جماعة التبليغ.
طريقة دعوتهم وحكم الخروج معهم
السؤال
فضيلة الشيخ! أحب أن أطلع على حقيقة جماعة التبليغ، وهل ينصح فضيلتك بالخروج معهم في البلدان الأخرى أم لا؟
الجواب
الدعوة إلى الله عز وجل مأمور بها، قال الله تبارك وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] والسير في الدعوة إلى الله في الأرض أمر مطلوب أيضاً، لكنني لا أنصح إخواننا في بلادنا أن يذهبوا خارج البلاد إلى باكستان أو بنجلاديش أو ما أشبه ذلك؛ لأنه بلغني أن هناك رؤساء مشتبه في عقيدتهم، والإنسان يجب عليه أن يبتعد عما فيه الاشتباه، أما في داخل المملكة فلا أرى عليهم إلا خيراً.
صحيح أن عندهم جهلاً، وأنهم يحتاجون إلى طلبة علم يخرجون معهم يوجهونهم ويبينون لهم أن الإسلام أوسع مما حصروه في الستة الأوصاف التي عندهم، ويرشدونهم إلى السنة في كثير من الأمور، لكنني لست أشدد في التحذير منهم، بل ولا أحذر منهم؛ لأن لهم تأثيراً بالغاً في هداية الخلق، فكم من إنسان فاسق صار مستقيماً على أيديهم، وكم من إنسان كافر صار مسلماً على أيديهم، وهم في الدعوة إلى الله ألين من غيرهم؛ عندهم لين، وعندهم إيثار، وعندهم خلق، ولكن عندهم شيء من البدع يمكن أن يُقضى عليها.
أما بالنسبة لنصيحة كل شخص على حدة فالإنسان الذي عنده قدرة على التعلم والتفرغ لطلب العلم ننصحه أن يبقى في طلب العلم وألا يخرج معهم؛ لأن طلب العلم أفضل من الذهاب للدعوة إلى الله عز وجل، وأما إذا كان الإنسان ليس بطالب علم ولا مستعداً لطلب العلم وأراد أن يخرج معهم من أجل أن يلين قلبه ويقبل على الله عز وجل فلا حرج.(60/22)
تحريم تغيير اللحية بالسواد
السؤال
فضيلة الشيخ! سمعت من بعض طلبة العلم بأن تغيير اللحية بالسواد لا بأس به، فما رأي فضيلتكم؟
الجواب
أرى أن تغيير اللحية بالسواد محرم، وإن كان بعض العلماء قال: إنه مكروه كراهة تنزيه، وربما قال بعضهم: إنه خلاف الأولى، ولكن الصحيح عندي أنه حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتغيير الشيب وقال: (جنبوه السواد) ولأنه ورد في الحديث الصحيح: (إنه يأتي في آخر الزمان أقوامٌ يخضبون لحاهم بالسواد كخافية الطير أو قال: كخافية الغراب لا يدخلون الجنة) وهذا وعيد شديد يقتضي أن يكون صبغها بالسواد من كبائر الذنوب، ثم إن هناك غنىً عن هذا وهو أن يصبغها بصبغ ليس أسود خالصاً ولا أحمر خالصاً، بل يكون بُنّياً بين السواد وبين الحمرة، وبذلك يسلم من الوقوع في الإثم، ويحصل له تغيير الشيب الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم.(60/23)
حكم الأذان والإقامة في أذن المولود
السؤال
فضيلة الشيخ! هل الأذان للمولود في أذنه اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى يكون في اليوم السابع أم في اليوم الأول، أم متى يكون ذلك -بارك الله فيكم-؟
الجواب
أولاً: لابد أن نسأل: هل هذا من الأمور المشروعة أم لا؟ لأن الأحاديث الواردة في ذلك ليست بتلك القوة، لاسيما الإقامة، ومن صحح الأحاديث الواردة في ذلك قال: إنه يكون عند ولادة المولود كما جاء في هذه الأحاديث.
والحكمة من هذا أن يكون أول ما يطرق سمعه هو الأذان المتضمن لتعظيم الله وتوحيده والدعوة إلى الصلاة والفلاح، هذا هو وجه كونه حين الولادة.
أما تسمية المولود: فإن كان قد عُين اسمه قبل الولادة فإنه يسمى حين الولادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أهله ذات يوم فقال: (ولد لي الليلة مولودٌ وسميته إبراهيم) أما إذا كان لم يعين اسمه قبل ولادته، فالأولى أن تكون التسمية في اليوم السابع؛ لأنه اليوم الذي تذبح فيه عقيقته ويحلق فيه رأسه ويختن إذا كان ذكراً.(60/24)
حكم ترغيب الناس على الصيام الجماعي للنافلة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأيكم في تشجيع عامة الناس على صيام النافلة وإقامة الفطور الجماعي؟
الجواب
أرى أنه لا بأس به، لكن الأولى تركه؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يسلكون هذه الأساليب، فإذا رُغب الناس في صيام النفل بالقول فهو كافٍ عن ترغيبهم بالفعل.(60/25)
قول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في مسألة ظهور يأجوج ومأجوج
السؤال
فضيلة الشيخ: استفاض عن الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمة الله عليه أنه قال بظهور يأجوج ومأجوج وأنهم أهل الصين.
وبعد الرجوع إلى تفسيره تبين أن يأجوج ومأجوج سيخرجون في آخر الزمان وأنهم سيفسدون في الأرض، وأن خروجهم من علامات الساعة الكبرى، فهل رجع الشيخ عن قوله الأول أم أن له قولين في هذه المسألة؟ وأنتم ماذا ترجحون في هذا جزاكم الله خيراً؟
الجواب
الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله هو شيخنا، وقد أثيرت ضجة حول ما نسب إليه من أن يأجوج ومأجوج هم أهل الصين وما وراء جبال القوقاز، والحقيقة أنه رحمه الله لم يقل شيئاً إلا بدليل مبني على الكتاب والسنة، وبقول قاله من قبله، لكن أهل الأهواء يتشبثون بخيط العنكبوت في تشويه سمعة من آتاه الله من فضله، فأرادوا أن يحسدوه.
فشيخنا رحمه الله لم يقل: إن يأجوج ومأجوج الذين يخرجون في آخر الزمان هم الموجودون الآن، ولا يمكن أن يقول به عاقل فضلاً عن عالم يعتبر علامة زمانه رحمه الله، وإنما قال: إن يأجوج ومأجوج موجودون، والقرآن يدل على ذلك، قال الله تعالى في ذي القرنين: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} يعني: سار {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً} [الكهف:90-94] إذاً هم موجودون، وقوله تعالى: {مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً} يعني: مالاً {عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً} فاستجاب لذلك قال: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} [الكهف:96] فآتوه بزبر الحديد وركم بعضها على بعض: {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} يعني: بين الجبلين: {قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} يعني: آتوني قطراً، أي آتوني حديداً مذاباً أفرغه عليه فأتوه بذلك، فصار هذا السد مثل الجبل، وهو سد من حديد {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف:97] يعني: يعلو عليه {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً} أي: ما استطاعوا أن ينقبوه؛ لأنه من حديد {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي} [الكهف:98] يعني في آخر الزمان: {جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف:98-99] .
فالحاصل أن شيخنا رحمه الله لم ير رأيين في هذه المسألة، بل هو رأيٌ واحد دل عليه كتاب الله عز وجل وكذلك أقوال أهل العلم، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال: (يقول الله تعالى: يا آدم -يعني: يوم القيامة- فيقول: لبيك وسعديك.
فيقول: أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار.
قال: يا ربِّ وما بعث النار؟ قال: تسعمائة وتسعة وتسعون من كل ألف) يعني: تسعمائة وتسعة وتسعين من بني آدم كلهم في النار وواحد في الجنة، (فَكَبُر ذلك على الصحابة وعظم عليهم وقالوا: يا رسول الله! أين ذلك الواحد؟ قال: أبشروا فإنكم في أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج) وهذا صريح أن يأجوج ومأجوج من بني آدم، وأنهم يدخلون النار.
فعلى كل حال نحن نرى ما يدل عليه الكتاب والسنة من أن يأجوج ومأجوج موجودون، لكن هؤلاء الموجودين ليسوا هم الذين يخرجون في آخر الزمان، بل سيأتي أقوام آخرون من نسلهم، فيخرجون في آخر الزمان، ويفسدون في الأرض كما أفسد آباؤهم.(60/26)
كيفية زواج من لا ولي لها
السؤال
فضيلة الشيخ! عندنا في جدة كثير من الجنسيات الوافدة، وهناك تأتي المرأة لتتزوج ولا يكون عندها ولي؛ لأنها جاءت إلى البلاد بمفردها، فتتزوج بلا ولي، فما الواجب تجاه ذلك جزاكم الله خيراً؟
الجواب
الواقع أن هذه ليست مشكلة، يعني إذا أتى نساء وافدات إلى البلاد ليس معهن أولياء، فليس هناك مشكلة، إذ أن الأمر يعرض على المحكمة الشرعية، ومن لا ولي لها فالسلطان ولي من لا ولي لها، ونائب السلطان يقوم مقام السلطان، والحاكم الشرعي له أن يزوج من ليس لها ولي، وله أن يزوج من لها ولي ولكنه امتنع من أن يزوجها من خطبها وهو كفء، وهذه المسألة يجب أن نهتم بها نحن طلبة العلم: يوجد بعض الأولياء والعياذ بالله يرى أن بناته وأخواته عنده بمنزلة البهائم؛ يبيع ويشتري فيها وينافس، ويمنع الشخص الذي يكون كفئاً في دينه وخلقه؛ لأنه لا يحبه وهذا حرام.
وإذا تكرر منه هذا المنع صار فاسقاً خارجاً عن العدالة، فلا تقبل له شهادة، ولا تقبل له إمامة في قوم، فلا يؤم الناس في الصلاة على قول بعض العلماء، ولا يصح أن يكون ولياً، فإذا تكرر منع هذا الولي من تزويج موليته من هو كفء قلنا له: ليس لك ولاية عليها.
وبحثنا عن ولي أقرب، فإذا امتنع الأولياء كما هو الغالب فإنهم يقولون: إذا كان أبوها ما زوجها فلسنا ملزمين بتزويجها، فإذا امتنع الأولياء الآخرون عن الولاية انتقلت إلى ولاية القاضي، وفي هذه الحال يجب على القاضي أن يزوجها من هو كفء، وألا يمتنع من ذلك.
فالحاصل أن هؤلاء الوافدات يجب عليهن إذا أردن أن يتزوجن أن يذهبن إلى المحكمة ويبين الحال للحاكم الشرعي، وهو بدوره يقوم بتزويجهن، أما إذا حصل النكاح من دون ولي فالنكاح فاسد لا يصح، ولا يجوز للزوج أن يجامعها أو يعاشرها أو يخلو بها بناءً على هذا العقد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي) يعني: لا نكاح يصح إلا بولي، والواجب عليك إذا كنت تعلم هذا يقيناً أن تبلغ الجهات المسئولة هناك، إما المحكمة أو الإمارة، أو الهيئة؛ حتى يجدد العقد على يد الحاكم الشرعي.(60/27)
قول الصحابي وفعله.
حكمه وحجيته
السؤال
إذا ورد في مسألة فعل صحابي فقط، فهل يؤخذ بفعل الصحابي على أنه دليل يستدل به؟ مثال ذلك: قضية قضاء عمار بن ياسر رضي الله عنه بعض الصلوات التي فاتته بسبب الإغماء؟
الجواب
هذا ينبني على الخلاف، هل فعل الصحابي وقوله حجة أم لا؟ والصحيح أن قول فقهاء الصحابة حجة، لكن بشرطين: الشرط الأول: ألا يخالف النص.
الشرط الثاني: ألا يخالف صحابياً آخر.
فإن خالف النص فمردود غير مقبول، وإن خالف قول صحابي آخر وجب طلب المرجح، فأيهما كان أرجح كان قوله أولى، مثل أن يختلف صحابي ليس معروفاً بكثرة جلوسه مع النبي صلى الله عليه وسلم وليس معروفاً بفقهه على صحابي آخر معروف بكثرة جلوسه مع النبي صلى الله عليه وسلم وبالفقه، فالثاني أولى أن يؤخذ بقوله من الأول.
أما المسألة التي أشار إليها السائل وهي قضاء عمار صلاته التي فاتته بالإغماء فهي أيضاً مبنية على الخلاف في حجية فعل الصحابي، ثم إن فعل عمار لا يدل على الوجوب؛ لأن الفعل المجرد من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حجة لا يدل على الوجوب، فكيف بفعل غيره؟ فهو رضي الله عنه لما أغمي عليه استحسن أن يقضي ما فاته.
فالقول الراجح: أنه لا يلزمه القضاء، أي لا يلزم المغمى عليه قضاء الصلاة، فلو أن إنساناً أصيب بحادث وظل مغمىً عليه لمدة يومين أو ثلاثة، ثم أفاق فإنه لا قضاء عليه لكن لو كان سبب الإغماء اختيارياً كأن يبنج لعملية ثم يبقى نصف يوم أو يومين لم يَصْحُ من البنج فإنه في هذه الحال يجب عليه القضاء؛ لأن إغماءه كان اختيارياً.(60/28)
ضابط الولاء والبراء والهجر
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة لمسألة تغيير شعر اللحية بالسواد، إذا وجد داعية على قدم راسخ في العلم يغير شعره بالسواد، فهل يكون الخلاف معه خلافاً ينبني عليه الولاء والبراء؟ بمعنى أن يشنع عليه ويهجر علمه بسبب ذلك، أم أن هذا من جنس المسائل الخلافية التي يلتمس له العذر فيها؟
الجواب
الواجب على الإنسان أن يجعل ولاءه وبراءه مبنياً على دليل من الشرع لا على هواه، فإذا قُدّر أن أحداً من الناس خالفه بمقتضى الدليل عنده فإنه لا يجوز له أن يتبرأ منه أو أن يعاديه، أرأيت لو أن إنساناً صلى بعد أن أكل لحم إبل ولم يتوضأ، هذه عند من يرى الوضوء من لحم الإبل كبيرة من كبائر الذنوب أن يصلي بلا وضوء، فهل إذا رأينا شخصاً يقول: لم يتبين لي وجوب الوضوء من لحم الإبل، فأنا أصلي ولا أتوضأ منه، هل نقول: يجب أن نعاديه؟ الجواب: لا.
بل لا يجوز أن نعاديه، ولا أن نحمل عليه حقداً، كذلك -أيضاً- لو رأينا شخصاً يرى أن صبغ اللحية بالسواد لا بأس به فإننا لا نعاديه، لكننا نناقشه حتى يصل كل منا إلى الحق، فإن لم يتبين له الحق وعلمنا أن الرجل صادق في طلب الحق لكنه لم يتبين له فإننا لا نعاديه أيضاً، أما لو علمنا أن الرجل مصر على رأيه وقال: نعم.
هذا الحديث يدل على تحريم السواد لكن أنا اعتدت هذا، ولا أريد أن أتحول عنه، فهذا يكون قد عصى الله على بصيرة، ولا مانع أن نهجره إذا كان في هجره مصلحة.(60/29)
حكم المبيت خارج منى
السؤال
بعض الناس في الحج يسكن خارج منى بدون أن يكلف نفسه ويبحث عن مكان في منى، وإذا أتى في الساعة الواحدة في الليل أو الثانية أتى إلى منى وقضى الليل في السيارة، يقطع الوقت إلى الفجر، فهل يعتبر هذا قد بات في منى أم لم يتحقق المبيت؟
الجواب
المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر من ذي الحجة واجب على القول الراجح، ويدل لوجوبه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد العباس أن ينزل إلى مكة لسقاية الحاج رخّص له.
قال العلماء: وكلمة (رخّص) تدل على أن الأصل الوجوب؛ لأن الرخصة لا تقال إلا في مقابل أمرٍ واجب، فالواجب على الإنسان أن يبحث عن مكان في منى قبل أن ينزل بـ مزدلفة، فإذا لم يجد مكاناً فلينزل في مزدلفة ويبقى فيها، ولا يلزمه أن يذهب إلى منى يبحث فيها بسيارته معظم الليل، أو يجلس على الأرصفة بين السيارات، وقد يكون ذلك خطراً عليه فنقول: إذا لم تلق مكاناً في منى فاجلس في مزدلفة عند منتهى الخيام، ولا يلزمك شيء ما دمت بحثت عن مكان ولم تجد.(60/30)
حكم الوثوق بالكفار على سبيل الإطلاق
السؤال
فضيلة الشيخ! نسمع وللأسف الشديد من المسلمين من أبناء جلدتنا من يقول: أنا والله أثق في العمالة من الكفار أكثر من المسلمين، فما رأيكم في مثل هذا القول وما توجيهكم لهؤلاء؟
الجواب
رأينا في هذا أنه خطأ أن نفضل العمالة الكافرة على العمالة المسلمة على سبيل الإطلاق، لكن لو رأينا رجلاً مسلماً مقصراً في عمله ورجلاً كافراً يأتي بعمله على التمام فلنا أن نقول: إن هذا في عمله أفضل من هذا في عمله، أما على سبيل العموم والإطلاق فهذا غلط عظيم، ويخشى على إيمان المرء إذا فضّل غير المسلمين على المسلمين على الإطلاق؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة:221] وقال: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة:221] .
ثم إن الإنسان يجب أن ينظر من ناحية الجهات التي تذهب إليها هذه الأجور؛ إذا كانت العمالة كافرة فإن كسبها يذهب إلى صناديق الكفار، ثم قد يكون هؤلاء القوم كفاراً يقاتلون المسلمين في بلادهم، فتكون هذه الأجور التي تدفعها إلى هؤلاء العمال سكاكين وخناجر في صدور المسلمين في بلاد هؤلاء الكفار، فالإنسان يجب أن ينظر الأمور من كل جانب.
أما لو كان هؤلاء الكفار من جنسٍ مسالم للمسلمين؛ لم يأتِ للمسلمين منهم ضرر فالأمر أهون.(60/31)
الجهل والنسيان في الواجبات والمنهيات
السؤال
فضيلة الشيخ: الجهل والنسيان هل يسقطان الإثم أم يسقطان الإثم والفدية، كمن نسي مبيت ليالي منى في منى؟
الجواب
أما الواجبات فالجهل فيها أو النسيان يسقطان الإثم، ولا يسقطان ما يجب في ترك هذا الواجب، ولهذا لم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الطمأنينة في الصلاة عن الرجل الجاهل بها، وأما المنهيات فالجهل فيها أو النسيان فيها يسقط الإثم، ويسقط الحكم المترتب على فعل هذا المحظور، وذلك لأن المترتب على هذا المحظور لا يرفع الحظر بعد وقوعه، مثلاً: رجل صلى بغير وضوء ناسياً، فصلاته غير صحيحة، ويجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة، ورجل آخر تكلم في الصلاة ناسياً فصلاته صحيحة، وليس عليه إعادة الصلاة.(60/32)
حكم سؤال الآخرين: من أي الجماعات أنت؟
السؤال
فضيلة الشيخ: صليت في أحد المساجد ورآني أحد الشباب وسلم عليَّ وقال: يا أخي! من أي الجماعات أنت؟ قلت: يا أخي! كلنا إخوان في الله.
ولكنه أصر فقال: إما أن تكون من جماعة الحديث أو من جماعة التبليغ أو من الإخوان المسلمين أو من كذا أو كذا، فأخذنا مدة في النقاش ولم نصل إلى شيء، فما توجيه فضيلتكم لمثل هذا الشخص جزاكم الله خيراً؟
الجواب
أرى أن مثل هذه الطريقة أن تنبذ، فالناس كلهم -والحمد لله سواء- كلنا مسلمون، فجوابك كان جواباً صحيحاً في محله، وأما أن نفرض على الناس أن يتحزبوا؛ هذا من جماعة التبليغ، وهذا من السلفيين، وهذا من الإخوان المسلمين، وهذا من جمعية الإصلاح، وهذا من جماعة أهل السنة وما أشبه ذلك فبلادنا -والحمد لله- لا تحتاج إلى هذا.
يمكن للبلاد الأخرى أن تحتاج؛ لأن الأحزاب فيها فرضت نفسها، لكن عندنا والحمد لله لا داعي لذلك، فهؤلاء الذين يدعون إلى الحزبية لا شك أنهم يجنون على أنفسهم وعلى إخوانهم، وأنهم سيجرون البلاد إلى نزاعٍ طويل ومشكلات متعددة، فنصيحتي للأخ الذي قال لك هذا أن يستغفر الله ويتوب إليه، وأن يعلم أننا إخوة وعلى ملةٍ واحدة، وتحت ظل شريعة واحدة -والحمد لله- فكلنا من أهل الحديث، وكلنا من أهل القرآن، وكلنا من أهل الدعوة، نسأل الله الهداية للجميع.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(60/33)
لقاء الباب المفتوح [61]
يتبين لنا من خلال تفسير الشيخ لهذه الآيات أن التأمل إلى المخلوقات من الواجبات التي تعين العبد إلى التعرف إلى الله تعالى، ومخلوقات الله كثيرة، والناس في الإيمان بالله على قسمين: فمنهم من آمن ومنهم من لم يؤمن، ولهذا بين الله لرسوله أنه ليس مخاطباً بإيمانهم وإنما عليه البلاغ وعلى الله هدايتهم وحسابهم أيضاً، ثم أجاب الشيخ بعدها عن الأسئلة.(61/1)
تفسير آيات من سورة الغاشية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين وإمام المتقين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو المجلس الحادي والستون من المجالس المعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) والتي تتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا هو اليوم الرابع عشر من شهر المحرم عام (1415 هـ) نبدأه كالعادة بما تيسر من تفسير كلام الله عز وجل.
وقد انتهينا في الدرس الماضي إلى قول الله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17] .(61/2)
تفسير قوله تعالى: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت)
لما قرر الله عز وجل في هذه السورة حديث الغاشية وهي: يوم القيامة، وبين أن الناس ينقسمون إلى قسمين: 1- وجوه خاشعة {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} [الغاشية:3-4] .
2- ووجوه ناعمة {لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} [الغاشية:9] .
وبين جزاء هؤلاء وهؤلاء، قال: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17] .
وهذا الاستفهام للتوبيخ، أي: أن الله يوبخ هؤلاء الذين أنكروا ما أخبر الله به عن يوم القيامة، وعن الثواب والعقاب، فأنكر عليهم إعراضهم عن النظر في آيات الله تعالى التي بين أيديهم، وبدأ بالإبل؛ لأن أكثر ما يلابس الناس في ذلك الوقت الإبل، فهم يركبونها، ويحلبونها، ويأكلون لحمها، وينتفعون من أوبارها إلى غير ذلك من المنافع، فقال: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ} [الغاشية:17] وهي الأباعر {كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17] أي: كيف خلقها الله عز وجل بهذا الجسم الكبير المتحمل؛ تجد البعير تمشي مسافات طويلة التي لا يبلغها الإنسان إلا بشق الأنفس وهي متحملة، وتجد البعير أيضاً يحمل الأثقال وهو بارك ثم يقوم في حمله لا يحتاج إلى مساعدة، والعادة أن الحيوان لا يكاد يقوم إذا حمل وهو بارك، لكن هذه الإبل أعطاها الله عز وجل قوة وقدرة من أجل مصلحة الإنسان؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يحمل عليها وهي قائمة لعلوها، فيسر الله تعالى له الحمل عليها وهي باركة ثم تقوم بحملها، وكما قال الله تعالى في سورة يس: {وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ} [يس:73] منافعها كثيرة لا تحصى، وأهلها الذين يلازمونها أعلم منا بذلك، فلهذا قال: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17] ولم يذكر سواها من الحيوان كالغنم والبقر والظبي وغيرها؛ لأنها أعم الحيوانات نفعاً وأكثرها مصلحة للعباد.(61/3)
تفسير قوله تعالى: (وإلى السماء كيف رفعت)
قال تعالى: {وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} [الغاشية:18] أي: وينظرون إلى السماء كيف رفعت بما فيها من النجوم والشمس والقمر وغيرها من الآيات العظيمة التي لم يتبين كثير منها إلى الآن.
ولا نقول: إن هذه الآيات السماوية هي كل الآيات، بل لعل هناك آيات كبيرة عظيمة لا ندركها حتى الآن.
وقوله: {كَيْفَ رُفِعَتْ} [الغاشية:18] أي: رفعت هذا الارتفاع العظيم، ومع هذا فليس لها عمد، مع أن العادة أن السقوف لا تكون إلا على عمد، لكن هذا السقف العظيم المحفوظ قام على غير عمد {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد:2] .(61/4)
تفسير قوله تعالى: (وإلى الجبال كيف نصبت)
قال تعالى: {وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} [الغاشية:19] أي: هذه الجبال العظيمة التي تحمل الصخور والقطع المتجاورات المتباينات، فالجبال مكونة من أحجار كثيرة وأنواع كثيرة، فيها المعادن المتنوعة وهي متجاورة، ومع ذلك تجد -مثلاً- هذا الخط في وسط الصخر يشتمل على معادن لا توجد فيما قرب منه من هذا الصخر، ويعرف هذا أهل الجيولوجيا كيف نصب الله هذه الجبال العظيمة بهذا الارتفاع لتكون رواسي في الأرض، لئلا تميد بالناس، ولولا أن الله عز وجل خلق هذه الجبال لمادت الأرض بأهلها، لأن الأرض في وسط الماء، والماء محيط بها من كل جانب، وما ظنك بكرة تجعلها في وسط الماء؟ سوف تتحرك وتضطرب وتتدحرج أحياناً وتنقلب أحياناً، لكن الله جعل هذه الجبال رواسي تمسك الأرض كما تمسك الأطناب الخيمة، وهي راسية ثابتة على ما يحصل في الأرض من الأعاصير العظيمة التي تهدم البنايات التي بناها الآدميون، لكن هذه الجبال راسية لا تتزحزح ولو جاءت الأعاصير العظيمة، بل إن من فوائدها أنها تحجب الأعاصير العظيمة البالغة التي تنطلق من البحار أو من غير البحار لئلا تعصف بالناس، وهذا شيء مشاهد؛ تجد الذين في سفوح الجبال وتحتها في الأرض في مأمن من أعاصير الرياح العظيمة التي تأتي من خلف الجبل، فيها فوائد عظيمة وهي رواسي لو أن الخلق اجتمعوا على أن يضعوا سلسلة مثل هذه السلسلة من الجبال ما استطاعوا إلى هذا سبيلاً، مهما بلغت صناعتهم وقوتهم وقدرتهم وطال أمدهم، فإنهم لا يستطيعون أن يأتوا بمثل هذه الجبال.
وقد قال بعض العلماء: إن هذه الجبال راسية في الأرض بمقدار علوها في السماء، فمثلاً: الجبل له جرثومة وجذر في داخل الأرض في عمق يساوي ارتفاعه في السماء، وليس هذا ببعيد أن يمكن الله لهذا الجبل في الأرض، حتى يكون بقدر ما هو في السماء لئلا تزعزعه الرياح، ولهذا يقول عز وجل: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:15-16] .(61/5)
تفسير قوله تعالى: (وإلى الأرض كيف سطحت)
يقول عز وجل: {وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:20] أي: وانظروا كيف سطح الله هذه الأرض الواسعة وجعلها سطحاً واسعاً ليتمكن الناس من العيش فيه بالزراعة والبناء وغير ذلك، فما ظنكم لو كانت الأرض صبباً غير مسطحة مثل الجبال يرقى عليها ويصعد لكانت شاقة ولما استقر الناس عليها، لكن الله عز وجل جعلها سطحاً ممهداً للخلق.
وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن الأرض ليست كروية بل سطح ممتد، لكن هذا الاستدلال فيه نظر؛ لأن هناك آيات تدل على أن الأرض كروية، والواقع شاهد بذلك، فيقول عز وجل: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} [الزمر:5] والتكوير هو: التدوير، ومعلوم أن الليل والنهار يتعاقبان على الأرض، فإذا كانا مكورين لزم أن تكون الأرض مكورة، قال الله تبارك وتعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} [الانشقاق:1-4] فقال: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} [الانشقاق:3] وقد جاء في الحديث أنها يوم القيامة تمد مد الأديم أي: مد الجلد، حتى لا يكون فيها جبال ولا أودية ولا أشجار ولا بناء؛ يذرها الرب عز وجل قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، فقوله: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق:1] متى تنشق السماء؟ كلنا يعرف أنها لا تنشق إلا يوم القيامة وأنها الآن غير منشقة.
إذاً: قوله: {وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} [الانشقاق:3-4] أي: يوم القيامة فهي إذاً الآن غير ممدودة.
إذاً: فهي مكورة.
والواقع المحسوس المتيقن الآن أنها كروية لا شك، والدليل على هذا أنك لو سرت في خط مستقيم من هنا من المملكة متجهاً غرباً لأتيت من ناحية الشرق وتدور على الأرض ثم تأتي إلى النقطة التي انطلقت منها، وكذلك بالعكس لو سرت متجهاً نحو المشرق وجدتك راجعاً إلى النقطة التي قمت منها من نحو المغرب.
إذاً لا شك أنها كروية، فإذا قال الإنسان: إذا كانت كما زعمت كروية كيف تثبت مياه البحار عليها وهي كروية؟ نقول في الجواب عن هذا: إن الذي أمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه يمسك البحار أن تفيض على الناس فتغرقهم، والله على كل شيء قدير.
قال بعض أهل العلم في قوله تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:6] أي: حبست ومنعت من أن تفيض على الناس، كالشيء الذي يسجر أي: يربط.
وعلى كل حال القدرة الإلهية لا يمكن لنا أن نعارض فيها، بل نقول: قدرة الله عز وجل أمسكت هذه البحار أن تفيض على أهل الأرض فتغرقهم وإن كانت الأرض كروية.(61/6)
تفسير قوله تعالى: (فذكر إنما أنت مذكر)
قال عز وجل لما بين هذه الآيات الأربع: الإبل، والسماء، والجبال، والأرض قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَذَكِّرْ} [الغاشية:21] أمره الله أن يذكر ولم يخصص أحداً بالتذكير، أي: لم يقل: ذكر فلاناً وفلاناً، فالتذكير عام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث للناس كافة؛ ذكر كل أحد في كل حال وفي كل مكان، فذكر النبي عليه الصلاة والسلام وذكر خلفاؤه من بعده الذين خلفوه في أمته في العلم والعمل والدعوة.
ذكروا، ولكن هذه الذكرى هل ينتفع بها كل الناس؟
الجواب
لا.
{إِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55] أما غير المؤمن فإن الذكرى تقيم عليه الحجة لكن لا تنفعه، لا تنفع الذكرى إلا المؤمن، ونقول: إذا رأيت قلبك لا يتذكر بالذكرى فاتهمه بعدم الإيمان؛ لأن الله يقول: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذريات:55] فإذا ذكرت ولم تجد من قلبك تأثراً وانتفاعاً فاتهم نفسك، واعلم أن فيك نقص إيمان؛ لأنه لو كان إيمانك كاملاً لانتفعت بالذكرى التي لا بد أن تنفع المؤمن.
وقوله: {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:21] أي: أن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس إلا مذكراً مبلغاً، وأما الهداية فبيد الله {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:272] وقد قام صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالذكرى والتذكير إلى آخر رمق في حياته، حتى إنه في آخر حياته يقول: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم) حتى جعل يغرغر بها عليه الصلاة والسلام، فذكر صلوات الله وسلامه عليه منذ بعث، وقيل له: {قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر:2] إلى أن توفاه الله؛ لم يأل جهداً في التذكير في كل موقف وفي كل مكان على ما أصابه من الأذى من قومه ومن غير قومه، والذي قرأ منكم التاريخ -السيرة النبوية- يعرف ما جرى له من أهل مكة من قومه الذين هم أقرب الناس إليه، والذين كانوا يعرفونه ويسمونه بالأمين يلقبونه بذلك ويثقون به حتى حكموه في وضع الحجر الأسود في الكعبة حينما هدموا الكعبة ووصلوا إلى حد الحجر، قالوا: من ينصب الحجر؟ فتنازعوا بينهم، كل قبيلة تقول: نحن الذين نتولى وضع الحجر في مكانه، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم وحكموه فيما بينهم، وأمر أن يوضع رداء، وأن يمسك كل واحد من هذه القبائل بطرف من هذا الرداء حتى يرفعوه، فإذا حاذوا محله أخذه بيده الكريمة ونصبه في مكانه، فكانوا يسمونه الأمين، لكن لما أكرمه الله تعالى بالنبوة انقلبت المعايير، فصاروا يقولون: ساحر، وكاهن، وشاعر، ومجنون، وكذاب، ورموه بكل سب، فالرسول عليه الصلاة والسلام يذكر وليس عليه إلا التذكير.(61/7)
تفسير قوله تعالى: (لست عليهم بمسيطر)
ومن هنا نأخذ أنه لا يجب علينا أن نهدي الخلق، ولا يمكننا أن نهدي الخلق أبداً، لا يمكن أن نهدي أقرب الناس إلينا {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] فلا نجزع إذا ذكرنا إنساناً ووجدناه يعاند أو يخاصم أو يقول: ما عليك مني.
أو يقول: دعني أفعل ما أشاء.
أو ما أشبه ذلك، قال الله تعالى لنبيه: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:3] لا تهلك نفسك إذا لم يؤمنوا، فإيمانهم لهم وكفرهم ليس عليك، ولهذا قال: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ} [الغاشية:22] أي: ليس لك سلطة ولا سيطرة عليهم، لمن السلطة والسيطرة؟ لله رب العالمين، أنت عليك البلاغ.(61/8)
تفسير قوله تعالى: (إلا من تولى وكفر)
قال تعالى: {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ} [الغاشية:23-24] قال العلماء: (إلا) هنا بمعنى: لكن، أي: أن الاستثناء في الآية منقطع وليس بمتصل، والفرق بين المتصل والمنقطع أن المتصل يكون فيه المستثنى من جنس المستثنى منه، والمنقطع يكون أجنبياً منه -فمثلاً- لو قلنا: إنه متصل لكان معنى الآية: لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر فأنت عليهم مسيطر، وليس الأمر كذلك، بل المعنى: لكن من تولى وكفر بعد أن ذكرته فيعذبه الله العذاب الأكبر، فمن تولى وكفر بعد أن بلغه الوحي النازل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه سيعذب {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} [الغاشية:23] .
التولي أي: الإعراض، فلا يتجه للحق ولا يقبل الحق ولا يسمع الحق، حتى لو سمعه بإذنه لم يسمعه بقلبه كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} [الأنفال:20-21] أي: لا ينقادون.
فهنا يقول عز وجل: {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} [الغاشية:23] تولى: أعرض، كفر: أي: استكبر، ولم يقبل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم {فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ} [الغاشية:24] يوم القيامة، قال الله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} [السجدة:21] والعذاب الأكبر يوم القيامة، وهنا قال: الأكبر ولم يذكر المفضل عليه، أي: لم يقل: الأكبر من كذا، فهو قد بلغ الغاية في الكبر والمشقة والإهانة -والعياذ بالله- كل من تولى وكفر فإن الله يعذبه العذاب الأكبر.(61/9)
تفسير قوله تعالى: (إن إلينا إيابهم)
هل هناك عذاب أصغر؟ نقول: نعم.
هناك عذاب أصغر في الدنيا، فقد يبتلى المتولي المعرض بأمراض في بدنه وعقله، وأهله، وماله، ومجتمعه، وكل هذا بالنسبة لعذاب النار عذاب أصغر، لكن العذاب الأكبر إنما يكون يوم القيامة، ولهذا قال بعدها: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:25-26] (إلينا إيابهم) أي: مرجعهم، فالرجوع إلى الله مهما فر الإنسان فإنه راجع إلى ربه عز وجل ولو طالت به الحياة فإنه راجع إلى الله، ولهذا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] فاستعد يا أخي لهذه الملاقاة؛ لأنك سوف تلاقي ربك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان) مباشرة بدون مترجم يكلمه الله يوم القيامة (فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه -عن اليسار- فلا يرى إلا ما قدم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة) كلنا سيخلو به ربه عز وجل يوم القيامة يقرره بذنوبه يقول: فعلت كذا في يوم كذا، حتى يقر ويعترف، فإذا أقر واعترف قال الله تعالى: (قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) وكم من ذنوب سترها الله عز وجل، وكم من ذنوب اقترفناها لم يعلم بها أحد، ولكن الله تعالى علم بها، فموقفنا من هذه الذنوب أن نستغفر الله عز وجل، وأن نكثر من الأعمال الصالحة المكفرة للسيئات، حتى نلقى الله عز وجل ونحن على ما يرضيه سبحانه وتعالى.(61/10)
تفسير قوله تعالى: (ثم إن علينا حسابهم)
قال تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:25-26] نحاسبهم، قال العلماء: وكيفية الحساب ليست مناقشة يناقش الإنسان؛ لأنه لو نوقش هلك؛ لو يناقشك الله عز وجل عن الحساب هلكت، أو ناقشك في نعمة من النعم كالبصر، لا يمكن أن تجد أي شيء تعمله يقابل نعمة البصر، أو نعمة النفس؛ النفس الذي يخرج ويدخل بدون أي مشقة وبدون أي عناء، فالإنسان يتكلم وينام ويأكل ويشرب، ومع ذلك لا يحس بالنفس ولا يعرف قدر النفس إلا إذا أصيب بما يمنع التنفس، وحينئذ يذكر نعمة الله؛ لكن ما دام في عافية فهو عنده شيء طبيعي، لكن لو أنه أصيب بكتم النفس لعرف قدر النعمة، فلو نوقش لهلك، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ عائشة: (من نوقش الحساب عذب) ، لكن كيفية الحساب؟ أما المؤمن فإن الله تعالى يخلو به بنفسه ليس عندهما أحد ويقرره بذنوبه، فعلت كذا فعلت كذا فعلت كذا؛ حتى إذا أقر بها قال الله تعالى: (قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) .
وأما الكفار فلا يحاسبون هذا الحساب؛ لأنه ليس لهم حسنات تمحو سيئاتهم، لكنها تحصى عليهم أعمالهم ويُقررون بها أمام العالم ويخزون بها، وينادى بهم على رءوس الأشهاد {هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18] نعوذ بالله من الخذلان.
وبهذا ينتهي الكلام على هذه السورة العظيمة، وهي إحدى السورتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما في المجامع الكبيرة، فقد كان يقرأ في صلاة العيدين: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] وكذلك في صلاة الجمعة، ويقرأ أحياناً في العيدين {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق:1] {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1] وفي صلاة الجمعة يقرأ سورة الجمعة والمنافقين، ينوع مرة في هذه ومرة في هذه.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن تكون وجوههم لسعيها راضية، وأن يتولانا بعنايته في الدنيا والآخرة إنه على كل شيء قدير، والله تعالى أعلم.(61/11)
الأسئلة(61/12)
حكم الغش في اختبار مادة اللغة الإنجليزية
السؤال
فضيلة الشيخ! وفقكم الله ورعاكم: تعلمون أن الاختبارات على الأبواب، وبعض الطلاب يستحلون الغش في اختبار مادة الإنجليزي ويقولون: هذه لغة الكفار ولا يجوز تعلمها، فما حكم ذلك؟ وهل للمدرس أن يغض النظر عن الغش في هذه المادة؟ ثم من سبق له الغش في هذه المادة معتقداً حل ذلك ماذا عليه الآن؟ وهل المال الذي يدخل عليه من شهادته فيه شيء من الحرام؟ أفيدونا وفقكم الله.
الجواب
الامتحان ويقال له: الاختبار، معناه أن الطالب يختبر لينظر مدى تحصيله في هذا العام الدراسي، وينبني على ذلك أن يعطى شهادة يجتاز بها هذه المرحلة إلى المرحلة التي تليها، سواء كان من الابتدائي إلى المتوسط أو من المتوسط إلى الثانوي، أو من الثانوي للجامعة، أو من الجامعة للدراسات العليا، أو كان من سنة إلى سنة في كل مرحلة هذه الشهادة، وإذا كان كذلك فإنه لا يحل للطالب أن يغش فيها؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من غشنا فليس منا) وهذا عام في كل غش؛ ولأن ولاة الأمر رتبوا على هذه الشهادات أشياء معينة كالرواتب والمراتب وما أشبه ذلك، فكيف يمكن أن تنال هذه الرواتب وهذه المكافآت والمراتب وهي السلم الوظيفي؟ كيف يحل لك أن تأخذ هذه المراتب أو هذه الرواتب وأنت لم تبلغ ما تستحقه بهذه المراتب إلا بالغش؟ فنقول: الغش حرام، حتى في اللغة الإنجليزية الغش حرام؛ لأن ولاة الأمور قرروها، وجعلوا من شروط اجتياز هذه المرحلة أن تجيد هذه اللغة.
وأما قوله: إنها لغة الكفار.
فهذا غير صحيح، فكم من أناس مسلمين لغتهم الإنجليزية، كل المسلمين الذين يتكلمون باللغة الإنجليزية في جميع أقطار الدنيا كلهم مسلمون، واللغة لا صنع للإنسان فيها، وإن كنا نرى كما هو واقع أن اللغة العربية أفضل اللغات وأشرفها؛ لأنها لغة القرآن الكريم ولغة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام، لكن هذه لغة عالمية مشهورة يتكلم بها المسلم والكافر، ثم هي مقررة عليك حتى وإن كانت لغة الكفار، فإنك ربما تحتاجها في يوم من الأيام، أنا أتمنى أني أعرف هذه اللغة؛ لأني وجدت فيها مصلحة كبيرة، يأتي رجل ليسلم بين يديك فلا تستطيع أن تتفاهم معه، وترى مسلماً يخل في أشياء من واجبات الدين في الصلاة، أو في الصوم، أو في الزكاة، أو في الحج، أو في غير ذلك فلا تستطيع أن تتكلم معه؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود؛ اللغة العبرية؛ حتى إذا جاءت الكتب من اليهود يقرأها زيد ويكتب ردها.
فلا يمكن أن ينكر الآن مدى احتياج الناس إلى تعلم اللغة الإنجليزية، وأنها قد تكون وسيلة بالغة للدعوة إلى الله عز وجل.
افرض أنك في مجتمع لا يعرف إلا اللغة الإنجليزية سواء كان إنجليزياً أو غير إنجليزي، كيف تدعو إلى الله؟ هل يمكن أن تدعو بالإشارة؟ مهما بلغت من الإشارة لا تستطيع أن تدله أو تدعوه كما تدعوه بالعبارة.
فهذا التصور تصور غير صحيح.
وصحيح أنه لا يمكن أن نقول للناس الذين منَّ الله عليهم باللغة العربية: انتقلوا إلى اللغة الإنجليزية، أو إلى اللغة الفارسية أو الأردية أو غيرها، لا نرى أن الإنسان يتخطى اللغة العربية إلى لغة أخرى، فيجعلها هي لغة التخاطب والتفاهم، لكن كونه يتعلم لغة الغير لأجل الدعوة إلى الله عز وجل أو للمصالح الدنيوية التي ليست حراماً فلا أحد ينكره أبداً.
المهم أن الغش في اللغة الإنجليزية في الاختبار حرام، ولا يجوز للمصحح أن يتهاون في ذلك أيضاً، بل الواجب عليه أن يعامل الإجابة في اللغة الإنجليزية كما يعامل الإجابة في غيرها من مواد الدراسة.
ولا فرق.
وأما كون الإنسان ينجح بالغش ثم يتوصل بذلك النجاح المغشوش الهزيل الرديء إلى مرتبة من المراتب فإننا نرى أن ذلك خطر على أكله وشربه الذي استفاده من الراتب المقرر على النجاح في هذه المرحلة، ونرى أن الإنسان يجب عليه إذا تمكن أن يعيد الاختبار مرة ثانية على وجهٍ صحيح فليفعل، هذا إذا كان الغش في الشهادة التي ترتب عليها هذا الراتب.
أما إذا كان في أثناء الدراسة فهذا إذا تاب إلى الله وكان آخر مرحلة نال الشهادة بها على وجه صحيح، فنرجو أن الله سبحانه وتعالى يتوب عليه، وأنه لا حرج عليه فيما يأخذ من الراتب بناءً على هذه الشهادة، فإذا قال: إنه غش في آخر شهادة نال بها هذا الراتب، ولا يمكنه أن يعيد الاختبار؛ لأنه جبان لا يستطيع أن يصرح، فإني أرجو إذا كانت الوظيفة التي يشغلها لا علاقة لها فيما غش فيه أرجو أن يكون ذلك توبة صحيحة.(61/13)
الحكمة من وقوع الكوارث
السؤال
فضيلة الشيخ! ذكرت أن يوم القيامة تشقق الأرض، وتسطح الأرض، فهل تشقق الجبال في البراكين تعتبر من التسطح أم لا؟
الجواب
لا.
انشقاق الأرض بالبراكين هذه تعتبر من عذاب الله عز وجل، فهي تشبه الزلازل، والزلازل من عقوبات الله لا شك في هذا، فهي إنذار وتحذير للذين وقع بهم هذا البركان، وكذلك لغيرهم؛ لأن الذي شق الأرض حتى خرج منها هذا البركان قادر على أن يشقها في أي مكان، ولذلك يجب علينا ألا نقول: هذه أمور طبيعية، بل نقول: هذه أمور كونية قدرية، قدرها الله عز وجل وأراد أن يري العباد آياته حتى يتذكروا ويرجعوا إلى الله، لكن مع الأسف لقلة معرفتنا بالله عز وجل وخوفنا منه تمر بنا هذه الأشياء مر الرياح، وكأنها لا شيء، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى سحاباً أو غيماً صار يدخل ويخرج ويتغير، وجهه ويقول: (ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح) .
فالحاصل أن هذه البراكين تعتبر عقوبة من الله عز وجل وإنذار وتخويف، فعلى المؤمن أن يتعظ بها ويخاف، كما أن الفتن التي تقع -أيضاً- بين الناس من حروب وغيرها هي -أيضاً- عقوبات، كما قال الله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام:65] وفي هذين قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بوجهك) أي: أن ينالنا شيء من فوق أو من تحت؛ هذا لا يمكن التخلص منه، قال: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً} [الأنعام:65] يجعلكم متفرقين {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام:65] فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (هذه أهون) مع أنها عظيمة؛ كون الإنسان يقابل الرجل الذي هو مثله ويقتله، ويستبيح بذلك ماله وعرضه وأهله، هذه عظيمة، لهذا نقول: يجب علينا أن نتعظ بما يحصل من آيات الله الكونية التي لا صنع لنا فيها ولا قدرة، وأن نتعظ بما يحدث بين الناس من الفتن، فإن الذي قدر الفتن في أرض مطمئنة ساكنة من قبل قادر على أن يقدرها في أرض أخرى، وينقل هذه الفتنة إلى أرض أخرى، فالواجب أن نتعظ بهذه الآيات وألا تمر علينا مر الرياح.(61/14)
توبة الزاني والزانية
السؤال
فضيلة الشيخ! شاب يسأل فيقول: إنه كان عنده معاصٍ وتاب إلى الله سبحانه وتعالى، ولكن معصيةً ما زالت تؤنب ضميره وهو أنه فعل الزنا في بكر، فماذا يصنع يا شيخ؟! هل يراجع أهلها مع العلم أنه لا يستطيع أن يتزوجها، وهو الآن ما زال يتخبط بنفسه ويعيش حياة نفسية مضطربة في هذه القضية، فما رأي فضيلتكم في هذا؟
الجواب
الذي نرى أن الإنسان إذا تاب من أي ذنب فإن الله يتوب عليه؛ لأن الله ذكر أصول الذنوب العظيمة الكبيرة في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} [الفرقان:68] وهذا الشرك {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان:68] عدوان على الله وعلى النفوس وعلى الأعراض، قال: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:68-70] فالواجب على الإنسان إذا تاب توبة نصوحاً اكتملت فيها الشروط الخمسة المعروفة وهي: الندم، والإقلاع، والعزم على ألا يعود في المستقبل، والإخلاص وهو الأصل، وأن تكون التوبة قبل فوات الأوان، فإذا استكملت هذه الشروط الخمسة في حقه فهي توبة نصوح، يمحو الله بها كل ما سلف من ذنوبه حتى الزنا.
أما بالنسبة للمزني بها فإن كان باختيارها فهي لا تسأل عن ذلك بنفسها، وإن كان إكراهاً فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل من هذا الإكراه، وإذا تمكن أن يستحلها فليفعل، وإذا لم يتمكن فليكثر من الاستغفار لها، والله سبحانه وتعالى غفور رحيم.
أما ما حصل من إذهاب بكارتها بهذا الزنا وأنها ستكون في حرج عظيم؛ لأنها إذا خطبت على أنها بكر مشكلة، إن قالت: قد زالت بكرتها سوف يكون عليها علامات استفهام كثيرة، وإن سكتت كان في هذا شيء من الغش بالنسبة للزوج الذي يتزوجها، لكني أرجو من الله عز وجل إذا كانت توبته صادقة وكانت المرأة -أيضاً- مطاوعة وتوبتها صادقة أن يجعل الله لهما فرجاً ومخرجاً.
وأما قولك في السؤال: إنه لا يمكن أن يتزوج بها فلا أدري لماذا قلت: لا يمكن؟ هل هو فقير؟ السائل: الأسباب التي لا يمكن أن يتزوج منها: السبب الأول: اختلاف القبيلة.
السبب الثاني: رفض الأب من الزواج من هذه العائلة.
فالأب مُصِر على الرفض، وكذلك علاقة العائلة بالقبيلة تختلف عن قبيلتهم بالنسبة للنسب.
الشيخ: على كل حال إذا تيسر أن يتزوج بها فهذا المطلوب، وإن لم يتيسر فسيجعل الله لها فرجاً ومخرجاً ما دامت توبتها صادقة؛ لأن الله تعالى قال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} [الطلاق:2] وهذا عام.(61/15)
تحديد صوم يوم عاشوراء
السؤال
فضيلة الشيخ! هل صيام يوم بعد يوم عاشوراء أفضل أم قبله؟
الجواب
قال العلماء: صيام يوم عاشوراء إما أن يكون مفرداً أو يصوم معه التاسع، أو يصوم معه الحادي عشر، ويمكن هناك صورة رابعة أن يصوم التاسع والعاشر والحادي عشر، فيصوم ثلاثة أيام من الشهر.
والأفضل إذا كان لا يريد أن يصوم إلا يومين فالأفضل أن يصوم التاسع والعاشر دون الحادي عشر، لكن في هذا العام، أعني عام (1415هـ) ، اختلف الناس؛ لأنه لم يصل الخبر -أعني ثبوت الشهر- إلا متأخراً، فبنى بعض الناس على الأصل وهو أن يكمل شهر ذي الحجة ثلاثين يوماً، وقال: إن اليوم العاشر هو يوم الإثنين، فصام الأحد والإثنين، والذين بلغهم الخبر من قبل عرفوا الخبر -أي: أن الشهر ثبت دخوله ليلة الثلاثين من ذي الحجة- فصاموا يوم السبت ويوم الأحد، وبهذه المناسبة أود أن أبين أنه قد ورد في حديث أخرجه أبو داود أن النبي صلى عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة أو عود عنب فليمضغه) فهذا الحديث قال أبو داود: إن مالكاً رحمه الله -وهو مالك بن أنس الإمام المشهور- قال: إن هذا الحديث كذب أي: مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصح، والحقيقة أن من تأمل هذا الحديث وجد أن فيه اضطراباً في سنده وفيه شذوذ أو نكارة في متنه.
أما الاضطراب في سنده فقد تكلم عليه أهل العلم ومن شاء أن يراجعه فليراجعه، وأما الشذوذ في متنه والنكارة فهو أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على جويرية بنت الحارث فقالت: إنها صائمة.
فقال: أصمت أمس؟ قالت: لا.
قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا.
قال: فأفطري) ومعلوم أن الغد من يوم الجمعة يكون يوم السبت، فهذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري، أنه أذن في صوم يوم السبت، وكذلك ما رواه أهل السنن عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سئلت: ما هي أكثر الأيام التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصومها؟ قالت: [يوم السبت ويوم الأحد] .
فثبت من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام القولية والفعلية أن صوم يوم السبت ليس حراماً، والعلماء مختلفون في هذا الحديث في العمل به، فمنهم من قال: إنه لا يعمل به إطلاقاً، وأن صوم يوم السبت لا بأس به، سواء أفرد أم لم يفرد؛ لأن الحديث لا يصح، والحديث الذي لا يصح لا ينبني عليه حكم من الأحكام.
ومنهم من صحح أو حسن الحديث وقال: إن الجمع بينه وبين الأحاديث الأخرى أن المنهي عنه إفراده فقط، أن يفرده دون الجمعة أو يوم الأحد، وهذا ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله، فقال: إذا صام مع يوم السبت يوماً آخر فلا بأس، كأن يصوم معه الجمعة أو يصوم معه الأحد.
وكذلك نقول: إذا صادف يوم السبت يوماً يشرع صومه كيوم عرفة أو يوم العاشر من شهر محرم فإنه لا يكره صومه؛ لأن المراد أن تصومه؛ لأنه يوم السبت، أي: تصومه بعينه لا بما صادفه من الأيام التي يشرع صومها وقد نبهت على ذلك؛ لأن بعض الإخوة سمع أن أناساً صاموا يوم السبت ليصوموا التاسع والعاشر فأمرهم أن يفطروا، وهذا في الحقيقة مجتهد، لكن ليس كل مجتهد مصيباً(61/16)
كروية الأرض
السؤال
فضيلة الشيخ ذكرتم في مقدمة الآيات قضية الكرة الأرضية أن الإنسان إذا اتجه جهة الغرب يأتي من جهة المشرق وبالعكس -أيضاً- فكيف ذلك؟
الجواب
استأجر طائرة من الطائرات وسر على هذا الاتجاه فستجد هذا، وهذا شيء مؤكد وقد تكلم العلماء رحمهم الله قديماً كـ ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم على ذلك، وأكدوا أن الأرض كروية أما العرش فهو فوق السماوات كالقبة، لكنه غير كروي؛ لأن له قوائم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا صعق الناس يوم القيامة يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أول من يفيق، ويرى موسى آخذاً بقوائم العرش، فهذا العرش ليس كروياً ولكن ما تحت العرش كروي، فأنت إذا أقلعت بالطائرة من مطار جدة واتجهت غرباً، فإذا بك تحط في مطار جدة مرة أخرى.(61/17)
مسألة الاستثناء في أبدية الجنة
السؤال
فضيلة الشيخ! يقول الله عز وجل في سورة هود لأهل النار: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:107] وقال في الآية التي بعدها: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:108] ما المقصود وما المراد بالمشيئة هنا في أهل الجنة؟
الجواب
المراد أنهم خالدون فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك فيما زاد على ذلك؛ لأنه لو لم يأت هذا الاستثناء وقال: {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [هود:107] لتوهم واهم بأن مدة بقاء الناس في النار أو بقاء السعداء في الجنة على قدر دوام السماوات والأرض، فلما قال: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود:107] صار المعنى: يزيدون على ذلك ما شاء الله تعالى أن يزيدوا عليه، وقد بين الله تعالى في آية أخرى أن ذلك إلى الأبد، لا بالنسبة لأصحاب الجنة ولا بالنسبة لأصحاب النار، فقال تعالى في أصحاب النار في ثلاث آيات من كلامه أنهم خالدون فيها أبداً، كما قال في سورة النساء: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} [النساء:168-169] وقال تعالى في سورة الأحزاب: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [الأحزاب:64-65] وقال تعالى في سورة الجن: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن:23] .
أما التأبيد بالنسبة لأهل الجنة فكثير في القرآن، فعلى هذا يكون أهل النار خلودهم مؤبد وأهل الجنة خلودهم مؤبد، أما الاستثناء فعرفت وجهه {إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود:107] .(61/18)
حكم صرف الذهب والفضة بآلات الصرف الآلي
السؤال
فضيلة الشيخ! انتشرت هذه الأيام آلات الصرف الآلي التي توفرها البنوك لعملائها لتسهيل عمليات السحب النقدي، كما أن هذه الخدمة بدأت تنتشر في المحلات التجارية ومحلات الذهب، فهل يجوز الشراء بهذه الطريقة؟ الشيخ: كيف يعني؟ السائل: يعني: محلات الذهب الظاهر أنها مقايضة وليس فيها استلام نقداً بنقد؟ الشيخ: أما الذهب فلا بد من الاستلام، لكن أريد أن أعرف هذا الصرف؟ السائل: يعطى العميل بطاقة ويدخلها في الآلة ويطلب نقداً؛ علماً بأن المشتري لا يدفع نقداً، وإنما يدخل بطاقته في الجهاز ويحول المبلغ الذي اشترى به على حساب صاحب المحل دون أن يكون هناك تقابض؟
الجواب
هذا لا يجوز في حال شراء الذهب والفضة؛ لأنه يشترط في الذهب والفضة التقابض من الجانبين، أما إذا أخذ المشتري الذهب والفضة وقام بتحويل الثمن عن طريق الكمبيوتر فليس هناك تقابض في هذه الحال، ولذلك لا نرى جواز ذلك.
أما في غير الذهب والفضة فهذا لا بأس به، وهو من التسهيل على المشتري، فمثلاً: يدخل الرجل ويشتري سلعاً بثلاثة آلاف ريال -مثلاً- ولا يدفع نقداً، بل يقوم بتحويل هذا المبلغ إلى رصيد صاحب المحل عن طريق هذا الجهاز، فهذا شيء طيب ولا شيء فيه.(61/19)
إصابة الإنسان بالعين وعلاج ذلك
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يصاب الإنسان في دينه فينحرف بسبب العين وهل يأثم على ذلك؟ وما هو العلاج؟
الجواب
ربما يصاب الإنسان بالعين في كل شيء وفي كل نعمة؛ لقول الله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق:5] وفي الأمثال العامة المنتشرة: "كل ذي نعمة محسود" فقد يصاب الإنسان المتدين بالعين، ويضيق صدره بالعبادة، أو يصاب بالعين فينسى ما حفظ، أو يصاب بالعين فيعجز أن يحفظ، فالعين -نسأل الله العافية- قال فيها الرسول عليه الصلاة والسلام: (لو سبق القدر شيء لسبقته العين) ودواء ذلك أن يبحث عن العائن ليعمل ما أمر به الرسول عليه الصلاة والسلام حتى تزول العين، فإن لم يمكن فبكثرة القراءة والاستغفار، وكثرة قول: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فإن الله تعالى قال: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:88] وهذه الكلمة كل من قالها بصدق حال الغم فإن الله تعالى يذهب عنه البلاء؛ لأن الله قال وهو أصدق القائلين وأقدر الفاعلين: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:88] فعليه أن يتوب ويستغفر ويكثر من الاستغفار والتوبة والذكر والقراءة، وقول: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وقول: اللهم إني أجعلك في نحورهم، وأعوذ بك من شرورهم وأمثال ذلك من التعوذات.
السائل: هل ينحرف عن دينه بسبب العين؟ الشيخ: مسألة الانحراف لا أدري؛ لكن كونه يضيق صدره بالعبادة التي حسد عليها يمكن هذا.
السائل: هل يأثم على ذلك؟ الشيخ: قال الله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286] لكن فعل المحرمات يأثم عليها.(61/20)
دوران الأرض ودوران الشمس
السؤال
فضيلة الشيخ! عندنا في مادة العلوم في الصف السادس الابتدائي درس عن دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، فهل ورد في كتاب أو سنة ما يثبت هذا؟ وما هو موقف المدرس من هذا الدرس؟
الجواب
أما كون الأرض تدور أو لا تدور فهذا لا أعلم شيئاً في القرآن أو السنة يؤيده أو يفنده، وقوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل:15] هذه دليل من يقول: إن الأرض لا تتحرك، ومن يقول: إن الأرض تتحرك، كيف هذا؟ {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل:15] قال الذين قالوا إن الأرض تتحرك: هذا دليل لنا، وقال الآخرون: هذا دليل لنا، حسناً الذين قالوا: إنها دليل لنا قالوا: إن الله قال: {َأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل:15] إذاً لا تتحرك، وقال الآخرون: {أَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل:15] أي: أن تضطرب، وأن الاضطراب يدل على أصل الحركة.
وعلى كل حال أنا أتوقف في هذا ولا أستطيع أن أقول: إنها تتحرك أو تدور ولا أقول: إنها لا تدور؛ لأنه لم يثبت عندي في القرآن أو في السنة أن ذلك كائن أو غير كائن.
أما بالنسبة للشمس فالذي أعتقده إلى الآن أن الشمس هي التي تدور على الأرض وأن اختلاف الليل والنهار يكون بالشمس بجريانها حول الأرض، هذا الذي أعتقده؛ لأن هذا هو ظاهر كلام الله، والله عز وجل هو الذي خلق الشمس وهو الذي خلق الأرض وهو أعلم بها من غيره، قال الله تبارك وتعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَر عَنْ كَهْفِهِمْ} [الكهف:17] فيها ضميران الآن، طلعت يعني: الشمس، تزاور أي: الشمس، ولو كان طلوع الشمس بدوران الأرض لقال: وترى الشمس إذا طلعت عليها -أي: هي تطلع وتأتينا- إذا طلعت تزاور {وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف:17] (إذا غربت) ضمير يعود على الشمس (تقرضهم) ضمير يعود على الشمس أيضاً، وقال تعالى عن سليمان: {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص:32] توارت الشمس بالحجاب، ولو كان ذلك بدوران الأرض لقال: حتى تورى عنها، أي: الشمس بالحجاب، وقال تعالى في ذي القرنين: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف:86] أي: في البحر، وقال النبي عليه الصلاة والسلام لـ أبي ذر حين غربت الشمس: (يا أبا ذر! أتدري أين تذهب؟ قال الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب فتسجد تحت العرش، فتستأذن الله عز وجل أتطلع أم لا، فإن أذن لها وإلا قيل: ارجعي من حيث جئتي، فترجع فتخرج من المغرب) كل هذه الضمائر تعود على الشمس، والذي قال ذلك هو الله عز وجل وهو أعلم بما خلق، ونحن تعجز عقولنا عن إدراك هذا، فمادمنا لم نر أمراً محسوساً نشهده كما نشهد الشمس على أن اختلاف الليل والنهار بسبب دوران الأرض فإن الواجب علينا أن نأخذ بظاهر القرآن والسنة، هذا الواجب، وهو لا يجوز أن نأخذ بقول فلان وفلان إلا إذا رأينا هذا بأعيننا، أي: لو فرض أننا أيقنا مثل الشمس أن الليل والنهار يكون تعاقبهما بدوران الأرض لقلنا: إن الله تعالى خاطب الناس بما يفهمون في ذلك الوقت ويكون طلوع الشمس وغروبها وتزاورها بحسب رؤية الرائي لا باعتبار الواقع، هذا متى نقوله؟ إذا علمنا ذلك حساً بأعيننا؛ لأن القرآن لا يعارض الواقع.
أما مجرد أن قالوا: كذا، نقول: كذا، هم قالوا: إن المادة غير مستحدثة، وغير حادثة -سبحان الله- المادة عندهم لا تفنى ولا تستحدث، فمن الذي خلقها {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [الأنعام:116] كل الكون حادث مخلوق خلقه الله عز وجل من لا شيء، وأما فنائها فقد قال الله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن:26] ونحن نشاهد الحطب خشباً، فإذا أحرق بالنار صار رماداً تذروه الرياح، هل الرماد هذا هو الذي كان خشباً تغير، ولهذا ذهب بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية إلى طهارة النجاسة بالإستحالة، وقال: إن النجاسة إذا تحولت إلى رماد فهي رماد وليست نجاسة.
فعلى كل حال هذه مسائل لا ينبغي لنا أن نتابع آراء من تكلم بها بمجرد أن يقول هكذا، وعندنا وحي منزل من الله عز وجل، إلا إذا تبين لنا رأي العين على وجه ممكن أن نتأول الآيات إلى معنىً آخر فهذا شيء لا بأس به.(61/21)
لقاء الباب المفتوح [62]
في هذه المادة تفسير أول آيات من سورة الفجر مع بيان الأيمان الواردة فيها والحكمة من القسم بها، ثم أجاب عن الأسئلة الواردة في اللقاء.(62/1)
تفسير آيات من سورة الفجر
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو المجلس الثاني والستون من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل خميس، وهذا يوم الخميس هو الحادي والعشرون من شهر المحرم عام (1415هـ) ، وكان من عادتنا أن نتكلم بما يسر الله سبحانه وتعالى من تفسير القرآن الكريم الذي ابتدأناه بسورة النبأ، وقد انتهينا إلى سورة الفجر.(62/2)
تفسير قوله تعالى: (والفجر)
فنقول وبالله نقول: قال الله سبحانه وتعالى: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر:1-4] كل هذه أيمان: بالفجر، وليال عشر، والشفع، والوتر، والليل إذا يسر.
خمسة أشياء أقسم الله تعالى بها.
الأول: الفجر؛ والفجر: هو النور الساطع الذي يكون في الأفق الشرقي قرب طلوع الشمس، وبينه وبين طلوع الشمس ما بين ساعة واثنتين وثلاثين دقيقة إلى ساعة وسبع عشرة دقيقة، ويختلف باختلاف الفصول، فأحياناً تطول الحصة ما بين الفجر وطلوع الشمس، وأحياناً تقصر حسب الفصول، والفجر فجران: فجر صادق وفجر كاذب، والمقصود بالفجر هنا: الفجر الصادق، والفرق بين الفجر الصادق والكاذب من ثلاثة وجوه: الوجه الأول: الفجر الكاذب يكون مستطيلاً في السماء، ليس عرضاً ولكنه طولاً، وأما الفجر الصادق فيكون عرضاً، يمتد من الشمال إلى الجنوب.
الوجه الثاني: أن الفجر الصادق لا ظلمة بعده بل يزداد الضياء حتى تطلع الشمس، وأما الفجر الكاذب فإنه يكون بعده ظلمة؛ يحدث بعده ظلمة بعد أن يكون هذا الضياء، ولهذا سمي كاذباً؛ لأنه يضمحل ويزول.
الوجه الثالث: أن الفجر الصادق متصل بالأفق، أما الفجر الكاذب فبينه وبين الأفق ظلمة.
هذه ثلاثة فروق أفقية حسية يعرفها الناس إذا كانوا في البر، أما في المدن فلا يعرفون ذلك؛ لأن الأنوار تحجب هذه العلامات.
- وأقسم الله بالفجر؛ لأنه ابتداء النهار، وهو في الحقيقة انتقال من ظلمة دامسة إلى فجر ساطع.
- وأقسم الله به؛ لأنه لا يقدر على الإتيان بهذا الفجر إلا الله عز وجل، كما قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ} [القصص:71] .
- وأقسم الله بالفجر؛ لأنه يترتب عليه أحكام شرعية، مثل إمساك الصائم؛ فإنه إذا طلع الفجر وجب على الصائم أن يمسك إذا كان صومه فرضاً، أو نفلاً إذا أراد أن يتم صومه، ويترتب عليه أيضاً دخول وقت صلاة الفجر، وهما حكمان شرعيان عظيمان، أهمهما: دخول وقت الصلاة، أي: أنه يجب أن نراعي الفجر من أجل دخول وقت الصلاة أكثر مما نراعيه من أجل الإمساك في حال الصوم، لماذا؟ لأننا في الإمساك عن المفطرات في الصيام لو فرضنا أننا أخطأنا فإننا بنينا على أصل وهو بقاء الليل، لكن في الصلاة لو أخطأنا وصلينا قبل الفجر لم نكن بنينا على أصل؛ لأن الأصل بقاء الليل وعدم دخول وقت الصلاة، ولهذا لو أن الإنسان صلى الفجر قبل دخول وقت الصلاة بدقيقة واحدة فصلاته نفل، ولا تبرأ بها ذمته، ومن ثم ندعوكم أيها الإخوة! إلى ملاحظة هذه المسألة، أعني: العناية بدخول وقت صلاة الفجر؛ لأن كثيراً من المؤذنين يؤذنون قبل الفجر، وهذا غلط؛ لأن الأذان قبل الوقت ليس بمشروع؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) ومتى يكون حضور الصلاة؟ إذا دخل وقتها، فلو أذن الإنسان قبل دخول وقت الصلاة فأذانه غير صحيح، ويجب عليه الإعادة، والعناية بدخول الفجر مهمة جداً من أجل مراعاة وقت الصلاة.(62/3)
تفسير قوله تعالى: (وليال عشر)
قوله تعالى: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:2] قيل: المراد بالليالي العشر: عشر ذي الحجة، وأطلق على الأيام ليالي؛ لأن اللغة العربية واسعة، قد تطلق الليالي ويراد بها الأيام، والأيام ويراد بها الليالي، وقيل: المراد بالليالي العشر، ليالي العشر الأخيرة من رمضان.
أما على القول الأول الذين يقولون: المراد بالليالي العشر عشر ذي الحجة؛ فلأن عشر ذي الحجة أيام فاضلة، قال فيها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) .
وأما الذين قالوا: إن المراد بالليالي العشر هي ليالي عشر رمضان الأخيرة، فقالوا: إن الأصل في الليالي أنها الليالي وليست الأيام.
وقالوا: إن ليالي العشر الأخيرة من رمضان فيها ليلة القدر التي قال الله عنها إنها {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3] وقال إنها: {مُبَارَكَةٍ} [الدخان:3] وقال: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:4] وهذا القول أرجح من القول الأول، وإن كان القول الأول هو قول الجمهور، لكن اللفظ لا يسعف قول الجمهور، وإنما يرجح القول الثاني، وهو أن الليالي هي العشر الأواخر من رمضان، وأقسم الله بها لشرفها؛ ولأن فيها ليلة القدر؛ ولأن المسلمين يختمون بها شهر رمضان الذي هو وقت فريضة من فرائض وأركان الإسلام، فلذلك أقسم الله بهذه الليالي.(62/4)
تفسير قوله تعالى: (والشفع والوتر)
وأما قوله: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر:3] فقيل: إن المراد به كل الخلق إما شفع وإما وتر، والله عز وجل يقول: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات:49] والعبادات إما شفع وإما وتر، فيكون المراد بالشفع والوتر كل ما كان مخلوقاً من شفع ووتر، كل ما كان مشروعاً من شفع ووتر.
وقيل: المراد بالشفع: الخلق كلهم؛ والمراد بالوتر: الله عز وجل.
واعلم أن قوله: (والوتر) فيه قراءتان صحيحتان وهما: (والوِتر والوَتر) يعني: لو قلت: (والشفع والوِتر) صح، ولو قلت: (والشفع والوَتر) صح أيضاً، فقالوا: إن الشبه والخلق؛ لأن المخلوقات كلها مكونة من شيئين، قال تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات:49] (والوَتر أو الوِتر) هو الله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله وتر يحب الوتر) وإذا كانت الآية تحتمل معنيين ولا منافاة بينهما فلتكن لكل المعاني التي تحتملها الآية، هذه القاعدة في علم التفسير، أن الآية إذا كانت تحتمل معنيين وأحدهما لا ينافي الآخر فهي محمولة على المعنيين جميعاً.(62/5)
تفسير قوله تعالى: (والليل إذا يسر)
قال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر:4] أقسم الله أيضاً بالليل إذا يسر، والسري هو: السير في الليل، والليل يسير، يبدأ من المغرب وينتهي بطلوع الفجر، فهو يمشي زمناً ولا يتوقف، فهو دائماً في سريان، فأقسم الله به لما في ساعاته من العبادات، كصلاة المغرب والعشاء، وقيام الليل، والوتر، وغير ذلك؛ ولأن في الليل مناسبة عظيمة وهي أن الله عز وجل ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر؛ فيقول: (من يسألني فأعطيه، من يدعوني فأستجيب له، من يستغفرني فأغفر له) ولهذا نقول: إن الثلث الآخر من الليل: إنه وقت إجابة، فينبغي أن ينتهز الإنسان هذه الفرصة فيقوم لله عز وجل يتهجد، ويدعو الله سبحانه وتعالى بما شاء من خير الدنيا والآخرة، لعله يوافق ساعة إجابة ينتفع بها في دنياه وأخراه.(62/6)
الأسئلة(62/7)
وقت سنة الفجر
السؤال
فضيلة الشيخ: هل ركعتي الفجر مثل صلاة الفجر في اشتراط دخول الوقت أم لا؟
الجواب
سنة الفجر لا تكون إلا بعد طلوع الفجر، وسنة الظهر الأولى أيضاً لا تكون إلا بعد أذان الظهر.(62/8)
تسوية الصفوف في الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ هل المراد بقول الإمام: (استووا واعتدلوا) يعني: استقامة الصف واعتداله، أم أنه متضمن لسد الفرجات وإلصاق القدم بالقدم والمنكب بالمنكب؟ وما صحة الحديث الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لتسون بين صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) هذه المسألة أصبحت بين تفريط وإفراط، فنرجو التوضيح والله يحفظكم؟
الجواب
أولاً: يجب أن نعلم أن على الإمام مسئولية وهي تسوية الصفوف، بأمر الناس بذلك، وإذا لم يمتثلوا تقدم هو بنفسه إلى من تأخر عن الصف أو تقدم ليعدله؛ لأن نبينا وإمامنا وقدوتنا محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كان يسوي الصفوف كأنما يسوي بها القداح، وكان يمر بالصف يمسح المناكب والصدور، ويأمرهم بالاستواء، ولا أدري هل الناس يعملونها اليوم أم لا؟ بل إن رأى الناس إماماً يفعل هذا ربما صرخوا به، ولكن سنة النبي صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع، والمهم أن على الإمام أن يعتني بتسوية الصفوف، فيلتفت يميناً ويستقبل الناس بوجهه، ويلتفت يساراً ويقول: استووا، سووا صفوفكم، لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، تراصوا، سدوا الخلل، كل هذه الكلمات وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام بعد أن عقل الناس عنه تسوية الصفوف، وصاروا يسوونها، فرأى رجلاً بادياً صدره - متقدماً بعض الشيء- فقال: (عباد الله! لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) وهو حديث صحيح، وفيه وعيد.
ومخالفة الله بين الوجوه قيل فيها معنيان: المعنى الأول: إما أن الله يدير وجه الإنسان فيكون وجهه إلى كتفه -والعياذ بالله.
المعنى الثاني: أن المراد ليخالفن الله بين وجهات نظركم فتفترق القلوب وتختلف، لقوله: (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم) وأياً كان الأمر سواءً لي الرقبة حتى يكون الوجه إلى جانب البدن، أو أن المراد اختلاف القلوب، كلها وعيد شديد، وهذا يدل على أنه يجب على الإمام أن يعتني بتسوية الصف، لكن لو التفت ووجد الصف مستقيماً بالتراص والتساوي في المكان هل يقول: استووا أم لا يقول؟ الظاهر لي أنه لا يقولها، يعني: مثلاً لو كان وراءه رجلان فقط والتفت وإذا بهما متساويان متراصان وعلى الوجه المطلوب فلا حاجة إلى أن يقول: استووا؛ لأن هذه الكلمة لها معناها، وليست كلمة عابرة، فالإمام إذا قال: استووا ورآهم لم يستووا يجب أن يعيد القول وألا يكبر إلا وقد استوت الصفوف.
ألم تعلموا أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وكذلك عثمان لما كثر الناس جعل وكيلاً يمر بالصفوف يسويها، حتى إذا جاء وقال: إنها استوت كبر.
كل هذا يدل على عناية الشرع بتسوية الصف، فإلصاق القدم بالقدم والمنكب بالمنكب لأمرين: الأمر الأول: التسوية.
الأمر الثاني: سد الفرج والخلل؛ لأنك إذا فتحت بينك وبين الذي بجوارك فرجة جاءت الشياطين ودخلت من هذه الفرج ولبست على الناس صلاتهم.(62/9)
التفصيل في الإنكار على الولاة علناً
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك من يقول: إن الإنكار على الولاة علناً من منهج السلف، ويستشهد بحديث أبي سعيد الخدري في إنكاره على مروان بن الحكم حينما قدم الخطبة على الصلاة، وبقوله صلى الله عليه وسلم: (ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم) وبحديث (سيد الشهداء رجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) فهل هذا كلام صحيح؟ وكيف الجمع بين هذه الآثار الصحيحة وبين قوله عليه الصلاة والسلام: (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية) نرجو التفصيل في هذه المسألة، حيث أن كثير من شباب الصحوة يجهل الحكم الصحيح في هذه المسألة، وبخاصة أن هناك من الدعاة من يقول: إن الإنكار على الولاة علناً من منهج السلف، مما يجعل الشباب يثور ويظن أن عدم الإنكار علناً دليل المداهنة في الدين وغير ذلك، ولما لهذه المسألة من خطورة، نرجو التفصيل وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
هذا السؤال مهم، وجوابه أهم منه في الواقع، ولا شك أن إنكار المنكر واجب على كل قادر عليه، لقول الله تبارك وتعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:104-105] واللام في قوله: (ولتكن) لام الأمر، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدي السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم) أي: كما لعن بني إسرائيل الذين قال الله عنهم: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة:78-79] .
ولكن يجب أن نعلم أن الأوامر الشرعية في مثل هذه الأمور لها مجال، ولا بد من استعمال الحكمة، فإذا رأينا أن الإنكار علناً يزول به المنكر ويحصل به الخير فلننكر علناً، وإذا رأينا أن الإنكار علناً لا يزول به الشر، ولا يحصل به الخير بل يزداد ضغط الولاة على المنكرين وأهل الخير، فإن الخير أن ننكر سراً، وبهذا تجتمع الأدلة، فتكون الأدلة الدالة على أن الإنكار يكون علناً فيما إذا كنا نتوقع فيه المصلحة، وهي حصول الخير وزوال الشر، والنصوص الدالة على أن الإنكار يكون سراً فيما إذا كان إعلان الإنكار يزداد به الشر ولا يحصل به الخير.
وأقول لكم: إنه لم يضل من ضل من هذه الأمة إلا بسبب أنهم يأخذون بجانب من النصوص ويدعون جانباً، سواء كان في العقيدة أو في معاملة الحكام أو في معاملة الناس، أو في غير ذلك، ونحن نضرب لكم أمثالاً حتى يتضح الأمر للحاضرين وللسامعين: مثلاً: الخوارج والمعتزلة رأوا النصوص التي فيها الوعيد على بعض الذنوب الكبيرة فأخذوا بهذه النصوص، ونسوا نصوص الوعد التي تفتح باب الرجاء، -فمثلاً- قالوا: إذا قتل الإنسان مؤمناً عمداً فإنه يكون كافراً -على رأي الخوارج -مباح الدم مخلداً في النار، وعلى رأي المعتزلة يقولون: إذا قتله خرج من الإسلام لكن لا يدخل في الكفر؛ لأننا لا نستطيع أن نجزم بأنه كافر، فنقول: خرج من الإسلام وكان في منزله بين الإسلام وبين الكفر، ولكنه مخلد في النار، ثم أهملوا آيات الوعد وأحاديث الوعد الدالة على أن الله سبحانه وتعالى يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثقال حبة خردل من الإيمان.
ثم قابلهم آخرون وقالوا: الإنسان مهما عمل من المعاصي التي دون الكفر فإنه مؤمن كامل الإيمان ولا يدخل النار أبداً، وقالوا: إن قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ.
} [النساء:93] هذه في الكافر إذا قتل مؤمناً، الآن لماذا ضل هؤلاء وهؤلاء؟ لأنهم أخذوا بجانب واحد من النصوص.
كذلك -مثلاً- في صفات الله عز وجل تجد أن بعض الناس قال: إن الله عز وجل لا يمكن أن يجيء بنفسه، ولا يمكن أن ينزل إلى السماء الدنيا، وليس له وجه، وليس له يدان، لماذا؟ قالوا: لأن الله قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] قالوا: وأنت إذا أثبت هذه الأمور مثَّلت الله.
وقابلهم أناس آخرون فقالوا: إن الله تعالى أثبت لنفسه وجهاً، وأثبت له يدين، وأثبت أنه ينزل، وأنه يجيء، فوجهه كوجوهنا، ويده كأيدينا، ونزوله كنزولنا، ومجيئه كمجيئنا؛ لأننا لا نعقل من المجيء واليد والوجه إلا ما نشاهد، والله خاطبنا بما يمكن إدراكه، فيكون مجيء الله ووجه الله ويد الله ونزول الله مثل ما يثبت لنا.
إذاً: هؤلاء في طرف وهؤلاء في طرف، وكلهم ضالون؛ لأن كل واحد أخذ بجانب، فنحن نقول: إن الله تعالى له وجه وله يدان ويجيء وينزل لكن ليس كأيدينا وكوجوهنا وحاشاه من ذلك عز وجل؛ لأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] .
كذلك أيضاً في مسألة مناصحة الولاة، من الناس من يريد أن يأخذ بجانب من النصوص وهو إعلان النكير على ولاة الأمور، مهما تمخض عنه من المفاسد، ومنهم من يقول: لا يمكن أن نعلن مطلقاً، والواجب أن نناصح ولاة الأمور سراً كما جاء في النص الذي ذكره السائل، ونحن نقول: النصوص لا يكذب بعضها بعضاً، ولا يصادم بعضها بعضاً، فيكون الإنكار معلناً عند المصلحة، والمصلحة هي أن يزول الشر ويحل الخير، ويكون سراً إذا كان إعلان الإنكار لا يخدم المصلحة، لا يزول به الشر ولا يحل به الخير.
وأنتم تعلمون -بارك الله فيكم- أن ولاة الأمور لا يمكن أن يرضوا جميع الناس أبداً، حتى إمام المسجد، هل يرضي جميع المصلين؟ لا.
بعضهم يقول: تبكر! وبعضهم يقول: تطول! وبعضهم يقول: تقصر! وفي الشتاء يتنازعون والذي يصلي في الشمس والذي يصلي في الظلال لا يحصل الاتفاق، فإذا أعلن النكير على ولاة الأمور استغله من يكره (وجعل من الحبة قبة) وثارت الفتنة، وما ضر الناس إلا مثل هذا الأمر! الخوارج كانوا مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه على جيش الشام، وعندما تصالح علي مع جيش الشام حقناً لدماء المسلمين صاروا ضده، وقالوا: أنت كافر.
كفروا علي بن أبي طالب -والعياذ بالله- لماذا؟ لأن رعاع الناس وغوغاء الناس لا يمكن ضبطهم أبداً، وإعلان النكير على ولاة الأمور يستغله هؤلاء الغوغاء ليصلوا إلى مآربهم، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكنه رضي بالتحريش بينهم) بين من؟ بين سكان الجزيرة، يحرش بينهم حتى تؤدي المسائل إلى القتل ويلاقي الإنسان أخاه في الإسلام وربما أخاه في النسب أو ابن عمه أو صهره فيقتله على أي شيء؟ ولا على شيء.
فالحاصل أننا نقول: يجب على شباب الصحوة أن ينظروا إلى النصوص من جميع الجوانب، وألا يقدموا على شيء حتى ينظروا ما عاقبته، إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) فاجعل هذا ميزاناً لك في كل أقوالك، وكذلك في كل أفعالك، والله الموفق.(62/10)
ألفاظ محظورة في حق الله والرسول
السؤال
فضيلة الشيخ اشتهر في الفترة الأخيرة بين الشباب لغز أو ما يسمونه باللغز وهو: ما هو الشيء الذي لم يره الرسول صلى الله عليه وسلم، وما هو الشيء الذي لم يره الله سبحانه وتعالى ولم يسمع به؟ ويقصدون بالذي لم يره الرسول صلى الله عليه وسلم رسولٌ مثله، والذي لم يره الله سبحانه وتعالى ولم يسمع به: الشبيه والمثيل والنظير، وتعلمون أن هذا سوء أدب مع الله سبحانه وتعالى، فما حكم ذلك؟ أفيدونا وفقكم الله.
الجواب
أما كون الرسول صلى الله عليه وسلم لم ير الشيء أو لم يسمع به فهذا حاصل لكل بشر، والنبي صلى الله عليه وسلم بشر، يدخل بيته والبرمة على النار فلا يدري ما الذي فيها وهو بيته، والبرمة: مثل القدر، فإنه دخل ذات يوم على أهله فدعا بطعام، وكان قد رأى البرمة على النار وفيها لحم تصدق به على بريرة، وهي عتيقة لـ عائشة رضي الله عنها عندها، وقد علموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصدقة، فقالوا: (لحم تصدق به على بريرة، فقال: هو عليها صدقة ولنا هدية) أنا أضرب هذا مثلاً للدلالة لكون الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب.
وكان معه أبو هريرة ذات يوم فانخنس منه وذهب يغتسل، ثم رجع فقال له: (أين كنت؟ قال: كنت جنباً فكرهت أن أكون معك على غير طهارة.
قال: سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس) فانظر: تغيب عنه أبو هريرة وهو لا يعلم، فالرسول قد لا يسمع بالشيء، وقد لا يرى الشيء، لكن قولنا: في جانب الله عز وجل لم يسمع به الله ولم يره فهذا سوء أدب عظيم مع الله، ويخشى على من ألقى هذا السؤال فضل به من يضل من الناس أن يبوء بالإثم والعياذ بالله.
وجانب الرب عز وجل يجب أن يعظم ويهاب، يجب ألا تتكلم في جانب الله عز وجل بما يوهم نقصاً لا من قريب ولا من بعيد؛ لأن الله تعالى قال: {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل:60] كل وصف كمال فأعلاه لله عز وجل، كيف تقول: إن الله لم يسمع به ولم يره؟ فالحذر الحذر من مثل هذه التعبيرات، والحذر الحذر من الكلام في جانب الرب عز وجل إلا بما جاء في الكتاب والسنة.
يجب أن نتأدب كما تأدب الصحابة رضي الله عنهم، كانت الآيات تنزل في صفات الله وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم في صفات الله، لا يوردون أسئلة ولا إشكالات، يأخذونها بالرضا والتسليم والقبول، ويعلمون أن الله تعالى فوق ما يتصوره الإنسان: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] .(62/11)
رفع الصوت بالذكر دبر الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ حفظك الله: جاءت السنة بمشروعية رفع الذكر بعد الصلاة، فهل المقصود هو الذكر المباشر لانقضاء الصلاة، مثل: (اللهم أنت السلام) ونحوه أو أنه يعم جميع الذكر من التسبيح والتهليل والتكبير؟
الجواب
يعم الجميع، يعم كل ذكر مشروع بعد الصلاة: الاستغفار، وقول: (اللهم أنت السلام) والتسبيح، والتهليل، وقد ألف -أظنه الشيخ/ سليمان بن سحمان رحمه الله- رسالة وقال: من فرق بين التهليل والتسبيح فقد ابتدع، وأنه لا فرق بين هذا وهذا، وهذا هو الصحيح، لكن إذا كان هناك شخص يصلي إلى جانبك وقد فاته شيء من الصلاة وخفت إذا رفعت صوتك أن تشوش عليه فلا ترفع صوتك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج على الصحابة وهم يصلون ويجهرون بالقراءة ويشوش بعضهم على بعض فنهاهم أن يرفع الرجل صوته فيشوش على أخيه.
وأما إذا لم يكن هناك تشويش فالمشروع هو رفع الصوت.
السائل: ألا يحصل تشويش إذا رفعوا أصواتهم؟ الشيخ: إذا كانوا كلهم ما فاتهم شيء من الصلاة وكانوا يذكرون الله جميعاً لا يحصل تشويش أبداً، كما أنهم يقرءون القرآن قبل الصلاة، كلهم يرفع صوته فلا يحصل تشويش.
السائل: والإمام عندما يرفع صوته؟ الشيخ: نقول: إذا رفع صوته وهم يسمعون ليرفعوا أصواتهم مثله، وسبب التشويش أن بعض الناس يكره هذا بقلبه تعرف أن القلب إذا اشتغل يتشوش، لكن لو كانوا مطمئنين بهذا وقد قبلته نفوسهم قبولاً تاماً لم يحصل تشويش إطلاقاً.
السائل: لكن السنة أن يجهر به! الشيخ: السنة أن يجهر، ولكن إذا كان إماماً فينبغي أن يبلغ المأمومين قبل ذلك، ويقول: يا إخوان! السنة هي الجهر.(62/12)
إنكار المنكرات الشائعة
السؤال
فضيلة الشيخ! من الذي يقرر أن ينكر علني لمنكرات معروفة في المجتمع هم العلماء أم هم الدعاة؟
الجواب
مسألة التقرير وهو أن يتكلم عن الإنكار على الولاة وليس على المنكرات الشائعة، أي: -مثلاً- عندنا الآن منكرات شائعة مثل الربا والميسر، والتأمينات الآن الموجودة عندنا أكثرها من الميسر، والغريب أن الناس أخذوها بالقبول، ولا تكاد تجد أحداً ينكرها مع أن الله قرنها بالخمر والأنصاب والأزلام، ولكن الناس -سبحان الله- لا تجد أحداً ينكرها، تؤمن على سيارتك أو على بيتك، تسلم دراهم ولا تدري هل تخسر أكثر أم أقل، وهذا هو الميسر.
فأقول: أما المنكرات الشائعة فأنكرها، لكن كلامنا على الإنكار على الحاكم مثل أن يقوم الإنسان -مثلاً- في المسجد ويقول: الدولة ظلمت الدولة فعلت، فيتكلم في نفس الحكام، وهناك فرق بين أن يكون الأمير أو الحاكم الذي تريد أن تتكلم عليه بين يديك وبين أن يكون غائباً؛ لأن جميع الإنكارات الواردة عن السلف إنكارات حاصلة بين يدي الأمير أو الحاكم.
وهناك فرق بين كون الأمير حاضراً أو غائباً.
الفرق أنه إذا كان حاضراً أمكنه أن يدافع عن نفسه، ويبين وجهة نظره، وقد يكون مصيباً ونحن مخطئون، لكن إذا كان غائباً وبدأنا نحن نفصل الثوب عليه على ما نريد هذا هو الذي فيه الخطورة، والذي ورد عن السلف كله في مقابلة الأمير أو الحاكم، ومعلوم أن الإنسان لو وقف يتكلم في شخص من الناس وليس من ولاة الأمور وذكره في غيبته، فسوف يقال: هذه غيبة، إذا كان فيك خير فصارحه وقابله.
السائل: بعض الناس يستغل المنكرات الشائعة فينكرها بطريقة يربط بينها وبين كأن لولاة الأمر دخلاً في هذا، بحيث يفيد السامع أن ولاة الأمر هم السبب في هذا، فهذا أيضاً ولو أنه منكر شائع ويحذر من استغلاله ضد هذا الأمر؟ الشيخ: لا.
ليس هكذا، أنا أريد مثلاً أن أقول للناس: اجتنبوا الربا، ويأتي ويقول: هذه بيوت الربا معلنة ورافعة البناء، فلا يقول هكذا، يعني: هذا إنكار ظني على الولاة، لكن يقول: تجنبوا الربا والربا محرم وإن كثر بين الناس، الميسر حرام وإن أقر وما أشبه ذلك.(62/13)
الحيلة على المحرم تجعله أشد تحريماً
السؤال
رجل قال له أحد معارفه: أريد أن أبيعك هذه المزرعة ثم تبيعها على ابني الأكبر حتى يستقدم عمالاً، فلما فعل هذا الوسيط تبين له أن هذا القريب أراد أن يهب هذه المزرعة دون أبنائه الآخرين، أي: احتال عليه، فماذا على هذا الرجل الوسيط علماً بأن لديه مصلحة عند هذا الرجل؟
الجواب
لا يجوز للإنسان إذا علم أن شخصاً ما يتوصل بمعاملته إلى محرم أن يعامله؛ لأنه إذا عامله صار من باب التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عنه، لكن لماذا لا يكون عند هذا الرجل الشجاعة فيبيعها على ابنه مباشرة دون واسطة، وهو إذا باع على ابنه بالثمن الموافق للسوق؛ فإن ذلك لا بأس به وإن كان دون أبنائه، مثلاً: لو أن إنساناً عنده سيارة وله أبناء متعددون وأراد أن يبيع السيارة بثمنها الذي هو ثمنها في السوق على أحد الأبناء فلا بأس به.
وأما البيع الصوري فلا يجوز؛ لأن الحيلة على المحرم تجعل المحرم أخبث.
أما الوسيط فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن ينصح الرجل الذي طلب منه أن يكون وسيطاً ويخوفه من الله عز وجل.(62/14)
الإعذار من الكفر إذا كان متأولاً
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك من يقول بأن قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] على أن هناك شركاً يغفره الله، ومثلوا لذلك بما في الصحيحين من حديث الرجل الذي قال لأبنائه: (إذا أنا مت فحرقوني ثم اسحقوني، ثم ذروا نصفي في البحر ونصفي في البر، فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني) .
فقالوا: إن هذا كافر مشرك وغفر الله له باجتهاده، فما تعليقكم جزاكم الله خيراً؟
الجواب
نقول بارك الله فيك: إن الإنسان إذا فعل الشيء بتأويل وهو مؤمن بمضمون ما فعل فإنه لا يكفر، فهذا الرجل لو نظرنا إلى ظاهر عمله لقلنا: هذا الرجل شاك في قدرة الله، فليس هناك إشراك إنما فيه تنقص لله، ظن أنهم إذا فعلوا به هكذا لم يقدر الله عليه، فهو شك في القدرة ولم ينكرها صراحة، لكن ظن أن الله لا يقدر عليه.
لماذا فعل هذا؟ خوفاً من الله، إذاً هو مؤمن بالله، لكن تأول فأخطأ، والله عز وجل يغفر الخطأ لمن تأول، كل إنسان يفعل الشيء بتأويل، فإن الله تعالى يغفر له ولا يؤاخذه به؛ لأنه لو آخذه بشيء فعله متأولاً لكان هذا من تحميل النفوس ما لا تستطيع، والله تعالى قد نفى ذلك، فقال: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ألم تر أن الصحابة لما قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة) بعد غزوة الأحزاب، وخرجوا فأدركتهم الصلاة، فبعضهم صلى في الطريق، وبعضهم لم يصل إلا بعد المغرب في بني قريظة، هؤلاء أخروا الصلاة عن وقتها، لكنهم متأولون، ولذلك لم يعنفهم الرسول عليه الصلاة والسلام.
وعمار بن ياسر أصابته جنابة وهو في السفر، وجعل يتمرغ في الصعيد كما تتمرغ الدابة، يظن أن هذا هو الواجب فيمن كانت عليه جنابة وليس عنده ماء، وعلمه الرسول، فالمهم أن هذا الرجل كان متأولاً.
وهذا أحد الأدلة التي استدل بها شيخ الإسلام رحمه الله على أن الإنسان يعذر بالكفر إذا كان جاهلاً أو متأولاً.(62/15)
حكم الامتناع عن الإنجاب خوفاً من إصابة الأولاد بالمرض
السؤال
فضيلة الشيخ! غفر الله لك رجل تزوج وأنجب عدة أطفال، ثم تبين له أن أحد أقارب زوجته فيه برص، هل يجوز له أن يتوقف عن الإنجاب خشية من هذا المرض، علماً بأن أطفاله كلهم سالمون؟
الجواب
هذا من جهله، لو أراد أن يتوقف عن الإنجاب؛ لأن بعض أقارب الزوجة فيهم برص كان هذا لا شك من سفهه ومن سوء ظنه بالله عز وجل؛ لأننا نشاهد أناساً فيهم هذا المرض ولهم أولاد في سلامة منه، ونشاهد أناساً لا نعلم أن فيهم برص ولهم أولاد أصيبوا بهذا، فلا ينبغي للإنسان أن يتشاءم، بل يعتمد ويتوكل على الله ولينجب، وبهذه المناسبة أود أن أبين لكم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحب أن تكثر الأمة؛ ولذلك قال: (تزوجوا الودود الولود) وقال: (إن الله ما بعث نبياً إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، وإنما الذي أوتيته وحيٌ أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة) انظر كيف يتمنى الرسول صلى الله عليه وسلم لكثرة الأمة، ونحن مع الأسف نقول: وقف النسل، نظم النسل! فأنا أقول: أكثر النسل والله تعالى يتولى رزقهم، كما قال تعالى: {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام:151] فقل لهذا الأخ: استمر في الإنجاب ولا تتوقف، ولن يرى بأساً إن شاء الله.(62/16)
السلام على المسلم الذي لا يرد السلام
السؤال
فضيلة الشيخ! أثابكم الله ما قولكم في رجل تسلم عليه ولا يرد عليك السلام، وبعد مناصحته لم ينته، فهل تسلم عليه؟
الجواب
أقول: سلم عليه وإن لم يرد عليك؛ لأن الإنسان مأمور بأن يسلم على أخيه المسلم، وإذا سلمت حصلت الأجر وباء هو بالإثم، ويدل لهذا أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل) أي: استمر كأنما تسفهم المل، والمل هو: الرماد الحار، أو هو التراب الحار، فأمره النبي عليه الصلاة والسلام أن يقوم بصلة الرحم وإن كانوا هم يقطعونها، فكذلك أنت سلم وإن كان هو لا يرد، وربما مع التكرار يخجل ويراجع نفسه ويقول: لماذا لا أرد عليه السلام؟! السائل: وإذا كان يظن أن هذا من الدين؟ الجواب: إذا كان يهجرك ويظن أن هذا دين فأنت قلت: إنك تنصحه ولكنه لم ينته.(62/17)
التكرار في سجود التلاوة
السؤال
فضيلة الشيخ! أحسن الله إليك سجود التلاوة، هل كلما قرأ القرآن وكلما مر بسجدة من سجود التلاوة هل يجب عليه أن يسجد أم يكون أسوة للعلماء إذا فسر الآية فيها سورة السجدة مثلاً لا يسجد؟
الجواب
أولاً: سؤالك في قولك هل عليه أن يسجد، نقول: ليس عليه أن يسجد، سواء تكررت الآيات أو لم تتكرر، فسجود التلاوة سنة وليس بواجب، والدليل على هذا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ في إحدى الجمع آية فيها سجدة وهي التي في سورة النحل فنزل وسجد، ثم قرأها في جمعة أخرى ولم يسجد، ثم قال: [إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء] فسجود التلاوة سنة وليس بواجب، وإذا تكررت الآيات؛ فإن كان الإنسان يكرر ويتحفظ القرآن فسجوده الأول يغني عن الباقي، ولا حاجة أن يعيد السجود، وإن كان يقرأ -مثلاً- في سورة الحج فسجد في السجدة الأولى وأتت السجدة الثانية فليسجد، وإن كان الفصل ليس طويلاً، هذا هو التفصيل في مسألة التكرار في السجود.(62/18)
حكم القراءة الجماعية للقرآن
السؤال
فضيلة الشيخ! بارك الله فيكم! ما حكم قراءة القرآن جماعة من بعض الناس، فإذا أنكرنا عليهم قالوا: هذا ييسر لنا من جانب أننا نحفظ القرآن.
فما قولكم في هذا بارك الله فيكم؟
الجواب
أما من جهة قراءة القرآن بصوت واحد من أجل التحفظ أو التعلم فلا بأس به.
وأما إذا كان من أجل التعبد فلا، والفرق بينهما: أن الأول قد يحتاج الناس إليه للتعلم فصار جائزاً، أما الثاني فلا؛ لأن الإنسان يستطيع أن يتعبد بتلاوة القرآن وإن لم يكن معه أحد، ومثل ذلك أيضاً من أراد أن يتحفظ على الشريط كما يفعله بعض الحفظة، يستمع إلى الشريط ويتابعه، فلا بأس به ولا حرج فيه.(62/19)
حكم زكاة الحلي
السؤال
فضيلة الشيخ! هل في الذهب المعد للزينة زكاة، وإن كانت المرأة لا تجد إلا أن تبيع بعضه لكي تؤدي الزكاة؟
الجواب
الصحيح من أقوال العلماء والراجح عندي أن الزكاة واجبة في الحلي إذا بلغ النصاب وهو (85) جراماً، فإذا بلغ هذا وجبت زكاته، فإن كان لديها مال فأدت منه فلا بأس، وإن أدى عنها زوجها أو أحد من أقاربها فلا بأس، وإن لم يكن هذا ولا هذا فإنها تبيع منه بقدر الزكاة وتخرج الزكاة، قد يقول بعض الناس: لو عملنا بهذا لانتهى حليها ولم يبق عندها شيء.
فنقول: هذا غير صحيح، لماذا؟ لأنه إذا نقص عن النصاب ولو شيئاً يسيراً لم تجب الزكاة، وحينئذ لا بد أن يكون عندها شيء تتحلى به، فالقول الراجح في هذه المسألة أن الزكاة واجبة في كل حلي من ذهب أو فضة، سواء كان يلبس أو يعار أو يؤجر.(62/20)
أسماء الله الحسنى
السؤال
فضيلة الشيخ! قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله وتر يحب الوتر) فهل هذا اسم من أسماء الله أم صفة من صفاته؟
الجواب
يحتمل أن يكون اسماً من أسماء الله، ويحتمل ألا يكون؛ لأن بعض العلماء ذكر قاعدة، قال: ما جاء معرفاً بأل فهو من أسماء الله، وما لم يأت معرفاً فهو صفة من صفات الله، وبعض العلماء يقول: كل صفة من صفات الله وصف الرسول بها ربه فإنها اسم وعلى هذا يتنزل الجواب؛ إن قلنا بأن أسماء الله هي المقرونة بأل، فالوتر لا أعلمه جاء مقروناً بأل، وإن قلنا: كل ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له الرسول سواء بأل أو بغير أل فهو اسم، قلنا: إن الوتر من أسماء الله والله أعلم.(62/21)
تعظيم كتاب الله
السؤال
فضيلة الشيخ! أكثر المصلين في المساجد إذا أراد أن يتلو القرآن تناول المصحف بيده اليسرى، وقد رأيت أحد المشايخ يفعل ذلك مراراً، فهل في ذلك حرج أم لا؟
الجواب
الذي أرى أن من تمام تعظيم المصحف أن تتناوله بيدك اليمنى، وأن تضعه في مكانه بيدك اليمنى؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يعجبه التيامن في جميع شئونه؛ ولأنه أمر أن نأخذ بأيماننا وأن نعطي بأيماننا، والعلماء رحمهم الله قالوا: اليسرى تقدم للأذى واليمنى لما سواه، فالذي يريد أن يتناول شيئاً خبيثاً أو نجساً فباليسرى.
وأما المصحف فلا شك أن من تعظيمه أن تتناوله باليمنى أخذاً ورداً وإعطاءً، ولو أنك إذا رأيت أحداً يفعل هذا تقول له: يا أخي! لو أنك تريد أن تعطي رجلاً حاجة، أو تتناول منه حاجة، فأي اليدين تقدم؟ سيقول لك: أقدم اليمنى.
إذاً: كلام الله أحق أن يعظم.(62/22)
حكم الذكر الجماعي أدبار الصلوات
السؤال
فضيلة الشيخ! قلتم: إنه يجوز أن يرفع الصوت بالذكر بعد الصلاة، ولكن إن أدى هذا إلى أن يكون الذكر جماعياً بين المصلين فهل يجوز؟
الجواب
أنا في الواقع لم أقل: يجوز! بل قلت: إنه من السنة، يعني: الأفضل، فإنه من السنة ولا شك.
وأما أداء هذا الذكر جماعة فهذا بدعة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه لم يكونوا يفعلون ذلك، كلُّ يذكر على نفسه لكنهم يجهرون.(62/23)
الأذان في السفر
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا كنا في سفر وفات وقت الأذان، فهل لنا أن نؤذن للصلاة؟ فبعض الشباب يقول: إذا خرج وقت الأذان فلا تؤذن، فما رأيك يا شيخ؟
الجواب
إذا كنتم تسمعون الأذان فلا حاجة أن تؤذنوا، وإن كنتم لا تسمعون وجب عليكم أن تؤذنوا، ولكم أن تؤذنوا متى أردتم الصلاة ولو كان في أثناء الوقت.(62/24)
لقاء الباب المفتوح [63]
في هذه المادة يتكلم الشيخ عن تفسير بعض آيات سورة الفجر وما فيها من العظات والعبر، ثم أجاب عن الأسئلة الواردة.(63/1)
تفسير آيات من سورة الفجر
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والستون من اللقاءات التي تتم في كل يوم الخميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثامن والعشرون من شهر محرم عام (1415هـ) نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدناه من تفسير شيء من آيات الله الكريمة، حيث انتهى بنا المطاف إلى قول الله تبارك وتعالى: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر:5] .(63/2)
تفسير قوله تعالى: (ألم تر كيف فعل ربك بعاد)
قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر:6-7] الخطاب هنا لكل من يوجه إليه هذا التكذيب وهم البشر كلهم، بل والجن أيضاً: (ألم تر) أيها المخاطب: {كيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} أي: ما الذي فعل بهم.
و (عاد) قبيلة معروفة في جنوب الجزيرة العربية، أرسل الله تعالى إليهم هوداً عليه الصلاة والسلام، فبلغهم الرسالة، ولكنهم عتوا وبغوا وقالوا: من أشد منا قوة؟ قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت:15] فهم افتخروا بقوتهم ولكن الله بيّن أنهم ضعفاء أمام قوة الله، ولهذا قال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ} ولم يقل: أن الله أشد منهم قوة، بل قال: {الَّذِي خَلَقَهُمْ} ليبين ضعفهم وأنه جل وعلا أقوى منهم؛ لأن الخالق أقوى من المخلوق: {أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:15-16] .
هنا يقول: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} الذي فعله بهم أنه أرسل عليهم الريح العقيم: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة:7] {فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف:25] وهذا الاستفهام الذي لفت الله فيه النظر إلى ما فعل بهؤلاء يراد به الاعتبار، يعني: اعتبر أيها المكذب للرسول محمد صلى الله عليه وسلم بهؤلاء، كيف أذيقوا هذا العذاب، وقد قال الله تعالى: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:83] .(63/3)
تفسير قوله تعالى: (إرم ذات العماد)
قال تعالى: {إِرَمَ} [الفجر:7] هذه وصف للقبيلة، وقيل: اسم للقرية، وقيل غير ذلك، فسواء كانت اسماً للقبيلة أو اسماً للقرية فإن الله تعالى نكل بهم نكالاً عظيماً مع أنهم أقوياء.
وقوله: {ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ} [الفجر:7-8] أصحاب العماد أي: الأبنية القوية: {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا} أي: لم يصنع مثلها في البلاد؛ لأنها قوية محكمة، وهذا هو الذي غرهم وقالوا: من أشد منا قوة؟ وفي قوله تعالى: {لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ} مع أن الذي صنعها هو الآدمي، وهذا دليل على أن الآدمي قد يوصف بالخلق فيقال خلق كذا، ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام في المصورين: (يقال لهم: أحيوا ما خلقتم) لكن الخلق الذي ينسب للمخلوق ليس هو الخلق المنسوب إلى الله، الخلق المنسوب إلى الله إيجاد بعد إعدام وتحويل وتغيير، أما الخلق المنسوب لغير الله فهو مجرد تحويل وتغيير.
وأضرب لكم مثلاً: هذا الباب من خشب، من الذي خلق الخشب؟ الله، لا يمكن للبشر أن يخلقوه، لكن البشر يستطيع أن يحول جذوع الخشب وآصال الخشب إلى أبواب وإلى دواليب وما أشبه ذلك، فالخلق المنسوب للمخلوق ليس هو الخلق المنسوب إلى الخالق، فما الفرق؟ الخلق المنسوب للخالق إيجاد من عدم وهذا لا يستصغره أحد، والمنسوب للمخلوق تغيير وتحويل يحول الشيء من صفة إلى صفة، أما أن يغير الذوات، بمعنى: أن يجعل الذهب فضةً أو الفضة حديداً أو ما أشبه ذلك فهذا مستحيل لا يمكن ولا يقدر على ذلك إلا لله وحده لا شريك له.(63/4)
تفسير قوله تعالى: (وثمود الذين جابوا الصخر بالواد)
ثم قال تعالى: {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} [الفجر:9] ثمود: هم قوم صالح، ومساكنهم معروفة الآن كما قال تعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} [الحجر:80] ذكر الله أن ثمود كانوا في بلاد الحجر، وهي معروفة، مر عليها النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى تبوك وأسرع وقَنَّع رأسه صلى الله عليه وسلم، قال: (لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثلما أصابهم) هؤلاء القوم أعطاهم الله القوة حتى صاروا يخرقون الجبال، والحصى والصخور العظيمة يخرقونها ويصنعون منها بيوتاً، ولهذا قال: {جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} أي: وادي ثمود وهو معروف، هؤلاء -أيضاً- فعل الله بهم ما فعل من العذاب والنكال حيث قيل لهم: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} [هود:65] ثم بعد الثلاثة الأيام أخذتهم الصحية والرجفة، فأصبحوا في ديارهم جاثمين.
فعلينا أن نعتبر بحال هؤلاء المكذبين الذين صار مآلهم إلى الهلاك والدمار، وليعلم أن هذه الأمة لن تهلك بما أهلك به الأمم السابقة، بهذا العذاب العام، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سأل الله تعالى ألا يهلكهم بسنة عامة، ولكن قد تهلك هذه الأمة بأن يجعل الله بأسهم بينهم، فتجري بينهم الحروب والمقاتلة، ويكون هلاك بعضهم على يد بعض، لا بشيء ينزل من السماء كما صنع الله بالأمم السابقة.
ولهذا يجب علينا أن نحذر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن نبتعد عن كل ما يثير الناس بعضهم على بعض، وأن نلزم دائماً الهدوء، وأن نبتعد عن القيل والقال وكثرة السؤال، فإن ذلك مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكم من كلمة واحدة صنعت ما تصنعه السيوف الباترة، فالواجب الحذر من الفتن، وأن نكون أمة متآلفة متحابة، يتطلب كل واحد منا العذر لأخيه إذا رأى منه ما يكره.
نسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما فيه الخير والصلاح، وأن يجمع قلوبنا على طاعته.(63/5)
الأسئلة(63/6)
حادثة مؤلمة وعواقب أطباق الاستقبال (الدشوش)
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل متزوج بامرأة من أسرة خبيثة كما يخبر الزوج عن حال أهلها بنفسه، وذات يوم ذهب الزوج من بيته وعند عودته وجد الأمر المحزن المبكي، وهو أنه دخل شخص على زوجته بعد أن فتحت له الباب ظانة أنه ابن من أبناء الجيران وفعل بها الفاحشة، ووجد الزوج أن بها آثار الضرب والخنق، وقد أخبرته بالحقيقة إلا أنه أصر على إمساكها ولم يطلقها، فما تنصحون هذا الشخص -علماً بأنه من أهل الخير والصلاح ومن الدعاة إلى الله- أن يفعل مع تلك المرأة لا سيما وأن الخبر قد انتشر بين الناس حفظكم الله وأثابكم؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
هذه الحادثة لا شك أنها مؤلمة محزنة، ولها أسباب، ومن أسبابها: ما ينشر في وسائل الإعلام من الشر والبلاء سواء وسائل الإعلام المنظورة أو المقروءة أو المسموعة.
وقد توسع الناس في الاستماع إلى الإعلام الخارجي بواسطة الصحون الهوائية التي تسمى الدشوش، نسأل الله أن يقي المسلمين شرها وأن يسلط الدولة على أهلها حتى تقضي عليها، وقد حصل من الدولة -والحمد لله- إنذار بأنها سوف تقضي على هذه الصحون، نسأل الله أن يعينها على ذلك، وأن يعجل بهذا الأمر قبل أن ينتشر الشر والفساد.
ولا شك أن أعداء المسلمين لا يألون جهداً في صد المسلمين عن دينهم، إن أمكنهم بالسلاح الذي يقتل الأنفس فعلوا كما يوجد الآن في البوسنة والهرسك وغيرها من بلاد المسلمين، وإن لم يحصل ذلك لهم فبالأخلاق المدمرة، والإنسان إذا دمرت أخلاقه صار كالبهيمة ليس له هم إلا التمتع في الدنيا -والعياذ بالله- وقد قال الله عن الكفار: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] عاقبة سيئة، فهذه الوسائل الإعلامية إذا رآها الشاب أو الشابة تشربت في قلوبهم، وسهل عليهم أن يمارسوها.
كذلك أيضاً من وسائل الإعلام المدمرة: أنهم يغزون الناس بالأفكار الرديئة الخبيثة المنحرفة، فيضل بها كثير من الناس، لهذا نحن نشير على إخواننا المسلمين عموماً أن يخرجوا من بيوتهم مثل هذه الفتنة، وأن يلاحظوا أهلهم من بنين وبنات، وإذا وجدوا مجلة غير مناسبة أو مدمرة للأخلاق فالواجب عليهم أن يحرقوها أمام أهل البيت، وأن يحذروهم من إعادة مثلها.
وكذلك أيضاً في الوسائل الأخرى إذا رأوا أن أهل البيت أنهم مصرون عليها فإن عليهم أن يمنعوهم، وأما إطلاق الحبل على الغارب فإن فيه مفسدة كبيرة، منها مثل هذه القضية التي ذكرها السائل.
أما فيما يتعلق بزوجته فهو يقول: إنه وجد عليها أثر الضرب، وهذا يعني أن المرأة لم يكن ذلك باختيارها، وأن هذا الرجل -والله أعلم- دق عليها الباب وأراها أنه أحد من محارمها أو أقاربها حتى دخل وحصل منه ما حصل.
وأما قولها: إنها تظن أنه ابن الجيران فهذا غلط منها، حتى ابن الجيران لا يجوز أن يفتح له الباب، ابن الجيران مثل قريب الزوج، يعني: أنه الموت، ولهذا لما حذر النبي عليه الصلاة والسلام من الدخول على النساء قال: (إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله! أرأيت الحمو، -يعني: أقارب الزوج مثل أخيه وعمه وخاله- قال: الحمو الموت) يعني: فروا منه كما تفرون من الموت، وهو البلاء؛ لأن الحمو إذا دخل على بيت قريبه تجد الناس لا تنكره، وهو أيضاً يرى أن الأمر هين أن يدخل على بيت قريبه؛ فيحصل الشر، فنقول لهذه المرأة: لا تفتح لأحد أبداً إلا لزوجها أو أحد من محارمها، ثم تحذر أيضاً؛ لأن بعض الناس خبيث قد يقلد الصوت فلتحذر من هذا، فالذي أرى أن هذه المرأة إذا ادعت أنها مكرهة كما هو ظاهر حالها مما يتبين من السؤال أنها معذورة وليس عليها إثم، وأن زوجها إذا أبقاها عنده فليس بديوث بل هو عاذر لها، ولا ينبغي أن يفارقها من أجل هذا الفعل الذي حصل عليها وهي -والله أعلم- مكرهة، وأما كلام الناس فلن يسلم منه أحد، الناس سبوا الرسول عليه الصلاة والسلام وسبوا الله عز وجل.(63/7)
الإسلام يهدم ما قبله
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك أخ لنا في المدينة أتى من أمريكا وأسلم حديثاً، وفي أيام جاهليته اكتسب مالاً كثيراً عن طريق تجارة المخدرات، فحمل معه هذه الأموال الكثيرة وكون لنفسه مكتبة عظيمة وتزوج بها ثلاثاً من النسوة، وفي هذه الأيام الأخيرة أخبر بأنه لا يجوز له أن يتصدق بهذه الأموال؛ لأن الله سبحانه وتعالى طيب لا يقبل إلا الطيب، فيسألك ماذا عليه أن يصنع بهذه الأموال وما صحة هذا الكلام؟
الجواب
نقول لهذا الأخ الذي منَّ الله عليه بالإسلام بعد أن اكتسب مالاً حراماً: أبشر؛ فإن هذا المال حلال له وليس عليه فيه إثم، لا في إبقائه عنده ولا فيما أنفق منه، ولا فيما تزوج به منه؛ لأن الله تعالى قال في الكتاب العزيز: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38] أي: كل ما سلف، و"ما" هذه من صيغ العموم؛ لأنها اسم موصول، يعني: كل ما تقدم فهو مغفور له، حتى لو كان قد قتل نفساً محرمة أو أخذ مالاً فإنه مغفور له، لكن المال الذي غصبه من صاحبه يرده عليه، أما المال الذي اكتسبه عن طريق الرضا بين الناس وإن كان حراماً كالذي اكتسبه بالربا أو المخدرات أو غيرها فإنه حلال له، لقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38] وكذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ عمرو بن العاص حين أسلم: (إن الإسلام يهدم ما قبله) هدماً لا يبقي له أثراً.
وكثير من الكفار أسلموا وقد قتلوا من المسلمين من قتلوا، ومع ذلك لم يؤاخذوا بما عملوا، فقل لهذا الأخ أن ماله حلال وليس فيه بأس، وليتصدق منه، وليتزوج به امرأة ثانية إن كان عنده امرأة واحدة وثالثة ورابعة، ويفعل به ما يشاء، وأما ما قيل له فليس مبنياً على أصل.(63/8)
أقصى مدة الحمل
السؤال
فضيلة الشيخ! أعمل بعيداً عن أهلي، وذهبت إليهم في إجازة، وبعد عودتي إلى عملي بفترة جاءني خبر أن زوجتي حاملة، فتأخر الحمل في بطنها عن موعده المحدد، حيث إني حسبت له من آخر فترة كنت عندها ولم ينزل الجنين إلا بعد أحد عشر شهراً، فارتابت نفسي من هذا الوضع وطلقت زوجتي، فما هو مصير هذا الابن علماً أنني أتحرج كثيراً من إضافته إلى اسمي ولو ألحق بي شرعاً لكي أدفع عن نفسي كلام الناس، فماذا أفعل؟
الجواب
يحسن هنا أن نتمثل بقول الشاعر:
ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه
هذا الرجل لا شك أنه جاهل، لماذا يطلق زوجته لما بقي الحمل في بطنها أحد عشر شهراً؟ الحمل يبقى في بطن أمه عشرين شهراً، ويبقى ثلاثين شهراً، ويبقى إلى أربع سنين، ويبقى إلى سبع سنين في بطن أمه، حتى ذكر أن بعض الأجنة خرج وقد نبتت أسنانه! فهذا الرجل كونه يطلق المرأة من أجل زيادة مدة الحمل المعتاد إلى شهرين، هذا جهل وغلط كبير، وليس هو الحق أن يعتقد أن هذا مبني على حكم شرعي؛ فالشرع لا يحكم بهذا إطلاقاً.
وأما الولد فالولد ولده ولا إشكال، ولا يحل له أن يتبرأ منه بمجرد أن الحمل زاد على الغالب، ولم يزد على الغالب مدة طويلة، لم يزد إلا ستين يوماً، يعني: هي مدة النفاس عند كثير من العلماء، فالولد ولده ولا يحل له أن يتبرأ منه لمجرد أنه بقي في بطن أمه أحد عشر شهراً، وقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: (يا رسول الله! إن امرأتي ولدت غلاماً أسود -أي: أنا وأمه أبيضان، فأنجب الشك عنده فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: هل لك من إبل؟ قال: نعم.
قال: ما ألوانها؟ قال: حمر.
قال: هل فيها من أورق - الأورق: الأشهب- قال: نعم.
يا رسول الله! قال: من أين جاء؟ -أي: كيف يخالف لونه ألوان الإبل الأخرى؟ قال: لعله نزعة عرق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ابنك هذا لعله نزعة عرق) يعني: يمكن أن يكون أحد من آبائه من الجمال أو أمهاته من النوق أورق.
قال: (ابنك هذا لعله نزعة عرق) فخرج الرجل مطمئناً، مع أن النفس يكون فيها قلق، أما ما ذكره السائل فليس فيه من القلق أدنى شيء، فقل له: إنه أخطأ في هذا التصرف إذا كان يعتقد أن هذا مقتضى الشريعة، أما إذا كان لا يريد زوجته فهو حر، ومع ذلك حتى لو كره زوجته فنرى أن يمسكها، لقول الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19] أما الولد فهو ولده ولا يحل له أن يتبرأ منه.(63/9)
نصيحة وتوجيه لاستغلال الإجازة
السؤال
فضيلة الشيخ! كما تعلم أننا مقبلون على إجازة صيفية، فما هي نصيحتك لنا أن نعمل في هذه الإجازة وجزاك الله خيراً؟
الجواب
نصيحتي للإخوة بالنسبة للعمل في هذه الإجازة: أما بالنسبة للشباب: فنصيحتي لهم أن ينضموا إلى المراكز الصيفية إن وجدت، وكان القائمون عليها من أهل الخير والفضل، ثم إذا لم يمكن فلينضموا إلى أحد من أهل العلم في بلادهم ويحفظون عليه القرآن أو يقرءون عليه من الحديث، أو من الكتب العلمية الشرعية.
أما بالنسبة للكبار والمشايخ: فنصيحتي لهم أن يكثروا الاتصال بالشباب في اللقاءات والمحاضرات والندوات؛ لأن هذه الإجازة في الحقيقة إذا لم تستعمل في الخير فإنها سوف تستعمل في الشر؛ لأن فراغ الشباب هلاك، كما قال الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسده
الجدة: الغنى.
وأسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح.(63/10)
حكم القتال الدائر بين طوائف المسلمين
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأيكم في القتال الدائر بين طوائف المسلمين في بعض البلاد كـ (أفغانستان) مثلاً؟ وما هو الواجب على المسلمين تجاه ذلك؟
الجواب
أما بالنسبة لما ذكرت من القتال بين المسلمين؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) أي: من أعمال الكفر؛ لأنه لا يمكن أن يحمل السلاح مسلم على أخيه المسلم، بل يحمله على الكافر، ولهذا وصف الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بأنه كفر، وقال صلى الله عليه وسلم: (من حمل علينا السلاح فليس منا) والواجب على المسلمين إذا حصل مثل هذه الفتن أن يكفوا ألسنتهم، وأن يكفوا أسلحتهم عن التدخل إلا من له الحق؛ لأن الله قال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10] .(63/11)
مقام الإحسان
السؤال
فضيلة الشيخ! يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين في شرح مقام الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه يقول: ولا ريب أن تصديق الخبر واليقين به يقوي القلب حتى يصير الغيب بمنزلة المشاهد بالعين، فصاحب هذا المقام كأنه يرى ربه سبحانه فوق سماواته على عرشه مطلعاً على عباده، ناظراً إليهم يسمع كلامهم وكأنه يسمعه وهو يتكلم بالوحي ثم يذهب وكأنه يشاهده وهو يرضى في كل الصفات، ثم يقول وبالجملة -هنا الشاهد- فيشاهد بقلبه رباً عرفت به الرسل كما عرفت به الكتب، وديناً دعت إليه الرسل، وحقائق أخبرت بها الرسل فقام شاهد ذلك بقلبه كما قام شاهد ما أخبر به أهل التواتر وإن لم يره من البلاد والوقائع فهذا إيمانه يجري مجرى العيان وإيمان غيره فمحض تقليد العميان فالرجاء الشرح ولو قليلاً.
الجواب
لا شك أن اليقين يتفاوت تفاوتاً عظيماً، فأحياناً يصل بالإنسان إلى أن يكون اليقين المخبر به كالمشاهد بعينه، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أن تعبد الله كأنك تراه) وهذه المنزلة العليا، فإن لم تكن تراه فتعبد له تعبد الخائف، ولهذا قال: (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) وهذا هو الذي جعل ابن عباس رضي الله عنهما يقول: [إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى ربه بفؤاده] أي: بقلبه لا رؤية عين، والرؤية بالقلب أقوى من رؤية العين من وجه، والرؤية بالعين أقوى من رؤية القلب من وجه آخر، فباعتبار اليقين وحلاوة الإيمان وذوق الإيمان رؤية القلب أعلى، وباعتبار الإدراك رؤية العين أقوى؛ لأنه يشاهد الشيء محسوساً أمامه، وهذه المرتبة -أعني: مرتبة الرؤية بالقلب- مرتبة لا ينالها إلا القليل من الناس، أكثر الناس إيمانهم مبني على مجرد الخبر الصادق، وكفى به دليلاً، ولكن اليقين الذي يحصل بعد هذه المرتبة يكون أقوى، وأما قوله في آخر كلامه: وإيمان غيره محض تقليد العميان، يريد بذلك الإيمان الضعيف المهلهل الذي يكاد يكون صاحبه يقول سمعتهم يقولون شيئاً فقلته، وأما الإيمان الحقيقي فإنه ليس تقليد عميان؛ لأن الإنسان يؤمن به على أنه حق يشاهده.(63/12)
حكم دخول مدائن صالح
السؤال
شيخنا الفاضل! تعرضت في تفسير سورة الفجر إلى مدائن صالح فهل الأفضل الدخول لها مع البكاء وأخذ العبرة أم الامتناع من الدخول؟
الجواب
الأفضل ألا يدخل مدائن صالح فإن دخل فلا يدخل إلا باكياً، وإنما قلنا: الأفضل ألا يدخل؛ لأن الإنسان قد يدخل على أنه واثق من نفسه أنه سوف يبكي ولكن لا يبكي، فلهذا نصيحتنا ألا يدخل الإنسان إليها، ولكن مع الأسف أن بعض الناس الآن اعتبرها آثاراً مجردة وقال: إن هذه آثار السابقين فيشاهدونها على أنها عجائب من عجائب الصنعة، وهذا دليل على الجهل بما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.(63/13)
كيفية معاملة غير المسلم في الدوائر الحكومية
السؤال
أعمل في دائرة حكومية، ويعمل معنا كثير من الكفار المسيحيين ونحن في جهاز واحد، وربما يكون المسئول عن التدريب ورفع التقارير إلى المسئولين منهم، فبم تنصحوني في شأن التعامل معهم؟
الجواب
ننصحك وغيرك ممن يشاركه أحد من غير المسلمين أن يعمل على حسب ما تقتضيه وظيفته، وأن يعامل غير المسلمين بما تقتضيه الشريعة.
أما الأول: وهو أن يعمل بما تقتضيه الوظيفة؛ فلأن العمل في الوظيفة وتنفيذ ما جاء فيها حسب النظام مما أمر الله به، إذا لم يكن مخالفاً للشرع؛ لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] وأما معاملة غير المسلمين بما تقتضيه الشريعة فلا بد من هذا، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) فلا يجوز أن نبدأهم بالسلام، لكن إذا سلموا علينا رددنا عليهم بمثل ما سلموا به علينا.
ثم إذا كان لهم حق السلطة والتدبير في هذه الوظيفة فإننا ننصح أولاً ألا يوظف غير المسلمين فيما يمكن أن يقوم به المسلم؛ لأن غير المسلم لا يؤمن، لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَر} [آل عمران:118] لكن إذا كان لا يمكن أن يقوم بهذا العمل أحد من المسلمين فيجوز أن يقوم به آخر من غير المسلمين عند الضرورة، ولهذا استأجر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً مشركاً أن يدله على الطريق في الهجرة حين هاجر من مكة إلى المدينة، مع أن الحال حال خطرة، فإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبا بكر ومن معهما كانا مطلوبين من قبل قريش، ومع هذا استأجر الرسول عليه الصلاة والسلام رجلاً مشركاً يدله على المدينة، فدل هذا على جواز استعمال المشرك إذا دعت الحاجة إلى ذلك، فأرى أنكم تقومون بوظيفتكم وتعاملون هؤلاء بما تقتضيه الشريعة.
السائل: إذا دخلت على مجموعة وفيهم بعض الكفار المسيحيين أسلم أو لا أسلم؟ الشيخ: سلم وانو السلام على من معهم من المسلمين، وإذا سلم عليك فرد عليه، ألم تر أن الله قال: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] والرسول عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نرد على اليهود.
السائل: وإذا حياك بلغة إنجليزية؟ الشيخ: إذا كنت تعرف اللغة الإنجليزية فرد عليه باللغة الإنجليزية؛ لأنه لا يعرف اللغة العربية.
السائل: وإذا علمته اللغة العربية؟ الشيخ: إذا علمته أنت وعلمته أيضاً الشرع هذا شيء حسن.(63/14)
الذين يدخلون الجنة بغير حساب
السؤال
فضيلة الشيخ! قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يدخل من أمتي سبعون ألفاً الجنة بغير حساب ولا عقاب) وهذا العدد يا فضيلة الشيخ! قليل بالنسبة لأعداد الأمة في قرونها المتعاقبة، فهل هؤلاء فقط هم الذين سيدخلون الجنة بغير حساب؟ أفتونا مأجورين جزاكم الله خيراً.
الجواب
أولاً بارك الله فيك: في هذا الحديث الذي ذكرت أن الأمة رفعت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأن معهم سبعين ألفاً يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، وذكر أوصافهم، وقد ورد أنه مع كل واحد سبعون ألفاً، وحتى هذا العدد -أيضاً- بالنسبة للأمة قليل، لكن هذه العدد نادر في الأمة: (هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون) من تحققت فيه هذه الأوصاف من هذه الأمة؟ وليس معنى الحديث أنه لا يدخل الجنة إلا هؤلاء، لا.
معنى الحديث أن هؤلاء لا يحاسبون ولا يعذبون، ويوجد أمم كثيرة لا يحصيهم إلا الله يحاسبون وقد يعفو الله عنهم، وقد يعذبهم بقدر ذنوبهم في النار ثم يخرجهم من النار بشفاعة أو بغير شفاعة.
فأنت اعمل وحاول أن تتحقق فيك هذه الأوصاف التي قالها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأن تكون منهم ولو كنت من آخر الأمة.(63/15)
حكم إمامة من يعلق التمائم والحروز
السؤال
فضيلة الشيخ! يوجد معنا في العمل زميل يقدم في بعض الأحيان لإمامة المصلين في العمل، وقد علق تميمة، فما حكم إمامة هذا الرجل؟ فإذا كان الجواب بعدم الجواز فما الذي ينبغي علينا؟ الشيخ: هل هذا الرجل هو الذي يصلي بكم وتقول: إنه معلق تميمة، هل هو يصلي بكم؛ لأنه نصبه المسئول عن هذه الجهة أو بانتخابكم أنتم؟ السائل: لا يا شيخ! يوجد إمام يصلي بنا ومواظب على إمامة المصلين في العمل لا يوجد شخص مختار من قبل الإدارة لكن تقدم إماماً وواظب على الإمامة، وفي بعض المرات يتخلف هذا الإمام لوجود عمل أو ظرف خارج العمل فيُقدم هذا الشخص من قبل المصلين؟
الجواب
إذا كان منتخباً من قبل المصلين وهو نائب عن الإمام الرسمي وفي يده هذه التميمة فالواجب عليكم أولاً أن تنصحوه وأن تبينوا له أن هذه التميمة لا خير فيها وأنها نوع من الشرك لا سيما إن كان فيها رموز أو دعوات محرمة أو ما أشبه ذلك، فإن انتهى عن عمله فقد هداه الله على أيديكم، ولكم في هذا أجر، وإن لم ينته فالواجب أن يرفع الأمر إلى الإمام الذي أنابه ويقال: نحن لا نرضى أن ينوب هذا عنك، وتختاروا إنساناً بدله يكون مستقيماً.
السائل: إذا دخل شخص ووجد هذا يؤم المصلين؟ الشيخ: يصلي معهم ولا حرج عليه.(63/16)
حكم شرب ما يسمى بـ (البيرة)
السؤال
ما حكم شرب ما يسمى بالبيرة مع العلم أن فيه نوعين: نوع فيه نسبة من الكحول، ونوع لا يوجد فيه نسبة من الكحول وهل هي من المسكرات؟
الجواب
البيرة الموجودة في أسواقنا كلها حلال؛ لأنها مفحوصة من قبل المسئولين، والأصل في كل مطعوم ومشروب وملبوس الأصل فيه الحل، حتى يقوم الدليل على أنه حرام، لقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة:29] فأي إنسان يقول: هذا الشراب حرام، أو هذا الطعام حرام، قل له: هات الدليل، إن جاء بدليل فالعمل على ما يقتضيه الدليل، وإن لم يأت بدليل فقوله مردود عليه؛ لأن الله عز وجل يقول: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} كل ما في الأرض، وأكد هذا العموم بقوله: {جَمِيعاً} فأي إنسان يقول لنا: هذا حلال وهذا حرام فإننا نطالبه بالدليل، إن أتى بالدليل عملنا بمقتضى هذا الدليل، وإن لم يأتِ بدليل فإن قوله مردود عليه، فالبيرة الموجودة في أسواقنا هنا في السعودية كلها حلال ولا إشكال فيها إن شاء الله.
ثم النسبة فلا تظن أن أي نسبة من الخمر تكون في شيء تجعله حراماً، النسبة إذا كانت تؤثر بحيث إذا شرب الإنسان من هذا المختلط بالخمر سكر صار حراماً، أما إذا كانت نسبة ضئيلة تضاءلت واضمحل أثرها ولم تؤثر فإنه يكون حلالاً.
فمثلاً: نسبة (1%) أو (2%) أو (3%) لا تجعل الشيء حراماً، وقد ظن بعض الناس أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) أن معناه: ما خلط بيسير فهو حرام ولو كان كثيراً، وهذا فهم خاطئ، الحديث: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) يعني: الشيء الذي إذا أكثرت منه حصل السكر، وإذا خففت منه لم يحصل السكر، يكون القليل والكثير حرام، لماذا؟ لأنك ربما تشرب القليل ثم تدعوك نفسك إلى أن تكثر فتسكر، وأما ما اختلط بمسكر والنسبة فيه قليلة لا تؤثر فهذا حلال ولا يدخل في الحديث.(63/17)
حكم مدافعة الريح في الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! هل مدافعة الريح تأخذ حكم مدافعة الأخبثين في الصلاة؟
الجواب
إي نعم.
مدافعة الريح إذا كانت تضيق عليك كمدافعة البول والغائط؛ لأن العلة هي إشغال القلب عن الصلاة، والدليل على هذا أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا صلاة بحضرة طعام) وحضرة الطعام ليس مدافعة أخبثين، لكنه يشغل القلب، وكل ما يشغل القلب لا تُصلِّ مع وجوده، حتى لو فرض أن حولك أناساً وضجيج كلام يشغلك عن الصلاة فلا تصل وأخر الصلاة حتى يزول هذا الضجيج، أو اذهب إلى مكان آخر ليس فيه ضجيج، وذلك أن المقصود من الصلاة وأن لب الصلاة وروح الصلاة هو الطمأنينة والخشوع وحضور القلب، وليست الصلاة مجرد حركات يقوم بها الإنسان قياماً وركوعاً وسجوداً وقعوداً، أهم شيء أن يكون القلب مصلياً قبل أن يكون البدن مصلياً، ولهذا نهي عن الصلاة بحضرة الطعام، وعن الصلاة مع مدافعة الأخبثين، وكذلك كل ما يشغل الإنسان لا يُصلِّ في حال اشتغاله.(63/18)
مراعاة أدب الخلاف
السؤال
فضيلة الشيخ! الخلاف في مسألة فقهية أو مسألة ينبني عليها اعتقاد بناءً على اختلاف في تصحيح حديث أو تضعيفه، فهل يصح لمن يرى تضعيف الحديث أن يسمي من يرى تصحيح الحديث وعمل به بأنه مبتدع أو أن فعله بدعة، هل يحق لأحد أن يرمي أحداً بالبدعة أو الفسق نظراً لأنه خالفه؟
الجواب
من الذي يحاسب الناس على أديانهم؟ الله سبحانه وتعالى، فإذا أتى حديث واختلف الناس في تصحيحه ورأى بعضهم أنه حديث صحيح فعليه أن يأخذ بما دل عليه هذا الحديث من عمل أو عقيدة؛ لأنه سوف يحاسب: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] سيحاسب على ما عنده من العلم، وكذلك على ما عنده من الفهم، قد يكون الحديث صحيحاً ويختلف الناس في فهمه أيضاً فمنهم من يفهمه على وجه ومنهم من يفهمه على وجه آخر، فإذا فهمه إنسان على وجه وآخر على وجه آخر فإن الواجب على كل واحد منهما أن يأخذ بما فهمه من الحديث، لكن لا مانع من أن يناقش أحدهما الآخر حتى يتوصلا إلى رأي موحد.
وأما وصف الإنسان الذي يخالف رأيه في تصحيح حديث أو في دلالته وصفه بالضلال والبدعة فهذا لا يجوز، هذا من عمل أهل الأهواء، ولهذا نجد المسلمين من عهد الصحابة إلى يومنا هذا يعذر بعضهم بعضاً فيما فهم من النص -فمثلاً- قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة حين رجع من الأحزاب، وأمره جبريل أن يخرج إلى بني قريظة الذين نقضوا العهد، قال لأصحابه: (لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة) فخرجوا فأدركتهم الصلاة، فمنهم من قال: لا نصلي إلا في بني قريظة ولو غابت الشمس، وأخروا الصلاة، ومنهم من قال: نصلي في الوقت، والذين قالوا: إننا لا نصلي إلا في بني قريظة، قالوا: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة) فنقول: سمعنا وأطعنا.
والذين قالوا: نصلي في الوقت، قالوا: إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يقصد أن نؤخر الصلاة بل قصد أن نعجل الخروج، فنحن لما حل وقت الصلاة نصلي في الطريق، ونستمر في السير.
ففعل هؤلاء كذا وفعل هؤلاء كذا، وعلم بهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعنف أحداً منهم، مع أن الخلاف في أمر عظيم، في صلاة تؤخر عن وقتها أو تصلى في وقتها.
وكذلك أيضاً اختلفوا في مسائل كثيرة، منها: امرأة حامل توفي عنها زوجها، فوضعت قبل أربعة أشهر، السنة جاءت بأنها إذا وضعت بعد موت زوجها ولو بدقائق انتهت عدتها، وانتهى إحدادها كما في حديث سبيعة الأسلمية أنها توفي عنها زوجها فوضعت بعده بليال، فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتزوج.
ومنهم من يقول: لا.
إذا وضعت قبل أربعة أشهر وعشرة أيام فإنها تنتظر حتى تتم لها أربعة أشهر وعشرة أيام، وإن تمت أربعة أشهر وعشرة أيام قبل أن تضع فإنها تنتظر حتى تضع، فيقال: نعم.
إذا مضى عليها أربعة أشهر وعشرة أيام ولم تضع فإنها تنتظر حتى تضع لا شك في هذا، لكن إذا وضعت قبل أربعة أشهر وعشرة أيام فإنها تنتهي عدتها، والذي خالف في هذا: علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس، وكلاهما فقيه عالم، ومع ذلك نرجع إلى السنة، وندع قول علي وقول ابن عباس، السنة أنها إذا وضعت قبل أربعة أشهر وعشرة أيام فإنها تنتهي عدتها، وتحل للأزواج، حتى لو فرض أنها وضعت وزوجها يغسل ولم يصل عليه، فإن عدتها تنتهي، يعني: تنتهي عدتها قبل أن يُخرج بجنازة زوجها إلى المقبرة.
فأقول: يا إخواني! لا يجوز لنا أن نحمل الناس على ما نفهم نحن من الأدلة، ولا يجوز أن نجبر الناس على أن يصححوا ما لم يصح عندهم، والناس يحاسبهم الله عز وجل ويسألهم يوم القيامة: {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] .(63/19)
حكم التكلف والسجع في الدعاء
السؤال
فضيلة الشيخ! ما صحة الدعاء قول امرأة تقول: " لا إله إلا الله عدد ما كان وما يكون، وعدد حركاته وعدد خلقه من خلق آدم حتى يبعثون ".
الجواب
أشبه ما يكون هذا الدعاء بالتنطع ولو قالت: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، أو لا إله إلا الله عدد خلقه، لكفاها عن ذلك كله، وكان من ذكر النبي عليه الصلاة والسلام: (سبحان الله وبحمده عدد خلقه، سبحان الله وبحمده رضا نفسه، سبحان الله وبحمده زنة عرشه، سبحان الله وبحمده مداد كلماته) هذا من أجمع ما يكون من التسبيح، وأما هذه الأشياء التي يأتي بها بعض الناس يعجبه السجع الذي فيها والمعنى المبتكر! فإن العدول عنها إلى ما جاءت به السنة هو الخير.(63/20)
الولد للفراش وللعاهر الحجر
السؤال
فضيلة الشيخ! يسأل عن مشكلة الزنا التي ما سلم منها إلا قليل من إخواننا وأخواتنا قبل إسلامهم نتج من هذه الاتصالات أولاد كثيرون ولا أكون مبالغاً لو وصفتهم أنهم أمة من الناس، الأولاد الذين أتوا من هذا الزنا هل نفقتهم واجبة على آبائهم الذين أسلموا وما كان عندهم عقد على أمهاتهم؟
الجواب
هؤلاء الذين حصل منهم جماع في حال الكفر إن كانوا يعتقدون أن هذا الجماع حصل عن عقد يرونه عقداً صحيحاً وإن كان باطلاً شرعاً، فالعكس صحيح والأولاد للرجل، مثال ذلك: إنسان وهو كافر اتفق مع امرأة على أن يكون زوجها فوافقت، وكانوا يرون هذا عقداً، ثم أسلم الرجل والمرأة نقول: أنتم على نكاحكما، ولا يحتاج أن تجدد العقد، وما حصل بينكما من أولاد فهم لكما، إلا إذا كانت الزوجة في حال الإسلام لا تحل للزوج، مثل لو كان مجوسياً وتزوج أخته، والمجوس يجوزون نكاح المحارم، فإذا تزوج أخته في حال الكفر ثم أسلم وأسلمت وجب التفريق بينهما؛ لأن المرأة لا تحل للرجل، فهؤلاء الجماعة الذين ذكرت نقول: إذا كنتم تعتقدون أن ما حصل منكم من مواقعة هؤلاء النساء نكاح وعقد، فليس هذا زنا، والأولاد لكم، وإن كنتم تعتقدون أنه زنا فإن استلحقتم هؤلاء الأولاد في حال الكفر - يعني: أن الزاني قال: هؤلاء أولادي- فهم أيضاً أولاده ما دام ليس له منازع، وإن لم يستلحقوهم فإنهم لا يكونون أولاداً لهم.
وأما النفقة فتنبني على أننا إن حكمنا بأنهم أولاد لهم وجب عليهم الإنفاق عليهم، وإن لم نحكم بذلك فليس عليهم نفقتهم.
السائل: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) ؟ الشيخ: حديث (الولد للفراش وللعاهر الحجر) يدل أن هناك رجلين، زان وصاحب فراش كل واحد منهما يدعي أن الولد له، صاحب الفراش يقول: هذا ولدي ولد على فراشي، والزاني يقول: هذا ولدي خلق من مائي، فهنا نغلب جانب الشرع كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) أما إذا كان الزاني لا ينازعه أحد في ذلك، يعني: زنا بامرأة بكر -مثلاً- أو امرأة ليس لها زوج ولم يدّعِ أحدٌ هذا الولد وقال الزاني: إنه ولدي فهو له؛ لأن هؤلاء كفار لا يلتزمون بأحكام الإسلام، فهو له ولا إشكال فيه وعليه نفقته، وأما إذا كان يعتقد أنه ولد زنا وأنه ليس له ولا يريده، فنفقته على من علم بحاله من المسلمين، نفقته فرض كفاية يقوم بها المسلمون عموماً.(63/21)
من أفضل كتب السيرة
السؤال
ما هي كتب السيرة التي ينصح فضيلتكم باقتنائها والإطلاع عليها؟
الجواب
السيرة النبوية الواقع أن فيها أشياء ضعيفة مما نقل، وفيها أشياء صحيحة، ومن أحسن ما رأيت زاد المعاد لـ ابن القيم، على أنه رحمه الله أحياناً يأتي بآثار غير صحيحة، لكنه من خير ما رأيت، وكذلك من بعده البداية والنهاية لـ ابن كثير فإنها جيدة، ولكن لو شاء الإنسان أن يأخذ كل قضية وحدها فيدرسها ويراجع عليها كلام أهل العلم ثم يلخصها في كتاب له خاص أو ينشره ويكون عاماً فهذا حسن.
وإنني أتمنى أن يوجد طالب علم يحرص على هذه المسألة وينقح السيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين مما شابها من الآثار الضعيفة أو المكذوبة.(63/22)
بطلان حديث لحم البقر داء
السؤال
ما صحة الحديث الذي يحكي أن ألبان البقر دواء وسمنها شفاء ولحمها داء؟
الجواب
هذا الحديث الذي فيه أن لحم البقر داء هذا حديث باطل مكذوب على الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يمكن أن يصح إطلاقاً؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول فيما أحل لنا: {وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ} [الأنعام:144] فأباح الله عز وجل لحم البقر، وهل الله تعالى يبيح لعباده ما هو داء؟ لا.
لا يمكن أن يبيح ما هو داء، إذاً: فهذا الحديث نعلم أنه مكذوب، وقد خرجه بعض الأخوة من طلبتنا وبين أنه كذب لا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام.(63/23)
الأدلة على تحديد ركعات الفروض
السؤال
فضيلة الشيخ! هل هناك دليل من السنة على تحديد ركعات الصلوات المفروضة أن الفجر ركعتان والظهر أربع؟
الجواب
هذا سؤال غريب.
أولاً: أن السنة دلت على ذلك دلالة صريحة، قالت عائشة رضي الله عنها: [أول ما فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فزيد في صلاة الحضر وبقيت صلاة السفر على الفريضة الأولى] .
ثانياً: أن هذا أمر مجمع عليه، يعني: لو قال لنا إنسان: إنه يمكن أن تكون صلاة الفجر ثلاثاً لكان كافراً؛ لأن هذا إنكار لما علم بالضرورة من دين الإسلام، وعدد ركعات الصلوات أمر لا يشك فيه أحد.
أمر مجمع عليه.
وهذا حديث عائشة ذكرته لك، وإجماع المسلمين عليه من عهد رسول الله إلى يومنا هذا، هل الأمة الإسلامية مجمعة على خطأ منذ بزغ نجم الإسلام إلى اليوم، هذا الذي يشككه في هذا -أيها الشباب! - رجل مفسد لأنه في قرارة نفسه يعلم أن هذا لا يحتاج إلى طلب الدليل، عمل المسلمين عليه من ذاك الوقت إلى يومنا هذا، هذا أكبر دليل، لكن احذروا مثل هؤلاء الذين يردون عليهم مثل هذه الأسئلة، احذروهم وفروا منهم كما تفرون من الموت أو أكثر.
نسأل الله أن يقي المسلمين شر أمثال هؤلاء، إنه على كل شيء قدير.(63/24)
لقاء الباب المفتوح [64]
هذا اللقاء هو عبارة عن تفسير بعض الآيات من سورة الفجر والتي احتوت على ذكر قصة فرعون وكيف أنه طغى في البلاد التي كان فيها وهي مصر، وأكثر فيها الفساد؛ وذلك بكثرة المعاصي، كما أن في هذه الآيات بيان سنة الله فيمن يعصونه ويخالفون أمره ويكذبون رسله.(64/1)
تفسير آيات من سورة الفجر
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فنكمل ما ابتدأناه من تفسير سورة الفجر، وقد انتهينا من الكلام على قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} [الفجر:6-9] .(64/2)
تفسير قوله تعالى: (وفرعون ذي الأوتاد)
قال تعالى: {وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ} [الفجر:10] فرعون هو: الذي أرسل الله إليه موسى عليه الصلاة والسلام، وكان قد استذل بني إسرائيل في مصر يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، وقد اختلف العلماء في السبب الذي أدى به إلى هذه الفعلة القبيحة، لماذا يُقتل الأبناء ويبقي النساء؟ قال بعض العلماء: إن كهنته قالوا له: إنه سيولد في بني إسرائيل مولود يكون هلاكك على يده، فصار يقتل الأبناء ويستبقي النساء.
ومن العلماء من قال: إنه فعل ذلك من أجل أن يُضْعِفَ بني إسرائيل؛ لأن الأمة إذا قتلت رجالها واستبقيت نساؤها ذلت بلا شك، فالأول تعليل أهل الأثر والثاني تعليل أهل النظر -أهل العقل- ولا يبعد أن يكون الأمران جميعاً قد صارا علةً لهذا الفعل، ولكن بقدرة الله عز وجل أن هذا الرجل الذي كان هلاك فرعون على يده تربى في نفس بيت فرعون، فإن امرأة فرعون التقطته وربته في بيت فرعون، الذي استكبر في الأرض وعلا فيها وقال لقومه: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24] وقال لهم: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] وقال لهم: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} [الزخرف:52] أي: موسى {وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:52] فأنكر الألوهية وأنكر الرسالة، قال الله تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف:54] وتعلمون أنه قال لقومه مقرراً لهم عظمته وسلطانه: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:51] افتخر بالأنهار التي تجري من تحته وهي مياه، فأهلكه الله تعالى بجنسها حيث أغرقه وقومه في البحر الأحمر.
فقوله تعالى: {وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ} أي: ذي القوة؛ لأن جنوده كانوا له بمثابة الوتد، والوتد كما نعلم تربط به حبال الخيمة فتستقر وتثبت، فافتخر فرعون بجنوده وملكه.(64/3)
تفسير قوله تعالى: (الذين طغوا في البلاد)
قال تعالى: {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ} [الفجر:11] الطغيان: مجاوزة الحد، ومنه قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة:11] أي: لما زاد الماء حملناكم في الجارية يعني: بتلك السفينة التي صنعها نوح عليه الصلاة والسلام، فمعنى (طغوا في البلاد) أي: زادوا عن حدهم، واعتدوا على عباد الله.(64/4)
تفسير قوله تعالى: (فأكثروا فيها الفساد)
قال تعالى: {فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ} [الفجر:12] أي: بالمعاصي وقتل الضعفاء، والفساد هنا هو: الفساد المعنوي، والفساد المعنوي يتبعه الفساد الحسي لقول الله تبارك وتعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96] ولهذا قال بعض العلماء في قوله تعالى: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} [الأعراف:56] قالوا: لا تفسدوها بالمعاصي، وعلى هذا فيكون قوله: {فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ} [الفجر:12] أي: الفساد المعنوي لكن الفساد المعنوي يتبعه الفساد الحسي.
وكان فيما سبق من الأمم أن الله تعالى يدمر هؤلاء المكذبين عن آخرهم، لكن هذه الأمة رفع الله عنها هذا النوع من العقوبة، وجعل عقوبتها أن يكون بأسهم بينهم حيث يدمر بعضهم بعضاً، وعلى هذا فما حصل من المسلمين من اقتتال ومن تدمير بعضهم بعضاً إنما هو بسبب المعاصي والذنوب، يسلط الله بعضهم على بعض، ويكون هذا عقوبة من الله سبحانه وتعالى.(64/5)
تفسير قوله تعالى: (فصب عليهم ربك سوط عذاب)
قال تعالى: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} [الفجر:13] صب عليهم: الصب معروف أنه يكون من فوق، والعذاب الذي أتى هؤلاء من فوق من عند الله عز وجل و (سوط عذاب) السوط: هو العصا الذي يضرب به، ومعلوم أن الضرب بالعصا نوع من العذاب، فهذا السوط الذي صبه الله تعالى على عاد وثمود وفرعون ليس كالعصا المعروفة لدينا، وإنما هو عصا عذاب أهلكهم الله تعالى به وأبادهم.
نسأل الله تعالى أن يجعل لنا ولكم فيما سبق من الأمم عبرة نتعظ بها، وننتفع بها، ونكون طائعين لله عز وجل غير طاغين، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(64/6)
الأسئلة(64/7)
حكم قول (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) بالنسبة للإمام والمأموم والمنفرد
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة للذي يصلي منفرداً هل يقول: سمع الله لمن حمده، أو يقول: ربنا ولك الحمد؟
الجواب
الإمام والمنفرد يقولان: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد.(64/8)
نصيحة لمن يخوضون في أعراض العلماء وولاة الأمور
السؤال
فضيلة الشيخ! في بعض المجالس يخوض بعض الناس في كثير من طلبة العلم والعلماء، يجرحون ويعدلون! فنريد نصيحة لهؤلاء لكي يشتغلوا بما ينفعهم؟
الجواب
من المعلوم أن الغيبة من كبائر الذنوب، والغيبة: ذكرك أخاك بما يكره، هكذا فسرها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حذر الله عنها في كتابه بأبلغ تحذير فقال جل وعلا: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:12] من الذي يقدم له لحم أخيه ميتاً فيأكله؟ لا أحد يأكله، كلٌ يكرهه، وهذا تمثيلٌ يستفاد منه غاية التحذير من الغيبة، وإذا كانت الغيبة في ولاة الأمور من العلماء أو الأمراء كانت أشد وأشد؛ لأن غيبة العلماء يحصل بها انتقاصهم، وإذا انتقص الناس علماءهم لم ينتفعوا من علمهم بشيء فتضيع الشريعة، وإذا لم ينتفع الناس بعلم العلماء فبماذا ينتفعون؟ أبجهل الجهال؟ أم بضلالة الضلال؟ ولهذا نعتبر الذي يغتاب العلماء قد جنى على الشريعة أولاً، ثم على هؤلاء العلماء ثانياً، ووجه الجناية على الشريعة ما ذكرته أنه يستلزم عدم قبول ما تكلم به هؤلاء العلماء من شريعة الله؛ لأنهم قد نقص قدرهم وسقطوا من أعين الناس فلا يمكن أن ينتفعوا بعلمه، وأما كونه غيبةً للشخص فهذا واضح.
أما الأمراء فغيبتهم أيضاً أشد من غيبة غيرهم؛ لأنها تتضمن الغيبة الشخصية التي هي من كبائر الذنوب، وتتضمن التمرد على الأمراء وولاة الأمور؛ لأن الناس إذا كرهوا شخصاً لم يستجيبوا لتوجيهاته ولا لأوامره، بل يضادونه ويناوئونه، فيحصل بهذا شر عظيم؛ لأن قلوب الرعية إذا امتلأت حقداً وبغضاً لولاة الأمور انفلت الزمام، وحل الخوف بدل الأمان، وهذا شيء مشاهد ومجرب.
ولهذا نرى أن الواجب على عامة الناس وعلى طلبة العلم بالأخص إذا سمعوا عن عالمٍ ما لا يرونه حقاً أن يتثبتوا أولاً من صحة نسبته لهذا العالم، كم من أناس نسبوا إلى العلماء ما لم يقولوه! ثم إذا ثبت عنده أنه قاله يجب عليه من باب النصيحة لله عز وجل ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين أن يتصل بهذا العالم يقول: بلغني عنك كذا وكذا، فهل هذا صحيح؟ فإما أن ينكر وحينئذٍ نطالب من نقل عنه هذا القول بالبينة، وإما أن يقر فإذا أقر أبين له وجهة نظري، أقول: هذا القول الذي قلته غير صحيح، فإما أن يقنعني وإما أن أقنعه، وإما أن يكون لكلٍ منا وجهٌ فيما قال، فيكون هو معذوراً باجتهاده وأنا معذورٌ باجتهادي وليس أن أتكلم في عرضه؛ لأنني لو استبحت لنفسي أن أتكلم في عرضه لكنت أبحت له أن يتكلم هو أيضاً في عرضي وحينئذٍ يحصل التنافر والعداوة والبغضاء.
أما الأمراء فهم الأمر الثاني أيضاً، فالكلام في الأمراء كثير وتعرفون ذلك، أضرب لكم مثلاً سهلاً: إذا أمر ولي الأمر بشخص أن يؤدب تأديباً شرعياً يستحقه شرعاً فهل هذا المؤدب مع ضعف الإيمان في عصرنا هل سيقبل هذا الأدب ويرى أنه حق؟ أم يرى أنه ظلم وأن هذا الأمير معتدٍ عليه؟ الثاني: هذا الواقع، يعني: لسنا في عصر كعصر الصحابة يأتي الرجل يقول: يا رسول الله! زنيت طهرني.
فإذا أمر ولي الأمر أن يؤدب هذا الرجل صار يشيع -كما قال بعض العلماء عن شخصٍ أشاع عنه قضية معينة فيما سلف، قال: إنك شخصٌ تذيع الشكية وتكتم القضية- ويشكي الناس أنه مظلوم وأن هذا -أي: ولي الأمر- ظالم وما أشبه ذلك.
إذاً: غيبة ولاة الأمور تتضمن محذورين: المحذور الأول: أنها غيبة رجل مسلم.
والمحذور الثاني: أنها تستلزم إيغار الصدور على الأمراء وولاة أمورهم وكراهتهم وبغضهم وعدم الانصياع لأمرهم؛ وحينئذ ينفلت زمام الأمان، ولهذا ما نرى من المنشورات التي تنشر في سب ولاة الأمور أو الحكومة نرى أن هذا محرم وأنه لا يجوز للإنسان أن ينشرها؛ لأنه إذا نشرها معناه أنها غيبةٌ لإنسان لا نستفيد من نشرها بالنسبة إليه شيئاً، لا نستفيد إلا أن القلوب تبغضهم وتكرههم، لكن هل هذا سيحسن من الوضع إذا كان الوضع سيئاً؟ أبداً.
فلا يزيد الأمر إلا شدة، فنرى أن نشر مثل هذه المنشورات أن الإنسان آثمٌ بها؛ لأنه غيبة بلا شك، وأنه يوجب أن تكره الرعية رعاتها وتبغضهم ويحصل بهذا مفسدة عظيمة.
وحتى لو فرضنا صحة ما جاء في هذه المنشورات، مع أننا لا ندري هل هو صحيح أو أنه كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) .
