذا, لكن إذا حصل نزاع لا يتحاكم إليه.(111/17)
حكم عدم حضور الجمعة لعدم سماع أذان الجمعة
السؤال
إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة، فهل عدم سماعي للأذان يجوّز لي ألا أذهب إلى الصلاة؟
الجواب
سماع النداء ليس شرطاً لوجوب الجمعة, بل يجب على كل من في البلد أن يأتوا إلى الجمعة سواء سمعوا النداء أم لم يسمعوا.(111/18)
حكم مواصلة قراءة الدعاء الذي يقال بعد الركوع حتى يمس الأرض
السائل: نسمع بعض الناس عندما ينتقل من الركوع إلى السجود يواصل قراءة الدعاء الذي يقال بعد الركوع حتى يمس الأرض أو يقارب مسها, فما حكم هذا الفعل؟ الشيخ: إن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:229] والصلاة محددة, كل ركن فيها له دعاء خاص, والإنسان إذا رفع من الركوع يقول: "سمع الله لمن حمده, ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما, وملء ما شئت من شيء بعد" ثم يسجد، وفي أثناء الهبوط من القيام إلى السجود يقول: الله أكبر, فهذا الهبوط ذكره: الله أكبر, وهذا الرجل الذي صار يكمل دعاء القيام وهو يهوي إلى السجود لا أدري متى يكبر، يكبر إذا سجد معناه: أنه كبر في غير محله, فأنت جزاك الله خيراً انصحه, وقل: أكمل دعاء القيام ثم اهبط إلى السجود مكبراً, هذا هو السنة.
السائل: ما حكم ذلك؟ الشيخ: حكم ذلك أنه ينصح ويبلغ, بعض العلماء يقول: إذا لم يكبر فيما بين القيام والسجود بطلت صلاته, لكن نحن لا نقول بهذا: إنها تبطل, إنما نقول: انصحه وبين له الصواب.(111/19)
حكم القسم بآيات الله
السؤال
ما حكم القسم بآيات الله؟
الجواب
القسم بآيات الله أن يقول: أقسم بآيات الله أن أفعل كذا إذا أراد بآيات الله القرآن فلا بأس, لأن القرآن كلام الله, وهو صفة من صفاته, والحلف بصفات الله جائز، مثل: وعزة الله وقدرة الله وقوة الله وإن أراد بالآيات الآيات الكونية التي هي: الشمس والقمر والليل والنهار، كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [فصلت:37] فإنه لا يجوز القسم بها؛ لأنها مخلوقة, والقسم بالمخلوق شرك, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) لكن في ظني أنا أن العامة أكثرهم يريدون بالآيات هنا الآيات القرآنية وعلى هذا فلا بأس.(111/20)
حكم دخل محل الحلاقة
السؤال
رجل عنده محل حلاقة, هل دخله محرم أم حلال؟
الجواب
الحلاقة جائزة إلا حلق اللحى, ألسنا قلنا إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) كل حرام فأخذ العوض عنه حرام, سواء ببيع، أو بإيجاره أو غير ذلك, حتى صاحب المحل الذي يؤجره لشخص يحلق اللحية حرام عليه.(111/21)
حكم الاستماع إلى الشريط داخل دورة المياه
السؤال
هذا سائل طلب مني أن أعرض هذا السؤال على فضيلتكم: ما حكم تشغيل الشريط داخل دورة المياه, سواء كان قرآن أو محاضرة؟
الجواب
إن كان هذا الشريط خارج المكان فلا بأس به؛ لأن الإنسان لو سمع قارئاً يقرأ بنفسه خارج الحمام لكان الاستماع جائزاً, أما إذا كان داخل الحمام ففي نفسي من هذا شيء؛ لأن الصوت يخرج الآن من داخل الحمام, فالأحسن ألا يستمع إلى شيء فيه قرآن, أما إذا كان محاضرة فلا بأس, ثم إنه لا ينبغي أيضاً أن يفعل حتى ولو كانت محاضرة؛ لأن هذا يؤدي إلى أن يطيل الجلوس على قضاء الحاجة، والإطالة على قضاء الحاجة محرمة؛ لأن كشف العورة الأصل فيه المنع إلا لحاجة، وإذا انتهت حاجته يقوم ولا يبقى كاشف العورة.
خلاصة الجواب الآن أن نقول: لا ينبغي أن يستمع إلى شيء وهو على قضاء الحاجة؛ لأن ذلك يؤدي غالباً إلى تطويل الجلوس.
أما إذا كان لا يؤدي إلى هذا وأن الرجل طالب علم ويعرف أنه لا يجوز أن يبقى فوق حاجته, فإن كان غير قرآن فلا بأس, ولو كان المسجل داخل الحمّام, وإن كان قرآناً فلا يجعل المسجل داخل الحمّام ولكن يجعله خارجاً فلا بأس.(111/22)
عدم مشروعية جمع صلاة العصر مع صلاة الجمعة
السؤال
هل يجوز جمع صلاة العصر مع صلاة الجمعة, وما الحكم من ذلك؟
الجواب
لا يجوز جمع العصر مع الجمعة؛ لأن السنة ما وردت بجمع الظهر مع العصر, والجمعة لا تسمى ظهراً, الجمعة صلاة مستقلة لها كيانها, ولهذا لا تصلى إلا في مسجد واحد, وهي ركعتان, ويجهر فيها بالقراءة, ويتقدمها خطبتان, ولا تصح إلا في وقت, لها خصائص كثيرة, فلا يمكن أن تلحق بالظهر ويقاس على ذلك أن تجمع العصر إليها, فالمسافر أو المريض إذا حضر الجمعة نقول له: لا تجمع, الجمعة صلاة مستقلة ليس لها نظير في الصلوات الخمس, فلا يجمع إليها العصر, ومن جمع إليها العصر فليعد صلاة العصر.(111/23)
لقاء الباب المفتوح [112]
سورة الفاتحة من أعظم سور القرآن، تتجلى فيها جميع مقاصد الشريعة من توحيد وتاريخ ومنهج، وفي ظلال آياتها كان للشيخ هذه الجلسة المباركة، ففسر كثيراً من معانيها وأزاح الستار عن كثير من كنوزها وأسرارها.(112/1)
تفسير آيات من سورة الفاتحة
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني عشر بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل خميس, وهذا هو يوم الخميس الثاني والعشرون من شهر رجب عام (1416هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على سورة الفاتحة, سورة الفاتحة سميت بذلك لأنه افتتح بها القرآن الكريم كتابة, وليست هي أول ما نزل, بل إن أول ما نزل من القرآن قول الله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1-5] .
وتسمى هذه السورة بأم القرآن, وتسمى السبع المثاني, ولها أسماء متعددة, تسمى أم القرآن لأن معاني ومقاصد القرآن كلها موجودة في هذه السورة, على أنها سبع آيات فقط وآيات قصار لكن جميع مقاصد القرآن موجودة فيها, من التوحيد والعقائد والتاريخ ومناهج الناس وغير هذا, لكنها مذكورة إجمالاً.
البسملة ليست للفاتحة, بل هي آية مستقلة تفتح بها السورة, ما عدا سورة البراءة, فإنها لا تفتتح بها اتباعاً لما فعله الصحابة الكرام رضي الله عنهم, ويدل على أن الفاتحة ليست منها, ما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين, فإذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال الله تعالى: حمدني عبدي, وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] قال: أثنى عليّ عبدي, وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي, وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل, فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6-7] قال الله تعالى: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) فهي سبع آيات, الثلاث الآيات الأولى لله, والآيات الثلاث الأخيرة للعبد, والآية الرابعة وهي الوسط من السبع بين الله وبين العبد, وهذا أيضاً ترجيح معنوي, لكون الفاتحة بداءتها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] وليست البسملة منها, الترجيح اللفظي: أننا لو جعلنا البسملة من الفاتحة, لكانت الآية الأخيرة طويلة لا تتناسب مع الآيات التي قبلها, لأنها ستكون: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] وهذه تساوي آيتين, ولهذا كان الصواب: أن آخر الآية السادسة قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} .
وينبغي للإنسان إذا قرأها -ولا سيما في الصلاة- أن يقف على كل آية؛ لأن الله سبحانه وتعالى يناجي العبد في الصلاة: (إذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال: حمدني عبدي) كما سمعتم الحديث.(112/2)
تفسير قوله تعالى: (الحمد لله رب العالمين)
ابتدأ الله تعالى هذه السورة بالحمد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] والحمد وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم, وذلك أن وصف الغير بالكمال قد يكون خوفاً منه, أو هيبة له, أو استجداءً له، وهذا لا يلزم منه المحبة والتعظيم, بدليل: أن الشعراء يأتون إلى الملوك والوزراء يصفونهم بالحمد لكن قد لا يكون في قلوبهم محبة لهم أو تعظيماً لهم, لكن استجداءً أو خوفاً أو ما أشبه ذلك, ولهذا يسمى مثل ذلك مدحاً ولا يسمى حمداً, أما الحمد فلا بد أن يكون مقروناً بالمحبة والتعظيم, وعلى هذا فالحمد -أعني حمد الله- وصفه تبارك وتعالى بالكمال الذي لا فوقه كمال, وقول: (الحمد) هذه "ال" فيها للاستغراق, أي: جميع المحامد من كل وجه لله عز وجل, وقوله: (لله) اللام هنا للاختصاص والاستحقاق, أما كونها للاختصاص فلأنه لا أحد يحمد بجميع المحامد إلا الله عز وجل, وأما كونها للاستحقاق فلأنه لا أحد يحمد حمداً يستحقه على وجه الكمال إلا الله عز وجل, ولهذا جعل العلماء اللام في قوله: (لله) للاختصاص والاستحقاق, أما الله فهو علم على رب العالمين جل وعلا, لا يسمى به غيره.
و (رَبِّ الْعَالَمِينَ) (رب) معناه: الخالق المالك المدبر, أي: أنها تتضمن ثلاث معاني: المعنى الأول: الخالق, ولا خالق إلا الله, وقد قال الله تعالى مندداً بالأصنام: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [النحل:17] , وقال تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [فاطر:3] .
المعنى الثاني: المالك, لا ملك لأحد سوى الله عز وجل, هو الذي يملك الملك التام المطلق العام, وأملاك غيره محدودة من حيث الشمول, فلا أحد يملك كل ما في السماوات والأرض, محدودة من حيث التصرف فلا أحد يملك أن يتصرف فيما يملكه ملكاً خاصاً إلا حسب ما شرع الله عز وجل, لكن الملك المطلق التام العام هو لله وحده.
المعنى الثالث: المدبر, فالتدبير التام لله عز وجل, لا أحد يدبر سواه, حتى المشركون يقرون بأن الذي يدبر الأمر هو الله عز وجل, ولكن اعلم أن الله تعالى لا يدبر شيئاً عبثاً أو بغير حكمة, كل ما قضاه الله وقدره ودبره فهو لحكمة عظيمة, لكن من الحكم ما نعلمه ومنها ما لا نعلمه, وذلك لأن عقولنا أقصر وأحقر من أن تحيط بحكمة الله عز وجل.
يرد على الإنسان أشياء من الشريعة ويقول: كيف يحكم هذا؟ مثال ذلك: يقول مثلاً: كيف يحرم على الإنسان أن يستبدل صاعاً من البر طيباً بصاعين من البر رديئة والقيمة واحدة؟ هذا قد يشكل على الإنسان, وهذا حرام أن تعطي صاعاً من البر بصاعين، هذا حرام على كل حال, فقد يقول قائل: لماذا حرام؟! فنقول: إنك لست أحكم من الله, ولولا أن هذا يترتب عليه مفاسد عظيمة ما حرمها الله على العباد, لأن الله يريد بالعباد اليسر ولا يريد بهم العسر, ولا يمكن أن يمنعهم أي معاملة إلا وفيها ضرر، إما منظور وإما منتظر, يشكل على الإنسان أن الله يقدر الحروب, والفقر, وجدب الأرض, وقحط السماء لا تنزل ماءً, فيقول: ما هذا؟ ما الفائدة؟ هذه مضرة على العباد, فنقول: لست أحكم من الله, إن الله تعالى لا يقدرها إلا لحكمة عظيمة, قد تعلمها وقد لا تعلمها, ولهذا يجب أن نستسلم للقضاء الشرعي كما نستسلم للقضاء القدري, القضاء القدري كل مستسلم له: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً} [آل عمران:83] حتى الكفار مستسلمون بالقضاء القدري, لكن القضاء الشرعي لا يستسلم له إلا المؤمنون, فنحن يجب علينا أن نستسلم للقضائين: الكوني والقدري, وإن شئت فقل: أن نستسلم للقضاء الشرعي كما نحن مستسلمون للقضاء القدري, المهم أن الذي يدبر الأمر هو الله عز وجل.
وقوله: (الْعَالَمِينَ) المراد بهم كل من سوى الله فهم عالم, وهذا اللفظ (العالمين) مشتق من العلامة, لأن كل الكون آية من آيات الله عز وجل, وفي كل جنس منه ونوع منه وفرد منه آية من آيات الله, كل شيء تتأمله تجد أنه دال على الرب عز وجل وعلى حكمته ورحمته, وما أصدق قول الشاعر:
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
إذاً العالمون كل من سوى الله, وسموا عالماً من العلامة؛ لأن وجود هذا الكون وما يحدث فيه كله آية وعلامة على الله عز وجل, ويجب أن تعرف الفرق بين العالمَين بفتح اللام, والعالِمين بكسر اللام, العالَمين قلنا: كل ما سوى الله, والعالِمين هم ذوي العلم, كما قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] .(112/3)
تفسير قوله تعالى: (الرحمن الرحيم)
قال تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] هذه صفة للفظ الجلالة, وهو ما يسمى عند النحويين بالنعت, (الرَّحْمَنِ) أي: ذو الرحمة الواسعة الشاملة لكل شيء, كما قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156] وهذه الرحمة العامة تشمل حتى الكافر, فإنه يعيش برحمة الله, ولولا أن الله يرحمه ما وجد غذاءً ولا شراباً ولا كسوة ولا سكناً ولكنه يعيش برحمة الله في هذه الأشياء, إلا أنها رحمة لا تفيده في الآخرة؛ لأنها رحمة قاصرة في الدنيا فقط.
(الرَّحِيمِ) أي: ذو الرحمة الخاصة التي تصل إلى المرحوم, وهذا لا يكون إلا للمؤمنين؛ لقول الله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب:43] ولهذا قال بعض العلماء: الرحمن عامة والرحيم خاصة, وفي الإتيان بـ (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) بعد قوله: (رَبِّ الْعَالَمِينَ) دليل على أن هذه الربوبية ربوبية رحمة, ليست ربوبية انتقام أو غضب؛ بل هي ربوبية رحمة وأن كل ما صدر من الله عز وجل فإنه رحمة, حتى النقم التي تصيب الناس هي في الحقيقة رحمة, كيف هي رحمة، المرض رحمة؟! نعم هو رحمة, لكن لا يعرف أنه رحمة إلا من تدبر وتأمل: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] المرض بالنسبة للمؤمن يكفر الله به سيئاته, (ما يصيب المؤمن من همٍ ولا غمٍ ولا أذى إلا كفر الله بها عنه) وهذه رحمة، لأن ما يصيبك في الدنيا زائل ولا يبقى، ولا بد أن يزول, ودوام الحال من المحال, ويذكر عن بعض العابدات أنها أصيبت في إصبعها وأنها لم تتأثر, وقالت: (حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها) كلمة عظيمة, إذاً هذا المرض الذي أصابك رحمة, ثم إن المرض قد يكون سبباً لرجوع الإنسان إلى ربه إذا كان فاراً من الله, وقد يكون سبباً لاهتداء العاصي ورجوعه إلى ربه.
ولقد حدثت قريباً عن شخص كان مسرفاً على نفسه فاسقاً بعيداً من الله, فمات أبوه وبمجرد موت أبيه أصيب بهذه المصيبة عاد إلى الله واستقام, وصار من خيار الشباب, فانظر إلى هذه المصيبة كيف أصلحت هذا.
إذاً نقول: كل ما في الكون وما يقدره الله فيه فهو ناتج عن رحمة, وقرينة ذلك أن الله لما قال: (َبِّ الْعَالَمِينَ) قال: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فليست بغيته مبنية على جبروت وإحراج وإعسار على العباد ولكنها مبنية على الرحمة.(112/4)
تفسير قوله تعالى: (مالك يوم الدين)
قال تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] وفي قراءة: (مَلِكِ يوم الدين) فمالك اسم فاعل, وملك صفة مشبهه, ويقال في الأول: مِلْك, ويقال في الثاني: مُلْك, أي: المُلْك للمَلِك, والمِلْك للمَالِك, فتقول مثلاً: هذه الساعة مِلك فلان, وتقول في مملكة تحت مَلك, تقول: هذه مملكة مُلْك فلان, المَلِك والمالِك قراءتان سبعيتان صحيحتان, يجوز للإنسان أن يقرأ بهما, يقرأ بهذه مرة وهذه مرة في الصلاة وخارج الصلاة, إلا أنه لا ينبغي أن نقرأ بقراءة تخرج عن المصحف أمام العوام؛ لأن ذلك يحدث فتنة, فإن ذلك قد يقلل من هيبة القرآن في نفس العامي, أو قد ينكر العامي بقلبه أو لسانه على هذا الذي قرأ بقراءة لا يعرفها, ولهذا ينبغي لطلبة العلم ألا يقرءوا بالقراءة الخارجة عن المصحف الذي بين أيدي الناس؛ لما ذكرنا من أنه قد يكون سبباً لاستهانة العامة بالقرآن, أو سبباً للطعن في هذا القارئ وأنه لا يستطيع أن يقرأ.
المهم: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) أي: أن الله عز وجل هو المتصرف في ذلك اليوم, لا أحد يتصرف في ذلك اليوم أبداً, لو كان يستطيع أن يتصرف لأوجد له ظلاً من حر الشمس, ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) فهو الذي يخلق عز وجل ظلاً في ذلك الوقت على من استحقه, كالسبعة الذين يظلهم الله في ظله, وقد جاء في الحديث: (كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة) .
كذلك هو مَلِك يوم الدين, لا مُلك لأحد معه, كما قال تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:16] فيجيب نفسه: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16] أي: ملوك الدنيا مهما عظم ملكهم واتسع وقوي سلطانهم فإنه يتلاشى من حين يموت السلطان سواء كان باسم السلطان أو باسم الملك أو باسم الرئيس فإنه يزول ذلك بمجرد موته, وما يفعل من بعده من تعظيم قبره أو زرع الأزهار عليه أو ما أشبه ذلك فإنه لا ينتفع به إطلاقاً, لماذا؟ لأنه مات وزال ملكه, في يوم القيامة أيضاً لا ملك إلا لله وحده جل وعلا, فلهذا قال: (مَلك) أو (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) .
فإن قال قائل: ما معنى: (يَوْمِ الدِّينِ) ؟ قلنا: (يوم الدين) أي: يوم القيامة؛ لأنه الذي يدان فيه العباد أي: يجازون على أعمالهم, والدين يكون بمعنى الجزاء كما في هذه الآية, ويكون بمعنى العمل كما في قوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6] .
فهذه ثلاث آيات كلها لله عز وجل.(112/5)
الأسئلة(112/6)
حكم التهنئة برأس العام الجديد
السؤال
ما حكم التهنئة لبداية السنة, بما يفعله الناس كأن يقول أحدهم للآخر: كل عام وأنتم بخير ونحو ذلك؟
الجواب
التهنئة برأس العام الجديد ليست معروفة عند السلف , ولهذا تركها أولى, لكن لو أن الإنسان هنأ الإنسان بناءً على أنه في العام الذي مضى أفناه في طاعة الله عز وجل فيهنئه لطول عمره في طاعة الله فهذا لا بأس به, لأن خير الناس من طال عمره وحسن عمله, لكن هذه التهنئة إنما تكون على رأس العام الهجري, أما رأس العام الميلادي فإنه لا يجوز التهنئة به؛ لأنه ليس عاماً شرعياً بل إن هنئ به الكفار على أعيادهم، فهذا يكون الإنسان فيه على خطر عظيم أن يهنئهم بأعياد الكفر, لأن التهنئة بأعياد الكفر رضا بها وزيادة, والرضا بالأعياد الكفرية ربما يخرج الإنسان من دائرة الإسلام, كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه أحكام أهل الذمة.
وخلاصة القول: أن التهنئة برأس العام الهجري تركها أولى بلا شك؛ لأنها ليست من عهد السلف , وإن فعلها الإنسان فلا يؤثم, وأما التهنئة برأس العام الميلادي فلا.(112/7)
شرح تعريف الواجب: ما يثاب فاعله امتثالاً ويعاقب تاركه اختياراً
السؤال
ما المراد بتعريف الواجب: ما يثاب فاعله امتثالاً, ويعاقب تاركه اختياراً؟
الجواب
أي: ما يفعله امتثالاً لأن الإنسان قد يفعل الواجب بغير امتثال لله, لأنه عادة فهذا لا يثاب عليه وإن كان قد تبرأ به الذمة, وكذلك إنسان قد يعمل واجباً ولم يطرأ على باله التعبد لله, مثل: أن يجد غريقاً في الماء فينقذه من الغرق ولا يخطر بباله أنه أراد بذلك امتثال الأمر بإنقاذ المعسور, وأما تركه امتثالاً فلا بد منه.
ويعاقب تاركه أي: يستحق العقاب على تركه, وقوله: (اختياراً) أي: إذا كان أجبر على تركه وأكره فإنه لا يعاقب على ذلك, لأنه مكره على الترك.(112/8)
المراد بعصمة الرسول صلى الله عليه وسلم
السؤال
ما المراد بعصمة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
عصمة الرسول عليه الصلاة والسلام من كل ما ينافي الرسالة, فهو معصوم من الكذب, ومعصوم من سوء الأخلاق, ومعصوم من الخيانة, ومعصوم من الشرك, وغير ذلك مما ينافي الرسالة, أما ما يقع منه من الذنوب فإنه معصوم من الإقرار عليه بخلاف غيره, فإن الإنسان قد يذنب الذنب ويستمر فيه.(112/9)
أحاديث لا تصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم
السؤال
هناك بعض الأحاديث يتناقلها العامة، مثل: (لعن الله قاطع سدرة) , والحديث الثاني: (من قطع سدرة سدد الله رأسه إلى النار) ، والحديث الثالث: (من أراد أن يلعن نفسه فليكذب) , ما صحة هذه الأحاديث؟
الجواب
كل هذه لا تصح, لكن قد نهي عن قطع شجر السدر إذا كان الناس ينتفعون بها في الاستظلال, مثل: أن تكون منزلاً للمسافرين أو ما أشبه ذلك, فهذا قد نهي عن قطعها لما فيها من إزالة المنافع التي ينتفع بها المسلمون, أما الألفاظ التي ذكرت فلا تصح.(112/10)
حكم الازدحام على أيسر الصف في الصلاة وترك الأيمن
السؤال
إذا كنت إماماً ورأيت أكثر المأمومين في أيسر الصف وقد تركوا الأيمن, فهل أقول لهم: اعدلوا الصف الأيمن؟
الجواب
نعم, إذا كنت إماماً ورأيت الناس منحازين إلى أحد الجانبين الأيمن أو الأيسر بفرق واضح, فقل لهم: تعالوا إلى هنا حتى يكون أيمن الصف وأيسر الصف متماثلاً أو متقارباً, سواء الأيسر أو الأيمن, فإذا كانوا عشرة نقول: يأتي منكم ثلاثة, لأن الأيمن أفضل إذا تساوى مع الأيسر.
السائل: وإذا لم يفعلوا ذلك.
؟ الجواب: إذا أمرهم لا أظن أن يرفضوا أبداً, لأن الإمام مطاع, وإلا ما الفائدة إذا قال: استووا اعتدلوا.(112/11)
ألفاظ توجيه المصلين قبل التكبير في الميزان
السؤال
إذا قال الإمام: استووا يرحمني ويرحمكم الله، وسدوا الفُرَج, وسووا صفوفكم، إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج، وسدوا الخلل, ولا تدعوا فرجات للشيطان, وأحضروا قلوبكم إلى الصلاة, وصلوا صلاة مودع, هل هذه الألفاظ كلها مأثورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أم ما هو اللفظ الصحيح الذي يوصي به الإمام المأمومين؟ الشيخ: أعد من الأول, واحدة واحدة السائل: بعض الأئمة قبل أن يكبر تكبيرة الإحرام, يقول للمأمومين: استووا اعتدلوا الشيخ: استووا واعتدلوا هذه لا بأس بها؛ لأنها وردت بها السنة.
السائل: وأحضروا قلوبكم للصلاة؟ الشيخ: هذه لم ترد, ولا ينبغي أن يقولها، لأنه ليس أبلغ نصحاً للعباد من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفي الصحابة من لا يحضر قلبه في الصلاة, ولذا شكى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحضر قلبه في الصلاة, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ذاك شيطان يقال له: خنزب -أي: الذي يأتي الناس في الصلاة يوسوس عليهم- فإذا أحسست به فاتفل عن يسارك ثلاث مرات واستعذ بالله منه, قال: ففعلت فأذهبه الله عني) .
لو قال قائل: الرسول عليه الصلاة والسلام خلفه صحابة لا تغيب قلوبهم وأنا خلفي أناس مشغولون بالدنيا تغيب قلوبهم فأقول لهم: احضروا قلوبكم لهذا السبب, نقول له: أولاً: أنت لم تفتش عن قلوبهم, ثانياً: أن الصحابة رضي الله عنهم فيهم من يغيب ويشتغل قلبه، ومع ذلك ما كان الرسول يقول: أحضروا قلوبكم.
وكذلك أيضاً قوله: صلوا صلاة مودع, هذه أيضاً من التنطع في دين الله ولم ترد عن النبي عليه الصلاة والسلام.
السائل: يرحمني ويرحمكم الله؟ الشيخ: يرحمني ويرحمكم الله لم ترد.
السائل: وسدوا الفرج؟ الشيخ: سدوا الفرج صحيح.
السائل: وأقيموا صفوفكم؟ الشيخ: أقيموا صفوفكم صحيح.
السائل: إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج؟ الشيخ: هذا غير صحيح.
السائل: لا تدعوا فرجات للشيطان؟ الشيخ: هذا صحيح.(112/12)
رجل دخل مع إمام يصلي العشاء بنية العصر ثم تذكر أنه صلى العصر مع جماعة أخرى
السؤال
إنسان دخل يصلي صلاة العصر فوجد المصلين قد انتهوا من الصلاة, فخرج من المسجد وذهب إلى البيت, فلم يصلِ صلاة العصر ناسياً, وصلّى المغرب والعشاء, وقبل أن يدخل لصلاة العشاء تذكر أنه لم يصلِ صلاة العصر, ودخل مع الإمام بنية العصر، فلما كبر تذكر أنه قد صلّى صلاة العصر مع جماعة قد فاتتهم الصلاة, فما حكم ذلك؟
الجواب
حكم ذلك أنه إذا ذكر أنه قد صلّى صلاة العصر يقطع الصلاة, ويدخل من جديد بنية العشاء.(112/13)
حكم اشتراط الطهارة لمن لبس جورباً على جورب
السؤال
إذا لبست جورباً على جورب, فهل يشترط للأخير الطهارة؟
الجواب
إذا لبست جورباً على جورب وكان لبس الثاني على طهارة فلا بأس على القول الراجح, وبعض العلماء: يرى أنك إذا مسحت على الجورب الأول فاستمر عليه, ولا تلبس عليه شيئاً, وإن لبست عليه شيئاً وأردت الوضوء فلا بد أن تخلع الذي لبست أخيراً وتمسح الأصل, ولكن الصحيح: أنك إذا لبست الأعلى على طهارة فلا بأس أن تستمر تمسح عليه, ولكن ابتداء المدة من المسح الأول, فمثلاً: لو أن إنساناً لبس يوم الأحد صباحاً, واستمر على هذا إلى أن مسحه لصلاة المغرب, ثم اشتد عليه البرد فلبس فوقه آخر وهو على طهارة, فيمسح عليه إلى طلوع الفجر من اليوم الثاني.(112/14)
حكم الحجامة في الشتاء
السؤال
يقولون: الحجامة لا تكون في الشتاء, هل هذا صحيح؟
الجواب
لا أدري, لكن مرجع هذا إلى الأطباء الذين يمارسون هذا الشيء.
السائل: أما ورد يا شيخ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه احتجم؟ الشيخ: ورد أن الحجامة من أفضل أنواع الطب.
السائل: قصدي في الشتاء؟ الشيخ: لا أدري.(112/15)
حكم الإفطار لمن صام نفلاً
السؤال
ما حكم تغيير النية في عبادة النفل, كمن صام مثلاً يوم الإثنين، ثم في منتصف اليوم أفطر, ما حكم ذلك؟ وهل يأثم في فعل ذلك؟ الشيخ: قل: ما حكم إفطار الصائم نفلاً؟ هذا ليس تغيير نية، هذا إفطار.
السائل: أو في عبادة النفل عموماً تغيير النية الشيخ: نأتي إلى الإفطار, إذا صام الإنسان نفلاً فلا حرج عليه أن يفطر, لكن الأفضل ألا يفطر إلا لغرض، إما أن يرى لنفسه التعب, أو أتاه ضيوف لا تطيب نفوسهم إلا إذا أكل معهم, أو ما أشبه ذلك, وإلا فليستمر.
وكذلك أيضاً بقية النوافل كما لو شرع في صلاة النفل وحضر ضيوف وهو في أثناء الصلاة فليقطعها ولا بأس, ويستثنى من هذا الحج والعمرة, فإن الحج والعمرة إذا شرع فيهما الإنسان ولو كانا نفلاً وجب عليه إتمامهما؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] وهذه الآية نزلت في الحديبية قبل أن يفرض الحج, فدل هذا على أنه لا بد من إتمام الحج والعمرة.
إذاً القاعدة الآن: أن كل من شرع في نفل جاز له أن يقطعه، لكن الأفضل ألا يقطعه إلا لعذر, إلا الحج والعمرة فإنه يجب عليه إتمامهما.(112/16)
حكم لبس الجوارب لئلا يغسل قدميه
السائل: ما حكم لبس الجورب من أجل ألا يغسل قدميه, ليس من أجل البرد؟ الشيخ: يعني: أنه لبس الجورب ليمسح فقط؟ السائل: نعم.
الشيخ: بعض العلماء يمنعه ويقول: لا يجوز هذا؛ لأنه نوى إسقاط الواجب عليه وهو غسل الرجل, فهو كالذي يسافر في رمضان من أجل أن يفطر في رمضان, ومعلوم أن من سافر في رمضان من أجل الفطر فإنه يحرم عليه السفر ويحرم عليه الفطر أيضاً, فعلى هذا: يحرم عليه اللبس ويحرم عليه المسح.
وبعض العلماء يقول: لا بأس أن يلبس ليمسح, لأن أصل اللبس للخفين من أجل المسح عليه, سواء كان بسبب شدة البرد أو شدة الحر أو أثر في الرِجل أو غير ذلك, المهم أن أصل لبس الخفين أو الجوارب من أجل المسح, وليس أصل السفر من أجل الفطر, فبينهما فرق, ولا يصح لباس أحدهما على الآخر, وهذا هو القول الراجح، أن الإنسان لو لبس من أجل أن يمسح فلا بأس, لكننا لا نحبذ له هذا, لأن غسل الرجل إذا كانت مكشوفة أفضل من المسح عليها.(112/17)
حكم السفر لحضور صلاة الجنازة وتعزية أهل الميت
السؤال
ما حكم السفر لحضور الصلاة على الجنازة وتعزية أهل الميت؟
الجواب
إذا كانت هذه الجنازة ممن له حق عام أو خاص فلا بأس أن يسافر الإنسان له, وليس هذا من باب شد الرحال إلى القبور, وكذلك في التعزية, لكن السفر إلى التعزية سوف يستلزم اجتماع أهل الميت في البيت, واستقبالهم للناس, وهذا من البدع, حتى إن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: [كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة] والناس الآن في بعض المناطق يفعلون أعظم من هذا, يجتمعون ويصفون الكراسي ويضيئون الأنوار, وإذا مررت ببيتهم كأنما مررت ببيت عرس, وهذا لا شك أنه من البدع, والميت لا ينتفع بذلك, وهم لا ينتفعون أيضاً؛ لأنهم يزدادون بذلك إضاعة للوقت, وإضاعة للمال, ومخالفة لهدي السلف , فلهذا نحن ننصح إخواننا المسلمين أن نقول لهم: دعوا هذه العادات, فإن شيئاً لم يفعله السلف لا خير فيه.(112/18)
جواز وضع المدفئة أمام المصلي
السؤال
نرى بعض الناس يجعل المدفئة أمامه وهو يصلي؟
الجواب
لا إشكال في هذا, يجوز أن تصلي والمدفئة أمامك ولا حرج, وأما ما كرهه بعض العلماء رحمهم الله من استقبال النار, فهذا ليس فيه حديث صحيح عن الرسول عليه الصلاة والسلام, ولكنهم عللوا ذلك بأن هذا يكون مشابهة للمجوس الذين يعبدون النار, والمجوس الذين يعبدون النار لا يعبدون مثل هذا, إنما يعبدون ناراً يوقدونها ويكون لها لهب ومعظمة, وكما أننا نصلي الآن في الجدار القبلي هناك قناديل من الكهرباء, والقنديل من الكهرباء أقرب إلى النار التي يعبدها المجوس؛ لأن قناديل الكهرباء الأصغر -المدورة- تشبه النار الموقدة، ومع ذلك لم تكن محل إشكال, ثم إن هذه المدفئات أو الدفايات لا تكون أمام الإمام إنما تكون أمام المأمومين, ويفرق بين ما يكون أمام الإمام وأمام المأمومين, ولهذا لو مرت امرأة من بين أيدي المصلين لم تقطع صلاتهم, ولو مرت من بين يدي الإمام قطعت صلاة الإمام وصلاة من وراءه.(112/19)
حكم إقامة دروس القرآن والدروس العلمية يوم الجمعة
السؤال
ما حكم إقامة دروس للقرآن والدروس العلمية فجر يوم الجمعة؟
الجواب
لا نرى في هذا بأساً, ما دام أنه لا يضيق على المصلين, وأما النهي عن التحليق يوم الجمعة فهذا إذا كان يضيق على الناس, لأنهم كانوا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام يتقدمون, يأتون في الساعة الأولى، أما في مسجد لا يأتي الناس إليه إلا عند مجيء الإمام فلا فرق بين يوم الجمعة وغيرها.(112/20)
حكم سجود التلاوة للإمام في الصلاة السرية
السؤال
إذا مر بالإمام آية سجود في صلاة سرية هل يسجد بالمأمومين؟
الجواب
ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قرأ في صلاة الظهر آية سجدة وسجد, ولكن الحديث في صحته نظر, فلو صح الحديث لكان العمل به واضحاً, ولكن في صحته نظر، ولهذا قال فقهاء الحنابلة: يكره للإمام أن يقرأ في صلاة السر آية سجدة, وإذا قرأها فيكره أن يسجد فيها, وعللوا ذلك: بأنه إذا قرأها ولم يسجد فقد خالف السنة؛ لأن السنة فيمن قرأ آية سجدة أن يسجد, وإن قرأها وسجد لبَّس على المؤمنين وشوش عليهم, فلهذا قالوا: يكره أن يقرأها أو أن يسجد فيها, والحمد لله القرآن كثير سوى الآيات التي فيها سجدة, فيقرأ ما تيسر.(112/21)
معنى قول الله تعالى: (فأينما تولوا فثم وجه الله)
السؤال
ورد في مختصر الصواعق المرسلة للإمام ابن القيم رحمه الله حين أتى إلى قوله عز وجل: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] ذكر أنه ورد عن بعض السلف ومنهم الشافعي بأن المعنى في قوله: (وَجْهُ اللَّهِ) أي: قبلة الله, ثم نقض ذلك ترجيحاً من عدة وجوه, وقال من بينها: ما بالكم أخذتم هذه على قبلة الله, مع أنه في كل النصوص التي وردت فيها وجه الله هي إضافة الصفة إلى الموصوف, فرجح من عدة أوجه -كما قلت- قوله: إن تفسيرها نعني به إحاطة الله التامة والمطلقة, فكما تعلم الأشاعرة يؤولون قضية الدعاء ورفع الأيدي إلى السماء بقولهم: إن هذه قبلة الدعاء, وأنكر السلف عليهم ذلك وقالوا: إن هناك قبلة واحدة للصلاة وللدعاء, فهل للأشاعرة أن يقولوا: إن القول في قبلة الله في هذا التفسير أيضاً يستلزم عدة قبلات لله عز وجل, فأرجو من فضيلتكم إزالة مثل هذه الشبهة مأجورين وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
أولاً: أنا أرجو من الإخوان الحاضرين أن لا يوردوا مثل هذا السؤال المطول المعقد, وأكثر الإخوة الآن قد لا يفهمون هذا إطلاقاً ولا طرأ على بالهم إطلاقاً, فمثل هذا يكون بيني وبين السائل.
لكن الآية الكريمة فيها قولان للسلف: القول الأول: أن المعنى: فأينما تولوا فثم وجهت الله، أي: قبلته, بمعنى: أنك إذا أشكل عليك القبلة, ثم صليت وأنت في البر, صليت إلى جهة ظننتها القبلة ثم تبين إنها ليست القبلة فصلاتك صحيحة, لأن هذه الآية ذكرت كمقدمة لقوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:142] فهذه الآية كقوله: {قُل لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة:142] و {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] أي: إن اتجهتم إلى الكعبة فأنتم مولون وجه الله, وإن اتجهتم إلى بيت المقدس كما انتقدكم اليهود فأنتم مولون إلى وجه الله: {لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:142] وهذا قول له قوته.
القول الثاني: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] أي: فالله تعالى قبل وجوهكم, ويؤيد هذا القول قول النبي صلى الله عليه وسلم في المصلي: إنه لا يبصق قبل وجهه, قال: (فإن الله قبل وجهه) .
فالآية محتملة لهذا ولهذا, ومعناها صحيح على كلا القولين.
أما الأشاعرة وقولهم: إن هذا قبلة الدعاء, فيقال لهم: أنتم هل تدعون السماء أم تدعون رب السماء؟ فإذا رفعتم أيديكم إلى السماء وقلتم: يا ألله، فإنما تنادون الله عز وجل, فإذاً الله هناك, لستم تقولون: يا سماء، وكونهم يقولون: إن السماء قبلة الداعي، خطأ, لأن قبلة الداعي هي الكعبة, فإن العبادة التي يشرع فيها استقبال القبلة إنما يشرع إلى الكعبة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(112/22)
لقاء الباب المفتوح [113]
استكمل الشيخ رحمه الله ما كان قد بدأه من شرح آيات سورة الفاتحة، فتحدث عن العبادة ومعناها الحقيقي وما ترمي إليه، وكذا عن الصراط المستقيم وأوصافه وعن الهداية وأهلها.
وأجاب عن الأسئلة عقب كلمته وكان من أهمها: سؤال يتعلق بغلاء المهور ورد الكفء من الرجال لشروط محرمة.(113/1)
تفسير آيات من سورة الفاتحة
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث عشر بعد المائة من لقاء الباب المفتوح الذي يتم كل خميس, وهذا هو يوم الخميس 29 من شهر رجب عام (1416هـ) .
ونفتتح هذا اللقاء بإكمال سورة الفاتحة حيث تكلمنا على ثلاث آيات منها وهي قوله تبارك وتعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:2-4] .(113/2)
تفسير قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين)
قال الله عز وجل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] الجملتان فيهما حصر, فمعنى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) أي: لا نعبد إلا إياك, و (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أي: لا نستعين إلا إياك, وطريق الحصر أنه قدم المعمول وحقه التأخير, وكلما قُدِّم ما حقه التأخير فإنه يفيد الحصر, هذا في اللغة العربية كما نص على ذلك أهل البلاغة وأهل النحو.
فما معنى العبادة التي قال الله عنها: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ؟ العبادة: هي التذلل لله عز وجل والخضوع له, وامتثال أوامره, واجتناب نواهيه, وتصديق أخباره, وتعظيمه, ومحبته, إلى غير ذلك من أنواع العبادة, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
فالطهارة عبادة, والصلاة عبادة, والصدقة عبادة, والزكاة عبادة, والصوم عبادة, والحج عبادة, والنذر عبادة, والتوكل -وهو التفويض المطلق- عبادة, إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي ذكرها أهل العلم, والإنسان العابد يشعر بأنه عبد لسيده وإلهه, إذا أمره قال: سمعنا وأطعنا.
ومن تمام العبودية: الحب في الله والبغض في الله, فإن هذا أوثق عرى الإيمان أن تحب لله وتبغض لله, وتوالي لله وتعادي لله, فمن كان من عباد الله الصالحين فهو حبيبك في أي مكان في الأرض, وفي أي زمن من الأزمنة, حتى الذين آمنوا بموسى من بني إسرائيل, والذين آمنوا بعيسى من بني إسرائيل هم أحبابنا وإخواننا.
لا تظنوا أن الحبيب أو الأخ هو من كان من هذه الأمة بل هو كل من كان مسلماً في أي زمان وفي أي مكان فإنه أخ لنا؛ لأن هذا مقتضى العبادة، فالحب في الله والبغض في الله, والولاء في الله والمعادة في الله عز وجل, هذا من تمام العبادة.
من تمام العبادة: أن الله إذا أمر بأمر تقول: سمعنا وأطعنا, بعض الناس الآن إذا قلت: أمر الله بكذا أو أمر الرسول بكذا قال: هل الأمر للوجوب أو للاستحباب؟ سبحان الله! هل كان الصحابة يستفهمون مثل هذا الاستفهام إذا أمرهم الله بشيء أو أمرهم الرسول بشيء, يقولون: هل هذا للاستحباب أو للوجوب؟! لا.
بل يقولون: سمعنا وأطعنا, نعم إذا وقع الإنسان في المخالفة فحينئذٍ يتوجه هذا السؤال أن يقال: هل هذا للوجوب ويحتاج إلى فدية أو كفارة أو ما أشبه ذلك؟ إذا نهاه الله ورسوله عن شيء يقول: هل النهي للكراهة أم للتحريم؟ سبحان الله! إذا نهي عن شيء فقل: سمعنا وأطعنا, ونتجنبه.
ولهذا لا يستطيع أحد أن يأتي بحرف واحد عن الصحابة أنهم إذا أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا: هل أنت تأمرنا على سبيل الوجوب أم على سبيل الاستحباب؟ وإذا نهاهم عن شيء قالوا: هل أنت تنهانا على سبيل التحريم أم على سبيل التنزيه؟ أبداً, نعم إذا حصل شيء يوجب الاستفهام استفهموا.
مثال: قضية بريرة رضي الله عنها، فإنها لما عتقت وكان زوجها رقيقاً, قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (أنت بالخيار إن شئت أن تبقي معه، وإن شئت أن تفسخي النكاح فافسخي النكاح, فقالت: أختار نفسي وأفسخ النكاح, ففسخت النكاح) وكان زوجها مغيث يحبها حباً شديداً وهي تكرهه كراهة شديدة, فكان يمشي خلفها في أسواق المدينة يسألها أن ترجع وأن تعدل عن رأيها, ولكنها تأبى, فطلب مغيث من رسول الله أن يشفع له, فشفع له لعله يرجع إليها, قالت: (يا رسول الله أتأمرني؟ فسمعاً وطاعة, أم أمر تشير به عليَّ فلا حاجة لي فيه, قال: بل أمر أشير به عليكِ, قالت: لا حاجة لي فيه) .
وكذلك إذا دلت القرينة على أن الأمر ليس للوجوب مثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام لـ جابر بن عبد الله: (بعني الجمل بأوقية) فجعل يماكسه حتى اشتراه الرسول عليه الصلاة والسلام, المهم أن الأمر الشرعي لا يمكن للصحابة أن يقولوا: يا رسول الله هل الأمر للاستحباب أم للوجوب.
فمن تمام التعبد أنك إذا سمعت بأمر الله ورسوله فلا تتردد, ولا تقول: للوجوب أم للاستحباب، بل قل: سمعنا وأطعنا، وافعل وستؤجر, كذلك إذا سمعت النهي فلا تتردد ولا تقول: هل هو للتحريم فأجتنبه وجوباً, أو للكراهة فأجتنبه تنزهاً, بل قل: سمعنا وأطعنا, إلا إذا وقع الإنسان في المخالفة, فحينئذٍ يسأل: هل هو واجب أم محرم من أجل أن يستدرك ما فاته, المهم أن من تمام العبادة تمام الامتثال, بفعل الأوامر واجتناب النواهي.
(وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) معنى نستعين, أي: نطلب العون من الله, والاستعانة تقع على وجهين: الوجه الأول: استعانة عبادة, بمعنى: أن الإنسان يفوض أمره إلى الله, ويعلم أنه لا قدرة له على شيء إلا بمعونة الله, هذه لا تكون إلا لله.
الوجه الثاني: استعانة بأمر يقدر عليه المعين, والإنسان لا يرى أنه يفوض أمره إلى هذا المستعان به، ولكنه يرى أنه من باب المساعدة, فهذا جائز، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها, أو ترفع له عليها متاعه صدقة) تعينه, فأثبت الإعانة من المخلوق للمخلوق.
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ما المراد بالاستعانة هنا؟ الاستعانة التي لا تصلح إلا لله أم التي تصلح لله وللمخلوق؟ المراد الأول، الاستعانة التي فيها التفويض المطلق وأنه لا قدرة للمستعين على أي شيء إلا بمعونة، هذه الاستعانة به وهذه لا تكون إلا لله عز وجل.(113/3)
تفسير قوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم)
قال تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] الهداية تكون بمعنى الدلالة, وتكون بمعنى التوفيق, فأي المعنيين هناك يريد الداعي: هداية التوفيق أم هداية الدلالة، أو كلتيهما؟ كلتيهما, يريد هداية الدلالة أي: العلم, هداية التوفيق أي: التزام الصراط المستقيم, ومعلوم أن الإنسان لا يستطيع أن يلتزم الصراط المستقيم إلا بعلم, كيف يعبد الله على جهل؟ لا يمكن! لا بد أن يهديه الله, يدله أولاً ثم يوفقه ثانياً.
قول الله عز وجل: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم, ما المراد بالهداية هنا؟ هداية الدلالة والإرشاد والبيان, وقوله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56] هداية التوفيق, يعني: لا تستطيع أن توفق أحد للهدى أبداً, لا يستطيع ذلك إلا الله وحده, وقوله: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت:17] هداية الدلالة, دلهم الله على الحق, وبين لهم رسولهم الحق ولكنهم: {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ} [فصلت:17] .
المهم أن الهداية نوعان: هداية الدلالة, وهداية التوفيق.
هداية الدلالة تكون بالعلم, وهداية التوفيق تكون بالسير على الصراط المستقيم.
وقول المصلي أو الداعي بهذه الآية الكريمة: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) أي: هداية الدلالة والتوفيق, فيكون هذا الدعاء شاملاً للعلم بالحق, والعمل بالحق.
وقوله: (الصِّرَاطَ) يقول أهل اللغة: إن الصراط لا يطلق على الطريق إلا إذا كان واسعاً, أما الطريق الضيق فليس بصراط, ووجه ذلك في المعنى: أن الصراط والزراط والسراط كلها تدل على سعة وسهولة النفوذ, يقال: زرط الرجل اللقمة.
أي: ابتلعها بسرعة وسهولة, هنا الصراط أي: الطريق الواسع الذي يمضي به الإنسان من غير تعب ولا مشقة.
لكن الصراط قد يكون مائلاً, وقد تكون فيه مرتفعات ومنخفضات, ولهذا قال: (الْمُسْتَقِيمَ) أي: الذي لا اعوجاج فيه وليس فيه منخفض ولا مرتفع, لأن الطريق المعوج يعوق.
مثلاً: إذا كان بينك وبين البلدة في خط مستقيم 20 كيلو, يكون بينك وبينها في خط معوج 30 كيلو أو أكثر حسب كثرة الاعوجاج, كذلك في المنخفضات والمرتفعات, إذا كانت الطريق سوياً فإنك تصل إلى ما تريد بسرعة, لكن إذا كان مرة في الأعلى ومرة في الأسفل زاد عليك الطريق, فالمستقيم إذاً هو المستوي المعتدل, فخرج المعوج وما فيه من انخفاض وارتفاع.
فما المراد بالصراط المستقيم هنا: هل المراد الصراط المستقيم الحسي أم المعنوي؟ المراد المعنوي ليس الحسي, أما في قول موسى عليه الصلاة والسلام: {عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} [القصص:22] فالمراد به الحسي، ولهذا هداه الله عز وجل إلى سواء السبيل, لكن هنا الصراط المعنوي, والصراط المعنوي بينه بقوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7] .(113/4)
تفسير قوله تعالى: (صراط الذين أنعمت عليهم)
قال تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7] أي: أنعمت عليهم النعمة التامة التي يكون فيها نعمة الدين والدنيا, فمن هؤلاء؟ قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء:69] أربعة أصناف هم الذين أنعم الله عليهم, وهم على مراتبهم هذه: المرتبة الأولى: قال: (مِنَ النَّبِيِّينَ) والنبيون هنا يشمل المرسلين؛ لأن الرسول نبي, والرسل أعلى طبقة من الأنبياء, وأولو العزم أعلى طبقة من غيرهم, ومحمد أعلى أولي العزم طبقة.
فإذاً: النبيون تشمل طبقاتهم المرسلون فهم أعلى من النبيين, وأولو العزم أعلى من بقية الرسل, ومحمد أعلى طبقة في أولي العزم.
هل أنت تستحضر وأنت تقرأ هذه الآية هؤلاء السادة؟ لا بد أن يكون في قلبك ذكر لهؤلاء السادة.
المرتبة الثانية: الصديقون, هم الذين بلغوا في الصدق غايته، في تصديق ما أنزل الله على رسله, وقاموا بذلك وعلى رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه, كيف عرفنا أنه على رأس الصديقين؟ لأن هناك حواريين وأنصاراً من الرسل السابقين, فكيف عرفنا أن أبا بكر هو أفضلهم؟ عرفنا ذلك لأن هذه الأمة أفضل الأمم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] وأن أفضل هذه الأمة هو أبو بكر باتفاق الصحابة, فقد كان الصحابة يقولون على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم: [خير هذه الأمة أبو بكر ثم عمر] حتى علي بن أبي طالب كان يعلن على منبر الكوفة بعد أن كان خليفة يقول: [خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر] وبذلك نعرف كذب الرافضة الذين يدعون أن أبا بكر ليس خليفة وأنه ظالم لـ علي؛ لأن علي عندهم هو الخليفة, فيقال: لماذا لم يعلن علي بن أبي طالب حين كان خليفة أنه مظلوم؟ بل أعلن أن ما جرى هو العدل؛ لأنه أقر واعترف بأن خير هذه الأمة أبو بكر , وهذا إقرار بفضله وبأحقيته للخلافة؛ لأنه لا يولى على القوم إلا أفضلهم وخيرهم.
على كل حال: نحن نقول: الطبقة الثانية من الخلق هم الصديقون.
المرتبة الثالثة: الشهداء, الشهداء يشمل شهداء المعركة, وهم الذين قتلوا في سبيل الله, ومن الذي قتل في سبيل الله؟ هو الذي قاتل لتكون كلمة الله هي العليا, فمن قاتل للقومية فهو خاسر, ومن قاتل للوطنية فهو خاسر, ومن قاتل ليرى مكانه فهو خاسر, ومن قاتل رياءً فهو خاسر, المقاتل الذي إذا قتل فهو شهيد هو الذي قاتل من أجل هذا الغرض لتكون كلمة الله هي العليا, هذا هو المقاتل في سبيل الله وهو الشهيد, وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياءً أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) أي: أن هؤلاء ليسوا في سبيل الله, ولهذا جاء في الحديث: (ما من مكلوم يكلم -أي: ما من مجروح يجرح- في الجهاد والله أعلم بمن يكلم في سبيله) هذه الجملة مهمة, ليس كل من قتل في الجهاد يكون عند الله شهيداً, قد يكون في رأينا شهيداً, ولكنه عند الله ليس بشهيد؛ لأنه قال: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة لون دمه لون الدم, وريحه ريح المسك) .
الشهداء يشمل أيضاً أهل العلم, فإن العلماء من الشهداء قال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] لكن من هم أولي العلم الذين يكونون من الشهداء؟ هم أولي العلم الذين يطلبون العلم لله, والذين إذا بان لهم الحق تبعوه, والذين لا يخرجون عن طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, ليس العالم القارئ ولهذا قال عبد الله بن مسعود: [كيف بكم إذا كثر قراؤكم وقل فقهاؤكم] يعني: لو وجدنا شخصاً بحراً في العلم, إن جئته في التفسير فإذا هو بحر, في الحديث بحر, وفي الفقه بحر, في كل فن هو بحر، لكنه لا يعمل بعلمه, ولا يتبع طريق السلف فهذا ليس من أولي العلم, يقول الله عز وجل في المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:4] لماذا تسمع لقولهم؟ لأن لهم فصاحة وبيان, وهم في مظهر يعجبك, لكنهم لا خير فيهم: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4] فالحاصل أن (الشهداء) تشمل طائفتين من الناس: الأولى: من قتل في سبيل الله.
الثانية: العلماء حقيقة.
المرتبة الرابعة: الصالحون وهم الطبقة الأخيرة، وهم عامة المسلمين والمؤمنين, فأنت تسأل الله أن يهديك الصراط المستقيم, صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, وهؤلاء يجمعهم معنى واحد: ألا وهو العلم بالحق والعمل به.(113/5)
تفسير قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)
قال تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] هذان صنفان مخالفان للذين أنعم الله عليهم.
قلنا: إن الذين أنعم الله عليهم يجمعهم شيء واحد وهو العلم بالحق والعمل به, وهذان الصنفان -أي: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) - على عكس من ذلك, فالمغضوب عليهم, علموا الحق ولم يعملوا به, وعلى رأسهم اليهود علموا الحق ولم يعملوا به, والضالون هم الذين لم يعلموا الحق, أي: عبدوا الله على جهل, وعلى رأسهم النصارى قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام, أما بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام فالنصارى واليهود سواء؛ لأنهم علموا الحق ولم يعملوا به, فكما أن اليهود علموا بصحة نبوة عيسى ولكنهم لم يتبعوه, هكذا النصارى علموا بصحة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يتبعوه، إذاً لا فرق بينهم وبين اليهود فالجميع بعد بعثة الرسول مغضوب عليهم.
وهنا يقال: لماذا قال: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) مع أنه قال: (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ؟ لأن النعمة من الله, والغضب يكون من الله ومن غيره, فإذا غضب الله على أحد فكل المؤمنين بالله يغضبون عليهم, ولهذا اليهود مغضوب عليهم من قبل الله ومن قبل الرسل ومن قبل الصديقين والشهداء والصالحين.
نسأل الله أن يهدينا وإياكم الصراط المستقيم, صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.(113/6)
الأسئلة(113/7)
نزول القرآن منجماً
السؤال
أهل السنة والجماعة يعتقدون أن القرآن نزل على نزولين: نزول منجم ونزول مع الوحي, فالسؤال: هل جبريل عليه السلام ينزل بالوحي من الله عز وجل, أم من بيت العزة في السماء الدنيا؟
الجواب
أولاً قولك: إن أهل السنة يعتقدون أن القرآن نزل على حالين: منجم ومفرق، فيه نظر؛ لأنه ليس أهل السنة كلهم على هذا, بل ظاهر القرآن: أنه نزل منجماً لم ينزل مرة واحدة إلى بيت العزة؛ لأن هذا إنما روي عن ابن عباس بسند يحتاج إلى تثبت, لكنه نزل من عند الله مباشرة قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء:192-194] وأنت ترى القرآن تأتي فيه الآيات تتحدث عن شيء وقع، مثل قوله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمران:121] ، ومثل قوله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:1] ، ومثل قوله: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} [الأنعام:33] وما أشبه ذلك مما يدل على أن الله تعالى يتكلم بعد وقوع هذه الحوادث, وهذا يدل على أن الله يتكلم به حين إنزاله، وهو الذي نعتقده؛ لأن الله تعالى فعال لما يريد, متى شاء تكلم ومتى شاء لم يتكلم.(113/8)
ما يلزم القارئ فعله عند انقطاع نفسه
السؤال
صليت وراء أحد الأئمة فقرأ قول الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [الأنعام:102] فسكت ثم استأنف: {هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ} [الأنعام:102] فصار في نفسي شيء من هذا, فقلت له: إن لفظ (هو) تابع للتي قبلها؛ لأنها إثبات للنفي لأنه قال: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} , وليست تابعة للتي بعدها, فأصر على كلامه وقال: هذه قراءة لأحد القراء المشهورين، فما القول الفصل في ذلك؟
الجواب
القول الفصل: أن القراءات لا تأتي بمجرد أن يدافع الإنسان عن نفسه ولو بباطل, فلا يمكن أن يزيد أحد في القرآن شيئاً, وعلى كلامه تكون الآية: (ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو) (هو خالق كل شيء) فتكون (هو) مكررة مرتين, وهذا خطأ عظيم, لكن الظاهر لي أن هذا رجل جاهل, وأن القارئ الذي سمعه لما وصل إلى قوله تعالى: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} انقطع نفسه, ثم أعاد فقال: {هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام:102] وهذا خطأ، حتى وإن انقطع النفس فالذي ينبغي للإنسان إذا انقطع نفسه أن يبدأ من حيث وقف, وأما ما يفعله بعض الناس الآن إذا انقطع نفسه ذهب يقرأ آخر جملة ثم استمر, فيقال: آخر جملة قد تكون مرتبطة بما قبلها فاقرأ ما قبلها, ثم الذي قبلها يكون مرتبط بالذي قبلها, وحينئذٍ يلزمه أن يعيد الآية من جديد.
لهذا نرى: أن الإنسان إذا انقطع نفسه فقد انقطع نفسه عن ضرورة فيبدأ من حيث انقطع, ولا حاجة لإعادة الجملة التي قبل.
فالمهم: أن الآية ليس فيها (هو) مرتين, بل هي مرة واحدة و (هو) التي وقعت بعد (إلا) كما قلت إثبات لكون الله تعالى هو الخالق وحده.(113/9)
حكم الصلاة على النبي في خطبة الجمعة
السؤال
في حديث: (رغم أنف امرئ ذكرت عنده ولم يصلِّ عليّ) والحديث الآخر: (من قال لأخيه: صه فقد لغى) كيف نوفق بين الحديثين في خطبة الجمعة؟
الجواب
أما الأول: (رغم أنف امرئٍ ذكرت عنده فلم يصلِ عليّ) فقد أخذ منه بعض العلماء: أن الإنسان إذا سمع ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وجب عليه أن يقول: صلى الله عليه وسلم, وأما الثاني: فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (من قال لصاحبه: أنصت) وهذا خطاب للبشر, والدعاء خطاب لله وليس للبشر, فالفرق بينهما: أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم دعاء وقولك لصاحبك: أنصت خطاب آدمي.(113/10)
حكم حذف كملة (ابن) من الأسماء وقول: العبد الله
السؤال
ذكر بعض العلماء: أن وصف اسم الابن لاسم الأب مباشرة يعني: بدون ذكر (ابن) يكون في هذا تشبه بفعل النصارى في تسمية أبنائهم, أن يَصِلوا اسم الابن باسم الأب مباشرة دون ذكر (ابن) ولوحظت الأسماء التي تحمل لفظ الجلالة مثل: عبد الرحمن وعبد الله أن فيها أخطاء مثل أن يقال: فلان العبد الله أو فلان العبد الرحمن أو فيه نوع من التزكية مثل أن يقال: فلان العبد الجبار أو فلان العبد اللطيف فما رأيك؟
الجواب
أما الأول: وهو أن الإنسان يحذف (ابن) عند النسبة, فيقول مثلاً: محمد عبد الله, محمد صالح, محمد سليمان فهذا لا شك أن هذا خلاف طريقة السلف , وما كنا نعرفها من قبل, لكن دخلت علينا من الأمم التي استعمرها الكفار, وراحت على الناس مع الأسف, والصواب أن يقال: ابن كما قال الله تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [التحريم:12] .
وأما محمد العبد الله فليس يريدون بقولهم: العبد الله يعني: أن الله عبد, أو العبد الجبار أن الجبار عبد, أبداً ولا يطرأ على بال أحد, لكن (ال) هنا بمعنى (آل) , وتحولت إلى "ال" للتخفيف لكونها دائماً على ألسن الناس, فقول: العبد الله أي: آل عبد الله وهذه العبارة جرت على ألسنة العلماء في هذه البلاد من زمان ولم ينكرونها, بل ولم يبحثوا فيها, لكن الناس مع توسع الأذان الآن صاروا يقولون: كيف يكون هذا؟ فنقول قول القائل: العبد الله السليمان معناه آل فلان.(113/11)
مفاسد غلاء المهور ورد الكفء من الرجال
س
السؤال
لا يخفى عليكم قول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه, إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير -وفي لفظ: وفساد عريض-) ونحن في هذا الزمن نسمع أن الرجل الصالح الكفء إذا تقدم للخطبة من عند بعض الناس يرده لا لشيء إلا أنه لا يوافق على بعض الشروط مثل: ارتفاع المهر, ووجود التلفاز، وغيره من الشروط التي ربما تكون شروطاً محرمة, وبعضهم يرد بحجة أنه متزوج, فما رأيكم في من خالف مضمون هذا الحديث, إن لم يكن بلسان مقاله فقد خالف بلسان حاله, ولمن يرضى دينه وخلقه علماً أن بعض الناس تكون ابنته صالحة فقد يزوجها على من لا يصلي أو من فاسق فما نصيحتكم وتوجيهكم لمثل هؤلاء, وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
النصيحة لهؤلاء حصلت منا ومن غيرنا في مناسبات كثيرة: وهو أن الذي ينبغي للإنسان أن يجعل أكبر همه دين الخاطب وخلقه, فإن هذا هو الذي فيه البركة, فكما أنه ينظر إلى دين الخاطب وخلقه, كذلك أيضاً ينظر إلى دين المرأة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها وجمالها ودينها, فاظفر بذات الدين) وكون الناس الآن لا يزوجون إلا بمهور عالية مرتفعة جداً, هذا خطر على الأمة من عدة وجوه: الوجه الأول: نزع البركة من النكاح؛ لأن (أعظم النكاح بركة أيسره مئونة) .
الوجه الثاني: أن الناس يعزفون عن نكاح بنات البلد, ويذهبون إلى النكاح من خارج البلد, كما هو الواقع الآن؛ لأن خارج البلد يزوجون بالرخيص لأسباب ليس المراد هنا ذكرها, ومعلوم أن تزوج الإنسان من خارج البلد -ولا أعني بالبلد بلده الخاصة أعني البلد خارج المملكة - يترتب عليه مشاكل كثيرة؛ لأن النكاح يترتب عليه أحكام كثيرة: النسب, والإرث, والصلة, وغير ذلك, وهذا يولد مشاكل في المستقبل, ولهذا ندم كثير من الناس الذين تزوجوا من الخارج على ما فعلوا, لكن متى؟! بعد أن فات الأوان, وحصل الأولاد والذرية.
الوجه الثالث: أنه إذا تقلص النكاح من بنات البلد فالمرأة كالرجل, تحتاج إلى نكاح, ويكون هذا سبباً للزنا والعهر والعياذ بالله.
الوجه الرابع: أن هذه التي يأتي بها من الخارج ربما يكون لها عادات وأخلاق وديانة تفسد الزوج وأولادها, وفيهم من فيه الخير والصلاح لا شك.
فلهذا نحن ننهى عن المغالاة في المهور, ونقول: (أعظم النكاح بركة أيسره مئونة) .
الوجه الخامس: إذا رد ولي المرأة من هو كفء لها في الخلق والدين ولم يتقدم خاطب أولى منه؛ كان غاشاً لها وخائناً لأمانته, لأن ولي الأمر وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذي له الولاية العامة على أمته بالتوجيه والإرشاد يقول: (أنكحوا.
) وهذا يخالف.
وأما إذا اختار لموليته من بنت أو أخت أو غيرهما من لا يصلي فهذا -والعياذ بالله- أخطأ خطأً عظيماً؛ لأن الذي لا يصلي لا يجوز أن يزوج, مهما كان في الخلق, ومهما كان في المال, ومهما كان في الجمال, لا يجوز أن يزوج إطلاقاً، بل إذا كان معه زوجة يجب أن يفسخ النكاح إذا ترك الصلاة؛ لأنه إذا ترك الصلاة كان كافراً مرتداً عن دين الله, وقد الله تعالى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10] كذلك إذا اختار الإنسان لموليته فاسقاً سيئ الخلق فإنه غاش لها, وما أكثر النساء اللاتي يشتكين من هذه المسألة, يزوجن بمن ليسوا بأكفاء فيحصل الشر والبلاء والنكد, فنسأل الله أن يهدي الجميع.
