لقاء الباب المفتوح [1](1/1)
بعض الأذكار المشروعة عند النوم
السؤال
ماذا يقول الإنسان عند نومه من الأذكار المشروعة؟
الجواب
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان عند نومه ينفث على يديه بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] ثم يمسح بيديه وجهه، وما استطاع من جسده.
هذا ثبت عنه كل ليلة، كلما أراد أن ينام.
كما أنه أرشد علي بن أبي طالب وفاطمة رضي الله عنهما إلى أن يسبحا ويحمدا ثلاثاً وثلاثين، ويكبرا أربعاً وثلاثين قبل المنام، وقال: (إن هذا خير لكما من خادم) ؛ لأنهما طلبا من النبي صلى الله عليه وسلم خادماً فقال: (ألا أدلكما على خير لكما من ذلك) ثم ذكر التسبيح.
وكذلك ينبغي أن يقرأ آية الكرسي، ويقرأ أيضاً ما استطاع من الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: (باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، فإن أمسكتَ نفسي فاغفر لها وارحمها، وإن أرسلتَها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) .(1/2)
أحاديث كتاب زاد المسلم في الميزان
السؤال
بالنسبة لكتاب زاد مسلم هل أكثر الأحاديث فيه صحيحة، أم لا؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
معروف عند العلماء أن ما رواه البخاري ومسلم صحيح، وكذلك ما رواه البخاري وحده أو مسلم وحده فهو صحيح، وما عدا ذلك فإنه يُنْظَر فيه.(1/3)
حكم اقتناء التلفاز والفيديو
السؤال
بعض الناس يعلم أن اقتناء التلفاز حرام، وهو عنده في بيته، ويقول: أنا لا أستطيع أن أخرجه من البيت؛ لأنني إذا أخرجته خرج الأولاد والأهل إلى الجيران أو أقاربهم، وشاهدوا ما هو أفظع مما يشاهدونه عندي؟
الجواب
جوابنا على هذا نقول: إذا كان هذا الرجل قوياً يمكنه أن يمنع أهله وأولاده من الخروج فليمنعهم، أو كان يمكنه أن يأتي بأشياء يشاهدونها بواسطة الفيديو وهي من الأشياء المباحة، فإنه لا يجوز له أن يقتني التلفاز حسبما يعتقده -أعني: يعتقد أنه حرام- وأما إذا كان لا يمكنه هذا ولا هذا، فلا شك أن ارتكاب أدنى المفْسَدَتين لدفع أعلاهما هو الحكمة، فيبقيه عنده، ويحرص على أن يكون حين فتحه موجوداً، لئلا يفتحوه على ما هو محظور، ويستعين بالله عزَّ وجلَّ في ذلك، ولا حرج عليه إن شاء الله.
فصار الجواب: أولاً: إن كان عنده قدرة على منعه فليفعل.
ثانياً: وإن لم يكن له قدرة على منعه فليأت لهم بفيديو يعرض فيه أشياء مباحة.
ثالثاً: وإذا لم يمكنه ذلك فإن بقاء التلفاز عنده في البيت وانحصار المفاسد خير من أن يخرجوا إلى خارج البيت؛ لأنه يترتب على هذا مفاسد أكثر من مشاهدة التلفاز.(1/4)
حرمة صبغ اللحية أو الرأس بالسواد
السؤال
هل صبغ اللحية أو الرأس بالسواد جائز؟
الجواب
صبغ اللحية أو الرأس بالسواد، أنا أقول: هذا كله حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (غيِّروا هذا الشيب وجنبوه السواد) وورد أيضاً في السنن حديث فيه الوعيد على من صبغ الشعر الأبيض بالسواد.
السائل: حتى ولو كان قصده التجمل؟ الشيخ: الغالب أن الذي يصبغ بالسواد قصده التجمُّل، وأن يبقَى وجهُه كوجه الشاب، وإلا فما فائدته؟! لأنه سوف يخسر الوقت والمال والعمل.(1/5)
ضرورة تجنب الوساوس والإعراض عنها
السؤال
الشخص عندما يتوضأ يأتي إليه الوسواس ويقول له: إنك ما غسلت الأظافر، أو كَعْبَي الرجلين، أو القدمين، هل جائز كونه لا يسمع هذا الكلام ويتركه؟
الجواب
بعض الناس تكون عنده شكوك كثيرة، كلما توضأ شك: هل أتم غسل العضو أم لم يتمه؟ فمثل هذا لا يُلْتفت إليه؛ لأن الشكوك لو اعتبرها الإنسان -وهي كثيرة- لَتَعِب؛ ولكن لو فرضنا أن الشكَّ شكٌّ حقيقي، وليس بالكثير، فإنه يُعْتَمد هذا الشك، ويُزيلُ هذا الشكَّ اليقينُ.
السائل: وإذا ما عَلِمَ كم مرة؟ الشيخ: إذاً معناه أن عنده وسواساً، هذا إذاً لا يزال في شك.
السائل: وبعض الآيات ربما يقرؤها أكثر من مرة، وكذلك التشهد! الشيخ: أبداً، هذا موسوس.
والذي أرى أنه يدع هذا الوسواس؛ لأنه إن فتح على نفسه باب الوسواس تَعِبَ، وجاءه الشيطان يشككه في الصلاة، ويشككه حتى في الله عزَّ وجلَّ، وربما تصل به الحال إلى الشك في الله، وربما يشككه في زوجته: هل طَلَّق أم لم يُطَلِّق؟! أو ما أشبه ذلك، فعلى الإنسان أن يدع هذا.
السائل: وكيف هذا؟ الشيخ: يُعْرِض عنه، أعني: لو شك لا يَلْتَفت لهذا الشك.
السائل: هل يجوز أن يردد الآية ويقرؤها مرة ثانية؟ الشيخ: لا يقرؤها أبداً مرة أخرى، إذا قرأها مرة تكفي، ولو شك في القراءة يُعْرِض عن هذا.(1/6)
اصطحاب كاميرا الفيديو في الرحلات إذا كان لحاجة
السؤال
ما رأيك يا شيخ في اصطحاب (كاميرا الفيديو) في أثناء الرحلات البرية لتصوير المناظر الطبيعية؟
الجواب
الذي أرى أن اصطحاب هذا التسجيل بالفيديو في الرحلات لا بأس به للمصلحة؛ لأنك تعرف أن هذا يستنفد مالاً وجهداً وزمناً، والشيء الذي يضيع بلا فائدة تركه فائدة، أما إذا كان فيه فائدة فلا بأس.
السائل: وإذا كانت تصويراً لأشخاص؟ الشيخ: أما صورة الآدمي أو الحيوان فأنت تعرف ما فيه من الخلاف فتَجَنُّبُه أولى؛ لأنه يُخْشَى ولو في المستقبل البعيد أن يلزم منه محظور.(1/7)
جواز بيع الأفلام الإسلامية إذا كان هناك مصلحة
السؤال
بيع الأفلام الإسلامية ماذا ترى فيه أي: التي فيها أرواح؟
الجواب
ليس فيها شيء، الأفلام التي فيها مصلحة ليس فيها شيء، أعني مثلاً: خطيباً، واعظاً، يشرح أشياء نافعة للناس، فلا بأس أن يُنْقَل ذلك.(1/8)
الصوفية أقسام ومراتب
السؤال
الصوفية وما يعتقدونه من الحلول يقولون: إن المريد أو العارف يترك بعض الواجبات كالصلاة مثلاً، وبعضهم يقول مثلاً كما في أشعارهم: ادعني ستجدني قريباً، أو ما أشبه ذلك.
ما أقل ما يقال عنهم يا شيخ؟
الجواب
هؤلاء الصوفية الذين يقولون ما قلتَ؛ مِن أن المريد يفعل ما يريد، وأن المراد في منزلة وهو: الرب عزَّ وجلَّ، ويقول: إن المريد يكون بين يدي هذا المراد بمنزلة الميت بين يدي الغاسل يفعل فيه ما شاء، فهؤلاء لا شك أنهم كفار، خارجون عن الإسلام.
وأما الصوفية اليسيرة كالذي يُحْدِث بعض الأذكار أو ما أشبه هذا، فإنه لا يصل إلى حد الكفر.
فـ الصوفية أقسام وأصناف، ليس كلهم على حدٍ واحد؛ لكن فتح باب البدعة ولو في العبادات مُضِر، ويؤدي إلى التطور، وإلى أن يكون هناك ابتداع في العقائد كما أشرتَ إليه أنتَ.
السائل: لو أقرَّ العارف -مثلاً- بما يعتقد، هل يُقْتَل مرتداً؟ الشيخ: إذا أقرَّ العارف بما يعتقد، وكانت عقيدته ما ذكرتَ، فإنه إن رجع وآمن وأسلم رُفِع عنه القتل والحكم بالكفر، وإلا قُتِل كافراً مرتداً؛ فلا يُغَسَّل، ولا يُكَفَّن، ولا يُصَلَّى عليه، ولا يُدْفَن مع المسلمين.(1/9)
الجائز والحلال والمباح عند الفقهاء بمعنى واحد
السؤال
ما الفرق بين الجائز والحلال؟
الجواب
لا فرق بين الجائز والحلال في اصطلاح الفقهاء، فإذا قالوا: هذا حلال فهو بمعنى: هذا جائز.
لكن عند المتكلمين يفرقون بين الحلال والجائز: إذ أنهم يعنون بالجائز: الشيء الممكن الذي ليس بمستحيل ولا واجب، فمثلاً: وجود المخلوقات من الأمور الجائزة، يعني: ليس بمستحيل؛ لأنه لو كان مستحيلاً لَمَا وُجِد، وليس من الأمور الواجبة؛ لأنه لو كان واجباً لَمَا كان معدوماً مِن قبل.
أما عند الفقهاء: فالجائز والحلال والمباح كلها بمعنى واحد.(1/10)
رخص السفر لا تستباح بالمعاصي
السؤال
بالنسبة للقول: أن المسافر سَفَرَ المعصية لا يجوز له أن يعمل برُخَص السفر، مثل: القصر، والجمع.
أما قلنا قاعدةً: أنه إذا كانت المعصية متعلقة بذات العبادة فإن العبادة تبطل، وإذا كانت متعلقة بأمر خارج لا تبطل؟!
الجواب
مَأْخَذُ قولِ مَن يقول: إن السفر المحرم لا تستباح فيه رُخَص السفر ليس ما أشرتَ إليه، بل مَأْخَذُ ذلك عندهم أن الرُّخَص رُخَصٌ، وأنها لا ينبغي أن تستباح بالمعصية، كيف نقول: إن هذا نُرَخِّص له وهو عاصٍ لله؟! والأمر يسير، نقول: تُبْ من هذا، وإذا تبت فتَرَخَّص.(1/11)
التفصيل في زكاة الدين
السؤال
الدَّين الذي يكون في ذمة الناس هل فيه زكاة؟
الجواب
الدَّين الذي يكون في ذمم الناس: - إما أن يكون عند الأغنياء.
- أو عند الفقراء.
فإن كان عند أناس فقراء فليس فيه زكاة، إلا إذا قبضتَه، فتزكيه لِسَنَةٍ واحدة.
وأما الدَّين الذي عند الأغنياء ففيه زكاةٌ كلَّ سنة؛ ولكن إن أحببتَ أخرجتَ زكاته قبل القبض، وإن أحببتَ فيما بعد أخرجتَ زكاته بعد القبض.
السائل: إذا كان الدَّين عند أناس فقراء، واستمر مدة من الزمن، فهل عليه زكاة؟ وعن أي سنة؟ الشيخ: هل هم فقراء أم أغنياء؟! فإن كانوا فقراء فليس عليك زكاة إلا إذا قبضته، ولو بقي عشر سنين، ليس عليك زكاة إلا إذا قبضته، تزكية لِسَنَةٍ واحدة.
السائل: والسنة التي فاتت؟ الشيخ: ليس عليك عنها زكاة.
السائل: أزكي عن السنة الحالية؟ الجواب: السنة الحاضرة فقط، وإذا كان عند الأغنياء يمكنك أن تقول: أعطوني من مالي، فإذا أعطوك إياه، فإن هذا تزكيه كل سنة؛ ولكن أنت بالخيار: إن شئت أخرجتَ زكاته مع مالك قبل أن تقبضه منهم، وإن شئتَ انتظرت حتى تأخذه، وفي هذه الحال لو فرض أنك انتظرت حتى تأخذه ثم افتقروا، ولم يوفوا فليس عليك زكاته.(1/12)
الأصل في ذبائح المسلمين وأهل الكتاب الحل
السؤال
ماذا تقول في ذبيحة القصَّاب المسلم؟
الجواب
سلمك الله، القصَّاب المسلم، الأصل أن ذبيحته حلال، وأنه يسمي الله، ودليل ذلك أن البخاري رحمه الله روى عن عائشة رضي الله عنها: (أن قوماً جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله، إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه، أم لا؟ فقال: سموا أنتم وكلوا، قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر) أنت تعرف أن حديثي العهد بالكفر لا يعرفون شيئاً من أحكام الإسلام إلا قليلاً، فإذا كان الذابح مسلماً أو يهودياً أو نصرانياً فالأصل أن ذبيحته حلال، ولا نقول: لعله لا يسمي، أو لعله لا يصلي، أو ما أشبه ذلك.(1/13)
الصوم والإفطار يكون مع أهل البلد
السؤال
هذا رجل يقول: إنه صام في بلده متأخراً عن بلادنا السعودية، وأفطر أهل بلده متأخرين عنا، فأهل بلده صاموا ثلاثين يوماً، ونحن صمنا ثلاثين يوماً؛ لكن الثلاثين يوماً التي عندنا هي له تسع وعشرون! فما الحكم؟
الجواب
يفطر مع أهل البلد التي هو فيها حال فطرهم، ولا يلزم أن يكمل ثلاثين يوماً، وإن كمَّل الثلاثين نظراً إلى إكمال الثلاثين في البلدين فهو أحسن.(1/14)
وجوب تكبيرة الإحرام لمن أدرك الإمام راكعاً
السؤال
بعض المصلين يدرك الإمام وهو راكع؟
الجواب
إذا دخل المسبوق في الصلاة والإمام راكع يلزمه أن يكبر تكبيرة الإحرام وهو قائم، ثم تكبيرة الركوع إن شاء كبر وإن شاء لم يكبر، تكون تكبيرة الركوع في هذه الحال مستحبة، هكذا قال أهل العلم رحمهم الله.(1/15)
الأحوال المشروعة والممنوعة في تغيير النية
السؤال
ما حكم تغيير النية في الصلاة؟
الجواب
تغيير النية في الصلاة إما أن يكون: - من معيَّن إلى معيَّن.
- أو من مطلق إلى معيَّن.
فهذان لا يصحان.
وإذا كان من معيَّن إلى مطلق، فلا بأس.
مثال المعيَّن منه إلى معيَّن: إذا أراد أن ينتقل من سنة الضحى إلى راتبة الفجر التي يريد أن يقضيها، فكبر بنية أنه يريد أن يصلي ركعتي الضحى، ثم ذكر أنه لم يصلِّ راتبة الفجر، فحوَّلها إلى راتبة الفجر، فهنا لا يصح؛ لأن راتبة الفجر ركعتان ينويهما من أول الصلاة.
كذلك أيضاً: رجل دخل في صلاة العصر، وفي أثناء الصلاة ذكر أنه لم يصل الظهر فنواها للظهر، هذا أيضاً لا يصح؛ لأن المعيَّن لا بد أن تكون نيته من أول الأمر.
وأما المطلق إلى معين فمثل: أن يكون شخص يصلي صلاة مطلقة -نوافل- ثم ذكر أنه لم يصلِّ الفجر أو لم يصلِّ سنة الفجر، فحوَّل هذه النية إلى صلاة الفجر أو إلى سنة الفجر، فهذا أيضاً لا يصح.
أما الانتقال من معيَّن إلى مطلق، فمثل: أن يبدأ الصلاة على أنها راتبة الفجر، ثم نسي، وفي أثناء الصلاة تبين أنه قد صلاها، فهنا يتحول من النية الأولى إلى نية الصلاة فقط.
أو مثلاً: إنسان شرع في صلاة فريضة لوحده، ثم حضرت جماعة، فأراد أن يحوِّل الفريضة إلى نافلة؛ ليقتصر فيها على ركعتين نافلة، فهذا جائز؛ لأنه حوَّل من معيَّن إلى مطلق.
فهذه هي القاعدة: من معيَّن إلى معيَّن لا يصح، ومن مطلق إلى معيَّن لا يصح، ومن معيَّن إلى مطلق يصح.(1/16)
الاكتفاء بالنية المطلقة في صلاة الرواتب
السؤال
السنن الرواتب هل تكفي فيها النية المطلقة؟ أعني: لو كان عليَّ فوائت هل أنوي أن هذه راتبة الظهر القبلية مثلاً وهذه راتبة الظهر البعدية، أو يكفي التعيين بأنها راتبة الظهر فقط؟
الجواب
الشيء المعين لا بد من أن يتعين، فإذا أردت أن تصلي راتبة الظهر فلابد أن تنوي راتبة الظهر إذا كان عندك عدة رواتب.
وكذلك الفريضة لا بد أن تعيِّن، فلا تنوِ أنها فريضة فقط، بل تنوي أنها الظهر، أو أنها العصر، فالمعيَّن لا بد له من تعيينه، إلا أن بعض العلماء رحمهم الله قالوا: إن المعيَّن إذا لم يكن معه غيره فإنه يكفي أن ينوي الإنسان صلاة فريضة الوقت.
فمثلاً: لو جئتَ لتصلي الظهر وغاب عن ذهنك الظهر؛ لكنك أتيت لتصلي فريضة الوقت، قالوا: هذا لا بأس به؛ لأن تعيين الوقت بمنزلة تعيين الصلاة، وهذا قولٌ فيه فسحةٌ للناس، وفيه تسهيلٌ عليهم.(1/17)
تداخل النية في النوافل
السؤال
هل النوافل تتداخل؟ مثلاً: لو كنتُ أوتر بثلاث فتكاسلتُ أو نسيتُ، ثم جلستُ بعد صلاة الفجر حتى طلعت الشمس، فهل أصلي هذه الركعتين أو الأربع ركعات وأنوي أنها للوتر والشروق معاً؟
الجواب
أقول: لا تتداخل، سنة الضحى للضحى، وسنة الوتر للوتر، وسنة الراتبة للراتبة.(1/18)
ضعف حديث: (إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج)
السؤال
كثيراً ما نسمع من أئمة المساجد عند تسوية الصفوف قول: (إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج) ، هل هو حديث أو قول؟
الجواب
لا شك أن الصف الأعوج صف ناقص، وأن المصلين يأثمون إذا لم يسووا الصف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد مَن لم يسوِّ الصف، فقال: (عباد الله لتسوُّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) .
وأما الحديث الذي ذكرت: (إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج) ، فهذا ليس بصحيح.(1/19)
حكم رد الأخبار العقدية الغيبية بحجة أنها آحاد
السؤال
بعض أهل العلم يردون بعض الأمور العقدية، مثل: أمر المهدي وغيره، وذلك عن طريق رد خبر الآحاد، فما حكم هؤلاء؟
الجواب
حكم هؤلاء أنهم معذورون ما دام ردهم كان عن اجتهاد وتأويل؛ ولكن ردهم لأحاديث المهدي ليس كردهم لنزول عيسى بن مريم؛ لأن نزول عيسى بن مريم ثابت بظاهر القرآن وصريح السنة الصحيحة، أما أحاديث المهدي فإن العلماء قسموها إلى أربعة أقسام: 1- صحيحة.
2- حسنة.
3- ضعيفة.
4- موضوعة.
والراجح من أقوال أهل العلم: أنه سوف يأتي إذا دعت ضرورة الأرض إلى مجيئه، كأن تُمْلأ ظلماً وجوراً؛ ولكنه هذا المهدي الذي من عقيدة أهل السنة والجماعة ليس هو مهدي الرافضة الذي ينتظرونه، فإن مهدي الرافضة الذي ينتظرونه ليس إلا خيالاً في أذهانهم، ولا حقيقة له، فهم يعتقدون أن المهدي هذا في السرداب الذي في العراق، وينتظرون خروجه كل يوم، وهذا لا أصل له، ولا حقيقة له، لا من الناحية التاريخية، ولا من الناحية العقلية.(1/20)
حكم من رد الأحاديث الصحيحة بحجة مخالفتها للعقل وظاهر القرآن
السؤال
ردَّ بعضُهم أحاديثَ في الصحيحين بزعم أنها مخالفة لظاهر القرآن أو مخالفة للعقل؟!
الجواب
قد يكون مخالفتها للعقل لاختلاف عقله هو، لا لحقيقة الواقع، وإلا فنحن نعلم أن ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أبداً أن يخالف العقل، بل لا بد من أحد أمرين: 1- إما عدم صحة النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2- وإما فساد العقل.
أما مع صحة النقل وسلامة العقل فلا يمكن التعارض أبداً.
السائل: فما حكم هؤلاء؟ الشيخ: لا نستطيع أن نحكم حكماً عاماً حتى نرى الأحاديث التي زعموا أنها مخالفة للعقل.
السائل: مثل حديث موسى وملَكِ الموت ولطمه إياه، وكذلك حديث عائشة رضي الله عنها: (أن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) وغيرهما من هذه الأحاديث؟ الجواب: لهؤلاء نَقول: إذا كنتم تعتقدون أن الرسول قالها؛ ولكن تكذِّبون الرسول وتقولون: قوله صلى الله عليه وسلم مخالف للعقل، فلا نقبله، فهذا كفر.
أما إذا كنتم لا تعتقدون أن الرسول قالها، وتقولون: هذا وهم من الرواة مثلاً، أو خطأ منهم، فتكفيركم محل نظر! ففرق بين مَن يَرُدُّ قول الرسول؛ لأن قوله مخالف للعقل، وبين مَن يَرُدُّ قول الرسول؛ لأنه لم يثبت عنده، ولهذا لا نكفر عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أنكر على القارئ القراءة التي سمعها القارئ من الرسول عليه الصلاة والسلام وعمر لم يسمعها؛ لأن عمر أنكر آية من القرآن؛ لكنه أنكرها اجتهاداً منه، ظناً منه أن هذا الرجل لم يتثبت، حتى وصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأقر قراءة الرجل، ففَرْقٌ بين مَن يَرُدُّ ما قال الرسول لمخالفة العقل، وبين مَن يَرُدُّ ما رُوِي عن الرسول لظنه أنه لا يصح.(1/21)
معنى حديث: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)
السؤال
حديث: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) ما معنى هذا الحديث؟
الجواب
معناه: أنه يجب على الإنسان أن يجعل له إماماً، ولا يحل لأحد أبداً أن يبقى بلا إمام؛ لأنه إذا بقي بلا إمام بقي من غير سلطان، ومن غير ولي أمر، والله -عزَّ وجلَّ- يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] .
وهذا الذي مات وليس في عنقه بيعة شاذٌّ خارجٌ عن سبيل المؤمنين؛ لأن المؤمنين لا بد أن يكون لهم أمير مهما كانت الحال، فإذا خالَفَ هذا وشذَّ صار خارجاً عن سبيل المؤمنين.(1/22)
حكم تحكيم القوانين الوضعية دون الكتاب والسنة
السؤال
هل يعتبر الذين لا يحكِّمون القرآن والسنة ويحكِّمون القوانين الفرنسية أو الإنجليزية كفاراً؟
الجواب
هذا يحتاج إلى النظر إلى السبب الذي حملهم على هذا، وهل أحدٌ غرَّهم ممن يدعي العلم، وقال: إن هذا لا يخالف الشرع، أم ماذا؟! فالحكم في هذه المسألة لا يمكن إلا على كل قضية بعينها.(1/23)
حكم الزكاة في أرض ترددت فيها نية المالك
السؤال
رجل عنده أرض، واختلفت نيته فيها، لا يدري هل يبيعها، أو يعمرها، أو يؤجرها، أو يسكنها، فهل يزكي إذا حال الحول لثبوت نيته؟ أعني مثلاً: إذا جاء الحول ورأى كأنه مال إلى بيعها يزكيها إن كانت عروضاً للتجارة، وإذا جاء الحول الثاني مثلاً ورأى أنه سيعمرها ويسكنها لم يزكِّها، فما الحكم؟
الجواب
نقول: هذه الأرض ليس فيها زكاة أصلاً، ما دام أنه ليس عنده عزم أكيد على أنها تجارة فليس فيها زكاة؛ لأنه متردد، أما مع التردد -ولو (1%) - فلا زكاة عليه.
السائل: جاءت السنة مثلاً وحال عليها الحول، ونوى أن يبيعها هل يزكيها أم لا؟ الشيخ: ليس فيها زكاة، أعني: ليست تجارة.(1/24)
كيفية التعامل مع أهل البدع
السؤال
رجل عاش مع الرافضة مدة من الزمن، وبعدها انتقل من عندهم إلى منطقة بعيدة ووعدهم أن يزورهم، فهل يجوز له أن يفي بوعده لهم أم لا؟ وهل يجوز له أن يسلِّم عليهم ويقبِّلهم؟ وهل يجوز له أكل طعامهم، وشرب مائهم؟
الجواب
الواجب على الإنسان النصيحة لله، ولكتابه، ولرسوله، ولعامة الناس، هؤلاء الرافضة الذين يسكن معهم يجب عليه أولاً: أن يناصحهم، ويبين لهم الحق، ويبين أن ما هم عليه ليس هو الحق.
ثانياً: إذا عاندوا ولم يقبلوا الحق فإنه يتركهم، ولا يجلس معهم؛ لأنهم مخالفون معاندون.
وأما تركهم وما هم عليه من الضلال بدون النصيحة فهذا خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وخلاف ما أمر الله به، فإن الواجب النصيحة أولاً، فإن هداهم الله للحق فهذا هو المطلوب.
وإن لم يهتدوا وأصروا على ما هم عليه من الضلال فإنه يتركهم، ولا يجلس إليهم، ولا يزورهم إذا أبعد عنهم أو أبعدوا عنه.(1/25)
مشروعية الصلاة على الميت بعد دفنه
السؤال
إذا دُفِن الميت في القبر فهل يجوز أن يُصَلَّى عليه؟
الجواب
إذا دُفِن الميت في القبر جاز أن يُصَلَّى عليه، والدليل على هذا: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة وصلى على قبر المرأة التي كانت تَقُمُّ المسجد) ماتت ولم يعلم بها النبي صلى الله عليه وسلم.(1/26)
وجوب الترتيب في أعضاء الوضوء
السؤال
إنسان أخطأ في ترتيب الوضوء، مثلاً: مسح على رأسه قبل غسل يديه وهو يعلم، فهل صلاته صحيحة بهذا الوضوء؟
الجواب
صلاته ليست بصحيحة؛ لأن هذا الوضوء ليس بصحيح، حيث بدأ بمسح رأسه قبل غسل يديه، والله -عزَّ وجلَّ- يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] ، والنبي صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءاً مرتباً، فإذا نكَّس الإنسانُ وضوءه فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسولِه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه، فإذا رُدَّ الوضوء صار غير صحيح، وإذا صلى بهذا الوضوء فقد صلى بوضوء غير صحيح، فلا تقبل صلاته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) .(1/27)
حرمة فصل عداد السيارة خوف زيادة الأجرة
السؤال
أحد الناس استأجر سيارة بالإيجار ففصل العداد حتى لا يُحاسب بالكيلو، فما حكم هذا؟
الجواب
هذا حرام عليه، ويجب عليه أن يعيد ما بقي من الأجرة إلى صاحب السيارة، فإن كان لا يعرفه الآن وجب عليه أن يتصدق به عنه.(1/28)
جواز تعزية الكافر للمسلم
السؤال
إحدى القواعد العسكرية السعودية متعاقدة مع الأمريكان، والقاعدة هذه توفي فيها أحد الأفراد، وعند العزاء أتى الأمريكان وقالوا: نريد أن نذهب لنعزي والد المتوفي، فهل يجوز هذا؟
الجواب
يجوز أن يُعَزَّى المصاب سواء كان المعزي مسلماً أو كافراً؛ ولكن الاجتماع في البيت لتَلَقِّي المعزين بدعة لم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابِه، وإنما تُغْلَق الأبواب -أي: أبواب الذين مات ميتهم-، ومن وجدهم في السوق أو في المسجد ورآهم مصابين عزاهم؛ لأن المقصود بالتعزية ليست التهنئة، المقصود بالتعزية تقوية الإنسان على الصبر، ولهذا رد النبي صلى الله عليه وسلم رسول ابنته الذي أرسلته لتخبره عن ابنٍ لها كان في سياق الموت، فرد النبي صلى الله عليه وسلم الرسول وقال له: (مرها فلتصبر ولتحتسب، فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى) ولم يذهب ليعزيها، حتى ألحَّت على أبيها أن يحضر، ليس من أجل العزاء؛ ولكن من أجل حضور هذا الغلام أو الطفل المحتضر.
ولم يكن معروفاً في عهد الصحابة أن يجتمع أهل الميت ليتلقوا العزاء من الناس، بل كانوا يعُدُّون صُنْعَ الطعام في بيت أهل الميت والاجتماع على ذلك من النياحة، والنياحة من كبائر الذنوب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لَعَنَ النائحة والمستمعة، وقال: (النائحة إذا لم تتب تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب) نعوذ بالله.
فلهذا نحن ننصح إخواننا المسلمين عن فعل مثل هذه التجمعات التي هي ليست خيراً، بل هي شر لهم.(1/29)
مس الذكر لا ينقض الوضوء إلا إذا كان لشهوة
السؤال
هل مس الذكر باليمين ينقض الوضوء؟
الجواب
القول الراجح عندي: أن مس الذكر لا ينقض الوضوء، إلا إذا كان لشهوة فإنه ينقض الوضوء، وإذا كان من شخص آخر فنقول نفس الشيء، وبناءً على ذلك فالمرأة إذا قامت بتنظيف طفلها ومست ذكره فإن وضوءها لا ينتقض.(1/30)
لا تبطل الصلاة بالنجاسة مع الجهل أو النسيان
السؤال
الرجل الذي صلى وفي ثوبه نجاسة ولم يعلم بها إلا بعد انتهاء الصلاة، فما حكم صلاته؟
الجواب
صلاته صحيحة، وكذلك لو علم بها قبل الصلاة؛ ولكن نسي أن يغسلها وصلى بهذا الثوب ناسياً فصلاته صحيحة، لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله: قد فعلتُ.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم (أتاه جبريل وهو يصلي بالناس وعليه نعلان فيهما قذر، فأخبره أن فيها قذراً، فخلعهما ومضى في صلاته) .
ولو كانت الصلاة تبطل بالنجاسة مع الجهل، لاستأنف النبي صلى الله عليه وسلم صلاته من جديد.(1/31)
الخلاف في مسألة الاستنجاء بعد الوضوء
السؤال
هل هناك قول -وما مدى صحة هذا القول؟ - في مسألة الاستنجاء بعد الوضوء؟
الجواب
هذا فيه خلاف: - فبعض العلماء يقول: الوضوء لا يصح قبل الاستنجاء.
- وبعض العلماء يقول: الوضوء يصح قبل الاستنجاء.
وهذا القول الثاني أصح، أي: أن الوضوء يصح قبل أن يستنجي.
والمسألة تُتَصَوَّر: بأن يبول الإنسان قبل الوقت مثلاً ويستجمِر استجماراً ليس تامَّ الشروط، ثم إذا جاء الوقت توضأ بدون استنجاء ناسياً مثلاً، فإذا صلى في هذا الوضوء فصلاته صحيحة، ونسيانه للنجاسة التي بقيت بعد قضاء الحاجة يعفى عنه.
وعلى قول مَن يقول: إنه لا يصح الوضوء قبل الاستنجاء، نقول: صلاته غير صحيحة؛ لأن وضوءه لم يصح، فعليه أن يستنجي من جديد، ويتوضأ من جديد، ويعيد الصلاة من جديد.(1/32)
عدم صحة القول بأن جرس ساعة المسجد يشبه الناقوس
السؤال
كما نعلم أن التشبُّه بالكفار شيء محرم؛ لكننا الآن نسمع جرس الساعة الموجودة في المسجد كما سمعنا الآن فيقول البعض: إن جرسها يشبه صوت الناقوس الموجود عند النصارى، فهل ننكر هذا العمل؟
الجواب
القول بأنه يشبه الناقوس قول غير صحيح؛ لأننا سألنا عنه، وقالوا: إنه ليس كذلك، وما هذا الصوت الذي نسمع إلا كصوت الساعة العادية اليدوية؛ لكنه في هذه الساعة الحائطية أقوى، إنما بعض الناس يشكو من هذه الساعة؛ لأنها تزعج الناس بصوتها لا من أجل الناقوس.(1/33)
حكم الصلاة في الثوب الذي فيه دم
السؤال
إذا كان الدم على الثوب، فهل تجوز الصلاة فيه أم لا؟
الجواب
يقول العلماء: إذا كان الدم نجساً وكثيراً فإنه لا يُصَلَّى فيه، وإذا كان طاهراً كدم الكبد واللحم بعد الذكاة فإنه لا يضر.(1/34)
جواز إمامة المرأة لغيرها من النساء
السؤال
هل يجوز للمرأة أن تؤم غيرها من النساء في الصلاة؟
الجواب
يجوز للنساء أن يصلين جماعة؛ ولكن هل هذا سنة في حقهن أم مباح؟ بعض العلماء يقول: إنه سنة.
وبعض العلماء يقول: إنه مباح.
والأقرب: أنه مباح؛ لأن السنة ليست صريحة في ذلك، فإذا أقمن الصلاة جماعة فلا بأس، وإذا لم يُقِمْن الصلاة جماعة فهنَّ لسنَ من أهل الجماعة.(1/35)
عدم وجوب الحج على من عليه دين في ذمته
السؤال
ما حكم الحج للرجل الذي عليه دَين؟
الجواب
إذا كان على الإنسان دَين فالحج ليس واجباً عليه، وإذا لم يكن واجباً فإن الدِّين والعقل يقتضيان أن يقدم الواجب الذي هو الدَّين، فاقضِ دَينك أولاً، ثم حج، وإذا مت في هذه الحال فليس عليك إثم.
السائل: وإذا استسمح صاحب الدَّين؟ الشيخ: حتى ولو استسمح صاحب الدَّين؛ لأن صاحب الدَّين سوف يطالبه به، غاية ما هنالك أن صاحب الدَّين يسمح له أن يقدم الحج فقط، فنقول: حتى لو سمح لك، فالمسألة ليست تحريم المغادرة من أجل حق الدائن، المسألة إبراء الذمة قبل أن يحج.(1/36)
تعزية أهل الميت عبادة وليست عادة
السؤال
مسألة العزاء والاجتماع عليها: بعض الناس لو كلمناهم في هذا يقول: نحن نفعل هذا ولا نقصد به التعبُّد، وإنما نقصد به العادة، فكيف الرد عليهم؟
الجواب
الجواب على هذا: أن التعزية سنة وهي من العبادة، فإذا صيغت العبادة على هذا الوجه الذي لم يكن معروفاً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم صارت بدعة، ولهذا جاء الثواب في فضل مَن عَزَّى المصاب، والثواب لا يكون إلا على عبادات.(1/37)
حكم إخراج الزكاة لمن تجب عليه نفقتهم
السؤال
إنسان عنده ابن، أو أم، أو أخت -مِن الذين يلزمه نفقتهم- ويريد أن يخرج الزكاة إليهم، وقد قلتَ: مَن تلزمه نفقته لا يصح إخراج الزكاة إليه، فَمَن الذي يلزمه نفقتهم مع الشخص؟
الجواب
كل من تلزمه نفقته لا يجوز أن يَدْفع زكاته إليهم من أجل النفقة، أما لو كان في قضاء دَين فلا بأس، فإذا فرضنا أن الوالد عليه دَين وأردتَ أن تقضي دَينه من زكاتك وهو لا يستطيع قضاءه فلا حرج، وكذلك الأم، وكذلك الابن، أما إذا كنت تعطيه من زكاتك من أجل النفقة فهذا لا يجوز؛ لأنك بهذا تُوَفِّر مالك، والنفقة تجب للوالدين: الأم، والأب، وللأبناء: الابن، والبنت؛ ولكل من ترثه أنت لو مات، أي: كل من ترثه لو مات فعليك نفقته؛ لقول الله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:233] فأوجب الله على الوارث أجرة الرضاع؛ لأن الرضاع بمنزلة النفقة.(1/38)
الاستدلال بقصة موسى مع المرأتين وأبيهن على أن المرأة لا تخرج من بيتها إلا لحاجة
السؤال
بعض العلماء يستدل من قول الله جل وعلا: {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:23] ، ومن قوله: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} [القصص:26] على عدم خروج المرأة إلا لحاجة، هل هذا الاستدلال صحيح؟
الجواب
هذا الاستدلال صحيح؛ لكنه من التكلُّف؛ لأن في الشريعة الإسلامية ما يغني عنه، قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وبيوتهن خير لهن) والسنة في ذلك واضحة، من أن بقاء المرأة في بيتها خير لها.(1/39)
المرأة الحائض إذا طهرت قبل المغرب بركعة وجب عليها قضاء العصر فقط
السؤال
امرأة طَهُرت من الحيض قبل المغرب بركعة، هل عليها قضاء الظهر والعصر؟
الجواب
إذا طَهُرت المرأة قبل غروب الشمس بركعة فإنه لا يلزمها إلا قضاء العصر فقط؛ لأنها هي الصلاة التي طَهُرت في وقتها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) ، ولم يقل: وعليه الظهر.
فالصواب: أن مَن أدرك من وقت صلاة العصر مقدار ركعة لا يلزمه إلا العصر، ومن أدرك من وقت صلاة العشاء مقدار ركعة لم يلزمه إلا صلاة العشاء ولا تلزمه صلاة المغرب.(1/40)
الحلف بغير الله قد يكون كفراً أكبر وقد يكون كفراً أصغر
السؤال
الحلف بغير الله هل هو شرك أصغر أم أكبر؟
الجواب
الحلف بغير الله شرك أصغر لا يُخْرِج من الملة، إلا إذا اعتقد الحالف أن للمحلوف به من التعظيم مثل ما لله عزَّ وجلَّ فحينئذ يكفُر كفراً أكبر؛ لأنه اتخذ لله نداً.(1/41)
ضابط الإسراف هو العرف
السؤال
اشترى رجل ثوباً بثلاثمائة ريال مع وجود غيره بخمسين وهو قريب من جودته، أفلا يكون هذا من الإسراف؟
الجواب
إذا كان قريباً منه كيف يكون هذا بثلاثمائة وهذا بخمسين؟! السائل: كأن يقال مثلاً: هذا ياباني، وهذا إنجليزي، والياباني ما شاء الله، والكوري أيضاً! الشيخ: لا أعرف أنا الياباني ولا الكوري! السائل: والإنجليزي؟! الشيخ: معناه أنه اشتراه لأنه أحسن.
السائل: لكن هذا الرخيص جيد يُسْتعمل لمدة سنة، مع العلم أن هذا الشخص الذي اشترى بثلاثمائة قد يستعمله سنةً أيضاً ثم يرميه؟ الجواب: الإسراف تجاوزٌ للحد، وتعرف أن الناس يختلفون، فالرجل الذي عنده ملايين الريالات يمكن أن يشتري بثلاثمائة ولا يقال عليه: مسرف؛ لكن الرجل الذي يستدين وما عنده حتى نفقة بيته، نقول: هذا إسراف، فالإسراف: هو مجاوزةُ الحد، والناس يختلفون في هذا.
السائل: هل تعني: أنه يكون على العرف يا شيخ؟ الشيخ: نعم، يكون على العرف.(1/42)
تقديم قضاء الدين على الحج
السؤال
ما رأيك في الذي لم يحج وعزم على أن يحج، وتوفرت لديه جميع السبل؛ ولكن عليه دَين، فهل يتم عزيمته على الحج، أم يُبْطله؟
الجواب
قضاء الدَّين أهم من الحج، والريال الذي يصرفه في قضاء الدَّين خير من عشرة ريالات يصرفها في الحج، نعم لو فُرِضَ أنه تهيأ له أن يحج مجاناً، مثل: أن يخرج ليخدم الحجاج الذين معه، أو أن أحداً من أصدقائه أراد أن يتبرع له بالحج، فحينئذ لا بأس؛ لأن الحج هنا لا ينال الدَّين منه ضرر.(1/43)
استحباب الوضوء لمن مس ذكره من غير شهوة
السؤال
سمعتُ أنه رُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يتوضأ ثم يستحم فإن وضوءه جائز؛ ولكن قد يتوضأ الشخص ثم يستحم، وفي أثناء الاستحمام يُحْدِث أو تمسُّ يدُه ذكرَه فيُبْطِل وضوءه!
الجواب
مسُّ الذكر لا ينقض الوضوء إلا إذا كان لشهوة، أما لغير شهوة فإن الوضوء مستحب وليس بواجب، وعلى هذا فإذا استحم بعد الوضوء ومست يدُه ذكرَه بدون شهوة فوضوءُه صحيح.(1/44)
جواز التوكيل في ذبح الهدي والفدية للحاج
السؤال
من أراد أن يحج متمتعاً أو قارناً: نسمع أن شركة الراجحي تستقبل المبالغ لتقوم هي بذبح الهدي أو الفدية، حيث تُقَدَّم في بلد الحاج، وهي تقوم بهذا العمل يوم العاشر من ذي الحجة؟
الجواب
أقول: لا بأس بمن عليه هدي التمتع أو القران، أو عليه فدية؛ فدية محظور أو ترك واجب، أن يوكل بمن يقوم به؛ لكن بشرط أن يكون الوكيل ثقة أميناً، فإن كان ثقة أميناً فلا بأس وإلا فلا يوكِّل، على أنه ولو كان ثقة أميناً فالأفضل أن يباشر الحاج ذلك بيده، هذا هو الأفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح هديه بيده، وذبح أضحيته بيده، وإن كان قد أعطى علي بن أبي طالب أن يتمم ذبح هداياه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أشركه في هديه.(1/45)
الطفل إذا لم يتم الحج أو العمرة فلا شيء عليه
السؤال
رجل اصطحب ابنه معه لأداء العمرة، ولبس هذا الطفل ثياب الإحرام، وفي أثناء العمرة خلع الطفل إحرامه ولم يكمل هذه المناسك، فماذا عليه؟
الجواب
ليس عليه شيء، والصحيح: أن الذين لم يبلغوا إذا أحرموا بحج أو بعمرة فما جاء منهم فاقبل، وما لم يأت فلا تطلب؛ لأنهم غير مكلفين.(1/46)
حكم صلاة سنة الظهر القبلية أربعاً بدون تشهد
السؤال
سنن الرواتب مثل سنة الظهر الأربع القبلية هل يجوز للإنسان أن يصليها أربعاً بدون تشهد؟
الجواب
السنن الرواتب فيها تسليم، بعد كل ركعتين يسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) .(1/47)
ضابط كثير الدم وقليله هو العرف
السؤال
ما مقدار الدم الذي تصح فيه الصلاة إذا كان دماً نجساً نجاسة مخففة؟
الجواب
أما ما خرج من السبيلين فهو نجس قليله وكثيره، ولا يعفى عنه، وأما ما خرج من غير السبيلين مثل الخارج من الأنف، أو من الفم، أو من جرح في يده أو رجله، فهذا الغالب أنه يسير ولا يضر، وحَدُّه هو العرف، أي: ما جرت العادة بأنه يسير.(1/48)
وجوب إعادة الصلاة لمن صلى محدثاً ناسياً أو جاهلاً
السؤال
رجل نام ثم استيقظ، ثم صلى الفجر، وبعد صلاة الفجر تبين أنه مُحْدِث حدثاً يوجب الغسل، ما صحة هذه الصلاة؟
الجواب
كل إنسان يصلي، ثم بعد الصلاة يتبين أنه أحدث حدثاً أصغر أو أكبر، فالواجب عليه أن يتطهر من هذا الحدث وأن يعيد الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) .(1/49)
جواز الصلاة في الثوب الذي فيه مني
السؤال
رجل لبس ثوباً وهو طاهر -أي: الرجل طاهر- ولكن الثوب كان فيه مني، فلبسه ناسياً، وبعد الصلاة تبين أن في هذا الثوب منياً لم يعلم به، فما حكم هذا؟
الجواب
المني طاهر، ولو صلى الإنسان في ثوب وفيه مني فصلاته صحيحة سواء كان عمداً أو نسياناً؛ لكن قل: لو كان فيه بول، ثم صلى ناسياً أو جاهلاً ولم يعلم إلا بعد الصلاة فصلاته صحيحة.(1/50)
جواز الاكتحال للصائم
السؤال
فضيلة الشيخ: كنتُ أقرأ في مجلس كتابَكم (شرح بلوغ المرام) في كتاب الصيام، وكان الموضوع الاكتحال، حيث مال فضيلتكم إلى أنه لا يفسد الصوم على ترجيح شيخ الإسلام ابن تيمية، فاعترضَ عليَّ قاضٍ في هذا المجلس، وقال: كيف ينشر الشيخ مثل هذا على عامة الناس؟! كأنَّ الأحوط أن الاكتحال يفسد الصوم، وتكلم في هذا الموضوع حتى قال: وهذا مثل قوله: إن التعزية بدعة، مع أن التعزية فيها شيء من وصل التراحم بين الناس.
فما ردكم على مثل هذا القول؟
الجواب
أما مسألة الاكتحال: فلا بد من بيانها للناس؛ لأن الاكتحال مما تدعو الحاجة إليه أحياناً، فإذا قلنا للصائم: لا تكتحل حرمناه مما أحل الله له وهو محتاج إليه، فضيقنا على الناس ما هو واسع.
وأما قوله: إن الاحتياط اتباع هؤلاء: فنقول: ما هو الاحتياط؟ الاحتياط: اتباع ما دلت عليه السنة، وليس الاحتياط الأخذ بالأشد، قد يكون الأخذ بالأيسر هو الاحتياط، فالاحتياط هو موافقة الشرع، ونحن يلزمنا إذا علمنا من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم حكماً أن نبينه للناس: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] لا سيما في المسائل التي يحتاج الناس إليها.
والكحل يحتاج الناس إليه، خصوصاً الذين اعتادوه وصارت أعينهم لا يستقيم نظرها إلا به، فما ظنك برجل يحتاج إلى الكحل أو امرأة؛ ولكنه نسي أن يكتحل حتى طلع الفجر وصار صائماً، فإن قلنا: لا تكتحل، تَعِبَ في نظره، وإن قلنا: اكتحل وأفطر، أفسدنا صومه.
وليس هناك دليل.
فهذا جوابنا على هذه المسألة وعلى غيرها أيضاً، كل شيء يحتاج الناس إلى بيانه يجب على العالِم أن يبين ما يتبين له الحق فيه؛ لأنه مسئول عن ذلك.
وأما مسألة العزاء: فالعزاء إنما كان تركه قطيعة رحم؛ لأن الناس اعتادوه، فصار الذي يتخلف عنه عندهم قاطع رحم؛ لكن لو أن الناس تركوه كما تركه الصحابة والتابعون لَمَا صار تركه قطيعة رحم، وصار تركه عادة، ولهذا لو أن طلبة العلم بينوا للناس هذا الأمر، وبدءوا بأنفسهم هم كما بدأنا بأنفسنا؛ والدِينا توفوا مثلاً ولم نجلس للعزاء، أو والداتنا توفيت ولم نجلس للعزاء، لو أن أهل العلم فعلوا ذلك لكان فيه خير كثير، ولترك الناس هذه العادات، لا سيما في بعض البلاد، فإذا مررت ببيت مات فيه ميت قلتَ: هذا بيت فيه زواج! لأنك ترى فيه من الأنوار في الداخل والخارج، والكراسي، والأشياء ما ينافي الشرع، وفيه إسراف وبذخ.
فالواجب على الإنسان أن يعرف الحق من الكتاب والسنة لا من عادات الناس، لو أن الناس تركوا هذه العادات وصار العزاء حيثما وُجِدَ المعَزَّى، فإن وُجِدَ في السوق، أو في المسجد عُزِّي، لكان خيراً، وأيضاً: التعزية إذا كان مصاباً أو كان قريباً، بعض الأقارب لا يهتم بموت قريبه، وربما يفرح إذا مات قريبه، قد يكون بينه وبين قريبه مشادات ومنازعات وخصومات، فإذا مات قال: الحمد لله الذي أراحني من هذا.
فالتعزية للمصاب فقط، كما جاء في الحديث: (مَن عَزَّى مصاباً فله مثل أجره) فقال صلى الله عليه وسلم: (مصاباً) ، ولم يقل: (مَن عَزَّى مَن مات له ميت) .
فمثل هذه المسائل يجب على طلبة العلم أن يبينوا للناس الحق فيها، حتى يصير الناس به على الهدى لا على الهوى، فعلى كل حال كل له رأيه.
ولكن أقول: الواجب لمن كان ناصحاً لله ولأئمة المسلمين، إذا رأى من أخيه شيئاً يرى أنه خطأ فعليه أن يكلِّم أخاه مباشرة، ويقول له: أنت قلت كذا وكذا، وأشكَلَ علينا حتى لا تحصل البلبلة في العامة.
وأيضاً: إذا ارتدع المخطئ من نفسه أحسن مما إذا رُدَّ عليه، وربما إذا رُدَّ عليه يركب رأسه ويرتكب الخطأ وقد تبين له الخطأ، تأخذه العزة بالإثم.
فالواجب على العلماء إذا رأوا من إخوانهم خطأً أن يكلموهم، وقد يكون الخطأ في فهمهم وهو صواب، ويرجعون إليه.
ولذلك أنا أود أن تقول لهذا الأخ الذي قال: الاحتياط: أن الاحتياط هو: ما جاء في الكتاب والسنة، هذا هو الاحتياط.
فأين في كتاب الله أو سنة رسول الله أن الكحل مُفْطِّر؟ فإذا كان عنده نص من القرآن أو السنة فعلى العين والرأس، وإذا لم يكن عنده نص فالأصل أن صوم المكتحل صحيح منعقد بمقتضى دليل الشرع، لا يمكن أن نضيق على عباد الله وأن نحرم عليهم ما أحل الله لهم إلا بالدليل؛ لأن الله سبحانه وتعالى سيسألنا: لماذا حرمتم على عبادي هذا الشيء بغير إذن مني؟ فالمسألة ليست بِهَيِّنة؛ لأن تحريم الحلال أشد من تحليل الحرام، فتحليل الحرام فيه تسهيل، أما تحريم الحلال ففيه تشديد، والدين الإسلامي يميل إلى السهولة واليسر أكثر مما يميل إلى التضييق والعسر، وإن كان كلٌّ من تحريم الحلال وتحليل الحرام يؤدي بصاحبه إلى الهلاك؛ لأنه افتراء على الله، يقول الله جل وعلا: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل:116] .(1/51)
وجوب طلب الماء لمن احتلم في بيت رجل من أصدقائه
السؤال
رجل استيقظ بعد أذان الفجر وهو جنب، وكان في غير بيته، وكان البرد شديداً يخاف على نفسه من شدة البرد، وليس عنده ما يسخن به الماء، واستحيا أن يطلب الماء الساخن من بيت المضيف وفيه امرأته أيضاً، فأخذه الحياء من طلب الماء الساخن، فهل له أن يتيمم؟
الجواب
عليه أن يطرق الباب، ويطلب منهم الماء الساخن للغسل ولا يستحيي، إن الله لا يستحيي من الحق، كل الناس يحتلمون، والحياء ليس بعذر؛ لكن لو فُرِض أنه في البَرِّ وليس عنده ماء إلا ماء بارد، ويخشى على نفسه من الضرر أو من المرض فله أن يتيمم حتى يجد ما يسخن به الماء، أما مسألة الحياء فلا، وإذا صلى بالتيمم ولم يطلب الماء الساخن حياء من أهل البيت فعليه أن يغتسل وأن يعيد الصلاة من جديد.(1/52)
جواز القصر للمسافر سواء حددت المدة أم لم تحدد
السؤال
حصلت لي جلسة مع مدير المعهد العلمي في منطقة من المناطق، فجرى الحوار بيننا في قصر الصلاة، فقال: إن الشيخ -يعنيك أنتَ- أفتى لطلبة الجامعة بأن يقصروا الصلاة إذا فاتتهم الصلاة.
وقال المدير: وهذا لا يجوز! فلا ندري كيف أفتى الشيخ بذلك؟! وابن هذا المدير يدرس عندكم في الجامعة، فنَبَّهَ ابنَه بأنه لا يقصر الصلاة بل يتمها، فنحن يا فضيلة الشيخ لا ندري أنقصر الصلاة أم لا؟
الجواب
هذا -سلمك الله- أفتينا به بعد دراسة، وبعد النظر في الأدلة، وبعد النظر في كلام أهل العلم وجدنا أن أقرب الأقوال إلى الصواب: قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ أن الرجل ما دام غائباً عن بلده ولم يتخذ البلد الثاني وطناً فهو مسافر، كل مَن بقي لحاجة ومتى انتهت رَجَعَ فهو مسافر سواء عَيَّن المدة أم لم يعيِّن؛ لأن أي تقدير قَدَّرَه كأن قَدَّر ثلاثة أيام مثلاً، قلنا: ما دليلك؟! وإن قَدَّر شهراً أو سنة قلنا: ما هو دليلك؟! ليس هناك دليل.
فالقول مثلاً بأن المسافر إذا نوى الإقامة في هذا المكان هذه المدة انقطع عنه السفر لا يوجد له دليل، ومن وجد دليلاً فليتفضل به، ونحن إن شاء الله آخذون على أنفسنا بأننا إذا تبين لنا الدليل أن نأخذ به، وقولنا ليس بمعصوم، نحن نخطئ كما يخطئ غيرنا؛ لكن علينا أن نتقي الله ما استطعنا: و {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] إذا كان هذا الذي بلغ إليه جهد الإنسان فهو معذور عند الله (إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر) لكن أي مسألة مثلاً تترجح عند العالم فهو غير معذور في العدول عما ترجح عنده؛ لأنه سيُسأل يوم القيامة.
وأي مسألة يقولها الإنسان وفيها دليل خلاف قوله وهو لا يعلم به فهو معذور، وأي مسألة يقولها الإنسان وهو مجتهد فإنه يجب عليه إذا تبين له الحق أن يرجع إليه عن اجتهاده.
فنحن إذا أتانا إنسان بدليل على أن الإنسان إذا بقي المدة المعينة انقطع عنه حكم السفر وصار حكمه حكم المقيم، فعلينا القبول.
ومن وجد دليلاً خلاف قولنا فليضرب بقولنا عرض الحائط.
وأما المسافة فما وجدنا فيها شيئاً معيناً أيضاً، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ما عَيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته المسافة.
ولم يكن في ذلك الوقت المسَّاحون الذين يقولون: هذا كيلو، وهذا أكثر، وهذا أقل، والعلماء الذين قدروا المسافة بأذرع أو أكيال أو أميال ليس عندهم دليل، ثم هم قدَّروها -رحمهم الله- بالذراع، والشبر، والإصبع، وشعرة البرذون -الحصان- معناه: أنَّني أنا إذا صرتُ هنا والصاحب الذي بيني وبينه ذراع هناك، نقول: هذا مسافر، وأنا غير مسافر! مَن يقول هذا؟! فأقرب الأقوال: أنه يُرْجَع فيه إلى ما سماه الناس سفراً، وشدوا الرحال له، هذا هو السفر، وما ليس كذلك فليس بسفر.
هذا والله أعلم.
وصلَّى الله وسلم وبارَك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.(1/53)
لقاء الباب المفتوح [2]
افتتح الشيخ رحمه الله اللقاء بتذكير وجيز بفضل العلم وأهميته لا سيما في هذا الزمان الذي كثر فيه الجهل، وانتشرت البدع والخرافات، وقل العلماء الناصحون، ثم أجاب عن الأسئلة، وتطرق خلالها لمسائل مهمة عن الحج، ومسائل العذر بالجهل، وبعض أحكام السفر، والمساهمات التجارية، والمسابقات، والجوائز التجارية وغيرها من المسائل المتناثرة في شتى المجالات.(2/1)
حكم المسابقات إذا كانت بعوض
الحمد لله رب العالمين، ونصلي ونسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا في هذا اليوم الخميس، الخامس من شهر ذي القعدة عام: (1412هـ) نفتتح اللقاء الأول من هذا الشهر، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله لقاءً مباركاً.
وإنني بهذه المناسبة أود أن أذكركم بأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) ، وإن حضوركم إلى هذا المكان إنما تريدون به الوصول إلى العلم، ونسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه، وأن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى إنه جواد كريم.
السؤال
ما حكم المسابقة إذا اشتملت على عوض من أحد المتسابقين؟
الجواب
حكمها الجواز في الأشياء الثلاثة التي أجازها الشرع: نصل، أو خف، أو حافر.
السائل: والمصارعة يا شيخ ألا تدخل فيها؟ الشيخ: المصارعة لا تدخل فيها.
السائل: لكن قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صارع ركانة على شاة وصرعه.
الشيخ: لا.
صارعه على أن يُسْلِم فأسلم.
السائل: يا شيخ! إذا كانت المصارعة بعوض من متسابقَين كليهما؟ الشيخ: يقول مثلاً: عليَّ مائة ريال إن سبقتني، أو عليك مائة ريال إن سبقتك.
السائل: نعم.
الشيخ: هذه هي التي نتكلم عليها، إما إذا قال: إن سبقتني فأنا أضمن لك مائة ريال، وليس في الجانب الثاني شيء فهذه لا تدخل في المراهنة، هذه ليس فيها شيء.
السائل: طيب! إذا كان العوض من طرف ثالث ليس من المتسابقَين؟ الشيخ: فهذا لا بأس به.
السائل: في كل المسابقات، أو في الثلاث؟ الشيخ: في كل المسابقات إلا هذه المسابقات المحرمة.
السائل: جائزة يا شيخ؟ الشيخ: المسابقات المحرمة ليست جائزة.
السائل: أقصد إن كان العوض في المسابقات من طرف ثالث! الشيخ: المسابقات الجائزة مثل أن يقول: تسابقوا على الأقدام والذي يسبق منكم له مائة ريال، هذا لا بأس به، أو تصارعوا والذي يصرع منكم له مائة ريال فهذا لا بأس به؛ لأنه يعتبر مكافأة وتشجيعاً، أما إذا كانت من الجانبين إما غارم أو غانم فهذه لا تجوز إلا في الثلاث التي ذكرتُ لك.(2/2)
الهدي على من حج عن غيره
السؤال
ما حكم الشرع في رجل حج عن أبيه، هل يلزمه الهدي أو لا يلزمه؟ وإذا لم يجد الهدي هل يصوم؟ وهل يجزئ صيام العشرة أيام عن الهدي عند عدم القدرة؟ وهل في حالة القدرة على دفع ثمن الأضحية يجوز له الصيام لأنه في حاجة إلى هذا المال؟
الجواب
أولاً: لا ينبغي أن يوجَّه السؤال إلى شخص بهذا اللفظ: (ما حكم الشرع؟) ؛ لأن المجيب قد يخطئ في جوابه فلا يكون من الشرع، وإنما يقال: ما رأيكم، أو ما ترون، أو ما حكم الشرع في رأيكم، أو في نظركم، أو ما أشبه ذلك.
وأما الجواب عن المسألة: فإذا كان أبوه عاجزاً عن الحج عجزاً لا يرجى زواله، كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه؛ فإنه لا بأس أن يحج عن والده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سألته امرأة قالت: (يا رسول الله! إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج شيخاً لا يثْبُت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم) فيحج عنه.
ثم إن كان الحج تمتعاً أو قراناً وجب عليه الهدي، وإن كان الحج إفراداً لم يجب عليه الهدي، وإذا كان عاجزاً عن الهدي: إما لعدم الدراهم معه، أو لأن معه دراهم لكنه يحتاج إليها للنفقة، فإنه يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.(2/3)
الحج عن المعاق
السؤال
عندي ولد مشلول، وأفكر في الحج عنه؛ لأنه لو حج بنفسه فأخاف أن يأتيه الضرر، فهل يجوز أن أحج عنه؟
الجواب
إذا كان الولد مشلولاً -كما قلتَ- فإنه يجوز لك أن تحج عنه الفريضة إذا كنتَ قد حججت عن نفسك.(2/4)
حكم من بلغ وهو جاهل بحكم الصيام
السؤال
سائلة تقول: امرأة أتاها الحيض وهي في الثانية عشرة من عمرها ولم تصم؛ لأنها تظن أنها لا تكلف إلا ببلوغ الخامسة عشرة، وكان أبوها يضربها على ذلك ويقول: لا تصومي حتى تبلغي الخامسة عشرة، والآن سمعت أن التكليف يبدأ من الحيض فماذا عليها؟
الجواب
إذا كانت هذه البنت التي بلغت الحيض في الثانية عشرة من عمرها ولكنها لم تصم حتى أتمت خمس عشرة سنة بناءً على أنها تعتقد أن الصوم لا يلزمها إلا إذا بلغت خمس عشرة سنة، وبناءً على أن أباها كان يضربها إذا صامت، فنقول: إذا كانت في ذلك الوقت تعتقد أن الصوم واجب عليها فإنه يلزمها القضاء؛ لأن ضرب والدها على ترك الصوم لا يؤدي إلى سقوطه عنها، وأما إذا كانت لا تدري كالذي ينشأ في البادية بعيداً عن المدن، بعيداً عن العلماء فليس عليه قضاء.
والضابط في هذه المسألة وغيرها: أن الجاهل جهلاً يُعْذَر فيه لا تَلْزَمه الشرائع كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن الشرائع لا تَلْزَم قبل العلم، واستشهد لذلك بأحاديث وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: إن الشرائع لا تَلْزَم قبل العلم صحيح.(2/5)
حكم ستر الجدران
السؤال
فضيلة الشيخ: ورد النهي عن ستر الجدر فهل هذا النهي للتحريم؟ ثم هل يحصل النهي بستر جهة واحدة أو جميع الجهات؟
الجواب
ستر الجدر على قسمين: القسم الأول: أن يكون من الظاهر، فيستر البيت أو الحجرة كما تستر الكعبة، فهذا لا شك أنه منهي عنه؛ لأنه يجعل بيته شبيهاً بالكعبة.
القسم الثاني: الستر الداخلي، فهذا لا بأس به إذا احتاجه الإنسان، إما للوقاية من البرد، أو الوقاية من الحر، أو الوقاية من الضوء إذا كان يريد أن ينام؛ لأن البناء الحديث -كما تعرفون- بارد في الشتاء وحار في الصيف، فإذا جعل على الجدار شيء من القماش فإنه يخفف البرودة في الشتاء ويخفف الحرارة في الصيف، فيكون هذا لا بأس به، لأنه ليس المقصود من ذلك الستر لذاته؛ ولكن المقصود ما يحصل من الستر من التدفئة في الشتاء وتلطيف الحرارة في الصيف، أو من الضوء لمن أراد أن ينام على وجه يستريح به في نومه.(2/6)
حكم انتقال النساء إلى مدينة أخرى مع سائق بدون محرم
السؤال
بعض المدرِّسات أو الطالبات ينتقلن من مدينة إلى أخرى للدراسة أو التدريس، ينتقلن من عنيزة إلى بريدة أو العكس، ويكون معهن سائق يقوم بتوصيلهن، ولكن السائق لا يكون معه محرم، فأحياناً يكون السفر إلى منطقة بعيدة، فما حكم هذا للمدرسات والطالبات؟ وما حكم راتب هذا السائق؟
الجواب
الذي نراه: أن ذهاب المدرسات إلى التدريس في منطقة ويرجعن في يومهن أن هذا ليس بسفر؛ لأنهن لا يتأهبن له أُهْبَة السفر، ولا يُوَدَّعْنَ عند السفر، ولا يُحَيَّيْنَ عند الرجوع، وإذا لم يكن سفراً فإنه لا بأس أن تذهب النساء مع السائق بلا محرم، بشرط: 1- أن يكون مأموناً.
2- ألا ينفرد بواحدة منهن، فإن انفرد بواحدة منهن حرم؛ لأجل الخلوة.
وأما بالنسبة لراتب السائق أو مكافأته فلا بأس بها؛ لأنها أجر على أمر مباح.
السائل: حتى لو اشترطت إدارة التعليم أن يكون معه محرم؟ الشيخ: إذا اشترطت وزارة التعليم بأن يكون معهن محرم فلا بد من أن يوفَّي بهذا الشرط إذا التزم به.(2/7)
حكم التطبيل والإيقاع على الطاولة وغيرها
السؤال
ما حكم التطبيل على الطاولة أو على غيرها؟
الجواب
الضرب بالإيقاع على الطاولة وشبهها فأقل ما نقول فيه أنه مكروه؛ لأنه يشبه الضرب على المعازف.(2/8)
ضابط طلاق السكران
السؤال
هل طلاق السكران ينفُذ؟
الجواب
نحن لا نفتي بهذا إلا إذا وقعت المسألة من شخص بعينه، وأما على سبيل العموم فهذه تَرْجِع إلى المحكمة، إذا رأت أن تنفِّذ الطلاق نفَّذته، وإذا رأت أن لا تنفِّذه فإنها لا تنفِّذه.(2/9)
حكم كفارة السائق الذي مات ومعه ركاب
السؤال
فضيلة الشيخ حفظكم الله: من وقع في حادث، وتوفي معه أشخاص من غير تفريط منه هل يجب عليه الصيام؟
الجواب
إذا وقع الحادث من غير تفريط من السائق فلا شيء عليه؛ ولكن أود أن تصف لي الحادث كيف كان! السائل: جميع متطلباته، واحتياجات السيارة، مع عدم السرعة.
الشيخ: لكن كيف هو؟! كيف حصل؟! السائل: تعني: تقرير المرور؟ الشيخ: ما سببه؟! دعنا من تقرير المرور! السائل: تعرَّض له شخص في الطريق، فوقع الحادث من غير خطأ منه.
الشيخ: صُدِم؟ السائل: نعم، خَرَجَت عليه سيارة أخرى ووقع الحادث.
الشيخ: طيب! لما خَرَجَت عليه السيارة الأولى هل خَرَجَت في حال لا يتمكن فيها من تلافي الحادث بأن خرجت عليه قريبة منه؟ السائل: هي قريبة جداً.
الشيخ: والسرعة عادية؟ السائل: نعم.
عادية.
الشيخ: ولم يتمكن من عطف السيارة؟ السائل: السرعة حسب أنظمة المرور، وغير متجاوزة للحد.
الشيخ: ولم يتمكن من عطف السيارة؟ السائل: لم يتمكن.
الشيخ: معنى ذلك أن السيارة خرجت مِن قرية؟ السائل: مِن قرية.
الشيخ: هذا ليس عليه شيء؛ لأنه لَمْ يتعدَّ ولَمْ يفرِّط.(2/10)
حكم العقيقة عن طفل مات بعد ولادته
السؤال
المولود الذي ولد وتوفي مباشرة هل تجب له العقيقة؟
الجواب
إذا ولد المولود بعد تمام أربعة أشهر فإنه يُعَقُّ عنه ويسمى أيضاً؛ لأنه بعد أربعة أشهر تنفخ فيه الروح، ويُبْعث يوم القيامة.(2/11)
حكم نبش المقبرة لشق طريق
السؤال
هل يجوز نبش القبور من أجل الطريق العام، كأن يكون الطريق لا يصلح إلا من المقبرة، فهل يجوز نبشها ووضعها في مقبرة ثانية من أجل المصلحة العامة؟
الجواب
نبش القبور عند الضرورة من أجل الطريق أفتى بعض علماء اللجنة الدائمة في المملكة العربية السعودية بجواز ذلك بشرط: ألا يمكن صرف الطريق عن الاتجاه إلى المقبرة، فتنبش القبور وتؤخذ العظام وتوضع في مقبرة.(2/12)
ضابط المسافة التي يُترخص فيها للتيمم
السؤال
فضيلة الشيخ: هناك مخيمات تكون في البريَّة، فكم المسافة التي يُعذَرون فيها بعدم طلب الماء إذا عُدِم الماء فيتيمَّموا؟
الجواب
إذا كان أناس في البريَّة وليس عندهم ماء فإنهم يُعذَرون بالتيمم إذا كان يُشَق عليهم طلب الماء، والعبرة في ذلك العرف، أعني: ما جرت العادة أو ما قال الناس: إنه بعيد، فإنه بعيد، وما قال الناس: إنه قريب، فهو قريب، أي: ليس فيه حد شرعي.
السائل: تعني يا شيخ: عشر دقائق بالسيارة مثلاً؟ الشيخ: عشر دقائق بالسيارة بعيد، لا سيما إذا كان الطريق رمالاً.(2/13)
حكم استئناف الوضوء بعد قطع لعارض
السؤال
بالنسبة لقطع النية في العبادة، فنحن في الجامعة نبدأ في الوضوء، ثم يضرب الجرس، ثم ينوي قطع الوضوء، ثم يعلم أن المدرس لن يحضر، فيرجع إلى الوضوء فهل يكمل أو يستأنف؟
الجواب
متى نوى قَطْع العبادة وضوءاً أو غيره في أثنائها فإنها تبطل، فإذا أراد أن يعود فليبدأ من جديد، فإذا شرع في الوضوء ثم ضرب الجرس -كما سألتَ- فنوى قطع الوضوء، ثم بدا له أن يكمل نظراً لأن الأستاذ يتأخر فليستأنف الوضوء من جديد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) ، وهذا قد نوى القطع فينقطع.(2/14)
جواز الجمع بين سورتين في ركعة
السؤال
هل يجوز الجمع بين السورتين في صلاة الفريضة في ركعة واحدة؟
الجواب
الجمع بين السورتين في صلاة الفريضة أو النافلة لا بأس به، لكن في صلاة الفريضة إذا كان يشق على المأمومين خلفه فإنه لا يفعل.(2/15)
حكم الإجهاز على الحيوان المصاب
السؤال
أحياناً نجد الحيوانات في الطريق، مثل: القطط والكلاب قد دهست بالسيارة أو بغيرها فكُسِرت ظهورُها أو أرجلُها؛ لكنها لَمْ تَمُتْ إلى الآن بل فيها بعض الروح، فهل يجوز الإجهاز عليها وقتلها مثلاً بالسيارة وغيرها؟ الشيخ: هل هي من الحيوان المباح؟ السائل: لا، قطط أو كلاب أو غيرها.
الجواب
لا يجوز الإجهاز عليها، إذا رأيت شيئاً مريضاً من الحيوانات فدعه؛ لأنه ليس من مسئوليتك، فربما يشفى بإذن الله.(2/16)
جواز تأخر المأموم عن متابعة الإمام لحاجة
السؤال
كما تعلمون أن صلاة الظهر تقام في المدارس مع الطلاب جماعة، فبعض المدرسين المسئولين عن تنظيم الطلبة وتهيئتهم وإيقافهم في الصف يراقبون الطلاب بعد الإقامة حال كونهم واقفين في وسط الصفوف إلى أن يكبر الإمام للركوع فيركعون معه، فهل هذا يعتبر تفريطاً منهم؟
الجواب
هذا لا بأس به؛ لأن تأخرهم إلى قرب الركوع لمصلحة وحاجة.(2/17)
حكم السباق بالعوض
السؤال
تبعاً للسؤال الأول حول السباق: إذا كان كل من المتسابقَين يقول: أنا مني مائة ريال، فإذا سبقت أنت تأخذ مائتي مع مائتك، وإذا سبقتُك أنا آخذ كذلك، فهذا يكون غارماً سالماً أو غانماً سالماً، أي: ستذهب منه مائة إذا سُبِق، أو يأخذ مائة إذا سَبَق!
الجواب
هذا حرام إلا في ثلاثة أشياء أجازها النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في ثلاث: نصل، أو خف، أو حافر) .
فهذه جائزة؛ وذلك لأن هذه الثلاث في المسابقة عليها فائدة؛ لأنها آلات الجهاد، وفيها عون على الجهاد، فتكون المسابقة فيها بالعوض جائزة لما يترتب على هذا من المصلحة.(2/18)
جواز القصر للمسافر سفراً مباحاً
السؤال
إذا ذهب أحدهم للنزهة إلى مسافة بعيدة تستوجب القصر أو الجمع، هل يقصر أو يجمع رغم أنه لم يذهب لسفر معين، وإنما لنزهة فقط؛ ولكنه قطع مائة وخمسين ميلاً أو مائتين أو ما أشبه ذلك؟
الجواب
السفر -بارك الله فيك- ما دام مباحاً فإنه يترخص الإنسان فيه برخص السفر ولو كان نزهة.(2/19)
حكم حج من يرتكب بعض الشركيات
السؤال
رجل كان عنده شيء من الجهل في العقيدة فكان يذبح لغير الله، ثم إنه حج في أثناء هذه الفترة، ثم بعد فترة من الزمن بعد الحج أقلع عن ذلك وتاب إلى الله سبحانه وتعالى، فهل حجه يجزئ عن حجة الإسلام أم لا؟
الجواب
الجواب على هذا نسأل: هل هو جاهل يحسب أن هذا لا بأس به؟ - إن كان جاهلاً لا يدري فحجه صحيح.
- وإن كان يدري أن الذبح لغير الله شرك فإن حجه ليس بصحيح.
السائل: هو يعلم أن ذلك محرم، وقد سمع في ذلك بعض الفتاوى في هذا؛ ولكن ربما لا يعلم أنه مخرج من الملة، وهو يعتقد أنه إذا لم يذبح سيعود بالضرر عليه؟ الشيخ: الواجب عليه أن يعيد حجه في هذه الحال؛ لأنه يعلم التحريم، وكان عليه حين علم التحريم أن يقلع، ما الذي جعله ينتهك المحرَّم؟! فالاحتياط أن يعيد حجه.(2/20)
مشروعية العقيقة عن الكبير
السؤال
رجل له مجموعة من الأبناء والبنات، ولم يَعُقَّ عن أحد منهم، وبعضهم الآن كبار، إما لجهل أو لتهاون في ذلك، فماذا عليه الآن؟
الجواب
إذا عَقَّ عنهم الآن فهو حسن، أما إذا كان جاهلاً أو يقول: غداً أعق غداً أعق حتى تمادى به الوقت، أما إذا كان فقيراً في حين مشروعية العقيقة فلا شيء عليه.(2/21)
مشروعية العمرة للميت
السؤال
رجل اعتمر وبعدما أنهى العمرة ذهب إلى الطائف لعمل له، وبعد أن انتهى منه أراد أن يعتمر للميت فهل هذا جائز؟
الجواب
لا حرج عليه، إذا اعتمر الإنسان ثم خرج من مكة إلى الطائف أو إلى جدة لسبب، ثم بدا له أن يعتمر لميت فلا حرج.
السائل: وإذا تكرر هذا في نفس العام أربع مرات أو خمس مرات؟ الشيخ: ولو تكرر لا مانع، الذي يُنْهَى عنه أن يكون في مكة، ثم يخرج إلى التنعيم ليأتي بالعمرة، هذا هو الذي يُنْهى عنه.(2/22)
جواز التوكيل لإخراج زكاة الفطر
السؤال
إنسان صاحب عمل، وفي آخر رمضان أراد أن يدفع زكاة الفطر عنه وعن أبنائه، فوكل أبناءه ليدفعوا عنه، وذهب إلى بلد آخر من أجل الحراسة وهي وظيفته، فهل توكيله هذا جائز؟
الجواب
لا بأس به، يجوز للإنسان أن يوكل أولاده أن يدفعوا عنه زكاة الفطر في وقتها، ولو كان في وقتها في بلد آخر للشغل.
السائل: وإن كان قد أبطأ في هذا العمل أيام رمضان، ودفع الزكاة من عنده قبل أن يصل إلى أولاده؟ الشيخ: دفعها في وقتها أم قبل وقتها؟ السائل: في وقتها.
الشيخ: لا بأس.
السائل: لكنه بعيد عن أولاده.
الشيخ: لا يوجد مانع؛ لأن زكاة الفطر تُدْفع في المكان الذي يأتيك الفطر وأنت فيه، ولو كان بعيداً عن بلدك.(2/23)
مصطلح (الصحوة الإسلامية) في الميزان
السؤال
بعض الإخوة يقولون: إن كلمة (الصحوة الإسلامية) فيها نظر، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال طائفة من أمتي قائمين على الحق) ، فيقولون: إن كلمة الصحوة الإسلامية تنافي هذا الحديث المذكور؟
الجواب
هذا لا ينافي الحديث؛ لأن الرسول لم يقل: (لا تزال أمتي على الحق) بل قال: (طائفة.
) ، ومعناها أن هناك طوائف أخرى لا تكون على الحق، فالناس يقولون: (صحوة) بالنسبة لحالهم قبل هذه الصحوة، وليس فيها شيء أبداً؛ لأن الحديث يقول: (لا تزال طائفة من أمتي.
) ولم يقل: (لا تزال أمتي.
) وبينهما فرق، قد نكون في بلد يكون الدين فيه ظاهراً، وفي بلد آخر بالعكس.(2/24)
الضابط في ترخص المسافر برخص السفر
السؤال
ما هو الضابط للمسافر في رمضان؟ هل يفطر في بيته ثم ينطلق، أم يجاوز البيوت حتى يفطر؟
الجواب
لا يجوز للإنسان أن يترخص برخص السفر، لا في ترك الصيام، ولا في قصر الصلاة، ولا في جمعها، ولا التيمم، حتى يغادر البلد، فما دام في البلد ولو كان قد شد رحله فهو في البلد، فلا يترخص.
السائل: لو أفطر في بيته ثم انطلق؟ الشيخ: حرام عليه.
السائل: فهل عليه قضاء، أو هل عليه شيء؟ الشيخ: القضاء سوف يقضي على كل حال.
السائل: والجاهل إذا أفطر؟ الشيخ: سوف يقضي؛ لأنه لا يفطر إلا بعد أن يخرج، فلو خرج من المدينة أفطر ولا بأس.
السائل: هذا الرجل فعل هذا وهو جاهل، فأفطر في بيته، ثم سافر وانتقل، فهل نقول: إن عليه كفارة؟ الشيخ: الكفارة ليست إلا في الجماع، الأكل والشرب ليس فيهما كفارة.
السائل: يقولون: إن المالكية يرون أنه فيهما كفارة؟ الشيخ: كلامهم ليس بصحيح، مَن قال من العلماء: إن من أفطر بأكل أو شرب أو جماع فعليه الكفارة، فقوله ليس بصواب.
السائل: أليس في هذا قياس على أنه جامع في رمضان وعليه كفارة، فأفطر عن عمد؟ الشيخ: الجماع يفارق غيره من المحظورات، ولهذا يفسِد النسك في الحج والعمرة ولا يفسِد غيره من المحظورات، فالجماع له شأن أعظم، ولا يقاس الأدنى على الأعلى.
السائل: إذاً قولهم غير صحيح؟ الشيخ: إي نعم.(2/25)
من نوى العمرة ثم مرض قبل وصوله الميقات
السؤال
رجل ذهب إلى مكة المكرمة ناوياً العمرة، ثم مرض في الطريق قبل أن يصل الميقات، فذهب إلى المستشفى بـ جدة بدون إحرام، فمكث يومين في المستشفى ثم أتى مكة وهو غير محرم؟
الجواب
ليس فيه مانع؛ ما دام أنه عدل عن النية قبل أن يبدأ بالإحرام فلا بأس، أما إذا أحرم ثم جاءه المرض فهذا يبقى على إحرامه حتى يشفى.
الذي فهمتُ من سؤالك الآن أنه مرض قبل الميقات ثم عدل عن العمرة، فلا بأس.(2/26)
الحلف كذباً لإصلاح ذات البين
السؤال
هناك عائلة لديهم مشكلة، فأراد شخصٌ أن يصلح بينهم، فاتفق مع شخص آخر للإصلاح بينهم، وقال لمن اتفق معه: لا تخبرهم أني معك في الصلح، ثم ذهب أحدهما للصلح وحلفه أصحاب المشكلة، فحلف أنه ليس معه وأنه يريد الصلح بينهم، فهل عليه شيء؟
الجواب
يجب عليه أن يتأول فيقول: والله ما قال لي، يعني مثلاً: إذا كان قال له في النهار يقول: لم يقل لي في الليل، فينوي؛ لكن ما دام أنه جاهل فليس عليه شيء.(2/27)
حكم الرضاعة من حليب المرأة في كأس
السؤال
امرأة حلبت للطفل من ثديها في فنجان القهوة لمدة ثلاثة أيام صباحاً ومساءً، فهل هو ابن لها من الرضاعة أم لا؟
الجواب
يكون هذا ولد لها؛ لأن المرأة إذا أرضعت الطفل سواء من ثديها أو من فنجان حَلَبَتْه من ثديها خمس مرات فأكثر فهو ولد لها.(2/28)
المفاضلة بين جمع التقديم أو التأخير في الصلاة للمسافر
السؤال
ما هو الأفضل في السفر، جمع التقديم أم جمع التأخير؟
الجواب
الأفضل في السفر في الجمع أن تفعل الأهون عليك، فإن كان الأهون التقديم فقدم، وإن كان الأهون التأخير، فأخر.
الأفضل هو: الأهون عليك، مِن التقديم أو التأخير، أما القصر فهو سنة مطلقة.(2/29)
المرور بالميقات لمن لا يريد العمرة
السؤال
ذهبنا من جدة إلى الطائف لزيارة أحد الأقارب، وفي أثناء ذهابنا مررنا على مكة، وفي نيتنا أن نأتي بعمرة عند الرجوع، وفي أثناء رجوعنا من الطائف إلى مكة مررنا بالميقات، وأحرمنا من السيل فهل عمرتنا صحيحة -إن شاء الله- أم علينا شيء؟
الجواب
إذا مر الإنسان بالميقات وهو لا يريد العمرة، يريد الطائف -مثلاً- ودخل مكة وخرج إلى الطائف وفي نيته أن يأتي بالعمرة بالرجوع من الطائف فلا حرج عليه، يحرم من السيل وعمرته تامة.(2/30)
التكبير الجماعي أيام العيد ودبر الصلوات
السؤال
توجد ظاهرة وهي: أن التكبير يوم العيد قبل الصلاة يكون جماعياً، ويكون في ميكرفون، وكذلك في أيام التشريق يكون جماعياً في أدبار الصلوات، ويقولون: هذا قياساً على الأذان، فما حكم هذا؟
الجواب
التكبير في عشر ذي الحجة ليس مقيداً بأدبار الصلوات، وكذلك في ليلة العيد -عيد الفطر- ليس مقيداً بأدبار الصلوات، فكونهم يقيدونه بأدبار الصلوات فيه نظر، ثم كونهم يجعلونه جماعياً فيه نظر أيضاً؛ لأنه خلاف عادة السلف، وكونهم يذكرونه على المآذن فيه نظر، فهذه ثلاثة أمور كلها فيها نظر.
والمشروع في أدبار الصلوات أن تأتي بالأذكار المعروفة المعهودة، ثم إذا فرغت كَبِّر، وكذلك المشروع ألا يُكَبِّر الناس جميعاً، بل كلٌّ يكبر وحده، هذا هو المشروع كما في حديث أنس: (كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمنهم المهلل ومنهم المكبر) ، ولم يكونوا على حال واحد.(2/31)
النية للجمع في السفر
السؤال
ذهب أناس رحلة، والمسافة أكثر من (150كم) ، فصلَّوا صلاة المغرب، وبعد أن صلوا المغرب قالوا للإمام: اجمع بنا، وبعد المشاورة قاموا فجمعوا، فلما انتهت الصلاة قال أحدهم: ما كانت نية الإمام الجمع فلا بد أن تعيدوا الصلاة، أو أن تصلوها في وقتها، فما قولكم في المسألة؟
الجواب
الصحيح أنه إذا وجد سبب الجمع سواء في سفر، أو مرض، أو مطر، أو غير ذلك من الأسباب التي تبيح الجمع فإن الجمع جائز سواء نواه قبل الصلاة أو بعد الصلاة، وعلى هذا ففِعل هؤلاء الإخوة جائز، ولا يُعْتَرَض عليهم ما داموا في سفر بعيد.(2/32)
حكم السفر لمن سكن في غير بلده ثم جاء بلده زائراً
السؤال
شخص يسكن في الرياض، ويأتي إلى أهله بـ القصيم لمدة يومين أو ثلاثة، فهل ينطبق عليه أنه مسافر؟
الجواب
إذا سكن الإنسان في بلد غير بلده الأول، وكان له في البلد الأول أهل، ثم جاء زائراً لهم فإن حكمه حكم المسافر، له الفطر في رمضان، وإذا فاتته الصلاة يصلي ركعتين، ويمسح على جواربه ثلاثة أيام.(2/33)
امرأة أسقطت ولم تتأكد من تخلق الجنين
السؤال
امرأة أسقطت منذ زمن بعيد، ومكثت خمس عشرة يوماً ثم سألت، ولم تتأكد هل هو مُخَلَّق أم غير مُخَلَّق، فقيل لها: صلي، فأخذت تصلي كل فرضٍ في وقته، ثم قيل لها: لا يجوز ذلك؟ الشيخ: لكن هذه المرأة التي أسقطت هل خرج منها؟ السائل: تقول: خرج لحمة.
الشيخ: لم تتأكد؟ السائل: لم تتأكد؛ لكنها متأكدة من أنها أسقطت.
الشيخ: كم لها حامل؟ السائل: ربما ثلاثة أو أربعة أشهر.
الشيخ: هذا معناه أنه نفاس، إذا كان له أربعة أشهر فهو نفاس يقيني.
السائل: قيل لها: إنه نفاس؛ لكن بالنسبة للصلاة يا شيخ؟! الشيخ: ليس عليها صلاة، النفساء ليس عليها صلاة.
السائل: وهل يجوز لها أن تصلي مع كل وقت وقتاً آخر؟ الشيخ: لا لا، إذا فات الإنسان صلوات فإنه يصليها مباشرة.
السائل: ولو كان عدداً كثيراً؟ الشيخ: لو يصليها اليوم فهو أحسن.
السائل: ولو فعل؟ الشيخ: لو فعل ليس عليه شيء إن شاء الله؛ لأن الجاهل له حكمه؛ ولكن العالم له حكم آخر.(2/34)
وجوب زكاة الحلي المستعمل
السؤال
كيف نرد على من لا يرى زكاة الذهب؟
الجواب
نرد عليه بالأحاديث الواردة في هذا، وقد بينَّاها في رسالتنا الصغيرة؛ صغيرة وهي كبيرة في الواقع؛ لأن جميع الأدلة التي استدلوا بها قد رددنا عليها ضمناً في هذه الرسالة، اسمها: رسالة في وجوب زكاة الحلي على ما أظن، راجعْها وإن شاء الله تجد ما يشفيك.(2/35)
الشيعة وذكر طوائفهم
السؤال
فضيلة الشيخ: بفضل الله أقوم بتدريس مادة الجغرافيا في الجامعة، فسألني أحد الطلبة عند تقسيمي لسكان العالم حسب الأديان: أن هناك جزر في قارة أفريقيا، تسمى: جزر القمر، انتشرت فيها الشيعة، فسألني: مَن هم الشيعة؟ وما هي طوائفهم؟ وهل نكفر إحدى هذه الطوائف؟ فأرجأت السؤال حتى أسأل سيادتكم؟ الشيخ: هذا الجواب يحتاج إلى بسط.
السائل: إجابة مختصرة؟ الشيخ: لا تنفع الإجابة المختصرة؛ لأن هذه المسألة خطيرة.(2/36)
فوارق قياس الخنزير على الكلب في الولوغ
السؤال
فضيلة الشيخ -أكرمك الله- هل يصح قياس الخنزير على الكلب في الولوغ؟
الجواب
(إذا ولغ الكلب في الإناء فإنه يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب) ، كما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قاس بعض الفقهاء الخنزير على الكلب؛ لكن هذا القياس غير صحيح؛ لأن الخنزير تحدث الله عنه في القرآن الكريم وهو معروف، ومع ذلك لم يلحقه النبي صلى الله عليه وسلم بالكلب.
وكل شيء وجد سببه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يحكم فيه بشيء فإنه لا يصح أن يحكم فيه بشيء يخالف ما كان عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا فالخنزير نجاسته كغيرها من النجاسات، إذا ولغ في الإناء لا نغسله سبع مرات.(2/37)
الواجب نحو المناهج التعليمية وكيفية تعديلها
السؤال
فضيلة الشيخ -جزاك الله خيراً- ما الواجب نحو المناهج التعليمية وكيفية تعديلها؟
الجواب
الذي أرى أن تعديل المناهج لا ينبغي أن يكون من فئة واحدة، بل من فئات متعددة، كل في مجال تخصصه: منها ما يتعلق بالأمور الطبيعية، ومنها ما يتعلق بالأمور الأخلاقية، واللغوية، وغير ذلك، فلا ينبغي أن يُوْكَل هذا إلى فئة معينة من الناس.
والذي يجمع هذه الفئات جميعاً هو اتصافها بصفتي القوة والأمانة، وقد أشار الله عز وجل إليهما في كتابه بقوله تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:26] .
وقال الجني لما التزم بإحضار عرش بلقيس: {وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل:39] ، فلا بد أن تكون الهيئة متعددة الفئات، ولا بد أن يكون عندها قوة فيما تنظر فيه، ولا بد أن يكون عندها أمانة، تراعي المصلحة الدينية قبل كل شيء.
وحينئذٍ نرى أنه لا بد من عرض المناهج المعدَّلة على هيئة كبار العلماء لإقراره، وإبعاد ما يخالف الشرع؛ لأن في ذلك إبراء للذمة -أي: ذمة ولي الأمر- وفي ذلك -أيضاً- سلامة من اعتراض معترض فيما يُسْتَقْبل على هذه المناهج.
ثم إن هذه مسألة مِن أحوج ما يكون بالنسبة لشئون الأمة؛ لأنها ستربي أجيالاً، يكون في يدها زمام الأمة، تقود الأمة إلى الهاوية أو إلى العُلى.
فالواجب النظر العميق الدقيق في هذه المناهج، وأظن أن الدولة -وفقها الله- سوف تحرص غاية الحرص على مثل هذا، ونسأل الله أن يوفقها لما فيه الخير والصلاح.(2/38)
حكم شراء الأسهم التجارية
السؤال
بعض الناس يشتري الأسهم ولا يريد الاتجار بها؛ ولكنه يساهم قبل التخصيص من أجل انتظار ارتفاع أسعار الأسهم، فما رأيكم؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
شراء الأسهم لا بد أن نعرف ما هو الشيء الذي يريد أن يساهم فيه، إذا كان شيئاً محرماً كالبنوك فإن المساهمة فيها حرام مطلقاً، ولا يجوز لأحد أن يساهم فيها، وأما غيرها من المساهمات فالأصل الحل حتى يقوم الدليل على أن هذه المساهمة حرام.
ومن المحرم في المساهمة أن تكون الشركة تتعامل بالربا، وإن كان أصلها ليس ربوياً، مثل: أن تودع أموالها في البنوك وتأخذ عليها ربا، أو أن تأخذ من البنوك وتعطي الربا، فتكون هنا آكلة للربا ومُوْكِلة، وقد (لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومُوْكِله) فإذا علمنا أن الشركة تعمل هذا ولا بد، فلا تجوز المساهمة فيها، وإذا لم نعلم -فكما قلت لكم- الأصل الحل؛ لكن لو ساهمتَ ثم تبين لك فيما بعد أن الشركة تتعامل مع البنوك هذه المعاملة التي وصفتُ، فإنك إذا قبضتَ الربح وعلمتَ مقدار النسبة الربوية فأخرجها تخلصاً منها، وإذا لم تعلم فتصدق بنصف الربح احتياطاً لا لك ولا عليك، فإذا علمت هذه القاعدة في المساهمات فإنها تتلخص فيما يأتي: أولاً: المساهمة في البنوك حرام بدون تفصيل.
ثانياً: المساهمة في غيرها الأصل فيه الحل، إلا إذا علمت أنها تتعامل مع البنوك معاملة ربوية فإنه لا يجوز الاشتراك، وإذا كنتَ قد تورطتَ فأخرج نسبة الربا من الربح الذي تعطى إياه، وإن لم تعلم النسبة فأخرج نصف الربح.
هذه هي خلاصة القول في المساهمات.
أما كون الإنسان يساهم قبل التخصيص من أجل انتظار ارتفاع أسعار الأسهم فهذا لا بأس به.(2/39)
حكم إرسال الأضاحي إلى مكان آخر
السؤال
مسألة إرسال الأضحية إلى المجاهدين، البعض يقول: الأفضل أن ترسل إلى المجاهدين وتذبح عندهم، والبعض الآخر يقول: لا بل الأفضل أن تذبح هنا، فما توجيه سماحتكم جزاكم الله خيراً؟
الجواب
القائل: بأن الإرسال إلى هناك أفضل مخطئ في هذا القول؛ لأن الأضحية من شعائر الإسلام الظاهرة، وليس المراد بها شيئاً مادياً وهو الانتفاع باللحم، كما قال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] وأهم مقصود منها: هو التقرب إلى الله بالذبح، حتى تكون شعيرة ونُسُكاً، ودليل ذلك: أن الأضحية لها أحكام خاصة: منها: أن تكون في وقت معين.
ومنها: أن تكون من جنس معين.
ومنها: أن تكون على وصف معين.
ومنها: أن تخلو من العيوب.
ولو كان المقصود مجرد اللحم لجازت في كل وقت، ومن كل جنس، وعلى أي وصف، ومعيبة أو غير معيبة، فمثلاً: الأضحية لا تكون إلا في أيام الذبح، يوم عيد الأضحى وثلاثة أيام بعدهن.
وأيضاً: الأضحية لا بد أن تكون في يوم العيد من بعد الصلاة.
ولا بد أن تكون من جنس معين، وهي بهيمة الأنعام: الإبل، والبقر، والغنم، فلو ذبحتَ فرساً وتصدقت به على أنه أضحية لم يجزئ.
ولا بد أن تكون من سن معين، وهي: أن تكون جذعة من الضأن، أو ثنياً مما سواه، ولو كان المقصود اللحم لجازت في الفرس، ولجازت بما دون هذا السن.
ولا بد أن تكون سليمة من العيوب التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أربع لا تُجَوِّز الأضاحي: العوراءُ البَيِّنٌ عَوَرُها، والمريضةُ البَيِّنٌ مَرَضُها، والعرجاءُ البَيِّنٌ ضَلْعُها، والعجفاء -أي: الهزيلة- التي لا تنقي وليس فيها نقي) أي: ليس فيها مخ.
ولو كان المقصود بها اللحم لجازت مع هذا العيب؛ لأن العوراء لا يؤثر عَوَرُها على لحمها.
فإذا علمت ذلك تبين لك أن الأضحية عبادة مشروعة بذاتها، لا أنها مجرد تصدُّق باللحم، وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين شاة اللحم وشاة الأضحية، فقال: (مَن ذبح قبل الصلاة فشاته شاة لحم ولا نسك له) ، وهذا واضح من أنه ليس المقصود به مجرد اللحم، وإذا كان كذلك فإننا نرى أن لا يُبْعَث بالأضاحي إلى أفغانستان، ولا إلى غيرها من البلاد الإسلامية الفقيرة؛ لأن ذلك مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم: فإن مِن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم: أن يذبح الإنسان الأضحية بيده، فإن لم يُحسن وكَّل مَن يضحي.
ومِن هدي النبي صلى الله عليه وسلم: أن يشهد الأضحية.
ومِن هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمر الله به: أن يأكل منها، كما قال تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] كلوا منها، والأصل في الأمر الوجوب، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى وجوب أكل المضحي من أضحيته، وكيف يتأتى الأكل وهي في الشرق أو في الغرب؟! ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأضحية: أن يسمي عليها، فيقول: (باسم الله والله أكبر، هذا منك ولك، عني وعن أهل بيتي) وكيف يمكن هذا وهي في الشرق أو في الغرب؟! ولا شك أننا لو قلنا بإرسال الأضحية إلى بلاد أخرى لعطلنا البلاد الإسلامية من هذه الشعيرة؛ لأن كل الناس يحبون الأفضل.
فإذا قيل لَهُم: الأفضل أن تبعثوا بأضحياتكم إلى المكان الفلاني، تعطلت البلاد الإسلامية من هذه الشعيرة الإسلامية.
ثم إن الأضاحي من أحكامها: أنه إذا دخل العشر فإن الإنسان يُنْهَى أن يأخذ شيئاً من شعره، أو بشرته، أو ظفره، حتى يضحي، وإذا أرسلتها يميناً أو شمالاً فلا تدري متى يضحون! فهذه الفتوى لا شك أنها خطأ، ومن أراد أن ينفع المسلمين فليفعل؛ لكن بغير الشعيرة الإسلامية، فالشعائر تبقى، ونفع المسلمين يحصل من باب آخر.(2/40)
حكم التبرع بنفقة حج النفل
السؤال
التبرع بنفقة حج النفل أفضل، أم الحج بها أفضل؟ الشيخ: يحج الإنسان عن نفسه؟ السائل: بدلاً من أن ينفق النفقة في سبيل الله يأخذها ويحج، مثلاً: إذا كان ينفق في الحج خمسة آلاف أو ثلاثة آلاف فإنه يتصدق بها!
الجواب
الحج أفضل من الصدقة، إلا إذا كان في المسلمين ضرورة فَدَفْعُ الضرورة عن المسلمين أفضل من حج النفل.(2/41)
حكم التصوير واقتناء الصور
السؤال
مسألة التصوير يا فضيلة الشيخ! يخطئ كثير من الناس في فهم ما تريده؟
الجواب
التصوير باليد على شكل التمثال لا شك في تحريمه إذا كان التصوير لذوات الأرواح، كما لو صنع من الجبس أو غيره صورة أسد أو صورة فرس أو ما أشبه ذلك، فهذا حرام وفاعله داخل في لعنة الرسول صلى الله عليه وسلم، في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي جحيفة أنه: (لَعَنَ المصورين، وقال: المصورون أشد الناس عذاباً يوم القيامة) والتحريم في هذه الصورة التمثالية محقق؛ لأنها جسم ذو أعضاء ورأس، فهو مضاهٍ لخلق الله تماماً.
واختلف العلماء رحمهم الله في الصورة الملونة التي ليس لها جسم، هل تدخل في الحديث، أو لا تدخل؟ فمنهم من قال: إنها داخلة.
ومنهم من قال: إنها غير داخلة.
والصحيح: أنها داخلة في لعن المصورين؛ لأن مسلماً روى من حديث أبي الهياج عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال له: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ألا تَدَعَ صورة إلا طمستَها، ولا قبراً مشرفاً إلا سوَّيْتَه.
وفي لفظ: ألا تدع تمثالاً إلا طمستَه) .
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم (لما رأى النمرقة التي فيها صور عُرفت الكراهية في وجهه، ولم يدخل البيت، وقال: إن أهل هذه الصور يعذبون، يقال: أحيوا ما خلقتم) .
فهاهنا شيئان: الشيء الأول: الصورة على تمثال مجسم، هذه حرام لا شك فيها.
الشيء الثاني: الصورة بالتلوين باليد، فهذه مختلف فيها، والصحيح: أنها حرام وداخلة في اللعن.
وأما التصوير بالآلات الحديثة؛ الكاميرات، فهذه نوعان: 1- نوع يحتاج إلى تحميض وتعديل باليد، فهذا للتحريم أقرب؛ لأن الإنسان له فيها عمل بيده.
2- نوع فوري لا يحتاج الإنسان فيه إلى عمل، فهذا لا يدخل في التصوير المحرم؛ لأن الرجل لم يصوِّر حقيقة، والتصوير تفعيل مِن صَوَّرَ الشيءَ أي: جَعَلَه على صورة معينة، ومُلْتَقِط الصورةَ بالكاميرا لم يعمل شيئاً، غاية ما هناك أنه سلط أضواء معينة على جسم فانطبع هذا الجسم، ولهذا يحدث هذا التصوير من الرجل الأعمى ومن الإنسان المبصر، وهو في ظلمة، وليس له فيه أي عمل.
لكن يخفى على بعض الناس الفرق بين التصوير وبين اقتناء الصور، فيظن أنهما متلازمان، وهما ليسا كذلك.
ولهذا فرق الفقهاء بينهما، فقالوا: يحرم التصوير واستعمال ما فيه صورة، فجعلوا التصوير شيئاً، وجعلوا استعمال ما فيه صورة شيئاً آخر.
فنقول: اقتناء الصور لا يجوز إلا للضرورة، أو إذا كانت الصورة لا يؤبه بها كما يوجد في الكراتين وفي علب بعض المشروبات، فهذا لا يؤبه به، وليس مقصوداً؛ ولكن الشيء المقصود هو الذي يُحْفَظ، فهذا لا يجوز إلا للضرورة، وعلى هذا فما يفعله بعض الناس الآن من التصوير للذكرى واقتناء ذلك ليتذكره؛ ليتذكر أولاده وهم صغار، أو ليتذكر رحلة قام بها مع أصحابه، فإن هذا لا يجوز؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة.
قد يقول بعض الناس: إن هذا تناقض، كيف تقول في الأول عند التقاط الصورة: إن هذا ليس بتصوير، ثم تقول: اقتناء هذه الصورة يحرم إلا لحاجة؟! فنقول: لا تناقض؛ لأن الصورة موجودة الآن ولو بالآلة، فيقال: هذه صورة لا تقتنيها.
والدليل على هذا: أن الرجل يقابل المرآة -مثلاً- فإذا قابل المرآة قيل: هذا -أي: الذي في المرآة- صورة مع أنها لا تبقى، فالصورة أعم من كونها مصورة باليد أو مصورة بالآلة، وعموم الحديث: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة) يشمل هذا وهذا.
السؤال: ما حكم الصور على ملابس الأطفال؟ الجواب: الصور على الملابس سواء للأطفال أو للكبار محرمة، لا يجوز أن يلبس الإنسان شيئاً فيه صورة، سواء كانت الصورة نقوشاً في كل اللباس، أو كانت الصورة ملصقة في أعلى اللباس، صورة بلاستيك أو مخيطة.
السؤال: شراء قوارير الأطياب والشامبو وغير ذلك مما يوجد عليها صور، ما قولكم في ذلك؟ الجواب: لا شك أن الصور الموجودة على قوارير الأطياب أو الشامبو أو ما أشبهها؛ لا شك أنها صور خليعة فاسدة، يُقصد بها فتنة الناس؛ ولكن كيف نتخلص منها؟ إذا كنا سنشتري الشامبو لأجل الانتفاع به فكيف نتخلص؟! أرى أن مثل هذه إذا ابتليتَ بها فاطمس وجهها ودعها تبقى عندك، وإن كانت التي في البيت لا يؤبه بها ولا يُهْتَم بها فهي من جنس الصور المهانة.
السؤال: والصور في الفيديو؟ الجواب: المصوَّر في الفيديو ليس صوراً.
السائل: ما رأيكم في التصوير بالفيديو؟ الشيخ: لا أجزم بالتحريم؛ لكن فيه إضاعة وقت ومال، وليست المسألة إضاعة الوقت عند التصوير فقط، بل إضاعة الوقت حتى عند مشاهدتها، فيغريه الشيطان بمشاهدتها كل وقت، كلما فكر ذهب فشغَّل الفيديو ونظر إلى هذه الصور، فهي أقل ما فيها أنها ملهية، والتحريم لا أجزم به.
أما إذا كان تصوير الفيديو لمصلحة دينية أو علمية نافعة فلا بأس.(2/42)
حكم تأخير الحمل لمصلحة يراها الزوج
السؤال
يرى الزوج تأخير الحمل لزوجته لمصلحة، ما حكم ذلك؟ وأيضاً ما حكم موانع الحمل من الحبوب واللولب وغيرها؟
الجواب
لا شك أن موانع الحمل من الحبوب أو العقاقير خلاف المشروع، وخلاف ما يريده النبي صلى الله عليه وسلم من أمته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يريد من أمته تكثير النسل، كما قال صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم) .
وقد امتن الله عز وجل على بني إسرائيل بالكثرة، فقال: {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً} [الإسراء:6] .
وذكَّر شعيبٌ قومَه بالكثرة، فقال: {إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ} [الأعراف:86] .
وما محاولة تقليل النسل في الأمة الإسلامية إلا خدعة من أعداء المسلمين سواء كانوا من المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام، أو من الكفار الذين يصرحون بالعداوة للمسلمين.
لكن أحياناً تدعو الضرورة إلى التقليل من الولادة لكون الأم لا تتحمل ويلحقها الضرر، فحينئذٍ نقول: لا بأس بذلك، ويُسْلَك أخفُّ الضررَين، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعزِلون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولَمْ يُنْهَوا عن ذلك، وإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد سئل عن العزل؟ فقال: (هو الوأد الخفي) فهذا يدل على أنه وإن كان جائزاً فإن فيه شيئاً من الكراهة.
وبهذه المناسبة أود أن أشير إلى ظاهرة ذُكِرت لنا، وهي: أن كثيراً من المولِّدين أو المولِّدات في المستشفيات يحرصون على أن تكون الولادة بطريقةِ عملية، وهي ما تسمى بالقيصرية، وأخشى أن يكون هذا كيداً للمسلمين؛ لأنه كلما كثرت الولادات على هذا الحال ضَعُفَ جِلْدُ البطن وصار الحمل خطراً على المرأة، وصارت لا تتحمل، وقد حدَّثني بعض أهلِ المستشفيات الخاصة بأن كثيراً من النساء عُرِضْن على مستشفيات فقرر مسئولوها أنه لا بد من قيصرية، فجاءت إلى هذا المستشفى الخاص فوُلِّدت ولادة طبيعية، وذَكَرَ أكثرَ من ثمانين حالة من هذه الحالات في نحو شهر أو أقل أو أكثر قليلاً، وهذا يعني أن المسألة خطيرة، ويجب التنبُّه لها، وأن يُعْلَم أن الوضع لا بد فيه من ألم، ولا بد فيه من تعب، {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} [الأحقاف:15] ، وليس لمجرد أن تحس المرأة بالطَّلْق تذهب وتُنْزِل الولد حتى لا تحس به، فالولادة الطبيعية خير من التوليد، سواء عن طريق القيصرية أو غيرها؛ لكن إذا وُجِدَت مشقةُ غيرَ عادية فحينئذٍ تذهب وتَحْذَر من القيصريات بقدر ما تستطيع.(2/43)
إرسال المساعدات للمسلمين وفيهم مبتدعة
السؤال
بالنسبة لدعم المسلمين في الخارج، البعض يقول: هناك فئات معينة عندها بدعة، لا تُدْفَع الأموال إليها، فما هو الضابط؟
الجواب
المسلمون في الخارج لا شك أن كثيراً منهم -وليس كلهم- عندهم بدعة، والبدعة: منها: ما يُعْذَر فيه الإنسان، ومنها: ما يَصِل إلى درجة الفسق، ومنها ما يصل إلى درجة الكفر.
فأصحاب البدعة المكفِّرة: لا تجوز معونتهم إطلاقاً، وإن تسمَّوا بالإسلام؛ لأن تسمِّيْهم بالإسلام مع الإقامة والإصرار على بدع مكفِّرة بعد البيان يُلْحِقُهُم بالمنافقين الذين قالوا: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون:1] ، فقال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1] .
أما البدع المفسِّقة، أو التي يُعْذَر فيها الإنسان بتأويل سائغ: فإن بدعتهم هذه لا تمنع من معونتهم، فيعاوَنون على أعدائهم الكفار؛ لأنهم لا شك خير من هؤلاء الكفار.(2/44)
كيفية توزيع الزكاة
السؤال
أحد الأئمة يقول: تصل إليَّ أموال طائلة من الزكاة في رمضان المبارك فهل يجب توزيعها مباشرة، علماً بأنه قد تصل إلى بعض الفقراء فلا يحسنون تصريفها، أم يَصْرِفَها على الفقراء بناء على أقساط طوال السنة؟
الجواب
يُنْظَر في هذا إلى المصلحة، فمتى وُجِد أهلاً لها في أسرع وقت ممكن وجب صَرْفُها؛ لأنه مؤتَمَن.
وأما إذا كان يَخْشى إذا بادر بها أن تُصْرَف في غير محلها، فلا حرج أن يَنْتَظِر حتى يَجِد أهلاً لها؛ ولكن إذ تقدم أحدٌ هو أهل لها فليُعْطِه قدر حاجته، ولو استغرق شيئاً كثيراً من الزكاة، مثلاً: لو تقدم رجل مدين بمائة ألف، وهو يعلم أنه صادق بأنه مدين، وأنه لا يجد الوفاء، وأعطاه مائة ألف من الزكاة أي: قضى دينه الذي عليه من الزكاة فلا حرج، وقد يشِحُّ إذا رأى المبلغ كبيراً، وهذا لا ينبغي، صحيحٌ أننا قد لا نوفي جميع الديون عند الشخص مخافة أن يتلاعب ويهون عليه الدين في المستقبل، والإنسان يَنْظُر في هذا إلى الحكمة، المهم أنه متى صَرَف الزكاة في أهلها في أقرب وقت فليصرفها ولا ينتظر، أما إذا لم يمكن فلا حرج عليه أن يؤخر.(2/45)
حكم استثمار الجمعيات الخيرية لأموال الزكاة
السؤال
أحد الإخوة من الجمعية الخيرية أخبره بعض المسئولين: أن أموال الزكاة لدى الجمعية الخيرية أحياناً يُسْتَثْمر، فما حكم هذا الأمر المذكور؟
الجواب
الجمعية الخيرية عندها إذن من الحكومة، وأظن أن من جملة ما أُذِن لها فيه تقبُّل الزكوات، فهي إذا وصلتها الزكاة فقد وصلت مستحقها بناءً على أنها نائبة عن الحكومة، فتبرأ ذمة المزكي إذا أوصلها إلى الجمعيات الخيرية، فلو قدر أنها تلفت عند الجمعيات الخيرية لم يضمن المزكي؛ لأنه أداها إلى أهلها الذين قاموا بقبضها نيابة عن الحكومة، وأما استثمارها في شراء العقارات وشبهها فلا أرى ذلك جائزاً؛ لأن الواجب دفع حاجة الفقير المستحق الآن، وأما الفقراء في المستقبل فأمرهم إلى الله؛ لكن كوننا نجعلها في عقارات للاستثمار وهي زكاة تدفع الحاجة الملحة، أقول: إن هذا حرام ولا يجوز.(2/46)
حكم الاقتراض لشراء الهدي في الحج
السؤال
بعض الحجاج يكون معهم دراهم، وهو ممن يجب عليه الهدي فتُسْرق منه أو تضيع، فهل له أن يقترض مِمَّن يعرفه لأجل شراء الهدي؟
الجواب
له أن يقترض إذا كان يجد وفاءً في بلده عن قرب، أما إذا كان معسراً ولا يرجو الوفاء عن قرب فلا يقترض، بل يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، أما وجوب الاقتراض فلا يجب؛ لكن هل يجوز أم لا؟ فيه التفصيل الذي سمعتَ.(2/47)
حكم ذبح الهدي وتركه حتى تحرقه البلدية
السؤال
أكثر الحجاج يذبح هديه ثم يتركه في المكان الذي ذَبحه فيه ولا يوزعه، فتأخذه البلدية فترميه في المحرقة، فما حكم هذا؟
الجواب
الواجب على من ذبح الهدي أن يبلغه إلى أهله؛ لقول الله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] ، {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:36] ، وكونه يذبحها، ثم يلقيها تُحْرَق لا تبرأ بذلك الذمة، فيجب عليه أن يضمن، أقل ما يقع عليه اسم اللحم؛ كيلو أو ما شابهه يتصدق به في مكة.(2/48)
الإعداد للجهاد في سبيل الله
السؤال
ما حكم الإعداد في سبيل الله! وعلى مَن يكون؟
الجواب
الإعداد للجهاد في سبيل الله فرض كفاية، والمخاطَب بذلك ولاة الأمور؛ لقول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] ، ويكون في أحسن موضع يُتَلَقى فيه هذا الإعداد، فكما قلتُ: يخاطَب بذلك ولاة الأمور، أما أفراد الناس فهم لا يستطيعون في الغالب.(2/49)
الجمع في السفر وكيفيته
السؤال
البعض يتساهل والبعض يتشدد في الجمع في السفر، والبعض يقول: إذا استقر في مكانه الذي يريد الوصول إليه يجمع، والبعض يقول: لا.
إذا اشتد به السفر وهو في الطريق؟
الجواب
الجمع للمسافر سنة عند الحاجة إليه، وذلك إذا جَدَّ به الطريق، أي: إذا استمر في سفره، فيجمع جمع تقديم إن كان أسهل له، أو جمع تأخير إن كان أسهل له، أما إذا كان مقيماً في البلد أو مقيماً في المستراح في البر، فإن كان مقيماً في مستراح في البر فالأفضل ألا يجمع، وإن جمع فلا بأس، وإن كان مقيماً في بلد فالواجب أن يحضر صلاة الجماعة، ولا يجوز أن يتخلف عن الجماعة باسم أنه مسافر؛ لأن المسافر لا تسقط عنه الجمعة ولا الجماعة إذا كان في بلد؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] والمسافر من الذين آمنوا، ولأن الله تعالى أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يصلي بأصحابه جماعة في حال القتال، والقتال لم يكن إلا في سفر.
وأما ما اشتهر عن بعض الناس من قولهم: إنه إذا كان مسافراً فلا جماعة عليه ولا جمعة، ففي هذا نظر، وقد نص العلماء رحمهم الله على أن المقيم في بلد تلزمه الجمعة، لكن قالوا: إنها تلزمه بغيره.(2/50)
حكم التمتع في الحج
السؤال
إذا كنت أريد الحج وأنا عند أهل بلد لا يرون الإفراد، فهل الأفضل أن أفرد أم أتمتع؟ الشيخ: من هم أهل البلد، هل هم أهل مكة؟ السائل: أهل قريتي.
الشيخ: أهل قريتك ما عليهم منك؟! إذا كنت في بلد لا يرى (الإفراد) فقولهم هذا ضعيف، مخالف لهدي الخلفاء الراشدين، وليس أفقه من الخلفاء الراشدين، ولا ابن عباس أفقه من أبي بكر وعمر، وقد سئل أبو ذر رضي الله عنه: [هل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم لهم خاصة، أم للناس عامة؟ فقال: لنا خاصة] .
والصواب: ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله: أن التمتع واجب على الصحابة الذين كلمهم الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم حتى تثبت هذه الشعيرة وهي جواز العمرة في أشهر الحج لمن أراد الحج.
وأما مَن بعدهم فالأمر في حقهم على سبيل الاستحباب في التمتع؛ ولكن لو أفرد الإنسان فإن ذلك جائز.
ثم على فرض أن هؤلاء القوم يرون وجوب التمتع إلا على مَن ساق الهدي، فلهم رأيهم ولك رأيك، وأنت إذا أفردت فقد فعلت جائزاً؛ لكن تركت مستحباً.
فالأفضل التمتع سواء كانوا أهل بلدك يرون ذلك أم لا يرونه.
إذاً الأفضل لك التمتع على كل حال، أما أنه يُحَرِّم الإفراد فهذا غير صحيح.(2/51)
الواجب تجاه المنكرات التي ترتكب
السؤال
الجلوس في مكان فيه منكر قد يكون في إزالته، أو الخروج من مكانه يسبب ضرراً يسيراً كأن يَغْضَب الموجود من قرابته أو أهله، والبعض -الحقيقة- يروي قصة يحتج بها يقول: إنه رآك مرة في العارضة النجدية سمعتَ فلا قمتَ ولا أنكرتَ، فهل هذا صحيح؟
الجواب
أولاً: الجلوس مع أهل المنكر مع استطاعة الإنسان أن يقومَ مشارك لهم في الإثم؛ لقوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} [النساء:140] يعني: إن قعدتم فأنتم مثلهم، ولا يحل لأحد أن يقعد مع أهل المنكر، إلا إذا كان في خروجه ضرر، أما مجرد أن يَغْضَب أهله أو ما أشبه ذلك فهذا ليس بعذر، فلو كان أهله مثلاً يفتحون التلفاز على شيء محرم ونهاهم؛ ولكن لم ينتهوا وجب عليه أن يقوم، فإذا قال: إن قمتُ يزعل عليَّ أبي أو أمي أو الزوجة أو ما أشبه ذلك، فإنه لا يجوز أن يبقى، بل يجب أن يقوم ولو غضبوا؛ لأن التماس رضا الناس بسخط الله يعني تقديم ما يرضاه الناس على ما يرضاه الله -والعياذ بالله-.
وأما ما نسب إليَّ من الجلوس في العارضة النجدية: فأولاً: هذا صحيح، جلستُ لأني كنت أخاطب شخصاً أعتقد أن في مخاطبته فائدة كبيرة أكبر من قيامي، على أن العارضة النجدية يجوِّزها بعض العلماء في المناسبات كالأعياد وشبهها، ويَسْتَدل بفعل الأحباش في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم حيث كانوا يلعبون برماحهم أمام عين الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أذن لـ عائشة أن تنظر إليهم فكان يخفيها وهي تنظر من على كتفه عليه الصلاة والسلام، فيُهَوِّنُ هذه المسألة أنها فُعِلَت في مناسبة قد تكون مبيحةً لهذا اللهو.
وثانياً: أني كما قلتُ لك: كنتُ أخاطب مَن أرى أن في مخاطبته مصلحة كبيرة تربو على مفسدة حضوري لشيء فيه خلاف في جوازه فإن هذا يجرُّنا إلى مسألة أخرى، وهي مسألة خلافية: إذا كان الإنسان يفعل الفعل وأنت ترى أنه حرام وهو يرى أنه مباح، فهل يجوز أن تبقى معه لأنه فعل محرماً عندك، أم لا يجوز؟ قد يقول بعض الناس: يجوز أن تبقى معه؛ لأن هذا الفعل عنده ليس بمحرم.
وقد يقول الناس: إنه لا يجوز؛ لأن هذا الفعل عندك محرم.
فهل العبرة باعتقاد الفاعل، أو باعتقاد الجالس؟ الذي يظهر لي: أن العبرة باعتقاد الفاعل، فإذا كان يرى أنه حلال وليس فيه نص واضح يُبْطِل اجتهاده فالعبرة في فعله، والدليل على هذا: لو أكلتَ أنت ورجلٌ لحمَ إبل، وأنت ترى أنه ينقض الوضوء فتوضأتَ، وهو يرى أنه لا ينقض الضوء فلم يتوضأ، وحانت الصلاة فقام يصلي أمامك أو ربما صلى مأموماً معك، فهل هذا حرام؟ الجواب: لا، مع أن الصلاة بغير وضوء من أكبر الكبائر، حتى إن بعض العلماء قال: الذي يصلي وهو محدث خارج عن الإسلام.
ومعلوم أننا لا نأثم إذا صلى إلى جنبنا شخص أكل معنا لحم إبل وهو يرى أنه لا ينقض الوضوء ونحن نرى أنه ينقض، فإننا لا نأثم بكونه يصلي معنا.
فلو رأيت إنساناً أحدث ببول أو غائط وقام يصلي معك، فهل يجوز أن تقرَّه؟ لا يجوز أن تقرَّه، بل تمنعه، فإن أبى إلا أن يفعل فانصرف عنه.
فهذه المسألة؛ مسألة الخلاف بين العلماء المبنية على الاجتهاد المحض، التي ليس فيها دليل فاصل، إذا فعله مَن يرى أنه مباح فهو في حقه مباح، وأنا إذا كنتُ لم أفعله فليس عليَّ مِن إثمه شيء.(2/52)
حكم استقدام العمال وإلزامهم نسبة من الدخل
السؤال
ما حكم من اتفق مع عمال ففتح لهم مطعماً أو جلب لهم سيارة أجرة، وطالبهم بمبلغ معين كل شهر، يقول -مثلاً- أنا لا أستطيع أن أترك لهم الأمر لأنهم قد يسرقوني، ولا أستطيع أن أتابع محاسبتهم؛ لكن أنا أشترط عليهم مبلغاً معيناً في كل شهر يدفعونه إليَّ؟
الجواب
العمال لهم نظام معين عند الحكومة: وهو أنهم يأتون بالشهرية، فاستعمالهم بالنسبة خروج عن النظام، والخروج عن النظام الذي وقعت عليه محرم؛ لأن الله يقول: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء:34] .
ويقول جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] .
لكن إذا أردت أن تسلم من تقصيرهم ومن تهاونهم بالعمل فأعطهم بالنسبة فيما ينتجون من العمل، مثلاً: إذا كانوا مُلَيِّسِين، تقول لهم: لكم مشاهَرَتكم -الأجرة الشهرية- ولكم على كل متر كذا وكذا دراهم، أو إذا كانوا مثلاً: سبَّاكين: لكم بالمتر كذا وكذا، وإذا كانوا مثلاً: كهربائيين: لكم في المتر كذا وكذا، لكم على كل مفتاح، على كل لمبة كذا وكذا، زيادة على أجورهم، فبهذا تسلم من تقصيرهم وينصحون في العمل؛ لأنهم يريدون هذا الزائد، وأما أن تقول: أعطوني كذا وكذا، وتُرَوِّحْهم فهذا لا يجوز.
أولاً: أنه خلاف نظام الدولة.
ثانياً: ربما لا يتحصلون على ما فرضت عليهم، أو لا يحصلون إلا زائداً يسيراً، أو يحصِّلون شيئاً كثيراً أكثر مما كنت تتوقع، فتندم، تقول: ليتني جعلت عليهم ثلاثمائة بدل مائتين.
فالمهم أن هذا العمل حرام، وهو في الحقيقة مُشْكِلٌ جداً جداً؛ لأن بعض الناس صار يتَّجر بها -والعياذ بالله- يجلب العمال الكثيرين ويفرض عليهم شهرياً أن يدفعوا له مائتين أو ثلاثمائة ريال ويتركهم، هذا حرام؛ حرام مِن جهة الشرع، وحرام مِن جهة النظام.
مِن جهة الشرع: لأنك تفرض عليهم شيئاً قد لا يستطيعونه.
ومن جهة النظام: لأن هذا خلاف نظام الدولة بلا شك.
السائل: وإن قال مثلاً: أجَّرتُ هذه السيارة، فأنا أطلب ألفاً، كأني أجرتها على الألف، والمطعم كذلك، جهزتُه كاملاً بآلات، وأريد أن أؤجره مثلاً بخمسمائة، فما الحكم؟ الشيخ: هذا ممنوع في النظام، لا يمكن فعله.
السائل: ولو فعله مثلاً فهل هذا حرام؟ الشيخ: نعم حرام، وأقول: لا تستهينوا بالنظام، نظام الدولة إذا لم يخالف الشرع فهو من الشرع؛ ليس من الشرع لأن الله شرعه؛ لكن لأن الله أمرنا بطاعة ولاة الأمور في غير معصية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] ، والدولة إذا سَنَّت قانوناً، إن خالف الشرع ضُرِب به الحائط، ولا يجوز لنا أن ننفِّذه؛ لكن نناصحُ الدولة بأن تعدل عنه، أما إذا كان لا يخالف الشرع، ورأت الدولة من المصلحة سن هذا القانون فإنه يجب تنفيذه، لا لأن هذا من الشرع؛ لكن الله أمر بطاعة ولاة الأمور، ومن ظن أن ولاة الأمور لا يُطاعون إلا فيما شرعه الله فقد أخطأ؛ لأن ما شرعه الله فإننا مأمورون به سواء أمرونا أم لم يأمرونا به، فكون الله يأمرنا بطاعة ولاة الأمور زائداً على طاعة الله ورسوله يعني أن هذا فيما سنوه هم ولم يخالف أمر الله ورسوله.
أما ما كان مشروعاً بدون سنِّهم إياه من الواجبات فهذا واجب علينا سواء أمرونا أم لم يأمرونا، بل لو نهونا عنه لم نمتثل أمرهم، لو نهونا عما أمر الله به فإننا لا ننتهي؛ لكننا لا ننابذهم، بل نفعله سراً حتى لا تحصل المنابذة والمضادة للدولة.(2/53)
حكم التطبيق العملي للمعاملات المصرفية في البنوك الربوية
السؤال
بالنسبة للتطبيق العملي للدراسة في البنوك الربوية مثلاً كدراسة معينة في إحدى الجامعات مثلاً كمحاسبة أو غيرها مثلاً، فتلتزم أنك تطبق في بنك معين لكي تقدم لهم بحثاً معيناً: فتقول فيه: إني فعلتُ كذا وكذا، ووجدتُ النتيجة كذا وكذا في هذا البنك، من ناحية أرباح وخسائر، فدراسة هذه الأشياء، مثل: الأعمال البنكية دراستها دراسة وتطبيقاً فهل فيها شيء؟
الجواب
الذي أرى أنه لا يجوز إطلاقاً أن تقرأ الربا، سواء دراسة أو عملية ميدانية أو أي شيء، إنما تقرأ طرق الربا ليتبين لك الطرق فتبطلها، وتقول: هذه حرام، وتنفِّر الناس منها، فهذا لا بأس، أما أن تذهب إلى البنك لتطبق مثلاً، فتنظر وتقول: إن هذا والله على النظام، وتكتب عليه علامة (صح) ، وهو ربا (100 %) ، فكيف هذا؟! يجب علينا أن نمتنع حتى ولو أمرونا بذلك.
السائل: وإذا أُمِرَ الطلابُ بذلك فأقروا بالربا من أجل الحصول على درجات معينة أو غيرها؟ الشيخ: أبداً لا يجوز مهما كان، ولهذا أنا أنصح الطلاب إذا أُمِروا بهذا أن يمتنعوا؛ لأن هذا إضراب عن معصية الله، والإضراب عن معصية الله طاعة لله، فيقولون: كيف تأمروننا أن نقر بالربا، ونحن نعرف أنه ربا في كتاب الله؟! لا يمكن هذا.(2/54)
حكم التعامل مع العمال بالنسبة
السؤال
إذا كان إنسان يملك محلاً للخياطة ووضع فيه العمال وتعامل معهم بالنسبة، وقال: كل شهر نسبة خياطة الملابس تكون بيني وبينكم كذا، فرأى أنه في نهاية كل شهر وهو يعطيهم مرتبات من جيبه وأنه خاسر في هذا المحل، فاتفق معهم على أن يدفعوا إيجار المحل لصاحب العقار، وأن يوافوه شهرياً بخمسمائة ريال محددة، وبقية الأرباح لهم، فيقول: اعملوا هذا الشهر كاملاً، إن ربحتم خمسة آلاف أو ربحتم مائة ريال لا بد أن توافوني شهرياً بخمسمائة ريال، وأجرة المحل عليكم، وهؤلاء العمال تحت كفالته هو، والمحل مؤجر باسمه، فما رأيكم في هذا؟ وما رأيكم بمن عمل هذا، والعمال موافقون ومسرورون بهذا العمل؟
الجواب
أرى أن هذا لا يجوز، وأن الواجب أن يعطيهم الأجرة التي اتفق عليها معهم عند العقد وهم في بلادهم، وكما قلت لك آنفاً: يعطيهم مثلاً: نسبة معينة على كل ثوب أو كل متر ويسلم من تقصيرهم، وأما ما ذكرتَ فإنه حرام عليه؛ لأنه غَرَرٌ، وجهالةٌ، ومخالَفةٌ لنظام الدولة.
وأما المال الذي اكتسبه قبل أن يعلم فإن الله جل وعلا يقول في الربا: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:275] .