لكن على تسليم أنه صحيح وأنه صدق هل يحل لنا نشره وهو غيبة؛ لأن الغيبة: (ذكرك أخاك بما يكره) ؟ ثم إننا لو نعلم أن هذا المنشور حق وأنه سيحل المشكلة لكنت أول من ينشر هذا وأول من يوزعه، لكن نعلم أنه يحتاج إلى إثبات من وجه، ويحتاج -أيضاً- إلى أن ننظر: هل نشره من المصلحة أم من المفسدة؟ ربما يترتب على نشره من المفسدة أعظم بكثير من نفس هذا الخطأ؛ ولهذا يجب على الإنسان أن يتقي الله أولاً قبل كل شيء، وألا ينشر معايب الناس بدون تحقق، وألا ينشر معايب الناس إلا إذا رأى أن المصلحة في نشرها، أما إذا كان الأمر بالعكس فقد أضاف إلى مفسدة نشر معايب الناس مفسدة أخرى، والله حسيبه، وسوف يلقى جزاءه عند ربه، ونحن نتكلم بهذا عن أدلة فنقول: هل المنشورات في مساوئ الناس سواءً الأمراء أو العلماء هل هي من باب: (ذكرك أخاك بما يكره) أم لا؟ الجواب: نعم، من باب: (ذكرك أخاك بما يكره) وإذا كان من هذا الباب فهذه غيبة أم غير غيبة؟ غيبة، من قال أنها غيبة؟ قالها الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق وأنصح الخلق وأصدق الخلق.
فإذا كانت الغيبة حراماً فهل يترتب على هذه الغيبة إصلاح ما فسد؟ أبداً، لا يترتب عليها إصلاح ما فسد.
فتبين بهذا أن نشر المنشورات حرام وتوزيعها حرام، وأن الذي يفعل ذلك آثم وأنه سوف يحاسب على حسب نصوص الكتاب والسنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) وقال عليه الصلاة والسلام: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر) وهذا ينافي الصبر لا شك.
قد يقول قائل: إن الله تعالى قال في كتابه: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ} [النساء:148] فنقول: نعم.
لكن معنى الآية الكريمة: أنه لا يجوز أن تجهر بالسوء إلا إذا ظلمت فتجهر في مظلمتك في الشكاية حتى تزال مظلمتك، فهذا معنى الآية، يعني: إذا ظلمني شخص فهو عاصٍ أذهب إلى أي شخص وأقول: فلان ظلمني واعتدى عليَّ فلا بأس بذلك؛ {إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ} [النساء:148] ولم يقل: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا للظالم حتى نقول إنه عام، إلا من ظلم فله أن يجهر بالسوء من القول فيمن ظلمه؛ لأنه من طبيعة الإنسان أنه يتكلم مع صديقه فيما جرى له من ظلم إنسانٍ عليه؛ لأن في هذا تفريجاً عنه وإزالة غم ولا حرج في هذا.
أما أن ننشر معايب الناس على وجهٍ نعلم أن مفسدته أكثر بكثير من مصلحته إن كان فيه مصلحة، ولا ندري هل يثبت أم لا؛ فإن هذا لا يشك إنسانٌ عاقل عرف مصادر الشريعة ومواردها أن ذلك حرام، فنسأل الله تعالى أن يقينا وإياكم شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يصلح ولاة أمورنا من العلماء والأمراء، وأن يصلح عامتنا إنه على كل شيءٍ قدير.(64/9)
المفهوم الخاطئ للمنافسة
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا أقيمت الصلاة وبدأ المصلون يعتدلون للصلاة فمثلاً يكون في الصف الأول من كان عن يمين الإمام تحركوا إلى اليسار للمكان الذي يوجد فيه بعض الفُرج، والذين كانوا يقفون عن يسار الإمام تحركوا إلى ميامنهم فيدخل بعض الذين في الصف الثاني لسد الفُرج، والتي كان يسعى لسدها أصحاب الصف الأول أنفسهم، وربما حجز هذا الداخل إلى الصف الأمامي بيده الناس في الصف الأمامي ليدخل بينهم فهل يتركه هذا الشخص المحجوز ليأخذ المكان الفاضل منه ويبقى هو في المكان المفضول والله يقول: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26] ؟
الجواب
هذا لا يجوز، وهذا عدوان على حق الغير، نعم لو فرضنا أنه وقف ولم يدنُ أو نظر إليك يريد أن تسد الفرجة فهذا لا بأس أسقط حقه، وأما أنه متهيئ لأن يدنو فتأتي أنت وتمنعه وتدخل في هذا المكان فهذا لا يجوز فإنه عدوانٌ على حق أخيك، ولأنه يورث العداوة والبغضاء.
وأما الآية الكريمة {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26] فالمنافسة ليست هي العدوان على الغير، بل المنافسة أن تنافس غيرك في حقٍ لا تضره في ذلك.(64/10)
كلمة توجيهية للذين يقضون أيام الإجازة في التسكع في الشوارع أو السفر إلى البلاد الأوروبية
السؤال
فضيلة الشيخ! نريد منكم توجيه كلمة للذين يقضون أيام الإجازة في التسكع في الشوارع والجلوس على الأرصفة ولا يذهبون إلى المراكز الصيفية أو حلقات تحفيظ القرآن الكريم، وكذلك إلى الذين يذهبون إلى البلاد الأوروبية لقضاء الإجازة هناك جزاك الله خيراً.
الجواب
هذا طلب طيب من هذا السائل جزاه الله خيراً، وهو يتضمن شيئين: أما الشيء الأول: فهو السفر إلى بلاد خارجية لقضاء هذه الإجازة فيها فنقول: إن السفر إلى بلاد كافرة أو بلاد منهمكة في المعاصي لا يجوز لأمور عدة: الأمر الأول: أن فيه إضاعةً للمال في قيمة التذاكر، وأجور الفنادق أو الشقق أو غير ذلك، ففيه إضاعة مال كثير، وهذا المال الذي تضيعه في هذه التنزهات اجعله نافعاً لك يوم القيامة في بناء مسجد، اجعله في إعانة إخوانك المجاهدين في البوسنة والهرسك، أو في الصومال، أو في كشمير، أو المجاهدين في الجمهوريات الإسلامية التي تحررت من الشيوعية، أو في غير ذلك من أوجه الخير والبر.
ثانياً: أن فيه إضاعة الوقت؛ لأن غالب الذين يذهبون لهذه النزهات لا يذهبون إلى الدعوة إلى الخير، أو إلى تعليم الناس الجاهلين، بل ربما يذهبون لأشياء محرمة لا إشكال في تحريمها، فيكون في ذلك إضاعةً للوقت والمال.
ثالثاً: أنه يخشى على عقيدة المرء، وعلى أخلاقه، وعلى عباداته، وعلى أهله إن كانوا معه.
يخشى عليه في عقيدته أن يقول: كيف أنعم الله على هؤلاء بهذا الترف وهذا النعيم وهم كفار وهو مؤمن؟ وقد قدر عليه رزقه، فيشك هل الإيمان خير أم الكفر خير؟ ولم يعلم المسكين أن هؤلاء عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا وهذا الترف بالنسبة لهم جنة؛ لأنهم ينتقلون بعده إلى عذاب وجحيم -والعياذ بالله- والفقر بالنسبة إليه إذا كان من المؤمنين يعتبر ابتلاء من الله عز وجل يؤجر عليه ويثاب عليه إذا صبر، قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10] .
وأما كونه خطراً على عبادته: فإنه قد يصحب أناساً هناك لا يهتمون بالصلاة، ولا بالأذكار، ولا بالتقرب إلى الله، فيكتسب منهم صفاتهم ويصدونه عن ذكر الله وعن الصلاة.
وأما أنه خطر على أخلاقه فظاهر: لأنه هناك يجد المرأة المتبرجة غاية التبرج، وعلى جمال فاضح، وغالباً تكون متطيبة متبرجة فتفتن من لا يفتتن، وهناك لا حياء ولا دين فيسهل عليه الانزلاق وراء الشهوة.
وأما كونه خطر على أهله فذلك ظاهر أيضاً: فإن الصغار إذا ارتسم في أفكارهم شيء من الصغر لا يتحول عنهم إذا كبروا، فيحصل أن هؤلاء الصغار يتذكرون دائماً في هذه الحال الفظيعة التي كان عليها أهل هذه البلدة التي سافروا إليها.
أما بالنسبة لشبابنا في هذه البلاد فإنني أحثهم على أن يلتحقوا بواحدة من جهات ثلاث: أولاً: حِلَقْ تحفيظ القرآن، فهي -والحمد لله- متوفرة في المدن الكبيرة والقرى.
ثانياً: الالتحاق بالمساجد في حلق العلماء الذين يدرسون العلم كما يوجد -والحمد لله- منذ سنتين أو نحوها دورات في المدن يسمونها دورات مكثفة، يتكلم فيها علماء موثوقون ينتفع بهم الشباب.
ثالثاً: الالتحاق بالمراكز الصيفية التي يقوم عليها رجال موثوقون في علومهم وأفكارهم وأخلاقهم، والمراكز الصيفية متنوعة فيها علوم شرعية، وعلوم عربية، وفيها -أيضاً- فنون مباحة، كتعلم نجارة أو كتابة وما أشبه ذلك، وهي تكف الإنسان عن ضياع وقته.
فنحث أبناءنا على الالتحاق بإحدى هذه الجهات الثلاث حتى لا تضيع أوقاتهم وتتبلد أفكارهم فيقعوا في مهاوي الشهوات، وفي المثل السائر الذي قيل نظماً:
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسده(64/11)
حكم من يدعي أن فوز الرجل أو فشله لحسن الطالع أو سوء الطالع
السؤال
فضيلة الشيخ! نجد في تعليق بعض المعلقين الذين يعلقون على المباريات عندما ينهزم أحد الفريقين يقول: هذا الفريق هزم نتيجة سوء الطالع، فهذه الكلمة أشكلت عليَّ كثيراً، فما رأيكم في هذا التعليق؟
الجواب
نعم.
هذه الكلمة يقولها من لا يعرف الشريعة، يقول للشخص إذا نجح: هذا من حسن الطالع، وإذا رسب: هذا من سوء الطالع، وهذا من التنجيم الذي هو نوع من الشرك؛ وذلك لأن الطالع والغارب ليس له تأثير في الحوادث الأرضية بل الأمر بيد الله، سواء ولد الإنسان في هذا الطالع أو في هذا الغارب أو في أي وقت، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه زيد بن خالد الجهني قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم صلاة الصبح، ونحن في الحديبية على إثر سماء كانت من الليل -يعني: على أثر مطر- فقال: (هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) وهذا الذي يدعي أن فوز الرجل أو فشله لحسن الطالع أو سوء الطالع من هذا النوع الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كافر بالله؟ فالواجب على من قاله أن يتوب إلى الله من ذلك، وعلى من سمعه أن ينكر عليه وأن يبين ذلك في المجالس العامة والمجالس الخاصة بالشباب؛ لأن بعض الناس لا يعرف معنى هذه الكلمة ولا يعرف على أي شيء بنيت.(64/12)
حكم من ترك ركناً من أركان الصلاة
السؤال
رجل صلى خلف الإمام فترك الرفع من السجود؛ لأنه لم يسمع صوت الإمام، ولم يأتِ بهذا الركن، فهل يأتي بركعة أم يجلس ويسلم مع الإمام؟
الجواب
نقول: يأتي بركعة؛ لأنه ترك ركناً من أركان الصلاة، ومن ترك ركناً من أركان الصلاة حتى سلم فإنه يجب عليه أن يأتي بركعة تامة ثم يسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.(64/13)
من نسي التشهد الأول ونهض ولم يستتم قائماً ثم تذكر وجلس
السؤال
إذا ترك رجل التشهد الأول فرفع، ولكن تراجع قبل أن يتم القيام، فهل يشرع له سجود السهو أم لا؟
الجواب
إذا نسي التشهد الأول ونهض ولكن لم يستتم قائماً فإنه يجب عليه أن يرجع إذا ذكر؛ لأنه لم يصل إلى الركن الذي يليه، ولكن هل يجب عيه سجود السهو أم لا؟ من العلماء من قال: إنه لا يجب عليه سجود السهو؛ لأنه لم يصل إلى الركن الذي يليه، ولحديث ورد في ذلك وفيه شيء من الضعف، ومنهم من قال: ينظر إن كان إلى القيام أقرب وجب عليه سجود السهو، وإن كان إلى الجلوس أقرب لم يجب عيه سجود السهو، فإن سجد فإننا لا ننكر عليه، وإن لم يسجد فإننا لا نأمره بذلك.(64/14)
أقسام الحركات في الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك إمام لا أدري هل به مرض أم ماذا، فهو دائماً إذا كبر للصلاة وانتهى من التكبيرة يتقدم يمشي خطوتين أو ثلاث خطوات، وأصبحت عادة عنده أن جماعة المسجد الذي يصلي فيه لا ينكرون عليه ذلك، لكن لما يأتي إنسان غريب أو إنسان يصلي معه يلاحظ أنه يمشي ويتقدم ويرجع مع أنه الإمام، فما حكم ذلك؟
الجواب
لو أن هذا شيء بغير اختياره فهو معذور؛ لأن بعض الناس قد يكون معه شيء من الدوخة فيحاول أن يتماسك فيتقدم عندئذ أو يتأخر.
وإن كان باختياره فإنه ينهى عنه؛ لأن هذه حركة في الصلاة بدون حاجة، وكل حركة في الصلاة بدون حاجة فإنها مكروهة، وهنا يحسن بنا أن نبين أقسام الحركات في الصلاة.
أقسام الحركات في الصلاة خمسة: حركة واجبة، وحركة محرمة، وحركة جائزة، وحركة مكروهة، وحركة مستحبة.
فالحركة الواجبة: هي التي يتوقف عليها صحة الصلاة، هذا ضابط الحركة الواجبة ونذكر لذلك مثالين: المثال الأول: إنسان تذكر أن في غترته نجاسة وهو يصلي، فيجب عليه أن يتحرك لخلع الغترة ويستمر في صلاته، والغترة نوع مما يلبس على الرأس.
المثال الثاني: رجل يصلي إلى غير قبلة، فجاءه عالم بالقبلة فقال له: القبلة على يمينك.
فهنا يجب عليه أن ينحرف إلى القبلة، ولكل واحدة من هاتين المسألتين دليل.
أما المسألة الأولى: فدليلها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في نعليه وفيهما قذر لم يعلم به، فجاءه جبريل فأخبره بذلك، فخلع نعليه واستمر في صلاته.
وأما الثانية: فإن أهل قباء كانوا يصلون صلاة الفجر إلى جهة بيت المقدس، وكانت مكة وراءهم وأتاهم آت فقال لهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل عليه قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، فانحرفوا إلى جهة الكعبة وهم يصلون.
والحركة المستحبة: هي التي يتوقف عليها فعل مستحب هذا ضابطها.
مثال ذلك: انفتحت فرجة أمامك في الصف، وسد الفرجة سنة، فتقدمت لهذه الفرجة، فهذه حركة مستحبة، وكذلك تقارب الصف، فإذا صار بينك وبين جارك فرجة فقربت منه فهذه أيضاً حركة مستحبة.
والحركة المحرمة: هي الحركة التي تنافي الصلاة، يعني: أنها كثيرة بحيث يقول من رآك تتحرك: إنك لست في صلاة، فهذه محرمة، وضابطها أن تكون كثيرة متوالية.
الحركة المكروهة: هي الحركة القليلة بلا حاجة، مثل ما يحصل من بعض الناس حيث يعبث في صلاته بقلمه أو ساعته أو عقاله أو مشلحه بدون حاجة، فهذه حركة مكروهة.
الحركة الجائزة: هي الحركة اليسيرة إذا كانت لحاجة، أو الحركة الكثيرة إذا كانت لضرورة.
مثال الحركة اليسيرة للحاجة: إنسان يشق عليه أن يصلي على الأرض مباشرة؛ لأنها حارة، أو لأن فيها شوكاً، أو فيها حصىً يؤلم جبهته، فصار يتحرك، يضع المنديل ليسجد عليه، فهذه حركة جائزة؛ لأنها لحاجة، لكنها يسيرة، والمنديل ينبغي أن يكون واسعاً بحيث يتسع لكفيه وجبهته، هذا هو الأحسن؛ لأنه لو كان لا يسع إلا الجبهة فقط لكان فيه نوع مشابه للرافضة الذين يسجدون على حصىً معين، أو على حجر معين، فالعلماء قالوا: يكره أن يخص جبهته بشيء يسجد عليه، لأن هذا فعل الرافضة، لكن إذا لم يكن معه إلا منديل صغير لا يتسع إلا للجبهة وهو محتاج إلى أن يسجد عليه فلا بأس فهذه حركة يسيرة لحاجة.
وهناك الحركة الكثيرة للضرورة: إن كنت تصلي فهاجمك سبع ففي هذه الحال تحتاج إلى حركات كثيرة وسريعة، فلا بأس بأن تدفع عن نفسك هذا الخطر ولو كنت في صلاتك لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} [البقرة:239] يعني: إن خفتم على أنفسكم فصلوا رجالاً يعني: على أرجلكم، ولو كنت تهرب، أو ركباناً: على الرواحل.
هذه أقسام الحركات في الصلاة، فاحرص على أن يخشع قلبك وجوارحك حتى تكون صلاتك تامة، فقد امتدح الله الذين هم في صلاتهم بأنهم خاشعون.(64/15)
صلاة الموظفين في مكاتبهم إذا كان المسجد بعيداً
السؤال
فضيلة الشيخ! يبعد المسجد من مقر العمل قرابة أربعمائة متر، فبعض الإخوان في العمل قالوا: نضع مصلى في أحد المكاتب نصلي فيه؛ لأن المسجد بعيد وهم يتأذون من حرارة الشمس عند الذهاب إليه، فهل هذا العمل صحيح؟
الجواب
الذي نرى أنه لا بأس به أن يصلي أهل المكاتب في مكاتبهم إذا كان خروجهم إلى المسجد يؤدي إلى تعطل العمل، أو يؤدي إلى تلاعب بعض الموظفين الذين يخرجون للصلاة ويتأخرون، وإذا كان المسجد بعيداً أيضاً جاز لهم الصلاة في مكان عملهم، فالمهم إذا كان هناك مصلحة أو حاجة إلى أن يصلوا في مكاتبهم فلا حرج.(64/16)
حكم وضوء مَن خرج من دورة المياه وهو ساهٍ فذهب وتوضأ
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل خرج من دورة المياه وهو ساه فذهب وتوضأ، فهل وضوءه هذا صحيح علماً بأنه قد لا يكون له نية فيه؟
الجواب
الوضوء صحيح ولو كان ساهياً؛ لأنه ما الذي جعله يذهب إلى الميضأة ويغسل كفيه ويتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه إلى نهاية الوضوء، ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله؟ فهذا لم يذهب إلى مكان الوضوء إلا وهو ناوٍ له، ولو كان يفكر في شيء آخر فإن ذلك لا يضره ولا يبطل وضوءه.
يقول بعض العلماء رحمهم الله: لو كلفنا الله عملاً بلا نية لكان من تكليف ما لا يطاق، وجاء رجل إلى ابن عقيل -عالم من علماء الحنابلة المتقدمين- قال له: يا سيدي.
إنني أذهب أغتسل من الجنابة في نهر دجلة، ثم أخرج ولا زلت أعتقد أني على الجنابة!! قال له ابن عقيل رحمه الله: لا تصل! فقال الرجل: تأمرني بترك الصلاة؟! فقال ابن عقيل: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق.
) ورجل يذهب إلى دجلة يغتسل ثم يقول: أعتقد أنني لا زلت على الجنابة فهذا جنون!!(64/17)
تعريف العالم
السؤال
فضيلة الشيخ! حصل لبس وخلط عند بعض الشباب في تحديد من هو العالم، فنتج عن ذلك أن وضع من ليس بعالم مثل زاهد أو عابد أو واعظ في مصافِّ العلماء، فجعلوه مصدراً للتلقي والتوجيه والتعليم وما إلى ذلك، فنريد من فضيلتكم تحديد من هو العالم وصفته وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
العالم عرفه ابن القيم رحمه الله في تعريف جامع فقال:
العلم معرفة الهدى بدليله ما ذاك والتقليد يستويان
فالعالم هو الذي يعرف العلم الحق بالدليل، والعلم قد يكون علماً واسعاً يعرف الإنسان غالب المسائل، وما لا يعرفه منها فعنده قدرة على معرفتها، وقد يكون الإنسان عالماً في مسألة واحدة، يأخذ الكتب ويبحث فيها وينظر أدلة العلماء، فيصير عالماً بها فقط، ومن هذا ما جاء به الحديث (بلغوا عني ولو آية) لكن غالب الوعاظ يأتون بأدلة لا زمام لها، أدلة ضعيفة يريدون بذلك تقوية الناس في الأمور المطلوبة، وتحذيرهم من الأمور المرهوبة، ويتساهلون في باب الترغيب والترهيب، وهؤلاء فيهم نفع لا شك، لكن ليسوا أهلاً لأن يتلقى عنهم العلم الشرعي، بحيث يعتمد على ما يقولون، إلا إذا قالوا: نحن نقول كذا لقوله تعالى كذا وكذا، ونقول كذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم كذا، ويأتون بحديث صحيح فمعلوم أن من أتى بعلم وحجة فهو مقبول، لكن ابن مسعود رضي الله عنه حذر من القرَّاء بلا فقه.
والمراد بالفقه أن يكون عند الإنسان حكمة فيضع الأشياء مواضعها، وأن يكون عند الإنسان دليل يكون حجة له عند الله عز وجل وأظن أنه لا يخفى على عامة الناس العالم من طالب العلم.(64/18)
حكم شرب المشروبات اليهودية
السؤال
فضيلة الشيخ! يوجد مشروب يسمى (الكولا) تنتجه شركة يهودية، فما حكم شراب هذا المشروب؟ وما حكم بيعه؟ وهل هو من التعاون على الإثم والعدوان أم لا؟
الجواب
ألم يبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً لأهله، ومات ودرعه مرهونة عند هذا اليهودي؟ ألم يبلغك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهدية من اليهود؟ ولو أننا قلنا: لا نستعمل ما صنعه اليهود أو لا نأكل ما صنعه اليهود مما لا يشترط فيه الذكاة لفات علينا شيء كثير من استعمال سيارات ما يصنعها إلا اليهود، وأشياء نافعة أخرى لا يصنعها إلا اليهود.
صحيح أن هذا المشروب قد يكون فيه بلاء يضعه اليهود؛ لأن اليهود غير مؤتمنين؛ ولهذا وضعوا للرسول صلى الله عليه وسلم السم في الشاة التي أهدوها إليه ومات صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بـ خيبر، وهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم) يعني: موتي، ولهذا قال الزهري رحمه الله: إن النبي صلى الله عليه وسلم مات بقتل اليهود له، لعنة الله عليهم، ولعنة الله على النصارى، فهم لا يؤتمنون لا اليهود ولا النصارى، لكن في ظني أن هذا الذي يرد إلينا لا بد أن يكون قد اختبر ومُحِّص، وعرف هل فيه خطر أو ضرر أم لا.(64/19)
حكم من سب الدين في حالة الغضب
السؤال
شيخنا: ما حكم من سب الدين والرب وذلك إذا نشأ بين قوم قد اعتادوا هذا الأمر في ساعة غضب، وكذلك كيف تكون معاملته إذا كان يعتقد نفسه مسلماً؟
الجواب
قال أهل العلم: من سب الله أو رسوله أو كتابه أو دينه فهو كافر جاداً أو لاعباً، واستدلوا بقول الله تعالى عن المنافقين الذين كانوا يسبون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65-66] وجاء رجل منهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إنما كنا نتحدث حديث الركب، لنقطع به عنا الطريق، فكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد على أن يقول له: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65-66] .
أما إذا قالها عند غضب شديد بحيث لا يملك نفسه ولا يدري ما يقول فإنه لا يكفر بذلك؛ لأنه غير مريد للقول، ولهذا لو طلق الإنسان زوجته في غضب شديد لا يملك نفسه عنده فإن زوجته لا تطلق؛ لأنه لم يرد طلاقها، وتعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم حدث عن فرح الله سبحانه وتعالى بتوبة العبد، وأنه أشد فرحاً بذلك من رجل كان في السفر ومع بعيره عليها طعامه وشرابه، فضلت عنه، فطلبها ولم يجدها، فنام تحت شجرة ينتظر الموت، ما بقي عليه إلا أن يموت، فإذا بخطام الناقة متعلقاً بالشجرة، فأخذه وقال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك) يريد أن يقول: أنت ربي وأنا عبدك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخطأ من شدة الفرح) ولم يقل: هذا كافر فالمهم أن من سب الله أو رسوله أو دينه أو كتابه جاداً كان أو هازلاً فهو كافر.
أما من فعل ذلك غاضباً وهو لم يملك نفسه ولا يدري ما يقول فإنه لا يكفر؛ لأنه لا اعتداد بقوله بل هو حكم المجنون، ولكن ينبغي عليه إذا أفاق وذهب عنه الغضب أن يراجع نفسه ويستغفر الله تعالى ويطهر لسانه من هذا الشيء القبيح.
ويتعود ذكر الله تعالى والثناء عليه، فإذا تعود لسانه ذلك فإنه لن ينطق بالسباب ولو عند الغضب.(64/20)
حكم من سب الله تعالى وحكم توبته
السؤال
كيف يعامل من كان يعتقد نفسه مسلماً وهو ساب لله؟
الجواب
هذا ليس بمسلم ما دام قصد القول، فإن ساب الله تعالى كافر ولو كان ذلك على وجه اللعب والمزاح، بل إن فقهاء الحنابلة رحمهم الله يقولون: من سب الله لا تقبل توبته، يعني: لو جاء وقال: أشهد أني مخطئ وأنا تائب، وأن الرب عز وجل له كمال الصفات يقولون: ما نقبل توبتك وحكمك القتل وتوبتك بينك وبين ربك.
لكن الصحيح أنه تقبل إذا علمنا أنه صادق التوبة، وذلك من سيرته واستقامته فيما بعد.(64/21)
حكم سب الأطفال للدين
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم سب الأطفال للدين؟
الجواب
تعلمون أن الأطفال مرفوع عنهم القلم، ولكنهم ينهون عن سب الدين ويؤدبون.(64/22)
حكم من يأخذ من بعض الناس مالاً ليحج عنه ولا يحج وكيفية التوبة من ذلك
السؤال
فضيلة الشيخ! حفظك الله، قرية كاملة في جنوب المملكة كانوا ينتظرون موسم الحج بفارغ الصبر؛ لأنهم كانوا يعتبرون أن قوتهم طوال العام لا يكون إلا في هذا الموسم، فكان كل فرد من أفراد هذه القبيلة يبحث عن رجل يحج عنه نظير مبلغ من المال، ويزعمون أن لديهم طلبة علم يعرفون المناسك، فإذا أخذوا تلك المبالغ لا يؤدون الفريضة عن هذا الذي أخذوا منه المال، وكثير منهم تاب من هذا العمل ويسأل ماذا عليه أن يفعل الآن؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
هذا في الواقع عمل محرم مشين، أما كونه محرماً فلأنهم أخذوا المال ولم يؤدوا الأعمال التي أخذوا المال من أجلها، فهذا أكل للمال بالباطل.
وأما كونه مشيناً فإن أخاهم المسلم ائتمنهم ووثق بهم على أداء فريضة من فرائض الإسلام فخانوه بذلك، فالواجب على هؤلاء بعد التوبة أن يحصوا جميع الحجج التي أخذوها، وأن يؤدوها في السنوات التالية، وإذا لم يستطيعوا بأنفسهم فلينيبوا غيرهم ممن يرون أنه أهل للإنابة؛ لأنهم أخذوا أموال الناس بشرط أن يحجوا عنهم، فلا تبرأ ذمتهم إلا بالوفاء بهذا الشرط، فليحجوا بأنفسهم أو لينيبوا غيرهم.(64/23)
حكم من يصلي الفجر منفرداً في المسجد لعدم وجود المصلين مع وجود مسجد بعيد تقام فيه الجماعة
السؤال
فضيلة الشيخ! جماعة استهموا في بناء مسجد صغير في الحي؛ لأن المسجد الكبير بعيد منهم، وهم يصلون فيه جميع الصلوات إلا صلاة الفجر فلا يصلي في هذا المسجد صلاة الفجر إلا رجل واحد، علماً بأنه هو الذي يؤذن ويصلي، فهل يستمر على هذا الوضع فيصلي صلاة الفجر وحده أم يذهب إلى المسجد البعيد بسيارته؟
الجواب
عليه أولاً أن ينصح جماعة الحي بأن يأتوا لصلاة الفجر، ويرغبهم في ذلك، فقد ييسر الله له من يشاركه في صلاة الجماعة، أما إذا لم يأت أحد وتأكد من ذلك فالأفضل أن يذهب للمسجد الثاني.(64/24)
لقاء الباب المفتوح [65]
في هذا اللقاء تفسير بعض الآيات من سورة الفجر، وفيها أن الله تعالى بالمرصاد لكل من طغى واعتدى وتكبر، وأنه سوف يعاقبه ويؤاخذه، وأن الله عز وجل يبتلي الإنسان بالخير والشر كما هو واضح في الآيات التي تحدث عنها الشيخ في هذه السورة.(65/1)
تفسير آيات من سورة الفجر
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والستون من اللقاء الأسبوعي الذي يتم في كل يوم خميس، وهذا هو يوم الخميس الثالث عشر من شهر صفر عام (1415هـ) .
لقاؤنا هذا اليوم سيكون في تفسير آيات من سورة الفجر، حيث وقفنا على قول الله تبارك وتعالى: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} [الفجر:13] .(65/2)
تفسير قوله تعالى: (إن ربك لبالمرصاد)
قال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) [الفجر:14] الخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من يتوجه إليه الخطاب، يبين الله عز وجل أنه بالمرصاد لكل من طغى واعتدى وتكبر، وأنه سوف يعاقبه ويؤاخذه، وهذا المعنى له نظائر في القرآن الكريم، منها قوله تبارك وتعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} [محمد:10] وكقول شعيب لقومه: {أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) [هود:89] فسنة الله سبحانه تعالى واحدة في المكذبين لرسله المستكبرين عن عبادته، هو لهم بالمرصاد، وهذه الآية تفيد التهديد والوعيد لمن استكبر عن عبادة الله أو كذب خبره.(65/3)
تفسير قوله تعالى: (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه)
ثم قال الله عز وجل: {فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} [الفجر:15-16] الابتلاء من الله عز وجل يكون بالخير وبالشر، كما قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:35] فيبتلي الإنسان بالخير ليبلوه أيشكر أم يكفر؟ ويبتليه بالشر ليبلوه أيصبر أم يفجر؟ وأحوال الإنسان كما تعلمون جميعاً دائرة بين خير وشر، بين خير يلائمه ويسره، وبين شر لا يلائمه ولا يسره، وكله ابتلاء من الله.
الإنسان بطبيعته الإنسانية المبنية على الظلم والجهل إذا ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه يقول: ربي أكرمن؛ يعني: أني أهل للإكرام، ولا يعترف بفضل الله عز وجل عليه، وهذا كقوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص:78] لما ذُكر بنعمة الله عليه {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص:78] ولم يعترف بفضل الله، وما أكثر الناس الذين هذه حالهم، إذا أكرمهم الله عز وجل ونعمهم قالوا: هذا إكرام من الله لنا؛ لأننا أهل لذلك، ولو أن الإنسان قال: إن الله أكرمني بكذا اعترافاً بفضله، وتحدثاً بنعمته، لم يكن عليه في ذلك بأس، لكن إذا قال: أكرمني، يعني: أني أهل للإكرام، كما يقول -مثلاً- كبير القوم إذا نزل ضيفاً على أحدهم قال: أكرمني فلان؛ لأنني أهل لذلك.
{وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [الفجر:16] يعني: ضيق عليه الرزق {فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} [الفجر:16] يقول: إن الله تعالى ظلمني فأهانني ولم يرزقني كما رزق فلاناً، ولم يكرمني كما أكرم فلاناً، فصار عند الرخاء لا يشكر، يعجب بنفسه ويقول: هذا حق لي، وعند الشدة لا يصبر، بل يعترض على ربه ويقول: ربي أهانن، وهذا حال الإنسان باعتباره إنساناً، أما المؤمن فليس كذلك، أما المؤمن إذا أكرمه الله ونَعَّمَه شَكَرَ ربه على ذلك، ورأى أن هذا فضل من الله عز وجل وإحسان، وليس من باب الإكرام الذي يقدم لصاحبه على أنه مستحق، وإذا ابتلاه الله عز وجل وقدر عليه رزقه صبر واحتسب وقال: هذا بذنبي، والرب عز وجل لم يهني ولم يظلمني، فيكون صابراً عند البلاء، شاكراً عند الرخاء.
وفي الآيتين إشارة إلى أنه يجب على الإنسان أن يتبصر فيقول -مثلاً-: لماذا أعطاني الله المال؟ ماذا يريد مني؟ يريد مني أن أشكر، لماذا ابتلاني الله بالفقر أو بالمرض وما أشبه ذلك؟ يريد مني أن أصبر، فليكن محاسباً لنفسه حتى لا تكون حاله مثل حال الإنسان المبنية على الجهل والظلم.(65/4)
تفسير قوله تعالى: (كلا بل لا تكرمون اليتيم)
ولهذا قال تعالى: {كَلَّا} [الفجر:17] يعني: لم يعطك ما أعطاك إكراماً لك لأنك مستحق، ولكنه تفضل منه، ولم يهنك حين قدر عليك رزقك، بل هذا مقتضى رحمته وعدله.
ثم قال تعالى: {بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} [الفجر:17] يعني: أنتم إذا أكرمكم الله تعالى بالنعم لا تعطفون على المستحقين للإكرام وهم اليتامى، فاليتيم هنا اسم جنس، وليس المراد يتيماً واحداً بل جنس اليتامى؛ واليتيم كما قال العلماء: هو الذي مات أبوه قبل بلوغه من ذكر أو أنثى، وأما من ماتت أمه فليس بيتيم، وقوله: {بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} [الفجر:17] واليتيم يشمل الفقير من اليتامى والغني، يعني: حتى الغني من اليتامى ينبغي الإحسان إليه وإكرامه؛ لأنه انكسر قلبه بفقد أبيه ومن يقوم بمصالحه، فأوصى الله تعالى به حتى يزول هذا الكسر الذي أصابه.(65/5)
تفسير قوله تعالى: (ولا تحاضون على طعام المسكين)
ثم قال تعالى: {وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الفجر:18] يعني: لا يحض بعضكم بعضاً على أن يطعم المسكين، وإذا كان لا يحض غيره فهو أيضاً لا يفعله بنفسه، فهو لا يطعم المسكين، ولا يحض على طعام المسكين، وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي لنا أن نكرم الأيتام، وأن نحض بعضنا بعضاً على إطعام المساكين؛ لأنهم في حاجة، والله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.(65/6)
تفسير قوله تعالى: (وتأكلون التراث أكلاً لماً وتحبون المال حباً جماً)
قال تعالى: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} [الفجر:19-20] (التراث) ما يورثه الله العبد من المال، سواء ورثه عن ميت أو باع واشترى وكسب، أو خرج إلى البر وأتى بما يأتي به من عشب وحطب وغير ذلك، المهم أن التراث ما يورثه الله الإنسان من المال، فإن بني آدم يأكلونه أكلاً لماً.
وأما المال فقال: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} [الفجر:20] أي: عظيماً، وهذه هي طبيعة الإنسان، لكن الإيمان له مؤثراته، قد يكون الإنسان بإيمانه لا يهتم بالمال؛ إن جاءه شكر الله عليه وأدى ما يجب فيه، وإن ذهب لا يهتم به، لكن طبيعة الإنسان من حيث هو كما وصفه الله عز وجل في هاتين الآيتين.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم إلى ما فيه الخير والصلاح، وأن يقينا شر أنفسنا إنه على كل شيء قدير.(65/7)
الأسئلة(65/8)
صفة الهوي إلى السجود والقيام منه
السؤال
فضيلة الشيخ! لقد ظهر من بعض المصلين حركة جديدة في الصلاة ما كانت تفعل من قبل، فإن بعض كبار السن إذا هوى إلى السجود اعتمد على يديه أولاً ولكن بوضع ظاهر أصابعه كأنه يعجن -أي: على ظهر ثلاثة أصابع منها- وكذا إذا قام من السجدة الثانية، وأما البعض الآخر من هؤلاء المصلين فإنه إذا قام من جلوس الوسط أو من جلسة الاستراحة وضع كذلك ظاهر أصابع يديه يعتمد عليها ثم يرفع يديه ويضعهما على ركبتيه ويعتمد على ركبتيه في القيام، فما حكم هذه الحركات الزائدة في الصلاة؟
الجواب
المشروع للإنسان أن يصلي كما صلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وقد ذكر مالك بن حويرث رضي الله عنه: [أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي، فإذا كان في وتر من صلاته لم يقم حتى يستوي قاعداً] يعني: يجلس في الركعة الأولى، ثم يقوم للثانية، ويجلس في الركعة الثالثة، ثم يقوم للرابعة، وهذه الجلسة سماها العلماء جلسة الاستراحة، ومالك بن حويرث -أيضاً- ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم [كان إذا أراد أن يقوم اعتمد على يديه] ولكن هل هو على صفة العاجن أم لا؟ فهذا ينبني على صحة الحديث الوارد في ذلك، وقد أنكر النووي رحمه الله في المجموع صحة هذا الحديث، أي: أنه يقوم كالعاجن، وبعض المتأخرين صححه.
وعلى كلٍ فالذي يظهر من حال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه يجلس؛ لأنه كبر وأخذه اللحم، فكان لا يستطيع النهوض تماماً من السجود إلى القيام، فكان يجلس ثم إذا أراد أن ينهض ويقوم اعتمد على يديه ليكون ذلك أسهل له، هذا هو الظاهر من حال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولهذا كان القول الراجح في هذه الجلسة -أعني: جلسة الاستراحة- أنه إن احتاج إليها لكبر أو ثقل أو مرض أو ألم في ركبتيه أو ما أشبه ذلك فليجلس، ثم إذا احتاج إلى أن يعتمد عند القيام على يديه فليعتمد على أي صفة كانت، سواء اعتمد على ظهور الأصابع، يعني: جمع أصابعه هكذا واعتمد عليها أو على راحته، أو غير ذلك، المهم إذا احتاج إلى الاعتماد فليعتمد، وإن لم يحتج فلا يعتمد.
أما الهوي للسجود فالصحيح أن الإنسان يبدأ بركبتيه قبل يديه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يضع الإنسان يديه قبل ركبتيه حيث قال: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير) ونحن نشاهد البعير إذا برك يقدم يديه، وهذا شيء واضح، وقد فهم بعض العلماء أن المراد من ذلك أنه لا يقدم ركبتيه وقال: إن ركبتي البعير في يديه، فإذا قدم ركبتيه عند السجود فقد برك كما يبرك البعير، وهذا الفهم فيه نظر، وجه النظر أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقل: فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير، لو قال: على ما يبرك، قلنا لا تبرك على الركبتين، بل قال: (فلا يبرك كما يبرك البعير) فالنهي عن الكيفية والهيئة، وعليه فيكون الرجل إذا قدم يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير.
فإن قال قائل: يؤيد الفهم الأول أن في هذا الحديث (وليضع يديه قبل ركبتيه) .
فالجواب عن هذا أن هذه الجملة لا تصح؛ لأنها لا تتلاءم مع أول الحديث، بل هي منقلبة على الراوي كما حقق ذلك ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد، وعلى هذا فالسجود يكون على الركبتين، فإن احتاج الإنسان إلى أن يضع يديه قبل ركبتيه كما لو كان يشق عليه فلا بأس يضع اليدين قبل الركبتين.
وكونه إذا أراد أن ينهض من التشهد الأول يضع يديه على الأرض يعتمد عليها ثم إذا وضع يديه رفع ثم اعتمد على ركبتيه هذه ليس لها أصل ولا أعلم لها وروداً في الحديث.(65/9)
حكم قول القائل: الله البادي
السؤال
ما رأيكم في الشاعر الذي يقول في الأغنية التي تذاع:
الله البادي ثم أجد بلادي
الجواب
لا أرى في هذا البيت شيئاً، إذا قال: الله البادي، يعني: الله قبل كل شيء، وهذا يشمل الدين؛ لأن الدين من حق الله، فإذا قال: الله البادي، يعني: الله وشريعته وما يجب الإيمان به وما يجب العمل به قبل كل شيء، ثم بعد ذلك البلاد، هذا ليس فيه شيء، لكني أقول إن الواجب أن الإنسان لا يتعصب لبلده لأنها بلده، فالمهاجرون هاجروا من بلادهم من مكة أفضل بقاع الأرض وتركوا أهلهم وأموالهم ابتغاء مرضاة الله ولم يتعصبوا للبلد، لكن من تعصب لبلده لأنها بلد إسلامي، لا لأنه ولد فيها وعاش فيها فهذا لا بأس به، وأما من تعصب للبلد؛ لأنها بلده فهذا فيه شيء من حمية الجاهلية.(65/10)
حكم منع الإمام من إقامة جماعة ثانية بعد الجماعة الأولى
السؤال
فضيلة الشيخ! هل للإمام منع الجماعة الثانية بعد الجماعة الأولى؟
الجواب
ليس للإمام أن يمنع الجماعة الثانية بعد الجماعة الأولى، فإن فعل ذلك فإن هذا أخشى أن يكون معارضة لهدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إقامة الجماعة الثانية بعد الأولى إذا كان لعذر، يعني: لم يتقصد المتخلفون أن يقيموا جماعة ثانية، لكن دخلوا ووجدوا الجماعة قد صلوا، فيصلون جماعة، هذا هو السنة، فإن رجلاً دخل والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأصحابه فقال: (ألا رجل يقوم فيتصدق على هذا) فقام رجل فصلى معه، وهذه إقامة جماعة بعد جماعة، ثم إنه عليه الصلاة والسلام قال: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) فالذي قال فيه الرسول أزكى ننهى عنه أو نمنع منه، فعلى هذا الرجل أن يتقي الله عز وجل، وألا يمنع المسلمين مما أمر به الرسول عليه الصلاة والسلام وندب إليه وحث عليه، أما لو اتخذ هذا عادة بأن كان هذا المسجد يصلي فيه هذا الإمام ثم إذا فرغ الإمام جاء إمام ثاني وصلى؛ فهذا بدعة لا شك فيه، ولا ينهى عنه الإمام الأول، وإنما يتولى النهي عنه المسئولون في إدارة الأوقاف أو في شئون المساجد.(65/11)
حكم الرسوم التي تؤخذ لتجديد الاستمارة أو الرخصة
السؤال
فضيلة الشيخ! الرسوم التي تؤخذ لتجديد الاستمارة أو الرخصة هل تعتبر من الضرائب؟
الجواب
إي نعم.
كل شيء يؤخذ بلا حق فهو من الضرائب، وهو محرم، ولا يحل للإنسان أن يأخذ مال أخيه بغير حق، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأكل مال أخيك بغير حق؟) ولكن على المسلم السمع والطاعة، وأن يسمع لولاة الأمور ويطيع ولاة الأمور، وإذا طلبوا مالاً على هذه الأشياء سلمه لهم، ثم إن كان له حق فسيجده أمامه وإن كان ليس له حق فقد أخذ منه حق، أقول إذا كان له حق فسيجده أمامه، وإن لم يكن له حق بأن كان الذي أخذ منه على وجه العدل فليس له حق، والمهم أن الواجب علينا السمع والطاعة من ولاة الأمور، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك) ولا يجوز أن نتخذ من مثل هذه الأمور وسيلة إلى القدح في ولاة الأمور وسبهم في المجالس وما أشبه ذلك، ولنصبر، وما لا ندركه من الدنيا ندركه في الآخرة.(65/12)
حكم الدم الذي يخرج من المرأة قبل تخلُّق أربعة أشهر وقبل تخلُّق الجنين
السؤال
فضيلة الشيخ! امرأة أسقطت من الشهر الأول من بداية حملها فهل تصلي، حيث أن الدم الذي يخرج منها قد يستمر خمسة عشر يوماً أو عشرين يوماً وأنا قرأت فتوى لكم في أحد الكتب تقول: إن هذا الدم الذي يخرج قبل إتمام أربعة شهور وقبل إتمام الجنين يعتبر دم فساد، وأن المرأة تصلي في هذا وأن لها حق الجمع في هذا فما رأي فضيلتكم؟
الجواب
رأيي هو ما قرأت، يعني: إذا أسقطت المرأة الحامل لمدة شهر أو شهرين فإن هذا الدم دم فساد، لا يمنعها من صلاة ولا صيام ولا معاشرة زوج، ولها أن تجمع بين الصلاتين إذا شق عليها أن تتوضأ لكل صلاة، والقاعدة في ذلك عند أكثر العلماء: أن المرأة إذا أسقطت جنيناً فإن كان قد تبين فيه خلق إنسان فالدم دم نفاس، يعني: إن كان قد تبين رأسه ويداه ورجلاه فالدم دم نفاس، وإلا فليس دم نفاس بل هو دم فساد، وأقل ما يمكن أن يتبين فيه خلق الإنسان ثمانون يوماً، ودليل ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو الصادق المصدوق فقال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح) الحديث.
هذه المضغة بين الله تعالى في القرآن أنها تكون مخلقة وغير مخلقة، إذا كانت قبل ثمانين يوماً لا يمكن أن يكون الدم دم نفاس، لماذا؟ لأنه لم يكن مضغة حتى الآن، هو علقة، بعد ثمانين يوماً صار مضغة، وهذه المضغة قد تخلق وقد لا تخلق، لكن إذا بلغ تسعين يوماً فالغالب أنها تكون مخلقة.(65/13)
احتمال رؤية العبد لربه في المنام دون اليقظة
السؤال
فضيلة الشيخ! هل رؤية الله عز وجل في المنام جائزة أم لا؟
الجواب
رؤية الله تعالى في الدنيا يقظة غير ممكنة، والدليل على ذلك أن موسى عليه الصلاة والسلام وهو من أفضل الرسل، وهو أحد أولي العزم الخمسة {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} قال الله له: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً} اندك الجبل أمام موسى وهو يشاهد {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} [الأعراف:143] غشي عليه؛ لأنه شاهد شيئاً لا تتحمله نفسه {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف:143] فتاب إلى الله من هذا السؤال؛ لأنه سؤال ما لا يمكن، وسؤال الله ما لا يمكن اعتداء في الدعاء، والله عز وجل يقول: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55] فتاب إلى الله، فرؤية الله في الدنيا لا تمكن في اليقظة، حتى النبي عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج لم ير ربه، وقد سئل هل رأيت ربك؟ قال: (رأيت نوراً) وفي لفظ (نور أنّى أراه؟!) يعني: بيني وبينه حجب عظيمة من النور، وقد جاء في الحديث في الصحيح أن الله عز وجل محتجب بالنور، فقال: (حاجبه النور، لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه من انتهى إليه بصره من خلقه) يعني: بهاؤه وعظمته، لو كشف هذا النور الذي بينه وبين الخلق لاحترق الخلق كلهم؛ لأن بصره ينتهي إلى كل شيء، فيحترق كل شيء بهذا النور العظيم.
وعلى هذا نقول: لا يمكن.
أما في المنام فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى ربه في المنام، لكن هل لغيره أن يراه؟ يُذكر أن الإمام أحمد رحمه الله رأى ربه، وذكر بعض العلماء أن ذلك ممكن، فالله أعلم.
لا أدري.
وأخشى إن فتح الباب تدخل علينا شيوخ الصوفية وغيرهم ويقول: البارحة رأيت ربي، وجلست أنا وإياه، وتنادمنا وتناقشنا، ثم يجيء من أهل الخزعبلات التي لا أصل لها، فأرى أن سد هذا الباب هو الأولى.(65/14)
حكم وصف من قتل في المعركة بالشهيد
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا قتل المسلم في أي معركة بين المسلمين والكفار هل نصفه بأنه شهيد؟
الجواب
أولاً: بارك الله فيك، المقتول في الجهاد لا نقول: إنه شهيد، حتى ولو كان بين المسلمين والكفار؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك) فقوله: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله) يعني: أنه لا علم لنا؛ لكن نرجو أن يكون شهيداً، ولهذا بوب البخاري رحمه الله على هذه المسألة بقوله: (لا يقال: فلان شهيد) وذكر هذا الحديث الذي ذكرته لكم.
وذكر صاحب الفتح ابن حجر أثراً عن عمر رضي الله عنه قال: [إنكم تقولون: فلان شهيد، وفلان شهيد، ولعله أن يكون قد غل، ولكن قولوا: فلان قتل أو مات في الجهاد أو كلمة نحوها] لكن مع هذا نرجو للإنسان أن يكون شهيداً إذا علمنا صلاح حاله، وأنه رجل صالح، ولم يقاتل إلا لتكون كلمة الله هي العليا، فنرجو أن يكون شهيداً.
ثم إن قولنا شهيد بالنسبة لهذا المقتول لا يستفيد منه؛ لأنه إن كان شهيداً عند الله فهو شهيد، سواء قلنا أو لم نقل، وإن لم يكن شهيداً فإنه لا ينفعه قولنا إنه شهيد، ولكن من قتل من المسلمين في المعركة فإنه يعامل ظاهراً معاملة الشهداء كما هو معروف ظاهراً؛ لأننا في الدنيا نعامل الإنسان على ظاهره، لكن في الآخرة يعامل الإنسان بما في قلبه، ويعطى حكم الشهيد في الأحكام، ولكننا لا نشهد له، الآن ألسنا نصلي على الجنازة الآن نصلي عليه على أنه مسلم، ونعامله معاملة المسلم، والمسلم مآله الجنة، فهل نشهد لهذا الميت بأنه من أهل الجنة؟ لا.
فالمعاملة غير مسألة الشهادة.(65/15)
حكم من ترك إمامة المسجد وإقامة الدروس والمواعظ من أجل السفر لطلب الرزق
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل يقوم بإمامة المسجد وإقامة الدروس والمواعظ وأهل الحي في حاجة إليه، ولكنه ارتحل عنهم لظروف المعيشة، فهل عليه شيء؟
الجواب
كأنك تقول: إن هذا الرجل في حيه لا يقوم أحد مقامه، والناس محتاجون إليه، فعلى هذا يكون تعليمه لهذه الطائفة فرض عين، فإذا ارتحل نظرنا إذا كان هناك ضرورة فإن كان في البلد فبإمكانه أن يأتي إلى المسجد الذي هو فيه وإن كان في طرف البلد، وإن انتقل إلى بلد آخر فإذا كان للضرورة فلا شيء عليه، -مثلاً- لو كان سافر لطلب الرزق وهو ليس عنده ما يقيته أهله فلا حرج.(65/16)
حكم أخذ أهل المقتول ثأرهم بأنفسهم
السؤال
فضيلة الشيخ! رجلٌ قتل رجلاً آخر ورفع الأمر للدولة، لكن الدولة أفرجت عن هذا القاتل، فهل لأهل المقتول أن يأخذوا بالثأر من ذلك القاتل؟
الجواب
الأصل أن الرجل إذا قتل شخصاً عمداً وعدواناً لا شبهة فيه، فالأصل أن الذي يقتله أولياء المقتول؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178] لكن العلماء يقولون: لا يتولى هذا إلا السلطان، يعني: رئيس الدولة أو من ينيبه، ومع هذا قالوا: إذا شاء أولياء المقتول أن يباشروا القتل بأنفسهم وقالوا للدولة: نحن نريد أن نقتله، نحن نشفي عليلنا ونروي غليلنا من هذا الرجل فلهم الحق في هذا، أما إذا برأته الدولة فليس لهم الحق أن يقتلوه؛ لأنه يحصل بذلك فوضى، والدولة لا تبرئه إلا بطريق شرعي.
السائل: والدولة لم تبرئه بحق؟ الشيخ: أنا أخشى أننا لو قلنا أن لهم أن يقتلوه وهو في الحقيقة غير معصوم الدم الآن، دمه هدر، أخشى إذا قلنا بذلك أن تحصل فتنة، فالواجب أن ينظروا للمصلحة إذا كان يخشى الفتنة أن يكون من قبيلة ثم تثور القبيلة على هذه القبيلة ويحصل دماء، المهم أن ينظروا إلى ما هو أصلح.(65/17)
الرد على من يقول: إن الأصل في إقامة الجماعة الثانية المنع
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأيكم فيمن يقول في موضوع إقامة الجماعة الثانية في حديث: (ألا رجل يتصدق على هذا) : إن هذا الحديث فيه متصدق ومتصدق عليه، واللذان تأخرا عن الصلاة فأقاما جماعة ثانية ليس فيهما متصدق، وأيضاً لا تقام الجماعة الثانية؛ لأن الأصل في العبادة المنع؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
من قال إن الأصل في إقامة الجماعة المنع؟ أي حديث يدل على أن هذا ممنوع؟ أنا ما خالفت! هل جاء عن رسول الله حرف واحد يقول: لا تعيدوا الجماعة؟ ما جاء، ثم إذا كان الرسول أمر شخصاً قد صلى وأدى الواجب عليه أن يصلي مع هذا، كيف نؤدي الواجب؟ لأننا الآن نقول: إذا دخل اثنان فاتتهم الجماعة نقول: أنت الآن مطالب بالجماعة، وأنت الثاني مطالب بالجماعة، فإذا كان الرسول أقام من لم يطالب بالجماعة أن يصلي مع هذا، فكيف نقول لمن تلزمه الجماعة: لا تصل جماعة؟ هذا قياس منقلب.
وأما تسميتها صدقة فنعم؛ لأن الرجل الذي يقوم معه قد أدى الواجب عليه، فصلاته الثانية تكون صدقة، فهي صدقة بالنسبة لأنه أدى ما وجب عليه، لكن لو كان إقامة الجماعة ممنوعاً ما أجاز النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة؛ لأن الصدقة التي تستلزم فعل المحرم هل هي صدقة أو حرام؟ لا يمكن أن نفعل مستحباً بانتهاك محرم لو كان محرماً.
فالمهم أن هذا تعليل لا شك أنه عليل، بل أقول: إنه تعليل ميت ما له روح إطلاقاً، لكنهم استدلوا بأن ابن مسعود جاء مع أصحابه يوماً وقد فاتتهم الصلاة، فانصرف وصلى في بيته، هل فعل ابن مسعود حجة مع وجود السنة؟ لا.
هذه واحدة.
الثانية: هل ابن مسعود رضي الله عنه رجع إلى بيته وصلى؛ لأن الصلاة الثانية لا تقام إلا في المسجد أو لسبب آخر؟ لا ندري، ربما يكون ابن مسعود رضي الله عنه خاف أن يقيم الجماعة الثانية وهو من أصحاب الرسول أن يقتدي به الناس، وأن يتهاونوا ويقولون: هذا ابن مسعود رضي الله عنه تفوته الجماعة، إذاً: نحن من باب أولى.
ربما كان ابن مسعود رضي الله عنه انصرف إلى بيته يخشى أن يكون في قلب إمام المسجد شيء فيقول الإمام: ابن مسعود تأخر ليصلي بأصحابه؛ لأنه يكرهني -مثلاً- فيقع في قلبه شيء.
فالحاصل أنه لم يعرف السبب الذي من أجله ترك ابن مسعود رضي الله عنه إقامة الجماعة الثانية، وإذا كنا لا ندري ما السبب دخل المسألة الاحتمال، والعلماء يقولون: إن الدليل إذا دخله الاحتمال بطل به الاستدلال، ولكن كما قلت أولاً: عندنا حديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بإقامة الجماعة الثانية فيمن فاتت وقال: (إن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده) وهذا عام، ما قال إن من دخل مع صاحبه بعد أن انتهت الصلاة، ولهذا أنا أود من طلبة العلم ألا يأخذوا العلم من رجل واحد، أو يعتقدوا أنه معصوم من الخطأ، لا أحد معصوم، لو كان أحداً معصوماً لكان أول من يُعصم الصحابة رضي الله عنهم وهم يقع منهم الخطأ.
وعلى كل حال الذي نرى أن إقامة الجماعة الثانية أنها من السنة، وأما جعل ذلك أمراً راتباً فهذا هو الذي يكون من البدعة، كانوا فيما سبق في المسجد الحرام يصلي أربعة أئمة؛ إمام للحنابلة، وإمام للشافعية، وإمام للمالكية، وإمام للحنفية، لكن لما استولى الملك عبد العزيز رحمه الله على مكة وعلى الحجاز ألغى هذا وقال: ما يمكن مسجد واحد يكون فيه أربعة أئمة.
لا يمكن.(65/18)
التصحيح في مسألة نقض الوضوء بمس الذكر أو عدم نقضه
السؤال
هل مس الذكر ينقض الوضوء؟ وهل يكون المس بظاهر الكف أم بالباطن؟
الجواب
مس الذكر الصحيح أنه لا ينقض الوضوء، سواء كان لشهوة أو لغير شهوة، لحديث طلق بن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (سأل أو سأله طلق عن الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه الوضوء؟ قال: لا) والمس لابد أن يكون من دون حائل؛ لأنه إذا كان بحائل لم يكن مساً، لكن مع ذلك نقول: الأفضل أن يتوضأ، والدليل على هذا حديث بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فليتوضأ) وهذا هو الجمع بين حديثها وحديث طلق بن علي.
السائل: إذا مس ذكره من غير قصد؟ الشيخ: لا بأس، -مثلاً- رجل توضأ ثم اغتسل وفي أثناء اغتساله مس ذكره، نقول: لا حرج عليه، ولا يجب عليه إعادة الوضوء، كذلك لو كان الرجل توضأ ثم لما أراد أن يربط سرواله مس ذكره أيضاً لا يضر ولا ينتقض الوضوء بذلك.(65/19)
الجمع بين قول السلف في المعية وقول ابن تيمية
السؤال
فضيلة الشيخ! المعهود عن السلف أنهم يفسرون المعية بالعلم، فيقولون في مثل قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد:4] قالوا: أي بعلمه، وتفسيرهم المعية بالعلم إنما لقرينة السياق والسباق، كما سئل علي بن المديني عن قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ} [المجادلة:7] فقال: اقرأ ما قبله {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ} [المجادلة:7] السؤال: كيف نوفق بين ما قاله السلف وبين ما قاله شيخ الإسلام في أن المعية حقيقية؟
الجواب
الواقع أنه لا منافاة بين القولين؛ لأن السلف فسروها بلازمها، فإن من لازم المعية أن يكون عالماً بالخلق، سامعاً لهم، مبصراً لهم، له السلطان عليهم، كل ما تتضمنه الربوبية داخل في قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4] وتفسير الكلام باللازم لا بأس به، لا سيما وأنه فيما سبق كان قد فشا مذهب الجهمية الحلولية، الذين يقولون: إن الله معنا بذاته فيما كان في الأرض، ولهذا قال عبد الله بن المبارك: (ولا نقول: إنه هاهنا في الأرض) .
أي: كما تقول الجهمية، ومن المعلوم أن عامة الناس لا يتصورون معنى المعية حقيقة مع علو الله عز وجل، فكان أقرب ما يكون لأفهامهم أن يقال أنها هي العلم، وكذلك السمع والبصر وما أشبه ذلك، والتفسير باللازم لا بأس به.
فالعامة لا يعرفون، وكما قلت لك أنه شاع مذهب الجهمية هناك، لو قلت -مثلاً- للعامة الذين شاع عندهم مذهب الجهمية: أن الله بذاته في الأرض، وقلت: معنا حقاً ماذا سيفهم؟ يفهم أنه في الأرض، لكن لو قلت معنا يعني: يعلمنا؛ والذي يعلمك كأنه معك، يسمعنا؛ والذي يسمعك كأنه معك، ويبصرنا؛ والذي يبصرك كأنه معك، فلهذا فسروها باللازم، وإلا فقد احتج الأشاعرة وغيرهم من المعطلة على أهل السنة قالوا: كيف تقولوا وهو معكم تقولوا وهو يعلمكم؟ بل هو معنا وهو في السماء ولا مانع؛ لأن الله تعالى محيط بكل شيء بالسماوات السبع والأرضين السبع، كلها في كف الرحمن كأنها خردلة في كف أحدنا، ولا مانع أن يكون الشيء معك وهو في السماء، وقد ضرب شيخ الإسلام رحمه الله مثلاً لذلك في العقيدة الواسطية، وفي الفتوى الحموية بأن العرب يقولون: ما زلنا نسير والقمر معنا، أو ما زلنا نسير والنجم الفلاني معنا، ومعلوم أن القمر في السماء وكذلك النجم، فهذه عبارة عربية معروفة.(65/20)
الضابط في البدعة
السؤال
ما هو تعريف البدعة؟ وهل ما خالف الكتاب والسنة يسمى بدعة حسنة؛ لأن شيخ الإسلام يقول: ما خالف الكتاب فهو بدعة، وما لم يعلم أنه خالف فقد لا يسمى بدعة؛ لأننا نجد بعض الجماعات يغلون مثلاً في الأذكار، يعني: في أذكار معينة -مثلاً- في الصباح أو في السماء فيزيدون في هذه الأذكار، فهل هذه تسمى بدعة؟
الجواب
ضابط البدعة -بارك الله فيك-: أن يتعبد الإنسان لله بما لم يشرعه الله، هذا الضابط، لا أن يفعل ما لم يشرعه الله، أن يتعبد، فالبدعة تتعلق بالعبادة، وإنما غير العبادة فما لها تعلق بها، فإذا تعبد الإنسان لله بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل قلنا: هذه بدعة، أما إذا كان من الأمور غير التعبدية فابتدع ما شئت، ولا أحد يقول: هذه بدعة، ولهذا الآن عندنا ابتداعات كثيرة في الأمور العادية أليس كذلك؟ نكتب بالكمبيوتر الآن وبالآلات الكاتبة، ونسجل في المسجل، وهذا ليس معروفاً في عهد الصحابة، لكن هذا ليس تعبداً، ولكن من الأمور العادية والوسائل.
أما التعبد لله مثل الذين يتعبدون لله تعالى بتنزيهه عن صفاته التي وصف الله بها نفسه هؤلاء مبتدعة، يتعبدون لله تعالى بإثبات المثيل له فيقولون: نحن نؤمن بالصفات على أنها مماثلة لصفاتنا هؤلاء مبتدعة أيضاً.
فالضابط في البدعة إذاً ما هو؟ (التعبد لله بما لم يشرعه الله من عقيدة أو قول أو عمل، سواء كان في أصل العبادة أو في كيفيتها) فلو صلى أناس جماعة ثم قالوا: سنذكر الله عز وجل بأذكار الصلوات جميعاً، نقول جميعاً: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، قلنا: هذه بدعة، بدعة بماذا بأصل العبادة أو بكيفيتها؟ بكيفيتها.(65/21)
حكم من وجد مالاً وغلب على ظنه أنه مغصوب
السؤال
حكم من وجد مالاً وغلب على ظنه أنه مغصوب، ولم يعرف صاحبه حتى يعيده إليه؟
الجواب
بأي شيء غلب على ظنه أنه مغصوب؟ السائل: قرائن علمها أن هذا المال مغصوب.
الشيخ: ألا يمكن أن يكون صاحبه باعه؛ لأنه ربما يكون من القرائن عنده أنه عارف أن هذا المال لفلان، فيمكن يكون باعه.
على كل حال، نجيب على هذا: إذا وجد الإنسان مالاً لقطة وغلب على ظنه أنه مغصوب نقول: ابحث عن صاحبه، ولا تجعل ظنك يغلب على أنه مغصوب، اجعل ظنك يغلب على أنه ضائع من صاحبه، لكن اللقطة لماذا تحملها أنها مغصوبة؟ احملها على أنها ضائعة من صاحبها وابحث عن صاحبها، المهم بارك الله فيك إذا وجدت لقطة فانشدها سنة كاملة، إن جاء صاحبها وإلا فهي لك.(65/22)
حكم من دخل المسجد فوجدهم يصلون العشاء وهو لم يصل المغرب
السؤال
تأخر أناس عن صلاة المغرب وأدركوا أن الإمام في صلاة العشاء فهل يصلون المغرب جماعة أم يدخلون مع الإمام؟ وكيف يكون وضع حالهم في الصلاة جزاك الله خيراً؟
الجواب
الصحيح أن الإنسان إذا جاء والإمام في صلاة العشاء سواء كان معه جماعة أم لم يكن أنه يدخل مع الإمام بنية المغرب، ولا يضر أن تختلف نية الإمام والمأموم لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) فإن دخلوا معه في الركعة الثانية سلموا معه؛ لأنهم يكونون قد صلوا ثلاثاً، ولا يضر أن يكونوا جلسوا في الركعة الأولى، وإن دخلوا معه في أول ركعة، فإذا قام إلى الرابعة جلسوا للتشهد وسلموا، ثم دخلوا معه فيما بقي من صلاة العشاء، هذا القول أحسن الأقوال.
القول الثاني في المسألة: أن يدخلوا معه بنية العشاء، ثم يصلون المغرب.
القول الثالث: أن يصلوا وحدهم صلاة المغرب، ثم يدخلوا معه فيما بقي من صلاة العشاء، القولان الأخيران فيهما محذور: أما الأول فمحذوره فوات الترتيب، حيث قدم صلاة العشاء على صلاة المغرب.
وأما الثاني فمحذوره إقامة جماعتين في مسجد واحد في آن واحد، وهذا تفريق للأمة.
القول الأول الذي ذكرنا أنه الصحيح فيه محذور وهو تسليم قبل أن تسليمهم إمامهم، هذا في الحقيقة ليس فيه محذور؛ لأنه ورد انفراد المأموم عن الإمام في مواضع من السنة، منها صلاة الخوف، فإن الإمام يصلي بهم ركعة ثم يتمون لأنفسهم وينصرفون، ومنها قصة الرجل الذي دخل مع معاذ بن جبل رضي الله عنه فلما بدأ بسورة البقرة أو سورة نحوها انفصل عنه ولم يكمل معه، ومنها أن العلماء قالوا: لو أن الإنسان في أثناء الصلاة وهو مأموم ثارت عليه الريح -الغازات- أو احتاج إلى نقض الوضوء ببول أو غائط فإنه لا بأس أن ينوي الانفراد ويكمل صلاته وينصرف، فصارت الأقوال ثلاثة أحسنها أن يدخل الناس مع الإمام في صلاة العشاء وينوون هم صلاة المغرب، ثم إن دخلوا في الركعة الثانية سلموا معه وإن دخلوا في الركعة الأولى، فإذا قام إلى الرابعة جلسوا وتشهدوا وسلموا ثم دخلوا مع الإمام في بقية العشاء.(65/23)
حكم من ترك الإحرام من الميقات جهلاً بالحكم
السؤال
أحد الإخوة المقيمين في جدة بطبيعة العمل العسكري انتقل إلى الرياض ومكث ثلاث سنين، ويأتي إلى جدة ويعتمر، فله تقريباً عشرين عمرة وحجتين، فهو أحياناً ينوي أنه سيعتمر من الرياض ويأتي إلى جدة ثم لا يحرم من الميقات، وأحياناً لا يكون بالقصد أنه سيعتمر فيأتي إلى جدة ثم بعد ذلك ينوي العمرة، ثم بعد ذلك انتقل إلى الأحساء وأيضاً مكث فيها سنة وهو لا يدري أنه يحرم من الميقات ظناً منه أنه لا شيء فيه، فما حكم عمراته وحجتيه؟ وهل عليه شيء في ذلك؟
الجواب
أما العمرات والحجتان فهي صحيحة، غاية ما هنالك أن العمرات التي أحرم فيها من غير الميقات وقد تجاوز الميقات وهو ينوي العمرة فعليه فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء مع القدرة، وأما مع العجز فلا شيء عليه.
وكذلك يقال في الحج إن كان لم يحرم إلا من جدة، أما لو كان تجاوز الميقات وهو لا ينوي العمرة أو متردد هل يعتمر أم لا؟ ثم لما وصل إلى جدة أنشأ النية، فهذا يحرم من جدة ولا شيء عليه.
السائل: إذا كان لا يدري كم مرة ترك الإحرام؟ الشيخ: هذا يبني على اليقين وهو الأقل، فإذا قدر أنه ترك الإحرام من الميقات عشر مرات أو ثمان مرات جعله ثمان مرات.(65/24)
اختلاف العلماء في اعتبار زوجة الابن من الرضاع كزوجة الابن من النسب
السؤال
رجل رضع من زوجة أخيه رضاعاً كاملاً، هل يجوز للأخ من النسب -الأب من الرضاعة- أن يسلم على زوجة أخيه وابنه من الرضاعة؟
الجواب
يعني: هل زوجة الابن من الرضاع كزوجة الابن من النسب؟ معلوم أن زوجة الابن من النسب محرم لأبيه، أما زوجة الابن من الرضاع ولو كان أبوه من الرضاع أخاً له هذه فيها خلاف بين العلماء، فأكثر العلماء على أن زوجة الابن من الرضاع كزوجة الابن من النسب، يعني: أنها محرم لأبيه من الرضاعة، وتكشف له؛ لأنه محرم، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنها ليست بمحرم، وكل منهم استدل بالحديث نفسه، الذين قالوا: إن زوجة الابن من الرضاع كزوجة الابن من النسب قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وشيخ الإسلام رحمه الله الذي قال: إن زوجة الابن من الرضاع ليست كزوجة الابن من النسب، وأنها ليست محرم لأبيه من الرضاع، وأنه يجب عليها أن تحتجب عنه، ولا يجوز أن يخلو بها، استدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) واستدل بقوله الله تعالى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:23] أيهما في نظركم أقرب؟ السائل: النسب.
الشيخ: كيف يكون أقرب وزوجة ابنه من النسب حرام؟ إذاً: زوجة الابن من الرضاع حرام (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) .
نسأل: زوجة الابن هي حرام على أبيه من النسب أو حرام من الصهر؟ من الصهر، ليس بينه وبين أبيه نسب والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب) وزوجة ابنك ليست حرام عليك من جهة النسب، لكن حرام عليك بالصهر؛ لأنه لا نسب بينك وبينها، ولهذا كان رأي شيخ الإسلام رحمه الله عندي هو الراجح، وأن زوجة الابن من الرضاع ليست محرماً، وزوجة الابن من النسب ليست محرماً من جهة النسب، أما الآية التي استدل بها شيخ الإسلام {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:23] فجمهور العلماء الذين يقولون: إن زوجة الابن من الرضاع كزوجة الابن من النسب يقولون: هذه الآية قيدت احترازاً من ابن التبني، فنقول: إن ابن التبني ليس ابناً حتى يحترز منه، فهو غير داخل بالبنوة إطلاقاً، حتى يأتي بقيد يخرجه، فالصحيح عندي ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.(65/25)
لقاء الباب المفتوح [66]
يوصي الشيخ إخوانه المسلمين بوصايا منها: تقوى الله تعالى، وقد تضمنت الإخلاص في كل العبادات، وأن الإخلاص لا يكون إلا بالمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وتضمنت أيضاً الإشارة إلى الحرص على هداية الناس وإرشادهم إلى طلب العلم وترك ما لا ينفع، وأن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
وأوصى كذلك بترك الغيبة لما لها من فساد كبير على الفرد والمجتمع، وأن أشد الغيبة هي غيبة العلماء وأولياء الأمور لما يلحقها من ضرر كبير وشر مستطير، وبعد الوصية توجه الشيخ للإجابة عن الأسئلة.(66/1)
التقوى بين التصور والتطبيق
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو يوم الخميس، العشرون من شهر صفر لعام (1415هـ) .
كان من المعتاد في لقائنا لهذا اليوم أن نسير في تفسير القرآن الكريم، وكان منتهى وقوفنا في أثناء سورة الفجر؛ ولكن نظراً إلى كثرة الإخوان هذا اليوم فإننا نحب أن نضع وصايا هامة تهم المسلمين عموماً.
فنقول: أول ما نوصي أنفسنا وإياكم به هو: تقوى الله عزَّ وجلَّ؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] ، فهذه وصية الله للأولين والآخرين، وتقوى الله سبحانه وتعالى هي أن يتخذ الإنسان لنفسه وقاية من عذاب الله، ولا وقاية من عذاب الله إلا بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، هذا هو الذي يقيك من عذاب الله؛ لا يقيك من عذاب الله أبٌ، ولا ابنٌ، ولا قريبٌ، ولا مالٌ، ولا جاهٌ، ولا يقيك من عذاب الله إلا تقوى الله عزَّ وجلَّ، كما قال الله تبارك وتعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88-89] .
فتقوى الله سبحانه وتعالى: القيام بأوامره، واجتناب نواهيه.(66/2)
من تقوى الله: الإخلاص لله
ومن أهم أوامره، بل هو أهم أوامره: الإخلاص لله عزَّ وجلَّ، فكل ما تعمله متقرباً به إلى ربك لا بد أن يكون خالصاً لله، فإذا أشركت مع الله غيره ردَّه الله عليك؛ لأن الله يقول في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركتُه وشركَه) ، {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر:7] .
فتخلص لله عزَّ وجلَّ في طهارتك، وصلاتك، وزكاتك، وصومك، وحجك، وبرك لوالديك، وصِلَتك لأرحامك، وإحسانك إلى جيرانك.
تخلص لله تعالى في طلب العلم؛ بألا تبتغي به جاهاً، ولا رئاسة، ولا تريد أن تجاري به العلماء، أو تماري به السفهاء، بل تريد بذلك إحياء شريعة الله عزَّ وجلَّ، ورفع الجهل عن عباد الله وعن نفسك، والدفاع عن شريعة الله؛ لأن شريعة الله تعالى مستهدفة؛ من حين خرجت في مكة إلى يومنا هذا وهي مستهدفة، كما قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ} [الفرقان:31] ، فكل نبيٍّ له عدو، وكل أتباعِ نبيٍّ لهم أعداء، ولا بد.
فهذه سنة الله عزَّ وجلَّ، وليس الدرب مفروشاً بالورود والزهور، بل الدرب صعب وشاق، ولا بد أن يجعل الله عزَّ وجلَّ بحكمته للحق مضاداً من أجل أن يُعْرَف الحق ويظهر ناصعاً غالباً على الباطل، ومن أجل أن يعلم الله المجاهدين منا والصابرين.
إذاً لا بد من الإخلاص في طلب العلم، فتخلص لله عزَّ وجلَّ في امتثال أمر الله باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، والمعنى: أنك تخلص اتباعاً للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ بأن لا تزيد في شريعته ما ليس منها، ولا تُنْقِص من شريعته ما كان منها، فالناقص من الشريعة مُقَصِّر، وقد يكون فاسقاً، والزائد مبتدع؛ فالدين كامل لا يحتاج إلى ابتداع.
فلا بد من إخلاص المتابعة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبذلك نحقق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.(66/3)
من تقوى الله: الحرص على هداية عباد الله
ومن تقوى الله سبحانه وتعالى أن تحرص غاية الحرص على هداية عباد الله: وذلك بنشر العلم الصحيح المأخوذ من كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وأن تبين لهم طريقة الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
وأن ترشد الناس إلى ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، من قوله: (مِن حُسْن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه) ، أي: ما لا يهمه.
فإذا رأيت الإنسان كادحاً إلى الله عزَّ وجلَّ، مشتغلاً بما يهمه عما لا يهمه، وليس له هم إلا ما يقرب إلى الله، فاعلم أن ذلك من حسن الإسلام.
وإذا رأيت إنساناً يهتم بأمور لا حاجة إليها، وليس معنياً بها، وأن أكثر أوقاته في القيل والقال، وكثرة السؤال، فاعلم أن ذلك من نقص إسلامه، ومِن ثَمَّ (نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن قيل وقال، وكثرة السؤال) ؛ لأن ذلك يضيع الوقت.
وإذا مُرِضَ الإنسان بهذا المرض ضاع عليه وقته، فصار يجلس إلى هذا ويقول: ما الذي حدث؟! ماذا قال فلان؟! وماذا قال فلان؟! ثم إلى الثاني ويقول له كذلك، ثم إلى الثالث، والرابع، وهكذا يضيِّع أوقاتَه، وأوقاتَ غيره.
ولكن ينبغي للإنسان أن يسير على ما يهمه ويعنيه، ولا بأس أن يسأل إذا دعت الحاجة إلى السؤال عما حدث، وعما يكون في المجتمع، من أجل مداواته، وإزالة المرض، لا من أجل أن يشمت بالغير، أو أن يجعل ذلك مثاراً للشقاق والنزاع، كما يوجد من بعض الناس الآن؛ حيث أن بعض الناس له نية طيبة، لا يُتَّهَم؛ لكنه مسكينٌ ابتُلي بهذا المرض وهو أن لا يكون له هَمٌّ إلا القيل، والقال، وماذا قال فلان؟! وماذا قال فلان؟! وماذا قالت الطائفة الفلانية؟! وماذا قالت الطائفة الفلانية؟! لا لأجل أن يداوي المرض ويزيل الشقاق؛ ولكن ليشمت، أو ليقول كما يقول الصبيان: أنت مع هؤلاء أم مع هؤلاء؟! فلم نعهد هذا التجمُّع والتحزُّب إلا عند الصبيان.
لذلك أوصيكم بالتخلي نهائياً عن هذه الأمور؛ لأنه لا يخدم المصلحة، بل يضيع الأوقات، ورسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، وعن إضاعة الوقت في القيل والقال، وكثرة السؤال.(66/4)
الغيبة وآثارها السيئة على الأمة(66/5)
تعريف الغيبة
لو سألتكم: ما هي الغيبة؟ لكان
الجواب
(ذكرُك أخاك بما يكره) هكذا عرَّفها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أعرف الخلق بمعاني كتاب الله وسنة رسوله، والله تعالى قال في كتابه: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] ، (قيل: ما الغيبة يا رسول الله؟ قال: ذكرُك أخاك بما يكره -سواء كان ذلك في خُلُقه، أو معاملته، أو بدنه وخِلْقَته، أو أي شيء يكرهه أخوك؛ إذا ذكرتَه به في غَيْبَته فهذه هي الغيبة- قيل: يا رسول الله! أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه) أي: بَهَتَّه مع الغيبة، والرسول عليه الصلاة والسلام -وانتبهوا لهذه القاعدة- يذكر أخص الوصف مع اشتمال الموصوف عليه وعلى غيره، فهنا عندما قال: (فقد بَهَتَّه) هل يعني: لَمْ تَغْتَبْه؟! لا.
بل يعني: فقد بَهَتَّه مع الغيبة.
ونظير ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه: (وددتُ أنَّا رأينا إخوانَنا، قالوا: يا رسول الله! ألسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي.
وإخواني قومٌ يأتون مِن بعد يؤمنون بي ولم يروني) ، جعلني الله وإياكم من إخوانه.
فهنا قال: (أنتم أصحابي) ، وقال عن الذين يأتون من بعده: إنهم إخوانه، فهل المعنى: أنتم أصحابي ولستم إخواني؟! لا.
بل هم أصحابه وإخوانه؛ لكن الصحبة أخص من الأخوة.
كذلك لما قال عن الغيبة: (ذكرُك أخاك بما يكره، فقيل: يا رسول الله! أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ فقال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه) فإن معنى بَهَتَّه أي: بَهَتَّه مع الغيبة.(66/6)
خطورة انتشار الغيبة في أوساط الناس
ونحن نرى بعض الناس الآن يشيعوا أقوالاً عن أشخاص معينين، بل يشيعوا أقوالاً أو أفعالاً عن علماء ما قالوها ولا فعلوها، بل يشيعوا أقوالاً وأفعالاً عن ذوي السلطة وذوي الأمر ما قالوها ولا فعلوها.
وغيبة ولاة الأمور من العلماء والأمراء الحُكَّام من الملِك والوزير وغيرهما أشد من غيبة عامة الناس؛ لأن غيبة ولاة الأمور تحدث الكراهة لولي الأمر، وإذا كره الإنسان ولي أمره صار لا يخضع لقوله، وصار ولي الأمر لا يفعل شيئاً حسناًَ إلا كان غائباً عن بصر هذا الإنسان، ولا يفعل سيئة واحدة إلا كانت في بصره وقلبه، لماذا؟! لأنه يبغضه ويكرهه بما نُشر من الأشياء، وقد قال الشاعر الحكيم:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تُبْدِي المَساوِيا
فالإنسان الساخط لا تظن أنه سينشر حسنة لمن هو ساخط عليه؛ لكن هذا الساخط المبغض ينشر كل السيئات، ويسكت عن الحسنات، وكأنها ما حصلت.
فغيبة ولاة الأمور تُحْدِث كراهةَ ولي الأمر وبُغضَه وعدمَ الانصياع لأمره، وتجعل حسناته سيئات، وهذا خطير على المجتمع كله؛ لأن الأمور إذا أصبحت فوضى لا زمام لها فَسَدَ النظام، وتفرقت الأمة، وهل إذا نشرنا مثلاً مساوئ ولاة الأمور، هل هذا يُصْلِح من الحال شيئاً؟ لو كان يُصْلِح لكان طيباً؛ لكنه لا يُصْلِح، بل يزيد الأمر شدة، ويزيد ولي الأمر انتباهاً فيقع فيما لا يحق له أن يقع فيه من اتهام بعض البرآء بأمر هم منه بريئون، ويحصل بذلك شر على الناشر للمساوئ وعلى غيره.
وهل الغيبة ذنب سهل، أو أنها من كبائر الذنوب؟! بل من كبائر الذنوب.
يقول ابن عبد القوي في منظومته الدالية الفقهية:
وقد قيل صُغْرى غيبةٌ ونميمةٌ وكلتاهما كُبْرى على نص أحمد
أي: أحمد بن حنبل رحمه الله.
فالغيبة من كبائر الذنوب، قال الله عزَّ وجلَّ: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12] ، من يحب أن يأكل لحم أخيه ميتاً، هل أحدٌ يحب هذا؟! لا أحد يحب أن يأكل لحم أخيه ميتاً، وشبَّه الله الغيبة بأكل لحم الميت، لأن المغتاب ليس بحاضر ليدافع عن نفسه، كالميت إذا أكلتَه فهو ميت لا يدافع عن نفسه، وهذا تشبيهٌ بأقبحِ ما يكون، مما يدل على أن الغيبة مكروهة عند الله عزَّ وجلَّ، ويجب أن تكون مكروهة عند العاقل؛ لأنه تعالى قال: {فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12] .(66/7)
خطورة غيبة العلماء
كذلك غيبة العلماء، والعلماء ليسوا معصومين بلا شك، ولا أحد يُعْصَم إلا واحدٌ وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الإمام مالك رحمه الله: ما منا إلا ويؤخذ من قوله ويُتْرك إلا صاحب هذا القبر يشير إلى قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وصَدَقَ رحمه الله؛ كُلٌّ يُخْطِئ، حتى الإنسان نفسه يعرف خطأه أحياناً إذا قال قولاً ثم بَحَثَ أو نوقِش فيه، وتبيَّن أنه مخطئ.
لكن هل من جزاء العلماء الذين أتْعَبوا أنفسهم في تحصيل العلم ولم يدَّخروا وُسْعاً في نشره بين الأمة أنهم إذا أخطئوا خطئاً واحداً أن يُنْشَر خطأهم ويُسْكَت عن محاسنهم؟!
الجواب
لا والله.
ليس من جزائهم، وليس هذا من العدل، ولا من القسط، بل العدل أن توازن بين الحسنات والسيئات، فإذا رَجَحَت الحسنات على السيئات فالإنسان من المحسنين، هذا إذا تقاربت السيئات مع الحسنات، فكيف إذا كانت السيئة واحدة في مقابل آلاف الحسنات؟! لكن بعض الناس والعياذ بالله يتخذ من الخطأ الواحد ذريعة للسب، والقيل والقال، ويضيف إلى هذه السيئة سيئات أخرى.
وهذا لا يجوز أبداً بأي حال من الأحوال.
واعلموا أن الناس إذا قلَّت ثقتهم بالعلماء فليس معنى هذا أنه إساءة إلى العالِم شخصياً فحسب، بل هو إساءة إلى العالِم وإلى ما يحمله من الشريعة؛ فإذا نزل العالِم من أعين الناس ما قبلوا قوله، وردوه ولو كان أوضح من الشمس؛ لأن الثقة نُزِعت منهم، ولولا ثقة الناس بعضِهم ببعض ما انتفع أحدٌ من أحد أبداً، حتى الإنسان الذي تريد أن تعامله معاملة فتبيع له وتشتري منه إذا لم تثق به هل تعامله؟! لا.
لذلك أوصيكم بأن تحرصوا غاية الحرص على تجنُّب القيل والقال، وعلى أن يشتغل الإنسان بما يهمه عما لا يعنيه؛ لأن ذلك من حسن إسلام المرء، كما نطق به الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم ممن كفى الناسَ شرَّه، وكفاه شرَّ الناس، وأن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يتقبل منا ومنكم.
وأبشركم بأن حضوركم إلى هذا المجلس داخلٌ في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) .
نسأل الله لنا ولكم الإخلاص.(66/8)
الأسئلة(66/9)
حكم الاحتفال بمولد النبي أو بغيره من الموالد
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يا فضيلة الشيخ! ما حكم الإسلام في إقامة الموالد سواء كانت لموالد لمشايخ أو مولد النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
أقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ لكن أنبهكم أنه لا سلام من جالس ليسأل، إنما السلام للقادم، وأما إذا كان جالساً ويسلم فما السبب؟! كان الصحابة يسأل الواحد منهم الرسول عليه الصلاة والسلام ولا يسلِّم، ولا يقول له الرسول: لماذا لم تسلِّم؟ فالسلام للقادم يا أخي.
أما قولك: ما حكم الإسلام فأنا أريد أن تصحح هذه العبارة أيضاً، فلا توجه سؤالاً لشخص يخطئ ويصيب فتقول: ما حكم الإسلام لأنه إذا أخطأ صار الخطأ من الإسلام؛ ولكن قل: ما ترى في كذا؟ أو ما حكم الإسلام في نظرك في كذا؟ فأنا أقول: أرى أن إقامة الموالد تعظيماً للمولود من البدع التي لم تَرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء كانت تتعلق بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو بغيره من العلماء أو من العُبَّاد.
وهناك دليلٌ سهل جداً يدل على أن إقامة الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو: أن نسأل: هل أنتم أيها المقيمون للاحتفال أشد حباً لرسول الله من صحابة رسول الله؟! إن قالوا: نعم.
قلنا: كذبتم! وإن قالوا: لا.
الصحابة أشد حباً.
سألنا أولاًَ: هل أقمتم هذا حباً للرسول أم لا؟! إن قالوا: حباً للرسول، قلنا: لماذا لم يُقِمْه مَن هو أشد حباً منكم للرسول؟! أهم في غفلة من هذا، أم في تساهل، أم في جهل؟! الجواب: كل هذا لم يكن.
فإن قالوا: نقيم ذلك لذكرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قلنا: سبحان الله! هل أنتم تستدركون على الإسلام؟! إن قالوا: نعم.
فالمسألة خطيرة وكبيرة، ومعنى ذلك: أن قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] ليس بصحيح؛ لأنهم بهذا استدركوا على الإسلام.
وإن قالوا: لم نستدرك على الإسلام، قلنا: إذاًَ في ذكرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما شرعه الإسلام كفاية.
رسول الله صلى الله عليه وسلم يُذكر في كل عبادة بلسان الحال أو بلسان المقال، فأنت تذكر الرسول بلسان الحال أم بلسان المقال.
الأول: بلسان الحال: كل عابد لله يعبد الله عزَّ وجلَّ إخلاصاً له واتباعاً لرسوله، إذاًَ: أنا أشعر حينما أفعل العبادة أنني متبع للرسول، هذه ذكرى أم غير ذكرى؟! الجواب: ذكرى.
الثاني: أو بلسان المقال: ننظر إلى الوضوء: إذا فرغ الإنسان من وضوئه ماذا يقول؟! الجواب: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وفي الصلاة: فرض علينا أن نقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أين هذا الفرض؟! الجواب: في التشهُّد.
وفي النداء للصلاة: مفروضٌ علينا أن نقول: أشهد أن محمداً رسول الله.
إذاً: ما شرعه الله ورسوله مما يكون فيه ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم خير مما ابتدعه هؤلاء، وبهذا نعرف أن الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة، وكل بدعة ضلالة، لا سيما وأن هذا الاحتفال لا يخلو من طوام؛ إذْ يقال لنا: إنه يكون فيه اجتماع واختلاط بين الرجال والنساء.
هذه واحدة، وهي فتنة.
ويقال أيضاً: إنهم يأتون بالقصائد التي فيها الغلو والمبالَغة، وأحسن ما عندهم من القصائد أشدها مبالغة، فمثلاً قصيدة البردة للبوصيري هي أحسن ما يتغنون به، وفيها من الكفر الصريح ما هو ظاهر، يقول البوصيري في هذه القصيدة:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العَمِمِ
أي: إذا حصل حادثٌ عام كزلزال وصواعق وما أشبه ذلك فما لي مَن ألوذ به إلا أنت، ماذا تقولون في هذا البيت؟! الجواب: شرك.
من الذي يُلاذ به عند حلول الحوادث العامة؟! الرب عزَّ وجلَّ، فالحادث الخاص ربما ألوذ بشخص وأقول له: تعال يا فلان، أنقذني من الغرق، أو أخرج هذا الذي انقلبت به السيارة من تحت السيارة؛ لكن الحوادث العامة لا يُرجى فيها إلا الله.
ثم قال أيضاً من جملة ما قال في هذه القصيدة:
فإن مِن جودك الدنيا وضَرَّتَها..
..
.
ما ضرة الدنيا؟ الآخرة.
(مِن) للتبعيض، أي: أن هناك جوداً آخر غير الدنيا والآخرة.
فإن مِن جودك الدنيا وضَرَّتَها ومِن علومك علمَ اللوحِ والقلمِ
أيضاً من علومه: علم اللوح والقلم، وهناك علوم أخرى أيضاً فوق التي في اللوح والقلم يعلمها الرسول.
ماذا تقولون في هذا؟! الجواب: إنكار لملك الله، -أي: إذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول فماذا بقي لله؟! لم يبق شيء.
فهذا مما يحدث في الموالد.
فلذلك يجب على طلبة العلم أن ينبهوا أهل بلادهم عن هذه الاحتفالات، وأنه ليس فيها إلا التعب البدني والمالي، والضلال، فكل بدعة ضلالة.
أما الاحتفال بمولد الإنسان العادي فهذا ليس احتفالاً دينياً، وإنما هو احتفال عادي، ومع ذلك نرى أن لا يُفْعَل؛ لأنه قد يُتَّخَذ ذريعة إلى الاحتفال التعبدي وهو الاحتفال بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام، فيقول: إذا كنتُ أحتفل بمولد ابني وهو مَن هو بالنسبة للرسول، فاحتفالي بمولد الرسول من باب أولى.
لهذا نرى الكف عن الاحتفال بالموالد مطلقاًَ، سواءً كان ذلك للتعبُّد أو لغير التعبُّد.(66/10)
حكم دخول الرجل للصلاة خلف من يصلي بنية الانفراد أو مَن فاته من إمامه بعض الصلاة
السؤال
إذا صلى الإنسان منفرداً بنية أن يكون منفرداً، فجاءه شخص آخر فصلى معه، أو أن الإنسان صلى مع الإمام؛ لكنه لم يدرك إلا التسليم، فأدرك الصلاة بالتسليم، فأكمل الصلاة، فجاءه شخص آخر فأتم به، فهل يجوز هذا؟
الجواب
إذا شرع الإنسان في الصلاة منفرداً، ثم جاء آخر وصلى معه فلا بأس سواء في الفريضة أو في النافلة.
أما في النافلة: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله، وذلك حين بات عنده عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي من الليل وحده، فقام ابن عباس وصلى معه فأقَرَّه، وما ثبت في النافلة ثبت في الفريضة إلا بدليل.
وأما المسألة الثانية: وهي ما إذا دخل إنسان مع الإمام وقد فاته بعض الصلاة، ثم قام ليأتي بما بقي فدخل معه آخر فهو أيضاً لا بأس به؛ لكن في هذه الثانية الأفضل تركه؛ لأن ذلك ليس من هدي الصحابة أن الواحد إذا قام يقضي صلى معه آخَرُ جَمَاعةً.(66/11)
التفصيل في القيام للجنازة ورفع اليدين عند التكبير
السؤال
ما هو القول الراجح في القيام للجنازة ورَفْع اليدين عند التكبير؟
الجواب
الراجح في هاتين المسألتين أن الإنسان إذا مرت به الجنازة قام لها؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بذلك وفعله أيضاًَ؛ لكنه بعد هذا لم يقم، بل قام ثم قعد.
والجمع بين فعله وتركه: أن قعوده ليبين أن القيام ليس بواجب.
وأما رفع اليدين في تكبيرة صلاة الجنازة فالصحيح أنه يكون في كل التكبيرات؛ لأنه صح عن ابن عمر موقوفاً، ورُوي عنه مرفوعاً، وقد صحح رفعه جماعةٌ من أهل العلم.
فالصواب أن اليدين ترفعان في كل تكبيرة.(66/12)
تحريم الدخول بالمصحف إلى الحمام
السؤال
فضيلة الشيخ! حفظكم الله وجعلكم ذخراً للإسلام والمسلمين! ما حكم دخول المصحف إلى الحمام؟ وهل يقاس عليه الأشرطة الإسلامية المسجل عليها القرآن الكريم؟
الجواب
دخول المصحف إلى المرحاض والأماكن القذرة صَرَّح العلماء بأنه حرام؛ لأن ذلك ينافي احترام كلام الله سبحانه وتعالى، إلا إذا خاف أن يُسْرق لو وضعه خارج المرحاض، أو خاف أن ينساه فلا حرج.
وأما الأشرطة فليست كالمصحف؛ لأن الأشرطة ليس فيها كتابة؛ لكن غاية ما هنالك أن نبرات في الشريط إذا مرت بالجهاز المعين ظهر الصوت، فهذه يدخل بها ولا إشكال في جوازه.(66/13)
نصاب الزكاة في العملة الورقية
السؤال
رجل عنده خمسمائة ريال سعودي، ومضى عليها الحول، فهل فيها زكاة؟ وما هو مقدار النصاب في هذه العملة؟ الشيخ: خمسمائة ريال مِن وَرَق، أو مِن فضة؟ السائل: مِن وَرَق.
الجواب
يُنْظَر هل تساوي خمسة وستين ريالاً فضةً أم لا.
أي: إذا كانت تساوي هذا ففيها الزكاة.
وإن كانت لا تساوي فهي دون النصاب، فليس فيها زكاة.
فمثلاً لو قلنا: هناك خمسة وستون ريالاً فضة، والريال بعشر ورقات، فكم سيكون النصاب؟ سيكون خمسين أو ستين.
إذاًَ: الخمسين ليس فيها زكاة.
فأنت اسأل أهل المصارف وقل لهم: كم يساوي الريال الفضة؟ وعلى هذا الأساس ينبني هل بلغ النصاب أم لا.
عرفتَ الآن؟ إذاً عليك أن تسأل الصيارفة عن خمسمائة ريال وَرَقاً: كم يساوي من الفضة؟ إذا قالوا: يساوي خمسة وستين ففيها الزكاة.
وإذا قالوا: لا يساوي إلا خمسين فليس فيها زكاة.(66/14)
كلمة توجيهية لترشيد مسيرة الصحوة الإسلامية
السؤال
يُلاحَظ ولله الحمد في الآونة الأخيرة ازدياد أهل الصحوة وانتشارها في هذا البلد ولله الحمد؛ ولكن نلاحظ أن كثيراً من الشباب الذي يلتزم يصل إلى حد معين من الالتزام ثم يثبت عليه، ويكون مقداراً ضعيفاً وهشاً من الالتزام، وبانتشار هذه الظاهرة أصبحت هناك غثائية في الالتزام، فكثرت الأعداد بدون نتائج، فما رأيكم في الأسباب التي أدت إلى ذلك، والعلاج؟
الجواب
الواقع أن الصحوة ولله الحمد انتشرت في هذه البلاد وفي غيرها؛ لكن الصحوة يصحبها اندفاع قوي توجبه العاطفة الدينية، ثم يندفع الإنسان إلى أن يصل إلى القمة ثم يرجع، والأمور تحتاج إلى تَمَهُّل؛ لأن الاندفاع الشديد كجر الحبل بقوة، يوشك أن ينقطع؛ لكن بالتأني والتروِّي يستقيم الإنسان.
فالصحوة هذه -في الحقيقة- تحتاج إلى قيادة رشيدة عندها علم بشريعة الله، وعندها حكمة في معالجة الأوضاع والتوجيه السليم.
وبالإمكان أن يرجع الشباب في كل بلد إلى من تتوفر فيه هذه الشروط: الأول: العلم بالشرع.
الثاني: الرشد في التصرف.
الثالث: الحكمة.
فإذا حصل هذا كان طيباً.
ثم أيضاًَ ينبغي على رؤساء الشباب في كل بلد فيه الصحوة أن يكون لهم اجتماعٌ، وتَدارُسٌ في الأمور، إما في مكة، عن طريق أخذ العمرة، وإما في المدينة، وإما في أي بلد شاءوا؛ لكن أسهل شيء وأحسن شيء في مكة والمدينة؛ لأجل أن يتدارسوا أحوال الشباب، ويوجهوهم التوجيه السليم، حتى لا يتفرقوا هنا وهناك.
ثم إن هذا الفتور الذي يعتري الإنسان بعض الأحيان أمرٌ معهود حتى في عهد الصحابة رضي الله عنهم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعظهم ويتكلم معهم حتى يكونوا كأنهم يرون الآخرة رأي العين، فإذا ذهبوا إلى أهليهم وعافسوا النساء والأولاد حصلت منهم الغفلة، فشكوا ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لهم: (ساعة وساعة) .
فالإيمان في القلوب كأمواج البحر، أحياناً يهدأ وأحياناً يموج، والشيطان أيضاً عدوٌ مترصِّد، كما قال الله عنه أنه قال: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف:16-17] ، وعجز أن يقول: ومِن فوقهم؛ لأن مِن فوقهم الله عزَّ وجلَّ، فهو يهاجم كلما وَجَدَ فرصةً للهجوم.
والعجيب أنه يهجم على وَجْهٍ قد لا يشعر به الإنسان، فإذا رأى في الإنسان تمسكاً بالدين هَجَم عليه من جهة الغُلُو، أو من جهة الوسواس، حتى يحصل به هذا المرض ولا يفعل العبادات، فبعض الناس من شدة ما يرى من الوسواس يصير لا يصلي نسأل الله العافية ويعجز، ويكاد أن يغمى عليه ويموت إذا أراد الصلاة، وإذا رأى الشيطانُ في الإنسان تهاوناً خَذَّله زيادةً حتى ينسلخ من الدين وهو لا يشعر.
وخلاصة القول: أني أرى في هذه الصحوة أن تكون مبنية على أساس من العلم بالشرع، ومن العلم بالتصرُّف، وكيف يتصرف الإنسان؛ لأن لكل مقامٍ مقال.
انظر هذا المثال: لو أن ابنك فعل معصية، وشيخُك فعل معصية، هل تنكر على شيخك كما تنكر على ابنك؟! الجواب: لا.
فابنُك تصيح به، وتوبِّخه، وتضربه، ولا تبالي.
لكن هل شيخك مثلاً تصيح به أو توبخه؟! أبداً.
بل تأتيه بلطف، وتقول: فعلتَ كذا وكذا، وكنتُ أحسب أنه حرام.
هكذا تقول، فلن تقول: فعلتَ كذا وكذا، وعصيتَ الله، اتقِ الله، وإن كان هذا حقاً.
ولا مانع من أن يقول الإنسان لأتقى الناس: اتقِ الله، فها هو الرب عزَّ وجلَّ يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب:1] في أول سورة الأحزاب، وفي أثنائها يقول: {وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب:37] ؛ لكن لكل مقام مقال.
فإذا رأيت مثلاً من شيخك معصية فَعَلَها ابنُك الذي وبَّختَه وضربتَه فلا يمكن لك أن تعامل شيخَك بمثل هذه المعاملة، بل تعامله باللطف واللين الذي يحصل به المقصود.
كذلك مما أشرتُ إليه: أنه ينبغي أن يتخذ الشباب في كل بلد شخصاً يقتدون به، ويَسْتَقون منهاجهم منه، ويكون هذا الشخص على جانب كبير من العلم ومن الرشد في التصرف.
ثم إن هؤلاء الذين اختيروا لقيادة الشباب يكون لديهم اجتماعات للبحث والنظر في أمر الشباب حتى يُصلحوا ما اعوجَّ منهم؛ لأن بعض الشباب تكون عنده عاطفة قوية قوية جداًَ حتى لو كان أمامه باب لَكَسَره، وحتى أنه ربما يأتي إلى شخص يسأله عن مسألة، وإذا أفتاه بغير ما يشتهي قال: أنت مبتدع، أنت لا تعرف، ثم يهجره.
فهذا ليس بصحيح، بل الواجب على الشاب أن يكون عنده أدب، وإذا أُفتي بغير ما يراه يُناقش.
والواجب على العلماء الذين يفتون الشباب أن يقدروا ظرف الشاب، وأن يخاطبوه بما يجذب محبته إليهم، وأن يبينوا له بالهدوء، والشاب الذي عنده صحوة دينية يكفيه أن تقول له: قال الله، وقال رسوله، والشاب الذي دون ذلك يحتاج مع قول الله ورسوله إلى دليل آخر من العقل، وهو الدليل العقلي، حتى إن بعض الناس الآن من الشباب لا يستفيد بالقرآن والسنة، بل يستفيد بالعقل، وإن كان هذا خطأ لا شك فيه؛ لكني أقول: لا بد أن تُطَعَّم الأدلة الشرعية مع ناقص الإيمان بدليل من العقل ليقتنع، ولهذا تجدون القرآن مملوءاً بالأدلة العقلية؛ لأنه يخاطب قوماً ليس عندهم من الدين ما يحملهم على قبول الحق من الكتاب والسنة؛ ولكن إذا كان عند الإنسان دين كفاه ما في الكتاب والسنة، قالت امرأة لـ عائشة رضي الله عنها: [ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟] الحائض لا تصوم ولا تصلي؛ ولكن يجب عليها أن تقضي الصوم ولا يجب أن تقضي الصلاة، فتقول: ما بالها؟! لماذا؟! ما الفرق؟! كلها فريضة، كلها من أركان الإسلام، ماذا قالت عائشة؟! قالت: [كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة] فاستدلت لها بالشرع؛ نؤمر بهذا ولا نؤمر بهذا، وما دمنا لم نؤمر فالذمة بريئة.
لكن هل هذا يكفي لمن كان ناقص الإيمان؟ الجواب: لا.
فهذه تريد الدليل العقلي.
قال العلماء في تعليل ذلك عقلياً: لأن الصوم لا يتكرر، فهو يأتي في السَّنَة مرة، أما الصلاة فتتكرر، فمن حين أن تطهُر المرأة تجدها شارعة في الصلاة، فهذا يعوِّض هذا، فلا تُقْضَى الصلاة، والصوم يُقضى، وهذا تعليل واضح.(66/15)
ضابط هجر الرجل لزوجته
السؤال
ما هو الضابط الشرعي في نظركم في هجر الرجل لزوجته أكثر من ستة أشهر، علماً بأنها مقيمة معه في البيت؟ الشيخ: الهجر في الكلام أو في الفراش؟ السائل: في الكلام والفراش.
الجواب
أما في الكلام فلا يجوز لأحد أن يهجر أخاه المؤمن فوق ثلاثة أيام مهما كان، سواءً كان زوجةً أو قريباً، أو صاحباً، أو رجل شارع، لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، حتى وإن كان صاحب معصية، لا يجوز أن يُهْجَر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيُعْرِض هذا ويُعْرِض هذا، وخيرُهما الذي يبدأ بالسلام) ؛ لكن إذا نصحت صاحب المعصية ولم ينتصح، وكان في هجره فائدة بحيث يتوب فإن هجره حينئذ واجباً.
فالهجر إذاً دواء؛ متى كان مفيداً فليُتَقَدَّم إليه، وما لم يكن مفيداً فلا.
فإن قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم هَجَرَ كعب بن مالك وصاحبَيه: هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع؟ فالجواب: بلى.
هَجَرَهم؛ لكن هل أفاد هَجْرُهُم؟ نعم.
أفاد فائدة عظيمة، قال الله تبارك وتعالى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} [التوبة:118] ، كل هذا يدل على أن الرجال تأثروا، {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة:118] .
فالحاصل أن الهجر في الكلام لا يجوز.
أما هجر المرأة في فراشها فقد بيَّنه الله عزَّ وجلَّ في القرآن أكبر بيان، فقال: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء:34] ولم يقل اللهُ: واهجروهنَّ في الكلام {وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ} [النساء:34] وقمنَ بما يجب، {فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [النساء:34] ، وإذا كنتم أعلى منهن درجة فاذكروا عُلُوَّ الله، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} [النساء:34] ، هذا هو الطريق.
فلا يحل له أن يهجرها في الفراش ستة أشهر، ولا أربعة أشهر، ولا أقل من ذلك، إلا إذا بدر منها نشوزٌ لم تتُب إلا بذلك.(66/16)
ضابط العاطفة وكيفية توجيه الإنسان العاطفي
السؤال
فضيلة الشيخ! هل العاطفة عائقٌ من عوائق الاستقامة؟ ثم كيف نوجه الشخص العاطفي للاستفادة من عاطفته القوية فيما ينفعه؟
الجواب
لا بد لكل شيء من عاطفة، فلو ماتت العاطفة ما صار الإنسان إنساناً، فالعاطفة تحمل الإنسان على التقدم، فلا بد منها؛ لكن تحتاج إلى ضبط وميزان، فمثلاً: إذا كان الإنسان -مثلاً- لم يرض عن المجتمع ولا على الحُكَّام، وعنده انفعالات كبيرة، نقول له: اصبر.
أنت عندك هذه الغيرة، وعندك هذه العاطفة، فهل كان ذلك حباً للانتقام، أو حباً لإقامة الشريعة؟! الجواب: إن كان حباً للانتقام فهو هالك، وإن كان حباً لإقامة الشريعة قلنا: تعال.
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) ، انظر إلى هذه القرون الثلاثة المفضلة كيف كانت تعامل الحكام، مع أنه كان في حكامها في ذلك الوقت من بعد الخلفاء الراشدين ما يُنكر، ومع ذلك كانوا يعاملون الولاة بما يقتضي السمع والطاعة كما أمر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر بأن الولاة أو الخلفاء والأمراء إذا أخروا الصلاة عن وقتها فإنَّا نقوم نحن بما أوجب الله علينا، ونصلي الصلاة في وقتها، ونتركهم؛ لكن إذا أدركتنا الصلاة معهم صلينا، فنحن نصلي في الوقت، وهم إذا أخروا وأدركنا الصلاة معهم صلينا، وكانت لنا نافلة.
وبيِّن له معاملة الإمام أحمد رحمه الله للمأمون، وغير المأمون ممن ابتلوه وآذوه.
ونقول له: انظر إلى شيخ الإسلام ابن تيمية الذي أوذي مِن قِبَل الحكام، وانظر إلى كتاباته إليهم، وتلطفه معهم.
وبيِّن له أن هذا هو هدي السلف.
وهنا في ظني إذا كانت عاطفته لله عزَّ وجلَّ فسوف تهدأ هذه العاطفة، أما إذا كان لحب الانتقام، فهذا هالك بلا شك.(66/17)
حكم رفع السبابة بين السجدتين في الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! غفر الله لك! ما رأيك في رفع السبابة حال الدعاء الذي يقال في الجلسة التي بين السجدتين في الصلاة؟
الجواب
الذي أرى أنه سنة، ولي في ذلك سلف وهم الأدلة: منها: حديث وائل بن حُجْر في مسند الإمام أحمد، الذي قال عنه الساعاتي في الفتح الرباني: إن سنده جيد، وقال عنه الأرنؤوط في زاد المعاد: إنه صحيح، وفيه: التصريح بأن وضع اليد اليمنى بين السجدتين كوضعها في التشهد، سواءً بسواء.
ولي سلف آخر -ومعلومٌ أن السلف الأول هم القدوة، وهو: الرسول عليه الصلاة والسلام- هذا السلف هو: ابن القيم في زاد المعاد، فقد صرَّح بذلك أيضاً؛ أن وضع اليدين بين السجدتين كوضعهما في التشهدين.
والمستَنَد أيضاً: أن يقال: ائتوا بحديث، أو بحرف من حديث يدل على أن اليد اليمنى تُبسَط على الفخذ كما تُبسَط اليُسرى.
لن تجدوا إلى ذلك سبيلاً، بمعنى: أنه لا يوجد حرفٌ واحد في الحديث يقول: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبسط اليمنى على فخذه.
أما اليُسرى فالسنة في هذا صريحة أنها تُبسط على الفخذ، أو تُلْقَم الركبة، كل ذلك جائز، وهما صفتان.
لكن يبقى النظر: متى نشير بإصبع اليد اليمنى؟ هل نجعلها دائماً هكذا أم ماذا؟! الذي فهمتُ من السنة: أنه يُشار بها عند الدعاء، يحركها الإنسان إلى فوق كلما دعا، والمناسبة في ذلك أن الدعاء مُوَجَّه إلى الله عزَّ وجلَّ، والإشارة إلى العلو إشارة إلى الله عزَّ وجلَّ.
هذا ما تبين لي في هذه المسألة.(66/18)
معنى حديث: (خلق الله آدم على صورته)
السؤال
فضيلة الشيخ! جزاك الله خيراً! ما معنى حديثِ النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته) ؟ وما معنى حديثٍ: (وما ترددتُ في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن) ؟
الجواب
أما الأول بارك الله فيك (إن الله خلق آدم على صورته) فقد قيل فيه أقوال لا تُقْبَل، مثل: إن الله خلق آدم على صورة آدم، وجعل الضمير عائداًَ إلى آدم نفسه؛ فيبقى هذا الحديث لا فائدة منه، فإذا كان المعنى: إن الله خلق آدم على صورة آدم فما هي الفائدة؟ فنقول: وخلق غير آدم على صورته أيضاً.
أليس كذلك؟ لكن الصحيح المتعين: أن الضمير في (صورته) يعود إلى الله عزَّ وجلَّ؛ ولكن هل يلزم من كون الله خلق آدم على صورته أن يكون مماثلاً له؟! الجواب: لا.
أولاً: لأن الله قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] ، فنحن نؤمن بأن الله ليس كمثله شيء، ونؤمن بأن الله خلق آدم على صورته.
لأن الأول قول الله، والثاني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلاهما يجب علينا الإيمان بهما والتصديق.
فإذا قال قائل: كيف يُتَصَوَّر أن يكون الشيء على صورة الشيء وليس مماثلاً له؟! وهذا هو الذي يَرِد على النفس! نقول: أليس قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن (أول زمرة تدخل الجنة تكون على صورة القمر ليلة البدر) ، وهل يلزم من كون هذه الزمرة على صورة القمر أن تكون مثل القمر؟! الجواب: لا.
إذاً لا يلزم من كون الله خلق آدم على صورته أن يكون مماثلاً له عزَّ وجلَّ.
هذا قول، وهو قولٌ ظاهر، وليس فيه تأويل، ولا خروج عن ظاهر اللفظ.
والقول الثاني: أن الضمير في (صورته) يعود على الله؛ لكن هذا من باب إضافة الشيء إلى الله على وجه التكريم والتشريف مثل: {نَاقَةَ اللَّهِ} [الشمس:13] في قوله تعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ} [الشمس:13] ، فهل لله ناقة يركبها مثلاً؟! حاشا وكلا! لكن أضاف الرسولُ الناقةَ إلى الله من باب التشريف.
كذلك قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [البقرة:114] المساجد هي للناس يصلون فيها! فهل الله عزَّ وجلَّ يكون في هذه المساجد؟! لا.
بل الله تعالى في السماء على عرشه؛ لكن أضاف الله المساجد إليه؛ لأنها محل عبادته، وأهل للتشريف والتكريم.
نعود إلى روح آدم فنقول: الله سبحانه وتعالى قال للملائكة: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص:72] ، فهل روح آدم هي روح الله؟! لا.
أبداً.
بل روح آدم روحٌ مخلوقة خلقها الله؛ لكن أضافها الله إليه على سبيل التشريف.
فقوله: (على صورته) يعني: على الصورة التي صورها الله عزَّ وجلَّ، وأضافها الله على سبيل التشريف.
فإذا قال قائل: وصورة الرجل الآدمي، أليس الله هو الذي صوَّرها؟! قلنا: بلى.
الله هو الذي صوَّرها؛ لكن لا تستحق أن تضاف إلى الله، فأشرف ما خلق الله هم بنو آدم، قال الله تبارك وتعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] ، لا يوجد أحدٌ أحسن خَلْقاً من الخَلْق الإنساني.
إذاً: تكون صورة آدم ليست كصورة غيره من البشر، ولهذا استحقت أن تضاف إلى الرب عزَّ وجلَّ تشريفاً وتكريماً.
فصار الحديث له معنيان: المعنى الأول: إجراؤه على ظاهره، وأن نقول: لا يلزم من كون الله خلق آدم على صورته أن يكون مماثلاً لله.
المعنى الثاني: أن يقال: (على صورته) بمعنى: أن الله خلق آدم على الصورة التي اختارها وأضافها إليه على سبيل التشريف، ولهذا قال: لا يُقبَّح الوجه ولا يُضرب فتتغير هذه الصورة التي خلقها الله عزَّ وجلَّ.
أما السؤال الثاني فهو قوله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (وما ترددت في شيء أنا فاعلة ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره إساءته، ولا بد له منه) .
إن الله عزَّ وجلَّ لا يحب أن يفعل شيئاًَ يكرهه عبده المؤمن، بل قال الله تعالى: (من عادى لي ولياً فقد آذنتُه بالحرب) ، أيْ: أنَّ أيَّ إنسان يعادي ولياً من أولياء الله -وأولياء الله هم {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:63]- فإنه يكون معلناً الحرب على الله عزَّ وجلَّ.
فلا يحب الله عزَّ وجلَّ أن يفعل ما يكرهه عبدُه المؤمن، فيتردد لا للشك في كون هذا مصلحة أو غير مصلحة؛ أي: ليس عن جهل؛ لكن يتردد من جهة ما يتعلق بالعبد، هل يفعله والعبد يكره ذلك، أم لا يفعله.
وبهذا نعرف أن التردد نوعان: تردد للشك في النتيجة، وهذا مُنَزَّه عنه الله عزَّ وجلَّ؛ لأن الله تعالى لا يخفى عليه شيء، وهو يقع مني أنا ومن فلان وفلان، نتردد في فعل الشيء لأننا نجهل النتيجة، ولهذا نستخير الله.
تردد بما يتعلق بالغيب مع العلم بالنتيجة، وهذا يوصف الله به، وليس فيه نقص بأي وجه من الوجوه.(66/19)
حكم جماع المرأة بعد انقطاع الدم بفترة بسيطة
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا جامع الرجل زوجته بعد انقطاع مدة الحيض بفترة بسيطة، مثل: أن ينقطع الحيض في الصباح، وجامعها في الظهر، وبعد انتهاء الجماع خرج مع الذكر نوعٌ من الدم، فما الحكم في ذلك؟ الشيخ: هل اغتسلت أم لا؟ السائل: اغتسلت.
الجواب
ليس عليه شيء، وهذا الذي خرج ليس بحيض.(66/20)
مسألة من يشق عليه العدل بين زوجاته لعمل ونحوه
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل له زوجتان، وكل واحدة منهما في مكان يبعد عن الأخرى، فلا يتسنى له العدل في المبيت، مع العلم أن مقر عمله وتجارته عند إحدى الزوجتين، مما يُحَتِّم عليه أن يقضي وقتاً أطول عندها دون الأخرى، فهل هذا الزوج آثمٌ في هذه الحالة أم لا؟
الجواب
يُنْظَر هل الزوجتان راضيتان على هذا الوضع أم لا؟ إن كانتا راضيتين فالأمر واضح؛ لأن الحق لهما، فإذا رضيتا بما يفعل الزوج فلا إشكال.
فإن طالبت كل واحدة بحقها فيجب عليه تصحيح الوضع، فإذا بات عند إحداهما ستة أيام فيجب أن يبيت عند الأخرى أيضاً ستة أيام إذا كان يشق عليه التردد كل يوم، أو بما يتفقان عليه.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(66/21)
لقاء الباب المفتوح [67]
ذكر الشيخ في لقائه هذا تفسيراً لآيات من سورة الفجر، وذكر فيها تغير الأرض يوم القيامة ومجيء الله للفصل بين العباد، ورد على المخالفين في ذلك، وبين ما ينبغي للإنسان تجاه صفات الله من أن يلزم ما لزمه السلف الصالح، ثم أجاب فضيلته على الأسئلة والتي كان من أهمها: نزول الله في الثلث الأخير من الليل، والتفويض في كيفية الصفات، وكذلك حكم موالاة الكافرين.(67/1)
تفسير آيات من سورة الفجر
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الأخير في شهر صفر عام (1415هـ) من اللقاء المعروف بـ (لقاء الباب المفتوح) ، والذي يكون كل يوم خميس من كل أسبوع.
وهذا اليوم هو اليوم (السابع والعشرون) من شهر صفر.
وكان من عادتنا أن نتكلم عن تفسير شيء من آيات الله، وقد انتهينا إلى قوله تبارك وتعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً} [الفجر:21] * {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر:22] * {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:23] .(67/2)
تفسير قوله تعالى: (كلاّ إذا دُكت الأرض دكاً دكاً)
يُذَكِّر اللهُ سبحانه وتعالى الناس َبيوم القيامة: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً} [الفجر:21] أي: دكاً بعد دك حتى لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا، فتُدَكُّ الجبال، فلا بناء، ولا أشجار، وتُمَدُّ الأرض كَمَدِّ الأديم، فيسعى الناس عليها في مكان واحد، يُسْمِعُهُم الداعي، ويَنْفُذُهُم البصر، في هذا اليوم {يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:23-24] ولكن قد فات الأوان، إلاَّ أننا اليوم لازلنا في مجال العمل، وفي زمن المهلة، يمكن للإنسان خلال ذلك أن يكتسب لمستقره كما قال مؤمن آل فرعون: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر:39] متاعٌ يتمتع به الإنسان كما يتمتع المسافر بمتاع السفر حتى ينتهي سفره، فهكذا الدنيا.
واعتبر -يا أخي- لما يُسْتَقْبَل بما مضى، كل ما مضى كأنه ساعة من نهار، كأننا خلقنا الآن، فكذلك ما يُسْتَقْبَل سوف يمر علينا سريعاً، وينتهي السفر إلى مكان آخر ليس مُسْتَقَرَّاً؛ إلى الأجداث إلى القبور، ومع هذا فإنها ليست محل استقرار؛ لقول الله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2] .
سمع أعرابي رجلاً يقرأ هذه الآية فقال: (والله ما الزائر بمقيم، ولا بد من مفارقةٍ لهذا المكان، وهذا استنباط قوي وفهم جيد، تؤيده الآيات الكثيرة الصريحة في ذلك، كما في قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:15-16] .(67/3)
تفسير قوله تعالى: (وجاء ربك والملك صفاً صفاً)
ذكَّر الله سبحانه وتعالى ما يكون في هذا اليوم فقال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر:22] أي: صفاً بعد صف.
فالأمر الأول: مجيء الله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر:22] وهذا المجيء هو مجيئُه عزَّ وجلَّ؛ لأن الفعل أُسنِد إلى الله، وكل فعل أسند إلى الله فهو قائم به لا بغيره، هذه هي القاعدة في اللغة العربية، والقاعدة في أسماء الله وصفاته: كل ما أسنده الله لنفسه فهو له لا لغيره.
وعلى هذا فالذي يأتي هو الله عزَّ وجلَّ، وليس كما حرفه أهل التعطيل، حيث قالوا: إنه جاء أمر الله، وهذا إخراجٌ للكلام عن ظاهره بلا دليل.
فنحن من عقيدتنا أن نجري كلام الله ورسوله على ظاهره، وأن لا نحرف فيه، ونقول: إن الله تعالى يجيء يوم القيامة هو بنفسه؛ ولكن كيفية هذا المجيء؟ هذا هو الذي لا علم لنا به، فلا ندري كيف يجيء.
والسؤال عن مثل هذا بدعة، كما قال الإمام مالك رحمه الله حين سأله سائل عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى؟! فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرُّحَضاء -أي: العرق- لشدة هذا السؤال على قلبه؛ لأنه سؤالٌ عظيم، سؤالُ متنطِّع، سؤالُ متعنِّتٍ أو مبتدعٍ يريد السوء، ثم رفع رأسه، وقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
والشاهد هو قوله: والسؤال عنه بدعة واعتَبِرْ هذا في جميع صفات الله.
فلو سألَنا سائل فقال: إن الله يقول: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] أي: آدم، كيف خلقه بيده؟! نقول: هذا السؤال بدعة.
فلو قال: أنا أريد العلم، ولا أحب أن يخفى علي شيء من صفات ربي، فأريد أن أعلم كيف خَلَقَه! نقول: نحن نسألك أسئلة سهلة.
السؤال الأول: هل أنت أحرص على العلم من الصحابة رضي الله عنهم؟! فهو إما أن يقول: نعم.
وإما أن يقول: لا.
والمتوقع أن يقول: لا.
السؤال الثاني: هل الذي سألته أعلم بكيفية صفات الله عزَّ وجلَّ أم الرسول عليه الصلاة والسلام؟! سيقول: الرسول صلى الله عليه وسلم.
إذاً: الصحابة أحرص منك على العلم، والمسئول الذي وجَّهوا إليه السؤال أعلم من الذي تسأله أنت، ومع ذلك ما سألوه؛ لأنهم يلتزمون الأدب مع الله عزَّ وجلَّ، ويقولون بقلوبهم وربما بألسنتهم: إن الله أجل وأعظم من أن تحيط أفهامُنا وعقولُنا بكيفيات صفاته، وقال الله عزَّ وجلَّ في كتابه في الأمور المعقولة: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} [طه:110] وفي الأمور المحسوسة: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام:103] .
فنقول: يا أخي! الزم الأدب، لا تسأل كيف خلق الله آدم بيده، فإن هذا بدعة.
وكذلك الحال في بقية الصفات، فلو سأل: كيف عين الله عزَّ وجلَّ؟! قلنا له: هذا بدعة.
ولو سأل: كيف يد الله عزَّ وجلَّ؟ قلنا له: هذا بدعة.
وعليك أن تلزم الأدب، وأن لا تسأل عن كيفية صفات الله عزَّ وجلَّ وكل إنسان يسأل عن كيفية صفات الله فهو مبتدع، متنطِّع، سائلٌ عما لا يمكن الوصول إليه.
فموقفنا من مثل هذه الآية {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر:22] أن نؤمن بأن الله يجيء؛ لكن على أي كيفية؟ الله أعلم.
ولو قال قائل: هل يحتمل أن يكون مجيئُه كمجيء الإنسان العادي، أو كمجيء الملِك إلى مكان الاحتفال؟!
الجواب
نحن نعلم أنه لا يكون، والدليل: قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] فنحن نعلم النفي، ولا نعلم الإثبات، أي: نعلم أنه لا يمكن أن يأتي على كيفية إتيان البشر؛ ولكننا لا نثبت الكيفية، وهذا هو الواجب علينا.
الأمر الثاني: صفوف الملائكة: قال تعالى: {وَالْمَلَكُ صَفَّاً صَفَّاً} (أل) هنا: للعموم، أي: جميع الملائكة يأتون فينزلون ويحيطون بالخلق، تنزل ملائكة السماء الدنيا، ثم ملائكة السماء الثانية، وهلم جراً، يحيطون بالخلق إظهاراً للعظمة، وإلا فإن الخلق لا يمكن أن يفروا يميناً ولا شمالاً؛ لكن إظهاراً لعظمة الله وتهويلاً لهذا اليوم العظيم تنزل الملائكة فيحيطون بالخلق.
وهذا اليوم يوم مشهود، يشهده الملائكة والإنس والجن والحشرات وكل شيء، {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير:5] فهو يوم عظيم لا ندركه الآن ولا نتصوره؛ لأنه أعظم مِمَّا يُتَصَوَّر.
فبعد أن عرفنا الأمر الأول، وهو: مجيء الله تعالى.
ثم الأمر الثاني، وهو: صفوف الملائكة.
نعرف الأمر الثالث هذا اليوم، وهو: المجيء بجهنم:(67/4)
تفسير قوله تعالى: (وجيء يومئذٍ بجهنم)
قال تعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} [الفجر:23] فقال: (جيء يومئذ) ولم يذكر (الجائي) ؛ لكن قد دلت السنة أنه يؤتى بالنار، تقاد بسبعين ألف زمام، كل زمام منها يقوده سبعون ألف مَلَك، وما أدراك ما قوة الملائكة! قوة ليست كقوة البشر، ولا كقوة الجن، بل هي أعظم وأعظم بكثير، ولهذا لما قال عفريت من الجن لسليمان: {أَنَا آتِيكَ بِهِ} [النمل:39] أي: بعرش بلقيس {قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل:39-40] بعد ذلك رآه مستقراً عنده، قال العلماء: لأن هذا الرجل دعا الله فحَمَلَتْه الملائكة، فجاءت به إلى سليمان في الشام من اليمن.
فقوة الملائكة عظيمة، وهذه النار يجرها سبعون ألف زمام، كل زمام يجره سبعون ألف ملك.
إذاً: هي عظيمة نسأل الله العافية، ونسأل الله أن يجيرنا وإياكم منها.
فهذه النار {إِذَا رَأَتْهُم} [الفرقان:12] أي: إذا رأت أهلها {مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} [الفرقان:12] وزفيرها ليس كزفير الطائرات، أو المعدات، بل هو زفير تنخلع منه القلوب والعياذ بالله.
وقال تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك:8] .
وقال الله عزَّ وجلَّ: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك:8] تكاد تقطع من شدة الغيظ على أهلها والعياذ بالله، فلهذا أنذرنا الله تعالى منها.
فهذه ثلاثة أمور كلها إنذار: 1- مجيء الرب جلَّ جلالُه.
2- صفوف الملائكة.
3- الإتيان بجهنم.
قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:23] يتذكر ويتعظ؛ لكن أنَّى له الاتعاظ، فقد فات الأوان، وانقطع الاتعاظ بحضور الأجل في الدنيا قبل أن يصل الإنسان إلى الآخرة، {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} [النساء:18] .
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المتعظين بآياته، ونسأله تعالى أن يرزقنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، ورزقاً طيباً واسعاً.(67/5)
الأسئلة(67/6)
حكم تقديم القربات للأموات
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، فضيلة الشيخ! وفقكم الله ورعاكم! ما حكمُ أخذِ السُّبُع؛ الطواف حول الكعبة عن الميت؟ وهل للسُّبُع ركعتين مثل الطواف؟ ثم الذين يذهبون ويأخذون عمرة وعمرتين مجتمعين، ما حكم فعلهم ذلك؟ أفيدونا وفقكم الله!
الجواب
أنت جمعتَ ثلاثة أسئلة يا أخي! الأول: طواف الإنسان عن الميت، الصحيح: أنه جائز، وأن الميت ينتفع به، ويصل إليه ثوابه؛ لكن هناك شيء خير منه، وهو الدعاء للميت، فالدعاء للميت أفضل من الاعتمار له، ومن الحج، والطواف، ومن القراءة، ومن الصلاة، ومن الصيام، والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) فَعَدَل النبي صلى الله عليه وسلم عن العمل إلى الدعاء، مع أن الحديث في العمل، ولم يقل: أو ولد صالح يعمل له.
فنقول: إن فعل الإنسان وطاف حول الكعبة بنية أنه لفلان فلا بأس؛ لكن لو طاف لنفسه ودعا للميت كان أحسن.
وصلاة الركعتين خلف المقام تتبع الطواف، فكلما طاف الإنسان فإنه يصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم.(67/7)
تقويم الأشخاص في ميزان الإسلام
السؤال
فضيلة شيخنا! نتوجه إليكم بهذا السؤال وهو: أن من أهل العلم المشهود لهم بالخير والجهاد في الدعوة في هذا العصر فضيلة شيخنا عبد الرحمن بن عبد الخالق حفظه الله تعالى فنرجو من فضيلتكم إبداء ما تعلمونه عن هذا الشيخ؟ وهذا من الأمانة التي في أعناقنا لهذا الشيخ، وجزاك الله خيراً؟
الجواب
ليس من شأننا في هذا اللقاء أن نتحدث عن شخص بعينه؛ لكننا نقول: أولاً: كل إنسان له قدم صدق في الأمة الإسلامية من أول الأمة إلى آخرها لا شك أنه يُحْمَد على ما قام به من الخير.
وثانياً: كل إنسان مهما بلغ من العلم والتقوى فإنه لا يخلو من زلل، سواءً كان سببه الجهل أو الغفلة، أو غير ذلك؛ لكن المنصف كما قال ابن رجب رحمه الله في خطبة كتابه: القواعد: (المنصف من اغتفر قليلَ خطأِ المرء في كثير صوابه) ولا أحد يأخذ الزلات ويغفل عن الحسنات إلا كان شبيهاً بالنساء.
فإن المرأة إذا أحسنت إليها الدهر كله ثم رأت منك سيئة قالت: لَمْ أرَ خيراً قط، ولا أحد من الرجال يحب أن يكون بهذه المثابة -أي: بمثابة الأنثى- يأخذ الزلة الواحدة ويغفل عن الحسنات الكثيرة.
وهذه القاعدة، أي: أننا لا نتكلم عن الأشخاص بأعيانهم، لا في مجالسنا في مقام التدريس، ولا في اللقاءات، ولا فيما يورَد إلينا من الأسئلة، أقول: هذه القاعدة نحن ماشون عليها، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا عليها؛ لأن الكلام عن الشخص بعينه قد يثير تحزبات وتعصبات، والواجب أن نعلق الأمور بالأوصاف لا بالأشخاص، فنقول: من عمل كذا فيستحق كذا، ومن عمل كذا فيستحق كذا، سواءً كان خيراً أو شراً، ولكن عندما نريد أن نقوِّم الشخص يجب أن نذكر المحاسن والمساوئ؛ لأن هذا هو الميزان العدل، وعندما نحذر من خطأ شخص نذكر الخطأ فقط؛ لأن المقام مقام تحذير، ومقام التحذير ليس من الحكمة أن نذكر المحاسن؛ لأنك إذا ذكرت المحاسن فإن السامع سيبقى متذبذباً، فلكل مقام مقال.
فمن أراد أن يتكلم عن شخص على وجه التقويم فالواجب عليه أن يذكر محاسنه ومساوئه، هذا إذا اقتضت المصلحة ذلك، وإلا فالكف عن مساوئ المسلمين هو الخير.
وأما من أراد أن يُحذِّر من خطأ فهذا يذكر الخطأ، وإذا أمكن أن لا يذكر قائله فهو خير أيضاً؛ لأن المقصود هو هداية الخلق.(67/8)
إكرام الكبير وابتداؤه بالشراب في المجلس
السؤال
فضيلة الشيخ حفظكم الله! إذا دخل الإنسان إلى المجلس وأراد صبَّ القهوة، فبمن يبدأ؟ هل يبدأ باليمين وإن كانوا صغاراً؟ أم بماذا؟
الجواب
يبدأ بأكبر القوم، ثم يبدأ بمن على يمينه هو، لا بمن على يمين هذا الأكبر، مثلاً: إذا دخل إلى المجلس ووجد في صدر المجلس كبراء، يعمد إلى صدر المجلس فيعطي الأكبر، ثم يبدأ عن يمينه هو، والذي عن يمينه سيكون عن يسار هذا الأكبر؛ لأن التيامن هو الأفضل، فنحن أعطيناه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كَبِّر كَبِّر) ثم نعطي الأيمن.
أما لو كان الإناء واحداً وأعطيناه للأكبر ففرغ منه، فإنه يعطيه مَن على يمينه ولو كان صغيراً، كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.(67/9)
الاستعاذة وموضعها في الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! هل الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم في الصلاة تكون في الركعة الأولى؟ أم في كل ركعة؟
الجواب
الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم في الصلاة سنة، واختلف العلماء رحمهم الله: هل يستعيذ في كل ركعة أم في الركعة الأولى فقط؟ في ذلك قولان: والذي يظهر لي: أن قراءتها في الصلاة مرة واحدة، فتكون الاستعاذة في أول ركعة، إلا إن حدث ما يوجب الاستعاذة كما لو انفتح عليه باب الوساوس، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الإنسان إذا انفتح عليه باب الوساوس أن يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.(67/10)
وقوف الأطفال في الصف أثناء الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة للأطفال الذين لا يحسنون الصلاة، ويتلفتون، أو يركعون ولا يسجدون مع الإمام، هل يجوز إخراجهم من الصف أو يُتركوا؟
الجواب
الأطفال الصغار إن حصل منهم أذية فإنهم يُخْرَجون؛ لكن يكون إخراجهم ليس بالزجر والصياح عليهم.
إنما بأن يتصلوا بأولياء أمورهم، ويقال: يا فلان، إن ابنك أو أخاك يشوِّش علينا، حتى يكون كفُّه عن المسجد من قِبَل ولي أمره، وأنت تعلم بأنك لو صحت بهذا الصبي انزعج وكره المسجد، وكره الحضور إليه، وربما يكون في قلب وليه شيء عليك؛ لكن إذا أتيت الأمر من بابه صار أحسن، أما إذا كان الصبي لا يحصل منه أذية، لا بقوله ولا بفعله، فإنه لا يجوز إخراجه من المسجد، ولا تحويله من مكانه، ولو كان في مُقَدَّم الصف إلى مكان آخر، بل يبقى في مكانه، ولو كان خلف الإمام؛ لأن من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد فهو أحق به، وقد (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم الرجل أخاه من مكانه ويجلس فيه) .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز تحويل الصغار من الصف الأول إلى الصف الثاني، فإن جاء رجال بالغون، حولوهم من الثاني إلى الثالث، وهكذا حتى يكونوا في آخر المسجد، بناءً على قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لِيَلِنِي منكم أولو الأحلام والنُّهى) أولو الأحلام أي: البالغين.
والنُّهى أي: العقلاء، ولكن في الاستدلال بهذا الحديث على هذه المسألة نظر، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عندما قال: (لِيَلِنِي منكم أولو الأحلام والنُّهى) يريد بذلك حث هؤلاء على التقدم حتى يَلُوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولو كان المراد طرد الصغار من الصف الأول وما أشبه ذلك لقال: لا يَلِنِي منكم إلا أولو الأحلام والنهى، فلو كانت عبارة الحديث: لا يَلِنِي إلا أولو الأحلام، لقلنا: هذا نهي عن أن يَلِيه الصغار أو المجانين فيُحوَّلون إلى مكان آخر.
ثم إن تحويل الصغار من الصفوف المقدَّمة حتى يكونوا في آخر صف إن هذا مما يزيد كراهيتهم للمسجد وأهل المسجد، ومما يزيد تشويشهم أيضاً؛ وإذا كانوا صفاً واحداً كَثُر منهم التشويش واللغط، بخلاف ما إذا كانوا بين الناس.
نعم لو فرضنا أنه كان إلى جانبك صبيان، وخشيتَ أن يعبثا فلا بأس أن تفرق بينهما، درءاً لِمَا يُخشى من المفسدة.(67/11)
حكم قتل المؤذي من الحيوان
السؤال
عفا الله عنك يا شيخ! ما حكم قَتْلِ ما آذى من الحيوان كالهر وغيره؟
الجواب
الحيوانات تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: طبيعته الإيذاء:- فهذا يُسَنُّ قتله، سواءً أكان مِمَّا نص عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كالعقرب، والفأرة، والكلب العقور، أو كان مِمَّا سواه ممن يشاركه في علة الحكم وهو الأذية، ولهذا قال العلماء: يُسَنُّ قتل كل مُؤذٍ، فهذا يُقْتَل إذا كان من عادته الأذى، حتى وإن لم يؤذِ؛ لأنه إن لم يؤذِ هذه المرة آذى في المرة الأخرى.
القسم الثاني: ما لا أذية فيه ولا مضرة: فهذا لا يُقَتَل؛ ولكن قتلَه ليس حراماً؛ إلا أن الأولى عدم قتله، فإن آذاك فلك أن تقتله دفعاً لأذاه.
وإنما قلنا: إن الأولى عدم قتله إذا لم يؤذِك؛ لأن الحيوانات والحشرات من حيث ورود الشرع في حقها تنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1- قسم أُمِرَ بقتله.
2- وقسم نُهِيَ عن قتله.
3- وقسم سُكِتَ عن قتله.
- فالذي أُمِرَ بقتله، مثل: العقرب، والفأرة، والكلب العقور، والحيَّة، والوزغ، وما أشبه ذلك.
والذي نُهِىَ عن قتله، مثل: النملة، والنحلة، والهدهد.
والذي سُكِتَ عن قتله مثل: بقية الحيوانات والحشرات، فهذه مسكوت عنها، والأولى عدم قتلها؛ لأن قتلها أقل ما فيه أنه إزهاق روح بغير سبب.
ثم إن بعض العلماء قال: إنها ما دامت في حياة فهي تسبح الله عزَّ وجلَّ، وإذا ماتت انقطع التسبيح، فقتلك إياها يعني: إتلافها بحيث لا تسبح.
وعلى كل حال، فالحكم أن الأولى عدم قتلها ما لم تؤذِِك، فإن آذتْك فلا بأس أن تقتلها.(67/12)
الأسئلة الجانبية لطالب العلم
السؤال
أحسن الله إليك يا شيخ! بعض طلبة العلم يكثر من الأسئلة بقصد الفائدة؛ ولكن بعضَها يكون فيها بدعة، وبعضَها يكون فيها تَنَطُّع، وكذلك لا فائدة فيها، فهل هناك قاعدة ينطلق منها طالب العلم في الأسئلة حتى يفيد نفسه ويفيد غيره؟
الجواب
طالب العلم ينبغي أن يركز أسئلته على المقرر؛ لأنه الآن مكلف بفهمه، فلا تخرج الأسئلة عنه، وعليه أن يقتصر عليه.
وإذا كانت هناك مسألة في غير المقرر فليسأل عنها في وقت آخر؛ لأن خروج الأسئلة عن موضوع الدرس -مثلاً- توجِب تشتت الطلبة، وتعيقهم عَمَّا ينبغي أن يكونوا عليه.
هذا هو الضابط.
ولكن هناك أسئلة يطرحها بعض الطلبة وإن كانت في المقرر إلا أنها لا هدف لها، والسكوت عنها أولى؛ ولكن المجيب سيكون عنده حكمة ويبين أن هذا لا فائدة منه، وأنه لا ينبغي أن يُسأل عنه، ويحصل المقصود إن شاء الله.(67/13)
الضابط في تسمية الأولاد
السؤال
فضيلة الشيخ! حفظك الله! في هذا الزمن حصل انفتاح عظيم على الأسماء، فأخذ الناس يسمون ذراريهم بأسماء كثيرة، بعضُها يؤخذ من القرآن الكريم، مثل أسماء السُّوَر، (كأنفال) وغيرها، وبعضُها أسماء قد يكون فيها تشبُّهٌ إلى آخره، فهل هناك ضابط للاسم الذي يكون فيه محظور؟ وما هو الأفضل؟
الجواب
والله يبدو أن الناس قد انفتحوا على الأسماء، فعدلوا عن الأسماء القديمة، وعن الأسماء الحديثة القريبة إلى أسماء جديدة غريبة، كما قلتَ: بعضُهم صار يسمي بما يختص بالقرآن مثل: (بيان) أو (فرقان) وبعضُهم يسمي: (مَلَك) أو (ملاك) وبعضُهم يسمي (أبرار) إلى غير ذلك.
فما شابه ما نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام أو غَيَّره، فإنه يُنْهى عنه ويُغَيَّر، ومع ذلك فالأصل فيه الحِل؛ لأن القاعدة الشرعية التي ينبغي لطالب العلم أن يفهمها أن (الأصل فيما عدا العبادات الحل) سواء في العادات، أو في المنافع، أو في غيرها، الأصل فيها الحل، إلا ما جاء فيها الدليل على تحريمه، وأما (العبادات فالأصل فيها المنع إلا ما قام الدليل على مشروعيتها) .
لكن مثل: (بيان) نقول: لا تُسَمِّ به؛ لأن بيان من أسماء القرآن، وهذه المرأة ليست بياناً، قد لا تكون مبيِّنة فضلاً عن كونها بياناً.
وكذلك (أبرار) فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم غيَّر اسم (برة) إلى (زينب) أو إلى (جويرية) فـ (أبرار) أولى بالتغيير؛ لأن (برة) مؤنث ومفرد، و (أبرار) مذكر وجمع.
وكذلك (إيمان) لا يُسمَّى به.
وكذلك أسماء الملائكة، فلو أراد الإنسان أن يسمي بأسماء الملائكة، قلنا: لا تُسَمِّ بها، مثل أن يسمي الإنسانُ: (جبريل) و (ميكائيل) و (إسرافيل) .
والأحسن أن ترجع إلى كتاب (تحفة الودود في أحكام المولود) لـ ابن القيم، فقد ذكر فيه شيئاً قيِّماً، وأظن أن الشيخ بكر أبو زيد قد ألف رسالة في هذا الموضوع.
السائل: فهل يلزم التغيير؟ الشيخ: الاسم الذي فيه محظور شرعي يلزم فيه التغيير؛ مثل (أبرار) ، كما غيَّر الرسول غيِّر.(67/14)
الإنكار على من أنكر المنكر
السؤال
يا شيخ حفظك الله! ما رأيك في الذي يحتج على رجال الهيئة وهم يذكِّرون الناس بالصلاة فيقول مثلاً: ما لكم وما للناس، الرجلُ مؤتَمَنٌ على دينه؟
الجواب
صحيحٌ أن المرء مؤتمن على دينه؛ لكن إذا كان يريد أن يخل بدينه فهل نوافقه على ذلك؟! فإذا رأينا أناساً قد فتحوا أبواب دكاكينهم والناس يصلون، فلا بد أن ننهاهم عن هذا، وإذا رأينا من يفعل منكراً لا بد أن ننهاه.
لكن لو أن إنساناً قال لنا: إنه قد صام رمضان، فنحن لا نقول: لا بد أن تصوم أمامنا! لأن الإنسان مؤتَمن على دينه، أو قال: إني أديتُ الزكاة، فإنه مؤتَمن على دينه، فلا نقول: لا بد أن تؤديها ونحن نشاهد! أما أن نشاهد رجلاً يفعل المنكر ويترك الواجب، فإنه لا بد أن نأمره بالمعروف وننهاه عن المنكر.(67/15)
التعصب للآراء والأشخاص
السؤال
جزاك الله خيراً يا شيخ! ما رأيك في الفتنة الموجودة بين بعض طلبة العلم والمشايخ بالنسبة للشباب، فبعضُهم يتعصب لقول، ويُنكر على الآخر، فما تقول في هذا؟
الجواب
الذي أرى أن هذا مما يلقيه الشيطان بين الناس بالتحريش بينهم؛ لأن الشيطان لما رأى الفتح في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وقوة الإسلام، يَئِس من أن يُعْبَد في هذه الجزيرة؛ ولكن بالتحريش بينهم، وهذا هو الواقع.
والذي نرى هو أن الواجب على الشباب وغير الشباب أن يتقوا الله سبحانه وتعالى ويصلحوا ذات بينهم، كما أمر الله بذلك: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال:1] وأن لا يكون همهم القيل والقال وكثرة السؤال، بل على كل إنسان أن يرى مصلحته الدينية والدنيوية ويقوم بها، وأما التعرُّض لأناس بأشخاصهم بالقَدْح فيهم وهم ليسوا محلاً للقدح، فهذا خطأ عظيم.
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الغيبة؟ فقال: (ذِكْرُك أخاك بما يَكْرَه، قال: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه) .
وغيبة العلماء والأمراء أشد من غيبة غيرهم؛ لأن غيبة العلماء يحصل بها انحطاط قدر العالِم بين الناس، وإذا انحط قدر العالِم بين الناس فلن يقبلوا ما يأتي به من شريعة الله، فتكون غيبة العالِم قدحاً فيه، ومنعاً لما ينتفع به الناس مِمَّا يُلْقِيه من شريعة الله عزَّ وجلَّ.
وغيبة الأمراء -أيضاً- هي الأخرى مصيبتها عظيمة؛ لأن الناس إذا انحط قدر أمرائهم عندهم فإنهم لن ينصاعوا لأوامرهم، وسوف يحتقرونهم، فتحصل الفوضى، ويختل الأمن، ولهذا قال الله عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] وهذا يشمل العلماء والأمراء، فإذا كان هؤلاء قد أمرنا بطاعتهم في غير معصية الله فالواجب احترامهم واحترام أعراضهم، وإذا عَلِمنا عن أحد منهم خطئاً أو زللاً فالواجب النصيحة له حتى يزول الإشكال.
المهم أنِّي أنصح الشباب من هذا التفرُّق، وأقول: إياكم والتعصُّب لأحد، بل تعصبوا للحق أينما كان، ولا تكرهوا هذا لأنه ليس على رأي هذا، بل الواجب محبة أهل الخير، وتجنُّب نشر المساوئ.(67/16)
كفِّ الكُمِّ في الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكمُ كفِّ الكُمِّ في الصلاة؟
الجواب
كفُّ الكُمِّ في الصلاة: إن كفَّهُ لأجل الصلاة فإنه يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا أكف شعراً ولا ثوباً) وإن كان قد كَفَّه من قبل لعملٍ قبل أن يدخل في الصلاة، أو كَفَّه لكثرة العرق وما أشبه ذلك فليس بمكروه.
السائل: وإذا كان طويلاً؟ الشيخ: إذا كان طويلاً فلا بأس؛ لكن أشير عليه أن يقطعه إذا كان طويلاً حتى لا يؤذيه، أو يبقى طويلاً فيدخل في الخيلاء.(67/17)
صفات شياطين الإنس
السؤال
حفظك الله يا شيخ! بيَّنت لنا شياطين الجن؛ ولكن شياطين الإنس كيف يتعرف الإنسان عليه، وكيف يميزه من بين الأشخاص؟؟ وكيف يحذر منه؟ وكيف يتعامل معه؟
الجواب
كل من يأمرك بالسوء والفحشاء وينهاك عن الصلاح والاستقامة فهو شيطان، لقول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور:21] .
وقال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ} [المائدة:91] .
فكل إنسان يأمرك بالفحشاء والمنكر وينهاك عن ذكر الله وعن الصلاة فهذا هو الشيطان.
السائل: وإن كان أحدَ الوالِدَين؟ الشيخ: ولو كان أحدَ والِدَيك! لكن احرص على أن تبادره بالنصيحة، (فَلَأَنْ يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمُر النَّعَم) وعامة الناس قد يأمرون بما يظنونه خيراً وهم لا يعلمون.(67/18)
اشتراط البكارة في النكاح
السؤال
يا شيخ! عفا الله عنك! إذا زالت بكارة المرأة بوطء مشروع أو غير مشروع، فما الحكم الشرعي إذا عَقَدَ رجلٌ عليها في حالتين: الحالة الأولى: إذا اشترط البكارة.
والحالة الثانية: إذا لم يشترط البكارة.
فهل له حق الفسخ أم لا؟
الجواب
المعروف عند الفقهاء أن الإنسان إذا تزوج امرأة على أنها بكر، ولم يشترط أن تكون بكراً، فإنه لا خيار له، وذلك لأن البكارة قد تزول بعبثٍ المرأة بنفسها أو بقفزة قوية تُمَزِّق البكارة، أو بإكراه على زنا، فما دام هذا الاحتمال وارداً فإنه لا فسخ للرجل إذا وجدها غير بكر.
أما إذا اشترط أن تكون بكراً فإن وجدها غير بكر فله الخيار.(67/19)
مسألة النزول مع اختلاف ثلث الليل الآخر
السؤال
فضيلة الشيخ! حفظكم الله! حديث نزول ربنا إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخِر، وذلك في كل ليلة؛ ولكن ثلث الليل يختلف من مدينة إلى أخرى، ومن دولة إلى أخرى، حتى قد يكون كل اليوم فيه فترة الثلث هذه، فهل ذلك يقتضي أن يكون دائماً في النزول؟
الجواب
أظننا يا أخي لم نقم من مكاننا الذي نهيناكم فيه عن التحدث بمثل هذه الأمور.
فإذا كنتَ في بلد وأنت في ثلث الليل الآخر فآمن بأن الله نزل إلى السماء الدنيا، وإذا كنت في بلد في غير هذا الوقت فلا نزول.
مثلاً: بالنسبة لنا هنا فنحن في قبيل الظهر، وليس فيه نزول؛ لكن إذا جئنا إلى جهات أخرى وهم في ثلث الليل الآخر نقول: ثبت النزول، والله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] في جميع صفاته.
فالسؤال هذا سؤال متنطِّع، يجب على صاحبه أن يؤمن بأن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة، وفي كل مكان، أما أن تقول: يبقى دائماً نازلاً فهذا ليس بصحيح.
فأرى أن تبقي هذه الإجابة في جيبك وألا تخرجها، فمتى كنتَ في ثلث الليل الآخِر فالرب نازل، ومتى كنتَ في غير هذا الوقت فالرب غير نازل وانتهى الموضوع؛ لأن صفات الله ليست كصفات المخلوق، فالآن نحن نؤمن بأن الله ينزل إلى السماء الدنيا، ونؤمن بأنه فوق كل شيء، فهل يُتَصَوَّر هذا في المخلوق أن ينزل إلى مكانٍ نازلٍ، وهو فوق كل شيء؟! ومع ذلك نحن نؤمن بأن الله فوق كل شيء، وأنه نازلٌ، وأن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، ولا نقول أيضاً: كيف يكون العبد أقرب إلى ربه وهو ساجد، وهو فوق عرشه؟! فنقول: هذا إنما يورد إذا ما تصورنا أن صفات الخالق كصفات المخلوقين.
فنصيحتي لكم -يا إخواننا- أن لا تتعرضوا لمثل هذه الأشياء؛ لأن الله أعظم وأجل من أن تدركه العقول أو الأبصار، (قل: آمنتُ بالله) وقل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] وانتهى الموضوع.
فإذا عُرَضَت عليك مثل هذه المسائل؛ لأن هذا يَعْرِض على بعض الناس، فيظن بعقله أن نزول الخالق كنزول المخلوق، فنقول: آمِن بما جاء به النص ولا تتعداه، ولا تورد أسئلة حوله.(67/20)
وقت صلاة الضحى
السؤال
بالنسبة لصلاة الضحى متى ينتهي وقتها، فبعضُهم قد حدَّدها بنصف ساعة قبل أذان الظهر وبعضهم يزيد، فما هو الضابط؟
الجواب
وقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس قدر رمح، أي: نحو ربع ساعة أو ثلث ساعة بعد طلوعها إلى قبيل الزوال، وقبيل الزوال نحو ما بين عشر دقائق إلى خمس دقائق فقط، وذلك لأن أقصر أوقات النهي هذا الوقت، هذا على القول الراجح، وإن كان بعض العلماء يقول: إن معنى قوله: (حين تَغِيْبُ الشمس للغروب) أي: إذا شرعت في الغروب، إذا بدأ قرصها يغيب إلى أن ينتهي، ولكن الصحيح أن قوله: (حين تَغِيْبُ الشمس للغروب) معناه: إذا بقي على غروبها مقدار رمح، كما في الشروق.
السائل: أذكر يا شيخ أنك ذكرتَ بالنسبة للشروق أنه بعد ارتفاع الشمس قدر رمح يُحدَّد ما بين سبع دقائق إلى عشر دقائق في السابق.
الشيخ: لعلَّك نسيتَ.
السائل: لعلِّي نسيتُ.
الشيخ: عشر دقائق ممكنة؛ لكن الأحسن أن نزيد.(67/21)
كيفية وضوء المصاب بسلس البول
السؤال
فضيلة الشيخ! كيف يتوضأ المصاب بسلس البول؟
الجواب
المصاب بسلس البول نسأل: هل ينقطع عنه أو هو مستمر؟ لأن بعض الناس يكون فيه السلس إذا بال قريباً، وبعد عشر دقائق أو ربع ساعة يتوقف، فهذا له حكم.
وإنسان آخر لا يتوقف بوله، فمتى حصل في المثانة نزل.
أما الأول: فنقول: انتظر حتى يقف ثم صلِّ، حتى ولو فاتتك صلاة الجماعة.
وأما الثاني: فنقول: توضأ إذا دخل الوقت وتحفظ، ثم صلِّ، ولا يضرك ما خرج.(67/22)
خطورة موالاة الكفار
السؤال
فضيلة الشيخ! كيف يُعرَف أمرٌ صَدَرَ من شخص أنه موالاة للكفار؟ وإذا عُرِف ذلك فهل يُجزم عليه بحكم ما، أم يُوقَف ويُستفصل عن الدافع له على ذلك التصرف؟ جزاك الله خيراًَ!
الجواب
الموالاة في الواقع هي: المناصرة والمعاضدة، بحيث تناصر الكافرين وتعاضدهم على المسلمين، فإن عاضدتهم وناصرتهم على كفار أشد منهم فهذا خير؛ لأن هؤلاء الأعداء الذين يريدون المسلمين أشر من هؤلاء، فهذا يعني: أنك دفعتَ أعلى المفسدتين بأدناهما، إذا لم تخف خيانة من الذين ناصرتَهم على العدو.
وأما إذا ناصرتهم على مسلمين فهذا خطر عظيم، وهذا هو الذي يُخشى أن يدخل في قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51] .
وأما معاملتهم في البيع والشراء، وأن يدخلوا في عهدنا فهذا جائز، فقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبيع ويشتري من اليهود، فقد اشترى طعاماً لأهله، ومات ودرعه مرهونة عندهم، وكان يقبل هديتهم، وكانت خزاعة دخلت في عهده حين عاهد قريشاً في صلح الحديبية وهم كفار؛ لكنهم كانوا أهل نصح للمسلمين.
وهذه المسألة من أدق المسائل وأخطرها، ولا سيما عند الشباب؛ لأن بعض الشباب يظن أن أي شيء يكون فيه اتصال مع الكفار فهو موالاة، والأمرُ ليس كذلك، فالموالاة لها معانٍ كثيرة؛ ولكن الشيء الذي يكون خطراً وربما يُخْرِج من الإسلام هو مناصرتهم ومعاضدتهم على المسلمين.(67/23)
توجيه ما نسب إلى الإمام أحمد في تأويل الصفات
السؤال
رُوِي عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال في قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر:22] وجاء أمر ربك، فبعضهم أورد هذا في أحد كتبه، وقال: مذهب الإمام أحمد هو: التفويض، وقد لجأ الإمام أحمد -وهو إمام أهل السنة-إلى التأويل في هذه الآية، فهل صحت الرواية عن الإمام أحمد؟
الجواب
أولاً: لا بد أن يثبت هذا عن الإمام أحمد.
ثانياً: إذا قُدِّر أنه رحمه الله أخطأ في هذه المسألة التي لا يقرها هو بعموم كلامه، فلا يعني ذلك أنه معصوم، ويُقْبَل رأيُه.
ثالثاً: ذكرتَ أنه يُفَوِّض، وهذا على إطلاقه فيه نظر؛ لأن التفويض نوعان: تفويض المعنى.
وتفويض الكيفية.
فـ أهل السنة والجماعة يفوضون الكيفية، ولا يفوضون المعنى، بل يقرُّون به، ويثبتونه، ويشرحونه، ويقسمونه، فمن ادعى أن أهل السنة هم الذين يقولون بالتفويض (ويعني به تفويض المعنى) فقد كذب عليهم.
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه (درء تعارض العقل والنقل) أن قول أهل التفويض من شر أقوال أهل البدع والإلحاد.
هذا هو الذي يقوله بعض الناس، أنه مذهب أهل السنة والجماعة، وهو التفويض، ولذلك يقولون: أهل السنة قسمان: مُفَوِّضة.
ومُؤوِّلة.
وهذا خطأ عظيم، فـ أهل السنة مُؤوِّلة، وأهل السنة مُفَوِّضة؛ لكنهم يؤولون إذا دل الدليل على التأويل، ويفوضون الكيفية، وأما المعنى فلا يفوضونه.
وخلاصة الجواب على سؤالك: أن نقول: إن صح هذا عن الإمام أحمد فالإمام أحمد ليس بمعصوم، ولكنني لا أظنه يصح.(67/24)
الاضطجاع بعد سنة الفجر
السؤال
جزاك الله خيراً يا شيخ! بالنسبة للاضطجاع بعد سنة صلاة الفجر، هل هي خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، أم بالإمام، أم هي عامة للمسلمين؟
الجواب
الذي يظهر: أنها سنة في حق من يحتاج إليها، مثل أن يكون الإنسان متعباً، فيحب أن يستريح بالاضطجاع من أجل أن يقوى على صلاة الفجر.