مسألة التعدد: إذا كانت البنت لا تختار هذا فمعلوم أن الأمر إليها, وأما إذا رضيت بإنسان عنده زوجة سابقة فلا يجوز لوليها أن يمنعها, بل إن العلماء قالوا: إذا منع الأب ابنته من خاطب كفء وتكرر ذلك منه صار فاسقاً لا تصلح له ولاية, وتنزع الولاية منه إلى من بعده.(113/12)
ذكر وجه العداوة بين الآباء وبعض أهليهم
س
السؤال
يقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن:14] فنرجو تبيين العداوة وتوجيه الحذر؟
الجواب
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} ولم يقل: إن أزواجكم وأولادكم, فمن الأزواج والأولاد من هو عدو, ومنهم من هو ولي صالح يعين أبويه على الخير, ويكفهم عن الشر, والمراد بالعداوة هنا من تكون زوجته وأولاده سبب لانحرافه عن دين الله, فهذه أكبر عداوة، وهذا يقع في بعض الناس الضعفاء في الدين والشخصية, تجده يكون زوجاً لامرأة وعبداً لها من جهة أخرى, يفعل ما تريد, وكذلك بالنسبة للأولاد, وقد تكون العداوة عداوة دنيوية, تكون الزوجة هذه سليطة اللسان, وتبتز ماله, وتؤذيه وتنكد عليه, وكذلك الأولاد, وقوله: {فَاحْذَرُوهُمْ} أي: خذوا حذركم باليقظة والمراقبة ودقة النظر, حتى لا يضروكم؛ لأن الغالب أن العدو يكون ضاراً لعدوه إلا إذا احترز منه بالمراقبة, ولكن الحمد لله؛ لم (يقل) الله في الآية: إن أزواجكم وأولادكم قال: (مِن) ، ومن للتبعيض, والبعض قد يكون الأكثر وقد يكون الأقل.(113/13)
السنة في الإزار والثوب
السؤال
ذكر أحد أهل العلم: أن التقصير إلى نصف الساق خاص بالإزار فقط؛ لأن النصوص وردت في هذا, أما بالنسبة للثوب والبنطلون والعمامة فالسنة ما فوق الكعبين وتحت نصف الساق, فما قول فضيلتكم في هذا؟
الجواب
الذي أرى أن تخصيصها بالإزار لا وجه له, وأن ما ثبت في الإزار ثبت في الثوب أي: في القميص, لكني أرى: أن السنة إلى نصف الساق, وإلى تحت النصف, وإلى الكعبين, كل هذا سنة, ودليل ذلك: أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبا بكر رضي الله عنه, كان إزاره إلى أسفل من ذلك, لكنه لم يتجاوز الكعبين, ولهذا لما حذر النبي عليه الصلاة والسلام من جر الثوب خيلاء, قال: (يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي عليّ إلا أن أتعاهده, فقال: لست ممن يصنع ذلك خيلاء) , فكونه يسترخي عليه حتى يصل إلى الأرض إلا أن يتعاهده يدل على أنه أنزل من نصف الساق؛ لأنه لو كان إلى نصف الساق واسترخى حتى يصل إلى الأرض فسوف تنكشف عورته من فوق, فكلٌ سنة.
وأما من قصر السنة من نصف الساق أو فوقه فإنه لم يتدبر الأحاديث من كل وجه, ولو تدبرها لعلم أن السنة من نصف الساق إلى أسفل ما لم ينزل عن تحت الكعبين.(113/14)
أحكام الجمع في المطر
السؤال
نعيش هذه الأيام بين أمطار وخيرات, السؤال: متى يجمع؟ وما هي الأوقات التي تجمع فيها الصلوات؟
الجواب
هذا سؤال مهم, لولا أننا أحببنا أن نكمل سورة الفاتحة لكان صدر اللقاء هو الكلام عن هذا الموضوع.
أولاً: يجب أن نعلم أن أوقات الصلوات محددة من قبل الله ورسوله, أما من قبل الله فقد قال الله تعالى: ((إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)) [النساء:103] محدداً, وقال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء:78] ، وأما الرسول عليه الصلاة والسلام فقد بين ذلك بياناً واضحاً صريحاً, فوقت الظهر من كذا إلى كذا، ووقت العصر من كذا إلى كذا، ووقت المغرب من كذا إلى كذا، ووقت العشاء من كذا إلى كذا، ووقت الفجر من كذا إلى كذا، مفصلاً ومبيناً غاية البيان, والأصل وجوب الصلاة في وقتها, فمن صلّى قبل الوقت ولو بتكبيرة الإحرام فصلاته نفل إن كان جاهلاً يظن أن الوقت قد دخل, وإن كان متعمداً فهو متلاعب فصلاته باطلة مردودة عليه, ولو صلّى قبل الوقت بتكبيرة الإحرام فقط, كيف لو صلّى كل الصلاة قبل الوقت؟!! فمن صلّى قبل الوقت فإن كان عالماً أنه لم يدخل الوقت فهو متلاعب وصلاته باطلة مردودة, ومن جهل وظن أنه قد دخل فصلاته نافلة وعليه أن يعيدها بعد دخول الوقت, ومن صلّى بعد الوقت فكذلك, إن تعمد فصلاته باطلة ولا تقبل منه, لو صلّى ألف مرة, وإن كان لعذر كالنسيان والنوم والجهل أيضاً بالوقت؛ يظن أنه لم يخرج فصلاته صحيحة, هذا هو الأصل.
ولا يجوز للإنسان أن يجمع جمع تقديم أو جمع تأخير إلا بعذر شرعي, والعذر الشرعي مبين ضابطه ما أشار إليه عبد الله بن عباس رضي الله عنه حين قال: (جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء, من غير خوف ولا مطر, قالوا: ما أراد من ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته) أي: ألا يلحقها الحرج, وعلى هذا فالضابط في الجمع: أن يكون في تركه حرج على الناس, وأن يكون في تفريد الصلاة كل صلاة في وقتها حرج ومشقة, فهذا الضابط، إذا كان هناك حرج ومشقة فإنه يجمع, وإذا لم يكن هناك حرج ولا مشقة فإنه لا يجوز الجمع, ومن جمع تقديماً فعليه إعادة الصلاة التي صلاها قبل الوقت.
وفي بعض البلدان يكون المطر نازلاً بغزارة وفي هذا حرج أن يذهب الناس إلى المسجد, فتبتل ثيابهم, ويتأذون، فهذا حرج, أو يكون المطر واقفاً لكن الأسواق وحلة أي: زلق, أو نقع الماء كثيرة فتؤذي الناس فهذا أيضاً حرج، فيجمع, أما بدون ذلك فلا يجوز, ولهذا نأسف أن بعض الناس الذين يقولون: نتمسك بالسنة يغلطون في هذه المسألة, ويظنون أن الجمع جائز لأدنى سبب, وهذا خطأ, ثم يجب أن نقول: إذا علمنا أنه لا حرج في ترك الجمع صار الجمع حراماً, وإذا علمنا أن في تركه حرجاً صار الجمع جائزاً بل سنة, وإذا شككنا صار الجمع حراماً؛ لأن الأصل وجوب فعل الصلاة في وقتها, فلا نعذر عن هذا الأصل إلا بأمر متيقن.
أما الصلاة التي تجمع فالمشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل أنه لا جمع بين الظهر والعصر للمطر وشبهه, وإنما يجمع بين المغرب والعشاء, ولكن الصحيح: أنه يجمع بين المغرب والعشاء, وبين الظهر والعصر؛ لأن العلة هي المشقة متى وجدت في الظهر والعصر أو المغرب والعشاء جاز الجمع.
ثم إني أقول لكم يا إخواني: لا تظنوا أن الجمع رخصة عند كل العلماء, حتى الذين يقولون: إنه يجوز، يقولون: تركه أفضل, لكننا نحن نرى أنه إذا وجد السبب ففعله أفضل, وهناك مذهب يمثل ثلاثة أرباع الأمة الإسلامية لما كانت الخلافة في الأتراك وهم على مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله وهو يرى أنه لا جمع مطلقاً إلا في موضعين: في عرفة ومزدلفة؛ لأجل النسك, وإلا فلا جمع في السفر أو المرض أو المطر ولا غير ذلك, فلا تظن أن المسألة سهلة, المسألة صعبة.
فخلاصة الجواب: إذا تحقق العذر فالجمع أفضل, وإذا علمنا أنه لا عذر فالجمع حرام, وإذا شككنا فالجمع حرام؛ لأن الأصل هو وجوب فعل الصلاة في أوقاتها.
وأما نية الجمع ليس بشرط, فمتى وجد السبب ولو بعد الصلاة الأولى، جَمَعَ.(113/15)
خطأ مقولة: (كل مجتهد مصيب)
سس
السؤال
هل يلزم أن كل مجتهد مصيب؟ وهل يلزم أن كل مصيب مخلص وكل مخلص مصيب أم لا يلزم هذا؟
الجواب
لا, يقول بعض العلماء: كل مجتهد مصيب, وهذا على إطلاقه ليس بصحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم المجتهدين إلى قسمين فقال: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران, وإن حكم فأخطأ فله أجر) وهذا واضح في التفصيل أن من المجتهدين من يصيب ومنهم من يخطئ, ولكن المخطئ قد يكون مصيباً من وجه آخر وهو إذا اجتهد وبذل الجهد, ووصل إلى نتيجة لكن هذه النتيجة خطأ في حكم الله, فهو مصيب في اجتهاده وتعبه وطلبه للحق, لكن في الحكم مخطئ, ثم إن إصابة الحكم توفيق من الله عز وجل, وقد يوفق لإصابة الحكم من ليس من أهل الاجتهاد, أو من ليست نيته خالصة, لكن من كانت نيته خالصة فهو على خير سواء أصاب أم أخطأ.(113/16)
الربح والخسارة في المضاربة
السؤال
فضيلة الشيخ إذا خسرت شركة المضاربة, كيف يقسم المال بين صاحب المال والذي عمل بجهده؟
الجواب
المضاربة معناها: أن تعطي شخصاً مالاً وتقول: خذ هذا المال اتجر به والربح بيننا, إما أنصافاً أو أثلاثاً حسب ما يتفقان عليه: هذه المضاربة، فيكون من أحدهما المال ومن الآخر العمل, إن ربحت التجارة فالربح يقسم على حسب ما اتفقا عليه, لنقل أنهما اتفقا على أن يكون الربح أنصافاً, أعطاه مائة ألف قال: خذ اتجر بها مضاربة؛ لك نصف الربح ولي نصف الربح, فربحت المائة فصارت مائتين, كم للعامل؟ خمسون ألفاً, ولصاحب المال خمسون ألفاً, العامل ربح بتعبه, ورب المال ربح بالمال الذي استعمله هذا المضارب, ولو خسرت البضاعة, يعني: اشتغل بمائة ألف ولكنها خسرت لنزول الأسعار حتى صارت ثمانين, كم الخسارة؟ عشرون ألف, هل نقول: على العامل عشرة وعلى صاحب المال عشرة، أم كلها على صاحب المال؟ كلها على صاحب المال, صاحب المال خسر الدراهم, والعامل خسر العمل, يتعب بالليل والنهار ويسافر وينزل بعض الناس يقول للعامل: إن خسرت فالخسارة بيننا, وهذا الشرط لا يصح؛ لأنه يؤدي إلى أن يغرم هذا العامل أكثر من عمله, وهذا لا يجوز.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء فنسأل الله أن يعيننا وإياكم.(113/17)
لقاء الباب المفتوح [114]
من أراد أن يستن فعليه بمن قد سبق، فهم خير خلف في خير أمة، والصحابة هم خير القرون وأفضلها، وكان من أعظم خيريتهم تعظيمهم ومعرفتهم لحق نبيهم صلى الله عليه وسلم حتى امتدح الله فعلهم هذا في كتابه، وقد تحدث الشيخ في مقدمة لقائه على هذه النقطة العظيمة.
وأجاب بعد ذلك عن أسئلة كثيرة منها ما له علاقة بالصلاة وغيرها من الأحكام، وكان أهمها سؤال يتعلق بالحيل على الربا في آخر هذا اللقاء المبارك.(114/1)
تفسير آيات من سورة الحجرات
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع عشر بعد المائة من اللقاء المسمى: لقاء الباب المفتوح، الذي يتم كل خميس في كل أسبوع, وهذا هو يوم الخميس السادس من شهر شعبان عام (1416هـ) .(114/2)
تفسير قوله تعالى: (واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم)
نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على ما تيسر من تفسير قول الله تبارك وتعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات:7] , هذه الآية كما تعلمون جاءت بعد قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] .
وسبب ما سبق: أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه عن قوم ما ليس فيهم, فأمره الله تعالى بالتأكد من الأخبار إذا جاء بها من لا تعرف عدالته, وكأن بعض الصحابة رضي الله عنهم أرادوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعاقب هؤلاء الذين بلغه عنهم ما بلغه, ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل بعد أن نزلت عليه الآية: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] .
ولكن العبرة بعموم اللفظ, وهو قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات:7] أي: لشق عليكم ما تطلبونه من الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهذا له أمثلة كثيرة: - منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه في رمضان يصلي بهم صلاة القيام, فانصرف وقد بقي من الليل ما بقي, قالوا: (يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا -أي: طلبوا منه أن يقيم بهم كل الليل- ولكنه صلى الله عليه وسلم قال لهم: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) ولم يوافقهم على طلبهم, لما في ذلك من العنت والمشقة.
ومنها: أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بحثوا عن عمله في السر -أي: فيما لا يظهر للناس- وهو العمل الذي يفعله في بيته من العبادات فكأنهم تقالُّوها, فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر -يعني: وأما هم فلم يكن لهم ذلك- فقال أحدهم: (أنا أصوم ولا أفطر, وقال الثاني: وأنا أقوم ولا أنام, وقال الثالث: وأنا لا أتزوج النساء, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: فأما أنا فأصوم وأفطر, وأقوم وأنام, وأتزوج النساء, فمن رغب عن سنتي فليس مني) فحذرهم أن يعملوا عملاً يشق عليهم.
ومن ذلك أيضاً: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وعن أبيه أنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه ليصومن النهار وليقومن الليل ما عاش, فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنت قلت هذا؟ قال: نعم, قال: إنك لا تطيق ذلك) ثم أرشده إلى ما هو أفضل وأهون.
والحاصل: أنه يوجد من الصحابة رضي الله عنهم من له همة عالية, لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يطيعهم في كثير من الأمر, لأن ذلك يشق عليهم إذا أطاعهم.(114/3)
تفسير قوله تعالى: (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم)
ثم قال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ} قد يقول قائل: ما هو ارتباط قوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ} بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} ؟
الجواب
أنكم تطيعونه -أي: الرسول عليه الصلاة والسلام- فيما يخالفكم فيه؛ لأن الله حبب إليكم الإيمان, فتقدمون طاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما خالفكم فيه؛ لأن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم, وهذا استدراك من أبلغ ما يكون من الاستدراك, يعني: ولكن إذا خالفكم النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأمر الذي تريدونه فإنكم لن تكرهوا ذلك, ولن تخالفوه ولن تحملوا على الرسول صلى الله عليه وسلم بسببه (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ) أي: جعله محبوباً في قلوبكم {وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} أي: جعلكم تحبونه, وزينه في قلوبكم بحيث لا تتركونه بعد أن تقوموا به, وذلك أن فعل الإنسان للشيء للمحبة قد تكون محبة عارضة لكن إذا زين له الشيء ثبتت في المحبة ودامت, ولهذا قال: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ} في القلب, {وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:7] أيضاً في القلب, لكن إذا زين الشيء المحبوب للإنسان فإنه يستمر عليه ويثبت عليه.(114/4)
تفسير قوله تعالى: (وكرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان)
قال تعالى: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات:7] كره إليكم الكفر الذي هو مقابل الإيمان, والفسوق الذي هو مقابل الاستقامة, والعصيان الذي هو مقابل الكمال, وهذا تدرج من الأعلى إلى ما دونه, الكفر أعظم من الفسق, والفسق أعظم من العصيان, فالكفر: هو الخروج من الإسلام بالكلية، وله أسباب معروفة في كتب أهل العلم ذكرها الفقهاء رحمهم الله في باب أحكام المرتد, وأما الفسق فهو دون الكفر ولكنه فعل كبيرة, أن يفعل الإنسان كبيرة من الكبائر ولم يتب منها كالزنا وشرب الخمر والسرقة والقذف وما أشبه ذلك, والعصيان دون هذا والعصيان هو الصغائر التي تكفر بالأعمال الصالحة, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس, والجمعة إلى الجمعة, ورمضان إلى رمضان, مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) فالمؤمنون الخلص حبب الله إليهم الإيمان, وزينه في قلوبهم, وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان, نسأل الله أن يجعلنا منهم.
(أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) أولئك: المشار إليه من حبب الله إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان, (أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) أي: الذين سلكوا طريق الرشد, والرشد في الأصل حسن التصرف, وهو في كل موضع بحسبه, فالرشد في المال أن يحسن الإنسان التصرف فيه, ولا يبذله في غير فائدة, والرشد في ولاية النكاح مثلاً: هو أن يكون الولي عارفاً بالكفء ومصالح النكاح, والرشد في الدين: هو الاستقامة على دين الله عز وجل, فهؤلاء الذين حبب الله إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان هم الراشدون.(114/5)
تفسير قوله تعالى: (فضلاً من الله ونعمة والله عليم حكيم)
وهنا تجدون هذه الأفعال كلها مضافة إلى الله: من حببه؟ الله.
من زينه؟ الله.
من كرهه؟ الله عز وجل, ولهذا قال بعدها: {فَضْلاً مِنَ اللَّهِ} [الحجرات:8] يعني: أن الله أفضل عليكم فضلاً أي: تفضلاً منه وليس بكسبكم ولكنه من الله عز وجل, ولكن ليُعلم أن الله تعالى أعلم حيث يجعل رسالته, وأعلم حيث يجعل الإيمان في الشخص, فمن علم الله منه حسن النية وحسن القصد والإخلاص حبب إليه الإيمان, وزينه في قلبه، وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان, ومن لم يعلم الله منه ذلك فإن الله تعالى يقول: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5] ، ويقول الله عز وجل: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة:49] فالذنوب سبب للمخالفة والعصيان, فهؤلاء الذين تفضل الله عليهم وأنعم عليهم نعمة الدين هم الذين وفقوا للحق قال الله عز وجل: {فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} [الحجرات:8] أي: إنعاماً منه عليهم.
والنعمة نعمتان: نعمة في الدنيا, ونعمة في الآخر.
فأما الكفار فهم منعمون في الدنيا كما قال الله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} [الدخان:25-27] أي: تنعموا, فهؤلاء -أعني الكفار- عليهم نعمة في الدنيا, لكن في الآخر عليهم العذاب واللعنة والعياذ بالله.
أما المؤمن فإنه يحصل على النعمتين جميعاً على نعمة الدنيا ونعمة الآخرة, حتى وإن كان فقيراً أو مريضاً أو عقيماً أو لا نسب له, فإنه في نعمة لقول الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] .
هنا قال: {فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} المراد بالنعمة نعمة الدين التي تتصل بنعمة الآخرة, وخلاصة الكلام في النعمة: أن هناك نعمتين: نعمة عامة لجميع الخلق, الكافر والمؤمن, والفاسق والمطيع, ونعمة خاصة للمؤمن, وهذه النعمة الخاصة تتصل بنعمة الدين والدنيا, وأما الأولى فإنها خاصة بنعمة الدنيا فقط لتقوم على الكفار الحجة.
قال تعالى: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات:8] هذان اسمان من أسماء الله, يقرن الله بينهما دائماً العلم والحكمة, عليم بكل شيء قال الله تعالى: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} [الطلاق:12] وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34] وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59] وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران:5] فعلم الله تعالى محيط بكل شيء, والإنسان إذا علم أن علم الله محيط بكل شيء حتى ما يضمره في قلبه فإنه يخاف, ويرهب, ويهرب من الله إليه عز وجل, ولا يقول قولاً يغضب الله, ولا يفعل فعلاً يغضب الله, ولا يضمر عقيدة تغضب الله؛ لأنه يعلم أن الله سبحانه وتعالى يعلم ذلك ولا يخفى عليه.
وأما الحكيم, فهو ذو الحكمة البالغة, والحكمة هي: أن جميع ما يحكم به جل وعلا موافق ومطابق للمصالح, ما من شيء يحكم الله به إلا وهو حكمة عظيمة, قال الله تبارك وتعالى: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر:5] ، وقال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] ، وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] هذا معنى الحكيم, أي: ذو الحكمة البالغة.
وله معنى آخر وهو: ذو الحكم التام, فإن الله له الحكم, كما قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10] ، وقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء:59] ولا أحد يحكم بهواه: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:71] .
نسأل الله تعالى أن يتولانا وإياكم برحمته وعفوه، وأن يجعلنا ممن علم وانتفع بعلمه إنه على كل شيء قدير.(114/6)
الأسئلة(114/7)
حكم زيارة القبور وشد الرحل إليها
السؤال
هناك رجل يستدل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة) على جواز شد الرحال إلى القبور، وأنه من باب أولى شد الرحال إلى قبره صلى الله عليه وسلم لعموم قوله: (ألا فزوروها) وأنه ليس هناك وجه للاستدلال بحديث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) على منع شد الرحال إلى القبور, فما قولكم جزاكم الله خيراً؟
الجواب
قولنا في هذا: أن الواجب على المؤمن ألا يستدل ببعض النصوص ويهمل الأخرى, فالشريعة الإسلامية صدرت من واحد إلى واحد مبلغ، صدرت من الله عز وجل إلى محمد صلى الله عليه وسلم, فيجب علينا أن نجمع النصوص بعضها إلى بعض, فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكر الموت -وفي لفظ: تذكر الآخرة-) هذا ثبت، وهو عام (فزوروها) لم يخص النبي صلى الله عليه وسلم مكان دون مكان, ولا ذكراً دون أنثى.
ولكن من المعلوم أن النصوص العامة أو المطلقة تحمل على الخاص أو المقيد, فمثلاً: المرأة لا تزور القبور وإن كان ظاهر هذا النص دخول المرأة في ذلك, لكنها لا تزور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن زائرات القبور) فيستثنى من ذلك أن المرأة لا يحل لها أن تزور القبر أياً كان حتى لو كان قبر أبيها أو أمها أو أختها فإن ذلك حرام عليها, بل قد لعن النبي صلى الله عليه وسلم زائرات القبور, وعلى هذا فتكون زيارة المرأة للقبور من كبائر الذنوب, يستثنى من ذلك أيضاً ما يحتاجه من شد الرحل؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما خاطب أهل المدينة الذين يمكنهم أن يزوروا البقيع بدون شد الرحل, ويلحق بهم من ماثلهم, ممن تكون زيارته لا تحتاج إلى شد رحل, ولم يرد عن الصحابة أو التابعين أو الأئمة أنهم قاموا بشد الرحل إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم, مع شدة محبتهم للرسول عليه الصلاة والسلام, وشدة محبتهم للخير والرغبة فيه, وتيسر لهم الأمور في بعض الأحوال, وحيث لم يكن ذلك من دأب السلف؛ فإننا لا نحيد عن طريقهم.
وأما قوله: إن هذا الحديث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) فهو محل خلاف بين العلماء, هل يدل على منع شد الرحل لأي مكان كان إلا للمساجد الثلاثة كما اختاره بعض العلماء, وقالوا: إن المراد النهي عن شد الرحل لأي مكان كان, ومعلوم أن الذي يشد الرحل للمقبرة ليس يتصل بالمقبور ويتحدث إليه ويؤنسه, وإنما يزور المكان في أي مكان كان هذا المقبور، فهو يريد مكان القبر لا يريد أن يدخل القبر أو أن يخرج الميت إليه, ومن العلماء من قال: إن هذا نهي عن شد الرحل إلى المساجد سوى المساجد الثلاثة, وأنه لا علاقة له في شد الرحل لزيارة القبور.
ونحن نقول: هب أن مراد عليه الصلاة والسلام هو هذا, لكن هل أحد من أصحابه أو من أئمة الأمة شد الرحل إلى زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام؟ لا يوجد هذا إطلاقاً, وإذا لم يوجد فلنا فيهم أسوة, فنقول: لا تشدوا الرحل إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم, ولكن شد الرحل إلى المدينة للصلاة في المسجد النبوي؛ لأن الصلاة فيه خير من ألف صلاة مما سواه إلا المسجد الحرام.(114/8)
منهج جماعة التبليغ
السؤال
كثير من الناس يكون مع جماعة الدعوة والتبليغ , هل تنصح عامة الناس أن يذهبوا معهم, وإذا كان هناك خطأ نرجو توضيحه للناس؟
الجواب
جماعة الدعوة والتبليغ لا شك أن الناس اختلفوا فيهم, وكثر الكلام فيهم, وأنا ما رأيت من أحدهم شيئاً أستطيع أن أحذر منهم, ولكن من قدر على أن يبقى في بلده لطلب العلم فهو لا شك أفضل من الذهاب معهم؛ لأن طلب العلم أفضل من العبادات.
والذي أنتقد عليهم فيه هو أنهم قليلو العلم, بمعنى: أنهم لا يحرصون كثيراً على طلب العلم, ولكنهم عندهم عاطفة دينية جياشة، وعندهم محبة للخير والإيثار وغير ذلك, وكم من أناس اهتدوا على أيديهم, ففي سعيهم بركة, ولكن الإنسان المؤمن إذا رأى منهم شيئاً محذوراً نصحهم فإن امتثلوا فهذا المطلوب, وإن لم يمتثلوا تركهم.(114/9)
بمن يبدأ في توزيع الزكاة
السؤال
عند توزيع الزكاة يكون مع الرجل مثلاً مائة ألف يريد أن يوزعها, ويكون أمامه محتاجون, منهم من يكون عليه دين نصف مليون أو مائة ألف أو مائتين, ومنهم من يكون دخله بسيطاً وعوائق كثيرة, فبماذا يبدأ؟
الجواب
البداءة لمن احتاج, من يحتاج لأكله وشربه وكسائه وفراشه أشد إلحاحاً ممن يقضي دينه؛ لأن الذي يقضي الدين ربما يتيسر له في المستقبل, لكن الإنسان المحتاج إلى الطعام والشراب والكسوة والفراش أهم وأحوج, فيقدم هذا, ولذلك تجد الآية الكريمة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة:60] ويبدأ بالأهم فالأهم.(114/10)
حكم قول القائل: ذهبت سنين الجدب وأقبلت سنين الخصب
السؤال
سمعنا من يقول: إن الفلك استدار فذهبت سنين الجدب, وأقبلت سنين الخصب, فما حكم مثل هذا الكلام؟ وما صفة سب الدهر؟
الجواب
هذا الكلام ليس بصحيح: أولاً: هل عنده علم أن الدهر أول ما كان, كان دهر خصب ورخاء؟ فهو قول بلا علم.
ثانياً: أنه لم يحدث مثل هذا الكلام, يعني: السنة هذه مثل التي قبلها, وقد أتى على الناس زمان أدركناه أكثر من هذا أمطاراً وأكثر نباتاً, ولا داعي لهذا.
أما سب الدهر: فهو أن يسب الوقت والزمن, بأن يقول -والعياذ بالله-: لعن الله الوقت أو لعن الله هذا اليوم أو لعن الله هذه السنة أو ما أشبهها.
وهل يكون مؤمناً بالكوكب وكافراً بالله؟ الجواب: لا, لأنه ما زعم أنه مطر بسبب الكوكب, لكن قال: إن الله أعاد على الناس ما زعم أنه كان في أول الأمر.(114/11)
حكم تقديم العشاء على المغرب جهلاً
السؤال
رجل صلّى المغرب, ثم تذكر وقت إقامة صلاة العشاء أن المسح انتهى في صلاة المغرب, وأنه صلى المغرب على غير طهارة, فتوضأ وصلّى العشاء, وبعد صلاة العشاء صلّى المغرب, هل عمله صحيح؟ الشيخ: أما ما مضى فلا بأس, وليس عليه إعادة؛ لأن غاية ما فيه أنه بدأ بالعشاء قبل المغرب ظناً منه أن ذلك جائز وهذا لا بأس به, لكن في المستقبل إذا دخلت وأنت لم تصلِ المغرب والناس يصلون العشاء فانو المغرب, ثم إن كنت دخلت في أول ركعة, فإذا قام إلى الرابعة اجلس وتشهد وسلّم ثم ادخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء, وأما إذا كان دخلت معه في الثانية فسلم معه؛ لأنك صليت ثلاثاً, وإن دخلت معه في الثالثة فاقض ركعة.
إذاً: صلاته صحيحة، لأن غاية ما فيه أنه قدم العشاء على المغرب جهلاً منه وهذا لا يضر، لكن كلامنا في المستقبل: هل إذا أتيت والناس يصلون العشاء: هل أدخل بنية العشاء أو أصلي المغرب وحدي ثم أدخل معهم بنية العشاء، أو أدخل معهم بنية المغرب؟ نقول: أدخل معهم بنية المغرب، إن دخل في الركعة الأولى إذا قام الإمام للرابعة يجلس هو ويقرأ التحيات ويسلم ثم يقوم ويصلي مع الإمام ما بقي من صلاة العشاء، وإن دخل في الثانية يسلم مع الإمام؛ لأنه أتم ثلاثاً، وإن دخل في الثالثة قضى ركعة، وإن دخل في الرابعة قضى ركعتين.(114/12)
حكم من تجاوز الميقات وأحرم من بعده
السؤال
انطلق أناس من الرياض إلى جدة وجلسوا فيها ثلاثة أيام, وكانت نيتهم الذهاب إلى جدة والمكوث فيها ثلاثة أيام ثم يتجهون إلى مكة , فلما انقضت الثلاثة أيام وهم في جدة أحرموا من البيت, ثم ذهبوا إلى مكة واعتمروا, فما الحكم؟
الجواب
هؤلاء أخطئوا، والواجب عليهم أن يحرموا من الميقات, ويؤدون العمرة ثم يذهبون إلى جدة , أو إذا انتهوا من جدة رجعوا إلى أول ميقات مروا من عنده وأحرموا منه, فإذا كانوا أتوا من الرياض فالواجب عليهم أنهم لما أرادوا الدخول في النسك أنهم ذهبوا إلى السيل وهو قرن المنازل وأحرموا من هناك، أما والأمر كما قلت: أحرموا من جدة فإن العلماء يقولون: إن من أحرم من غير الميقات يلزمه دم أي: أنه يذبح فدية في مكة يوزعها على الفقراء, هذا إن كان غنياً, وإن كان فقيراً فعليه أن يتوب إلى الله ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
وأما الصغير الذي لم يبلغ فليس عليه شيء.(114/13)
حكم اختلاف المأموم مع نية الإمام
السؤال
إذا دخل المؤتم مع الإمام بنية المغرب وهو يصلي العشاء, أو دخل العصر بنية الظهر, هل يكون في ذلك شيء؟
الجواب
اختلاف نية الإمام والمأموم لا تضر؛ لأن معاذ بن جبل كان يصلي بقومه صلاة نافلة وهم فريضة, وهذا من أعظم ما يكون من اختلاف, ومع هذا لم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم.(114/14)
حكم بيع الشهادة الزراعية
السؤال
كان عندي شهادة زراعية فيها استيراد نحو خمسين طناً، فأتاني واحد وقال: أعطيك على الكيلو ريالاً, أي: سوف يشتري الشهادة بخمسين ألف ريال, وكان تسعيرة القمح آنذاك ريالين ونصف, فأعطاني المبلغ خمسين ألف ريال مقدماً, فبعد مدة اكتشفت أنه حرام, علماً أني تزوجت بهذا المبلغ فماذا يجب عليّ؟ الشيخ: أرى أن الواجب عليك أن تتصدق بهذا المبلغ, وأما الزواج فالزواج صحيح وليس فيه إشكال.
وليس عليك إثم إن شاء الله فيما سبق؛ لأنك جاهل، لكن هذه الدراهم التي دخلت عليك دخلت عليك حراماً: بالكذب، وخيانة الدولة، وأظن صاحبك هذا أنت ظلمته الآن وأدخلت عليه ما هو حرام عليه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) وذكر أن نصر المظلوم أن يمنع من الظلم، فإن تيسر لك فتصدق، وإن كنت فقيراً وبقيت حتى أراد الله أن تنتقل من الدنيا فإن شاء الله ما عليك شيء؛ لأن هذا حق لله، والله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها.
ولو كان موافقاً، وهو الذي عرض عليك أليس المترابيون يوافقون؟ والذين يتعاملون بالربا الآن هل هم مجبورون أم مختارونهم مختارون, ولهذا لا تردها عليه هو, تصدق بها.(114/15)
المسح على الكندرة
السؤال
إذا لبست الشراب على طهارة, ثم لبست الكنادر القصيرة التي نستعملها الآن, هل أمسح عليهما جميعاً؟
الجواب
إذا لبس الإنسان الشراب ولبس عليها الكندرة التي لا تستر إلى الكعب فيمسح عليهما جميعاً, لكن في هذه الحال لا يخلع الكندرة, إن خلعها بعد مسحها لزم أن يخلع الجورب.
وإن اقتصر على الشراب لابد أن يخلعها عند الوضوء فهو يخلعه عند الوضوء ويمسح الشراب لكن يستريح, يبقى حراً بالنسبة لخلع الكنادر أو عدمه.(114/16)
دعاء حفظ القرآن
السؤال
فضيلة الشيخ: ما صحة حديث دعاء حفظ القرآن؟
الجواب
حديث علي بن أبي طالب هذا ضعيف, وحفظ القرآن كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام (تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عُقلها) .(114/17)
حكم الاعتكاف في مكتبة المسجد
السؤال
فضيلة الشيخ: عند عرف الناس أن مكتبة المسجد من المسجد -الملاصقة للمسجد- فهل هذا يجوز الاعتكاف فيها؟
الجواب
إذا كان سور المسجد قد أحاط بها, وهي مقتطعة منه فهي منه, أما إذا كان لم يحط بها السور فليست من المسجد, وينبني على ذلك إذا قلنا: إنه من المسجد أنه يجوز الاعتكاف فيها, وأنه إذا دخلها فلا يجلس حتى يصلي ركعتين, وأنه لا يجلس فيها وهو جنب إلا بوضوء, وإن الحائض لا تمكث فيها.
ويمكنك أن تدخل إليها لأخذ كتاب للاستفادة منه في طلب العلم ولو كنت جنباً؛ لأنك مار والله يقول: {وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43] .(114/18)
حكم تبادل السلع غير الربوية
السؤال
إذا أراد الإنسان أن يشتري له سيارة جديدة فإنه يثمن سيارته القديمة بسعر معين ثم يزيدها بسعر الآخر حتى يكمل قيمة السيارة الجديدة, علماً أن السيارة القديمة ترتفع سعرها باختلاف سعر السيارة الجديدة, كلما كانت السيارة الجديدة قيمتها عالية كلما ارتفعت قيمة السيارة القديمة, فهل هذا يوقع في بيعتين في بيعة وما حكمها؟
الجواب
يعني: تبادل السيارات قديمة وجديدة مع دفع الفرق, هذا لا بأس به, يعني: يجوز للإنسان أن يبدل سيارة قديمة بسيارة جديدة ويدفع الفرق؛ لأن السيارات فيما بينها ليست ربا, والذي يمنع فيه الزيادة هو الأموال الربوية, يجوز أيضاً أن تشتري ثوباً يعطيك إياه الآن بثوبين إلى أجل, ويجوز أيضاً أن تشتري ساعة أو قلماً بقلم آخر ولو بعد مضي مدة, الأموال التي ليست ربوية لا بأس أن يتفرد بها ولا بأس ما دام أنه يعين الثمن.
وبعضهم يقول: لعلة جهالة الثمن السيارة القديمة يمنع هذا البيع.
والصحيح أنه لا جهل؛ لأنه لا يتم البيع إلا بعد معرفة الثمن، فإذا علم مثلاً أن قيمة الجديدة خمسون ألفاً وقال: أعطني عشرين ألفاً عرف أن سيارته كم قومت؟ بثلاثين، ليس هناك جهالة.(114/19)
صلاة المسافر
السؤال
إذا كنت في سفر ومررت بقرية أو بلدة صغيرة ورأيت جماعة يصلون وأنا لا أدري هل هم من المقيمين أو من المسافرين, وقد فاتتني ركعتين, فأدركت معهم التشهد مثلاً, فهل أتم أم أقصر؟
الجواب
إذا كان المسجد الذي دخلته وأنت مسافر مسجد طريق كالذي في المحطات مثلاً فالأصل أنهم مسافرون, أو مثلاً في المطار أحياناً يكون الإنسان في المطار في انتظار ويأتي الوقت, ويدخل ويجد الناس يصلون فالقرينة تدل على أن هذه صلاة سفر, أما إذا كان المسجد مسجد بلد فالأصل أنهم مقيمون, فتقضي على أن الإمام مقيم وتكمل أربعاً.(114/20)
حكم حجز الأماكن في المساجد وحلق العلم
السؤال
ماذا تقولون حول الذين يحجزون الأماكن في الدروس أو في الصلاة, علماً بأن أحد طلاب العلم وهو معروف كان يحجز للمكان طول الوقت؟ الشيخ: أما الحجر في المسجد للصلاة فهذا اختلف فيه العلماء على قولين: منهم من أجازه, ومنهم من منع.
فشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: إنه حرام, وأن السبق لا يكون فيما يوضع في الصف, السبق يكون في بدن الإنسان.
ومن العلماء من يقول: إنه جائز، ولكن إذا أقيمت الصلاة بطل حقك, والذي يظهر: أنه لا يجوز في الصلاة.
أما في حلقات العلم فهو أهون, ولئلا يفضي إلى أن يتقدم الصغار الذين لا يفقهون من المدرس شيئاً على الكبار الذين يفهمون ويعلمون, على كل حال فهو أهون من الحجز في الصلاة.
ولا أظن أن الحجر يكون كل المسجد للطلبة, يمكن يحجز صف أو صفين.
وبالنسبة للصلاة هل ينكر عليهم، أو يرفع ما يحجز به؟ لا يرفع؛ لأن المسألة فيها خلاف, وإذا كان فيها خلاف ورفعت وصار فيها نزاعاً مفسدته أكبر من كونه يحجز, وكل شيء يؤدي إلى الخلاف والنزاع فتجنبه, الخلاف شر لا خير فيه.(114/21)
حكم أخذ الفرد الأموال على عمل لم يقم به
السؤال
أنا موظف حكومي ويتطلب العمل مني أحياناً عمل إضافي, وقد قامت الدائرة التي أعمل فيها بتعميدي أنا وبعض وزملائي في العمل خارج وقت الدوام الرسمي ولمدة (45) يوماً, وقد كنت حريصاً على أن أحضر مع زملائي في العمل, ولكنهم لم يعلموني بذلك, ولما سألت أحدهم قال لي: لم يأت دورك بعد, حتى انتهت المدة المحددة, وصرف المبلغ لذلك العمل لي ولزملائي, وإنني في حيرة من أمري في هذا المبلغ أهو حلال أم حرام, علماً أن رئيسي في العمل المباشر ورئيس الدائرة راضون عني في العمل, حيث إنني في نظرهم موظف نشيط وقد يكون هذا المبلغ مكافأة لي على حرصي وعلى حسن عملي, حيث إن راتبي قليل, وإذا لم يكن هذا المبلغ حلال فماذا أعمل به؟
الجواب
هذا السؤال يقع كثيراً, وأنا أسألكم الآن: هل هذا حق أو باطل؟ بمعنى: هل هذه المكافأة التي حصلت للإنسان على عمل معين هل قام بهذا العمل أم لا؟ لم يقم بالعمل, إذا لم يقم بالعمل صار أخذ المال بغير حق, وأخذ المال بغير حق هو أكل المال بالباطل تماماً, مع ما في ذلك من خيانة للأمانة, حتى ولو وافق الرئيس المباشر على مثل هذا العمل فهو خائن, والمال ليس ماله -أعني الرئيس المباشر- حتى يتصرف به كيف يشاء, المال مال الدولة.
وهذا الرجل السائل أعتقد أنه قد تاب مما صنع, وأنه يريد الخلاص, والخلاص لا أقول يرده إلى الدائرة؛ لأنه ستكون هناك مشاكل, إلا إذا علم أنه إذا رده إلى الدائرة صارت المحاكمة على رئيسه, فهذا لا بأس, أنا أحب أن مثل هؤلاء الرؤساء الذين يعملون مثل هذه الأعمال أنه يبين أمرهم حتى يتخذ أمامهم الإجراءات اللازمة, أما التلاعب فلا يجوز فهذه أمانة.
فأقول لهذا الأخ: اجعل الدراهم هذه في مسجد؛ لأن المسجد مما يلزم الدولة بناؤه, أو ما أشبه ذلك من مصالح المسلمين, وتبرأ بذلك ذمته, وإنني بهذه المناسبة: أحذر الرؤساء والمدراء الذين يعملون مثل هذا العمل, وأقول: اتقوا الله فيما وليتم عليه, واتقوا الله أيضاً فيمن تحت أيديكم من الموظفين, لا تطعموهم ما لا يحل لهم, ولا تخونوا الدولة بأن تعطوا من لا يستحق.(114/22)
بداية مدة المسح على الشرّاب
السؤال
المسح على الشراب هل يبدأ من أول ما يلبس أم من بعد الوضوء؟
الجواب
المسح على الشراب من أول مرة مسح بعد الحدث, ليس هو من اللبس ولا من الحدث, مثلاً: لو فرضنا أن إنساناً لبس لصلاة الفجر ولم يمسح إلا لصلاة الفجر من الغد, أي: أنه بقي على طهارته كل اليوم, ثم مسح أول مرة لصلاة الفجر من اليوم الثاني فإنه يمسح يوم وليلة من مسحه؛ لأن ما قبل المسح لا يعد من المدة.(114/23)
جواز دعاء الله والصلاة على النبي في النافلة والفريضة
السؤال
إذا ورد شيء من صفات الله عز وجل أو أسمائه في القرآن أثناء الصلاة, أو ورد بعض أسماء النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض الأنبياء في الصلاة, فهل يصلى عليهم ويقال: سبحان الله! وهل هناك فرق بين الفريضة والنافلة في ذلك؟
الجواب
أما النافلة فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه أنه قام معه ذات ليلة, فكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يمر بآية رحمة إلا سأل, ولا بآية وعيد إلا تعوذ, ولا بآية تسبيح إلا سبح.
هذا ثابت.
أما في الفريضة فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء, لكن إذا قاله الإنسان فلا بأس, إذا سبح عند آية تسبيح أو سأل عند آية رحمة, أو تعوذ عند آية وعيد, أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر اسمه فلا بأس, إلا أنه إن كان مأموماً وكان هذا يشغله عن استماع قراءة الإمام فلا يفعل؛ لأن استماع قراءة الإمام أهم.
وإذا ورد اسم نبي غير محمد صلى الله عليه وسلم فهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أنه يصلى عليه، أما الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه يصلى عليه, حتى إن بعض العلماء قال: إذا ذكر اسمه وجب على السامع أن يصلي عليه لحديث أبي هريرة: (رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصلِ عليَّ) صلى الله عليه وسلم.(114/24)
معنى قوله تعالى: (أولئك الذين يدعون)
السؤال
قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء:57] ما تفسير الآية؟
الجواب
يقول الله عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ} هؤلاء هم بأنفسهم يطلبون إلى الله الوسيلة {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} أي: يفعلون ما يقربهم إلى الله, فمثلاً: الأنبياء من الناس من أشرك بهم, فمثلاً عيسى عليه الصلاة والسلام اتُخِذ إلهاً نقول هذا الذي اتخذتموه إلهاً وهو عيسى هو يبتغي إلى الله الوسيلة والقرب إلى الله, فهو محتاج إلى الله، فكيف تدعونه وهو نفسه محتاج إلى الله؟!! هذا معنى الآية.(114/25)
صلاة المسافر إذا أدرك التشهد الأخير خلف المقيم
السؤال
إذا كان رجل مسافراً ودخل في الصلاة الرباعية والإمام مقيم, فكان في التشهد الأخير, فهل يكمل الصلاة الرباعية، أم يصلي ركعتين لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) ؟
الجواب
أولاً: أنت والأخ سلَّمتما قبل السؤال وهذا ليس من السنة؛ لأن الصحابة إذا جلسوا مع الرسول في المجلس لا يسلمون عند السؤال, لكن من قدم سلّم, أكثر الناس الآن -كما تفضلتم- إذا أراد أن يسأل يسلم وهذا غير مشروع.
أما بالنسبة لمسافر أدرك إماماً مقيماً في التشهد الأخير فإننا نقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) فهنا أدرك التشهد الأخير, نقول: صلى مع الإمام التشهد الأخير وفاته أربع ركعات, فأتم أربع ركعات, وأما الحديث الذي أشرت إليه: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) فهذا في إدراك الجماعة, ليس في كون الإنسان يقضي ما فاته, وبينهما فرق, فعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا, وما فاتكم فأتموا) يشمل هذه الصورة وهو ما إذا أدرك المسافر الإمام المقيم في التشهد الأخير, فنقول: صلِ التشهد الأخير وأتم ما فاتك.(114/26)
حكم الجمع بين الجمعة والعصر حال المطر
السؤال
ما صحت صلاة من جمع بين الظهر والعصر يوم الجمعة في مطر؟
الجواب
أنت الآن حكمت على نفسك, تقول: جمع الظهر والعصر، هل الجمعة تسمى ظهراً؟! لا.
انتهى الموضوع، لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه جمع إلا بين الظهر والعصر؛ لأنهما صلاتان متشابهتان نهاريتان فجمع بينهما, أما الجمعة فلا تجمع مع شيء بعدها أبداً ولا قبلها, الفجر لا تجمع مع الجمعة, والعصر لا تجمع مع الجمعة.
السائل: وما حكم صلاته؟ الجواب: أنا أرى أنه يجب عليه الإعادة؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) والأصل أن الصلاة تفعل في وقتها, ولم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قدم العصر جمعاً إلا مع الظهر, فتبقى صلاة الجمعة مستقلة, ولهذا الجمعة بينها وبين الظهر فروق كثيرة تزيد على عشرين فرقاً, لكن مع الأسف الناس صاروا يفعلون ما يريدون, حتى في الجمع الآن يجمعون بأدنى شيء, لو جاءت قطرات يسيرة من السماء قالوا: اجمع, مع أنه لا توجد مشقة.
وأما القدر الذي يجمع به في المطر قال العلماء: هو الذي يبل الثياب وتوجد معه مشقة, لا بد من شرطين: يبل الثياب بمعنى: أن الثياب تكون رطبة, والنقط اليسيرة لا تجعل الثياب رطبة, وأيضاً توجد معه مشقة إذا كان في الشتاء, لكن في أيام الصيف إذا كان المطر يبل الثياب تجد فيه مشقة أم راحة؟ تجد فيه راحة, يبردك وينشطك, ولا يجوز أن نتعدى حدود الله, أي إنسان يجمع بلا عذر فهو كبيرة من كبائر الذنوب, ولا تصح الصلاة إذا كان الجمع جمع تقديم, الصلاة الثانية لا تصح؛ لأنها صليت قبل وقتها.(114/27)
بعض أنواع بيوع الربا
السؤال
وجدت في بلد ما إعلاناً بخصوص توفير قرض وتسديده بالأقساط وصورته كالتالي: شخص يريد شراء سيارة، فذهب إلى بيت التمويل، فيقوم هذا البيت بشراء السيارة التي يريدها الشخص، ومن ثم تحويلها باسمه، على أن يكون ثمن بيعها له أكثر من ثمن شرائها هو، ويقوم الشخص بدفع الأقساط إلى بيت التمويل.
الجواب
يعني: مثلاً يذهب إلى بيت التمويل يقول: أنا أريد السيارة فيشتريها باسمه وينقد الثمن ثم يبيعها على هذا الطالب بأكثر من الثمن مقسطاً! هذه حيلة على الربا, يعني: بدل من أن يقول: خذ خمسين ألف ريال قيمة السيارة, وهي عليك بستين ألف إلى أجل, أتى بهذا البيع الصوري, بيت التمويل الآن لولا أن هذا الرجل جاء يطلب السيارة هل يشتري السيارة؟ لا, ولو أن طالب السيارة قال: اشتريها بقيمتها, بمعنى: تشتريها بخمسين ألف وآخذها منك بالتقسيط بخمسين ألف هل يقبل بيت التمويل؟ أقطع أنه لا يقبل, إذاً: ما الذي قصد بيت التمويل من هذه المعاملة؟ قصد الزيادة, فهذا -في الحقيقة- قرض بزيادة لكنه بحيلة (لفة) ومعلوم أن الله عز وجل لا تنفع عنده الحيل, فهو {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور} [غافر:19] فلو قيل لبيت التمويل: ما قصدك بشراء هذه السيارة وبيعها على هذا الرجل؟ لقال بكل تأكيد: إن قصده الزيادة, ولا يمكن أن يدعي أن قصده الإحسان إلى هذا الرجل أبداً, يقول بعض الناس: -مثلاً- لو أن الرجل المشتري قال: لا أريد السيارة، قبلها بيت التمويل, فنقول: أولاً هذه حجة لا تنفع عند الله؛ لأن هذا الذي طلب السيارة هل سيتركها؟ لا يتركها وهو يريدها, ولهذا لو أحصيت ألف معاملة من هذا النوع ما وجدت واحداً منهم هَوَّن, فلا تغتر بعمل الناس.
والفائدة التي يأخذها هذا الرجل تعتبر ربا, والربا الصريح الذي تفعله البنوك أهون من هذا؛ لأن الربا الصريح ربا يدخل الإنسان فيه على أنه عاص لله ويحاول أن يتوب, أما هذا فيدخل فيه على أنه مباح, وهذا لا يجوز, اليهود تحيلوا على محارم الله بأدنى من هذا, حرم الله عليهم الشحوم قال: لا تأكلوا الشحوم, فماذا كانوا يصنعون؟ قالوا: نذوب الشحم ثم نبيع الشحم ونأخذ الثمن, الصورة الآن هل أكلوا الشحم؟ ما أكلوه ولا باعوا الشحم على طبيعته وأيضاً ذوبوه, حتى لا يقال: إنكم بعتم ما حرم عليكم وأكلتم ثمنه, فذوّبوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه, والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (قاتل الله اليهود! حرمت عليهم الشحوم ثم جملوها فباعوها وأكلوا ثمنها) .
وكذلك أصحاب السبت حرمت عليهم الحيتان يوم السبت فابتلاهم الله وجعل الحيتان تأتي يوم السبت شُرّعاً على وجه الماء من كثرتها, وغير يوم السبت لا يرونها, فقالوا: ماذا نعمل؟ لا يمكن أن تذهب هذه الحيتان بدون أكل, عملوا شبكة يضعونها يوم الجمعة, فتأتي الحيتان تدخل في الشبكة يوم السبت فإذا كان يوم الأحد جاءوا وأخذوها, وقالوا: نحن ما صدناها يوم السبت، صدنا يوم الأحد, فماذا عوقبوا؟ عوقبوا في الدنيا يداً بيد, قال الله تعالى: {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65] فكانوا قردة تتعاوى والعياذ بالله.
لا يجوز -أبداً- أن نستحل محارم الله بالحيل إطلاقاً, وإن أفتاك الناس وأفتوك, فكر أنت بنفسك, هل هذا إلا حيلة؟ أما لو كان هذا بيت التمويل عنده سيارات يأتي زيد ويبيع عليه نقداً بخمسين, ويأتي عمرو ويقول: أنا أريدها مقسطة فيقول: بستين فهذه لا بأس, لكن كونه لا يشتري إلا لأجل يأخذ الربا هذا لا يشك الإنسان أن هذا حيلة.
إذا كان يجب عليه الإنسان أن يتوب ولا يتعامل بهذا, فإن كان لم يعلم بأنه حرام فما أخذه فهو حلال, وإن كان قد علم وعاند فهذا محل نظر, قد نقول: إذا تاب فله ما سلف كما قال الله عز وجل: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:275] وقد يقال: لا هذا الرجل معاند فيجب عليه أن يتصدق بكل ما أخذ من هذا.
بارك الله فيكم وزادنا وإياكم علماً نافعاً وإلى اللقاء إن شاء الله في الخميس القادم, نسأل الله لنا ولكم التوفيق.(114/28)
لقاء الباب المفتوح [115]
كان حديث الشيخ رحمه الله في هذا اللقاء عن الإصلاح بين المسلمين، وفسر فيه قول الله تعالى: ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا …)) من سورة الحجرات.
وأجاب بعد ذلك عن أسئلة في أبواب متفرقة من الشريعة، كالزكاة والصيام والإيمان.(115/1)
تفسير آيات من سورة الحجرات
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو يوم الخميس الثالث عشر من شهر شعبان عام (1416هـ) وفيه اللقاء الذي يتم كل خميس.(115/2)
تفسير قوله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما)
في هذا اللقاء سوف نتكلم على قول الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9] .
(طَائِفَتَانِ) مفردها طائفة: وهي جماعة من الناس.
وقوله: (اقْتَتَلُوا) جمع؛ وإنما جمع لأن الطائفة تشتمل على أفراد كثيرين؛ فلذلك صح أن يعود الضمير على المثنى بصيغة الجمع مراعاة للمعنى, وإلا لكان مقتضى التثنية أن يقول: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلنا, ليطابق الضمير مرجعه, لكنه عاد إليه المعنى.
والاقتتال بين المؤمنين له أسباب متعددة: إما دماء تقع بينهم، وإما نعرة قبلية ودعوة جاهلية، وإما خلاف بينهم في حدود، أو غير ذلك, المهم أن أسبابه متعددة, (إن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب , ولكنه رضي بالتحريش بينكم) يحرش بينهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضاً, فإذا حصل الاقتتال فالواجب على المؤمنين الآخرين الصلح بينهما, ولهذا قال: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) أي: اسعوا للصلح بكل وسيلة حتى ولو كان ببذل المال, والتنازل عن الحق لأحدهما عن الآخر, لأن الصلح لابد فيه من أن يتنازل أحد الطرفين عما يريد من كمال حقه, وإلا لما تم الصلح, ولهذا لما قال تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النساء:128] كل إنسان يريد أن يتم قوله فلابد من التنازل.
فإذا أصلحنا بينهما قال: (فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي) يعني: لو فرض أن بعد الصلح عادت إحدى الطائفتين تقاتل الأخرى, فهنا لا صلح, ماذا نصنع معهما؟ نقاتل التي تبغي (حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) أي: ترجع إليه, وأمر الله أي: دينه وشرعه.
فانظر في أول الأمر الإصلاح, فإذا تم الصلح وبغت إحداهما على الأخرى وجب أن نساعد المبغي عليها فنقاتل معها من بغت (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) فإذا فاءت فإنه يجب الكف عن قتالها, ولا يجوز أن نجهز على جريح ولا أن نتبع مدبراً, ولا أن نسبي ذرية, ولا أن نغنم مالاً؛ لأن هؤلاء مؤمنون.
(فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) إن فاءت إلى أمر الله بعد أن قاتلناها ورجعت ووضعت الحرب أوزارها وجب أن نصلح بينهما بالعدل.
وهذا غير الإصلاح الأول, الإصلاح الأول بوقف القتال, وهذا الإصلاح بالتضمين, أي: أن ننظر ماذا تلف على كل طائفة ثم نسوي بينهما بالعدل, فمثلاً: إذا كانت إحدى الطائفتين أتلفت على الأخرى ما قيمته مليون ريال, والثانية أتلفت على الأخرى ما قيمته مليون ريال, فحينئذٍ تتعادل الطائفتان وتتساقطا, فإن كانت إحداهما أتلفت على الأخرى ما قيمته ثمانمائة ألف ريال, والأخرى أتلفت ما قيمته مليون, فالفرق إذاً مائتا ألف ريال، فمائة ألف ريال نحملها على الأخرى التي أتلفت ما قيمته مليون, ولهذا قال: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) .
(وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (أقسطوا) هذا أمر بالقسط وهو العدل, وهذا تأكيد لقوله: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) .
(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي: يحب العادلين, وقد ثبت عن النبي صلى عليه وعلى آله وسلم: (أن المقسطين على منابر من نور عن يمين الرحمن الذين يعدلون في أهليهم وما ولوا من أمور المسلمين) .(115/3)
تفسير قوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة)
ثم قال الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] هذا كالتعليل لقوله: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) أي: إنما أوجب الله علينا الإصلاح بين الطائفتين المقتتلتين؛ لأن المؤمنين إخوة, الطائفتان المقتتلتان كلهم إخوة, ونحن أيضاً إخوة لهم, حتى مع الاقتتال, فإذا قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) والكافر ليس أخاً للمؤمن؟ فالجواب أن يقال: إن الكفر الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام هو كفر دون كفر, فليس كل ما أطلق الشرع عليه أنه كفر يكون كفراً, فهنا صرح الله عز وجل بأن هاتين الطائفتين المقتتلتين إخوة لنا, مع أن قتال المؤمن كفر, فيقال: هذا كفر دون كفر, وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب, والنياحة على الميت) ومعلوم أن الطاعن في النسب والنائحة على الميت لا يُكفران كفراً أكبر, فدل ذلك على أن الكفر في شريعة الله في الكتاب وفي السنة كفران: كفر مخرج عن الملة, وكفر لا يخرج عن الملة.
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10] وفي هذا من الحمل على العطف على هاتين الطائفتين المقتتلتين ما هو ظاهر لقوله: (إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) كما أنك تصلح بين أخويك الأشقاء من النسب فأصلح بين أخويك في الإيمان.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10] أي: اتقوا الله تعالى بأن تفعلوا ما أمركم به, وتتركوا ما نهاكم عنه, لأنكم إذا قمتم بهذا فقد اتخذتم وقاية من عذاب الله وهذه هي التقوى, وعلى هذا فكلما سمعت كلمة تقوى في القرآن فالمعنى: أنها اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه, (لعلكم ترحمون) أي: ليرحمكم الله عز وجل إذا اتقيتموه.(115/4)
الأسئلة(115/5)
معنى قوله: دعوا الثلث لخراص الزكاة
السؤال
قول الرسول صلى الله عليه وسلم للخارص: (دع لهم الثلث) هل معنى هذا: أن هذا الجزء معفي من الزكاة, إذا لم يكن كذلك فما فائدة أمر النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
يسأل عن زكاة الثمار والزهور فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث من يخرص الثمار على أهلها, ويقول: (إذا خرصتم فخذوا, ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع) فهل المعنى: أن ثلث هذه الثمار ليس فيه زكاة؟ أو أن المعنى: فيه زكاة لكن اتركوا ثلث الزكاة لهم يتصرفون فيها؟ في هذا قولان للعلماء: القول الأول: أن المعنى: أنه تسقط عنهم زكاة ثلث الثمار أو الربع, فإذا قدرنا أن زكاته تبلغ تسعين صاعاً, فنحن نسقط عنه ثلاثين صاعاً, وإن لم نسقط الثلاثين أسقطنا الربع.
القول الثاني: أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (دعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع) أننا نترك ثلث الزكاة لهم, وأن الزكاة تجب في المال كاملة, لكن نترك لهم الثلث أو الربع ليتصرفوا فيها فيعطوها من شاءوا من أقارب أو أناس يعرفونهم أو ما أشبه ذلك, ليكون حراً في توزيعها, وهذا القول هو الصحيح؛ لأن عموم الأدلة الأخرى التي قال فيها الرسول عليه الصلاة والسلام: (فيما سقت السماء العشر, وفيما سقي بالنضح نصف العشر) عام شامل, فتكون هذه الثمار يجب فيها الزكاة كاملة, لكن نترك ثلث الزكاة أو ربع الزكاة لصاحب الثمار من أجل أن يعطيه من أحب.(115/6)
حكم السائل الخارج بعد البول
السؤال
إذا خرج بعد البول سائل أبيض سواء بعده بساعة أو بدقائق, فما الحكم أرجو التفصيل؟
الجواب
هذا السائل الذي يخرج من الذكر بعد البول بدون شهوة حكمه حكم البول, يعني: أنه يجب غسله، وغسل ما أصاب من البدن أو الثياب, ويجب الوضوء بعده.(115/7)
جواز حمد الله في الصلاة لمن عطس
السؤال
إذا عطس شخص في الصلاة هل يحمد الله؟
الجواب
إذا عطس إنسان في أثناء الصلاة فليحمد الله؛ لأنه ثبت في صحيح مسلم من حديث معاوية بن الحكم: (أنه دخل يصلي فعطس رجل من القوم فقال: الحمد لله, فقال له معاوية: يرحمك الله, فرماه الناس بأبصارهم -أي: جعلوا ينظرون إليه نظرة إنكار- فقال: واثكل أمياه! فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه فسكت, فلما انتهى من الصلاة دعاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس, إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) أو كما قال.
وهذا يدل على أن الإنسان إذا عطس في الصلاة يحمد الله, كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الإنسان إذا فتح عليه الشيطان باب الوساوس والهواجيس في الصلاة أمره أن يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم, وعلى هذا فإذا وجد سبب الذكر والإنسان يصلي فإنه يذكر الله عز وجل ولا حرج عليه.
لكن لو سمعت الأذان وأنت تصلي هل تجيب المؤذن ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنه يجيب المؤذن, كما أنه يحمد الله إذا عطس ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إذا استولى عليه الشيطان بالهواجس, فيجيب المؤذن, لكن في النفس من هذا شيء, يعني: إجابة المؤذن؛ لأن إجابة المؤذن طويلة تشغل المصلي, أما ما لا يحتاج إلا لكلمة واحدة أو نحوها فإنه لا بأس أن يأتي به.
لكن لو رأى إنساناً يعمل منكراً هل يقول: يا فلان لا تفعل.
؟ لا؛ لأن هذا من كلام الناس.(115/8)
حكم الأكل من الذبيحة المنذور بها
السؤال
يعتقد بعض الناس أنه إذا نذر أن يذبح شاةً أنه لا يحل له أن يأكل منها, فهل هذا صحيح؟
الجواب
هذا على حسب النية, الإنسان ربما يقول: إن قدم فلان الغائب فلله عليّ نذر أن أذبح شاة, نسأله: هل قصدك بهذا أن تشكر الله على نعمته بقدوم الغائب، أو قصدك أن تظهر الفرح والسرور بقدومه؟ إن كان قصده الأول فإنه لا يأكل منها شيئاً؛ لأنه نواها صدقة, وإن كان قصده الثاني فله أن يأكل, دليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) لكن في ظني أن غالب الناس يقصدون بذلك شكر الله على هذه النعمة، ولا سيما إذا كان في شفاء مريض من مرضه, كثير من الناس يمرض له مريض فينذر إن شفى الله مريضه أن يذبح شاة, هذا نقول: لا تأكل منها؛ لأن الظاهر أنه أراد بذلك شكر الله, وإذا كان أراد الشكر فهي صدقة.
ولكن بالمناسبة أقول: إن النذر مكروه نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام, وقال: (إنه لا يأتي بخير, ولا يرد قضاءً) وكم من إنسان نذر ثم تعب في الوفاء بنذره, والإنسان إذا نذر لله نذراً ثم لم يفِ به فإنه على خطر عظيم, لقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} [التوبة:75-77] أعوذ بالله من ذلك، يعني: يُخشى أن الإنسان الذي لا يفِ بنذره أن يعقبه الله نفاقاً في قلبه إلى الممات, فعلى الإخوان المسلمين أن يتركوا النذر, إن الله أراد الشفاء شفاه بدون نذر, وإن أراد الله قدوم الغائب قدم بدون نذر.
السائل: وهل الأكمل -يا شيخ- إذا كان قصد الشكر أن يدعو الفقراء أم لا؟ الشيخ: إما أن يدعو الفقراء، وإما أن يذبحها ويوزعها على الفقراء.(115/9)
ما يترتب على إفطار المريض بالسُّكَّر
السؤال
يتعرض مريض السكر في رمضان للانخفاض مما يوجب عليه الإفطار, فأحياناً يستمر معه هذا الانخفاض أسبوعاً أو أكثر, فهل في حقه القضاء، أم الإطعام؟
الجواب
مرض السكر كغيره من الأمراض, إذا كان دائماً مستمراً مع الإنسان ولا يستطيع الصوم فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً, كالكبير الذي يعجز عن الصوم, وإن كان في فترات فمتى قدر على الصوم صام, ومتى لم يقدر أفطر في رمضان ثم قضاه بعد ذلك.(115/10)
وجوب الإنصات للخطيب
السؤال
ما حكم الكلام في أثناء المسير إلى صلاة الجمعة والإمام يخطب؟
الجواب
الكلام والإمام يخطب حرام لا يجوز, سواء كنت في المسجد أو مقبلاً إلى المسجد, إلا إذا كنت تريد أن تصلي عند شخص آخر ومررت بمسجد قد شرع خطيبه في الخطبة فلا يلزمك أن تنصت؛ لأنك لا تقصد هذا المسجد.
ويلزمك الإنصات للخطيب حتى وإن كان الصوت غير واضح, لكن إذا كان غير واضح لا شك أنه أهون, لأنك لو أنصت لا تستفيد شيئاً.(115/11)
حكم عدم الاستنزاه من البول
السؤال
مما عمت به البلوى وفي هذا الزمان هو عدم التنزه عن البول, من الصغير والكبير, ومن الذكر والأنثى, والعالم والجاهل, وخاصة أثناء لبس الشراب في الشتاء, لأن دورة المياه قاسية أرضيتها؛ فلا بد أن يصل شيء من البول إذا لم يتحرز الإنسان, وكثير من الناس يتساهل في هذا الشيء, فما نصيحتكم وفقكم الله؟
الجواب
لا شك أن التساهل في التطهر عند البول خطأ عظيم؛ لأنه من أسباب عذاب القبر كما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان, وما يعذبان في كبير -أي: في أمر يشق عليهما- أما أحدهما فكان لا يستتر من البول, -أي: لا يستنزه ولا يستبرئ منه- وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) ، ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه) ، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين, فغرز على كل قبر واحدة, قالوا: لم فعلت ذلك؟ قال: (لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) .
وقد أخذ بعض العلماء رحمهم الله من هذا الحديث: أنه ينبغي إذا دفن الميت أن يغرز في قبره جريد من النخل الرطب أو غصن الشجرة أو ما أشبه ذلك, وهذا غلط عظيم, فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يضع هذا على كل قبر, إنما وضع هذا على قبرين يعذبان, فهل أنت تعلم أن هذا القبر يعذب حين وضعت هذه الجريدة؟ الجواب لا, إذاً: أنت الآن أسأت الظن بصاحب القبر حيث وضعت عليه الجريدة, يعني: كأنك تقول: هذا القبر يعذب وأنت لا تعلم, وإنما نبهت على ذلك لأن بعض العلماء قال: إنه ينبغي أن يوضع جريدة رطبة على القبر بعد الدفن أو غصن شجرة أو ما أشبه ذلك, وهذا لا شك أنه خطأ وليس من السنة.