السائل: وإن لم يكن قد تصرف بالمال، ولا يزال موجوداً في حوزته؟ الشيخ: ما فعله قبل أن يعلم وتاب فهو له.(2/55)
علاج المسلمة عند طبيبة نصرانية
السؤال
هل يجوز للمرأة المسلمة أن تعالَج عند المرأة المسيحية؟
الجواب
أولاً: أنا أناقشك على كلمة (مسيحية) ما معناها؟ السائل: متبعة للمسيح.
الشيخ: وهل هي متبعة للمسيح حقيقة؟ السائل: لا؛ ولكن كما تزعم.
الشيخ: لو اتبعَت المسيح حقيقة لأسلَمَتْ؛ لأن الدينَ الإسلامي نَسَخَ دينَ المسيح كما نَسَخَ دينُ المسيح دينَ اليهودية، هم الآن يقرون أن دينهم ناسخ لدين اليهودية؛ لكن لا يقرون أن دين الإسلام ناسخ لدينهم، مع أن الله يقول: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85] ، إذاً سَمِّها بما سماها الله به أي: النصرانية، والآن اسأل.
السائل: المرأة المسلمة هل يجوز لها أن تعالَج عند المرأة النصرانية؟ الشيخ: إذا وثِقَتْ فيها فلا بأس، ودليل هذا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما سافر من مكة إلى المدينة في الهجرة استعمل رجلاً مشركاً يقال له: عبد الله بن أريقط، من بني الديل؛ ليَدُلَّه على الطريق.
وأنت تعرف خطورة المسألة كونه يدل على الطريق؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما تعلمون- كانت قريش قد أمْعَنَت في طلبه حتى جَعَلَت لمن يأتي به هو وأبو بكر مائتي بعير، هذا المشرك يمكن أن يستغل هذا بأن يُضِلَّهم الطريق، ومع ذلك لَمَّا ائتمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم استأجره.(2/56)
مذهب أهل السنة والجماعة في رؤية المصطفى صلى الله عليه وسلم لربه عز وجل
السؤال
ما هو مذهب أهل السنة والجماعة في رؤيةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ربَّه كما في قوله تعالى: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} [النجم:12] ؟
الجواب
الصحيح أنه ما رأى ربَّه، وأنه لا أحد يستطيع أن يرى الله يقظة في الدنيا، قال الله تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} [الأعراف:143] ، فإذا كان الجبل لَمْ يثبت لرؤية الرب عز وجل فكيف بالآدمي؟! هذا هو الصحيح، وأن الرسول رأى ربَّه بقلبه، وما روي عن ابن عباس يجب أن يُحْمَل على هذا، وأما قوله تعالى: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} [النجم:12] فهو ما رآه من الآيات الكبرى، من آيات الله: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:18] ، وليس المعنى: أنه رأى ربه عز وجل.(2/57)
فقه قنوت النوازل
السؤال
هل يجوز القنوت لإخواننا المسلمين اليوغسلافيين في وقتنا هذا، أم لا؟
الجواب
الذي أرى: أن القنوت عند النوازل يتوقف على ولي الأمر، كما هو المشهور في مذهب الإمام أحمد أنهم قالوا: يقنت الإمام فقط، الإمام الأعظم أي: الملك، وكذلك إذا أمر بالقنوت قنتنا.
فالأَولى في مثل هذا أن يُنْتَظَر أمرُ الدولة بذلك، إذا أَمَرَ به ولي الأمر قنتنا، وإلا فلا، وبقاء الأمة عل مظهر واحد خير من التفرق؛ لأنه مثلاً: أقنت أنا والمسجد الذي بجانبي لا يقنت، أو نحن أهل بلد نقنت والبلاد الأخرى لا تقنت، ففيه تفريق للأمة وتوزيع، وجمع الشتات من أحسن ما يكون، ولعل بعضَكم عَلِم بأن عثمان رضي الله عنه في آخر خلافته صار يتم الصلاة في منى، يعني: يصلي الرباعية أربعاً، فأنكر الصحابة عليه، حتى إن ابن مسعود لما بلغه ذلك استرجع، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فجعل هذا من المصائب، وكانوا يصلون خلفه أربعاً، فقيل لـ ابن مسعود: [يا أبا عبد الرحمن، كيف تصلي أربعاً وأنت قد أنكرتَ عليه؟ فقال: إن الخلاف شر] .
فكون الأمة تكون على حال واحدة أفضل؛ لأن طلبة العلم تتسع صدورهم للخلاف؛ لكن العامة لا تتسع صدورهم للخلاف أبداً.
فالذي أنصح به إخواننا أن لا يتعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، مع أن باب الدعاء مفتوح، يدعو لهم الإنسان في حال السجود، وبعد التشهد الأخير، وفي قيام الليل، وبين الأذان والإقامة، أعني: لا يتعين الدعاء في القنوت فقط، صحيح أن القنوت مَظْهَرٌ عام، ويجعل الأمة كلها تتهيأ للدعاء وتتفرغ له؛ لكن كوننا نترك كل واحد بهواه ونفرِّق الناس فلا.
هذا ما أرى أنه جيد.(2/58)
حكم قبول هدية من يتعامل بالربا
السؤال
هل يجوز أخذ الهدية من رجل يتعامل بالربا؟
الجواب
سأسألك: هل اليهود يأكلون الربا أم لا؟ قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ.
} [النساء:155] إلى أن قال: {.
وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [النساء:161] ، ومع ذلك قَبِل النبي صلى الله عليه وسلم هديتهم، قَبِل هدية المرأة التي أهدت إليه الشاة في خيبر، وعامَلَهم، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي.
ولهذا لدينا قاعدة: أن ما حُرِّم لكسبه فهو حرام على الكاسب فقط، دون مَن أخذه منه بطريق مباح.
فعلى هذا يجوز قبول الهدية ممن يتعامل بالربا، وأيضاً يجوز معه البيع والشراء إلا إذا كان في هجره مصلحة، أي: في عدم معاملته وعدم قبول هديته مصلحة، فنتبع هذا ابتغاء المصلحة، أما ما حُرِّم لعينه فهو حرام على الآخذ وغيره، فالخمر مثلاً لو أهداه إلى يهودي مثلاً أو نصراني ممن يرون إباحة الخمر فهل يجوز لي قبوله؟ لا؛ لأنه حرام عليَّ بعينه.
وإنسان سرق مال شخص، وجاء إليَّ فأعطاني إياه، هذا المال المسروق يحرم أم لا يحرم؟ يحرم؛ لأن هذا المال بعينه حرام.
هذه القاعدة تريحك من إشكالات كثيرة: ما حُرِّم لكسبه فهو حرام على الكاسب دون مَن أخذه بطريق الحلال، إلا إذا كان في هجره، وعدم الأخذ منه، وعدم قبول هديته، وعدم المبايعة معه والشراء مصلحة تردعه عن هذا العمل، فهذا يُهْجَر من أجل ابتغاء المصلحة، حتى الأكل! أليس النبي صلى الله عليه وسلم قبل دعوة اليهودي وأكل من طعامه؟!(2/59)
حكم أكل الدجاج الوطني المثلج
السؤال
ما حكم أكل الدجاج الوطني لمن لا يعلم كيف ذُكِّي؟
الجواب
ثبت في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها: (أن قوماً أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذَكَروا اسم الله عليه، أم لا؟ قال: سَمُّوا أنتم وكلوا.
قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر) تعني: لم يسلموا إلَّا الآن، لا يدرون هل يُسَمُّون أم لا؟ فقال: (سموا أنتم وكلوا) ، فأباح الأكل، وإن كنا لا ندري هل سُمِّي عليه أم لا؟ كذلك يباح الأكل أيضاً إن كنا لا ندري هل ذُبِح على طريقة سليمة أو غير سليمة؛ لأن القاعدة تقول: (الفعل إذا صدر من أهله فالأصل صحته ونفاذه) الأصل أنه صحيح نافذ إلا بدليل، فإن جاءنا مذبوحاً من مسلم أو من يهودي أو نصراني لا نسأل عنه، فلا نقول: كيف ذُبِح؟! ولا هل سُمِّي عليه أم لا؟! فهو حلال ما لم تقم بيِّنه على أنه حرام، وهذا من تيسير الله، وإلاَّ كان مشكلة، كلما قُدِّم لنا مذبوح نسأل: مَن الذي ذبح؟ فلان.
هل يصلي أم لا يصلي؟ يصلي.
هل سَمَّى أم لا؟ سَمَّى.
هل أنهر الدم أم لا؟ هذا مشكل؛ لكن من تيسير الله سبحانه وتعالى أن الفعل الصادر عن أهله، الأصل فيه الصحة والنفاذ إلا بدليل.
ولَمَّا كان هذا السؤال عن أكل الدجاج أضيفُ إليه أكل اللحم أيضاً، فليكن آخر سؤال؛ لأن الغداء قد قَرُب أيضاً، والأكل قريب إن شاء الله.
وأسأل الله أن يملأ قلوبنا علماً وإيماناً، وأن يغنينا بفضله عمن سواه.
ونستودعكم الله إلى لقاء آخر.
والسلام وعليكم ورحمة الله وبركاته.(2/60)
لقاء الباب المفتوح [3](3/1)
الضابط في الفتوى وكتم العلم
السؤال
بعض طلبة العلم يُسْألون فيتخوَّفون من الإجابة خوفاً من الفتيا بغير علم، ويتخوفون -كذلك- من عدم الإجابة حذراً من كتم العلم، فما هو الفيصل في ذلك حتى يسْلَموا من كلا الأمرين؟
الجواب
الفيصل في ذلك أن يتورعوا ويدَعوا الفتيا إلا إذا كان عن علم؛ لأن الله فصَّل ذلك تماماً، فقال: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] .
وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] .
فهذا هو الفيصل.
والنجاة من كتم العلم أن نقول: هم لم يعلموا حتى يكتموا، فلو علموا أن الحكم كذا وكذا وجب عليهم أن يبينوا؛ لكنهم ليس عندهم علم.
السائل: حتى إذا كان التورُّع في بعض المسائل الظاهرة؟ الشيخ: أحياناً تكون المسائل الظاهرة عند الناس غير موافقة للحق.
السائل: يعني: لا يمكن أن تسمى فتوى؟ الشيخ: مثلاً: لو سئل عن الربا، هل هو حرام أم حلال؟ فنَعم يقول: حرام.
السائل: أو قضايا في الصلاة أو نحو ذلك؟ الشيخ: حتى الصلاة هل كل قضاياها معلومة؟ السائل: يعني: حكم تاركها؟ الشيخ: لا بأس، الشيء المعلوم معلوم؛ لكن ما دام عندهم إشكال أو تردد يجب عليهم الامتناع، وفي هذه الحال ينبغي لهم أن يطلبوا من الإخوة السائلين كتابة الأسئلة لعرضها على أهل العلم.
السائل: وإذا نقلوا الفتاوى -أعني: في نفس كلامهم- عن العلماء؟ الشيخ: إذا نقلوا الفتوى عن العالم، وتأكدوا أن العالم قال هكذا في نفس هذه المسألة جاز لهم ذلك.
السائل: وينسبونه إلى العالم؟ الشيخ: إذا نسبوه إلى العالم لا بأس، مثل أن يقول: سمعتُ فلاناً أو الشيخ الفلاني يُسْأل عن هذه المسألة فقال: كذا وكذا.(3/2)
حكم سَوْق الهدي
السؤال
هل يلزم مِن سَوق الهدي أن يكون الإنسان قارناً؟
الجواب
سوق الهدي مسنون وليس بواجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولم يأمر به، والأصل فيما فعله النبي صلى الله عليه وسلم تعبداً دون أمر فإنه مسنون.
السائل: لو سقتُ هديي معي هل أكون متمتعاً؟ الشيخ: لا لا لا، أنت تسأل وتقول: هل يجب على مَن أراد القران أن يسوق الهدي؟ السائل: لا، أنا قلت: لو سقتُ الهدي هل يمكن أن أصير متمتعاً؟ الشيخ: لا، إذا سقتَ الهدي لا يمكن أن تكون متمتعاً؛ لأن المتمتع لا بد أن يتحلل من العمرة، والتحلل من العمرة لا يمكن مع سَوق الهدي.
السائل: طيب! ما تُعطي شركة الراجحي ألا يكون مِن سَوق الهدي؟ الشيخ: لا لا، هذا سَوق القروش وليس سَوق الهدي.
السائل: ولو اشترطوه قبل أن نذهب إلى مكة؟ الشيخ: ولو اشترطوه فليسوا هم الذين يسوقونه، هم يشترون إما من الخارج أو من مكة، لا ندري من أي مكان؛ لكنهم وكلاء لك، يشترون لك ويذبحون لك فقط.(3/3)
حكم السكنى أيام منى خارج منى
السؤال
ما رأيكم في أناس يذهبون للحج في كل عام؛ ولكنهم ينزلون خارج حدود مِنى طلباً للراحة حتى تكون السيارة إلى جانبهم، مع أنهم لو دخلوا إلى مِنى سيجدون أماكن؛ ولكنها وَعِرَة في الجبال أو كذا، فماذا نقول لهم؟
الجواب
قولوا لهؤلاء: الذين ينزلون خارج مِنى مع إمكان النزول في مِنى آثمون، ومتعدُّون لحدود الله؛ لأن الواجب على الحاج أن يكون في مِنى، إلا إذا لم يجد مكاناً فإن الله تعالى يقول في كتابه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ، ويقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] .
ورخص النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس أن يترك المبيت في مِنى ليالي مِنى؛ لأجل سقاية الحجاج.
فمن لم يقدر فهو من باب أَولى أن يُعْذَر.
أما أنهم يقدرون؛ ولكن يقولون: نريد الراحة، فأنا أشير عليهم براحة أكثر من هذا: أن يبقوا في بيوتهم حتى لا يتكلفوا عناء السفر، والنفقات، ومفارقة الأهل.
والحج لا بد فيه من المشقة؛ لأنه جهاد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين سألته عائشة: (هل على النساء جهاد؟ قال: نعم، جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة) .
وقال تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195] {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] .
فذِكْرُه إتمام الحج والعمرة لله بعد الإنفاق في سبيل الله يدل على أنه نوع من الجهاد وهو كذلك.(3/4)
حكم تأخير الصلاة ليلة مزدلفة حتى منتصف الليل
السؤال
ذكرتم في منسك الحج أنه لا يجوز تأخير الصلاة ليلة المزدلفة إلى بعد منتصف الليل، هل يمكن البقاء بـ عرفة للصلاة، خاصة إذا كان معه نساء مع توفر الماء بدلاً من بقائهم في الحافلة نحو ست ساعات، وقد لا يمكنهم الانحراف عن الخط مع حاجتهم إلى الماء، ولا يتمكنون من الوصول إلى المزدلفة إلا بعد منتصف الليل حين انصراف سيارات معظم الحجاج إلى مِنى؟
الجواب
هذا إذا كانوا يخشون ألَّا يصِلُوا إلى المزدلفة إلا بعد منتصف الليل، فإنه بمجرد غروب الشمس يُصَلُّون المغرب والعشاء في عرفة، ويمشون ما يتجاوز نصف الساعة، فربما إذا حملوا تقف السيارات قبل أن تركب الخط العام، وتغرب الشمس ويبقوا هناك ربع ساعة، وأحياناً نصف ساعة وهم لم يركبوا الخط العام بعد، فمثل هؤلاء يمكنهم إذا خافوا ألا يصِلُوا إلى المزدلفة إلا بعد منتصف الليل يمكنهم أن يصَلُّوا في عرفة.(3/5)
حكم تغيب الرجل عن زوجته فترة طويلة
السؤال
رجل يعمل لدينا في القصيم، ومتغيب عن أهله ثلاث سنوات، وتتصل عليه زوجته أكثر من ثلاث مرات فتقول له: ارجع.
وهو يقول: إذا رجعتُ إلى أهلي فإن لديَّ هناك غرماء، ربما أدخل السجن قبل أن أذهب إلى أهلي، فما رأي الشرع في هذا؟ الشيخ: تعني: أن هذا رجل متغيب عن زوجته من أجل الدَّين الذي عليه، ويخشى أنه إذا رجع إلى بلده أن يُمْسَك ويُحْبَس، وزوجته تطالبه بالرجوع، فنقول: يجب أن يرجع إلى زوجته، أو يستقدمها إلى مكانه، أو يطلقها.
السائل: وإذا استسمحها؟ الشيخ: وإذا استسمحها فسَمَحَتْ فالحق لها.(3/6)
التفاضل بين الحج والجهاد
السؤال
هل يستفاد من الحديث الذي صدَّرتم به اللقاء أن الحج أفضل من الجهاد في سبيل الله؟ الشيخ: من أي ناحية؟ السائل: من ناحية بقيته: (ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل.
) ؟
الجواب
أما بعمومه: (ما مِن أيامٍ العملُ الصالحُ.
) فهو يقتضي هكذا؛ لكن إذا كان الجهاد في هذه الأيام صار أفضل من غيره، فقوله: (ولا الجهاد في سبيل الله) أي: في غير هذه الأيام، وحينئذٍ يكون الجهاد في سبيل الله في هذه الأيام أفضل من غيره.
السائل: وكيف نوفق بين هذا الحديث وآية: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ} [التوبة:19] ، وقد قال شيخ الإسلام بأفضلية الجهاد استناداً إلى هذه الآية: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة:19] ؟! أفيدونا يرحمكم الله! الشيخ: الكفار والمشركون يفتخرون على المسلمين بأنهم يسقون الحجيج ويعمرون المسجد الحرام، فقال الله تعالى: أجعلتم هذا كهذا، أنتم لو عملتم هذا فسقيتم الحاج وعمرتم المسجد الحرام ومُتُّم على الكفر فلا حَظَّ لكم في هذا، {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] .(3/7)
حكم سعي المرأة بين العلمين الأخضرين في المسعى
السؤال
فضيلة الشيخ! ذَكَرْنا في درس المناسك: أن المرأة لا تسعى بين العَلَمين الأخضرين سعياً شديداً، للإجماع في ذلك، وقلنا: إنه إذا لم يكن هناك إجماع فالمرأة تسعى، ووقفتُ على كتاب المجموع للنووي قال فيه: أما المرأة ففيها وجهان: الصحيح المشهور وبه قَطَعَ الجمهور: أنها لا تسعى في موضع السعي، بل تمشي جميع المسافة سواء كان ذلك نهاراً أو ليلاً ولو في الخلوة؛ لأنها عورة.
والثاني: أنها إن سعت في الليل حال خُلُوِّ المسعى استحب لها السعي في موضع السعي كالرَّجُل.
والله أعلم، فأين ذِكْر الخلاف؟ الشيخ: الخلاف في صورة معينة وليس بمطلق، أعني: فيما إذا سعت ليلاً وليس في المسعى أحد ولا يمكن ذلك؛ لأن المسعى لا بد أن يكون فيه أحد.
السائل: وفي غير المواسم؟ الشيخ: لا بد أن يكون في المسعى أحد، نحن ذهبنا في غير أيام المواسم ووجدنا أن المسعى غير خال من الرجال.
فالخلاف هو في هذه الصورة المعينة؛ لأنها هي التي تشبه حال أم إسماعيل، أم إسماعيل ما كان عندها أحد؛ لكن هذه متى تأتي؟ لا تأت أبداً.
السائل: يعني إذا أتت ممكنٌ ذلك؟ الشيخ: وإذا أتت فممكن ذلك، فيكون هذا هو القول الصواب؛ لكن هذه لن تأت.(3/8)
مسألة في الرضاعة
السؤال
شخص رضع من امرأة ولها بنات، ثم طلقها زوجها وتزوجها رجل آخر، وأنجبت له بناتاً، فهل هن محارم للشخص هذا مثل بنات الرجل الأول؟ الشيخ: تعني: بنات زوجته من الرضاع؟ أنا فهمت أنك تريد الزوج الثاني هل يكون محرماً من التي أرضعته في حبال الزوج الأول؟ السائل: إي نعم.
الشيخ: لا.
الصحيح أنه لا يكون، نعم إن كان بناته من النسب فصحيح أنه محرم لهن.(3/9)
حكم موت كافر في سيارة مسلم في حادث
السؤال
شخص مسلم كان معه شخص كافر في سيارته، فانقلبت السيارة، فمات الشخص الكافر، فماذا يلزم تجاه هذا؟
الجواب
هذا ترجع فيه إلى المحكمة، والتي تحكم به إن شاء الله فهو خير.(3/10)
حكم بيع النقود المعدنية بالأوراق النقدية مع زيادة
السؤال
ما حكم بيع الدراهم المعدنية بالأوراق النقدية مع الزيادة، أي: أن البائع يأخذ الزيادة كأن يبيع التسعة بعشرة؟
الجواب
حكم بيع الدراهم المعدنية بالأوراق النقدية مع الزيادة أو النقص لا بأس به، بشرط أن يكون التقابض في مجلس العقد، وذلك لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد) .
وقد نص الفقهاء رحمهم الله على أن الفلوس التي يتعامل بها الناس لكونها معدناً لا ذهباً ولا فضة ليس فيها رباً: - فمنهم من أطلق وقال: ليس فيها رباً مطلقاً.
- ومنهم من قال: فيها ربا النسيئة.
وهذا أصح؛ لأنها لما كانت أثماناً وقيماً للأشياء أشبهت النقد الفضي والذهبي من وجه، فتُعْطَى بعض أحكامه من وجه آخر.
فأقرب الأقوال في هذه المسألة: أنه يجوز فيها ربا الفضل وهو الزيادة والنقص، ولا يجوز فيها ربا النسيئة وهو تأخير القبض.(3/11)
من تعذر عليه الانتقال من عرفة فلم يصل مزدلفة إلا فجراً
السؤال
لي أخ ووالده اشتركا في حملة الحج، وكانا مرتبطَين مع هذه الحملة، فعند النَّفْرة من عرفات إلى المزدلفة نَفَرا ولم يصِلا إلا مع أذان الفجر، فما الحكم عليهما؛ لأنهما كانا في الحافلة، فما استطاعا أن يوقفاها أو ينزلا؟ الشيخ: هل وصلا مع أذان الفجر المبكر قبل أن يرتفع النهار؟ السائل: وصلا وقت الأذان.
الشيخ: المهم ما طلع الفجر؟ السائل: نعم ما طلع الفجر.
الجواب
الصحيح في هذه المسألة: أن الإنسان إذا حبسه حابس ولم يصِلْ إلى المزدلفة إلا وقت صلاة الفجر المبكر، وصلى الفجر هناك أنه لا شيء عليه، ودليله: حديث عروة بن مضرِّس رضي الله عنه حين أدرك النبي صلى الله عليه وسلم في المزدلفة في صلاة الفجر، فقال: (يا رسول الله! قدمتُ من طيء، وأتعبت راحلتي، فما تركت جبلاً إلا وقفت عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بـ عرفة ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تَفَثَه) .(3/12)
حكم قياس عمل صالح على ركن من الأركان
السؤال
قلنا في مسألة الأضحية: إن الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأضحية التي لا تجزئ يُبَيِّن أربعة أشياء، وقسنا عليها بعض الأشياء التي إما أن تكون أَولى، أو تكون ظاهرة القياس للعلة بينها.
طيب! يا شيخ، قد يقول قائل: أنى نقيس على بعض أركان الإسلام أموراً أخرى على ما هي محددة في الحديث، فما هو الضابط فيها؟
الجواب
أولاً: العيوب التي نص عليها الشارع في الأضحية أربعة، لأنه سئل: (ماذا يُتَّقَى من الأضاحي؟ فقال: أربعاً، وأشار بيده: العوراء البيِّن عَوَرُها، والمريضة البيِّن مرضها، والعرجاء البيِّن ضلعها، والعجفاء التي لا تنقى) .
فهذه أربعة عيوب، ونحن نعلم أن الشريعة مبنية على الحكمة، فإذا نص الشارع على شيء كان نصاً عليه وعلى ما في معناه أو أَولى منه.
أما مسألة أركان الإسلام، لو أراد أحد أن يقيس عملاً صالحاً على ركن من الأركان منعناه: أولاً: لأنه من باب فعل الأوامر، وليس من باب الأوصاف التي عُلِّقت بها الأحكام، ولا يمكن أن نثبت أمراً إلا بإذن من الشرع.
ثانياً: أننا نقول لكل من أراد أن يلحق شيئاً من غير أركان الإسلام في أركان الإسلام: من قال لك: إن هذا الشيء الذي تريد إلحاقه يساوي عند الله ما يساويه الركن؟! لا يمكن، فلهذا يمتنع القياس بالأوامر، الأوامر لا يمكن أن تقيس عليها شيئاً، فتقول: إذا أمر الشارع بهذا أمر بهذا! أما مسألة العيوب أو الأحكام المعلقة بأوصاف: فمتى وجدت هذه الأوصاف في شيء أو ما هو أَولى منه ثبت فيه الحكم، أرأيت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (خمس من الدواب كلهن فواسق يُقْتَلن في الحل والحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأر، والكلب العقور) ؟! هل نقول: إن الأسد لا يُقْتَل في الحرم؟! يُقْتَل، وهو أَولى من الكلب العقور بالقتل.
هل نقول: إن الحية لا تُقْتَل في الحرم؟! لا نقول هذا، بل نقول: تُقْتَل؛ لأنه إذا نص على العقرب فالحية أشد ضرراً منها.
فإذا نص على شيء ثبت الحكم في مثله أو أَولى منه.
السائل: تعني: وجود العلة يا شيخ؟ الشيخ: نعم.(3/13)
كذب حديث (من حج فلم يزرني فقد جفاني)
السؤال
ما صحة الحديث القائل: (مَن حج فلم يزرني فقد جفاني) ؟
الجواب
الحديث الذي يُرْوَى عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَن حج فلم يزرني فقد جفاني) حديث موضوع مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم، لأمور: أولاً: أن زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لا تُمْكِن بعد موته، لأنه يقول: (فلم يزرني) ، فكيف يزور الرسولَ صلى الله عليه وسلم وهو مقبور؟ فالزيارة -إن ثبتت- فهي للقبر.
ثانياً: أن هذا الحديث لو صح لكان تَرْك الزيارة بعد الحج كفراً مخرجاً من الملة؛ لأن جفاء الرسول صلى الله عليه وسلم ردة مخرجة عن الإسلام.
فهذا الحديث موضوع مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم.(3/14)
الانقطاع عن النوافل التي يعتادها الإنسان
السؤال
امرأة كبيرة في السن تصوم العشر الأُوَل من ذي الحجة دائماً في كل سنة إلا هذه السنة، تقول: ما أنا بصائمة إلا ثلاثة أيام أو أربعة أيام، فهل عليها إثم؟
الجواب
المرأة التي كانت تعتاد أن تصوم العشر الأُوَل من شهر ذي الحجة، وهذه السنة كان فيها ما يمنع من مرض، أو تعب، أو كِبَر في السن، أو ما أشبه ذلك، نقول لها: إن النوافل لا تُلْزِم الإنسان، حتى وإن كان صحيحاً، فلو كان من عادة الإنسان أن يصوم البيض -مثلاً- ولكن لم يتمكن هذا الشهر، أو كسل عنها، فلا حرج عليه أن يدعها؛ لأنها نافلة؛ لكن إذا ترك الإنسان هذه النافلة لعذر كُتب له أجرُها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن مرض أو سافر كُتِب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) .(3/15)
من تمتع بالعمرة إلى الحج وفصل بينهما بسفر
السؤال
من أحرم من ميقات أهل المدينة للحج وذهب إلى مكة واعتمر يوم الثالث من ذي الحجة، وبعد انتهائه من العمرة ذهب إلى جدة حيث هناك أهله، وعاد يوم الثامن من ذي الحجة ونزل إلى مكة، هل يجوز سفره هذا من مكة إلى جدة بعد انتهائه من العمرة؟
الجواب
إذا أحرم الإنسان متمتعاً بالعمرة إلى الحج وانتهى منها فله أن يسافر إلى بلده أو غيره؛ لكنه إذا سافر إلى بلده ثم عاد من بلده محرماً بالحج انقطع تمتعه وصار مفرِداً؛ لأن سفره الأول انقطع برجوعه إلى بلده، فإذا أنشأ سفراً للحج أنشأ سفراً جديداً وصار مفرِداً، أما إذا كان سفره إلى بلدٍ آخر غير بلده ثم رجع من هذا البلد محرماً بالحج فإنه لا يزال متمتعاً، هذا هو القول الصحيح في هذه المسألة.
ومن العلماء من قال: إذا سافر بين العمرة والحج مسيرة قصر انقطع التمتع، سواء سافر إلى بلده أو إلى غير بلده.
ومن العلماء من قال: إذا سافر لم ينقطع تمتعه سواء سافر إلى بلده أو إلى غير بلده.
ولكن القول الوسط هو الذي نختاره، وهو التفريق بين رجوعه إلى بلده وبين رجوعه إلى بلدٍ آخر، وهو الذي رُوِي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو الذي يقتضيه المعنى؛ لأن حقيقة الأمر أنه إذا رجع إلى بلده ثم عاد منه محرماً بالحج، حقيقة الأمر أنه لم يحصل له التمتع بين العمرة والحج في سفرٍ واحد، بل هما سفران مستقلان، أي: مستقل كل واحدٍ منهما عن الآخر.
السائل: ومن أين يحرم للحج؟ الشيخ: في مثالك الذي ذكرته: إذا رجع إلى جدة فلا بد إذا عاد إلى مكة أن يحرم بالحج من جدة.
السائل: من ميقات المدينة إلى مكة؟ الشيخ: من ميقات المدينة إلى مكة هذه للعمرة، فلما خرج إلى أهله في جدة، وجاء موسم الحج فإنه يحرم بالحج من جدة ويحج مفرِداً.(3/16)
نصيحة مانعي الزكاة
السؤال
من أمر أهله بزكاة عروض التجارة فلم يستجيبوا له، ماذا يصنع معهم؟
الجواب
إذا أمر أهله بزكاة عروض التجارة فلم يزكوا فهو كمن أمر بالمعروف ولم يُفْعَل المأمور، ليس عليه إثمهم في شيء؛ لقوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] ؛ لكن عليه أن يكرر نصحهم لعل الله أن يهديهم.
السائل: هل يزكي عنهم؟ الشيخ: لا يزكي عنهم، حتى ولو زكى عنهم لم ينفعهم ما داموا لم يوكلوه، وما داموا مصرِّين على عدم الزكاة.(3/17)
حكم أخذ الجوائز من التجار لمن يشتري منهم
السؤال
فضيلة الشيخ! معي كتاب عنوانه: دروس وفتاوى الحرم المكي لفضيلتكم، فيه سؤال موجه إليكم: ما رأي فضيلتكم فيما يفعله بعض التجار من توزيع كروت على معروضاتهم، بحيث من يشتري بمبلغ معين يحصل على جائزة معينة، أو تكون على شكل ملصقات مجزأة، فالذي يحصل على كامل أجزائها يحصل على ما فيها من الصورة.
وكان في نهاية إجابتكم: وصورة ثالثة لم يذكرها السائل: مثل: أن يقول البائع: من يشتري مقدار ألف ريال، فإنه سوف تُجْعَل قرعة بينه وبين غيره في جائزة قدرها خمسون ريالاً مثلاً.
فهذه لا شك في تحريمها ولا تجوز.
هكذا كان في إجابتكم، وأنا سمعتُ من أكثر من شخص أنكم أجزتم لبعض المحلات في عنيزة مثل أسواق العزيزية أنهم يضعون سيارات جوائز، ويكون فيها قرعة للمشترين، فمن تكون من نصيبه يأخذها.
فما الفرق بين هذا وهذا؟
الجواب
الفرق بينهما: أنه إذا كان المشتري يشتري بالثمن المعتاد بدون زيادة ولا أُخِذ منه شيء فهو إما سالم وإما غانم.
وفي المثال الذي ذكرناه أنه يَدْفَع، لكنه يدفع شيئاً قبل أن يساهم، فإذا دفع شيئاً فإما أن يكون غارماً، وإما أن يكون غانماً، والقاعدة: أن كل معاملة يكون فيها المعامل إما غانماً أو غارماً أنها من الميسر فلا تجوز.
السائل: مثلاً يشتري شخص بمائة ريال ويأخذ كرتاً، وبعد القرعة ربما تكون من نصيبه.
الشيخ: إي نعم، لكن يشتري بالقيمة العادية، أعني: لا يُزاد عليها، ولا أُخِذَ منه شيء، ويشتري بنفس القيمة، فهذا ليس فيه شيء.
السائل: أيكون هذا الفعل ليس جائزاً؟ الشيخ: اقرأ الكتاب.
السائل: مثلاً: أن يقول البائع للذي اشترى منه بمبلغ ألف ريال: سأجعل قرعة بينك وبين غيرك بجائزة وقدرها خمسون ريالاً مثلاً فهذا لا شك في تحريمه ولا يجوز؟ الشيخ: لا لا، ربما هناك خطأ، فهذا جائز.
السائل: مثل أن يقول البائع: من اشترى مني مقدار ألف ريال فإنني سوف أجعل القرعة بينه وبين غيره في جائزة قدرها خمسون ريالاً مثلاً، فهذا لا شك في تحريمه ولا يجوز؟ الشيخ: لا يمكن، فيها خطأ، وهذه النسخة كثيرة الغلط.
السائل: تعني أن هذا جائز؟ الشيخ: نعم، هذا جائز.(3/18)
مشروعية التقرب إلى الله بذبيحة
السؤال
رجل يتقرب إلى الله بذبيحة لكن في غير وقت الأضحية؟
الجواب
من المعلوم أن التقرب إلى الله بذبيحة في غير وقت الأضحية لا يُؤخذ عليه أجر الأضحية؛ لكن إن تصدق بلحمها فله أجر الصدقة، وأما أن يأخذ أجر الأضحية فلا، وحينئذٍ نقول له: لا تتقرب إلى الله بالذبح إلا على نية أنك تريد أن تتقرب بالصدقة بلحمها.(3/19)
حكم الأعياد المحدثة
السؤال
ما رأيك يا شيخ بما يُسْمَى باليوم الوطني، وفي بعض الدول بالعيد الوطني؟ الشيخ: رأيي في هذا -بارك الله فيك- أن توجه السؤال إلى المسئولين عن هذا التنظيم، وهم يجيبونك.(3/20)
حكم صلاة المغرب مع الإمام الذي يصلي العشاء
السؤال
رجل يجمع بين صلاتي المغرب والعشاء، فدخل المسجد للصلاة وكان في نيته أن يصلي المغرب فوجد الإمام يصلي العشاء، فكيف تكون طريقة إدراك الإمام هنا؟ ولكم في ذلك فتوى مشهورة؟
الجواب
أصح الأقوال في هذا: أن يدخل معهم بنية المغرب، ثم إذا قام الإمام للرابعة وهو قد صلى يجلس ويتشهد ويسلم.
السائل: طيب! هذا المشهور عنكم يا شيخ؛ لكن ألا يتعارض هذا مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جُعِل الإمام لِيُؤْتَمَّ به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا سجدوا فاسجدوا) ؟ الشيخ: أقول: ما ذكرتُه لك -بارك الله فيك- لا يتعارض مع الحديث؛ لأن هذا مُؤْتَم بإمامه؛ ولكنه تخلف عنه حينما نوى الانفراد للتشهد، فكان ذلك عذراً شرعياً؛ لأن صلاته هي المغرب ولا تزيد على الثلاث، والمتخلف عن الإمام بعذر شرعي لا يعد عاصياً ولا آثماً.(3/21)
تسمية المولود بـ (مهاد)
السؤال
سؤالي عن تسمية الأبناء: أنا سميتُ ابنتي (مهاد) ، هل يجوز التسمي بهذا الاسم المذكور أم لا؟
الجواب
لا بأس أن تسميها بـ (مهاد) .(3/22)
حجز الأماكن في المسجد
السؤال
ما يفعله كثير من الناس من حجز المكان في المسجد الحرام أو في غيره، فيضع كرسي المصحف مثلاً على مكانه، ويأتي بعد ست أو سبع ساعات، فيحجز عن غيره من المسلمين الذين يأتون قبله، هل يجوز هذا أم لا؟
الجواب
الذي نرى في حجز الأماكن في المسجد الحرام أو في غيره من المساجد أنه إن حجز وهو في نفس المسجد، أو خرج من المسجد لعارض وسيرجع عن قريب، فإنه لا بأس بذلك؛ لكن بشرط: إذا اتصلت الصفوف يقوم إلى مكانه، لئلا يتخطى الرقاب.
وأما ما يفعله بعض الناس أن يحجز أحدهم ويذهب إلى بيته فينام ويأكل ويشرب، أو إلى تجارته فيبيع ويشتري، فهذا حرام ولا يجوز.
هذا هو القول الصحيح في هذه المسألة.
ولكن قد يُرَدُّ علينا بمسألة الحجز في مِنى، فإنه يُذْكَر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: (ألا نبني لك بناء - أي: في مِنى - فقال: مِنى مناخ مَن سَبَق) .
فنقول: إذا حجز الناس في مِنى فاحجز؛ لأنه لو لم تفعل ما وجدتَ مكاناً، لو أن الناس كلهم اتقوا الله عز وجل وتركوا الحجز وصار مَن سَبَق فهو أحق فهذا هو الخير؛ لكن الآن يحصل العكس؛ إلا أنه بحمد الله في ظني أن ما حصل أخيراً من الحملات التي تأخذ أرضاً بإذن المسئولين عن توزيع الأراضي هي أهون بكثير من الحجز؛ لأنه بذلك تكون البقاع منظَّمة، وكل إنسان يعرف مكانه.(3/23)
حكم زكاة الحلبة والرشاد ونصابهما
السؤال
بعض المزارعين يزرع الحلبة والرشاد، هل يجب فيهما الزكاة أم لا؟
الجواب
تجب الزكاة في الحلبة والرشاد بشرط: أن تبلغا نصاباً، ولا يُضمُّ بعضهما إلى بعض، الحلبة وحدها، والرشاد وحده، أما إذا لم تبلغا النصاب فلا زكاة فيهما.
السائل: وما هو النصاب فيهما؟ الشيخ: ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم.(3/24)
حال المؤمنة في الآخرة إذا توفيت ولم تتزوج
السؤال
المؤمنة إذا توفيت ولم تتزوج بعد، فما هو مصيرها في الجنة؟ لأن المؤمنة إذا توفيت ولها زوج فهي تكون مع زوجها في الجنة، وإن كان لها زوجان خُيِّرت بينهما، طيب! المؤمنة التي توفيت ولم تتزوج بعد، فماذا يكون مصيرها في الجنة؟
الجواب
إذا لم تتزوج فسيجعل الله لها زوجاً: {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً} [الواقعة:35] {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً} [الواقعة:36] {عُرُباً أَتْرَاباً} [الواقعة:37] سيجعل الله لها زوجاً من أهل الجنة.
لكن ربما تقول لي: أليس نقول في دعاء الجنازة: (اللهم أبدلها زوجاً خيراً من زوجها) ، وهذا الدعاء مُشْكِل؛ لأنها إن كانت متزوجة فكيف نقول: (اللهم أبدلها زوجاً خيراً من زوجها) ، وإن كانت غير متزوجة فأين زوجها؟ الجواب عن هذا أنْ نقول: إنَّ قولنا: (أبْدِلْها زوجاً خيراً من زوجها) فيما إذا كانت غير متزوجة، فالمراد: خيراً من زوجها المقدر لها لو بقيت، وأما إذا كانت متزوجة فالمراد بكونه خيراً من زوجها أي: خيراً منه في الصفات في الدنيا؛ لأن التبديل يكون: 1- بتبديل الأعيان كما لو بعت شاة ببعير مثلاً.
2- ويكون بتبديل الأوصاف كما لو قلت: بدل الله كفر هذا الرجل بإيمان، وكما في قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم:48] والأرض هي الأرض؛ لكنها مدت، والسماء هي السماء؛ لكنها انشقت.(3/25)
حكم الرضاع من الإناء
السؤال
الرضاعة من الكأس إذا كان في الحولين هل يحرم؟
الجواب
الرضاع سواء كان من الكأس أو من الثدي محرم إذا بلغ خمس مرات؛ لأنه مُغَذٍّ سواء من الكأس أو من الثدي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الرضاعة من المجاعة) فالرضاع الذي يغني من المجاعة يحرم سواء من الثدي مباشرة أو بواسطة الإناء.(3/26)
عدم مشروعية الموعظة على القبر بصفة دائمة
السؤال
الموعظة بصفة دائمة على القبر ما حكمها؟
الجواب
الذي أرى أنها خلاف السنة؛ لأنها ليست على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أنصح الخلق للخلق، وأحرصهم على إبلاغ الحق، ولم نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم وعظ على القبر قائماً فيتكلم كما يتكلم الخطيب أبداً، إنما وقع منه كلمات، مثل: ما وقع منه حين انتهوا إلى القبر ولما يلحد، فجلس عليه الصلاة والسلام وجلس الناس حوله، فجعل ينكُتُ بمخصرة معه بالأرض ويحدثهم ماذا يكون عند الموت.
وهذه ليست خطبة، ما قام خطيباً في الناس يعظهم ويتكلم معهم أبداً.
ثانياً: حينما كان قائماً على شفير القبر قال صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة أو النار، فقالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل؟ قال: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له) .
وأما أن يُتَّخَذ هذا عادة، كلما دُفِن ميتٌ قام أحد الناس خطيباً يتكلم، فهذا ليس من عادة السلف إطلاقاً، وليُرْجَع إلى السنة في هذا الشيء، وأخشى أن يكون هذا من التنطُّع؛ لأن المقام في الحقيقة مقام خشوع وسكون وليس مقام إثارة العواطف، ومواضع الخطبة هي المنابر والمساجد كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل هذا، ولا يمكن أن نستدل بالأخص على الأعم.
فلو قال قائل: سنجعل حديث علي حينما وقف على شفير القبر، وكذلك الحديث الآخر حينما جلس ينتظر أن يلحد القبر وتحدث إليهم، لو قال قائل: نريد أن نجعله أصلاً في هذه المسألة.
قلنا: لا صحة لذلك؛ لأنه لو كان أصلاً في هذه المسألة لاستعمله النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، فلما تركه كان تركه هو السنة.(3/27)
حرمة كشف المرأة وجهها أمام الأجانب
السؤال
إذا كان الزوج فاسقاً وتخشى زوجته أن يُدْخِل عليها أحدَ الرجال الأجانب، أو شيئاً من هذا القبيل؛ حيث أنه صرح باللفظ وهو غاضب، فهل تترك الزوجة بيت زوجها وتذهب إلى بيت أبيها، أم تظل في بيتها وتطلب الطلاق؟ الشيخ: لماذا يُدْخِل الرجالَ عليها؟ السائل: هو نطق بلسانه فقال ذلك.
الشيخ: الزوج قال للزوجة: سوف أُدْخِل الرجالَ عليك؟ السائل: نعم.
الشيخ: لأي شيء يُدْخِلهم؟ السائل: هذا رجل قال هذه الكلمة غاضباً.
الشيخ: أقول: لأي شيء يُدْخلهم؟ السائل: صدرت منه صريحةً هكذا.
الجواب
أقول: تنتظر، لا تخرج من البيت حتى يُدْخِل الرجال عليها، فإذا أَدْخَل الرجالَ عليها وألزمها أن تبقى عند الرجال مكشوفة الوجه فحينئذٍ لها الحق في أن تطالب بالطلاق؛ ولكني لا أظن رجلاً مؤمناً بالله واليوم الآخر وعنده غيرة الرجال على نسائهم أن يفعل هذا الشيء.
مداخلة: من الناس من يرى ارتداء الحجاب حراماً؟! الشيخ: الذين يحرمون ارتداء الحجاب لا شك أن عندهم نقصاً في العلم، ونقصاً في الدين، ونقصاً في الغيرة، ولا يطاعون في ذلك، ويجب على المرأة أن تعصي زوجها إذا أمرها بكشف وجهها وجوباً.(3/28)
الفتح على الإمام في القراءة إذا أخطأ
السؤال
هل يجب على المأموم أن يصحح للإمام إذا أخطأ في قراءته للقرآن؟
الجواب
إذا أخطأ الإمام في القراءة الواجبة كقراءته الفاتحة وجب على المأموم أن يفتح عليه.
وإذا كان في القراءة المستحبة نَظَرْنا: فإن كان يغير المعنى وجب عليه أن يرد عليه، وإن كان لا يغير لم يجب.(3/29)
جواز تدريس الأعمى للنساء
السؤال
ما حكم دخول الكفيف على النساء لقصد التعليم في المدارس؟
الجواب
دخول الرجل الأعمى على النساء للتعليم لا بأس به؛ لأنه يجوز للمرأة أن تنظر إلى الأعمى ما لم يكن هناك فتنة، والدليل على هذا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لـ فاطمة بنت قيس: (اعتَدِّي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك عنده) ، وأذِنَ لـ عائشة أن تنظر إلى الحَبَشَة وهم يلعبون في المسجد.
لكن إن حصل من هذا فتنة بكونه يتلذذ بصوت المرأة، أو يُدْنيها إلى جنبه مثلاً، ويمسك على يدها، وما أشبه ذلك فإنه لا يجوز، لا من أجل أنه يحرم النظر إلى الرجل، ولكن من أجل ما اقترن به من الفتنة.(3/30)
مشروعية الحج عن المريض
السؤال
شاب بلغ من عمره عشرين عاماً وهو مصاب بسيلان الدم -أي: عنده جرح في كوعه يسيل الدم منه- وهو أعرج أيضاً، ولم يحج، فيريد الحج هذا العام، فماذا يصنع علماًَ بأنه خائف من زحمة الحجاج في هذا العام من أن يقع له جرح بسبب سيلان الدم؟
الجواب
إذا كان هذا الشاب مستطيعاً بماله؛ ولكنه غير مستطيع ببدنه فإنه يوكل مَن يحج عنه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن أبي أدْرَكَتْه فريضة الله على عباده بالحج شيخاً لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم) ، فإذا كان هذا الرجل لا يستطيع الحج لكونه أعرجاً، ولأنه إذا جرح بأي جرح لا يُرْقَأ دمه بل ينزف وهذا خطر على حياته فهو معذور، من أجل العرج مع مشقة الازدحام، وإن لمن يحج فلا إثم عليه.
السائل: وإذا كان يُرْجَى برؤه؟ الشيخ: إذا كان يرجى برؤه فإنه يؤخر حتى يشفيه الله.(3/31)
حكم الأضحية
السؤال
ما هو القول الصحيح في حكم الأضحية؟
الجواب
الذي يظهر لي أن الأضحية ليست بواجبة؛ ولكنها سنة مؤكدة يُكْرَه للقادر تركها.(3/32)
حج المرأة بلا محرم
السؤال
إن حجت المرأة بدون محرم، فهل عليها الحج مرة أخرى، ويكون الحج الأول قد سقط عنها؟
الجواب
إذا حجت المرأة بلا محرم فهي عاصية لله ورسوله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتُتِبْتُ في غزوة كذا وكذا، قال: انطلق فحج مع امرأتك) ؛ لكن الحج مجزئ، أعني: لا يلزمها أن تعيده مرة أخرى، بل عليها أن تتوب إلى الله وتستغفر مما حصل منها.(3/33)
حكم التسبيح بالسبحة
السؤال
من ناحية التسبيح بالمسبحة هل هي بدعة، وهل يُنْكَر على المسبح بالمسبحة؟
الجواب
أولاً: التسبيح بالمسبحة تركه أَولى وليس ببدعة؛ لأن له أصلاً وهو تسبيح بعض الصحابة بالحصى؛ ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن التسبيح بالأصابع أفضل، وقال: (اعْقِدْنَ -يخاطب النساء- بالأنامل، فإنهن مُسْتَنْطَقات) ، فالتسبيح بالمسبحة ليس حراماً ولا بدعة؛ لكن تركه أَولى؛ لأن الذي يسبح بالمسبحة ترك الأَولى.
ثانياً: ربما يشوب تسبيحَه شيءٌ من الرياء؛ لأننا نشاهد بعض الناس يتقلَّد مسبحة فيها ألف خرزة كأنما يقول للناس: انظروني، إني أسبح ألف تسبيحة.
ثالثاً: أن الذي يسبح بالمسبحة في الغالب يكون غافل القلب، ولهذا تجده يسبح بالمسبحة وعيونه في السماء وعلى اليمين وعلى الشمال، مما يدل على غفلة القلب.
فالأَولى أن يسبح الإنسان بأصابعه، والأَولى أن يسبح باليد اليمنى دون اليسرى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يعْقِد التسبيح بيمينه) وإن سبح باليدين جميعاً فلا بأس؛ لكن الأفضل أن يسبح بيده اليمنى فقط.(3/34)
رجل استدان من بنك لعمل محل فأفلس وحكم الزكاة عليه
السؤال
رجل يملك محلاً تجارياً، والجزء الكبير من رأس ماله كان سلفة بَنْكِيَّة من بنك الرياض، وبعد سنتين أفلس المحل وعليه بعض الديون، فهل يُخرج زكاة السنتين؟ علماً بأنه الآن موظف.
الشيخ: لكن هل أفلس قبل أن تجب الزكاة أو بعدما وجبت؟ السائل: أفلس بعد تمام سنتين.
الشيخ: عليه الزكاة.
السائل: كيف يخرج الزكاة؟! لأن السنة الأولى كان معروفاً رأس المال فيها، وأما السنة الثانية فلم يُعْلَم؟ الشيخ: يَتَحَرَّى، والقصة هذه التي ذكرتَ أن الرجل تسلف من البنك، وفتح هذا المحل وحصل عليه الإفلاس، يجب أن نتخذ منها عبرة من وجهين: الوجه الأول: أن ما بُنِي على باطل فإن الله لا يجعل فيه خيراً كثيراً ولا بركة.
الوجه الثاني: أنه لا ينبغي للإنسان أن يستدين من أجل فتح المحل؛ لأن هذا من سوء التصرف، كيف تُشْغِل ذمتك بمال لا تدري هل تقدر على رده أم لا؟! والعامة يقولون مثلاً صحيحاً: (مُد رِجْلَك على قدر لحافك) ؛ لأنك لو مددتَ رِجْلَك على أكثر من لحافك برَزَتْ وظَهَرَت.
فلهذا أشير على إخواني ألا يكونوا جشعين، يستدينون ليفتحوا محلاً أو يُكَثِّروا التجارة، بل ما كان عندهم من المال اتجروا به على الوجه المباح، وما لم يكن عندهم فلا يطلبوه.
السائل: في السنة الثانية نفذ المال.
الشيخ: إذا أفلس ونفذ ماله قبل السنة الثانية، فالسنة الثانية ليس عليه الزكاة فيها.
السائل: إذا كان البنك لا يأخذ فوائد؟ الشيخ: قولك: إذا كان البنك لا يأخذ فوائد غير وارد، البنك لا يمكن أن يعطيك قرشاً واحداً إلا وهو ضامن الربا.
السائل: البنك العقاري؟ الشيخ: البنك العقاري لم يُسَمِّه، بل هو عَيَّنَ وقال: بنك الرياض.
السائل نفسه: الشيخ: لا يعطي البنك العقاري إلا عن طريق الحكومة؛ لكن الحكومة جعلت عن طريق البنك فقط، ليس من ماله، البنك لا يمكن أن يعطيك من ماله إلا وقد أخذ عليه ربحاً حتى إنه كلما زاد الأجل زاد في الربا.(3/35)
من أحكام التسليم في الصلاة
السؤال
التسليم من الصلاة هل يكون مصاحباً للالتفات، أو بعده؟
الجواب
التسليم للصلاة يكون مع الالتفات، من حين تبدأ التفت حتى تقول: (عليكم) وأنت ملتفت تماماً؛ لأنك تخاطب مَن وراءك.
أما بعض الناس يقول: (السلام عليكم) ، فيرفع رأسه وإذا بقي (عليكم) التفت بسرعة، هذا ليس له أصل يا أخي، وليس بصحيح، إنما تقول: (السلام عليكم) من حين تبدأ بالجملة تبدأ بالالتفات حتى يكون التفاتك عند قولك: (عليكم) ؛ لأنك تخاطب الجماعة وراءك.(3/36)
مقولة: (بأبي أنت وأمي)
السؤال
هل يجوز افتداء النبي صلى الله عليه وسلم بقولنا: (بأبي أنت وأمي) ، أو (هو بأبي وأمي) في هذا الزمن خصوصاً؟
الجواب
نعم، العلماء رحمهم الله يقولون: (بأبي هو وأمي) إلى يومنا هذا، حتى نجد هذا كثيراً في عبارة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولا شك أنه يجب على الإنسان أن يفدي الرسول صلى الله عليه وسلم بأمه وأبيه وولده ونفسه.(3/37)
حكم سحب الدم للصائم
السؤال
هل يجوز للصائم أن يسحب دمه في المستشفى أو في غير المستشفى؟
الجواب
هذا يُنْظَر: إذا كان الدم المسحوب قليلاً مثل الذي يسحب للاختبار للتحليل فهذا لا بأس به ولا حرج فيه.
أما إذا كان كثيراً يؤثِّر كما تؤثِّر الحجامة فالصحيح أنه لا يحل له ذلك إذا كان صومه واجباً؛ لأن هذا يفطر، وإن كان تطوعاً فلا حرج عليه في هذا؛ لأن التطوع يجوز للإنسان أن يقطعه.(3/38)
حكم من أغمي عليه في نهار رمضان
السؤال
امرأة أصيبت بجلطة قبل رمضان ولَمْ يُغْمَ عليها إغماء كاملاً، فكانت تبدأ بالصلاة وأثناء الصلاة تخاطِب مَن حولها، ولما قرب رمضان أغمي عليها إغماء كاملاً؛ ولكن الأطباء قالوا: إنها تسمع، ثم توفيت في رمضان فهل يكفَّر عنها؟
الجواب
هذه -بارك الله فيك- التي أصيبت بجلطة قبل رمضان وبقيت مغمىً عليها أو فاقدة الشعور، يُطْعَم عنها لكل يوم مسكين؛ لأن الصحيح أن الإغماء لا يمنع وجوب الصوم، وإنما يمنع وجوب الصلاة، فلو أغمي على إنسان بغير اختياره وبقي يومين أو ثلاثة فلا صلاة عليه، أما إذا كان باختياره كما لو أغمي عليه بواسطة البنج فإنه يلزمه القضاء.(3/39)
حكم استخدام الموسيقي في الجيش
السؤال
يتحرج كثير من الطلبة العسكريين الذين منَّ الله عليهم بالالتزام من سماع الموسيقى -أعني: موسيقى المشاة- فكيف يتصرفون؛ حيث أن الموسيقى إجبارية؟!
الجواب
لا شك أن الموسيقى في الجيش وغير الجيش من البلاء الذي أصيب به الناس اليوم، وصار جزءاً من أعمالهم في بعض الجهات، وهذا لا شك أنه جهلٌ بالشريعة، أو تهاونٌ، أو تقليدٌ لبعض مَن أجاز ذلك من أهل العلم؛ لأن مِن العلماء مَن أجاز المعازف بِحجة أن حديثها الذي في صحيح البخاري فيه انقطاع -كما يزعمون- ومن هؤلاء: ابن حزم، وبعض العلماء المعاصرين، فربما يعتمد بعض الناس على مثل هذه الأقوال الضعيفة، ويرى أن لنفسه حجة في هذا.
لكننا نرى أن المعازف حرام سواء في الجيش أو في غير الجيش، وأنه يجب على المسلمين أن يستغنوا بما أحل الله لهم عما حرم الله عليهم، وليست الشجاعة ولا الإقدام مبنية على هذه أبداً، الذي يملأ القلوب شجاعة وإقداماً هو ذكر الله عز وجل، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45] ، هذا هو الذي يملأ القلوب شجاعة وإقداماً.
لكن على كل حال: هؤلاء الإخوة الذين يكرهون الموسيقى أو العزف هم مأجورون على كراهتهم، ومثابون عند الله، فإن قدروا على إزالتها أو تخفيفها فهذا هو المطلوب، وإن لم يقدروا فلا تُتْرك المصالح العظيمة في الالتحاق بالجيش من أجل هذه المفسدة اليسيرة بالنسبة للمصالح؛ لأن الإنسان ينبغي له أن يقارن بين المصالح والمفاسد، وأهل الخير إذا تركوا مثل هذه الأعمال من أجل هذه المعصية بقيت لأهل الشر، وتعرفون خطورة الجيش فيما لو لم يُوَفَّق لأناسٍ من أهل الخير، ولا أحب أن أعيِّن بضرب الأمثلة، لَمَّا استولى أهلُ الشر والفساد على الجيوش ووصلوا إلى سدة الحكم، ماذا كان؟! كان من الشر والفساد ما الله به عليم.
فأنا أحث إخواني الملتزمين خاصة بأن يلتحقوا بالجيش، وأن يستعينوا بالله عز وجل في إصلاح ما أمكنهم إصلاحه، وهذه المفسدة -أعني: مفسدة الموسيقى أو العزف- مفسدة لا شك فيها عندي، وإن كان فيها اختلاف أشرتُ إليه قبل قليل؛ لكني أقول: هذه المفسدة تنغمر بجانب المصالح العظيمة الكبيرة في أن يتولى قيادة الجيش أناس من أهل الدين والصلاح.(3/40)
حكم القول بأن السيئات يذهبن الحسنات
السؤال
ورد أن الحسنات يذهبن السيئات، فهل السيئات يذهبن الحسنات؟
الجواب
الحسنات يذهبن السيئات فتمحوها محواً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفِّرات لما بينهن إذا اجتُنِبت الكبائر) .
وأما أن السيئات تمحو الحسنات فلا، لكنها عند الموازنة يوم القيامة قد تَغْلِب على الحسنات، قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:47] ، فيوازَن بين الحسنات والسيئات، فربما تكثُر السيئات على الحسنات، فيستحقُّ الإنسان دخول النار، يُعَذَّب بها بقدر ذنبه، وربما تتساوى الحسنات والسيئات، فيكون الإنسان من أهل الأعراف الذين تساوت حسناتهم وسيئاتهم، لا يدخلون النار ولا يدخلون الجنة إلا بعد أن يشاء الله عز وجل، وربما تزيد الحسنات، فيكون من أهل الجنة.(3/41)
نية المسافر للقصر أثناء الصلاة
السؤال
هل يجوز تغيير النية في الصلاة إذا كان في السفر من القصر إلى الإتمام إذا شك في قربه من المدينة التي هو مقيم فيها؟
الجواب
الأصل في صلاة السفر القصر، ولهذا لا يحتاج إلى نية، أي: إذا دخلتَ الصلاة الرباعية وأنت مسافر وإن لم تنوِ القصر فاقصر؛ لأن الأصل في صلاة السفر القصر كما ثبت في صحيح البخاري وغيره أنه (أول ما فُرِضَت الصلاة ركعتين، فأُقِرَّت صلاة السفر، وزِيْدَ في صلاة الحَضَر) .
ولهذا كان القول الراجح: أن صلاة القصر لا تحتاج إلى نية في السفر.
نسأل الله أن يجمعنا وإياكم على طاعته، وأن يهب لنا منه رحمة وعلماً نافعاً وعملاً صالحاً.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.(3/42)
لقاء الباب المفتوح [4]
مضى عام من عمرك، أيامك فيه معدودة، وأعمالك فيه مكتوبة، فإن كنت ممن قدم فيه الصالحات فاحمد الله، واثبت على ذلك.
وإن كانت الأخرى فبادر بالتوبة، ما دمت في زمن النور قبل أن تصير إلى ظلمة القبور.
كما أجاب الشيخ رحمه الله عن العديد من الأسئلة المتناثرة، منها ما يتعلق بمناسك الحج، ومنها ما يتعلق بأحكام الصلاة وغير ذلك.(4/1)
بين يدي عام جديد
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد: فإن هذه الجلسة الأولى من هذا الشهر المحرم عام (1413هـ) ، وهي الجلسة الأولى لهذا العام أيضاً، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لقاءاتنا دائماً على الخير والبركة فيما ينفعنا وينفع المسلمين.(4/2)
وقفة محاسبة
أيها الإخوة: تعرفون ما لله سبحانه وتعالى من الحكم البالغة في تعاقب الليل والنهار، والشهور والأعوام، ومن ذلك ما أشار إليه في قوله: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} [الفرقان:62] أي: يخلف بعضه بعضاً {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:62] ، فإن الإنسان يتذكر كلما تجدد يومٌ وليلة، يتذكر ويعمل العمل الصالح، ويجدد له ذلك نشاطاً يجده في نفسه، وراحةً يجدها في قلبه، بتجدد الزمان عليه، وتعاقب الليل والنهار، وكذلك بالنسبة للسنوات والشهور، وإذا كان تجار الدنيا يحصون ما حصل لهم في العام عند نهايته، فإن الذي ينبغي لتاجر الآخرة -وتجارة الآخرة أعظم وخير وأبقى- أن يحاسب نفسه على ما مضى من عامه، ويجدد النشاط لما يستقبل من عامه الجديد، أقول هذا وأنا أعتبر نفسي أشد الناس تقصيراً، ولكني أستغفر الله وأتوب إليه.(4/3)
بادر ما دمت في المهلة قبل النقلة
إن المؤمن يتذكر فيما يتذكر بتجدد الأعوام والسنين، يتذكر من كان معه من إخوانه في مثل هذا الوقت من العام الماضي، حيث انفردوا بأعمالهم في قبورهم مرتهنين، لا يملك الواحد منهم زيادة حسنة ولا نقص سيئة، ويعلم علم اليقين أن هذا سيكون له إن عاجلاً وإن آجلاً، فينتهز الفرصة بالعمل الصالح حتى لا يغبن في حياته، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ) فكم من إنسان مضت عليه صحته أياماً بل شهوراً بل أعواماً لم ينتفع من هذه الصحة بشيء، وهو إذا لم ينتفع بها بشيء فإنه قد خسرها؛ لقول الله تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3] فإذا خسرها كان مغبوناً فيها، وكم من إنسان مضت عليه أوقات فراغ كثيرة لا يتعب نفسياً ولا جسمياً بتحصيل معاشه، بل قد منَّ الله عليه بالنعمة والرغد، ومع ذلك غبن في هذا الفراغ حتى كأنه شاغل لهذه الفراغات لا يستطيع أن يتفرغ لعبادة الله.
فخذوا أيها الإخوة من صحتكم لمرضكم، ومن حياتكم لموتكم، واستعدوا ليوم الرحيل، وأودعوا في كتاب أعمالكم حسنات تجدوها عند الله سبحانه وتعالى خيراً وأعظم أجراً، أقول هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب.
وحيث أنَّ كثيراً منكم في هذا العام حجوا وشاهدوا ما حصل من الحجيج من مخالفات شرعية، أو من أنظمة فيها شيء من التقصير، فإني أطلب إليكم الآن وبسرعة عاجلة أن تكتبوا لي -جزاكم الله خيراً- ما شاهدتموه من التقصير في الأنظمة، أو في رجال الأعمال، أو من المخالفات من الحجاج، حتى يتم النظر فيها ودراستها لعلَّ الله سبحانه وتعالى أن يعين على إصلاح ما حصل، وحدود هذا إلى يوم الإثنين فقط؛ لأني مستعجل فيها، وأرجو ألا تكتبوا إلا شيئاً علمتموه، وأما ما ينقل بلا تثبت فإنه لا يعتمد عليه، ولكن لا بد أن تكون هناك مشاهدات، ويكون هذا منكم مساعدة ومعاونة على البر والتقوى، أصلح الله أحوالنا وأحوال المسلمين.(4/4)
الأسئلة
.(4/5)
حكم من أجنب ليلة عرفة ومضى في حجه ولم يغتسل
السؤال
حاج أصابته جنابة ليلة عرفة، ومضى في حجه حتى انتهى ورجع إلى بلده، فماذا عليه؟
الجواب
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله.
وبعد: على هذا الإثم العظيم الكبير حيث أمضى كل هذه الأيام وهو يصلي على غير طهارة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) فالواجب عليه نحو صلاته أن يعيد كل ما صلى قبل اغتساله، أما بالنسبة للحج فعليه أن يعيد طواف الإفاضة؛ لأنه طاف وعليه جنابة ولا يصح الطواف من الإنسان وهو على جنابة؛ لأن من عليه جنابة ممنوع من اللبث في المسجد، كما قال تعالى: {وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43] ، وعليه إذا كان متزوجاً أن يتجنب أهله حتى يرجع إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة، وفي هذا الحال يحرم من الميقات بعمرة، ثم يطوف ويسعى ويقصر، ثم يأتي بطواف الإفاضة، وعليه -مع ذلك كله- التوبة إلى الله بالندم على ما حصل منه، وأن يرى نفسه مقصراً مفرطاً في حق الله، وأن يعزم على ألا يعود إلى مثل هذا.(4/6)
لا يعتبر في التمتع أن يكون النسكان لشخص
السؤال
هل يكون متمتعاً من نوى العمرة لشخص والحج لشخص آخر؟
الجواب
نعم.
يكون متمتعاً، فإن العلماء رحمهم الله نصوا على أنه لا يعتبر في التمتع أن يكون النسكان لشخص واحد، بل يجوز أن تكون العمرة لشخص والحج لشخص آخر، أو تكون العمرة لنفسه والحج لآخر، أو تكون العمرة لآخر والحج لنفسه، كل هذا يرونه جائزاً ولا يبطل التمتع.(4/7)
حكم من لم يتمتع بالعمرة إلى الحج
السؤال
هل يكون متمتعاً من اعتمر في أشهر الحج وفي نيته إن تيسر له حجٌّ حج وهو غير متيقن من هذا، ثم تيسر له حج فحج؟
الجواب
لا يكون متمتعاً؛ لأنه لم يتمتع بالعمرة إلى الحج، إذ أنه ليس عنده نية حج، لكن إذا كان يغلب على ظنه أنه سيحصل له الحج، فإنه يحتاط ويذبح هدي التمتع.(4/8)
حكم من رمى وطاف دون أن يحلق
السؤال
ما مدى صحة القول المأثور: من فعل اثنين من ثلاثة حل.
هل يحل بالرمي والطواف دون الحلق أو التقصير؟
الجواب
كثير من أهل العلم يرى أنه يحل التحلل الأول بالرمي فقط، أي: برمي جمرة العقبة يوم العيد، ولكن الظاهر أنه لا يحل إلا بالرمي والحلق، وأما العبارة المشهورة عند الفقهاء: أنه يحل التحلل الأول بفعل اثنين من ثلاثة، وهنَّ الرمي والحلق والطواف، فلا أعلم في هذا سنة، لكن فيه القياس والنظر؛ لأن الطواف له تأثير في التحلل الثاني، فإذا كان له تأثير في التحلل الثاني صار له تأثير في التحلل الأول، فعلى كلام الفقهاء: إذا رمى وطاف حلَّ التحلل الأول وإن لم يحلق، وإذا حلق وطاف حلَّ التحلل الأول وإن لم يرم، وإذا رمى وحلق حل التحلل الأول وإن لم يطف.(4/9)
حكم تغيير النذر
السؤال
شخص نذر إذا نجح في الامتحان ليصومن شهرين، وبعد ساعة عدل نيته إلى الشهر الواحد، ونجح في الامتحان فما الحكم؟
الجواب
الصيام طاعة من الطاعات، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) وهذا الرجل نذر، فلزمه النذر بمجرد كلامه، ولا يمكن أن يحول الشهرين إلى الشهر؛ لأنه ثبت في ذمته شهران، لكن إن كان لم يبلغ فلا نذر عليه؛ لأنه غير مكلف.
وخلاصة الجواب الآن: أنه إذا كان مكلفاً، أي: بالغاً عاقلاً لزمه أن يصوم شهرين، ثم إن كان في نيته التتابع لزمه أن يكون الشهران متتابعين، وإلا فهو حر إن شاء صام متتابعاً أو متفرقاً.(4/10)
أخطاء في تغسيل الميت
السؤال
عند غسل الميت بعض المغسلين إذا كفن الميت يضم يده اليمنى على اليسرى كالمصلي هل هذا العمل مشروع؟
الجواب
ليس هذا العمل مشروعاً، وإنما تجعل يد الميت إلى جنبه.(4/11)
أضحية أهل البيت الواحد
السؤال
رجل له أولاد وله ابن كبير متزوج ساكن معه وموظف، وأكلهما وشربهما واحد، فهل في حقهما أضحية واحدة؟
الجواب
أصحاب البيت الواحد أضحيتهم واحدة ولو تعددوا، فلو كانوا إخوة مأكلهم واحد وبيتهم واحد فأضحيتهم واحدة، ولو كان لهم زوجات متعددة، وكذلك الأب مع أبنائه ولو كان أحدهم متزوجاً فالأضحية واحدة.(4/12)
حكم انعقاد الحج في أيام التشريق
السؤال
أشهر الحج ثلاثة: شوال، ذو القعدة، ذو الحجة، فهل ينعقد الحج في أيام التشريق؟
الجواب
أشهر الحج يرى بعض العلماء أنها شهران وعشرة أيام، ويرى آخرون أنها شهران وثلاثة عشر يوماً تنتهي بآخر أيام التشريق، والظاهر أنها ثلاثة أشهر أي: آخرها المحرم، ولا ينعقد الحج في أيام التشريق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحج عرفة) وقد فات يوم عرفة.
السائل: قصدي هل يجوز للإنسان أن يحرم بالحج وقد فات يوم عرفة في أيام التشريق أو بعد انتهاء أيام التشريق للعام القادم لأنه في أشهر الحج؟ الشيخ: إذا أحرم للعام القادم فقد أحرم بالحج قبل أشهره، فينبني على الخلاف هل ينعقد الحج قبل أشهره؟ فمن العلماء من قال: ينعقد لكن مع الكراهة، ومنهم من قال: لا ينعقد، وعلى هذا يحول الإحرام إذا أحرم بالحج قبل أشهره إلى العمرة ويطوف ويسعى ويقصر وفي العام القادم يأتي بالحج.(4/13)
حكم تأخير أعمال الحج
السائل: إلى متى يجوز تأخير أعمال الحج مثل طواف الإفاضة وغيره؟ الشيخ: الطواف والسعي والحلق عند علماء الحنابلة ليس لها حد، متى شاء حلق ومتى شاء طاف وسعى حتى لو بقي عشر سنوات، لكن يبقى عليه التحلل الثاني.
ولكن الذي أرى: أنه لا يجوز أن يؤخره عن آخر يوم من شهر ذي الحجة؛ لأن هذه أشهر الحج، فيجب أن تكون أعمال الحج في أشهره إلا من عذر، كما لو نفست المرأة قبل طواف الإفاضة ولم تطهر إلا بعد خروج شهر ذي الحجة، أو أصيب الإنسان بمرض ولم يستطع أن يطوف قبل انتهاء شهر ذي الحجة فلا حرج، متى زال المانع طاف.
السائل: إذا قلنا: أخره بدون عذر على غير رأي الحنابلة وانتهت أشهر الحج؟ الشيخ: لا أدري ما يقولون في هذه المسألة، هل يقولون: إنه يقضيه كما تقضى الصلاة، أو يقال: عبادة فات وقتها فلا تقضى ويكون الحج الآن لم يتم ولا يكتب له الحج، لا أدري ماذا يقولون في هذا!(4/14)
وجوب المبيت في منى ليالي أيام التشريق
السؤال
من لم يبت في منى ليالي أيام التشريق فهل عليه الدم كما يقول الفقهاء، أم ليس عليه الدم؟
الجواب
يقول الفقهاء: المبيت في منى ليالي أيام التشريق واجب، والواجب في تركه دم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء، وهذا القول إن لم يكن قوياً من حيث النظر لكنه قوي من حيث العمل وتربية النفس؛ لأننا إذا قلنا: إنه ليس بواجب ما حرصوا عليه ولم يهتموا به، فكون الشيء يبقى محترماً في نفوس الناس معظماً أولى وأحسن، والذي لا يستطيع أن يذبح فدية ليس عليه شيء.(4/15)
حكم إتمام الصلاة في السفر
السؤال
هل يجوز إتمام الصلاة في السفر؟
الجواب
إتمام الصلاة في السفر غير جائز عند بعض العلماء الذين يقولون بوجوب القصر كـ أبي حنيفة، وعند الآخرين جائز لكن مع الكراهة؛ وهذا هو الأقرب، ودليل ذلك: أن الصحابة رضي الله عنهم لما أتمَّ عثمان رضي الله عنه في منى أنكروا عليه الإتمام، ولكنهم كانوا يصلون معه ويتمون، ولو كانوا يرون أن القصر واجب ما أتموا معه؛ لأنهم يزيدون في الصلاة ما ليس منها، فالأقرب عندي أخيراً: أنه ليس بواجب لكنه مكروه، ما لم يصل الإنسان مع إمام يتم فيلزمه الإتمام سواء أدرك الصلاة كلها أو بعضها.
السائل: لو كان المسافر إماماً ومن خلفه مقيمون فهل تبقى الكراهة؟ الشيخ: نعم، حتى لو كان إماماً ومن خلفه مقيمون فإنه يقصر، ويقول لهم: أتموا فإنا قوم مسافرون حتى تظهر السنة؛ لأن هذه السنة مجهولة عند كثير من الناس، وينكرها العوام، لكن إذا اشتهرت وفعلها الناس صارت مألوفة عند الناس، وصارت معروفاً كما هي معروف شرعاً، والذي ينبغي للإنسان ولا سيما طالب العلم الذي يؤخذ بقوله، أن يحيي السنة التي أميتت حتى لا يكون المعروف منكراً.(4/16)
حكم من ظل ساجداً حتى سلم إمامه
السؤال
إمام يصلي بالناس، وعندما رفع رأسه من السجدة الأخيرة التي بعدها التشهد الأخير كبر ولكنه لم يرفع صوته، فبقي الناس ساجدين إلى أن سلم الإمام فرفعوا رءوسهم، فما الحكم في هذه الحالة؟
الجواب
أولاً: إنني أستبعد أن المأمومين بقوا مدة سجود الإمام ومدة تشهده وهم ساجدون، أقلَّ ما يكون سيقول الواحد منهم: إن صاحبنا أصابته سكتة فيقوم أحدهم.
فعلى كل حال: إذا وقع هذا الشيء فإنهم إذا سلم الإمام يقومون ويتشهدون ويسلمون، وليس عليهم سجود السهو.(4/17)
من حج عن طفلة ولم يطف طواف الوداع
السؤال
حججت عن طفلة رضيعة ولم أطف لها طواف الوداع، فما الحكم في ذلك؟
الجواب
ليس عليك شيء، الصغار ما جاء منهم من المناسك فاقبلوه، وما تركوه لا تطالبون به، ولكني أشير عليك وعلى إخواننا ألا يحججوا الصغار في هذه المواسم؛ لأن في ذلك تضييقاً عليهم وعلى أطفالهم، تعب ومشقة، وتحجيجهم ليس بواجب، غاية ما في ذلك أن لهم فيه أجراً، لكن هذا الأجر الذي يحصلونه ربما يفوتهم من الأجر في تكميل مناسكهم أكثر وأكثر مما حصلوه من حج هذا الصبي، والإنسان ينبغي له أن يكون بصيراً بالشرع قبل أن يفعل، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يحججوا بأطفالهم، وغاية ما روي عنه: (أن امرأة رفعت صبياً لها وقالت: ألهذا حج؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم ولك أجر) ، فإذا كنا نحجج هؤلاء الصغار فسيفوتنا سنن كثيرة في عبادتنا التي جئنا من أجلها، فترك تحجيجهم أولى من تحجيجهم.(4/18)
من رمى الجمرات عن زوجته خشية الزحام
السؤال
رميت الجمرات عن زوجتي مع أنها قادرة خشية الازدحام عند الجمرات، فما الحكم؟
الجواب
هذا أيضاً مما يحصل من التقصير من الناس؛ لأن الزحام ليس دائماً، يوجد الزحام في فترات ويوجد في فترات أخرى سعة، لو أنكم أخرتم الرمي إلى الليل ما وجدتم الزحام كما يفعله كثير من الناس، فإن كنت قد استفتيت أحداً بهذا ممن هو أعلم منك وأفتاك فلا شيء عليك، وإن كان تصرفاً منك فهو تصرف بجهل، لكنك فرطت؛ لأن المشاعر فيها -ولله الحمد- علماء، فإذا كان لك قدرة أن تذبح فدية في مكة وتوزعها على الفقراء فهذا طيب.(4/19)
الصلاة على الغائب
السؤال
ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه صلى على النجاشي صلاة الغائب، وسبب ذلك أنه ما كان هناك أحد من المسلمين يصلي عليه، وواقع المسلمين الآن يموتون جماعات وبالتأكيد لم يصل عليهم كما هو حاصل في وقتنا الحاضر في يوغسلافيا والصومال فأنا متأكد أنه لا يصلى عليهم؟
الجواب
إذا تأكدت أنه لم يصل عليهم فصل عليهم؛ لأن الصلاة فرض كفاية، لكن ربما أهله صلوا عليه؛ لأن الصلاة على الميت تقوم بواحد.
على كل حال: إذا تأكدت أن شخصاً لم يصل عليه فعليك أن تصلي عليه؛ لأنها فرض كفاية، ولا بد منها.
السائل: صح التعليل بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي؟ الشيخ: نعم، هذا هو الأقرب؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على غائب مات سوى النجاشي، مع أنهم أفضل منا وأكثر نفعاً للإسلام والمسلمين، وكذلك الخلفاء من بعده.
السائل: لكن يبعد أن يَسلم ولا يُسلم معه أحد؟ الشيخ: لا، لو أسلم معه فهل هؤلاء ممن عرفوا شعائر الإسلام أم لا؟ قد يسلمون ولا يعرفون شيئاً من الشعائر.(4/20)
من يستحق الإمامة في الصلاة
السؤال
هل الأفضل الصلاة خلف إمام قارئ فيه نوع من السفه أو قليل من السفه، أم خلف إمام غير متقن لكنه أتقى وأورع؟
الجواب
الأتقى والأورع أحسن، لا سيما إذا كان الآخر يُخلُّ بشيء يتعلق بالصلاة، مثل: ألا يطمئن فيها، أو يكثر الحركة فيها، أو ما أشبه ذلك، فهنا الآخر أولى منه الذي هو أتقى وأتقن للصلاة، أما إذا كان في أمر لا يتعلق بالصلاة فالأقرب أيضاً أن نقدم الأتقى، ووجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) وكان الصحابة إذا قرءوا القرآن لا يتجاوزون العشر آيات حتى يعلموها، ويعملوا بها، فالأقرأ في وقتهم غالباً هو الأتقى.(4/21)
من أصر على معصية حتى بعد إسلامه
السؤال
الكافر إذا أسلم وأخبر عند إسلامه بشعائر الدين وكان قبل إسلامه مدمن للخمر، فقال عندما أسلم: أسلم بكل شيء، لكن شرب الخمر أؤمن أنه محرم بشريعة الإسلام لكن سأواصل شربه، هل يحسب ذنبه -أي: شربه- قبل الإسلام مع ذنب شربه الخمر بعد الإسلام؟
الجواب
الكافر إذا أسلم وأحسن إسلامه فإنه يعفى عنه كل ما سبق، وإن أسلم وأساء أخذ بما سلف وما عمل، فإذا أسلم محا الله عنه سيئات الشرك والكفر، وإذا بقي في إسلامه على ما هو عليه من المعصية في كفره فإنه لا يعفى عنه ما سبق من هذه المعصية في كفره؛ لأنه لم يتب منه.
السائل: وما ورد بأن الإسلام يَجبُّ ما قبله؟ الشيخ: يَجبُّ ما قبله ما لم يصر على المعصية، وقد ثبت هذا في صحيح البخاري أن (من أساء في الإسلام أخذ بما أساء وما سلف) ؛ لأنه لم يتب منه حقيقة، تاب من الكفر فعفي عنه كفره، بقي على معصية الخمر فيأثم بها.
ولهذا المسلم إذا أصر على عدة معاصٍ ثم تاب في تسعة من عشرة بقي العاشر.(4/22)
حكم المأمومين إذا سجدوا والإمام راكع
السؤال
رجل صلى بالناس المغرب بسورة في آخرها سجدة التلاوة، ثم ركع، فبعض المأمومين سجد وبعضهم الآخر ركع، فماذا يفعل الذي سجد؟
الجواب
الذين سجدوا إذا شعروا بأنه راكع يقومون من سجودهم ويركعون معه، فإن لم يشعروا إلا بعد ما قال: سمع الله لمن حمده، يقومون أيضاً ويركعون ثم يتابعون إمامهم؛ لأن القاعدة: إذا تخلف المأموم عن الإمام بركن أو أكثر لعذر فإنه يأتي به ويلحق إمامه.
السائل: هل على الذين سجدوا والإمام راكع سجود السهو أم لا؟ الشيخ: عليهم سجود السهو إذا كان قد فاتهم شيء من الصلاة، وإن لم يفتهم شيء من الصلاة فليس عليهم سجود السهو؛ لأن الإمام يتحمله عنهم.(4/23)
الصلاة في حجر الكعبة
السؤال
هل تجوز الصلاة في حجر إسماعيل، وإذا كانت جائزة فهل يشترط لها التوجه إلى الكعبة أم لا؟
الجواب
أولاً: أخبرك بأن هذا ليس حجر إسماعيل، ولا يعرف إسماعيل عنه شيئاً، وإنما هذا الحجر كان من فعل قريش، فإن قريشاً لما انهدمت الكعبة وأرادوا بناءها، قلَّت عليهم النفقة، فلم يجدوا نفقة يكملون بها الكعبة على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فرأوا أن يقتصروا على جانب منها ورأوا أن يبقى الجانب الذي فيه الحجر الأسود على ما هو عليه، والجانب المقابل هو الذي يؤخذ منه، ففعلوا ذلك، ولهذا قال العلماء: إن ستة أذرع ونصف تقريباً من الحِجْر هو من الكعبة، وبناءً على ذلك تجوز الصلاة فيه إذا كانت نافلة، ويتجه إما إلى الكعبة وإما إلى الجدار من الحِجْر الموازي لحد الكعبة، بمعنى: الجدار الذي يكون في الجزء الذي من الكعبة، هذا إذا كانت نافلة، وإن كانت فريضة ففيها خلاف، والصحيح: أن الفريضة تجوز في الحِجْر وفي الكعبة كما تجوز النافلة؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى نافلة في الكعبة، وما جاز في النفل جاز في الفرض إلا بدليل.(4/24)
قصر الصلاة وجمعها في السفر
السؤال
أنا في أكثر الأحيان أكون مسافراً فأريد أن أستفسر عن حكم قصر الصلاة وجمعها في السفر؛ لأن بعض الناس يقول: الآن النظام غير النظام الأول فأفتونا مأجورين؟
الجواب
ما دمت مسافراً فاقصر ولو طال سفرك، حتى لو كان أكثر وقتك مسافراً فاقصر الصلاة إلا إذا كنت خلف إمام يتم فأتمها، وأما الجمع فهو سنة لمن جدَّ به السير، وأما النازل فالأفضل ألا يجمع وإن جمع فلا بأس.
السائل: لو قصرت صلاة العصر وجمعتها مع الظهر ثم وصلت إلى بيتي قبل العصر بساعة؟ الشيخ: الأولى ألا تجمع، تصلي مع الإمام الظهر وتتوكل على الله وتسافر، فإذا وصلت إلى بلدك فصل أربعاً.(4/25)
السنة البقاء في منى ليلاً ونهاراً
السؤال
بعض الحملات يستأجرون المخيم في منى وعمارة في مكة فيبيتون في منى ويرجعون نهاراً إلى عمارتهم في مكة المكرمة ترفهاً منهم، فما حكم عملهم هذا؟
الجواب
لا شك أن عملهم هذا من حيث القواعد الفقهية جائز، لكن عندي أن هؤلاء في الحقيقة إنما جاءوا للنزهة؛ لأنهم لم يتبعوا السنة كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جلس في منى ليلاً ونهاراً، والحج جهاد، ليس ترفهاً، ولا أدري كيف يشعر هؤلاء بالعبادة والإنابة إلى الله وأنهم مستمرون في الحج وهم ينتقلون إلى البيت رفاهية؟! وربما يكون عندهم آلات لهو، ثم يرجعون إلى منى جزءاً من الوقت، أنا لا أدري كيف يشعرون بأنهم في عبادة؟! ولهذا ينبغي أن ينبه المسلمون على هذه المسألة التي انهمك فيها كثير من الناس، أخذوا بقواعد الفقهاء أو بما يقتضيه كلام الفقهاء ونسوا أن المسألة عبادة.
لذا ينبغي للإنسان أن يفعلها كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم كيف وهو يقول: (خذوا عني مناسككم) ابق في خيمتك ولو كانت حارة، ولو حصل عليك عرق، ولو حصل عليك مشقة وأذية، هو في طاعة الله، والمسألة أيام، كل الحج لا يتجاوز ستة أيام، (الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر لمن تأخر) ، وأنت آتٍ من بلدك، مغادر أهلك ومالك، ومخاطرٌ في الأسفار، وتعجز عن أن تحبس النفس ستة أيام أو خمسة أو أقل من هذا أربعة أيام، فوالله يؤسفني هذا جداً ويؤلمني جداً وإن كان بعض الناس يفتي بما يقتضيه كلام الفقهاء، فإنه سيتحول الحج بعدئذٍ إلى نزهة، فنسأل الله لنا ولهم الهداية.
أرى أن هؤلاء حجهم ناقص ولا شك؛ لأنهم لم يتبعوا السنة في البقاء في منى ليلاً ونهاراً.(4/26)
وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون
السؤال
ما هو الدليل على وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون؟
الجواب
لأن الزكاة حق المال، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24-25] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ حين بعثه إلى اليمن: (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) ، ولقول أبي بكر رضي الله عنه: [الزكاة حق المال] فهي من جنس النفقة تجب في مال الصبي وفي مال المجنون على من تجب عليه نفقته، فمثلاً: لو كان الصبي له أم فقيرة يؤخذ من ماله نفقة لأمه، ولو كان له زوجة يؤخذ من ماله نفقة لزوجته، فهكذا الزكاة حق لأهلها في مال هذا الصبي أو في مال هذا المجنون.(4/27)
الإكراه الملجئ
السؤال
هل الإكراه الملجئ أن يكون كالآلة مثلاً: يسقط على فلان فيقتله، فهذا الإكراه ملجئ؟
الجواب
ليس هذا هو الإكراه الملجئ، هذا ما أُكره، الذي سقط على شخص فقتله مكرهاً بل حصل منه شيء بغير قصد.
المكره الذي يكون كالآلة، مثل: أن يأخذ الشخص الكبير الجسم شخصاً صغير الجسم ويجعله كالعصا فيضرب به شخصاً ثالثاً، هذا الفعل -فعل الضارب- ما هو فعل المكره، هذا المكره لم يفعل شيئاً أبداً ولم يكن منه حركة، أخذه هذا الرجل الكبير وضرب به الثالث، فالحكم هنا يتعلق بالضارب لا بالرجل الذي ضرب بها.
السائل: فالضارب يضمن؟ الشيخ: ما فيه شك، الضارب يضمن.
السائل: إن خير الإنسان مثلاً: أن يقتل فلاناً أو أن يُقتل؟ الشيخ: إذا قال له ظالم: اقتل فلاناً، أو أقتلك أنا، فلا يجوز له أن يقتل فلاناً؛ لأنه لا يجوز أن يتلف نفس غيره لاستبقاء نفسه، وإلا لجاز للإنسان إذا جاع وخاف الموت أن يذبح واحداً من الناس الذين يقدر عليهم ويأكله، فهل يجوز هذا؟ لا يجوز.(4/28)
محبة الأنبياء عليهم السلام
السؤال
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) ، فهل هذا الحكم عام في جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أم خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، أما الأنبياء فمسكوت عنهم، ولكن يجب علينا أن نحب الأنبياء لما لهم من مقام الصدق وإبلاغ الرسالة والصبر والتحمل، لأننا نحبهم لله، وهم على رأس من نحبهم لله، فكما يجب علينا أن نحب شخصاً لله يجب علينا أن نحب الأنبياء أكثر وأكثر، أما أن نلحقهم بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يثبت ذلك.(4/29)
الزينة التي يجوز للمرأة إظهارها للمحارم
السؤال
ما هو ضابط الزينة التي يجوز للمرأة أن تظهرها أمام المحارم غير الزوج؟
الجواب
يقول الله عز وجل: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31] الزينة التي تظهر عادة، مثل: العباءات والجلباب وثياب البدلة، هذه الزينة التي تظهر، أما الزينة التي هي زينة التجمل فهذه لا تظهر إلا للمحارم فقط، بشرط: أن نأمن من الفتنة، فإن خيفت الفتنة ولو في المحارم حرم عليها أن تظهر ولو بثيابٍ جميلة؛ لأن بعض المحارم قد تكون علاقتهم بهذه المرأة بعيدة، كابن أخٍ من الرضاعة مثلاً لا يراها في السنة إلا مرة، أو ربما في السنتين مرة، وتكون مثلاً فتاة جميلة، ويكون هو ضعيف الإيمان وضعيف العزم فيخشى منه الفتنة، فلهذه نقول: ليس هذا كابن الأخ من النسب الذي هو دائماً مع المرأة.(4/30)
لبس النساء للثياب القصيرة
السؤال
ما حكم لبس النساء للثياب القصيرة؟
الجواب
نحن نحارب تقصير الثياب للنساء، ولا نفتي به ولو جاز؛ لأنا رأينا أنه إذا فتح للنساء في هذا المجال بابٌ صغير جعلنه باباً كبيراً لا يمكن إغلاقه بعد ذلك، فكوننا نتحفظ في هذه الأمور أولى، وعسى أن ندفع بعض الشرور من القوم الذين ينادون بتهتك المرأة، وإضاعة حيائها.(4/31)
التفريق في المضاجع عام يشمل الجميع
السؤال
قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وفرقوا بينهم في المضاجع) ، هل هذا الحديث عام يتناول جميع الناس مثلاً: الإخوة في الله من غير النسب أو الابن ووالده وغير ذلك؟
الجواب
نعم، أي: بين البنين والبنات، وبين البنات بعضهن مع بعض، والبنين بعضهم مع بعض، يفرق بينهم في المضاجع؛ لأنه يخشى من الشر إذا بلغوا عشر سنوات.
السائل: وهل الكبار فوق العشرين سنة يجوز لهم أن يرقدوا تحت غطاء وفراش واحد؟ الشيخ: الكبار الذين هم فوق العشرين سنة لا يكونوا في فراش واحد، خطر عليهم جداً، فإن الإنسان النائم قد لا يشعر بشيء.
السائل: ما ورد عن زيد بن حارثة وأسامة رضي الله عنهما أنهما ناما في غطاء واحد؟ الشيخ: لكن هل هما نائمان؟ ربما كانا مضطجعين ولم يناما.(4/32)
وجوب غسل الجمعة
السؤال
ما حكم غسل الجمعة على القول الصحيح، وهل يجزئ عنه الوضوء أم لا؟
الجواب
غسل الجمعة على القول الذي نراه راجحاً أنه واجب على كل من أتى جمعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجبٌ على كل محتلم) ، ولكنه ليس شرطاً لصحة الصلاة؛ لأنه ليس عن حدث، ودليل ذلك: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما تكلم عن عثمان حين جاء متأخراً، فقال له عثمان رضي الله عنه: ما زدت على أن توضأت يا أمير المؤمنين، قال: والوضوء أيضاً، وقد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من جاء منكم الجمعة فليغتسل) لكن هل غسل يوم الجمعة يجزئ عن الوضوء أم لا يجزئ؟ إن توضأ الإنسان قبله بنية رفع الحدث، فقد حصل رفع الحدث بالوضوء، وإن لم يتوضأ فإنه لا يجزئ؛ لأن هذا ليس عن حدث.(4/33)
حكم من احتلم ولم ير شيئاً
السؤال
شاب احتلم ولكنه لا يعلم هل نزل الماء، أم لا.
ولكن هناك أثرٌ لهذه الجنابة مثل وجود رائحة الجسد فإنها تكون مثل رائحته عندما يقع في الجنابة، فهل يكون هذا من موجبات الغسل أم لا؟
الجواب
إذا احتلم الإنسان ولم ير شيئاً فإنه لا غسل عليه؛ لأن أم سليم رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه المسألة: (هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم.
إذا هي رأت الماء) فقيد الجواب برؤية الماء، فإذا لم ير الإنسان الجنابة فإنه لا غسل عليه، حتى لو شم رائحةً إن كان هناك رائحة من عرقه فإنه لا غسل عليه، فالعبرة بخروج المني.(4/34)
حكم انتقاض وضوء الإمام في التشهد الأخير
السؤال
ما حكم إذا انتقض وضوء الإمام في التشهد الأخير؟
الجواب
إذا انتقض الوضوء في التشهد الأخير انصرف وقال لأحد الجماعة: تقدم وسلِّم بهم، أو قال لهم: أتموا صلاتكم فرادى.(4/35)
حكم جمع رمي الجمار في اليوم الثالث عشر
السؤال
ما حكم جمع رمي الجمار أيام التشريق الثلاثة في اليوم الثالث عشر؟
الجواب
جمعها في اليوم الأخير لا يجوز إلا لعذر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رماها كل يوم بيومه، وقال: (خذوا عني مناسككم) ، ولم يرخص في الجمع إلا للرعاة أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً؛ لأنهم معذورون؛ لأنهم في إبلهم، فإذا كان للإنسان عذر، كما لو كان في طرف منى، أو من وراء منى، وكان يشق عليه التردد كل يوم، فلا بأس أن يجمع الجمرات في آخر يوم، وإذا لم يكن له عذر فلا يجوز.(4/36)
حكم ترك المبيت في المزدلفة
السؤال
حملة من حملات الحج ذهبوا من منى الساعة الحادية عشرة صباحاً من اليوم التاسع، فما وصلوا إلى عرفة إلا في الساعة الثانية عشرة ظهراً، ثم توقفت السيارات إلى الساعة الثانية عشرة ليلاً، ثم ساروا الساعة الثانية عشرة ليلاً إلى المزدلفة، فما أدركوا صلاة الفجر إلا بين عرفة ومزدلفة، فلم يصلوا المزدلفة إلا الساعة السادسة صباحاً، وكانوا متجهزين عند الغروب في عرفة وما أخرهم إلا تأخر السير، فما حكم ذلك؟
الجواب
بعض العلماء يرى أن عليهم فدية؛ لأنهم تركوا المبيت في المزدلفة، والذي أرى أنه لا شيء عليهم؛ لأنه إذا كانت القصة على ما قلت أنت فهم غير مفرَّطين.
السائل: لكن يا شيخ هناك رؤيا في هذا، وهي: أن أحد الحجاج رأى منادياً ناداه في الرؤيا وقال: لقد أخطأ فلان، لقد أخطأ فلان، لقد أخطأ فلان، حيث لم يقف في المزدلفة أو لم يبت في المزدلفة؟ الشيخ: صحيح أنه أخطأ لكن أخطأ لعذر، والرؤى المخالفة للشرع لا تعتبر، لكن على كل حال -كما قلت- بعض العلماء يرى أن عليه فدية نظراً؛ لأنه لم يبت في المزدلفة، ولكني أقول: ما دام أن الرجل لم يحصل منه تفريط لكونه عجز فأرجو ألا يكون عليه شيء.
السائل: وإن ذبح هل هو أفضل؟ الشيخ: وإن ذبح فهو أفضل ليس في هذا شك، أفضل قطعاً.(4/37)
الإسراف في الوضوء
السؤال
ما حكم الإسراف في الوضوء؟
الجواب
الإسراف في الوضوء لا يجوز.
السائل: وإذا حصل الإسراف سهواً أي: غسل بعض أعضائه أربعاً أو خمساً مثلاً؟ الشيخ: لا حرج إذا كان سهواً، {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] .(4/38)
من انتظر طلوع الشمس وتنقل من مصلاه
السؤال
إذا جلس المصلي بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، ثم تنقل من مصلاه هل يكتب له أجر حج وعمرة؟
الجواب
إذا جلس الإنسان في مصلاه ينتظر طلوع الشمس، ثم يصلي ركعتين، لكنه قام من مكانه إلى مكان آخر لاستماع الذكر، أو لتنشيط نفسه عن النوم فلا بأس؛ لأن المصلى واحد.(4/39)
حكم اقتناء الدش
السؤال
هناك آلة اسمها دش، مثل: القمر الصناعي، ولكنه صغير ويجلب الإذاعات الخارجية، فما حكم اقتناء الدش في البيوت؟
الجواب
اقتناء الدش أو الإيريل أو (الأنتل) كما يقوله عامة الناس أيضاً على حد سواء، ما الذي يطلب من هذا الدش أو بهذا الإريل أو الأنتل؟ قد يكون الإنسان عنده مثلاً دراسة، يطلب العلم مثل العلوم التكنولوجية أو غيرها من المعلومات، وينشر في إذاعات خارجية ما لم ينشر عندنا من هذه المعلومات، فيريد أن يتعلم فهذا لا بأس به، لكن الغالب أن هذا الدش والإيريل والتلفاز، الغالب فيها أنها مآثم، والخير الذي فيها (10%) ، ولهذا ننصح كل إنسان ألا يجعلها في بيته، لا تلفازاً ولا دشاً ولا إريلاً ولا غيره، يتجنب هذا والسلامة أسلم.
السائل: سماع الأخبار؟ الشيخ: الأخبار لا بأس بها، لا نرى فيها شيئاً، لكن السلامة منه أسلم، إذا كانت الأخبار ترافقها الموسيقى فهي من جنس الخمر فيها منافع ومآثم، فتكون حراماً؛ لأن الحرام إذا اختلط بالحلال على وجه لا تمييز بينهما وجب الاجتناب، كما هي القاعدة عند الفقهاء: إذا اجتمع حاظر ومبيح ولم يمكن الفصل بينهما غُلِّب جانب الحظر.(4/40)
قضاء سنة الضحى
السؤال
إذا فاتت سنة الضحى هل تقضى أم لا؟
الجواب
سنة الضحى إذا فات محلها فاتت؛ لأن سنة الضحى مقيدة بهذا، لكن الرواتب لما كانت تابعة للمكتوبات صارت تقضى، وكذلك الوتر لما ثبت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلبه النوم أو المرض في الليل صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة، فالوتر يقضى أيضاً.(4/41)
صفة صلاة المريض
السؤال
كيف يصلي المريض؟
الجواب
إذا مرض الإنسان قلنا له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمران بن حصين: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) فيومئ بالرأس، أما الإيماء بالإصبع فلا أعلم قائلاً به من العلماء، ولا فيه سنة أيضاً، فهو عبث يعني: الحركة مكروهة؛ لأنها ليست مشروعة، وأما الحركة بالعين أو الإشارة بالعين فقد قال بها بعض العلماء، قال: إذا لم يستطع برأسه أومأ بعينه، فيغمض قليلاً للركوع ثم أكثر للسجود، وأما الإصبع فبناءً على أنه اشتهر عند العامة فيكون فاعله جاهلاً ولا شيء عليه وليس عليه إعادة، لكن يجب على طلبة العلم إذا اشتهر عند العامة ما ليس بمشروع أن يكرسوا جهودهم في التنبيه عليه؛ لأن العامة يريدون حقاً لكنهم جهال، فإذا سُكِت عن هذه الأشياء بقيت على ما هي عليه، لكن إذا نشرت في المجالس والخطب والمواعظ والمحاضرات نفع الله بها.
السائل: بعض من كان يصلي بإصبعه سأل؟ فقيل له: تقضي الصلاة ولكن لا يدري في أي وقت؟ الشيخ: على كل حال، الذي يرى أنه لا عذر بالجهل يلزمه القضاء، لكن نرى فيه عذراً، لا سيما أنه اشتهر عند العامة وليس بشيء انفرد به الفاعل، كل العوام يقول: صل بإصبعك.(4/42)
حكم من فاته قيام الليل ولم يتيسر له القضاء
السؤال
إنسان فاته قيام الليل ولم يتيسر له قضاؤه؛ لطلب العلم، ولأمر هام بين الفجر والظهر فهل يقضيه بعد الظهر؟
الجواب
يقضيه ولو بعد الظهر لحديث: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) .(4/43)
معنى قوله تعالى: (للذين يؤلون من نسائهم)
السؤال
هل معنى قوله سبحانه وتعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة:226] أن يضع زوجته عند أهلها أربعة أشهر؛ لكي يؤدبها، أم له معنىً آخر؟
الجواب
معنى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة:226] أن الرجل إذا حلف أن لا يطأ امرأته يعطى مهلة أربعة أشهر، فإما أن يطأ، وإما أن يطلق، لكن له أن يؤدبها بشهر مثلما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
السائل: لكن هل يأثم بثلاثة أشهر أو أربعة؟ الشيخ: ما دام تأديباً فلا بأس، لكن أربعة أشهر فما فوق، لا.(4/44)
الفرق بين اليقين والتوكل
السؤال
قول القائل: لا بد أن يكون اليقين في قلب الإنسان على ذات الله سبحانه وتعالى ويخرج اليقين الفاسد؟ الشيخ: كيف؟ السائل: يعني: إدخال اليقين في القلب على ذات الله وإخراج اليقين الفاسد بمعنى: أن يكون في القلب يقين على ذات الله بأنه هو الرزاق النافع، المعز المذل، ويخرج من القلب يقينه على الأشياء كالمال وغيره؟
الجواب
هذا يسمى التوكل، فلا شك أن الإنسان يجب عليه أن يجعل توكله على الله: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:23] وأن يجعل ما سوى الله مجرد سبب، فالإنسان لا شك أنه يعتمد على راتبه، ولهذا يستقرض على راتبه ويشتري أشياء مؤجلة على راتبه، ولكن لا يعني ذلك أنه يعتمد على هذا كما يعتمد على الله، بل يعتقد بأن هذا سبب من الأسباب، وتسمية التوكل يقيناً خطأ، وأخشى أن يكون هذا من كلمات الصوفية أو ما أشبههم، التوكل غير اليقين، التوكل: أن يعتمد الإنسان على الله، أما اليقين فهو: أن يتيقن وجود الشيء.(4/45)
حكم خروج المرأة للتعزية
السؤال
أثابكم الله، تعزية النساء للنساء مع أن النساء أضعف من الرجال في حث المرأة أو الرجل على الاحتساب والصبر، وربما يحصل منها تبرج، وخروج أمام الرجال، فأيهما أفضل أن تخرج النساء لتعزي النساء والرجال، أم الأفضل لها أن تبقى في البيت؟ الشيخ: أن تبقى من؟ السائل: المرأة المعزية.
الجواب
على كل حال، أولاً: يجب أن نعرف أن العزاء ليس تهنئة، حتى يجتمع الناس عليه ويسهرون، وربما يوقدون الأنوار، وتجد المسكن كأنه في حفلة زواج كما شاهدنا في بعض البلدان وكما نسمع أيضاً.
العزاء المقصود به تقوية المصاب على الصبر، وتقوية المصاب على الصبر لا تكون في الأمور الظاهرية والحسية، إنما يكون بتذكيره باليقين بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن هذا من عند الله، وكما عزى النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة حين قال للرسول الذي بعثه إليها بعد أن أرسلت إليه قال: (مرها فلتصبر ولتحتسب، فإن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى) .
فالعزاء ليس المقصود به إظهار الفرح لنطرد الحزن؛ لأن هذه تعزية حسية فقط أو ظاهرية لا تعطي القلب يقيناً وإنابة إلى الله ورجوعاً إليه.
التعزية أن تقول للرجل المصاب: يا أخي! اصبر، احتسب، هذه الدنيا فانية والملك لله، له ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء مقدر بأجل، لا يتقدم ولا يتأخر، وننصرف, فهذا الاجتماع الذي أشرتَ إليه غير مشروع، بل كان السلف يعدون الاجتماع عند أهل الميت وصنع الطعام من النياحة؛ والنياحة من كبائر الذنوب.
السائل: لو طلبت أمٌ أو زوجة أو أخت من أخ أن يوصلها إلى أهل الميت فهل ينصحها بالبقاء أم يلبي رغبتها؟ الشيخ: إذا كان أهل الميت أقارب بحيث إذا لم تأتوا تعزونهم صار في نفوسهم شيء، فليذهب بهن خمس دقائق أو نحوها ثم يرجع بهن.(4/46)
السنة في حق ساقي القوم
السؤال
إذا أراد إنسان أن يصب القهوة يبدأ برئيس المجلس ثم عن يمينه أهذه هي السنة؟
الجواب
السنة إذا أعطى كبير القوم أن يأخذ بيمينه هو -أعني: يمين الصَّاب- أما إذا أعطى الكبير ولم يأخذ منه فإنه -أي: الكبير- إذا فرغ يعطيه الذي عن يمينه.(4/47)
ذبح الأضحية في غير بلد المضحي
السؤال
هل يجوز ذبح الأضحية في بلد غير بلد المضحي، مثل: مشروع الأضاحي في أفريقيا؟
الجواب
الأضحية تكون في بلد المضحي هذه هي السنة، وهو المشروع، وهو الأفضل والأكمل، وأما نقلها إلى بلدٍ آخر فإننا قلنا: بوجوب الأكل منها، فإنه لا يجوز نقلها إلى بلد آخر، إلا إذا ضمنا أنه سيأتينا من هذا اللحم ما نأكله، وإن قلنا: بعدم الوجوب جاز، لكنه خلاف السنة، ولهذا نقول ونكرر لإخواننا: ألا يفعلوا هذا، أي: لا يبعثوا بضحاياهم إلى الخارج، بل يضحون في بيوتهم، وبين أهليهم حتى تظهر هذه الشعيرة، ويعرفها الصغار عن الكبار، وأما أن ترسل دراهم وتذبح هنا فلا، وإذا كان يريد نفع إخوانه في بلاد أخرى يرسل إليهم دراهم، فقد تكون الدراهم أنفع لهم من اللحم.(4/48)
حكم لبس النساء (الكاب)
السؤال
ما حكم الكاب، لباس مشهور عند النساء؟ الشيخ: لباس مشهور عند النساء ولكن اشرحه لنا؟ السائل: هو يشبه الدرع.
الشيخ: يكون على الرأس أو على المنكبين؟ السائل: لا.
من المنكبين إلى القدمين.
الشيخ: ويبقى الرأس والعنق بارزين؟ السائل: ويبقى العنق والرأس بارزين.
الشيخ: له لباس آخر؟ السائل: لكنه بارز متميز.
الجواب
الأصل أن الكاب لا بأس به؛ لأنه ساتر، ولكن أرى ألا نفتح الباب للنساء في تقليد غيرنا، ما جاءنا هذا إلا حين جاء الناس إلينا أو ذهبنا إليهم، فكوننا نتلقف عادات غيرنا التي ليس فيها مزية نافعة عن عاداتنا، أمرٌ يجعل الإنسان دائماً في التبعية ودائماً ذنَباً لغيره، فما دام لباسنا العباءة هو الأستر للمرأة وهو الأحوط فلنبقى عليه؛ لأن هذه السنة ربما ترخص في الكاب، وفي السنة الأخرى تقول: أعطني البنطلون، ثم في السنة الثالثة أو الرابعة تطلب من اللباس القصير ومن لباس الأفندي -كما يقولون- وما أشبه ذلك، فالذي أرى أن نحجز النساء عن تلقف هذه العادات، ونقول لهن: ما الذي تستفيديه من هذا؟ العباءة إذا التمت بها المرأة صارت مثل الكاب وأستر وأحسن وأعز للإنسان، كون الإنسان يعتز بعاداته التي لا تخالف الشرع ولا يكون ذنباً لغيره في تلقف العادات، هذا هو المطلوب من الإنسان الحازم.(4/49)
حكم المتمتع إذا أدى العمرة وخرج من مكة
السؤال
من زار مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بين العمرة والحج أو خرج إلى الطائف هل يلزمه الإحرام إذا رجع إلى مكة وهو متمتع؟
الجواب
لا يلزمه الإحرام، يعني: إذا أدى المتمتع العمرة، وخرج من مكة إلى الطائف أو إلى جدة أو إلى المدينة، ثم رجع، فإنه لا يلزمه الإحرام بالحج؛ لأنه رجع إلى مقره، فإنه لما جاء حاجاً صار مقره مكة، فإذا سافر إلى المدينة ثم رجع فقد رجع إلى مقره، فيحرم بالحج يوم التروية من مكة، كما لو كان من أهل مكة وذهب إلى المدينة في أشهر الحج، ثم رجع من المدينة وهو في نيته أن يحج في هذا العام، فإنه لا يلزمه الإحرام بالحج إلا من مكة.(4/50)
الحائض إذا لم تطف طواف الإفاضة وشق عليها البقاء في مكة
السؤال
امرأة أصابها الحيض ولم تطف طواف الإفاضة ويشق عليها البقاء في مكة، هل ترجع إلى بلدها وهو خارج المواقيت، فإذا طهرت رجعت إلى مكة لتطوف طواف الإفاضة؟
الجواب
إذا كانت المرأة حائضاً ولا يمكنها أن تنتظر في مكة فلا حرج عليها أن تخرج إلى بلدها، فإذا طهرت عادت لكنها في هذه الحال لا يقربها زوجها إذا كانت متزوجة؛ لأنها لم تحل التحلل الثاني.
أما إذا كان لا يشق عليها الانتظار، فالأفضل أن تنتظر، ولا فرق بين أن يكون بلدها خارج المواقيت أو دون المواقيت.
السائل: وهل يلزمها الإحرام إذا كانت خارج المواقيت في البلد إذا رجعت؟ الشيخ: إذا رجعت فالأفضل أن تحرم بعمرة فتطوف وتسعى وتقصر، ثم تطوف طواف الإفاضة.(4/51)
من نذر أن يذبح كبشاً معيناً فمات الكبش
السؤال
نذر شخص أن يذبح كبشاً معيناً، فمات الكبش المعين دون تفريط منه، فهل يلزمه إبداله؟
الجواب
إذا مات بغير تفريط منه ولا تعدي، فلا شيء عليه، إلا إذا كانت منذورة، فعليه أن يوفي بنذره، أما إذا كانت لم تجب إلا بالتعيين، ثم ماتت بدون تفريط منه فلا شيء عليه.(4/52)
الصلاة ذات السبب تؤدى في أي وقت
السؤال
أتى شخص إلى المسجد بعد صلاة العصر، هل يجوز لمن صلى العصر مع الإمام أن يصلي معه حيث أن هذا الوقت وقت نهي؟
الجواب
إذا دخل الإنسان في المسجد بعد صلاة العصر وقام معه أحد ليتصدق عليه بهذه الصلاة حتى تكون جماعة فلا حرج؛ لأن القول الراجح: أن الصلاة التي لها سبب ليس عنها نهي لا بعد العصر ولا بعد الفجر، والنهي إنما عن شخص أراد أن يتنفل هكذا مطلقاً، هذا هو الذي لا يجوز في أوقات النهي.(4/53)
حكم إخراج الزكاة للعمال
السؤال
إذا كان لدى التاجر عمال في المحل، أو في المؤسسة، براتب قدره ستمائة ريال لكل شخص، فهل يجوز للتاجر أن يعطيهم زكاة ماله؟
الجواب
نعم.
يجوز أن يعطيهم إذا كانوا من أهل الزكاة، مثل: أن يكون لديهم عوائل ورواتبهم لا تكفيهم، أو عليهم ديون ورواتبهم لا تقضى به الديون، وما أشبه ذلك، المهم إذا كانوا من أهل الزكاة فلا حرج أن يعطيهم وإن كانوا عمالاً أو خدماً عنده.(4/54)
حكم دفع الزكاة للأقارب
السؤال
هل يجوز دفع الزكاة إلى الأقارب؟
الجواب
تدفع الزكاة للأقارب ودفعها للأقارب أفضل من دفعها للأباعد، إلا من وجبت عليك نفقته، فإنه لا يجوز أن تعطيه من الزكاة لسداد نفقته؛ لأنك إذا أعطيته ذلك وفرت على نفسك النفقة التي كانت واجبة لهذا الشخص.
ولهذا نقول: يجوز قضاء دين القريب، ولو وجبت نفقته عليك فتنفق عليه وتقضي دينه من زكاتك؛ لأن دين القريب لا يلزمك قضاؤه حتى لو كان الأب، فلو أراد الابن أن يقضي ديناً على أبيه، وأبوه لا يستطيع قضاءه فقضاه الابن من زكاته، فلا حرج.
السائل: الأخت إذا كانت ذات زوج وهي فقيرة وزوجها فقير، فهل يجوز أن يعطيها أخوها من زكاته؟ الشيخ: لا بأس أن يعطيها من زكاته.(4/55)
غسل الجنابة يكفي عن الوضوء
السؤال
الإنسان إذا أصابته جنابة واغتسل هل يجب عليه أن يتوضأ بعد الاغتسال؟
الجواب
إذا كان على الإنسان جنابة واغتسل كفاه الاغتسال عن الوضوء، وإن لم ينو، لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] ، ولكن يلاحظ أنه لا بد من المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة.(4/56)
عمرة الصغير
السؤال
نويت العمرة لطفل صغير ثم تحلل ولم يأتِ بالعمرة، فهل عليَّ دم؟
الجواب
الصغير غير مكلف إذا تحلل في الإحرام دعه يتحلل، وقلت لك قاعدة منذ قليل: ما جاءك من الصغير فاقبل، وما تركه فلا تطالبه به.(4/57)
حكم من تعجل فرمى ثم طاف طواف الوداع وغابت الشمس وهو في مكة
السؤال
رجل أراد التعجل فرمى، ثم نزل إلى مكة ليطوف طواف الوداع، ثم غابت عليه الشمس في مكة، فهل يجوز أن يغادر مكة أم لا؟
الجواب
هذا جائز، أما الممنوع أن تبقى في منى إلى غروب الشمس، وأنت بنية التأخر، ثم يبدو لك بعد غروب الشمس أن تتعجل فهذا لا يجوز؛ لأنك نويت التأخر فتأخرت وغابت عليك الشمس، والله عز وجل يقول: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} [البقرة:203] و (في) للظرفية.
أما إذا تعجلت وخرجت من منى قبل غروب الشمس، أو تأهبت للخروج ولكن حبسك السير حتى غابت الشمس وأنت في منى، فاستمر في سيرك.
السائل: يعني العبرة بالخروج من منى ليس بالطواف؟ الشيخ: نعم.
العبرة بالخروج من منى.
الشيخ: وأيضاً العبرة بالخروج من منى لمن أراد أن يتأخر ثم بدا له أن يتأخر بعد الغروب، أما من تأهب وحمل متاعه ومشى، ولكن حبسه السير حتى غابت الشمس فليستمر وليس عليه شيء.(4/58)
تحريم الأكل باليد اليسرى إلا لعذر
السؤال
الأكل باليد اليسرى هل هو محرم أم المسألة خلافية؟
الجواب
الأكل باليد اليسرى بعذر لا بأس به، أما لغير عذر فهو حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال: (إن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله) ، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور:21] ، ثم إن الشيطان يفرح إذا أكلت بيسارك؛ لأنك تكون متبعاً له مخالفاً للرسول صلى الله عليه وسلم.
المسألة ليست هينة! إذا أكلت بيسارك أو شربت باليسار فرح الشيطان فرحاً أكبر من كونه فعلاً، يفرح بأنك وافقته وخالفت الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله وفعله، فالمسألة ليست هينة، ولهذا يجب على طلبة العلم أن ينبهوا العامة في ذلك.
كثير من الناس نجدهم عند الأكل يشربون باليسار يقولون: نخشى أن يتسخ الكأس، والحال أن أكثر الكئوس الآن من الورق لا يشرب فيها أحد بعدك، اتركها تتلوث، ثم إنه يمكن أن تمسك حتى لو كانت من الزجاج أن تمسكها في أسفلها بين السبابة والإبهام وتشرب، ثم لو قدر أنه ما أمكن هذا ولا هذا، إذا تلوثت فتغسل، فليست مشكلة؛ لأنه ما دام عرف أنه حرام وأنه يكسب إثماً بالشرب بها، فالحرام لا يجوز إلا للضرورة.
السائل: وإذا أمسكها باليسار ووضعها على اليمين؟ الشيخ: إذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس، إذا وضعها على راحته اليمنى وأمسكها باليسرى إن دعت الحاجة، لكني ما رأيت الحاجة تدعو إلى ذلك أنا جربتها بنفسي، أُمسك الكأس من الأسفل ولا يتلوث إطلاقاً، ثم إذا تلوث تبقى خمس دقائق ويزيلها التغسيل، الأمر سهل، وكذلك الأخذ والعطاء بالشمال هذا أيضاً خلاف السنة وقد نهي عنه.
السائل: لكن هل فيه قول للعلماء أنه جائز؟ الشيخ: بعض العلماء يرى الكراهة، ولكن يا أخي! أنصحك وغيرك، إذا قال النبي صلى الله عليه وسلم قولاً لا تقل: هل قال بعض العلماء؟ فالعلماء يفتون بالفهم، إن بلغهم الدليل فقد يخطئون في الفهم، وقد لا يبلغهم الدليل، وربما يكون الدليل خفياً، ألم يخف على الصحابة رضي الله عنهم كلهم حديث الطاعون: لما أقبل عمر رضي الله عنه على الشام قيل له: إن الشام فيها طاعون، فوقف وجعل يشاور الصحابة، ويأتي بالمهاجرين والأنصار فيشاورهم على حدة، وكلهم ما علموا بالحديث، لكن ولله الحمد وفقهم الله للصواب أن يكون الرجوع دون القدوم، وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه هو الذي روى الحديث لكنه كان غائباً في حاجة، فجاء فحدثهم بهذا، كل الصحابة خفي عليهم هذا الحديث مع العلم بأنهم محصورون، كيف بعد انتشار الأمة والعلماء؟!! فلا ينبغي أن نعارض كلام الرسول صلى الله عليه وسلم بقول: هل فيه خلاف؟ ألم يقل بعض العلماء بكذا؟ إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قال لنا الكلام: (لا يأكل أحدكم بشماله، ولا يشرب بشماله؛ فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله) انتهى الموضوع، لو خيرت أي مؤمن: أتحب هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، أم خطوات الشيطان؟ ماذا يقول؟ يقول: هدي الرسول صلى الله عليه وسلم.
السائل: يا فضيلة الشيخ قصدي أن بعض الناس ينسبون إلى بعض العلماء عدم التحريم فأريد التأكد؟ الشيخ: هذا حسن، وابن عباس رضي الله عنهما يقول: [يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله وتقولون: قال أبو بكر وعمر] ، ومن العلماء عند أبي بكر وعمر؟ وقد قال فيهما الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا) وقال: (اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر) منصوص على أخذ رأيهما، فإذا كان أبو بكر وعمر خالفا الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذنا بقولهما يوشك أن تنزل علينا حجارة من السماء، فكيف بأخذ قول غيرهما؟!! ولذلك حقيقة يؤلمني جداً إذا قال قائل مثلاً عندما أقول له: قال الرسول صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، قال: فيه خلاف، المخالف قد يكون معذوراً في مخالفة النص لتأويله، أو عدم علمه، لكن أنا غير معذور، وليس إذا عذر المتبوع يعذر التابع.(4/59)
حكم المرور من مزرعة دون إذن صاحبها
السؤال
مزرعة في طريق ولا ندري عن صاحبها هل يسمح بالمرور منها أم لا، فهل للإنسان أن يمر منها؟ الشيخ: إذا كانت طريقاً تظنون أنها طريق هذا ممكن، ولكن صاحب المزرعة لو شاء لوضع شبكاً ومنع الناس، وأما إذا كانت المزرعة قد أحيطت بشبك تريد أنت أن تقفز من هذا الشبك وتمشي فهذا لا يجوز إلا بإذن صاحبها ورضاه.(4/60)
حكم رمي الجمار يوم الثالث عشر قبل الزوال لغير المتعجل
السؤال
ذهبنا إلى الحج ورمينا الجمرات يوم الحادي عشر والثاني عشر، وزميلي أشار عليَّ أنه يجوز أن نرمي الساعة الثانية عشرة ليلاً لليوم الثالث عشر وما كنا نريد التعجل فهل يجوز هذا؟
الجواب
كان المفروض عليكم إذا كنتم تريدون التعجل أن تخرجوا من منى قبل غروب الشمس في اليوم الثاني عشر، ولكنك تقول: ما كنا نريد التعجل، فلا يصح رميكم قبل زوال الشمس من اليوم الثالث عشر، وعليكم الآن إذا كنتم موسرين على ما قال علماؤنا -رحمهم الله- أن يذبح كل واحد منكم فدية في مكة ويوزعها على الفقراء.
السائل: هذا الكلام منذ ثلاث سنوات؟ الشيخ: لا بأس هو دين عليكم فأوفوا به.(4/61)
خطورة لبس الكاب للنساء
السؤال
يا فضيلة الشيخ! بالنسبة للكاب الآن ظهرت فيه أشياء ضيقة هو مجرد ثوب ضيق للمرأة، وبدأت تظهر منه أشكال غريبة، فكيف الجواز؟
الجواب
بلى الكاب إذا كان الذي ظهر منه الآن ضيقاً فهو يدخل تحت حديث: (نساء كاسيات عاريات) ؛ لأن الضيق الذي يصف مقاطع البدن لا يجوز للمرأة.
والحقيقة أنه ينبغي لنا نحن طلبة العلم أن نحذر من اتباع العادات التي لا تجلب لنا خيراً، لماذا لا نعتز بعاداتنا؟ هل نحن إذا ذهبت المرأة منا إلى بلادهم مثلاً وعليها العباءة هل يقتدون بنا؟ يلبسون عباءات؟ ما أظن هذا، كيف نخضع لعاداتهم وهم يحترزون من أن يخضعوا لعاداتنا؟ ثم إذا كانت عادات مفيدة فنعم، المؤمن يريد الفائدة إذا لم تكن في معصية الله، ثم إن ذل الإنسان أمام عادات الناس يوجب أن تذل نفسه، ولهذا ذكر ابن خلدون في مقدمته، قال: إن من العادات أنه لا يخضع أحدٌ لاتباع أحد إلا إذا شعر بأنه أقل منه.
هذه سنة الله، أن الضعيف يتبع القوي، فلنكن أقوياء.
السائل: ألا يعتبر لبس الكاب خطوة نحو التبرج، علماً بأن بعض اللواتي يلبسن الكاب الآن كن يخجلن منه في بداية الأمر ثم أصبح الأمر عادياً؟ الشيخ: ما فيه شك -بارك الله فيك- كل خروج عن المألوف هو خطوة نحو التبرج، ولا يغرك ظاهر الحال الحاضر، كلها خطوة نحو التبرج، حتى أنها -مثلاً- أول ما تلبس الكاب وتمشي في السوق كأنها عريانة؛ لأنها ما عرفت هذا الشيء، ثم بعد ذلك يلين هذا الشيء في قلبها، يلين ويلين، ثم تكون درجته إلى ما فوق.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(4/62)
لقاء الباب المفتوح [5](5/1)
دعوة لمساعدة المجاهدين في البوسنة والهرسك
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.
وبعد: في هذه الأيام يكثر السؤال عما جرى على جمهورية البوسنة والهرسك، وهل يعتبر الدفاع عنهم جهاداً في سبيل الله؟ وهل يجب علينا أن نساعدهم بالمال والرجال؟ وحسب ما بلغنا أن القوم من المسلمين، وإن كانوا يجهلون كثيراً؛ لأن الدولة الشيوعية التي احتضنتهم مدةً طويلة حالت بينهم وبين الوصول إلى الدين الإسلامي علماً وعملاً، وإننا ولله الحمد نرى من الشباب من ذهب إليهم في هذه الآونة الأخيرة، وفتحوا هناك مركزاً لتعليم الدين الإسلامي، وجمعوا له ما تيسر من الأموال، وجلبوا له ما تيسر من طلبة العلم الذين يبلغونهم دين الله عز وجل، وكان ذلك بإدارة الأخ/ عقيل بن عبد العزيز العقيل، وأخيه الشيخ/ عبد الله بن عبد العزيز العقيل، والرجل كان نشيطاً، وله عمل مشكور إبان الحرب الأفغانية، ونسأل الله له التوفيق.
أما بالنسبة لمساعدتنا لهم فالواجب علينا أن نساعدهم بما نستطيع من مال أو رجال، بشرط أن يكون لهذه المساعدة نفع مجدي؛ لأن الدفاع عن إخواننا المسلمين واجب، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) والمساعدة لا بد أن تكون واقعة موقعها؛ بحيث نعلم أن ذلك نافع، وقد حدثني بعض الرجال الذين لهم خبرة ومعرفة، أنه لما قدم أحد وزرائهم إلى هذا البلد واتصل ببعض الشخصيات تشاوروا فيما بينهم، ما الذي يجدي في مساعدتهم؟ فرأوا أن أهم شيء في الوقت الحاضر أن يساعدوا بالمال من أجل توفير الغذاء واللباس والسكن، إذ أن أولئك الطغاة الصربيين قد أحاطوا بهم، ودخول السلاح عليهم صعب، وربما يؤخذ السلاح قبل أن يصل إليهم، وربما يشترون السلاح بثمن غالٍ من بعض الدول، وقد يكون صالحاً للاستعمال، وقد يكون غير صالح للاستعمال، وقد يدمر، فالمال خير ما نساعدهم به الآن، والإنسان يبذل ما يستطيع ويتيسر له في هذا.
وكذلك أيضاً نساعدهم بالدعاء سواء في القنوت الذي أمر به ولي الأمر، أو في الدعاء في غير هذه الحال بأن ينصرهم الله عز وجل على أعدائهم ويخذل أعداءهم.
هذا ما أردت أن أبين عن حال هذه الجمهورية الذين نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينصرهم، وأن يفرج كروبهم، ويكشف همومهم، وأن يمنحهم رقاب أعدائهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(5/2)
أنواع النوافل وحكم قضائها
السؤال
من أتى عليها عاشوراء وهي حائض هل تقضي صيامه؟ وهل من قاعدة لما يقضى من النوافل وما لا يقضى جزاك الله خيراً؟
الجواب
النوافل نوعان: نوع له سبب، ونوع لا سبب له، فالذي له سبب يفوت بفوات السبب ولا يقضى، مثال ذلك: تحية المسجد، لو جاء الرجل وجلس ثم طال جلوسه، ثم أراد أن يأتي بتحية المسجد، لم تكن تحية للمسجد؛ لأنها صلاة ذات سبب، مربوطة بسبب، فإذا فات فاتت المشروعية، ومثل ذلك فيما يظهر يوم عرفة ويوم عاشوراء، فإذا أخر الإنسان صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء بلا عذر فلا شك أنه لا يقضي، ولا ينتفع به لو قضاه، أي: لا ينتفع به على أنه يوم عرفة أو يوم عاشوراء.
وأما إذا مر على الإنسان وهو معذور كالمرأة الحائض والنفساء أو المريض، فالظاهر أيضاً أنه لا يقضي؛ لأن هذا خص بيوم معين يفوت حكمه بفوات هذا اليوم.(5/3)
حكم من ترك واجباً من واجبات العمرة
السؤال
رجل تحلل من عمرته بعد أن طاف وسعى ولم يحلق ولم يقصر ثم أحرم بالحج، ماذا يلزمه جزاك الله خيراً؟
الجواب
الظاهر أنه باقٍ على تمتعه، ولكنه يلزمه عن ترك الحلق أو التقصير فدية؛ بناءً على ما هو مشهور عند الفقهاء من أن ترك الواجب تلزم فيه الفدية، فإذا كان موسراً قادراً وجب عليه أن يذبح في مكة وتوزع كلها على الفقراء، وإن لم يكن قادراً فلا شيء عليه، أما النسك فهو تمتع؛ لأن هذه هي نيته.