وأما من لا حاجة له إليها فلا، وكذلك من يخشى أنه إذا اضطجع نام ولن يقوم إلا بعد طلوع الشمس، فهذا أيضاً لا يضطجع.(67/25)
حكم أخذ المال لمن يعمل بدون راتب
السؤال
أنا مأذون أنكحة أعمل بدون راتب، فيأتيني -أحياناً- بعض الناس لأعقد لهم وهم خارج المدينة بـ (20كم) أو (15كم) تقريباً، فأذهب إليهم، ثم يدفعون لي مبلغاً من المال بدون طلب مني! فما حكم ذلك؟
الجواب
نقول: لا بأس، إذا كان بدون طلب منك فلا حرج عليك أن تأخذ ما يعطونك، أما إذا كنتَ موظفاً فلا تأخذ شيئاً.
السائل: وإذا كان داخل المدينة يا شيخ؟ الشيخ: داخل المدينة أو خارجها كلاهما سواء.(67/26)
حكم شهادة الزوجين والأقارب
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم شهادة الزوج على إقرار زوجته بالبيع والشراء والتوكيل، وكذلك الوالد على ولده، والعكس؟ حفظكم الله!
الجواب
يقول العلماء: مَن اتُّهِم بقرابة أو زوجية فإن شهادتَه لا تُقْبَل ممن اتهم فيه، وتُقْبَل شهادتُه على مَن اتُّهِم فيه، وهذا صحيح، فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء:135] .
فإن شهد الرجل على زوجته أنها فعلت شيئاً وكانت الشهادة عليها، فإن شهادتَه تُقبَل ولا شك.
لكن إن شهد لها فأكثر العلماء يقولون: لا تُقبَل لأنه مُتَّهم بالانحياز.
وقال بعض العلماء: إذا كان مُبَرِّزاً بالعدالة، ونعلم أنه لن يشهد بشهادةِ زورٍ ولو لزوجته، فإن شهادتَه تُقبَل، وحينئذ أقول: يُرْجَع إلى رأي القاضي في هذه المسألة.
وخلاصة القول: أن الشهادة للوالد أو للولد أو للزوجة، الأصل فيها أنها لا تُقبَل.
أما الشهادة عليهم فمقبولة.
والله أعلم.(67/27)
خطورة كراهية الملتزمين
السؤال
ما حكم من يبغض الشباب الملتزمين ويعاديهم ويقول: هم شر البلد؟ هل يدخل تحت: (من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول ولو عَمِل به.
) ؟
الجواب
الذي يبغض الملتزمين ودعاةَ الحق من أجل قيامهم بشريعة الله أو دعائهم إلى الحق فهذا يُخشى أن يكون كالذين قال الله فيهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة:65] ويكون كارهاً لشريعة الله.
وأما الذي يكره الشخص لنفسه، لا لأنه ملتزم، فهذا لا يدخل في الآية.
فإن قال قائل: ما الفرق؟! قلنا: الفرق عظيم؛ لأن مَن كَرِهَه لالتزامه فقد كَرِهَه لدينه، ومَن كَرِهَه كراهةً شخصية فليس لدينه.
وأنا أضرب لكم مثالاً: بعض الناس إذا رأى الشاب قد رفع ثوبه إلى نصف الساق كَرِهَه؛ لكن لو رأى أحد مشايخنا الكبار قد رفع ثوبه إلى منتصف الساق هل يكره الشيخَ؟! لا.
إذاً كراهتُه للشاب لا لأنه ملتزم! فبعض الناس يكره هذا الشخص إذا رآه ملتزماً ولا يكره مثله إذا كان له قيمته في المجتمع.
وهذه المسألة دقيقة جداً جداً.
فيجب أن نقول لهذا الرجل: هل كرهتَه لكراهتِكَ ما قام به من السنة، أو أنها كراهة شخصية؟ إذا قال الأولى.
قلنا: هذه كراهةٌ لما أنزل الله، والله سبحانه وتعالى يقول: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:9] .
وإذا قال: سواء فعل هذا أو لم يفعل هذا فأنا أكره هذا الرجل، أو أظن أنه متزمِّت فأكرهُه لتزمُّتِه.
قلنا: هذه الكراهة لا يكفُر صاحبها، ولا يكون كالأول.
والحمد لله رب العالمين.(67/28)
لقاء الباب المفتوح [68]
في هذه المادة فسر الشيخ آخر الآيات من سورة الفجر، وذكر ما فيها من المعاني والأحكام، ثم أجاب عن الأسئلة الواردة في هذا اللقاء.(68/1)
تفسير أواخر سورة الفجر
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن والستون من اللقاء الأسبوعي الذي يتم في كل يوم خميس، وهذا اليوم هو: الخميس الرابع من شهر ربيع الأول عام (1415هـ) .
وكان من عادتنا أن نتكلم على ما يسر الله عزَّ وجلَّ من تفسير القرآن الكريم، وقد انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:24-26] وهذا هو آخر سورة الفجر.(68/2)
تفسير قوله تعالى: (يومئذٍ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى)
يقول الله عزَّ وجلَّ: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:23] أي: إذا جاء الله يوم القيامة وجاءت الملائكة صفوفاً صفوفاً وأحاطوا بالخلق، وحصلت الأهوال والأفزاع حينئذ يتذكر الإنسان يتذكر أنه وُعِد بهذا اليوم، وأنه أُعْلِم به مِن قِبَل الرسل عليهم الصلاة والسلام الذين أنذروا وخوَّفوا؛ ولكن من حقت عليه كلمة العذاب فإنه لا يؤمن ولو جاءته كل آية والعياذ بالله.
حينئذٍ يتذكر؛ لكن يقول الله عزَّ وجلَّ: {وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:23] أنى تكون له الذكرى في هذا اليوم الذي رأى فيه ما أُخْبِر عنه يقيناً؟ الإيمان عند المشاهدةٍ لا ينفع؛ لأن كل إنسان يؤمن بما شاهد؛ لكن الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:3] ويصدق بما أخبرت به الرسل عن الله عزَّ وجلَّ وعن اليوم الآخر، في ذلك اليوم يتذكر الإنسان، ولكن قال الله عزَّ وجلَّ: {وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:23] أي: بعيدٌ أن ينتفع بهذه الذكرى التي حصلت منه حين شاهد الحق.(68/3)
تفسير قوله تعالى: (يقول يا ليتني قدمت لحياتي)
قال تعالى: {يَقُولُ} أي الإنسان.
{يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} يتمنى أنه قدم لحياته.
وما هي حياته؟! أتظنون أنه يريد حياة الدنيا؟! لا والله، فإن الحياة الدنيا انتهت وانقضت، وليست الحياة الدنيا حياةً في الواقع، بل الواقع أنها هموم وأكدار، كل صَفْوٍ يعقبه كَدَر، كل عافية يتبعها مرض، كل اجتماع يعقبه تفرُّق، انظروا ما حصل! أين الآباء؟! أين الإخوان؟! أين الأبناء؟! أين الأزواج؟! هل هذه حياة؟! أبداً! ولهذا قال بعض الشعراء الحكماء:
لا طيب للعيش ما دامت مُنَغَّصَةً لَذَّاتُه بادِّكارِ الموتِ والهرمِ
كل إنسان يتذكر أن مآله أحد أمرين: إما الموت، وإما الهرم.
ونحن نعرف أناساً كانوا شباباً في عنفوان الشباب، عُمِّروا؛ لكن رجعوا إلى أرذل العمر، يَرِقُّ لهم الإنسان إذا رآهم في حالة بؤس، حتى وإن كان عندهم من الأموال ما عندهم، وعندهم من الأهل ما عندهم؛ لكنهم في حالة بؤس.
هكذا كل إنسان، إما أن يموت مبكراً، وإما أن يُعَمَّر فيُرَد إلى أرذل العمر، فهل هذه حياة؟! الحياة هي ما بيَّنه الله عزَّ وجلَّ: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:64] يعني: لَهِيَ الحياة التامة.
فيقول الإنسان هذا: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:24] يتمنى؛ لكن مع الأسف أنَّى له الذكرى.(68/4)
تفسير قوله تعالى: (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد)
قال تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ} [الفجر:25] * {وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:26] لأنهم والعياذ بالله يوثقون: {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:32] أي: أدخلوه في هذه السلسلة، فتُغَلُّ أيديهم نسأل الله العافية، ولا أحد يتصور الآن ما هم فيه من البؤس والشقاء والعذاب، والله إن الإنسان أحياناً يتمنى أنه لَمْ يُخْلَق خوفاً من النار، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: [ليت أمي لم تلدني، ليتني شجرة تُعْضَد] لأن الإنسان لا يدري أولاً ما هو عليه الآن! هل هو على صواب أم على خطأ؟! هل في عباداته رياء؟! هل في عباداته بدعة؟! ثم لا يدري أيضا -وهذا أخطر- لا يدري ماذا يُخْتَم له به: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل هل النار، فيدخلها) مَن الذي يأمن عند الموت أن يُصَدَّ ويُضَلَّ، ويأتيه الشيطان فيقول: أنا أبوك، اترك يا بُنَيَّ الإسلام، وكن نصرانياً أو يهودياً؟! لأن بعض الناس والعياذ بالله عند الموت يُفْتَن، فتُعْرَض عليه الأديان، ويقال له: اختر النصرانية، أو اختر اليهودية، وأعرض عن الإسلام.
ولهذا نقول: ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات.
فمن الذي يأمن؟! أسأل الله أن يحسن لي ولكم الخاتمة! إذاً: على الإنسان أن يستعد.
{يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:24] * {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ} [الفجر:25] * {وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:26] .(68/5)
تفسير قوله تعالى: (ولا يوثق وثاقه أحد)
قال تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:25-26] لأنهم والعياذ بالله يوثقون: {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:32] أي: أدخلوه في هذه السلسلة، فتُغَلُّ أيديهم نسأل الله العافية، ولا أحد يتصور الآن ما هم فيه من البؤس والشقاء والعذاب، والله إن الإنسان أحياناً يتمنى أنه لَمْ يُخْلَق خوفاً من النار، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: [ليت أمي لم تلدني، ليتني شجرة تُعْضَد] لأن الإنسان لا يدري أولاً ما هو عليه الآن! هل هو على صواب أم على خطأ؟! هل في عباداته رياء؟! هل في عباداته بدعة؟! ثم لا يدري أيضا -وهذا أخطر- لا يدري ماذا يُخْتَم له به: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل هل النار، فيدخلها) مَن الذي يأمن عند الموت أن يُصَدَّ ويُضَلَّ، ويأتيه الشيطان فيقول: أنا أبوك، اترك يا بُنَيَّ الإسلام، وكن نصرانياً أو يهودياً؟! لأن بعض الناس والعياذ بالله عند الموت يُفْتَن، فتُعْرَض عليه الأديان، ويقال له: اختر النصرانية، أو اختر اليهودية، وأعرض عن الإسلام.
ولهذا نقول: ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات.
فمن الذي يأمن؟! أسأل الله أن يحسن لي ولكم الخاتمة! إذاً: على الإنسان أن يستعد.
{يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:24-26] .(68/6)
تفسير قوله تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة)
ثم ختم الله تعالى هذه السورة بما يبهج القلب، ويشرح الصدر، فقال: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر:27] اللهم اجعل نفوسنا مطمئنة.
{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر:27-28] .
{ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ} [الفجر:28] يقال هذا القول للإنسان عند النزع في آخر لحظة من الدنيا، يقال لروحه: اخرجي أيتها النفس المطمئنة، اخرجي إلى رحمةٍ من الله ورضوان، فتستبشر وتفرح، ويسهُل خروجُها من البدن؛ لأنها بُشِّرت بما هو أنعم مِمَّا في الدنيا كلها، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لَمَوضع سوط أحدكم في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها) سوط الإنسان: العصا القصيرة، موضع السوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، وليست دنياك أنت بل الدنيا من أولها إلى آخرها، بما فيها من النعيم، والمُلْك، والرفاهية، وغيرها، فموضع سوط أحدكم خير من الدنيا وما فيها، فكيف بمن ينظر في مُلْك مسيرته ألفَي عام، يرى أقصاه كما يرى أدناه، نعيمٌ لا يمكن أن ندركه بنفوسنا ولا بتصورنا: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] .
المطمئنة: أي المؤمنة الآمنة؛ لأنك لا تجد نفساً أكثر اطمئناناً مِن نفْس المؤمن أبداً، فالمؤمن -يا إخواني- نفسُه طيبة مطمئنة، ولهذا تعجب الرسول صلى الله عليه وسلم من المؤمن فقال: (عجباً لأمر المؤمن! إن أمرَه كلَّه خير، إن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر؛ فكان خيراً له) فهو مطمئنٌ ماضٍِ مع الله بقضائه وقدره، لا يسخط عند المصائب، ولا يبطر عند النعم، بل هو شاكر عند النعم، صابر عند البلاء، فتجده مطمئناً.
لكن الكافر، أو ضعيف الإيمان كلاهما لا يطمئن، إذا أصابه البلاء جَزع وسخِط، ورأى أنه مظلوم مِن قِبَل الله والعياذ بالله، حتى إن بعضهم ينتحر؛ لأنه لا يصبر ولا يطمئن، بل يكون دائماً في قلق، فينظر إلى نفسه وإذا هو قليل المال، وقليل العيال، وليس عنده زوجة، وليس له قوم يحمونه، فيقول: أنا لستُ في نعمة؛ لأن فلاناً عنده مال، وعنده زوجات، وعنده أولاد، وعنده قبيلة تحميه، أما أنا فليس عندي شيء من هذا، فلا يرى لله عليه نعمة؛ لأنه ضعيف الإيمان، وليس بمطمئن، بل هو دائماً في قلق.
ولهذا نجد الناس الآن يذهبون إلى كل مكان ليُرَفِّهوا عن أنفسهم، ويزيلوا عنها الألم والتعب؛ لكن لا يزيل ذلك عنهم إلا الإيمان الحقيقي، فهو الذي يؤدي إلى الطمأنينة.
فالنفس المطمئنة: هي المؤمنة الآمنة، مؤمنة في الدنيا، وآمنة من عذاب الله يوم القيامة، اللهم اجعل نفوسنا هكذا.
يا إخواني! قال بعض السلف كلمة عجيبة، قال: [لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لَجالَدُونا عليه بالسيوف] هل تجدون أنعم في الدنيا من الملوك وأبنائهم؟ لا.
لا يوجد أحدٌ أنعم منهم في الظاهر في نعمة الجسد؛ لكن قلوبهم ليست كقلوب المؤمنين، فالمؤمن الذي ليس عليه إلا ثوبٌ مُرَقَّع، وكوخٌ لا يحميه من المطر ولا من الحر؛ هذا المؤمن دنياهُ ونعيمُه في الدنيا أفضل من الملوك وأبناء الملوك؛ لأن قلبَه مستنير بنور الله ونور الإيمان.
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حُبس وأوذي في الله عزَّ وجلَّ، فلما أُدْخِل الحبس وأُغْلِقَ عليه الباب.
قال رحمه الله: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13] يقول هذا تَحَدُّثاً بنعمة الله لا افتخاراً، ثم قال: ما يصنع أعدائي بي؟! -أيَّ شيءٍ يصنعون؟! - إن جنتي في صدري -ما هي الجنة؟! الإيمان، والعلم، واليقين-، وإن حبسي خلوة، ونفيي -إن نفَوه من البلد- سياحة، وقتلي شهادة.
سبحان الله! هذا هو اليقين، وهذه هي الطمأنينة.
إن الإنسان عندنا لو أُدخل الحبس تجده يُخَمِّس ويُسَدِّس، ويقول: ما مستقبلي؟! ما مستقبل أولادي؟! وأهلي؟! وقومي؟! لكن ابن تيمية يقول: جنتي في صدري.
وصَدَقَ، ولعل هذا هو السر في قوله تبارك وتعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [الدخان:56] يعني: في الجنة لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى، وليس في الجنة موتة أولى ولا ثانية؛ لكن لَمَّا كان نعيم القلب ممتداً من الدنيا إلى دخول الجنة صارت الدنيا والآخرة كأنهما جنة واحدة، وليس فيها إلا موتة واحدة.
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يحسن لنا ولكم الخاتمة، وأن يجمعنا وإياكم في الجنة، وبإخوانَنا المسلمين الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ؛ إنه على كل شيء قدير.(68/7)
تفسير قوله تعالى: (ارجعي إلى ربك راضية مرضية)
يقول تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر:27-28] .
{رَاضِيَةً} بما أعطاك الله من النعيم.
{مَرْضِيَّةً} عند الله عزَّ وجلَّ، وذلك كما قال تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:119] .(68/8)
تفسير قوله تعالى: (فادخلي في عبادي)
قال تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر:29] أي: ادخلي في عبادي الصالحين لتكوني مِن جملتهم؛ لأن عبادَ الله الصالحين هم خير طبقات البشر، والبشر طبقاتهم ثلاث: الطبقة الأولى: مُنْعَمٌ عليهم.
الطبقة الثانية: مغضوبٌ عليهم.
الطبقة الثالثة: ضالُّون.
كل هذه الطبقات مذكورةٌ في سورة الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6-7] .
وأنا أسألكم: هل يشعر أحدكم عندما يقرأ هذه الآية بأن الذين أنعم الله عليهم هم: النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، فيسأل الله أن يهديه صراط هؤلاء؟! أكثر الناس لا يشعر، بل أكثرهم يقرؤها هكذا؛ لكن لا يشعر أن هذه الآية تاريخ، أي أنها تشير إلى تاريخ الأمم، وأن الطبقة الثانية المغضوب عليهم هم اليهود وأشبهاه اليهود مِن كل مَن عَلِم الحق وخالفة؛ لأن كل مَن عَلِم الحق وخالفَه ففيه شَبَهٌ من اليهود، كما قال سفيان بن عيينة رحمه الله: [مَن فَسَدَ مِن علمائنا ففيه شَبَهٌ مِن اليهود] .
ومَن هُم الضالون؟ هُم النصارى، الذين جهلوا الحق، أرادوه لكن عُمُوا عنه -والعياذ بالله- وما اهتدوا إليه.
قال ابن عيينة: [ومَن فَسَدَ مِن عُبَّادنا ففيه شَبَهٌ مِن النصارى] لأن العُبَّاد يريدون الخير ويريدون العبادة؛ لكن ليس عندهم علم، فهم ضالون.
فأقول يا إخواني! الناس طبقات ثلاث: المُنْعَمُ عليهم، والمغضوبُ عليهم، والضالُّون.
وهنا يقول: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر:29] فالمراد بالعِباد أيّ الطبقات؟ المراد بهم الطبقة الأولى وهم: المُنْعَم عليهم.(68/9)
تفسير قوله تعالى: (وادخلي جنتي)
قال تعالى: {وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:30] : جنتُه التي أعدها الله عزَّ وجلَّ لأوليائه -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها- أضافها الله إلى نفسه تشريفاً لها وتعظيماً، وإعلاماً للخلق بعنايته بها جلَّ وعَلا.
والله سبحانه وتعالى قد خلقها خلقاً غير خلق الدنيا، خَلَقَ لنا في الدنيا فاكهةً ونخلاً ورماناً، وخلق في الجنة أيضاً فاكهةً ونخلاً ورماناً؛ لكن هل تظنون أن ما في الجنة كالذي في الدنيا؟! لا يمكن أبداً؛ لأن الله يقول: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:17] ولو كان ما في الجنة كالذي في الدنيا لكنا نعلم.
إذاً: هو مثله في الاسم؛ لكن ليس مثله في الحقيقة، ولا في الكيفية، ولهذا قال: {وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:30] حيث أضافها إلى نفسه للدلالة على شرفها وعناية الله بها، وهذا يوجب للإنسان أن يرغب فيها غاية الرغبة، كما أنه يرغب في بيوت الله، التي هي المساجد؛ لأن الله أضافها إلى نفسه، فكذلك يرغب في هذه الدار التي أضافها إلى نفسه أيضاً، والأمر يسير، قال رجلٌ للرسول صلى الله عليه وسلم: (دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، فقال: لقد سألت عن عظيم -وهو صحيحٌ عظيم، ((فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)) [آل عمران:185] ولكن- وإنه ليسير على مَن يسره الله عليه -اللهم يسرنا لليسرى- تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة) وذَكَرَ الحديث.
المهم أن الدين والحمد لله يسير وسهل؛ لكن النفس الأمارة بالسوء هي التي تحول بيننا وبين ديننا بالشهوات والشبهات.
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] .
{رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8] .
والآن إلى الأسئلة، ونبدأ باليمين، وكما هي عادتنا أن السؤال واحد لكل واحد، وأنه لا تعقيب على الجواب إلا إذا كان الجواب خطأً.(68/10)
الأسئلة(68/11)
حكم الصلاة على القاتل
السؤال
يا شيخ! رجل قتل زوجته ثم قتل نفسه، فهل يُصَلَّى عليه؟
الجواب
نعم، يُصَلَّى عليه؛ لأن قتل النفس لا يُخْرِج من الإسلام، والدليل على أنه لا يُخْرِج من الإسلام قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة:178] فجعل القاتل أخاً للمقتول، ولو كان يَخْرُج من الإسلام ما كان أخاً له؛ ولكن الأمر شديد، بمعنى أنه وإن لم يَخْرُج من الإسلام؛ لكن العقوبة شديدة، يقول الله عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93] خمس عقوبات: جهنم.
والخلود فيها.
وغَضِبَ الله عليه.
ولَعَنَه.
وأعد له عذاباً عظيماً.
فالأمر ليس بالهين؛ لكن لا يَخْرُج من الإسلام، فيُصلى عليه، ويُدْعَى له بالمغفرة، وفضل الله واسع.(68/12)
حكم التحية العسكرية
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كَثُر الكلام يا فضيلة الشيخ! حول التحية العسكرية وتحية العلم، ما بين مبدِّع ومكفِّر، وقبل شهرين أو عدة أشهر نشرت مجلة الحرس الوطني نشرة تبين التحية العسكرية؛ أنواعها، ونشأتها، وتطورها، ومن ضمن كلامها قالت: منذ العصور الأولى للتاريخ والناس يميزون بين رجل وآخر، وقد تجلى ذلك باستحداث طرائق خاصة للتحية التي ما لبثت أن أخذت طريقها في الذيوع والانتشار، وعلى رغم أن شعوب الدنيا اختلفت في طرائق هذه التحية إلا أنها اتفقت جميعها على وجوب أدائها.
إلى أن قالت: وفي أحيان أخرى مؤداها إظهار الأمن والسلام والتعظيم.
فما هو رأي فضيلتكم في هذه المسألة من حيث كونها بدعة أو كفراً، وإن كانت بدعة، فما حكم مَن فعلها وهو كاره، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
أقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وأخبركم بأن السلام عند إلقاء السؤال ليس من السنة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسألون الرسول في المجلس ولا يسلِّمون، إنما السلام عند اللقاء.
وأما ما يتعلق بالتحية العسكرية، فأقول لكم يا إخواني! نصيحةً لله: كل شيء يتعلق بجهة مسئولة فالسؤال عنه من الأفراد في غير محله.
لماذا؟! لأن ذلك لا يجدي شيئاً.
افرض أنني قلت: إنها بدعة، أو كفر، أو فسق أو ما أشبه ذلك، هل يفيد؟! هذا لا يفيد، إلا أن المستفتي يأخذ هذه الفتوى ويذهب ينازع فيها ولاة الأمور ولا يستفيد من هذا شيئاً.
فأرى أنه إذا حصل شيء منكرٌ في أي جهة مسئولة لا يجوز السكوت عليه؛ لأن السكوت عن المنكر معناه: تعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لكن تؤتى البيوت من أبوابها.
فهذا السؤال يورَد على مَن؟! يورَد على وزير الدفاع، أو على وزير الداخلية، أو على الجهة المسئولة، ويقال: إذا كنتم تعلمون أن هذا حرام فاتقوا الله فينا، لا تجعلونا نتجشَّم الحرام فنأثم نحن وتأثمون أنتم، وإذا كنتم لا ترون هذا حراماً فبيِّنوا لنا، وإذا كان الأمر أشكل عليكم: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] .
أما أن يَسأل هذا السؤالَ فردٌ من أفراد الجنود أو الجيش، ثم يأخذ الجواب ويجعله سيفاً مصلتاًَ، كلما شاء أشهره، فأنا أرى أن هذا ليس من الحكمة، وأنه لا يجدي شيئاً، ولا يفيد.
فهذا السؤال ينبغي للعقلاء منكم أن يوجهوه إلى الوزير في هذه الجهة المسئولة، ويقال له بصراحة: نحن وأنت عبيد لله عزَّ وجلَّ، وأنت ولاك الله علينا؛ فعليك أن ترعانا حقَّ الرعاية وأحسَنها.
ثم نسأله: هل أنت ترى أن هذا حرام؟! فاتقِ الله في نفسك، واتقِ الله فينا.
هل ترى أنه حلال؟! فبيِّن لنا؛ لأنه أُشْكِل علينا ولأن من الناس -وأنا سمعتُ بنفسي- من يقول: التحية العسكرية كفر والعياذ بالله، فيكفِّر مَن لا يكفِّره الله ورسوله، ألم يعلم هذا أنه سيُسأل يوم القيامة عمَّا قال؟! ألم يعلم أن مَن دعا رجلاً بالكفر وليس كذلك فهو كافر؟! هكذا جاء الحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام.
فالمسألة ليست هينة، فكونه يصف الإنسانَ ويقول: هذا كافر، وهذا فاسق؛ فهذا غلط.
من الذي له الحكم؟! الله عزَّ وجلَّ، فإذا كفَّر الله أحداً فهو كافر، وإذا لم يكفِّره فلا يجوز أن نكفر بمجرد أذواقنا وأهوائنا.
فأقول: قُل مثلاً للوزير المسئول: إذا كنت ترى أن هذا حلال فبيِّن لنا؛ لأن من الناس من شوَّش علينا، وقال: هذا فسق، هذا بدعة، هذا كفر، فبيِّن لنا.
وإذا كان أشكل عليك فالحمد لله باب الفتوى مفتوح، وعند الدولة والحمد لله ما يحصل بهم الهدى إن شاء الله تعالى، فاسأل.
فإذا قيل لك: هذا جائز، برئت ذمتك، وإذا قيل: هذا حرام، فامتنع.
هذا جوابي على هذه المسألة.
وأنا أنصح كل إنسان في هذه المسائل ألا يسأل فردٌ من أفراد جهةٍ مسئولة عن حكم شيء عام، وليسأل عن نفسه ويقول مثلاً إذا فعلتُ كذا، أو إذا صليت بلا وضوء إذا.(68/13)
مسألة المجاز في القرآن
السؤال
أولاً يا شيخ! إني أحبك في الله، ولا أدري هل هذا من السنة أم لا! ولكن بعد أن قلتَ عن السلام أنه ليس من السنة يَجب أن أحذر.
الشيخ: لا.
جزاك الله خيراً، لا مانع من هذا، والحذر من الخطأ شيءٌ طيب؛ لكن هذا قد ورد عن الرسول حيث قال لـ معاذ بن جبل: (يا معاذ! إني أحبك، فلا تَدَعَنَّ أن تقول دبر كل صلاة مكتوبة: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك) .
وأنا أجيبك فأقول: أحبك الله الذي أحببتنا فيه.
السائل: يا شيخ! المجاز في القرآن فيه خلاف بين أهل العلم، والمسألة كما هو معلوم أن هناك بعض الآيات تحتاج إلى تفسير فعلاً، فإذا كان لا مجاز في القرآن! فأريد توضيح المسألة!
الجواب
الذين قالوا بالمجاز أو عدم المجاز يتفقون غالباً على المعنى، فمثلاً قال الله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء:24] فكلهم متفقون على أن الذل ليس طائراً له جناح، أليس كذلك؟! السائل: بلى.
الشيخ: إذاً: بقي لنا أن نعرف هل الجملة أو هذا التركيب مستعمل في اللغة العربية، وأن جَناح كل شيء بحسبه؟! فحينئذٍ يحصل الخلاف.
فالذين يقولون بالمجاز يقولون: ليس هناك جناح إلا للطير، فإذا استعمل الجناح لغير الطير فهو مجاز.
والذين يقولون: جناح كل شيء بحسبه يقولون: الترفع مثلاً على الناس والتعالِّي عليهم يعتبر أن صاحب الترفع والتعالي طار وارتفع، وهذا هو جناح العلو والاستكبار.
فالله عزَّ وجلَّ يقول: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} [الإسراء:24] يعني: تذلَّل لهما للغاية، حتى لو كنت تريد أن تتثقف، فتقول مثلاً: أنا عندي شهادة بكالوريوس، وأبي هذا لا يعرف الخاء من الطاء فلا تترفع عليه: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء:24] .
إذاً: اتفقا على المعنى؛ لكن اختلفا حول ما إذا كان هذا الأسلوب مُسْتَعْمَلاً حقيقةً في سياقِه أو لا! فالذين منعوا من المجاز في القرآن وأكدوا فيه كان منعُهم بناءً على أن هذا المجاز استُعمل على وجه غير صحيح، فقالوا مثلاً في الاستواء على العرش: لا يوجد استواءٌ على العرش أبداً، وإنما قوله تعالى: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54] يعني: استولى عليه، وإذا قلنا لهم: ولكن الله قال: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54] قالوا: هذا مجاز عن الاستيلاء، انظر الآن! أنكروا صفةً حميدة لله عزَّ وجلَّ وحوَّلوها إلى صفة لا يتميز بها الله سبحانه عن غيره؛ لأن الله مُسْتَولٍ على كل شيء.
ثم إن قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى} [البقرة:29] يدل على أن الاستيلاء قابلٌ لغير الله؛ إذْ معناه: ثم استولى عليه.
فقولُ الذين أنكروا المجاز في القرآن وأكَّدوه مبنيٌّ على أن أولئك الذين قالوا بالمجاز توصلوا به إلى إنكار شيء لا يجوز إنكاره.
أفهمت؟! وللعلماء في هذه المسألة عدة أقوال: منهم من قال: كل اللغة مجاز، حتى إذا قلتَ: أكلتُ فشبعتُ، قال: هذا مجاز.
ومنهم من قال: لا مجاز في اللغة مطلقاً، ومِمَّن قال بهذا القول: شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وشرح أدلتهما على ذلك ليس هذا موضعه؛ لأن الناس ربما يحتاجون شيئاً أهم من هذا.
ومنهم من قال: لا مجاز في القرآن، وأما اللغة ففيها مجاز.
والصواب: أنه لا مجاز في القرآن ولا في اللغة.(68/14)
احتساب الأجر من الله على العمل
السؤال
هل يلزم حضور النية لحصول أجر العمل عند أدائه؟
الجواب
هذا سؤال مهم، فمعلومٌ أن العمل لا يكون إلا بنية، فلا يوجد عملٌ إلا بنية، قال بعض العلماء: لو كَلَّفَنا الله أن نعمل عملاً بلا نية لكان من التكليف ما لا يُطاق.
فأنتم حينما جئتم إلى هذا المكان جئتم بنية أم بغير نية؟! جئتم بنية، وأي إنسان عاقل لا يعمل عملاً إلا بنية، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) .
لكن بقي سؤال الأخ: هل يُشْتَرط للثواب على العمل أن يحتسب الأجر على الله، أو يحصل له الأجر وإن لم يحتسب؟ نقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً -ولم يقل: إيماناً فقط، بل قال: إيماناً واحتساباً- غُفِر له ما تقدم من ذنبه) واحتساب الأجر له أثر عظيم على إحسان العمل؛ لأنك إذا علمتَ أنك كما تدين تُدان، وكما تعمل تُجازى، وأن الجزاء على قدر العمل؛ فسوف تحسن العمل، أليس كذلك؟! أما إذا شعرت بأنك إذا أديت العمل برئت ذمتك فقط، وأنك لن تعاقب على تركه، فعملك ناقص.
لهذا أحث نفسي وإياكم على استحضار هذا المعنى؛ أنك إذا عملتَ العمل تحتسب أجره على الله، نقول مثالاً: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من أسبغ الوضوء وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فُتِّحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل مِن أيها شاء) وزاد الترمذي: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) أريد من نفسي وإياكم أن نستحضر أننا إذا فعلنا ذلك فتِّحت لنا أبواب الجنة حتى نحرص على إسباغ الوضوء، ونحرص على قول كلمة التوحيد بعد الفراغ من الوضوء.
فهذه مسألة ينبغي أن نتفطن لها، وهي: احتساب الأجر من الله على هذا العمل.(68/15)
كيفية التعامل مع أصحاب المنكرات من الأهل والأقارب
السؤال
شيخنا المبارك! نفع الله بعلمكم وسدَّد خطاكم! بعض الشباب منذ نشأته يسير مع الشباب الخيِّر الصالح من أساتذة وإخوان، ثم يرى في بيته بعض المنكرات، فكيف يتعامل مع هذه المنكرات؛ مع كلٍّ مِن والدَيه، وأهل بيته؟
الجواب
قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:3] ومعنى {بَاخِعٌ نَفْسَكَ} [الشعراء:3] أي: مُهْلِكُها إذا لم يؤمنوا.
وقال: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:20] .
وقال: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:21-26] .
فأقول لهذا الأخ الصالح: أسأل الله لك الثبات، وأقول لك: انصح أهلك بقدر ما تستطيع، فإن حَصَلَ المطلوب فذلك المطلوب، وإن لم يَحْصُل فهاهو إبراهيم قال لأبيه آزر: {أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأنعام:74] .
وقال: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً} [مريم:42] .
ولما أَيِس منه قال: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً} [مريم:47] حتى نهاه الله عزَّ وجلَّ، {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة:114] .
فأقول لهذا الأخ: اجتهد في نصح أهلك، واجلب إليهم الأشرطة النافعة، والكتيبات، والرسائل، فإن اهتدوا فلك ولهم، وإن لم يهتدوا فلك وعليهم، ثم إن اضطررت إلى البقاء في البيت لكونك ليس لك دخل تستطيع به أن تنفرد عنهم فلا بأس أن تبقى، وتحرص على البُعد عن مشاهدة الأشياء المحرمة، أو سماع الأشياء المحرمة، وتنفرد في غرفتك، وإذا استطعتَ أن تخرج فاخرج.
وفي هذه الحال يُشْكِل على بعض الشباب أنه ربما يغضب عليه الوالد أو الوالدة! فنقول: غضب الوالد أو الوالدة يمكن إزالته بالترضِّي والمداراة؛ لكن غضب الرب لا يمكن النجاة منه إلا بأن تترك ما يُغْضِب الرب عزَّ وجلَّ، فاخرج ولا عليك، حتى ولو غضبوا فإنك ترضيهم إن شاء الله، إما بالمال أو بالمساعدة، أو بغير ذلك.(68/16)
عدم جواز المجاملة والمداراة
السؤال
ما حكم المجاملة في بعض الكلمات التي تصدر أحياناً من بعض الزملاء في العمل أو غيره؟ الشيخ: مثل ماذا؟ السائل: مثل أن يوجد رجلٌ ذو لحية فيقول آخرُ لأخيه الحليق: اجلس معنا، فهذا ليس من المتشدِّدين، أو مثل هذا القول.
الجواب
هذه بارك الله فيك تسمى: مداراة، فمداراة أهل الفسق لعل الله يهديهم هذا لا بأس به.
أما المداهنة بأن تقول: أنا أُعْفِي لحيتي، وأنت احلق لحيتك، وكلٌّ على سبيله، فهذا لا يجوز، بمعنى: كأنك تقول: لا تقل لي ولا أقول لك، فهذه مداهنة لا تجوز.
أما المداراة فتعني: أنك تجامله رجاء أن يهديه الله؛ لأن بعض الناس إذا عاملته بالعنف من أجل معصية؛ أصرَّ عليها، وإذا عاملته باللطف ربما يستجيب.
حدثني عدة أناس عن قضية وقعت، قالوا: إن هناك عاملاً -ليس عاملاً على طين، إنما هو عامل على سَوانٍ لِسَوقِ الإبل والحمير والبقر- عند غروب الشمس مر به أحد الإخوان، ومعلومٌ أن العامل يكون متعباً من الرائحة الكريهة، ومن سَوق الإبل أو الحمير، وكان في يد العامل عصا يضرب بها هذه السواني، فهذا العامل كان متعباً آخر النهار، وكان يغني، ومعلومٌ أن الغناء يشد الإنسان، ويشد أيضاً البهائم، حتى الإبل في الحداء ما شاء الله تُحَمْلِج، فعندما مرَّ عليه هذا الرجل الذي يملك غيرة شديدة تكلم على العامل، وقال له: يا الذي فيك ما فيك، وسَبَّه بما لا أحب أن أذكره الآن، وقال: صوت الرحمن مع صوت الشيطان؟! ما هو صوت الرحمن؟ الأذان، مع صوت هذا العامل.
فالعامل كاد ينفجر، فقال: إما أن تنصرف عني وإلا فهذه العصا أكسِّر بها رأسك.
وأبى الرجل أن ينصرف.
فالعامل عاند وقال: اذهب وصلِّ ولا دخل لك بي.
فجاء هذا الرجل الذي يعتبر من أهل الخير إلى الشيخ -وسُمِّي لي الشيخ؛ ولكن لا حاجة للاسم- فقال للشيخ: أنا مررتُ بالمكان الفلاني، ووجدت العامل ونصحتُه وقال لي: كذا وكذا.
فقال الشيخ: اتركه، وأنا إن شاء الله أنظرُ أمرَه.
فذهب إليه الشيخ في اليوم الثاني عند غروب الشمس، ووجده يغني، يروِّح على نفسه قليلاًَ، وينشد السواني، فركز الشيخ عصاه، ووضع المشلح عليها، ومعلومٌ أن الناس كانوا يفعلون هذا في الأول، وجاء الشيخ وسلم عليه سلاماً عادياً ومُطْمَئِناً، وقال: السلام عليكم.
فرد العامل: وعليكم السلام.
فقال الشيخ: يا ألله قَوّ! لا يقصد الشيخ قَوَّى على الغناء، بل قَوّ على الصلاة.
فلما قال الشيخ هذا الكلام انشرح صدر العامل، فذهب الشيخ وتوضأ، وجاء إلى العامل، فقال: أما تذهب معنا لتصلي؟ قد أذَّن المؤذن، وسيقيم الآن.
قال: ماذا قلتَ؟! قال: قلتُ هذا الكلام.
قال: جزاك الله خيراً، والله لقد مرَّ عليَّ شخص بالأمس وبدأ يشتم، وقال، وفعل، وترك، فقلت له: يا شيخ، طوَّل الله عمرك، والله إذا لم تنصرف من هذا المكان لأكسرنَّ بهذه العصا رأسك.
قال: يا بن الحلال! {وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63] .
فذهب الشيخ ليصلي، وإذا العامل ترك العمل وتوضأ ولحق بالشيخ، فالتفت الشيخ بعدما سلم، وإذا به يجد العامل يتم ركعةً ولم يقل له شيئاً.
وفي الليلة الثانية لم يذهب الشيخ إليه؛ ولكنه وجد هذا العامل لم يفته شيء من الصلاة.
سبحان الله! لماذا؟ لأنه أتاه بالرفق واللين.
وهذا مهم جداً في جانب الدعوة، ألا تعنِّف، قال الله للنبي عليه الصلاة والسلام: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران:159] سبحان الله! يقول الله عزَّ وجلَّ هذا لأفضل الخلق.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للحكمة: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة:269] .(68/17)
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الوتر
السؤال
في كتاب زاد المعاد لـ ابن القيم أورد الشيخ ابن القيم في معرِض كلامه عن صلاة القيام أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الوتر ركعتين وهو جالس، فهل هذه من السنة التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وما هي صفة صلاة الوتر؟
الجواب
كان النبي عليه الصلاة والسلام أحياناً يصلي بعد الوتر ركعتين جالساً، فاختلف العلماء في تخريج هذا، إذْ كيف يقول: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) ثم يصلي بعد الوتر ركعتين جالساً؟! فقال بعض العلماء: نأخذ بقول الرسول، وأما فعلُه فهو خاصٌّ به؛ لأننا إذا واجهنا الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة وقلنا: إنَّا نصلي ركعتين بعد الوتر؛ لأن نبيك صلاها، سيقول الله عزَّ وجلَّ: ألم يقل لكم نبيي: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) ؟! وهل قال: صلُّوا ركعتين بعد الوتر وأنتم جالسون؟! إذاً: فاتْبَعِ القولَ، وعلى هذا التقييم لا إشكال إذا قالوا: هاتان الركعتان صلاهما الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا نعلم هل هي تشريع للأمة، أم هي من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
وقال بعض العلماء: إن هاتين الركعتين لا تنافيان قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) لأن هاتين الركعتين بمنزلة الراتبة للفريضة، فهما دون الوتر مرتبةً، ولهذا يصليهما جالساً لا قائماً، فهما للوتر بمنزلة الراتبة للفريضة.
وعلى هذا فلا يكون في الحديث مخالفة لقوله: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) .
وهذا هو الذي ذهب إليه ابن القيم وجماعة من أهل العلم.
السائل: يا شيخ! وهل نعمل بهذه السنة؟ الشيخ: اعمل بها أحياناً.(68/18)
مسألة: أطراف الحرم ليس له حكم المسجد في أجر الصلاة
السؤال
بالنسبة للصلاة داخل الحرم المكي، هل للإنسان نفس الأجر الذي يحصل عليه داخل الحرم إذا صلى في أطراف مكة؟
الجواب
الصحيح في هذه المسألة أن الإنسان لا يأخذ الأجر، إذا صلى في مساجد مكة غير المسجد الحرام؛ لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه) يراد به مسجد الكعبة، فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة) ، وهذا نص.
وقال الله تبارك وتعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:1] وقد أُسْرِي به من الحِجْر، حِجْر الكعبة، الذي هو الجدار القصير الشمالي.
فإذاً: المسجد الحرام هو: مسجد الحرام هو: مسجد الكعبة، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تُشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام.
) الحديث، فما رأيك لو شدَدْتَ الرَّحْلَ إلى مسجد في (العزيزية) في مكة؟! هل يجوز أو لا؟! لا يجوز.
إذاً: المسجد الحرام الذي الصلاة فيه بمائة ألف صلاة؛ هو المسجد الحرام الذي تُشَدُّ إليه الرحال.
لكننا نقول: لا شك أن الصلاة في الحرم وليس في مكة فقط، بل في الحرم الدائر، الذي هو كل حدود الحرم لا شك أن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في الحِل، لا شك في هذا، فمثلاً: الآن مزدلفة حرم، ومنى حرم، فكذلك ما حول مكة يعتبر كله حرم، فالصلاة في هذا الحرم أفضل من الصلاة في الحِل، والدليل على ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان نازلاً في الحديبية، وكانت الحديبية بعضها من الحل وبعضها من الحرم، فكان نازلاً في الحل؛ لكنه كان يصلي داخل الحرم، أي: ينتقل من الحل إلى الحرم فيصلي فيه، فهو نزل في الحل؛ لأنه أوسع للإنسان، وأما الحرم فلا يستطيع الإنسان أن يقطع فيه شجرة، أو يحش حشيشاً، فالرسول نزل في الحل ليكون أوسع له، فيقطع الشجرة، ويحش الحشيش، ثم إن المعاصي في الحل أهون من المعاصي في الحرم.
فالمهم أن الذي نراه هو هذا.
وقد يقول قائل: لماذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديبية يجلس في الحل، ويصلي في الحرم؟! فهذا يدل على أن الحرم أفضل.
فنقول: نعم، هو أفضل؛ لكن كلامنا على مائة ألف، لا على أن هذا أفضل، أو أن هذا غير أفضل.(68/19)
فتنة الإنسان عند الاحتضار
السؤال
شيخي الفاضل، إني أحبك في الله، نفع الله بعلمك وبارك فيك! ذكرتَ في شرحك لهذه الآيات المباركة أن المُحْتَضَر يُفتن، فهل هذا خاص بالكافر، أم بجميع المُحْتَضَرِين؟
الجواب
أحبك الله الذي أحببتني فيه.
أما الكافر فكافر، يموت على الكفر؛ لكن المؤمن الذي على خطر هو الذي يُفتن.
السائل: قلتَ أنه يُفتن، فيقال له: كن نصرانياً، أو كن يهودياً.
الشيخ: هذا يُسمى عرض الأديان، وعرض الأديان هل هو على كل ميت؟! لا.
ليس على كل ميت؛ لكن من الناس من يُفتن، يقال إن الإمام أحمد رحمه الله في سياق الموت كان يُغمى عليه فيسمعه مَن حولَه يقول: بَعْدُ! بَعْدُ! فإذا أفاق قالوا: ما بَعْدُ! بَعْدُ! يا أبا عبد الله؟! قال: رأيتُ الشيطان يعض أنامله يقول: فُتَّنِي يا أحمد، فقلتُ: بَعْدُ! بَعْدُ! كيف هذا؟! لأن الإنسان ما دام لم تخرج روحُه فهو عرضة للفتنة.(68/20)
حكم السلام عند الدخول على مجالس العلم والذكر
السؤال
إذا دخل الإنسان على حلقة، هل يسلم أو يجلس فيستمع؟!
الجواب
إذا دخل الإنسان على حلقة ذكر، أو قرآن، أو علم، أو أي شيء فمن العلماء من يقول: لا تسلِّم؛ لأن المشغول لا يُشْغَل، فهؤلاء مشتغلون بعلمهم، أو قراءتهم، أو ذكرهم.
ومنهم من يقول: سَلِّم.
والصواب: أنه إذا كان المجلسُ مجلسَ علم عام فلا بأس أن تسلم فتقول: السلام عليكم، فمَن سَمِع يَرُدُّ، ومَن لم يسمع ليس عليه شيء.
لكن إذا كان المجلسُ مجلسَ تحقيق علم وبحث، فالأولى ألا تسلم؛ لأنك تشغل الناس، وكذلك القرآن، فبعض الناس إذا صار يقرأ عن ظهر قلب، إذا سَلَّم عليه شخص ضيَّعَ عليه موقفه، فيضطر القارئ إلى أن يعيد من أول السورة، أو من أول الآية، فالإنسان ينظر للمصلحة.(68/21)
حكم فرش المسجد باللبّاد
السؤال
سمعنا لك فتوى عن اللَّبَّاد أنه لا يجوز فرشُه في المسجد.
الشيخ: اللَّبَّاس؟! السائل: اللَّبَّاد: إسفنج يوضع تحت سِجَّاد المسجد.
الشيخ: أقول: بارك الله فيك، وفي الإخوان، وفينا إن شاء الله جميعاً: ما أكثر ما يُنسب إلي من الأقوال! وهذه بلوى، أنا لا أدري هل الرجل الذي إذا أحب شيئاً قال: لا يكون مقبولاًَ مني إلا إذا قلتُ: قال به فلان، أو قال به فلان؟ أم ماذا؟! هذا لا يجوز أبداً.
وأنا أقول لكم في هذا المكان، ولكل مَن سمع قولي هذا: إذا سمعتم عني ما تستنكرونه فراجعوني، قد أكون مخطئاً فيهديني الله على أيديكم، وربما نُقِل عني خطأً فأبيِّن أنه خطأ، وقد يكون صواباً فأبيِّن أنه صواب.
فأقول: الإسفنج لا أقول: إنه حرام؛ لكن أقول: لا ينبغي أن يصل بنا الحد إلى هذا الترف، ثم إذا كان الإسفنج ليناً فإن وضعتَ عليه جبهتك وضعاً فقط دون أن تكبس عليه فهذا لا يجزئك في السجود، وقد ذكر ذلك أهل العلم في كتبهم، قالوا: إذا سجد الإنسان على عِهْنٍ منفوشٍ أو على قطن، واقتصر على مُمَاسَّة الجبهة لهذا فقط دون أن يكبس عليها فإن سجوده لا يصح، وهذا حق، والدليل على ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يُمَكِّن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه) .
وفي قوله: (يُمَكِّن جبهته) دليلٌ على أنه لابد من التمكين.
هذا هو الجواب؛ أنني لا أحبِّذ أن يصل بنا الترف إلى هذا الحد، وإذا كان الصحابة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام يصلون على الحصباء -أي: الحصى-، وكما سمعتَ حديث أنس، إذا لم يستطع تمكين جبهته في الأرض بسط ثوبه فسجد عليه، فكيف يصل بنا الترف إلى أن نجعل مساجدنا كأنها فُرُش نوم؟! أما إنه حرام فلا أستطيع أن أقول: أنه حرام، وذلك لأنه لا يحل لأحد أن يقول في شيء أنه حرام إلا بنص، واعلموا أن أئمتنا رحمهم الله كالإمام أحمد وغيره لا يقول بالحُرْمة إلا في الشيء الذي ورد فيه نص أنه حرام، حتى لو كانت هناك أدلة دلت على تحريمه، فإنه لا يستطيع، بل كان في إجاباته كثيراً ما يقول: لا أحب ذلك، أو أكره ذلك، أو هذا لا ينبغي، أو اترك هذا، أو تجنب هذا، وأحياناً يراجَع فيقال له: هل هو حرام، فيقول: لا أدري، افعل كذا، فالتحريم شيء صعب جداً.
الآن نحن تَرِدُ إلينا أسئلة، فنقول: لا تفعل هذا، ثم يجيئك السائل فيقول: هل هذا حرام؟ فنقول: لا تفعل، وهل لا يتجنب الإنسانُ الشيءَ إلا إذا كان حراماً؟! فالمهم: أني ما قلتُ إن الإسفنج في المسجد حرام، وهذا الذي يُقال عني كذب؛ لكن ستسمعون أشياء عجيبة، إنما الواجب عليكم إذا سمعتم مثل ذلك أن تتصلوا بي وتسألوني، فالحمد لله التليفونات موجودة، والسيارات موجودة، وكل شيء بحمد الله موجود.
السائل: وهذه يا شيخ؟! الشيخ: هذه ليست بشيء، ولكن الذي يسمع لا يرى! حدِّد.
السائل: إشارة إلى السجاد.
الشيخ: السجاد ليس فيه شيء.(68/22)
مدة بقاء الميت في قبره
السؤال
يا شيخ! إني أحبك في الله، ولقد قال أحد أئمة المساجد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن مدة بقاء الميت المؤمن في قبره يجعلها الله له كصلاة عصرٍ أو ظهر، فهل هذا صحيح؟
الجواب
أحبك الله الذي أحببتنا فيه، ونسأل الله أن يجعلنا جميعاً متحابين في الله.
اعلم أن الزمن بالنسبة للميت يذهب سريعاً كأنه ليس بشيء.
وقد أمات الله رجلاً مائة عام فلما بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ، فماذا قال؟! {لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [البقرة:259] وهي مائة سنة! يوماً أو بعض اليوم؛ لأن الله قال: إن الله أماته في أول النهار وأحياه في آخر النهار.
وأهل الكهف لبثوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَمِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً، وهو نوم، والنوم ليس كالموت، بل الموت أسرع في ذهاب الوقت فيه، وهؤلاء الذين ماتوا ولهم ملايين السنين تجدهم كأنهم ما مرَّ عليهم شيء، كأنهم ماتوا الآن؛ فمن كان في نعيم تجده يمضي عليه الوقت سريعاً وأسرع بكثير؛ لكن الذي في جحيم يتباطأ الوقت عنده، ويكون الوقت عليه طويلاً، نسأل الله العافية، وهذا شيء مُشاهَد، حتى إن ابن خلدون وهو يعتبر من حكماء أهل الأخبار يقول: إن أيام الأمن وأيام الرغد تمضي سريعاً، وأيام الجوع وأيام الحروب والفتن تكون طويلة.
وهذا صحيح.
فأقول يا أخي: كل المدفونين إذا جاء يوم القيامة فكأنهم: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات:46] ، ولهذا يقول المجرمون: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس:52] كأنه مرقد.
فالحاصل بارك الله فيك! أنا لا أعرف عن هذا الحديث هل هو صحيح أم لا؛ لكن أقول لك: إن المدة تزول سريعاً، أسرع من لمح البصر، والله أعلم.(68/23)
التأمين في الصلاة السرية
السؤال
هل يُشرَع التأمين في الركعات السرية؟
الجواب
في الصلاة السرية يقال: آمين؛ لكن لا يُجهَر بها.
السائل: أعني: هل يقول المصلي: آمين أو لا يقول؟ الشيخ: إذا انتهى من الفاتحة يقول: آمين في الصلاة السرية والجهرية؛ لكن لا يجهر بها في الصلاة السرية، ويجهر بها في الصلاة الجهرية.(68/24)
المعاشرة بالمعروف لأقارب الزوج
السؤال
هل لأم الزوج حق على الزوجة؟
الجواب
لا.
أم الزوج ليس لها حق على الزوجة؛ لكن يكون مِن المعروف والإحسان، ويكون هذا مِمَّا ايوجب مودة الزوج لزوجته، فتراعيها في مصالحها، أو تخدمها في الأمر اليسير، وإذا أصبحت في الصباح تقول: صبَّحكِ الله بالخير يا فلانة! إما يا أم فلان! أو يا خالتي! لا فرق، وهذا حسن.
أما كونه واجباً فلا؛ لأن المعاشرة بالمعروف تكون بين الزوج والزوجة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(68/25)
لقاء الباب المفتوح [69]
في هذا اللقاء ألقى الشيخ الضوء على تفسير أوائل سورة البلد وما تضمنته هذه الآيات من معانٍ عظيمة، وذكر معاناة ومكابدة الإنسان في هذه الدار، وأن السعيد فيها من سعد بطاعة الرحمن ومخالفة الشيطان، والخاسر من طلب الدنيا فخسر الدنيا والآخرة، ألا ذلك هو الخسران المبين.(69/1)
تفسير آيات من سورة البلد
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع والستون من اللقاءات الأسبوعية التي لُقِّبت بـ (لقاء الباب المفتوح) ، والتي تتم في كل يوم خميس، وهذا هو الخميس العاشر من شهر ربيع الأول عام: (1451هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بتفسير سورة البلد؛ لأننا قد بدأنا تفسير جزء عم من سورة النبأ.
يقول الله عزَّ وجلَّ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ} [الفاتحة:1] : البسملة آية مستقلة، وهي من كلام الله؛ لكنها ليست من السورة التي قبلها، ولا من السورة التي بعدها، بل هي آية مستقلة تُفْتَتَح بها السور إلا سورة براءة، فإن افتتاح سورة براءة بالبسملة من البدعِ، والخروجِ عن منهج الصحابة رضي الله عنهم، بل ونحن نعلم أن البسملة لم تنزل بين سورة الأنفال وسورة التوبة؛ لأنها لو نزلت لحُفِظت، لقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] ؛ لكنها لم تنزل؛ إلا أن الصحابة عند جمع القرآن وكتابته الكتابة الأخيرة أشكلت عليهم سورة براءة، هل هي من سورة الأنفال، أم أنها مستقلة، فوضعوا فاصلاً دون البسملة.
ولي تعريجةٌ يسيرةٌ على ما سبق في الدرس الماضي في قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:25-26] فإني قرأتهما هكذا بفتحِ كلٍّ مِن (يُعَذَّبُ) و (يُوْثَقُ) ، وفسَّرتُهما على هذه القراءة؛ لأن في الآيتين المذكورتين قراءتين: القراءة الأولى: بالكسر، وهي التي في المصحف، {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:25-26] ، أي: لا يعذِّب عذابَ الله أحدٌ، بل عذابُ الله أشد، ولا يوثِق وثاقَ الله أحدٌ، بل وَثاقُ الله أشد.
القراءة الثانية: بالفتح، وهي: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:25-26] ، أي: لا يعذَّب عذابَ هذا الرجل أحدٌ، ولا يوثَق وثاقَ هذا الرجل أحدٌ، وهذا هو الذي قرأنا الآيتين عليه، وفسرناهما به.
فلأجل هذا جَرَى التنبيه.(69/2)
تفسير قوله تعالى: (لا أقسم بهذا البلد)
يقول الله عزَّ وجلَّ: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:1] .
(لا) هذه: لاستفتاح الكلام وتوكيده، وليست نافية؛ لأن المراد إثبات القسم، يعني: أنا أقسم بهذا البلد؛ و (لا) هذه أتت هنا للتنبيه والتأكيد.
و {أُقْسِمُ} القَسَم: تأكيد الشيء بذكر مُعَظَّم على وجه مخصوص.
إذاً: كلُّ شيء مَحْلُوفٍ به فإنه لابد أن يكون معظماً لدى الحالف، وقد لا يكون معظماً في حد ذاته، مثل الذين يحلفون باللات والعزى، فهي مُعَظَّمة عندهم؛ لكنها في الواقع ليست عظيمة ولا مُعَظَّمة.
إذاً: فالحلف أو القَسَم أو اليمين -والمعنى واحد- هي: تأكيد الشيء بذكر مُعَظَّم عند الحالف، على صفة مخصوصة.
وحروف القسم هي: الباء، والواو، والتاء.
والذي في الآية الكريمة هنا: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} هو حرف الباء.
{بِهَذَا الْبَلَدِ} البلد هنا: مكة، وأقسَمَ الله بها لشرفها وعِظَمها، فهي أعظم بقاع الأرض حرمة، وأحب بقاع الأرض إلى الله عزَّ وجلَّ، ولهذا بُعِث منها رسول الله صلىالله عليه وعلى آله وسلم الذي هو سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه.
فجدير بهذا البلد الأمين أن يُقْسَم به؛ ولكن نحن لا نقسم به؛ لأنه مخلوق، وليس لنا الحق أن نقسم بالمخلوق، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) ، أما الله عزَّ وجلَّ فإنه يُقْسم بما يشاء؛ ولهذا أقسم هنا بـ مكة في قوله: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:1] .(69/3)
تفسير قوله تعالى: (وأنت حل بهذا البلد)
قال تعالى: {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:2] قيل: المعنى: أقسم بهذا البلد حال كونك حالاًّ فيه؛ لأن حلول النبي صلىالله عليه وعلى آله وسلم في مكة يزيدها شرفاً إلى شرفها.
وقيل: المعنى: وأنت تستحل هذا البلد.
فيكون إقسام الله تعالى بـ مكة حال كونها حِلاًّ للرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك عام الفتح؛ لأن مكة عام الفتح أُحِلَّت للرسول عليه الصلاة والسلام، ولم تُحَلَّ لأحد قبله، ولا تَحِلُّ بعد ذلك لأحد، كما قال عليه الصلاة والسلام، (وقد عادت حرمتُها اليوم كحرمتِها بالأمس) .
فيكون إقسام الله تعالى بهذا البلد مقيَّداً بما إذا كانت حِلاًّ للرسول، وذلك عام الفتح؛ لأنها في ذلك اليوم ازدادت شرفاً إلى شرفها، حيث طُهِّرت من الأصنام، وهُزِم المشركون، وفُتِحَت عليهم بلادهم عنوة، وصارت هذه البلد بعد أن كانت بلاد كفر؛ صارت بلاد إيمان، وبعد أن كانت بلاد شرك؛ صارت بلاد توحيد، وبعد أن كانت بلاد عناد صارت بلاد إسلام، فأشرف حالٍ لـ مكة كان عند الفتح.
إذاً: في قوله: {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:2] معنيان، أرجو أن يكونا على بالكم.(69/4)
تفسير قوله تعالى: (ووالد وما ولد)
قال تعالى: {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} [البلد:3] : أي: وأقسم بالوالد وما ولد، فمَن المراد بالوالد؟ ومَن المراد بالولد؟ قيل: المراد بالوالد: آدم.
وبالولد: بنو آدم.
وعلى هذا تكون (ما) بمعنى (مَن) أي: ووالد ومَن وَلَد؛ لأن (مَن) للعقلاء، و (ما) لغير العقلاء.
وقيل: المراد بالوالد وما ولد: كلُّ والد وما ولد؛ الإنسان، والبهائم، وكل شيء؛ لأن الوالد والمولود كلاهما من آيات الله عزَّ وجلَّ، كيف يخرج -مثلاً- هذا المولود حياً سوياً، سميعاً بصيراً، من نطفة ومن ماء؟! وهذا دليل على كمال قدرة الله عزَّ وجلَّ، حيث أن هذا الولد السوي يخرج من نطفة، {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [يس:77] ، كذلك الْحشرات، وغيرها؛ تَخرج ضعيفة هزيلة، ثُمَّ تكبر إلى ما شاء الله تعالى مِن حَدٍّ.
إذاً: الصحيح أن هذه عامة، تشمل كل والد وكل مولود.(69/5)
تفسير قوله تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في كبد)
قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4] .
(اللام) هنا: واقعة في جواب القسم؛ لتزيد الجملة تأكيداً، وقد تزيد الجملة تأكيداً -أيضاً- فتكون جملةُ {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} مؤكَّدةً بثلاثة مؤكدات وهي: القسم، واللام، وقد.
{الْإِنْسَانَ} اسم جنس يشمل كل فرد من بني آدم.
{فِي كَبَدٍ} فيها معنيان: المعنى الأول: في استقامة، يعني: أنه خُلِق على أكمل وجه في الخِلْقة؛ مستقيماً، يمشي على قدميه، ويرفع رأسَه، وبدنُه معتدلٌ.
والبهائم بالعكس منه؛ الرأس على حذاء الدبر.
أليس كذلك؟! أما بنو آدم فلا، الرأس مرتفع أعلى البدن، فهو كقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] .
المعنى الثاني: قيل: المراد بالكبد: مكابدة الأشياء، ومعاناتها، وأن الإنسان يعاني المشقة في أمور الدنيا، في طلب الرزق، وفي إصلاح الحرث، وفي غير ذلك، ويعاني -أيضاً- معاناة أشد مع نفسه، ومجاهدتها على طاعة الله، واجتناب معاصي الله، وهذا هو الجهاد الذي يُعتبر أشد من معاناة طلب الرزق، ولاسيما إذا ابتُلي الإنسان ببيئة منحرفة، وصار بينهم غريباً، فإنه سيجد المشقة في معاناة نفسه، وفي معاناة الناس أيضاً.
فإن قال قائل: أفلا يمكن أن تكون الآية شاملةً للمعنيين؟
الجواب
بلى.
وهكذا ينبغي إذا وجدتَ في الكتاب العزيز آية تحتمل معنيين، وليس بينهما مناقضة، فاحملها على المعنيين؛ لأن القرآن أشمل وأوسع.
فإن كان بينهما مناقضة فانظر الراجح، فمثلاً قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] فـ (قُرُوء) : جمع قَرْء، بفتح القاف، فما هو القَرْء؟ قيل: هو الحيض.
وقيل: هو الطهر.
فهنا لا يمكن أن تحمل الآية على المعنيين جميعاً، لماذا؟! للتناقض.
لكن اطلب المرجِّح لأحد القولَين، وخُذْ به.
فهنا نقول: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4] يصح أن تكون الآية شاملةً للمعنيين: أي: في حسن قامة واستقامة، وفي كبد بمعاناة لمشاق الأمور.
ولنقتصر على هذا القدر من آيات الله البينات، لنتفرغ للأسئلة.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا جميعاً ممن يتلون كتابه حق تلاوته، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.(69/6)
الأسئلة(69/7)
نصيحة للشباب في التحذير من الفرقة
السؤال
فضيلة الشيخ! معلومٌ أنه قد تم إيقاف بعض الدعاة مِن قبل هيئة كبار العلماء، بموجب خطاب لسماحة الشيخ الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله، وهذا الخطاب موجود بين أيدي الشباب، وقد ذُكِر في آخره أن ذلك الإيقاف للدعاة حمايةً للمجتمع من أخطائهم هداهم الله، فإذا جاء شخص يحذر من هذه الأخطاء وينبِّه عليها كتلميع أسماء بعض أهل البدع، ثار الناسُ على من يحذر من هذه الأخطاء، واتهموه بالطعن في الدعاة، وأصبحوا يتعصبون لأشخاص هؤلاء الدعاة، ويعادون ويوالون فيهم، فسبَّب ذلك فتنة وفرقة بين شباب الصحوة! فما توجيه سماحتكم جزاكم الله خيراً؟
الجواب
توجيهنا لإخواننا وأبنائنا: أولاً: ألا يكون همهم القيل والقال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان ينهى عن قيل وقال) .
ثانياً: ألا يكون همهم كثرة السؤال؛ ماذا حدث لفلان؟ وماذا صار على فلان؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن كثرة السؤال) .
ثالثاً: وألا يكون همُّهم إضاعة الأوقات، وإفناء الأعمار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن إضاعة المال) وإضاعةُ الأعمار أعظم مصيبة من إضاعة الأموال، ولهذا قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99-100] ، لم يقل: لعلي أبني البناء، أو أبني القصور، أو أركب المراكب الفخمة، أو أتزوج النساء الجميلات، أو ما أشبه ذلك، لم يقل هذا، بل قال: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:100] ، فدل ذلك على أن العمر أثمن من كل ما في الدنيا، وإضاعة أوقات الشباب في مثل هذه الأمور خسارة.
فالذي أرى إذا كان الناس يثقون في هيئة كبار العلماء، وعلى رأسهم الشيخ عبد العزيز بن باز فليجعلوا الأمر في ذمتهم وتحت مسئوليتهم.
وإذا كانوا لا يثقون؛ فهذا بلاء عظيم! ألا يثق الناس بولاة أمورهم من علماء وأمراء؛ لأن ولاة الأمور هم العلماء والأمراء، كما نص على ذلك أهل العلم.
فأقول: ينبغي لنا أن نبحث عن دور ينفع الناس، ويبنون به ما كان منهدماً، وألا يرجعوا إلى الوراء في الكلام الذي لا يستفيدون منه ولا يفيدون، وربما يحمل بعضَهم على الكذب والغيبة والطعن في الآخرين، فتحصل الفرقة بعد الاجتماع، والعداوة بعد الائتلاف، ويحصل الشر.
علينا أن نبحث الآن عن كيف نعمل؟! وكيف ندعو إلى الله؟! وهل الدعوة إلى الله مقيدة بشروط يحترز الإنسان منها، ويأخذ بالشيء على ما هو عليه، دون أن يُحدِث أمراً يؤدي إلى إيقافه؟! نحن نأمر بأن يُدعَى إلى الله على بصيرة؛ لكن نأمر أيضاً بأن يكون في الدعوة حكمة يُقْصَد بها البناء، ويُقْصَد بها إصلاح الخلق في دينهم ودنياهم.
أما تناقل ما ذكره السائل من كتاب الشيخ عبد العزيز بن باز وفقه الله الموجه إلى وزير الداخلية، فلا أرى ذلك؛ لا أرى أن يتناقله الناس، ما الفائدة من ذلك؟! هذا مما يثير الناس على إحدى طريقين: طريقِ أناسٍ يتعصبون لـ هيئة كبار العلماء فيقولون: هؤلاء عندهم أخطاء يجب حماية المجتمع منها.
طريقِ أناسٍ يتعصبون لهؤلاء فيقولون: أخطأ العلماء وضلوا.
فيحصل تحزب إما إلى هؤلاء وإما إلى هؤلاء، والواجب إخماد الفتنة، وإزالة ما بها من فُرْقة، فلا أرى أن يتناقل الناس هذا الكتاب، وأرى أن مَن عنده شيء منه إن كان هناك مصلحة في حفظه فليحتفظ به، وإلا فليمزقه.
كما أرى -أيضاً- أن أشد من ذلك وأخطر ما يتناقله الناس مِمَّا يُرْسَل إلى هذه البلاد من الخارج في نشر ما يُدَّعَى أنه تقصير من الحكومة، أو إخلال بواجب عليها، أو انتهاك لِمُحَرَّم، فإن هذا أدنى ما يقال فيه: إنه غيبة؛ لأنه ينطبق عليه تماماً حد الرسول عليه الصلاة والسلام للغيبة، ماذا قال لَمَّا سئل عن الغيبة؟! قال: (ذِكرُك أخاك بما يكره) ، ولا شك أن الدولة تكره أن تُنْشَر هذه الأشياء التي تنسب إليها، تكرهها قطعاً، إذاً: فهو غيبة، والغيبة من كبائر الذنوب التي لا تكفرها الصلاة، ولا الصيام، ولا العمرة، ولا الحج، والتي يكون الإنسان فيها على خطر، أن يعاقَب، هذا إذا كان ما يُنْشَر صحيحاً ثابتاً، أما إذا كان غير صحيح بمشاهدة العيان، وسماع الآذان فإنه ينضاف إلى كونه غيبة أن يكون بهتاناً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل فقيل له: (أرأيتَ إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) .
وحسبما نسمع عن بعض هذه المنشورات أن في بعضها كذباً لا حقيقة له، وإنما المقصود التشويه.
فنحن نحذر من تناقل هذه المنشورات، ونرى أن في تناقلها إثماً؛ لأنه لا يزيد الطين إلا بلة، ولا يكسب الإنسان إلا إثماً؛ لأن مقام العلماء ومقام الأمراء والسلاطين مقام حساس، غيبة العالم ليست كغيبة رجل الشارع، وغيبة ولي الأمر ليست كغيبة الكناس ونحوه، غيبة العالم قَدْحٌ فيه بعينه، ثم تقليل للثقة فيما ينشره من شريعة الله، وهذه هي النقطة الخطيرة؛ إذا قلّت ثقة الناس بما يقوله العالم؛ فقد ضاع كل علمه أو أكثره، وعلمُه هو مِن الشريعة، وإذا قلَّت هيبة ولاة الأمور من الأمراء والسلاطين قَلَّ انقياد الناس لهم، واتباع أوامرهم التي لا تخرج عن شريعة الله، وإذا قلَّ ذلك حصلت الفوضى، وصار كل إنسان يعبث على ما يريد، فالمسألة يا إخواني خطيرة! الآن لو أن أحداً من الناس كتب منشوراً فالذي عن يمينه أو عن يساره من عامة الناس -وإن شاء الله فيهم خير- يريد أن ينشره في الناس، أفلا يعتبر هذا عدواناً عليهم؟! هذا عدوان لا شك، وغيبة.
هذا مع أنهم لو قلَّت ثقة الناس بهم، أو انحط قدرهم عند الناس، لم يؤثر شيئاً لا في الأمن، ولا في الشريعة، فكيف إذا كانت الغيبة تخل الأمن، أو تخل بالشريعة؟! وأنا بسطتُ هذا لأني رأيتُ أناساً يحبون الخير، فيظنون أن في نشر هذه المنشورات فائدة، وإني أشهد الله، ثم أشهدكم أن اعتقادي في نشر هذه المنشورات التي ليس فيها إلا الغيبة والسب من كبائر الذنوب، وأن الإنسان لا يزداد بها إلا إثماً، وأن أي فساد يحصل في المجتمع من جراء هذه المنشورات فإن الإنسان سيبوء بإثمه.
كيف نهدم هذا الأمن بأيدينا؟! أمن، ورخاء، وطمأنينة، كيف نهدمها بأيدينا؟! ألم تعلموا أن من الناس من قاموا بالدعوة المسلحة ضد الحكومات التي ليست كحكومتنا، والتي تصرِّح بأنها تحكم بغير ما أنزل الله، وتضع القوانين الفرنسية، أو الإنجليزية، أو الأمريكية، أو الروسية؛ لتحكم بين عباد الله المسلمين بهذه القوانين؟! فما الذي يحصل؟! وماذا تكون النتيجة؟! تكون النتيجة: الأذى، وازدياد هذه الحكومات عنفاً، وسلطة، ولا استقرار ولا أمن! ثم إننا نرى أن الحكومات إذا ذهبت مَن يخلفها؟! هل يخلفها رجل كـ عمر بن الخطاب؟! أجيبوا! يخلفها شر منها، وهذا شيء مُجَرَّب.
فيجب على الإنسان أن ينظر إلى العواقب والنتائج، ثم ينظر إلى ما يلاقي به ربه يوم القيامة {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] ، ماذا يقول لله عزَّ وجلَّ؟! لماذا ينشر معائب العلماء، وتنشر معائب الأمراء؟! ما هي الفائدة؟! فنسأل الله تعالى أن يهدي إخواننا للبصيرة في دين الله، والحكمة في معاملة عباد الله.(69/8)
حكم تبيين الخطأ وكيفية تبيينه
السؤال
فضيلة الشيخ! نريد ضابطاً في تحديد الغيبة! فإذا أخطأ عالِمٌ من العلماء في مسألة من المسائل مهما كان هذا العالم -مع احترامي وتقديري وكل ما يليق بمقامه- مثل قوله بأن الله عزَّ وجلَّ غير مستوٍ على عرشه، هل تبييني بأن هذه المسألة خطأ، وتحذيري منها، وتبيين ما أخطأ فيه من مسائل الدين، وأنا لستُ في درجته من العلم يُعدُّ غيبة، أم أنه لا يجوز لي أن أبينها لأنني لستُ في درجته من العلم؟! أم أن الغيبة فقط هي القدح في شخص تكون نيته سيئة؟! فما الضابط في هذه المسألة؟
الجواب
انظر بارك الله فيك! تبيين الخطأ واجب؛ لكن إذا قلتَ: مَن قال: إن الله استوى على العرش يعني: استولى عليه فقوله خطأ، وقوله منكر، ويلزم عليه لوازم باطلة، وأتيتَ بما عندك من الحجج فإنك ما عيَّنت أحداً.
فالتعميم خيرٌ من التعيين لسببين: السبب الأول: ألا يظن الظان أنك متعصب ضد هذا الشخص، ولاسيما إذا كان هذا الشخص مرموقاً بين الناس ومحترَماً، وله حسنات كثيرة.
السبب الثاني: أن يكون هذا الحكم عليه وعلى غيره ممن شاركه في هذه البدعة.
ولهذا انظر إلى مؤمن آل فرعون ماذا قال! {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر:28] ولم يقل: أتقتلون موسى؛ لماذا؟ لأنه لو عيَّنه لقيل: بينه وبين موسى ارتباط شخصي يريد أن ينتصر له، فقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً} [غافر:28] كأنه رجل نكرة، لا يعرفه، {أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر:28] .
كما فعل أبو بكر رضي الله عنه مع قريش في معاملتهم النبي صلىالله عليه وعلى آله وسلم فقال: [أتقتلون رجلاً أن يقول: ربي الله؟!] .
فالتعميم خير مِن التعيين مِن هذين الوجهين.
أما السكوت على الخطأ فهو خطأ، لاسيما إذا صدر الخطأ من شخص مرموق يؤخذ بقوله، ويُقْتَدى به؛ لكن قبل أن أبين خطأه أتصل به، وأناقشه، وأجعل مستواي في مستواه ما دام القصد الوصول إلى الحق، فإن تبين له الحق ورجع إليه؛ فهذا هو المطلوب، وإن لم يتبين وأنا أرى أنه خالف في أمرٍ لا يسوغ فيه الاجتهاد؛ فإنه في الحال هذه يجب علي بيان الحق.(69/9)
تغيير الألفاظ غير العربية المستعملة بين المسلمين
السؤال
لا يخفى عليكم كثرة الألفاظ الغير عربية المستعملة بين المسلمين مثل: (البيجر) و (الليموزين) ، والمشكلة عدم إيجاد المرادف لها من اللغة العربية إلا بعد انتشار الاسم الأعجمي، أو أن المرادف يكون طويلاً، أرجو التوجيه، وجزاكم الله خيراً!
الجواب
جزاك الله خيراً للدفاع عن اللغة العربية التي نزل بها القرآن، والتي هي أشرف لغات العالم، حتى أنه رُوِي عن النبي عليه الصلاة والسلام أن قال: (أنها لغة أهل الجنة الأولين والآخرين) .
والحقيقة كما تفضلتَ أنه ينبغي أن يُجعل بدل هذه الكلمات الأعجمية كلمات عربية، مثلاً: (البيجر) يُسمى بالعربية: (النداء الآلي) ، أو (المنادي الآلي) ، و (الليموزين) تسمى بالعربية: (سيارات الأجرة) ، وهي مكتوب عليها الآن (أجرة) ، فهذه إذا اعتادها الناس زال الاسم الأعجمي.
على أن هذه المسألة ليست ذات تغيير، وليست مهمة جداً؛ لأن هذه كلمات هي لأشياء معينة، وليست لمعانٍ تدور بين الناس وتنتقل المعاني العربية إلى معانٍ غير عربية، وقد ذُكِر في القرآن الكريم أشياء معربة وهي أعجمية مثل: (سندس) ، و (إستبرق) ، وما أشبههما.
فهذه الأعلام وإن جاءت باللغة الأعجمية إلا أنها عندي أمرها سهل؛ لكن لا شك أن الخير أن نوجد لها أسماءًَ عربية، وبشرط ألا تكون طويلة؛ لأن الاسم المطوَّل زاد الأمر بلاءً، فعندما تقول للعامي في السوق: أعطِ لي ساندويتشاً، فإنه يعطيك مباشرة.(69/10)
حكم تسمية الله بالمسعِّر
السؤل: فضيلة الشيخ! في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة غلت الأسعار، فقال الصحابة: (يا رسول الله! سَعرْ لنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله هو المسَعِّر، القابض، الباسط، الرازق) الحديث، فهل نسمي الله عزَّ وجلَّ بالمسَعِّر؟
الجواب
الذي يظهر لي أن هذه صفة من صفات الأفعال، يعني: أن الله هو الذي يُغَلِّي الأشياء ويرخِّصها، فليس من الأسماء، هذا الذي يظهر لي، والله أعلم؛ لكنا نقول كما قال الرسول.(69/11)
مساواة الهبة للميراث في العطية بين الأولاد
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يقاس الميراث فيما إذا أراد أحد الأبوين إعطاء أولاده شيئاً من المال؟
الجواب
نعم.
إذا أراد الأب أن يهب أولادَه مالاً، فهل يسوي بين الذكر والأنثى؟ أو يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين؟ نقول: الصحيح أن يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لأننا نعلم أنه لا قسمة أعدل من قسمة الله عزَّ وجلَّ.(69/12)
حكم السهر بعد العشاء
السؤال
هل النهي في الحديث عن السمر بعد العشاء للكراهة أم للتحريم؟ وما حكم لعب الكرة بعد العشاء ولو يوماً واحداً في الأسبوع؟
الجواب
كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل العشاء، والحديثَ بعدها؛ لكنه ليس للتحريم، اللهم إلا أن يؤدي ذلك إلى ترك صلاة الفجر، فيكون حينئذ للتحريم، وتحريمُه من باب سد الذرائع.
وأما لعب الكرة بعد العشاء يوماً واحداً في الأسبوع أو كل يوم فإننا نسأل أولاً: كيف يلعب هؤلاء الكرة؟ أحياناً يلعبونها على وجه غير مَرْضِيٍّ، فتجد أفخاذهم عارية، أو بعض الفخذ أو أكثر الفخذ، وهم شباب، وظهور فخذ الشاب فتنة لا شك، ثم إنه قد يؤدي بهم الأمر إلى أن يَمْضِي بهم أكثر الليل في اللعب، ثم تفوتهم صلاة الجماعة، أو تفوتهم صلاة الفجر.
فلعب الكرة لا أرى فيه بأساً من حيث الأصل، ما لم يشغل عن واجب، أو يوقِع في محرم، فيكون حراماً لِهذا السبب.(69/13)
حكم رجل طلق زوجته طلقة رجعية ثم طلقها ثانية قبل أن يراجعها
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا طلق الزوج زوجته طلقة رجعية، ثم أردف لها طلقة ثانية أثناء العدة قبل أن يراجعها، فهل تقع هذه الطلقة الثانية؟
الجواب
أكثر العلماء على ذلك، أي: على أنها تقع، فالطلقة المرادفة للطلقة تقع.
واختار شيخ الإسلام رحمه الله أنها لا تقع، وأن الطلاق الثاني لا يقع إلا بعد نكاح أو رجعة، وقوله هو الصواب.(69/14)
سؤال عن التعقيب على تفسير الشيخ السعدي
السؤال
فضيلة الشيخ! في التفسير للشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي وجدنا في أحد الطبعات تعقبات من شخص يدعى محمد زاهر النجار، فما رأي فضيلتكم في هذا التعقيب؟
الجواب
والله أنا ما راجعتُ الكتاب؛ لكن هناك أحد طلبة الشيخ عبد الرحمن رحمه الله كتب تعقيباً على هذا التعقيب في كراسة أو كراستين، وهو أخونا محمد السليمان العبد العزيز البسام.
السائل: لكن هذه التعقيبات فيها ملاحظات.
الشيخ: هو عقَّب على التعقيب.(69/15)
حكم الاتكاء على اليدين من الخلف
السؤال
مسألة إلقاء اليدين خلف الظهر والاتكاء عليهما، ما حكم هذا الفعل؟
الجواب
الاتكاء على اليدين من الخلف لا بأس به إذا كانت اليدان كلتاهما.
أما إذا كانت اليمنى فلا بأس أيضاً.
أما الاتكاء على اليسرى على بطنها، فقد ورد أن هذه جلسة المغضوب عليهم.(69/16)
الحكم على جماعة التبليغ
السؤال
انتشرت في الرياض عندنا جماعة الدعوة والتبليغ، وقد وجدنا عندهم أخطاء عظيمة، ومنها: في التوحيد، فما رأيكم؟ الشيخ: ما الذي وجدتم؟ السائل: أحدهم تكلم معي فقال: يزعم بعض الناس أن مشركي قريش اعترفوا بتوحيد الربوبية، وهذا خطأ.
الشيخ: هذه فقط؟ السائل: هناك بعض الأشياء؛ فمنهم من يقول، بل نفس هذا الشخص يقول بجواز الصلاة في مسجد فيه قبر، واستدل بالمسجد النبوي.
الجواب
جماعة التبليغ رأيي فيهم أنهم جماعة لهم تأثير عظيم، ونَفَع الله بهم، فكم اهتدى على أيديهم من كافر أو فاسق! وهذه حسنة لا يجوز إنكارها أبداً، ثم هم هادئون لا يتكلمون في أحد، بل إنهم من شدة ورعهم -الذي قد نَحْمَدهم عليه وقد لا نَحْمَدهم- أنهم لا يتكلمون في مسائل العلم والفقه خوفاً من الزلل، وإذا استفتاهم أحد قالوا: اسأل العلماء.
لكن فيهم جهل عظيم، وفيهم جهل كثير؛ لأن عامتهم عوام، فلو أن طلبة العلم خرجوا معهم ونظروا إلى ما عندهم من البدع أو ما يُظَنُّ أنه بدعة وأرشدوهم؛ لكان في هذا خير كثير! وكم من أناس فسقةٌ فسقةٌ فسقة اتصل بهم هؤلاء التبليغيون، فصاروا من أفضل عباد الله.
لكن الذي أنصح به ألا يذهبوا إلى خارج البلاد السعودية؛ لأن المَجْمَع الذي يجتمع فيه التبليغيون خارج البلاد يقال لي: إن رؤساءه أهل بدع كبيرة.
وأما قولُ مَن وافقتَ منهم: إن المشركين لا يقرون بتوحيد الربوبية، فيكفي في هذا نداءً على جهله، وأنه يقرأ القرآن ولا يعرف معناه، فإن قريشاً يقرون بالربوبية، يقول الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون:84-85] .
{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون:86-87] .
{قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون:88-89] ، فهم مُقِرُّون.
ويقول الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} [يونس:31] .
وهذا واضح صريح.
وأما استدلاله بجواز الصلاة في مسجدٍ بُنِي على قبر بالمسجد النبوي؛ لأن فيه قبر النبي صلى الله عليه وسلم فهذا أيضاً من جهله؛ لأن قبر النبي صلىالله عليه وعلى آله وسلم لم يُحْدَث في مسجد، ولم يُبْنَ عليه مسجد! وإنما دفن في بيت عائشة رضي الله عنها، لكن لَمَّا احتاج الناس إلى توسعته ورأوا أن أنسب مكان يُوَسَّع منه هي الجهة الشرقية وَسَّعُوهُ، وبقي القبر في مقصورته في مكانه في بيت مستقل، فليس هو في المسجد، ولم يُبْنَ المسجد عليه.
وهذا واضح.(69/17)
تعيين صاحب البدعة قبل إقامة الحجة عليه
السؤال
أحسن الله إليك يا شيخ! رجل وقع في بدع متنوعة في كتبه وأقواله، فهل يشترط لتسمية هذا الرجل أو غيره من الناس مبتدعاً أن تقام عليه الحجة؟
الجواب
والله -بارك الله فيك- إن كان هذا الرجل موجوداً والناس يأخذون منه وهو داعية؛ فلا بد من ذكر اسمه، وإلا فلا حاجة إلى ذلك، وإنما اذكر القول الذي ضل فيه وبين أنه ضلال، وكما قلتُ قبل قليل: إن التعميم أحسن من التعيين، أما إذا كان موجوداً -كما أسلفتَ- وترى الناس يرتادونه، ويأخذون من بدعه، فهنا قد نقول: إن تعيينه متعين.(69/18)
وجوب صلاة الجماعة على المسافر
السؤال
إنسان يسافر إلى الرياض للدراسة في الجامعة، فيذهب مساء الجمعة ويرجع إلى أهله وإلى بلده عصر الإثنين، فهل يطبق حكم المسافر من ناحية قصر الصلوات وجمعها؟
الجواب
هو مسافر لا شك؛ لأنه لم يتخذ بلد الدراسة وطناً، ولم ينوِ فيه الإقامة المطلقة، بل إقامته لغرض؛ لكنه إذا كان في بلد تقام فيه الجماعة فيجب عليه أن يحضر الجماعة، وأما ما اشتهر عند بعض العوام أن المسافر لا جماعة عليه ولا جمعة فهذا لا أصل له، بل إن الجماعة واجبة على المسافر ولو كان في القتال: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء:102] ، والجمعة واجبة على كل مَن سمع النداء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] ؛ لكن إذا فاتتك الصلاة وأنت هناك، أو كنت في مكان بعيد عن المساجد؛ فإنك تصلي الرباعية ركعتين.(69/19)
صحة صلاة أكثر من فرد خلف صف لم يُكمل
السؤال
قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) ، لو جاء أكثر من رجل وأدركوا الإمام وهو راكع، ووقفوا في الصف الثاني مع وجود فجوات من اليمين والشمال، هل نقول إن صلاتهم لا تصح أو عليهم الإعادة؟
الجواب
إذا وقف اثنان خلف الصف الذي لم يتم، سواء خافوا فوات الركعة أم لم يخافوا، فصلاتهم صحيحة؛ لكنهم تركوا الأفضل، وهو إكمال الأول فالأول.
السائل: هذا على قول من قال بصحة صلاة المنفرد.
الشيخ: نعم.
على قوله؛ لأنه ليس منفرداً، فالرسول عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً يصلي وحده خلف الصف.
على أن القول الراجح أنك إذا وجدتَ الصف تاماً فلا حرج عليك أن تقف منفرداًَ.(69/20)
سبب التنوين في قوله تعالى: (يوم لا يغني مولىً عن مولىً شيئاً)
السؤال
فضيلة الشيخ! قوله تعالى: {يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلَىً عَنْ مَوْلَىً شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} [الدخان:41] ما سبب التنوين في قوله: {مَوْلَىً عَنْ مَوْلَىً} [الدخان:41] ؟
الجواب
هذا مثل {هُدَىً} [البقرة:2] فالألف هنا ليست ألف تأنيث، فالذي يمتنع من التنوين إذا كانت الألف فيه ألف تأنيث، أما هذه فهي من الاسم من بُنية الكلمة، مثل: (هدىً) ، ورِضَاً، وما أشبههما.(69/21)
حكم نكاح الشغار
السؤال
يا شيخ! انتشر في القرى المجاورة نكاح الشغار، وهناك رجل عمره (50) سنة تقريباً خطب فتاة صغيرة في السن، فزوَّجه والدها على أساس أن يزوج هذا الرجلُ الخاطبُ ابنتَه لوالد هذه الفتاة، وكان بينهما صداق، فما هو موقف الداعية القريب منهما في هذا الأمر؟ ونصيحتك يا شيخ لمثل هؤلاء!
الجواب
إذا كان بينهما صداق فالأمر سهل، بشرط أن يكون صداق المثل، فيكون النكاح صحيحاً؛ لأن الفقهاء رحمهم الله مختلفون في هذه المسألة: إذا سُمِّي صداقٌ صداقَ مثل، وبدون إكراه من الزوجة هل يصح أو لا! والراجح أنه يصح.
لكن ليس قولي: إنَّ الراجح أنَّه يصح أنِّي أفتح الباب للناس، لا؛ لكن في مثل هذه المسألة التي وقعت وانتهت ولها خمسٌ وعشرون سنة، وقد أتاهم الأولاد، فإننا لا نفرق بينهم.
السائل: حصل قريباً يا شيخ! الشيخ: حتى ولو كان قريباً، ما دام المهر كاملاً.
وأنا أرى أن نكاح الشغار صحيح إذا تمت فيه شروط ثلاث: الأول: أن يكون كلٌ من الزوجين كفؤاً للمرأة.
الثاني: أن يُسمى مهرُ المثل.
الثالث: ألا تُكرَه واحدةٌ منهما على النكاح.
أنا أرى أن هذا صحيح؛ ولكن لا يجوز للإنسان أن يمنع ابنته حتى يأتيه رجل يتفق معه على هذه الشروط، هذا حرام ولا يجوز.(69/22)
الشعر الذي على الخد من اللحية
السؤال
فضيلة الشيخ! هل الشعر الذي على الخد يعتبر من اللحية؟
الجواب
الشعر الذي على الخد من اللحية، كما جاء ذلك في القاموس المحيط للفيروز آبادي.(69/23)
الرد على من يرتكب الأشياء المحرمة بحجة عدم تحريمها
السؤال
عندما نناصح بعض أصحاب المحلات بحرمة بيعِ الدخان -كما أفتيتم بذلك- وبعضِ المجلات الساقطة، يحتجون بأنها مسموحة، ولو أنها حرام لَمُنِعَت، فكيف يكون الرد على هؤلاء وعلى كثير من أمثالهم بما يحصل من المسلسلات الساقطة أيضاً، والأغاني الماجنة، يقولون أيضاً: لو كانت حراماً لَمُنِعَت، فكيف يُرَدُّ على هؤلاء؟ عفا الله عنك!
الجواب
الرد سهل، وأنا أسألكم: ما مصدر التشريع؟ عمل الناس، أو الكتاب والسنة؟ - الكتاب والسنة.
فإذا دل كلٌّ من الكتاب والسنة على تحريم شيء فلا عبرة بعمل الناس، وليس ذلك بحجة، ولا يمكن أن يدفع الإنسان حجة الله عليه يوم القيامة بمثل هذا إطلاقاً، لقول الله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] ما قال: ماذا وافقتم فيه المجتمع؟ قال الله تعالى: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ} [القصص:66] ، عَمِيَت عليهم أنباؤهم، فلا يستطيع الواحد منهم أن يجيب ولا يسأل غيرَه أيضاً.
فيقال: نحن أقمنا عليك الحجة، فإن اهتديتَ فلنفسك، وإن لم تهتدِ فقد قال الله تعالى لرسوله: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} [الغاشية:22-23] يعني: لكن من تولى وكفر، {فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ} [الغاشية:24] .(69/24)
دفع الزكاة بقصد نمو المال والبركة فيه لا بنية الامتثال
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض الناس يقول: إني لا أزكي مالي أو لا أتصدق إلا بقصد نماء هذا المال والبركة فيه، فما توجيهكم؟
الجواب
لا بأس؛ لكن نيتُه -في الواقع- متأخرة جداً، وإلاَّ فإن قصد هذه الأشياء قد نبَّه الله عليه، قال نوح لقومه: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح:10-12] ، هذا الذي ذَكَرَ لهم يقصد به الترغيب لأجل أن يفعلوا هذا لهذا؛ لكن نيتهم قاصرة لا شك.
ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما نَقَصَتْ صدقةٌ مِن مال) يرغِّب الناس.
وقال أبْيَنَ من هذا: (من أحب أن يُنْسَأ له في أَثَرِه، ويُبْسَطَ له في رزقه فليَصِلْ رَحِمَه) .
فلم يجعل الله عزَّ وجلَّ هذه الفوائد الدنيوية إلا ترغيباً للناس، وإذا كانوا يُرَغَّبون بها فسوف يقصدونها؛ لكن لو قصد الآخرة حصلت له الدنيا، كما قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} [الشورى:20] يعني: نعطيه الدنيا والآخرة.(69/25)
حكم قيام الناس للرجل إذا دخل المجلس
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا دخل الرجل إلى المجلس، فقام الناس للسلام عليه سواءً كان قادماً من سفر، أو جاء من نفس البلدة، فما حكم هذا السلام؟
الجواب
لا بأس أن يقوم الإنسان للشخص ليتلقاه بالسلام، أو التهنئة بمولود، أو نحو ذلك، فقد قام طلحة رضي الله عنه حين أقبل كعب بن مالك ودخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه، فقام طلحة يهنئه بتوبة الله عليه، قال: (فكنتُ لا أنساها لـ طلحة) ، فهذا لا بأس به.
ولهذا يقول العلماء في هذا الباب: هناك ثلاثة أصناف للقيام: قيام للشخص، وقيام إلى الشخص، وقيام على الشخص.
فالقيام للشخص: جائز؛ لكن الأولى تركه، إلا إذا اعتاد الناس أن عدم القيام إهانة للداخل فلْيُقَمْ له.
والقيام إلى الشخص: جائز، بل يكون مطلوباً إذا كان الشخص أهلاً لذلك.
والقيام على الشخص: هذا منهِيٌّ عنه، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم صلى بأصحابه جالساً وصلوا هم قياماً؛ لأنهم قادرون، فأشار إليهم أن اجلسوا.
وبين أن ذلك منهيٌّ عنه؛ لأنه فعلُ الأعاجم بملوكها؛ إلا إذا كان فيه مصلحة للإسلام فقُمْ، أو كان هناك خوف على الذي قمت على رأسه فقُمْ.
مثال المصلحة: تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وعلى آله وسلم لما ذهب إلى مكة معتمراً صده المشركون، وكان بينه وبينهم مراسلات، وكان المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قائماً على رأسه بالسيف، ولم يقل له الرسول: لا تقُمْ! لماذا؟ للمصلحة، وهي إغاظة المشركين.
ولهذا في ذلك اليوم كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا تكلم سكتوا، وإذا تنخم نخامة استقبلوها بأيديهم، ثم دلكوا بها وجوههم وصدورهم، مع أنه لم يكن هذا من عادتهم؛ ولكن فعلوا ذلك إغاظة للمشركين.
ولهذا لَمَّا رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يتبختر في مشيته بين صفَّي المسلمين والكفار، قال: (إنها لَمِشْيَةٌ يبغضها الله إلا في هذا الموطن) ، فمِشْيَةُ الخيلاء والتبختر حرام؛ لكن إذا كان فيها إغاظة للمشركين فلا بأس.
فانتبهوا لهذه الأقسام الثلاثة، وهي: القيام للشخص، والقيام إلى الشخص، والقيام على الشخص.(69/26)
حكم القصر لمن يسافر مسافة (90كم)
السؤال
نحن نبعُد عن مدينة بريدة ما يقرب من (90كم) ونحضر للدراسة يومياً في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ونلاقي من المشقة ما الله به عليم، لاسيما في طريق العودة، ونحن نحضر يومياً، فهل نقصر في صلاتنا؟
الجواب
أرى ألا تقصروا في صلاتكم؛ لأن هذا الذهاب لا يُعَدُّ سفراً، إذ أنكم تفطرون في بيوتكم وتتغدون في بيوتكم، فالذي أرى ألا تقصروا.
ويرى بعض العلماء الذين يقدِّرون السفر بالمسافة أن مسافة القصر نحو [81كم] أو [83كم] فعلى هذا الرأي تكونون من المسافرين، ويجوز لكم الترخُّص؛ لكني لا أرى أن تفعلوا، فأتموا، والمسألة والحمد لله زيادة ركعتين، وهي سهلة لا تضر الإنسان.(69/27)
حكم المأموم الذي ركع إمامه قبل إكماله للفاتحة
السؤال
إذا دخل المأموم بعد الإمام ثم ركع الإمام قبل أن يكمل المأموم الفاتحة، فهل يركع المأموم أم يكمل قراءة الفاتحة؟
الجواب
إذا دخل المأموم والإمام يريد أن يركع، ولم يتمكن المأموم من قراءة الفاتحة، فإن كان لم يبقَ عليه إلا آية أو نحوها بحيث يمكنه أن يكملها ويلحق الإمام في الركوع فَحَسَنٌ، وإلاَّ ركع مع الإمام ولا شيء عليه.(69/28)
حكم دم الصيد الذي يصيب بدن المرء
السؤال
لو رميتُ صيداً وأصابني منه دم، فهل هذا الدم يعتبر بمثابة الدم المسفوح أو أنه يختلف؟ الشيخ: أصابك قبل أن يموت أو بعد أن مات؟ السائل: عندما رميتُه سقط، فأصابني منه وهو يسقط.
الشيخ: سقط ميتاً أو حياً؟ السائل: سقط وهو يموت.
الجواب
نعطيك قاعدة بارك الله فيك وهي: أن كل دم يخرج من حي فهو دم مسفوح، قد يكون طاهراً وقد يكون نجساً، فإن خرج الدم مِمَّا مَيْتَتُه نجسة فهو نجس، وإن خرج مِمَّا مَيْتَتُه طاهرة كالسمك فهو طاهر.
أما ما يخرج من الدم بعد موت المُذَكَّاة، أو موت المَصِيْدَة فإنه طاهر، حتى لو ظهرت حُمْرَته في القدر حال الطبخ فهو طاهر.
وإلى اللقاء القادم إن شاء الله تعالى.
نسأل الله أن يحيينا وإياكم حياة طيبة تقربنا إليه.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.(69/29)
لقاء الباب المفتوح [70]
لقد خلق الله هذا الإنسان في كامل الرفعة والتمام في الخلقة والعقل، فهو في هذه الدنيا يعيش مع مكابدة المشاق من الأعمال الدنيوية والأخروية، بالإضافة إلى أن هذا الإنسان الضعيف إذا كان في كامل صحته وعنفوان شبابه مع وجود الغنى وبسط الرزق له أهلكه في شهواته، يقول: إنه لا يقدر عليه أحد ونسي أن هناك من يراقبه، فإن الله الذي خلقه هو الذي امتن عليه بنعمة البصر واللسان والشفاه وغيرها من النعم بجانب هدايته إلى طريق النجدين.(70/1)
تفسير آيات من سورة البلد
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو يوم الخميس الثامن عشر من شهر ربيع الأول، والذي يتم فيه اللقاء مع الإخوة في كل أسبوع.
وهذا هو اللقاء الموفِي للسبعين لقاء، والذي يتم في شهر ربيع الأول من عام (1415هـ) .
ومن عادتنا أن نتكلم أولاً عن تفسير آيات كنا معها من سورة النبأ حتى انتهينا إلى أول سورة البلد في قوله تبارك وتعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ * أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَداً * أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} [البلد:4-7] ، بيَّنا أن قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4] له معنيان عند أهل العلم: المعنى الأول: التمام والرفعة في الخِلْقَة، والعقل، وغير ذلك.
المعنى الثاني: مكابدة المشاق في الأعمال الدنيوية والأخروية.
والقاعدة في تفسير كتاب الله عزَّ وجلَّ يا إخواننا: أن الآية إذا كانت تحتمل معنيين لا تناقض بينهما، فإنها تُحمل على المعنيين جميعاً؛ لأن ذلك أوسع في التفسير والعلم.(70/2)
تفسير قوله تعالى: (أيحسب أن لن يقدر عليه أحد)
ثم قال الله عزَّ وجلَّ: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} [البلد:5] أي: أن الإنسان في نفسه وقوته يظن أن لن يقدر عليه أحد؛ لأنه في عنفوان شبابه، وقوته، وكبريائه، وغطرسته، فيقول: لا أحد يقدر عَلَيَّ، فأنا أعمل ما شئتُ، ومن ذلك قوله تبارك وتعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:15] فقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت:15] .
إذاً فالإنسان في حال صحته، وعنفوان شبابه يظن أنه لا يقدر عليه أحد، وهذا لا شك بالنسبة للكافر، حتى أنه يظن أن الرب عزَّ وجلَّ لا يقدر عليه.
أما المؤمن فإنه يعلم أن الله قادر عليه، وأنه على كل شيء قدير، فيخاف الله.(70/3)
تفسير قوله تعالى: (يقول أهلكت مالاً لبداً)
قال تعالى: {يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَداً} [البلد:6] : يقول الإنسان أيضاً في حال غناه وبسط الرزق له: أهلكتُ مالاً لُبداً، أي: مالاً كثيراً، أهلكه في شهواته وملذاته.(70/4)
تفسير قوله تعالى: (أيحسب أن لم يره أحد)
يقول الله عزَّ وجلَّ: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} [البلد:7] أيظن هذا أنه لا يراه أحد في تبذيره للمال، وصرفه فيما لا ينفع؟! وكل هذا تهديد للإنسان ألا يتغطرس، وألا يستكبر من أجل قوته البدنية، أو كثرة ماله.(70/5)
تفسير قوله تعالى: (ألم نجعل له عينين)
قال الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8-10] هذه ثلاث نعم من أكبر النعم على الإنسان.
{أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} [البلد:8] أي: يبصر بهما، ويرى بهما، وهاتان العينان توصلان إلى القلب ما نظر إليه الإنسان، إن نظر نظرة محرمة كان آثماً، وإن نظر نَظَراً يقربه إلى الله كان غانماً، وإن نظر إلى ما يباح له، فإنه لا يُحْمَد ولا يُذَم ما لم يكن هذا النظر مُفْضياً إلى محظور شرعي، فيكون آثماً بهذا النظر، أو العكس.
قال تعالى: {وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ} [البلد:9] : لساناً ينطق به، وشفتين يضبط بهما النطق، وهذه من نعم الله العظيمة؛ لأنه بهذا اللسان وبالشفتين يستطيع أن يعبر عمَّا في نفسه، ولولا هذا ما استطاع، لو كان لا يتكلم فكيف يؤدي ما في قلبه؟! كيف يُعلم الناس بما في نفسه؟! اللهم إلا بإشارة فإنها تُتْعِب المشير، وكذلك المُشار الذي أُشِيْرَ له؛ ولكن من نعمة الله أن جعل له لساناً ناطقاً، وشفتين يضبط بهما النطق، وهذا من نعمة الله، وهو أيضاً من عجائب قدرته، فمن أين يأتي النطق؟! يأتي من هواء يكون في الرئة فيخرج من مخارج معينة، فإن مَرَّ بشيء صار حرفاً، وإن مَرَّ بشيء آخر صار حرفاً آخر، وهو هواء واحد، من مخرج واحد؛ لكنه يمر بشعيرات دقيقة في الحلق والشفتين واللثة، هذه الشعيرات تكوِّن الحروف، فنجد مثلاً: الباء والشين كلاهما يحدث بهواء يندفع من الرئة، ومع ذلك تختلف باختلاف ما تمر عليه في هذا الفم من مخارجِ الحروف المعروفة، وهذا من تمام قدرة الله عزَّ وجلَّ.(70/6)
تفسير قوله تعالى: (وهديناه النجدين)
قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10] : هناك قولان في تفسير هذه الآية: القول الأول: أي بيَّنا له طريق الخير وطريق الشر.
القول الثاني: أي: دَلَلْناه على ما فيهما غذاؤه، وهما الثديان، فإنهما نجدان لارتفاعهما فوق الصدر، فهداه الله تعالى إليهما وهو رضيع لا يعرف شيئاً، فمن حين أن يخرج وتضعه أمه يطلب الثدي، من الذي علَّمه؟! إنه الله عزَّ وجلَّ.
فبيَّن الله عزَّ وجلَّ منتَه على هذا الإنسان، فمِن حين يخرج يهتدي إلى النجدين.
وفي بطن أمه يتغذى عن طريق السرة؛ لأنه لا يستطيع أن يتغذى من غير هذا، فلو تغذى عن طريق الفم فإنه يحتاج إلى بول وغائط، وكيف يمكن ذلك؟! لكنه عن طريق السرة يأتيه الدم من دم أمه، وينتشر في عروقه حتى يحيا إلى أن يأذن الله تعالى بإخراجه.
والحمد لله رب العالمين.(70/7)
الأسئلة(70/8)
مسألة رؤية الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة
السؤال
هل صحيح ما يُروى عن الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- أنه رأى ربه في المنام؟ وإذا كان صحيحاً فكيف كانت الرؤية؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه مسألة عظيمة: وهي رؤية الله سبحانه وتعالى.
فرؤية الله تعالى في الآخرة أمر ثابت بالقرآن، والسنة، وإجْماع السلف ولكن هل إذا رؤي يُدرك؟! الجواب: لا، لأن الله قال: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام:103] سبحانه وتعالى.
وكم من شيء نراه ولا ندركه، إما لصغره، وإما لبُعده، وإما لغير ذلك من الأسباب! فالله عزَّ وجلَّ يُرى ولا يُدرك.
ولا حاجة إلى سرد الأدلة كلها في ذلك؛ ولكن نشير إشارة يسيرة: يقول الله تبارك وتعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23] .
فالأولى بالضاد بمعنى: حَسَنَةٌ.
والثانية: بالظاء بمعنى: النَّظَر بالعين.
وهذا يكون في المؤمنين؛ لأنه قال في مقابل ذلك: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} [القيامة:24-25] .
وقال تعالى في الكفار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] : مفهومُها: أن غيرَ الكفار غيرُ محجوبين.
وفي السنة المتواترة: أن الله تعالى يُرى: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامُون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغْلَبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) فالأولى: صلاة العصر، والثانية: صلاة الفجر.
والأحاديث في ذلك كثيرة ومتواترة.
وأما السلف فمُجْمِعون على ذلك.
هذا في الآخرة.
أما في الدنيا فإن الله لا يُرى، ولقد سأل موسى عليه الصلاة والسلام وهو أحد أولي العزم من الرسل، سأل ربه أن ينظر إليه: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً} [الأعراف:143] اندكَّ الجبل بمجرد أن تجلى الرب له، فلما رأى موسى هذا المنظر خَرَّ صَعِقاً، وغُشِي عليه من هول ما رأى، وعلم أنه لا يمكن أن يرى ربه؛ لأنه إذا كان الجبل لم يستطيع أن يبقى على ما هو عليه حين تجلى له الرب عزَّ وجلَّ، فإن الإنسان من باب أولى.
ففي الدنيا لا يُرى الله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) .
بقي هل يمكن أن يُرى الله في المنام؟ نقول: أما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد رأى ربه في المنام.
وأما غيرُه ففي النفس شيء من ذلك، حتى ما يُروَى عن الإمام أحمد في نفسي منه شيء؛ لأن عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) يشمل اليقظة والمنام، وإذا كان يشمل هذان فلا يمكن أن نقول: إنه يمكن أن يُرى في المنام! وإذا رُؤي في المنام فكيف يُرى؟! إذا كان الشيطان لا يتمثل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلن يتمثل بالله! وأنت إذا رأيت الله سبحانه وتعالى على ما هو عليه في المنام فلستُ أدري، وأنا في شك مما يُروى عن الإمام أحمد أو غيره أنه رأى الله عزَّ وجلَّ.
وأما في الآخرة فإن المؤمنين يرون ربهم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.
السائل: أليس صحيحاً ذلك عن الإمام أحمد؟ الشيخ: والله أنا في شك.(70/9)
حكم مقولة: (الأول أينما كنت) (نحن معكم أينما كنتم)
السؤال
جزاك الله خيراً يا شيخ! هناك عبارة وجدتها مكتوبة على إحدى الدعايات على أحد أنواع الشاي، تقول: (الأول أينما كنتَ) ، وهناك أيضاً عبارة على أحد البنوك تقول: (نحن معكم أينما كنتم) ، فلستُ أدري! هل مثل هذه العبارات جائزة على إطلاقها؟ أم أن لها قيوداً؟ أم أنه لا يجوز إطلاقها البتة إلا على ذات الله عزَّ وجلَّ؟!
الجواب
هذه العبارات في الشاي: (الأول أينما كنتَ) ، يريد صاحبها: أن هذا النوع من الشاي هو الرقم الأول أينما كان الإنسان، وهذه العبارة لا تنبغي، والمقصود منها: هو الدعاية لهذا الشاي.
ولا أظن أن الذي كتبها يخطر في باله أنه يريد بكلمة (الأول) ما يُراد إذا ذُكِر الله، لا أظن هذا.
وكذلك عبارة (نحن معكم أينما كنتم) ، نقول: لا حيَّاكم الله ولا بيَّاكم أيتها البنوك، ولا نريد أن تكونوا معنا، ولا نكون معكم، ونسأل الله تعالى أن ييسر تحويل هذه البنوك إلى معاملات إسلامية في أقرب وقت ممكن.
فهم يريدون أيضاً أن هذا البنك معك أينما كنت، بمعنى: أنك إذا كنتَ في بلدك استطعت أن تستفيد، وإذا كنت في بلدٍ آخر استطعت أن تستفيد كما حدث الآن في الآونة الأخيرة، ولا أظن أيضاً أنهم يريدون معية الله عزَّ وجلَّ لخلقه، لا أظن هذا.
لكن مع ذلك أرى أن تستبدل هذه العبارات.
فأما عبارة الشاي فيقال: (هذا أحسن شاي) ، إن كان صادقاً، فربما لا يكون أحسن شاي؛ لكن على تقدير أنه صادق.
وأما البنوك فيحسُن أن تُبْدَل العبارة بعبارة أخرى، مثل: (نرجو أن تعيننا على أن تتحول هذه البنوك إلى بنوك إسلامية) .(70/10)
جواز استخدام الدف للرجال في المناسبات
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم استعمال الدف في العَرْضات والمناسبات للرجال؟ وما حكم التصفيق لهم؟
الجواب
أما الدف فلا بأس به للرجال عند قدوم غائب كبير، أو لمناسبات كالأعياد وشبهِها.
وأما في الأعراس فالذي تستعمله النساء فقط.
أما الطبل فلا يجوز مطلقاً.
والفرق بين الدف والطبل أن الدف مفتوح من أحد الجانبين، وأما الطبل فهو مقفل من الجانبين.
وأما التصفيق فلا نرى هذا؛ لأن التصفيق لَهْوٌ لا فائدة منه، فلا نرى أن يصفق الرجال، بل ولا النساء أيضاً في الأعراس، ويكفي ما جاءت به السنة من اللهو.(70/11)
توضيح ما ذكره ابن القيم في السترة
السؤال
ذكر ابن القيم في زاد المعاد "أن مِن سنة النبي عليه الصلاة والسلام في السترة أن لا يكون المصلي مُتَعَمِّداً لها، أو أمام وجهه، وأن لا يصمُد إليها" فلو وضَّحتَ هذا يا شيخ!
الجواب
يقول العلماء رحمهم الله: إذا وضعتَ سترة في الصلاة فلا تقابِلْها مقابلةً تامة، بل اجعلها عن يمينك شيئاً ما، أو عن يسارك شيئاً ما، لأنه ورد حديث بذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ لكن الحديث الذي ورد في هذا لَيِّن؛ أي: فيه شيء من الضعف.
وظاهر الأدلة أن السترة تكون بين يدي المصلي تماماً، وأنه يستقبلها بدون أن تكون عن يمينه أو عن شماله.
والأمر في هذا واسع؛ إن صَمَد إليها صَمْداً فلا بأس، والإنسان بعيدٌ عن أن يجعلها كالصنم، وإن جعلها عن يمينه أو عن يساره شيئاً ما فلا بأس.(70/12)
جواز التصوير بكاميرا الفيديو للحاجة
السؤال
فضيلة الشيخ ما حكم التصوير بكاميرا الفيديو؟
الجواب
التصوير بكاميرا الفيديو إذا كان لمصلحة فلا بأس، كتصوير محاضرات، أو معلومات تفيد الإنسان.
وأما إذا كان عبثاً فأقل ما فيه أنه إضاعة للمال والوقت في التصوير وفي عرضها على جهاز التلفاز، وفي الوقت أيضاً.
فالمهم أنه إذا كان لحاجة أو مصلحة فلا بأس، وإلاَّ فتركه أفضل.(70/13)
جواز الدخول إلى الخلاء بالشريط الإسلامي
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم الدخول بالشريط الإسلامي إلى دورات المياه إذا كان فيه قرآن؟
الجواب
أولاً: أخونا سلَّم وهو جالس معنا، وهذا ليس من السنة؛ لأن الصحابة كانوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم في مجلسه، ولا يبتدئون ذلك بالسلام.
لكن حيث أن السائل سلَّم متأوِّلاً أن السلام مشروع فإننا نقول له: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
أما بالنسبة للأشرطة التي فيها القرآن أو الأحاديث أو المواعظ فإن الدخول بها إلى محل قضاء الحاجة لا بأس به، لأنها ليست مكتوبة، ولهذا لو فَلَلْتَ سَيْرَ الشريط ما قرأتَ منه شيئاً، بخلاف المكتوب، فالمصحف يحرُم على الإنسان أن يدخل به الخلاء إلا إذا خاف عليه من سرقة أو نحوها، وأما هذا فلا بأس به؛ لأنه ليس مكتوباً.(70/14)
حكم إرسال واستقبال الحوالة بواسطة البنوك الربوية
السؤال
فضيلة الشيخ ما حكم إرسال واستقبال الحوالة بواسطة البنوك الربوية؛ لأنها أسرع؟ الشيخ: صفها لي! السائل: أرسل شخصٌ حوالةً إلى شخص ما في مدينة ما عن طريق بنك ربوي للاستفادة من الوقت؛ لأن فيه سرعة، فما الحكم في ذلك يا شيخ؟!
الجواب
أقول لكم قاعدة مهمة: معاملة البنوك على وجه مباح لا بأس بها -فمثلاً- لي أن أشتري منهم، أو أصرف منهم، أو أحوِّل عن طريقهم، فلا بأس بهذا؛ لكن المحظور هو الربا، فإذا لم يكن رباً فلا بأس، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه اشترى من اليهود، وقبل الهدية منهم، وهم يأكلون السحت، ويأخذون الربا، وقد مات عليه الصلاة والسلام ودرعُه مرهونة عند يهودي.
أفهمت الجواب الآن؟ فلا بأس أن تحول عن طريق البنوك.
السائل: فما المحرم فيها إذاً؟ الشيخ: المحرم هو الفائدة، أو التي يسمونها فائدة وهي في الحقيقة خسارة، فالمحرم هو الربا وهو أن تضع مالاً فتُعطَى عوضاً عن وضعِه، أو أن تأخذ مالاًَ وتُعْطِيهم عوضاً عن أخذه.(70/15)
حكم تصرف الوكيل بمال الموكل بدون إذنه
السؤال
يا شيخ! إذا أعطاني إنسانٌ نقوداً أو كتباً لعمل مشروع خيري، ثم أخذتُ هذه وبعتُها بمبلغ فيه ربح، واستخدمتُ هذا المبلغ في نفس المشروع الذي أعطاني النقود من أجله، والزيادة استخدمتُها في مشروع خيري آخر، فهل هذا جائز؟
الجواب
معنى ذلك أنك تصرفت فيها وكَسَبَتْ، وتريد أن تضع رأس المال في المشروع المنصوص عليه، والباقي في مشروعٍ آخر! أولاً: مَن أعطي شيئاً لعمل مشروعٍ معين فإنه لا يجوز له أن يتصرف فيه أبداً، بل لابد أن يصرفه فيما أُذِنَ له فيه؛ وذلك لأن الوكالة مقيِّدة للوكيل فيما وُكِّل له فيه، لا يزيد عليها ولا ينقص.
ثانياً: لو فُرِضَ أن الرجل فَعَل ورَبِحَ هذا التصرُّف، فالواجب صرف الربح في المشروع الأول الذي نص عليه صاحب الدراهم؛ لأن الربح تَبَعٌ للأصل، ولا يجوز أن يصرفه في مشروع آخر إلا بإذن صاحبه.(70/16)
حكم الأذان لمن فاتته صلاة الجماعة
السؤال
جزاك الله خيراً يا شيخ! ما حكم الأذان لمن فاتته صلاة الجماعة سواء كان فرداً أو جماعة؟ وإذا أُخِّرت الصلاة، هل يؤخَّر الأذان تبعاً لها أم يكون على موعد وقت دخول الصلاة؟
الجواب
أما الأذان للواحد فسنة وليس بواجب؛ لأن الأذان للإعلام بدخول الوقت والدعوة إلى الصلاة، والواحد يعلم بنفسه، وأما إذا كانوا جماعة فيجب عليهم الأذان، سواءً في الحضر، أو في السفر؛ لكن في الحضر يُكْتَفَى بأذان الناس، وفي السفر لابد أن يؤذنوا؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أذن لـ مالك بن الحويرث ومن معه أن ينصرفوا قال: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) فأمر بأذان الواحد منهم.
وعلى هذا فيجب على من كانوا في سفرٍ أو في نزهة ولا يسمعون أذان البلد أن يؤذنوا.
وأما هل يكون عند دخول الوقت أو عند فعل الصلاة؟ فنقول: يكون عند فعل الصلاة، إلا إذا كنتَ في البلد فلابد أن تؤذن على الوقت؛ لأن الناس قد لا يريدون التأخير، ودليل هذا ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر، فقام بلال ليؤذن فقال له: (أبْرِد) وكان ذلك في شدة الحر، ثم أراد أن يؤذن فقال له: (أبْرِد) مرتين أو ثلاثاً، حتى رأوا فَيْء التلول، ثم أذِنَ له بالأذان، فدل ذلك على أنه يتبع الصلاة؛ لكن في البلد يتبع الوقت؛ لأن الناس ليسوا متفقين على أن يؤخروا الصلاة، فيؤذن في أول الوقت، ومن كان له عذر شرعي وأخَّر الصلاة فلا حرج.(70/17)
حكم ما يسمى بالتمثيل الإسلامي
السؤال
فضيلة الشيخ ما حكم التمثيل أو ما يسمى بالتمثيل الإسلامي الذي يقام في بعض الجمعيات الخيرية والمراكز الصيفية؟
الجواب
التمثيل نرى أنه لا بأس به إذا كان لعلاج مشكلة من مشاكل المجتمع، بشرط أن لا يتضمن محظوراً شرعياً كأن يمثل الرجل دور امرأة أو تمثل المرأة دور الرجل، أو يمثل الرجل دور أحدٍ من أئمة المسلمين، أو السلف الصالح أو ما أشبه ذلك.
فإذا كان لا يتضمن محظوراً فلا حرج فيه.(70/18)
الحكم على الرافضة وكيفية التعامل معهم
السؤال
بالنسبة للرافضة، هل يعتبروا كفرة؟ وكيف يكون تعامل المسلم معهم؛ حتى إن بعض الرافضة يُظهِر الحقد لـ أهل السنة، فكيف يكون التعامل معهم يا شيخ؟
الجواب
الرافضة بارك الله فيك كغيرهم من أهل البدع، إذا أتوا بما يوجب الكفر صاروا كُفَّاراً، وإذا أتوا بما يوجب الفسق صاروا فُسَّاقاً، وإذا كان لشيء من أقوالهم القريبةِ من أقوال أهل السنة فإنه فيه شيءٌ من النظر، وصار محل اجتهاد فهم فيه كغيرهم أيضاً.
فلا يمكن أن يُجاب بجواب عام ويقال: كل الرافضة كُفَّار، أو كل الرافضة فُسَّاق، لا، بل لا بد من التفصيل والنظر في بدعتهم.
ويجب علينا نحن أن ندعوهم إلى الحق، وأن نبينه لهم، وإذا كنا نعلم من أي فرقة هُمْ فعلينا أن نبين عيب هذه الفرقة، ولا تيأس، فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن عزَّ وجلَّ، ربما يهديهم الله على أيدينا، فيحصل لنا خير كثير، والإنسان الذي يهتدي بعد أن كان غير مهتدٍ قد تكون فائدته للمجتمع أكثر وأكبر من الذي كان مهتدياً من قبل؛ لأن المهتدي الجديد قد عرف الباطل ورجع عنه، وسيبينه للناس.(70/19)
حكم جمع وقصر الصلاة لمن مكث مدة طويلة مسافراً
السؤال
نحن طلاب في بعض الجامعات، فإذا سافرنا من مدينتنا إلى الجامعة نجلس أحياناً أربعة أشهر أو ثلاثة أشهر، فما حكم قصر الصلاة، أو الجمع في هذه المدة وترك السنة الراتبة؟
الجواب
نقول: الناس ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: قسمٌ مستوطِن.
وقسمٌ مقيمٌ أبداً.
وقسمٌ مقيمٌ إقامةً مؤقتة، إما بزمن وإما بعمل.
فأما المستوطن: فظاهرٌ أنه ليس له حكم المسافر؛ لأنه مستوطن.
وأما المقيم إقامة مطلقة مثل: السفراء وغيرهم، فهؤلاء الأصل أنهم مقيمون إقامة مطلقة، وأن هذا البلد هو بلدهم، فهذا أيضاً كالأول، بمعنى أنه لا يترخص بِرُخَص السفر.
وأما المقيم إقامة مقيدة بزمن أو عمل؛ بزمن: كشهر أو شهرين، أو يوم أو يومين، أو عمل: كعلاج، وتَعَلُّم غير مقيَّد بسنوات، فهذا حكمه حكم المسافر، بل هو مسافر حقيقة؛ لأن هذا الشخص متى انتهى وقتُه المقيَّدُ بزمنٍ أو عملُه الذي قيَّد به سفرَه فإنه يرجع إلى بلده.
وبناء على ذلك يكون الذين يدرسون في خارج بلدهم مسافرين؛ لأنهم لا ينوون الإقامة المطلقة إطلاقاً، لو أنه أعطي شهادته اليوم لسافر؛ لكنه مربوط بهذا العمل المؤقت المحدد.
ولذلك تجد بعض البلاد تكون مدة الدراسة فيها أربع سنوات، وبعضها خمس سنوات، وبعضها ست سنوات، فمن فعل هذا يكون حكمه حكم المسافر، فالمسح على الخفين ثلاثة أيام، والصلاة الرباعية ركعتان، وصيام رمضان لا يلزمه؛ لكننا نقول: لا ينبغي أن يؤخر الصيام إلى رمضان الثاني؛ لأنه إذا أخر صيام رمضان في هذا العام مثلاً وجاء العام الثاني وأخره إلى العام الثالث تراكمت عليه الأيام، وربما يعجز، وربما يترك، فلذلك نرى أن الصيام وإن جاز له أن يفطر لأنه مسافر؛ لكن لا يؤخره إلى السنة الثانية؛ لئلا تتراكم عليه فيعجز.
أما بالنسبة للرواتب فأنتم وغيركم سواء، فالمشهور عند أكثر الناس أن المسافر لا يتنفل، وهذا غلط، بل إن المسافر يتنفل كما يتنفل المقيم بكل شيء؛ كصلاة الليل، وصلاة الضحى، وصلاة الوتر، إلا ثلاث نوافل وهي: راتبة الظهر.
وراتبة المغرب.
وراتبة العشاء.
فالسنة ألا يصليها، وأما بقية النوافل فهي على ما كانت عليه.
فلذلك وُجِدَت عبارة غير صحيحة يقال: مِن السُّنَّة في السفر تَرْكُ السُّنَّة! من أين جاء بهذا الكلام؟! مِن السُّنَّة تَرْكُ السُّنَّة؟! بل الصحيح: مِن السُّنَّة تَرْكُ الرواتب الثلاث التي ذكرناها فقط، وهي: رواتب الظهر، والمغرب، والعشاء، والباقي باقٍِ على ما هو عليه.(70/20)
جواز اتخاذ النعل سترة
السؤال
ما حكم اتخاذ النعل سترة؟
الجواب
لا بأس بها، إلا إذا كان فيها شيء بيِّن من نجاسة أو أذى، فلا يتخذها سترة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى أن يبصق أمام وجهه) أما إذا كان ليس فيها أذىً أو نجاسة تشاهَد، فلا حرج أن تتخذ سترة.(70/21)
حكم تغيير المكان لأداء السنة الراتبة
السؤال
فضيلة الشيخ جزاك الله خيراً! ما حكم تغيير المكان بالنسبة لأداء سنة الراتبة؟ وهل هذا بدعة؟
الجواب
ذكر الفقهاء رحمهم الله: أنه يُسَنُّ للإنسان أن يفصل النافلة عن الفريضة، إما بكلام أو بانتقال من موضعه، لحديث معاوية قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نَصِلَ صلاة بصلاة، حتى نخرج أو نتكلم) .
وعلى هذا فالأفضل أن تفصل بين الفريضة والسنة.
لكن هناك شيء أفضل منه، وهو أن تجعل السنة في البيت؛ لأن السنة في البيت أفضل من السنة في المسجد حتى في المسجد الحرام، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو في المدينة وفي مسجده الذي الصلاةُ فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، قال: (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) ، وكان هو نفسه يصلي النافلة في البيت.
وبعض الناس يظن أن النافلة في المسجد أفضل، وليس كذلك، نَعَمْ لو فُرِضَ أنه رجل ذو عمل يخشى إن خرج من المسجد أن ينسى الراتبة، فهنا نقول له: صَلِّ في المسجد أفضل، وكذلك لو كان في بيته يوجد صبيان كثير، يخشى من التشويش عليه، فتكون الصلاة في المسجد أفضل.
وإذا قال الإنسان: لماذا كانت الصلاة في البيت أفضل إلا الفريضة؟! نقول: لأنها أبعدُ عن الرياء؛ إذْ أنك في بيتك لا يطَّلع عليك إلا أهلُك إن اطَّلعوا، أما في المسجد فالكلُّ يَطَّلِع عليك.
ولأن فيها تعويد أهل البيت على الصلاة، ولذلك إذا قمت تصلي، وكان عندك صبي له سنتان أو ثلاث سنوات تجده يصلي معك، حتى وإن لم تأمره؛ لكن يحب الاقتداء، ففيها هذه المصلحة العظيمة.
أيضاً من أجل ألا تدخل في النهي؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) أي: لا تجعلوها كالقبور لا تصلون فيها.
فهذه ثلاث فوائد: الفائدة الأولى: البُعد عن الرياء.
الفائدة الثانية: تعويدُ أهل البيت على الصلاة، وتحبيبُها إليهم.
الفائدة الثالثة: عدمُ الوقوع فيما نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) .(70/22)
صيغة البسملة عند الأكل
السؤال
البسملة في الأكل، هل هي: (بسم الله الرحمن الرحيم) أو (باسم الله) ؟
الجواب
الله المستعان! إذا قلتَ: (باسم الله) كفى، وإن قلتَ: (بسم الله الرحمن الرحيم) فلا حرج؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يا غلام! سَمِّ الله) ولم يقل: لا تقل: الرحمن الرحيم، فإن قلتَ: (باسم الله) كفى، وإن قلتَ: (الرحمن الرحيم) معها فلا حرج.
لكن بعض العلماء قال: لا تقل: (الرحمن الرحيم) إذا أردتَ ذبح الذبيحة؛ لأن ذبحها ينافي الرحمة.
فنقول: نَعَم ذبحُها ينافي الرحمة بالنسبة لها، وهي ستموت اليوم أو غداً؛ لكن بالنسبة لنا رحمة، ولهذا لا نرى أنه يُكرَه أن يُقال عند الذبح: (بسم الله الرحمن الرحيم) .
المهم إن قلتَ: (باسم الله) كفى؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: (سَمِّ الله) يَصْدُق بها، وإن زدتَ (الرحمن الرحيم) فلا تُنْهَى عن ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يَنْهَ.
وتعلمون أن الشريعة فيها نوع من السعة في هذا الأمر، فقد كان الناس مع الرسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بعضُهم يلبي وبعضهم يكبر، ولم يقل للمكبر: لا تكبر، ولا للملبي: لا تُلَبِّ.
فالأمر في هذا واسع.
وابن عمر رضي الله عنهما -وهو من أشد الناس حرصاً على اتباع السنة- كان يزيد في التلبية؟ ويقول: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، لبيك وسعديك، والخير في يديك، والرغباء إليك والعمل) ولم ينهه أحد من الصحابة فيما نعلم.
فالأمر في هذا واسع إلا مَن ذَكَرَ ذِكْراً لا يناسب أو ذَكَرَ شيئاً محرماً فيُنْهَى حينئذ.(70/23)
جواز الرجوع إلى منى لمن خرج منها متعجلاً إن كان له حاجة فيها
السؤال
خرجتُ من منى ثاني أيام التشريق قبل غروب الشمس، ولما ذهبتُ إلى مكة فقدتُ أحد أصحابي، فرجعتُ أبحث عنه في منى بعد غروب الشمس -بعد صلاة العشاء- فهل عليَّ شيء؟
الجواب
لا شيء عليك؛ لأن الإنسان إذا خرج من منى قبل غروب الشمس يوم الثاني عشر فقد تعجَّل، فإذا عاد إلى منى لطلب حاجة، أو لأنها مَمَرُّه وطريقُه، أو لتفقُّدِ أحدٍ من إخوانه فلا بأس.(70/24)
حكم الموعظة عند القبور وفي قصور الأفراح
السؤال
ما حكم الموعظة عند القبر، وفي قصور الأفراح، وفي الولائم؟
الجواب
الموعظة عند القبر سُنَّة على حسب ما جاء في السُّنَّة، وليست الموعظة أن يخطب الإنسان قائماً يَعِظُ الناس؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، خصوصاًَ إذا اتخذها راتبة، كلما خرج مع جنازة قام ووعظ الناس.
لكن الموعظة عند القبر تكون كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، كان يَعِظُ وهو واقف على قبر إحدى بناته، يقول: (مَا منكم من أحد إلا وقد كُتِب مقعدُه من الجنة والنار) كلامٌ كالعادة، أو كما أتى مرة والناس في البقيع، ولَمَّا لَمْ يتم إلْحاد القبر جَلَسَ وجلس الناس حوله، وجعل ينكُتُ بعود معه على الأرض، ثم ذكر حال الإنسان عند احتضاره، وعند دفنه، وتكلم بكلامٍ هو موعظة.
فمثل هذا لا بأس به.
أما أن يقوم خطيباً فهذا لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وأما في الأعراس فكذلك أيضاً لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يقوم خطيباً يخطب الناس، ولا عن الصحابة فيما نعلم، بل لَمَّا ذُكِرَ له أن امرأة من الأنصار زُفَّت إلى زوجها، قال: (هلاَّ بعثتم معها مَن يغني، فإن الأنصار قوم يعجبهم اللهو) فدل ذلك على أن لكل مقام مقالاً؛ ولأن الإنسان إذا قام خطيباً في الأعراس فإنه قد يُثْقِل على الناس، فليس كلُّ أحد يَتَقَبَّل، فقد يكون بعض الناس ما رأى أقاربه أو أصحابه إلا في هذه المناسبة فيريد أن يتحدث إليهم، ويسألهم ويأنس بهم، فإذا جاءت هذه الموعظة والناس متأهبون للحديث مع بعضهم ثَقُلَت عليهم.
وأنا أحب أن تكون المواعظ غير مُثْقِلَة على الناس؛ لأنها إذا أثقلت على الناس كرهوها، وكرهوا الواعظ.
ولذلك أقول: لو أن أحداً في محفل العرس طلب من هذا الرجل أن يتكلم فحينئذٍ له أن يتكلم، ولاسيما إذا كان الرجل ممن يَتَلَقَّى الناسُ قولَه بالقبول.
كذلك لو رأى منكراً فله أن يقوم ويتكلم عن هذا المنكر ويحذر منه، ويقول: إما أن تتركوه أو نخرج.
فلكل مقام مقال، وأنا أحب أن يتلقى الناسُ دينهم بانشراح وقبول، وإذا قدرنا أن (10 %) ، يريدون الموعظة، وأن (90 %) لا يريدونها فمَن نرجِّح؟! نرجَّح (90%) ؛ لئلا نثقل على الناس.(70/25)
النهي عن بيعتين في بيعة
السؤال
ما حكم البيعتين في بيعة، وما صفتها؟
الجواب
(نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة) واختلف العلماء رحمهم الله في معنى هذا الحديث.
فذُكِر من معناه: أن تقول للرجل: هذا الكتاب بعشرة نقداً، أو بعشرين إلى سنة، فهذه البيعة بيعتان في بيعة، أي: ثمنان في عقد واحد.
وهذا التفسير غير صحيح؛ لأن البيعة هنا واحدة؛ لكن الثمن مُخَيَّرٌ فيه، فأنت تقول: خذه بعشرة أو بعشرين، والرجل سيأخذه بأحدهما وليس بالاثنين، فهذا التفسير غير صحيح.
التفسير الثاني: أن بيعتين في بيعة هي مسألة العينة، والعينة: أن تبيع سلعةً بثمن مؤجل، وتشتريها نقداً بأقل، مثال ذلك: أن تبيع سيارة على إنسان بخمسين ألفاً إلى سنة، ثم تشتريها منه بأربعين ألفاً نقداً تسلمها له، فهذه البيعة بيعتان في بيعة، أي: في مبيعٍ واحد، وهو هنا السيارة، حيث ورد عليها عقدان العقد الأول والعقد الثاني.
فهذه المعاملة بيعتان في بيعة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (لَهُ أَوْكَسُهُما أو الربا) ما الأوكس في مثالنا؟ الأوكس في مثالنا: الأقل.
أيهما؟ الأربعون.
فنقول: الآن إما أن تأخذ من هذا الذي اشتريت منه سلعتَك الأربعين، وإلا وقعت في الربا.
ولا يمكن أن تصدُق صورة لبيعتين في بيعة إلا على هذا.
وهذا هو الذي قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو عند التأمل الحق.
عرفت يا أخي؟! بقيت عندنا مسألة: أحياناً يبيع الإنسان سيارة بخمسين ألفاً إلى سنة، ثم تُعْرَض السيارة في المعرض، فهل لبائعها أن يشتريها من المعرض؟ نقول: إن كان صاحبها الذي اشتراها باعها على صاحب المعرض فلك أن تشتريها من صاحب المعرض ولو بأقل، وإن كانت ستباع مباشرة لحساب الذي اشتراها منك فإنه لا يجوز لك أن تشتريها بأقل مِمَّا بعتها به.
السائل: وإذا قلتُ لصاحب المعرض: اشترِها وأنا سوف أشتريها منك؟ الشيخ: لا يصح هذا؛ لأن هذا تواطؤ على الربا.(70/26)
حكم استخدام الأجهزة الحكومية الخاصة في هيئات خيرية
السؤال
ما حكم استخدام بعض الأجهزة الخاصة بدائرة حكومية كآلةِ تصويرِ الورق في هيئات خيرية؟
الجواب
استخدام الأجهزة الحكومية من سيارات أو مكائن تصوير أو غير ذلك لا يجوز أبداً؛ لأنك أمين، والأمين لا يتصرف في ما ائتُمِن عليه إلا في مصلحة ما ائتُمِن عليه، حتى ولو كان في طرق الخير، فلو جاءك إنسان وقال: هذه ورقة فيها موعظة، أريد أن أنشرها، صوِّرها لي.
لا يجوز لك أن تصورها.
فإن جاء هذا الإنسان بورق، وقال: صوِّر لي هذا، وهذه هي الورق، لا يجوز أيضاً؛ لأنه سوف يستهلك الحبر، وحركة الماكينة أيضاً تؤثر عليها.
وهذه المسائل يستهين بها الناس وهي مسألة خطيرة.
أما إذن المدير فهل يملك المدير أن يأذن في هذا؟ لا يملك أن يأذن في هذا.
وعلى هذا لابد أن تستأذن من الملك فهد شخصياً، وإلا فاتركها! السائل: وإذا عوَّض؟ الشيخ: حتى لو عوَّض.
وهناك أيضاً شيءٌ آخر، فبعض الناس يستخدم تليفون المكتب برقم فيه الصفر، وهذا ممنوع، لكن إذا قال هذا المستخدم: إذا جاءت الفاتورة فأيُّ رقم أنا اتصلتُ به سأسدده، فالظاهر أن هذا إذا أَذن له فيه مدير المكتب فلا بأس، على أن في نفسي من هذا شيء؛ لأن استخدامه لمصلحته الخاصة ربما يكون في هذه الأثناء أحدٌ اتصل على هذه المصلحة ووجد الخط مشغولاً، فحينئذٍ يكون قد ضيع عليه الفرصة.
فلابد أن نكون ورعين.(70/27)
كيفية السلام على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره
السؤال
ما هي كيفية السلام على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره؟ الشيخ: تعني على القبر إذا مرَّ على المدينة؟ السائل: نعم.
الجواب
أحسن ما يُسَلَّم به على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما علَّمه أمَّته، وهو: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
هذا أحسن ما يُسَلَّم به على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.(70/28)
الدعاء عند المقبرة للزائر لا للمار
السؤال
دعاء المرور على القبور، هل يقال في المقبرة، أم بمجرد المرور عليها في الشارع؟
الجواب
الدعاء لزيارة القبور يكون عندما يخرج الإنسان إلى المقبرة ليزور أصحاب القبور زيارةً يتعظ بها، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنها تذكركم الموت) .
وهذا لا يحصل بالمرور.
لكن بعض العلماء قال: إذا مر بها فليسلِّم، فيحصل على أجر؛ لأنه سيدعو لإخوانه، فيكون محسناً إليهم، وفي هذا خير.(70/29)
حكم قضاء الرواتب إذا فاتت
السؤال
هل تقضى الرواتب إذا ذهب وقتُها؟
الجواب
الرواتب إذا ذهب وقتها نسياناً أو لنومٍ فإنها تُقْضَى، لدخولها في عموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) .
ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حين نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، وقام وقام الصحابة معه فإنهم صَلَّوا الراتبة قبل الفريضة(70/30)
ضوابط الجهر بإنكار المنكر
السؤال
متى يجوز إنكار المنكر علناً؟
الجواب
إنكار المنكر واجب، والمنكر إذا فُعِل ظاهراً فإنه يُنْكَر على صاحبه ظاهراً، فلو رأينا إنساناً يفعل معصية أمامنا فإننا ننكر عليه؛ لكن يجب علينا استعمال الحكمة، فقد لا يكون من المصلحة أن أنكر عليه ظاهراً؛ كأن يسبب ذلك الإنكار نفور هذا الرجل وعدم قبوله، أو قد يكون هذا الرجل من المسئولين، فإذا أنكرت عليه ظاهراً لم يقبل، أو ربما يكون لأمور أُخَر.
المهم على كل حال: ما فُعل من المنكر ظاهراً فالواجب الإنكار على صاحبه ظاهراً؛ لكن قد تعْرِض مصلحة أكبر من الإنكار ظاهراً، والواجب اتباع المصلحة.
وأما الإنكار على فاعل المنكر وهو غائب فهذا لا يجوز؛ لأن ذلك غِيبة له -في الواقع- مثل رجل عرفتَ أنه زنا والعياذ بالله، وهو ليس بحاضر حتى تنكر عليه، بل غائب، وإنكارك عليه معناه: غيبتك إياه، والغيبة من كبائر الذنوب.
لا يحل للإنسان أن يغتاب أخاه، فضلاً عمَّا إذا كان اغتيابه يترتب عليه شر كبير، كاغتياب العلماء، واغتياب الأمراء، فإن في ذلك مفسدة عظيمة؛ لأن اغتياب العلماء يحط من قدرهم، ومن قدر ما بلَّغوه من شريعة الله، واغتياب الأمراء يحط من قدرهم ومن هيبتهم بين الناس، فيضيع الأمن، وتختل الجماعة.
ولهذا من الخطأ ما يتناقله الناس من هذه الأوراق التي تأتي من الخارج فيها القدح في ولاة الأمور، وربما يكون كذباً أيضاً، فإن هذا من الغيبة، ومن التعاون على الإثم والعدوان، والموزِّع لها آثمٌ وفاعل كبيرة؛ مع أن هذا ليس كما لو اغتاب واحداً من الشارع، فهذا يؤدي إلى أن تتحمل القلوب من بغضاء ولاة الأمور والحقد عليهم ما يوجب تفرُّق الأمة في المستقبل، ويوجب شروراً كثيرة.
لهذا ننهى إخواننا -نصيحةً لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم- أن يتناقلوا مثل هذه الأوراق، بل عليهم أن يحرقوها ولا ينشروها بين الناس، ومن أراد إدْلاء النصيحة فالواجب عليه أن يصل إلى المنصوح من طريق محدد معين، لكي تحصل به الكفاية.(70/31)
زوجة الابن من الرضاع ليست محرماً
السؤال
ما هو القول الراجح في زوجة الابن من الرضاع في كونها محرماً لأب الابن من الرضاعة؟
الجواب
زوجة الابن من الصلب محرم لأب الابن، لقول الله تعالى في جملة المحرمات: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:23] ، فإذا كان الإنسان له ابن متزوج من امرأة فهذه المرأة لها أن تكشف الحجاب لأب الابن.
أما ابن الأب من الرضاع، فأكثر العلماء على أنه كابنه من الصلب.
ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أَبَى ذلك، وقال: إن الرضاع لا يؤثر في المصاهرة، وأن زوجة ابنه من الرضاع أجنبية منه، لا تكشف له، ولا يخلو بها، ولا يسافر بها؛ لأنها أجنبية منه، والله عزَّ وجلَّ يقول: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:23] والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (يَحْرُم من الرضاع ما يَحْرُم من النسب) ، وزوجة الابن حرام على أبيه من المصاهرة؛ لأنه ليس بينه وبينها نسب، فزوجة الابن ليس بينها وبين أب زوجها نسب، بل هي حرام عليه بالمصاهرة، والحديث يقول: (يَحْرُم من الرضاع ما يَحْرُم من النسب) .
وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام هو الذي أراه صحيحاً.(70/32)
نصيحة لشاب في بداية طريق الاستقامة
السؤال
ما نصيحتكم لشاب في بداية طريق الاستقامة؟
الجواب
نصيحتنا لهذا الشاب الذي هو في اتجاه سليم إن شاء الله: أولاً: أن يسأل الله الثبات دائماً، والصواب.
ثانياً: أن يكثر من قراءة القرآن بتدبُّر؛ لأن هذا القرآن له أثر كبير على القلب، إذا قرأه الإنسان بالتدبُّر.
ثالثاً: أن يحرص على ملازمة الطاعات، وألا يمل أو يكسل، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استعاذ من العجز والكسل.
رابعاً: أن يحرص على مصاحبة الأخيار، ويبتعد عن مصاحبة الأشرار.
خامساً: أن ينصح نفسَه حينما تؤثر هذه النفس عليه وتقول له: إن المدى بعيد، والطريقَ طويل، فلينصح نفسه وليثبُت؛ لأن الجنة حُفَّت بالمكاره، والنار حُفَّت بالشهوات.
سادساً: أن يبتعد عن قرناء السوء، حتى ولو كانوا أصحاباً له من قبل؛ لأن قرناء السوء يؤثرون عليه، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (مَثَلُ الجليس السوء كنافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة) .
وإلى هنا انتهى الوقت؛ فنقول: الحمد لله على التوفيق، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع، والعمل الصالح.
وإلى اللقاء القادم إن شاء الله في الأسبوع القادم.
ونبشركم بالخير والأجر، فإنه مَن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة.(70/33)
لقاء الباب المفتوح [71]
في هذه المادة تفسير آيات من سورة البلد بين فيها الشيخ أن يوم القيامة هناك عقبة لا يتجاوزها إلا من فك الرقاب، وأطعم الطعام، وكفل الأيتام، ثم تبع ذلك مبيناً صفات المؤمنين وأنهم يتواصون فيما بينهم بالصبر والثبات على الدين، وبالرحمة للمؤمنين، ثم ختم ذلك مبيناً صفات الكافرين ومن أعظمها التكذيب لآيات الله ورسله، فجزاؤهم النار الموصدة، أي: المغلقة لا تفتح إلا لهم.(71/1)
تفسير آيات من سورة البلد
الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو المجلس الحادي والسبعون من المجالس بل من اللقاءات التي تعرف بـ (لقاء الباب المفتوح) وهذا هو يوم الخميس، الخامس والعشرون من شهر ربيع الأول عام (1415هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بتكميل الكلام على سورة البلد حيث وقفنا على قول الله تبارك وتعالى: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد:11-13] إلى آخر السورة.(71/2)
تفسير قوله تعالى: (فلا اقتحم العقبة)
قال تعالى: {فَلا اقْتَحَمَ} [البلد:11] أي: الإنسان الذي كان يقول: {أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَداً} [البلد:6] {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد:11] أي: هلا اقتحم العقبة، والاقتحام: هو التجاوز بمشقة، تجاوز الشيء بمشقة يسمى اقتحاماً، والعقبة: هي الطريق في الجبل الوعر، ولا شك أن اقتحام هذه العقبة صعب، شاق على النفوس، لا يتجاوزه أو لا يقوم به إلا من كان عنده نية صادقة في تجاوز هذه العقبة.(71/3)
تفسير قوله تعالى: (وما أدراك ما العقبة)
قال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} [البلد:12] هذا الاستفهام للتشويق والتفخيم أيضاً، أي: ما الذي أعلمك شأن هذه العقبة التي قال الله عنها: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد:11] ؟ بينها الله بقوله: {فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد:16-17] الخ.(71/4)
تفسير قوله تعالى: (فك رقبة)
قال تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد:13] هي خبر لمبتدأ محذوف والتقدير هي فك رقبة، وفك الرقبة لها معنيان: المعنى الأول: فكها من الرق، بحيث يعتق الإنسان العبيد المملوكين سواء كانوا في ملكه فيعتقهم، أو كانوا في ملك غيره فيشتريهم ويعتقهم، هذا نوع.
المعنى الثاني: فك رقبة من الأسر، فإن فكاك الأسير من أفضل الأعمال إلى الله عز وجل، والأسير ربما لا يفكه العدو إلا بفدية مالية، وربما تكون هذه الفدية باهظة كثيرة، لا يقتحمها إلا من كان عنده إيمان بالله عز وجل بأن يخلف عليه ما أنفق، وأن يثيبه على ما تصدق.(71/5)
تفسير قوله تعالى: (أو إطعام في يوم ذي مسغبة)
قال تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد:14] وهذا من التنويع، وإما إطعام في يوم ذي مسغبة، أي: ذي مجاعة شديدة؛ لأن الناس قد يصابون بالمجاعة الشديدة؛ إما لقلة الحاصل من الثمار والزروع، وإما لأمراض في أجسامهم يأكل الإنسان ولا يشبع، وهذا قد وقع فيما نسمع عنه في البلاد النجدية وربما في غيرها أيضاً، أن الناس يأكلون ولا يشبعون، يأكل الواحد مأكل العشرة ولا يشبع، ويموتون من الجوع فيتساقطون في الأسواق من الجوع، هذه من المساغب.
أو قلة المحصول بحيث لا تثمر الأشجار، ولا تنبت الزروع؛ فيقل الحاصل وتحصل المسغبة؛ ويموت الناس جوعاً، وربما يهاجرون عن بلادهم، هذه إطعام في يوم ذي مسغبة.(71/6)
تفسير قوله تعالى: (يتيماً ذا مقربة)
قال تعالى: {يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد:15-16] اليتيم: هو من مات أبوه قبل أن يبلغ سواء كان ذكراً أو أنثى، فإن بلغ فإنه لا يكون يتيماً؛ لأنه بلغ وانفصل، وكذلك أيضاً لو ماتت أمه فإنه لا يكون يتيماً خلافاً لما يظنه بعض العامة أن اليتيم من ماتت أمه وهذا ليس بصحيح، اليتيم من مات أبوه، لأنه لو مات أبوه لم يكن له كاسب من الخلق يكسب عليه، وقوله: (ذا مقربة) أي: ذا قرابة من الإنسان؛ لأنه إذا كان يتيماً كان له حظ من الإكرام والصدقات، وإذا كان قريباً ازداد حظه من ذلك؛ لأنه يكون واجب الصلة، فمن جمع هذين الوصفين: اليتم والقرابة فإن الإنفاق عليه من اقتحام العقبة، إذا كان ذلك في يوم مسغبة.(71/7)
تفسير قوله تعالى: (أو مسكيناً ذا متربة)
قال تعالى: {أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد:16] المسكين: هو الذي لا يجد قوته ولا قوت عياله، والمتربة: مكان التراب، والمعنى: أنه مسكين ليس بيديه شيء إلا التراب، ومعلوم أنه إذا قيل عن الرجل: ليس عنده إلا التراب فالمعنى: أنه فقير جداً، ليس عنده طعام، ولا كساء ولا مال، فهو مسكين ذو متربة.(71/8)
تفسير قوله تعالى: (ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة)
قال تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد:17] (ثم كان) أي: ثم هو بعد ذلك ليس محسناً على اليتامى وعلى المساكين بل هو ذو إيمان بالله {ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد:17] (الذين آمنوا) بمن؟ آمنوا بكل ما يجب الإيمان به، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم من الذي يجب الإيمان به حين سأله جبريل عن الإيمان: (الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره) .
وكذلك من الإيمان بالله الأعمال الصالحات، والأعمال الصالحات هي: كل عمل يقرب إلى الله عز وجل، وهو مبني على الإخلاص والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا يكون العمل عملاً صالحاً إلا بنية ومتابعة؛ بنية: أن يكون عملاً خالصاً لله، ومتابعة: بأن يكون العمل على وفق شريعة الله سبحانه وتعالى.
فلو أن الإنسان عمل عملاً مخلصاً فيه غاية الإخلاص لكنه على خلاف هدي الرسول عليه الصلاة والسلام لم يقبل منه؛ وذلك لعدم الاتباع، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحدثات الأمور! فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) وكذلك لو كان العمل على وفق الشريعة ظاهراً لكن فيه رياء فإنه لا يقبل ولا يكون عملاً صالحاً؛ لقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) .
وقوله: (وتواصوا بالصبر) أي: أوصى بعضهم بعضاً بالصبر، والصبر ثلاثة أنواع: 1- صبر على طاعة الله.
2- صبر عن معصية الله.
3- صبر على أقدار الله المؤلمة.
فهم صابرون متواصون بالصبر، وأي هذه الأنواع أفضل؟ الأفضل الصبر على طاعة الله، ثم الصبر عن معصية الله، ثم الصبر على أقدار الله المؤلمة، وقد اجتمعت هذه الأنواع الثلاثة في الرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم.
فهاهو الرسول عليه الصلاة والسلام صابر على طاعة الله، يجاهد في سبيل الله، ويدعو إلى الله، ويؤذى ويعتدى عليه بالضرب، حتى هم المشركون بقتله، وهو مع ذلك صابر محتسب.
وهو أيضاً صابر عن معصية الله، لا يمكن أن يغدر بأحد، ولا يكذب على أحد، ولا يخون أحداً، وهو أيضاً متقٍ لله تعالى بقدر ما يستطيع، كذلك صابر على طاعة الله، كم أوذي في الله عز وجل من أجل طاعته! أليس قريش قد آذوه حتى إذا رأوه ساجداً تحت الكعبة أمروا من يأتي بسلى ناقة فيضعه على ظهره وهو ساجد عليه الصلاة والسلام، وهو صابر في ذلك كله؟!! يوسف عليه الصلاة والسلام صبر على أقدار الله، وقد ألقي في البئر في غيابة الجب، وأوذي في الله في السجن ومع ذلك فهو صابر محتسب لم يتضجر ولم ينكر ما وقع به.
وقوله: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} أي: أوصى بعضهم بعضاً أن يرحم الآخر، والرحمة رحمة الله عز وجل، أعني: رحمة الإنسان للمخلوقات تكون في البهائم وتكون في الناطق، فهو يرحم آباءه وأمهاته، وأبناءه وبناته، وإخوانه وأخواته، وأعمامه وعماته وهكذا، ويرحم كذلك سائر البشر، وهو أيضاً يرحم الحيوان البهيم: فيرحم ناقته وفرسه، وحماره وبقرته، وشاته وغير ذلك، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) .(71/9)
تفسير قوله تعالى: (أولئك أصحاب الميمنة)
قال تعالى: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} [البلد:18] (أولئك) أي: هؤلاء الموصفون بهذه الصفات (أصحاب الميمنة) أي: أصحاب اليمين الذين يؤتون كتابهم يوم القيامة بأيمانهم: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق:7-9] .(71/10)
تفسير قوله تعالى: (والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة)
ثم قال عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} [البلد:19] لما ذكر المؤمنين ذكر الكافرين، فقال: (والذين كفروا بآياتنا) أي: جحدوا بها (هم أصحاب المشأمة) الضمير هنا جاء للتوكيد، ولو قيل في غير القرآن: والذين كفروا بآياتنا أصحاب المشأمة لصح، لكن هذا من باب التوكيد، والمشأمة يعني: الشماء أو الشؤم.(71/11)
تفسير قوله تعالى: (عليهم نار مؤصدة)
قال تعالى: {عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ} [البلد:20] أي: عليهم نار مغلقة -والعياذ بالله- لا يخرجون منها ولا يستطيعون.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(71/12)
الأسئلة(71/13)
الآيات والسور التي يستحب قراءتها كل يوم
السؤال
فضيلة الشيخ: هل توجد سور في القرآن يستحب أن تقرأ كل يوم؟
الجواب
نعم.
توجد آيات من القرآن يستحب أن يقرأها الإنسان كل يوم، وكذلك سور، فمن الآيات: آية الكرسي فإنه ينبغي للإنسان أن يقرأها لأنه إذا قرأها لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح، سورة تبارك إذا قرأها الإنسان في ليلة كان ذلك من أسباب وقايته عذاب القبر، وفي آيات وسور ليست مقيدة بشيء معين إلا الفاتحة فمعلوم أنه يجب أن تقرأ في الصلاة بل قراءتها في الصلاة لا تصح الصلاة إلا بها.(71/14)
ضرر مشاهدة الأولاد لأفلام الكرتون والبديل النافع لها
السؤال
فضيلة الشيخ: لا يخفى عليكم حفظكم الله تأثير أفلام الكرتون وما تسمى بالأفلام المتحركة على أخلاق النشء وخاصة في العقيدة، ولكن إذا وجد -وخاصة في هذا الوقت- ما يسمى جهاز وأشرطة الأتاري فهل تكون هذه الأشرطة عوضاً وبدلاً عن أفلام الكرتون؟
الجواب
نحن يذكر لنا هذا كثيراً بأن أفلام الكرتون التي تنشر في التلفاز أنها مضرة، وربما تكون مضرة في العقيدة، ولكن هل رأيت أو سمعت عن شيء محدد بحيث نعرف هل ينافي العقيدة أو لا؟ طيب إذاً لا يجوز أن نمكن أولادنا من بنين وبنات في مشاهدة هذا الكرتون ما دام أنه يغير العقيدة كيف نجعلهم يشاهدونها؟ أما شراء بديل فهذا لا بد منه، وهذا البديل هو كما تفضلت به فيم يروج له الآن وهو جهاز صخر، والأتاري، لا أعرفه، فهذا بديل بلا شك، ولو أنه وضع جهاز فيديو ونقلت منه هذه الصورة لأجل أن ينتفع بها الأولاد من بنين وبنات لكان خيراً.(71/15)
رجل دخل على امرأة ثم طلقها صارت أمها محرماً له
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا تزوج رجل امرأة وطلقها فهل هذا الزوج يكون محرماً لأم هذه المرأة، وهل أبو هذا الزوج يكون محرماً لهذه المرأة التي طلقها الرجل، وهل من الأحسن زيارتهما، وكذلك زوجة الأب المطلقة هل من الأفضل زيارتها؟
الجواب
أما الأول فإن الإنسان إذا تزوج امرأة صارت أمها وجدتها من قبل الأب كلهم محارم للزوج، سواء بقيت الزوجة معه أو طلقت أو فسخت أو ماتت، ما دام أنه عقد على هذه الزوجة عقداً صحيحاً فإن أمهاتها من الأم المباشرة والجدات كلهن محارم.
وكذلك أبو الزوج، لو أن رجلاً تزوج امرأة ثم طلقها وجب على هذه المرأة أن تستر وجهها عن الزوج إذا انتهت العدة، أما أبوه فيجوز لها أن تكشف وجهها عنده؛ لأنه ما زال محرماً لها.
أما موضوع الزيارة فهذه مسألة تتعلق بالعرف، إذا جرت العادة في أنهم يتزاورون فيما بينهم فلا بأس، وإلا فليست من الأرحام ما لم تكن قريبة من وجه آخر، أما مجرد أنها زوجة الأب فإنها ليست من ذوي الأرحام.(71/16)
حكم الجلوس في بيت أهل الميت للعزاء ودفع المال لهم
السؤال
فضيلة الشيخ: عندنا من العادات أن يجلسوا ثلاثة أيام للعزاء، وفي نفس الوقت كل فرد يدفع لأهل المتوفى مبلغاً من المال فهل يجوز للإنسان أن يشارك في دفع المال دون أن يجلس معهم في العزاء؟
الجواب
الجلوس للعزاء ليس من السنة، بل صرح العلماء بأنه بدعة، وهو في الواقع أيضاً قد ينبئ عن التسخط على قضاء الله وقدره؛ لأن هؤلاء الذين جلسوا وفتحوا الباب كأنهم يقولون بلسان الحال: يا أيها الناس! إننا أصبنا فأقبلوا علينا بالعزاء، وهذا ليس من عادة السلف إطلاقاً، بل قد كانوا يعدون الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة، لهذا يجب على طلبة العلم أن يبينوا للناس أن هذا لا يجوز، وربما يتعلق بهذا الحفل أيضاً، أشياء أخرى كترك الصلاة مع الجماعة وما أشبه ذلك.