ثم إن ما أشار إليه الأخ السائل من وضع المراحيض الآن وأنها صلبة فيقال: المراحيض صلبة لا شك, لكن المراحيض لها مكان خاص يكون فيها البول, وهو الحوض الذي يبول فيه الإنسان, وما كان خارج هذا الحوض فليس بنجس, والحوض إذا استعمل الإنسان الإبريق أو غيره فإنه في مأمن من أن يرش البول على جواربه أو على خفافه, ولا أرى في هذا بأساً.
نعم بعض الناس إذا أراد أن يستنجي يجعل عنده إناء يصب فيه الماء, ثم يغرف بيده من الإناء ويرش على فرجه, هذا هو الذي ربما يترشرش شيء من البول عليه, ولهذا لو استعمل -هذا الذي يضع الإناء- الإبريق لكان أحسن وأقرب إلى النظافة.(115/12)
التحذير من الأيمان وبيان كفارتها
السؤال
بالنسبة لكفارة الأيمان, نريد أن تعلمنا ما مقدارها؟ والإنسان أحياناً يحلف بالله ثم لا يبر بأيمانه, فإذا كنت لا أعلم عددها بالضبط فما يجب عليّ؟
الجواب
أولاً: يجب أن نعلم أنه لا ينبغي للإنسان أن يكثر من الأيمان, فإن الله ذكر الإكثار من الأيمان بصيغة الذم قال: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} [القلم:10] وقال بعض العلماء في قوله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة:89] أي: لا تكثروا الأيمان.
ثانياً: وإذا قدر أنه حلف فليصل يمينه بقوله: إن شاء الله؛ لأنه إذا وصل يمينه بقوله إن شاء الله لم يحنث, حتى لو خالف ما حلف عليه، وهذا أمر سهل, إذا عود الإنسان لسانه قول إن شاء الله عند كل يمين سهل عليه ذلك.
ثالثاً: إذا حلف فالحلف نوعان: حلف لا يقصد وهو الذي يجري على الإنسان بلا قصد, مثل أن يقول: أتذهب معي إلى فلان؟ قال: لا، والله! لست بذاهب اجلس؟ قال: لا، والله! لست بجالس هذا ليس بيمين يؤاخذ به لقوله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة:89] وأنت لم تعقد في قلبك لكن جرى على لسانك على العادة, هذا لا يضر.
رابعاً: الحلف على الماضي ليس فيه كفارة, لكن إن كان الإنسان صادقاً فهو صادق بار, وإن كان كاذباً فهو آثم, فإذا قلت: والله! ما فعلت كذا فهنا لا كفارة عليك حتى وإن كنت فاعلاً له؛ لأنه على شيء ماضي, الماضي ليس عليه كفارة إطلاقاً, لكن إما أن تكون صادقاً فأنت بار, وإما أن تكون كاذباً فأنت آثم.
فإذا كانت اليمين على مستقبل وقصدت عقدها بنية جازمة ولم تقل فيها إن شاء الله, ثم خالفت ما حلفت عليه فعليك الكفارة.
الكفارة أربعة أصناف: إطعام عشرة مساكين, أو كسوتهم, أو تحرير رقبة, أو صيام ثلاثة أيام, لكن الثلاثة الأولى على التخيير افعل ما تشاء منها, والرابعة وهي الصيام إذا لم تتمكن من الثلاثة الأولى فصم ثلاثة أيام.
إطعام العشرة مساكين له صفتان: الصفة الأولى: أن تصنع طعاماً، غداءً أو عشاءً ثم تدعو عشرة يتغدون أو يتعشون.
الصفة الثانية: أن تعطي العشرة طعاماً رزاً ومعه اللحم, ويكفي العشرة صاعين ونصف من الرز ومعه اللحم.
فإذا كنت حلفت على أيمان متعددة, إن كان المحلوف عليه شيئاً واحداً أجزأتك كفارة واحدة, وإن كان متعدداً فلكل يمين كفارة, مثال ذلك: لو قلت: والله! لا أدخل هذا البيت.
هذا يمين, ثم قابلك إنسان آخر وقال: هيا بنا إلى فلان.
قلت: والله! لا أدخل بيته.
هذا يمين, ثم ثالث وقال لك: هيا بنا إلى فلان.
فقلت: والله! لا أدخل بيته.
هذا أيضاً يمين ثالث, لكن المحلوف عليه شيء واحد، هذا يكفيك كفارة واحدة؛ لأن المحلوف عليه شيء واحد.
أما إذا تعدد المحلوف عليه نظرنا إن كانت اليمين واحدة كفت كفارة واحدة, مثل أن تقول: والله لا أدخل هذا البيت، ولا أكلم فلاناً، ولا أركب هذه السيارة.
المحلوف عليه الآن متعدد لكن الحلف واحد, هذا أيضاً يكفيه كفارة واحدة.
أما إذا تعددت اليمين والمحلوف عليه فعليك لكل واحد كفارة, وإذا شككت هل عليك عشر كفارات أو خمس فاجعلها خمساً؛ لأنه اليقين وما زاد فمشكوك فيه.(115/13)
زكاة ما أعد للتجارة
السؤال
شخص اشترى أرضاً بقصد التجارة, ولكن بقت على ملكه مدة طويلة هل عليها زكاة؟
الجواب
إذا اشترى الإنسان أرضاً للتجارة فعليه زكاة كل عام, سواء زادت قيمتها أو نقصت، وسواء نفقت أو كسدت، يقومها كل سنة بما تساوي, ثم إن كان لديه مال أخرج زكاتها من المال الذي عنده, وإن لم يكن لديه مال, قيد الزكاة في كل سنة بسنتها وإذا باعها أدى الزكاة لما مضى.(115/14)
كيفية صلاة المسافر لفترة طويلة
السؤال
أنا أعيش في الكويت عندنا بيت في السعودية , وآتي كل سنة مرة تقريباً وأمكث فيه شهرين, فهل أقصر وأجمع, أو أجمع أو أقصر فقط؟ إذا كنت تعتبر الكويت وطناً لك؛ إذاً: أنت مسافر, في مجيئك إلى السعودية فتترخص برخص السفر, لكن ما دمت تسمع النداء يجب عليك أن تصلي في المسجد, ومعلوم أن من صلّى في المسجد فإنه لن يقصر؛ لأن الإمام يتم, ومن صلّى خلف إمام يتم وجب عليه الإتمام, لكن لو فاتتك الصلاة فلك أن تقصر, وأما الجمع فلا حاجة للجمع؛ لأنك مقيم, وكذلك أيضاً لك أن تمسح على الجوربين ثلاثة أيام؛ لأنك مسافر ولو شهر أو شهرين.(115/15)
حكم تجويد القرآن
السؤال
حكم التجويد هل هو واجب؟
الجواب
التجويد في القرآن ليس بواجب, وإنما هو من باب تحسين الصوت بالقرآن, فإذا أمكن أن تؤدي القرآن بالتجويد بدون تكلف ولا تنطع فهذا خير, وأما أولئك القوم الذين يتكلفون وتجده يكاد ينجرح حلقه إذا أراد أن ينطق بالحاء أو الهاء أو غيرها من الحروف الحلقية فلا شك أن هذا خلاف السنة, لكن المراد بالتجويد المعتدل.
والصواب: أنه ليس بواجب وإنما هو سنة, وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن الذين يعتنون بالتجويد ويتكلفونه يكون هذا سبباً لعدم تدبرهم القرآن؛ لأن الإنسان حينئذٍ ليس له هم إلا إصلاح اللفظ فقط, وصدق رحمه الله, ذكر هذا في الفتاوي وقال: إنه لا ينبغي التكلف في التجويد.
وبعض الإخوة يقولون: قرأنا للإمام الذهبي رحمه الله يقول: إن التجويد مضيعة للوقت, لا أدري عن هذا والله! لكن إن صح عنه فمراده أن الإنسان لا ينشغل به كثيراً ويدع الاهتمام بالمعاني.(115/16)
توجيه ما نقل عن الإمام أحمد في مسألة خلق القرآن
السؤال
ذكر الإمام اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة , قولاً للإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وهو قوله: لا يجوز أن نقول أن القرآن مخلوق, ولا يجوز أن نقول أن القرآن ليس بمخلوق.
فما معنى قول الإمام أحمد؟
الجواب
الإمام أحمد رحمه الله ما قال: (القرآن) المشهور أنه قال: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي.
ومن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع.
هذا الذي نقل عنه, وقد نقل عنه بلفظ آخر: من قال لفظي بالقرآن مخلوق يريد القرآن فهو جهمي.
ومراده رحمه الله: أنك إذا قرأت القرآن فهنا شيء مقروء وهنا قراءة, القراءة هي لفظك وحركة لسانك وشفتيك، هذا مخلوق لا شك, المسموع الذي هو القرآن أو المنطوق به غير مخلوق, هذا التفصيل هو الحق, أما الإطلاق أن تقول: لفظي مخلوق أو غير مخلوق، فهذا لا ينبغي.
والحاصل: أن الإنسان إذا قال: لفظي بالقرآن مخلوق نسأله نقول: هل أنت أردت فعلك الذي هو فعلك من حركة اللسان والشفتين والصوت المسموع فهو مخلوق, أو أردت ما نطقت به وهو القرآن فهذا غير مخلوق.(115/17)
جواز الإجازة الاضطرارية لرؤية الوالدين
السؤال
أنا أعمل موظفاً في منطقة القصيم وأنا من أهالي حائل , وقد أضطر إلى أخذ إجازة اضطرارية لكن لرؤية الوالدين والأهل فقط, والعمل لا يشترط أن أذهب إلا أن آتي بمن يقوم مقامي في العمل، فهل يجوز لي أن آخذ هذه الإجازة يومين في السنة؟
الجواب
لا بأس؛ لأن هذا عذر شرعي وقصير في السنة مرة.
ورؤية الوالدين مع المدة الطويلة شبه ضرورية.(115/18)
حكم ما يفعل ليلة النصف من شعبان
السؤال
هل هناك سنة مشروعة في ليلة النصف من شعبان, فقد رأينا نشرة مضمنة ببعض الأحاديث في فضل هذه الليلة, قد صحح بعض هذه الأحاديث بعض المحدثين؟
الجواب
الصحيح أن جميع ما ورد فضل ليلة النصف من شعبان ضعيف لا تقوم به حجة, ومنها أشياء موضوعة, ولم يعرف عن الصحابة أنهم كانوا يعظمونها, ولا أنهم كانوا يخصونها بعمل, ولا يخصون يوم النصف بصيام, وأكثر من كانوا يعظمونها أهل الشام -التابعون ليس الصحابة- والتابعون في الحجاز أنكروا عليهم أيضاً, قالوا: لا يمكن أن نعظم شيئاً بدون دليل صحيح.
فالصواب: أن ليلة النصف من شعبان كغيرها من الليالي، لا تخص بقيام, ولا يوم النصف بصيام, لكن من كان يقوم كل ليلة, فلا نقول: لا تقم ليلة النصف, ومن كان يصوم أيام البيض لا نقول: لا تصم أيام النصف, إنما نقول: لا تخص ليلها بقيام ولا نهارها بصيام.(115/19)
حكم من شك في انتقاض وضوئه
السؤال
إذا ذهب شخص للصلاة ثم شك في نفسه هل انتقض وضوءه أم لم ينتقض، ماذا يعمل؟
الجواب
إذا كان الإنسان متوضأً وشك هل انتقض وضوءه أم لا فإنه يبقى على وضوئه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شكي إليه ذلك فقال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) وهذه -ولله الحمد- راحة للإنسان, حتى لو قوي ظنك بأنك أحدثت لا تلتفت لهذا إلا إذا تيقنت.
لكن لو فرض: إنسان نقض الوضوء, ثم لما أذن وأراد أن يذهب إلى المسجد شك هل هو توضأ بعد نقض الوضوء أم لا؟ يجب عليه أن يتوضأ؛ لأن الأصل بقاء الحدث حتى يتيقن زواله.(115/20)
حكم الولائم الرمضانية
السؤال
رجل متوفي وقد خصص في رمضان عمل وليمة كصدقة, فما حكمها؟
الجواب
الصواب أن تقول: متوفى؛ لأن الله تعالى قال: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} [السجدة:11] ، وقال: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر:42] .
أما إذا قصد بهذا أن يطعم المساكين فلا بأس, أما إذا قصد أن يقيم فرحاً يدعو إليه الجيران والأغنياء فهذا بدعة, وهناك شيء آخر يفعله بعض الناس: وهو أن يذبح ذبيحة كالأضحية، وهذا أشد بدعة من الأول؛ لأن ذبائح الأضاحي إنما تكون في عيد الأضحى فقط, ثم إنه ينبغي لطلبة العلم أن ينشروا بين العامة أن عشاء الوالدين الذي يكون في رمضان ليس هو كل شيء! دعاءك لوالدك في صلاة التراويح أو صلاة التهجد أفضل بكثير من أن تذبح له عشر نوق.(115/21)
حكم شراء الكتب المشتملة على صور
السؤال
في بعض الكتب العلمية بعض الصور, ما حكم بيع هذه الكتب؟
الجواب
الكتب التي بها صورة تنقسم إلى قسمين: قسم موضوع للصور, مثل ما يسمى الآن بمجلة البردة هذه، هذا فلا يجوز شراؤها ولا اقتناؤها؛ لأنه المقصود بها أولاً وآخراً الصور, وقسم آخر لا يقصد به الصور إنما يقصد به الفائدة لكن قد يشتمل على صورة الذي كتب المقال, فهذا لا بأس من اقتنائها؛ لأن التحرز منها شاق, وكونه يمشي عليها كلها ويطمس الوجوه أيضاً شاق, وبيعها جائز؛ لأنه متى جاز استعمالها جاز بيعها.
أما لو كانت صور نساء فالأمر كما قلت: لك هل تشترى من أجل الصورة؟! حسب القصد.(115/22)
ما يعطى مجاناً على السلع
السؤال
بعض الورش تغير الزيت, فإذا غيرت أربع مرات تعطى منهم تغييراً مجاناً مرة؟
الجواب
ما فيها بأس, ما دام هذا الذي يقول: (إذا اشتريت مني بنزين) وقدره كذا وكذا أو أخذت مني جوالين زيت قدرها كذا وكذا فأنا أملأ لك مجاناً, هذا لا بأس به, إذا كان هذا الرجل لا يزيد في الثمن, يعني: سعره مثل الناس فلا حرج.
وسأعطيك قاعدة: وهو أنه إذا كان الإنسان إما سالم وإما غانم فلا بأس.
وهذا الرجل إما سالم أم غانم؟ بل إنه غانم يعرف أنه سيغنم في المرة الخامسة: فالزائد يكون مجاناً.(115/23)
حكم حج من عليه دين
السؤال
إنسان عليه دين, وجاء شهر الحج, وأعطيت صاحب الدين القسط, وحجيت وأنا ما فرطت؟
الجواب
ما هناك بأس, يعني: لا حرج للإنسان أن يحج وعليه دين, إذا كان لم يحل, ولكننا نقول: الحج لا يجب عليك حتى تقضي الدين, تيسيراً من الله عز وجل أن نقول للإنسان: اقضِ دينك أولاً ثم حج ثانياً, والإنسان لو مات في هذه الحال فإنه لا إثم عليه, والإنسان الذي عليه دين مثل الفقير, عليه زكاة؟ لا, لأنه ليس لديه مال, هذا الرجل الذي عليه الدين أيضاً ما عليه حج؛ لأنه لا يستطيع.(115/24)
معنى قوله: (لا تبع ما ليس عندك)
السؤال
في بعض المحلات التجارية الآن يذهب المشتري لشراء سلعة ما من البائع فيقول له البائع: انتظر قليلاً ويذهب ويأتي بالسلعة من محل آخر, فما حكم هذا؟ وهل يدخل في السلم الحال، أم لا؟
الجواب
أما إذا تعاقدا فهذا لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تبع ما ليس عندك) وأما إذا تواعدا وقال: ائتني بعد العصر مثلاً وهو طلبها منه الصباح على نية أنه سيشتري هذه السلعة ويبيعها عليه بعد العصر, فهذا بلا بأس به؛ لأنه لم يحصل عقد.
والجواب: المهم ألا يكون بينهما عقد قبل أن تحضر السلعة, ووعد كل واحد منهما لم يلزم الآخر, لكن قال: إن شاء الله أحضرها لك في آخر النهار, لو ذهب الرجل طلب الشراء واشترى من آخر, ما قال له الآخر: لماذا تشتري؟ نسأل الله أن يرزقنا العلم النافع والعلم الصالح, وأبشروا بالخير فإن: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة) .
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.(115/25)
لقاء الباب المفتوح [116]
هذا اللقاء هو آخر لقاء ف يشهر شعبان، لذا كان حديث الشيخ عن مسائل في صيام رمضان حسياً ومعنوياً، وكذا عن قيامه وما يحدث في قيامه من مخالفات الأئمة.
وأجاب عقب ذلك عن أسئلة منها ما يتعلق بما يحدث في رمضان من مسابقات تجارية ورياضية وغير ذلك من الأسئلة.(116/1)
كلمات يسيرة في شهر رمضان
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن هذا اللقاء سيكون اللقاء الأخير في شهر شعبان, وهو اللقاء السادس عشر بعد المائة, يتم في يوم الخميس العشرين من شهر شعبان عام (1416هـ) وبما أن شهر رمضان على الأبواب فإنه يحسن أن نتكلم بكلمات يسيرة عما يتعلق بالشهر المبارك.(116/2)
مزايا شهر رمضان
شهر رمضان له مزايا على غيره: منها: أن الله سبحانه وتعالى أنزل فيه القرآن، كما قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185] .
ومنها: أن الله جعل فيه ليلة القدر التي أنزل الله في شأنها سورة كاملة, فقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:1-3] وقال فيها: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان:3] فوصفها الله تعالى بالبركة.
ومنها: أن الله سبحانه وتعالى رتب مغفرة الذنوب والآثام لمن صامه إيماناً واحتساباً, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) .
ومعنى قوله: (إيماناً) أي: إيماناً بفرضيته, وإيماناً بما رتب الله عليه من الأجر, (واحتساباً) لهذا الأجر, أي: أنك تحتسب صومك على الله عز وجل بأن يثيبك على صيامك, فمن صامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه.
ومنها: أن من قامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أن من قام ليله إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه.
ومنها: أنه شهر الجود والكرم, والعفو والإحسان, (كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس, وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) وقد سألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) .
فينبغي للإنسان أن يغتنم هذه الفرصة في الشهر المبارك, وأن يكثر من الصلاة والذكر وقراءة القرآن، والصدقة والإحسان إلى الناس بالمعاونة والشفاعة الحسنة, وغير ذلك من أنواع البر والخيرات, لعل الله تعالى أن يعامله بالخير والبركة.(116/3)
فرضية صيام رمضان وشروطه
الصيام لا شك أنه مفروض على الأمة الإسلامية, وأنه ركن من أركان الإسلام, وفرضه الله عز وجل في السنة الثانية من الهجرة, فبقي النبي عليه الصلاة والسلام أربع عشرة سنة بعد البعثة ولم يفرض الصيام, حتى تروضت النفوس على الإسلام واطمأنت واستقرت وفرض في السنة الثانية من الهجرة, وكان أول ما فرض: أن الإنسان مخير بين أن يصوم أو أن يطعم عن كل يوم مسكيناً, ولكن الله ندب إلى الصوم فقال: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:184] فصار من شاء صام ومن شاء أفطر, ثم أوجب الله تعالى صومه عيناً فقال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185] .
ولا يجب صوم رمضان إلا على كل مسلم, بالغ, عاقل, قادر, مقيم, خال من الموانع, يعني: بستة شروط, فالكافر لا نلزمه بالصوم, ولا نقل: صم، لو وجدنا كافراً يأكل ويشرب في بيته في نهار رمضان لا نقول: أمسك, لأنه ليس من أهل الصيام, بل لو صام وهو لم يسلم لم يقبل الله منه؛ لأن الله تعالى قال: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة:54] فهو لا يؤمر بالصوم ولو صام لا يصح منه, ولا يؤدب على الفطر, لكنه يمنع من إظهار الفطر بين المسلمين.
والصغير لا يجب عليه الصوم, لكن قال العلماء: يجب على وليه أن يأمره بالصوم إذا أطاقه, ليعتاده ويتمرن عليه, ويستقبله بنشاط وعزم إذا بلغ.
والمجنون لا يجب عليه الصوم؛ لأنه ليس أهلاً للتكليف, قد رفع عنه القلم, ولا يجب على المجنون شيء من العبادات إلا الزكاة, فإن الزكاة تجب في مال المجنون؛ لأن الزكاة حق المال.
والعاجز لا يلزمه الصوم, لكن إن كان عجزاً مستمراً لا يرجى زواله، فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً, كالعجز من أجل الكبر، أو من أجل مرض لا يرجى برؤه, فهذا يطعم عن كل يوم مسكيناً ولا يلزمه الصوم, والعجز الذي يرجى زواله كالمريض مرضاً طارئاً يرجى برؤه نقول له: انتظر حتى يزول المرض ثم صم لقول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] .
والمسافر لا يلزمه الصوم, له أن يأكل ويشرب سواء كان في البر لم يصل إلى المدينة التي قصدها أو كان في نفس المدينة, ولو كان يقيم أو يريد الإقامة الشهر كله, فإنه مسافر فله أن يأكل ويشرب لقوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ولا فرق بين أن يكون سفره لطاعة, كالذي يسافر لعمرة مثلاً، أو لصلة رحم، أو لعيادة مريض، أو لغير طاعة كما لو سافر ليتجر, وأما السفر المحرم فهذا محل خلاف بين العلماء فمنهم من يقول: إن المسافر سفراً محرماً يترخص برخص السفر, ومنهم من يقول: إنه لا يترخص.
وكما قلنا: لا فرق بين أن يكون المسافر يمشي في البر أو مقيماً في بلد قصد إليها, ما دام عزمه أن يعود إلى بلده, فإنه لا زال مسافراً.
من به موانع لا يلزمه الصوم, وهذا إنما يكون للمرأة الحائض والنفساء, فإنه لا صيام عليهما، ولو صامتا لم يصح الصوم منهما, ولكن عليهما القضاء, هذه هي الشروط التي تشترط لوجوب الصوم وهي ستة: 1- الإسلام.
2- البلوغ.
3- العقل.
4- القدرة.
5- الإقامة.
6- الخلو من الموانع.(116/4)
صيام الجوارح وأهميته
أما الذي يجب عنه الصوم, فلعلكم تستغربون إذا قلت: إن الذي يجب عنه الصوم هو: المعاصي, يجب أن يصوم الإنسان عن المعاصي, لأن هذا هو المقصود الأول في الصوم لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] لم يقل: لعلكم تجوعون! أو لعلكم تعطشون! أو لعلكم تمسكون عن الأهل! لا قال: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) , هذا هو المقصود الأول من الصوم, وحقق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وأكده بقوله: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) إذاً أن يصوم الإنسان عن معاصي الله عز وجل, هذا هو الصوم الحقيقي.
أما الصوم الظاهري فهو الصيام عن المفطرات, الإمساك عن المفطرات تعبداً لله عز وجل من طلوع الفجر إلى غروب الشمس لقوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] هذا صوم نسميه الصوم الظاهري صوم البدن فقط, أما صوم القلب الذي هو المقصود الأول، فهو الصوم عن معاصي الله عز وجل.
وعلى هذا: فمن صام صوماً ظاهرياً جسدياً، ولكنه لم يصم صوماً قلبياً فإن صومه ناقص جداً جداً, لا نقول: إنه باطل لكن نقول: إنه ناقص, كما نقول في الصلاة, المقصود من الصلاة الخشوع والتذلل لله عز وجل, وصلاة القلب قبل صلاة الجوارح, لكن لو أن الإنسان صلّى بجوارحه ولم يصلِ بقلبه، كأن يكون قلبه في كل وادٍ فصلاته ناقصة جداً, لكنها مجزئة حسب الرسم الظاهر مجزئة لكنها ناقصة جداً, كذلك الصوم ناقص جداً إذا لم يصم الإنسان عن معصية الله, لكنه مجزئ حسب الرسم الظاهري؛ لأن العبادات في الدنيا إنما تكون على الظاهر.
فنقول: إذا تناول الإنسان شيئاً من المفطرات، ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإن صومه يكون فاسداً وعليه القضاء, وأعظم المفطرات هو الجماع, فمن جامع زوجته في نهار رمضان، وهو ممن يجب عليه الصوم فسد صومه، ولزمه إمساك بقية اليوم، ولزمه القضاء, ولزمته الكفارة, ولزمه الإثم, يعني: يترتب على جماعه في نهار رمضان إذا كان ممن يجب عليه الصوم خمسة أشياء: الإثم, فساد الصوم, لزوم الإمساك, القضاء, الكفارة, هذا إذا كان ممن يجب عليه الصوم, أما إذا كان ممن لا يجب عليه الصوم كمسافر سافر مع أهله، وصام هو وأهله ولكنه بدا له أن يتمتع بأهله، فجامع فلا شيء عليه, إلا القضاء فقط, يعني: لا يترتب عليه لا إثم ولا إمساك ولا كفارة, ليس عليه إلا القضاء, لأنه لما جامع فسد صومه لكن أفسده بشيء مباح, إذ أن المسافر يجوز له أن يفطر ولو في أثناء النهار ولو بدون سبب, وعليه القضاء.
ثم الكفارة: وهي عتق رقبة, فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين, فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً, ولا فرق بين أن يقول: أنا والله لاس أعلم أن عليّ كفارة, لو علمت أن عليّ كفارة ما جامعت, أو أن يقول: أنا أعلم أن عليّ كفارة ولكنه عجز عن إمساك نفسه, فعلى كل حال الكفارة واجبة, إذا علم الإنسان أن الجماع حرام فالكفارة عليه واجبة بكل حال, دليل ذلك: ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله هلكت -وفي رواية: هلكت وأهلكت- فقال: ما الذي أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم, فسأله النبي عليه الصلاة والسلام عن خصال الكفارة, أعتق رقبة, قال: لا أجد, قال: صم شهرين متتابعين, قال: لا أستطيع, قال: أطعم ستين مسكيناً, قال: لا أجد, كل خصال الكفارة لا يجدها ولا يستطيعها, فجلس الرجل فجيء بتمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خذ هذا وتصدق به, قال: أعلى أفقر مني؟ والله يا رسول الله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني, فضحك النبي صلى الله عليه وسلم, حتى بدت نواجذه ثم قال: أطعمه أهلك) , ولم يقل له: إذا أغناك الله فكفر, فدل هذا على أن الكفارة تسقط في العجز عنه, وهذا هو مقتضى عموم قول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] وعموم قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] .(116/5)
رفع الخطأ والنسيان عن الأمة
ثم اعلم: أن من رحمة الله عز وجل أن الله رفع عن هذه الأمة حكم الخطأ والنسيان.
بمعنى: أن الإنسان لو أخطأ وأكل وشرب وهو صائم فلا شيء عليه, فلو أن الإنسان أكل وشرب يظن أن الفجر لم يطلع, ثم تبين أنه قد طلع, مثل أن سمع تكبيراً فظنه الأذان الأول فأكل وشرب, فإذا هي إقامة الصلاة, نقول له: ليس عليك شيء؛ لأنك لم تتعمد الإثم وقد قال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] .
ولو ظن أن الشمس قد غربت فأكل وشرب, فإذا بها لم تغرب, وهذا يقع كثيراً في أيام الشتاء تكون السماء ملبدة بالغيوم, فيظن الناس أن الشمس قد غربت, فأكل أو شرب, ثم طلعت الشمس لا شيء عليه؛ لأن هذا الرجل لم يتعمد الإثم ولم يتعمد الأكل في النهار, وقد الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] ونحن متعبدون لله عز وجل, قال لنا: العبادة فاسدة، قلنا: سمعاً وطاعة نعيدها, قال: العبادة صحيحة قلنا: الحمد لله, فلسنا نحكم على الله بشرعه, وإنما الله هو الحاكم علينا, فإذا كان يقول لنا بكلامه: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] أنقول: لا، لا نقبل؟! خطأ, نقول: الحمد لله على نعمه, وعلى عافيته ليس علينا شيء.
بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم طبق هذا تماماً، ففي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أنهم أفطروا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم, ثم طلعت الشمس ولم يأمرهم بالقضاء.
ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به, لأن عليه بلاغ الشريعة, ولو أخبرهم به لنقل إلينا, لأن حفظ الشريعة مما تكفل الله به: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] فالله حافظ لذكره وشرعه.
إذاً نقول: لا شيء على الإنسان إذا وهم فأكل قبل أن تغرب الشمس, وهذا أيضاً يقع كثيراً حتى في غير أيام الشتاء, أحياناً يسمع الإنسان في المذياع أذاناً يظن أنه أذان بلده فيفطر, فإذا بالشمس لم تغرب نقول: لا شيء عليك, لأنك لم تتعمد الإثم, وقد قال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] .
بهذه النصوص يتبين بطلان جميع الأقيسة التي تقتضي خلاف النص, فلو قال قائل: الإمساك بالصوم شرط والشرط لا يسقط بالجهل ولا بالنسيان, قلنا له: من قال هذا؟ هذا كلام الله وكلام رسوله وسنته.
وفي الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه -أي: ما نقص صومه- فإنما أطعمه الله وسقاه) نكتفي بهذا القدر فيما يتعلق بالصيام.(116/6)
ما يتعلق بقيام رمضان
أما فيما يتعلق بالقيام، فإنكم سمعتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) لكن هل يعني ذلك قيام كل الليل والنهار يصلي؟! لا, ولكن من قام القيام المشروع وذلك في الليل, فهل لهذا القيام عدد معين أو لا؟ نقول: أما على سبيل الحتم فليس هناك عدد معين, لو صلّى الإنسان ثلاثين ركعة أو أربعين ركعة فلا حرج عليه، ولا يقال له: لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت عدداًَ في قيام الليل, بل سأله سائل قال: (يا رسول الله كيف صلاة الليل؟ قال: مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلّى واحدة فأوتر.
) إذاً لا يوجد عدد معين, لكن العدد الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب عليه إما إحدى عشرة، وإما ثلاث عشرة كما سئلت عائشة رضي الله عنها وهي من أعلم الناس بحاله, كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قالت: (كان لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة) فهذا هو العدد الأفضل، لكن لا مانع من الزيادة.
ثم إن قيام الليل يحصل ثوابه لمن قام مع الإمام حتى ينصرف، ولو لم يستغرق إلا جزءاً يسيراً من الليل, دليل ذلك: أن النبي قام بأصحابه ولكنه انتهى قبل الفجر, قالوا: (يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا, قال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) نعمة والحمد لله، إذا قمت مع الإمام حتى ينصرف فأنت كأنك قمت الليل كله, مع أنك نائم على فراشك أو مستمتع بأهلك، ولهذا ينبغي للإنسان ألا يكون في ليالي رمضان يقوم مع هذا الإمام بتسليمة، ومع الإمام الثاني بتسليمة ويتجول في المساجد, فيضيع عليه الوقت ويضيع عليه الثواب, نقول: إذا شرعت مع إمام فاستمر إلى أن ينتهي, من أجل أن يكتب لك قيام ليلة, ومن المعلوم أن كل واحد منا يريد الأجر, وينتهز الفرص, فنقول: هذه هي الفرصة, قم مع الإمام حتى ينصرف.
وينبغي بل يجب على أئمة المساجد أن يتقوا الله تعالى فيمن ولاهم الله عليهم, إمام المسجد راع, والمأموم رعية, فيجب أن يسير بهم على مقتضى السنة, مقتضى السنة الطمأنينة في الصلاة, والطمأنينة تعني الاستقرار وعدم السرعة, ولهذا لو صلّى الإنسان بلا طمأنينة قلنا: صلاتك باطلة ولو صليت ألف مرة, لأن رجلاًَ أتى فصلى بدون طمأنينة ثم سلّم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ارجع فصل فإنك لم تصلِ) نفى الصلاة, مع أن الرجل صلّى, لكن الرسول قال: (لم تصلِ) لأن صلاة لا تكون على الشريعة وجودها كالعدم, ثم علمه قال: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء, ثم استقبل القبلة فكبر, ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً, ثم ارفع حتى تطمئن قائماً, ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً, ثم ارفع حتى تطمئن جالساً, ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً, ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) .
وكثير من الأئمة -نسأل الله لهم الهداية- يسرع إسراعاً مخلاً بالطمأنينة, حتى لو فرضنا أنه لا يطمئن ولا يأتي بواجب الطمأنينة لكن الذين وراءه لا يتمكنون؛ لأن فيهم من لا يكون سريع الحركة, إما لمرض أو كبر أو غير ذلك, فتجدهم لا يتمكنون من الطمأنينة وهذا حرام عليه, يحرم على الإمام أن يسرع سرعة تمنع المأموم من فعل ما يجب, لأن المأموم بين أمرين: إما أن يفارقه، وإما أن يتابعه على صلاة باطلة, وهذه مشكلة.
ولذلك نقول لإخواننا الأئمة: يجب عليكم أن تتقوا الله, وأن تراعوا حرمة المسلمين الذين وراءكم, وإذا قدر أنكم قضيتم الركعات في ساعة مع العجلة، مع أني لا أظن أن تبلغ الساعة لكن فرضاً فلتكن ساعة ونصف, لكن في ظني أن الذين يسرعون هذه السرعة قد يقيمونها في ثلث ساعة، فنقول: ماذا يضيرك إذا زدت؟! ثانياً: بعض المأمومين يريد أن يحافظ على ثلاثة وعشرين ركعة مع السرعة, وهذا خطأ؛ لأنه يفوت بذلك شيئين: الأول: العدد الأفضل, والعدد الأفضل إحدى عشرة ركعة أو ثلاثة عشرة ركعة؟ لا شك عندنا أنها أفضل من ثلاثة وعشرين.
الثاني: الإسراع, دع الناس يطمئنون يدعون الله سبحانه وتعالى في سجودهم, يخبتون إلى الله, يخشعون بين يديه, حتى يكون قياماً حقيقياً.
نسأل الله تعالى أن يبلغنا وإياكم رمضان, وأن يجعلنا ممن يصوم ويقوم رمضان إيماناً واحتساباً إنه على كل شيء قدير.(116/7)
الأسئلة(116/8)
اشتراط المؤجر عدم إدخال آلات الفساد
السؤال
هل يلزم من المؤجر أن يشترط على المستأجر ألا يضع المنكرات في منزله الذي سيسكنه؟ وإذا وضع بعض المنكرات هل على المؤجر إثم في ذلك؟
الجواب
أما لزوم الاشتراط فليس بلازم, إلا إذا كثر هذا في الناس فهنا قد نقول: يجب أن يشترط, لكن إذا لم يكن كثيراً في الناس فلا, ولعلك تشير إلى (الدشوش) أما التلفاز فليس (كالدش) ، (الدش) هو الذي يأتي بكل المحطات التلفازية في كل العالم، ويأتي بأشياء فظيعة -والعياذ بالله- نعلم علم اليقين أن صانعيه ومروجيه، والذين يحرصون على أن يبثوا هذه الأمور أرادوا هدم الإسلام, لكن لا يمكن أن يصرح ويقول: أشرك بالله, هذا لا يمكن، ولكن إذا زين للناس سوء أعمالهم وانهمكوا في الشهوات ضاعوا, وهان عليهم كل شيء من المعاصي, فمثلاً: إذا كثر هذا في الناس -ونسأل الله ألا يكثره, لكننا لا ندري ما وراء الجدار, ولا نعلم الغيب- يجب على الإنسان أن يشترط, يقول: شرط ألا تركب الدش, فإذا ركبه فللمؤجر الفسخ, شاء المستأجر أم أبى, أما إذا لم يقصد فلا, فإذا قدرنا أنه لم يشترط هذا الشرط ثم إن المستأجر وضعه فليس على المؤجر إثم, لكن إذا تمت مدته يجب عليه أن لا يجدد له, إلا بشرط أن ينزعه.
أما التلفاز فهو يأتي بمحطات السعودية فقط, والمحطات السعودية على ما فيها من البلاء أهون مما يأتي به (الدش) .
ولا يلزم إذا انتهت مدته أن يفسخ.(116/9)
معنى تبييت النية في الصيام
السؤال
هل يلزم تبييت النية لكل يوم من رمضان, وهل مثله صيام الأيام المعينة؟
الجواب
أولاً: لا بد أن نعلم معنى: تبييت النية، لأن بعض الناس يظن أن معنى تبييت النية أن ينوي الإنسان الصيام قبل أن ينام, وليس كذلك, المراد بتبييت النية أن ينوي قبل طلوع الفجر ولو بلحظة، فإذا نوى قبل طلوع الفجر ولو بلحظة فقد بيّت.
فصيام رمضان من المعلوم لكل أحد، أن كل مسلم إذا دخل شهر رمضان فقد عقد النية الجازمة على أنه سيصومه كله, فالنية في أوله كافية، إلا إذا وجد سبب يقطع الصوم كما لو سافر الإنسان ثم رجع, فلا بد من تجديد النية، أو مرض ثم عوفي لا بد أن يجدد النية, وأما ما دام على حاله فإن النية في أوله تكفي عن آخره.
وبناءً على ذلك: لو أن الإنسان غلبه النوم بعد العصر ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر من اليوم الثاني، فصيامه اليوم الثاني يكون صحيحاً لأن النية قد تمت.
أما الأيام المعينة من النوافل, فإن النفل المعين كصيام ستة أيام من شوال مثلاً، فهذه أيضاً لا بد أن ينوي الصوم قبل طلوع الفجر, ويتبين هذا بالمثال: لو أن الإنسان ليس عنده نية أن يصوم ستة أيام من شوال، وفي أثناء النهار استيقظ ولم ينوِ الصوم فصلّى الفجر ولما طلعت الشمس فكّر لعلي أصوم أو لا أصوم, لكنه عند زوال الشمس أي: عند الظهر عزم على الصيام فصام صيامه لليوم صحيح, ما دام لم يأكل ولم يشرب ولم يأتِ بمفطر قبل ذلك فصيامه صحيح, لكن لو قال: أنا أريد أن يكون هذا أول أيام الست, قلنا: لا يصح؛ لأنه لو أتى بخمسة أيام بعد ذلك اليوم كم صام؟ خمسة أيام ونصف, والحديث ستة أيام, فالأيام المعينة لا بد أن تكون من قبل طلوع الفجر.(116/10)
حكم أخذ المال على الرقية
السؤال
كثير من المتصوفة -وهم لا علم لهم- جلسوا للرقية يتكسبون منها, فيفرضون على المريض بعضاً من المال قبل العلاج وبعد العلاج, فهل يجوز هذا الفعل منهم؟ وإذا حذا حذوهم بعض طلبة العلم فما نقول لهم؟
الجواب
هذه المسألة كثرت عندنا, أما الصوفية والمتصوفة الحمد لله بلادنا إن شاء الله نزيهة من هذا, لكن التكسب بالرقية كثر جداً, ومن أناس الله أعلم بحالهم من ناحية الاستقامة, لكن المؤمن الذين يريد أن ينفع أخاه وهو الذي يقرأ, فإن أعطي أخذ وإن لم يعطَ لم يسأل, وهذا هو الذي يجعل الله تعالى في رقيته بركة, أما من جعل القرآن الكريم وسيلة للتكسب فقد اشترى الدنيا بعمل الآخرة -والعياذ بالله- وما له في الآخرة من نصيب, وهذه مسألة في الواقع صارت على مستوى كبير الآن, وينبغي أن تعالج من قبل المسئولين في الدولة.(116/11)
حكم ذبح بهيمة الأنعام المريضة
السؤال
بهيمة الأنعام إذا اشتد بها المرض فهل لصاحبها أن يذبحها؟
الجواب
أما إذا كانت ملكاً له فلا بأس, وأما إذا كانت ملكاً لغيره، كأن وجد شاة في البر مريضة متعبة فلا يلزمه أن يذبحها, ولا أن ينقذها, لكن التي له؛ له أن يذبحها, لماذا؟ لأنه إذا كانت له فلا بد أن يقوم عليها بالأكل والشرب والملاحظة، وهذا يضيع عليه الوقت والمال، وعلى هذا فليذبحها ليستريح منها ويريحها أيضاً, وفي هذا الحال: إن ذبحها على الوجه المشروع صارت حلالاً لمن أراد أن يأكلها بشرط ألا يكون هذا المرض يضره, وإذا قتلها قتلاً فإنها لا تحل.(116/12)
حكم إقامة الدورات الرياضية في رمضان
السؤال
في ليالي رمضان قد تحيا من قبل بعض الشباب الدورات الرياضية, فما توجيهكم؟
الجواب
نرى مثل هذا إضاعة وقت, وغنيمة فاتت على الإنسان, والشاب المسلم ليس هذا وظيفته في الحياة, وظيفته في الحياة أن يعبد الله تعالى, وأن يسعى في إصلاح المسلمين, إما مثلاً بالمشي في الأسواق, وإذا رأى المنكر نهى عنه بأدب وهون وسهولة, وإما باجتماع على تلاوة القرآن, فإنه: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة, وحفتهم الملائكة, وذكرهم الله فيمن عنده) .
أما إضاعة الوقت في هذه الأمور فهو والله خسارة, الآن هؤلاء الشباب الواقع أن المجتمع خسرهم إذا كانوا يقضون جميع أوقاتهم في مثل هذا, إذا لو أراد الإنسان أن يتسلى بالألعاب الرياضية المباحة ككرة القدم, لكن باعتدال فلا نرى في هذا بأساً, لأن فيه تمريناً للبدن وتقوية له, وتسلية للنفس, وإزالة للملل, ثم إن هذه السنة سيكون رمضان في وقت الإجازة, وربما ينشغل الناس الآن بالخروج إلى البر, وإضاعة وقت هذا الشهر المبارك في غير فائدة بل ربما فيما فيه مضرة.
لكننا في هذا الحال: ننصح إخواننا الدعاة الذين يحرصون على هداية الخلق، بأن يتجولوا في هذه المخيمات, ويدعوا إلى الله عز وجل على بصيرة وبهدوء وطمأنينة، وكذلك بنشر الكتيبات النافعة والأشرطة النافعة, لعل الله أن يهدي بهم.(116/13)
حكم البحث عن مسجد من أجل الجمع بين الصلاتين
السؤال
نحن نعلم أن قبل فترة نزلت الأمطار فاختلف أئمة المساجد, بعضهم من يرى الجمع لأن الحال يستدعي الجمع، وبعضهم لا يرى ذلك, فما قولكم فيمن جاء إلى مسجد مثلاً وهذا الإمام لم يرَ أن المطر يجيز الجمع, فذهب هذا المأموم وبحث عن مسجد آخر حتى وجد أحد المساجد يجمع فيها, فصلى صلاة العشاء, فصلى المغرب مع إمام وصلى العشاء مع إمام آخر، فما قولكم في ذلك؟ مع العلم أن الإمام الأول لم يرَ أن هنالك مسوغاً للجمع إذ لا يوجد مطر ولا يوجد وحل ولا هنالك برد ولا غيره؟
الجواب
أرى أن هذا يشبه من سافر في رمضان من أجل أن يفطر, والعلماء قالوا: إذا سافر في رمضان من أجل أن يفطر حرم عليه السفر والفطر, لأن هذا الرجل الآن لم يذهب من أجل الرخصة, ربما يكون تعبه في ذهابه من مسجد حيه إلى المسجد الثاني، أكثر من تعبه إذا انتظر إلى صلاة العشاء, لكن يريد أن يتخلص من الصلاة, فكأنه يقول: أرحنا من الصلاة, ولا يقول: أرحنا بالصلاة, أرى مثل هذا إن لم تكن صلاته باطلة فهي إلى البطلان أقرب منها إلى الصحة, لأن هذا ما ذهب إلى المسجد الذي يجمع من أجل السهولة, إنما ذهب من أجل التخلص, وإلا فمن المعلوم أن السهولة إذا جاء إلى مسجده في وقت الصلاة مع قربه أفضل وأسهل له, فأنا في شك من صحة صلاته.
ونصيحتي للمسلمين: أن يتقوا الله عز وجل، وأن يعلموا أن الله فرض الصلاة وجعلها كتاباً موقوتاً في وقت معين, لا يحل لإنسان أن يقدم صلاته على وقتها وإذا قدمها لم تقبل منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) إلا إذا كان هناك عذر شرعي فلا بأس.
ثم نقول لهذا الرجل: اذهب الآن إلى بيتك وإذا أذن العشاء فإن كان عندك قدرة أن تحضر إلى المسجد احضر, وإن كانت السماء تمطر ويلحقك مشقة فصلِ في بيتك, ولك أجر الجماعة كاملة؛ لأنك تخلفت عنها لعذر, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) .(116/14)
حكم جمع الصلاة في الدوائر الحكومية
السؤال
هل يجوز لمن يصلون في دوائرهم أن يجمعوا مع وجود المطر في وظائفهم؟
الجواب
أما إذا كانوا يعرفون أن الناس في البلد سيجمعون, فلا بأس أن يجمعوا هم من تحصيل الجماعة, لأن الجمع لتحصيل الجماعة جائز, وأما إذا كانوا يعرفون أن الناس لن يجمعوا فترك الجمع هو الحق.
يعني: لو قدر أن عملهم يستمر إلى دخول وقت العصر فلا يجوز الجمع, إذ أن الجمع ليس للمطر ولكن للمشقة بالمطر.
والمطر ليس كالسفر, لأنه ما هو لمشقة, ولهذا لما قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة من غير خوف ولا مطر, قالوا: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته) أي: ألا يشق عليهم في ترك الجمع إذا كان يشق عليهم أن يصلوا في كل وقت.(116/15)
حكم دفن الرجال والنساء في قبر واحد
السؤال
هناك في بعض المناطق ما يسمى: "بالسقاية" وهي عبارة: عن غرفة تبنى تحت الأرض, إذا مات أحدهم يدفنون هذا الرجل في هذه الغرفة, وكل عائلة أو كل أسرة لها غرفة تحت الأرض, كل أقاربهم يدفنونهم فيها, وأحياناً يجمعون النساء مع الرجال، وقد لا يكونون محارم, فما رأي فضيلتكم في هذا؟
الجواب
السقاية وهي سقية, هذه رخص بها بعض العلماء مع الحاجة، كضيق الأرض مثلاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع الاثنين والثلاثة في أحد في قبر واحد, من أجل الحاجة, لأن الصحابة كانوا متعبين ويشق عليهم أن يحفروا لكل واحد قبراً, فبعض العلماء رخص بها, وبعض العلماء منع منها, وقال: إن الواجب أن يكون كل إنسان في قبره لكن مع الإمكان, لكن مع عدم الإمكان فلا بأس.
أما موضوع جمع الرجال والنساء فأنا الآن لا أعطيك فيه رأياً, لكن لو أنه جعل النساء وحدهن, والرجال وحدهم لكان أحسن.(116/16)
حكم ابتلاع النخامة أثناء الصوم والصلاة
السؤال
ذكر الفقهاء: أن النخامة تفطر الصائم, هل ممكن أن نقيس عليها الصلاة, يعني: مثل النخامة هل تفسد الصلاة؟
الجواب
أولاً -بارك الله فيك- الفقهاء ما أجمعوا على هذا, بل مذهب الإمام أحمد فيه قولان هل تفطر أم لا؟ وثانياً: أن المراد من النخامة المفطرة هي التي تصل إلى الفم, وأما التي في الحلق وتنزل إلى الصدر فهذه لا تفطر, ولا أظن أحداً تصل النخامة إلى فمه فيبلعها؛ لأنه مستكره, لكن على كل حال فقهاء الحنابلة أكثرهم يقولون: إذا وصلت النخامة إلى الفم ثم ابتلعها فسد صومه.
وقياس ذلك: أنه إذا حصل ذلك في الصلاة بطلت الصلاة إذا قلنا: إن هذا بمعنى الأكل, لكن لم يمر عليّ أنهم ذكروا ذلك في الصلاة, مع أن القول بأنها تفطر إذا وصلت إلى الفم ثم ابتلعها فيه نظر, لأن هذا لا يسمى أكلاً ولا شرباً, ولم تدخل إلى جوفه بل هي لم تزل في جوفه, وإن كان الفم يعتبر من الظاهر لا من الباطن.(116/17)
حكم المسابقات التجارية
السؤال
سؤال حول المسابقات التجارية: انتشر في الآونة الأخيرة عند المحلات التجارية، بعض الصور التي نود من فضيلتكم توضيح الحكم فيها, وهي ما يقوم به مجموعة محلات تجارية بوضع جائزة لمن يشتري من محلاتهم, وطريقة الحصول على جائزة يختلف من تاجر لآخر, فبعضهم يرفع سعر البضاعة مقابل الجائزة، مع إلزام الشراء للحصول على بطاقة المسابقة, وبعضهم يلزمك الشراء إلى مبلغ معين مقابل الحصول على بطاقة المسابقة، مع عدم رفع السعر, وبعضهم لا يرفع السعر ولا يلزمك الشراء عند أخذ البطاقة, وبعضهم يبيع بطاقة المسابقة بمال معين عند عدم إرادة الشراء, علماً بأن ذلك سيكثر في شهر رمضان المبارك, أرجو من فضيلتكم توضيح الحكم لهذه المسألة مفصلاً ما أمكن؛ لكثرة السائلين عن هذه الصور وغيرها والله يحفظكم؟
الجواب
هذه الصور التي ذكرت بعضها لا يجوز, وبعضها يجوز, الجائز: هو أن يضع التاجر جائزة لمن يشتري منه بمبلغ كذا, ولنقل: من اشترى بألف ريال فله حق الدخول في المسابقة, فهذا جائز, لأن المشتري إما سالم وإما غانم, السعر لم يرفع عليه, وهو سيشتري هذه البضاعة على كل حال سواء منه أو من غيره, فإذا اشترى من غيره ثم قدر أن تحصل له جائزة فهو غانم, وإذا لم تحصل له فهو سالم.
أما إذا كان المشتري إما غانماً وإما غارماً، فهذا هو الحرام بجميع صوره, لكن لو فرضنا: أن أحداً من الناس قال: إن هذا يفسد السوق, ويبلبل الناس, وربما يأتي الإنسان من أقصى البلد إلى أقصاه، من أجل أن يشتري من هذا المحل, وهذا قد يربك السير خاصة في المدن الكبيرة, فنرى أن مثل هذه الأمور لو أن الدولة دخلت في هذا ومنعت لكان حسناً, أما إذا كان لا يزالون كما هو الآن في أفراد معينين من التجار فلا يحتاج إلى منع.
فالخلاصة الآن إن لنا في هذه المسألة نظرين: النظر الأول: بالنسبة لمنع هؤلاء, نقول: ما دام أن الأمر لم ينتشر انتشاراً كبيراً يوجب اضطراب الأسواق, وتسابق التجار لكثرة الجائزة فلا بأس, أما إذا أدى إلى اضطراب الأسواق وتسابق التجار بالجائزة، كأن يضع هذا سيارة ويضع الثاني سيارتين, ويضع هذا ألفاً ويضع الثاني ألفين مثلاً، فهذا يجب على الدولة أن تمنع, لئلا يحصل التلاعب.
النظر الثاني: في الحالة التي نقول: إنه جائز ولا يمنع نقول: من اشترى وهو يريد الشراء حقيقة، ولم يؤخذ منه زيادة على السعر، ولا ثمناً للبطاقة فلا بأس.(116/18)
حكم عدم خروج النفساء مدة أربعين يوماً والوليمة نهاية المدة
السؤال
في بعض المناطق المرأة إذا وضعت حملها تبقى في بيتها لا تخرج من البيت لزيارة الأقارب والجيران كالمحادة لمدة أربعين يوماً, فإذا انتهت هذه المدة أولمت وتدعو النساء من الحي، والتي لم تولم تقوم بتوزيع لحم ورز أو تمر أو فاكهة على أهل الحي, فأرجو توضيح هذا؟
الجواب
أما لزوم البيت فهذا ليس بصحيح, وليس عليه أثر لا من كتاب ولا سنة ولا أقوال العلماء, وأما انحباسها عن زوجها فقد اعتاده الناس خوفاً من أنها إذا ذهبت في أيام النفاس، وكان زوجها مشتاقاً إليها أن يقع بينهما جماع, لأنه ليس كل زوج يملك نفسه هذه المدة، لا سيما إذا كان شاباً, لكن لو تركت هذه العادة لكان أحسن, بمعنى: أن في أيام التعب والمشقة الشديدة وهي أوائل الوضع لا بأس أن تبقى عند أهلها؛ لأنهم أرأف بها من غيرهم, ولئلا يتجرأ الزوج لشيء يتعبها, أما إذا زالت المشقة فينبغي لها أن تذهب إلى زوجها, لأن للزوج أن يستمتع منها بما شاء ما عدا الجماع, فلماذا يحرم منها.
أما مسألة الوليمة إذا انتهت من مدة النفاس فلا بأس بها, هذه من الولائم المباحة, لأن الولائم ثلاثة أقسام: 1- قسم منهي عنه كالمأتم: وهو وليمة الأحزان التي يفعلها من يموت له الميت، فيولم ويدعو الناس إليها, هذه إما مكروهة، وإما محرمة وهو الصواب.
2- وقسم آخر مطلوب شرعاً وهو الوليمة للنكاح: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عبد الرحمن بن عوف: (أولم ولو بشاة) وذلك لأن الإيلام للنكاح يستلزم إظهاره وإعلانه, وإعلان النكاح من الأمور المشروعة.
3- والقسم الثالث هو ما عدا ذلك فهو مباح: كالوليمة عند خروج المرأة من النفاس, والوليمة للختان, والوليمة لنزول البيت أول ما ينزل, وما أشبه ذلك.(116/19)
حكم السبق في الرياضة
السؤال
في رمضان تكون دورات رياضية ومسابقات رياضية في كرة القدم, ويكوّن عدة فرق, كل فرقة تحضر نسبة معينة, مثل خمسمائة ريال أو ألف ريال, ويجمعها واحد ويشتري بها جوائز, والفائز منهم يأخذ الكأس أو الجائزة المعينة التي يحددونها هم, فما حكم ذلك الفعل؟
الجواب
هذا حرام ولا تحل, لأن هؤلاء اللاعبين الذين يدفعون قد يغنمون وقد يغرمون, هم الآن غارمون، لكن قد يغنم الواحد وقد لا يغنم ربما تكون الجائزة لغيره, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر) وهذا ليس بجائز, فالواجب إبلاغ الشباب أن هذا لا يجوز, وفي ظني إن شاء الله أنهم يهتدون.(116/20)
حكم كشف وجه الميت في القبر
السؤال
هل يجوز كشف وجه الميت إذا وضع في القبر؟
الجواب
من العلماء من قال: يكشف خده الذي يلي الأرض فقط وليس الوجه, ومنهم من قال: ليس بسنة؛ لأن الكفن إنما سمي كفناً لأنه يكفت الميت, بمعنى: أنه لا يُظْهِرُ منه شيئاً.(116/21)
حكم ترك المعصية من أجل الناس
السؤال
فعل الطاعة والعبادة من أجل الناس شرك, لكن ترك المعصية من أجل الناس هل يدخل كذلك في الشرك؟
الجواب
هذا شرك, لأن الطاعة إما فعل مأمور أو ترك محظور تقرباً إلى الله, فهذا نوع من الشرك لا شك.
فإذا ترك الإنسان المعصية مراءاة للناس لا خوفاً منهم, لأن هناك فرق بين أن يرائي الناس ليظهر أنه عابد وأنه تارك للمعاصي، وبين أن يدع المعصية خوفاً من الناس أن يأكلوا لحمه, وينتهك عرضه, فالأول شرك، والثاني ليس بشرك ولكنه خطأ، لأن بعض الناس يتنسك ويظهر أنه ناسك ويدع المعاصي أمام الناس، وهو في الخفاء يفعلها ولا يبالي.(116/22)
حكم التصفيق والتصوير
السؤال
في بعض المدارس يكثر التصفيق دون حاجة, وكذلك التصوير, فما حكم ذلك؟ وهل عليَّ الإنكار، أم لا؟
الجواب
أما التصفيق لسبب فلا أرى به بأساً, لأن هذا جرت العادة به، وفيه تشجع لمن حصل على هذا الأمر الذي صفقوا له من أجله, وليس من باب التشبه بالكفار لأنه الآن شاع وانتشر بين المسلمين, وليس داخلاً في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35] لأن هؤلاء يجعلون العبادة مكاء وتصدية, ولهذا قال: {صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35] , وكذلك لا يدخل في قول رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال ولتصفق النساء) لأن هذا في الصلاة, ولأن المرأة صوتها قد يؤدي إلى الفتنة, فلهذا أمرت إذا أخطأ الإمام أن تصفق ولا تسبح, وأمر الرجال أن يسبحوا.
لكن لو فرض أن الإنسان إذا فعل هذا وصفق أنه يغضب بعض الإخوة الحاضرين فالأولى ألا يفعل؛ لأن التأليف أمر مطلوب, والتصفيق غاية ما فيه أنه مباح, وإذا كان تركه يؤدي إلى الألفة والمحبة فلا شك أن تركه مطلوب, أما الصفير فأنا أكرهه, ما معنى أن الإنسان يرفع صوته بالصفير؟! والتصوير أيضاً ليس هناك حاجة له, وإذا صور سوف يدخر وسوف يقتنى, واقتناء الصور لغير حاجة محرم.
أما إن كان مطلوباً من الوزارة فهذا شيء آخر.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.(116/23)
لقاء الباب المفتوح [117]
عدد الشيخ في كلمته بعض مواسم الخير للمسلم بعد شهر رمضان، سواء كانت من صيام أو قيام ليل أو صدقه أو ذكر.
ثم أجاب عن الأسئلة المشتملة على أحكام في الصلاة والصيام والتفسير وغير ذلك من الأحكام.(117/1)
مواسم الخير بعد رمضان
الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله وأصحابه من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع عشر بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح, والذي يتم كل خميس في كل أسبوع, وهذا هو اللقاء الأول بعد شهر رمضان عام (1416هـ) .
من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى جعل مواسم للخيرات يتسابق فيها المتسابقون إلى الطاعات من أجل تنشيط الهمم, وإكثار الأعمال الصالحة وإحسانها, لأنه كلما تكررت هذه المواسم قويت العزائم, ولكن يا ترى: هل إذا فاتت هذه المواسم فاتت الأزمان التي هي مقر الأعمال, أم أن الأعمال باقية ما بقي الإنسان على هذه الدنيا؟
الجواب
الثاني, وهو أن الأعمال الصالحة مطلوبة من العبد ما دام في هذه الحياة الدنيا, قال الله تبارك وتعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:132] أي: استمروا على إسلامكم إلى الموت, وقال الله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] أي: الموت, كما فسره بذلك الحسن البصري وغيره من العلماء, فلم يجعل الله أمداً لانقطاع العمل إلا الموت, فالإنسان مأمور أن يقوم بطاعة الله سبحانه وتعالى ما دام في هذه الحياة.(117/2)
مواسم الصيام بعد رمضان
لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) فلم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم انقطاع العمل إلا بالموت, ولننظر هل لهذه الأيام وظائف يقوم بها العبد تقرباً إلى الله عز وجل؟ نقول: نعم.
فمثلاً: انتهى شهر الصيام هل انتهى الصوم؟ الصوم لا يزال مشروعاً -والحمد لله- في كل وقت, وأعلاه وأفضله ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يصوم الإنسان يوماً ويفطر يوماً, وهذا هو صيام داود, ثم يليه بعد ذلك ما كان أكثر فأكثر, ومن هذا صيام أيام الست من شوال, قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر) .
وهذه الأيام لا يدرك فضلها إلا إذا أتم الإنسان رمضان كاملاً, وعلى هذا فمن كان عليه قضاء وصامها قبل القضاء فإنه لا ينال الثواب الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ورتبه على صيام رمضان كاملاً, (من صام رمضان ثم أتبعه) .
ويتبين هذا بالمثال: لو أن إنساناً عليه خمسة أيام من رمضان, ثم أخر قضاءها وصام الأيام الستة قبلها, فهل يقال: إنه صام رمضان؟ لا, يقال: إنه صام خمسة وعشرين يوماً من رمضان, فلا بد من صيام رمضان كاملاً حتى ينال أجرها, وهذا ليس مبنياً على خلاف العلماء رحمهم الله في جواز التنفل بالصوم قبل القضاء, بل هذه مسألة مستقلة بين الرسول عليه الصلاة والسلام حكمها, وأن صيام ستة أيام من شوال بمنزلة الراتبة التي تكون بعد الصلاة المفروضة.
أما التطوع بغير الست بالصوم قبل القضاء فهذا محل نزاع بين العلماء، فمنهم من أجازه، ومنهم من قال: إنه لا يجوز أن يصوم تطوعاً حتى يؤدي الفريضة, وهذا أحوط وأولى بالمرء وأحق بالعمل؛ لأنه ليس من الخير أن تبدأ بالنفل وتدع الواجب, فالواجب أهم, إذ أنك لو مت لكان ديناً في ذمتك, لكن النفل إن فعلته فهو خير, وإن لم تفعله فليس عليك إثم ولا حرج.
ومن ذلك أيضاً أي: من الصيام المشروع: أن يصوم الإنسان من كل شهر ثلاثة أيام, سواء من أول الشهر أو وسطه أو آخره, لكن الأفضل أن تكون في اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
ومن ذلك: أنه ينبغي للإنسان أن يصوم يوصى الإثنين والخميس, فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومهما ويقول: (هما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) .
ومنها: صوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة لغير الحاج, فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) .
وكذلك: صيام بقية الأيام العشرة من أول ذي الحجة إلى يوم التاسع, فإن الصوم فيها له مزية على غيرها من الأيام, قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) والصيام من العمل الصالح بلا شك.
ومما ينبغي صومه: صوم يوم العاشر من المحرم والتاسع معه أو الحادي عشر أو الثلاثة جميعاً، التاسع والعاشر والحادي عشر, أو صوم غالب شهر محرم.
ومن الصيام المشروع أيضاً: صيام شعبان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه كله أو يصومه إلا قليلاً منه, كما ثبت ذلك عن عائشة رضي الله عنها.(117/3)
قيام الليل
القيام هل انتهى بانتهاء رمضان؟
الجواب
لا, فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم جميع ليالي السنة, ولكنه كما قال الله عنه: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} [المزمل:20] , وأفضل قيام قيام داود, كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه, وهذا كما أنه أفضل شرعاً فهو أرفق بالإنسان طبعاً, لأن الإنسان عندما ينام نصف الليل يأخذ نوماً كثيراً, ثم يقوم ثلث الليل فيتهجد لله عز وجل, ثم ينام سدس الليل ليستريح قبل أن يبدأ أعماله اليومية، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل قيام قيام داود: كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه) .
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله ينزل في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر, فيقول: من يدعوني أستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟) فإذا اجتمع وقت النزول الإلهي مع كون الإنسان يتهجد لله عز وجل, ويتقرب إليه (وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) حصل في هذا خير كثير للإنسان.(117/4)
الإنفاق في الخيرات
ثم بقية العبادات لا تزال مشروعة والحمد لله كالوضوء والذكر قبله وبعده، وكذلك الإنفاق في سبيل الله, سواء كان صدقة يتصدق بها على غيره, أو يتصدق بها على أهله بالإنفاق عليهم أو على نفسه, حتى الإنسان إذا أنفق على نفسه كان ذلك صدقة يثاب عليها ويؤجر عليها, قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ سعد بن أبي وقاص: (واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فم امرأتك) فقال: (حتى ما تجعله في فم امرأتك) مع أن الإنفاق على الزوجة من باب المعاونة؛ لأنك تنفق عليها في مقابل استمتاعك بها, ومع هذا تؤجر عليه.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله) قال الراوي: أو أحسبه قال: (كالصائم لا يفطر وكالقائم لا يفتر) والساعي على الأرملة والمساكين هو القائم بحضانتهم وكفايتهم وتوجيههم وتربيتهم, وهذا يشمل حتى المساكين الذين هم تحت رعايتك من الأولاد ذكوراً كانوا أم إناثاً, وكذلك الأخوات والزوجات وغيرهم.
فالمهم أن فضل الله واسع والحمد لله, والعبادات كثيرة نسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.(117/5)
موسم حج بيت الله الحرام
ومن حكمة الله عز وجل أنه لما انتهى موسم فرض الصيام بانتهاء رمضان دخل موسم حج البيت الحرام, الذي هو ركن من أركان الإسلام أيضاً, فإن أشهر الحج تبتدئ من أول يوم من شوال, إذ أن أشهر الحج: شوال، ذو القعدة، ذو الحجة, وهذه الأشهر كلها زمن لأداء الحج سواء أكان فريضة أم تطوعاً.