السؤال: الضابط المذكور لمن فعل اثنين من ثلاثة هل هو مطرد؟ الجواب: يقول الفقهاء رحمهم الله: إن التحلل الأول يحصل بفعل اثنين من ثلاثة وهو رمي جمرة العقبة يوم العيد، والحلق أو التقصير، والطواف، ولكن لم يرد في ذلك سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الوارد في الرمي أن من رمى وحلق حلَّ التحلل الأول، أو من رمى فقط.
فمن العلماء من قال: إن التحلل الأول يحصل برمي جمرة العقبة فقط، وإن لم يحلق أو يقصر.
ومنهم من قال: لا بد من الحلق أو التقصير مع الرمي، وهذا القول أحوط وأولى أن يؤخذ به، لكن الفقهاء يعللون ما قالوه: بأنه لما كان للطواف تأثيرٌ في التحلل الثاني صار له تأثير في التحلل الأول، فإذا رمى وطاف حلَّ التحلل الأول، وإذا حلق وطاف حلَّ التحلل الأول.(5/4)
التخيير في أنساك الحج الثلاثة وأفضلها التمتع
السؤال
من أحرم بالحج مفرداً وقيل له: يفسخ حجه إلى العمرة ولم يفسخ هل يُعدَّ عاصياً؟
الجواب
الصحيح أن الأنساك الثلاثة وهي: التمتع، والإفراد، والقران، كلها جائزة، وأن الإنسان مخير فيها، لكن الأفضل التمتع إلا إذا ساق الهدي، فإنه يقرن لتعذر حِلَّه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن معي الهدي فلا أحلَّ حتى أنحره) فإذا قيل لهذا الرجل المفرد: افسخ نية الإفراد إلى تمتع، أي: اجعل حجك عمرة، وتحلل منه ثم أحرم بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة، ولكنه أبى إلا أن يبقى على إحرامه فلا بأس ولا يُعدُّ عاصياً.(5/5)
اجتماع صوم واجب مع مستحب
السؤال
إذا اجتمع قضاء واجب ومستحب، ووافق وقت مستحب هو يجوز للإنسان أن يفعل المستحب ويجعل قضاء الواجب فيما بعد، أو يبدأ بالواجب أولاً، مثال: يوم عاشوراء وافق قضاء من رمضان؟
الجواب
بالنسبة لصيام الفريضة والنافلة لا شك أنه من المشروع، والمعقول أن يبدأ بالفريضة قبل النافلة؛ لأن الفريضة دين واجب عليه، والنافلة تطوع إن تيسرت وإلا فلا حرج، وعلى هذا فنقول لمن عليه قضاء من رمضان: اقض ما عليك قبل أن تتطوع، فإن تطوع قبل أن يقضي ما عليه، فالصحيح أن صيامه التطوع صحيح ما دام في الوقت سعة؛ لأن قضاء رمضان يمتد إلى أن يكون بين الرجل وبين رمضان الثاني مقدار ما عليه، فما دام الأمر موسعاً فالنفل جائز كصلاة الفريضة، مثلاً: إذا صلى الإنسان تطوعاً قبل الفريضة مع سعة الوقت كان جائزاً.
فمن صام يوم عرفة أو يوم عاشوراء وعليه قضاء من رمضان فصيامه صحيح، لكن لو نوى أن يصوم هذا اليوم عن قضاء رمضان حصل له الأجران: أجر يوم عرفة وأجر يوم عاشوراء مع أجر القضاء، هذا بالنسبة لصوم التطوع المطلق الذي لا يرتبط برمضان، أما صيام ستة أيام من شوال فإنها مرتبطة برمضان ولا تكون إلا بعد قضائه، فلو صامها قبل القضاء لم يحصل على أجرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر) ومعلوم أن من عليه قضاء فإنه لا يقال: إنه صام رمضان حتى يكمل القضاء، وهذه مسألة يظن بعض الناس أنه إذا خاف خروج شوال قبل صوم الست فإنه يصومها ولو بقي عليه القضاء، وهذا غلط، فإن هذه الست لا تصام إلا إذا أكمل الإنسان ما عليه من رمضان.(5/6)
الجمع والقصر في منى أيام الحج
السؤال
بالنسبة للحاج المكي قلتم: بأنه في منى لا يقصر ولكن في مزدلفة وعرفة فإنه يقصر، ما التعليق على ذلك؟
الجواب
أما بالنسبة للمكي إذا حج فإن العلماء الذين يقدرون السفر بالمسافة لا يرون له جمعاً ولا قصراً كالإمام أحمد والشافعي؛ ولهذا لا يجوزون للحاج المكي أن يقصر أو يجمع حتى فيما سبق من الزمن، لكن القول الراجح: أن السفر لا يتقيد بالمسافة وإنما يتقيد بالعرف والتأهب له، فما تأهب له وشدوا الرحل إليه فهو سفر، وعلى هذا القول فإنه يجوز للمكي أن يقصر ويجمع إذا حج، ويدل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم حج معه أهل مكة ولم يأمرهم بالإتمام ويقول: أتموا يا أهل مكة! فإنا قوم سفر وعلى هذا فنقول: إن مذهب الإمام أحمد على المشهور عنه والشافعي: أن المكيين لا يجمعون ولا يقصرون لا في منى ولا في عرفة ولا في مزدلفة.
وأما عن القول الثاني الذي رجحناه: فإن الإنسان إذا كان في مزدلفة أو في عرفة يكون في مكان منفصل عن مكة فيترخص برخص السفر، أما إذا كان في منى فكما تعلمون أن منى في الوقت الحاضر صارت كأنها حيٌ من أحياء مكة، لهذا نرى أن الاحتياط ألا يجمع ولا يقصر في منى، مع أنه لا جمع في منى حتى لغير المكيين، إذ أن من السنة فيها لغير المكيين القصر بدون جمع، أما في مزدلفة وعرفة فهي منفصلة كما قلت لك أولاً منفصلة عن مكة يعني: لم تتصل بها، حسب ما رأيت أنه لم يتصل البناء، وعلى كل حال لو فرض أن مكة كبرت في المستقبل وصارت المزدلفة منها مثل منى فالحكم واحد.(5/7)
مقولة: الدنيا أرحام تدفع وأرض تبلع
السؤال
في مقولة: أرحام تدفع وأرض تبلع، ما أدري ما يقول الشرع فيها؟ وإلى من تنسب؟
الجواب
هذه المقولة وهي قولهم: إن الدنيا أرحام تدفع وأرض تبلع وليس وراء ذلك شيء، فهذا قول أهل الدهر، الذين يقولون: {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24] وهو كفر؛ لأنه إنكار للبعث، وأما من قال: أرحام تدفع وأرض تبلع، وهو يؤمن أن وراء ذلك البعث فإن هذا ليس عليه بأس في هذه المقولة، لكنه قد ينكر عليه إطلاقها؛ لأن من سمعه أو من سمع هذه المقولة قد يتوهم مذهب الدهريين الذين يقولون: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24] ولا يؤمنون بالبعث، فالأولى التنزه والبعد عن هذه المقولة.(5/8)
مقولة: لو أراد مني ذنباً من ذنوبي أعطيته
السؤال
هناك مقولة أخرى إذا طلب من أحد شفاعة أو شيء قال: لو أراد مني ذنباً من ذنوبي ما أعطيته، هل هي شرعية؟
الجواب
هذا يقول: إن بعض الناس إذا طلب منهم شيء، قالوا: لو أراد مني ذنباً من ذنوبي ما أعطيته، يراد بذلك أنه مستحيل أن يعطيه، لكن كأن الأمر بالعكس أن يقول: لو أراد مني حسنة من حسناتي ما أعطيته، أما كل الذنوب فكل واحد يحب أن يتحمل عنه الإنسان ذنبه، وعلى كل حال فالمسألة مفهومة عند العامة: أن المراد بها الامتناع أن يعطي هذا الشخص ما طلب منه، فلا أرى فيها محذوراً.(5/9)
تعجيل الزكاة قبل حلول وقتها
السؤال
ما حكم تعجيل الزكاة لسنوات عديدة للمنكوبين والذين تَحلَّ بهم مصائب؟
الجواب
تعجيل الزكاة قبل حلولها لأكثر من سنة الصحيح أنه جائز لمدة سنتين فقط، ولا يجوز أكثر من ذلك، ومع هذا لا ينبغي أن يعجل الزكاة قبل حلول وقتها، اللهم إلا أن تطرأ حاجة كمسغبة شديدة، أو جهات، أو ما أشبه ذلك، فحينئذٍ نقول: يعجل لأنه قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل، وإلا فالأفضل ألا يزكي إلا إذا حلَّت الزكاة؛ لأن الإنسان قد يعتري ماله ما يعتريه من تلفٍ أو غيره، وعلى كل حال أيضاً ننبه إلى أنه لو زاد عما هو عليه حين التعجيل فإن هذه زيادة يجب دفع زكاتها.(5/10)
إجازة الموظفين قبل انتهاء الدوام
السؤال
بعض الموظفين تنتهي أعمالهم مثل المدرسين فيسمح لهم المدير المباشر إذا خرجت النتائج بعدم الإتيان إلى المدرسة، هل يحق لهم علماً بأن الدوام المقرر قد بقي عليه يومان أو ثلاثة؟
الجواب
الظاهر أن تسأل فتقول: إذا انتهى زمن عمل الموظف، وأذن له رئيسه المباشر بعدم الحضور، فالظاهر لي أن هذا لا بأس به، لكن لا يغيب عن البلد؛ لأنه ربما يحتاج إليه، فإذا كان الأمر كما قلت مثلاً انتهت أيام الاختبار في نصف الأسبوع وبقي النصف الآخر قبل الإجازة؛ فإذا رأى المدير المباشر أن لا يُلزم الأساتذة بالحضور فلا حرج، ولكن لا يغادرون البلد؛ لأنه ربما يحتاج إليهم في إعادة النظر في بعض الأجوبة أو ما أشبهها.
السائل: إذا أمكن الاتصال بهم عن طريق الهاتف لو غادروا البلد؟ الشيخ: لا يمكن في مسألة الجواب؛ لأن الرجل قد لا يقتنع برأي غيره مثل ما لو قال: هذا الجواب يحتاج إلى زيادة درجة أو درجتين، فإنه ربما لا يقتنع بذلك حتى يقرأه مرة ثانية ويكرره.
السائل: أقصد يطلب منه الحضور عن طريق الهاتف؟ الشيخ: إذا كان يمكن فلا بأس.(5/11)
تحريم الكلام أثناء خطبة الجمعة
السؤال
في بعض المساجد يكثر الأجانب الذين يتكلمون أثناء خطبة الجمعة، هل يحق للخطيب المداومة على التنبيه عليهم لأنهم يتغيرون؟
الجواب
إذا كان الذين يتكلمون أثناء الخطبة يوم الجمعة، فإن علىالخطيب أن يتكلم ويقول: بلغنا أن أناساً يتكلمون وهذا حرام عليهم، ويأتي بالحديث الدال على ذلك، ولكن المشكلة أنه ربما يقع الكلام من قوم لا يفهمون اللغة العربية فتبقى المشكلة، وحينئذٍ لا بأس أن يشير من حولهم لهم بالإشارة ليسكتهم لا بالقول؛ لأن تسكيتهم بالقول محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب؛ فقد لغوت) .(5/12)
حكم التنفل بركعة واحدة والسلام بتسليمة واحدة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما صحة من اقتصر على ركعة واحدة؟
الجواب
صلاة الفريضة لا يمكن أن تكون ركعة واحدة؛ لأنها معروفة، وصلاة النافلة الوتر تكون ركعة واحدة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى) وصلاة النافلة غير الوتر، وقد صحح بعض العلماء أنه يجوز للإنسان أن يتطوع بركعة لكن مع الكراهة.
والذي يظهر لي أنه لا يصح التطوع بركعة، وما ورد عن بعض السلف فهو كغيره من الاجتهادات التي قد تخطئ وقد تصيب، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) وفي رواية: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) وهذا يدل على أنه لا يتطوع بركعة واحدة.
السائل: ما حكم إنهاء الصلاة بتسليمة واحدة؟ الجواب: الاقتصار على تسليمة واحدة يرى بعض العلماء جوازها في النافلة فقط، ويرى آخرون جوازها في الفرض والنفل، والصحيح: أنه لا يجوز الاقتصار عليها لا في الفرض ولا في النفل، وأن الواجب أن يسلم مرتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم من الصلاة مرتين، ويقول: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فكون النبي صلى الله عليه وسلم يواظب على التسليمتين يدل على أنه لا بد منهما، وهذا هو المشهور عند علماء الحنابلة رحمهم الله.(5/13)
حكم قراءة المأموم الفاتحة خلف الإمام في الجهرية
السؤال
قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية خلف الإمام إذا قرأ وشرع في السورة التي بعدها هل أقرأ الفاتحة؟
الجواب
قراءة الفاتحة في الصلاة ركن لا تصح الصلاة إلا بها، والأدلة عامة ليس فيها استثناء، فتكون ركناً في حق الإمام والمأموم والمنفرد، وفي الصلاة السرية والجهرية، هذا هو الصحيح في هذه المسألة، وهو مذهب الشافعي رحمه الله، ودليل ذلك: عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) .
وأما حديث: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) فحديث مرسل ضعيف.
وقد يقول قائل: الجهرية لا تجب فيها القراءة على المأموم؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] ، وكما أن الإمام يتحمل عن المأموم السترة التي توضع بين يديه فكذلك يتحمل القراءة إذا كانت الصلاة جهرية.
فالجواب: أن هذا قول جيد لولا حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الفجر فلما انفتل من صلاته قال: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) لأن هذا نص في أن قراءة الفاتحة واجبة على المأموم، وإن كان في الصلاة الجهرية، فإذا فرغ الإمام من قراءة الفاتحة فاشرع في قراءة الفاتحة واستمر فيها حتى تكملها، ولو شرع الإمام في القراءة أثناء قراءتك فلا حرج.(5/14)
حكم قراءة الأذكار لمن نام ظهراً
السؤال
هل إذا أراد الإنسان النوم في الظهر هل له أن يقرأ الأذكار، أو يقتصر على أذكار في نوم الليل فقط؟
الجواب
الذي يظهر لي أن أذكار النوم الواردة إنما هي في نوم الليل، لكن لا حرج على الإنسان أن يقولها في نوم النهار؛ لأنها أذكار، وليس هناك نص صريح في أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يقولها إلا في نوم الليل.(5/15)
حكم النية عند الوضوء والصلاة
السؤال
بالنسبة لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] هل تكون النية عند الصلاة فقط أم عند الوضوء والصلاة؟
الجواب
نية الوضوء تنقسم إلى قسمين: أولاً: نية العمل، لا بد منها سواء توضأ للصلاة أو لقراءة القرآن أو للذكر عموماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) لكن نية الامتثال هل يكون ذلك عند إرادة الصلاة لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] ، أو يكون نية الامتثال عند كل وضوء مشروع؟ ثانياً: هو الأقرب أنك تنوي الامتثال عند كل وضوء، فمثلاً: إذا أردت أن تتوضأ للطواف، أو إن أردت أن تتوضأ لقراءة القرآن أو للذكر عموماً، فإنك تنوي بذلك امتثال أمر الله عز وجل في أمره بالوضوء.(5/16)
مشروعية قراءة سورة (تبارك) كل ليلة
السؤال
هل هناك حديث ينص على قراءة (سورة تبارك) كل ليلة؟
الجواب
في حديث أن سورة تبارك تقرأ كل ليلة، والحديث حسن يصح الاحتجاج به في فضائل الأعمال.(5/17)
حكم استخدام أدوات الدولة للأغراض الشخصية
السؤال
ما حكم استخدام سيارات الدولة للأغراض الشخصية؟
الجواب
استخدام سيارات الدولة وغيرها من الأدوات التابعة للدولة كآلة التصوير وآلة الطباعة وغيرها لا يجوز للأغراض الشخصية الخاصة؛ وذلك لأن هذه للمصالح العامة، فإذا استعملها الإنسان في حاجته الخاصة فإنه جناية على عموم الناس؛ لأنه اختص الشيء من دونهم، فالشيء العام للمسلمين عموماً لا يجوز لأحد أن يختص به، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الغلول، أي: أن يختص الإنسان بشيء من الغنيمة لنفسه؛ لأن هذا عام، والواجب على من رأى شخصاً يستعمل أدوات الحكومة أو سيارات الحكومة في أغراضه الخاصة أن ينصحه، ويبين له أن هذا حرام، فإن هداه الله عز وجل فهذا هو المطلوب، وإن كانت الأخرى فليخبر عنه؛ لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: يا رسول الله! هذا المظلوم فكيف الظالم؟ قال: تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه أو فذلك نصره) .
السائل: وإذا كان رئيسه راضٍ بهذا فهل هناك حرج؟ الشيخ: ولو رضي الرئيس بهذا، الرئيس نفسه لا يملك هذا الشيء، فكيف يملك إذنه لغيره فيها؟! السؤال: عندنا منطقة عسكرية في المنطقة الشرقية، يوجد في هذه المنطقة سكن خاص بالموظفين وتوجد المكاتب في منطقة العمل، فحصل هناك تغيير في أثاث المكاتب كالستائر وغيرها، فبعض الموظفين أخذ هذه الستائر ووضعها في بيته، فسألوا بعض أهل العلم، فقال: بما أنك نقلتها من المكتب إلى البيت وجميعها خاصة بالدولة لا أرى في ذلك حرج، فما رأي فضيلتكم في ذلك؟ الجواب: إذا كان السكن للدولة، وهذه الستائر سينتفع بها إنسان بخاصته، والدولة غير ملزمة بهذه الستائر، فهذا ممنوع، أما إذا كانت الدولة ملزمة بهذه الستائر، بمعنى: أنه لا يمكن السكن والراحة إلا بهذه الستائر لكن حصل قصور من الدولة أو ليس هناك بند للستائر وأنه من المفروض عادةً أن تكون الستائر في البيت فحينئذٍ نقول: لا بأس بذلك، بشرط أن يكون المبنى الأول؛ مبنى المكاتب مستغنياً عنها.(5/18)
الاعتماد على الأحلام في تقييم الناس
السؤال
خطب رجل امرأة فرأته في المنام حالق اللحية فهل توافق عليه، أم لا؟ الشيخ: وفي اليقظة؟ السائل: في اليقظة ظاهره طيب لم يحلق اللحية وهو شخص ملتزم ولا نزكي على الله أحداً.
الجواب
المرأة التي رأت الرجل الذي خطبها في المنام حالق اللحية وهو في الواقع ليس بحالق لها لا يضرها ما رأت في المنام، ولا ينبغي أن يمنعها من التزوج به ما دام مستقيماً في دينه وخلقه.(5/19)
حكم التسمية على الوضوء
السؤال
فضيلة الشيخ: هل التسمية على الوضوء واجبة؟
الجواب
من صحح الحديث فيها وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) فإنها تكون واجبة، ولا يصح الوضوء إلا بها، ومن لم يصححه فإنه لا يرى وجوب التسمية، فقد قال الإمام أحمد رحمه الله عن هذا الحديث: لا يثبت في هذا الباب شيء، فإذا كان لم يثبت فيه شيء فالأصل براءة الذمة، ولكن الأفضل أن يسمي احتياطاً، فلو ترك التسمية ولو عمداً فوضوءه صحيح.(5/20)
الصلاة على الراحلة في الحضر
السؤال
ما حكم الصلاة على الراحلة في الحضر؟
الجواب
الصلاة على الراحلة إن كانت فريضة فإنها لا تصح لا في الحضر ولا في السفر إلا للضرورة، مثل أن تكون السماء تمطر، والأرض مبتلة، ولا يمكنهم النزول عليها والسجود عليها، وأما النافلة فإنها تجوز في السفر خاصة على الراحلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي النافلة على راحلته حيثما توجهت به، وأما في الحضر فلا يجوز.(5/21)
مقولة: (يا لطف الله) في الميزان
السؤال
ما رأيك في قول بعض الناس: يا لطف الله! يا وجه الله!؟
الجواب
إذا قال: يا لطف الله! فقط ولم يقل: الطف بي، فلا حرج لأن (يا) هنا للتمني، أي: أتمنى لطف الله، وأما إذا قال: يا وجه الله! فهو يريد الله عز وجل؛ لأن الله يعبر بوجهه عنه ذاته، كما قال الله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:27] فالمهم أن الوجه لما كان يعبر به عن الذات مع ثبوت الوجه حقيقةً صح أن يقول: يا وجه الله! يدعو الله عز وجل، وأما اللطف فهو صفة معنوية إذا كان يقتصر على قوله: يا لطف الله! أي: أتمنى لطف الله، فهذا لا بأس به، أما إذا دعا الصفة قال: يا لطف الله الطف بي أو اغفر لي، فهذا لا يجوز كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن دعاء صفة من صفات الله كفرٌ بالاتفاق.(5/22)
تصحيح وتضعيف علماء الحديث المتأخرين
السؤال
هل يؤخذ بتضعيف وتصحيح علماء الحديث المتأخرين، رغم أنه قد سبقهم من هو أكثر منهم حفظاً وعلماً وورعاً؟
الجواب
إذا تعارض في حديث تصحيح المتقدمين والمتأخرين، بمعنى: أن الأولين صححوه والمتأخرين ضعفوه أو بالعكس، فإن الإنسان الذي عنده مقدرة وتمييز بين هذا وهذا ينظر أيهما أصح وأولى بالأخذ، وسيتبين له بأنه عنده علم، وأما من ليس كذلك فليأخذ بتصحيح أو تضعيف المتقدمين؛ لأنهم أقرب إلى الصواب من المتأخرين، والقاعدة المعروفة عند أهل العلم: أنه كلما بعد الناس عن السنة زمناً أو عملاً ضعف علمهم بها.
فهذا هو التفصيل، من كان يعرف كيف يرجح هذا على هذا، فليرجح ما رأى، ومن كان لا يعرف فليأخذ بأقوال المتقدمين.(5/23)
عيوب المرأة المخطوبة
السؤال
رجل خطب امرأة، وهذه المرأة يُعرف عنها أن فيها عيباً خَلقياً، ولكن هذا العيب مستتر ليس بيِّن، وهذا العيب يرجى برءه كالبرص والبهق، فهل يُخبر الخاطب؟
الجواب
إذا خطب الإنسان امرأة وفيها عيب مستتر، ومن الناس من يعلمه، فإن سأل الخاطب عنها وجب عليه البيان وهذا واضح، وإن لم يسأل فإنه يخبره بذلك؛ لأن هذا من باب النصيحة، ولا سيما إذا كان مما لا يرجى زواله، وأما ما كان مما يرجى زواله فهو أخف، ولكن هناك أشياء قد تزول ولكن ببطء كالبرص مثلاً إن صح عنه أنه يزول، فأنا إلى الآن ما علمت أنه يزول، فيفرق بين ما يرجى زواله عن قرب وما يرجى زواله عن بُعد.(5/24)
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام على خلاف أوصافه
السؤال
سائل يسأل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فقد رآني؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي) فهناك من يرى رجلاً ويقول: أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون مخالفاً لما ثبت فيه، وقد يكون متلبساً بكبيرة، ويقول: أنا رسول الله، فكيف الجمع بين الحديث وبين هذه الرؤيا؟
الجواب
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فقد رآني حقاً؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي) ، وبناءً على ذلك: إذا رأى الإنسان شخصاً في منامه وانقدح في ذهنه أنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو سمع من يقول: إن هذا رسول الله فإنه يجب أن يطبق ما رآه على ما علمه من صفات الرسول صلى الله عليه وسلم الخلقية، فإن طابق فهو هو، وإن خالف فليس إياه، فمثلاً: إذا رأى شخصاً ولم تتبين له صورته فليس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن تبينت وجب أن يطبقها على ما يعلم من صفته، فإن طابق الصفة فهو رسول الله، وإن لم يطابق فليس رسول الله.(5/25)
التوبة والرجوع إلى الله
السؤال
هناك شباب يعودون إلى الله في سن الخامسة والعشرين وفي سن الرابعة والعشرين، يعني: يكون أثناء البلوغ في ضياع، ويكون قد عصى الله سبحانه وتعالى وقد يكون تاركاً للصلاة، فبعد هذا السن يرجع إلى الله سبحانه وتعالى ويكون من عباد الله سبحانه وتعالى، هل يكون داخلاً في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وهو الشاب الذي نشأ في طاعة الله؟
الجواب
السن عندهم درجات، سن الشباب، وسن الكهولة، وسن الشيخوخة، وسن الهرم، فيرجع إلى هذا، فالذي في الخامسة والعشرين لا يزال في الشباب، ولكن مع ذلك لو فرض أنه لم يستقم إلا بعد الثلاثين فإن الله تعالى يقول في كتابه: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:68-70] فهؤلاء الذين تابوا بعد أن كبروا وعملوا عملاً صالحاً يبدل الله سيئاتهم حسنات، ويكتب لهم إن شاء الله ما يكتب لغيرهم، وإذا قدر أنه لم يكن شاباً فقد فاتته خصلة من الخصال التي يستحق بها أن يظله الله عز وجل فلا تفته الخصال الأخرى.(5/26)
طمس الوجه من الصور
السؤال
هل طمس الوجه في الصورة يكفي؟
الجواب
إذا طمس الوجه من الصورة فقد حصل المقصود؛ لأن الصورة حقيقة لا تكون إلا في الوجه؛ والوجه هو الرأس، فإذا طمسه فلا حرج.(5/27)
قصر الصلاة قبل دخول البلد
السؤال
شخص رجع من السفر فقصر الصلاة بين البدائع وعنيزة، هل يصح قصره وهو من أهل عنيزة؟
الجواب
إذا رجع المسافر من سفره فله أن يقصر الصلاة حتى يدخل إلى البلد حتى لو لم يبق بينه وبين بلده إلا عشرة أمتار، فإنه يقصر الصلاة كما أنه إذا خرج من البلد، ولو خرج عشرة أمتار فإنه يقصر الصلاة.(5/28)
حكم ترك بعض النوافل
السؤال
بعض الناس في السفر يترك جميع السنن ما عدا ركعتي الفجر والوتر ما حكم ذلك؟
الجواب
الذي يدع صلاة النافلة في سفره قد فاته خير كثير؛ لأن صلاة النافلة في السفر باقية على مشروعيتها كصلاة الليل، وصلاة الضحى، وتحية المسجد، وسنة الوضوء، وغيرها من النوافل، إلا ثلاث سنن وهي: راتبة الظهر والمغرب والعشاء، فهذه الثلاث: السنة ألا تصلى في السفر، فإن قال: أنا جئت إلى المسجد أنتظر مجيء الإمام فهل تمنعوني من الصلاة؟ نقول: لا نمنعك صلِّ ما شئت، لكن لا تنو أنها الراتبة، بل انوِ أنها نفل مطلق، وهذا يحتاج الإنسان إليه في المسجد النبوي والمسجد الحرام، فنقول: صلِّ ما شئت من النوافل؛ لأنها نوافل مطلقة.(5/29)
تبييت نية صوم النفل والأجر على ذلك
السؤال
لو نوى الإنسان الصيام من صلاة الظهر وهو لم يأكل طيلة النهار إلى الظهر، فلما جاء الظهر نوى الصيام، فهل يكتب له صيام يومٍ كامل، أم من صلاة الظهر؟
الجواب
إذا نوى الصيام أثناء النهار وهو نفل ولم يأت قبله بما ينافي الصوم من أكل أو شرب أو غيرهما فصومه صحيح، سواء كان قبل الزوال أم بعد الزوال، ولكن هل يثاب من أول النهار، أو يثاب من النية؟ الصحيح: أنه يثاب من النية فقط؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) ، والفائدة: أنه يكتب له أجر الصيام منذ نوى إلى غروب الشمس.(5/30)
الردة وحبوط الأعمال
السؤال
لو قلنا: إن الراجح أن الإنسان لو عمل في حال إسلامه عبادة ثم ارتد، ثم فريضة مثل فريضة الحج ثم ارتد، ثم رجع مرة أخرى فهل تكفيه فريضة الحج الأولى التي عملها، وبالنسبة لحديث: (وشاب نشأ في طاعة الله) هل نقول: إن الإنسان مثلاً لو نشأ في طاعة الله في سن الشباب ثم ارتد ثم رجع هل ينطبق عليه هذا الحديث؟
الجواب
من المعلوم أن الردة تحبط الأعمال؛ لقول الله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65] ولقوله تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88] لكن هذا مقيد إذا مات على الكفر؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:217] فلو ارتد ثم عاد إلى الإسلام فإن أعماله الصالحة السابقة للردة لا تبطل، وكذلك ما له من المزايا والمناقب والفضائل، فالشاب الذي نشأ في طاعة الله، ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام يحصل له ثواب الشاب الذي نشأ في طاعة الله، وكذلك الصحابي لو ارتد ثم عاد إلى الإسلام فإن صحبته لا تبطل، بل هذه المنقبة تبقى له كسائر الأعمال الصالحة.(5/31)
الصورة التي أزيل منها ما لا تبقى معه الحياة
السؤال
مثَّل بعض الفقهاء: أن الصورة المأمور بطمسها هي الصورة التي إن رؤيت كاملة، قيل: إن الإنسان يمكن أن يعيش على هذه الحال، ولكن إن كان فضل جزء منه لا يستطيع أن يعيش؟
الجواب
يعني قالوا: إذا أزيل من الصورة ما لا تبقى معه الحياة فهو جائز، هكذا عند العلماء الفقهاء رحمهم الله، أنهم يقولون: إن الصورة إذا أزيل منها ما لا تبقى بعده الحياة فهي جائزة، ويستدلون لهذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم عن المصورين يقال لهم: (أحيوا ما خلقتم) وقوله: (كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ) والروح والحياة لا تحل نصف البدن مثلاً، فلهذا قالوا رحمهم الله: إنه إذا أزيل من الصورة ما لا تبقى معه حياة حلَّت، فإذا قطعت الصورة من النصف مثلاً أو قطع منها الرأس كلية فإنها حلال.(5/32)
علاج من أصيب بالسحر
السؤال
رجل متزوج منذ عشرين سنة، ومنذ سنة واحدة لا يقدر على جماع أهله، والرجل موجود في الأردن، طبعاً هناك كتابات من بعض أهل الشر تحجز الرجل عن زوجته، فيراجع أناساً آخرين لأجل أن يلغي هذه الكتابات أو هذه الحجابات التي تمت، وعند مراجعته لهؤلاء الناس قالوا: إن أمرك صعب، هل من سبيل من الكتاب والسنة جزاك الله خيراً؟
الجواب
كأنك تسأل عن الرجل منع من زوجته لا يستطيع جماعها فهل من دواء؟ نعم هناك دواء، التعوذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم ومن شر خلقه، وقراءة المعوذتين: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] وقراءة قوله تعالى: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81] ، وكذلك الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ورقية المريض، مثل: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك.
) إلى آخر الحديث، فليعالج نفسه بهذه الأدعية وهذه الآيات بإخلاص، يقرأ ويقرأ عليه، والله سبحانه وتعالى يجيب الدعاء.(5/33)
من اعتمر وترك السعي ثم حج بعد سنين سنوات واعتمر
السؤال
معتمر قبل سبع سنوات ترك السعي؛ ليخرج مع رفقته معتقداً أنه إذا أبطل هذا العمل بطل حجه، وحج بعد ذلك واعتمر، فماذا يلزمه جزاك الله خيراً؟
الجواب
أولاً: أقول: إن تأخير هذا السائل سؤاله إلى ما بعد سبع سنوات خطأ عظيم، يجب على المرء أن يسأل عن دينه أولاً قبل أن يعمل، ثم إذا عمل وشك في نفسه من بعض الأفعال فليسأل عنها مباشرة، ولكن الأمر وقد وقع الآن، فالذي أرى أنه يجب عليه أن يذهب إلى مكة ويأتي بعمرة فيطوف ويسعى ويقصر، ثم يأتي بالسعي السابق الأول؛ لأنه ما زال ديناً في ذمته، والحجات التي حجها بعد ذلك هي حجات منفصلة لم ينوها قضاءً عما سبق.(5/34)
الموالاة بين الطواف والسعي
السؤال
هل للفصل بين الطواف والسعي زمناً محدوداً؟
الجواب
ليس للفصل بين الطواف والسعي زمن محدود، فالموالاة بينهما ليست شرطاً، لكن لا شك أن الأفضل في أنه إذا طاف أن يسعى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم والى بين سعيه وطوافه، ولكن لو أخر فطاف في أول النهار وسعى في آخره أو بعد يوم أو يومين فلا حرج عليه في هذا؛ لأن الموالاة بين الطواف وبين السعي سنة وليست واجبة.
السائل: من قال: إنه أخر طواف الإفاضة وسعى بعده للحج أنه لا يكفيه عن الوداع، معللاً: أنه تأخر ليسعى، وقد يستغرق السعي ساعات، هل لهذا القول وجهة نظر؟ الجواب: الذي أرى: أنه لا وجه له؛ لأن السعي تابع للطواف، وليس من شرط كون الطواف آخر أمره ألا يفعل بعده عبادة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طاف للوداع، وصلى الفجر بعد طواف الوداع، ثم مشى، وكذلك عائشة رضي الله عنها لما اعتمرت في ليلة السفر أتت بعمرة طواف وسعي وتقصير، وقد ذكر البخاري رحمه الله في صحيحه ترجمةً على حديث عائشة رضي الله عنها، وأن المعتمر يجزئه طوافه عن طواف الوداع مع أنه سيحول بينه وبين الطواف السعي.
السائل: هذا الذي ترك السعي هل يلزمه غير القضاء وهو متزوج؟ الشيخ: لا يلزمه غير القضاء، ولكن عليه النساء فيتجنب زوجته حتى يسعى.(5/35)
حكم دعاء: (اللهم إنا لا نسألك رد القضاء) والرد على ذلك
السؤال
أحسن الله إليك: كثيراً ما نسمع في الدعاء: (اللهم لا نسألك رد القضاء، ولكن نسألك اللطف فيه) ما صحة هذا؟
الجواب
هذا الدعاء الذي سمعته: (اللهم إنا لا نسألك رد القضاء، وإنما أسألك اللطف فيه) دعاء محرم لا يجوز؛ وذلك لأن الدعاء يرد القضاء كما جاء في الحديث: (لا يرد القدر إلا الدعاء) ، وأيضاً: كأن هذا السائل يتحدى الله يقول: اقض ما شئت ولكن اللطف، والدعاء ينبغي للإنسان أن يجزم به وأن يقول: اللهم إني أسألك أن ترحمني، اللهم إني أعوذ بك أن تعذبني، وما أشبه ذلك، أما أن يقول: لا أسألك رد القضاء، فما الفائدة من الدعاء إذا كنت لا تسأله رد القضاء، والدعاء يرد القضاء، فقد يقضي الله القضاء ويجعل له سبباً يمنع ومنه الدعاء.
فالمهم أن هذا الدعاء لا يجوز، ويجب على الإنسان أن يتجنبه، وأن ينصح من سمعه بأن لا يدعو بهذا الدعاء.(5/36)
الإحرام من مكة لمن هو ساكن في جدة
السؤال
حاج ساكن في جدة وأهله في مكة، وأحرم من بيت أهله في مكة، ثم قضى حجه فما الواجب عليه؟
الجواب
ساكن في جدة ونوى أن يذهب إلى أهله ويحج معهم، هذا ليس عليه شيء، يحج مع أهله ويحرم من مكة.
السائل: هل يجب عليه طواف الوداع؟ الشيخ: إذا أراد أن يخرج إلى جدة يجب عليه أن يطوف طواف الوداع.(5/37)
جواز ارتفاع الإمام عن المأمومين في الصلاة
السؤال
ما حكم ارتفاع الإمام عن المأموم؟
الجواب
لا بأس أن يرتفع الإمام عن المأمومين، وقيده بعض العلماء إذا لم يكن من الذراع فأكثر، والصحيح: أنه لا يقيد ما دام أنه يمكن المتابعة، ثم إن علو الإمام عن المأمومين عندنا لا يمكن أن يتحقق على الوجه الذي ذكره الفقهاء؛ لأن الإمام سيكون معه أحد في مكانه، والفقهاء الذين كرهوا أن يكون الإمام عالياً يريدون إذا انفرد في مكان وحده هو فوق والناس تحته، وهذا شيء لا يوجد في وقتنا الحاضر، أي: لا تجد إماماً عالياً إلا ومعه جماعة، وحينئذٍ لا كراهة، والعكس لا بأس به -أي: وعلو المأموم لا بأس به-.(5/38)
حكم متابعة الإمام خارج المسجد
السؤال
هل تجوز الصلاة في الشارع متابعة للإمام في المسجد؟
الجواب
الصلاة في الشارع تجوز، إذا ازدحم المسجد وامتلأ فإنها تجوز؛ لأن الصفوف متصلة، أما مع الانفصال فلا يجوز لأحد أن يصلي مع جماعة وهو خارج المسجد.
السائل: إذا كان يرى الصفوف في المسجد يجوز؟ الجواب: إذا كان في المسجد جاز سواء رآها أم لم يرها، أما إذا كان خارجه والصفوف متصلة طبعاً سيرى الصفوف حتى لو كان بعضهم على الدرج وبعضهم عند الأبواب فلا بأس.(5/39)
تسليط الجن على نساء أهل الدنيا
السؤال
في سورة الرحمن يقول الله سبحانه وتعالى عن نساء أهل الجنة: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:56] هل يسلط الجن على نساء أهل الدنيا؟
الجواب
في سورة الرحمن كما قال الأخ السائل: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:56] هذه الآية تدل على أن الجن يدخلون الجنة إذا كانوا مؤمنين كما هو القول الراجح، أما دخول الكفار منهم النار فمتفق عليه بالإجماع؛ لقوله تعالى: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ فِي النَّارِ} [الأعراف:38] ، ويسأل يقول: هل يمكن أن يتسلط الجني على إنسية فيجامعها أو أنسي يجامع جنية؟ يقول العلماء: إن هذا ممكن، وإنه يمكن للجني أن يجامع امرأة، وإنها تحس بذلك، وكذلك الإنسي يجامع الجنية ويحس بذلك.(5/40)
أسباب النصر وشروطه
السؤال
في أيامنا هذه نترقب الحرب، والعلم عند الله، فما تنصحنا به حتى نأخذ بأسباب النصر؟
الجواب
نحن نقول: النصر في الجهاد أو في القتال لا يكون إلا بشروطه، وقد بيَّن الله تعالى شروطه في قوله: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:40-41] ، فإذا تمت هذه الأسباب حصل النصر، أما إذا تخلف واحد منها فإنه يفوت النصر بقدر ما تخلف، وأما قولك: بتوقع الحرب هذه الأيام، فمن أين جئتنا بهذا؟ فإن كان قصدك الاستعداد للشيء وإن كان قد لا يكون قريباً والعلم عند الله عز وجل، و (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) هذا هو الضابط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: (عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ليرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) .(5/41)
دعاء الاستفتاح للمأموم
السؤال
إذا دخل المصلي مع الإمام وهو يقرأ الفاتحة هل يقرأ دعاء الاستفتاح؟
الجواب
إذا دخل الرجل مع الإمام والإمام يقرأ الفاتحة فإنه يكبر وينصت، فإذا فرغ الإمام من الفاتحة استفتح ثم قرأ الفاتحة، أما إذا دخل مع الإمام بعد أن قرأ الفاتحة وهو يقرأ السورة التي بعدها، فهنا يقرأ الفاتحة ولا يستفتح؛ وذلك لأنه لا مكان للاستفتاح في هذه الحالة، إذ إن الإمام إذا كان يقرأ فلا يقرأ وهو يقرأ إلا بفاتحة الكتاب، وعلى هذا فيكون هذا التفصيل إذا دخل وهو يقرأ الفاتحة سكت، فإذا فرغ الإمام من الفاتحة استفتح ثم قرأ الفاتحة، وإن دخل مع الإمام بعد أن قرأ الفاتحة وهو يقرأ سورة أخرى فإنه يكبر ثم يقرأ الفاتحة بدون استفتاح؛ لأن الاستفتاح هنا لا مكان له.(5/42)
تأمين الإمام والمأموم
السؤال
هل تجب متابعة الإمام في التأمين؟
الجواب
نعم التأمين سنة مؤكدة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمن الإمام فأمنوا) ويكون تأمين الإمام والمأموم في آنٍ واحد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الإمام: ولا الضالين، فقولوا: آمين) .
السائل: الفضل الذي ورد في الحديث لمن وافق إمامه في التأمين حتى يوافق تأمين الملائكة، هل من سبق إمامه يدخل في هذا الفضل؟ الجواب: من سبق إمامه في هذا فإنه لا يدخل في هذا الفضل؛ لأنه قال: (فمن وافق) لكن لو فرض أن الإمام تأخر فحينئذٍ لا حرج على المأموم أن يؤمن.(5/43)
حكم العمل الخاص على حساب العمل العام
السؤال
فضيلة الشيخ أثابك الله: رجل يعمل في إدارة حكومية فقال له مدير هذه الإدارة: أريد أن تدير أعمالاً تجارية لي وأعفيك من العمل، فهل يرضى بذلك، أم يستمر على عمله؟
الجواب
أولاً: يجب أن نعلم أن النظام في الدولة أن الموظف لا يعمل بعمل تجاري سواءً كان مديراً أو غير مدير، فهذا المدير الذي قال للموظف: اعمل في تجارتي، نقول أولاً: تجارتك حرام إلا بإذن من الحكومة.
السائل: ربما أذن له في العمل الزراعي؟ الجواب: حتى هذا لا يجوز أن يستعمل هذا الموظف في وقت عمله في زراعته؛ لأن هذا من باب الاختصاص بأعمال الحكومة، كما ورد في أول الجلسة فيمن يستعمل سيارة الحكومة في أعماله الخاصة، فلا يجوز للموظف أن يوافق على هذا التكليف، بل يقول: لا.
أنا أريد أن أعمل في عملي الذي آخذ الراتب من أجله، وإذا كان هذا المدير سيعطيه أكثر من الراتب الحكومي فلينفصل عن الراتب الحكومي ويعمل لهذا المدير عملاً خاصاً بأجرة منه.(5/44)
المسافر إذا دخل مع الإمام المقيم في التشهد الأخير
السؤال
إذا دخل المسافر مع إمام مقيم في التشهد الأخير هل له أن يتم أم يقصر، ما الأفضل يا فضيلة الشيخ؟
الجواب
إذا دخل المسافر مع الإمام المقيم وهو في التشهد الأخير فإنه يلزمه الإتمام؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) .
و (ما) شرطية ما يدرك من قليل أو كثير، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: فما أدركتم مما تدركون به الجماعة فصلوا، وما فاتكم فأتموا، بل أطلق، قال: (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) ، فهذا الرجل الذي دخل في التشهد الأخير أدرك التشهد الأخير، فإذا سلم الإمام وجب عليه إتمام ما سبق، هذا مقتضى الحديث، وإن كان بعض العلماء قال: إذا أدرك أقلَّ من ركعة فإنه لا يلزمه الإتمام؛ لأنه لم يدرك الصلاة، فنقول: إن الحديث عام: (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) .(5/45)
السلام على من جهلت ديانته
السؤال
إذا مررت بعمال ولا أدري ما يظهر من حالهم هل هم مسلمون أو كفار، كيف يكون السلام عليهم؟
الجواب
إذا مررت بقوم لا تدري أمسلمون هم أم كفار؟ فانظر ما يترجح عندك سواءً في هيئة اللباس أو في أشكالهم، فإن لم يوجد مرجح، فانظر إلى الأكثر في هذا البلد، إذا كان الأكثر في هذا البلد مسلمين فسلِّم عليهم، وإذا كان الأكثر في هذا البلد غير مسلمين فلا تسلم.
السائل: هل يجوز أن أقول: السلام على المؤمنين؟ الشيخ: يجوز أن تقول: السلام على من اتبع الهدى، لكن غالب العمال هؤلاء لا يفهمون معنى: السلام على من اتبع الهدى.(5/46)
مشروعية الزكاة في حلي النساء
السؤال
بالنسبة للذهب الذي يُلبس هل عليه زكاة؟
الجواب
الذهب الذي يُلبس عليه الزكاة على القول الراجح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب ذهب أو فضة لا يؤدي حقها إلا كان يوم القيامة صُفِّحت صفائح من نار، وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره) فإن قوله: (ما من صاحب ذهب أو فضة) عام يشمل الحلي وغيره.
ولما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، قال: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار، فخلعتهما وألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم) .(5/47)
كتابة ذكر الله على الألواح في الطرق للتذكير
السؤال
فيمن يذهب إلى الخطاط يخط لا إله إلا الله وسبحان الله؛ يخطها على خط طريق القصيم أو الرياض، أي: الأذكار هذه؟
الجواب
الألواح الموضوعة في الخطوط ويكتب فيها سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، لا بأس بها؛ لأن هذا من باب التذكير.(5/48)
صحة حديث: (الكيس من دان نفسه)
السؤال
حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: (الكيِّس من دان نفسه.
) هل هذا الحديث صحيح؟
الجواب
هذا حديث مشهور: (الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني) هذا لا شك أن معناه صحيح، {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} [البقرة:111] يتمنون هذا، فالإنسان الذي يتبع نفسه هواها ويتمنى على الله الأماني ليس بكيِّس.(5/49)
حكم أكل ذبائح أهل البدع
السؤال
العمال الأتراك والسوريون يكونون نصيرية، ويكتب في جوازاتهم وإقاماتهم مسلمون، ويعملون في الملاحم والمطابخ وغيرها، هل يجوز أكل ذبائحهم؟
الجواب
النصيرية وغيرهم من أهل البدع ينظر في بدعتهم؛ إذا كانت بدعتهم تكفر فإنه لا يجوز أكل ذبائحهم؛ لأنه لا يجوز أكل ذبائح الكفار إلا أهل الكتاب -اليهود والنصارى- وأما إذا كانت البدعة لا تُكفر فلا بأس أن نأكل ذبائحهم، لكن غيرهم أولى منهم، حتى وإن كانت البدعة لا تكفر.
السائل: ماذا يذكر شيخ الإسلام عن النصيرية؟ الجواب: الظاهر أن شيخ الإسلام رحمه الله يكفرهم، فإذا كانوا من القوم الكفار فكما قلت لك: لا تحل ذبائحهم.(5/50)
معنى مقولة: (نية المؤمن خير من عمله)
السؤال
فضيلة الشيخ عفا الله عنك، ما معنى قول بعض الناس: نية المؤمن خير من عمله؟
الجواب
معناه أن النية قد يدرك بها ما لا يدرك بالعمل، مثل: أن يكون رجلاً عاجزاً عن فعل الطاعة، فيتمنى أن يدرك هذه الطاعة فينويها، فهذه قد تكون خير من العمل، ولهذا جاء في الحديث: (من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق) ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منزلة الشهداء وإن مات على فراشه) .
السائل: ماذا يستثنى منه؟ الجواب: يستثنى منه إذا كان الإنسان قادراً على العمل ولكنه لم يعمل، فلا نقول: هذا الرجل نيته خير من عمله؛ لأنا لو قلنا هذا بقي الإنسان مستطيعاً للطاعة لا يفعل الطاعة ويقول: النية خير من العمل.(5/51)
إلقاء السلام على جماعة وهم في ذكر
السؤال
إذا دخل الإنسان يلقي السلام أم لا يلقيه؟
الجواب
لا بأس أن يلقي السلام إذا دخل الإنسان على قوم مسلمين في ذكر من الأذكار فلا بأس أن يلقي السلام، فإن الصحابة كانوا يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه فيلقون عليه السلام، أما إذا جهر به وخاف التشويش فهنا لا يجهر به دراءً لهذه المفسدة.(5/52)
متى تكون المباحات عبادة
السؤال
الإنسان إذا لم يقلب المباحات إلى عبادات هل ينال الأجر؟
الجواب
إذا فعل المباح ولم ينوِ أنه عبادة فليس فيه أجر، إلا إذا كان فيه نفع متعدٍ، مثل: أن يطعم الإنسان أهله الذين تجب عليه نفقتهم فيطعمهم، فهنا قد لا يستحضر النية ويكون له الأجر، وكذلك إن زرع حباً أو غرس نخلاً فأصاب منه طير أو دابة أو إنسان فإنه يكتب له الأجر.(5/53)
دعاء ركوب الدابة
السؤال
هل يلزم في ركوب الدابة كلما ركب الدابة يدعو بدعاء الركوب؟
الجواب
ظاهر القرآن أن الإنسان كلما ركب على البعير أو السيارة أو السفينة أو القطار أن يقول: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف:13-14] .
السائل: هل يقاس المصعد على ذلك؟ الجواب: لا.
لا أظن المصعد الكهربائي كهذا، لا أظنه من هذا النوع وإنما هو درج مسهل.(5/54)
التسمي بأسماء من القرآن
السؤال
ما رأي فضيلتكم فيمن يسمى أبناءه ببعض الأسماء الموجودة في القرآن كأفنان وأمثال وبيان؟
الجواب
لا حرج أن يسمي أبناءه أو بناته بكلمات يأخذها من القرآن إلا إذا كانت ممنوعة بعينها، مثل: أبرار، فإنه لا يسمي بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم برة إلى زينب وجويرية، وكذلك بيان لا يسمى بها؛ لأن البيان هو القرآن، كما قال تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} [آل عمران:138] ومن سمَّى بيان فليغيره.(5/55)
حكم من فتح محلاً باسم غيره خروجاً من منع الدولة له بفتحه باسمه
السؤال
ذكرت جواباً لأحد الإخوة السائلين قبل قليل: أن موظف الدولة لا يجوز أن يتاجر في إحدى التجارات، فهل يجوز لموظف الدولة أن يفتح محلاً باسم زوجته أو باسم أحد إخوانه وهو له؟
الجواب
لا يجوز للإنسان الموظف أن يفتح محل تجارة باسم ولده أو زوجته أو أحد أقاربه أو أصدقائه؛ لأن ذلك كذب، فإن هذا المحل ليس لمن كتب باسمه، وهو في الوقت نفسه خيانة للدولة؛ لأن الإنسان فعل ما منعته الدولة وتحايل عليها بهذا.(5/56)
كيفية التعامل مع الشيعة
السؤال
تعلمون أن في المنطقة الشرقية يوجد كثير من الشيعة، فكيف يكون التعامل معهم، هل نبدأهم بالسلام؟
الجواب
عامل الشيعة بما يعاملونك به، أما في العبادات فإن الشيعة ينقسمون إلى أكثر من واحد وعشرين قسماً، فمن كانت منهم بدعته مكفرة فإنه لا يجوز السلام عليه، ومن كانت بدعته دون ذلك فينظر في المصلحة.(5/57)
اختلاف قنوت الوتر عن قنوت دفع البلاء
السؤال
بعض الأئمة في القنوت في هذه الأيام يدعون بدعاء القنوت في الوتر؟
الجواب
القنوت هنا ليس قنوت وتر وإنما هو قنوت لدفع البلاء، فيقنت لدفع هذا البلاء، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو للمستضعفين وعلى الظالمين بالدعاء المناسب، فإذا رأيت أحداً من هؤلاء فبلغه، وبيِّن له المشروع.(5/58)
حكم صلاة الجمعة إذا وافقت يوم عيد
السؤال
إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد هل يصلى العيد بنية الجمعة؛ ليسقط عنه الظهر والجمعة؟
الجواب
الصحيح أن من يدرك العيد مع الإمام فإنه يرخص له في الجمعة إن شاء حضر وإن شاء لم يحضر، ولكن إذا لم يحضر يجب أن يصلي ظهراً؛ لأنه إذا سقطت الجمعة فلها بدل وهو الظهر، وهذا بالنسبة للمأمومين، أما الإمام فيلزمه أن يقيم الجمعة، ولا تجزئ صلاة العيد عنها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم العيد والجمعة إذا كانا في يوم واحد.(5/59)
حكم سجود الرجل في زحام وأمامه امرأة في الحرم
السؤال
في الحرم زحام شديد، فيكون أمام الرجل امرأة فلا يستطيع السجود، فماذا يصنع؟
الجواب
إذا كان أمامه امرأة وهو يخشى على نفسه من انشغال قلبه فلينصرف ويطلب مكاناً آخر ولو كان جمعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بحضرة طعام) فكيف إذا كان بحضرة هذه المرأة التي يفتتن بها من باب أولى، حتى لو فاتت الجمعة يقضيها ظهراً، ولهذا لو فرض أن الإنسان أصيب مثلاً بغائط حاصره، فإنه ينصرف ويقضي حاجته، ثم يذهب إلى الجمعة، فإن أدرك فهذا المطلوب، وإن لم يدرك فلا شيء عليه، ومن ترك العمل لعذر ولا سيما بعد الشروع فيه فإنه يكتب له أجره كاملاً، أما إذا كان لا يخشى الفتنة فإنه يبقى في مكانه، وعند السجود ينتظر حتى يرفع الإمام، ثم يسجد بعده، وإن شاء جلس وأومأ بالسجود.(5/60)
حكم الصور التي فيها تعليم الصغار
السؤال
بالنسبة لصور الحيوانات التي تستخدم لتعليم الأطفال الحروف الهجائية، بأن يكون كل حرف فوقه حيوان يبدأ اسمه بهذا الحرف، مثلاً: جيم يوضع جمل، وهذا فيه فائدة لتعليم الصغار، فما هو الحكم؟
الجواب
لا بأس من أن يبين للطلبة هذه الحروف بشرط: أن يقطع رأسها فيجعلها بعيراً بدون رأس.(5/61)
لقاء الباب المفتوح [6]
في هذا اللقاء تفسير الآيات الأُول من سورة النبأ، وبيان أن النبأ الذي يساءلون عنه هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولا سيما ما جاء به من الأخبار عن اليوم الآخر والبعث والجزاء، واختلافهم يعني: منهم من آمن به وصدق، ومنهم من كفر وكذب، وقد استمر الشيخ في تفسير آيات النبأ إلى الآية العاشرة من نفس السورة، ثم أجاب على أسئلة الحضور.(6/1)
تفسير آيات من سورة النبأ
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا في هذا اليوم الخميس، الأول من شهر صفر، أو الثلاثين من شهر محرم، نفتتح هذه الجلسة كالعادة نبدأ هذه الجلسة بالحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
ورأيت أن نستفتح جلساتنا بشيءٍ من تفسير القرآن الكريم، وليكن ذلك من سورة النبأ؛ لأن هذه السورة كثيراً ما تقرأ في صلاة المغرب والعشاء، فنبدأ أولاً بسورة النبأ.(6/2)
تفسير قوله تعالى: (عم يتساءلون عن النبأ العظيم)
قال الله عز وجل: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} [النبأ:1-3] يعني: عمَّ يتساءل هؤلاء المكذبون بالقرآن وغيره؟ ثم أجاب الله عز وجل عن هذا السؤال فقال: {عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} [النبأ:2-3] وهذا النبأ هو ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من البينات والهدى، ولا سيما ما جاء به من الأخبار عن اليوم الآخر والبعث والجزاء، وقد اختلف الناس في هذا النبأ الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم: فمنهم من آمن به وصدق، ومنهم من كفر به وكذب، فبين الله أن هؤلاء الذين كذبوا سيعلمون ما كذبوا به علم اليقين، وذلك إذا رأوا القيامة: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف:53] ، ولهذا قال هنا: {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} [النبأ:4-5] والجملة الثانية توكيد للأولى من حيث المعنى، وإن كانت ليست توكيداً باعتبار اصطلاح النحويين أنه فصل بينها وبين التي قبلها بحرف العطف، والتوكيد لا يفصل بينه وبين مؤكده بشيء من الحروف، والمراد بالعلم الذي توعدهم الله به هو علم اليقين الذي يشاهدونه على حسب ما أخبروا به.(6/3)
تفسير قوله تعالى: (ألم نجعل الأرض مهاداً)
ثم بين الله تعالى نعمه على عباده ليقرر هذه النعم، فيلزمهم شكرها، فقال: {أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ مِهَاداً * وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً} [النبأ:6-9] إلى آخره.
فالأرض جعلها الله تعالى مهاداً ممهدة للخلق ليست بالصلبة التي لا يستطيعون حرثها، ولا المشي عليها إلا بصعوبة، وليست باللينة الرخوة التي لا ينتفعون بها، ولكنها ممهدة لهم على حسب مصالحهم وحسب ما ينتفعون به، أما الجبال فجعلها الله تعالى أوتاداً بمنزلة الوتد للخيمة، حيث يثبتها فتثبت به، وهو أيضاً ثابت كما قال تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا} [فصلت:10] .
وهذه الأوتاد قال علماء الأرض: إن هذه الجبال لها جذور راسخة في الأرض كما يرسخ جذر الوتد بالجدار، ولذلك تجدها صلبة قوية لا تزعزعها الرياح، وهذا من تمام قدرته ونعمته: {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً} [النبأ:8] أي: أصنافاً ما بين ذكر وأنثى، وصغير وكبير، وأسود وأحمر، وشقي وسعيد، إلى غير ذلك مما يختلف الناس فيه، فهم أزواج مختلفون على حسب ما أراده الله عز وجل، واقتضته الحكمة ليعتبر الناس بقدرة الله تعالى، وأنه قادر على أن يجعل هؤلاء البشر الذين خلقوا من مادة واحدة أنواعاً وأصنافاً متنوعة متباينة.(6/4)
تفسير قوله تعالى: (وجعلنا نومكم سباتاً)
قال تعالى: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً} [النبأ:9] أي: قاطعاً للتعب، فالنوم يقطع ما سبقه من التعب، ويستجد به الإنسان نشاطاً للمستقبل، ولذلك تجد الرجل إذا تعب ثم نام واستراح تجدد نشاطه، وهذا من النعمة، وهو في الوقت نفسه من آيات الله كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [الروم:23] .(6/5)
تفسير قوله تعالى: (وجعلنا الليل لباساً)
قال تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً} [النبأ:10] أي: جعل الله هذا الليل على الأرض بمنزلة اللباس، كأن الأرض تلبسه ويكون جلباباً لها، وهذا لا يعرفه تمام المعرفة إلا من صعد فوق ظل الأرض، وقد رأينا ذلك من الآيات العجيبة إذا صعدت في الطائرة وارتفعت وقد غابت الشمس عن سطح الأرض، ثم تبينت لك الشمس بعد أن ترتفع تجد الأرض وكأنما كسيت بلباسٍ أسود لا ترى شيئاً من الأرض، كله سواد من تحتك، فيتبين بهذا المعنى قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً} [النبأ:10] ، أما النهار فجعله معاشاً؛ يعيش الناس فيه في طلب الرزق على حسب درجاتهم وأحوالهم، وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى على العباد، ولنقتصر على هذا الجزء من هذه السورة.
ونسأل الله تعالى أن ينفع به، وأن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وأن يجعلنا ممن قرأ وانتفع إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(6/6)
الأسئلة
.(6/7)
حكم الذهاب إلى الكاهن إذا كان يظن أنه عالم
السؤال
رجل أصيب بالجن، فذهب به والده إلى الكاهن، وهو على اعتقاد والديه أن هذا ليس كاهناً إنما عالم، ثم ذهبا به فأخرج ذلك الكاهن الجني وشفي، ولكن حين شفي كلمه الابن فقال له: أنت تعلم الغيب؟ قال الكاهن: نعم.
إني أعلم الغيب، ثم أخذ والده من هذا الكاهن أدوية وأجبر الابن على أخذها، فأخذها مكرهاً، فما حكم المريض هل يأثم؟ وما حكم والديه حين أجبراه وهم في اعتقادهم أن هذا عالم وليس كاهناً؟
الجواب
أما شأن الوالدين حيث أجبرا الولد على أن يذهب لهذا الرجل وهما يعتقدان أنه ليس بكاهن فلا إثم عليهما، ولكن الواجب أنه لما تبين لهم أنه كاهن الواجب على الرجل وعلى والديه -أيضاً- ألا يرجعا إلى هذا الكاهن بل يكذبانه؛ لأن: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) .(6/8)
كيفية معرفة انقضاء عدة المرأة الحامل
السؤال
حامل أسقطت مضغة لم يتبين فيها تخليق، فما حكم الدم المصاحب لهذه المضغة؟ وهل تنقضي بها العدة؟
الجواب
يقول الإمام أحمد رحمه الله: إن النفاس لا يثبت إلا إذا وضعت مضغة لم تخلق، فالدم دم فساد لا يمنعها من صلاة ولا غيرها ولا تنقضي به العدة إلا إذا وضعت ما تبين به خلق إنسان.(6/9)
حكم قراءة البسملة في وسط السورة
السؤال
فضيلة الشيخ! البسملة في وسط السورة بعض الفقهاء رحمهم الله قالوا: إنها مستحبة؛ لأنه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع أو أبتر) فهل هي مستحبة، أو غير مشروعة؟
الجواب
الصحيح أن البسملة إذا قرأ الإنسان من أثناء السورة لا تستحب؛ لأن الله قال في كتابه: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98] ولم يأمر بسوى ذلك، فما دامت المسألة فيها نص خاص بأن المطلوب ممن أراد قراءة القرآن أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فإن هذا يخصص العام وهو قوله: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر) .(6/10)
حكم الكلام أثناء قراءة القرآن
السؤال
ما حكم التكلم أثناء قراءة القرآن في المجالس العامة، كما يقرأ القرآن من شريط فيتكلم مجموعة من الأشخاص ما حكم هذا العمل؟
الجواب
قال الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] ، فإذا كان عندنا مسجل يصدر منه صوت القارئ ونحن نتحدث؛ فإما أن نغلق هذا المسجل، وإما أن نستمع إليه، أما أن نبقى في لغونا وكلامنا وكأننا لا نسمع إلا أصوات بشر فإن هذا خلاف الأدب مع القرآن، فهنا أقول: إما أن تغلق المسجل، وإما أن تستمع.(6/11)
حكم تجويد القرآن
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض علماء التجويد قالوا: إن قراءة القرآن بالتجويد واجبة، فما صحة قولهم؟
الجواب
الصحيح أن قراءة القرآن بالتجويد ليست واجبة، وأن التجويد ليس إلا لتحسين القراءة فقط، فإذا قرأ الإنسان قراءة أوضح فيها الحرف وجعله محركاً بما هو محركٌ به فإن هذا كافٍ، فأما قوله: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:4] فليس معناها جوّده، بل المعنى اقرأه على مهل.(6/12)
معنى الصفات السلبية والإضافية والمركبة منهما
السؤال
نفاة الصفات لا يثبتون لله سبحانه وتعالى صفات ثبوتية، وإنما يثبتون له صفات سلبية أو إضافية أو المركبة منهما، ما السلبية؟ وما الإضافية؟ وما المركبة منهما؟
الجواب
هؤلاء المبتدعة يقولون: إن الله تعالى لا يثبت له صفات ثبوتية، إنما يثبت له صفات إضافية أو سلبية أو مركبة منهما، فالصفات الإضافية إذا قلنا أنه خالق، فليس معناه: أنه اتصف بالخلق، ولكن معناه: أن له مخلوقاً، فوصفه بالخلق من باب الإضافة فقط.
أما السلبية فيقولون: إننا لا نثبت لله شيئاً هو ثبوتي، فلا نثبت له سبحانه عِلْماً، ولكن نقول: إن الله ليس بجاهل، ولا نقول: إن الله سميع بل نقول: إنه ليس بأصم، وهكذا، فيحولون الصفات الثبوتية إلى صفات سلبية، وهذا معنى قولهم: إنهم لا يثبتون إلا صفات إضافية أو سلبية أو مركبة منهما يجعلونها إضافية سلبية، نسأل الله العافية.
الصفات السلبية الإضافية يقول مثلاً: إن الله خالق، يعني: ليس بعاجز عن الخلق، وهو خالق له مخلوق، فيجعلونها سلبية إضافية.(6/13)
حكم تنقص المسلم
السؤال
ما الحكم إذا قال القائل: (والله والتراب بك) ؟
الجواب
لعلَّ هذا قسم، كالذي يقول: (والله! والنعم) ، أو (والله! والخير) ، فهذا قسم ليس فيه تنقص لله عز وجل، لكن فيها تنقص لأخيه المسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) .(6/14)
السقط الذي تنتهي به عدة المرأة المطلقة
السؤال
فضيلة الشيخ! حمل سقط قبل وقته، هل تنتهي به العدة، وسواءً كان سقطه بسبب خارجي، أو بدون سبب؟
الجواب
يقول العلماء: السقط إذا كان قد تبين فيه خلق إنسان فإنه تنتهي به العدة، ويكون الدم فيه دم نفاس، وأما إذا لم يتبين فيه خلق إنسان فلا عبرة به، لا تنقضي به العدة، وليس الدم الذي حصل على المرأة دم نفاس.
ولو تعمدت المرأة سقطه لا يحل لها أن تتعمد إسقاطه بعد أن تبين فيه خلق الإنسان، الإسقاط إذا كان في الأربعين الأول على رأي بعض العلماء، فإن بعض العلماء يرى أنه لا يجوز حتى في الأربعين الأولى، وأما بعد أن تبين فيه خلق الإنسان فلا يجوز لها إسقاطه، اللهم إلا لو تبين أن هذا الجنين فيه آفة كتشويهٍ لا يحتمل، ورأى الأطباء أن يُنزل، فلا بأس.(6/15)
أنواع صوم يوم عاشوراء
السؤال
فضيلة الشيخ! ما تقولون في صيام يوم بعد عاشوراء، والمشروع الصيام قبله، هل الصيام بعد عاشوراء ثبت به حديث صحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
في مسند الإمام أحمد: (صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده خالفوا اليهود) ومخالفة اليهود تكون إما بصوم اليوم التاسع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) أي: مع العاشر، وتكون بصوم يوم بعده؛ لأن اليهود كانوا يفردون اليوم العاشر فتحصل مخالفتهم بصيام يوم قبله أو يوم بعده، وقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد أن صيام عاشوراء أربعة أنواع: - إما أن يصوم اليوم العاشر وحده.
- أو مع التاسع.
- أو مع العاشر.
- أو يصوم الثلاثة، وصوم الثلاثة يكون فيه فائدة أيضاً وهي الحصول على صيام ثلاثة أيام من الشهر.(6/16)
حكم تسمية الله بالنافع الضار
السؤال
فضيلة الشيخ! مما يطلق على الله سبحانه وتعالى بأنه النافع الضار، فهل هما اسمان أم صفتان؟ وهل ثبت حديث فيهما؟
الجواب
ليس من أسماء الله النافع الضار، بل هما من صفات الله عز وجل فهو الذي بيده النفع وبيده الضر، وليس الضار من الصفة التي تقال وحدها، بل يقال: النافع الضار معاً، فإن قيل: النافع فقط فلا بأس، لكن النافع الضار فيه أن الله عز وجل بيده الأمر كله من نفعٍ وضر، وعلى كل حال فهما ليسا من أسماء الله، وإنما مما يوصف الله بهما فقط، والحديث الوارد في عدهما من أسماء الله ضعيف.(6/17)
كيفية التخلص من المال الذي فيه ربا
السؤال
من له أسهم في شركة ثم تبين أن فيها نسبة ربوية، وأراد التخلص من هذه النسبة ففي أي الوجوه يصرفها؟
الجواب
كل مال يدخل على الإنسان بطريق محرم ثم يتوب منه فإنه يصرفه بما يقرب إلى الله من بناء المساجد والصدقة على الفقراء وغير ذلك، المهم أن يخرجه من ملكه تخلصاً منه على أي وجه من وجوه الخير، حتى في بناء المساجد، حتى في الصدقات على الفقراء.(6/18)
حكم امرأة اعتمرت بطفلها عن أبيها المتوفى ثم لم تكمل العمرة خوفاً على طفلها
السؤال
فضيلة الشيخ! امرأة أهلَّت بعمرة عن والدها المتوفى، وكان معها طفلها الرضيع، وحينما وصلت الحرم كان الهواء بارداً فخافت على وليدها ولم تكمل عمرتها، ثم رجعت إلى جدة وحلَّت، فما الذي يجب عليها؟
الجواب
فعلها هذا محرم، ولا يحل لها أن تحل من عمرتها، والواجب عليها الآن أن تكمل عمرتها فتطوف وتسعى وتقصر، وما فعلته من محظورات الإحرام فإنه لا شيء عليها فيه؛ لأنها جاهلة، وعليك أن تنصحها في ألا تتسرع في شيء من العبادات إلا بعد سؤال أهل العلم.(6/19)
هل الأشاعرة من أهل السنة؟
السؤال
فضيلة الشيخ! هل الأشاعرة من أهل السنة والجماعة؟ نرجو التوضيح.
الجواب
الأشاعرة من أهل السنة والجماعة فيما وافقوا فيه أهل السنة والجماعة، وهم مخالفون لـ أهل السنة والجماعة في باب الصفات؛ لأنهم لا يثبتون من صفات الله إلا سبع صفات، ومع هذا لا يثبتونها على الوجه الذي أثبتها عليه أهل السنة، فلا ينبغي أن نقول هم من أهل السنة على الإطلاق، ولا أن ننفي عنهم كونهم من أهل السنة على الإطلاق، بل نقول: هم من أهل السنة فيما وافقوا فيه أهل السنة، وهم مخالفون لـ أهل السنة فيما خالفوا فيه أهل السنة، فالتفصيل هو الذي يكون به الحق، وقد قال الله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام:152] ، فإخراجهم من أهل السنة مطلقاً ليس من العدل، وإدخالهم في أهل السنة بالإطلاق ليس من العدل أيضاً، والواجب أن يعطى كل ذي حقٍ حقه.(6/20)
حكم الوصية للفقراء والمساكين بأكثر من الثلث
السؤال
فضيلة الشيخ، امرأة ليس لها زوج ولا ولد، ولكن لها أخ وأعمام، كتبت في وصيتها أن جميع ما تخلفه من مال بعد وفاتها صدقة للفقراء والمساكين، فهل تجوز هذه الوصية؟
الجواب
هذه الوصية تجوز بشرط: إجازة الورثة لها، فإذا أجازها الورثة وهو أخوها العاصب، إذا أجاز أخوها هذه الوصية فلا بأس، وإن لم يجزها فله أن يمنع ما زاد على الثلث؛ لأن الوصية لا تجوز بزائد عن الثلث إلا بإجازة الورثة.(6/21)
حكم الذبح لله عند القبر
السؤال
ما حكم الذبح لله عند القبر؟
الجواب
الذبح لله عند القبر بدعة؛ لأنه في الحقيقة ذريعة إلى الشرك الأكبر؛ لأن من رآك تذبح عند القبر فإنه لا يظن إلا أنك تذبح لصاحب القبر، ويكون شركاً أكبر إذا نوى به التقرب إلى صاحب القبر، وتعظيم صاحب القبر؛ لأن ذبحه على سبيل التعظيم والتقرب لا يجوز إلا لله فهو من العبادات، فإذا صرفه إلى القبر فقد صرف شيئاً من أنواع العبادة لله فيكون بذلك مشركاً.(6/22)
الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة) وقوله: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)
السؤال
فضيلة الشيخ! كيف نوفق بين قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر) ، وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) ؟
الجواب
نوفق بينهما: بأن النفي في قوله: (لا عدوى ولا طيرة) نفي لما يعتقده أهل الجاهلية أن العدوى مؤثرة بنفسها دون تقدير الله عز وجل، وأما الأمر بالفرار من الأسد فهو أمر بالفرار مما يخشى شره؛ لأن الجذام -نسأل الله العافية- من الأمراض المعدية السريعة العدوى، فالأمر بالفرار منه أمر بالأسباب الواقية كما نقول مثلاً: اتق النار بالبعد عنها، مع أن قربك من النار وبعدك عنها كله بقضاء الله وقدره، فيكون النفي مُنْصباً على ما كان معهوداً أو معتقداً عندهم في الجاهلية من أن العدوى مؤثرة بنفسها، ولهذا لما أُورد عند النبي عليه الصلاة والسلام إيرادٌ بأن الرجل تكون إبله صحيحة ليس فيها شيءٌ من الجرب فيخالطها البعير الأجرب فتجرب، فهذه عدوى، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن أعدى الأول؟) يعني: أن إصابتها بالعدوى بتقدير الله عز وجل، كما أن وجود الجرب في الأول من الله عز وجل.(6/23)
كتاب (في ظلال القرآن) في الميزان
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأيك في كتاب ظلال القرآن، وما قولك في صاحبه؟
الجواب
كتاب في ظلال القرآن تفسير أدبي، وصاحبه يميل إلى الأساليب الأدبية، وفيه شيء من العلوم المتأخرة، وفيه علوم نافعة أيضاً، لكن فيه أخطاء كثيرة، وقد نبه عليها الشيخ عبد الله الدويش رحمة الله عليه، وألف في هذا كتاباً نبه على هذه الأخطاء التي فيه، فيحسن لك أن تراجعه.(6/24)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة للعوام وشروطه
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة للعوام؟ وهل الواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لو عاد بالضرر على الشخص؟
الجواب
الواجب على كل من له قدرة أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لكن بشروط: الشرط الأول: أن يعلم أن هذا منكر أو ليس بمنكر.
لأن بعض الناس يظن الشيء منكراً وليس بمنكر شرعاً، فلا بد أن يكون عنده علم بأن هذا منكر، أما مجرد أن يكون ذوقه ينفر منه ويرى أنه منكر، فهذا لا يجوز أن ينكر؛ لأن الذوق ليس مقياساً شرعياً وليس هو الدليل الشرعي، لكن إذا علم أن هذا منكر فإنه ينهى عنه.
الشرط الثاني: أن يعلم أن فاعل هذا المنكر واقعٌ في المنكر.
فإنه قد يكون الفاعل فعله على وجه ليس بمنكر في حقه، ولهذا لما دخل الرجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة وجلس لم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم الجلوس وإنما سأله أولاً: (هل صليت؟ قال لا.
قال: قم فصلِّ ركعتين) .
فلو رأينا رجلاً ممسكاً بيد امرأة في السوق فلا يجوز أن ننكر عليه؛ لأنه من الجائز أن تكون المرأة من محارمه؛ أو زوجة له، أو أختاً له، أو ما أشبه ذلك، فلا بد من هذين الأمرين: الأمر الأول: أن يعلم أن هذا منكر في حكم الله.
والمعنى الثاني: أن يعلم أن هذا الرجل متلبس به.
فإن كان لا يعلم هذين الأمرين لا يحل له أن يتكلم.(6/25)
حكم المسح على النعلين
السؤال
ثبت عن بعض الصحابة كـ ابن عمر وعلي بن أبي طالب وأوس بن أوس الثقفي في السنن وغيرهم أنهم مسحوا على نعالهم، وأن بعضهم نزع نعليه ثم دخل فصلى في المسجد ومنها: حديث حصين بن عبد الرزاق على شرط الشيخين، فكيف نوجه هذا؟
الجواب
هذا له توجيه عند بعض أهل العلم: أنه يجوز المسح على النعلين إذا كانت تستر أكثر القدم.
وبعضهم يقول: إن القدم إما أن تكون مستورة بالخف والجورب فتمسح، أو غير مستورة بشيء فتغسل، أو مستورة بالنعل فترش رشاً بين الغسل والمسح، وحملوا الحديث الوارد في المسح على النعلين على هذا وقالوا: إن المراد أنه رشها، ثم مر بيده عليها.
وعلى كل حال فالاحتياط للمرء ألا يقدُم على شيء إلا وهو يعلم أن السنة جاءت به، أو يغلب على ظنه أن السنة جاءت به، وأما ما ورد عن الصحابة مما يخالف ظاهر السنة فإنه لا يؤخذ به بل يعتذر عنهم ولا يحتج بفعلهم.(6/26)
حكم قطع صلاة النفل من غير عذر
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة لصلاة النفل هل يجوز للإنسان أن يقطعها بدون عذر إذا شرع فيها؟
الجواب
قال أهل العلم رحمهم الله: كل من دخل في نفلٍ فله أن يقطعه؛ لأنه نفل، والاستمرار فيه نفل لكنه يكره أن يقطعه لغير غرض صحيح، واستدلوا لذلك: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع صومه حين دخل على أهله ووجد عندهم طعاماً فقال: أرينيه فلقد أصبحت صائماً فأكل) .
واستدلوا أيضاً: بأن النفل زيادة، إن جاء بها الإنسان فهو أكمل، وإن لم يأت بها فلا حرج عليه، إلا أنه يستثنى من ذلك الحج والعمرة، فإن الشروع في نفلهما مُلزم، ولهذا سمى الله تعالى ذلك نذراً وقال: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج:29] وقال تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] قال ذلك قبل أن يفرض الحج والعمرة، ولكن كما قلت لك: لا ينبغي أن يقطعه إلا لغرضٍ صحيح.(6/27)
البسملة ليست آية من سورة الفاتحة
الشيخ: فضيلة الشيخ! هل البسملة آية من سورة الفاتحة؟ وإذا كانت آية فما حكم من لم يقرأها في الصلاة؟
الجواب
الصحيح أن البسملة ليست آية من سورة الفاتحة، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يجهر بها كما يجهر ببقية الآيات، ودليل آخر: حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن الله تعالى: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال الله: حمدني عبدي.
) وذكر تمام الحديث، ولو كانت البسملة من الفاتحة لبينها النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه ثبت بالاتفاق أن الفاتحة سبع آيات، وإذا قسمناها على الوجه الذي أتى القرآن الكريم عليه تبين أن البسملة ليست من الفاتحة؛ لأننا إذا جعلناها سبع آيات، والبسملة منها صارت الآية الأخيرة منها طويلة لا تتناسب مع الآيات الأخرى، ولأن قوله تعالى في الحديث القدسي: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) يقتضي أن تكون أول الآيات {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] ؛ لأن: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] لله، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] لله، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] بين الله وبين العبد، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] للعبد، {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} للعبد {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] للعبد، فتكون ثلاث آيات من أول السورة لله، وثلاث آيات في آخر السورة للعبد، والآية الرابعة وهي الوسطى بين الله وبين العبد.(6/28)
حكم من حكم بغير ما أنزل الله مع اعتقاده وجوب الحكم بما أنزل الله
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا حكم الحاكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله، وأنه أفضل وأحسن من غيره، وإنما حكم بغيره لهوى في نفسه، وتقليداً لمن سبقه من الحكام، فهل يكفر بذلك كفراً مخرجاً من الملة جزاكم الله خيراً؟
الجواب
لا يكفر بهذا كفراً مخرجاً من الملة، وإنما يكون عاصياً، جائراً في الحكم، وعليه إثم العصاة والجائرين في الحكم، ولا يخرج عن الإسلام.
وأما من حكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن حكم غير الله كحكم الله، أو أحسن منه، فهذا هو الذي يكفر.
ولهذا نرى أن الذين يضعون قوانين تخالف الشريعة ليحكم فيها بين عباد الله وفي عباد الله، نرى أنهم على خطر عظيم، سواء حكموا أو لم يحكموا، ونرى فرقاً بين شخص يضع قانوناً يخالف الشريعة ليحكم الناس به، وشخصٍ آخر يحكم في قضية معينة بغير ما أنزل الله؛ لأن من وضع قانوناً ليسير الناس عليه، وهو يعلم مخالفته للشريعة، ولكنه أراد أن يكون الناس عليه؛ فهذا كافر، ولكن من حكم في مسألة معينة يعلم فيها حكم الله، ولكن لهوىً في نفسه؛ فهذا ظالم أو فاسق، وكفره إن وصف بالكفر، فكفر دون كفر.(6/29)
حكم المسرحيات والتمثيليات لغرض الدعوة والترفيه
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم المسرحيات والتمثيليات لغرض الدعوة أو للترفيه؟
الجواب
إذا كانت هذه التمثيليات لا تتضمن محرماً، فلا أرى فيها بأساً، ومعنى: لا تتضمن محرما، ً أي: ليس فيها تمثيل للرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا الأئمة، وليس فيها كذب، ولا قيام رجل بدور امرأة أو العكس، ولا تمثيل بالكفار وذوي الفسوق والنفاق.
وإنما هي ضرب مثل بالفعل فلا بأس بها، ولا يعد هذا من الأشياء المحرمة، فإن الإنسان لا يريد أن يتحدث بالشيء على أنه واقع، ولكن يريد أن يضرب مثلاً لصورة معينة، وكل الناس يعلمون أن هذا الرجل ليس هو الممثَّل به حتى نقول: إنه كذب، بل نعلم أنه فلان بن فلان وليس هو الرجل الذي طلَّق امرأته بغضب، أو ضرب أولاده ضرباً مبرحاً، أو ما أشبه ذلك.(6/30)
حكم القراءة في الصلاة بسورة الفاتحة فقط
السؤال
بعض الناس يستدلون بقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) ، فيقرأ الفاتحة ويعيد الفاتحة مرة ثانية، ويستدل بهذا الحديث، فما حكم ذلك؟
الجواب
حكم هذا أن من قرأ الفاتحة ثم أعادها لا تكفيه إعادتها عن قراءة السورة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر المسيء في صلاته أن يقرأ ما تيسر معه من القرآن، ولكن كيف يقرأ هذا؟! نرجع إلى السنة، وإلا لكان للقائل أن يقول: يكفي أن يقرأ آية أو آيتين من كتاب الله بدون الفاتحة، أو يقول: يمكن أن يقرأ السورة قبل الفاتحة، فنحن نرجع في هذا إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد عنه أبداً لا بسند صحيح ولا ضعيف أنه كرر الفاتحة، غاية ما هنالك أنه كرر سورة الزلزلة أي: قرأها في الركعة الثانية، وشك الراوي نفسه: هل أعادها نسياناً، أو استناناً؟(6/31)
حكم الخروج على الحاكم الكافر عن طريق الاغتيالات
السؤال
درسنا بالأمس في كتاب الفتن: بأنه لا يجوز الخروج على الحاكم ومنازعة الحاكم إلا إذا ظهر منه كفر بواح، فإذا كان شرط الخروج تكافؤ القوى، ولكن لم يتحقق هذا الشرط، وكان الخروج عن طريق الاغتيالات -مثلاً- أو الجماعات السرية التي تقوم بعمليات كما يفعل الآن في بعض المجتمعات، فهل هذا يعتبر من المنازعة، وهل هو جائز أم لا؟
الجواب
إذا كان كفراً بواحاً عنده فيه من الله برهان، وقدر أن يقتل هذا الذي فعل هذا الكفر البواح الذي عنده فيه من الله برهان، فلا بأس، يقتله بما يستطيع، لكن أن ينازعه ويأتي علناً بدون أن تكون عنده قدرة، فهذا لا يجوز.
ثم إن الاغتيال -أيضاً- يجب أن يقيد بما إذا كان خلفه لا يكون مثله أو أشد منه؛ فيحصل بقتله مفاسد أكبر من إبقائه ولا تحصل الفائدة، ومثل هذه المسائل دقيقة يجب أن نعتبر بما سبق وبما لحق من حصول الفتن والشر والتنازع في هذه الإجراءات.(6/32)
حكم البيعة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هي شروط البيعة؟ وما حكم بيعة المجنون؟
الجواب
البيعة التي تكون في بعض الجماعات بيعة منكرة شاذة؛ لأنها تتضمن أن الإنسان يجعل لنفسه إمامين وسلطانين؛ الإمام الأعظم الذي هو على جميع البلاد، والإمام الذي بايعه، وتفضي إلى شر بالخروج على الأئمة الذي يحصل به من سفك الدماء، وإتلاف الأموال، ما لا يعلمه إلا الله، وأما التأمير على الجماعة، فهذا قد جاءت به السنة فيما إذا سافر جماعة أن يؤمروا أحدهم.(6/33)
حكم من صلى واقفاً دون أن يركع أو يسجد بسبب الزحام
السؤال
رجل صلى في الحرم، وكان الوقت وقت زحام، فصلى واقفاً لم يركع ولم يسجد؟
الجواب
الواجب إذا كان هناك زحام أن يأتي الإنسان بالركوع؛ لأن الركوع يسهل، أما السجود فإنه ينتظر حتى يقوم الناس ثم يسجد، أو يجلس قاعداً ويومئ بالسجود، أو يسجد على ظهر إنسان على ما ذهب إليه بعض أهل العلم بأن يسجد على ظهر إنسان.
ولكن الذي أرى: أنه إما أن يسجد بالإيماء، وإما أن ينتظر حتى يقوم الإمام ثم يسجد بعدها، ولعلَّ السجود بالإيماء أحسن؛ من جهة أنه لا يتخلف عن الإمام، ويكون قد اتقى الله ما استطاع.
السائل: هل عليه إعادة الآن؟ الشيخ: إن أعاد فهو أحب إليّ.(6/34)
سبب التعبير عن القرب الشديد بشراك النعل دون غيره
السؤال
فضيلة الشيخ! قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار كذلك) ما العبرة من التعبير عن القرب بالنعال أو شراك النعل، ولم يقل مثلاً: بالدثار أو الشعار؟
الجواب
الظاهر -والله أعلم- أن هذا مما جرى به المثل عند العرب، واستمع إلى قول أبي بكر رضي الله عنه:
كلنا مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله
وأن هذا مما يضرب به المثل، فساق النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المعروف عند العرب، والله أعلم.(6/35)
أفضل الكتب المختصرة في العقيدة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما أحسن المختصرات في العقيدة؟
الجواب
أحسن المختصرات فيما أرى: العقيدة الواسطية؛ لأنها كلها مبنية على الكتاب والسنة، كلها آيات وأحاديث، والطحاوية لا بأس بها، لكنها فيها تكرار كثير، وفيها تفريق في الموضوع الواحد، تجده يتكلم -مثلاً- عن الإرادة في أول الكتاب وفي آخر الكتاب، فأرى أن يدرس الإنسان العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية قبل أي كتاب صنف في هذا الباب.(6/36)
حكم تكفير رجل معين يعمل أعمالاً كفرية
السؤال
فضيلة الشيخ! اختلف العلماء في تكفير رجل معين يعمل أعمالاً كفرية ما بين متشدد وما بين متساهل، بعضهم يقول: إذا رأيت رجلاً يطوف حول قبر فاسأل عن نيته: لماذا يطوف؟ وبعضهم يقول: بمجرد رؤية الرجل فإنه يكفر، خصوصاً إذا كان يعلم هذا الشيء، فهل ينكر بعضهم على بعض؟ وما رأيكم في هذا الشيء؟
الجواب
أقول: لعلك تفهم أن في الأمة الإسلامية طائفتين متطرفتين: الخوارج والمرجئة، فالخوارج يقولون: لا ينفع مع المعصية إيمان، ويكفرون كل فاعل كبيرة.
والمرجئة يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية، ويجعلون كل صاحب معصية مؤمناً كامل الإيمان.
وهكذا في زمنك الآن فيه من جذبته المرجئة وتوسع في التساهل في الحكم على الناس، وفيهم من نزع نزعة الخوارج وصار يكفر في كل ذنب.
والواجب الاقتصار في التكفير على ما جاء في الكتاب والسنة؛ لأن الحكم بالتكفير من جملة الأحكام التي تُتلقى من عند الله، فكما أنه لا يحل لنا أن نقول: هذا واجب وهذا حرام إلا بدليل، فلا يجوز أن نقول: هذا كفر وهذا إيمان إلا بدليل، ثم إنا إذا قلنا: هذا كفر فلا نحكم عل كل فاعل أن يكون كافراً؛ لأنه قد يكون معذوراً، أو يشتبه عليه الحق، أو يكون مضطراً ارتكب هذا للضرورة، فنصبر حتى نتبين حال هذا المرء، فإذا تبين حاله وأن الرجل عنده علم، ولكنه تجرأ على ما يصل به إلى الكفر؛ كفَّرناه.
السائل: هل ينكر بعضنا على البعض الآخر؟ الشيخ: نعم، معلوم ننكر على المتطرف في هذا ونقول له: اتق الله في عباد الله، لا تكفر من لم يكفره الله عز وجل، وللآخر لا ترجئ من لم يرجئه الله، هذا الكتاب والسنة نمشي عليهما.(6/37)
حكم الجمعيات التي تقام بين الموظفين
السؤال
فضيلة الشيخ! يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل دَين أو قَرْضِ جَرَّ نفعاً فهو ربا) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، هل يدخل هذا في الجمعيات التي يتخذها بعض الأشخاص الذين يجعلون من رواتبهم شيئاً فيأخذه كل شهر واحد منهم؟
الجواب
أولاً الحديث الذي أشرت إليه حديث ضعيف مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه مشهور عند أهل العلم -أي: مشهور عندهم: (أن كل قرض جر منفعة فهو ربا) - ووجهه: أن المقصود بالقرض الإحسان والإنفاق، فإذا انتفع المقرض من ورائه خرج عن مقصوده وصار مقصوداً به المعاوضة، فإذا قلت: إني أقرضك ألف ريال بشرط: أن ترده لي ألفاً ومائتين، فهذا ليس بإقراض.
وأما الجمعيات التي يفعلها بعض الناس يتفقون على أن يجعلوا من مرتباتهم شيئاً معيناً يعطى لشخص منهم وفي الشهر الثاني للثاني، وفي الشهر الثالث للثالث، وهكذا، فهذا جائز وليس من باب القرض الذي جر نفعاً؛ لأن المقرض لم يأته أكثر مما أقرض، سلم ألفاً وسيأتيه ألف فقط.(6/38)
الأفضل في قراءة المأموم للفاتحة في الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة لقراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة هل هي مع قراءة فاتحة الإمام، أم عندما يدخل في السورة؟ وهل ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سكت بين قراءة الفاتحة وبين السورة؟
الجواب
الأفضل أن تكون قراءة الفاتحة للمأموم بعد قراءة الإمام لها؛ لأجل أن ينصت للقراءة المفروضة -الركن- لأنه لو قرأ الفاتحة والإمام يقرأ الفاتحة لم ينصت للركن، وصار إنصاته لما بعد الفاتحة وهو التطوع، فالأفضل أن ينصت لقراءة الفاتحة؛ لأن الاستماع إلى الركن أهم من الاستماع إلى السنة، هذه من جهة، ومن جهة أخرى: أن الإمام إذا قال: (ولا الضالين) وأنت لم تتابع إلى ما تستمع له فلن تقول: (آمين) وحينئذٍ تخرج عن الجماعة، فالأفضل هو هذا.
أما السكتة بين قراءة الفاتحة وقراءة السورة فلم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم على حسب ما ذهب إليه بعض الفقهاء من أن الإمام يسكت سكوتاً يتمكن به المأموم من قراءة الفاتحة، وإنما هو سكوت يسير يتراد به النفس من جهة، ويفتح الباب للمأموم من جهة أخرى، حتى يشرع في القراءة ويكمل، ولو كان الإمام يقرأ فهي سكتة يسيرة وليست طويلة.(6/39)
حكم إخراج الرافضة من المساجد
السؤال
فضيلة الشيخ! في المنطقة الشرقية يكثر فيها الرافضة، وقد يدخل بعضهم أحد المساجد فيصلي فهل ننكر عليه ونخرجه من المسجد، وخصوصاً في مناطق الأعمال، حيث يزدحم المسجد في صلاة الظهر باشتراكه مع الرافضة في نفس العمل؟
الجواب
لا أرى أن تخرجوهم من المسجد، بل أرى أن تمكنوهم من المسجد ليصلوا، ولكن يجب عليكم أن تناصحوهم، وألا تيأسوا من هداية الله لهم؛ لأن الله عز وجل على كل شيءٍ قدير، وقد بلغني أنه -ولله الحمد- بدأ منهم أناس يتحررون من رقِّ مذهبهم ويلتحقون بمذهب أهل السنة والجماعة.(6/40)
حكم العمل في المحلات التي فيها أشياء محرمة
السؤال
فضيلة الشيخ! يوجد عند أبي محل لبيع الأدوات الكهربائية مثل: التلفزيون والفيديو وبعض آلات العزف وكذلك الساعات الذهب، ويطلب مني الجلوس فيه والبيع، ولكني أرفض ذلك هل يعتبر هذا من العقوق؟ وما هو الواجب عليَّ؟
الجواب
هذا ليس من العقوق، إذا امتنعت عن فعل المحرم الذي يفعله والدك، لكن الواجب عليك أن تنصحه وتقول له: هذا حرام وكسبه حرام، فإن اهتدى فهذا هو المطلوب، وإن لم يهتد فالإثم عليه وأنت لك أجر بنصحه؛ لأن الله تعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:272] ، وإذا قال: اجلس في الدكان للبيع، فلا تبع الأشياء التي تستعمل في محرم، بع الأشياء التي غالباً ما يفعل الناس بها الشيء المباح، كالراديو والمسجلات، وأما الفيديو والتلفزيون فلا تبعه؛ لأن أكثر الذين يشترون هذه الأشياء يستعملونها في محرم.(6/41)
وجوب الإنكار على النساء اللآتي ينشدن بالمكبرات في الأعراس
السؤال
فضيلة الشيخ! يكون في بعض قصور الأفراح أن صالة النساء تكون بجانب صالة الرجال، فهل يجب الإنكار في حال سماع أصوات امرأة تنشد من مكبر صوت، أو بدونه؟
الجواب
أما الإنشاد في مكبر صوت فهذا يجب منعه، يجب على ولاة الأمور أن يمنعوه، وعلى أهل القصور أن يمنعوه، وعلى أهل الزوج والزوجة أن يمنعوه؛ لما في ذلك من الضرر، والفتنة، والأذية للجيران.
وأما الصوت الآتي بدون مكبر فينظر، إذا خيفت الفتنة فإنه يجب إبعاد النساء عن الرجال، والغالب أن الفتنة لا تؤمن لا سيما في هذه الليلة التي هي ليلة زواج، فإن النفوس مهيأة للفتنة، فنرى أن يفصل النساء عن الرجال في محل بعيد حتى لا يسمعوا أصواتهن.(6/42)
لقاء الباب المفتوح [7]
في هذه المادة تفسير بعض آيات من سورة النبأ، مع بيان بعض معانيها وفوائدها، ثم الجواب عن الأسئلة الواردة في هذا اللقاء.(7/1)
تفسير آيات من سورة النبأ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن هذه الجلسة الثانية في الشهر، شهر صفر عام (1413هـ) ، الموافق يوم الخميس، وقد أخبرت الإخوة أننا سنتوقف عن الجلسة لمدة أسبوعين؛ نظراً للسفر إلى الحجاز إن شاء الله تعالى.
وقد رأينا أن نبدأ بتفسير جزء عم، وأخذنا أول سورة (النبأ) إلى قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً} [النبأ:10-11] .(7/2)
تفسير قوله تعالى: (وبنينا فوقكم سبعاً شداداً)
قال تعالى: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} [النبأ:12] وهي السماوات السبع، وصفها الله تعالى بالشداد؛ لأنها قوية، كما قال تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] أي: بنيناها بقوة.(7/3)
تفسير قوله تعالى: (وجعلنا سراجاً وهاجاً)
قال تعالى: {وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} [النبأ:13] يعني بذلك: الشمس، فهي سراجٌ مضيء، وهي -أيضاً- ذات حرارة عظيمة وهاجة -أي: وقادة- وحرارتها كما تشاهدون في أيام الصيف حرارة شديدة مع بعدها الساحق عن الأرض، فما ظنك بما يقرب منها، ثم إنها تكون في أيام الحر في شدة حرها من فيح جهنم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم) وقال عليه الصلاة والسلام: (اشتكت النار إلى الله فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون منها الزمهرير -يعني: من البرد، زمهرير جهنم، نعوذ بالله منها- وأشد ما تكون من الحر من فيح جهنم) ومع ذلك فإن فيها مصلحةً عظيمة للخلق، إذ أنها توفر على الخلق أموالاً عظيمة في وقت النهار، حيث يستغني الناس بها عن إيقاد الأنوار، وكذلك طاقة تستخرج منها، تكون فيها فوائد كثيرة، وكذلك إنضاج الثمار، وغير هذا من الفوائد العديدة من هذا السراج الذي جعله الله عز وجل لعباده.(7/4)
تفسير قوله تعالى: (وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجاً)
ولما ذكر السراج الوهاج الذي به الحرارة واليبوسة ذكر ما يقابل ذلك؛ فقال: {وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً} [النبأ:14] والماء فيه رطوبة وفيه برودة، وهذا الماء أيضاً تنبت به الأرض وتحيا به، فإذا أضيف ماء السماء إلى حرارة الشمس حصل في هذا إنضاج للثمار ونمو لها على أكمل ما يكون: {وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ} [النبأ:14] أي: السحاب، ووصفها الله بأنها المعصرات؛ كأنما تعصر هذا المطر عند نزوله عصراً كما يُعصر اللبن من الضرع، وقوله: {مَاءً ثَجَّاجاً} [النبأ:14] أي: كثير التدفق واسعاً.(7/5)
تفسير قوله تعالى: (لنخرج به حباً ونباتاً وجنات ألفافاً)
قال تعالى: {لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} [النبأ:15-16] لنخرج بهذا الماء الذي ينزل من السماء إلى الأرض فتنبت الأرض، فيخرج الله به الحب من جميع أصنافه وأنواعه؛ من البر، والشعير، والذُرة وغيرها، والنبات من الثمار: كالتين، والعنب وما أشبه ذلك: {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} [النبأ:16] أي: بساتين ملتفاً بعضها على بعض؛ لكثرتها وحسنها وبهائها.
ولما ذكر الله ما أنعم به على العباد ذكر حال اليوم الآخر، وأنه ميقات يجمع الله فيه الأولين والآخرين، وسيأتي إن شاء الله الكلام عليه في جلسة أخرى.
نسأل الله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعل عملنا خالصاً لله موافقاً لمرضاته.(7/6)
الأسئلة(7/7)
الجمع بين أحاديث تقديم اليدين على الركبتين والعكس
السؤال
فضيلة الشيخ! كيف يتم الجمع بين حديث وائل بن حجر رضي الله عنه وبين حديث أبي هريرة، حديث وائل بن حجر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم ركبتيه في السجود قبل يديه، وبين حديث أبي هريرة رضي الله عنه عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه) مع أن الحافظ ابن حجر رجح في بلوغ المرام حديث أبي هريرة وهو موقوف، والحافظ ابن القيم تكلم عليه من عشرة وجوه، فما قولكم في ذلك؟
الجواب
قولي في ذلك: أنه ليس بينهما تعارض، وأن معناهما متفق، فحديث وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع ركبتيه قبل يديه يوافق حديث أبي هريرة تماماً؛ لأن حديث أبي هريرة يقول: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير) والبعير إذا برك يقدم يديه كما يعرفه من شاهده، فكان مطابقاً تماماً لحديث وائل بن حجر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى في حديث أبي هريرة أن يضع المصلي يديه قبل ركبتيه؛ لأنه إذا فعل ذلك صار كالبعير، وقد توهم بعض الناس فقال: إن ركبتي البعير في يديه، وصدق فإن ركبتي البعير في يديه، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير، بل قال: فلا يبرك كما يبرك البعير، فالنهي في الحقيقة نهيٌ عن الهيئة والصفة، وكل من شاهد البعير عند بروكه يجد أنه يقدم يديه أولاً وبذلك يتطابق حديث أبي هريرة رضي الله عنه مع حديث وائل بن حجر، ويبقى النظر في قوله في آخر الحديث: (وليضع يديه على ركبتيه) فإن هذا لا شك وهم من الراوي وانقلاب عليه، إذ أنه لا يتطابق مع أول الحديث، وأول الحديث هو العمدة وهو الأساس وآخره فرع عليه، وإذا كان فرعاً وجب أن يكون الفرع مطابقاً للأصل، وحينئذٍ لا يطابق الأصل إذا كان لفظه: وليضع ركبتيه قبل يديه.(7/8)
السنة في المساقاة
السؤال
فضيلة الشيخ! مر في حديث الزبير في قصة شراج الحرة: أنه تخاصم هو ورجل من الأنصار في المساقاة، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير أن يسقي حتى ترتوي الأرض ويرتفع الماء إلى الجدر، أما الموجود عندنا يا فضيلة الشيخ في دمشق في مياه نهر بردي أنها لا تقسم على هذا النظام، بل بالقراريط يكتتب الشخص الذي يريد أن يسقي أرضه مقدار قراريط معينة من الأرض، ثم يسقي ولا يشترط أن تروى الأرض أو لا تروى حتى يقسم إلى غيره، فهل هذه القسمة التي يتبعونها صحيحة؟
الجواب
والله! يا أخي! أنا لست عالماً في سوريا حتى أبين أنها صحيحة فتبقى، أو فاسدة فتلغى، وهذا يرجع إلى العلماء هنالك، أنت عرفت السنة الآن، واسأل العلماء هل هذا يوافق السنة أو يخالفها؟(7/9)
الحكمة في إنكار المنكر
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز تأخير الإنكار على شخص وقع مثلاً في الشرك أو الكفر، وكذلك شخص وقع في المحرم للمصلحة، أو لترتب فتنة أعظم إذا أنكر؟
الجواب
قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل:125] وطريق الحكمة هو الذي يجب أن يسير عليه المرء، فإذا رأى أنه لا يجابه صاحبه بالإنكار، وأن يتريث قليلاً ثم يستعمل معه الإنكار، كان هذا حسناً.(7/10)
حكم العمل بخلاف العقد المتفق عليه
السؤال
فضيلة الشيخ: قد سألني أحد العمال الموجودين بالمنطقة أنه قدم إلى المنطقة وقد اتفق مع كفيله بالمنطقة على عمل معين، فلما أتى لم يجد عند هذا الكفيل مؤسسة فأطلقه وقال له: اذهب واعمل ونهاية الشهر تأتي لي بثلاثمائة ريال، فهو يقول: هل هذا العمل صحيح؟
الجواب
هذا عمل محرم، ولا يحل لأحد أن يستقدم العامل على عمل معين ثم يصرفه إلى عمل آخر، حتى وإن كان بالأجرة الشهرية التي اتفق معه، يعني: لو استقدمه على أن يكون نجاراً فإنه لا يحل له أن يستعمله على الحدادة مثلاً، أو على رعي الإبل، أو على حرث الزرع؛ لأن هذا خلاف العقد، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] فإذا كان الأمر أشد من هذا كأن يتركه ويفرض عليه ضريبة كل شهر يحضرها، فهذا أشد وأقبح؛ لأن هذا أولاً: مخالف للشرع، ومخالف لنظام الدولة، وأكل للمال بالباطل، فلا يحل له، ولهذا العامل أن يرفع الأمر إلى نظام العمل والعمال ويشكو كفيله.
السائل: لو أتى إليك شخص وقال: أنا أريد أن أعمل وقد تكلفت، يعني: دفعت مبالغ كبيرة في بلدي أريد أن أعمل أو أرجع إلى بلدي وقد خسرت أموالاً كثيرة، فعندما أعمل عندك أجد مبلغاً معيناً يغطي التكاليف التي بسببها جئت، فالرجوع أصعب عليَّ من العمل بهذه الصورة؟ الشيخ: على كل حال، إذا رضي لكنه راضٍ عن إغماض وكراهية فكأنه لم يرض، وهذا الكفيل سيعاقب على ذلك يوم القيامة، حتى لو رضي العامل، وقال: أنا إذا رجعت إلى بلدي أخسر خسارة كبيرة، وأنا أرضى وإن كان على خلاف ما تمًَّ العقد عليه، فإنه إذا كان ذلك عن إغماض وكراهية لا تبرأ به ذمة الكفيل.
السائل: والكفيل الآخر الذي سوف يعمل عنده هل عليه شيء؟ الشيخ: أنا ما فهمت من كلامك إلا كفيلاً واحداً.
أنت أتيت به من الخارج ليعمل عندك ولو مزارعاً يسقي الزرع، فقلت له: لا أريدك، اذهب واعمل وأعطني كل شهر ثلاثمائة ريال، أليس هذا سؤالك؟ السائل: ولكن سوف يذهب إلى صاحب زرع آخر في نفس الوظيفة يعمل فيها، فصاحب الزرع الآخر هل يمكن أن يجعله عاملاً لديه وهل عليه بأس؟ الجواب: على كل حال صاحب الزرع الآخر هو معه حر، يعني: ليس عليه بأس، لكن ذلك الكفيل هو الذي عليه البأس.(7/11)
حكم المساهمة في الشركات التي تتعامل بالربا
السؤال
هناك سائل يسأل عن شركة تسمى الشركة الدوائية، هذه الشركة قائمة وتعمل ولها أسهم، ولكن تريد توسيع رأس المال؛ فطرحت أسهماً جديدة للاستهام فيها، يقول: بأنه أول بداية الشركة أعطت أرباحاً قبل أن تعمل، قبل أن تباشر العمل أعطت أرباحاً للناس، وهذا يشك أن تكون هذه الأرباح أرباحاً ربوية كانت تحصلها عن طريق وضع الأموال في البنوك، فهذا السائل يقول: ما حكم الاستهام الآن فيها؟ وما واجبنا نحو هذه الشركة؟
الجواب
الإجابة أنه كما قلت: إن هذا من الربا ما دامت أعطت أرباحاً قبل أن تعمل، ولكن الواجب عليه أن يخرج هذا الذي أخذه ويتصدق به تخلصاً منه، والاكتتاب الجديد ليس فيه بأس.(7/12)
حكم إتمام الصلاة في السفر
السؤال
فضيلة الشيخ! مسافر أمَّ ناساً مقيمين وأتم، ماذا يكون في صلاته؟
الجواب
إذا أتم صلاته وهو مسافر وصلى إماماً للمقيمين، فإن ذلك لا بأس به، لكنه خلاف السنة، فالسنة أن يصلي قصراً وأن يقول لهم: إني مسافر، سأصلي ركعتين، فإذا سلمت فأتموا.(7/13)
الجمع بين الصلاتين في السفر
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم من أراد أن يجمع في السفر بين صلاتين جمع تقديم، مع العلم بأنه يغلب على ظنه أن يدرك الأخرى في بلده؟ وما يترتب عليه إذا وصل أثناء أداء الصلاة بالمساجد؟
الجواب
ما دام الإنسان مسافراً فله أن يجمع حتى لو كان سيقدم إلى بلده قبل دخول وقت الفريضة الثانية، لكنه في هذه الحالة الأفضل ألا يجمع؛ لأن الجمع إنما يكون للحاجة، وهذا الرجل الذي علم أنه سوف يقدم قبل أن يدخل وقت الثانية لا حاجة له في الجمع، لكن مع ذلك لو فعل فلا بأس.
وإذا قدم والوقت لم يدخل فقد أبرأ ذمته وليس عليه صلاة؛ لأنه أداها جمعاً مع الأولى.(7/14)
حكم تصحيح الأحاديث الضعيفة وحمل الآيات القرآنية على الوقائع الحديثة
السؤال
فضيلة الشيخ! ترد بعض الأحاديث الضعيفة في الطب النبوي، ثم يثبت في هذا الزمان حقيقة هذا الحديث، وأن ما ورد في هذا الحديث صحيح، وهذا الحديث لا يمكن أن يكون من كلام البشر، يعني: هذا الذي ورد في الحديث لا يمكن أن يقوله إنسان إلا عن خبرة ودراية، إما أن يكون وحياً من الله سبحانه وتعالى، أو يكون غير ذلك، السؤال: يا شيخ! هل يكون هذا الحديث الضعيف الذي ثبتت موافقته للاكتشافات العلمية في هذا الزمان، هل يكون حديثاً صحيحاً بذلك أم لا؟
الجواب
الحديث الضعيف إذا كان لا يخالف حديثاً صحيحاً وشهد الواقع له بالصحة، يقال: هذا ضعيف سنداً صحيح متناً، لكن بشرط أن يشهد له؛ لأن بعض الناس قد يظن أن هذا الحديث أو هذه الآية تدل على هذا المعنى وهي لا تدل عليه، مثل قول بعضهم في قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن:33] هذه الآية تدل على أننا يمكن أن نصل إلى القمر؛ لأنه قال: {لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن:33] والسلطان هو العلم، فإن تفسير الآية بهذا المعنى حرام؛ لأنه تحريف للقرآن، فإن هذه الآية يوم القيامة كما يدل عليها سياق السورة من أولها إلى آخرها، ثم هو قال: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الرحمن:33] فهل نفذوا من أقطار السماوات؟ ثم إنه قال: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ} [الرحمن:35] فهل أرسل عليهم شواظ من نار؟ فالمهم أن بعض الناس قد يحدث الشيء الجديد يكون فيه حديث ضعيف، فيصحح الحديث من أجل هذا الواقع، ثم إنه بالتأمل يكون هذا التصحيح غير صحيح؛ لأن الحديث لا يدل عليه، لكنه توهم أنه يدل عليه.(7/15)
حكم الأذكار الجماعية بعد الصلوات
السؤال
فضيلة الشيخ! قمنا برحلة إلى دولة عربية مجاورة، فصلينا في أحد المساجد فكان المؤذن إذا انتهى من الأذان يذكر بعض الأقوال، الصلاة والسلام عليك يا رسول الله! يا أيها النبي الأمي! ومثل هذه الأقوال بعد الانتهاء من الأذان وعند الإقامة، كذلك يدعو: (اللهم رب هذه الدعوة التامة.
) وعندما ينتهي يقول نفس الكلام، وعند السلام من الصلاة كان المصلون يتلون الورد مثلاً يقولون: (قل هو الله أحد) ثم يكملون ثم يقول: (ما شاء الله، ولا إله إلا الله) وهم يكملون ثم يقول: (قل هو الله أحد) وهم يكملون! وهكذا جماعية، فما رأيكم؟
الجواب
رأيي أن هذا من البدع؛ لأن الأذان لا يلحق به شيء، والإقامة كذلك، وكذلك بعد السلام ينصرف الإمام إلى الناس وهو يسبح وهم يسبحون كلٌّ لنفسه، وهذه مع الأسف قد تكون في بعض الدول الإسلامية، ومن المعلوم أن إحياء البدع إماتةٌ للسنن.
السائل: الحمد لله! لقد ذكرناهم بذلك، ولكن هل يصلى معهم أم لا؟ الشيخ: إن وجدت مسجداً ليس فيه هذه البدع فلا تصل معهم، وإن لم تجد إلا هذا فصلِّ، ثم إذا سلمت انصرف ولا تتابعهم في هذه البدعة.(7/16)
أفضل الأعمال التي تقدم للميت
السؤال
فضيلة الشيخ! ما أفضل الأعمال التي تقدم إلى الميت؟ وما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم (الصلاة عليهم) ؟
الجواب
أفضل الأعمال التي تقدم إلى الميت: الدعاء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) فالدعاء للميت أفضل من كل شيء، أفضل من أن تصلي أو تتصدق أو تحج أو تعتمر عن الميت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا: (ولد صالح يدعو له) في سياق الأعمال، فلو كانت الأعمال مشروعة للميت لقال: أو ولد صالح يتصدق له، أو يصوم عنه، أو ما أشبه هذا، فلما عدل عن ذلك إلى الدعاء علم أن الدعاء أفضل من إهداء العمل، وأما قوله: (الصلاة عليهم) فيعني به: الدعاء؛ لأن الصلاة تأتي بمعنى الدعاء، كقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة:103] أي: ادع لهم.(7/17)
حكم قراءة القرآن عند القبور
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم قراءة سورة (يس) عند المقبرة، أو قراءة سورة (الإخلاص) كأن يقول أحد الناس مثلاً: اقرءوا سورة الإخلاص إحدى عشرة مرة؟
الجواب
القراءة عند القبور من البدع سواءً (يس) أو قرأ بـ (قل هو الله أحد) أو (الفاتحة) فلا ينبغي أن يقرأ الإنسان على المقبرة، وإنما يقتصر على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم) ثم ينصرف، ولا يزيد على هذا قراءة ولا غيرها.(7/18)
حكم معاينة الطبيب للمرأة
السؤال
فضيلة الشيخ: نحن مجموعة أطباء نعمل في الرياض، ويكون علينا مناوبات يكون فيها مرضى ذكور وإناث، وأحياناً تشتكي المريضة وتكون الشكوى -مثلاً- الصداع أو وجع بطن، ويقتضي العمل الطبي حتى يكون تاماً أن يتم الفحص وتؤخذ المعلومات عن سبب الصداع، يقتضي أن يفحص البطن أو الرأس أو غيرها حتى لا يكون عليه مسئولية، ولو لم يكن فحص قد لا تتضرر المريضة كثيراً، يعني: هناك مجال للتهرب منها، لكن حتى يتم تقييم الحالة تقييماً تاماً يقتضي أن يفحص، فقد تكون المريضة أنثى والطبيب ذكراً، فإذا كان يريد أن يتحاشى مثل هذا فهل له ذلك، أم المصلحة أن يفحص؟
الجواب
الواجب على إدارة المستشفى أن تلاحظ هذا، وأن تجعل المناوبة بين الرجال والنساء، حتى إذا احتاجت نساء مريضات إلى العلاج أو الفحص أُرسل إليهن النساء، فإذا لم تقم الإدارة بهذا الواجب عليها، ولم تبال؛ فأنتم لا حرج عليكم أن تفحصوا النساء لكن بشرط: ألا يكون هناك خلوة -وأيضاً- يكون هناك حاجة إلى الفحص، فإن لم يكن هناك حاجة وأمكن تأخير الفحص الدقيق إلى وقت تحضر فيه النساء؛ فأخروه، وإذا كان لا يمكن؛ فهذه حاجة، ولا بأس بها.(7/19)
الأسباب وعلاقتها بالشرك
السؤال
فضيلة الشيخ! متى يكون فعل الأسباب مشروعاً، ومتى يكون شركاً أصغر أو أكبر؟
الجواب
يكون فعل الأسباب مشروعاً إذا ثبت أن هذا السبب سبب حقيقي شرعي أو قدري، فالسبب الشرعي كالقراءة على المريض، والسبب القدري كالأشياء التي تعلم بالتجارب، ويكون هذا غير شرعي إذا كان هذا السبب لم يدل عليه الدليل، لا الدليل الشرعي ولا الدليل الواقعي، فإنه يكون هنا شركاً إما أصغر وإما أكبر، فإن اعتقد الإنسان أن السبب هو الفاعل بنفسه دون الله فهو شرك أكبر، وإن اعتقد أنه سبب وأن الفاعل هو الله فهو شرك أصغر، إذا لم يقم دليل شرعي أو حسي على أنه سبب.(7/20)
حرمة المصحف ولو كان مجزأً
السؤال
فضيلة الشيخ: هناك المصحف المجزأ الذي يكون كل جزء على حدة، كل جزء مطبوع في ضمن صفحات مجزأة هل يعامل كالمصحف الكامل، أي: أنه لا يجوز لمسه إلا بطهور، ولا يجوز الدخول به إلى الخلاء؟
الجواب
المصحف يقول العلماء فيه: لا يشترط أن يكون كاملاً، ولو صفحة واحدة، فإنه يثبت له حكم المصحف الكامل، فلا يجوز لمحدث أن يمسه ولا يدخل به الخلاء، أما الآية الواحدة في كتاب فهذه يجوز للإنسان أن يمس الكتاب وهو بلا وضوء، ويجوز أن يدخل به الحمام إذا دعت الحاجة إلى ذلك.(7/21)
زكاة الرواتب
السؤال
إذا كان الإنسان يستلم راتباً على وظيفته، وفي نهاية كل شهر يأخذ هذا الراتب، فكيف يؤدي زكاة المال لهذا الراتب، وبعض الرواتب من هذه الوظيفة لا يحول عليها الحول، وبعضها تكون سنة، وبعضها عشرة أشهر، وبعضها ثمانية، فهل إذا كان نهاية السنة يؤدي زكاة ما اجتمع لديه من الأموال فيعجل في الزكاة، أم ينتظر كل شهر حتى يتم ويمضي حول على كل مال؟
الجواب
لا تجب زكاته حتى يتم عليه الحول فإن شاء راقب الأموال التي تأتيه شيئاً فشيئاً وأدى زكاة كل مال عند تمام حوله، وهذا فيه مشقة، وإن شاء أدى الزكاة عند تمام حول أول راتب ثم يستمر على ذلك، ويكون ما تم حوله قد أديت زكاته في وقتها، وما لم يتم حوله قد عجلت، وتعجيل الزكاة لا بأس به، وهذا هو الذي نستعمله في زكاة الرواتب، نجعل شهراً معيناً كشهر رمضان -مثلاً- نؤدي فيه زكاة كل ما عندنا، حتى ما لم يتم عليه إلا شهر واحد؛ لأن هذا أريح وأبرأ للذمة.(7/22)
حكم أخذ الكفيل لبعض الأموال من العاملين عنده
السؤال
استقدم رجل عمالاً لمهنة معينة ولمدة معينة ويأخذ عليهم نسبة معينة في الشهر، ما حكم ذلك؟
الجواب
الذي أرى أنه لا يجوز إلا إذا كان لا يخالف نظام الدولة، وكان لهذا الكفيل أثرٌ في نفس العمل الذي أخذ عليه النسبة، يعني: بأن كان هو الذي يتكلم مع الناس، يقاول، وهو الذي يحضر المواد وما أشبه ذلك، فهذا جائز بشرط: أن تكون الدولة تسمح بذلك، وكثير من الناس يقول: لو أنني أبقيت العمال على حسب العقد الذي بيني وبينهم، فإنهم لا ينصحون ولا يؤدون العمل -وهذا حق- ولكن يمكن تدارك هذا الشيء بأن يقول لهم: أنتم على راتبكم الشهري، وإذا عملتم كذا وكذا فلكم على هذا أجرة خاصة، مثل أن يقول: إذا كان سباكاً لك على كل نقطة ريالان أو ثلاثة أو أربعة حسب ما يتفق معه، أو إذا كان كهربائياً يقول له: لك على كل لمبة كذا وعلى كل مفتاح كذا، فهذا يُنشِّط، ولا يحصل فيه تفريط، ويكون قد سار على ما تم العقد عليه بينه وبين هذا العامل، إذاًً: المسألة لها صورتان: الصورة الأولى: أن يجعل نسبة، فهذا جائز بشرط: أن يكون له أثر في نفس العمل، وبشرط آخر: أن تأذن الدولة بذلك.
الصورة الثانية: أن يبقوا على راتبهم الذي اتفقوا عليه، ويعطيهم إضافات تشجيعية، إذا فعلوا كذا وكذا فلهم كذا وكذا.(7/23)
احتجاج أهل المعاصي بالقدر
السؤال
ما رأيك في الذي يحتج بالقدر على فعل المعاصي ويقول: مكتوب علي شقي، أم سعيد؟
الجواب
رأيي أن هذا صادق في أنه مكتوب عليه شقي أو سعيد، ولكن هل هو مجبر على هذا؟ وهل يعلم أن الله كتب عليه ذلك؟ كلنا لا ندري ما المكتوب لنا إلا بعد أن نعمل؛ فإذا كان لا يدري أنه قد كتب عليه أنه يعمل عملاً سيئاً إلا بعد أن يعمل فليقدر قبل العمل أنه قد كتب من السعداء فيعمل بعملهم.
ثم إنَّ هذا الرجل الذي يحتج بالقدر على المعصية لا يحتج بالقدر على مصالح الدنيا، تجده يفعل كل سبب يحصل به على المقصود ولا يحتج بالقدر، وقد أبطل الله سبحانه وتعالى الاحتجاج بالقدر بقوله: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] ولو كان القدر حجة لكان حجة قبل الرسل وبعد الرسل، وأبطل سبحانه قول المشركين الذين قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} [الأنعام:148] .(7/24)
وقت زيارة القبور
السؤال
هل لزيارة القبور وقت محدد بالنسبة للرجال؟ وهل هناك وقت نهي لزيارة القبور؟
الجواب
زيارة القبور ليس لها وقت محدد، أي ساعة من الليل أو النهار تزورها فلا بأس، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زارها ليلاً.(7/25)
حكم صلاة التشفع خلف إمام يصلي الوتر
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأي فضيلتكم فيمن يصلي الشفع خلف الإمام الذي يصلي الوتر في صلاة التراويح؟
الجواب
لا حرج في ذلك، لا حرج أن يصلي شفعاً خلف من يصلي وتراً، وإذا سلم الإمام قام فأتى بركعة.(7/26)
مخالفة الشركات لمكتب العمل والعمال في توظيف الشباب
السؤال
مكتب العمل والعمال يقدم للطلاب فرصة عمل في الشركات في فصل الصيف، فبعض الشركات تقول للطلبة: اذهبوا وآخر الشهر تعالوا واستلموا رواتبكم؛ لعدم وجود متخصصين أو مدربين، وربما يكلف عليهم بعض الأموال لتعليم هؤلاء الطلاب؛ لأن بعض الشركات قد تكون متخصصة في عمل معين، فما رأيكم في هذا الراتب الذي يؤخذ، مع العلم أن مدير الشركة هو الذي أمر بذلك؟
الجواب
صحيح أنهم يفعلون هذا الشيء؛ لأن الحكومة تلزمهم بتوظيف الشباب فيقول للشاب: أنا أعطيك الراتب وليست بحاجة لك، وهذا فيه محذورات: المحذور الأول: أن الذي يأخذ الراتب أخذه بغير حق؛ لأن الشركة مجبرة على هذا العمل، ولا يحل مال أحد إلا بطيب نفس منه.
المحذور الثاني: أنه لم يعمل فيكون آكلاً للمال الباطل.
والثالث: أنه يخالف مقصود الحكومة؛ لأن الظاهر إلزام الحكومة ليس هو من أجل المال فقط، لكن من أجل حفظ الشباب من الضياع في الأسواق، وربما يحصل منهم فساد في هذه الحال، ثم تمرين الشاب على العمل في هذه الشركة حتى يكتسب الخبرة، ولو أن الشباب إذا قالت لهم الشركات هذا، رفعوا الأمر للحكومة حتى يحصل المقصود لكان هو الأولى، لكن مع الأسف أن كثيراً من الشباب لا يهمه، يقول: أنا آخذ الراتب وأنا مستريح، فالذي أرى أنه لا يجوز أن يأخذ الراتب هذا ويستريح، بل عليه أن يعمل، وعليه أيضاً إذا أبت عليه الشركة أن يرفع الأمر إلى الحكومة لتتولاه.(7/27)
رؤيا الميت في المنام
السؤال
فضيلة الشيخ! بعد الظهر من يوم عرفة وأنا صائم في المنام نبهني واحد يقول: امرأة تريدك، فانتبهت للمنبه هذا فإذا هي والدتي المتوفية آتية فسلمت عليها وضممتها إلى صدري وقالت لي: جزاك الله خيراً، فأفقت من نومي وكان ابني حاجاً فبلغت أهلي بذلك وقالوا: إن شاء الله خيراً، وبعد رجوع ابني من الحج أخبرته بذلك، فقال: أنا في كل موقف أتذكر جدتي وأدعو لها أفيدونا أفادكم الله؟
الجواب
الظاهر أن هذا خير إن شاء الله، ويدل على أن والدتك علمت بما تهديه إليها من الدعاء فشكرت لك هذا الشيء.(7/28)
الوفاء بالنذر
السؤال
نذرت والدتي نذراً أنها تذبح ثلاث شياه وتحقق النذر ونيتها في ذلك الوقت أن تطبخها، فما الحل تطبخها، أو تقسمها؟
الجواب
ما دامت نوت أن تطبخها وتوزعها مطبوخة فعلى ما نوت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) .(7/29)
حكم تقديم شركات الأدوية بعض العينات من الأدوية والهدايا
السؤال
فضيلة الشيخ! تقوم بعض شركات الأدوية بتقديم عينات من الأدوية والأقلام والمذكرات والكتب التي تحمل دعاية لشركة الأدوية، فتقوم بتقديم هذه العينات وهذه الأدوية إلى الأطباء والصيادلة فهل يجوز قبولها أم لا؟
الجواب
إنه لا بأس ما لم يكن ذلك من باب الرشوة، وإن كان من باب الرشوة فلا، وأما إن كان من باب الدعوة لها، وهي مؤسسة جائزة ليس فيها حرام فلا بأس.(7/30)
حكم تخصص الطبيب في النساء والولادة
السؤال
فضيلة الشيخ طبيب متخرج حديثاً يريد أن يتخصص في النساء والولادة، فما حكم ذلك؟
الجواب
إني أرى ألا يفعل، فيجب أن يكون تخصصه فيما يتعلق بالرجال؛ لأن تخصص الرجل فيما يتعلق بالمرأة فتنة عظيمة يخشى عليه أن يفتتن في دينه، فيهدم دينه من أجل دنياه.(7/31)
حكم المساهمة في الشركات التي تودع أموالها في البنوك
السؤال
ما حكم الاكتتاب في الشركة الدوائية، وهي على ما يبدو قامت على الربا وأخذ أرباح سابقة، فما حكم الاكتتاب الآن؟
الجواب
نحن قلنا: الأولى تجنب جميع الشركات التي تودع أموالها في البنوك وتأخذ عليها ربا، لكن تحريم ذلك لا يحرم، لا بأس أن تشارك، وإذا أتاك الربح من الربا فتخلص منه بالصدقة به.(7/32)
حكم كتم العيب عند الزواج
السؤال
فضيلة الشيخ: هناك زميل لنا في العمل لم يتزوج بعد، وكل فترة نذكره بفضل الزواج ونحثه على ذلك فيقول: إن شاء الله، وفي أحد الأيام ألححت عليه في ذلك، وقلت: لا أظن أن هناك سبباً في عدم إقبالك على الزواج، فقال: إن هناك سبباً، ثم قال: إنني عقيم ولا أنجب، هل عندما أريد أن أخطب أخبرهم بذلك، أم لا؟
الجواب
يجب على من كان به عيب أن يبينه لمن خطب منهم، ولا سيما هذا العيب العظيم وهو العقم؛ لأن المرأة لها الحق في الولد، ولهذا قال العلماء: يحرم أن يعزل عن المرأة الحرة إلا بإذنها.
فيجب عليه أن يخبرهم بأنه عقيم ليدخل على بصيرة، ثم إنه إذا قدر أنه لم يخبرهم ثم تبين لهم بعد ذلك هذا العيب فلهم المطالبة بفسخ العقد، ويفسخ العقد.(7/33)
الإحرام من الميقات
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا أردت العمرة فذهبت إلى جدة بالطائرة، ثم جلست يوماً في جدة وبعدها أحرمت من جدة، فهل عليَّ دم؟
الجواب
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما ذكر المواقيت، قال: (هنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ ممن يريد الحج والعمرة) فإذا أردت الحج أو العمرة ومررت بأول ميقات فأحرم منه، فإن تجاوزته وأحرمت من دونه فإن أهل العلم يقولون: هذا ترك واجب، وفي ترك الواجب دم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء هناك.(7/34)
حكم التشبيه والتمثيل عند قراءة الآيات
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز للإنسان إذا قرأ قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:67] هل يجوز له أن يقبض بيده؟
الجواب
إذا قبض بيده أمام الناس فهذا تمثيل وتشبيه، ولا يجوز للإنسان أن يفعل شيئاً أو يوهم التشبيه والتمثيل ولا سيما أمام العامة، ثم هل يعلم أن الله تعالى يقبض الأرض على هذه الصفة التي قبضها هو، قد يكون يقبضها على صفة أخرى؛ لأن القبض يختلف حتى فيما بين الناس، فلهذا لا يحل له أن يفعل ذلك، قد يقول قائل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قرأ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء:58] وضع إصبعه على عينه وأذنه، فنقول: هذا جاءت به السنة وهو حق، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤكد هذين الوصفين السمع والبصر بذكر موضعهما من بني آدم، أما أن يحكي كيفية القبض وهو لا يعلم فهذا حرام؛ لأنه قول على الله بغير علم.(7/35)
حكم تقديم الأذان قبل دخول الوقت
السؤال
السؤال يتعلق بتصحيح وقت أذان الفجر، وكما جاء في الحديث: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم؛ فإنه لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت، أصبحت) وهذا الحديث فما نرى أنه مخالفٌ لما عليه الناس في الزمان، وكما تعلمون يأتي أحياناً من الأوقاف التأكيد على المؤذنين لالتزام التقويم، وسبق أن تكلم بعض الإخوان من طلبة العلم في هذا، فما رأيكم؟
الجواب
رأينا أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأن الإنسان إذا تيقن أن الفجر لم يطلع حرم عليه أن يؤذن؛ لأن الوقت خطير، إذ لو أن الإنسان أذن قبل الوقت بدقيقة واحدة وكبر أحد من الناس على أذانه تكبيرة الإحرام قبل الوقت فإنه لا شك أنه يكون غرَّ الناس وأوجب أن يصلوا قبل الوقت.