فإذا قال: كيف أعزيه؟ نقول أولاً: العزاء ليس مشروعاً بمجرد الموت، ومشروع للمصاب إذا أصيب الإنسان بموت قريبه أو صديقه، فإنه حينئذ يشرع تعزيته، لكن بدون أن يذهب الإنسان إلى البيت لكن ممكن أن يلقاه في السوق يلقاه في المسجد وما أشبه ذلك.
السائل: دفع المال؟ الشيخ: دفع المال لا يحل؛ لأنه يدفع من التركة، لأن التركة قد يكون فيها أناس صغار لا يمكن أن يأخذوا من المال شيئاً، أما إذا كان من غير الورثة وتبرع به أحد فهذا نقول: إنه تبرع للإعانة على بدعة، ومن أعان على بدعة صار مثل المبتدعين الذين يأثمون ببدعتهم.(71/17)
قراءة الفاتحة على الميت من البدع المحدثة
السؤال
فضيلة الشيخ: سبق لنا في لقاء سابق أن تكلمنا عن موضوع تقديم التعازي لأهل الميت، ونجد في بعض البلاد -وذكرتم ذلك- أنهم يقرءون الفاتحة، إذا تقدم أحد الحاضرين للعزاء يقرأ الفاتحة على الميت.
الشيخ: على الميت عند القبر؟ السائل: لا ليس عند القبر، عند أهل الميت.
الشيخ: يعني: يقرؤها للميت.
السائل: فنرجو أن تبين لنا هل هناك ضابط معين في تقديم التعازي؟
الجواب
هذا من إضافة بدعة إلى أخرى، فلم يثبت لا عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا عن الصحابة، ولا علمته أيضاً نقل أن من أساليب العزاء أن تقرأ الفاتحة.(71/18)
الطريقة المثلى لمواجهة أخطار الفساد
السؤال
فضيلة الشيخ: تعلمون أن الشباب في هذا العصر يمرون بأخطار وفتن لا تخفى عليكم، وفي مقابل هذا تعددت بعض وسائل التربية والإصلاح، وكذلك تعددت المناهج، فما ترى يا شيخ في نظرك الطريقة المثلى لمواجهة مثل هذه الأخطار وكذلك إصلاح الشباب؟
الجواب
أما الأخطار التي تواجه الشباب اليوم من الفتن الكثيرة المقروءة في المجلات والصحف، والمسموعة من بعض الإذاعات، وكذلك ما ينظر ويرى من محطات التلفاز لا شك أنها فتنة عظيمة تحتاج إلى قوة إيمان بالله عز وجل وقوة عزيمة، أما كونها تحتاج إلى الإيمان بالله؛ لأن الإنسان إذا آمن بالله عز وجل يهون عليه كل شيء؛ لأنه يرجو ثواب الله ويخشى عقابه، وأما العزيمة لأن الإنسان إذا لم يكن عنده عزيمة فإنه يبوء بالفشل في جميع أحواله، يقول الشاعر:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تتردد
فنصيحتي أن يبتعدوا عن محلات الفتن، وأن يتوجهوا إلى الله عز وجل، وألا يكون همهم القيل والقال، ماذا قال فلان وماذا قال فلان وماذا قالت الحكومة وماذا قالت الوزارة وما أشبه ذلك، إلا إذا كان هذا الإنسان الذي يقول مثل هذا الكلام يقوله عند شخص يستطيع أن يغير وينكر فهذا لا بأس به.(71/19)
حكم المسافر يصلي بعد مقيم ركعتين ولم يعلم إلا بعد فترة
السؤال
إذا كان الإنسان مسافراً ووجد أناساً يصلون الظهر وهم مقيمون، ما علم أنهم مقيمون ولم يدرك إلا ركعتين فسلم فبعد الصلاة علم أنهم صلوا أربعاً فما الحكم؟
الجواب
الواجب عليه أن يعيد هذه الصلاة التي سلم منها، وذلك لأن المسافر إذا دخل مع الإمام صار حكمه حكم الإمام.(71/20)
التلفظ بالطلاق لمجرد الإخبار لا يقع
السؤال
هناك رجل طلق زوجته طلقة واحدة، وبعد مدة راجعها، ثم سئل عن هذه المرأة هل هي في عصمتك أو لا؟ فقال: طلقتها، هل يكون طلاقاً ثانياً أم لا يقع؛ لأنه على نية طلاقه السابق؟
الجواب
أولاً قولك: إنه راجعها هل راجعها قبل تمام العدة أو بعدها؟ السائل: أثناء العدة.
الشيخ: طيب إذاً عادت زوجة له، ثم سئل بعد ذلك؟ السائل: سئل: هل هي بعصمتك أو كذا؟ فقال: طلقتها، بنية طلاقه السابق.
الشيخ: إذاً فليس عليه الطلاق.(71/21)
محل التورك في الصلاة
السؤال
متى يجلس المصلي جلسة التورك في الصلاة وفي أي صلاة؟
الجواب
التورك يكون في التشهد الأخير في كل صلاة ذات تشهدين، أي: الأخيرة من المغرب، والأخيرة من العشاء، والأخيرة من العصر، والأخيرة من الظهر، أما الصلاة الثنائية كالفجر وكذلك الرواتب فإنه ليس فيها تورك، التورك إذاً في التشهد الأخير في كل صلاة فيها تشهدان.(71/22)
حكم بيع الأسهم في الصندوق العقاري بأرض أو بدراهم
السؤال
فضيلة الشيخ: ما رأيكم في بيع الأسهم في الصندوق العقاري بأرض وبغير الأرض؟
الجواب
المرهونة للبنك العقاري لا يجوز بيعها لا بأرض ولا بدراهم؛ لأن الحق للمرتهن، لكن إذا أذنوا بذلك فلا بأس، وهم الآن يأذنون بذلك أي: يأذنون أن يبيع الإنسان هذا البيع المرهون لصندوق التنمية لكن بشروط، فلا بد من أن تراجع هذه الشروط، فإذا كانت قد تمت فإنه يباع ولا حرج، وإلا يبقى رهناً.
السائل: يعني قبل العمار؟ الشيخ: لا.
قبل العمار لا يجوز، إن كان محتاجاً فليأخذ ويعمر، وإن كان غير محتاج يتركه؛ لأن فيها آلاف الناس يريدون.(71/23)
دحض شبهة دفن النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي
السؤال
فضيلة الشيخ: أحسن الله إليك، الصلاة وراء القبر لا تصح ولا تجوز، وفرع من ذلك هل تصح الصلاة وراء قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي؟
الجواب
بارك الله فيك لم يدفن النبي عليه الصلاة والسلام في المسجد النبوي، إنما دفن في بيت عائشة، ولم يبن عليه المسجد أيضاً، وإنما كان المسجد قائماً من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن في أواخر المائة احتيج إلى زيادة فيه، ولم يروا أحسن من هذه الجهة، فزادوه من هذه الجهة ودخلت حجرة عائشة في نفس المسجد، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد ولم يبن عليه المسجد، فلا حجة فيه للذين يبنون على القبور.(71/24)
زوجة الابن من الرضاعة ليست محرماً للأب
السؤال
فضيلة الشيخ: ماذا تكون زوجة الابن من الرضاعة، هل تحرم على الأب من الرضاعة أم لا؟
الجواب
زوجة الابن من الرضاعة يقول بعض العلماء: هي كزوجة الابن من النسب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) ولكن الصحيح أن الأمر بخلاف ذلك، وأن زوجة الابن من الرضاع ليست زوجة لأبيه من الرضاع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) ولم يقل: ومن الصهر، ولو سأل الرجل: هل أم الزوجة وأبو الزوج محرمون بالنسب أم بالمصاهرة؟ لقيل: إنهم محرمون بالمصاهرة، والحديث: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وعلى هذا فإن أم الزوجة من الرضاع ليست محرماً لزوجها، وأبو الزوج من الرضاع ليس محرماً لزوجة ابنه.
ويؤيد ذلك أيضاً قوله تعالى في المحرمات: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:23] وابن الرضاع ليس من صلبك.(71/25)
ليس على الزوج إثم إذا لم يوقظ زوجته إلا بعد صلاة الفجر
السؤال
هل على الزوج إثم إذا لم يوقظ زوجته إلا بعد خروجه من المسجد لصلاة الفجر؟
الجواب
ليس عليه إثم في ذلك، وذلك لأن وقت الفجر يمتد إلى طلوع الشمس، وبعض الناس لو بقي يوقظ أهله فاتته صلاة الجماعة.(71/26)
جميع الأحوال التي يتعرض لها العبد مخلوقة
السؤال
فضيلة الشيخ: ما رأيكم في الأحول: هل هي مخلوقة أم لا؟ الشيخ: ما هي الأحوال؟ السائل: مثل الجوع والعطش؟ الشيخ: الجوع والعطش، والحر والبرد من أحوال البدن، والبدن مخلوق أو غير مخلوق؟ السائل: مخلوق.
الشيخ: إذاً هذه مخلوقة، وأنت إذا لم تقل: إنها غير مخلوقة فمن الذي أوجدها؟! هل أحد يوجد شيئاً غير الله؟ إذاً الأحوال من المرض والصحة، والجوع والعطش، والتعب والنشاط، مخلوق لله عز وجل.(71/27)
حكم ما يخرج من بول بعد الاستنجاء
السؤال
ما حكم ما يخرج من الإنسان من بول بعد الاستنجاء بالماء؟
الجواب
هذا ناقض للوضوء، ولكن يجب أن نعلم أن بعض الناس يصيبه وسواس، تجده يفكر! خرج شيء، خرج شيء، وهذا لا ينبغي، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يشك: هل خرج منه شيء أو لا؟ قال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) .(71/28)
الكلام أثناء الجلوس بين الخطبتين
السؤال
ما حكم الكلام أثناء جلوس الإمام بين الخطبتين؟
الجواب
الكلام بين الخطبتين لا بأس به ما لم يكن كثيراً يلهي من حوله وتشتغل قلوبهم بالنظر إليه، فهذا يمنع منه.(71/29)
السنن الرواتب قبل وبعد الصلوات
السؤال
فضيلة الشيخ: ما هي السنن الراتبة؟ أحياناً تقام الصلاة ولم يتسنن أحدنا ركعتين قبل الصلاة وهي من السنن الراتبة؟
الجواب
السنن الراتبة اثنتي عشرة ركعة: أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، والتي تكون قبل الصلاة إذا أقيمت الصلاة وهو لم يصلها صلاها بعد ذلك، فلو فرضنا أن الصلاة أقيمت قبل أن يدخل في النهي نقول: صل مع الجماعة، فإذا صلى مع الجماعة فالأمر واضح، وأما إذا أقيمت الصلاة وأنت في الركعة الثانية فأتم على وجه التخفيف ولا بأس.
السائل: لكن أصلي ركعتين بعد الصلاة؟ الشيخ: نعم.
إذا فاتته الركعتان قبل الصلاة يصليها بعدها.
السائل: أربع ركعات بعد الصلاة؟ الشيخ: ليست أربعاً بلا تسليم، يصلي ركعتين ثم ركعتين، الركعتان الأوليان هاتان هما الركعتان اللتان بعد الظهر، والركعتان بعدهما هما الركعتان اللتان قبل الظهر.(71/30)
من فاتته صلاة الوتر قضاها في النهار شفعاً
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا أذن مؤذن الفجر وأنا لم أوتر فهل أصلي ركعة واحدة أثناء الأذان، أم أصلي الشفع أو أنتظر حتى تطلع الشمس؟
الجواب
إذا أذن وأنت في الوتر أكمل.
السائل: قبل أن أكبر للوتر؟ الشيخ: إذا أذن قبل أن تكبر وهو يؤذن على طلوع الفجر يقيناً فقد فات الوقت وتقضيه في النهار كما قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلبه نوم أو مرض صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة) .(71/31)
حكم إمامة الصبي بالبالغ والمتيمم بالمتوضئ
السؤال
المذهب يقول: إن الصبي لا يكون إماماً للبالغ؛ لأن الصبي صلاته نفل، والبالغ صلاته فرض، فيكون البالغ أدنى من مرتبة النفل وهذا لا يصح، واستدللتم في صلاة من به سلس البول أن المذهب يقول أيضاً: إنه لا يؤم الناس.
الشيخ: لا تأخذ الاثنين خذ واحدة.
السائل: أنا في دليل.
الشيخ: خذ واحداً بارك الله فيك.
السائل: ليست مسألة نفسها.
واستدللتم أيضاً من فيه سلس البول، المذهب يقول: من به سلس البول لا يؤم المصلين، والتعليل: أن هذا لو كان رجلاً متيمماً أو متوضأ فإن المتيمم يؤم المتوضئ، فهل نقول الآن في هذا التعليل أيضاً: إن صلاة الصبي تصح وهو ردٌ على هذا التعليل؟ الشيخ: الصلاة خلف الصبي فيها حديث في صحيح البخاري: أن عمرو بن سلمة أم قومه وهو ابن سبع سنين، وما جاء به النص فلا يحتاج إلى قياس، وأما صلاة المتنفل بالمفترض كرجل بالغ يصلي الراتبة فجاء ولد آخر فصلى وراءه فكذلك أيضاً نقول: تصح.
السائل: أنا أريد دليل التعليل الذي عللتموه أن من به سلس البول أن المتوضئ والمتيمم، فهل نأخذ أيضاً التعليل رداً على الذي يقول في الصبي والبالغ نقول أيضاً: المتيمم أدنى من المتوضئ، نقول له: هذا التعليل أيضاً رد على المسألة الثانية؟ الشيخ: نقول: يجوز أن يكون المتيمم إماماً للمتوضئ.
السائل: لكن الدليل الذي استدللتموه نجعله على المسألتين نفسها؟ الشيخ: كيف المسألتين نفسها؟ السائل: العلة المستنبطة نجعلها أيضاً في الصبي والبالغ نرد عليهم هذا التعليل؟ الشيخ: كيف؟ السائل: ما دام أن المذهب يقول: إن الصبي لا يؤم البالغ؟ الشيخ: لا.
بينهما فرق، لأن المتيمم والمتوضئ كلاهما يصليان فريضة بخلاف الصبي بالبالغ، فإن الصبي يصلي نافلة والبالغ يصلي فريضة، وكذلك المتنفل للمفترض.
السائل: الظاهر ما فهمتني.
مداخلة: على قياس واحد.
الشيخ: ما هي على قياس واحد أبداً.
السائل: يعنى: نفس العلة، العلة هذه نجعلها في الصبي والبالغ، نقول: نرد عليهم في هذه العلة.
الشيخ: نرد عليهم بالحديث الصحيح: أن الصبي أم قومه وهو ابن سبع سنين.
السائل: جزاك الله خيراً يا شيخ.(71/32)
كل شيء من حقوق الشخص له أن يتنازل عنه إلا العبادات
السؤال
فضيلة الشيخ: بالنسبة للمشترك بخدمة معينة في الدولة مثلاً، تؤمن خدمات الهاتف، وتؤمن خدمات أخرى، والمواطن مشترك فيها اشتراكاً، فهذه خدمة معطاة إليه أصلاً لا يملكها، فبأي حق يجوز له أن يبيعها؟
الجواب
لا.
هذا متنازل، له الحق أن يستخدم هذا الهاتف إلى أبد الآبدين فتنازل عنه.
السائل: مقابل مال.
الشيخ: نعم مقابل مال، كل شيء من حقوقك لك أن تتنازل عنه إلا إذا كان من العبادات فهي لا تعوضها منه.(71/33)
تحية المسجد مقدمة على طلب العلم
السؤال
إذا دخل شخص المسجد ورأى حلقة علم فهل له أن يستمع إلى هذه الحلقة من أجل الاستفادة أم يصلي تحية المسجد؟
الجواب
لا.
يصلي تحية المسجد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الذي دخل وهو يخطب الناس -والخطبة من أساليب التعليم- أمره أن يصلي ركعتين قبل أن يجلس.
السائل: يوجد بعض الناس يقول: إذا دخل أحدكم المسجد هل يستبدل عن هذا بأن يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ويجلس، وهي تحية المسجد؟ الشيخ: ليس بصحيح.(71/34)
حكم كشف وجه المرأة والرد على من قال بجوازه
السؤال
نزل كتاب في السوق اسمه: جلباب المرأة المسلمة فالكتاب كان يسمى: بحجاب المرأة المسلمة فغير بعنوان: جلباب المرأة المسلمة، فالمؤلف يقول: إن كشف المرأة لوجهها كان معروفاً على عهد السلف، وأتى بأدلة زائدة عن الأدلة السابقة، فما رأي فضيلتكم؟
الجواب
رأينا أن المعروف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أن المرأة تنتقب أي: تلبس غطاء على وجهها وتفتح عينيها، والدليل على هذا قوله في الحديث الصحيح في محظورات الإحرام: (لا تنتقب المرأة) وهذا دليل على أن النقاب كان معروفاً عندهم، والنقاب يغطي الوجه ويفتح العينين.
الشيخ: هو يقول: كان معروفاً على عهد السلف كشف الوجه؟ الشيخ: من أسلف السلف؟ السائل: الصحابة.
الشيخ: الصحابة الذين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو كان كشف الوجه معتاداً لم يحتج إلى قوله: (ولا تنتقب المرأة) فلما نهى عن الانتقاب في حال الإحرام دل على أن النساء في عهده كن يلبسن النقاب.
والصحيح الذي لا شك فيه أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها عن الرجال غير المحارم، ونحن نسأل هؤلاء الذين يقولون بجواز كشف الوجه ووجوب تغطية القدم، نقول: بالله ربكم أيهما أشد فتنة كشف الوجه أم كشف القدم؟! يعني: يقولون: يجوز للمرأة جميلة الوجه أن تكشف وجهها، ولا يجوز لامرأة من أقبح النساء قدماً أن تخرج إبهامها أو خنصرها، يعني: هذا لا تأتي به الشريعة إطلاقاً، الشريعة لا يمكن أن تأتي بهذا أبداً، قد يقولون: إن المرأة محتاجة إلى أن تنظر عند المسير، نقول: لا بأس نعطيها رخصة بأن تفتح لعينيها نقباً وتلبس النقاب، لكن هذا يدلك على ضعف الإنسان، وأن الإنسان مهما بلغ في العلم فهو عرضة للخطأ لا في الأمور الفقهية ولا في الأمور الحديثية، حتى لو كان من أعلم الناس بالحديث فإنك تجد عليه أخطاءً كثيرة في تصحيح الضعيف أو تضعيف الصحيح.
فلا تعتبر الرجل إذا بلغ منزلة كبيرة في علم الحديث أو علم الفقه، لا تعتقد أنه معصوم وأنه لا يقول إلا الحق والصواب، وهذه لا شك أنها زلة ممن تشير إليه من صاحب الكتاب، هذه زلة نسأل الله أن يعفو عنه بها، كما أن هناك زلات أخرى للعلماء الآخرين وله أيضاً، والإنسان إذا علم صدق النية من العالم وأنه لا يمكن أن يتعمد مخالفة الصواب فإنه يسأل الله له العفو، والله عز وجل لا يؤاخذ الإنسان إذا تأول وأخطأ؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران) .
السائل: هل يصح عن أحد من الصحابة بأنه قال بجواز كشف الوجه؟ الشيخ: ولو قاله، لو قاله ألف صحابي، فالصحابة مائة وعشرون ألفاً.(71/35)
الفطر لمن يصوم قضاء واجب أو نذر
السؤال
إذا كان الإنسان صائماً قضاء رمضان فهل يجوز له أن يفطر إذا شاء؟
الجواب
لا، إذا شرع الإنسان في صيام واجب، سواء قضاء رمضان أو كفارة يمين أو نذر فإنه لا يجوز له أن يخرج منه إلا لضرورة، أما النفل فلا بأس أن يفطر الإنسان في أثناء النهار بلا عذر.
السائل: وإن أفطر بما فيه كفارة في رمضان أو في قضاء رمضان؟ الشيخ: الكفارة لا تجب إلا على من جامع في نهار رمضان وهو صائم، وهو يجب عليه الصوم أيضاً، فإن جامع وهو مفطر لعذر كالمريض والمسافر فلا حرج عليه ولا إثم، إذا كانت زوجته معذورة مثله.
السائل: ماذا يلزم من عمله هذا في القضاء؟ الشيخ: قلت لك: يجب عليه أن يتوب إلى الله ويستغفره؛ لأنه فعل محرماً، وعليه أن يقضي هذا اليوم الذي أفسده.(71/36)
حكم توزيع منشورات فيها سب وشتم الحكومة
السؤال
وجد في هذه الأيام بعض المنشورات التي لا تخدم المصلحة، وقد بلغنا عنكم فتوى بحرمة تداول مثل هذه الأشياء، وأنا والله لم أقف على هذه الفتوى أرجو الكلام حول هذا الأمر يا شيخ؟
الجواب
تكلمنا به من قبل قلنا: هذه المنشورات التي تنشر وفيها سب للحكومة بعضه كذب وبعضه صحيح، تداولها حرام ومن كبائر الذنوب، والذي يتداولها لا شك أنه آثم؛ لأن أدنى ما فيها أنها غيبة، وقد قال الله تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12] وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على أن الغيبة من كبائر الذنوب، فإن انضاف إلى ذلك أنها كذب صارت بهتاناً، هذا في غيبة عوام الناس -رجل الشارع- فكيف بغيبة ولي الأمر أو العالم! يكون هذا أشد وأعظم؛ لأن ولاة الأمور إذا اغتيبوا هبط قدرهم في أعين الناس، وحصلت الفوضى، وصارت أوامرهم مكروهة عند الناس ولو كان فيها خير، وحرص الناس على أن يتتبعوا عوراتهم، ويدلك على أنه يقصد بهذه المنشورات الشر والله أعلم بالنيات أنه لا يذكر إلى جانب هذه الأخطاء ما كان من الصواب.
الحكومة لها أشياء كثيرة هي صواب وخير ومنفعة للمسلمين، فعلى الأقل إذا كان الإنسان منصفاً، يعني: لو فرضنا أن الإنسان سئل: ما تقول في الحكومة؟ إذا كان منصفاً يجب أن يذكر السيئات والحسنات، هذا إذا سئل وألجئ، أما أن يأتي الإنسان ينشر مساوئ الحكومة وبصفة واسعة فلا شك أن عليه من الإثم ما يستحقه، ولا شك أن الذين يعينونه بنشر هذه المنشورات عليهم من الإثم ما يستحقونه، ولهذا نحن نحذر من تداول هذه المنشورات ومن نشرها، ونرى أن الفاعل أو الذي يفعل ذلك قد تلبس بكبيرة من كبائر الذنوب والعياذ بالله، وكبائر الذنوب لا تكفرها الصلاة ولا الصدقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر) وقال: (ما لم تغش الكبائر) وهذه كبيرة من كبائر الذنوب.
أنت الآن إذا أحد كتب عن مساوئك ونشرها بين الناس ماذا تقول فيها: غيبة أو ليست غيبة؟ غيبة وعدوان عليك، لماذا تكون غيبة وعدواناً على واحد من الناس يمشي في الشارع حتى لو هبط ونقص قدره ما ضر إلا نفسه فقط ولا تكون غيبة ولاة الأمور الذين يجب على الناس طاعتهم في غير المعصية كبيرة؟ هذا أشد، ولهذا مع الأسف الشديد بعض الناس يظنون أن هذا حق، بل بعضهم ربما يظن أنها قربة إلى الله، بيننا وبينهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] وقد سأل الرسول عليه الصلاة والسلام عن الغيبة؟ قال: (ذكرك أخاك بما يكره) ثم إن السلف رحمهم الله ليس من عادتهم أن يغتابوا الحكام أبداً، فهذه الطريقة مخالفة لطريقة السلف، من كان منهم يريد أن يتكلم على السلطان يتكلم عليه أمامه، حتى لا تكون غيبة، وحتى يستطيع هذا الإمام أن يدافع عن نفسه إن كان محقاً أو يتراجع إن كان مبطلاً، أما من وراء الجدر ثم تلفق أيضاً أشياء غير صحيحة وهي كذب، ما الذي يجوز هذا؟ القرآن والسنة بين أيدينا والحمد لله، والرجوع إليهما واجب، وعلى كل حال فيه كلمات من قبلهن.(71/37)
صحة حديث: (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم)
السؤال
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم) ما توجيه هذا الحديث؟
الجواب
لا أعرف هذا الحديث ولا أعرف معناه أيضاً.(71/38)
لقاء الباب المفتوح [72](72/1)
الفرق بين العادة والعبادة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو لقاء الباب المفتوح الخاتم لشهر ربيع الأول عام (1415هـ) ، وكان هذا اللقاء يتم في كل أسبوع في يوم الخميس، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه، موافقاً لمرضاته، وأن ينفعنا جميعاً بما علمنا إنه على كل شيء قدير.
السؤال
ما هو الفرق بين العادة والعبادة، وإذا كان الباعث على العبادة الرياء فما الحكم وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
الفرق بين العادة والعبادة: أن العبادة ما أمر الله به ورسوله تقرباً إلى الله، وابتغاءً لثوابه، وأما العادة فهي ما اعتاده الناس فيما بينهم من المطاعم والمشارب والمساكن والملابس والمراكب والمعاملات وما أشبهها.
وهناك فرق آخر: وهو أن العبادات الأصل فيها المنع والتحريم حتى يقوم دليل على أنها من العبادات، لقول الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ} [الشورى:21] ، أما العادات فالأصل فيها الحل إلا ما قام الدليل على منعه، وعلى هذا فإذا اعتاد الناس شيئاً وقال لهم بعض الناس: هذا حرام، فإنه يطالب بالدليل، يقال: أين الدليل على أنه حرام؟ وأما العبادات فإذا قيل للإنسان: هذه العبادة بدعة، فقال: ليست ببدعة، قلنا له: أين الدليل على أنها ليست ببدعة، لأن الأصل في العبادات المنع حتى يقوم دليل على أنها مشروعة.
الجزء الثاني من السؤال: إذا كان الباعث على العبادة الرياء فإنها لا تقبل؛ لقول الله تبارك وتعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110] ، ولقوله تعالى في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) .(72/2)
نصيحة لمن يتعامل مع البنوك
السؤال
فضيلة الشيخ! وفقكم الله ورعاكم: أحد الزملاء كان له رصيد في البنك الأهلي، ونصحته بأن ينقل هذا الرصيد إلى بنك الراجحي، لأنه ليس فيه ربا، وإن كان فيه ربا فهو أقل وأخف من البنك الأهلي، فقال: اسأل لي الشيخ: هل أنا آثم بوضع هذا الرصيد في البنك الأهلي؟ فهذا هو السؤال أفيدونا وفقكم الله!
الجواب
الذي نرى ما رأيت أنه ينقله من البنك الأهلي إلى شركة الراجحي؛ لأن ذلك أقرب إلى السلامة.(72/3)
الدعوة إلى الله بالأدلة العقلية والنقلية
السؤال
فضيلة الشيخ! يقول البعض في أمر الدعوة حين يأتون إلى دعوة القوم من أهل الكتاب يقولون: لا نقدر أن ندعو الناس هؤلاء بالقرآن لأنهم أصلاً لا يؤمنون بالقرآن، علماً أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذاً إلى أهل اليمن بعثه إلى أهل كتاب، وفي رواية البخاري: (أن يوحدوا الله) وقول شيخ الإسلام: القرآن كله توحيد، فماذا يكون نصيحتكم فضيلة الشيخ لهذه المقولة، التي أخشى أن يكون فيها تعطيل لكتاب الله وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
نحن نقول: إن الدعوة إلى دين الله تعالى وإلى شريعة الله لا تكون إلا بالطرق التي شرعها الله عز وجل، ولا شك أن الدعوة بالقرآن والسنة هي أقرب وسيلة إلى القبول، لكن لا مانع من أن يكون لدى الإنسان أدلة عقلية يؤيد بها الكتاب والسنة، لأن من الناس من لا يؤمن بالأدلة السمعية أي: بالقرآن والسنة، لكن إذا أتته الأدلة العقلية اقتنع، وهذا موجود في القرآن، فإن الله تعالى يحاج بعض المشركين بالأدلة العقلية وهذا إبراهيم قال لأبيه: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً} [مريم:42] فحاجه بالأدلة العقلية، وكذلك حاج قومه بذلك بالأدلة العقلية حين رأى كوكباً فقال: هذا ربي، ورأى القمر فقال: هذا ربي، ورأى الشمس فقال: هذا ربي، وكلها لما غابت تبينت أنها ليست آلهة، وأما كون النصارى واليهود لا يؤمنون بالقرآن فلا يخالهم لا يؤمنون به، لكن لا يؤمنون بعموم الرسالة، ولهذا تجدهم يرون الاحتجاج بالقرآن، وسمعت في المؤتمر الباطل الذي يعقد الآن في القاهرة مؤتمر السكان والبيئة سمعت صدىً عظيماً للآية التي تلتها رئيسة وزراء باكستان وهي قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام:151] والآية الأخرى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء:31] حيث نقلوا مما تكلمت به أنها استدلت بهذه الآية، وهذا يدل على أن للقرآن شأناً حتى عند غير المسلمين.
السائل: شيخنا! الأدلة العقلية التي ذكرتها من القرآن هي شاهد على الربوبية إذاً هي من القرآن، أليس كذلك؟ الشيخ: نعم، لكنها أدلة عقلية.(72/4)
مخالفة الإمام في تقديم الركبتين على اليدين
السؤال
إذا كان الإمام ممن يقدم ركبتيه على يديه إذا هوى إلى السجود فهل يكون تقديم المأموم يديه على ركبتيه مخالفة للإمام في هذه الحال؟
الجواب
الذي يظهر لي أنها ليست مخالفة؛ لأنه لم يتأخر عنه ولم يتقدم عنه بخلاف جلسة الاستراحة، فإن الإمام إذا كان لا يجلس للاستراحة فالمأموم مشروع له ألا يجلس، لأنه بجلوسه يتأخر، أما هذا فلا يتأخر ولا يتقدم، فهو مثل لو كان الإمام يرى مشروعية التورك في كل تشهد أخير ولو في الصلاة الثنائية، أو يرى مشروعية الافتراش حتى في التشهد الثاني في الصلاة التي لها تشهدان، وصار المأموم يخالفه، فإن ذلك لا يعد مخالفة، فالظاهر أن هذا ليس من المخالفة، وأنه لا حرج على المأموم أن يقدم يديه قبل ركبتيه.
ولكنني أنصح المأموم ألا يقدم يديه قبل ركبتيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن ذلك فقال: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير) والبعير إذا برك يقدم يديه وكل الناس يعرفون ذلك، والحديث ليس فيه (فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير) لو قال: على ما يبرك عليه البعير قلنا: لا تبرك على ركبتيك؛ لأن البعير يبرك على ركبتيه، ولكنه قال: فلا يبرك كما يبرك، فالنهي عن الكيفية والصفة، فلننظر الإنسان إذا نزل يديه قبل ركبتيه صار كالبعير تماماً، ولذلك ننصح إخواننا أن يتأملوا الحديث تأملاً تاماً، ليعرفوا دلالاته ثم يأخذوا بما دل عليه لفظه، فنرى أن يقدم ركبتيه قبل يديه، وهذا هو الترتيب الطبيعي أيضاً، فإن أول ما يلي القدم الذي هو ثابت على الأرض من قبل: الركبة، ثم اليدان، ثم الجبهة والأنف، كما أنه عند القيام يرفع الجبهة والأنف ثم اليدين ثم الركبتين.(72/5)
غناء النساء ورقصهن في الأفراح
السؤال
فضيلة الشيخ! تقوم بعض النساء في الأفراح بالرقص مع الغناء فهل هذا العمل جائز أم لا؟
الجواب
الذي أرى أن تمنع النساء من الرقص؛ لأن ذلك فيه فتنة، وكنت في الأول أسهل في الأمر، لكن نقلت لي حوادث توجب أن أقول بمنع الرقص في الحفلات، ويكفي الضرب بالدف مع الغناء النزيه الطيب الطاهر لأن ذلك من السنة.(72/6)
مهر المرأة لا يعلق على بقاء بكارتها
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك عادات عندنا في أفريقيا وفي مكة كذلك إذا تزوج امرأة ودخل بها ولم يجدها بكراً طالب بإرجاع ماله، ما رأيكم في هذا العمل؟
الجواب
نرى أنه ليس له حق في المطالبة بالمال؛ وذلك لأنه لم يشترط أنها بكر، ثم إن البكارة لزوالها أسباب غير الجماع، قد تزول البكارة بقفزة تقفزها المرأة، وقد تزول البكارة بعبث المرأة في نفسها عند المراهقة، وقد تزول البكارة بجماع مكرهة عليه، وحينئذٍ لا نرى أن له حق بالمطالبة ما لم يكن شرط ذلك.(72/7)
الاحتساب على تاركي الجماعة في الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! إمام لأحد المساجد في حي يسكنه أكثرهم غير سعوديين فالإمام يسأل ويقول: هل نلزمهم بصلاة الجماعة مع أن مذهبهم الذي يتقلدونه يقول: بأن الصلاة مع الجماعة سنة، فهل نلزمهم وهل يجبرون على ذلك وتخبر الجهات المختصة عن ذلك؟
الجواب
أرى أن تخبر الجهات المختصة بذلك؛ لأننا لو تركنا الحبل على الغارب وقلنا: كل واحد يفعل ما يرى أنه مذهبه لتفلتت الأحوال ولجاءنا من يقول: أنا أريد أن تكشف امرأتي وجهها في السوق لأن مذهبي لا يرى وجوب تغطية الوجه، ولجاءنا من يقول: أنا أريد أن تسافر امرأتي بلا محرم لأن مذهبنا أن المحرم ليس بواجب، ولجاءنا من يعلن شرب الدخان ويقول: إن شرب الدخان ليس بحرام عند بعض العلماء، فأرى أن يرفع الأمر إلى المسئولين، وعلى المسئولين أن يتقوا الله عز وجل فيما يعاملون به هؤلاء المتخلفين عن الصلاة.(72/8)
كيفية قضاء الدين إذا كان بعملة تغيرت قيمتها
السؤال
فضيلة الشيخ! أحد الإخوة استدان مبلغاً من المال من جار له صاحب متجر في بلده ومضى على هذا الدين عشر سنوات ويريد أن يرد المبلغ الآن لكن عملة البلد هبطت إلى حد صار هذا المبلغ الذي كان يمكن أن يشتري به مثلاً سيارة من الوكالة جديدة حينذاك، لا يشتري به إطاراً من إطاراتها اليوم، فهل يرد له نفس المبلغ فيكون الدائن قد خسر كثيراً، أم يدفع له ما يساوي قيمة المبلغ قبل عشر سنوات، وهل يكون بذلك قد أربى؟
الجواب
إذا كانت الفلوس قد ألغيت واستبدلت بعملة أخرى فله أن يطالب بقيمتها في ذلك الوقت أو بقيمتها حين ألغيت، وأما إذا بقيت العملة على ما هي عليه فليس للمقرض إلا هذه العملة سواء زادت أم نقصت، وأقول لك: لو فرض أن العملة زادت أفلا يطالب المقرض المقترض بها؟ نعم يطالبه بها، مع أنها قد تكون زادت أضعافاً مضاعفة، وكذلك لو أقرضه صاعاً من البر قبل سنوات وكان الصاع يساوي خمسة ريالات ثم نزل إلى ريالين مثلاً فهل يقول أعطه الصاع وأعطه ثلاثة ريالات، لا ليس له إلا الصاع، فالأشياء المثلية لا يلزم فيها إلا رد المثل، وكذلك النقود ما لم تلغ المعاملة بها فيكون له القيمة وقت إلغائها.
السائل: المستدين يرى أنه يزيد هل في هذا ربا؟ الشيخ: لا إذا تطوع وأعطاه زيادة، فخير الناس أحسنهم قضاءً، وقد استدان النبي صلى الله عليه وسلم بكراً ورد خياراً رباعياً وقال: (خيركم أحسنكم قضاءً) .(72/9)
حكم خروج النساء مع جماعة التبليغ
السؤال
انتشر عندنا في الكويت جماعة التبليغ يعظون الرجال الآن والنساء فضلاً عن الرجال بالخروج إلى جميع البلدان يحددون مدة قصيرة يدربون المرأة مدة ثلاثة أيام ثم أسبوع ثم في الخليج كذلك يعني أسبوعين بعد ذلك ينقلونها إلى مرحلة أعلى وهي مرحلة الهند والباكستان، حتى تتدرب المرأة بحجتهم على الدعوة إلى الله تعالى أربعين يوماً، والسؤال: نقل عنك أيضاً أن أحد الإخوة يأتي هنا إلى القصيم ويقول: إنك ترى جواز الخروج مع النساء فهل هذا صحيح؟ ونريد كلمة هل هم جماعة حق ويخرج معهم ويجتهد الإنسان معهم في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ويبذل الإنسان ماله ووقته؟
الجواب
أما ما نسبه إليَّ من أني أقول: حتى النساء يخرجن فهذا غير صحيح ولا علمت أن النساء يخرجن في جماعة التبليغ إلا منك الآن، وأما الجماعة فلا أحد يشك أن لها تأثير في إصلاح الناس، كم من كافر أسلم! وكم من فاسق اهتدى! وهذا شيء معلوم، لكن يغلب عليها الجهل، ليس عندهم طلبة علم ولا علماء، كما أن الذهاب إلى بلاد أخرى من بلاد العجم الباكستان أو غيرها لا نرى السفر إلى هناك، ولا نرى حجاً إلا إلى بيت الله الحرام، وهذا الاجتماع السنوي الذي يجتمع فيه ما يزيد على المليون، هذا شبه الحج وهذا لا نراه، ونرى أن جماعة التبليغ يكونون في أماكنهم يدعون إلى الله عز وجل في القرى والمدن، ونرى أيضاً أنه يلزم على طلبة العلم أن يخرجوا معهم لتعديل منهجهم، وإصلاح ما هم عليه من الأخطاء التي قد تكون من كل أحد من الناس، فأنا لست من الذين يذمونهم ذماً مطلقاً، ولا من الذين يمدحونهم مدحاً مطلقاً، لكني أرى أن في القوم خيراً، وأن الله نفع بهم نفعاً كبيراً، ولا أعلم إلى ساعتي هذه أن أحداً من الناس أثر ولا سيما في العامة مثل ما أثر هؤلاء.(72/10)
جواز الجمع بين الظهر والعصر إذا دعت إليه الحاجة
السؤال
فضيلة الشيخ! في بعض الشركات يعمل الموظف لمدة اثني عشرة ساعة، مثلاً من الساعة السادسة مساءً إلى الساعة السادسة صباحاً، فيخرج وهو متعب فينام، فيقول: لا أستطيع الاستيقاظ والصلاة جماعة في المسجد مع الجماعة، فهل يجوز لي تأخير صلاة الظهر مع العصر؟ وإن كان لا، فكيف يجاب على استفسارهم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع من غير عذر ولا خوف؟
الجواب
أما إذا خرج الإنسان متعباً وكان لا يستطيع أن يبقى مستيقظاً إلى العصر فلا بأس أن يجمع العصر إلى الظهر وينام.
وأما قولهم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع من غير عذر، فهذا ليس بصحيح، ما جمع النبي صلى الله عليه وسلم إلا لعذر، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه (جمع -أي: النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر) .
بين ابن عباس رضي الله عنهما سبب ذلك حين سئل: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته، فدل هذا على أن الجمع إنما يجوز عند المشقة فقط، وما ذكرت من حال هذا الرجل مشقة بلا شك فله أن يجمع تقديماً أو تأخيراً.(72/11)
قفل مكبرات الصوت بعد إقامة الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض الإخوان في بعض المساجد يقوم بقفل الميكروفونات بعد إقامة الصلاة باحتجاج أنهم لا يزعجون أصحاب الحي، فتناقشنا مع الأئمة معهم قالوا: لابد، لأننا قد سمعنا فتوى لفضيلة الشيخ ابن عثيمين بقفل الميكروفونات بعد الإقامة؟
الجواب
نعم هذا صحيح، نحن نرى ألا ترفع الصلاة من المآذن في الميكرفون؛ لما في ذلك من الأذية على المساجد، القريبة من المسجد بل وعلى أهل البيوت الذين يزعجهم هذا، لأن أهل البيوت قد يكون الإنسان مريضاً يريد أن ينام، وقد يكون عنده صبيان ينزعجون من هذا الصوت، ثم ما الفائدة من هذا: هل هو يصلي للناس الذين في الخارج أم يصلي لأهل المسجد؟ هو يصلي لأهل المسجد.
إذاً: ما الفائدة؟! وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه ذات ليلة ورآهم يصلون ويجهرون، فقال: (لا يؤذين بعضكم بعضاً في القراءة) .
أما الإقامة فلا بأس على أن بعض الإخوة قال: إنها بدعة، لأن الإقامة بمكبر الصوت من المنارة كأنه أقام في المنارة والإقامة للحاضرين، لكني أرى أنه لا بأس بالإقامة، لأن قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة) يدل على أن الإقامة تسمع من خارج المسجد، وأما أن تكون كل الصلاة فلا شك أنه يؤذي الناس لا سيما في الصلاة الجهرية، وقد سمعنا من أمن على قراءة المسجد الذي بجواره، وسمعنا من ركع لما ركع المسجد الذي بجواره، وكل هذا واضح مفسدته.(72/12)
تعليق على سؤال الصحابة عن الأهلة
السؤال
فضيلة الشيخ! حفظك الله وبارك الله للأمة في علمك وحياتك، اطلعت على مقال نشر في مجلة البيان في العدد التاسع والسبعين وآلمني وإن كان نظري قاصراً حول هذه المسألة وأردت أن أنكر هذا في صلاة الجمعة في يوم غد فرأيت أن أستشير فضيلتكم وآخذ نصاً يسيراً من المقال أربعة أسطر في قول الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189] .
فقال: فقد جاء أحد تفسيري الآية الكريمة أن الناس سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الأهلة والكواكب! لم يبدو القمر هلالاً صغيراً ثم لا يلبث إلا قليلاً وقد أخذ في الزيادة والتوهج والاكتمال؟ ثم قال: وهو على أي حال سؤال ساذج يدل على سطحية في التفكير، وبدائية في النظر، ومحدودية في التناول التأملي، وبساطة في البحث عن المعرفة الفكرية المهمة، المناسبة للمكان والزمان، وكان يمكن أن يأتي الرد على ظاهر سؤالهم العبثي.
ثم أخذ من هذه الكلمات، فما رأي فضيلتكم؟
الجواب
أولاً: بارك الله فيك القول بأن الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أحجام الأهلة: لماذا تبدوا صغيرة ثم كبيرة؟ هذا لا سند له وإنما ينقله علماء البلاغة، وليس في الآية ما يدل عليه، الصحابة سألوا عن الأهلة: ما الحكمة من وجود الأهلة؟ فبين الله تعالى أنها مواقيت للناس والحج، كما في قوله تعالى: {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ} [يونس:5] ما خلق الله ذلك إلا بالحق، هذا هو الذي وقع السؤال عنه وهو مطابق تماماً للجواب، لكنَّ البلاغيين يقولون: هذا من باب الأسلوب الحكيم، كأن الله عدل عن إجابة سؤالهم إلى الأهم والأنفع، وبناءً على ذلك نقول: يجب على هذا الذي تكلم بهذا الكلام في حق الصحابة يجب عليه أن يتثبت، أولاً: هل صحيح أنهم سألوا: لماذا يبدو الهلال صغيراً ثم يكبر، أم سألوا عن الحكمة من إيجاد هذه الأهلة؟ أما أن يهاجم الصحابة هذه المهاجمة دون أن ينظر إلى صحة القصة فلا شك أن هذا خطأ من الناحية العلمية والمنهجية وإساءة إلى الصحابة رضي الله عنهم، والآية معناها: أنهم سألوا الرسول عن الحكمة في هذه الأهلة فأجيبوا ببيان الحكمة.
السائل: فهذه العبارة التي ذكرها.
الشيخ: غلط من الناحية المنهجية وخطأ من ناحية القدح في الصحابة، الصحابة ما سألوا هذا السؤال الذي قصد.(72/13)
استخدام المحرم لمواد عطرية عند الحلق
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض الناس إذا انتهى من العمرة وأراد الحلق فإنه قبل حلق رأسه يضع عليه الحلاق شيئاً من المعجون أو الصابون وله رائحة زكية، فهل يعتبر هذا من محظورات الإحرام أم أنه في طريق الإزالة فيعفى عنه؟ الشيخ: لكن كيف انتهت العمرة.
السائل: لم يحلق بعد.
الشيخ: يعني قبل أن يحلق؟ السائل: قبل أن يحلق؟
الجواب
إذا كان طيباً يمنعه منه، أما إذا كان مجرد رائحة ذكية فلا بأس بها، لكن هل هو طيب أم رائحة ذكية كرائحة النعناع أو ما أشبه ذلك؟ إن كان الثاني فلا بأس به حتى لو كان في صلب الإحرام.(72/14)
محدودية القبول في مدارس القرآن
السؤال
فضيلة الشيخ! كما تعلمون في هذه الأيام قرب افتتاح المدارس، ومدارس تحفيظ القرآن لا يقبل في السنة الأولى إلا ثلاثين طالباً فقط، ويحدث مشاكل عند التسجيل بالنسبة لأولياء أمور الطلاب أو المسئولين عن تلك المدارس، السؤال هو: بماذا توجهون المسئولين عن المدارس وأولياء أمور الطلاب، وكذلك المسئولين الذين حددوا النسبة ثلاثين طالباً وجزاك الله خيراً؟
الجواب
نرى أن أهل البلد يجتمعون ويكتبون لوزير المعارف، ويبينون له أن الإقبال على هذه المدارس شديد، وأنه لا ينبغي أن يحال بين الناس وبين ما يريدون في أمر هو خير وصلاح، فلعلهم إذا كتبوا ذلك لعله ينفع، وقد يقول وزير المعارف مثلاً: إن هذه خطة مدروسة من الوزراء وما أشبه ذلك، فيكتب لرئيس مجلس الوزراء ويقولون: الناس يريدون هذا وإقبالهم شديد على هذه المدارس وهي خير، وما أحسن أن يكون الشعب السعودي حافظاً لكتاب الله عز وجل، أما كون الناس يقع بينهم الملاغاة والعداوة والبغضاء والشحناء فهذا لا يجوز.(72/15)
خطأ تفسيق تارك الرواتب
السؤال
ما قولك فيمن يرى تفسيق من يترك مثلاً السنن الرواتب، ويحتج مثلاً ببعض الأقوال التي تنسب إلى الإمام أحمد رحمه الله أن تارك الوتر والسنن الرواتب فاسق لا تقبل له شهادة، وهل هذا يصح أو يثبت عن الإمام أحمد؟ ما صحة القول بالتفسيق؟
الجواب
نرى أن من فسق من ترك الرواتب ليس على صواب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأله الرجل لما ذكر له الصلوات الخمس قال: (هل عليَّ غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع) وهذا يدل على أن الإنسان في حلٍّ من ترك الرواتب، لكن الذين قالوا: لا ينبغي أن تقبل له شهادة كما قال الإمام أحمد يرحمه الله قالوا: لأن تركه لهذه الرواتب السهلة مع تمكنه يدل على استهانته بدينه ولم يجعلوا ذلك فسقاً.(72/16)
صورة لبيع النقد بالنقد
السؤال
فضيلة الشيخ! ذكرت في شريط: الأسلوب الأمثل في الدعوة: أنك إذا اشتريت مثلاً من صاحب بقالة بقيمة أربعين ريالاً فأعطيته خمسين وبقي لك عشرة ريال فقلت: إنه ربا نسيئة، ما هو الدليل على ذلك لأن كثيراً من الناس وقع في ذلك؟
الجواب
هذه الصفقة بارك الله فيك جمعت بين بيع وصرف، الخمسين ريالاً الآن صارت عوضاً لصرف وبضاعة فأما البضاعة فمعروف أنه ليس بينها وبين الدراهم ربا، وأما الصرف الذي هو باقي قيمة الخمسين فهو بيع نقد بنقد، فلا يجوز أن تفارقه حتى تأخذ منه ما بقي من الخمسين، وحل هذه المشكلة سهل بدلاً من أن يقول: هذه الخمسين ويبقى عندك لي عشرة ريالات يذهب إلى جاره ويصرف الخمسين ويعطيه أربعين.(72/17)
حكم دعاء صفات الله
السؤال
إذا كان دعاء صفة من صفات الله عز وجل محرم، فكيف نفهم الأدعية الآتية من كلام النبي صلى الله عليه وسلم كقوله: (أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) وقوله: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ؟
الجواب
وقوله: (أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك) كل هذا استعاذة بصفة الله والمراد الموصوف، لأن الدعاء المحظور أن تقول: يا قدرة الله اغفري لي، يا رحمة الله ارحميني، هذا الذي قال عنه شيخ الإسلام: إنه كفر بالاتفاق، لأنك إذا قلت: يا قدرة الله اغفري لي، أو: يا رحمة الله ارحميني، كأنك جعلت هذه الصفة شيئاً مستقلاً عن الموصوف فيغفر ويرحم ويغني، أما إذا قلت: أعوذ بعزة الله، فهذا من باب التوسل بعزة الله عز وجل إلى النجاة من هذا المرهوب الذي استعذت بالعزة منه، وكذلك: برضاك من سخطك، وكذلك قوله: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) ليس المعنى أن الإنسان أن يستغيث بالرحمة منفصلة عن الله، لكن هذا من باب التوسل بصفات الله عز وجل المناسبة للمستعاذ منه أو للمدعو، وليس دعاء صفة، دعاء الصفة أن تقول: يا رحمة الله ارحميني، يا قدرة الله أعطيني، وما أشبه ذلك.(72/18)
حكم التصوير الفوتوغرافي
السؤال
ما حكم التصوير الفوتوغرافي مع التفصيل لأن ذلك قد التبس عليَّ، جزاكم الله خيراً؟
الجواب
التصوير الفوتوغرافي لنا فيه عدة أجوبة في مجموع الرسائل وفي غيرها أيضاً فارجع إليها، وأنا أقول يا إخواني: ليس التصوير الآن هو مشكلة الدنيا، كثير من السلف ليس من الخلف يقولون: إن التصوير بالتلوين والرسم ليس حراماً حتى ولو كان باليد، ولكن نرى أن التصوير بذلك حرام ولو بالرسم، كما يحرم التمثيل أن يجعل صورة مجسمة يصورها الإنسان بيده فإن هذا حرام، أما التصوير الحديث الآن الذي يسلط فيه الإنسان آلة على جسم معين فينطبع هذا الجسم في الورقة فهذا في الحقيقة ليس تصويراً، لأن التصوير مصدر صور أي: جعل الشيء على صورة معينة، وهذا الذي التقطه بهذه الآلة لم يجعله على صورة معينة، الصورة المعينة هو بنفسه يخطط، يخطط العينين والأنف والشفتين، وما أشبه ذلك.
ولكن يبقى السؤال الذي ينبغي أن نسأله: هل يجوز أن أصور بالآلة الفوتوغرافية الفورية لاقتناء ذلك للذكرى؟ نقول: لا، لا يجوز اقتناؤه للذكرى لكن للحاجة لا بأس.(72/19)
نصائح للمجاهدين
السؤال
فضيلة الشيخ! ما نصيحتكم لإخوانكم المجاهدين عامة، ولإخوانكم المجاهدين من أوروميا في الحبشة خاصة، حيث أن زعيمهم حاضر في هذا المجلس المبارك وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
نصيحتي للمجاهدين أن يخلصوا النية لله عز وجل، بأن يقاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ليرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) .
ثانياً: ألا يقاتلوا حتى يستعدوا، ويكون لديهم من العدة ما يقابل عدة العدو أو يقارب، لقول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] ، ولهذا أجاز الله سبحانه وتعالى للمجاهدين أن يفروا إذا كان العدو أكثر من مثليهم أن يفروا حتى بعد المصافاة إذا كان العدو أكثر من مثليهم، وهكذا إذا كان السلاح أكثر من مثل سلاحهم، أما أن نذهب نقاتل عدواً بسلاح لا يقابل ولا يداني سلاحه بدون أن يكون هناك أسباب يمكن أن نتقي بها، فهذا لاشك أنه ليس بمشروع؛ لأن الواجب الإعداد قبل النفور: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] .
ثالثاً: نصيحتي لهم ألا يختلفوا ولا يتنازعوا، لأنهم إذا اختلفوا وتنازعوا فشلوا، قال الله تبارك وتعالى: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [آل عمران:152] يعني: رأيتم ما تكرهون، فالنزاع والاختلاف سبب للهزيمة والفشل، إذا كنت تقاتل في سبيل الله حقاً فلا تجعل قولك هو المنتصر ولا تنتصر لنفسك ولكن اتبع الحق أينما كان، ولهذا لما كان بعض المجاهدين في نيته دغل صار المجاهدون يتقاتلون فيما بينهم، يقتل بعضهم بعضاً بالسلاح الذي أعد ليقاتل به العدو.
الرابع: أن يجعلوا لهم أمراء وعمداء حتى لا يكون أمرهم فوضى، ويجب على المأمور أن يكون مطيعاً لأميره في غير معصية الله، كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا بعث جيشاً أو سرية أمر عليهم من يوجههم ويأمرهم وينهاهم حتى لا يكون أمرهم فوضى، أما أن يركب كل إنسان رأسه ويفرض رأيه فهذا خطأ عظيم، لا بد من أمير يتفق عليه أو يعنيه من كان أميراً قبله أو ما أشبه ذلك من وسائل نصب الأمير.(72/20)
حكم تكرار العمرة
السؤال
ما هي المدة المحددة بعد أخذ العمرة، أتى شخص بعد أسبوع مثلاً، اعتمر قبل أسبوع، فهل يعتمر الآن؟ الشيخ: ذكر الإمام أحمد رحمه الله حداً مقارباً قال رحمه الله: إذا حمم رأسه، أي: إذا اسود رأسه بعد حلقه فإنه يأخذ العمرة؛ لأن العمرة لا بد فيها من تقصير أو حلق، ولا يتم ذلك إلا بعد نبات الشعر، وأما ما يفعله بعض الناس اليوم في رمضان أو في أيام الحج من تكرار العمرة كل يوم فهذا بدعة، وهم إلى الوزر أقرب منهم إلى الأجر، فلذلك يجب على طلبة العلم أن يبينوا لهؤلاء أن ذلك أمر محدث وأنه بدعي، فليسوا أحرص من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا من الصحابة، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقي في مكة تسعة عشرة يوماً في غزوة الفتح ولم يحدث نفسه أن يخرج ويعتمر، وكذلك في عمرة القضاء أدى العمرة وبقي ثلاثة أيام ولم يعتمر، وكذلك الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يكررون العمرة.(72/21)
إخلاص العبادة ودفع اللوم بها
السؤال
فضيلة الشيخ! كتب أحدهم مقالاً ناصحاً فيه في إحدى المجلات يقول محذراً فيه عن مرض خفي يصيب من يدعو إلى الله سبحانه وتعالى وأهل القضاء والعلم، ويقول: إن هذا المرض ربما يصيب الشخص بأن يقوم إلى الله سبحانه وتعالى في الليل أو يتأخر في المسجد للصلاة لأنه قاضٍ في البلد أو داعية إلى الله سبحانه وتعالى، فهل هذا له وجه في الشرع، وكيف يعني يقوم هذا القول؟ الشيخ: لم أفهم؟ السائل: يعني: ممكن أن يصاب بعض الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى يعني يرى أنه هذا مرض خفي ليس هو بالرياء لكنه ممكن أن يقوم الليل، يقوم إلى الله سبحانه وتعالى بالليل لا يراه أحد لأنه داعية إلى الله أو لأنه قاض يتطلب منه وضعه أن يقوم بهذا الشيء أو يتأخر في الصلاة في المسجد، يعني: لا رياءً ولكن يكون هذا مرض خفي، فهل هذا له وجه في الشرع تكلم به أحد؟ الشيخ: يعني هو قصده أن يدفع اللوم عن نفسه أن هذا الذي تعبد لله، ليدفع اللوم عن نفسه.
السائل: ويراقب الله سبحانه وتعالى بأن يكون هذا العمل يخلص فيه إلى الله سبحانه وتعالى.
الشيخ: لا مانع أن الإنسان يخلص لله تعالى في عمله ويريد أيضاً أن يدفع اللوم عن نفسه.
السائل: لكن تقييده بالشيء هذا يعني يقوم إلى الله سبحانه وتعالى بالليل ويكون هذا مرض يعني كيف ذلك؟ الشيخ: أبداً ليس بمرض لا نوافق هذا القائل: أنه مرض، نقول: إن الإنسان يريد دفع اللوم عن نفسه أو يريد أن يمرن نفسه على العمل الصالح، مع أن الأولى للإنسان إذا كان يريد الإخلاص التام ألا يهتم بأحد ما دام مخلصاً لله عز وجل فلا يهمه أحد.(72/22)
جواز إزالة النمل المؤذي
السؤال
فضيلة الشيخ! هذا رجل بنى له بيتاً على أرض وهذه الأرض يوجد فيها نمل، فهل يقضي عليها لأنها أصبحت تؤذيه، لأنه بنى والنملة سبقته في هذا المكان؟
الجواب
النمل لا يملك الأرض ولو سبق، إذا كان لا يمكن دفعه إلا بالقضاء عليه، فله ذلك، لكن لو أنك صببت عليه الجاز لهرب، ونحن جربنا الذر تصب عليه الجاز ثم يذهب يرتحل، فإذا أمكن أن تزول بدون قتل فهو أحسن، وإلا فلا بأس بقتلها.
السائل: قيل له يا شيخ: إذا أردت أن تقضي عليها، اقرأ سورة النحل في علبة ماء معدني ثم صبه عليه، فهل هذا صحيح يا شيخ؟ الشيخ: والله ما أدري الذي جربته هو الجاز وأيضاً في الذر.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى، وأرجو ألا تحرجوني ولا تحرجوا أنفسكم في السؤال بعد هذا، لأن أمامي مسجد والناس ينتظرونني، ولا أستطيع أن أقول: حبسني الناس، لأنهم يقولون: الناس لماذا حبسوك؟(72/23)
لقاء الباب المفتوح [73]
تحدث الشيخ رحمه الله عن آيات الله عز وجل الكونية التي خلقها الله تعالى من أجل حياة الإنسان وعيشه في هذه الحياة الدنيا، فذكر الله في هذه السورة الشمس والقمر والليل والنهار والسماء والأرض، وبين ما فيهما من منافع وآيات باهرة، ثم بعد ذلك أقسم بخلقه لهذه النفس البشرية، وكيف أنه بيَّن لها طريق الهداية وطريق الشقاوة، وبعد ذلك بيَّن سعادة من زكَّى نفسه وأطاع الله، وتعاسة وخيبة من أردى نفسه في المهاوي والمهالك.(73/1)
تفسير آيات من سورة الشمس
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والسبعون من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو العاشر من شهر ربيع الثاني عام (1415هـ) نتكلم فيه على أول سورة الشمس، حيث قال الله تبارك وتعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا.
} [الشمس:1-7] إلى آخره.(73/2)
تفسير قوله تعالى: (والشمس وضحاها)
أما البسملة فلا نعيد الكلام عليها؛ لأنه معروف ومتكرر، لكن نبدأ بالآيات في قول الله تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس:1] أقسم الله تعالى بالشمس وضحاها وهو ضوءها لما في ذلك من الآيات العظيمة الدالة على كمال قدرة الله سبحانه وتعالى، وكمال علمه ورحمته، فإن في هذه الشمس من الآيات ما لا يدركه بعض الناس، وأضرب لكم مثلاً: إذا طلعت الشمس فكم توفر على العالم من طاقة كهربائية؟ توفر آلاف الملايين؛ لأنهم يستغنون بها عن هذه الطاقة، وكم يحصل للأرض من حرارتها من نضج الثمار وطيب الأشجار ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، ويحصل فيها فوائد كثيرة لا أستطيع أن أعدها؛ لأن غالبها يتعلق في علم الفلك وعلم الأرض والجيولوجيا، ولا أستطيع أن أعدها لكنها من آيات الله العظيمة.(73/3)
تفسير قوله تعالى: (والقمر إذا تلاها)
قال تعالى: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} [الشمس:2] قيل: إذا تلاها في السير، وقيل: إذا تلاها في الإضاءة، وما دامت الآية تحتمل هذا وهذا فإن القاعدة في علم التفسير: أن الآية إذا احتملت معنيين وجب الأخذ بهما جميعاً، لأن الأخذ بالمعنيين جميعاً أوسع للمعنى، فنقول: إذا تلاها في السير؛ لأن القمر يتأخر كل يوم عن الشمس، فبينما تجده في أول الشهر قريباً منها في المغرب إذا هو في نصف الشهر أبعد ما يكون عنها في المشرق؛ لأنه يتأخر كل يوم، أو إذا تلاها في الإضاءة؛ لأنها إذا غابت بدا ضوء القمر لا سيما في الربع الثاني إلى نهاية الربع الثالث فإن ضوء القمر يكون بيناً واضحاً يعني: إذا مضى سبعة أيام وبقي سبعة أيام يكون الضوء ضعيفاً، ثم إذا مضى سبعة أيام إلى أن يبقى سبعة أيام يكون الضوء قوياً وأما في السبعة الأولى والأخيرة فيكون الضوء ضعيفاً، وعلى كل حال فإن إضاءة القمر لا تكون إلا بعد ذهاب ضوء الشمس كما هو الظاهر، فيكون الله أقسم بالشمس لأنها آية النهار، وأقسم بالقمر لكونه آية الليل.(73/4)
تفسير قوله تعالى: (والنهار إذا جلاها)
قال تعالى: {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} [الشمس:3-4] : تضاد، النهار إذا جلى الأرض وبينها ووضحها بأنه نهار تبين به الأشياء وتتضح، (والليل إذا يغشاها) : يغطي الأرض حتى يكون كالعباءة المفروشة على شيء من الأشياء، وهذا يتضح جلياً فيما إذا غابت الشمس وأنت في الطائرة تجد أن الأرض سوداء تحتك؛ لأنك الآن تشاهد الشمس لارتفاعك، لكن الأرض التي تحتك حيث غربت عليها الشمس تجدها سوداء كأنها مغطاة بعباءة سوداء وهذا معنى قوله: (والليل إذا يغشاها) .(73/5)
تفسير قوله تعالى: (والسماء وما بناها)
قال تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * {وَالأَرْضِ} [الشمس:5-6] (والأرض) السماء والأرض متقابلات.
{وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس:5-7] .
{وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} : قال المفسرون: إن (ما) هنا مصدرية أي: والسماء وبنائها، لأن السماء عظيمة بارتفاعها وسعتها وقوتها وغير ذلك مما هو من آيات الله فيها، وكذلك بناؤها بناء محكم كما قال الله تبارك وتعالى: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك:3-4] .(73/6)
تفسير قوله تعالى: (والأرض وما طحاها)
قال تعالى: {وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} [الشمس:6] أي: الأرض وما سواها حتى كانت مستوية، وحتى كانت ليست لينة جداً وليست قوية جداً صلبة، بل هي مناسبة للخلق على حسب ما تقوم به حوائجهم، وهذه من نعمة الله سبحانه وتعالى على عباده أن سوى لهم الأرض وجعلها ما بين اللين والخشونة إلا في مواضع، ولكن هذا القليل لا يحكم به على الكثير.(73/7)
تفسير قوله تعالى: (ونفس وما سواها)
قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس:7] : نفس هنا وإن كانت واحدة لكن المراد العموم، أي: كل نفس (وما سواها) سواها خلقة وسواها فطرة: سواها خلقة حيث خلق كل شيء على الوجه الذي يناسبه ويناسب حاله، قال الله تعالى: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} [طه:50] أي: خلقه المناسب له: {ثُمَّ هَدَى} [طه:50] أي: هداه لمصالحه.
وكذلك سواه فطرة، ولا سيما البشر فإن الله تعالى جعل فطرتهم هي الإخلاص والتوحيد كما قال الله تعالى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30] .(73/8)
تفسير قوله تعالى: (فألهمها فجورها وتقواها)
قال تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس:8] من الملهم؟ الله عز وجل، ألهم هذه النفوس: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} بدأ بالفجور قبل التقوى مع أن التقوى لا شك أفضل، قالوا: مراعاة لفواصل الآيات: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} ما هو الفجور؟ نقول: هو ما يقابل التقوى، والتقوى طاعة الله، إذاً؛ فالفجور معصية الله، فكل عاص فهو فاجر وإن كان الفاجر خص عرفاً بمن ليس بعفيف، لكن هو شرعاً يعم كل من خرج عن طاعة الله، كما قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} [المطففين:7] والمراد الكفار.
وألهمها تقواها أي: التقوى، أيهما موافق للفطرة؟ الثاني أو الأول؟ الثاني؛ لأن الفجور خارج عن الفطرة، لكن قد يلهمه الله بعض النفوس لانحرافها، لقوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5] والله تعالى لا يظلم أحداً، لكن من علم منه أنه يبغض الحق أزاغ الله قلبه، نسأل الله العافية.(73/9)
تفسير قوله تعالى: (قد أفلح من زكاها)
قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:9-10] (قد أفلح) أي: فاز بالمطلوب ونجا من المرهوب، (من زكاها) أي: من زكى نفسه، وليس المراد بالتزكية هنا التزكية المنهي عنها في قوله: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم:32] المراد بالتزكية هنا أن يزكي نفسه بالإخلاص من الشرك وشوائب المعاصي، حتى تبقى زكية طاهرة نقية.(73/10)
تفسير قوله تعالى: (وقد خاب من دساها)
قال تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:10] أي: من أوردها المهالك والمعاصي، وهذا في الواقع يحتاج إلى دعاء الله سبحانه وتعالى أن يثبت الإنسان على طاعته بالقول الثابت، فعليك -يا أخي المسلم- دائماً أن تسأل الله الثبات، والعلم النافع، والعمل الصالح، فإن الله تعالى قال في كتابه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] .
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الراشدين الصالحين المصلحين.(73/11)
الأسئلة(73/12)
وجوب قضاء الدين إذا كان حالاً
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل يستدين كثيراً فجاءه بعض المال فنصح بأن يسدد بعض ما عليه لكنه قال: أتاجر بهذا المال فأربح وأسدد بعض ما علي وإذا لم أربح أستدين من فلان وفلان، فقال أخوه في نفسه: أذهب وأنصح فلاناً وفلاناً بأن لا يدفعوا له شيئاً، فهل لأخيه الحق أن يفعل هذا، أم أن هذا مما لا يعنيه؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين هذا التصرف الذي ذكره الأخ السائل، رجل مدين فآتاه الله مالاً فقال: أتجر به لعلي أربح فيزداد مالي ويزداد وفائي، أقول: إن هذا من التصرف غير السديد وغير الرشيد، وذلك لأن قضاء الدين بهذا المال الذي جاءه أمر محقق، والربح أمر موهوم قد يربح وقد يخسر، فهو مخاطر، ثم إن الدين يجب قضاؤه على الفور إذا كان حالاً أو مؤجلاً ثم حل، ولا يجوز تأخيره كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم) والظلم لا يجوز التمادي فيه.
فنقول لهذا الأخ: اقض دينك، واسأل ربك المعونة على قضاء باقيه.
وأما أخوه فالظاهر لي أنه أراد بذلك الإصلاح، وألا يرهق الدين أخاه لما علم من سوء تصرفه، وإذا كانت نيته هذه فلا حرج عليه أن يقول: يا فلان! إن جاءك أخي فلا تعطه، رأفة بأخيه لا قطعاً لما يريد.(73/13)
التفصيل في عورة الفخذ
السؤال
سمعنا بعض الناس يقول: بأنكم تقولون: إن الفخذ ليست بعورة؟
الجواب
هذا يقول: سمعنا أنك تقول: إن الفخذ ليس بعورة، وأقول: نعم قلت ذلك وأقوله الآن؛ لأنه لو كان عورة ما أخرجه النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشد الناس حياءً، لكن بالنسبة للشباب لا أرى جواز إخراجه؛ لأن الشباب فتنة، قد يفتتن بهم حتى زملاؤهم، فلا يجوز للشاب أن يلعب الكرة مثلاً وليس عليه إلا سروال قصير لا يصل إلى الركبة أو لا يصل إلى السرة، لا بد أن يكون ما بين السرة والركبة مستوراً بالنسبة للشباب، لكن رجل عامل رفع ثوبه ليستعين بذلك على شغله حتى بدا طرف فخذه نقول: هذا لا بأس به، وليس بعورة، إلا أنه في الصلاة قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يجب أن يستر هذا؛ لأن أدنى ما يقال: إنه زينة هو هذا، وقد قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] فيقول شيخ الإسلام: إنه يجب ستر ما بين السرة والركبة وإن لم نقل: إن الفخذ عورة.(73/14)
حكم التعامل في البيع والشراء بطريقة التورق
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، توفي رجل وهو يتعامل بالدين على النحو التالي: يأتي المستدين فيطلب منه مبلغاً معيناً فيذهب إلى صاحب الدكان فيشتري الدائن عدداً من أكياس الأرز أو السكر أو القهوة أو نحوها بالمبلغ المتفق عليه بين الدائن والمستدين، ثم يبيعها الدائن على المستدين بمبلغ مؤجل زائد عن قيمتها الحاضرة، ثم يشتريها صاحب الدكان من المستدين بخسارة معينة، فيسلمه المبلغ، ويتم ذلك والبضاعة في أماكنها دون نقلها، وقد نصحه أولاده أكثر من مرة، فيجيب بأن الناس يتعاملون بهذه الطريق منذ أن عرفنا أنفسنا ولم ينكر عليهم أحد من العلماء، حتى فضيلة الشيخ: عبد الرحمن السعدي يرحمه الله يرى ويسمع بهذه الطريقة ولم ينكرها، وبعد إلحاح شديد من أولاده هذا الرجل تخلى عن هذه المداينة، واتجه إلى المداينة بالسيارات حيث يقوم بشراء مجموعة من السيارات فيتركها في معرض سيارات، فيشتري المستدين السيارة بثمن مؤجل، وفعلاً يستلم السيارة ويخرج بها من المعرض، السؤال: هل الطريقة الأولى جائزة وهل الطريقة الثانية جائزة؟ وإذا كانت إحدى الطريقتين أو كلاهما غير جائزة فما هي الطريقة التي تبرئ ذمة المتوفى؟ وهل ترك الطريقة الأولى تعتبر توبة من المتوفى -والتوبة تجب ما قبلها- أم يلزم الورثة التخلص مما زاد عن رأس المال؟ وهل تعاد الأرباح إلى أصحابها أم ماذا يفعل بها؟ وإذا كانت أموالاً ربوية تداخلت مع الأموال الأخرى حيث إنه يتعامل بتمور ومساهمات في الشركات فما هو الحل لمثل ذلك؟
الجواب
أقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأقول: ليس من المشروع أن يسلم الإنسان عند إلقاء السؤال وهو حاضر في المجلس إنما السلام من القادم، يقدم على أناس أو يلاقي أناساً يسلم عليهم، أما في المجلس فقد كان الصحابة يقوم الواحد منهم ويسأل الرسول صلى الله عليه وسلم بدون أن يسلم.
وأما هذا السؤال الطويل العريض فخلاصته: أن هذا الرجل كان يتعامل بالمداينة وكان له طريقان: الطريق الأول: أن يأتي المحتاج إلى هذا الرجل ويذهب إلى شخص عنده أكياس كثيرة من الأرز أو غيره أو خام أو غيره من الأشياء التي كانوا يعتادونها، فيشتري هذا التاجر من صاحب الدكان هذه البضاعة ولتكن بعشرة آلاف ريال، ثم يعدها: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، ويقول: هذا هو القبص، ثم يبيعها على هذا المحتاج باثني عشر ألفاً أو بثلاثة عشر ألفاً حسب طول مدة التأجيل وحسب حال المحتاج، إن كان فقيراً صارت الضريبة عليه أكثر، وإن كان ليس بفقير صارت بأقل، أقول: إن هذه الطريقة محرمة ولا إشكال فيها؛ لأنها: أولاً: تضمنت الحيلة على الربا.
وثانياً: بيعت السلع وهي في مكانها، وليس العد قبضاً إطلاقاً! أين القبض؟! إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم.
أما الطريقة الثانية: وهي أن عنده سيارات إذا احتاج أحد من الناس جاء يأخذ سيارة منه ثم يشتريها ويبيع على غيره، فهذه مسألة تسمى مسألة التورق والعلماء فيها مختلفون للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فيها روايتان: رواية بالجواز ورواية بالمنع، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رواية المنع، وقال: إن هذا حرام وأنه حيلة؛ لأن المشتري ليس له غرض بالسيارة، غرضه بالفلوس التي يبيعها بها، فهي حيلة والحيل لا تجعل الحرام حلالاً بل تزيده قبحاً إلى قبحه.
أما هذا الربا الذي اكتسبه بهذه الطريقة الأولى والثانية فهو حرام لا شك، ولكن حسب ما قال السائل: إن الناس كانوا يفعلون هذا ولا ينكر عليهم، وقال: إن ممن لم ينكر عليهم الشيخ: عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله فيكون هذا الرجل فعله متأولاً ظاناً أنه جائز بناءً على إقرار هؤلاء العلماء، وإذا علم الله من نيته أنه فعل ذلك متأولاً فلا حرج عليه، ولا إثم عليه، ولكن أقول لكم: إن الطريقة التي كانت في وقت الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله ليست كالطريقة المذكورة في هذا السؤال.
الطريقة أن الإنسان يستدين له طاقة أو طاقتين أو ثلاث من الخام أو غيره ثم يأخذها المدين ويُحرَّج عليها في السوق: من يشتري هذا؟ من يشتري هذا؟ فلا تباع السلع في مكانها، وليس هناك حيل على أموال كثيرة يأخذها أناس بلا حاجة، يأتي فقير محتاج إلى عشر ريالات خمسة عشرة ريالاً ويشتري هذه الطاقة من التاجر، ثم يأخذها ويعطيها الدلال يحرج عليها يقول: من يشتري هذه؟ أنا أسمعهم لما كنت صغيراً يقولون: من يشتري مال المتدين.
ومثل هذا هي مسألة التورق التي اختلف فيها العلماء، والشيخ عبد الرحمن بن سعدي يرى جواز التورق، ولكن ليس كبيع الناس الذي ذُكر في السؤال، وعلى كل حال: الورثة ليس عليهم شيء إن شاء الله، وعليهم أن يكثروا من الاستغفار لميتهم، ويدعوا الله أن يتوب عليه، والمال الذي بأيديهم هو لهم.(73/15)
وجوب السكوت والتسليم للمسائل الغيبية
السؤال
فضيلة الشيخ: كيف نرد على من يسأل ويقول: كيف ينزل الله سبحانه وتعالى في الثلث الأخير من الليل والوقت متفاوت بين شرق الأرض ومغربها؟ مثلاً إذا كان الضحى في الشرق أصبح في الغرب ليل؟
الجواب
نرد عليهم بقاعدة مفيدة جداً، كل الأمور الغيبية لا تقل: (كيف) ؛ لأن عقلك أدنى من أن يحيط بكيفيتها، الأمور الغيبية لا تقل فيها: (كيف) لا الذي يتعلق بالله، ولا الذي يتعلق بأحوال اليوم الآخر، هذا لا يمكن للإنسان أن يدركه، الآن سمعتم أو بعضكم سمع أن الشمس يوم القيامة تدنو من الخلائق قدر ميل، الميل إما ميل المكحلة أو المسافة، ولنجعلها أبعد الاحتمالين وهي المسافة، لو أن هذه الشمس نزلت علينا الآن شعرة عن المكان التي هي عليه الآن لأحرقت الأرض، وهي تنزل فوق الرءوس بمقدار ميل مع ذلك الناس لا يحترقون.
العرق؛ من الناس من يصل إلى كعبيه، ومنهم من يصل إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق وهم في مكان واحد، هل نقول: كيف؟ الرب عز وجل فوق عرشه وينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: (من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) هل نقول: كيف ينزل؟ هل نقول: إذا نزل يخلو من العرش أو لا يخلو؟ هل نقول: كيف ينزل في الليل وثلث الليل لا يزال على الكرة الأرضية دائرة؟ نقول: أنت في مكانك ما دمت في ثلث الليل فهذا وقت النزول بالنسبة لك، إذا طلع الفجر انتهى وقت النزول بالنسبة لك، وصار وقت النزول بالنسبة لمن كانوا عنك غرباً وهلم جرا.
وإني أقول لكم أيها الإخوة: الأمور الغيبية لا تقولوا فيها: (كيف) ؛ لأن عقولنا ما تدرك هذا الشيء، وحواسنا لا تدرك هذا الشيء، فما دام العقل والحاسة لا تدركه كيف نقول: (كيف) ؟! لما جاء رجل إلى الإمام مالك رحمه الله قال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى؟ ماذا قال الإمام مالك؟ أطرق برأسه لعظم هذا السؤال حتى علاه العرق بدأ يصب عرقاً ثم قال: يا هذا! الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
انظر عَدّ الإمام مالك رحمه الله سؤاله (كيف استوى) بدعة، إذا قلت: كيف ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، وثلث الليل الآخر متعاقب على الأرض؟ نقول: هذا بدعة، عرفت! خذ هذه قاعدة عندك يا أخي! (كل شيء من أمور الغيب لا تقل فيه: كيف! لأن الأمر أوسع من أن يدركه عقلك أو حواسك) .(73/16)
حكم الجمع بين المغرب والعشاء لمن يستطيع أن يدرك العشاء في بلده
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل سافر من القصيم إلى الرياض وقبيل وصوله إلى الرياض أدركته صلاة المغرب فهل يصح أن يجمع بين صلاة المغرب والعشاء علماً أنه يستطيع أن يدرك صلاة العشاء في الرياض؟
الجواب
نعم، أقول: إذا كان هذا الرجل من أهل عنيزة مثلاً أو من القصيم، وسافر إلى الرياض وقرب من الرياض فله أن يصلي المغرب والعشاء جميعاً لأنه مسافر، حتى وإن كان يدرك الناس في صلاة العشاء؛ لأنه ربما يقول: أنا إذا وصلت الرياض أكون متعباً وأريد الراحة وما أشبه هذا نقول: اجمع، لكن السؤال إذا كان قد أقبل على بلده وهو يعلم أنه يدرك وقت الثانية في البلد فهل يجمع؟ نقول: نعم.
له أن يجمع، لكن ترك الجمع هنا أفضل؛ لأنه سوف يصل إلى البلد في وقت يدرك فيه الصلاة الثانية في وقتها.(73/17)
كيفية تعامل الزوج مع زوجته الناشز
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل عنده زوجتان، الأولى مطيعة والثانية معاندة، يقول: هل أترك النوم عند الثانية هجراً لها حتى تتأدب وأذهب لأنام عند الأولى؟
الجواب
الثانية التي فيها عناد تعتبر ناشزاً، إذا عاندت فيما يجب عليها، وقد قال الله عز وجل: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} هذه المرتبة الأولى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} هذه المرتبة الثانية: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34] والآية عامة بين من عنده زوجتان أو زوجة واحدة، فله أن يهجر الأخرى المعاندة إلى أن تحسن أحوالها، وإن رأى طريقة أحسن من الهجر فهي أفضل، لكن يقول الشاعر:
إذا لم يكن إلا الأسنة مركباً فما حيلة المضطر إلا ركوبها(73/18)
حكم تجديد الوضوء
السؤال
شخص أراد أن يتوضأ للصلاة فنوى بالوضوء التجديد وليس رفع الحدث، وهو يعلم أنه قد أحدث فهل فعل الوضوء يرفع عنه الحدث؟
الجواب
فهمتم!! رجل محدث ثم توضأ يريد التجديد فهل يرتفع حدثه؟ الجواب: لا يرتفع حدثه؛ لأن التجديد إنما يكون تجديداً إذا كان على طهارة، أما إذا كان على غير طهارة ماذا يجدد؟! فنقول لهذا الرجل: إن كنت صليت بهذا الوضوء فأعد صلاتك وتوضأ بنية رفع الحدث، ثم أعد صلاتك، أما إن كان ناسياً الحدث يعني: جدد على أنه غير محدث ثم بعد أن جدد ذكر أنه محدث فهذا يجزئه.(73/19)
من مات في سيارة إثر حادث بسبب زيادة السرعة
السؤال
فضيلة الشيخ شخص توفي بسبب حادث سيارة من السرعة الزائدة، هل يقال: إن هذا باب من أبواب الانتحار؟
الجواب
لا.
هذا ليس بانتحار لكنه قتل نفسه خطأً، إذا كانت السرعة هذه هي سبب الحادث فقد قتل نفسه خطأً، لأنه لو سئل: هل أنت أسرعت لتموت؟ لقال: لا، فهذا ليس بمنتحر ولكن يقال: إنه قتل نفسه خطأ.(73/20)
دعاء الاستفتاح في الليل يكون بعد البدء بالركعتين الخفيفتين
السؤال
فضيلة الشيخ أحسن الله إليك، ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عندما كان يقوم الليل يستفتح صلاته بركعتين خفيفتين، فهل يقال دعاء استفتاح عندما يقوم في جوف الليل ركعتين خفيفتين أو بعدهما؟
الجواب
إذا أراد الإنسان قيام الليل فإنه يفتتح القيام بركعتين خفيفتين، ثبت ذلك بالسنة القولية والفعلية، والظاهر أنه يقول دعاء الاستفتاح الذي يكون في التهجد بعد الركعتين؛ لأن الركعتين خفيفتان، ودعاء الاستفتاح الذي في التهجد طويل.(73/21)
حرمة المرور بين يدي المصلي إلا لضرورة
السؤال
أحياناً يكون المسجد مزدحماً فهل لي أن أمر بين يدي المصلين في هذه الحالة، ثم هل يجوز لي أن أمر بين يدي المصلي الصغير سواء كان المسجد مزدحماً أو غير مزدحم؟
الجواب
المرور بين يدي المصلين إذا كانوا مأمومين ما به بأس، سواء كان المسجد مزحوماً أو غير مزحوم، وإذا كان الناس يصلون بعد الصلاة فلا يجوز أن تمر بين أيديهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه) وماذا تفهم أربعين؟ جاء في رواية البزار: (أربعين خريفاً) خريفاً يعني: سنة، نحن نقول للأخ الذي سيمر: لا تقف أربعين سنة، نطلب منك أربعين دقيقة فقط، إلا إذا كان المصلي في ممر الناس، ذهب يصلي عند الباب والناس لا بد أن يخرجوا، فهذا لا حق له، وكذلك إن كان المصلي يصلي في مطاف الناس، فإن المطاف حق للطائفين، فإذا صار الإنسان مثلاً يصلي في المطاف والمطاف معروف أنه مزدحم الناس يطوفون فلا حق له مر بين يديه ولا تبالِ، حتى لو ردك ادفعه.(73/22)
ضابط قنوت النوازل ومن يحق له القنوت
السؤال
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في النازلة، وهذه الأيام تكثر النوازل سواءً على مستوى الأمة الإسلامية أو على أفرادها، فما الضابط في الدعاء في هذه النوازل؟
الجواب
الذي أرى أن القنوت ينبغي أن يقيد بما ذكره بعض العلماء: أنه لا يقنت إلا الإمام وهو مذهب الحنابلة، فهم يقولون: في النوازل لا يقنت إلا الإمام وغير الإمام لا يقنت، الإمام أو نائبه مثل القضاة، وعللوا ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قنت في النوازل ولم تقنت المساجد الأخرى، ما نقل أنها قنتت، لكن الصحيح أن يقنت الإمام ونائب الإمام، وإمام المسجد والمصلي منفرداً، ولكن نظراً أننا في هذا الوقت ما هناك ضوابط فالذي أرى أن يتوقف الأمر على أمر ولاة الأمور، إذا قال: اقنتوا قنتنا، وإذا لم يقل لم نقنت، ولا حرج أن الإنسان يدعو فيما بينه وبين نفسه ما أحد يمنعه، لكنّ قنوتاً يعلن بدون أمر ولاة الأمر الأولى ألا يقنت، لئلا ينفرط الناس، فيأتي شخص تموت له دجاجة، يقول: هذه نازلة عظيمة فيقنت، مثل شخص جاء للإمام وقال: إن أمي ماتت صل عليها صلاة الغائب، أمه واحدة من الناس، قال: أمي ماتت -يا إمامنا- صل عليها صلاة الغائب، مشكلة، ما فيها ضابط.
أنتم كأنكم استغربتم الدجاجة أنها تكون نازلة، أبو عمير صبي صغير في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، كان معه طائر صغير يسمى النغير يلعب به، فدخل النبي عليه الصلاة والسلام ذات يوم وإذا بالصبي حزين، نزلت به نازلة، وإذا النغير قد مات، فكان يقول له الرسول عليه الصلاة والسلام: (يا أبا عمير ما فعل النغير) .(73/23)
حكم صلاة الناس جماعة في المسجد قبل أن تقام الصلاة مع الإمام
السؤال
فضيلة الشيخ: في بعض المساجد يتأخر الإمام -عادة يكون بعد أذان الصلاة ربع ساعة حتى لأقامة- فيأتي أناس مستعجلون ويصلون جماعة لوحدهم في نفس المسجد، ما حكم صلاتهم؟
الجواب
هؤلاء لا يحل لهم أن يصلوا في المسجد قبل إمامهم، فإن فعلوا فهم آثمون، ومن العلماء من يقول: إن صلاتهم لا تصح، والقول بالتحريم واضح وقوي؛ لأننا لو فتحنا الباب لكان كل اثنين يأتون ويصلون، ويبقى الإمام وما معه إلا المؤذن، فهذا حرام ولا يجوز، ولكن أنا أتوقف في كون صلاتهم باطلة، أما إن أعادوا فهو خير.
لكن قد يقولون: نحن مسافرون، وإذا جلسنا ننتظر الإمام يعيقنا عن السفر، نقول: الحمد لله! ما دمتم مسافرين وترون أنكم معذورون بترك الجماعة؛ امشوا وصلوا في البر.(73/24)
الالتزام بصيغة معينة في الصلاة إذا أحدث التنوع تشوشاً على العوام
السؤال
فضيلة الشيخ: ما صحة من يقول: إن المأموم أو المصلي عموماً إذا التزم بعد الركوع قول: ربنا ولك الحمد فليلتزمها في جميع الصلاة لا يأتي بصيغة أخرى ما صحة ذلك؟
الجواب
والله! على كل حال بعض العلماء يرى هذا، المسألة هذه قالها بعض العلماء إنه يلتزم حالةً واحدة ويستمر عليها، وهذا القول قد يكون جيداً فيما إذا كان وراءه عوام؛ لأن العوام لو شكلت عليهم هذا الشيء ارتبكوا وقالوا ما هذا الكلام؟! وأنت -الحمد لله- إذا أردت السنة ففي الأمر سعة، تستطيع أن تأتي بها في صلاتك في بيتك، الراتبة التهجد، الوتر، إنما الذي نرى أنه الأفضل أنه إذا جاءت السنة بصفات متعددة أن تفعل العبادة على ما جاءت به السنة بصفات متعددة.(73/25)
ما يجوز وما لا يجوز يوم الجمعة والإمام يخطب
السؤال
فضيلة الوالد! ما حكم رد السلام، وتشميت العاطس، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة والإمام على المنبر؟
الجواب
كل هذا لا يجوز، لا تشميت العاطس، ولا رد السلام على المسلم، ولا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لكن الأخيرة تجوز إذا لم يكن هناك تشويش على الناس؛ لأن الأخيرة ليست خطاباً ولا كلام آدمي، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت فقد لغوت) (أنصت) نهي عن منكر، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لغواً، أي: أنه يفوت على الإنسان فضيلة الجمعة، فكل خطاب لآدمي فهو حرام، وأما الدعاء والتأمين عليه فهذا جائز إذا لم يحصل فيه تشويش.(73/26)
جواز الذهاب إلى المسجد لمن أكل ثوماً ثم أذهب رائحته
السؤال
فضيلة الشيخ: بالنسبة للثوم والبصل بعضهم يقول: جاءت الأدلة بالنهي عن أكل هاتين الشجرتين والذهاب إلى المسجد، بعضهم يقول: أنا أستعمل معجون الأسنان، أو آكل الهيل، وتذهب الرائحة فما حكم ذلك؟
الجواب
البصل والثوم والكراث كله حلال؛ لأن الصحابة لما قالوا: إنها حرمت قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس لي تحريم ما أحل الله) لكن من أكلها فإن كان يقصد بذلك ألا يصلي مع الجماعة فهو آثم ولا يسقط عنه إثم الجماعة، ومن أكلها لغرض أو لاشتهائها فلا إثم عليه، ونقول له: لا تذهب إلى المسجد ما دامت الرائحة موجودة، أما إذا ذهبت الرائحة فلا بأس أن يذهب إلى المسجد.(73/27)
أقسام الحيوانات التي ليست حلالاً وما يجوز قتله منها
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم قتل الحيوان مع التفصيل وما ضابط الإيذاء؟
الجواب
الحيوان ينقسم إلى ثلاثة أقسام وأعني بذلك: ما ليس بحلال، الذي هو حلال هذا معروف يذبح ويؤكل، لكن غير الحلال ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما أمر الشارع بقتله.
والثاني: ما نهى عن قتله.
والثالث: ما سكت عنه.
أما ما أمر الشارع بقتله فاقتله، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور) هذه الخمسة وما كان بمعناها في الأذية أو أشد منها هذه مأمور بقتلها لما فيها من الأذية.
والثاني ما نهى الشارع عن قتله مثل نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد.
هذا أيضاً معروف، وهذا لا يقتل.
الثالث: ما سكت عنه، فهذا اختلف فيه العلماء فبعضهم قال: لا بأس بقتله مع أنه لا ينبغي قتله، اتركه، ومنهم من قال: يحرم قتله؛ لأنك إذا قتلته منعت تسبيح الله منه، قال الله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء:44] ما دام أنه لا يؤذيك ولا أمر بقتله اتركه، ولا شك أن الأولى ألا تقتله، لأنك إما سالم وإما آثم، والإنسان العاقل لا يعرض نفسه للإثم.
لكن هذا القسم الثالث الذي لم يؤمر بقتله ولم ينه عنه، إن اعتدى عليك وآذاك فاقتله، فإن كان مما نهي عن قتله فاقتله قتل مدافعة، كيف يكون قتل المدافعة؟ يعني: بالأسهل فالأسهل، مثلاً النمل منهي عن قتله أو لا؟ منهي عن قتله، لا ترش عليه المبيد مباشرة، حاول أن تطرده طرداً، إما بالقراءة، لأن بعض الناس يقرأ على النمل ويرتحل، وإما بشيء يكره رائحته ويرتحل وقد جربنا ذلك (بالجاز) صب (الجاز) عليه وبعدها يرتحل ما يأتي، لكن المبيد الذي يقتله فوراً لا تفعل؛ لأنه منهي عن قتله، وما نهي عن قتله فإن قتله يكون قتل مدافعة.(73/28)
التفصيل فيمن يصلي قبل الأذان دائماً
السؤال
فضيلة الشيخ: يوجد عند بعض الناس عادة حيث يصلي قبل الأذان دائماً فما حكم ذلك؟
الجواب
هذا لا يستقيم، مثلاً: أذان المغرب لا يجوز أن يصلي قبل الأذان؛ لأنه وقت نهي، ووقت النهي لا تجوز فيه الصلاة إلا لسبب، مثلاً: يريد أن يصلي قبل مجيء الإمام يوم الجمعة قد يكون هذا قبيل الزوال، قبيل الزوال منهي عن الصلاة فيه إلا لسبب، فهذا في بعض الأحيان لا يمكنه أن يصلي لأنه حرام، وأما إذا كان في أذان ليس قبله وقت نهي فاتخاذ ذلك عادة يعني أنه سن سنة، ولا يجوز أن يسن الإنسان سنة إلا بإذن من الشرع.(73/29)
جواز السبق في جميع أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة
السؤال
فضيلة الشيخ: هل يقاس على جواز السبق بالنصل جواز السبق في السلاح كالبنادق الهوائية مثلاً؟ الشيخ: جواز السبَق أو السبْق؟ السبْق يجوز إلا في المحرّم، والسبَق هو الممنوع إلا في ثلاثة أشياء؛ لأن السبَق هو العوض، والسبْق هو التقدم، السبْق على الأقدام جائز إذاً السبْق في ثلاثة أشياء: في النصل، والحافر، والخف، وما كان بمعناها فهو مثلها، فالبنادق والصواريخ الآن مثلها، في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لا يوجد إلا السهام لكن الآن تطورت الأسلحة، أي سلاح فإنه يجوز المسابقة عليه بعوض.
كذلك أيضاً الدبابات، والطائرات الحربية، وناقلات الجنود كلها يجوز فيها السبْق.(73/30)
المشروع في كيفية تكبير الإمام في صلاة الجماعة
السؤال
فضيلة الشيخ: هل يجوز للإمام أن يطول التكبير في الصلاة؟
الجواب
على كل حال ما نقول: إنه حرام، يعني: بعض الناس إذا كبر للجلوس تجد التكبيرة تختلف عن القيام مثلاً، هذا ما نقول: إنه حرام، ولكن نقول: إن السنة ألا تخالف بين التكبير، وما علمت أحداً من أهل العلم قال: إنك تخالف بين تكبير السجود والجلوس والقيام، ما رأينا أحداً، وغاية ما هنالك أن بعض العلماء قال: التكبير للسجود من القيام يطول، ومن السجود إلى القيام يطول، لأن المسافة طويلة، ومع ذلك لا دليل لهذا، كون التكبير على نسق واحد هذا هو السنة، وفيه فائدة عظيمة للمأمومين الذين إذا دخلوا في الصلاة ساروا في الأرض، لماذا؟ لأنهم إذا علموا أن التكبير ما فيه اختلاف شدوا أنفسهم، والواحد منهم أحضر نفسه وقلبه لئلا يقوم والإمام جالس، أو يجلس والإمام قائم، أما إذا كان يمشي على تكبير الإمام صار كالآلة إذا طول جلس أو قام، فلهذا وجدنا فيه فائدة كبيرة بالنسبة للمأمومين.
صحيح في مسألة واحدة: إذا كان الإنسان مسبوقاً وقلت: الله أكبر للتشهد الأخير وهو باق عليه ركعة ما يعرف، لكن نقول: الحمد لله يقتدي بالذي جنبه، يراه يجلس أو يقوم يفعل مثله، لكن إذا مرت بك آية سجدة، مثل أن تصلي صلاة العشاء ومرت بك آية سجدة وسجدت، ويوجد أناس في مكان آخر في منفصل ما يشاهدون فهنا ربما نقول: إنك إذا كبرت تكبيرة توحي بأنك سجدت فإنه لا بأس به، أحياناً يقرأ الإنسان مثلاً وتوجد نساء في مكان آخر يقرأ آية سجدة فإذا كبر على المعتاد يظنون أنه راكع، فهذه ربما نقول: لا بأس أن تمد التكبير ليعرف أنك ساجد.(73/31)
بيان بطلان قصة سبب الأمر بالوضوء من لحوم الإبل
السؤال
فضيلة الشيخ: بعض الناس يذكرون أن سبب كون لحم الإبل من نواقض الوضوء قصة وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم: وهي أنه كان مع أصحابه قبيل الصلاة فأحدث أحدهم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أيكم أكل لحم إبل فليتوضأ ستراً عليه، فما صحة هذه القصة؟
الجواب
هذه القصة باطلة يا أخي! والرسول عليه الصلاة والسلام يستطيع أن يقول: من أحدث فليتوضأ، والصحابة عندهم من الصراحة ما لا يخشون معه الاختفاء، ثم إن الرسول سئل سؤالاً: (أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال نعم) فليس هذا هو السبب، هذا سبب غير صحيح.
السبب: الصحيح أننا أمرنا أن نتوضأ منها فنقول: سمعاً وطاعة، رخص لنا في لحم الغنم فنقول: الحمد لله، أما الحكمة فبعض العلماء يقول الحكمة من ذلك: أن الإبل خلقت من الشياطين كما جاء في الحديث، والشيطان يؤثر على البدن، ولهذا إذا غضب الإنسان انفعل والغضب من أين؟ من الشيطان، هذه اللحوم تؤثر على البدن، والماء يبرد البدن ويهون عليه، كما أمر الإنسان عند الغضب أن يتوضأ، فهذه من الحكمة، فإن كانت هذه الحكمة فهي ظاهرة، وإن لم تكن فعقولنا أقصر من أن تدرك حكمة الله تعالى في أحكامه.
ثم إني أقول لطلبة العلم: إن عائشة رضي الله عنها سألتها امرأة قالت: (ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، -لماذا؟ فأجابتها بجواب يقتنع به كل مؤمن- قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) هذه الحكمة، كل أوامر الله ونواهيه حكمة، مع أن عائشة فيما أظن يمكن أن تقول: قضاء الصوم لأن الصوم لا يتكرر في العام إلا مرة واحدة، والصلاة تتكرر والحيض يأتي غالباً في كل شهر مرة، فلو أمرت الحائض أن تقضي الصلاة لكان فيه تعب عليها، إذا قدرنا أنها ممن يحيض خمسة عشر يوماً، ويطهر خمسة عشر يوماً معناها مشقة عليها.
هذه من الحكمة: أن الصلاة تتكرر فقضاؤها شاق، وفي تكررها استغناء عن القضاء، وأما الصيام فلا يتكرر.(73/32)
حكم من أدرك الإمام في نهاية التشهد الثاني حال سجوده للسهو
السؤال
أنا دخلت مع الإمام في الصلاة بعد التشهد الثاني وبعد سجدة السهو وأنا لا أعلم أنه نسي أو قام أو جلس فهل أسجد معه أو أثبت مكاني؟ الشيخ: أنت مسبوق أو مع الإمام؟ السائل: لا مسبوق.
الشيخ: دخلت معه بعد التشهد الثاني يعني في الركعة الثالثة وسها الإمام.
السائل: سها الإمام في الركعة الأولى.
الشيخ: وسجد بعد السلام أو قبله؟ السائل: قبله.
الجواب
إن سجد قبل السلام فاسجد معه ولابد، إذا سجد الإمام قبل السلام اسجد معه على كل حال، فإن سجد بعد السلام فإن كان السهو الذي حصل منه قبل أن تدخل معه فلا سجود عليك، وإن كان بعده فإنك إذا قضيت صلاتك تسجد للسهو.(73/33)
جواز إعطاء الأولاد لعباً من الطيور والقطط وغيرها إذا لم تؤذَ
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز اللعب بالطيور والحيوان بالنسبة للأطفال استدلالاً بحديث أبي عمير؟
الجواب
نعم.
يجوز أن يعطى الطفل طيراً أو نحوه يلعب به أو هراً -يعني: قطاً- لكن بشرط ألا يؤذيه، فإن كان يؤذيه فإنه لا يمكِّن منه، نعم.
السائل: قد تموت في يده.
الشيخ: قد تموت، لكن إذا رأيته يعذب هذا الحيوان امنعه.(73/34)
حكم من تزوج امرأة في بلاد أجنبية بنية طلاقها عند رجوعه إلى بلده
السؤال
رجل سافر إلى بلاد أجنبية فخاف على دينه من الزنا، فأراد أن يتزوج بنية أن يطلقها إذا رجع إلى بلاده، ولكن لا يشترط هذا في عقد الزواج، هل هذا الزواج باطل؟
الجواب
هذا بارك الله فيك فيه خلاف بين العلماء بعضهم يقول: النكاح غير صحيح؛ لأن المنوي كالمشروط، فكما أنك لو قلت للزوجة: أتزوجك ما دمت في البلد فهو حرام ونكاح متعة، وكذلك ما نويته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) ، وبعض العلماء قال: لا بأس به؛ لأن الإنسان يتزوج المرأة بنية أنه يطلقها إذا رجع إلى وطنه، لكن يرغب فيها ولا يطلقها.
وعندي أن ذلك لا يجوز من ناحية أنه غش للزوجة وأهلها؛ لأنهم زوجوه على أساس أنها تبقى معه، ولو علموا أنه يريد أنه يطلقها إذا رجع إلى البلد ما زوجوه، ثم إنه كان فيه مفسدة في الوقت الحاضر، أنا سمعت بعض الناس لما سمع بالقول بالجواز صار يذهب إلى البلاد من أجل أن يتزوج أسبوعاً ويرجع، هذا زناً واضح، والعلماء الذين أفتوا ما يريدون هذا.
يقولون: غريب جالس في الوطن للعلم أو للتجارة ما قدم للوطن ليتزوج، قدم لغرض ورأى من نفسه أنه لا بد أن يتزوج، يتزوج ولا حرج أنه ينوي أن يطلقها إذا ذهب، وأنا أميل إلى أن هذا حرام، لكنه ليس نكاح متعة إنما حرام لكونه غشاً للمرأة ولأهلها.(73/35)
جواز إعطاء زكاة مال الميت أبناء بناته
السؤال
رجل توفي عن زوجة وأولاد بنين وبنات وتبين أن لهذا المال زكاة، فهل يجوز أن يأخذ أحد أبناء البنات من هذا المال للزواج؟ الشيخ: يعني تبين أن على هذا الميت زكاة مال ما أداها؟ السائل: ما أداها.
الشيخ: فهل يجوز أن نعطي أبناء بناته من زكاته؟ السائل: يعني يصير أولاد الميت أخواله وخالاته.
الجواب
أبناء البنات ما يرثون، فليس لهم ميراث.
السائل: يرثون أمهم.
الشيخ: أمهم ما ماتت.
السائل: والزكاة الشيخ: فيجوز أن نعطيهم من الزكاة، من زكاة الميت.
السائل: لأنه لم يخرج هذه الزكاة، أنا أقصد قد تكون الزكاة للأبناء وللزوجة؟ الجواب: لا هم الورثة الآن هم مقتنعون أنهم سيخرجون الزكاة على كل حال، فيكون هل نعطيها أولاد البنات أم لا؟ نقول: ما في ذلك بأس.(73/36)
حكم إقامة الجمعة لمن خرج من بلده لسفر أو نزهة
السؤال
أناس خرجوا على بعد عشرين أو ثلاثين كيلو من المدينة، وحضرت عليهم صلاة الجمعة فهل يجوز لهم أن يقيموا جمعة؟
الجواب
لا يجوز إقامة الجمعة خارج البلد، سواء خرج الإنسان في سفر أو في نزهة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي الجمعة في السفر، حتى في يوم عرفة الذي هو أكبر مجمع للناس لم يقم فيه عليه الصلاة والسلام الجمعة، فإن كان أحد جمع جمعة في مثل هذا فأبلغه بارك الله فيك أنه يجب عليه أن يعيد الصلاة إن كان مسافراً يعيدها ركعتين، وإن كان غير مسافراً يعيدها أربعاً.
السائل: ولو كان مثلاً من سنتين أو أكثر؟ الشيخ: ولو سنتين أو أكثر، الدَّين ما يسقط بطول المدة.(73/37)
ضابط صلة الأرحام
السؤال
هل هناك أوقات بالنسبة لصلة الرحم إن تعديتها أدخل في المحظور سواء أسبوع أو شهر أو ستة أشهر إن تعديت هذه المدة أدخل في الإثم؟
الجواب
صلة الرحم -بارك الله فيك- ما فيها حد لا في المدة ولا في الكيفية ولا بالذي يوصل به مال أو كسوة أو غيره، فجاءت النصوص مطلقة، صلة رحم، فما عده الناس صلة فهو صلة، وما عدوه قطيعة فهو قطيعة، وبهذا تختلف الأحوال قد يكون الناس في حال فقر والأقارب يحتاجون كثيراً فهنا لابد أن أصلهم بالمال، ويعني: ألاحظهم، قد يكون بعض الأقارب مريضاً يحتاج إلى عيادة فلا بد أن أعوده، وإذا كان الناس كما هو حالنا الآن -والحمد لله- في رخاء وفي صحة فلا يحتاج إلى مثل هذا، فالمهم أن صلة الأرحام موكولة إلى عرف الناس، وليس لها حد.
السائل: وإن كانت الحالة طيبة ليس هناك فقر ولا مرض؟! الشيخ: الحمد لله! حسب ما تجري العادة يعني مثلاً تتصل عليهم بالتلفون كل شهر مرة أو كل شهر مرتين أو كل أسبوع حسب الحال.(73/38)
ضابط العدل بين الأولاد
السؤال
هناك رجل لديه مجموعة من الأولاد يتفاوتون في الأعمار فحاجاتهم تختلف، حاجة الكبير تختلف عن حاجة الصغير، فهل هو مطالب بأن يعدل في النفقة كذلك بين أولاده، أو أنه يعطيهم بقدر حاجتهم؟
الجواب
لا؛ العدل بينهم أي بين أولاده أن يعطي كل واحد ما يحتاج، قد يكون بعضهم يحتاج إلى كتب مثلاً والآخر لا يحتاج، البنت الآن تحتاج إلى حلي، الخرص مثلاً في الأذنين كم يساوي؟ مائة ريال، والولد يحتاج إلى طاقية كم قيمتها؟ خمسة ريالات، هذه نشتري لها خرصاً بمائة ريال، وهذا نشتري له طاقية بخمسة ريالات.
السائل: يا شيخ! مثلاً الكبير قد يحتاج إلى سيارة فيشتري له سيارة؟ الشيخ: أحسنت الكبير يحتاج إلى سيارة ما أشتري له سيارة، أشتري سيارة لي وباسمي وأمنحه إياها ينتفع بها، لأنه محتاج للانتفاع فقط ما هو لعين السيارة، فالسيارة تكون باسمي والانتفاع له، لأني لو ملكته إياها معناه أني أعطيته ما لا يحتاج، عرفت ولهذا ينبغي للناس ألا يعطوا للذي يحتاج السيارة سيارة بل يقال: أنا أشتري السيارة وأعطيك إياها، انتفع بها اذهب بها للمدرسة اذهب بها لغرضك وهي باسمي، إذا مت تكون لي أنا، ما تكون لك أنت.
نسأل الله لنا ولكم العلم النافع، والعمل الصالح، وأبشركم بأن (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) وأنتم إنا شاء الله سلكتم طريقاً تلتمسون فيه علماً نسأل الله إن ييسر لنا ولكم طريقاً إلى الجنة.(73/39)
لقاء الباب المفتوح [74]
في ظلال تفسير آيات من سورة الشمس كان هذا اللقاء مع فضيلة الشيخ، حيث تحدث عن قصة ثمود قوم النبي صالح، وكيف أن الله أرسل الناقة، إليهم كمعجزة لكنهم مع ذلك كذبوا صالحاً وعقروا الناقة فأرسل الله عليهم العقاب جزاء إعراضهم وتكذيبهم، وليذوقوا العذاب جزاءً وفاقاً.(74/1)
تفسير آيات من سورة الشمس
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: هذا هو اللقاء الرابع والسبعون من اللقاءات التي تتم في كل يوم خميس، وهذا هو الخميس الرابع والعشرون من شهر ربيع الثاني عام (1415هـ) في هذا اللقاء نكمل تفسير سورة الشمس وضحاها، حيث وصلنا إلى قول الله تبارك وتعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} [الشمس:11-12] .(74/2)
تفسير قوله تعالى: (كذبت ثمود بطغواها)
قال تعالى: (كذبت ثمود) ثمود اسم قبيلة ونبيهم صالح عليه الصلاة والسلام وديارهم في الحجر معروفه في طريق الناس، هؤلاء كذبوا نبيهم صالح، ونبيهم صالح عليه السلام كغيره من الأنبياء يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له كما قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25] دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأعطاه الله سبحانه وتعالى آية تدل على نبوته وهي الناقة العظيمة التي تشرب من البئر يوماً وتسقيهم لبناً في اليوم الثاني، وقد قال بعض العلماء: إنها كلما جاء إنسان وأعطاها من الماء بقدر أعطته من اللبن بقدره، ولكن الذي يظهر من القرآن خلاف ذلك لقوله تعالى: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء:155] فالناقة تشرب من البئر يوماً ثم تدر اللبن في اليوم الثاني، ولكن هل نفعتهم هذه الآية؟ استمهل قول الله تعالى {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا} [الشمس:11] أي: بطغيانها وعتوها، والباء هنا للسببية أو بسبب كونها طاغية كذبت الرسول.(74/3)
تفسير قوله تعالى: (إذ انبعث أشقاها)
قال تعالى: {إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} [الشمس:12] هذا بيان للطغيان الذي ذكره الله عز وجل وذلك حين انبعث أشقاها، (انبعث) أي: انطلق بسرعة و (أشقاها) أي: أشقى ثمود، أي: أعلاهم في الشقاء والعياذ بالله، يريد أن يقضي على هذه الناقة، فقال لهم صالح: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس:13] قال لهم ناقة: أي ذروا ناقة الله، لقوله تعالى في آية أخرى: {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ} [الأعراف:73] يعني: اتركوا الناقة لا تقتلوها، لا تتعرضوا لها بسوء ولكن النتيجة بالعكس: {فَكَذَّبُوهُ} [الشمس:14] أي: كذبوا صالحاً، وقالوا: إنك لست برسول، وهكذا كل الرسل الذين أرسلوا إلى أقوامهم يصمهم أقوامهم بالعيب كما قال الله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:52] كل الرسل قيل لهم هذا: ساحر أو مجنون، كما قيل للرسول عليه الصلاة والسلام: إنه ساحر كذاب، مجنون، شاعر، كاهن، ولكن هل ألقاب السوء التي يلقبها الأعداء لأولياء الله هل تضرهم؟
الجواب
لا تضرهم، بل يزدادون بذلك رفعة عند الله سبحانه وتعالى، وإذا احتسبوا الأجر أثيبوا على ذلك، فيقول عز وجل: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا} [الشمس:14] أي: عقروا الناقة عقراً حصل به الهلاك.(74/4)
تفسير قوله تعالى: (فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها)
قال تعالى: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا} [الشمس:14] (دمدم عليهم) أي: أطبق عليهم فأهلكهم، كما تقول: دمدمت البئر أي أطبقت عليها التراب، (دمدم عليهم ربهم بذنبهم) أي: بسبب ذنوبهم، لأن الله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون، فالذنوب سبب للهلاك والدمار والفساد لقول الله تبارك وتعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41] ، وقال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16] ، وقال الله تعالى يخاطب أشرف الخلق وخير القرون: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165] فالإنسان يصاب بالمصائب من عند نفسه، ولهذا قال: (دمدم عليهم ربهم بذنبهم) أي: بسبب ذنبهم، (فسواها) أي: عمها بالهلاك حتى لم يبق منهم أحد وأصبحوا في ديارهم جاثمين.(74/5)
تفسير قوله تعالى: (ولا يخاف عقباها)
قال تعالى: {وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا} [الشمس:15] أي: أن الله تعالى لا يخاف من عاقبة هؤلاء الذين عذبهم ولا يخاف من تبعتهم؛ لأن له الملك وبيده كل شيء، بخلاف غيره من الملوك، الملوك لو انتصروا على غيرهم أو عاقبوا غيرهم تجدهم في خوف، يخشون أن تكون الكرة عليهم، أما الله عز وجل فإنه (لا يخاف عقباها) أي: لا يخاف عاقبة من عذبهم؛ لأنه سبحانه وتعالى له الملك كله وله الحمد كله، فسبحانه وتعالى ما أعظمه! وما أجل سلطانه!(74/6)
الأسئلة(74/7)
حكم صلاة الصبي الذي عمره أقل من خمس عشرة سنة في البيت
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم صلاة الصبي أقل من الخامسة عشرة في البيت لأنه قد يؤذي المصلين ويلعب مع أمثاله أو كذا؟
الجواب
المشروع أن الصبيان يحضرون المساجد، ويصلون مع الناس لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى) وهذا يدل على أنه يوجد الصغار لكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الكبار أن يتقدموا وأن يأتوا مبكرين حتى يأخذوا الأمكنة الفاضلة، فصلاة الصبيان في المساجد من السنة، ولا ينبغي أن نفعل ما ينفرهم عن المساجد، كما يفعل بعض الناس إذا رأى صبياً لم يبلغ في الصف طرده وانتهره، وهذا لا شك أنه خلاف هدي النبي عليه الصلاة والسلام الذي ينبني على الرفق واللين واليسر والسهولة، نقول: أبقه في مكانه حتى لو كان في الصف الأول حتى لو كان خلف الإمام أبقه، أما إذا حصل منه اللعب ولا يمكن تأديبهم فهنا نخرجهم من المسجد.
لكن هناك مرتبة قبل إخراجهم من المسجد وهو أن نتحدث لأوليائهم حتى لا يكون في نفوسهم شيء علينا لو أخرجناهم، نتحدث إلى الأولياء ونقول: هؤلاء الأولاد صغار لا يحترمون المسجد ولا يحترمون الجماعة فلو أنك تركتهم حتى يكون لهم شيء من حسن التصرف لكان أحسن.(74/8)
أفضلية طلب العلم على غيره من الأعمال قليلة الفائدة
السؤال
فضيلة الشيخ! هل بقاء المسلم في عمله مع قلة الفائدة من حيث الدعوة إلى الله أفضل، أم التوجه لطلب العلم وملازمة العلماء إذا علم من نفسه الرغبة في ذلك، وهل طلب العلم محصور في الحلق والمساجد أرجو التوجيه لصالح الأمرين جزاكم الله خيراً؟
الجواب
لابد أن ننظر ما هو العمل الذي يريد أن يتركه لطلب العلم، إذا كان عملاً يقوم به أي واحد وليس له شيء من الأمر وتوجيه الأمة فلا شك أن طلب العلم أفضل، أما إذا كانت الوظيفة وظيفة حساسة مهمة ينبغي أن يكثر فيها أهل الخير والصلاح، فإن الذي أراه أن يبقى في وظيفته ويمكن أن يطلب العلم وهو في وظيفته، يمكن أن يحصل على أشرطة أو كتيبات أو على أناس عندهم في العمل أعلم منه يتعلم منهم.
وهذا يكون في مثل الجيش مثلاً، الجنود يكون عندهم تثبيطات كثيرة ويكون عندهم إخلال بالواجب ويكون عندهم انتهاك لبعض المحرمات فكوننا نقول لصاحب الخير تخلَّ عن هذا، هذا يعني أننا قضينا على الخير في هذه الناحية لكن إذا قلنا لصاحب الخير: ابق في هذا وادع إلى الله ما استطعت، كان هذا هو الأولى، فالمهم أن العمل الذي يريد أن يتركه لطلب العلم لابد أن ينظر فيه، وفي أهميته.(74/9)
إعراب: (أنتما ضربتما الطالب، أو أنتن ضربتن الطالبة)
السؤال
فضيلة الشيخ وفقكم الله ورعاكم، ما إعراب: (أنتما ضربتما الطالب، أو أنتن ضربتن الطالبة) ؟
الجواب
يقول علماء النحو: أنتما ضربتما الطالب: إن: الإعراب على أن وحدها، فأن: ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
والتاء: حرف خطاب، والميم والألف: علامة التثنية.
وضربتما: فعل وفاعل.
ضرب: فعل ماضي مبني على السكون لاتصاله بتاء الرفع، والميم والألف: علامة التثنية.
والطالب: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
أما (أنتن ضربتن الطالبة) فنقول: أن: ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، والتاء: حرف خطاب، والنون: علامة جمع النسوة.
ضربتن: فعل وفاعل.
ضرب: فعل ماضي مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل.
والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع.
والنون: علامة جمع النسوة.
والطالبة: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.(74/10)
حكم أخذ أجر عامل يحب طلب العلم إذا ترك ليتفرغ لطلب العلم
السؤال
فضيلة الشيخ يسأل بعض أصحاب المؤسسات عن رجل يعمل لديهم وهذا الرجل طالب للعلم فيقول: لو تركته يتفرغ لطلب العلم هل يكون لي أجر مثل أجر طالب العلم الذي نسمع عنه أنه تستغفر له الحيتان إلى آخر الحديث؟
الجواب
إذا ترك هذا العامل لطلب العلم فإنه يؤجر على ذلك بلا شك ويثاب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من جهز غازياً فقد غزا) فنقول: من فرغ طالب علم لطلب العلم فإنه كطالب العلم، و (من أعان على خير فهو كفاعله، ومن دل على خير فكفاعله) فالنصوص كلها تدل على أن الإنسان يثاب، يثاب ثواب هذا الطالب، ووجهه ظاهر لأنه لولا أنه رخص له أن يطلب العلم لم يحصل له طلب العلم.(74/11)
حجية قول الصحابي
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يعتبر قول الصحابي حجة يجب التزامه؟
الجواب
كثير من العلماء يقول: إن قول الصحابي ليس حجة يجب التزامه، وأن الحجة فيما قال الله ورسوله، لقول الله تعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] ومن العلماء من يقول: الخلفاء الراشدون قولهم حجة كـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، بشرط ألا يخالف نصاً ولا قول صحابي آخر، فإن خالف نصاً وجب الرجوع إليه، وإن خالف قول صحابي آخر طُلب الترجيح بين القولين، وهذا هو الصحيح، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) ، ولقوله في خصوص أبي بكر وعمر: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر) ، وقوله فيهما: (من يطع أبا بكر وعمر يرشد) ، وأما عامة الصحابة الذين ليس لهم فقه في الدين مثل أن يأتي أعرابي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ويسلم وينصرف إلى إبله وغنمه هذا صحابي، فمثل هذا لا يكون قوله حجة يلزم بها لقلة معرفته بحدود الله، فهذا القول المفصل هو الصحيح.(74/12)
حكم السفر إلى بلاد الكفر والرجوع بعد الوقوع في الحرام
السؤال
سماحة الوالد الشيخ محمد بن صالح العثيمين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أولاً: نشهد الله عز وجل أنا نحبك في الله، وسؤالي: ما رأيكم فيمن يسافر إلى بلاد الكفر لأي غرض كان ووقع في الحرام من الزنا أو اللواط، وكان يحمل بعض الأمراض من فعل الفاحشة ولم يعرف ذلك إلا بعد أن أجري له فحوصات طبية فهل يقام عليه الحد، وإذا كان قد ضر غيره كالزوجة فهل لزوجته حق في الشكوى والمطالبة بحق الضرر الذي أصابها منه؟
الجواب
أقول: عليك السلام ورحمة الله وبركاته وأحبك الله الذي أحببتنا فيه، وأخبرك بأنه لا حاجة للسلام عند إلقاء السؤال لأن الصحابة كانوا يلقون الأسئلة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بدون أن يسلموا عليه.
أما ما ذكرت من السفر إلى بلاد الكفر فإني أقول: السفر إلى بلاد الكفر محرم إلا إذا كان هناك حاجة أو ضرورة: فالحاجة مثل التجارة، ذهب يشتري منهم سلعاً يتجر بها، والضرورة كالمرض أو كصناعات لا توجد في بلاد المسلمين أو ما أشبه ذلك، لكن بشرط أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات، وأن يكون عنده دين يمنعه عن المحرمات، أما إذا كان الإنسان يعلم من نفسه أنه ليس عنده علم يدفع به الشبهات وإذا ذهب إلى بلاد الكفر سوف يلبسون عليه دينه ويوقعونه في حيرة، فهذا لا يجوز له أن يذهب مهما كان حتى لو كان في أقصى الضرورة، وكذلك من لم يكن عنده دين يحميه بحيث يعرف من نفسه أنه رجل ضعيف الدين ولو ذهب إلى هناك لاغتر بما هم عليه من زهرة الدنيا فنقول: أيضاً لا يحل لك أن تذهب، لأن حفظ الدين واجب، فإذا اجتمعت الشروط الثلاثة: العلم والدين والحاجة أو الضرورة فلا بأس.
أما ما يحمله من أمراض فالواجب إذا كانت هذه الأمراض تنتشر بالعدوى الواجب على ولي الأمر أن يحبسه في مكان حتى لا تنتشر عدواه، ولهذا قال أهل العلم رحمهم الله: إن الواجب أن يحبس الجذمى -أي: الذين أصابهم الجذام- والجذام مرض معروف معدٍ، فالواجب أن يُجعلوا في مكان واحد ويمنعوا من الاختلاط بالناس، وإذا كان هذا الذي أتى بالمرض المعدي يمنع من الاتصال بالناس فاتصاله بزوجته من باب أولى، بمعنى: أن للزوجة أن تطالب بالفراق ولها الحق في هذا، وأما ما أصابها من المرض، فإن كانت قد علمت بأن زوجها مصاب به فليس لها حق لأنها هي التي خاطرت بنفسها، وإن لم تعلم فهو محل نظر ويرجع فيه إلى المحكمة.(74/13)
حكم إقامة الصلاة للسنة الراتبة
السؤال
ما حكم إقامة الصلاة للسنة الراتبة؟
الجواب
إقامة الصلاة لغير الفريضة بدعة، لأن إقامة الصلاة إنما تكون في الفرائض أما النوافل فليس لها إقامة، فمن أقام للنوافل قلنا له: إنك مبتدع، وعليك أن تدع ذلك، فإن أصر فهو آثم.(74/14)
حكم حجز مكان في المسجد
السؤال
فضيلة الشيخ حفظك الله ما حكم حجز مكان في المسجد بوضع كتاب أو نحوه في الصف الأول أو خرقة يعلم أو كذا؟
الجواب
الحجر أو التحجر في المسجد إذا كان الإنسان في المسجد فلا بأس، أو تحجر وذهب ليقضي حاجة كوضوء أو شبهه فلا بأس أيضاً، أما إذا تحجر وذهب إلى بيته إلى أهله إلى متجره، فإن من العلماء من يقول إن هذا ليس بجائز، لأن الحق للأول وهذا منع الحق، ومنهم من يقول: إنه جائز لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لـ سعد بن معاذ قبة في المسجد وهذا نوع من التحجر، والذي أرى أن من الورع أن يترك الإنسان هذا التحجر إلا في الحالين الذين ذكرتهما وهما: إذا خرج من المسجد لحاجة ويعود عن قرب، أو إذا كان في نفس المسجد.(74/15)
حكم قص الشعر للنساء
السؤال
فضيلة الشيخ حفظك الله ما حكم قص الشعر للنساء؟
الجواب
قص الشعر للنساء إن قصته حتى صار كرأس الرجل، أي: قصته قصاً بالغاً حتى صار مثل رءوس الرجال فهذا حرام عليها، بل من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهات من النساء بالرجال، وكذلك إذا قصته حتى يكون كرأس الكافرات فإنه حرام عليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) ، وأما إذا كان قصاً لا يحصل به هذا ولا هذا فاختلف العلماء فيه على ثلاثة أقوال: القول الأول: على أنه حرام.
والقول الثاني: أنه مكروه.
والثالث: أنه مباح.
والورع ألا تقص المرأة شيئاً من شعر رأسها بل تبقيه على ما هو عليه.(74/16)
حكم تغيير ملامح قبر موجود بجوار المنزل
السائل: فضيلة الشيخ! يوجد بجوار منزلنا قبر فقام الوالد بإبعاد الحجر الذي على القبر وبعد فترة دفن هذا القبر بتراب، وبعد فترة وضع سمنت على القبر ثم وضع خزان ماء، هل الوالد عليه إثم في هذا الأمر، وإذا كان آثماً فما هو العمل؟ الشيخ: الواجب على أبيك لما رأى القبر أن يتصل بالمسئولين على المقابر كالبلديات مثلاً ويخبرهم بذلك، هل ينقل الميت إلى مكان آخر أم ماذا يعمل؟ وهذا الواجب قائم الآن، يجب على أبيك أن يبلغ الجهات المسئولة بما صنع حتى يقرب ما تقتضيه الشريعة وذلك لأن الميت له حرمة، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كسر عظم الميت ككسره حياً) ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يوطأ على القبر لأن صاحب القبر له حرمة.
وخلاصة الأمر أني أقول: بلغ الوالد أنه يجب عليه أن يبلغ المسئولين عن هذه المسألة.
السائل: ما هي الشروط اللازمة لنقل قبر؟ الشيخ: هذه تأتي إذا نظر القاضي إذا رأى من الضرورة أن ينقل إلى المقبرة فالأمر سهل تجمع العظام وتدفن في قبر في المقبرة، لأن هذا أبلغ في حمايتهم، ولئلا يظن أحد في المستقبل أن له مقاماً عند الله عز وجل فيتبركون به أو ما أشبه ذلك.
السائل: وهل هو آثم فيما فعل؟ الشيخ: لا شك أنه آثم.
السائل: هل عليه كفارة أو شيء؟ الشيخ: أنا ما عندي إلا ما قلت لك، يبلغ الجهات المسئولة وينتهي الأمر.(74/17)
معنى قوله تعالى: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون)
السؤال
فضيلة الشيخ يقول الله سبحانه وتعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4-5] نرجو معنى هذه الآية وما فيها من الفوائد؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
معنى قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4-5] أن الله يتوعد هؤلاء القوم الذين يصلون ولكنهم غافلون عن صلاتهم، لأن قوله: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} أي: غافلين، يضيعونها أي: يصلي أحدهم بعد الوقت ويصلي بدون طمأنينة، وربما يصلي بغير طهارة، وما أشبه ذلك من الإضاعة، هؤلاء توعدهم الله عز وجل بالويل وهي كلمة وعيد، وقد قال الله تبارك وتعالى في آية أخرى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلَّا مَنْ تَابَ} [مريم:59-60] .
وأما الساهون في صلاتهم فهؤلاء لا إثم عليهم كما لو نسي الإنسان فزاد ركعة أو نسي فترك التشهد الأول مثلاً فإن هذا ليس فيه إثم لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سها: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) ولهذا قال بعض العلماء: الحمد لله الذي لم يقل: الذين هم في صلاتهم ساهون، بل قال: عن صلاتهم ساهون، والعبارتان بينهما فرق ظاهر.(74/18)
حكم صلاة المتأخر خلف إمام قد زاد في الصلاة ودخل معه من أصلها قبل الزيادة
السائل: فضيلة الشيخ! أدرك رجل صلاة العصر وقد فاته منها ركعتان فسها الإمام وجاء بركعتين زيادة عن الصلاة فهل يسلم مع الإمام الذي أدرك الصلاة، أم أنه يأتي ما فاته من الصلاة وما حكم الركعتين الزائدة في الصلاة هل هي باطلة، فإذا كانت باطلة فهل يعني أن الرجل المتأخر عن الصلاة صلى ركعتين باطلة أم صحيحة؟ الشيخ: زيادة الركعتين في الصلاة تبطل الصلاة إذا كانت عمداً، بل لو كانت ركعة واحدة، أو سجوداً واحداً، وإن كان سهواً فإن الصلاة لا تبطل، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه صلى الظهر خمساً فلما سلم قيل له: (أزيد في الصلاة؟ قال وما ذاك؟ قالوا: صليت خمساً، فثنى رجليه ثم سجد سجدتين ثم سلم، ثم قال لهم: إنه لو حدث شيء في الصلاة لأنبأتكم به) .
وهذا الذي دخل مع الإمام بعد أن صلى الإمام ركعتين، ثم إن الإمام سها وزاد ركعتين نقول له: سلم مع الإمام لأنك صليت أربعاً ولا يحل لك أن تزيد، الإمام قلنا: إنه ساهٍ وناسٍ ولا شيء عليه، لكن أنت لا يمكن أن تزيد ولا سجدة واحدة عن الصلاة.
ولكني أقول لك: بارك الله فيك! هل هذا أمر واقع؟ أي: هل يمكن أن يصلي الإنسان ركعتين زائدتين دون أن يتنبه أو ينبه؟ زيادة الركعة ممكن، لكن يصلي ركعتين والناس وراءه ولا ينتبهون له! بعيد هذا!! السائل: ولكن مأمور في هذه الحالة أن يترك المأموم التشهد الأول؟ الشيخ: يترك التشهد الأول تبعاً لإمامه، ألست أنت الآن لو دخلت مع الإمام في صلاة الظهر في الركعة الثانية فسوف تأتي بتشهد في غير محله، وسوف تترك تشهداً في محله.
هل تصورتم هذا يا جماعة! أنا جئت والإمام قد صلى ركعة في صلاة الظهر فدخلت معه، متى يجلس الإمام؟ يجلس بالنسبة لي في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية لي هو يقوم فتجد أنني تشهدت في غير مواضع التشهد وتركت التشهد في موضعه كل ذلك اتباعاً للإمام.(74/19)
معنى قوله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر)
السؤال
فضيلة الشيخ! يقول الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الروم:41] هل تكون الآية معناها على ظاهرها، أو يكون البر اللسان والبحر القلب كما في بعض التفاسير؟
الجواب
ظهر الفساد في البر والبحر على ظاهرها، البر اليابس من الأرض والبحر هو المغطى بالماء، وأما تفسيره بالقلب واللسان فهذا غلط، ولا يحل أن تفسر الآية بذلك، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:193-195] واللسان العربي المبين يقتضي أن يكون البر هو اليابس من الأرض والبحر هو المغطى بالماء، والفساد في البر ظاهر، يكون الفساد في البر بالجدب وعدم النبات، يكون بالرياح العاصفة، وكذلك في البحر يكون بفساد الهواء بموت الأسماك وغير ذلك من المفاسد الواضحة.(74/20)
حكم كتابة قيمة السلعة في الفاتورة من غير سعرها الحقيقي المشترى به
السؤال
فضيلة الشيخ! قد يحصل أن يتفق صاحب عمل مع مهني على أن يشتري المهني الخام ويذهب المهني إلى التاجر ويشتري الخام بسعر أقل من سعر السوق، ويفعل التاجر مثل هذا ليضمن بقاء تعامل المهني معه، ولكن التاجر يكتب قيمة السلعة بسعر السوق حتى يتقاضاها المهني من صاحب العمل بسعر السوق، وفي كل الأحوال يحمل المهني الخام إلى مكان العمل فما حكم مثل هذه العقود؟
الجواب
الواجب على الإنسان في المعاملات أن يكون صريحاً بيناً يعطي الأمر على وجهه، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المتبايعين: (إن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما) والواجب كذلك على الإنسان أن يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به، فإذا كنت أنت لا ترضى أن أحداً يربح عليك في الصفقة على غير الوجه المعتاد فيجب ألا ترضى لأحد أيضاً، فإذا قدر أن أحداً من الزبائن أتى إليك وقال: أنا أريد السلعة الفلانية وهي ليست عندك تقول: ليست عندي، لكن ربما تأتيني بعد يومين أو ثلاثة فإذا أتت، فإنه يبيعها عليه بعد أن تأتي، ثم ليكن ربحه عليه ربحاً معقولاً، أي: لا يشتري الشيء بعشرة ويقول: بعشرين، بناء على أن المشتري غرير ولا يعرف، فالواجب النصح والبيان والإيضاح، ومن تعامل بذلك بارك الله له في البيع، ومن لم يتعامل بذلك فإنه تنزع منه البركة، نسأل الله السلامة.(74/21)
حكم ترك صيام شهر رمضان من قبل امرأة تهاوناً وجهلاً
السؤال
فضيلة الشيخ! امرأة تركت صيام السنة التي بلغت فيها تهاوناً وجهلاً فما الحكم: القضاء فقط أم القضاء والكفارة، أما ماذا تفعل؟
الجواب
بارك الله فيك أنت تقول: تهاوناً وجهلاً، إذا كان جهلاً فليس تهاوناً؛ لأن المتهاون هو الذي يترك الشيء عن علم لكن يتهاون في أدائه، فنقول: هذه المرأة التي لم تصم أول سنة بلغت إن كانت في مكان يغلب فيه الجهل كالبادية مثلاً ولم يخطر ببالها أنه يجب عليها الصوم لأنها لم تبلغ خمس عشرة سنة بل حاضت قبل ذلك فهذه لا نرى عليها قضاءً؛ لأنها جاهلة، ولم تفرط، ولم يكن يخطر ببالها أنه قد وجب عليها الصيام، أما إذا كانت مفرطة كأن تكون في المدن التي فيها العلماء وفيها من تسأله فإنه يجب عليها القضاء، ولا شيء مع القضاء أي: ليس عليها طعام.(74/22)
حكم قطع النافلة إذا أقيمت الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ: هذا رجل استدل على أن قطع النافلة إذا أقيمت الصلاة أفضل من الاستمرار فيها سواءً كان في الركعة الأولى أو في الثانية وأدلته كما يلي: أولاً: حديث الباب: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) ، ثانياً: حديث: (إنما جعل الإمام ليأتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) .
ثالثاً: حديث أبي سعيد بن المعلى قال: (كنت أصلي فناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه، فقلت: يا رسول الله! إني كنت أصلي قال: ألم يقل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24] ) ، وفي حديث أبي قال: (لا تعد) .
رابعاً: حديث: (وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) فيقول السائل: مجموع هذه الأدلة يركب دليلاً واحداً على ما قال، فضيلة الشيخ! ما تقولون في أدلته هذه وهل تصلح للاستدلال أفتونا مأجورين؟
الجواب
أقول: للعلماء في هذه المسألة أقوال: - منهم من قال: إنه لا يجوز أن يقطع النافلة حتى يتمها إلا أن يخشى أن يسلم الإمام من الصلاة قبل أن يتمها، وهذا هو المشروع في مذهب الحنابلة رحمهم الله، واستدلوا لذلك بقول الله تبارك وتعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:33] ، وقالوا: إن قطع الصلاة إبطال لها وقد نهى الله عنه، وقالوا أيضاً: إن الإنسان إذا شرع في العبادة فإنه يكره له أن يقطعها لما في ذلك من الإعراض عن عبادة الله تعالى بعد التلبس بها.
- ومن العلماء من قال: إذا أقيمت الصلاة وجب قطع النافلة فوراً سواءً صلى ركعة أو ركعتين، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) .
وأجاب الأولون عن هذا فقالوا: إن قوله: (لا صلاة إلا المكتوبة) يعني: لا صلاة تبتدأ، لأن الإقامة هي إعلام للدخول في الصلاة، فالآن أمامك نافلة وفريضة لا تبتدأ النافلة، وليس في الحديث ما يدل على أنه لا صلاة أي: لا صلاة تبتدأ ولا صلاة تكمل فهو محتمل.
وأما ما ذكره السائل من الأدلة: (إنما جعل الإمام ليأتم به) فلا دليل فيه، لأن الإمام لم يكن إماماً له وهو لم يدخل معه، فإنه لا يكون إماماً إلا إذا دخل معه في الصلاة وهذا لم يدخل حتى الآن.
وأما حديث أبي سعيد المعلى فلا دليل فيه أيضاً، وإنما فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا دعا إنساناً وهو يصلي النافلة فعليه إجابته، ولا تعرض فيه لهذه المسألة، وأما الرابع: (ما تقرب إلي عبد مما افترضته عليه) فنعم لا شك أن الفريضة أفضل من النافلة، لكن هذا الرجل لا يفوت الفريضة لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) فهو ليس إذا اشتغل بهذه النافلة ستضيع عليه الفريضة، سوف يؤديها.
أما الذي أراه في هذه المسألة فالذي أرى: أنه إن كان في الركعة الثانية أتمها خفيفة، وإن كان في الأولى قطعها، ووجه ذلك: أنه لو كان في الثانية في الركعة الثانية فقد أدرك ركعة من الصلاة قبل أن يحظر عليه البدء بالصلاة وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وهذا القول كما ترون قول وسط، بين من يقول: يتمها إلا إذا خاف أن يسلم الإمام قبل إتمامها، ومن قال يقطعها فوراً، فهذا القول وسط بينهما وهو الذي نختاره والله الموفق.(74/23)
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)
السؤال
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وأعوذ بك أن أغتال من تحتي) ؟
الجواب
قوله صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بك أن أغتال من تحتي) الاغتيال معناه: القتل غيلة على غير علم، بمعنى: أن يغتال إما بخسف به، أو بتسلط الجن عليه، أو ما أشبه ذلك، المهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر أنه الله يحميه من كل جانب وقال: (أعوذ بك أن أغتال من تحتي) .(74/24)
حكم قضاء السنن الراتبة إذا فاتت
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز قضاء السنن الراتبة إذا فاتت؟
الجواب
قضاء السنة الراتبة سنة إذا فاتت، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما نام عن صلاة الفجر ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس صلى سنة الفجر أولاً ثم صلى بعدها الفجر.(74/25)
حكم بيع الكتب الموزعة من قبل الدوائر الحكومية كالإعلام أو الإفتاء
السائل: فضيلة الشيخ! ما حكم بيع الكتب التي تقوم بتوزيعها بعض الدوائر الحكومية، كالإعلام أو الإفتاء وذلك لشراء كتب نافعة أنفع منها؟ الشيخ: الظاهر لي أن توزيع الكتب من قبل هذه الجهات يعتبر هدية وإذا كانت هدية صارت ملكاً للمهدى إليه، فيتصرف فيها بما شاء؛ إما بالانتفاع بها أو ببيعها أو بإهدائها أو بإيقافها، هي ملكه، وإذا رأى أن يبيعها ويشتري خيراً منها فهو خير.
السائل: نقطة مهمة -يا شيخ- في
السؤال
هذه الكتب لمدرسة أخذناها كهدية من الوزارة للمدرسة فوجدنا فيها بعض الملاحظات خاصة القصصية منها أو أيضاً الكتب أيضاً تتكلم عن الشيعة فهل يحق لنا إتلافها؟ الشيخ: على كل حال إذا أخذتموها للمدرسة فهي للمدرسة، ولكم أن تبيعوها لشراء شيء أنفع منها إذا كان النظام يخول لكم ذلك، وأما إذا كانت ضارة فيها أفكار منحرفة: بدع، ضلالات؛ فالواجب عليكم أن تحجزوها وأن تبلغوا الجهات التي منحتكم إياها بهذا حتى لا يوزعوها على غيركم أيضاً، قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] .(74/26)
حكم دخول مزرعة أحد الأشخاص لاستعمال ما فيها بإذن حارسها
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأيكم في شباب ذهبوا إلى المزرعة واستأجروا من الحارس حتى يأكلوا فيها ويستعملوا المرافق من مسبح وكهرباء إلى غير ذلك، وعندما سألوا الحارس عن حكم صاحب المزرعة فقال: إنه لا يمانع في ذلك؟
الجواب
الذي يظهر أن الحارس أمين، وأنه إذا قال للناس: ادخلوا استمتعوا بالظل وبالبركة فلا حرج.(74/27)
حكم تشميت العاطس أثناء خطبة الجمعة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم تشميت العاطس أثناء خطبة الجمعة؟ بارك الله فيك.
الجواب
أولاً: العاطس لا يشمت إلا إذا حمد الله، فإذا حمد الله فشمته، لكن إذا كان ذلك في خطبة الجمعة فإنه لا يجوز أن تشمته لأن تشميته كلام لأنك تخاطبه تقول: يرحمك الله، والكلام حال الخطبة لا يجوز إلا لحاجة ويكون مع الخطيب، ويدلني لما قلت قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا قلت لصحابك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب؛ فقد لغوت) مع أن قولك له: أنصت، إذا كان يتكلم؛ من النهي عن المنكر، ومع ذلك منعه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبين أن الإنسان يحرم به من فضل الجمعة حيث إن من لغى فلا جمعة له.(74/28)
حكم أخذ الأجرة بدون عمل من مسئولي العمل الصيفي
السؤال
بالنسبة للعمل الصيفي إذا كان المسئولون في نفس الشركة أو الدائرة يقولون له: لا تحضروا خلال فترة العمل لكن تقدر تأتي في نهاية الشهر وتستلم الراتب لأن هذا العمل كمساعدة للطلاب، ما وضع هذا العمل إلا مساعدة؟
الجواب
الذي أرى أنه يجب على الإنسان أن يحضر وأن يطالب بالعمل، لأن الحكومة لها نظران في توظيف الطلبة في أيام الإجازة: النظر الأول: أن الطلبة يتمرنون على الأعمال وينتفعون بهذه الممارسة.
والنظر الثاني: أن الطلبة يكفون عن الانسياب والتسكع في الطرقات، وليس قصد الحكومة أن ينتفع الطلبة بالمال، أهم شيء حمايتهم، وكذلك تمرينهم وتعويدهم على العمل، فالشركة لا يحل لها ذلك وكذلك الطالب لا يحل له ذلك، وإذا قلنا: أن الشركة قالت: لا، ليس عندنا شغل اذهب، فلنبلغ المسئولين حتى ينتقل إلى شركة ثانية أو يعملون ما يرون.
السائل: بالنسبة -يا شيخ- للراتب نفسه إذا أخذه وصرفه؟ الشيخ: أنا ما أرى أن يأخذه.
السائل: طيب استعمله وصرفه؟ الشيخ: إذا استعمله وصرفه يتصدق بما يقابله تخلصاً منه.(74/29)
نصيحة لمن يحتقرون العلماء بقصد أو بغير قصد
السؤال
فضيلة الشيخ نرجو توجيه بعض طلبة العلم أو بعض الشباب لمن يحقر بعض العلماء من غير قصد أو بقصد، بعدما تقول له: يجب الرجوع في الفتن وفي بعض الخلافات إلى العلماء، يقول: هؤلاء علماء حيض ونفاس!! وأنا سمعتها بأذني يا شيخ! نرجو توجيه كلمة لأنه إن شاء الله يكون لها نفع كبير؟
الجواب
طبعاً! الواجب على الإنسان أن يتقي الله عز وجل وألا يسخر من غيره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ} [الحجرات:11] وأن يحفظ لسانه؛ لأن اللسان من أخطر ما يكون على الإنسان، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ معاذ بن جبل: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: فأمسك بلسان نفسه وقال: كف عليك هذا، فقال: يا رسول الله وأنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم) والعالم بأحكام الحيض والنفاس عالم بحد من حدود الله وشريعة من شرائع الله، والحيض والنفاس من أصعب الأمور على طلبة العلم؛ لكثرة الاختلاف فيه، والعالم الجيد فيه جهبذ، ولا يقال على سبيل الاحتقار، ثم إن الحيض والنفاس يترتب عليهما أشياء كثيرة من العبادات والعدد في الطلاق وغيره، فليس بالأمر الهين.(74/30)
حكم لبس الخاتم في الوسطى للنساء
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم لبس الخاتم في الوسطى للنساء؟
الجواب
الظاهر لي أن النساء يلبسن الخواتم في كل الأصابع ولا بأس، لأن المقصود التجمل، فإذا كان من عادتهن أن يتجملن بلبس الخواتم في جميع الأصابع فلا بأس، إلا أن يؤدي ذلك إلى الفخر والمباهاة والإسراف فيمنع من أجل هذا، أما بالنسبة للرجل فيكون الخاتم بالخنصر والبنصر إما باليد اليمنى أو باليد اليسرى.(74/31)
حكم الدعاء على شخص بعينه إذا كان كافراً أو ظالماً
السائل: فضيلة الشيخ! هل يجوز الدعاء على شخص بعينه إذا كان كافراً أو ظالماً؟ الشيخ: كيف تقول؟ السائل: الدعاء يعني تدعو عليه؟ السائل: نعم، يجوز أن تدعو على الإنسان بمثل ما دعا به عليك، سواء كان معيناً أو غير معين، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لعن الله من لعن والديه، قالوا: يا رسول الله! أيسب الرجل والديه؟! قال: نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه) وهذا شيء معين، وقال الله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194] ، وقال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40] فمن ظلمك فلك أن تدعو الله عليه بمثل ما ظلمك لكن لا تتجاوز.
السائل: فإن كان ظلم هذا الشخص متعدياً إلى مثل مسلمين أو جماعات أو كذا، هل يجوز أن أدعو أنا، وإن لم يحصل عليّ الظلم؟ الشيخ: إذا كان هذا الظلم من السلطان من ولي الأمر فالواجب أن تسأل الله الهداية لولي الأمر؛ لأنك لو دعوت عليه بالانتقام لم يزدد الأمر إلا شدة، لكن إذا دعوت الله سبحانه وتعالى له بالهداية والتوفيق حصل في هذا خير كثير، لأن الغالب أن الراعي إذا صلح صلحت الرعية، ولهذا قال الإمام أحمد: (لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان) .(74/32)
حكم تحديد مسافة القصر بمدة السفر المحرم للمرأة في اليوم والليلة
السؤال
فضيلة الشيخ! قلنا: إن مسافة القصر لا حد لها، فما ردنا في حديث الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم ولا ليلة ليس معها حرمة) ؟
الجواب
هذا لا يدل على تحديد السفر بين يوم وليلة، بل يدل على أن المرأة لا تسافر هذه المسافة بلا محرم، على أن تقييد السفر بلا محرم بيوم وليلة أو ثلاثة أيام ليس مراداً وذلك لاختلاف التحديد، ولأن حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخطب ويقول: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) عام، فكل ما يسميه الناس سفراً فإنه لا يحل للمرأة أن تسافره إلا بمحرم.(74/33)
حكم صلاة من أكل ثوماً أو بصلاً وصلى جماعة في غير المسجد
السائل: فضيلة الشيخ! لو أن شخصاً أكل ثوماً أو بصلاً، ثم ذهب يصلي ولكنه لم يصلِ في المسجد، صلى مع إخوة له في البر أو في مزرعة، فهل هذا يعد من النهي؟ الشيخ: الصحيح أنه لا يكره أن يصلي الإنسان جماعة وقد أكل بصلاً أو ثوماً، إلا إذا كان يؤذي المصلين، فإذا كان يؤذي المصلين فلا يدخل معهم، أما المساجد فإنه لا يحل له أن يحضر وقد أكل بصلاً أو ثوماً وبقيت رائحتهما فيه، فإن زالت الرائحة فلا بأس، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، والرائحة إذا زالت لم يتأذ أحد بهذا لا الملائكة الذين في المسجد ولا المصلين.
السائل: لو كانوا جميعهم قد أكلوا بصلاً؟ الشيخ: لا بأس يصلون جماعة ولا حرج.(74/34)
حكم مقاطعة إخواني وأخواتي من الرضاعة
السائل: لي أخوات من الرضاع وحصلن على فتوى من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله ورعاه- طبعاً! أننا إخوان في الرضاعة، فمنهن من قبلت هذا الأمر، ومنهن من رفضته وردته، ومنهن من قبلت أن تقابل وأسأل عن حالها وتسأل عن حالي، ومنهن من قالت: فقط السؤال، وليس المقابلة، فهل علي إثم لو قاطعتهن، يعني التي رفضت الأمر هذا، أو عليهن إثم في ذلك؟ الشيخ: هن قرابة لك؟ السائل: من الرضاعة.
الشيخ: الرضاعة هذه ليست قرابة، ولا يجب على الإنسان أن يصل محارمه من الرضاعة كما يصل محارمه من النسب، لكن لا شك أن هذا نوع من الصلة فمواصلتهم طيبة، وأما امتناع بعض النساء عن مواجهة المحارم من الرضاع، أو كشف الوجه لهم هذا حياء وخجل، ليس القصد منه مضادة الشريعة أبداً.(74/35)
الفرق بين العام والمطلق في أصول الفقه
السؤال
ما هو الفرق بين العام والمطلق في أصول الفقه؟
الجواب
الفرق بينهما في ذاتيهما: أن العام يشمل جميع أفراده على سبيل العموم والشمول، وأما المطلق فيعم جميع أفراده على البدل لا على الشمول والعموم، البدل معناه -مثلاً- إذا قلت: أعتق رقبة، هذا مطلق، فأي رقبة تعتقها يحصل الامتثال، العموم مثلاً إذا قلت لك: أعتق الرقاب، فهنا لا بد أن تعتق جميع الرقاب ما يكفي واحد، هذا هو الفرق في حد ذاتيهما.
ولو قلنا مثلاً: لا تكرم طالباً، يشمل كل الطلاب أي: لا تكرم أي طالب، وإذا قلت: أكرم طالباً كفى واحد، فذاك عمومه شمول وهذا عمومه بدل، هذا هو الفرق.(74/36)
لقاء الباب المفتوح [75]
في هذا اللقاء تفسير آيات من سورة الليل، حيث بين الله سبحانه وتعالى من خلالها تباين أفعال العباد في الصلاح والفساد، وقد جاء هذا التبيين متناسباً مع إقسام الله سبحانه وتعالى بمخلوقات متضادة، وهذا الأسلوب يعتبر أحد أساليب القرآن الكريم البلاغية.(75/1)
تفسير آيات من سورة الليل
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والسبعون من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم في كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثامن من شهر جمادى الأولى عام (1415هـ) .
ونفتتح هذا اللقاء بتفسير سورة الليل.(75/2)
تفسير قوله تعالى: (والليل إذا يغشى)
قال الله تبارك وتعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل:1-4] .
فأقسم الله تبارك وتعالى بالليل (إذا يغشى) أي: حين يغشى الأرض، ويغطيها بظلامه، لأن الغشاء بمعنى الغطاء.(75/3)
تفسير قوله تعالى: (والنهار إذا تجلى)
قال تعالى: {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل:2] أي: إذا ظهر وبان، وذلك بطلوع الفجر الذي هو النور الذي هو مقدمة طلوع الشمس، والشمس هي آية النهار كما أن القمر آية الليل.(75/4)
تفسير قوله تعالى: (وما خلق الذكر والأنثى)
قال تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [الليل:3] أي: وخلق الذكر والأنثى على أحد التفسيرين، حيث جعلت ما هنا مصدرية، أو والذي خلق الذكر والأنثى وهو الله عز وجل على التفسير الآخر، فعلى المعنى الأول يكون الله سبحانه وتعالى أقسم بخلق الذكر والأنثى وعلى الثاني يكون الله تعالى أقسم بنفسه، لأنه هو الذي خلق الذكر والأنثى.(75/5)
تفسير قوله تعالى: (إن سعيكم لشتى)
{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل:4] أي: إن عملكم لشتى أي: لمتفرق تفرقاً عظيماً، فأنت ترى الآن أن الله أقسم بأشياء متضادة، الليل ضد النهار، الذكر ضد الأنثى، السعي متضاد صالح وسيئ، فتناسب المقسم به والمقسم عليه، وهذا من بلاغة القرآن، فكأن الله عز وجل يقول: إن اختلاف الليل والنهار والذكر والأنثى أمر ظاهر لا يخفى، فكذلك أعمال العباد متباينة متفاوتة، منها الصالح ومنها الفاسد ومنها ما يخلط صالحاً وفاسداً، كل ذلك بتقدير الله عز وجل والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.(75/6)
تفسير قوله تعالى: (فأما من أعطى واتقى)
ثم فصل هذا السعي المتفرق فقال: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:5-7] .
(أما من أعطى) أي: أعطى ما أمر بإعطائه من مال أو جاه أو علم.
(واتقى) أي: اتقى ما أمر باتقائه من محرمات.
(وصدق بالحسنى) أي: صدق بالقولة الحسنى وهي قول الله عز وجل وقول رسوله؛ لأن أصدق الكلام وأحسن الكلام كلام الله عز وجل.
(فسنيسره لليسرى) السين هنا للتحقيق أي: أن من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسييسره الله عز وجل لليسرى في أموره كلها، في أمور دينه ودنياه، ولهذا تجد أيسر الناس عملاً هو من اتقى الله عز وجل: من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، وكلما كان الإنسان أتقى لله كانت أموره أيسر له قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4] وكلما كان الإنسان أبعد عن الله كان أشد عسراً في أموره.(75/7)
تفسير قوله تعالى: (وأما من بخل واستغنى)
ولهذا قال: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ} [الليل:8] فلم يعط ما أمر بإعطائه.
{وَاسْتَغْنَى} [الليل:8] أي: عن الله عز وجل ولم يتق ربه بل رأى أنه في غنىً عن رحمة الله نسأل الله العافية والسلامة.(75/8)
تفسير قوله تعالى: (وكذب بالحسنى)
قال تعالى: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} [الليل:9] أي: بالقولة الحسنى وهي قول الله ورسوله.
{فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:10] أي: ييسر للعسرى في الأمور كلها.
ولكن قد يأتي الشيطان للإنسان فيقول: نجد أن الكفار أمورهم تتيسر فيقال: نعم قد تتيسر أمورهم لكن قلوبهم تشتعل ناراً وضيقاً وحرجاً، كما قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125] ثم ما ينعمون به فهو تنعيم جسد فقط، لا تنعيم روح، ثم هو أيضاً وبال عليهم؛ لقول الله تعالى فيهم: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم:44-45] ، وقال النبي صلى الله عليه آله وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وتلا قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102] ) وهؤلاء عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، ومع ذلك فإن هذه الدنيا جنة لهم بالنسبة للآخرة.
وقد ذكروا عن ابن حجر العسقلاني شارح البخاري بالشرح الذي سماه فتح الباري وكان قاضي القضاة في مصر: أنه مر ذات يوم وهو على عربة تجره البغال والناس حوله برجل يهودي سمَّان -أي: يبيع السمن والزيت- وأنتم تعلمون أن بيّاع السمن والزيت تكون ثيابه وسخة وحاله سيئة، فأوقف العربة وقال لـ ابن حجر: إن نبيكم يقول: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) فكيف أكون أنا بهذا الحال وأنت بهذه الحال؟! قال له ابن حجر على البديهة: أنا في سجن بالنسبة لما أعد الله تعالى للمؤمنين من الثواب والنعيم، لأن الدنيا بالنسبة للآخرة ليست بشيء كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها) ، وأما أنت -يقول لليهودي- فأنت في جنة بالنسبة لما أعد لك من العذاب إن مت على الكفر، فاقتنع بذلك اليهودي وصار ذلك سبباً في إسلامه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمداً رسول الله!!(75/9)
تفسير قوله تعالى: (وما يغني عنه ماله إذا تردى)
ثم قال عز وجل: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [الليل:11] يعني: أي شيء يغني عنه ماله إذا بخل به وتردى هو أي هلك، أي شيء يغني المال؟ لا يغني شيئاً.(75/10)
الأسئلة(75/11)
بيان انقسام علامات الساعة إلى صغرى وكبرى
السؤال
فضيلة الشيخ! هل علامات الساعة يكون فيها صغرى ويكون فيها كبرى؟!
الجواب
إي نعم! علامات الساعة الكبرى التي تدل على قربها لم تأت بعد، وأما العلامات السابقة فإن بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام من علامات الساعة؛ لأنه خاتم الأنبياء وهذا يدل على أن الأمر قد قرب، لكن هناك أشراط كبيرة تأتي قرب قيام الساعة وتأتي تترى متتابعة.(75/12)
حكم تحية المسجد عند دخول المصلى
السؤال
فضيلة الشيخ! يوجد عندنا في داخل المدرسة مسجد ولا يصلى فيه إلا في وقت واحد، وهناك بعض الطلاب عندما يأتون للصلاة يدخلون المسجد فيجلسون مباشرة فبعضهم يحتج ويقول: إن هذا مصلى لا يدخل فيه حكم تحية المسجد، أفتونا مأجورين؟ وجزاكم الله خيراً.
الشيخ: سؤال: هذا المسجد الذي ذكرت هل هو مشرَّع عن الشارع؟ السائل: لا.
الشيخ: يعني مبني لكن داخل المدرسة ولا يصلي فيه إلا أهل المدرسة.
السائل: نعم لا يصلي فيه إلا أهل المدرسة.
الجواب
الظاهر لي أن هذا مصلى وليس بمسجد، بدليل أنهم لو رحلوا عن هذه المدرسة لكان هذا المسجد لاغياً، لكن مع ذلك أنا أحث إخواننا ألا يجلس أحد حتى يصلي؛ لأن هذا خير، والله! ليأتين على كل واحد منا زمن يتمنى أن في كتاب حسناته ركعة أو ركعتين، فيقال: يا أخي! لماذا تحرم نفسك؟! لأمرين: أولاً: احتمال أن يكون مسجداً فيدخل في عموم قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) .
ثانياً: على فرض أنه ليس بمسجد وهو الأظهر عندي صلِّ ركعتين تنفعك عند الله عز وجل.(75/13)
معنى حديث: (ماء زمزم لما شرب له)
السؤال
فضيلة الشيخ! قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ماء زمزم لما شرب له) بعضهم يقول: إنك تدعو قبلما تشرب، فهل هذا له وجه أو ليس له وجه؟
الجواب
الحديث: (ماء زمزم لما شرب له) حديث حسن، ولكن ما معنى قوله: (لما شرب له) هل معناه العموم حتى لو شربه الإنسان ليكون عالماً صار عالماً أو ليكون تاجراً صار تاجراً، أو المراد: (لما شرب له) مما يتغذى به البدن فقط، بمعنى: أنك إذا شربته لإزالة العطش رويت، أو لإزالة الجوع شبعت؟ الحديث ليس صريحاً في أنه لكل ما شرب له حتى لو كان خارج البدن، فالذي يظهر لي والله أعلم: أن ماء زمزم لما شرب له مما يتغذى به البدن، بمعنى: أنك لو اكتفيت به عن الطعام كفاك وعن الشراب كفاك، وأما الدعاء عند شربه فقد استحب كثير من العلماء أن يدعو الله سبحانه وتعالى عند شربه.(75/14)
حكم التعميم في الذم
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم من يقول: إن المصريين كلهم كذابون أو السعوديين خونة فهل تعتبر من الغيبة؟
الجواب
إذا قال قائل: إن المصريين كلهم كذبة والسعوديين كلهم خونة، فهذا يعزر أي: يؤدبه الإمام على قوله؛ لأنه كاذب في كلامه، لا شك أنه كاذب، يعني: لو قدرنا في المصريين كذبة وفي السعوديين كذلك كذبة أو فجرة أو ما أشبه ذلك، ليس كلهم، فإذا بلغ الحاكم قول هذا الرجل فالواجب أن يؤدبه، أما بالنسبة للمصريين والسعوديين والعراقيين والشاميين فهذا لا يضرهم؛ لأنه عام ولا أحد يصدقه بذلك، فصار الآن لنا وجهان: الوجه الأول: بالنسبة لهذا القول الذي نسبه للعموم وهو كاذب فيه يجب أن يعزر عليه ويؤدب.