وجعل الله تعالى هذه الأشهر؛ لأنه قد يحتاج الناس إليها كما لو كانوا في بلاد بعيدة وكانت المواصلات صعبة, فإن هذه المدة هي التي تكفي غالباً إلى الوصول إلى البيت, ولهذا كان الناس فيما سبق يتأهبون للحج من دخول شهر شوال, أما الآن والحمد لله وقد سهلت المواصلات فإنهم ربما لا يتهيئون ولا يستعدون إلا في زمنٍ متأخر, ولا نعلم فلعل يوماً من الأيام أن يحتاج الناس إلى ما كانوا يحتاجون إليه من قبل من الإبل والبغال والحمير, فلا ندري هل الأمور تبقى على ما هي عليه الآن أم تختلف، الأمر كله بيد الله عز وجل! فالإنسان متقلب دائماً بين مواسم الخير, صوم وحج ثم يأتي بعد ذلك شهر محرم، وهكذا أبداً، فلله الحمد على هذه النعمة, ونسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.(117/6)
الأسئلة(117/7)
حكم الزواج بنية الطلاق
السؤال
قد يسافر بعض الناس إلى خارج البلاد طالت المدة أم قصرت, فيخاف على نفسه فيريد أن يتزوج وعنده نية الطلاق, فما الفرق بين هذا الزواج وزواج المتعة أو ما يسمى بالزواج العرفي؟
الجواب
الزواج بنية الطلاق محرم على المشهور من مذهب الإمام أحمد , وقال: إنه مثل المتعة, لأن الإنسان نوى أن يكون زواجاً مؤقتاً والمتعة زواج مؤقت, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) .
فما دام أن هذا الرجل قد نوى التوقيت في زواجه فهو متعة, كما لو نوى التحليل -أي: تحليل المطلقة ثلاثاً- بدون أن يشترط عليه، فإن النكاح يكون باطلاً.
وقال بعض العلماء: إنه لا بأس به, أي: لا بأس أن يتزوج الإنسان ونيته أنه إذا فارق البلد طلقها.
والفرق بينه وبين المتعة: أن المتعة نكاح مؤقت بشرط أنه إذا انتهى الوقت انفسخ النكاح بدون اختيار من الزوج, وأما هذا فهو نوى أن يتزوجها بنية الطلاق إذا فارق البلد ولكن قد يرغب فيها وتبقى معه, لكن فيه محذور غير التوقيت.
وهو الغش والخداع للمرأة وأهلها, فإنهم لو علموا أن الرجل سيطلقها إذا فارق البلد لم يزوجوه, ويكون هذا قد خدعهم وغشهم، فمن هذه الناحية يكون حراماً, لكن لو فعل الإنسان وأقدم على هذا الشيء وقال: إنه سوف يغش فإنه لا يسمى متعة, لأن المتعة تكون محددة إذا انتهى وقتها انفسخ النكاح بدون اختيار من الزوج.
والراجح أنه يحرم عليه أن يتزوج بنية الطلاق, وعليه أن يصبر ويحتسب, أو يتزوج بغير نية الطلاق, ثم إذا فارق له أن يطلق.(117/8)
ضابط خروج المرأة إلى السوق
السؤال
يرى بعض الإخوة: أنه لا ينبغي للمرأة المسلمة أن تخرج من بيتها مع محرمها إلى السوق مطلقاً, حتى لو لم يلاحظ عليها ما يدعو عليها من الفتنة قائلين: بأن المرأة حتى ولو كانت على قدر من الصلاح والاستقامة فإنها ربما تنظر إلى الرجال، وربما تتعرض للأذية من البعض وهكذا وحينئذٍ يكون في خروجها مفسدة عظيمة, فما هو الضابط الشرعي لخروج المرأة من بيتها بمحرم وبدون محرم للضرورة؟ أرجو توضيح هذا الأمر لي ولإخواني والله يحفظكم وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
لا شك أن بقاء المرأة في بيتها أفضل وأبعد عن الفتنة والشر, ولا يخفى علينا جميعاً ما يحصل من خروج النساء إلى الأسواق من الفتنة لهن وبهن, فإذا أمكن ألا تخرج فهذا هو المطلوب, وإذا اضطرت للخروج فلتخرج كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وليخرجن تفلات) أي: غير متبرجات بزينة ولا متطيبات, ولكن لا تخرج إلا لحاجة, إما أن تشتري حاجة لا يقوم وليها بشرائها, لأن السلع تختلف وهي قد تختار سلعة معينة لا يقوم وليها بشرائها, مع أني أظن أن الأمر سهل: وذلك بأن يشتري الولي السلعة التي ذكرت له ويقول للبائع: إنه سيريها أهله إن رضوا بها أو ردها, وهذا ممكن, فالذي أرى في هذه المسألة أن تلزم المرأة بيتها بكل حال ولا تخرج إلا للضرورة, وإذا خرجت للضرورة فلتكن غير متطيبة ولا متبرجة بزينة.
أما اصطحاب محرم لها فلا شك أنه أفضل وأولى, لكنه ليس بلازم ما دام أن المسألة لا تحتاج إلى سفر.
ولكن من المؤسف: أنك تجد بعض الناس يأتي إلى الخياط أو إلى التاجر ومعه أهله ثم يبقى في السيارة والمرأة هي التي تذهب وتخاطب الرجال وربما يحصل فتنة بأهله, فعلى الإنسان أن يكون رجلاً حازماً غيوراً على أهله, فلا يفعل هذا الفعل, إذا كان ولا بد فلينزل معها وليكن واقفاً عندها وهي تكلم الرجل أو يكلمها ثم هو يكلم الرجل.(117/9)
ضابط الستر على أصحاب الفواحش
السؤال
بعض الناس قد يرى أناساً على معصية من لواط أو زنا -والعياذ بالله- ثم يحدث بها بعد أيام، ويقول: أنا رأيت أناساً لكن لا أعلمك، أنا أريد أن أستر عليهم, والستر طيب, فلا أدري هل يكون هذا من الستر؟ وما هي صفة الستر؟ ومثلاً: إذا وجد مثل هؤلاء ماذا يعمل معهم؟
الجواب
الواجب على من رأى شخصاً على فاحشة أو غيرها من المعاصي أن ينصحه أولاً, ثم إن اهتدى فهذا المطلوب, وإن لم يهتد وجب أن يرفع أمره إلى ولي الأمر.
ولا ينبغي إطلاقاً أن يحدث الناس بما رأى من المعاصي, لأنه إذا فعل ذلك هانت هذه المعصية في نفوس الناس, ثم تصور الناس الذين سمعوا هذا أن المجتمع كله هكذا, وهذا خطأ, المجتمع والحمد لله فيه خير وفيه شر, لكن خيره في أكثر بلادنا -والحمد لله- أكثر من شره بلا شك, فكون الإنسان يتحدث بما رأى من المعاصي والفسوق والفجور في المجتمعات أرى أنه خطأ, وأن الإنسان عليه أولاً أن يعالج المشكلة مع صاحب المعصية, فإذا أمكن أن يعالجها بنفسه فهو أولى, واقتناع الإنسان بما علم من الشرع خير من ارتداعه بما حصل من السلطان, لأنه يترك شيئاً عن قناعة، ويتوب إلى الله توبة حقيقية, فإن لم يمكن هذا فيرفع الأمر إلى ولي الأمر وتبرأ الذمة بذلك.
أما كون بعض الناس إذا رأى شيئاً ذهب يتحدث، ثم ربما يزيد الطين بلة ويصف الأمر بأكثر مما رآه فهذا غلط، ولا نحبب هذا.
أما بالنسبة للستر: إذا كان الإنسان لا يتمكن من نصيحة هذا الذي رآه على معصية, فهذا ينظر: إذا كان إنساناً معروفاً بالشر والفساد فلا ينبغي أن يستر عليه, إذ يبين أمره لولي الأمر, وأما إذا كان مجهول الحال، أو معروفاً بالاستقامة ولكن نفسه سولت له أن يفعل ما فعل, فالستر عليه أولى.(117/10)
كيفية تنفيذ الوصية
السؤال
توفي رجل وقبل وفاته أوقف بيتاً وكتب وصية بأن يكون بيع هذا الوقف على المحتاجين من أولاده, وفي أضحية له وفي تعمير البيت, والآن استغنى الأولاد عن بيع هذا الوقف وبيعه يزيد عن الأضحية وعن التعمير, والسؤال الآن: هل المال المجتمع من هذا الوقف عليه زكاة؟ وفيما يصرف الباقي؟ الشيخ: أما الجواب على هذا السؤال فلا أستطيع أن أجيب حتى أنظر الوثيقة, لأنه قد يكون في الوثيقة حرف يغير المعنى الذي فهمناه الآن.
السائل: الوثيقة أنا أعرفها والوالد والدي ذكرها: أنها على المحتاجين، وعلى تعمير الوقف، والأضحية.
الشيخ: إذا كان على المحتاجين وفي الأضحية وفي تعمير الوقف, فالغالب أن الناس يقولون: تقدم عمارة الوقف, ثم الأضحية ثم المحتاجون من الذرية أو من الأقارب, ولا يخلو فخذ أو بطن أو قبيلة من الناس من المحتاج, فيصرف إما على الذرية إن كانوا محتاجين، أو على من سواهم من الأقارب.
السائل: ولو لم تنص الوصية على هؤلاء؟ الشيخ: ولو لم تنص الوصية على هذا, ولا ينبغي أن تبقى الدراهم محجوزة هكذا.
السائل: وهل المال عليه زكاة؟ الشيخ: ليس عليه زكاة ما دام لم يملكه الموقوف عليهم؛ لأنه ليس عليه مالك، لأن هؤلاء لا يستحقونه ما دام الاستحقاق مشروطاً بالحاجة وهم لا يحتاجون فهم لا يستحقونه ولا يملكونه, وحينئذٍ يكون مالاً ليس له مالك, ومن شروط وجوب الزكاة: أن يكون للمال مالك, لكني كما قلت لك: لا أرى أنكم تحبسونه، أرى أن يصرف في جهة الخير؛ لأن ينتفع به الميت، ولئلا يكون عرضة للتلف فيما بعد.
السائل: نحن نخشى فقط الخروج عن نص الوصية.
الشيخ: لا يضر ما دام أن المنصوص عليهم لا يحتاجونه، وهو مشروط بالحاجة فيصرف في مصارف أخرى.(117/11)
معنى القول السديد
السؤال
في قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [الأحزاب:70] فما معنى: القول السديد, هل هي الدعوة، أو ذكر الله؟
الجواب
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [الأحزاب:70] القول السديد هو القول الصواب, سواء بالدعوة إلى الله، أو بتعليم العلم، أو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو غير ذلك, المهم أن القول السديد ما كان صواباً تسد به الحاجة, فذكر الله قول سديد, الأمر بالمعروف قول سديد, النهي عن المنكر قول سديد, تعليم العلم قول سديد, التحدث مع الإخوان للانبساط وإزالة الوحشة عنهم وإدخال السرور عليهم من القول السديد.(117/12)
مشروعية قضاء الست من شوال
السؤال
لو استغرق قضاء رمضان شهر شوال كله, هل يشرع أن يتبع بستة أيام من ذي القعدة؟
الجواب
إذا قدرنا أن الإنسان كان عليه صوم رمضان كاملاً إما بسفر أو مرض أو بنفاس, وصام شهر شوال وانتهى شوال كله قضاءً فإنه يصوم الأيام الستة في ذي القعدة؛ لأنه إذا كان رمضان وهو فرض يقضى بعد فواته, فكذلك النافلة, ولأن صوم الست من شوال تابعة لرمضان, أما لو تهاون في القضاء ومضت أيام يتمكن فيها من القضاء ثم لم يقضِ عليه من رمضان إلا في آخر شوال ثم أراد أن يتبعه بست من شوال فهذا لا يجزئه؛ لأنه أخرج العبادة عن وقتها بدون عذر.(117/13)
وجوب الموالاة في الطواف
السؤال
رجل طاف خمسة أشواط وشعر بتعب شديد وإعياء من شدة الزحام, فكانت الساعة العاشرة مساءً, فارتاح إلى بعد صلاة الفجر ونام نوماً خفيفاً, فهل يستأنف الطواف من الشوط السادس، أم يعيد الخمسة الأشواط؟
الجواب
لا بد أن يستأنف الطواف إذا فصل بين أجزائه فاصلاً طويلاً, أما الفاصل اليسير كما لو أقيمت الصلاة فصلى فهنا يبني على ما سبق, ولا يحتاج على القول الراجح أن يبدأ من أول الشوط, بل يكمل من المكان الذي توقف فيه, وكذلك لو حضرت جنازة وصلى عليها فإنه لا ينقطع, أما لو انتقض وضوءه على القول بأن الوضوء شرط لصحة الطواف, ثم ذهب ليتوضأ فلا بد من استئناف الطواف من البداية, وعلى هذا فالمسألة التي ذكرتها نقول: يجب عليه أن يعيد الطواف من بدايته، فإن فعل وإلا فهو لا يزال في عمرته، ويجب أن يخلع الثياب ويتجنب جميع محظورات الإحرام ويذهب إلى مكة , ويطوف من أول الطواف ويسعى ويقصر, وأما ما فعله من المحظورات في هذه الحال فهو جاهل ولا شيء عليه.
لأنه لا بد من الموالاة؛ لأن العبادة واحدة ولا بد أن يبني بعضها على بعض, لكن بعض العلماء -وليست المسألة إجماعية- قال: إنه لو فصل بفريضة أو جنازة فلا بأس.(117/14)
حكم الهبة لأحد الورثة
السؤال
رجل يريد أن يهدي زوجته هدية، إما مالاً، أو قطعة أرض, فيقول: هل هذه تؤثر على الميراث، ويكون بالتالي مجحف في حق بقية أسرته؟
الجواب
إذا كان الإنسان في صحته ووهب أحداً من الورثة شيئاً فإن الهبة صحيحة, ولا تعد هذه عطية جائرة؛ وذلك لأن الإنسان الصحيح تصرفه صحيح, ولا يعرف فقد يموت هؤلاء الذين يظنهم ورثته قبله فيكون هو الوارث, أما إذا كان هذا في مرض الموت المخوف فإنه لا يجوز أن يتبرع لأحد من الورثة بشيء, لا الزوجة ولا غيرها, وأما غير الورثة فله أن يتبرع لهم بالثلث فأقل، هذا في مرض الموت المخوف, أما إذا كان في حال صحته فلا بأس أن يعطي بعض الورثة ويحرم الآخرين, إلا في الأولاد, فالأولاد يجب المساواة بينهم بحسب ميراثهم فيعطي الذكر مثلي ما يعطي الأنثى.(117/15)
المقصود بالعلم الذي يؤجر عليه
السؤال
قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به) هل المراد به العلم الشرعي أم العلم الدنيوي؟
الجواب
الظاهر أن الحديث عام, كل علم ينتفع به فإنه يحصل له الأجر, لكن على رأسها وقمتها العلم الشرعي, فلو فرضنا أن الإنسان توفي وقد علم بعض الناس صنعة من الصنائع المباحة, وانتفع بها هذا الذي تعلمها فإنه ينال الأجر، ويؤجر على هذا.(117/16)
حكم الذكر باللسان مع غفلة القلب
السؤال
إذا قال الإنسان الأذكار الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وكان قلبه غير حاضر فهل يؤجر على هذا؟
الجواب
لا شك أن الإنسان إذا فعل العبادة بحضور القلب فهو أفضل, لكن إذا فعلها مع الغفلة فإنه يؤجر على هذا؛ لأن أصل فعله إنما كان عن نية التقرب إلى الله عز وجل, وهذا كاف لثبوت الثواب, لكنه يكون ناقصاً بلا شك، ولهذا قال الله عز وجل: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} [الكهف:28] ولم يقل: من أغفلنا لسانه, وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان عند ذكر الله أن يكون حاضر القلب, حتى لا يكون قلبه غافلاً, ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر: (أن الشيطان يأتي الإنسان في صلاته ويقول: اذكر كذا اذكر كذا يذكره بما كان ناسياً) ولم يقل الرسول: إن صلاته باطلة, فدل ذلك على أن الذكر وكل قربة يتقرب بها الإنسان إلى ربه مع الغفلة يكون له ثواب فيها, وتجزئه عن الواجب إن كانت واجبة لكنها ناقصة بحسب نقص حضور القلب.(117/17)
من تطلق عليه كلمة شيخ؟
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هل يصح أن تطلق كلمة الشيخ لكل أحد من الناس, ولا سيما أن هذه الكلمة أصبحت متفشية, فأرجو توضيح ذلك؟
الجواب
كلمة شيخ في اللغة العربية لا تكون إلا للكبير, إما كبير السن، أو كبير القدر بعلمه أو ماله أو ما أشبه ذلك, ولا تطلق على الصغير, لكن كما قلت: تفشت الآن حتى كاد يلقب بالشيخ من كان جاهلاً أو لم يعرف شيئاً, وهذا فيما أرى لا ينبغي, لأنك إذا أطلقت على هذا الشخص كلمة شيخ وهو جاهل لا يعرف اغتر الناس به, وظنوا أن عنده علماً، فرجعوا إليه في الاستفتاء وغير ذلك، وحصل بهذا ضرر عظيم, وكثير من الناس -نسأل الله لنا ولهم الهداية- لا يبالي إذا سئل أن يفتي ولو بغير علم, لأنه يرى إذا قال: لا أدري؛ كان ذلك نقصاً في حقه, والواقع أن الإنسان إذا قال فيما لا يعلم: لا أدري, كان ذلك كمالاً في حقه, ولكن النفوس مجبولة على محبة الظهور إلا من عصم الله عز وجل.
فالذي أرى: أنها لا تطلق كلمة شيخ إلا على من يستحقها, إما لكبره، أو لشرفه وسيادته في قومه, أو لعلمه, وهذا كما كان بعض الناس الآن يطلق كلمة إمام على عامة العلماء, حتى وإن كان هذا العالم من المقلدة يقول: هو إمام, وهذا أيضاً لا ينبغي, ينبغي ألا تطلق لفظ إمام إلا على من استحق أن يكون إماماً، وكان له أتباع, وكان معتبراً قوله بين المسلمين.
وبقي علينا أنك سلمت وكذلك الأخ من قبلك سلّم عند إلقاء السؤال، وهذا ليس من السنة, لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا أرادوا أن يلقوا السؤال على الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يلقوا عليه السلام, إلا من قدم إلى المجلس فهذا يسلم.(117/18)
التعليق على فقرات من كتاب التراث الجغرافي الإسلامي
السؤال
جاء في كتاب التراث الجغرافي الإسلامي للدكتور محمد محمود محمدين , فقرتين، حيث إني أقوم بتدريس هذا الكتاب للطلبة في الكلية المتوسطة في عنيزة , فأرجو من سيادتكم بيان هذه الفقرتين من هذا الكتاب: الفقرة الأولى: يقول: جاء في سنن الترمذي في كتاب فضائل القرآن: (هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة, ولا يشبع منه العلماء, ولا يخلق من كثرة الترداد ولا تنقضي عجائبه) .
وجاء في كتابه: وانطلاقاً من قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تنقضي عجائبه) ينبغي علينا أن نوضح الإشارات القرآنية ودلالتها في ظل الحقائق التي وصل إليها العلم, وبلغ بها مرتبة اليقين.
فهل هذا أثر، أم حديث؟ ثم جاء حديث أيضاً ولنتذكر حديث النبي عليه الصلاة والسلام فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار) ما صحة هذا؟
الجواب
هذا حديث لكن في صحته نظر, وعجائب القرآن لا شك أنها لا تنقضي؛ لأنه كلام الله عز وجل, ولكنه ما ذكر من الإشارات فيه حق وباطل, فالإشارات التي يرمي إليها الصوفية وغيرهم من أهل التخييل والفلاسفة لا شك أنها باطلة, وأما الإشارات إلى عجائب الكون وما يحدث فيه إذا صدقها الواقع فهذا لا بأس به, لأن كثيراً من الأشياء صدقها الواقع, أشار إليها القرآن ثم إن الواقع صدقها وكانت في الأول لا تدور في الخيال ولا يظن الإنسان وقوعها فوقعت.
وحديث ابن عباس هذا صحيح مشهور, وذلك محمول على من يفسر القرآن برأيه لا بما يقتضيه الشرع، أو تقتضيه اللغة العربية, مثل: تفسير أهل الأهواء, يفسرون القرآن بآرائهم مثلاً: يقول في قول الله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] يقول: المراد باليدين النعمة ليست اليد الحقيقة.
ويقول: في قوله تعالى: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54] أي: استولى عليه.
وما أشبه ذلك, هذا فسر القرآن برأيه, أما من فسر القرآن بما يقتضيه الشرع أو بما تقتضيه اللغة حيث لا حقيقة له شرعية فإن هذا لا بأس به.(117/19)
جواز قطع صيام النفل بجماع وغيره
السؤال
رجل صام صيام تنفل, ثم واقع زوجته وهو يصوم نفلاً, هل عليه إثم ذلك؟ وهل يقضي هذا اليوم حيث كان في عبادة لله جل وعلا؟
الجواب
ليس على من جامع زوجته في صيام النفل حرج؛ لأن صيام النفل تطوع, والتطوع إن شاء الإنسان أمضاه وإن شاء قطعه, وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل على أهله فأخبروه بأنه أوتي لهم بحيس، فقال: (أرنيه فقد أصبحت صائماً، فجاءت به إليه عائشة رضي الله عنها فأكل منه) وهذا دليل على جواز على قطع النفل, سواء بجماع، أو بأكل أو بشرب.
وأما قضاؤه فإن كان هذا اليوم معيناً كصوم يوم الإثنين -مثلاً- فلا يقضى, لأن هذا الصوم مقيد بيوم معين وقد انتهى وزال, وأما إذا كان غير معين كصيام ثلاثة أيام من الشهر فإنه يقضيه ولكن ليس على سبيل الوجوب بل على سبيل الاستحباب.(117/20)
حكم الزكاة في الحلي المستعمل
السؤال
هناك امرأة أخرجت زكاة حليها, فلما أرادت إخراج زكاة حلي والدتها رفضت وقالت: لا زكاة عليّ فيه, وهي الآن تسأل: هل لها أن تخرج زكاة حلي والدتها بدون علمها, مع أنها في السنة الماضية أخرجت الزكاة بدون علمها؟
الجواب
أما إخراج زكاة حليها فهذا لا شك أنه خير ومصلحة ومشروع, فالواجب على المرأة أن تخرج زكاة حليها إذا بلغ النصاب, كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما زكاة حلي أمها فإن أذنت في ذلك ووكلتها فلا بأس, وإن أبت فليس على البنت شيء, لا يلزمها أن تخرج الزكاة، لا سيما إذا كانت أمها تقلد من يرى أنه لا زكاة في الحلي؛ لأن المسألة فيها خلاف بين العلماء، فمن العلماء من يقول: فيه زكاة, ومنهم من يقول: لا زكاة فيه, والراجح أن الزكاة فيه واجبة.
وأما السنة الماضية تكون تطوعاً وليس بواجب؛ لأن الأم لا تعتقد الوجوب، وليس لها أن تخرجه بدون إذنها.(117/21)
السجود الذي يجب له الطهارة
السؤال
هل تجب الطهارة لسجود التلاوة وغيرها من السجدات؟
الجواب
هذا ينبني على سجود التلاوة هل هو صلاة، أم لا؟ فإن قلنا: هو صلاة وجبت له الطهارة, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حدثاً حتى يتوضأ) ، وإذا قلنا: إنه ليس بصلاة لم تجب الطهارة, والمسألة فيها خلاف بين العلماء.
والذي نرى: أن سجود التلاوة لا يفعله المرء إلا إذا كان طاهراً, وإلا فلا يسجد, وأما سجود الشكر فإنه يأتي الإنسان بغتة, وقد يكون على غير وضوء، فهنا لا بأس أن يسجد, فنرى الفرق بين سجود التلاوة وسجود الشكر, ومما يدل على هذا الفرق: أن سجود الشكر في الصلاة لا يجوز, فلو أن إنساناً وهو يصلي بشر بولد له, فإنه لا يسجد للشكر, لكن لو كان يتلو القرآن ومر بآية سجدة فإنه يسجد, فهذا الذي أراه في المسألة، أن سجود التلاوة لا بد فيه من طهارة وسجود الشكر لا يشترط له الطهارة.
ولا بأس إذا كان وضوءاً خفيفاً لئلا يطول الوقت, ولكن ينبغي ألا تقرأ القرآن إلا على طهارة, فالأفضل للإنسان ألا يقرأ القرآن إلا على طهارة سواء قرأه من المصحف أو عن ظهر قلب, لكن له أن يقرأ بغير طهارة؛ لأنه ليس من شروط من قراءة القرآن أن يكون الإنسان متطهراً, إلا من الجنابة, فالجنابة لا يجوز للجنب أن يقرأ القرآن حتى يغتسل.(117/22)
حكم الدعاء الجماعي آخر المجلس
السؤال
بعض الناس يجتمعون على حديث ذكر, وفي النهاية يقومون بدعاء جماعي واحد يدعو والبقية يقولون: آمين, هل هذا صحيح؟
الجواب
هذا صحيح إذا لم يتخذ عادة, فإن اتخذ عادة صار سنة, وهو ليس بسنة, فإذا كان هذا عادة كلما جلسوا ختموا بالدعاء، فهذا بدعة لا نعلمها عن النبي عليه الصلاة والسلام, وأما إذا كان أحياناً كأن يمر بهم وعيد أو ترغيب ثم يدعون الله عز وجل فلا بأس, لأنه فرق بين الشيء الراتب والعارض, العارض قد يفعله الإنسان أحياناً ولا يلام عليه, كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام أحياناً يصلي معه بعض الصحابة في صلاة الليل جماعة, ومع ذلك ليس بسنة أن يصلي الإنسان جماعة في صلاة الليل إلا أحياناً.(117/23)
حكم من نام في السجدة الأخيرة
السؤال
صلّى مصلٍّ خلف إمام فنام في آخر سجدة, فما استيقظ إلا مع سلام الإمام, فهل يتم ويسجد سجود السهو علماً بأن سهو الإمام سهو للمأموم؟
الجواب
هذا الرجل الذي نام في آخر سجدة وما بقي عليه إلا التشهد, ولما سلّم الإمام انتبه وقام من السجود, نقول: يتشهد هذا المأموم ويسلم, ولا سجود عليه؛ لأنه لم يفته شيء من الصلاة, والإمام يتحمل سجود السهو عن المأموم إذا كان المأموم لم يفته شيء من الصلاة.
ويجب عليه أن يتشهد ويسلم، فإن كان لم يذكر إلا بعد مدة، أو لم يعلم إلا بعد مدة وجب عليه أن يأتي بالصلاة كاملة.
إذاً يجب عليه أن يؤدي الصلاة من أولها, لكن لو ذكر في الحال بعد أن سلّم مع الإمام أنه يجب عليه أن يتشهد, فيجب عليه أن يتشهد ويسلم ولا يسجد للسهو, وسبب ذلك أنه تابع لإمامه.(117/24)
جواز إخراج الرجل زكاة حلي زوجته
السؤال
إذا كانت المرأة لديها حلي عليه زكاة وليس عندها مال, فهل للزوج أن يخرج الزكاة عن زوجته؟
الجواب
نعم لا بأس بذلك, يعني: إذا كانت امرأة عندها حلي ولكن ليس عندها مال تخرج منه الزكاة, وأخرج عنها زوجها أو أبوها أو أخوها أو ابنها فلا بأس, لكن بإذنها، حتى لو كان عندها مال, وقال الزوج: أنا أريد أن أخرج زكاة حليك فلا بأس بعد إذنها, فإذا لم يكن عندها مال والزوج ليس مستعداً لإخراج زكاتها, وكذلك ليس أحد يريد أن يخرج عنها, فإنها تبيع من الحلي بقدر الزكاة وتزكي.(117/25)
ضابط أيام العيد
السؤال
من الناس من يزيد في أيام العيد, هل هذه الزيادة صحيحة؟ الشيخ: اليوم الأول عيد ليس فيه إشكال, والثاني والثالث عيد أيضاً؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (دعهما -أي: الجاريتين اللتين كانتا تغنيان- فإنها أيام عيد) وكلمة أيام جمع, وأقل الجمع ثلاثة, فلا حرج أن الإنسان يجعل الأيام الثلاثة كلها عيد, إلا في مسألة واحدة وهي الصيام, فالصيام لو قال: إنه لن يصوم لليوم الثاني والثالث من شهر شوال؛ لأن صومها حرام كالعيد، فهذا لا يجوز, أما في ذي الحجة فمعلوم أن أيام التشريق لا يجوز صومها, فإذا أضفنا ثلاثة أيام ليوم العيد صارت أربعة, ولعلك تريد أن ما يفعله الناس من أفراح, فنقول: هي ثلاثة أيام في العيدين: عيد الأضحى, وعيد الفطر.(117/26)
حكم الضرب على الزير
السؤال
بمناسبة الأعياد هناك أناس يحتفلون بالضرب على الزير, ويأتون بأهازيج وسيوف وبنادق فأنكرنا عليهم الزير قالوا: نريد فتوى من الشيخ توضح ذلك, وما صحة الحديث الذي يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عمه حمزة قطع بـ أحد , فضرب الزير، فإن لحم عمي يتجمع بهذا الشيء، فقال العوام: نحن نريد جواباً من الشيخ على الزير ونحن مستعدون أن نترك؟
الجواب
الذي نفهم أن الزير من آلات اللهو المحرمة, لأنه ليس كالدف, الدف مما جاءت به السنة في أيام الأعراس, ومما أبيح للرجال والنساء في أيام الأعياد، وفي مسألة العرس للنساء فقط, ومن العلماء من قال: للنساء والرجال لكننا لا نفتح الباب في هذه المسألة.
أما الزير فليس كذلك, لأن الزير أشد صوتاً من الدف, ونغمته أشد تطريباً للإنسان, فلا يقاس عليه, فهو حرام؛ لأن الأصل في المعازف أنها حرام فلا يباح منها إلا ما جاء في السنة واستثنائه.(117/27)
حكم الزيادة على ركعتين في صلاة الليل
السؤال
صلّى أحد الأئمة صلاة القيام وسلم على ثلاث ركعات, فلما سلم ذكروه قالوا: صلينا ثلاثاً, فقام فأتى بواحدة ثم سلم, ثم أتى بالوتر, هل هذا صحيح؟
الجواب
أولاً يجب على الإنسان أن يعلم أن صلاة الليل مثنى مثنى كما قال النبي عليه الصلاة والسلام, فإذا قام إلى الثالثة سهواً وجب أن يرجع إذا ذكر, ولو كان قد طرأ, حتى إن الإمام أحمد رحمه الله نص على أن الرجل إذا قام إلى الثالثة في صلاة الليل فكأنما قام إلى الثالثة في صلاة الفجر.
يعني: إذا تعمد القيام بطلت, وإن كان سهواً وجب عليه الرجوع لتصح الصلاة.
في المثال الذي ذكرت نقول: إن إتمامه للأربع لا بأس به, ويتم الأربع حتى لا يكون عنده وتران, ثم إذا أتم صلّى الوتر كما فعل هذا الرجل ولا بأس به.(117/28)
حكم زيارة المرأة لقبور الشهداء وغيرهم
السؤال
ما حكم زيارة المرأة لقبور الشهداء؟
الجواب
الصحيح أن المرأة لا يحل لها أن تزور القبور, لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن زائرات القبور) لكن لو مرت بالمقبرة من غير قصد ووقفت وسلمت فلا بأس, المحظور: أن تخرج من بيتها لقصد زيارة المقبرة, سواء شهداء أحد أو البقيع أو قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه, ومن العلماء من استثنى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه وقال: إن هذه القبور الآن محجورة بمعنى: أن عليها جدراً، فالواقف من خارج القبة لا يكون زائراً للقبر, فالراجح: أن المرأة لا تزور القبور مطلقاً، لا قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا البقيع ولا الشهداء ولا غيرهم.(117/29)
أعمال الشيطان ووسوسته لبني آدم
السؤال
في قول الله عز وجل عن الشيطان: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم:22] دليل على أن دعوة الشيطان وأنصاره وأعوانه هي الوسوسة والإيحاء, ثم نرى ونسمع كثيراً أن بعض الناس من أولياء الشيطان يطيرون في الهواء، أو يأتون بأعمال خارقة, فكيف نوفق بين أن الله قال في أمر الشيطان: إنه دعوة, ثم إتيانهم بأعمال غير عادية, فنريد التوضيح؟
الجواب
هؤلاء الذين يقومون بأفعال خارقة للعادة تعينهم الشياطين على ذلك؛ لأنهم أجابوا دعوة الشيطان، فأعانتهم الشياطين على ما يريدون، فمثلاً: لا يمكن هؤلاء أن يقوموا بما يقومون به من هذه الخوارق, إلا بعد أن يشركوا بالله ويكفروا به بطاعة الشيطان, إما أن يقول له الشيطان: اسجد, أو اذبح, أو ما أشبه ذلك مما يكون شركاً وكفراً, ثم تعينهم الشياطين في هذه الأمور, والشياطين تحملهم فعلاً إلى الأماكن البعيدة لكن الناس لا يرونهم, فيظن الإنسان أن هؤلاء الذين فعلوا هذه الخوارق من أولياء الله, وهم في الحقيقة من أعداء الله وأولياء الشياطين.
وقوله: {إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم:22] أعم مما ذكرت, حتى إذا دعا الإنسان إلى الشرك وأشرك فإنه قد أجاب الشيطان.
فهو يقول: أنا ما لي عليكم من سلطان، ولا عليكم من قوة ولا قدرة ولا حجة، لكني دعوتكم إلى ما دعوتكم إليه فاستجبتم لي.(117/30)
حكم عدم الإتيان بالتكبيرات في صلاة العيد
السؤال
إمام قام للركعة الثانية لصلاة العيد ولم يكبر التكبيرات, بل شرع في الفاتحة, هل على صلاته سهو؟
الجواب
هذا الإنسان إذا ترك التكبيرات في صلاة العيد -وأعني بها التكبيرات الزائدة- فإن صلاته لا تبطل, لأن هذه التكبيرات سنة, إن أتى بها الإنسان كانت أكمل لصلاته وأكثر لثوابه، وإن لم يأتِ بها فلا حرج عليه, فإذا تركها نسياناً فإنه يسجد للسهو استحباباً لا وجوباً, لأن القاعدة في سجود السهو: أنه يجب لما يبطل الصلاة عمده, أي: الشيء إذا تعمدته بطلت صلاتك فإنك إن فعلته ناسياً فتسجد له وجوباً, وأما إذا كان لا يبطل الصلاة عمده فإنه لا يجب السجود له, هذه هي القاعدة, وهذه التكبيرات سنة لو تركها الإنسان متعمداً فصلاته صحيحة, فإذا تركها نسياناً قلنا: يستحب له أن يسجد للسهو.
ولا بأس بترك التكبيرات الزائدة في الركعة الثانية دون الأولى, كما لو سبح -مثلاً- في السجدة الأولى ثلاث مرات وفي السجدة الثانية مرة واحدة.(117/31)
جواز صلاة المفترض خلف المتنفل
السؤال
دخلت المسجد الحرام لصلاة العشاء ووجدته يصلي التراويح, فهل أصلي التراويح بنية العشاء، أم أصلي العشاء؟
الجواب
إذا دخل الإنسان إلى المسجد والناس يصلون صلاة التراويح وهو لم يصلِ صلاة العشاء فإنه يدخل معهم بنية العشاء, ثم إن كان مسافراً وقد دخل مع الإمام في الركعة الأولى سلم مع الإمام, لأن المسافر يصلي ركعتين، وإن كان مقيماً فإنه إذا سلم الإمام فإنه يأتي بما بقي عليه من الركعات الأربع.
وقد يقول قائل: كيف أصلي فريضة خلف نافلة؟ نقول: نعم, صل فريضة خلف نافلة, فإن هذا وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان معاذ بن جبل رضي الله عنه يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء، ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم نفس الصلاة, فتكون له نافلة ولهم فريضة.
حتى وإن كان معه أحد الأفضل ألا ينفردوا عن المسلمين, الأفضل أن يصلوا مع المسلمين وينوا الفريضة.(117/32)
وجوب غض البصر عن زوجة العم والخال
السؤال
عندنا في الجنوب ينادون زوجة الخال خالة, وزوجة العم عمه وكذا, ويرون أنه لا بأس أنها تكشف عليه, فتأتي ترحب بك بدون مصافحة, وقد يكون عمرها يزيد عن الأربعين سنة, ولكنها تدخل من على الباب وترحب بك وهي كاشفة, ما رأيكم في ذلك؟
الجواب
رأينا في هذا أنه خطأ، أن المرأة تكشف لغير محرمها, وزوجة العم وزوجة الأخ ليستا بمحرم, أما زوجة الابن أو الأب فهي محرم, فالواجب أن العادات تخضع للشرع.
فيجب أن يغض البصر وينصحها أولاً، ويقول: إن هذا لا يجوز, فإن استفادت فهذا المطلوب, وإن لم تستفد يغض البصر, لكن إذا كانت ليست من الأقارب فإنه لا يأتي إليها إطلاقاً.(117/33)
وجوب أداء الدين عن الميت من تركته
السؤال
رجل توفي وعليه لبنك التسليف مبلغ متبقي عليه هل يبقى في ذمته؟
الجواب
إذا توفي الإنسان وعليه مبلغ لبنك التسليف إن كان قد أدى الأقساط التي حلت عليه في حياته فقد برئ, والباقي يكون على الورثة, وإن كان قد بقي عليه شيء لم يؤده, فالواجب أن يؤدى فوراً ولو ببيع البيت.(117/34)
حكم ترك بعض الصلوات
السؤال
في رمضان بالذات شعرت أن كثيراًَ من الناس تتصل به تجده نائماً, وبعض الناس يصحون بعد صلاة العصر يعني: قبل الإفطار بساعة أو ساعة ونصف, فهل هذا يدخل تحت تارك الصلاة كسلاً؟
الجواب
الذي نرى أن ترك الصلاة الذي يوجب الكفر هو الترك المطلق, وأما ترك بعض الصلوات فلا يخرج به الإنسان من الإسلام لكنه لا شك أنه فاسق, ويقال لهذا الرجل: كيف تصوم ولا تصلي؟ هذا من الغرائب، الله المستعان!(117/35)
لقاء الباب المفتوح [118]
تحدث الشيخ في لقائه عن حرمة السخرية والاستهزاء الحاصل من الرجال والنساء فيما بينهم.
ثم أجاب عن أسئلة تتعلق بالصلاة والنهي عن السخرية وأحكام في الوصية والزكاة وآخرها سؤال أجاب فيه عن حكم الموعظة الملقاة بين ركعات صلاة التراويح.(118/1)
تفسير آيات من سورة الحجرات
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فنتكلم يسيراً على هذه الآية الكريمة في هذا اللقاء الذي يتم كل أسبوع في كل يوم خميس, واليوم هو يوم الخميس الثامن عشر من شهر شوال عام (1416هـ) .(118/2)
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم)
يقول الله عز وجل في جملة ما بين الله لعباده من الآداب والأخلاق الفاضلة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ} [الحجرات:11] .
السخرية: هي الاستهزاء والازدراء, ومن المعلوم أن الله تعالى جعل الناس في هذه الحياة الدنيا طبقات, فقال الله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً} [الزخرف:32] أي: ليسخر بعضهم بعضاً في المصالح, وليس المراد هنا الاستهزاء, وقال الله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} [الإسراء:21] .
إذا ثبت هذا التفضيل بين الناس فهم يتفاضلون في العلم, فبعضهم أعلم من بعض, في علوم الشريعة وعلوم الوسيلة كعلوم اللغة العربية من النحو والبلاغة وغيرها.
وهم يتفاضلون في الرزق، فمنهم من بسط له في رزقه, ومنهم من قدر عليه رزقه.
وهم يتفاضلون في الأخلاق, فمنهم ذوي الأخلاق الفاضلة العالية ومنهم دون ذلك.
هم يتفاضلون في الخلقة, منهم السوي الخلقة ومنهم من دون ذلك, المهم أنهم يتفاضلون.
ويتفاضلون كذلك في الحسب منهم من هو ذو حسب ونسب, ومنهم دون ذلك.
فهل يجوز لأحد أن يسخر ممن دونه؟ في هذه الآية يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات:11] فيخاطبنا جل وعلا بوصف الإيمان, وينهانا أن يسخر بعضنا من بعض, لأن المفضل هو الله عز وجل, وإذا كان هو الله لزم من سخريته بهذا الشخص الذي هو دونك أن تكون ساخراً بتقدير الله عز وجل, وإلى هذا يوحي قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر) ، وفي الحديث القدسي: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر, بيدي الأمر أقلب الليل والنهار) فلماذا تسخر من هذا الرجل الذي هو دونك في العلم أو في المال أو في الخلق أو في الخلقة أو في الحسب أو في النسب؟ لماذا أليس الذي أعطاك الفضل هو الله والذي حرمه هذا في تصورك هو الله عز وجل؟! ولهذا قال الله عز وجل: (عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) رب ساخرٍ اليوم يكون مسخوراً به في الغد, ورب مفضول اليوم يكون فاضلاً في الغد, وهذا شيء مجرب, وفي بعض الآثار يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله) وفي الأثر أيضاً: [لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك] .
إذاً يجب على الإنسان أن يتأدب بما أدبه الله به, فلا يسخر من غيره(118/3)
تفسير قوله تعالى: (عسى أن يكونوا خيراً منهم)
قال تعالى: (عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ} [الحجرات:11] ونص على النساء والرجال بالتفصيل حتى لا يقول أحد: إن هذا خاص بالرجال لو ذكر الرجال وحدهم, أو بالنساء لو ذكر النساء وحدهن, وبهذا نعرف الفرق بين القوم والنساء, إذا جمع بين القوم والنساء فالقوم هم الرجال والنساء هن الإناث, وإن ذكر القوم وحدهم شمل الرجال والنساء, مثل ما يذكر في الرسل عليهم الصلاة والسلام أنهم أرسلوا إلى قومهم, فهو يشمل الذكور والإناث, لكن إذا ذكر القوم والنساء صار النساء هن الإناث والقوم هم الذكور, {وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات:11] .(118/4)
الأسئلة(118/5)
حكم صلاة وقراءة القرآن للجنب
السؤال
هناك قضية بين الطلاب وهي: أن بعضهم يحدثون حدثاً ويذهبون إلى المدارس دون أن يتطهروا من الجنابة, ويقرءون القرآن ويصلون -مثلاً- صلاة الظهر بدون طهارة, السؤال: ما حكم من صلّى وهو بغير طهارة؟
الجواب
الواجب على من أصابته جنابة أن يغتسل قبل أن يقرأ القرآن, لأن قراءة القرآن على الجنب حرام على القول الراجح, ولا يحل للإنسان أن يقرأ شيئاً من القرآن بنية قراءة القرآن وهو جنب, ومن المعلوم أنه إذا صار عليه جنابة فهو بالغ لا تسقط عنه الواجبات, لكن قد يقول التلميذ مثلاً: أخشى إن تأخرت أن يعاقبني الأستاذ، نقول: نعم قد يعاقبك الأستاذ ولكن عقوبة الدنيا أهون من عقوبة الآخرة.
أما من صلّى وهو محدث حدثاً أكبر أو أصغر فإنه قد أتى إثماً عظيماً والعياذ بالله, حتى إن مذهب أبي حنيفة رحمه الله أن من صلّى وهو محدث فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة, لأنه مستهزئ بآيات الله عز وجل, فالأمر خطير, والواجب على التلميذ إذا كان يخشى من عقوبة المدرسين -كما يقول- إذا تأخر, فليذهب إلى المدرسة ثم ليستأذن في أثناء الدرس أن يذهب ويتطهر, ولا أظن أن الأستاذ إذا استأذن منه التلميذ واعتذر هذا العذر أن يرده.(118/6)
جواز الوكالة في إخراج الزكاة
السؤال
الفطرة في كل سنة أخرجها بيدي, والآن أنا مريض، وقد أوكلت إخراجها إلى شخص آخر فهل يحق لي ذلك أو أكون مذنباً؟
الجواب
لا حرج على الإنسان أن يوكل من يخرج فطرته حتى ولو بلا عذر, التوكيل في هذا جائز سواء في إخراج الفطرة وهي زكاة الفطر, أو في إخراج الزكاة أيضاً, لو كان على الإنسان زكاة وقال: يا فلان خذ هذه الزكاة وفرقها على نظرك فلا بأس.
وكذلك لو كان عليك كفارة يمين وهي إطعام عشرة مساكين, ووكلت من يطعم عنك فلا بأس, لأن هذه الأمور مما تدخلها النيابة, حتى وإن أعطيته المال وقلت: خذ هذا المال واشترِ به فطرة ووزعها على نظرك فلا بأس.(118/7)
بعض أحكام الدفن
السؤال
ما حكم الوقوف عند القبر بعد الفراغ من الدفن للدعاء؟ وما حكم وضع علامة عليه, أو كتابة الاسم لتمييزه لقصد الزيارة؟ وما حكم المشي بين القبور بالحذاء؟
الجواب
السؤال: الأول: الوقوف بعد الدفن عند القبر والدعاء له هذا من السنة, لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) فتقف عند القبر وتقول: اللهم اغفر له, اللهم ثبته, ثلاث مرات, لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا دعا ثلاث مرات, ثم تنصرف ولا حاجة لإطالة القيام عنده, وفي قوله (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت) دليل على أن الإنسان لا يدعو لقومه بمعنى: أنه لا يدعو وهم يؤمنون كما يفعله بعض الناس من بعض الجهات, ولكن كل واحد منهم يدعو لنفسه.
وأما السؤال الثاني: وهو وضع علامة على القبر أو الكتابة عليه ليزوره الإنسان بعينه, فلا حرج في ذلك إذا لم يكن في ذلك إظهار للقبر وتمييز له عن غيره, وعلى هذا فلا يجعل العلامة طلاء, أو نصب طويل, أو ما أشبه ذلك, إنما يجعل علامة متواضعة لا يتميز بها القبر عن غيره لقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه لـ أبي هياج: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ألا تدع تمثالاً إلا طمسته, ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) .
وأما السؤال الثالث: وهو المشي بالنعال بين القبور, فهذا لا بأس به للحاجة, وإن لم يكن هناك حاجة فالأفضل أن يمشي الإنسان حافياً, لأن في هذا نوع إكرام للأموات, أن تمشي بينهم حافياً, لكن إذا كان هناك حاجة مثل: أن تكون الأرض إثر مطر تتلوث به من الطين, أو شدة حرارة, أو شوك فهذا لا بأس به.
وهذه الطريقة ممنوعة لدينا, أن يجمع الإنسان بين ثلاثة أسئلة في سؤال واحد.(118/8)
حكم الإنصات لاستماع شريط القرآن
السؤال
هل السامع للقارئ في الشريط له حكم سامع القارئ العادي تلاوةً من وجوب الإنصات إليه؟
الجواب
إذا سجل الإنسان في الشريط فقد انتهى من أول مرة, وانقطع أجره وثوابه, اللهم إلا أن ينتفع أحد بالاستماع إلى صوته عبر الشريط فيؤجر على هذا الانتفاع, أما بالنسبة للاستماع إليه فلا يجب الاستماع إليه ولا إلى القارئ مباشرة، قال الإمام أحمد رحمه الله في قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] قال: أجمعوا على أن هذا في الصلاة.
يعني: إذا كان المأموم خلف الإمام, أما الإنسان يقرأ إلى جنبك وأنت مشغول بذكرك الخاص فإنه لا يجب عليك الإنصات.
ثم إذا فرض أن هذا القارئ عبر الشريط مر بآية سجدة هل تسجد؟ الجواب: لا تسجد إذا مر بآية سجدة, أولاً: لأنه لم يسجد هو.
ثانياً: على فرض أنه سجد وسمعته وهو يقول: الله أكبر وسجد فلا تسجد, لأنه الآن ليس إماماً لك وإنما يحكي هذا الشريط بصوته فقط, ولذلك لو أن أحداً قال: أكتفي بأذان مؤذن عبر الشريط فإذا كان عند الأذان شغل الميكرفون ثم وضع الشريط أمام اللاقط وشغله بالأذان, هل يكتفى بهذا عن الأذان المباشر؟ لا يكتفى بهذا، ولذلك تخطئ بعض المدارس على ما سمعنا أو بعض المكاتب يخطئ خطأً عظيماًَ أن يجعل الأذان عبر هذا المسجل, فأنا لا أقول إلا ما علمت, فهذا خطأ عظيم, لأن الأذان عبادة من أفضل العبادات, حتى قال الرسول عليه الصلاة والسلام في ثوابه: (أطول الناس أعناقاً يوم القيامة المؤذنون) يتميزون عن غيرهم, ولهذا كانت مرتبة المؤذن أفضل من مرتبة الإمام, يعني: المؤذن عمله أشق وصوته يلحق ما لحق صوت الإمام.
فالحاصل أن الاستماع إلى القراءة من الشريط ليست كالاستماع من القارئ المباشر, وأيضاً لا يجب الإنصات لا للشريط ولا للقارئ المباشر؛ لأن قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204]-كما سمعتم- قال الإمام أحمد: أجمعوا أن ذلك في الصلاة.(118/9)
حكم من لم يبيت نية صوم رمضان
السؤال
من صام أول يوم من رمضان ولم يبيت النية هل يقضي هذا اليوم, وهو لم يعلم أنه رمضان ولم يأكل ولم يشرب؟
الجواب
هذه مسألة فيها خلاف بين العلماء, منهم من يقول: إنه لا يقضي هذا اليوم بل يمسك من حين علمه ولا قضاء عليه, وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, ومنهم من قال: بل يقضي، وهذا أحوط وأولى.(118/10)
حكم مقولة: (الله كافلي)
السؤال
بعض الناس إذا سئل: من كفيلك؟ يقول: الله كافلي, ما حكم هذه الكلمة؟
الجواب
إذا كان هذا القائل قالها تهرباً من الإخبار عن كفيله فهذا لا يجوز, وأما إذا كان قالها اعتماداً على الله عز وجل فقد قال الله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} [النساء:81] وهو سبحانه وتعالى كفيل خلقه وهو متكفل بأرزاقهم وأعمالهم وكل حاجاتهم, لكن الغالب أن هذا الذي يقول يتهرب من ذكر الكفيل ولعله يخشى إذا علم وكيله من شيء لا ندري ما هو.(118/11)
حكم المسبوق يقضي قبل سلام إمامه
السؤال
ما صحة صلاة من أدرك ركعة مع الإمام في السطح في الركعة الأخيرة وظن أن الإمام سلم, وقام ليقضي, فتبين له أن الإمام لم يسلم فهل تعتبر في حقه ركعة؟
الجواب
إذا قام المسبوق لقضاء ما فاته ظناً منه أن الإمام سلم ثم تبين أنه لم يسلم يجب عليه الرجوع, فإذا سلّم الإمام قام فقضى ما فاته ثم يسجد للسهو بعد السلام.(118/12)
الفرق بين التشاؤم والتفاؤل
السؤال
تعرفون الفرق بين الطيرة والفأل, فلو أن شخصاً أراد أن يسافر فمر عليه شخص اسمه سهل تفاءل, وإن مر شخص اسمه صعب تشاءم, أليس هذا يشبه صورة من إذا أرسل الطائر فطار عن اليمين تفاءل, وإن صار شمالاً تشاءم؟
الجواب
أما الفأل فكان يعجب النبي صلى الله عليه وسلم لما فيه من التنشيط على الخير, والعمل به, فإذا أردت عملاً ثم صادفك من تحبه فنشطت على العمل, أو سمعت من يقول: يا سهل يا سهيل, يا صالح وما أشبه ذلك فنشطت فهذا طيب؛ لأنه ينشط على العمل.
وأما التشاؤم فهو على العكس, ينوي الإنسان الشيء ثم يرى شيئاً قبيحاً فيتأخر عن هذا الشيء, فهذا لا يجوز, لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الطيرة.
والفرق بين الفأل وزجر الطيور حتى تذهب يميناً أو ما أشبه ذلك, الفرق بينهما أن ذهاب الطيور إلى اليمين أو إلى الأمام هذا لا أثر له في هذا الأمر, إنما هو عقيدة جاهلية باطلة.(118/13)
حكم إعطاء الفقير ما يقيم به مشروعاً
السؤال
شخص غني وله أخ فقير فهل يجوز له أن يعطيه من الزكاة ما يعمل به مشروعاً كمكينة خياطة، أو لا يعطي من الزكاة إلا ما يقتات به؟
الجواب
هذا في الواقع سؤال لا ينبغي ألا نقيده بالأخ عام, هل يجوز للإنسان أن يعطي من الزكاة الفقير ليقتات به أو يعطيه ما يعمل به مشروعاً؟ الجواب: الأول ما يقتات به, لأن في الدنيا فقراء كثر يحتاجون إلى القوت, فكونه يخص هذا الأخ بالمال الكثير من أن ينشئ مشروع خياطة أو غير خياطة, معناه: يقتضي حمال الآخرين, والزكاة ليست لفلان وفلان بل هي للعموم, نعم لو فرض أن هذا الفقير انكسرت مكينته فأعطاه ما يصلحها به فلا بأس؛ لأن إصلاحها ضروري، أما أن يشتري له مكينة فلا، ونظير ذلك لو أنك أعطيت الفقير مالاً كثيراً يشتري به بيتاً، فهذا لا يجوز أن تعطيه من الزكاة, لأنه يمكن أن يستغني عن ذلك بالاستئجار له, لكن لو انهدم بيته وأراد أن يعمره قلنا: لا حرج أن تعطيه من الزكاة؛ لأن هذا الشيء قائم يحتاج إلى إصلاح.(118/14)
حكم الصلاة في غير مكان اجتماع المصلين
السؤال
أيهما أفضل: الصلاة في سطح المسجد الحرام، أم تحت الأرض, أم تصلي في الصفوف ولو كانت في التوسعة؟
الجواب
لا شك أن الصلاة في السطح أو في الأسفل أفضل بكثير من الصلاة خارج المسجد, بل إننا نرى الصلاة خارج المسجد والمسجد فيه مكان لا تصح, لأنه صلّى في غير مكان الاجتماع, والشرع له نظر في اجتماع المسلمين في مكانهم وبأفعالهم, ولهذا أمروا أن يقتدوا بالإمام ويتابعوه ليكون فعلهم واحداً وكذلك في المكان.
لكن قل لي: أيهما أفضل أن يصلي في الطبقة التي فيها الإمام -لأن ذلك أقرب للإمام- أو أن يصلي في السطح؟ هنا نقول: إذا كان صلاته في السطح أخشع له وأحضر لقلبه وأبعد عن التشويش فهو أفضل؛ لأن الفضل المتعلق بذات العبادة أولى بمراعاة الفضل المتعلق بمكان العبادة.(118/15)
حكم إيقاف المال على الورثة
السؤال
رجل أوقف ماله على أولاده إلا النساء يأخذن حقهن مدة الحياة فقط وهذا المال له عشرون سنة تعطل افترق النخل واجتاحت السيول, ما الحكم في ذلك وقد كتب: لعنة الله على بائعه ومشتريه؟!
الجواب
قال أهل العلم رحمهم الله: إن الوقف إذا تعطل في مصالحه فإنه يباع وينقل إلى مكان آخر فيه مصالح.
وهل يجوز إيقاف كل ماله على الأولاد؟ الجواب: لا, إيقاف كل ماله لأولاده في حياته لا بأس, أما إذا أوصى بعد موته فلا يجوز إلا الثلث فأقل, ثم أيضاً لا يجوز إلا الثلث فأقل بشرط ألا يخص بعض الورثة دون بعض.
وقوله: كتب: لعنة الله على بائعه ومشتريه! الجواب: لا يثبت هذا اللعن.(118/16)
عموم النهي في السخرية
السؤال
إذا أطلقت السخرية على الفعل, هل يدخل ذلك تحت النهي؟ وإذا كان الفعل مكتسب كأن قلد شخصاً في طريقة الخطأ, هل يدخل تحت النهي أيضاً؟
الجواب
النهي عام: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات:11] سواء كان بالقول أو بالفعل, ولكن لا أدري ما معنى قولك: مكتسب أو غير مكتسب؟ فإذا كان قصده السخرية لا يجوز, لكن أحياناً يعجبه كلام شخص من الناس فيتكلم كما يتكلم, فمثلاً: أعجبه قراءة قارئ من الأئمة, فصار يقلد قراءته فهذا ليس بسخرية, بل هذا إعجاب به.
والساخر إذا سخر بنطق من قلده كأن ينطق الخطأ صار ساخراً به فيدخل في النهي بلا شك.
أما إذا أراد إصلاح ما عنده من الخطأ يعني مثلاً حرف الراء يقول: اللحمان -يقصد الرحمن- يأتي آخر يقول: اللحمان، لا يستفيد ذاك من التغيير شيئاً, المهم أن السخرية مطلقة بالقول أو الفعل هذا حرام لا يجوز.(118/17)
معنى قوله تعالى: (قال الذي عنده علم من الكتاب)
السؤال
قال الله تعالى: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} [النمل:40] من هو هذا الذي عنده علم من الكتاب؟ وبعض الناس يقولون: إنه سليمان نفسه, فهل يصح هذا؟
الجواب
{قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ} [النمل:39] من العفريت هذا؟! عفريت من الجن, هذا عنده علم من الكتاب, قال بعض المفسرين: إله رجل صالح, فدعا الله باسمه الأعظم فحملته الملائكة وأتت به, وأما القول بأنه سليمان فخطأ عظيم, لأن هذا الذي عنده علم من الكتاب قال: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل:40] كيف يخاطب سليمان نفسه؟ لكن في هذه الآية دليل على أن قوة الملائكة أشد من قوة الجن, فالجني قال: (آتيك به قبل أن تقوم من مقامك) وكان له ساعة معينة يقوم فيها, أما هذا قال: (آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) فلما رآه في الحال.
سبحان الله! آية من آيات الله عز وجل, فهو رجل بشر دعا الله عز وجل فحملته الملائكة بسرعة وجاءت به.(118/18)
معنى رؤية النبي في المنام
السؤال
ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رآني منكم في المنام فسيراني في اليقظة) ؟
الجواب
هذا يخاطب به الصحابة الذين يمكنهم أن يروه, أي: من رآني منكم أيها المخاطبون فسيراني في اليقظة, وليس عاماً للأمة كلها, والذي هو عام للأمة كلها هو قوله: (من رآني في المنام فقد رآني حقاً) هذا للأمة كلها.(118/19)
نصيحة للساخرين بأهل العلم
السؤال
هناك بعض الطلبة ابتلوا بالسخرية ببعض العلماء, خاصة إذا خالف رأيه رأي شيخه فإنه أحياناً يسبه, فنرجو توجيه نصيحة لهؤلاء؟
الجواب
أولاً يجب على طالب العلم أن يكون أول من يمتثل أمر الله عز وجل ويجتنب نهيه, لأنه مسئول عن ذلك من وجهين: الوجه الأول: أنه كغيره من المكلفين.
الوجه الثاني: أن طالب العلم قدوة, أي عمل يعمله فسوف يقتدي به الناس ويحتجون به.
فإذا كان طالب العلم هو الذي يسخر من العلماء أو ممن دون العلماء فهذه بلية في الواقع, فالواجب على الإنسان إذا خالفه غيره أن يلتمس له العذر, ثم يتصل بهذا المخالف فيبحث معه، فربما يكون الحق معه -أي: مع من خالفه- ويناقشه بأدب واحترام وهدوء, حتى يتبين الحق.
أما سخريته به لمخالفة رأي شيخه فهذا أيضاً خطأ, كل إنسان يخالفك في قولك فإن الواجب عليك أن تحمله على أحسن المحامل, وأن هذا اجتهاده، وأن الله عز وجل سيؤجره على اجتهاده، إن أخطأ فله أجر واحد وإن أصاب فله أجران, ثم تتصل به, وتناقشه ولا تستحي, فربما يتبين أن الحق معك فتكون لك منة على هذا الرجل, وربما يتبين الحق معه فيكون له منة عليك, وأما السخرية فليست من آداب طالب العلم إطلاقاً, بل ولا من آداب المؤمن مع أخيه.(118/20)
قواعد في النحو والتفسير
السؤال
سمعتك كثيراً تذكر: أنه ينبغي لطالب العلم أن يهتم بالقواعد والضوابط, فمثلاً في النحو أو التفسير ما هي القواعد والضوابط التي يمكن أن يحفظها الإنسان حتى يستفيد منها؟
الجواب
أذكر قاعدتين في النحو: الأصل في الفاعل أن يتصل بالعامل, فتقول: أكل محمدٌ طعاماً, هذا الأصل, وخلاف الأصل أن يقدم المفعول به على الفاعل فتقول: أكل طعاماً محمداً كما قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} [البقرة:124] الأصل أن يكون الخبر متأخراً عن المبتدأ, ويجوز التقدير إذ لا ضرر.
أما في التفسير فمثلاً من القواعد: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
فإذا جاءت آية فيها حكم عام على سبب خاص فالعبرة بعموم اللفظ.
ومن القواعد أيضاً: إذا احتملت الكلمة معنيين على السواء ولا منافاة بينهما فإنها تحمل على المعنيين جميعاً.
ولنا كتيب صغير في قواعد التفسير لو رجعت إليه يكون جيداً, وأما قواعد النحو فعليك بـ ألفية ابن مالك.(118/21)
حكم الجماعة إذا تخللها طريق
السؤال
هل تجوز للنساء صلاة الجمعة في بيت واحد خلف الإمام وبينهما طريق عام؟
الجواب
النساء لسن مخاطبات بالجمعة ولا بالجماعة إلا في صلاة العيد, فقد أمرهن النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجن, لكن لو حضرن إلى المسجد وصلين مع الناس صلاة الجمعة أجزأت عن الظهر.
أما إذا اجتمعن في بيت وأقمن الجمعة فلا تصح صلاتهن, وكذلك إذا صلين في بيوتهن خلف الإمام فلا تصح صلاتهن, سواء كان بين المسجد وبينهن طريق أو كن ملاصقات للمسجد.(118/22)
حكم الجمع بين ثلثي الموصين
السؤال
هل يدفع ما أوصى به الميت من الثلث مرة واحدة في أبواب الخير, وإذا وجد ثلث لوالدي وآخر لوالدتي هل أجمعها؟
الجواب
لا بأس أن يجمع الإنسان بين ثلث والده وثلث والدته, وكله على حسب ما أوصى به, فضل الله يؤتي من يشاء, وأما هل يدفعه مرة واحدة أو ينميه؟ هذا يجب عليه أن يراعي المصلحة, هل الأولى أن يدفعه مرة واحدة في عمارة مسجد يساهم فيه أو ما أشبه ذلك, أو الأولى أن ينميه ويتصدق بنمائه، فينظر للمصلحة.(118/23)
وجوب تقسيم التركة بطلب أحد الورثة
السؤال
هل يجوز ترك الميراث لسبب وجود الأولاد الصغار, ولو قسم هذا الميراث يشق على الولي أن ينفق عليه, ويتركه ويزكي من المال؟
الجواب
إذا مات الميت فإن المال الذي وراءه للورثة يفعلون فيه ما يشاءون, فإن طالب أحدهم بقسمة الميراث وجبت إجابته, سواء كانوا صغاراً أم كباراً, الصغار يتولى أمرهم وليهم, والكبار كل يتولى أمره بنفسه, أما لو سكتوا وقالوا: نحب أن نبقى مثل أن يكون المال مشروعاً من المشروعات, وأحبوا أن يبقى المشروع على ما هو عليه, وكل يختص بنصيبه وربحه فلا بأس, الزكاة كل يؤدي زكاة ماله بنفسه.
وإذا قسم المال وكان كل واحد منهم لا يبلغ نصيبه النصاب وليس ما عنده ما يكمل به النصاب فلا زكاة عليه.(118/24)
إعراب كلمة
السؤال
ما موقع إعراب كلمة (زوج) من: (حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم) ؟
الجواب
هذا بدل من عائشة , أو عطف بيان يجوز هذا وهذا.(118/25)
حكم لبس القبعة
السؤال
ما حكم لبس البرنيطة أو القبعة التي يلبسها الشباب؟
الجواب
أعطيك قاعدة -بارك الله فيك- الأصل في لبسها الحل نوعاً وكيفية, فأي إنسان يقول: هذا لباس حرام إما لنوعيته أو لكيفيته فعليه الدليل, فلبس البرنيطة من هذا الباب, إذا كان هذا من عادة النصارى والكفار فإنه حرام, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تشبه بقوم فهو منهم) وإذا لم يكن من عادتهم بل كان شائعاً بين الناس يلبسه الكفار والمسلمون فلا بأس.
لكني أخشى أن اللابس لها يكون في قلبه أنه مقلد لهؤلاء النصارى أو الكفار فحينئذٍ يمنع من هذه الناحية, من كونه يعظم الكفار فيقلدهم.(118/26)
حكم سفر المرأة بدون محرم
السؤال
ما حكم سفر المرأة من مدينة إلى مدينة بدون محرم لطلب العلم؟
الجواب
لا يحل للمرأة أن تسافر بدون محرم لا للعلم ولا للحج ولا للعمرة ولا للزيارة ولا لغير ذلك, لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) لكن قد يظن بعض الناس أن هذا سفر وليس بسفر, مثل بعض النساء الآن يذهبن من بلدهن إلى بلد آخر قريب للتعلم أو للتعليم ويرجعن في نفس اليوم, فهذا ليس بسفر, فعلى هذا لو ذهبت امرأة من عنيزة إلى بريدة للتعلم أو للتعليم ومعها نساء ويرجعن بعد انتهاء الدرس إلى بيوتهن فهذا ليس بسفر, فللمرأة أن تذهب وترجع, لكن لا يجوز لها أن تخلو بالسائق إذا لم يكن محرماً لها.