السائل: المؤذنون مضطرون، ولو أن أحداً تأخر عن المقرر في التقويم استدعي للأوقاف، ويؤخذ عليه تعهد ويؤذى؟ الشيخ: الواجب النظر في هذه المسألة؛ لأنها مشكلة جداً، والذي يظهر لي: أن أذان الفجر في كل أوقات السنة فيه تقديم خمس دقائق في كل أوقات السنة.
السائل: بالنسبة للفجر تأكد لنا من بعض الإخوة أنه في حدود (15 - 20) دقيقة يسبق الوقت، وكذلك الظهر بعض الإخوان أفاد أنه في التقويم يتقدم عشر دقائق حتى تزول الشمس كما جاء في الحديث، ومثل ذلك العصر قدموا العصر بموجب تقديم الظهر، وخلاف هذا الأمر أهل المدينة لا يستخدمون تقويم أم القرى، يستعملون تقويماً ينشر شهرياً على المؤذنين في المساجد؟ الشيخ: هذا سمعته من الإخوان، أن أهل المدينة لا يعتمدون على تقويم أم القرى؛ لأن فيه خللاً، ولكن أرى أن يبحث الأمر بحثاً دقيقاً، ولو أنكم عرفتم الموضوع تماماً وأرسلتم ملخصاً منه لـ هيئة كبار العلماء لعلهم يبحثونه في الجلسة القادمة وأرسلتموه بسرعة وقلتم هذا أمر ليس بهين، أما المغرب فالظاهر أنه مقارب للصواب.(7/36)
حكم الزكاة التي تؤخذ على الأنشطة المحرمة
السؤال
تقوم مصلحة الزكاة والدخل بجباية الزكاة عن بعض الأنشطة المحرمة كمحلات الفيديو والأغاني ومحلات الشيشة، فهل هذه الزكاة حلال أم حرام؟
الجواب
هي حلال وليس فيها شيء.
السائل: وما حكم العمل في أخذ هذه الزكاة؟ الشيخ: أنت الآن تأخذ صدقة، تأخذ خيراً، لكن قد يكون ترك العمل بها من جهة أنك إذا عملت بها وأخذت الزكاة منهم صار هذا إقراراً ضمنياً بما هم عليه، وأنت لم تأخذها بنفسك بل تأخذها لغيرك؛ فإن تركت هذا تورعاً منك فهو حسن، وإلا فلا حرج عليك.(7/37)
جواز القصر أو الإتمام إذا لم يعرف حال الإمام
السؤال
فضيلة الشيخ! إنسان مسافر صلى في المطار وأدرك ركعة ولا يعلم عن الإمام ماذا يصنع؟
الجواب
الإمام ليس عليه علامة السفر؟ يأت يحمل (شنطة) مثلاً؟ السائل: لا أدري.
الشيخ: ليس عنده علامة، أنه من أهل المطار أو من موظفي المطار؟ السائل: لا.
الشيخ: له أن يتم وأن يقصر، فأرجو ألا بأس به، إذا كان الذي في هذه الصالة أكثرهم من الركاب، لكن الاحتياط أن يتم إلا إذا وجد علامة كما قلت لك من (شنطة) أو شبها ذلك فليعمل بالعلامة.(7/38)
حكم الاقتراض من البنوك الربوية
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز للإنسان أن يقترض مبلغاً معيناً من بنك ربوي لبناء منزل أو لشرائه حيث أنه لا يملك منزلاً وكذلك أهله، فهل يجوز له أن يقترض هذا المبلغ؟
الجواب
هم يعطونه هذا القرض بفائدة أو بدون فائدة؟ السائل: بفائدة.
الشيخ: لا يجوز، ولكن لو كان هناك مثلاً عمائر سكنية قد بنيت واشتراها ممن بناها بزيادة عن الثمن فهذا لا بأس به.(7/39)
حكم الانتفاع بإيجار البيت الذي بُنيَ من قرض ربوي
السؤال
هل يجوز أن يأخذ إيجار منزل بني عن طريق بنك ربوي، يعني: هل يجوز أن يستنفع بإيجار بيت بناه بواسطة قرض أخذه من بنك ربوي، الإيجار نفسه هل هو حلال؟
الجواب
مثلاً: الإنسان بنى بيته عن طريق ربوي وأنت تريد أن تستأجر البيت، هذا لا بأس به ولا يوجد مانع.
السائل: أقصد يا شيخ! هل يجوز لصاحب البيت أخذ الإيجار على هذا البيت والانتفاع به؟ الجواب: ليس فيه بأس، يتوب إلى الله عز وجل، ويخرج الربا الذي أخذه لأنه في الحقيقة مظلوم، هو مأخوذ عليه زيادة، وليس هو آكل للربا بل هو موكل، وموكل الربا ليس عليه إلا أن يتوب فقط؛ لأنه ما دخل عليه الربا حتى نقول: أخرجه.(7/40)
رفع الدعاوى إلى المراجع المخصصة لها
السؤال
ذكرت في كلامك -يا فضيلة الشيخ- العامل المظلوم فهل يرفع مظلمته إلى المحكمة، أم إلى مكتب العمل؟
الجواب
الظاهر أنه لو رفعها للمحكمة لا تقبل؛ لأن له مرجعاً جعلته الحكومة، فيرفع إلى مكتب العمل، وإذا لم يحل على الوجه المشروع يطلب إحالتها إلى المحكمة.(7/41)
قضاء الوتر
السؤال
فضيلة الشيخ! شخص نام عن الوتر، فكيف يقضيه؟ وفي أي وقت هل بين الأذان والإقامة، أم بعد طلوع الشمس؟
الجواب
إذا نام عن الوتر فإنه يقضيه شفعاً، يعني: إذا كان من عادته أن يوتر بثلاث يصلي أربعاً، وإن كانت عادته أن يصلي خمساً يصلي ستاً، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلبه وجعٌ أو نوم صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة) يصلي هذه الركعات بعد ارتفاع الشمس من اليوم التالي، يعني: بعد الارتفاع بمقدار رمح.(7/42)
حكم ادخار الزوجة لشيء من مال زوجها
السؤال
فضيلة الشيخ: زوجة توفر لزوجها جزءاً من راتبه دون أن يعلم، وحينما احتاج لبعض المال أخبرته بذلك وأعطته المبلغ كاملاً وهو يثق تماماً في صدقها، ما رأيك في فعلها هذا؟
الجواب
إذا كان الزوج لا يحسن التصرف في ماله ورأت من المصلحة أن تدخر شيئاً مما زاد عن حاجته، فهذا حسن، وتعتبر ناصحة له، وأما إذا كان يحسن التصرف ويريد أن يتصرف بكامل راتبه فلا يحل لها أن تأخذ منه شيئاً؛ لأنه ملكه.(7/43)
المشروع في الذكر بعد الصلاة عند الجمع بين الصلاتين
السؤال
إذا كان الشخص مسافراً وأحب أن يجمع بين صلاتين كصلاة المغرب والعشاء، فماذا يفعل في الذكر الذي بعد صلاة المغرب؟ هل يكفي الذكر الذي بعد العشاء عنه، أم أنه يقوله بعد صلاة العشاء ثم يأتي بالذكر الذي يقوله بعد صلاة العشاء؟
الجواب
إذا جمع بين الصلاتين فهل يكفيهما ذكر واحد، أو لكل صلاة ذكر؟ الظاهر أنه يكفي ذكر واحد؛ لأنهما عبادتان من جنس واحد، فيكتفى بأحدهما عن الآخر، وإن سبح بهذه الصلاة تسبيحه المعتاد ولهذه تسبيحه المعتاد؛ فهو أحسن.
السائل: معروف أن الذكر بعد صلاة المغرب أطول من الذكر بعد صلاة العشاء؟ الشيخ: يأتي بالذكر الأكثر، يعني: يذكر الله عشر مرات، ويسبح، ويخلط بينهما، وكله ذكر ولا بأس.(7/44)
حكم إمامة من لا يحسن الفاتحة
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك أحد الأئمة عند قراءته للفاتحة أحياناً يقول (اِهدنا) وأحياناً يقول (أَهدنا) فما حكم الصلاة خلف هذا؟
الجواب
إذا قال (أهدنا) فالصلاة باطلة؛ لأن (أهدنا) معناها: أعطنا هدية، فيتغير المعنى، ويجب على هذا الإمام أن يقرأ بالقراءة الصحيحة، فإن لم يمكن فليدع المكان لغيره.
السائل: عندما نوقش في هذا قال: أنا أقول (اِهدنا) ولكن لسانه بعض الأحيان يقول (أهدنا) ؟ الشيخ: نقول له: يجب أن تنتبه وتعدل لسانك!!(7/45)
لقاء الباب المفتوح [8]
شرح الشيخ رحمه الله آية الوضوء مبيناً معانيها وبيان الراجح في الخلاف في بعض فقهياتها، مع ذكر أركان الوضوء وكيفيته وبعض سننه وآدابه، وختم الحديث بالجواب على الأسئلة.(8/1)
تفسير آية الوضوء من سورة المائدة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا في هذا اليوم نفتتح جلساتنا بعد أن توقفنا مدة، وهذا هو الأسبوع الثالث من شهر ربيع الثاني عام (1413هـ) .
هذه الجلسات المقررة في كل يوم خميس من الساعة العاشرة إلى ما قبل أذان الظهر بعشر دقائق، نسأل الله تعالى أن يجعلها جلسات نافعة لنا ولإخواننا إنه على كل شيء قدير.(8/2)
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة)
هذه الجلسة نتكلم فيها عن قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ.
) [المائدة:6] إلى آخر الآية، ففي هذه الآية يأمر الله عز وجل عباده المؤمنين إذا قاموا إلى الصلاة أن يغسلوا وجوههم وأيديهم إلى المرافق ويمسحوا برءوسهم ويغسلوا أرجلهم إلى الكعبين.
واعلم أن الله سبحانه وتعالى إذا صدَّر الآية بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة:6] ، فإنه: إما خيراً تؤمر به، وإما شراً تنهى عنه، كما قال ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [إذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:104] فارعها سمعك؛ فإما خيراً تؤمر به، وإما شراً تنهى عنه] ، وهذه الآية التي نتكلم عنها الآن هي خيرٌ يأمرنا الله به.
{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة:6] أي: عزمتم على القيام إليها، فافعلوا ما ذكر، وإنما أمر الناس أن يتطهروا هذا التطهر؛ لأنهم يقفون بين يدي الله عز وجل في صلاتهم يناجون الله بكلامه وتسبيحه وتعظيمه ودعائه، فالصلاة روضة من رياض العبادات، فلهذا أمر الله بالطهارة عند فعلها.(8/3)
تفسير قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم)
قوله عز وجل: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] قد يقول قائل: أين غسل الكفين الذي يكون قبل غسل الوجه؟ والجواب أن نقول: إن غسل الكفين ليس شرطاً لصحة الوضوء، بل هو سنة من سنن الوضوء، إن قام بها الإنسان أثيب عليها، وإن لم يقم بها فلا حرج عليه في ذلك، وأول فروض الوضوء غسل الوجه، والوجه قال العلماء: إن حده عرضاً من الأذن إلى الأذن، وحده طولاً من منحنى الجبهة من الأعلى إلى أسفل اللحية، حتى ما نزل من اللحية يعتبر من الوجه؛ لأنه مأخوذٌ من المواجهة، والإنسان يواجه غيره بكل هذا الجزء من بدنه، ويدخل في غسل الوجه المضمضة والاستنشاق؛ وذلك لأن الأنف والفم عضوان في الوجه، وعليه فيبدأ أولاً بالمضمضة ثم الاستنشاق ثم يغسل جميع الوجه.(8/4)
تفسير قوله تعالى: (وأيديكم إلى المرافق)
قوله عز وجل: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6] (المرافق) هي المفاصل بين العُضد والذراع، وسميت مرافق؛ لأن الإنسان يرتفق بها عند الاتكاء عليها في حال الجلوس والاضطجاع، فهي مرفق يرتفق بها الإنسان، والمرافق داخلة في الغسل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسلها، ويجب أن نعلم أن اليد تغسل من أطراف الأصابع إلى المرفق؛ لأن الله قال: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6] ، فلا بد أن يغسل من أطراف الأصابع إلى المرافق، وكثير من الناس ربما يغسل الذراع فقط دون أن يغسل الكف؛ إما جهلاً منه، أو ظناً أن غسل الكف قبل غسل الوجه كافٍ في ذلك، ولكن يجب أن ننتبه؛ لأنه لا بد من أن نغسل جميع اليد التي أمر الله بغسلها من أطراف الأصابع إلى المرفق.(8/5)
تفسير قوله تعالى: (وامسحوا برءوسكم)
ثم قال تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة:6] ففصل الرأس عما قبله؛ لأن طهارته بالمسح وليست بالغسل، والحكمة من كونه مسحاً مشقة غسله لا سيما في أيام الشتاء، وفيما إذا كان له شعر كثير، فإنه يشق عليه وربما يضره، فلهذا خفف تطهير الرأس فكان بالمسح.
وفيه تخفيفٌ ثانٍ وهو: أنه لا يكرر مسحه بخلاف بقية الأعضاء، فإن الأفضل أن تكرر ثلاث مرات، أما الرأس فلا يكرر.
وفيه تخفيفٌ ثالث وهو: أنه يجوز أن يمسح على العمامة إذا كان على رأسه عمامة، فما دامت على رأسه فله أن يمسح سواء لبسها على طهارة أو لم يلبسها على طهارة، وسواء مسحها في خلال يوم وليلة أو أكثر من ذلك؛ لأنه لا تحديد لها، ولا يشترط أن تلبس على طهارة؛ لأن ظاهر السنة عدم اشتراط ذلك.
ففي تطهير الرأس ثلاث تخفيفات: الأول: أنه مسح لا غسل.
الثاني: أنه يمسح مرةً واحدة ولا يكرر.
الثالث أنه يصح أن يمسح على العمامة ما دامت على رأسه، كما جاءت به السنة.
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقَّت للعمامة كما وقَّت للخفين، الخفان على الرجل لهما يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر.
ولم يثبت أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علل مسحها بأن يلبسها على طهارة، فـ المغيرة بن شعبة روى أنه مسح على العمامة وعلى الخف، والخف قال فيه: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) .
والعمامة لم يذكر فيها ذلك، فدل هذا على أنه لا يشترط في لبس العمامة أن يلبسها على طهارة، ولا يشترط لها مدة معينة، وقياسها على الجورب قياسٌ مع الفارق؛ لأن الجورب ملبوس على عضوٍ يغسل، وأما العمامة فهي ملبوس على عضوٍ يمسح، وطهارته مخففة في الأصل.(8/6)
تفسير قوله تعالى: (وأرجلكم إلى الكعبين)
ثم قال تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] (أرجلكم) فيها قراءتان سبعيتان؛ (أرجلَكم) بالنصب، و (أرجلِكم) بالجر، فأما على قراءة النصب (أرجلَكم) فإنها معطوفة على الوجه، أي: اغسلوا وجوهكم وأرجلكم، أي: واغسلوا أرجلكم، وأما على قراءة الجر و (أرجلِكم) فهي معطوفة على (رءوسكم) أي: امسحوا بأرجلكم.
فإذا قيل: كيف يمكن أن نوجه هاتين القراءتين: أن الرِّجل تمسح أو أنها تغسل؟ ف
الجواب
أن يقال: إن السنة بينت متى تمسح ومتى تغسل، فإذا لُبست الجوارب أو الخفين فإن فرضها المسح، وإذا كانت مكشوفة فإن فرضها الغسل، فتكون القراءتان منزَّلتين على حالين للرِّجل في حال الكشف يجب الغسل، وفي حال اللبس يكفي المسح، وبهذا نكون عملنا بالآية الكريمة على الوجهين في القراءة.
فإن قلت: هل يجوز أن نقرأ بالقراءتين فنقول: (وأرجلَكم) ، (وأرجلِكم) ؟ الجواب: أما في حال واحدة فلا، وأما أن تقرأ هذه أحياناً وهذه أحياناً فنعم، والأفضل لمن كان يعرف قراءتين في الآية أن يقرأ بهذه القراءة أحياناً وبالقراءة الأخرى أحياناً وذلك لوجهين: الوجه الأول: أن ذلك اتباع للسنة؛ لأن القراءتين كلتاهما قد وردت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الوجه الثاني: لئلا ينسى وجهاً ثبتت به الآية الكريمة؛ لأنه إذا لم يتابع ويقرأ بالقراءة هذه أحياناً وهذه أحياناً نسي القراءة التي كان لا يقرأ بها، فيكون قد نسي وجهاً من أوجه القراءات التي جاءت بها الآية الكريمة، ولكن يشترط أن تكون القراءة فيما بينه وبين نفسه، أو فيما بينه وبين زملائه من طلبة العلم، أما عند العامة فلا يقرأ بالقراءة غير الموجودة في المصحف الذي بين أيديهم؛ لأنه إذا قرأ بقراءة أخرى غير الموجودة في أيديهم حصل في هذا ارتباك عند العامة ويقولون: كيف يغير القرآن؟ كما لو قرأ شخص قوله تعالى: {فَتَبَيَّنُوا} [النساء:94] وقرأ (فَتَثَبتُوا) في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا} [النساء:94] لو قرأ (فَتَثَبتُوا) أمام العامة لأنكروا عليه، ورموه بما يرمونه به من مخالفة القرآن الذي بين أيديهم، ثم حصل عندهم اضطراب وشك، فلهذا لا نرى من الأفضل، بل لا نرى من الأحسن أن يقرأ الإنسان أمام العامة بقراءة غير المشهورة بينهم لما فيه من هذين المحذورين، أما فيما بينه وبين نفسه فالأفضل أن يحفظ القراءات، ويقرأ بهذه مرة وبهذه مرة للسببين اللذين ذكرناهما.
وقوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] الكعبان: هما العظمان الناتئان في أسفل الساق، وهم داخلان في الغسل، كما ثبت ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه صفة الوضوء التي أمر الله بها عند إرادة فعل الصلاة.
لكن له فروض وسنن نذكرها الآن على الوجه الأكمل: المسنون إذا حضر الماء أو حضر وهو في الحمام وأراد أن يتوضأ من صنبور الماء؛ فإنه ينوي، والنية معروفة فلا بد أن ينوي الإنسان إذا كان عاقلاً، ويسمي، ويغسل كفيه ثلاث مرات، ثم يتمضمض، ويستنشق ثلاث مرات؛ المضمضة والاستنشاق بكفٍ واحدة ثلاث مرات، وإن شاء تمضمض واستنشق من كفٍ واحدة ثلاث مرات، وإن شاء فصل؛ فيتمضمض ثلاثاً ثم يستنشق ثلاثاً، والأمر في هذا واسع، ثم يغسل وجهه ثلاث مرات، ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم يمسح برأسه مرةً واحدة: يقبل بيديه ويدبر؛ يبدأ بالناصية، ويسحب يديه إلى العنق، ثم يرجع إلى الناصية ويمسح بأذنيه؛ لأن الأذنين من الرأس، فهما في الرأس كالأنف والفم في الوجه، فيمسح الأذنين بإدخال السبابتين في صماخيهما، ويمسح بإبهاميه ظاهر أذنيه، ثم يغسل رجليه من أطراف الأصابع إلى الكعبين ثلاث مرات، والسنة أن يخلل الأصابع: أصابع اليدين وأصابع الرجلين ليتيقن دخول الماء إلى ما بين الأصابع، لا سيما أصابع الرجل؛ لأنها متلاصقة، وبعد هذا الوضوء السابغ يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.
فإن الإنسان إذا فعل هذا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء، وبهذا يكون قد طهر ظاهره وباطنه؛ أما ظاهره فبالضوء، وأما باطنه فبكلمة الإخلاص شهادة: أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وسؤاله الله تعالى أن يجعله من التوابين؛ لأن التوبة تطهير للنفوس من الذنوب، وأن يجعله من المتطهرين.
أسأل الله أن يطهر قلوبنا جميعاً من دنس الشرك والشك والحقد والبغضاء للمسلمين، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين وصالحين مصلحين إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(8/7)
الأسئلة(8/8)
فقه المسح على العمامة
السؤال
ذكرتم المسح على العمامة -بارك الله فيكم- فلا ينكر على من مسح على العمامة في هذه الحالة، وهل لها وقت معين؟
الجواب
الصحيح أن مسح العمامة ليس له وقت معين؛ وذلك لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، والشيء الذي لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن تُقيد الأمة به.
السائل: بالنسبة للعمامة، هل العمامة التي نلبسها -الغترة والشماغ- أم العمامة الملفوفة؟ الشيخ: لا.
العمامة هي الملفوفة على الرأس.
السائل: هل معنى ذلك أنها التي يصعب فكها؟ الشيخ: نعم، أما الغترة والعقال فيجب أن يخلعها ويمسح على رأسه.
السائل: تقريباً للفهم هل هي مثل عمامة الإخوان الأفغان والسودانيين؟ الشيخ: مثل الأفغان والسودانيين وغيرهم، وكذلك بالنسبة لما يلبسه البعض أيام الشتاء كالقبعة التي تكون شاملة للرأس كله، وفيها طوق من أسفل من عند الرقبة؛ فهذه لها حكم العمامة.
السائل: المسح على العمامة مثل المسح على الرأس يُعمم، أو جزء بسيط؟ الشيخ: يكفي أن يمسح أكثرها.
السائل: وما حكم الأذن؟ الشيخ: إن كانت مكشوفة تمسح، وإن كانت العمامة غطتها فلا تمسح.(8/9)
مساهمة الطلاب في المقصف في المدرسة
السؤال
مدرسة تذكر أنها تأخذ من التلميذات فلوساً وتوضع في صندوق المدرسة بنية أنها مساهمة في المقصف، ولكن الفلوس ما تحركت من الصندوق طوال العام، وآخر العام يخرجون الفلوس، فإذا كان -مثلاً- التلميذ دفع عشرة ريالات يعطونه (25) على حسب المساهمات في المدرسة، لكن هذه الفلوس لا تخرج من الصندوق فهل في ذلك بأس؟
الجواب
هذا ليس فيه بأس؛ لأن هذه الدراهم التي توضع في الصندوق تعتبر كالوديعة، والمدرسات يقرضن الطالبات ما ينفقنه على هذا المقصف، فإذا كان في آخر العام حسبوا المنصرف وحسبوا الربح ثم أعادوها للطالبات.(8/10)
حكم التقيد باللوائح في شأن السرعة في الخطوط السريعة وغيرها
السؤال
بالنسبة للسرعة ذكرت على المنبر أنها تقيد باللوحات الموضوعة على الخطوط الطويلة -مثلاً- السرعة (120) ولكن السيارات تختلف، مثلاً: إذا مشيت بالسيارة الفخمة على سرعة (120 كم) كأنها واقفة لا تعتبر سرعة، فهل هناك شيء لو تجاوز الواحد (140كم، أو 150كم) ؟
الجواب
السرعة المقيدة من قِبَل الجهات المختصة؛ الأصل أنه يجب على الإنسان أن يتقيد بها؛ لأنها من أوامر ولي الأمر، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] فالواجب علينا نحن الرعية أن نمتثل ما أمر به ولاة أمورنا، حتى لو كانت السيارة مريحة ولا يشعر الإنسان بسرعتها، العبرة بالسرعة؛ لأنه حتى المريحة هذه لو انفجر الإطار لكانت عرضةً للهلاك، وأيضاً إذا قدرنا أن الإطار مأمون انفجاره فهل هو مأمون فيما لو عبر بين يديه بعير أو ماشية؟ السائل: أقصد الطرق السريعة وأنت تعرف أنها محاطة بسياج حديدي؟ الشيخ: على كل حال الأصل أنه يجب على الإنسان أن يسير على نظام الدولة؛ هذا هو الأصل.(8/11)
الأسباب المعينة للشباب على الاستمرار في النشاط
السؤال
يلاحظ في صفوف الشباب الملتزم الضعف والملل، فنريد أن تبين الأسباب التي تجعل الشباب يكون في قوة بعد الالتزام؟
الجواب
الالتزام الذي طرأ على الشباب، لا شك أنه يَسُرُّ -ولله الحمد- وليس فيه ضعف، بل هو -والحمد لله- في تقدم، لكن الشيطان قد يأتي للإنسان الملتزم فيثبطه عن فعل الخير أو يدفعه لفعل الشر، ويغريه بأن الله يغفر له وما أشبه ذلك، والواجب على الإنسان أن يخلص القصد والنية لله عز وجل.
ومن طلب العلى سهر الليالي
وهناك أسباب تجعل الشاب نشيطاً: السبب الأول: أن يقصد وجه الله والدار الآخرة، فإنه كلما رأى الفتور على نفسه جدد العزيمة حتى يستمر على نشاطه.
السبب الثاني: أن يحرص على مصاحبة الإخوان الذين ينشطونه على طاعة الله؛ فإن الجليس الصالح كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم: (كحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه رائحة طيبة) .
السبب الثالث: ألا يكون عند الالتزام مندفعاً أكثر مما ينبغي؛ لأنه إذا اندفع أكثر مما ينبغي وحمل نفسه ما لا يجب تعب ومل، ولكن إذا التزم بانتظام ومشى على ما تقتضيه الشريعة، فإن الغالب أنه لا يمل مع فعل بقية الأسباب.
السبب الرابع: ألا يتضجر تضجراً يصده عن طاعة الله مما يشاهده في مجتمعه، فإن الله عز وجل قال للرسول صلى الله عليه وسلم: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.
} [الكهف:6] أي: مهلك نفسك على آثارهم، وقال: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر:94] ، فالإنسان إذا أصلح نفسه فيما بينه وبين ربه فلا يهلكَنَّ بفعل غيره؛ يدعو إلى الله، ويسأل الله لهم الهداية، ويعلم أنه ما من حسابهم عليه شيء ومن حسابه عليهم من شيء.
السبب الخامس: سؤال الله الثبات؛ فيسأل الله دائماً أن يثبته وأن يعينه.
فهذه خمسة أسباب تحضرني الآن، وربما يكون هناك أسباب أخرى لتقويته وتثبيته على ما هو عليه من الالتزام.(8/12)
التحذير من الإسراف والتبذير
السؤال
جاء في الحديث الصحيح: (فراش للرجل وفراش لامرأته، والثالث للضيف والرابع للشيطان، ما معنى الحديث؟
الجواب
المعنى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحذر من الإسراف واتخاذ أكثر من اللازم، ولا سيما في زمن كزمن الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ كان الناس يحتاجون فيه إلى الأموال التي يبذلونها في أمور أنفع وأهم، وإنما نسبته إلى الشيطان؛ فلأنه من الإسراف، وقد قال الله تعالى: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام:141] .(8/13)
معنى الاستعاذة بكلمات الله
السؤال
ما معنى: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ؟
الجواب
(أعوذ) معناها: أعتصم بكلمات الله التامات.
وكلمات الله التامات هي: التي اشتملت على العدل والصدق، كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} [الأنعام:115] .
والكلمات هنا تحتمل أنها الكلمات الكونية والقدرية والكلمات الشرعية، فإن الإنسان يستعيذ بكلمات الله الشرعية بالقرآن مثلاً، كالتعوذ بسورة الفلق، وسورة الناس، ويتعوذ بالآيات الكونية وهي: أن الله عز وجل يحميه بكلماته الكونية من الشيطان الرجيم.
وقوله: (من شر ما خلق) يدخل فيه النفس؛ فإن النفس مما خلق الله، ولها شرور كما جاء في خطبة الحاجة: (أعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا) .(8/14)
حكم الاختلاط للضرورة
السؤال
بعض الناس من العامة إذا أنكر عليه الاختلاط أو مصافحة قريباته غير المحارم يقيم شبهة، يقول: لو أن زوجة جاري كانت مريضة، وجاري غائب وليس عندها محارم، هل أتركها ولا آخذها إلى الطبيب؟
الجواب
لا شك أن الاختلاط بالنساء من غير المحارم ومصافحتهن لا يجوز، والخلوة أشد وأعظم، لكن عند الضرورة تختلف الأحكام، قال الله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] فإذا كانت امرأة جاري مضطرة إلى أن أكلمها وأدخل عليها لنقلها إلى الطبيب وما أشبه ذلك، فلا بأس به مع أمن الفتنة، وإذا كان عنده زوجته يستعين بها حتى تزول الخلوة.(8/15)
حكم عمل الرافضة في التدريس وكيفية معاملتهم
السؤال
بالنسبة للرافضة الآن موجودون في الشمال عندنا بكثرة خاصة من خلال التدريس، وانتشر المدرسون الرافضة عندنا، في مدخل المدينة في الحفر أتى تسعة مدرسين من الرافضة، فهل تصدرون فتوى عليهم وتحذرون منهم؟ وهل تنصحون بالخطب عنهم على المنابر؟
الجواب
أما الفتوى فيهم فلا تصدر مني بل تصدر من دار الإفتاء؛ لأنها هي الجهة المسئولة.
وأما ما يتعلق بالتدريس، فيجب أن يقول الإنسان الحق سواءً كان له أو عليه، فإذا ظهر منهم الدعوة إلى خلاف مذهب السلف الصالح فإنه يجب أن يمنعوا من إظهار هذه البدعة، وأن يناظروا عليها، ومعلوم أنه إذا ناظرهم هم أو غيرهم من أهل البدع من عنده علم بالسنة وطريقة السلف؛ معلوم أنهم سوف يعجزون عن مقاومة الحق؛ لأن الله تعالى قال: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18] .
أما إذا كان تدريسهم في أشياء لا تمت إلى العقيدة بصلة، إنما هم في أمور حسابية أو أمور أدبية أو لغوية، ولم يتعرضوا لما يتعلق بالعقيدة فلا بأس في ذلك، ولكن لا بد من أن يتأمل الإنسان خطر أهل البدع مطلقاً حتى لا تنتشر البدع بين شبابنا.(8/16)
حكم طرد الرافضة من المساجد
السؤال
الرافضة عندنا ينزلون إلى الأسواق ويصلون في المساجد، هل يجوز لنا أن نطردهم من المساجد رغم أن الجنود أحياناً يمنعوهم؟
الجواب
أنا لا أرى أن يطردوا من المساجد، بل يتركون يصلون لعلَّ الله أن يهديهم، لأنهم إذا دخلوا المساجد فيما أعرف يُصلون مع الناس.
السائل: وإذا كانوا يصلون وحدهم خلف الجماعة؟ الشيخ: إذاً: يمنعونهم من الصلاة خلف الناس ويقال: صلوا مع الناس، وأما طردهم من المساجد فلا أرى ذلك، وإذا كانوا لا يريدون الصلاة مع الجماعة، يقال لهم: انتظروا إذا كنتم لا تريدون الصلاة مع الجماعة، انتظروا حتى يخرج الناس من المسجد وصلوا، مع محاولة دعوتهم إلى الحق، لا على السبيل الجماعي، السبيل الجماعي يمكن ألا يحصل فيه فائدة، لكن تنظرون إلى المهذَّب منهم الذي عنده وعي، وتدعونه إلى بيوتكم وتتكلمون معه بإنصاف وعدل.(8/17)
حكم أخذ أئمة المساجد أجرة على الإمامة
السؤال
إمام مسجد أحياناً يكون عنده ارتباط فيترك المسجد ويوكل شخصاً آخر ثقة، فهل عليه شيء؟ وهل المال حلال أم لا؟ ثم أقول: إن المال الذي يحصل عليه مكافأة وليس مقابل للصلاة، وكذلك الأوقاف في عملها، وهذا شيء طبيعي أن الشخص لن يواظب عليه بالتمام مهما كان الحال؟
الجواب
إذا كان الإمام يعلم أنه سيقوم بالواجب ويواظب على الصلوات، ولكن حدث له حادث من شغل أو غيره وذهب إليه وأناب من فيه الكفاية، فلا بأس، لأن هذا شيء عارض والمكافأة التي يأخذها حلالٌ له، وهي تسمى عند العلماء رزقاً من بيت المال، وليست أجرة على الصلاة، لو كانت أجرة على الصلاة لكانت الصلاة وإمامته بأجرة.
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن شخص قال: لا أصلي لكم في رمضان إلا بكذا وكذا، أي: كلموه أن يقوم بهم في رمضان فقال: لا أقوم إلا بكذا وكذا، فقال رحمه الله: نعوذ بالله، مَنْ يصلي خلف هذا؟! لأنه جعل إمامته على عوض، وأعمال الآخرة لا يجوز أن يراد بها الدنيا؛ لقول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} [هود:15] * {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:16] ، فأمور الآخرة يجب أن تكون للآخرة، لكن ما نأخذه نحن الأئمة والمؤذنون، وكذلك أيضاً ما يأخذه المدرسون والقضاة وغيرهم من الحكومة ليس من باب الأجرة ولكن من باب الرزق من بيت المال للقيام بهذه المصالح العامة.(8/18)
حكم إقامة جماعة في المسجد بعد الجماعة الأولى
السؤال
نحن طلاب جامعة نتأخر عن صلاة الظهر فنصلي جماعة مستمرين على ذلك، نصلي صلاة الظهر بعد الجماعة الأولى استمراراً، فهل هذا جائز على الاستمرار، أم لا؟ الشيخ: في نفس المسجد لا أرى هذا؛ لأن هذا معناه: التزامكم بإقامة جماعة بعد أخرى، لكن صلوا معاً في السكن، ودعوا المسجد لأهله يصلون صلاةً واحدة.
السائل: لو كان مثلاً مسجد على الطريق دائماً نصلي فيه جماعة بعد جماعة؟ الشيخ: المساجد التي على الطرق لا بأس أن تُصلى الجماعات فيها، كلما جاءت جماعة صلت؛ لأن هذه المساجد لم تعد لجماعة واحدة بل هي معدة لكل من طرق هذا الطريق.(8/19)
حكم أخذ مال من العمال من قبل الكفلاء بدون مقابل
السؤال
رجل عنده عمال لا يعملون عنده، ويأخذ منهم آخر الشهر مثلاً مائتين أو ثلاثمائة ريال، ما رأيكم في هذا؟
الجواب
قضية العمال يجب أن يتمشى الإنسان فيها على نظام الدولة، وحسب علمي أن الدولة لا تسمح بمثل هذا، وإنما أذنت بأجرة مقطوعة للعامل، ولكن الكفلاء يشتكون من هذه الأجرة المقطوعة يقولون: إن العامل لا يهتم ولا يقوم بما يلزمه من الشغل؛ لأنه يعرف أن راتبه مضمون بكل حال ولا يهتم.
ولكن نقول: يمكن أن تجعل شيئاً معلوماً على كل عمل ينتجه، فإذا كان خياطاً تقول: لك على كل ثوب خمسة ريالات، عشرة ريالات أو حسب ما تتفقان عليه، وإذا كان بنَّاءً تقول له: لك على كل متر كذا وكذا، وإذا كان سباكاً أو كهربائياً كذلك، ففي هذه الحالة ينشط بالإضافة إلى أجرته المعلومة.
السائل: إذا كانوا كفاراً وثنيين أو نصارى هل يجوز أن يكونوا تحت كفالة المسلم؟ الشيخ: معلوم أن الكفار إذا دخلوا للعمل فقط لا للسكنى فلا بأس، لكن المسلم خير منهم، قال الله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة:221] وقال تعالى: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة:221] .(8/20)
حكم الصلاة في مسجد بُني بأرض مغتصبة
السؤال
يوجد في إحدى القرى مسجد أقيم على أرض مغتصبة حسب قرار هيئة النظر من المحكمة، فهل يجوز الصلاة فيه وإقامة المحاضرات والمواعظ في هذا المسجد؟ الشيخ: كيف كان ذلك؟ السائل: الأرض في إحدى القرى، أقام عليها مجموعة مسجد جامع، فاحتج صاحب الأرض؛ لأن الأرض ملكه، وصار نزاع على الأرض أنها ملك الشخص هذا أو ملك غيره، فخرجت هيئة النظر من المحكمة، وأقرت أن الأرض ملك المدعي، فهل تجوز الصلاة فيه؟ الشيخ: مثل هذه الحالة إذا ثبت أنها لفلان وقد بني عليها المسجد، فالذي أرى أن يصالح صاحب الأرض بأن تقدر قيمة أرضه ويعطاها، ولا يمكن هدم المسجد بعد أن بني وأنفق عليه النفقات الطائلة، فالواجب أن هذا الرجل لما ثبتت الأرض له أن يُصالح من قبل المحسنين.
السائل: القضية لها ثمان سنوات تقريباً، وصاحب الأرض معروف أنه غير متنازل مهما حدث، فهل تجوز الصلاة فيه، أم لا؟ الشيخ: الذي ينبغي ألا يصلى فيه، ولكن ما دام أن الحكومة قررت بناء هذا المسجد وجعلته للمسلمين، فإذا صلى فيه فلا حرج عليه، والأولى ألا يصلى فيه.
السائل: سواء صلاة الفرض، أو الجمعة؟ الشيخ: الجمعة أو غيرها إذا ثبت أنه لصاحب الأرض، ولكني أقول: لا يمكن أن تبقى هذه المشكلة، لماذا لا تحلونها؟ السائل: القضية من عام 1405هـ؟ الشيخ: في أي بلدة؟ السائل: سأذكرها بيني وبينك.(8/21)
حكم تحية المسجد في صلاة العيدين
السؤال
ورد لكم في كتاب حول صلاة العيدين أسئلة عن صلاة العيدين، وفي الكتاب ذكرتم: أن مصلى العيد له تحية كتحية المسجد، وعندما صلينا أنكر علينا كثير من الناس، فما الحل؟
الجواب
مصلى العيد يشرع فيه تحية المسجد كغيره من المساجد، إذا دخل الإنسان لا يجلس حتى يصلي ركعتين.
السائل: حتى وإن كان خارج القرية؟ الجواب: وإن كان خارج القرية؛ لأنه مسجد سواء سُوِّر أو لم يُسَوَّر، والدليل على ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم منع النساء الحيض أن يدخلن المصلى.
وهذا يدل على أن له حكم المسجد.
السائل: ولا ينكر على من ترك التحية؟ الشيخ: لا ينكر؛ لأن بعض العلماء قال: لا تحية له.
ولكن القول الراجح: أنه يصلى فيه؛ لأن له تحية.(8/22)
حكم استغلال اسم الغير لفتح عمل تجاري أو غيره
السؤال
بالنسبة لبعض الأشخاص يستغل اسم غيره في إقامة أو فتح مؤسسة تجارية، -مثلاً- أحد الموظفين في الدولة، وقرار الدولة يمنع الموظف من أن يفتح محلاً تجارياً هل يجوز أن يفتح عملاً تجارياً باسم غيره أم لا؟ الشيخ: أسألك: هل هذا كذب أو صدق؟ السائل: هذا كذب.
الشيخ: هل الكذب جائز؟ السائل: ليس بجائز، لكن الملاحظ الشيخ: هل هذا من النصح للدولة أم من الغش؟ السائل: من الغش؟ الشيخ: المال المكتسب من عمل مبني على الكذب والغش هل هو باطل، أم حق؟ السائل: هو باطل.
الشيخ: إذاً ثلاثة محاذير في هذه المسألة: الكذب، وغش الدولة، وأكل المال بالباطل، وعلى هذا فإنه حرام، ولا يجوز للإنسان أن يستعير اسم غيره ليفعل ما منعته الدولة.
ويقال لهذا الرجل: إما أن تبقى على وظيفتك وتترك العمل، وإما أن تأخذ العمل وتترك الوظيفة، والدولة لم تجبرك على أن تكون موظفاً عندها.(8/23)
حكم من استقدم عمالاً بكفالته ثم عملوا مع غيره وله نسبة من أجورهم
السؤال
هناك بعض الكفلاء يجلب عمالاً من الخارج ويتفق معهم بالمتر، كأن يقول: المتر بكذا، فإذا انتهى العمل الموجود لديه يتركهم يشتغلون بأجرة، فيأخذ المتر على سبيل المثال بعشرة ريالات، ثم يدفع لهم ثمانية ريالات، وتكون هذه الريالين له مقابل ما يقوم به من التعاقد مع صاحب العمل الجديد واستحصال حقوقهم وما إلى ذلك؟
الجواب
لا بأس أن الكفيل يوجه العامل على أن يعمل وله سهم من أجرته بشرط أن يكون له أثر في هذا العمل، بأن يكون هو العاقد وهو المسئول عن العقد وغير ذلك مما له أثر، ولكن لا بد أن نلاحظ هل هذا يتفق مع شرط الحكومة أم لا؟ فإذا كان لا يتفق بأن تكون الحكومة منعت من هذا الشيء فإنه لا يجوز.(8/24)
حكم طلب الزوج مالاً أكثر مما أعطى المرأة عند الخلع
السؤال
في حالة المخالعة من الزوجة، إذا طلب الزوج أكثر من المهر المدفوع لها، فهل يجوز ذلك؟ مع العلم أنها لا تستطيع الدفع إلا المهر فقط؟
الجواب
هذه المسألة أعني طلب الزوج أكثر مما أعطى المرأة عند الخلع أجازها بعض العلماء، واستدل بعموم قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] .
وقال بعض العلماء: لا يجوز أن يأخذ أكثر مما أعطاها، وأن معنى الآية: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] مما أعطاها، ولا تكلف شيئاً لم يعطها، وفي طلب الزوج أكثر مما أعطاها شيءٌ من الإضرار بها؛ لأن الرجل استحل فرجها واستحقت المهر باستحلال فرجها، فعلى أقل تقدير أن يأخذ ما أعطاها فقط، أما أن يربح عليها فلا، والمشهور من مذهب الحنابلة الوسط بين المنع والجواز حيث قالوا: إنه يكره أن يطلب منها أكثر مما أعطاها.
والذي ينبغي للإنسان أن يتقي الله عز وجل، فإذا كان الخطأ من المرأة فلا حرج عليه أن يطلب ما شاء، وأما إذا كان التقصير منه، وأن المرأة سئمت البقاء معه لتقصيره، فليخفف ويكتفي بما تيسر، ثم هناك فرق أيضاً بين المرأة الغنية والمرأة الفقيرة، وهذا أيضاً ينبغي للزوج أن يراعيه.(8/25)
حكم طلب المرأة الطلاق بغير سبب شرعي
السؤال
هل هناك دليل شرعي فيه لعن للزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها بدون سبب شرعي؟
الجواب
لا أحفظ حديثاً في اللعن لكن هناك وعيد شديد وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة) وهذا وعيد شديد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن رائحة الجنة حرام عليها فهذا وعيد شديد، فالواجب على المرأة أن تتقي الله في نفسها وفي بعلها، وألا تطلب منه الطلاق إلا لسبب شرعي، لكن أحياناً تكون المرأة لا تطيق الصبر مع الزوج كراهة له، كما في زوجة ثابت بن قيس بن شماس حين جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: (يا رسول الله! ثابت بن قيس ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لزوجها: خذ الحديقة وطلقها تطليقة) .(8/26)
حكم جعل محل تعود فائدته في خدمة المسجد
السؤال
ملحق بجوار المسجد يباع فيه أشرطة إسلامية دخلها للمسجد وخدمات المسجد، هل يجوز هذا؟ الشيخ: ما معنى دخلها لخدمات المسجد؟ السائل: ملحق بجوار المسجد دخله يصرف خدمات المسجد من كهرباء وما شابه ذلك.
الشيخ: يعني أجرة المحل تكون للمسجد؟ السائل: المسجد خاص ليس تبعاً الأوقاف، وهذا الملحق ملاصق للمسجد مؤجر ودخله لخدمات المسجد كالكهرباء.
الشيخ: لا بأس، لا يوجد مانع ما دام أن التسجيلات مباحة فليس فيها شيء.(8/27)
حال حديث الجساسة
السؤال
فضيلة الشيخ: ما قولكم في حديث الجساسة في صحيح مسلم؟ السؤال: قولنا فيه: أن النفس لا تطمئن إلى صحته عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما في سياق متنه من النكارة، وقد أنكره الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره إنكاراً عظيماً؛ لأن سياقه يبعد أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
السائل: هل قال به أحد من السلف قبل محمد رشيد رضا؟ الشيخ: لا أعلم، لكن لا يشترط، وأنا لم أتتبع أقوال العلماء فيه لكن في نفسي منه شيء.(8/28)
حكم إطلاق مصطلح أهل السنة والجماعة
السؤال
هناك من ينكر استعمال مصطلح أهل السنة والجماعة، ويقول: نقول: السلفيين أو السلف؛ لأن في ذلك إدخالاً للأشاعرة والماتريدية في هذا المصطلح؟
الجواب
من الخطأ أن ندخل أهل البدع مهما كانت بدعتهم في الاسم المطلق لـ أهل السنة والجماعة، فإن أهل السنة والجماعة لا يدخل فيهم من خالف السلف فيما هم عليه، وفيما خالفهم فيه، فمثلاً: إذا كان هذا الرجل ينكر من صفات الله وأسمائه ما ينكره فهو ليس من أهل السنة والجماعة فيما أنكره، وإن كان منهم في أمور أخرى؛ لأن أهل السنة والجماعة يرون أن الإنسان قد يجتمع فيه بدعة وسنة، كفر أصغر وإيمان، فهذا الرجل الذي خالف السلف في صفات الله نقول: هو ليس من أهل السنة والجماعة في صفات الله، وإن كان منهم في أعمال أخرى، كالمسائل الفقهية مثلاً، فنحن نمنع أصلاً أن يكون صاحب بدعة من أهل السنة في بدعته، وحينئذٍ نسلم من هذا الإشكال الذي أدى إلى تضارب آراء العلماء.
فالذي نرى أن أهل البدع في بدعهم ليسوا من أهل السنة والجماعة؛ لأن هذه البدعة ليس عليها أهل السنة والجماعة وكيف يكون من أهل السنة والجماعة وهو مخالف لهم؟!! السائل: وهل مصطلح أهل السنة والجماعة يستعمل للسلفيين أم لا؟ الجواب: أبداً، لا حاجة لذلك؛ لأن أهل السنة والجماعة حقيقةً هم من كانوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولهذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم الفرقة الناجية بأنهم من كانوا على مثل ما كان عليه هو وأصحابه.
السائل: -كمثال- نجعل النووي وابن حجر من غير أهل السنة والجماعة؟ الشيخ: فيما يذهبان إليه في الأسماء والصفات ليسا من أهل السنة والجماعة.
السائل: بالإطلاق ليسا من أهل السنة والجماعة؟ الشيخ: لا نطلق، ولهذا أنا قلت لك: إن من خالف السلف في صفات الله لا يعطى الاسم المطلق بأنه من أهل السنة والجماعة، بل يقيد يقال: هو من أهل السنة والجماعة في طريقته الفقهية مثلاً، أما في طريقته البدعية فليس من أهل السنة والجماعة.(8/29)
معنى الباء في قوله: (وامسحوا برءوسكم)
السؤال
الاستدلال على تعميم الرأس بما يتعلق بحرف الباء، وأنه مسألة لغوية تتعلق بحرف الباء، وهل هي للتبعيض، أم لا؟ والاستدلال بقوله تعالى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان:6] {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:28] ، وأيضاً سمعت بيتاً من الشعر العربي لكني لا أستحضره الآن؟
الجواب
لعله:
شربن بماء البحر ثم ترفعت إلى لجنٍ خضرٍ لهن نئيج
لا شك أن من حروف المعاني ما يختلف معناه بحسب متعلقه، فنجد (من) تارة تكون للتبعيض، وتارةً تكون للسببية، ونجد (في) تارة تكون للظرفية، وتارة تكون للسببية، وكذلك (الباء) قد تكون للتبعيض، وقد تكون للسببية إلى غير ذلك، وهذا أمر معلوم، ولكن ليس الشأن في أن (الباء) للتبعيض أو لغير التبعيض في قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة:6] وإنما الشأن في كلمة الرأس، فإن الرأس يشمل كل الرأس، و (الباء) هنا للإلصاق؛ لأنها عدت للمسح، ومسح بكذا أي: جعل هذا آلة للمسح، يلصق به الممسوح ويبقى الاستدلال ليس بالباء وأنها للعموم أو التبعيض أو ما أشبه ذلك، وإنما الاستدلال بكلمة رءوس.
السائل: لكن إنكار أنها للتبعيض لا يصح لأنها في المغني؟ الشيخ: لكن أنكرها بعض العلماء قال: إنها لم ترد في لسان العرب للتبعيض، وأما قوله تعالى: {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان:6] فالصواب: أنَّ (يشرب) متضمن معنى: يرتوي، أي: يرتوي بها عباد الله، أو أن (الباء) بمعنى (من) أي: يشرب منها عباد الله، وكذلك أيضاً:
شربن بماء البحر ثم ترفعت إلى لجنٍ خضرٍ لهن نئيج
أي: شربن من ماء البحر أو روين بماء البحر، وقد قال صاحب المغني في الآية: الظاهر أن الباء فيها للإلصاق.(8/30)
حكم إدخال شعر الأذنين في الحلق والتقصير عند التحلل من الإحرام
السؤال
إذا قلنا: إن الأذنين من الرأس هل يدخل شعرهما في حلق النسك أو التقصير؟
الجواب
هذه المسألة غريبة، أي: إذا قلنا: أن الأذنين من الرأس، فهل إذا حج الإنسان أو اعتمر وقصر شعر رأسه هل يقصر شعر الأذنين أم يحلقه؟ لكن لا أستطيع أن أجزم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا حلق رأسه حلق شعر أذنيه، ولكن في الوضوء ظاهر أنه يمسح رأسه وأذنيه، فإن ترك الإنسان ذلك، أي: حَلْقُ شَعْرِ أذنيه فأرجو ألا يكون عليه حرج.(8/31)
ضابط الإسراف في العبادات والعادات وحكم بيع التقسيط
السؤال
بعض أهل العلم يقول: إن الإسراف هو شيء نسبي، ويقول: إنه كذلك في شراء الطيب، فليس فيه إسراف مهما اشترى الإنسان، وذكر أنه يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك؟
الجواب
أما إسراف العبادات فليس أمراً نسبياً؛ لأنه محدد من قبل الشرع، وقد توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة ومرتين وثلاثاً، وقال: (من زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم) .
وأما الإسراف في العادات فهو أمر نسبي، قد يكون هذا الشيء إسرافاً بالنسبة لطائفة معينة، ولا يكون إسرافاً لطائفة أخرى، وقد يكون إسرافاً لأهل بلد، ولا يكون إسرافاً للبلد الآخر، فهو أمر نسبي، ويعرف هذا بالقاعدة: أن الإسراف مجاوزة الحد، وأما الطيب فلا شك أن الإنسان إذا كان من أهل الثروة، واشترى طِيباً طَيباً غالياً فإنه لا يعد مسرفاً، لا سيما وأن الطِّيب الطَّيب كما هو معروف تبقى رائحته مدة طويلة وتكون أطيب، وأما إذا كان من الناس المتوسطين والفقراء فإن شراء مثل هذا الطيب في حقه يعتبر إسرافاً، وكذلك بالنسبة للمركوبات، فبعض الناس يكون من متوسطي الحال أو من الأدنى ثم يشتري سيارة (كابرس) أو سيارة أفخم منها؛ لأنه يرى جاره الغني عنده مثل هذه السيارة، أو عند زميله في المدرسة، وما أشبه ذلك، ولا سيما حين فتح هذا الباب الذي نسأل الله أن يوصده؛ باب التقسيط، وهو في الحقيقة حيلة على رب العالمين، وهو ضررٌ عظيم على اقتصاديات البلاد وعلى ذمم الناس، فإن الصعاليك الفقراء سهل عليهم الآن الاستدانة بهذه الطريقة، وأنه يذهب إلى التاجر ويقول: اشتر لي السيارة الفلانية من أفخم السيارات، ثم يشتريها التاجر ويبيعها عليه بزيادة ربوية، والتاجر لم يشترها لنفسه إنما اشتراها لهذا، ولولاه ما اشتراها أبداً، وقولهم: إنهم لا يجبرونه، أي: إذا اشترى تاجر السيارات لا يجبر المستدين على القبول، هذا لا ينطلي على أحد، ولكنه مجادلة في الحقيقة، أما الواقع فليس كذلك؛ لأنه ما من إنسان يأتي إلى شخص يقول: اشتر لي السيارة الفلانية أو اشتر الحديد الفلاني أعمر بيتي، أو الأسمنت الفلاني لأعمر بيتي، ثم يرجع ويتراجع ويكون هذا بعيد جداً، ولا تكاد تجد من ألف صورة إلا صورة واحدة إن وجدت، كل هذا حيلة -والعياذ بالله- على رب العالمين والله أعلم -ولا أدعي الغيب، ولا أقول: إني نبي- أن هؤلاء سيكون مآلهم الإفلاس، هؤلاء الذين تحايلوا على رب العالمين عز وجل، وأشغلوا ذمم عباد الله بهذه الطريقة، الله أعلم أن مآلهم سيكون للإفلاس.(8/32)
حكم العقود التي تسمى بـ (الوعد بالشراء)
السائل: من هذا الباب الآن العقود التي تسمى الوعد بالشراء؟ الشيخ: كل ما كان حيلة على الربا فهو داخل فيه بأي طريق كان، إذا كان شيخ الإسلام رحمه الله -ونعم الرجل هو علماً وفقهاً وديناً- يقول: إذا اشتريت السلعة التي عند صاحبها بثمن أكثر من الحاضر وأنت تريد دراهم فهو حرام وربا، فكيف بهذه التي لا يملكها الرجل الدائن، وليست عنده وليست في حوزته، ولا فكر أن يشتريها أبداً؟!! بل سمعت أن بعض الناس يتجرأ فيشتري الشيء ثم يأتي به إلى التاجر يقول: أنا اشتريت الشيء الفلاني بكذا وكذا، وأنا الآن ما عندي فلوس، فيقول التاجر: أنا أقضي عنك، وأحولها عليك بالتقسيط مع أن الأول قد اشتراه من غيره.
السائل: فإذا اشترى سلعة وعليه دين فيبيعها ليقضي الدين؟ الشيخ: نفس الشيء إذا اشترى سيارة، وعليه دين على الوجه الذي ذكرناه أولاً فهذا نفس الشيء وإذا اشتراها وهي عند التاجر موجودة واشتراها بعينه من أجل أن يسدد دينه فهذه تدخل ضمن التورق التي حرمها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والإنسان إذا كان معسراً لا ينبغي أن يستدين ليوفي الدين ويجب على دائنه إنظاره.
السائل: إنه يبيعها لأناس آخرين ولم يبعها للتاجر نفسه؟ الشيخ: أعرف ذلك اشتراها بثلاثين ألفاً مثلاً من شركة السيارات، وهي تساوي خمسة وعشرين ألفاً ليوفي دينه.
أقول: هذا خطأ، حتى لو جاز شرعاً فهو سفه عقلاً؛ لأنه إذا التزم هذه الطريقة وجاءت السنة الثانية وما عنده.
السائل: هو ملتزم بهذه الطريقة وهو مورط يا شيخ؟ الشيخ: هذا غلط، ويجب أن ينصح، إذا كنت فقيراً فأنت فقير.
السائل: يا شيخ في بعض القبائل الزواج وصل إلى مائة وخمسين ألفاً فيعمل بالطريقة هذه؟ الشيخ: هذا غلط، هذا غلط وهذه المشكلة.
السائل: وما حكمها شرعاً؟ الشيخ: إذا اشترى الإنسان السلعة لأجل الدراهم فهي حرام عند شيخ الإسلام ابن تيمية، يقول: هذه حيلة على الربا، وهي من العينة التي حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم.(8/33)
تلبس الجني بالإنسي وحكم الرقية وأخذ الأجرة عليها
السؤال
بسبب ما انتشر الآن من تلبس الجني بالإنسي، وجلوس بعض الناس وتفرغهم لأجل الرقية وأخذ المكافأة على ذلك ماذا ترون فيه؟ ويستدلون بحديث الرهط الذين رقوا الرجل بالفاتحة؟
الجواب
أما من جهة أخذ الأجرة على الرقية على المريض فلا بأس بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) ، وهذا القارئ مثل المداوي، بخلاف الذي يأخذ الأجرة على مجرد قراءته، مثل الرجل يقرأ ليتعبد لله بالقراءة، ويأخذ على هذا أجراً، فهذا حرام، ولكن رجل قرأ على غيره لينتفع به، أو علم غيره القرآن، فلا بأس أن يأخذ الأجرة، وأما دعوى أنهم يقرءون على الجن وأن الجن تخاطبهم وما أشبه ذلك فلا، فهذا يحتاج إلى إثبات، فإذا ثبت فليس ببعيد أن الجن يخاطبون الإنسان ويقولون أنهم مسلمون أو أنهم كافرون؛ لأن بعضهم -حسب ما سمعنا من الإخوان الذين يقرءون- يقول أنه مسلم لكنه لا يريد أن يخرج من هذا الإنسي؛ لأنه يحبه، وأحياناً يصرح أنه كافر يهودي أو نصراني أو بوذي أو ما أشبه ذلك، ولكن لا يريد أن يخرج.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله عن شيخه ابن تيمية رحمه الله: أنه جيء إليه بمصروع قد صرعه جني، فقرأ عليه الشيخ فلم يخرج، فضربه ضرباً شديداً فخاطبه الجني وهو امرأة فقالت: إني أحبه، قال: لكنه لا يحبكِ، فقالت له: أريد أن أحج به، فقال: لكنه لا يريد أن يحج معكِ، فقرأ عليها وضرب الرجل على رقبته ضرباً شديداً حتى أن يد شيخ الإسلام ابن تيمية تعبت وكلَّت، ثم قالت: أخرج كرامة للشيخ، فقال الشيخ: لا تخرجي كرامة لي اخرجي طاعة لله ورسوله، فخرجت، فأفاق الرجل فتعجب، ما الذي جاء بي إلى حضرة الشيخ، يعني: شيخ الإسلام ابن تيمية، يعني: ما الذي أتى به؟ وما أحس بالضرب؛ لأن الضرب يقع على المصروع في الظاهر وفي الحقيقة يقع على من صرعه.
السائل: ولكن هل أخذ الأجرة مشروط بأنه إذا شفاه الله عز وجل؟ الشيخ: نعم يجوز أن يشترط المريض أو المصاب على القارئ على أنه إن عوفي من ذلك فله كذا وكذا، وإلا فلا شيء له.(8/34)
حكم الاستعانة بالجن الصالحين
السؤال
بعضهم يستعين بالجن يقول: هذا رجل صالح عندي في المسجد ويجيد القرآن (100%) ، قلنا: استعن بالله قال: لا.
الجن كذلك يستعين بالجن الصالحين، كيف ندري أن هؤلاء صالحون؟ أم لا؟
الجواب
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة) فالاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا بأس بها، ولا حرج فيها، وأما مسألة كذبهم أو صدقهم هذا ينظر فيه، هم على كل حال مجهولون ودعواهم أنهم صالحون ينظر هل هو يأمر صاحبه بالخير أو بالشر، أنا بلغني أن بعض الناس الذين فيهم الجن إذا جاء عنده في آخر الليل أيقظه ليتهجد ويساعده، فإذا تأخر عن صلاة الجماعة أنبهه فمن هذه حالته فهي دليل على صلاحه.
السائل: بعض الذين يقرءون يقولون: أن أحد الجن تابعي فهو يعرف أحد الصحابة من الجن؟ الشيخ: الله أعلم، هم على كل حال أعمارهم طويلة، ذكر المؤرخون أن جنياً اجتمع بالرسول عليه الصلاة والسلام في أحد جبال مكة، وسأله فقال: أنا كنت شاباً حين قتل قابيل هابيل.
فالله أعلم، وهذا الحديث ذكره المؤرخون، ولا أدري عن صحته شيئاً.(8/35)
حكم الاستدانة للزواج والعقيقة
السؤال
هل يستدين الرجل لكي يتزوج امرأة ثانية، وهل يستدين لأجل العقيقة؟
الجواب
أما الاستدانة في الزواج فليست بمشروعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للذي لم يجد شيئاً يتزوج به: (هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم، قال: زوجتك بما معك من القرآن) ولم يرشده إلى الاستقراض، وربما يدل على ذلك قوله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33] ، وهذا الرجل عنده زوجة يستغني بها حتى يغنيه الله من فضله.
وأما الاستقراض من أجل العقيقة فينظر، إذا كان يرجو الوفاء كرجل موظف، لكنه صادف وقت العقيقة أنه ليس عنده دراهم، فاستقرض من شخص حتى يأتي الراتب، فهذا لا بأس به، وأما إذا كان ليس له مصدر يرجو الوفاء منه، فهذا لا ينبغي له أن يستقرض.
السائل: يوجد نص عن الإمام أحمد يا فضيلة الشيخ؟ الشيخ: نعم قال الإمام أحمد قال في العقيقة: (يقترض يخلف الله عليه؛ أحيا سنة) ، لكنه يحمل كلامه على ما ذكرت على التفصيل، يعني: شخصاً يستطيع أن يقضي.
السائل: إذا كان معسراً في الطفل الأول، وبعد أربعة أطفال أنعم الله عليه؟ الشيخ: يبتدئ من الأخير الذي أنعم الله عليه حين ولادته، أما الأولون فقد سقطت عنه عقيقتهم؛ لأنه كان معسراً.(8/36)
حكم قتل الحر بالعبد
السؤال
ما هو القول الراجح في مسألة قتل الحر بالعبد؟ إذا قتل الحر العبد هل يقتل به؟
الجواب
القول الراجح أنه يقتل به؛ لقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة:45] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاثة: النفس بالنفس) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى) وقول الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] فهذه العمومات تدل على أن الحر يقتل بالعبد كما أن العبد يقتل بالحر، وليس هناك نصوص صحيحة تدل على أن الحر لا يقتل بالعبد.(8/37)
حكم ضرب الدف للرجال
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم الدف للرجال؟ الشيخ: في أي مناسبة؟ السائل: في العرس.
الشيخ: العرس بعض العلماء أجاز فيه الدف للرجال كما يجوز للنساء، ولكننا لا نفتي به؛ لأنه يفتح باب شر، ويحصل فيه من الاجتماع وربما يحصل فيه اختلاط بين الرجال والنساء، لذلك لا نفتي بكون الرجال يضربون بالدف في النكاح.
السائل: وإذا كان ينفصل الرجال عن النساء؟ الشيخ: ينفصل الرجال عن النساء في هذه الليلة وفي الليلة الأخرى لا ينفصلون، فلذلك منعه هو الأحسن.(8/38)
حكم آلات اللهو والمعازف في الأعراس والأعياد
السؤال
ذكرت -يا شيخ- في كتيب حكم الدف وشروطه، ففهم منه بعض الناس أنه يجوز للرجال، حتى أن بعض الشباب حديث الالتزام فهم هذا؟!؟ الشيخ: قل من فهم منه ذلك يسألني فأخبره.
السائل: في العرضة -يا شيخ- لا أظن أن الرجال يختلطون بالنساء؟ الشيخ: العرضة لا بأس بها؛ لأنها أيام عيد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لـ عائشة أن تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد.
السائل: وإذا كان فيها طبل ومزمار؟ الشيخ: الطبل والمزمار لا يجوز، لا في العرس ولا في أيام العيد ولا غيرها.
السائل: بعض المناطق عندنا في الجنوب لا يعرضون إلا بالطبل والمزمار.
الشيخ: لا يجوز هذا؛ لأن الأصل في آلات اللهو والمعازف المنع، فيقتصر في الجائز على ما جاءت به السنة وهو الدف.
السائل: هل يجوز الدف للرجال في العرضة؟ الشيخ: لا بأس به؛ لأن في أيام العيد رخص في اللهو.(8/39)
حرمة قبر المسلم
السؤال
هناك حديث عند الطبراني والحاكم وذكره السفاريني في شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد ولم يعلق عليه في قضية أن رجلاً جاء إلى ابن عباس وهو معتكف، فقال: ما لي أراك كئيباً؟ قال: عندي هم أو دين أو كذا، لا وحرمة هذا القبر! ما أستطيع …… ثم خرج من عند ابن عباس وقضى حاجته، كذلك مر عليَّ حديث ابن عباس لما دعا واستسقى فسقوا فأخذ الناس يتمسحون به، ولا أدري ما صحة ذلك؟
الجواب
كلا الحديثين لا أعرف عن صحتهما وسندهما، لكن الوجه الأول: حرمة قبر المسلم، فكما أن بيت المسلم في الدنيا محترم فقبر المسلم محترم، ولهذا قال العلماء: لا يجوز أن يدفن ميتٌ على ميت، مثل قبر نأتي لنحفره مرة أخرى لنضع فيه ميتاً آخر فإن هذا لا يجوز.
وأما التمسح الثاني فإن صح هذا الحديث فإنه لا عمل عليه؛ لأنه لا يتبرك بعرقه أو لباسه أو شعره إلا بالرسول عليه الصلاة والسلام.
السائل: بالنسبة لقبر الميت الأول فلم يبقَ منه إلا العظام، هل يجوز أن نضع عليه ميتاً آخر؟ الشيخ: العلماء يقولون: لا يجوز حتى يكون رميماً، لكن عمل الناس الآن في الأماكن الضيقة -كما قلت- يفعلون.(8/40)
حكم معاملة الشركات المحدودة التي لا تغرم إذا أفلست غير رأس مالها فحسب
السؤال
بالنسبة للشركات: النظام أن الشركة ذات المسئولية المحدودة أن مسئولية أصحاب الشركات أو الشركاء في حدود حصتهم ولا يسألون عما زاد عليهم من ديون، فما أدري ما حكمها؟ الشيخ: لا أعرف كيف هذا النظام.
السائل: النظام أن شركاء اجتمعوا فوضع كل واحد منهم عشرين ألفاً وهم خمسة، وضعوا شركة رأس مالها (مائة ألف) ، ثم أصبح الدين على الشركة في حدود مائة وخمسين ألف ريال، وأنهم فقط مسئولون عن الديون في حدود مائة ألف، أما ما زاد فلا يسألون عنه، هذا النظام نظام تجارة.
الشيخ: كيف هذا؟ السائل: هذا نظام بعض الشركات السعودية -مثلاً- شركة ذات مسئولية محدودة، يأتي خمسة أفراد ويدفع كل منهم عشرين ألف ريال لتأسيس رأس مال الشركة، ثم تشتغل الشركة وتخسر مائتي ألف ريال فلا يضمنوا إلا مائة ألف ريال، كل واحد بقدر حصته والباقي لا يدفعونه ويسمونه ديوناً معدومة.
الشيخ: على كل حال لو كان الأمر كما صورت الآن على صورته هذه فهو شرط باطل، يطالب الشركاء بما خسروه من أموال الناس.
السائل: المجمع الفقهي قرأت فتواهم فأجازوها، مع أنني سمعت بعض العلماء حتى الدكتور الذي يدرسنا قال: هذا خطأ.
الشيخ: كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، ولو كان مائة شرط، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الخراج بالضمان) من له مكسب فعليه غرم، فإذا كان هؤلاء الجماعة الذين أسسوا بمائة ألف ريال شركتهم لو ربحوا مليوناً فالربح لهم، إذاً! الخسارة عليهم، ولهذا يعتبر هذا شرطاً باطلاً.
السائل: هذا شيء موضوع كنظام بغض النظر عن كونه موافقاً لشرع أو مخالفاً له، المفروض أن الشخص الذي يتعامل مع الشركة ذات المسئولية المحدودة يعلم أنه لا ينبغي أن يتعامل معها إلا في حدود رأس مالها، فهو حينما أعطاهم بضائع أو أقرضهم أو تعامل معهم فيما يزيد عن رأس المال قد خالف النظام، ولا نقول: خالف الشرع، وهو بهذا يعلم مسبقاً بأنه إذا أفلست هذه الشركة فإنه بموجب هذا النظام لن يأخذ ما يزيد على حدود مسئولية الشركة؟ الشيخ: الآن على كلامك، معناه: أن التاجر ممنوع من أن يعطي الشركة أكثر مما تملك.
السائل: هو ليس ممنوعاً أن الحكومة تمنعه، ولكنه ممنوع من جهة أنه يعلم أن هذه ذات مسئولية محدودة لو خسرت لا تعوضه إلا في حدود رأس مالها.
الشيخ: هذا غلط؛ لأنها ربما تشتري أكثر من رأس مالها ترجو بذلك الربح، يمكن أن يكون السوق نشيطاً وتعرف أنك تشتري اليوم بمائة ألف أو مائتي ألف، وغداً تربح أكثر.
السائل: هذا النظام استورد من بريطانيا يا شيخ؛ لأن جميع الشركات في بريطانيا شركات محدودة المسئولية، وهي تلتزم التزاماً مطلقاً بالعمل والاتجار والحركة بدفاترها، وتقدمها إلى الدولة بحدود رأس مالها ومسئوليتها وتراقب مراقبة دقيقة، ولا يحيدون عن وضعهم، ولهذا دخول الشركاء يقول: أنا أدخل بهذا المال، وأنا مسئول فقط بحدود رأس مالي العشرين ألف، ولكن لا يؤخذ من أشيائي الخاصة التي ما دخلت في هذه الشركة، هذه هي القاعدة.
الشيخ: طيب -بارك الله فيك- فرضنا أنهم ما اشتروا إلا بقدر رأس مالهم، ولكنهم خسروا رأس المال، اشترينا بمائة ألف ولا بعنا إلا بخمسين ألف هل نحن مسئولون أم لا؟ نحن اشترينا في حدود ما نملك مائة ألف فقط، ولكن كسد السوق ونزل ولم نبع إلا بخمسين.
السائل: إذا أفلست الشركة ما عندها من أملاك تعطى للغرماء؟ الشيخ: طيب! أُعطيت للغرماء ولم تفِ.
السائل: يسجل الباقي ديوناً معدومة.
الشيخ: لا يُطالب بها؟ السائل: لا يطالب بها، تسقط لو اغتنى الشركاء بعد ذلك لا يطالبون.
الشيخ: على كل حال القاعدة الشرعية عندنا أن (الخراج بالضمان والغرم بالغنم) هذه القاعدة الشرعية فما خالف ذلك فهو باطل ولو كان مائة شرط.(8/41)
لقاء الباب المفتوح [9]
في هذا اللقاء تفسير آيات من سورة النبأ، وهذه الآيات تتحدث عن موضوعين: الأول: عن نعم الله عز وجل على عباده حيث أنه بنى لهم السماء وجعل الشمس سراجاً، وأنزل من المعصرات ماءً ثجاجاً.
أما الموضوع الثاني: فهو عن أهوال يوم القيامة ابتداءً من قوله تعالى: (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً) إلى قوله تعالى: (وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً) .
ثم أجاب فضيلته على أسئلة الحضور.(9/1)
تفسير آيات من سورة النبأ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا في هذا الخميس السادس والعشرين من شهر ربيع الثاني عام (1413هـ) نختتم لقاءات هذا الشهر؛ لأنه اللقاء الرابع، وإن كان في أول الشهر قد حصل التخلف لعذر، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الاجتماعات مطردة، وأن يبارك فيها لنا ولإخواننا، وأن يرزقنا جميعاً العلم النافع والعمل الصالح، إنه جوادٌ كريم.
والآن نكمل ما ابتدأنا به من تفسيرٍ موجز لآخر أجزاء القرآن الكريم وهو جزء عم؛ وذلك لأن هذا الجزء يكثر سماعه من الأئمة في صلواتهم، لهذا اخترنا بعد اختياركم أن نتكلم عليه كلاماً موجزاً، فآخر آية تكلمنا عليها في الأسبوع الماضي هي قوله تعالى: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً * وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً * وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً} [النبأ:12-14] .(9/2)
تفسير قوله تعالى: (وبنينا فوقكم سبعاً شداداً)
يقول الله عز وجل: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} [النبأ:12] أي: قوية متينة، وهي: السماوات السبع، وقد جاء ذكر السماوات مقيدة بالسبع في القرآن الكريم في قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [المؤمنون:86] ، أما الأرضون فجاءت مقيدة بهذا العدد في السنة مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله بها يوم القيامة من سبع أرضين) وجاءت في القرآن الكريم مقيدةً بهذا العدد على وجه الإشارة في قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} [الطلاق:12] فقوله: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:12] لا يتأتى فيه إلا المماثلة في العدد؛ لأن المماثلة في الكيفية متعذرة إذ أن هناك فرقاً بين السماوات والأرض، في الكيفية والصفة والسعة والقوة، فتعين أن يكون المراد (مثلهن) في العدد.(9/3)
تفسير قوله تعالى: (وجعلنا سراجاً وهاجاً)
ثم قال تعالى: {وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} [النبأ:13] وهي هذه الشمس فإنها سراج الأرض ووهج شديدة الحرارة، ودليل ذلك: أننا نحس بحرارتها، وبيننا وبينها هذه المسافة العظيمة، ولا سيما في أيام الصيف، إذا كانت قريبة من الرءوس عمودية فوقنا، ولا يخفى على أهل العلم بطبائع النبات والبحار والصحاري ما يكون من الفائدة العظيمة في هذه الحرارة على الأعيان وعلى الصفات، ولهذا أكد الله عز وجل ذلك بقوله: {وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} [النبأ:13] أي: يتوهج.(9/4)
تفسير قوله تعالى: (وأنزلنا من المعصرات ماء نجاجاً)
قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً} [النبأ:14] (المعصرات) هي السحب، وسميت معصرات؛ لأنها بمنزلة الذي يعصر الماء من الثوب، فإن هذا الماء يتخلل هذا السحاب ويخرج منه كما يخرج الماء من الثوب المعصور، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} [النور:43] وقوله: (ثجاجاً) أي: كثير الثج يعني: الانهمار؛ وذلك لغزارته وقوته حتى يروي الأرض.(9/5)
تفسير قوله تعالى: (لنخرج به حباً ونباتاً وجنات ألفافاً)
قال تعالى: {لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} [النبأ:15-16] الحب والنبات هو الزروع وهو النبات الذي ليس له ساق {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} [النبأ:16] هي الأشجار التي لها ساق، فيخرج بهذا الماء الثجاج الزروع والنخيل والأعناب وغيرها، سواء خرج منه مباشرة أو خرج منه بواسطة استخراج الماء من باطن الأرض؛ لأن الماء الذي في باطن الأرض هو من المطر كما قال تعالى: {فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر:22] وقال تعالى في آية أخرى: {فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} [الزمر:21] وقوله: (أَلْفَافاً) أي: ملتفة بعضها على بعض، حتى إنها لتستر من فيها؛ لكثرتها، والتفاف بعضها إلى بعض.(9/6)
تفسير قوله تعالى: (إن يوم الفصل كان ميقاتاً)
ثم قال تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً} [النبأ:17] وهو يوم القيامة، وسمي يوم الفصل؛ لأن الله يفصل فيه بين العباد فيما شجر بينهم، وفيما كانوا يختلفون فيه، فيفصل بين أهل الحق وأهل الباطل، وأهل الكفر وأهل الإيمان، وأهل العدوان وأهل الاعتدال، ويفصل فيه -أيضاً- بين أهل الجنة والنار، {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] و (كَانَ مِيقَاتاً) يعني: موقوتاً لأجل معدود، كما قال تعالى: {وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ} [هود:104] وما ظنك بشيءٍ له أجل معدود، وأنت ترى الأجل كيف يذهب سريعاً يوماً بعد يوم حتى ينتهي الإنسان إلى آخر مرحلة، فكذلك الدنيا كلها تسير يوماً بعد يوم حتى تنتهي إلى آخر مرحلة، ولهذا قال تعالى: {وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ} [هود:104] وكل شيء معدود فإنه ينتهي.(9/7)
تفسير قوله تعالى: (يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً)
قال تعالى: {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً} [النبأ:18] والنافخ فيها إسرافيل موكلٌ فيها فينفخ فيها نفختين: الأولى: يفزع الناس ثم يصعقون فيموتون، والثانية: يبعثون من قبورهم وتعود إليهم أرواحهم، ولهذا قال هنا: {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً} [النبأ:18] وفي الآية -كما لا يخفى- إيجاز بالحذف أي: فتحيون فتأتون أفواجاً، فوجاً مع فوج أو فوجاً يتلو فوجاً، وهذه الأفواج -والله أعلم- بحسب الأمم، كل أمة تدعى إلى كتابها لتحاسب عليه فيأتي الناس أفواجاً بهذا الموقف العظيم الذي تسوى فيه الأرض فيذرها الله عز وجل {قَاعاً صَفْصَفاً * لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً} [طه:106-107] .(9/8)
تفسير قوله تعالى: (وفتحت السماء فكانت أبواباً)
وفي ذلك اليوم يقول الله عز وجل: {وَفُتِحَتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً} [النبأ:19] فتحت وانفرجت فتكون أبواباً يشاهدها الناس بعد أن كانت سقفاً محفوظاً تكون في ذلك اليوم أبواباً مفتوحة، وفي هذا دليل على كمال قدرة الله عز وجل أن هذه السبع الشداد يجعلها الله يوم القيامة كأن لم تكن، تكون أبواباً: {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ * وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} [المعارج:8-10] .(9/9)
تفسير قوله تعالى: (وسيرت الجبال فكانت سراباً)
قال تعالى: {وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} [النبأ:20] أي: أن الجبال العظيمة الصماء تدك فتكون كالرمال، ثم تكون كالسراب تسير: {وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} [النبأ:20] ، ثم قال تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً} [النبأ:21] وندع ذلك للأسبوع القادم إن شاء الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.(9/10)
الأسئلة
.(9/11)
حكم الجمع بين الوظيفة والتجارة
السؤال
شخص موظف لا يُسمح له بممارسة التجارة، فرأى أن يستغل اسم أمه وهي موجودة في فتح محل خياط نسائي وله إخوة وأخوات من هذه الأم، فأمه أعطته وكالة من أجل استقدام العامل وفتح المحل وربح المحل سيكون له شخصياً من دون إخوانه، وأمه سمحت له بهذا الشيء، فما رأي فضيلتكم في هذا؟
الجواب
أرى أن هذا عملٌ محرم؛ لأنه تضمن الكذب، وتضمن المكر بالدولة والخداع لها، وتضمن أكل المال بالباطل؛ لأنه بغير حق، وتضمن محاباة أحد الأبناء دون البقية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم) فنصيحتي للأم أن تسحب هذه المنحة التي أعطتها ابنها، وأن تستغفر الله.
ونقول لهذا الشخص الموظف: أنت بالخيار، الحكومة لم تلزمك بشيء، إما أن تدع الوظيفة وتفتح المحل، وإما أن تبقى في الوظيفة وتترك المحل.
ثم إن الذي فهمته من السؤال: أن هذا الأخ سيجعل المحل باسم أمه وسيعطيه العامل ويأخذ عليه الربح، فإن كان الربح مشاعاً، بأن قال: لك ثلث ما يحصل من الربح أو الربع أو النصف فهذا جائز من الناحية الشرعية، يكون من هذه المواد والآلات ومن هذا العمل، لكن إن كانت الدولة تمنع هذا فهو -أيضاً- لا يجوز؛ لأن علينا أن نسمع للدولة في كل أمر إلا ما خالف الشرع، وهذا لا يخالف الشرع، إذا قالت: لا تمنحوا هؤلاء عملاً، وإنما يبقون عندكم بالأجرة المقطوعة ولكن يقول بعض الناس: إذا جعلناهم بالأجرة المقطوعة حصل إشكال وهو تلاعب العمال بحيث لا ينتجون، فنقول دفعاً لهذا المحذور: يُجعل للعامل نسبة فيما ينتج، فيقال: لك الأجر الشهري المتفق عليه، ولك على كل متر كذا وكذا، أو على ثوب إذا كان خياطاً كذا وكذا، أو على كل وحدة إذا كان كهربائياً كذا وكذا، وبهذا يحصل موافقة الحكومة فيما ألزمت به الجالب، ويحصل مصلحة وعدم تلاعب.(9/12)
حكم استقدام عامل من خارج البلاد دون أن يأخذ الكفيل شيئاً من العامل
السؤال
رجل استقدم عاملاً من خارج البلاد لا من أجل أن يعطيه راتباً شهرياً لكن سيحضر إلى هذه البلاد ويزاول مهنة من المهن الفنية من غير أن يأخذ منه شيئاً ولا يأخذ عليه شيئاً مقابل العمل، يأتي به هنا ويتركه يتجول في الأسواق والمحلات من أجل كسب العيش فقط، ولكن الكفيل ما يأخذ مقابل ذلك شيئاً؟
الجواب
بمعنى: أنه يأتي ويعمل لنفسه ولا يأخذ الكفيل منه شيئاً، يعني: أنه ليس بحاجة إلى هذا الرجل.
السائل: نعم.
ليس بحاجة.
الشيخ: والذي أفهم أن الدولة لا تسمح باستقدام الأجانب إلا إذا كان الإنسان محتاجاً إليه، يعني: إذا لم تكن هناك حاجة فلا تسمح.(9/13)
حكم التأخر عن الدوام الرسمي أو الخروج قبل انتهائه
السؤال
النظام الذي هو الدوام الرسمي للدولة تجد البعض يأتي متأخراً نصف ساعة أو ينصرف من العمل قبل انتهاء الدوام بنصف ساعة، وأحياناً يتأخر ساعة أو أكثر، فما الحكم في ذلك؟
الجواب
الظاهر أن هذا لا يحتاج إلى جواب؛ لأن العوض يجب أن يكون في مقابل المعوض، فكما أن الموظف لا يرضى أن تنقص الدولة من راتبه شيئاً، فكذلك يجب ألا ينقص من حق الدولة شيئاً، فلا يجوز للإنسان أن يتأخر عن الدوام الرسمي ولا أن يتقدم قبل انتهائه.
السائل: ولكن البعض يتحجج أنه لا يوجد عمل أصلاً؛ لأن العمل قليل؟ الشيخ: المهم أنت مربوط بزمن لا بعمل، يعني: قيل لك: هذا الراتب على أن تحضر من كذا إلى كذا، سواء كان هناك عمل، أو لم يكن هناك عمل، فما دامت المكافأة مربوطة بزمن، فلا بد أن يستوفى هذا الزمن، يعني: أن يوفي هذا الزمن، وإلا كان أكلنا لما لم نحضر فيه باطلاً.
السائل: كذلك استعمال السيارات الحكومية في غير وقت الدوام الرسمي؟ الشيخ: استعمال السيارات الحكومية في الدوام الرسمي أو خارج الدوام الرسمي إذا لم يكن لمصلحة العمل فإنه لا يجوز؛ لأن هذه السيارات للدولة ولشغل الدولة فلا يجوز لأحد استعمالها في شغله الخاص، والمشكل أن بعض الناس يتهاون في أموال الدولة مدعياً أن له حقاً في بيت المال، ونقول: إذا كان لك حقٌ في بيت المال فكل فرد من الناس له حق في بيت المال أيضاً، فلماذا تخص به نفسك وتستعمله لنفسك، أليس لو جاء أحد من الناس الذي قد يكونون أحق من هذا الرجل وأراد أن يستعمل هذه السيارة في أغراضه الخاصة يمنع، فكذلك هذا الرجل، وإذا كان الإنسان محتاجاً للسيارة فليشتر سيارة من ماله الخاص.(9/14)
السنة عند رؤية الأحلام المزعجة
السؤال
ما السنة عند رؤية الأحلام المزعجة؟
الجواب
الأحلام الضابط فيها أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن من رأى ما يسره فليحدث به من يحب، ولا يحدث به من لا يحبه؛ لأنه ربما يكيدون له كيداً، كما فعل إخوة يوسف في يوسف، وأما إذا رأى ما يكره فإنه يقوم ويتفل عن يساره ثلاثاً ويقول: اللهم إني أعوذ بك من شر الشيطان، ومن شر ما رأيت، ثم ينقلب إلى الجنب الثاني، ولا يخبر بها أحداً، فإنها لا تضره، فهذه أربعة أشياء: التفل على اليسار، والاستعاذة بالله من شر الشيطان الرجيم ومن شر ما رأى، والانقلاب على الجنب الثاني، وألا يحدث بها أحداً؛ لأنه لو حدث بها أحداً ثم فسرها يعني: عبرها فإنها تقع؛ لأن الرؤيا ما دامت لم تعبر فإنها لا تقع إلا بإذن الله، فإذا عبرت وقعت، فأخشى أن يعبرها أحدٌ من الناس على الوجه المكروه فتقع.
قال الصحابة رضي الله عنهم: [كنا نرى الرؤيا فنمرض أياماً] من شدة أثرها عليهم، فلما حدثهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث وذكر لهم هذا الدواء استراحوا، فصار الإنسان إذا رأى ما يكره عمل بما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم فيستريح.
وليُعلم أن الشيطان يتمثل للإنسان وهو نائم فيما يكره ويحدثه بما يكره، من أجل إدخال الحزن عليه؛ لأن الشيطان يحب أن يدخل الحزن على الإنسان والانقباض، وألا يسر الإنسان بشيء؛ لأنه عدو، قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6] ، ولأنه عدو فإنه يحب ما يسوء بني آدم ويكره ما يسرهم، وهو يستطيع أن يتمثل للإنسان في منامه بما يكره حتى يحزن، ولكن الحمد لله أن الله تعالى لم ينزل داءً إلا جعل له شفاء، والشفاء في الرؤيا المنامية المكروهة هو ما ذكرته آنفاً: أن يقوم فيتفل عن يساره ثلاثاً، ويقول: أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأيت، ثم ينقلب على الجانب الثاني، ولا يحدث أحداً.(9/15)
كيفية الإتيان بالأذكار التي بعد الصلاة في السفر
السؤال
من المعلوم أن المسافر يقصر الصلاة الرباعية، وكذلك يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، ولكن الأذكار الواردة بعد الصلاة هل هي أيضاً تقصر، أو تؤدى كأنها صلاتين؟
الجواب
الظاهر في الأذكار أنه يكتفى فيها بذكر واحد؛ لأن الصلاتين صارت كأنها صلاة واحدة، فيكتفى فيها بذكر واحد، لكن يكتفى بالأعم، فمثل المغرب مع العشاء يسن في المغرب أن يذكر الله عشر مرات، وفي العشاء ثلاث مرات، فليأخذ بالأكثر؛ لأن الأقل يندرج بالأكثر، وإن أتى لكل واحدة بذكر فلا أرى في هذا بأساً والأول كافٍ.(9/16)
حكم تقصير الشعيرات التي تحت الشفة السفلى
السؤال
بالنسبة للشعيرات التي تحت الشفة السفلى تقصر، أم تبقى كما هي؟
الجواب
تسمى العنفقة وليست من اللحية، تبقى كما هي، إلا إذا تأذى منها الإنسان.(9/17)
حكم التنازل عن دية القتل الخطأ والمقتول عليه دين وله وصية
السؤال
هل لأولياء المقتول خطأ العفو عن الدية، والمقتول عليه دينٌ وله وصية؟
الجواب
إذا كان المقتول عليه دين وله وصية فإنه لا يحل للورثة أن يتنازلوا عن شيء من الدية إلا بعد قضاء الدين والوصية؛ لأن حق الورثة لا يرد إلا بعد الدين والوصية، كما قال تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:11] {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12] {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12] {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12] وإذا تنازلوا فالتنازل غير صحيح، وإذا كان تنازلهم عند المحكمة يجب أن يرجعوا إلى المحكمة ويخبروا القاضي أن المقتول عليه دين وله وصية فيؤخذ الدين أولاً، ثم الوصية ثانياً، والباقي للورثة.
وأيضاً: لا بد أن يكون الورثة راشدين، أي: بالغين عاقلين، حسني التصرف، فإن كان فيهم قُصَّر فليس لأحدٍ من الورثة أن يتنازل عن حق هؤلاء القُصَّر إلا إذا ضِمِنَهُ لهم.(9/18)
حكم الصلاة في المسجد الذي بجواره مقبرة
السؤال
نجد في بعض البلاد الإسلامية أصحاب الطرق الصوفية يؤدون الصلاة في المسجد، بينما يوجد بالقرب منه مقبرة أو كما يسمونها ضريح الشيخ، وعند الإنكار عليهم يدعون أن هذه المقبرة بعيدة عن المسجد، وتجد كثيراً منهم لا يستدل بدليل على هذا الفعل، ويدعون ذلك فيقولون: إن هذا المسجد منفصل عن الضريح، يعني: بينهما مسافة، ما صحة الصلاة في ذلك المسجد؟
الجواب
إذا كان المسجد ليس في المقبرة وليس فيه قبر فالصلاة فيه صحيحة.
السائل: لكن بجواره قبر وليس ببعيد.
الشيخ: ولو كان في جوار المقبرة، ما دامت المقبرة ليست أمام المسجد بل على اليمين أو على اليسار فليس فيها شيء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) ، أما إذا كان المسجد قد بني على القبر فالصلاة فيه لا تصح، وإن دفن الميت في المسجد فإنه يجب أن ينبش القبر ويدفن مع قبور الناس.(9/19)
الأفضل للتائب تذكر الذنوب أو نسيانها
السؤال
فضيلة الشيخ! هل الأفضل للتائب أن يتذكر ذنوبه السابقة حتى يجد ويعمل بالأعمال الصالحة، أو أنه ينساها حتى لا تنكد عليه حياته؟
الجواب
التائب هو الذي رجع إلى الله عز وجل مخلصاً له في توبته، عازماً على ألا يعود، وأما تذكر ما مضى فهذا ينظر في المصلحة، إن رأى مصلحةً في ذلك وهذا حينما يجد من نفسه غفلة أو يجد من نفسه إقبالاً على معصية فيذكر نفسه بما مضى، فهذا طيب، وإلا فإن كان يضره تذكر هذه المعصية ويخشى على نفسه من القنوط من رحمة الله من كثرة ذنوبه فلا يتذكر، وقد ثبت في الصحيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال حينما راجع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية قال: [فعملت لذلك أعمالاً] يعني: أعمالاً صالحة تكفر ما مضى، فالإنسان ينظر إلى المصلحة في تذكره لذنوبه التي تاب منها أو غفلته عنها.(9/20)
حكم المضاربة ومعناها
السؤال
إذا أراد شخص مساعدة شخص آخر فدفع إليه رأس مال وقال له: افتح محلاً باسمك ولي نسبة من هذا المحل، والقصد المساعدة لا الكسب؟
الجواب
معناها: أن الدراهم كانت من شخص والعمل من شخص آخر فهذا يسمى عند العلماء (مضاربة) .
إذا أعطيت شخصاً مالاً وقلت: اعمل فيه والربح بيننا أنصافاً أو أرباعاً أو ما أشبه ذلك فهو مضاربة وهي جائزة، ولا حرج أن يفتحه أي: العامل باسمه هو؛ لأنه حقيقة هو الذي يعمل فيه.(9/21)
الواجب على من اعتمر ولم يقصر
السؤال
شخص حلق شعره وبعده بيوم ذهب إلى العمرة، فلما انتهى من السعي لم يحلق، فلما وصل إلى بلده قيل له: إنك أخطأت؛ لأنك لم تمر الموس على رأسك، هل يجب عليه شيء في هذا؟
الجواب
يعني: اعتمر وقد حلق رأسه من قبل، فنقول: لا بد أن يمر الموس على رأسه؛ لأن الحلق وإن كان قريباً لابد أن ينبت الشعر، الشعر ينبت بسرعة، فإن لم يفعل، فأرى أنه من باب الاحتياط: أن يذبح فدية في مكة ويوزعها على الفقراء.
السائل: ويحلق شعره ويقصره؟ الشيخ: لا يحلق؛ لأن الفدية بدل عن الحلق، الحلق فاته وقد تحلل واعتقد أنه أكمل العمرة، وإن حلق حيث علم ولم يذبح فدية فأرجو ألا حرج.(9/22)
حكم الجمع والقصر لمن سافر وأراد الرجوع في نفس اليوم
السؤال
مسافر ذهب للتجارة بحيث يرجع في نفس اليوم، وصل قبل الظهر ويريد الرجوع قبل العصر، هل يحل جمع التأخير، أم لا؟
الجواب
لا بأس، إذا كان البلد بعيداً، فلا بأس أن يجمع جمع تأخير أو جمع تقديم حسب ما تيسر له.
السائل: لو نوى جمع التأخير -مثلاً- وصلى جمع تقديم ماذا عليه؟ الشيخ: لا بأس أن ينوي أولاً جمع التأخير، ثم يبدو له أن يقدم كما أنه لو نوى جمع تقديم، ثم بدا له أن يؤخر فكله جائز.(9/23)
حكم من صلى قصراً في بلد يسمع فيه الأذان
السؤال
هل يأثم من صلى قصراً، يجمع في بلد وهو يسمع المؤذن ولا يذهب إلى الجماعة؟
الجواب
الواجب على من سمع المؤذن أن يحضر إلى المسجد سواء كان مسافراً أم مقيماً، فإذا كان مسافراً قد نزل في البلد لمدة يوم أو يومين أو ساعة أو ساعتين، ولكنه سمع الأذان فإنه يجب عليه أن يصلي مع الجماعة، ويأثم إذا لم يفعل.
وأما ظن بعض العامة أن المسافر ليس عليه جماعة، حتى أن بعضهم تقول له: صل مع الجماعة، يقول: أنا مسافر، فهذا ظنٌ ليس مبنياً على أصل، لقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء:102] فأوجب الله الجماعة على المقاتلين مع أنهم في سفر.
السائل: والرحلة البرية ما رأيك في الجمع إذا كانت لمدة يومين ومثلاً كانت يوم الجمعة هل يقصر ويجمع، أم يقصر فقط؟ الشيخ: الأفضل لمن كان نازلاً من المسافرين ألا يجمع، بل يقصر ولا يجمع، أما إذا كان سائراً فالأفضل أن يجمع ويقصر.
السائل: وماذا عن صلاة الجمعة؟ الشيخ: لا يصلون الجمعة؛ لأنهم في البر، وإنما يصلون ظهراً مقصورة ركعتين.(9/24)
حكم من جامع أهله في نهار رمضان جاهلاً
السؤال
شخص جامع امرأته في نهار رمضان بدون علم، جهلاً منه، فما الحكم في ذلك؟
الجواب
إذا جامع زوجته في نهار رمضان يظن أن الجماع لا بأس به فلا حرج ولا إثم ولا كفارة؛ لأن القاعدة: أن كل من فعل محظوراً في العبادة ناسياً وجاهلاً فلا شيء عليه لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله تعالى: (قد فعلت) ولقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] .(9/25)
حكم الذهاب إلى السحرة لغرض العلاج أو فك السحر
السؤال
ما حكم من يذهب إلى السحرة لغرض العلاج أو فك السحر؟
الجواب
الذي يذهب إلى السحرة آثم؛ لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس منا من سحر أو سُحر له) ، ولكن ذكر بعض العلماء من السلف والخلف أنه إذا اضطر إلى ذلك فإنه لا بأس أن يذهب إلى الساحر ليفك عنه السحر، بشرط: ألا يكون هذا الساحر يدعو مع الله أحداً، أي: مشركاً؛ لأن المشرك نجس ولا خير فيه.
السائل: ما ينطبق عليه الحديث: (من أتى ساحراً أو عرافاً.
) ؟.
الشيخ: العلماء يقولون: إن الذين أجازوا هذا للضرورة، قالوا: إن الله تعالى قال: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] ولكن أتدري ما هي الضرورة؟ الضرورة هي: أن يخاف الضرر من مرضٍ مستمر أو موت، وألا يمكن علاجه في القرآن والأدعية المباحة، ومن العلماء من منع ذلك، قالوا: لا يجوز أن يذهب إلى الساحر ولو مات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) .(9/26)
حكم ارتكاب الشرك الأكبر جاهلاً
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم من يعمل الشرك الأكبر وهو جاهل بذلك؟
الجواب
حكمه أنه لا شيء عليه، ولكن إذا دعي إلى الحق وجب عليه اتباعه، ولا يتصور هذا أن يكون جاهلاً بالشرك الأكبر إلا أن يكون ناشئاً قريب عهد بالإسلام، أو كان في بادية بعيدة عن العلماء، فهذا هو الذي يتصور جهله، أما رجل بين الناس فالظاهر أن جهله بذلك بعيد، وحينئذٍ يكون مفرطاً في ترك السؤال فيكون آثماً.(9/27)
حكم الصغير إذا ترك شيئاً من أحكام الحج
السؤال
امرأة ذهبت مع ابنها وهو صغير لم يبلغ، فلما اعتمرت لم تقصر شعره ناسية، فما الحكم في ذلك؟
الجواب
الذي يظهر لي أن الصغير لا يلزمه شيء من أحكام الحج؛ لأنه غير مكلف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يفيق) ، فإذا فعل محظوراً في الإحرام أو ترك واجباً فلا شيء عليه؛ لأنه غير مكلف، بل ولو تخلص من الإحرام وقال: أنا لا أريد أن أكمل فله ذلك؛ لأنه غير مكلف.(9/28)
حكم زواج المرأة بخالها
السؤال
هناك رجلان، أحد هذين الرجلين له بنت، والآخر له أخت، فقال الرجل الذي عنده أخت: زوجني ابنتك وأزوجك أختي، فزوج الرجل الذي عنده البنت ذاك الرجل فأنجب منها طفلة، والرجل الثاني أنجب ولداً، هل يحق لهما أن يتزوجا؟
الجواب
لا يحل أن يتزوج هذا الولد بالبنت؛ لأنه خالها أخو أمها من أبيها.(9/29)
الحكمة في التصرف في مال اليتيم
السؤال
شخص وصيٌ على أيتام وأرامل، ولديه زكاة مال ويخشى أن يدفع هذا المال إلى الأرامل أن يسئن التصرف فيه، فقال: أدفع إليهم بعض المال والباقي أتصرف فيه لهم؟
الجواب
هذا طيب، يعني: أن ولي اليتيم لا يدفع إليه المال إذا أتاه مال له، هذا هو الواجب؛ لأنه لو دفع المال أفسده، الواجب أن يبقى المال عنده، فإذا احتاج هذا اليتيم أنفق عليه منه.
وهنا تنبيه يجب أن يتنبه له: وهو أنه لا يجوز أن يقبض للأيتام من الزكاة ما يزيد عن حاجتهم لمدة سنة؛ لأنه إذا زاد عن حاجة السنة صاروا لا يستحقون الزكاة، وهذه مسألة يجب التنبه لها؛ لأن كثيراً من الناس يأخذ للأيتام من الزكوات، ثم يصير عنده أموال كثيرة، وهذا حرام عليه، فمثلاً: إذا قدر أنه يكفيهم في السنة عشرة آلاف ريال لا يجوز أن يأخذها عشرة آلاف ومائة؛ لأن حد الغنى الذي يمنع من أخذ الزكاة هو أن يجد الإنسان كفايته سنة.
السائل: يعني: هذا المال حتى لو كان زكاة ماله هو مال الولي؟ الشيخ: حتى لو كان ماله ينفق عليهم منه ما فيه بأس.(9/30)
حكم مصافحة الأجنبية من وراء حائل
السؤال
يوجد بعض العادات من بعض الناس يصافح النساء ولسن محارم له، وتأتي المرأة وتضع جلبابها وبخناقها وتصافح الرجل، وعندما ينكر عليه بعض الناس يقول: أنا ما صافحتها، هي وضعت ثوبها أو جلبابها وأنا ما صافحتها، ما الحكم؟
الجواب
الحكم أنه لا يجوز للرجل أن يصافح من ليست محرماً له، لا مباشرةً ولا من وراء حائل؛ لأن المصافحة من وراء حائل يقبض الإنسان على اليد ويجسها، فلا يجوز له أن يصافحها سواء بحائل أو بغير حائل.(9/31)
مدى صحة حديث: (لئن يضرب أحدكم بمخيط في رأسه خير من أن يصافح امرأة لا تحل له)
السؤال
هل يصح الحديث الذي يقول: (لئن يضرب أحدكم بمخيط في رأسه خير من أن يصافح امرأة لا تحل له) ؟ الشيخ: هذا من أحاديث الوعيد، وفيه مقال، ضعيف، ولكنه من أحاديث الوعيد الذي يحصل به التحذير.(9/32)
الجمع بين قوله تعالى في الحديث القدسي: (يؤذيني ابن آدم: يسب الدهر) ، وقوله تعالى: (في أيام نحسات)
السؤال
يقول النبي صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر) فما حكم مدح الدهر؟ وما تفسير قول الله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} [فصلت:16] ؟
الجواب
قوله تعالى في الحديث القدسي: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر) أي: يسب الزمن -الوقت- الليل والنهار، وسب الليل والنهار سب لله عز وجل؛ لأنه هو سبحانه وتعالى هو المدبر لما يكون في الليل والنهار، ولهذا قال تعالى في الحديث نفسه: (وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار) ، أما مدح الدهر باعتبار أن الإنسان يثني على ربه بذلك لا على الأيام والليالي فلا بأس، فهذا طيب، يقول: هذه الأيام مثلاً أيام سرور، وأيام أمن ورخاء ولله الحمد، فهي أيام مباركة، وما أشبه ذلك هذا لا بأس به، وأما أن يثني على الدهر ناسياً خالقه عز وجل وهو الله، فهذا لا يجوز؛ لأن الثناء على السبب -مع التغافل عن المسبب في الحقيقة- غضٌ وانتقاص للمسبب وهو الله عز وجل.
وأما قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} [فصلت:16] فالذي ذم هذه الأيام هو الله عز وجل وله أن يثني على ما شاء من خلقه، وأن يعيب ما شاء من خلقه لكن قل لي: ما الجواب عن قوله تعالى عن لوط: {وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود:77] فالجواب عنه يقال: إن لوطاً عليه الصلاة والسلام، لم يرد به القدح في هذا اليوم، إنما أراد الخبر عن هذا اليوم بأنه عصيب ويفرق في الأشياء بين القصد وعدم القصد، أرأيت لو جاء شخص يسأل مريضاً فجعل المريض يخبر هذا الرجل مجرد خبر فقط، وجاء آخر يسأل مريضاً آخر فجعل المريض يخبره يتشكى إليه، فالأول عمله جائز والثاني عمله مذموم، إذ كيف يشكو الخالق إلى المخلوق، وقد قيل:
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم(9/33)
كيفية تقدير الصلاة أيام خروج الدجال
السؤال
حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الدجال عندما قال: (إن يوماً من أيامه كسنة وآخر كشهر، فسأله الصحابة رضوان الله عليهم فيما معناه: كيف نفعل بالصلاة؟ قال: اقدروا لها) فهل معنى ذلك أنه إذا كان مثلاً اليوم يقارب 180 يوماً يصلون فيه خمس صلوات، أم أنها خمس صلوات في كل (24) ساعة في تقدير لها؟
الجواب
قوله: (اقدروا لها قدره) يعني: معناه صلوا على العادة فيكون اليوم الذي كسنة يصلي فيه صلاة سنة كاملة، وهذا إن بقيت الساعات معنا إلى أن يأتي الدجال فالأمر متيسر؛ لأن الإنسان يعرف المواقيت في الشتاء والصيف وعنده الميزان لهذه المواقيت، وهي الساعات وإن لم تبق -والعلم عند الله- فإنه يقدر كما كان الصحابة يقدرون.(9/34)
حكم مقولة: سقط من عين الله سبحانه وتعالى
السؤال
بالنسبة لعبارة من يقول: عندما نعصي الله سبحانه وتعالى ونبتعد عما أمر الله به نسقط من عين الله سبحانه وتعالى؟
الجواب
هذه عبارة يريد العرب بها أن الإنسان يقل شأنه وأمره عند الله عز وجل، وليسوا يريدون أن الإنسان كان في عين الله، ثم سقط منها، أبداً! ولا يطرأ لهم على بال، لكن يريدون بقولهم: سقط من عين الله.
أي: نقص قدره عند الله عز وجل، وقد يستعمل هذه العبارة بعض العلماء المحققين الذين لا نشك في أن عندهم من علم التوحيد والعقيدة ما لا يصل إليه كثير من الناس، بل كثير من العلماء، فهذا هو المراد، وإذا عرف المراد ولم يكن فيه التباس بأي حال من الأحوال فلا بأس بالتعبير به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ حين قال له: (يا رسول الله! إنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم) فأنت ترى هذا دعاء عليه بأن تفقده أمه، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد هذا، إنما أتى بعبارة يعبر بها العرب يريدون الحث على التزام هذا الشيء، وإن كان بعض العلماء يقول: إن معنى: (ثكلتك أمك يا معاذ!) إن لم تكف عليك لسانك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال: بلى، يا رسول الله! فأخذ بلسان نفسه وقال: كف عليك هذا) ولكن المعنى الأول هو الصحيح، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، وحسبها، وجمالها، ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) ومعنى هذه الجملة: افتقرت يداك حتى لصقت بالتراب، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد هذا؛ لأنه يحث على الظفر بذات الدين فلا يمكن أن يدعو عليه بالفقر، وإنما المراد بهذه العبارة الحث على ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من الظفر بذات الدين.(9/35)
حكم من دخل المسجد فوجد الإمام في التشهد الأخير
السؤال
ما صحة الكلام الذي يقول: إذا دخلت المسجد ومعك جماعة وكان الإمام في التشهد الأخير فإنك تنتظر حتى يسلم ثم تقيم جماعة أخرى؟
الجواب
هذا صحيح، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وأنت الآن لم تدرك ركعة جئت في التشهد الأخير، فإذا لم تدرك الركعة لم تدرك الصلاة، وإذا صليت مع أصحابك الذين دخلوا معك جماعة أدركت الجماعة من أولها، أما لو جئت وقد بقي عليه ركعة فالأفضل أن تدخل معه، بل يجب أن تدخل معه ولو فاتتك أكثر الصلاة؛ لأن: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) ، وإذا أتيتم والإمام في التشهد الأخير فإنه لا يشترط أن تنتظروا حتى يسلم، بل إذا كان المسجد واسعاً وذهبتم إلى ناحية منه بحيث لا تشوشون على أحد فلكم أن تصلوا قبل أن يسلم الإمام ولا حرج، أما إذا كنتم قريبين بأن يكون المسجد صغيراً فلا تشرعوا في الصلاة حتى يسلم.(9/36)
حكم مهر امرأة تزوجت بدون إذنها ثم طلبت الطلاق من الزوج
السؤال
أرجو الإجابة التوضيحية عن هذا السؤال: رجل تزوج امرأة وله الآن قرابة ثلاثة أشهر، وخلال هذه المدة تبين له وبقولها هي أنه لم يؤخذ رأيها في الزواج منه صريحاً من قبل أمها، وهي تقول لزوجها: إنها لا تريده، وقد راجع بها خلال هذه المدة القراء وبذل كل ما في وسعه؛ لأنه يعتقد أنها مريضة، ولكنها -والله أعلم- تتظاهر بالمرض؛ لأنها لا تريد هذا الرجل زوجاً لها، فضيلة الشيخ: ما هو حق الزوج الشرعي وحق الزوجة في المهر إذا أرادت الزوجة الطلاق في الحالتين التاليتين الأولى: إذا كان خلال هذه المدة لم يجامعها أي: لم تفض البكارة.
الثانية: إذا جامعها في هذه المدة؟
الجواب
أولاً: إذا كان الرجل يرى أن المرأة صادقة في قولها أنها لم يؤخذ رأيها فعليه أن يطلقها؛ وذلك لأن النكاح بدون رضا الزوجة غير صحيح، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه حيث قال: (لا تنكح البكر حتى تستأذن) ، وإذا كان لم يصدقها بناءً على ما ظهر له من حالها أنها كاذبة فالنكاح صحيح؛ وذلك لأن الزوجة قد تدعي أنها لم يؤخذ رأيها، وقد أخذ ولكنها كرهت الزوج فادعت هذه الدعوى، وعلى كل حال هو إذا رأى أن البنت صالحة وأنها صادقة فالواجب عليه أن يصدقها ويقبل قولها ويفارقها، وأما إذا كان يغلب على ظنه أنها كاذبة فلا حرج عليه أن يبقيها ولعل الأحوال تتغير.
أما بالنسبة للمهر فقد استقر المهر بخلوته بها؛ لأن الخلوة بالمرأة المعقود عليها تقرر المهر على القول الراجح، سواءً جامع أم لم يجامع، لكن إن رأى بناءً على أن أهل المرأة غروه أن يقول لهم: أنا أريد أن تضمنوا لي المهر؛ لأنكم غششتموني، فلا حرج عليه في هذه الحالة؛ لأنهم غروه حيث أوهموه أن المرأة راضية وليست براضية.
السائل: أهل الزوجة يريدون هذا الزوج ثقة فيه ولأخلاقه؟ الشيخ: لكن المشكلة الزوجة.
السائل: الزوجة تقول عند أخذ رأيها: أنها ما أعطت رأيها صريحاً وهي في نفسها تقول: لا أريده، وإنما كانت تبكي ولم تصرح برأيها؟ الشيخ: هذا البكاء الذي بكته هل أهلها يعلمون، أو يغلب على ظنهم أنها بكت لكراهتها للزوج، أو أنها بكت لفراقها أهلها؟ السائل: لا أعلم.
الشيخ: هذه لا بد منها، ولهذا قال بعض العلماء: إن إذن البكر سكوتها، إذا لم تقل: لا أريده، فهذا إذن، قالوا: ولو بكت، وعللوا هذا الكلام بأنها ربما تبكي خوفاً من فراق أهلها لا كراهة للزوج.
السائل: هي من قبل تقول أنها صرحت أنها لا تريده، ولكن عند كتابة عقد النكاح لما سألتها أمها قالت: إنها بكت ولم تدل برأيها صراحة.
الشيخ: على كل حال ما دامت صرحت في الأول أنها لا تريده فهذا البكاء بكاء كراهة، فالنكاح غير صحيح، ويجب عليه أن يفارقها، وله أن يرجع أهلها الذين غروه ما أعطاهم من المهر.
السائل: هل يأخذ المهر كاملاً؟ الشيخ: يأخذ المهر كاملاً من أهلها إذا كان قد دفعه إليهم.(9/37)
حكم الخروج من المسجد أثناء الأذان
السؤال
أرى بعض الإخوة يقعدون في المسجد للدرس، وعندما يشرع الأذان يخرجون، حيث إنني قرأت بأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الخروج عند الأذان، فما حكم ذلك؟
الجواب
في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: [أنه رأى رجلاً خرج بعد الأذان فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم] قال أهل العلم: يحرم الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر، ولكن الحديث هذا ليس فيه صراحة بأن الرجل خرج ليصلي في مسجد آخر، فقد يكون خرج لئلا يصلي، والذي نرى أنه إذا خرج ليصلي في مسجد آخر يعلم أنه أدركه فلا حرج عليه، لكن لا ينبغي أن يفعل لئلا يقتدي به من يخرج ولا يصلي.(9/38)
حكم التبرع بالدم للحصول على رخصة القيادة
السؤال
ما حكم التبرع بالدم لغير حاجة أو ضرورة؟
الجواب
ما أظن أحداً يطلب منه التبرع بالدم لغير حاجة أو ضرورة.
السائل: ما يتقدم للرخصة -رخصة القيادة- فالفحص الطبي فيه تبرع بالدم يجب عليك أن تتبرع بالدم.
الشيخ: يعني: لا يعطونك رخصة إلا إذا تبرعت بالدم؟ السائل: لا بد من هذا.
الشيخ: وإن كان ما فيه دم وهو لا يكفيه؟ الظاهر أن هذا لا يجوز من جهة أن هذا يشبه البيع، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرم ثمن الدم، لكن لو رغبوا الإنسان وقالوا: ما دام الله مغنيك وعندك دم كثير وافر اعطنا من دمك ربما ننقذ به شخصاً من الموت فهذا لا بأس به، فالتبرع بالدم إذا كان لا يضر الإنسان ما به بأس؛ لأن الدم يعوض سريعاً بخلاف التبرع بالأعضاء، فالأعضاء لو تبرعت بها ما عوضت مرة ثانية.
السائل: بالنسبة لمثل هذا الفحص، يجب فيه التبرع بالدم؟ الشيخ: على كل حال: إذا ألزمت بأن تتبرع، وقالوا: لا نعطيك فحصاً أو رخصة إلا بهذا فافعل ما دام لا يضرك.(9/39)
وجوب إعطاء الورثة نصيبهم من الإرث
السؤال
أنا عندي ابن عمره (17) سنة، ثم توفيت أمه وله منها ميراث، والآن اشترى له خاله سيارة فحصل له حادث، وطلبوا قيمة الإصلاح، وهو ليس له علم بالمال هذا، والسيارة كلفت مبلغ (2000) ريال مقابل إصلاحها، هل أعطيه هذا المبلغ؟ الشيخ: هذا ولد يتيم عندك؟ السائل: إي نعم.
الشيخ: وعندك له مال؟ السائل: عندي له مال.
واشترى له خاله سيارة وحصل منها حادث على السيارة وبلغ تكلفة إصلاحها ألفي ريالاً.
الشيخ: أعطه.
السائل: وطلب نفس المبلغ هذا وهو ما يدري، أأعطيه؟ الشيخ: أعطه؛ لأنك لو لم تعطه بقيت السيارة غير صالحة.
السائل: أعطيه المال كاملاً أم قليلاً قليلاً؟ الشيخ: أعطه ما يحتاج فقط.
السائل: عمره 17 سنة.
الشيخ: هل هو رشيد؟ السائل: نعم.
الشيخ: أعطه كل ماله إذاً!(9/40)
حكم الجمع بين الوظيفة والتجارة
السؤال
هل يجوز لأحدٍ أن يمنع أحداً من المباح؟ الشيخ: كيف؟ السائل: يعني: مثلاً الدولة تمنع الشخص من أن يفتح محلاً وهو موظف، وهذا مباح هل يطيعها في هذا الشيء؟
الجواب
الواجب على الإنسان أن يسمع ويطيع لولاة الأمور إلا في معصية الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (على المؤمن السمع والطاعة فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) وأيضاً هذا شرط في العقد: على أنك إما أن تلتزم بواجب الوظيفة، أو تترك الوظيفة، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] وقال: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء:34] فالواجب علينا نحن أن نطيع ولاة أمورنا في كل ما يأمرون به ما لم يأمروا بمعصية، فإن أمروا بمعصية فلا سمع لهم ولا طاعة فيما أمروا به من معصية الله.(9/41)
كيفية الترديد بعد الأذان مع كثرة المؤذنين
السؤال
يتتابع المؤذنون فهل يلزم إجابة كل من سمعت مع أن الأذان يستمر لمدة نحو ربع ساعة، أو يكتفى بالأول؟
الجواب
جاء في السؤال وإجابة المؤذن ليست بلازمة لا في أول مؤذن ولا في آخر مؤذن، لكن قل: هل يشرع ويستحب؟ فأنا أقول: الفقهاء رحمهم الله يقولون: إنه يجيب المؤذن كلما سمعه ولو تعدد المؤذنون، واستدلوا بعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول المؤذن) وهذا عام، إلا أنهم استثنوا إذا صلى فإنه لا يجيب المؤذن، لو فرضنا أن أحداً من المؤذنين تأخر ولم يؤذن إلا بعد أن صليت، قالوا: لا يجيب المؤذن، وعللوا ذلك: بأنه غير مدعو بهذا الأذان؛ لأن المؤذن يقول: (حي على الصلاة) وأنت قد صليت، فلا تجبه في هذه الحال، ولكن لو أجبته فأنت على خير أخذاً بالعموم: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول المؤذن) .(9/42)
حكم الزواج بابنة الجد
السؤال
شخص تزوج بابنة جده وآخر تزوج بابنة خاله، فالذي تزوج بابنة جده ماذا يكون؟
الجواب
الذي تزوج بابنة جده هي عمته أو خالته؛ لأنه إن كان جده من جهة أبيه فهي عمته، وإن كان جده من جهة أمه فهي خالته، وأما أبناء بنته فهم إما بنات خالته وإما بنات عمته، ونكاح بنات العمة أو بنات الخالة جائز.(9/43)
من أشراط الساعة
السؤال
المعلوم أن علم الساعة عند الله سبحانه وتعالى، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر من أشراطها وذكر أماراتها فذكر من أشراطها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: (أنه يقبض العلم، وتكثر الزلازل، وتكثر الفتن) ، وكذلك أشراط كثيرة، والآن ما يحدث على الكرة الأرضية من زلازل كثيرة هل هي من أشراط الساعة؟
الجواب
هذا هو الظاهر أن كثرة الزلازل من أشراط الساعة أو كثرة الفتن من أشراط الساعة، والفتن الآن كما ترون كثيرة، وأشراط الساعة كثيرة، وهذه الزلازل كثيرة، والعلماء الذين هم العلماء حقاً قليلون أيضاً، فكثير من العلماء اليوم إما علماء دولة، وإما علماء أمة، وقلَّ من يكون من علماء الملة.(9/44)
الضابط في العبادات
السؤال
هل هناك ضابط للأذكار، خاصة أننا نجد بعض الجماعات تخصص وقتاً معيناً بعد صلاة المغرب لرفع الأصوات بالذكر عقب الصلاة؟
الجواب
الضابط في الأذكار أو في غيرها من العبادات ما جاءت به السنة، فما جاءت به السنة فهو حق، وما لم تأت به السنة فهو بدعة؛ لأن الأصل في العبادات الحظر والمنع حتى يقوم الدليل على أنها مشروعة، فهل هؤلاء الذين يجتمعون بعد المغرب ويرفعون أصواتهم بالتكبير أو بالتسبيح على وجه جماعي هل جاء مثل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو جاء عن الخلفاء الراشدين؟ الجواب: لا.
إذاً ما دام لم يأتِ عن الرسول ولا عن الخلفاء الراشدين فليس بسنة فهو بدعة ينهى عنها.
السائل: وما حكم الصلاة مع هذه الجماعة؟ الشيخ: يعني: قصدك أن تكون مأموماً فلا بأس أن تصلي خلفهم؛ لأن هذه البدعة لا تكفرهم، أقول: لا تكفرهم، أي: أن هذه البدعة غير مكفرة، إلا إذا خفت إن صليت خلفهم أن يفتتنوا أو يفتتن بهم غيرهم لكونك صليت وراءهم، فهنا لا تصلِّ وراءهم.(9/45)
حكم رفع اليدين إلى السرة في تكبيرة الإحرام
السؤال
بعض الناس يرفع اليدين في تكبيرة الإحرام حول السرة أو فوق السرة قليلاً، فهل رفع اليدين يكون صحيحاً؟ وماذا على الإنسان لو كان عنده علم ثم بعد ذلك تركها ولم يرفع يديه حول المنكبين؟
الجواب
هذا الرفع الذي ذكرت ليس رفعاً مشروعاً، بل هو عبث منهي عنه؛ لأن الرفع المشروع إما إلى المنكبين، وإما إلى فروع الأذنين، وما تقاصر عن ذلك فهو قصور عن السنة فينهى عنه، ويقال: إما أن ترفع كاملاً، وإما أن تتركه.
السائل: إذا كان الإنسان عنده علم بذلك يلزمه أن ينبه؟ ولو ترك تنبيهه فماذا عليه؟ الشيخ: يلزمه أن ينبه؛ لأن الله تعالى قال: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَه} [آل عمران:187] وفي هذه الحال يحتاج إلى بيان.(9/46)
الرد على أهل البدع في تحريفهم قوله تعالى: (وجاء ربك)
السؤال
عندنا مدرس في اللغة العربية يقول: إن قول الله سبحانه وتعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر:22] يجوز من ناحية اللغة أن نقول: (جاء أمر ربك) ما نقصدها عقيدة، نقصد توضيح المضاف والمضاف إليه، فما قولكم في هذا؟
الجواب
قولنا: إن هذا غلط منه، فإذا قلت إن معنى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر:22] في اللغة: وجاء أمر ربك، فقد كذبت على اللغة؛ لأن اللغة تجعل حكم الفاعل للفعل، فإذا جاء في اللغة: جاء فلان، فالمراد جاء هو نفسه، كذلك لما قال تعالى عن نفسه: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر:22] فالمعنى: جاء هو بنفسه، وليس المعنى: جاء أمره، ومن زعم ذلك فقد كذب على اللغة العربية، ولا يجوز إقراره، والذي أعلم من جامعة الإمام محمد بن سعود أن هذا الذي قرره ابن عقيل رحمه الله الذي شرح الألفية علقوا عليه أو نبهوا الأساتذة على أن يبينوا أن هذا خطأ.(9/47)
حكم تخصيص يوم الجمعة بزيارة المقابر
السؤال
ابن القيم رحمه الله في كتابه الروح ذكر: أن الميت يعلم بزيارة الزائر في يوم الجمعة، وخص ذلك بيوم الجمعة، وما أدري ما دليله؟ وهل الآثار التي أوردها صحيحة، أم فيها ضعف؟
الجواب
أما الآثار التي أوردها لا أدري عنها، وأما تخصيص ذلك بيوم الجمعة فلا وجه له، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (زوروا القبور فإنها تذكر الموت) ، وثبت عنه أنه زار البقيع ليلاً كما في حديث عائشة الطويل المشهور، وعلى هذا فتخصيص معرفته للزائر بيوم الجمعة لا وجه له، كذلك روى أصحاب السنن بسندٍ صححه ابن عبد البر وأقره ابن القيم في كتاب الروح، أنه (ما من رجل يسلم على مسلم يعرفه في الدنيا إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام في أي وقت) .(9/48)
وضوء المرأة لا ينتقض بمسها عورة الطفل
السؤال
هل للطفل عورة، يعني: عورة الطفل إذا مستها المرأة هل ينتقض الوضوء؟
الجواب
لا ينتقض وضوء المرأة إذا هي غسلت ولدها ومست ذكره أو فرجه؛ لأن ذلك لا ينقض الوضوء، حتى مس الرجل ذكره لا ينقض الوضوء إلا إذا كان بشهوة، أما إذا كان لغير شهوة فيستحب الوضوء ولا يجب.(9/49)
حكم إخفاء المرأة المال الذي يأتي لولدها عن زوجها
السؤال
امرأة لديها ولد، وهذا الولد تأتيه مكافأة من المدرسة، وأبوه شديد الحرص، فيقول: لا يأتي مال إلا ويعطى إليَّ، فهذه المرأة تخفي هذا المال الذي يأتيه بحجة أنها تنفق على هذا الولد، وما يلزم البيت؛ لأنها لو طلبت من هذا الرجل قد لا يعطيها شيئاً، ولأدى إلى منازعات، فما رأي فضيلتكم في هذا؟
الجواب
أما ما تجحده على الأب من أجل إنفاقه على الولد فلا بأس به، أما من أجل إنفاقه على البيت فلا يجوز لها أن تأخذ من مال الولد؛ لأن نفقة البيت على الأب، هو الذي يجب عليه أن ينفق، ولها أن تأخذ من مال الأب للإنفاق على البيت، وإن لم يعلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أفتى بذلك هند بنت عتبة، لما جاءت تشتكي أبا سفيان بأنه رجل شحيح لا يعطيها ما يكفيها وولدها قال: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) .
السائل: وإذا كان الولد نفسه يخفي من أجل أن ينفق على نفسه؛ لأنه يخاف من أبيه؟ الشيخ: المهم ما دام يحتاج إلى النفقة فلا بأس أن يخفي عن أبيه ما يحتاجه من نفقة.(9/50)
الشرك والكفر لا يطلقان على شخص معين حتى تقوم عليه الحجة
السؤال
تكلم أحد الإخوة بالشرك الأكبر كدعاء غير الله أو الاستغاثة بغير الله، هل يطلق عليه أنه مشرك بعينه، أو هناك فرق بين مسائل الجلية والخفية؟
الجواب
يقال: من فعل هذا فهو مشرك، من ترك الصلاة فهو كافر، لكن لا يحكم بهذا الحكم على شخص معين حتى تقوم عليه حجة، إما بأن يكون عالماً ولكنه متهاون أو مستكبر أو ما أشبه ذلك.
السائل: بالنسبة لقيام الحجة ما دام أنه يقول لا إله إلا الله ويصلي ويعمل بعض شعائر الإسلام؟ الشيخ: لكن لا إله إلا الله لها شروط ولها نواقض والشرك يناقضها وترك الصلاة يناقضها.
السائل: ذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في رسالة الفكاك من وله الإشراك في تكفير المعين، يقول: مثل هذا قامت عليه الحجة، فهذه مسائل جلية إلا من نشأ بدار بعيدة عن دار الإسلام فلا نقول: هذا مشرك بعينه؟ الشيخ: يفهم أن الشرك حرام، ويفهم أن الشرك موجب للخلود في النار، ويفهم أن من أشرك بالله حرم الله عليه الجنة، لكن قد لا يدري أن هذه مسألة بعينها شرك وهذا وارد.(9/51)
حكم اشتراك الموظف في تجارة بماله فقط دون أن يعمل
السؤال
رجل موظف لدى الحكومة ولكن لا يكفيه راتبه ويعمل مع اثنين أو ثلاثة كمشاركة، يعني: دفع مالاً لديه واشتغل معهم باسم أحدهم فهل في ذلك شيء؟
الجواب
الذي نرى أن الموظف له أن يدفع ماله لشخص مضاربة، يعني يقول: خذ هذا المال اتجر به ولي نصف الربح ولك نصف الربح؛ لأن الموظف الآن لم يباشر العمل، أما إذا شاركه وباشر معه العمل فهذا لا يجوز؛ لأن ذلك ممنوع بنظام الموظفين.(9/52)
لقاء الباب المفتوح [10]
افتتح الشيخ رحمه الله لقاءه بتفسير آيات من سورة النبأ، ونبه إلى بيان عقيدة أهل السنة والجماعة في الجنة والنار وأنهما مخلوقتان الآن، وأنهما أبديتان لا تفنيان أبداً ولا تبيدان، ثم رغب في الجد والاجتهاد في طلب الجنة وعدم الإهمال في طلبها، ثم تفرغ للإجابة على الأسئلة.(10/1)
تفسير آيات من سورة النبأ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا نفتتح هذه الجلسة الأسبوعية الأولى، لشهر جمادى الأولى، الخميس الأول منه، الرابع عشر من الشهر، عام (1413هـ) ، وكنا نتكلم على تفسير سورة النبأ حتى بلغنا إلى قوله تعالى: {وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} [النبأ:20] .(10/2)
تفسير قوله تعالى: (إن جهنم كانت مرصاداً)
ثم قال الله عز وجل: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً} [النبأ:21] أي: مرصدة ومعدة للطاغين، وجهنم اسمٌ من أسماء النار التي لها أسماءٌ كثيرة، وسميت بهذا الاسم؛ لأنها ذات جهمة وظلمة بسوادها وقعرها -أعاذنا الله وإياكم منها- وهي مرصاد للطاغين قد أعدها الله عز وجل لهم من الآن، فهي موجودة كما قال تعالى: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24] ، و (رآها النبي صلى الله عليه وسلم حين عرضت عليه وهو يصلي صلاة الكسوف، ورأى فيها امرأةً تعذب في هرة لها حبستها لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض، ورأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار) -أي: أمعاءه-؛ وهو أول من أدخل الشرك على العرب.(10/3)
تفسير قوله تعالى: (للطاغين مآباً)
هذه النار يقول الله عز وجل إنها: {لِلْطَّاغِينَ مَآباً} [النبأ:22] والطاغين جمع طاغٍ، وهو الذي تجاوز الحد؛ لأن الطغيان: مجاوزة الحد، كما قال الله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة:11] أي: زاد وتجاوز حده.