ثانياً: بالنسبة لمن قيل فيهم هذا القول فهو لا يضرهم شيئاً لأن الناس يعرفون أن هذا الوصف لا يمكن أن ينطبق على الجميع، ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله في باب القذف قالوا: إذا قذف أهل بلد، بأن قال: هؤلاء أهل البلد كلهم زناة فإنه لا يحد حد القذف وإنما يعزر تعزيراً، لأن هذا القول لا يؤثر شيئاً في أهل البلد كلهم.(75/15)
ضابط التشبه بالكفار
السؤال
فضيلة الشيخ! جاءت نصوص تنهى وتحذر من التشبه بالكفار وثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تكلم بلغة الكفار في قوله: (هذا سنه سنه يا أم خالد) وأيضاً ثبت أنه حفر الخندق ولم يعرف قبل أنه من طريقة المسلمين، فكيف الجمع بين النصوص؟
الجواب
التشبه بالكفار فيما يختص بهم، لا في لغتهم ولا في الأخذ من صنائعهم وتجاربهم، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زيد بن ثابت أمراً أن يتعلم لغة اليهود من أجل أن يستقبل كتبهم ويرد عليهم بلغتهم وليس هذا من باب التشبه، التشبه أن يتشبه بما يختص بهم مثل: أن يلبس لباسهم، أو يسمي بأسمائهم الخاصة بهم أو ما أشبه ذلك، وأما التشبه بهم بما ينفع في الصنائع وغيرها فهذا لا بأس به.
السائل: ما معنى خصائص يا شيخ؟! الشيخ: يعني مثلاً الآن هناك زي معين للكفار بلباسهم، بحيث أنك إذا رأيت رجلاً قلت هذا من الكافرين، فهذا يحرم عليه، كذلك مثلاً لو افترضنا شعورهم يجعلونها على صفة معينة، فهذا لا يجوز التشبه بهم، أما ما كان خارجاً فهذا لا أثر له ولا يضر.(75/16)
بيان معنى معية الله لخلقه
السؤال
فضيلة الشيخ! صفة المعية هل هي صفة ذاتية أم صفة فعل؟
الجواب
صفة المعية العامة ذاتية؛ لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال محيطاً بعباده، وأما المعية الخاصة فهي من صفات الأفعال؛ لأن مقتضاها النصر والتأييد وهذا -أعني بالنصر والتأييد- لا يكون إلا لمن يستحقه، واستحقاقه إنما يكون بعمل حادث من الإنسان، فتكون الصفة المترتبة عليه من صفات الأفعال.(75/17)
حكم إقامة العالم للحدود دون إذن الإمام
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يشرع للعالم أن يقيم الحدود بنفسه كما ورد عن ابن تيمية رحمه الله تعالى، وأن يخرج -مثلاً- يعزر الصبيان، ويخرج من السجون كما أخرج الحافظ المزي من السجن؟
الجواب
لا، لا يجوز لأحد أن يفتات على الإمام، إقامة الحدود من شأن الإمام، وإقامة التعزيرات من شأن الإمام، ولا يحل لأحد أن يفتات عليه، وأقول: من شأن الإمام، والإمام هو الرئيس الأعلى في الدولة، سواء سمي ملكاً أو سمي رئيساً أو إماماً أو أميراً أو شيخاً، أو من ينوب الإمام، كأمراء المناطق ومحافظي المناطق وما أشبه ذلك، لكن للإنسان أن يؤدب ولده وللإنسان أن يؤدب عبده، بل قال العلماء رحمهم الله: للإنسان أن يقيم الحد على عبده إذا كان جلداً لا إذا كان قطع عضو وما أشبه ذلك فإن هذا إلى الإمام.
السائل: وما جاء من فعل شيخ الإسلام؟ الشيخ: يقال هذا فعل أفراد ولا يحتج بأقوالهم، غاية ما هنالك أن يُلتمس لهم عذر، أو يكون هناك ملابسات سوغت لهم أن يفعلوا ذلك، لأننا لو قلنا: كل إنسان يقيم الحد كان كل إنسان يضرب الشخص على ما يريد ونقول له: لماذا؟ قال: لأنه أتى ما يوجب الحد، وصارت المسألة فوضى.(75/18)
حكم قراءة القرآن عند الجماع للضرورة
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك امرأة فيها مس إذا أراد زوجها أن يجامعها فإن الجني يمنعه؟ الشيخ: يمنعه هو أو يمنعها؟ السائل: يمنعه هو، وإذا كانت تقرأ القرآن بصوت عالٍ لا يستطيع الجني أن يمنعه، هل يجوز قراءة القرآن في أثناء الجماع؟
الجواب
نعم، لا بأس بذلك، فإذا كان لحاجة لا بأس، لكن عندما يحصل الجماع تكون هي جنباً والزوج أيضاً يكون جنباً فلا تقرأ القرآن، لكن قبل ذلك ما دام لم يولج ذكره فلها أن تقرأ القرآن ولا بأس، لأن هذا حاجب.(75/19)
حكم قصر الصلاة لمن قارب دخول بلده
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا كنا مثلاً نجمع جمع تأخير -مغرب وعشاء- وكنا -مثلاً- على مشارف الرياض وتعرف مشارف الرياض بعيدة عن الرياض نفسها، فعندما دخلنا مسافة في الرياض وجمعنا جمع تأخير والناس قد خرجوا من العشاء، هل نقصر الصلاة أو نتمها؟ الشيخ: أنتم من أهل الرياض؟ السائل: إي نعم.
الشيخ: مشارف الرياض هل معناه: أنكم دخلتم المساكن.
السائل: تقريباً لا.
الجواب
لكم أن تقصروا ما دام الإنسان لم يدخل مساكن البلد، وأنا أعطيك قاعدة: إذا شككت أنه زال سبب القصر أو هو باقٍ فالأصل بقاؤه.(75/20)
حكم تلاوة القرآن عند بداية الحفلات والندوات والإذاعات
السؤال
فضيلة الشيخ! عفا الله عنك! يلاحظ في كثير من الاحتفالات والندوات والإذاعات المدرسية وغيرها المداومة على تلاوة القرآن الكريم في البداية، فهل هذا مشروع أو يترك؟
الجواب
البداءة في الخطب والحفلات وما أشبه ذلك بالقرآن الكريم باستمرار ليس من السنة، فلم يعهد أن الرسول عليه الصلاة والسلام، إذا أراد أن يخطب يفتتح الخطبة بالقرآن، لكن هذا شيء حادث كما حدث ختم القرآن بصدق الله العظيم، تجد بعض الناس كلما قرأ وانتهى من القراءة قال: صدق الله العظيم، هذه أيضاً من المحدثات التي لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا في عهد أصحابه، فلذلك لا ينبغي أن يجعل ابتداء الحفلات والندوات بالقرآن دائماً، لكن لو كان هناك محاضرة وموضوع المحاضرة في الصيام مثلاً، وأراد أحد أن يقرأ آيات الصيام في مقدمة المحاضرة هذا لا بأس به؛ لأن المقصود هو أن نستمع للآيات التي في الصيام ثم نبني المحاضرة على هذه الآيات.(75/21)
حكم الالتفات عند الحيعلتين
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم الالتفات عند الحيعلتين؟
الجواب
الالتفات عند الحيعلتين من السنة، لكن الآن لما كان الناس يؤذنون في مكبر الصوت صار الالتفات قد يكون سبباً لخفاء الصوت؛ لأنه إذا التفت لم يكن مقابلاً للآلة اللاقطة وحينئذ يخفى الصوت، فالذي نرى في هذه الحال أنه يبقى متجهاً إلى الآلة اللاقطة بدون التفات، أما وضع اليدين في الأذنين فنعم باقية؛ لأن وضع الإصبعين في الأذنين يؤدي إلى قوة الصوت.(75/22)
المفاضلة بين صوم الإثنين والخميس وأيام البيض
السؤال
فضيلة الشيخ! أيهما أفضل: المداومة على صيام الإثنين والخميس أو صيام أيام البيض؟
الجواب
كل له وقت، لكن أيهما أكثر صياماً الإثنين والخميس أم الأيام البيض؟ السائل: صيام الإثنين والخميس.
الشيخ: إذاً: يصوم الإثنين والخميس، إذا كان لابد من هذا أو هذا؛ قلنا له صم الإثنين والخميس؛ لأنه أكثر عملاً، ولأنه في الغالب لابد أن تكون الأيام البيض فيها أحد اليومين إما الإثنين وإما الخميس، لكن في نظري أن الذي يصوم الإثنين والخميس لا يعجز عن ثلاثة أيام فليصمها جميعاً.(75/23)
حكم طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبره
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو الآن في قبره بأن يقول: (أريد منك شفاعة يا رسول الله! وأنا عبد مذنب كلف تحت يديك) ؟!
الجواب
لا يجوز، هذا حرام بل قد يكون من الشرك؛ لأن هذا دعاء للنبي عليه الصلاة والسلام، وبدلاً من أن يقول: أسألك يا رسول الله! أن تشفع لي، يقول: يا رب! شفع فيَّ رسولك، حتى يكون الدعاء موجه إلى الله عز وجل، أما الرسول الآن لا يستطيع أن يشفع لك، ثم حتى يوم القيامة لا يستطيع أن يشفع لأحد إلا بإذن الله، فهذه الكلمة حرام، وقد تكون شركاً بالله عز وجل.(75/24)
بيان قاعدة: (نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه)
السؤال
فضيلة الشيخ! من المعلوم أن الشيعة والمرجئة هؤلاء كلهم يختلفون مع أهل السنة والجماعة اختلافاً عظيماً، وهناك قاعدة عند بعض العلماء يسمونها القاعدة الذهبية: (يعين بعضنا بعضاً فيما اتفقنا ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا) فكيف نعذر هؤلاء الشيعة؟
الجواب
هذه القاعدة الذهبية ليست قاعدة ذهبية ولا تستحق أن تكون قاعدة، بل ما اتفقنا فيه فهو من نعمة الله عز وجل، والاتفاق خير من الاختلاف، وما اختلفنا فيه فقد يعذر فيه المخالف وقد لا يعذر، فإذا كان الاختلاف في أمر يسوغ فيه الاختلاف فهذا لا بأس به، ولا زال الأئمة يختلفون، فالإمام أحمد والشافعي ومالك وأبو حنيفة كلهم يختلفون، وأما إذا كان الخلاف لا يعذر فيه كالخلاف في العقائد، فإنه لا يعذر بعضنا بعضاً، بل الواجب الرجوع إلى ما دل عليه الكتاب والسنة، فعلى المرجئة وعلى الشيعة وعلى كل مبتدع أن يرجع إلى الكتاب والسنة ولا يعذر، فهذه القاعدة ليست قاعدة ذهبية، ولعلك تسميها قاعدة خشبية.
عرفت الآن الذي يسوغ فيه الاجتهاد، هذا لا بأس أن نسمح للمخالف، والذي لا يسوغ فيه الاجتهاد كمسائل العقائد التي يخالف فيها الإنسان السلف لا يمكن أن يعذروا.(75/25)
حكم الإمارة في السفر
السؤال
فضيلة الشيخ! يوجد عندنا شباب يدرسون في بريدة وهم من الرياض ويسكنون جميعاً ما رأيكم في وضع إمارة لهم في نفس المنزل الذي يسكنون به؟
الجواب
ما داموا مسافرين فليجعلوا لهم كبيراً يرجعون إليه.
السائل نفسه: والصلاة يا شيخ؟! الشيخ: الصلاة يجب أن يصلوا مع الناس.
السائل: قصراً؟ الشيخ: لا.
بل يجب على كل إنسان في بلد أن يصلي مع الناس، حتى وإن لم يجلس إلا يوماً واحداً، لابد أن يصلي مع الناس، لكن إن فاتته الجماعة يصلها قصراً.(75/26)
كيفية الرد على من لا يرى الأذان الأول يوم الجمعة
السؤال
فضيلة الشيخ! قلنا: إن سنة عثمان رضي الله عنه في الأذان الأول يوم الجمعة هي سنة ثابتة وصحيحة، وهذا صحيح، ولكن هناك بعض الإخوان في السودان يوردون علينا شبهة وهي يقولون: أن عثمان رضي الله عنه فعل هذه السنة في السوق، فمن أراد أن يطبق سنة عثمان رضي الله عنه فليفعل في السوق لكن لا يؤذن في المسجد الواحد أذانين، فكيف نرد عليهم؟ جزاك الله خيراً.
الجواب
نرد عليهم بأن عثمان رضي الله عنه جعلها في السوق؛ لأنه ليس هناك مكبر صوت، لو أذن في المسجد أو قريباً من المسجد لم يسمعه أهل السوق، أما الآن فالحمد لله مكبر الصوت موجود، ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان له مؤذنان في مسجد واحد بلال وابن أم مكتوم، يؤذنان في مكان واحد.(75/27)
معنى حديث: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة)
السؤال
الحديث الذي قال الرسول الله صلى عليه وعلى آله وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة) فهل الصورة إذا كانت في غرفة لابد أن تخرج من البيت كله أو من الغرفة؟
الجواب
المراد بالصورة هنا الصورة المحرمة، أما الصورة الممتهنة التي في الفراش وشبهه فهذه لا تمنع دخول الملائكة، وإذا كانت الصورة محرمة فالظاهر -والله أعلم- أنه إذا كانت في حجرة فإن ذلك لا يشمل كل البيت، لا سيما إذا كان أهل البيت قد كرهوا ذلك؛ لأنه يوجد في بعض العوائل يكون واحد منهم قد استهوته الشياطين وصار يقتني الصور ويضعها عنده أو يعلقها على الجدار، وأهل البيت يكرهون ذلك لكن لا يستطيعون منعه، ففي هذه الحال إن أهل البيت الذين يكرهون ذلك لا تمتنع الملائكة من دخول بيتهم، وأما الحجرة التي فيها الصور فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة.(75/28)
حكم تشغيل جهاز المسجل بالقرآن لمن لا ينصت له بسبب الانشغال بعمل ما
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز تشغيل جهاز المسجل بالقرآن في البيت مثلاً وأهل البيت مشغولون عنه أو بعضهم يستمع ولكن استماع غير منصت أي: أن بعض الآيات تفوته؟
الجواب
الذي أرى أنه إن لم يكن هناك استماع للقرآن فلا يشغل المسجل، وإذا أراد الإنسان أن يستمع إلى المسجل فلينصت، أو يغلقه، أما كون كتاب الله يقرأ وهذا يشتغل في شغل البيت في الكنس أو الطبخ أو إصلاح أمور فلا شك أن فيه غفلة عن كتاب الله، وأنه يخشى أن يكون من جنس فعل المشركين الذين قالوا: {لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت:26] .(75/29)
حكم الأناشيد التي يوجد فيها لحن
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك بعض الأناشيد التي قد يوجد بها لحن قد يوجب الفتنة فما حكمها؟
الجواب
يجب أن تعلم قاعدة مفيدة وهي: أن (كل ما كان سبباً في فتنة فإن الواجب منعه) فإذا كانت هذه الأناشيد فيها فتنة لكونها تنطلق من أصوات فاتنة فإن الواجب منعها، وكذلك إذا كانت تغنى كالأغاني الماجنة وتلحن كالأغاني الماجنة فإن الواجب منعها أيضاً، وكذلك إذا كانت مشتملة على آلة لهو كالدف والطبل والموسيقى، فإنه يجب منعها، وكذلك إذا كانت تهيج الشهوة كما لو كان فيها تغزل فإنه يجب منعها، ففي هذه الأحوال الأربعة يجب منعها، وهذه أمثلة، والقاعدة أن (كل ما كان سبباً للفتنة فإن الواجب منعه، وكلما كان وسيلة لمحرم فإن الواجب منعه) .(75/30)
حكم أخذ الأجرة على الأذان لمن لا يؤذن
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض المساجد مسجلة في الأوقاف ولا تؤدى الصلاة فيها، ولكن مؤذن المسجد ساكن في مكان آخر، ويقوم بتنظيف المسجد فقط ولا يؤذن فيه ووظيفته مؤذن، فما حكم الراتب الذي يستلمه مع علم الأوقاف بذلك؟
الجواب
الواجب على المؤذن إذا كانت وظيفته الأذان أن يؤذن بنفسه، ولا يحل له أن يوكل غيره ويأخذ الراتب، إلا في بعض الأحيان لو غاب لنزهة يوماً من الشهر أو ما أشبه ذلك مما جرت العادة به فلا بأس، وأما أن يكون منزله بعيداً ويقول: أنا سأقيم من يؤذن وآخذ الراتب فهذا لا يجوز، حتى لو قدر أن مدير الأوقاف المباشر وافق على ذلك فإنه لا يجوز، لأنك لو رجعت إلى ديوان الخدمة أو ديوان الموظفين لرأيتهم يقولون: لا يجوز ولا نسمح بهذا.
السائل: لكن لا يوجد جماعة في المسجد نفسه؟ الشيخ: كيف لا توجد جماعة؟ السائل: يعني لا توجد جماعة في المسجد لأنه قديم والبيوت حوله قديمة.
الشيخ: لكن إذا كان قديماً لماذا لا يعمر على وجه يكون فيه جماعة، أو يلغى ويلغى التأذين وغيره؟ السائل: لكن هل راتبه جائز؟ الشيخ: لا، لا يجوز أبداً، لا يجوز أن يأخذ الراتب، بل الواجب أن يذهب إلى الجهة المسئولة ويعلن استقالته ويدع المسجد.
السائل: لكن هل يكون عليه إثم في الماضي قبل العلم؟ الجواب: من الورع أن يردها إليهم، فإن لم يمكن ذلك صرفها في مصالح المساجد.(75/31)
عدم مشروعية السنة القبلية للجمعة والرد على من قال بها
السؤال
فضيلة الشيخ! أحد المشايخ استدل بحديث: (بين كل أذانين صلاة) على مشروعية سنة الجمعة القبلية، فهل هذا الاستدلال صحيح؟ وما توجيهكم في موضوع سنة الجمعة القبلية؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
لا شك أن قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (بين كل أذانين صلاة) أنه يدل على مشروعية الصلاة بين الأذان والإقامة في كل صلاة، ومعلوم أن الفجر فيه راتبة، والظهر فيه راتبة، والمغرب أيضاً جاء الحديث بالنص عليها: (صلوا قبل المغرب، وكررها ثلاثاً، وقال في الثالثة: لمن شاء) العشاء والعصر لم يرد فيهما شيء بخصوصهما ولكن يدخلان في العموم: (بين كل أذانين صلاة) ، أما الأذان الذي في الجمعة فهذا لا يصح الاستدلال به؛ لأن الأذان المعروف في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام هو الأذان الذي يكون عند دخول الإمام، وبعد دخول الإمام ليس هناك صلاة؛ لأن الإمام سيقوم ويخطب ويستمع الناس له، ولم يكن الصحابة يصلون، أما الأذان الأول الذي يكون قبل الأذان الثاني بوقت، فلا حرج أن الإنسان يقوم ويتنفل إلى أن يقرب مجيء الإمام أو إلى أن يجيء الإمام على رأي من يرى أنه لا نهى عن الصلاة يوم الجمعة عند زوال الشمس.(75/32)
الرد على مقولة ابن الجوزي (كبقاء الرحمن)
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأيكم في قول ابن الجوزي في مقدمة كتابه تنبيه النائل الغمر لاستغلال مواسم العمر: وهذا العمر اليسير اشترى به الخلود الدائم في الجنان والبقاء الذي لا ينقطع كبقاء الرحمن؟
الجواب
أما كون النعيم لا ينقطع فهذا واضح، فالقرآن مملوء بأن أهل الجنة خالدين فيها أبداً، وأما قوله: كبقاء الرحمن فلا أدري هل هذه الكلمة ثابتة في كلام ابن الجوزي وعلى كل حال ابن الجوزي رحمه الله ليس بذاك الذي يعتمد عليه في مسائل الصفات، لكن هذه الكلمة منكرة: كبقاء الرحمن؛ لأنه ينافي قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل قول الله: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3] فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الآخر الذي ليس بعده شيء) وإذا قلنا: أن هذه تبقى كبقاء الرحمن، صار معناه مساو للرحمن في البقاء، وهذا لا يصح، فالمهم هذه الكلمة منكرة، وعلق على الكتاب الذي عندك بأن هذه الكلمة منكرة، تنافي قول الله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء) .(75/33)
حكم الزير الذي يضرب عليه وحكم اللعب بالبنادق والهجاء بالقصائد
السؤال
فضيلة الشيخ! في بعض القبائل عندها عادات مثلاً في وقت الأعياد، تأتي مجموعة منهم بقصيدة ثم ينزل مجموعة منهم حول الزير، يأتون بهذا الزير: وهو عبارة عن قدر من النحاس مغطى بجلد من جلد الإبل ويوقد تحت النار حتى يسخن ثم يضربون عليه، فيطلع مجموعة يحملون البنادق ويطوفون حوله ثم يرمون، ثم تأتي مجموعة ثانية وهكذا، فذهبنا للقبائل ونصحناهم فقالوا: نريد دليلاً من أحد العلماء مفصلاً؛ ونحن مستعدون معكم أن نمنع هذا الشيء؟
الجواب
جزاهم الله خيراً، أما مسألة الزير فلا يجوز، الزير لا يجوز استعماله؛ لأنه من آلات اللهو التي لم يرد استثناؤها في السنة، وأما اللعب بالبنادق فلا بأس به، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقر الحبشة عندما كانوا يلعبون بحرابهم في المسجد، وقال: (ليعلموا أن في ديننا فسحة) ولكن يرخص في أيام الأعياد ما لا يرخص في غيرها، أيام الأعياد أيام سرور وأيام فرح فلا بأس أن يعمل الناس هكذا، ويظهروا القوة والنشاط ويلعبون بالبنادق والسيوف بشرط ألا يكون هناك خطر، فلا يجوز التعرض للخطر.
السائل: القصائد ما حكمها؟ الشيخ: القصائد ليس فيها شيء، ماذا يقولون؟ السائل: يهجو بعضهم بضعاً.
الشيخ: أما إذا كان يهجو بعضهم بعضاً فهذا لا يجوز؛ لأن هذا داخل في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (سباب المسلم فسوق) ، وإن كان الغالب أن بعضهم يهجو بعضاً على سبيل المزح، لكن رب كلمة تكون مزحاً وتكون عند آخرين جداً، يمكن الشخص هذا يذم هذا الشخص مازحاً لكن تؤخذ هذه الكلمة ولو في الأجيال القادمة على أنها جد.
السائل: يقفزون بالبنادق؟ الشيخ: ليس فيها مانع، يعني: لو كانوا يقفزون؛ لأن هذا يدل على القوة وعلى النشاط.(75/34)
معنى قول المصلي في دعاء الاستفتاح: (وتعالى جدك)
السؤال
فضيلة الشيخ! في دعاء الاستفتاح قول: (وتعالى جدك) ما معنى: (وتعالى جدك) ؟
الجواب
الجد هنا بمعنى الغنى والعظمة، فالمعنى: أنك -يا رب- قد تعالت عظمتك وغناك عن خلقك فلا حاجة بك إلى أحد، وأنت الذي تتفضل بفضلك على كل أحد، وليس المراد بالجد: أبا الأب أو أبا الأم؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يلد ولم يولد.(75/35)
حكم إغلاق مكبر الصوت عند الإقامة
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض المؤذنين يطفئون جهاز تكبير الصوت عند الإقامة والصلاة في الداخل والخارج؟ الشيخ: ولماذا يطفئه؟ مداخلة: يطفئه لا يشغله إلا في الأذان فقط.
الشيخ: هذا لا بأس به هذا وقد يكون خيراً، يعني كون مكبر الصوت لا يستعمل إلا عند الأذان هذا هو الأحسن، لكن إذا استعمل في الإقامة فلا بأس، أما إذا استعمل في الصلاة فلا؛ لأن استعماله في الصلاة يؤدي إلى التشويش على من كان قريباً من المسجد.
السائل: ولو كان الداخلي يا شيخ؟! الشيخ: حتى الداخلي ليس له داع، ما دام المسجد ليس كبيراً وليس فيه جماعات كثيرة ويسمعون الإمام سماعاً محققاً ما الفائدة؟ السائل: لكن بعضهم ما يسمع صوته.
الشيخ: إذا كان المسجد واسعاً أو الجماعات كثيرة يحتاجون إلى إسماع الصوت فلا بأس.(75/36)
حكم استخدام بطائق (الفيزا كارد) البنكية عند التعامل
السؤال
فضيلة الشيخ! نسأل بالنسبة لبعض البنوك التي تصدر بطاقات مثل (الفيزا كارد) ولعل هذه فكرتها واضحة، يعني: ممكن المستهلك بدل ما يتعامل مع المحلات بالقيمة النقدية، فإنه يقدم هذه البطاقة ويسحب البضاعة المطلوبة ثم يستوفي هذا المبلغ عن طريق البنك المتعامل معه العميل؛ لأنه الشرط والعقد من البداية بين العميل وبين البنك على أنه إذا تأخر عن السداد إلى فترة معينة يترتب عليه فوائد؟
الجواب
يعني: يأخذ بطاقة من البنك، وإذا اشترى حاجات عرضها على الذي اشترى منهم هذه الحاجات، وحولهم على البنك والبنك يسدد عنه، لكن إن أوفى البنك في مدة معينة فليس عليه إلا ما استقرض فقط، وإن تأخر لزم أن يكون عليه إضافة.
أقول: إن هذا حرام؛ لأن مجرد التزام الإنسان بالربا محرم، سواء حصل الربا أو لم يحصل، وهذا الرجل يقول: إني جازم من نفسي أني سأوفي قبل الأجل، فنقول: نعم أنت جازم لكن هل أنت متأكد؟ قد يضيع المال من بين يديك، وقد يسرق، وقد تموت، ما أنت بجازم، والله يقول: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23-24] ، ثم إن مجرد التزامك أنه إذا تمت المدة أن يضاف إليك زيادة فإن هذا الالتزام التزام بالربا، والالتزام بالربا حرام، لذلك نرى أن هذه حرام، وأنه لا يجوز للإنسان أن يتعامل بها، ولكن إذا كان له رصيد في البنك وقبل البائع التحول إلى البنك فليفعل والأمر سهل، لأنه ليس فيه إلا أن يحمل دفتر شيكات ويكتب للبائعين عليه.(75/37)
الذبح للضيوف بنية دفع الملامة عن نفسه
السؤال
الذبح للضيوف تكريماً لهم، من الناس من إذا ذبح إنما يذبح بنية دفع الملامة أو الذم ونحو ذلك لا بقصد التقرب، وأحياناً قد يكون مجاملة، فهل يبقى هذا الذبح على الأصل، أم أنه يقال بحرمته نتيجة هذه النية؟
الجواب
نتيجة هذا الذبح تبقى على الأصل؛ لأن من جملة ما يؤمر به الإنسان أن يدفع اللوم عن نفسه، لا تظن أنك إذا فعلت ما يدفع اللوم عن نفسك، أنك مخطئ بل هذا هو الصواب، ألم تعلموا أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما قام وهو معتكف وجاءته صفية رضي الله عنها وقام يقلبها إلى بيتها ومر رجلان من الأنصار فأسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنها صفية بنت حيي، فقالا: سبحان الله!) أراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يدفع الشر عن أنفسهما لئلا يظنا بالرسول ما لا يليق به، وقد جاء في الحديث الذي لا يحضرني الآن صحته: (رحم الله امرأ كف الغيبة عن نفسه) فلا حرج على الإنسان أن يذبح للضيف لدفع الملامة عن نفسه، لكن ينبغي له أن يضيف إلى هذا التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بإكرام الضيف لأن إكرام الضيف من الإيمان بالله، فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) .(75/38)
حكم تعليق الأبيات الشعرية التي تنهى عن التشاؤم
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك بيتين من الشعر تقول:
ومن تعرض للغربان يزجرها على سلامته لابد مشئوم
وكل حصن وإن طالت سلامته على دعائمه لابد مهدوم
فما رأي الشرع في البيتين؟
الجواب
هذا صحيح، الإنسان الذي يتعرض للغربان يزجرها كما كانوا يفعلون في الجاهلية هو مشئوم، لأنه لا يجوز للإنسان أن يتعلق بمثل هذه الأمور، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا عدوى ولا طيرة) .
والإنسان إذا عود نفسه التشاؤم بالطيور أو بالشهور أو بالأيام أو بالأشخاص تعب وصار قلبه متعلقاً بغير الله، يعني: مثلاً بعض العرب يتشاءمون بشهر صفر، يقول: هذا الشهر شهر شؤم، فهذا حرام هذا لا يجوز، فإن الأزمان واحدة {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء:79] فجاء أناس آخرون قالوا: نسمي شهر صفر شهر الخير، وهذا أيضاً خطأ؛ لأن صفر شهر من الشهور لا شهر خير ولا شهر شر وهو مثل غيره.
كذلك أيضاً بعض العرب يتشاءمون بشوال في النكاح، يقولون: إذا عقد الإنسان نكاحه في شوال فإنه نكاح فاشل، وكانت عائشة رضي الله عنها تبطل هذا وتقول: (إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم تزوجها في شوال وبنى بها في شوال وأيتكن كانت أحضى عنده مني) هل صار النكاح فاشلاً أو لا؟ لا بل العكس.
فالحاصل: أن يجعل الإنسان قلبه معلقاً بالله، وألا يتشاءم ولا يتطير، ولا يجعل نفسه مهينة كلما أصابه شيء قال: هذا سحر، هذا عين، كما هو الشأن الآن في كثير من الناس ذبحتهم الأوهام في الوقت الحاضر، كل شيء عين! لو يزكم أو يعطس ثلاث مرات لقال: هذه عين! لو تصيبه رعشة قال: هذا جني! ولو يكره إنسان لسباب جرى بينهما قال: هذا سحر!! هذا خطأ، فالواجب: أن الإنسان يكون عنده عزيمة وتوكل على الله، وأن يبتعد عن هذه الأمور، حتى يستريح ويريح نفسه.
السائل: لكن -يا شيخ- هذان البيتان موجودان على لافتة كبيرة.
الشيخ: إي نعم؛ لا تغير، هذا تحذير من التشاؤم بالطيور.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(75/39)
لقاء الباب المفتوح [76]
لقد تحدث الله سبحانه وتعالى في آخر سورة الليل على الهداية التي تختص بالله عز وجل وهي هداية الإلهام والتوفيق، والأخرى التي يشاركه فيها البشر ألا وهي هداية الدلالة والإرشاد، ثم فوض الأمر كله إليه والملك جميعاً علويه وسفليه، وبعدها يحذر بني آدم وينذرهم بطشه وعقابه وناره التي أعدها للأشقياء وحرمها على الأتقياء الذين ينفقون في السراء والضراء.(76/1)
تفسير آخر سورة الليل
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس والسبعون من اللقاء المعروف بلقاء الباب المفتوح، والذي يتم في كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس الخامس عشر من شهر جمادى الأولى عام (1415هـ) ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لقاءاتنا جميعاً لقاءات خير وبركة إنه على كل شيء قدير.(76/2)
تفسير قوله تعالى: (إن علينا للهدى)
في هذا اللقاء نفتتحه بتفسير بقية سورة الليل، حيث قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى * وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى} [الليل:12-13] .
فقوله عز وجل: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [الليل:12] فيه التزام من الله عز وجل أن يبين للخلق ما يهتدون به إليه، والمراد بالهدى هنا: هدى البيان والإرشاد، فإن الله تعالى التزم على نفسه بيان ذلك؛ حتى لا يكون للناس على الله حجة، وهذا كقوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء:163] إلى أن قال: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] انتبهوا يا إخوان! لا يمكن للعقل البشري أن يستقل بمعرفة الهدى، ولذلك التزم الله عز وجل بأن يبين الهدى للإنسان: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [الليل:12] .
وليعلم أن الهدى نوعان: 1- هدى توفيق فهذا لا يقدر عليه إلا الله.
2- هدى إرشاد ودلالة فهذا يكون من الله ويكون من الخلق؛ من الرسل والعلماء كما قال الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] .
أما هداية التوفيق فهي إلى الله، لا أحد يستطيع أن يوفق شخصاً إلى الخير، كما قال الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] .
إذا نظرنا إلى هذه الآية الكريمة: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [الليل:12] وجدنا أن الله تعالى بين كل شيء، بين ما يلزم الناس في العقيدة، وما يلزمهم في العبادة، وما يلزمهم في الأخلاق، وما يلزمهم في المعاملات، وما يجب عليهم اجتنابه في هذا كله، حتى قال أبو ذر رضي الله عنه: (لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً) وقال رجل من المشركين لـ سلمان الفارسي: [علمكم نبيكم حتى الخراءة؟ قال: أجل، علمنا حتى الخراءة] .
يعني: حتى آداب قضاء الحاجة علمها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمته، ويؤيد هذا قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ} [المائدة:3] .(76/3)
تفسير قوله تعالى: (وإن لنا للآخرة والأولى)
قال تعالى: {وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى} [الليل:13] أي: لنا الآخرة والأولى، الأولى متقدمة على الآخرة في الزمن، لكنه في هذه الآية أخرها، فلماذا؟ نقول لفائدتين: الفائدة الأولى: معنوية، والفائدة الثانية لفظية.
أما الفائدة المعنوية: فلأن الآخرة أهم من الدنيا، ولأن الآخرة يظهر فيها ملك الله تعالى تماماً، في الدنيا هناك رؤساء وملوك وأمراء يملكون ما أعطاهم الله عز وجل من الملك، لكن في الآخرة لا ملك لأحد: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16] فلهذا قدم ذكر الآخرة من أجل هذه الفائدة المعنوية.
أما الفائدة اللفظية: فيه مراعاة الفواصل أي: أواخر الآيات كلها ألف: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل:1-2] فلو قال: إن لنا للأولى والآخرة اختلفت رءوس الآيات، فمن ثم قال: {وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى} [الليل:13] .
هنا يتبين أن الله سبحانه وتعالى قال: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى * وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى} [الليل:12-13] فما الفرق؟ الفرق أن الهدى التزم الله تعالى ببيانه وإيضاحه للخلق، أما الملك فهو لله، ملك الآخرة والأولى، ولهذا قال: {وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى} [الليل:13] .(76/4)
تفسير قوله تعالى: (فأنذرتكم ناراً تلظى)
ثم قال عز وجل: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} [الليل:14] (أنذرتكم) خوفتكم، والنار يعني بها نار الآخرة (تلظى) تشتعل، ولها أوصاف كثيرة في القرآن والسنة أجارني الله وإياكم منها.(76/5)
تفسير قوله تعالى: (لا يصلاها إلا الأشقى)
قال تعالى: {لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى} [الليل:15] أي: لا يحترق بها إلا الأشقى، أي: الذي قدرت له الشقاوة والعياذ بالله، والشقاوة ضد السعادة، لقوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [هود:106] ، {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ} [هود:108] فالمراد بالأشقى الذي لم تكتب له السعادة، هذا هو الذي يصلى النار التي تلظى، ثم بين هذا بقوله: {الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل:16] التكذيب في مقابل الخبر، والتولي في مقابل الأمر والنهي، فهذا كذب الخبر ولم يصدق، قيل له: إنك سوف تبعث، قال: لا أبعث، قيل: في جنة ونار، قال: ما في جنة ونار، قيل: سيكون كذا وكذا، قال: لا يكون، هذا تكذيب، (تولى) أي: أعرض عن طاعة الله وأعرض عما جاءت به رسله، فهذا هو الأشقى، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الشقاوة.(76/6)
تفسير قوله تعالى: (وسيجنبها الأتقى)
قال تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} [الليل:17] أي: يجنب هذه النار التي تلظى الأتقى؛ والأتقى: اسم تفضيل من التقوى، أي: الذي اتقى الله تعالى حق تقاته.(76/7)
تفسير قوله تعالى: (الذي يؤتي ماله يتزكى)
قال تعالى: {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل:18] أي: يعطي ماله من يستحقه على وجه يتزكى به، أي: يتطهر به، قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة:103] فقوله: {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل:18] يفيد أنه لا يبذر، ولا يبخل، وإنما يؤتي المال على وجه يكون به التزكية، وضابط ذلك ما ذكره الله في سورة الفرقان: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:67] ونجد بعض الناس يعطيه الله مالاً ولكن يبخل ويقتر، حتى الواجب عليه لزوجته وأولاده وأقاربه لا يقوم به، ونرى بعض الناس قد قدر الله عليه الرزق، وضيق عليه بعض الشيء، ومع ذلك يذهب يتدين من الناس من أجل أن يكمل بيته حتى يكون مثل بيت فلان وفلان، أو من أجل أن يشتري سيارة فخمة كسيارة فلان وفلان، وكلا المنهجين والطريقين منهج باطل، الأول: قصر، والثاني: أفرط، والواجب على الإنسان أن يكون إنفاقه بحسب حاله {يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل:18] .
فإن قال قائل: هل يجوز أن يتدين الإنسان ليتصدق؟
الجواب
لا؛ لأن الصدقة تطوع، والتزام الدين خطر عظيم؛ لأن الدين ليس بالأمر الهين، الإنسان إذا مات فإن نفسه معلقة بدينه حتى يقضى عنه، وكثير من الورثة لا يهتم بدين الميت، تجده يتأخر يماطل وربما لا يوفيه نسأل الله السلامة، وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قدمت إليه جنازة سأل: هل عليه دين له وفاء؟ فإن قالوا: لا قال: صلوا على صاحبكم ولم يصل عليه، وأخبر صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الشهادة في سبيل الله تكفر كل شيء إلا الدين، فالدين أمره عظيم، لا يجوز للإنسان أن يتهاون به.(76/8)
تفسير قوله تعالى: (وما لأحد عنده من نعمة تجزى)
ثم قال: {وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل:19] أي: أنه لا يعطي المال مكافأة على نعمة سابقة من شخص، ليس لأحد عليه فضل حتى يعطيه مكافأة، ولكنه يعطي ابتغاء وجه الله، ولهذا قال: {إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} [الليل:20] فهو لا ينفق إلا طلب وجه الله، أي: طلب الوصول إلى دار كرامة الله التي يكون بها رؤية الله عز وجل.(76/9)
تفسير قوله تعالى: (ولسوف يرضى)
قال تعالى: {وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:21] أي: سوف يرضيه الله عز وجل بما يعطيه من الثواب الكثير، وقد بين الله ذلك في قوله: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261] .
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء البررة الأطهار الكرام إنه على كل شيء قدير.(76/10)
الأسئلة(76/11)
الانتقال من مكان إلى آخر في الصلاة لحاجة
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا وقفت في صلاة الجماعة وكان الذي بجواري تنبعث منه رائحة الدخان فهل يمكنني أن أغير مكاني بعد تكبيرة الإحرام وأقف في مكان آخر إذا تضايقت من هذه الرائحة؟
الجواب
إذا صف إلى جنب إنسان تنبعث من فيه رائحة كريهة من دخان أو بصل أو ثوم أو عرق أو غير ذلك، وكان يشق عليه أن يؤدي الصلاة على الوجه الأكمل فله أن يخرج من صلاته ويذهب إلى مكان آخر، ولكن بعد بيان هذا الحكم نقول لكل من فيه رائحة كريهة: إنه لا يحل له أن يأتي إلى المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن ذلك، نهى من أكل بصلاً أو ثوماً أو كراثاً أو غيرها مما له رائحة كريهة أن يأتي إلى المسجد، بل قال: (لا يقربن مساجدنا) وأخبر أن ذلك يؤذي الملائكة، وكانوا إذا أتى أحد إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد أكل بصلاً أو ثوماً أخرجوه وطردوه إلى البقيع.
وهذا يدل على أنه لا يجوز أن يأتي الإنسان إلى المسجد وفيه رائحة تؤذي المصلين أو الملائكة، وأن لأهل المسجد الحق في أن يخرجوه من المسجد.(76/12)
حكم من قتل نصرانياً خطأً
السؤال
مسلم قتل مسيحي خطأ علماً بأن هذا الحادث في الكويت فما الحكم؟
الجواب
أولاً بارك الله فيك التعبير بمسيحي هذا تعبير حادث، تلقب به النصارى ليضفوا على دينهم أنه دين حق، نسبة إلى المسيح بن مريم، والصواب أن يقال: النصارى كما جاء في القرآن الكريم وفي سنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكذلك في كلام العلماء، فإنك إذا نظرت في كتب العلماء لم تجد إلا اليهود والنصارى، لا تجد المسيحيين، لكن هؤلاء أرادوا أن يضفوا على منهجهم وعلى ملتهم أنها ملة حق، فقالوا: المسيحيين، لذلك نحن نرى أن التعبير الصحيح أن يقال: النصارى كما سماهم الله عز وجل.
أما بالنسبة لجواب السؤال الذي ذكرت: فإن المسلم إذا قتل اليهودي أو النصراني فإنه لا يقاد به، أي: لا يقتل المسلم بكافر حتى ولو كان عمداً، فإذا كان خطأً لزمه الكفارة ولزمه دية؛ لقول الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:92] وأنت تعلم أن دية اليهودي والنصراني نصف دية المسلم.(76/13)
من نام عن صلاة أو نسيها فوقتها حين يذكرها
السؤال
فضيلة الشيخ: قمت متأخراً عن صلاة الصبح ولم يبق على ظهور الشمس إلا دقيقة أو أقل، فهل أصلي الفريضة لأنها فريضة أم أبدأ بالراتبة؟
الجواب
تبدأ بالراتبة؛ وذلك أن الإنسان إذا قام من النوم فوقت الصلاة في حقه عند قيامه، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فأنت تقوم وتتوضأ أو تغتسل إذا لزم ذلك ثم تصلي الراتبة، ثم الفريضة.(76/14)
مقدار زكاة النخيل والعنب
السؤال
فضيلة الشيخ: ما هو مقدار الزكاة في النخيل والعنب وكم يزكي في المائة؟
الجواب
زكاة النخيل والعنب إذا كان يسقى بمؤنة، أي: بالمكائن مثلاً ففيه نصف العشر، أي: (5%) ، وإذا كان لا يسقى يشرب بعروقه أو يشرب من المطر فإن الواجب فيه العشر كاملاً، أي: (10%) .(76/15)
إذا صلى الإمام بغير طهارة فليس على المأمومين إعادة
السؤال
فضيلة الشيخ: إمام صلى في جماعة، فلما فرغ من صلاته أعلمهم بأنه ليس على طهارة فهل على المأمومين إعادة؟
الجواب
إذا صلى الإمام بغير طهارة فليس على المأموم إعادة، الإعادة عليه هو، فإن ذكر بعد الصلاة فلا إشكال في الموضوع، وإن ذكر في أثناء الصلاة وجب عليه أن ينصرف ولا يجوز أن يتم الصلاة وهو على غير وضوء، ثم في هذه الحال إما أن يوكل شخصاً من الذين وراءه يقول: يا فلان أكمل بهم الصلاة، وإما أن ينصرف ولا يوكل، ثم الجماعة بعده إن شاءوا أتموا صلاتهم فرادى، وإن شاءوا قدموا واحداً وصلى بهم جماعة.(76/16)
السنة عدم تسلسل صلاة الجماعة
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا دخل شخصان المسجد، وتبين لهما أن هذه الركعة هي الأخيرة، فاتفقا على أن أحدهم يصلي بالآخر ولكن يدخلان مع الجماعة، فهل هذا الفعل جائز؟ الشيخ: يعني: دخل المسجد رجلان وكان الإمام في الركعة الأخيرة، فاتفقا على أنهما بعد السلام يتمان الصلاة جماعة هكذا السؤال؟ السائل: نعم وأحدهما يكون إماماً؟ الشيخ: نعم أحدهما يكون إماماً والثاني مأموماً.
الجواب
هذا جائز ولا بأس به، وحينئذ ينتقل المأموم الذي كان مأموماً في الصلاة الأولى إلى إمام، أي: إلى كونه إماماً، وينتقل المأموم الثاني من إمام إلى إمام آخر، لكن هذا ليس من السنة، السنة أن كل شخص يقضي صلاته بمفرده.(76/17)
حقوق المسلم على المسلم الأصل فيها الوجوب إلا ما دل الدليل على سنيتها
السؤال
فضيلة الشيخ: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم ست) ما معنى: (حق المسلم على المسلم ست) وهل هي واجبة أم سنة؟
الجواب
الأصل إذا قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: حق المسلم على المسلم كذا، الأصل أنه واجب، لأن الحقوق لا بد من القيام بها، وكلمة: (على) قال العلماء: إنها تفيد الوجوب، لكن إذا وجدت قرينة تدل على أنه ليس بواجب عمل بها، فمثلاً: من جملة الحقوق إذا لقيته فسلم عليه، وابتداء السلام سنة ليس بواجب إلا ما جاوز الثلاثة أيام فيجب، وذلك أنه يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فيما دون ثلاثة أيام، وما زاد على ذلك فإنه لا يحل له، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) ومع ذلك نقول: إن هجره في هذه الأيام الثلاثة لا ينبغي إلا إذا كان هناك مصلحة، كما لو كان هذا المهجور على معصية، ويكون في هجره وترك السلام عليه ترك لهذه المعصية فحينئذ يكون الهجر طيباً.
والخلاصة في الجواب أن نقول: إذا جاءت الصيغة بهذا اللفظ: (حق المسلم على المسلم) كذا فالأصل فيها الوجوب إلا إذا دل الدليل على أنه يستحب.(76/18)
أسباب سجن وتعذيب الإمام أحمد
السؤال
فضيلة الشيخ: ما رأيك فيما يقال عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه لم يسجن ولم يعذب من أجل أن يقول: بأن القرآن مخلوق فقط، وإنما للمكانة العظيمة التي كانت له عند العامة؟
الجواب
أرى أن هذا خلاف الظاهر، والظاهر أنه إنما سجن لأنه لم يقل: بأن القرآن مخلوق، ولو قاله لم يسجن، لكنه رحمه الله لم يقل ذلك مع أنه هدد بالقتل؛ لأنه لو قال ذلك لانقلبت الأمة كلها تقول: بأن القرآن مخلوق، ولكنه صبر فصار صبره هذا من باب الجهاد في سبيل الله، ومثل هؤلاء الأئمة إذا صبروا على كلمة الحق فإنما يتقربون بذلك إلى الله، ويرجون ثواب الله تعالى فيما نالهم من الأذى.(76/19)
جواز قضاء السنن الرواتب إذا شغل عنها لعذر
السؤال
فضيلة الشيخ: تعلمون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (أن من صلى اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة) من غير الفريضة، فقد يكون بعض طلبة العلم عندهم دروس بعد صلاة الظهر ولكن يؤذن وهم يتأخرون في الجامعة، ولا يدركون المسجد إلا وقت الفريضة، فهل يكتب ما كانوا يصلون قبل اثنتي عشرة ركعة أو نقول: هذه نافلة وطلب العلم فريضة بارك الله فيكم؟
الجواب
الظاهر لي: أنهم إذا كانوا لا يتمكنون من صلاة الراتبة قبل الظهر فإن قضاءها بعد ذلك يغني عن أدائها، لأنهم تركوا أداءها لعذر وهو انشغالهم بالدروس، ولا يمكنهم أن يخرجوا أيضاً قبل انتهاء وقتهم، نعم وقت الحصة، فأرى أن هؤلاء معذورون، وأنهم إذا أتوا بالراتبة التي قبل الظهر بعد الظهر كفى، لكن أيهما يقدم الركعتان اللتان بعد الظهر أو الأربع المراد قضاؤها؟ الجواب: يقدم الركعتان اللتان بعد الصلاة ثم يأتي بالأربع.
السائل: هل يجوز أن يقضيها بعد العصر؟ الشيخ: بعد العصر لا يجوز قضاؤها، لأنه يمكن أن يقضيها بعد المغرب مثلاً، فنقول: يقضيها بعد الظهر أفضل أولاً: أنه فيه مسارعة للخير وثانياً: أنه أسهل على الإنسان في الغالب، وثالثاً: أنه لو أخر لكان عرضة للنسيان.(76/20)
إذا اجتمعت منكرات في شخص فالإنكار يكون أولاً بالأشد إثماً
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا رأيت رجلاً متلبساً بعدة منكرات، كأن يكون حليقاً، ويشرب الدخان، ومسبلاً لثيابه، فأي هذه المنكرات أولى وأحق بالإنكار؟
الجواب
يمكن أن يجمع بين الجميع؟ السائل: لا يتوافق ذلك.
الشيخ: لماذا؟ السائل: صعب لتقبل النفس.
الشيخ: أيهما أعظم إثماً؟ الإسبال أعظمها؛ لأن الإسبال من كبائر الذنوب، ومن جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه ولا يكلمه وله عذاب أليم، فيكون البدء بنهيه عن إسبال الثوب أولى لأنه أعظم، ثم حلق اللحية، ثم الدخان، لأن هذه المنكرات أهونها الدخان.
السائل: يا شيخ يدخن حال الإنكار، وجدته في الطريق يدخن هل أنكر عليه؟ الشيخ: الذي فهمت من كلامك أن رجلاً متصف بهذه الصفات، يعني: أنه حالق لحيته، ومسبل ثوبه، ويشرب الدخان.
السائل: متلبس في هذه الحالة يشرب الدخان؟ الشيخ: هو يدخن الآن ولحيته موجودة أو غير موجودة؟ السائل: لا غير موجودة.
الشيخ: طيب حليق وثوبه مسبل إذاً ابدأ بالثوب.
السائل: وأتركه يدخن يا شيخ؟ الشيخ: لا ما تتركه نهائياً، أنت تقول: إن الجمع بين الثلاث صعب عليه، فنحن نقول: ابدأ بالأشد؛ لأن الدخان بارك الله فيك يريد أن يشرب هذه (السيجارة) وينتهي لكن الثوب لا يزال مستمراً فيه، ثم هو أعظم، جر الثوب خيلاء أعظم من شرب الدخان.(76/21)
بعض أسباب قسوة القلب
السؤال
فضيلة الشيخ: ما هي أسباب قسوة القلب؟ هل كثرة الطعام والنوم من أسباب قسوة القلب؟
الجواب
قسوة القلب أسبابها كثيرة، منها: الإعراض عن ذكر الله، وكون الإنسان لا يذكر الله إلا قليلاً، تجده حتى في الصلاة المفروضة لا يذكر الله بقلبه، يقرأ، ويركع، ويسجد، ويسبح، ويدعو والقلب غافل، هذه من أسباب القسوة.
من أسباب قسوة القلب أيضاً: كثرة المزاح واللعب والتلهي بالأصدقاء والأهل، ولهذا قال بعض الصحابة للنبي عليه الصلاة والسلام: (إننا إذا كنا عندك فإننا نخشع حتى كأننا نشاهد الجنة والنار، وإذا ذهبنا فعافسنا الأهل والأولاد نسينا، قال: ساعة وساعة) .
ومن أسباب قسوة القلب أيضاً: الانكباب على الدنيا وتفضيلها على الآخرة، وألا يكون هم الإنسان إلا جمع المال، ولها أسباب كثيرة.
فلهذا ينبغي للإنسان إذا رأى من قلبه قسوة أن يبادر بالعلاج، قبل أن يتحجر ويعجز عن علاجه.
السائل: الطعام؟ الشيخ: قد يكون هذا من أسباب قسوة القلب؛ لأن الإنسان لا يكون له هم إلا بطنه وقد لا يكون، أحياناً يشبع الإنسان ولا يجد من نفسه قسوة قلب.(76/22)
حكم الصور والاحتفاظ بها للذكرى
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم الصور والاحتفاظ بها للذكرى؟
الجواب
التصوير للذكرى نرى أنه حرام، وكذلك اقتناء الصور للذكرى حرام، وأما التصوير لحاجة فلا بأس به، وكذلك الاحتفاظ به للحاجة لا بأس به.(76/23)
الضابط المعتبر في حق النساء العجائز لكشف وجوههن
السؤال
فضيلة الشيخ: ذكر الله تعالى في كتابه العزيز {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} [النور:60] ونرى أن النساء يخرجن، لكن ما هو الضابط للقواعد من النساء؟
الجواب
ذكر الله تعالى في كتابه العزيز القواعد من النساء، وبين ذلك في قوله: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً} [النور:60] أي: لا ترجو أن أحداً يتقدم إليها ليتزوجها لماذا؟ لأنها كبيرة في السن، متغيرة الملامح، لا يريدها أحد، هذه هي القواعد من النساء، فمثل هذه لا حرج عليها أن تخرج ووجهها وكفيها وقدميها، لأنها لا تتعلق بها النفوس ولا يحصل بها الفتنة.
السائل: يعني القواعد بعضهن لديها زوج وهي معه ولكنها تخرج كاشفة وجهها وخارجة كفيها أيضاً؟ الشيخ: الكلام هل إنها ترجو النكاح لو لم يكن معها زوج؟ السائل: هذا لا نعلمه يا شيخ.
الشيخ: تذكر هذه القاعدة الذين لا يرجون نكاحاً {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً} [النور:60] .(76/24)
الاختلاف في العملة يشترط فيه التقابض دون التماثل
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم استبدال تسعة ريالات أو عشرة ريالات بتسعة نقود معدنية، هل يدخل في باب الربا؟
الجواب
استبدال عشرة ريالات بتسعة ريالات من الحديد لا بأس به، لكن بشرط التقابض قبل التفرق، لأن هذا داخل في عموم الحديث: (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كانت يداً بيد) ولأن تقدير هذه الورقة بعشرة ريالات إنما هو من قبل الحكومة ليس تقديراً ذاتياً، هذه الورقة لو لم تقدر من قبل الحكومة بهذه الدراهم ما ساوت شيئاً، فعلى كل حال الجواب: أن هذا جائز بشرط التقابض قبل التفرق وليس فيه ربا.(76/25)
الفرق بين الإسلام والإيمان
السؤال
فضيلة الشيخ: توجد قاعدة عند العلماء: أن كل مؤمن مصلح وليس العكس، هل هذه القاعدة على إطلاقها؟
الجواب
بارك الله فيك، الإسلام والإيمان تارة يراد بالإسلام كل الدين فيدخل فيه الإيمان، مثل قوله تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] فهذا يشمل الإسلام الذي هو الشرائع الظاهرة والإيمان الذي هو أعمال القلوب وأقوال القلوب، وكذلك إذا أطلق الإيمان مثل قوله: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [البقرة:223] يشمل حتى المسلمين، أما إذا قيل: مؤمن ومسلم، فالإيمان في القلب، والإسلام في الجوارح، والإيمان أكمل من الإسلام، والدليل على ذلك قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14] ويدل عليه أيضاً قول الله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:35-36] لأن الله أنجى لوطاً وأهله إلا امرأته، وكانت امرأته معه في البيت مسلمة ظاهرها أنها مؤمنة بالله ورسوله لكنها تبطن الكفر، فسمى الله البيت بيت إسلام، سمى الله أهله مسلمين كلهم، ولكنه لم ينج منه إلا المؤمن، لأن امرأة لوط كما ذكر الله في القرآن قد خانته فكفرت كفراً لم يعلم به، فصارت بذلك من المنافقين.
وعلى هذا فنقول: كل مؤمن مسلم دون عكس، وليس كل مسلم مؤمن؛ لأن الله قال: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14] .
السائل: قد يكون المسلم ليس عنده إيمان؟ الشيخ: لا لكن إيمانه ضعيف، المؤمن إيمانه كامل، فصار الآن لو سألنا: هل كل مؤمن مسلم؟ نقول: إذا أطلق الإيمان دخل فيه الإسلام، وإذا اطلق الإسلام دخل فيه الإيمان، وإذا أطلقا جميعاً فهذا الفرق.(76/26)
حكم تحية المسجد لمن خرج منه بنية الرجوع
السؤال
فضيلة الشيخ: نرى بعض الإخوة يصلون معك المغرب وبعد الصلاة يحصل توزيع الأوراق خارج المسجد فإذا خرجوا يعودون إلى المسجد فهل في هذه الحالة يصلون تحية المسجد أم لا يصلون؟
الجواب
لا يصلون تحية المسجد هؤلاء الذين يخرجون من المسجد لأخذ الأوراق التي هي قريبة من المسجد ثم يرجعون ليس عليهم تحية مسجد، كما لو خرج إنسان يتوضأ من حمام المسجد وهو قريب، ثم رجع، فإنه لا يحتاج إلى تحية المسجد.(76/27)
وجه قياس التصوير الفوتوغرافي على الصورة في المرآة
السؤال
فضيلة الشيخ: ما قولكم فيمن يقول: التصوير بالكاميرا ليس فيه مضاهاة لخلق الله وإنما هو كالنظر في المرآة؟
الجواب
نقول في هذا: إنه قول له وجه، وذلك لأن المصور لا يخطط بيده لا العين ولا الأنف ولا الفم ولا غير ذلك، فهو كالمرآة، لكن الفرق أن المرآة لا تنطبع، وهذا ينطبع، لكن هذا الذي انطبع نعتبره صورة، واقتناء الصور لغير حاجة وضرورة محرم.(76/28)
كيفية رفع اليدين والجلوس والتورك للمأموم المسبوق
السؤال
فضيلة الشيخ: قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (فما فاتكم فأتموا) كيف يكون وضع المأموم من ناحية رفع اليدين والجلوس، والتورك أقصد المسبوق؟
الجواب
المسبوق يتورك في التشهد الأخير، وأما رفع اليدين فسوف يرفع يديه عند الركوع وعند الرفع منه وعند القيام في التشهد الأول، أما عند تكبيرة الإحرام فقد مضت وانتهت قد كبر من قبل.
السائل: لكن إذا لم يدرك الركعة الأولى؟ الشيخ: هو أدرك الركعة الأولى؟ السائل: لا، مسبوق بالركعة الأولى والركعة الثانية.
الشيخ: سبق بالركعة الأولى ثم لما سلم الإمام قام يقرأ، يرفع يديه عند القيام؛ لأنه قام من التشهد، وباقي الصلاة يبني على أن ما أدركه مع الإمام فهو الأول، وما يقضيه فهو الأخير، وهذا القول الذي قلت لك هو الصحيح، يقول بعض العلماء: لا يقضيه فهو أول صلاته، ولكن القول الراجح أنه آخر الصلاة.(76/29)
أهم الأسباب الطاردة للوسواس أثناء الصلاة
السؤال
ما هي الأسباب المساعدة على طرد الوسواس أثناء الصلاة؟
الجواب
من أكبر الأسباب وأنفعها ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: (يتفل عن يساره ثلاث مرات ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم؛ فإذا فعل ذلك أذهب الله عنه ما يجد) لكن إذا كان الإنسان يصلي مع الجماعة فالتفل عن يساره أو يمينه متعذر وأمامه أيضاً متعذر؛ لأنه لا يجوز للمصلي أن يبصق أمام وجهه، ولكن نقول في هذه الحال: يلتفت ويقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولا يبصق.(76/30)
بطلان قاعدة من يرتكب المعاصي ويقول: الدين يسر
س
السؤال
فضيلة الشيخ: بالنسبة لكثير من عامة الناس يعملون أخطاء، فإذا قيل لهم: لماذا هذا؟ قالوا: إن الدين يسر، ما معنى يسر؟ أهم شيء ألا تشرك بالله شيئاً والباقي سهل؟
الجواب
هذا القول خطأ، أي: كون الإنسان يقول: أنا سأفعل كل شيء ما دمت موحداً، والدين يسر، نقول: إذا لم تقم بالدين أين الدين الذي عندك حتى تقول: الدين يسر، ومعنى الدين يسر: أن ما جعله الله ديناً للعباد ليس فيه مشقة، الصلاة ما فيها مشقة، الوضوء ما فيه مشقة، الغسل ما فيه مشقة، وإذا قدر أن هناك مشقة ينتقل الإنسان إلى مرتبة أخرى، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ عمران بن حصين: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) هذا الذي نقول: الدين يسر، أما أن يترك بعض الواجبات وينتهك بعض المحرمات ويقول: الدين يسر فهذا خطأ؛ لأننا نقول: ما فعلته ليس بدين أصلاً.(76/31)
حكم تعليق الإيمان أو الوعد بالمشيئة
السؤال
فضيلة الشيخ: ما رأيكم في قول القائل: أنا صائم إن شاء الله، أو أنا مؤمن إن شاء الله، وقوله كذلك: سوف آتيك غداً إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً؟
الجواب
أما من قال: أنا صائم إن شاء الله، أو أنا مؤمن إن شاء الله، فإذا كان قصد بذلك التبرك بذكر المشيئة فلا بأس، ولا ينقص من إيمانه شيء، ولا من صيامه شيء، وكذلك إذا قصد بقوله: إن شاء الله التعليل يعني: أني صائم بمشيئة الله، أو أني مؤمن بمشيئة الله، فلا بأس أيضاً؛ لأن التعليل بالمشيئة ثابت حتى في الأمور المتيقنة، ألا ترى إلى قول الله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} [الفتح:27] مع أن هذا خبر مؤكد من الله، ومع هذا علق بالمشيئة، ألا ترى إلى قول من يزور المقابر: (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) ومعلوم أن الإنسان سوف يلحق بكل تأكيد، لكن هذا من باب التعليل بالمشيئة.
فإذا قصد التبرك فهذا جائز، أو التعليل بالمشيئة فهذا أيضاً جائز، أما إذا قال: إن شاء الله متردداً في ذلك فإنه ليس بمؤمن؛ لأن الإيمان لا بد فيه من الجزم، فلو قال: أنا مؤمن إن شاء الله متردداً في ذلك فهو لم يؤمن ويعتبر كافراً؛ لأن الواجب الجزم بالإيمان، وكذلك أيضاً يقال في الصيام: إذا كان متردداً فإن صومه لا يصح، أما إذا ذكر ذلك على سبيل التبرك أو على سبيل التعليل بالمشيئة فهذا لا بأس به.
السائل: قوله: سوف آتيك غداً إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً؟ الشيخ: هذا أيضاً لا ينبغي، بل لو شئت لقلت: إن هذا داخل في النهي {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23-24] وهو إذا قال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً لم يستفد من قوله: إن شاء الله شيئاً، ما دام أنه جزم، وهذا من آداب الله عز وجل التي أدب بها العباد ألا يجزم الإنسان على شيء في المستقبل، لا يقل: سآتي غداً حتماً سيكون؛ لأن الأمر بيد الله، أما من أخبر عما في ضميره أنه عازم على الإتيان غداً فهنا لا يحتاج إلى ذكر المشيئة؛ لأنه يخبر عن أمر واقع، والإخبار عن أمر واقع لا يحتاج إلى القرن بالمشيئة، فإذا قال الإنسان: أتزورني غداً؟ قلت: نعم، تريد أن تخبر عما في نفسك من أنك عازم على الزيارة هذا لا بأس به؛ لأن العزم قد حصل، أما إذا قلت: نعم يعني: تريد أن يتحقق هذا بالفعل فلا {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23-24] .
السائل: وقول شيخ الإسلام؟ الشيخ: شيخ الإسلام قصده تشجيع الجند على الإقدام.(76/32)
الأشخاص الذين لهم ولاية نكاح المرأة بعد وفاة والدها
السؤال
فضيلة الشيخ: ولاية نكاح المرأة بعد وفاة والدها إلى من تنتقل؟
الجواب
أولى الناس بالتزويج الأب ثم الجد من قبل الأب وإن علا، إن كان لها جد من قبل أبيها فهو أولى، فإن لم يكن لها أب ولا جد من أبيها انتقلت الولاية إلى أبنائها إن كان لها أبناء، وإلا فإلى إخوتها الأشقاء، ثم الإخوة لأب، ثم أبناء الإخوة الأشقاء، ثم أبناء الإخوة لأب، ثم للأعمام الأشقاء، ثم الأعمام لأب، ثم أبناء الأعمام الأشقاء، ثم أبناء الأعمام لأب، فإذا لم يوجد لها عصبة أو كان عصبتها في مكان بعيد لا يمكن الاتصال بهم، أو كان عصبتها قد امتنعوا من تزويجها بمن هو كفء، زوجها قاضي المحكمة.
السائل: وأي الإخوة الأشقاء يتولى ذلك؟ الشيخ: كلهم له ولاية، لكن من الأدب أن يجعلوا الذي يتولى ذلك الأكبر منهم.(76/33)
حكم قراءة الفاتحة قبل الإمام في الصلاة الجهرية
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم قراءة الفاتحة قبل الإمام في الصلاة الجهرية؟
الجواب
لا بأس بهذا، أي: لا بأس أن يقرأ الفاتحة قبل أن يقرأها الإمام، وهذا يحصل كثيراً فيما إذا أطال الإمام الاستفتاح، فإنه يحصل أن بعض المأمومين يقرؤها قبله، ولكن الأفضل أن تقرأها بعد انتهاء الإمام من قراءتها، حتى تستمع إلى قراءة الفاتحة مع إمامك، ثم بعد ذلك تقرأ الفاتحة ولو كان يقرأ.(76/34)
حكم الصلاة في مصلى البنوك الربوية
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم الصلاة في البنوك الربوية حيث أن بعضها فيها مصليات؟ الشيخ: طيب البنوك هذه بعضها مستأجر أم لا؟ السائل: نعم.
الجواب
وبعضه ملك، وأياً كان سواء كان ملكاً أو مستأجراً فليست مغصوبة حتى يقال: لا تصح الصلاة فيها، غاية ما هنالك أنها أماكن يعصى الله فيها بالربا فلا تنقلب هذه الأماكن الخبيثة من أجل ما يفعل فيها من المعصية، فالصلاة فيها صحيحة، لكن التوظيف في البنوك هذا هو المحرم؛ لأنه إذا توظف الإنسان فسوف يباشر كتابة الربا أخذاً وإعطاءً، فإن لم يباشر فإن توظفه في هذه البنوك رضاً بها بلا شك، إذ لو لم يكن راضياً ما توظف عندهم، فلهذا ننصح إخواننا بأن لا يتوظفوا في البنوك، لا على وجه الكتابة ولا على وجه الإحصاء، المهم أن الوظيفة في البنك حرام.
قد يقول إنسان: أنا لم أجد إلا هذه الوظيفة، نقول: ثق بوعد الله، فإن الله يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:2-3] ويقول عز وجل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4] .(76/35)
حرمة استقدام العمال الكفار إلى بلاد المسلمين
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل يعطي والده من راتبه، وكان هذا الأب عنده مزرعة وعنده عامل كافر؟ الشيخ: من الذي عنده مزرعة؟ السائل: والد الولد هذا، وعنده عامل كافر هندوسي حاول ينصحه أن يخرجه ويأتي بمسلم فرفض الأب، فهل له أن يقطع هذا الراتب الذي يعطيه أباه، أم ماذا يفعل يا شيخ؟ الشيخ: يأكل منه ما في مانع، إذا عصى أبوه مثلاً.
السائل: الولد يعطيه من راتبه بارك الله فيك.
الشيخ: ماذا؟ السائل: الولد موظف ويعطي أباه من راتبه، الأب عنده مزرعة فيها عامل هندوسي كافر يقول: يا أبي اخرج هذا العامل وإلا فسوف أقطع المرتب الذي أعطيك، فالأب يقول: لن أخرج هذا وأنت اعمل ما تريد.
الشيخ: والأب محتاج لما يعطيه ابنه أم لا؟ السائل: والله هو له مصادر غيرها ولكن يحتاج، لو الولد قطع هذا المرتب يغضب عليه.
الجواب
أنا أرى أن ينفق على أبيه ما دام أبوه محتاجاً له.
السائل: لكن الأب يعطي الهندوسي من نفس هذا الراتب؟ الشيخ: لا مانع ولا بأس في هذا، ولكن ننصح الأب وغيره ممن عندهم عمالاً غير مسلمين بأن يدعو غير المسلمين ويستجلبوا عمالاً مسلمين.(76/36)
وجوب زكاة العقار إذا عرض للبيع لأجل التكسب
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل عنده استراحة ويستخدمها استخداماً عائلياً، وفي نفس الوقت يعرضها للبيع فهل عليه فيها زكاة؟
الجواب
لا ما عليها زكاة ما دام أنه عرضها للبيع ليس على سبيل التكسب ولكن طابت نفسه منها.
السائل: لا يا شيخ هو ينتظر المكسب وقت ما يأتيه يبيعها، وفي نفس الوقت يستخدمها له ولأهله.
الشيخ: لا إذا كان قصده المكسب فلا بد من زكاتها وإن كان يستخدمها، أما إذا كان يستخدمها وطابت نفسه منها وأراد أن يبيعها فلا حرج عليه وليس عليه زكاة.(76/37)
لقاء الباب المفتوح [77]
في هذا اللقاء تفسير سورة الضحى، تحدث الشيخ من خلالها أن الله أقسم بشيئين متبادلين وهما: الضحى والليل، وأن الله سبحانه وتعالى ما ترك نبيه وما أبغضه بل رعاه وحفظه وحماه، وأرشده إلى أن الآخرة خير له من الدنيا، بالإضافة إلى ما أعطاه ليرضى، فأعطاه المقام المحمود، وفضلاً عما سبق أن الله يذكر نعمه اللاحقة على نبيه أنه وجده يتيماً فآواه، وضالاً -أي: غير عالم- فهداه، وعلمه وعلَّم به، وفقيراً فأغناه وأغنى به، ويستنتج من ذلك أن الله يرشده إلى أن يكرم اليتيم ولا يقهره، ويعلم السائل عن الشريعة ولا ينهره، كذلك المتسول، ثم أرشده الله بعد ذكر نعمه عليه أن يتحدث بنعمة الله عليه.(77/1)
تفسير سورة الضحى
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع والسبعون من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل يوم خميس، وهذا اليوم هو يوم الخميس التاسع والعشرون من شهر جمادى الأولى عام (1415هـ) ، نسأل الله تعالى أن ينفع بهذه اللقاءات، وأن يجعلها علماً نافعاً نهتدي به إلى الله سبحانه وتعالى.
في لقائنا هذا اليوم نتكلم على ما تيسر من سورة الضحى، فقد قال الله تبارك وتعالى: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:1-3] وإنما نتكلم على ذلك لأن ما سبق من سورة النبأ إلى سورة الليل قد تكلمنا عليه ولله الحمد.(77/2)
تفسير قوله تعالى: (والضحى والليل إذا سجى)
يقول الله تعالى: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى:1-2] (الضحى) هو أول النهار، وفيه النور والضياء، (والليل إذا سجى) هو الليل إذا غطى الأرض، وسدل عليها ظلامه، فأقسم الله تعالى بشيئين متباينين: الأول: الضحى وفيه الضياء والنور.
والثاني: الليل إذا سجى وفيه الظلمة، (والليل إذا سجى) أي: غطى الأرض بظلامه.(77/3)
تفسير قوله تعالى: (ما ودعك ربك وما قلى)
قال تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضحى:3] أي: ما تركك {وَمَا قَلَى} [الضحى:3] أي: ما أبغضك، بل الله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48] فعين الله تعالى تكلأه وترعاه وتحميه وتحفظه، وقال له الله تعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:218-219] فما تركه الله عز وجل بل أحاطه بعلمه ورحمته وعنايته وغير ذلك مما يقتضي رفعته في الدنيا والآخرة، كما قال في السورة التي تليها: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4] .
(وما قلى) أي: وما أبغض، بل أحب الخلق إليه فيما نعلم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولهذا اختاره الله لأعظم الرسالات وأفضل الأمم وجعله خاتم النبيين فلا نبي بعده.(77/4)
تفسير قوله تعالى: (وللآخرة خيرٌ لك من الأولى)
قال تعالى: {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى} [الضحى:4] هذه الجملة مؤكدة بلام الابتداء، (والآخرة) هي اليوم الذي يبعث فيه الناس ويأوون إلى مثواهم الأخير إلى الجنة أو إلى النار، فيقول الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وللآخرة خير لك من الأولى) أي: من الدنيا، وذلك لأن الآخرة فيها: (ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) و (موضع سوط أحدنا في الجنة خير من الدنيا وما فيها) ، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولهذا لما خير الله نبيه صلى الله عليه وسلم في مرضه بين أن يعيش في الدنيا ما يعيش وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله، كما أعلن ذلك صلى الله عليه وعلى آله وسلم في خطبته حيث قال وهو على المنبر: (إن عبداً من عباد الله خيَّره الله بين أن يعيش في الدنيا ما شاء الله أن يعيش وبين ما عنده فاختار ما عنده) فبكى أبو بكر رضي الله عنه، وتعجب الناس من بكائه كيف يبكي من هذا؟!! ولكنه رضي الله عنه كان أعلم الناس برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، علم أن المخير هو الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأنه اختار ما عند الله وهي الآخرة، وأن هذا إيذان بقرب أجله.(77/5)
تفسير قوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى)
قال تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:5] (ولسوف) : اللام هذه أيضاً للتوكيد، وهي موطأة للقسم، و (سوف) تدل على تحقق الشيء لكن بعد مهلة وزمن، (يعطيك ربك) أي: يعطيك ما يرضيك فترضى، ولقد أعطاه الله تعالى ما يرضيه وفوق ما يرضيه، فإن الله تعالى يبعثه يوم القيامة مقاماً محموداً، يحمده فيه الأولون والآخرون، حتى الأنبياء وأولو العزم من الرسل لا يستطيعون الوصول إلى ما وصل إليه، فإذا كان يوم القيامة، وعظم الكرب والغم على الخلق، وضاقت عليهم الأمور، طلب بعضهم من بعض أن يلتمسوا من يشفع لهم عند الله عز وجل، فيأتون إلى آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى، فهم خمسة، أولهم: آدم أبو البشر وأربعة من أولي العزم كلهم يعتذرون عن الشفاعة للخلق حتى تصل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيقوم ويشفع، ولا شك أن هذا عطاء عظيم لم ينله أحد من الخلق.(77/6)
تفسير قوله تعالى: (ألم يجدك يتيماً فآوى)
ثم بين الله سبحانه وتعالى نعمه السابقة عليه حتى يستدل بها على النعم اللاحقة، فقال: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى} [الضحى:6] والاستفهام هنا للتقرير، أي: قد وجدك الله تعالى يتيماً فآواك يتيماً من الأب ويتيماً من الأم، فإن أباه توفي قبل أن يولد، وأمه توفيت قبل أن تتم إرضاعه، ولكن الله تعالى تكفل به ويسر له من يقوم بتربيته والدفاع عنه حتى وصل إلى الغاية التي أرادها الله عز وجل.
وقوله: (يتيماً فآوى) ولم يقل: (فآواك) لسببين: الأول: سبب لفظي.
الثاني: سبب معنوي.
أما السبب اللفظي: فلأجل أن تتوافق رءوس الآيات من أول السورة.
وأما السبب المعنوي: فإنه لو قال: (فآواك) اختص الإيواء به صلى الله عليه وعلى آله وسلم،والأمر أوسع من ذلك، فإن الله تعالى آواه وآوى به، آوى به المؤمنين فنصرهم وأيدهم ودفع عنهم بل دافع عنهم سبحانه وتعالى.(77/7)
تفسير قوله تعالى: (ووجدك ضالاً فهدى)
قال تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى} [الضحى:7] (وجدك ضالاً) أي: غير عالم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن يعلم شيئاً قبل أن ينزل عليه الوحي، كما قال تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء:113] وقال: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت:48] فهو صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم شيئاً، بل هو من الأميين {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ} [الجمعة:2] لا يقرأ ولا يكتب، لكن وصل إلى هذه الغاية العظيمة بالوحي الذي أنزله الله عليه، فعلم وعلم.
وهنا قال: (ضالاً فهدى) ولم يقل: فهداك؛ ليكون هذا أشمل وأوسع، فهو قد هدي عليه الصلاة والسلام وهدى الله به، فهو هادٍ مهدي عليه الصلاة والسلام.
إذاً (فهدى) أي: فهداك وهدى بك.(77/8)
تفسير قوله تعالى: (ووجدك عائلاً فأغنى)
قال تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضحى:8] أي: وجدك فقيراً لا تملك شيئاً (فأغنى) أي: أغناك وأغنى بك، قال الله تعالى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} [الفتح:20] وما أكثر ما غنم المسلمون من الكفار تحت ظلال السيوف، غنائم عظيمة كثيرة؛ كلها بسبب هذا الرسول الكريم حين اهتدوا بهديه واتبعوا سنته فنصرهم الله تعالى به وغنموا من مشارق الأرض ومغاربها، ولو أن الأمة الإسلامية عادت إلى ما كان عليه السلف الصالح لعاد النصر إليهم والغنى والعزة والقوة، ولكن مع الأسف فإن الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر، كل منها ينظر إلى حظوظ نفسه بقطع النظر عما يكون به نصرة الإسلام أو خذلان الإسلام.
ولا يخفى على من تأمل الوقائع التي حدثت أخيراً أنها في الحقيقة إذلالٌ للمسلمين، وأنها سبب لشر عظيم كبير يترقب من وراء ما حدث، ولا سيما من اليهود والنصارى الذين بعضهم أولياء بعض، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:51] وهم -أعني: اليهود والنصارى- متفقون على عداوة المسلمين، كل منهم لا يريد الإسلام ولا يريد أهل الإسلام ولا يريد عزة الإسلام، ونسأل الله تعالى أن يقينا شر ما حدث في الآونة الأخيرة من الأمور التي يندى لها الجبين، ولكن سينصر الله تعالى دينه مهما كانت الأحوال، فالله تعالى ناصرٌ دينه وكتابه، وإن حصل على المسلمين ما حصل، فإن الله يقول: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] فربما يأتي اليوم الذي يجاهد فيه المسلمون اليهود حتى يختبأ اليهودي تحت الشجر فينادي الشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي ورائي تعال فاقتله، وما ذلك على الله بعزيز، ولكن المسلمين يحتاجون إلى قيادة حكيمة عليمة قبل كل شيء بأحكام الشريعة؛ لأن القيادة بغير الاستنارة بنور الشريعة عاقبتها الوبال مهما علت ولو علت إلى أعلى قمة فإنها سوف تنزل إلى أسفل قعر.
الهداية بالإسلام وبنور الإسلام، لا بالقومية ولا بالعصبية ولا بالوطنية، ولا بغير ذلك، بل بالإسلام فقط، والإسلام وحده هو الكفيل بعزة الأمة لكنها تحتاج إلى قيادة حكيمة، تضع الأشياء في مواضعها وتتأنى في الأمور ولا تستعجل، ولا يمكن أن يصلح الناس بين عشية وضحاها، من أراد ذلك فإنه قد أراد أن يغير الله سننه والله سبحانه وتعالى لا يغير السنن، فهذا نبي الله عليه الصلاة والسلام بقي في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى الله ينزل عليه الوحي يدعو بالتي هي أحسن، ومع ذلك في النهاية خرج من مكة خائفاً مختفياً، لم تتم الدعوة في مكة، فلماذا نريد أن نغير الأمة التي مضى عليها قرون وهي في غفلة ونوم أن نغيرها بين عشية وضحاها؟! هذا سفه في العقل وضلال في الدين.
الأمة الآن تحتاج إلى علاج رفيق هادئ يدعو بالتي هي أحسن.
الأمة الإسلامية تحتاج بعد الفقه في دين الله والحكمة في الدعوة إلى الله إلى علم بالواقع وفطنة وخبرة، ونظر في الأمور التي تحتاج إلى نظر بعيد، لأن النتائج قد لا تتبين في شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين، لكن العاقل يصبر وينظر ويتأمل حتى يعرف الأمور.
تحتاج أيضاً إلى عزم وتصميم وصبر، لأنه لا بد منها، ولا بد من عزم يندفع به الإنسان، ولا بد من صبر يثبت به الإنسان، وإلا لفاتت الأمور أو فات كثير منها.(77/9)
تفسير قوله تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر)
قال عز وجل: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} [الضحى:9] هذا في مقابلة {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى} [الضحى:6] ، فإذا كان الله آواك في يتمك فلا تقهر اليتيم بل أكرمه، والإحسان إلى اليتامى وإكرامهم من أوامر الشريعة، ومن حسنات الشريعة؛ لأن اليتيم -وهو الذي مات أبوه قبل أن يبلغ- منكسر الخاطر، بل يحتاج إلى جبر، ويحتاج إلى من يسليه ويدخل عليه السرور، لا سيما إذا كان قد بلغ سناً يعرف به الأمور كالسابعة والعاشرة وما أشبه ذلك.(77/10)
تفسير قوله تعالى: (وأما السائل فلا تنهر)
قال تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى:10] هذا في مقابل قوله: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى} [الضحى:7] إذاً السائل فلا تنهر، وأول ما يدخل في السائل هو: السائل عن الشريعة وعن العلم فلا تنهره؛ لأنه إذا سألك يريد أن تبين له الشريعة، فإنه واجب عليك أن تبينها له، لقول الله تبارك وتعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] لا تنهره، إن نهرته نفرته، ثم إن نهرته وهو يعتقد أنك فوقه يعني أنه لم يأت يسأل إلا أنه يعتقد أنك فوقه، إذا نهرته وهو يشعر أنك فوقه فأصابه الرعب، واختلفت حواسه، وربما لا يفقه ما يلقي إليك من السؤال أو لا يفقه ما تلقيه إليه من الجواب، وقس نفسك أنت، لو كلمت رجلاً أكبر منك منزلة ثم نهرك ضاعت حواسك، ولم تستطع أن ترتب فكرك وعقلك، لهذا لا تنهر السائل، وربما يدخل في ذلك أيضاً سائل المال، أي: إذا جاءك سائل يسألك مالاً فلا تنهره، لكن هذا العموم يدخله التخصيص، إذا عرفت أن السائل في العلم إنما يريد التعنت وأخذ رأيك ورأي فلان وفلان حتى يضرب آراء العلماء بعضها ببعض، إذا علمت ذلك فهنا لك الحق أن تنهره، وأن تقول: يا فلان، اتق الله ألم تسأل فلاناً؟ كيف تسألني بعدما سألته؟ أتلعب بدين الله، أتريد إن أفتاك الناس بما تحب سكت وإن أفتوك بما لا تحب ذهبت تسأل، هذا لا بأس؛ لأن هذا النهر تأديباً له، وكذلك سائل المال إذا علمت أن الذي سألك المال غني فلك الحق أن تنهره، ولك الحق أيضاً أن توبخه على سؤاله وهو غني.
إذاً هذا العموم: (السائل فلا تنهر) مخصوص فيما إذا اقتضت المصلحة أن ينهر فلا بأس.(77/11)
تفسير قوله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث)
قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11] نعمة الله على الرسول التي ذكرت في هذه الآيات الثلاث {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضحى:6-8] وبهذه الثلاث تتم النعم، حدث بنعمة الله قل: كنت يتيماً فآوني الله، وكنت ضالاً فهداني الله، وكنت عائلاً فأغناني الله، لكن تحدث بها إظهاراً للنعمة وشكراً للمنعم، لا افتخاراً بها على الخلق؛ لأنك إذا فعلت ذلك افتخاراً على الخلق كان هذا مذموماً، أما إذا قلت أو إذا ذكرت نعمة الله عليك تحدثاً بالنعم وشكراً للمنعم فهذا مما أمر الله به.
هذه كلمات يسيرة على هذه السورة العظيمة، وما نقوله نحن أو غيرنا من أهل العلم فإنه لا يستوعب ما دل عليه القرآن من المعاني العظيمة.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الفهم في دين الله، والعمل بما علمنا، إنه على كل شيء قدير.(77/12)
الأسئلة(77/13)
أفضل الأساليب والطرق لطلب العلم
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هي الأساليب والطرق لطلب العلم، وما رأيكم فيمن يحفظ ولا يفهم، أو يفهم ولا يحفظ؟
الجواب
الأساليب لطلب العلم أن يبدأ الإنسان بصغار العلم قبل كباره، ليصعد إلى السطح من أسفل الدرج، فيبدأ مثلاً بالكتب المختصرة ولا بد من شيخ يقرأ عليه ويبين له؛ لأن القراءة على الشيخ يستفيد منها الإنسان فائدتين عظيمتين: الفائدة الأولى: أنها أقل زللاً ممن يتلقى العلم من الكتب، لأن العالم عنده سعة علم يعرف العام والخاص، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، والمجمل والمبين، الذي لا يعرفه طالب العلم الذي يأخذ الكتاب ويقرأ فقط، فعنده من العلم ما ليس عند طالب العلم الذي يقرأ في الكتب.
الفائدة الثانية: أنها أقرب إلى تحصيل العلم، لأنك إذا أخذت العلم من الكتب لا بد أن تراجع مراجعة كثيرة، وربما تبقى على مسألة واحدة عدة أيام إذا كنت تريد أن تحررها، لكن إذا كنت تأخذ العلم عن عالم أعطاك الزبدة، قال لك: قيل كذا وقيل كذا والراجح هذا، يبين وجه الرجحان ويدفع حجة الآخر، فتلقي العلم من العلماء لا شك أنه أولى وأحسن لهذين السببين، والعالم إذا وفق الإنسان له أرشده إلى ما ينبغي أن يبدأ به من وسائل العلم.
أما الذي يحفظ ولا يفهم والثاني يفهم ولا يحفظ فمن يحفظ ولا يفهم يسأل الله تعالى أن يرزقه فهماً، ومن يفهم ولا يحفظ يسأل الله أن يرزقه حفظاً، والذي أعطاه هذا يعطيه هذا إن شاء الله.(77/14)
حكم تارك الصلاة وما يترتب عليه
السؤال
فضيلة الشيخ! يوجد رجل لا يصلي ويستعمل مخدرات وليس له عمل ومتزوج، وزوجته تقول: يهديه الله كما هدى غيره، ما هو واجب والده نحوه وزوجته؟
الجواب
الذي لا يصلي سواء يستعمل المخدرات أو لا.
كافر مثل اليهود والنصارى أو أشد؛ لأن اليهود والنصارى يمكن إقرارهم على دينهم بالجزية مثلاً، لكن الذي لا يصلي وكان مسلماً فهذا مرتد لا يجوز إقراره ولا يجوز أن يبقى على الحياة، بل يؤمر بالصلاة، فإن صلى فذاك وإلا وجب قتله مرتداً، هذه أحكام المرتد كما ذكرها العلماء رحمهم الله في كتبهم، ويجب على زوجته أن تفارقه الآن، ولا يحل له أن يجامعها ولا يحل لها أن تمكنه من الجماع بل ولا من التقبيل، بل ولا من الخلوة بها، يجب أن تفارقه الآن ما لم يرجع إلى الإسلام، ولتعلم أنها إذا مكنته من نفسها فهي كما لو مكنت رجلاً أجنبياً نسأل الله العافية، فالواجب عليها الفرار منه كما تفر من الأسد، وقولها: إن الله يهديه كما هدى غيره، هذا ليس بمستحيل، لكن الإنسان ما له إلا الشيء الحاضر الآن والمستقبل يعلمه الله وما نعلمه نحن، ثم إذا كانت تقول: إن الله يهديه فليكن الآن، هو إذا هداه الله ورجع إلى الإسلام فهي زوجته، لكن إن بقي مصراً على ترك الصلاة فليست زوجة له، ينفسخ النكاح ويمهل حتى تنقضي العدة، فإن رجع قبل انقضاء العدة إلى الإسلام فهي زوجته، وإن لم يرجع فإن النكاح يتبين أن انفسخ منذ ارتداد هذا الرجل.
ويرى بعض العلماء: أنها إن بقيت بلا زوج وعاد إلى الإسلام ولو بعد انقضاء العدة ورغبت أن يرجع إليها فلا بأس، هذا بالنسبة لزوجته.
أما بالنسبة لحاله فإنه لو مات على هذه الحالة حرم أن يغسل أو يكفن أو يصلى عليه أو يدفن مع المسلمين أو يدعى له بالرحمة والمغفرة أو يتصدق عنه أو يحج عنه؛ لأنه كافر، وقد قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113] ونعني بهذا من لا يصلي لا في المسجد ولا في بيته، أما من صلى في بيته فهو آثم عاصٍ، وإذا استمر على ذلك فهو من الفاسقين ولكنه لا يكفر، وإنما نريد الذي لا يصلي نهائياً، فهذا حكمه كما ذكرت.
ونصيحتي لزوجته: أن تتقي الله عز وجل وأن تفر منه إلى أهلها حتى يهديه الله تعالى إلى الإسلام، والله عز وجل لم يجبره على ترك الصلاة الأمر له بالخيار، كما أنه بالخيار أن يذهب إلى السوق أو إلى المسجد أو إلى أي مكان، فإنه بالخيار أيضاً أن يصلي أو لا يصلي.(77/15)
من أدرك صلاة العشاء ولم يصل المغرب
السؤال
فضيلة الشيخ رجل مسافر وصلى المغرب مع جماعة متمة لصلاة العشاء ماذا يفعل وقد فاتته الركعة الأولى؟
الجواب
إذا دخل الرجل المسجد ووجد الناس يصلون صلاة العشاء وهو لم يصل المغرب فليدخل معهم بنية المغرب، فإن كان قد أدركه في الركعة الأولى، فإنه إذا قام الإمام إلى الركعة الرابعة يجلس ويتشهد ويسلم ويقوم مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، وإن كان قد دخل معه في الركعة الثانية فيسلم مع الإمام وتكون صلاة المغرب له، ثم يأتي بصلاة العشاء بعد ذلك.(77/16)
حكم التمثيل
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم التمثيل وما ضوابطه؟
الجواب
التمثيل الذي يعملونه في المراكز الصيفية وغير ذلك، إذا كان يشتمل على شيء محرم فهو حرام، مثل أن يقوم بدور تمثيل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو الصحابة، أو أئمة المسلمين فهذا حرام؛ لأنه مهما كان التمثيل لا يمكن أن يبلغ مرتبتهم، وربما يكون كذباً عليهم، وإذا كان يمثل في أمرٍ يقصد به علاج مشكلة اجتماعية فهذا لا بأس به ما لم ينسبه إلى شخصٍ معين، فإن نسبه إلى شخص معين وهو كاذب فيه صار حراماً من أجل الكذب، كذلك أيضاً لا يجوز للإنسان أن يقوم بدور تمثيل امرأة، هذا حرام؛ لأنه إذا فعل ذلك فقد شابه النساء وقد (لعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء) .
وكذلك أيضاً لا يجوز أن يمثل دور الحيوان، مثل أن ينبح نباح الكلب أو ينهق نهيق الحمير، أو ما أشبه ذلك، لأن الله تعالى لم يذكر مشابهة الحيوان إلا في مقام الذم، قال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف:175] .
إلى قوله: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:176] وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (العائد في هبته كالكلب يقيئ ثم يعود في قيئه) ، وقال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] ، وقال تعالى: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر:50-51] ، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفاراً) ، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم يديه انبساط الكلب) فتجد أن التشبيه بالحيوان كله في مقام الذم ولا ينبغي للآدمي أن ينزل نفسه منزلة الذم.(77/17)
حكم من صام عاشوراء أو عرفة وعليه قضاء
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأيك فيمن كان عليه صيام قضاء فأدركه يوم عرفة أو يوم عاشوراء وأراد أن يصومه ويؤخر القضاء؟
الجواب
نرى أنه لا بأس أن يصوم الإنسان يوم عرفة أو يوم عاشوراء وعليه قضاء؛ لأن وقت القضاء موسع إلى أن يبقى من شعبان بمقدار ما عليه من الصوم، لكننا نختار أن يبدأ بالقضاء ويصوم يوم عرفة بنية القضاء، وربما إذا صامه بنية القضاء يحصل له الأجران: أجر صوم يوم عرفة وأجر القضاء، وأما صيام الست من شوال فلا ينال ثوابها إلا إذا أتم صيام رمضان، وذلك لأن الست تابعة لرمضان؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر) .(77/18)
حكم الإجبار على الطلاق وما يترتب عليه
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل طلق زوجته مرتين والمرة الأخيرة إخوة زوجته أجبروه على أن يطلقها بسبب أن أخوها اكتشف أن زوجها كان يذهب إلى كاهن، فقال: لابد أن تطلق زوجتك لأنك كافر؟
الجواب
الإجبار على الطلاق إذا كان على وجه يضر بالزوج مثل أن يهدد بالقتل من شخصٍ يستطيع أن يقتله أو بالحبس أو بأخذ مالٍ يضره، فإنه إذا طلق لا يكون طلاقاً ولو طلق مائة مرة لا يكون طلاقاً؛ لأنه مكره عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا طلاق في إغلاق) والمكره مغلق عليه، لولا الإكراه ما طلق، أما إذا كان مجرد أن يلزموا عليه أو يشيروا عليه فهذا ليس بإكراه، وإذا طلق وقع الطلاق.(77/19)
التفصيل حول مسألة اللحوم المستوردة
السؤال
فضيلة الشيخ: ورد في مجلة المجتمع حول اللحوم المستوردة، فأرسلت فرقة إلى الدول الموردة أو المصدرة إلى دول الخليج من الدجاج واللحم والبقر فثبت لديها أنها لا تذبح حسب الطريقة أو الشريعة الإسلامية كلها بصعق الكهرباء أو بالطرق غير المشروعة، فثبت لديهم أن هذه اللحوم المستوردة غير مطابقة للشريعة الإسلامية، فما رأيكم يا شيخ؟
الجواب
أرى أن هذا قد يكون صحيحاً، ولا أدري هل هذا شيء أعادوه؛ لأنهم قد تكلموا عن هذا منذ زمن، وقد يعاد مرة ثانية إلا إذا ذكروا التاريخ أنهم ذهبوا في التاريخ الفلاني، وعلى كل حال نفرض أنه قبل أسبوع مثلاً، فهل كل دجاجة يمكن أن يشهد الإنسان عنها، أو كل خروف ممكن أن يشهد الإنسان عليها أنها هي المذبوحة على غير الطريقة الإسلامية، ربما تكون المصانع أو المذابح كلها على غير الطريقة الإسلامية، لكن يكون ما يرد من الدول الإسلامية، ولا سيما مع التوكيد (مذبوح على الطريقة الإسلامية) وأنا أخبركم أنه قبل العام حصل نقاش مع هيئة كبار العلماء عن الموضوع وأحضر وكلاء وزارة التجارة وقالوا: كل الذي يأتي المملكة مراقب ومذبوح ذبحاً حقيقياً.
ثم إني أقول لك: إن بعض أهل العلم من الأقدمين قالوا: ما اعتقده أهل الكتاب طعاماً لهم وذبحاً فهو حلال حتى وإن لم يوافق الطريقة الإسلامية، لأن الله قال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة:5] فما عدوه طعاماً من هذه الذبائح فهو حلال وإن لم يذبح على الطريقة الإسلامية، ما داموا يعتقدون هذه الطريقة تحله، ولكن هذا القول ضعيف ولا نقول به، ونقول: إذا كان المسلم يذبح وينهر الدم ويسمي الله على الذبيحة فغير المسلم من باب أولى، ولا يمكن أن نأكل ذبيحة صعقت بالكهرباء بدون إنهار الدم، لكن قلت لك: هذا من أجل تخفيف الأمر: يعني ليس الأمر مجمعاً عليه، فننظر المسألة الآن من وجهين: الوجه الأول: أن هذا ليس من الأمور المجمع عليها، أنه لا بد أن يكون ذبح أهل الكتاب موافقاً للمسلمين، فإن بعض العلماء من الأقدمين يقولون: ما اعتقده أهل الكتاب طعاماً وذبيحة فهو حلال سواء على طريقتنا أو لا، لكن هذا قول ضعيف ولا نقول به.
ثانياً: أخبرك عما يرد إلى المملكة العربية السعودية فإن هيئة كبار العلماء اجتمعوا بوكلاء الوزارة، وحققوا معهم وأكدوا لهم أنه لا يرد المملكة إلا شيء مكشوف عليه، فمن طابت نفسه لهذا فليأكل باسم الله، ومن لم تطب نفسه بهذا فالحمد لله، يوجد الآن من الدجاج الكثير يذبح هنا في المملكة ويكتفي به، ويدع الذي يشك فيه إلى الذي لا يشك فيه.(77/20)
أحقية من ينزل المرأة القبر
السؤال
فضيلة الشيخ! سمعت أنه لا يجوز لجنازة المرأة أن يدخلها القبر من جامع أهله في تلك الليلة، فهل هذا مخصوص ببنات الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أم بالعامة؟
الجواب
العلماء فيما أعلم لم يقل أحد منهم: إن المرأة يحرم أن يدخلها في قبرها من جامع تلك الليلة، لكنهم قالوا: من بعد عهده بالجماع فهو أولى، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال وهو يدفن إحدى بناته: (أيكم لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا فنزل) على أن العلماء مختلفون في قوله: (لم يقارف) هل معناه: لم يقارف إثماً، أي: لم يتفقوا على أن المراد به الجماع، فإذا نزل الإنسان إلى قبر امرأة وهو يعرف كيفية الدفن ولو كان قد جامع في تلك الليلة فلا بأس ولا حرج، لكن الأولى أن يكون الإنسان الذي ينزل في قبرها لم يجامع في تلك الليلة.
ثم إنه لا ينبغي أن ندعي التخصيص في حكمٍ من الأحكام لشخص معين إلا بدليل، لا يمكن أن نقول: إن هذا من خصائص بنات الرسول إلا بدليل، بل ولا يمكن أن نقول: هذا من خصائص الرسول إلا بدليل.
والدليل على هذا: أن الله تعالى لما أراد أن يخصص الحكم بنبيه عليه الصلاة والسلام، قال: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:50] ، وقال لما أحل له زينب بنت جحش وهي زوجة ابنه الذي كان قد تبناه وهو زيد بن حارثة قال الله تعالى بعد أن أحلها: {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب:37] فدلت هذه الآية على أن ما ثبت للرسول ثبت لغيره من الأمة إلا بدليل، فلا تستعجل الأمور في قولك: هذا خاص بكذا، ليس هناك شيء فيه خصوصية إلا بدليل.
وبهذه المناسبة أود أن أقول: إن بعض الناس يظنون أنه لا ينزل المرأة في قبرها إلا من كان من محارمها، وهذا غير صحيح، ينزلها من كان أعرف بطريقة الدفن سواء كان من محارمها أو من غير محارمها.(77/21)
من عقائد الشيعة الإمامية
السؤال
فضيلة الشيخ! من هم الشيعة وهل هم الرافضة؟ وكيف نفرق بينهم؟
الجواب
الرافضة هم الشيعة، بل الشيعة أعم من الرافضة؛ لأن الشيعة تطلق على كل من عظَّم آل البيت تعظيماً أكثر مما يجب لهم، وأما الرافضة فهم الذين رفضوا زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنه حين جاءوا إليه وسألوه عن أبي بكر وعمر فأثنى عليهما خيراً، وقال: هما وزيرا جدي، فرفضوه؛ لأن الرافضة من جهلهم يظنون أن من أثنى على أبي بكر وعمر فقد قدح في علي، ومن أحب أبا بكر وعمر فقد أبغض علياً، وهذا من جهلهم، وهذا علي بن أبي طالب نفسه رضي الله عنه عرف الحق لأهله، فكان يقول علناً: [خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر] يقوله علناً، لكن بعض الرافضة يقولون: شر هذه الأمة أبو بكر وعمر نسأل الله العافية، وهم يدعون أنهم أولياء لـ علي بن أبي طالب وآل البيت، وعلي بن أبي طالب وآل البيت بريء من طريقتهم، لا سيما وأن بعض هؤلاء الرافضة يدعي أن من أئمتهم الذين يقولون: هم أئمتنا من هو في مرتبة لا ينالها ملك مقرب ولا نبي مرسل، أي: أن أئمتهم أفضل من الأنبياء وأفضل من الملائكة، بل منهم من يقول: إن الأئمة هم الذين يدبرون الكون، ويخرجون الله عز وجل من تدبير الكون نسأل الله العافية، وهذا شرك أكبر مخرج عن الملة، من ادعى أن للكون مدبراً سوى خالقه عز وجل فهو كافر مرتد عن الإسلام، حتى وإن صلى وصام ودعا وحج واعتمر فذلك لا ينفعه، قال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] .
والرافضة فرق متعددة، لكن من كانت طريقته ما وصفت لكم، أي: أنه يعتقد أن هناك مدبراً للكون من الأئمة سوى رب الكون فهو كافر ولا شك في كفره.
السائل: بالنسبة للسلام عليهم؟ الشيخ: هذه مسألة تتعلق متى ما حكمنا بكفر الواحد منهم فإنه لا يجوز السلام عليه.
السائل: أو ترد عليه السلام؟ الشيخ: ترد عليه السلام بـ (عليكم) ، هذا إذا حكمنا بكفره، لكن من الرافضة من ليس بكافر، كأن يكون جاهلاً عامياً ولا يدري، فهذا لا نستطيع أن نحكم بكفره إلا إذا بلغه الحق وأصر على بدعته المكفرة فإنه يكون كافراً.(77/22)
بيان ضابط الطرائف وحكمها
السؤال
فضيلة الشيخ ما ضابط ما يسمى بالنكت أو الطرائف ومتى تكون كذباً، هل يحدث الإنسان بقصة لم تقع يريد بها أن يضحك من حوله؟
الجواب
الإنسان إذا ضرب مثلاً بقصة، مثل أن يقول: أضرب لكم مثلاً برجل قال كذا أو فعل كذا وحصلت ونتيجته كذا وكذا، فهذه لا بأس بها، حتى إن بعض أهل العلم قال في قول الله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ} [الكهف:32] قال: هذه ليست حقيقة واقعة، وفي القرآن: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:29] فإذا ذكر الإنسان قصة لم ينسبها إلى شخص معين، لكن كأن شيئاً وقع وكانت العاقبة كذا وكذا فهذا لا بأس به.
أما إذا نسبه إلى شخص وهي كذب فهذا حرام تكون كذبة، وكذلك إذا كان المقصود بها إضحاك القوم، فإنه قد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ويل لمن حدث فكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له) .(77/23)
حكم جلسة الاستراحة للمأموم
السؤال
فضيلة الشيخ! جلسة الاستراحة في الصلاة ما حكم المأموم خلف الإمام هل يكون مخالفاً للإمام؟
الجواب
جلسة الاستراحة في الصلاة أصح الأقوال فيها أنها ليست بسنة مطلقة ولا تركها بسنة مطلقة، من احتاج إليها لكبر أو مرض في رجليه أو غير ذلك فإنه يجلس ليعطي نفسه راحتها، ومن ليس كذلك فلينهض بدون جلوس، ويدل لهذا أن مالك بن الحويرث الذي حديثه هو العمدة في الاستراحة ذكر (أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا أراد أن يقوم بعد هذه الجلسة اعتمد على يديه) وهذا يدل على ثقل القيام عنده، وإلا فلا داعي للاعتماد على اليدين، فأصح الأقوال فيها هذا وهو القول الوسط.
وقال بعض العلماء: إنها ليست بسنة مطلقة لا للعاجز ولا للقوي، وقال بعضهم: إنها سنة مطلقة، ولكن الراجح والقول الوسط وهو الذي تجتمع فيه الأدلة.
أما بالنسبة للمأموم فليتبع الإمام، إن جلس الإمام فليجلس، وإن لم يجلس فلا يجلس، هذا هو الأفضل وهو المتابعة للإمام، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله: أنه إن لم يجلس الإمام فالأفضل ألا تجلس، وإن كنت ترى أن الجلوس سنة.(77/24)
حكم رمي الكتب الدينية والأطعمة في المزبلة
السؤال
فضيلة الشيخ! يكثر رمي بعض الكتب الدينية، مثل: كتب التفسير والتوحيد والفقه في المزابل ومع النجاسات وأكثر ما يكون هذا قرب المدارس، وكذلك بعض الأطعمة الصالحة التي يمكن إعطاؤها للفقراء ترمى في المزابل، نود النصيحة يا شيخ، وماذا على الناظر الذي يرى هذه الأشياء؟
الجواب
أما الذي رمى بها في المزابل وهي قرآن كالمصحف أو جزء وقصده الإهانة فهذا كافر ولا إشكال في كفره؛ لأن هذا من أعظم الإهانة لكتاب الله عز وجل، وأما الذي يفعله من دون قصد الإهانة، ولكن الرجل لا يهتم بهذه الأمور فهذا لا يكفر ولكن فعله هذا حرام عليه.
والواجب على من رأى قرآناً أو كتباً فيها قرآن مرمية في المزابل الواجب عليه أن يأخذها من المزابل ولا يبقيها، وأما الطعام الذي يمكن الانتفاع به فلا يجوز رميه لا في المزابل ولا الأسواق النظيفة؛ لأن هذا من باب الكفر بنعمة الله، والواجب أن يتصدق به على الفقراء؛ لأن البلد لا تخلو من فقير لا سيما كثير من العمال الذين يشق عليهم الطبخ كل يوم، فتجدهم محتاجين إلى الطعام، والحقيقة أنه يجب على طلبة العلم أن يبصروا الناس بهذا، لأن الناس في غفلة وربما يكفيهم أدنى تنبيه.
وإلى اللقاء القادم إن شاء الله تعالى، وفقنا الله وإياكم إلى ما يحب ويرضى.(77/25)
لقاء الباب المفتوح [78](78/1)
وجوب الفدية على من قص شعره من جهة واحدة في العمرة
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن والسبعون من لقاءات الباب المفتوح، والذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل فيه خيراً وبركة، واللقاء الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس الموافق للرابع عشر من شهر جمادى الآخرة.
السؤال
شخص ذهب للعمرة وقصر شعره من جهة واحدة فهل عليه دم أم لا؟
الجواب
هذا الذي ذهب للعمرة وقصر؛ يجب أن يكون التقصير شاملاً لكل الرأس، ومن الخطأ أن يقص من جانب واحد أو من جانبين أو من ثلاثة أو من أربعة، لابد أن يكون التقصير شاملاً لكل الرأس، ولهذا نرى أنه لو استعمل الإنسان هذه المكائن التي على كهرباء وما أشبه ذلك لحصل المقصود، فينظر إذا كان التقصير شاملاً لأكثر الرأس كفى، وإلا فعليه فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء.(78/2)
لزوم كفارة اليمين على من حرَّم على نفسه حلالاً
السؤال
فضيلة الشيخ! أعطاني شخص خمسة آلاف ريال على أن أعطيه أرضاً، وبعد ما طلعت الأرض سلم لي النقود، وبعدما مضى عليها فترة، كل يوم وكل ليلة يقول لي: رد لي النقود التي عندك، وجاءني ليلة وأنا غضبان فقلت له: إن نقودك التي عندي حرام عليَّ، والآن هل النقود تحل لي أو لا، جزاك الله خيراً؟ الشيخ: نسأل الآن هل النقود تحل لك أو لا؟ السائل: نعم.
الشيخ: إذا كان بينكم اتفاق على أنه إذا أخرجت له الأرض فلك خمسة آلاف فهي لك حلال، أما تحريمك إياها فيلزمك عنه كفارة يمين، أي: أن تطعم عشرة مساكين، كل صاع من الأرز لأربعة أشخاص.(78/3)
حكم ذكر بعض الجرائم من على المنابر
السؤال
فضيلة الشيخ يعمد بعض الخطباء في خطبهم ذكر بعض الجرائم التي تحصل بين الزوجين، أو تحصل في الأسواق، أو كذا، فهل هذا العمل يعتبر من إشاعة الفاحشة بين المسلمين؟
الجواب
الذي أرى للخطباء ألا يثيروا شيئاً في الخطبة التي يخطبون بها أمام الناس، إلا إذا اشتهر الشيء وكثر وشاع، أما إذا كان في قضية واحدة وهي مما ينكر عليها إنكاراً عظيماً، فإن الواجب أن الإنسان يتصل بهذا الذي حصل منه هذا الشيء وينصحه، لأن الشيء إذا ذكر صار حديث الناس، وإذا لاكته الألسن سهل على النفوس، فيحصل في هذا مفسدة أكثر مما يحصل من المنفعة، أما لو اشتهر مثلاً فهذا لا بأس به، وكذلك لو كان هذا الشيء مخالفاً لأمر معلوم، مثل قضية بريرة رضي الله عنها حين جاءت إلى أم المؤمنين عائشة تريد منها الإعانة على قضاء دين مكاتبتها فقالت عائشة: على أن يكون الولاء لي لكن أهل بريرة أبوا إلا أن يكون الولاء لهم فقال لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أي لـ عائشة: (خذيها واشترطي لهم الولاء، ثم قام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطيباً في الناس فقال: ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله) فهذا فعله النبي عليه الصلاة والسلام من أجل أن يشرع للناس هذا الحكم، أو أن يبين للناس حكم هؤلاء الذين اشترطوا شرطاً ليس من كتاب الله، وأن شروطهم باطلة.
فعلى كل حال أرى المنكرات التي تكون من أفراد ولا تشتهر في الناس الأولى ألا تنشر بين الناس لئلا تلوكها الألسن، فيسهل على النفوس هذه المنكرات، وأما إذا شاعت وانتشرت؛ فلابد من الكلام عنها.(78/4)
صفة غسل الميت وجواز تقبيله
السؤال
فضيلة الشيخ ما هي صفات غسل الميت، وعندنا أحياناً عندما يموت الميت يتجمع أهله ثم يقبلونه، فهل هذا جائز؟
الجواب
أما تقبيل الميت بعد موته فلا بأس به، لأن أبا بكر رضي الله عنه، دخل على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد موته وقد غطي صلوات الله وسلامه عليه فكشف عن وجهه وقبله.
وأما كيفية تغسيل الميت، فالميت إذا مات يوضع على سرير التغسيل، ثم يبدأ بغسل فرجه وما كان فيه، ولا ينظر إليه، فيدخل الغاسل يده من تحت الغطاء ويغسل فرجيه القبل والدبر، ولا يمسهما بيده أيضاً بل يجعل على يديه خرقة، فإذا فرغ من ذلك فإنه يأخذ خرقة مبلولة ينظف بها أنف الميت وفمه عوضاً عن المضمضة والاستنشاق، ثم يغسل وجهه ثم يديه إلى المرفقين ثم رأسه ثم رجليه، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) .
ويكون حينئذ قد أعد ماء فيه السدر، فيضرب السدر بيديه ويخبطه حتى يكون له رغوة ويأخذ هذه الرغوة ويغسل بها رأس الميت، ثم بعد ذلك يغسل بقية البدن بالسدر، وعلى حسب حال نظافة الجسم إذا كان الجسم نظيفاً فالمرة، والمرتين، والثلاث تكفي، وإذا كان غير نظيف ويحتاج إلى زيادة غسل؛ فإنه يغسل، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته: (اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) ثم ينشف بثوب ثم تطوى عليه أكفانه.
السائل: هل كل إنسان يغسل الميت عليه وضوء؟ الشيخ: لا ليس بشرط، أي: لا يشترط أن يكون الغاسل على طهارة، لكن العلماء قالوا: إن الجنب لا ينبغي أن يكون حول الميت؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه جنب.(78/5)
حكم من دخل عليه رمضان وهو في غيبوبة
السؤال
فضيلة الشيخ! عندي بنت في غيبوبة وإذا لم يعافها الله هل أطعم عنها بعدد أيام رمضان وهي في غيبوبة خلال الشهر؟
الجواب
إذا كانت في غيبوبة في شهر رمضان؟ السائل: إي نعم، لها تسعة أشهر.
الشيخ: تسعة أشهر، فإذا عافاها الله وقدرت أن تصوم فهذا المطلوب، وإلا فيطعم عن كل يوم مسكيناً، وإن توفيت قبل ذلك أطعم عن كل يوم مسكيناً.(78/6)
حكم الاحتجاج بالقدر على المصائب والآلام
السؤال
فضيلة الشيخ ورد في حديث علي رضي الله عنه حين طرق بابه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولـ فاطمة: (ألا تصليان؟) الحديث الصحيح، استشهد علي رضي الله عنه بالمشيئة كما هو معروف أن أرواحهم بيد الله عز وجل، يقول ابن القيم: إن احتجاج علي رضي الله عنه صحيح، ويقول فضيلتكم أيضاً في التعليق على ذلك في تقريب التدمرية: ولذلك لم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فما وجه ضرب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فخذه وهو خارج قارئاً قوله تعالى: {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف:54] ؟
الجواب
وجه ذلك أن الأولى بـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين قال: (ألا تصليان؟) ألا يقول هكذا ويحتج بالقدر، وإنما يختار عبارة أخرى أفضل من هذه العبارة، ولكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم ينكر عليه حين احتج بالقدر، وهذا يدل على ما ذكر في تقريب التدمرية أن الاحتجاج بالقدر على شيء مضى أنه لا بأس به، ويكون الإنسان إن كان ذلك معصية نادماً تائباً، وإن كانت غير معصية كترك قيام الليل؛ فإنه يكون تاركاً للأفضل.(78/7)
مسألة السلام والصلح والتطبيع مع اليهود
السؤال
فضيلة الشيخ قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] ، وقال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83] يا فضيلة الشيخ! هناك شيء اشتهر واستفاض الآن وهو ما يسمى بالسلام، والصلح، والتطبيع، والاعتراف باليهود، فيريد الإنسان أن يعرف حكم ذلك، لأن التحاليل أحياناً تتعارض، فيريد الإنسان أن يكون على بينة لئلا يعتقد شيئاً يدين به الله سبحانه وتعالى ويتكلم بشيء إلا وهو شيء صحيح سمعه من أولي العلم؟
الجواب
أولاً قول الله تبارك وتعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] المراد بالكتاب هنا اللوح المحفوظ، لأن الله تعالى قال: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام:38] ولكن المعنى الذي تريده: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89] فالقرآن مبين لكل شيء، وأما قوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83] فهذا في قوم يذيعون ما يسمعون من خير أو شر، أو خوف أو أمن، كما قال تعالى {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83] وهذا يدل على أن الإنسان لا ينبغي أن يكون مذياعاً لكل ما سمع من خبر، سواءً خبر خوف أو أمن، أو خير أو شر أذاعه، بل قد يكون من الخير أن يكتم هذا الخبر الذي حصل، ولذلك كان من هدي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه إذا أراد غزوة ورّى بغيرها حتى لا يعلم ما يريد.
وأما ما يتعلق بالصلح مع إسرائيل وما أشبه ذلك فالأمر ليس إلي ولا إليك، وهذا أمر يتعلق بالحكومات ولعله يأتي اليوم الذي يكون فيه إن شاء الله تصفية اليهود والنصارى أيضاً من هذه الجزيرة العربية وما حولها حتى يخلصنا الله من شر هؤلاء.
ثم أبشروا أيها المسلمون بأنه سوف تكون بيننا وبين اليهود مقتلة عظيمة يكون فيها الهزيمة والذل والعار على اليهود، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه سيكون بيننا وبينهم مقتلة عظيمة حتى إن اليهودي ليلوذ بالشجرة فتقول: يا عبد الله! هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا شجرة الغرقد فإنه من أشجارهم فلا يخبر عنهم) ونحن إن شاء الله تعالى نرتقب النصر الذي يكون للمسلمين على أعدائهم من اليهود والنصارى، ولا تنس فعل النصارى في بلاد أخرى كـ البوسنة والهرسك وكذلك أيضاً في أماكن كثيرة، ومن غير النصارى أيضاً من وثنيين ومشركين مثل كشمير وغيرها، فالمهم أن المسلمين الآن تكالبت عليهم الأعداء ولعل هذا إن شاء الله تعالى مفتاح للنصر والفرج فانتظر، أما ما يتعلق بالحكومات فأمرهم إلى الله عز وجل، ونسأل الله تعالى أن يهديهم لما فيه الخير والصلاح.(78/8)
حكم مرور المرأة من أمام امرأة تصلي
السؤال
فضيلة الشيخ هل مرور المرأة يقطع صلاة المرأة، وإذا كان الجواب بنعم فكيف يوجه حديث أبي ذر في مسلم: (يقطع صلاة الرجل المسلم) فقيده بالرجل؟
الجواب
المرأة تقطع صلاة المرأة كما تقطع صلاة الرجل، وتوجيه الحديث الذي ذكرته: هو أن الأحكام التي تذكر للرجال تثبت للنساء إلا بدليل، والأحكام التي تثبت للنساء تثبت للرجال إلا بدليل، هذه هي القاعدة وهو الأصل، فإذا لم يكن هناك دليل صريح يدل على أن مرور المرأة بين يدي المرأة لا يقطع الصلاة، أو مرور الكلب بين يدي المرأة لا يقطع الصلاة، وأريد بالكلب الكلب الأسود، أو مرور الحمار لا يقطع، يعني: قد يقول قائل: مرور المرأة بين يدي المرأة لا يقطع الصلاة؛ لأن نفس المرأة لا تتعلق بأختها، بخلاف مرور المرأة بين يدي الرجل، لكن يرد على هذا الكلب الأسود والحمار، فهذا لا يفترق فيه الرجال والنساء، فالصحيح أنه عام للرجال والنساء، وأن تقييده بالرجل كغيره من النصوص الكثيرة التي تذكر الحكم معلقاً بالرجال، أو معلقاً بالنساء، والأصل تساويهما في الأحكام.
السائل: وأل في الرجل؟ الشيخ: (أل) في الرجل للجنس.(78/9)
مسألة من توفي وأوصى بثلث ماله ولم يحصل منه إلا القليل
السؤال
فضيلة الشيخ! توفي والدي وأوصى بثلث ماله صدقة عنه، استحصل من المبلغ تقريباً ثلاثة عشر ألفاً، والباقي ديون له وحاجات، وتبلغ ما يقارب خمسة وسبعين ألفاً، وتحصل هذه المبالغ على فترات طويلة فما هو أنسب شيء يمكن أن نعمله في هذه الوصية؟ الشيخ: هو قال صدقة؟ السائل: نعم قال صدقة عنه.
الجواب
أما ما حصلتم الآن من ماله فأرى أن أفضل ما يكون أن تجعلوه في عمارة مسجد؛ لأن المسجد صدقة جارية، كل المسلمين يجتمعون فيه في كل وقت وحين، وأما ما يؤخذ من الديون فإذا كان الذي يؤخذ شيئاً يسيراً مثل مائة ريال يكون له منها ثلاثة وثلاثين ريالاً، أو تأخذ مثلاً ثلاثين ريالاً يكون الثلث عشرة، فكلما أخذتم مبلغاً تأخذوا ثلثه صدقة على الفقراء والمساكين.
السائل: لكن لو نجمع المبلغ على أساس أن يكون صدقة جارية بدل ما يذهب المبلغ مرة واحدة إليهم وينفد، فنحاول أن تنميه؟ الجواب: بارك الله فيك! هل أنت تضمن نفسك أنك ستبقى حتى تنمي هذا المال، وهل أنت واثق أن هذا المال سوف يربح، ربما يخسر ولا يجوز أن يتصرف بالإرث على هذه الصفة، الثلث لازم ينفق على حسب ما أوصى به الموصي والحمد لله، إذا قدر أنه نفذ المال فالدعاء له أفضل من هذا.(78/10)
حكم قول: (مادة القرآن أو المادة قرآن)
السؤال
فضيلة الشيخ! حكم قول مادة القرآن أو المادة قرآن؟
الجواب
لا أرى فيها شيئاً؛ لأن معنى المادة أي الدرس، ولا يريدون المادة بمعنى المخلوق، والقرآن تعرف أنه ليس بمخلوق، ولكن يريدون بهذا قطعاً الدرس فلا بأس به.(78/11)
جواز تحويل المال من بلد إلى آخر بعملة أخرى
السؤال
فضيلة الشيخ: من شرط التقايض في المال يعني مثلاً بعض الدول فرضت على رعاياها المغتربين تحويلاً إلزامياً، وهو أن يحول المغترب مبلغاً من المال لهذه الدولة لكي تستفيد منه؛ ولكن عند التحويل يكتب لك سنداً بصرفه في هذه الدولة وأنت بعيد عنها، وقد أشكل على كثير من الناس هذه المسألة، فهل نلتزم بهذا؟ الشيخ: يعني أنت ستدفع دراهم سعودية؟ السائل: نعم.
الشيخ: وتحول في بلدك إلى دراهم محلية؟ السائل: نعم.
الشيخ: على وجه لا تتمكن من سوى هذا؟ السائل: نعم.
الشيخ: ما يمكن إلا هكذا؟ السائل: لا يمكن إلا هكذا.
الشيخ: إذاً هذه ضرورة ولا بأس بها، يعني: لا بأس إذا أجبرت أن تدفع دراهم سعودية هنا وتحول هناك إلى دراهم محلية لا بأس، {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] .(78/12)
التفصيل في الحكم بغير ما أنزل الله
السؤال
إذا تكرر من الحاكم الحكم بغير ما أنزل الله -يعني كثيراً- مع أنه يعتقد في قلبه وجوب التحاكم إلى ما أنزل الله، فما الحكم في هذه المسألة؟
الجواب
هذه المسألة يا أخي! مسألة ليست هينة، ولا يمكن أن يحكم فيها بوجه عام، لأنه لو حكم فيها بوجه عام أو أفتي فيها بوجه عام فهمها بعض الناس على غير المقصود، فإذا خالف الحاكم شيئاً يعتقده هذا الرجل أنه هو شرع الله قال: إنه كافر، وهذا مثل ما يوجد الآن في الجماعات التي تكفر ولاة الأمور وتقول: لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله، وهم لم يمحصوا المسألة، فلذلك أنا أرى أن سد الباب في هذه المسألة أولى، لئلا يفهمها الناس على غير مراد المفتي ولئلا يتخذها الإنسان وسيلة إلى القيام على الحكام في بلادهم، وهذه مسألة كبيرة كما تعرف، وقد تكلم العلماء رحمهم الله على هذه المسألة عند تفسير الآيات التي في سورة المائدة، فبإمكانك أن ترجع إلى ما قاله العلماء في هذا.(78/13)
حكم لفظة: (لعمرك)
السؤال
فضيلة الشيخ ما حكم القسم بهذه الكلمة: لعمرك، التي نسمعها كثيراً في أبيات الشعر مع بيان الدليل، وقال بعضهم بجوازها بحجة أنها كانت تقال بين السلف ولم ينكروها؟
الجواب
أما إذا كانت من الله فهي جائزة، وهي في القرآن: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72] ، أما إذا كانت من المخلوق للمخلوق فهي ليست للقسم الذي قال الرسول عليه الصلاة والسلام عنه: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) لأن الحلف له صيغة معينة، فهو يبدأ بالواو، أو بالباء، أو بالتاء، أما لعمرك فليست قسماً صريحاً، ولذلك جاء في الحديث: (لعمري) ، وجاء أيضاً في الآثار عن الصحابة أنهم كانوا يقولون: (لعمري) أما (لعمرك) فلا أذكر الآن أنها وردت عن السلف لا مقالاً ولا إقراراً، لكن (لعمري) وردت، وأظن أنه لا فرق بين (لعمري) و (لعمرك) ، لأنها كلها عمر إنسان مخلوق.(78/14)
حكم تحنيط الحيوانات والاحتفاظ بها
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم الحيوانات المحنطة مثل التي تكون في المدارس، وهل يجوز الاحتفاظ بها في المنزل على هيئة تحف وزينة؟
الجواب
الحيوانات المحنطة إن كانت مما يؤكل وذكيت بدون أن يقطع رأسها ثم حنطت فلا بأس بذلك ولا إشكال فيه، لأن إضاعة المال الذي يكون في هذه الحالة شيءٌ يسير، ولا يضر هذا المال الذي يفوت على الإنسان، وربما تكون المصلحة منها تؤدي إلى أن يكون هذا ليس إضاعة مال، أما إذا كانت من الأشياء المحرمة فإنها إذا حنطت ستبقى نجسة، والاحتفاظ بالنجس لا يجوز؛ لأن النجس المطلوب إزالته، والتخلي عنه، ثم إنها إذا احتفظ بها ومسها الإنسان وهو رطب نجسته أو مسها وهي رطبة نجسته، فلا فائدة منها، لكن هي ليست بصورة كما يظن بعض الناس، حيث يظن أن هذه مثل الصورة التي يصورها الآدمي وليس كذلك، فهي خلق الله عز وجل.
السائل: ووضعها في المنزل يا شيخ للزينة؟! الشيخ: كما قلت لك ما هي الفائدة منها؟ السائل: للزينة فقط.
الشيخ: الزينة فقط من الحيوان الذي يؤكل أو لا يؤكل؟ السائل: من هذا ومن هذا.
الشيخ: الذي يؤكل كما قلت لك إذا ذكي ولم يقطع رأسه ثم بعد ذلك حنط؛ فلا بأس؛ لأنه الآن طاهر وليس نجساً، لكن الذي لا يؤكل نجس إلا أن العلماء استثنوا الذي لا يعيش إلا في الماء فإن ميتته طاهرة، واستثنوا أيضاً مما يعيش في البر مما ليس له دم يسيل، قالوا إن ميتته طاهرة لأدلة وردت في ذلك.(78/15)
كيفية زكاة عروض التجارة
السؤال
فضيلة الشيخ كيف تزكى عروض التجارة؟
الجواب
عروض التجارة هي الأموال التي أعدها الإنسان للتجارة يعني: ليس له غرض إلا أن يتاجر بها، وتزكى إذا حال الحول، فتقدر قيمتها بما يساوي وقت حلول الزكاة، سواء كانت مثل ما اشتراه أو أقل أو أكثر، فمثلاً لو كان عند إنسان أرض واشتراها للتجارة واشتراها مثلاً بعشرة آلاف وعند تمام حول زكاته صارت تساوي عشرين ألفاً؛ فإنه يجب أن يزكي على عشرين ألفاً، وإذا كان بالعكس مثل أن يكون قد اشتراها بعشرين ألفاً ثم نزلت قيمتها عند وجوب الزكاة أي عند تمام حول زكاته فإنه لا يزكي إلا على عشرة آلاف.(78/16)
حكم وطء الحائض وما يترتب عليه
السؤال
فضيلة الشيخ! يقول الرسول صلى عليه وسلم: (من أتى كاهناً أو عرافاً أو امرأة في دبرها أو حائضاً فقد كفر بما أنزل على محمد) ثم إن أهل العلم فصلوا في ذلك أي: إذا جاء الرجل إلى امرأته في أول الحيض أو في ثوران الدم.
يكون الكفارة نصف دينار في أول الحيض أو فورة الدم دينار، ثم بعد ذلك إذا قرأت: إذا كان متعمداً دينار، فأرجو تفصيل ذلك وجزاك الله خيرا؟
الجواب
وطء الحائض محرم؛ لقول الله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة:222] ولأن وطء الحائض مضر على الرجل والمرأة والأصل فيما كان مضراً أن يكون حراماً، لقول الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء:29] ، ولكن إذا جامعها في حال الحيض، أو أوله، أو في فورته، أو في آخره فقد اختلف العلماء رحمهم الله هل فيه كفارة أو لا، وهذا ينبني على صحة الحديث الوارد في ذلك، فمنهم من صحح الحديث وأخذ به، وقالوا: يلزمه دينار أو نصفه على التخيير، ومنهم من قال: على الترتيب حسب ما قلت: إنه إذا كان فورة الحيض فهو دينار، وفي أوله وآخره نصف دينار، ومنهم من قال: إنه على التخيير مطلقاً، والاحتياط أن يتصدق الإنسان بدينار كامل، أي بما يقارب نصف جنيه سعودي من الذهب، هذا هو الأحوط.(78/17)
الراجح أن الخضر ولي لا نبي
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هو القول الراجح في الخضر عليه السلام هل هو نبي أو رسول؟ وما صحة ما القول بأنه حي إلى اليوم، ويظهر لبعض الناس أحياناً، فكثير من الناس قد اغتر بهذه القصة على أن الأولياء لهم مقام فوق مقام النبوة حتى قال قائلهم:
مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي
أفتونا مشكورين؟
الجواب
قولك في السؤال عن الخضر هل هو نبي أو رسول هذا ليس هو الخلاف، الخلاف هل هو نبي أو ولي أي: ليس بنبي، والصحيح أنه ليس بنبي، وأن الله تعالى أعطاه علماً لا يعرفه موسى؛ من أجل الامتحان والاختبار؛ لأن موسى عليه الصلاة والسلام قال: لا أعلم أحداً على وجه الأرض أعلم مني، فأراد الله تعالى أن يبين له أن من أهل الأرض من هو أعلم منه، وهو أعلم من موسى بما علمه الله من قصة السفينة، والجدار، والنفس التي قتلها فقط، وليس أعلم منه بشريعة الله.
ثم إن القول الراجح أنه ليس بحي، بل هو ميت في وقته كغيره من الناس، ولو كان حياً للزمه أن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويؤمن به، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرسل إلى جميع الناس، ومن المعلوم أنه لم يأت إلى الرسول، ولم يقل أحد من الصحابة أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم إنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إنه على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحد) فلو قدر أنه موجود فإنه يكون قد مات.
وعلى كل حال إن الصواب الذي لا شك فيه عندي أن الخضر قد مات، وأن موته كان مثلما يموت الناس في ذلك الوقت.
وأيضاً الصحيح أنه ليس بنبي إنما هو رجل أعطاه الله علماً في أشياء معينة، ليتبين لموسى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن في الأرض من هو أعلم منه في بعض الأمور.
أما من زعم أن الولي أفضل من النبي فإنه كافر، لأن النبيين هم أعلى طبقة من طبقات بني آدم، ثم إن النبي جامع بين النبوة والولاية، والرسول جامع بين الرسالة والنبوة والولاية، والقائلون بأن مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي كاذبون في ذلك، فأفضل طبقات بني آدم هم النبيون وعلى رأسهم الرسل، وعلى رأس الرسل أولو العزم الخمسة، ثم بعد ذلك الصديقون، ثم الشهداء، ثم الصالحون.(78/18)
حكم السلام مع الكفار
السؤال
فضيلة الشيخ: في مسألة السلام مع الكفار بعضهم يذكر أن هذا كفر مطلقاً؟ الشيخ: يعني إذا سلمت على كافر.
السائل: لا المعاهدة معهم، والصلح.
الشيخ: يا أخي! هذه المسائل يجب أن الإنسان يتكلم فيها بالعلم، وتعلمون أن الرسول عليه الصلاة والسلام عاهد قريشاً عشر سنوات ثم نقضوا العهد ثم غزاهم ففتح مكة، والصلح مع غير المسلمين ذكر أهل العلم أنه يجوز عند العجز عن قتالهم، لكن منهم من قيده بعشر سنوات، ومنهم من قال إنه يجوز غير مقيد، ثم إذا حصل للمسلمين القوة فحينئذ يغزون الكفار إلى أن يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ومثل هذه الأشياء يجب أن الإنسان يتكلم فيها بعلم لا بعاطفة، وإلا فنحن نكره الكفار كلهم ونود أن كلمة الله هي العليا، في كل مكان، لذلك فكون الإنسان يتكلم بعاطفة مبنية على جهل هذا لا يجوز، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] وانظروا إلى كلام العلماء السابقين في كتاب الجهاد في باب الهدنة كيف فصلوا فيها وبينوا، وأما من قال: إن الصلح مع الكفار كفر فهذا خطأ، نعم لو أنكر إنسان فرض الجهاد ثم علمناه بالأدلة الدالة على أن الجهاد فرض ثم أنكر فهذا هو الذي قد يقال بكفره.(78/19)
حكم كتابة (ص) و (صلعم) بدل صلى الله عليه وسلم
السؤال
فضيلة الشيخ نجد بعض الطلاب أو أكثرهم يكتبون (ص) أو صلعم، أو نجد ذلك في بعض الكتب عند ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الشيخ: بعدما يقول صلى الله عليه وسلم يقول: (صلعم) أو (ص) .
السائل: نعم يقول (صلعم) أو (ص) كذلك رضي الله عنه يكتب عين، مثل علي بن أبي طالب.
الشيخ: لا.
علي بن أبي طالب ليس هو رضي الله عنه.
السائل: كرم الله وجهه.
الشيخ: يكتبون العين رمزاً إلى عليه السلام.
السائل: أو كذلك كرم الله وجهه بالنسبة لـ علي بن أبي طالب.
الشيخ: على كل حال لا ينبغي لإنسان عند ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يكتب (ص) أو (صلعم) وكره علماء المصطلح أن يفعل ذلك، وقالوا: إما أن يكتب صلى الله عليه وسلم، وإما أن يدعها، ولا يكتب شيئاً ويجعل الصلاة من القارئ أو من السامع، وأما الإشارة بالعين عن عليه السلام، فهذه أهون من الإشارة بالصاد عن صلى عليه وسلم، ثم إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا قلت: علي رضي الله عنه فهو أحسن من قولك: عليه السلام وأحسن من قولك: كرم الله وجهه، لأن الرضا عن العبد هو أعلى المقامات وأفضل ما يكون للإنسان، ولهذا قال الله عز وجل لأهل الجنة: ماذا تريدون؟ فيذكرون نعم الله عليهم فيقول: (أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا) فرضا الله عن العبد هو الغاية العظيمة، لكن من جهل الرافضة صاروا يقولون لـ علي: عليه السلام، أو كرم الله وجهه.
السائل: والطلاب بالنسبة للإملاء؟ الشيخ: الطلاب يقال لهم: اكتبوا صلى الله عليه وسلم، والأحسن أيضاً صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قالوا: (علمنا كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد) .(78/20)
حكم من لم يصم رمضان بسبب المرض
السؤال
فضيلة الشيخ! كان عندي مرض في رمضان فلم أصم رمضان فأفدني أفادك الله؟
الجواب
ما صمت رمضان حتى الآن؟ السائل: كلا.
صوم شهر واحد هو الذي مرضت فيه.
الشيخ: نعم.
أقول ما قضيته حتى الآن؟ السائل: لا.
الشيخ: الآن الحمد لله عندك الشتاء نهار قصير وبارد صم الشهر وليس عليك إلا الصيام.(78/21)
حكم رفع الإزار إلى نصف الساق
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأي فضيلتكم فيما يقوله بعض العامة عن الملتزمين الذين يضعون الإزار إلى نصف الساق: بأنهم مخالفون أو مبتدعون بهذه السنة، وقد يحذرون أبناءهم من مجالسة أي شخص يضع إزاره إلى نصف الساق؟
الجواب
هذا جهل منهم بالسنة، فالذي يقول: إن رفع الإزار أو السروال أو الثوب إلى نصف الساق ليس بسنة جاهل بالسنة، بل هو لا شك أنه سنة، لكنه سنة غير واجبة، يعني: لك من نصف الساق إلى فوق الكعب، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تكلم عمن أنزل ثوبه دون الكعب وسكت عن الباقي، ومن المعلوم أن الصحابة كانت تنزل ثيابهم إلى أسفل من نصف الساق، هذا أبو بكر رضي الله عنه يقول للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن أحد شقي إزاري يسترخي علي إلا أن أتعهده، ولو كان إزاره إلى نصف الساق لكان إذا نزل إلى الأرض لبدت عورته، فدل هذا على أن الصحابة رضي الله عنهم يلبسون هذا وهذا، والناس في هذا ثلاثة أقسام: قسم متشدد يرى أن هذه علامة المؤمن، وأن من لم يكن ثوبه إلى نصف ساقه ففي إيمانه نقص.
ومنهم من على ضد هذا، يرى أن نصف الساق أنه شهرة وأنه لا ينبغي، وربما أنكر السنة كما قلت في هذا السؤال.
ومنهم يقول: السنة إلى نصف الساق ولكن لو نزل إلى أسفل ولم يتجاوز الكعب فلا بأس به، ولا يقال: إن الإنسان هذا ليس على السنة، والصحابة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، أفضل الصحابة على الإطلاق أبو بكر ونعلم من هذا الحديث الثابت في الصحيحين أن إزاره ليس إلى نصف ساقه؛ لأنه لو كان إزاره إلى نصف ساقه واسترخى عليه حتى يصل إلى الأرض أو ينزل عن الكعب لزم من ذلك بدو العورة.(78/22)
حكم أكل الحيوانات البحرية
السؤال
فضيلة الشيخ! أحل الله لنا ميتتان الجراد والسمك الذي في البحر هل يكون جميع ما في البحر حلال يا شيخ! وما هو الضابط لهذا الشيء؟
الجواب
كل ما في البحر حلال واستمع إلى قول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة:96] قال ابن عباس: صيد البحر ما أخذ حياً، وطعامه ما أخذ ميتاً.
السائل: وقياس الحشرات يا شيخ! على الجراد، أي ما ليس له نفس سائلة؟ الشيخ: تريد أن تأكل الصراصير؟ السائل: يأكلونها في الصين يا شيخ! الشيخ: الصين كلهم يأكلون اليامون، عسى الله أن يهديهم ويهدي المسلمين قبلهم.
السائل: ما يقاس؟ الشيخ: لا ما تقاس.
السائل: هل ننكر عليهم؟ الشيخ: تنكر عليهم أن يأكلوا الصراصير وهم كفار! أنكر الكفر قبلاً، لكن إذا طبخوا لك صراصير لا تأكلها.(78/23)
حكم قص شعر الفتيات والنساء
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم قص الشعر للفتيات والنساء؟
الجواب
أما الرجل فله أن يقص رأسه وله أن يحلقه، وأما المرأة فإن قصت رأسها حتى يكون كرأس الرجل أو قصته على صفة ما تفعله الفاجرات أو الكافرات فهذا حرام، أما الأول فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعن المتشبهات من النساء بالرجال، وأما الثاني فلقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) ، أما لو قصته قصاً يسيراً للتجمل للزوج على وجه لا يشبه شعر الرجال ولا شعر الفاجرات والكافرات، فقد اختلف فيه الفقهاء رحمهم الله، منهم من قال أنه حرام، ومنهم من قال أنه مكروه، ومنهم من قال أنه جائز، والأقرب عندي أنه جائز، لكن عدم القص أولى وأفضل.(78/24)
جواز مقولة: (أرجوك افعل كذا وكذا)
السؤال
فضيلة الشيخ كثير من الناس ينطقون عبارة: (أرجوك افعل لي كذا وكذا) فهل في هذه الكلمة شيء من الشرك؟
الجواب
لا، هذه الكلمة لا بأس بها، يعني: تقول لإنسان: أرجوك أن تفعل كذا مثل قولك: أؤمل منك أن تفعل كذا وكذا، ولا حرج في ذلك.
السائل: كون الرجاء يطلب من الله سبحانه وتعالى.
الشيخ: الرجاء يكون من الله ومن غيره، وليس هناك مانع.(78/25)
حكم من شكت في عدد الأيام التي صامتها من قضاء رمضان
السؤال
فضيلة الشيخ! امرأة عليها قضاء من رمضان وصامت أياماً وهي في شك هل هي أكملت الأيام التي أفطرت أو لم تكمل، فماذا تفعل في هذه الحالة؟ الشيخ: إذا قضت المرأة ما عليها من الصيام ثم شكت هل أكملت ما عليها أو لا فإن كانت ذات وسواس فإنها لا تلتفت لهذا، وقد انتهى القضاء ولا حاجة للرجوع إليه، وإن كانت ليست ذات وسواس وشكها هذا حقيقي فلابد أن تقضي ما شكت فيه.
السائل: تقدر الأيام؟ الشيخ: إي نعم تقدر الأيام، لكن ما لم تكن ذات وسواس؛ لأن صاحب الوسواس نسأل الله العافية لو طاوع نفسه وأتى بما شك فيه جلبت له نفسه شكاً آخر.(78/26)
حكم وسم البهائم في الوجه
السؤال
فضيلة الشيخ وسم البهائم في الوجه بالنار هل هو حلال أم حرام؟
الجواب
لا يجوز أن توسم البهائم في وجوهها.
السائل: لكن يفرق بين القبائل حيث يعرفون حلالهم بهذا الوسم؟ الشيخ: القبائل بارك الله فيك يجعلون الوسم الخاص بهم إما على الرقبة وإما باليد، المهم في مكان آخر غير الوجه.
ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.(78/27)
لقاء الباب المفتوح [79]
هذا اللقاء تفسير آيات من سورة الشرح تحدث الشيخ من خلالها عن معنى الشرح بمعنى أن يكون الصدر متسعاً لحكم الله عز وجل، بالإضافة إلى ذلك العفو والتجاوز والمسامحة عن الوزر وهو الخطيئة؛ وسبب ذلك: ليغفر الله ما تقدم من الذنب وما تأخر.
فالحاصل هو أن الله سبحانه وتعالى وضع عن محمد صلى الله عليه وسلم وزره، وبين أن هذا الوزر أنقض ظهره فكيف بأوزارنا التي تقض ظهورنا وتتعبها.(79/1)
تفسير آيات من سورة الشرح
الحمد لله رب العالمين، وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: هذا هو اللقاء التاسع والسبعون من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الواحد والعشرون من شهر جمادى الآخرة عام (1415هـ) نتكلم فيه أولاً على ما تيسر من سورة: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] حيث انتهينا إليها فيما سبق بعد أن ابتدأنا من سورة النبأ، واخترنا هذا الجزء من كتاب الله عز وجل؛ لأن السور التي فيه تكثر قراءتها، فيستفيد الناس منها، وتكثر قراءتها في الصلاة؛ لأن أهل العلم يقولون: السنة في الصلاة أن يقرأ في صلاة الفجر بطوال المفصل، وفي صلاة المغرب بقصار المفصل وفي الباقي من أوساطه، وطوال المفصل من سورة (ق) إلى سورة (عم) وقصاره من سورة (الضحى) إلى آخر القرآن وأوساطه من سورة (النبأ -سورة عم-) إلى سورة (الضحى) هذا في الغالب، ولا بأس أن يقرأ بطوال المفصل في المغرب، كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ بذلك أحياناً.(79/2)
تفسير قوله تعالى: (ألم نشرح لك صدرك)
يقول الله سبحانه وتعالى مبيناً نعمته على نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] وهذا الاستفهام يقول العلماء: أنه استفهام تقرير، واستفهام التقرير يرد في القرآن كثيراً، ويقدر الفعل بفعل ماضٍ مقروناً بقد.
ففي قوله: (ألم نشرح لك) يقدر بأن المعنى: قد شرحنا لك صدرك، لأن الله يقرر أنه شرح له صدره، وهكذا جميع ما يمر بك من استفهام التقرير؛ فإنه يقدر بفعل ماض مقروناً بقد.
أما كونه يقدر بفعل ماض؛ فلأنه قد تم وحصل، وأما كونه مقروناً بقد؛ فلأن قد تفيد التحقيق إذا دخلت على الماضي، وتفيد التقليل إذا دخلت على المضارع، وقد تفيد التحقيق، ففي قول الناس: قد يجود البخيل، قد هنا تكون للتقليل، لكن في قوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} [النور:64] فهذه للتحقيق ولا شك.
يقول الله عز وجل: (ألم نشرح لك صدرك) أي: نوسعه، وهذا الشرح شرح معنوي ليس شرحاً حسياً، وشرح الصدر أن يكون متسعاً لحكم الله عز وجل: حكم الله الشرعي وهو الدين، وحكم الله القدري وهو المصائب التي تحدث على الإنسان، وذلك لأن الشرع فيه مخالفة للهوى، فيجد الإنسان ثقلاً في تنفيذ أوامر الله، وثقلاً في اجتناب ما حرم الله؛ لأنه مخالف للهوى، هوى النفس الأمارة بالسوء، التي لا تنشرح لأوامر الله ولا لنواهيه.
تجد بعض الناس تثقل عليهم الصلاة، كما قال الله تعالى في المنافقين: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] ومن الناس من تخف عليه الصلاة بل يشتاق إليها ويترقب حصولها، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (جعلت قرة عيني في الصلاة) .
إذاً، فالشرع فيه ثقل على النفوس، أما اجتناب المحرمات، فبعض الناس يهوى أشياء محرمة عليه: كالزنا، وشرب الخمر، وما أشبه ذلك فتثقل عليه، ومن الناس من ينشرح صدره لترك ذلك ويبتعد عما حرم الله، وانظر إلى يوسف عليه الصلاة والسلام لما دعته امرأة العزيز بعد أن غلقت الأبواب (وقالت: هيت لك) وتهيأت له بأحسن ملبس وأحسن صورة، والجو خالٍ، والمكان آمن أن يدخل أحد، غلقت الأبواب {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} [يوسف:23] ، فقال لها: {مَعَاذَ اللَّهِ} [يوسف:23] استعاذ بربه، لأن هذه حال حرجة، شاب وامرأة العزيز، ومكان خال وآمن، والإنسان بشر ربما تسول له نفسه أن يفعل، ولهذا قال تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف:24] .
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال لها: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) والشاهد من هذا قوله: (رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله) .
فأقول: شرح الصدر للحكم الشرعي معناه: قبول الحكم الشرعي والرضا به وامتثاله، وأن يقول القائل: سمعنا وأطعنا، وأنت بنفسك أحياناً تجد قلبك منشرحاً للعبادة تفعلها بسهولة وانقياد وطمأنينة ورضا، وأحياناً بالعكس لولا خوفك من الإثم ما فعلت، فإذا كان هذا الاختلاف في الشخص الواحد فما بالك بالأشخاص.
انشراح الصدر للحكم القدري نقدم على الكلام فيه سؤالاً: هل جميع أحكام الله الكونية ملائمة لطبيعة الإنسان أو لا؟ لا.
الصحة ملائمة، الغنى ملائم، الأمن ملائم، الشبع ملائم، النكاح ملائم، لكن المرض غير ملائم، الخوف غير ملائم، الجوع غير ملائم، وأشياء كثيرة، فالإنسان الذي شرح الله صدره للحكم الكوني تجده راضياً بقضاء الله وقدره، مطمئناً إليه يقول: أنا عبد والله رب يفعل ما يشاء، هذا الرجل الذي على هذه الحال سيكون دائماً في سرور لا يغتم ولا يهتم، هو يتألم لكن لا يصل هذا إلى أن يحمل هماً أو غماً، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له) .
إذاً: شرح الصدر يعني: توسعته وتهيئته لأحكام الله الشرعية والقدرية، لا يضيق بأحكام الله ذرعاً إطلاقاً، إن نبينا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم له الحظ الأوفر من ذلك، ولهذا تجده أتقى الناس لله، وأشدهم قياماً بطاعة الله، وأكثرهم صبراً على أقدار الله، ماذا فعل الناس به حين قام بالدعوة؟ وماذا يصيبه من الأمراض حتى إنه يوعك كما يوعك الرجلان منا، من المرض؟ شُدِّد عليه، فكان كرجلين منا، وحتى إنه شدد عليه عند النزع عند الموت عليه الصلاة والسلام، حتى يفارق الدنيا وهو أصبر الصابرين، والصبر معلوم أنه درجة عالية لا تنال إلا بوجود شيء يصبر عليه، أما الشيء البارد ليس فيه صبر، لهذا نجد الأنبياء أكثر الناس بلاءً ثم الصالحين الأمثل فالأمثل.
أعود مرة ثانية: ما معنى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] أي: نوسعه لقبول قضاء الله أو حكم الله الشرعي والقدري، وهذا حاصل على الوجه الأكمل بالنسبة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.(79/3)
تفسير قوله تعالى: (ووضعنا عنك وزرك)
قال تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} [الشرح:2] قد تقول: إن بين الجملتين تنافراً الأولى الجملة فعل مضارع (نشرح) والثانية فعل ماضٍ: (وضعنا) لكن بناءً على التقرير الذي قلت: وهو أن (ألم نشرح) بمعنى قد شرحنا، و (وضعنا) يكون عطفاً على نظيره ومثيله.
{وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} وضعناه: أي طرحناه، وعفونا، وسامحنا، وتجاوزنا (عنك وزرك الذي أنقض ظهرك) أي: الذي أقضه وآلامه، لأن الظهر هو محل الحمل، فإذا كان هناك حمل يتعب الظهر، فإتعاب غيره من باب أولى، يعني أقوى عضو في أعضائك للحمل هو الظهر، وانظر الفرق بين أن تحمل كيساً على ظهرك، أو تحمله بين يديك، بينهما فرق.
فالمعنى: أن الله تعالى غفر للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وزره وخطيئته، حتى بقي مغفوراً له، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:1-2] وقيل للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يقوم الليل ويطيل حتى تتورم قدماه أو تتفطر فقيل له: (كيف تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟!!) فأقر هذا القول، أقر أن الله عز وجل قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولكن قال: (أفلا أكون عبداً شكورا) .
إذاً مغفرة ذنوب رسول الله المتقدمة والمتأخرة ثابتة بالقرآن والسنة، وهذا من خصائص الرسول عليه الصلاة والسلام، لا أحد من الناس يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر إلا الرسول، أما غيره فيحتاج إلى توبة يتوب من الذنب، وقد يغفر الله له سبحانه وتعالى بدون توبة ما دون الشرك، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام نجزم بأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولهذا قال تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} .(79/4)
تفسير قوله تعالى: (الذي أنقض ظهرك)
قال تعالى: {الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ} [الشرح:3] فإن قال قائل: هذه الآية وما سقناه شاهداً لها يدل على أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد يذنب، فهل النبي يذنب؟ الجواب نعم، ولا يمكن أن نرد النصوص، لا يمكن أن نردها لمجرد أن نستبعد وقوع الذنب منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونحن لا نقول: الشأن ألا يذنب الإنسان، بل الشأن أن يغفر للإنسان، هذا هو المهم أن يغفر له، أما ألا يقع منه ذنب فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) .
لا بد من خطيئة، لكن هناك أشياء لا يمكن أن تقع من الأنبياء مثل: الكذب والخيانة فإن هذا لا يمكن أن يقع منهم إطلاقاً، لأن هذا لو فرض وقوعه لكان طعناً في رسالته وهذا شيء مستحيل، أما سفاسف الأخلاق من الزنا وشبهه هذا أيضاً ممتنع، لأنه ينافي أصل الرسالة، التي وجدت لتتمم مكارم الأخلاق، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) .
فالحاصل: أن الله سبحانه وتعالى وضع عن محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وزره، وبين أن هذا الوزر قد أنقض ظهره أي: أقضه وأتعبه، وإذا كان هذا وزر الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فكيف بأوزار غيره.
أوزارنا تقض ظهورنا وتنقضها وتتعبها، ولكن كأننا لم نحمل شيئاً، وذلك لضعف إيماننا وبصيرتنا، وكثرة غفلتنا نسأل الله أن يعاملنا بالعفو.
جاء في بعض الآثار: (إن المؤمن إذا أذنب ذنباً صار عنده كالجبل فوق رأسه، وإن المنافق إذا أذنب ذنباً صار عنده كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا) .
يعني: أنه لا يهتم، فالمؤمن تهمه خطاياه، ويلحقه الهم حتى يتخلص منها بتوبة واستغفار، أو حسنات جليلة تمحو آثار هذه السيئة، وأنت إذا رأيت من قلبك الغفلة عن ذنوبك؛ فاعلم أن قلبك مريض؛ لأن القلب الحي لا يمكن أن يرضى بالمرض، ومرض القلوب هي الذنوب، كما قال عبد الله بن المبارك رحمه الله:
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
على كل حال أنا أقول: يجب علينا، وأوجه هذا القول لنفسي قبلكم ونرجو الله العون للجميع، أقول: إنه يجب علينا أن نهتم بأنفسنا وأن نحاسبها، وإذا كان التجار لا ينامون حتى يراجعوا دفاتر تجارتهم، ماذا صرفوا، وماذا أنفقوا، وماذا كسبوا، فإن تجار الآخرة ينبغي أن يكونوا أشد اهتماماً؛ لأن تجارتهم أعظم من تجارة أهل الدنيا غاية ما تفيدهم إن أفادتهم هو إتراف البدن فقط، على أن هذه التجارة يلحقها من الهم والغم، وإذا خسر في سلعة اهتم لذلك، وإذا كان في بلده مخاوف قطاع طريق أو سراق صار أشد قلقاً.
لكن تجارة الآخرة على العكس من هذا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الصف:10-12] تنجي من العذاب، ويغفر الله بها الذنوب، ويدخل بها الجنات.
(جنات عدن) أي: جنات إقامة، {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} [الصف:12] مساكن طيبة في بنايتها وفي مادة البناء، أتظنون أن بناء الجنة من إسمنت وحصى؟ لا.
قال النبي عليه الصلاة والسلام: (جنتان من ذهب، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة، آنيتهما وما فيهما) .
والله لو يبقى الإنسان في سجدة منذ بلغ إلى أن يموت لكان هذا ثمناً قليلاً بالنسبة إلى هذه الغنيمة العظيمة، ولو لم يكن إلا أن ينجو الإنسان من النار لكفى، أحياناً الإنسان يفكر ويقول: ليتني لم أولد، أو يكفيني أن أنجو من النار، وهاهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويقول: [ليتني شجرة تعضد، ليت أمي لم تلدني] لأن الإنسان يخاف، قد يظن أنه آمن الآن؛ لأنه يصلي، ويصوم، ويتصدق، ويحج، ويبر الوالدين، وما أشبه ذلك لكن قد يكون في قلبه -نسأل الله السلامة والعافية- حسيكة تؤدي إلى سوء الخاتمة -والعياذ بالله- كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) أي: مدة قريبة لموته، ما هو ذراع في العمل لأن عمله كله هباء، هو (يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) كما جاء في الحديث الصحيح.
لكن قوله: (حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) ليس معناه: أن عمله أوصله إلى قريب من الجنة، المعنى: حتى لا يبقى عليه إلا مدة قليلة في الحياة (ثم يعمل بعمل أهل النار فيدخلها) لكن هذا فيما إذا كان عمل الإنسان للناس، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) فالإنسان إذا مر على مثل هذه النصوص يخاف على نفسه، ويخاف من الرياء، ويخاف من العجب، ويخاف من الإمنان على الله بعمله.
فنسأل الله تعالى أن يحمينا وإياكم من سيئات أعمالنا، اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ونستغفرك ونتوب إليك.(79/5)
الأسئلة(79/6)
حكم الاجتماع للتعزية
السؤال
فضيلة الشيخ إذا مات لأناس ميت فإنهم يجلسون في البيت ويستقبلون المعزين، وقد سمعنا عنكم أن هذا بدعة، فهل جلوسهم هذا يعتبر محرماً؟ ثم هل يغلقون بابهم أمام الزائرين وكذلك الهاتف؟ وهل الذاهبون إلى هؤلاء للتعزية آثمون؟ ثم ما حكم الوالد أو الوالدة بذلك؟
الجواب
على كل حال نقتصر على الفقرة الأولى لأن قاعدتنا ألا نزيد على سؤال.
الاجتماع للتعزية لا شك أنه بدعة، فهاهو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يموت له أبناء وأعمام وأصحاب ولم يجلس يوماً من الدهر ليتلقى العزاء، مع أنه هو المشرع، ومع أن الصحابة رضي الله عنهم أشد الناس في مواساة الرسول عليه الصلاة والسلام وتعزيته، لكن لم يفعلوا، ولم يتوافدوا إليه ليعزوه وما علمنا بهذا أبداً، بل قال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: [كنا نعد الاجتماع لأهل الميت وصنع الطعام من النياحة] ومعلوم أن النياحة من كبائر الذنوب، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعن النائحة والمستنيحة.
وإني أقول لكم من هذا المكان: العادات لا تحكم على الشرع، وإنما الشرع يحكم على العادات، أي: يجب أن نرد العادات إلى الشرع، لا أن نرد الشرع إلى العادات، لا نقول: الناس اعتادوا هذا، الجاهلية اعتادوا الشرك هل تركهم الرسول على ما هم عليه؟ والعصاة اعتادوا المعصية هل نتركهم؟ فإذا كان هذا الأمر ليس موجوداً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ولا عهد الصحابة فلماذا نفعله؟!! ثم إن هذا الاجتماع يصحبه في بعض البلدان إيقاد الأنوار، تجد البيت كأنه بيت عرس وقد صفوا الكراسي، واجتماع الناس هذا داخل وهذا خارج، وربما يحصل بكاء وعويل، وربما يأتي قارئ يقرأ بالمال يريد بعمل الآخرة الدنيا فنعينه على هذا الأثم.
فالحاصل: أنا نرى أن هذا من البدع، وأنه يكف عنه، وقد ذكر ذلك أهل العلم قبلنا انظروا إلى كتبهم، ولكن قد يقول قائل: إذا كان قرابة الرجل يريدون أن يأتوا إلى بيت قريبهم ليعزوه وينصرفوا، بدون أن يفتح الباب ويستقبل الناس هذا داخل وهذا خارج، فأرجو ألا يكون في هذا بأس، ولا حرج.
لأنه أحياناً لو مات عمك أو أخوك فليس من صلة الرحم ألا تذهب إلى بيتهم تعزيهم، اذهب وعزهم لكن من دون اجتماع، أتدرون لماذا شرع العزاء؟ شرع لأجل أن نقوي المصاب على الصبر والتحمل، لا لنجتمع إليه من أجل أن نصبح معه.