حتى في الطائرة لا يجوز لها أن تسافر, نقول: أولاً أن المحرم الذي في البلد الذي طارت منه إذا أوصلها إلى قاعة الانتظار يرجع, وتبقى وحدها مع الرجال, ثم لو فرض أنه أوصلها إلى أن دخلت الطائرة, فالطائرة قد تقلع في وقتها المحدد وقد تتأخر لخلل فني أو طقس أو غير ذلك, ثم إذا استقلت طائرة فربما يمنعها مانع من الهبوط في المطار الذي قصدته إما سوء الأحوال الجوية كما يقولون, وإما خلل فني كما لو امتنعت الكفرات من النزول، أو غير ذلك من الأسباب, فتبقى تذهب إلى بلد آخر, ثم على فرض أنها سلمت من هذا ونزلت في المطار الذي تريده, فمحرمها الثاني الذي يستقبلها قد يحضر في الوقت المحدد وقد لا يحضر, فقد ينام وقد يمرض، قد يمنعه السير من ازدحام السيارات, قد تتعطل سيارته ولا يحضر إلى المطار, ثم إذا سلم من هذا وصار كل شيء على ما يرام فمن الذي يجلس بجانبها في الطائرة؟ قد يجلس بجانبها رجل سفيه سافر, فيغريها ويغرها, كما يقع هذا أحياناً, لذلك كانت حكمة الشرع في نهي المرأة أن تسافر على الإطلاق هي الحكمة الصحيحة, وهي التي بها السلامة.(118/27)
جزاء من ماتت ولم تتزوج في الدنيا
السؤال
تسأل امرأة وتقول: المرأة إذا توفيت وهي لم تتزوج ماذا يكون مصيرها: هل تتزوج من الرجال الذين لم يتزوجوا في الجنة؟
الجواب
إذا كانت في الجنة -بارك الله فيك- ففي الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين, أنت إذا أوصلتها إلى الجنة فستلقى كل خير, إما أن تتزوج من أهل الدنيا, والجنة سيبقى فيها فضل عمن دخلها من أهل الدنيا, فينشئ الله لها أقواماً يدخلهم الجنة, فقد تتزوج من هؤلاء الأقوام, فطمئنها وقل: إن شاء الله تعالى إذا دخلتِ الجنة فستجدين ما يسرك من كل ناحية، ودليل ذلك: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:31] أي: ما تطلبون.(118/28)
حكم الموعظة بين ركعات التراويح
السؤال
ما حكم الموعظة بين صلاة التراويح أو في وسطها ويكون هذا دائماً؟ الشيخ: لا مانع، إذا قام إلى التسليمة الثانية ورأى أن الصف قد اعوج، أو أن المصلين قد تمايزوا وتفرقوا وصار فيهم فرجة، فليقل: استووا أو تراصوا، ولا حرج.
أما الموعظة فلا، لأن هذا ليس من هدي السلف , لكن يعظهم إذا دعت الحاجة أو شاء بعد التراويح، وإذا قصد بهذا التعبد فهو بدعة, وعلامة قصد التعبد أن يداوم عليها كل ليلة, ثم نقول: لماذا يا أخي تعظ الناس؟ قد يكون لبعض الناس شغل يحب أن ينتهي من التراويح وينصرف ليدرك قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وإذا كنت أنت تحب الموعظة ويحبها أيضاً نصف الناس بل يحبها ثلاثة أرباع الناس فلا تسجن الربع الأخير من أجل محبة ثلاثة أرباع, أليس الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمّ أحدكم الناس فليخفف فإن من ورائه ضعيف والمريض وذي الحاجة) أو كما عليه الصلاة والسلام, يعني: لا تقس الناس بنفسك أو بنفس الآخرين الذين يحبون الكلام والموعظة, قس الناس بما يريحهم, صلِّ بهم التراويح وإذا انتهيت من ذلك وانصرفت من صلاتك وانصرف الناس فقل ما شئت من القول.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأبشروا بالخير بالحضور إلى هذا المكان لأن: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) .
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(118/29)
لقاء الباب المفتوح [119]
رغب الإسلام في التحلي بالأخلاق الحميدة الداعية إلى صلاح المجتمعات وانتشار الألفة والمحبة بين أفراده، ونهى وزجر عن التحلي بالأخلاق السيئة الداعية إلى فساد المجتمعات وفشو الحقد والضغينة وتفكك أفراده، وقد كان للقرآن الكريم دور كبير في إبراز مثل هذه القضايا المهمة في حياة الأمة وتوجيهها إلى ما يحبه الله ويرضاه، ومن ذلك ما دعت إليه آيات سورة الحجرات التي شرحها الشيخ في هذا اللقاء الطيب المبارك.(119/1)
تفسير آيات من سورة الحجرات
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع عشر بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس, وهذا هو الخميس 24 من شهر شوال عام (1416هـ) .
نكمل فيه ما سبق أن بدأنا به من آية الحجرات.(119/2)
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم)
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ} [الحجرات:11] والسخرية: الاحتقار والازدراء, وأن قوله: (عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) و (خَيْراً مِنْهُنَّ) أي: عند الله أو في المستقبل أو في الواقع, أي: أنه إذا سخر رجل من آخر فهذا المسخور منه قد يكون عند الله خيراً من الساخر, وقد يكون في نفس الوقت خيراً من الساخر, وقد يكون في المستقبل خيراً من الساخر.(119/3)
تفسير قوله تعالى: (ولا تلمزوا أنفسكم)
ثم قال عز وجل: {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [الحجرات:11] اللمز: العيب, بأن تقول: فلان بليد، فلان طويل، فلان قصير، فلان أسود، فلان أحمر، وما أشبه ذلك مما يعد عيباً.
وقوله: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) فسرت بمعنيين: المعنى الأول: لا يلمز بعضكم بعضاً؛ لأن كل واحد منا بمنزلة نفس الإنسان, أخوك بمنزلة نفسك، فإذا لمزته فكأنما لمزت نفسك.
المعنى الثاني: لا تلمز أخاك لأنك إذا لمزته لمزك, فلمزك إياه سبب لكونه يلمزك، وحينئذٍ تكون كأنك لمزت نفسك, وعليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من لعن والديه, فقالوا: يا رسول الله! كيف يلعن الرجل والديه؟! قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه, ويسب أمه فيسب أمه) .
هذه الآية فيها: تحريم عيب المؤمنين بعضهم بعضاً, فلا يجوز لك أن تعيب أخاك بصفة خِلقِية أو صفة خُلُقية.
أما الصفة الخِلقية التي تعود إلى الخِلقة، فإن عيبك إياه في الحقيقة عيب لخالقه عز وجل.
من الذي خلق الإنسان؟ الله عز وجل.
من الذي جعله على هذه الصفة؟ الله عز وجل.
هل الإنسان يمكن أن يكمل خلقته، فيكون الطويل قصيراً أو القصير طويلاً, أو القبيح جميلاً أو الجميل قبيحاً؟ هذا لا يمكن, فأنت إذا لمزت إنساناً وعبته في خلقته؛ فقد عبت الخالق في الواقع.
ولهذا لو وجدنا جداراً مبنياً مائلاً وعبنا الجدار, هل عيبنا للجدار أم لباني الجدار؟ إذاً إذا عبت إنساناً في خلقته فكأنما عبت الخالق عز وجل, فالمسألة خطيرة.
أما عيبه في الخلق بأن يكون هذا الرجل سريع الغضب, شديد الانتقام, بذيء اللسان, فلا تعبه, لأنه ربما إذا عبته ابتلاك الله بنفس العيب، ولهذا جاء في الأثر: [لا تظهر الشماتة في أخيك فيعافيه الله ويبتليك] لكن إذا وجدت فيه سوء خلق فالواجب النصيحة, أن تتصل به إن كان يمكنك الاتصال به, وتبين له ما كان عليه من عيب, أو تكتب له رسالة باسمك أو باسم ناصح مثلاً.(119/4)
تفسير قوله تعالى: (ولا تنابزوا بالألقاب)
قال تعالى: {وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات:11] أي: لا ينبز بعضكم بعضاً باللقب, فتقول له مثلاً: يا فاسد! يا فاجر! يا كافر! يا شارب الخمر! يا سارق! يا زان! لا تفعل هذا, لأنك إذا نبزته باللقب فإما أن يكون اللقب فيه وإما ألا يكون فيه, فإن كان فيه فقد ارتكبت هذا النهي, وإن لم يكن فيه فقد بهته وارتكبت النهي أيضاً.(119/5)
تفسير قوله تعالى: (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان)
ثم قال عز وجل: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ} [الحجرات:11] أي: بئس لكم أن تنتقلوا من وصف الإيمان إلى وصف الفسوق, إذا ارتكبتم ما نهى الله عنه صرتم فسقة, فالإنسان إذا ارتكب واحدة من الكبائر صار فاسقاً, وإذا ارتكب صغيرة فإن كررها وأصر عليها صار فاسقاً, فلا تجعل نفسك بعد الإيمان وكمال الإيمان فاسقاً, هذا معنى قوله: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ} [الحجرات:11] لأن هذه الجملة جملة إنشائية تفيد الذم, وما أفاد الذم فإنه منهي عنه بلا شك.
استفدنا من هذه الآية الكريمة: تحريم السخرية, وتحريم لمز الغير, وتحريم التنابز بالألقاب, وأن من صنع ذلك فهو فاسق بعد أن كان مؤمناً, والفسق ليس وصفاً باللسان فقط فقد يترتب عليه أحكام, فمثلاً قال العلماء: الفاسق لا يصح أن يكون ولياً على بنته فيزوجها, إنسان إنما يزوجها أخوها إذا كان لها أخ يصح أن يكون ولياً, أو عمها, إن لم يكن لها أقارب أو خافوا من أبيها إن زوجوها يزوجها القاضي.
الفاسق لا تقبل شهادته؛ لأن الله قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] يشهد عند القاضي بحق, والقاضي يقول: لا نقبل شهادتك لأنك فاسق.
الفاسق لا يجوز أن يكون إماماً بالناس في الصلاة, الفاسق الذي يظهر فسقه لا يصح أذانه, كل هذا قال به العلماء رحمهم الله, وإن كان في بعض هذه المسائل خلافاً، لكني أقول لكم: إن كلمة (فاسق) ليست بالأمر الهين, حتى يقول إنسان: هذا الأمر سهل, بدل ما يكون مؤمناً يكون فاسقاً, هذا غير صحيح, ولهذا ذمه الله فقال: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ} [الحجرات:11] .(119/6)
تفسير قوله تعالى: (ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون)
قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11] أي: من كان يفعل هذه الأشياء -وهي ثلاثة- ولم يتب فأولئك هم الظالمون, الذي لا يتوب يكون ظالماً, والظلم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الظلم ظلمات يوم القيامة) إذا كان المؤمنون يوم القيامة يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم, فهؤلاء الظلمة ليس لهم نور, فيجب الحذر مما نهى الله عنه عز وجل, لأنك أيها العبد عبد لله, تأتمر بأمره وتنتهي عن نهيه.
وقوله: (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ) إذا قال قائل: ما معنى: التوبة؟ نقول: التوبة الرجوع إلى الله من معصيته إلى طاعته, فإذا كان شخص لا يصلي مع الجماعة فما توبته؟ أن يصلي مع الجماعة.
إذا كان شخص قد سرق مالاً من إنسان فما توبته؟ أن يرد المال إلى صاحبه.
إذا كان الإنسان قد باع غشاً فما توبته؟ أن يترك الغش، وأن يرد ما زاد بسبب الغش على صاحبه, يعني: مثلاً لو زاد في السعر بسبب الغش؛ فعليه أن يرد ما زاد بسبب الغش على الرجل المغشوش, فإن كان لا يعرفه فليتصدق به عنه, فمثلاً هذه السلعة بدون غش تساوي عشرة ريالات وبالغش اثنا عشر ريالاً فقد زاد ريالين.
إذاً إذا تاب من الغش يجب عليه أن يرد الريالين إلى الرجل المغشوش, فإن لم يعرفه فإنه يتصدق بذلك عنه.
والتوبة: الرجوع إلى الله من معصيته إلى طاعته.
والتوبة لها شروط, فليس كل من قال: أنا تائب إلى الله يكون تائباً, بل لا بد من شروط: الشرط الأول: أن يخلص لله في التوبة, فلا يحمله على التوبة أنه خاف من أبيه, أو خاف من أخيه الأكبر, أو خاف من السلطات, أو تاب لأجل يقال: فلان مستقيم, لا، يجب أن يكون مخلصاً لله, فيكون الحامل له على التوبة طلب رضا الله عز وجل والوصول إلى كرامته, والإخلاص شرط في كل عبادة.
الشرط الثاني: الندم على ما فعل, بأن يتحسر ويتكدر أنه وقع منه هذا الشيء.
الشرط الثالث: أن يقلع عن الذنب في الحال, يعني: يتركه مباشرة إذا كان في محرم تركه, وإذا كان في واجب بادر إلى فعله.
الشرط الرابع: أن يعزم على ألا يعود في المستقبل, يعني: يكون في قلبه نية عازمة جازمة ألا يعود إلى هذا الذنب في المستقبل, فإن تاب وهو يقول: ربما أنه يطرأ عليّ أن أفعل الذنب, فهذا التائب لا تصح توبته, لا بد أن يعزم على ألا يعود في المستقبل.
الشرط الخامس: أن تكون التوبة قبل سد الباب, لأنه يأتي وقت يسد فيه باب التوبة، لا تقبل من الإنسان, والباب الذي يغلق عن التائبين عام وخاص.
أما الباب العام: فهو طلوع الشمس من مغربها, نحن الآن نرى الشمس تخرج من المشرق وتغرب في المغرب, سيأتي زمن تخرج فيه الشمس من المغرب وترجع, والذي يردها هو الله عز وجل, لو اجتمعت الخلائق كلها على أن تردها لن تردها, لكن يردها الله عز وجل الذي أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن فيكون, ترجع هذه الشمس العظيمة إذا غربت ترجع من مغربها, إذا طلعت الشمس من مغربها كل من على الأرض يؤمنون كلهم: اليهودي, والنصراني, والبوذي, والشيوعي, وغيرهم كلهم يؤمنون؛ لأنهم يرون شيئاً واضحاً في الدلالة على الرب عز وجل, لكن هل ينفعهم الإيمان؟ لا؛ لقوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} [الأنعام:158] .
فسر النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} : إنه خروج الشمس من مغربها، حينئذٍ لا تنفع التوبة, مع أن الناس كلهم يؤمنون لكن لا تنفع, لأنه انسد الباب.
أما الباب الخاص: فهو أن يحضر الإنسان أجله, فلا تنفع التوبة؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء:18] انسد الباب، لا ينفع.
وإني أسألكم: هل أحد منا يعلم متى يموت؟ لا، ربما يموت الإنسان وهو على مكتبه, وهو على فراشه, وهو في صلاته, في أي لحظة, وإذا كنا نعلم هذا ونوقن به، فالواجب أن نبادر بالتوبة لئلا يفاجئنا الموت فينسد الباب, ولهذا كان مما يجب على الفور أن يتوب الإنسان من ذنبه.
يا إخواني! الإنسان لا يدري متى يموت, فالواجب أن يبادر بالتوبة إلى الله عز وجل, يقول عز وجل: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء:18] هذا ما له توبة, هذا خبر من الله عز وجل.
أمر واقع يدل على هذا: لما أغرق الله فرعون وقومه، قال فرعون في أثناء الغرق: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] تاب الآن, أليس كذلك؟ لكن متى؟!! حينما رأى الموت, فقيل له: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:91] (آلْآن) أي: الآن تتوب! لماذا لم تتب من قبل؟ فلم تقبل توبته والعياذ بالله.
إذاً شروط التوبة خمسة: الإخلاص لله عز وجل, الندم على ما فعل, الإقلاع عما كان عليه من الذنب في الحال, العزم على ألا يعود, أن تكون التوبة قبل سد الأبواب.
إذا قال قائل: التوبة فيما بين العبد وبين ربه واضحة, يفرح الله عز وجل بتوبة عبده فرحاً عظيماً, إذا تبت إلى ربك -وأسأل الله أن يتوب علي وعليك- فإن الله يفرح بهذا فرحاً عظيماً, فرحاً لا يتصوره الإنسان, قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لله أشد فرحاً بتوبة أحدكم -أو قال: بتوبة عبده- من أحدكم براحلته -الراحلة هي البعير- كان عليها طعامه وشرابه فأضلها -أي: ضاعت عنه- فطلبها فلم يجدها, فنام تحت شجرة ينتظر الموت -ضعفت قواه وخارت وانتهى- فبينما هو كذلك إذا بناقته متعلق زمامها بالشجرة, فأخذ الزمام فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك -يريد أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك ولكنه- أخطأ من شدة الفرح) وهل تجدون فرحاً أعظم من هذا؟! لا؛ لأنه فرح بحياة بعد الإشراف على الموت, فلا فرح أشد من ذلك.
فالرب عز وجل يفرح بتوبة أحدنا أشد من فرح هذا الرجل بناقته, فإذا كان الذنب بينك وبين الله فالأمر سهل, والمشكل إذا كان بينك وبين الناس, إنسان سرق من شخص وتاب من السرقة, فيما بينه وبين الله انتهى لا إثم عليه ولا عقوبة ولا قطع يد ولا شيء, لكن المال المسروق هل تكفي هذه التوبة عن رد المال إلى صاحبه, أو يجب رد المال إلى صاحبه؟ لا بد من رد المال إلى صاحبه, لكن المشكلة كيف أرده؟ ربما لو ذهب إلى صاحبه وقال: إنه سرق منه هذا المال وأنه تاب, ربما يمسك به ويرفعه إلى الجهات المسئولة, ربما يقول: أنت الآن أعطيتني عشرة آلاف, والتي سرقت هي عشرون ألف ريال -ربما يقول هذا- فيبقى الإنسان في ورطة فماذا يصنع؟ نقول: يمكن أن ينظر إلى صاحب له أمين فيقول له: إنه سرق من فلان كذا وكذا وهذه السرقة اذهب بها إليه وقل له: إن هذه من شخص تاب الله عز وجل وقد أخذها منك من قبل, وهاهي الآن قد وصلتك.
لكن لا بد أن يكون هذا الرجل الذي وكله أن يوصل الدراهم إلى صاحبها, لا بد أن يكون موثوقاً عند صاحب المال, وأميناً عنده, لأنه لو لم يكن موثوقاً لاتهمه صاحب المال وقال: أنت السارق والمسروق أكثر من كذا، لكن إذا كان يعرف أنه صديقه وأمين يصدقه ويأتمنه, فليقل: يا فلان جزاك الله خيراً القضية كذا وكذا فإن لم يتيسر له ذلك فيمكن أن يجعلها في ظرف ويرسلها في البريد الممتاز, ويكتب فيها كتابة لا يعرف بها خطه: بأن هذه دراهم لك من شخص أخذها منك سابقاً وقد تاب إلى الله.
فقط, وتبرأ ذمته, المهم أنه لا بد من التوبة, ولهذا قال الله عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11] .
وإن لم يعرف صاحبها, مثلاً: إنسان سرق في حال صغره سرقة من شخص لا يدري من هو, أو بعد تكليفه سرق من مال لا يدري من هو له, فبماذا تتحقق التوبة؟ أن يتصدق بهذا المال تخلصاً منه, لا ينويه لنفسه بل لصاحبه, وبذلك يبرئ.
نسأل الله أن يرزقنا التوبة قبل غلق الأبواب، وأن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.(119/7)
الأسئلة(119/8)
كفارة من قتل ولده خطأ
السؤال
كنت على سيارتي وبناتي اثنتين عندي خلف السيارة ولم أكن أعلم أنهما قد تعلقتا في السيارة، إحداهن عمرها (7) سنوات والأخرى (3) سنوات, فعدت بالسيارة للخلف, فسقطت البنت الصغيرة وماتت, فماذا عليّ؟
الجواب
أسأل الله أن يخلف عليك وأن يعظم أجرك وأجر والدتها, وعليك أن تصوم شهرين متتابعين إلا أن تجد رقبة تعتقها فإن هذا يكفي, فأنت إذا كان عندك دراهم تتمكن من إعتاق العبد فهذا الواجب، فإن لم يكن عندك؛ فعليك أن تصوم شهرين متتابعين.
لكن كن حذراً, إذا كان عندك صبيان, فالذي راح راح قضاء وقدراً, لكن في المستقبل إذا كان عندك صبيان فتحرى تحرياً شديداً.
السائل: ولكن لا بد من الصيام؟ الشيخ: من الذي قتلها؟ السائل: رب العالمين.
الشيخ: لا، رب العالمين يقتل كل أحد, يحي ويميت كل أحد, ولكن: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} [الأنفال:17] لكن قصدي إنها لو كانت عند سقوطها ماتت قلنا: ما عليك شيء, لأن هذا حصل بفعلها ولا عليك شيء, لكن أنت دهستها.
السائل: لا, لم أدهسها ولكن وقع دقة في الصدام أو ما أدري كيف؟ الشيخ: ما تأكدت أنك دهستها؟ السائل: لا, ما لقينا فيها ضرر, لقينا فيها دقة في فمها وسقطت.
الشيخ: انظر إذا كان هذا من فعلها فليس عليك شيء.
السائل: تقصد أني دعستها بالكفرات؟ الشيخ: نعم.
السائل: لا ما دعستها.
الشيخ: أو مثلاً عندما رجعت بالسيارة للخلف ضربتها؟ السائل: لا ما أدري، لأننا لم نجد فيها شيئاً من الإصابات سوى الذي في فمها.
الشيخ: أجل هذه ما عليك شيء، لكن مع ذلك أنا أوصيك بالاحتراز, انتبه للمستقبل, إذا كان عندك أولاد أو أولاد غيرك لا تحرك السيارة للخلف حتى تجعل شخصاً يستظهر لك ما وراءك.
عموماً ما دام أنك في شك في هذا الأمر فما عليك شيء.(119/9)
حكم شهادات الاستثمار
السؤال
سؤال بالنسبة للصوامع, عندنا أوراق محددة بعشرين شهراً وستة أشهر, فعندما نأتي إلى البنك لصرفها يأخذ منها نسبة بسيطة (3%) أو (4%) بينما أنها تعتبر نقصاً من المال, وأنا اطلعت على فتوى من فضيلتكم بأنها تعتبر ربا, فهذا نقص من مال صاحب المال, المبلغ حقي ناقص لا زيادة فيه، فالبنك طبيعي أنه أخذ دراهم, ولكن أنا بعت شهادة مقدرة بكذا في معدل ثلاثة ريالات أو ما شابه ذلك, فمالي أنا ناقص لا زيادة فيه, لأنه خصم منه مبلغ ثلاثة ريالات؟
الجواب
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبيه وشاهديه) هذه المسألة -بارك الله فيك- إن خصم البنك دراهم فهي حرام وربا ولا شك في ذلك, ولا خلاف في هذا, وإن أعطاك سيارات أو أراضي أو شيء غير الدراهم, فهذه إن احتجت فلا بأس، فمثلاً يكون عندك غرماء يقول: أعطنا حقنا، فلا بأس خذ السيارات بما تتفق أنت وهو عليها ثم بعها على غيره, وإن كنت لا تحتاج فلا تأخذ، تبقى الشهادة حتى يأتي وقتها إن شاء الله.(119/10)
حكم الصلاة في البر والتخلف عن الجماعة
السؤال
ما هو فضل الصلاة في الفلاة -أي: في البر- وهل تفرق عن الجماعة؟
الجواب
لا, الجماعة أفضل بلا شك, لكن إن كان هناك إنسان في فلاة لا يعلم به إلا الله, فكونه إذا دخل الوقت قام وصلى بحيث لا يطلع عليه إلا ربه فهذا دليل على الإخلاص, فتكون صلاة هذا الذي في الفلاة بخمسين صلاة مما لو صلاها منفرداً أمام الناس، وذلك لكمال إخلاصه.(119/11)
حكم التصفيق والتصفير
السؤال
ما حكم التصفيق والتصفير, وأي نوع من التصفير محرم, وما دليل التحريم؟
الجواب
الآن لو أنك قمت تصفق وتصفر ماذا سنقول: هذا مجنون أم عاقل؟!! فما هو سبب التصفيق والتصفير؟ أما إذا كان التصفيق للإنسان الذي تميز عن غيره في النجاح، أو أجاب جواباً صواباً، أو ما أشبه ذلك، فأنا لا أرى فيه بأساً, أما التصفير فأكرهه كراهة ذاتية، ولا أستطيع أن أقول: إنه مكروه كراهة شرعاً, لأنه ليس عندي دليل, وأما قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال وتصفق النساء) فهذا في الصلاة, وأما قوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35] والمكاء: التصفير, والتصدية: التصفيق, فهؤلاء كانوا عند المسجد الحرام يتعبدون الله بذلك, بدل أن يركع ويسجد يصفق ويصفر.
أما إنسان رأى شخصاً تفوق عن غيره وأراد أن يشجعه وصفق فلا أرى في هذا بأساً, أما التصفير فأنا أكرهه كراهة ذاتية, وليس عندي دليل, ولو أن شخصاً طلب مني دليلاً، فلا أستطيع أن أقول: عندي دليل.(119/12)
حكم أخذ أحكام السفر لمن ذهب للدراسة لفترة زمنية محددة
السؤال
أنا من جدة أذهب إلى القصيم لفترة زمنية محددة هي فترة الدراسة أربع سنوات ثم أرجع إلى جدة , هل آخذ نفس حكم المسافر, من قصر الصلاة وترك النوافل؟ الشيخ: إذاً أنت مسافر, ولهذا نجدك حين تنتهي من الدراسة في أيام الإجازة ترجع إلى أهلك, فأنت -فيما نرى- مسافر, لكن يلزمك أن تحضر إلى الجماعة في المساجد, إذا سمعت النداء فأجب.(119/13)
حكم أخذ الثوب والعباءة والبنطال أحكام الإزار
السؤال
ذكر بعض العلماء بياناً لقوله عليه الصلاة والسلام: (إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه) وقالوا: إن الثوب والعباءة لا تدخل في هذا الحديث, وإنما المقصود هي الإزرة أو الإزار وهو ما يشبه لباس أهل اليمن , فهل يعني هذا: أن الثوب والعباءة والبنطال لا يكون لها حكم الإزار من حيث التقصير؟
الجواب
الذي نراه -بارك الله فيك- أنه لا فرق بين الإزار والقميص والسروايل والعباءات, لكننا نرى أنها إذا نزّلت عن منتصف الساق أن الإنسان لا يكون مخالفاً للسنة, من منتصف الساق إلى الكعب كلها سنة, وهذا هو الثابت عن الصحابة رضي الله عنهم, لما حدث الرسول عليه الصلاة والسلام أن: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه.
قال أبو بكر: يا رسول الله! إن أحد شق إزاري يسترخي عليّ إلا أنني أتعاهده) وهذا يدل على أن إزاره إلى قريب الكعب, لأنه لو لم يكن كذلك لكان إذا نزل بدت عورته من فوق.
فعلى كل حال التشديد في هذا الأمر لا ينبغي, فيقال للإنسان: السنة من منتصف الساق إلى الكعب, لكن لا ينزله إلى تحت الكعب.(119/14)
معنى حديث (شرف المؤمن قيامه بالليل)
السؤال
في قوله صلى الله عليه وسلم: (قيام الليل شرف المؤمن) ما معنى هذا الحديث؟
الجواب
لا أعرف هذا الحديث.(119/15)
معنى قوله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)
السؤال
ما معنى قوله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] هل هو الجهاد في القتال, أو طالب العلم كذلك يكون مجاهداً؟
الجواب
الظاهر أن الآية عامة, {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} [العنكبوت:69] هي كقوله: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج:78] المعنى: أنه يجاهد نفسه على الأعمال التي أمر الله بها, حتى وإن لم يكن طالب علم, مثلاً: لو جاهد نفسه على فعل العبادات فهو داخل في الآية.(119/16)
حكم الاستفادة من المسجد القديم إذا كانت الأرضية ملكاً لصاحبها وليست وقفاً
السؤال
شخص بنى مسجداً في أرض هي ملك له, وأصبح يصلي فيه هو وجيرانه, ثم بني مسجد رسمي, فهل يجوز له أن يستفيد من أرض المسجد, علماً بأنها ليست وقفاً ولا نذراً؟
الجواب
إذا اتخذ الإنسان مصلىً في مزرعته يصلي فيه هو ومن حوله, ولكنه ما اعتبره مسجداً إنما هو مصلى يجتمعون فيه, ثم بني حوله مسجد رسمي, فإنهم ينضمون إلى المسجد الذي بني ويكون هذا تبعاً للمزرعة.
أما إذا كان هؤلاء قد جعلوه مسجداً بمعنى: أنهم فتحوا أبوابه للناس كل من جاء صلّى وتقام فيه الصلوات الخمس, فهذا عليه أن ينقل المسجد من هذا المكان إلى المكان الجديد, كما أنه يباع وتجعل قيمته في مسجد آخر، ولا يستفيد منه، لأن الإنسان إذا أوقف مسجداً فلا يجوز له أن يرجع فيه.(119/17)
حكم تأجير البيت لمن علم أنه سيضع عليه دشاً أو شيئاً محرماً
السؤال
إذا كان للإنسان محل استراحة أو بيت, وأتاه مستأجر يعلم أنه سيضع شيئاً محرماً كالدش, فهل يجوز للمؤجر أن يؤجر منه؟
الجواب
إذا كان عند الإنسان بيت أو استراحة أو خيمة وجاء إنسان يستأجرها منه وهو يعرف أنه سيضع فيها هذا الدش الذي دمر العقائد والأخلاق والعادات, فلا يجوز أن يؤجره, أما إذا استأجره على أنه يريد السكنى, والمؤجر لا يعلم، ثم بعد أن سكن وضع فيه الدش فالإجارة صحيحة، لكن إذا تم العقد -أي: إذا تمت المدة- يقول له: إما أن تخرج الدش، أو تخرج أنت.
وبالنسبة للمال فإن حرمت الإجارة فالمال حرام.(119/18)
حكم صلاة أربع ركعات بعد المغرب يومياً
السؤال
أنا أصلي أربع ركعات بعد المغرب تقريباً من عشرين سنة وعمري الآن ستين سنة, وهناك من يقول: إن هذه الأربع الركعات من صلاة الأوابين, والبعض يقول: ما الفائدة منها؟ وهل إذا تركها عليه شيء؟ حيث أني قد رأيت العلماء يصلونها وأنا في الصغر, ثم صليتها أنا, وأسأل ما حكمها، وما فائدتها، وما اسمها؟
الجواب
أما الراتبة فهي ركعتان فقط لا تزيد, أما ما سوى الراتبة فصل ما شئت, لو صليت ست ركعات أو عشر ركعات أو عشرين ركعة, وكلما زدت فهو خير, الراتبة اثنتان فقط، وما عداها لا تجعلها دائماًَ لكن اجعلها نفلاً مطلقاً متى ما شئت ورأيت نفسك قادراً ونشيطاً فصل.(119/19)
درجة حديث: (كذب المنجمون ولو صدقوا)
السؤال
ما صحة هذا الحديث: (كذب المنجمون ولو صدقوا) ؟
الجواب
هذا ليس بصحيح, لكن لا يجوز للإنسان أن يصدق المنجمين.(119/20)
حكم استعمال الإشارة أثناء الكلام عن صفات الله أو أفعاله
السؤال
بعض الناس عندما يتحدث عن صفات الله أو أفعاله يستعمل مع العبارة الإشارة, فهل يليق ذلك به سبحانه وتعالى؟
الجواب
استعمال الإشارة فيما يتعلق بصفات الله, إن كان من حوله عوام فإنه لا يجوز له ذلك؛ لأنهم سوف ينتقلون من التعظيم القلبي إلى التمثيل, إذ أن العامي لا يفرق بين هذا وهذا, أما إذا كان لطلبة العلم فما ورد به النص فلا بأس به, كحديث أبي هريرة وكقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء:58] وما لم يرد به النص فلا يجوز, لأن ما لم يرد به النص لا نعلم كيفيته, فلا يجوز أن نتكلم فيه.
مثل أن يقول: القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن ويشير بين أصابعه، فإن هذا حرام, وذلك لأنه لا يدري كيفية كونها بين إصبعين من أصابع الرحمن, ثم لا يدري أي الإصبعين تكون, فلا يحل أبداً سواء عند العوام أو طلبة العلم, بل يقول: بين إصبعين كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام.(119/21)
حكم قول: اعتمدت عليك بعد الله
السؤال
من المعلوم شرعاً أنه يجوز للإنسان أن يقول: لولا الله ثم الطبيب, فهل يجوز للإنسان أن يقول: اعتمدت عليك بعد الله؟
الجواب
لا بأس أن يقول: اعتمدت عليك بعد الله, ويجب أن تعلم أن قول القائل: لولا الله ثم الطبيب, يجب ألا يعتقد أن الطبيب مساوٍ لله عز وجل, لأن كثيراً من العامة يقول: لولا الله ثم فلان، ولا يفرق بين هذا وبين قوله: لولا الله وفلان، فيجب أن ننتزع من الناس تعظيم الأسباب, وأن نبين لهم أن الواجب أن يتوكلوا على الله وحده, وأن يعتقدوا أن هذا سبب قد ينفع وقد لا ينفع.
أضرب لكم مثلاً: النار بطبيعتها محرقة, وقد أراد أعداء إبراهيم عليه الصلاة والسلام من إلقائهم إياه فيها, أرادوا من ذلك أن يحترق, فهل أحرقته؟ لا, مع أنها سبب محرق لا شك, لكن أي سبب لا يكون إلا بإذن الله عز وجل.
النبي عليه الصلاة والسلام أخبر بأن (الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا الموت) ومع ذلك نجد كثيراً من الناس يستعملها ويموت, لأن الأسباب لا تنفع إلا إذا أراد الله عز وجل نفعه.
فلذلك يجب أن نبين للعوام أنهم حتى لو قالوا: لولا الله ثم الطبيب, فإنه يخشى أن يجعلوا الطبيب الذي هو سبب مثل الرب عز وجل الذي هو خالق السبب سبحانه وتعالى, وأن نوجه الناس إلى أن يعتمدوا على الله سبحانه وتعالى, وأن يعلموا أن هذه الأسباب مجرد أسباب جعلها الله عز وجل, فالفضل كله لله سبحانه وتعالى، والأمر كله لله، لكن مع الأسف أن الناس الآن أكثرهم يعتمدون على الأطباء وعلى الأدوية وعلى المستشفيات وينسون الخالق سبحانه وتعالى, وهذه محنة نسأل الله أن يخلصنا وإياكم منها.
أما التفويض المطلق فهذا لا يجوز إلا لله عز وجل, لكن إن كان في شيء معين فلا بأس, الإنسان -مثلاً- إذا وكل شخصاً يشتري له أو يبيع له فقد اعتمد عليه.(119/22)
حكم الحج عن الغير مقابل مبلغ معين
السؤال
عرض على رجل مبلغ مقابل حجه عن الغير, فهل يجوز له أخذ المبلغ, علماً أنه لولا هذا المبلغ لا ينوي الحج لوجود ظروف مانعة؟
الجواب
إذا أعطي لإنسان مال ليحج به فلا بأس, لا سيما إذا قصد الإنسان بهذا خيراً, كيف يقصد الخير؟ أولاً: قضاء لازم أخيه, لأن كثيراً من الناس يتمنى بكل قلبه أن يجد من يحج عنه وعن ميته -مثلاً-.
ثانياً: أن ينوي بذلك المال الوصول إلى المشاعر المقدسة لعله يصاب برحمة الله عز وجل في ذلك المكان.
ثالثاً: إذا كان طالب علم ينوي بذلك أنه يذهب إلى تلك المشاعر ليهدي الله على يده من شاء من عباده.
وفي هذه النيات الثلاث كلها نيات طيبة لا تضر, أما من حج من أجل المال فهذا هو الخاسر, ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من أخذ المال ليحج به فلا حرج, ومن حج ليأخذ المال فما له في الآخرة من خلاق.
أي: ما له نصيب من الآخرة.
فالذي ينبغي إذا أخذ حجاً عن الغير أن ينوي ما ذكرت له, وإذا كان لا يريد إلا المبلغ، فلا يذهب فهو خاسر.(119/23)
حكم أخذ الحجة لمن عادته الحج
السؤال
صاحب سيارة من عادته أخذ الركاب للحج ويحج معهم, وقد عرضت عليه حجة فهل يأخذ هذه الحجة؟
الجواب
لا بأس, لأن هذا حاج على كل حال.(119/24)
درجة حديث: (اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك)
السؤال
ما صحة حديث: (اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي) عند أذان المغرب؟
الجواب
هذا فيه شيء من الضعف, لكننا لا نرى أن يَدَعَه, لأنه دعاء إن صح الحديث فهذا المطلوب, وإن لم يصح فهو دعاء وثناء على الله.(119/25)
حكم الاستثناء في الحلف بغير إن شاء الله
السؤال
هل يجوز الاستثناء في الحلف بغير إن شاء الله, مثلاً: بإذن الله وبعون الله؟
الجواب
نعم يجوز, بإذن الله مثل بمشيئة الله, لكن بعون الله الظاهر أيضاً أن هذا تفويض لله عز وجل, وإن كانت دون قول القائل: بمشيئة الله أو إن شاء الله, فالأولى أن الإنسان يستثني بقوله: إن شاء الله أو بمشيئة الله, أما بعون الله فقد تعطي تفويض الأمر إلى الله, وقد تعطي أن الإنسان جازم لكن يسأل الله العون, ولهذا نقول: إن الاستثناء بها ضعيف, وأن الإنسان لو حنث في يمينه بمثل هذه العبارة فالاحتياط أن يكفر عن يمينه.(119/26)
حكم بطاقة الهلل للاتصالات
السؤال
أسألكم عن بطاقة الهلل للاتصالات, وصرف الهلل ما حكمها؟
الجواب
لا بأس أن تشترى بخمسين وتبيعها بخمس وخمسين, وكذلك صرف تسعة بعشرة ما فيها بأس.(119/27)
حكم وضع الأموال في بنك إسلامي يشرف عليه علماء
السؤال
هناك بنك إسلامي يدعى بنك فيصل الإسلامي في مصر , ويشرف عليه مجموعة من العلماء, والبعض يشكك في هذا البنك, والبعض ينتصر له, فهل إذا وضع الشخص منا فيه أمواله يكون عليه وزر، أم أن الوزر على العلماء المشرفين عليه؟
الجواب
أنا لا أعرف عن حال هذا البنك شيئاً, ولا أدري عنه, لكني أشير على كل إنسان يكون عنده شك في أي بنك أو في أي شركة أو في أي مؤسسة أن يتجنبها, لأن المسألة خطيرة, إذ أن هذا المال الذي تدخله إذا كسبت منه سوف تأكل وتشرب وتتغذى, فإذا أكلت وشربت وتغذيت بهذا المال وهو محرم كان ذلك من أسباب منع إجابة الدعاء, كما في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر: (الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب ومطعمه حرام, وملبسه حرام, وغذي بالحرام, فأنى يستجاب لذلك) لكن إذا دعت الحاجة لوضعه في البنك لأنك تخشى أن يصرف مثلاً فلا بأس, ضعه للحاجة إلى ذلك وإذا أتاك شيء من مكسبه وهو لم يتظاهر بأنه يرابي فحسابه على الله عز وجل.(119/28)
حكم الاجتماع على قراءة الأذكار بصوت مرتفع
السؤال
يجتمع كثير من الناس على قراءة الأذكار فيما بعد الفجر وقبيل المغرب, مع العلم أن هذه الأذكار مأثورة من الصحيح, فهل يجوز لهم أن يجتمعوا بهذه الطريقة متحلقين يقرءون بصوت مرتفع مع بعضهم البعض؟
الجواب
إن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس بعد صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس -أي: ترتفع وتبيض- ولم يكن يجلس إلى أصحابه من أجل أن يقيموا الذكر والتهليل والتكبير أو ما أشبه ذلك, نعم يجلس الصحابة أحياناً يتذاكرون الإيمان، ولهذا كان يقول بعضهم لبعض: [اجلس بنا نؤمن ساعة] هذا لا بأس به.
أما أن يجلسوا على تكبير أو تسبيح أو تهليل فهذا ليس من السنة, لا سيما إذا صاحبها ما يفعله بعض الناس من هز الرأس والتصفيق أحياناً يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ويصفق، كل هذه من البدع, وهذه دخلت علينا من طرق الصوفية، ولكن الميزان ما أشرت إليه في مقدمة الجواب, وهو أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, ولم يكن من هديه مثل هذا الاجتماع.(119/29)
حكم أخذ الراتب والمكافأة عن طريق البنك
السؤال
هل يجوز للإنسان أن يأخذ مكافأته عن طريق البنك إذا كان طالباً, أو راتبه إن كان موظفاً ونحو ذلك؟
الجواب
نعم لا بأس, مثلاً: لو أن الجهة المسئولة أحالت الموظفين عندها أو الطلاب إلى البنك فلا بأس, لكن لا يقل للبنك: أعطني مائة بدل مائة وعشرين معجلاً كما ذكر الأخ في مسألة الصوامع, بل يأخذ نصيبه كاملاً, ولا حرج عليه في هذا.
وإني أقول لكم: إن معاملة البنوك بما ليس محرماً لا بأس به, مثلاً: لو كان هناك معرض للبنك يبيع فيه السيارات أو المعدات الأخرى أو الأواني أو الفرش واشتريت منهم فلا حرج, لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من اليهود وهم يأكلون السحت ويأخذون الربا, بل مات عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودي, فهذه القاعدة اعرفها: معاملة البنك أو من يتعامل بالربا من غير البنوك على وجه مباح لا بأس بها.(119/30)
حكم شهادات الإيداع ذات العادة المتغيرة
السؤال
ما الحكم فيما يسمى شهادات الإيداع ذات العادة المتغيرة وصورتها: بأن تودع في إحدى هذه البنوك شهادات بمبلغ معين لمدة سنتين, يقوم البنك خلالها بصرف عائد غير محدد عند إصدار هذه الشهادات, وذلك كل ثلاثة شهور, علماً بأنه يمكن للمودع استرداد قيمة هذه الشهادات في أي وقت؟
الجواب
لم أتصور هذه المسألة, لكن على كل حال إذا قال: أعطني دراهم وهذا سند عليّ ثم بعد مدة أعطاك دراهم سواء محددة أو غير محددة فلا نثق بالبنوك, ربما يحدد الفائدة أو بما يسمونه بالفائدة ونحن لا نراها فائدة نحن نراها أنها خسارة, لكنهم يحددون مثلاً يقولون: أعطني مائة ألف وأعطيك مائة وعشرة آلاف بعد سنة, أو يقول: أعطني مائة ألف وأعطيك زيادة غير محددة.
لا ندري هل هذا صحيح أنه باع وتاجر بهذه الدراهم حتى ربحت وأنها سنة تربح وسنة لا تربح, أو أنه أودعها في صندوق وصار يرابي ويلعب بها على الناس مرة يقول: يعطيهم (5%) ومرة (10%) ومرة يقول: لا أعطيكم شيئاً لأنه ما ربح المال, لا ندري, فهذه تعتمد على ثقتنا بالبنك وتصرفه.(119/31)
حكم من صلى خلف مقيم قصراً لعدم علمه بلازم الإتمام
السؤال
إذا دخل مسافر مع أناس مقيمين فصلى معهم الظهر -مثلاً- ركعتين, ثم قام ليصلي العصر ركعتين, ثم علم بالحكم أنه يلزمه أن يصلي مع المقيمين أربع ركعات هل يعيد صلاة الظهر والعصر؟
الجواب
يعيد الصلاة التي صلاها مع الإمام أربعاً؛ لأن من دخل مع إمام متم لزمه الإتمام, سواء أدرك الصلاة من أولها أو أدرك الركعتين الأخيرتين, أما صلاة العصر إذا كان صلاها مع غير الإمام ركعتين فلا يعيدها؛ لأنها وقعت صحيحة، والترتيب شرط فيما لو علم الإنسان بأنه قد فاته شيء ولم يصله قبل الحاضرة, أما الآن فقد صلّى العصر بناءًَ على أن صلاة الظهر صحيحة فهو صلاها في وقتها.(119/32)
حكم من نطق بالشهادتين قبل لحظات الموت
السؤال
هذا نصراني أسلم قبل لحظات من موته ونطق بالشهادتين, فقال له شخص آخر: إنه لم يسلم لأنه لم يعمل، ومن قال بإسلامه فهو على عقيدة المرجئة , فقال الأول: فمالك في قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمه يأمره بالشهادة وهو على فراش الموت, وأيضاً حديث: (هل شققت على قلبه) فقال الثاني: ومالك بقصة فرعون مع غرقه؟
الجواب
إذا تاب الإنسان قَبْلَ أن يغرغر قَبِلَ الله توبته, هكذا جاء في النصوص, وأما أن هذا قول المرجئة، فـ المرجئة عندما يقولون: إن العاصي الذي أسلم من قبل وكان يعصي الله عز وجل بغير كفر مؤمن كامل الإيمان, ولا تضره هذه المعصية, لكن هذا الرجل ما عمل معصية إطلاقاً بل شهد أن لا إله إلا الله ثم توفي, فيكون هذا هو منتهى كمال إيمانه, ولهذا جاء في الحديث: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) ولا يخفى علينا قصة الأصيرم رجل من بني عبد الأشهل كان منابذاً للنبي عليه الصلاة والسلام, كارهاً لدعوته, فلما سمع بغزوة أحد ألقى الله في قلبه الإسلام وخرج, فلما خرج وحصل ما حصل للمسلمين, وذهب الناس يتفقدون موتاهم فوجدوا هذا الرجل في آخر رمق، فقالوا: ما الذي جاء بك؟ ألست ضد هذا الأمر؟ هل جئت حدباً على قومك، أم رغبة في الإسلام؟ قال: بل رغبة في الإسلام, وأوصاهم أن يبلغوا السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام -فيما يحضرني الآن- أنه من أهل الجنة, فالأعمال بالخواتيم, أحسن الله لنا ولكم الخاتمة.(119/33)
لقاء الباب المفتوح [120]
في هذه المادة تحدث الشيخ عن الظن، وحذر من ظن السوء، ثم انتقل إلى التجسس على المسلمين وبين حرمة ذلك في دين الله، وبين معنى الغيبة وما يحرم وما يجوز فيها، ثم أجاب عن أسئلة تتعلق بموضوع المادة، وأسئلة فقهية أخرى.(120/1)
تفسير آيات من سورة الحجرات
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء العشرون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بالباب المفتوح والتي تتم كل خميس من كل أسبوع, وهذا هو الخميس الثاني من شهر ذي القعدة عام (1416هـ) .
نبدأ هذا اللقاء بالكلام بما يسره الله عز وجل من تفسير سورة الحجرات.(120/2)
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن)
قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] .
تصدير الخطاب بـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يدل على العناية به, ولهذا روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: [إذا سمعت الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فأرعها سمعك؛ فإما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه] وإما خبر تحصل به العبرة والاتعاظ, كما قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف:111] .
يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ) الظن: هو أن يكون لدى الإنسان احتمالان يترجح أحدهما على الآخر, وهنا عبر الله تعالى: (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ) ولم يقل: اجتنبوا الظن كله, لأن الظن ينقسم إلى قسمين: 1- القسم الأول: ظن خير للإنسان، وهذا مطلوب أن تظن بإخوانك خيراً ما داموا أهلاً لذلك, وهو المسلم الذي ظاهره العدالة, فإن هذا يظن به خيراً, ويثنى عليه بما ظهر لنا من إسلامه وأعماله.
2- القسم الثاني: ظن السوء، وهذا يحرم بالنسبة للمسلم الذي ظاهره العدالة، فإنه لا يحل لأحد أن يظن به ظن السوء, كما صرح بذلك العلماء, فقالوا رحمهم الله: يحرم ظن السوء بمسلم ظاهره العدالة.
والثاني: ظن سوء بمن قامت القرينة على أنه أهلٌ لذلك, فهذا لا حرج على الإنسان أن يظن السوء به, ولهذا من الأمثال المضروبة المشهورة السائرة: احترسوا من الناس بسوء الظن, ولكن هذا ليس على إطلاقه كما هو معلوم, وإنما المراد: احترسوا من الناس الذين هم أهل لظن السوء فلا تثقوا بهم.
المهم أن الإنسان لا بد أن يقع في قلبه شيء من الظن بأحد من الناس, بقرائن تحتف بذلك, إما لظهور علامات في وجهه يظهر من وجهه العبوس والكراهية لمقابلته أو ما أشبه ذلك, أو من أحواله التي يعرفها الإنسان منه, أو من أقوال تصدر منه, فيظن به ظن السوء, وهذا إذا قامت القرينة على وجوده فلا حرج على الإنسان من أن يظن به ظن السوء.
فإذا سئل: أيهما أكثر: الظن المنهي عنه أو الظن المباح؟ قلنا: الظن المباح أكثر, لأنه يشمل نوعاً كاملاً من أنواع الظن, وهو ظن الخير, ويشمل كثيراً من ظن السوء؛ لأنه إذا لم يكن هناك قرينة تدل على هذا الظن السيئ فإنه لا يجوز للإنسان أن يتصف بهذا الظن, ولهذا قال: (كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ) ولم يقل: أكثر الظن ولا كل الظن, بل قال: (كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ) .
ثم قال: (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) وقد توحي هذه الجملة بأن أكثر الظن ليس بإثم, وهو منطبق تماماً على ما بيناه وقسمناه, أن الظن نوعان: ظن خير وظن سوء, ثم ظن السوء لا يجوز إلا إذا قامت القرينة على وجودها, ولذا قال: (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) فما هو الظن الذي ليس بإثم؟ هو ظن الخير، وظن السوء الذي قامت عليه القرينة هذا ليس بإثم؛ لأن ظن الخير هذا هو الأصل, وظن السوء الذي قامت عليه القرينة هذا أيضاً عينته القرينة.(120/3)
تفسير قوله تعالى: (ولا تجسسوا)
قال تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات:12] (التجسس) طلب المعايب من الغير.
أي: أن الإنسان ينظر ويتنصت ويتسمع لعله يسمع شراً من أخيه, أو لعله ينظر سوءاً من أخيه, والذي ينبغي للإنسان أن يعرض عن معايب الناس وألا يحرص على الاطلاع عليها, ولهذا روي من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال عليه الصلاة والسلام: (لا يخبرني أحد عن أحد شيئاً -أي: شيء مما يوجب ظن السوء- فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر) فلا ينبغي للإنسان أن يتجسس, بل يأخذ الناس على ظاهرهم ما لم يكن هناك قرينة تدل على خلاف ذلك الظاهر, وفي هذه الجملة من الآية قراءة أخرى: (تحسسوا) فقيل معناهما واحد, وقيل: لكل واحدة منهما معنى, فالتجسس: أن يحاول الإنسان الاطلاع على العيب بنفسه.
والتحسس: أن يلتمسه من غيره.
فيقول للناس -مثلاً-: ماذا تقولون في فلان؟ وعلى هذا فتكون القراءتان مبينتين لمعنيين كليهما مما نهى الله عنه.
التجسس: أن يحاول الاطلاع على معايب الناس بنفسه.
والتحسس: أن يحاول الاطلاع على معايب الناس من غيره، فيقول -مثلاً-: ما تقولون في فلان، أو ما سمعتم عن فلان يطلب بذلك معايبه, لما في هذا من إشغال النفس بمعايب الآخرين, وكون الإنسان ليس له هم إلا أن يطلع على المعايب, ولهذا من ابتلي بذلك -أي: بالتجسس أو بالتحسس- تجده في الحقيقة قلقاً دائماً في حياته, وينشغل بعيوب الناس عن عيوبه, ولا يهتم بنفسه, وهذا يوجد كثيراً من بعض الناس الذين يأتون إلى فلان وإلى فلان: ما تقول في كذا وما تقول في كذا فتجد أوقاتهم ضائعة بلا فائدة, بل ضائعة بمضرة؛ لأن ما وقعوا فيه فهو معصية لله عز وجل, هل أنت وكيل عن الله عز وجل تبحث عن معايب عباده؟ العاقل هو الذي يتحسس عن معايب نفسه؛ ليصلحها, لا أن ينظر إلى معايب الغير ليشيعها والعياذ بالله, ولهذا قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:19] .
هذه آداب وتوجيه من الله عز وجل إلى الأخلاق الفاضلة, أخلاق مأمور بها وأخلاق منهي عنها.(120/4)
تفسير قوله تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضاً)
قال تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] الغيبة فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ذكرك أخاك بما يكره) وهذا تفسير من الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أعلم الناس بمراد الله تبارك وتعالى في كلامه (ذكرك أخاك بما يكره) سواء كان ذلك في خلقته، أو في خلقه أو أحواله، أو عقله أو في ذكائه أو غير ذلك, المهم أن تذكره بما يكره, سواء في خلقته مثل أن تقول: فلان قبيح المنظر دميم، وفيه كذا وكذا تريد معايب جسمه.
أو في خُلُقه، كأن تقول: فلان أحمق, سريع الغضب, سيئ التصرف, وما أشبه ذلك.
أو في خلقته الباطنة كأن تقول: فلان بليد, فلان لا يفهم, فلان سيئ الحفظ, وما أشبهها, ورسول الله صلى الله عليه وسلم حدها بحد واضحٍ بين: (ذكرك أخاك بما يكره, قالوا: يا رسول الله! أرأيت إن كان فيه ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته, وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) أي: جمعت بين البهتان والغيبة.
وعلى هذا فيجب الكف عن ذكر الناس بما يكرهون, سواء كان ذلك فيهم أو ليس فيهم, واعلم أنك إذا نشرت عيوب أخيك فإن الله سيسلط عليك من ينشر عيوبك (جزاء وفاقا) لا تظن الله غافلاً عما يعمل الظالمون, بل سيسلط عليه من يعامله بمثل ما يعامل الناس.
لكن إذا كانت الغيبة للمصلحة فلا بأس بها ولا حرج فيها, ولهذا لما جاءت فاطمة بنت قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستشيره في رجال خطبوها, بين معايب من يرى أن فيه عيباً, فقد خطبها ثلاثة: معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه, وأبو جهم بن الحارث , وأسامة بن زيد , فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (أما معاوية فصعلوك لا مال له, وأما أبو جهم فضراب للنساء, أنكحي أسامة بن زيد) فذكر النبي صلى الله عليه وسلم عيباً في هذين الرجلين للنصيحة وبيان الحق, ولا يعد هذا غيبة بلا شك, ولهذا لو جاء إنسان يستشيرك في معاملة رجل قال: فلان يريد أن يعاملني ببيع أو شراء أو إجارة أو تريد تزويج من خطب ابنته أو ما أشبه ذلك وأنت تعرف فيه عيباً فإن الواجب عليك أن تبين له ذلك, ولا يعد هذا كما يقول العامة: من قطع الرزق, بل هو من بيان الحق, فإذا عرفت أن في هذا الرجل الذي يريد أن يعامله هذا الشخص ببيع أنه مماطل كذاب محتال فقل له: يا أخي! لا تبع لهذا إنه مماطل إنه محتال إنه كذاب, ربما يدعي أن في السلعة عيباً وليس فيها عيب, وربما يدعي الغبن وليس مغبوناً, وما أشبه ذلك, فتقع معه في صراع ومخاصمة، إنسان جاء ليستشيرك في شخص خطب منه ابنته, والشخص ظاهره العدالة والاستقامة وحسن الخلق, ولكنك تعرف فيه خصلة معيبة فيجب عليك أن تبين هذا, مثلاً: تعرف أن في هذا الرجل كذباً, تعرف أنه يشرب دخاناً لكنه يجحده ولا يبينه للناس, يجب أن تبين وتقول: هذا الرجل ظاهره أنه مستقيم وخلوق وطيب ولكن فيه العيب الفلاني, حتى لو كان هذا متجهاً إلى أن يزوجه بين له العيب, ثم هو بعد ذلك بالخيار؛ لأنه سيدخل على بصيرة.
فعلى كل حال: يستثنى من الغيبة: إذا كان على سبيل النصيحة, وذكرنا دليل ذلك من السنة, فهل هناك دليل من عمل العلماء؟ نعم هناك دليل, ارجع إلى كتب الرجال -مثلاً- تجده مثلاً يقول: فلان بن فلان سيء الحفظ, فلان بن فلان كذوب, فلان بن فلان فيه كذا وكذا, فيذكرون ما يكره من أوصافه نصيحة لله ورسوله, فإذا كان الغرض من ذكر أخيك بما يكره النصيحة فلا بأس.
كذلك لو كان الغرض من ذلك: التظلم والتشكي فإن ذلك لا بأس به, مثل: أن يظلمك الرجل، وتأتي إلى شخص يستطيع أن يزيل هذه المظلمة فتقول: فلان أخذ مالي, فلان جحد حقي, وما أشبه ذلك فلا بأس, فإن هند بن عتبة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها أبا سفيان , تقول: (إنه رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي, فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) فذكرت وصفاً يكرهه أبو سفيان , ولكنه من التظلم والتشكي, وقد قال الله تعالى في كتابه: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء:148] أي: فله أن يجهر بالسوء من القول لإزالة مظلمته, ولكن هل يجوز مثل هذا إذا كان قصد الإنسان أن يخفف عليه وطأة الحزن والألم الذي في قلبه بحيث يحكي الحال التي حصلت على صديق له, صديقه لا يمكن أن يزيل هذه المظلمة لكنه يفرج عنه، أم لا يجوز؟ الظاهر أنه يجوز, لعموم قوله تعالى: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} وهذا يقع كثيراً, كثيراً ما يؤذى الإنسان ويجنى عليه بجحد مال أو أخذ مال أو ما أشبه ذلك, فيأتي الرجل إلى صديقه ويقول: فلان قال في كذا قال في كذا يريد أن يبرد ما في قلبه من الألم والحسرة, أو يتكلم في ذلك مع أولاده أو مع أهله أو مع زوجته أو ما أشبه ذلك, هذا لا بأس به؛ لأن الظالم ليس له حرمة بالنسبة للمظلوم.(120/5)
الأسئلة(120/6)
الطريقة السليمة في الاستنابة في الحج
السؤال
توسع الناس في الاستنابة في الحج, فما هي الطريقة السليمة أرجو بيان ذلك بوضوح؟
الجواب
توسع الناس في الاستنابة في الحج أمر يؤسف له في الواقع, وقد يكون غير صحيح شرعاً, وذلك أن الاستنابة في النفل في جوازها روايتان عن الإمام أحمد , رواية: أن الإنسان لا يجوز أن يستنيب أحداً في النفل أن يحج عنه أو يعتمر عنه, سواء كان مريضاً أو صحيحاً.
وما أجدر هذه الرواية بالصحة والقوة؛ لأن العبادات يطلب من المكلف أن يقوم بها بنفسه, حتى يحصل له من العبادة والتذلل لله تعالى ما يحصل, وأنت ترى الفرق بين إنسان يحج بنفسه وإنسان يعطي دراهم ليحج عنه، الثاني ليس له حظ من العبادة في إصلاح قلبه وتذلله لله عز وجل, وكأنها عقد صفقة بيع وكّل فيها من يشتري له أو يبيع له.
وإن كان مريضاً وأراد أن يستنيب في النفل، فيقال: هذا لم تأتِ به السنة وإنما جاءت السنة بالاستنابة في الفرض فقط, والفرق بين الفرض والنفل: أن الفرض أمر لازم على الإنسان، فإذا لم يستطع هو بنفسه وكّل من يحج عنه أو يعتمر, لكن النفل ليس بواجب, فيقال: ما دمت مريضاً وأديت الفريضة فاحمد الله على ذلك, وابذل المال الذي تريد أن تعطيه من يحج عنك أو يعتمر, ابذله في مصارف أخرى, أعن إنساناً فقيراً لم يحج الفرض أعنه بهذا المال فهو خير لك من أن تقول: خذ هذا حج به عني, وإن كنت مريضاً.
أما الفرض فالناس -والحمد لله- لم يتهاونوا به, لا تكاد تجد أحداً يوكل عنه من يحج الفريضة إلا وهو غير قادر, وهذا جاءت به السنة كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما, أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت (يا رسول الله! إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم, حجي عنه) .
والخلاصة: أن الاستنابة في النفل فيها روايتان عن الإمام أحمد , إحداهما: أنها لا تصح الاستنابة, والراوية الثانية: أنها تصح الاستنابة من القادر وغير القادر.
والأقرب إلى الصواب لا شك عندي: أن الاستنابة في النفل لا تصح لا للعاجز ولا للقادر, وأما الفريضة للعاجز الذي لا يرجو زوال عجزه فقد جاءت به السنة.(120/7)
الكلام في أهل البدع هل هو من باب الغيبة؟
السؤال
الكلام في أهل البدع, مثل أن يقال مثلاً: أنهم يؤولون الآيات والأحاديث, ويقولون: يفعلون كذا وكذا أيعتبر هذا غيبة إذا كان بين الطلبة؟
الجواب
الكلام في أهل البدع ومن عندهم أفكار غير سليمة أو منهج غير مستقيم، هذا من النصيحة وليس من الغيبة, بل هو من النصيحة لله ولكتابه ولرسوله وللمسلمين, فإذا رأينا أحداً مبتدعاً ينشر بدعته, فعلينا أن نبين أنه مبتدع حتى يسلم الناس من شره, وإذا رأينا شخصاً عنده أفكار تخالف ما كان عليه السلف فعلينا أن نبين ذلك حتى لا يغتر الناس به, وإذا رأينا إنساناً له منهج معين عواقبه سيئة علينا أن نبين ذلك حتى يسلم الناس من شره, وهذا من باب النصيحة لله ولكتابه ورسوله ولأئمة والمسلمين وعامتهم.
وسواء كان الكلام في أهل البدع فيما بين الطلبة أو في المجالس الأخرى فليس بغيبة, وما دمنا نخشى من انتشار هذه البدعة أو هذا الفكر أو هذا المنهج المخالف لمنهج السلف يجب علينا أن نبين حتى لا يغتر الناس بذلك.(120/8)
حكم إنساب الفتاوى إلى غير أصحابها
السؤال
كثير من الناس ينسب بعض الأقوال إلى بعض أهل العلم, وإذا كان هذا العالم ممن كلامه مقبول بين الناس, فأحدهم قال: إنه يجوز للإنسان أن يرى مباراة بظهور أفخاذ الرجال في التلفاز وقال: العالم الفلاني ذلك, فما موقف الإنسان من هذا الرجل الذي يثير الكلام على العلماء؟
الجواب
هذه المسألة كما تفضلت توجد كثيراً من بعض الناس لأسباب متعددة, لكن أولاً: ننصح من سمع عن أي أحد من العلماء شيئاً يستنكره, فالواجب أن يتصل بالعالم ويقول: بلغني عنك كذا وكذا هل هذا صحيح أم لا؟! إما أن يكون صحيحاً فيقول: نعم قلت ذلك, حينئذٍ تكون المناقشة بين السائل والعالم, أو يقول: هذا كذب ولم أقله, فإذا قال: هذا كذب ولم أقله، فعلى الذي سمع من شخص هذا القول الذي أنكره العالم أن يتصل بالذي نقل عن العالم هذا القول, ويقول: إنني سألته وأنكر هذا, حتى لا يبثه بين الناس, وكذلك أيضاً يبين للذي نقل عن العالم أن هذا غير صحيح, وأما إذا كان صحيحاً وناقشه فسوف يتبين للمناقش الحق مما يقوله العالم.
ثانياً: بالنسبة لهؤلاء الذين ينقلون أولاً عن العلماء الذين تقبل فتواهم, ويثق الناس بهم, هؤلاء ينقسمون إلى أقسام: منهم سيئ القصد, يريد أن يضل الناس ولا يجد سبيلاً إلا إذا نسب هذه المقالة إلى عالم يرتضيه الناس, فيشيع هذا عن العالم الفلاني, مثل أن يقول: قال فلان بأن حجاب المرأة وجهها عن الأجانب ليس بواجب, فيشيعه لأنه يريد ألا تستر المرأة وجهها, لكن لو قال: إني قلت أنا أو قال فلان ممن لا يوثق به ما قبل, فينسبه إلى عالم يقبل قوله, فيكون هذا الناقل عن العالم غرضه إثبات القول.
ثانياً: أن يكون غرضه سيئاً بالنسبة للعالم الذي نسب القول إليه, حتى يشوه سمعته بين الناس, ويقول: هذا العالم يقول كذا وكذا كيف يصدق؟ كيف يوثق بقوله؟ وما أشبه ذلك, ومعلوم أن الناس إذا رأوا قولاً شاذاً منكراً أن ثقتهم سوف تهبط بهذا العالم.
إذاً هذا الناقل عن العالم, إما أن يكون قصده على الوجه الأول: إثبات ما يريده من القول السيئ, وإما أن يكون مراده تشويه سمعة العالم حتى لا يثق الناس به.
ثالثاً: قد ينقل الإنسان القول عن العالم وهو صادق, لكن أخطأ هذا الناقل بعرض السؤال على العالم, فعرض السؤال على وجه فهم منه العالم غير ما أراده هذا السائل, لأنه لم يحسن التعبير مثلاً, ومعلوم أن العالم سوف يفتي بحسب ما سمع, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أقضي بنحو ما أسمع) فينقل الإنسان عن هذا العالم نقلاً خطأً بناءً على سؤاله حيث عرضه على العالم على وجه غير سليم.
رابعاً: أن يعرض على العالم السؤال ويجيب العالم حسب السؤال, لكن الناقل يفهم الجواب خطأً, فيكون الخطأ في فهم السائل لا في عرضه للسؤال, بل الخطأ في فهمه للجواب, فينقل الجواب من العالم على حسب ما فهمه، فيحصل بذلك الخطأ.
فهذه أربعة أشياء كلها من أسباب النقل عن العلماء.