وتجاوز الحد يكون في حقوق الله وفي حقوق العباد، أما في حقوق الله عز وجل فإنه التفريط في الواجب أو التعدي في المحرم، وأما الطغيان في حقوق الآدميين، فهو العدوان عليهم في أموالهم ودمائهم وأعراضهم، هذه الثلاثة التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلن تحريمها في حجة الوداع في عدة مواضع، فقال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) فالطغاة في حقوق الله وفي حقوق العباد هم أهل النار -والعياذ بالله-، ولهذا قال: {لِلْطَّاغِينَ مَآباً} [النبأ:22] أي: مكان أوب، والأوب في الأصل الرجوع، كما قال تعالى: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:30] أي: رجَّاع إلى الله عز وجل.(10/4)
تفسير قوله تعالى: (لابثين فيها أحقاباً)
قال تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} [النبأ:23] أي: باقين فيها أحقاباً؛ أي: مدداً طويلة، وقد دلَّ القرآن الكريم على أن هذه المدد لا نهاية لها، وأنها مدد أبدية كما جاء ذلك مصرحاً به في ثلاث آيات من كتاب الله: - في سورة النساء في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} [النساء:168-169] .
- وفي سورة الأحزاب: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [الأحزاب:64-65] .
- وفي سورة الجن في قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن:23] .
فإذا كان الله صرح في ثلاث آيات من كتابه بأن أصحاب النار مخلدون فيها أبداً فإنه يلزم أن تكون النار باقية أبد الآبدين، وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة: أن النار والجنة مخلوقتان لا تفنيان أبداً، ووجد خلافٌ يسير من بعض أهل السنة في أبدية النار، وزعموا أنها غير مؤبدة، واستدلوا بحججٍ هي في الحقيقة شبه لا دلالة فيها لما ذهبوا إليه إذا قورنت بالأدلة الأخرى؛ فهو خلافٌ لا معول على المخالف فيه ولا على قوله.
والواجب على المؤمن أن يعتقد ما دل عليه كتاب الله دلالةً صريحة لا تحتمل التأويل، والآيات كما سمعتم كلها آيات محكمة لا يتطرق إليها النسخ ولا الاحتمال، أما عدم تطرق النسخ إليها فلأنها خبر، وأخبار الله عز وجل لا تنسخ، وكذلك أخبار رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن نسخ أحد الخبرين بالآخر يستلزم كذب أحدهما: إما تعمداً من المخبر، أو جهلاً بالحال، وكل ذلك ممتنع في خبر الله، وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم المبني على الوحي.
المهم أيها الإخوة! أنه يجب علينا أن نعتقد أمرين: الأمر الأول: وجود الجنة والنار الآن.
وأدلة ذلك من القرآن والسنة كثيرة، منها قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:133] والإعداد التهيئة، وهذا الفعل (أُعِدَت) فعل ماضٍ يدل على أن الإعداد قد وقع، وكذلك قال الله تعالى في النار: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [آل عمران:131] والإعداد تهيئة الشيء، والفعل هنا ماضٍ يدل على وقوع، وقد جاءت السنة صريحةً في ذلك في أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الجنة ورأى النار.
الأمر الثاني: اعتقاد أنهما داران أبديتان من دخلهما وهو من أهلهما فإنه يكون فيهما أبداً، أما الجنة فمن دخلها لا يخرج منها، كما قال تعالى: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:48] ، وأما النار فإن عصاة المؤمنين يدخلون فيها ما شاء الله أن يبقوا فيها، ثم يكون مآلهم الجنة كما شهدت بذلك الأخبار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} [النبأ:23] لا تدل بأي حال من الأحوال على أن هذه الأحقاب مؤمدة، أي: إلى أمدٍ ثم تنتهي، بل المعنى: أحقاباً كثيرة لا نهاية لها.(10/5)
تفسير قوله تعالى: (لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً)
قال تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً} [النبأ:24] نفى فيها البرد الذي تكون به برودة ظاهر الجسم، والشراب الذي تكون به برودة داخل الجسم، وذلك لأنهم -والعياذ بالله- كما قال الله تعالى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف:29] .
وهل الماء الذي كالمهل وإذا قُرب من الوجه شوى الوجه هل ينتفع به صاحبه؟
الجواب
لا.
بل بالعكس {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15] ، أما في ظاهر الجسم فقد قال الله تعالى: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ} [الدخان:47-48] وقال الله تعالى: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الحج:19-20] ما في بطونهم من الأمعاء والجلود ظاهر الجسم، فمن كان كذلك فإنهم لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً يُطفئ حرارة بطونهم.
ومن تدبر ما في القرآن والسنة من الوعيد الشديد لأهل النار فإنه كما قال بعض السلف: (عجبت للنار كيف ينام هاربها، وعجبت للجنة كيف ينام طالبها) .
إننا لو قال لنا قائل: إن لكم في أقصى الدنيا قصوراً وأنهاراً وزوجات وفاكهة، لكنا نسير على أهداب أعيينا ليلاً ونهاراً؛ لنصل إلى هذه الجنة التي بها هذا النعيم العظيم، والتي نعيمها دائم لا ينقطع، وشباب سكانها دائم لا يهرم، وصحته دائمة ليس فيها سقم، وانظروا إلى الناس اليوم يذهبون إلى مشارق الأرض ومغاربها لينالوا درهماً من الدنيا أو ديناراً، قد يتمتعون به وقد لا يتمتعون به، فما بالنا نقف هذا الموقف من طلب الجنة، وهذا الموقف من الهرب من النار؟! نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من النار، وأن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وجعلنا الله وإياكم من المنتفعين بكتابه التالين له حق تلاوته إنه جواد كريم.(10/6)
الأسئلة(10/7)
معاني كلمة (كان)
السؤال
فضيلة الشيخ: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً} [النبأ:21] ، كثيراً ما ترد كلمة (كان) وفي السنة: (من ذبَّ عن عرض أخيه كان حقاً على الله أن يعتقه من النار) ، فما معاني هذه الكلمة؟
الجواب
الجواب على ذلك أن (كان) تارة يراد بها الزمان الماضي مثل أن تقول: (هذا الرجل كان مريضاً فبرئ) وتارة يراد بها تحقق الخبر، مثل قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:96] هل معنى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:96] كان فيما مضى والآن ليس كذلك؟ لا، لكن المراد تحقق هذا الخبر والوصف، وكذلك قوله تعالى: {كَانَتْ مِرْصَاداً} [النبأ:21] ، يمكن أن يراد بها هذا المعنى أي تحقق كونها مرصاداً، ويمكن أن يكون المراد بها حقيقة الزمن، أي كانت من الآن ومن قبل الآن مرصاداً للطاغين.(10/8)
حكم بيع المحرمات
السؤال
شاب قد هداه الله سبحانه وتعالى وعند أبيه بقالة، وهذه البقالة تحتوي على بعض المنكرات كبيع دخان وصور، وقد قام بالنصح لأبيه، ولكن أباه يحتج ويقول: ما دامت الحكومة أدخلت هذا، والناس يبيعون هذا، هذا ليس فيه شيء، وأبوه كبير في السن، وطبيعة الحال أن بعض كبار السن لا يتقبلون النصح من أولادهم إلا قليلاً، ما توجيهكم بارك الله فيكم؟
الجواب
أولاً: نهنئ هذا الشاب الذي هداه الله فالتزم؛ لأن أكبر نعمة يمن الله بها على العبد أن يهديه ويوفقه لالتزامه شريعة الله، فإن هذا خيرٌ له من كل نعيم الدنيا.
ثانياً: نوجه النصيحة لأبيه، ولا سيما وهو في آخر عمره أن يتقي الله عز وجل، وأن يخشاه ويعلم أن رزق الله لا يجلب بالمعاصي، وأن الرزق الذي يأتي بالمعصية رزق لا خير فيه ولا بركة، بل إنه وبالٌ على صاحبه، وقد جاءت السنة بالتحذير الشديد من الكسب الحرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون:51] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172] ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟!!) .
هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فأنى يستجاب له) (أنى) هنا استفهام بمعنى: الاستبعاد، أي: يبعد أن الله عز وجل يستجيب لهذا الرجل الذي يأكل الحرام، وكذلك جاء في حديث ابن مسعود: (من اكتسب مالاً -أي: حراماً- فإنه إن تصدق به فلن يقبل منه، وإن أنفقه لم يبارك له فيه، وإن خلفه كان زاده إلى النار) .
وأرجو من أخينا الشيخ الكبير أبي هذا الملتزم أن يقبل منا هذه النصيحة وهذه الهدية، فإننا لم نسقها له إلا من أجل مصلحته ومصلحة أولاده من بعده.
أما بالنسبة للشاب الذي يأمره أبوه أن يتولى البيع في هذه البقالة التي فيها ما هو محرم، فإني أقول له: لا تطع أباك في هذا، اجلس في البقالة وبع الشيء المباح ولا تبع الشيء المحرم؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وأما قول أبيك لك: إن هذا شيء لا بأس به؛ لأن الحكومة قد أذنت فيه وسمحت به، فإني أقول: أولاً: العبرة بما في الكتاب والسنة، لا بعمل الحكومة ولا بعمل الناس؛ لأن الله قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] إن تنازعتم حتى مع أولي الأمر {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] ، وهذه الحجة لا تنفعه يوم القيامة عند الله؛ لأن الله يقول: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] ولا تنفع غيرهم في الدنيا عند العقلاء من الناس المؤمنين بالله؛ لأن كل مؤمن لا يمكن أن يقبل عمل الناس أو عمل ولاة الأمور حجةً على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا حجة لأبيه في هذا.
ويُخشَى أن يكون من يحتج بعمل الحكومة مشابهاً لمن قال الله فيهم: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:166-167] ، وخلاصة الجواب أربعة أشياء: أولاً: تهنئة هذا الذي مَنَّ الله عليه بالالتزام.
ثانياً: نصيحة الأب بترك هذا العمل المحرم.
ثالثاً: أن الابن إذا أمره أن يبقى في هذا المكان في هذا الدكان فإنه يبيع الحلال ولا يبيع الحرام.
رابعاً: أن المرجع في الأحكام الشرعية ليس إلى إقرار الحكومة أو عدم إقرارها، أو عمل الناس أو عدم عملهم، وإنما المرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.(10/9)
خروج عصاة الموحدين من النار
السؤال
هل الإنسان يخلد في النار ولو كان في قلبه مثقال حبة خردل من الإيمان؟
الجواب
لا.
الذي في قلبه إيمان لا يخلد في النار، بل آخر أمره أن يخرج من النار إما بالشفاعة أو بفضل الله ورحمته ويدخل الجنة.(10/10)
حكم العمل خارج وظيفة الدولة
السؤال
بالنسبة للموظف الذي لا يكفيه راتبه في مصاريفه الخاصة هل يجوز له العمل بآخر؟
الجواب
الموظف الذي لا يكفيه راتبه لشئونه الخاصة يجوز له أن يعمل العمل الذي لا تمنع منه الحكومة أو يمنع منه النظام.
السائل: النظام يمنع السجل التجاري لعمل مؤسسة؟ الشيخ: إذا كان النظام يمنع فإنه لا يجوز له أن يفتح لا باسمه ولا باسم مستعار؛ لأن الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] ويقول تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء:34] .
والموظف تقدم للعمل في الحكومة وهو يعلم أن هذا مشروط على كل موظف، فيكون دخوله في الوظيفة التزاماً منه بألا يفتح سجلاً تجارياً أو يشتغل بتجارة.
قد يقول بعض الناس: الحكومة ليس لها حق أن تمنع من ابتغاء رزق الله؛ لأن الله قال في القرآن الكريم: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} [الجمعة:10] أي: صلاة الجمعة {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة:10] فأباح الله لنا أن ننتشر في الأرض ونبتغي من فضل الله بعد صلاة الجمعة، فكيف تمنعنا الحكومة من ذلك؟ الجواب: نقول له: الحكومة لم تمنعك لكنها قالت: لا أدخل معك في عقد إلا بهذا الشرط، وهذا الشرط مباح، أعني: تركه للتجارة مباح، فإذا كان مباحاً والتزم الإنسان بتركه وفاءً بعهده للحكومة صار هذا جارياً على القواعد الشرعية.
فنقول لهذا الموظف: أنت بين ثلاثة أمور: - إما أن تدع الوظيفة وتفتح السجل التجاري.
- أو تدع السجل التجاري وتبقى في عملك.
- أو تستأذن من الحكومة وتبين لها حاجتك، وربما إذا بينت لها حاجتك وأن راتبك قليل ومتطلبات حياتك كثيرة ربما تسمح لك.(10/11)
حكم الذهاب للجهاد في البوسنة والهرسك
السؤال
فضيلة الشيخ: ما رأيكم فيمن أراد أن يذهب إلى البوسنة والهرسك مع التوضيح؟
الجواب
أرى في الوقت الحاضر ألا يذهب إلى ذلك المكان؛ لأن الله عز وجل إنما شرع الجهاد مع القدرة، وفيما نعلم من الأخبار، والله أعلم، أن المسألة الآن فيها اشتباه من حيث القدرة، صحيح أنهم صمدوا، ولكن لا ندري حتى الآن كيف يكون الحال، فإذا تبين الجهاد واتضح حينئذٍ نقول: اذهبوا؛ لأن في ذلك خيراً، أما الآن والمسألة وهمية لا نستطيع أن نقول للناس: اذهبوا.(10/12)
المنهجية المثلى في طلب العلم
السؤال
فضيلة الشيخ أحسن الله إليك: ما رأيك فيمن يقول: إن طلب العلم في قراءة الكتب فقط، ولا يتعلق ذلك بالعلماء الأفاضل وإنه يقول: إذا عارضتني مسألة من المسائل أبحث فيها، وبعد ذلك إن لم أستطع فأردها إلى المشايخ، مع العلم أنه ليس عنده العلم الذي يعينه على ذلك، أفتونا مأجورين؟
الجواب
الغالب في الأمور أن الناس يكونون فيها طرفين ووسطاً، فهذا القول الذي قاله الأخ يعارض بقول من قال: (من كان شيخه كتابه فخطأه أكثر من صوابه) ، فمن الناس من يقول: إنه لا طريق إلى العلم إلا بالتعلم من معلم.
ومن الناس من يقول: بل هناك طريق إلى العلم وهو التلقي من الكتب.
والصواب: أن الطريقين صحيحان، التلقي من الكتب والتلقي من أفواه العلماء، ولكن لا بد من شرطٍ أساسي في هذين الأمرين: وهو أن يكون المؤلف موثوقاً في عقيدته وعلمه وأمانته.
وكذلك نقول في المعلِّم: لا بد أن يكون موثوقاً في عقيدته وعلمه وأمانته، ولكن تلقي العلم من أفواه العلماء أيسر وأضبط وأسرع؛ لأن العلماء كالطباخين الذين جهزوا لك الطعام، بخلاف الذي يعاني طبخ الطعام، فإنه يشق عليه، وربما يأكله قبل أن ينضج، وربما يحرق قبل أن يأكله، فالتلقي من العلماء أيسر وأضبط، ولهذا نرى بعض الإخوة بل بعض العلماء الذين اعتمدوا في علمهم على قراءة الكتب فقط نرى عندهم أحياناً شطحات بعيدة جداً عن الصواب؛ لأنهم لم يتلقوا عن علماء ناضجين، لكن إذا لم تجد العالم الذي تتلقى من فِيه، فاقرأ الكتب، ثم إنه إذا قلنا: إنَّ التلقي من العالم أسرع وأحفظ، فلا يعني ذلك ألا يرجع الطالب إلى الكتب، بل يرجع إلى الكتب ولكن رجوعاً مقيداً بتوجيه العالم الذي يقرأ عليه.(10/13)
ممارسة الدعوة بإذن ولي الأمر
السؤال
يوجد كثير من الشباب الذين قد بدءوا في طلب العلم وعندهم استعداد لإفادة الناس سواء كان في المساجد أو في الأماكن العامة، فيقولون: هل يقومون بتبليغ الدعوة لهؤلاء الذين يحتاجون لكلام الله عز وجل وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، أم ينتظرون حتى يكون عندهم إذن أو بطاقة من مكتب الدعوة؟
الجواب
الذي أرى ألا يتكلموا فيما يمنع فيه الكلام إلا بإذن؛ لأن طاعة ولي الأمر في تنظيم الأمور واجبة، ونعلم أنه لو أذن للصغار الذين ابتدءوا طلب العلم بالكلام لتكلموا بما لا يعلمون، وحصل بذلك مفسدة واضطراب للناس ربما في العقائد فضلاً عن الأعمال البدنية، فمنع الناس من الكلام إلا بإذن وبطاقة ليس منعاً تاماً حتى نقول: لا طاعة لولاة الأمر في ذلك؛ لأن هذا منع لتبليغ الشريعة، لكنه منع مقيد بما يضبطه بحيث يعرف من هو أهل لذلك أو لا، وكما تعلمون الآن كل من تقدم إلى المسئولين لهذا الأمر وعلموا أنه أهل لذلك أعطوه إذناً، ولم نعلم أنهم قالوا لأحد تقدم وهو أهل لنشر العلم: لا تفعل، والأمر والحمد لله أمر يطمئن إليه الإنسان، ولا يجوز لأحد أن يتكلم في موضعٍ يمنع فيه الكلام من جهة ولي الأمر إلا بإذن، مثلاً: في المساجد وفي الأماكن العامة، لكن بينه وبين إخوانه، في غرفته، في حجرته، هذا ما فيه بأس، لا يمنع منه أحد.(10/14)
نصيحة عامة لأفراد السكن العسكري
السؤال
أنا عسكري برتبة عريف، وأسكن في السكن العسكري، ويضم عدداً كبيراً من العسكر من مختلف الرتب من رقيب وأسفل، وفيهم المصلي والملتزم، وفيهم المصلي فقط، ومنهم عدد كبير تارك للصلاة والعياذ بالله، وأنا إذا أنكرت عليهم بالحكمة يقولون: جزاك الله خيراً، بسخرية ولا ينفع معهم، وأنا كما ذكرت عريف صلاحيتي محدودة في عقاب الذي لا يصلي، ولا أعاقب إلا من هو دوني في الرتبة، أما من هو أرفع مني في الرتبة العسكرية لا أستطيع أن أجازيه، وإذا نصحته ربما لا يأبه بالنصيحة، مع العلم بأن العسكري فيه من المعاصي ما الله به عليم، ولا أريد أن أذكر أنواع المعاصي التي تكون في السكن العسكري، ومع هذا الفساد هناك أناس صالحون يعدون على الأصابع منهم من هو صالح في نفسه ولا يدري ما يدور من حوله، ومنهم من يدري ولكن لا يحرك ذلك ساكناً في نفسه، ومنهم كما ذكرت إنكاره محدود، وعندنا قائد في السرية إنسان متهاون جداً في الصلاة، ولكنه يحب الصالحين وهو متناقض في أقواله وأعماله، مع أنه يحث على الصلاة ويهدد الناس الذين يرتكبون المعاصي ويتركون الصلاة بالفصل أو تحويلهم إلى الشئون الدينية، فماذا يجب عليَّ في ذلك جزاك الله خيراً؟
الجواب
هذا السؤال الطويل وهو سؤال عن قرية كاملة؛ لأن المجمع السكني يجمع أناساً تختلف أفكارهم وأهواؤهم وأعمالهم وأقوالهم، والناصح إذا نصح فليس من شرط النصيحة تقبل المنصوح، أرأيت الله يقول لموسى وهارون: {اذْهَبْا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:43-44] فقاما بأعباء الرسالة، ولكن هل تذكر أو خشي؟ لا، فلا يشترط في النصيحة أن تكون مقبولة إذا قام الإنسان بما يجب عليه من النصيحة، فقد أدى ما عليه قبل من وجهت إليه فهذا له وللناصح، وإن لم يقبل فللناصح وعليه، ولكن مع ذلك لا أعفي الملازمين ومن تحتهم من أن يناصحوا من فوقهم، فإن رأوا منهم تقبلاً وإلا فليرفع الأمر إلى من فوقهم أيضاً، إما مباشرةً وإما بواسطة من يبلغ إلى المسئولين الذين فوقه؛ لأن تولي غير الصالح للصالحين عكس وانقلاب، إذ أن الواجب أن الصالح هو الذي يكون له الولاية، وليس معنى هذا أننا نريد أن يقفز من مرتبته إلى مرتبة الآخر، لكن نريد أن الذي فوقه إذا لم يصلح يغير إلى شخص آخر صالح، ومع هذا فإني أعتقد أن الصلاح -ولله الحمد- بدأ ينتشر في القطاعات العسكرية وغيرها، وأن من الناس من يجامل بالصلاح في أول مرة، ثم في النهاية يصلح صلاحاً خالصاً لله عز وجل، وأما اختلاف المسئولين الكبار من الرائدين ومن دونهم فإن هذا أمرٌ لا بد منه في الغالب، ولكن خيراً أن يقع من هذا الرجل إصلاح غيره وعقوبة من أساء، ولو كان هو أيضاً صالحاً في نفسه فهذا خير، ولعلَّ الله سبحانه وتعالى أن يمنَّ عليه بصلاح نفسه، كما يحاول هو إصلاح غيره.
فالخلاصة الآن: أنني أوصيك بالبقاء على النصيحة، وعقوبة من لك عقوبته، وإذا لم يتنصح من نصحته فإنه من الممكن أن ترفع الأمر إلى من فوقه إما مباشرة إن استطعت، وإما بواسطة غيرك إذا لم تستطع لا سيما إذا كانت معصيته خروجاً من الدين كالذي لا يصلي.
فإن الذي لا يصلي -لا شك عندي أنه- كافر مرتد خارج عن الإسلام (يحشر -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف) .(10/15)
كيفية الفتوى في مسائل الخصومة والأوقاف
السؤال
مات شخص اسمه عبد الله فخلف من بعده ابنين محمد وعبد العزيز، وترك بيتين للوقف، وكل واحد منهما سكن في بيت، فوضعه لذوي الحاجة، عبد العزيز توفي وخلف ابناً بعده اسمه عبد الله بن عبد العزيز وهو في الرياض ليس له حاجة في البيت، فبقيت أمه في هذا البيت، وبناته تزوجن، ومحمد له أولاد سكنوا البيت الثاني، ويؤدون ما عليهم من العشاء وغيره من الوصايا، فطلب عبد الله بن عبد العزيز من عمه محمد أن يدفع أموالاً، قال محمد: البيت الآن ليس له حاجة ولا يعقل أن ندع البيت هكذا، فلا بد أن نؤجره، وأنت ليس لك حاجة في هذا البيت، فهل يبقى لعبد الله متى ما أتى يجلس فيه، أم يجلس فيه ذوي الحاجة من أبناء محمد؟
الجواب
أولاً: هذه مسألة بين خصوم، ومن عادتي أنني لا أفتي بمسائل فيها خصوم؛ لأن الله عاتب داود -وهو نبي من الأنبياء- لما حكم قبل أن ينظر في كلام الخصم، فكيف بنا نحن؟! والشيء الثاني: أن مسائل الأوقاف لا يمكن الفتوى فيها إلا بالنظر في وثيقة الوقف؛ لأنه رب كلمة واحدة تغير مجرى العمل، فلذلك لا يمكن أن أفتي بهذا حتى يتفق عبد الله وعمه محمد على ذلك ويأتون إليَّ بوثيقة الوقف.
السائل: لكن الأصل في الأوقاف؟ الشيخ: ليس لها أصل إلا ما في الوثائق، إلا ما خالف الشرع فيلغى.(10/16)
حكم القصر في السفر
السؤال
لقد سمعنا عن فضيلتكم فتوى قد تداولها طلبة العلم، وهي مسألة القصر في السفر، والكثير من طلبة العلم يقولون: إن الشيخ يقول: إن طلبة العلم إذا قدموا من بلدان خارج المملكة، إذا صلوا فرادى يقصرون الصلاة بناءً على أنهم في سفر، فنريد أدلة ذلك بالتفصيل؟
الجواب
هذه المسألة بارك الله فيك وهي إقامة المسافر في بلد هل ينقطع بها حكم السفر أو لا ينقطع؟ العلماء مختلفون في هذه المسألة على أكثر من عشرين قولاً ذكرها النووي في المجموع شرح المهذب، وذلك أن المسألة ليس فيها نص قاطع يفصل بين المختلفين، لذلك ذهب شيخ الإسلام رحمه الله وجماعة من أهل العلم إلى أن المسألة ترجع إلى الاستيطان أو السفر، وأن حال الإنسان دائرة بين الاستيطان والسفر فقط، ويلحق بالاستيطان الإقامة الدائمة التي لم تحدد بعمل ولا زمن، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، وهو الذي تدل عليه ظواهر الأدلة الشرعية؛ لأنه لا يوجد في القرآن ولا في السنة حرف واحد يدل على تحديد المدة التي تقطع حكم السفر إذا نواها الإنسان، ومن كان عنده دليل في ذلك فليسعفنا به، وأكبر دليل عند الذين حددوا هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام إقامات مختلفة: فمنهم من أخذ بالأدنى، ومنهم من أخذ بالأعلى، فـ ابن عباس مثلاً قال: (إذا نوى المسافر تسعة عشر يوماً أو أكثر فإنه يتم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بـ مكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، فإذا أقمنا هذه التسعة عشر يوماً قصرنا وإذا زدنا أتممنا) .
والإمام أحمد والشافعي وأظن الإمام مالكاً أيضاً يقولون: (إذا نوى أكثر من أربعة أيام أتمَّ، وإذا نوى أربعة فما دونها قصر) لكن الشافعي يقول: (يوم الدخول ويوم الخروج لا يحسب، فالأيام تكون صافية أربعة) وبناءً على هذا المذهب تكون الأيام ستة يوم الدخول ويوم الخروج وأربعة صافية بينهما، والإمام أحمد يحسب يوم الدخول ويوم الخروج فما هو الدليل في هذا؟ الدليل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهي آخر سفرة سافرها قدم مكة يوم الأحد الرابع من ذي الحجة ومكث بها يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء، وفي يوم الخميس ضُحىً خرج إلى منى، وقد صح عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان في هذه المدة يقصر الصلاة، قال أنس رضي الله عنه: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم -أي: إلى مكة - في حجة الوداع، فلم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة، فسئل: كم أقاموا في مكة؟ قال: أقمنا بها عشراً) ؛ لأنه وصلها يوم الأحد الرابع من ذي الحجة وخرج صباح الرابع عشر من ذي الحجة فتكون الأيام عشرة، أربعة قبل الخروج إلى المشاعر، والباقي في المشاعر، ولكني أقول: هل هذا دليل على التحديد، أم على عدم التحديد؟ هو في الحقيقة دليل على عدم التحديد لا على التحديد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: من جلس أكثر من أربعة أيام فليتم، وإنما كانت أربعة أيام مصادفة، وهو يعلم صلى الله عليه وسلم أن الناس يقدمون إلى مكة للحج قبل اليوم الرابع، أي: ليس كل الحجيج لا يقدم إلا في الرابع فما بعده، أبداً؛ الحجاج يقدمون في الرابع في الثالث في الثاني في الأول في آخر ذي القعدة، بل يمكن من شوال: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197] أولها شوال، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يعلم أن الناس يقدمون قبل اليوم الرابع لم يقل للناس: من قدم قبل اليوم الرابع فليتم، فَعُلِمَ أن الإتمام لا يلزم، ولهذا لما صلى بـ مكة عام الفتح قال لأهلها: (يا أهل مكة! أتموا فإنا قوم سَفْرٌ) وكان يصلي ركعتين ويسلم، ثم يقوم أهل مكة فيتمون.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يبلغ البلاغ المبين، فإذا علمنا أنه أقام في مكة أربعة أيام قبل الخروج إلى منى وستة أيام بعد ذلك، وأقام في تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة، وأقام في مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، فهذه مدد مختلفة ولم يتغير فيها الحكم، فحينئذٍ نقول: العبرة بقطع السفر أن ينوي الإنسان قطع السفر والإقامة المطلقة في هذا البلد، فصار من أهلها ولزمه ما يلزم المقيم، وأما إذا قال: أنا لست من أهل البلد لكني أقمت لشغل، فنقول: إذاً؛ أنت مسافر، لكن مع ذلك هذا الرجل الذي أقام في البلد لا نعفيه من صلاة الجماعة بل نلزمه بصلاة الجماعة والجمعة، إلا إذا فاتته فيصلي ركعتين، كذلك أيضاً لا نرى أن يفطر رمضان ثم يقضيه بعد ذلك، لأنه غير مسافر، لكن لأنه لو ترك صيام رمضان في هذه السنة ثم في السنة الأخرى ثم في السنة الثالثة تضاعفت عليه الأيام، وربما عجز وكسل، ثم إن تأكيد الفطر في السفر ليس كتأكيد القصر، القصر عند بعض العلماء واجب في السفر، ولم يحفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتم يوماً من الأيام وهو مسافر.
وأما الفطر فإن الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يصومون ويفطرون، ولا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، والنبي صلى الله عليه وسلم صام، ولما قيل له: الناس قد شق عليهم أَفْطَر، فلهذا نقول: الصوم لهذا المسافر الذي أقام مدة طويلة لا يؤخر إلى رمضان الثاني، بل يصومه لئلا تتراكم عليه الأشهر فيضعف أو يتهاون.(10/17)
شبهة حول أبدية النار
السؤال
بعض العلماء يحتج على فناء النار بقول الله تبارك وتعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:106-107] كيف نرد على هذه الشبهة؟
الجواب
نرد عليهم برد سهل جداً من وجهين: الوجه الأول: أن الله قال مثل هذا في الجنة قال: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود:108] فهل يقولون: إن الجنة غير مؤبدة لا يقولون ذلك؛ لأن الله قال: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:108] لكن هنا قال: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:107] والفرق بينهما ظاهر، فالجنة منة ونعمة، فبين الله فيها أثر المنة والنعمة وقال: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:108] ، أما في النار فهي انتقام وعدل فختمها الله بقوله: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:107] ومن فعله لما يريد أن يبقى هؤلاء أبد الآبدين في النار.
الوجه الثاني: أن هذه الآية هب أنها مشكلة، وأن الاستثناء فيها ما نعلم ما وجهه، فهل من طريق الراسخين في العلم أن يأخذوا بالمتشابه ويدعوا المحكم، أو أن يأخذوا بالمحكم ويدعوا المتشابه؟ الثاني إذاً، المحكم عندنا ثلاث آيات من القرآن: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن:23] ثلاث آيات من القرآن صريحة، فلماذا نعدل عنها إلى شيء مشتبه يحتمل أوجهاً، إننا لا نفعل هذا؛ لأن هذا من فعل الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه، ولهذا نجد أهل السنة والجماعة في كتبهم يذكرون أن الجنة والنار موجودتان الآن، وأنهما لا يفنيان، فإن قال قائل: كيف أن الله عز وجل يجعل هذا الكافر أبد الآبدين في النار؟ نقول: لأن هذا الكافر أفنى دنياه كلها في معصية الله عز وجل فأفنى الله آخرته كلها في عقابه، ثم هل هذا الكافر ترك أم جاءه نذير؟ الجواب: جاءه نذير {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} [النساء:165] بآيات بينات يؤمن على مثلها البشر، فلا عذر له لا في الدنيا ولا في الآخرة، وتأبيد النار ومن فيها لا ينافي الحكمة بل هو غاية في الحكمة.(10/18)
حكم المساهمة في شركة ربوية
السؤال
إنني قدمت من المدينة للسلام على فضيلتكم، وعندي سؤال لي وسؤالان قد أوصيت بهما وسأؤخرهما، أما سؤالي فسأطرحه: فإنني قد تورطت في شركة مساهمة، وساهمت فيها ولم أعلم رباها، أو أنها سترابي، ثم اتضح لي فيما بعد أنها رابت، وصرحت بهذا، وأعلنت الفوائد البنكية، ثم أحببت أن أتخلص من هذا الأمر، فجئتهم، وقلت لهم: أعطوني ما أعطيتكم، وخذوا ما حصلتم عليه، فرفضوا، وقالوا: ليس أمامك إلا أن تبيع هذه الأسهم، وتأخذ رأس مالك، والباقي أنت حر فيه إن أكلته أو تركته، ولكن عندي شبهة خطرت في بالي هي أنني أعلم أن هذه الأسهم التي سأتخلص منها بالبيع بعد أخذ فوائدها؛ لأنهم لا يجيزون إلا بعد أن تأخذ الفوائد، علمت أنني سأخرج من هذه الأسهم، وأورط فيها أخاً آخر لي في الله؛ لأنه سيشتريها بعد ذلك؛ لأن هذه الأسهم لا يمكن أن تعود إلى الشركة إذ رأس مالها مليون سهم، وأنا لي ثلاثمائة سهم، ولن تنقص هذه باعتبار أن الأسهم ثابتة إلا أن يحل بدلي آخر، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ، فأنا -والله- لا أحب أن أخرج من النار وأقذف فيها بدلي أخاً آخر لي، فهذه الشبهة اعترضتني، وجعلت عندي تشكك في أن البيع لا خلاص منه، فعزمت أن أترك هذا المال وأخرج إلا أنهم قالوا: إن هذا سيظل حتى وإن مت سيكون لورثتك من بعدك بفوائد فأحب أن أتخلص من هذه الشبهة التي قد اعترضتني، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
الجواب
أنا أرجو أن يكون تخلصك لله عز وجل خيراً لك من الدنيا وما عليها، وأما كون من يأتي من بعدك ويأخذه فالإثم عليه هو، أنت خلصت نفسك بأن تقول للشركة: إما أن تشتروها أنتم أيها المؤسسون! السائل: الشركة باسمها أو فرد من أفراد الشركة؟ الشيخ: باسمها أو فرد من أفرادها، لكن الفرد في النفس منه شيء؛ لأن بيعه على الفرد يعني: التعاون على الإثم.
السائل: ما عندي أي استعداد لأن أبيع على الشركة نفسها؟ الشيخ: إذا كان ما عندك استعداد فاتركه لله، وسيخلف الله عليك.
السائل: أنا بكل طوع سأترك هذا غير أني سأعلم أنه محفوظ لأبنائي من بعدي؟ الشيخ: ما يهمك هذه قدرتك، أنت إذا جاء الورثة من بعدك هم المسئولون، اكتب نصيحة لمن بعدك: بأني أنصحكم ألا تقربوا هذه الشركة، والمشكلة في هذه الشركة ليست مسألة الربا فقط، المشكلة أننا سمعنا أنها تغصب الناس أموالهم، ولا تسمح لهم بالعود لأموالهم على ما سمعنا، سمعنا أن هناك أناساً جنوا، وبعضهم ماتوا، لما حيل بينهم وبين أملاكهم.
فالله أعلم، لكن على كل حال تركك إياها خير.
السائل: أترك مالي وإن كان آلافاً مؤلفة؟ الشيخ: أنت قلت: ثلاثمائة سهم.
السائل: تساوي حوالي عشرة آلاف ريال؟ الشيخ: إذا كان كذلك فأمرك سهل.
السائل: أنا لا يضرني تركها.
الشيخ: إذا كان لا يضرك، اتركها ويخلف الله عليك.(10/19)
الحماس الزائد في الدعوة إلى الله وانعكاساته على الداعية
السؤال
نجد من بعض الشباب الذين منَّ الله عليهم بالهداية وتمسكوا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان عندهم دافع قوي في الدعوة وحماس زائد، فلو تعرضوا في يوم من الأيام إلى فتنةٍ سواء من عدم إلقاء كلمة أو خطبة أو منعوا من بعض الجهات المختصة، فنجدهم يصابون بإحباط، وبعضهم يرتد عن التزامه -والعياذ بالله- أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ الشيخ: ما فهمت وجهة سؤالك؟ السائل: ما نصيحتكم لهم وما هي الأسباب التي يجب أن يتمسكوا بها؟
الجواب
نصيحتي أن أقول: من تمام الالتزام طاعة ولي الأمر في غير المعصية؛ لأننا لا نطيع ولاة أمورنا لأنهم من آل فلان أو من آل فلان، نطيعهم؛ لأن الله أوصانا بذلك قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] ، ونعتقد أن طاعتنا لهم في غير معصية طاعة لله عز وجل، فيقال لهؤلاء الملتزمين: ليس عليكم شيء، أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، هذا من طاعة الله، ما دام أنهم لم يأمروكم بشرب الخمر ولا بشيء من المحرمات فأطيعوهم.
السائل: لو حصلت لأحدهم فتنة تجده يرتد عن التزامه، وهذا يحصل كثيراً؟ الشيخ: هذه مشكلة، وهذا أشار الله إليه في القرآن: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} [الحج:11] أعوذ بالله {خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:11] نقول: يا أخي! اتق الله، ما دمت تعلم أن طاعة ولي الأمر واجبة، ومنعك من أن تتكلم، فطاعته من دين الله، فأنت على خير، عمار بن ياسر عندما كان يفتي بأن الجنب يتيمم إذا لم يجد الماء، وكان عمر بن الخطاب لا يرى ذلك، يقول: الجنب يبقى حتى يجد الماء ويغتسل ويصلي، فكان عمار بن ياسر يحدث بأن الجنب يتيمم؛ لأن المسألة وقعت عليه: (لما بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم هو وعمر في حاجة، فأجنب عمار فتمرغ في الصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال له: إنما كان يكفيك أن تقول بيدك هكذا؛ وضرب بيده الأرض فمسح وجهه ويديه، فلما بلغ عمر أنه يحدث بهذا الحديث أمر أن يؤتى به، وقال ما هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين! ألم تذكر حينما بعثني النبي صلى الله عليه وسلم وإياك في حاجة وحصل كذا وكذا، ولكن يا أمير المؤمنين! إن شئت -بما جعل الله لك عليَّ من الطاعة- ألا أحدث به فعلت -وهو حديث يرويه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: إن شئت ألا أحدث به فعلت- قال عمر: نوليك ما توليت) يعني: وحدث به، فالإنسان الملتزم حقيقةً يجب عليه أن يلتزم في كل شئون الدين، ليس في شيء معين، إذا قيل له: لا تتكلم يقول: الحمد لله، لا أتكلم والإثم عليكم، والكلام فرض كفاية، وفيه من يكفي، وليس معناه: أن المسألة موقوفة على عين هذا الرجل لا يبلغ الشرع إلا هو، هناك أناس، فإذا طمأن نفسه بهذا الأمر وامتثل ولم ينابذ، فربما يأتي يوم من الأيام يؤذن له بالكلام، يفتح الله على ناس آخرين يقولون: لماذا منعتم هذا الرجل اتركوه يتكلم، ويؤذن له.(10/20)
عقيدة الإخوان المسلمين والأشاعرة
السؤال
ما هي عقيدة الأشاعرة وهل الإخوان المسلمين عقيدتهم أشعرية؟
الجواب
والله! لا نعرف عن الإخوان المسلمين ما هي عقيدتهم.
لكن الأشاعرة، من خير ما رأيت فيما كتب عنهم رسالة صغيرة للشيخ سفر الحوالي، تكلم فيها بكلام جيد، وبين فيها مخالفتهم لـ أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات، وفي الإيمان وفي الوعيد وفي أشياء كثيرة، من أحب أن يطلع عليها فإنه يستفيد.(10/21)
كيفية رد المظالم إلى أهلها إذا لم يعرف أصحابها
السؤال
شخص قبل أن يهتدي سرق أموالاً من بعض المحلات، كانت بعض المحلات تغلق بشراع بسيط، فكان يدخل مثلاً في الظهر ويأخذ الأموال من الأدراج، ولما تاب يقول: نسيتها ونسيت أصحابها، فماذا يفعل؟
الجواب
هذا الرجل يقول: كان قبل التزامه يأخذ أموال الناس، وأنه الآن نسي من أخذها منهم، ونسي الأموال، نقول له: تصدق عن أصحابها، فإذا قال: لا أدري كم أخذت؟ نقول: تحقق: إذا قَدَّرت أنه ألف أو ألفين فلا يلزمك إلا ألف، خذ بالأقل.(10/22)
حكم بيع التلفاز
السؤال
شخص في أول حياته كان فاسقاً، فاشترى تلفازاً يريد أن يرى فيه الأشياء المحرمة، ثم فتح الله عليه وتاب، وأراد أن يتخلص من التلفاز، وعرض عليه أحد مكاتب الدعوة أن يشتري منه هذا الجهاز، هل يجوز أن يبيعه عليه، أم يجب أن يبذله بدون مال؟
الجواب
يجوز له أن يبيعه، يعني: يجوز للإنسان إذا تاب أن يبيع التلفاز لشخص لا يستعمله في الحرام وثمنه حلال له.(10/23)
منزلة إيمان الجار المسيء لجاره
السؤال
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (والله! لا يؤمن، والله! لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه) فما رأي فضيلتكم إذا كان جاري مسيئاً إليَّ؟
الجواب
إذا كان يسيء إليك فإنه ليس بمؤمن، ولكن ليس المعنى أنه كافر، بل ليس بمؤمن كامل الإيمان، يعني: نقص من إيمانه شيء؛ لأن نفي الإيمان تارة يراد به الكفر الأكبر، وتارة يراد به العاصي الذي فعل ما ينافي كمال الإيمان، فإذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن من فعل كذا، ينظر إذا كان فعله مكفراً كان نفي الإيمان نفياً مطلقاً، وإذا كان فعله لا يكفر كان نفي الإيمان نفياً مقيداً، أي: نفي الإيمان الكامل، فالمعنى: لا يؤمن، أي: الإيمان الكامل بل إيمانه ناقص.(10/24)
حكم طلاق السكران
السؤال
ما حكم رجل طلق امرأته وهو في حالة سكر، إلا أنه يقول: إنه كان في حالة سكر شديد، وكان يتكلم ويعي كلامه، فهل يقع طلاقه، هذه مسألة؟ والثانية في نفس الموضوع: ما الذي يجب على هذه المرأة المطلقة، وما هي الأحكام المتعلقة بها؟
الجواب
طلاق السكران فيه خلاف بين العلماء، فمنهم: من يرى أنه لا يقع، ومنهم: من يرى أنه يقع، ومثل هذه المسألة مشكلة؛ لأن الرجل سكران ويعي ما يقول فلا بد أن تعرض على المحكمة ليحكم القاضي بما يرى، إلا إذا كانت هذه الطلقة هي الأولى أو الثانية فيقال للزوج: راجعها، درأً للشبهة.
السائل: إذا حكم القاضي بوقوع الطلاق؟ الشيخ: إذا حكم بوقوع الطلاق فإن المرأة إذا انتهت عدتها تتزوج من شاءت.(10/25)
الحكمة من ورود (الصَّافَّات) بصيغة التأنيث
السؤال
كثيراً ما يرد في القرآن ذكر الملائكة بصفة التأنيث مثل، (والصافات صفا) ، ولم يقل: والصافون صافا، فما الحكمة في ذلك؟
الجواب
قال الله تعالى عن الملائكة: {وَالصَّافَّاتِ صَفّاً} [الصافات:1] وقال تعالى عنهم: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} [الصافات:165-166] فـ (الصافات) هذه يراد بها الجماعات صفاً صفاً؛ لأن الملائكة جندٌ عظيم لا يعلم عدده إلا خالقهم عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أطَّت السماء وحُق لها أن تئط، ما من موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد) والسماء واسعة: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] ليس هناك أربع أصابع إلا وفيه ملك! من يحصيهم؟ ثم إنه ثبت أن البيت المعمور في السماء السابعة يطوف به كل يوم ويدخله سبعون ألفاً من الملائكة لا يعودون إليه مرة أخرى إلى يوم القيامة، من يحصي هذا العدد؟ فلهذا جاءت (الصافات) ونحوها مما هو مؤنث، باعتبار جماعات لا باعتبار كل واحد، ولذلك لما جاء (الصافون) صار المراد بها الجماعة، كل جماعة على انفراد.(10/26)
السحر بين الحقيقة والتخييل
السؤال
استدل المعتزلة في قولهم: إن السحر يقع تخيلاً وليس حقيقة بقوله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه:66] ما رد أهل السنة على هذا الاستدلال؟
الجواب
التخييل هذا حقيقي أم غير حقيقي، إذا خيل للإنسان أن الحبال التي لا تتحرك أنها تسعى هل أثرت عليه؟ حسناً؛ السحر هو كون الإنسان يختل فكره بحيث أنه يرى الجماد: الحبال والعصي التي لا تتحرك يخيل إليه أنها تسعى وهي لا تسعى لكن يخيل إليه هل أثَّر؟ إذاً دليلهم كان دليلاً عليهم، نعم.
السحر لا يؤثر في قلب الأعيان فلا يجعل الحديد خشباً ونحو ذلك.
السائل: هل الاختلاف كان لفظياً بين أهل السنة والمعتزلة؟ الشيخ: لا، ليس اختلافاً لفظياً، بل حقيقي، فإن السحر يؤثر، يمرض الإنسان، وربما يفسد فكره، وربما يلحقه جنون، وربما يموته درجات، والعياذ بالله.(10/27)
قاعدة في كسب الحرام
السؤال
قلتم في إحدى المحاضرات قاعدة: ما كان مُحرماً لكسبه حرم على الكاسب فقط.
نريد توضيح هذه القاعدة؟
الجواب
هذا الذي نرى في المسألة: أن ما حُرِّم لكسبه فهو حرام على الكاسب، مثل الربا، إذا مات الإنسان الذي كان يتعامل بالربا فماله حلال لورثته، أما ما حرم لعينه كالخمر فذلك حرام على الناقل وعلى من ينتقل إليه، وكذلك ما كان محرماً قد بقي فيه التحريم مثل المغصوب والمسروق، لو أن الإنسان سرق مثلاً ثم مات لا يحل للوارث، فإن كان يعلم صاحبه أعطاه إياه، وإلا تصدق به عنه.(10/28)
القول في جماعة التبليغ بين الإفراط والتفريط
السؤال
فضيلة الشيخ: جماعة الدعوة الذين يخرجون ثلاثة أيام، وهم جماعة التبليغ والدعوة، المهم -يا شيخ- أني بدأت الالتزام قريباً، ومضطرب في هذا الأمر، هناك بعض الشباب من الإخوان يقول: لا تتبع هذه الجماعة، وهناك بعض العلماء في المدينة نصحني بالخروج معها، فما رأي فضيلتكم؟
الجواب
الغالب أن كل المسائل يكون الناس فيها طرفين ووسطاً: فمن الناس من يثني على هؤلاء كثيراً، وينصح بالخروج معهم، ومنهم من يذمهم ذماً كبيراً، ويحذر منهم كما يحذر من الأسد، ومنهم متوسط، وأنا أرى أن الجماعة فيهم خير، وفيهم دعوة، ولهم تأثير لم ينله أحد من الدعاة، تأثيرهم واضح، كم من فاسق هداه الله! وكم من كافر آمن! ثم إنه من طبائعهم التواضع والخلق والإيثار، ولا يوجد في الكثيرين، ومن يقول: إنهم ليس عندهم علم حديث أو من علم السلف أو ما أشبه ذلك؟ هم أهل خير ولا شك، لكني أرى أن الذين يوجدون في المملكة لا يذهبوا إلى باكستان وغيرها من البلاد الأخرى؛ لأننا لا ندري عن عقائد أولئك ولا ندري عن مناهجهم، لكن المنهج الذي عليه أصحابنا هنا في المملكة منهج لا غبار عليه، وليس فيه شيء، وأما تقييد الدعوة بثلاثة أيام أو أربعة أيام أو شهرين أو أربعة أشهر أو ستة أو سنتين فهذه ما لها وجه، ولكنهم يرون أن هذا من باب التنظيم، وأنه إذا خرج ثلاثة أيام وعرف أنه مقيد بهذه الثلاثة استقام وعزف عن الدنيا، فهذه مسألة تنظيمية ليست بشرع، ولا هي عبادة، فأرى -بارك الله فيك- إن كان اتجاهك لطلب العلم فطلب العلم أفضل لك؛ لأن طلب العلم فيه خير، والناس الآن محتاجون لعلماء أهل سنة راسخين في العلم، وإن كان ما عندك قدرة على تلقي طلب العلم، وخرجت معهم لأجل أن تصفي نفسك، فهذا لا بأس به، وهناك أناس كثيرون هداهم الله عز وجل على أيديهم.(10/29)
كيفية حفظ القرآن ومتون اللغة وأيهما يقدم؟
السؤال
أنا شاب عندي رغبة شديدة في تعلم العلوم الشرعية، وقد بدأت بحمد الله في حفظ المتون كـ ألفية ابن مالك وغيرها من المتون، ولكني لم أحفظ كتاب الله ولا أستطيع الجمع بينهما، وقدمت حفظ متون اللغة كي أصون لساني عن اللحن في كتاب الله، وتوقف فهم كثير من أحكام القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم على تعليم النحو واللغة، وحيث أنني أبلغ من العمر ما يقارب السابعة والعشرين فإني أخشى إن بدأت بحفظ القرآن ألا أتمكن من حفظ غيره من المتون لتقدم السن، هذا وبالله التوفيق؟
الجواب
الذي أرى لهذا الأخ الملتزم أن يبدأ بحفظ القرآن؛ لأن القرآن ترجع إليه كل الأمور: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89] ، وحفظ القرآن إن قام يتلوه فله في كل حرف عشر حسنات، وإذا كان يتلوه بتدبر وتفهم للمعنى ازداد إيمانه، والمتون التي أشار إليها من متون العلم كـ الألفية وغيرها يجعلها أخيراً، فالذي أنصحه به أن يبادر بحفظ كتاب الله عز وجل قبل كل شيء.(10/30)
حكم إلقاء السلام على غير المسلمين
السؤال
عندي سؤال من جهة طبيعة العمل، حيث إن معي في العمل نصارى منهم عرب ومنهم أجانب، فيبادروني بالسلام، وأحياناً أسلم عليهم وأحياناً أعرض عنهم، فهل في هذا إثم عليَّ، جزاك الله خيراً؟
الجواب
إذا سلم عليك رجل من المسلمين أو من اليهود أو من النصارى أو من البوذيين أو من الملحدين الذين لا يعترفون بدين فرد عليهم السلام؛ لأن الله قال: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] ، وتأمل قوله: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} [النساء:86] لم يقل: إذا حياكم المسلمون، وإنما قال: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ} [النساء:86] أي: واحد يحييكم بتحية {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] أنت لا تبدأه بالسلام، لكن إذا سلم ترد عليه وجوباً، ثم إن كان يصرح بقوله: السلام عليكم، قل: عليكم السلام، وإن كان لا يصرح وتخشى أن يقول: السام عليكم، كما كان اليهود يفعلون مع الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة فقل: وعليكم.
وكفى.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله آجمعين.(10/31)
لقاء الباب المفتوح [11]
هذا اللقاء عبارة عن تفسير بعض آيات من سورة النبأ والتي احتوت على ذكر ما أعده الله عز وجل من أنواع العذاب للكفار، فذكر تعالى أنهم لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً إلا حميماً وغساقاً، وأيضاً كما ذكر الله ما أعده لأهل عصيانه ذكر ما أعده لأهل طاعته من النعيم، لأن القرآن مثاني إذا ذكر فيه العقاب ذكر فيه الثواب.(11/1)
تفسير آيات من سورة النبأ
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن هذا هو اللقاء الثاني لشهر جمادى الأولى، الموافق ليوم الخميس الحادي عشر من هذا الشهر، عام (1413هـ) ، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل في هذه اللقاءات بركة ونفعاً لنا وللمسلمين.
نُتمم ما نحن سائرون فيه من التفسير، وقد تكلمنا على قوله تعالى في سورة النبأ عن الطاغين، وأن جهنم كانت مآبهم، وأنهم لابثون فيها أحقاباً، {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً * إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً} [النبأ:24-25] .
تكلمنا على قوله تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً} [النبأ:24] وقلنا: إن الله سبحانه وتعالى نفى عنهم البرد الذي تبرد به ظواهر أبدانهم، والشراب الذي تبرد به أجوافهم.(11/2)
تفسير قوله تعالى: (إلا حميماً وغساقاً)
ثم قال تعالى: {إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً} [النبأ:25] وهذا الاستثناء منقطع عند النحويين؛ لأن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه، والمعنى: ليس لهم إلا هذا، الحميم: وهو الماء الحار المنتهي في الحرارة إلى ما ذكرناه سابقاً بأنهم يغاثون بماء كالمهل يشوي الوجوه، {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15] ، وغساقاً؛ قال المفسرون: إن الغساق هو: شراب منتن الرائحة شديد البرودة، فيجمع لهم -والعياذ بالله- بين الماء الحار الشديد الحرارة، والماء البارد الشديد البرودة، ليذوقوا العذاب من الناحيتين: من ناحية الحرارة، ومن ناحية البرودة، بل إن بعض أهل التفسير قالوا: إن المراد بالغساق: صديد أهل النار وما يخرج من أجوافهم من النتن والعرق وغير ذلك.
وعلى كل حال فالآية الكريمة تدل على أنهم لا يذوقون إلا هذا الشراب الذي يقطع أمعاءهم من حرارته، ويفطر أكبادهم من برودته -نسأل الله العافية- وإذا اجتمعت هذه الأنواع من العذاب كان ذلك زيادة في مضاعفة العذاب عليهم.(11/3)
تفسير قوله تعالى: (جزاءً وفاقاً)
ثم قال تعالى: {جَزَاءً وِفَاقاً} [النبأ:26] ، أي: يجزون بذلك جزاءً موافقاً لأعمالهم، من غير أن يظلموا، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس:44] ، فهذا الجزاء موافق ومطابق لأعمالهم.(11/4)
تفسير قوله تعالى: (إنهم كانوا لا يرجون حساباً)
ثم بين وجه الموافقة، أي: موافقة هذا العذاب للأعمال فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً} [النبأ:27-28] ، فذكر انحرافهم في العقيدة وانحرافهم في القول، {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً} أي: كانوا لا يأملون أن يحاسبوا، بل ينكرون الحساب وينكرون البعث، يقولون: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24] ، فلا يرجون حساباً يحاسبون به؛ لأنهم ينكرون ذلك، هذه عقيدة قلوبهم.
أما ألسنتهم فيكذبون يقولون: هذا كذب هذا سحر هذا جنون، وما أشبه ذلك، كما تقرءون في كتاب الله ما يصف به هؤلاء المكذبون رسل الله، كما قال الله عز وجل: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:52] ، وقال الله تعالى عن المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم: {وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص:4] ، وقالوا إنه شاعر: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} [الطور:30] وقالوا: {يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الحجر:6-7] ، ولولا أن الله ثبت أقدام الرسل، وصبرهم على قومهم؛ ما صبروا على هذا الأمر، ثم إن قومهم المكذبين لهم لم يقتصروا على هذا، بل آذوهم بالفعل كما فعلوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم من الأذية العظيمة، بل آذوه بحمل السلاح عليه، فمن كانت هذه حاله فجزاؤه جهنم جزاءً موافقاً مطابقاً لعمله، كما في هذه الآية الكريمة: {جَزَاءً وِفَاقاً * إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً} [النبأ:26-28] .(11/5)
تفسير قوله تعالى: (وكل شيء أحصيناه كتاباً)
ثم قال تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً} [النبأ:29] كل شيء، يشمل ما يفعله الله عز وجل من الخلق والتدبير في الكون، ويشمل ما يعمله العباد من أقوال وأفعال، ويشمل كل صغير وكبير: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً} أي: ضبطناه بالإحصاء الدقيق الذي لا يختلف، (كِتَاباً) أي: كتباً، وقد ثبت في الحديث الصحيح: (أن الله كتب مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة) ، ومن جملة ذلك أعمال بني آدم فإنها مكتوبة، بل كل قول يكتب، قال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] ، (رقيب) أي: مراقب، و (العتيد) أي: الحاضر.
دخل رجل على الإمام أحمد رحمه الله، وهو مريض يئن من مرضه، فقال له: يا أبا عبد الله! إن طاوساً -وهو أحد التابعين المشهورين- يقول: إن أنين المريض يكتب، فتوقف رحمه الله عن الأنين، خوفاً من أن يكتب عليه أنين مرضه، فكيف بأقوال ألسنتنا التي لا حد لها، ولا ممسك لها، ألفاظ تترا طوال الليل والنهار، ولا نحسب لها أي حساب، ونسأل الله تعالى أن يعاملنا بعفوه.
كل شيء يكتب، حتى الهم يكتب إما لك وإما عليك، من هم بالسيئة فلم يعملها عاجزاً عنها فإنها تكتب عليه، وإن هم بها وتركها لله فإنها تكتب له، فلا يضيع شيء.(11/6)
تفسير قوله تعالى: (فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً)
قال تعالى: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً} [النبأ:30] ، هذا الأمر للإهانة والتوبيخ، أي: يقال لأهل النار: ذوقوا العذاب، إهانة وتوبيخاً، فلن نزيدكم إلا عذاباً، ولن نخفف عنكم، بل ولن نبقيكم على ما أنتم عليه، لا نزيدكم إلا عذاباً، في قوته، ومدته، ونوعه، وقد قرأتم آية أخرى أنهم يقولون لخزنة جهنم: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:49] ، تأمل هذه الكلمة من عدة أوجه: أولاً: أنهم لم يسألوا الله سبحانه وتعالى وإنما طلبوا من خزنة جهنم أن يدعوا لهم، لماذا؟ لأن الله قال لهم: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] ، فرأوا أنفسهم أنهم ليسوا أهلاً لأن يسألوا الله ويدعوه، بل بواسطة.
ثانياً: أنهم قالوا: {ادْعُوا رَبَّكُمْ} [غافر:49] ولم يقولوا: ادعوا ربنا؛ لأن وجوههم وقلوبهم لا تستطيع أن تتكلم أو تتحدث بإضافة ربوبية الله لهم، أي: بأن يقولوا ربنا، عندهم من العار والخزي ما يرون أنهم ليسوا أهلاً لأن تضاف ربوبية الله إليهم بل قالوا: (رَبَّكُمْ) .
ثالثاً: أنهم لم يقولوا: يرفع عنا العذاب، بل قالوا: يخفف؛ لأنهم آيسون -نعوذ بالله- آيسون من أن يرفع عنهم.
رابعاً: ثم انظر -أيضاً- هل قالوا: يخفف عنا العذاب دائماً؟ قالوا: {يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:49] يوماً واحداً، يتبين لكم إذا تصورتم هذه الحال ما هم عليه من العذاب والهوان والذل: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى:45] أعاذنا الله وإياكم منها.
ثم ذكر الله عز وجل ما للمتقين من النعيم؛ لأن القرآن مثاني، إذا ذكر فيه العقاب؛ ذكر فيه الثواب، وإذا ذكر الثواب؛ ذكر العقاب، وإذا ذكر أهل الخير؛ ذكر أهل الشر، وإذا ذكر الحق؛ ذكر الباطل، مثاني حتى يكون سير الإنسان إلى ربه بين الخوف والرجاء؛ لأنه إن غلب عليه الرجاء؛ وقع في الأمن من مكر الله، وإن غلب عليه الخوف؛ وقع القنوط من رحمة الله، وكلاهما من كبائر الذنوب، كلاهما شر، لا الأمن من مكر الله، ولا القنوط من رحمة الله، لذلك تجدون القرآن يأتي بهذا وبهذا، ولئلا تمل النفوس من ذكر حال واحدة، والإسهاب فيها دون ما يقابلها، وهذا من بلاغة القرآن الكريم.(11/7)
الأسئلة(11/8)
حكم الزكاة على معدات العمل
السؤال
رجل عنده مغسلة ملابس، وقال له بعض الناس: إن عليك أن تزكي على المعدات التي لديك فهل هذا صحيح؟
الجواب
الزكاة تجب في عروض التجارة وهي ما أعده الإنسان للتجارة تدخل عليه وتخرج منه، كلما رأى مكسباً باعها، وكلما لم يحصل مكسب أمسكها، ومعدات المغاسل لا تعد للتجارة؛ لأن صاحب المغسلة يريد أن تبقى عنده فهي من جملة ما يقتنيه الإنسان في بيته من فرش وأواني ونحو ذلك، فليس فيها زكاة، ومن قال له: إن فيها زكاة فقد أخطأ، وعلى صاحب المغسلة بعد كلامي هذا أن يبلغ من أفتاه بما قلت، لئلا يفتي غيره بمثل ذلك، لكن المواد التي تذهب، إن كان هناك مواد يشتريها وتذهب مع الغسل، فهذه قد يكون فيها التجارة، كما لو كانت مواد منظفة، فمثل هذه تجارة؛ لأنه يتكسب بها، أما الأشياء الباقية فإنه ليس فيها زكاة.(11/9)
الموعظة في الأعراس وحكم الدف للرجال
السؤال
ذكرت في برنامج نور على الدرب في إذاعة نداء الإسلام عندما سُئلت عن الكلام في الزواج، وأن هذه الزواجات هي أفراح، وأن الكلام فيه نظر، وذكرت أن الدف يستخدم في العرس بدون تخصيص للنساء، فاستغل بعض ضعفاء النفوس ذلك بأنه عام للرجال والنساء، ثم إنني -يا فضيلة الشيخ- أرى أن الكلام في الزواج الغير الممل الطويل مما تيسر يكون فرصة إذا حضر كثير من الناس الذين قد لا يحضرون الصلاة مع الجماعة، وقد يكونون ضعفاء الإيمان فيحصل لهم من الفائدة والخير الشيء الكثير، كما ذكر كثير من الناس أنه التزم بسبب كلمة لأحد الإخوة ألقيت في الزواج، وكان لا يصلي من قبل في جماعة، فما رأي فضيلتكم جزاك الله خيراً؟
الجواب
رأيي في هذه المسألة ما ذكرته في نور على الدرب أن بعض الناس يفرض نفسه في أيام الزواج ليتكلم ويسهب ويطيل ويمل ويبقى كثير من الناس ربما يكرهون الحديث بالخير من أجل صنيع هذا الرجل، فالناس طرفان ووسط، من الناس من يرغب التذكير ولو طال، ومن الناس من لا يرغبه مطلقاً، ومن الناس من يرغبه إذا قصر، ويمل منه إذا طال، ومن الناس من يرغبه من شخص ولا يرغبه من شخص آخر، فالناس يختلفون.
والمعروف أن الناس في الزواج يأتون ليظهروا الفرح والسرور وإدخال السرور على المتزوج، ورؤية بعضهم بعضاً، وربما لا يرى بعضهم بعضاً إلا في هذه المناسبة، ويكون عنده من الكلام ما يحب أن يتفرغ له، فيصبح هذا الذي تكلم وأطال مملاً للناس.
ثم إننا نعلم أنا لسنا أحرص على إبلاغ الناس وإرشادهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومع هذا ما علمنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه كانوا يقفون ليعظوا الناس في مثل هذه المناسبات، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة وقد زفت امرأة لرجل من الأنصار: (ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار قوم يعجبهم اللهو) وهذا يدل على أن المسألة مسألة فرح لا مسألة وعظ، لكن لو رأى الإنسان منكراً فهنا يحب عليه أن يقوم وينكر ويتكلم بما يفيد الحاضرين حول هذا المنكر، أو كان شخصاً معروفاً مشهوراً يتطلع الناس إلى كلامه ويحبون أن يسمعوا منه، فقام رجل من الناس وقال: يا فلان! حدثنا، أو سأله سؤالاً ففتحوا باب الأسئلة والمناقشة فهذا طيب، أما أن تجعل هذه المناسبات موضع مواعظ بدون أن يكون الناس يتحرون هذا الشيء، وعلى غير هدي السلف الصالح، فهذا شيء مما ينظر فيه، وتعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتخول أصحابه بالموعظة حتى لا يملهم.
وأما بالنسبة لمسألة الدف، فالدف لا نفتي للرجال باستعماله، وإن كان بعض العلماء يرى أن الرجال يجوز أن يستعملوه كالنساء، حتى الإمام أحمد رحمه الله نص على ذلك، على أنه للرجال والنساء كما نقله عنه صاحب الفروع، ولكن مع ذلك لا نفتي بأن الرجال يستعملونه، لما يخشى فيه من العواقب الوخيمة، بل ننهى عن هذا؛ لأنه يحصل فيه من تجمعات غير جيدة.
أما النساء فهن في وسط الأحواش، وفي داخل القصر، وفي الغالب أنه لا يحصل فيه مضرة، ثم إننا ننكر أشد الإنكار أن يقع تصوير بالآلة الفوتوغرافية لهذا المحفل أو بالفيديو، وننكر هذا أشد الإنكار.
والغناء لا بد أن يكون غناءً ترحيبياً، كما جاء في الحديث: (أتيناكم أتيناكم، فحيانا وحياكم) وما أشبه ذلك.(11/10)
حديث الشجاع الذي لا يدع شاذة ولا فاذة وكيفية إصلاح السريرة
السؤال
ذكرتم فضيلة الشيخ في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الشجاع الذي لا يدع شاردة ولا واردة قالوا: إنه من أهل الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه من أهل النار) وذكرتم عن إصلاح السريرة، فكيف يكون إصلاح السريرة؟
الجواب
الحديث الذي ثبت في البخاري في قصة الرجل الذي كان لا يدع شاذة ولا فاذة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (هو من أهل النار) ، وما علمت أن أحداً قال: إنه من أهل الجنة، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (هو من أهل النار، فَكَبُر ذلك على الصحابة، وقالوا: كيف يكون هذا الرجل من أهل النار؟ فقال أحدهم: والله لألزمنه وأنظر ماذا تكون حاله، وفي النهاية قتل الرجل نفسه، فجاء الذي لزمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! أشهد أنك رسول الله: فقال: بم؟ فأخبره، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) ، وهذا يدل دلالة واضحة على أن العبرة والمدار هو على ما في القلب من النية، ويدل على هذا قوله تعالى: {أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:9-10] ، وقوله تعالى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق:8-9] أي: تختبر.
إصلاح السريرة يكون بصدق الإخلاص مع الله عز وجل، بحيث لا يهتم بالخلق، مدحوه أو ذموه، نفعوه أو ضروه، يكون قلبه مع الله تعبداً، وتألهاً، ومحبة وتعظيماً، وقلبه مع الله تقديراً وتدبيراً، يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، يرضى بما قدر الله له، إذا وقع الأمر يقول: عسى أن يكون خيراً، يستشعر دائماً قول الله عز وجل: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19] {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216] وما أشبه ذلك من تعلق القلب بالله، أهم شيء أن يكون قلبك مع الله دائماً، وإذا كان مع الله دائماً صلحت سريرتك؛ لأنك لا يهمك الخلق، الخلق عندك مثل نفسك، بل أقل ما دمت متعلقاً بربك سبحانه وتعالى معتصماً به مهتدياً بهداه، معتصماً بحبله، فلا يهمنك أحد.(11/11)
الواجب على من وكلت إليه قضية لدراستها
السؤال
إذا كان الإنسان لديه معاملة يدرسها، ثم أخلص في دراستها وأبدى رأيه الصحيح، ثم من له الصلاحية خالف ذلك، أي: خالف الدراسة الحقيقية فأمر بحفظها أو تغيير تلك الدراسة، هل تبرأ ذمته أم لا؟
الجواب
إذا وكل للإنسان دراسة قضية، فالواجب عليه أولاً تقوى الله سبحانه وتعالى، وأن يعلم أنه كما كان الآن محكَّماً في هذه القضية فسيقف أمام حكم عدل عز وجل، فليتق الله في نفسه في هذه القضية، ثم إذا تبين له حكم في هذه القضية وجب عليه أن ينفذه، إن كان موكلاً إليه النظر والتنفيذ، وإن كان موكلاً إليه النظر فقط وإبداء الرأي فعليه أن يبدي رأيه في هذا، والإثم على من ينفذ إذا لم ينفذها.(11/12)
حكم إمامة من به حَدَث دائم
السؤال
ما رأيكم في إمامة من به حَدَث دائم؟
الجواب
الذي نرى أن إمامة من به حدث دائم صحيحة، وأنه يصح أن يكون إماماً لمن ليس حدثه دائم، وذلك لعموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) ، وما دام هذا الرجل تصح صلاته، وهي مقبولة عند الله فتصح صلاته لغيره أيضاً، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أجاز للناس أن يصلوا خلف من لا يستطيع القيام وهو ركن في الفريضة، بل أمرهم أن يجلسوا تبعاً لإمامهم فكذلك هذا.
فالصحيح أن القاعدة التي تؤيدها الأدلة الشرعية فيما نرى: أن كل من صحت صلاته صحت إمامته، حتى الفاسق حالق اللحية، وشارب الدخان، تصح إمامته، والذي يغتاب الناس تصح إمامته، فهذه القاعدة هي التي نرى أن الأدلة الشرعية تدل عليها، ولا يستثنى من ذلك إلا ما استثناه الشرع، كإمامة المرأة للرجال، فإن كون المرأة إماماً للرجال حرام ولا تصح، وتفسد الصلاة، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) فإذا ولينا أمرنا في الصلاة امرأة فلا فلاح لنا، إذاً فالقاعدة هي: كل من صحت صلاته صحت إمامته، إلا ما دل الشرع على منعه كإمامة المرأة للرجال.(11/13)
معنى الاستواء في اللغة
السؤال
عثمان الدارمي في رده على بشر المريسي أورد أن الاستواء يأتي بمعنى الجلوس، ما رأي فضيلتكم؟
الجواب
الاستواء على الشيء في اللغة العربية يأتي بمعنى الجلوس، قال الله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف:12-13] ، والإنسان على ظهر الدابة جالس أم واقف؟ هو جالس، لكن هل يصح أن نعديه إلى استواء الله على العرش؟ هذا محل نظر، فإن ثبت عن السلف أنهم فسروا ذلك بالجلوس فهم أعلم منا بهذا، وإلا ففيه نظر، وإلا نقول: كيفية الاستواء مجهول، ومن جملة الجهل ألا ندري أهو جالس أو غير جالس، ولكن نقول: معنى الاستواء العلو، هذا أمر لا شك فيه، استوى على العرش يعني: علا علواً خاصاً غير العلو العام الذي على جميع المخلوقات.(11/14)
حكم التسمية بأسماء الله
السؤال
ما حكم أن يسمى الشخص بأسماء الله كأن تقول لفلان: العزيز لا على أنه صفة وإنما على أنه اسم؟
الجواب
أقول لك في الجواب على هذا: أسماء الله نوعان: نوع مختص به، لا يجوز أن يسمى به غيره، مثل: الله، الرحمن، الجبار، المتكبر، هذه لا يجوز أن يسمى بها أحد من الخلق؛ لأن هذه الصفة لا يتصف بها غيره.
والنوع الثاني: لا يختص بالله ويجوز أن يسمى به غيره، فهذا إن كان ملاحظاً فيه الصفة بمعنى أنه يراد أن هذا الاسم يراد به ما يدل عليه من المعنى فهذا لا يجوز، كما لو سمينا شخصاً بعزيز وقصدنا بهذا أن له الغلبة والعزة والارتفاع بين الناس فهذا لا يجوز، أما إذا قصد به أنه مجرد علم لا يقصد به شيء من المعنى فهذا لا بأس به، وأنتم تعرفون أن في الصحابة من كان يسمى حكيم، ومن يسمى الحكم، وما أشبه ذلك.(11/15)
الضابط في التكفير
السؤال
أريد أن توضح لي قضية التكفير، التكفير المطلق والتكفير المعين؟
الجواب
التكفير والتفسيق والتبديع كلها أوصاف مرتبة على معان إذا وُجِدت وُجِدت هذه الأوصاف، فإذا وجد السبب أو المعنى الذي من أجله يستحق من وجد فيه أن يوصف بهذا الوصف فإنه ينطبق عليه، فلا يجوز لنا أن نقول: فلان كافر حتى نتحقق من أمرين: الأمر الأول: ثبوت أن هذا العمل من الكفر، فإن لم نعلم وشككنا فالأصل أن المسلم باق على إسلامه ولا يحل أن نكفره، مثال ذلك: لو قال قائل: إن الذي يشرب الخمر كافر فهذا حرام، ما نقول كافر حتى نعلم أن الشرع نص على كفره.
والأمر الثاني: أن نتحقق من انطباق هذا الوصف على هذا الشخص، أي: انطباق هذا المعنى الذي علق عليه الشارع الحكم عليه بالتكفير، لابد أن نعلم أنه منطبق على هذا الشخص بحيث تتم فيه شروط التكفير، ومن الشروط أن يكون عالماً، وأن يكون قاصداً، فإن كان غير عالم فإننا لا نكفره؛ لأنه لم تقم عليه الحجة بعد، كما قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص:59] ، وقال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء:163] إلى قوله: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] ، وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15] ، والآيات في هذا المعنى متعددة، فإذا كان الإنسان لا يعلم أن هذا الشيء من الكفر فإننا لا نحكم بكفره.
الشرط الثاني: أن يكون الشخص مريداً لما قال من كلمة الكفر، أو لما فعل، فإن كان مكرهاً أو سبق لسانه على قول كلمة الكفر فإنه لا يكفر، ودليل ذلك قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم -وذكر أنه- كان على راحلته عليها طعامه وشرابه فأضلها فضاعت عنه وجعل يطلبها ولم يجدها ثم اضطجع تحت شجرة ينتظر الموت، فبينما هو كذلك استيقظ وخطام ناقته متعلق بالشجرة، فأخذ به فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) كلمة: أنت عبدي وأنا ربك، كفر لكن هل قصدها؟ لا.
وإنما سبقت على لسانه، إذاً لابد من هذين الشرطين، العلم، والثاني: الإرادة والقصد، فإن لم يرد ولم يقصد فلا.
ومن ذلك أيضاً قصة الرجل الذي كان ظالماً لنفسه فجمع أهله وأمرهم أن يحرقوه إذا مات، وأن يذروه في اليم لئلا يعذبه الله فجمعه الله عز وجل وسأله: (لماذا فعلت هذا؟ قال: ربي خوفاً من عذابك، فغفر الله له) ، فإن هذا الرجل كان جاهلاً في كون الله تعالى يقدر على أن يجمعه ويحاسبه، إذاً لابد من أمرين: الأمر الأول: أن نعلم بأن هذا الشيء مكفر.
الأمر الثاني: أن نعلم انطباق الشروط أو إتمام الشروط على من قام به، فلابد من أن نعلم أن شروط التكفير قد انطبقت عليه، ومنها: العلم، والقصد، ولهذا يفرق بين كون المقالة أو الفعالة كفراً، وبين كون القائل لها أو الفاعل لها كافراً، قد تكون المقالة أو الفعالة كفراً، ولكن القائل لها أو الفاعل لها ليس بكافر لعدم انطباق الشروط عليه.
ومن ثم نحن نحذر غاية التحذير من التسرع في إطلاق الكفر على قوم لم يتبين فيهم الشروط، أي: شروط التكفير؛ لأنك إذا كفرته فلازم تكفيرك إياه أن تشهد بأنه في النار، فأنت الآن شهدت بالحكم وبما يقتضيه الحكم، المسألة خطيرة جداً، ثم إن الحكم بالتكفير يستلزم بغضه والبراءة منه والبعد عنه وعدم السمع له والطاعة إن كان أميراً، وما أشبه ذلك مما يترتب على هذه المسألة التي يجب على الإنسان أن يكف لسانه عنها.(11/16)
الذكر الذي يقوله المأموم إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده
السؤال
إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، هل يقول المؤتم: ربنا ولك الحمد أم يقول: سمع الله لمن حمده؟
الجواب
المؤتم إذا قال إمامه: سمع الله لمن حمده لا يقول: سمع الله لمن حمده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد) فقال: إذا كبر فكبروا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بين التكبير وبين التسميع، فالتكبير نقول كما يقول، والتسميع لا نقول كما يقول؛ لأن قوله: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد) بمنزلة قوله إذا قال: سمع الله لمن حمده فلا تقولوا: سمع الله لمن حمده، ولكن قولوا: ربنا ولك الحمد، بدليل سياق الحديث الذي قال: إذا كبر فكبروا.
ومن قال من أهل العلم أنه يقول: سمع الله لمن حمده ويقول: ربنا ولك الحمد فقد أخطأ، وليس أحد يقبل قوله على الإطلاق ولا يرد قوله على الإطلاق حتى يعرض على الكتاب والسنة، ونحن إذا عرضنا هذا على السنة وجدنا الأمر كما سمعت.(11/17)
إخراج زكاة الزروع نقداً ونصاب الزكاة
السؤال
إذا باع المزارع ثمر النخل، ونسي أن يخرج الزكاة، فهل يشتري زكاة أو يخرجها نقوداً، وما هو نصاب الزكاة؟
الجواب
إذا باع الإنسان ثمرة نخله أو زرعه فإنه يخرج الزكاة من قيمتها؛ لأن هذا أقرب إلى العدل وهذا أنفع للفقراء في وقتنا، فمثلاً إذا بعته بعشرة آلاف ريال تخرج نصف العشر يعني: خمسمائة ريال.(11/18)
مدى انطباق أحكام المسافر على من سافر للدراسة
السؤال
أنا من مدينة جدة، وأدرس في جامعة الإمام فرع القصيم وتستلزم الدراسة أربع سنوات فهل أكون مسافراً أو أكون مقيماً؟ وإذا كنت مسافراً فهل إذا رجعت إلى مدينة جدة للزيارة هل أكون هناك مسافراً أم مقيماً؟
الجواب
أما على رأي الجمهور فإنك مقيم غير مقيم، مقيم في وجوب إتمام الصلاة، وفي لزوم الصوم في رمضان، وفي الاقتصار على يوم وليلة في المسح على الخفين، غير مقيم في الجمعة فلا يكمل بك عدد الجمعة، ولا يصح أن تكون فيها إماماً، ولا يصح أن تكون فيها خطيباً هذا هو المشهور عند فقهاء المذاهب، ولكن الراجح ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية أن الناس ينقسمون إلى قسمين فقط: مستوطن ومسافر، ومثل المستوطن من أقام إقامة مطلقة غير مقيدة بعمل ولا زمن، وعلى هذا فيكون إقامتك في القصيم للدراسة مع أن النية الجازمة بأنك سوف تغادر القصيم إذا انتهت الدراسة تكون مسافراً على هذا الرأي، وإذا رجعت إلى بلدك فإنك مقيم؛ لأنك رجعت إلى محل استيطانك، فعليك أن تتم في بلدك ولك أن تقصر في هذا البلد الذي أنت تقيم فيه للدراسة.
وأما بالنسبة للصوم فنرى ألا تتأخر في صوم سنة إلى سنة أخرى؛ لأن ذلك يتراكم عليك وربما تعجز عن قضائه في المستقبل.(11/19)
حكم لبس اللون الفسفوري وشراء الثياب الشفافة للزوجة ولبسها أمام زوجها
السؤال
ظهر مؤخراً في الدروس التي تقام في البيوت أن بعضهم يقول: إن لبس اللون الفسفوري -أي: الأصفر المشرب بخضرة- لا يجوز للمسلم أن يَلبسه أو يُلبسه أطفاله، ولا يجوز للمرأة أن تشتري ثياباً رقاقاً تلبسها لزوجها فقط، ولا يجوز أن تأخذ من شعرها شيئاً سواء قصدت التقليد أو لم تقصد؟
الجواب
أولاً: الأصل في اللباس الحل، إلا ما قام الدليل على تحريمه، ولا أعلم دليلاً يحرم هذا اللون الفسفوري على المرأة، وأما الثياب الرقيقة عند الزوج فلا بأس بها، ولا حرج، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون:5-6] ، أما في مكان لا يختص فيه الزوج فإنه لا يجوز أن تلبس الرقاق سواء كان ذلك في السوق أو فيما بين النساء.
وأما بالنسبة للشعر فللعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال: القول الأول: تحريم أخذ شيء من شعر المرأة مطلقاً إلا في حج أو عمرة.
والثاني: أنه يكره أن تأخذ شيئاً من شعرها.
والثالث: الجواز مطلقاً، يعني يجوز أن تأخذ من شعرها ما شاءت ما لم يكن هذا على وجه يشبه شعر الكافرات، فإنه لا يجوز التشبه بالكافرات، وعلى كل حال نرى أنه لا ينبغي التشدد في هذا الشيء، وألا يرخص للنساء مطلقاً، يقال: الأولى أن يبقى الرأس على ما هو عليه، هذا هو الذي نراه في هذه المسألة.(11/20)
التحذير من الفتوى بغير علم
السؤال
نريد كلمة توجيهية للنساء اللاتي يقمن الدروس الخاصة في البيوت فإنهن يفتين بكثرة وبطلاقة، فبعضهن عندهن معلومات وليس عندهن علم أو رسوخ في العلم؟
الجواب
لابد للإنسان من رجل أو امرأة أن يتقي الله فيما يقول عن شريعة الله، والمفتي يتحدث عن الله، فالواجب أن يتقي الله عز وجل فيما يتكلم به، وألا يفتي إلا عن علم أو عن غلبة ظن بعد الاجتهاد.(11/21)
حكم الأصم الأبكم من حيث التكليف
السؤال
الأصم الأبكم هل هو مكلف مثل غيره من المسلمين؟
الجواب
الأصم الأبكم من فقد حاستين من حواسه، وهما السمع والنطق، ولكن بقي عليه النظر، فما كان يدركه من دين الإسلام بالنظر؛ فإنه لا يسقط عنه، وما كان لا يدركه؛ فإنه يسقط عنه، أما ما كان طريقه السمع إذا كان لا يدركه بالإشارة فإنه يسقط عنه، وعلى هذا فإذا كان لا يفهم شيئاً من الدين فإننا نقول: إذا كان أبواه مسلمين أو أبوه أو أمه فهو مسلم تبعاً لهما، وإن كان بالغاً عاقلاً مستقلاً بنفسه فأمره إلى الله، لكنه ما دام يعيش بين المسلمين فإننا نحكم له ظاهراً بالإسلام، يُعلم بعض الأشياء بالإشارة، وأنا أعرف الذين في معهد الصم والبكم في الرياض يعرفون بالإشارة أسرع من النطق؛ لأن هناك أناساً يترجمون لهم بالإشارة فيفهمون منهم مباشرة.(11/22)
التحذير من التجاوز فيما ورد من أسماء الله وصفاته
السؤال
فضيلة الشيخ! في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يمل حتى تملوا) هل تثبت هذه الصفة لله عز وجل ألا وهي الملل؟
الجواب
أجيبك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) ما بالك تبحث عن ثبوت الملل لله عز وجل أو عدم ثبوته؟ أنت تعلم أن الرسول خاطب الصحابة في ذلك، وتعلم أن الصحابة أحرص منا جميعاً على معرفة صفات الله تعالى، وهل أوردوا على الرسول هل يمل أو لا يمل، أو قالوا: سمعنا وصدقنا وآمنا أن الله لا يمل حتى نمل؟! فما كان في الملل من نقص فهو لنا وليس لله، فالله تعالى كامل الصفات.
فيجب أن نتوقف عن البحث والنقاش في هذا الأمر، وأقول لك ولغيرك ولمن سمع كلامي هذا إن صفات الله عز وجل يجب أن يحترز الإنسان منها غاية الاحتراز، ولا يتجاوز ما ورد، فإن تجاوز ما ورد هلك؛ لأنه سوف يقع في أحد أمرين: إما التمثيل ولزوم النقص في صفات الله، وإما التعطيل، أحد هذين الأمرين، وسبحان الله العظيم الصحابة مائة وأربعة وعشرون ألفاً، والتابعون أكثر وأكثر، وأئمة المسلمين سكتوا عن هذا فيأتي متأخرون من العلماء، ويأتي الإخوة الطلبة الشباب الذين يريدون أن يتعمقوا -زعموا- في صفات الله، فينقبون عن مثل هذه المسائل، كم أصابع الله؟! كيف عينه؟! كيف وجهه؟! أما تعلم أن الإمام مالك رحمه الله لما قال له شخص يا أبا عبد الله!: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى؟ أطرق برأسه حتى جعل يتصبب عرقاً خجلاً من هذا السؤال واستعظاماً له، وتعظيماً للرب عز وجل، ثم رفع رأسه وقال: يا هذا! الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعاً، ثم أمر به أن يخرج، فأخرج من المسجد.
هذه المسائل أيها الشباب! مسائل الصفات لا تحرصوا على التعمق فيها حتى لا تقعوا في الهلاك، قولوا: سمعنا وآمنا وصدقنا وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، نحن ما دمنا نعمل فالله تعالى يثيبنا ولا يمل حتى نمل، والملل إذا كنت ترى أنه نقص فيك فلا تثبت لله صفة نقص، فهو ملل يليق به، ونعلم أنه لا يستلزم نقصاً في حق الله إن كان ثابتاً له، وأحذرك وأحذر السامعين من التنطع والتعمق في هذه المسألة الخطيرة، عليكم بما كلفتم به من الأعمال، ودعوا ما لم تكلفوا به، ابحث كيف تصلي كيف تتوضأ كيف تصوم كيف تتصدق، واترك صفات الله عز وجل، خذها كما جاءت ولا تنقب عنها؛ لأن أمامك أناساً أعلم منك، وأحرص منك على معرفة الله، وأشد حباً منك للخير وللعلم ما ناقشوا الرسول فيها.(11/23)
حكم التوسع في شرح أسانيد الأحاديث
السؤال
هناك أمر بين بعض طلبة العلم هو أن بعضهم يحفظ الأسانيد ويرويها ويجلس يشرح في هذه الأسانيد فترة طويلة، ويذكر الرواة ويذكر ما في هذا الحديث حتى أني مرة سمعت في حديث: (إنما الأعمال بالنيات) من بعد صلاة المغرب إلى أذان العشاء ولم يشرح الحديث نفسه فما رأيكم في هذه الطريقة المتبعة عند بعض طلبة العلم؟
الجواب
الذي نرى أن هذه الطريقة عقيمة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (رب مبلغ أوعى من سامع) فالمهم من السنة هو فقهها ومعرفتها، والرجال والسند ما هو إلا طريق، فإذا كانت الرجال من رجال البخاري ومسلم وهو في الصحيحين مثلاً، فطول الكلام فيه قليل الفائدة وإضاعة للوقت، أما إذا كان الرجال في كتب لم تشتهر بين المسلمين، فهنا يجب أن يبحث الإنسان فيهم، وإذا كان مدرساً قال عن هذا الرجل: تكلم فيه الناس، وأكثرهم ضعفه، أو أكثرهم قواه، وينتهي ثم يتكلم على فقه الحديث، وما اشتمل عليه من فوائد وأحكام، هذه الطريقة الصحيحة التي تنفع الناس، أما كوني أعرف أناساً لهم مئات السنين قد ماتوا وما حالهم، وما قيل فيهم، والفائدة قليلة؛ لأن هذا الحديث في البخاري ومسلم اللذين تلقتهما الأئمة بالقبول، بل تلقاهم الناس جميعاً بالقبول، فهذا إضاعة وقت في الحقيقة، وخير من هذا إذا كان يريد كذلك أن يأخذ التقريب أو التهذيب أو تهذيب التهذيب أو غيره من كتب الرجال ويقرأ ويشرح ويدع الأحاديث جانباً.
فنصيحتي لإخواني الذين يدرسون في الحديث أن يهتموا بفقه الأحاديث، أما الرجال فلا يبحثوا إلا فيما دعت الضرورة إليه، وإذا كانوا قد تصدوا للتدريس فليتكلموا بما حصل عندهم في هذا الرجل فيقول مثلاً: هذا الرجل تكلم فيه الناس أكثرهم ضعفه وأكثرهم قواه والراجح أنه قوي، أو الراجح أنه ضعيف، إذا كان أهلاً للترجيح أو التضعيف.(11/24)
فضيلة أجر السلام للمبتدئ به
السؤال
فضيلة الشيخ! سمعت بعض الإخوة يقول: إنك إذا ألقيت السلام على بعض الناس وقلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فلك بهذا ثلاثون حسنة فكل من رد عليك السلام فلك مثل أجر المسلم؛ لأنك أنت دللتهم على الخير، هل هذا كلام صحيح؟
الجواب
الذي يظهر لي أن السلام والرد عبادة واحدة، ولكل من قام به أجره، فأنت إذا ألقيت السلام فلك أجر المبتدئ بالسلام، ولك على كل جملة منه عشر حسنات، وهو إذا رد فله كذلك، ولا شك أن البادئ بالسلام أفضل من الراد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خيرهما الذي يبدأ بالسلام) ، أما أن نجزم بأن أجر الإجابة يحصل للمبتدئ فهذا محل نظر.(11/25)
حكم الغناء إذا كان علماء البلد يجيزونه
السؤال
إذا كان أهل مصر من الأمصار يحلون شيئاً، مثل أهل المدينة كانوا يحلون الغناء، وأهل الكوفة كانوا يحلون النبيذ، فما حكم الغناء إذا كان علماء المصر يجيزونه؟
الجواب
إذا علمنا أن هذا العالم مجروح بالغناء لكونه يغني مثلاً، ولكنه مستقيم الحال فيما عدا ذلك، بحثنا هل هو ممن يرى إباحة الغناء؟ إذا قيل: نعم.
فإن هذا لا يجرحه، وإن قيل: لا.
فإن ذلك يجرحه؛ لأنه أصر على معصية، والغناء اختلف فيه العلماء ولا شك في هذا، ولكن قد وضع الله لنا ميزاناً عند اختلاف العلماء وهو الكتاب والسنة، كما قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء:59] ، فلا يوهن الحكم اختلاف العلماء إذا بانت السنة إنما الذي يوهن الحكم ألا تثبت السنة أو لا تثبت دلالتها على الحكم؛ هذا هو الذي يوهن، أما مجرد الخلاف فإنه لا يوهن الحكم، لكنه يوجب للمستدل أن يبحث أكثر حتى يعرف ما وجه الخلاف الذي نشأ ويعرف الرد عليه، وهذه المسألة قلَّ من يتفطن لها حيث إن بعض الناس يظن أن مجرد الخلاف يوهن الحكم وهذا غلط، مثلاً إذا قال أحدهم: لحم الإبل ينقض الوضوء أو لا ينقض الوضوء؟ ثم قال آخر: بل هو ينقض الوضوء للحديث، فيقول الثاني: العلماء مختلفون فيه، نقول: الاختلاف لا يضر ولا يوهن الحكم ما دام الدليل دالاً عليه، والدليل ثابت، والدلالة ثابتة، فإن الخلاف لا يوهن الحكم، لكن كما قلت لك: يوجب للمستدل الناظر أن يتثبت وأن ينظر لماذا حصل الخلاف؛ فلربما يكون الخلاف لأمر لم يعلمه هو فإذا علمه رجع عن قوله.(11/26)
توضيح إشكال في توثيق الذهبي إبراهيم بن سعد
السؤال
ذكر الذهبي في ترجمة إبراهيم بن سعد بعدما وثقه، ثم قال: وكان يجيد الغناء، ونحن نعلم بأن الإمام مالك يرى بأن الذي يشتغل بالغناء فاسق؟
الجواب
لا تستغرب، العلماء يخفى عليهم الدليل، وتخفى عليهم الدلالة، أحياناً لا يعلمون بالدليل فيبنون على أصل، وأحياناً يعلمون الدليل فتخفى عليهم الدلالة فيؤولون الحديث على غير وجهه، ويحصل بذلك الخلاف.(11/27)
القوم الذين يمرقون من الإسلام آخر الزمان كما يمرق السهم
السؤال
ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (يأتي أقوام آخر الزمان يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم) ، نرجو من فضيلتكم توضيح أوصافهم لنا، وما هو وجه المروق؟
الجواب
هؤلاء الخوارج الذي وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم أهل طاعة وعبادة وأن الواحد من الصحابة يحقر صلاته عند صلاتهم، وقراءته عند قراءتهم، لكن هذا العمل لا يجاوز، تراقيهم يعني: لا ينزل إلى القلب والعياذ بالله، فيمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، والسهم إذا ضرب الرمية مرق بسرعة وخرج من الجانب الآخر، فهم كذلك يمرون بالإسلام مروراً سريعاً كسرعة هذا السهم ثم يخرجون منه، نسأل الله العافية، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم؛ لأنهم وإن تشددوا في الدين فهم مارقون منه، ولو فتشت في قلوبهم لوجدتها سوداء صماء لا يصل إليها الخير والعياذ بالله؛ لأن إيمانهم في الظاهر، وهذا في الحقيقة شيء يجب علينا أن نحاسب أنفسنا فيه؛ لأن بعضنا تجده يكره المعاصي من الناس، وينفر منها، وينكر عليهم ويسبهم، ولكن ما وصل الإيمان إلى قلبه، فتجده في عبادته مهملاً لا يحضر قلبه لصلاته، ولا ينيب إلى ربه، ولا يجد أنه مذنب إذا أذنب، وهذه من صفات الخوارج، ولهذا قال بعض السلف: من قال إن الناس هلكوا فهو أهلكهم، ومن قال إنهم ضلوا فهو أضلهم.
ومرادهم بهذا أن من اشتغل بعيب غيره عن عيب نفسه ففيه شعبة من الخوارج، وهؤلاء الخوارج ينكرون على الناس ويشددون عليهم ويجعلون فاعل الكبيرة كافراً وهم أكفر منه؛ لأن إيمانهم لم يصل إلى القلب، وهم فقط ينكرون في الظاهر، وهذه المسألة خطيرة، يجب على الإنسان أن يعالج نفسه منها حتى يسلم من هذا الشر، وهؤلاء ليسوا في آخر الزمان، نعم في آخر الزمان بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم لكنهم سبقوا، منذ عهد الخلفاء الراشدين وهم موجودون، بل إن بعضهم كان موجوداً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنهم ما حملوا السلاح، فالذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أن كان ابن عمتك يا رسول الله! لما حكم للزبير بن العوام.
هذا نوع من الخروج، والذي قال للرسول صلى الله عليه وسلم لما قسم الغنائم: اعدل! وقال آخر: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، هذا أيضاً نوع من الخروج.
السائل: يعني: هؤلاء يقتدون بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف نعرفهم؟ الشيخ: يقتدون ظاهراً، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يجاوز تراقيهم) أو قال: (حناجرهم) .
أما كيفية معرفتهم فهذه هي التي يجب على الإنسان أن يتوقف فيها، ورد فيهم علامات، أخبر عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم بعلامات لهم منها ما وقع في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه من ظهور ذي الثدية وغيره، ولكن نحن الآن لا نستطيع أن نحكم على هؤلاء بأنهم الخوارج، إلا إذا علمنا رأيهم، فإذا كان رأيهم رأي الخوارج عرفنا أنهم منهم، مثال ذلك: من يرى جواز الخروج على أئمة المسلمين، الذين هم مسلمون، هذا رأي الخوارج، نعرف أن هؤلاء متشددون في دين الله، لكن دينهم لم يتجاوز حناجرهم، قلوبهم خاوية وخالية من الإيمان.(11/28)
حكم من يرمي الملتزمين بأنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية
السؤال
كثير من الناس الحالقين للحاهم والمسبلين يرمون الملتزمين بأنهم يخرجون من الإسلام كما يخرج السهم، فما رأي فضيلتكم؟
الجواب
هذا غير صحيح، الفاسق يرى العدل أنه كافر! وهؤلاء لا تقبل شهادتهم ولا يقبل حكمهم، الفسقة فسقة، قال الله فيهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] .(11/29)
حكم استعمال بعض العبارات الشائعة مثل: لا سمح الله أو لا قدر الله
السؤال
ما حكم استعمال بعض العبارات الشائعة (لا سمح الله) (لا قدر الله) (المرحوم فلان) (المغفور له فلان) ؟
الجواب
أما (لا سمح الله) فأكرهها؛ لأنها تنبي عن ضغط وإكراه لله عز وجل، والله لا مكره له، وأما (لا قدر الله) فلا بأس؛ لأن معنى (لا قدر الله) أي: أسأل الله ألا يقدر هذا، وكذلك المغفور له والمرحوم لا بأس بها أيضاً؛ لأنها ليست خبراً، وإنما هي دعاء، ولا فرق بين أن نقول: فلان غفر الله له، أو فلان مغفور له إذا قصدت الدعاء؛ لأن جملة غفر فعل ماض تدل على أن الغفران حاصل، لكن لما كنت تريد أن تسأل الله أن يغفر له، صارت جائزة، كذلك المغفور له اسم مفعول تدل على وقوع المغفرة، لكن لما كنت تريد أنك تسأل الله أن يغفر له صارت جائزة، فيظن بعض العامة أنك إذا قلت: فلان المرحوم، أن هذا خبر، وأن الله رحمه، فهذا غلط، أنا أقول: مرحوم يعني: الذي أسأل الله أن يرحمه، وكذلك المغفور له.
السائل: إذاً حسب قصد المتكلم؟ الشيخ: نعم.
كما إذا قلت: فلان غفر الله له، إن كان قصدك أن تخبر أن الله قد غفر له فهذا حرام ولا يجوز، لا تتقوَّل على الله وإن قصدت الدعاء فلا بأس.(11/30)
تعريف فقه الواقع والدليل على وجوده عند السلف والتحذير من الإكثار منه
السؤال
فضيلة الشيخ! علم فقه الواقع أصبح على لسان الكثير من إخواننا ما بين مُفرِط ومُفَرِّط فما هو الضابط الشرعي؟ وما هي الأدلة على وجود هذا الفقه عند سلف هذه الأمة، أرجو من فضيلتكم البسط في ذلك لأهميته، ولحاجة الكثير من إخواننا إلى ذلك وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
فقه الواقع يعني: فقه واقع الناس الذين هم عليه.
هذا فقه الواقع، ومن المعلوم أن واقع الناس لابد أن يكون معلوماً لدى الإنسان حتى يعرف ماذا يعيش فيه، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى في قوله حين بعث معاذ بن جبل إلى اليمن: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب) فأخبره عن واقعهم وحالهم، لكن لا يجوز بحال من الأحوال أن يطغى على الفقه في الدين، وأن يكون ليس للشاب أو لغير الشاب هم إلا أن يبحث فيما حصل في أمر لا يمكنه إصلاحه -أيضاً- لو أراد الإصلاح، فالفقه في الدين هو الأصل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) .
والفقه في الواقع نحتاج إليه لنطبق الفقه في الدين على أحوال الناس؛ لأنه لا يمكن أن تحكم على شخص بأنه فسدت صلاته مثلاً حتى تعلم أنه فعل مفسداً أو أن صيامه بطل حتى تعرف أنه فعل مبطلاً، لكن لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يطغى فقه الواقع على فقه الدين، بحيث لا يكون للإنسان هم إلا مطالعة الجرائد والمجلات، وما أشبه ذلك ويعرض بذلك عن مطالعة الكتاب والسنة.(11/31)
حكم امرأة حاضت وقد أدركت وقت الصلاة
السؤال
امرأة دخل عليها وقت صلاة الظهر فانشغلت ببعض أمورها، وقبل خروج الوقت همت بالصلاة إلا أنها حاضت فهل تصلي إذا طهرت؟
الجواب
نعم.
الصحيح أن المرأة إذا طهرت وقد أدركت من الوقت مقدار ركعة وجب عليها أن تقضي الصلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وهذه أدركت من وقتها ركعة فيجب عليها أن تقضي الصلاة.(11/32)
المقصود بحديث الرجل الذي مر عليه الرسول وهو يشرخ رأسه فقيل له: إنه نام عن القرآن ونام عن الصلاة
السؤال
ذكر عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث أنه مر على قوم يعذبون ومنهم رجل يشدخ رأسه فقيل له: إنه نام عن القرآن ونام عن الصلاة، فهل يقصد أنه نام عن النوافل كقيام الليل وعن حفظ القرآن أم ماذا؟
الجواب
المراد بذلك الفرائض؛ لأن النوافل لا يعذب الإنسان على تركها، وأما أنه نام عن القرآن، أي: نام عما يجب أن يتعلمه من القرآن فيحمل هذا الحديث على الواجب، أما ما كان تطوعاً فالإنسان فيه بالخيار.(11/33)
حكم لبس الأحمر الخالص للرجال والنساء
السؤال
بالنسبة للبس المعصفر والأحمر هل هو خاص بالرجال أو النساء وما الراجح في ذلك؟
الجواب
اللباس الأحمر الخالص نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه لكن بشرط أن يكون خالصاً، أما إذا كان فيه خط أو خطوط بيضاء أو ليس أحمر خالصاً فإنه لا بأس به للرجال والنساء.(11/34)
حكم النظر إلى المباريات وأضرارها
السؤال
كثير من الإخوة هداهم الله يشاهد المباريات من خلال التلفاز ويقول: إن هذا ليس فيه شيء، مع العلم أن المباريات يظهر فيها كشف العورات خصوصاً المباريات التي تحصل في خارج المملكة، ويحضر في المدرجات نساء وللأسف قد يكون البعض منهم ملتزماً، ويحتج بأنه يتابعها للمشاهدة وليس للتشجيع والحماس؟
الجواب
الواقع أن ما أشرت إليه قد ابتلي به بعض الناس، وصاروا يهوونه هواية شديدة -أعني: النظر إلى المباريات- حتى أن بعضهم ربما يدع الصلاة مع الجماعة من أجل هذا، ولا ريب أنه إذا ترك الجماعة من أجل هذا أنه آثم وعاص؛ لأن الجماعة واجبة لكن إذا قدرنا أنه بعد أن صلى العشاء جلس فهنا نقول جلوسك هذا إن سلمت من الإثم؛ فإنه لغو ولكني لا أظنه يسلم من الإثم لأمور: أولاً: أنه يضيع وقته في غير فائدة، والوقت أغلى من المال، وأثمن من المال للعاقل، ولهذا قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99-100] ، ما قال: لعلي أشاهد المباريات أو أتمتع في الدنيا قال: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:100] فهذا يدل على ندمه عل ما أضاعه في غير طاعة الله عز وجل.
ثانياً: أنه يوجب تعلق القلب بهذا، لكن لو فطم نفسه عنه ما همه، كما هو معروف في الناس الذين لا يرونها لا تهمهم بل إذا كانوا يشاهدون الأخبار ثم جاءت هذه المباريات أغلقوا التلفاز، لكن إذا صار يشاهدها تعلق قلبه بها وألفها، وصار حبه لها غراماً.
ثالثاً: أنه ربما يغلب في هذه المباراة من هو كافر أو فاسق فيقع في قلبه تعظيمه ومحبته وموالاته وهذه خطيرة.
رابعاً: أنه سيضيع مالاً بما ينفقه على هذا التلفاز من أجرة الكهرباء وكذلك الأضواء في المحل الذي هو فيه، فربما يستغرق شيئاً كثيراً من الأموال، لذلك نرى أن مشاهدة هذه المباريات فيها شيء من السفه، وفيها شيء من الخطر على الإنسان، فالذي ينبغي لك أيها الحازم ألا تشاهد هذه المباريات.(11/35)
حكم الصور التي تعرض على التلفاز والتحذير من البث المباشر
السؤال
كان أحد الإخوة يتكلم عن التلفاز، فمن المعروف يا شيخ! من كلامكم -هذا ما نعرفه- أن حكمه بحسب ما يستخدم له، ولكن لا تحبذه هذا الذي أعرفه، ولكن يقول: إذا كان التلفزيون أو الجهاز يستعمل لشيء من الأشياء الخيرة فالأصل فيه أنه للخيرات، ولكن أقول يا شيخ: بالنسبة للصورة التي تعرض سواء للخير أو لغيره أليست هي صورة، فلماذا لا تأخذ حكم الصور حفظكم الله وبارك فيكم؟
الجواب
هي صورة لا شك، لكنها ليست حراماً؛ لأن هذه الصور إن كانت في شريط الفيديو، فإنها لا تظهر في نفس الشريط وإنما تظهر على الشاشة فقط، وإن كانت مباشرة فهي صورة كأنك تشاهد شخصاً من طاقة من البيت، وليس كل ما يسمى صورة يكون حراماً، فإن الإنسان يقف أمام المرآة ويشاهد صورة، ومع ذلك لا نقول: إن هذه الصورة حرام، فالمحرم من الصور الصور الثابتة التي تثبت باليد، تثبت على الأوراق، أما هذه فليست بثابتة، لكن إذا كان الإنسان يخشى على نفسه من مشاهدتها كما لو ظهر في الأخبار امرأة أو شاب جميل وتخشى المرأة على نفسها منه، فهنا لا تنظر إليه.
وأما قوله أن فيه خيراً نعم إن فيه الخير وفيه الشر، لكن في الوقت الحاضر شره أكثر من خيره، والإنسان العاقل لا ينبغي أن يقتنيه في بيته حتى ولا للأخبار؛ لأنه إذا اقتناه في البيت فلن يقتصر على الأخبار فقط، لابد أن يشاهد أخباراً وغير أخبار.
فنصيحتي لإخواني! أن يدعوا اقتناء التلفزيون مطلقاً مهما كان، لا سيما إذا جاء هذا الشبح الذي يهددوننا به الآن وهو البث المباشر، الذي سوف يشاهد الناس بواسطته ما عليه الدول الفاجرة الكافرة من الخلاعة والمجون والكفر، وإثارة الناس على ولاتهم، الذين في الخارج سينشرون كل ما يقال، حتى لو كان فيه ما يفرق بيننا وبين ولاة أمورنا؛ لأنهم يريدون الشر ويريدون الثورات، ويريدون القلق، ولا يريدون أمناً لهذه البلاد ولا لغيرها، ولهذا كان واجباً على الإنسان أن يحذر من هذا البث المباشر حتى يسلم الناس من شره.(11/36)
معنى اتباع المال للميت في قوله صلى الله عليه وسلم: (يتبع الميت ثلاثة)
السؤال
الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (يتبع الميت ثلاثة: يرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع ماله وأهله ويبقى عمله) كيف أن ماله يتبعه؟
الجواب
أليس الإنسان إذا خرج خرج معه أهله، أليس كذلك؟ وخرج معه ماله فما هو ماله؟ قال أهل العلم: هذا في الميت الذي له أرقاء يتبعونه، والأرقاء أمواله يباعون ويشترون، وقال بعض العلماء: المراد بماله هو ما يكرم من أجله، يعني: أن الناس غير أقاربه وغير أهله يخرجون معه من أجل ماله إذا كان تاجراً فعبر بالمال عن التابعين من أجل المال، ولهذا نجد الفقير إذا صلي عليه في المسجد من يتبعه؟ لا يتبعه إلا الذين يحملون النعش فقط، أربعة أو خمسة أو ستة، لكن إذا كان غنياً ما شاء الله، ملئوا المسجد، فهذا تبع المال، وربما يقال: ما يغطى به من أكسية أو نحوها يرجع فيكون هذا هو المراد بالمال لكن هذا ضعيف، فالمعنى إما أن يقال: إن المراد بالمال العبيد الأرقاء، أو يراد بالمال ما يكرم به من أجله، وهو كثرة الناس الذين ليسوا من أهل الميت.(11/37)
انطباق شروط الفتوى في الرجل على المرأة إلا ما خصه الدليل
السؤال
في مؤلفكم الأصول من علم الأصول ذكرتم شروط الفتوى، فهل هذه الشروط، تنطبق على المرأة لاسيما بعد السؤال السابق عن ظاهرة الفتوى للمرأة بغير علم؟
الجواب
الشروط التي ذكرناها في كتاب الأصول تنطبق على المرأة والرجل، والأصل أن ما ثبت في الرجال ثبت في النساء إلا بدليل، وما ثبت في النساء ثبت في الرجال إلا بدليل، هذا هو الأصل، سواء من أدلة القرآن والسنة، فإنه ما ثبت للرجال ثبت للنساء، وما ثبت للنساء ثبت للرجال إلا بدليل.(11/38)
حكم التنويه بالصلاة بعد الأذان
السؤال
هل يجوز للمؤذن بعد الأذان في الميكروفون أن ينوه بالصلاة بعدما ينتهي من الأذان؟
الجواب
خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر الناس بالصلاة بالأذان فقط، فأي كلمات تزاد بعد الأذان فهي بدعة، لا ينوه بعده، يكفي قوله حي على الصلاة حي على الفلاح.(11/39)
حكم احتجاب النساء عن طفل يعرف الأوصاف الجميلة من غير الجميلة
السؤال
إذا كان هناك طفل عمره سبع سنوات يصف خالته إلى آبائه فما حكم الظهور على هذا الطفل؟
الجواب
هذا لا يظهر على المرأة، يجب أن تتغطى عنه لقوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور:31] ، وهذا ظاهر ما دام يعرف الأوصاف الجميلة من غير الجميلة يجب التحرز منه.
السائل: رغم أنها خالته؟ الشيخ: يجب أن ينهى عن هذا الشيء، ما دامت خالته لا يمكن أن تحتجب عنه، لكن يجب أن ينهى عن هذا الشيء، وأن يبين له قبحه، ويتوعدونه بما يمكن أن يفعلوه به.(11/40)
حكم استقدام الخادمات بدون محرم
السؤال
هل يجوز يا شيخ! استقدام خادمات إذا كانت هناك ضرورة: امرأة ليس لها بنات، لكن هناك شاب في نفس البيت؟
الجواب
والله الذي نرى أنه لا يجوز استقدام الخادمات إلا بمحرم هذه واحدة.
والثانية: أنه لابد أن يكون هناك ضرورة.
السائل: ضرورتها أنها كبيرة ما تستطيع أن تخدم.
الشيخ: ولا لها زوجة ابن؟ السائل: لها ولكن الأبناء متفرقون.
الشيخ: في البيت؟ السائل: ليس في البيت إلا شاب فقط.
الشيخ: لا.
ما يجوز.
السائل: حسن هل يجوز أن يمتنع أحد الأبناء عن دفع مبلغ راتب الخادمة؟ الشيخ: نعم.
يجوز له.(11/41)
لقاء الباب المفتوح [12]
بعد أن تحدثت سورة النبأ عن الكافرين، ذكرت بعد ذلك حال المتقين، وما أعده الله لهم من ضروب النعيم.
كما ختمت السورة الكريمة بالحديث عن هول يوم القيامة، حيث يتمنى الكافر أن يكون تراباً.(12/1)
تفسير آيات من سورة النبأ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا في هذا اليوم.
الخميس الثامن عشر من شهر جمادى الأولى عام (1413هـ) نلتقي بإخواننا اللقاء الثالث من هذا الشهر، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله مباركاً نافعاً.
نستمر في تفسير سورة النبأ، حيث وقفنا على قول الله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً * وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} [النبأ:31-33] .
إلى آخر ما ذكر الله عز وجل.
هذه الآيات جاءت بعد قوله: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلطَّاغِينَ مَآباً} [النبأ:21-22] ، وذلك لأن القرآن الكريم مثاني تثنى فيه الأمور، إذا ذكر الثواب ذكر العقاب، وإذا ذكر العقاب ذكر الثواب، وإذا ذكرت صفات المؤمنين ذكرت صفات الكافرين وهكذا؛ لأجل أن يكون الإنسان حين يقرأ القرآن راغباً راهباً، إذا قرأ ما فيه الثواب للمؤمنين رغب ورجا وأمَّل، وإذا قرأ ما فيه عقاب الكافرين خاف، فيكون سائراً إلى الله تعالى بين الخوف والرجاء، لا يأمن مكر الله ولا ييأس من رحمة الله.
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: ينبغي أن يكون الإنسان في عبادته لربه بين الخوف والرجاء، فأيهما غلب هلك صاحبه.(12/2)
تفسير قوله تعالى: (إن للمتقين مفازاً)
قال تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً} [النبأ:31] المتقون هم الذين اتقوا عقاب الله، وذلك بفعل أوامر الله واجتناب نواهيه، أحياناً يأمر الله بتقواه، وأحياناً يأمر بتقوى يوم الحساب، وأحياناً يأمر بتقوى النار، قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ} [آل عمران:130-131] فجمع بين الأمر بتقواه والأمر بتقوى النار، وقال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:281] فأمر بتقوى يوم الحساب.
وكل هذا يدور على معنى واحد، وهو أن يتقي الإنسان محارم ربه، فيقوم بطاعته وينتهي عن معصيته.
فالمتقون هم الذين قاموا بأوامر الله، واجتنبوا نواهيه، هؤلاء لهم مفازاً، والمفاز هو: مكان الفوز وزمان الفوز أيضاً، فهم فائزون في أمكنتهم وفائزون في أيامهم.
يقول عز وجل: {حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً} [النبأ:32] هذا نوع المفاز، حدائق، أي: بساتين عظيمة الأشجار، منوعة الأشجار، {وَأَعْنَاباً} [النبأ:32] جمع عنب، وهي من جملة الحدائق لكنه خصها بالذكر.(12/3)
تفسير قوله تعالى: (حدائق وأعناباً)
قال تعالى: {حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً} [النبأ:32] هذا نوع المفاز (حدائق) أي: بساتين عظيمة الأشجار، منوعة الأشجار، {وَأَعْنَاباً} [النبأ:32] جمع عنب، وهي من جملة الحدائق لكنه خصها بالذكر.(12/4)
تفسير قوله تعالى: (وكواعب أتراباً)
قال تعالى: {وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} [النبأ:33] (الكواعب) جمع كاعب، وهي المرأة التي تبين ثديها ولم يتدلِ، بل برز وظهر كالكعب، وهذا أكمل ما يكون في جمال الصدر، {أَتْرَاباً} [النبأ:33] أي: على سن واحدة، لا تختلف إحداهن عن الأخرى كبراً كما في نساء الدنيا؛ لأنه لو اختلفت إحداهن عن الأخرى كبراً، فربما تختل الموازنة بينهما، وربما تكون إحداهما محزونة إذا لم تساوي الأخرى، لكنهن أتراب.(12/5)
تفسير قوله تعالى: (وكأساً دهاقاً)
قال تعالى: {وَكَأْساً دِهَاقاً} [النبأ:34] ، أي: كأساً ممتلئة، والمراد بالكأس هنا كأس الخمر، وربما يكون من الخمر وغيره؛ لأن الجنة: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:15] .
{لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً} [النبأ:35] لا يسمعون في الجنة لغواً، أي: كلاماً باطلاً لا خير فيه، ولا كذاباً، أي: لا كذباً، فلا يكذبون ولا يُكذب بعضهم بعضاً؛ لأنهم على سرر متقابلين، قد نزع الله ما في صدورهم من غلٍ وجعلهم إخواناً.(12/6)
تفسير قوله تعالى: (جزاء من ربك عطاءً حساباً)
قال تعالى: {جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً} [النبأ:36] أي: أنهم يجزون بهذا جزاء من الله على أعمالهم الحسنة التي عملوها في الدنيا، واتقوا بها محارم الله.
وقوله عز وجل: {حِسَاباً} ، أي: كافياً مأخوذة من الحسب وهو الكفاية، أي: أن هذا الكأس كافٍ لا يحتاجون معه إلى غيره؛ لكمال لذته وتمام منفعته.
ثم قال عز وجل: {رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً} [النبأ:37] فالله سبحانه وتعالى هو رب كل شيء، قال الله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} [النمل:91] ، فهو رب السماوات السبع الطباق، ورب الأرض -وهي سبع كما ثبت ذلك في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- وما بينهما، أي: ما بين السموات والأرض من المخلوقات العظيمة كالغيوم والسحب، والأفلاك وغيرها مما نعلمه ومما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وقوله: {لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً} [النبأ:37] يعني: أن الناس لا يملكون خطاباً من الله، ولا يستطيع أحد أن يتكلم إلا بإذن الله، وذلك {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ} [النبأ:38] وهو جبريل: {وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً} [النبأ:38] أي: صفوفاً صفاً بعد صف؛ لأنه كما جاء في الحديث تنزل ملائكة السماء الدنيا فتحيط بالخلق ثم ملائكة السماء الثانية من ورائهم، ثم الثالثة ثم الرابعة والخامسة وهكذا صفوفاً، لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم سبحانه وتعالى.(12/7)
تفسير قوله تعالى: (يوم يقوم الروح والملائكة)
قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً} [النبأ:38] أي: لا الملائكة ولا غيرهم، كما قال تعالى: {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً} [طه:108] {إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} [النبأ:38] بالكلام فإنه يتكلم كما أذن له {وَقَالَ صَوَاباً} [النبأ:38] أي: قال قولاً صواباً موافقاً لمرضاة الله سبحانه وتعالى، وذلك بالشفاعة إذا أذن الله سبحانه وتعالى لأحد أن يشفع شفع فيما أذن له أن يشفع فيه، على حسب ما أذن له.(12/8)
تفسير قوله تعالى: (ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآباً)
قال تعالى: {ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ} [النبأ:39] أي: اليوم الذي أخبرناكم عنه هو اليوم الحق، والحق ضد الباطل، أي: الثابت الذي يقوم فيه الحق ويقوم فيه العدل، {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88-89] أعانني الله وإياكم على ذلك اليوم.
{فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا} أي: من شاء عمل عملاً يئوب به إلى الله، ويرجع به إليه، وذلك العمل الصالح الموافق لمرضاة الله تعالى.
وقوله: {فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا} قيدتها آية أخرى وهي قوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:28-29] أي: أن لنا الخيار فيما نذهب إليه، لا أحد يكرهنا على شيء، لكن مع ذلك خيارنا وإرادتنا ومشيئتنا راجعة إلى الله، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29] ، وإنما بين الله تعالى ذلك في كتابه من أجل ألا يعتمد الإنسان على نفسه وعلى مشيئته، بل يعلم أنها مرتبطة بمشيئة الله حتى يلجأ إلى الله في سؤال الهداية لما يحب ويرضى، ولا يقول الإنسان: أنا حر أريد ما شئت وأتصرف كما شئت، نقول: الأمر كذلك لكنك مربوط بإرادة الله عز وجل.(12/9)
تفسير قوله تعالى: (إنا أنذرناكم عذاباً قريباً)
قال تعالى: {إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا} [النبأ:40] أي: خوفناكم من عذاب قريب، وهو عذاب يوم القيامة، وهو في الحقيقة قريب، ولو بقي في الدنيا ملايين السنين فإنه قريب: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات:46] ، فهذا العذاب الذي أنذرنا الله قريب ليس بين الإنسان وبينه إلا أن يموت، والإنسان لا يدري متى يموت، قد يصبح ولا يمسي، أو يمسي ولا يصبح، ولهذا كان علينا أن نحزم في أعمالنا، وأن نستغل الفرصة قبل فوات الأوان.
قال تعالى: {يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ:40] المرء، أي: كل امرئ ينظر ما قدمت يداه، ويأخذ كتابه ويعرف مصيره، {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] ويقول الكافر من شدة ما يرى من الهول، وما يشاهد من العذاب، يقول: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:40] أي: ليتني لم أخلق، أو ليتني لم أبعث، أو إذا رأى البهائم التي يقضي الله بينها ثم يقول: كوني تراباً، حينئذ يتمنى أن يكون مثل البهائم، فقوله: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:40] تحتمل ثلاث معاني: المعنى الأول: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:40] أي: فلم أخلق؛ لأن الإنسان خلق من تراب.
المعنى الثاني: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:40] فلم أبعث، يعني: كنت تراباً في أجواف القبور.
أو المعنى الثالث: أنه إذا رأى البهائم التي قضى الله بينها وقال لها كوني تراباً فكانت تراباً قال: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:40] أي: كما كانت هذه البهائم، والله أعلم.
وإلى هنا تنتهي سورة النبأ وفيها من المواعظ والحكم وآيات الله عز وجل ما يكون موجباً للإيقان والإيمان، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بكتابه، وأن يجعله موعظة لقلوبنا وشفاء لما في صدورنا، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(12/10)
الأسئلة(12/11)
المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمتي)
السؤال
ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ليكونن من أمتي أقوام كذا وكذا، هل القصد بقوله: أمتي المسلم والكافر أم المسلم فقط؟
الجواب
الحديث عام في هذا وهذا، ولكن الغالب أنها تكون للمؤمنين، ولكن ليس هذا دليلاً على جواز هذا الشيء الذي يقع بل قد يكون للتحذير منه، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) ، هذا لم يقله على وجه التقرير، لكنه قاله على وجه التحذير أي: فاحذروا من هذا، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: فمن) فهو أخبر أن من أمته من يتبع اليهود والنصارى، ولكنه لم يقل ذلك على سبيل التقرير بل على سبيل التحذير.(12/12)
معنى حديث: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة)
السؤال
وقفت على حديث ما معناه: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة، ومن المعلوم أن في كتب الفقه والحديث نقرأ دائماً أحكام الاعتكاف وتفصيله، وما يشرع له وما يبطله.
إلى آخره، كيف ذلك؟
الجواب
هذا الحديث الذي أشرت إليه هو من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، رأى أقواماً معتكفين في مسجد الكوفة بين بيته وبيت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فجاء إلى ابن مسعود يحدثه بأنه رأى أقواماً يعتكفون في مسجد الكوفة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى) فقال له ابن مسعود: لعلهم أصابوا وأخطأت وحفظوا ونسيت، فكأن ابن مسعود رضي الله عنه رجح فعلهم على ما قاله حذيفة رضي الله عنه، ولا شك أن هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مخالف لعموم قوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187] والمساجد عامة ليس فيها تخصيص، ولا يمكن أن يخاطب الله تعالى الأمة بهذا الحكم العام في الاعتكاف ويقول في المساجد، ثم لا يراد به إلا ثلاثة مساجد، قد يدركها من يدركها من الناس، وقد لا يدركها.
ثم على تقدير صحته إذا قدرنا أنه صحيح محفوظ، فإنه يعني: أنه لا اعتكاف كامل إلا في هذه المساجد وليس المعنى: لا اعتكاف يصح، والذي نرى أن الاعتكاف يصح في كل مسجد، في المساجد الثلاثة وفي غيرها، ويكون ذلك في العشر الأواخر من رمضان كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وليس كما قال بعض أهل العلم: من أنه ينبغي لكل من دخل المسجد أن ينوي الاعتكاف فيه، فإن هذا بدعة، لم يكن معروفاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، ولو كان من الشرع لأرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله، فهاهو يتحدث صلى الله عليه وسلم عمن بكّر إلى الجمعة، فيقول: (من اغتسل فجاء في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة) إلى آخر الحديث، ولم يقل: ولينوِ الاعتكاف، مع أنه حث على المجيء مبكراً، ولم يقل ولينو الاعتكاف حتى تأتي الصلاة.
فالصواب أن الاعتكاف المشروع ما كان في العشر الأواخر كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل.(12/13)
المشروع والممنوع في التعازي
السؤال
ما هو الضابط في تقديم التعازي لأهل الميت، خاصة وأننا نجد في بعض البلدان أنهم يقرءون الفاتحة على الميت، وأنهم يستدلون على ذلك بأنه إذا كانت القراءة على المريض كالرقية جائزة فالميت من باب أولى أن يقرأ عليه الفاتحة، ونرجو البسط في هذه المسألة لأننا نجد فيها الكثير من الخلافات؟
الجواب
العزاء مشروع لكل مصيبة، فيعزى المصاب وليس الأقارب فقط، قد يصاب الإنسان بموت صديقه أكثر مما يصاب بموت قريبه، وقد يموت القريب للشخص ولا يصاب به ولا يهتم به، وربما يفرح بموته إذا كان بينهما مشاكل، فالعزاء في الأصل إنما هو لمن أصيب، ويعزى يعني: يقوى على التمسك بالصبر، وأحسن ما يعزى به ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم حيث أرسل إلى إحدى بناته، فقال: (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى) .
وأما اجتماع الناس للعزاء في بيت واحد فإن ذلك من البدع؛ فإن انضم إلى ذلك صنع الطعام في هذا البيت كان من النياحة كما كان الصحابة رضي الله عنهم يعدون ذلك، أي: الاجتماع عند أهل البيت وصنع الطعام يرونه من النياحة، والنياحة -كما يعلمه الكثير من طلبة العلم- من كبائر الذنوب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة.
وعلى هذا فيجب على طلبة العلم أن يبينوا للعامة أن هذا أمر غير مشروع، وأنهم إلى الإثم أقرب منهم إلى السلامة، وأن الواجب على خلف هذه الأمة أن يتبعوا سلفها، فهل جلس النبي صلى الله عليه وسلم للعزاء في بناته؟ في أولاده؟ في زوجته خديجة؟ وزوجته زينب بنت خزيمة؟ هل جلس أبو بكر؟ هل جلس عمر؟ هل جلس عثمان؟ هل جلس علي؟ هل جلس أحد من الصحابة ينتظرون من يعزيهم؟ أبداً.
لم يفعل هذا ولا شك أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
وأما ما تلقي عن الآباء وجرت به العادات، فهذا يعرض على الكتاب والسنة وهدي السلف، فإن وافقها فهو مقبول لا لأنه عادة ولكن لأنه وافق السنة، وما خالفها فيجب أن يرفض.
ولا ينبغي لطلبة العلم أن يخضعوا للعادات، وأن يقولوا: كيف ننكر على آبائنا وأمهاتنا وإخواننا شيئاً معتاداً؟ لأننا لو أخذنا بهذا الطريق ما صلح شيء، وبقيت الأمور على ما هي عليه من الفساد.
وأما قراءة الفاتحة فهي بدعة على بدعة، فما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعزي بقراءة الفاتحة ولا بغيرها من القرآن، وأما قولهم بأنها تقرأ على المريض فنقول: يقرأ بها على المريض ليشفى بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وما يدريك أنها رقية؟!) فهي تقرأ على المرضى ويشفون بإذن الله، لكن الميت ميت، هل إذا قرأناها عليه سيشفى؟ أبداً هو ميت، ولا يبعث إلا يوم القيامة.
كل هذه من الأشياء التي يجب على طلبة العلم أن ينتزعوها من مجتمعاتهم، وأن يعودوا إلى ما كان عليه السلف الصالح فإذا قيل: إذاً متى نعزي؟ قلنا: أولاً: العزاء ليس بواجب، غاية ما فيه أنه سنة.
ثانياً: أن العزاء للمصاب الذي نعرف أنه تأثر بالمصيبة فنعزيه ونورد عليه المواعظ حتى يطمئن.
ثالثاً: أن العزاء المشروع ليس بالاجتماع في البيت، وإنما في أي مكان تلقاه فيه سواء في السوق أو في المسجد.
وما أشبه ذلك.(12/14)
حكم الاقتداء بالمسبوق إذا قام لإكمال صلاته
السؤال
القائم بقضاء ما فاته في الصلاة هل يجوز أن يقتدي به شخص آخر؟
الجواب
يعني: الرجل المسبوق الذي دخل مع الإمام في أثناء الصلاة ثم قام يقضي ما فاته، هل يأتم به أحد دخل معه؟ اختلف أهل العلم في هذه المسألة، فمنهم من قال: إن هذا غير صحيح، وأنه لا يصح أن يأتم به أحد، ومنهم من قال: إنه صحيح ولكن خلاف الأولى وهذا هو الأقرب أنه صحيح لكنه خلاف الأولى، وهو إلى البدعة أقرب منه إلى السنة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يفعلون هذا، كان الرجل إذا فاته شيء من الصلاة قام فقضاه وحده، ثم إن هذا يؤدي إلى التسلسل فيصلي من دخل مع القاضي الذي يقضي ما فاته، وربما يفوته شيء أعني هذا الداخل فيقضيه، ثم يأتي ثالث ورابع ثم في هذه الحال يظهر جداً أنه بدعة.(12/15)
الفرق بين بيع السلم والغرر
السؤال
بعض أصحاب المزارع يشتري مثلاً خمسين فرخ نخلة بخمسين ألفاً، دون أن يحدد نوع أو حجم الفراخ، ولكن يشترط عليه ألا يبيع شيئاً حتى يأخذ الخمسين التي له، فإذا كان لا يجوز فما رأيكم في حث أئمة المساجد على ذلك، لأن هذا سائد، وإذا كان يجوز فأرجو إفتاءنا جزاكم الله خيراً؟
الجواب
لا شك أنه إذا اشترى منه فراخة نخل فإنه على قسمين: القسم الأول: أن يشتري منه موصوفاً في الذمة، وفي هذه الحال لا بد أن يحدد النوع والكمية والحجم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم) ، فمثلاً يقول: اشتريت منك مائة فرخ شجرة سكرية برحية بكذا وكذا من الدراهم.