وعليه: فإذا كان هذا الذي مات له قريب لم يهتم بقريبه إطلاقاً، بل ربما يفرح أنه مات؛ لأنه بينه وبينه مشاكل في الدنيا، فهذا لا يستحق التعزية، ربما يقول: هذا يستحق التهنئة؛ لأنه مات خصمه، لكن الناس اعتادوا من مات له قريب ذهبوا وعزوه واجتمعوا إليه، وبعض الناس يذبحون ذبائح، فنقول: لا تكلف نفسك في أمر ليس مستحباً لك في الشريعة، إنما فيه إضاعة الوقت والمال، والمخالفة لهدي السلف.(79/7)
حكم قطع صلة الرحم بسبب الخصومات
السؤال
فضيلة الشيخ! يكثر في بعض القرى التقاطع بين الناس والتخاصم والتهاجر حتى بين الأقارب فيصل ذلك إلى شهر وشهرين بل إلى سنين ولا حول ولا قوة إلا بالله، فبعض أبناء هؤلاء الناس يريد أن يسلم على الآخرين ويأتيهم ويزورهم فيغضب عليه والده أو إخوته، وربما يقاطعونه ويهجرونه بسبب أنه: ذهب إلى خصمهم، فهل يعصيهم ويذهب ويسلم عليهم؟ أم يطيع والديه ويبقى مقاطعاً للآخرين طول حياته؟
الجواب
هذا السؤال يتضمن توجيهين: التوجيه الأول: أن نوجه إلى هؤلاء القوم الذين يغضبون على أولادهم أو على أقاربهم إذا وصلوا أرحامهم، ونقول لهؤلاء الذين يغضبون من صلة الرحم: إنهم مضادون لله عز وجل، محادون له، كيف؟ أليس الله أمر بصلة الرحم وإذا أمر بها فقد رضيها، وهؤلاء لا يرضون بما يرضى الله، ولا يأمرون بما أمر الله، بل ينهون عما أمر الله، فيكون فيهم صفة وخصلة من خصال المنافقين، ماذا قال الله في خصال المنافقين: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} [التوبة:67] هؤلاء يأمرون بقطيعة الرحم وينهون عن صلتها، وهذه خصلة من خصال المنافقين.
فأوجه كلمتي هذه إلى هؤلاء: أن يتوبوا إلى ربهم، وألا يخالفوا الله عز وجل في أمره، وألا يرضوا ما يكرهه الله ويكرهوا ما رضيه الله، قبل أن يموتوا وعلى هذه الحال وقد قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22-23] ويدل على أن الله أعمى أبصار هؤلاء أنهم لا يرضون ما رضيه الله ولا يأمرون بما أمره الله، بل يكرهون ما رضيه الله وينهون عما أمر الله، هذا من عمى الأبصار، أما اللعنة فأمرها إلى الله، لكن الله وعدهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} صاروا لا يسمعون الحق ولا ينظرون إليه.
ثم إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) فهل يرضى هؤلاء أن يموتوا على هذه الحال، ثم لا يدخلون الجنة؟! هذا التوجيه الأول بالنسبة لهؤلاء الذين لا يرضون أن يصل الرجل رحمه.
أما بالنسبة للآخرين وهو التوجيه الثاني: فإني أقول لهؤلاء الذين يقولون: إن أبانا أو أخانا أو أمنا لا يرضى أن أصل رحمي، أقول: صل رحمك وإن رغم أنفه، لأنك إذا وصلت رحمك فقد أطعت ربك وإذا لم تصل رحمك فقد عصيت ربك، وهل يعصى الله بطاعة المخلوق أو يعصى المخلوق بطاعة الله؟ يعصى المخلوق بطاعة الله، فأقول: صل رحمك وإن لم يرغبوا، فإن قاطعوك فصلهم، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام لرجل أخبر: (أنه يصل رحمه ويقطعونه، ويحسن إليهم ويسيئون إليه، ويحلم عليهم ويغضبون عليه، فقال: إن كنت كما تقول فكأنما تسفهم المل) يعني: كأنك تجعل في أفواههم الرماد الحار.
فأقول للأخ: صل الرحم، سواء غضب أبوك أم لم يغضب، ثم لا تدخر وسعاً أن تنصح والدك، وتقول: يا أبتِ هذا حرام عليك، كيف تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف، ثم تطلب منه وتنصحه أن يصل الرحم هو، ولو غضب عليك، إبراهيم ماذا قال لأبيه؟ {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً} [مريم:42] إلى أن قال له أبوه: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً} [مريم:46] .(79/8)
حكم رد السلام أثناء الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ: هل رد السلام أثناء الصلاة سنة أم ترك السلام على المصلي أفضل؟ الشيخ: أنت الآن سألت سؤالين: هل رد السلام أو ترك السلام.
السائل: أيهما أفضل؟ الشيخ: الرد من المسلم عليه، والترك من المسلم فأي الأمرين تريد؟ السائل: أريد المصلي هل الأفضل له أن يرد السلام بالإشارة باليد أو لا؟
الجواب
المصلي يرد السلام بالإشارة كما جاء في الحديث، ثم إذا سلم وكان المسلم موجوداً رد عليه باللفظ وإن كان قد انصرف كفت الإشارة.(79/9)
حكم التناوب في العمل
السؤال
فضيلة الشيخ هذا سؤال مرسل: رجلان يعملان معاً في أحد الشركات في عمل ليلي فيتفقان على أن ينام أحدهما أول الليل فيوقظه صاحبه بعد انتصاف فترة الدوام ليواصل الآخر الفترة المتبقية ويقولان: إن هذا الفعل لا يؤثر على مجرى العمل، ولكن هذا يتم دون علم الإدارة فما الحكم في هذا سلمكم الله؟ الشيخ: يعني: أن رجلين مكلفان أن يقوما بعمل ليلي من أوله إلى آخره، فاتفقا على أن ينام أحدهما أول الليل ويقوم الآخر بالعمل والثاني بالعكس، أقول: إن هذا العمل لا يجوز إلا بعد إذن المسئول، وشرط آخر: ألا يخل ذلك بالعمل، كأن يكون العمل يتطلب وجود اثنين، فإنه لابد حتى لو أذن لهما من هو فوقهما فإنه لا يجوز لهما أن يتناوبا، والحاصل أن هذا جائز بشرطين: الشرط الأول: إذن المسئول.
الشرط الثاني: ألا يختل العمل، فإن اختل العمل فإنه لا يجوز ولو أذن المسئول.(79/10)
الجاهل في العبادة يعذر بجهله ولا يلزم بإعادتها
السؤال
فضيلة الشيخ: يقول صلى الله عليه وسلم في حديث عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة.
) إلى آخر الحديث، الرسول عليه الصلاة والسلام علمه كيفية التيمم فقال له: (إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا ولم يعد التيمم) فهل يفهم من هذا الحديث أنه يعذر الجاهل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث المسيء صلاته: (صل فإنك لم تصل) ؟
الجواب
هذا الحديث حديث عمار بين ياسر يدل على أن من تيمم على غير وجه مشروع ظاناً منه أن هذا هو المشروع فإنه لا إعادة عليه؛ لأنه جاهل مجتهد، وأما حديث المسيء في صلاته فهو مثله أيضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأمره بإعادة الصلوات الماضية، حيث كان يؤديها بلا طمأنينة جاهلاً، أما الصلاة الحاضرة فإنما أمره بإعادتها لأنه مطالب بصلاة صحيحة في هذا الوقت ولم يأت بها، فهذا هو الفرق بينهما، وأما أنهما يعذران بالجهل فهما سواء؛ لأن المسيء في صلاته لم يقل له:أعد ما صليت، وكذلك عمار لم يقل له: أعد ما صليت.(79/11)
حكم التبليغ عن المهمل في عمله بعد المناصحة
السؤال
فضيلة الشيخ: هذه المسألة حدث لنا فيها إشكال كبير فنرجو البيان الوافي فيها للحاجة الماسة إليه: نعمل في مكان تكثر فيه المنكرات، ويتم الإنكار على المسئول بالطرق الشرعية الحكيمة بالمكاتبة والمهاتفة وغيرها من طرق البلاغ، والمنكرات لا تزال والمحتسب غير مستعجل النتائج، لكن حصل إشكال في براءة الذمة في حد البلاغ؛ فأناس قالوا: يكفي أن نبلغ المسئول القريب عن هذه المنكرات، وإن أهمل التعميم الصادر بشأنها وإن كنا نعتقد أن المسئول لا يبالي وأن الإمام لا يعلم بهذا ولا يرضاه.
وفريق قال: بل لا تبرأ الذمة ولابد من الكتابة للإمام؛ لأن جزمنا بأن المسئول القريب لا يهتم بتنفيذ التعميم والإمام لا يعلم غش في النصح يلحقنا بسببه الإثم، فأين الصواب غفر الله لكم ولوالديكم؟
الجواب
هذا سؤال مهم كما قال السائل: وهو أن بعض المسئولين على بعض القطاعات لا يهتمون لا بالأمور الشرعية، ولا بالأمور النظامية، مهمل، غير صالح للعمل في هذا المكان لا نظاماً ولا ديناً، فيناصحه بعض من تحت يده من أهل الخير والصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنه يصر على ما هو عليه، فهل تبرأ الذمة بمناصحته، أو لا بد من أن يرفع الأمر إلى من فوقه ليعدله أو يبدله؟ أقول في جوابي على هذا: لابد أن يرفع الأمر إلى من فوقه، يجب وجوباً أن يرفع الأمر إلى من فوقه، والسكوت على هذا غش؛ غش لولاة الأمور، وغش للعمل، وظلم حتى لهذا المسئول المتهاون؛ لأنك إذا رفعت الأمر إلى من فوقه وحصل المقصود والاستقامة، فقد رفعت عن هذا المسئول المباشر لك، رفعت عنه إثم التهاون وترك القيام بالواجب، يعني: أنك نصحته قال النبي عليه الصلاة والسلام: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: يا رسول الله هذا المظلوم كيف ننصر الظالم؟ قال: تمنعوه من الظلم) فالواجب على كل إنسان عليه مسئول مباشر مضيع للأمانة في الدين أو في النظام أن يناصحه بكل ما يستطيع من مناصحة، فإن حصل المطلوب فهو المطلوب، وإن لم يحصل وجب عليه أن يرفعه إلى من فوقه لأجل أن يبدل أو يعدل، أما السكوت على الخطأ فهذا خطأ.
قد يقول: أخشى أن هذا يتسلط عليَّ ولا يحصل المقصود، نقول: هذا حاصل، يمكن ألا يحصل المقصود، ويكون الذي فوقه أيضاً غير مبالٍ، لكن إن حصل عليك في هذا ضرر فهذا في ذات الله، فلك فيه الأجر، ولك الذكرى الحسنة في حياتك وبعد موتك، واصبر على ما أصابك، كما قال لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] على أن الإنسان إذا قام بما أمر الله به على الوجه الذي يرضاه الله عز وجل فإن العاقبة ستكون له، قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود:49] ، وقال تعالى: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132] لكن علينا أن يكون إيماننا تاماً بهذا، ونعلم أن العاقبة لنا متى اتقينا الله.
والعاقبة لا يلزم أن تكون سريعة، فلا يلزم أن تكون عاجلة، قد تتأخر ابتلاءً وامتحاناً، وقد لا تحصل إلا في الآخرة أيضاً ليكون ذلك أكثر أجراً وثواباً.(79/12)
حكم أخذ الإيجار على محل صالون الحلاقة
السؤال
فضيلة الشيخ: سائل يسأل بأن له قريباً لديه صالون حلاقة مؤجر على عامل ونصحه بأن هذا العمل محرم، وأن المال سحت، وأنه لا يجوز حلق لحى المسلمين، فقال: أنا لم آخذ من العامل إلا إيجار المحل مائة وخمسين ريالاً، والناس أحرار في حلق لحاهم، وأنا لم أجبرهم بحلقها عنده، فإذا أتيت لي بفتوى من الشيخ عبد العزيز أو الشيخ محمد حفظهم الله بتحريم إيجار المحل فسوف أغلق المحل، فما تقول يا شيخ في ذلك؟! وهل من نصيحة توجهونها إلى من ابتلي من الناس بأكل الأموال بالباطل؟
الجواب
أقول جزاه الله خيراً على هذا وعلى ثقته بي، أما الشيخ عبد العزيز فهو محل الثقة وأرجو أن أكون أنا كذلك إن شاء الله، أقول للأخ: إن هذا الصالون إن كتب عليه كتابة ينفذ ما فيها: ممنوع حلق اللحية، إن كتب هذه العبارة وصار من طلب منه أن يحلق اللحية أبى عليه، فلا بأس أن يطلب رزق الله، أما إذا كان سيحلق لمن طلب منه الحلق إما حلق الرأس أو اللحية فإنه لا يجوز، وعليه أن يستبدل هذا الصالون ويبدله بما هو خير منه، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه فالحاصل أن فتح الصوالين للحلاقة فيه تفصيل: إذا كان الإنسان سيمتنع من حلق ما يحرم حلقه؛ فلا بأس؛ هذا من أسباب الرزق، وإن كان سيحلق ما طلبه المحلوق ولو كان حراماً فإنه لا يجوز.(79/13)
ما يجوز للمتعلمين في الطب على تشخيص الأمراض وما لا يجوز
السؤال
فضيلة الشيخ هذا سؤال من طلاب كلية الطب يقولون فيه: بدأنا هذه السنة بالتطبيق في المستشفى ونقوم بالكشف على المرضى للتدرب على تشخيص الأمراض، فما الذي يجوز لنا والذي لا يجوز لنا فعله في هذا المجال جزاكم الله خيراً؟
الجواب
كل ما تدعو الحاجة إليه لعلمكم فهو جائز لأن أقصى ما في ذلك أن تنظروا إلى العورة مثلاً، والنظر إلى العورة للحاجة لا بأس به، لكن لو فرض أنه وكل إليكم النظر إلى امرأة مريضة وخفتم على أنفسكم من الفتنة فامتنعوا، قولوا: والله نحن لا نستطيع، هل يمكن لأحد أن يُمكَّن من فصد الناس وشق بطونهم إلا بعد أن يختبر؟ لابد من اختبار خصوصاً مادة الطب ليست هينة بل هي صعبة، يأتي إنسان لم يفهم الطب إلا نظرياً يقولون له: تفضل، هذا المريض أمامك يحتاج إلى أن تشق بطنه من النحر إلى السرة، أو من السرة إلى العانة تبقر بطون الناس وتقول طبيب، لا يصلح هذا، لابد من عملية، لابد من تمرن عملي.(79/14)
حكم متابعة الإمام إذا زاد في الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا قام الإمام إلى ركعة زائدة هل يتابعه المأموم أو يجلس؟
الجواب
إذا قام الإمام إلى ركعة زائدة وجب عليه أن يرجع متى علم أن هذه زائدة حتى لو قرأ الفاتحة حتى لو ركع، لا يجوز الاستمرار في الزائد، وقد فهم بعض الناس أنك إذا قمت إلى الركعة الزائدة فإنك لا ترجع، ظنوا أن ذلك مثل ترك التشهد الأول، التشهد الأول إذا قمت عنه ناسياً استمر ولا ترجع إليه، لكن الزيادة إذا قمت إليها ناسياً وجب عليك أن ترجع متى ذكرت، فإذا كان إماماً وجب على المأمومين أن ينبهوه، بما أمر به الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال) يقول: سبحان الله، فإن رجع فهذا المطلوب، وإن لم يرجع وجب على المأموم أن يجلس متى تيقن أنها زائدة ثم ينتظر ويسلم مع الإمام.
قد يقول قائل: كيف أنتظره وأنا أعتقد أن صلاته باطلة لأنه زاد؟ نقول له: اعتقادك أن صلاته باطلة غير صحيح، لأن الإمام أحياناً ينسى قراءة الفاتحة في بعض الركعات، ثم يأتي بالركعة هذه تكملة لصلاته فما دام هذا الاحتمال وارداً فنقول: اجلس للتشهد واقرأ التشهد مرة أو مرتين أو ثلاثاً حتى يصل الإمام ثم تصلي معه.(79/15)
حكم اشتراك المسلم مع غير المسلم في العمل
السؤال
فضيلة الشيخ: نعمل في مكان يعمل فيه كثير من الهندوس والنصارى، وعملهم مرتبط بنا فكيف نعاملهم؟
الجواب
اشتراك غير المسلمين مع المسلمين في العمل لا بأس به مع الحاجة، أما مع عدم الحاجة فلا ينبغي أن يستقدم أحد من غير المسلمين إلى الجزيرة العربية؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) ، وقال: (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب) ، وقال: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً) وخطر غير المسلمين في جزيرة العرب خطر عظيم؛ وذلك لأن هذه الجزيرة منها بدأ الإسلام وإليها يعود، كما ثبت أنه: (يأرز إلى المدينة -أي: يرجع إليها- كما تأرز الحية إلى جحرها) .
فوجود غير المسلمين معنا خطر يا إخواني! لكن نشكو إلى الله عز وجل، ونسأل الله أن يهدي ولاة أمورنا للنظر في هذا الأمر الخطير.
إنما إذا ابتليت بمشاركة غير المسلمين معك في العمل فعاملهم بما يعاملونك به؛ إلا أنك لا تبدأهم بالسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام) ولا تكرمهم بفسح الطريق لهم، يعني: لو أن جماعة المسلمين تلاقوا مع جماعة من غير المسلمين لا يكرمهم المسلمون بفسح الطريق لهم، يجعلونهم هم الذين يضطرون إلى الضيق، هم يتراصون ويدخلون مع الفوج واحداً واحداً.
لكن قد تبتلى ببلية يكون رئيسك هو الكافر، تدخل عليه لتراجعه في حاجة من الحاجات فماذا تقول؟ إن قلت: السلام عليك عصيت الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن سكت خفت على نفسك فماذا تقول؟ تحييه بغير السلام، تقول: صباح الخير، أو كيف حالك، وما أشبه ذلك، أو تقول: السلام ولكن لا تقول: عليكم وتنوي السلام يعني مطلوب عليَّ وعلى عباد الله الصالحين، الحمد لله الأمر واسع ولا يعلم عما في قلبك إلا الله.(79/16)
العدل مطلوب بين المسلم والكافر
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا أتانا في العمل كافر ومسلم لأن لهم عندنا حاجة في العمل ننجزها فأتى الكافر قبل المسلم هل نقدم المسلم على الكافر أو الذي أتى الأول؟
الجواب
لا.
ابدأ بالذي أتى الأول، هذا هو العدل، ولهذا قال العلماء: لو تحاكم كافر ومسلم عند القاضي هل يجعل المسلم في مكان أحسن من الكافر؟ لا.
لا يجعله في مكان أحسن بل يجعلهم سواء أمامه، ولا يخاطب المسلم بخطاب لين والكافر بخطاب قاسٍ، هذا لا يجوز، فالحكم بين الناس يجب أن يكون بالعدل قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة:8] وأنت إذا فعلت ذلك وعدلت فربما يكون هذا سبباً لإسلام الكافر؛ لأن في هذا الدين العدل والكافر في قومه لا يرى العدل، وذكر لي أحد طلبة العلم -وأنا لم أرها لكن ذكر لي- أنه في عهد معاوية رضي الله عنه كان أميراً على الشام في زمن عمر، فاحتاج بيت المال إلى زيادة وكان إلى جنب بيت المال بيت ليهودي، فطلبه معاوية ليوسع به بيت المال فأبى اليهودي فأعطاه أكثر من قيمته فأبى، فأخذه معاوية قهراً وقال: ثمن بيتك في بيت المال متى شئت خذه، فركب الرجل إلى أمير المؤمنين عمر في المدينة، وكان معاوية في الشام رضي الله عنه قد اتخذ لنفسه هيبة؛ لأنه في أمة يهابون الناس في الشكل، فلما قدم المدينة سأل عن عمر الخليفة أمير المؤمنين وذاك أمير في الشام فقط، سأل عن الخليفة أين الخليفة؟ ظن أنه في قصور مشيدة عظيمة، قالوا: لعله في المكان الفلاني عند بعض العجائز، أو لعله في المسجد، فذهب ورآه في المسجد وقد توسد كومة من الحصى وعليه ثوب مرقع قالوا: هذا عمر، قال هذا عمر؟!! فعرض عليه القضية، فكتب عمر رضي الله عنه إلى معاوية أن اعدل، فقط ما كتب غيرها.
فذهب بها اليهودي إلى معاوية وقال له: تفضل، قرأها معاوية قال: الآن تريد أن نعيد لك بيتك كما كان أعدناه، هكذا أمر عمر، قال هكذا أمر؟ قال نعم، قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وبيتي لكم، انظر العدل، العدل يضطر النفس إلى التصديق والقبول، فالآن إذا جاءتك معاملة فابدأ بالأول سواء كان مسلماً أو كافراً.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(79/17)
لقاء الباب المفتوح [80]
في هذا اللقاء متممة لشرح أواخر آيات سورة الشرح، وبين الشيخ كيف أن العسر لا يغلب يسرين، وأن الإنسان مطالب دائماً أن يكون في عبادة وأن تكون أعماله كلها لله، فإذا فرغ نصب للعبادة إلى الله تعالى.(80/1)
تفسير آخر سورة الشرح
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: هذا هو اللقاء الأسبوعي الذي يتم كل خميس، وهذا هو اللقاء الثمانون الذي يتم يوم الخميس الثامن والعشرين من شهر جمادى الثانية، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بهذه اللقاءات، وأن يجعلنا وإياكم ممن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً حتى ييسر الله لنا بذلك طريقاً إلى الجنة.
كنا نقدم في هذا اللقاء تفسيراً لكتاب الله العزيز الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] والذي يجب على كل مسلم أن يتعلم من معانيه ما يحتاج إليه في أمور دينه ودنياه؛ لأن الله إنما نزل القرآن للتلاوة والتدبر والاتعاظ، أي: ليس المقصود من إنزال القرآن أن نتعبد الله بتلاوته فحسب، بل أن نتعبد بتلاوته ومعرفة معانيه ونعمل به، والدليل على ذلك قول الله تبارك وتعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:29] ولم يقل ليتلوه تلاوة لفظية، قال: {وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:29] يتدبرونها: يتفهمون معناها، ويتذكرون بها، ويعملون بها.
وقد وصلنا في هذا التفسير المبتدئ من سورة النبأ إلى سورة التين، انتهينا في سورة الانشراح وكنت أظن أننا أنهيناها ولكن انتهينا إلى قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ} [الشرح:1-3] .(80/2)
تفسير قوله تعالى: (ورفعنا لك ذكرك)
قال تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4] .
فرفع ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام لا أحد يشك فيه؛ لأنه يرفع ذكره عند كل صلاة في أعلى مكان وذلك في الأذان، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.
ثانياً: يرفع ذكره في كل صلاة فرضاً في التشهد فإن التشهد مفروض وفيه: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
ثالثاً: يرفع ذكره عند كل عبادة، كل عبادة مرفوع فيها ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام، كيف ذلك؟ لأن كل عبادة لا بد فيها من شرطين أساسيين هما: الإخلاص لله، والمتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن المتابعة للرسول سوف يستحضر عند العبادة أنه متبع فيها لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهذا من رفع ذكره.(80/3)
تفسير قوله تعالى: (فإن مع العسر يسراً)
قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:5-6] هذه بشارة من الله عز وجل للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولسائر الأمة، ونسأل الأخ: هل جرى على الرسول عليه الصلاة والسلام عسر؟ حين كان بـ مكة يضيق عليه بـ مكة والطائف، وكذلك أيضاً في المدينة من المنافقين فالله يقول: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:5] أي: كما شرحنا لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك، ورفعنا لك ذكرك، وهذه نعم عظيمة، كذلك هذا العسر الذي يصيبك لابد أن يكون له يسر.
{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:5-6] قال ابن عباس عند هذه الآية: [لن يغلب عسر يسرين] فكيف توجيه كلامه رضي الله عنه مع أن العسر ذكر مرتين واليسر ذكر مرتين؟ قال أهل البلاغة: توجيه كلامه: أن العسر لم يذكر إلا مرة واحدة، (فإن مع العسر يسراً) (إن مع العسر يسرا) العسر الأول أعيد في الثانية بأل، فأل هنا للعهد الذكري، وأما اليسر فإنه لم يأت معرفاً بل جاء منكراً، والقاعدة: أنه إذا كرر الاسم مرتين بصيغة التنكير أن الثانية غير الأول إلا ما ندر، والعكس إذا كرر الاسم مرتين وهو معرف فالثاني هو الأول إلا ما ذكر، يعني: انتبهوا لهذه القاعدة، القاعدة الآن: إذا كرر الاسم مرتين بصيغة التعريف فالثاني هو الأول إلا ما ندر، وإذا كرر الاسم مرتين بصيغة التنكير فالثاني غير الأول، لأن الثاني نكرة فهو غير الأول.
إذاً: في الآيتين الكريمتين يسران وفيهما عسر واحد؛ لأن العسر كرر مرتين بصيغة التعريف.
(فإن مع العسر يسرا) هذا الكلام خبر من الله عز وجل، وخبره أكمل الأخبار صدقاً، ووعده لا يخلف، فكلما تعسر عليك الأمر -يا أخي- فانتظر التيسير.
أما في الأمور الشرعية فظاهر، (صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) هذا تيسير، إذا شق عليك القيام اجلس، وإذا شق عليك الجلوس فصلِّ وأنت على جنب.
في الصيام إن قدرت وأنت في الحضر فصم وإن لم تقدر فأفطر، إذا كنت مسافراً فأفطر.
في الحج إذا استطعت إليه سبيلاً فحج، وإن لم تستطع فلا حج عليك.
بل إذا شرعت في الحج وحصل لك ظرف لا تتمكن معه من استكمال الحج فتحلل، افسخ الحج واهدِ، لقول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] .
إذاً: كل عسر يحدث للإنسان في العبادة يجد التسهيل واليسر، وكذلك في القضاء والقدر يعني: تقدير الله على الإنسان من مصائب وضيق عيش وضيق صدر وغيره لا ييئس {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:5] التيسير قد يكون أمراً ظاهراً حسياً مثل: أن يكون الإنسان فقيراً فتضيق عليه الأمور فيوسع الله له الغنى، هذا تيسير حسي، إنسان مريض يتعب فيشق عليه المرض فيشفيه الله عز وجل هذا أيضاً تيسير حسي، هناك تيسير معنوي وهو معونة الله الإنسان على الصبر، هذا تيسير، إذا أعانك الله على الصبر تيسر لك العسر، صار هذا الأمر العسير الذي لو نزل على الجبال لدكها وصار بما أعانك الله عليه من الصبر صار أمراً يسيراً، أي: لا تظن أن اليسر معناه أن ينفرج شيء مرة، لا، اليسر أن ينفرج الكرب ويزول وهذا يسر حسي، وأن يعين الله الإنسان على الصبر، حتى يكون هذا الأمر الشديد العسير أمراً سهلاً عليه، نقول هذا: لأننا واثقون بوعد الله {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:5-6] .(80/4)
تفسير قوله تعالى: (فإذا فرغت فانصب)
قال تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:7-8] المعنى في هذه الآية: إذا فرغت في أعمالك فانصب في عمل آخر، أي: اتعب لعمل آخر، لا تجعل الدنيا تضيع عليك، ولهذا كانت حياة الإنسان العاقل حياة جد، كلما فرغ من عمل شرع في عمل آخر، لا يوجد ضياع وقت، الزمن لا يرحم كما يقولون، الزمن يمشي ويفوت على الإنسان في حال يقظته ومنامه، وشغله وفراغه، يسير، هل يمكن لأحد أن يمسك الزمن؟ لا.
لا يمكن، لو اجتمع الخلق كلهم يوقفون الشمس حتى يطول النهار ما تمكنوا، الزمن لا يمكن لأحد أن يمسكه.
إذاً، اجعل حياتك جداً، إذا فرغت من عمل فانصب في عمل آخر، إذا فرغت من عمل الدنيا عليك بعمل الآخرة، فرغت من الآخرة اشتغل في أمر الدنيا، فإذا قضيت الصلاة يوم الجمعة يكتنفها عملان دنيويان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة:9] أي: وأنتم مشتغلون في دنياكم {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة:9-10] اسعوا بيعوا واشتروا، فرغنا من شغل اشتغلنا في آخر، فرغنا منه اشتغلنا في آخر، وهكذا ينبغي أن يكون الإنسان دائماً في جد.
فإذا قال قائل: لو أنني استعملت الجد في كل حياتي لتعبت ومللت؟ قلنا: إن استراحتك لتنشيط نفسك وإعادة النشاط يعتبر شغلاً وعملاً، يعني: ليس اللازم الشغل بالحركات، لا، فراغك من أجل أن تنشط للعمل الآخر يعتبر عملاً، المهم أن تجعل حياتك كلها جداً وعملاً.
{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:7-8] أي: إذا عملت الأعمال التي فرغت منها ونصبت في الأخرى فارغب إلى الله عز وجل في الثواب، في حصول الأجر في الإعانة، كن مع الله عز وجل قبل وبعد العمل، قبل العمل كن مع الله تستعينه عز وجل، وبعده ترجو منه الثواب، {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:8] .(80/5)
تفسير قوله تعالى: (وإلى ربك فارغب)
في قوله: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:8] فائدة بلاغية أسألكم عنها: (إلى ربك) متعلقة بماذا؟ متعلقة من حيث الإعراب، فارغب مقدمة عليه، وتقديم المعمول يفيد الحصر، أي: إلى الله لا إلى غيره فارغب في جميع أمورك، وثق بأنك متى علقت رغبتك بالله عز وجل فإنه سوف ييسر لك الأمور، وكثير من الناس تنقصهم هذه الحالة، أي: ينقصهم أن يكونوا دائماً راغبين إلى الله، فتجدهم يختل كثير من أعمالهم لأنه لم يكن بينهم وبين الله تعالى صلة في أعمالهم.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممتثلين لأوامره، مصدقين بأخباره، إنه على كل شيء قدير.(80/6)
الأسئلة(80/7)
جواز الجمع بين الصلوات للمريض الذي لا يستطيع القيام
السؤال
فضيلة الشيخ! والدي مريض يستطيع الوضوء لكنه لا يستطيع القيام، هل يجوز له التيمم والجمع بين الصلاتين في البيت؟
الجواب
يقرب له الماء ويتوضأ وله أن يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، وأذكر لك طريقة تسهل عليه الأمر: يؤخر الظهر إلى العصر جمعاً ثم يتوضأ في وقت العصر ويصلي قبل أن تصفر الشمس، ويمكن أن يبقى على طهارته إلى أن يؤذن المغرب ثم يصلي المغرب والعشاء جمع تقديم، ويكون له في هذه الحال كم وضوءاً؟ وضوء واحد، الآن له وضوء واحد لأربع صلوات، وصلاة الفجر يقوم ويتوضأ، لأنه لا يوجد هناك تيمم إلا إذا تعذر الأمر في استعمال الماء، لكن ما دام ممكن فلا.(80/8)
العمليات الاستشهادية في الميزان
السؤال
فضيلة الشيخ! نسمع في بعض ساحات الجهاد ممن يقوم بأعمال جهادية ويسميها البعض أعمالاً انتحارية بأن يلغم نفسه بالقنابل ويلقي بنفسه بين جنود العدو لتتفجر القنابل في جسده فيموت أولهم، فهل يقاس هذا الفعل على العبد الذي يعجب الله منه وهو يقاتل بلا درع؟
الجواب
هذه الأعمال الانتحارية التي يذهب الإنسان إلى عدوه وقد ملئ جسمه من القنابل لتتفجر ويكون هو أول قتيل فيها محرمة، والفاعل لها قاتل لنفسه، وقتله لنفسه واضح، حمل القنابل وتفجرت به فمات، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه من قتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في نار جهنم خالداً فيها مخلداً، لكن إذا كان هذا الإنسان فعل هذا جاهلاً يظن أن هذا من تمام الجهاد فإن الله سبحانه وتعالى لا يعذبه بذنبه لأنه متأول.
وأما من علم بذلك فإنه يعتبر قاتلاً لنفسه، وقد يورد علينا بعض الناس في هذا القول: أن البراء بن مالك رضي الله عنه في غزوة بني حنيفة أمر أصحابه أن يحملوه ويقذفوا به داخل الباب؛ باب الحوطة، من أجل أن يفتح الباب لهم، وهذا لا شك أنه إلقاء بنفسه إلى أمر خطير فيقال: إن البراء بن مالك رضي الله عنه قد وثق من نفسه أنه سينجو وفيه احتمال ولو واحد من مائة أنه ينجو، لكن من تقلد بالقنابل التي نعلم علم اليقين أنه أول من يموت بها فهذا ليس عنده احتمال ولا واحد في المائة ولا واحد في الألف أنه ينجو، فلا يصح قياس هذا على هذا، نعم للإنسان الشجاع البطل الذي يعرف نفسه أن يخوض غمار العدو ويخرق صفوفهم لأن النجاة فيها احتمال، وعلى هذا فيكون إيراد مثل هذه القضية غير وارد، لأن هناك فرقاً بين من يعلم أنه سيموت ومن عنده احتمال أنه سينجو.(80/9)
حكم السجع في الدعاء
السؤال
فضيلة الشيخ! ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (إياكم والسجع في الدعاء) ؟
الجواب
هذا الحديث بهذا اللفظ لا أعرفه، لكن الإنسان ينبغي له أن يدعو الله سبحانه وتعالى بدعاء نافع جامع، وأحسن ما يدعو به العبد ما جاءت به السنة بل ما جاء به القرآن وما جاءت به السنة، في القرآن أدعية كثيرة: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:147] ، {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] والآيات في هذا كثيرة، وكذلك السنة أتت بذلك أي: بأدعية كثيرة، فالمحافظة على ما جاء في الكتاب والسنة من الأدعية هو الأفضل، لكن قد يكون للإنسان حاجة ليست مذكورة في الكتاب والسنة فيدعو الله تعالى ويتوسل إليه بأسمائه وصفاته لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180] وإذا جاء السجع سجية وطبيعة بدون تكلف فإنه مما يحسن اللفظ ويجمله، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحياناً يستعمل السجع مثل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق) فإذا جاء السجع من غير تكلف فهو من محسنات اللفظ، أما مع التكلف كما يوجد في بعض ما يدعو به بعض الناس في دعاء ختم القرآن من الأسجاع الطويلة العريضة، وربما يكون فيها اعتداء في الدعاء بحيث يتوسلون إلى الله تعالى بما لم يكن وسيلة، أو يدعون الله تعالى بما لا يمكن أن يكون لهم، فهذا غلط.(80/10)
كيفية معاملة أهل البدع
السؤال
فضيلة الشيخ! عندنا في العمل شيعة هل يجوز أن نرد عليهم السلام، ونراهم في المسجد كذلك يصلون على أوراق فهل يجوز طردهم من المسجد؟
الجواب
أقول عاملهم بما يعاملونك به، إذا سلموا فرد عليهم السلام، ولا يحسن أن يطردوا من المسجد، بل ربما يكون بعضهم من العامة الذين لا يعرفون شيئاً وقد ضللهم علماؤهم؛ فيمكنكم أنتم باللباقة والدعوة بالتي هي أحسن أن تؤثروا عليهم، واستعمال العنف بين الناس أمر غير وارد، والله سبحانه وتعالى يحب الرفق في الأمر كله، فأنتم الآن لو تصادمتم معهم وقلتم: لا تسجدوا على ورق لا تسجدوا على حجر وما أشبه ذلك، لو كان الأمر ينتهي إلى هذا ثم ينتهون؛ لكان الأمر طيباً، لكن سوف يزيدون، وسوف تكون العداوة والبغضاء بينكم أشد.
فالذي أرى: أن الواجب أولاً نصحهم، لاسيما العوام، والنصح ليس معناه أن تهاجم مذهبهم وملتهم الفاسدة الباطلة، لا.
النصح أن تبين لهم الحق وتبين لهم السنة، ثم بعد ذلك إذا تبينت لهم السنة فأنا أجزم جزماً إن كان عندهم إيمان حقيقة أن يرجعوا إليها وأن يدعوا باطلهم، فإن حصل هذا فهو الأكمل والأحسن، وإن لم يحصل فأنتم عاملوهم بما يعاملونكم به، وأما طردهم من المسجد فليس إليكم إنما هو إلى من فوقكم، ويعاملونهم بما يرون.(80/11)
تفسير قوله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون)
السؤال
فضيلة الشيخ يقول الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96] هل أفعال العباد من سيئات وحسنات مخلوقة، بارك الله فيكم؟
الجواب
قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96] هذه فيها قولان للعلماء: قول أن (ما) مصدرية، والمعنى: خلقكم وخلق عملكم، وعليه يجري سؤالك: هل عمل الإنسان مخلوق أم لا؟ والجواب أنه مخلوق لله لا شك، عملك من صفاتك، أليس كذلك؟ عمل الإنسان من صفاته الحركات السكنات ذهاب مجيء من صفاته، والإنسان نفسه مخلوق وصفات المخلوق مخلوقة لأنها تابعة له، فالله سبحانه وتعالى خلقك، وأفعالك من صفاتك؛ فتكون صفاتك مخلوقة لله كما أن ذاتك مخلوقة لله.
الوجه الثاني أو القول الثاني في الآية: أن (ما) هنا اسم منصوب، أي: خلقكم وخلق الذي تعملونه، والذي يعملونه ما هو؟ أصنام ينحتونها، كما في الآية التي قبلها: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:95-96] يعني: والذي تعملونه، وهي هذه الأصنام التي ينحتونها بأنفسهم، فإذا كانت هذه الأصنام مخلوقة فكيف يصح أن تكون معبودة؟!(80/12)
الرد على شبهة مصافحة المرأة الأجنبية
السؤال
فضيلة الشيخ! أورد بعض الكتاب المعاصرين شبهة حول مصافحة المرأة الأجنبية وقالوا: لا بأس بالمصافحة العفوية؛ والخلوة البريئة بالأجنبية مع سلامة القلب، وأن الإيمان في القلب، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: (إني لا أصافح النساء) فهذا خاص به عليه الصلاة والسلام، فما تعليقكم على هذه الشبهة وفقكم الله؟
الجواب
تعليقنا على هذه الشبهة: أنها خطأ، أن هذا القول خطأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) وهذا عام، وقال: (إياكم والدخول على النساء) وهذا عام، حتى قالوا: (يا رسول الله! أرأيت الحمو -أي: قريب الزوج يدخل على بيت قريبه- قال: الحمو الموت) أي: فاحذروه، والمصافحة أشد من الخلوة؛ لأن المصافحة إن كانت بلا حائل ففيها مباشرة الجسم للجسم ولا يخفى ما يحصل في ذلك من فوران الشهوة، مهما كان قلب الإنسان، والثاني: إذا كان بحائل فيمكن أن يغوي الشيطان الشخص حتى يغمز اليد بقوة أو بشدة، أو ينفضها، أو ما أشبه ذلك، مما يحرك الشهوة، فالمسألة خطأ كلها.
وأما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم تمس يده يد امرأة، فليس هذا خاصاً به، بل هو عليه الصلاة والسلام يجوز له من الخلوة بالنساء ما لا يجوز لغيره، وقد ثبت في أحاديث متعددة تدل على جواز خلوة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالمرأة وجواز كشفها له، في حجة الوداع سألته امرأة: عن حجها عن أبيها وكانت امرأة جميلة فجعل الفضل بن عباس وهو رديف الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ناقته جعل ينظر إليها فصرف وجهه، وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجوز له من النظر إلى النساء ما لا يجوز لغيره؛ لأنه أبعد الناس عن الريبة، فهذه الشبهة ليست شبهة في الواقع إلا على من كان في قلبه مرض، فإن المتنبي يقول:
ومن يك ذا فم مر مريض يجد مراً به الماء الزلال(80/13)
مسألة في استصحاب النية في جميع الأعمال
السؤال
فضيلة الشيخ! عند قوله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح:7] يعني: في ذهني شيء: وهو أن المسلم خاصة طالب العلم يحب أن تكون أوقاته كلها مشغولة إما بعبادة أو بعمل دنيوي ينتفع به، لكن -يا شيخ- هل تكفي نية صالحة مستمرة في هذا، أم أنه يستحضر نية عند كل عمل، وهذا في كثير من الأحيان؟
الجواب
هو لا شك أن تذكر النية عند العمل ومصاحبتها للعمل أفضل بلا شك بكثير، والإنسان إذا عود نفسه على هذا سهل عليه، ولكن إذا لم تكن هذه الحال العليا فعلى الأقل الحال الدنيا يعني الإنسان كلما أصبح ينوي نية صالحة بأنه لن يعمل عملاً إلا لوجه الله عز وجل، سواءً كان دينياً أو دنيوياً، وأرجو أن يكون ذلك كافياً وتكون النية هنا مستصحبة حكماً لا ذكراً، لكن استصحابها لها ذكر أفضل.(80/14)
حكم صلاة النساء في المصليات المنفصلة عن المسجد
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم صلاة النساء في المصليات المنفصلة عن المسجد بحيث يكون هناك ممر بينه وبين مصلى الرجال علماً بأنهن لا يرين الإمام ولا من يراه، وكذلك صلاتهن في الطابق العلوي عند الضرورة وكيف نرد على من يعارض ذلك؟
الجواب
صلاة النساء في المسجد وإن كن لا يرين الجماعة لا بأس بها، وكذلك صلاتهن في دور علوي لا بأس بها أيضاً ما دام في المسجد، أما خارج المسجد فلا إلا إذا لم يكن في المسجد مكان، مثل أن يكون المسجد ممتلئاً بالرجال ويفرش لهن فراش خارج المسجد ليصلين مع الرجال فهذا لا بأس به، كما أن صلاة الرجال أيضاً خارج المسجد لا تصح إلا إذا كان المسجد مملوءاً واتصلت الصفوف بمن هو خارج المسجد فلا بأس.(80/15)
هل غيرة الله هي الأنفة
السؤال
فضيلة الشيخ! ذكر الإمام النووي في رياض الصالحين حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن الله يغار وغيرة الله هي أن يأتي المرء ما حرم الله عليه) وذكر وقال يقصد بالغيرة: الأنفة، فهل هذا يعتبر من باب التأويل؟
الجواب
هذا ليس من باب التأويل؛ لأن الغيرة هي الأنفة في الواقع، يغار الإنسان، أي: يأنف أن يشاركه أحد في هذا العمل، أو يأنف أن يعمل أحد هذا العمل، أو ما أشبه ذلك، فالذي يظهر لي: أن هذا تفسير بالمعنى الصحيح.(80/16)
حكم الدعاء بقولك: (وفي السماء سلطانك، وفي الأرض ملكك)
السؤال
فضيلة الشيخ! سمعت داع يدعو وأثناء تعظيمه لله عز وجل يقول: وفي السماء سلطانك، وفي الأرض ملكك، وفي البحر عظمتك وقدرتك، فهل هذا الدعاء صحيح؟ وإن كان صحيحاً فما معنى: وضع السلطان في السماء فقط والقدرة في البحر فقط بارك الله فيك؟
الجواب
هذا السؤال أو هذا التوسل إلى الله بهذه الأوصاف غلط بلا شك، فسلطان الله تعالى ماض في الأرض وفي السماء، وقدرته في الأرض وفي السماء، وأخشى أن يكون هذا الداعي ممن ينكر العلو لله عز وجل فإن الذين ينكرون العلو يقولون: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16] أي: من في السماء سلطانه، فيجعلون الذي في السماء هو السلطان، أما الله فهم ينقسمون فيه إلى قسمين: قسم يقول: إن الله في كل مكان، وقسم آخر يقول: ليس لله مكان، فليس في داخل العالم ولا في خارجه، ولا متصل ولا منفصل، وهو معروف في كتب العقائد، والمهم هذا التوسل يجب إنكاره على من توسل به إلى الله تعالى في الدعاء.(80/17)
الفرق بين الغيبة وبين الكلام على الأموات
السؤال
فضيلة الشيخ! كيف تجمع بين نهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الغيبة، ونهيه عن سب الأموات، وبين قوله: (وجبت) ، وقوله: (أنتم شهداء الله في الأرض) ؟
الجواب
الجمع بينهما: أن ما قاله الصحابة رضي الله عنهم حين أثنوا شراً على إحدى الجنازتين وخيراً على الأخرى هو مجرد الخبر الذي وقع تصديقه من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والقصد منه التحذير، والغيبة وهي ذكر الإنسان بما يكره ليست حراماً في كل حال، في بعض الأحيان تكون حراماً، وفي بعض الأحيان تكون مباحة، وفي بعض الأحيان تكون مطلوبة، أليست فاطمة بنت قيس جاءت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تستشيره في أبي جهم وأبي سفيان وأسامة بن زيد كلهم خطبوها فقال لها: (أما أبو سفيان فرجل شحيح، وأما أبو جهم فضرّاب للنساء، أنكحي أسامة) ومعلوم أن وصف أبي سفيان في غيبته بأنه رجل شحيح غيبة، وكذلك وصف أبي جهم بأنه ضراب للنساء أو لا يضع العصا عن عاتقه هو أيضاً غيبة، لكن فيها مصلحة، فالغيبة في بعض الأحيان تكون مطلوبة، وبعض الأحيان تكون مباحة، قد يقصد بها مجرد التعريف مثل الأعرج والأعمش وما أشبه ذلك من كلام العلماء المحدثين الذي تسمعهم في الأسانيد كثيراً، هذه مباحة لأنه يقصد بها التعريف، وإذا قصد بها النصيحة صارت واجبة، فهذا الذي ذكره الصحابة رضي الله عنهم يريدون بذلك الإخبار عما حصل للتحذير منه إن كان شراً، والترغيب فيه إن كان خيراً.(80/18)
معنى أن الوحي كصلصلة الجرس
السؤال
فضيلة الشيخ! في حديث الحارث بن هشام: (أن الوحي يأتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على مثل صلصلة الجرس) ما معنى هذا؟
الجواب
معناه: أن الرسول عليه الصلاة والسلام يسمع صوتاً كصلصلة الجرس فيتلقى الوحي بهذه الطريقة، هذه أشده عليه، على الرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا يعرف إذا نزل عليه الوحي على هذا الوجه: (حتى إنه ليتفصد عرقاً في اليوم الشديد البرد) اللهم صل وسلم عليه.(80/19)
حكم لبس اللباس الملون والمعصفر
السؤال
فضيلة الشيخ! ورد نهي عن لبس الثياب الملونة، وما هو الثوب المعصفر؟
الجواب
نعم، ورد النهي عن لبس الثوب الأحمر الخالص، أما ما فيه لون آخر فلا، وعلى هذا فلبس الشماغ لا بأس به، لماذا؟ لأنه ليس أحمراً خالصاً، فيه بياض، وكذلك لو فرضنا أن إنساناً عليه ثوب أحمر لكنه فيه خطوط بيضاء أو سوداء أو مخالفة للون الأحمر فلا بأس في ذلك، وأما المعصفر فهو الذي صبغ بالعصفر أتعرف العصفر؟ العصفر نبات معروف يكون له ثمر وزهر يشبه الزعفران، أتعرف الزعفران؟ هو يشبهه فإذا صبغ به الثوب صار أصفر يميل إلى الحمرة، فهذا منهي عن لبسه.(80/20)
حكم قيادة المرأة للسيارة
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا أدرس في أحد جامعات المملكة في الدراسات العليا في تخصص أحتسب الشيخ: الصواب أن تقول: إحدى لأنها مؤنث.
السائل: في تخصص أحتسب على الله أن أفيد فيه الإسلام والمسلمين، وقد بليت ببعض الأساتذة كما يبتلى غيري، الذين يطرحون الشبه، مثل: قيادة المرأة، ويقولون: أنها أفضل من السائق، وهذا منعاً من وقوع الزنا والأخطار التي يتحدثون عنها، وقد حصل بيني وبين بعضهم بعض النقاش والجدال، وقد نصحني بعض الإخوة الغيورين بعدم مجادلة هؤلاء حتى آخذ رسالة الماجستير وما بعدها بإذن الله تعالى، فما رأيكم في السكوت عنهم، وعدم مجادلتهم، رغم أن مجادلتهم مني دفاعاً وحفاظاً على أفكار إخواني الدارسين، وجهونا أفادكم الله؟
الجواب
أوجهك أنه إذا كان هؤلاء الأساتذة يوردون هذه الشبه بدون سؤال من الطلبة فارفعوا بهم إلى الإدارة أو العمادة حتى يؤتى بهم ليطلب منهم الكف عن هذه الأشياء، وأقول من هذا المكان: إنه لا يحل لهم إيراد شبه على طلبة دونهم في العلم فيضلونهم عن الحق، وأحذرهم من أن يكونوا متصفين بقول الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران:7] وأقول لهم: إن عليهم أن يدرسوا ما أنيط بهم من المادة فقط.
أما إذا كان إيراد هذه الشبه من الطلبة؛ فإن الواجب أن ينظر إلى هذا الطالب المورد لهذه الشبهة نظرة جد وينصح، ويقال له: لا تفعل هذا الشيء، فإن انتهى فهذا المطلوب، وإن بقي يورد مثل هذه الشبه؛ فالواجب رفعه إلى العمادة، وأما قيادة المرأة للسيارة فقد كتبنا فيها جواباً شافياً إن شاء الله لا أدري هل نشر في الصحف أم لا، لكن كتبنا فيها وبينا فيها المحاذير والمفاسد التي تترتب على ذلك، ولسنا نقول: إن قيادة المرأة للسيارة حرام، يعنيك حركاتها وتمشية السيارة وإيقافها هذا ليس بحرام لكن ما ينتج عنه من الآثار السيئة هو الحرام، إذا كنا الآن لا نحفظ شبابنا الفتيان إذا أعطيناهم السيارة ليلاً ونهاراً كما يشاءون، كيف بالنساء؟! لا تستطيع أن تملكها، تقول: أنا سوف أذهب إلى زميلتي أجلس معها وهي تذهب إلى أمور أخرى، ثم من يضمن لنا أن تقف هذه السيارة يوماً من الأيام في طريق تتعطل، ينتهي البنزين، ثم يقف عليها رجل من أسفل الناس ولا يعطيها حاجتها إلا إذا قضت حاجته، من يأمن هذا؟ وفيه مفاسد كثيرة ذكرناها، كلها تقتضي منع المرأة من قيادة السيارة، هذه في الأمور العامة، لكن لو فرضنا أن امرأة في حائطها في بستانها تريد أن تقود السيارة من أعلى البستان إلى أسفله لتحمل مثلاً علفاً للبهائم، وما أشبه ذلك لا نمنع ذلك، ولا نقول: إنه حرام، إلا إذا علمنا أن هذا سيتخذ ذريعة إلى أن تأتي بنت التاجر وتقول: إذا أجزتم لبنت الفلاح هذا فأجيزوا لي أن أنقل سلع أبي من المخزن إلى الدكان وما أشبه ذلك، إن كان هذا يثير علينا هذا الاحتجاج فحينئذ ينظر في المسألة.(80/21)
حكم إنكار وجود فرض الكفاية وفرض العين في العلم الشرعي
السائل: هذا الدكتور في جامعة الملك سعود ولا أدري لمن أرفع الأمر، لكنه حدث نقاش بيني وبينه يقول: إن أصل العلم واحد، ولا يوجد تقسيم للعلم بين علم شرعي وعلم غير شرعي.
ويقول أيضاً بعد مناقشته قلنا: إن هناك علم فرض كفاية، وعلم فرض عين، قال: هذا ليس موجوداً في كتاب الله وسنة الرسول، ووضحنا له ما ذكر في الموافقات في كتاب الشاطبي لكن الرجل مصر على رأيه، رغم أن هذا الدكتور يعني الآن بقي أربعة أسابيع وينتهي المنهج وما أخذنا شيئاً في المنهج، كل محاضراته مجرد طرح شبه فقط؟ الشيخ: يا أخي! أقول: عندك العمادة سجلوا كلامه وارفعوه، ثم إن قوله: لا فرق بين العلوم، هذا إما أن يكون عن مغالطة ومكابرة، أو عن نقص عقل، قل له: هل علم النجار كعلم الحداد؟ هل علم الذي يشتغل بالكهرباء كعلم الذي يشتغل بالطوب؟ إن قال: نعم، فعلى عقله السلامة، وإن قال: نعم بينهم فرق، العلوم النظرية بينها فرق، هل علم الطب مثل علم النحو؟ هذا واضح لا يمكن أن ينكره إلا إنسان مكابر: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل:14] .
وأما قوله: ليس في الكتاب والسنة دليل على أن العلم فرض عين وفرض كفاية، فهذا أيضاً لقلة علمه ولجهله، فهل يجب عليَّ وأنا فقير ما عندي مال هل يجب علي أن أتعلم أحكام الزكاة؟ لا، ليس مكلفاً بالزكاة حتى أتعلم أحكامها، لكن الذي عنده مال يجب أن يتعلم أحكامها حتى يؤديها كما أمر إلى أهلها.
من لا يستطيع الحج هل نقول: لازم تدرس كتاب الحج؟ لا، حتى يريد الحج نقول: لا تحج حتى تعرف أحكام الحج، فهذه العلوم فرض كفاية، ولا بد أن تحفظ الشريعة بجميع العلوم الشرعية: عقائد، وأخلاق، وعبادات، لا بد أن تحفظ، إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين، لكن إذا احتاج الإنسان إلى علم ما ولو في باب من أبواب العلم فإنه يجب عليه أن يتعلمه، وهذا واضح.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وأسأل الله تعالى أن يعين شبابنا الصالح لمكافحة مثل هؤلاء الذين عندهم قصور في العلم الشرعي أو عندهم مكابرة، ونسأل الله تعالى أن يحمي الإسلام وحوزة الإسلام بأهله إنه على كل شيء قدير.
والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(80/22)
لقاء الباب المفتوح [81]
تحدث الشيخ عن تفسير سورة التين، وقد اشتملت هذه السورة على معانٍ عظيمة، وفوائد جليلة، حيث أقسم الله على خلق الإنسان في أحسن هيئة، مبيناً أنه سيرد إلى أرذل العمر ما عدا من آمن وعمل صالحاً، فإن لهم أجراً غير مقطوع وليس فيه منة، وبعد هذا البيان الوافي ما الذي يجعل الإنسان يكذب بهذا الدين؟(81/1)
تفسير سورة التين
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الحادي والثمانون الذي يتم كل خميس من كل أسبوع، ولقاؤنا هذا في يوم الخميس الثالث عشر من شهر رجب عام 1415هـ ونفتتحه كالعادة بتفسير كلام الله عز وجل.
وقد انتهينا من سورة الانشراح، وسنبدأ الآن بمعونة الله تعالى وتوفيقه بسورة التين.(81/2)
تفسير قوله تعالى: (والتين والزيتون)
يقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} [التين:1-3] إلى آخر السورة.
فقوله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} [التين:1-3] إقسام بهذه الأشياء الأربعة، حيث أقسم الله تعالى بالتين والزيتون، وطور سينين، وهذا البلد الأمين، يعني: مكة لأن السورة مكية، فالمشار إليه قريب وهو مكة، والتين هو الثمر المعروف، وكذلك الزيتون، وأقسم الله بهما لأنهما يكثران في فلسطين، وطور سينين أقسم الله به؛ لأنه الجبل الذي كلم الله عنده موسى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا البلد الأمين أقسم الله به أعني مكة؛ لأنها أحب البقاع إلى الله وأشرف البقاع عند الله عز وجل.
قال بعض أهل العلم: أقسم الله بهذه الثلاثة؛ لأن الأول التين والزيتون أرض فلسطين التي فيها الأنبياء وآخر أنبياء بني إسرائيل هو عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، وبـ طور سينين؛ لأنه الجبل الذي أوحى الله تعالى إلى موسى حوله، وأما البلد الأمين فهو مكة الذي بعث الله منه محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قال العلماء: ومعنى قوله: (وطور سينين) أي: طول البركة، لأن الله تعالى وصفه أو وصف ما حوله بالوادي المقدس.(81/3)
تفسير قوله تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)
قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] هذا هو المقسم عليه، أقسم الله تعالى أنه خلق الإنسان في أحسن تقويم، وإذا تأملت الجملة التي فيها المقسم عليه تبين لك أنها مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم، واللام، وقد، فأقسم الله أنه خلق الإنسان في أحسن تقويم، في أحسن تقويم هيئة وخلقة، وفي أحسن تقويم: فطرة وقصداً؛ لأنه لا يوجد أحدٌ من المخلوقات أحسن من بني آدم خلقة، فالمخلوقات الأرضية كلها دون بني آدم في الخلقة؛ لأن الله تعالى قال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] .(81/4)
تفسير قوله تعالى: (ثم رددناه أسفل سافلين)
ثم قال تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين:5] هذه الردة التي ذكرها الله عز وجل تعني: أن الله تعالى يرد الإنسان أسفل سافلين خلقة، كما قال الله تعالى {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} [النحل:70] فكلما ازدادت السن في الإنسان يتغير إلى أردأ، لا في القوة الجسدية، ولا في الهيئة الجسدية، ولا في نضارة الوجه، ولا في غير ذلك، يرد أسفل سافلين، وإذا قلنا: أن أحسن تقويم تشمل حتى الفطرة التي جبل الله الخلق عليها، والعبادة التي تترتب أو تنبني على هذه الفطرة، فإنها إشارة إلى أن من الناس من تعود به حاله -والعياذ بالله- إلى أن يكون أسفل سافلين بعد أن كان في أعلى القمة من الإيمان والعلم، والآية تشمل المعنيين جميعاً.(81/5)
تفسير قوله تعالى: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون)
ثم قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين:6] هذا استثناء من قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} يعني: إلا المؤمنين الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإنهم لا يردون إلى أسفل السافلين؛ لأنهم متمسكون بإيمانهم وأعمالهم، فيبقون عليها إلى أن يموتوا، وقوله: {فَلَهُمْ أَجْرٌ} أي ثواب {غَيْرُ مَمْنُونٍ} غير مقطوع، ولا ممنون به أيضاً، فكلمة ممنون صالحة لمعنى القطع، وصالحة لمعنى المنة، فهم لهم أجرٌ لا ينقطع ولا يمن عليهم به يعني: أنه إذا استوفوا هذا الأجر لا يمن عليهم فيقال: أعطيناكم وفعلنا وفعلنا، وإن كانت المنة لله عز وجل عليهم بالإيمان والعمل الصالح والثواب كلها منة من الله، لكن لا يمن عليهم به أي: لا يؤذون بالمن كما يجري ذلك في أمور الدنيا، إذا أحسن إليك أحدٌ من الناس فربما يؤذيك بمنه عليك في كل مناسبة، يقول: فعلت بك وأعطيتك وما أشبه ذلك.(81/6)
تفسير قوله تعالى: (فما يكذبك بعد بالدين)
ثم قال الله تبارك وتعالى: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} [التين:7] انتقل الله تعالى من الكلام على وجه الغيبة إلى الكلام على وجه المقابلة والخطاب، وقال: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} [التين:7] أي شيء يكذبك -أيها الإنسان- بعد هذا البيان بالدين أي: بما أمر الله به من الدين؟ ولهذا كلما نظر الإنسان لنفسه وأصله وخلقته، وأن الله اجتباه وأحسن خلقته وأحسن فطرته، فإنه يزداد إيماناً بالله عز وجل وتصديقاً بكتابه وبما أخبرت به رسله.(81/7)
تفسير قوله تعالى: (أليس الله بأحكم الحاكمين)
ثم قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] وهذا الاستفهام للتقرير، يقرر الله عز وجل أنه أحكم الحاكمين، وأحكم هنا اسم تفضيل، وهو مأخوذ من الحكمة ومن الحكم، فالحكم الأكبر الأعظم الذي لا يعارضه شيء هو حكم الله عز وجل، والحكمة العليا البالغة هي حكمة الله عز وجل، فهو جل وعلا أحكم الحاكمين قدراً وشرعاً وله الحكم وإليه يرجع الأمر كله.
فنحن حرصنا على أن يكون التفسير في آخر أجزاء القرآن؛ لأنه تكثر القراءة بها في الصلوات، والذي ينبغي لكل مؤمن أن يحرص على معرفة معاني كتاب الله عز وجل؛ لأنه لا يستقيم العمل بالقرآن إلا بمعرفة معناه، بل إن الله تعالى وصف الذين لا يعلمون المعنى بأنهم أميون فقال: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة:78] يعني: إلا قراءة، وكثير من الناس اليوم إن لم أقل أكثرهم لا يعرفون من القرآن إلا اللفظ فقط، وحري بطلبة العلم أن يحرصوا في كل مناسبة إذا اجتمعوا بالعامة أن يأتوا بآية من كتاب الله ثم يفسرونها لا سيما ما يكثر تعداده على العامة مثل الفاتحة، الفاتحة لو تأتي بكثير من الناس تريد أن تسأله عن معناها لا يعرف شيئاً منها.
نسأل الله أن يرزقنا العلم بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إنه على كل شيء قدير.(81/8)
الأسئلة(81/9)
حكم طواف الوداع في العمرة
السؤال
فضيلة الشيخ! شخص فعل عمرة ونسي طواف الوداع؟
الجواب
الصحيح من أقوال العلماء: أن العمرة لها وداع كالحج، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينصرف أحد حتى يكون آخر عهده في البيت) ، ولأن العمرة حجٌ أصغر، كما في حديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة الحج الأصغر) ، ولأن الإنسان يقدم إلى البيت بتحية وهي الطواف، فلا ينبغي أن يخرج منه إلا بتحية وهي الطواف.
فالصحيح: أن طواف الوداع في العمرة واجب، إلا من طاف وسعى وقصر ثم انصرف إلى أهله فهذا يكفيه الطواف الأول، فإذا كان هذا الذي ذكرت انصرف من حين أنهى العمرة فلا شيء عليه، أما إذا كان بقي في مكة فإنه من الاحتياط أن يذبح فدية في مكة ثم توزع على الفقراء إن كان قادراً ومتيسراً، وإن لم يكن قادراً ولا متيسراً فلا شيء عليه.(81/10)
الحقوق على المسلمين فيما بينهم
السؤال
فضيلة الشيخ! في الحديث: (حق المسلم على المسلم ست.
) بعضها واضح أنها من السنة كالسلام لكن بعضه يختلف ويشتبه هل هو واجب أو سنة فالحديث: (حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا دعاك فأجبه) وفيما معنى الحديث: اتباع الجنازة، وعيادة المريض، وإذا عطس فحمد الله فشمته؟
الجواب
هذه الحقوق التي ذكرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، منها ما هو واجب، ومنها ما هو سنة، والأصل في الحق أنه واجب، لأن كلمة حق بمعنى: ثابت، والثبوت من أوصاف الواجب، لكن إذا دلت الأدلة الأخرى على أن هذا الشيء ليس بواجب عملنا بها، وإلا فالأصل الوجوب، فمثلاً: (إذا لقيته فسلم عليه) ابتداء السلام لا نقول أنه واجب، ولا نقول غير واجب، في حدود ثلاثة أيام لا بأس أن يهجر الإنسان أخاه وما زاد على الثلاثة فإنه حرام، وعلى هذا فالسلام الذي يزول به الهجر واجب، ولا يجوز تركه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) ، وبهذه المناسبة أود أن أبين أن الهجر بين المسلمين محرم، هذا هو الأصل، لكن رخص الشارع في الهجر ثلاثة أيام؛ لأن الإنسان قد يكون بينه وبين أخيه شيء من المخاصمة والنزاع والاختلاف في الرأي فيغضب عليه، فجعل له الشرع ثلاثة أيام ليزول ما في نفسه، وإلا فالأصل أن الهجر حرام.
فإن قال قائل: هجر أهل المعاصي هل هو واجب؟ الجواب: نقول: إن كان هجرهم يفيد توبتهم من المعاصي فاهجرهم، وإن كان لا يفيد فلا تهجرهم؛ لأن الهجر لا يزيد الطين إلا بلة، ولا يزيد هذا العاصي إلا تمادياً في معصيته كما هو مشاهد، فالهجر دواء، إن نفع فاستعمله وإلا فلا.
وأما تشميت العاطس إذا حمد الله فهو واجب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حق على كل من سمعه أن يقول له: يرحمك الله) يعني: إذا عطس فحمد الله.
وأما عيادة المريض فالصحيح أنها فرض كفاية، وأنه لا يجوز للمسلمين أن يكون أخوهم مريضاً ولا يعوده منهم أحد، بل لا بد أن يعاد، ولكنه فرض كفاية: إذا قام به من يكفيه سقط عن البقية.
وأما اتباع جنازته فهو فرض كفاية أيضاً، فلا بد من اتباع جنازته وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، ولا يجوز للمسلمين أن يتخلفوا عن ذلك.
فهذه الحقوق التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، منها ما هو واجب ومنها ما ليس بواجب، والأصل أنها واجبة.(81/11)
حكم قول المأموم (بلى) إذا قرأ الإمام: (أليس الله بأحكم الحاكمين)
السؤال
سمعنا بعض المأمومين إذا قرأ الإمام قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] يقول المأموم: بلى، فما صحة هذا؟
الجواب
هذا صحيح، إذا قال الله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] فقل: بلى، وكذلك مثل هذا الترتيب يعني: إذا جاءنا مثل هذا الكلام نقول: بلى.
{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر:36] تقول: بلى.
{أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ} [الزمر:37] تقول: بلى.
{أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:40] تقول: بلى.
لكن المأموم إذا كان يشغله هذا الكلام عن الاستماع إلى إمامه فلا يفعل، لكن إذا جاء في آخر الآية التي وقف عليها الإمام فإنه لا يشغله.
فإذا قال: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} يقول: بلى.(81/12)
حال حديث: (من زار أخاه فإن سبعين ألف ملكاً يستغفرون للزائر والمزار)
السؤال
في فضل الزيارة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما معنى الحديث: (إذا زار الأخ أخاه فإن سبعين ألف ملك يستغفرون للزائر والمزار) هل هذا صحيح؟
الجواب
هذا لم أسمعه، لم أسمع أن (من زار أخاه فإنه يستغفر له سبعون ألف ملك) لكن لا شك أن الزيارة في الله والتي لا يقدم عليها إلا محبة الائتلاف بين المسلمين، والمحبة لا شك أنها من الفضل بمكان، أما هذا الفضل المخصوص فلا أعرفه.(81/13)
حكم الاحتجاج بالقدر على المعصية
السؤال
يا شيخ! بارك الله فيك! ذكر ابن القيم في شفاء العليل في محاجة آدم وموسى عليهما السلام فوجدت فيه إشكالاً أورده عليك يا شيخ: ذكر الأقوال في توجيه هذا الحديث، ثم ذكر من هذه الأقوال: أن آدم عليه السلام حاج موسى لأنه تاب من الذنب وأقلع عنه، ومن تاب من الذنب كمن لا ذنب له.
ثم إن ابن القيم خطّأ هذا القول وقال: هذا قول غير صحيح.
ورد عليهم من ثلاثة أوجه، ثم ذكر كلام شيخ الإسلام في المسألة، ثم قال ابن القيم: ويتوجه هذا في جوابين: أما الاحتجاج بالقدر فإنه ينفع في وقت ويضر في وقت، ينفع إذا تاب الإنسان منه، أي: بعد التوبة، ولو احتج الإنسان بالقدر يجوز، أما وهو واقع في الذنب لا يجوز.
فالآن -يا شيخ- توجيه ابن القيم هنا كأنه وقع فيما وقعت فيه الطائفة التي رد عليها؟
الجواب
الحديث -بارك الله فيك- تنازع الناس فيه حسب مذاهبهم وآرائهم: فمنهم: من رد هذا الحديث وقال: لا يصح؛ لأنه خبر آحاد ومناقض لما يظنونه أصلاً من أصول الشريعة: وهو عدم الاحتجاج بالقدر.
ومنهم: من خرجه على وجوه متعددة، وأحسن الأوجه وجهان: الوجه الأول: ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: إن موسى لم يحتج على آدم بالمعصية وإنما احتج عليه بالإخراج، وقال: لم أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ ولم يقل: لم عصيت الله، فاحتج آدم عليه الصلاة والسلام بأنه قد كتب علينا هذا، يعني: كتب أن يفعل وتكون النتيجة أن يخرج من الجنة، وكأنه يقول: لو علمت أن هذه النتيجة ما فعلت، وهذا يقع كثيراً: أن الإنسان قد يسافر إلى بلد ما ثم يحصل عليه حادث، فإذا قيل له: لم سافرت؟ لو لم تسافر ما حدث هذا.
سيقول في نفسه ويقول لمن كلمه: لو علمت بأن هذا سيحدث ما سافرت، لكن هذا أمر كتب عليَّ أن أسافر ويحصل هذا الحادث، وأنا لم أسافر من أجل الحادث.
فهكذا قضية آدم، آدم لم يأكل من الشجرة ليخرج من الجنة، لكنه لم يعلم بما ينتج عن أكله من هذه الشجرة، فأكل من الشجرة ثم كانت النتيجة أن أخرجه الله تعالى من الجنة، وهي نتيجة في ظاهرها أنها تسوء الإنسان، لكن عند التأمل تجد أن الحكمة في ذلك، فلولا هذا ما عشنا في الأرض ولبقينا هناك، ولاختل نظام العالم الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون.
أما الوجه الثاني: فهو الذي اختاره ابن القيم رحمه الله: أن آدم لم يحتج على الذنب ليستمر عليه كما فعل المشركون الذين قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:148] وإنما احتج بالقدر في أمر قد فات وتاب منه وانمحى أثر هذه المعصية في توبة الله عليه فكأنه لم يكن.
والظاهر لي: أن توجيه شيخ الإسلام رحمه الله أقرب إلى الصواب؛ لأنه يبعد أن موسى عليه الصلاة والسلام يلوم أباه على أمر تاب منه، واجتباه الله تعالى بعده وهداه، لكن كلام ابن القيم له وجه، والاحتجاج بالقدر لا يلزمه مطلقاً، قال الله تبارك تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام:107] فالاحتجاج بالقدر إذا كان من أجل الاستمرار في المعصية أو فعل المحرم أو ترك الواجب؛ احتجاج باطل، والاحتجاج بالقدر على أمر قد وقع ولا يمكن للإنسان أن يتخلص منه، ولكنه فيما بينه وبين ربه وفيما يجب عليه من التوبة قد تاب؛ هذا لا بأس به.
السائل نفسه: يا شيخ! ألا يوجد الآن تعارض؛ لأن ابن القيم يختار هذا القول مع أنه رد على الطائفة بنحوه؟! الشيخ: لا أستطيع الآن، لأنني بعيد العهد في هذا، فيحتاج إلى تأمل، وأخشى أنه لو قرأنا هذا وناقشنا فيه يفوت على الإخوان الوقت.
ولكن تعطينا الصفحة وأراجعها في وقت آخر.(81/14)
حكم القراءة مع الإمام في الصلاة
السؤال
هل يجوز القراءة مع الإمام؟
الجواب
القراءة مع الإمام منهي عنها إلا في الفاتحة، فإن الفاتحة لابد منها، وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الفجر فلما انتهى من الصلاة قال: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) وما سوى الفاتحة فإنه لا يُقرأ والإمام يقرأ.(81/15)
حكم الاجتماع لإنشاد الشعر
السؤال
نحن نعاني من عادات: حيث يقوم صفان من الناس، ثم يقوم اثنان من الشعراء يتبادلون الشعر ويدخل فيه السب والشتم، فما موقفنا -يا شيخ- من هذا الفعل؟ وكذلك يوجد التصفيق والتصفير؟
الجواب
الاجتماع على إنشاد الشعر لا بأس به، هذا هو الأصل، لكن إن صحبه شيء من المفسدة كما قلت: بأن يكون بعضهم يسب بعضاً وربما يتعدى السب إلى آبائهم وأجدادهم، فهذا لا يجوز من أجل ما يقترن به من السب، وأما مجرد أن يجتمع أناس ويتبادلون الشعر فيما بينهم فلا بأس به.
على أني لا أحبذ أن يكون هذا دائماً كما يفعله بعض الناس، حيث يخرجون في كل ليلة ويقيمون مثل هذا الفعل.
السائل: يدخل فيه تصفيق وتصفير ورقص.
الشيخ: لا، هذا إذا لم يصاحبه شيء محرم فلا بأس به، وإن صاحبه شيءٌ محرم من السب والتصفيق والرقص فهذا لا يجوز، فهذا كله لا يجوز.(81/16)
حكم سفر المرأة مع محرمها إلى الخارج بدون حاجة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم سفر المرأة إلى الخارج بدون عذر، يعني: لغرض السياحة فقط مع محرم؟
الجواب
سفر المرأة إلى الخارج مع زوجها أحسن من بقائها في بلدها لها وله أيضاً، فلا أرى مانعاً، لكن أصل سفر الزوج من أجل السياحة -كما قلت- لا أرى جوازه لأن فيه محاذير: المحظور الأول: أن الإنسان يقدم إلى بلاد كافرة، ربما يتأثر بدينهم أو أخلاقهم أو عاداتهم.
ثانياً: أنه يصرف أموالاً كثيرة في السفر إلى تلك البلاد.
ثالثاً: أنه يثري أموال هؤلاء ويدخل عليهم فوائد كثيرة.
رابعاً: أنه ربما يقتدى به فيتهافت الناس على هذه المسألة.
خامساً: أنه بلغنا عن أناس كانوا مستقيمين فذهبوا في إجازة الصيف إلى بلاد الكفر، ثم رجعوا منحرفين والعياذ بالله، وهذا ليس ببعيد.
لذلك نرى أنه لا يجوز السفر إلى بلد الكفر إلا لمصلحة دينية أو دنيوية بشروط: - أولاً: أن يكون الإنسان عنده علم يدفع به الشبهات؛ لأنه هناك سوف يعرضون عليه أشياء ويشككوه في دينه.
- الثاني: أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات؛ لأن هناك خمور ودعارة وكل ما تتصور من الشر فإنك تجده هناك والعياذ بالله.
- الثالث: المصلحة أو الحاجة.
فإذا تمت هذه الشروط الثلاثة فلا بأس، وأما إذا اختل شرط واحد منها فلا أرى جواز السفر إلى تلك البلاد.(81/17)
حكم الجمع لمن أراد السفر وهو ما زال في بلده
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا كنت أريد أن أسافر إلى المدينة النبوية وقبل أن أسافر وجبت صلاة الظهر فهل يجوز لي أن أصلي العصر مع الظهر؟
الجواب
إذا كنت في بلدك فلا يجوز، لا يجوز أن تجمع إلا إذا بدأت بالسفر، وإذا كنت تخشى ألا تتيسر لك صلاة العصر مثل: أن تذهب مع إنسان تخشى ألا يقف إذا جاء وقت العصر، أو في طائرة لا تدري هل تدرك العصر في البلد الذي تقدم إليه أم لا، فلا بأس، أما إذا كان سفرك في سيارتك التي تحت تصرفك، ومتى شئت وقفت وصليت فلا تجمع؛ لأن الجمع كالقصر، كما أنك لا تقصر في بلدك لا تجمع أيضاً، لكن الجمع إذا خاف الإنسان ألا يأتي بالصلاة الثانية، فله أن يجمع.(81/18)
هل الملحق الذي ضمن سور المسجد يجري عليه أحكام المسجد؟
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض المساجد والجوامع يلحق بها غرف يقام فيها مكتبة، وبعضها فارغة وبعضها مستودعات، هذه الغرف ضمن سور المسجد، فهل يصح الاعتكاف فيها، وهل تعتبر بمثابة القبة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربها عندما أراد الاعتكاف؟ وما هو القول الراجح في أول بدء الاعتكاف وآخره؟
الجواب
الحجرة التي تكون داخل سور المسجد من المسجد، سواءً كانت مكتبة أو مستودعاً أو غير ذلك، فحكمها حكم المسجد، فإذا دخلها الإنسان صلى ركعتين قبل أن يجلس، وإذا اعتكف فيها صح اعتكافه، ولا يجوز فيها البيع ولا الشراء، المهم أن لها أحكام المسجد.
وأما الاعتكاف فالصحيح أنه يدخل معتكفه قبل غروب الشمس يوم العشرين، يعني: يستقبل ليلة واحد وعشرين، قبل أن تغرب الشمس يوم العشرين فيستقبل ليلة الحادي والعشرين، وينته الاعتكاف بغروب الشمس في آخر يوم من رمضان.(81/19)
حكم من يمتنع عن سؤال العلماء بحجة معرفته الحكم
السؤال
ما حكم من يمتنع عن سؤال العلماء بحجة أنه يعلم ويستدل بقوله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] ويقول: لا يجوز لي أن أسأل لأني أعلم بهذا الحكم؟ فما حكم ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
هذا صحيح، إذا كان صادقاً في قوله أنه عالم لا حاجة أن يسأل العلماء، أما إذا كان ليس لديه علم فإن الله سبحانه وتعالى سوف يحاسبه على تصرفه، يعني: لو أن إنساناً يعلم أن من أكل لحم إبل انتقض وضوءه، هل نقول: اذهب اسأل العلماء؟ لا نقول ذلك، لكن إذا قال: لا، لحم الإبل لا ينقض الوضوء، وأنا أعلم بذلك، ولست بسائل العلماء، فهذا هو المحذور أن يدعي لنفسه ما لا يملكه، وأما إذا كان حقاً يعلم فلا حاجة للسؤال.(81/20)
حكم فك السحر بالسحر
السؤال
هل يجوز فك السحر بالسحر؟
الجواب
يرى بعض العلماء: أنه حرام ولا يجوز، وهذا هو الذي عليه أكثر أهل العلم من السلف والخلف.
ويرى بعض العلماء: أنه إذا دعت الضرورة في ذلك فلا بأس.
وأنا لا أفتي فيه بشيء، لكن أنقل لك ما علمت من آراء العلماء.(81/21)
حكم الدم الخارج من الجسم
السؤال
فضيلة الشيخ هل الدم الخارج من الجسم نجس؟ وهل يجب خلع الثياب عند أداء الصلاة؟
الجواب
الدم الخارج من الجسم إن خرج من السبيلين، أي: من القبل أو الدبر فهو نجس، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يأمر النساء في الحيض أن يغسلن دم الحيض.
وإن خرج من بقية البدن كالرعاف والجرح وما أشبه ذلك، فأكثر أهل العلم يرون أنه نجس لكن يعفى عن يسيره، يعني: عن الشيء القليل منه، حتى ولو أصاب البدن منه أو الثوب، وبعض العلماء: يرى أنه ليس بنجس لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إن المؤمن لا ينجس) ، وكان الصحابة رضي الله عنهم في الجهاد تصيبهم الجراحة وتتلوث أبدانهم وتتلوث ثيابهم بذلك الدم، ولم ينقل أنهم أمروا بغسله، ولأن ما فصل من الآدمي فهو طاهر فلو قطعت إصبعه مثلاً فالإصبع طاهرة، فإذا كانت الأجزاء إذا انفصلت فهي طاهرة فطهارة الدم من باب أولى، على أن الأجزاء التي تنفصل لابد أن يكون بها دم، لكن الاحتياط: أن يغسله، إلا أن يكون شيئاً يسيراً جرت به العادة فلا بأس ألا يغسله.
لكن لماذا لم تسأل هل ينقض الوضوء أو لا؟ فنقول: إنه لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من السبيلين، أما ما خرج من بقية البدن فإنه لا ينقض الوضوء سواءً كان قليلاً أو كثيراً.(81/22)
حكم من توضأ وبقي جزء من أعضاء الوضوء لم يغسله
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا توضأ شخص فلما انتهى وجد جزءاً من أعضائه لم يكمل وضوءه، فهل يمسح هذا الجزء، أم يعيد الوضوء؟
الجواب
أولاً: قولك: هل يمسح، لا يستقيم؛ لأنه لا يوجد مسح إلا في الرأس، ولو كان جزءاً بسيطاً لا بد من غسله، لكن يغسله ويغسل ما بعده، فمثلاً: إذا كان في اليدين نقول: اغسل هذا الذي لم يصبه الماء وامسح رأسك وأذنيك واغسل رجليك، فإذا كان في الرجلين نقول: اغسله فقط؛ لأنه ليس بعد الرجلين شيء.(81/23)
حكم زيارة المريض
السؤال
قول البراء بن عازب رضي الله عنه: (أمرنا النبي صلى الله عليه بسبع ونهانا عن سبع، إلى أن قال: أمرنا بعيادة المريض وتشميت العاطس -وإلى غير ذلك- ونهانا عن الخواتم وعن التختم بالذهب) إلى غير ذلك، إلى أن استطرد الأشياء السبع.
فهل الآن قول البراء (أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم -يا شيخ- قبل قليل: إن عيادة المريض فرض كفاية، فكيف يحمل معنى النبي صلى الله عليه وسلم (أمرنا) يا شيخ؟
الجواب
الأمر يقتضي الوجوب هذا هو الأصل، لكنه ليس فرض عين؛ لأننا نعلم أن المرضى في عهد النبي عليه الصلاة والسلام لا يعودهم كل واحد من الصحابة، وتزول وحشة المسلم من إخوانه إذا عاده واحد من الناس أو جماعة حسب الحاجة، أما أن يكون فرض عين فهذا صعب.
السائل: لكن -يا شيخ- لفظة: أتانا حديث، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (أمرنا أو أُمِرت) أو قال في أحاديث أخرى قال: (أمرته) وغير ذلك يشمل الأمر؛ فإذا وجدنا لها صارفاً فيحمل على الاستحباب وغير ذلك، ما نقول أنه واجب الشيخ: هذا الأصل الأصل أن الأمر يقتضي الوجوب ما لم يوجد له صارف، هذا هو الراجح من كلام الأصوليين، وبعض الأصوليين يقول: الأصل في الأمر الاستحباب ما لم يوجد له دليل على الوجوب.(81/24)
حكم التسمي بالأسماء المعبدة لغير الله
السؤال
فضيلة الشيخ! يوجد في بلادنا بعض الناس يسمون أبناءهم: عبد الرسول، وعبد النبي، وعبد الرضي، وعبد المحمود وغير ذلك، وبعضهم يسمي مثلاً: رحمة الله، وجاد الله، وجار الله، وجيب الله، ودفع الله، والله جابه ونحو ذلك، فما الحكم، وما تعليقكم أثابكم الله؟
الجواب
قال ابن حزم رحمه الله: اتفق العلماء على تحريم كل اسم معبد لغير الله إلا عبد المطلب.
فالعلماء مجمعون على أنه لا يعبد الاسم لغير الله، فلا يقال: عبد الرسول، ولا عبد النبي، ولا عبد الكعبة، ولا عبد الرضي، وما أشبه ذلك، لا يعبّد إلا بما كان من أسماء الله عز وجل.
وأما دفع الله، وعطاء الله، وهبة الله وما أشبه ذلك؛ فلا بأس، جاد الله يعني: أن هذا من جود الله، لكن جار الله لا أدري ما معناها فلا أصدر فيها حكماً.
السائل: بعضهم يقول معنى: جيب الله بمعنى: أن هذا الشخص كثير العطاء والسخاء فكأنها مأخوذة من هذا المعنى، وبعضهم يقول -يا شيخ- جيب الله بمعنى: أن الله سبحانه وتعالى أتى به، أو يقول هو البكر الوحيد أو أن هذا الرجل ليس له غير هذا؟ الشيخ: على كل حال يرجع -بارك الله فيك- للمعنى، فإن كان صحيحاً فلا بأس، فإذا قالوا: هذا جيب الله بمعنى: أنه كثير العطاء فكأنهم يريدون أن يلحقوا عطاء هذا الرجل بعطاء الله عز وجل، وهذا لا يجوز؛ لأنه لا أحد يماثل الله في الكرم، فيغير هذا إلى اسم آخر.(81/25)
حكم طلب قضاء دين للدولة من الحاكم أو السلطان
السؤال
فضيلة الشيخ! السعي في قضاء الدين للوالد عند الحكام، وهذا الدين للدولة، هل في ذلك شيء على دين الشخص من ناحية الدخول على الحكام لطلب قضاء الدين منهم؟ الشيخ: يعني: معناه أن والده يطلب الحكومة.
السائل: والده متوفى، والحكومة لها دين عنده.
الشيخ: يعني: للحكومة دين عليه؟ السائل: فما حكم الدخول على الحكام لقضاء الدين أو طلب الاستسماح منهم في ذلك؟ الشيخ: يعني: لطلب إسقاط الدين؟ السائل: نعم.
الشيخ: هذا لا بأس به إذا كان الوالد لم يخلف تركة، أن يطلب من صاحب الحق سواء حكومة أو غير حكومة أن يسقط الدين، أما إذا خلف تركة فإن هذا سائل لنفسه في الواقع، لأن الدين يجب أن يقضى من التركة، فإذا ذهب صاحب الدين وقال: أسقطوا عن أبي، لا سيما إن ظهر بمظهر أنه لم يوجد له تركة فهذا إنما سأل لنفسه فلا يجوز، أما الدخول على ولاة الأمر فلا بأس به، لأن الدخول على ولاة الأمور إذا لم يكن ذلك سبباً لنقص دين العبد فلا بأس به.(81/26)
جواز المسح على الجوارب الثقيلة والخفيفة مع بيان مدة المسح
السؤال
يا شيخ! بالنسبة للمسح على هل يشترط فيهما أن يكونا ثقيلين، وابتداء مدة المسح هل هو من أول اللبس، أو أول حدث بعد اللبس، أو من أول مسحة؟
الجواب
لبس الجوارب لا بأس به، ويجوز المسح عليها ولو كانت خفيفة؛ لأن الحكمة من جواز المسح على القدم مشقة النزع واللبس، وليس الحكمة أن الرجل مستورة، ومعلوم أن الجوارب الخفيفة يشق نزعها ثم لبسها كما يشق نزع ولبس الثقيلة، فالصحيح: أن المسح على الجوارب -خفيفة كانت أو ثقيلة- جائز.
وأما ابتداء مدة المسح فإنه من أول مرة مسح بعد الحدث، وليس من اللبس ولا من الحدث، فمثلاً: لو قدرنا أن رجلاً لبس الجوارب لصلاة الفجر اليوم الخميس ونقض الوضوء في الساعة العاشرة وتوضأ لصلاة الظهر الساعة الثانية عشرة فابتداء المدة من الساعة الثانية عشرة، فله أن يمسح إلى الثانية عشرة من يوم الجمعة، لكن على كل حال في يوم الجمعة سيعترضه الغسل وإذا أراد الاغتسال فلا بد من خلع الجوارب.(81/27)
معنى حديث: (خلق الله آدم على صورته)
السؤال
ما هو التوجيه الصحيح لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته) ؟
الجواب
هذا له توجيهات: التوجيه الأول: أن الحديث على ظاهره: (إن الله خلق آدم على صورته) لكن بدون مماثلة، إذ لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له، والله سبحانه وتعالى قد قال في كتابه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] ، وقال تعالى: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:74] والدليل على أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له، أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر: (بأن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر) ومعلوم أنهم لا يماثلون القمر ليلة البدر، لكن من حيث الحسن والجمال يكونون على صورة القمر، فنقول: كون الشيء على صورة الشيء لا يلزم منه المماثلة، ونحن نؤمن بالكتاب والسنة فنقول: إن الله ليس كمثله شيء ولو كان الشيء على صورته، ونقول: (إن الله خلق آدم على صورته) .
التوجيه الثاني في الحديث: أن الله خلقه على صورة اختارها واجتباها لآدم، فيكون المعنى -أي: الإضافة- التشريف والتكريم، كما في قوله تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج:26] ومعلوم أن الكعبة ليست بيت الله التي يسكنه بل هو بيته الذي يعظم، وكقوله تعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس:13] ومعلوم أن هذه الناقة ليست ناقة الله التي يركبها سبحانه وتعالى، حاشاه من ذلك بل أضافها صالح إلى ربه للتشريف أي: تشريف هذه الناقة وتعظيمها.
وكلا الوجهين صحيح، لكن الوجه الأول أسلم؛ لأن الوجه الأول: أن الله خلق آدم على صورته من غير مماثلة، أبعد عن التأويل وهو متماش على ظاهر النص.(81/28)
معنى رؤية الله بصورته التي يعرفه بها المؤمنون والمنافقون
السؤال
في الحديث: (أن المؤمنين والمنافقين يرون الله سبحانه وتعالى على صورته التي يعرفونها) ما المقصود: بصورته التي يعرفونها؟
الجواب
التي يعرفونها مما وصف به نفسه عز وجل، فإن الله تعالى قد وصف نفسه لعباده بأنه عظيم وأنه قدير وأنه ذو سلطان، وأنه له وجه وله عين وما أشبه ذلك، فهم يعرفونها لا لنظر سابق، ولكن لما وصف الله به نفسه.(81/29)
حكم مقولة: (عدالة السماء ونور السماء) وما أشبه ذلك
السؤال
ما حكم ألفاظ تصدر عن الكتاب العصريين في كتاباتهم مثل قولهم: عدالة السماء، أو هدي السماء، أو النور العلوي، وكذلك وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالعبقرية، وأنه أفضل قائد في العالم، هل يصح إطلاق هذه الألفاظ على إطلاقها؟
الجواب
هم يريدون بنور السماء وهداية السماء نور الله عز وجل؛ لأنه في السماء، ولكن الأفضل أن يعدلوا عن هذه الكلمات وأن يقولوا: نور الله وهداية الله كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها) قال: (كان الذي في السماء) فإطلاق مثل هذه العبارات يجب على الإنسان التوقف فيها وأن يقال: الأفضل أن تضيفوا الشيء إلى من هو له حقيقة؛ لأن مجرد السماء ليس فيها هداية وليس فيها نور وإنما هو نور الله عز وجل وهداية الله.
وأما وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عبقري فإن كان الرجل يريد أنه عليه الصلاة والسلام عنده علم بما يتعلق بشئون الحياة من الشجاعة والكرم وما أشبه ذلك فلا بأس، وإن كان يريد أنه عبقري ولكنه لم ينل هذا المقام إلا بعبقريته لا بكونه رسول الله، فهذا لا يجوز، فالرسول محمد عليه الصلاة والسلام رسول الله، ولا شك، وهو صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأكرم الناس وأجود الناس وأحسن الناس خلقاً.(81/30)
حكم قص شعر الحواجب للضرورة
السؤال
فضيلة الشيخ! شخص يتأذى من طول شعر حواجبه؛ وذلك لأنها تتساقط أحياناً على عينيه، ويتحرج من تخفيفها أو إزالتها للحديث الوارد: بلعن النامصة والمتنمصة.
فما توجيهكم لذلك؟
الجواب
توجيهنا لهذا أنه لا بأس أن يقص من حاجبيه ما يظلل على نظره وبصره، وقد ذكر أصحاب الإمام أحمد رحمه الله أنه كان يأخذ من حاجبيه.
فإذا قص ما يؤذيه فلا بأس به ولا إشكال في هذا، والنمص الذي جاء في الحديث: هو نتف الشعور وترقيقها، وأما مجرد أن يأخذ الإنسان ما زاد من الشعر؛ من أجل ألا يحجبه عن النظر، أو أن يدفع ضرره بتساقطه على العين فهذا لا إشكال في جوازه.
السائل نفسه: بالنسبة للعن هل هو خاص بالمرأة أو هو عام؟ الجواب: هو عام، لكنه ذكر في النساء؛ لأن هذا هو الغالب، الغالب أن الذي يستعمل النمص النساء، وإلا فهو للرجال وللنساء، بل قد يقال في الرجال أشد؛ لأن النامص يكون متشبهاً بالنساء إذا نمص.(81/31)
حكم النظر إلى الصور التي تعرض في التلفاز
السؤال
فضيلة الشيخ! قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور:30-31] هل هذه الآية خاصة بالنظر إلى النساء الأجنبيات، أو تشمل كل الأمور الأخرى مثلاً: النظر إلى التلفاز، أو الصور، أو إلى بعض الجرائد التي فيها صور لمعرفة أخبار المسلمين في العالم؟
الجواب
الآية لا شك أنها في الأصل في النظر إلى النساء، نظر الرجال إلى النساء ونظر النساء إلى الرجال، هذا هو الأصل.
وأما ما يعرض في التلفاز فإن كان الإنسان ينظر إليه نظر تمتع وشهوة فلا شك في التحريم، وأما إذا كان ينظر إليه نظراً عادياً ففي النفس منه شيء، والأولى أن يتجنب ذلك، فإذا ظهرت المذيعة -مثلاً- في التلفاز فليغلق التلفاز؛ لأنه يخشى إذا نظر إليها أن يفتتن بها.(81/32)
لقاء الباب المفتوح [82]
يتحدث الشيخ في هذه المادة عن تفسير سورة العلق مبتدئاً الكلام بالحديث عن حكم وفوائد تنزل القرآن، والبحث في البسملة: هل هي آية أم لا؟ وبعد ذلك يغوص في آيات سورة العلق ليفصلها، وينهي الحديث بالإجابة عن الأسئلة الواردة في هذا اللقاء.(82/1)
تفسير آيات من سورة العلق
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والثمانون بعد المائة المعبر عنه بلقاء الباب المفتوح، والذي يكون كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس العشرون من شهر رجب عام (1415هـ) .
وكان من عادتنا أن نبدأ هذا اللقاء بتفسير آية من كتاب الله عز وجل؛ لأن كتاب الله سبحانه وتعالى نزل لعدة حكم: منها: التعبد لله تعالى بتلاوته، فإن تلاوة كتاب الله مما يقرب إلى الله، والحرف الواحد منه ثوابه عشر حسنات.
ومنها: أنه نزل من أجل التدبر لمعانيه، حيث قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] وهذه الحكمة غفل عنها كثيرٌ من الناس، لا أقول: من عامة الناس بل حتى من طلبة العلم، تجد بعض الطلاب يعتنون بشرح الأحاديث أو كلام الفقهاء أو غيرهم من علماء الشريعة لكنهم لا يعتنون بتفسير كتاب الله عز وجل، مع أن كتاب الله هو أم الكتب كلها، وإليه مرجع الكتب، وكتاب الله عز وجل هو الذي كلفنا بأن نتدبر آياته وأن نتعظ بها، لهذا نرى أنه لا يليق بطالب العلم أن يعرض عن تفسير كتاب الله وهو يعتني بتفسير كلام غير الله عز وجل.
وابتدأنا هذا التفسير بسورة النبأ؛ لأن هذا الجزء كثيراً ما يقرأ في الصلوات كصلاة المغرب والعشاء، فيسمعه العامة، فيحسن أن يعرفوا معاني هذا الجزء من كتاب الله عز وجل، وآيات الله سبحانه وتعالى في الكتاب العزيز متشابهة، ربما تجد بعض الآيات بنصها ولفظها في موضع آخر، مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة:73] هذه الآية وردت بلفظها في مكان آخر في كتاب الله وردت في التوبة ووردت في سورة التحريم، فكتاب الله يشبه بعضه بعضاً.
وفي هذا اللقاء سوف نشرح سورة (اقرأ) إذ أننا ولله الحمد أكملنا ما سبق.(82/2)
تفسير قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق)
يقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] وفي البسملة بحث سبقت الإشارة إليه لكن لا مانع من إعادته وهو: هل البسملة آية من السورة التي تليها، أم هي آية مستقلة؟ الصحيح: أنها آية مستقلة، وليست من السورة التي تليها، فلا هي من الفاتحة ولا من البقرة ولا من آل عمران بل هي آية مستقلة، ولهذا لو أن الإنسان في الصلاة قرأ الفاتحة بغير البسملة فصلاته صحيحة؛ لأن البسملة ليست منها، لكن سورة براءة لم تكتب فيها البسملة؛ لأنها لم تنزل البسملة بينها وبين سورة الأنفال، لكن اشتبه على الصحابة حين جمعوا القرآن فجعلوا فاصلاً بين سورة الأنفال وسورة براءة ولم يكتبوا البسملة.
يقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1-5] هذه الآيات هي أول ما نزل على الرسول عليه الصلاة والسلام من القرآن، نزلت عليه وهو يتعبد في غار حراء، وكان صلى الله عليه وسلم أول ما بدئ بالوحي أنه يرى الرؤيا في المنام فتأتي مثل فلق الصبح، يعني: يحدث ما يُصدِّق هذه الرؤيا، وأول ما كان يرى هذه الرؤيا في ربيع الأول، فبقي ستة أشهر يرى مثل هذه الرؤيا ويراها تجيء مثل فلق الصبح، وفي رمضان نزل الوحي الذي يكون في اليقظة، والمدة بين ربيع الأول ورمضان ستة أشهر، وزمن الوحي ثلاثٌ وعشرون سنة، ولهذا جاء في الحديث: (الرؤية الصالحة جزءٌ من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) .
لما كان يرى هذه الرؤيا التي تجيء مثل فلق الصبح حبب إليه الخلاء، يعني: أن يخلو بنفسه، ويبتعد عن هذا المجتمع الجاهلي، فرأى عليه الصلاة والسلام أن أحسن ما يخلو به هذا الغار الذي في جبل حراء؛ وهو غار في قمة الجبل، لا يكاد يصعد إليه الإنسان القوي إلا بمشقة، فكان يصعده عليه الصلاة والسلام ويتحنف ويتعبد لله عز وجل فيما فتح الله عليه في هذا الغار الليالي ذوات العدد -أي: عدت ليال- ومعه زاد أخذه يتزود به من طعام وشراب، ثم ينزل ويتزود بمثله من أهله ويرجع ويتحنف الله عز وجل، إلى أن نزل عليه الوحي وهو في هذا الغار.
أتاه جبريل وأمره أن يقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، ومعنى: ما أنا بقارئ، أي: لست من ذوي القراءة، وليس المراد المعصية لأمر جبريل، لكنه لا يستطيع، ليس من ذوي القراءة، إذ أنه صلى الله عليه وسلم كان أمياً، كما قال الله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ} [الأعراف:158] وقال الله: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ} [الجمعة:2] فكان لا يقرأ ولا يكتب، وهذه من حكمة الله أنه لا يقرأ ولا يكتب، حتى تتبين حاجته وضرورته إلى هذه الرسالة، وحتى لا يبقى لشاكٍ شكٌ في صدقه، وقد أشار الله إلى هذا في قوله: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48] .
قال له: ما أنا بقارئ، فغطه مرتين أو ثلاثاً، ثم قال له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1-5] خمس آيات نزلت، فرجع بها النبي صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده من الخوف والفزع، حتى أتى إلى خديجة.
وحديث الوحي وابتلائه موجود في أول صحيح البخاري فمن أحب أن يرجع إليه فليرجع.
يقول الله عز وجل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] قوله: (باسم ربك) قيل معناه: متلبساً بذلك، وقيل: مستعيناً بذلك، أي: اقرأ مستعيناً باسم الله؛ لأن أسماء الله تعالى كلها خير، كلها إعانة يستعين بها الإنسان، ولذلك يستعين بها الإنسان على وضوئه، ويستعين بها على أكله، ويستعين بها على جِماعه، فهي كلها عون، (باسم ربك الذي خلق) إلى آخر وقال: {بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق:1] دون أن يقول: باسم الله؛ لأن المقام مقام ربوبية وتصرف وتدبير للأمور وابتداء رسالة، فلهذا قال: (باسم ربك) إشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام قد رباه الله تعالى تربية خاصة.
قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] خلق كل شيء، كما قال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان:2] وقال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر:62] فما من شيء في السماء ولا في الأرض من خفي وظاهر، وصغير وكبير إلا وهو مخلوق لله عز وجل، ولهذا قال: (خلق) وحذف المفعول إشارة للعموم؛ لأن حذف المفعول يفيد العموم، إذ لو ذكر المفعول لتقيد الفعل به، أي: لو قال: خلق كذا تقيد الخلق بما ذكر فقط، لكن إذا قال: (خلق) وأطلق صار عاماً، فهو خالق كل شيء جل وعلا.
ثم قال: {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق:2] فنص وخص، خلق الإنسان تكريماً للإنسان وتشريفاً له؛ لأن الله تعالى يقول: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70] فلهذا نص على خلق الإنسان.(82/3)
تفسير قوله تعالى: (خلق الإنسان من علق)
قال تعالى: {خَلَقَ الإِنْسَانَ} [العلق:2] أي: ابتدأ خلقه، {مِنْ عَلَقٍ} [العلق:2] اسم جمع علقة، كشجر اسم جمع شجرة، والعلق عبارة عن دودة حمراء من الدم صغيرة، وهذا المنشأ الذي به الحياة؛ لأن الإنسان دم ولو تفرغ من الدم لهلك، وقد بين الله عز وجل أنه خلق الإنسان من علق ولكنه يتطور، وبين في آيات أخرى أنه خلق الإنسان من تراب، وفي آية أخرى أن خلقه من طين، وفي آية أخرى من صلصال كالفخار، وفي آية أخرى من ماء داثر، وفي آية أخرى من ماء مهين، وفي هذه الآية من علق، فهل في هذا تناقض؟
الجواب
لا يمكن أن يكون في كلام الله أو ما صح عن رسوله شيء من التناقض أبداً، فإن الله يقول: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] لكنه سبحانه وتعالى يذكر أحياناً مبدأ الخلق من وجه ومبدأ الخلق من وجه آخر، فخلقه من تراب، أي: أول ما خلق الإنسان من التراب، ثم صب عليه الماء فكان طيناً، ثم استمر مدة فكان حمأً مسنوناً، ثم طالت مدته فصار صلصالاً، أي: إذا ضربته بيدك تسمع له صلصلة كالفخار، ثم خلقه عز وجل لحماً وعظماً وعصباً.
إلخ.
وهذا ابتداء الخلق المتعلق بآدم.
والخلق الآخر من بنيه منشئهم من نطفة وهي الماء المهين، وهي الماء الدافق، هذه النطفة تبقى في الرحم أربعين يوماً، ثم تتحول شيئاً فشيئاً، وفي تمام الأربعين تتقلب بالتطور والتدريج حتى تكون دماً ثم علقة، ثم تبدأ بالنمو والثخونة وتتطور شيئاً فشيئاً، فإذا تمت ثمانين يوماً انتقلت إلى مضغة؛ وهي قطعة من اللحم بقدر ما يمضغه الإنسان، وتبقى كذلك أربعين يوماً، فهذه مائة وعشرون يوماً وهي بالأشهر أربعة أشهر، وبعد أربعة أشهر يبعث الله إليه الملك الموكل بالأرحام فينفخ فيه الروح، فتدخل الروح في الجسد بإذن الله عز وجل، والروح لا نستطيع أن نعرف كنهها وحقيقتها ومادتها، ولا ندري من أي مادة هي؟ الجسد عرفنا أن أصله من التراب ثم في أرحام النساء من النطفة لكن الروح لا نعلمها ولا نعرف من أي جوهرٍ هي، ولا من أي مادة: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85] فينفخ الملك الروح في هذا الجنين فيبدأ يتحرك؛ لأن نموه الأول كنمو الأشجار بدون إحساس، وبعد أن تنفخ فيه الروح يكون آدمياً يتحرك، ولهذا إذا سقط الحمل من البطن قبل أربعة أشهر دفن في أي مكان من الأرض بدون تغسيل ولا تكفين ولا صلاة عليه ولا يبعث؛ لأنه ليس آدمياً، وبعد أربعة أشهر إذا سقط يجب أن يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في المقابر؛ لأنه صار إنساناً، ويسمى أيضاً؛ لأنه يوم القيامة سيدعى باسمه، ويعق عنه، لكن العقيقة عنه ليست في التأكيد كالعقيقة عمن بلغ سبعة أيام بعد خروجه.
وعلى كل حال: هذا الجنين في بطن أمه يتطور حتى يكون بشراً، ثم يأذن الله عز وجل له بعد المدة التي أكثر ما تكون عادة تسعة أشهر فيخرج إلى الدنيا.
وبهذه المناسبة: أود أن أبين أن للإنسان أربعة دور: الأولى: في بطن أمه.
الثانية: في الدنيا.
الثالثة: في البرزخ.
الرابعة: في الجنة أو النار، وهي المنتهى.
{خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق:2] العلق اسم جمع علقة، وهي دودة من الدم معروفة، وهذا أول نشأة الإنسان الذي يتكون منه مادة الحياة وهو الدم.(82/4)
تفسير قوله تعالى: (اقرأ وربك الأكرم)
قال تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:3-5] (اقرأ) تكرار للأولى، لكن هل هي توكيد أم تأسيس؟ الصحيح: أنها تأسيس، وأن الأولى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] قرنت بما يتعلق بالربوبية: (وربك الأكرم الذي علم بالقلم) فيما يتعلق بالشرع، فالأولى فيما يتعلق بالقدر والثاني بما يتعلق بالشرع؛ لأن التعليم بالقلم أكثر ما يعتمد الشرع عليه، إذ أن الشرع يكتب ويحفظ، القرآن يكتب ويحفظ، السنة تكتب وتحفظ، كلام العلماء يكتب ويحفظ، فلهذا أعادها الله مرة ثانية.(82/5)
الأسئلة(82/6)
حكم الادخار في الشركات بنسبة محدودة
السؤال
فضيلة الشيخ: نقل عنك فتوى في جواز نظام الادخار في شركة أرامكو، علماً أن هذا النظام يحدد نسبة الربح من بداية العام فما هو قولك؟ يعني: إذا مضى عام يضمنون لك (5%) وإذا أكملت عشر سنوات يضمنون لك (100%) ، فما قولك بهذا الكلام يا شيخ؟
الجواب
أقول: أحسنت أن سألت عما ينسب إلينا؛ لأنه ينسب إلينا وإلى غيرنا من العلماء أشياء كثيرة ليست صحيحة، لكن بعض الناس إذا راق له الشيء وأحب أن يقبله الناس جعله لعالم من هؤلاء العلماء لأجل أن يقبل، وإلا فقد كتبنا جواباً على هذا بالخط بأن ذلك لا يجوز؛ لأنه رباً واضحاً.
وقالوا: إن هذا من باب التشجيع.
قلنا لهم: التشجيع يكون بغير هذا، التشجيع يقال مثلاً لمن برز في شيء من الأشياء: لك نسبة يزداد بها راتبك، أو يعطى مكافئة مقطوعة على تفوقه، أما أن نسلك هذا الطريق فلا يجوز، وقد ذكرنا هذا لكن لا أدري -سبحان الله! - من أين جاءت هذه الفتوى التي تنسب إلينا.
وأنا أقول للذي أثارها أني سألته ويقول: لا صحة لذلك، ونرى أنها لا تجوز، وهذه الشركات التي تعمل هذا العمل هي تربح؛ لأنها تأخذ الدراهم من الناس وتجعلها في البنوك الربوية، وتربح ربحاً عظيماً، وإلا فهي ما قصدها رحمة الناس ولا الإحسان بهم، لكنها تعرف من أين تأكل الكتف.(82/7)
حكم قصد مدائن صالح بالزيارة
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم قصد مدائن صالح بالزيارة؟ وما حكم زيارتها إذا كان الشخص يقصد الشمال وعلى رجوعه مر عليها مروراً فقط؟
الجواب
أما المرور عليها فقد مر بها النبي صلى الله عليه وسلم لكنه أسرع عليه الصلاة والسلام وقنع رأسه، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين خشية أن يصيبكم ما أصابهم، فإن لم تكونوا باكيين فلا تدخلوا عليها) فلا يجوز للإنسان أن يذهب إلى هذه المدائن للتفرج والنزهة بل للاعتبار الذي يصحبه البكاء، وإلا فالسلامة في تركها، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (أن يصيبكم ما أصابهم) ليس مراده العذاب العام؛ لأن هذه الأمة -والحمد لله- لا تعذب بصفة عامة، لكن أن يصيبكم ما أصابهم من قسوة القلب والإعراض والتولي عن الدين وحكمة ذلك: أن الناس الذين يذهبون إلى هذه البلاد على غير الوجه الذي أراد الرسول عليه الصلاة والسلام سوف يقع في نفوسهم تعظيم هؤلاء؛ لما يرون من إحكام البناء وشدته وقوته، وإذا وقع تعظيم الكافر في قلب المؤمن فإنه على خطر عظيم: (أن يصيبكم ما أصابهم) وبعض الناس يقول: كيف هذا؟ وهذه الأمة لم تعذب بعذاب عام، نقول: قسوة القلب والإعراض عن الشريعة.(82/8)
حكم الصلاة خلف الصف
السؤال
فضيلة الشيخ: دخلت المسجد ولقيت الصفوف كلها ملأى، وبعد أن انتهيت من الصلاة قال لي الإمام: أعد الصلاة؛ لأنك صليت خلف الصفوف وحدك، فما صحة قوله؟
الجواب
إذا جاء الإنسان ووجد الصفوف تامة فليصلِّ خلف الصف وحده مع الإمام ولا إعادة عليه، وهذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم.
والمسألة فيها ثلاثة أقوال للعلماء: القول الأول: أن صلاة المنفرد خلف الصف صحيحة ولو كان له مكان في الصفوف التي أمامها، وأن دخوله في الصف على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب.
وهذا مذهب أكثر الأمة الإسلامية؛ لأنه مذهب الإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أبي حنيفة، ورواية عن الإمام أحمد يعني: معناه نصف مذهب الإمام أحمد، مع الذين يجيزون الصلاة خلف الصف ولو كان له مكان.
القول الثاني: أن من صلى منفرداً خلف الصف ولو لم يجد مكاناً فصلاته غير صحيحة.
إذا قابلت بين القولين تجد أن هذا في غاية ما يكون من الشدة، وهذا في غاية ما يكون من السهولة.
القول الثالث: وهذا هو الوسط: أنك إذا وجدت الصف تاماً فصف وحدك؛ لأن الله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] وهنا لا استطاعة، فإذا قال إنسان: لك استطاعة اجذب شخصاً قلنا: هذا لا يجوز؛ لأن جذب الواحد فيه اعتداء عليه، وفيه تشويش على بقية المصلين، وفيه قطع للصف.
أما كونه اعتداء على هذا الذي جذبت، فلأنك تنقله من مكان فاضل إلى مكان مفضول.
وتشوش عليه الصلاة أيضاً؛ لأنه لا يدري ما الذي جذبه.
وأما كونه تشويش على المصلين، فلأن هذا الصف سوف يتقارب، وكل من فيه سيتحركون حركة لا داعي لها، من أجل تسوية الصف وسد الفرج في هذا الصف.
وأما كونه انقطع عن الصف فواضح.
فإن قال قائل: يستطيع هذا أن يتقدم ويقف مع الإمام، قلنا: هذا أيضاً غلط؛ لأنه إذا تقدم فسوف يؤذي المصلين الذين أمامه، حيث يتخللهم، وإذا كان المسجد فيه عشرون صفاً كم يتخلل؟ عشرين صفاً؛ فيؤذيهم، ثم إذا تقدم ووقف مع الإمام وجاء آخر بعده بدقيقة أو دقيقتين، وقلنا له: اذهب مع الإمام، صار عند الإمام اثنان، وبعد دقيقة أو دقيقتين جاء الثالث نقول: اذهب مع الإمام، وإذا مع الإمام صف كامل، لكن لو وقف بالصف وجاءه شخص صاروا صفاً، وإن لم يأته أحد فكونه مع الجماعة في الأفعال وإن لم يكن معهم في الصف خير من كونه ليس معهم لا في الصف ولا في الأفعال.
هذا هو القول الوسط الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، واختاره شيخنا عبد الرحمن السعدي رحمه الله: على أنه متى وجد الإنسان الصفوف تامة أمامه فليدخل مع الإمام ولو صلى وحده وصلاته صحيحة.
ونقول للسائل: إن كنت أعدت الصلاة بناءً على كلام الإمام فعلى خير، تكون الصلاة الثانية نافلة إن كانت الأولى صحيحة، أو تكون صحيحة والأولى نافلة إن كانت الأولى غير صحيحة -يعني: فرضاً- ولكن القول الراجح عرفته الآن، أنك إذا جئت والصفوف تامة فصل مع الإمام ولو كنت منفرداً.(82/9)
حكم محاكاة النصارى في أعيادهم
السؤال
فضيلة الشيخ: يوجد عندنا سنوياً في مثل هذه الأيام في كينيا من يقيم اجتماعاً في كل سنة، فمثلاً: النصارى يحتفلون بعيد ميلاد عيسى في كل سنة، والمسلمون -الآن- جعلوا هناك عادة، يجتمعون لمدة ثلاثة أيام يذبحون ويلقون المحاضرات فيما بينهم، وقالوا: بدلاً من أولادنا وجماعتنا يذهبون وراء النصارى نجمعهم في مكان ونأكلهم، فما حكم هذه الذبيحة؟ هل تعتبر مشابهة للكفار وهناك يتبادلون فيما بينهم مثل الهدايا بين النصارى، هل فيها شيء؟
الجواب
فيها شيئان وليس شيء واحد: الشيء الأول: مداهنة هؤلاء النصارى في إقامة عيد في الإسلام كعيدهم، وهذا يعني: أنهم قد رضوا بهذا العيد من النصارى، والرضا بعيد النصارى يقول عنه ابن القيم رحمه الله في كتاب أحكام أهل الذمة: إن لم يكن كفراً فهو محرمٌ قطعاً.
والرضا بشعائر الكفر ليس بالأمر الهين فهو حرام ولا يجوز.
أما الشيء الثاني: فلأننا إذا أقمنا مثل هذه الأعياد فإن النشء الصغار سيعتقدون أن عيدنا كعيد هؤلاء، ولا يعرفون أن مراد أهليهم أن ينشغلوا بهذا عن أعياد الكفار، وستذهب الغيرة من قلوبهم بناءً على هذا الظن الذي ظنوه، ولهذا نرى أنه لا يجوز أبداً إحداث عيدٍ مضاهاة لهؤلاء النصارى، ولكن من الممكن أن يدرسوا أولادهم أن هذا ليس عيداً لنا هذا عيدٌ للكفار، وليس لنا فيه دخل.
وأما تبادل الهدايا فهذا موضع نظر وخلاف بين العلماء: منهم من قال: لا بأس أن نقبل هديتهم في هذا اليوم.
ومنهم من يقول: لا؛ لأن قبول هديتهم يشعرهم بأننا راضون بفعلهم وأعيادهم.
ولا شك أن السلامة أسلم، أي: ألا يقبل هديتهم في هذه المناسبة؛ فإنه أسلم لدينه وعرضه.
والذبيحة لم يذبحوها لغير الله هم وإنما ذبحوها لله، لكنها ذبيحة بدعية.(82/10)
تغيير النية في الصيام
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا صام الإنسان يوماً وفي منتصف اليوم أراد أن يفطر فقال: إذاً أريد أن أفطر، فذهب يأتي بطعام فلم يوفق في طلب الطعام أو في وجود الطعام، فقال: إني صائم.
مع تغيير نيته الشيخ: هل الصوم فرضاً أم نفلاً؟ السائل: نفل.
الشيخ: صيام النفل لا يجب إكماله، إن شاء الإنسان أفطر، لكنه لا ينبغي أن يفطر إلا لسبب؛ لأن الإنسان إذا شرع في طاعة لله عز وجل فإنه لا ينبغي العدول عنها إلا إذا كان هناك سبب شرعي يقتضي أن يفطر، مثل: أن يقدم إليه ضيوف، ولا يرون إكرامهم إلا بأكله معهم، أو ما أشبه ذلك من الأسباب، فهنا الفطر أحسن، أو يدعوه إنسان إلى وليمة ويرى هذا الداعي أنه لا تطيب نفسه حتى يأكل هذا الصائم فالأكل أفضل، وأما بدون سبب فلا ينبغي أن يفطر، وإن أفطر فلا حرج عليه.
أما إذا نوى الإفطار -كما في السؤال- فذهب ليتناول الطعام فإنه يكون مفطراً سواء وجد الطعام فأكله أم لم يجده، لكن إن لم يجده ونوى استئناف الصوم -ونحن نتكلم على أن الصوم نفل- فإن له ذلك، لكنه لا يثاب على هذا اليوم إلا من النية الثانية، فإذا نوى في نصف النهار فليس له إلا أجر نصف يوم فقط، هذا إذا كان نوى الفطر، لكن ذهب ليأكل، أما إذا قال: سأذهب إلى المطعم إن وجدت شيئاً أفطرت وإلا فأنا على صيامي، فهذا لا ينقطع صومه حتى يجد ما يأكله فيفطر.(82/11)
معنى كلمة (الأمي)
السؤال
ما معنى كلمة (الأمي) الذي لا يقرأ ولا يكتب، هل تأتي على غير هذا المعنى في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً} [الجمعة:2] ؟
الجواب
الأمي: هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، لكن (الأمي) عند الفقهاء: من لا يحسن الفاتحة، حتى لو كان يقرأ ويكتب وهو لا يحسن الفاتحة فهو أمي، لكنه في الأصل في اللغة العربية: هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، نسبة إلى الأم يعني: كأنه مولود اليوم خارج من بطن أمه.
وأما قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً} [الجمعة:2] فهو رسول بعد أن بعث.
السائل: (الأميين) هنا هل هم الذين لا يقرءون ولا يكتبون؟ الشيخ: يعني بذلك: العرب عموماً، العرب لا يعرفون القراءة ولا الكتابة.(82/12)
حكم قتل الطيور لدفع أذاها
السؤال
السؤال يدور حول من بذر بذراً وسقاه وأتى الطير ليأكله، هل يضرب الطير ويترك البذر؟
الجواب
يجوز أن يقتل الطيور لدفع أذاها، وكل شيء مؤذ ولا يندفع إلا بقتله فلك قتله، سواءً طيور أو غير طيور، حتى الآدمي لو صار على آدمي آخر ليقتله أو يأخذ ماله أو يهتك عرضه ولم يندفع إلا بالقتل فله قتله.
فإن قال قائل: ما هو الدليل في مسألة الآدمي؟ الدليل: أنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن رجلاً سأله وقال: (يا رسول الله! أرأيت إن جاء رجلٌ يطلب مالي؟ قال: لا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار، قال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد) لكن بشرط: ألا يندفع إلا بالقتل، أما إذا كان يندفع بدون القتل فإنه لا يجوز أن تقتله، أي: لو كنت أنت نشيط وقوي -أقوى منه- وتستطيع أن تمسك به وتأسره وتسلم من شره لا يجوز لك أن تقتله، لأنه يدفع بالأسهل فالأسهل.(82/13)
حكم كشف الوجه عن الميت ورفع اليدين عند الدعاء له
السؤال
بالنسبة للميت شاهدنا أناساً يكشفون وجهه، وأناساً يغطون وجهه، وأناساً يرفعون أيديهم على القبور يدعون له، يعني فيه اختلاف؟
الجواب
أما من جهة كشف وجه الميت إذا وضع في اللحد فقد ورد عن بعض السلف، فمن فعله فلا بأس، لكنه يكشف الوجه الذي يلي الأرض ليس كل الوجه، يعني: يجعل خده على الأرض.
ومن السلف من لا يكشف، فالأمر في هذا واسع.
وأما الدعاء له بعد الدفن فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود: أنه كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) فمن رفع يديه عند الاستغفار له فلا حرج عليه، ومن لم يرفع وقال: اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم ثبته، وينصرف.
لأنه قال: استغفروا لأخيكم ثم اسألوا له التثبيت فقط، وكان عليه الصلاة والسلام إذا دعا دعا الله ثلاثاً فيستغفر ثلاثاً للميت، ويسأل له التثبيت ثلاثاً ثم ينصرف.(82/14)
حكم الدم الذي يخرج من المرأة قبل الولادة بيوم أو يومين
السؤال
فضيلة الشيخ: ينتشر عند كثير من النساء قبل ولادتها بيوم أو يومين عندما يخرج الدم تترك الصلاة فهل هذا صحيح؟ وإذا لم يكن صحيحاً هل تعيد الصلاة؟
الجواب
يقول العلماء رحمهم الله: النفاس هو الدم الذي يخرج مع الولادة أو قبلها بيومين أو ثلاثة مع الطلق، فإذا أحست بالطلق وبدأ يخرج دم معها فهو نفاس لا تصلي ولو كان قبل خروج الولد بيومين أو ثلاثة.(82/15)
رضا الورثة شرط لتنازل بعضهم لبعض
السؤال
فضيلة الشيخ: توفي عمي منذ سنوات وترك تركة، ومما ترك قطعة أرض منحت له، وبنى فيها بيتاً، وأموال هذا البيت استقرضها من البنك، ويسكن في هذا البيت -الآن- زوجته وابن له وبنت، وله أبناء وبنات كثير، هل يلزم أن قطعة الأرض هذه والبيت أن يتنازل بقية الورثة للزوجة والابن والبنت، وأيضاً إذا سدد أحد الورثة البنك هل يصير البيت ملكاً له؟
الجواب
لا يلزم الورثة أن يتنازل بعضهم لبعض إلا باختيار منهم، أما من سدد دين البنك فإنه يثبت له على بقية الورثة ما يناله من التسديد حسب الملك، وليس له.
السائل: هذا البيت له سنوات، ولم يتكلم أحد الورثة ويقول: هذا بيتنا الشيخ: على كل حال الأمر يرجع لهم، إن تنازل بعضهم عن بعض فهو خير، ولا بد من جمع الورثة كلهم.(82/16)
جواز وضع المسجلات عند الرأس لسماع القرآن
السؤال
فضيلة الشيخ: بعض الشباب عندما ينامون يضعون المسجلات عند رءوسهم ويشغلون القرآن، فما صحة هذا؟ الشيخ: لماذا يضعونه عندهم؟ السائل: مثلاً لا يستطيع أن ينام إلا عندما يسمع القرآن؟ الشيخ: ليس في هذا بأس.(82/17)
السفر المترتب عليه قصر الصلاة
السؤال
رجل رحل لطلب العلم وأخذ أولاده وأهله، ومكث في مدينة لا يدري كم يمكث، سنة، سنتين، ثلاثاً؟ فهل يقصر هو وأهله أم لا؟ الشيخ: هل هو عازم على الرجوع، وإلا الأصل الإقامة؟ السائل: لا عازم على الرجوع، لكن لا يدري بعد سنتين عشر سنوات وأهله معه.
الشيخ: حكمه حكم المسافر كما نراه نحن؛ لأنه ما دام عازماً على الرجوع، لكنه لم يقيده بوقت فحكمه حكم المسافر.
إذا كان حكمه حكم المسافر فالرجل ينبغي أن يصلي مع الجماعة، لكن إذا فاتته الصلاة فله أن يقصر، والنساء لهن أن يقصرن، أما الجمع فالأفضل ألا تجمع النساء؛ لأن الجمع ليس بسنة إلا عند الحاجة إليه.
السائل: عند الرجوع من الزيارة.
؟ الشيخ: عند رجوعهم إلى وطنهم؟ السائل: نعم.
الشيخ: لا يقصرون.
السائل: عزموا على الرجوع.
الشيخ: ولو كان؛ لأنهم لا زالوا مستوطنين هناك، يصلون صلاة كاملة.(82/18)
حكم الدعاء بعد الصلاة
السؤال
بعض الناس في صلاة الفرض يرفعون أيديهم بعد الدعاء فما رأيكم؟
الجواب
الدعاء بعد الصلاة ليس بسنة، لأن الله تعالى قال: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [النساء:103] إلا في حالة واحدة وهي صلاة الاستخارة؛ لأن صلاة الاستخارة قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا هم أحدكم بأمر فليصل ركعتين ثم ليدعو) فجعل الدعاء بعد صلاة الركعتين، أما ما سواها من الصلوات فليس من السنة أن يدعو سواءً رفع يديه أم لم يرفع، وسواءً في الفريضة أو في النافلة؛ لأن الله أمر بذكره بعد انتهاء الصلاة، فقال سبحانه وتعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [النساء:103] ، وقال في سورة الجمعة: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة:10] .
وإنما يقال للإنسان: إذا كنت تريد أن تسأل الله شيئاً فادعو الله قبل أن تسلم؛ لوجهين: الوجه الأول: أن هذا هو الذي أمر به الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال في التشهد: (إذا فرغ فليتخير من الدعاء ما شاء) .
ثانياً: أنك إذا كنت في الصلاة فإنك تناجي ربك، وإذا سلمت انتهت المناجاة، فهل الأفضل: أن تسأل الله في حال مناجاتك إياه، أو بعد انصرافك من المناجاة؟ الجواب: الأول، تدعو وأنت تناجي ربك.
وأما قول المصلي بعد فراغه من الصلاة: أستغفر الله ثلاثاً، فهذا دعاء لكنه متعلق بالصلاة؛ لأن استغفار الإنسان ثلاث مرات بعد انتهائه من الصلاة ترقيع للخلل الواقع في الصلاة، فهو من تكرير الصلاة في الحقيقة.
السائل: يا شيخ فهم يحتجون بحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر بعد انتهاء الصلاة التفت إلى المؤمنين ورفع يديه.
ما صحة الحديث؟ الجواب: ما ورد، وإن ورد فهو ضعيف.(82/19)
دخول أوقات الصلوات
السؤال
هل دخول أوقات الصلوات معلوم بالأذان الشيخ: ليس بالأذان.
السائل: المؤذنون على الوقت.
الشيخ: قد يؤذن على الوقت وقد يتأخر كأن ينام فيتأخر ربع ساعة، وقد يقدم ربع ساعة، وقد يتوهمون بسرعة، والأذان مثلاً على اثنى عشر، فيظنها اثني عشر وهي إحدى عشر، وقد سمعنا من أذن وفي أثناء الأذان سمعنا الناس يقولون له في الميكرفون: باقي ساعة وهو يؤذن.
السائل: في العموم يا شيخ، النساء يؤخرن الصلاة متى يحرم على النساء تأخيرها؟ الشيخ: أوقات الصلاة والحمد لله واسعة، الظهر وقتها من دخول وقت الظهر إلى دخول وقت العصر، والعصر من دخول الوقت إلى اصفرار الشمس والضرورة إلى الغروب، والمغرب من غروب الشمس إلى دخول وقت العشاء، والعشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل، والفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.(82/20)
حكم وضع الطوب عن يمين الجنازة ويسارها
السؤال
فضيلة الشيخ: في بعض المناطق حضرت دفن جنازة فوجدتهم يضعون الطوب عن يمين الجنازة ويسارها ومن فوقها، فما حكم هذا العمل؟
الجواب
لعل الأرض رخوة ويخافون أن تنهد على الميت، فإذا كان كذلك فهذه حاجة، أو تكون مثلاً فيها مياه حول البحر مثلاً، المهم لحاجة لا بأس به، ولغير حاجة فيه إضاعة مال؛ لأن اللبنة التي توضع على يمين القبر ويساره ربما تكفي قبراً آخر أو قبرين ففيه إضاعة مال.
السائل: لا يجوز وضعها؟ الشيخ: لا.
لا نقول: لا يجوز، لكن نقول: تركه أحسن.(82/21)
رفع اليدين في الوتر
السؤال
فضيلة الشيخ: هل ورد رفع اليدين في الوتر؟
الجواب
رفع اليدين في القنوت صحيح ثابت عن عمر رضي الله عنه في الوتر، وكذلك أيضاً في رواية قنوت الرسول عليه الصلاة والسلام في الفرائض أنه رفع يديه، فرفع اليدين سنة ومن ترك ذلك جهلاً يُعلَّم، ومن ترك ذلك اجتهاداً لا ينكر عليه.(82/22)
حكم من سافر إلى بلد ونوى الإقامة فيه
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا سافر شخص من عند أهله وعنده نية عدم الرجوع إلى بلده، وأقام في بلد بعيد عن بلدهم في نية الاستقرار، ثم رجع إلى أهله زيارة هل يعتبر نفسه مسافراً أم لا؟
الجواب
إذا خرج الإنسان عن وطنه الأول بنية الاستقرار في البلد الثاني فإنه إذا رجع إلى وطنه الأول يكون مسافراً، ما دام على نيته الأولى، والدليل على ذلك: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان وطنه الأول مكة ولما فتح مكة قصر وفي حجة الوداع قصر.
السائل: يا شيخ وإن كان في نفس هذا البلد -بلده الأول- زوجته وأولاده؟ الشيخ: إي: نعم.
حتى وإن كان زوجته وأولاده فيه.(82/23)
حكم قطع الصلاة لأدائها جماعة
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل أدرك الصلاة في التشهد الأخير قبل التسليم، وقبل أن يكمل صلاته التي فاتته أحس بدخول أشخاص إلى المسجد، فقطع صلاته وأنشأ جماعة جديدة، فهل عمله هذا مشروع، وما وجه ذلك أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
الجواب
هذا جائز، لا يؤمر به ولا ينهى عنه، والأصل أنه ممنوع؛ لأنه دخل في الفرض، لكن نظراً لأنه يريد قطع هذه العبادة لينتقل إلى ما هو أحسن فقد أجاز العلماء أن يقطع صلاته هذه ليصليها جماعة.
السائل: وله ثواب الجماعة؟ الشيخ: وله ثواب الجماعة، واستأنسوا لذلك بقصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال له: (يا رسول الله! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس، قال: صلها هنا، فأعاد عليه، قال: صلها هنا، فأعاد عليه، قال:) فقالوا: هذا لما أذن له الرسول عليه الصلاة والسلام أن ينتقل إلى الأفضل، وقطع الرجل صلاته هذه انتقالاً إلى الأفضل.(82/24)
حكم غش الناس بإنقاص الوزن
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، رجل اشترى بضاعة في صناديق كبيرة -يعني: بضاعة خضرة بصناديق كبيرة- ثم وضعها في صناديق أصغر منها، وباعها فهل هذا من التطفيف؟
الجواب
أولاً: الأخ صدَّر سؤاله بالسلام، ونحن قلنا فيما سبق: إن هذا ليس بسنة إنما السلام للقادم، أما الذي معك فلا يحتاج أن يسلم، ولهذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يسألون الرسول في مكان السؤال ولا يسلمون، لكن نظراً إلى أنه مجتهد أقول: عليك السلام ورحمة الله وبركاته.
السائل: نحن قادمون يا شيخ من بعيد الشيخ: لكن أنت عندي من زمان في الحلقة.
أما ما يتعلق بسؤاله فنقول: إن كان هذا الرجل يوهم الناس أنه قد اشترى هذه الصناديق الصندوق بعشرة مثلاً وهو قد اشترى الصندوق الكبير بعشرة ووزعه قسمين فيكون الصندوق الصغير بخمسة لكنه يوهم الناس وربما يقول لهم: إن ثمن الصندوق عشرة، فلا شك أن هذا حرام عليه، وأن للمشتري إذا علم بالحال أن يرد السلعة.
وأما إذا كان لا يوهم الناس، وليس مشهوراً عند الناس أن الصندوق الكبير بعشرة فلا حرج عليه؛ لأنه يقول للمشتري: هذا الصندوق بعشرة، تريد أن تأخذه خذه وإلا فدعه.
أعاننا الله وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وجزاكم الله خيراً، ونفعنا وإياكم بما علمنا.(82/25)
لقاء الباب المفتوح [83]
فسر الشيخ في هذا اللقاء آيات من سورة العلق من قوله تعالى: (كلا إن الإنسان ليطغى) إلى قوله تعالى: (ألم يعلم بأن الله يرى) ، وبين سبب نزول بعض هذه الآيات، وفيمن نزلت، كما وضح أن كثرة المال سبب للطغيان والإفساد في الأرض.(83/1)
تفسير آيات من سورة العلق
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداه.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والثمانون من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل يوم خميس، وهذا هو يوم الخميس السابع والعشرون من شهر رجب عام (1415هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بما يسر الله سبحانه وتعالى من تفسير سورة اقرأ، سورة العلق، انتهينا فيها إلى قول الله تبارك وتعالى: {عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:5] .(83/2)
تفسير قوله تعالى: (كلا إن الإنسان ليطغى)
قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6-7] (كلا) في القرآن الكريم ترد على عدة معاني، منها: أن تكون بمعنى حقاً كما في هذه الآية، فكلا بمعنى حقاً، يعني: أن الله تعالى يثبت هذا إثباتاً لا مرية فيه.(83/3)
تفسير قوله تعالى: (أن رآه استغنى)
قال تعالى: {أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:7] الإنسان ليس شخصاً معيناً بل المراد الجنس، كل إنسان من بني آدم إذا رأى نفسه استغنى فإنه يطغى من الطغيان: وهو مجاوزة الحد، إذا رأى أنه استغنى عن رحمة الله طغى ولا يبالي، إذا رأى أنه استغنى عن الله عز وجل في كشف الكربات وحصول المطلوبات صار لا يلتفت إلى الله ولا يبالي، وإذا رأى أنه استغنى بالصحة نسي المرض، وإذا رأى أنه استغنى في الشبع نسي الجوع، وإذا رأى أنه استغنى في الكسوة نسي العري.
وهكذا.
فالإنسان من طبيعته الطغيان والتمرد متى رأى نفسه في غنى، ولكن هذا يخرج منه المؤمن؛ لأن المؤمن لا يرى أنه استغنى عن الله طرفة عين، فهو دائماً مفتقر إلى الله سبحانه وتعالى يسأل ربه كل حاجة، ويلجأ إليه عند كل مكروه، ويرى أنه إن وكله الله إلى نفسه وكله إلى ضعف وعجز وأنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، هذا هو المؤمن، لكن الإنسان من حيث هو الإنسان من طبيعته الطغيان، وهذا كقوله تعالى: {وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72] .(83/4)
تفسير قوله تعالى: (إن إلى ربك الرجعى)
ثم قال الله تعالى مهدداً هذا الطاغية: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق:8] أي: المرجع، مهما طغيت وعلوت واستكبرت واستغنيت فإن مرجعك إلى الله عز وجل، كما قال الله تبارك وتعالى: {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:23-26] .
وإذا كان المرجع إلى الله في كل الأمور فإنه لا يمكن لأحد أن يفر من قضاء الله أبداً، ولا من ثواب الله وعدله.
وقوله: (إن إلى ربك الرجعى) ربما نقول: إنه أعم من الوعيد والتهديد، أي: أنه يشمل الوعيد والتهديد لكنه ربما يشمل ما هو أعم، فيكون المعنى: إن إلى الله المرجع في كل شيء، في الأمور الشرعية التحاكم إلى أي شيء؟ إلى الكتاب والسنة: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] والأمور الكونية المرجع فيها إلى من؟ إلى الله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال:9] فلا رجوع للعبد إلا إلى الله، كل أمور ترجع إلى الله عز وجل يفعل ما يشاء، حتى ما يحصل بين الناس من الحروب والفتن والشرور فإن الله هو الذي قدرها لكنه قدرها لحكمة، كما قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة:253] .
إذاً: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق:8] يكون فيها تهديد لهذا الإنسان الذي طغى حين رأى نفسه مستغنياً عن ربه، وفيها أيضاً ما هو أشمل وأعم: وهو أن المرجع إلى الله تعالى في كل الأمور.(83/5)
تفسير قوله تعالى: (أرأيت الذين ينهى)
ثم قال: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى} [العلق:9-10] أي: أخبرني عن حال هذا الرجل، وتعجب من حال هذا الرجل (الذي ينهى) (عبداً إذا صلى) فعندنا الآن ناهٍ وعندنا منهي، فمن هو الناهي؟ هو طاغية قريش أبو جهل، وكان يسمى في قريش أبا الحكم؛ لأنهم يتحاكمون إليه ويرجعون إليه، فاغتر بنفسه -والعياذ بالله- وشمت بالإسلام ومات على الكفر كما هو معروف، هذا الرجل سماه النبي صلى الله عليه وسلم أبا جهل، ضد تسميتهم إياه أبا الحكم، وأما المنهي فهو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو العبد: {عَبْداً إِذَا صَلَّى} [العلق:10] أبو جهل قيل له: إن محمداً يصلي عند الكعبة أمام الناس فيفتنهم، ويصدهم عن أصنامهم وآلهتهم، فمر به ذات يوم وهو ساجد فنهى النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: لقد نهيتك فلماذا تفعل؟ فانتهره النبي عليه الصلاة والسلام، فرجع، ثم قيل لـ أبي جهل: إنه -أي: محمداً صلى الله عليه وسلم- ما زال يصلي، فقال: والله لئن رأيته لأطأن عنقه بقدمي، ولأرغمن وجهه بالتراب، فلما رآه ذات يوم ساجداً تحت الكعبة وأقبل عليه يريد أن يبر بيمينه وقسمه، لما أقبل عليه وجد بينه وبينه خندق من نار، وأهوال عظيمة، فنكص على عقبيه، وعجز أن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، هذا العبد الذي (ينهى عبداً إذا صلى) تتعجب من حاله كيف يفعل هذا؟! ولهذا جاء في آخر الآيات: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:14] وأنه سيجازيه.(83/6)
تفسير قوله تعالى: (أرأيت إن كان على الهدى)
ثم قال تعالى: {أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:11-14] (أرأيت) أي: أخبرني -أيها المخاطب- إن كان على الهدى، من يعني به؟ الناهي أبو جهل، أو الساجد محمد صلى الله عليه وسلم؟ يعني به الثاني، يقول: أرأيت إن كان هذا الساجد على الهدى فكيف تنهاه عنه؟ {أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى} [العلق:12] قال بعض المفسرين: (أو) هنا بمعنى (الواو) يعني: وأمر بالتقوى، ولكن الصحيح: أنها على بابها للتنويع، أي: أرأيت إن كان على الهدى بما فعل من السجود والصلاة، أو أمر غيره بالتقوى؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يأمر بالتقوى بلا شك، فهو صالح بنفسه مصلح لغيره: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:14] يرى المنهي وهو الساجد محمدٌ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، الآمر بالتقوى، ويرى هذا العبد الطاغية (الذي ينهى) {عَبْداً إِذَا صَلَّى} [العلق:10] .(83/7)
تفسير قوله تعالى: (ألم يعلم بأن الله يرى)
قال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:14] يرى سبحانه وتعالى علماً ورؤية، فهو سبحانه وتعالى يرى كل شيء مهما خفي ودق، ويعلم كل شيء مهما بعد ومهما كثر أو قل، فيعلم الآمر والناهي، ويعلم المصلي والساجد، ويعلم من طغى ومن خضع لله عز وجل، وسيجازي كل إنسان بعمله، والمقصود من هذا: تهديد هذا الذي ينهى عبداً إذا صلى، وبيان أن الله تعالى يعلم بحاله وحال من ينهاه، وسيجازي كلاً منهما بما يستحقه.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من الساجدين لله الآمرين بتقوى الله، على هدى من الله ونور إنه على كل شيء قدير.(83/8)
الأسئلة(83/9)
مراعاة الأمانة في تسريب أسئلة الامتحانات
السؤال
فضيلة الشيخ يوجد في المدارس طريقة لشرح المنهج قبل الاختبار النهائي، وتكون قبله بشهر تقريباً، ويؤخذ على الطالب ليدرس بها مبلغاً معيناً من المال، والمقصود بها التقوية المدرسية، ولكن في السنوات المتأخرة أصبح معنى التقوية: ادفع تنجح، فأغلب طلاب التقوية ينجحون؛ لأن الأستاذ يعطيهم جزءاً من أسئلة الاختبار بدون تصريح، فإن كان أعطى عموم الطلاب ثلاثين سؤالاً مثلاً حذف نصفها لطلاب التقوية، وإن كان أعطى عمومهم أربع قطع إنشائية أعطى طلاب التقوية قطعة واحدة فقط، ثم في نهاية المطاف يهدد طلاب التقوية بخصم درجتين مثلاً إن هم أخبروا من لم يسجل في التقوية بهذه المعلومات، فما توجيهك لهؤلاء الأساتذة؟ وهل يجوز لمن لم يسجل ومن لم يدفع أن يأخذ الدفتر من أحد الطلاب بعد نهاية التقوية وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المعروف أن وزارة المعارف والتعليم تمنع من هذه الدروس -دروس التقوية- منعاً باتاً، وبناءً على هذا: يجب على من علم بهذا المدرس الذي يدرس الطلاب دروس تقوية يجب أن يخبر عنه، ولا يحل له أن يسكت؛ لأن هذه خيانة، وتمرد على أوامر ولاة الأمور.
فأقول لهؤلاء الذين يفعلون مثلما قلت: إنهم في الواقع مخالفون لأمر ولاتهم؛ وبذلك يكونون عصاة لله عز وجل، وخونة؛ لأنهم يعلمون هؤلاء ثم يخبرونهم بالأسئلة التي ستوضع، وربما يغتفرون خطأهم في الإجابة كما ذكرت في السؤال أن العنوان الصحيح لمثل هذه الحال: ادفع تنجح، فأنا أحذر هؤلاء من أن ما فعلوه هو خيانة ومعصية لله عز وجل، وما اكتسبوا من المال على ذلك فإنه سحت محرم عليهم، نسأل الله لنا ولهم الهداية، هذا بالنسبة لهؤلاء المخالفين.
أما بالنسبة لمن علم بحالهم فالواجب عليه أن يبلغ عنهم ولا يسكت.(83/10)
كيفية إرجاع المرأة المطلقة طلاقاً غير بائنٍ بعد انتهاء عدتها
السؤال
فضيلة الشيخ أنا طلقت زوجتي وثنيت فيها، هل تحل لي لأنها أكملت العدة؟ الشيخ: ما قلت؟ السائل: قلت: تراكِ طالق ثم طالق.
الشيخ: ولم تطلقها قبل هذا؟ السائل: أبداً ما طلقتها.
الشيخ: لا بأس، تأخذها بعقد جديد.(83/11)
مفهوم العمل السياسي
السؤال
مما ينتشر عند كثير من الشباب ما يسمى بمفهوم العمل السياسي، فلا أدري ما هو الحد الذي ورد به الشرع ويجوز فيه الخوض في هذه الأمور السياسية، وما هو الضابط الشرعي لهذا الأمر؟
الجواب
السياسة بارك الله فيك، كل الدين سياسة؛ لأن السياسة مأخوذة من عمل السائس، والسائس هو مدير الحيوان والقائم عليه، كسائس الأسد والفيلة وما أشبه ذلك، ومعلوم أن الشريعة كلها سياسة، سياسة للخلق فيما يتعلق بعبادة الخالق، وسياسة للخلق فيما يتعلق بمعاملة الناس، وسياسة للخلق فيما يتعلق بتدبير الأمور وتصنيفها.
ومن المعلوم أن السياسة التي تدير الأمور وتدير تصريفها لا يمكن أن تكون بيد كل أحد، ولا تحت طوع كل إنسان، ولو كانت كذلك للزم أن كل واحد من الأمة يكون أميراً على نفسه وعلى غيره أيضاً، ومن المعلوم أنه منذ زمن الخلفاء الراشدين والسياسة وتدبير الأمة لها أناس خاصون، الخليفة ومن يختارهم ليكونوا مستشارين له، وليست السياسة تلقى في الأسواق ومجاميع العامة، ويقال: ما تقولون في كذا؟ ما تقولون في كذا؟ ولاشك أن الذين يتخبطون في هذه الأمور أنهم على خلاف مذهب السلف، وأنهم لا يثيرون إلا البلبلة، وصد الناس عما هو أهم من ذلك بكثير.
أرأيت مثلاً: العقول السرية، وأحوال الحرب، وشئون العلاقات الخارجية مع الناس، هل يليق أي عقل من عقول بني آدم أن تطرح في الأسواق بين أيدي العامة؟! الإنسان في بيته لا يمكن أن يطلع الناس على ما في بيته، كيف مثلاً: حكومة تطلع الناس على كل ما تفعل، أو تخبرهم بكل ما تريد، من قال هذا، بأي كتاب أم بأي سنة، أم بأي عمل من أعمال الخلفاء الراشدين؟!! هل كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أراد شيئاً ذهب إلى الأسواق يقول: إني أريد أن أفعل كذا وكذا، بل كان إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها وهي غزوة يستعد الناس لها، إلا في تبوك.
فأمور السياسة العامة لا تكون بأيدي العامة ولا بألسنتهم، ومن رام ذلك فقد رام أمراً لا يمكن لأي عاقل أن يقوله إطلاقاً، هل يمكن أن نطلع العامي الذي يبيع الخضرة واللحم والخبز وما أشبه ذلك على أسرار الدولة وملفاتها؟! من قال هذا؟! فنصيحتي لهؤلاء الذين ابتلاهم الله تعالى بمثل هذه الأمور: أن يراجعوا أنفسهم، ويعلموا أنه ليس من الحكمة أن كل شيء تفعله الدولة يكون بين أيدي الناس، هناك أشياء تدبرها الدولة قد يكون ظاهرها للبسطاء من الناس قد يكون ظاهرها غير صحيح، لكن عند العارفين بالأسباب والنتائج يكون صحيحاً أليس النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية راجعه من راجعه من الصحابة وهم أكبر العقول ولم يعلموا النتيجة؟!! وأنا لست أريد أن ألحق حكام الأمة الإسلامية اليوم بالرسول عليه الصلاة والسلام من حيث النصر للأمة والإرشاد والرشاد؟ لا، لكني أقول: إن مسائل الدولة مسائل خاصة بأناس معينين ليس لكل أحد.
فأنا أنصحك أنت وأطلب منك أن تؤدي هذه النصيحة إلى كل من تكلموا في هذه الأمور أن يشتغلوا بما هو أهم، ويسألوا الله التوفيق للدولة.(83/12)
إذا تركت الزوجة منزلها فهل يبيت الزوج عند الأخرى مدة هجرها للمنزل
السؤال
فضيلة الشيخ رجل متزوج زوجتين أحدهما غضبت وذهبت إلى بيت أبيها، في هذه الحالة هل يبيت في بيتها وما في أحد، أو يذهب إلى بيت الثانية.
الشيخ: كيف ما فهمت؟ السائل: رجل تزوج زوجتين.
الشيخ: تزوج زوجة على أخرى وإلا في عقد واحد؟ السائل: لا، هو متزوج زوجتين.
الشيخ: يعني تزوج السابقة فتزوج أخرى، فغضبت الثانية أو الأولى؟ السائل: الأولى التي غضبت وذهبت إلى بيتها، وقعدت شهراً، الآن في هذه الحالة هو كان ينام في المسجد، عندما تأتي ليلتها ينام في المسجد.
الشيخ: لا ينام في المسجد.
السائل: يذهب عند الجديدة؟ الشيخ: إي نعم، لأن الزوجة الأولى هي التي أسقطت حقها، ليس لها الحق أن تخرج من بيت زوجها بمجرد أنه تزوج؛ لأنه لم يفعل منكراً بل فعل خيراً؛ لأن الإنسان إذا كان بماله وقادراً ببدنه وقادراً بحكمه فالأفضل أن يتزوج إلى أربع إذا كان يقدر، قادر ببدنه أنه نشيط يستطيع أن يقوم بحق المرأتين الحق الخاص، وقادر بماله يستطيع الإنفاق عليهما، قادر بحكمه بينهما بالعدل، فليتزوج، كلما كثرت النساء فهو أفضل، قال ابن عباس رضي الله عنهما: [خير هذه الأمة أكثرها نساءً] .
فالمرأة التي تغضب وتذهب إلى أهلها إذا تزوج عليها زوجها هي التي أسقطت حقها من القسمة، فيبقى كل الليالي عند الثانية، ومتى شاءت تلك أتت.(83/13)
مسألة ظهور هلال رمضان في بلد وغيابه في بلد مجاورة
السؤال
فضيلة الشيخ عند رؤية هلال رمضان في معظم بلاد إفريقيا يختلف؛ لا نستطيع أن نرى الهلال في اليوم الأول، وتجد بعض الناس يستمعون مثلاً من الدول الإسلامية أنهم رأوا الهلال وصاموا معهم، وبعضهم يقولون: نحن تختلف مطالعنا مع تلك الدول، وتجد الناس يختلفون اختلافاً كثيراً، وبعضهم يقولون: أنتم تتبعون الدولة الوهابية، وبعضهم يقولون غير هذا الكلام، ما هو الرأي الصحيح في هذا؟
الجواب
الرأي الصحيح: أن ينظروا إلى ما يقرره علماؤهم وقضاتهم هناك؛ لأن الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، وكونهم يقتدون بالدولة الفلانية أو الدولة الفلانية مع أن حكامهم الذين لهم الحكم في هذا لا يرون أن يتبعوهم فهو خطأ منهم فيما نرى، نرى أن يتبعوا قضاتهم، إذا حكموا بدخول الشهر لزمهم ما يلزمهم من الإفطار في العيد أو الصوم في دخول شهر رمضان، فالناس تبعٌ لإمامهم إذا صام صاموا، وإذا أفطر أفطروا.(83/14)
طريقة نافعة في تحصيل العلم
السؤال
فضيلة الشيخ ما هي الطريقة النافعة التي إذا سار عليها طالب العلم حصل له بها ما يريد من نيل الغاية في ذلك؟
الجواب
أهم شيء: إخلاص النية لله عز وجل في طلب العلم، بألا يقصد في ذلك الرياء، وأن يرى مكانه، وأن يشار إليه، وأن يتبوأ صدور المجالس، وما أشبه ذلك، يكون قصده لله عز وجل، ليكون عالماً نافعاً للأمة، موجهاً لها إلى الخير.
ثم يختار من العلماء من يرى أنه أقرب إلى إفهام الطالب وأغزر علماً وأقوى إيماناً بحسب الاستطاعة، والعالم الذي يدرس عنده سوف يوجهه إلى ما يرى أنه أكمل وأفضل بحسب الحال.(83/15)
الجمع بين حديث مكافأة صانع المعروف، وحديث عدم قبول الهدية مقابل الشفاعة
السؤال
فضيلة الشيخ هذان حديثان صحيحان يوهم ظاهرهما التعارض: الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه) الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي بإسناد صحيح، والحديث الثاني: (من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها؛ فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا) رواه أبو داود وهو حديث حسن، وهذا الإنسان الذي شفع لأخيه لا شك أنه صنع معه معروفاً، فإذا أراد أن يكافئه فكيف يعتبر من الربا، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ وهل يحمل هذا على اشتراط الأجرة أو أخذ أجرة في هذا؟
الجواب
أولاً: لا يوجد تعارض في القرآن بين آياته وأيضاً لا يوجد تعارض بين السنة الصحيحة، هذه قاعدة معروفة عند أهل العلم، وإذا قرأت آيتين ظننت أنهما متعارضتان فأعد النظر مرة بعد أخرى، فإن لم تصل إلى نتيجة فاسأل أهل العلم، وكذلك يقال في الحديثين الصحيحين كذلك أنه لا يمكن التعارض بينهما، فإن أشكل عليك شيء فأعد النظر مرة بعد أخرى، فإن لم يظهر لك الجمع فانظر أي الحديثين أقوى؛ لأن الأحاديث الواردة عن الرسول عليه الصلاة والسلام ليست كالقرآن، فهي منقولة بخبر الآحاد وبخبر التواتر، وخبر الآحاد من المعلوم أن بعض المخبرين أقوى من البعض، فانظر أيهما أقوى، فإذا كانا سواءً في القوة فاحمل أحدهما على محمل لا يتعارض مع الآخر.
فهذا الحديث وهو: هدية من شفع له أن يهدى إلى الشافع يراد بذلك الشفاعة التي يريد بها الإنسان وجه الله عز وجل فإنه لا يقبل؛ لأن ما أريد به الآخرة لا يكون سبباً لنيل الدنيا، ولأن الشافع الذي يشفع يريد بذلك وجه الله إذا أعطي هدية فإن نفسه قد تغلبه في المستقبل فينظر في شفاعته إلى ما في أيدي الناس، فلهذا حذر من قبول الهدية.
وأما: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه) فالمراد به ما سوى الشفاعة التي منحت، فيكون هذا عاماً وهذا مخصصاً.(83/16)
الدعاء على من تخاف منه الشر والأذى
السؤال
هناك أناس نلتقي بهم كثيراً ويظهر عليهم الشر والأذى، فعند رؤيتهم يقترن الفكر بالشر، هل يجوز أن ندعي عليهم، أو نسأل الله أن يكفينا من شرهم، وهل هذا من التطير؟
الجواب
إذا وجد قرائن تدل على أن هذا يريد بك الشر، فلا بأس أن تقول بل لا بأس أن تدعو فتقول: اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
وأن تأخذ حذرك منهم.
أما مجرد الوهم، فإن الأولى إحسان الظن بالمسلم، هذا هو الأصل ما لم توجد قرائن قوية تنقل عن هذا الأصل إلى إساءة الظن، لكن قد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (الأرواح جنود مجندة؛ فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) وهذا شيء يجده الإنسان في نفسه، تلقى شخصاً في السوق لم تعرفه ولم تره قبل ذلك أبداً فتجد نفسك تميل إليه وهو كذلك؛ لأن الأرواح تتآلف وتتعارف، وهذا أمر سري لا ندري عنه.
وتلاقي بعض الناس لم ترهم من قبل ولم تجتمع بهم فتجد نفسك نافرة منهم، كما أنه كذلك، وهذا شيء مجرب وواقع، لكن الأصل في المسلم السلامة، فإن وجدت قرائن تدل على أنه يريد الشر إما من نظراته، أو من حركاته، أو ما أشبه ذلك فخذ حذرك منه، وادعوا الله تعالى بما سمعت: اللهم إني أجعلك في نحره، وأعوذ بك من شره.(83/17)
أقسام الحركات في الصلاة
السؤال
إذا كان الإنسان في صلاة نافلة وهو يقرأ طوال السور ونسي بعض الآيات وأمامه مصحف، فهل له أن يأخذ المصحف لكي يراجع ما فاته من القراءة، أم يقف عند آخر قراءة ويركع؟
الجواب
لا بأس بهذا وهذا، ما دام يصلي وحده نافلة فإنه إذا أشكل عليه آية والمصحف قريبٌ منه فلا بأس أن يأخذه وينظر؛ لأن هذا لحاجة ومصلحة تتعلق بالصلاة، ولا بأس أن يقطع القراءة ويركع؛ لأنه أحياناً إذا ركع تذكر الآيات التي نسيها، فلا بأس أن يركع ثم يتذكرها فذلك مطلوب، فإن لم يتذكرها قرأ بما تيسر له.
ولعلنا في هذا المقام نذكر أحوال الحركات في الصلاة: الحركات في الصلاة الأصل فيها أنها مكروهة؛ لأن الإنسان واقف بين يدي الله عز وجل، والله تعالى ينظر إليه ويعلم ما في قلبه ويسمع ما يقول، فلا تتحرك، لو وقفت عند ملك من الملوك لرأيت من الأدب ألا تكثر العبث أمامه، فكيف وأنت بين يدي الله عز وجل؟!! فالحركة الأصل فيها أنها مكروهة، لكنها تنقسم أيضاً إلى غير المكروه وتكون مباحة، أو واجبة، أو مسنونة، وقد تكون محرمة، فهذه خمسة أحكام.
تكون واجبة إذا توقف عليها صحة الصلاة، مثال ذلك: أتاك شخص وأنت تصلي إلى جهة ما، وهو أعلم منك بالجهة، فقال: إن القبلة على يمينك، فالانحراف واجب، يعني: لا تصح الصلاة إلا باستقبال القبلة، وقد علم المصلي الآن أنه إلى غير قبلة فيجب أن ينحرف، ولهذا لما جاء رجل أهل قباء وأخبرهم وهم يصلون الفجر أن القبلة صرفت إلى الكعبة استداروا، فاستدبروا ما كانوا مستقبلين له في الأول.
ذكرت أن على غترتك نجاسة وأنت تصلي فالحركة هنا واجبة، يجب أن يخلعها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبره جبريل أن في نعليه قذراً خلعهما وهو يصلي.
أشغلتك الحكة هل تحكها لتبرد وتقبل على صلاتك، أو تبقى في نزاعٍ معها نزاعاً قلبياً ليس نزاعاً بدنياً؟ أيهما أحسن؟ الأول؛ أحكها وتبرد، هذه الحركة إما مباحة وإما مستحبة؛ لأنها لكمال الصلاة.
انفرج أمامك فرجة في الصف هل تتقدم إليها، أم لا؟ أتقدم إليها، هذه حركة لكنها مستحبة لما فيها من سد الفرج وإتمام الصفوف.
تكون حركة مكروهة إذا لم يكن لها سبب، مثل: بعض الناس يصلي فتجده يتحرك ويصلح الغترة أو القلم أو الساعة، بعضهم ينظر إلى الساعة وهو يصلي، وبعضهم يكتب وهو يصلي، لعله يتذكر حاجة ذكرها في صلاته ويخشى أن ينساها مرة ثانية فيكتبها لئلا ينسى، هذا عبث لا داعي له، فتكون الحركة في هذا مكروهة.
طيب! سقطت غترته وهو يصلي، لو مضى في صلاته لن يتأثر، لكن أحب أن يأخذها ويلبسها، فله ذلك؛ لأن هذا عمل مباح، وإن كانت الصلاة تتم بدونها لكنه يحب أن يكون على أكمل ما يكون من اللباس.