ولهذا قلت لك في الأول: إذا نقل عن عالم يوثق بعلمه قولاً ينكره الإنسان فالواجب الاتصال بهذا العالم والتفاهم معه.(120/9)
حكم خروج الحاج من الحرم في أيام التشريق
السؤال
شخص حاج يخرج في الشرائع خارج الحرم في أيام التشريق يزور قريباً له, فيمكث عدة ساعات ويرجع؟
الجواب
لا حرج في هذا لو خرج حاج في أثناء الحج إلى خارج الحرم فلا بأس عليه, لكنه إذا كان قبل التحلل الأول فهو باقٍ على إحرامه, وإن كان بعد التحلل الأول والثاني فمعروف أنه جائز, يجوز له حتى جماع امرأته، وإن كان بين التحليلين جاز له كل شيء إلا النساء.(120/10)
حكم العمل في حراسة البنوك الربوية
السؤال
رجل يسأل وهو يعمل في المصرف المركزي للدولة, وكما لا يخفى عليكم أن وظيفة المصرف المركزي هو صك الأموال اللازمة للدولة, تجمع أموال البنوك الربوية وتخزينها لديهم مع قيامهم بالمعاملات الربوية, فهذا الرجل يعمل في الحراسة والحماية, فما حكم وظيفته؟
الجواب
أما إذا كان باختياره وهو الذي ذهب وطلب أن يكون حارساً لهذا البنك المركزي الذي يتعامل بالربا فهذا لا يجوز؛ لأن طلبه أن يكون حافظاً لهذا البنك يعني: رضاه به وبمعاملته, أما إذا كان مسخراً من غيره، مثل: الشرطة والجنود الذين يوجهون إلى حماية هذه الأماكن فإنه لا شيء عليه, لأنه لم يرض لكن عمله يقتضي ذلك.(120/11)
عقيدة أهل السنة والجماعة في حكم قاتل نفسه
السؤال
من المعلوم أن عقيدة أهل السنة والجماعة: أن العاصي إذا دخل النار لا يخلد, لكن ما الجواب عن ما ورد في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده.
في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) ؟
الجواب
هذا إشكال, من المعلوم أن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن من دخل النار بذنب دون الكفر فإنه لا يخلد فيها, وقتل النفس ذنب دون الكفر, فما الجواب عما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن من قتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) حيث ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام التأبيد, والجواب على هذا من أحد وجهين: إما ألا تصح كلمة أبداً عن النبي عليه الصلاة والسلام وأن تكون كلفظ الآية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} [النساء:93] وليس فيها التأبيد, ويكون المراد بالخلود هنا: المكث الطويل.
وإما أن يقال: إن هذا مستثنى ممن يخلد في النار وليس من أهل الكفر, هذا إذا صحت هذه الكلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا يبعد لأن الإنسان الذي يقتل نفسه -والعياذ بالله- قد يكون قلبه منسلخاً من الإيمان, أي: لا يقتل نفسه إلا فراراً من قدر الله, وعدم الصبر على قدر الله عز وجل فقد يكون قلبه في تلك اللحظة منسلخاً من الإيمان, كما جاء في الحديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) .
فالجواب عندي على أحد وجهين: 1- إما أن يقال: إن كلمة أبداًَ لم تصح, فيكون لفظ الحديث خالداً مطابقاً للفظ الآية.
2- وإما أن يقال إن هذا مستثنى.
لكن ظاهر مذهب أهل السنة: أن الأبدية هنا لا تصح عن النبي عليه الصلاة والسلام.(120/12)
التحذير من غيبة ولاة الأمر
السؤال
كثرت في هذه الأزمان غيبة ولاة الأمور فما حكم غيبة الحاكم الذي لم يحكم بما أنزل الله؟
الجواب
غيبة ولاة الأمور محرمة من وجهين: الوجه الأول: أنها غيبة مسلم، وقد قال الله تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] .
الوجه الثاني: أن غيبة ولاة الأمور يترتب عليها من الشرور والفساد ما لا يترتب على غيبة الرجل العادي؛ لأن الرجل العادي إذا اغتيب فإنما عيبه على نفسه, لكن ولي الأمر إذا اغتيب لزم من ذلك كراهة الناس له, وتمردهم عليه, وعدم تقبل توجيهاته وأوامره, وهذه مضرة عظيمة توجب الفوضى، وربما يصل الحال إلى القتال فيما بين الناس.
وأما من لم يحكم بما أنزل الله, فيقال: ينكر الحكم بغير ما أنزل الله, ولا ينكر علناً؛ لأنه لا فائدة من إنكاره علناً وإنما ينكر على الحاكم نفسه, ويكتب إليه بذلك, فإن كان الإنسان يستطيع أن يصل إلى الحاكم بنفسه فهذا المطلوب, وإلا كتب النصيحة وأعطاها من يوصلها إلى الحاكم.(120/13)
حكم حلق رأس الغلام المولود
السؤال
ما السنة في المولود، فإننا نسمع سنناً فلا ندري ما صحتها, مثل: حلق رأسه؟
الجواب
حلق رأس الغلام في اليوم السابع سنة، جاء به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يحلق ويتصدق بوزنه ورقاً) أي: فضة, لكن بشرط أن يكون هناك حالق حاذق, لا يجرح الرأس, ولا يحصل فيه مضرة على الطفل, فإن لم يوجد فأرى ألا يحلق وأن يتصدق بشيء يكون وزن شعره من الفضة.(120/14)
واقع المسلمين سبب في صد الناس عن الإسلام
السؤال
رجل يسمع عن الإسلام وهو غير مسلم, ويعرف أن الإسلام يدعو إلى التوحيد وأن هناك إلهاً واحداً, ولكن يرى من ظاهر المسلمين -هذا ما يصل إليه- أنهم شرسون وأنهم قتالون وأن نبيهم هكذا, ولكنه يؤمن بأن هناك إلهاً واحداً, فما جزاء هذا الإنسان يوم القيامة؟
الجواب
هذا كافر, ما دام أنه لم يؤمن بالرسول عليه الصلاة والسلام فهو كافر, والواجب على من أراد الإسلام حقيقة -أي: إرادة حقيقية- أن ينظر في تعاليم الإسلام, وتوجيهات الإسلام لا في المسلمين؛ لأن المسلمين عندهم معاصٍ متنوعة, حتى إن بعضهم عنده الشرك الأكبر وهو دعاؤه لغير الله, تحقيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (لتركبن سنن من كان قبلكم, حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) وجحر الضب معروف أنه متعرج ليس مستقيماً, حتى لو دخلوا هذا الجحر الضيق المتعرج الذي ليس بمستقيم لدخلتموه, فالواجب أن الإنسان الذي يريد حقاً أن يصل إلى الإيمان بالله عز وجل أن ينظر إلى الإسلام نفسه لا إلى المسلمين.
أما المسلمون فكما ترى الآن, فيهم الكذب والغش والزنا واللواط والسرقة والربا والشرك والعدوان بلا حق ولا ينبغي لهؤلاء, ثم هذه الأوصاف أيضاً ليست عامة لكل المسلمين بل في أناس مسلمين ربما لا يصادف هذا الرجل إلا من تخلق بمثل هذه الأخلاق, وتكون الطائفة المنصورة السليمة في جهة أخرى لا يدري عنها هذا الرجل, والواجب كما قلت وأكرر: إن على الإنسان أن ينظر إلى تعاليم الإسلام فقط لا إلى المسلمين.(120/15)
حكم الزكاة على المال المقروض
السؤال
شخص سلف شخصاً آخر عشرة آلاف ريال وحال عليها الحول هل تجب عليها الزكاة على المسلف أو الدائن؟
الجواب
إذا كان الذي استسلفها غنياً بحيث يسلمها للمقرض في أي ساعة من طلبها فعليها زكاة, لأن هذه كالدراهم التي في الصندوق متى شاء أخذها, وإن كان فقيراً فلا زكاة عليه, لكن إذا قبضها فمن العلماء من يقول: يزكيها لما مضى, ومنهم من يقول: يزكيها سنة واحدة مما مضى, ومنهم من يقول: يبتدئ بها حولاً جديداً, والاحتياط: أن يزكيها لسنة واحدة مما مضى, يعني: إذا مضى عليها عشر سنوات يزكيها مرة واحدة.(120/16)
فضل صيام العشر الأوائل من ذي الحجة
السؤال
هل ورد حديث في فضل صيام أيام الحج لغير الحاج؟
الجواب
نعم.
صوم يوم عرفة قال النبي عليه الصلاة والسلام في صومه: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده) هذا يوم عرفة.
أيضاً: صوم تسع ذي الحجة كلها، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) ولا شك أن الصوم من العمل الصالح.(120/17)
حكم صلاة الغائب على الميت في بلاد المسلمين
السؤال
رجل توفي له أحد أقاربه في جدة وغسلوه وصلوا عليه, ويبعد عن المنطقة نحو (250كم) ولم يحضر خاله, فصلوا صلاة الغائب على الميت, بينما مات أناس كثيرون لم يصلوا عليهم, هل ننكر عليه ونقول: إنه لازم؟ فهل يكون فعله صحيحاً بدليل صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على النجاشي؟
الجواب
نقول له بهدوء: أعندك دليل على هذا؟ إذا قال عندي دليل وهي صلاة النجاشي , نقول: النجاشي ملك في الحبشة , قائد مات في بلد غير إسلامي, لم يعلم أنه صلي عليه فصلى عليه النبي عليه الصلاة والسلام, لكن ألم يمت أناس كثيرون في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام في غير المدينة وما صلّى عليهم؟ سيقول: بلى, إذاً: كيف تصلي أنت على هؤلاء؟ ثم إن الصلاة على خالك أو قريبك في مجتمع الناس بدون إذن ولي الأمر خطأ, صلِّ عليه في بيتك مع أهلك كما تحب, لكن تفرض هذا على المسلمين الذين وراءك ليس بصحيح, قد يكون بعضهم يكره خالك, ولا يرى له فضلاً حتى يصلي عليه صلاة الغائب, فنحن نقول: صلاة الغائب لم تثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا عن الصحابة, ولم تحصل إلا في قضية واحدة معينة وهي الصلاة على النجاشي , والنجاشي كما قلت لك له ميزة لم تكن لغيره, ثم هو في بلد كفر, يعني الحبشة في ذلك الوقت ما أسلموا, فمن قال: إنه قد صلي عليه وأنه بعد ذلك صلّى عليه صلاة الغائب.
فإن هدى الله هذا الرجل بهذا فهذا المطلوب, وإلا قيل له: اكتب كتاباً إلى دار الإفتاء واستفتهم في ذلك.
السائل: هل ينتفع بصلاة الغائب هذا؟ الجواب: إذا صارت مشروعة ينتفع بها, وإن لم تكن مشروعة فلا ينتفع بها.(120/18)
مسألة في البيع والشراء
السؤال
رجل أوصى رجلاً آخر أن يشتري له جهازاً إلكترونياً من أجل تحديد الاتجاهات, فذهب هذا الشخص واشتراها بمائة وخمسين ريالاً, فأتى وباعها على الشخص الثاني الذي أوصاه بمائتي ريال, ما حكم هذا يا شيخ؟
الجواب
لا تحل له الخمسون, الخمسون الزائدة حرام عليه, لأنه وكيل, ولقد اشتراها بنية لمن وكله, فالواجب عليه الآن -لو تقول له: جزاك الله خيراً- أن يرد الخمسين إلى من اشتراها له أو يستسمحه.(120/19)
حكم قراءة الفاتحة من غير تدبر في الصلاة
السؤال
يعرض الشيطان للإنسان في صلاته كثيراً, ومنها في أوقات قراءة الفاتحة والتشهد, فإذا تأكد المصلي أنه قرأ الفاتحة حتى يصل إلى نهايتها, أو في آخر التشهد, فانتبه أنه قرأ الفاتحة من غير تدبر, هل يعيد الفاتحة أم لا يعيدها؟
الجواب
لا يعيدها, إذا غفل الإنسان عن الصلاة بالوساوس والهواجيس فإنه لا يعيد ما فاته؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر بأن: الشيطان يأتي للإنسان في صلاته ويقول: اذكر كذا اذكر كذا فيصلي ولا يدري ما صلّى.
ولو قلنا: بأنه يعيد لكان الشيطان يتسلط عليه في الإعادة, ثم نقول: أعد ثانية وثالثة ورابعة، لكن على الإنسان أن يحاول ما استطاع أن يحضر قلبه في صلاته؛ لأن حضور القلب في الصلاة هو لب الصلاة, الذي يصلي وقلبه غير حاضر ما هو إلا آلة متحركة فقط.(120/20)
مسألة التحاكم إلى الطاغوت
السؤال
هناك أحد الأفاضل من أهل العقيدة الصحيحة والمنهج الصحيح -والحمد لله- استدل بآيات من سورة النساء أعرض عليك استدلاله إن شاء الله, في قوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء:60] إلى آخر الآيات, يقول: إن هذه الآيات تحدد منهجاً في الذين يتحاكمون إلى غير شريعة الله عز وجل وهم بلسانهم يعتذرون باعتذارات هي في ذاتها باللسان, أما الحقيقة في القلب فهي خلاف ذلك, فمن ناحية الفعل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} [النساء:61] لكن ما صدودهم؟ إذا كلمناهم ما صرحوا بعقيدتهم الفاسدة ولكن تلونوا واعتذروا: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} [النساء:62] وهؤلاء الذين علم الله ما في قلوبهم ومع ذلك لم يأمرنا بقتلهم, ومع ذلك لو كانوا كفاراً لجاء حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) فقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} [النساء:63] فهذا يدلنا في قوله على أن من تحاكم بغير شريعة الله وصرح بأن حكم الله هو الحق وما دونه باطل فموقفنا معه الإعراض والنصيحة وليس التكفير والقتل, هذا الاستدلال فهل صحيح من هذه الآيات؟
الجواب
هذه الآيات يظهر من سياقها أنها نزلت في المنافقين, الذين يظهرون أنهم مسلمون ولكنهم لا يؤمنون بالإسلام, وإنما يضمرون الكفر, فمن كانت هذه حاله فلا شك أنه داخل في المنافقين, وإنما لم يأمر الله بقتلهم؛ لأن المنافق لا يعامل إلا بظاهر الحال, كما قال النبي عليه الصلاة والسلام حين سئل عن قتل المنافقين: (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) ولو ذهبنا نقتل كل من اتهمناه بالنفاق, لكان في ذلك مفسدة عظيمة, ولهذا قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} فنحن لا نعلم ما في القلوب, فحكمنا على الظاهر.
هؤلاء المنافقون يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت لكن قد لا يتسنى لهم ذلك؛ لأنهم في دولة قد سيطر عليها الحكم الإسلامي, لكنهم يحبون أن يتحاكموا إلى الطاغوت أي: إلى ما يخالف الشرع, {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} وقد تمكن منهم, {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} ولا يقولون: لا.
لكنهم يصدون ويعرضون دون أن يصرحوا بكلمة (لا) لأنهم لو صرحوا بها لكانوا كفاراً صرحاء.
{فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي: واطلع عليهم وعلى نفاقهم, (ثم جاءوا يحلفون بالله) جاءوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يحلفون بالله {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} .
والآية صريحة بأن هؤلاء محكومين وليسوا حاكمين, ولهذا يأتون يعتذرون إلى الرسول عليه الصلاة والسلام: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} .
فهذا الاستدلال صحيح، أن تكون الدعوة بالنسبة للمنافقين بالموعظة والنصيحة، والرسول عليه الصلاة والسلام لم يجد منابذة الولاة إلا إذا رأينا كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان، فنحن لا نعلم ما في قلب ولي الأمر، وتعرف أن الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله يصرحون لكنهم يعتذرون بأعذار غير صحيحة, وإلا فهم يصرحون, يقولون: نعم نحن نقول هذا ونقول هذا القانون ونعلم أنه يخالف الشرع لكنهم يأتون بأشياء يتأولونها, لكن أولئك المنافقين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصرحون يصدون ويعرضون لكن دون أن يقولوا: لا نقبل.(120/21)
حكم الدعاء بـ (يا من لا تراه العيون، ولا يصفه الواصفون)
السؤال
روى الطبراني في الأوسط من حديث أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأعرابي وهو يدعو في صلاته, يقول الأعرابي: يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه ظنون, ولا يصفه الواصفون, فأقره صلى الله عليه وسلم بإعطائه ذهباً كما تعلم جزاك الله خيراً, فكيف لا يصفه الواصفون, ونعرف منهج أهل السنة والجماعة أن من عقيدة أهل السلف أن الله يوصف بما وصف به نفسه, وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم, وكذلك يرى الله سبحانه وتعالى في الآخرة وهو يقول: يا من لا تراه العيون؟ علماً أننا نسمع بعض الأئمة يردد هذا الدعاء في رمضان؟
الجواب
هذا الحديث منكر, ومكذوب على الرسول عليه الصلاة والسلام, لأنه يخالف الآية: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23] ويخالف السنة, فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يصف ربه بما يصفه به, وكذلك أجمع السلف على وصف الله تعالى بما وصف به نفسه ووصف به رسوله.
وأنا أنصحك وغيرك ممن يستمع: ألا تعتمدوا على مجرد السند حتى لو تدبرنا سند هذا مع أني ظان أنك لو رجعت إلى سنده لوجدت أنه لا يعتمد عليه, لكن حتى لو فرضنا أن السند لا بأس به فلا بد أن نعرف المتن, ولهذا من الشرط الصحيح: ألا يكون معللاً ولا شاذاً.
وهذا لا شك أنها علة عظيمة إذا خالف ظاهر القرآن فلا عبرة به, ولا يحتاج أن نتأوله ونقول: لا تراه العيون في الدنيا, ولا يصفه الواصفون أي: لا يحيطون بوصفه, لا حاجة أن نتأول حديثاً على هذا الوجه؛ لأن أصل الحديث غير صحيح.
وبالنسبة للدعاء به من قبل الأئمة فهذا لا يجوز، ولو أننا تتبعنا دعاء الأئمة لوجدنا خللاً كثيراً, فلا يجوز الدعاء بهذا.(120/22)
الحكمة من عدم لبس المخيط في الحج والعمرة
السؤال
ما الحكمة من عدم لبس الثياب غير المخيط في الحج والعمرة؟
الجواب
ما معنى: لبس الثياب غير المخيط في الحج والعمرة؟ المخيط هو القميص والسراويل والبرانس والعمائم والخفاف, وإنما نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن لبس هذه الأشياء من أجل أن يكمل ذل الإنسان لربه عز وجل ظاهراً وباطناً؛ لأن كون الإنسان يبقى في رداء وإزار ذل, تجد أغنى الناس الذي يستطيع أن يلبس أفخر لباس تجده لا يلبس إلا كأفقر الناس لكمال الذل.
وأيضاً من أجل إظهار الوحدة بين المسلمين, وأنهم أمة واحدة, حتى في اللباس, ولهذا يطوفون على بناء واحد, ويقفون في مكان واحد, ويبيتون في مكان واحد, ويرمون في موضع واحد.
الفائدة الثالثة: أن الإنسان يتذكر أنه إذا خرج من الدنيا, فلن يخرج إلا بمثل هذا, لن يخرج بأفخر اللباس, سيخرج في كفن.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه, وأن يجعل عملنا وعملكم في طاعته واجتناب معاصيه, والحمد لله رب العالمين.(120/23)
لقاء الباب المفتوح [121]
الحج له ثلاثة أنساك: التمتع، والقران، والإفراد، وهذه الأنساك كلها مشروعة ومنصوص عليها في السنة، وهي مرتبة على الأفضلية كما رتبها الشيخ، وقد شرحها الشيخ في هذا اللقاء وبين كل وجه من هذه الأوجه الثلاثة، وشرح كذلك صفة النسك، وذكر أركان الحج وواجباته، والمحظورات التي يجب على الحاج تجنبها في الحج، وأن من فعل شيئاً منها جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه.(121/1)
صفة الحج على ثلاثة أوجه
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه هي الحلقة الحادية والعشرون بعد المائة من حلقات اللقاء المفتوح، التي تتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس، السادس عشر من شهر ذي القعدة، عام (1416هـ) ، وبما أن هذا اللقاء هو اللقاء الأخير قبل الحج فإننا نتكلم عن الحج: عن صفته أولاً.
ثم عن شروط وجوبه.
ثم عن محظوراته.
ثم عن واجباته وأركانه إن تيسر.
فنقول: صفة الحج على ثلاثة أوجه: الوجه الأول: التمتع.
والوجه الثاني: القران.
والوجه الثالث: الإفراد.
هذه صفة الأنساك.
التمتع هو: أن يحرم الإنسان بالعمرة في أشهر الحج ناوياً الحج، ثم يحل منها ويحرم بالحج من عامه، فيكون هناك حِل بين العمرة والحج.
والقران: أن يحرم بالحج والعمرة جميعاً من عند الميقات، ويبقى على إحرامه إلى يوم العيد.
والإفراد: أن يحرم بالحج مفرداً من الميقات، ويبقى على إحرامه إلى يوم العيد.
وتختلف هذه الأنساك من حيث العمل.
فالتمتع: عمرة مفردة وحج مفرد، يعني: أن كل نسك من النسكين له أعماله الخاصة.
وأما القران: فإنه يجمع بينهما بإحرام واحد.
وأما الإفراد فهو: حج مفرد ليس معه عمرة.
وهذه الأنساك الثلاثة يجب الهدي في التمتع والقران شكراً لله عز وجل على ما يسر للمحرم من جمع النسكين في سفر واحد.(121/2)
صفة أداء النسك
أما صفة أداء النسك: فإذا وصل إلى الميقات، والمواقيت معروفة محددة من قبل النبي عليه الصلاة والسلام، لا مجال للاجتهاد فيها، إذا وصل فإنه يحرم من الميقات فيغتسل ويلبس ثياب الإحرام وهي: للرجل إزار ورداء، وأما المرأة فتلبس ما شاءت إلا أنها لا تتبرج بزينة، ولا تلبس القفازين ولا النقاب.
ويقول إذا كان متمتعاً: لبيك عمرةً، وإن كان قارناً قال: لبيك عمرةً وحجاً، وإن كان مفرداً قال: (لبيك حجاً) ويلبي بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) يرفع بها صوته إن كان رجلاً، ويستمر في هذه التلبية إلى أن يبتدئ بالطواف، فإن كان متمتعاً قطع التلبية عند الطواف، وإن كان قارناً أو مفرداً استمر في تلبيته إلى يوم العيد.
فإذا وصل البيت بدأ بالحجر فاستلمه وقبله إن تيسر ذلك، وإلا استلمه وقبَّل يديه، وإن لم يتيسر أشار إليه بدون أن يقبل يديه، ويقول في ابتداء الطواف: بسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يجعل البيت عن يساره، ويضطبع في ردائه؛ يضطبع في ردائه بمعنى: أن يجعل وسط الرداء تحت الإبط الأيمن وطرفيه على الكتف الأيسر في جميع الطواف، ويرمُل في الأشواط الثلاثة الأولى، والرَّمَل: هو إسراع المشي مع مقاربة الخطا، ويمشي في بقية الطواف أربعة أشواط، وإذا وصل إلى الركن اليماني استلمه بيده بدون تقبيل ولا تكبير، وإذا مر بالحجر الأسود للشوط الثاني كبر ولا يزال يكبر عند محاذاة الحجر الأسود في أول كل شوط، ويقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] أما في بقية طوافه فيقول ما شاء من دعاء وذكر وقرآن، وغير ذلك، ولا بأس إذا رأى أحداً مُخِلاً بطوافه أن يتكلم معه ويقول: افعل كذا افعل كذا.
ومن المهم أن يعلم أنه لابد أن تكون الكعبة عن يساره من أول الطواف إلى آخره، وعلى هذا نعرف خطأ ما يفعله بعض الناس إذا كان معه نساء، يتحجر جماعة من الرجال ويكون بعض الرجال يمشي والكعبة خلفه وبعضهم يمشي والكعبة أمام وجهه، فهذا لا يصح طوافه؛ لأنه لابد أن يجعل البيت عن يساره.
فإذا أتم سبعة أشواط تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] وصلى خلفه ركعتين خفيفتين يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] .
ثم إن تيسر له رجع إلى الركن فاستلمه، فإن لم يتيسر انصرف من الركعتين إلى المسعى، فإذا دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] يقرأها أول مرة يقبل عليها فقط لا إذا صعد ولا إذا أقبل عليها مرة أخرى، وإنما تُقرأ إذا قرب منها في أول مرة، فيرقى على الصفا ويتجه إلى القبلة ويرفع يديه كما يرفعهما في الدعاء، ويحمد الله ويكبره ويهلله ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو بما شاء، ثم يعيد الذكر مرة ثانية، ثم يدعو بما شاء، ثم يعيد الذكر مرة ثالثة، ثم ينزل متجهاً إلى المروة ماشياً فإذا وصل إلى العلم الأول -العمود الأخضر وفوقه الآن (لمبات) خضراء- إذا وصل إليه سعى بمعنى: ركض ركضاً شديداً بقدر ما يستطيع، ومن المعلوم أنه في حال الزحام لا يستطيع ذلك نظراً للزحام؛ لأنه لو فعل هذا لآذى الناس وتأذى هو أيضاً، فليمشِ على ما يتيسر له، حتى إذا وصل المروة صعد عليها وفعل ما يفعله على الصفا.
وليُعلم أن الحد الواجب في السعي هو منتهى الممرات التي جُعِلت للعربيات، بمعنى: ليس بلازم أن يصعد إلى الجبل، فلو وقف عند منتهى هذه الممرات التي جُعِلت للعربيات فقد أتم السعي؛ لأن هذه الممرات موضوعة على أن الذي يركب العربية يكون قد أدى ما وجب عليه.
ثم إذا أتم سبعة أشواط: من الصفا إلى المروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط آخر انتهى السعي، فيقصر إذا كان متمتعاً.
ثم يحل إحلالاً تاماً يلبس الثياب، ويتطيب، ويأتي أهله إن كانوا معه.
ثم إذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج، أما إذا كان قارناً أو مفرداً فإنه يبقى على إحرامه، ولكن ينبغي أن يُعْلَم أن من أحرم قارناً أو مفرداً ولم يكن معه هدي أن المطلوب أن يحل الإحرام ويجعلها عمرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك، ولأنه أيسر على الإنسان حيث يتمتع بما أحل الله له ما بين العمرة والحج.
فإذا كان اليوم الثامن فإن كان مفرداً أو قارناً فهو على إحرامه وإن كان متمتعاً أحرم بالحج فاغتسل وتطيب ولبس الإحرام من مكانه الذي هو فيه، إن كان في مكة فمن مكة، وإن كان في منى فمن منى، إن كان في عرفة فمن عرفة، إن كان في أي مكان فإنه يحرم من مكانه.
ثم يخرج إلى منى فيصلي بها الظهر اليوم الثامن والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً بلا جمع.
فإذا طلعت الشمس سار إلى عرفة، ونزل بـ نمرة إن تيسر له وإلا استمر إلى عرفة ونزل فيها، فإذا زالت الشمس أي: دخل وقت الظهر صلى الظهر والعصر قصراً وجمعاً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم تفرغ بعد ذلك للدعاء والذكر وقراءة القرآن وغير ذلك من الأشياء التي تثير هِمَّته، وتوجب له الخشوع والإنابة إلى الله تبارك وتعالى، ويلح في الدعاء ولاسيما في آخر النهار حتى تغرب الشمس.
ثم يسير بعد ذلك إلى مزدلفة، فإذا وصل إلى مزدلفة صلى بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً.
ثم نام إلى أن يطلع الفجر، وفي هذه الليلة يصلي الوتر ويجعله في آخر الليل إن كان يطمع أن يقوم في آخر الليل أو في أوله.
ثم إذا طلع الفجر صلى الفجر وقبلها الراتبة.
ثم بقي في مزدلفة يدعو الله تعالى ويذكره ويهلل ويسبح إلى أن يسفر جداً، ثم يدفع من مزدلفة قاصداً منى.
فإذا وصل إلى منى بدأ أول ما يبدأ برمي جمرة العقبة وهي آخر الجمرات مما يلي مكة، فبدأ بها ورماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة يقول: الله أكبر بدون أن يقول: بسم الله، يقول: الله أكبر فقط؛ لأن السنة جاءت بذلك، ثم ينحر هديه إن كان متمتعاً أو قارناً، أو كان مفرداً لو أحب أن يتطوع.
ثم بعد ذلك يحلق رأسه، ويلبس ثيابه، ويحل التحلل الأول.
ثم ينزل إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة ويسعى بعده إن كان متمتعاً، أما إن كان مفرداً أو قارناً فإن كان قد سعى بعد طواف القدوم كفاه السعي الأول، وإن كان لم يسع سعى بعد طواف الإفاضة.
ثم يرجع إلى منى ليبيت بها ليلتين أو ثلاث ليال إن تأخر، وبعد الزوال -أي: بعد دخول وقت صلاة الظهر- يرمي الجمرات الثلاث: الأولى: وهي أبعدهن عن مكة يرميها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم عن الزحام وعن إصابة الحصى، ويقف مستقبل القبلة رافعاً يدعو الله تعالى دعاءً طويلاً.
ثم يذهب إلى الجمرة الوسطى ويرميها كما فعل في الجمرة الأولى ويدعو بعدها.
ثم يرمي جمرة العقبة ولا يقف بعدها، بل ينصرف إلى منزله في منى.
فإذا رمى الجمرات يوم الثاني عشر فإن شاء تقدم وإن شاء تأخر، إن تقدم فلابد أن يخرج قبل أن تغرب الشمس، وإن تأخر بقي إلى اليوم الثالث عشر وفعل في اليوم الثالث عشر كما فعل في اليوم الحادي عشر، والثاني عشر.
فإذا أراد أن يسافر إلى أهله من مكة فإنه يطوف طواف الوداع، وهو واجب على كل حاج أو معتمر إلا المرأة الحائض، فإنها لا يلزمها الطواف؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: [أُمِر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خُفِّف عن الحائض] .(121/3)
أركان الحج والعمرة
أما أركان الحج، فقال العلماء: إن أركانه أربعة: الإحرام: وهو نية النسك.
والطواف.
والسعي.
والوقوف بـ عرفة.
هذه أركان أربعة.
أما العمرة فأركانها: الإحرام.
والطواف.
والسعي.
ثلاثة، يسقط منها الوقوف بـ عرفة؛ لأنه ليس لها وقوف بـ عرفة.(121/4)
واجبات الحج
أما الواجبات فهي: أن يكون الإحرام من الميقات بمعنى: أنه يجب أن يحرم من الميقات، فلو أحرم من دون الميقات فإحرامه صحيح؛ لكن عليه دم عند العلماء.
الوقوف بـ عرفة إلى الليل.
المبيت بـ مزدلفة على التفصيل الذي ذكرنا.
المبيت بـ منى.
رمي الجمرات.
طواف الوداع.(121/5)
محظورات الإحرام
أما محظورات الإحرام: فنذكر منها ما جاء في القرآن والسنة: فمما جاء في القرآن: قوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ} [البقرة:197] والرفث هو: الجماع، فالجماع من حين أن يحرم الإنسان إلى أن يحل التحلل الثاني حرام عليه، وهو أعظم المحظورات.
الثاني: الإنزال بمباشرة، أو باستمناء، أو بتكرار نَظَرٍ.
الثالث: المباشرة وإن لم يكن إنزال ولا جماع؛ لأنها من مقدمات الجماع، ولا يؤمَن أن الإنسان يباشر أولاً ثم في التالي يجامع.
الرابع: عقد النكاح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَنْكِح المحرم ولا يُنْكِح) .
الخامس: الخِطبة.
خِطبة النكاح، فإنها حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يخطب) .
السادس: الطيب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي مات ووَكَزَتْه راحلته: (لا تحنطوه -أي لا تجعلوا فيه طيباً-) .
السابع: حلق شعر الرأس؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196] .
الثامن: لبس ما نص النبي صلى الله عليه وسلم على تحريمه؛ حيث سئل: ما يلبس المحرم؟ قال: (لا يلبس القميص، ولا السراويل، ولا العمائم، ولا البرانس، ولا الخِفاف) .
التاسع: لبس المرأة للقفازين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وكذلك الرجل لا يلبس القفازين؛ لأنها من جنس العمامة وشبهها، فالعمامة كسوة الرأس، وأما القفازين فهما كسوة اليدين.
العاشر: الخِفاف للرجل خاصة؛ إلا من لا يجد النعلين فإنه يلبس الخُفَّين.
الحادي عشر: تغطية الرأس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي مات في عرفة: (لا تغطوا رأسه) .
الثاني عشر: قتل الصيد؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95] .(121/6)
حكم من فعل محظوراً جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً
هذه المحظورات لها جزاء وفدية معروفة عند الفقهاء، ولكن الذي يهمنا هو أن نعلم أن هذه المحظورات إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه، لا إثم، ولا فساد نسك، ولا جزية، ولا فدية، إذا فعل الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه.
فلو أن إنساناً نسي وغطى رأسه فلا شيء عليه؛ لكن إذا ذكر يجب أن يزيل الغطاء عن رأسه.
ولو تطيب ناسياً ثم ذكر فلا شيء عليه؛ لكن يجب عليه أن يغسل الطيب.
ولو باشر زوجته ناسياً فلا شيء عليه، ولو جامعها ناسياً فلا شيء عليه، ولو أكره رجلٌ زوجتَه وهي محرمة فجامَعها فلا شيء عليها.
المهم أن القاعدة الأساسية في الشريعة الإسلامية: أن من فعل المحظورات ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه، الدليل: قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] ، (فقال الله تعالى: قد فعلت) .
وقال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] .
وقال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106] .
وإذا كان الإكراه على الكفر وهو أعظم الذنوب حكمه مرفوع على العبد، فما دونه من باب أولى.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه) .
هذه لمحة موجزة عن الحج وواجباته، وأركانه، ومحظوراته، ومن أراد التوسع في ذلك فالحمد لله الكتب موجودة، والمناسك الصغيرة موجودة، فليرجع إليها.(121/7)
الأسئلة(121/8)
جواز الخروج من مكة إلى عرفة مباشرة
السؤال
لو أن الإنسان في الحج خرج من مكة إلى عرفة رأساً، فهل يجوز ذلك أو لا؟
الجواب
يجوز هذا.(121/9)
حكم الدفع من عرفة قبل غروب الشمس
السؤال
لو دفع من عرفة قبل غروب الشمس، هل يجوز أو لا؟
الجواب
لا يجوز.(121/10)
التفصيل فيمن دفع من مزدلفة قبل طلوع الفجر
السؤال
لو دفع من مزدلفة قبل طلوع الفجر، هل يجوز أو لا؟
الجواب
هذا فيه تفصيل: أما من كان يشق عليه أن يزاحم الناس فإنه يجوز أن يتقدم إلى منى ويرمي الجمرات متى وصل ولو قبل الفجر.(121/11)
جواز تقديم الحلق على النحر
السؤال الرابع: لو قَدَّم الحلق على النحر، هل يجوز أو لا؟
الجواب
يجوز.
وبهذا الصدد ينبغي أن نعلم أن الإنسان في يوم العيد إذا وصل إلى منى يفعل خمسة أنساك: الرمي.
ثم النحر.
ثم الحلق.
ثم الطواف.
ثم السعي.
هذه الأنساك ترتب كما قلنا الآن، ولكن لو قدم بعضها على بعض فلا حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُسأل يوم العيد في التقديم والتأخير، فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج) .(121/12)
حكم تأخير الرمي إلى غروب الشمس
السؤال
لو أخَّر الرمي إلى أن غربت الشمس، هل يجوز أو لا؟
الجواب
يجوز.(121/13)
جواز تأخير طواف الإفاضة حتى النزول من منى
السؤال
لو أخَّر طواف الإفاضة حتى نزل من منى وأتم الحج، هل يجوز أو لا؟
الجواب
يجوز.
وفي هذه الحال: هل يلزمه إذا أخَّر طواف الإفاضة عن يوم العيد هل يلزمه أن يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام؟ الجواب: لا.
لأن الحديث الوارد في ذلك ضعيف، لا تقوم به الحجة.(121/14)
تأخير طواف الإفاضة إلى السفر يجزئ عن طواف الوداع
السؤال
لو أخَّر طواف الإفاضة وطاف عند السفر، هل يجزئه عن طواف الوداع؟
الجواب
نعم.
لكن قد يشكل على بعض الناس كيف يصح ذلك وهو سوف يسعى بعده إن كان متمتعاً أو مفرداً وقارناً ولم يكن سعى مع طواف القدوم؟ والجواب: أن السعي تابع للطواف فلا يعتبر فاصلاً؛ لأنه تابع للطواف فلا ينافي أن يكون آخر عهده بالبيت.(121/15)
حكم لبس النعال التي تحت الكعبين
السؤال
عفا الله عنك! هل الجزمات التي تحت الكعبين تعتبر خِفافاً أم لا؟
الجواب
نعم.
الجزمات تحت الكعبين بعض العلماء يقول: لا بأس بها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث عبد الله بن عمر: (من لم يجد نعلَين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين) قالوا: هذا لأنهما إذا قطعا أسفل من الكعبين صارا بمنزلة النعلين، ولكن ظاهر معنى السنة العموم: (ولا الخفين) فالصواب أنه حرام، وأنه لا يجوز للمحرم أن يلبس الجزمة، ولو كانت دون الكعب.(121/16)
حكم التصفيق للرجال
السؤال
السؤال ليس عن الحج؛ لكن من قول منقول عنكم نريد التأكد منه وهو: أنكم تقولون بجواز التصفيق، هل هذا صحيح؟ نقل لي أحد الشباب أنكم قلتم: لا بأس به!
الجواب
نعم! قلنا: لا بأس بجواز التصفيق إذا أريد به التشجيع لمن أجاب جواباً صحيحاً، أو ما أشبه ذلك؛ لأنه لا دليل على تحريمه، وأما قوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35] فهؤلاء يقصدون بالتصفيق التعبد لله، وهذا ليس عبادة، وأما قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال وتصفق النساء) فقد قيده بالصلاة كما في صحيح مسلم، ثم إن الحكمة معلومة أن المرأة إذا نابَ الإمامَ شيءٌ في صلاته لا تتكلم؛ لأن كلامها قد يثير شهوة بعض المصلين فتؤمَر بالتصفيق.
ونحن لا نحبذه لكن لا نمنعه، ولا نقول: هذا حرام وتشبه بالكفار، هذه المسائل ينبغي للإنسان أن يكون على دقة في الأمر.(121/17)
جواز تعدد الخطب في عرفة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم تعدد الخُطَب في عرفة؟
الجواب
نعم! أما هدي النبي عليه الصلاة والسلام فإنه لم يخطب إلا واحدة وهو الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لكن كل الناس كانوا حاضرين، وأما في وقتنا الحاضر فكما تعرف الوصول إلى المسجد الذي فيه الخطيب صعب، فلو أن أحداً من الناس ذكَّر إخوانه إذا كانوا صلوا -مثلاً- في مخيمهم فهذا طيب، وليس فيه بأس.(121/18)
الوقوف بعرفة قبل الزوال والخروج منها قبل الغروب
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا وقف الإنسان بـ عرفة قبل الزوال، ثم خرج قبل الزوال أيضاً، فهل يكون أتى بهذا الركن ويلزمه دم؟ أم أنه يجب عليه أن يعود؟
الجواب
نعم! أما عند الإمام أحمد رحمه الله فيرى أن الإنسان إذا وقف يوم عرفة بـ عرفة في أول النهار أو آخره فقد أدى الركن، لكن إن دفع قبل الغروب وجب عليه دم.
وأما جمهور العلماء فيقولون: إن ابتداء الوقوف بـ عرفة من الزوال، وأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم لـ عروة بن مضرس، وقد وقف قبل ذلك بـ عرفة ليلاً أو نهاراً يُقَيَّد بفعل الرسول عليه الصلاة والسلام.
وعلى كل حال: إذا كان الإنسان حريصاً على إبراء ذمته وعلى أداء ركن الإسلام فلا يقف بـ عرفة إلا من الزوال فما بعد.(121/19)
كل بيت مستقل عليه أضحية
السؤال
رجل مسن وعنده ثلاثة أبناء متزوجون يسكنون في بيت واحد مُجَزَّأً، وكل واحد من هؤلاء الأبناء تولى إعداد الطعام يوماً إذ أن كلاً منهم له مطبخ مستقل، والسؤال: هل يستحب لهؤلاء أضاحٍ أو أضحية واحدة؟ وإذا كانت واحدة هل يشتركون في قيمة الأضحية أو تكون من مال أحدهم؟
الجواب
الذي أرى أن على كل بيت أضحية؛ لأن كل بيت مستقل.(121/20)
حكم الأخذ من اللحية إذا زادت عن القبضة
السؤال
ما رأيكم في قول أخذ القبضة في اللحية؟
الجواب
لدينا سنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وسنة عن صحابي، سنة عن الرسول وسنة عن صحابي، أما السنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام فقد قال: (أعفوا اللحى) ولم يقيدها، ولم يرخص في أخذ ما زاد على القبضة.
وأما سنة الصحابي فـ ابن عمر رضي الله عنهما: كان إذا حج وأظنه أو اعتمر قبض على لحيته فما زاد عن القبضة قصه.
ليس يقصه دائماً بل في النسك، وكذلك يروَى عن اثنين أو ثلاثة من الصحابة.
فهل تُقَدِّم سنة الرسول أو سنة الصحابي؟ سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله يقول: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] فنحن مأمورون ومكلفون بإجابة الرسل، أما غيرهم فهم غير معصومين، كل يؤخذ من قوله ويترك.
وأما كون ابن عمر وهو راوي الحديث يفعل ذلك فالقاعدة الشرعية عند العلماء؛ علماء المصطلح، وعلماء الأصول: أن العبرة بما روى لا بما رأى؛ لأن الرواية معصومة عن معصوم نقل خبراً عن معصوم، والرأي غير معصوم، ولهذا فهذه القاعدة من أنفع القواعد.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين ذكر -أظن- أكثر من عشرين مسألة خالف فيها الراوي ما روى، وأخذ العلماء بما روى لا بما رأى.(121/21)
حكم ما يقال قبل السؤال من السلام والدعاء
السؤال
أحسن الله إليك يا شيخ! قلنا: إن السلام قبل السؤال ليس من فعل الصحابة رضوان الله عليهم.
فهل نقول مثل هذا الدعاء قبل السؤال، كأن يقول: أحسن الله إليك، وما أشبه ذلك؟
الجواب
إي نعم! أما السلام فهو سنة مستقلة تسلِّم على من لاقيت، فهي سنة مستقلة، وأما الدعاء للمسئول فهو من باب المكافأة؛ لأن الذي يجيبك قد أحسن إليك في الواقع، وإن كان هو أحسن إلى نفسه أيضاً، فهو من باب المكافأة المقدمة نقداً، فإذا قلت: أحسن الله إليك، فهذا ليس فيه شيء.(121/22)
جواز الإحرام قبل الوصول إلى الميقات للحاج عبر الجو للحيطة
السؤال
بالنسبة للذي يحج عن طريق الجو -الطائرة- إذا أخذ بالأحوط وذلك لسرعة الطائرة فأحرم قبل الوصول إلى الميقات! وما حكم الإحرام في بداية صعود الطائرة؟
الجواب
نعم! الذي يكون في الطائرة نرى أن يحتاط، يعني: يحرم قبل خمس دقائق؛ لأنه لو أخر حتى يحاذي الميقات فالطائرة في دقيقة واحدة تأخذ مسافة طويلة، لهذا نقول: احتط، ومن ثم كان القائمون على الطائرة جزاهم الله خيراً يعلنون قبل الوصول إلى الميقات أولاً بنصف ساعة أو ثلث ساعة ثم بعشر دقائق.
وأما الإحرام في بداية صعود الطائرة والله ما هو بأحسن، قال العلماء: يُكره أن يحرم قبل الميقات، ولا داعي للاحتياط هنا، يعني مثلاً: إذا كان من القصيم، الاحتياط إذا مر نصف ساعة يحرم؛ يلبي.(121/23)
التفصيل في مسألة الإحرام للقادم من جدة
السؤال
الإخوة الساكنون في جدة -مثلاً- نراهم إذا أرادوا الحج أو العمرة يأتون إلى مكة ثم يعتمرون في التنعيم أو يعقدون الميقات في التنعيم، هل هذا هو الصحيح أم لا؟
الجواب
هذا فيه تفصيل: إذا كان ساكناً في جدة ونزل إلى مكة لغير العمرة ولغير الحج لغرض من الأغراض، ثم بدا له في مكة أن يحرم، نقول: أحرم من التنعيم أو من عرفة، المهم من أدنا الحل، وأما الذي قصد أن يعتمر وهو من أهل جدة فيجب أن يحرم من جدة ولا يؤخر.(121/24)
حكم من تطيب قبل الإحرام وبقي أثر الطيب عليه بعد الإحرام
السؤال
إن كان الرجل يتطيب قبل أن يلبس لباس الإحرام؛ ولكن ما زالت هذه الرائحة موجودة حتى الحج.
هل يجوز أو لا؟
الجواب
يجوز؛ لأن الإنسان إذا تطيب قبل الإحرام وبقي أثر الطيب عليه بعد الإحرام فلا بأس، قالت عائشة رضي الله عنها: (كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم) .(121/25)
المتمتع ينوي العمرة فقط
السؤال
إذا أردنا التمتع هل ننوي الحج والعمرة معاً في الميقات، أو ننوي للعمرة فقط ثم أين ننوي للحج؟
الجواب
إذا كنت تريد التمتع فتنوي العمرة فقط عند الميقات، العمرة فقط؛ لأنك لو نويت العمرة والحج صرت قارناً.(121/26)
إدخال الحج على العمرة قبل الطواف يجعل النسك قراناً
السؤال
إنسان حج متمتعاً وطاف طوافاً ناقصاً وحصل منه جماع، هو سعى ولكن يعني الطواف ناقص، وأكمل حجه ثم حج بعد هذه الحجة حجتين ليست له، والحجة الأولى هي الفرض.
هل يصح حجه هذا؟
الجواب
هذا يكون قارناً؛ لأنه أدخل الحج على العمرة قبل انتهائه، بل قبل طوافه؛ لأن الطواف الأول لاغٍ، وإدخال الحج على العمرة قبل الطواف يجعل النسك قراناً، ويبقى النظر الآن في كونه حَلَّ ولبس وجامع؛ لكنه جاهل فلا شيء عليه، وعلى هذا فيكون حجه تاماً لكنه قارن ليس متمتعاً.
السائل: يعني يصبح كقضية عائشة؟ الشيخ: عائشة أدخلت الحج على العمرة قبل أن تشرع في الطواف، لكن بالنسبة للقرآن كقضية عائشة.(121/27)
تكرار العمرة في سفر واحد من البدع
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض الناس يأتي من مكان بعيد لهدف العمرة إلى مكة، ثم يعتمرون ويحلون، ثم يذهبون إلى التنعيم ثم يؤدون العمرة، يعني: في سفره عدة عمرات، فكيف هذا؟
الجواب
هذا بارك الله فيك من البدع في دين الله؛ لأنه ليس أحرص من الرسول صلى الله عليه وسلم ولا من الصحابة، والرسول صلى الله عليه وسلم كما نعلم جميعاً دخل مكة فاتحاً في آخر رمضان، وبقي تسعة عشر يوماً في مكة ولم يخرج إلى التنعيم ليحرم بعمرة، وكذلك الصحابة، فتكرار العمرة في سفر واحد من البدع، ويقال للإنسان: إذا كنت تحب أن تثاب فطُف بالبيت خير لك من أن تخرج إلى التنعيم، ثم نقول أيضاً: طف بالبيت إذا لم يكن موسم حج، فإن كان موسم حج فيكفيك الطواف الأول، دع المطاف للمحتاجين إليه، ولهذا نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم في عُمَرِه كلها لا يطوف أي: لا يكرر الطواف ولا يخرج إلى التنعيم ليأتي بعمرة ونجده في حجة الوداع لم يطف إلا طواف النسك فقط طواف القدوم وطواف الإفاضة وطواف الوداع، ومن المعلوم أننا لسنا أشد حرصاً على طاعة الله من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
فنقول لهذا: خفِّف على نفسك، تكفيك العمرة الأولى، وإذا أردت أن تخرج من مكة فطف طواف الوداع، والحمد لله.(121/28)
حكم الإحرام من غير الميقات المحدد
السؤال
هل يجوز للطالب الذي جاء من الرياض وله زملاء في جدة، أن يزور زملاءه في جدة ثم يحرم معهم للحج؟
الجواب
لا يجوز أن يؤخر الإحرام عن الميقات وهو قد ذهب إلى الحجاز للحج، أما لو كان ذهب للزيارة وليس عنده نية أن يحج أو يعتمر ثم إن زملاءه دعوه لأن يحج معهم ونوى من مكانه هناك فلا بأس أن يحرم معهم، أما من كان قاصداً أن يعتمر أو يحج فلابد أن يحرم من الميقات.
ونقول للأخ: الأمور سهلة، أحرم من الميقات متمتعاً بالعمرة إلى الحج، ثم تحل منها وتحرم مع إخوانك بالحج، وإذا كان وقت الحج قريباً وأردت أن تحرم بقران، أو أردت أن تحرم بإفراد؛ فلا بأس عليك.(121/29)
جواز الذهاب إلى المدينة ثم الإحرام من ميقات أهل المدينة
السؤال
رجل جاء من جدة ولم يحرم، أولاً ذهب إلى المدينة المنورة لزيارة المسجد النبوي، ثم أحرم من ميقات أهل المدينة، هل هذا صحيح؟
الجواب
لا بأس، يعني: لو أن الإنسان جاء من بلده قاصداً المدينة أولاً ونزل في جدة ثم سافر من جدة إلى المدينة ثم رجع من المدينة محرماً من ميقات أهل المدينة فلا بأس.(121/30)
قضاء الدين يقدم على الحج إذا لم يكن لديه سوى مال الحج
السؤال
رجل يريد أن يحج وعليه أقساط سيارة!
الجواب
نعم! الرجل الذي يريد الحج وعليه أقساط سيارة نقول: إن كانت الأقساط حالَّة فليوفها أولاً ثم يحج؛ لأن وفاء الدين واجب والحج ليس بواجب، حتى لو كان حج فريضة، فإنه لا يجب عليك حتى تقضي دينك، وأما إذا كانت الأقساط تمتهل فيُنظر هل له ما يقضي به الدين إذا حلَّ فحينئذ يحج، وإن كان ليس عنده إلا هذا المال الذي يريد أن يحج به فلا يخرج، يدخره ويبقيه ليوفي به دينه.(121/31)
الاضطباع يكون في الأشواط السبعة
السؤال
(الاضطباع) في الطواف يكون في الثلاثة الأشواط الأولى فقط، أو في السبعة أشواط؟
الجواب
نعم! (الاضطباع) في الأشواط السبعة كلها، الذي في الأشواط الثلاثة الأولى هو (الرَّمَل) فقط، أما الاضطباع فهو في جميع الطواف، ولا اضطباع قبل الطواف ولا بعد الطواف، وهذه مسألة ينبغي لنا أن نعرفها ونعلِّم إخواننا المسلمين، أكثر المسلمين اليوم من حين أن يحرم تجده مضطبعاً وهذا ليس من السنة، الاضطباع لا يكون قبل الطواف ولا بعده إنما يكون في حال الطواف فقط.(121/32)
حكم الالتزام بجدار الكعبة
السؤال
فضيلة الشيخ! رأيت بعض الناس في مكة المكرمة، بعد الطواف وقفوا ووضعوا أيديهم على جدار الكعبة ويبكون، هل يجوز ذلك؟
الجواب
نعم.
هذا يسمى الالتزام، والالتزام خاص في (الملتزَم) والملتزَم: ما بين الباب والحجر الأسود، فالمكان إذاً ضيق جداً وفي أيامنا هذه أيام المواسم لا يمكن للإنسان أن يلتزم: أولاً: لأنه يتأذى تأذياً عظيماً.
وثانياً: أنه يعوق الطائفين، فيؤذي الطائفين.
وأيضاً أصل الالتزام لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولهذا توقف فيه بعض العلماء: فقيل: الالتزام في غير هذا المكان، نجد بعض الناس في كل مكان من الكعبة يلتزم؛ يلصق صدره ويمد يديه على صدر الكعبة، هذا بدعة.
فصار الآن عندنا مكان الالتزام ما بين الباب والحجر، هل هو سنة أم لا؟ الجواب: توقف فيه بعض العلماء؛ لأنه لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام.
هل ينبغي أن يفعله الإنسان في أيام المواسم والزحام؟ الجواب: لا، لما في ذلك من الأذية على نفسه وعلى غيره، نعم.(121/33)
أقسام الحج وترتيبها على الأفضلية
السؤال
ذكرتُم أن الحج على ثلاثة أقسام، وذكرتم الإفراد، هل هناك خلاف بين العلماء في الإفراد؟
الجواب
بعض العلماء يقول: إن التمتع واجب، ولا يجوز القران إلا مع سوق الهدي، ولا يجوز الإفراد إلا مع سوق الهدي؛ ولكن هذا القول ضعيف.
والصواب: أن الأنساك الثلاثة كلها جائزة، ولكنها تختلف في الأفضيلة فالتمتع أفضل، والقران أفضل لمن ساق الهدي، والإفراد هو آخرها.(121/34)
حكم الفدية على القارن
السؤال
هل الفدية واجبة على القارن أم لا؟
الجواب
بارك الله فيك لا تسمِّها فدية، سمِّها هدياً، وهو واجب على المتمتع بنص القرآن: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:196] .
أما القران فأكثر العلماء -جمهور العلماء- على أنه يجب فيه الهدي كما يجب في التمتع، وهذا القول أحوط وأولى، وإذا كان الإنسان لا يجد فالأمر واسع والحمد لله، يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع.
أما المفرد فلا هدي عليه، لماذا؟ لأن المتمتع والقارن حصلا على نسكين في سفر واحد، والمفرد لم يحصل على نسكين، ولهذا تعد العمرة التي بعد الحج للمفرد غير مشروعة وإن كان بعض العلماء رحمهم الله يقول: إنها مشروعة، لقصة عائشة رضي الله عنها؛ لكن الدليل صحيح والاستدلال غير صحيح، بمعنى: أن الحديث صحيح؛ لكن الاستدلال غير صحيح، لم يفعل أحد من الصحابة عمرة بعد الحج إلا عائشة لسبب وهي أنها كانت متمتعة ثم حاضت قبل أن تطوف، فقرنت ثم لم تطِب نفسها إلا أن تأتي بعمرة مستقلة كما فعلت صاحباتها، فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تفعل ولم يشرع لأخيها عبد الرحمن بن أبي بكر الذي كان معها أن يأتي بعمرة، مما يدل على أن العمرة بعد الحج ليست معروفة عند الصحابة إطلاقاً.(121/35)
الإحرام من المطار
السؤال
بالنسبة للإحرام، نرى كثيراً من بلدان إفريقيا يحرمون في المطار قبل المغادرة وإذا وصلوا مكة هل عليهم شيء؟ لأن الطائرات في بلداننا لا يعرفون شيئاً عن الميقات، فلذلك يرسلونها ولا يخبرونهم بشيء، فهم يحرمون في المطار في بلدانهم قبل المغادرة!
الجواب
نعم.
هؤلاء الذين يأتون بالطائرة من بلادهم ولا يقوم أهل الطائرة بتبليغهم نقول: لا بأس أن تحرموا من المطار.(121/36)
حكم العمرة عن الغير والتفصيل فيها
السؤال
هل تجوز العمرة من الحي عن الرجل الحي أو الميت؟
الجواب
العمرة والحج عن الحي إن كان فريضة والحي لا يستطيع أن يأتي بنفسه إلى مكة فلا بأس؛ لحديث ابن عباس: (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن فريضة الله على عبادهِ في الحج أدْرَكَت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم) .
وأما إذا كان نفلاً فإن كان عاجزاً أي: من حججت عنه فالظاهر إن شاء الله أنها تنفعه، وإن كان قادراً ففيها خلاف بين العلماء: فمن العلماء من يقول: لا يصح أن يحج عن القادر لا فريضة ولا نفلاً؛ لأن الفريضة يُلْزم الإنسان أن يحج بنفسه والنفل لا ينفع أن تقول لشخص: اعبد الله عني، لا يصلح، وهذا عندي أقرب من القول بالجواز؛ لكن عمل الناس الآن أن الإنسان يحج عن غيره ولو كان الغير قادراً في النافلة، نعم.(121/37)
حكم من أتاها الحيض قبل طواف الإفاضة
السؤال
فضيلة الشيخ! امرأة جاءها العذر قبل طواف الإفاضة ومعها الرفقة، ومضطرة أن تسافر مع رفقتها، فكيف تفعل؟
الجواب
هذه بارك الله فيك إذا حاضت المرأة قبل طواف الإفاضة، فإن كان يمكن أن يبقى رفقتها حتى تطهُر وتطوف فهذا هو المطلوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر أن صفية قد حاضت قال: (أحابِسَتُنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت، قال: فلتنفر) .
وإذا كان لا يمكن كما هو الحال في وقتنا هذا: نظَرْنا: إن كانت في المملكة فلتذهب معهم وتبقى على التحلل الأول حتى تطهُر، فإذا طهُرت رجعت؛ لأن الأمر ممكن.
وإذا كان لا يمكن أن ترجع مثل أن تكون من المقيمين في المملكة ولا يمكنها أن ترجع إلا بتعب ومشقة أو من الوافدين ولن يمكن أن ترجع -أيضاً- فهذه تلبس حفاظة على فرجها لئلا يسيل الدم على البيت -على المسجد الحرام- ثم تطوف للضرورة، ويصح طوافها، هذا أصح الأقوال في هذه المسألة للضرورة.(121/38)
حكم تناول العقاقير المانعة للحيض
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك بعض العقاقير لمنع الحيض، هل يجوز للمرأة أن تأخذها؟
الجواب
نعم.
يجوز للمرأة أن تأخذ ما يمنع الحيض في موسم الحج إذا كانت تريد أن تحج؛ لأن هذا إما حاجة أو ضرورة؛ لكننا لا نشير عليها أن تأخذ شيئاً من ذلك إلا بعد مراجعة الطبيب؛ لأنه قد يكون بدنُها لا يتحمل، أو ربما تأخذ حبوباً قوية تؤثر على رحمها وعلى مستقبل أمرها، فإذا استشارت الطبيب وقال: لا بأس، فإننا نأذن لها أن تأخذ هذه العقاقير من أجل منع الحيض؛ لأنها في حاجة لذلك.(121/39)
الأضحية للحاج
السؤال
ما حكم الأضحية للحاج؟
الجواب
نعم، الأضحية للحاج إن كان يريد أن يضحي في أهله بمعنى: أنه حج وأهله مقيمون في بلده وأراد أن يعطيهم دراهم يشترون بها أضحية يضحون بها، فهذا لا بأس به، وأما إذا كان يريد أن يضحي في منى فإنه لا يضحي في منى، ليس في الحج إلا الهدي، وأما حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن أزواجه بالبقر) فالمراد (ضحى) أي: ذبحها في الضحى، ذبحها عنهم في الضحى فأهدى لهم بقراً؛ لكن ذبحها في الضحى فأُطلق عليها أنها أضحية، وكل أضحية أطلقت في الحج فالمقصود بها الهدي.(121/40)
حكم استخدام الرداء كوسادة أو فراش
السؤال
إن كان المعتمر هو يطوف ويكمل الطواف وبعدها يريد أن يذهب إلى الصفا والمروة ولكن في هذه الأثناء تعب جداً وأراد الاستراحة، بسبب البرد أو بسبب عادته هو لا يستطيع الاستراحة بلا إحرام، فيضع الإحرام تحت رأسه أو يستفيد منه كمثل السرير، هل عليه دم أم لا؟
الجواب
أولاً: بارك الله فيك يجب أن نعلم جميعاً أنه لا تشترط الموالاة بين الطواف والسعي، بمعنى: أنه يجوز للإنسان أن يطوف ثم يستريح ثم يسعى، أو يطوف في أول النهار ويسعى في آخر النهار ما فيه مانع، هذه واحدة.
ثانياً: لا حرج أن الإنسان يضع رداءه وسادة له يتوسده، أو فراشاً، ليس فيه بأس.(121/41)
التفصيل في الحديث عن المبتدع
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا وقع الرجل في بدعة قد تكون خطيرة فناقشتُه فهل يلزمني ذكر محاسنِه، أو يجب عليَّ بيان تلك البدعة أو الخطأ فقط، أو يلزمني شيء آخر كذكر محاسنه؟ أثابكم الله.
الجواب
هذا فيه تفصيل: أما من أراد أن يقوم الرجل ويذكُر حياته، فالواجب أن يذكر حسناته وسيئاته.
وأما من أراد النصح والتحذير من بدعته وخطره فلا يذكر الحسنات؛ لأنه إذا ذكر الحسنات فهذا يرغِّب الناس بالاتصال به.
فالمسألة فيها تفصيل، فمثلاً إذا إنسان ابتدع بدعة وأردنا أن نتكلم نحذر من البدعة فإنا نذكره ولا بأس، وإن كان قد يكون من المصلحة ألا يُذكر باسمه.
وأما إذا كنا نريد أن نتكلم عن حياته فالواجب أن يُذكر ما له وما عليه.
فالمسألة فيها تفصيل.
الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر أسماء معينة بأشخاصهم في مقام النصح كما في حديث فاطمة بنت قيس أنه خطبها أبو جهم ومعاوية وأسامة بن زيد فذكر النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي جهم وعن معاوية ما يقتضي ألا تتزوجهما وقال: (انكحي أسامة) ، ولم يذكر محاسنهما مع أن محاسنهما لا شك أنها كثيرة؛ لكنه سكت عن ذلك؛ لأن المقام يقتضي هذا، وأما الإنسان إذا كتب عن حياة شخص فيجب أن يقول العدل، ما له وما عليه.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(121/42)
لقاء الباب المفتوح [122]
في هذا اللقاء حث الشيخ الناس على طاعة الله عز وجل، حيث أن الله عز وجل قد جعل لنا أعمالاً تكون مكفرات لذنوبنا، ومن أعظم هذه الأعمال الحج الذي يكون صاحبه نقياً من الذنوب كيوم ولدته أمه إذا كان حجه مبروراً، وفي هذا اللقاء فسر الشيخ بعض الآيات من سورة الانشقاق وسورة المطففين وشرحهما شرحاً موجزاً.(122/1)
الحث على المحافظة على طاعة الله
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والعشرون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) والتي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع.
وهذا هو الخميس الحادي والعشرون من شهر ذي الحجة، عام (1416هـ) ، نتحدث فيه عما منَّ الله به على الحجاج في هذا العام من الصحة والأمن، والاستقرار، والنظافة في جميع المشاعر، حتى أدى المسلمون نُسُكهم -ولله الحمد- على أتم وجه، ولكن لا يخلو مثل هذه التجمعات الكبيرة من بعض النواقص ولا سيما ممن ليس عندهم علم بالشريعة ومقاصدها ومواردها، عامةُ الحجاج جهالٌ عوامٌ لا يعرفون إلا أنهم أدوا النسك؛ وأنهم حجوا وأنهم اعتمروا، لا يشعرون بأن هذه عبادة عظيمة يتلبَّس بها الإنسان من حين الإحرام إلى أن يتحلل، ولذلك تجدهم في عنف عند التلاقي بإخوانهم في المشاعر، وفي الطواف، وفي السعي، وفي رمي الجمرات، وتجد كثيراً منهم لا يقبل النصح؛ لأنه إنما جاء ليؤدي أفعالاً فقط دون أن يُشعر قلبه بأنه في عبادة، وهذا أمر يجب على إخواننا المسلمين كلهم أن يشعروا بأنهم في عبادة من حين الإحرام إلى أن يتحللوا وينتهي نسكهم.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، وأخبر بأنه: (من حج، ولم يرفث، ولم يفسق رجع -يعني من ذنوبه- كيوم ولدته أمه) وهذا يؤدي إلى أن يكون المسلم بعد فراغه من الحج خيراً منه قبل فعل الحج؛ لأنه عاد نقياً من الذنوب، فلا ينبغي أن يلطِّخ صفحات أعماله بالذنوب بعد أن طهَّره الله تعالى منها، وذلك بالمحافظة على طاعة الله عز وجل: وأعظمُها وأشدُّها: الصلاة، فإنها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي عمود الدين، ولا يُمكن أن يكون دين إلا بِها، ولهذا كان أصح الأقوال من أقوال أهل العلم أن تاركها كسلاً، أو تهاوناً كافر كفراً مُخرجاً عن الملة -والعياذ بالله-.
المحافظة كذلك على أداء الزكاة إلى مستحقيها الذين بيَّنهم الله تعالى في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة:60] .
وكذلك الصوم، والحج، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، والضيافة، وغير ذلك من شرائع الدين، وشعائره.
نسأل الله لنا ولكم الاستقامة والثبات.(122/2)
تفسير آيات من سورة الانشقاق(122/3)
تفسير قوله تعالى: (فأما من أوتي كتابه بيمينه)
يقول الله عز وجل: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق:7-8] :- لما ذكر أن العبد، بل الإنسان -كل الإنسان- كادح إلى ربه (كادح) أي: عامل بجد ونشاط (إلى ربه) أي: أن عمله هذا ينتهي إلى الله عز وجل، كما قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} [هود:123] لما ذكر هذا قال: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} [الانشقاق:7] إشارة إلى أن هؤلاء العاملين منهم من يؤتى كتابَه بيمينه، ومنهم من يؤتى كتابَه من وراء ظهره.
{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} : و (أوتي) هنا: فعل مبني لما لم يسم فاعله، فما الذي يؤتيه؟ يحتمل من الملائكة أو غير ذلك لا نعلم، المهم أنه يُعطى كتابه بيمينه يستلمه باليمنى.(122/4)
تفسير قوله تعالى: (فسوف يحاسب حساباً يسيراً)
قال تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق:8] أي: يحاسبه الله تعالى بإحصاء عمله عليه لكنه حساب يسير ليس فيه أي عسر كما جاءت بذلك السنة: (يدنو رب العزة من عبده فيقرره بذنوبه، فيقول: عملتَ كذا، عملتَ كذا، عملتَ كذا، ويقر بذلك ولا ينكر، فيقول الله تعالى: قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) ولا شك أن هذا حساب يسير يظهر فيه منةُ الله على العبد وفرحُه بذلك واستبشارُه.
{فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} : والمحاسب له هو: الله عز وجل، كما قال تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ} [الغاشية:25] * {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:26] .
{فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} .(122/5)
تفسير قوله تعالى: (وينقلب إلى أهله مسروراً)
قال تعالى: {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق:9] :- ينقلب من الحساب إلى أهله في الجنة مسروراً -أي: مسرور القلب- وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن: (أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر) ثم هم بعد ذلك درجات، وهذا يدل على سرور القلب؛ لأن القلب إذا سُرَّ استنار الوجه.(122/6)
تفسير قوله تعالى: (وأما من أوتي كتابه وراء ظهره)
قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيراً} [الانشقاق:10-12] :- هؤلاء هم الأشقياء -والعياذ بالله- يؤتَى كتابَه وراء ظهره وليس عن يمينه، وفي الآية الأخرى في سورة الحاقة: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} [الحاقة:25] فقيل: إن من لا يؤتى كتابَه بيمينه ينقسم إلى قسمين: 1/ منهم من يؤتى كتابه بالشمال.
2/ ومنهم من يؤتى كتابه وراء ظهره.
والأقرب والله أعلم: أنه يؤتى كتابه بالشمال، ولكن يده تُعْكَس حتى تكون من وراء ظهره إشارة إلى أنه نبذ كتاب الله وراء ظهره، فيكون الأخذ بالشمال، ثم تلوى يده إلى الخلف، إشارة إلى أنه قد ولى ظهره كتابَ الله عز وجل، ولم يبالِ به، ولم يرفع به رأساً، ولم يرَ بمخالفته بأساً.(122/7)
تفسير قوله تعالى: (فسوف يدعو ثبوراً * ويصلى سعيراً)
قال تعالى: {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً} [الانشقاق:11] يدعو على ويله، أي: يدعو على نفسه بالثبور، يقول: واثبوراه! يا ويلاه! وما أشبه ذلك من كلمات الندم والحسرة؛ ولكن هذا لا ينفع في ذلك اليوم؛ لأنه انتهى وقت العمل، فوقت العمل هو في الدنيا أما في الآخرة فلا عمل، وإنما هو الجزاء.
{فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيراً} [الانشقاق:11-12] أي: يصلى النار التي تسعَّر به -والعياذ بالله- ويكون مخلداً فيها أبداً؛ لأنه كافر.(122/8)
تفسير قوله تعالى: (إنه كان في أهله مسروراً)
قال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق:13] :-إنه كان في الدنيا في أهله مسروراً؛ ولكن هذا السرور أعقبه الندم والحزن الدائم المستمر، وارْبُطْ بين قوله تعالى فيمن أوتي كتابه بيمينه: {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} وهذا -والعياذ بالله- {كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} تجد الفرق بين السرورين: فالسرور الأول: سرور دائم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.
والسرور الثاني: سرور زائل، قد ذَهَبَ، {كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} أما الآن فلا سرور عنده.(122/9)
تفسير قوله تعالى: (إنه ظن أن لن يحور)
قال تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} [الانشقاق:14] :- أي: لن يرجع بعد الموت، ولهذا كانوا ينكرون البعث ويقولون: لا بعث، ويقول: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] .(122/10)
تفسير قوله تعالى: (بلى إن ربه كان به بصيراً)
قال تعالى: {بَلَى} [الانشقاق:15] : أي: سيحور ويرجع، {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً} [الانشقاق:15] :- أي: إنه سيرجع إلى الله عز وجل الذي هو بصير بأعماله، وسوف يحاسبه عليها على ما تقتضيه حكمته وعدله.(122/11)
تفسير آيات من سورة المطففين(122/12)
تفسير قوله تعالى: (إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين)
لما ذكر الله عز وجل أنه لا يكذِّب بيوم الدين إلا كلُّ معتد أثيم، بيَّن حال هذا الرجل إذا دُعِي إلى الحق وإلى التصديق بخبر الله أنه لا يَقْبَل ذلك.
{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [المطففين:13] :- أي: أن هذه الأساطير ليست إلا لإشغال المجالس والتلهي بها فقط، وذلك لأنه -والعياذ بالله- لم يكن مؤمناً، فلا يصل نور آيات الله عز وجل إلى قلبه، ويراها مثل أساطير الأولين التي يتكلم بها العجائز والشيوخ، وليس لها أي حقيقة وليس فيها أي جِد.(122/13)
تفسير قوله تعالى: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)
قال الله عز وجل: {كَلَّا} [المطففين:14] : أي: ليست أساطير الأولين.
ولكن هؤلاء {بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} : أي: اجتمع عليها وحجبها عن الحق.
{مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} : أي: من الأعمال السيئات؛ لأن الأعمال السيئات تحول بين المرء وبين الهدى، كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] فمن اهتدى بهدى الله، واتبع ما أمر الله به، وترك ما نَهى الله عنه، وصدَّق بما أخبر الله به وفاءً منه، وذلك فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا شك أن قلبه يستنير، وأنه يرى الحق حقاً، ويرى الباطل باطلاً، ويعظِّم آيات الله عز وجل، ويرى أنها فوق كل كلام، وأن هدي محمد صلى الله عليه وسلم فوق كل هدي، هذا من أنار الله قلبه بالإيمان، أما -والعياذ بالله- من تلطخ قلبه بأرجاس المعاصي وأنجاسها فإنه لا يرى هذه الآيات حقاً بل لا يراها إلا أساطير الأولين كما في هذه الآية.
{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ، وفي (بَلْ) سكتة لطيفة عند بعض القراء، وعند آخرين لا سكتة، فيجوز على هذا أن تقول: {كَلَّا بَلْ} ، ويجوز أن تقول: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} وهذه لا تغير المعنى، أي: سواء سكت أم لم تسكت فالمعنى لا يتغير.(122/14)
تفسير قوله تعالى: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون)
قال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] :- أي: حقاً إنهم عن ربهم لمحجوبون، وذلك في يوم القيامة، فإنهم يُحجَبون عن رؤية الله عز وجل، كما حُجِبوا عن رؤية شريعته وآياته، فرأوا أنها أساطير الأولين، وبهذه الآية استدل أهل السنة والجماعة على ثبوت رؤية الله عز وجل، ووجه الدلالة ظاهر، فإنه لما حَجَب هؤلاء في حال السخط إلا وقد مكَّن للأبرار من رؤيته تعالى في حال الرضا، فإذا كان هؤلاء المحجوبون فإن الأبرار غير محجوبين، ولو كان الحجب لكل منهم لم يكن لتخصيصه بالفجار فائدة إطلاقاً، ورؤية الله عز وجل ثابتة في الكتاب، ومتواترة في السنة، وإجماع الصحابة والأئمة، لا إشكال في هذا أنه تعالى يُرَى حقاً بالعين كما قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23] ، وقال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] ، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة بأنها النظر إلى وجه الله تعالى، وكما في قوله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35] والمزيد هنا هو بمعنى: الزيادة في قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] ، وكما قال تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام:103] فإن نفي الإدراك يدل على ثبوت أصل الرؤية، ولهذا كانت هذه الآية مما استدل به السلف على رؤية الله، واستدل به الخلف على عدم رؤية الله، ولا شك أن الآية دليل عليهم بأن الله لم ينفِ بها الرؤية، وإنما نفى الإدراك، ونفي الإدراك يدل على ثبوت أصل الرؤية.
فالحاصل: أن القرآن دل على ثبوت رؤية الله عز وجل حقاً بالعين، وكذلك جاءت السنة بذلك صريحة، حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون الشمس صحواً ليس دونها سحاب) ، (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تُضامون في رؤيته) وقد آمن بذلك الصحابة رضي الله عنهم، والتابعون لهم بإحسان من سلف هذه الأمة وأئمتها، وأنْكَر ذلك من حُجِبَت عقولهم وقلوبهم عن الحق فقالوا: إن الله لا يمكن أن يُرَى بالعين، وأن المراد بالرؤية في الآيات هي رؤية القلب، أي: اليقين، ولا شك أن هذا قول باطل مخالف للقرآن والسنة وإجماع السلف، ثم إن اليقين ثابت لغيرهم -أيضاً- حتى الفجار يوم القيامة سوف يرون ما وعدوا به حقاً ويتيقنونه.
وليس هذا موضع الإطالة في إثبات رؤية الله عز وجل، والمناقشة في أدلة الفريقين؛ لأن الأمر ولله الحمد من الوضوح أوضح من أن يطال الكلامُ فيه.(122/15)
تفسير قوله تعالى: (ثم إنهم لصالوا الجحيم)
قال تعالى: {ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ} [المطففين:16] :- إن هؤلاء الفجار لصالو الجحيم أي: يصلونها؛ يصلون حرارتها وعذابها، نسأل الله العافية.
{ثُمَّ يُقَالُ} [المطففين:17] تقريعاً لهم وتوبيخاً: {هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [المطففين:17] :- فيجتمع عليهم العذاب البدني والألم البدني بصَلْي النار، وكذلك العذاب القلبي بالتوبيخ والتنديم حيث {يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [المطففين:17] ولهذا يقولون: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام:27] قال الله تعالى: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:28] .(122/16)
الأسئلة(122/17)
أقسام الأحكام الشرعية
السؤال
بعض العلماء عند مناقشته لبعض المسائل الفقهية بعض الأحيان يشترطون أن يكون في المسألة دليل مباشر وإلا لم يقولوا بها، وبعض الأحيان يقولون بالمسألة ويستدلون لها بالأدلة العامة من الشريعة.
فما هو الفرق بينهما؟
الجواب
الفرق بينهما: أن الأحكام الشرعية تنقسم إلى قسمين: قسم نص عليه الشارع بعينه: مثل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة:3] إلى آخره، ومثل قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:24] يعني: من النساء، والأمثلة على هذا كثيرة.
وقسم آخر لا ينص عليه بعينه ولكن يذكره في القواعد العامة من الشريعة والأدلة العامة من الشريعة، وذلك لأن الشريعة شاملة عامة لكل شيء، ولا يمكن أن يُنَصَّ على كل مسألة بعينها؛ لأن هذا يستدعي أسفاراً كثيرة لا تحملها الجمال ولا السيارات؛ ولكن هناك قواعد عامة يُنْعِم الله على من يشاء من عباده فيستطيعون أن يُلْحِقوا الجزئيات بأحكام هذه القواعد العامة، مثل: (لا ضرر ولا ضرار) مثلاً، هذا حديث وإن كان في صحته نظر لكن قواعد الشريعة تشهد له، فيمكن أن تدخل في هذا آلاف المسائل التي فيها الضرر، وآلاف المسائل التي فيها المضارة دون أن يُنَصَّ عليه، فمثلاً: في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بين رجلين خصومة، وكان أحدهما له أرضان، وبينهما أرض الآخر، فأراد صاحب الأرضَين أن يجري الماء على أرض الآخر إلى أرضه الأخرى، فأبى صاحب الأرض وقال: [لا يمكن أن تجري الماء على أرضي] ، فرُفِع الأمرُ إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأمر أن يُجْرَى الماء على أرضه قهراً عليه وقال: [لأجرينه ولو على بطنك، أو قال: على ظهرك] ؛ لأن هذا الجار الذي أبى أن يمر الماء من أرضه إنما أراد المضارة بصاحبه، وإلا فالمصلحة له، يعني: يتمكن من أن يغرس على هذا الماء الذي يجري، أو يزرع عليه فهو مصلحة للطرفين.(122/18)
الهيئة التي يستلم بها المرء كتابه وراء ظهره
السؤال
قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ} [الانشقاق:10] بعض الناس يقول: تُخْرَج يده من صدره إلى ظهره.
فهل لهذا وجه؟
الجواب
هذا الذي ذُكِر ليس فيه دليل، ويمكن أن يُعْطَى الكتاب من وراء ظهره بدون أن تخرق صدره، يمكن أن تلوى من الخلف ويحصل بهذا.(122/19)
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على صاحب الدين
السؤال
فضيلة الشيخ! كان الرسول عليه الصلاة والسلام لا يصلي على المديون الذي عليه الدين؛ ولكن ذكر لي أحد الإخوة أنه في آخر عمره صلى على المديون.
فهل هذا صحيح؟
الجواب
هذا صحيح؛ لأنه كان في الأول عليه الصلاة والسلام قليل ذات اليد، ولا يفتدي مَن عنده الأموال، لكن لما كَثُرَت الأموال التي أشار الله إليها بقوله: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} [الفتح:20] لما كثرت الأموال عنده صار إذا قُدِّم عليه الميت وعليه دَين التزم هو صلى الله عليه وسلم بالقضاء وصلى عليه، فيؤخذ من هذا أن الميت إذا خلَّف رهناً يكفي دينَه أو ضَمِنَه ضامن فإنه لا أثر لهذا الدين في ذمته، ومن ذلك ما هو الآن شائع كثيراً في مجتمعنا من الدين الذي يثبت على الإنسان من صندوق التنمية العقارية وهو مؤجل لسنوات عدة، فهؤلاء إذا ماتوا وقد أدوا ما حل في حياتهم فليس عليهم تَبِعَة لما بقي من الدين؛ لأن هذا الدَّين فيه رهن، وهذا الرهن يكفي لأداء ما بقي من الدين.(122/20)
أقسام موالاة الكافرين
السؤال
فضيلة الشيخ! البعض يقول في كتاب منتشر مؤخراً: إن الموالاة لحزب الشيطان بالاختيار دون الإكراه، ومهما كانت الدوافع، تخرج المسلم من حزب الله بالكلية، وأن كل صور الموالاة العملية مخرجة من الملة؛ لأنها مرتبطة بالقلب.
بارك الله فيك! هل من تفصيل؟
الجواب
هذا لأن الموالاة أقسام، الموالاة التي هي المناصرة بحيث يناصر الكفار على ما كانوا عليه فهذا مخرج عن الملة، وأما الموالاة التي تكون بسبب الأحلاف والأيمان فلا بأس بها فإن النبي صلى الله عليه وسلم عقد الحلف بينه وبين خزاعة، ولما اعتدت قريش على خزاعة جاء النبي عليه الصلاة والسلام -هذا نقضاً للعهد- وألغى الصلح الذي بينه وبين قريش؛ لأنهم اعتدوا على خزاعة الذين هم حلفاء الرسول عليه الصلاة والسلام، فالموالاة التي تخرج هي أن يوالي الكفار على ما كانوا عليه بحيث يناصرهم ويساعدهم على أي حال كانوا حتى وإن قاتلوا المسلمين فهذا هو الذي يقول الله فيهم: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51] .
ولم يتطرق مثلاً إلى قصة حاطب بن أبي بلتعة، ألم تكن تلك صورة عملية ولم تكن قلبية؟ حاطب رضي الله عنه بيَّن السبب في أنه كتب لقريش بأن الرسول عليه الصلاة والسلام يغزوهم بأن عندهم -أي: قريش- له من الأموال والبيوت ما يخشى عليه فعذره النبي عليه الصلاة والسلام، ثم إنه أيضاً لم يعذره بذلك العذر التام إلا أنه كان من أهل بدر، وقد قال الله لأهل بدر: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) .(122/21)
أمور تجعل الحج واجباً
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هي الأمور التي تجعل المسلم ملزماً بالحج وجوباً من غير الفريضة؟
الجواب
النذر، لو نذر الإنسان نَذْرَ تَبَرُّعٍ أن يحج وجب عليه أن يحج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) والحج طاعة لله ورسوله، فإذا نذر أن يحج وجب عليه أن يحج، وقولنا: نَذْرَ تَبَرُّعٍ احترازاً مما لو كان نذر احتجاجٍ أو غضب وهو الذي يقصد به المنع، أو الحث، أو التصديق، أو التكذيب، ويظهر ذلك بالمثال إذا قال رجل: إن شفى الله مريضي فلله عليَّ أن أحج هذا العام أو أن أحج، ويُطْلِق، هنا النذر نَذْرُ تَبَرُّعٍ؛ لأنه نذر في مقابلة نعمة فيكون شكراً، وأما لو قال: إن كلمت فلاناً فلله عليَّ نَذْرٌ أن أحج كل عام، فهذا لا يلزمه الوفاء به؛ لأنه لم يقصد بذلك التقرب إلى الله بالحج، وإنما قصد بذلك أن يثقل على نفسه حتى يمتنع مما نذر عليه.
فالمهم أن الحج يكون واجباً بالنذر، كذلك -أيضاً- يكون واجباً إذا شرع فيه، ولو كان حج نافلة، لقول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] ، وهذه الآية نزلت قبل فرض الحج؛ لأنها نزلت في الحديبية عام (6) للهجرة وفَرْضُ الحج إنما كان في السنة التاسعة، وعلى هذا فيجب الحج لأمرين: بالشروع فيه.
وبالنذر.
وأما الفريضة فهي واجبة.(122/22)
ليس لأولياء المقتول أن يعفوا إذا كان المقتول عليه دين
السؤال
هل لأولياء المقتول أن يعفوا والمقتول عليه دين؟
الجواب
ليس لهم أن يعفوا، وذلك لأن حق أولياء المقتول لا يَرِد إلا بعد الدين؛ لقول الله تعالى في آية المواريث: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12] ، فليس لهم حق في إسقاط الدية؛ لأن الدية تَرْكٌ في التركة، ولهذا تضاف إليها فإذا قدرنا أنه قتل وعنده خمسون ألفاً والدية مائة ألف صار ماله مائة وخمسين ألفاً.(122/23)
معنى قوله تعالى: (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى)
السؤال
قوله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة:203] ما معنى: (لمن اتقى) ؟
الجواب
أي أن هذا الحكم إنما هو لمن اتقى الله عز وجل بحيث أتى بالحج كاملاً وقبل التعجل، وتأخر للتقرب إلى الله عز وجل لا لغرض دنيوي، أو حيلة، أو ما أشبه ذلك، فيكون هذا القيد راجعاً لمسألتين: للتعجل.
والتأخر.
وقيل: إن القيد للأخير فقط {وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة:203] يعني: أن التأخر أَتْقَى لله عز وجل؛ لأنه خير من التعجل؛ حيث إن الرسول عليه الصلاة والسلام تأخر، وحيث إن المتأخر يحصل له عبادتان: الرمي.
والمبيت.
لكن الأظهر والله أعلم أن هذا القيد للتعجل والتأخر.(122/24)
تحريم قول القائل: عليك وجه الله
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة لبعض الناس يقولون: عليك وجه الله أن يكون الغداء عندنا، أو العشاء عندنا، فهل هذا يجوز؟
الجواب
هذا حرام ولا يجوز للإنسان أن يقول: عليك وجه الله أن تتغدى عندي أو تتعشى؛ وذلك لأنه استشفع بالله على الخلق، والله عز وجل أعظم من أن يكون واسطة بينك وبين الناس، فهذا القول حرام ويجب النهي عنه.
والمخاطَب له أن يخالف؛ لأن هذه الصيغة محرَّمة، والمحرمة لا يُلزَم بها شيء.(122/25)
حكم من سعى شوطاً ثم شق عليه الزحام وانتقل إلى السطح
السؤال
رجل سعى فأكمل الشوط الأول، ومن شدة الزحام انتقل إلى السطح، هل يلغي الشوط الأول أو يبني عليه؟
الجواب
لا بأس أن يبني على الأول، إذا كان سعى شوطاً ثم شق عليه الزحام وانتقل إلى فوق فلا حرج، ويكمِّل على الشوط الأول؛ لأنه كله مسعى، وليس هناك مدة طويلة بين انتقاله إلى السطح الأعلى من السطح الأسفل.(122/26)
حكم بيع الزائد من أثاث المسجد
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز أن يباع الأثاث الزائد من المسجد ويشترى أثاث آخر مثل السماعات وغيرها؟
الجواب
الأمر في أثاث المسجد وسماعاته ومكينة مكبر الصوت وما أشبه ذلك المرجع في هذا إلى الجهة المسئولة عن المساجد.
أما إذا كان المسجد خاصاً بشخص هو الذي يتولاه ويقوم عليه فهذا لا حرج عليه أن يبيع ما زاد عن فرشه ويجعله في مصلحة أخرى للمسجد.
والمساجد التي تحت رعاية الشئون الإسلامية ليس للإنسان أن يتصرف فيها بأي شيء، حتى لو فرضنا أن هذا المسجد فيه ألف مصحف، وعندنا مسجد آخر ما فيه إلا عشرة مصاحف ومحتاج إلى مائة مصحف؛ فإنه لا يمكن أن ننقل من المسجد الأول إلى الثاني إلا بإذن المسئولين عنه، أما المساجد الخاصة فهذه لها شأن آخر.(122/27)
حكم المسافر إذا مر ببلدة يوم الجمعة في الصباح بنية البقاء إلى العصر
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا مر مسلم مسافر ببلدة يوم جمعة بنية البقاء إلى العصر.
هل يصلي الجمعة معهم بنية الظهر؟ وهل يجوز لهذا المسافر أن يجمع العصر إلى الجمعة؟
الجواب
نعم.
إذا مر المسافر في قرية أو مدينة وهم يصلون الجمعة وهو يريد أن يبقى فإنه يجب عليه أن يحضر إلى الجمعة لعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] فيقال لهذا المسافر: ألستَ من المؤمنين؟ سيقول: بلى.
فإذاً يشملك الخطاب، ولكنه يصلي بنية الجمعة كالمرأة إذا حضرت في صلاة الجمعة فإنها تصلي بنية الجمعة لا بنية الظهر، وإنما قلنا: يصلي بنية الجمعة اتباعاً للإمام من وجه؛ ولأن الجمعة أفضل من الظهر، فلا ينبغي أن ينصرف عن الأفضل إلى المفضول.
وأما قوله: هل يجوز لهذا المسافر أن يجمع العصر إلى الجمعة؟ نقول: لا يَجوز؛ لأن الصلاة إنَّما تُجمع إلى نظيرتِها، والعصر ليست نظيرة للجمعة، هذا من جهة التعليل العقلي، ولأنَّها لم تَرِدْ بِها السنة، أي: لم تَرِدْ السنة بجمع العصر إلى الجمعة، والجمع صفة شرعية، لا يجوز للإنسان أن يقوم بها إلا بدليل من الشرع.(122/28)
فناء المخلوقات كلها عدا الجنة والنار وما فيهما
السؤال
يوم القيامة ينادي الله سبحانه وتعالى فيقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:16] بعد أن فَنَت كل الخلائق، فهل يهلك منها -مثلاً- الوِلْدان، والحور العين، والجنة، والنار، أم الخلائق فقط غير هذه الأشياء؟
الجواب
{يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:16] يخاطب الله عز وجل هؤلاء البارزين يقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} أنتم في الدنيا عندكم مالِك ومَمْلُوك، فلِمَن الملك اليوم؟ فيجيب نفسه عز وجل: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} وهذا قبل أن يدخل أهل النار النار وأهل الجنة الجنة، وذلك كله في عرصات يوم القيامة.(122/29)
الرد على من يقول: إن دعاء: (اللهم أعتق رقابنا من النار) لا ينبغي الدعاء به
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك دعاء يدعو به بعض الناس وهو: اللهم أعتق رقابنا من النار.
وقد قال أحد طلبة العلم: بأن هذا الدعاء لا ينبغي أن يقال أو شيء مثل هذا، ويقول: كأن الداعي يحكم على نفسه بأنه من أهل النار.
الجواب
لا.
هذا غير صحيح، إذا قال الإنسان: اللهم أنجني من النار، فهل معناه أنه دخل فيها؟ طبعاً: لا؛ لكني ظننتُ أنه يقول: لماذا يسأل بالإعتاق بدل النجاة؟! أنا أقول: لا بأس أن يسأل بالإعتاق بدلاً من النجاة، كما جاء في الحديث في باب صيام رمضان: (ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة) وجاء فيمن أعتق عبداً (أن الله يعتقه بكل جزء منه أو بكل عضو منه عضواً من النار) .(122/30)
كبائر الذنوب تغفر بالحج
السؤال
فضيلة الشيخ! قلنا على الحج: إن الله عز وجل يغفر به الذنوب، ويعود الحاج كيوم ولدته أمه، فالحديث الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه للصحابي الذي اشترط أن يُغْفَر له ما سبق قال: (ألم تعلم أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الحج يهدم ما قبله) أفي هذا دليل على أن كبائر الذنوب كذلك تُغْفَر في الحج؟ بينما بعضهم يقول وكأنه إجماع: إن كبائر الذنوب لا تغفر إلا بالتوبة!
الجواب
هذا ظاهر الحديث: (من حج فلم يرفث ولم يفسق -إذا أتى بهذا القيد- رجع كيوم ولدته أمه) وكذلك حديث عمرو بن العاص الذي أشرتَ إليه: (وأن الحج يهدم ما قبله) ظاهره العموم، وأنه يهدم كل شيء ما عدا الكفر فلابد فيه من توبة.
وهذا الذي ذكرتَ ذكره بعض العلماء قال: إذا كانت الصلوات الخمس لا تكفِّر إلا إذا اجتُنِبَت الكبائر وهي أعظم من الحج وأفضل وأحب إلى الله فالحج من باب أولى، لكن نقول: هذا ظاهر الحديث، ولله تعالى في حكمه شئون، والثواب ليس فيه قياس، والحمد لله أنت احتسب على ربك هذا فلعل الله عز وجل أن يؤتيك إياه.(122/31)
الشيخ ابن باز يرى إضافة الصلاة على النبي في التشهد الأول
السؤال
الشيخ ابن باز يرى أن في التشهد الأول في الصلاة الثلاثية والرباعية أنه يضيف إليه: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آله إبراهيم إنك حميد مجيد، فما الفرق بين التشهد الأول والأخير في هذا؟ وهل الصلاة على النبي في التشهد الأول واجبة أم سنة؟
الجواب
الفرق أنه لا يقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ولا يزيد في الدعاء على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما هل هو سنة أو واجب، فلا أعلم هل يرى الشيخ أنه واجب أو أنه من باب السنة؛ لكن القول الصحيح عندي: أنه لا يزيد، وأنه يقتصر على قوله: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفف هذا التشهد حتى كأنما هو جالس على الرَّضَف) أي: الحجارة المحماة، وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً لكنه الظاهر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علَّم ابن مسعود وابن عباس التشهد، ولم يُذْكَر فيه الصلاة على الرسول، فمن زادها فلا حرج، ومن لم يزدها فلا حرج.
لكن الإمام لا يقول الصلاة على النبي، والذي وراءه يقول ذلك.(122/32)
الواجب على المسافر الذي صلى الجمعة في الطريق وجمع إليها العصر وحكم صلاته
السؤال
فضيلة الشيخ! جماعة مسافرون صلوا الجمعة في طريقهم ثم جمعوا إليها العصر ثم نُبِّهوا إلى خطئهم في ذلك، فما الواجب عليهم؟ وما حكم صلاتهم؟
الجواب
الواجب عليهم أن يعيدوا الجمعة ظهراً، وأن يصلوا عصراً؛ لأن الجمعة لا تصح للمسافر إلا إذا كان معه ناس يقيمون الجمعة يعني: بحيث أنهم مروا بمدينة وصلوا مع الناس فهذا لا بأس به، تجزئهم؛ لكن وهم في البر لو صلوا الجمعة فصلاتهم باطلة، أما إذا صلوها تبعاً، فليس عليهم إلا صلاة العصر التي جمعوها إلى الجمعة فيجب عليهم إعادتها، وتكون ركعتين وإن كانوا في البلد؛ لأنها وجبت عليهم كذلك، ويصلونها عندما يعلمون أن عملهم غير صحيح مثلاً: قيل لهم قبل الظهر بدقيقتين إن صلاتكم للعصر التي جمعتموها إلى الجمعة غير صحيحة، فيجب عليكم أن تعيدوا العصر، نقول: صلوها الآن.(122/33)
حكم الالتفات في الحيعلتين في الأذان مع وجود مكبرات الصوت
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم الالتفات في الحيعلتين في الأذان خصوصاً بعد وجود مكبرات الصوت (الميكرفون) ؟
الجواب
بعد مكبرات الصوت لا يُسَن الالتفات؛ لأن المراد بالالتفات هو أن يَعْلم أو أن يَسْمع مَن على اليمين وعلى الشمال، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أنك تقول: حي على الصلاة على اليمين، حي على الصلاة على اليسار، حي على الفلاح على اليمين، حي على الفلاح على اليسار، أما مع وجود مكبر الصوت فإن الالتفات يؤثر على الصوت؛ لأنك إذا التفت لم تكن اللاقطة أمامك فيضعف الصوت؛ لكن وضع السبابة في الأذنين هذه سنة، حتى وإن كنت تؤذِّن في مكبر الصوت.(122/34)
جواز النظر إلى المخطوبة أكثر من مرة
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة لشاب تقدم لخطبة فتاة، فكانت مدة الخطبة -مثلاً- شهراً أو شهرين، وأراد أن يراها بمحرم -بوجود محرم من أهلها- فهل يجوز له الرؤية مرة أخرى؟
الجواب
نعم، إذا خطب المرأة ورآها أول مرة، ثم أراد أن يعيد النظر مرة أخرى فلا بأس إذا لم يكن قصده التمتع بالنظر إليها فلا بأس؛ لأن الإنسان قد يرى الشيء لأول مرة خلاف ما هو عليه، فيقول: أريد أن أكرر المرة لأجل أتأمل أكثر، فنقول: لا بأس بهذا؛ لأن المقصود من النظر إلى المخطوبة هو: أن يخطبها وهو على بصيرة منها حتى يكون ذلك أدعى إلى محبتها والالتئام بينهما.(122/35)
حكم المسافر إذا دخل مسجداً فوجدهم يصلون العشاء وهو لم يصل المغرب
السؤال
رجل مسافر لم يصلِّ المغرب ودخل مسجداً فوجد الناس يصلون العشاء، فماذا يفعل يا شيخ؟!
الجواب
إذا كان الإنسان لم يصلِّ المغرب ودخل والناس يصلون صلاة العشاء فإنه يدخل معهم بنية المغرب، ثم إن أدرك الإمام في الركعة الأولى فإنه يجلس إذا قام الإمام إلى الرابعة، ويتشهد ويسلم ويدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، وإن أدرك الإمام في الركعة الثانية سلم مع الإمام؛ لأنه تم له ثلاث ركعات، وإن أدركه في الركعة الثالثة أدى بركعة بعد سلام الإمام.
والمخالفة للعذر لا بأس بها، وقد نص على هذا أهل العلم رحمهم الله في كتبهم ومنهم: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من العلماء، نعم.(122/36)
جواز الخروج للمتمتع بعد العمرة خارج مكة
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل أدى الحج متمتعاً، ولما أدى العمرة وحل الإحرام ذهب خارج مكة إلى جدة والطائف.
فما الحكم؟
الجواب
لا حرج على الإنسان إذا أتى بالعمرة وهو متمتع أن يخرج إلى بلد آخر فيما بين العمرة والحج، ويبقى على تمتعه إلا إذا رجع إلى بلده ثم عاد من بلده محرماً بالحج فحينئذٍ لا يكون متمتعاً؛ لأن السفر الذي كان للعمرة انقطع برجوعه إلى بلده، وعلى هذا فيكون مفرِداً لا متمتعاً، فمثلاً لو كان الرجل من أهل جدة وأتى بعمرة في أشهر الحج على أنه سيحج هذا العام، ثم رجع إلى جدة وفي اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج فإن هذا لا يكون متمتعاً؛ لأنه عاد إلى بلده، وقطع سفره الأول، والله عز وجل يقول: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة:196] ، فظاهر هذا أنه في سفر واحد؛ لأنه إذا قطع السفر وأنشأ سفراً جديداً للحج لم يكن متمتعاً بالعمرة إلى الحج؛ بل هو محرم بالحج رأساً، وهذا هو المروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأظنه أيضاً عن ابنه عبد الله، وهو مقتضى النظر والقياس.
وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح.(122/37)
لقاء الباب المفتوح [123]
إن العاقل يعتبر من تصرم الليالي والأيام وانقضائها سريعاً؛ وإن الزمن لا يمضي بالساعات ولا بالدقائق ولا باللحظات بل بالأنفاس أيضاً، والمؤمن الفطن هو من يجعل هذه الدار طريقاً له إلى الآخرة فيكثر فيها من الأعمال الصالحة المختلفة التي تكون له زاداً يوم القيامة، والمؤمن تراه دائماً يحاسب نفسه على كل صغيرة وكبيرة وعلى كل وقت مضى من عمره في غير ما طاعة.(123/1)
الاعتبار بما مضى
الحمد لله رب العالمين، وأصلِّي وأسلِّم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا نبتدئ لقاءنا هذا المعبَّر عنه بـ (اللقاء المفتوح) وهو آخر لقاء في هذا العام عام (1416هـ) وهو يوم الخميس التاسع والعشرون من شهر ذي الحجة عام (1416هـ) نختتم به هذا العام، ونسأل الله سبحانه وتعالى لنا وللمسلمين حسن العاقبة والختام.
إن الإنسان العاقل يعتبر من مرور الليالي والأيام وانقضائها سريعاً وذهابها جميعاً، يعتبر في هذه الليالي والأيام كيف تسير، ليس بالساعات ولا بالدقائق ولا باللحظات بل بالأنفاس -أيضاً- إلى أن يأتي الأجل المحتوم الذي ينتقل به الإنسان من دار العمل إلى دار الجزاء، والعاقل يعتبر ما يأتي بما مضى، يعتبر المستقبل بالماضي، إن الماضي مضى وكأنه يوم واحد، بل كأنه ساعة واحدة، بل كأنه دقيقة واحدة، بل إن الإنسان لا يشعر في مقامه بما سبق كلامَه الآن إلا وأنه شيء انقضى وتلِف وهلك، انقضى كأنه ساعة من نهار، وكأن ما جرى فيه من الأحوال أحلامٌ للنيام، فهكذا المستقبل أيضاً، سيأتي ويمضي حتى يَتِمَّ الأجل، وينتهي العمل وينقطع، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) والمؤمن الحازم الكيِّس الفطن هو الذي ينتهز فرص العمر قبل أن تمضي، ينتهزها في الخير قولاً وفعلاً، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) .
إذاً: فالسكوت هو الخير إلا إذا كان الكلام هو الخير، وترك العمل هو الخير إلا إذا كان العمل هو الخير، ولهذا وَصَفَ الله عبادَه عبادَ الرحمن بقوله: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72] .
{وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63] .
وفي آية أخرى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} [القصص:55] .(123/2)
انتهاز الفرص واستغلال الأوقات في الأعمال الصالحة
عليك يا أخي المسلم أن تتقي الله عز وجل وتنتهز الفرص، وألا تَدَعَ ساعةً تمضي إلا ولك فيها عمل صالح: - إما عبادة خاصة من: صلاة، وقراءة قرآن، وذكر، وغير ذلك.
- وإما في عبادة عامة: كعلم تنشره بين إخوانك من زملائك وعامة الناس.
- وإما بأمر بمعروف ونهي عن منكر.
- وإما ببر الوالدين، وصلة الأرحام.
- وإما بالإحسان إلى الجيران، والإحسان إلى الأيتام وغيرهم.
- وإما بسعي بالإصلاح بين الناس.
- إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة التي شرعها الله تعالى للعباد رحمة منه وفضلاً وإحساناً.
ولولا أن الله شرع هذه الأشياء لكانت مما لا يقربه إلى الله، ولكن الله شرعها لتكون مقرِّبة إليه وينتفع بها العباد، ومن ذلك: السير في طلب العلم:- فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن: (مَن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) .
والطرق التي يُلْتَمَس فيها العلم نوعان: حسيه ومعنوية.
فأما الحسية فهي: الأسواق التي يمشي فيها الإنسان إلى دور العلم؛ المساجد وغير المساجد.
وأما المعنوية فهي: أن يسير الإنسان بفكره وتأمله وتفكره في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو في المطالعة في كتب العلماء الذين بذلوا الجهد الكثير المشكور في نشر كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بمعناهما الصحيح؛ سواء كان ذلك في القرآن مباشرة كالتفسير، وفي السنة مباشرة كشرح الأحاديث، أو كان على وجه منفصل ككتب الفقهاء وكتب العلماء في العقائد والتوحيد، وما أشبه ذلك، فإن كل ما تجدونه من كتب العقائد والتوحيد التي يستدل فيها مؤلفوها بكتاب الله وسنة رسوله هي في الحقيقة تفسير للقرآن لكنها تفسير غير مباشر، وكذلك ما تجدونه في كتب الفقهاء الذين يستدلون على الأحكام الشرعية بالقرآن والسنة هي في الحقيقة تفسير للقرآن، فالمُطالِع في كتب الفقه المبنية على الأدلة هو في الحقيقة يُطالع التفسير؛ لكنه غير مباشر، والمطالِع كذلك في العقائد وكتب التوحيد التي تستدل على ما تقول بالكتاب والسنة هو في الواقع يقرأ التفسير.(123/3)
محاسبة النفس
ثم إنني بهذه المناسبة أقول: لعل من المناسب جداً أن يختم الإنسان عامه بالتدبر والتأمل والتفكر فيما عمل وفيما يعمل: فإن كان قد أصاب وأجاد؛ فليحمد الله على ذلك، وليسأله المزيد من فضله، وإن كان قد فرط؛ فليستدرك، فإن كان في ترك واجب يمكن تلافيه فليفعل، وإذا كان في ترك واجب لا يمكن تلافيه فليستغفر الله تعالى مما حصل، وإن كان في فعل محرم فليستغفر الله وليتُب؛ لِيُفَكِّر! أقول قولي هذا وأنا أشدُّكم تفريطاً؛ لكني أسأل الله العافية والتوفيق.
إنه ينبغي للإنسان أن يفكر تفكيراً جِدِّياً، وإذا كان التجار الذين يسعون في الدنيا لكسب الربح يراجعون دفاترهم في كل عام ينظرون ما الداخل وما الخارج، فلماذا لا يعمل المتاجرون مع الله عز وجل كما يعمل هؤلاء، فإن العمل في عبادة الله هو تجارة في الواقع يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الصف:10-11] فجعل الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله جعلها تجارة وهي حقيقة تجارةٌ، هي التجارة الرابحة، أما الدنيا فتجارتها وإن زادت فقد تكون نقصاً.
أسأل الله تعالى أن يرزقني وإياكم اغتنام الأوقات بما يقرب إليه، وأن يعفو عنا ما فرطناه في واجبه، وأن يتجاوز عنا سيئاتنا إنه على كل شيء قدير.(123/4)
الأسئلة(123/5)
وسائل المباح مباحة ووسائل الواجب واجبة
السؤال
وسائل الاتصالات يا شيخ! الآن كما تعلم عندما نرجع إلى حوالي عشرين سنة من الآن بدأ الراديو وحصل عليه ملاحظات بتحريمه وما إلى ذلك، ثم بدأ التلفاز الذي يُبَث من مناطق قريبة وحصلت ملاحظات تحريمه كذلك كما تعلم، والآن بدأ الدش الذي يُبَث من أماكن بعيدة، وهذا هو تطور العلم وقال تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل:8] أرجو تعليقك على هذا الموضوع؛ لأن الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما أمور متشابهات، جزاك الله خيراً يا شيخ!
الجواب
تعليقنا على هذا أني أخبرك ومَن سمع ويسمع: أن كل شيء يكون جديداً لابد أن يبحثه الناس، والغالب أنهم يختلفون فيه.
فحَدَثَ الدخان قبل مدة طويلة وبعد حدوثه اختلف الناس فيه هل هو حرام أو غير حرام، واضطربت الأقوال فيه وانتهى الأمر بعد تطور الطب ومعرفة النافع والضار من المأكول والمشروب انتهى الطب إلى أن يجزم الإنسان بتحريمه.
ثم حدث -كما تفضلتَ- الراديو واختلف الناس فيه.
بل قبله حدثت البرقية، واختلف الناس فيها، وكسَّرها أناس من الخلق وقالوا: هذه شياطين.
وكذلك جاء الراديو وقيل: هذا حرام وهذا لا يجوز، وهذه شياطين.
وكذلك جاء المسجل.
حتى اختلف الناس في مكبر الصوت في المساجد على الرغم من أنه يَبُثُّ الخطبة ويبث ما فيه الخير؛ لكن قالوا: هذا لا يجوز.
المهم أن الله عز وجل جعل لنا ميزاناً نزن به كل شيء، فقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] .
وقال عز وجل: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10] أليس كذلك؟ حسن جعل الله لنا موازين نرجع إليها، فمثلاً: في العبادات: الميزان في العبادات أن الأصل في العبادات المنع وأنه لا يجوز للإنسان أن يتعبد لله بأي عمل من الأعمال قولي أو فعلي وبأي عقيدة من العقائد إثباتاً أو نفياً إلا بإذن من الله ورسوله، لا يمكن أن يتعبد الإنسان عبادة إلا إذا عَلِمْنا أنها مشروعة فالأصل في العبادات المنع، حتى يقوم دليل على أنها مشروعة، أي إنسان يتعبد عبادة لا نعرفها نقول: يا أخي! اصبر، هذا حرام، إذا قال: ما الدليل؟ نقول: الدليل عليك أنت، أنت الذي تثبت أن هذه مشروعة، وإلا فإنها مردودة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ) نحن لا نقول لك: مردودة مِن أنفسنا نقول بقول الرسول عليه الصلاة والسلام.
أفهمتَ يا أخي؟! خذ هذه قاعدة.
غير العبادات الأصل فيها الحل؛ لأن الله قال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة:29] كل ما خلق الله في الأرض من أعيان أو منافع، أو أي شيء آخر فإنه حلال، فإذا قال لنا إنسان: هذا حرام، قلنا: ما الدليل؟ ولهذا نقول: الراديو حلال.
المسجل حلال.
مكبر الصوت حلال.
يبقى إعادة النظر، هذا الذي نقول له: حلال؛ لأي شيء يكون وسيلة، إذا كان وسيلة للحرام أو كان ما يُبَث به حرام فإنه يكون حرام؛ لأن لدينا قاعدة شرعية: ووسائل الحرام حرام، وسائل الواجب واجبة.
فعلى هذا نقول: لا شك أن الراديو والتلفاز وما جاء بعده من التلفاز العام -البث العام- الذي يُتَوَصَّل إليه بالدشوش لا شك أنه يَبُثُّ أشياء تدمر العقيدة والأخلاق والمعاملات؛ ولكن هذا ليس على سبيل العموم، إنما بالتتبع والأخبار عن هذه الأشياء العامة التي تُبَثُّ من بلاد بعيدة بواسطة الدش، المسموع: أن ضررها أكثر بكثير من نفعها، والإنسان العاقل الذي يعرف موارد الشريعة ومصادر الشريعة لا يشك في أن اقتناءها حرام.
الآن بعدما عرفنا ما يبث فيها من أخلاق سافلة، لا يفعلها ولا الحمير، أخلاق مدمرة للشباب والشابات، فأنا من هذا المكان وفي كل مكان أقول: إنها حرام، وأنه لا يجوز اقتناؤها؛ لأن الذين يقتنونها الآن غالبهم لا يقتنونها إلا للشر والاطلاع على ما يكون فيها من البلاء وإثارة الشهوة، وربما يكون الإنسان ضعيف الجنس -جنس الشهوة- فيتوصل إلى تقويتها بما يشاهده من المشاهد الفاسدة لينال شهوته، {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] وقد قال الله تعالى عن الذين كفروا: إنهم {يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] .
أقول: مع الأسف الشديد إن هذه الدشوش انتشرت انتشاراً فظيعاً، انتشار النار في الهشيم، وأصبح كثير من الناس يقتنيها الآن ولا يدرون ما عاقبتها، ولكني بما سمعتُ من أخبارها وما يُنْشَر فيها أقول: إنها حرام.
وإذا قدَّرنا أن فيها فائدة من مائة مضرة، فالله يقول في القرآن الكريم: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة:219] إثم مفرد ومنافع للناس كثيرة، ومنافع صيغة منتهى الجموع، يعني: أكثر ما يكون من الجمع، {وَإِثْمُهُمَا} [البقرة:219] وهو واحد {أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219] وحرمهما الله عز وجل؛ لأن الإثم أكبر مع أن المنافع كثيرة.
الإثم الذي يحصل بهذا الدش، ولو قدرنا أنه يحصل فيه مشاهد عظيمة كثيرة من منافع، لو قدرنا أنه -مثلاً- نُشاهد فيه معارك المسلمين مع الكفار، نشاهد فيه الحج، ونُشاهد فيه الجمعة، ونستمع إلى خطبة الجمعة، ونشاهد فيه محاضرات قيمة نافعة.
إلى آخره، هذه منافع كثيرة؛ لكنَّ ضرراً واحداً كبيراً يدمر الخلق، هو نظير الخمر والميسر، ما دام أن هذه المضرة والمفسدة الواحدة تدمر أخلاقاً كثيرةً كما في القول بالتحريم.
لذلك أنا أنصح كل إنسان عنده من هذا الدش شيئاً أن يكسِّره ابتغاء رضوان الله عز وجل حتى يقطع عن نفسه الرجوع إليه مرة أخرى.
ولنا في سليمان بن داود أحد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أسوة لَمَّا ألْهَتْه الخيل عن ذكر الله ماذا صنع؟ قال: {رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [ص:33] بعضُها يعقرها وبعضها يقطع عنقها؛ لئلا تدعوه نفسه إلى الاشتغال بها مرة أخرى.
وكعب بن مالك رضي الله عنه لما جاءته الورقة؛ وثيقة من ملك غسان يقول -لما بلغه أن الرسول عليه الصلاة والسلام هجره لتخلفه عن غزوة تبوك جاءه كتاب من ملك غسان - يقول: [الحق بنا نواسِك، قد بلغنا أن صاحبَك قلاك -إثارة- بلغنا أن صاحبَك قلاك -يعني: يثيره ثم يرغِّبه- الحق بنا نواسك] يعني: نجعلك مثلنا ملكاً، ماذا صنع رضي الله عنه؟ أخذ الورقة وذهب يوقدها في التنور؛ حتى لا تحدثه نفسه بعد أن يأخذ هذه الوثيقة ويذهب بها إلى هذا الرجل ويقول: أنت قلت: الحق بنا نواسك، اجعل لي من ملكك نصيباً.
فالحاصل -يا أخي- أني أقول لك، ولِمَن يسمع، ولِمَن سمع، أقول: إن الإنسان يجب عليه أن يتقي الفتنة ما استطاع، ويدعها.(123/6)
حكم من يقول: إنه لا يرد على الإمام إذا نسي آية إلا بعد إذنه وإنه إذا نسي آية دون أن يغير المعنى فهو جائز
السؤال
رجل صلى خلف إمام في صلاة جهرية فنسي الإمام آية من القرآن الذي قرأه في تلك الصلاة ففتح عليه هذا الرجل مرتين، ولم يمتثل الإمام لهذا الفتح، ثم بعد الصلاة ذكر هذا الإمام أن صلاة الرجل الذي فتح عليه باطلة؛ لأنه تكلم في الصلاة من غير إذن الإمام، وأنه إذا نسي آية من القرآن دون أن يغير المعنى فذلك جائز! نرجو من فضيلتكم تبيين الأحكام المتعلقة في مثل هذا الموقف!
الجواب
أولاً: هذا الموقف -موقف الإمام- موقف خطير.
أما الذي فتح عليه فجزاه الله خيراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نسي آية وهو يصلي ثم ذُكِّر بها فقال للرجل: (هلا ذكرتنيها) وهو عليه الصلاة والسلام أعلم الناس بالقرآن، وسيد الخلق، قال: (هلا ذكرتنيها) فحثه على أن يذكره بِها.
فنحن نشكر لهذا المأموم الذي فتح على الإمام.
أما الإمام فإن موقفه خطير جداً: أولاً: لأنه جعل مدار بطلان الصلاة وعدم بطلانها أن يأذن هو للناس أن يفتحوا عليه أو لا يفتحوا؛ لأنه قال: صلاتك باطلة؛ لأنك فتحت علي بدون إذني، فكأنه جعل نفسه مشرعاً.
ثانياً: قوله: إنه يجوز للإنسان أن يحذف آية من القرآن إذا كان لا يتغير به المعنى، هذا خطير، وهذا ينافي قول الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] .
ولذلك أنا أرى أن من الواجب أن تنصحوا هذا الإمام إذا كنتم تعرفونه، وتذكرونه بالله عز وجل، وتقولون: كلامك هذا خطأ، وإن أصر على ذلك فلابد أن يُرفع إلى الجهات المسئولة.(123/7)
الأمر بمتابعة الإمام ونبذ الوساوس والشكوك
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا كان الإمام قام للركعة الخامسة في الصلاة، وسبب قيامه لها أنه ترك ركناً من أركان الصلاة سواء نسي قراءة الفاتحة في أحد الركعات أو نسي إحدى السجدات فما موقف المأموم الآن: هل يجب عليه متابعته، أو بعد أن يسلم الإمام من الخامسة يكمل المأموم ركعة خامسة؟
الجواب
أقول: بارك الله فيك! تمثيلك لترك الركن بترك السجود أو الركوع هذا لا يستقيم؛ لأنه إذا تركه سوف يُنَبَّه؛ لكن الذي يَرِدْ هو أن الإمام ربما ينسى قراءة الفاتحة، ثم يأتي بركعة بعد تمام الركعات الأربع بدلاً عن الركعة التي تركها؛ لأن الإنسان إذا ترك الفاتحة في الركعة الأولى صارت الركعة الثانية في حقه هي الأولى، والثالثة هي الثانية، والرابعة هي الثالثة، يحتاج أن يأتي بالرابعة، والمأموم لا يعلم، فإذا قام الإمام إلى الخامسة ونُبِّه ولم يرجع لا تقل: إن الرجل معاند وأنه يجب عليك مفارقته إذاً: ربما يكون نسي الفاتحة وأنت لا تعلم فنقول: اجلس أنت وانتظر حتى تسلم مع الإمام.
ولكن بالمناسبة أود أن أقول: إن الشيطان يعتري ابن آدم كثيراً ويشككه في صلاته فمَن كثُرت معه الشكوك فلا يلتفت إليها، يعني: مثلاً لو كان هذا الرجل كلما صلى شك نقول: لا تذهب إلى الشكوك، الشكوك إذا كثُرت صارت وسواساً ولا يجوز الالتفات إليها.(123/8)
رفع التكاليف عمن فقد عقله
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل أوصاني بسؤال ونصُّه: أن أمه تبلغ من العمر (85) عاماً، وأصابها شلل، وانعقد لسانها وهي لا تصلي ولا تصوم فما حكم ذلك؟ وماذا يعمل لها؟ ولها ما يقارب ست سنوات على هذه الحال!
الجواب
إذا كانت الأم قد فقدت عقلها لا تأخذ شيئاً ولا تعطي؛ فليس عليها صيام ولا صلاة ولا يتصدق عنها؛ لأنها سقط عنها التكليف بزوال العقل.(123/9)
حكم التجسس على من ظاهره الصلاح
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل تولى توزيع أموال الصدقات، وقد شاع أمره بين الناس بشرب الخمر، هل لأعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تتبعه وتتجسس عليه، حتى يُبَيَّنُ أمرُه ويُبْعَدُ عن الأعمال الخيِّرة؟
الجواب
لا أرى التجسس فيمن ظاهر حاله الصلاح، ولكن يُتَحَرَّى من جهة الصدقات ألا توكل إليه لاسيما إذا كان أو عُرِف منه أنه لا يصرفها في مصارفها؛ لأن شارب الخمر ليس عدلاً في دينه؛ لكنه قد يكون عدلاً في معاملته، أما في دينه فليس بعدل، هذا بالنسبة للحكم من حيث هو.
ولكن أرى أنه -يجب مثل هذا الرجل الذي يتولى الصدقات وربما لا يُوْكَل إليه أمرها إلا وظاهره الصلاح- أن نتصل بهذا الرجل بعد أن نتأكد من كونه يشرب الخمر وننصحه ونقول له: إما أن تتوب إلى الله، وإما أن ننتزع منك هذه المهمة.
والاشتهار أمر نسبي، قد يشتهر الأمر بالسوء عند طائفة من الناس؛ لكونهم -مثلاً- عندهم غيرة كبيرة في نفوسهم، فيأخذون بالتهمة ويشتهر أمره، ولا يكون صحيحاً؛ لكن على كلٍّ لابد من التثبت.(123/10)
نصيحة لطلاب العلم فيما يتعلق بالكتب
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هي الكتب المتعلقة بالعقيدة والفقه التي تنصحون بها طلاب العلم لكي يقرءونها ويتفقهوا عليها؟
الجواب
والله طلاب العلم بارك الله فيك: - إما أن يكونوا مبتدئين: فهؤلاء ننصحهم بالكتب المختصرة.
- وإما يكونوا متوسطين: فبالكتب التي أعلى.
- أو منتهين: فبالكتب الكبيرة.
لا يمكن أن ننصح نصيحة عامة، فمثلاً: إذا كان مبتدئاً: نقول في العقيدة: عليك بـ العقيدة الواسطية، لـ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإنها من أوفى العقائد وأحسنها وأوثقها.
في علم التوحيد وما يتصل به: كتاب التوحيد، لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
وإن كان لا يتحمله: فبما دونه، مثل: الأصول الثلاثة، كشف الشبهات؛ لكن كتاب التوحيد أحسنها إذا أمكنه.
وفيما يتعلق بالحديث: عمدة الأحكام.
فيما يتعلق بالفقه: زاد المستقنع؛ لأننا لا نريد أن نقول: عليك بما دون زاد المستقنع، ثم بعد ذلك في زاد المستقنع تتراكم عليه كتب الفقه، لا، نقول من الآن ابدأ بـ زاد المستقنع حفظاً وشرحاً.
وفي النحو: الآجرومية، ثم الألفية.(123/11)
الواجب على من سلم قبل أن يتم صلاته
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل يصلي في الناس وشك في صلاته هل صلى ثلاثاً أم أربعاً، وترجح عنده أنه صلى أربعاً، وسجد للسهو وسلم، ثم قال له المأمومون: أنه صلى ثلاثاً وقام يأتي برابعة! فهل يسجد سجود سهو ثانٍ؟ أم يكتفي بسجود السهو الأول؟
الجواب
نقول: يجب عليه أن يسجد للسهو بعد السلام من الرابعة؛ لأنه سَلَّم قبل أن يتم صلاته، والسلام قبل إتمام الصلاة لا بد فيه من سهو، ويكون السجود بعد السلام.(123/12)
حكم من دفن منفرداً بعيداً عن مقابر المسلمين
السؤال
أقول: أحد أقاربنا توفي قبل ثلاثين سنة أو أربعين سنة تقريباً ودُفِن وحده في البر، وقال لنا بعض العلماء: إنه لابد أن يُنْبَش ويدفن في مقابر المسلمين.
ما رأيك يا شيخ؟
الجواب
رأيي: أنه ليس بلازم، اللهم إلا إذا وصله العمران.(123/13)
ضابط العقد المحرم
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض محطات البنزين يضعون جوائز وهي عبارة عن -مثلاً- خمسمائة لتر أو ألف لتر، دونما زيادة في السعر، إذا عبَّأ صاحب السيارة يعطونه ورقة، بعد نهاية كل شهر يجرى السحب فربما يفوز بألف لتر أو خمسمائة لتر.
ما هو كلام فضيلتكم حول هذا الموضوع؟
الجواب
والله نرى -سلمك الله- أن هذه الجوائز إذا كان الإنسان المشتري يشتري لحاجته، لا من أجل أن يفوز بالجائزة.
وكانت سبباً لربحه، فإنه لا بأس بذلك؛ لأن هذا المشتري إما غانم وإما سالم، يعني: ما عليه خسارة، وهو سيشتري البنزين على كل حال، فإما أن يحصل على هذه الجائزة وإما أن يسلم، والعقد المحرم هو: الذي يكون فيه العاقد بين غانم أو غارم، أما إذا كان بين غانم أو سالم فهذا لا بأس به.(123/14)
العالم الذي يحق له الاجتهاد في المسائل النازلة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هو ضابط العالم الذي يحق له الاجتهاد في المسائل النازلة؟
الجواب
أولاً بارك الله فيك الاجتهاد نوعان: اجتهاد خاص في مسألة من المسائل.
واجتهاد عام.
فأما الاجتهاد الخاص فكل طالب علم يمكنه أن يبحث في المسألة ويتعمق فيها، وحينئذ يلوح له وجه الصواب في أحد القولين.
ومع ذلك لا ننصح طالب العلم المبتدئ حتى لو اجتهد في مسألة وحرضها وبحث فيها ورأى فيها أقوال العلماء لا ننصحه بأن يتسرع في الإفتاء؛ لأنك تخاف، خطر عظيم، إذ إنه قيادة للأمة على أمر مجتَهَد فيه، وقد يكون صواباً وقد يكون خطأً، ولهذا نجد بعض الإخوة الذين عندهم شيء من مبادئ العلم إذا اجتهدوا فأفتوا أنهم يندمون؛ لأنهم بعد أن يتقدم بهم السن ويعرفون العلم تماماً يجدون أنهم أخطئوا في هذا.
ولذلك فمن أخطر ما يكون على طالب العلم التعجل في الفتوى، وما دام الأمر والحمد لله واسعاً، وهناك من هو أكبر منك سناً وقدراً في العلم، وأكثر منك وأغزر فالأمر موكول إليهم، أما أنت انتظر، الأمر آت إليك.
وأما الاجتهاد العام المطلق فهذا يحتاج إلى علم واسع، وقد ذكر العلماء في باب أصول الفقه أن له شروطاً عشرة بعضُها مُسَلَّم وبعضها غير مُسَلَّم؛ لكن لا يمكن لإنسان أن يكون عنده اجتهاد مطلق عام إلا إذا كان متبحراً في العلوم؛ في علم العربية، وعلم التفسير، وعلم الحديث، وعلم المصطلح، وعلم أصول الفقه، يعني: في كل ما يحتاج إليه ما المقصود بالاجتهاد الخاص الذي ذكرناه سابقاً؟ افرض -مثلاً- أنك تريد أن تبحث هل الجد حكمه حكم الأب فيُسقِط الإخوة أو لا؟ هذا محل خلاف بين العلماء، خلاف مشهور، إنسان -مثلاً- اجتهد في هذا، فأخذ يطالع كتب العلماء ومناقشاتهم والأدلة لهؤلاء وهؤلاء، فلاح له بعد البحث والمناقشة أن الصواب أن الجد حكمه حكم الأب يُسقِط الإخوة، هذا له أن يفعل؛ لكن -كما قلت لكم قبل ذلك- إذا كان صغيراً يعني لِتَوِّه بادئاً يطلب العلم فلا يُقْدِم على الفتوى، إذا بان له -مثلاً- أن الصواب في كذا فليسأل العالم الآخر الذي هو أكبر منه قدراً ويستشيره.(123/15)
حكم صلاة ركعتي تحية المسجد
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما حكم ركعتي تحية المسجد، مع ذكر الدليل؟ وما هو دليل المخالف للرد عليه؟ وهل يلزم القائلين بوجوب ركعتي تحية المسجد عند دخولهم المسجد في وقت النهي ركعتين أم لا؟ أفيدونا مأجورين!
الجواب
نعم! بارك الله فيك! أولاً: السلام عند إلقاء السؤال ليس من السنة، ونبَّهنا على هذا كثيراً، لأن الصحابة كانوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام يجلسون ولا يسلمون إذا أرادوا السؤال، لو قدم الإنسان على الحلقة وسلم فهذا لا بأس.
أما تحية المسجد فالقول بأنها واجبة وأن الإنسان إذا دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين وجوباً، هذا قول قوي لا شك فيه، ومن ذهب إليه فلا يُنْكَر عليه، دليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) والأصل في النهي التحريم، وهذه عبادة ليست من أمور الأدب؛ لأن أمور الأدب إذا جاء فيها الأمر فهو للاستحباب إلا بدليل، لكن أمور العبادة الأصل فيها أنها واجبة، فهذا يدل على وجوب تحية المسجد، ويؤيِّد هذا: (أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس، فقال له: أصليت؟ قال: لا، قال: قم فصلِّ ركعتين وتجوَّزْ فيهما) وجه الدلالة على الوجوب: أن رسول الله قطع الخطبة وسأل هذا الرجل.
ثانياً: أنه أمره أن يقوم ويصلي، ومعلوم أنه إذا قام يصلي سوف يشتغل بصلاته عن استماع الخطبة، واستماع الخطبة واجب ولا يُشْتَغل بشيء عن واجب إلا وذلك الشيء واجب.
ثالثاً: أن الرسول قال: تجوَّز فيها؛ إشارة إلى أنه إنما يأتي بقدر الضرورة وأن فعلهما ضرورة.
هذا أعظم دليل يدل على الوجوب وهو قول قوي.
أما الذين قالوا أنه ليس للوجوب، فاستدلوا بأحاديث: منها: أن الرسول عليه الصلاة والسلام يدخل يوم الجمعة ولا يصلي ركعتين، يشتغل بالخطبة ولا يصلي ركعتين إلى أن مات عليه الصلاة والسلام.
ومنها: قصة الثلاثة الذين دخلوا والنبي عليه الصلاة والسلام في أصحابه فمنهم من جلس خلف الحلقة، ومنهم من دخل في الحلقة، ومنهم من انصرف، ولم يُنقل في الحديث أنهم صلوا تحية المسجد.
لكن الاستدلال بهذا الحديث ضعيف، لماذا؟ لأنه أعلم في هذا الحديث أنه لم يُنْقل أنهم صلوا وعدم النقل ماذا؟ ليس نقلاً للعدم، يعني: لم يأتِ في الحديث أنهم لم يصلوا؛ لكن الظاهر أنهم لم يصلوا، فالاستدلال بهذا ضعيف.
كذلك أيضاً: قصة كعب بن مالك رضي الله عنه حين جاء وسلم على النبي عليه الصلاة والسلام وكان في أصحابه بعد أن تاب الله عليه فقام إليه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهنئه، وتقدم وسلم على النبي عليه الصلاة والسلام، وليس في الحديث ما يدل على أنه صلى.
لكن الاستدلال بهذا الحديث -أيضاً- فيه شيء من الضعف؛ لأن كعب بن مالك يحتمل أنه ليس على وضوء، ومن دخل المسجد على غير وضوء فإنه لا يصلي إذ (لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يتوضأ) كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
كنت أقول بوجوب تحية المسجد؛ لكني بعد ذلك ترجح عندي عدم الوجوب، ومع هذا لو أن أحداً قال بالوجوب فإننا لا نعنفه، ولا ننكر عليه.
أما صلاتها في وقت النهي فالصحيح أنها تصلَّى في وقت النهي ولو قلنا بأنها سنة؛ لأنها صلاة لها سبب، وكل صلاة لها سبب فإنها تُفْعَل حتى في وقت النهي، وعلى هذا فإذا دخلت المسجد بعد صلاتك صلاة العصر فلا تجلس حتى تصلي ركعتين، أو بعد صلاتك صلاة الفجر فلا تجلس حتى تصلي ركعتين سواء دخلت لقراءة القرآن أو لاستماع علم أو لغير ذلك، لا تجلس حتى تصلي ركعتين.(123/16)
الواجب على الحاج المتمتع إذا أراد السفر بعد أداء العمرة
السؤال
أسرة من الرياض ذهبوا إلى مكة وكان رب الأسرة يريد الحج متمتعاً، فلما اعتمروا وأنهوا عمرتهم وحلوا جميعاً ذهب بهم جميعاً إلى الجنوب، وبعد ذلك عاد إلى مكة فهل يجب عليه أن يحرم إذا مر بالميقات؟ هذه واحدة، والأمر الثاني: ولو سافر دون الميقات هل عليه -أيضاً- أن يحرم؟
الجواب
هذا الرجل قَدِمَ من الرياض بأهله واعتمروا، ثم ذهب بأهله إلى الجنوب ولعل الجنوب هو مقرهم، ثم رجع، هو محرم بالحج وكان حين اعتماره يريد الحج، فهذا متمتع، إذا رجع فإن كان في غير وقت الحج فلابد أن يحرم يعني: -مثلاً- إذا بقيت أيام على الحج فإنه يحرم بعمرة ثانية؛ لئلا يتجاوز الميقات بلا إحرام.(123/17)
كيفية تقسيم أرباح المقصف المدرسي إذا كان الطلاب والمدرسة مشاركون فيه
السؤال
فضيلة الشيخ! يوجد هناك مَقْصَف مدرسي يكون فيه مساهمِين من الطلبة والمدرسة إلا أن الأرباح تصل في الريال تقريباً إلى خمسة ريالات؛ لكن يُجْبَر المسئول على المََقْصَف بشراء بعض مستلزمات المدرسة من أوراق تصوير وما أشبه ذلك، والأرباح لا تقسَّم بالتساوي بين الطلبة والمدرسة، يعطَى الطالب في الريال ريالين والبقية للمدرسة.
ما الحكم في ذلك؟
الجواب
يعني خلاصة السؤال الآن: يقول: مَقْصَف المدرسة يُقْسَم الربح فيه بين الطلاب الذين ساهموا وبين مصالح المدرسة.
إذا كان هذا برضاً من الطلاب فلا بأس، إذا كانوا بالغين عاقلين، أما إذا كانوا دون البلوغ فالمرجع إلى أوليائهم، فإذا قال الأولياء: يكفينا بعض الربح والباقي لمصلحة المدرسة فلا بأس، فلابد من إذن، ثم إذا كان الأمر مشتهراً بين الناس أن المَقْصَف يُقْسَم ربحه بين المساهمِين وبين مصالح المدرسة يعني: فلا يحتاج إلى إذن خاص، يُكتَفَى بما اشتهر.(123/18)
النهي عن اتخاذ القبر عيداً
السؤال
فضيلة الشيخ! لي جد أبوه متوفىً، أبو جدي يعني، توفي بالبر، له (خبت) لوحده وسؤالي هنا يقول: ما حكم كون كل سنة، أو كل رأس سنة، يعزم جدي العائلة ويذبح هناك، ويصنع وليمة؟
الجواب
هذا منكر؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (لا تتخذوا قبري عيداً) وهذا اتخذ قبر أبيه عيداً.