القسم الثاني: أما إذا كان معيناً كأن يقول: اشتريت منك فرخة هذا المقطر، فهذا لابد أن يعين الفرخ ولا يصح أن يكون موصوفاً بل يقول: هذه الفراخ العشرة ويعينها ويسمها بما تعرف به، فإن لم يكن كذلك فهي مجهولة، وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر) .(12/16)
وقت الصلاة في حق النائم إذا استيقظ
السؤال
لو قام قائم من نومه ولم يبق على خروج الوقت إلا ما يكفيه لوضوئه، فهل في هذه الحال يتيمم ويصلي أو يتوضأ ولو خرج الوقت الواجب، ما الأولى في هذه المسألة حفظكم الله؟
الجواب
إذا استيقظ الإنسان من نومه وقد بقي من الوقت ما لا يتسع لوضوئه وصلاته، فإنه يتوضأ ثم يصلي ولو خرج الوقت، وذلك لأن النائم يكون وقت الصلاة في حقه وقت استيقاظه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) يعني: إذا استيقظ، فالواجب أن يتطهر أولاً ثم يصلي ثانياً، ولو خرج الوقت، وفي هذا الحال تكون صلاته على القول الراجح أداء أي: كالذي صلى في الوقت.
ولكن يجب علينا أن ننبه إلى أنه لا يجوز للإنسان أن يُغَلِّب جانب النوم على جانب الصلاة، بل الواجب أن يكون عنده (منبه) ساعة أو تليفون، أو يطلب من أصحابه مثلاً أن يتصلوا به إذا حان وقت الصلاة، وإذا كان عنده أحد في البيت يستيقظ فليطلب منه أن يوقظه، وأما التهاون فإنه لا يجوز، يجب أن ننتبه لهذا الأمر، يعني لا يقول قائل: إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة ونسيها فليصلها إذا ذكرها) يدل على أن الأمر هين، لا.
لكن إذا كان الإنسان لا يجد من يوقظه، ولم يتمكن من الاستيقاظ وتعذرت الوسائل كلها، ففي هذه الحال يكون معذوراً.(12/17)
نكتة بلاغية في قوله تعالى: (ولكن الله ألف بينهم)
السؤال
في قوله تعالى في سورة الأنفال: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال:63] هل هناك نكتة بلاغية في مسألة: {وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال:63] ولم يذكر قلوبهم؟
الجواب
معلوم ذلك من وجهين: الوجه الأول: لأن قوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [لأنفال:63] أظهر في التأليف من قوله: (ألف بين قلوبكم) ؛ لأنه إذا تآلفت الظواهر كان ذلك دليلاً على تآلف البواطن، لكن لو تآلفت البواطن فقد يختلف التآلف في الظواهر، فلهذا قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [لأنفال:63] هذا وجه.
والوجه الثاني: أن المدار على تأليف القلوب وهو أمر باطن لا يقدر عليه إلا الله، أما تأليف الظواهر فقد يأتي شخص من الناس ولاسيما من له كلمة في مجتمعه فيؤلف بين اثنين تأليفاً صورياً ويقول: أنا ألفت بين هذين الرجلين، وجمعت بينهما، وأصلحت بينهما، لكن قلوبهما متعادية، ومثل هذا التآلف لا يدوم طويلاً فلهذا قال: {مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال:63] .(12/18)
الأولى في حق الراغب في اعتناق الإسلام
السؤال
بالنسبة للكفار الذين يريدون الدخول في الإسلام ويرى بعض الإخوة ألا يستعجل في دخولهم، بل يرى أن يعطوا كتباً وأشرطة ويبقوا شهراً أو شهرين حتى يتعلموا ويتفقهوا في العقيدة الإسلامية، يأتي الرجل ويقول: أريد أن أدخل في الإسلام وبعد ذلك تخبروني بما يجب علي من العبادات، هل الأولى أن نسارع ونجعله يدخل في الإسلام أم نؤخره حتى يتعلم؟
الجواب
الواقع أن بعض الناس كما ذكرت يقول: هؤلاء الذين جاءوا إلينا وافدين قد يقول قائل منهم: أنا أريد الإسلام وهو جاهل به، فإذا دخل في الإسلام لم يرق له، ولم يستحسن شعائر الإسلام فينكص على عقبيه، وحينئذ تكون الطامة أعظم؛ لأنه إذا دخل في الإسلام ثم نكص صار مرتداً، لكن لو بقي على دينه صار كافراً أصلياً، والمرتد أعظم من الكافر الأصلي؛ لأن الكافر الأصلي يقر على دينه، والمرتد لا يقر على ردته، يدعى للإسلام فإن تاب وإلا قتل، فيرى بعض الإخوة ألا نتعجل.
ثم إن بعض هؤلاء العمال قد يدعي أنه مسلم لغرض دنيوي، ليس حباً في الإسلام، فكوننا نقيم عليه الحجة ببيان الإسلام ثم يدخل عن بصيرة أولى من كوننا نتعجل، فعلى هذا ينبغي أن ينظر للقرائن، إذا رأينا أن هذا الرجل عامل بين قوم مسلمين، وكان يشاهدهم ويشاهد طهارتهم وصلاتهم وأذكارهم وسيرهم، فهذا من حين ما يقول أنه راغب في الإسلام نقبل منه، وأما إذا كان جاهلاً وقد أتى حديثاً، ولم يدر عن الإسلام شيئاً فهنا يحسن أن نبين له الإسلام أولاً، ثم نقبل منه دعوى الإسلام.(12/19)
(المحيي والستير) وعلاقتهما بالأسماء والصفات
السؤال
هل (المحيي والستير) يعتبران من أسماء الله؟
الجواب
المحيي ليس من أسماء الله، من أسماء الله الحي، أم المحيي فهو صفة فعل من أفعال الله، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [غافر:68] ، فالمحيي اسم فاعل من أحيا، فهو من صفات الأفعال وليس من الأسماء.
وأما الستير فقد ورد فيه حديث، ولكن يحتاج إلى نظر في صحته فإذا صح فهو من أسماء الله؛ لأن مذهب أهل السنة والجماعة أن كل ما صح في أسماء الله عن رسول الله فإنه يثبت، أي: ثابت التسمية به.(12/20)
صفات من يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب
السؤال
ما المقصود بحديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بدون حساب ولا عذاب؟
الجواب
هذا الحديث حديث طويل مشهور، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى سواداً عظيماً قد سد الأفق فقيل له: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فجعل الصحابة رضي الله عنهم يتساءلون بينهم من هؤلاء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) ، قوله: لا يسترقون، أي: لا يطلبون من أحد أن يقرأ عليهم لمرض كان فيهم، ولا يكتوون، أي: لا يطلبون من أحد أن يكويهم، ولا يتطيرون، أي: لا يتشاءمون، وعلى ربهم يتوكلون، أي: يعتمدون اعتماداً كلياً.
وعلم من قوله: لا يسترقون أنهم لو قرءوا على غيرهم فلا بأس، ولا يحرمون من هذا الثواب العظيم، وأنه لو قرأ عليهم غيرهم بلا طلب منهم فلا بأس، ولا يحرمون من هذا الثواب العظيم، وكذلك من كواه غيره بلا طلب منه فإنه لا يحرم هذا الثواب.
أما التطير فهو التشاؤم، قال العلماء: التشاؤم يكون بمرئي أو مسموع أو معلوم، والتشاؤم من مرئي: مثل أن يرى شيئاً فيقع في نفسه التشاؤم، كأن يرى طيراً أسود فيقول: هذا سواد يومي، أو كأن يرى أمامه إنساناً عثر فمات فيتشاءم ويقول: إن ذهبت في هذا الطريق حصل لي مثلما حصل لهذا الشخص، أو ما أشبه ذلك، والتشاؤم بمسموع: مثل أن يسمع كلمة نابية فيتشاءم ويرجع عن حاجته.
والتشاؤم بالمعلوم: التشاؤم بالأيام أو بالشهور، كما كان أهل الجاهلية يفعلون، منهم من يتشاءم بشهر صفر، ومنهم من يتشاءم بشهر شوال، ومنهم من يتشاءم بيوم الأربعاء، وغير ذلك مما هو معروف من طرق الجاهلية، فإن الطيرة من الشرك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الطيرة شرك، الطيرة شرك) وعلى الإنسان أن يتوكل على الله ويعتمد عليه في أمره كله، وإذا رأى أن من الخير أن يفعل فليفعل، ولا يهمه ما سمعه وما رآه؛ لأن الطيرة من الشرك.
وأما التوكل فهو: صدق الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار مع فعل الأسباب النافعة؛ لأن التوكل بدون فعل الأسباب النافعة يسمى تواكلاً وليس توكلاً، فإن سيد المتوكلين محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كان يفعل الأسباب التي تقيه، ففي غزوة أحد ظاهر بين درعين يعني: لبس درعين خوفاً من السهام، وضرب الخندق على المدينة لئلا يدخلها العدو، واختفى في غار ثور ثلاثة أيام لئلا يدركه العدو، فالأسباب النافعة فعلها لا ينافي التوكل أبداً، بل هو من مقتضى التوكل.
فهذه الأوصاف الأربعة أنهم: (لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون) ، هي من صفات من يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب، ولكن ليعلم أنه لابد أن يكون عندهم إيمان، فلو فرضنا أن أحداً اتصف بهذه الصفات لكنه لا يصلي فهذا لا يدخل الجنة أبداً لا بحساب ولا بغير حساب؛ لأن من لا يصلي كافر، ولا ينفعه أنه لا يسترقي، ولا يكتوي، ولا يتطير، وأنه يتوكل ويعتمد على الله، فيجب أن ننتبه إلى هذه المسألة.(12/21)
معنى الفاضل والمفضول ومثال ذلك من الأعمال
السؤال
ما معنى الفاضل والمفضول وأيهما أفضل؟
الجواب
المفضول أي: الذي فضله غيره، والفاضل: الذي فيه الفضل، فإذا قيل: فاضل ومفضول، فالفاضل هنا بمعنى أفضل، وأما إذا قيل: فاضل بدون ذكر المفضول، فالفاضل قد يكون غيره أفضل منه، فالمراتب ثلاث: أفضل، وفاضل، ومفضول، فإذا قيل: أفضل فمعناه أنه لابد من شيء مفضول، مثال ذلك: رجل يريد أن يتفرغ لطلب العلم أو يصلي النوافل، فصلاة النوافل لا شك أن فيها فضلاً لكن طلب العلم أفضل منها بكثير، شخص آخر أراد أن يتصدق على فقير عنده بعض الكفاية، وآخر أراد أن يتصدق على فقير ليس عنده شيء من الكفاية، فالأفضل الثاني، وكلاهما فيه فضل.
ولكن قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل، مثاله: قراءة القرآن من أفضل الذكر، والقرآن أفضل الذكر، فلو كان رجل يقرأ وسمع المؤذن يؤذن فهل الأفضل أن يستمر في قراءته أو أن يجيب المؤذن؟ هنا نقول: إن الأفضل أن يجيب المؤذن، وإن كان القرآن أفضل من الذكر، لكن الذكر في مكانه أفضل من قراءة القرآن؛ لأن قراءة القرآن غير مقيدة بوقت متى شئت فاقرأ، لكن إجابة المؤذن مربوطة بسماع المؤذن، كذلك أذكار الصلوات الخمس التي بعد الفرائض لو قال قائل: أنا أريد من حين أن أسلم أن أقرأ القرآن، فهل الأفضل أن أقرأ القرآن، أو أن أقول الذكر الوارد؟ فالجواب: الأفضل الذكر الوارد، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً) ، مع أن قراءة القرآن من أفضل الأعمال، لكن نقول: إذا كنت راكعاً فأنت منهي عن قراءة القرآن، وكذلك إذا كنت ساجداً فإنك منهي عن قراءة القرآن، بل تقول سبحان ربي العظيم في الركوع، وسبحان ربي الأعلى في السجود، وقد قال بعض العلماء: لو قرأ الإنسان القرآن وهو راكع أو ساجد بطلت صلاته؛ لأنه فعل شيئاً منهياً عنه، أنت ترى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إني نهيت -يعني نهاني ربي- أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً) مع أن القرآن من أفضل الذكر.
وخلاصة الجواب أن نقول: الأعمال لها مراتب بعضها أفضل من بعض، ولكن قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل.(12/22)
حكم الاقتصار على الأركان الخمسة
السؤال
يقول بعض الإخوة: إن من أدى أركان الإسلام الخمسة أصبح مسلماً، وإن لم يطبق السنة النبوية من حف الشارب وإرخاء اللحية، وتقصير الثوب، ولكنه لا يكون مستقيماً، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
الجواب
هذا صحيح.
بأن الإنسان إذا أتى بأركان الإسلام الخمسة فهو مسلم، حتى لو حلق لحيته أو أنزل ثوبه إلى أسفل من الكعبين فهو مسلم، بل هو مؤمن لكنه ناقص الإيمان لارتكابه هذه المعصية، وإصراره عليها؛ لأنك لو قلت: ليس بمسلم فقد أخرجته من الإسلام، والإخراج من الإسلام ليس بالهين، لا يجوز لنا أن نخرج شخصاً من الإسلام إلا بدليل من الكتاب والسنة، أو إجماع الأمة؛ لأن الإخراج من الإسلام حكم من أحكام الله يترتب عليه مسائل عظيمة، فإذا كان ليس لنا أن نقول: هذا حرام إلا بدليل، أو هذا واجب إلا بدليل، فليس لنا أن نقول: إن هذا كفر إلا بدليل، ولا نقول: هذا كافر إلا بدليل، والأمة الإسلامية ما فرقها إلا مثل هذا القول المبني على الوهم، فـ الخوارج لماذا خرجوا على الأئمة وأفسدوا أشياء كثيرة في الأمة؟ لأنهم يكفرون بكبائر الذنوب، ويقولون: من فعل الكبيرة فهو كافر مخلد في النار يجب قتاله، ومن قرأ التاريخ عرف ما حصل عند ظهورهم من المفاسد العظيمة.
فالحاصل: أن الكفر ليس بالأمر الهين، قد يعصي الإنسان معاصي كثيرة لكن يبقى مؤمناً، إلا أنه مؤمن ناقص الإيمان، ولو سألتكم ما هو أعظم شيء من العدوان على بني آدم؟ لكان الجواب: القتل، القتل أعظم من أخذ المال، ومع ذلك جعل الله تعالى القاتل أخاً للمقتول فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:178] (من) يعني بأخيه المقتول {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ} [البقرة:178] أي من دم أخيه: {شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:178] .
وقال تعالى في الطائفتين المقتتلتين من المؤمنين: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:9] إلى أن قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10] فأنتم ترون الآن القاتل لا يخرج من الإيمان، والمقاتل للمؤمنين لا يخرج من الإيمان، فكيف إذا حلق لحيته، أو أرخى ثوبه! نقول: هو مسلم مؤمن؛ لكنه ناقص الإيمان بما معه من المعاصي.(12/23)
حكم من سها عن السجدة الأخيرة ولم يسجد للسهو
السؤال
جماعة صلوا أحد الفروض، وسها الإمام في السجدة الأخيرة ولم يسجدها وسلم وانصرف المأمومون، ومن المأمومين من فارق الإمام وأتى بالسجدة، ومنهم من قام وخرج من المسجد، ومنهم من أعاد الصلاة كلياً، فذُكِّر الإمام فقام بالسجدة وسلم ولم يسجد للسهو، ومن المعلوم أن السجود ركن وتبطل الصلاة بتركه سهواً أو عمداً؟ الشيخ: لكن سجد السجدة أو السهو فقط؟ السائل: السجدة فقط.
الشيخ: ولم يسجد السهو؟ السائل: نعم.
ما الحكم؟
الجواب
الواجب على المأموم إذا أخل إمامه بركن أو واجب أن ينبهه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله إنما التصفيق للنساء) الواجب على المأمومين أن يسبحوا، وأن يلحوا في التسبيح حتى يرجع الإمام، وإذا قُدِّر أن الإمام لم يفهم فليقرءوا آية تشير إلى ذلك، مثلاً هذا الرجل الذي ترك السجدة الأخيرة وسلم يجب على المأمومين أن يسبحوا ويقولوا: سبحان الله حتى ينتبه، وإذا لم ينتبه فليقرءوا آية من القرآن تذكره، مثل أن يقولوا: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19] أو آية نحوها تذكره.
أما في القضية الواقعة فالذين سجدوا السجدة الثانية وسلموا صلاتهم صحيحة، والذين لم يسجدوا حتى طال الزمن يجب عليهم أن يعيدوا الصلاة من أولها، والذين ذكروا عن قرب ثم سجدوها يجب عليهم بعد السلام أن يسجدوا سجدتين للسهو ويسلموا، فأنت اسأل هؤلاء الإخوة الذين حصل منهم ما حصل، فمن قال منهم: إنه لم يسجد حتى الآن، فمره بأن يعيد صلاته.(12/24)
حكم إطلاق اسم (عم) على أبي الزوجة ونحو ذلك
السؤال
إن من العادات المتبعة أن يطلق على أبي الزوجة خال، وعلى أم الزوجة خالة، وبعضهم يطلق عم أو عمة، وبعض الإخوة سمع منك في تفسير سورة النساء: أنه لا يجوز أن يطلق هذا الاسم على أبي الزوجة أو الأم فما هو البديل؟ وما صحة هذا الكلام جزاكم الله خيراً؟
الجواب
أما أبو الزوجة فلا يسمى خالاً ولا عماً لأنه ليس خالاً شرعاً، ولا عماً شرعاً، وكذلك أم الزوجة ليست خالة ولا عمة، فلا ينبغي أن يسمى أبو الزوجة خالاً أو عماً، ولا ينبغي أن تسمى أم الزوجة خالة أو عمة، وإنما يسموا بالتسمية التي سموا بها عند أهل العلم وهم الأصهار، فيقال: صهري فلان، أبو زوجتي فلان، صهرتي فلانة، أم زوجتي فلانة، وأما أن يسموا بأسماء شرعية لا يتصفون بما تقتضيه هذه الأسماء فإن ذلك لا ينبغي.
ولكن لم نقل إنه حرام ولعل الذي سمع كلامي، أي: قولي لا ينبغي ظن أن هذا يعني التحريم، فالأولى أن الإنسان يسمي الأشياء بتسمياتها الحقيقية الشرعية، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نسمي صلاة العشاء بالعتمة، وقال: (لا يغلبنكم الأعراب على صلاتكم العشاء فإنها في كتاب الله العشاء) ، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} [النور:58] ، ولم يقل العتمة، والعتمة هي: إعتام الأعراب بالإبل، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يغلبنا الأعراب على تسميتنا للصلاة بغير اسمها الشرعي.(12/25)
الهداية والعمل بالأسباب المشروعة
السؤال
في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في صحيح البخاري جزء من الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (والله الذي لا إله غيره إن منكم من يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع.
) الحديث.
يوجد في أوساط الشباب من يقول: إذا كانت الهداية مقدرة أو متعلقة بالمشيئة فلا يوجد ثمة داعٍ لأن أعمل الصالحات، أو ألتزم بطاعة الله عز وجل، فما رأيكم يا فضيلة الشيخ! في هذا القول؟
الجواب
لما حدث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أنه ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار قالوا: يا رسول الله! أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له؛ أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة) .
فإذا قال قائل: إذا كان الأمر مقدراً فلا فائدة من العمل، وأصر على ذلك، ونفذ ما قال، علمنا أنه من أهل الشقاوة والعياذ بالله؛ لأنه لم ييسر لعمل أهل السعادة، ثم نقول لهذا الرجل: هل أنت تعلم أن الله قدر لك أن تكون من أهل الشقاوة حتى تعمل بعملهم؟ فسيقول: لا.
نقول: إذاً قدر أن الله كتبك من أهل السعادة واعمل بعمل أهل السعادة.
ثم نقول ثالثاً: أنت الآن لو قيل لك: إن البلد الفلاني فيه تجارة كبيرة وهو بلد آمن فيه سعة رزق، وبلد آخر دون ذلك بكثير، هل تقول: لا أذهب إلى البلد الأول؛ لأنه لو قدر لي لذهبت! وتذهب إلى البلد الثاني، أو تذهب للبلد الأول وتقول: إنه قد قدر لي؟ الجواب: أنه سيقول الأخير، سيذهب إلى البلد الذي يرى أنه أنفع له، ويقول: إنه قد قدر لي أن أذهب إليه، هكذا أيضاً طريق الجنة والنار، لنفرض أن الجنة والنار بلدان هل تذهب إلى بلد الشقاء والعذاب أو بلد النعيم والسعادة، ستذهب إلى الثاني.
فلهذا لا يقول هذا القول الذي أشرت إليه إلا رجل مخذول والعياذ بالله، نعلم أنه لو أصر على ذلك فإنه مقدر عليه أنه من أهل الشقاوة، وسيذوق بأس الله عز وجل، لقول الله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} [الأنعام:148] .
وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) فهذا يوجب الحذر من أن يعمل الإنسان بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس دون ما في باطن قلبه، ويدل لهذا ما ثبت في الصحيح أيضاً: من أن رجلاً كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة، وكان لا يدع للعدو شاذة ولا فاذة إلا قضى عليها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (هذا من أهل النار) فعظم ذلك على الصحابة، وشق عليهم كيف يكون هذا من أهل النار وهو على هذه الحال! ثم قال أحد الصحابة: والله لألزمنه -ألزم هذا الرجل وأمشي معه- حتى أنظر ماذا يكون من أمره، يقول: فأصابه سهم -أصاب هذا الرجل الشجاع الجيد سهم- فغضب وجزع ثم أخذ بسيفه ووضعه على بطنه واتكأ عليه حتى خرج السيف من ظهره فمات، فجاء الرجل الذي كان ملازماً له إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أشهد أنك رسول الله، قال: (وبم؟) قال: إن الرجل الذي قلت لنا إنه من أهل النار صارت خاتمته كذا وكذا -نعوذ بالله من سوء الخاتمة- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) ، وعلى هذا فيكون حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فيه التحذير من سوء الطوية وفساد النية، وأن الإنسان يجب عليه إذا عمل بعمل أهل الجنة أن يكون عمله مبنياً على إخلاص وتوحيد حتى يكون نافعاً له عند وفاته ومفارقته الدنيا.(12/26)
المصلى في البيت أو العمل ليس له حكم المسجد
السؤال
هناك مدرسة فيها مصلى معد لصلاة الظهر فقط، في وقت صلاة الظهر تجبر البنات على الدخول، وبعضهن تكون حائضاً، فهل هذا المصلى له حكم المسجد؟ يعني: لا يجوز أن تجلس فيه، وعندما يجلسن في الفصول ربما تحدث بعض الأشياء اللاأخلاقية، فهل يمكن أن يجبرن على دخول هذا المصلى؟
الجواب
المصلى في المدارس ليس في حكم المسجد، بل هو مصلى، وليس كل مكان تقام فيه الصلاة يعتبر مسجداً، فالمسجد هو: ما أعد للصلاة على سبيل العموم وهيئ وبني.
وأما مجرد أن يتخذ مكاناً يصلى فيه فهذا لا يجعله مسجداً، وعلى هذا فيجوز للمرأة الحائض أن تدخل مصلى المدرسة وتمكث فيه.(12/27)
حكم لزوم المصلي مصلاه إلى الشروق
السؤال
هل الجلوس إلى الإشراق ملزم للمصلي أن يكون في مصلاه الذي صلى فيه الفجر؟ وماذا لو كان هناك عارض كذهابه إلى الجامعة أو طارئ يطرأ عليه وهو يريد الأجر؛ ولكن هذا الطارئ يعرض عليه في هذا الوقت؟
الجواب
الجلوس في مصلى صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس ثم يصلي ركعتين، ليس بواجب ولكنه سنة مرغب فيها، فإذا عارضه واجب، أو عارضه ما هو أفضل منه كطلب العلم فليذهب إلى ما هو أفضل، أي لو قال قائل: أيهما أفضل: أن أجلس في مكاني في المسجد حتى تطلع الشمس وأصلي ركعتين، أو أذهب إلى حلقة علمية في مسجد آخر، قلنا: الذهاب إلى حلقة علمية أفضل، وكذلك الجامعة، فإن كانت دروس الجامعة دروس علم شرعي فهي أفضل من أن تبقى في مصلاك حتى طلوع الشمس.(12/28)
معنى قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً)
السؤال
من المعلوم أنه لا يخلد في النار إلا أهل الشرك، ولكن في قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} [النساء:93] فكيف تفسر هذه الآية خاصة أن الخوارج يستدلون بها على كفر صاحب الكبيرة؟
الجواب
يمكن أن يجاب عن هذا الإشكال من خمسة أوجه: الوجه الأول: هذه الآية من الآيات المتشابهة، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيمن قتل نفسه بحديدة: (أنه يعذب بها في جنهم خالداً مخلداً فيها أبداً) -فهو من النصوص المتشابهة- والقاعدة عند أهل الإيمان: أن النصوص المتشابهة تحمل على النصوص المحكمة، والنصوص المحكمة دلت على أن قتل النفس لا يخرج به الإنسان من الإيمان، قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:178] إلى أن قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة:178] ؛ فإذا كان كذلك فإن الواجب أن تحمل آية الوعيد والحديث على معنى لا يتنافى مع النصوص الأخرى، فتقول: قتل المؤمن عمداً وقتل النفس عمداً سبب للخلود في النار، والسبب قد يعارضه مانع، يمنع من حصول المسبب.
أرأيت مثلاً في باب الفرائض، القرابة سبب من أسباب الإرث، لكن قد يوجد مانع يبطل هذا السبب، لو كان الأب كافراً والابن مؤمناً فمات الابن فإن الأب لا يرثه، ولو مات الأب لم يرثه الابن، لوجود اختلاف الدين، فهكذا هذه الآيات والأحاديث التي فيها الوعيد، نقول: هذه الأفعال التي رتب عليها هذا الوعيد وهو الخلود في النار سبب من الأسباب، وإذا كان سبباً فمقتضى ذلك أن يحترز الإنسان منها؛ لأنه قد يكون هذا السبب لا مانع له كما جاء في الحديث: (لا يزال الرجل في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) أي: أن من أصاب دماً حراماً فإنه يوشك أن يزيغ فيموت على الكفر، فنقول: هذا الفعل أي: قتل النفس المؤمنة عمداً سبب للخلود في النار، وهذا السبب قد يوجد مانع يمنع منه وهو الإيمان، فإن من كان في قلبه أدنى من مثقال حبة خردل من إيمان فإنه لا يخلد في النار، هذا وجه.
الوجه الثاني: أن هذا فيمن استحل القتل فإنه يخلد في النار، لكن هذا الوجه لما ذكر للإمام أحمد رحمه الله تعالى أن فلاناً قال: يخلد في النار من قتل المؤمن عمداً مستحلاً له ضحك، وقال: إذا استحل قتل المؤمن فإنه كافر سواء قتله أم لم يقتله، فهذا جواب ليس بشيء.
الوجه الثالث: قال بعض العلماء في جواب آخر: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} [النساء:93] إن جازاه الله تعالى، فجعل الآية على تقدير شرط يعني إن جازاه فهذا جزاؤه، وإن لم يجازه بل عفا عنه؛ فإنه لا يحصل له هذا العذاب، قالوا: لأن الله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] .
الوجه الرابع: قال بعض أهل العلم: إن هذا خرج مخرج الزجر والتنفير، وما خرج مخرج الزجر والتنفير فإنه لا يقصد به هذا الحكم بعينه، وإنما يقصد تنفير الناس منه، كما تقول لابنك: والله إن فعلت ذلك لأقتلنك، وأنت لو فعله هل تقتله؟ لا.
بل قد لا تضربه، مع أنك قلت لأقتلنك هددته بالقتل لكنك لم تقتله، ولكن من شدة التنفير عبرت بذلك، فقالوا: إن الله عبر بالخلود في النار فيمن قتل مؤمناً عمداً تنفيراً منه وزجراً، وليس المراد إيقاع حقيقة ذلك.
الوجه الخامس: قال بعض العلماء: إن الخلود لا يقتضي التأبيد؛ لأن الخلود يأتي في اللغة العربية بمعنى المكث الطويل لا الدائم، وهذا الوجه يمكن أن يجاب به عن الآية الكريمة؛ لأن الله لم يذكر فيها التأبيد، لكن لا يمكن أن يجاب به عن الحديث أن من قتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في جهنم خالداً فيها مخلداً أبداً.
وعلى كل حال فيما أرى أن أحسن الأجوبة الوجه الأول: أن القتل عمداً للمؤمن سبب للخلود في النار، ولكن هذا السبب قد يوجد فيه ما يمنعه فيكون في ذلك تحذير شديد أن يفعل الإنسان هذا الفعل؛ لأنه سبب للخلود في النار، فإذا فعله كان السبب موجوداً محققاً والمانع غير محقق، قد لا يحصل مانع.(12/29)
التهاون في إخراج الزكاة لا يسقطها
السؤال
إنسان تهاون في إخراج الزكاة لمدة خمس سنوات، والآن هو تائب فهل التوبة تسقط إخراج الزكاة، وإذا لم تسقط إخراج الزكاة فما هو الحل؟ وهذا المال أكثر من عشرة آلاف وهو لا يعرف مقداره الآن؟
الجواب
الزكاة عبادة لله عز وجل وحق للفقراء، فإذا منعها الإنسان كان منتهكاً لحقين: حق الله، وحق الفقراء أو غيرهم من أهل الزكاة، فإذا تاب بعد خمس سنوات كما جاء في السؤال سقط عنه حق الله عز وجل؛ لأن الله تعالى قال: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى:25] ، ويبقى الحق الثاني وهو: حق المستحقين للزكاة من الفقراء وغيرهم، فيجب عليه تسليم الزكاة لهؤلاء وربما ينال ثواب الزكاة مع صحة توبته؛ لأن فضل الله واسع.
أما تقدير الزكاة فليتحر ما هو مقدار الزكاة؟ بقدر ما يستطيع ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فعشرة آلاف مثلاً زكاتها في السنة كم؟ مائتان وخمسون، فإذا كان مقدار الزكاة مائتين وخمسين فليخرج مائتين وخمسين عن السنوات الماضية عن كل سنة، إلا إذا كان في بعض السنوات قد زاد عن العشرة فليخرج مقدار هذه الزيادة.(12/30)
حكم محاباة بعض المشترين
السؤال
رجل باع سلعة لرجل غني بسعر، ثم جاءه آخر فقير فباعه فراعاه في السعر فعلم الغني فجاء يعاتبه فما حكم هذا البيع؟
الجواب
إذا باع الإنسان سلعة لشخص بثمن ثم باعها لشخص آخر بثمن أقل محاباة ومراعاة له، إما لقرابة أو صداقة أو فقر أو غير ذلك، فليس للأول الحق في مطالبة البائع بتخفيض الثمن الذي جرى عليه العقد، إلا إذا كان قد زاد عليه زيادة لا يتسامح عن مثلها في السوق، مثلاً باعها له بمائة وهي في السوق بخمسين، هنا له الحق في مطالبته بتنزيل الثمن إلى ما تساويه في السوق.
أما لو كانت قيمتها في السوق مائة فباعها لرجل بمائة، ثم جاء آخر فقير أو صديق أو قريب فباعها له بخمسين فليس للمشتري الأول أن يطالبه؛ لأنه لم يغبنه ولم يغره بل باع له بثمن يبيع به الناس.(12/31)
حكم إيقاع طلاق الثلاث
السؤال
سمعنا من أشرطتك أن القول الراجح لك في الطلاق ثلاثاً يقع واحدة، لكن لو طلق شخص ثلاثاً وقال: في نيتي ليس التأكيد وإنما أريد إيقاع الثلاث هل تقع الثلاث؟
الجواب
إذا قال الرجل لزوجته: أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنتِ طالق، وقال: أردت التوكيد فهي واحدة، ولا أعلم في هذا خلافاً بين العلماء، ولكن لو قال: أردت التأسيس وأن كل طلقة نافذة؛ فأكثر أهل العلم على أنها ثلاث وأنها تبين بها المرأة، والراجح: أنها واحدة لعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم: [كان الطلاق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وعمر طلاق الثلاث واحدة، فلما أكثر الناس في ذلك قال عمر: أرى الناس قد تعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلأمضينه عليهم فألزمهم عمر بالثلاث] ، فتبعه أكثر أهل العلم على هذا، ولكن الصحيح أنها واحدة سواء قال: أنت طالق ثلاثاً، أو قال أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق.(12/32)
حكم لعان المملوكة واليهودية والنصرانية
السؤال
إذا كانت تحت الرجل امرأة نصرانية أو يهودية أو مملوكة فهل يقع بينهما اللعان؟
الجواب
أما المملوكة فلا لعان بينه وبينها؛ لأنها مملوكة وليست زوجة له، والله سبحانه وتعالى قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور:6] .
وأما اليهودية والنصرانية فيجري في حقهما اللعان كما يجري في حق المسلمة، لعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور:6] .(12/33)
حكم إطالة الإمام التشهد الأول
السؤال
إذا أطال الإمام في الجلوس في التشهد الأول وأنهى المأموم قراءة التشهد الأول فماذا يفعل في باقي الوقت؟
الجواب
إذا أطال الإمام التشهد الأول فاستمر في التشهد حتى لو أكملته فلا حرج، وكذلك لو أدركت معه الركعتين الأخيرتين فإنه سيطيل التشهد؛ لأن التشهد في حقه هو الثاني وفي حقك هو الأول، فأتم التشهد ولا حرج، وأكمل التشهد، صلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، وبارك على النبي صلى الله عليه وسلم، وتعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، أو ادع بما شئت.(12/34)
نصيحة بتبليغ العقيدة الصحيحة
السؤال
كنت أناقش أحد الإخوة وهو وافد من إحدى الدول العربية، وكنت أحدثه عن التوحيد وعقيدة الشرك، وخلاصة الكلام أنه قال: يا أخي! في بلادنا آبائي وأجدادي ما زالوا على الشرك الأكبر في المزارات والخرافات، وما هو معلوم لديكم مثل: زيارة القباب، والطواف حولها، والنذور، وتقديم القرابين إلى تلك الأماكن، والاستغاثة، والاستعانة إلى آخره، والتوكل على المشايخ ممن يسمونهم بـ الصوفية، فكنت أناقشه في هذا فقال: ما سمعنا بهذا إلا عندما وصلنا هنا، وهو صادق في هذا، فما السبيل؛ لأنه يسألني يقول: والآن أبي وجدي على تلك العقيدة؟ قلت: ابدأ أنت معهم بعد أن تخرج نفسك وأسرتك من هذا الشرك وتجعل لهم وقاية، فأرجو أن توجه كلمة مثلاً لطلبة العلم والمدرسين أن يحتكوا بهؤلاء المدرسين، ويجتهدوا معهم في هذا الباب؟
الجواب
أقول: إن من نعمة الله سبحانه وتعالى على هذه البلاد أن الله سبحانه وتعالى أبقى فيها عقيدة التوحيد، في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، ولم يعرفوا تلك البدع المكفرة، وما دون المكفرة إلا حين اختلطوا بالناس ذهاباً إليهم، أو اختلط الناس بهم إياباً إليهم، ولهذا كان من الواجب علينا نحن هنا أن نبين للناس عقيدة التوحيد، وأن نحثهم عليها، وأن نقول لهم: إن من مات مشركاً؛ فإن الله سبحانه وتعالى يحرم عليه الجنة {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72] ، ونبين أن من دعا غير الله أو استغاث بغير الله من الأموات؛ فإنه كافر كفراً أكبر مشرك شركاً أكبر، إن مات على هذه العقيدة فهو مخلد في النار، ولو كان يصلي ويصوم.
والواجب على طلبة العلم الذين منَّ الله عليهم بمعرفة الحق في هذه الأمور، أن يبينوا الحق لإخوانهم في البلاد الأخرى؛ لأن الله سائلهم عن ذلك، قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] ، فالواجب أن يبينوا للناس وأن ينقذوهم من الشرك ولا يضرهم إذا عيروا في أول الدعوة، أو سبوا، أو قيل: أنتم كذا وكذا، فها هو النبي صلى الله عليه وسلم عير وقيل له: أنت ساحر، ومجنون وكاذب، وأخرج من بلده، وأوذي في سبيل الله، وألقي سلى الناقة عليه وهو ساجد تحت الكعبة، وأدميت عقبه ومع ذلك كان صابراً محتسباً يؤدي ما أوجب الله عليه من الأمانة وتبليغ الرسالة، فنقول لإخواننا: بلغوا إخوانكم، بلغوا هؤلاء حتى لا يموتوا على الكفر والشرك، وإن أوذيتم وإن أخرجتم من دياركم، وإن عيرتم، وإن كتب السب لكم على الجدر، وفي الملصقات، وفي غيرها فاحتسبوا الأجر فأنتم مجاهدون.(12/35)
اقتراح بشرح الأصول الثلاثة
السؤال
ليس سؤالاً لكنه اقتراح، بعد النجاح الكبير لهذا اللقاء، وعبر لقاء الباب المفتوح، وبعد انتهاء تفسير سورة النبأ نقترح على فضيلتكم شرح الأصول الثلاثة؛ لأنها عظيمة في محتواها وهامة جداً، وخاصة أن كثيراً من الناس يودون من فضيلتكم شرح هذه الرسالة العظيمة؟
الجواب
أنا أبشركم أننا قد شرحنا الأصول الثلاثة، وأن بعض الإخوة جزاه الله خيراً قد أفرغها من الأشرطة وأضاف إليها من العقد الثمين مجموعة الرسائل والمسائل التي لنا، وهو الآن مستمر في إخراجها وإذا أخرجت سيكون لها أثر بالغ إن شاء الله.(12/36)
صورة من صور الربا
السؤال
رجل ألح عليه ابنه بشراء سيارة، فذهب إلى إحدى الشركات وطلبوا منه الثمن نقداً وليس عنده فرجع وأتى بشخص آخر يشتريها له فاشتراها وأخرجها من محلها ثم باعها لهذا الرجل بزيادة فما الحكم؟
الجواب
الصورة الآن واضحة لكم، إنسان احتاج إلى سيارة وليس معه نقد فجاء رجل آخر وقال: أنا أشتريها بنقد من الشركة وأبيعها عليك بتقسيط زائد على الثمن الذي اشتريتها به، والجواب: أن هذا حرام، وأنه حيلة على الربا؛ لأن هذا الذي اشتراها ثم باعها عليك حقيقة الأمر أنه أقرضك ثمنها بفائدة، فبدلاً من أن يقول: خذ الثمن يقول: هذه خمسون ألفاً وعليك بستين ألفاً إلى سنة، قال: أنا أشتريها وأبيعها عليك، ولولاك ما اشتراها، ولولا الربا الذي يكسبه منك ما اشتراها، فهي في الحقيقة ربا، ولكنه ربما يتضمن خداع رب العالمين عز وجل، وأنه لما حرم الربا الصريح ذهب هذا الرجل يحتال ويغير الصورة فقط، وتغيير الصورة لا يقلب الشيء الحرام حلالاً.
فهاهم أصحاب السبت الذين حرم الله عليهم الصيد من البحر في يوم السبت، ابتلاهم الله عز وجل فصارت الحيتان يوم السبت تأتي على سطح الماء من كثرتها، وفي غير يوم السبت لا تأتي، فطال عليهم الأمد، يوم السبت حرم علينا الصيد والحيتان تأتي شرعاً وفي غير يوم السبت ما تأتينا اصنعوا حيلة، فصاروا يضعون شباكاً يوم الجمعة، فتأتي الحيتان في يوم السبت وتقع في هذه الشباك ولا تستطيع الخروج، فإذا كان يوم الأحد جاءوا وأخذوها من الشباك، صورة الأمر الواقع أنهم صادوا يوم الأحد، وما صادوا يوم السبت، فهي التي جاءت ووقعت في الشباك، ما جاءوا بها ولا أمسكوا بها فهل نفعتهم هذه الحيلة، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} [البقرة:65] فجعلهم معتدين في السبت، {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65] .
أمرهم الله أمراً كونياً أن يكونوا قردة خاسئين فصاروا قردة يتعاوون وكانوا بالأمس بشراً؛ لأنهم تحايلوا على محارم الله، ولهذا قال لنا نبينا صلى الله عليه وسلم: (قاتل الله اليهود؛ لما حرم الله عليهم شحوم الميتة أذابوا الشحم ثم باعوه وأكلوا ثمنه) ، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد في المسند بإسناد صححه بعض الأئمة: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) ، فهذه المعاملة كما ذكرت لا شك أنها معاملة فيها حيلة على الربا واضحة، فهي حرام على الفاعل المعطي للربا، وعلى الآخذ لهذا الربا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه.
السائل: والحل جزاك الله خيراً؟ الشيخ: الحل أن يتوب إلى الله كل منهما، أما بالنسبة لمن اشترى السيارة ثم باعها لهذا بزيادة، فإن من تمام توبته ألا يأخذ الزيادة من هذا، وما دام الثاني الذي أخذ السيارة جاهلاً فليس عليه إلا أن يسلم الثمن الأصلي لهذا الرجل، أما إذا كان كل منهما عالماً أنه حرام؛ فإن البائع الذي أخذ الزيادة لا يحل له أخذها، ولكن تجعل في بيت المال ولا توضع عن المشتري؛ لأن المشتري منتهك للتحريم، وفرق بين المنتهك للتحريم وبين الجاهل، فإذا كان كل منهما جاهلاً فالطريق الآن أن يقول الذي باعها بربح أو بربا في الحقيقة أن يقول: أنا يكفيني رأس مالي ولا أريد غيره.
وإلى هنا ينتهي هذا المجلس وهذا اللقاء، وأسأل الله عز وجل أن يجعله نافعاً وإلى لقاء قادم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(12/37)
لقاء الباب المفتوح [13]
في هذا اللقاء تفسير الآيات الأولى من سورة النازعات، فبدأ بالتحدث فيها عن البسملة واختلاف العلماء فيها: هل هي آية من سورة الفاتحة أم لا؟ ثم واصل حديثه بتفسير الآيات من نفس السورة حتى الآية التاسعة من السورة، ثم أجاب على أسئلة الحضور.(13/1)
تفسير آيات من سورة النازعات
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو يوم الخميس الرابع من شهر جمادى الأولى عام (1413هـ) ، وهو موعد اللقاء الأسبوعي في كل خميس، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يديم علينا جميع النعم، وأن ينفع بهذه اللقاءات وغيرها، وأن يرزقنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، ورزقاً طيباً واسعاً.
درسنا في هذا اليوم هو تفسير أول سورة النازعات.(13/2)
البسملة ليست آية من كل سورة
قال الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً} [النازعات:1-5] .
البسملة آية من كتاب الله مستقلة، لا تتبع السورة التي قبلها ولا التي بعدها، ولهذا كان القول الراجح أن البسملة ليست من الفاتحة بل هي آية مستقلة، ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين أن الله تعالى قال: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي) وذكر تمام الحديث، كما أنها -أيضاً- ليست آية من السور الأخرى، وما نشاهده في المصحف من جعلها آية في الفاتحة دون غيرها إنما هو على رأي بعض العلماء، ولكن الصواب ما ذكرت لكم أنها آية مستقلة، ولذلك لو اقتصر الإنسان في سورة الفاتحة على قوله: الحمد لله رب العالمين إلى آخر السورة لكانت صلاته صحيحة.
إلا أنها لا توجد في أول سورة براءة وسبب ذلك: أنه لم ينزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين السورتين آية بسملة، فلذلك لم تكن موجودة، وأما تعليل بعض العلماء بأنها -أي: سورة براءة- نزلت بالسيف فإنه تعليل عليل لا يصح؛ لأن السيف إذا كان بحق فهو حق ولا يضر.(13/3)
تفسير قوله تعالى: (والنازعات غرقاً، والناشطات نشطاً)
يقول الله عز وجل: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً} [النازعات:1-5] .
كل هذه أوصاف للملائكة على حسب أعمالهم التي أمرهم الله عز وجل بها.
فقوله: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} أي: الملائكة الموكلة بقبض أرواح الكفار، تنزعها (غَرْقاً) أي: نزعاً بشدة.
{وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً} أي: الملائكة الموكلة بقبض أرواح المؤمنين، تنشطها نشطاً، أي: تسلها برفق كالأنشوطة، وأظنكم تعرفون الأنشوطة، الرباط الذي يسموه عندنا: (التكة) أو ما أشبه ذلك من الكلمات، يعني يكون ربطاً بحيث إذا سللت أحد الطرفين انفكت العقدة بسرعة وبسهولة.
فهذه الملائكة الموكلة بقبض أرواح المؤمنين تنشطها نشطاً أي: تسلها برفق؛ وسبب ذلك أن الملائكة الموكلة بقبض أرواح الكفار إذا دعت الروح للخروج تناديها بأقبح الأوصاف، تقول الملائكة لروح الكافر: اخرجي أيتها النفس الخبيثة -كانت في الجسد الخبيث- اخرجي إلى غضب الله، فتنفر الروح لا تريد أن تخرج إلى هذا، وتتفرق في الجسد والعياذ بالله، حتى يقبضوها بشدة، وينزعونها نزعاً يكاد يتمزق الجسد منها من شدة النزع.
أما أرواح المؤمنين -جعلني الله وإياكم منهم- فإن الملائكة إذا نزلت لقبضها تبشرها: اخرجي أيتها النفس الطيبة -كانت في الجسد الطيب- اخرجي إلى رضوان الله، وما أشبه هذا الكلام الذي يهون عليها أن تفارق جسدها الذي ألفته فتخرج بسهولة، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت عائشة: يا رسول الله! كلنا يكره الموت، فقال: ليس الأمر كذلك، ولكن المؤمن إذا جاءه أجله يبشر برحمة من الله ورضوانه فيحب لقاء الله) لأنه في تلك اللحظة يرى أنه سينتقل إلى دار أحسن من الدار التي فارقها، فيفرح كما يفرح أحدنا إذا قيل له: اخرج من بيت الطين إلى البيت المسلح والقصر المشيد الطيب، فيفرح المؤمن فيحب لقاء الله، والكافر -والعياذ بالله- بالعكس إذا بشر بالغضب والعذاب فإنه يكره لقاء الله فيكره الله لقاءه.
إذاً: (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً) هي: الملائكة التي تنزع أرواح الكفار بشدة، (وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً) الملائكة التي تقبض أرواح المؤمنين بسهولة ويسر.(13/4)
تفسير قوله تعالى: (والسابحات سبحاً)
قال تعالى: {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً} [النازعات:3] أيضاً الملائكة تسبح بأمر الله، أي: تسرع فيه كما يسرع السابح في الماء، وكما قال تعالى عن الشمس والقمر والليل والنهار: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء:33] .
فالمعنى أنها تسبح بأمر الله عز وجل على حسب ما أراد الله سبحانه وتعالى، والملائكة أقوى من الجن، والجن أقوى من البشر، انظر إلى قوله تعالى عن سليمان: {قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل:38-40] يعني إذا مددت طرفك ثم أرجعته فقبل أن يرجع إليك آتيك به {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل:40] رآه في الحال، قال العلماء: حملته الملائكة حتى جاءت به إلى سليمان، من أين؟ من اليمن، وسليمان بـ الشام في لحظة، فدل هذا على أن قوة الملائكة أكبر بكثير من قوة الجن، وقوة الجن أكبر من قوة بني آدم؛ لأنه لا يستطيع أحد من بني آدم أن يأتي بعرش ملكة سبأ من اليمن إلى الشام قبل مدة طويلة، الحاصل أن الملائكة تسبح بأمر الله عز وجل بما يأمرها به.(13/5)
تفسير قوله تعالى: (فالسابقات سبقاً)
{فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً} [النازعات:4] أيضاً هي: الملائكة تسبق إلى أمر الله عز وجل، ولهذا كانت الملائكة أسبق إلى أمر الله عز وجل من بني آدم، قال الله تعالى في وصف ملائكة النار: {عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] ، وقال عز وجل: {وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:19-20] ، فهم سباقون إلى أمر الله عز وجل بما يأمرهم، لا يعصونه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون لقوتهم وقدرتهم على فعل أوامر الله عز وجل.(13/6)
تفسير قوله تعالى: (فالمدبرات أمراً)
قال تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً} [النازعات:5] أيضاً وصف للملائكة، تدبر الأمر وهو واحد يعني أمور الله عز وجل لها ملائكة تدبرها، وللنظر إلى أصنافهم: جبرائيل: موكل بالوحي يتلقاه من الله وينزل به على الرسل.
إسرافيل: موكل بنفخ الصور الذي يكون عنده يوم القيامة، ينفخ في الصور فيفزع الناس ويموتون، ثم ينفخ فيه أخرى فيبعثون وهو أيضاً من حملة العرش.
ميكائيل: موكل بالقطر والنبات.
ملك الموت: موكل بالأرواح.
مالك: موكل بالنار.
رضوان: موكل بالجنة.
{عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق:17] موكل بالأعمال.
كل يدبر ما أمره الله عز وجل به (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً) إذاً فهذه الأوصاف كلها للملائكة على حسب أعمالهم، وأقسم الله سبحانه وتعالى بالملائكة؛ لأنهم من خير المخلوقات، ولا يقسم الله سبحانه وتعالى بشيء إلا وله شأن عظيم، إما في ذاته وإما لكونه من آيات الله عز وجل.(13/7)
تفسير قوله تعالى: (يوم ترجف الراجفة، تتبعها الرادفة)
ثم قال تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} [النازعات:6-7] ، (يَوْمَ تَرْجُفُ) متعلقة بمحذوف والتقدير: اذكر يا محمد! وذكر الناس بهذا اليوم العظيم (تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) وهما النفختان في الصور.
النفخة الأولى: ترجف الناس ويفزعون، ثم يموتون عن آخرهم إلا ما شاء الله، والنفخة الثانية يبعثون من قبورهم، يقوم الناس من قبورهم مرة واحدة، قال الله تعالى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:13-14] .
فإذا رجفت وتبعتها الرادفة انقسم الناس إلى قسمين: {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} [النازعات:8-9] وهذه قلوب الكفار، (واجفة) أي: خائفة خوفاً شديداً، ذليلة لا تكاد تحدق أو تنظر بقوة ولكن قد غضت أبصارهم -والعياذ بالله- لذلهم وهوانهم، قال الله تعالى: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى:45] .
نسأل الله تعالى أن يتولانا وإياكم في الدنيا والآخرة، وأن يجعلنا ممن ينجون في هذا اليوم من عذاب الله، وأن يجعلنا من أوليائه المتقين، وحزبه المفلحين إنه جواد كريم.(13/8)
الأسئلة(13/9)
حكم بيع السلعة مؤجلاً بثمن أكثر من ثمنها الحاضر
السؤال
رجل بجواره مزرعة أراد أن يشتريها فذهب إلى أحد المصارف وطلب منهم أن يشتروها له، فقالوا له: نرسل معك مندوباً يقدرها ثم نبيعها عليك، كيف يكون هذا؟
الجواب
هذا عمل محرم، يعني: كون الإنسان يعين السلعة ثم يذهب إلى التاجر ويقول: اشترها لي، فيشتريها التاجر ثم يبيعها عليه بثمن مؤجل أي: مقسط أكثر من ثمنها الحاضر، فهذا ربا؛ ولكنه ربا فيه خداع لله عز وجل ومكر بآيات الله؛ لأنه بدل من أن يقول: خذ قيمتها الآن مائة ألف وأعطني بعد سنة مائة وعشرين ألفاً فهو ذهب يشتريها شراءً غير مراد، هذا التاجر ما أرادها إطلاقاً، ما اشتراها إلا من أجل أن يربح منك، فهو لم يشترها إحساناً إليك، ولم يشترها إلا من أجل هذه الزيادة التي أخذها عليك، فهي ربا لكنه ربا خداع، وربا الخداع لا يزداد إلا قبحاً وإثماً، الربا الخداع أشد من الربا الصريح؛ لأنه تضمن مفسدتين: المفسدة الأولى: مفسدة الربا، وهي: الزيادة المفسدة الثانية: فيه مخادعة لله رب العالمين الذي يعلم ما في القلوب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بيَّن الحق، قال: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) ، لو كان هذا التاجر يريد الإحسان إليك لقال: خذ هذه الدراهم قرضاً عليك بدون زيادة، لكن إذا كانت السلعة عند التاجر من الأصل وجئت أنت إليه واشتريت ما يساوي ألفاً بألف ومائة، أو بألف ومائتين هذا لا بأس به، أما في هذه الصورة التي ذكرها السائل، فإنها حرام ولا تحل.
وأنا أسألكم الآن: هل هذه الحيلة أقرب إلى الحرام، أو حيلة اليهود الذين قيل لهم: لا تصيدوا السمك في يوم السبت، ثم ابتلاهم الله فصار السمك يأتي يوم السبت ويغيب غير يوم السبت، فطال عليهم الأمد فقالوا: دبروا لنا حيلة فاحتالوا وصاروا يضعون شبكاً يوم الجمعة وتأتي السمك يوم السبت وتقع في هذا الشبك، فإذا كان يوم الأحد أخذوا السمك وقالوا: نحن ما صدنا يوم السبت، فبماذا عاقبهم الله؟ قال: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65] فأصبحوا قردة يتعاوون -والعياذ بالله- هذه واحدة.
ثانياً: حرم الله عليهم الشحوم، قالوا: ما نأكلها فأذابوها وجعلوها ودكاً، ثم باعوها وأكلوا ثمنها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قاتل الله اليهود لما حرم الله عليهم شحوم الميتة أذابوها ثم باعوها فأكلوا ثمنها) لو قست هذه الحيلة اليهودية بهذه الحيلة التي ذكرها السائل لوجدت أن الحيلة التي ذكرها السائل أقرب إلى الحرام من حيلة اليهود، ولكن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (لتركبن سنن من كان قبلكم) وليس من اللازم من ركوب السنن أن نكفر كما كفروا، إذا أخذنا من أخلاقهم شيئاً فقد ارتكبنا طريقهم في هذا الشيء.
الحسد -مثلاً- من أخلاق اليهود، فالحاسد عنده شبه من اليهود في الحسد، كتمان الحق من أخلاق اليهود، هم الذين يكتمون ما أنزل الله، تحريف الكلم عن مواضعه أي: تفسير القرآن بغير ما أراد الله عز وجل، أو السنة بغير ما أراد رسول الله، هذا من أخلاق اليهود فقوله: (لتركبن سنن من كان قبلكم) ليس المراد أننا نكفر كما كفروا، وإنما نأخذ من كل شيء من أخلاقهم بنصيب، فوجد في هذه الأمة الحسد، ووجد فيها الحيل، ووجد فيها الغش، ووجد فيها تحريف الكلم عن مواضعه، ووجد فيها كتمان الحق.
فعليك يا أخي! أن تنقذ نفسك من أخلاق اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار حتى تسلم وتكون مسلماً لله حقاً.
المهم أن هذه المعاملة حرام على المعطي وعلى الآخذ؛ لأن الربا يستوي فيه الآكل والموكل، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) .(13/10)
جواز قراءة الفاتحة للمأموم مع قراءة الإمام لسورة أخرى
السؤال
إذا قرأ الإمام الفاتحة وانتهى من قراءة الفاتحة، من العادة أن يتوقف قليلاً، هل يقرأ المأموم الفاتحة ولو باشر الإمام السورة التي تليها؟
الجواب
الإمام إذا قرأ الفاتحة سكت قليلاً لكن من العلماء من قال: يسكت حتى يتم المأموم الفاتحة، ومنهم من قال: يسكت قليلاً ثم يقرأ، والثاني هو الصحيح، يعني لا يسكت سكوتاً طويلاً، يسكت قليلاً فإذا شرع المأموم في الفاتحة استمر فيها وأكملها ولو كان الإمام يقرأ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ، وانصرف يوماً من صلاة الفجر فقال لأصحابه: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم.
قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) .(13/11)
إجزاء الغسل عن الوضوء
السؤال
هل يجزئ الغسل عن الوضوء أم الأفضل أن يستقل الوضوء؟
الجواب
الغسل يجزئ عن الوضوء؛ لقول الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] ولم يذكر الوضوء، لكن الأفضل أن يتوضأ أولاً ثم يغسل رأسه ثلاثاً حتى يرويه ثم يغسل بقية جسده هذا هو الأفضل، وإن اغتسل جميعاً بدون ترتيب؛ فلا بأس، لكن لابد من المضمضة والاستنشاق.(13/12)
حكم تصويب المرأة للإمام في الصلاة
السؤال
لو صلت امرأة خلف الرجال ثم أخطأ الإمام في قراءة القرآن ولم يصوب، والمرأة تعرف ذلك، هل تصوب له؟
الجواب
إذا كان هذا في الفاتحة فإنه يجب أن تصوب له؛ لأنه لو أخل بالفاتحة فصلاته غير صحيحة، أما إذا كان في غير الفاتحة وكان الرجال من معارفها ولا يستغرب أن تتكلم عندهم، فإنها تفتح عليه ولا حرج؛ لأن صوت المرأة ليس بعورة، والدليل على أنه ليس بعورة قوله تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] فالنهي عن الخضوع بالقول دليل على جواز القول.(13/13)
معنى التوسل بدعاء الصالحين
السؤال
ما هو التوسل بدعاء بعض الناس الصالحين؟
الجواب
التوسل بدعاء الصالحين جائز؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان الناس يأتونه يستشفعون به إلى الله عز وجل في الدعاء، فقد دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: [يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا] فدعا لهم، وقال عكاشة بن محصن لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن من أمته سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قال عكاشة: (ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم) والشواهد على هذا كثيرة، إلا أنه يستثنى من ذلك ما إذا خيف من هذا الرجل الصالح أن يغتر بنفسه وأن يلحقه الغرور والعجب؛ فإنه لا يطلب منه الدعاء، ومع ذلك فلا ينبغي للإنسان أن يطلب من غيره أن يدعو له؛ لأن هذا نوع من المسألة المذمومة، ادع الله أنت، لا تقل: يا فلان! ادع الله لي، وما يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لـ عمر: (لا تنسنا يا أخي! من دعائك) فهذا لا صحة له.(13/14)
متابعة المأموم إمامه في الصلاة
السؤال
إذا دخل شخص المسجد وقد صلى الإمام ركعة، وقرأ الإمام التشهد والمأموم في غير محل التشهد فماذا يفعل؟
الجواب
المأموم يتبع إمامه فيجلس معه للتشهد وإن كان في غير محل التشهد، ويقرأ التشهد كله حتى يسلم إمامه، ثم يقوم فيكمل.
السائل: لكنه قرأ التشهد في غير محله؟ الشيخ: نعم.
هو في غير محله بالنسبة لصلاة المأموم، لكن بالنسبة لصلاة الإمام في محله والمأموم مأمور بأن يتابع إمامه.(13/15)
المراد بالصحف في قوله تعالى: (صحف إبراهيم وموسى)
السؤال
قال تعالى: {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى:19] ما المراد بالصحف هل هي التوراة؟
الجواب
بعض العلماء يرى أنها التوراة وبعضهم يرى أنها غير التوراة، فالله أعلم؛ لأن التوراة سماها الله تعالى ألواحاً، قال الله تعالى: {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} [الأعراف:150] والله أعلم.(13/16)
الجمع بين قوله تعالى: (للذكر مثل حظ الأنثيين) وبين قوله عليه الصلاة والسلام: (اعدلوا بين أبنائكم)
السؤال
أراد رجل أن يقسم بين أولاده مالاً هل يعطى للذكر مثل حظ الأنثيين لقوله تعالى في الآية: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ.
} [النساء:11] أم يقسم بينهم بالتساوي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اعدلوا بين أبنائكم) وإذا فعل الأولى في حياته ثم توفي فهل يسترد ما أخذه الذكور ويعطى للإناث؟
الجواب
أولاً نسأل هل هذا الذي أعطاه نفقة أو تبرعاً زائداً؟ إن كان نفقة فإنه يعطى كل إنسان ما يحتاجه قليلاً كان أو كثيراً، فإذا قدر أن أحد الأولاد احتاج إلى زواج يزوجه، ولا يعطي الآخرين مثله، ولو فرضنا أن إحدى البنات مرضت وأنفق على دوائها نفقات باهظة فإنه لا يعطي الآخرين.
أما إذا كان تبرعاً فإنه يعطي الذكر مثل حظ الأنثيين؛ لأنه لا قسمة أعدل من قسمة الله عز وجل، فإذا أعطى الذكر مائة يعطي الأنثى خمسين ولا يسترد بعد موته ما أعطى الذكور؛ لأن هذا حق وعدل أن للذكر مثل حظ الأنثيين، والحديث قال: (اعدلوا بين أبنائكم) والعدل بينهم اتباع ما جاءت به السنة وما دل عليه الشرع، هذا هو العدل.
وينبغي أن نعرف الفرق بين العدل والمساواة، الآن كثير من الناس يقول: الإسلام دين المساواة، وهذا غلط، ليس في القرآن كلمة مساواة أو أن الناس سواء، بل لو تأملت أكثر ما في القرآن تجد نفي المساواة: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد:10] ، {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:95] ، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} [الرعد:16] وما أشبه ذلك، فأكثر ما في القرآن نفي للمساواة فيما بينهما اختلاف.
في القرآن العدل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ} [النحل:90] {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] ، وفرق بين العدل والمساواة، لو أخذنا بظاهر كلمة المساواة لقلنا: الذكر والأنثى سواء كما ينادي به الآن المتفرجون، لكن إذا قلنا العدل أعطينا الذكر ما يستحق والأنثى ما تستحق، ولهذا نرجو من إخواننا الكتاب وغير الكتاب أن ينتبهوا إلى هذه النقطة؛ لأن كلمة المساواة أدخلها بعض المعاصرين، والله أعلم كيف أدخلوها، قد يكون عن سوء فهم، وقد يكون لسبب آخر، إنما الدين دين العدل، والعدل إعطاء كل أحد ما يستحق.(13/17)
حكم التصدق من مال المجنون
السؤال
امرأة كبيرة في السن تسكن عند إحدى بناتها، وهذه المرأة عندها مال، والآن هي ليست جيدة العقل، ومعتادة قبل أن يكون عقلها بهذا الشكل أن تعطي أطفال بناتها في رمضان أو في العيد، وكذلك تطعم في رمضان، والآن تقوم البنت بما كانت تقوم به الأم في السابق، والناس أنكروا عليها قالوا: ما يجوز أن تفعلي هذا الشيء، فما رأي سماحتكم؟
الجواب
نعم.
الصحيح الإنكار، أنه ينكر على البنت أن تتصرف بشيء من مال أمها الآن؛ لأن أمها لما كانت عاقلة فالأمر بيدها فلما اختل عقلها صار لا بد لها من ولي، ولهذا نقول لا تتصرف في شيء من مالها إلا بعد أخذ ولاية من المحكمة، فالواجب عليها الآن أن تذهب إلى المحكمة وتبلغ القاضي بالواقع، وتطلب الولاية على أمها.
السائل: هل يحق للولي عمل نفس العمل؟ الشيخ: إذا صار ولياً فإنه لا يتصرف في مالها إلا فيما هو لازم، أما التبرع فلا يتصرف فيه بشيء.(13/18)
المراد بقوله تعالى: (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون)
السؤال
ما المراد بقوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] هل السماء تتوسع الآن أو لا كما هو موجود في بعض المقررات؟
الجواب
يقول الله عز وجل عن نفسه أنه بنى السماء بأيد -أي: بقوة- كما قال تعالى {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} [النبأ:12] أي قوية: (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) أي: لموسعون فيها؛ وذلك لأن السماء إذا قارنت بينها وبين الأرض وجدت بينهما بعداً عظيماً في السعة، فالسماء على الأرض مثل القبة محيطة بها من كل جانب وبينها وبين الأرض ما لا يعلمه إلا الله عز وجل من المسافات البعيدة، هذا معنى قوله: (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) .
أما أن نقول: (لَمُوسِعُونَ) في المستقبل وأنها كل مدى تتسع فهذا شيء لا نعلمه، بل ظاهر اللفظ أن الله أوسعها الآن، وأما أنها تتسع كلما مضى زمن فالله أعلم.
السائل: موجود الآن في بعض المقررات أنها تتوسع الآن؟ الشيخ: لا نستطيع أن نجزم بهذا، الآية لا تدل على هذا.(13/19)
حكم من وجد شيئاً ثميناً لا يعلم صاحبه ثم تاب إلى الله وأراد أن تبرأ ذمته من هذا الشيء
السؤال
رجل كان مسافراً فوجد ساعة ثمينة في إحدى محطات البنزين فأخذها ولا يعلم صاحبها، وبعد فترة تاب إلى الله وأراد أن يتخلص من هذه الساعة فهل يتصدق بها أو يعطيها لولي الأمر؟
الجواب
الواجب عليه بعد أن تاب الله عليه ووفقه للتوبة أن يقدر قيمتها حيثما وجدها؛ لأنه يمكن أن يكون مر عليها زمن تغيرت فيه، فيقدر قيمتها اليوم بما تساوي لو كانت على الصفة التي وجدها عليها ثم يتصدق بها لصاحبها أو يبيعها، ثم يخرج الفرق بين قيمتها حين وجدها وبين قيمتها الآن ويتصدق به، مع ثمنها الذي باعها به.(13/20)
حكم إهداء ثواب العمل للحي
السؤال
هل يجوز للحي أن يتبرع أو يعطي الأجر لحي آخر بأن يأخذ مثلاً كفالة أيتام واحدة له وواحدة لآخر بدون علمه لكن ينوي أن الأجر له؟
الجواب
هذه اختلف فيها أهل العلم هل يجوز للحي أن يهدي ثواب العمل للحي أم لا؟ كما اختلفوا أيضاً هل يجوز أن يهدي الحي للميت ثواب العمل في غير ما جاءت به السنة أم لا؟ والاحتياط للإنسان أن يفعل ما وجهه إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الدعاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل أو ولد صالح يعمل له، مع أن سياق الحديث في العمل، فلو كان العمل للوالدين من الأمور المطلوبة لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم وهما الوالدان فكيف بمن سواهما.
لذلك نحن نحث إخواننا أن يجعلوا الأعمال الصالحة لأنفسهم، إذا أراد أن يتصدق بدرهم لأبيه أو لأمه فليجعله لنفسه، وليدع لوالديه متى شاء في الصلاة وبين الأذان والإقامة، وفي صلاة الليل أو في غير ذلك، هذا هو الأفضل، وهذا هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم لكن مع ذلك لو تصدق عن والديه بصدقة أو حج أو اعتمر عنهما فلا بأس.(13/21)
الجمع بين ذم القرآن للذين يستخفون من الناس عند المعاصي وأمر السنة بالاستتار وعدم المجاهرة
السؤال
ورد في القرآن الكريم ذم الذين يستخفون من الناس عند المعاصي {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ} [النساء:108] وورد في السنة الأمر بالاستتار وعدم المجاهرة فما الجمع بينهما؟
الجواب
الجمع بينهما أن الآية في المنافقين، المنافقون إذا كانوا جميعاً بيتوا ما لا يرضى الله عز وجل، وإذا كانوا مع الناس أظهروا للناس الحسنى وأنهم مسلمون.
أما المؤمن العاصي فإنه إذا ابتلي بالمعصية فإن الأفضل ألا يجاهر بها وألا يخبر بها أحداً، وأن يستتر بستر الله ويتوب إلى الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون) ، المجاهرون هم الذين يعملون السيئات ثم يصبحون يتحدثون للناس بما صنعوا، فمن أصاب شيئاً من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله عز وجل ولا يخبر بها أحداً.(13/22)
حكم بيع الدراهم بدراهم مع الفضل
السؤال
شخص له حق الاقتراض من بنك التنمية الحكومي، ولكن قد يتأخر ذلك القرض فيذهب إلى البنك ويأخذ مبلغاً أقل من قيمة القرض ويحيل البنك على الحكومة ليأخذ القرض كاملاً، ثم هو يسدد هذا المبلغ كاملاً للحكومة، فما حكم ذلك؟
الجواب
هذا لا يجوز، لا يجوز للبنك أن يشتري الدراهم التي عند الحكومة بدراهم حاضرة، صورة المسألة أن يكون للإنسان اسم عند الحكومة في صندوق التنمية العقارية وهذا الاسم يتأخر إقراضه فيأتي الإنسان للبنك يقول هذا اسمي عند الحكومة قد وافقوا على الإقراض، فأعطني الآن كذا وكذا من الدراهم أقل مما تعطيه الحكومة وأنا أحيلك على الحكومة فيفعل البنك، فنقول: هذا لا يجوز؛ لأنه بيع دراهم بدراهم مع الفضل، وبيع ما لا يملك؛ لأن الإنسان لا يملك الذي عند الحكومة؛ لأن الحكومة قد تعطيه أو لا تعطيه، وفيه أيضاً جهالة، فهذه المعاملة معاملة محرمة والواجب على الإنسان إذا قدم للبنك ونزل اسمه أن ينتظر حتى ييسر الله الأمر.(13/23)
حكم صلاة من خلع الشراب بعد أن مسح عليها ثم أعادها من غير وضوء
السؤال
توضأت أمس لصلاة الصبح بعد الصلاة لبست الشرابات ومسحت عليها لصلاة الظهر وصليت بها العصر، وبعد صلاة العصر نزعتها لمدة ساعة ولبستها ثانية وصليت المغرب، فلما انتهيت من صلاة المغرب صار عندي شك وسألت بعض الإخوان فقال: لابد أن تعيد صلاة المغرب.
فما رأي سماحتكم؟
الجواب
هذا صحيح، الإنسان إذا خلع الشراب بعد أن مسح عليها فإنه لا يمكن أن يعيدها إلا بعد وضوء وأنت أعدتها على غير وضوء ومسحت عليها المغرب.
السائل: لبستها لأني على وضوء ولم أحدث؟ الشيخ: لكن لبستها على وضوئك الأول الذي مسحت فيه الظهر هذا لا يجوز؛ لأنه لا بد أن يلبس الإنسان الشراب على طهارة قد غسلت فيها القدم، فعليك الآن إعادة صلاة المغرب، وإذا كنت لم تتوضأ أيضاً لصلاة العشاء وتغسل رجليك فعليك أن تعيد الصلاتين أيضاً المغرب والعشاء.(13/24)
حكم من نذر صوم ثلاثة أيام من كل شهر ولم يستطع الوفاء بسبب المرض
السؤال
امرأة مرضت مرضاً شديداً فنذرت إن شفيت أن تصوم في كل شهر ثلاثة أيام، فلما شفيت صامت ولكن مرضت بعدها بعدة سنوات فلم تستطع أن تصوم فهل يصوم أحد أبنائها أو تطعم عن كل يوم؟
الجواب
إذا كان مرضها هذا لا يرجى زواله فإنها تطعم عن كل يوم مسكيناً، تطعم ثلاثة مساكين ولا يصام عنها؛ لأن الحي لا يصام عنه، إنما يصام عن الميت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) .(13/25)
حكم بيع الثياب القصيرة للبنات اللاتي عمرهن تسع أو عشر سنين
السؤال
في بعض المحلات هداهم الله يبيعون الثياب القصيرة للبنات اللاتي عمرهن تسع وعشر سنين، أفلا يكون تعاوناً على الإثم والعدوان كما ذكر الله في الآية؟
الجواب
بلى.
بيع المحرم حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) .(13/26)
حكم بقاء المرأة عند زوجها الذي يتعاطى المخدرات ويتهاون بالصلاة
السؤال
امرأة عند رجل يرتكب بعض المعاصي والآثام الكبيرة كالمخدرات ونحو ذلك، وهي تعاني من هذا الرجل، وهي امرأة فيها صلاح وإيمان، نحسبها كذلك والله حسيبها، ماذا تعمل هذه المرأة وقد نصحت واهتمت لكي يترك هذا الرجل هذا المحرم، ويعود إلى الله سبحانه وتعالى، ولكن بدون جدوى، فما رأيك هل تذهب إلى أهلها أو تصبر لعل الله يهديه، وكذلك أبناؤه يمنعهم من الصلاة، فنريد كلمة بسيطة حول هذا الموضوع؟
الجواب
هذا الرجل الذي يفعل المحرمات هل يصلي أم لا يصلي؟ السائل: يصلي بتهاون، أحياناً في البيت، وأحياناً في العمل، وأحياناً يتأخر.
الجواب: أرى أنها إذا نصحته ولم يستفد فلها الحق في طلب الفسخ ويفسخ النكاح، لكن على كل حال مثل هذه الأمور قد يكون هناك أشياء ما تتمكن معها من الفسخ؛ لأنها معها أولاد، يحصل مشاكل في الفسخ، فإذا لم تصل معصيته إلى حد الكفر فلا حرج عليها أن تبقى معه خوفاً من المفسدة، أما إذا وصلت إلى حد الكفر مثل كونه لا يصلي فهذا لا تبقى معه طرفة عين.(13/27)
معنى قوله تعالى: (والذين هم من عذاب ربهم مشفقون)
السؤال
ما المقصود بقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [المعارج:27] ؟
الجواب
المقصود بذلك: وصف هؤلاء بأمرين بالإيمان وبالخوف من عذاب الله، الإشفاق بمعنى: الخوف، وكونهم يخافون منه يدل على أنهم كانوا يؤمنون به، ففي هذا الثناء على من خاف من عذاب الله؛ لأن من خاف من شيء اتقاه، فإذا خاف من عذاب الله فلابد أن يتقي أسباب العذاب.(13/28)
معنى تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه
السؤال
هل تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة يدل على الاستحباب أو على الوجوب؟
الجواب
إذا أقر النبي صلى الله عليه وسلم أحداً على فعل عبادة، فإن كانت من هديه فهي مستحبة، وإن كانت من غير هديه لكن أقر عليها فهي من القسم الجائز الذي إذا فعله الإنسان لا ينكر عليه، مثاله: أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية فكان إذا قرأ في الصلاة يختم بقل هو الله أحد، كلما قرأ ختم بقل هو الله أحد، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأقره، ولكن هذا ليس من السنة؛ لأنه لو كان من السنة لفعله الرسول صلى الله عليه وسلم.(13/29)
حكم التأمينات الاجتماعية الإسلامية وصورتها
السؤال
ظهر مؤخراً تأمينات تسمى التأمينات الاجتماعية الإسلامية، وصورتها أن تقوم شركة بجمع تأمينات من عند الشركات، فإذا قدرنا أنهم جمعوا مثلاً مليون ريال في آخر السنة، تأخذ الشركة أتعابها وتسدد خسائر بعض الشركات، وتوزع المال على الشركات التي تأخذ المال منها، فما حكم هذه التأمينات؟
الجواب
ما يتبين لي في هذا حكم، وأخشى أن يتهاون الناس فيما يكون فيه خسارة بأن إذا عرف أن هذا مضمون فربما يتهاون.(13/30)
الواجب على من جامع أهله ولم ينزل وظل يصلي لمدة أسبوع دون غسل
السؤال
رجل جامع أهله لكنه لم ينزل فصلى لمدة أسبوع وبعد ذلك قال أحد الشباب له: عليك الغسل وإعادة الصلاة فهل يجب ذلك أم لا؟
الجواب
أولاً: يجب أن نعلم أن الغسل يجب بواحد من أمور ثلاثة: بالإنزال ولو بدون جماع، أو بالجماع ولو بدون إنزال، أو بالجماع والإنزال، وعلى هذا الرجل أن يعيد الصلاة التي صلاها قبل أن يغتسل؛ لأنه في الحقيقة عنده نوع من التفريط، والواجب عليه أن يسأل أهل العلم ويعيد هذه الصلوات جميعاً، بمعنى أنه لا يصلي كل صلاة مع نظيرتها بل يصليها جميعاً.(13/31)
حكم التيمم مع وجود الماء في أماكن بعيدة
السؤال
يوجد مسجد المياه بعيدة منه، هل أتيمم أم أذهب أتوضأ من بعيد؟
الجواب
لا يجوز للإنسان أن يتيمم إلا إذا عدم الماء كالإنسان المسافر، أو خاف الضرر باستعماله كالمريض، وأما إذا كان الماء بعيداً عنه لكنه قريب في البلد الذي به المسجد فإنه يذهب إلى الماء، ثم يتوضأ، ثم يصلي ولابد.(13/32)
حكم التوسل بالعمل الصالح
السؤال
سمعنا عن الذين انطبقت عليهم الصخرة ودعوا الله بصالح أعمالهم، فهل التوسل بالعمل الصالح جائز؟
الجواب
التوسل بصالح الأعمال جائز، مثلاً يكون عمل صالح فعله الإنسان وقال: اللهم إني فعلت كذا صليت تصدقت تعففت عن الزنا بررت والدي، اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك ففرج كربتي أو فاشف مرضي.
هذا جائز لا بأس به، وهو من الأمور المشروعة حتى في ترك المعاصي؛ لأن أحد الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة ترك المحرم، كانت له بنت عم وكان يحبها حباً شديداً وقد راودها عن نفسها فأبت، فألمت بها سنة من السنين، واحتاجت وجاءت إليه ومكنته من نفسها، فلما جلس منها مجلس الرجل من امرأته، قالت: يا عبد الله! اتق الله! ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقام وتركها وهي أحب الناس إليه، تركها عفة وتقوى لله عز وجل، فتوسل إلى الله بهذا الترك للمحرم؛ لأنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته إلا أنه لم يجامع، فلما ذكرته بالله قالت: اتق الله! ولا تفض الخاتم إلا بحقه، قام عنها لا يخاف إلا الله عز وجل، فكان هذا سبباً في تفريج كربته.(13/33)
بيان الغسل المجزئ دون تبيين سننه وواجباته
السؤال
عندنا شاب دائماً أراه في المسجد وإذا استفتاه أحد في غسل الجنابة وصف له الغسل المجزئ ولا يبين لهم سننه وواجباته ويتعلل بأنه لا يريد أن يشق على الناس فهل من كلمة لمثل هذا؟
الجواب
هذا الرجل الذي لا يبين من الشرائع إلا ما كان فريضة يعتبر ممن كتم العلم؛ لأن الواجب على طالب العلم أن يبين الفريضة والسنة ثم يقول للناس هذه فريضة وهذه سنة، فمن أتى بفريضة أجزأه، ومن أتى بسنة زاد أجره، أما أن يكتم السنة مخافة أن يشق على الناس فهو والله ليس أرحم من الله، ولا أرحم من الرسول، فالرسول بين للناس المجزئ وبين لهم السنة.
فأنصح هذا الأخ وصية مني له بواسطتك: قل له: يتقي الله ويبين للناس الواجب والمستحب، وإذا عمل الناس بالمستحب بناءً على ما أعطاهم من العلم كان له أجر، فهو يبين للناس الواجب ويبين المستحب، الزائد عن الواجب يقول: يا جماعة! إن اقتصرتم على الواجب برأت ذمتكم، وإن فعلتم المستحب فهو أكمل وأكثر لأجوركم.
أما أن يكتم الحق خوفاً من أن يشق فالله المستعان، هل هو أرحم بالمؤمنين من الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لا ما هو أرحم، الذي فعل المجزئ صح غسله، يعني: لو أنك غمست نفسك في بركة مثلاً أو بحر أو نهر ونويت الغسل من الجنابة وتمضمضت واستنشقت وطلعت ارتفعت عنك الجنابة، لكن الأفضل أن يغسل فرجه أولاً من أثر الجنابة، ثم يتوضأ وضوءاً كاملاً ثم يحثي على رأسه ثلاث مرات ثم يغسل سائر جسده.(13/34)
حكم إحضار الخادمة من بلدها من غير محرم وحكم مبيتها في البيت الذي تعمل فيه
السؤال
ما حكم إحضار الخادمة من بلدها من غير محرم، ثم إذا كانت هذه الخادمة موجودة أصلاً في نفس البلد هل يجوز أن تبيت في البيت الذي تعمل فيه من غير محرم؟
الجواب
أما إحضارها من بلدها من غير محرم فهو حرام، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) ، وأما إذا كانت في البلد وأتى بها يستخدمها في بيته فهذه إن كانت تأتي وتقضي الحاجة وتذهب إلى بيتها فلا إشكال أيضاً أنه جائز.
أما إذا كانت تبيت عنده فهذا على خطر لا سيما إذا كان عند شباب مراهقين فإنه يخشى من المفسدة كما جرى في بعض الأحيان، أما إذا لم يكن عند شباب فنرجو إن شاء الله ألا يكون فيها بأس، لكن التنزه عنها أولى وأن تبقى في مكان آخر، وتأتي تقضي حاجته في الصباح وترجع؟ السائل: وإذا كانت زوجته مدرسة ولا يوجد في البيت غيره؟ الجواب: هذا لا يجوز.
يلزم من هذا أن يخلو بها؛ لأن زوجته تخرج ولا يبقى في البيت إلا هو والخادمة.
السائل: هو يخرج إلى العمل ولا يأتي إلا وزوجته تكون قد أتت قبله؟ الشيخ: إذا كان ليس هناك خلوة فعلى ما قلنا في السؤال السابق.(13/35)
حكم تعيين صاحب المحل مبلغاً معيناً من العامل شهرياً
السؤال
يوجد شخص عنده مؤسسة دائماً يفتح محلات يأتي بلوازم المحل هذا، ويأتي بأشخاص يعملون عنده فيقول: عليكم بأن تعملوا في هذا القسم -مثلاً- وأنا آخذ شهرياً منكم أربعة آلاف أو خمسة آلاف، ويجبرهم على ذلك، فهل يجوز هذا؟
الجواب
هذا بارك الله فيك حرام، كون الإنسان يفتح محلاً ويأتي بعامل يعمل فيه ويقول: عليك كل شهر -مثلاً- ألف ريال أو ألفان أو أقل أو أكثر هذا حرام شرعاً وممنوع نظاماً، والدولة لا تسمح بهذا، إذا كان العامل أجنبياً وإذا كان أهلياً فهو حرام من جهة الشرع فلا يجوز، نعم لو فرض أنه جهز المال ثم جاء بإنسان وقال له: يا فلان! اعمل بهذا المال على النصف، نصف الربح لك ونصف الربح لي أو ثلاثة أرباع الربح لك وربعه لي، هذا لا بأس به؛ لأن هذه مضاربة.(13/36)
حكم تسمية الرسول صلى الله عليه وسلم بـ (المفرق)
السؤال
جاء في الحديث عند البخاري عندما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام الملائكة فقالوا: (اضربوا له مثلاً -وجاء في آخر الحديث- قال: ومحمد رسول الله فرق بين الناس) فهل يجوز أن نسمي الرسول صلى الله عليه وسلم بالمُفَرِّق؟
الجواب
لا.
لأن التفريق على الإطلاق ذم، بل إن الرسول جمع الناس، وجمع الله به بعد الفرقة، وألف به بعد العداوة، وأعز به بعد الذل، ونصر به بعد الخذلان: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضحى:6-8] وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار حين جمعهم: (ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي، وكنتم متفرقين فجمعكم الله بي) فلا يمكن أن نسميه المفرق على الإطلاق.
السائل: بل نقول: فرق بين الحق والباطل؟ الشيخ: كما سمى الله القرآن فرقاناً؛ لأنه يفرق بين الحق والباطل.(13/37)
امرأة اعتمرت دون إذن زوجها وهي عند أخيها
السؤال
امرأة تسأل أنها اعتمرت مع أخيها ولم تستأذن من زوجها، علماً بأنها تسكن مع أهلها لوجود خلاف بينهما فما الحكم؟
الجواب
المرأة إذا كانت عند أهلها على خلاف بينها وبين زوجها فإن كان الخطأ منه فلا حق له عليها، وإن كان الخطأ منها فقد أثمت، فينظر قد يكون الخطأ منه هو الذي نشز، وهو الذي اعتدى عليها، وهو الذي أضاع حقوقها فلا حق له عليها، لقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194] ولقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل:126] ولقوله: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228] وأما إذا كانت هي المخطئة فعليها أن تتوب وترجع إلى بيت زوجها.
السائل: والعمرة؟ الشيخ: لا يجوز أن تعتمر إذا كان الخطأ منها، ولكن عمرتها صحيحة.(13/38)
حكم منع الصغار من الصلاة في الصفوف الأولى
السؤال
حث رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبار على الصف الأول فبعض الأئمة ينكرون على الصغار ويمنعونهم من الصف الأول وخاصة الوسط خلف الإمام فيقول لهم: ليس هذا مكانكم، والكبار ما يتقدمون فما رأيكم يا شيخ؟!
الجواب
نقول للذي يمنع الصغار من الصف الأول أو من الصف وراء الإمام أين دليلك؟ ليس عنده دليل، الواجب أنه من سبق إلى مكان فهو أحق به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقيم الرجل أخاه فيجلس مكانه وقال: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به) ، ولا دليل لهذا الرجل الذي يبعد الصغار عن الصف الأول بل في هذا جناية على هؤلاء الصبيان، وفيها أيضاً تنفير لهم عن المسجد، وفيها أيضاً كراهة الصغار لهذا الرجل.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليليني منكم أولو الأحلام والنهى) فالمراد أنه أمر الكبار أن يتقدموا ليلوه ولم يقل: لا يلني إلا أولو الأحلام، لو قال: لا يليني إلا أولو الأحلام كنا نؤخر الصغار؛ لأنه نهى أن يليه إلا هؤلاء، أما وقد قال: (ليليني منكم) فالمعنى حثهم على التقدم، نعم لو فرض أن الصبي يحصل منه إفساد للمسجد أو تشويش على المصلين فهنا نؤدبه، إما بواسطة وليه أو مباشرة، فإن لم يتأدب منعناه حتى من دخول المسجد.
السائل: وإذا احتاج الإمام إلى من يستنيبه كأن حدث له شيء في الصلاة ولم يجد وراءه إلا الصغار وهم ليسوا على استعداد لذلك؟ الشيخ: أولاً بارك الله فيك متى تقع هذه المسألة؟ متى يحدث أن الإمام يحتاج إلى تقديم أحد؟ يمكن في السنة مرة، أنا في المسجد أكثر من ثلاثين سنة ما حدث هذا أبداً، هذه واحدة، والثانية: لا بأس أن يتقدم الصبي إذا كان قارئاً للقرآن ولو كان سنه عشر سنين نقدمه يصلي بالجماعة؛ لأنه ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤمكم أكثركم قرآناً) وعمرو بن سلمة الجرمي كان ذكياً وكان وهو ابن سبع سنين يتلقى الركبان ويأخذ منهم القرآن، فلما جاء الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه (يؤمكم أكثركم قرآناً) نظروا في القبيلة فلم يجدوا أكثر من هذا الصبي قرآناً فقدموه يصلي بهم وهو ابن سبع سنين، هذا في صحيح البخاري وكان عليه إزار قصير إذا سجد ارتفع مع السجود حتى تبدو عورته، فخرجت امرأة من الحي ذات يوم وهذا الصبي يصلي بالجماعة فقالت لهم: غطوا إست قارئكم، الإست هي: الدبر، والعرف أن الإست هو قبل المرأة وهو ليس كذلك، الإست هي: الدبر، فلما قالت هذه المرأة غطوا عنا إست قارئكم، اشتروا له قميصاً جديداً قال: فما فرحت بعد الإسلام فرحي بهذا القميص.
السائل: والتمييز؟ الشيخ: التمييز يكون غالباً في سبع سنين، ولكن قد يميز الصبي وعمره خمس سنين، قال محمود بن الربيع رضي الله عنه: [عقلت مجة مجها الرسول صلى الله عليه وسلم في وجهي وأنا ابن خمس سنين] فبعض الصغار يكون ذكياً يميز وهو صغير، وبعضهم يبلغ ثماني سنين وما يميز.(13/39)
حكم تخيير الرجل للزوجة أن تتنازل عن بعض وقتها للزوجة الثانية أو يطلقها
السؤال
هناك رجل متزوج باثنتين وحدث بينه وبين إحداهن صدود فخيرها بين أمرين: إما التسريح وإما أن تبقى معه على شرط أن تتنازل عن بعض وقتها للزوجة الثانية؟
الجواب
لا حرج في هذا أن يقول: أنا لا أستطيع العدل بينكما؛ فإن شئت أن تبقي على ما أنا عليه أو أطلقك فله ذلك، ودليل هذا أن سودة بنت زمعة رضي الله عنها كانت كبيرة في السن فشعرت أن النبي صلى الله عليه وسلم سيطلقها فقالت: يا رسول الله! إني وهبت يومي لـ عائشة رضي الله عنها، وهبت يومها لـ عائشة فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقسم لـ عائشة يومين يومها ويوم سودة الذي تنازلت عنه رضي الله عنها، فهذا لا بأس به.(13/40)
لقاء الباب المفتوح [14]
في هذا اللقاء تفسير بعض آيات سورة النازعات، يذكر فيها بيان يوم القيامة وعظمة الله سبحانه وتعالى وتعامله مع الأمم السابقة وبالأخص بني إسرائيل أتباع موسى عليه السلام.
وعقب ذلك أجاب عن أسئلة كثيرة في التعزية وأحكام لبعض عمليات البيع الشرعية، وتفسير لبعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.(14/1)
تفسير آيات من سورة النازعات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني في هذا الشهر، شهر جمادى الآخرة سنة (1413هـ) يوم الخميس التاسع من هذا الشهر.
نبدأ في هذا اللقاء بما وقفنا عليه من تفسير سورة النازعات.(14/2)
تفسير قوله تعالى: (فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة)
قال تعالى في بيان قيام الساعة: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:13-14] زجرة من الله عز وجل، يزجرون ويصاح بهم فيقومون من قبورهم قيام رجل واحد على ظهر الأرض بعد أن كانوا في بطنها، قال الله تبارك وتعالى: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:53] كل الخلق بهذه الكلمة الواحدة يخرجون من قبورهم أحياءً، ثم يحضرون إلى الله عز وجل ليجازيهم، ولهذا قال: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:13-14] وهذا كقوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50] أي: ما أمر الله إذا أراد شيئاً أن يكون إلا واحدة فقط، وهي كن! ولا يتأخر هذا عن قول الله لحظة {كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50] والله عز وجل لا يعجزه شيء؛ فإذا كان الخلق كلهم يقومون من قبورهم لله عز وجل بكلمة واحدة فهذا أدل دليل على أن الله تعالى على كل شيء قدير، وأن الله لا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} [فاطر:44] .
{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:13-14] .(14/3)
تفسير قوله تعالى: (هل أتاك حديث موسى)
ثم قال تعالى مبيناً ما جرى للأمم قبل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وليعُلم أن ما قص الله عز وجل علينا من أخبار الأمم السابقة له فوائد كثيرة وعبر عظيمة، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف:111] فمن ذلك تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه من الأذى القولي والفعلي، فكأن الله يقول له: إن الرسل من قبلك قد أوذوا {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام:34] ومن ذلك: أن فيها تهديداً للمكذبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصيبهم ما أصاب الأمم السابقة من العذاب والنكال، قال الله تبارك وتعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} [محمد:10] .
والعبر في قصص الأنبياء كثيرة، قال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [النازعات:15] والخطاب في قوله: {هَلْ أَتَاكَ} [النازعات:15] للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من يتأتى خطابه ويصح توجيه الخطاب إليه، ويكون على المعنى الأول: هل أتاك يا محمد! وعلى المعنى الثاني: هل أتاك أيها الإنسان! حديث موسى وهو ابن عمران عليه الصلاة والسلام أفضل أنبياء بني إسرائيل، وهو أحد أولي العزم الخمسة الذين هم محمد صلى الله عليه وسلم وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ونوح، وقد ذكروا في القرآن في موضعين أحدهما في الأحزاب، وهو قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب:7] والثاني في الشورى: وهو قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} [الشورى:13] .
وحديث موسى عليه الصلاة والسلام ذكر في القرآن أكثر من غيره؛ لأن موسى عليه الصلاة والسلام هو نبي اليهود، وهم كثيرون في المدينة وحولها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت أخبار موسى أكثر ما قص علينا من نبأ الأنبياء وأشملها وأوسعها، وفي قوله: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [النازعات:15] تشويق للسامع ليستمع إلى ما جرى في هذه القصة.(14/4)
تفسير قوله تعالى: (إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى)
قال تعالى: {إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ} [النازعات:16-17] فرعون كان ملك مصر، وكان يقول لقومه: إنه ربهم الأعلى، وإنه لا إله غيره، {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] فادعى ما ليس له وأنكر حق الله عز وجل.
وقوله: {بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ} [النازعات:16] هو: الطور، والوادي: هو مجرى الماء وسماه الله المقدس؛ لأنه كان فيه الوحي إلى موسى عليه الصلاة والسلام، وقوله: (طُوىً) اسم للوادي.
{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} [النازعات:17-18] .
ونكتفي بهذا القدر وستأتي إن شاء الله بقية القصة، والآن موعدنا مع الأسئلة.(14/5)
الأسئلة(14/6)
من أحكام الجمع والقصر للمسافر
السؤال
رجل مسافر وعندما بقي على البلدة التي سافر إليها مسافة ساعة تقريباً دخل وقت صلاة الظهر فذهب إلى أحد المساجد فصلى الظهر والعصر جمع تقديم، فهل يعيد صلاة العصر عند وصوله؟ وهل الأفضل أن يجمع أو أن يصلي الظهر فقط؛ لأنه سيصل قبل العصر؟
الجواب
أولاً يجب أن نعلم أن المسافر يسن له قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين من حين أن يخرج من بلده إلى أن يرجع إليها، وهذا لا إشكال فيه، وأما الجمع فالأفضل ألا يجمع إلا عند الحاجة إلى الجمع، وبناءً على هذا نقول لهذا الرجل الذي يعلم أو يغلب على ظنه أنه سيصل إلى بلده قبل أن يدخل وقت الثانية نقول له: الأفضل ألا تجمع؛ لأنه لا داعي للجمع حينئذ، أنت لست في حاجة إليه، ولكن مع ذلك لو جمع فإنه لا تلزمه إعادة الصلاة إذا قدم إلى بلده؛ لأن ذمته برئت بالصلاة التي جمعها إلى ما قبلها.
السائل: حتى لو فعل ذلك تحسباً لما يطرأ عليه كعطل في السيارة مثلاً؟ الشيخ: كل هذا متوقع، والأفضل ألا يجمع، لأن وقوع ما يمنع الوصول ليس متيقناً ولا غالباً على الظن، بل الغالب السلامة.(14/7)
حكم إطلاق لفظ: (الحرم) على غير مكة والمدينة
السؤال
انطلاقاً من الآيات السابقة هل يعتبر (وادي طوى) حرماً، وبالتالي ما هي الأماكن المحرمة غير المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
لا يعتبر الوادي المقدس الذي كلم الله فيه موسى حرماً، وليس في الأرض حرم إلا موضعان فقط، حرم مكة وحرم المدينة، وأما المسجد الأقصى فليس بحرم، وكذلك (وادي وَجّ) بـ الطائف ليس بحرم، فليس هناك حرم إلا حرمان فقط حرم مكة وحرم المدينة.(14/8)
حكم طلب الدعاء من الغير
السؤال
سمعنا أن من فضيلة الدعاء قول الشخص لأخيه: لا تنسَنا يا أخي! من صالح دعائك، هل لكم تفصيل في هذا الأمر، مع ذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم لـ عكاشة عندما قال: (ادع الله يجعلني منهم يا رسول الله!)
الجواب
طلب الدعاء من الغير إن كان لمصلحة عامة فلا بأس به، مثل ما حصل للأعرابي الذي دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا، وفي الجمعة التالية قال هذا الرجل أو غيره: غرق المال وتهدم البناء فادع الله يمسكها، فإن هذا لا بأس به؛ لأن المصلحة للغير، فهو بمنزلة الشافع، أما إذا كان لمصلحة خاصة فهذا إن كان من النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا بأس به، أي: لا بأس أن يسأل الناس النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ليس كدعاء غيره.
أما إذا كان من غيره فإن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: إنه يدخل في المسألة المذمومة، فلا تقل لأحد: ادع الله لي إلا إذا قصدت مصلحته هو، وكيف يكون مصلحة له؟ يكون مصلحة له لأنه إذا دعا لك فقد أحسن إليك والله يحب المحسنين؛ ولأنه إذا دعا لك قال الملك: آمين ولك بمثله، فيستفيد من هذا الدعاء الذي دعاه لك بظهر الغيب، أما إذا قصد مصلحة نفسه -أي الطالب- فكما سبق عن شيخ الإسلام، وفيه محذور آخر؛ وهو أنه قد يعتمد على دعاء هذا الرجل ولا يدعو هو لنفسه، وفيه محذور ثالث؛ وهو أن المسئول ربما يغتر ويرى أنه رجل صالح يطلب دعاؤه فيزهو بنفسه ويعلو بنفسه، فأنت يا أخي! ادع الله لنفسك؛ لأن دعاءك الله عبادة، سواء أجابك أو لم يجبك، ودعاؤك لربك صلة بينك وبينه، فألح على الله بالدعاء بدل أن تقول لشخص من الناس ادع الله لي، وحديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله له: (لا تنسنا يا أخي من صالح دعائك) حديث ضعيف.(14/9)
حكم من انتسب إلى جده
السؤال
مر علينا في بعض الدروس أن من انتمى إلى غير أبيه فهو مذموم، فما رأيك فيمن ينتمي إلى جده من قبل أبيه، ومع أن بعض الناس يستحقر أباه؛ لأن جده أشهر من أبيه؟
الجواب
أما الانتماء إلى الجد الأعلى لشهرته وسيادته في قومه مع بيان أنه جد له في محل آخر فهذا لا بأس به، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) مع أن أبا الرسول صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، لكن انتسب إلى جده لشهرته وسيادته في قومه، مع العلم أنه هو ابن عبد الله، أما إذا انتسب إلى جده متناسياً أباه ولا ينتسب إليه في أي وقت من الأوقات فهذا لا يجوز، لا سيما إن كان ذلك من أجل احتقار أبيه.(14/10)
الضابط في معرفة الدعاء الشركي
السؤال
ما هو الضابط الذي نعرف من خلاله إذا كان الدعاء لغير الله شركاً، وقد ورد يا فضيلة الشيخ! في كتاب السنة الثانية ابتدائي أنشودة هذا نصها:
إلى السماء يا علم إلى السما عش في صعود يا علم عش في علا
أيا علم أيا علم
ثم قال:
رفرف علينا بالمنى جدد لنا أمجادنا رفرف علينا بالهنا رفرف فإن هتافنا
حيوا العلم حيوا العلم
هل هذا الدعاء لغير الله سبحانه وتعالى؟
الجواب
لا شك أن هذا الكلام خطأ، وأن العلم ليس هو الذي يعيد المجد والشرف، وإنما الذي يعيده التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإن هذا هو السبب الحقيقي الذي جعله الله سبباً للرفعة والعز والشرف، قال الله تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8] ، وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} [النور:55] .
أما دعاء العلم فإنه لولا علمنا بأن الداعي إنما يريد أن العلم سبب لا أنه مُوجد لقلنا: إن هذا شرك، فهو كالذي يدعو الشجر والحجر في الجاهلية.
لكن نعلم أن هذا القائل لا يريد أن العلم نفسه هو الذي يأتي بالعزة والمجد والشرف وإنما هو سبب؛ فمن أجل ذلك لا يمكن أن نحكم بأن هذا شرك أكبر لكن مع ذلك نقول: هو نوع من الشرك الأصغر، حيث جعل ما لم يجعله الله سبباً سبباً، ولو أنك كتبت لي هذا من أجل أن ننظر في موضوعه لكان أفضل؛ حتى لا يتعلق الشباب ولا سيما الصغار بمثل هذه الأمور وينسوا الله عز وجل.(14/11)
حكم تدريس الأعمى في مدارس البنات
السؤال
ما رأيك في أن هناك مشايخ فاقدي البصر يدرسون في المدارس الثانوية أو المتوسطة للبنات فعندما تريد المرأة قراءة القرآن يجب أن ترتل فما رأيك في تحسين صوتها أمام هذا الرجل؟
الجواب
تدريس الأعمى للنساء إذا كان موثوقاً لا بأس به، أما إذا كان مشتبهاً فيه فإنه لا يجوز أن يدرس، بل يجب أن يمنع من التدريس على أي حال كان، ويبقى السؤال إذا درس هل يجوز للمرأة أن تنظر إليه، والجواب: نعم.
يجوز للمرأة أن تنظر إليه بشرط ألا يكون ذلك عن شهوة؛ لأن نظر المرأة للرجال ليس بحرام، ودليله حديث فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (اعتدي في بيت ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستر عائشة رضي الله عنها وهي تنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد، وأما تلاوة القرآن عند هذا الرجل الأعمى وتحسين المرأة صوتها بذلك فأخشى أن يكون فيه فتنة، وأرى أن ترتل القرآن ترتيلاً بدون تحسين الصوت؛ لأن تحسين الصوت خطير بالنسبة للمرأة ولا سيما الشابة، فقد قال الله تبارك وتعالى لنساء نبيه صلى الله عليه وسلم: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب:32] فهي ترتل لكن بصوت عادي بدون تحسين ولا ترقيق لصوتها.(14/12)
مدة السفر التي يقصر فيها المسافر
السؤال
لو سافر شخص إلى مدينة وكانت مدة سفره أربع سنوات هل يقصر الصلاة؟
الجواب
هذه مسألة اختلف فيها العلماء هل هناك مدة محدودة ينقطع بها حكم السفر، أو ما دام الإنسان مسافراً مغادراً بلده فهو مسافر ولو طالت المدة، والثاني هو الصحيح؛ أن الإنسان إذا لم ينوِ الإقامة المطلقة في هذا البلد، بل أقام لغرض دراسة أو علاج أو غيرهما، وفي نيته أن يرجع حين ينتهي عمله وشغله فإنه مسافر، ولكن إذا كان في بلد تقام فيه الجماعة فإنه يجب عليه أن يحضر إلى المسجد ويصلي مع الناس، وكذلك يجب عليه صلاة الجمعة، ولا يحل له أن يتأخر عن صلاة الجماعة أو الجمعة؛ لأن السفر ليس عذراً مسقطاً لوجوب الجماعة أو الجمعة، وحينئذٍ سوف يتم الصلاة إذا ائتم بمن يتم الصلاة.(14/13)
حكم استعمال الأشياء المطلية بالذهب
السؤال
ما حكم استعمال النظارات أو الأواني الملونة بلون الذهب؟
الجواب
الأواني المطلية بالذهب إن كان يجتمع من هذا الذهب شيء إذا عرض على النار، يعني إذا قال الصائغ هذا الذهب لو عرض على النار لاجتمع منه شيء فإن المطلي بها محرم؛ لأنه استعمال للذهب حقيقة، وأما إذا كان مجرد لون فإنه لا بأس به، أي لا بأس أن يأكل ويشرب بها، لكن الأفضل ترك ذلك.
لماذا؟ لأن من نظر إليه وهو يأكل فقد يسيء به الظن ويقول: هذا الرجل يأكل بآنية الذهب، ومن نظر إليه فقد يظن ذلك ذهباً خالصاً فيقتدي به، وفي الأواني الكثيرة المنوعة ما يكفي عن استعمال مثل هذه الأواني.(14/14)
معنى قوله تعالى: (للسائل والمحروم)
السؤال
ما معنى قول الله سبحانه وتعالى: {لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 25] ؟
الجواب
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24-25] يمتدح الله سبحانه وتعالى هؤلاء القوم الذين جعلوا في أموالهم حقاً معلوماً للسائل والمحروم، السائل: الذي يسأل ويقول: أعطني كذا، وكان من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يرد سائلاً، وهذا غاية الكرم، حتى لو كان غنياً وسأله، فإن من مكارم الأخلاق أن تعطيه لكن إذا أعطيته فانصحه وقل له: يا أخي! لا تسأل الناس فإن الرجل لا يزال يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وما في وجهه مزعة لحم، وتقول له: إن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أخبرني بعمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس) .
وأما المحروم فهو الذي حرم من المال، وهو الفقير، وليس المراد بالمحروم البخيل كما يفهمه الكثير من العامة؛ لأن البخيل ليس له حق في الإعطاء إنما المراد بالمحروم من حرم المال وهو الفقير.(14/15)
حكم من انتدب في عمل فأنهاه ثم قام بعمرة
السؤال
شخص كلف بانتداب إلى الطائف، فأنهى العمل خلال ساعات، وأراد أن يأخذ عمرة مع موافقة العمل على ذلك، هل يصح له هذا؟
الجواب
يصح للإنسان إذا انتدب لعمل معين وأنهاه ثم أراد أن يأتي بعمرة أن يأتي بذلك؛ لأن العمل الذي انتدب من أجله قد أتمه وبقي بقية وقت، له أن يتصرف فيه بما شاء لا سيما إذا كان قد استأذن من مسئوله وأذن له، فإن الأمر واضح بأن هذا جائز.(14/16)
حكم من أدرك الإمام ساجداً
السؤال
هل يجوز لمصلي فاتته ركعة ثم وجد الإمام ساجداً أن يكبر ثم يسجد، أو ينتظر حتى يرتفع الإمام؟
الجواب
الأفضل إذا جاء الإنسان والإمام على حال أن يدخل مع الإمام على أي حال كان، فإذا جاء ووجده ساجداً فليكبر ثم يسجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) ولأن هذه السجدة التي سجدها ربما تكون سبباً لمغفرة ذنوبه فلا يفوتها على نفسه؛ لذلك فعليه أن يسجد ثم يقوم مع إمامه، لكن لا يحتسب بها ركعة؛ لأن الركعة لا تدرك إلا بإدراك الركوع.(14/17)
معنى كلمة (الأعراف)
السؤال
سمعت من شخص يقول: إن الأعراف سور بين الجنة والنار يمكثون فيه عدداً من السنين؟
الجواب
الناس إذا كان يوم القيامة انقسموا إلى ثلاثة أقسام: قسم ترجح حسناتهم على سيئاتهم فهؤلاء لا يعذبون ويدخلون الجنة، وقسم آخر ترجح سيئاتهم على حسناتهم فهؤلاء مستحقون للعذاب بقدر سيئاتهم ثم ينجون إلى الجنة، وقسم ثالث سيئاتهم وحسناتهم سواء فهؤلاء هم أهل الأعراف ليسوا من أهل الجنة ولا من أهل النار بل هم في مكان برزخ عالٍ مرتفع يرون النار ويرون الجنة، يبقون فيه ما شاء الله وفي النهاية يدخلون الجنة، وهذا من تمام عدل الله سبحانه وتعالى أن أعطى كل إنسان ما يستحق، فمن ترجحت حسناته فهو من أهل الجنة، ومن ترجحت سيئاته عذب في النار إلى ما شاء الله، ومن كانت حسناته وسيئاته متساوية فهو من أهل الأعراف لكنها -أي الأعراف- ليست مستقراً دائماً، وإنما المستقر: إما إلى الجنة، وإما إلى النار، جعلني الله وإياكم من أهل الجنة.(14/18)
حكم تعليق العزائم وبيان كيفية الاستشفاء بالقرآن
السؤال
ما رأيك في الذين يذهبون لعمل عزائم تحتوي على آيات قرآنية، ويقال لهم: ضعها تحت مخدة، أو بلها واشرب ماءها؟
الجواب
أما الاستشفاء بالقرآن فإنه مشروع، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة السرية الذين بعثهم، ثم نزلوا على قوم ضيوفاً، ولكن هؤلاء القوم لم يضيفوهم، فتنحى الصحابة ناحية، ثم قدر الله سبحانه وتعالى على سيد القوم فلدغته عقرب، واشتد الأمر عليه، فقالوا: اذهبوا إلى هؤلاء القوم الذين نزلوا بكم فاسألوهم لعل فيهم راق فجاءوا إلى الصحابة وقالوا: هل فيكم من راق؟ قالوا: نعم.
فذهب أحدهم إلى سيد القوم، وقال لهم: لا نرقي لكم إلا بجعل، فجعلوا لهم شيئاً من الغنم، فقرأ الرجل على اللديغ سورة الفاتحة فقام كأنما نشط من عقال، في لحظة قام، ثم إن الصحابة أشكل عليهم أمر الغنم التي أخذوها، فقالوا: لا نأكلها حتى نأتي المدينة، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه الخبر فقال: (خذوا واضربوا لي معكم بسهم) ثم قال: (وما يدريك أنها رقية؟ أي الفاتحة) فالاستشفاء بالقرآن أمر مطلوب وفيه مصلحة، ولكن على أي صفة نستشفي به؟ نقول: نستشفي به على الصفة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بقراءة القارئ على المريض، هذا وارد.
أما أن يعلق على رقبته ما فيه شيء من القرآن، فهذا أجازه بعض السلف ومنعه آخرون، فممن منعه: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وأجازه بعض أهل العلم من السلف والخلف.
وأما وضعه تحت الوسادة أو تعليقه على الجدار أو ما أشبه ذلك، فهذه صفات لم ترد عن السلف، ولا ينبغي أن نعمل عملاً لم يسبقنا إليه أحد السلف، وكذلك من باب أولى ما يفعله بعض الناس، يقرأ في ماء فيه زغفران، ثم يأتي بأوراق ويخطط فيها خطوطاً فقط من هذا الزعفران، خطوطاً لا يُقرأ ما فيها، فهذا أيضاً من البدع ولا يستقيم ولا يصح.(14/19)
حكم الصلاة والاعتكاف في الساحة التي خلف المسعى
السؤال
هل من صلى في الساحة التي خلف المسعى يكون أجره مثل الذي صلى بجوار الكعبة، والمعتكف هل له أن ينتظر في الساحة التي خلف المسعى؟
الجواب
أما الصلاة في الساحة فإذا اتصلت الصفوف بأن امتلأ المسجد حتى وصلت الصفوف إلى الساحة فهؤلاء يرجى لهم أن يكونوا مثل الذين في المسجد في الأجر، وأما إذا كان المسجد خالياً وفيه مكان فإن الصلاة في هذه الساحة ليست كالصلاة في المسجد الحرام، فلا يكون لمن صلى فيها مائة ألف صلاة؛ لأنها منفصلة عن المسجد، بينها وبين المسجد شارع واسع كما تعرفون.
وأما مسألة الاعتكاف فمن خرج إليها وجلس فيها بطل اعتكافه؛ لأنها ليست من المسجد بل هي خارجة عن المسجد محوطة بحائط خاص بها له أبواب، فهي كالحوش الذي يكون خارج المسجد فلا تعتبر منه.(14/20)
حكم صلاة التوبة
السؤال
ما حكم صلاة التوبة وما صحة الدليل الذي ورد في ذلك؟
الجواب
صلاة التوبة حديثها فيه ضعف، لكن له شواهد تدل على أن له أصلاً مثل حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه حينما توضأ كوضوء النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا ثم قال: (من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه) فهذا الحديث شاهد يدل على أن الإنسان إذا توضأ فأسبغ الوضوء، ثم صلى ركعتين؛ فإنه يغفر له ما تقدم من ذنبه، ولا تسمى صلاة التوبة ولكنها سنة الوضوء ولكن تحصل بها التوبة.(14/21)
حكم إيداع الأموال في البنوك
السؤال
ما رأيكم في البنوك التي نضع النقود فيها؟ وما البنك الذي تنصح به يا شيخ؟!
الجواب
أما وضع الدراهم في البنوك فلا أرى أن توضع إلا للحاجة، مثل أن يخاف الإنسان على الدراهم في بيته فيضعها في هذه البنوك للحاجة إلى ذلك، وأقول: إنه يجوز وضعها في البنوك للحاجة؛ لأن البنوك ليست ربا (100%) إذ أن لها معاملات كثيرة طيبة ليست حراماً، وإلا لو كانت معاملتها ربا (100%) لقلنا: لو تحترق فلوسك لا تضعها عندهم؛ لأنك تكون مشاركاً لهم في الربا، وعلى هذا نقول: إن دعت الحاجة إلى وضع دراهمك في البنوك فإن كانت البنوك لا تتعامل إلا بالربا فلا تضعها فيها أبداً، لو تحترق الفلوس أو تحفر لها حفرة تجعلها فيها فلا تضعها في البنوك.
وأما إذا كانت تعمل بشيء مباح وشيء حرام فلا بأس أن تضع الفلوس عندها للحاجة، وأما أي البنوك أحسن فأنا لا أعرف أي البنوك أحسن معاملة، لكن يقال أن شركة الراجحي هي أسلم من غيرها في التعامل بالربا.(14/22)
حكم تقاضي الراتب مع تغيب الموظف
السؤال
كنت موظفاً في إمارة إحدى القرى التي تبعد عن منزلي نحو (75كم) ، طريق صحراوي وعر، وعندما كنت أتردد لحقتني مشقة، فقلت لأمير المنطقة: ائذن لي أن أداوم يومين في الأسبوع، فكان يأذن لي في بعض الأيام وبعضها لا يأذن لي، ومضى على ذلك عامان، فما حكم الأيام التي كنت أتغيب فيها من غير إذن من أمير المنطقة؟
الجواب
الأيام التي تتغيب فيها عن عملك بدون إذن لا يحل لك أن تأخذ ما يقابلها من الراتب؛ لأن الراتب في مقابلة عمل، فإذا أتممت العمل استحققت الراتب كاملاً، وإن نقصت لم تستحقه كاملاً، وإذا كنت الآن أخذت الراتب كاملاً بدون خصم فالواجب عليك أن ترده إلى من أخذته منه إن أمكن، وإن كنت تخشى من المسئولية والتعب فتصدق به تخلصاً منه أو أدخله في عمارة مسجد في إصلاح طريق لتسلم من إثمه.
السائل: واستأذنت من نفس المسئول فما الحكم؟ إذا استأذنت منه أي المسئول المباشر عندك وأنت تعلم أن العمل يحتاج إلى وجودك فلا تقبل منه الإذن، يجب أن تحضر ولو أذن لك بالغياب، وأما إذا كان العمل لا يحتاج وأذن لك صاحبه المباشر فأرجو ألا يكون في ذلك بأس.(14/23)
حكم منع الكفلاء عمالهم من صلاة الجمعة
السؤال
أنا خطيب مسجد، وقال لي بعض العمال: إن كفلاءهم لا يأذنون لهم بأداء صلاة الجمعة بحجة أنهم كحراس في المزرعة، وقد قالوا لي أن أتحدث في الجمعة على هذا، وأن آمر الكفلاء بأن يأذنوا لهم في الصلاة، فما رأيكم يا شيخ؟
الجواب
إذا كان هؤلاء العمال بعيدين عن المسجد بحيث لا يسمعون النداء لولا مكبر الصوت وهم خارج البلد، فإن الجمعة لا تلزمهم، ويطمئن العمال بأنه لا إثم عليهم في البقاء في المزرعة ويصلون ظهراً، ويشار على كفيلهم أن يأذن لهم؛ لأن في ذلك خيراً وخيراً لهم، وتطييباً لقلوبهم وربما يكون ذلك سبباً في نصحهم إذا قاموا بالعمل، بخلاف ما إذا ضغط عليهم، وكثير من العمال يطلبون صلاة الجمعة من أجل أن يلتقوا بأصحابهم ومعارفهم، ولهذا تجدهم يأتون إلى الجمعة ويجلسون في السوق يتحدثون إلى أن يحضر الإمام، فإذا حضر الإمام دخلوا المسجد وجلسوا يتحدثون والإمام يخطب، ومثل هذا العمل يدل على أن صاحبه لا يريد صلاة الجمعة، إنما لكي يجتمع بأصحابه ومعارفه فقط، والله أعلم بالنيات، والمدار هو على ما سبق: إذا سمعوا النداء بدون مكبر الصوت وهم في البلد فليحضروا، وإذا كانوا خارج البلد فليس عليهم شيء.(14/24)
حكم من أراد الحج وعليه دين
السؤال
أنا إنسان متزوج وأريد أن أحج لكن عليَّ دين هل يصح لي أن أحج أم لا؟
الجواب
الأفضل لمن عليه الدين أن يقضي الدين أولاً، لماذا؟ لأن الحج لا يجب على الإنسان وعليه دين.
يعني الإنسان الذي عليه دين، وإن كان في يده مال يستطيع أن يحج به كالإنسان الذي ليس عنده مال، والدين قضاؤه واجب، والحج على المدين ليس بواجب، فلا ينبغي للإنسان أن يقدم ما ليس بواجب على ما كان واجباً، فنقول: لا تحج حتى تقضي الدين الذي عليك، ودرهم تصرفه في دين عليك خير من درهم تصرفه في حج لا يجب عليك.(14/25)
حكم خروج الإمام أو المؤذن للدعوة وترك مسجده
السؤال
أكثر الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى في هذه البلاد هم أئمة أو مؤذنون وقد توجه إليهم دعوات كثيرة من القرى المجاورة أو البلاد المجاورة، وقد سمعت فتوى لك تقول: لا يجوز أن يترك الإنسان مسجده ويذهب إلى الدعوة إلى الله عز وجل؛ لأن بقاءه في المسجد أفضل، فنحتاج إلى فتوى خاصة لهؤلاء الدعاة بجواز الذهاب للدعوة، وإن أدى ذلك إلى ترك المسجد بعض الوقت؟
الجواب
الذي أرى كما قلت أنه لا يجوز للإنسان أن يدع مسجده من أجل أن يدعو الناس، وذلك لأن الدعوة إلى الله فرض كفاية، وقد يكون قام بها من يكفي، والقيام بواجب الوظيفة فرض عين، فلا يجوز أن تذهب إلى الدعوة وتدع المسجد، نعم لو ذهبت يوماً في الأسبوع أو يومين بعد مشاورة الأوقاف وأهل الحي فلا حرج عليك، أما أن تبقى كل وقت فهذا لا يجوز، وإذا كنت ملحاً على أن تدعو إلى الله فاترك الإمامة وتفرغ للدعوة.(14/26)
حكم شراء سيارة بأكثر من قيمتها
السؤال
وجدت أحد زملائي لديه سيارة، والسيارة يقارب سعرها (30) ألفاً في حالتها، فأنا قبلتها بحالتها الراهنة واستلمتها بـ (65) ألفاً على ألا أدفع شيئاً مقدماً، ولكن أسدد المبلغ على أقساط شهرية، فهناك من قال: هذا ربا، فهل هذا ربا؟ مع العلم أنني استلمت السيارة بحالتها وذهبت بها؟ الشيخ: هذا ليس ربا؛ لأنك اشتريت السيارة، ولم تشتر دراهم بدراهم.
السائل: لا أدري بكم اشتراها لكن قيمتها الراهنة عند استلامي لها (30) ألفاً، وأنا قبلتها بـ (65) ألفاً على أن أدفع كل قسط شهرياً؟ الشيخ: هذا ليس فيه شيء وليس فيه ربا.
السائل: لكن قالوا: إن فيها ربا؛ لأنه زاد عليك أكثر من ثمنها؟ الشيخ: لا بأس، هذا الذي يناسبه، المهم أن هذه المسألة ليس ربا إطلاقاً، لكن ينبغي للإنسان إذا رأى أخاه مضطراً إلى شيء ألا يزيد عليه في الثمن هذه الزيادة الفاحشة؛ لأنه الآن جعل المائة مائتين أليس كذلك، (30) جعلها (65) ، لكن إذا قبلت أنت ورضيت بهذا الشيء فلا حرج.(14/27)
حكم تخلف شخصين عن الجماعة لمصلحة العمل
السؤال
إننا نطالب بعض أصحاب المطاعم والمخابز بالصلاة في الجماعة في المسجد، ولكن يطالبون بأن يبقى واحد منهم في المطعم أو في المخبز، وكثير من الأئمة يقولون لنا: لماذا لا تلزمون الجميع بالحضور، ولا يبقى أحدٌ فسألنا بعض طلبة العلم، فقالوا: يجوز أن يبقى واحد، فأحببنا أن نأخذ برأيك؟
الجواب
الذي أراه أن الأمر أوسع من ذلك، أوسع من أن نلزم الناس بأشياء تضرهم، ربما يكون إغلاق الآلات يسبب عليهم ضرراً، فإذا كان الأمر كذلك يترك منهم اثنان يبقيان في المكان من أجل إذا جاء بقية زملائهم يصلي الاثنان جماعة ولا حرج في هذا، لكن يغلق الباب حال صلاة الناس الجماعة.(14/28)
صفة الغسل المجزئ في إزالة الجنابة
السؤال
إذا توضأ المغتسل ثم أفاض عليه من الماء هل يلزمه تعهد أعضاء الوضوء؟
الجواب
إذا توضأ المغتسل بنية أن هذا عن الغسل فإنه لا يلزمه إعادة الماء على ما غسله من الأعضاء، وكذلك لو أنه اغتسل وغسل جميع بدنه مثل أن ينغمس في بركة فإنه يكفيه عن الوضوء لكن لابد أن يتمضمض ويستنشق.
السائل: ما دليل هذه الصفة الأخيرة؟ الشيخ: الأخيرة دليلها قوله تعالى بعد أن ذكر الوضوء قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] ولم يذكر سوى ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي أعطاه الماء ليغتسل به قال: (خذ هذا أفرغه على نفسك) والحديث طويل في البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه في قصة إعواز الماء على المسلمين، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ورأى رجلاً معتزلاً لم يصل في القوم قال: (ما منعك؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك، ثم جيء بالماء وتوضأ الناس، وبقي منه بقية فأعطاه هذا الرجل وقال: خذ هذا فأفرغه على نفسك) ولم يبين له الوضوء.(14/29)
ضابط السقط الذي به تترك الصلاة
السؤال
امرأة حملت ثلاثة أشهر، وسقط ما في بطنها، وخرج الدم؛ هل تصلي أم لا؟ وقد وجدنا في كتب بعض أهل العلم أن (81) يوماً هي أقل مدة يمكن أن يتكون فيها الجنين؟
الجواب
يقول العلماء رحمهم الله: إنه إذا سقط الجنين وقد خلق فإن الدم الخارج دم نفاس، وإن سقط ولم يخلق فالدم دم فساد لا تترك من أجله الصلاة، تصلي ولو كان بها من الدم، وأدنى ما يمكن أن يخلق فيه (81) يوماً، ولا يمكن أن يخلق قبل الثمانين، وثلاثة أشهر فيها احتمال فينظر هذا السقط إن كان قد خلق فالدم دم نفاس، وإن لم يخلق فهو دم فساد.
السائل: يقال: إنه مقطع؟ الشيخ: ثلاثة أشهر في الغالب يكون فيها مخلقاً إذا كانوا قد ضبطوا ابتداء الحمل، لكن أحياناً تحسب المرأة ولا يكون الحساب مضبوطاً.(14/30)
حكم بيع الهاتف للغير بأكثر من سعره الذي وضعته الدولة
السؤال
هناك بعض الإخوة يريد السفر، ويريد أن ينقل الهاتف إلى شخص آخر مقابل مبلغ معين يزيد عن المبلغ الذي وضعته الدولة مقابل الخدمة الهاتفية، فهل هذا العمل جائز؟
الجواب
هذا العمل جائز بشرط أن تأذن الدولة بذلك، إذا قال أنا أريد أن أبيعه على شخص بربح، وقالوا: لا بأس، فلا بأس.
أما إذا منعوا من هذا فإنه لا يجوز.(14/31)
حكم السنن الرواتب بالنسبة للمسافر
السؤال
المسافر سواء طالت مدة إقامته أو قصرت، فهل الأفضل في حقه أن يؤدي السنن الرواتب أم يتركها باستثناء سنة الفجر؟
الجواب
أولاً يجب أن نعلم أن المسافر مطلوب منه أن يتنفل بجميع النوافل، ما عدا راتبة الظهر والمغرب والعشاء، ويفعل كل شيء من التطوع.
فإن قال: أنا أحب أن أتطوع بعد وقبل الظهر، وبعد المغرب وبعد العشاء؛ قلنا: لا مانع.
تطوع لكن بغير نية الراتبة، بل بنية النفل المطلق.(14/32)
حكم التيمم إذا كان سيجد الماء في الوقت
السؤال
بالنسبة يا شيخ لطريق الرياض كما ترى بعد كل (100كم) يوجد أماكن للمياه، لكن الإنسان إن دخل الوقت تيمم، رغم أنه غالباً بعد (100كم) يوجد استراحات فيها مياه، هل يجزئه تيممه؟
الجواب
نعم.
إذا دخل الوقت على المسافر وليس عنده ماء فلا حرج أن يتيمم لكن العلماء يقولون: إذا كان يرجو وجود الماء في آخر الوقت فالأفضل أن يؤخر.