إذاً: الحركة تنقسم إلى خمسة أقسام، وكلما كان الإنسان ساكن القلب ساكن الجوارح فهو أكمل لصلاته.(83/18)
البسملة هل آية من الفاتحة أم لا؟
السؤال
فضيلة الشيخ! هل البسملة آية من الفاتحة؟
الجواب
البسملة ليست آية من الفاتحة ولا من غير الفاتحة بل هي آية مستقلة، وهي مرقمة في المصحف على أنها من الفاتحة لكنه قول مرجوح، والصواب: أن أول الفاتحة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] كما صح ذلك من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الله قال: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) وذكر الفاتحة ولم يذكر البسملة.(83/19)
إزالة جبال مكة خوفاً من قيام الساعة
السؤال
أحد الشركات أرادت أن تقيم مشروعاً في مكة وهذه الأرض التي أرادت أن تبني عليها مشروعاً سكنياً يقع فيها جبل فأرادوا تكسير هذا الجبل، فجاءهم أحد الأشخاص وقال: إن هناك حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم (من علامة الساعة: إزالة جبال مكة) .
فتوقفوا، فما صحة هذا الحديث؟
الجواب
الساعة قريب سواءً أزيلت الجبال أم لم تزل، هم توقفوا لئلا تقرب الساعة، ولكن الساعة قريبة، وهذا لا صحة له وغير صحيح.(83/20)
حكم الأذان على غير طهارة
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز الأذان على غير طهارة؟
الجواب
الأذان على غير طهارة جائز؛ لأن الأذان ذكر، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يذكر الله على كل أحيانه) لكن إن كان الأذان في المسجد وهو جنب فلا يؤذن في المسجد حتى يتوضأ؛ لأن الجنب لا يمكث في المسجد إلا بوضوء.(83/21)
حكم أداء صلاة الاستخارة عن الغير
السؤال
فضيلة الشيخ صلاة الاستخارة هل تجوز للغير، أي: أن يستخير المرء لغيره قياساً دعا الأخ لأخيه؟
الجواب
الاستخارة لا تجوز إلا ممن أراد وهمَّ، ولا يصلح أن يستخير لغيره حتى لو وكله وقال: استخر الله لي؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إذا هم أحدكم فليركع ركعتين ثم يقول:) وذكر الحديث، كما أنه لو دخل اثنان المسجد وقال أحدهم للآخر: صل عني ركعتين تحية المسجد وأنا سأجلس، لا يصح هذا، فصلاة الاستخارة متعلقة بنفس المستخير الذي يريد أن يفعل.(83/22)
حكم طاعة الوالدين في ترك المستحبات
السؤال
فضيلة الشيخ هل يجوز للشاب أن يفعل سنة من السنن كالصيام أو رفع الثوب إلى نصف الساق أو طلب العلم غير الواجب مع أن والديه يكرهان له ذلك.
فما توجيهكم يا شيخ؟
الجواب
أولاً: ننصح بعض الوالدين الذين يثقل عليهم إذا استقام الولد سواءً كان ذكراً أم أنثى، كما سمعنا أن بعض الناس -نسأل الله العافية- إذا استقام ابنه أو ابنته تألم من ذلك وحاول أن يصده عن ذكر الله، وعن طاعة الله فأنصح هؤلاء الوالدين من هذه الحالة القبيحة، والعجب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) وهؤلاء يحاولون أن يحولوا بين الولد وصلاحه حتى لا يوفق الولد بالدعاء لهما بعد موتهما، بخلاف الولد الصالح فإنه يوفق بالدعاء لوالديه بعد موتهم.
أما بالنسبة للولد فلا يطع والديه في ترك طاعة الله، كما أنه لا يطيعهما في معصية الله، لكن طاعتهما في معصية الله حرام عليه، وطاعتهما في ترك طاعة الله غير الواجبة أمرها إليه؛ لأن المستحب أمرها إلى الإنسان إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، لكنه إذا أراد أن يفعل ينبغي أن يداريهما فيخفي ما أمكن إخفاؤه من عمله الصالح، وأما ما يتعلق باللباس إلى نصف الساق فهذا أمره سهل، وأخبر الأخ: أن اللباس إلى نصف الساق سنة، وإلى ما تحت نصف الساق سنة، الممنوع أن يكون أسفل من الكعبين، فإن الصحابة رضوان الله عليهم وهم أجل قدراً ممن بعدهم وأحب للخير لمن بعدهم كانت ألبستهم تصل إلى الكعب، أو إلى ما فوقه يسيراً، كما قال أبو بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! إن أحد شقي إزاري يسترخي عليَّ إلا أن أتعهده) وهذا يدل على أن إزاره ينزل عن نصف ساقه؛ لأنه لو كان إلى نصف ساقه واسترخى عليه حتى يصل إلى الأرض لزم من ذلك انكشاف عورته من فوق، وهذا هو المعروف بين الصحابة.
فإذا رأيت مثلاً: أن الناس يكرهون اللبس إلى نصف الساق أو أعلى، وأنك لو لبست كما يلبس الناس في غير إسراف ولا مخيلة أدعى لقبول كلامك، الحمد لله اترك هذا الذي تريد أن تفعله تأليفاً للقلوب وقبولاً للكلام، ولهذا أجد الناس الآن تلين قلوبهم للناصح إذا كان لباسه على العادة لكنه ليس محرماً أكثر مما تميل إلى الذين يرفعون لباسهم إلى نصف الساق أو أكثر، والإنسان قد يدع المستحب لحصول ما هو أفضل منه، هذا وأرى أنه إذا قال له والداه: أنزل ثوبك إلى أسفل من نصف الساق، أرى أنه يطيعهما في هذا الحال؛ لأنه كله سنة والحمد لله، كلٌّ عمل به الصحابة رضي الله عنهم.(83/23)
كيفية تسمية الله عند الوضوء في الحمام
السؤال
إن المراحيض الآن وهي محل قضاء الحاجة صارت في مكان الوضوء والغسل فهل يسمي في هذه الحال أم لا؟
الجواب
إن سمى بلسانه فلا بأس، وإن سمى بقلبه فهو أحسن، ينوي التسمية بالقلب دون أن ينطق بها باللسان، وأنت تعرف تسمية القلب.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(83/24)
لقاء الباب المفتوح [84]
في هذه المادة يواصل الشيخ الكلام عن تفسير سورة العلق وذكر الفوائد الواردة فيها، ثم يجيب عن الأسئلة الواردة في اللقاء.(84/1)
تفسير آخر سورة العلق
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو المجلس الرابع والثمانون من لقاء الباب المفتوح والذي يتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس الرابع من شهر شعبان عام (1415هـ) نفتتحه بالكلام على ما تبقى من تفسير سورة العلق.(84/2)
تفسير قوله تعالى: (أرأيت الذي ينهى)
قال الله تبارك وتعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:9-14] كل هذا للتهديد؛ تهديد هذا الرجل الذي كان ينهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الصلاة، حتى إنه توعد وقال: لأطأن عنقه إذا سجد، ولكن أبى الله تعالى ذلك، فقد هم به ولكنه نكص على عقبيه ورأى أهوالاً عظيمة حالت بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.(84/3)
تفسير قوله تعالى: (ألم يعلم بأن الله يرى)
قال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:14] يحتمل أن تكون من الرؤية بالعين، ويحتمل أن تكون من رؤية العلم، وكلاهما صحيح، فالرب عز وجل يرى بعلمه ويرى ببصره جل وعلا: {لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران:5] والمراد بهذه الجملة التهديد، أي: ليعلم هذا الرجل أن الله تعالى يراه ويعلمه، وهو سبحانه وتعالى محيط بعمله فيجازيه عليه إما في الدنيا وإما في الدنيا والآخرة.
ثم قال: {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ} [العلق:15] (كلا) بمعنى: حقاً، ويحتمل أن تكون للردع، أي: لردعه عن فعله السيئ الذي كان يقوم به تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بمعنى: حقاً لنسفع بالناصية، وجملة (لنسفعاً) جواب لقسم مقدر، والتقدير: والله لئن لم ينتهِ لنسفعاً بالناصية، وحذف جواب الشرط وبقي جواب القسم؛ لأن هذا من القاعدة في اللغة العربية: أنه إذا اجتمع قسم وشرط فإنه يحذف جواب المؤخر.
قال ابن مالك في ألفيته:
واحذف لدى اجتماع شرط وقسم جواب ما أخرت فهو ملتزم
وهنا المتأخر هو الشرط (لئن) والقسم مقدرٌ قبله في التقدير: والله لئن لم ينته لنسفعاً، ومعنى (لنسفعاً) أي: لنأخذن بشدة، والناصية مقدم الرأس، و (أل) فيها -أي: في الناصية- للعهد الذهني، والمراد بالناصية هنا ناصية أبي جهل الذي توعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على صلاته ونهاه عنها، أي: لنسفعاً بناصيته، وهل المراد: الأخذ بالناصية في الدنيا، أو في الآخرة يجر بناصيته إلى النار؟ يحتمل هذا وهذا، يحتمل أنه يؤخذ بالناصية، وقد أخذ بناصيته في يوم بدر حين قتل مع من قتل من المشركين، ويحتمل أن يؤخذ بناصيته يوم القيامة فيقذف بالنار كما قال الله تعالى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [الرحمن:41] وإذا كانت الآية صالحة لمعنيين لا يناقض أحدهما الآخر فإن الواجب حملها على المعنيين جميعاً كما هو المعروف، والذي قررناه سابقاً ونقرره الآن: أن الآية إذا كانت تحتمل معنيين لا ينافي أحدهما الآخر فالواجب الأخذ بالمعنيين جميعاً.(84/4)
تفسير قوله تعالى: (ناصية كاذبة خاطئة)
قال تعالى: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق:16] (ناصية) بدل من الناصية الأولى، وهي بدل نكرة من معرفة وهي جائزة في اللغة العربية، وإنما قال: (ناصية) من أجل أن يكون ذلك توطئة للوصف الآتي بعدها، وهو قوله: {كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق:16] (كاذبة) أي: أنها موصوفة بالكذب، ولا شك أن من أكبر ما يكون كذباً ما يحصل من الكفار الذين يدعون أن مع الله آلهة أخرى، فإن هذا أكذب القول وأقبح الفعل: (خاطئة) أي: مرتكبة للخطأ عمداً، وليعلم أن هناك فرقاً بين خاطئ ومخطئ (الخاطئ) من ارتكب الخطأ عمداً، و (المخطئ) من ارتكبه جهلاً، والثاني معذور والأول غير معذور، قال الله تبارك وتعالى: {لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} [الحاقة:37] أي: المذنبون ذنباً عن عمد، وقال تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله: قد فعلت.
ومثل ذلك: القاسط والمقسط، القاسط: هو الجائر، والمقسط: هو العادل.
قال الله تعالى: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9] وقال تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً} [الجن:15] .
إذاً (خاطئة) أي: مرتكبة للإثم عمداً.(84/5)
تفسير قوله تعالى: (فليدع ناديه)
قال تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق:17-18] اللام هنا للتحدي، أي: إن كان صادقاً وعنده قوة وقدرة فليدع ناديه، و (النادي) هو مجتمع القوم للتحدث بينهم والتخاطب والتفاهم استئناس بعضهم ببعض، وكان أبو جهل معظماً في قريش وله نادٍ يجتمع الناس إليه فيه، ويتكلمون في شئونهم، فهنا يقول الله عز وجل: إن كان صادقاً (فليدع ناديه) وهذا لا شك أنه تحد كما تقول لعدوك: إن كان لك قومٌ فتقدم، وما أشبه ذلك من الكلمات الدالة على التحدي، قال تعالى: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق:18] أي: عندنا من هم أعظم من نادي هذا الرجل وهم الزبانية؛ ملائكة النار -نسأل الله العافية- وقد وصف الله ملائكة النار بأنهم: {غِلاظٌ شِدَادٌ} [التحريم:6] غلاظ في الطباع شداد في القوة: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} [التحريم:6] بل يمتثلون كل ما أمرهم الله به: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] لا يعجزون عن ذلك، فوصفهم بوصفين: أنهم في تمام الانقياد لله عز وجل: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} [التحريم:6] وأنهم في تمام القدرة: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] .
وعدم امتثال أمر الله عز وجل إما أن يكون للعجز وإما أن يكون للمعصية، فمثلاً: الذي لا يصلي الفرض قائماً قد يكون لعجز، وقد يكون للعناد، فهو لا ينفذ أمر الله، لكن الملائكة الذين على النار ليس عندهم عجز، عندهم قوة وقدرة، وليس عندهم استكبار عن الأمر، بل عندهم تمام التذلل والخضوع، هؤلاء الزبانية لا يمكن لهذا وقومه وناديه أن يقابلوهم أبداً، ولهذا قال: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق:18] فإن قال قائل: أين الواو في قوله ندعُ؟ قلنا: إنها محذوفة لالتقاء الساكنين، لأن الواو ساكنة وهمزة الوصل ساكنة وإذا التقى ساكنان فإن كان الحرف صحيحاً كسر وإن كان غير صحيح حذف.
قال ابن مالك رحمه الله في الألفية:
إن ساكنان التقيا اكسر ما سبق وإن يكن ليناً فحذفه استحق
إذا التقى ساكنان وكان الحرف الأول صحيحاً ليس من حروف العلة كسر، مثل قوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البينة:1] وأصلها (لم يكنْ) لأن (لم) إذا دخلت على الفعل جزمته، كما في قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:4] لكن هنا التقى ساكنان وكان الأول حرفاً صحيحاً فكسر، أما إذا كان الأول حرف لين -أي: حرف من حروف العلة- فإنه يحذف كما في هذه الآية {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق:18] .(84/6)
تفسير قوله تعالى: (كلا لا تطعه واسجد واقترب)
قال تعالى: {كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19] يقال في (كلا) ما قيل في الأولى التي قبلها، والخطاب في قوله: (لا تطعه) أي: لا تطع هذا الذي ينهاك عن الصلاة، بل اسجد ولا تبال به، فإذا كان الله نهى نبيه أن يطيع هذا الرجل، فهذا يعني أنه جل وعلا سيدافع عنه، أي: افعل ما تؤمر ولا يهمنك هذا الرجل، واسجد لله عز وجل، والمراد بالسجود هنا: الصلاة؛ لكن عبر بالسجود عن الصلاة؛ لأن السجود ركن في الصلاة لا تصح الصلاة إلا به، فلهذا عبر به عنها، وقوله: {وَاقْتَرَبَ} [الأنبياء:97] أي: اقترب من الله عز وجل؛ لأن الساجد أقرب ما يكون من ربه، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) أي: حري أن يستجاب لكم.
هذه السورة العظيمة كما سمعناها سورة عظيمة ابتدأها الله تعالى بما منَّ به على رسوله عليه الصلاة والسلام من الوحي، ثم اختتمها بالسجود والاقتراب من الله عز وجل.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم القيام بطاعته والقرب منه، وأن يجعلنا من أوليائه المتقين، وحزبه المفلحين، وعباده الصالحين، إنه جوادٌ كريم.(84/7)
الأسئلة(84/8)
ما يتم به الفصل بين الصلاة والصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ: ورد في الحديث المتفق عليه النهي عن وصل صلاة بصلاة حتى يتحدث أو يخرج، فهل الذكر الوارد بعد الصلاة يقوم مقام الحديث؟ وهل لو خرج من مصلاه إلى ساحة المسجد أو الملحق الخارجي يجزؤه عن ذلك نرجو التكرم بالجواب؟
الجواب
الذي ورد هو حديث معاوية رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ألا نصل صلاة بصلاة حتى نخرج أو نتكلم) أما الخروج فظاهر أن يخرج، أي: يقوم من مكانه في الصلاة ويذهب إلى أهله، وأما الكلام فقيل: المراد بالكلام هنا كلام الآدميين؛ لأنه هو الذي يحصل به التمييز بين الصلاتين، وأما التسبيح والتهليل فلا يحصل به الفصل.
وقال بعضهم: بل يحصل به الفصل؛ لأن هذا التسبيح والتهليل وإن كان لا يبطل الصلاة وليس من كلام الآدميين لكنه علامة على انقطاع وانفصال الصلاة في الأولى عن الثانية، ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله: الأولى أن يفصل بين الفرض وسنته بكلام أو انتقال من مكانه، وبناءً على كلام الفقهاء: لو انتقل من مكانه الذي هو فيه في صلاة الفرض إلى مكان آخر في المسجد سواءً كان داخل المسقف أو في الرحبة، فإنه يحصل به المقصود.(84/9)
حكم تارك الصلاة
السؤال
من المعلوم أن تارك الصلاة لا يصلى عليه إذا مات، مثلاً: أخبرت إماماً أراد أن يصلي على تارك الصلاة هل هذه من الغيبة؟
الجواب
تارك الصلاة لا يصلى عليه إذا مات؛ لأنه كافر مرتد عند دين الإسلام -والعياذ بالله- بدلالة القرآن والسنة وكلام الصحابة رضي الله عنهم، بل حكي إجماع الصحابة على أنه كافر مرتد خارج عن دين الإسلام.
وإذا كان كذلك فإنه لا يجوز أن يصلى عليه؛ لقول الله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة:84] فإذا قدم إلى الإمام من تعلم العلم اليقين أنه لم يصل إلى أن مات فالواجب عليك أن تخبر الإمام وجوباً، وليس هذا من الغيبة، بل هذا من النصيحة؛ لأنك بإخبارك إياه تنهاه عن منكر، إذ أن الصلاة عليه حرام، وفي هذه الحال إذا أخبرته يجب على الإمام أن يتوقف وأن يقول: لا أصل على من لا يصلي.
لكن يبقى النزاع فيما بين أهله وبين الإمام مثلاً؛ لأن أهله ربما ينكرون أنه لا يصلي، ربما يقولون: إنه يصلي، فيقول: إذا كنتم تعتقدون أنه يصلي فاذهبوا أنتم وصلوا عليه وحسابكم على الله، أما أنا فقد بلغني عمن أثق به أو أنا أعلم عن حاله أنه لا يصلي فلا أصلي عليه، وقد قدمت لي جنازة كانوا يقولون: إنه لا يصلي، فلما قدم وسألت قالوا: هذا فلان، قلت: لا أصلي عليه، فقال أهله: إنه كان يصلي ويخلي لا يترك الصلاة مطلقاً فمن ثم تقدمت وصليت عليه.
ولا حرج على الإمام إذا رأى من الجنازة ما يقتضي ألا يصلي عليه، لا حرج عليه أن يتأخر، فقد فعله من هو خير منا، فعله النبي عليه الصلاة والسلام حين قدم إليه رجل فسأل: (أعليه دين؟ قالوا: نعم ديناران، ولم يكن له وفاء، فقال: صلوا على صاحبكم -وتأخر- حتى عرف ذلك في وجوه القوم، فتقدم أبو قتادة رضي الله عنه وقال: يا رسول الله! الديناران علي) فلما استثبت النبي صلى الله عليه وسلم من أبي قتادة وأنه ملتزم بهما تقدم وصلى عليه، فهو قد انصرف وأبى أن يصلي عليه؛ لأنه وجد فيه ما يقتضي ألا يصلي عليه، وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل أن يفتح الله عليه لا يصلي على من عليه دينٌ لا وفاء له، وذلك لأن صلاة الرسول عليه الصلاة والسلام شفاعة والدين لا تنفع فيه الشفاعة؛ لأنه لا بد أن يقضى لصاحب الحق حقه.
إذاً: إخبار الإمام بذلك من النصيحة وليس من الفضيحة، بل يجب على من علم بحاله أن يبين، لكن قد تأتي أحاديث يتوهم بعض الناس منها أنها تدل على عدم كفر تارك الصلاة، ونحن نجمل القول فيها -أي: في إبطال الاستدلال بها على عدم كفر تارك الصلاة- فنقول: الآيات والأحاديث وأقوال الصحابة في كفر تارك الصلاة نصوص وأدلة محكمة ليس فيها إشكال، والنصوص الأخرى التي استدل بها من لا يرى كفر تارك الصلاة لا تخرج عن أقسام: الأول: ألا يكون فيها معارضة أصلاً، مثل قول بعضهم: إن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] ويدخل في قوله: (ما دون ذلك) ترك الصلاة، فنقول: إن ترك الصلاة ليست دون الشرك بل هي من الشرك، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) .
واستدل بعضهم بحديث عتبان بن مالك رضي الله عنه: (إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) فيقال: هذا لا دليل فيه أيضاً، لأن قوله: (يبتغي بذلك وجه الله) تمنع أن يترك الصلاة، فكل من أراد وجه الله لا يمكن أن يترك الصلاة أبداً، يعني: رجل يحافظ على ترك الصلاة وهو يبتغي وجه الله، بأي طريقٍ يصل إلى الله إذا كان يترك الصلاة؟!! إذاً: لا دليل فيه.
واستدل بعضهم بحديث الشفاعة: (أنه يخرج من النار من لم يعمل خيراً قط) فيقال: هذا عام لم يقل الرسول: من لم يصل.
ونصوص كفر ترك الصلاة خاصة، والقاعدة الأصولية تقول: (الخاص يقضي على العام) أما لو جاء في الحديث أنه خرج وهو لم يصل لله صلاة لكان هذا واضحاً، ويجب أن تحمل النصوص الأخرى على أنها لا تكفر كفراً مخرجاً عن الملة، لكن يقول: لم يعمل خيراً، (وخيراً) نكرة في سياق النفي، فهي عامة، والعام يخصص بالخاص.
واستدل بعضهم بحديث صاحب البطاقة الذي أخرجه الترمذي: (أنه يؤتى ببطاقة فيها لا إله إلا الله فترجح بالسيئات) قالوا: وليس فيها ذكر الصلاة، فيقال: وليس فيها أنه ذكر الصلاة لا إثباتاً ولا نفياً، فيبقى هذا الحديث عاماً ويخصص بالصلاة.
وهناك أحاديث ضعيفة استدلوا بها، والأحاديث الضعيفة لا تقاوم الأحاديث الصحيحة فليست معارضة؛ لأنها غير قائمة فلا تكون مقاومة.
والخلاصة: أن القول الراجح الذي ندين الله به والذي نعتمد فيه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن من ترك الصلاة فإنه كافر كفراً مخرجاً عن الملة، وأنه أسوأ حالاً من اليهود والنصارى؛ لأن اليهود والنصارى يقرون على دينهم حسب ما تقتضيه الشريعة بالجزية، وأما هذا فلا يقر على دينه، هذا يقال: إما أن تصلي وإلا قتلناك، لا يمكن أن تبقى على الأرض وأنت لا تصلي.
هذا الواجب، فنسأل الله أن يهدينا وإياكم إلى الصراط المستقيم.(84/10)
تحويل لفظ الجمع إلى المفرد في الدعاء والعكس
السؤال
بالنسبة للكتيبات التي فيها الدعاء مكتوب بالجمع، هل نحولها إلى المفرد؟ الشيخ: أي جمع؟ السائل: اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت.
الشيخ: هو حديث القنوت التي تذكر؟ السائل: نعم القنوت.
الشيخ: اللهم اهدني فيمن هديت، للإفراد، لكن إذا كان إماماً فهو يدعو لنفسه ولغيره، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا دعا الإمام بدعاء عام يؤمن عليه المأموم وخص نفسه به فهو خائن.
خائن للذين وراءه، مثلاً: افرض أنك إمام تقول: اللهم اهدني فيمن هديت، وهم يقولون: آمين، هل دعوا لأنفسهم؟ السائل: لا.
الشيخ: صار يدعي لنفسه وهذه فيها خيانة، قل: اللهم اهدنا فيمن هديت، وتنوي أنه لك ولمن وراءك، لكن إذا كنت وحدك فقل: اللهم اهدني فيمن هديت، كما تقول بين السجدتين: رب اغفر لي وارحمني.
وقد تورد عليَّ أن الله تعالى قال في القرآن في الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] وهذا يقوله المنفرد والإمام والمأموم، أليس كذلك؟ فيقال: القرآن الكريم نزل للجميع، والله عز وجل علم أنه سيكون من هذه الأمة من يكون إماماً للناس بهذه السورة، لو نزلت في السورة اهدني الصراط المستقيم والناس سيصلون جماعة كيف يقول الإمام؟ إما أن يدعو لنفسه خاصة، وإمام أن يحرف القرآن ويقول: اهدنا الصراط المستقيم.
فالفاتحة بصيغة الجمع؛ لأن الله علم بأنه سيقوم بهذه السورة من يكون إماماً ووراءه جماعة فلهذا نزلت بهذا اللفظ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:5-6] .
وإذا كان منفرداً فيمكن الإنسان أن ينوي في نفسه اهدنا معشر الأمة الإسلامية الصراط المستقيم.
ولا مانع إذا دعوت بالقنوت وأنت وحدك فتقول: اللهم اهدني فيمن هديت.
السائل: إذا مرت عليّ آية من الآيات كيف أحولها؟ الشيخ: لا تحولها بل تقرأها كما نزلت.
السائل: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] الشيخ: تقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] لا تغير القرآن، فالقرآن لا يغير.
كذلك أيضاً في حديث عبد الله بن مسعود دعاء الغم والكرب: (اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك) المرأة لا تقول: عبدك، تقول: اللهم إني أمتك بنت عبدك.
لأنها امرأة، فتقول: اللهم إني أمتك.
هذا ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله.
وقال غيره: تقول المرأة: اللهم إني عبدك.
لأنها شخص، فتصف نفسها أنها عبد باعتبار أنها شخص.
وبمناسبة دعاء القنوت: في هذه الأيام يقنت المسلمون لإخوانهم في الشيشان والبوسنة والهرسك، وقد بلغني أن بعض الأئمة يقنت بقنوت الوتر (اللهم اهدنا فيمن هديت) وهذا غير صحيح وهو جهل؛ لأن قنوت النوازل خاص بالنوازل، وعلى هذا فتدعو لله عز وجل بالنصر للشيشان والبوسنة والهرسك وبهزيمة أعدائهم الذين اعتدوا عليهم ولا تدعو بقنوت الوتر.(84/11)
حكم الحصول على الشهادة بالغش
السؤال
فضيلة الشيخ أثابك الله: بالنسبة لبعض الطلاب الذين تخرجوا بشهادات كانوا غشوا بها في الفصول الدراسية سواءً كان ذلك في السنوات الأولى أو في المتوسط وبعضها في الجامعة في الشهادة النهائية، فما حكم هذه الشهادة؟ هل يجوز له أن يتوظف بها وماذا يعمل؟ وبعضهم يقول: أنا أغش في المتوسط لكن إذا أتيت آخر سنة لا أغش حتى تكون شهادتي حلالاً، فما ردكم على هذا وما توجيهكم؟
الجواب
توجيهنا في هذا الأمر أن يتقي الإنسان ربه وأن لا يخرج من دائرة الأمة الإسلامية بهذا العمل الشنيع؛ لأن هذا ليس من عمل المسلمين، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من غشنا -وفي لفظ: من غش- فليس منا) فتبرأ النبي عليه الصلاة والسلام منه، وهذه البراءة ليست براءة مطلقة بمعنى: أن من غش فهو كافر، لكنها براءة مقيدة، أي: ليس منا بهذا العمل، فهذا العمل يتبرأ منه كل مسلم.
ومن غش في الشهادات التي قبل النهائية فهو آثم، ويكفي أن يتوب إلى الله عز وجل مما صنع، وأن يحذر من يقتدي به في هذا العمل.
وأما إذا كانت في الشهادة التي يترتب عليها الوظيفة فهذه مشكلة ولا بد من حلها حلاً جذرياً، فإذا كان العمل المنوط به يتعلق بالمادة التي غش فيها فإنه يجب عليه أن يستقيل من الوظيفة؛ لأنه غير متقن لهذا العمل، وإن كان لا يتعلق بالمادة التي غش فيها فأرجو أن التوبة تكفي إن شاء الله، على أني لا أدري عن المسئولين هل يسمحون له بالبقاء في وظيفته مع الغش أم لا.(84/12)
حكم ترك الحج
السؤال
فضيلة الشيخ! يقول الله تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97] وقد نقل عن الصحابة أنهم كانوا لا يرون عمله تركه كفراً إلا الصلاة.
فكيف نوجه هذه الآية؟ الشيخ: يجاب عن هذه الآية بأحد وجهين: إما أن يقال: بأن من لم يحج فهو كافر كما قال ذلك بعض السلف، وأن ترك الحج مع القدرة عليه كفر كترك الصلاة.
وهذا مروي عن الإمام أحمد رحمه الله، فإن عنه رواية: أن من ترك الحج فهو كافر، وعلى هذا فلا إشكال.
وأما على رأي الجمهور وهو الوجه الثاني: فيوجهون الكفر هنا بأنه كفر عملي يعني: أنه لا يخرج من الإسلام، وأنه كقوله صلى الله عليه وسلم: (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت) ومعلوم أن الطعن في النسب لو سبيت الإنسان بنسبه، أو ناح نائح على ميت أن هذا ليس كفراً مخرجاً عن الملة، فيحملون هذا على أنه كفر عملي أي: ليس كفراً مخرجاً عن الملة، ويؤيد هذا قول عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين المعروفين: [كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة] .(84/13)
حكم طلب الشكر من الناس في فعل الخير
السؤال
فضيلة الشيخ! لقد فهمت من ظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن من عمل خيراً لطلب الشكر أو الدعاء فإن العمل غير خالص لوجه الله.
فما توجيهكم؟
الجواب
نعم هذا صحيح، الإنسان الذي يعمل عبادة لا تكون إلا لله، فإذا أشرك فيها مع الله أحداً فهذا مبطل للعبادة، فلو صلى من أجل أن يشكره الناس على الصلاة ويثنون عليه بذلك، فلا شك أنه أراد بعمله غير الله، ثم إما أن يكون شركاً أكبر أو أصغر حسب ما يكون بالقلب.
وأما إذا صلى لله ثم أثني عليه بتلك الصلاة فهذا لا بأس به، وربما يكون هذا من عاجل بشرى المؤمن، لكن يجب على الإنسان أن يخص ما لله لله لا يشرك به أحداً، والناس لا يغنونك من الله شيئاً، والله يغنيك من كل الناس، فلم لا تتقرب إلى الله بما يُتقرب إلى الله به، تتقرب إلى الناس بالصلاة وهي لله؟!! السائل: ولكن الإشكال يا شيخ قوله: (أو الدعاء) مثلاً: يتصدق إنسان من أجل أن يدعو له هذا الإنسان؟ الشيخ: حتى هذا أيضاً نقص في الإخلاص، قال الأبرار: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً} [الإنسان:9] والدعاء من الجزاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له) ولا شك أن هناك فرقاً بين الإنسان يعطي لله عز وجل يريد التقرب إلى الله عز وجل، وبين إنسان يقول: أعطيه من أجل أن يدعو لي.
فرق بعيد.(84/14)
متابعة الإمام
السؤال
إذا وجد المأموم الإمام ساجداً هل ينحط ساجداً، أم يقعد ثم يكبر ويسجد مع الإمام؟
الجواب
إذا وجد الإمام على حال قائماً أو راكعاً أو ساجداً أو قاعداً فليصنع كما يصنع الإمام، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما أدركتم فصلوا) وقال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بسند فيه ضعف: [إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حالٍ فليصنع كما يصنع الإمام] .
السائل: لكن السؤال يا شيخ: هل يسجد بتكبيرة الإحرام، أم يكبر للسجود؟ الشيخ: لا.
تكبيرة الإحرام يكبرها وهو قائم، ثم إذا سجد يسجد دون تكبير.(84/15)
الفرق بين المعجزة والكرامة والكهانة
السؤال
كيف نفرق بين المعجزة والكرامة والكهانة؟
الجواب
المعجزة تكون للأنبياء، والكرامة للأولياء؛ أولياء الرحمن، والكهانة لأولياء الشيطان، والآن المعجزة لا يمكن أن تقع؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام آخر الأنبياء ولا يمكن أن تقع.
والكرامة موجودة من قبل الرسول ومن بعد الرسول إلى يوم القيامة، تكون على يد ولي صالح، إذا عرفنا أن هذا الرجل الذي جاءت هذه الكرامة على يده هو رجل مستقيم قائم بحق الله وحق العباد عرفنا أنها كرامة.
وينظر في الرجل فإذا جاءت هذه الكرامة من كاهن -يعني: من رجل غير مستقيم- عرفنا أنها من الشياطين، والشياطين تعين بني آدم لأغراضها أحياناً، فربما يكون مثلاً من السحرة من تحمله الشياطين إلى مسافات بعيدة وترده: {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ} [النمل:39] لسليمان: {أَنَا آتِيكَ بِهِ} [النمل:39] يعني: بعرش ملكة اليمن: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} [النمل:39] يجيبه من اليمن من أقصى الجنوب إلى الشام، {قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} وكان معروف أنه يقوم من مقامه في ساعة معينة.(84/16)
التعبير بلفظ الآية بدل المعجزة
السؤال
ما الفرق بين المرائي والمخلص وأيهما أصح: التعبير بلفظ آية أم معجزة في معجزات الأنبياء؟
الجواب
هناك فرق بين المرائي والمخلص مهما كان، مهما تظاهر المرائي بزي التقوى فالله تعالى يفضحه، لكنك الآن ذكرت لفظ معجزة والصحيح أنه لا يقال: معجزة ويقال: آية، لأنه لا يوجد حرف واحد لا في القرآن ولا في السنة سميت به آيات الأنبياء معجزات أبداً، فهي آية، وآية أدل على المعنى المقصود من معجزة، فالمعجزة تكون حتى من السحرة، حتى الساحر يأتي بالمعجزات لكن آية على صدقة هي التي جاءت ((لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ)) [الحديد:25] أي: بالآيات البينات، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بعث الله نبياً إلا أتاه ما يؤمن على مثله البشر) فلذلك إن شاء الله تمحو كلمة المعجزة من قاموسك، ولا يغرنك أنها موجودة بكثرة في الكتب، وقد نبه على هذا شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب النبوات وبين أن الصواب أن يقال: آية بدل معجزة.(84/17)
حكم من شك في أثناء الصلاة أنه أحدث
السؤال
فضيلة الشيخ حفظكم الله: إذا كان الرجل مسافراً ثم دخل عليه وقت صلاة المغرب وأراد أن يجمع معها العشاء وكان قبل ذلك محدثاً ثم توضأ وهو في الطريق دخل عليه الوقت وشك في وسط الصلاة أنه أحدث بعد ذلك، ثم لم يلتفت إلى ذلك فأكمل، وبعد أن وصل إلى مدينته كان في نفسه شيء من هذه الصلاة ثم أعاد وقصر؟
الجواب
أولاً: يجب أن تعلم أن الإنسان إذا شك هل أحدث أم لا، فلا يلتفت إلى هذا الشيء وليتله عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شكي إليه هذا الشيء أن الإنسان يحس بشيء في بطنه فيظن أنه خرج منه شيء فقال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) واحمد الله على العافية، تله عنه وصل وصلاتك صحيحة ولا تشك فيها، نعم لو تيقنت بعد هذا أنك أحدثت وأنك صليت على غير وضوء فتوضأ وأعد الصلاة، وفي هذه الحال إذا أعدتها فإنما تعيدها تامة احتياطاً.(84/18)
حكم من مات في بلاد الكفر ولم يعلم هل غُسِّل أم لا؟
السؤال
فضيلة الشيخ! يوجد بعض الناس يذهبون إلى بلاد الكفار لبعض العمليات الجراحية ثم يقدر الله عز وجل أن أحدهم يموت فلا ندري هل غسل أم لا، ثم يوضع في صندوق مقفل ويرجعونه إلى أهله، فكيف الحل: هل يدفن في هذا الصندوق، أم يفتح الصندوق ثم يغسل ويصلى عليه؟
الجواب
إذا علمنا أن الذي تولى غسله مسلم، فالغسل الأول يكفي، ثم إن علمنا أن هذا المسلم صلى عليه فقد سقطت الفريضة لكن لا مانع أن تعاد الصلاة مرة ثانية، وأما دفنه في التابوت فلا، والواجب إخراجه من التابوت ودفنه كما يدفن الناس.
فإن علم أن الذين غسلوه كفار فهذا التغسيل لا يكفي؛ لأن تغسيل الميت عبادة وليس غسل تنظيف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اغسلوه بماءٍ وسدر) والعبادة لا تصح من الكافر.(84/19)
إعادة الصلاة لمن صلى الفريضة ودخل المسجد وهم يصلون
السؤال
بالنسبة لإعادة الجماعة إذا دخل الإنسان المسجد وقد صلى المغرب ودخل المسجد الآخر هل يصلي معهم؟ كذلك بالنسبة لدخول المسجد لأجل صلاة الجنازة، إذا رأى الجماعة يصلون وقد أتى المسجد لأجل صلاة الجنازة فقط، هل يدخل في الصلاة ثم يقطعها مع الإمام يعني: يقطع صلاته مع الإمام.
أرجو توضيح ذلك؟
الجواب
إذا دخل المسجد وقد صلى المغرب ووجد أناساً يصلون فليصل معهم ثلاثاً كما صلى الإمام؛ لأن هذه صلاة معادة وليست فريضة، وحينئذٍ لا يكون قد أوتر مرتين.
فالإعادة غير الابتداء.
وإذا أتى المسجد من أجل الجنازة ووجدهم يصلون دخل معهم أيضاً، إلا إذا كانت هذه آخر ركعة ويخشى إن قام يقضي الركعة الباقية أن يصلى على الجنازة فلا بأس أن ينتظر حتى يسلم الإمام ثم يصلي على الجنازة.
وأما إذا كانت الركعة الثالثة فليدخل معهم ولا حرج أن يسلم مع الإمام إذا كان يخشى أن ترفع الجنازة، لأنه صلى ركعتين.(84/20)
حكم عمل الشيء لأمور مترتبة عليه
السؤال
السؤال حفظك الله مرتبط بسؤال الأخ فيما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله أنه قال: إن الإنسان إذا عمل عملاً من الأعمال الصالحة وأراد شكر الناس أو شيئاً من غرض الدنيا فإنه ينقص من الأجر.
فيوجد بعض الأحاديث التي حث النبي عليه الصلاة والسلام فيها على العمل وذكر ترغيباً في ذلك ما يكون فيه الأجر في الدنيا أو ما يترتب على ذلك من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) فكم في هذا الحديث من ترغيب فمثلاً يطلب هذا أو يكون له اهتمام بهذا الجانب ما هو الجواب؟
الجواب
هذه المسألة بارك الله فيك غير مسألة الذي ذكر السائل السابق، الذي ذكر يريد التقرب إلى الناس في الثناء عليه، أما هذا فهو يريد أن ينتفع هو بنفسه؛ لأن بسط الرزق قد يكون سبباً للخير والصدقات ونفع المسلمين، وطول العمر أيضاً يكون سبباً لزيادة العمل الصالح وربما يكون عالماً ينفع الناس بعلمه، فهو خير، وإلا لا شك أن ما يذكره الرسول عليه الصلاة والسلام من الثواب العاجل يريد به الحث، لكن لا يريد أن يكون قصد الإنسان بهذا العمل الثواب العاجل، الفرق بين أن يكون هناك شيء يحث الإنسان على فعل الخير الذي لا يكون إلا لله وبين من يريد هذا الذي صار وسيلة لغيره.(84/21)
حكم الدراسة في الكليات التي يدرس فيها القوانين الوضعية
السؤال
فضيلة الشيخ! الدراسة في الكليات التي يدرس فيها القوانين الوضعية ما حكمها بارك الله فيك؟ الشيخ: هذه الجامعات التي يدرس فيها القوانين الوضعية هل يدرس فيها علوم أخرى؟ السائل: لا أدري.
الشيخ: أنا أظن أنه يدرس فيها علوم أخرى، ولا يوجد جامعة إلا ويدرس القوانين الوضعية.
السائل: لكن قد يكون المقصود هذه القوانين الوضعية.
الشيخ: التخصص، قد يكون بعض الكليات تخصصها علم الاقتصاد مثلاً المبني على القوانين.
نقول: إذا درس الإنسان علم القانون من أجل أن يطبق ما وافق الشريعة وينكر ما خالف الشريعة ويبين زيفه وبطلانه فهذا حسن، ولا يمكن للإنسان أن يعرف كيف يرد على الباطل إلا إذا عرف الباطل، أما إذا درس هذه القوانين ليعمل بها سواءً وافقت الشرع أم لم توافق فهذا لا يجوز.
فهذا هو الحد الفاصل يقال: أنت قرأت هذه القوانين لتطبقها وإن خالفت الشرع فهذا حرام، وأما إذا كنت تريد أن تقرأ هذه القوانين من أجل بيان بطلانها وتصحيح ما أقره الشرع فلا بأس في هذا ولا تضر، إلا إذا كان الإنسان يخشى أن يدرسها من لا يفهم فيقرر هذه المواد المخالفة للشرع فهذا على خطر.(84/22)
وقت قنوت النوازل
السؤال
قنوت النوازل هل يكون في الصلوات الخمس أم هو مخصوص في الصلوات الجهرية؟
الجواب
قد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قنت في كل الصلوات الخمس، وورد أنه قنت في المغرب والفجر خاصة، والأمر في هذا واسع، لكن في ظني أن الاقتصار على المغرب والفجر فيه خير وبركة؛ لئلا يمل الناس، لأنك تعرف الناس ليس عندهم الرغبة أو الشعور بالأسى والألم لما يجري لإخواننا المسلمين، فربما يستثقلون هذا الدعاء، ويستثقلون الصلاة مع الإمام، وإذا اقتصر على المغرب والعشاء فأرجو أن يكون حصل خيراً كما جاءت به السنة.
وكذلك ثبت (أن الرسول صلى الله عليه وسلم قنت شهراً في المغرب والفجر) .(84/23)
حكم طاعة الوالدين في ترك طلب العلم
السؤال
رجل موظف يريد أن يطلب العلم ولا يستطيع أن يتفرغ لطلب العلم إلا إذا ترك هذه الوظيفة ووالديه يغضبهم هذا الأمر، فإذا ترك الوظيفة يغضبون عليه ولا يدري هذا الرجل هل يكون عاقاً بتركه أمر والديه، أم لا؟
الجواب
طلب العلم أولى، أي: كونه يطلب العلم ولو غضب والداه بذلك أولى من كونه يلازم الوظيفة التي تصده عن طلب العلم؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4] {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3] وطلب العلم في الوقت الحاضر من أهم المهمات لكثرة الفتن من شبهات وشهوات، فإذا لم يكن عند الأمة الإسلامية علماء يحفظونها ويحسنونها ويدافعون عنها فربما تهلك كما هلكت الأمم، فأرى أن طلب العلم أفضل من أن يرضي والديه، على أنه يمكن أن يجمع بين رضا الوالدين وبين طلب العلم، بأن يقول مثلاً: أنا تركت الوظيفة هذه لأجل أن أطلب العلم الذي أحصل فيه مستقبل ما هو خير، يقول هكذا وإن كان نيته خالصة لكن من أجل أن يرضي هؤلاء العوام.(84/24)
حكم الصلاة على الميت عند من لا يرى كفره
السؤال
بالنسبة إذا كان الإمام يرى جواز الصلاة على الميت سواءً كان يصلي أم لا -يعني: يرى عدم كفر تارك الصلاة- وهل يقاس هذا يا شيخ على الصلاة مع الذي يأكل من لحم الإبل إذا كان يرى عدم نقضه للوضوء؟ فهل يتابعه المأموم؟ الشيخ: أنت الآن تريد أن تسأل: هل الإمام يصلي عليه إذا كان يرى أن تارك الصلاة لا يكفر؟ السائل: إي نعم.
الشيخ: نقول: نعم.
إذا كان يرى أن تارك الصلاة لا يكفر فإنه يصلي عليه.
السائل: هذا المأموم يا شيخ؟ الشيخ: المأموم هل يتابع الإمام وهو يرى -أي: المأموم- أن تارك الصلاة كافر؟ نقول: لا؛ لأن الصلاة ليست صلاة للإنسان الصلاة للميت، والمصلي سيدعو للميت، فكيف يدعو لكافر والله يقول: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113] بخلاف من صلى خلف من أكل لحم إبلٍ ولم يتوضأ لاعتقاده أنه لا ينقض الوضوء، لأنني أعتقد الآن أن صلاة هذا الرجل صحيحة وصلاتي أنا وراءه صحيحة، وأنا ما فعلت شيئاً أنا متوضئ، لكن عندما أصلي خلف من يصلي على كافر لا يمكن أن أدعو للكافر.(84/25)
الإنكار على المخالف في مسائل العقيدة
السؤال
هل يصح الاعتراض على الشخص بأنه لا يفرق بين المخالف في العقيدة والمخالف في الفروع، أو لا يصح الاعتراض عليه بهذا؟ الشيخ: بأي شيء لا بد.
ما هي وجه التسمية؟ السائل: هو يقول: إن المخالف في العقيدة لا ينكر عليه مثل شخص خالف في مسائل الفروع.
الشيخ: أمور العقيدة فيها شيء خفيف وفيها شيء ثقيل.
السائل: مثل أمور الغيبيات والأمور الواردة بالتواتر؟ الشيخ: هذا ينكر عليه، لكن في أشياء في العقيدة خفيفة مثلاً: إذا قال: إن الصراط الذي يوضع على النار ليس أدق من الشعرة، ولا أحد من السيف، وإنما هو صراط عادي، أي: طريق يسلكه الناس، أو قال مثلاً: الذي يوزن ليس الأعمال ولكنه صاحب العمل أو صحائف الأعمال.
أي: مسائل في العقيدة اختلف فيها السلف، لكن أمهات العقيدة لم يختلفوا فيها، فمن أنكر ما يكون في يوم القيامة هذا ينكر عليه، فالمهم أن في بعض مسائل العقيدة أشياء خفيفة فيها اختلاف لا ينكر على من خالف فيها، وهناك أصول لا يمكن إنكارها فمن أنكرها أنكرنا عليه.
السائل: هل يوجد في ضابط؟ الشيخ: الضابط تتبع الإنسان لهذه الأمور ويرى مواقع الخلاف.
السائل: يستدلون بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية أن من فرَّق بين أن مسائل العقيدة مسائل أصول لا يجوز الخلاف فيها، وأن هذه مسائل فقه يجوز الخلاف فيها هم المعتزلة.
الشيخ: شيخ الإسلام رحمه الله أنكر أن يقسم الدين إلى أصول وفروع، وقال: إن هذا التقسيم حدث بعد القرون الثلاثة؛ لأن هذا التقسيم يرد عليه أشياء، مثلاً: الصلاة هل هي من الأصول أم الفروع؟ يقول: إنها من الفروع، مع أنها من أصل الأصول، ركن من أركان الإسلام العظمى، وما قاله شيخ الإسلام هو الصحيح.
لكن ما كلفنا به فهو نوعان: عقدي وعملي، لا نقول: أصل وفرع، نقول: شيء عقدي يجب علينا اعتقاده وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وعملي وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت.
هذه الخمسة هذه عملية، والستة التي هي الإيمان بالله وملائكته.
إلخ هذه عقدية، أما أن نقول: أصول وفروع فلا يوجد دليل على ذلك.(84/26)
تكرار السور في الصلاة لمن لا يحفظ غيرها
س
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل يحب قيام الليل ولا يحفظ من القرآن إلا الشيء البسيط؛ فيصلي ست ركعات في الليل، في الركعة الأولى يقرأ (قل هو الله أحد) عشر مرات في الركعة، وفي الركعة الثانية يقرأ (قل أعوذ برب الفلق) عشر مرات في كل ركعة، وبعدها في آخر الركعتين يقرأ: (قل أعوذ برب الناس) ونصحناه، وحاولنا معه ورفض وقال: لا بد أن نعطي السؤال للشيخ فهل يكون عمله فيه شيء من الإنكار عليه؟
الجواب
لا ينكر على هذا الرجل الذي لا يعرف إلا السور الثلاث هذه مع الفاتحة ويكررها، لا حرج عليه في هذا.
السائل: غير واضح؟ الشيخ: لا بأس ولا يوجد مانع، لكنه إذا كرر (قل هو الله أحد) عشر مرات فلا يكرر (قل أعوذ برب الفلق) عشر مرات، لأن الركعة الثانية تكون أطول من الأولى.
السائل: لا هو في الركعتين الأولى كلها (قل هو الله أحد) والركعتين الثانية (قل أعوذ برب الفلق) .
الشيخ: أنا فاهم، لكنه في الركعة الأولى كم قرأ الإخلاص؟ السائل: عشر مرات.
الشيخ: والثاني قرأ الفلق؟ السائل: لا الإخلاص عشر مرات.
الشيخ: ركعتين بـ (قل هو الله أحد) في الأولى عشر مرات والثانية عشر مرات؟ السائل: نعم.
الشيخ: والثالثة؟ السائل: (قل أعوذ برب الفلق) عشر مرات.
الشيخ: لا يوجد مانع، لأن الله قال: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل:20] لكن هل يستطيع أن يقرأ من المصحف؟ السائل: لا هو أمي عامي.
الشيخ: لا يوجد مانع في ذلك.(84/27)
الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
السؤال
يمر بالإنسان كثير من الناس يظهر عليهم بعض المنكرات، مثل: حلق اللحية، وإسبال الإزار، هل يجب عليه الإنكار على كل إنسان مثلاً صلى بجانبه، أو في الشارع، مع كثرة أصحاب هذه المنكرات؟
الجواب
الناس ينقسمون إلى قسمين: قسم تعرف أنه يعلم الحكم، مثل الذين عاشوا عندنا يسمعون الخطباء، ويسمعون الوعاظ يقولون: هذا حرام ولا يجوز، فلا يخفى على أحد.
وقسم آخر: جاهل مثل بعض الذين يأتون من الخارج يظنون أن هذا لا بأس به؛ لأنهم قد يرون علماءهم يفعلون هذا الشيء.
فأما الثاني فلا بد من تنبيهه وتعليمه، وأما الأول وهو الذي تعرف إنما فعل ذلك عن علم فهذا لا يلزمك أن توقف كل واحد من الناس وتقول: تعال حلق اللحية حرام، لكن إن تيسر لك جلسة معه أو مناسبة فذكره بالله عز وجل، قل: يا أخي! اتقِ الله أنت تعرف أن حلق اللحى حرام، وأنه لا يجوز، وهل ترضى لنفسك أن تتبع هدي المشركين والمجوس وتترك هدي محمد عليه الصلاة والسلام، وانصحه وعظه.
الثاني نقول: علمه؛ لأنه يكون جاهل.
الأول نقول: عظه وذكره بالله عز وجل.
لكن على كل حال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] نسأل الله لنا ولكم التوفيق.(84/28)
حكم قص شعر البنت مثل شعر الولد
السؤال
هل يجوز قص شعر الطفلة بشكل ولادي -بشكل ولد-، وأن شعرها ضعيف جداً يجب قصه؟
الجواب
لا يجوز أن يقص شعر المرأة كشعر الرجل، سواءً كانت صغيرة أو كبيرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن المتشبهات من النساء بالرجال) .
وأما كون الشعر ضعيفاً فالقص يزيده ضعفاً، والحلق يقال: إنه يزيده نمواً وشدة وتمسكاً، ولكن ربما يحصل هنا وتكتفي بالحلق إذا أمكن.
وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى، بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً.(84/29)
لقاء الباب المفتوح [85]
تكلم الشيخ عن تفسير سورة القدر، وما احتوت عليه هذه السورة من فضل هذا اليوم المبارك، والسبب هو نزول أو ابتداء نزول القرآن فيه، بالإضافة إلى ذلك: نزول الملائكة في هذه الليلة عنواناً على الرحمة والخير والبركة، فقد جعل الله هذه الليلة خيراً من ألف شهر، وبالرغم من ذلك فهي سلام حتى مطلع الفجر، وذكر فيها الليالي التي يتحرى فيها ليلة القدر، بالإضافة إلى ذلك سبب إبهام الله لهذه الليلة، ثم شرع الشيخ بالإجابة على الأسئلة، وركز على جانب مهم في الدعوة إلى الله.(85/1)
تفسير سورة القدر
الحمد لله والشكر لله على نعمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شرك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والثمانون من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل خميس، وهذا هو الخميس الحادي عشر من شهر شعبان عام (1415هـ) نبتدئه -كالمعتاد- بتفسير ما انتهينا إليه من الجزء الثلاثين من كتاب الله عز وجل، وقد انتهينا إلى سورة القدر حيث يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:1-3] .(85/2)
تفسير قوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر)
قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} [القدر:1] الضمير هنا يعود إلى الله عز وجل، والهاء في قوله: (أنزلناه) يعود إلى القرآن، وذكر الله تعالى نفسه بالعظمة: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} دون أن يقول: إني أنزلته؛ لأنه سبحانه وتعالى العظيم الذي لا شيء أعظم منه، والله تعالى يذكر نفسه أحياناً بصيغة العظمة، مثل هذه الآية الكريمة: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} ، ومثل قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] ، ومثل قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس:12] .
وأحياناً يذكر نفسه بصيغة الواحد مثل: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14] وذلك لأنه واحد عظيم، وباعتبار الصفة يأتي ضمير العظمة، وباعتبار الوحدانية يأتي ضمير الواحد، والضمير في قوله: {أَنْزَلْنَاهُ} أعني ضمير المفعول به، وهي الهاء يعود إلى القرآن، وإن لم يسبق له ذكر لأن هذا أمر معلوم، ولا يمكن لأحد أن يشك في أن المراد بذلك إنزال القرآن الكريم.
أنزله الله تعالى في ليلة القدر، فما معنى: إنزاله في ليلة القدر؟ الصحيح أن معناها: ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر، وليلة القدر في رمضان لا شك في هذا، ودليل ذلك قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185] فإذا جمعت هذه الآية أعني: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} إلى هذه الآية التي نحن بصدد الكلام عليها، تبين لك أن ليلة القدر في رمضان، وبهذا نعرف أن ما اشتهر عند العامة من أن ليلة القدر هي ليلة النصف من شهر شعبان لا أصل له ولا حقيقة له، فإن ليلة القدر في رمضان، وليلة النصف من شعبان كليلة النصف من رجب وجمادى وربيع وصفر ومحرم وغيرهن من الشهور، لا تختص بشيء.
حتى ما ورد في فضل القيام فيها فهي أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة، وكذلك ما ورد من تخصيص يومها وهو يوم النصف من شعبان بالصيام فإنها أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة، لكن بعض العلماء رحمهم الله يتساهلون في ذكر الأحاديث الضعيفة فيما يتعلق بالفضائل، فضائل الأعمال أو الشهور أو الأماكن، وهذا أمر لا ينبغي، وذلك لأنك إذا سقت الأحاديث الضعيفة في فضل شيء ما، فإن السامع سوف يعتقد أن ذلك صحيحاً وينسبه إلى الرسول عليه الصلاة السلام، وهذا شيء كبير، فالمهم أن يوم النصف من شعبان وليلة النصف من شعبان لا يختصان بشيء دون سائر الشهور، فليلة النصف لا تختص بفضل قيام، وليلة النصف ليست ليلة القدر ويوم النصف لا يختص بصيام.
نعم شهر شعبان ثبت في السنة بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر الصيام فيه حتى لا يفطر منه إلا قليلاً، وما سوى ذلك مما يتعلق بصيامه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إلا ما لسائر الشهور، كفضل صوم ثلاثة أيام من كل شهر وأن تكون في الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وهي أيام البيض.
وقوله تعالى: {فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} ما معنى: (القدر) هل هو الشرف كما يقال: فلان ذو قدر عظيم أو ذو قدر كبير أي: ذو شرف كبير، أو المراد بالقدر التقدير؛ لأنه يقدر فيها ما يكون في السنة لقول الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:3-4] أي يفصل ويبين؟ من العلماء من قال هذا، ومن العلماء من قال بهذا، والصحيح: أنه شامل للمعنيين، فليلة القدر لا شك أنها ذات قدر عظيم وشرف كبير، وأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة من الإحياء والإماتة والأرزاق وغير ذلك.(85/3)
تفسير قوله تعالى: (وما أدراك ما ليلة القدر)
ثم قال جل وعلا: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [القدر:2] وهذه جملة بهذه الصيغة يستفاد منها التعظيم والتفخيم وهي مطردة في القرآن الكريم قال الله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} [الانفطار:17-18] ، وقال تعالى: {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة:1-2] ، وقال تعالى: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:1-3] فهذه الصيغة تعني التفخيم والتعظيم، فهنا قال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} أي: ما أعلمك ليلة القدر وشأنها وشرفها وعظمها، ثم بين هذا بقوله: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3] وهذه الجملة كالجواب، للاستفهام الذي سبقها، وهو قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} .(85/4)
تفسير قوله تعالى: (ليلة القدر خير من ألف شهر)
قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3] أي: من ألف شهر ليس فيه ليلة القدر، والمراد بالخيرية هنا: ثواب العمل فيها، وما ينزل الله تعالى فيه من الخير والبركة على هذه الأمة، ثم ذكر ما يحدث في تلك الليلة.(85/5)
تفسير قوله تعالى: (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر)
وقال تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر:4] (تنزَّل) أي: تَنْزِلُ شيئاً فشيئاً؛ لأن الملائكة سكان السماوات -والسماوات سبع- تنزل الملائكة إلى الأرض شيئاً فشيئاً حتى تنزل الأرض، ونزول الملائكة في الأرض، عنوانٌ على الرحمة والخير والبركة، ولهذا إذا امتنعت الملائكة من دخول شيء كان ذلك دليلاً على أن هذا المكان التي امتنعت الملائكة من دخوله قد يخلوا من الخير والبركة، كالمكان الذي فيه الصور (فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة) يعني: صورة محرمة؛ لأن الصورة إذا كانت ممتهنة في فراش أو وسادة فأكثر العلماء على أنها جائزة، وعلى هذا فلا تمتنع الملائكة من دخول المكان؛ لأنه لو امتنعت لكان ذلك ممنوعاً، فالملائكة تتنزل في ليلة القدر بكثرة ونزولهم خيرٌ وبركة.
وقوله: {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} أي: بأمره، والمراد به الإذن الكوني، لأن إذن الله أي أمره ينقسم إلى قسمين: إذنٌ كوني، وإذنٌ شرعي، فقوله تعالى: {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] أي: ما لم يأذن به شرعاً؛ لأنه قد أذن به قدراً فقد شرع من دون الله لكنه ليس بإذن الله الشرعي، وإذن قدري كما في هذه الآية: {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} أي: بأمره القدري، وقوله: {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} قيل: إن (من) بمعنى الباء أي: بكل أمر مما يأمرهم الله به وهو مبهم لا نعلم ما هو لكننا نقول: إن تنزل الملائكة إلى الأرض عنوان على الخير والرحمة والبركة.(85/6)
تفسير قوله تعالى: (سلام هي حتى مطلع الفجر)
قال تعالى: {سَلامٌ هِيَ} [القدر:5] الجملة هنا مكونة من مبتدأ وخبر والخبر فيها مقدم والتقدير: هي سلام أي: هذه الليلة سلام، ووصفها الله تعالى بالسلام لكثرة من يسلم فيها من الآثام وعقوباتها، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر ما تقدم من ذنبه) ومغفرة الذنوب لا شك أنها سلامة من وبائها وعقوباتها.
(حتى مطلع الفجر) أي: تتنزل الملائكة في هذه الليلة (حتى مطلع الفجر) أي: إلى مطلع الفجر، وإذا طلع الفجر انتهت ليلة القدر.(85/7)
تحري ليلة القدر
سبق أن قلنا: أن ليلة القدر في رمضان لا شك، لكن في أي جزءٍ من رمضان أفي أوله أو وسطه أو آخره؟ نقول للجواب على هذا: إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول ثم العشر الأوسط تحرياً لليلة القدر، ثم قيل له: إنها في العشر الأواخر، فاعتكف العشر الأواخر.
إذاً: فليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، وفي أي ليلة منها؟ الله أعلم؛ قد تكون في ليلة إحدى وعشرين، أو في ليلة ثلاثين، أو فيما بينهما، لم يأتِ تحديدٌ لها في ليلة معينة كل عام، ولهذا أوري النبي صلى الله عليه وسلم ليلة القدر ليلة إحدى وعشرين، ورأى في المنام أنه يسجد في صبيحتها في الماء والطين، فأمطرت السماء تلك الليلة أي: ليلة إحدى وعشرين فصلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مسجده، وكان مسجده من عريش، لا يمنع تسرب الماء من السقف فسجد النبي صلى الله عليه وسلم صباحها أي: في صلاة الفجر في الماء والطين، ورأى الصحابة رضي الله عنهم على جبهته أثر الماء والطين، ففي تلك الليلة كانت في إحدى وعشرين، ومع ذلك قال: (التمسوها في العشر الأواخر) ، وفي رواية: (في الوتر من العشر الأواخر) .
ورآها الصحابة ذات سنة من السنين في السبع الأواخر، فقال صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) يعني: في تلك السنة، أما في بقية الأعوام فهي في كل العشر، فليست معينة لكن أرجى ما تكون ليلة سبعٍ وعشرين، وقد تكون مثلاً في هذا العام ليلة سبعٍ وعشرين، وفي العام الثاني ليلة إحدى وعشرين، وفي العام الثالث ليلة خمس وعشرين وهكذا(85/8)
سبب إبهام الله لهذه الليلة
وإنما أبهمها الله عز وجل لفائدتين عظيمتين: الفائدة الأولى: بيان الصادق في طلبها من المتكاسل؛ لأن الصادق في طلبها لا يهمه أن يتعب عشر ليالٍ من أجل أن يدركها، والمتكاسل قد يكسل ويقول: ما دام لا أدري أي ليلة هي يكسل أن يقوم عشر ليالي من أجل ليلة واحدة.
الفائدة الثانية: كثرة ثواب المسلمين بكثرة الأعمال، لأنه كلما كثر العمل كثر الثواب.
وبهذه المناسبة: أود أن أنبه إلى غلط كثير من الناس في الوقت الحاضر حيث يتحرون ليلة سبع وعشرين في أداء العمرة، فإن في ليلة سبع وعشرين تجد المسجد الحرام قد غص بالناس وكثروا، وتخصيص ليلة سبع وعشرين بالعمرة من البدع، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخصصها بعمرة في فعله، ولم يخصصها أي: ليلة سبع وعشرين بعمرة في قوله، فلم يعتمر ليلة سبع وعشرين من رمضان مع أنه كان في عام الفتح ليلة سبع وعشرين من رمضان كان في مكة ولم يعتمر، ولم يقل للأمة: تحروا ليلة سبع وعشرين في العمرة أو بالعمرة، وإنما أمر أن نتحرى ليلة سبعٍ وعشرين بالقيام فيها لا بالعمرة، وبه يتبين خطأ كثير من الناس.
وبه أيضاً: أن الناس ربما يأخذون دينهم كابراً عن كابر على غير أساس من الشرع، فاحذر أن تعبد الله إلا على بصيرة، بدليل من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو عمل الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم.
وبهذا انتهى الكلام على سورة القدر، نسأل الله تبارك وتعالى أن يبلغنا وإياكم إياها في هذا العام وفيما بعده على خير وسلام، وأن يتقبل منا ومنكم إنه على كل شيء قدير.(85/9)
الأسئلة(85/10)
الاستخارة تكون في الأمر الذي لا يدري ما عاقبته
السؤال
فضيلة الشيخ! هل ركعتا الاستخارة مشروعة فقط في الأمر الذي لم تتبين فيه المصلحة، أم أنها تفعل في كل أمر يقدم عليه ولو كان ظاهره الخير كإمامة مسجد أو خطبة امرأة صالحة وما شابه ذلك.
أرجو التوضيح؟
الجواب
صلاة الاستخارة أن الإنسان إذا هم بأمر وتردد في عاقبته، فإنه يستخير الله أي: يسأل الله خير الأمرين: الإقدام أو الترك، فيصلي ركعتين من غير الفريضة فإذا سلم قال: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر -ويسميه- خير لي في ديني ودنياي، أو قال: عاقبة أمري وعاجله فاقدره لي ويسره لي، وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري وعاجله فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به) فإذا فعل ذلك واستقر رأيه بعد هذا على الإقدام أو الترك فإن الله سبحانه وتعالى إذا كان قد قبل منه يجعل الخير فيما حصل.
ولكنه لا يستخير في كل شيء، يعني: ليس للإنسان إذا أراد أن يتغدى أن يقول: أستخير الله إذا أراد أن يذهب يصلي مع الجماعة أن يقول: أستخير الله، إنما يستخير الله في أمر لا يدري ما عاقبته، ومن ذلك: إمامة المسجد، لو عرض عليه إمامة المسجد ولم يترجح عنده الإقدام أو الترك فليستخر الله، فالإمامة من حيث هي خير في ذاتها، لكن العاقبة؛ لأن الإنسان لا يدري في المستقبل هل يقوم بواجب الإمامة أو لا يقوم؟ وهل يستقر في هذا المسجد أو لا يستقر؟ وهل يكون ملائماً للجماعة أو غير ملائم؟ هو لا يستخير على أن الإمامة من حيث هي خير أو ليس خير الإمامة من حيث هي خير لكن العاقبة، كم من إنسان كان إماماً في مسجد ثم لحقه من التعب وعدم القيام بالواجب، والمشاكل مع الجماعة ما يتمنى أنه لم يكن إماماً، كذلك المرأة الصالحة المرأة الصالحة لا شك أنها خير (واظفر بذات الدين تربت يمينك) كما قال عليه الصلاة والسلام، لكن لا أدري ما العاقبة؟ قد تكون هي امرأة صالحة ولكن لا تتلاءم مع أمه؛ لأن بعض الأمهات نسأل الله العافية يكون عندها غيرة، إذا رأت صلاح الحال بين ابنها وزوجته غارت وحاولت أن تفسد بينهما، وكذلك أهلها ربما إذا رأوا البنت قد حضي عندها زوجها وأنها تحبه وتقدمه على ما تريد أمها أو ما يريد أبوها، فإنهم ربما يحاولون الإفساد بينها وبينه، فالإنسان قد يستخير الله لا من أجل أنه يقدم على امرأة صالحة لكن يستخير الله لأنه لا يعلم ما العاقبة في تزوج هذه المرأة.
والمهم أن كل شيء تتردد فيه فعليك بالله، الجأ إليه، اسأله خير الأمرين.(85/11)
صرف الزكاة لمن عنده مال قليل لا يسد حاجته
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة للزكاة، رجل راتبه قليل ويصرف على ثلاث عوائل هل يستحق زكاة؟
الجواب
الزكاة للفقير المحتاج إليها، فمثلاً: هذا الذي ينفق على ثلاث عوائل كما قلت في السؤال قد يكون عنده راتب كثير ثمانمائة ريال، في الوقت الحاضر ثمانمائة ريال لا يساوي شيئاً بالنسبة للثلاث العوائل، حتى لو فرض أن البيت الذي يسكنه ملكاً له، فإن ثمان مائة ريال في وقتنا الحاضر لا تكفي المئونة للأكل والشرب واللباس وغير ذلك من الحوائج، فليأخذ من الزكاة ما يسد حاجته فقط ولا يزيد، فإذا قدر أنه يستغني بعشرة آلاف مثلاً على مدار السنة فلا يأخذ أكثر، وما دام محتاجاً فليأخذ ولا حرج على هذا.(85/12)
أمور مهمة في الدعوة إلى الله
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا أتينا للخروج في سبيل الله للدعوة نعطي هدايات، مثلاً: يجب علينا إذا خرجنا في سبيل الله أن نجتنب أربع مسائل: الأولى: عدم التدخل بالمسائل الفقهية، وعدم التدخل بالأمور السياسية، وعدم التدخل بالأمراض الاجتماعية كإنكار المنكر أو ما شابه ذلك.
إذا قلنا له: أين دليل ذلك؟ قال: كيف أجاب الإمام محمد عبد الوهاب: اعلم رحمك الله تعالى أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم أربع مسائل فما الأمر في هذا؟
الجواب
أولاً: قولك إذا خرجنا في سبيل الله، الخروج في سبيل الله يعني: الخروج لقتال الكفار، هذا هو المراد بسبيل الله، وأما فعل الخيرات عموماً فهو وإن دخل في كونه طريقاً إلى الله عز وجل، لكنه ليس هو الجهاد في سبيل الله الذي وردت النصوص بفضله غاية ما في ذلك أن يقال: الخروج للدعوة إلى الله هذا الصواب.
والخروج للدعوة إلى الله لا بد فيها من أمرين أساسيين: الأمر الأول: أن يكون عند الإنسان علم بالشريعة التي يدعو إليها، ولا أقول أن يكون عالماً بكل الشريعة؛ لأن هذا شيءٌ لا يطاق، وحتى أكبر عالم لا يستطيع أن يدرك جميع الأحكام الشرعية، لكن أن يكون عالماً بالشرع فيما يدعو إليه، يعني: لا يتكلم إلا بعلم، فلابد من أن يكون على بصيرة.
الشيء الثاني: لابد أن يكون عاملاً بما يدعو إليه حتى يكون قدوة.
أما عدم التدخل في المسائل الفقهية، فلعل الذين اشترطوا ذلك علموا أنفسهم أن بضاعتهم في الفقه قليلة، وأن التدخل فيها بدون علم ليس إلا مجرد مراء لا فائدة منه، فيخشون أن يقع النزاع لهذا السبب فيقولون: لا تبحثوا في الأمور الفقهية.
نعم لو كان بينهم عالم فقيه مرجع لهم، فإنه لابد من أن يتفقهوا في دين الله بقدر المستطاع، لكن نظراً لأنهم لا يسهل عليهم أن يكون معهم هذا النوع من العلماء قالوا: لا تبحثوا في المسائل الفقهية لأن البحث بدون علم مجرد مراء لا يستفيد منه الناس، إلا شحن القلوب بعضها على بعض.
وأما قولهم: لا تتكلموا في الأمور السياسية، فنحن نوافقه على هذا؛ لأن البحث في الأمور السياسية لا يمكن أن يكون بين أيدي العوام الكل يقول ما يريد، الأمور السياسية لها أناس معينون يتولون الأمور، ولهذا لا تجد مثلاً سياسة عمر بن الخطاب مبثوثة في سوق الباعة والمشترين، كل يلوكها وكل يتكلم.
أبداً، وإذا أراد أن يعمل شيئاً استشار من هم أهل للشورى حين يشكل عليه الأمر، وليست المسائل السياسية ألعوبة تطرح بين أيدي العوام كل يلوك فيها بما شاء، لأن هناك أموراً سرية لا يمكن أن يطلع عليها العوام، يتصرف الحكام فيها حسب ما يرون من المصلحة، والواجب على الحاكم أن يقدم ما فيه مصلحة المسلمين الذين ولاهم الله عليه، ولهذا قال الله تعالى مشيراً إلى هذه المسألة: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} [النساء:83] يعني نشروه {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم} [النساء:83] فجعل الله تعالى للرأي أناساً يعرفون ويستنبطون الأشياء وينظرون في العواقب.
فأنا أوافق على أنه لا ينبغي لنا أن نجعل مجالسنا في الأمور السياسية؛ لأنه لا فائدة من هذا إطلاقاً، إلا أنه ربما يأت الإنسان بصورة صديق ويتكلم فيما يوغر الصدور على ولاة الأمور، حتى تحصل الفرجة بين الشعب وولاته ويحصل بذلك شرٌ كثير، وهو قد يتظاهر بمثل الصديق وليس بصديق ولكن في قلبه شيء على الولاة فيريد أن ينفذه ويفرج عن صدره، وقد يكون صديقاً يريد الخير ويريد الإصلاح لكن لم يعرف كيف الطريق إلى ذلك؛ لأن طريق الإصلاح ليس بإشاعة العيوب ونشرها بين الناس، سواءً كانت عيوب علماء أو عيوب أمراء، إنما لمحاولة الإصلاح وسلوك ما تحصل به الفائدة.
فأرى أن اشتراط عدم التدخل في السياسة أرى أنه جيد، وأنه مما يوجب أن ينصرف الناس إلى عبادة الله وحده، وإلى تحقيق التوحيد، وإلى الكف عما لا يعنيهم لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) .
الثالث والرابع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يعني: مشاكل المجتمع، وهذا خطأ، كونهم لا يبحثون فيها خطأ؛ لأن الله تعالى قال: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3] فذكر أربعة أوصاف: الإيمان والعمل الصالح وهذا خاص في الإنسان نفسه {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} وهذا لغيره، فلا بد من أن نبحث عن المشاكل الاجتماعية، من أجل أن نقوم بحل هذه المشاكل، وإصلاح ما فسد، ولمِّ ما تفرق وما أشبه ذلك، لكن بطريقٍ موافق لما جاءت به الشريعة، لا بطريق العنف وكون الإنسان يحمل عداوة وبغضاء للمنصوح؛ لأن هذه مسألة أيضاً يجب التنبه لها، أنت إذا رأيت رجلاً يعمل عملاً سيئاً وهو مؤمن لكنه عاصٍ لا شك أنك تكره معصيته، ويجب أن تكره معصيته لكن أن تكرهه هو؟ هذا يحتاج إلى تفصيل، ولا يجوز أن تكرهه حتى تعرف ما عنده، قد يكون هذا العاصي الذي عمل المعصية جاهلاً بها لا يعلم أنها معصية.
وأنا أضرب لكم مثلاً: رجل شاب تزوج وكان يجامع أهله في رمضان وهو صائم، ويقول: أنا كنت أظن الذي يحرم هو الجماع بالإنزال، ويقسم أنه ما علم أن الجماع بدون إنزال حرام، ولا شك أن الجماع في نهار رمضان أنه من أعظم الذنوب؛ لأنه هتك لحرمة ركن من أركان الإسلام وهو الصيام، لكن هذا الآن جاهل، نحن نكره فعله هذا؛ لأنه معصية لكن لا نكرهه حتى نعلم، فإذا قال أنه جاهل فإن سعة الإسلام ويسر الإسلام لا يوجب أن نَكرهه حتى نقيم عليه الحجة.
كثير من الإخوة إذا رأى إنساناً على معصية فإنه -أي الرائي- يكره المعصية وهذا حق لكن يكره العاصي ثم يعامله معاملة المعنف الكاره له الذي يريد أن ينتقم منه، وهذا غلط كبير.
والواجب أن تعالج العاصي معالجة الطبيب الرفيق الذي يداوي الجرح ليبرأ لا يداويه ليزداد، فتعامل هذا الرجل بلطف وإرادة خيرٍ له ورحمة به.
ولهذا أقول لكم كلاماً قاله شيخ الإسلام ابن تيمية؛ وشيخ الإسلام ابن تيمية معروف رحمه الله بالشدة على أهل البدع ومحاربتهم، قال: (إنك إذا نظرت إلى أهل الكلام -وأهل الكلام: هم الذين يرجعون في إثبات العقائد إلى عقولهم لا إلى الكتاب والسنة- قال: إذا نظرت إليهم بعين القدر رحمتهم ورققت لهم؛ لأنهم ابتلوا بهذا فضلوا، ترحمهم وترق لهم، وإذا نظرت إليهم بعين الشرع، وأنه لا يجوز إقرارهم، رأيت أنهم مستحقون لما قال الشافعي رحمه الله) وما الذي قال الشافعي؟ قال الشافعي في الحكم في أهل الكلام: أن يضربوا بالجريد والنعال، وأن يطاف بهم في العشائر ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على علم الكلام.
هكذا العلماء المربون ينظرون إلى الخلق نظرة إصلاح لا نظرة انتقام وكراهية، أنا أكره المعصية التي يقوم بها هذا الرجل، لكن هذا الرجل مؤمن أخي ولو زنا وسرق هو أخي {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] .
هل هناك أعظم من قتل النفس بغير حق؟ لا، ومع ذلك قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:9-10] انظر الترقيق: (أصلحوا بين أخويكم) كل منهم يقاتل أخاه (وسباب المسلم فسوق وقتاله كفر) لكن مع ذلك هذا ترقيق في الكلام (أصلحوا بين أخويكم) أخوة وإن كانوا يقتتلون بعضهم يقتل بعضاً.
فهذه مسألة يجب على الدعاة والآمرين بالمعروف والناهيين عن المنكر أن ينتبهوا لها، وأنا واثق بأن الإنسان إذا اتقى الله عز وجل، وسلك ما أرشده الله إليه ورسوله فالنجاح محقق، وكم من إنسان رأيته على معصية ثم خاطبته باللين والتعقل فيرجع عن المعصية، فإذا خاطبته بالعنف والغيرة والحمية التي في قلبك وانتهرته وزجرته فسوف ينفر من ذلك.
لذلك أحث إخواني الدعاة إلى الله عز وجل والآمرين بالمعروف والناهيين عن المنكر: أن يلاحظوا هذه النقطة؛ وهي أنهم إذا دعوا فإنهم يريدون إصلاح المدعو، إذا أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر يريدون كذلك إصلاح الفاعل للمنكر والتارك للمعروف دون التعنيف عليه، وإذا سلكوا هذا يسر الله أمرهم.
السائل: يا شيخ! الاهتمام بالعقيدة في الدعوة كما في حديث معاذ عندما النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن وقال: (إنك ستأتي قوماً أهل كتاب) فأول ما بدأ، بدأ بالتوحيد، وكثير من الدعاة يذهب ويخرج ويدعو الناس يعني يدعوهم للصلاة وفضائل الأعمال، ولا يهتم بالعقيدة، فلو تنبهونهم جزاكم الله خيرا؟ الشيخ: الدعاة الآن الذين في المملكة العربية السعودية لا يركزون كثيراً على جانب التوحيد؛ لأن الناس -ولله الحمد- على عقيدة حسنة، ليس هناك اختلاف، وربما لو فتحوا شيئاً من الاختلافات في العقيدة وعلم الكلام ربما يفتحون أبواباً مغلقة لذلك يهتمون بالأمور العملية دون الأمور العقدية؛ لأنك لو تأتي عجوزاً من عجائز الناس في المملكة العربية السعودية وتسألها أسئلة في ذات الله عز وجل أو صفات الله، لوجدت عندها من التوحيد ما هو محقق، فهذا هو السبب من أنهم يدعون إلى الفروع التي فيها التقصير.
وأما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً(85/13)
حكم التصدق بالمال دون إذن صاحبه
السؤال
فضيلة الشيخ في الأثر: (أن رجلاً كان عنده مال، وكانت له زوجة تنفق دون أن يعلم، فلما كان يوم القيامة جاءت هذه الصدقة وضللت عليه) فما أدري هل هذا النص له صحة، وإذا كان كذلك فما هو نص الحديث؟
الجواب
والله! لا أعلم أن هذا حديث؛ لكن يقال: أن هناك رجلاً -وهذا حديث مجالس ليس حديثاً نبوياً- كان شحيحاً وكان ينهى امرأته أن تتصدق بشيء، وأنه رأى في المنام أن القيامة قد قامت، وأن الناس في هم وغم وكرب، وأن عليه ظلاً.
يظلله وفيه ثلاثة خروق يقول: فجاءت ثلاث تمرات فسدت الخروق، فتم الظل، فجاء إلى أهله وقص عليهم القصة، قال: ما هذا؟ أنا أستغرب! فأخبروه أنهم كانوا يتصدقون وهو لا يعلم، وأنهم آخر ما تصدقوا بثلاث تمرات، وهي التي سدت الخروق.
فلا أدري.
على كل حال: (كل امرئٍ في ظل صدقته يوم القيامة) هذا حديث صحيح، ولكن حسب القواعد الشرعية التي نحن نعلم -والعلم عند الله عز وجل- أن من تصدق عنه بلا إذنه فلا أجر له، لا سيما إذا كان ينهى، كيف يؤجر على شيء ما نواه ولا أذن فيه؟!! لا يمكن.
لكني أقول: ربما يكون هذا سؤال يجرنا لشيء آخر: وهو لا يجوز لأهل البيت أن يتصدقوا إذا كان أبوهم يمنعهم من الصدقة، لا يجب أن يتصدقوا، حتى وإن كان في ذلك مصلحة للأب في المستقبل، لكن ما دام أنه نهاهم فالمال ماله، وإذا علموا أن الرجل لا يرضى بقوله أو بحاله فلا يتصدقوا حتى يأتي ويأذن.(85/14)
شقيق زوج المرأة لا يكون محرماً لها
السؤال
هل يكون الرجل محرماً لزوجة أخيه؟ وهل زوجة الأخ كزوجة الابن أو زوجة الأب؟
الجواب
لا، ليست زوجة الأخ كزوجة الابن أو زوجة الأب، فزوجة الأخ ليس أخو زوجها محرماً لها، فيجب عليها أن تستتر كما تستتر من الأجنبي، بل لو قيل: إنه يجب أن تستر عن أخي زوجها أكثر مما تستتر عن رجل الشارع! لو قيل بذلك لكان له وجه؛ لأنها إذا كشفت وجهها لأخي زوجها، وهو معه في البيت صارت الفتنة أعظم، فأي ساعة يدخل البيت وقد أغراه الشيطان يمكن يحاول خداعها، لكن في الشارع لو أن الرجل نظر إليها وأعجبته لا يستطيع الوصول إليها كأخي زوجها، فالمهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام أشار إلى هذه النقطة، حيث قال: (إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) يعني: فاحذروه.
إذاً: أخو زوج المرأة ليس محرماً لها، أما أبو زوج المرأة فهو محرم، وكذا ابن زوج المرأة محرم.(85/15)
الإيمان بالقدر خيره وشره
السؤال
فضيلة الشيخ! بمناسبة الكلام على سورة القدر نرجو أن تعطونا لمحة موجزة عن الركن السادس من أركان الإيمان وهو الإيمان بالقدر خيره وشره، وتوضيح كلمة شره على ما قد يوهم منها الكلام؟
الجواب
الكلام في القدر ليس بهين، بل من أعظم المشاكل، لكن على كل حال نجيب عن النقطة الأخيرة وهي الشر من قوله: (الإيمان بالقدر خيره وشره) .
القدر كله من الله قال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49] فهل في قدر الله شر؟ الجواب: أن نقول: القدر إن كان المراد تقدير الله للشيء فليس بشر؛ لأن الله لا يقدر شيئاً إلا وهو خير، حتى المرض والموت والخوف والقتال والزلازل، هي بالنسبة لتقدير الله لها خير لقوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} النتيجة؟ {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41] لكن بالنسبة للمقدور: هو الذي فيه خير وشر، المقدور: المفعول المخلوق هذا هو الذي فيه الخير والشر، كقوله في القدر (خيره وشره) المراد به: شر المقدور، لا شر القدر أما القدر الذي هو تقدير الله فكله خير.
المقدور كما تشاهدون الذئب من مقدورات الله شر أو خير؟ شر، الشاة من مقدورات الله خير أو شر؟ خير، فالشر والخير في المقدورات أما في التقدير فلا، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الخير بيديك والشر ليس إليك) .
نسأل الله تعالى أن يقدر لنا ولكم ولجميع المسلمين، ما فيه الخير والصلاح.
ونسأل الله تعالى في هذا المقام، في حلول هذا الوقت المبارك من فريضة من فرائض الله أن ينصر إخواننا في الشيشان والبوسنة والهرسك، وأن يدمر دولة الروس ويمزقها كل ممزق ويفرقها كل مفرق، ونسأل الله تعالى أن يجعلها عبرة للعالمين في الذل والتفرق والشتات، ونسأل الله الذي شتت الاتحاد السوفيتي أن يشتت دول الروس حتى تتمزق قطعاً! عاجلاً غير آجل! والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(85/16)
لقاء الباب المفتوح [86]
في هذا اللقاء المبارك كان للشيخ وقفة مع الطاعات والأعمال الصالحة التي لا تنقضي بانقضاء شهر رمضان، بل تستمر وتزداد وتتنوع أيضاً من صيام وصلاة ليل وصدقة إلى غيرها من الأعمال الأخرى والعبادات، وفي نفس اللقاء اعتياداً لما كان عليه الشيخ في بداية لقائه كان هناك تفسير للآيات الأولى من سورة البينة.(86/1)
توالي الطاعات بعد رمضان
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس والثمانون من اللقاءات التي يعبر عنها باللقاء المفتوح، يتم هذا في يوم الخميس الخامس عشر من شهر شوال من هذا العام، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا اللقاء وما سبقه وما يلحقه إن شاء الله لقاء مباركاً نافعاً، وأبشركم ولله الحمد أن الله نفع به إذ يسر من يفرغ الأشرطة ويطبعها وينشرها في عباد الله، فنسأل الله أن يجزي الجميع خيراً، ويرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.
بعد شهر رمضان وبعد أن أدى المسلمون ما أدوا فيه من عبادة الله قد يلحق بعض الناس الفتور عن الأعمال الصالحة؛ لأن الشيطان يتربص بعباد الله الدوائر ويقعد لهم بكل صراط، وقد أقسم أن يأتي بني آدم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم وقال: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:16] ولكن العاقل إذا تبصر واعتبر علم أنه لا انقطاع للعمل الصالح إلا بالموت، لقول الله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله) فلا ينقطع العمل إلا بالموت، ولهذا ينبغي لنا أن نغتنم فرص العمر ما دام الله تعالى قد أعطانا صحة وفراغاً، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك) .(86/2)
الصوم بعد رمضان
إذا انقضى شهر الصيام فلا يعني ذلك أن التعبد لله تعالى بالصيام قد انقضى، بل الصيام لا يزال مشروعاً في كل وقت، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً) وهذا يلزم أن يكون الإنسان صائماً نصف الدهر بل أكثر لأنه سيمر به رمضان يصومه شهراً كاملاً، إذاً فالصيام والحمد لله لا يزال عبادة مشروعة، وهناك أيام معينة يسن صيامها منها: يوم الإثنين ويوم الخميس، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل عن صيام يوم الإثنين؟ فقال: (ذاك يوم ولدت فيه، وبعثت فيه، أو أنزل علي فيه) وكان يصوم يوم الإثنين والخميس فقيل له في ذلك، فقال: (هما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله تعالى؛ فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) .
ومما يسن صومه أيضاً: أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر من أوله، أو وسطه، أو آخره، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ولا يبالي أصامها من أول الشهر أو وسطه أو آخره، لكن الأفضل أن تكون في أيام البيض الثلاثة: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر.
وكذلك يسن صيام تسع ذي الحجة لأنه: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) ، وصيام الأيام الصالحة، ويتأكد ذلك في يوم عرفة لغير الحجاج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: (أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والباقية) .
ومما يسن صومه أيضاً: يوم عاشوراء، ويصوم قبله يوماً أو بعده يوماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء ورغب فيه وقال: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبلها) ولما قدم إلى المدينة ووجد اليهود يصومونه فسألهم عن ذلك فقالوا: إنه يومٌ نجىّ الله فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه، فنحن نصومه شكراً لله، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (نحن أولى بموسى منكم) فصامه وأمر الناس بصيامه.
والمهم أن التعبد لله تعالى بالصوم لا يزال مشروعاً والحمد لله، فلنحرص على الصيام حتى ننال أجره، فإنه جاء في الحديث الصحيح أن الله تعالى قال: (كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به) .(86/3)
القيام بعد رمضان
أما القيام فما زال أيضاً مشروعاً، فإنه يسن القيام كل ليلة، والأفضل أن يكون بعد منتصف الليل إلى الثلث، ثم ينام السدس لأن هذا هو قيام داود، وهو أفضل القيام: أن تنام نصف الليل الأول، ثم تقوم الثلث، ثم تنام السدس إلى أن يطلع الفجر.
وذلك لأن هذا قيامٌ يشمل الراحة، راحة البدن في أول الليل، وراحة البدن في آخر الليل، مع إدراك النزول الإلهي الذي يكون في الثلث الآخر من الليل، فإن ربنا جل وعلا ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: (من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) ولهذا يجد الإنسان لذة عظيمة في الصلاة في هذا الوقت، ومناجاة الله تعالى، حتى إنه يبقى طعمها في قلبه لا يزول أبداً، إلا أن يشاء الله.
فالقيام إذاً مشروع في كل وقت، لا تقل: انقضى رمضان فلا قيام، بل إن القيام في كل وقت وفي كل ليلة إلا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام، أو يومها بصيام، فقال: (لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام ولا يومها بصيام) ولهذا يكره أن يصوم الإنسان يوم الجمعة مفرداً له إلا لسبب، مثل أن يوافق يوم الجمعة يوم عرفة، أو يوم عاشوراء، أو يكون عليه قضاء من رمضان لا يتمكن من قضائه إلا في يوم الجمعة، فيصومه من أجل القضاء لا من أجل أنه يوم الجمعة؛ فهذا لا بأس به.(86/4)
الصدقة بعد رمضان
الصدقة مشروعة في كل وقت، وكل وقت تتقرب فيه إلى الله تعالى بالصدقة فإنك مأجور، غير مبتدع، ولا نشرع في دين الله ما ليس منه، بل إن إنفاقك اليومي على أهلك وعلى نفسك صدقة، كما ثبت ذلك عن رسول صلى الله عليه وسلم، إذاً فالمسلمون ولله الحمد يفعلون جميع ما يفعلون في شهر رمضان فلا ينبغي لهم أن يستحسنوا وأن يقولوا انتهى وقت العمل؛ فإن هذا من وساوس الشيطان وتثبيطه عن الخير.
نسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.(86/5)
تفسير آيات من سورة البينة
بعد هذه الكلمة القصيرة التي أرجو من الله تعالى أن أكون أول من ينتفع بها وأن ينفعني وإياكم بما علمنا، بعدها نتكلم يسيراً على سورة البينة لأننا انتهينا إليها فيقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم، والكلام على البسملة قد تقدم كثيراً لنا في هذا المجلس وغيره، وبينا أن البسملة آية من كتاب الله، تكلم الله بها كما تكلم بالقرآن جل وعلا، ولكنها آية مستقلة، لا تعد من آية السورة التي بعدها، ولا من آية السور التي قبلها، بل هي مستقلة تبتدئ بها السور من الفاتحة إلى (قل أعوذ برب الناس) ما عدا سورة براءة، فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتتح سورة براءة بالبسملة، ولهذا أغفلها الصحابة رضي الله عنهم، لكن احتياطاً وخوفاً من أن تكون سورة مستقلة جعلوا بينها وبين سورة الأنفال فاصلة.(86/6)
تفسير قوله تعالى: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب)
يقول الله عز وجل: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة:1] أي: ما كان الكفار من أهل الكتاب والمشركين (منفكين) أي: تاركين لما هم عليه من الكفر (حتى تأتيهم البينة) والذين كفروا من أهل الكتاب هم اليهود والنصارى سموا بذلك لأن صحفاً بقيت عندهم إلى أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم مع ما فيها من التبديل والتحريف والتغيير، وإذا سمعتم في القرآن أهل الكتاب فالمراد بهم اليهود والنصارى، اليهود لهم التوراة، والنصارى لهم الإنجيل، أما المشركون فهم عبدة الأوثان من كل جنس، من بني إسرائيل ومن غيرهم، يقول: (لم يكن) هؤلاء (منفكين) أي: تاركين لما هم عليه من الشرك والكفر ومنفكين عنه (حتى تأتيهم البينة) .
فما هي البينة؟(86/7)
تفسير قوله تعالى: (رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة)
قال تعالى: {رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً} [البينة:2] (البينة) : كل شيء يبين به الحق فإنه يسمى بينة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (البينة على المدعي واليمين على المنكر) فكل ما بان به الحق فهو بينة، ويكون في كل شيء بحسبه، فما هي البينة التي ذكرها الله هنا؟ البينة قال: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [البينة:2-3] وهذا الرسول هو النبي محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي صلوات الله وسلامه عليه، وجاء بصيغة نكرة (رسول) تعظيماً له؛ لأنه عليه الصلاة والسلام جديرٌ بأن يعظم التعظيم اللائق به دون نقص ولا غلو.
{رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ} [البينة:2] أي: أن الله أرسله إلى العالمين بشيراً ونذيراً، قال الله تبارك وتعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} [النساء:79] ، وقال الله: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1] فهو محمد عليه الصلاة والسلام، مرسل من عند الله بواسطة جبريل عليه الصلاة والسلام؛ لأن جبريل هو رسول رب العالمين إلى رسله موكل بالوحي ينزل به على من يشاء الله من عباده إذاً: من المراد بالرسول؟ محمد.
من أرسله؟ الله؛ لقوله: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً} من هو الواسطة بين الرسول وبين الله؟ جبريل؛ لأن جبريل موكل بالوحي ينزل به على من يشاء من عباد الله.
{يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً} يعني: يقرأ لنفسه وللناس (صحفاً) جمع صحيفة وهي الورقة، أو اللوح، أو ما أشبه ذلك مما يكتب به، (مطهرة) أي: منقاة من الشرك، ومن رذائل الأخلاق، ومن كل ما يسوء؛ لأنها نزيهة مقدسة.(86/8)
تفسير قوله تعالى: (فيها كتب قيمة)
قال تعالى: {فِيهَا} [البينة:3] أي: في هذه الصحف {كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [البينة:3] (كتب) أي: مكتوبات قيمة، فكتب: جمع كتاب، بمعنى: مكتوب، والمعنى: أن في هذه الصحف مكتوبات قيمة كتبها الله عز وجل، ومن المعلوم أن الإنسان إذا تصفح القرآن وجده كذلك، أي: وجد أنه يتضمن كتباً أي مكتوبات قيمة.
انظر إلى ما جاء به القرآن من توحيد الله عز وجل، والثناء عليه وحمده وتسبيحه تجده مملوءاً بذلك، انظر لما في القرآن من وصف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ووصف أصحابه المهاجرين والأنصار، ووصف التابعين لهم بإحسان، انظر إلى ما جاء به القرآن من الأمر بالصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك من الأخلاق الفاضلة، تجد أن كل ما جاء به القرآن فهو قيم أي: قيم بنفسه، وكذلك هو مقيم لغيره.(86/9)
تفسير قوله تعالى: (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة)
قال تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة:4] إذاً: أخبر الله بهذه الآية أنه لا يمكن أن ينفك هؤلاء الكفار من أهل الكتاب والمشركين حتى تأتيهم البينة، فلما جاءتهم بينة هل انفكوا عن دينهم؟ يعني: عن كفرهم وشركهم؟ استمع للجواب: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} يعني: لما جاءتهم البينة هل آمنوا؟ لا، ولكنهم اختلفوا، منهم من آمن ومنهم من كفر، فمن النصارى من آمن مثل النجاشي ملك الحبشة، ومن اليهود من آمن أيضاً مثل عبد الله بن سلام رضي الله عنه، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، فمن علم الله منه أنه يريد الخير ويريد الدين لله آمن ووفق للإيمان، ومن لم يكن كذلك وفق للكفر، كذلك أيضاً من المشركين من آمن، وما أكثر المشركين من قريش الذين آمنوا، فصار الناس قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام لم يزالوا على ما هم عليه من الكفر حتى جاءتهم البينة، ثم لما جاءتهم البينة ما الذي حصل؟ تفرقوا واختلفوا، هنا قال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105] .
وسيأتي إن شاء الله بقية الكلام على هذه السورة، لأنه جاء وقت الأسئلة الآن.(86/10)
الأسئلة(86/11)
حكم أداء كفارة القتل بسبب حادثٍ مروري لمن لم يستطع
السؤال
رجل تعرض لحادث مروري توفي فيه ثلاثة أشخاص: امرأة، وبنت، ورجل، وهذا الرجل المتسبب في الحادث حسب تقرير الجهات المختصة، يقول: إن حالته المادية متدنية، فصار عليه حادث آخر وهو الآن في المستشفى ولا يستطيع القيام بالصيام، وقد سمع أنه في بعض البلاد الإسلامية لا يزال الرق موجوداً ويقول: هل يستدين مبلغاً ويعتق به، وإذا كان المبلغ موجوداً فأين الذين يعتقهم، وكيف السبيل إلى ذلك، ماذا يفعل أثابكم الله؟
الجواب
أولاً: لابد أن نعرف الحادث ويوصف لنا، لأنه أحياناً يظن بعض الناس أن لكل حادث حدث فهو على من كان سبباً فيه وليس كذلك، ونحن الآن نفتي بناءً على أن الحادث موجب للضمان فنقول: أولاً: عليه ثلاث ديات تكون على عاقلته لأولياء المقتولين، وإذا عفوا فلا حرج تسقط الدية.
ثانياً: عليه ثلاث كفارات، والكفارة: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، وعلى هذا فيكون عليه ثلاث رقاب يعتقها إن كان قادراً وعنده مال فائض عن حاجاته، وإن لم يكن عنده مال؛ فعليه أن يصوم عن كل نفس شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فلا شيء عليه؛ لأن الله تعالى ذكر كفارة القتل ولم يذكر إلا خصلتين فقط وهما: العتق ثم الصيام ولم يذكر الطعام.
وقوله: يتدين أو يستلف نقول: لا تتدين ولا تستلف، إذا لم يكن المال متوفر لديك سقط عنك العتق إلا الصيام، وإذا كنت لا تستطيع سقطت عنك الكفارة لقول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] .(86/12)
حكم المرور أمام المصلين خاصة في الحرم
السؤال
ما حكم من يمرون أمام المصلين خاصة في الحرم من النساء والرجال ويقطعون الصلاة؟ الشيخ: أما الرجال فإنهم لا يقطعون الصلاة، لكن الإنسان مأمور بأن يردهم، وأما النساء فالمرأة البالغة تقطع الصلاة إذا مرت بينك وبين سترتك، أو بينك وبين موضع سجودك إذا لم يكن لك سترة سواءً في الحرم أو في غير الحرم، إلا إذا كان الإنسان لم يتيسر له مكان إلا في مكان مرور الناس مثل عند الأبواب فهذا للضرورة لا تنقطع صلاته؛ لأنه لو أخذ يرد الناس لكثرت الحركة في صلاته فأبطلتها.
السائل: لكن ما الحكم إذا ساروا من بعيد قليلاً؟ الشيخ: إذا ساروا من بعيد من وراء موضع سجوده فهذا لا يضر، ولا يضر أقل من مترين، يعني: مثلاً الآن في الحرم فيه إمداد يصلى وراءه، إذا مر من وراء المدة ما يضر حتى لو كانت امرأة، كذلك أيضاً في صحن المطاف بلاط إذا مر من وراء البلاط لا يضر.(86/13)
من أحكام الصلاة بالنسبة للمريض
السؤال
هذه امرأة توفيت ولكنها لم تصلِ بعض الفروض مع أنها كانت بفكرها لكنها لا تستطيع القيام ولا الجلوس، ويقرب منها التراب لتتطهر لكن لا تستطيع، ومع أنها في آخر وقت كانت تصلي وتكثر من التكبيرات مع أنها بفكرها، فماذا عليها وفقكم الله؟
الجواب
ليس عليها شيء الآن يعني: أنه لا تقضى عنها الصلاة، لكن ينبغي لأولادها وذويها أن يكثروا من الاستغفار لها والدعاء لها.
وبهذه المناسبة أود أن أنبه على مسألة يلجأ إليها بعض المرضى، نقول أولاً: المريض يجب عليه أن يتطهر بالماء، فإن لم يستطع فبالتراب، فإن لم يستطع صلى بلا تراب ولا ماء، ولا يدع الصلاة.
ثانياً: يجب عليه أن يصلي قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنب، فإن لم يستطع فبالإيماء، فإن لم يستطع فإنه ينوي بقلبه ولا يترك الصلاة.
ثالثاً: بعض الناس إذا كان في ثيابه نجاسة وهو لا يستطيع أن يغسلها، ولا يستطيع أن يغير الثوب يقول: لا أصلي حتى يعافيني الله وأطهر ثوبي، وهذا غلط أيضاً، بل يصلي ولو كان ثوبه نجساً، ولو كان بدنه نجساً وهو عاجز عن إزالة النجاسة، يصلي على حسب حاله؛ لأن الصلاة لها وقت محدود لابد أن تقع فيه على حسب استطاعة الإنسان لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] أرجو أن يكون هذا معلوماً عندكم، وأن تنبهوا عليه في المجالس؛ لأن أكثر الناس يجهلون هذا الشيء، وكذلك أن تسألوا المرضى إذا عدتموهم كيف تصلون؟ كيف تتطهرون؟ وتوجهوهم إلى ما يجب، لأن الإنسان مسئول عن علمه الذي أعطاه الله كما قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187] ولا تقولوا: أين الميثاق؟ نحن نجد العلماء ولا يقولون: إن الله أخذ عليهم ميثاقاً، يعني: لا يشعرون بهذا، لكن يقولون: مجرد إعطاء الله للإنسان العلم هو ميثاق، إذا آتاك الله علماً فهذا يعني الميثاق أن تبينه للناس، وهذه من نعمة الله على العبد أن يجعله محلاً للعلم وارثاً للرسالة؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَه} [الأنعام:124] وهو كذلك أعلم حيث يجعل وراثة هذه الرسالة، فمن علم الله فيه خيراً فقهه في دينه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) فوصيتي لنفسي وإياكم الحرص على نشر العلم بين الناس، ولا تحقروا شيئاً، إذا علمت إنساناً مسألة واحدة وعمل بها ثم علمها آخر وآخر وآخر فكل ما يحصل من أجر بالعمل الذي أنت دللت الناس عليه فلك مثله.(86/14)
حكم إبقاء الأهل عند أهلهم إذا كانوا أهل معاصٍ والذهاب في رحلة طلب علم أو دعوة
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا متزوج من عائلة عندهم بعض المعاصي والأحوال، فأحياناً نطلع في رحلات لطلب العلم أو للدعوة إلى الله تعالى فأضطر أني أترك أهلي عندهم، فهل تركهم أولى، أو البقاء معهم أولى؟
الجواب
أنت إذا خرجت في الرحلات وكانت رحلة نزهة فلا تخرج إذا خفت على أهلك أن يتغيروا إذا ذهبوا إلى أهلهم، وإن كان الخروج في طلب العلم أو في الدعوة إلى الله عز وجل، فانظر هل هناك أحد من الناس يقوم مقامك وإلا فالبقاء عند أهلك أولى، هل لا يوجد أحد يقوم مقامك وأن الأمر فرض عليك، فاذهب ولكن لا تذهب بعيداً، ارجع إلى أهلك قبل الليل وكن معهم.(86/15)
نصيحة بخصوص حب الدنيا والاستغراق في الملاهي والشهوات
السؤال
فضيلة الشيخ! تعلمون ما انفتح على الناس في هذا الزمان من حب الدنيا والاستغراق في الملاهي والشهوات، وما يخطط له أعداء الإسلام، نريد كلمة لمن يسمع هذا الكلام أو يقرأه، أو نصيحة في الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى وعودة إلى كتاب الله سبحانه وتعالى.
الجواب
أظن أنه لا شيء أشد تأثيراً من المواعظ في القرآن الكريم، والله تعالى أجمل ذلك بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:7-6] .
هاتان الآيتان من أعظم ما يكون موعظة لمن تبصر، وعد الله حق سواءٌ كان للذي وعد به أجراً وثواباً للصالحين، أو عقوبة ونكالاً للعاصين، هو حق، صدق، ثابت، لابد أن يقع، ثم قال: {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} فتصدكم عما أمر الله به أو توقعكم فيما نهى الله عنه، والحياة الدنيا في الحقيقة تغر الإنسان الأبله السفيه، أما الإنسان العاقل الكيس فإنها لا تغره، وكيف تغر الدنيا إنساناً وهي في الحقيقة مشحونة ومملوءة بالهم والغم والتنغيص والكدر، وكما قال الشاعر الأول:
لا طيب للعيش ما دامت منغصة لذاته في ادكار الموت والهرم
أنت ترى الإنسان في يومك على ظهر الأرض، وفي غدك في باطن الأرض، والذي مر عليه أفلا يجوز أن يمر عليك؟ الجواب: بلى، يمكن أن تكون اليوم في عالم الدنيا وغداً في عالم الآخرة، فكيف تغتر بدار لا يدري الإنسان متى يرتحل عنها، بدار الارتحال عنها ليس بيدك، بدار لا يدري ربما يبقى ما هو فيه من الرفاهية وربما يزول.
فالحاصل: أن الإنسان يجب ألا تغره الدنيا، وأن يتبصر في أمره، وأن يعلم أنه في الدنيا عابر إلى مقر آخر، حتى مقر القبور ليس مقراً بل هو زيارة، كما قال تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2] والمقر هو إما الجنة وإما النار، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهل الجنة، فلا ينبغي للإنسان العاقل أن تغره الدنيا، {وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر:5] الشيطان وأولياء الشيطان، فالغرور اسم جنس ليس خاصاً بالشيطان بل هو عام للشيطان وأوليائه، فما أكثر شياطين الإنس الذين يغرون الإنسان، ويسفهونه، ويوقعونه فيما يندم عليه، وهم جلساء السوء الذين حذر منهم النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: (إن مثل الجليس السوء كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة) .
ثم بين الله عز وجل أن الإنسان لا يغتر بالدنيا إلا من عدوٍ له وهو الشيطان، فقال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} وصدق الله، والآية هنا فيها خبر وطلب، الخبر قوله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ} والطلب: {فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} أمرنا الله أن نتخذه عدواً، فإذا قال قائل: كيف أعلم أن هذا من الشيطان أو من الرحمن؟ قلنا: إذا كان الذي وقع في قلبك حباً للمعاصي وكراهة للطاعات فهو من الشيطان، ومعلوم أنه إذا كان حباً للطاعات وكرهاً للمعاصي فهو من الرحمن عز وجل، هذه العلامة، قال الله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268] ، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6] لكنهم جهال لا يدعون السفهاء، يظنون أن هذا هو الخير، أو يملي لهم الشيطان ويقول: افعل ثم تب، ثم يفعل ولا يتوب.
نسأل الله أن يقينا شرور أنفسنا وشر أعدائنا.(86/16)
خصوصية المعاصي في مكة
السؤال
نحن مجموعة من الشباب أتينا من مكة المكرمة لزيارتكم والسلام عليكم، على أهل القصيم بصفة عامة، وعلى فضيلتكم بصفة خاصة ونبلغكم أيضاً السلام من مكة المكرمة وأهلها، وحقيقة هنا طلب يا شيخ: وهو بعض الوصايا التي توجهها لشباب مكة خاصة وأنهم أهل مكة المكرمة وبيت الله الحرام، وحيث أننا نعيش في أحد الأحياء التي تعج بالمنكرات وما يخالف أمر الله عز وجل وفقكم الله لما يحبه ويرضى؟
الجواب
وعليك وعليهم السلام، ونحن نشتاق إلى مكة كثيراً وإلى المدينة كثيراً، والواجب على جميع عباد الله عز وجل أن يكونوا عباداً لله حقيقة يمتثلون أمره ويجتنبون نهيه ولاسيما في مكة التي قال الله تعالى فيها: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25] فالمعاصي في مكة أعظم جرماً وأكبر إثماً، وإن كانت لا تتضاعف في الكمية لكنها تتضاعف في الكيفية، وإني أحذر هؤلاء الذين أشرت إليهم إن كانوا موجودين من مغبة سوء أعمالهم، ويجب عليكم أن تناصحوهم أولاً، فإن قاموا بالواجب فهذا مطلوب، وإن لم يقوموا بالواجب فهناك جهات مختصة ارفعوا الأمر إليهم لأن الله يقول: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25] فسكوت الناس عن المنكر مع القدرة على تغييره موجب لعقوبة الله عز وجل، وموجب للفتنة، وأن الإنسان يفتن في دينه أكثر مما فتن فالواجب عليكم الآن بارك الله فيكم المناصحة فإن اهتدوا فهذا المطلوب، وإن لم يهتدوا فالواجب أن يرفعوا إلى ولاة الأمور، وسيكون إن شاء الله من ولاة الأمور ما تقر به عيون المؤمنين.(86/17)
ثواب من صلى اثنتي عشرة ركعة
السؤال
فضيلة الشيخ! يقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة) والحديث صحيح، هل هذا بصفة دائمة، أو تصلي يوماً وتترك يوماً؟ وهل إذا فاتتك منها تقضيها بارك الله فيك؟
الجواب
الحديث ظاهره أنه إذا صلى ولو مرة واحدة بنى الله له بيتاً في الجنة، واليوم الثاني بيتاً آخر وهكذا وفضل الله واسع، لكن يجب على الإنسان ألا يغلب جانب الرجاء في هذه الأمور أي: فيما رتب عليه الثواب، بل ينظر إلى الثواب في هذه الأعمال، وإلى العقاب في أعمال أخرى، ربما تحيط به سيئاته وإن كان عمل هذه الحسنة، فالموازنة يوم القيامة لابد منها: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:47] لا يقول الإنسان: إذاً سيبنى لي بيوتاً كثيرة في الجنة، نقول: نعم، وفضل الله واسع، والجنة عرضها السماوات والأرض، لكن احرص على أن تتجنب ما نهى الله عنه، حتى لا يكون هناك موازنة يوم القيامة فترجح السيئات بالحسنات، لأن الموازنة يوم القيامة إذا رجحت الحسنات فهو من أهل الجنة، وإذا رجحت السيئات فهو من أهل النار، يعذب فيها ما شاء الله ثم ينجو إلا أن يعفو الله عنه، ومن تساوت حسناته وسيئاته فهو من أهل الأعراف الذين يوقفون على مكان مرتفع يشرف على النار وعلى الجنة، ولكن في النهاية يدخلون الجنة.
ولو فاتته يقضيها، الرواتب تقضى كما تقضى الفرائض.(86/18)
كيفية الرد على غلاة الصوفية في شبهة الاحتفال بالمولد
السؤال
لو ادعى غلاة الصوفية وأشباههم بأن فضل يوم الإثنين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصيامه وبيان فضله، وأن الاحتفال بذكراه سنوياً من باب أولى، فماذا نرد عليهم؟ الشيخ: أقول إذا كانوا يريدون أن يحتفلوا بيوم الإثنين فالواجب أسبوعياً.
لماذا يخصص؟ السائل: لفضل يوم الإثنين لأنه ولد فيه.
الشيخ: لعلك تريد المولد؟ السائل: نعم.
الشيخ: صرح به.
السائل: لا هم الشيخ: هم يقولون: إن الرسول يقول: (ذاك يوم ولدت فيه) يدل على تعظيم اليوم الذي ولد فيه لا على يوم الإثنين؛ لأن مولد الرسول ليس يوم الإثنين سيكون (12) ربيع على ما يعتقدون، لكن نقول: إن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا قدرنا أنه عظم اليوم الذي ولد فيه، فبماذا عظمه؟ بالصيام، هل عظمه بهذا الاحتفال المنكر؟ فهذا حجة عليهم وليس حجة لهم، نقول: إذا كنتم صادقين باتباع الرسول فعظموه بما عظمه به وهو الصيام.
ثم الرسول عليه الصلاة والسلام لم يرد أن يعظم اليوم الذي ولد فيه، لكن أراد أن يبين أن الله تعالى جعل في هذا اليوم أشياء مهمة لبني آدم وهي: أنه ولد فيه، وبعث فيه، وأنزل عليه فيه.
وأقول لهم: إذاً أقيموا الحزن والمأتم لأن الرسول مات يوم الإثنين.(86/19)
حكم جمعيات الأموال والزكاة فيها بعد مضي الحول على إنشائها
السؤال
فضيلة الشيخ: داخل مع جماعة في جمعية أموال ونحن تقريباً ثلاثين شخصاً ندفع كل شهر ألف ريال من كل واحد، ثم يجرون قرعة أي: أن كل واحد يستلم متى ما جاء دوره في الشهر الأول أو الثاني أو الثالث، وهكذا فدوري أنا في هذه الجمعية في رمضان القادم، نحن لنا الآن خمسة أشهر، ونصيبي واحد وعشرون ألف ريال وعليَّ فيها دين مقداره عشرين ألفاً فالسؤال: ما رأيك في هذه الجمعية؟ وهل فيها زكاة للذي يستلم الدور الثالث عشر بعد السنة؟ وهل علي زكاة في هذا المبلغ؟
الجواب
أما الجمعية فهي جائزة ولا بأس بها؛ لأنها من باب التعاون والرفق بالإخوان، وهي قرض محض، وليس فيه جر منفعة كما توهمه بعض الناس، ولذلك أنا أدفع ألف ريال ولا يأتيني إلا ألف ريال ولا أستفيد، والمصلحة التي عادت إليَّ قد فعلت مثلها، لأني أقرضت وأقرضت.
وأما الزكاة فيجب على الإنسان أن يزكي ماله من الدين وإن كان هو مديون، فإذا جاء مثلاً وقت زكاته سواءً في رمضان أو غير رمضان فأنت أحصِ ما لك من الديون عند الناس وزكها، لكن إن شئت أخرجها مع مالك، وإن شئت قيدها فإذا قبضت الدين أخرجها.(86/20)
السبيل إلى التخلص من المعاصي المستحكمة في النفوس والإقبال على طلب العلم
السؤال
هناك يا فضيلة الشيخ! بعض المعاصي المستحكمة في النفوس فكيف يستطيع الإنسان إخراج حب هذه الذنوب والمعاصي من نفسه، وكيف يكون صادقاً مع الله تعالى، وكيف يكون صادقاً في طلب العلم والتوجه إلى الله عز وجل، وادع الله عز وجل لنا أن يوفقنا للطاعة وللعلم؟
الجواب
لا شك أن هذا سؤال يرد على النفوس، لكنه يرد من نفوس عندها شيء من القنوط، والإنسان يجب ألا يقنط من رحمة الله وأن لا ييئس، وأن يكرر الدعاء لله عز وجل والافتقار إليه وسيجد الثمرة قريباً، لكن كون الإنسان يستعظم ما عنده من الذنوب والإعراض والغفلة ثم يقول: متى أكون صالحاً؟ هذا هو الداء الوحيد، فالواجب على الإنسان ألا ييأس من رحمة الله، وأن يقبل على الله عز وجل بقدر المستطاع، ويحاول ربما أنه يريد أن يقبل على الله لكن الشيطان يصرفه، فليحاول مرة بعد أخرى حتى يستقيم، وأحسن شيء هو محاولة إحضار القلب في الصلاة، هذا هو المهم، يعني: إذا قدرت أن تحضر قلبك في الصلاة كلما صليت فاعلم أن هذا فتح باب خير، لأن الله قال في القرآن الكريم: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ} [العنكبوت:45] يعني: افعلها مستقيمة {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45] فإذا أقمت الصلاة تماماً فأبشر بالخير، وقال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:45] ليس على ملمات الدنيا فقط بل على كل شيء.
فأوصي هذا الأخ الذي يتعاظم الذنوب في نفسه وربما ييأس من رحمة الله عز جل، أوصيه بأن يبعد هذا الوهم من نفسه، وأن يحاول بقدر ما يستطيع إقامة الصلاة على الوجه المطلوب، فإن هذا هو الدواء، وهذا هو المفتاح، ونسأل الله لنا ولكم السلامة.
كذلك أيضاً طلب العلم، يقبل إقبالاً حقيقياً ولا ييأس، لأن بعض الناس إذا بدأ بالعلم ورأى أنه صعب تمثل بقول الشاعر:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
نقول: هذا غلط، بل اصبر وصابر ورابط، واتق الله، أربع وصايا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200] وكم من أناس طلبوا العلم وهم كبار لكن جدوا واجتهدوا وافتقروا إلى الله، ولجئوا إليه عز وجل، وحصلوا خيراً كثيراً، وقد ذكر لي بعض الإخوة رواية -وأنا ما رأيتها- أن ابن حزم رحمه الله وهو من العلماء المشهورين الكبار دخل يوماً المسجد فجلس، فقال له بعض الحاضرين في المسجد: قم صل ركعتين، فقام وصلى ركعتين، ثم دخل مرة بعد العصر فقام يصلي، فقال بعض أصحابه: لا تصل هذا وقت نهي، فقال: سبحان الله! ما هذا الجهل إن قمت أصلي قالوا: لا تصل.
وإن جلست قالوا صل، معنى ذلك أنه ليس عنده علم، ثم بعد ذلك بدأ يطلب العلم حتى حصل.
مع أن القول الراجح: إن الإنسان إذا دخل المسجد في أي وقت فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين، لأنها ذات سبب، والنوافل التي لها سبب ليس عليها وقت نهي.(86/21)
حكم الوسواس في الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ رجل عنده وسواس في الصلاة أحياناً يقرأ الفاتحة والشيطان يقول: ما قرأت، وصار يكرر الفاتحة، هل في تكرار الفاتحة شيء؟
الجواب
تكرار الفاتحة مكروه لاسيما إذا كان الحامل عليه الوساوس، وإذا قال الشيطان: إنك لم تقرأ، فليقل: كذبت، لكن لا يقولها بلسانه ويقولها في نفسه، وليستمر فإنه قد قرأ، وكما أن الشيطان يأتي يقول: ما قرأت الفاتحة أو ما كبرت أو ما نويت، كذلك يأتي للإنسان ويقول: أحدثت، ويوسوس له أنه أحدث، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) .(86/22)
حكم من ترك واجباً مؤقتاً متعمداً
السؤال
فضيلة الشيخ! سئلت في إحدى المحاضرات: عن شخص ترك صوم رمضان لمدة ثلاث سنوات عمداً فأجبته بناءً على القاعدة: أن من ترك واجباً مؤقتاً متعمداً لا قضاء عليه.
وفي نفس الوقت سئلت: عن شخص ترك الصيام لمدة ستة أيام متعمداً فأجبته بأنه لابد بأن يقضي.
فما وجه التفريق بينهما؟ الشيخ: لا أظن هذا يقع.
السائل: لا أنا سمعت ذلك في شريط فتاوى رمضانية.
الشيخ: هذا بارك الله فيك -أي: الثاني- لعله أفطر عمداً، معناه شرع في الصوم ثم أفطر في أثناء النهار، هذا يجب عليه أن يقضي، لأنه لما تلبس بالصوم وجب عليه بتلبسه به فوجب عليه قضاءه، أما الأول الذي لم يصم أصلاً فهذا هو الذي نقول: لو قضى لم ينفعه.(86/23)
حكم التنفل بين المغرب والعشاء
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم التنفل بين المغرب والعشاء؟ وهل ينبغي المواظبة أو الترك أحياناً؟ وهل ينكر على من واظب على التنفل بين المغرب والعشاء أو هذا يعتبر من التنطع والتشدد في الدين جزاكم الله خيراً؟
الجواب
لا ينكر على من يتطوع بين المغرب والعشاء؛ لأن تحديد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأوقات النهي يدل على أن ما عداها كله وقت صلاة، بل قد قال النبي عليه الصلاة والسلام للرجل قال له: (سل، قال: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أوغير ذلك؟ قال: هو ذاك، قال: أعني على نفسك بكثرة السجود) أي: بكثرة الصلاة، فعليك بالصلاة فإنها خيرٌ، لو تبقى تصلي من غروب الشمس إلى طلوع الفجر فأنت على خير، لكن لا تجهد نفسك يعني: لا تجعل هذا إلزاماً عليك كما فعل عبد الله بن عمرو بن العاص أنه يقوم الليل ويصوم النهار فنهاه النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك.(86/24)
كيفية تقسيم الليل
السؤال
أرجو توضيح تقسيم الليل: النصف والثلث من أين يبدأ الليل وإلى أين ينتهي؟ الشيخ: يبدأ من غروب الشمس إلى طلوع الفجر.(86/25)
طريقة طلب العلم وبدايته
السؤال
فضيلة الشيخ العلم وطريقة طلب العلم هل يبدأ مثلاً بعلم التفسير، أو علم العقيدة، أو علم التوحيد، أو العلوم الأخرى؟
الجواب
لا شك أن أشرف الكلام كلام الله، وأحق ما يكون بالعناية كلام الله، وأنفع ما يكون كلام الله، ولهذا نقول: ابدأ بالتفسير قبل كل شيء، لكن هذا لا يعني ألا تقرأ غيره، لكن ركز أولاً على علم التفسير، وأنت تعلم وإخواننا الحاضرون وغيرهم أيضاً يعلمون أن القرآن مشتمل على كل شيء، ففيه العقيدة، وفيه الفقه، وفيه الآداب، وفيه كل شيء {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل:89] فعليك بالتفسير، احرص عليه ما استطعت.
وطريقة ذلك: أن تفكر أنت أولاً في معنى الآية، قبل أن تراجع الكتب، فإذا تقرر عندك شيء فارجع إلى الكتب، وذلك لأجل أن تمرن نفسك على معرفة معاني كتاب الله بنفسك، ثم إن الإنسان قد يفتح الله عليه من المعاني ما لا يجده في كتب التفسير، خصوصاً إذا ترعرع في العلم وبلغ مرتبة فيه فإنه قد يفتح له من خزائن هذا القرآن الكريم ما لم يجده في غيره.
وأضرب لك مثلاً بـ تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: فإنه يستنبط من الآيات الكريمة أحياناً معاني لا تجدها في أي تفسير سابق.
ثم بعد ذلك تأخذ بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديث في التوحيد والأخلاق والأعمال.
إذاً أول ما ينشأ الإنسان يحفظ كتاب الله حفظاً عن ظهر قلب، ثم يبدأ بتفسيره، ثم يحفظ ما تيسر من السنة كـ عمدة الأحكام مثلاً أو بلوغ المرام، أو ما أشبه ذلك، ثم يطالع كتب العلماء التي كتبوها في الشريعة الإسلامية.
السائل: لكن ما هي طرق تثبيت المعلومة يا شيخ؟! الشيخ: طرق تثبيت العلم كثيرة منها: التعاهد، أن الإنسان يتعاهد ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) التعاهد يعني التكرار، سواءً كرر اللفظ أو كرر معناه، بأن يكون له مباحث مع إخوانه ومناقشات.
وثانياً: العمل بالعلم، فإن العمل بالعلم يثبته ويزيده قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] .
ثالثاً: الدعوة إلى الله تعالى بما حصلت من العلم، فإن هذا أيضاً يثبت العلم ويزيده.
المهم أن له طرقاً كثيرة منها هذه الثلاث التي ذكرتها.
السائل: لكن ما هي أفضل كتب التفسير؟ الشيخ: على كل حال كتب التفسير موجودة، ولكن أحسن ما يكون للمبتدئ تفسير ابن كثير، أو تفسير البغوي أو تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي.(86/26)
كلام حول قاعدة: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة
السؤال
شيخنا حفظك الله ذكر الإمام النووي رحمة الله عليه في شرحه لـ صحيح مسلم تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم لما أتاه الرجل الأعرابي فقال: (يا رسول الله! متى أوقات الصلاة؟ فقال: صل معنا، فصلى معهم يومين وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في أول وقت الصلاة، وفي اليوم الثاني كان يصلي في آخر الصلاة) فيقول الإمام النووي رحمة الله عليه: إن جمهور الأصوليين قد اتفقوا على أن تأخير البيان عن وقت الحاجة جائز من هذا الحديث.
فما دليل الشيخ والقاعدة التي نعرفها منك حفظك الله أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز بارك الله فيك؟ الشيخ: هو الأصل تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز بمعنى: أنه لابد أن الرسول يبلغ لأنه مأمور بالبلاغ، فإذا احتاج الناس إلى معرفة الحكم ولم يبينه الرسول كان هذا ممتنعاً، ضرورة أنه لابد أن يبلغ، والبلاغ الذي يتحتم هو أن تدعو الحاجة إليه، أما الحديث فليس فيه تأخير بيان عن وقت الحاجة، إذ من الجائز أن يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: وقت الظهر من كذا إلى كذا، ووقت العصر من كذا إلى كذا، إلى آخر الأوقات في خلال دقيقة واحدة، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام أحياناً يفضل التعليم بالفعل؛ لأن التعليم بالفعل يرسخ في الذهن، ولا ينساه الإنسان في الغالب، فلهذا أراد أن يبقي هذا الإعرابي لفائدتين: أولاً: أن يعرف الأوقات بالفعل.
والثانية: أن يستفيد من كيفية صلاة الرسول عليه الصلاة والسلام.
السائل: ما دليل القول الثاني: إن تأخير البيان عن وقت الحاجة جائز؟ الشيخ: أصلاً هذا قول باطل، إذ ليس فيه تأخير بيان عن وقت الحاجة، أنا قلت لك: هذا فيه أن الإنسان يسلك في البيان ما هو أقرب إلى التبيين والرسوخ.
السائل: يا شيخ! هو يذكر أن جمهور الأصوليين على هذا، كيف أخذه جمهور الأصوليين.
الشيخ: من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67] وإذا احتاج الناس إلى معرفة الحكم صار البلاغ واجباً.(86/27)
علاقة التوكل على الله بإجراء العمليات القيصرية
السؤال
فضيلة الشيخ! يقول الله سبحانه وتعالى في سورة عبس: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} [عبس:20] فالله سبحانه وتعالى تكفل بتيسير هذا المولود، ويلاحظ كثيرٌ من الناس من الرجال والنساء الاستعجال للقيام بعملية ما تسمى بالقيصرية، فهل هذا من ضعف التوكل على الله سبحانه وتعالى؟
الجواب
أرى بارك الله فيك أن هذه الطريقة التي يستعملها الناس الآن عندما تحس المرأة بالطلق تذهب إلى المستشفى ويصنع لها عملية قيصرية أرى أن هذا من وحي الشيطان، وأن ضرر هذا أكثر بكثير من نفعه؛ لأن المرأة لابد أن تجد ألماً عند الطلق لكن ألمها هذا تستفيد منه فوائد: الفائدة الأولى: أنه تكفير للسيئات.
الثاني: أنه رفعة للدرجات إذا صبرت واحتسبت.
والثالث: أن تعرف المرأة قدر الأم التي أصابها مثلما أصاب هذه المرأة.
والرابع: أن تعرف قدر نعمة الله تعالى عليها بالعافية.
والخامس: أن يزيد حنانها على ابنها؛ لأنه كلما كان تحصيل الشيء بمشقة كانت النفس عليه أشفق، وإليه أحن.
والسادس: أن الابن أو أن هذا الحمل يخرج من مخارجه المعروفة المألوفة وفي هذا خير له وللمرأة.
والسابع: أنها تتوقع بذلك ضرر العملية؛ لأن العملية تضعف غشاء الرحم وغير ذلك، وربما يحصل له تمزق، وقد تنجح وقد لا تنجح.
والثامن: أن التي تعتاد القيصرية لا تكاد تعود إلى الوضع الطبيعي لأنه لا يمكنها، وخطر عليها أن تتشقق محل العمليات.
والتاسع: أن في إجراء العمليات تقليل للنسل، وإذا شق البطن ثلاث مرات من مواضع مختلفة وهن وضعف وصار الحمل في المستقبل خطيراً.
والعاشر: أن هذه طريقة من طرق الترف، والترف سبب للهلاك، كما قال الله تعالى في أصحاب الشمال: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} [الواقعة:45] فالواجب على المرأة أن تصبر وتحتسب وأن تبقى تتولد ولادة طبيعية فإن ذلك خير لها في الحال وفي المآل.
وعلى الرجال أيضاً هم بأنفسهم أن ينتبهوا لهذا الأمر، وما يدرينا فلعل أعداءنا هم الذين سهلوا علينا هذه العمليات من أجل أن تفوتنا هذه المصالح ونقع في هذه الخسائر.
السائل: ما مفهوم الترف؟ الشيخ: الترف أن فيه اجتناب ألم المخاض الطبيعي، وهذا نوع من الترف.
والترف إذا لم يكن معيناً على طاعة الله فهو إما مذموم أو على الأقل مباح.(86/28)
حكم الوضوء من القيء
السؤال
قرأت في أحد كتب الحديث فقال: باب ما جاء في الوضوء من القيء.
فهل الوضوء هنا للوجوب، وهل إذا استقاء الإنسان أو أتاه قيء عليه وضوء؟
الجواب
لا، الصحيح أن كل ما خرج من البدن فإنه لا ينقض الوضوء، لا القيء ولا الدم ولا غير ذلك إلا البول والغائط، أو ما خرج من مخرج البول أو الغائط، هذا هو القول الراجح.
وإن صح حديث: (أن الرسول قاء فتوضأ) فالمراد على سبيل الاستحباب فقط؛ لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم المجرد عن الأمر إنما يفيد الاستحباب، ولا يفيد الوجوب.(86/29)
حكم أخذ أحكام المسافر لمن يمكث خارج بلده أسبوعين في العمل
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا من أهل مكة المكرمة ومتزوج من مكة وأقطن مكة ولكن عملي خارج مكة في المنطقة المجاورة لكم منطقة البجادية، فأنا أمكث في العمل أربعة عشر يوماً وأذهب إلى مكة سبعة أيام، فهل وجودي في العمل وأنا متزوج في مكة وساكن وأذهب إلى مكة بعد أربعة عشر يوماً فهل وجودي في العمل يعتبر سفراً؛ لأن في العمل يا شيخ! بعض الإخوة يطلبون مني صلاة الجمعة وما أدري كيف الطريق؟ الشيخ: هل أنت في إقامتك في هذا العمل مطمئن وتريد البقاء دائماً، أو أنت تنتظر الفرصة حتى تعود إلى مكة؟ السائل: أنا في أقرب فرصة أتمنى إن شاء الله أن أرجع إلى مكة.
الشيخ: إذاً أنت مسافر يباح لك ما يباح للمسافرين من القصر والمسح ثلاثة أيام على الخفين وغير ذلك، ولكنك إذا صليت خلف إمام يتم وجب عليك الإتمام، ويجب عليك أن تصلي مع الجماعة، أما إذا طلب منك صلاة الجمعة وأنت في محل تقام فيه الجمعة يعني: لست في خارج البلد فصل الجمعة إماماً، وإن لم تكن من أهل البلد، هذا هو القول الراجح الصحيح: أنه لا يشترط لإمامة الجمعة أن يكون إنساناً مستوطناً.(86/30)
حكم تأجير المحل لمن يحلق اللحى
السؤال
رجل عنده محل تجاري، ولكنه مؤجره محل حلاقة، وفيه عشرة حلاقين يحلقون اللحى فهل إيجاره حلال أم حرام؟
الجواب
أنت تعرف أن الحلاقين اليوم أكثر ما يحلقون اللحى، وعلى هذا فلا يحل لك أن تؤجر دكانك للحلاقين؛ لأن هذا من باب التعاون على الإثم والعدوان وقد قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] ، أما لو جاءك حلاق يريد أن يستأجر الدكان وقال: أنا ألتزم لك بألا أحلق لأحد لحية فهذا لا بأس، فإن قدر أنه حلق بدون إذنك فالإثم عليه.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(86/31)
لقاء الباب المفتوح [87]
في هذا اللقاء تفسير المقطع الثاني من سورة البينة، من قوله تعالى: ((إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين.
إلخ)) فذكر الشيخ تفسير هذه الآيات، مبيناً معنى (جهنم) وأن أهل الكتاب كفار؛ لأنهم لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تكلم عن الآية التي تليها، مبيناً ما أعده الله للمؤمنين من الجزاء والثواب، وتكلم عن أصناف المؤمنين ومنازلهم عند الله تعالى.(87/1)
تفسير آيات من سورة البينة
الحمد لله، وأصلي وأسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع والثمانون من اللقاءات التي يعبر عنها باللقاء المفتوح، وهذا هو يوم الخميس الثاني والعشرين من شهر شوال عام (1415هـ) ، نبتدئ هذا اللقاء بإكمال تفسير سورة البينة.(87/2)
تفسير قوله تعالى: (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين)
انتهينا في اللقاء السابق إلى قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة:6] ، بين الله تعالى هنا في هذه الآية بياناً مؤكداً بأن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين (في نار جهنم) أي: في النار التي تسمى جهنم، وسميت جهنم لبعد قعرها وسوادها، فهو مأخوذ من الجهمة، وقيل: إنه اسم أعجمي عربته العرب، وأياً كان فإنه -أعني لفظ جهنم- اسم من أسماء النار أعاذنا الله وإياكم منها.
وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} (من) هنا بيان للإبهام، أعني: إبهام الاسم الموصول بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} وعلى هذا فيقتضي أن أهل الكتاب كفار وهم اليهود والنصارى، وكذلك الأمر؛ فإن اليهود والنصارى كفارٌ حين لم يؤمنوا برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وإن قالوا: أنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويدعون لموتاهم بالرحمة، وما أشبه ذلك من العبارات التي يتزلفون بها فإنهم كاذبون، إذ لو كانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر لآمنوا بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بل لآمنوا برسلهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد وجد وصفه في التوراة والإنجيل، كما قال الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] ، بل إن عيسى صلى الله عليه وسلم قال لبني إسرائيل: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6] ، فلما جاء هذا الرسول الذي بشر به عيسى بالبينات قالوا: {هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} ، وكذبوه ولم يتبعوه، إلا نفراً قليلاً من اليهود والنصارى، فقد آمنوا بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم واتبعوه.
{أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} (شر البرية) أي: شر الخليقة؛ لأن البرية هي الخليقة، وعلى هذا فيكون الكفار من بني آدم من اليهود والنصارى والمشركين شر البرية، شر الخلائق، وقد بين الله ذلك تماماً في قوله: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [الأنفال:55] ، وقال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:22-23] ، فهؤلاء الكفار من اليهود والنصارى والمشركين هم شر البرية عند الله عز وجل، وإذا كانوا هم شر البرية فلن نتوقع منهم إلا كل شر؛ لأن الشرير ينبثق منه الشر، ولا يمكن أبداً أن نحسن الظن بهم قد نثق بالصالحين منهم كما وثق النبي صلى الله عليه وسلم بالمشرك عبد الله بن أريقط حين استأجره ليدله على طريق الهجرة، لكن غالبهم وجمهورهم لا يوثق بهم؛ لأنهم شر.(87/3)
تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية)
ولما ذكر الله حكم هؤلاء الكفار من اليهود والنصارى والمشركين ذكر حكم المؤمنين فقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة:7] ، والقرآن الكريم مثانٍ تثنى فيه المعاني؛ فيؤتى بالمعنى وما يقابله، ويؤتى بأصحاب النار وأصحاب الجنة، ويؤتى بآيات الترهيب وآيات الترغيب وهلم جراً؛ لأجل أن يكون الإنسان سائراً إلى الله عز وجل بين الخوف والرجاء، ولئلا يمل؛ فإن جمع الأساليب وجمع المواضيع لا شك أنه يعطي النفس قوة واندفاعاً، خلاف ما لو كان الكلام على وتيرة واحدة فإن الإنسان قد يمل، ولا تتحرك نفسه.
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} فخير خلق الله عز وجل هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وهم على طبقات أربع بينها الله في قوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء:69] ، هذه الطبقات الأربع هي طبقات المؤمنين، أعلاها طبقة النبوة، وأعلى طبقات النبوة طبقة الرسالة، ثم بعد ذلك -أي: بعد النبوة- الصديقية، وعلى رأس الصديقين أبو بكر رضي الله عنه، والشهداء قيل: إنهم أولو العلم، وقيل: إنهم الذين قتلوا في سبيل الله، والآية تحتمل المعنيين جميعاً بدون مناقضة، والذي ينبغي لمفسر القرآن أن الآية إذا كانت تحتمل معنيين بدون مناقضة أن يحملها على المعنيين جميعاً، فالشهداء هم أولو العلم، وهم الذين قتلوا في سبيل الله، وكلهم مرتبتهم عالية فوق سائر المتبعين للرسل إلا الصديقين، قال تعالى: {وَالصَّالِحِينَ} وهم أدنى الطبقات، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات على اختلاف طبقاتهم {هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} أي: خير ما خلق الله عز وجل من البرايا.(87/4)
تفسير قوله تعالى: (جزاؤهم عند ربهم جنات عدن)
ثم بين جزاءهم فقال: {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البينة:8] وهنا قدم الله الثناء على المؤمنين الذين عملوا الصالحات على ذكر جزائهم؛ لأن ثناء الله عليهم أعظم مرتبة وأعلى منقبة، ولذلك قدمه على الجزاء الذي هو جزاؤهم في يوم القيامة {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} ، (جنات) جمعها لاختلاف أنواعها؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما) ، وإلى هذا يشير قوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] ، ثم ذكر أوصاف هاتين الجنتين ثم قال: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن:62] ، وقال تعالى: {فَلَهُمْ جَنَّاتُ} [السجدة:19] .
والجنات التي ذكرها الله تعالى جزاءً للمؤمنين العاملين الصالحات هي عبارة عن منازل عظيمة أعدها الله عز وجل للمؤمنين المتقين (فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) ، ولا يمكن للإنسان في هذه الدنيا أن يتصور كيف نعيم الآخرة أبداً، لأنه أعلى وأجل مما نتصور قال ابن عباس رضي الله عنهما: [ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء] لكنها تختلف الحقائق اختلافاً عظيماً.
قال عز وجل: {جَنَّاتُ عَدْنٍ} العدن بمعنى الإقامة في المكان وعدم النزوح عنه، ومن تمام نعيم أهل الجنة أن كل واحد منهم لا يطلب تحولاً عما هو عليه من النعيم؛ لأنه لا يرى أن أحداً أكمل منه، ولا يحس في قلبه أنه في غضاضة بالنسبة لمن هو أرقى منه وأكمل، قال الله تبارك وتعالى: {لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} [الكهف:108] أي: لا يبغون تحولاً عما هم عليه؛ لأن الله تعالى قد أقنعهم بما أعطاهم فلا يجدون أحداً أكمل نعيماً منهم؛ ولهذا سمى الله تعالى هذه الجنات جنات عدنٍ، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهلها.
((تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)) [البينة:8] (من تحتها) قال العلماء: من تحت قصورها وأشجارها، وإلا فهو على سطحها وليس أسفل، إنما هو من تحت هذه القصور والأشجار، والأنهار التي ذكرها الله عز وجل هنا مجملة فصلها في سورة محمد فقال: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:15] ، وقد جاءت الآثار في وصف هذه الأنهار: أنها تجري بغير أخدود وبغير خنادق.
بمعنى: أن النهر يجري على سطح الأرض يتوجه حيث وجهه الإنسان، ولا يحتاج إلى شق خنادق ولا إلى بناء أخدود تمنع سيلان الماء يميناً وشمالاً وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه النونية:
أنهارها من غير أخدودٍ جرت سبحان ممسكها عن الفيضانِ
{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} أي: ماكثين فيها أبداً لا يموتون، ولا يمرضون، ولا يبأسون، ولا ينامون، ولا يحزنون، ولا يمسهم فيها نصب، فهم في أكمل النعيم دائماً وأبداً، أبد الآبدين اللهم اجعلنا منهم.
{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} وهذا أكمل نعيم، أن الله تعالى يرضى عنهم فيحل عليهم رضوانه فلا يسخط بعده أبداً، بل وينظرون إلى الله تبارك وتعالى بأعينهم كما يرون القمر ليلة البدر لا يشكون في ذلك ولا يمترون في ذلك ولا يتضامون في ذلك، أي: لا ينضم بعضهم إلى بعض ليريه الآخر، بل كل إنسان يراه في مكانه حسب ما أراد الله عز وجل.
ثم قال عز جل: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} أي: ذلك الجزاء لمن خشي الله عز وجل، والخشية هي خوف الله عز وجل المقرون بالهيبة والتعظيم، ولا يصدر ذلك إلا من عالم بالله، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر:28] .
وبهذا تمت هذه السورة العظيمة، وتم ما تيسر لنا من الكلام على تفسيرها، ونسأل الله أن يجعلنا جميعاً ممن يتلون كتاب الله حق تلاوته، إنه على كل شيء قدير.(87/5)
الأسئلة(87/6)
حكم كتابة لفظ الجلالة أو آيات من القرآن على الطاولات وما أشبه ذلك
السؤال
فضيلة الشيخ، بعض الطلاب والموظفين يلصقون على الطاولات لفظ الجلالة، أو لا إله إلا الله، وأحياناً آية الكرسي، فهل في هذا شيء؟ الشيخ: الطاولة التي يتكئ عليها؟ السائل: نعم التي يكتب عليها.
الجواب
أما كتابة القرآن على الطاولة ثم يتكئ الإنسان عليها ليكتب أو يتكئ عليها ليستريح فإن هذا فيه نوع امتهان للقرآن الكريم فلا يكتب، وأما غير القرآن فإنه أهون، ومع ذلك لا أرى حاجة لكتابته، ومن أراد أن يتذكر ذكر الله فليتذكر ذلك بقلبه، وأخشى أن يكتب (لا إله إلا الله) ثم يأتي بعض زملائه -كما جرت به العادة- يحدثه ويركب على الطاولة من غير أن يشعر، أو يشعر ولكن لا يبالي، فأرى ألا يُكتب عليها شيءٌ.
حتى أيضاً حسب النظام -كما أعلم- أنه ممنوع أن يكتب على الطاولات شيء.
السائل: يلصقون ملصقات؟ الشيخ: حتى الملصقات أيضاً لا داعي لها.(87/7)
معنى حديث: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته)
السؤال
فضيلة الشيخ! يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يقعدن أحدكم متكئاً على أريكته يقول: هذا كتاب الله ما وجدنا فيه حلالاً حللناه، وما وجدنا فيه حراماً حرمناه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) ما معنى قوله: (متكئاً على أريكته) ؟ وهل في هذا الحديث دليل على وجوب متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كان الأمر كذلك فما معنى قول الأصوليين وعلماء الفقه: السنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها؟
الجواب
أما لفظ الحديث فليس كما قال السائل: (لا يقعدن أحدكم على أريكته) ، بل قال: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته) وهذا تحذير من النبي عليه الصلاة والسلام أن يكون الإنسان على هذا الوصف وعلى هذه الحال، عنده من الغطرسة والكبرياء ما جعله متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من عند الرسول عليه الصلاة والسلام ويقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه.
يعني: لا نتبع السنة، وهذا تحذير من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يكون الإنسان على هذا الوصف، ولهذا قال: (ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه) ، وهي السنة، كما قال تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء:113] ، قال أهل العلم: المراد بالحكمة هنا السنة، بدليل قوله: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء:113] .
ومعلوم أن رد السنة الصحيحة الثابتة عن الرسول عليه الصلاة والسلام كرد القرآن تماماً؛ لأن ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام من أحكام فهو كما جاء في القرآن من الأحكام، إذ هو رسول الله عز وجل، فمن قال: لا أقبل إلا ما جاء في القرآن، قلنا: إنك واقع في هذا الحديث الذي حذر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمته أن يكونوا على هذا الحال.
ثم نقول له: إن ردك لما جاء به الرسول هو رد لما جاء به القرآن؛ لأن الله تعالى قال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:80] ، وقال: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [الجن:23] ، وقال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] ، وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وأما السنة فالسنة لها اصطلاحان: اصطلاح عام، واصطلاح خاص.
أما الاصطلاح العام فإن السنة هي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم الشاملة للواجب والمستحب وغير ذلك، ومنه قول أنس بن مالك رضي الله عنه: [من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً ثم قسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً ثم قسم] هذه السنة واجبة.
أما الاصطلاح الخاص فهو اصطلاح الفقهاء رحمهم الله؛ حيث قسموا الأحكام الشرعية إلى خمسة أقسام: واجب، وسنة، وحرام، ومكروه، ومباح، وإنما قسموا ذلك ليتبين الشيء الذي ألزم به الشرع؛ فيكون واجب الفعل إن كان واجباً، ويكون واجب الترك إن كان حراماً، وما دون ذلك يكون سنة في المأمور ومكروهاً في المنهي عنه.
وعليه فلا إشكال، فصارت السنة الآن نوعان: عامة وخاصة، فالعامة: هي التي يراد بها طريق النبي عليه الصلاة والسلام الشامل للواجب والمستحب.
أما الخاصة: فهي ما اصطلح عليه الفقهاء حيث قالوا: إن السنة: هي التي إذا فعلها الإنسان أثيب عليها وإذا تركها لم يعاقب.(87/8)
حكم الحج عمن مات ولم يحج تكاسلاً
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل من سكان مكة استطاع الحج لكنه لم يحج، وصار يؤخر الحج ويقول: للسنة القادمة، حتى مات، فهل يقضى عنه الحج؟
الجواب
الصحيح أنه يقضى عنه إذا كان عازماً على فعل الحج ولكنه متكاسل، أما لو كان عازماً على الترك فإنه لا يقضى عنه، بل يبقى في ذمته يعذب به إن شاء الله، هذا هو التفصيل الذي تطمئن إليه النفس، ولكن ليعلم أن الحج واجبٌ على الفور، وأنه لا يجوز لمن قدر عليه أن يؤخره، لقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] ، فقيده بالاستطاعة، فمتى وجدت الاستطاعة وجب الحج.(87/9)
وجود أهل الجنة والنار فيهما أمر غيبي
السؤال
في السيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما عرج به إلى السماء اطلع على أهل الجنة فرأى أكثر أهلها الفقراء والمساكين، ثم اطلع على أهل النار فرأى أكثر أهلها النساء، ثم أيضاً جاء في سيرة التابعين: أن سفيان الثوري رحمه الله رؤي في المنام فقيل له: ما صنع الله بك؟ فقال: وضعت قدمي على الصراط والأخرى في الجنة.
فهل الصراط يجتاز الآن؟ وهل الجنة فيها سكانها والنار فيها سكانها أيضاً؟ فما هو تفصيل ذلك؟!
الجواب
أقول -بارك الله فيكم جميعاً- الأمور الغيبية لا ينبغي أن نبحث فيها عن كيفيتها وأن نتعمق؛ لأن هذا من التنطع، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (هلك المتنطعون! هلك المتنطعون! هلك المتنطعون!) ، وقال الإمام مالك لمن سأله: كيف استوى الله على العرش؟ قال له: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول) هذه الأمور يجب أن نؤمن بها وألا نبحث عنها، ولهذا ألقى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث على أصحابه ولم ينبس واحد منهم بكلمة يقول: كيف ذلك يا رسول الله؟ حتى أنه أخبر أنه سمع خشخشة نعال بلال، ومع ذلك ما قالوا: كيف يا رسول الله؟ بلال في الدنيا ما ذهب إلى الآخرة ولا جاء؟ لكنهم آمنوا وصدقوا.
فنصيحتي لكم جميعاً: أن مثل هذه الأمور تؤمنون بها على ظاهرها وتقولون: هي حق، وأما كيف ذلك؟ وهل أهل الجنة الآن موجودون فيها، وأهل النار موجودون فيها؟ فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الجنة من رأى، ورأى من أهل النار من رأى، رأى عمرو بن لحي يجر قصبه، أي: أمعاءه في النار، ورأى امرأة تعذب في هرة حبستها، ورأى فيها صاحب المحجن الذي يسرق الحجاج بمحجنه، فالحاصل أني أنصح لكم: ألا تتعرضوا لمثل هذه الأسئلة.
أما موقفي أنا فيها فهو موقف الصحابة رضي الله عنهم، أن أقول: آمنت بالله وبرسول الله، وبما جاء عن الله ورسوله، ولا أتجاوز ذلك، وأقول: إن الرسول عليه الصلاة والسلام في المعراج أخبرنا عما رأى وهو حق.
وأقول: إنا إذا لزمنا هذه الطريق استرحنا، وأي واحد يسألنا نبين له أن هذا لا طريق للعلم به، وأن موقفنا منه هو التفويض، أي: تفويض الكيفية إلى الله عز وجل، أما المعنى فنحن نعرف المعنى.(87/10)
التفصيل في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله
السؤال
فضيلة الشيخ، يقول أكثر أهل العلم: إن الحاكم بغير ما أنزل الله إذا كان لا يستحل الحكم بغير ما أنزل الله، ويعلم أن حكم الله خير من حكم غيره فهو لا يكفر إلا بشرط الاستحلال.
فما هو الدليل على أنه لا يكفر إلا أن يكون مستحلاً لذلك؟ وإذا كان الاستحلال لا يكون إلا في القلب باعتقاد الشيء حله من حرامه فكيف لنا أن نعرف أن هذا مستحل أو غير ذلك؟ جزاكم الله خيراً!
الجواب
أولاً: بارك الله فيك، لا بد أن نعلم أن معنى تكفير الإنسان نقله من الإسلام إلى الكفر، ويترتب على هذا أحكام عظيمة، من أهمها: استباحة دمه وماله، وهذا أمر عظيم لا يجوز لنا أن نتهاون به، مثلاً: لو قلنا هذا حلال وهذا حرام بغير علم أهون مما إذا قلنا: هذا كافر وهذا مسلم بغير علم.
ومن المعلوم أن التكفير والإسلام إنما هو إلى الله عز وجل، فإذا نظرنا إلى الأدلة وجدنا أن الله وصف الحاكمين بغير ما أنزل الله بثلاثة أوصاف؛ فقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] ، وقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45] ، وقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47] ، ووصف الحكم بغير ما أنزل الله بالجهل، فقال: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] ، فلابد أن نرى مخرجاً من هذه الأوصاف التي ظاهرها التعارض، ولا مخرج لنا في ذلك إلا أن تطبق على القواعد الشرعية.
فمثلاً: إذا جاءنا رجل ورفع الحكم الشرعي وأحل بدله قوانين تخالف ما أنزل الله على رسوله، فهذا لا شك أنه مستحل؛ لأنه رفع الحكم نهائياً ووضع قانوناً من وضعه أو من وضع من هو أسوأ حالاً منه، فهذا كافر؛ لأن رفعه للأحكام الشرعية ووضع القوانين بدلها يعني أنه استحل ذلك، لكن يبقى عنه: هل نكفر هذا الرجل بعينه، أو ننظر حتى تقوم عليه الحجة؟ لأنه قد يشتبه عليه مسائل الأمور الدنيوية من مسائل الأمور العقدية أو التعبدية، ولهذا تجده يحترم العبادة ولم يغير فيها، فلا يقول مثلاً: إن صلاة الظهر تأتي والناس في العمل نؤجلها إلى العصر، أو صلاة العشاء تأتي والناس محتاجون إلى النوم والعشاء نقدمها إلى المغرب مثلاً، يحترم هذا، لكن في الأمور الدنيوية ربما يتجاسر ويضع قوانين مخالفة للشرع، فهذا من حيث هو كفر لا شك فيه؛ لأن هذا رفع الحكم الشرعي واستبدل به غيره، ولكن لا بد أن نقيم عليه الحجة، وننظر لماذا فعلت ذلك؟ قد يلبس عليه بعض العلماء الذين هم علماء دولة، ويحرفون الكلم عن مواضعه من أجل إرضاء الحاكم، فيقولون مثلاً: إن مسائل الدنيا اقتصادياً وزراعياً وأخذاً وإعطاءً موكول إلى البشر؛ لأن المصالح تختلف، ثم يموهون عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) وغالب الحكام الموجودين الآن جهلة، لا يعرفون شيئاً، فإذا أتى إنسان كبير العمامة طويل الأذيال واسع الأكمام وقال له: هذا أمر يرجع إلى المصالح، والمصالح تختلف بحسب الزمان والمكان والأحوال، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) ، ولا بأس أن تغيروا القوانين التي كانت مقننة في عهد الصحابة وفي وقت مناسب إلى قوانين توافق ما عليه الناس في هذا الوقت، فيحللون ما حرم الله، ويقولون مثلاً: الربا نوعان: ربا الاستثمار، وربا الاستغلال، فالأول جائز والثاني حرام، ثم يقولون: اكتب هذه المادة.
فيكون هذا جاهلاً، لكن إذا أقمنا عليه الحجة وقلنا: هذا غلط، وهذا خطأ وتحريف من هذا العالم الذي غرك، ثم أصر على ما هو عليه؛ حينئذ نحكم بكفره ولا نبالي.
فالحاصل: أن العلماء رحمهم الله قسموا هذا التقسيم من أجل موافقة هذه النصوص المطلقة للقواعد الشرعية المعلومة.(87/11)
نصيحة لأعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
السؤال
فضيلة الشيخ! تعلمون أن كثيراً من أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يواجهون اختلاءات، ومن ضمن هذه الاختلاءات النساء اللاتي يواجهونهن يكن بلباس غير ساتر ويكن متبرجات مفتنات، فما هي نصيحتكم لهؤلاء الأعضاء الذين يواجهون مثل هذه المشاكل، والذين يتأخرون أحياناً بل وربما غالباً عن أداء الصلوات في المساجد؟ الشيخ: الاختلاء ماذا تريد به؟ السائل: سواءً كان اختلاءً في المنزل أو في غيره.
الشيخ: الاختلاء خلوة الرجل بالمرأة؟ السائل: نعم.
الشيخ: على كل حال، فيما أظن أن هناك توجيهات من الرئاسة العامة حول هذا الموضوع، فأرى أن العضو يتمشى على هذه التعليمات والتوجيهات، وإذا رأى أن منها شيئاً غير مناسب فالواجب أن يكتب عنه، ويبين أنه غير مناسب، وأنه ربما تكون هذه التعليمات في زمن مضى عليه عشرون سنة أو أكثر، والأمور اختلفت لا شك، فليس حال النساء اليوم كحال النساء قبل خمس سنوات فضلاً عن عشرين سنة أو أكثر، فالذي أرى أنه يجب على العضو أن يتبع ما جاء به النظام أو التوجيه، وما رأى أنه غير مناسب فإن عليه أن يكتب عنه.
السائل: من ناحية الشخص.
الشيخ: هذا هو الموقف؛ لأن الشخص يتولى هذه الولاية بحسب ما ولاه ولي الأمر، والعلماء رحمهم الله قالوا: إن الذي يتولى أمراً من أمور الدولة لا يملك أكثر مما وكل إليه.
حتى ذكروا في القضاء: أن القاضي لا يقضي إلا فيما وجه إليه فقط، فيقولون: إما أن يولى عموم النظر في عموم العمل، أو عموم النظر في خصوص العمل، أو خصوص النظر في عموم العمل، أو خصوص النظر في خصوص العمل.
بمعنى: أن الإنسان قد يولى الحكم في الأنكحة فقط، هذا القاضي الذي ولي الحكم في الأنكحة لا يمكن أن يقضي بين اثنين في مسائل البيوع؛ لأنه يتوقف تصرفه على حسب ما وكل إليه.
والحمد لله، الإنسان ما دام أن هذا شيئاً قد وجه إليه فذمته بريئة، لكن لا مانع من أن يتكلم -مثلاً- إذا رأى قرينة قوية تدل على أن هذا الرجل مع هذه المرأة ليسوا على حال مرضية؛ أن يتكلم معهما بهدوء إذا لم تحصل مفسدة أكبر؛ لأن بعض الإخوة يكون عنده غيرة واندفاع، فمجرد ما يرى رجلاً معه امرأة يوقف السيارة ويتكلم ويقول: (ليش؟) وما أشبه ذلك، وهذا غير مناسب.
أما الصلاة فلا بأس أن يتأخر الأعضاء من أجل إقامة الناس إلى الصلاة، ولو فاتتهم الصلاة يصلون جماعة، وربما يدل لذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم) .(87/12)
صلة الأرحام وكم المدة المحددة لذلك؟
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يعتبر عم أمي وخال أمي وأبناؤهم من الرحم الذين يجب أن أصلهم؟ وما هي المدة المعتبرة التي إذا جاوزها شخص يعتبر قاطعاً لرحمه؟
الجواب
أنت تعرف أن الصلة في القرآن والسنة مطلقة، فالله عز وجل يقول: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [الرعد:21] ، ويقول: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:22] والنبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث متعددة ذكر صلة الرحم ولم يقيدها بشيء معين، فهي -إذاً- ترجع إلى العرف، والعرف يختلف الناس فيه بحسب القرابة من الشخص، وبحسب حاجتهم إلى الصلة، وبحسب أحوال الناس، فقد يكون الناس -مثلاً- في زمن فقر يحتاج القريب إلى أن تصله بالنفقة؛ بالطعام والشراب والكسوة وما أشبه ذلك، أكثر مما إذا كان الناس في زمن غنى، كذلك مثلاً: قريب مريض يحتاج إلى تعهد أكثر من قريب ليس بمريض، فما جرت به العادة أنه صلة فهو صلة، وما جرت العادة أنه قطيعة فهو قطيعة، فالناس اليوم لا يرون أن من الواجب أن تذهب إلى قريبك كل يوم، اللهم إلا القريب القريب مثل الأم والأب، ولا يرون من القطيعة إذا وصلته بالشهر مرة أو في المناسبات، المهم أن هذا الشيء يرجع إلى العادة والعرف.(87/13)
سماع الموتى للأحياء
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك سؤال أثير في مكتب الدعوة وهو أن أحد الهنود أثار شبهة، يقول: هل الموتى يسمعون؟ وإذا كانوا يسمعون هل يكون سماعهم في مكان مخصوص وفي مواضع مخصوصة مثلاً، أم سماع عام؟
الجواب
إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الميت إذا دفن وأتاه الملكان، قال: (إنه ليسمع قرع نعالكم) أي: المنصرفون عنه، وهذا سماع حال الدفن.
ووقف صلى الله عليه وعلى آله وسلم على قتلى قريش في قليب بدر، وجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، ولما راجعه الصحابة في ذلك قال: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) ، وروي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ما من رجل يمر بقبر رجل يعرفه في الدنيا ثم يسلم عليه إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام) ، وهذا الحديث اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، منهم من ضعفه، وإذا كان ضعيفاً فلا دليل فيه، ومنهم من قال إنه حسن، ومنهم من صححه، فنقول: ما جاءت به السنة نعتقده، وما لم تجئ به السنة نقول: الله أعلم.
لكن على فرض أنهم يسمعون فإنهم لا ينفعون غيرهم، بمعنى أنهم لا يدعون الله له، ولا يستغفرون الله له، ولا يمكنهم الشفاعة لهم.