وهذا حرام عليه، بلغهم يا أخي! عنا أن هذا حرام، وأنه لا يجوز، ولو ذهبنا بعيداً لقلنا: إن العلماء يقولون: إن الميت إذا فُعِلَ المنكر عنده تأذى به؛ لكن هذا يحتاج إلى دليل وليس عندي دليل الآن، إنما أصل العمل منكر، فيجب عليهم أن يكفوا عن هذا الأمر، وأن يستغفروا الله مما جرى.(123/19)
شروط المَحْرم
السؤال
فضيلة الشيخ! الولد متى يكون محرماًَ لأمه؟ هل هو بالبلوغ أو بالتمييز؟
الجواب
المحرم بارك الله فيك! يكون مَحْرَماً إذا كان بالغاً عاقلاً، فمن لم يبلغ فليس بمحرم، ومن كان في عقله خلل فليس بمحرم.(123/20)
التفصيل في مسألة من لم يقرأ الفاتحة خلف الإمام
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا لم يقرأ المأموم خلف الإمام الفاتحة في الركعتين الأخيرتين من الظهر أو العشاء، هل في ذلك شيء؟
الجواب
أما الذين يرون أن المأموم لا قراءة عليه فلا شيء عليه، وأما الذين يرون أن المأموم تجب عليه قراءة الفاتحة فالقواعد تقتضي أنه يجب عليه أن يأتي بركعتين بدل الركعتين اللتين ترك فيهما القراءة، وإن كان متعمداً وهو يعلم أن القراءة ركن لابد منها بطلت صلاته، وإذا كان المأموم يعلم من إمامه أنه سريع القراءة فليسرع هو أيضاً.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى.
نسأل الله أن يختم لنا ولكم عامنا بالخير والبركة والعفو والتجاوز.(123/21)
لقاء الباب المفتوح [124]
في هذا اللقاء تكلم الشيخ عن تفسير الآية الثانية عشرة من سورة الحجرات التي يقول الله فيها: ((وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)) [الحجرات:12] ^ احتوت على أكثر من موضوع، وهذا يدل على عظمة كتاب الله عز وجل، وقد فسرها تفسيراً جميلاً ومميزاً، وتحدث عن كل موضوع فيها، مثل: الغيبة والتقوى.(124/1)
تفسير قوله تعالى: (واتقوا الله إن الله تواب رحيم)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا نفتتح هذا العام عام (1417هـ) في هذا اللقاء المسمَّى (لقاء الباب المفتوح) ، الذي يتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو اليوم الخامس من شهر محرم (1417هـ) .
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يَجعله عام خير وبركة لنا وللمسلمين، وأن يكتب فيه العزة والكرامة والنصر والتأييد لعباده المؤمنين.
كنا وصلنا في التفسير إلى قول الله تبارك وتعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:12] .(124/2)
أمران تتحقق بهما التقوى
التقوى يكثر الأمر بها في القرآن الكريم وكذلك في السنة، فما هي التقوى التي يكثر ورودها في كتاب الله، وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إنها كلمة عظيمة، إنها تعني: الوقاية من عذاب الله، فبماذا تكون الوقاية من عذاب الله؟ تكون الوقاية من عذاب الله بأمرين: الأمر الأول: امتثال أوامر الله عز وجل بأن يقول الإنسان إذا سمع أمر الله: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285] ، فإن هذا هو قول المؤمنين.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:51] ، فلا يكن في قلبك تردد.
لا تقل: لماذا أُمِرت بكذا؟ قل: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285] .
لا تقل: ما الفرق بين كذا وكذا؟ يعني لماذا يأمر الله بكذا ولا يأمر بكذا؟ مثلاً في لحوم الإبل أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نتوضأ من لحومها، ولهذا كان أكل لحوم الإبل ناقضاً للوضوء على القول الراجح من أقوال العلماء، فلا تقل: لماذا يأمرنا بالوضوء من أكل لحم الإبل، ولا يأمرنا بالوضوء من أكل لحم البقر، مع أن كلاً منهما يسمى بَدَنَة؟! لا تقل هكذا، تؤمر الحائض بقضاء الصوم ولا تؤمر بقضاء الصلاة، لا تقل: لماذا تؤمر بقضاء الصوم دون الصلاة؟ على سبيل التشكيك، ولكن قل: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285] .
الأمر الثاني مما تتحقق به التقوى: اجتناب ما نهى الله عنه، إذا نهى الله عن شيء نقول: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285] واجتنبنا.
لا تقل: لماذا؟ وتأمل قول الله عز وجل في الخمر والميسر والأنصاب والأزلام حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90] {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:91] .
انظر كيف! {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:91] أي: فبعد هذا التفصيل والتبيين هل تنتهون أو لا؟ وهذا الاستفهام بمعنى الأمر أي: فانتهوا ولهذا قال الصحابة: انتهينا انتهينا.
فصارت التقوى تتحقق بماذا؟ بأمرين.
الأول: امتثال أمر الله عز وجل دون تردد، والثاني: اجتناب نهي الله عز وجل دون تردد.
قل: ((سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)) [البقرة:285] ، فهذا قول المؤمنين.(124/3)
التوبة وشروطها
يقول الله عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:12] هذان اسمان من أسماء الله: الأول: التواب.
والثاني: الرحيم.
والتواب هنا: صيغة مبالغة، واسم الفاعل مِن تاب: تائب، والتواب تعني: كثرة التوبة، وأنه عز وجل متصف بهذا الوصف، وإنما كان الرب عز وجل كثير التوبة: لأن العباد كثيرون، هذه واحدة.
ولأن الذنوب التي يقترفها الإنسان كثيرة، ما أكثر ما يقترفه الإنسان من الذنب ويتوب الله عليه! فلهذا سَمَّى نفسه التواب، وما هي التوبة؟ التوبة من العبد: أن ينتقل من معصية الله إلى طاعته.
والتوبة من الله: أن يقبل الله من العبد فيبدِّل سيئاته حسنات.
إذاً: التوبة من العبد ما هي؟ الانتقال.
من ماذا؟ من المعصية إلى الطاعة.
الرجوع من المعصية إلى الطاعة، والتوبة من الله: قبول هذه التوبة من العبد، وإبدال سيئاته بحسنات، كما قال الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ.
} [الفرقان:68] إلى أن قال: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:70] .
وقد تُطْلَق التوبة من الله على توفيقه العبد للتوبة.
فللعبد توبتان: توبة بمعنى: التوفيق للتوبة.
وتوبة بمعنى: قبول التوبة.
ما هو الدليل على هذا؟ الدليل: قول الله تبارك وتعالى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} [التوبة:118] ، كيف تاب ليتوبوا؟ أي: وفقهم للتوبة فتابوا.
أما التوبة الأخرى وهي: قبول توبة العبد: فمثل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى:25] .
توبة العبد تحتاج إلى شروط؛ إذ ليس كل توبة مقبولة، لا بد يا إخواني! من شروط: الأول: إخلاص النية.
الثاني: الندم على الذنب، وانكسار القلب، وخجله من الله عز وجل، وأن يشعر الإنسان بأنه مذنب، يحتاج إلى توبة ونعمة من الله عز وجل.
الثالث: الإقلاع عن المعصية، إما بفعل الواجب وتداركه إن أمكن، أو بالإقلاع عن المحرم.
والرابع: العزم على ألا يعود إلى الذنب مرة أخرى، فإن أقلع عنه وندم ولكن في نيته أنه متى سنحت له الفرصة عاد إلى الذنب فهذا لا تقبل توبته.
الشرط الخامس: أن تكون في الوقت الذي تُقْبَل فيه التوبة؛ لأن التوبة لها وقت تُرَدُّ فيه مهما تاب العبد وهو -أي: الوقت الذي لا تقبل فيه التوبة- نوعان: خاص.
وعام.
أما الخاص فهو: حلول الأجل: إذا حضر الموت فإنه لا قبول للتوبة مهما كان، دليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء:18] ، هذا ليس له توبة بعد أن شاهد وعاين العذاب يقول: أتوب؟! لا ينفع، الحدود في الدنيا إذا قُدِر على العبد وتاب بعد القدرة عليه هل يرتفع عنه الحد؟ لا.
لقوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة:34] ، كذلك الإنسان إذا حضره الموت وشاهد وعاين لا تنفعه التوبة للآية الكريمة وهي في سورة النساء، وقد وقع ذلك فعلاً حين تاب فرعون بعد أن أدركه الغرق قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] ماذا قيل له؟ قيل له {آلْآنَ} [يونس:91] يعني: آلآن تؤمن بما آمنت به بنو إسرائيل؟! هذا لا ينفع، {وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:91] .
الثاني: العام: الوقت الذي يكون لعموم الناس، إذا حصل أو إذا جاء فإنها لا تقبل التوبة، وذلك إذا طلعت الشمس من مغربها، فالشمس الآن تدور منذ خلقها الله عز وجل، تأتي من ناحية المشرق وتغيب من ناحية المغرب، فإذا أراد الله تعالى انقضاء الدنيا انعكست القضية وصارت الشمس تأتي من المغرب، وإذا رآها الناس آمنوا كلهم؛ لأنهم يعلمون أن لهذا الكون مدبراً وإلا فمن يستطيع أن يأتي بالشمس من المغرب، هل من أحد يستطيع؟ لا.
ولهذا قال إبراهيم للذي ناظره قال: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة:258] ؛ لكن إذا رأى الناس كلهم الشمس بعد أن غابت رجعت من المغرب سيؤمنون؛ لكن هذا الإيمان هل هو قهري أم اختياري؟ قهري؛ لأنه شاهد.
ولهذا قال الله عز وجل: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} [الأنعام:158] والمراد ببعض الآيات هنا: طلوع الشمس من مغربها.
إذاً: لابد للتوبة من شروط خمسة: الأول: الندم على فعل المعصية.
الثاني: إخلاص النية لله عز وجل، بألا يقصد الإنسان بالتوبة أن ينال مرتبة، أو أن ينال جاهاً، أو أن يُمدح عند الناس، مثاله: إنسان معروف بالفسق والانحلال وأُعْلِن عن وظيفة إمام مسجد، ومعلوم أنه لن يُوَظَّف في إمامة المسجد إلا من كان مستقيماً، هو استقام من أجل ماذا؟ من أجل أن يكون إماماً في المسجد، هذا لا تنفعه التوبة؛ لأنه لم يخلص النية لله.
الشرط الثالث: الإقلاع عن الذنب، وذلك بأن يأتي بالواجب إن أمكن تداركه، أو بدله إذا لم يمكن تداركه وكان له بدل، أو يقلع عن المحرم إذا كان الذنب فعلاً محرماً.
حسن! إذا كان الذنب في حق إنسان بأن يكون شخص سرق من إنسان مالاً، السرقة حرام، تاب الرجل وندم وعزم على ألا يعود، فبماذا يكون تحقيق التوبة؟ لابد أن يوصل هذا المال إلى صاحبه، ولا يمكن أن تتم التوبة إلا بهذا، فإذا قال: أخشى إن ذهبتُ إلى هذا الرجل وأعطيته المال أخشى أن يترتب على ذلك ضرر عليَّ؛ على سمعتي، وربما أُحْبَس وأنا قد تبت إلى الله قبل أن يُقْدَر عليَّ! فكيف تكون الحال؟ هل يجوز أن يتصدق به عن صاحبه؟
الجواب
لا؛ لأن صاحبه معلوم، أما لو كان مجهولاً يقول: والله إنه سرق من أناس نسيهم أو جهلهم لا يدري أين هم، فهنا يتصدق بما سرق عنه؛ لكن إذا كان معلوماً لابد أن يوصله، إذاً: ماذا يصنع؟ نقول: ممكن أن تعطي شخصاً تثق به وتقول: يا فلان! إني سرقت هذا المال من فلان، وقد ندمتُ وتبتُ إلى الله فمِن فضلك أعطه إياه وقل له: هذه دراهم من إنسان تستحقها عليه وهو الآن يبذلها.
إذا لم يكن هذا ممكناً فيمكن أن ترسل بالبريد، ويقال: هذه دراهم من شخص تستحقها عليه، وفي هذه الحال من المعلوم أنك لن تكتب اسمك أليس كذلك؟ وأيضاً لا يحسن أن تكتبها بقلمك؛ لأنه ربما يمر عليه يوم من الدهر، اكتبها بالآلة التي تطبع طباعة بالكمبيوتر أو غيره وأرسلها إليه، هذا إذا كان الحق مالياً، حق إنسان.(124/4)
الغيبة وأقوال العلماء في كيفية التوبة منها
إذا كان الحق غير مالي مثل أن يكون شخص اغتبتَه في مجلس أو مجالس فكيف التوبة من هذا؟ قال كثير من العلماء: لابد أن تذهب إليه وتستحله، وإلا فسيأخذ من حسناتك يوم القيامة، اذهب إليه وقل له: يا فلان! سامحني.
وقال بعض العلماء: لا يجب أن تستحله، وإنما تستغفر له، وتثني عليه في المجالس التي كنت تغتابه فيها، والحسنات يذهبن السيئات، وقد جاء في الحديث: (كفارة من اغتبته أن تستغفر له) .
ولكن فيه قول ثالث وسط ولعله الصواب، يقول: إن كان صاحبك الذي اغتبته قد علم بذلك فلابد من أن تذهب إليه وتستحله؛ لأنه لن يزول ما في قلبه حتى تستحله، أما إذا كان لم يعلم فيكفي أن تستغفر له، وأن تثني عليه في المجالس التي كنت تغتابه فيها، والله غفور رحيم.
وينبغي لمن جاء إليه أخوه يعتذر منه أن يسامحه ولكن هل يناقشه ويقول: أنت الآن تطلب مني أن أحللك لكن ما الذي فعلت معي؟ يعني: هل ينبغي أن يناقشه ويرى ما الذي حصل، أو يقول: أنت في حل ويكفي؟ الأولى ألا يناقشه؛ لأنه ربما يذكر شيئاً كبيراً فتعجز نفسُ صاحبه عن أن يحلله، أليس كذلك؟ ربما إذا قال: والله حلني، قال: ماذا أنت فاعل معي، قال: فعلت كذا وكذا وكذا ويكون الشيء كبيراً وتأبى نفسه أن يحلِّل؛ لأن النفس أمارة بالسوء، فالأَولى ألا يسأل، ألا يقول: ما الذي فعلت؟ وأن يحتسب الأجر من الله ويقول: هذا جاء معتذراً، ومن عفا وأصلح فأجره على الله، ولولا أنه نادم وتائب وأنه يرجى في المستقبل أن تعود هذه الغيبة ثناءً حسناً، ويقول: أنت مني في حِل، وأجره على من؟ على الله.
فصار عندنا الآن بالنسبة لمن كانت مظلمته غير مال هل يذهب ويستحله أو لا يذهب؟ كم قولاً في المسألة؟ ثلاثة أقوال.
الأول: أنه لابد أن يذهب إليه ويستحله.
والثاني: لا حاجة للذهاب إليه، بل يستغفر له ويثني عليه في الأماكن التي كان يغتابه فيها.
والثالث: التفصيل، وهذا التفصيل هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو الحق؟ وهو أنه إن كان عالماً فلابد أن تستحله حتى يزول ما في قلبه، وإن كان غير عالم فلا حاجة إلى استحلاله.
هذا بالنسبة للذي اغتاب غيره.
أما الذي اغتَيْبَ وطُلِبَ منه السماح فالذي نراه أن الأفضل والأكمل أن يحلِّله؛ لأنه أخوه جاءه معتذراً نادماً فليحلِلْه، وثقوا بأنه إذا حلله ستكون كبيرة عظيمة على الشخص الذي استحله، سيرى أنه أهدى إليه أكبر هديه فتنقلب الكراهة التي كانت من قبل تنقلب إلى محبة وألفة؟ وهذا هو المطلوب من المسلمين، أن يكون بعضهم لبعض آلفاً محباً وادَّاً، يقول الله عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:12] هو سبحانه وتعالى رحيم وهو رحمان، وقد اجتمع الاسمان في أعظم سورة في كتاب الله، فما هي؟ الفاتحة، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:2] .
قال العلماء: إذا ذُكِر الرحمن وحده كما في قوله تعالى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً} [مريم:92] .
وكما في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} [الفرقان:60] .
أو صار الرحيم وحده كما في هذه الآية: {تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:12] فمعناهما واحد، يعني: أن الرحيم وذو الرحمة الواسعة الشاملة، والرحمن إذا ذكر وحده هو ذو الرحمة الواسعة الشاملة، أما إذا اجتمعا جميعاً فالرحمن باعتبار الوصف، والرحيم باعتبار الفعل، انتبه! الرحمن باعتبار الوصف والرحيم باعتبار الفعل يعني: أنه عز وجل ذو رحمة واسعة وهو -أيضاً- راحم يوصل الرحمة إلى من يشاء من عباده، كما قال الله تعالى: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} [العنكبوت:21] .
أسأل الله تعالى أن يعمني وإياكم برحمته وجميع إخواننا المسلمين، وأن يجعلنا من دعاة الخير والإصلاح، إنه على كل شيء قدير.(124/5)
الأسئلة(124/6)
حكم شرب الدم من أجل الشفاء
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك عائلة في منطقة حائل وثبت بالتجربة أن دمهم يشفي من الغَلْث، المسمى: داء الكلب، فما حكم شرب الدم؟ أرجو الإجابة!
الجواب
أنا أظن أن هذا ليس بصحيح؛ لأن الله لا يجعل شفاء هذه الأمة بما حَرَّم عليها، والدم محرم؛ لكن لعل هذا من باب الوهم؛ لأن الإنسان إذا توهم شيئاً انتفع به، فلعل هذا الذي يصاب يكون قد استقر في مخيلته أنه إذا شرب من هذا الدم استفاد فيستفيد، لكن لو فرض على أبعد تقدير أنه أمر محقق أن الإنسان إذا شرب من هذا الدم فإنه ينجو من الموت، فهنا نقول بالجواز استدلالاً بقول الله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ.
} [الأنعام:119] أتموا إلى قوله تعالى: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] .
ولقوله تعالى حين ذكر تحريم الميتة والخنزير: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ.
} [المائدة:3] إلى آخره، قال: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:3] .
وفي آية أخرى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:173] .
أفهمتَ؟ الجواب الأول: أستبعِدُ استبعاداً تاماً أن يكون هذا صحيحاً، وأظن أن ذلك من باب قبول النفس لهذا الدم وانفعالها بناءً على ما يتوهمه الإنسان.
ثانياً: لو فرض على أبعد تقدير أن هذا أمر محقَّق فهو جائز؛ لأن في ذلك إنقاذ نفسه من الهلاك.(124/7)
الاعتقاد بأن جلد جبهة الذئب تخرج الجن وحكم تعليقها في المنزل كحرز
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض الناس يقصون جلدة جبهة الذئب ويحضرونها عند الذي أصابه مس ثم يَخرج هذا الجني بقولهم، وبعض الناس يضع هذه الجلدة في البيت حرزاًَ من الجن حتى لا يدخل بيته.
فما الحكم في المسألتين؟
الجواب
الحكم في المسألتين: أن هذا لا أصل له، ولا صحة له، ولو كان هذا كذلك لكانت الذئاب بأغلى الأثمان، هذا لا صحة له.
السائل: هل هذا من جنس لبس الحلقة لدفع البلاء؟ الشيخ: إي نعم، يكون هذا من جنس لبس الحلقة ونحوها لدفع البلاء أو رفعه، أوهام لا صحة لها.
السائل: وإذا ثبت يا شيخ؟ الشيخ: لا يثبت، أوهام! افعل لك ذئباً وضعه حول الجن وانظر ماذا يحصل.
السائل: عند شخص في حائل عنده ذئب.
الشيخ: أنا أعرب إنساناً ممن كان يقرأ على المصابين بالمس، وأخذ معه ذئباً، والذئب لا يأكل إلا من أطيب اللحم، وصار يشتري له اللحم دائماً، ولكن لا فائدة.
الجني يرقص إذا رأى الذئب.(124/8)
حكم الغيبة إذا كانت تظلماً
السؤال
فضيلة الشيخ! الغيبة على الإنسان الذي ظلمك إن وقفت واغتبتَه؟
الجواب
هذا لا بأس به، يعني: لو أن إنساناً جاء إلى ولي الأمر وقال: فلان فعل فيَّ كذا وكذا، أو أنه ذكره لغير ولي الأمر لصاحب له يستشيره ماذا يفعل فهذا لا بأس به، أو يغتابه تحذيراً منه، هذا لا بأس به؛ لأن المقصود به الإصلاح، والنبي صلى الله عليه وسلم استأذن عليه رجل فقال: (ائذنوا له بئس أخو العشيرة هو) فأثنى عليه ذماً، ولما دخل يعني: انشرح له النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن الرجل-فيما يظهر- كبير قوم، ولكنه سيئ.
فالمهم أنه إذا كان المقصود بذلك النصح، أو التظلم، أو المشورة، أو ما أشبه ذلك، فلا بأس بذلك، العلماء رحمهم الله في كتب الرجال رجال الحديث يذكرون ما يُجْرَح به الإنسان، يقولون: هذا كذاب، هذا متهم بالكذب، هذا ضعيف، ولا بأس.(124/9)
عدة الحامل تنتهي بوضع الحمل
السؤال
فضيلة الشيخ! الحامل المتوفى عنها زوجها هل تنتهي عدتها بمجرد ظهور أعراض الولادة أو بعد الولادة؟
الجواب
أقرأت سورة الطلاق؟ اقرأ: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] ، لا يمكن أن تنقضي العدة سواء من حياة أو وفاة إلا بوضع الحمل، وهنا نسأل: إذا كان في بطنها اثنان ووضعت الأول تنتهي العدة؟ لا.
من أين أخذتم هذا؟ كيف تقولون: لا، أين دليلكم؟ حملهن عام، (أن يضعن حملهن) .
الحمل لم يوضع، الحمل ما زال.
(حملهن) هذه: مفرد مضاف، فيكون للعموم، يعني: كل الذي في بطنها.(124/10)
حكم قيام الطبيب بعملية الولادة إذا لم يكن هناك طبيبة
السؤال
إذا كان لا يوجد إلا الطبيب، فهل يجوز -مثلاً- أن يقوم بعملية الولادة؟
الجواب
إذا اضطُرَّت إلى ذلك ولم يوجد أنثى فلا بأس؛ لكن سؤال: إذا قدرنا أن الرجل مات عن امرأته وهي في الطلق، ووضعت قبل أن يُدْفَن تنقضي عدتها؟ نعم.
تنقضي العدة.
والإحداد؛ لأن الإحداد تابع للعدة.(124/11)
حكم الذهاب إلى العرافين
السؤال
فضيلة الشيخ! أحد الإخوان سرق منه شيئاً، فأشار عليه بعض الناس أن يذهب إلى عراف، وهو يعلم تماماً أن الذهاب إلى العراف شرك؛ ولكنه ذهب إليه حتى يستفيد منه استفادة اقتصادية فقط لعلمه أنه يستعين بالجن ممن لهم دراية هو لا يعلمها.
فهل ذهابه بهذه النية يجوز أم لا يجوز؟ اسأله أولاً: هل وجد السارق من أجل يعرف أن الذهاب إلى هؤلاء العرافين الذين هم في الحقيقة جُهَّال، وسخفاء عقل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) .(124/12)
كيفية التعامل مع تارك الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا نودي للصلاة خصوصاً صلاة الفجر والعصر التي يكون فيهما الاستيقاظ من النوم، وأيقظتَ أهلك للصلاة لكن هناك أخ لك -مثلاً- أو أحد أفراد العائلة لا يستيقظون إلا بعد الشجار معه وهو رجل لا تستطيع أن تضربه -لتأدبه- مثلاً ويقول لك: أتركني وشأني لا أريد أن أصلي، أنا حر، علماً بأنه يصلي إذا قام بدون وضوء.
فهل أتركه وأصلي أم ماذا أفعل جزاكم الله خيراً؟
الجواب
لا تتركه، بل أقمه وأيقظه، وكذلك -أيضاً- إن كان لك عليه ولاية فأجبره على الوضوء، وإن كان هذا لا ينفعه عند الله لكن ظاهراً لابد أن نلزمه بشرائع الإسلام، وإذا استقام فهذا المطلوب، وإن لم يستقم فإن كان البيت لك فاطرده من البيت؛ لأنه ليس بعد ترك الصلاة شيء، نحن لا نحبذ أن يُطْرَد العاصي من البيت، بل نقول: بقاؤه في البيت أحسن من كونه يذهب ويتسيب في الأسواق، وربما يكون أسوأ حالاً من وجوده في البيت؛ لكن من ترك الصلاة لا يمكن أن نصبر عليه إطلاقاً، ماذا بقي بعد الكفر؟!(124/13)
حكم الاستعانة بمن يتعامل الربا
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك السندات التي توزع من ثمن محاصيل القمح، يوجد أحد الإخوة له سند منها ثمنه مبلغ عالٍ، وله أيضاً أناس يطلبونه ديناً، فأحدهم قال: أعطني السند ووكلني عليه وأنا أستوفي هذا الدين بطريقتي الخاصة وأرد لك الباقي، فهل في هذا شيء؟ الشيخ: ويعطيه.
السائل: نعم.
الشيخ: ما فيه بأس.
السائل: طبعاً إذا أعطاه السند وأعطاه وكالة، يقضيه أو ما يقضيه إلا بطريقة وهي البنك.
الشيخ: سيأخذ ما في السند كاملاً.
السائل: بطريقة البنك لا؛ لأنهم سيأخذون عليه.
الشيخ: إي نعم، لكن أنا ظننت أن له مدى بالجهات المسئولة، ويمكن يؤثر، المهم أنه إذا كان لا يترتب عليه الربا فلا بأس، يعني هو استئجار.
السائل: يعني نقول: الربا هو منه ليس مني.
الشيخ: لا، إذا علمت أنه لا يتوصل إلى هذا إلا بالربا فقد عاونته على الإثم، والله عز وجل يقول: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] ؛ لكن سمعتُ أنهم فسحوا بعض الشيء وقالوا: من أراد أن يحوِّل فعليه أن يجزئ هذا المبلغ، مثلاً: هو بمائة ألف وله أناس يطلبونه أحدهم يطلبه عشرة آلاف، وثانٍ عشرين، وثالث ثلاثين وأراد أن يحوِّل هذا المبلغ، يحول على الذين يطلبونه، لا بأس فيه تفسحه.
السائل: المصلحة تأخذ مائة ريال على كل شيك؟ الشيخ: أنا لم أسمع بهذا، وإنما سمعت بالتجزئة توسعة للناس، وهذا طيب يحل بعض الشيء.(124/14)
الأمر بتسوية الصفوف في الصلاة
السؤال
بعض أئمة الصلاة قد لا يحرصون كثيراً على تطبيق السنة بالأمر بالاصطفاف وتراص الصفوف، وحين أدخل إلى مثل هذه المساجد التي فيها مثل هؤلاء الأئمة أجد فراغات كبيرة بين المصلين، فحينما آمر بصفها أو رصها حتى أجد مكاناً في الصف الأول يعتب علي بعض الناس قائلين: لا تحركهم فقد يخرجهم من الخشوع الذي هم فيه فما حكم ذلك؟
الجواب
لا شك أن على الإمام مسئولية كبيرة في إصلاح أحوال المأمومين، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يلتفت ويأمر بتسوية الصف، حتى إنه مرة من المرات رأى رجلاً بادياً صدره فقال: (عباد الله! لَتُسَوُّنَّ صفوفَكم أو لَيُخَالِفَنَّ الله بين قلوبكم) وكان صلى الله عليه وسلم يمشي على الصف بنفسه يمسح صدور المأمومين ومناكبهم، يأمرهم بالاستواء.
وفي عهد الخلفاء الراشدين لما كثر الناس جعلوا رجالاً على الصفوف يمرون عليها، فإذا جاءوا وقالوا إنهم قد استووا كبروا للصلاة.
فإذا علمنا اعتناء النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، واعتناء الخلفاء الراشدين من بعده تبين لنا أن الأمر ليس بالهين، وعلى الإمام مسئولية ذلك، هو الذي يأمر بالتراص، ويأمر بالتسوية، ويأمر بإكمال الأول فالأول، ولا يكبر إلى الصلاة حتى يكونوا على السواء، هذا شأن الإمام.
أما إذا أتيت ووجدت أن بينهم فُرَج، فَلِي أن أُدْنِي بعضهم إلى بعض، سواء دخلتُ أو ما دخلتُ؛ لأني إذا فعلت ذلك فإنما فعلت بهم ما هو مسنون كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام بـ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حين قام عن يساره، فأخذ برأسه من ورائه فجعله عن يمينه.
وهنا مسألة يجب التفطن لها: بعض الإخوة جزاهم الله خيراً يحبون تطبيق السنة فتجده يصف في الصف ثم يفتح قدميه حتى يلتصق بقدم من بجواره فتجده من أسفل واسع، رجله مفتوحة جداً، ومن فوق بينه وبين منكب صاحبه فسحة، وهذا غلط، هذا ليس من السنة، فَهْمُ السنة على هذا الوجه غلط، الصحابة كانوا يؤمَرون بالتسوية والتراص، فكان أحدهم يلصق كعبه بكعب الآخر من التراص لم يقولوا: فكان أحدنا يفتح أو يفرِّج بين قدميه حتى يلصق كعبه بكعب أخيه، ما قالوا هكذا ما قالوا: يفرِّج، قالوا: يُلصق كعبه بكعب أخيه من شدة التراص وعدم فتح فتحة من الصف، وهذه نقطة أحب من إخواني الذين يسمعون هنا أو من الشريط أن ينتبهوا لها، أنا وجدت في بعض الجهات الصف تجده من عند المناكب منفرجاً يصل إلى أربعة أصابع بين الرجل والآخر، المناكب متباعدة والأكعب متراصة، وهذا فهم للسنة على خلاف الصواب، المقصود التراص.
السائل: هل إذا دخلت المسجد أقربهم وأحركهم؟ الشيخ: حركهم لكن ليس من أجل أن يتراصوا جداً، فتدخل أنت لكن إذا وجدت فرجاً فقربهم سواء كان لك مكان أو لم يكن لك مكان.(124/15)
حكم القراءة على الماء وبيعه للمرضى
السؤال
بعض الناس المشهورين بالقراءة، المعروفين بقراءة الرقية يقرءون على الماء والزيت، -رُقية شرعية- ثم يبيعونها للناس، وهي طبعاً قد تنفع وقد لا تنفع بأمر الله وقضائه.
فهل يجوز أخذ ثمن هذه الرقية المباعة؟
الجواب
أولاً: نسأل: هل هذا من المشروع؛ أن الإنسان يقرأ في الماء أو في الزيت، ويُدْهَن به المريض أو يشربه أم لا؟ وجوابي على هذا: أن هذا لم يَرِد عن النبي عليه الصلاة والسلام وغاية ما سمعت في هذا أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يبل إصبعه بريقه ويمسح به الأرض ثم يقول: (تُرْبَة أرضنا بِرِيْقَةِ بعضِنا يُشْفَى بها مريضُنا بإذن ربنا) .
ولكن ورد عن السلف، والأئمة ما يقتضي جواز ذلك؛ أن القارئ يقرأ في الماء، ويشربه الْمريض، هذا من جهة أصل هذه المسألة.
أما من جهة أخذ العوض عنها وكونها تُجْعَل صيدلية يفتح الإنسان محلاً ويضع فيه هذا الماء أو هذا الزيت، وسمعت -أيضاً- أن بعضهم يقنِّن لكل نوع من القراءة ثمناً مثل: آية الكرسي بعشرة، والفاتحة بعشرين، وهكذا، هذا غلط، وسبحان الله! فيما أظن أن ذلك لا ينفع؛ لأن هذا القارئ لم يكن مخلصاً في قراءته، لأنه يريد بعمل الآخرة الدنيا، فلا ينتفع، وانتفاع بعض المرضى بذلك والله أعلم، لأن نفوسهم تنفعل ويعتقدون أن ذلك ينفعهم والاعتقاد له تأثير قوي جداً على البدن؛ لأن البدن تابع للنفس فإذا اطمأنت النفس إلى هذا الماء، أو هذا الدواء صار مؤثِّراً بلا شك.
لهذا أوجه النصيحة من هذا المكان إلى إخواني القراء ألا يتخذوا القراءة وسيلة للتكسب الدنيوي وأن يكون أكبر غرضهم نفع إخوانهم المسلمين، ثم إن أُعْطُوا شيئاً وقبلوه فلا بأس بذلك، وإن تركوه -أيضاً- حتى بدون شرط فهو أفضل بلا شك، أما أن يجعلوا هذا شيئاً -كما وصفتُ- شيئاً مقنناً وكأنها صيدلية يختلف فيها الدواء فهذا غلط.
لكن هنا مسألة: لو أن أحداً قال: أنا لا أقرأ على هذا المريض إلا بكذا، وهذا غير مسألة المال، فهل يجوز؟ نقول: جاء في السنة بجوازه في قصة القوم الذين بعثهم النبي عليه الصلاة والسلام بسرية فنزلوا على أناس استضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فسلط الله على زعيمهم وسيدهم عقرباً لدغته، وكانت شديدة، فقالوا: (لعل هؤلاء القوم الذين نزلوا بنا لعل فيهم قارئ -يعني: يقرأ عليه- فجاءوا إلى الصحابة وأخبروهم الخبر وقالوا: لا نقرأ لكم إلا أن تجعلوا لنا جُعلاً.
وعينوا لهم قطيعاً من الغنم قالوا: لا بأس، فذهب أحدهم -أي أحد الصحابة- فجَعَل يقرأ على هذا الرجل سورة الفاتحة، وهو لديغ يتلوى من السم فجعل يقرأ عليه سورة الفاتحة فقام هذا اللديغ كأنما نُشِطَ من عقال -يعني: قام سليماً ليس فيه شيء- ثم أخذوا الغنم وعادوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستفتَوه في ذلك فقال: خذوا، واضربوا لي معكم بسهم -اللهم صل وسلم عليه، قال: اضربوا لي معكم بسهم، هل هو محتاج لذلك؟ لا أظن ذلك، لكن لأجل أن تطيب نفوسهم بأخذه- ثم قال: إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) .(124/16)
الجلوس في طرف الصف الأول أفضل من وسط الصف الثاني في صلاة يوم الجمعة
السؤال
إذا دخل شخص المسجد يوم جمعة ووجد الصف الأول في طرفه فُرَج هل الأفضل أن يجلس في الصف الثاني قرب الإمام أو يجلس في طرف الصف؟
الجواب
إذا كان يدرك الخطبة كلها مثل أن يكون في المسجد مكبر صوت ولا يخفى عليه شيء من الخطبة، فالصف الأول أفضل بلا شك، أما إذا كان لا يدركها فجلوسه أمام الإمام أفضل؛ وذلك لأن استماع الخطبة واجب والتقدم إلى الصف الأول سنة وغالب المساجد والحمد لله الآن فيها مكبر صوت.(124/17)
حكم تعيين الكفيل مبلغاً معيناً يدفعه عماله في المغنم والمغرم
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأيكم فيمن جلب له العمال من الخارج وفتح لهم محلاً تجارياً واقتسموا العمل فيما بينهم، فالكفيل يسعى لفتح المحل وتأمين العمل فقط، والعمال يقومون بمزاولة العمل وتحصيل الربح، ومن ثم يدفعون للكفيل مبلغاً مقتَطعاً من الربح، يشترط عليهم، وما بقي يقتسمونه فيما بين العمال علماً بأن مصاريف المحل ورسوم التجديد؛ الإقامات وما يتعلق بالدوائر الحكومية تُسَلَّم لمكتب يكملها ويتكفل بها على حساب العمال؟ وجزاكم الله خيراً!
الجواب
أولاً: نقول: هل الحكومة تسمح بمثل هذا العمل؟ هذا قبل كل شيء.
إن كانت لا تسمح فلا يجوز؛ لأن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] ونحن في أعناقنا بيعة لولاة الأمور على السمع والطاعة إلا إذا أمروا بمعصية.
وقول بعض الناس: إنه ليس للدولة أن تمنع ما أحل الله؛ لأن المشاركات جائزة.
نقول: هذا صحيح، المشاركات جائزة؛ لكن إذا رأت الدولة من المصلحة ألا يتولى هذا من لم يكن من أهل البلد نظراً لما يحصل فيه من المشاكل الكثيرة كما هو موجود الآن، ما أكثر الذين يأتون إليَّ يشتكون كفلاءهم من أجل هذا، فإن طاعتها في ذلك واجبة.
فإذا سمحت الدولة بذلك تقديراً نظرنا هل سيقتطع من الربح شيئاً معلوماً بأن يقول: يؤديني كل شخص منكم ألف ريال في الشهر، أو مائة ريال في الشهر، أو عشرة ريالات في الشهر وباقي الربح لكم، إن كان كذلك فهو حرام؛ لأن مثل هذه المشاركة لا تجوز حتى فيما بين المواطنين.
وإن جعل سهماً من ذلك وهو الذي يعطيهم المال وهو الذي يتصرف في التجارة.
لكن هؤلاء هم الذين يباشرون العمل فأعطاهم سهماً من ذلك ربع الربح أو نصفه أو ثلثه، المهم أن له سهماً مشاعاً، يشتركون في المغنم والمغرم فهذا لا بأس به.
فصار لا يجوز في حالين: الحال الأولى: إذا مَنَعَت الحكومة، لا يجوز.
الحال الثانية: إذا جعل شيئاً معلوماً سواء كثر الربح أم لم يكثر فهذا أيضاً لا يجوز.
الجائز هو ما جمع شرطين: الشرط الأول: أن تأذن الحكومة في ذلك.
والشرط الثاني: أن يكون نصيبه مشاعاً، كثلث وربع ونحوه ليشترك هو والعمال في المغنم والمغرم.
هذا بعد أن نعلم جميعاً أن الأموال ومجابهة الحكومة وغيره على من؟ على الكفيل، الكفيل هو الذي يعطيهم المال والربح بينهم؛ لأن هذا نوع من المضاربة، والمضاربة جائزة، نعم.(124/18)
حكم من نسي التشهد الأوسط
السؤال
فضيلة الشيخ، إمام يؤم مصلين، وهو في الركعة الثانية، فنسي وقام إلى الركعة الثالثة هل يجلس للتشهد الأول أم لا؟
الجواب
إذا قام المصلي عن التشهد الأول سواء كان إماماً أو منفرداً واستتمَّ قائماً فإنه لا يرجع؛ ولكن يسجد للسهو قبل السلام، وأما قبل أن يستتمَّ قائماً فإنه يرجع ويجلس ويتشهد، ثم هل يلزمه سجود السهو؛ لأنه انفصل عن الجلوس أو لا يلزمه؟ فيه قولان للعلماء.
المهم أنه متى استتمَّ قائماً فإنه لا يرجع سواء كان إماماً أو منفرداً.(124/19)
الفرق بين الشغار والبدل في كشف الوجه لأبناء الآخر
السؤال
فضيلة الشيخ! رجلان كلٌّ منهما زوَّج الآخر موليته، وبعد فترة كلٌّ منهما طلق زوجته.
فهل يجوز للمرأتين أو لأحدهما أن تكشف وجهها لأبناء الآخر من غيرها؟ وهل هناك فرق بين الشغار والبدل في هذه المسألة؟
الجواب
كأنك تسأل عن أبناء الزوج بعد أن تَطْلُق المرأةُ منه هل يحل أن تكشف لهم؟ الجواب: نعم.
يجوز أما في مسألة الشغار والبدل فبينهما فرق: البدل: أن يكون رأس برأس، زوِّجْنِي ابنتك والمهر ابنتي أزوجك إياها أو أزوجها ابنك، هذا بدل ولا يحل؛ لأن الله يقول: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء:24] .
والثاني: نكاح الشغار: أن يزوجه الآخر موليته على أن يزوجه الآخر موليته ولا يقول: هذه مهر هذه؛ لكن لا يجعلان لهما مهراً فهذا حرام أيضاً، والنكاح غير صحيح.
السائل: هل يجوز في زواج الشغار كشف المرأة لأبناء زوجها من غيرها؟ الجواب: هذا ينبني على الصهر هل تثبت أحكامه بالنكاح غير الصحيح؟ والصحيح: أنها لا تثبت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه.(124/20)
حكم العمل براتب ونسبة
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا موظف اشتغل براتب ثلاثة آلاف ريال و (5 %) من الأرباح، هل هذا الأمر جائز؟
الجواب
هذا يحتاج إلى تأمل؛ لأن مقتضى كلام العلماء في مسألة المشاركة أنه لابد أن يكون بالسهم، فبدلاً من أن يكون لك -مثلاً- راتب ثلاثة آلاف ريال ولك (10 %) من الربح يكون لك (50 %) من الربح بدون راتب.
أو يكون لك راتب مقطوع، يعني بمعنى: ليس لك شيء من الربح، الربح كله لصاحب المحل، وأنت أجير عنده، لا بأس به.
أما أن يجعل لك راتباً مع جزء من الربح فهذا يحتاج إلى تأمل في المسألة، ولعل الله يفتح علينا.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(124/21)
لقاء الباب المفتوح [125]
في هذا اللقاء تكلم الشيخ فيه عن تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) [الحجرات:13] فبين سبب قوله تعالى في بداية هذه الآية (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) والأقوال الواردة في تفسير قوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) ومعنى شعوباً وقبائل والفرق بينهما، وغيرها من المواضيع، ثم أجاب عن الأسئلة.(125/1)
تفسير آيات من سورة الحجرات
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وأسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والعشرون بعد المائة من اللقاء المسمى بـ (لقاء الباب المفتوح) الذي يتم في كل خميس من كل أسبوع.
وهذا الخميس هو الثالث عشر من شهر محرم عام (1417هـ) نتكلم فيه على آيات من سورة الحجرات.(125/2)
تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً)
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:13] .
الخطاب هنا مُصَدَّر بنداء الناس عموماً: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} :- مع أن أول السورة وُجِّهَ الخطاب فيه للذين آمنوا، وسبب ذلك: أن هذا الخطاب في الآية التي نحن بصدد الكلام عليها مُوَجَّهٌ لكل إنسان؛ لأنه يقع التفاخر بالأنساب والأحساب من كل إنسان، فيقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} والخطاب للمؤمن والكافر، والبَر والفاجر.
{إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} :- {مِنْ ذَكَرٍ} : هو آدم {وَأُنْثَى} : هي حواء، هذا هو المشهور عند علماء التفسير، وذهب بعضهم إلى أن المراد بالذكر والأنثى هنا الجنس يعني: أن بني آدم خلقوا من هذا الجنس؛ من ذكر وأنثى.
وفي الآية دليل على أن الإنسان يتكوَّن من أبيه وأمه، أي: يُخْلَق من الأم والأب، ولا يعارض هذا قول الله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:5-7] وذلك لأنا إن قلنا: إن المراد بالصُّلب: صلب الرجل، والترائب: ترائب المرأة، فلا إشكال، وإن قلنا بالقول الراجح: إن الصلب والترائب وصفان للرجل؛ لأن الماء الدافق هو: ماء الرجل، أما المرأة فلا يكون ماؤها دافقاً، وعلى هذا فيكون الإنسان مخلوقاً من ماء الرجل، لكن ماء الرجل وحده لا يكفي، لا بد أن يتصل بالبويضة التي يفرزها رحم المرأة فيزدوج هذا بهذا ويكون الإنسان مخلوقاً من الأمرين جميعاً، أي: من أبيه وأمه.
{خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} إذاً: ذكر وأنثى يحتمل أن يكون المراد بهما شخصين معينين، وهما: آدم وحواء، أو أن المراد الجنس.
أي: الذكر من بني آدم والأنثى من بني آدم، وعلى هذا التقدير -أي: على التفسير الثاني- يُشْكِل أن الله تعالى ذكر في آيات أخرى أن الإنسان خُلِق من ماء دافق وهو ماء الرجل! والجواب عنه: أن يقال: إن هذا الماء الدافق لا يمكن أن يتكون منه جنين لوحده، بل لا بد أن يتصل بالبويضة التي يفرزها رحم المرأة، وحينئذ يكون مخلوقاً من ذكر وأنثى.(125/3)
تفسير قوله تعالى: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)
قال تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً} [الحجرات:13] : أي: صيرناكم شعوباً وقبائل، فالله جعل بني آدم شعوباً وهم أصول القبائل.
{وَقَبَائِلَ} وهم ما دون الشعوب، فمثلاً: بنو تميم يُعْتَبرون شعباً، وأفخاذ بني تميم المتفرعون من الأصل يسمَّون قبائل، {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ} .
ما هي الحكمة؟ هل الحكمة من هذا الجَعْل أن يتفاخر الناس بعضهم على بعض فيقول هذا الرجل: أنا من قريش، وهذا يقول: أنا من تميم، وهذا يقول: أنا من كذا، أنا من كذا؟ لا ليس هذا المراد، المراد التعارف أن يعرف الناس بعضهم بعضاً إذ لولا هذا الذي صيره الله عز وجل ما عُرِف الإنسان من أي قبيلة هو، ولهذا كان من كبائر الذنوب أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه؛ لأنه إذا انتسب إلى غير أبيه غَيَّر هذه الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهو أنهم شعوب وقبائل من أجل التعارف، فيقال: هذا فلان بن فلان بن فلان إلى آخر الجد الذي كان أباً للقبيلة.
{لِتَعَارَفُوا} أي: لا لتفاخروا بالأحساب والأنساب.(125/4)
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)
قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] :- ليس الكرم بأن يكون الإنسان من القبيلة الفلانية أو من الشعب الفلاني، الكرم هو: التقوى، وليس الكرم الذي هو كرم حقيقة إلا الكرم عند الله عز وجل، كرم الإنسان عند بني جنسه كَرَمٌ لا شك، ويُحْمَد عليه الإنسان إذا ابتغى به وجه الله؛ لكن الكرم الحقيقي النافع هو الكرم عند الله، وبأي شيء يكون؟ بالتقوى، كلما كان الإنسان أتقى لله كان عند الله أكرم، فإذا أحببتَ أن تكون كريماً عند الله عز وجل فعليك بتقوى الله عز وجل فكلها خير، كلها بركة، كلها سعادة في الدنيا والآخرة، {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62-63] .
وما أكثر ما تَرِدُ على أسماعنا كلمة التقوى، فما هي التقوى؟ هل هي لفظ يجري على الألسن ويمر بالآذان؟ لا، يجب أن يكون لفظاً عظيماً موقراً معظماً محترماً.
التقوى: أن تقوم بطاعة الله عز وجل، هذه هي التقوى، ابحث هل أنت قائم بطاعة الله؟! فأنت مُتَّقٍ، هل أنت مخالف؟! فأنت غير مُتَّقٍ، ويفوت الإنسان من التقوى بقدر ما خالف فيه أمر الله ورسوله.
التقوى إذاً: طاعة الله بفعل الأوامر واجتناب النواهي، فإذا رأينا إنساناً يتقدم إلى المسجد ويصلي مع الجماعة، ويخشع في صلاته ويؤديها بكل فضيلة، وآخر بالعكس يصلي في بيته وصلاةً يقتصر فيها على الواجب، أيهما أتقى لله؟ الأول أتقى.
إذاً: فهو أقرب عند الله، حتى لو كان مولىً من الموالي أو مولى الموالي، والآخر من أرفع الناس نسباً فإن الأتقى لله هو الأكرم عند الله عز وجل، كل إنسان يحب أن يُحْظَى عند السلطان في الدنيا وأن يكون أقرب الناس إليه، فكيف لا نحب أن نكون أقرب الناس إلى الله عز وجل وأكرمهم عنده؟! المسألة هوىً وشيطان وإلا لكان الأمر واضحاً.
عليك بتقوى الله عز وجل لتنال الكرم عند الله.
نستغفر الله ونتوب إليه.(125/5)
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13] :- {عَلِيمٌ} بكل شيء؛ لأنه هنا مطلق، ولم يُقَيَّد بحال من الأحوال.
{خَبِيرٌ} والخبرة هي: العلم ببواطن الأمور، العلم بالظواهر لا شك أنها صفة مدح وكمال؛ لكن العلم بالبواطن أبلغ، فيكون عليم بالظواهر، خبير بالبواطن، فإذا اجتمع العلم والخبرة صار هذا أبلغ في الإحاطة.
وقد يقال: إن الخبرة لها معنى زائد على العلم؛ لأن الخبير عند الناس هو العليم بالشيء الحاذق فيه، بخلاف الإنسان الذي عنده علم فقط؛ ولكن ليس عنده حذق فإنه لا يسمى خبيراً، فعلى هذا يكون الخبير متضمناً لمعنىً زائدٍ على العلم.(125/6)
تفسير قوله تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا)
ثم قال الله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا} [الحجرات:14] .
الأعراب: اسم جمع لأعرابي، والأعرابي هو ساكن البادية كالبدوي تماماً، الأعراب افتخروا فقالوا: آمنا، افتخروا بإيمانهم.
فقال الله عز وجل: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14] :- قيل: إن هؤلاء من المنافقين؛ لقول الله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ} [التوبة:101] ، والمنافق مسلم؛ ولكنه ليس بمؤمن، مسلم، لأنه مستسلم ظاهراً إذْ أن حال المنافق أنه كالمسلمين ولهذا لم يقتلهم النبي عليه الصلاة والسلام مع علمه بنفاقهم؛ لأنهم مسلمون ظاهراً لا يخالفون، {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} [البقرة:14] .
وقيل: إنهم أعراب وأيضاً منافقون؛ لكنهم ضعفاء الإيمان، يمشون مع الناس في ظواهر الشرع؛ لكن قلوبهم ضعيفة، وإيمانهم ضعيف.
فعلى القول الأول يكون قوله: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14] أنه لم يدخل أصلاً، هذا على القول بأنهم منافقون.
وعلى الثاني: أي: لَمَّا يدخل الإيمان الدخول الكامل المطلق، عندهم إيمان؛ لكن لم يصل الإيمان إلى قلوبهم على وجه الكمال.
والقاعدة عندنا في التفسير: أن الآية إذا احتملت معنيين فإنها تُحْمَل عليهما جميعاً ما لم يتنافيا، فإن تنافيا طُلِب المرجَّح.
{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} .
{وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يعني طاعتهم في الظاهر يحمل عليها الإيمان في الباطن.
{لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً} {لا يَلِتْكُمْ} أي: لا ينقصكم من أعمالكم شيئاً؛ لأن الله تعالى لا يظلم أحداً.
{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] أي شيء فإنه موفىً للإنسان، لكن سبحان الله رحمة الله سبقت غضبه، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة:7] ويثاب عليه، {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:8] وهل يعاقب؟ قد يعاقب وقد يعفو الله عنه.
فالسيئات يمكن أن تمحى والحسنات لا يمكن أن تنقص، ولهذا قال: {لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً} بعدها: ((إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) وسبق معنا هذين الاسمين الكريمين.
ونقتصر على هذا القدر ويأتي إن شاء الله ما يستفاد من هذه الآية؛ لأنه قد حان وقت الأسئلة.(125/7)
الأسئلة(125/8)
حكم اصطحاب الأطفال إلى المساجد
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم إحضار الصبيان الذين هم دون التمييز ممن يُلَبَّسُّون الحفائظ التي ربما يكون أو غالب ما يكون فيها النجاسة؟ وإذا حضروا هل يُطْرَدون أم لا؟
الجواب
إحضار الصبيان للمساجد لا بأس به ما لم يكن منهم أذية، فإن كان منهم أذية فإنهم يُمنعون؛ ولكن كيفية منعهم أن نتصل بأولياء أمورهم ونقول: أطفالكم يشوِّشون علينا، يؤذوننا وما أشبه ذلك، ولقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يدخل في صلاته يريد أن يطيل فيها، فيسمع بكاء الصبي فيتجوَّز في صلاته مخافة أن تفتتن الأم، وهذا يدل على أن الصبيان موجودون في المساجد؛ لكن كما قلنا: إذا حصل منهم أذية فإنهم يُمنعون عن طريق أولياء أمورهم؛ لئلا يحصل فتنة؛ لأنك لو طردت صبياً له سبع سنوات يؤذي في المسجد، وضربته سيقوم عليك أبوه؛ لأن الناس الآن غالبهم ليس عندهم عدل ولا إنصاف، ويتكلم معك وربما يحصل عداوة وبغضاء.
فعلاج المسألة هو: أن نمنعهم عن طريق آبائهم حتى لا يحصل في ذلك فتنة.
أما مسألة إحضاره فليس الأفضل إحضاره؛ لكن قد تُضْطَر الأم إلى إحضاره؛ لأنه ليس في البيت أحد وهي تحب أن تحضر الدرس، وتحب أن تحضر قيام رمضان وما أشبه ذلك.
على كل حال: إذا كان في إحضاره أذية أو كان أبوه -مثلاً- يتشوش في صلاته بناء على محافظته على الولد فلا يأتي به، ثم إذا كان صغيراً عليه الحفائظ فلن يستفيد من الحضور، أما من كان عمره سبع سنوات فأكثر ممن أُمِرْنا أن نأمرهم بالصلاة، فهم يستفيدون من حضور المساجد؛ لكن لا تستطيع أن تحكم على كل أحد، قد تكون أم الولد ليست موجودة ميتة، أو ذهبت إلى شغل لابد منه، وليس في البيت أحد فهو الآن بين أمرين: إما أن يترك صلاة الجماعة ويقعد مع صبيه، وإما أن يأتي به، فيُرَجِّح، يَنْظُر الأرجح.(125/9)
شروط الالتحاق بالدراسة بمركز الشيخ ابن عثيمين
السؤال
أحسن الله إليكم، شاب يريد أن يطلب العلم عندما يحفظ كتاب الله وشيئاً من المتون، يرغب منكم النصيحة في منهج الطلب؛ مع رغبته في حضور الدروس عندكم خاصة في العطلة الصيفية؟
الجواب
نحن نرحب بكل إنسان يأتي إلى بيت العلم لا نمنع أحداً؛ لكن أهم شيء عندي هو: إن كان من غير السعوديين، فلا بد من إحضار ما يثبت إقامته، وأنه على جهة رسمية؛ لأنه حصل أن بعض الناس ليس عندهم إقامة، وصار في ذلك إشكال وأخذ ورد مع المسئولين.
والشيء الثاني: أن يكون هناك تزكية من بعض الناس المعروفين عندنا، من أجل أن يطمئن الإنسان أكثر.
ونحن بارك الله فيك دروسنا ثابتة، يعني لا نغيرها لحضور أناس جدد؛ لأننا لو بقينا نغيرها كلما حضر أناس جدد، معناه: أننا لن نتقدم، وفي الطلبة أناس قد تقدموا وأدركوا -مثلاً- جزءاً كبيراً من العلم فلا يحبون أن يرجعوا إلى الوراء؛ لكن يوجد من الطلبة الكبار عندنا من يجلس مع الطلبة المبتدئين ويدرسهم بما يناسب.(125/10)
حكم البيع بالتقسيط والإسقاط من المؤجل
السؤال
فضيلة الشيخ! البيع بالتقسيط أو بالمؤجل وهو يملك -مثلاً- سيارة! هذا الأمر الأول.
والأمر الثاني: إذا أراد المشتري أن يسدد بقية القيمة بعد سنة أو بعد فترة هل يؤخذ عليه مع الفترة هذه؟
الجواب
يعني يسأل عن سؤالين: السؤال الأول: هل يجوز أن يبيع السلعة بثمن مؤجل على أقساط، كل سنة يحل من الثمن؟ هذا جائز ولا بأس به، لعموم قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282] لكن لا بد أن تكون السلعة عند البائع.
وثانياً: لا بد أن يكون المشتري قد أراد السلعة نفسها لينتفع بها بالتأجيل أو غير التأجيل، أما إذا أراد السلعة؛ واشتراها ليبيعها ويأخذ ثمنها ينتفع به، فهذه مسألة تسمى عند العلماء مسألة التَّوَرُّق وفي جوازها خلاف بين أهل العلم: فشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من العلماء يقولون: هذا حرام؛ لأنه حيلة على بيع الدراهم بالدراهم بدخول هذه السلعة.
ومنهم من قال: إنه جائز بشرط أن يكون هناك حاجة ولا يجد أحداً يقرضه.
والأمر الثاني في السؤال: لو أراد الذي اشتراها بثمن مؤجل إلى كل سنة بكذا وكذا، لو أراد أن ينقد الثمن في السنة الأولى مثلاً، فهل يُنَزَّل عنه من الثمن لقاء تعجيله أم لا؟ نقول: هذا أيضاً محل خلاف بين العلماء: من العلماء من يقول: لا يصح أن يسقط من المؤجل شيئاً؛ لأنه صالح عن بعض ماله ببعض.
والصحيح: أنه يجوز، أي: يجوز لمن عليه دين مؤجل أن يتفق مع صاحب الدين على أن يُحْضِره مع إسقاط شيء يقابل بقية الأجل.(125/11)
تقديم حفظ القرآن والاعتناء به أكثر من المتون
السؤال
فضيلة الشيخ! شاب يريد طلب العلم: هل من الأفضل له حفظ القرآن أولاً، أم يبدأ في حفظ المتون ويأخذ قليلاً قليلاً من القرآن؟
الجواب
أرى أن يجمع بين الأمرين، ويجعل الأكثر للقرآن، طالب العلم يبدأ بالقرآن أولاً قبل كل شيء فيحفظه ويتفهم معناه؛ ويجعل معه جزءاً من وقته للعلوم الأخرى.(125/12)
حقيقة من يُرفع عنهم القلم
السؤال
فضيلة الشيخ! هل السفيه مرفوع عنه القلم؟
الجواب
القلم مرفوع عن ثلاثة: - عن الصغير حتى يبلغ.
- وعن المجنون حتى يفيق.
- وعن النائم حتى يستيقظ.
المجنون ليس معناه الذي يخلع ثيابه ويمشي عرياناً بين الناس، لا.
المجنون: فاقد العقل، حتى ولو كان من أهدأ الناس وأسكن الناس؛ لكن ليس عنده تمييز فهذا ليس عليه شيء، يسقط عنه التكليف، لا في الصلاة، ولا في الطهارة، ولا في الصيام، إلا الزكاة فلا بد منها؛ لأن الزكاة في المال.(125/13)
حكم ترتيب القرآن في الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل صلى صلاة جهرية وقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة بسورة عم، وفي الركعة الثانية سورة القيامة، السؤال: هل ترتيب القرآن في الصلاة واجب؟
الجواب
الترتيب ثلاثة أنواع: - ترتيب الكلمات.
- وترتيب الآيات.
- وترتيب السور.
أما ترتيب الكلمات والآيات فهذا بالإجماع أنه واجب، فيحرم على الإنسان أن يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:1] {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:3] {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:2] هذا بالاتفاق، وكذلك ترتيب الكلمات لو قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:1] الرحيم الرحمن، هذا أيضاً حرام بالاتفاق.
ترتيب السور ليس حراماً ولكنه مخالف لهدي الصحابة رضي الله عنهم؛ الذين كادوا يجمعون عليه في عهد عثمان رضي الله عنه، حيث رتب القرآن هذا الترتيب الذي بين أيدينا، ولهذا قال العلماء: يُكْرَه للإنسان أن يخالف هذا الترتيب.
وبناء على هذا القول: تكون قراءة هذا الرجل في الركعة الأولى: عم، وفي الثانية: سورة القيامة، تكون مكروهة، هذا إن قلنا: إن قراءة الصلاة واحدة في الركعتين؛ لأن من العلماء من يقول: كل ركعة لها قراءة منفردة، وعلى هذا فلا بأس.
والذي يظهر لي: أن الأَولى أن نرتب في الركعة الواحدة والركعتين اتباعاً للمصحف.(125/14)
ذبح الشاة المريضة وقاية للمال
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا كان عندي شاة مريضة ولا أريد أن آكلها بعد ذبحها، فهل الأولى ذبحُها أو تركها تموت من نفسها؟
الجواب
يُنْظَر إذا كان مرضها سيطول ويؤدي ذلك على أن تخسر عليها دراهم؛ لأنك مطالب بالإنفاق عليها ورعايتها فهنا لا بأس أن تقتلها لأجل وقاية المال؛ لأن بذل المال فيها إضاعة له وإضاعة المال منهي عنه، فتقتلها لتستريح منها، وكذلك لو كانت متألِّمة جداً فإن بعض أهل العلم يقول: لا بأس أن تقتل لإراحتها، هذا إذا كانت تحت حوزتك وملكك، أما إذا كانت بهيمة أنت غير مسئول عنها فدعها مثل: لو وجدنا -مثلاً- في الشارع بهيمة لا ندري لمن هي، وهي مريضة متألمة، فالإحسان عليها لا شك أنه خير؛ لكنه ليس بواجب.(125/15)
الصوم المخصص بيوم لا يقضى
السؤال
فضيلة الشيخ! امرأة نوت صيام يوم عاشوراء وجاءتها العادة هل تقضي هذا اليوم أم لا؟
الجواب
لا تقضيه؛ لأن هذا صوم مخصص بيوم معين إن أدركتَه فافعلْه وإلا فلا شيء عليك؛ لكن أرجو أن يكتب لها الأجر إن شاء الله تعالى ما دامت قد نوت وعزمت، ولكن حال بينها وبين الصيام عذر شرعي.(125/16)
من جاء إلى مكة لقضاء طواف الإفاضة فإنه يبدأ بالعمرة ثم القضاء
السؤال
من رجع إلى مكة ليقضي طواف الإفاضة قالوا: يدخل بإحرام بعمرة، بأيهما يبدأ: بقضاء طواف الإفاضة، أم بطواف العمرة؟
الجواب
إذا نسي طواف الإفاضة أو أخل به على وجه لا بد أن يعيده، ووصل إلى بلده فإنه يرجع بعمرة، فيحرم من الميقات ويطوف ويسعى ويقصر للعمرة ثم بعد ذلك يأتي بالطواف، وإنما قيل ذلك؛ لأنه مر بالميقات وهو يريد نُسُكاً فيكون كالذي أراد العمرة والحج، وقد وقَّت النبي صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت لمن أراد الحج أو العمرة.
وقد صرح العلماء رحمهم الله بأنه لو أتى بالعمرة بعد التحلل الأول كانت صحيحة(125/17)
جواز خروج المرأة المحادة للحاجة
السؤال
فضيلة الشيخ! هل للمرأة المحادَّة مواصلة دراستها؟
الجواب
المرأة المحادَّة الواجب أن تبقى في بيتها؛ لكن لها أن تخرج إلى الحاجة في النهار، ومواصلة الدراسة من الحاجة، لا سيما إذا كان وقت اختبارات، فإنها محتاجة إلى حضور الدروس، فلا حرج عليها أن تخرج؛ لكنها تخرج بثياب غير جميلة ثياب بذلة، وليس عليها حلي ولا تكتحل ولا تتطيب.(125/18)
حكم البيع والشراء بالأسعار الخيالية
السؤال
يوجد الآن من يشتري ويبيع في الماعز بأسعار خيالية، على سبيل المثال: بخمسة آلاف ريال، وعشرة آلاف، ومليون، وخمسمائة ألف ريال، وهناك قول الله: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء:5] ، فما قولك؟
الجواب
يا أخي هذه مشكلة علينا؛ لأنهم يجعلون هذه ورقة ربح؛ لأن هذه الماعز أو الشاة لا تساوي هذه القيمة، هل لحمها شفاء من كل داء؟ أو لبنها شفاء من كل داء؟ لكن هذا مجرد تلاعب في الأرباح، وحقيقة أني أود أن الجهات المسئولة تتدخل في هذا الموضوع.
هم يقولون: إذا قُطِّعت آذانها فإنها تكون أعظم، ولعلها إذا قُطِّعت الأيدي والأرجل تكون أغلى بَعْدُ.
على كل حال: قد يأتي رجل مسكين ويبذل فيها مليوناً، وتأتيها آفة تقضي عليها بلَيْلَة مثل الحصبة.
أو يجيء إنسان عدو له ويقتلها من غير أن يُشار به، فأنا أَوَدُّ أن الجهات المسئولة تتدخل في هذا الموضوع لتمنع هذا التلاعب بأموال الناس.(125/19)
الأجر الكامل لمن شهد الصلاة على الجنازة ودفنها
السؤال
فضيلة الشيخ! ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من صلى على جنازة فله قيراط، ومن حضرها حتى تُدْفَن فله قيراطان، قيل: ما القيراط؟ قال: مثل جبل أحد) لكن السؤال: بعض الناس يحضر الجنازة ويذهب قبل أن يكمل دفنها فهل ينال الأجر؟
الجواب
ظاهر الحديث: (مَن شهدها حتى يُصَلَّى عليها) أن هذا الرجل صَحِبَها من بيتها؛ لأن الميت ميت؛ جنازة من حين يموت، وقوله: (من شهدها حتى يُصَلَّى عليها) يدل على أن هناك غاية وأن الإنسان أكرم هذا الميت فمشى معه من البيت إلى المسجد ثم إلى المقبرة، لكن قد يقول قائل: إن قوله صلى الله عليه وسلم: (من شهدها حتى يُصَلَّى عليها) يشمل من انتظر في المسجد حتى تأتي ويُصَلَّى عليها، ونرجو من الله الخير.
أما أن ينصرف قبل أن يتم دفنها فإنه لا يحصل على الأجر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من شهدها حتى تُدْفَن) وإذا انصرف قبل أن يتم دفنها فإنه لم يشهدها حتى تُدْفَن، فلا يكتب له هذا الأجر.
وقد سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن القيراطين؟ قال: (مثل الجبلين العظيمين) وفي رواية أظنها لمسلم: قال: (أصغرهما مثل جبل أحد) .(125/20)