السائل: وهل يلزم بحمل الماء؟ الشيخ: من العلماء من قال: يلزمه حمل الماء إذا لم يضره، والآن لا يضره في الواقع حمل الماء؛ لأنه يمكن أن يأخذه في جالون أو جالونين في السيارة الصغيرة.(14/33)
أنواع قسم الله تبارك وتعالى في القرآن
السؤال
إن الله عز وجل أقسم في مواطن كثيرة، فأقسم بالضحى، وأقسم في سورة القيامة، قال: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة:1] فما هو الفرق بين القسمين؟
الجواب
أما إقسام الله تعالى فقد أقسم بالضحى وأقسم بالشمس وأقسم بالليل، وأقسم بغيره من المخلوقات، وأما قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة:1] هذا ليس بنفي هذا إثبات و (لا) في قوله: (لا أقسم) للتنبيه وليست للنفي، ولهذا نقول: إن في هذه الآية أقسم الله بيوم القيامة ولا نقول إنه لم يقسم.(14/34)
حكم قراءة ما جرى بين الصحابة من فتن
السؤال
سمعنا منكم أن من خاف على نفسه من قصص الصحابة والفتن التي جرت بينهم أنه لا يقرؤها، وقرأت مرة من المرات ما جرى على الحسين، وأقسمت أني لو كنت حضرته لنصرته، فماذا ترى في هذا، هل علي فيه خطيئة؟
الجواب
أنا أرى -كما سمعت- أن ما جرى بين الصحابة من المعارك والقتال لا يقرؤه إلا رجل يأمن على نفسه من الحيف على أحد الصحابة؛ وذلك لأن التاريخ فيه تزوير في الواقع لا سيما ما يأتي من قبل الرافضة، فإنهم في الحقيقة حرفوا التاريخ تحريفاً عظيماً، وكذبوا على بني أمية كذباً فاحشاً والعياذ بالله، والتاريخ المتوسط المعتدل كـ البداية والنهاية لـ ابن كثير قد يخشى الإنسان على نفسه لا من الميل إلى واحد منهم، فالميل لأحد منهم لا بأس به، لكن يخشى على نفسه من تضليل الآخرين، وتخطئتهم، وكراهتهم، وعداوتهم، وهذا هو المحظور، وعلى كل حال كل إنسان حسيب نفسه إذا خشي على نفسه الفتنة؛ فترك ما يخشى من الفتنة خير.(14/35)
حكم إطلاق تسمية العم أو الخال على أبي الزوجة ونحو ذلك
السؤال
هناك سؤال وجه إليكم عن تسمية أبي الزوجة عماً أو خالاً، وكذلك أم الزوجة فقلت: إنه ينبغي أن يسمى هؤلاء بأسمائهم الشرعية، وقد ورد في السنة حديث صححه أهل العلم قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل، دخل عليه وكان رجلاً كبير السن وكان يحتضر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا خال! قل لا إله إلا الله) وكذلك قول النبي لـ سعد بن أبي وقاص: (هذا خالي) ومن المعلوم أنه ليس خالاً للنبي يعني أخاً لأمه فما قولكم في ذلك؟
الجواب
لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مسترضعاً في بني سعد فهم أخواله بالنسبة لـ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ثم إن هناك فرقاً بين أن تخاطب شخصاً حضر وتقول: يا عم! تفضل، أو يا خال! تفضل، وبين أن تضع هذه التسمية لهذا الشخص دائماً، يعني لا بأس أن نقول للإنسان للكبير: يا عم! تفضل، أو يا خال! تفضل، هذا ليس فيه بأس، لكن كونك تطلق وصفاً مستقراً كالخال مثلاً على أبي الزوجة، هذا هو الذي نقول: لا ينبغي بل تذكر الأسماء الشرعية، واستدللنا لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تسمى صلاة العشاء العتمة، وقال: (لا يغلبنكم الأعراب على صلاتكم العشاء العتمة فإنهم يعتمون في الإبل) إنما الصلاة هي صلاة العشاء كما في كتاب الله عز وجل، وعلى هذا تقول: صهري فلان، لكن لا بأس إذا دخل أن تقول: يا عم! تفضل ونحو ذلك، ولكن قولك: عمي فلان أو ما أشبه ذلك على الدوام ليس حسناً، والله أعلم.(14/36)
وقت قضاء سنة الفجر
السؤال
من فاتته سنة الفجر فهل الأولى أن يقضيها بعد الإشراق أو قبل الإشراق؟
الجواب
إذا فاتت سنة الفجر، يعني أتيت والناس يصلون صليت معهم، وأنت لم تصل الراتبة فصلها بعد الصلاة ولا حرج بعد الذكر، بعدما تذكر الله تصليها ولا حرج عليك، وإن شئت أخرها إلى النهار بعد أن ترتفع الشمس قيد رمح، ولكن هذا الأخير بشرط ألا تخشى النسيان، فإن خشيت النسيان فصلها بعد الصلاة أحسن.(14/37)
حكم الكدرة السابقة للدورة بيوم أو يومين
السؤال
الكدرة التي تأتي قبل الدورة بيوم أو بيومين هل هي عادة أم لا؟
الجواب
الكدرة التي تأتي قبل الحيض بيوم أو يومين ليست بعادة، لحديث أم عطية: [كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً] .(14/38)
حكم صلاة سنة الظهر بسلام واحد
السؤال
هل يجوز وصل سنة الظهر أربع ركعات بسلام واحد؟
الجواب
لا.
السنة في صلاة الليل وصلاة النهار أن تكون مثنى مثنى، والأفضل أن تسلم من كل ركعتين.
السائل: والوتر؟ الشيخ: الوتر مستثنى: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع على التفصيل المعروف.(14/39)
أفضل وقت لاغتسال المرأة بعد الطهر
السؤال
إذا طهرت المرأة هل يجب عليها الاغتسال مباشرة أم تنتظر وقت الصلاة، مع العلم أنها امرأة متزوجة؟
الجواب
إذا طهرت المرأة في وقت الصلاة وجب عليها أن تغتسل لئلا يخرج وقت الصلاة قبل أن تصلي، وإن كان في غير وقت الصلاة كما لو طهرت بعد طلوع الشمس فلها أن تؤخر الغسل إلى أذان الظهر.(14/40)
حكم الصلاة في أوقات النهي
السؤال
هل يجوز للإنسان أن يصلي -سواء رجلاً أو امرأةً- سنة الوضوء في وقت النهي مثل العصر؟
الجواب
صلاة سنة الوضوء في وقت النهي جائز؛ لأن القول الراجح أن جميع الصلوات ذوات الأسباب جائزة في وقت النهي مثل سنة الوضوء تحية المسجد سنة الطواف إعادة الجماعة إذا جئت والناس يصلون جماعة، ونحو ذلك، فالصحيح، القاعدة العامة أن كل صلاة ذات سبب فإنها جائزة في وقت النهي.(14/41)
حكم قول: فلان يطلب نسب الله ونسبك
السؤال
ما رأيك في قول بعض الناس إذا أراد أن يخطب لشخص من شخص آخر يقول لولي المرأة: إن فلاناً يطلب نسب الله ونسبك؟
الجواب
رأيي أن هذه الكلمة أن يقول الخاطب: إن فلاناً يطلب نسب الله ونسبك كلمة منكرة؛ لأن الله عز وجل لا نسب له، الله واحد أحد فرد صمد، وأيضاً حتى قول نسبك هذه لغة عرفية؛ لأن النسب في اللغة العربية هم القرابة، قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} [الفرقان:54] فالنسب هم القرابة، والصهر هم أقارب الزوجة.(14/42)
حكم تقبيل شخص فم غيره
السؤال
يوجد عادة عند أهل مُرة أن يقبل الشخص فم الآخر عندما يسلم عليه، فهل هذا يجوز؟
الجواب
التقبيل إما على الجبهة وإما على الرأس، ويكون بين العينين، وأما على الشفتين فلا إلا مع الزوجة.(14/43)
حكم العقيقة عن طفل مات قبل يومه السابع
السؤال
إذا توفي الطفل بعد ولادته هل يعق عنه؟
الجواب
إذا توفي الطفل ساعة ولادته فإنه يعق عنه في اليوم السابع، وذلك لأن الطفل إذا نفخت فيه الروح فإنه يبعث يوم القيامة، ومن فوائد العقيقة أن الطفل يشفع لوالديه، وقال بعض العلماء: إذا مات قبل اليوم السابع سقطت العقيقة؛ لأن العقيقة إنما تسن يوم السابع لمن كان حياً وأما إن مات قبل السابع فإنها تسقط، فمن كان قد أغناه الله وتيسرت له فالأفضل أن يذبحها، ومن لم يكن كذلك فلا داعي له.
السائل: وهل يسمى؟ الجواب: يسمى إذا خرج بعد نفخ الروح فيه وذلك إذا تم له أربعة أشهر.(14/44)
حكم الأضحية عن الميت
السؤال
هل يسن في الأضحية أن تكون للأب مثلاً إذا كان متوفى خاصة؟
الجواب
ليس من السنة أن الإنسان يضحي عن ميت على سبيل الخصوص، السنة أن يضحي الإنسان عنه وعن أهل بيته، وإذا نوى أنها عن أهل البيت الأحياء والأموات ففضل الله واسع، ولا بأس.
أما أن يخص الأموات بها دون الأحياء؛ فإن هذا ليس من السنة، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضحى عن أحد من الأموات أبداً على سبيل الاستقلال.(14/45)
حكم بيع المساهمة في بنك أو غيره
السؤال
شخص قدم في بنك عقاري وهو لا يريد أن يعمل، ثم ظهر اسمه، وجاء شخص آخر فباعه اسمه بأمر بيع حتى يسمح البنك بنقل عمارة باسمه هل يجوز هذا الكلام؟
الجواب
إذا سمح البنك للجديد فلا بأس.
السائل: البنك لا يسمح إلا بعد خمس سنوات.
الشيخ: إذاً لا يبيعها منه إلا بعد خمس سنوات حسب النظام.(14/46)
معنى حديث: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً)
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأيك في حديث أبي هريرة الذي في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) أو كما قال، هل الغرباء الذين ذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم قد أتوا ومضوا؟ أم هم الذين في وقتنا هذا في هذه الغربة والفتن؟ أم أنهم لم يأتوا حتى الآن؟
الجواب
قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وسيعود غريباً) لم يحدد الزمن، فقد يكون الإنسان غريباً في وقت من الأوقات، ثم يعود غير غريب بعد ذلك، وقد يكون غريباً في أماكن دون أماكن أخرى، لكن: (طوبى للغرباء، الذين يصلحون ما أفسد الناس، أو الذين يصلحون إذا فسد الناس) ولا يمكن أن نحدد وقتاً معيناً ولا مكاناً معيناً، وبالنسبة لنا فالدين ولله الحمد ليس غريباً في بلادنا فيما نظن، صحيح أنه كثرت المعاصي في إعلان الفسوق في بعض الأشياء، لكن لا يمكن أن نقول: إننا الآن في غربة، أبداً، فصلاة الجماعة تقام، ورمضان يعلن عنه، والحج كذلك، ليس هناك غربة للإسلام في هذه البلاد والحمد لله.(14/47)
حكم الهجر فوق ثلاثة أيام
السؤال
هناك حديث يقول: من هجر أخاه المسلم ثلاثة أيام دخل النار، ما صحة الحديث؟
الجواب
الحديث بهذا اللفظ لا أذكره، لكن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) .
السائل: الحديث هذا يا شيخ يعني ما مر عليك؟ الجواب: لا.
هجر المؤمن حرام حتى لو كان فاسقاً عاصياً لا تهجره إلا إذا كان الفاسق أو العاصي يستفيد من الهجر فيخجل ويتوب فلا بأس أن تهجره من أجل إصلاحه، وربما يكون الهجر حينئذ مطلوباً.(14/48)
حكم لبس البرقع
السؤال
ما حكم البرقع إذا لم يتخذ للزينة وإنما للستر ومع ذلك يوضع غطاء؟
الجواب
البرقع الذي للزينة ولكن تغطي المرأة به وجهها لا بأس به؛ لأنه لا يشاهد فستغطيه بشيء فوقه، لكن البرقع الذي يظهر ولا يغطى لا نفتي بجوازه؛ لأنه فتنة، ولأن النساء لا يقتصرن على هذا، ولو كانت النساء تقتصر على فتحة العين لقلنا: إن هذا النقاب، وهو معروف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بأس به، لكن ثق أنك إذا قلت: إنه يجوز للمرأة أن تنتقب لعينها وتنظر من وراء النقاب بعينها أنه بعد مدة قليلة سيكون هذا النقاب متسعاً يتسع إلى الجبهة وإلى الخد، ثم لا يزال يتضاءل المغطى من الوجه حتى يكشف كل الوجه، هذا هو المعروف من عادة النساء، فسد الباب أقرب للصواب.(14/49)
حكم القول بأن الميت المؤمن تأتيه حورية في قبره
السؤال
هل صحيح إذا دخل المؤمن القبر تأتيه حورية ينقطع عقدها فينظم هذا العقد حتى تقوم الساعة؟
الجواب
هذا ليس بصحيح، الصحيح أن الإنسان إذا دخل في قبره وسأله الملكان، وأجاب بالصواب فسح له في قبره مد البصر، وأتاه من روح الجنة ونعيمها، ويأتيه عمله الصالح في أحسن صورة ويبقى عنده.(14/50)
حكم تسجيل المالك ما لديه من حصة زائدة باسم غيره
السؤال
بعض المزارعين يكون لديه قمح زائد عن المحدد له، ويكون عنده مائة وخمسون طناً والمحدد له مائة فقط، وهذه الخمسون الزيادة يدخلها باسم شخص آخر، فبعد استلام المبلغ يسلم له صاحبه قيمته؟
الجواب
يعني معناه أن الخمسين الزائدة يجعلها باسم شخص مزارع آخر، المزارع الآخر سيضيف الخمسين إلى زرعه، وبعد استلام المبلغ يسلم صاحب المبلغ حقه، لا يجوز؛ لأنه يتضمن كذباً فيكون العوض عليه باطلاً؛ لأن المبني على باطل باطل، لكن يقال: بعه على هذا الرجل إن شئت نقداً وإن شئت مؤجلاً.(14/51)
حكم من خطب ابنته رجل غير كفء
السؤال
عندي بنت بالغة للزواج، وجاء أخي طلبها لولده، وبعد ذلك حصل عليه قضية وسجن، ورفضتُ وغضب مني أخي قرابة ثلاثة أشهر، وقاطعني ولا أقدر على فعل شيء؟
الجواب
يجب أن تعلم بارك الله فيك أن بنتك ليست مملوكة لك، بنتك حرة ولا يجوز أن تخاطر بها فتزوجها، وهذا الذي صار عليه قضية، حتى لو غضب أخوك قل له: البنت رفضت، اجعلها هي التي رفضت، وهي أيضاً يجب أن ترفض، إذا كانت هذه القضية تتعلق بالأخلاق أو الدين، فلا تزوجها منه، وقل لأخيك: إن البنت رفضت، ولا يمكن أن أكرهها.(14/52)
حكم قصر الصلاة للمقيم داخل مزرعة كبيرة
السؤال
رجل يعمل في مزرعة مساحتها (300كم2) ، يعني يمشي بسيارته فيها بالساعة والساعتين حتى يتجول في المزرعة، فهل هناك بأس أن يقصر الصلاة، أو يجمع في مزرعته؟ الشيخ: وهل هذه المزرعة بعيدة عن البلد؟ السائل: نعم ليست في البلد.
الشيخ: وسكناه في المزرعة أو خارج المزرعة.
السائل: في المزرعة.
الشيخ: لا يجوز.
بل يصلي في وقتها، ويصلي أربعاً ما دام هو في المزرعة لا يمكن أن يقصر، المزرعة هذه مثل البلد.(14/53)
لقاء الباب المفتوح [15]
تحدث الشيخ في لقائه هذا عن فقه صلاة الكسوف وهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم عند الكسوف، وذكر حكمة الله سبحانه وتعالى من هذا الكسوف، وأقسام الناس تجاه هذا الأمر، وتكلم عن مسائل مهمة حول صفة صلاة الكسوف.(15/1)
فقه صلاة الكسوف
الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى توفاه الله عز وجل، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا في هذا اليوم الخميس، السادس عشر من شهر جمادى الآخرة، نلتقي وإياكم اللقاء الثالث لهذا الشهر عام (1413هـ) ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله لقاءً مباركاً نافعاً.
كنا نتكلم في تفسير القرآن الكريم من أول سورة النبأ إلى آخر القرآن، نظراً لكون المسلمين يستمعون إلى هذه السور كثيراً، لكثرة قراءتها في الصلوات، ولكننا هذا اليوم سوف نتكلم عن مناسبة حصلت البارحة ألا وهي كسوف القمر.(15/2)
فزع المصطفى صلى الله عليه وسلم عند الكسوف
والكسوف كما نعلم أمر غير عادي يقدره الله عز وجل إنذاراً للعباد وتخويفاً لهم، وقد وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كسوف الشمس -مرة واحدة في التاسع والعشرين من شهر شوال سنة عشر من الهجرة، وقد وقع هذا الكسوف أول النهار حين ارتفعت الشمس قدر رمح أو رمحين، وكان كسوفاً عظيماً كلياً للشمس حتى صارت كأنها قطعة نحاس- ففزع الناس لذلك فزعاً عظيماً، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً يجر رداءه.
قال الراوي: يخشى أن تكون الساعة، وأمر صلى الله عليه وسلم أن ينادى لها: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس رجالاً ونساءً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فأقام لهذا الكسوف صلاة غريبة، صلاة لا نظير لها في بقية الصلوات، وذلك لأنها كانت لها مناسبة لا نظير لها، فالظهر تصلى عند زوال الشمس كما هو معتاد، والمغرب عند غروب الشمس كما هو معتاد، لكن الكسوف غير معتاد فصلاتها غير معتادة.
صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه، وجهر فيها بالقراءة؛ لأن الصلاة صلاة جمع، يجتمع فيها الناس، ولهذا قال العلماء: ينبغي أن يجتمع الناس في صلاة الكسوف في الجوامع، وألا تقام في كل مسجد بل السنة أن يجتمع الناس في الجوامع؛ لأنه أكثر عدداً وأقرب إلى الإجابة والرحمة، فإنه كلما كثر جمع المسلمين كانوا أقرب إلى رحمة الله، كما جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله عباداً من النار من يوم عرفة) وذلك لأنه يوم يضم أكثر جمع من المسلمين في موقف واحد، يرجون ثواب الله تعالى ويخشون عذابه.
اجتمع الناس في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وقرأ بهم جهراً قراءة طويلة طويلة، حتى كان بعضهم يسقط من قيامه من شدة التعب، أما النبي صلى الله عليه وسلم فلا غرابة أن يقف هذا الوقوف، لأنه صلى الله عليه وسلم من عادته أنه كان يطيل القيام حتى تتورم قدماه، بل حتى تتفطر قدماه، فقيل له في ذلك: (أما قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أفلا أكون عبداً شكوراً) ، وأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع إطالة طويلة، ثم رفع فقرأ الفاتحة، ثم قرأ قراءة طويلة طويلة إلا أنها دون الأولى، ثم ركع ركوعاً طويلاً لكنه دون الركوع الأول، ثم رفع بعد الرفع من الركوع بدون قراءة، لكن بحمد وتسبيح وتعظيم لله عز وجل، وأطال هذا القيام بقدر إطالة الركوع، ثم هوى ساجداً صلى الله عليه وسلم، وأطال السجود نحواً من ركوعه، ثم رفع من السجود الأول فقعد وأطال القعود بمقدار إطالة السجود، ثم سجد السجدة الثانية وأطال كالسجود الأول، ثم قام إلى الركعة الثانية وصلاها كالأولى، لكنها أقل قراءة وأقل إطالة في الركوع والسجود ثم انصرف، فقام في الناس خطيباً صلى الله عليه وسلم وخطب خطبة بليغة قال فيها: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد، ولا لحياة أحد) لأن الحوادث الأرضية ليس لها أثر في الفلك، الأفلاك تجري بأمر الله، ولا علاقة لها بما يحدث في الأرض، فهي تتغير بأمر الله عز وجل، لا لفقدان عظيم، ولا لوجود عظيم.
والنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة البليغة: ذكر أنه عرضت عليه الجنة ورأى ما فيها من النعيم، وتقدم قليلاً ليأخذ منها قطفاً من العنب، وقال: (لو أني أخذته لبقي لكم ما بقيت الدنيا) ولكن الله سبحانه وتعالى حال بينه وبينه؛ لأن الوقت لم يأت بعد، إذ أن نعيم الجنة لا يتنعم به الناس إلا يوم القيامة، ثم عرضت عليه النار، حتى تقهقر صلى الله عليه وسلم وخاف من لفحها، ورأى فيها من يعذب، رأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قُصبه في النار -أمعاءه والعياذ بالله- لأنه أول من أدخل الشرك على العرب، فهو أول من أدخل الأصنام وسيب السوائب، وأدخل على العرب أنواعاً من الشرك والفسوق فرآه النبي صلى الله عليه وسلم يعذب في نار جهنم، ورأى فيها امرأة تعذب في هرة حبستها، فلا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض، ولا هي أطعمتها بشراب ومأكول، حتى ماتت الهرة فعذبت بها.
ورأى صلى الله عليه وسلم صاحب المحجن يعذب فيها، وصاحب المحجن رجل يسرق الحجاج بمحجنه، والمحجن عصاً لها رأس منحنٍ فيمر بالحاج فيخطف متاعه، فإن فطن له قال: هذا الذي جذبه المحجن، وإن لم يتفطن له سار به وأخذه والعياذ بالله، فرآه يعذب في نار جهنم، وقال صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة: (يا أمة محمد! ما من أحد أغير من الله عز وجل أن يزني عبده أو تزني أمته) أي: الله سبحانه وتعالى له غيرة عظيمة، إذا زنا العبد الرجل أو الأمة المرأة، ولهذا حرم سبحانه وتعالى الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
ولما نزلت هذه الآية وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:4] قال سعد بن عبادة وكان سيد الخزرج، وكان غيوراً رضي الله عنه حتى إنه من غيرته كان لا يتجاسر أحد أن يتزوج امرأته بعد فراقه لها، فقال: (يا رسول الله! أرأيتَ إن رأيتُ لكع بن لكع -وهذا وصف ذم- على امرأتي أذهب حتى آتي بأربعة شهداء، والله لأضربنه بالسيف غير مصفح -يعني أضربه بحد السيف لا بصفحته فأقتله- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا تعجبون من غيرة سعد، والله إني لأغير من سعد، وإن الله لأغير مني) عليه الصلاة والسلام.
فبين صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الله يغار من زنا الرجل أو زنا المرأة، وأن ذلك من أسباب سخط الله وعقابه، وقال في هذه الخطبة العظيمة: (يا أمة محمد! لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) أي: لو أيقنتم كما أوقن لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولكنه ليس عندنا من اليقين ما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.(15/3)
الحكمة من الكسوف
هذا الكسوف بين النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة أن الله تعالى يحدث من أمره ما شاء، ومنه الخسوف أو الكسوف، فالخسوف للقمر والكسوف للشمس، وربما قيل الكسوف لهما جميعاً.
يحدث ذلك سبحانه وتعالى ليخوف بذلك عباده، فالكسوف إنذار من الله لعقوبة انعقدت أسبابها، وليس هو عذاباً لكنه إنذار، كما قال صلى الله عليه وسلم: (يخوف الله بهما عباده) ولم يقل: يعاقب الله بهما عباده، بل هو تخويف، ولا ندري ما وراء هذا التخويف، قد تكون هناك عقوبات عاجلة أو آجلة في الأنفس أو الأموال أو الأولاد أو الأهل، عقوبات عامة أو خاصة ما ندري، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله) ما قال: قوموا، وما قال: صلوا اذكروا الله، ولكن قال: افزعوا، افزعوا إلى ذكر الله واستغفاره، وكبروا وتصدقوا وصلوا وأعتقوا، كل هذه أشياء تدل على عظم هذا الكسوف، مع أنه بسبب موت القلوب في عصرنا هذا صار يمر وكأنه أمر طبيعي، كأن كسوف الشمس غروبها فنقوم نصلي المغرب، تكسف فنقوم نصلي صلاة الكسوف من غير وجل ولا خوف، نسأل الله أن يلين قلوبنا لذكره.
الحقيقة أن الأمر خطير، وكون الكسوف يأتي ويمضي بهذه السهولة وكأن شيئاً لم يكن، هذا يدل دلالة واضحة على أن القلوب بها بلاء {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [المطففين:14-17] .(15/4)
أقسام الناس بالنسبة للكسوف
هذا الكسوف ينقسم فيه الناس إلى قسمين: - قسم يؤمن بما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك لتخويف العباد؛ فيحذر ويخاف ويفزع ويلجأ إلى الله عز وجل، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هذا القسم.
- وقسم آخر يقول: هذه الأمور طبيعية ليس لها أثر، بل الكسوف سببه حيلولة الأرض بين القمر والشمس، فهذا الجزء المظلم من القمر هو ظل الأرض، حيث حالت بينه وبين الشمس كما يكون ظل السحاب على الأرض إذا حال بين الشمس وبين الأرض، فيقول هذا أمر طبيعي وليس هو للتخويف، ويستدل على ذلك بقوله: إن الناس يعلمون بالخسوف قبل أن يقع، ويحددونه بالساعة والدقيقة ابتداءً وتوسطاً وانتهاءً، إذاً لا حاجة أن نفزع ولا حاجة أن نخاف، وهؤلاء طبع الله على قلوبهم والعياذ بالله فلم يتفطنوا للوحي، ولم يتفطنوا أن الذي قدر هذا السبب هو الله عز وجل.
من يستطيع أن يجعل الأرض تحول بين الشمس والقمر؟! من يستطيع في كسوف الشمس أن يجعل القمر يحول بين الشمس والأرض؟! من يستطيع هذا إلا الله عز وجل؟! فإذا قدره فإنما يقدره لحكمة، وهي تخويف العباد، والمؤمن العاقل يستطيع أن يجمع بين السبب الشرعي والسبب الكوني، وذلك أن الكسوف له سببان: السبب الأول: التخويف: تخويف العباد إذا كثرت الذنوب، ورانت المعاصي على القلوب، نسأل الله العافية.
والسبب الثاني: كوني قدري: وهو ما يذكره الناس من أن سبب الكسوف حيلولة القمر بين الشمس والأرض، وسبب الخسوف حيلولة الأرض بين الشمس والقمر، ولا يمتنع أن يجعل الله عز وجل أسباباً طبيعية لتخويف العباد، أرأيتم الصواعق والفيضانات؟ هل لها أسباب كونية قدرية؟
الجواب
نعم.
لها أسباب كونية قدرية لكن من الذي خلق هذه الأسباب؟ الله عز وجل خلقها يخوف بها العباد: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد:12-13] .
إذاً: علينا أن تكون قلوبنا واسعة تسع السبب الكوني وهو القدري، والسبب الشرعي، ونقول: يقدر الله تعالى هذه الأسباب من أجل أن يخوف العباد.(15/5)
مسائل في صلاة الكسوف
في صلاة الكسوف عدة مسائل:(15/6)
السبب في كون صلاة الكسوف ليست مثل الصلوات الأخرى
أولاً: لماذا جعلت الصلاة على هذا الوصف، ولم تكن كالصلوات الأخرى؟ لماذا كان فيها ركوعان في ركعة واحدة؟
الجواب
لأن سببها ليس أمراً معتاداً حتى تكون كالصلاة المعتادة، فغروب الشمس سبب لصلاة المغرب، تصلي المغرب على عادتك لكن هذا سبب غير معتاد، آية من آيات الله، فناسب أن تكون الصلاة على غير الوجه المعتاد لتكون أيضاً آية من آيات الله، لكن الصلاة آية شرعية والكسوف آية كونية شرعية.(15/7)
الجهر في صلاة الكسوف نهاراً
ثانياً: لماذا يجهر في صلاة الكسوف إذا وقعت نهاراً؟
الجواب
لأنها صلاة جامعة، ونحن نرى أن الصلوات الجامعة النهارية تكون قراءتها جهرية، الجمعة صلاة نهارية، يجهر فيها بالقراءة لماذا؟ لأنها جامعة، العيد صلاة نهارية يجهر فيها بالقراءة لأنها جامعة، الاستسقاء كذلك، لهذا نقول: صارت صلاتها جهرية لأنها صلاة جامعة.(15/8)
مكان أداء صلاة الكسوف
ثالثاً: أين تشرع هذه الصلاة هل هي في كل مسجد؟
الجواب
في الجوامع، هذا هو الأفضل، لكن لو فرض أن الناس تكاسلوا وصلى كل إنسان في مسجده فلا بأس، لكن الأفضل أن تكون في الجامع كما ذكر ذلك أهل العلم، وكما هو ظاهر السنة حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادى لها: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس.(15/9)
أسباب إطالة القراءة في صلاة الكسوف
رابعاً: لماذا تطال هذه الصلاة في القراءة وفي الركوع، والقيام والسجود.
الجواب
لأنها صلاة رهبة يحتاج الإنسان فيها إلى الرجوع إلى الله عز وجل والتوبة، وأيضاً فإن الكسوف قد تطول مدته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم) ورسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف بقي حتى تجلت الشمس، فما انصرف من صلاته إلا وقد تجلت، وقد ذكرنا في أول كلامنا أن الكسوف الذي وقع في عهده كان كسوفاً كلياً للشمس، وهذا في العادة يستغرق وقتاً طويلاً، وقد ذكرت أن بعض الصحابة وقع من التعب والإرهاق من طول القراءة.
إذاً: تطال لأن الغالب أن زمن الكسوف يطول، فإذا قدر أننا لم نعلم بالكسوف إلا حين بدأ بالتجلي، وهو إذا بدأ بالتجلي أحياناً ينجلي سريعاً فهل نصلي أو لا نصلي؟ الجواب: نصلي؛ لأنها صلاة ذات سبب قيدت بغاية، فتتقيد الغاية بغايتها، فإن لم نعلم بالكسوف إلا بعد أن تجلت نهائياً فهل نقضيها؟ لا نقضيها؛ لأن هذه الصلاة لسبب زال، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (صلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم) .(15/10)
من فاته الركوع الأول في صلاة الكسوف
خامساً: ومن المسائل التي ترد على صلاة الكسوف أن فيها ركوعين في كل ركعة، فهل إذا جاء رجل مسبوق ودخل مع الإمام بعد الركوع الأول هل يكون مدركاً للركعة؟
الجواب
لا.
لأن الركعة لا تدرك إلا بإدراك الركوع الأول، فلو جئت والإمام في الركعة الأولى وقد رفع من الركوع الأول فقد فاتتك الركعة الأولى، فإذا سلم تقوم وتقضي ركعة كاملة بركوعين وسجودين؛ لأن إدراك الركعة في صلاة الكسوف لا يكون إلا بإدراك الركوع الأول، وهذه مسألة تخفى على كثير من الناس، كثير من الناس إذا أدرك الركوع الثاني ظن أنه أدرك الركعة وليس كذلك؛ لأنه بقي عليه ركوع في الركعة، كيف تكون مدركاً للركعة وأنت قد فاتك ركوع؟(15/11)
خطبة الكسوف من الخطب الراتبة
سادساً: ومما يسأل عنه: هل الخطبة في صلاة الكسوف من الخطب الراتبة أو من الخطب العارضة؟ لو أن الكسوف وقع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مرتين أو ثلاثاً، فخطب في إحدى المرات، وترك في إحدى المرات.
قلنا: هذه من الخطب العارضة، لأنه فعل وترك، لكنه لم يقع إلا مرة واحدة وخطب، ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله، هل هي من الخطب الراتبة؟ بحيث نقول: يشرع للإمام أن يخطب في الناس على كل حال.
أم هي من الخطب العارضة التي إن شاء قام بها وإن شاء لم يقم؟ والذي يتبين لي أنها من الخطب الراتبة، وأنه يسن لكل إمام عنده قدرة أن يخطب الناس، لما في ذلك من إثارة الشعور، وبيان عظم هذا الحادث حتى لا ينصرف الناس عن هذا المكان بدون موعظة، فالذي أراه أنها من الخطب الراتبة التي تسن بكل حال، فكلما صليت صلاة الكسوف وكان الإمام عنده قدرة فليتكلم في الناس ويعظهم، فإن لم يقدر وكان في القوم من هو قادر فليطلب منه ويقول: يا فلان! قم حدثنا، فيحدث الناس بمثل ما حدثهم به النبي صلى الله عليه وسلم.(15/12)
التكبير لصلاة الكسوف
سابعاً: ومن المسائل التي ترد على صلاة الكسوف أنه: إذا أذن لها هل يكبر ويتشهد؟
الجواب
لا.
بل يقول الصلاة جامعة، وكم يكررها؟ يكررها ثلاثاً أو أربعاً، أو خمساً، ولكن الأفضل أن يقرأها على وتر، ويكررها بحسب الحاجة، فمثلاً إذا وقع الكسوف في وقت يقظة الناس وانتباههم فهنا لا يحتاج إلى تكرار طويل، لأن الناس مستيقظون ومنتبهون، لكن إذا وقع في أثناء الليل كما في كسوف القمر البارحة فإنه يكرر حتى يغلب على ظنه أنه قد أبلغ؛ لأن الناس نائمون، وفي الغالب أنهم في أيام الشتاء يكونون في الحجر المغلقة عليهم فلا يسمعون، فتكرار النداء لصلاة الكسوف بحسب الحاجة، إن احتاجوا إلى التكرار الكثير فعل وإلا فلا.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يتعظ بآيات الله، وينتفع بها، وأن يحيينا وإياكم حياة طيبة، ويتوفانا على الإيمان ويجعلنا من عباده المخلصين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(15/13)
الأسئلة(15/14)
مدة المسح على الخفين حال السفر
السؤال
فضيلة الشيخ: المسح على الخفين في السفر هل ورد في مدته زيادة على ثلاثة أيام؟
الجواب
صحت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المسح للمسافر ثلاثة أيام بلا قيد، وورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يمسح ما شاء، لكن الصحيح الأول، وأنها مقيدة بثلاثة أيام للمسافر ويوم وليلة للمقيم، إلا أن يكون هناك ضرورة، كما لو كان في بلاد باردة، ويخشى إن خلع الجوارب أو الخفين أن تتضرر أصابعه وتتألم فهذا لا بأس أن يستمر.(15/15)
حكم التخلف عن صلاة الكسوف
السؤال
ما رأي فضيلتكم فيمن سمع الإمام يقرأ في الليل في صلاة الكسوف، ولكنه أكمل نومه وما خرج لصلاة الكسوف فهل يلحقه إثم في ذلك؟
الجواب
إذا سمع الرجل صلاة الكسوف وهو على فراشه فإن الأفضل له أن يقوم من فراشه ويصلي مع المسلمين، فإن لم يفعل فقد حرم نفسه خيراً كثيراً، وقد أثم عند من يرى من أهل العلم أن صلاة الكسوف فرض عين، والصحيح أنها فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين، وكانت في حق الآخرين سنة وليست بواجبة.(15/16)
حكم الترخص برخص السفر لمن يسافر يومياً
السؤال
نحن ثلاثة أشخاص نسافر يومياً (70كم) ، وفي أيام الاختبارات نرجع وتدركنا صلاة الظهر قبل الوصول إلى البلد، هل يجوز لنا القصر أم لا؟
الجواب
إذا كنتم تسافرون يومياً (70كم) فإنكم غير مسافرين؛ لأن المسافر هو الذي يحمل الزاد ويتأهب للسفر، ومثل هذه المدة القصيرة في مسافة قصيرة أيضاً لا تبلغ المسافة التي حددها أكثر العلماء، فإنكم لستم مسافرين بل عليكم أن تتموا الصلاة ولا تجمعوا.(15/17)
تعيين شيء معين من القرآن في صلاة الكسوف
السؤال
ما الذي يشرع من القرآن لصلاة الكسوف؟
الجواب
صلاة الكسوف لا يشرع فيها قراءة سورة معينة، بل المشروع فيها الإطالة، لكن لو أتى مثلاً بسورة فيها مواعظ كثيرة فالوقت مناسب، وكان بعض مشايخنا يستحب أن يقرأ سورة الإسراء؛ لأن فيها آيات مناسبة، منها قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً} [الإسراء:59] المهم أن يقرأ ما تيسر، ولكن يطيل القراءة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.(15/18)
مسائل حول الدعوة والغربة والكتب
السؤال
سمعت بعض الدعاة يقول: إن الإنسان إذا دعا الله سبحانه وتعالى في بلاده قد ينزل الله سبحانه وتعالى الهداية في بلاد أخرى، وكذلك قولهم: إن هذه الكتب هي ألفاظ الدين وليست الدين، يعني: الدين هو الحركة، وكذلك قولهم: إن الغربة الآن هي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، فهم يقولون: إن الغريب الآن ليس هو الذي يصلي ويصوم ويحج وليس في ذلك غرابة، وإنما الغريب الآن هو الداعي إلى الله سبحانه وتعالى، فما صحة هذه الأقوال؟
الجواب
لا صحة لذلك؛ لأنك إذا دعوت الله دعاء محدداً تقول: اللهم اهد هؤلاء، اللهم اهد أهل هذه البلدة، فإما أن يستجيب الله دعاءك ويهتدي هؤلاء، وإما أن يصرف عنك وعن أهل البلد من السوء ما هو عظيم، وإما أن يدخر لك أجرها إلى يوم القيامة، أما أن يهتدي قوم في محل آخر لم تدع الله لهم فإن دعاءك ليس سبباً لهدايتهم.
السائل: فضيلة الشيخ! إنما أقصد زيارتهم في بيوتهم ودعوتهم إلى الله ولم أقصد الدعاء لهم؟ الشيخ: كيف ذلك؟ كيف إذا دعوت مثلاً أهل بلد معينة، كيف يهتدي قوم ما دعوتهم؟ السائل: يستدل أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا أهل مكة ثم اهتدى الأنصار في المدينة؟ الشيخ: هذا ليس بصحيح؛ لأن هداية الأنصار لها سبب غير دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل مكة، السبب أن عندهم أناساً من اليهود، واليهود عندهم كتاب، وعندهم علم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم سيبعث في مكة، وسيهاجر للمدينة، يعرفون ذلك كما يعرفون أبناءهم، كما في القرآن، والأنصار -الأوس والخزرج- لهم اختلاط باليهود في المدينة وكانوا يسمعون هذا، فلما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم سافروا إليه وبايعوه بيعتي العقبة، والأمر في هذا مشهور، فهداية الأنصار سببها أنهم كانوا يعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيبعث وأن وقته قد حان فذهبوا إليه وبايعوه.
أما المسألة الثانية: قولهم إن هذه الكتب في ألفاظ الدين، والدين هو الحركة والدعوة إلى الله، يعني من الناس الآن ربما يأتي من الجامعة ويذكر الناس فلا يستفيدون؛ لأن ما قاله ألفاظ الدين، ولكن إذا أخذت الإنسان وسافرت به، وتحركت به ربما يكون في هذه الحركة الفائدة المطلوبة.
هذا أيضاً جهل منه، فكتاب الله عز وجل القرآن أشرف الكتب، سماه الله تعالى كتاباً ولا شك أنه الدين، تلاوته دين، وتأمل معناه دين، والعمل به دين، فالكتب هذه وسيلة لتَعَلُّم الناس الدين، وقراءتك للقرآن دين، وقراءتك للكتب التي فيها فائدة دين، وقراءتك للوسائل التي تدلك على معاني كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم كلها دين.
أما الحركة فنعم هي من الدين فالعمل الصالح لا شك أنه من الدين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام) مع أن الله قال: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإسْلامُ} [آل عمران:19] فهذا هو الإسلام، لكن إطلاق أن الكتب ليست من الدين هذا خطأ وقصور، هي دين لأنها تدل على الدين.
السائل: يقال: إن الغرباء الآن هم أهل الدعوة أو الدعاة؛ لأن المصلي والحاج ليس غريباً، والذي يصوم ليس عليه غرابة الآن بين الناس، ولكن الداعي تتوجه إليه الأنظار في غرابة؟ الشيخ: الآن والحمد لله لا غرابة لذلك في بلادنا فالداعي يدعو، والمصلي يصلي، والمتصدق يتصدق، والعابد يعبد الله، وليس في ذلك غرابة، ولكن قد يوجد في بعض بلاد المسلمين من يستغرب أكثر من يصلي مع الجماعة، ويستغرب من يتصدق الآن، فالغرابة معناها الشيء الغريب، كالرجل الذي ليس من أهل الوطن يعتبر غريباً، والغربة عندنا في بلادنا والحمد لله ليست موجودة، لا في الدعوة ولا في الصلاة.
وأما مسألة نظرة الناس إليه، فالناس ينظرون إلى المتصدق كثيراً، والذي يصلي ينظرون إليه كثيراً، ويحترمونه وهكذا.(15/19)
حكم تغيير المرأة لون شعر رأسها
السؤال
هل يجوز تغيير شعر المرأة من الأسود إلى الأحمر مثلاً بصبغة؟
الجواب
الجواب على صبغ المرأة شعرها الأسود بغير الأسود ينبني على قاعدة مهمة، وهي أن الأصل في الأشياء الحل والإباحة هذا هو الأصل، وأن الإنسان يلبس ما شاء ويتجمل بما شاء ما لم يرد منعه في الشرع، فالصبغ مثلاً بالأسود ممنوع منه شرعاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد) وغير الأسود قد يكون مأموراً به كتغيير الشيب بالحناء والكتم، وقد يكون مسكوتاً عنه، فالألوان ثلاثة: قسم مأمور به كالحناء لتغيير الشيب، وقسم منهي عنه وهو السواد لتغيير الشيب، وقسم مسكوت عنه، وما سكت الله عنه مما الأصل فيه الحل، فهو حلال، وعلى هذا فنقول: هذا الصبغ الذي تصبغه النساء حلال، إلا إذا كان لا يصبغ به إلا النساء الكافرات فلا يجوز؛ لأنه يكون من باب التشبه بالكفار، والتشبه بالكفار محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) ولأن التشبه بهم نوع من الولاية، وتولي الكفار حرام، ووجه كون التشبه بهم نوعاً من الولاية، أنهم إذا رأوا الناس يتشبهون بهم قووا في باطلهم، وقالوا: الناس تبع لنا، فينشطون على باطلهم ويستذلون من تشبه بهم؛ لأن المتشبه بغيره يوحي تشبهه بأنه يرى نفسه أدنى بذلك من غيره، ولذلك اتبعه، ومن ثم نقول: تشبه بعض المسلمين بالكفار اليوم نوع من الولاية والذل، وهو أيضاً نوع من الكفر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) فإذا كانت هذه الألوان التي اتخذتها النساء مما يختص بشعور الكافرات صار حراماً من أجل التشبه.(15/20)
حكم زكاة مال مات صاحبه قبل أن يحول عليه الحول
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل مات وترك مالاً ولم يحل عليه الحول، وظل هذا المال فترة لم يوزع على الورثة، فهل إذا حال الحول عليه تخرج زكاته؟
الجواب
أما بالنسبة للميت الذي مات قبل أن يتم الحول فلا زكاة عليه؛ لأنه مات قبل الوجوب، كما لو مات قبل رمضان بيومين فإنه لا يقضى عنه.
أما بالنسبة للورثة فالذي يبلغ نصيبه نصاباً عليه الزكاة إذا تم الحول على موت مورثه، والذي ماله قليل لا يبلغ النصاب وليس عنده ما يكمله به فإنه لا زكاة عليه.(15/21)
حكم إتلاف المال باللهو
السؤال
بعض الشباب يذهبون للبر في تجمعات كبيرة ويقومون بالصعود على الكثبان الرملية المرتفعة مما يسبب إتلاف السيارات، فهل عملهم هذا جائز، ومن يشاهدهم هل يكون آثماً؟
الجواب
أولاً: المشاهدة تنبني على الفعل، هل هو جائز أم لا؟ فنقول: خروج الشباب إلى البر على هذا الوجه ربما يفضي إلى المفاسد، منها: تركهم للجماعات في المساجد، وبعدهم عن أهلهم، ومنها أن فيه كما أشرت إليه إتلافاً للمال؛ لأن السيارات تتلف بهذا الاستعمال، وهو إجبار السيارات على أن تصعد إلى كثبان الرمل، وإذا تضررت كان في هذا إتلاف للمال، وإتلاف المال لغير مصلحة شرعية دينية أو دنيوية محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، ثم إني أسمع كثيراً من الناس يشكون من هذه السيارات، يشكون منها حيث إنها تفسد الأرض وتفسد النبات، ومعلوم أنه إذا كثر تردد السيارات على أرض بعينها فإنها ستتلف، ويحصل في هذا ضرر على المواشي.
وإذا تبين أن مثل هذا العمل مضيعة للوقت ومضيعة للمال، وقد يكون سبباً لأمور محظورة كان تشجيعه والخروج للتفرج عليه محرماً؛ لأنه إقرار للمحرم ومساعدة عليه، وقد قال سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] ويدلك أيضاً على أن هذا العمل سفه، أن مثل هؤلاء لا يمكن أن يقوموا بهذا العمل أمام شرفاء الناس ووجهائهم؛ لأنهم يستحيون منه، وفي الحكمة القديمة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت، والحياء شعبة من الإيمان) .
السائل: فضيلة الشيخ! إن بعضهم يحتج بوجود بعض المتدينين؟ الشيخ: بعض المتدينين قد يخفى عليهم الأمر، ولو تأملوا لعرفوا أنهم ليسوا على شيء، فربما يخفى على بعض الناس أشياء عند التأمل يتبين لهم أنها غير مناسبة.(15/22)
حكم بيع المستدين سلعة بأقل من سعرها ليستفيد من ثمنها
السؤال
في كتابكم المداينة في القسم الخامس كان عن مسألة التورق، وكان جوابكم: ولكن نظراً لحاجة الناس اليوم وقلة المقرضين ينبغي القول بالجواز بشروط، وكان الشرط الرابع ألا يبيعها المستدين إلا بعد قبضها وحيازتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلع قبل أن يحوزها التجار إلى رحالهم، فإذا تمت هذه الشروط الأربعة فإن القول بجواز مسألة التورق متجهٌ كي لا يحصل تضييق على الناس، وليكن معلوماً أنه لا يجوز أن يبيعها المستدين على الدائن بأقل مما اشتراها به، والسؤال يا شيخ: هل عليه شيء إذا أراد أن يبيعها لشخص آخر بأقل مما اشتراها به؟
الجواب
الغالب في هذا أنه إذا باعها على شخص آخر فإنه يبيعها بأقل لاشك؛ لأن الدائن قد رفع سعرها بمناسبة تأجيل الثمن، فإن بيع الحاضر ليس كبيع المؤجل، فهو لن يبيعها إلا بأقل من ثمنها ما لم ترتفع الأسعار؛ لأنه أحياناً يشتريها بخمسين ألفاً مؤجلة، وقيمتها حاضرة أربعون ألفاً، ثم يرتفع السعر في يومين أو أقل حتى تبلغ هذه السلعة ستين ألفاً نقداً، فإذا كان ذلك فهذا ليس فيه إشكال، نقول: إذا باعها على غير من استدانها منه فله أن يبيعها بأقل وله أن يبيعها بأكثر، وله أن يبيعها بمثل ما اشتراها به حسب الحال.(15/23)
حكم الإكرام بالعقيقة للمسلم والكافر
السؤال
شخص يقول: عندي عقيقة ذبحتها فأكرمت العمال وبينهم مسلم وكافر، فهل يجوز لي إكرامهم أم لا؟
الجواب
أولاً العقيقة ذبيحة لله عز وجل ولا يجوز أن يدفع بها الإنسان مذمة عن نفسه، ولا أن يجلب لنفسه بها مصلحة، فإذا كان قد أكرم بها العمال من أجل أن يزيدوا في عملهم وينصحوا له فهذا لا يجوز، أما إذا أكرم العمال بها؛ لأنهم فقراء فهذا لا بأس به، سواء كانوا من المسلمين أو غير المسلمين، وسواء كان معهم مسلم أم لم يكن؛ لأن الله تعالى قال في كتابه: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8] .(15/24)
حكم أداء السنة الراتبة القبلية قبل دخول الوقت
السؤال
هل يشترط للسنة الراتبة التي قبل الظهر وقبل الفجر دخول وقت الصلاة؟
الجواب
السنة الراتبة القبلية التي تكون قبل الصلاة لابد أن تكون بعد دخول الوقت؛ لأنها راتبة لصلاة لا تصح إلا بعد دخول الوقت، فلو فرض أن الإنسان صلاها قبل دخول الوقت ظاناً أن الوقت قد دخل ثم تبين أنه لم يدخل فليعدها وتكون الأولى نافلة نفلاً مطلقاً لا راتبة.(15/25)
الفرق بين الدَّين والقرض والسَّلم
السؤال
ما الفرق بين الدين، والقرض، والسلم؟
الجواب
الدين عند الفقهاء كل ما ثبت في الذمة، سواء كان قرضاً أو ثمن مبيع أو كان أجرة لم يسلمها المستأجر أو غير ذلك، كل ما ثبت في الذمة فإنه دين عند أهل العلم، وعلى هذا يكون القرض والسلم نوعين من الدين.
أما العامة فالدين عندهم هو: أن يبيع سلعة بثمن مؤجل أكثر من ثمنها حاضرة، من أجل أن يبيعها المشتري، وينتفع بثمنها، هذا هو الدين عند العامة، أما في الشرع وعند العلماء فالدين: كل ما ثبت في الذمة من ثمن مبيع، أو قرض، أو سلم، أو غير ذلك.(15/26)
وسائل تحديد جهة القبلة في الصحراء
السؤال
بالنسبة لتحديد اتجاه القبلة في الصحراء: نرى بعض الناس يجعلون الشمس عن يسارهم فهل هذه الوسيلة صحيحة أم هناك وسائل لتحديد اتجاه القبلة في الصحراء؟ الشيخ: في أي محل هم؟ هل هم هنا في القصيم؟ السائل: أي صحراء يا شيخ! الشيخ: إذا كانت الصحراء المقصود بها العموم فإن هذه الوسيلة لا تصلح؛ لأننا إذا قدرنا أنهم في الشام فكيف يجعلون الشمس عن يسارهم؟ السائل: هم في أي مكان يا شيخ! يجعلونها عن يسارهم ويصلون.
الجواب
هذا غلط كبير، حتى عندنا مثلاً هنا في نجد ليست الشمس على اليسار، الشمس عن اليمين دائماً في صلاة العصر، لكنها في الشتاء تكون عن اليمين قريبة، وفي الصيف تكون بعيدة، تكاد تكون عن يمينك رأساً (100%) ، لكن في الشتاء لا تكون كذلك؛ لأنها تنصرف إلى الجنوب.
أما في الظهر فالظهر في الصيف عند انتهاء طول النهار تكون على رأسه عند الزوال، أما في الشتاء فتكون عن يمينه هذا في نجد، ويختلف أيضاً الجنوب والشمال والوسط منها.
أما الوسائل لتحديد القبلة فقد حدثت الآن آلات ولله الحمد تدل الإنسان، آلات مرقمة بأرقام معينة، وآلات مركبة على خطوط الطول والعرض وغير ذلك، ومن أحسن ما رأيت ساعة تسمى ساعة العصر تدلك على أوقات الصلاة وعلى القبلة لكن لها برنامج يحتاج الإنسان إلى معرفته كي تدله على القبلة.(15/27)
الخروج للنزهة وقصر الصلاة فيها
السؤال
خرجت مجموعة من مقر سكنهم ليتمشوا في البر، فهل يجوز أن يقصروا الصلاة؟
الجواب
إذا خرج الإنسان من بلده للتجارة أو طلب العلم أو العمرة أو الحج أو الصيد أو النزهة أو غير ذلك من المقاصد فهو مسافر، لكن الذي يخرج يتمشى في أول النهار ويرجع في آخره فهذا ليس بمسافر.(15/28)
الغائب عن أهله وحكم صلته لأرحامه وكيفية ذلك
السؤال
أنا لي والحمد لله ثلاث سنوات أدرس في بريدة ولكن الأهل والأصدقاء والأقارب يلومونني على عدم الاتصال بهم ويقولون عني: قاطع الرحم، وبعض الشباب يرمونني بهذا، علماً أنني لا أستطيع أن أتصل بهم جميعاً؟
الجواب
أما الغائب عن أهله الأقربين كالأم والأب والأخ فلا ينبغي أن يقطع عنهم أخباره، فالهاتف ولله الحمد يقرب البعيد، وتستطيع أن تتصل بوالديك كل أسبوع مرة.
أما الأصدقاء فكما أن لهم حقاً عليك فلك حق عليهم، قل لهم أنتم أولى أن تتصلوا بي لأني يشق علي وأنتم لا يشق عليكم، أما الأقربون فلابد أن تتصل بهم كل يوم جمعة أو كل يوم اثنين حسب ما يتيسر لك.(15/29)
نصائح لجماعة الدعوة والتبليغ
السؤال
هل دعوة التبليغ في باكستان دعوة حقيقية، وهل تشجعنا على أن نذهب إلى باكستان رغم ما يقوله بعض الناس: إن هذه ليست صحيحة وفيها شبهة، ونريد منكم أن تدلونا على ما فيه الخير؟
الجواب
أولاً: الذين يسمون أنفسهم جماعة التبليغ هم الذين يذهبون إلى باكستان وغيرها للدعوة إلى الله ونحن لا نتهمهم بسوء النية والقصد، وهم لا يريدون بالذهاب إلا الخير لا شك، لكن هذا الذهاب صار سبباً ووسيلة للقدح في هذه الجماعة، وصاروا يقولون: إنهم يذهبون إلى هناك ليأخذوا العلم والإيمان عن قوم هناك، وعندنا والحمد لله من هم أعلم منهم، ومن هم أقوى إيماناً، ثم إن هؤلاء القوم فيهم شبهة؛ لأنهم بنوا أصولهم على غير الأصول التي بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها الدين، فهم بنوا أصولهم على أمور ستة، من يقرأها لنا؟ 1- تحقيق لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
2- الصلاة ذات الخشوع والخضوع.
3- العلم مع الذكر.
4- إكرام المسلمين.
5- تصحيح النية.
6- الدعوة إلى الله والخروج في سبيله.
لو أنهم بنوا هذا الأمر على ما بناه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم لكان خيراً لهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام) ولا أظن أحداً يكون في قلبه أدنى شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بما يبنى عليه الإسلام، وأنه أنصح الخلق، وأنه أفصح الخلق، وقال: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خير وشره) وقال: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) .
لهذا أنا أنصح إخواني من أهل التبليغ، وأكرر عليهم النصيحة ألا يذهبوا إلى باكستان أولاً: دفعاً عن أعراضهم؛ لأن الكثير من الإخوة إذا أثنينا على جماعة التبليغ، وقلنا: إن لهم تأثيراً لم يقم به أحد غيرهم، وتأثيرهم واضح، كم من ضال اهتدى على أيديهم، وكم من فاسق أطاع على أيديهم، بل وكم من كافر آمن على أيديهم، قالوا: هؤلاء فيهم وفيهم، ومن جملة ما يجعلونه سبباً للقدح سفرهم إلى باكستان.
فأنا أكرر نصيحتي لإخواني الذين يوجدون في الجزيرة بألا يذهبوا إلى باكستان، ويجتمع بعضهم مع بعض والحمد لله في مكة في الحج أو في العمرة، في رمضان أو في غير رمضان، أما أن يذهبوا إلى بلاد اشتبه حقيقة ما هم عليه، ومن يديرون دفة الأمر فيها، فهذا لا ينبغي.
شيء آخر أنصح به إخواننا جماعة التبليغ وهو: الحرص على العلم، والتعلم بقدر ما يستطيعون، فبقدر ما يجتهدون في الدعوة إلى الله، والاتصال بالناس، وزيارتهم، ودعوتهم إلى الحق جزاهم الله خيراً ونفع بهم، نقول: بقدر ذلك لابد أن يتعلموا، فيحضرون مجالس العلماء الذين وهبهم الله سبحانه وتعالى علماً وتعليماً ولو في الأسبوع مرة، ليعرفوا شيئاً مما يجهلونه كثيراً؛ لأن هذا أيضاً مما ينقمه الناس عليهم بأنهم بعيدون عن العلم، وإن كان بعضهم يقول: إنهم لا يحبون المناقشة في العلم إطلاقاً بل يحبون أن تمشي الأمور على ما هي عليه، وهذا لا شك أنه نقص شديد ومأخذ على جماعة التبليغ، فلو أنهم يحرصون أيضاً على العلم لكان خيراً.
العلم ليس في كتب الفضائل فقط، كتب الفضائل تنمي الإيمان وتزيد في قوته، لكنها ليست هي العلم، لابد من معرفة الأحكام كما نعرف الرقائق التي ترقق القلوب، فهذا أيضاً مما ينقم عليهم.
وأما مسألة تحديد الخروج بثلاثة أيام، أو أربعة أيام، أو شهر، أو شهرين، فأنا لا أنقمه على جماعة التبليغ لأن هذا قد يكون من باب الوسائل، أي من باب أنهم يرون أن تحديد المدة وسيلة لاستصلاح الرجل الخارج معهم والوسائل ليس لها حد شرعي، فكل ما أدى إلى المقصود فهو مقصود ما لم يكن منهياً عنه بعينه، فإن كان منهياً عنه بعينه فلا نقربه.
فلو قال قائل: أنا أريد أن أدعو شخصاً بالغناء والموسيقى؛ لأنه يطرب لها ويستأنس بها وربما يكون هذا جذباً له فأدعوه بالموسيقى والغناء هل نبيح له ذلك؟ لا.
لا يجوز أبداً، لكن إذا كانت وسيلة لم ينه عنها ولها أثر فهذه لا بأس بها، فالوسائل غير المقاصد، وليس من اللازم أن ينص الشرع على كل وسيلة بعينها يقول: هذه جائزة وهذه غير جائزة، لأن الوسائل لا حصر لها، ولا حد لها، فكل ما كان وسيلة لخير فهو خير.
لذلك أنا أكرر مرة أخرى: أن يحرص إخواني من جماعة التبليغ على أن يتلقوا العلم ويقرءوا كتب من يثقون بعلمه ودينه حتى ينتفعوا بها، وأما مجرد الاقتصار على الرقائق التي ترقق القلوب فهذا لا شك أن فيه خيراً، لكنه لا يكفي في ثقافة المسلم.(15/30)
حكم التكبير والتسليم لسجود التلاوة
السؤال
سجود التلاوة هل له تكبير وتسليم؟
الجواب
سجود التلاوة ليس له تكبير عند السجود وليس له تكبير عند الرفع من السجود؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، مالم يكن الإنسان في صلاة، فإن كان في صلاة وجب أن يكبر إذا سجد وأن يكبر إذا قام.(15/31)
حكم استثمار التبرعات الخيرية
السؤال
هناك بعض الشباب أرادوا القيام بمشروع خيري فجمعوا تبرعات وبعدما جمعوا التبرعات رأوا أن هذه التبرعات لا تنتهي، فقالوا: نقتطع جزءاً من هذه التبرعات ننفقه فيما جمعناه له وجزءاً ندخره حتى يتكون رأس مال نقيم به مشروعاً، ودخل هذا المشروع في نفس الهدف الذي جمع له المال الأصل، فهل ادخارهم لهذا المال بدون الإذن جائز شرعاً مع أن عمل المشروع ربما يحتمل الخسارة وربما يحتمل الربح؟
الجواب
إذا جمع الإنسان تبرعاً لشيء معين فيجب أن يصرفه في ذلك الشيء المعين، ولا يصرفه في غيره إلا إذا فوض إليه الأمر أو استأذن، ولنضرب لهذا مثلاً لشخص يجمع للصومال فجمعوا أموالاً كثيرة، وقالوا: من الممكن أن نأخذ نصف ما جمعناه نعمر به عمائر أو نشتري به دكاكين لتكون غلته لهؤلاء وتستمر، فنقول: هذا لا يجوز؛ لأن المقصود بجمع المال دفع حاجة الموجودين الآن.
أما الذين لم يوجدوا فإننا لم نجمع لهم كما أنه ربما يحال بيننا وبين إيصال هذا المال إليهم في المستقبل ولا ندري أهذا أمر يمكن تحقيقه في المستقبل أم لا.
كما أن في ذلك أيضاً ظلماً للموجودين، فدفع حاجة الموجودين عاجلة لابد أن نعطيهم ما جمعنا لهم، لكن إذا فوض الأمر إليك أو استأذنت فهذا لا بأس به.
السائل: وماذا عن هذا المال لو حال عليه الحول؟ الجواب: لا زكاة فيه؛ لأنه خارج عن ملك أصحابه، كل الأموال المجموعة للصدقات أو لغيرها ليس فيها زكاة، ومن ذلك أيضاً ما تجمعه بعض العائلات إذ يجمعون أموالاً فإذا حصل لأحد نكبة ساعدوه، فهذا أيضاً ليس فيها زكاة؛ لأنها خرجت عن ملاكها، ولهذا لو أراد الإنسان أن يستردها ما أمكنه ذلك ولو مات لم تورث عنه.(15/32)
حكم التحية العسكرية وحكم التحية بالإشارة
السؤال
ما حكم التحية العسكرية مع العلم أنها إلزامية على الجندي؟
الجواب
الجمع بين السلام القولي والإشارة لا بأس به، مثل أن يقول: السلام عليكم، لكن الضرب بالرجل هذا ليس له أصل إطلاقاً، ولا ينبغي أن يضرب بالرجل، فربما يؤثر على رجله أو يؤثر على الأرض التي تحته إذا كانت من خشب أو ما أشبه ذلك، ولكن نرجو الله سبحانه وتعالى أن يهدي المسلمين إلى إلغاء مثل هذه الأمور، وإلى أن ينظروا إلى من سبقهم من هذه الأمة لا إلى من تخلف عنهم من الأمم الحاضرة، نحن مسلمون والأولى بنا أن نقتدي بهدي المسلمين، إذا مر قال: السلام عليكم، وإذا كان بعيداً جمع بين الإشارة والقول، وإذا كان أصم جمع له أيضاً بين القول والإشارة، أما بدون ذلك مثل أن نقتصر على الإشارة فقط فهذا غلط.
ثم إني رأيت بعض الجنود صاروا يسلمون تسليماً غريباً يعكف يده على صدره، نسأل من الله أن يهدي المسئولين إلى اتباع هدي السلف الصالح، إذا مر الضابط عليه أن يسلم فيقول: السلام عليكم؛ لأن أخاه هذا مسلم، وإن كان أقل منه رتبة، والثاني يقول: وعليكم السلام، والله لو فعلوا هذا كان هذا دعاء وعبادة وثواب وأجر، الآن الجيش كلهم معتادون الدعاء لهم بالسلامة، فهل أفضل أن نقول: السلام عليكم؛ لأنهم كلهم يريدون السلامة، فنرجو الله تعالى أن يفطن المسئولون لهذا الأمر، وأن يكون لهم شعار خاص وهو الشعار الذي كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه.(15/33)
لقاء الباب المفتوح [16]
في هذا اللقاء تفسير بعض آيات من سورة النازعات، والتي احتوت على قصة موسى عليه السلام مع فرعون، وكيف أن موسى عليه السلام كان يدعوه باللين ولم يشدد عليه حتى لا ينفر ولكن دون جدوى فقد استمر فرعون في عناده وكبره حتى قال: (أنا ربكم الأعلى) وكانت نهايته أن أهلكه الله عز وجل غرقاً في الماء بعد أن كان ينادي ويقول: (أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي) فأجراها الله من فوقه.(16/1)
تفسير آيات من سورة النازعات
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:(16/2)
تفسير قوله تعالى: (اذهب إلى فرعون إنه طغى)
في مبدأ كلامنا هذا نتكلم عن بقية الآيات من سورة النازعات عند قوله تعالى مخاطباً موسى صلى الله عليه وسلم: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [النازعات:17] فأمر الله نبيه موسى أن يذهب إلى فرعون، وهذه هي الرسالة، وبيَّن سبب ذلك وهو طغيان هذا الرجل -أعني: فرعون- وفي سورة طه: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:43] ولا منافاة بين الآيتين؛ وذلك لأن الله تعالى أرسل موسى أولاً ثم طلب موسى عليه الصلاة والسلام من ربه أن يشد أزره بأخيه هارون، فأرسل هارون مع موسى، فصار موسى وهارون كلاهما مرسلٌ إلى فرعون، وقوله تعالى: {إِنَّهُ طَغَى} [طه:24] أي: زاد على حده؛ لأن الطغيان هو الزيادة، ومنه قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة:11] أي: زاد، ومنه الطاغوت؛ لأن فيه مجاوزة الحد، فهنا يقول عز وجل: {إِنَّهُ طَغَى} [طه:24] .(16/3)
تفسير قوله تعالى: (فقل هل لك إلى أن تزكى)
قال تعالى: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} [النازعات:18] الاستفهام هنا للتشويق، تشويق فرعون أن يتزكى مما هو عليه من الشر والفساد، وأصل الزكاة: النمو والزيادة، وتطلق بمعنى: الإسلام والتوحيد، ومنه قوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [فصلت:6-7] ومنه قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:9-10] ثم قال تعالى: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات:18-19] أي: أدلك إلى دين الله عز وجل الموصل إلى الله (فتخشى) أي: تخاف الله على علم منك؛ لأن الخشية هي: الخوف المقرون بالعلم، فإن لم يكن علم فهو خوف مجرد، وهذا هو الفرق بين الخشية والخوف.
الفرق بينهما: أن الخشية عن علم، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] وأما الخوف فهو خوف مجرد، ذعرٌ يحصل للإنسان ولو بغير علم، ولهذا قد يخاف الإنسان من شيء يتوهمه قد يرى في الليلة الظلماء شبحاً لا حقيقة له فيخاف منه، فهذا ذعر مبني على وهم، لكن الخشية تكون عن علم.(16/4)
تفسير قوله تعالى: (وأهديك إلى ربك فتخشى)
قال تعالى: {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى} [النازعات:19-20] أي: فذهب موسى عليه الصلاة والسلام وقال لفرعون ما أمره الله به: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات:18-19] ولما كان البشر لا يؤمنون ولا يقبلون دعوى شخص أنه رسول إلا بآية كما هو ظاهر الإنسان، لا يقبل من أحد دعوى إلا ببينة، جعل الله سبحانه وتعالى مع كل رسولٍ آية تدل على صدقه، وهنا قال: {فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى} [النازعات:20] أي: أرى موسى فرعون الآية الكبرى، فما هي هذه الآية؟ هي: عصا خشب من فروع الشجر، كان إذا وضعها في الأرض صارت حية تسعى، ثم يحملها فتعود عصا، وهذه من آيات الله، أن شيئاً جماداً إذا وضع على الأرض صار حية تسعى، وإذا حمل من الأرض عاد في الحال إلى حاله الأولى، وهي عصا من جملة العصي {فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى} [النازعات:20] وإنما بعثه الله بهذه الآية وبكونه يدخل يده في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء، أي: من غير عيب، أي: بيضاء بياضاً ليس ببياض البرص ولكنه بياضٌ جعله الله آية، إنما بعثه الله بذلك -بالعصا واليد- لأنه كان في زمن موسى السحر منتشراً شائعاً، فأرسله الله عز وجل بشيءٍ يشبه السحر ولكنه ليس بسحر حقيقة، من أجل أن يغلب السحرة الذين تصدوا له عليه الصلاة والسلام.
قال أهل العلم: وفي عهد عيسى صلى الله عليه وسلم انتشر الطب انتشاراً عظيماً فجاء عيسى بأمرٍ يعجز الأطباء وهو أنه كان لا يمسح أي ذي عاهة إلا برئ، إذا جيء إليه بشخص فيه عاهة -أي عاهة تكون- مسحه بيده فيبرأ بإذن الله، ويبرئ الأكمه والأبرص مع أن البرص لا دواء له، لكن هو يبرئ الأبرص بإذن الله عز وجل ويبرئ الأكمه الذي خلق بلا عيون.
أشد من هذا أنه يحيي بإذن الله، يؤتى إليه بالميت فيتكلم معه ثم تعود إليه الحياة، وأشد من ذلك وأعظم أنه يخرج الموتى بإذن الله، يخرجهم من أي مكان من قبورهم، يقف على القبر وينادي صاحب القبر فيخرج من القبر حياً، هذا شيء لا يمكن لأي طب أن يبلغه، ولهذا كانت آية عيسى في هذا الوقت مناسبة تماماً لما كان عليه الناس.
قال أهل العلم: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أتى إلى العرب وهم يتفاخرون في الفصاحة ويرون أن الفصاحة أعظم منقبة للإنسان، فجاء محمد صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن العظيم، الذي أعجز أمراء الفصاحة وعجزوا عن أن يأتوا بمثله، قال الله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] أي: ولو كان بعضهم يعاون بعضاً فإنهم لن يأتوا بمثله.
نعود فنقول: إن موسى صلى الله عليه وسلم أرى فرعون الآية الكبرى ولكن هل انتفع بالآيات؟ لا.
{وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101] {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [يس:11] فالذين ليس في قلوبهم استعداد للهداية لا يهتدون ولو جاءت كل آية -والعياذ بالله- ولهذا قال: {فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى} [النازعات:20-21] كذب الخبر وعصى الأمر، وقال لموسى: إنك لست رسولاً، بل قال: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء:27] وعصى الأمر فلم يمتثل أمر موسى ولم ينقد لشرعه.(16/5)
تفسير قوله تعالى: (ثم أدبر يسعى)
قال تعالى: {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى} [النازعات:22] (أدبر) أي: تولى مدبراً يسعى حثيثاً {فَحَشَرَ فَنَادَى} [النازعات:23] حشر الناس، أي: جمعهم ونادى فيهم بصوتٍ مرتفع ليكون ذلك أبلغ في نهيهم وصدهم عما يريد منهم موسى عليه الصلاة والسلام.
{فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى} [النازعات:23-24]-والعياذ بالله- قال لقومه: أنا ربكم الأعلى، يعني: لا أحد فوقي؛ لأن الأعلى اسم تفضيل من العلو، فانظر كيف استكبر هذا الرجل وادعى لنفسه ما ليس له في قوله: {أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى} [النازعات:24] ؟ وكان يفتخر بالأنهار والملك الواسع، فيما قال لهم: {يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:51-52] فما الذي حصل؟ أغرقه الله عز وجل بالماء الذي كان يفتخر به، وأورث الله ملك مصر بني إسرائيل الذين كان يستضعفهم، قال الله تعالى: {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى} [النازعات:25] يعني أنه نكل به في الآخرة وفي الأولى، فكان عبرة في زمنه وعبرة فيما بعد زمنه إلى يوم القيامة، فكل من قرأ كتاب الله وقرأ ما صنع الله بفرعون فإنه يتخذ ذلك عبرة يعتبر به.
وكيف أهلكه الله مع هذا الملك العظيم، وهذا الجبروت، وهذا الطغيان فصار أهون على الله تعالى من كل هين.(16/6)
تفسير قوله تعالى: (إن في ذلك لعبرة لمن يخشى)
يقول عز وجل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [النازعات:26] (إن في ذلك) أي: فيما جرى من إرسال موسى إلى فرعون ومحاورته إياه واستهتار فرعون به واستكباره عن الانقياد له عبرة، (لمن يخشى) أي: يخشى الله عز وجل.
فمن كان عنده خشية من الله وتدبر ما حصل لموسى مع فرعون والنتيجة التي كانت لهذا، فإنه يعتبر ويأخذ من ذلك عبرة، والعبر في قصة موسى كثيرة.
ونقف على قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات:27] .
هنا ننهي هذه الكلمة التي أسأل الله عز وجل أن يجعلها خالصة له ونافعة لنا جميعاً.(16/7)
الأسئلة(16/8)
الدليل على أن الله تعالى يحفظ الدعاة إلى دينه ويحميهم
السؤال
فضيلة الشيخ! كلف الله موسى عليه الصلاة والسلام بدعوة فرعون إلى توحيد الله تعالى مع أنه كان ضعيفاً لا يملك شيئاً وفرعون كان طاغية، فهل في ذلك دليل على أن الله تعالى يحفظ الدعاة إلى دينه ويحميهم؟
الجواب
لا شك أن الله سبحانه وتعالى لما أرسل موسى إلى فرعون وموسى ليس معه إلا أخاه هارون وفرعون معه كل جنوده؛ أن هذا يدل على أن المنصور من نصره الله، وكيف لا يكون النصر لموسى وهارون وقد قال الله سبحانه وتعالى له لما قال: {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:45] قال: {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] فالذي معه الله لا يخاف، لا بد أن يكون منصوراً، ولذلك لما قال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم وهما في الغار: (يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا، قال: يا أبا بكر! لا تحزن إن الله معنا، فما ظنك باثنين الله ثالثهما) هل أحد يضرهما؟ أبداً.
وبهذه المناسبة أود أن أنبه على أنه يوجد في بعض الكتب أن العنكبوت ضربت على باب الغار نسيجاً وعش الحمامة وهذا لا صحة له، ليس هناك نسيج من العنكبوت وليس هناك حمامة على شجرة على باب الغار، إنما هي حماية الله ولهذا قال أبو بكر رضي الله عنه: [لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا] لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصر النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، ولكن الله أعمى أبصارهم فلم يروا أحداً في هذا الغار وانصرفوا عنه.(16/9)
حكم إطلاق بعض الأبيات الشعرية الموهمة
السؤال
في الأسبوع قبل الماضي كان لكم فتوى عن هذين البيتين: وقد قمت باستئذان صاحب السؤال، وكان لكم توقف فيهما:
أما لنا بعد هذا الذل معتصم يجيب صرخة مظلوم وينتصر
أما لنا بعد صلاح الدين يعصمنا وقد تكالب على استعبادنا الغجر
الجواب
إي نعم.
هذان البيتان:
أما لنا بعد هذا الذل معتصم يجيب صرخة مظلوم وينتصر
إذا كان يريد الاعتصام بشخص وهو المعتصم فهذا شرك أكبر؛ لأنه دعا ميتاً ودعاء الأموات شرك، قال الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف:5-6] فجعل الله دعاءهم عبادة، وقال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون:117] فجعل الله ذلك كفراً، أما إذا كان لا يريد المعتصم نفسه إنما أراد أن يهيئ الله لنا قائداً عظيماً بطلاً كـ المعتصم فإن هذا لا بأس به، ولكن ينهى عن إطلاق هذا اللفظ على هذا الوجه؛ لأنه يوهم أننا ندعو المعتصم نفسه، وما أوهم الباطل فإنه ينبغي التحرز منه.
أما قوله في البيت الثاني:
أما لنا بعد صلاح الدين يعصمنا وقد تكالب على استعبادنا الغجر
هذا أيضاً يقال فيه كالأول، إذا كان يريد صلاح الدين نفسه فهذا أيضاً كفر؛ لأن صلاح الدين لا يعصم، صلاح الدين ميت لا يعصم أحداً، وإن أراد بذلك، ولا أظن أنه يصح أن يريد بذلك أن يأتي لنا برجل كـ صلاح الدين؛ لأنه قال:
أما لنا بعد صلاح الدين يعصمنا
والبيت فيه شيء من الركاكة.
وعلى كل حال هذا البيت بالنسبة للبيت الذي قبله أهون؛ لأنه كأنه يقول: ليس لنا أحد بعد صلاح الدين يعصمنا، فنقول له: إن هذا الإطلاق فيه نظر؛ لأن الذي يعصمك من الشر قبل صلاح الدين هو الله تعالى، ثم إن صلاح الدين ليس أعظم قائدٍ في الأمة الإسلامية، فأعظم قائد في الأمة الإسلامية هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم من تلاه من الخلفاء والقواد المسلمين كـ خالد بن الوليد وغيره.
وعلى كل حال مثل هذه الأبيات يجب على الإنسان أن يتحرز منها وألا يذكرها إلا مقرونةً ببيان أنها ليست بشيء، وأن إطلاقها لا يجوز.(16/10)
حكم صلاة المأموم عن يسار الإمام إذا كانا اثنين
السؤال
فضيلة الشيخ! شاب دخل المسجد وكان هناك رجل يصلي، فأراد أن يأتم به ولا يعرف أين موقف المأموم فوقف عن يساره، ثم جاء ثالث وأراد الدخول معهم في الصلاة فدفع المأموم إماماً وأخر الإمام إلى أن انتهت الصلاة فما الحكم؟
الجواب
على كل حال هذا الذي حصل منهم لا شك أنه صدر عن جهل، والجهل في هذه الأمور يعفى عنه، وبذلك تكون صلاة الجميع صحيحة، لكن لو فرض أنه لم يأتهم ثالث وظلا هكذا: المأموم على اليسار والإمام على اليمين، فالصلاة صحيحة؛ لأنها أيضاً صادرة عن جهل؛ لأن السنة فيما إذا كان إمام ومأموم أن يكون الإمام عن يسار المأموم والمأموم عن يمين الإمام، هذه هي السنة.
فإذا كان أحدهما على عكس ذلك فصلاتهما صحيحة، لكن يبلغ فما بعد أن السنة أن يكون المأموم على يمين الإمام، وفي هذه الحال يكون وقوفهما متساوياً ولا يكون الإمام متقدماً على المأموم؛ لأنهما في هذه الحال يكونان صفاً واحداً، والصف الواحد يكون متساوياً.
وإذا جاء ثالث فمن الناس من يشكل عليه هل يدفع الإمام ويؤخر المأموم أو يكبر أولاً فنقول: أخر المأموم، ثم إذا استوى في مكانه كبر أنت، أو نقول: قدم الإمام فإذا استويت مع المأموم كبر؛ لأنه أحياناً يكون تقديم الإمام أسهل كما لو كان المكان الذي أمامه واسعاً، وأحياناً يكون تأخير المأموم أسهل كما لو كان المكان الذي أمامهم ضيقاً، والذي خلفهم واسعاً، المهم لا فرق بين أن يقدم الإمام أو يؤخر المأموم لكن لا يكبر قبل ذلك لئلا يلزم من ذلك حركة في الصلاة لا حاجة إليها.
السائل: ما المحذور إذا كان ذلك على علم؟ الشيخ: المحذور هنا أن الإمام ربما يستمر على نية الإمامة مع أنه صار مأموماً، وأما التحول من الإمامة إلى المأموم فهذا لا بأس به، فقد تحول أبو بكر رضي الله عنه من كونه إماماً إلى كونه مأموماً عندما كان يصلي بالناس، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ففي أثناء الصلاة تأخر أبو بكر وصار مأموماً والنبي صلى الله عليه وسلم إماماً.(16/11)
الجمع بين أمر الله لموسى باللين مع فرعون وغلظة موسى على فرعون
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة لقول الله سبحانه وتعالى: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] نجد في سورة الإسراء أن موسى حصل بينه وبين فرعون كلام فيه شدة وغلظة ومنه قول موسى: {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102] كيف نجمع بين هذه الآية والقول باللين؟
الجواب
الجمع بينهما أنه خاطبه باللين أولاً، فلما طغى وشمخ وارتفع كان حقه أن يهان، وهذا من التدرج في الدعوة إلى الله بالحكمة، تتكلم مع المدعو أولاً باللين والسهولة، فإذا أصر وعاند ليس جزاؤه إلا أن يغلظ عليه، كما قال الله تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت:46] .(16/12)
طرق قراءة كتب الحديث
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة لدراسة الكتب الستة البخاري ومسلم والسنن هل تكون قراءة فقط، أو يقرأها مع الشرح، أو يقرأ كتاباً -مثلاً- مع الشرح ويقرأ الكتب الأخرى فقط أم كيف؟
الجواب
قراءة كتب الحديث بارك الله فيك قسمان: قراءة يتوصل بها الإنسان إلى معرفة صحة الحديث وعدم صحته، وهذه تعتمد على معرفة أحوال الرواة وترجماتهم لأجل أن يعرف من هو المقبول ومن هو الذي لا يقبل، ومعرفة تاريخهم ليعرف هل السند منقطع أو غير منقطع، -فمثلاً- إذا قال شخصٌ عن فلان وقد علمنا أن الذي روى عنه ولد بعد موته عرفنا أن السند منقطع فلا بد من معرفة تاريخ الرواة، ولا بد -أيضاً- من معرفة ثبوت لقاء من روى عنه؛ لأنه قد يدلس فيروي عمن عاصره ما لم يسمعه منه.
فالذي يطلب علم الحديث على هذا النحو لا بد أن يقرأ الكتب الستة بأسانيدها ويبحث عن رجالها، ونحن نعلم أن العلماء مختلفون اختلافاً كبيراً في الرجال، فتجد هذا المحدث -مثلاً- يقول عنه الإمام أحمد إنه ثقة، ويقول عنه يحيي بن معين إنه منكر الحديث -مثلاً- ويقول ثالث إنه متروك.
وهذه المسألة قد تحير طالب العلم، فما موقفه إذا رأى الحفاظ الأئمة تكلموا في هذا الرجل كلاماً متبايناً؟ ننظر إلى متن الحديث، قد يكون متن الحديث شاذاً مخالفاً للأحاديث الصحيحة، فنعرف أن الذين تكلموا عن هذا الرجل بالقدح أصوب من الذين تكلموا عنه بالتعديل؛ لأن حديثه منكر بل ربما يأتي الحديث صحيح السند من حيث رجاله ومن حيث اتصال السند، ولكن يكون المتن منكراً أو شاذاً، قد يكون شاذاً لمخالفته للأحاديث الصحيحة فيرد.
فالحاصل أن الذي يطلب علم الحديث من أجل إثبات الحديث يجب أن يعتني بالرجال وتواريخ حياتهم وكلام الناس فيهم.
أما الذي يطلب الحديث من أجل فقه الحديث فهذا له طريق آخر لا يلزمه مثل ما يلزم الأول، بل ربما يكتفي بالحديث متناً، فإذا كان في صحيح البخاري وصحيح مسلم فالنفس مطمئنة إليه، وإذا كان في غيرهما يكفيه أن يقول -مثلاً- صححه فلان أو صححه فلان من الحفاظ المعتمدين، وإن لم يراجع السند، وأهم شيء في القرآن الكريم والسنة النبوية فقه النص ومعرفته وما يستنبط منه وما يترتب عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُبَّ مبلغ أوعى من سامع، ورُبَّ حامل فقه غير فقيه) و (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) .
السائل: إذاً لا بد أن يبدأ طالب علم الحديث أول ما يبدأ بدراسة كتب المصطلح والرجال؟ الشيخ: نعم.
لا بد أن يكون عنده علم بالمصطلح إذا كان يريده على الوجه الأول.
السائل: والوجه الثاني؟ الشيخ: ليس بلازم؛ لأنه يكتفي -مثلاً- إذا صححه الحافظ ابن حجر، صححه فلان من الأئمة العلماء المحدثين الموثوقين فهذا كافٍ، فلا يذهب ينظر -مثلاً- في السند؛ لأنه لا دراية له بمصطلحات أهل العلم في ذلك.
السائل: وماذا عن الاستنباطات من الحديث والفوائد؟ الشيخ: قد يكون الإنسان في الاستنباطات ضعيفاً مع قوته في التخريج، ولهذا تجد فرقاً بين الفقهاء في استنباطهم الأحكام من الحديث والمحدثين.(16/13)
حكم تأخير الأذان احتياطاً
السؤال
يلاحظ على بعض المؤذنين أنهم يؤخرون الأذان دقيقة إلى دقيقتين في أغلب الأوقات وخاصة في الفجر والمغرب، وإذا سألتهم لماذا لا تتقيدون بتقويم أم القرى، يقولون: نحن نفعل ذلك زيادة في التأكيد، فهل عملهم هذا صحيح؟
الجواب
لا مانع من الاحتياط بدقيقة أو دقيقتين خصوصاً الفجر، تقويم أم القرى فيه تقديم خمس دقائق، ولهذا يجب التحرز في هذه المسألة فينتظر الإنسان خمس دقائق قبل أن يصلي، أما المؤذنون فكما تعرفون منهم من يؤذن على توقيت أم القرى، ومنهم من يتقدم عليه ومنهم من يتأخر عنه كثيراً.(16/14)
واجبنا تجاه السيرة
السؤال
فضيلة الشيخ! منذ قليل ذكرت قصة العنكبوت وقصة الحمامة أنها غير صحيحة في حماية الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر، ولكن كتب السيرة تكتب هذا وغيره من القصص المختلقة المكذوبة سواء في الرسول صلى الله عليه وسلم أو في الخلاف الذي وقع بين علي رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان، وأعداء الإسلام حاولوا الدخول علينا وعلى الإسلام عن طرق القرآن ولكن حفظه الله، وعن طريق السنة، وقد جعل الله من يقوم بتمييز الصحيح من الضعيف، ولكن بعض كتب السيرة قد تكلمت على الصحابة، والسؤال يا شيخ: ما الذي يجب علينا تجاه السيرة؟
الجواب
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الخلفاء تحتاج إلى تنقيح بلا شك؛ لأن التاريخ يدخله الهوى، فمن غَلب رفع ومن غُلب هضم، ونحن نضرب لكم مثالاً بالرؤساء الذين تعاقبوا على الدول العربية إذا هلك الإنسان منهم محي وطوي قيده، وإذا كان موجوداً جعل الرئيس الأعلى الذي ليس فوقه أحد، ويكتب هذا ويبقى إلى أن يموت فتجد -مثلاً- الذين لهم هوى في خلفاء بني أمية يمدحون هؤلاء الخلفاء مدحاً عظيماً، والذين هم على ضد ذلك يذمونهم ذماً عظيماً، ولهذا لا شك أن السيرة تحتاج إلى تحقيق وتحرير ليتبين الضعيف منها من القوي، وأنا إلى الآن ما وجدت أحداً فعل ذلك إلا شيئاً خفي علي لا أدري لكن في السيرة ما هو ثابت في صحيح البخاري وصحيح مسلم وهذا يعتمد.
السائل: توجد بعض الكتب التي تتكلم عن بعض الصحابة كأمثال أبي موسى الأشعري وقد وصفته بالغباء في قصته مع عمرو بن العاص في قصة التحكيم، وقصة التحكيم هذه ليست صحيحة كما سمعت في الجامعة في دراستي؟ الشيخ: نفس الشيء أيضاً يتكلمون عن غير أبي موسى ممن هو أفضل من أبي موسى الأشعري في هذه المسائل.
ولهذا مسألة السياسة مشكلة الآن، لو ذهبت إلى بعض كتب التاريخ التي كتبها المؤرخون الذين يميلون إلى آل البيت وجدت عجباً، ولو قرأت في كتب التاريخ التي تميل إلى بني أمية لوجدت عجباً، لكن كما قلت لك: لا بد أن يكون السند صحيحاً.(16/15)
حكم النذر المباح
السؤال
فضيلة الشيخ! مما درست أن هناك أنواعاً للنذر: فهناك نذر واجب، ونذر طاعة، ونذر مباح، ونذر معصية، وسمعت أن النذر المباح لا يجب القضاء فيه بل يجوز الكفارة، ويجوز أن يقضيه فكيف؟ الشيخ: ماهو النذر المباح الذي فهمت؟ السائل: مثلاً: يقول عليَّ نذر أن أقرأ كتاب كذا أو أبيع سيارتي؟
الجواب
النذر المباح حكمه حكم اليمين، فإذا قال: لله عليَّ نذر أن أبيع سيارتي، أو لله عليَّ نذر أن أشتري البيت الفلاني قلنا له: أنت الآن بالخيار إن شئت فافعل وإن شئت فلا تفعله وكفر كفارة يمين؛ لأن هذا نذر مباح، ونذر الطاعة أن يقول: عليَّ نذر أن أصوم غداً يعني: يوم الإثنين، ونذر المعصية أن يقول: لله عليَّ أن أهجر فلاناً وهو لا يستحق الهجر.
السائل: رجل نذر أن يشتري لوالدته -مثلاً- كذا وكذا من أي الأنواع؟ الشيخ: هذا من أنواع نذر الطاعة إذا كان هذا مما يسر الأم أو تحتاجه الأم؛ لأنه حينئذ يدخل في البر، وبر الوالدين من الطاعة فيلزمه أن يشتري ذلك لها إلا إذا قالت: لا أريده، فإذا قالت: لا أريده فإنه لا يلزمه أن يشتريه لها، وفي هذه الحالة ينبغي أن يكفر كفارة يمين.(16/16)
الضابط في استخدام الجلود
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هو الضابط في استخدام الجلود وما يحل من ذلك وما يحرم؟
الجواب
من المعلوم أن الجلود في السوق هي جلود مدبوغة، والجلود المدبوغة عند كثير من العلماء طاهرة، وإن كانت من حيوان نجس، والصحيح أنها ليست بطاهرة إذا كانت من حيوان نجس؛ لأن نجس العين لا يطهر لو غسل بماء البحر، أما إذا كانت الجلود مما هو مباح الأكل ولكن لا تدري أنت هل هي جلود مذبوحة أو ميتة فلا يهمنك؛ لأنه حتى لو كانت جلود ميتة أو جلود حيوانٍ مذبوح على غير الطريقة الإسلامية فإنها إذا دبغت تكون طاهرة مثل بعض الفراء، تكون مبطنة بجلد من جلود الضأن الصغار فنقول: البسها ولا حرج عليك، حتى لو فرض أنها من ميتة أو فرض أنها مما ذكي ذكاة غير شرعية؛ لأنه إذا دبغ فإنه يطهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما إهاب دبغ فقط طهر) ومر بشاة يجرونها ميتة لـ ميمونة، فقال: (هلا أخذتم إهابها قالوا: يا رسول الله! إنها ميتة، قال: إذا دبغ الإهاب فقط طهر) .(16/17)
حكم الحيوانات التي لا يؤكل لحمها من حيث النجاسة
السؤال
فضيلة الشيخ! هل كل حيوان لا يؤكل لحمه نجس؟
الجواب
نعم.
كل ما لا يؤكل فهو نجس إذا مات، أما في الحياة ففيه تفصيل، الهرة وما شابهها طاهرة إلا بولها وعذرتها ودمها، وأما السباع التي ليست مما يطوف علينا ويكثر التردد علينا فهي نجسة.(16/18)
حكم الشروع في خطبة الجمعة قبل الوقت والصلاة قبل الزوال
السؤال
هناك بعض الخطباء يدخلون إلى المسجد يوم الجمعة ويشرعون في الخطبة قبل الوقت وربما أقيمت الصلاة ولم يحن وقت الزوال فما صحة ذلك؟
الجواب
هذه المسألة -أي: الشروع في الخطبة والصلاة يوم الجمعة قبل الزوال- فيها خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إنها لا تجوز حتى تزول الشمس، ومنهم من قال: إنها تجوز، والصحيح أنها تجوز قبل الزوال بساعة أو نصف ساعة أو ما قارب ذلك، ولكن الأفضل بعد الزوال حتى عند القائلين بأنه يجوز أن تتقدم ساعة ونحوها؛ وذلك لأن المؤذن إذا أذن وسمعه من في البيوت فإنهم ربما يتعجلون فيصلون الظهر فيحصل بذلك غرر للناس، ثم إن زوال الشمس بالاتفاق شرطٌ لإقامة صلاة الجمعة على وجه الأفضلية، ولكن من العلماء من أجاز التقديم على الزوال ومنهم من لم يجزه، ولكنهم متفقون على أن تأخيرها حتى تزول الشمس أفضل، ولو صلى قبل الزوال على الرأي الذي يقول بجوازها قبل الزوال فلا بأس، لكن بزمنٍ قريب.
وهنا مسألة بالنسبة لوقتنا الآن: لا نحبذ أن أحداً يصلي مبكراً وحتى لا تتخذ عادة عند الناس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قومٌ بصدقتهم قال: (اللهم صلِّ على آل فلان) فإذا لم تتخذ شعاراً فلا بأس، وكذلك إذا لم تتخذ على وجه التعيين -مثلاً- بأن يقول: اللهم صلِّ على آل تيمية، اللهم صلِّ على آل عبد الوهاب، وما أشبه ذلك فهذا لا بأس به، لكن اتخاذها شعاراً كلما ذكر فيه صلى الله عليه وسلم هذا لا يجوز؛ لأنه قد يتوهم واهم بأن هذا نبي من الأنبياء.(16/19)
مدى صحة تسمية ملك الموت بعزرائيل
السؤال
وردت أسماء الملائكة مثل جبريل وإسرافيل وملك الموت، وقد ورد أن ملك الموت عزرائيل فهل هذا صحيح أم لا؟
الجواب
الملائكة عليهم الصلاة والسلام وردت أسماء بعضهم مثل جبريل الموكل بالوحي، وإسرافيل الموكل بنفخ الصور، وميكائيل الموكل بالقطر والنبات يعني: بالأمطار ونبات الأرض، وهؤلاء الثلاثة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرهم في استفتاح صلاة الليل فيقول إذا استفتح صلاة الليل: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) .
وإنما كان يتواصل بهؤلاء الثلاثة؛ لأن هؤلاء الثلاثة كل واحد منهم موكل بما فيه حياة، فجبرائيل موكل بما فيه حياة القلوب، وميكائيل موكل بما فيه حياة الأرض، وإسرافيل موكلٌ بما فيه حياة الأبدان، إذا نفخ في الصور؛ لأنه هو موكل للنفخ في الصور، وأما ملك الموت فإنه لا يصح تسميته بعزرائيل وإنما يقال فيه: ملك الموت، كما قال الله عز وجل: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة:11] ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن اسمه عزرائيل، وأما مالك خازن النار فقد جاء في القرآن: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:77] .(16/20)
معنى: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة ونحن حوله)
السؤال
فضيلة الشيخ! ذكر البخاري في كتاب يوم الجمعة حديثاً قال: عن أبي سعيد الخدري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة ونحن حوله) فهل يدل ذلك على مشروعية التحول أو الالتفات إلى الإمام حتى ولو كان في طرف الصف؟
الجواب
لا.
معنى (نحن حوله) أي: أننا نحرص أن نكون قريبين منه، وليس المعنى أنهم يتحوطون عليه أو يستديرون عليه، وإنما فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخطب وكانوا يحرصون أن يكونوا قريبين منه وإلا فهو يخطب الناس وهم على صفوفهم، بل ورد حديث ينهى عن التحلق يوم الجمعة لما في ذلك من التضييق على المصلين في المسجد، وفيه أيضاً ما توهمته من أن المراد أنهم يتحوطون حوله ويتحلقون.
السائل: لو كان الالتفات بالرأس؟ الشيخ: الالتفات بالرأس لا بأس به، يعني: أن ينظر الإنسان إلى الخطيب حال الخطبة هذا لا بأس به، بل هذا طيب؛ لأنه يشد انتباه الإنسان أكثر، وقد روي عن الصحابة رضي الله عنهم (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب استقبلوه بوجوههم) .(16/21)
حد المعلوم من الدين بالضرورة
السؤال
فضيلة الشيخ! نريد حداً للمعلوم من الدين بالضرورة؟
الجواب
المعلوم من الدين بالضرورة هو ما لا يمكن لأحد من المسلمين جهله، كوجوب الصلاة -مثلاً- وتحريم الخمر والزنا وما أشبه ذلك، هذا من المعلوم من الدين بالضرورة، فأما الشيء الذي لا يعلم بالضرورة إلا بعد البحث والنظر فهذا ليس مما يعلم من الدين بالضرورة.(16/22)
حكم الزواج بامرأة زانية
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل تزوج من امرأة وقد حملت منه سفاحاً، فهل العقد صحيح وهل الطفل ينسب إليه؟
الجواب
هذه المسألة تحتاج إلى إجابة خاصة، وينظر هل هذا وقع أو لم يقع، وينظر أيضاً ما يحيط به من الشبهات، وما أشبه ذلك، وعلى كل تقدير: فإن المرأة الزانية لا يحل نكاحها إلا بعد التوبة، وكذلك الزاني لا يصح أن تتزوجه إلا بعد التوبة، لقول الله تبارك وتعالى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور:3] أما هذه القضية فتحتاج إلى فتوى خاصة.(16/23)
حكم من فاتته ركعتا الاستسقاء
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة لصلاة الاستسقاء إذا دخل جماعة والإمام يخطب وقد صليت الركعتان، هل يصلونها أم يجلسون في الخطبة؟ وهل تقضى؟
الجواب
إذا لم يدركوا صلاة الاستسقاء فقد فاتت، ولكنهم إذا جاءوا والإمام يخطب يصلون ركعتين تحية المسجد ثم يجلسون لاستماع الخطبة والتأمين على دعاء الإمام.
السائل: أم يصلون جماعة؟ الشيخ: لا يصلونها جماعة؛ لأنها فاتت.(16/24)
حكم قراءة الفاتحة وأذكار الصلاة بالقلب
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض الناس في الصلاة يقرءون الفاتحة والأذكار بالقلوب ولا يقرءونها باللسان فهل تجزئهم؟
الجواب
لا يصلح أن يقال قرأ فلان إلا بنطق، فأما إذا أمرها على قلبه فهذا لم يقرأ ولا تجزئه في الصلاة؛ لأنه ترك الفاتحة في الحقيقة، وترك التسبيح، وترك التكبير، لكن اختلف العلماء هل يشترط أن يسمع نفسه بمعنى أن يكون لحركات لسانه وشفتيه صوت يسمعه أو لا يشترط؟ والصحيح أنه لا يشترط أن يسمع نفسه لكن يشترط أن ينطق.(16/25)
تحديد مدة النفاس
السؤال
فضيلة الشيخ! إن من النساء من تسقط الجنين بعد مضي شهرين أو ثلاثة، وتترك الصلاة وغيرها وتعتبره نفاساً، فما حكم ذلك بعد مضي تقريباً ثلاثين سنة أو أقل بقليل أو أكثر بقليل، وما هي المدة التي تحدد النفاس؟ الشيخ: السؤال أوله فيه إبهام، كلمة تسقط الجنين يسقط الجنين من نفسه، أو تحاول إسقاطه؟ السائل: يسقط من نفسه بقضاء الله عز وجل.
الشيخ: يقول العلماء رحمهم الله: إن النفاس لا يثبت إلا إذا تبين في الجنين خلق إنسان، يعني: إذا كان متميزاً يده ورجله ورأسه، فإنه إذا أسقط فإن الدم الخارج معه نفاس، وأما قبل التخليق فليس بنفاس، ومعلوم أنه لا يمكن التخليق قبل ثمانين يوماً لحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق فقال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك) يعني أربعين يوماً (ثم يكون مضغة مثل ذلك) ومعلوم أن المضغة كما قال الله عز وجل في القرآن: {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} [الحج:5] .
والمضغة لا يأتي طور الجنين إليها إلا بعد تمام ثمانين يوماً، فإذا كانت المرأة تعلم متى الحمل وأنه لم يمض عليه إلا أقل من ثمانين يوماً فليس بنفاس، والسؤال الآن يقول مضى شهران، والشهران ستون يوماً، وعلى هذا فيعتبر هذا الدم الذي حصل ليس دم نفاس ولا يلزمها إلا قضاء الصلاة، وإذا كانت جاهلة لا تدري فليس عليها شيء، لا قضاء ولا غيره.(16/26)
حكم إدخال الكتب التي تحتوي على صور إلى المساجد
السؤال
فضيلة الشيخ! مما لا يخفى عليكم أنه الآن قد اقترب الامتحان وكثر الشباب الذين يدرسون في المساجد، ومن المعروف خاصة في الابتدائي والثانوي والمتوسط وبعض الجامعات أنه يكون عندهم بعض الكتب التي تحوي الصور، فما حكم إدخال هذه الكتب إلى المسجد للدراسة؟
الجواب
أما الصور الظاهرة البارزة كالتي تكون على الغلاف -مثلاً- فإنه لا يجوز أن يدخل بها المسجد؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، وإذا كانت الملائكة تتأذى من ريح البصل والكراث فتتأذى من هذه الصورة التي تمنعها -أي: تمنع الملائكة من دخول المسجد- أما إذا كانت خفية وليست مقصودة بذاتها فأرجو ألا يكون بذلك بأس؛ لأنها خفية داخل الكتاب، وأيضاً هي غير مقصودة وإن رأى الإنسان أن يفعل ما هو الأكمل والأفضل فليطمس على وجهها فإذا طمس على وجهها زال ما بها.(16/27)
ضابط التشبه بالكفار
السؤال
فضيلة الشيخ! يوجد نوع من القماش (الجينز) يفصل بطرق مختلفة لملابس الأطفال بنين وبنات يمتاز بالمتانة، والإشكال أن هذه الخامة يلبسها الكفار وغيرهم بطريقة البنطلون الضيق وهو مشهور معروف، والسؤال: هل استعمال هذا القماش بأشكاله المختلفة غير البنطلون الضيق بمعنى استعماله لمتانته وجودته؛ هل يدخل في التشبه وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
التشبه بمعناه أن يقوم الإنسان بشيء يختص بالمتشبه بهم، فإذا استعمل هذه القماشة أو غيرها على وجه يشبه لباس الكفار فقد دخل في التشبه، أما مجرد أن يكون لبس الكفار من هذا القماش ولكن يفصل على وجه آخر مغاير للباس الكفار فإن ذلك لا بأس به ما دام مخالفاً لطريقة الكفار، حتى لو اشتهروا بهذا القماش ما دام أن الهيئة ليست على هيئة ما يلبسه الكفار، فلا بأس.(16/28)
حكم الصلاة خلف الصف منفرداً قبل إتمام الصف الأول
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل دخل في مسجد لصلاة المغرب فوجد المصلين في حالة ركوع، وكان جانب الصف من الجهة الأخرى لم يكتمل فصلى في الصف الثاني ولم ينتصف في الصف، فدخل بعده آخر فصلى بجانب الرجل جهلاً بحاله، فلما انتهت الصلاة أتى الإمام إليهما وسأل عن الأول، وقال: عليه إعادة الصلاة؛ لأنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف، فما رأيكم في هذا أفادكم الله؟
الجواب
رأيي في هذا أن الرجل الذي صف وحده خلف الصف مع وجود مكان له في الصف الذي أمامه أن صلاته باطلة، لاسيما إذا رفع من الركوع قبل أن يدخل معه أحد، فإن دخل معه أحد قبل أن يرفع من الركوع فقد صحح بعض أهل العلم صلاته، وقال: إن هذا الرجل أدرك جميع الصلاة مع الرجل الآخر الذي صف فتصح صلاته لكن من نظر إلى حديث: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) فإنه يظهر منه أن من كبر وحده بدون عذر فصلاته باطلة؛ لأن تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة.
السائل: يا شيخ! وإذا كان لا يدري أن الصف لم يكتمل؟ الشيخ: الواجب عليه ألا يصف وحده حتى يتيقن أن الصف الذي أمامه قد كمل، كيف يأتي ويصف ولا يدري، لا بد أن يدري.
السائل: وهل عليه إعادة الصلاة؟ الشيخ: ليس عليه إعادة الصلاة؛ لأنه جاهل بالحكم.(16/29)
حكم استقدام الخادمات المسلمات سواء بمحرم أو بغير محرم
السؤال
فضيلة الشيخ! أريد أن أسأل عن استقدام الخادمات المسلمات وقد حصل بعض النقاش بيني وبين بعض الشباب يريد استقدامهن؛ سواء كان معها محرم أو ليس معها محرم جزاكم الله خيراً؟
الجواب
أولاً: لا بد أن نوجه نصيحة إلى إخواننا عموماً، وهو أنه لا ينبغي أن يستقدموا خادمات أو خدماً إلا عند الحاجة أو الضرورة؛ وذلك لأن هؤلاء الخدم إذا جاءوا فإنهم سوف يكلفون الإنسان نفقات لا حاجة له إلى إنفاقها ولا ضرورة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن إضاعة المال.
ثانياً: أن بعضهن غير مؤتمنات تلك الأمانة التي نثق بها، لهذا أقول: لا ينبغي أن نستقدم خدماً ولا خادمات إلا بشروط: فبالنسبة للمرأة أولاً: لا بد أن يكون معها محرم، فإن لم يكن معها محرم فإنه لا يجوز استقدامها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) فإذا استقدمتها وليس معها محرم فهذه مخالفة لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: أن يكون محتاجاً إليها، فإن لم يكن محتاجاً إليها وإنما يقصد بذلك الترفيه وسقوط الكلفة ولو كانت يسيرة عن أهله ففي جواز ذلك نظر.
ثالثاً: ألا يخشى الفتنة، فإن خشي على نفسه الفتنة أو على أحد من أولاده إن كان عنده أولاد فإنه لا يجوز أن يعرض نفسه لذلك.
رابعاً: أن تلتزم ما يجب عليها من الحجاب بحيث تغطي وجهها ولا تكشفه، ولا يصح أن يستدل بقول الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور:31] لا يصح الاستدلال بذلك على أنه يجوز للخادمة أن تكشف وجهها لمن هي عنده؛ لأن المستخدم لم يملكها وإنما هي أجيرة عنده، والأجيرة كالأجنبية في مسألة الحجاب.
خامساً: ألا يخلو بها، فإن كان ليس عنده أحد في البيت فإنه لا يجوز أن يستقدمها مطلقاً، وإن كان عنده أحد في البيت وأهل البيت يذهبون عن البيت ويبقى وحده مع هذه الخادمة فإن ذلك لا يجوز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) .
وفي البيت أيضاً لا يخلو بها، وإذا تحقق هذا الشرط بألا يكون هناك خلوة لكن بقية الشروط هل إذا جاءت إليه تعطيه القهوة والشاي والغداء والعشاء وهي كاشفة أم لا؟ السائل: قد يحصل نزاع بين الأخوين ويقول الأخ الذي يريد خادمة لزوجته: أنا لا أريد البقاء مع إنسان لا يحبني ولا يقدرني ولا يطيعني، ثم يحصل نزاع وشقاق بينهم قد يصل إلى قطع الرحم؟ الشيخ: قطع الرحم ليس بلازم، فقد يخرج الإنسان عن البيت والصلة موجودة، فإذا كان أحدهما لا يرضى وقال: والله لا أرضى أن تكون في بيتي ونحن لسنا بحاجة لها، لا أرضى أن تكون في البيت وهي متكشفة، فله أن يخرج ولا يعد متسبباً بقطع الرحم، يخرج ويزورهم بين حينٍ وآخر.
مادامت العلة في ذلك أن المرأة جاءت بلا محرم، وأنها ربما تنتهك الحجاب ولا تتحجب، فلا عليه شيء.(16/30)
مدى صحة القول بأن قول الزور من مبطلات الصيام
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض أهل العلم يستشهد بقوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) على أن قول الزور من مبطلات الصيام، فهل هذا في محله؟
الجواب
هذا غير صحيح، وتوجيه الحديث مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الإنسان ليصلي وما كتب له من صلاته إلا نصفها إلا ربعها إلا عشرها) وما أشبه ذلك، فالمراد أن الصوم الكامل هو الذي يصوم فيه الإنسان عن قول الزور والعمل به والجهد، أما الصيام فمعروف كما قال تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] .
فهذا هو الصيام: أن يصوم عن هذه الأشياء وما شابهها، وأما الصوم عن القول المحرم والعمل المحرم فلا شك أنه أكمل وأفضل وهذه هي الحكمة من الصوم، ولكنه ليس شرطاً فيه، قال الإمام أحمد: لو كانت الغيبة تفطر ما كان لنا صيام، من يسلم من الغيبة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به) ما قال بطل صومه أو صيامه لا يقبل بل قال: (ليس لله حاجة) : يعني ليست هذه الحكمة من الصوم، الحكمة من الصوم أن يصوم عما حرمه الله.(16/31)
حكم إمامة الأعرج
السؤال
فضيلة الشيخ! يوجد إنسان حافظ للقرآن وهو إنسان أعرج وعليه جهاز هل تجوز إمامته عند الحاجة؟
الجواب
نعم.
يجوز للإمام أن يكون عاجزاً عن القيام والركوع والسجود؛ لأن صلاته تصح وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلّى بأصحابه قاعداً فقاموا فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما سلم أخبرهم بأن الإمام يؤتم به، وقال: (وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً) فالصواب أنه متى صحت صلاة الإنسان صحت إمامته.(16/32)
حكم ختانة النساء
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة لختان المرأة هل هو على سبيل الوجوب أو على الندب؟
الجواب
الصحيح من أقوال أهل العلم في مسألة الختان القول الوسط وأنه واجب على الذكور دون النساء، والفرق ظاهر؛ لأن قلفة الرجل لو بقيت لكان في ذلك ضرر عليه من حيث البول، وكان في ذلك أيضاً تلويث، يعني: البول يحتقن بين القلفة والحشفة بخلاف المرأة، فالصواب من أقوال أهل العلم في هذه المسألة أنه واجب في حق الذكور سنة في حق النساء، وبعض العلماء يقول: إنه واجب على الجميع، وبعضهم يقول: ليس واجباً على الجميع بل هو سنة، والصواب الوسط أنه على الرجال واجب وعلى النساء سنة.(16/33)
حكم تسمية البنات بأسماء من القرآن
السؤال
فضيلة الشيخ! كثر السؤال عن تسمية بعض الناس بناتهم بأسماء من القرآن مثل (بيان) وبعضهم يسمون (إيمان) فهل هذا صحيح أم لا؟ وهل يغير الاسم إذا كانت لا تصح التسمية بهذه الأسماء؟
الجواب
نعم.
الأصل في التسمية الإباحة إلا ما دل الدليل على كراهته بعينه أو بمثله -فمثلاً- اسم (برة) واسم (أبرار) ، واسم (إيمان) ، كل هذا ينهى عنه، يعني: يُغيَّر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم برة إلى زينب وإلى جويرية، وأما ما لا يشبه ذلك فلا بأس به -فمثلاً- (أفنان) ما فيه بأس، (أغصان) ما فيه بأس، (جنا) ما فيه بأس، أما (بيان) فلا أرى أن يسمى به وكذلك (إيمان) لأن فيه شيئاً من التزكية و (أبرار) كذلك.(16/34)
حكم التصوير الفوتغرافي
السؤال
فضيلة الشيخ! يوجد أحد الشباب أشكل عليه أمر التصوير إشكالاً كبيراً، ويقول: هناك أحاديث صريحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بتحريمها وإنه جائز في حال الضرورة وعنده إشكالات كثيرة نريد بسطها؟
الجواب
الواقع أنه ليس هناك إشكال؛ لأن التصوير الذي كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فيه مضاهاة لخلق الله؛ ليس عندهم آلات تعكس الصورة، في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يرسمون باليد، والراسم باليد مضاهٍ لخلق الله، لأن هذا عمله بيده هو الذي قدر العين، قدر الأنف، قدر الشفتين وما أشبه ذلك فيكون مضاهياً لخلق الله، وأما في وقتنا الحاضر فإن المصور لا يفعل هذا، ولا يصور بيده، وإنما ذلك بآلة تنعكس على ما أمامها سواء كان رجلاً أو حيواناً أو شجراً أو أي شيء فيطبع فيها، لكن الإنسان ليس له عمل في تخطيطها وتكييف عينيها وشفتيها وأنفها، فليس هذا من التصوير في شيء.
فلا إشكال عليك أبداً، استعن بالله لكن لا تعملها على وجه العبث أو الذكرى أو ما أشبه ذلك، ولكن يتوقف عليها أن يدخل الإنسان المدرسة -مثلاً- أو يتوظف في وظيفة ينفع المسلمين بها أو أن يسافر لحاجة فلا إشكال فيها.
الآن لا ينضبط الناس إلا بالصورة، وإلا كان كل إنسان يأتي يزور عليك ويقول: أنا فلان الفلاني وليس هو كذلك.
السائل: ولكن تحريم التصوير في الأحاديث أطلق ولم يقيد؟ الشيخ: لا.
وصفهم بأنهم يضاهون بخلق الله وهذا تقييد.(16/35)
حكم ترك الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية
السؤال
فضيلة الشيخ! إمام كبر لصلاة المغرب ونسي أنه إمام، سها بأمر أشغله ثم قرأ الفاتحة وشرع في السورة التي بعد الفاتحة سراً، ثم تذكَّر ثم أعاد قراءة الفاتحة، فالسؤال يا شيخ! لو قدر أنه كبر وهو إمام ولم يقرأ سورة الفاتحة جهراً فماذا على المأمومين؟
الجواب
ليس عليهم شيء، غاية ما هنالك أنه لم يجهر بالقراءة والجهر بالقراءة سنة ليس واجباً، ولو تركه الإنسان عمداً فلا شيء عليه.
السائل: المأمومون لم يسمعوا قراءة الفاتحة ولم يقرءوها؟ الشيخ: المأموم لابد أن يقرأ الفاتحة حتى في الصلاة الجهرية؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) .
السائل: هم ينتظرون من الإمام أن يقرأها حتى يقرءوا بعده؟ الشيخ: هذا غريب منهم، فكيف ينتظرون هذه المدة الطويلة ولم ينتبهوا، فالظاهر أنه غشيهم أيضاً النسيان.
على كل حال: من صلى ولم يقرأ الفاتحة يجب عليه إعادة صلاته ولو بعد سنين أو أشهر، فلا بد من الإعادة.(16/36)
وقت النهي عن التحلق يوم الجمعة
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة للنهي عن التحلق يوم الجمعة هل يقصد به قبل الصلاة مباشرة أو بعد صلاة الفجر؟
الجواب
الظاهر أن التحلق قبل أن يحضر الناس إلى المسجد لا بأس به، وإنما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم لئلا يضيقوا على الناس الذين يأتون الصلاة، وغالباً بعد الفجر لا يوجد أناس.(16/37)
حكم سفر الخادمة بدون محرم
السؤال
إذا كانت الخادمة جاءت مع عائلة -مثلاً- وهي بدون محرم هل يجوز ذلك؟
الجواب
هذا لا يجوز ولابد من محرم، المرأة لا يمكن أن تأتي إلا بمحرم.(16/38)
لقاء الباب المفتوح [17]
فسر الشيخ في مستهل هذا اللقاء آيات من سورة النازعات، وضمن إيضاحه لمعانيها تكلم عن: مصير الإنسان وما سيلاقيه، وتذكره لما عمل من خير وشر، وأنه مكتوب، وتحدث عن أنواع وأقسام النفس، وبعد ذلك ركز على نصيحة حول سوء الخاتمة، وحسن الخاتمة والحرص على أن يموت الإنسان والله راضٍ عنه.(17/1)
تفسير آيات من سورة النازعات
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: هذا هو اليوم الذي نلتقي فيه بإخواننا في هذا الشهر، كما هو مقرر في كل يوم خميس، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها لقاءات مباركة، ونبدأ هذا اللقاء بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل وقد بدأنا من سورة النبأ إلى آخر القرآن، ووقفنا على قوله: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا.
} [النازعات:27-28] إلى آخر السورة.(17/2)
تفسير قوله تعالى: (أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها)
يخاطب الله سبحانه وتعالى عباده يقول: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات:27] وأراد بهذا الاستفهام تقرير إمكان البعث؛ لأن المشركين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم بالبعث، وقالوا: {مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] ؟ فيقول الله عز وجل: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ} [النازعات:27] والجواب معلوم لكل أحد أن السماء أشد خلقاً، كما قال تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [غافر:57] .
(بناها) هذه الجملة لا تتعلق بالتي قبلها، ولهذا ينبغي للقارئ إذا قرأ أن يقف عند قوله: {أَمْ السَّمَاءُ} [النازعات:27] ثم يستأنف فيقول: {بَنَاهَا} [النازعات:27] فالجملة استئنافية لبيان عظمة السماء، (بناها) أي: بناها الله، وقد بين الله سبحانه وتعالى في آية أخرى في سورة الذاريات أنه بناها، فقال: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات:47] أي بقوة {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] .(17/3)
تفسير قوله تعالى: (رفع سمكها فسواها)
قال تعالى: {رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} [النازعات:28] (رفع) أي: عن الأرض، ورفعها عز وجل بغير عمد، كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد:2] (فسواها) أي: جعلها مستوية وجعلها تامة كاملة كما قال تعالى في خلق الإنسان: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار:6-7] أي: جعلك سوياً تام الخلقة، فالسماء كذلك سواها الله عز وجل.(17/4)
تفسير قوله تعالى: (وأغطش ليلها وأخرج ضحاها)
قال تعالى: {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} [النازعات:29] أغطشه، أي: أظلمه، فالليل مظلم، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء:12] .
{وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} [النازعات:29] فالشمس تخرج كل يوم من مطلعها وتغيب في مغربها.(17/5)
تفسير قوله تعالى: (والأرض بعد ذلك دحاها)
قال تعالى: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} [النازعات:30-33] .
(وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ) أي: بعد خلق السماوات والأرض (دَحَاهَا) وبين هذا الدحو بقوله: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [النازعات:31-32] وكانت الأرض مخلوقة قبل السماء كما قال الله تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت:9-12] .
فالأرض مخلوقة قبل السماء، لكن دحوها وإخراج الماء منها والمرعى كان بعد خلق السماوات: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [النازعات:31-32] أي: جعلها راسية في الأرض تمسك الأرض لئلا تضطرب بالخلق {مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} [النازعات:33] أي: جعل الله تعالى ذلك متاعاً لنا نتمتع به فيما نأكل ونشرب، ولأنعامنا، أي: مواشينا من الإبل والبقر والغنم وغيرها.(17/6)
تفسير قوله تعالى: (فإذا جاءت الطامة الكبرى)
ولما ذكر الله عباده بهذه النعم الدالة على كمال قدرته، ذكرهم بمآلهم الحتمي الذي لا بد منه، فقال عز وجل: {فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى} [النازعات:34] وذلك قيام الساعة، وسماها طامة؛ لأنها داهية عظيمة تطم كل شيء سبقها، (كبرى) أي: أكبر من كل طامة {فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى} [النازعات:34-35] بيان لهذا اليوم الذي تكون فيه الطامة الكبرى، وهو اليوم الذي يتذكر فيه الإنسان ما سعى، يتذكره، ويجده مكتوباً عنده يقرأه بنفسه، قال الله تعالى: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:13-14] إذا قرأه تذكر ما سعى، أي: ما عمل، أما اليوم فإنا قد نسينا ما عملنا، عملنا أعمالاً كثيرة منها الصالح ومنها اللغو ومنها السيئ، لكن كل هذا نُسي، وفي يوم القيامة يُعرض علينا هذا في كتاب، ويقال: {اقْرَأْ كِتَابَكَ} [الإسراء:14] أنت بنفسك: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] فحينئذٍ يتذكر الإنسان ما سعى {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} [النبأ:40] .(17/7)
تفسير قوله تعالى: (وبرزت الجحيم لمن يرى)
ثم قال: {وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى} [النازعات:36] أعاذنا الله وإياكم منها، (وبرزت) أظهرت، تجيء وتقاد بسبعين ألف زمام، كل زمام معه سبعون ألف ملك يقودونها، إذا ألقي فيها الظالمون في مكان ضيق مقرنين، {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً} [الفرقان:13] وتأتي جهنم وتبدو -والعياذ بالله- لمن يرى ويبصر فتنخلع القلوب ويشيب المولود، ولهذا قال: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:37-39] هذان الوصفان هما وصفان لأهل النار، الطغيان وهو: مجاوزة الحد، وإيثار الدنيا على الآخرة بتقديمها على الآخرة وكونها أكبر هم للإنسان، فإذا قال قائل: ما هو الطغيان؟ قلنا: الطغيان مجاوزة الحد كما ذكرناه آنفاً، وحد الإنسان مذكور في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] فمن جاوز حده ولم يعبد الله فهذا هو الطاغي؛ فأنت مخلوق لعبادة الله لا لتأكل وتتمتع وتتنعم كما تتمتع الأنعام، فاعبد الله عز وجل فإن لم تفعل فقد طغيت، وهذا هو الطغيان.
وقوله: {وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [النازعات:38] هما متلازمتان، فإن الطاغي عن عبادة الله مؤثر للحياة الدنيا؛ لأنه يتعلل بها عن طاعة الله، ويتلهى بها عن طاعة الله، إذا أذن الفجر آثر النوم على الصلاة، إذا قيل له: اذكر الله آثر اللهو على ذكر الله وهكذا، وقوله: {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:39] أي: هي مأواه، والمأوى هو: المرجع والمقر، وبئس المقر مقر جهنم أعاذنا الله وإياكم منها.(17/8)
تفسير قوله تعالى: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى)
قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} [النازعات:40] أي: خاف القيام بين يديه؛ لأن الإنسان يوم القيامة سوف يقرره الله عز وجل بذنوبه، ويقول: عملت كذا وعملت كذا، كما جاء في الحديث الصحيح، فإذا أقر قال الله له: (قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم) هذا الذي خاف هذا المقام {وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى} [النازعات:40] أي: عن هواها، والنفس أمارة بالسوء، لا تأمر إلا بالشر، ولكن هناك نفس أخرى تقابلها وهي النفس المطمئنة؛ لأن للإنسان ثلاثة أنفس: مطمئنة، وأمارة، ولوامة، وكلها في القرآن.
أما المطمئنة: ففي قوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27-30] .
وأما الأمارة بالسوء: ففي قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} [يوسف:53] .
وأما اللوامة: ففي قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة:1-2] .
والإنسان يحس بنفسه بهذه الأنفس، يرى في نفسه أحياناً نزعة خير يحب الخير ويفعله، هذه هي النفس المطمئنة، ويرى أحياناً في نفسه نزعة شر فيفعله، هذه هي النفس الأمارة بالسوء.
تأتي بعد ذلك النفس اللوامة التي تلومه على ما فعل، فتجده يندم على ما فعل من المعصية، أو لوامة أخرى تلومه على ما فعل من الخير -والعياذ بالله- فإن من الناس من يلوم نفسه على فعل الخير، وعلى مصاحبة أهل الخير، ويقول: كيف أصحب هؤلاء الذين يصدوني عن حياتي وشهواتي وعن الهوى وما أشبه ذلك.
فاللوامة نفس تلوم الأمارة بالسوء، وتلوم المطمئنة تارة أخرى، فهي في الحقيقة نفس بين نفسين، تلوم النفس الأمارة بالسوء إذا فعلت السوء وتُنَدِّم الإنسان، وقد تلوم النفس المطمئنة إذا فعلت الخير -نسأل الله العافية- يقول الله عز وجل: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40-41] الجنة هي دار النعيم التي أعدها الله عز وجل لأوليائه، ففيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، قال الله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:17] هكذا جاء في القرآن وجاء في الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) .
هذه الجنة يدركها الإنسان قبل أن يموت كيف ذلك؟ إذا حضر الأجل ودعت الملائكة النفس للخروج وقالت: اخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى رضوان الله، وتبشر النفس بالجنة، قال الله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ} [النحل:32] متى يقولون؟ حين الوفاة {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:32] فيبشر بالجنة، فتخرج روحه راضية متيسرة سهلة، ولهذا لما حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت عائشة: يا رسول الله! كلنا يكره الموت، قال: ليس الأمر كذلك) كلنا يكره الموت هذه طبيعة، ولكن المؤمن إذا بشر بما يبشر به عند الموت أحب لقاء الله، أحب الموت، وسهل عليه، وأن الكافر إذا بشر بما يسوءه -والعياذ بالله- عند الموت كره لقاء الله وهربت نفسه، وتفرقت في جسده، حتى ينتزعها منه كما ينتزع السفود من الشعر المبلول، والشعر المبلول إذا جر عليه السفود -وهو معروف عند الغزَّالين- يكاد يمزقه من شدة سحبه عليه.
هكذا روح الكافر -والعياذ بالله- تتفرق في جسده؛ لأنها تبشر بالعذاب فتخاف، ولهذا يوجد بعض الناس -والعياذ بالله- يسود وجهه، ولونه في الحياة أحمر، وحدثني من أثق به -وأقسم لي أكثر من مرة- وهو ممن يباشرون تغسيل الموتى، يقول: والله مرت عليّ حالتان لا أنساهما أبداً، غسلت اثنين بينهما زمن، يقول: الوجه أسود مثل الفحم -والعياذ بالله- والبدن طبيعي؛ لأنه يبشر بما يسوءه، والإنسان إذا بشر بما يسوءه تغير.
فالجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وقلت: إن الإنسان قد يدركها قبل أن يموت بما يبشر به، ولا يخفى علينا ما جاء في السيرة النبوية أن أنس بن النضر رضي الله عنه قال: (والله إني لأجد ريح الجنة دون أحد) وهذا ليس معناه الوجدان الذوقي، إنما هو وجدان حقيقي -كما أشار إليه ابن القيم رحمه الله من أن بعض الناس قد يدرك الآخرة وهو في الدنيا- ثم انطلق أنس فقاتل وقتل رضي الله عنه، فالحاصل أن الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.(17/9)
تفسير قوله تعالى: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها)
ثم قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} [النازعات:42] (يسألونك) أي: يسألك الناس، كما قال تعالى في آية أخرى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب:63] وسؤال الناس عن الساعة ينقسم إلى قسمين: سؤال استبعاد وإنكار وهذا كفر، كما سأل المشركون النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة واستعجلوها، وقد قال الله عن هؤلاء: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} [الشورى:18] .
وسؤال عن الساعة للاستعداد لها، وهذا لا بأس به، وقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! متى الساعة؟ قال له: ماذا أعددت لها؟ قال: حب الله ورسوله، قال: المرء مع من أحب) فالناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم ولكن تختلف نياتهم في هذا السؤال، ولكن مهما كانت نياتهم ومهما كانت أسئلتهم فعلم الساعة عند الله، ولهذا قال: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا} [النازعات:43-44] أي: أنه لا يمكن أن تذكر لهم الساعة، لماذا؟ لأن علمها عند الله، كما قال الله تعالى في آية أخرى: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب:63] وقد سأل جبريل -وهو أعلم الرسل من الملائكة- النبي صلى الله عليه وسلم -وهو أعلم الخلق من البشر- فقال: (أخبرني عن الساعة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما المسئول عنها بأعلم من السائل) أي: إذا كانت خافية عليك فأنا أيضاً خافية عليَّ، وإذا كان أعلم الملائكة وأعلم البشر لا يعلمان متى الساعة فما بالك بمن دونهما؟ وبهذا نعرف أن ما يشيعه بعض الناس من أن الساعة تكون في كذا، وفي زمن معين كله كذب، نعلم أنهم كَذَبَة في ذلك؛ لأنهم لا يعلمون متى الساعة، ولا يعملها إلا الله عز وجل.(17/10)
تفسير قوله تعالى: (إنما أنت منذر من يخشاها)
قال تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات:45] أي: ليس عندك علم بها ولكنك منذر، (من يخشاها) أي: يخافها وهم المؤمنون، أما من أنكرها واستبعدها وكذبها فإن الإنذار لا ينفعه: {وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101] ولهذا نقول: أنت لا تسأل متى تموت ولا أين تموت؛ لأن هذا أمر لا يحتاج إلى سؤال، هذا أمرٌ مفروغ منه ولا بد أن يكون، ومهما طالت بك الدنيا فكأنما بقيت يوماً واحداً، بل كما قال تعالى هنا: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات:46] ولكن السؤال الذي يجب أن يَرِدَ على النفس، ويجب أن يكون لديك جواب عليه هو: على أي حال تموت؟! لا أريدك أن تسأل: هل أنت غني أو فقير؟ قوي أو ضعيف؟ ذو عيال أو عقيم؟ بل: على أي حال تموت من حيث العمل، فإذا كنت تسأل نفسك هذا السؤال فلا بد أن تستعد؛ لأنك لا تدري متى يفاجئك الموت، كم من إنسان خرج يقود سيارته ورُجِعَ به محمولاً على الأكتاف، وكم من إنسان خرج من أهله يقول: هيئوا لي طعام الغداء أو العشاء ولا يأكله، وكم من إنسان لبس قميصاً وزرَّ أزرته، ولم يفكها إلا الغاسل قبيل أن يغسله، هذا أمر مشاهد لكل أحد، بحوادث.
!! بغتة على أي حال، فينبغي أن تنظر الآن، وتفكر على أي حال تموت؟ نسأل الله أن يرزقنا وإياكم التوبة والإنابة.
ولهذا ينبغي أن تكثر من الاستغفار ما استطعت، فإن الاستغفار فيه من كل هم فرج، ومن كل ضيق مخرج، حتى إن بعض العلماء يقول: إذا استفتاك شخص فاستغفر الله قبل أن تفتيه؛ لأن الذنوب تحول بين الإنسان وبين الهدى، واستنبط ذلك من قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:105-106] .
وهذا استنباط جيد يمكن أيضاً أن يستنبط من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] والاستغفار من الهدى، لذلك أوصي نفسي وإياكم بالمراقبة، وكثرة الاستغفار ومحاسبة النفس، حتى نكون على أهبة الاستعداد لما نخشى أن يفاجئنا من الموت، نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة.(17/11)
تفسير قوله تعالى: (كأنهم يوم يرونها)
قال الله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات:46] العشية: من الزوال إلى غروب الشمس، والضحى: من طلوع الشمس إلى زوالها، أي: كأنهم لم يلبثوا إلا نصف يوم وهذا هو الواقع، لو سألت الآن: كيف ما مضى من السنوات علينا؟ هل نشعر الآن بأنها سنوات أو كأنها يوم واحد؟ كأنها يوم واحد لا شك، والإنسان الآن بين ثلاثة أشياء: يوم مضى فهذا قد فات، ويوم مستقبل لا يدري أيدركه أم لا يدركه، ووقت حاضر وهو المسئول عنه، أما ما مضى فقد فات وهلك عنك، والمستقبل لا تدري أتدركه أم لا، والحاضر هو الذي أنت مسئول عنه.