وإنما قلت ذلك لئلا يتعلق هؤلاء القبوريون بما قلت، ويقولون: ما دام أنهم يسمعون -إذاً- هذا من أولياء الله نسأله أن يسأل الله لنا أو أن يشفع لنا عند الله، فهذا غير وارد أصلاً؛ لأن الإنسان إذا مات انقطع عمله، حتى النبي عليه الصلاة والسلام عندما مات انقطع عمله، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام خلف لأمته علماً عظيماً الذي يعمل به كل أحد من الأمة المجيبة للدعوة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (
إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ، ولا أحد ورث للخلق علماً ينتفعون به أكثر مما ورثه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.(87/14)
صحة أداء الحج من الجاهل بالمناسك
السؤال
شخص أدى فريضة الحج، وهو جاهل بجميع المناسك، فلم يقم بها تماماً، ثم تبين له فيما بعد أنه جاهل في أداء هذه المناسك، بعد ذلك منَّ الله عليه بحجة ثانية، فهل ينوي الفريضة الأولى أم ينوي هذه نافلة؟
الجواب
ينوي هذه الثانية نافلة، وإذا قدر أن الأولى وقعت على وجهٍ لا يرضاه الله ولا يقبله صارت الثانية هي الفريضة.
وبهذه المناسبة أود أن تحثوا الناس -ونحن الآن قريبون من وقت الحج- على تعلم أحكام الحج قبل أن يحجوا؛ لأن بعض الناس يذهب مع الحجاج ما قال الناس قاله وما فعلوه فعله، وهو لا يدري ما المعنى، ثم إذا رجع وسأل وإذا عليه أشياء كثيرة قد أخل بها، بل بعض الناس -والعياذ بالله- تجده أخل بحجه قبل عشر سنوات ثم يأتي يسأل، أو أخل بحجه هذه السنة التي مضت ثم يأتي يسأل بعد ستة أو سبعة أشهر، فهذا غلط، المهم أنكم تحثون الناس على أن يتعلموا أحكام الحج قبل أن يحجوا.(87/15)
حكم التصوير بكاميرا الفيديو
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم التصوير بكاميرا الفيديو؟
الجواب
الذي أرى أنه لا بأس بها، إلا أن الانشغال بها مضيعة للوقت، ما لم يكن هناك مصلحة، وفي بعض الأحيان يكون التصوير بذلك حراماً؛ كالذين يصورون حفلات الزواج، مثلاً: يصورون النساء، أو المرأة مع زوجها، أو الملاقاة فهذا حرام؛ لأنه ليس فيه إلا إثارة الشهوة لمن اطلع على هذه الصورة، أو التفرج على نساء المسلمين، وهذه جميلة وهذه قبيحة، وهذه طويلة وهذه قصيرة، وهذه بيضاء وهذه سوداء، وما أشبه ذلك.
لكن إذا أردنا أن نصور مجلس علم فهذا لا بأس به، ولا حرج فيه.(87/16)
وقت ساعة الإجابة يوم الجمعة
السؤال
ما هو القول الراجح في مسألة ساعة الإجابة في يوم الجمعة مع ذكر الدليل؟
الجواب
أرجح الأقوال: أنها من حين يخرج الإمام إلى أن تقضى صلاة الجمعة، أي: من يوم يجيء الإمام يوم الجمعة إذا دخل وصعد المنبر، من ذلك الوقت إلى أن تقضى الصلاة؛ لأن هذا ثبت في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وهو أيضاً مناسب للإجابة؛ لأن الناس يجتمعون فيه على فريضة من فرائض الله، وإجابة دعوة الناس المجتمعين أقرب من إجابتها متفرقين، ثم يلي هذا بعد العصر؛ لأنه ورد في حديث أبي هريرة تعيينها من بعد صلاة العصر، لكن الأول أصح.
والإنسان ينبغي أن يجتهد في الدعاء في وقت إقامة صلاة الجمعة وكذلك بعد العصر ويجمع بين الأمرين.(87/17)
مكان الروح بعد الموت، وحكم المجانين في الآخرة
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة للإنسان إذا مات أين تكون روحه؟ والمجانين ماذا يعمل الله سبحانه وتعالى بهم؟
الجواب
أما أهل الجنة فتكون أرواحهم في الجنة وهم المؤمنون، وأما أهل النار فتكون أرواحهم في النار، كما جاء ذلك في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أما المجانين فإذا كان أهلهم مؤمنين، أبوه أو أمه فهو من المؤمنين؛ لأن المجانين والأطفال حكمهم حكم آبائهم، ولد المؤمنين من المؤمنين، وولد الكفار ليس من المؤمنين في أحكام الدنيا، أما في الآخرة فالصحيح أن الله عز وجل يمتحنهم بما شاء من التكليف، فمن أطاع دخل الجنة، ومن عصى دخل النار.
السائل: والحديث -يا شيخ- (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الولدان الذين حول إبراهيم عليه السلام فسأله الصحابة قالوا: وأبناء المشركين.
قال: وأبناء المشركين) .
الشيخ: لا، ليسوا أبناء المشركين؛ لأن أبناء المشركين الصواب فيهم ما قاله الرسول: (الله أعلم بما كانوا عاملين) .(87/18)
موقف المسلم من الجماعات الإسلامية ومناهجها
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هو موقف المسلم من الجماعات الإسلامية ومناهجها والدعوات الواردة والداخلة في هذه البلاد حفظكم الله؟
الجواب
أنت تعلم -بارك الله فيك- أن هذا القرآن نزل لهذه الأمة إلى يوم القيامة، وأن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، وأن هذا القرآن حذر الله فيه من التفرق، فقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران:105] ، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ} [الأنعام:159] ، وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
فالجماعات التي تؤدي إلى تفرق الكلمة واختلاف القلوب جماعات باطلة، وأما الجماعات التي لا تؤدي إلى ذلك كاختلاف المسلمين في المذاهب فهذا مذهبه حنبلي وهذا شافعي وهذا مالكي وهذا حنفي فإنها لا تضر ما دامت القلوب لم تختلف.
لكن مع الأسف الشديد أنا وجدنا اليوم أن هناك جماعات اختلفت قلوبها، وصار بعضها يضلل بعضاً، بل ربما يكفر بعضها بعضاً، وتجد الإنسان يحب أن يرى عدواً حقيقة له من الكفار والمنافقين ولا يرى هذا المسلم الذي خالفه في المنهج، وهذه بلوى وهي -والله- وصمة عظيمة على مستقبل اليقظة الإسلامية؛ أن يكون هؤلاء المؤمنون يضرب بعضهم بعضاً، ويقدح بعضهم ببعض، وكأنهم يقولون لأهل الكفر والنفاق والإلحاد: اطمئنوا فإننا سنكفيكم، سنتمزق فيما بيننا، وسيضلل بعضنا بعضاً، ويبدع بعضنا بعضاً وهذه مشكلة، والواجب على الجماعات الإسلامية كـ جماعة التبليغ، وجمعية الإصلاح، وجمعية التراث، والإخوان المسلمين وغيرهم أن يكونوا أمة واحدة، وأن يجلس رؤساؤهم بعضهم إلى بعض ويبحثوا في نقط الخلاف بينهم ثم يصححوا هذا الخلاف، ما دام الهدف واحداً إن كانوا صادقين وهو القيام بشريعة الله وإعزاز دين الله، فليكونوا على مائدة واحدة، أما أن يتكلم بعضهم في بعض من وراء الجدر، وتتمزق الكلمة وتتفرق الأمة، فهذا غلط.
ونأسف أن بعض الناس يستغل الشباب الصغار ليحزبهم، ثم يقول: احذروا من الجماعة الفلانية، احذروا من الشخص الفلاني، احذروا من كذا، سبحان الله! أنت تريد أن تبني أمة متفرقة متمزقة فيما بعد؟!! فأنا أحذر جداً من هذه الجماعات التي يضلل بعضها بعضاً، وأرى أن الواجب أن نكون أمة واحدة على هدف واحد، وألا تختلف القلوب مهما اختلفت الآراء والأقوال.(87/19)
حكم الانتظار وقت الأذان الثاني يوم الجمعة ثم الصلاة بعد الأذان
السؤال
فضيلة الشيخ! يوم الجمعة يلاحظ على بعض المصلين أنه إذا شرع المؤذن في الأذان الثاني ودخلوا المسجد وقفوا حتى ينتهي المؤذن، ثم إذا شرع الخطيب في خطبته بدءوا بالصلاة، فما الحكم؟
الجواب
قال بعض العلماء هكذا، أي: أنك تجيب المؤذن، ثم إذا أجبت المؤذن تأتي بالركعتين، ولكن هذا القول ضعيف، والقول الراجح: أنك تصلي ركعتين لوجهين: الوجه الأول: المبادرة في صلاة الركعتين، بدل أن تبقى واقفاً ثم تأتي بهما نقول: بادر.
الثاني: أن تتأهب لاستماع الخطبة، فإن استماع الخطبة أهم من إجابة المؤذن؛ لأن إجابة المؤذن سنة واستماع الخطبة واجب، والواجب مقدم على السنة، أما إذا دخلت وهو يؤذن في غير الجمعة فلا بأس أن تجيب المؤذن أولاً؛ لئلا تفوت الإجابة، ثم بعد ذلك تأتي بتحية المسجد.(87/20)
كيفية التصرف في مال الغائب الذي لم يعد
السؤال
رجل كانت عنده شغالة وأعطته مبلغاً من النقود لكي يأتي لها ببعض الحوائج، فأتى بما أرادته وبقي عنده نقود ونسي أن يعطيها إياها، وذهبت بلا عودة، فما الحكم بباقي النقود، مع أنه قد تبرع بأكثر منها لها؟
الجواب
الواجب عليه أن يبحث عن هذه الخادمة، أين هي، وأين أهلها، وكيف يوصل إليها ما بقي من فلوسها، فإن لم يقدر تصدق به -أي: بما بقي- عنها، ينوي أن ثوابها لها، وأما ما تبرع به من قبل فهذا ذهب بأجره ولا يمكن أن يسترده بهذه الفلوس.(87/21)
زكاة الخليطين، وحكم زكاة أحدهما عن الآخر
السؤال
فضيلة الشيخ! الخليطان في بهيمة الأنعام إذا أخذ المزكي زكاة من مال أحدهما فما موقف الآخر بالنسبة للأول؟
الجواب
الخليطان إذا أخذ المزكي من مال أحدهما فإنه يرجع على الآخر بما يلزمه من هذه الزكاة، فمثلاً: من له أربعون والثاني له عشرون يرجع عليه بالثلث إذا كان صاحب الأربعين هو الذي بذلها، ويرجع عليه بالثلثين إن أخذت من مال صاحب العشرين؛ لأن المال الخليط كالمال الواحد.
السؤال: فضيلة الشيخ، إذا كان هناك خليطان وتبرع أحدهما بدفع الزكاة عن الآخر، فما حكم الآخر، هل يزكي، أم أنه لا يدفع زكاة؟ الجواب: إذا أجاز الثاني تصرف خليطه فلا بأس، لا سيما إذا كان الواجب في الزكاة عين واحدة، مثلاً: شاة واحدة لا يمكن أن تتجزأ، أما إذا كان الواجب شاتان وكان مالهما متساوياً فهذه ربما نقول: انتظر لأجل أن تؤدي زكاة نفسك وصاحبك يؤدي زكاة نفسه ومع هذا نقول: إذا أجازها صاحبها فلا بأس.(87/22)
حكم التعمق في البحار والأرواح وغيرها
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم التعمق في البحار وكذلك الأرواح وعلم السماوات وغيرها؟
الجواب
أما التعمق بما يمكن إدراكه فلا بأس به إذا لم يشغل عما هو أهم منه، ومعلوم أن البحار يمكن إدراكها في العلوم لأنها أمر محسوس، وكذلك الأفلاك كالشمس والقمر وغيرها، وأما ما لا يمكن إدراكه فالتعمق فيه تنطع وإضاعة وقت، مثل أن يتعمق الإنسان فيما يتعلق بصفات الله عز وجل، أو فيما يتعلق باليوم الآخر، أو فيما يتعلق بمسائل القبر والبرزخ؛ لأن هذا لا يمكن إيضاحه، فهذا هو التفصيل في هذا الأمر.(87/23)
قصر الصلاة في السفر
السؤال
فضيلة الشيخ، هناك مسافرون وفي أثناء السفر لا يجدون إماماً مقيماً، فتارة ينوي القصر فإذا هو متم، وتارة ينوي الإتمام فإذا به يقصر، وهذا إذا لم نلحق تكبيرة الإحرام، فما هو الحكم؟
الجواب
الحكم في ذلك أن ننظر لظاهر الحال، فمثلاً: إذا كان هذا المسجد على الطريق فالغالب أن الذين يصلون فيه مسافرون فينوي القصر، وأما إذا كان المسجد في البلد فالغالب أن الذين يصلون مقيمون، فينوي الإتمام.
السائل: فضيلة الشيخ، لو نويت القصر ثم أتم الإمام؟ الشيخ: أتم معه.
السائل: إذا كانت الصلاة جماعة وما تدري هل يتم أو يقصر؟ الجواب: انظر للظاهر، ما هو الظاهر من هذا الإنسان، إذا كان المسجد على الطرق أو في المحطات محطة البنزين فهذا الظاهر أن الذين يصلون مسافرون، فتنوي القصر، فإذا أتم فأتم، فلو دخلت معهم في الركعة الثانية وبنيت على أنه مسافر وأنه يقصر ثم أتم فإنك تتم، إذا سلم تأتي بركعة.(87/24)
حكم تعليق القرآن في البيوت، ومعنى التولة
السؤال
ما حكم من يعلق القرآن والآيات في البيت؟ وهل هذه التي تسمى التولة؟
الجواب
أما تعليق الآيات في البيت فإن قصد بذلك التبرك فهو بدعة، وكذلك إن قصد التعبد لله فهو بدعة، وإن قصد التنبيه فلا وجه له، وذلك لأن الذين يجلسون في هذا المجلس ربما ينتبهون، وربما يكون مكتوباً فوق رءوسهم قوله تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] ، ومجلسهم كله غيبة، وهذا إهانة للقرآن الكريم، وربما يقال: إنه من باب اتخاذ آيات الله هزواً، ثم إن السلف وهم أشد منا حرصاً على التنبيه والتذكير لم يكونوا يفعلون هذا.
ثم إن المسألة الآن تطورت فصاروا يكتبون هذه اللوحات وهذه الأوراق بكتابات كأنها نقوش، وكأنها زخارف، حتى ربما يكتبون الآية {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ} [سبأ:13] على صورة محراب، يكتبون: {نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم:1] على صورة قلم، وربما: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} [الأنبياء:79] يكتبه على صورة طير، والجبال يكتبه على صورة جبل، والرمان يكتبه على صورة شجر الرمان، كل هذا غلط، وقد اختلف العلماء في: هل يجوز أن يكتب القرآن بغير الرسم العثماني؟ فكيف إذا كتب على هذه الأشكال والزخارف؟!! ولهذا أنا أنهى عنها، وأقول: لا تضع في مجلسك الخاص أو العام آيات معلقة، الآيات والحمد لله موجودة في المصحف، ومن أراد أن يتعظ بها فليأخذها من المصحف.
أما التولة فهي شيء يعلقونه يدعون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والزوج إلى امرأته، ويشبه ذلك ما يسمونه عندنا بالدبلة، فإن بعضهم يكتب اسم امرأته في الخاتم الذي يلبسه وتكتب هي اسم الزوج في الخاتم الذي تلبسه، ويدعون أن هذا رابطة، حتى أن بعضهم إذا كان عليه دبلة من ذهب وقيل له: دعها اخلعها، قال: (الست تزعل) .
يعني بـ (الست) الزوجة، وكأنها تتشاءم لو أنه خلعها بأنه يفارقها، فالحاصل: أن التولة هي هذا الشيء الذي يحبب المرأة إلى زوجها والزوج إلى امرأته، وقد جاء في الحديث أنها من الشرك، فعلى الإنسان أن يتجنب من هذه الأمور، وأن يخلص لله عز وجل في توكله وعبادته.
وإلى هنا ينتهي هذا المجلس، أعادنا الله وإياكم من أمثاله على خير، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(87/25)
لقاء الباب المفتوح [88]
هذا اللقاء يحتوي على موضوعين: الأول: تفسير قوله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء.
) فالله عز وجل لم يأمر عباده بشيء يتعلق بأمور الدنيا، وإنما أمرهم أن يعبدوه سبحانه، وأن تكون عبادتهم خالصة.
أما الموضوع الثاني: فهو الحج والذي ذكر فيه الشيخ بعض المسائل والأحكام التي تتعلق به.(88/1)
تفسير آية من سورة البينة
الحمد لله، وأصلي وأسلم على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن والثمانون من لقاءات الباب المفتوح التي تتم في كل خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس السادس من شهر ذي القعدة عام (1415هـ) ، وأرى أن نتكلم عما يتعلق بالمناسك لقرب وقته، ولكن ذكر لي الأخ موسى أنه قد سقط تفسير آية من سورة البينة هي قوله تبارك وتعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5] .(88/2)
تفسير قوله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله)
قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} [البينة:5] أي: أن الناس لم يؤمروا بشيء يتعلق بأمور الدنيا، أو بشيء يكلفهم، بل هو بشيء سهل عليهم وهو: عبادة الله عز وجل، {لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5] فما هي العبادة؟ العبادة تطلق على معنيين: المعنى الأول: التعبد، ويقال: هذا الرجل تعبد لله عبادة.
والمعنى الثاني: المتعبد به، فيقال: الصلاة عبادة، والزكاة عبادة، والصوم عبادة، وهكذا.
فعلى المعنى الأول: يكون معنى العبادة: تذلل العبد لربه عز وجل محبة وتعظيماً بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
وعلى المعنى الثاني تكون العبادة هي: المتعبد به، يكون معناها كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في قوله: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال، فالصلاة عبادة، والطهارة عبادة، والزكاة عبادة، والصوم عبادة، والحج عبادة، وبر الوالدين عبادة، وصلة الأرحام عبادة، وكل عمل يقرب إلى الله تعالى فإنه عبادة، ولكن الله تعالى ذكر أن هذا الأمر مقرون بشيئين: الأول: الإخلاص لله تعالى، أي: أن يقصد الإنسان بعبادته وجه الله والدار الآخرة، لا يقصد دنيا يصيبها، ولا امرأة يتزوجها، ولا جاهاً يشهره به عند الناس، ولا غير هذا من الأمور الدنيوية، فمن قصد سوى الله بعبادته فهو مشرك، حابط عمله، ودليل هذا قول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15-16] وفي الحديث القدسي الصحيح (أن الله تعالى قال: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) وفي الحديث النبوي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) هذه أدلة وجوب الإخلاص للعبادة.
وأما الثاني: فهو الاتباع، يعني: اتباع شريعة الله، ودليله قوله تعالى: {حُنَفَاءَ} [البينة:5] والحنيف: هو المائل عما سوى شريعة الله عز وجل، مأخوذ من الحنف وهو ميل الإصبع.
فلابد من اتباع الشريعة والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، وقوله: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فلابد في العبادة من الإخلاص والمتابعة.(88/3)
تفسير قوله تعالى: (ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة)
وقوله عز وجل: {وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ} [البينة:5] هذه معطوفة على قوله: (يعبدوا) أي: ما أمروا إلا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ونص عليهما؛ لأنهما أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، والصلاة أوكد من الزكاة، ولهذا كان ترك الصلاة كفراً ولم يكن البخل بالزكاة كفراً.(88/4)
تفسير قوله تعالى: (وذلك دين القيمة)
قال تعالى: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5] ذلك المشار إليه مما ذكر من عبادة الله على الوجه المذكور الإخلاص والمتابعة، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، هو دين القيمة أي: دين الملة القيمة؛ لأنها شريعة الله التي جاء بها رسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
هذا هو تفسير الآية الكريمة ونرجو من الأخ موسى أن يلحقها في التفسير الذي سبق.(88/5)
مسائل تتعلق بالحج(88/6)
منزلة الحج في الدين الإسلامي
مسألة: ما منزلة الحج في الدين الإسلامي؟
الجواب
منزلته أنه أحد أركان الإسلام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام) .
وهو فرض بإجماع المسلمين المستند على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97] ، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا) .
فمن تركه مع وجوبه عليه، فإن كان جاحداً لوجوبه فهو كافرٌ لجحده وجوبه، إلا إذا كان حديث عهدٍ بإسلام ولم يعرف أحكام الإسلام فهذا يعذر بجهله ويعلم، فإن أصر على الجحد بعد أن علم فهو كافر، وأما إذا تركه تهاوناً وتكاسلاً فإن القول الراجح: أنه لا يكفر؛ لأنه لا كفر بترك الأعمال إلا الصلاة فقط، قال عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين [كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة] فمن تهاون في الحج حتى مات فإنه لا يكفر على القول الراجح، وإنما قلت على القول الراجح؛ لأن بعض العلماء يقول: إنه يكفر؛ لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97] أي: من كفر فلم يحج، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، لكن القول الراجح هو ما فسرت لكم: أنه لا يكفر.(88/7)
الزمن الذي فرض فيه الحج
مسألة: متى فرض الحج؟ نقول: فرض الحج في السنة التاسعة من الهجرة، أما قبل ذلك فلم يفرض، والحكمة -والله أعلم- أن ما قبل السنة التاسعة كان البيت تحت ولاية المشركين؛ لأن مكة فتحت في السنة الثامنة من الهجرة وبقي النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفتح هناك آخر رمضان وأول شوال ثم قاتل ثقيفاً ولم ينته من قتاله إلا في أثناء ذي القعدة، ثم فرض الحج في السنة التاسعة، هذا هو القول الراجح من أقوال العلماء، وإن كان بعضهم يقول: إنه فرض في السنة السادسة لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] ولكن هذا القول ضعيف؛ لأن الآية أمر بالإتمام ليست بالابتداء، والكلام على الفرض ابتداءً.(88/8)
حكم الحج على من تمت شروط الوجوب عليه
مسألة: هل يجب على الإنسان إذا تمت شروط الوجوب عليه أن يبادر بالحج، أو له أن يؤخر؟
الجواب
في هذا خلاف بين العلماء: منهم من يقول: إن له أن يؤخر.
والصحيح: أنه ليس له أن يؤخر، وأنه يجب أن يبادر؛ لأن جميع الواجبات تجب على المبادرة إلا بالدليل، فإن قيل: كيف يصح أن نقول: إنه على الفور، وأنه يجب المبادرة به ونقول: أنه فرض في السنة التاسعة ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلنا الجواب عن ذلك: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحج في السنة التاسعة؛ لأن وفود المسلمين كثرت في تلك السنة، ولهذا تسمى هذه السنة: عام الوفود، ومعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا بقي بـ المدينة يتلقى الوفود ويعلمهم الإسلام كان خيراً من أن يذهب إلى مكة ويحج.
ومن ناحية أخرى: في السنة التاسعة حج المشركون مع المسلمين قبل أن يحرم عليهم قربان المسجد الحرام، وحجوا عراة، فأذن مؤذن المسلمين وأعلم الناس: ألا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، فاختار الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تكون حجته مع المسلمين خاصة، ليس فيها مشرك، ولا من يطوف بالبيت عريان.(88/9)
شروط وجوب الحج
المبحث الرابع: من الذي يجب عليه الحج؟ هل كل إنسان يجب عليه الحج؟ لا.
بل قيد الله ذلك بقوله: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] فلا بد لوجوب الحج من شروط: الأول: الإسلام.
والثاني: البلوغ.
والثالث: العقل.
والرابع: الحرية.
والخامس: القدرة وهي: الاستطاعة.
خمسة شروط، فمن لم تتم في حقه هذه الشروط الخمسة فإن الحج لا يجب عليه.
أما شرط الإسلام: فالإسلام ضده الكفر، والكافر لا يجب عليه الحج، بل لو حج الكافر لم يقبل منه؛ لأن الإسلام شرط لصحة العبادات.
الثاني: البلوغ، فمن هو دون البلوغ لا يجب عليه الحج، فلو فرض أن شاباً مات قبل أن يبلغ فإنه لا يُحج عنه على سبيل الوجوب؛ لأنه لم يجب عليه الحج، ولكن هل يجزئ أن يحج قبل أن يبلغ؟ بمعنى: هل يصح حجه قبل أن يبلغ؟
الجواب
نعم.
يصح حجه قبل أن يبلغ، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم.
ولك أجره) فيصح حج الصغير، ولكنه لا يجزئ عنه، إذا بلغ وجب عليه أن يعيد الحج، بل وجب عليه أن يؤدي الفريضة.
فإن قال قائل: هل تشيرون على الناس في هذه الأوقات أن يحرم صغارهم بالحج أو بالعمرة، أم تشيرون بعدم ذلك؟ فالجواب: أننا نشير بعدم ذلك، وألا يكلفوا صبيانهم الحج؛ لما في ذلك من الزحام الشديد الذي يكاد يهلك به البالغ والكبير، ولأنه يشغل أهله، فالإنسان إذا ذهب -مثلاً- للطواف في الموسم في هذا الزحام فإنه لا يدري أيشتغل بحفظ ولده، أو يشتغل بطوافه، فيؤدي إلى الإخلال بالطواف، لكن لو بقي الولد بالخيمة أو في المقر لكان الأب يؤدي طوافه بطمأنينة، والابن لا يتكلف، وما دامت المسألة ليست واجبة فلنأخذ برخصة الله عز وجل، فهذا هو الذي نشير به في هذه الأزمان للمشقة الشديدة على الصبي وعلى ولي الصبي.
الشرط الثالث: العقل.
فمن ليس بعاقل لا يصح حجه، فلو أصيب الإنسان في عقله بحادث طرأ عليه، أو بجنون -نسأل الله العافية- أو بكبر وصل إلى حد الهذرات فإنه لا يصح حجه؛ لأنه ليس بعاقل.
والشرط الرابع: الحرية.
هي ألا يكون الإنسان رقيقاً أي: مملوكاً؛ لأن المملوك لا يستطيع أن يحج إذ هو مملوك لسيده، لكن لو حج الرقيق فهل يصح؟ الجواب: نعم.
يصح حجه، ويكتب له أجر، لكن إذا أعتق وجب عليه أن يؤدي الفريضة؛ لأن حجه قبل أن يتحرر لا يجزئ عن الفرض، وقال بعض أهل العلم: إنه إذا حج بإذن سيده أجزأه عن الفريضة؛ لأن عدم وجوب الحج على الرقيق ليس بمعنى فيه ولكن لحق سيده، فإذا أذن سيده بذلك فلا بأس، ونظير هذا الفقير لا يجب عليه الحج، لكن لو حج أجزأه عن الفريضة، وهذا القول هو الراجح، أي: أن الرقيق إذا حج بإذن سيده أجزأه عن الفريضة ما دام عاقلاً.
الشرط الخامس: الاستطاعة بالمال والبدن.
فمن ليس عنده مال فلا حج عليه، كما أن الفقير الذي لا مال له ليس عليه زكاة، فالفقير الذي لا يستطيع الحج ليس عليه حج، ولو مات للقي الله عز وجل غير آثم؛ لأنه لا يستطيع، وأما العاجز بالبدن الذي لا يستطيع ببدنه فينظر إن كان عجزه طارئاً يرجى زواله قلنا: انتظر حتى يعافيك الله وتحج بنفسك، وإن كان عجزه دائماً كالمريض بالمرض الذي لا يرجى برؤه، أو الكبير الذي لا يستطيع فهذا يجب عليه أن ينيب من يحج عنه ويعتمر عنه.
ومن الاستطاعة: أن يكون للمرأة محرم، فإن لم يكن لها محرم فلا حج عليها، فلو أنها ماتت وعندها أموال كثيرة ولم تحج لعدم وجود المحرم فإنها تلقى الله تعالى غير آثمة؛ لأن هذه المرأة لا تستطيع من الناحية الشرعية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تسافر المرأة بدون محرم، أعلن ذلك في خطبة له في المدينة، فقام رجل فقال: (يا رسول الله! إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: انطلق فحج مع امرأتك) فأمره أن يدع الغزوة وأن يذهب ويحج مع امرأته، وهذا دليل على أنه لا يمكن أن تحج المرأة بلا محرم، وما نراه اليوم من تهاون الناس في هذا فهو من الأمور التي نسأل الله سبحانه وتعالى ألا يصيبنا ببلاء بسببها، فإنه إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن تسافر المرأة بلا محرم وسأله هذا الرجل: أنه اكتتب في الغزوة، فأمره النبي عليه الصلاة والسلام أن يدع الغزوة ويذهب ويحج مع امرأته.
وهذا دليل على تأكد المحرم، ولا سيما في أزماننا هذه حيث غلبت الشهوات على النفوس إلا من عصم الله.
الأول: الإسلام.
الثاني: البلوغ.
والثالث: العقل.
والرابع: الحرية.
والخامس: الاستطاعة.
فمتى تمت هذه الشروط وجب على الإنسان أن يذهب إلى الحج فوراً بدون تأخير؛ لأنه لا يدري ماذا يحدث له، فقد يكون عاجزاً بعد القدرة، وقد يكون فقيراً بعد الغنى، وقد يموت، وقد وجب عليه الحج، ثم يفرط الورثة في قضائه عنه، فالواجب على الإنسان إذا تمت شروط الوجوب في حقه أن يبادر.(88/10)
الأسئلة(88/11)
حكم صلاة من ابتلي بخروج الريح أو غيره باستمرار
السؤال
فضيلة الشيخ! بارك الله فيك، رجل قد ابتلي بخروج الريح باستمرار حتى في أثناء الصلاة، فماذا يفعل في الصلاة: هل تجزئه، أم يقطعها؟ وما الحكم لو صلى جالساً، أو في بيته بارك الله فيكم؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين.
إذا أصيب الإنسان بحدث دائم من بول أو غائط أو ريح فإن الله سبحانه وتعالى لم يجعل علينا في الدين من حرج، يقال له: خروج هذا الحدث الدائم لا ينقض الوضوء، ولكن عليك أن تتوضأ بعد دخول الوقت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة، فإذا توضأ الإنسان بعد دخول الوقت وذهب وصلى مع الجماعة وخرج منه الريح فلا حرج عليه، وصلاته صحيحة.
ولكنك سألت: أيصلي قاعداً أم قائماً؟ فهل هو إذا صلى قاعداً انحبست الريح؟ إن كان الأمر كذلك فليصل قاعداً، وإن كانت لا تنحبس فلا فائدة من القعود.
ولكن يبقى في مسألة الريح إشكال: وهو أنه ربما يؤذي المصلين برائحته، فإذا ثبت هذا قلنا له: صل في بيتك؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى من أكل بصلاً أو ثوماً أن يقرب المسجد، وأخبر عليه الصلاة والسلام: (أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان) .(88/12)
حكم الحج بالمال الحرام
السؤال
فضيلة الشيخ! من المعلوم أن الله لا يقبل إلا طيباً، بعض الناس يحج بالمال الحرام، هل حجه مقبول؟ الشيخ: كيف هذا؟ السائل نفسه: يعني: يأكل الربا ويسرق ويحج بالمال الحرام؟ الشيخ: القول الراجح: أن حجه صحيح؛ لأنه ليس من شرط الحج المال، فيستطيع الإنسان أن يحج ببدنه، بخلاف الصدقة إذا تصدق بالمال الحرام لا تقبل منه؛ لأن الحرام وقع في عين العبادة، أما هذه فأعمال الإنسان وحركاته وطوافه وسعيه ووقوفه ورميه هذه أفعال ما هي دراهم ولا نفقة، فالصحيح: أن حجه صحيح، ولكنه لا يحل له أن يستهلك الأموال المحرمة لا في العبادة ولا غيرها، والواجب عليه أن يتخلص منها.(88/13)
حكم رص الأرجل في الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم الذي يرص رجليه في الصلاة؟
الجواب
إذا قام الإنسان في الصلاة فإنه يفتح قدميه لكن فتحاً عادياً ليس كما يفعل بعض الناس، هذا ليس بسنة، وما ورد عن الصحابة: أن الواحد منهم يلصق كعبه بكعب صاحبه، فإنه يعني بذلك: أنهم يتراصون، حتى يلصق الكعب بالكعب والمنكب بالمنكب، ولم يقل الصحابة: أنهم يفتحون أرجلهم ويفرقونها، بل تبقى الرجل طبيعية لكن يتراص الناس حتى تلتصق أكعبهم بعضها ببعض، وكذلك المناكب، هذا في حال القيام.
أما في حال السجود فالأفضل أن يلصق إحدى الرجلين بالأخرى؛ لأن هذا هو كان سجود النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.(88/14)
معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا اختلف الناس فعليكم بالسواد الأعظم) ومدى صحته
السؤال
فضيلة الشيخ! ما المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا اختلف الناس فعليكم بالسواد الأعظم) وهل هذا الأثر صحيح؟
الجواب
هذا الظاهر أنه يصح موقوفاً ولا يصح مرفوعاً، ومعناه: أن الناس إذا اختلفوا في شيء فإن السواد الأعظم يعني: الأكثر أقرب إلى الصواب، ولا يعني ذلك: أن القول الأكثر هو الصواب على كل حال، بل هو أقرب، وقد يكون الصواب مع الأقل، ولهذا يتبين من هذا الحديث فيه شيء من النظر حتى من جهة المعنى.(88/15)
طهارة قيء الطفل
السؤال
قيء الطفل إذا أصاب الثوب هل هو طاهر أم نجس؟
الجواب
لا.
الصحيح أنه طاهر، قيء الصبي على الثوب الصحيح أنه طاهر؛ وذلك لأنه ليس فيه دليل على نجاسته، والأصل في الأشياء الطهارة والحل حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك، فإذا تقيء الصبي على ثوب أمه لا يلزمها أن تغسله، لكن إن غسلته فهو أفضل احتياطاً.(88/16)
حكم من مات قبل أن يحرم
السؤال
فضيلة الشيخ! من جاء من بلده طلباً للحج ثم تحطمت الطائرة هل يعتبر حاجاً؟
الجواب
يعني: هلك قبل أن يحرم، إذا هلك من سافر إلى الحج قبل أن يحرم فليس بحاج، لكن الله عز وجل يثيبه على أمره، أما إذا أحرم وهلك فهو حاج، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته ناقته وهو واقفٌ بـ عرفة قال: (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) ولم يأمرهم بقضاء حجه، وهذا يدل على أنه يكون حاجاً.(88/17)
حكم الكتابة على المصحف
السؤال
فضيلة الشيخ! ظاهرة تظهر عند طلاب المدارس وعند طلاب جماعات تحفيظ القرآن، وهي الاستهانة في القرآن الكريم والكتابة عليه وكتابة أشياء لا تليق في هذا الكتاب العزيز، ما هي النصيحة للمسئولين عن هذه المدارس؟
الجواب
الواجب على المسلمين أن يعظموا كلام الله عز وجل وأن يحترموه، ولهذا وجب على من أراد أن يمس القرآن أن يتوضأ تكريماً لهذا القرآن وتعظيماً له، ولا يجوز أن يكتب على القرآن عبارات لا تليق، بل حتى العبارات التي تليق مثل أن تكون تفسيراً لكلمة أو ما أشبهها الأفضل ألا تكتب على القرآن حتى لا يختلط في القرآن غيره.
وإذا وقع هذا على الطلبة فواجب المسئولين على الطلبة من المراقبين والأساتذة أن يعاقبوا من فعل هذا بما يرونه رادعاً لهم ولأمثالهم.(88/18)
حكم الدفاع عن المسلم إذا أراد أحد قتله
السؤال
فضيلة الشيخ! أي شخص يعتدي على أحد المسلمين ولم أستطع دفعه إلا باستخدام السلاح، هل يجوز لي هذا، أو لا يجوز؟
الجواب
إذا كان هذا الذي يريد أن يعتدي على المسلم يريد قتله فالواجب عليك أن تدافعه ولو أدى إلى قتله، لوجوب إنقاذ النفس، وأما إذا كان دون ذلك فلا يجوز أن تقتله.
السائل نفسه: بدون قتل يا شيخ.
الشيخ: كيف؟ السائل نفسه: ادفعه مثلاً أو أشير إليه.
الشيخ: لا مانع، إذا دافعته بما لا يقتله يعني: ولو لم يندفع إلا بذلك فادفعه؛ لأن الواجب على المسلم أن ينصر أخاه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) .(88/19)
حكم من دعا لنفسه في الحج وقد نوى به لغيره
السؤال
شخص حج عن غيره ولكنه ظل يدعو لنفسه في الحج دون غيره؟
الجواب
لا حرج في هذا، يعني: لو أن الإنسان حج عن غيره ولكنه عند الميقات قال: لبيك عن فلان، ونوى أن هذا النسك لفلان، وكان في طوافه وسعيه ووقوفه بـ عرفة يدعو لنفسه فحجه صحيح؛ لأن الدعاء ليس شرطاً في صحة الحج، ولكننا نرى أن الأولى: أن يدعو لنفسه ولأخيه؛ لأن أخاه هو الذي تكفل بمؤونة الحج فلا يحرمه من الدعاء، وأما النسك فقد تم بدون دعاء.(88/20)
حكم من وجد مالاً لا يعرف صاحبه
السؤال
شخص وجد مبلغاً من المال في مكينة الصرافة، فلا يعلم أن يذهب بها؟ الشيخ: لكن موضوع من الخارج أم في جوف المكينة؟ السائل: شخص صرف ونسي النقود في المكينة.
الشيخ: لكن من خارج أم في جوف المكينة؟ السائل: لا.
من خارج.
الشيخ: الأحسن أنك تروح به للبنك.
السائل: لا.
هو من شخص صرف وأنا رأيت الشخص صرف وبقي له مال، بحثت عنه فما وجدته، وضع بطاقة وأخرجت له نقوداً ونسي منها.
الشيخ: البطاقة هذه تجدها مكتوبة في الرصيد.
السائل: لكن من يعرف الرصيد؟ الشيخ: مكينة الصرافة هذه لمن؟ باسم من؟ السائل: الراجحي.
الشيخ: إذاً اذهب للراجحي وقل له في اليوم الفلاني صرف إنسان ونسي هذه الدراهم، انظر ما يمكن أن يخرج من عند الصراف إلا مقيداً عنده، فمثلاً: إذا كان مقيداً عنده مثلاً عشرة، يسألونه: أنت يا فلان أخذت مائة هل فقدت منها شيئاً؟ ويعلمون بهذا.
السائل: إذا لم أجد الشخص؟ الشيخ: على كل حال أنت اذهب إليهم وأخبراهم بالواقع، إذا لم تحصل على نتيجة فانتظر لك كم يوم لعله يجيء، وإذا يئست منه تصدق بها عليه.(88/21)
حكم تقليد الطالب لشيخه
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة لبعض طلبة العلم يتبع شيخه في جميع أقواله، فإن كان موافقاً للدليل أخذه، وإن كان غير موافق أو شيخه تنازل عن هذا القول تركه معه -يتبعه في جميع أقواله- يعني: الراجح يأخذ الراجح من شيخه وإن لم يكن مجتهداً؟
الجواب
يقول الله عز وجل في القرآن الكريم: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] والطالب إلى الآن لم يصل إلى حد العلم، ففرضه أن يقلد، ومعلوم أن الطالب يقلد شيخه، إذ لو لم يقلد شيخه ما انتفع به، لولا أن الطالب يعتقد أن شيخه محل ثقة في علمه وأمانته ما انتفع به، ولا حرج عليه في هذا، حتى إذا كبر واتسع علمه وأمكنه أن يجتهد في نفسه صار يختار ما يختار.(88/22)
حكم منع الكفلاء مكفوليهم من السفر لأداء فريضة الحج
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض الكفلاء يمنعون مكفوليهم من السفر لأداء فريضة الحج، فهل يأثمون بذلك؟ وما توجيهكم لهؤلاء الكفلاء؟ وأعقب تعقيباً خفيفاً على سؤال الطفل: ذكرتم بأن قيء الطفل طاهر، هل هناك قيد إذا كان يأكل الطعام أو لا يأكل الطعام؟
الجواب
ليس هناك قيد، القيء على الصغير والكبير لا دليل على نجاسته.
بالنسبة للكفلاء الذين يمنعون مكفوليهم من الحج الفريضة، إن كان مشروطاً عليهم في العقد أن يمكنوا العامل من الفريضة وجب عليهم أن يأذنوا له، وإن لم يكن مشروطاً فلهم الحق في هذا؛ لأن الأجير لا يملك أن يذهب عمن استأجره أو غيره، ثم نقول لهذا الرجل المكفول: إنه ليس عليك حرج في هذه الحالة؛ لأنك لا تستطيع.
لكنني أنصح إخواننا الكفلاء: أن يحسنوا إلى هؤلاء المكفولين بأن يمكنوهم من الحج، وربما يكون هذا سبباً في بركة إنتاجهم؛ لأن هؤلاء العمال ربما لا يحصل لهم المجيء إلى هذه البلاد مرة أخرى، فنصيحتي: أن يحسن هؤلاء الكفلاء إلى مكفوليهم، ثم أبشرهم أنهم إذا أعانوا هذا على الحج صاروا مثل من حج في الأجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من جهز غازياً فقد غزا) وكذلك من جهز حاجاً فإن له مثل أجره.(88/23)
حكم التوكيل في الحج عن المستطيع
السؤال
شخص أوصى شخصاً بأن يحج عنه وهو قادر، فهل يجوز ذلك؟ الشيخ: فريضة أو نافلة؟ السائل: فريضة.
الشيخ: إذا وكل شخص شخصاً آخر أن يحج عنه وهي فريضة والموكل قادر، فإنه لا يصح، ولا يجزئه عن فريضة الإسلام، والواجب على من كان قادراً أن يحج بنفسه، ومن كان عاجزاً فإن كان عجزه لا يرجى زواله كالكبير والمريض بمرض لا يرجى برؤه فحينئذ يوكل، وإن كان عجزاً طارئاً كمرضٍ طارئ فإنه ينتظر حتى يزول هذا المرض ويؤدي الحج بنفسه.(88/24)
حكم التوكيل في الرمي لغير المستطيع
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز للمرأة أن توكل من يرمي عنها في الجمرات خشية الزحام الشديد؟
الجواب
إذا كانت المرأة أو الرجل لا يستطيع أن يرمي مع الزحام، ولا يتمكن أن يؤخر الرمي إلى وقت السعة، فله أن يوكل، وأما إذا كان يمكنه أن يؤخر الرمي إلى وقت السعة مثل: أن يؤخر رمي النهار إلى الليل، أو يقدم رمي يوم العيد في آخر ليلة العيد، فإنه لا يجوز أن يوكل، لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] والرمي من أعمال الحج، فلا بد أن يقوم به الإنسان نفسه ولا يوكل أحداً.
وعلى هذا: فالمرأة والرجل سواءً في هذا، من قدر أن يرمي ولو في وقت آخر فإنه لا يجوز أن يوكل، ومن لا يستطيع فله أن يوكل.(88/25)
حكم طواف الوداع في العمرة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم طواف الوداع في العمرة؟
الجواب
الصحيح أن طواف الوداع في العمرة واجب كما هو في الحديث، لكن إن طاف وسعى ومشى، فهذا لا وداع عليه اكتفاءً بالطواف الأول.(88/26)
حكم التوكيل في ذبح الأضحية
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة للأضاحي بعض الجهات كهيئة الإغاثة وغيرها، تقول: لدينا مثل القسائم تدفع مبلغاً من المال ونحن نؤدي الأضحية في أي جهة من دول العالم الفقيرة، فهل تنصح بذلك، أم لا؟
الجواب
أنا أنصح بعدم ذلك، وأقول: إن هذا من الخطأ أن الإنسان يوكل أحداً يضحي عنه؛ لأن هذا فيه عدة محاظير: المحظور الأول: أن شعيرة النسك في هذا البلد لا تتم إذا أعطينا دراهم يضحى بها في مكان آخر.
وثانياً: أن المقصود بالأضحية التعبد لله بذبحها، وهذا -أيضاً- يفوت إذا ذبحت بمكان آخر، فهو لا يباشر الذبح ولا يحضره.
ثالثاً: أن فيها تركاً لما أمر الله به من الأكل منها، فقد قال الله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] ، {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:36] ومعلوم أنها إذا ذبحت في محل آخر فلا يستطيع الأكل منها.
الرابع: أننا لا ندري من الذي يتولى الذبح، قد يتولى الذبح من لا يحسن الذبح، أو من ليس من أهل الذبح، أو من يتهاون في الذبح بترك التسمية -مثلاً- أو ما أشبه ذلك.
الوجه الخامس: أننا لا ندري -أيضاً- هل تذبح في وقتها، أو قبل الوقت، أو يتهاونون في تأخير الذبح.
فيحصل في ذلك هذه المحاذير وربما يحصل غيرها أيضاً.
فالذي أنصح به إخواننا المسلمين ألا يفعلوا ذلك، أي: ألا يعطوا هيئة الإغاثة ولا غيرها شيئاً يشترون به ضحايا في محلات أخرى ويذبحونها.
فإن قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث بالهدي من المدينة إلى مكة؟ الجواب: بلى.
لكن الهدي خاص بـ مكة لا يمكن ذبحه في المدينة وهو هدي يهدى إلى الكعبة، فليس مثل الذي يبعث بدراهمه إلى البوسنة والهرسك والجهات الأخرى ليُضحى بها عنه.
فأنصح إخواننا المسلمين ألا يفعلوا ذلك، وأنصح طلبة العلم -أيضاً- أن يبينوا للعوام؛ لأن كثيراً من الناس يظنون أن الأضاحي ليس المقصود منها إلا اللحم، وهذا خطأ، قال الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى} [الحج:37] .
السائل: هل له أن يتصدق يا شيخ! بعد أن يكمل الأضحية يعني: بعد أن يؤدي الأضحية يتصدق بمائة ريال، بمائة وخمسين، بمائتي ريال؟ الشيخ: هذا ليس فيه شيء، يعني: إذا كان يريد أن ينفع الجهة هذه يعطيهم دراهم ويجعل الأضحية عنده في بلده.(88/27)
حكم تغطية الوجه والكفين للمرأة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأيكم فيمن يأخذ بالاختلافات في الحجاب ويستشهد بالأحاديث الضعيفة ويرجع إلى التفاسير بالرأي مثل: تفسير الجلالين للسيوطي، وهل هذا الرد كافٍ له وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
جوابنا على هذا: أن نعلم أن العلماء رحمهم الله اختلفوا في وجوب تغطية الوجه والكفين، ولكن القول الراجح الذي تؤيده الأدلة والنظر: وجوب تغطية الوجه، ومن أراد الاستفادة من ذلك فليرجع إلى ما كتبه العلماء في هذا الموضوع، ومن أكثرها وأوسعها كتاب: عودة إلى الحجاب، فإنه توسع فيه وبين فيه ما فيه الحق، ويكفي الإنسان البصير أن يعلم ما يترتب على كشف الوجه في وقتنا الحاضر من الشر والبلاء، فالإيمان ضعيف والشهوة قوية؛ لأن الشباب عندهم صحة وفراغ فيحصل بذلك شر كبير.
وأما من رأى الجواز واستدل بالأحاديث الضعيفة أو بالعلل العليلة فحسابه على الله عز وجل.
لكني رأيت كلاماً لبعض العلماء قال: إن الحجاب في هذا العصر واجب بالاتفاق؛ لأن الذين قالوا بعدم وجوبه استثنوا ما إذا خيفت الفتنة بكشف الوجوه والأكف، قال: وفي هذا العصر لا يمكن أن تؤمن الفتنة، اللهم إلا أن يكون الكشف من امرأة يجوز لها الكشف بنص القرآن مثل: القواعد اللاتي لا يرجين نكاحاً، فيقول: إن تعليل العلماء رحمهم الله بل اتفاقهم على أنه إذا كانت الفتنة فلا بد من تغطية الوجه يقتضي أن المرأة في هذه العصور يجب عليها أن تستر وجهها.(88/28)
حكم تقسيم الأضاحي إلى قسمين: للفقراء وللحجاج
السؤال
في بعض المخيمات في الحج تجمع من الحجاج الأموال لكي تذبح عنهم دم التمتع والقران، فمثلاً: لو أخذت مائة قيمة عن مائة حاج مثلاً للذبح وتذهب وتذبح المائة وتوزع حوالي خمسين من الشياه توزيعاً كاملاً، يعني: دون أن يكون هناك منه أكل، والباقي تذهب به إلى المخيم الخمسين وتذبح ويأكلونها هناك، فما ندري ما الحكم من هذا؟
الجواب
هذا غلط، ولا يحل لهم هذا الفعل؛ لأن الخمسين التي أتوا بها للمخيم لن يؤدوا ما يجب فيها من الإطعام؛ إطعام الفقير، وهذه نقطة ينبغي أن ينبه لها؛ لأن الأمر كما ذكرت، يقول: نحن الآن نتصدق بخمسين أفضل، ونذبح خمسين كاملة إلى المخيم لتأكل، لكن يقال: الواجب خذوا ولو يدان أو رجلان فتصدقوا بها واذهبوا بالباقي إلى رحالكم، وأما أن يتصدق بنصفها كاملاً والنصف الآخر لا يتصدق بشيء منه، فهذا لا يجوز، فيجب تنبيه الحملات على هذا.
السائل نفسه: يا شيخ! هناك كفارة لمن فعل بهذا؟ الجواب: لا.
إلا أنه على كلام الفقهاء رحمهم الله يقولون: يضمن أقل ما يقع عليه اللحم لكل شاة، يعني: يشتري خمسين كيلو ويتصدق بها على الفقراء هناك في مكة من جنس الغنم إذا كانت غنمه.(88/29)
الحدث الأصغر يرتفع بنية ارتفاع الحدث الأكبر
السؤال
الاغتسال ثلاثة: غسل واجب، وغسل سنة، وغسل مستحب، هل الحدث الأصغر يرتفع بارتفاع الحدث الأكبر، أو تجب النية؟
الجواب
الصحيح أن الحدث الأصغر يرتفع بنية ارتفاع الحدث الأكبر، يعني: لو كان عليه جنابة ونوى الاغتسال من الجنابة ارتفع حدثه الأصغر؛ لأن الله تعالى قال في القرآن: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] لكن لا بد أن يتمضمض ويستنشق؛ لأنه داخل فيما يجب غسله وهو الوجه.
ولكنك أنت ذكرت السؤال غسل مسنون وغسل مستحب، أو قلت: الغسل عن الحدث وغسل واجب وغسل مستحب؟ السائل نفسه: سنة ومستحب؟ الشيخ: وما الفرق بين السنة والمستحب؟ السائل: السنة غسل الجمعة وغسل المستحب غسل للنظافة والتبرد.
الشيخ: لا.
التبرد والنظافة ليس بمستحب وليس بسنة الغسل فيه، لكن عموماً نحن نراه مستحب بلا شك، أما غسل الجمعة فالراجح أنه واجب، وأنه لا يجوز للإنسان أن يدعه إلا لعذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) .
فالغسل إذاً ثلاثة أقسام: واجب عن حدث، وواجب للجمعة، وسنة، فالواجب عن الحدث معروف الذي يكون بالجنابة أو بالحيض أو بالنفاس، والواجب للجمعة -أيضاً- واجب على من أتى الجمعة أن يغتسل، وأما المسنون فهو إذا أغمي على الإنسان وأفاق فإن من السنة أن يغتسل، وكذلك غسل الجمعة على رأي أكثر أهل العلم أنه سنة وليس بواجب.(88/30)
حكم تعدد الجماعات الإسلامية
السؤال
ما رأيكم في تعدد الجماعات الإسلامية؟
الجواب
والله تكلمنا على هذا كثيراً، وبينا أن هذا مما ابتلي به شباب الصحوة، هذا التفرق الذي حصل به تفرق القلوب، ولو كانت المسألة تفرق منهج أو رأي من الآراء التي يسوغ القول فيها لكان أهون، لكن من البلاء أن هذه الجماعات صار بعضها يضلل بعضاً ويبدع بعضاً وربما يكفر بعضاً، يعني: بدلاً من أن يأتينا البلاء من أهل الفسق والإلحاد صار البلاء يأتي من بعضنا البعض، وهذه محنة.
وأرى أنه يجب على الجماعات أن تتفق على كلمة سواء على دين الله عز وجل، وأن يجتمعوا ويدرسوا ما هم عليه من المنهج والعقيدة، وإذا كانوا صادقين في قصد الحق رجعوا إلى الحق، ولا أوافق على هذا التفرق بل أرى أنه منكر وأنه مما نهى الله عنه، قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:103] ولا شك أن كل جماعة لها محاسنها ولها مساوئها، وإذا اجتمعنا جميعاً ونظرنا المساوئ والمحاسن واتفقنا على المحاسن وتركنا المساوئ فحصل الخير، لكن كون كل أحد منا يتكلم في الآخر من وراء الجدر ويغتابه ويقدح فيه فهذا هو البلاء.
السائل: الاجتماع على الكتاب والسنة؟ الشيخ: الكتاب والسنة بعد البحث والمناظرة في شأن المخالف؛ لأن أحدهما يقول: أنا على الكتاب والسنة، فيقال: تفضل إذا كنا على الكتاب والسنة يجب أن يكون العمل واحد كما كان الهدف واحد.(88/31)
حكم من تحلل التحلل الأول ولم يعد إلى الإحرام ثانية
السؤال
من تحلل التحلل الأول يوم النحر ولم يطف قبل غروب الشمس هل يلزمه العودة إلى الإحرام؟
الجواب
لا، الصحيح أنه لا يلزمه العودة، والحديث الوارد في هذا ضعيف شاذ وإن كان سنده لا بأس به لكنه مخالف لأحاديث كثيرة صحيحة، ثم ترك الأمة العمل به يدل على أنه ضعيف وليس بحجة، ثم إن كثيراً من الناس اليوم يتمنى أن يطوف يوم العيد لكنه لا يحصل له ذلك يخشى على نفسه من الهلاك والموت فيؤخر الطواف للضرورة، فعلى تقدير أن الحديث صحيح: فمن أخر الطواف عن يوم العيد خوفاً على نفسه فليس عليه شيء، بمعنى: أنه يحلل التحلل الأول ولا يعود إلى الإحرام ثانية.(88/32)
حكم القصر والجمع في السفر
السؤال
يا شيخنا! حفظك الله هل من السنة القصر والجمع في السفر التقديم أو التأخير؟
الجواب
أما القصر فهو سنة مؤكدة، بل قال بعض العلماء بوجوبه، وأما الجمع فهو سنة إن احتاج إليه، بأن كان قد جد به السير فنقول: السنة أن تجمع، وافعل الأيسر لك، إن أردت أن تنطلق بعد زوال الشمس وتستمر في السير فاجمع العصر إلى الظهر، وإن مر بك الزوال وأنت جاد في السير ولا تنزل إلا بعد العصر فاجمع الظهر إلى العصر، يعني: افعل الأيسر لك، أما إذا كنت نازلاً في مكان فالأفضل ألا تجمع، وإن جمعت فلا بأس.
فصار الجمع فيه تفصيل: إن كنت جاداً في السير فاجمع، فهذا هو السنة، وإن كنت نازلاً فالأفضل ألا تجمع، وإن جمعت فلا بأس، أما القصر فإنه سنة مؤكدة من حين أن تخرج من بيتك إلى أن ترجع إليه.
السائل نفسه: يجمع داخل البلد -يا شيخ- وهو يسمع الأذان؟ الجواب: لا.
الذي داخل البلد لا بد أن يصلي مع الجماعة، وإذا صلى مع الجماعة سيتم ويصلي كل صلاة بوقتها.(88/33)
ضابط الإسراف
السؤال
نسمع أن الإسراف يختلف من شخص إلى آخر، وذلك على حسب المال الذي عنده سواء كان تاجراً أو غنياً؟
الجواب
هذا صحيح، الإسراف أمر نسبي، لا يتعلق بنفس العمل وإنما يتعلق بالعامل، فمثلاً: هذه امرأة فقيرة اتخذت من الحلي ما يساوي حلي المرأة الغنية تكون مسرفة؟ لو اتخذ هذا الحلي امرأة غنية قلنا: إنه لا إسراف فيه، ولو اتخذته امرأة فقيرة قلنا: فيه إسراف، بل حتى الأكل والشرب يختلف الناس في الإسراف فيه: قد يكون الإنسان فقيراً، يعني: من الناس من تكفيه المائدة القليلة، وآخر لا يكفيه، ثم إنه -أيضاً- تختلف باعتبار أن الإنسان قد ينزل به ضيف فيكرمه بما لا يعتاد أكله هو في بيته فلا يكون هذا إسرافاً.
فالمهم أن الإسراف يتعلق بالفاعل لا بنفس الفعل لاختلاف الناس فيه.
وإلى اللقاء القادم إن شاء الله تعالى.(88/34)
لقاء الباب المفتوح [89]
في هذا اللقاء تجد عرضاً للأنساك التي يفعلها الحاج والمعتمر، بالإضافة إلى المواقيت المكانية، ثم انتقل الشيخ للإجابة عن الأسئلة.(89/1)
الأنساك التي يفعلها الحاج والمعتمر
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع والثمانون من لقاء الباب المفتوح الذي يتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس الثالث عشر من شهر ذي القعدة عام (1415هـ) .
في اللقاء الماضي تكلمنا عن الحج بمناسبة قرب أيام الحج، وذكرنا عدة مباحث تتعلق به، وها نحن نكمل الشوط إن شاء الله في اللقاءات القادمة وفي هذا اللقاء، وقد سبق في المباحث السابقة خمسة أشياء، أما هذا اللقاء فسنتكلم فيه عن الأنساك التي يفعلها من أراد الحج أو العمرة.
إذا سافر الإنسان إلى الحج بعد دخول أشهر الحج فلديه ثلاثة أنساك: النسك الأول: التمتع.
الثاني: القران.
الثالث: الإفراد.
أما التمتع: فهو أن يحرم بعمرة مستقلة من الميقات، ثم إذا وصل إلى مكة طاف وسعى وقصر وبقي محلاً إلى يوم الثامن من ذي الحجة، ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن.
وسمي تمتعاً؛ لأن الإنسان يتمتع فيه بين العمرة والحج بما أحل الله له، إذ أنكم ستعلمون إن شاء الله محظورات الإحرام، فالمتمتع تحل له هذه المحظورات بحله من العمرة.
أما القران فله صورتان: الصورة الأولى: أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً من الميقات، ويبقى على إحرامه إلى يوم العيد.
والصورة الثانية: أن يحرم بالعمرة أولاً، ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافه.
لكن هذه الصورة لا ينبغي للإنسان أن يفعلها إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، مثل: أن تحيض المرأة في أثناء العمرة وتخشى ألا تطهر قبل يوم التروية، أو قبل يوم عرفة، فحينئذٍ نقول: تدخل الحج على العمرة وتكون قارنة، وكذلك لو أن الإنسان قدم مكة متأخراً وخاف أن لا يتمكن من العمرة، قبل الحج وقد أحرم بالعمرة فحينئذٍ نقول: أدخل الحج على العمرة.
النوع الثالث من أنواع النسك: الإفراد، وهو أن يحرم بالحج مفرداً من الميقات، فيقول: لبيك اللهم حجاً.
وهذه الأنساك يخير فيها الإنسان، ولكن الأفضل التمتع؛ لأن هذا هو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه يتمتع به فيما بين العمرة إلى الحج فيما أحل الله له فيكون له شيء من الحرية، ولأنه يؤدي العمرة كاملة بأفعالها والحج كاملاً بأفعاله، فهذه ثلاثة مرجحات.
أما القران فهو الذي يلي التمتع، لأن القران يحصل للناسك فيه عمرة وحج، لكنه يختلف عن التمتع بأنه لا حل فيه، يعني: لا يحل فيما بين العمرة والحج، بل يبقى على إحرامه من الميقات إلى يوم العيد، ويرجحه على الإفراد، يعني: هو أفضل من الإفراد لوجوه: الأول: أنه يحصل له عمرة وحج، والإفراد لا يحصل له إلا حج.
الثاني: أنه فيه الهدي كالتمتع، والإفراد ليس فيه هدي إلا على سبيل التطوع، فهذا الباب مفتوح.
وعليه فنقول الترتيب: أولاً: التمتع.
ثانياً: القران.
ثالثاً: الإفراد.
إلا أنه إذا ساق الهدي معه فالقران أفضل من التمتع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرن حين ساق الهدي، وقال: (لولا أني سقت الهدي لأحللت معكم) فالقران أفضل لمن ساق الهدي، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذه هي الأنساك الثلاثة التي يخير الإنسان فيها إذا أراد أن يحج أو يعتمر، فيقال له: أمامك ثلاثة أشياء اختر ما شئت، ولكن الأفضل: التمتع، ثم القران، ثم الإفراد.(89/2)
المواقيت المكانية
المبحث الثاني: الميقات، المواقيت خمسة: ذو الحليفة، والجحفة، وقرن المنازل، ويلملم، وذات عرق.
هذه خمسة، أربعة منها وقتها النبي صلى الله عليه وسلم وثبت عنه ذلك في الصحيحين وغيرهما، وهي: ذو الحليفة، والجحفة، وقرن المنازل، ويلملم، وأما ذات عرق فإن النبي صلى الله عليه وسلم وقتها، لكن ذلك لم يثبت في الصحيحين بل هو في السنن، إلا أنه ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه وقتها، وعليه فلمن تكون هذه المواقيت؟ أما ذو الحليفة وهي: التي تسمى الآن أبيار علي، فهي لأهل المدينة ولمن مر بها من غير أهل المدينة.
وأما الجحفة والناس صاروا يحرمون من رابغ؛ لأن الجحفة كانت قرية فخربت، فيحرمون من رابغ، فهذه لأهل الشام ولمن مر بها من غير أهل الشام.
وأما قرن المنازل ويسمى السيف: فهو لأهل نجد والطائف، ومن مر به من غير أهل نجد والطائف.
وأما يلملم ويسمى السعدية الآن: فهو لأهل اليمن ولمن مر به من غير أهل اليمن.
وأما ذات عرق وتسمى الضريبة: فهي لأهل العراق ولمن مر بها من غير أهل العراق.
هذه المواقيت وقتها النبي صلى الله عليه وسلم، وكما يعلم كثير منا أنها تختلف بالقرب والبعد من مكة، فبعضها يصل إلى ثمان مراحل -أي: ثمانية أيام- وبعضها إلى يومين، وهذا الاختلاف توقيفي ليس لنا أن نقول: لماذا هذا بعيد عن مكة وهذا قريب؛ لأن هذا مما لا مجال للرأي فيه.
ومن مر بهذه المواقيت وهو يريد الحج أو العمرة وجب عليه أن يحرم منها، ولا يحل له أن يتأخر، ودليل هذا: ما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (يهل أهل المدينة من ذي الحليفة) وهذا خبر بمعنى الأمر، فيكون واجباً على كل من مر بهذه المواقيت وهو يريد حجاً أو عمرة أن يحرم منها.
فإن مر بها وهو لا يريد حجاً ولا عمرة وإنما يريد مكة لزيارة قريب أو عيادة مريض أو تجارة أو علم أو غير ذلك فهو بالخيار، إذا كان قد أدى الفريضة إن شاء أحرم وإن شاء لم يحرم، وسواءٌ طال غيابه أم لا، وأما ما اشتهر عند العوام إذا كان قد طال غيابه عن مكة لمدة أربعين فأكثر فإنه لا بد أن يحرم وإلا فلا، فهذا لا أصل له، فالمدار على النية، هل هو يريد حجاً أو عمرة، فيلزمه من الميقات الذي مر به، وهل هو لا يريد ذلك فلا يلزمه، إلا أن يكون لم يؤد الفريضة.
فإن قال قائل: إنه من أهل جدة وقد ذهب من طريق المدينة يريد أهله لكن عنده نية أن يحج هذا العام فهل يلزمه الإحرام؟ قلنا: لا يلزمه الإحرام، لأن هذا الرجل إنما أراد أهله، ولكنه يريد أن يحج هذا العام، فلا يلزمه أن يحرم؛ لأنه في سفره هذا لا يريد الحج، وإنما يريد أهله، فلا يلزمه الإحرام؛ لمفهوم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ممن أراد الحج أو العمرة) .(89/3)
الأسئلة(89/4)
حكم تأخير الرمي إلى آخر أيام التشريق وحكم التوكيل فيه
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل مر بيوم العيد فهل الأفضل أن يؤخر الرمي إلى آخر أيام التشريق، أو يوكل؟
الجواب
إذا صار عند الإنسان مانع يمنعه من الرمي يوم العيد، فإنه يؤخره حتى يقوى على ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للرعاة أن يرموا ويدعوا يوماً، والتوكيل في الرمي لا يجوز أن يتهاون به؛ لأن الرمي من مناسك الحج، وقد قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] .
فلا يجوز أن يوكل الإنسان فيه لمجرد أنه مرهق، أو لمجرد الزحام، يقول: أما التعب فإن كان تعباً دائماً مثل: امرأة حامل، أو رجل كبير في السن أو عجوز كبيرة في السن فليوكل، أما إذا كان أصابه مرض خفيف يرجو أن يبرأ منه في آخر أيام التشريق فلا يجوز له أن يوكل، ويرميها جميعاً.(89/5)
بعض أحكام المولود
السؤال
فضيلة الشيخ! هل ورد أن من أحكام المولود حلق شعره والتصدق بوزنه، وهل ورد كذلك التأذين في أذن والإقامة في أذن الأخرى؟
الجواب
أما الأول وهو حلق شعر الرأس فهذا خاص بالذكر لا بالأنثى، الأنثى لا تحلق رأسها، ويتصدق بوزنه ورقاً -أي: فضة- وهذا هو الصحيح.
وأما الأذان في أذنه اليمنى حين يولد، والإقامة في الأذن اليسرى ففيها أحاديث لكن فيها نظر، والإقامة أضعف من الأذان.(89/6)
توضيح معنى كون الشيء جائزاً وليس بمشروع
السؤال
سمعت في بعض الأشرطة أنك تقول: الشيء قد يكون جائزاً وليس بمشروع.
وقد أشكل عليَّ هذا، إذ أن الشيء الجائز عادة أخذ جوازه من الشارع سواءً بالنص أو استنباط أو غيره، وقد استشكلت هذا الأمر لقلة علمي، فأرجو التوضيح جزاك الله خيراً؟
الجواب
هذا يظهر بالمثال: أن الشيء قد يكون جائزاً يعني: يسمح للإنسان أن يفعله لكنه ليس مشروعاً للأمة، فمثال ذلك: الرجل الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية، فكان يقرأ لأصحابه في صلاته ويختم بـ (قل هو الله أحد) فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه، لكن هل هذا مشروع لنا كلما ختمنا قراءة الصلاة أن نختم بـ (قل هو الله أحد) ليس بمشروع، ولهذا لم يكن الرسول عليه الصلاة والسلام يفعله ولا أرشد الأمة إليه.
ومثل ذلك أيضاً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أذن لـ سعد بن عبادة رضي الله عنه أن يتصدق لأمه بمخرافه -يعني: ببستانه الذي يخرف- حين استأذنه في ذلك، ولكنه لم يقل للأمة: افعلوا هذا.
السائل: إذا فعله وداوم عليه هل يعتبر بدعة؟ الشيخ: لا.
لا يكون بدعة، إذا -مثلاً- قرأ شخص: (قل هو الله أحد) كلما استمر لا يكون بدعة، لأن هذا أجازه الرسول، لكنه ليس من السنة، وكونك لا تفعل أفضل.(89/7)
كيفية تحقيق الإخلاص
السؤال
فضيلة الشيخ: كيف يكسب طالب العلم الإخلاص والعمل لله عز وجل؟
الجواب
الإخلاص لطالب العلم ولمن يعبد الله ولمن يعين غيره في أموره، أن الإنسان يريد بعمله هذا وجه الله والدار الآخرة، يريد أن الناس يمدحونه، أو يريد شيئاً من الدنيا، بل يريد وجه الله والدار الآخرة، والإنسان يستعين على هذا بأن يقول لنفسه: ماذا ينفعك إذا علم الناس بالعبادة، أو مدحوني، ما الذي ينفعني؟ لا ينفع إلا الله عز وجل، وكلما وجد الإنسان من نفسه رياءً فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن الرياء من عمل الشيطان.(89/8)
حكم استخدام البطاقة الآلية بموجب الحساب
السؤال
فضيلة الشيخ! تقوم شركة الراجحي بصرف بطاقة الآلية بموجب الحساب، والبطاقة هذه هل يترتب فيها ربا أم لا، وما حكم استخدامها؟ الشيخ: كيف هذا؟ ما فهمت.
السائل البطاقة تأخذ خمسة آلاف من رصيدك من أي بنك؟ الشيخ: ليس فيها شيء، هذه من باب التسهيل.
السائل: إذا فتحت حساب في شركة الراجحي تصرف لك بطاقة، وبموجب هذه البطاقة تستطيع سحب مبلغ من مالك من أي بنك عدا الراجحي؟ الشيخ: لا بأس، وليس فيها شيء؛ لأنك ما أعطيت ربا ولا أخذت ربا، وهذا من باب التعاون بين هؤلاء البنوك، فليس فيها شيء.(89/9)
حكم الاستنابة في الحج مقابل عوض
السؤال
ما حكم نيابة الحج بالعوض في المرض، وهل تنوب المرأة عن الرجل؟
الجواب
النيابة في الحج جاءت به السنة، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام سألته امرأة وقالت: (إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم) .
والاستنابة بالحج بعوض، إن كان الإنسان قصده العوض فقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: من حج ليأكل فليس له في الآخرة من خلاق.
-أي: نصيبٌ- وأما من أخذ ليحج فلا بأس به، فينبغي لمن أخذ النائبة أن ينوي الاستعانة بهذا الذي أخذ على الحج، وأن ينوي أيضاً قضاء صاحبه؛ لأن الذي استنابه محتاج، ويفرح إذا وجد أحداً يقوم مقامه، فينوي بذلك أنه أحسن إليه في قضاء الحج، وتكون نيته طيبة.(89/10)
حكم التعوذ عند التثاؤب والحمدلة عند التجشؤ
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم قول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) عند التثاؤب، و (الحمد لله) عند التجشؤ؟
الجواب
لا يسن للإنسان إذا تثاءب أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر عند التثاؤب بأن يكتم الإنسان ما استطاع، فإن لم يستطع يضع يده على فيه، ولم يرشد الأمة إلى أن يقولوا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وأما قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:200] فالمراد بنزغ الشيطان هنا الأمر بالمعصية أو ترك الطاعة.
وأما الحمد عند التجشؤ فهذا أيضاً ليس بمشروع؛ لأن الجشاء معروف أنه طبيعة بشرية، ولم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: إذا تجشأ أحدكم فليحمد الله.
أما في العطاس فقد قال: (إذا عطس فليحمد الله) وفي الجشاء لم يقلها.
نعم لو فرض أن الإنسان مريض بكونه لا يتجشأ فأحس بأنه قدر على هذا الجشاء فهنا يحمد الله؛ لأنها نعمة متجددة.(89/11)
حكم منع صاحب العمل للعامل من إتمام الحج
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل حج ووقف بـ عرفة وقال له: حجك تم ما دام أنك وقفت في عرفة لا يحتاج أن تكمل النسك، هل حجه تام، أم يقضي؟
الجواب
باقي عليه الطواف والسعي إذا لم يكن قد طاف وسعى مع طواف القدوم، وبقي عليه المبيت بـ مزدلفة والمبيت في منى ورمي الجمار وطواف الوداع.
السائل: هو عامل وصاحب العمل منعه من الحج عندما وقف في عرفة وقال له: حجك انتهى الآن؟ الشيخ: لكن أليس أذن له أن يحج؟ فيلزمه أن يأذن له بالبقية، ولا يجوز أن يحلله، لا يجوز أن يقول له: تحلل الآن من حجك، ولو قال ذلك: فله الحق أن يمتنع ويرفع الأمر إلى الجهة المسئولة.(89/12)
متى يقال: (رب قني عذابك يوم تبعث عبادك) ؟
السؤال
فضيلة الشيخ! ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا انتهى من الصلاة: (اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك) فهل يجوز للإنسان أن يجعله من أذكار الصلاة، أو يجعله من أذكار الصباح والمساء؟
الجواب
لا يجعله من أذكار الصباح: (رب قني عذابك يوم تبعث عبادك) ثم هذا دعاء يدعو به كل وقت، هذا من الأمور المشروعة (اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك) (رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين) وما أشبه ذلك.(89/13)
حكم الاستنابة في الحج والعمرة
السؤال
عفا الله عنك الاشتراط يا شيخ في الاستنابة للحج والعمرة هل يلزم أن يكون من يحج عنه ميتاً أو عاجزاً أو إنساناً مسئولاً، أو مشغولاً فيعطي شخصاً مبلغاً من المال من أجل أن يعتمر عنه ويحج؟
الجواب
إذا كان هذا الحج فريضة فلا يجوز أن يستنيب القادر من يؤدي عنه، وإذا كان نافلة فقال بعض أهل العلم: إنه يجوز إذا جاز الاستنابة في الفريضة، بأن يكون عاجزاً لا يستطيع، وأما القادر فلا، وقال بعض العلماء: النفل ليس فيه استنابة، لا العاجز ولا القادر؛ لأن هذه العبادات مطلوبة من الإنسان نفسه، فإن كان قادراً فذاك المطلوب، وإن لم يكن قادراً فإما أن تسقط عنه وإما أن ينيب غيره إذا كان مما تدخل فيه النيابة، وهذا في نظري أقرب إلى الصواب، لأننا لو فتحنا الباب صار كل إنسان إذا كان غير قادر وأناب والغني إذا جاء وقت الحج نام على سريره وأعطى الناس يحجون عنه، فنحن نقول: هذه عبادة إما أن تقوم بها أنت وإلا فاتركها، وخير من ذلك إذا كان الله قد أعطاك المال أن تعين من يحتاج إلى الحج في الفريضة أو في النافلة، فهو أفضل من أن يقول: يا فلان حج عني.(89/14)
توضيح لمسألة عطف الخاص على العام
السؤال
فضيلة الشيخ! ذكرت كتاب الممتع في المقدمة مسألة: عطف العام على الخاص، وذكرت أن فيها قولين: القول الأول: أنه يدخل الخاص في العام، وهذا يكون متكرراً مرتين، والقول الثاني: أنه لا يدخل فيه، ويكون على الثاني متكرراً مرة واحدة، فيكون مستقلاً لوحده، ما معنى هذا؟
الجواب
قال تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر:4] الروح هو جبريل، وجبريل من الملائكة، فهل نقول: إن جبريل دخل في العموم في قوله: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ} [القدر:4] إن قلنا: إنه دخل في العموم صار الحديث عنه مرتين، مرة بالعموم ومرة بالخصوص.
وقال بعض الأصوليين: إنه إذا ذكر الخاص فمعناه: أن المتكلم لم يرده في العموم، وعلى هذا فلا يدخل جبريل في الملائكة في قوله: (تنزل الملائكة) وذلك لأنه خصص، فإذا قلنا: إنه داخل في العموم وأنه ذكر مرتين صار هذا من مناقبه من وجهين: أولاً: إنه دخل في العموم.
والثاني: أنه خصص، وإذا قلنا: إنه لم يدخل في العموم أصلاً فهذا من مناقبه من وجه واحد وهو ذكره بالخصوص.
والأقرب والله أعلم: أنه داخل في العموم، ومثل ذلك قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] فهل تدخل الصلاة الوسطى في الصلوات؟ فيها قولان: بعض العلماء الأصوليين قال: إن قوله: (حافظوا على الصلوات) لا تدخل فيه صلاة العصر، وأنه ذكر صلاة العصر وحدها (والصلاة الوسطى) لأن العصر هي الوسطى.
وقال بعضهم: بل هي داخلة في الصلوات ولكنه خصصها بعد العموم لفضلها على غيرها.(89/15)
حكم الحج عن الميت
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا مات الإنسان ولم يحج حجة الإسلام فحج ابنه عنه وبعد حجة الإسلام لهذا الحي حج عن والده أو أمه ثلاث حجج أو أربع، فأتى من ينكر عليه ويقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أرشد إلى كثرة الحج للميت، فما قولكم؟
الجواب
أنا أوافق هذا الذي أنكر عليه، وأقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد أمته إلى أن يحج عن الميت إلا في الفريضة، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح، والحج عن الوالدين تطوعاً لم يرد إطلاقاً، لكن مع ذلك لا نقول: إنه حرام، بل نقول: إن تركه أفضل، وينبغي لنا أن نعلم مسألة مهمة: وهي أن الدعاء للميت أفضل من التصدق له وأفضل من الحج له وأفضل من الأضحية له، والدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل: أو ولد صالح يعمل له مع أن الحديث موضوعه العمل: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل: أو ولد صالح يصلي له أو يصوم عنه أو يتصدق عنه أو يحج عنه أبداً، وما انهمك به بعض العامة الآن، يجعل كل شيء لوالديه: إن تصدق قال: للوالد والأم، وإن ضحى قال: للوالد والأم، وإن حج قال: للوالد والأم، هذا خطأ، نقول: أنت الآن محتاج للعمل الصالح، وقد أرشدك النبي عليه الصلاة والسلام إلى الدعاء.
السائل: يا شيخ هو الآن اعتمر عمرة متمتعاً بها للحج، يعني: الآن ماذا يفعل في الوقت الحاضر، بعدما اعتمر عمرة متمتعاً بها للحج نوى بها لأمه.
الشيخ: يجعل الحج لنفسه، إلا إذا كان فريضة.(89/16)
إرشادات في قيام الليل وحفظ كتاب الله عز وجل
السؤال
فضيلة الشيخ! قيام الليل وحفظ كتاب الله عز وجل من الأمور العظيمة، وقد استشكل على بعض الشباب وخصوصاً الملتزمين تطبيق السنة حفظ كتاب الله وقيام الليل، فهل من نصيحة وإرشاد لمثل هؤلاء يكون عوناً لهم؟ الشيخ: أقول: كيف استشكل عليهم؟ السائل: يصعب عليهم القيام ويصعب عليهم الحفظ، فهل من نصائح وإرشادات تقدمونها لهم جزاكم الله خيراً؟ الشيخ: والله يا أخي أنت تعلم أن قيام الليل من أفضل الأعمال، وأن أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل، وأن آخر الليل: (يتنزل فيه الرب عز وجل إلى السماء الدنيا ويقول: من يسألني فأعطيه، من يدعوني فأستجيب له، من يستغفرني فأغفر له) وأنصحهم إلى أن يتذوقوا طعم هذه الصلاة، يقوموا الليل حتى يذوقوا طعمها، ويذوقوا بذلك طعم الإيمان، وأما القرآن فلا شك أنه أفضل ما ينطق به وهو أفضل الذكر، وهو كلام الله عز وجل، وقد أثنى الله على القائمين به حيث قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [فاطر:29-30] ، وقال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} [البقرة:121] فنصيحتي لهم: أن يعتنوا بالقرآن، وأن يعتنوا بالتهجد وصلاة الليل بقدر المستطاع، يعني: لو قام الإنسان قبل الفجر بنصف ساعة وتوضأ أو اغتسل من الجنابة إن كان عليه جنابة وصلى ولو ثلاث ركعات الوتر فيداوم عليها فهو خير، (وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) .(89/17)
حكم نوم الشخص بمفرده
السؤال
هل يجوز للشخص أن ينام لوحده؟
الجواب
يجوز ذلك، لكنه يكره أن ينام لوحده؛ لأنه ربما يحتاج إلى شيء ولا يجد من يساعده عليه، وربما يتوفاه الله عز وجل ولا يعلم به، كما وقع كثيراً لا يعلمون عن الشخص إلا إذا ظهرت ريحة جيفته، لكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا حرج.(89/18)
كيفية صلاة وصوم المستحاضة
السؤال
هذا سؤال من امرأة تقول: إنها تعاني منذ تسع سنوات -يعني منذ زواجها- من عدم انتظام الدورة الشهرية، وذلك بحيث تنزل باستمرار دون توقف، إلا بعد أخذ العلاج، وبعد العلاج بشهر أو شهرين تنتظم ثم ترجع للنزول مرة أخرى لدرجة أنه يصعب عليها تحديد أيام دورتها العادية، وهي ثمانية أيام، علماً بأن الدم المستمر لا يكون بحالة واحدة مرة يكون كثيراً ومرة يكون قليلاً، ومرة كدرة ويكون هذا الدم متداخلاً مع بعضه -أي: الكثير والقليل والكدرة- مثاله: بعد أخذ العلاج وبموعدها نزلت (20/ 8/1415هـ) في شهر شعبان واستمر نزول الدم إلى (14/10) في شهر شوال، أي: مدة أربعة وخمسين يوماً، وهذا الدم متنوع، كثيرٌ وقليل في اليوم، وكدرة، وأحياناً يكون متصلاً طوال اليوم وأحياناً بعض اليوم، وبعدها دخلت في المستشفى وعمل لها عملية تنظيف، وبعده ولله الحمد توقف الدم إلى كتابة هذه الرسالة أو هذه الكلمة، وقد قامت بعملية إنظار بوجود أكياس على المبيض، يقال: إنها هي السبب في عدم انتظام الدورة، وذلك قبل التنظيف، ولكن حتى بعد عمل هذه العملية لم تنتظم الدورة، السؤال: ما حكم صيام شهر رمضان؟ الشيخ: إلى الآن يعني؟ السائل: إلى الآن.
الشيخ: هي تقول: قد عافاها الله؟ السائل: لا، لأنها استمرت وأخذت العلاج ونظفت، ومع ذلك استمرت لكن الكلام على صيام رمضان، هي صامت شهر رمضان كله، فتقول: ما حكم صيامي لشهر رمضان وذلك لأني صمته كاملاً، وكذلك الصلاة ما حكمها؟
الجواب
هذه المرأة مستحاضة، والاستحاضة: هي استمرار خروج الدم من المرأة، وهذا الدم الذي هو دم الاستحاضة يخرج من عرق في أدنى الرحم، وأما دم الحيض فإنه يخرج من عرق في أقصى الرحم -قعر الرحم- وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حكم المستحاضة بأنها ترجع إلى عادتها الأولى إن كانت معتادة، فنقول: اجلسي قدر الأيام التي كانت الحيضة تأتيك فيه في وقتها، فمثلاً: إذا كانت تحيض من أول الشهر ثمانية أيام ثم طرأت عليها الاستحاضة نقول: اجلسي من أول كل شهر ثمانية أيام، والباقي اغتسلي وصلي وصومي ولا حرج، فإذا لم يكن لها عادة أو كانت عادتها غير منتظمة مرة تكون سبعة أيام في أول الشهر وفي آخره ولا تعلم، فإنها ترجع إلى التمييز، والتمييز معناه: أن تنظر لهذا الدم، فإن كان على وتيرة واحدة فلا تمييز عندها، وإن كان يختلف أحياناً أسود ثخين منتن -يعني: ذو رائحة- وأحياناً أحمر فهنا نقول: اجلسي وقت الدم الثخين المنتن لأن هذا هو الحيض، وأما الرقيق الأحمر فهذا استحاضة.
فإن قالت: ليس عندها تمييز، الدم على وتيرة واحدة، فهذه حالة ثالثة للمستحاضة، نقول: اجلسي من أول كل شهر ستة أيام أو سبعة أيام، هذه المرأة التي فهمنا منها الآن أنها لم تجلس فنسألها: كم عادتها قبل أن تصاب بهذا الحادث؟ قالت: عادتي ستة أيام من أول الشهر، نقول: اقضي الستة أيام من صيام رمضان، وأما الصلاة فلا شيء عليها، لأن الصلاة تركتها ظناً منها أن هذا حيض فلا شيء عليها.
السائل: لكنها صلت.
الشيخ: الصلاة انتهى موضوعها، وليس فيها إشكال؛ لأنها إن صلت في الوقت الذي حكمنا بأنها غير حائض فقد أدت الصلاة، وإن كان قد صلت الوقت الذي تكون فيه حائضاً فقد صلت جاهلة فلا شيء عليها.
بقي عندنا الصوم نقول: اقضي عدد الأيام التي كنت تعتادينها قبل أن تصابي بهذا الحادث.(89/19)
حكم من نوى الحج في منى
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا انتدبت في الحج من قبل عملي، فأنا مشيت مع الحملة حتى منى، وأردت أن أستأذن من عملي لأداء الحج فهل أذهب إلى الميقات لأحرم من الميقات، أو من مكاني؟
الجواب
تحرم من مكانك في الحج، لأنك حينما مررت بالميقات لا تدري هل يؤذن لك أم لا، فلم تعزم على الحج، فمثلاً: إذا أذنوا لك في منى أحرم من منى، وإذا أذنوا لك في عرفة أحرم من عرفة.(89/20)
حكم تقدم الإمام في الصلاة راكعاً
السؤال
لو كنت أصلي أنا وشخص آخر وأنا الإمام مثلاً وكنت في الركوع، وجاء شخص ثالث وقدمني وأنا في الركوع أأتقدم أم لا، وأنا في الركوع نفسه؟
الجواب
نعم ليس فيه بأس، تقدم سواء في الركوع أو في القيام.(89/21)
حكم من اعتمر في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده
السؤال
فضيلة الشيخ! شخص أخذ عمرة في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده وهو من أهل الرياض أو من أهل نجد أو من أي مكان آخر فهل يلزمه حج؟
الجواب
لا يلزمه.
السائل: إذا أراد الحج؟ الشيخ: إذا أراد الحج فريضة أو نافلة؟ السائل: نافلة.
الشيخ: لا يلزمه، إن شاء حج وإن شاء لم يحج.
السائل: ولكن إذا كان يريد الحج؟ الشيخ: إذا كان يريد الحج وكان أول ما أخذ العمرة لا يريد الحج، بل أرادها عمرة مفردة، كما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة في أشهر الحج، ثم بدا له بعد أن يحج فحجه مفرد.(89/22)
حكم من زاد ركعة في صلاته وهو شاك أنه لم يزد
السؤال
عفا الله عنك يا شيخ! رجل قام يصلي من الليل، فصلى ثلاث ركعات وهو يظن أنه صلى ركعتين، ثم بعد أن أخبره شخص آخر أنه صلى ثلاثاً قال: إني صليت ركعتين، وبعد أن تأكد قال: نيتي ليست ثلاث ركعات ولكن نيتي أصلي ركعتين، ثم قام وشفع هذه الركعة، ثم استمر في الوتر، ثم أوتر في آخر الليل، فما حكم هذا؟
الجواب
هذا ليس بصحيح، نقول: إذا نبه أنه صلى ثلاثاً يسجد للسهو فقط، حيث إنه ما أنقص ولكنه زاد، بخلاف ما لو صلى ثلاثاً والواجب عليه أربعاً كالظهر مثلاً ثم نبه فهذا يكمل، أما هذا فالأفضل أن لا يكمل، بل يسجد للسهو ويكفي.(89/23)
حكم من حلق ولم يعمم جميع شعره في الحج أو العمرة
السؤال
فضيلة الشيخ بارك الله فيك! رجل اعتمر أو حج وعند الحلق لم يعمم جميع شعره، وكان قد مضى على حجه مدة سنوات فما الحكم في ذلك؟ ونريد أيضاً قاعدة في متى يؤمر الحاج أو المعتمر إذا ترك شيئاً من نفسه، نأمره بالرجوع إلى مكة والإتيان به؟
الجواب
هذا ترك واجباً، وترك الواجب يجب فيه فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء، وبهذا يتم حجه، وأما ما يلزم الحاج فعله إذا تركه فهي الأركان، وأما الواجبات فإذا فات وقتها تجبر بدم.(89/24)
الأصناف التي تصرف لهم الزكاة
السؤال
فضيلة الشيخ عفا الله عنك! يعطيني بعض الناس مبلغاً كبيراً من المال لأوزعه على من يستحق الزكاة، فما هي الشروط التي يستحق بها الرجل دفع الزكاة إليه؟
الجواب
تعرف أن أهل الزكاة ثمانية، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة:60] فالفقير والمسكين هم الذين لا يجدون كفايتهم لمدة سنة، مثل: أن يكون الإنسان عنده راتب مقداره ثلاثة آلاف مثلاً، لكن النفقة لا يكفيه إلا أربعة آلاف، فهذا من أهل الزكاة، نعطيه اثني عشر ألفاً أليس كذلك، راتبه ثلاثة ونفقته أربعة كم يحتاج لكل شهر؟ ألفاً، فنعطيه للسنة اثني عشر ألفاً.
والغارمون هم أهل الدين الذين عليهم دين ولا يستطيعون الوفاء، وهم أيضاً من أهل الزكاة، فيوفى عنهم، ولنا في الوفاء عنهم طريقان: الطريق الأول: أن نعطيهم ثم يدفعه هو لطالبه.
والطريق الثاني: أن ندفع نحن لطالبه مباشرة وكلاهما صحيح.
لكن أيهما أفضل: أن نعطي المدين المطلوب ليعطي الطالب، أو أن نذهب إلى الطالب ونعطيه ولا نعطي المطلوب؟ هذا فيه تفصيل: إن كان المطلوب رجلاً نعرف أنه حريص على إبراء ذمته وأننا إذا أعطيناه وقلنا: هذا اقض به دينك، ذهب وقضى به الدين، فالأفضل أن نعطيه المطلوب دون الطالب؛ لئلا ينكسر قلبه إذا أوفينا عنه، ولئلا يحصل هناك رياء من المعطي.
وأما إذا كان الرجل المطلوب رجلاً أخرق، لو أعطيناه المال ليوفي به ما أوفى به، فحينئذٍ نعدل عنه ونعطيه الطالب وتبرأ ذمته بذلك.
أما ابن السبيل فهو المسافر الذي انقطع به السفر فانتهت نفقته فنعطيه ما يوصله إلى بلده.
السائل: أحياناً يا شيخ تكون معه سيارة يكون قيمتها مثلاً أربعين ألف ريال وعليه مبلغ دين خمسين ألف ريال وعنده مرتب ثلاثة آلاف ريال تكفيه ويقول: أنا مدين أو غارم؟ الشيخ: هو على كل حال إذا كان بعد أن اشتراها يوفى عنه قيمة السيارة أو ما بقي من قيمة السيارة، أما إذا كان سوف يشتري ويقول: أنا محتاج للسيارة، قلنا: اشتر، فقال: سوف أشتري بخمسين ألفاً، نقول: لا نعطيك خمسين ألفاً، لأنك لست بحاجة إلى خمسين ألفاً، إذ أن سيارة بعشرين ألفاً تكفيك، فهناك فرق بين أن يكون قد اشترى وصار من الغارمين، أو سيشتري، إن كان سيشتري لا نعطيه إلا ما يحصل به الكفاية فقط، وإن كان قد اشترى وثبتت الدراهم في ذمته فنوفي عنه.
السائل: وإذا كان عنده أملاك يا شيخ مثلاً مزرعة أو ملك آخر، وعليه مبلغ مثلاً مائة ألف ريال؟ الشيخ: يبيع من الملك ما يقضي به حاجته.(89/25)
لقاء الباب المفتوح [90]
ذكر الشيخ في هذا اللقاء كلاماً مختصراً مجملاً في صفة الحج والعمرة، والمناسك التي يقوم بها الإنسان مرتبة حسب السنة، وأجاب بعد ذلك عن الأسئلة المتعلقة بأبواب الحج والعمرة وغيرها من مسائل الفقه.(90/1)
شرطي قبول العبادة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء التسعون من لقاءات الباب المفتوح التي تتم في كل خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس العشرون من شهر ذي القعدة من عام (1415هـ) .
لقاؤنا هذا اليوم سيشتمل على صفة العمرة والحج بإيجاز، ثم في اللقاءات الأخرى سوف نتكلم عن أركان وواجبات الحج والعمرة، ثم عن محظورات الإحرام إن شاء الله تعالى.
من المعلوم لنا جميعاً أن العبادة لا تتم إلا بشرطين: الشرط الأول: الإخلاص لله.
الشرط الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
دليل هذا قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة:5] فـ (مخلصين له الدين) هذا الإخلاص، و (حنفاء) هذه المتابعة، وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى) .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الله تعالى قال: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) فهذا الإخلاص.
المتابعة: ثبت في الصحيحين أيضاً عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ، وفي لفظ: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) إذاً لا بد من الإخلاص والمتابعة.
ولا تتحقق المتابعة ألا بمعرفة كيف كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعل حتى نكون متبعين له، ولهذا ينبغي لنا ونحن نفعل العبادات أن نستحضر هذين الأمرين: الإخلاص والمتابعة.
الإخلاص: بأن لا نبتغي بعباداتنا إلا وجه الله والدار الآخرة، وأن نستشعر أيضاً أننا نمتثل أوامر الله، فمثلاً: عند الوضوء، نحن نتوضأ نغسل الأعضاء المغسولة منها ونمسح الممسوح لكن ينبغي أن نستحضر بأننا نمتثل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] إلى آخره.
حتى يتم الإخلاص والإذعان والذل لله عز وجل.
ثم نستحضر أيضاً أننا نتابع الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا؛ لأن هذا مما أمرنا به، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] .(90/2)
صفة الحج والعمرة
من ذلك ما نحن بصدده الآن من صفة العمرة والحج، أولاً: نبدأ من الميقات.
إذا وصل الإنسان إلى الميقات اغتسل كما يغتسل للجنابة، وبعد التجرد من ثيابه، ثم يطيب بدنه بأطيب ما يجد، يجعل الطيب على رأسه وعلى لحيته، ثم يلبس ثياب الإحرام، إزاراً ورداءً أبيضين، هذا بالنسبة للرجل، أما المرأة فتلبس ما شاءت من الثياب إلا أنها لا تتبرج بالزينة.
ثم إن كان وقت صلاة فريضة أدى الفريضة وأحرم بعدها، وإن كان غير وقت فريضة صلى صلاة سنة على أنها سنة الوضوء؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شرع صلاة معينة عند الدخول في النسك، وبعد أن ينوي الدخول في النسك يلبي، فيقول: لبيك اللهم عمرة.
ويتوجه إلى مكة ولا يزال يلبي إلى أن يبتدئ بالطواف.
عند الابتداء بالطواف أول ما يبتدئ به الحجر يستلمه، أي: يمسحه بيده ويقبله إن تيسر، وإلا فالسنة أن لا يزاحم فيتأذى ويؤذي، وأنتم تعلمون أن في المزاحمة يخرج الإنسان عن استحضار النية واستحضار العبادة لأنه يحاول أن يدافع عن نفسه، فإذا وجدت زحاماً فالسنة ألا تزاحم، أشر إليه والإشارة تكفي، وفي حال الإشارة لا تقبل يدك، فتبتدئ الطواف وهذا يسمى طواف القدوم وهو طواف وعمرة في نفس الوقت.
في هذا الطواف يسن للرجل أن يضطبع في جميع الطواف، والاضطباع: أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، وأن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى دون الأربعة الباقية، والرمل: إسراع المشي دون مد الخطوة، أي: تسرع لكن لا تمد الخطوة إنما خطوة عادية، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعل كذلك في حجة الوداع.
فإذا انتهيت من طواف سبعة أشواط فتقدم إلى مقام إبراهيم واقرأ قول الله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] تقرأ هذه الآية تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم، واستحضاراً لامتثالك أمر الله، فتصلي ركعتين خلف المقام، وتتميز هاتان الركعتان بأن يقرأ في الأولى: (قل يا أيها الكافرون) وفي الثانية: (قل هو الله أحد) وأن يوجز فيهما، ولا يطول؛ لأن المكان صلاة لك ولغيرك، فإذا أطلت حجزت المكان عن غيرك.
إذا انتهيت من هذا ترجع إلى الحجر الأسود إن تيسر لك أن تستلمه فافعل وإلا فلا حرج، ولا تشير في هذه الحالة، ثم اخرج من المسجد، فإذا دنوت من الصفا فاقرأ قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] واصعد على الصفا حتى ترى الكعبة فاستقبلها وارفع يديك للدعاء والذكر، وقل: الله أكبر ثلاث مرات (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ثم تدعو بما شئت، ثم تعيد الذكر مرة ثانية ثم تدعو بما شئت، ثم تعيد الذكر مرة ثالثة وتنزل، فيكون الذكر معاداً ثلاث مرات والدعاء مرتين.
تنزل من الصفا متجهاً إلى المروة ماشياً حتى تصل إلى العلم الأخضر أي: العمود الأخضر وهو معروف والحمد لله وفوق رأسك إشارات خضراء تدل عليه، فإذا وصلت هذا فاركض ركضاً شديداً بقدر ما تستطيع إذا كان هناك مجال، وإلا فامش على ما تيسر لك إلى العلم الآخر، ثم أمش مشياً معتاداً إلى المروة، فإذا وصلت المروة فقل ما قلت على الصفا، وهذا شوط، ثم ارجع من المروة إلى الصفا وهذا شوط آخر، وهلم جراً إلى سبعة أشواط تبتدئ بـ الصفا وتنتهي بـ المروة.
وبعد هذا تقصر شعر رأسك إذا كنت متمتعاً، وإن كنت غير متمتع فاحلقه أو قصره والحلق أفضل، ثم تحل من إحرامك الحل كله، تلبس الثياب، وتتطيب، وتتمتع بأهلك إن كانوا معك، وتفعل جميع ما حرم عليك بالإحرام.
فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة فأحرم بالحج من مكانك الذي أنت فيه، فتغتسل وتتطيب وتلبس ثياب الإحرام وتخرج إلى منى لتبقى بها إلى طلوع الشمس من اليوم التاسع، تصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر خمسة أوقات كل صلاة في وقتها إلا أنك تقصر الرباعية، فإذا طلعت الشمس تسير إلى عرفة، لكن إن تيسر لك أن تنزل بـ نمرة وهي مكان قرب عرفة وليست من عرفة فانزل فيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نزل في نمرة إلى أن زالت الشمس، فافعل هذا إن تيسر وإن لم يتيسر فلا حرج أن تمضي من منى إلى عرفة رأساً.
فإذا زالت الشمس من يوم عرفة فحينئذٍ تتفرغ للدعاء والذكر بعد أن تصلي الظهر والعصر مقصورتين مجموعتين جمع تقديم، وتتفرغ للذكر والدعاء بهذا اليوم العظيم الذي هو من أفضل أيام السنة ومن أقرب ما يكون إلى الإجابة إلى أن تغرب الشمس، فإذا غربت الشمس فادفع من عرفة متجهاً إلى مزدلفة، وتجمع بين المغرب والعشاء، بمعنى: أنك تؤخر المغرب إلى أن تصل إلى مزدلفة ثم تصلي بها المغرب والعشاء، المغرب ثلاثية لا تقصر، والعشاء رباعية فتصليها ركعتين.
ثم تبيت هناك إلى أن تصلي الفجر بها، وإذا صليت الفجر فتفرغ للدعاء والوقوف إلى أن تسفر جداً، أي: إلى أن يتبين الإسفار بياناً ظاهراً، ثم توجه بعد ذلك إلى منى وتقصد جمرة العقبة قبل كل شيء، فترميها بسبع حصيات متعاقبات تكبر مع كل حصاة ثم تنصرف بعد هذا إلى المنحر -أي: إلى المكان الذي تريد أن تنحر فيه هديك فتنحر الهدي- ثم تحلق رأسك وتحلل التحلل الأول.
ثم تنزل إلى مكة لتطوف طواف الإفاضة وتسعى سعي الحج، وهنا الطواف بلباسك المعتادة، لأنك تحللت التحلل الأول، وليس فيه رمل، وكذلك السعي بلباسك المعتاد ولكن فيه السعي بين العلمين، ثم إذا أنهيت ذلك فقد تحللت كل الحل، تتمتع بكل ما منعت منه بالإحرام، ثم تخرج إلى منى لتبيت فيها ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر، وفي هذين اليومين ترمي الجمرات الثلاث كل واحدة بسبع حصيات، تبدأ بالأولى التي هي أقصى الجمرات عن مكة، فترميها بسبع حصيات متعاقبات وتكبر مع كل حصاة، ثم تقف للدعاء مستقبلاً القبلة رافعاً يديك وتطيل الدعاء إن تمكنت وإلا فبما تيسر، ثم ترمي الوسطى كذلك وتقف بعدها فتدعو، ثم جمرة العقبة كذلك ولا تقف بعدها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بين الجمرتين الأولى والثانية، والثانية والثالثة ولم يقف بعد الثالثة.
ثم تقف في منى إلى اليوم الثاني عشر وترمي الجمرات كما رميتها بالأمس، وإن شئت تعجلت ونزلت إلى مكة، وإن شئت بقيت في منى ليلة الثالث عشر ورميت الجمرات يوم الثالث عشر كما رميتها يوم الحادي عشر والثاني عشر، ثم ينتهي الحج في آخر أيام التشريق، وإذا أردت أن ترجع إلى بلدك فلا بد أن تطوف طواف الوداع، وهو واجب على كل من حج أو اعتمر إلا أنه يسقط عن المرأة الحائض أو النفساء؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض، هذا مجمل صفة الحج والعمرة.(90/3)
أسئلة تتعلق بالحج(90/4)
الخروج إلى عرفة دون المرور بمنى
السؤال الأول: هل يجوز للإنسان أن يخرج من مكة إلى عرفة رأساً ولا ينزل في منى في اليوم الثامن؟
الجواب
نعم، والدليل أن عروة بن مضرس رضي الله عنه اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم في صباح يوم العيد وأخبره أنه لم يدع جبلاً إلا وقف عنده، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف ذلك في عرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) ولم يذكر النزول في منى قبل عرفة، إذاً فالنزول في منى قبل عرفة سنة إن تيسر للإنسان فهذا المطلوب، وإن لم يتيسر فلا حرج أن يذهب رأساً إلى عرفة.(90/5)
الوقوف في عرفة إلى غروب الشمس
السؤال الثاني: إذا وقف بـ عرفة في النهار هل يلزم أن يبقى إلى غروب الشمس؟
الجواب
نعم يلزم أن يبقى إلى غروب الشمس، دليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بـ عرفة إلى الغروب وقال: (لتأخذوا عني مناسككم) ، ولأن تقديم الدفع من عرفة قبل الغروب مشابهة للمشركين، فإن المشركين كانوا يقفون بـ عرفة ويدفعون قبل الغروب، فمن دفع قبل الغروب فقد وافق هدي المشركين وخالف هدي سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وسلم.(90/6)
المبيت في المزدلفة إلى أن يسفر الليل
السؤال الثالث: هل يجوز لمن بات في مزدلفة أن ينصرف قبل أن يسفر جداً؟
الجواب
نعم يجوز، إذا كان لا يستطيع الزحام -أي: زحام الحجيج- إما لضعف في بدنه أو مرضه أو كبره أو غير ذلك، فيجوز أن يدفع في آخر الليل، وتقريب ذلك: أن يدفع إذا غاب القمر، ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للضعفاء من أهله أن يدفعوا من جمع -أي: من مزدلفة - بليل، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما تنتظر حتى يغيب القمر ثم تدفع، وترمي الجمرة قبل الفجر.(90/7)
وقت رمي جمرة العقبة
السؤال الرابع: هل إذا وصل إلى منى قبل الفجر ليلة المزدلفة يجوز أن يرمي جمرة العقبة؟
الجواب
نقول: نعم يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما أذن للضعفة أن يتقدموا في الدفع من مزدلفة من أجل أن يرموا، وإلا فما الفائدة من التقدم.(90/8)
أعمال الحاج يوم العيد
السؤال الخامس: يفعل الحاج يوم العيد خمسة أنساك بعد الدفع من مزدلفة: الرمي، النحر، الحلق، الطواف، ثم السعي، هذه الخمسة مرتبة على هذا الترتيب هذا هو الأفضل، لكن هل يجوز أن يقدم بعضها على بعض؟
الجواب
نعم يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل يوم النحر عن التقديم والتأخير فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج) يلزم من هذا أنه لو قدم النحر على الرمي فسوف ينحر بعد طلوع الفجر مثلاً قبل أن تطلع الشمس فهل يجوز؟ أو لا ينحر حتى ترتفع الشمس قيد رمح ويمضي مقدار صلاة العيد كالأضحية؟ الجواب: يجوز أن ينحر بعد طلوع الفجر في منى؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما سئل عن الذبح قبل الرمي قال: (لا حرج) وإذا كان الرمي يجوز بعد طلوع الشمس مباشرة لزم من هذا أن يجوز النحر أيضاً قبل طلوع الشمس، ولهذا قال العلماء: إن نحر الهدي يوم العيد يجوز من بعد طلوع الفجر.(90/9)
طواف الوداع قبل رمي الجمرات
السؤال السادس: هل يجوز للإنسان أن ينزل إلى مكة ضحى اليوم الثاني عشر ويطوف طواف الوداع، ثم يخرج إلى منى ويرمي الجمرات ثم ينصرف إلى بلده؟
الجواب
لا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن يجعلوا آخر عهدهم بالبيت الطواف، ومن فعل ما قلت فقد جعل آخر عهده الجمرات، والواجب أن يكون آخر عهده الطواف، فإذا فعل الإنسان هذا فإنه لا يجوز، لكن إذا فعل هذا، أي: قدم طواف الوداع على رمي الجمرات، لكن لو أنه خرج من منى ضحى يوم الثاني عشر ولما زالت الشمس رجع ورمى ثم نزل إلى مكة وطاف ومشى أيجوز هذا؟ الجواب: نعم يجوز؛ لأنه لم يتجاوز الأمر الشرعي، ولم يتجنب إثماً غاية ما هنالك أنه خرج من منى قبل زوال الشمس ولا مانع من هذا، لأن المهم أن يرمي الجمرات بعد زوال الشمس وقد حصلت.(90/10)
أنواع الوقفات في الحج
السؤال السابع: كم في الحج من وقفة بناءً على ما سمعنا؟
الجواب
في الحج ست وقفات، ليس وقفة واحدة: على الصفا، وعلى المروة، وفي عرفة، وفي مزدلفة، وبعد الجمرة الأولى في أيام التشريق، وبعد الجمرة الثانية، فالوقفات للدعاء ست لكنها تختلف في الطول والقصر.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل أيامنا وأيامكم معمورة بطاعته، وأن يوفقنا لحج مبرور وذنب مغفور وسعي مشكور.(90/11)
الأسئلة(90/12)
أنواع الأفعال المطلقة على الله تعالى
السؤال
فضيلة الشيخ: هل يجوز أن تطلق أفعالاً على الله لم يرد بها نص شرعي كقول القائل: إن الله لولا أن (يخاف) على الناس الكفر لجعل لبيوت الكفار سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون، وكقول القائل: إن الله (يود) لو أن الناس آمنوا جميعاً.
أو غير ذلك، وما القاعدة في إطلاق الأفعال على الله تعالى جزاكم الله خيراً؟
الجواب
الأفعال المطلقة على الله عز وجل: إما أن تكون أفعال كمال، وإما أن تكون أفعال نقص، وإما أن تكون لا هذا ولا هذا.
- فأما أفعال النقص فلا يجوز أن تطلق على الله عز وجل كالخيانة مثلاً، مثل أن تقول: لو شاء الله لخان فلان فلاناً.
هذا لا يجوز.
- وتارة تكون أفعال كمال مثل: خلق وأبدع وصنع وما أشبه ذلك هذه تطلق على الله ولا إشكال فيها.
- وتارة تكون لا هذا ولا هذا فلا بأس بها أيضاً؛ لأن باب الإخبار أوسع من باب الإنشاء، فمثلاً: الإرادة، معروف أنها ثابتة وهي من أنصاب الكمال؛ لأنها تدل على عموم الإرادة، لكن في أشياء كثيرة كالذي قلت مثلاً: إن الله تعالى يخاف، بدل يخاف تقول: يكره، والكراهة قد وقعت؛ ذلك لأن الخوف يدل على نقص، إذ أن الخائف لا شك أنه ناقص، فلا يصح أن نقول: الخوف؛ بل نقول: الكراهة، وأما المودة والمحبة فلا بأس بها.
أما الخشية فغير، الخشية قد تكون من غير نقص، لكن نقول: خوفنا لا يجوز على الله عز وجل؛ لأنها نقص.(90/13)
حكم بيع العربون
السؤال
العربون الذي يقدم من المشتري للبائع على أنه سيأتي ببقية المبلغ غداً، أو قال البائع: أنت اشتريت؟ قال: نعم، قال: هات عربوناً، فأخذ خمسة آلاف ريال أو ألف أو أكثر أو أقل، ثم ذهب ولم يأت وبيعت السلعة بعده، فالعربون الذي أخذ هل يرد إلى المشتري؟
الجواب
بيع العربون الصحيح أنه جائز، وأنه يملكه البائع، مثل أن تقول: اشتريت منك هذه السيارة بخمسين ألفاً وهذا عربون خمسة آلاف، إن تم البيع فهو أول الثمن، وإن لم يتم البيع فهو للبائع، وهذا وإن كان فيه تعليق للبيع فإنه لا يضر؛ لأنه مصلحة الطرفين، ولهذا جاء عن عمر رضي الله عنه صحة هذا البيع، وفيه مصلحة للجميع، أما مصلحة البائع فظاهر؛ لأنه سيأتيه دراهم وسلعته عنده، وإنما أبحنا له ذلك مع أنه لم يدفع عوضاً عنه؛ لأن السلعة سوف تنقص قيمتها إذا علم أنها اشتريت ورغب عنها، وأما المشتري فإن مصلحته أنه سلم من دفع جميع الثمن.(90/14)
حكم ما يروى من قصص أثناء دفن الموتى
السؤال
فضيلة الشيخ: وفقكم الله ورعاكم، الذين يغسلون الموتى ويدفنونهم يذكرون عنهم بعض الأشياء مثل شخص عندما أرادوا غسله انقلب جسده أسود أو عندما وضعوه في القبر انقلب عن القبلة وسألوا عنه: فإذا هو لا يصلي أو كذا، فقد نقل عنكم أن هذه قد لا تكذب ولا تصدق، فما أدري عن صحة هذا؟
الجواب
هذا صحيح، نحن نقول: هذه الأشياء لا نصدقها، ولكن لا نكذبها؛ لأن الله تعالى قد يظهر العقوبة في الدنيا من أجل العظة والعبرة، ولهذا كشف للنبي صلى الله عليه وسلم عن القبرين اللذين يعذبان فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير) ، أما المبالغة في هذا مثل أن يقال: لما دفناه وجدناه منحرفاً عن القبلة، فهذا يحتاج إلى صحة السند، وليس شرب الدخان أعظم من غيره من المعاصي.(90/15)
وقت حصول التحلل الأول
السؤال
هل يحصل التحلل الأول برمي جمرة العقبة فقط؟
الجواب
هذا محل خلاف بين العلماء، بعض العلماء يقول: إنه إذا رمى حصل له التحلل الأول.
وبعضهم يقول: لا يحصل إلا بالتحلل والحلق.
وهذا محل بحث عندنا ومحل نظر، ولو قال قائل: لماذا لا نعمل بالأحوط؟ فنقول: لا يحصل التحلل إلا بالاثنين: الرمي والحلق، قلنا: نعم هذا أحوط من جهة أن الإنسان يبتعد عن المحظورات، لكن قد يكون بعض الأحيان الأحوط أن نجعله يحل بالرمي، مثل: لو أن إنساناً جامع زوجته بعد الرمي وقبل الحلق، لو قلنا: إنه لا يحل إلا بالحلق لكان هذا الجماع قبل التحلل الأول، ولزم منه فساد النسك والمضي فيه وقضاؤه وبدنة، وإذا قلنا: حل بالرمي لم يفسد نسكه ولم يلزمه بدنة، وإنما يلزمه فدية.
فالواقع أن الاحتياط مشكلة إن احتطت وقلت: لا تحل إلا بعد الرمي والحلق قلنا: هذا طيب احتياط، لكن أتتنا الصورة الثانية: إذا جامع الإنسان بعد الرمي وقبل الحلق فبماذا نعامله؟ إن قلنا: إنه لا يحل إلا بالحلق لزم من هذا أن يكون حجه فاسداً وأن عليه القضاء والبدنة، وإن قلنا: إنه حل التحلل الأول فحجه صحيح وليس عليه إلا فدية.(90/16)
حكم من جامع زوجته قبل طواف الإفاضة
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل جامع قبل طواف الإفاضة وقد رمى وحلق، ماذا عليه؟
الجواب
لا شيء عليه إلا أنه يذبح فدية يتصدق بها على الفقراء، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وعليه أن يحرم من جديد من الحل ليطوف محرماً.(90/17)
كيفية قضاء المريض الصلاة الفائتة
السؤال
فضيلة الشيخ: شخص دخل إلى المستشفى وكان لا يصلي ظناً منه أنه إذا كان لا يستطيع القيام بالأفعال فإن الصلاة يقضيها بعد خروجه من المستشفى، هذا مع قدرته على القيام بهيئتها مع المشقة، فهل يجب عليه أن يقضيها متتابعة، أم أنه يقضي كل فرض مع نظيره؟
الجواب
أولاً بارك الله فيك الإنسان المريض الذي لا يستطيع أن يتحرك بالقيام والقعود والركوع والسجود يجب عليه أن يصلي ولو بعينه، كما قال الفقهاء، ومن العلماء من لا يثبت الصلاة بالعين لضعف الحديث الوارد فيها، وأما الصلاة بالإصبع كما يفعله العامة فهذا لا أصل له، بعض العوام يقول: إذا لم تستطع الركوع والسجود والإيماء فبالإصبع، عند القيام واقف هكذا، وإذا ركعت (احنه) قليلاً، وإذا سجدت (احنه) أكثر، هذا ليس له أصل، لا رأيناه في الكتاب ولا في السنة ولا في كلام العلماء، لكن نقول: إذا لم تقدر على الحركة فانوِ بالقلب، واللسان في الغالب لا يعجز، لكن لو عجز أيضاً ينوي في القلب: التكبير والقراءة والركوع والسجود والقيام والقعود، فإذا قدرنا أن بعض الناس لم يصل ظناً منه أنه إذا كان لا يقدر على الحركة فإنه يؤجل الصلاة حتى يبرأ، أو ظناً منه أن ثيابه وسخة فيها قذر، ويقول: إذا عافاني الله لبست ثياباً طاهرة نظيفة ثم صليت.
فهذا نقول: إنه يسقط عليه الإثم بناءً على تأوله، وإن كان في الحقيقة يُعد مفرطاً؛ لأن الواجب أن يسأل أهل العلم، لكن لا يسقط عنه القضاء فيجب عليه القضاء، ويقضي مرتباً في آنٍ واحد لا ينتظر كل صلاة مع وقتها، فإذا قدرنا أنه ترك عشرة أيام وأمكنه أن يصليها في يوم واحد فليفعل؛ لأن القضاء واجب على الفور، أي: لا بد أن تبادر به، وأما ما اشتهر عند العامة أنه يقضي الظهر مع الظهر والعصر مع العصر حتى تنتهي، فهذا غلط.
أما إذا كان مغمى عليه سواء أغمي عليه من شدة المرض، أو لحادث أصابه فإنه لا قضاء عليه، بل الصلاة ساقطة عنه؛ لأنه لا يستطيع أن يستيقظ، بخلاف النائم فإن من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها.
الذي بالبنج هذا يقضي لأن إغماءه أو فقد العقل كان باختياره.(90/18)
حكم مسابقات المحلات التجارية
السؤال
كثرت في هذه الأيام الإعلانات عن وضع جوائز في المحلات التجارية، مثل: المحطات والجرائد، من يشتري بمبلغ كذا يأخذ كرتاً يدخل به مسابقة تسحب بعد فترة كذا ويحصل على جائزة، والمشتري إذا ناقشته قال: أنا أشتري من غير أن أقصد الجائزة، فنأمل التفصيل في هذا؟
الجواب
هذه المسألة بارك الله فيك فيها تفصيل: إذا اشترى الإنسان من هذا الدكان بغير قصد الشراء لكن من أجل الجائزة فهذا لا يجوز، أو كان صاحب الدكان قد رفع السعر أكثر من غيره واشتراه فإن هذا أيضاً لا يجوز؛ لأن المشتري سيكون إما غانماً وإما غارماً، والقاعدة هذه هي الميسر في الحقيقة.
أما إذا كان الإنسان سيشتري على كل حال والثمن لم يرفع والكرت الذي أعطاه ليس له قيمة، بمعنى: أعطيه مجاناً، فهذا لا بأس به؛ لأن هذا المشتري إما سالم وإما غانم، ما في غرم.
وإن اشترطوا مبلغاً معيناً من المال يشترى به فلا بأس.
أقول: من اشترى من أجل الجائزة فهذا حرام ولا يجوز، لأني سمعت بعض الناس يشتري علب اللبن وهم لا يريدوه لكن يقول: لعلي أصادف الجائزة، هذا لا يجوز؛ لأنه أضاع ماله بغير فائدة، فالقاعدة عندنا: أولاً: إذا كان لا يشتري إلا من أجل الجائزة فهذا حرام.
ثانياً: إذا كانت السلعة قد رفع ثمنها فهذا أيضاً حرام.
ثالثاً: إذا كان يشتري لحاجته لهذه السلعة والثمن لم يرفع فهذا لا بأس به؛ لأنه إما أن تأتيه الجائزة، أو لا تأتيه، إن أتته فقد غنم بدون خسارة، وإن لم تأته فقد سلم ولم يخسر شيئاً.(90/19)
دعاء رؤية البرق
السؤال
فضيلة الشيخ: ما هو الدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم عند رؤية البرق؟
الجواب
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء، لكن ذكروا عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن من قال: سبحان الله وبحمده عند البرق فإنها لا تصيبه صاعقة) ومثل هذا الخبر لا مجال للرأي فيه، وابن عباس عند المحدثين ممن عرف بالأخذ عن بني إسرائيل، وقد اشترطوا للمرفوع حكماً في مثل هذه الأمور: ألا يكون الصحابي ممن عرف بالأخذ عن بني إسرائيل.
ولكن ما قاله علماء المصطلح في هذا فيه نظر؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما أنكر على من يأخذ من بني إسرائيل كما في صحيح البخاري، فكيف ينكر على الناس وهو يأخذ منهم؟! هذا بعيد.
فيقال: إذا صح الخبر عن ابن عباس في هذا فتقول عند البرق: سبحان الله وبحمده.
أما عند الرعد فقد كان عبد الله بن الزبير يقطع الحديث ويقول: [سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته] .(90/20)
القوي الذي يدفع من مزدلفة مع أهله الضعفاء
السؤال
القوي الذي دفع مع أهله قبل الفجر هل حكمه حكمهم؟
الجواب
إذا دفع الضعفاء من مزدلفة قبل الفجر ومعهم محرمهم فإن حكمه حكمهم يرمي معهم؛ لأنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، وأما حديث ابن عباس: (أن الرسول عليه الصلاة والسلام بعثه في ضعفة أهله، وجعل يلطخ أفخاذهم ويقول: أبني لا ترموا حتى تطلع الشمس) فهذا منقطع الحديث ليس صحيحاً.
أنا عندي أن الوقت الحاضر كل الناس يصبحون بحكم من لهم مشقة عظيمة، فلو رخص للناس على سبيل الإطلاق، وقيل: من شاء دفع قبل الفجر مطلقاً كما يقول الفقهاء رحمهم الله: إنه يجوز الدفع قبل الفجر ولو بلا عذر لكان هذا القول متوجهاً؛ لأننا في الوقت الحاضر كلما وجدنا فرصة لإفتاء الناس بما هو أسهل فهو أحسن.(90/21)
حكم المال الفائض من الإنابة في الحج
السؤال
فضيلة الشيخ: الإنابة في الحج إذا كانت مقابل مبلغ من المال ما حكم أخذ ما زاد عن تكاليف الحج، لا سيما إذا كان صاحب الإنابة يعرف هذا ولا مانع لديه؟
الجواب
الفقهاء رحمهم الله قالوا: إذا أعطاه مالاً وقال: حج به.
فهو له زاد أو نقص، وإذا أعطاه مالاً وقال: حج منه.
فما زاد يرده على صاحبه؛ لأن (من) للتبعيض، لكن العامة لا يفرقون هذا التفريق، ونظير ذلك عند العامة أن يقول مثلاً: مطرنا بنوء كذا، فهو لا يفرق بقوله: مطرنا بنوء كذا، وقوله: مطرنا في نوء كذا، لو سألت العامي: ما معنى قولك: مطرنا بنوء كذا، قال معناه: أننا مطرنا في هذا الوقت، بخلاف العرب فإنهم يعرفون الفرق بين: مطرنا بنوء كذا، ومطرنا في نوء كذا، وتعرفون حديث زيد بن خالد الجهني لما صلى بهم الرسول عليه الصلاة والسلام صلاة الصبح في الحديبية على إثر سماء كانت من الليل، قال: (إن الله يقول: من قال مطرنا بنوء كذا فهو كافر بي مؤمن بالكوكب) فالمهم من أعطى المال ليحج به إذا قال: حج بهذا.
فهو له قل أو كثر، وإن قال: حج منه.
فإنه يأخذ حاجته ويرد الباقي، لكن عادة الناس اليوم يرون أن من أخذ هذا المال يحج به فهو له كله فلا يجب عليه الرد.(90/22)
الأفضل للمتمتع التقصير
السؤال
يا شيخ جزاك الله خيراً بالنسبة للمتمتع: هل الأفضل له في التحلل أن يحلق، أو يؤخر الحلق ويقصر؟
الجواب
الأفضل للمتمتع أن يقصر؛ لأن هذا هو الذي أمر به الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: (ثم ليقصر وليحلل) ، ولأنه لو حلق ووقت الحج قريب لن يبقى للحج شيء.(90/23)
حكم إنكار المنكر المؤدي إلى مفسدة أعظم منه
السؤال
فضيلة الشيخ حفظك الله تعالى: ما هو الضابط في إنكار المنكر، إذا كان مثلاً: هناك مجلس فيه منكر والقيام منه يترتب عليه منكر أعظم من هذا الإنكار الذي تريد أن تنكر عليهم به؟
الجواب
إذا جلست في مجلس فيه من يشرب الدخان، انصحهم ولو كانوا في الحال يدخنون، وبين لهم: أن هذا حرم، ثم إن انتهوا وكفوا فذلك المطلوب، وإلا فقم.
لكن أنت تقول: إذا كان قيامي يسبب منكراً أعظم فكمل السؤال: قل: وإذا قمت من عندهم شربوا الخمر، والخمر أعظم من شرب الدخان فهل أقوم، أو أبقى معهم وهم يشربون الدخان لئلا يشربوا الخمر؟ في هذه المسألة أقول: قم، لأنهم إذا شربوا الخمر فإثمهم على أنفسهم، ولا يرد على هذا ما ينسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه مر بقوم من التتر وهم يشربون الخمر ولم ينكر عليهم، فقال له صاحبه: لماذا لم تنكر على هؤلاء شرب الخمر؟ قال: لو أنهم تركوا الخمر لذهبوا ينهبون أموال الناس ويستحلون أعراضهم.
وهذا الثاني أعظم ضرراً من شرب الخمر لكنه ضررٌ متعدٍ للغير، فهؤلاء الذين يشربون الدخان لو أنني نهيتهم عن شرب الدخان تركوه لكن خرجوا إلى الأسواق يعبثون بالناس هؤلاء دعهم يشربون، فهذه المسألة إذا كان هؤلاء الذين يشربون الدخان ونصحتهم ولكنهم استمروا في ذلك فإني أقوم ولا أبالي بهم.(90/24)
حكم من ترك الحج توسعة للناس
السؤال
فضيلة الشيخ: ثبت عن النبي صلى عليه وسلم: أن الحج إلى الحج مكفرات لما بينهما.
وبعض الناس قد يترك الحج ويقول: للتوسيع على الناس، فما توجيه فضيلتك؟
الجواب
(العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) .
وأما الذي يترك الحج ويقول: أريد التوسيع على الناس فلا أرى هذا، لكن إذا قال: أنا أرى أن أصرف نفقة الحج إلى شيء نافع كالجهاد مثلاً، ودفع المسغبة، فهذا قد يكون أفضل، خصوصاً أن الحج الآن -نسأل الله أن يعاملنا وإياكم بالعفو- لا يشعر الإنسان أنه في عبادة، تجده مثلاً إن كان من الأثرياء كل شيء كأنه نزهة، مكيف، وعنده الماء البارد وكل شيء، ولا يجد إلا أنه نزهة فعلاً، وإن كان من الفقراء فربما يكون الأمر بخلاف ذلك، لكن مع هذا لا يجد لذة في الطواف ولا في السعي؛ لأن الإنسان يقول: عسى الله يغفر لي قبل أن أموت.
فإذا قال هذا -وإن كان إن شاء الله الإنسان يرجو ما يرجو في هذا الحج من الخير-: هذه الدراهم التي أنفقها ثلاثة آلاف أو خمسة آلاف أو أقل أو أكثر أحب أن أنفقها للمضطرين من المسلمين، أو للمجاهدين من المسلمين فهنا نقول: هذا أفضل.(90/25)
حكم نزع الأسياخ الطبية من جسم الميت
السؤال
إذا كان الإنسان في قدمه سيخ -وهي حديدة توضع لوصل العظام- هل عند دفن هذا الإنسان ينزع السيخ؟
الجواب
لا تنزع.
بل تدفن معه لأنها ليس لها قيمة ذات أهمية، وربما لا تنزع إلا بشق اللحم، وإذا كان كذلك فلا يجوز أن تُنزع.(90/26)
حكم ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل العادة
السؤال
هل سنة العادة يؤجر الإنسان على فعلها؟ ما هي سنة العادة؟
الجواب
ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل العادة هذا ليس بسنة، يعني مثلاً: قال قائل: الآن سألبس إزاراً ورداءً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلبس الإزار والرداء، وسألبس العمامة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعتم! نقول: هذا ليس من السنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما لبس هذا لأنه عادة أهل بلده، وعليه فلباس أهل البلد هو السنة ما لم يكن محرماً، مثل: أن يكون طويلاً، أو يكون حريراً للرجال، فهذا ممنوع ولو جرت به العادة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(90/27)
لقاء الباب المفتوح [91]
خصص الشيخ هذا اللقاء للحديث عن محظورات الإحرام، وما يتعلق بها من أحكام وفوائد، وتحدث عن أنواع الفدية وأسبابها.
وعقب اللقاء أجاب عن أسئلة متعلقة بالإحرام ومحظوراته والأضحية والأكل منها.(91/1)
أنواع محظورات الإحرام
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الحادي والتسعون من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل يوم خميس، وهذا اليوم هو السابع والعشرون من شهر ذي القعدة عام (1415هـ) .
يكون الكلام في هذا اللقاء على محظورات الإحرام، ومحظورات الإحرام: هي الأشياء التي تحرم بسبب الإحرام، لأن كل عبادة لها محرمات، الصلاة مثلاً يحرم فيها الكلام، الصيام يحرم فيه الأكل والشرب، الحج له محظورات -أي: محرمات بسببه- فمحظورات الإحرام هي الممنوعات بسبب الإحرام.
فنبدأ أولاً بما ذكر الله عز وجل: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197] هذه ثلاثة أشياء كلها تجتنب في الحج، لكن الأول خاص بالحج بعض العبادات، والثاني والثالث عام، فالفسوق منهي عنه دائماً لكنه يتأكد في الحج، والجدال الذي يقصد به المماراة والمغالبة منهي عنه في كل وقت، وفي كل حال، فما هو الرفث؟ الرفث هو الجماع، هذا هو الأصل، كما قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة:187] أي: فلا جماع في الحج، والجماع هو أعظم محظورات الإحرام، وإذا جامع الإنسان قبل التحلل الأول في الحج ترتب على جماعه خمسة أشياء: الأول: الإثم.
الثاني: فساد النسك.
الثالث: وجوب إكماله.
الرابع: وجوب القضاء من العام المقبل.
الخامس: بدنة يذبحها ويتصدق بجميعها على الفقراء.
هذا ما يترتب على الجماع قبل التحلل الأول.
وما الذي يتعلق بهذا المحظور؟ يتعلق به المباشرة، والنظر بشهوة، وعقد النكاح، وخطبة النكاح، كلها تتعلق بهذا؛ لأنها مقدمات للجماع، ولهذا يحرم على المحرم أن يباشر زوجته لشهوة، بتقبيل أو غيره، وكذلك يحرم عليه تكرار النظر لشهوة، ويحرم عليه أيضاً عقد النكاح فلا يَنكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب، ويحرم عليه الخطبة -أي: أن يخطب امرأة- وهو محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَنْكَحْ المحرم ولا يُنْكِحْ ولا يخطب) .
ومن محظورات الإحرام التي في القرآن: حلق شعر الرأس؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196] فلا يجوز للمحرم أن يحلق رأسه حتى يحل، وألحق العلماء رحمهم الله بشعر الرأس شعر بقية البدن كالشارب والعانة والإبط، وزاد بعضهم: الظفر، قالوا: لا يحل للمحرم أن يقلم أظفاره.
فنعود الآن ننظر ما حصر من المحظورات: الجماع، المباشرة بشهوة، النظر لشهوة ولا سيما مع التكرار، الخامس: عقد النكاح، السادس: الخطبة، والسابع: حلق شعر الرأس، ويلحق به بقية شعر البدن.
والثامن: تقليم الأظفار.
هذه موجودة في القرآن نصاً في الجماع وفي حلق شعر الرأس، وإلحاقاً بما نص عليه أو بالقياس أو لكونه من مقدمات هذا المحظور الذي نص عليه.
ومن محظورات الإحرام: قتل الصيد وهو منصوص عليه في القرآن؛ لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95] أي: محرمون.
ومن محظورات الإحرام أيضاً: ما بينه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سئل: ما يلبس المحرم؟ قال: (لا يلبس القميص ولا السراويل ولا العمائم ولا البرانس ولا الخفاف) هذه خمسة أشياء لا تلبس.
القميص: هو هذا الدرع الذي نلبسه كلباسنا الآن، وأما السراويل فمعروفة أيضاً: ما يلبس بدلاً عن الإزار، وأما العمائم: فهي ما يلف على الرأس، وأما البرانس: فهي ثياب واسعة فضفاضة كما يقولون ولها غطاء على الرأس متصل بها، وأكثر من يلبس ذلك المغاربة، وأما الخفاف فهي (الكنادر) فهذه خمسة أشياء نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم أن المحرم لا يلبسها.
هل يلحق بها غيرها؟ نقول: نعم يلحق بها ما كان مثلها أو أولى منها، فالقميص مثلاً يلحق به الفنيلة الكوت، والسراويل يلحق بها السراويل القصيرة الكمين: وهي ما يعرف بالسراويل الفخذية، وأما العمائم فيلحق بها الغترة والطاقية؛ لأنها لباس الرأس كالعمامة، وأما البرانس فيلحق بها المشارف؛ لأنها أقرب ما تكون، وهذه الأشياء الخمسة التي نص عليها الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا يلبس) وبناءً على ذلك: لو أن الإنسان تلفلف بالقميص بدون لبس فلا حرج؛ لأنه لم يلبسه، ولو أنه خاط إزاراً خياطة فلا حرج؛ لأنه لا يعدو أن يكون إزاراً حتى وإن خيط.
ويبقى أن نسأل: هل يلبس الجوارب؟ يعني: الشراب
الجواب
لا، لأنها بمعنى الخفين، هل يلبس ساعة اليد؟ الجواب: نعم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: لا يلبس كذا، علمنا منه أنه يلبس ما سواه.
طيب! هل يلبس نظارة العين؟ نعم؛ لأنها لا تدخل فيما نص عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وليست فيما نهى.
هل يلبس سماعة الأذن؟ نعم.
هل يلبس الخاتم؟ نعم.
هل يلبس الكمر؟ نعم، المهم يلبس كل ما سوى المذكور في الحديث أو ما كان بمعناه.
ومن محظورات الإحرام: الطيب، والدليل على أنه من محظورات الإحرام: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل الذي وقصته ناقته في عرفة: (اغسلوه بماء وسدر ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) والحنوط: الطيب الذي يجعل في الميت، وهو يدل على أن جميع أنواع الطيب لا تحل للمحرم، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس) وعلى هذا فيحرم على المحرم استعمال الطيب في بدنه، واستعمال الطيب في إحرامه، وكذلك استعمال الطيب في فراشه، فلا ينام على فراش فيه طيب، وكذلك استعمال الطيب في أكله وشربه، فلا يشرب قهوة فيها زعفران ما دامت رائحته موجودة.
ويدخل أيضاً استعمال الطيب في تغسيله فبعض الصابون فيه طيب يظهر على الإنسان إذا غسل به فهذا لا يستعمل، أما الطيب الذي ليس له إلا رائحة طيبة منعشة ولكنها ليست طيباً فلا بأس بذلك، ولهذا نقول للمحرم: لك أن تأكل التوت والنعناع وما أشبهها مع أنه ذو رائحة طيبة ذكية.
ومن محظورات الإحرام: تغطية الرأس بأي غطاء كان؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تخمروا رأسه) أي: لا تغطوه، سواء كان في منديل أو غترة أو طاقية أو غيرها، لكن قال العلماء رحمهم الله: يجوز للمحرم أن يحمل عفشه على رأسه، لأن هذا لم تجد عادته للستر به، ويجوز أن يتظلل بالخيمة، وكذلك على القول الراجح: يجوز أن يتظلل بالشمسية، وبالسيارة المسقفة، وما أشبه ذلك، لأن هذا ليس تغطية وإنما هو استظلال، والممنوع هو تغطية الرأس.
ومن محظورات الإحرام: لبس القفازين على الرجل والمرأة، فالمرأة لا تلبس القفازين وكذلك الرجل، ولا تنتقب، أي: لا تلبس نقاباً على وجهها، ولكن إذا كان حولها رجالٌ من غير محارمها وجب عليها أن تغطي وجهها؛ لأنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها لغير المحارم أو الزوج.(91/2)
أنواع فدية محظورات الإحرام
إذا علمنا هذه المحظورات فلنسأل: هل فيها فدية؟ والجواب أن يقال: هذه المحظورات تنقسم إلى أربعة أقسام: القسم الأول: ما لا فدية فيه.
القسم الثاني: ما فيه فدية مغلظة.
القسم الثالث: ما فديته مثله.
القسم الرابع: ما فديته على التخيير بين أن يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يذبح شاة يتصدق بها ولا يأكل منها شيئاً.
- فأما الأول: وهو الذي لا فدية فيه فهو عقد النكاح، إذا عقد المحرم النكاح فإنه ليس عليه فدية، لكن النكاح فاسد، يجب أن يجدد بعد حله من الإحرام؛ لأن كل شيء نهى عنه الشرع فإنه فاسد لا يجوز اعتباره، وكذلك خطبة النكاح، لو أن الإنسان خطب امرأة وهو محرم فلا فدية عليه لكنه آثم.
- وأما ما فيه فدية مغلظة فهو الجماع في الحج قبل التحلل الأول، ففديته بدنة يذبحها ويفرقها كلها على الفقراء.
- وأما ما فديته مثله فهو الصيد؛ لقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة:95] .
- وأما ما فديته على التخيير بين الصيام والصدقة وذبح الشاة فهو بقية المحظورات.
فهذه الأقسام الأربعة تحصر لك الفدية.(91/3)
أحوال الفاعل للمحظورات
ثم اعلم أن هذه المحظورات إذا فعلها الإنسان فله ثلاث حالات: إما أن يفعلها متعمداً بلا عذر، أو يفعلها متعمداً لعذر، أو يفعلها جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً، فإن فعلها متعمداً بلا عذر فهو آثم وعليه الفدية، مثال هذا: رجل حلق رأسه متعمداً بلا عذر نقول: هو آثم وعليه الفدية ونسكه لا يفسد؛ لأنه لا يفسد النسك إلا بالجماع قبل التحلل الأول.
الثاني: أن يفعلها متعمداً لعذر، فهذا عليه فدية وليس عليه إثم، كما فعل كعب بن عجرة رضي الله عنه حين أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو مريض ورأسه مملوء من القمل يتناثر القمل من رأسه على وجهه، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما كنت أظن أن الوجع بلغ بك ما أرى) ثم أخبره بالفدية وأمره أن يفدي، لأن هذا فعله متعمداً لعذر.
ومثل ذلك: لو اضطر الإنسان إلى صيد، لم يجد شيئاً يأكله إلا الصيد فقتل صيداً فأكله فعليه جزاءٌ ولا إثم.
الثالث: أن يفعله جاهلاً أو ناسياً أو مرغماً، فهذا لا شيء عليه -لا إثم ولا فدية- لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] قال الله تعالى: قد فعلت.
ولقوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106] فإذا كان الكفر وهو أعظم الذنوب يرتفع حكمه مع الإكراه فما دونه من باب أولى، وعلى هذا فلو أن الإنسان أحرم ولبس الإزار والرداء ولكنه نسي أن يخلع السراويل ولم يتذكر إلا في أثناء النسك بعد أن طاف مثلاً تذكر وخلع السراويل فوراً فهل عليه شي؟
الجواب
لا، لماذا؟ لأنه ناسي.
ولو أن إنساناً دعس أرنباً وهو لم يعلم بها حتى ماتت وهو محرم فليس عليه إثم، وليس عليه جزاء؛ لأنه كان جاهلاً.
ولو أنه صاد أرنباً يظن أن المحرم لا يحرم عليه الصيد إلا إذا دخل حدود الحرم فليس عليه شيء؛ لأنه كان جاهلاً.
ولو أكره الرجل زوجته فجامعها وهي كارهة عاجزة عن أن تتخلص منه فليس عليها شيء؛ لأنها مكرهة.
فصار الضابط في فاعل المحظورات على النحو التالي: الأول: ما فعله متعمداً بغير عذر فحكمه الإثم مع الفدية، إلا فيما لا فدية فيه، كعقد النكاح فليس عليه فدية لكنه آثم والنكاح لا يصح.
الثاني: ما فعله متعمداً لكن بعذر، فلا إثم عليه ولكن عليه الفدية.
الثالث: ما فعله ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فليس عليه شيء لا إثم ولا فدية، وهذا من نعمة الله تعالى وتيسيره على عباده.(91/4)
مسألة في عدم لبس ملابس الإحرام
فإن قال قائل: هل من العذر: إذا كان الإنسان في الطائرة وكانت ملابس إحرامه مع العفش لا يتمكن من لبسها وأحرم وهو في الطائرة لأنه لا يجوز أن يتجاوز الميقات بلا إحرام فأحرم هل من العذر أن يبقى على ملابسه؟
الجواب
لا، ليس عذراً؛ لأن بإمكانه أن يخلع القميص ويلفه على جسده لفاً لا لبساً، وأما السراويل فإن أمكن أن يتزر بالغترة استتر بها ثم خلع السراويل، وإذا لم يمكن لا بأس أن يبقى عليه لكن ليس عليه فدية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل) ولم يجعل عليه فدية، وهذه مع الأسف تقع لكثير من الناس، يكون في الطائرة وقد نوى العمرة ولكن ثيابه في العفش في بطن الطائرة لا يتمكن من لبسها، فيبقى متردداً: هل يحرم وعليه ثيابه، أو لا يحرم حتى يصل إلى المطار وينزل من الطائرة ويأخذ ثياب الإحرام؟ والجواب: أن حل هذه المشكلة أن ينزع الثوب أو القميص ويلفه على صدره، وأما السراويل فإن أمكن أن يتزر بالغترة فهذا هو المطلوب، وإن لم يمكن لكونها قصيرة لا تستر تماماً فليبق على سراويله وليس عليه شيء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل) ولا يجوز أن يؤخر الإحرام حتى ينزل إلى جدة.
وهذه المسألة ينبغي لكم أن تحرصوا على بثها في الناس؛ لأنها كثيرة الوقوع، وهي خفية على كثير من الناس.
وينبغي للمحرم أن يحرص على فعل الواجبات وترك المحرمات حتى وإن لم تكن من محظورات الإحرام، وأن يتخلق بالأخلاق الفاضلة، وألا يؤذي المسلمين بقول أو فعل، وأن يكون سمح البال منشرح الصدر باسط اليد حتى يكون محبوباً عند الناس، وأن لا يماري أو يجادل لا عند دورات المياه ولا عند صنابير الماء ولا في المطار ولا في أي مكان، بل يكون دائماً ليناً مع الخلق حتى يكتب في عداد الذين أحسن الله خلقهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أكمل الناس إيماناً أحسنهم خلقاً) .(91/5)
الأسئلة(91/6)
حكم من لم يستطع الحج
السؤال
فضيلة الشيخ! هذا رجل راتبه أربعة آلاف تقريباً، وعليه إيجار ونفقة عيال، فهل للمحسنين أن يجمعوا له ما يجعله يستطيع للذهاب إلى الحج؟
الجواب
الذي أرى أنهم لا يجمعوا له، لأن الجمع له إذلالٌ له، والله عز وجل لم يوجب عليه الحج ما دام أربعة آلاف التي هي راتبه تذهب في إيجار البيت وفي نفقة الأولاد فذلك من فضل الله أن الله خفف عنه ولم يوجب عليه الحج ويسقط عنه؛ لأن الله قال: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] .(91/7)
حكم صرف الأضحية إلى جهات تقوم بذبحها
السؤال
فضيلة الشيخ! بخصوص الأضحية هناك إعلانات لـ هيئة الإغاثة الإسلامية: من الذي يريد أن يضحي يعطيهم دراهم وهم يضحون عنه في بلاد أفريقيا أو آسيا هل يجوز هذا؟
الجواب
أنا لا أرى هذا، وأرى أنه ينبغي للإنسان أن يعمل المشروع في أضحيته، فيضحي في بلده وبين أهله إظهاراً لهذه الشعيرة العظيمة التي رتبها النبي صلى الله عليه وسلم أحسن ترتيب، فجعلها من جنس معين، وفي سن معين، وفي وقت معين، وفي وصف معين، وجعل لها حرمات، فمن أراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي، وعناية الشرع بها يدل على أنها مهمة جداً.
ثم إن الإنسان إذا وكل من يذبحها فمن الذي يتولى الذبح؟ قد يكون فاسقاً أو ملحداً أو لا يصلي، أو ما أشبه ذلك، لا ندري، ثم إنه إذا وكل فاته ذكر اسم الله عليها، وقد قال الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج:34] .
ثم إذا وكل من يذبحها أيضاً هناك فوت السنة في مباشرة الذبح؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذبح أضحيته بيده.
ثم إذا وكل أيضاً فهل الوكيل سيقول: باسم الله والله أكبر اللهم تقبل من فلان ومن آل فلان، الغالب أنه لا يقول هذا، الغالب أن يذبح ويمشي هذا إن سمى الله، ثم إنه إن وكل أن تذبح له هناك فاته تنفيذ أمر الله عز وجل في الأكل منها، فإن الله تعالى قال: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج:28] وبدأ بالأكل {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] ثم إنه إذا وكل على أضحيته هناك فقد تموت هذه الشعيرة في بلاد الإسلام، لنفرض مثلاً: أن هؤلاء عشرة بيوت كلهم وكلوا، أصبحت كل هذه المنطقة لم تُقم فيها شعيرة الأضحية، مع أنه أمرٌ مهم قرنه الله تعالى بالصلاة، فقال: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] .
فصرف الأضحية إلى أماكن أخرى لا شك أنه خطأ مخالف للسنة، والإنسان إذا أراد أن ينفع إخوانه هناك فليضح هنا ويتصدق عليهم بما شاء.
لكن هنا ننبه إلى ما يفعله بعض الناس في الإسراف في الأضحية، تجد بيتاً واحداً يضحى فيه عشر ضحايا مثلاً، الرجل يضحي عنه وعن أهل بيته، ثم يأتي الابن ويقول: سأضحي عن نفسي أو عن جدي أو عن أمي الميتة، وكذلك البنت، وهكذا ربما يجتمع في البيت عشر ضحايا، وهذا مخالف للسنة أيضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أكرم الخلق بلا شك وأحب الخلق إلى فعل ما يقرب إلى الله عز وجل ومع ذلك لم يضح عنه وعن أهل بيته إلا بواحدة، مع أن أهل بيته تسع نساء، فلذلك نقول: بدلاً من أن كل واحد يضحي، يضحي قيم البيت بواحدة عنه وعن أهل بيته، وما عندهم من فضل المال يصرفونه لإخوانهم الفقراء في بلاد الله عز وجل في البوسنة والهرسك وفي أفريقيا وفي غيرها.(91/8)
حكم الأكل من ذبيحة من لا يصلي
السؤال
فضيلة الشيخ! هل ذبيحة الذي لا يصلي تؤكل؟
الجواب
ذبيحة من لا يصلي لا تؤكل؛ لأنه كافر، ولا يؤكل من ذبائح الكفار إلا اليهود والنصارى، فإن ذبائحهم حلال؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة:5] .(91/9)
الاحتياط في الإحرام في الطائرة
السؤال
فضيلة الشيخ: بالنسبة لوقت الإحرام في الطائرة إذا حدد مثلاً الساعة الثامنة وخمسة وأربعين دقيقة فهل أن أحتاط بدقيقتين أو ثلاث؟
الجواب
الإحرام بالطائرة ينبغي للإنسان أن يحتاط فيه، وذلك لأن الطائرة سريعة المرور، فلو مر على الميقات لحظة تكون قد تعدته بأميال، فلهذا ينبغي أن يحتاط بخمس دقائق أو دقيقتين حتى لا يكون على خطأ.(91/10)
حكم لبس الإحرام قبل الميقات
السؤال
فضيلة الشيخ: بالنسبة للذي يلبس الإحرام من المطار من الرياض أو القصيم ما حكمه؟
الجواب
لا مانع من ذلك، لكن لا يعقد النية إلا إذا حال الميقات.
لكن لا بد أن يغتسل في بيته ويلبس الإحرام في بيته أو يلبس الإزار ويلبس الثياب المعتادة، فإذا استقل الطائرة خلع ثيابه المعتادة ولبس الرداء.
ولا مانع من أن يلبس في المطار بدون ثياب.(91/11)
حكم من وصل إلى مزدلفة بعد طلوع الشمس
السؤال
فضيلة الشيخ! من لم يصل إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الشمس بسبب الزحام ما الحكم في ذلك؟
الجواب
قال بعض العلماء: لا شيء عليه، لأنه قد اتقى الله ما استطاع ولم يستطع الوصول إلى مزدلفة فيسقط عنه الواجب.
وقال بعض علمائنا: عليه فدية؛ لترك الواجب لكنه لا إثم عليه لأنه لم يستطع، والفدية بدنة بدل عن هذا الواجب، وتذبح في مكة وتوزع على الفقراء، فإن كان الإنسان ذا ميسرة فهذا سهل عليه ومن كمال حجه، وإن كان ذا عسرة فليس عليه شيء.(91/12)
ما يحرم ويجوز من النسب والمصاهرة
السؤال
رجل متزوج وله بنت من غير زوجته فهل والد زوجته محرم لابنته بالنسب والمصاهرة أم لا؟
الجواب
والد الزوجة ليس محرماً لبنت زوج ابنته؛ لأنه لا علاقة بينها وبينه، بل لو شاء أن يتزوجها فله ذلك، يعني: ليس بينهما نسب ولا مصاهرة، المصاهرة تنحصر في أصول الزوج وفروعه وأصول الزوجة وفروعها فقط، أصول الزوج وفروعه حرام على الزوجة، وأصول الزوجة وفروعها حرام على الزوج، وهذه الأربعة تحرم أو يثبت فيها التحريم بمجرد العقد إلا بنات الزوجة فلا بد من الدخول، لقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء:23] فأنت إذا أردت أن يسهل عليك الأمر فانظر: هل هو من أصول الزوجة وفروعها أو من أصول الزوج وفروعه إذا لم يكن كذلك فلا تحريم.(91/13)
حكم السلام على غير المسلمين
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأيكم في نشر السلام على العمال خاصة وأننا إذا تكلمنا معهم أو تحاورنا معهم نجدهم غير مسلمين؟
الجواب
إلقاء السلام على غير المسلم حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام) فإذا كان الإنسان لا يعلم فسلم عليهم بناءً على أنهم مسلمون فتبين أنهم كفار فلا إثم عليه.(91/14)
الإمساك عن تقليم الأظافر لمن أراد الأضحية
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض المضحين يظن أن عند دخول أول ذي الحجة أن على أولاده وأبنائه ألا يأخذوا شيئاً من أظفارهم والمرأة كذلك؟
الجواب
هذا ينبني على الحديث، والحديث قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (وأراد أحدكم أن يضحي) ولم يقل: أو يضحى عنه، وعلى هذا فإذا ضحى الرجل بالأضحية عنه وعن أهل بيته فإنه لا حرج على أهل بيته إذا أخذوا من شعورهم وأظفارهم وأبشارهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (وأراد أحدكم أن يضحي) ولأنه لم ينقل أنه كان يقول لأهله: لا تأخذوا من أظفاركم وأشعاركم وأبشاركم.
وأما من يريد أن يضحي وأخذ شيئاً من أظفاره فهو عاص للرسول عليه الصلاة والسلام لكن الأضحية صحيحة؛ لأنه لا علاقة بين الأضحية وبين الأخذ من الشعر.(91/15)
حكم نكاح من نسب إلى غير أبيه
السؤال
شاب نسب إلى غير أبيه، وهو متزوج وله بنت فهل عقد الزواج صحيح، أم باطل؟
الجواب
إذا نسب الرجل إلى غير أبيه فالواجب أن يغير الانتساب وينسب إلى أبيه الصحيح، أما النكاح فليس فيه شيء والعقد صحيح، ولا علاقة بين كونه ينتسب إلى غير أبيه وبين النكاح ما دام النكاح قد تمت شروطه وانتفت موانعه فلا بأس.(91/16)
أفضلية الدعاء للميت دون غيره من الأعمال
السؤال
فضيلة الشيخ: هذه امرأة أرادت أن تحج عن والدتها وهي متوفية ووالدتها قد حجت الفريضة، فما هو الأفضل أن تحج وتدعو لها، أم تحج عن نفسها؟
الجواب
الأفضل أن تحج لنفسها وتدعو لأمها؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث -بين هذه الثلاث- فقال: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل: أو ولد صالح يحج عنه، أو يصوم عنه، أو يتصدق عنه، أو يصلي عنه.
فإذا سألنا سائل: أيهما أفضل: أن أصلي وأجعل الثواب لأبي، أو أتصدق وأجعل الثواب لأبي، أو أحج وأجعل الثواب لأبي، أو أن أدعو لأبي؟ قلنا: الأفضل الثاني أن تدعو لأبيك، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم وأنصح وأفصح منك، ولم يقل: إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يعمل له؛ بل قال صلى الله عليه وسلم: (ولد صالح يدعو له) هذا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم.(91/17)
شمول الأضحية لكل أهل البيت
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل عنده زوجتين الأولى عنده والأخرى عند أهلها هل يلزمه أضحية أم أضحيتين؟
الجواب
إن كانت عند أهلها زيارة فالأضحية في البيت الذي هو فيه أي البيت الأول، وتكفي عنها هي أيضاً؛ لأنها من أهله، وإن كانت عند أهلها، فإذا قالت: هذا عني وعن أهل بيتي شملها وإن كانت عند أهلها.(91/18)
حكم الاتفاق على مال للحج عن آخر
السؤال
فضيلة الشيخ: شخص أراد أن يحج عن ميت وأخذ مبلغاً من المال اتفقوا عليه، هل المال جائز مثلاً خمسة آلاف أو سبعة آلاف أو عشرة آلاف؟
الجواب
لا بأس أن تتفق مع شخص أن يحج عنك أو عن الميت بدراهم، أما عن الميت فواضح؛ لأن الميت لا يمكن أن يحج بنفسه، أما أنت فنقول: الأفضل ألا تفعل، بل أن تحج بنفسك إن كنت قادراً، وإن لم تكن قادراً فأعطي شخصاً يؤدي فريضة وهو عاجز فتساعده أنت بمالك في أداء الفريضة، ومساعدتك أنت بمالك في أداء الفريضة أفضل من كونك تحج تطوعاً.
ومن حج عن غيره لا يقصد المال بل يقصد أنه يقضي حاجة صاحبه، ويحصل له أنه يصل إلى المشاعر ويدعو الله فيها وما أشبهه.(91/19)
زكاة المال المفقود
السؤال
شخص عنده مبلغ عشرة ألف ريال، وضع هذا المال في مكان من بيته، وبعدها نسي هذا المال لمدة عشر سنين، هل يزكي خلال العشر السنوات هذه؟
الجواب
لا يزكيها؛ لأنه قد حيل بينه وبين ماله بالنسيان، لكن إذا ذكر وأخذ المال زكاه سنة واحدة فقط.(91/20)
الفرق بين الهدي والأضحية
السؤال
فضيلة الشيخ: ما يذبحه المتمتع والقارن من هدي هل هو أضحية، أم أن هناك فرقاً بين الهدي والأضحية؟
الجواب
نعم، هذا الهدي الذي يكون على المتمتع وعلى القارن يكفي عنه الأضحية؛ لأنه يذبح يوم العيد فيكفي، كرجل دخل المسجد وصلى الراتبة فهذه تكفيه عن الراتبة وعن تحية المسجد.(91/21)
حكم استخدام الطيب المحتوي على الكحول
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم استخدام الطيب الذي فيه نسبة من الكحول؟
الجواب
استعمال الطيب الذي فيه نسبة قليلة من الكحول لا بأس به ما دامت هذه النسبة قد اضمحلت وغلب عليها الطيب، وأما إذا كانت النسبة كثيرة لا تضمحل فإنه من المعلوم أن الكحول مسكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كل مسكر خمر وكل مسكر حرام) .(91/22)
حكم الأضحية
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل له أبناء مع عائلته وله أبناء آخرين في مدينة أخرى ليسوا متزوجين لمدة ليست معلومة -سنة أو سنتي-ن فهل عليهم أضحية؟
الجواب
إذا ضحوا فهو خير، وإن تركوا الأضحية فلا شيء عليهم، لا تلزمهم، أصلاً الأضحية لا تلزم أحداً أبداً، الأضحية سنة مؤكدة من الأصل.(91/23)
معنى مقولة: (نحن في وجه الله)
السؤال
ما رأي فضيلتكم في شخص قادم من مكان بعيد إلى أخ له للزيارة، وأراد هذا الأخ أن يكرمه وأن يذبح له ذبيحة، فقال له هذا القادم -الضيف-: نحن في وجه الله، ثم تأول هذا صاحب المنزل وذبح ذبيحة ما رأي فضيلتكم؟ الشيخ: ما معنى قوله: في وجه الله؟ إذا كان معناه: أنه يتوسل بوجه الله إلى هذا الشخص فهذا حرام؛ لأنه لا يمكن أن يجعل الله عز وجل وسيلة للمخلوق، وإن كان قصده في وجه الله أي: أعوذ بوجه الله منك، أو أعوذ بوجه الله أن تذبح لي ذبيحة، فهذا ليس حراماً، لكن إذا قصد به معنى اليمين فإنه يكون يميناً، فإذا ذبح هذا الرجل له ذبيحة فعلى الحالف أن يكفر كفارة اليمين، يطعم عشرة مساكين كما ذكر الله عز وجل.(91/24)
حكم من اصطاد قبل أن ينوي الإحرام
السؤال
رجل أحرم من بلده في طريقه إلى الميقات ثم حصل له صيد وقتله ولم يعقد النية إلا في الميقات، وإنما لبس ملابس الإحرام في الطريق ثم حصل له صيد واصطاده؟
الجواب
الإحرام هو النية، ولهذا ما دام أنه لم ينو وعليه ثياب الإحرام فلا محظور عليه لا صيد ولا طيب ولا أخذ من شعر ولا جماع امرأته ولا شيء حتى ينوي، إذا نوى ولو في بيته صار محرماً.(91/25)
حكم الحج عن الصبي
السؤال
صبي عمره أربعة عشر سنة وتوفي فهل يحج عنه؟
الجواب
لا يحج عنه؛ لأنه صغير لم يبلغ، إلا إذا كان قد بلغ بإنبات العانة أو بالاحتلام فحينئذ يكون من أهل الوجوب إن كان قادراً، وإن لم يكن له مال فليس بواجب عليه.(91/26)
حكم من تجاوز الميقات لزيارة الأهل قبل الحج
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل يعمل في المنطقة الشرقية ويرغب في قضاء الإجازة عند أهله بـ جدة ولكنه في نفس الوقت يريد أن يحج، فهل يحرم من جدة أو يحرم من المنطقة الشرقية؟
الجواب
إذا كان مجيئه لأهله ليس على أنهم أهله الذين يقيم عندهم، فيجب عليه أن يحرم للميقات، أما لو كان يدرس ويقول: أنا ما جلست في هذا البلد إلا للدراسة وأهلي هم أهلي في جدة وأنا سوف أذهب إلى أهلي وإذا جاء الوقت أحرمت من جدة فلا بأس، أي: فرق بين إنسان انتقل من بلده جدة إلى الشرقية، وإنسان لم ينتقل ولم ير نفسه أنه استوطن الشرقية، فالذي يرى نفسه أنه استوطن الشرقية فهذا لا يتجاوز الميقات بلا إحرام، والذي يقول: لا، أنا ما استوطنتها ولكني بقيت للدراسة ولو حصل لي أن أرجع إلى أهلي اليوم لرجعت، وكان في رجوعه من الشرقية إلى جدة رجوعاً إلى أهله، فهذا ليس عليه إحرام يحرم من جدة.(91/27)