أسأل الله تعالى أن يحسن لي ولكم العاقبة، وأن يجعل عاقبتنا حميدة، وخاتمتنا سعيدة، إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(17/12)
الأسئلة
.(17/13)
استغلال فرصة الإجازة للدعوة إلى الله
السؤال
فضيلة الشيخ! كما تعلم في آخر الشهر القادم ستبدأ إجازة الربيع، ويا حبذا لو رغبت طلاب الجامعة والمدرسين في الدعوة إلى الله، ومحادثة الناس في الشمال والجنوب، حتى أني أذكر أني حملت رجلاً قبل أيام من بعض القرى، فأردت أن أقرأ أنا وإياه بعض قصار السور، وقرأ الفاتحة فلم يحسن قراءتها، فتعجبت منه! وقلت له: يا أخي! إذا رجعت القرية جزاك الله خيراً تحاول أن تقرأ على إمام القرية، فقال: أنا إمام القرية، وهو لا يحسن الفاتحة، فحبذا التنبيه على فضل الدعوة إلى الله؛ لأن بعض الناس يذهبون إلى البر وهذا مباح، ولكن أيهما أفضل: الخروج إلى هذه البراري أم الدعوة إلى الله، جزاكم الله خيراً؟
الجواب
لا شك أن هذا توجيه مهم من الأخ، وذلك أن الناس في أيام إجازة الربيع الكثير منهم يخرج إلى البر للنزهة والأنس بأصحابه وإخوانه، وهذا من الأمور المباحة لكن ينقسم الناس في هذا الخروج إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: يكتسبون به إثماً، فتجد عندهم من آلات اللهو والموسيقى، والأغاني والألعاب المحرمة التي يحصل فيها شر، ويكون ذلك وبالاً عليهم.
القسم الثاني: يقضون الوقت في اللغو واللهو وإن لم يصل إلى درجة التحريم.
القسم الثالث: من يستغله في الدعوة إلى الله، يكون إذا بقي في مخيمه يتلو كتاب الله، يقرأ في كتب التفسير وكتب الحديث، ويتجول بين المخيمات للدعوة إلى الله عز وجل والترغيب والترهيب، ويهدي الله به بشراً كثيراً، والحازم العاقل هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني) .(17/14)
حكم المسح على الجوربين في وضوء تخفيف الجنابة
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجزئ في وضوء تخفيف الجنابة المسح على الجوربين حتى يمكث في المسجد مع بقاء مدة المسح أم أنه لا بد من غسل القدمين؟
الجواب
نعم.
هذا سؤال جيد، يقول: وضوء تخفيف الجنابة هل يجزئ إذا مسح على الجوارب مع بقاء مدة المسح أو لا بد أن يخلعها ويغسل قدميه؟ والجواب: يكفي إذا مسح على الجوارب؛ لأنه وضوء يبيح الصلاة له، فإذا كان يبيح الصلاة له إذا كان على غير جنابة، فكذلك يخفف في الجنابة.
أما المكث في المسجد فلا يجوز إلا إذا توضأ، وإذا كان لابساً جورباً ومسح عليه هل يكفي أو لا بد أن يخلع الجورب ويغسل قدميه؟ فالجواب: أنه يكفي؛ لأن هذه كيفية الوضوء الشرعي الذي يبيح الصلاة، فإذا استدل أحدهم بحديث صفوان بن عسال أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (امسحوا عليهما إلا من جنابة) تقول له: هذا في الاغتسال، فإذا أراد أن يغتسل لا بد أن يخلع الجوارب.(17/15)
أجر الداعية إلى الله
السؤال
فضيلة الشيخ! سمعنا من بعض المشايخ أن الإنسان إذا مشى بفكر الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وفي نيته أن يهتدي كل العالم ويدخل في الدين، ويمشي بالفكر والهم لهذه الأمة، فكل من دخل في هذا الدين يكون له نصيب في الأجر، وهذا الشخص خرج للدعوة إلى الله، ولكن لم يذهب إلى جميع البلاد، ولكن نيته أن يهتدي العالم كله، فهل كل من دخل في الدين له بدخوله أجر وثواب؟
الجواب
لا.
إذا لم يكن للإنسان أثر في إدخال غيره في دين الله فليس له أجر، الأجر إنما يكون على من دل على خير وأعان عليه، أما من نوى الخير فله -لا شك- أجر النية بأنه يحب أن الله يهدي الخلق، ولكنه لا يكتب له أجر كل من آمن.
السائل: فضيلة الشيخ! هم يستشهدون بالحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إن قوماً بـ المدينة ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم) وفي رواية: (لهم الأجر) أي: أن الله كتب لهم الأجر على نيتهم أن يكونوا مع الرسول في هذه الغزوة؟ الشيخ: نعم.
بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه حبسهم العذر، فهم لولا العذر لخرجوا مع المجاهدين فيكتب لهم أجر هذا العمل، ولكنهم لم يدركوه.(17/16)
حكم الاستدانة للفدية في الحج
السؤال
فضيلة الشيخ! حاج ضاعت نفقته هل عليه أن يستدين للفدية؟
الجواب
إذا ضاعت نفقة الحاج فإنه ليس عليه أن يستدين للفدية، ولكن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع؛ أما إذا ضاعت نفقته ويحتاج إلى نفقة خاصة مثل الأكل والشرب وما أشبه ذلك، فهذا لا بد أن يستدين إذا لم يكن لديه شيء، إلا من عَلِمَ بحاله وأعطاه من الزكاة أو صدقة تطوع فهذا طيب.(17/17)
الجمع بين العمرة عن الشخص وعن الميت في وقت واحد وحكم عمرة الصغير
السؤال
فضيلة الشيخ! معتمر يريد أن يعتمر عن ميت، هل له أن يشرك نفسه في الثواب؟ وإذا اعتمر لصبية صغار ونوى هو أجرهم للميت هل يكون ذلك؟
الجواب
هذان سؤالان في سؤال.
أما المسألة الأولى: فإنه لا يصح أن ينوي نسكاً واحداً عن اثنين؛ لأن النسك لا يجزئ إلا عن واحد، كما لو أردت أن تصوم قضاءً عن نفسك وعن ميت فإنه لا يصح.
وأما المسألة الثانية: فإن ثواب الأولاد لهم؛ لأن الصبي الذي لم يبلغ يكتب له الثواب، ولا يكتب عليه العقاب، لكن لك أجر لكونك أحرمت بهم، ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المرأة التي رفعت إليه الصبي وقالت: (ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر) أي: الحج للصبي وأنتِ لك أجر، أما ما اشتهر عند العامة أن أجره يكون لأبيه أو لأمه أو لمن حج به فهذا لا أصل له.(17/18)
الجمع بين تربية الأبناء وحج التطوع
السؤال
فضيلة الشيخ! شخص يسأل أن له أولاداً يشغلونه عن التطوع في الحج ويخشى عليهم من نقص الأخلاق في أثناء أداء حج التطوع، فهل ترى له عذراً في ذلك أم لا؟
الجواب
لا شك أن تربية أولاده واجبة، وحج التطوع ليس بواجب، وكذلك عمرة التطوع، فإذا كان يخشى على أولاده من الضياع إذا ذهب لأداء العمرة في رمضان -مثلاً- أو الحج فإنه لا يجوز أن يذهب للحج؛ لأنه مسئول عن أهله سؤالاً مباشراً، والحج الذي أتكلم عنه حج التطوع.(17/19)
مسافة القصر في السفر
السؤال
فضيلة الشيخ! في الأسبوع قبل الماضي سأل أحد الإخوان، فقال: إنه يذهب (70 كم) ويرجع، فهل عليه قصر أم لا؟ فأفتيته بأنه ليس عليه قصر، بسبب أنه لا يحتاج إلى مئونة وطعام، فما رأيكم: اليوم يستطيع الإنسان أن يذهب إلى الرياض أو الدمام، ويرجع في يوم ولا يحتاج إلى مئونة سواء بالسيارة أو بالطائرة، أرجو التفصيل لدفع الالتباس، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
العبرة بالعادة وليس بالفعل، العادة أن من ذهب إلى (70كم) ورجع في يومه لا يستعد له استعداد السفر، لكن من ذهب إلى الرياض أو إلى مكة من القصيم فالعادة أنه يستعد له، هذه العادة، يشدون الرحال ويأتون بالأزواد وبالمياه وبالقرب، لكن كونه الآن بالطائرات ليس بعبرة، العبرة بما كان الناس عليه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن مثل هذا السفر يستعدون له، الآن ربما يذهب الإنسان إلى أبعد من الرياض إلى أماكن بعيدة ليس معه إلا الدراهم فقط، يجد الطعام هناك أمامه في الفنادق وغيرها، ولا يحمله، ولكن العبرة بالأول، قديماً كان الناس إذا ذهبوا إلى مكان قريب (70 كم) -مثلاً- ورجعوا في يوم أنهم لا يستعدون لهذه المدة، ولا يقال: إن فلاناً مسافر، ولكن إذا أراد أن يسافر إلى محل آخر أو إلى (70 كم) ويبقى يومين أو ثلاثة، فإن هذا يستعد له.
فالمسألة في الحقيقة كما سمعت الآن مني، هذا قول بعض العلماء، بعض العلماء يقول مسافة القصر محدودة لا ترجع للعرف، إذا بلغ (81 كم) أو أكثر قليلاً فهذه مسافة قصر، وإذا كان دون ذلك فليست مسافة قصر، ولكن هذا ليس عليه دليل، ولهذا أنكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: العبرة بما يسمى سفراً.
الآن -مثلاً- إذا ذهب الإنسان إلى الرياض صباحاً ورجع وقت العصر قال الناس: إنه مسافر، ولكنه لو ذهب إلى الرس من عنيزة ورجع في يومه لم يقل الناس: هذا مسافر.(17/20)
حكم تأخير إنكار المنكر لأجل الدعوة
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك بعض المسلمين من أصحاب المعاصي نزورهم بنية الدعوة إلى الله عز وجل، لكن هؤلاء لا يحضرون مجالس الذكر وهم بعيدون عن الله عز وجل، ونجد عندهم بعض المنكرات وأحياناً يريدون أن يختبرونا بأن يفتح أحدهم أغانٍ في وجودنا، ونحن لا ندعوهم أمام الناس، بل نأتيهم إلى بيوتهم، ونحاول أن نكسب قلوبهم في البداية بتكرار الزيارات، ووجدنا حسب التجارب أننا إذا بدأناهم بإنكار المنكر يفرون منا ولا يجالسوننا، ولكن بفضل الله عز وجل نصبر على ذلك، وإن سمعنا أحياناً بعض المنكرات، ولكن بعض الإخوة ينكرون يقولون: لا بد أن تنكروا المنكر، فهل ننكر المنكر مباشرةً أو نصبر بنية الدعوة إلى الله عز وجل؟
الجواب
منكر المنكر هو مثل الطبيب، لو أن الطبيب أتى على جرح وشقه مباشرة ليستخرج ما فيه فربما يتولد ضرر أكبر، ولكن لو أنه شقه يسيراً يسيراً وصبر على ما يشم منه من رائحة منتنة لحصل المقصود، فأنتم ما جلستم مع أهل المنكر رغبة فيما هم عليه من المنكر، وإنما جلستم من أجل الدعوة إلى الله، وفي ظني أن كل إنسان عنده عقل مميز إذا جلس إلى جانبه صاحب خير فإنه سوف يقلع عن المعصية التي هو عليها، وربما يكابر أو يعاند فيبقيها أو يزيدها كما قلتَ، ولكن اصبرْ فإذا عرفت أنه ليس فيه رجاء فحينئذ لا تجلس معه، ويجب حينئذٍ أن تفارقه.(17/21)
حكم اللقطة في الحرم
السؤال
فضيلة الشيخ! إنسان وجد لقطة وهو داخل مكة في طريق السيل الكبير، ما رأيك هل يدعها في مكانها أم يأخذها معه ويرجع إلى القصيم -مثلاً-؟ الشيخ: هل وجدها قبل دخول الحرم أم بعد دخول الحرم؟ السائل: قبل دخول الحرم.
الجواب
هذه مثل غيرها من اللقطات إن شاء أخذها إن أمن نفسه عليها، وعلم أنه سوف يعرّفها فليأخذها؛ لأن ذلك خير، وأما إذا كان يخشى ألا يعرفها أو لا يأمن نفسه عليها فإنه لا يأخذها ويتركها.
السائل: إذا كانت شيئاً قليلاً مثلاً (10) أو (20) ريالاً؟ الأشياء الصغيرة مثل (10) ، (20) ، (50) ريالاً حسب عرف الناس هل يهتم بها أوساط الناس؟ الظاهر أنه لا يُهتم بها، والشيء الذي لا يُهتم به ولا يُظن أن صاحبه يرجع يبحث عنه يملكها بمجرد الالتقاط ولا يحتاج إلى تعريف.(17/22)
المسح على الجوربين
السؤال
إذا توضأ الإنسان ثم لبس الشراب، وبعد أن مسح عليه احتاج إلى شراب آخر يلبسه، فهل يمسح على الشراب الثاني، وكذلك العكس إذا كان عليه جوارب عدة بعضها على بعضها، فاحتاج إلى نزع أحدها فكيف يكون البناء على المسح؟
الجواب
أما المسألة الأولى: إذا احتاج أن يلبس ولبس الزيادة على طهارة فلا بأس، فيمسح عليها، ولكن يعتبر المدة من مسح الأول، فلو مضى -مثلاً- يوم وبقيت ليلة على المقيم، فلبس فوق الأول على طهارة، فإنه لا يمسح الثاني إلا بقية الليلة فقط.
أما العكس إذا مسح الأعلى ثم أراد أن يخفف وخلعه فإنه يخلع الثاني إذا أراد أن يتوضأ ويغسل الرجلين؛ لأنه خلع الممسوح، وإذا خلع الممسوح بطل المسح.
أما إذا توضأ الإنسان ومسح على الجورب ثم احتاج إلى زيادة، ولبس الجورب الثاني على طهارة بعد أن مسح الأول وهو طاهر فإنه يمسح على الثاني وليس فيه بأس، لكن يمسح عليه بقية المدة، لا يبدأ من جديد، والمثال كما قلت: إنسان -مثلاً- لبس جوارب في الفجر ومسح عليها الظهر والعصر والمغرب، ثم مسح عليه ولبس الجورب الثاني هل يبتدئ يوماً وليلة من جديد أو يكمل الليلة الماضية؟ الجواب أنه يكمل اليوم والليلة الماضية، أما الآن فيمسح ولو لم يبق من المدة إلا وقتاً واحداً، أما العكس كما لو كان لبس اثنين، ولما مضى نصف يوم خلع الذي كان يمسحه، فهنا يجب أن يتوضأ للصلاة بدون خف، أي: يخلع الجورب، والفرق بينهما أنه إذا خلع الممسوح بطل المسح.(17/23)
معنى إحصاء الأسماء الحسنى
السؤال
ما صحة حديث: (من أحصى أسماء الله الحسنى دخل الجنة) وكيف يحصيها، وكيف يدخل بها الجنة؟
الجواب
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) هذا ثبت في صحيح البخاري وغيره، ومعنى إحصائها: أن يعرفها لفظاً ومعنى، ويتعبد لله بها، ليس إحصاؤها أن تتغيبها فقط، لابد أن تحفظها وتعرف معناها وتتعبد لله بها، أي: بما تقتضيه هذه الأسماء -فمثلاً- إذا علمت أن الله (غفور) فإنك تتعرض للمغفرة فتستغفر، وتفعل العبادات التي تكون سبباً لغفران الذنوب.
وإذا علمت بأن الله سبحانه وتعالى (عليم) لا تفعل شيئاً يبغضه؛ لأنه عالم بك.
وإذا علمت أنه يراك فإن مقتضى هذا الإيمان بأن الله يراك ألا تعمل عملاً سيئاً؛ لأنه يراك ولو كنت في أقصى بيتك.
وإذا علمت أن الله (سميع) فإنك لا تُسمِع الله شيئاً يغضبه.
فإحصاؤها ليس بمجرد أن تحفظها؛ لأن هذا سهل لكنَّ إحصاءها معرفتها لفظاً، أي: حفظها، ومعرفة معناها، والتعبد لله بها، فالإنسان إذا فعل هذا أحصاها لفظاً، وفهمها معنى، وتعبد الله بها فهذا هو الدين، ومن دان لله بهذا أدخله الله الجنة.(17/24)
حكم الاجتماع للتعزية
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض الناس يجتمعون في البيت ينتظرون الذين يأتون للعزاء، فهل هذا صحيح أم فيه شيء؟
الجواب
هذا غير صحيح، وهو من البدع، فإن السلف الصالح لم يكونوا يفعلون هذا، بل الشخص يبقى في بيته، وإذا خرج ووجده أحد في السوق عزاه، والتعزية ليست تهنئة يتبادر إليها الناس، ويذهبون إليها، ويسهرون الليل من أجلها، التعزية هي: التسلية والتقوية، وإذا رأيت المصاب فاجلس عنده، أو كلمه وأنت في السوق، وقل: اصبر واحتسب، إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، اجعله يطمئن فقط، ليس المقصود بالتعزية أنك تجيء تعلله وتؤنسه كأنك في نزهة، هذا العمل في الحقيقة ينسي الآخرة وينسي الثواب وينسي الأجر، ولذلك تجد الذين يعزون يأتون للإيناس فقط، ولا تجد منهم تذكيراً للمعزى بأن الإنسان يؤجر على الصبر وما أشبه ذلك، إنما يجيئون من أجل إيناس صاحبهم فقط.(17/25)
حكم المكث عند القبر بعد الدفن
السؤال
فضيلة الشيخ! بعد دفن الميت هناك حديث يقول: يبقى قدر ما يذبح البعير، فما معنى ذلك؟
الجواب
هذا أوصى به عمرو بن العاص رضي الله عنه، قدر ما تنحر الجزور ويقسم لحمها، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد إليه الأمة ولم يفعله الصحابة فيما نعلم، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت) هذا هو المشروع، فيقف على القبر ويقول: اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له ثم ينصرف، أما المكث عنده فليس بمشروع.(17/26)
حكم العقيقة، والهدية للكافر
السؤال
فضيلة الشيخ! حبذا لو أتحفتنا ببعض أحكام العقيقة: تسميتها، ووقتها، وهل يعطى الأغنياء منها، وهل يجوز إعطاء الكافر منها، وهل الأفضل توزيعها أو عمل وليمة؟
الجواب
العقيقة سنة مؤكدة، عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، تذبح في اليوم السابع، ويؤكل منها ويوزع على الأغنياء هدية وعلى الفقراء صدقة.
السائل: هل يجوز أن يعطى الكافر منها؟ الشيخ: الكافر يتصدق منها عليه إذا كان لا ينال المسلمين منه ضرر، لا منه ولا من قومه، لقوله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة:8] أي: لا ينهاكم عن برهم، بروهم أي: تصدقوا عليهم، ليس هناك مانع أن تبروهم وتقسطوا إليهم، فالبر إحسان، والقسط عدل: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8] .(17/27)
حكم الصلاة إلى المدفأة
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض الناس يتورع أن يصلي أمام المدفأة فهل هذا صحيح؟
الجواب
الصحيح أنه لا بأس بذلك، وما علمنا أن أحداً كرهه من أهل العلم، وإنما كره بعض العلماء استقبال النار التي تتوهج ولها لهيب، وعللوا كراهيتهم لذلك بأن وقوفهم بين يدي النار يشبه وقوف المجوس الذين يعبدون النار، فأما هذه الدفايات فليست كنار المجوس، وإذا قلنا بهذا لقلنا حتى النجفات لا نضعها في الجدران وتزال من المسجد إذا كانت في القبلة؛ لأنها نار، وما زلنا نذكر عن علمائنا أنهم كانوا يأتون بالمباخر ويضعونها أمام الناس بين يدي الصفوف، ثم إن المدفأة هذه إنما تكون بين يدي المأمومين لا بين يدي الإمام، والذي يؤثر هو ما يكون بين يدي الأمام، لو قلنا: أنه مكروه؛ لأن المأمومين تبع لإمامهم، ولهذا لا يشرع لهم اتخاذ السترة؛ لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه، المهم أنه ليس في النفس شيء، ولا بأس بها.(17/28)
حكم الصلاة خلف إمام عاصٍ
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم الصلاة خلف إمام مُرابٍ ومُسبِل؟
الجواب
الصلاة خلف الإمام المرابي والمسبل صحيحة، لكن إن تيسر لك أن يؤمك متقٍ صاحب دين فافعل وإلا فصل خلف إمام عاصٍ، فالصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون خلف الحجاج بن يوسف الثقفي، والحجاج بن يوسف الثقفي معروف أنه ظالم، قَتَّال للنفوس، ومع هذا صلوا خلفه، وكان ابن عمر وهو من أزهد الناس وأورع الناس يصلي خلفه.(17/29)
حكم قراءة سورة (يس) على الموتى
السؤال
فضيلة الشيخ! ما صحة الحديث الذي يقول: (اقرءوا يس على موتاكم) وبعض الناس يقرءونها على القبر؟
الجواب
(اقرءوا على موتاكم يس) هذا الحديث ضعيف، ومحل القراءة إذا صح الحديث عند الموت إذا أخذه النزع، فإنه يُقرأ عليه سورة يس، قال أهل العلم: وفيها فائدة وهو تسهيل خروج الروح؛ لأن فيها قوله تعالى: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:26-27] فتُقرأ عند المحتضر، هذا إن صح الحديث، وأما قراءتها على القبر فلا أصل له.(17/30)
حكم العمل باسم شخص آخر
السؤال
فضيلة الشيخ! عندنا أحد المحسنين قام ببناء مسجد، وأتى بإمام على نفقته، ولكن هذا الإمام لم يتمكن من أن يكون إماماً رسمياً، وهو حافظ للقرآن، ويعمل في الجمعية الخيرية، ولكن يوجد حل آخر وهو أن يأتي باسم شخص سعودي ويتم التفاهم بينه وبين هذا الشخص السعودي، هل هذا العمل صحيح وجزاك الله خيراً؟ الشيخ: أنا أسألك هل هذا كذب أو صدق؟ السائل: هذا في الظاهر كذب.
الجواب
هذا كذب ظاهر على كل حال، والجهات المسئولة إن كانت قالت لك ذلك فقد ظلمت نفسها، وظلمتك، وخانت الدولة؛ لأن الواجب على المسئول أن يمشي على ما رسم له في حدود ما شرع الله، وإن كان لا يعجبه، ولا مانع أن يبدي رأيه للجهات المسئولة إن كان لديه رأي، ولكن كونه يخادع ويكتب في المحاضر أن العمل باسم سعودي، والحقيقة أنه غير سعودي هذا فيه خيانة للدولة، وكذب وأكل للمال بالباطل، فلا يجوز أبداً للإنسان أن يتستر ويكتب الوظيفة باسم غيره لأجل أن يأخذها هو.(17/31)
حكم بطائق الائتمان البنكية
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك بطاقات ائتمانية تصدرها بعض البنوك وشركات الصرافة، هذه البطاقة يستفاد منها عند السفر للخارج يسدد بها حساب البنوك أو بعض المشتروات من الأسواق، فعندما تأتي الفواتير تخصم من حسابه في البنك أو الشركة، وأحياناً يكون رصيده لا يغطي فيبقى عليه مبالغ للبنك، فالبنك يتحصل عليها فوائد ربوية بنسب معينة، أحياناً تكون عن غير قصد من هذا الشخص فما حكمها؟ وماذا يعمل من حدث له ذلك في السابق؟
الجواب
هذه المعاملة حرام؛ لأنها معاملة على التزام الربا، وهو إن كان يدفع قبل أن يحل عليه الربا، لكنه قد دخل على التزام الربا فهي حرام، ومن وقعت منه وكان هو المستفيد فالزائد الربوي هذا يتصدق به بنية التخلص منه، وإذا كان هو المظلوم والذي أخذ منه ظالم فتوبته تكفي؛ لأنه مظلوم وليس بظالم.(17/32)
كيفية التخلص من الوساوس
السؤال
فضيلة الشيخ! شاب كان يعمل المعاصي كثيراً والتزم وذهب إلى الدعوة، فأخذت الشياطين توسوس له أن الله ليس حقاً، وأن الرسول ليس حقاً، وأن الصحابة قصص خرافية هل يعاقب على هذا الفكر؟
الجواب
هذه وساوس -بارك الله فيك- يلقيها الشيطان في قلوب أهل الإيمان، وقد جرى هذا للصحابة رضي الله عنهم، وجاءوا يشكون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: (إن أحدنا يجد في نفسه ما يحب أن يخر من السماء ولا يتكلم به أو يحب أن يكون حممة -أي: فحمة محترقة- ولا يتكلم به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذلك صريح الإيمان) أي: هذا هو الإيمان الخالص، هذا علامة على الإيمان الخالص، لماذا؟ لأن الشيطان إذا رأى من الإنسان إقبالاً على الحق صرفه عنه بكل ما يستطيع، وإذا كان معرضاً فقد كفي المئونة فلا يأتي إليه، ولا تدخل عليه الوساوس؛ لأن قلبه مظلم.
والتخلص من ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا وجد أحدكم ذلك فليستعذ بالله ولينته) (يستعيذ بالله) أي: يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (ولينته) أي: يعرض عن هذا ولا يفكر فيه إطلاقاً.(17/33)
الفرار من الفتن
السؤال
أخبرنا أحد الإخوة أنه قرأ في كتيب منشور في المملكة أنه في آخر الزمان تكثر الفتن، وأنه على الإنسان أن يسافر إلى الشام أو إلى اليمن هروباً من الفتن، ما صحة هذا الحديث؟
الجواب
أما كثرة الفتن في آخر الزمان فقد تواترت به الأحاديث، أو كادت تتواتر الأحاديث في هذا، وأما كونه يهاجر إلى الشام أو إلى اليمن فلا أعلم في هذا حديثاً صحيحاً، والهروب من الفتن يكون بالخروج من المدن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن يكون خير مال الرجل غنماً يتتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن) ولكن من أمكنه أن يبقى ويصبر ويدعو الناس إلى الخير كان هذا أوجب وأنفع له.(17/34)
دفع توهم الإشكال في قوله تعالى: (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة)
السؤال
فضيلة الشيخ! قرأت تفسير قول الله سبحانه وتعالى: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [لقمان:28] والإشكال الذي لديّ أن أول الآية يدل على القدرة في الخلق وفي نهاية الآية السمع والبصر؟
الجواب
قوله تعالى: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [لقمان:28] أي: في سهولة هذا على الله عز وجل، كما قال تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50] إذا أمر بالشيء فهو مثل لمح البصر، يأمر الله الأرض فتهتز، وبلمح البصر يُتلف بهذه الهزة عالماً وبيوتاً وأموالاً لا يحصيها إلا الله، كلمة واحدة لو أتيت بأقوياء الدنيا كلها ما فعلوا هذا الفعل، أو بقنابل الدنيا كلها ما فعلت هذا الفعل، ولكنها كلمة واحدة يقول (كن) فيكون، فيقول: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [لقمان:28] هذا من باب التهديد، فهو سميع لأقوالكم، بصير بأفعالكم، فإياكم أن تنكروا شيئاً وأنتم تعرفون عظمة الله عز وجل، هذه المناسبة؛ لأن هذا تهديد لهم لئلا ينكروا شيئاً من عظمة الله.(17/35)
ضمة القبر للميت
السؤال
فضيلة الشيخ! حديث الصحابي الذي حضر جنازته سبعون ألف ملك، وعندما دفنه الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لقد ضُم ضمة لو سلم منها أحد لسلم منها سعد بن معاذ) هل هذا حاصل لنا جميعاً أم لا؟
الجواب
أما كونه حضر جنازته سبعون ألف ملك فهذا لا أعلم به، أما كونه ضمته فهو سعد بن معاذ رضي الله عنه، وهو سيد الأوس، وقصته معروفة مع بني قريظة الذين كانوا حلفاءه حين غدروا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فغزاهم وحاصرهم أكثر من عشرين ليلة، فلما تعبوا من الحصار سألوا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وكان سعد رضي الله عنه في خيمة له في المسجد؛ لأن أكحله أصيبت في يوم الأحزاب فبنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم قبة -أي خيمة- في المسجد ليزوره عن قرب.
وكان رضي الله عنه لما سمع أن بني قريظة وهم حلفاؤه قد نقضوا العهد قال: [اللهم لا تمتني حتى تقر عيني بهم] أي: بأن يؤخذوا بما نقضوا العهد.
بعد ذلك أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: (إن حلفاءك أرادوا أن ينزلوا على حكمك، فجاء رضي الله عنه من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكان بني قريظة راكباً على حمار، فلما أقبل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم) فقاموا إليه، ونزل ثم اجتمع رؤساء اليهود بالنبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن يحكم فيهم سعد بن معاذ، وكان اليهود ينتظرون أن يحكم سعد فيهم بما حكم به عبد الله بن أُبي في بني النضير لكن فرق بين عبد الله بن أبي رأس المنافقين وبين سعد بن معاذ رضي الله عنه.
فلما حضروا قال: حكمي نافذ عليكم؟ قالوا: نعم.
قال: وعلى من هنا؟ ولم يقل على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من أدبه، ما قال: حكمي نافذ على الرسول، بل قال: وعلى من هنا؛ قال: أحكم فيهم أن يقتل مقاتلتهم، وتسبى نساؤهم وذراريهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات) ثم نفذ الحكم فقتل المقاتلة وسبى النساء والذرية.
وبعد ذلك انبعث الدم من جرح سعد بن معاذ ومات رضي الله عنه، بقي حتى استجاب الله دعوته، أقر الله عينه ببني قريظة حتى صار حكمهم بيده، ولما حكم وانتهت قضيتهم انبعث الدم فمات رضي الله عنه، وورد في الصحيح: (اهتز عرش الرب لموت سعد بن معاذ) الله أكبر! وفي ذلك يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
وما اهتز عرش الله من موت هالك سمعنا به إلا لـ سعد أبي عمر
أما الضمة فقد ورد أن القبر ضمه رضي الله عنه ولكن فيما أظن أن هذا الحديث فيه ضعف؛ لأن الأحاديث الصحيحة تدل على أن الرجل إذا سأله الملكان وأجاب بالصواب فسح له في قبره، فإن صح الحديث فالمعنى أنه أول ما دخل ضمه القبر ثم فسح له وقد ذكر أن ضمة القبر للمؤمن كضمة الأم الرحيمة لولدها، أي: ليس ضماً يؤلم أو يؤذي، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من السعداء.(17/36)
حكم دخول الرجل المسجد وفي رجله روث غنم
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل يدخل المسجد وفي رجله روث غنم، فما الحكم؟
الجواب
أنا سأعطيك قاعدة -بارك الله فيك- كل شيء يؤكل لحمه فروثه وبوله طاهر، الغنم روثها طاهر، والبقر طاهر، والدجاج طاهر، والإبل بعرها طاهر، ولكن النهي عن الصلاة في أعطان الإبل ليس هو من أجل النجاسة، لكن لأن أعطان الإبل غالباً تكون مأوى للشياطين؛ لأن الإبل طباعها سيئة غليظة، لهذا تجدون رعاة الإبل عندهم غلظة وفظاظة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الغلظة والجفاء في الفدادين أصحاب الإبل) وقال أيضاً: (السكينة والوقار في أصحاب الغنم) راعي الغنم ساكن هادئ وعنده تأنٍ بخلاف صاحب الإبل، فصاحب الإبل تجده نافشاً رأسه مختالاً كأنه فوق الناس، هذا شيء مشاهد، ولهذا اختار الله للأنبياء أن يرعوا الغنم: (ما من نبي إلا رعى الغنم) .(17/37)
حكم وضع صوت (قراءة قارئ للقرآن) عند انتظار المكالمة
السؤال
شخص اتصل فقال: أريد فلان، فوضع مسجلاً عند سماعة الهاتف يقرأ القرآن، هل فيها شيء أم لا؟
الجواب
هذه يستعملها بعض الإخوة إذا اتصلت عليه، وقلت: أريد فلاناً أسمعك آية من القرآن، حتى في بعض الجهات المسئولة، لكني أرى أن يجعل بدل ذلك شيءٌ من الحكم والأمثال، أو حكم من الأحكام الشرعية، -مثلاً- دخل رجلٌ والنبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فصلى بلا طمأنينة ثم جاء فسلم، فقال: (ارجع فصل فإنك لم تصل) ومثل قوله عليه الصلاة والسلام: (لقد هممت أن آمر بالصلاة تقام) ما يحث على صلاة الجماعة فهذا أحسن؛ لأن القرآن أولاً: ربما يكون الذي اتصل عليك يكره هذا الشيء ولا يطمئن له، أنا والحمد لله وإياكم نحب القرآن، لكن قد يكون بعض الناس لا يحب القرآن، يستثقله وإن كان لا يكرهه كراهة قلبية، لكنه يستثقله، أو يقول: هذا الرجل يلزمنا -مثلاً- نستمع ثم يغلق السماعة أو يبقى على مضض، والحمد لله إذا وضعت أحكام أو حِكم مثل (رأس الحكمة مخافة الله) أو ما أشبه ذلك.(17/38)
غثائية المطبوعات
السؤال
نجد الآن في الأسواق بعض الكتيبات الصغيرة تنتشر فيها قصص، وهذه منشورة في المكتبات، فما أجد فيها شيئاً يا شيخ! هل هذه القصص صحيحة، وإن كانت ليست بصحيحة فما حكمها؟
الجواب
مع الأسف أن أهل المطابع الآن اتخذوا -أو بعضهم- طباعة هذه الكتب تجارة، ولهذا تجدهم يحرصون على التسويق بالكتاب وتصحيح القطاع وما أشبه ذلك، ويأتون بما هب ودب، والسبب في ذلك أن الرقابة على الكتب التي تنشر في الأسواق أو التي تطبع ضعيفة، إما ضعيفة في العلم أو مقصرة في العمل والمسئولية، ولكن الإنسان إذا رأى شيئاً منافياً للدين والأخلاق يجب أن يرفعوا إما إلينا وإما إلى غيرنا ممن يوصل الأمر إلى الحكومة.(17/39)
حكم العقيقة عن السقط
السؤال
الولد الصغير الذي يسقط قبل أن يتم، هل له عقيقة أم لا؟
الجواب
ما سقط قبل تمام أربعة أشهر فهذا ليس له عقيقة، ولا يسمى، ولا يصلى عليه، ويدفن في أي مكان من الأرض، وأما ما سقط بعد أربعة أشهر فهذا قد نفخت فيه الروح، فيسمى، ويغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن مع المسلمين، ويعق عنه على ما نراه، لكن بعض العلماء يقول: لا يعق عنه حتى يتم سبعة أيام حياً، لكن الصحيح أنه يعق عنه؛ لأنه سوف يبعث يوم القيامة ويكون شافعاً لوالديه.(17/40)
المسح على الشراب
السؤال
توضأت وأنا لابس شُراباً ثم خلعت الشراب ولبست شراباً آخر، فما الحكم؟
الجواب
ما دمت على طهارتك فصل ما شئت، لكن إذا انتقضت طهارتك فلا بد أن تخلع الشراب وتغسل قدميك.
السائل: اتسخ الشراب مرة، ثم توضأت ومسحت عليه ثم خلعته ولبست آخر ولم أتوضأ.
الشيخ: هل توضأت وضوءاً كاملاً؟ السائل: نعم.
ومسحت على الشراب الأول، ثم خلعته ولبست آخر؟ الشيخ: لا يصلح.
أي:لا تمسح على الأخريات، لا بأس أن تبقى على طهارتك لكن لا تمسح على هذا.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(17/41)
لقاء الباب المفتوح [18]
في هذه المادة تفسير أول آيات سورة: (عبس) والوقوف مع كل آية وإيضاح معانيها وذكر ما ترشد إليه الآيات.(18/1)
حكم الجمع بين الصلاتين بسبب البرد
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الأول من شهر رجب، اليوم السابع منه، عام (1413هـ) نسأل الله تعالى أن يجعله لقاءً نافعاً، يصادف هذا اليوم وما قبله بيومين أو ثلاثة أياماً باردة شديدة البرودة، وذلك خير للإنسان والنبات، فإن من الأمراض والميكروبات ما لا يقتله إلا البرد الشديد، كما أن منها ما لا يقتله إلا الحر الشديد، فالله عز وجل له حكمة فيما يقدره في خلقه وفيما يشرعه لهم، فكما أنه عز وجل حكيم في شرعه، فهو كذلك حكيم في قدره، ومن لطف الله سبحانه وتعالى أنه لا تعارض بين القضاء والقدر وبين الشرع، فكلما اشتد القضاء والقدر خف من الشرع ما يناسب تلك الشدة.
ومن الأمثلة على ذلك: أنه إذا اشتد البرد مع ريح تؤذي الناس فإنه يجوز للإنسان أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة من غير خوف ولا مطر، قالوا لـ ابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته) وهذا يدل على أن الحكمة من مشروعية الجمع إزالة المشقة عن المسلمين وإلا فإنه لا يجوز الجمع.
والمشقة في البرد إنما تكون إذا كان معه هواء وريح باردة، وأما إذا لم يكن معه هواء فإن الإنسان يتقي البرد بكثرة الملابس ولا يتأذى به، ولهذا لو سألنا سائل: هل يجوز الجمع بمجرد شدة البرد؟ لقلنا: لا يجوز إلا بشرط أن يكون مصحوباً بريح باردة تؤذي الناس، أو إذا كان مصحوباً بنزول الثلج، فإن الثلج إذا كان ينزل فإنه يؤذي بلا شك، فحينئذ يجوز الجمع، أما مجرد البرد فليس بعذر يبيح الجمع، فمن جمع بين الصلاتين لغير عذر شرعي فإنه آثم وصلاته التي جمعها إلى ما قبلها غير صحيحة، وغير معتد بها، بل عليه أن يعيدها.
وإذا كان جمع تأخير كانت صلاته الأولى في غير وقتها وهو آثم بذلك.
هذه المسألة أحببت أن أنبه عليها؛ لأن بعض الناس ذكروا لي أنهم جمعوا قبل ليلتين من أجل البرد بدون أن يكون هناك هواء يؤذي الناس وهذا لا يحل لهم.(18/2)
تفسير آيات من سورة عبس
نعود لما اعتدنا من افتتاح هذا اللقاء بآيات من كتاب الله اخترنا أن تكون من الجزء الأخير من القرآن، لكثرة ترديده على المسلمين في صلاتهم، وقد أنهينا بحمد الله وتوفيقه سورتي عم والنازعات، والآن نبدأ بالسورة الثالثة:(18/3)
تفسير قوله تعالى: (عبس وتولى)
قال تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى} [عبس:1-2] قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} هذا العابس والمتولي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى: (عبس) أي: كلح في وجهه، أي: استنكر الشيء في وجهه، ومعنى: (تولى) أعرض.
والمراد بالأعمى في قوله: (أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى) هو عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم رضي الله عنه فإنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة وهو في مكة وكان عنده قوم من عظماء قريش يطمع النبي صلى الله عليه وسلم في إسلامهم، ومعلوم أن العظماء والأشراف إذا أسلموا كان ذلك سبباً في إسلام من خلفهم، وكان طمع النبي صلى الله عليه وسلم فيهم شديداً، فجاء هذا الأعمى يسأل النبي صلى الله عليه وسلم وذكروا أنه كان يقول: علمني مما علمك الله، ويستقرئ النبي صلى الله عليه وسلم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه، وعبس في وجهه رجاءً وطمعاً في إسلام هؤلاء العظماء، وكأنه خاف أن يزدريه هؤلاء العظماء الشياطين إذا أعطى وجهه لمثل هذا الرجل الأعمى وأعرض عنهم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم في عبوسه وتوليه يلاحظ هذين الأمرين: الأمر الأول: الرجاء في إسلام هؤلاء العظماء.
والأمر الثاني: ألا يزدروا النبي صلى الله عليه وسلم في كونه يلتفت إلى هذا الرجل الأعمى الذي هو محتقرٌ عندهم.
ولا شك أن هذا اجتهاد من الرسول صلى الله عليه وسلم وليس احتقاراً لـ ابن أم مكتوم؛ لأننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يهمه إلا أن تنتشر دعوة الحق بين عباد الله وأن الناس عنده سواء، بل من كان أشد إقبالاً على الإسلام فهو أحب إليه، هذا ما نعتقده في رسول الله صلى الله عليه وسلم.(18/4)
تفسير قوله تعالى: (وما يدريك لعله يزكى)
قال الله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ} [عبس:3] أي: أي شيء يؤلمك أن يتزكى هذا الرجل ويقوى إيمانه، {لَعَلَّهُ} [عبس:3] أي: لعل ابن أم مكتوم {يَزَّكَّى} [عبس:3] أي: يتطهر من الذنوب والأخلاق التي لا تليق بأمثاله، فإذا كان هذا هو المرجو منه فإنه أحق أن يلتفت إليه.
{أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} [عبس:4] أي: يتعظ فتنفعه الموعظة، فإنه رضي الله عنه أرجى من هؤلاء أن يتعظ ويتذكر.(18/5)
تفسير قوله تعالى: (أما من استغنى)
ثم قال تعالى: {أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى} [عبس:5-7] .
{أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى} أي: استغنى بماله لكثرته واستغنى بجاهه لقوته، {فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى} [عبس:6] أي: تتعرض وتطلب إقباله عليك وتقبل عليه: {وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى} [عبس:7] أي: ليس عليك شيء إذا لم يتزك هذا المستغني؛ لأنه ليس عليك إلا البلاغ فالله سبحانه وتعالى بين أن ابن أم مكتوم رضي الله عنه أقرب إلى التزكي من هؤلاء العظماء، قال تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [عبس:3] وأن هؤلاء إذا لم يتزكوا مع إقبال الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم فإنه ليس عليه منهم شيء.
قال تعالى: {وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى} [عبس:7] أي: ليس عليك شيء إذا لم يتزك؛ لأن إثمه عليه وليس عليك إلا البلاغ.
ثم قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} [عبس:8-10] وهذا مقابل قوله: {أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى} [عبس:5-6] .(18/6)
تفسير قوله تعالى: (وأما من جاءك يسعى)
قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى} [عبس:8] أي: يتعجل من أجل انتهاز الفرصة إلى حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم {وَهُوَ يَخْشَى} [عبس:9] أي: خاف الله بقلبه: {فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} [عبس:10] أي: تتلهى عنه وتتغافل، لماذا؟ لأنه انشغل برؤساء القوم لعلهم يهتدون.(18/7)
تفسير قوله تعالى: (كلا إنها تذكرة)
قال تعالى: {كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} [عبس:11] فمعنى (كلا) أي: لا تفعل مثل هذا، ولهذا نقول: إن (كلا) هنا حرف ردع وزجر، أي: لا تفعل مثلما فعلت: {إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} [عبس:11] أي: إن الآيات القرآنية التي أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم تذكرة، أي: تذكر الإنسان بما ينفعه وتحثه عليه، وتذكر له ما يضره وتحذره منه ويتعظ بها القلب.(18/8)
تفسير قوله تعالى: (فمن شاء ذكره)
قال تعالى: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} [عبس:12] أي: فمن شاء ذكر ما نزل من الموعظة فاتعظ ومن شاء أن يتعظ؛ لقول الله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29] فالله سبحانه وتعالى جعل للإنسان الخيار قدراً، وأما شرعاً فلا، جعل له الخيار بين أمرين: أن يسلم أو يكفر، أما شرعاً فلا؛ فإنه {َلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر:7] ، وليس الإنسان مخيراً شرعاً بين الكفر والإيمان، بل هو مأمور بالإيمان، والإيمان مفروض عليه، لكن من حيث القَدَر هو مخير، وليس كما يزعم بعض الناس أنه مسير مجبر على عمله، بل هذا قول مبتدع ابتدعه الجبرية من الجهمية وغيرهم، فالإنسان في الحقيقة مخير، ولذلك إذا وقع الأمر بغير اختيار الإنسان مثل أن يكون مكرهاً فلا عبرة بفعله.
والمهم أن الله يقول: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} [عبس:12] أي: ذكر ما نزل من الوحي فاتعظ به، يعني: ومن شاء لم يذكره، والموفق من وفقه الله عز وجل.(18/9)
تفسير قوله تعالى: (في صحف مكرمة)
قال تعالى: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس:13-16] أي: إن هذا الذكر الذي تضمنته هذه الآيات في صحف مكرمة، معظمة عند الله، والصحف جمع صحائف، والصحائف جمع صحيفة، وهي ما يكتب فيه القول، هذه الصحف بأيدي سفرة، والسفرة هم الملائكة، وسموا سفرة لأنهم كتبة، مأخوذة من السِّفْر وهو الكتاب، لقوله تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] وقيل السفرة: الوسطاء بين الله وبين خلقه، من السفير وهو الواسطة بين الناس، ومنه حديث أبي رافع رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة قبل أن يحرم، قال: وكنت السفير بينهما) أي: الواسطة.
المهم أن السفرة هم الملائكة؛ وسموا سفرة لأنهم كتبة يكتبون، وسموا سفرة كذلك؛ لأنهم سفراء بين الله وبين الخلق، فجبريل عليه الصلاة والسلام واسطة بين الله وبين الخلق في النزول بالوحي، والكتبة الذين يكتبون ما يعمل الإنسان ويبلغونه إلى الله عز وجل، والله تعالى عالم به حين كتابته وقبل كتابته.(18/10)
تفسير قوله تعالى: (كرام بررة)
قال تعالى: {كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس:15-16] (كرام) في أخلاقهم، (كرام) في خلقتهم؛ لأنهم على أحسن خلقة، وعلى أحسن خلق، ولهذا وصف الله الملائكة بأنهم: {كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:11-12] وأنهم عليهم الصلاة والسلام: {لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:19-20] .
هذه الآيات من سورة عبس فيها تأديب من الله عز وجل للخلق، ألا يكون همهم هماً شخصياً، بل يكون همهم هماً معنوياً، ألا يفضلوا في الدعوة إلى الله شريفاً لشرفه ولا عظيماً لعظمته ولا قريباً لقربه، بل يكون الناس عندهم سواء في الدعوة إلى الله، الفقير والغني، الكبير والصغير، القريب والبعيد.
وفيها أيضاً تلطف الله عز وجل بمخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال في أولها: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى} [عبس:1-2] ثلاث آيات لم يخاطب الله فيها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها عتاب شديد، فلو وجهت للرسول بالخطاب لكان فيه ما فيه، ولكن جاءت بالغيبة (عبس) وإلا لكان مقتضى الحال أن يقول: (عبست وتوليت، أن جاءك الأعمى، وما يدريك لعله يزكى) ولكنه قال: (عَبَسَ وَتَوَلَّى) فجعل الحكم للغائب كراهية أن يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمات الغليظة الشديدة؛ ولأجل ألا يقع في مثل ذلك من يقع من هذه الأمة، والله سبحانه وتعالى وصف كتابه العزيز بأنه بلسانٍ عربي مبين، وهذا من بيانه.
وفي الآية أيضاً دليل على جواز أن يلقب الإنسان بوصفه، مثل: الأعمى والأعرج والأعمش، وقد كان العلماء يفعلون هذا، فما أكثر ما يرد عليكم: الأعرج عن أبي هريرة، والأعمش عن ابن مسعود، قال أهل العلم: واللقب بالعيب إذا كان المقصود به تعيين الشخص فلا بأس به، وأما إذا كان المقصود به تعيير الشخص فإنه حرام؛ لأن الأول إذا كان المقصود به تبيين الشخص فإنه مما تدعو الحاجة إليه، والثاني إذا كان المقصود به التعيير فإنه لا يقصد به التبيين وإنما يقصد به الشماتة، وقد جاء في الأثر: (لا تظهر الشماتة في أخيك فيعافيه الله ويبتليك) نسأل الله لنا ولكم الاستقامة والسلامة في الدنيا والآخرة.
وإلى هنا ينتهي بنا القول على ما يسر الله من آيات هذه السورة الكريمة ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يجعله نافعاً لنا ولكم.(18/11)
الأسئلة(18/12)
أحكام تتعلق بسجود التلاوة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما الذي يشترط في سجود التلاوة للإمام في الصلاة غير الجهرية، وما الذي يشترط في سجود التلاوة للمنفرد في الصلاة الجهرية، وما الذي يشترط في سجود التلاوة للذي يركب السيارة أو يمشي في طريقه؟
الجواب
سجود التلاوة هو السجود الذي سببه تلاوة القرآن، وسجدات القرآن معلومة والحمد لله، ومشار إليها في المصاحف، فإذا مر الإنسان بآية فيها سجدة فإنه يسن له أن يسجد اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولخلفائه الراشدين، وفي الصحيح: (أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخطب الناس يوم الجمعة على المنبر، فمر بآية السجدة التي في سورة النحل، فنزل وسجد وسجد الناس معه، وفي الجمعة الأخرى قرأها فمر بآية السجدة فلم يسجد، وقال: إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء) فسجود التلاوة سنة، متى مر الإنسان بآية سجدة في أي وقت من ليل أو نهار فإنه يسجد، ولكنه يكبر إذا سجد ولا يكبر إذا رفع، ولا يسلم؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل حتى التكبير إذا سجد فيه نظر، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: لا يكبر للسجود ولا للرفع من السجود، ولا يسلم.
ولكن ينبغي أن يكبر للسجود لحديث ورد في ذلك، يكبر للسجود لا للقيام من السجود ما لم يكن في صلاة، فإذا كان في صلاة فليكبر إذا سجد وإذا رفع.
أما سؤال الأخ عن قراءة الإمام آية السجدة في الصلاة السرية فقد قال العلماء: لا ينبغي للإمام أن يقرأ بآية سجدة في الصلاة السرية؛ لأنه بين أمرين: الأول: إما أن يسجد فيشوش على المأمومين، لاسيما إذا كان المسجد واسعاً والمأمومون كثيرون فإنه يشوش على من وراءه.
الثاني: ألا يسجد فيكون قد ترك مسنوناً، فالأفضل للإمام ألا يقرأ آية سجدة في صلاة سرية، ولكن لو قرأها فلا بأس؛ إلا أنه في هذه الحالة ينبغي أن يشعر المأمومين بأن هذا سجود وليس بركوع بأن يرفع صوته بآية السجدة حتى يعرف الناس أنه ساجد لا راكع.
وأما قراءة المنفرد لها فالذي يصلي منفرداً فإنه يسجد سواء في صلاة سرية أو صلاة جهرية.
وأما الذي يقرأها في السيارة فإنه يسجد أيضاً بالإيماء ما لم يكن سائق السيارة فإن كان سائق السيارة فلا يسجد؛ لأنه إذا سجد انشغل عن ملاحظة السير وألقى بنفسه إلى التهلكة.(18/13)
جواز الجمع والقصر في السفر
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا من أهل الدوامي وعملي في حائل، والعمل يتطلب مني أن أذهب أذان العصر وأرجع العصر الثاني، فإذا مشيت -مثلاً- أذان العصر من الدوامي هل يجوز لي أن أقصر الصلاة -ومثلاً- يأتي المغرب هل يجوز أن أجمعه مع العشاء أو أصلي كل فرض في وقته؟
الجواب
كل هذا يجوز لك، أعني: يجوز أن تقصر وهو الأفضل، ويجوز أن تجمع؛ لأنك مسافر.(18/14)
حكم تغيير النية في الصلاة
السؤال
عندما جمع الناس ذات ليلة صلى أحدهم المغرب مع الإمام وظن أنه صلى المغرب ثلاث ركعات مع أنه كان يشك أنه ما صلى إلا ركعتين فقط، ثم سلم الإمام من المغرب فسلم معه، ولما كانت الإقامة ضعيفة وقام الإمام للركعة الأولى من العشاء ظن هذا المصلي أنه قام يركع الركعة الثالثة من المغرب وأن الناس نبهوه، فصلى خلفه على أنها من المغرب، ولما سمع الفاتحة تبين له أنه العشاء فأكمل معهم؟ الشيخ: أي: أنه نوى العشاء بعد أن سمع الإمام يقرأ الفاتحة، وترك نية المغرب؟ فهذا الرجل لم يسلم مع الإمام في صلاة المغرب، أليس كذلك، أو سلم؟ السائل: بل سلم.
الشيخ: كيف يسلم وهو يعتقد أنه ما صلى إلا ركعتين؟ السائل: كان شاكاً.
الشيخ: لكن لما سلم الإمام هل غلب على ظنه أنها تامة؟ السائل: لما سلم الإمام وقام يجمع ظن أن الناس نبهوه؛ لأن إقامة المؤذن ضعيفة، وظن أنه قام يأتي بثالثة المغرب.
الشيخ: على كل حال صلاة العشاء غير صحيحة في حقه؛ لأنه لم يكبر تكبيرة الإحرام، وإنما قام يريد أن يكمل المغرب، ثم لما سمع الإمام يقرأ عرف أنها العشاء واستمر على أنها العشاء ولم يكبر للإحرام، ولو كبر للإحرام لصلاة العشاء لكانت صلاته صحيحة.
أما صلاة المغرب فإن صلاته صحيحة؛ لأنه تبين أنه واهم، وأن الصلاة تامة، فعلى كل حال مره أن يعيد صلاة العشاء.(18/15)
حكم صلاة من سلم قبل الإمام
السؤال
فضيلة الشيخ! شخص سلم قبل أن يسلم الإمام، نسي ثم انتبه بعدما استغفر فأكمل وسلم مع الإمام، فهل صلاته صحيحة أم لا؟
الجواب
صلاته صحيحة وليس عليه شيء، وكان عليه سجود السهو؛ لأنه سلم قبل أن تتم الصلاة، ولكن نظراً لأنه لم يفته شيء من الصلاة مع الإمام فليس عليه شيء؛ لأن الإمام يتحمل عن المأموم سجود السهو إذا لم يفته شيء من الصلاة.(18/16)
حكم إمامة المسبوق
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يشترط للمأموم أن ينوي نية الإحرام في تكبيرة الإحرام لمن لم يدرك بداية الصلاة مع الإمام؟
الجواب
نعم.
المأموم إذا جاء والإمام يصلي سواء أدركه في الركعة الأولى أو في الثانية أو فيما بعدهما فالواجب أن يكبر للإحرام.
السائل: تكبيرة الإحرام لمن فاتته الصلاة مع الإمام، فمثلاً: أتى شخص والإمام قد سلم وأراد أن يأتم بالمأموم.
الشيخ: يعني يوجد مأموم يقضي صلاته؟ السائل: المأموم مسبوق، وسلم الإمام وقام وأتم الآخر ولم يدرك الصلاة مع الإمام مع الجماعة، وأراد أن يأتم بهذا المأموم، فهل يشترط النية للإتمام بهذا المأموم؟ الشيخ: هل يشترط للمقضي المسبوق أن ينوي الإمامة؟ السائل: نعم.
الشيخ: أولاً: هذا الفعل ليس مطلوباً، وليس مشروعاً أنك تأتي وتجد إنساناً يقضي ما فاته من الصلاة فتدخل معه على أنك مأموم وهو إمام، هذا غير مشروع، وقد اختلف العلماء في جوازه فمنهم من قال: إنه جائز، ومنهم من قال: إنه غير جائز، ولكن الصحيح أنه جائز، ولكن لا ينبغي؛ لأنه إذا دخل مع هذا المأموم فإنه إن نوى المأموم أنه إمام له صحت صلاته، صلاة المسبوق وصلاة الذي دخل أخيراً، وإن لم ينو أنه الإمام فالمشهور من مذهب الإمام أحمد أن صلاة الداخل غير صحيحة؛ لأنه نوى الائتمام بمن لم ينو الإمامة فتبطل صلاته، وعلى هذا تلزمه الإعادة.
والقول الثاني في المسألة: أنه يصح الائتمام بمن لم ينو الإمامة بك، وبناءً على هذا القول تصح صلاة المأموم، لكن يلاحظ من الأصل أن هذا أمر غير مشروع، ولا نأمر الإنسان بأن يفعله، فإذا جاء ووجد شخصاً يقضي فهل نقول: ادخل معه؟ لا.
لا نقول بمثل هذا.(18/17)
أهمية صلاة الجماعة
السؤال
فضيلة الشيخ! الرسول صلى الله عليه وسلم جمع كما ذكرت من غير سفر ولا خوف ولا مطر، فهل هذا يدل على عظم صلاة الجماعة؟
الجواب
الجمع بين الصلاتين لعذر المطر أو نحوه يدل على أهمية صلاة الجماعة، ووجه ذلك: أنه أجيز للإنسان أن يقدم الصلاة على وقتها من أجل إدراك الجماعة.(18/18)
لباس المرأة في ميزان الشرع
السؤال
فضيلة الشيخ! قرأت بخطكم جواباً على سؤال يقول: للمرأة أن تكشف لمحارمها عن الوجه والرأس والرقبة والكفين والذارعين والقدمين والساقين وتستر ما سوى ذلك، هل هذا الكلام على إطلاقه، خصوصاً أن موقفكم من الملابس القصيرة بالنسبة للأطفال والنساء عموماً أنه لا يجوز؟
الجواب
نحن إذا قلنا: يجوز أن تكشف كذا وكذا ليس معناه أن تكون الثياب على هذا الحد، لكن لنفرض أن امرأة عليها ثوب إلى الكعب، ثم انكشف ساقها لشغل أو لغير شغل فإنها لا تأثم بهذا إن لم يكن عندها إلا المحارم، أو لم يكن غير النساء.
أما اتخاذ الثياب القصيرة فإننا ننهى عنه ونحذر منه؛ لأننا نعلم -وإن كان جائزاً- أنه سوف يتدهور الوضع إلى أكثر من ذلك، كما هو العادة في غير هذا أن الناس يفعلون الشيء في أول الأمر على وجهٍ مباح، ثم يتدهور الوضع حتى ينحدروا به إلى أمر محرم لا إشكال في تحريمه، كما أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة) ليس معناه أن المرأة يجوز لها أن تلبس ما يستر ما بين سرتها وركبتها فقط، ولا أحد يقول بهذا، لكن المعنى أنه لو انكشف من المرأة الصدر وكذلك الساق مع كون الثوب وافياً، فإن ذلك لا يحرم نظره بالنسبة للمرأة مع المرأة، ولنضرب مثلاً: امرأة ترضع ولدها فانكشف ثديها من أجل إرضاع الولد، لا نقول للمرأة الأخرى: إن نظرك لهذا الثدي حرام؛ لأن هذا ليس من العورة، أما أن تأتي امرأة تقول: أنا ما ألبس إلا سروالاً يستر ما بين السرة والركبة فلا أحد يقول هذا، ولا يجوز، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن لباس نساء الصحابة كان من كف اليد إلى كعب الرجل، هذا إذا كن في بيوتهن، أما إذا خرجن إلى السوق فمعروف حديث أم سلمة أن المرأة ترخي ثوبها، فقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم أن ترخيه إلى ذراع، من أجل ألا تنكشف قدماها إذا مشت.(18/19)
العمل بخلاف العقود
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل استقدم عاملاً ليعمل عنده في الرعي، فهذا الرجل الكفيل استقل العمل، أي: رأى أن العمل المنوط بهذا العامل قليل، فجعله يعمل في أشغال كثيرة، منها: أنه يتقاول مع بعض أهل الاستراحات ينظف لهم الاستراحات أو بعض المساجد يقوم بفرشها وتنظيفها بمقابل راتب، فهو أول ما استقدم هذا العامل تقاول معه في الراتب مقابل ستمائة ريال مثلاً وفي نهاية الشهر يعمل هذا العامل في المساجد وفي بعض الاستراحات عملاً طارئاً، فيكون في نهاية الشهر يحصل ما يقارب ألف ريال، فيقوم الكفيل بأخذها ويعطي لهذا العامل ستمائة ريال، مع أنه يأخذ أربعمائة ريال، ويضعها في جيبه مع أن هذا العامل يعمل عنده زيادة على الأعمال المكلف بها ويقول: إنه راضٍ، فما حكم ذلك؟
الجواب
ما دام العامل راضياً بذلك من غير إكراه فلا حرج، حتى لو قال العامل: أنا أعمل عندك مجاناً من غير إكراه، فلا حرج، لكن إذا كان بإكراه بأن يقول له: إما أن تشتغل هذا الشغل الزائد على ما في العقد وإما سفرتك؛ فهذا لا يجوز، بل الواجب عليه أن يقتصر على ما اتفقوا عليه من قبل؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] .
السائل: بالنسبة للزيادة على الراتب؟ الجواب: ليس هناك مانع بأن الزيادة تكون للكفيل، المهم أن العامل راضٍ بهذا.(18/20)
حد الحلق في الحج والعمرة
السؤال
فضيلة الشيخ! هل العظمة التي في الصدغ تدخل في الحلق في الحج والعمرة؟
الجواب
لا.
المنتهي هو العظم الناتئ الذي على امتداد صماخ الأذن، هذا هو الحد.
السائل: هل الواجب أن يحلق؟ الجواب: لا.
لا يحلقه.(18/21)
ما تدرك به الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! سمعت مفتياً في التلفاز يفتي ويقول: إنك إذا دخلت والإمام ساجد فإنك تركع وتتم ركوعك، ثم تدرك الإمام وهو ساجد وتسجد معه، فتكون بذلك قد أدركت الركعة؟
الجواب
هذه الفتوى مخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) فهذا إذا أدرك الإمام ساجداً فالواجب عليه أن يسجد مع الإمام، ولا يحل له أن يقضي الركوع قبل أن يسجد مع الإمام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وهذا الرجل قد فاته الركوع فكيف يصلي الركوع وقد فاته مع الإمام؟ فهذه الفتوى غلط لا شك، ولكن بعد أن ينتهي المجلس أخبرنا باسمه لنتصل به إن شاء الله تعالى ونبين له خطأ هذه الفتوى.(18/22)
حكم القول بأن أهل نجد ليسوا على التوحيد
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم من يقول بأن أهل نجد ليسوا على التوحيد؟
الجواب
حكم هذا أن نقول له: بيِّن لنا ما هو التوحيد، وبين هل أنت تعرف ما عليه أهل نجد؟ فما هو التوحيد الذي يريد أن ينفيه عن أهل نجد؟ أنا لم أسمع بهذا، ولكن مع ذلك إذا سمعت من يقول هذا فقل: تعال يا أخي! أخبرني ما هو التوحيد؟ فإذا أخبرك ما هو التوحيد فقل: هل تعلم الآن أن أهل نجد على هذا أم لا؟ ونقول: إذا أخبرك بالتوحيد ينظر هل هذا توحيد أم غير توحيد؛ لأنه قد يخطئ في معنى التوحيد، فإذا فسره لنا بالمعنى الصحيح قلنا له: هل تعلم أن أهل نجد على هذا أو ليسوا على هذا؟(18/23)
حكم الوضوء من لحم الجزور
السؤال
فضيلة الشيخ! أكلت لحم جزور عدة مرات ولم أتوضأ بعد أكله، ونسيت وصليت وأنا أعرف أن لحم الجزور ناقض للوضوء، والصلوات التي صليتها على هذا الحال لا أعلم عددها؟
الجواب
هذه المسألة جزء من مسألة عامة: لو أن الإنسان أحدث ببول أو غائط ونسي أن يتوضأ وصلى، هل صلاته صحيحة؟ الجواب: لا.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) ولقوله: (لا تقبل الصلاة بغير طهور) .
وعلى هذا فصلاته غير صحيحة، فيجب عليه قضاء ما صلاه بغير وضوء بعد أكل اللحم، فإذا قال: أنا لا أدري، قلنا: ليتحر؛ فإذا غلب على ظنه أنها خمس أو ست صلوات أخذ بغلبة الظن، وإذا لم يغلب على ظنه شيء فليأخذ بالأقل؛ يعني: أنها خمس بمثل هذا؛ لأنه متيقن، وما زاد مشكوك فيه ولا عمل عليه.(18/24)
حكم تذكير الصائم إذا أكل أو شرب ناسياً
السؤال
فضيلة الشيخ! هل الأفضل إذا رأيت صائماً يريد أن يأكل أو يشرب وهو ناسٍ أن أذكره أو أتركه؛ لأن الله هو الذي يطعمه ويسقيه؟
الجواب
إذا رأيت صائماً يأكل أو يشرب ناسياً فذكره قل: إنك صائم، وإذا رأيت شخصاً قائماً إلى خامسة في الظهر فنبهه، وإذا رأيت مصلياً يصلي لغير القبلة فوجهه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم) وقال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] فإذا رأينا أي شخص يفعل ما تفسد به عبادته وجب علينا أن نذكره، حتى لو كانت اللقمة في فمه نذكره ليلفظها.
السائل: فضيلة الشيخ! سمعت أنهم يقولون: نتركه يأكل ويشرب فقد أطعمه الله وسقاه؟ الشيخ: الذي يقول هذا الكلام جاهل؛ لأن الله أطعمه وسقاه باعتبار نفسه هو؛ لأنه ناسٍ، أما أنت فأنت عالم، فلا بد أن تنبهه، هذا مثل الذي يقول: إذا رأيت القط يأخذ حمامة شخص فلا تنقذها منه؛ لأن هذا رزق القط، هل هذا صحيح؟! لا.(18/25)
حكم الذهاب إلى بلاد الكفر للدعوة إلى الله
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك ظاهرة انتشرت في القرى وهي ذهاب بعض الشباب من الدعاة بعوام تلك القرى إلى بعض البلاد التي تكثر فيها البدع والانحرافات كـ باكستان وبنجلاديش وغيرها، بل إنهم تعدوا الآن إلى البرازيل، بل إنهم يذهبون بالنساء وهذا ثابت، وظاهر أن هؤلاء لا يهتمون بالتوحيد والعقائد، كما أنهم لا يعرفون لغة هؤلاء القوم الذين يذهبون إليهم، وإذا سألتهم قالوا: نذهب نصقل قلوبنا، فما أدري ما الواجب علينا، هل نسكت أم نحذر من الذهاب إلى تلك البلدان؟
الجواب
الواقع أن الذهاب إلى البلاد الكافرة للدعوة إلى الله عز وجل لا شك أنه خير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل الدعاة إلى بلاد الكفر ليدعوا إلى الله عز وجل وهذا يتوقف على أمرين: الأمر الأول: العلم، بأن يكون لدى الداعية علم؛ لأن الداعي إذا دعا فقد قال على الله ما لا يعلم وهو حرام؛ ولأن الداعي لا بد أن يُسأل، فإذا لم يكن عنده علم فإنه يتوقف حيران أو يجيب بالخطأ فيحصل بذلك شرٌ وفتنة.
الأمر الثاني: لا بد أن يكون عنده لسان، أي: لغة يخاطب بها القوم، ويوصل المعلومات إليهم؛ لقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم:4] وإلا كيف يبين لهم دعوته وما يدعوهم إليه وهم لا يعرفون لغته؟! وكيف يجيبهم على الإشكالات وهو لا يعرف لغتهم؟ فهذان أمران لا بد منهما: العلم واللسان.
وينبغي للداعية أن يبدأ بالأهم فالأهم، فليبدأ أولاً بالدعوة إلى التوحيد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذاً إلى اليمن: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) ولأن التوحيد هو الأصل الذي تبنى عليه الشرائع، فلابد أن يكون الأساس والأول قبل كل شيء، ثم بعد ذلك بالصلاة، ثم بعد ذلك بالزكاة، ثم بالصوم ثم بالحج.
هكذا ترتيب الدعوة، وأما أن تهمل الدعوة إلى التوحيد فهذا لا شك أنه نقص، وبعض الناس يتراءى له أنه إذا دعا إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال أولاً من لين الجانب والعطف والإحسان وما أشبه ذلك؛ يظن أن هذا أدعى لقبول الإسلام، لكن هذا وإن كانت وجهة نظر، لكنها لم تدل عليها السنة؛ لأنك إذا بدأتهم بهذا قبل كل شيء ظنوا أن هذا هو الأساس وصاروا لا يهمهم أن ينقصوا في التوحيد أو في الصلاة، وما أشبه ذلك إذا قاموا بمحاسن الأخلاق والأعمال والآداب.
فعلى كال حال هؤلاء القوم الذين ذكرت، موقفنا معهم أن نرشدهم إلى ما ينبغي أن تكون عليه الدعوة، وأن نشجعهم إلى الذهاب لدعوة الناس بالحق، وألا يكون موقفنا معهم موقف المتفرج؛ لأنه موقف سلبي، أو موقف الشامت؛ لأنه موقف عدائي، فهم إخواننا ويظهر لنا من نيتهم الخير والسعي في إصلاح الخلق، لكن ليس إذا فسدت الطريق نجعل ذلك فساداً للنية والعمل من الأصل، بل المؤمن الناصح يشجع على الخير ويوجه إلى الطرق السليمة.
ولا شك أن تأثير هؤلاء الإخوة الذين تشير إليهم كبير، وأن الله فتح على أيديهم من الخير ما لم يفتحه على دعاة آخرين؛ لأنهم يقابلون الناس باللين واللطف والإحسان والمروءة والخدمة لكن طريقتهم تحتاج إلى تعديل في الواقع، لذلك أرى أن يكون موقفنا نحن من هؤلاء وغيرهم ممن يظهر لنا منهم قصد الإصلاح، أن يكون موقفنا منهم موقف المصلح المقوم المشجع؛ لأننا ما علمنا أحداً يصبر صبرهم على إيذاء الناس لهم، ولا صبرهم على السفر إلى بلاد قريبة أو بعيدة، ولا صبرهم على تحمل النفقات، ولهذا نسمع أنهم لا يقبلون من أحد شيئاً يتبرع به لهم من أجل دعوتهم.
كذلك ننصح إخواننا هؤلاء ألا يسافروا إلى المجتمع الذي يكون في باكستان؛ لأننا سمعنا عنهم أشياء كثيرة، فلا ينبغي السير إليهم ويوجد عندهم من أهل الخير كفاية يهتدون بهم ويدلونهم على الخير، وأما السفر إلى هنالك فأخشى أن يكون فيه شيء من البدعة.
وأما مسألة الخروج في سبيل الله وجعل هذا من الجهاد فيقال: أما الجهاد الذي هو قتال الأعداء فليس هذا هو الجهاد الذي هو قتال الأعداء، لكنه نوع من الجهاد؛ لأن طلب العلم والدعوة إلى الله عز وجل بما أعطاك من العلم نوع من الجهاد، قال الله تعالى: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} [الفرقان:52] يعني: بالقرآن، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة:73] ومعلوم أن جهاد الرسول صلى الله عليه وسلم للمنافقين ليس جهاد قتال، بل لما استؤذن في أن يقتل من يقتل من المنافقين، قال: (لا.
لكي لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) فتبين من هذا أن جهاده للمنافقين جهاد بالعلم؛ ولأن الله تعالى جعل التفرغ للعلم قسيم الخروج للجهاد، قال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة:122] أي: وبقيت طائفة: {لِيَتَفَقَّهُوا} [التوبة:122] أي: الطائفة الباقية: {فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122] هذا موقفنا من هؤلاء، نسأل الله لهم التوفيق وأن يدلهم على ما فيه الخير.(18/26)
الحكمة من عدم وجود البسملة في سورة التوبة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما الحكمة من عدم البسملة في سورة التوبة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
سورة التوبة كما هو معلوم للجميع ليس بينها وبين الأنفال بسملة، فقال بعض العلماء: إنها نزلت بالقتال والبسملة بركة وطمأنة فلا يناسب أن تبدأ السورة التي في القتال وفي الحديث عن المنافقين بالبسملة، ولكن هذا ليس بصحيح، فالبسملة جيء بها قبل سورة المسد، وقبل سورة الهمزة مع أن كلها وعيد، والصحيح أنه لم يكن بينها وبين الأنفال بسملة؛ لأن البسملة آيةٌ من كتاب الله عز وجل، فإذا لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: ضعوا البسملة بين السورتين لم يضعوها بينهما، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يعين ويقول: ضعوا البسملة، ولم يعين لهم بسملة بين سورة الأنفال وسورة براءة فلم يكتبوها، ولكن بقي أن يقال: إذا كان لم يعين فلماذا يفصل بينها وبين سورة الأنفال؟ لماذا لم يجعلوهما سورة واحدة؟ نقول: نعم.
لم يجعلوهما سورة واحدة؛ لأنهم شكوا هل هي سورة واحدة مع الأنفال أو سورتين متباينتين؟ فقالوا: نجعل فاصلة بين السورتين، ولا نجعل بسملة، وهذا هو الصحيح في عدم ذكر البسملة بينها وبين سورة الأنفال.(18/27)
حكم الاجتماع السنوي لجماعة التبليغ
السؤال
فضيلة الشيخ! ذكرت في الإجابة على السؤال قبل السابق أنك لا ترى الذهاب إلى باكستان وتذكر أن فيه بعض الخرافات، هل يا صاحب الفضيلة! ذهبت إلى هذا الاجتماع، أو أرسلت من تثق به حتى تتكلم عن هذا الاجتماع؟
الجواب
أما أنا فلم أذهب ولم أرسل أحداً بصفة تكليفية، ولكن الذين ذهبوا وعادوا من هناك انقسموا أيضاً إلى قسمين: قسم منهم قال: ما رأينا خطباً إلا خطباً، يعني: لا تنافي الإسلام، لكن مجرد الاجتماع في وقتٍ معين في مكان معين بهذه الكثرة كأنها عيد يتكرر أو كأنه موسم حج، ومجرد وقوع هذا الأمر لا نعلم له أصلاً من الشرع لا في زمن الخلفاء الراشدين ولا من جاء بعدهم.
ثم إن أكثر الإخوان الذين يتكلمون يقولون: إن عندهم بدعة في هذا المجتمع وإن كانت لا تعلم بالخطب، لكن يختارون بعض رؤساء الجماعات ويتكلمون معهم في أشياء، لاسيما إذا كانوا من غير البلاد (السعودية) ، فالله أعلم.
ونحن نقول: مادام الشيء فيه احتمال، وما دام أصل هذا التجمع في وقت محدد في كل سنة ليس له أصل من السنة ولا من عمل الخلفاء فتركه أولى.
السائل: فضيلة الشيخ! هذا الاجتماع ليس هو المقصد، وإنما المقصد هو تفريغ الأوقات للدعوة والتضحية في سبيل الله؟ الشيخ: إذا كان ذلك مقصدهم فيقال لهم: لستم أحرص من الخلفاء الراشدين ولا من الأئمة الذين سبقوكم، ولا عهدنا أنهم يجتمعون حتى في المدينة التي هي أصل الإسلام وأصل السنة، ما سمعنا أنه يكون فيها اجتماع كهذا الاجتماع، يبلغون أحياناً مليون شخص، ما سمعنا هذا.
وأنا في الحقيقة موقفي منهم ليس كموقف الإخوان الذين يشددون فيهم ويصفونهم بالبدعة ويصفونهم بالضلال ويحذرون منهم، ولكن موقفي الذي أدين الله به أن لهم تأثيراً لا يوجد له نظير في إصلاح الخلق وترقيق القلوب، ولكن عندهم أمور تحتاج إلى تعديل، ونحن قد كتبنا إلى بعض الإخوة قلنا لهم: لو أنهم جعلوا أساس ما يدعون إليه حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مجيء جبريل عليه السلام في سؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما انتهى قال: (أتدرون من السائل قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) .
فشرائع الدين وشعائر الدين موجودة في هذا الحديث، لو جعلوا هذا الحديث هو الأساس لكان أولى.
أما إذا جعلنا هذه الصفات الست هي الأساس فمن واضعها؟ واضعها فلان من الناس معروف عندهم، وبهذا يكون في قلب الإنسان اتباع لهذا الشخص وتناسٍ لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه جعل هذا هو الأساس في دينه ودعوته، وهذه خطيرة، هذه شرك في الرسالة، ليس شرك في الألوهية والعبادة، ولكنها شرك في الرسالة، إذا قام بقلبه أنه يتبع هذه الأسس الستة التي أسسها فلان، وأن هذه هي العبادة وهذا هو الدين فمسألتها خطيرة، والإنسان يجب عليه أن يجرد شيئين لا يشرك أحداً فيهما: الإخلاص لله في العبادة، وهذا إخلاص في القصد، والإخلاص للرسول بالاتباع وهذا إخلاص الاتباع.
وهذه المسألة عظيمة كما قال ابن القيم في النونية فاجعل لنفسك هجرتين، الهجرة الأولى: إلى الله، والهجرة الثانية: إلى الرسول، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله) هجرتك إلى الله بإخلاص التوحيد وهجرتك إلى الرسول بتجريد المتابعة بحيث لا تتابع إلا الرسول صلى الله عليه وسلم.
السائل: هو أخذ بكلمة لا إله إلا الله فكلامهم كيف يخرج اليقين الفاسد من القلب كعبادة الأشياء ويدخل اليقين على ذات الله؟ الشيخ: فلا إله إلا الله تفرد العبادة لله وحده، أي: لا معبود بحق إلا الله، ومحمد رسول الله تفرد الاتباع له وحده.
السائل: في الزيارات يقولون: كيف يحيا الدين فينا وفي الناس أجمعين، يعني: إن زار الناس كيف يحيا الدين فيهم وفي الناس ما هم فيه؟ الشيخ: على كل حال نيتهم إن شاء الله طيبة، لا نقول في نيتهم شيئاً، وتأثيرهم كبير وأخلاقهم نادرة الوجود، لكن يحتاجون إلى تعديل في المنهج، كل إنسان خطاء، إذا أصاب في شيء أخطأ في آخر، ولكن كيف نعالج هذا الخطأ؟ هذا هو محل الكلام.(18/28)
حكم الهجر فوق ثلاثة أيام
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأيكم في أشخاص تخاصموا على أشياء من الدنيا، فلا يسلم أحد على أحد ولا يأكل معه ولا يجلس معه، ويستمر هذا الحال شهوراً وسنين، فما رأيكم في هؤلاء الأشخاص وهم من قرابتي، وجزاك الله خيراً؟
الجواب
أقول: إن هذا عمل سيئ من أكابر الذنوب، فإنه (لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) والشحناء والعداوة والبغضاء من إلقاء الشيطان: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [المائدة:91] وكذلك غير الخمر والميسر، والشحناء بين الناس يمكن أن تكون مانعاً من الخير؛ فإن الأعمال تعرض على الله عز وجل يوم الإثنين والخميس، فينظر الله عز وجل فإذا كان بين اثنين شحناء وعداوة قال عز وجل: (أنظروا هذين حتى يصطلحا) وكذلك ورد أن الشحناء تمنع بركة ليلة القدر، وأنه لا يغفر لاثنين بينهما شحناء وعداوة في هذه الليلة العظيمة.
فالواجب أن تسعى للصلح بينهما ولو اقتطعت شيئاً من مالك من أجل هذا؛ لأنك سوف تكسب ثلاث فوائد: الفائدة الأولى: أنك تبذل مالك في طاعة الله.
الفائدة الثانية: أنك تصلح بين اثنين من المسلمين.
الفائدة الثالثة: أن تكون سبباً لصلة الرحم؛ لأن هؤلاء أقارب، فإذا أصلحت بينهم أزلت الشحناء والعداوة ثم جعلتهم يتواصلون فتكون أنت السبب، فاحرص جزاك الله خيراً على أن تسعى بينهم بالإصلاح ما استطعت ولو بشيء من مالك.(18/29)
حكم التيمم مع إمكانية استعمال الماء
السؤال
فضيلة الشيخ! قبل ليلتين أو ثلاث ليال حدث أن تيمم بعض الناس لصلاة المغرب والعشاء؛ لأن الماء كان بارداً، وهناك أشخاص سخنوا الماء وتوضئوا وجمعوا بين صلاة المغرب والعشاء جمع تقديم، وصلوا النافلة وأوتروا خشية أن ينتقض الوضوء؟
الجواب
هذا العمل جمع شيئين، الأول: هؤلاء الذين تيمموا مع إمكان تسخين الماء والتوضأ به صلاتهم باطلة وعليهم أن يعيدوها؛ لأن الله عز وجل أباح لنا التيمم إذا لم نجد الماء أو كنا مرضى لا نستطيع استعماله.
الثاني: هؤلاء الذين توضئوا وصلوا العشاء مع المغرب جمع تقديم ثم إيتارهم بعد ذلك خوفاً من مشقة الوضوء مرة ثانية، فهذا صحيح لا بأس به، لكن الذين لم يتوضئوا عليهم الإعادة، إعادة المغرب والعشاء وجوباً وإعادة النفل تطوعاً؛ لأن النافلة نافلة من شاء قضاها ومن شاء لم يقضها.
ثم قوله: إن الهواء بارد فالحمد لله هناك ما يتقي به الهواء، الخيمة منصوبة قائمة يتقي بها الهواء، استدبار الهواء، إذا جعلت الهواء خلف ظهرك لم يضرك.
فشرط التيمم هو تعذر استعمال الماء سواء بمرض أو فقد الماء، أو يكون بارداً لا نستطيعه ولا عندنا ما نسخن به، سبحان الله! الناس إذا خضعوا للكسل صار الشيء عندهم هيناً، بمعنى أنه يهون عليهم تضييع الواجبات، كان الناس سابقاً يسافرون في الشتاء على الجمال، ويتعرضون لمثل هذا البرد أو أكثر، ومثل هذه الريح أو أكثر، يقفون على الغدير قد جمد أعلاه ثلجاً، فيكسرون الثلج ويغتسلون بالماء تحته ويصبرون؛ لأن عندهم قوة إيمان، وإن كنا لا نوافقهم على هذا العمل؛ لأن ذلك يخشى منه على النفس، ولكن مع ذلك لا يهتمون بهذا، وهؤلاء عندهم ما يسخنون به الماء فيتكاسلون ويتيممون مع وجود الماء.
السائل: بعض العوام تيمم عند شدة البرد هل يؤمر بقضاء الصلوات القديمة؟ الشيخ: نعم.
الذي يتيمم مع إمكان استعمال الماء عليه أن يقضي الصلاة.(18/30)
كيفية التعامل مع الأخطاء الموجودة في المناهج الدراسية
السؤال
فضيلة الشيخ! ما الواجب على المدرس الذي يجد بعض الأخطاء في المناهج، هل يبينها للطلاب أم يترك هذا الدرس ويتعداه مع أن الموجه يقول: لا تترك شيئاً ولا تنبه الطلاب على أي خطأ، بل ارفعه للوزارة ليناقشوه؟
الجواب
أما مسائل الاجتهاد إذا وجدت في المقرر ما يخالف اجتهادك فلا تغير المقرر؛ لأنك لا تدري الصواب معك أو مع الثاني، فأنت لست رسولاً يوحى إليك حتى تقول: إن كلامي هو الصواب والآخر خطأ بل أنت مجتهد، يحتمل أن يكون الصواب معك أو مع الثاني، فمثل هذا لا تغيره.
أما إذا كان مما ليس فيه اجتهاد كمسائل العقيدة فهذه يجب أن تبينها ولكن لا يكفي أن تبينها للطلاب، يجب أن تكتب عنها للمسئولين في الوزارة، وإذا لم يبت فيها اكتب لغيرهم من العلماء، هذا في مسألة العقيدة -مثلاً- إذا وجدت في الكتاب المقرر أن الله خلق القرآن ولم ينزله، هذا لا يجوز إطلاقاً مع إني والحمد لله فيما أظن أنه لا يوجد في المقررات في الابتدائي ما يخالف العقيدة الإسلامية.
السائل: هناك أنشودة في الصف الثالث: الله أكبر من أمي ومن أبي ومن التلفاز، فهل يجوز مثل هذا؟ الشيخ: هذا الذي ذكرت كتب إلي فيه، والحقيقة أنه غلط كبير؛ لأن التلميذ إذا ألقي في ذهنه هذا الكلام فما الذي يتصوره بالنسبة لله؟ يتصور أن الله أكبر من التلفاز، يعني: كبر هذا الباب وهذا خطأ عظيم جداً، وأنا أتعجب! أين الموجهون الذين يوجهون الطلاب، ويوجهون المدرس، وينظرون في المقررات، قد تقول: هذه غفلة منهم أو تغافل أو جهل بلا شك.(18/31)
الانشغال بكرة القدم
السؤال
يسألون الطالب في الصف الثالث عن تمجيد كرة القدم بوضع كأس العالم لها والناس يحبونها، فهل تحب كرة القدم؟
الجواب
إذا قال: تحب كرة القدم، قال: نعم.
ومن وقت خروجه من الدرس يضع كتبه ويذهب يلعب كرة القدم، ولهذا أوجبت هذه الكرة غفلة التلاميذ، حتى كبار التلاميذ في المرحلة المتوسطة والمرحلة الثانوية، أخذت لبهم وعقولهم، ونسوا ما خلقوا له، إلا من شاء الله، ونسوا ما ينبغي أن يكونوا عليه من التفكير بأحوال المسلمين، وماذا يجب علينا نحو جاهلهم، وماذا يجب علينا أن نعد لهم، أنستهم ذلك كله، والحقيقة أني أرى أن المسألة تحتاج إلى نظر، كون هذه الألعاب تكثف للطلاب حتى يشتغلوا بها عما هو أهم، بل حتى يشتغلوا بها عما هو مهم، هل نحن إذا تعلمنا هذه الكرة والألعاب الأخرى التابعة لها نستطيع بذلك أن نفتح بيت المقدس؟! أبداً لا نستطيع، هل نستطيع أن ندافع بها عن وطننا لو حصل عليه هجوم من عدو؟ أبداً لا نستطيع بلا شك، وفي المحنة التي حصلت للخليج قبل سنتين من الذي نفع الناس؟ نفعهم الله عز وجل لكن بواسطة الدعاء والمباشرة أن الناس المتدينين هم الذين بقوا في البلد بعد احتلالها من الآخرين هم الذين صاروا يوزعون الطعام ويعينون المحتاج للمعونة، ما جاء أصحاب الكرة وغيرهم، أصحاب الكرة يمكن خرجوا إلى بلادٍ بعيدة حتى ينجوا بأنفسهم، لهذا فالواجب علينا نحن أن نهتم بالشيء النافع، أما هذه الألعاب فيسلي الإنسان نفسه عند التعب وعند الملل والكسل، أما أن تكون هي رأس المال وكل شيء فلا.
نسأل الله الهداية.(18/32)
حكم التورية والتأول للتخلص من رفقاء السوء
السؤال
شخص هداه الله سبحانه وتعالى وله أصدقاء سوء يتحجج لهم أنه ليس في البيت أحد، وأنه مشغول، ويخشى على نفسه أن يكون كذاباً بهذه الطريقة؟
الجواب
هذا الذي مَنَّ الله عليه بالهداية وله قرناء السوء يتعذر لهم إذا جاءوا إليه بأنه مشغول، لا حرج عليه إذا فعل ذلك وينوي بقوله مشغول، فإن كل إنسان مشغول بالذكر، مشغول مع الأهل، مشغول بإصلاح البيت، أو نحو ذلك، ويتأول في هذه الحال ولا بأس عليه؛ لأنه يريد أن يسلم من شرهم ولكن هناك شيء أحسن من هذا: أن يدخلهم ويعرض عليهم الهداية، يدعوهم للهدى ويقول لهم مثلاً: الحمد لله أن هداني الله عز وجل ووجدت أن الهداية نور وانشراح صدر وأنس وطمأنينة، وأنا كنت مثلكم في السابق لكن وجدت الخير والهداية فاعملوا لهذا الخير.
يدعوهم فربما يهتدون، وإذا لم ير منهم استجابة فبإمكانه أن يزور أحدهم زيارة خاصة في البيت ويدعوه؛ لأنك إذا عجزت عن الجمع فعليك بالأفراد، وهذا من الحكمة؛ لأن الجمع إذا كان جميعاً قد يكون بعضهم يقوي الجانب الآخر على عدم القبول ويبقون على ما هم عليه، لكن إذا جئتهم واحداً واحداً استجاب لك الواحد تلو الآخر، مثلما صنعت قريش في نقض الصحيفة التي اتفقوا على أن يقاطعوا بني هاشم حتى حاصروهم في شعب أبي طالب -ويمكن قرأتم ذلك في كتب السيرة- قام بعض الناس منهم وقالوا: لا يمكن فبنو هاشم منا، ومن أشرافنا، فكيف نجعلهم محصورين في الشعب، فبدأ يذهب كل شخص على انفراد، يقول: انقض الصحيفة، تخلّ عن هذا، حتى تخلوا عنها.
فهذا خير إذا كان يتمكن من إصلاحهم وهدايتهم، وهو الأولى، أما إذا لم يتمكن فلا بأس أن يقول: أنا مشغول، أو يقول لأهل البيت إذا عرف أنهم هم: قولوا: فلان غير موجود.
فهذا يجوز إذا نوى أنه غير موجود بأحد حجرات البيت، وهو كذلك في الحقيقة وإن كان موجوداً بغرفة أخرى.(18/33)
حكم مصافحة الداخل للجالسين في المجلس
السؤال
فضيلة الشيخ! هل في مصافحة الداخل على الجالسين دليل من الكتاب والسنة أو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم جزاك الله خيراً؟
الجواب
لا أعلم فيها شيئاً من السنة، ولهذا لا ينبغي أن تفعل، بعض الناس الآن إذا دخل المجلس بدأ المصافحة من أول واحد إلى آخر واحد، وهذا ليس بمشروع فيما أعلم، وإنما المصافحة عند التلاقي، أما الدخول إلى المجالس فإنه ليس من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه أن يفعلوه، وإنما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي ويجلس حيث ينتهي به المجلس ولم نسمع أيضاً أنه إذا جلس حيث انتهى به المجلس أنهم يقومون ويصافحونه.
فالمصافحة على هذا الوجه ليست بمشروعة، وقد سألت عنها من نعتمدهم من مشايخنا فقالوا: لا نعلم لها أصلاً في السنة، وبعض الناس إذا دخل بالقهوة أو بالشاي صب للذي على يمينه ولو كان أصغر القوم بناءً على التيامن في كل شيء، وهذا أيضاً ليس بمشروع، إذا دخلت فابدأ بالأكبر ثم أعط للذي على يمينك أنت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في المنام اثنين وفي يده سواك أراد أن يعطيه لأحدهما فقيل له: (كبر كبر) يعني: ابدأ بالأكبر فالأكبر، إذا كان إنسان على يمينه شخص وعلى يساره آخر وأراد أن يعطيهم شيئاً فليبدأ باليمين؛ لأن هذا يمين وهذا يسار، أما الذي أمامك فابدأ بالأكبر فإذا دخلت على المجلس ومعك الشاي والقهوة، فابدأ بالأكبر ثم بالذي على يمينك.(18/34)
حكم الغسل من الجنابة عند استخدام الكبوت
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا أراد إنسان أن يجامع زوجته وقبل أن يجامع يضع شيئاً يسمى (كبوت) يباع في الصيدليات فلما جامع لم ينزل هل يجب عليه الغسل أو لا؟
الجواب
يجب عليه الغسل احتياطاً، وإلا فبعض العلماء يقولون: هذا لا يحب عليه الغسل؛ لأنه ما التقى الختانان.(18/35)
الأقربون أولى بالمعروف
السؤال
هناك امرأة تريد أن تتبرع بمبلغ من المال لبناء مسجد في هذه البلدة، ولكن أشير عليها أن تبني بقيمة بناء مسجد واحد أربعة مساجد في أربعة أماكن في الدول الشيوعية التي منَّ الله عليها وتحررت من الشيوعية ولعل الخير هناك يكون أكثر، فما رأيك يا شيخ! هل تقيم مسجداً صغيراً هنا أم تقيم أربعة مساجد كبيرة هناك؟
الجواب
الذي أرى أنه ما دامت البلدة التي فيها محتاجة إلى مسجد كبير أو صغير فهي أولى من هناك، ابدأ بنفسك أولاً، ثم الأقربون أولى بالمعروف.(18/36)
لقاء الباب المفتوح [19]
في هذا اللقاء تفسير ما تبقى من سورة الانشقاق، حيث تحدثت الآيات عن الإنسان وكفره بالله عز وجل، كما تحدثت الآيات عن خلق الإنسان وبيان الشيء الذي خلق منه وكيف أن الله تعالى أماته ثم أكرمه بالدفن في الأرض؛ لأن الإنسان أفضل مخلوق على وجه الأرض، فلذلك أكرمه بأن دفنه فيها، واستمر الشيخ في تفسيره للآيات حتى آخر السورة، ثم أجاب على الأسئلة.(19/1)
تفسير آيات من سورة عبس
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني من شهر رجب عام (1413هـ) وهو يوم الخميس الذي اعتدنا اللقاء فيه بالإخوان، وكان من عادتنا أن نقدم بين يدي الأسئلة تفسيراً موجزاً ابتدأنا فيه من سورة النبأ، واخترنا هذا الجزء من القرآن الكريم؛ لأنه يتكرر كثيراً على العامة في الصلوات، وكان منتهى ما تكلمنا عليه قوله تعالى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس:15-16] .(19/2)
تفسير قوله تعالى: (قتل الإنسان ما أكفره)
ثم قال جل وعلا: {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} [عبس:17] (قتل) تأتي في القرآن كثيراً، فمن العلماء من يقول: إن معناها (لعن) ، والذي يظهر أن معناها: أُهلك؛ لأن القتل يكون به الهلاك وهو أسلوبٌ تستعمله العرب في تقبيح ما كان عليه صاحبه، فيقولون -مثلاً-: قُتل فلان ما أسوأ خُلقه، قُتل فلان ما أخبثه، وما أشبه ذلك.
وقوله تعالى: {قُتِلَ الإِنْسَانُ} [عبس:17] قال بعض العلماء: المراد بالإنسان هنا الكافر خاصة وليس كل إنسان؛ لقوله فيما بعد: {مَا أَكْفَرَهُ} [عبس:17] ويحتمل أن يكون المراد بالإنسان الجنس؛ لأن أكثر بني آدم كفار كما ثبت في الحديث الصحيح: (أن الله يقول: يا آدم -يقول ذلك يوم القيامة- فيقول: لبيك وسعديك، فيقول له الله عز وجل: أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار، فيقول: يا ربِّ! وما بعث النار، فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون كلهم في النار وواحد من الألف في الجنة) فيكون المراد بالإنسان هنا الجنس ويخرج المؤمن من ذلك لما دلت عليه النصوص الأخرى.
وقوله: {مَا أَكْفَرَهُ} [عبس:17] قال بعض العلماء: إن (ما) هنا استفهام، أي: أي شيء أكفره؟ ما الذي حمله على الكفر؟ وقال بعض العلماء: إن هذا من باب التعجب يعني: ما أعظم كفره! وإنما كان كفره -أي: كفر الإنسان- عظيماً؛ لأن الله أعطاه عقلاً، وأرسل إليه الرسل، وأنزل عليه الكتب، وأمده بكل ما يحتاج معه إلى التصديق، ومع ذلك كفر فيكون كفره عظيماً.
والفرق بين القولين: أنه على القول الأول تكون (ما) استفهامية أي: ما الذي أكفره؟ وعلى القول الثاني: تكون تعجبية، يعني: عجباً له، كيف كفر مع أن كل شيء متوفر لديه في بيان الحق والهدى؟! والكفر هنا يشمل كل أنواع الكفر، ومنه: إنكار البعث، فإن كثيراً من الكفار كذبوا بالبعث، وقالوا: لا يمكن أن يبعث الناس بعد أن صارت عظامهم رميماً، كما قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] .(19/3)
تفسير قوله تعالى: (من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره)
قال تعالى: {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [عبس:18] استفهام تقرير لما يأتي بعده في قوله: {مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ} [عبس:19] أي: أنت أيها الإنسان! كيف تكفر بالبعث؟ من أي شيء خلقت؟! ألم تخلق من العدم؟ لم تكن شيئاً مذكوراً من قبل فوجدت وصرت إنساناً، فكيف تكفر بالبعث؟ ولهذا قال: {مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ} [عبس:19] والنطفة هي في الأصل: الماء القليل، والمراد به هنا ماء الرجل الدافق الذي يخرج من بين الصلب والترائب، يلقيه الرجل في رحم المرأة فتحمل {مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} [عبس:19] أي: جعله مقدراً أطواراً، نطفة، ثم علقة، ثم مضغة كما جاء في الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الصادق المصدوق، فقال: (إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) .
فهو مقدر في بطن أمه، من الذي يقدره هذا التقدير؟ من الذي يوصل إليه ما ينمو به من الدم الذي يتصل به بواسطة السرة إلا الله عز وجل؟ ولهذا قال: {فَقَدَّرَهُ} [عبس:19] .(19/4)
تفسير قوله تعالى: (ثم السبيل يسره)
قال تعالى: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} [عبس:20] (السبيل) هنا بمعنى الطريق، أي: يسر له الطريق ليخرج من بطن أمه إلى عالم المشاهدة، ويسر له -أيضاً- بعد ذلك ما ذكره تعالى في قوله: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10] يسر له ثديي أمه يتغذى بهما، ويسر له بعد ذلك ما فتح له من خزائن الرزق، ويسر له فوق هذا كله ما هو أهم وهو طريق الهدى والفلاح، وذلك بما أرسل إليه من الرسالات وأنزل عليه من الكتب.(19/5)
تفسير قوله تعالى: (ثم أماته فأقبره)
ثم قال تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس:21] والموت مفارقة الروح للبدن، (وأقبره) أي: جعله في قبره، أي: مدفوناً ستراً عليه وإكراماً واحتراماً؛ لأن البشر لو كانوا إذا ماتوا كسائر الميتات، جثثاً ترمى في الزبائل لكان في ذلك إهانة عظيمة للميت ولأهل الميت، لكن من نعمة الله سبحانه وتعالى أن شرع لعباده هذا الدفن، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {فَأَقْبَرَهُ} [عبس:21] قال: [أكرمه بدفنه] .(19/6)
تفسير قوله تعالى: (ثم إذا شاء أنشره، كلا لما يقض ما أمره)
قال تعالى: {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس:22] إذا شاء الله عز وجل (أنشره) أي: بعثه يوم النشور ليجازيه على عمله، فهو لا يعجزه عز وجل أن ينشره ولكن لم يأتِ أمر الله بعد، ولهذا قال: {كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} [عبس:23] (لما) بمعنى: (لم) ولكنها تفارقها في بعض الأشياء، والمعنى: أن الله تعالى لم يقض ما أمر به كوناً وقدراً، أي: أن الأمر لم يتم لإنشار هذا الميت، بل له موعدٌ منتظر، وفي هذا ردٌ على المكذبين بالبعث الذين يقولون: لو كان البعث حقاً لوجدنا آباءنا الآن، وهذا القول منهم تحدٍّ مكذوب؛ لأن الرسل لم تقل لهم: إنكم تبعثون الآن، ولكنهم قالوا لهم: إنكم تبعثون جميعاً بعد أن تموتوا جميعاً.(19/7)
تفسير قوله تعالى: (فلينظر الإنسان إلى طعامه)
ثم قال عز وجل مذكراً الإنسان بما أنعم عليه: {فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً} [عبس:24-25] أي: فلينظر إلى طعامه من أين جاء؟ ومن جاء به؟ وهل أحد خلقه غير الله؟ وينبغي للإنسان أن يتذكر عند هذه الآية قول الله تبارك وتعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [الواقعة:63-67] من الذي زرع هذا الزرع حتى استوى؟ ويسر الحصول عليه حتى كان طعاماً لنا؟ هو الله عز وجل، ولهذا قال: (لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً) بعد أن نخرجه نحطمه حتى لا تنتفعوا به: {أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} [الواقعة:68-70] وهنا يقول: {فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس:24] من أين جاءه، {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً} [عبس:25] أي: من السحاب {ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً} [عبس:26] بعد نزول المطر عليها تتشقق بالنبات: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا} [عبس:27] أي: في الأرض {حَبَّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} [عبس:27-31] أنبتنا فيها حباً كالبر والأرز والذرة والشعير وغير ذلك من الحبوب الكثيرة (وَعِنَباً) معروف، (وَقَضْباً) قيل: إنه القتّ وهو معروف، (وَزَيْتُوناً) معروف (وَنَخْلاً) كذلك.
(وَحَدَائِقَ غُلْباً) الحدائق جمعها حديقة، و (الغلب) كثيرة الأشجار، و (فاكهةً) أي: ما يتفكه به الإنسان من أنواع الفواكه، (وَأَبّاً) الأب نبات معروف عند العرب ترعاه الإبل {مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} [عبس:32] أي: أننا فعلنا ذلك متعة لكم يقوم بها عودكم وتتمتعوا بها أيضاً بالتفكه بهذه النعم.(19/8)
تفسير قوله تعالى: (فإذا جاءت الصاخة)
ثم لما ذكر الإنسان بحاله منذ خُلق من نطفة حتى بقي في الدنيا وعاش ذكر حاله الأخيرة في قوله: {فَإِذَا جَاءَتْ الصَّاخَّةُ} [عبس:33] أي: الصيحة العظيمة التي تصخ الآذان، وهذا هو يوم القيامة {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:34-36] (من أخيه) شقيقه أو لأبيه أو لأمه (وأمه وأبيه) الأم والأب المباشر والأجداد -أيضاً- والجدات، يفر هؤلاء كلهم (وصاحبته) أي: زوجته (وبنيه) وهم أقرب الناس إليه وأحب الناس إليه يفر من من هؤلاء كلهم.
قال أهل العلم: يفر منهم لئلا يطالبوه بما فرط به في حقهم من أدب وغيره؛ لأن كل شخص في ذلك اليوم لا يحب أبداً أن يقوم له أحدٌ يطالبه بشيء: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:37] كل إنسان مشتغلٌ بنفسه لا ينظر إلى غيره، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم تحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلاً، قالت عائشة: واسوأتاه يا رسول الله! الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم: الأمر أعظم من أن ينظر بعضهم إلى بعض) .(19/9)
تفسير قوله تعالى: (وجوه يومئذٍ مسفرة)
ثم قسم الله الناس في ذلك اليوم قسمين فقال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عبس:38-39] (مسفرة) من الإسفار وهو الوضوح؛ لأنها وجوه المؤمنين تسفر عما في قلوبهم من السرور والانشراح (ضَاحِكَةٌ) أي: متبسمة، وهذا من كمال سرورهم (مُسْتَبْشِرَةٌ) أي: قد بشرت بالخير؛ لأنها تتلقاهم الملائكة بالبشرى يقولون: سلام عليكم {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} [عبس:40] أي: يوم القيامة {عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} [عبس:40] أي: شيء كالغبار؛ لأنها ذميمة قبيحة {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [عبس:41] أي: ظلمة {أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} [عبس:42] الذين جمعوا بين الكفر والفجور.
نسأل الله العافية، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن تكون وجوههم مسفرة ضاحكة مستبشرة.
هذا الكلام الذي نتكلم به عن هذه الآيات لا نريد به البسط، ولكن نريد به التوضيح المقرب للمعنى لكثرة قراءتها في الصلوات والاستماع إليها خلف الأئمة، ونسأل الله أن يجعل فيه فتحاً مبيناً لنا ولكم، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.(19/10)
الأسئلة(19/11)
حكم اختلاف نية المأموم عن نية الإمام في الصلاة
السؤال
ما رأي فضيلتكم عند إقامة الصلاة للمسافرين إذا أدوا فريضة المغرب وأرادوا أن يؤدوا فريضة العشاء وإذا بجماعة أخرى دخلت المسجد لأداء الفريضة، هل يصلون المغرب بنية العشاء أم يقيمون جماعة منفصلة؟ الشيخ: أولاً: الجمع الذي ذكرت أن المسافرين يصلون الراتبة والمسافر ليس عليه راتبة، ولا ينبغي أن يصلي الراتبة.
السائل: يريدن أن يصلوا المغرب وجاءوا وقت العشاء لأنهم نووا جمع تأخير.
الشيخ: المهم أنه ما فيه راتبة.
السائل: نعم.
الجواب
هؤلاء الجماعة جمعوا جمع تأخير، ثم لما صلوا المغرب حضرت جماعة تريد صلاة المغرب: الذي ينبغي أن الجماعة التي حضرت هم الذين يصلون وراء الجماعة الأولى، فتقيم الأولى صلاة العشاء وتدخل معهم الجماعة الثانية بنية المغرب، فإذا سلمت الجماعة الأولى من صلاة العشاء -وهي ركعتان- قام هؤلاء فأتموا صلاة المغرب، هذا أولى؛ لأن هؤلاء أسبق من المتأخرين؛ ولأن هؤلاء إذا كان إمامهم هو الذي يصلي بهم جميعاً لم تختل صلاة المغرب بالنسبة للآخرين، لكن لو أن المتأخرين هم الذين صلوا بهؤلاء جماعة اختلت صلاة العشاء في حقهم، فالأولى أن يكون الإمام من الجماعة الأولى الذين يريدون أن يصلوا صلاة المغرب.
السائل: لو أدوا المغرب والعشاء جماعة وهناك جماعة يصلون العشاء في نفس الوقت هل يجوز أم لا؟ الشيخ: إمامة الجماعتان في مسجد واحد في آن وا حد هذا خلاف السنة، وخلاف الاجتماع، بل عده بعض العلماء من البدع، فالذي ينبغي أن يجتمعوا جماعة واحدة، والأولى أن تكون الجماعة مؤتمة بإمام الجماعة الأولى.
السائل: لو دخلوا والإمام يصلي المغرب وهم مسافرون وقد أدوا صلاة المغرب ويريدون أن يصلوا العشاء هل يأتون بأربع لأنهم يريدون أن يقصروا.
الشيخ: الجماعة الذين دخلوا معهم وهم يصلون المغرب؟ السائل: صلوا المغرب وتبقى لهم صلاة العشاء.
الشيخ: الجماعة الثانية باقي لها العشاء فقط؟ السائل: نعم.
الشيخ: دخلوا بنية صلاة العشاء مع هؤلاء الذين يصلون المغرب.
السائل: نعم.
الشيخ: الإمام نيتة المغرب، وهؤلاء نيتهم العشاء، وأدركوا مع الإمام صلاة المغرب أليس كذلك؟ السائل: نعم.
الشيخ: إذا صلوا مع الإمام صلاة المغرب ثلاثاً وسلم قاموا فأتوا ركعة واحدة فصارت صلاة العشاء متممة.
السائل: هل يسلمون على ركعتين لأنهم مسافرون؟ الشيخ: لا.
ما ينفع أن يسلموا، لكن إن شاءوا جلسوا إذا قام، وإن شاءوا أتموا معه، فإذا سلم أتوا بركعة.(19/12)
معنى حديث: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة)
السؤال
أرجو توضيح حديث الرجل الذي كان يعمل بعمل أهل الجنة ثم ختم له بعمل أهل النار؛ لأن بعض الإخوة كان من أهل الالتزام والاستقامة ثم قبل وفاته بشهر تقريباً انتكس ثم مات؟
الجواب
الحديث هو حديث ابن مسعود: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) حديث صحيح.
ولكنه قد ورد تقييده بالنسبة لمن يعمل بعمل أهل الجنة فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، ورد تقييده بأنه يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وذلك فيما رواه البخاري في قصة الرجل الذي كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان لا يدع شاذة ولا فاذة للعدو إلا قضى عليها، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن هذا من أهل النار، فعظم ذلك على الصحابة وكبر عليهم، كيف يكون هذا المجاهد البطل من أهل النار؟! فقال أحد الصحابة: والله لألزمنه -أي: ألازمه حتى أنظر ماذا تكون العاقبة- فيقول: فتابعته حتى أصابه سهم من العدو فجزع، فأخذ بسيفه وجعله على صدره واتكأ عليه حتى خرج من ظهره فمات، فجاء الرجل الذي كان ملازماً له إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال: ولم؟ قال: إن الرجل الذي قلت: إنه من أهل النار فعل كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) فهذا الحديث يقيد حديث ابن مسعود يعني: أنه يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، إلى أن يقرب أجله ثم يعمل بعمل أهل النار، ولهذا ينبغي للإنسان دائماً أن يسأل الله تعالى الثبات وحسن الخاتمة، وألا يغتر بعمله الذي هو عليه الآن؛ لأن هذا العمل قد يختلف عند الوفاة، فالأمر شديد عظيم.
نسأل الله عز وجل أن يحسن لنا ولكم الخاتمة.
السائل: هل يجب الحذر من النفاق والرياء؛ لأنه يدخل في هذا؟ الشيخ: نعم.
المنافق يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدوا للناس وهو من أهل النار، وكذلك المرائي، ولذلك يجب الحذر من النفاق والرياء بحيث يراجع الإنسان قلبه دائماً ويتجنب آيات المنافق التي حدثنا بها النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) يتجنب هذا كله.(19/13)
حكم دخول المأموم الذي لم يصل المغرب مع الإمام في صلاة العشاء
السائل: بعض الأحيان في صلاة المسافر مع المقيم من حيث الترتيب مثل أن يدخل المسافر مع المقيم صلاة العشاء وهو لم يصل المغرب، هل يقدم العشاء على المغرب إذا دخل مع الإمام؟ ما هو الحكم؟ الشيخ: الحكم ليس كما قلت، إذا جاء الإنسان والإمام في صلاة العشاء، وهو لم يصل صلاة المغرب، ودخل مع الإمام بنية المغرب فليستمر مع الإمام.
السائل: يعني بصلاة العشاء؟ الشيخ: الإمام يصلي العشاء والمأموم يصلي معه، يستمر معه، فإذا أتم المأموم ثلاثاً جلس وقرأ التشهد وسلم ودخل مع الإمام فيما بقي للإمام من صلاة العشاء، هذا إذا دخل مع الإمام من أول الصلاة.
أما إذا دخل مع الإمام من الركعة الثانية فلا إشكال، إذا دخل مع الإمام في الركعة الثانية ونوى المغرب فليستمر مع الإمام ويسلم معه ولا إشكال هنا.
وبقي مسألة التشهد وليس فيها إشكال، التشهد يفوت حتى في صلاة الظهر، لو دخلت مع الإمام في صلاة الظهر في الركعة الثانية فإنه سوف تتشهد في ركعتك الأولى وتترك التشهد في ركعتك الثانية، يعني الإمام سوف يقوم إلى الرابعة.
السائل: بعض الناس يفتي أنه يدخل مع الإمام بأن يصلي العشاء ثم يصلي المغرب؟ الشيخ: نعم.
بعض العلماء يرى هذا أنك تدخل مع الإمام بنية الإمام، أي: بنية العشاء، وإذا انتهيت تصلي المغرب.
السائل: والراجح يا شيخ؟ الشيخ: الراجح الأول من أجل الترتيب.(19/14)
حكم كشف الزوجة لوجهها أمام زوج أم زوجها
السؤال
رجل تزوج بامرأة، فهل يحق للمرأة أن تكشف لزوج أمه؟
الجواب
إذا تزوج الرجل بامرأة صار جميع أصوله محرماً لها، فزوج أمه إذا كانت المرأة التي تزوجها، إذا كان جده من جهة أمه فإنها تكشف وجهها له، أما إذا كان زوج أمه والبنت من غير هذه المرأة، فإنها لا تكشف له، لأنه ليس محرماً لها.(19/15)
حكم إتيان الإمام براتبه الفجر مع تأخره عن الناس
السؤال
فضيلة الشيخ! إمام أتى إلى المسجد متأخراً في صلاة الفجر، والجماعة ينتظرون الصلاة، هل من الأفضل أن يأمر بإقامة الصلاة أو يصلي ركعتين الراتبة ثم يقيم الصلاة؟
الجواب
إذا كان يشق على المأمومين لو صلى ركعتين، فالأفضل أن يصلي بالناس ثم يصلي الركعتين بعد ذلك، وإذا كان لا يشق -كما هو الغالب- فإنه يصلي ركعتين أولاً لأنهم إذا رأوه قد حضر سهل عليهم الأمر.(19/16)
الآيات الأولى من سورة الغاشية وحديث: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة)
السؤال
فضيلة الشيخ! يقول الله تبارك وتعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} [الغاشية:1-4] كيف تعمل هذه الوجوه وتنصب ثم في الآخرة تصلى ناراً حامية، وهل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) موافق لهذه الآية؟
الجواب
هذه الوجوه خشوعها وعملها ليس في الدنيا، هذا يوم القيامة؛ لأن الله قال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} [الغاشية:2] أي: يومئذ تأتي غاشية {خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية:2-3] وكذلك قوله: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى:45] فهذا يكون يوم القيامة وليس في الدنيا، وعاملة عملاً لا تعرف ما هو العمل الذي تكلف به يوم القيامة، وناصبة من النصب الذي هو التعب.(19/17)
حكم الحلف بالطلاق
السؤال
رجل تزوج امرأة وفي ساعة غضب بينه وبين أمه، والأم دائماً في شجار مع زوجته، فأقسم بالطلاق ألا تبقى زوجته في هذا البيت في هذا اليوم، فهل تحسب طلقة؟
الجواب
لا.
هذا ليس بطلاق، هذا يمين؛ لأن مراده بقوله: عليَّ الطلاق توكيد منه بعدم المبيت.
السائل: حلف ثم باتت في البيت.
الشيخ: إذ حلف فعليه كفارة يمين بإطعام عشرة مساكين، وليس عليه طلاق.
السائل: لا تحسب طلقة؟ الشيخ: لا تحسب طلقة؛ لأن هذا يمين، نعم لو قال: أنا أردت الطلاق وما قصدي بذلك التأكيد قلنا: تطلق.
لكنه أراد التأكيد.(19/18)
حكم تعليق التمائم
السؤال
قرأت في كتاب التوحيد في باب ما جاء في الرقى والتمائم إذا كان المعلق من القرآن رخص فيه بعض السلف وبعضهم لم يرخص، ويجعله من المنهي عنه، منهم: ابن مسعود رضي الله عنه، وعن إبراهيم قال: [كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن وغير القرآن] ولكن هذا قول إبراهيم وقول ابن مسعود رضي الله عنه وهو بسندٍ ضعيف أو صحيح.
سؤالي: أولاً: في أي كتاب وجدت أقوال السلف الذين لم يرخصوا.
ثانياً: وما حكمهما عندهم: هل هو شرك أو بدعةٌ أو مكروه كما في مسند أبي الجعد عن إبراهيم قال: [كانوا يطلبون الشيء ولا يحرمونه] .
ثالثاً: وما علة النهي، هل أنهم يدخلون به الخلاء أم عندكم علةٌ أخرى، كما قال ابن مسعود وإبراهيم في مصنف ابن أبي شيبة؟
الجواب
التمائم هي ما يعلق على الإنسان المريض ليشفى من المرض أو يعلق على الإنسان الصحيح ليتقى به العين، وإن كان مريض يعلقها لكي يشفى ويزول المرض، أو صحيح ليس بمريض لكن يعلقها لئلا تصيبه العين (الحسد) ، هذه التمائم لا تخرج عن حالات ثلاث: الحالة الأولى: أن يكتب فيها شرك وطلاسم، فهذه حرام بالاتفاق؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً) فكيف بالتمائم؟ التمائم أشد.
الحالة الثانية: ألا نعرف ما المكتوب فيها، فهذه أيضاً حرام؛ وذلك لأنه قد يكتب فيها شيء من الشرك من دعاء الجن أو الشياطين أو غير ذلك فتكون حراماً.
الحالة الثالثة: أن نعلم أن المكتوب فيها من القرآن أو من الأدعية النبوية، فهذه فيها خلاف بين السلف والخلف، فمنهم من أجازها مستدلاً بعموم قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82] فيقول: (ما هو شفاء) مطلق للمبين، فكل شيءٍ من القرآن يستشفي به الإنسان ويشفى فهو حق وأجاز ذلك، ومنهم من منعها وقال: إنها مكروهة كراهة تحريم أو كراهة تنزيه؛ لعموم النهي عن التمائم (إن الرقى والتمائم والتولة شرك) فتكون ممنوعة، فمنهم من قال: إنها كراهة تنزيه، ومنهم من قال: إنها كراهة تحريم، ولا شك أننا إذا جعلناها قسماً من الشرك فإنها تكون محرمة؛ لأن الشرك محرم صغيره وكبيره، ووجه ذلك: أن الإنسان إذا علقها تعلق قلبه بها ونسي القراءة المشروعة والتعوذات المشروعة، بل وربما يتعلق قلبه بها تعلقاً تاماً ينسى بها الخالق، ولهذا جاء النهي عنها.
وأما الكراهة في قول النخعي: كانوا يكرهون، فالكراهة في العرف السابق في سلف هذه الأمة للتحريم إلا إذا صرحوا بأنها كراهه تنزيه.
أما الكراهة عند المتأخرين بعد أن كتبوا في أصول الفقه وألفوا وفرعوا وأكثروا، فإن الكراهة عندهم للتنزيه وليست للتحريم.
والذي أرى في التمائم المكتوبة من القرآن أن تجنبها أولى ولكنها ليست حراماً.
السائل: ولكن أريد أقوال السلف الذين لم يرخصوا في أي كتاب؟ الشيخ: الذين لم يرخصوا بذلك؟ السائل: نعم.
الشيخ: هذا أثر ابن مسعود.
السائل: هل هو بإسناد ضعيف؟ الشيخ: إسناده ضعيف، لكن متنه قوي من حيث عموم (إن الرقى والتمائم والتولة شرك) .
السائل: أي أنه فقط أصل ظاهر؟ الشيخ: الأصل أن المتن هذا يقوى بالأحاديث، ويجب أن تعلم أنه قد يكون السند صحيحاً والمتن ضعيفاً، وقد يكون المتن قوياً والسند صحيحاً، ومن ثم اشترط العلماء -علماء مصطلح الحديث- لصحة الحديث ألا يكون الحديث معللاً ولا شاذاً، فإن كان معللاً بعلة قادحة أو شاذاً فإنه مردود ولو كان سنده صحيحاً، واعتبروا الشواهد فيما إذا كان السند ضعيفاً أو المتن، وأنه إذا جاءت شواهد تؤيد هذا الشيء فإنه يكون صحيحاً ولو كان سنده ضعيفاً.
السائل: ولكن لما قال: إن بعضهم لم يرخص، أين البعض؟ هل البعض ابن مسعود رضي الله عنه أم غيره؟ الشيخ: ابن مسعود أو غيره، والذي نقل هذا -أن بعضهم لم يرخص- هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وهو ثقة، وعلينا نحن الآن إذا قال بعضهم: علينا أن نبحث وأن ننظر في كتب الآثار كـ المصنف لـ عبد الرزاق وابن أبي شيبه وغيرهما.
السائل: قرأت في مصنف ابن أبي شيبة فما وجدت غير قول ابن مسعود رضي الله عنه فقط.
الشيخ: لكن هناك مصنفات أخرى غير مصنف ابن أبي شيبة، والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ثقة.(19/19)
توضيح حديث: (ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة)
السؤال
في الحديث: (ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة) هل هم دائمون في النار أو أنهم من فرق الضلالة من المسلمين؟
الجواب
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) لا يعني أنها كلها مخلدة في النار؛ بل تبتدع بدعة توجب التخليد في النار أو بدعة يستحق بها العبد أن يدخل بها النار ولكنه لا يخلد فيها، فكون حاله حسب البدعة التي ارتكبها وخالف فيها ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
السائل: وواحدة في الجنة، أي: لا يدخل رجل من الفرقة الناجية النار؟ الجواب: قد يدخل في النار وإن دخل لم يخلد فيها.
السائل: كيف نفهم هذا؟ الشيخ: نقول -مثلاً- الناس أربعة أقسام: أولاً: مبتدع خالص ليس عنده سنة إطلاقاً، فهذا مخلد في النار ولا إشكال فيه.
ثانيا: مبتدع مختلط، فهذا يستحق أن يدخل النار ولكنه لا يخلد فيها.
ثالثاً: سني خالص، فهذا يدخل الجنة ولا يستحق أن يدخل النار وإن دخلها بمعاص أخرى لم يخلد فيها.
رابعاً: سني مختلط {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً} [التوبة:102] ^ فهذا يستحق أن يدخل النار ولكنه لا يخلد.(19/20)
حكم الصلاة في الدوائر الحكومية وفي جماعات متفرقة
السؤال
في أحد الدوائر الحكومية أو في مكانٍ ما يوجد مكان للصلاة يصلي فيها أغلبهم ولكن توجد بعض الفئات يصلون منفردين جماعات؟
الجواب
أولاً: نسأل هذه الدوائر الحكومية: هل يمكن أن تخرجوا إلى المساجد القريبة حولهم أم لا؟ إذا كان يمكن أن تخرج إلى المساجد القريبة حولهم دون أن يعطلوا العمل فإنه يجب عليهم أن يصلوا في المسجد؛ لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن صلاة الجماعة يجب أن تكون في المساجد، وإن كان بعض العلماء يقول: الواجب الجماعة سواء كان في المسجد أو في البيت أو في المكتب، وإذا كان لا يمكن أن يخرجوا إلى المسجد لبعدها أو يخشى أنهم إذا خرجوا إلى المسجد تفرقوا أو تلاعبوا كما يوجد من بعضهم إذا خرج ذهب إلى بيته ولم يرجع، أو إذا خرجوا تعطل العمل لكون العمل كثيفاً يختل إذا خرجوا إلى المسجد؛ فإنهم يصلون في الدائرة في هذه الحال؛ لأن المحافظة على الوظيفة واجب لا يجوز الإخلال به، وإذا قلنا: إنهم يصلون في الدائرة فالواجب أن يجتمعوا جميعاً على إمام واحد إذا أمكن، فإن لم يمكن صلى كل دور في دوره، يجتمع أهل الدور الواحد في مكان واحد ويصلون.
السائل: يوجد مكان متسع مخصص يصلون فيه؟ الشيخ: نعم مكان واسع يصلون فيه.
السائل: لكن بعض الأفراد خمسة أو ستة يصلون لمفردهم؟ الشيخ: هذا لا يجوز ويجب أن يصلوا جميعاً.
السائل: بعضهم يشتكي ويتعلل برائحة الشراب فبعض الطلاب رائحة شرابه مؤذية؟ الشيخ: كل هذا تحجر وتعلل غير صحيح، الشُراب حتى لو كان على الإنسان شُراب ولو لم يخلعها، ولو كان شرابه حين دخل غير نظيفة فإنها لا تصل إلى حد أن ينفر الناس منه؛ لأن القدم في الغالب لا يكون فيها عرق مؤذٍ، لكن هؤلاء يتحججون بكل شيء، فيقال: إذا كان عندك طالب رائحة جواربه مؤذية فاذهب إلى الجهة الأخرى.
السائل: سألني بعضهم فأفتيته بأنه يجوز أن يصلوا منفردين؟ الشيخ: لا نفتي أنه يجوز أن تتعدد الجماعات في آن واحد.
السؤال: هل يوجد تحديد للمسافة من بيته إلى المسجد؟ الجواب: المسافة ليس فيها تحديد شرعي وإنما يحدد ذلك العرف.(19/21)
حكم جمع الصلاة بنية السفر قبل بدء السفر
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم جمع الصلاة بنية السفر قبل الخروج من البنيان؟
الجواب
الجمع بين الصلاتين للمسافر سنة إذا كان يسير في البر، وجائز إذا كان نازلاً في البر، أما قبل أن يسافر من بلده فإنه لا يحل له أن يجمع؛ لأن سبب جمعه هو السفر ولم يبدأ به الآن، فلا يجوز أن يجمع إلا إذا خرج من البلد، كما أنه لا يجوز أن يقصر، فلو قال: إني عازم على السفر أصلي الرباعية ركعتين وأخرج؟ قلنا: لا يجوز.(19/22)
حكم صلاة الإمام الذي تذكر أنه على غير وضوء وحكم صلاة المأمومين
السؤال
نحن شباب من رفحة جئنا لزيارة بعض المشايخ، ونخبركم أن أهل رفحة يسلمون عليكم وعلى جميع الشباب، ونخبركم أن الدعوة ماضية، ويقولون: نحن نحبك في الله ونتقرب بحبك إلى الله، والسؤال يا شيخ! إذا أم إنسان جماعة وتذكر وهو في الصلاة أنه على غير وضوء ولم ينتقض وضوءه في الصلاة فهل تبطل صلاته لوحده أم الجماعة؟
الجواب
نحن أولاً نود أن تقرئ إخواننا في رفحة السلام، ونخبرهم بأننا نسأل الله لهم الثبات على ما بشرتنا به من الاستقامة والدعوة، وأوصيهم أولاً بتقوى الله عز وجل، وبإخلاص النية، وبالتأني والصبر، وألا يملوا من القيام بالعمل الصالح، وألا يسأموا من الدعوة إلى الله ولو نالهم ما ينالهم من الأذى، ولكن ليكن هذا بالرفق، وانشراح الصدر، وانبساط الوجه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الله يعطي بالرفق ما لا يعطي على العنف) وهذا شيء أخبر به المعصوم عليه الصلاة والسلام وصدقه الواقع، فكثيرٌ من الشباب الذين مَنَّ الله عليهم بالهداية والاستقامة يريدون من الناس أن يستقيموا بين عشية وضحاها! فتجد صدورهم تضيق إذا رأوا من الناس عدم القبول، وربما يغضبون على من دعوهم وربما يشتمونهم أو يصفونهم بالضلال أو ما أشبه ذلك، وكل هذا خلاف هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وتعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم بقي في مكة ثلاث عشرة سنة ينزل عليه الوحي ولم يجد الاستجابة التامة، بل اضطر إلى أن يخرج من مكة مهاجراً إلى المدينة، فعليهم بتقوى الله عز وجل والتأني في الأمور، والصبر، وانتظار الفرج، واحتساب الأجر من الله عز وجل، وأن يكثروا من الاستغفار والتواصي بالحق والتواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة حتى تتم لهم الأمور، وليسألوا الله دائماً الثبات فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، إن شاء أزاغ القلب، وإن شاء ثبته، نسأل الله عز وجل أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وليحرصوا على تلقي العلم من أهل العلم، وألا يقرءوا كل كتاب وقع في أيديهم؛ لأننا نشاهد في الوقت الحاضر كثرة المؤلفات من قوم لم يعرفوا بالعلم، وهذا خطر عظيم، والإنسان لا ينبغي له أن يكون إمعة يتبع كل ناعق، بل لا يعتمدون إلا على كتب عرف أهلها بالعلم والنصح والصلاح.
وأما سؤالك عن الإمام الذي تذكر وهو في أثناء الصلاة أنه ليس على وضوء فإننا نقول: إنه يجب عليه أن ينصرف من صلاته، ولا يحل له أن يستمر فيعبد الله بغير ما شرع ويتقرب إلى الله تعالى بما يسخط الله، فإن الله لا يرضى من العبد أن يصلي على غير وضوء، بل على غير طهارة، عليه أن ينصرف ثم يقول لأحد الجماعة الذين خلفه: يا فلان! أتم بهم الصلاة، فإن انصرف دون أن يستنيب من يكمل الصلاة فللمأمومين الخيار بين أمرين: إما أن يتموا فرادى، وإما أن يقدموا واحداً منهم يصلي بهم.
أما المأموم فصلاته صحيحة وليس فيها بأس، ولا فرق بين أن يتذكر إمامه أنه ليس على وضوء أو أن يحدث له الحدث في أثناء الصلاة، فلا فرق بين هذا وهذا، فالمأموم معذور على كل حال؛ لأن المأموم لا يدري بحدث إمامه ولو علم أن إمامه محدث ما صلى وراءه.(19/23)
توضيح حديث: (لا يحل شرطان في بيع)
السؤال
أقرأ في كتاب البيوع من كتب الحنابلة مثل منار السبيل أو غيره حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يحل شرطان في بيع) مع أن الفقهاء يجيزون شراء الشيء وحمله وتنزيله.
كيف توجه هذا الحديث؟
الجواب
توجيه الحديث أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم يفسر بعضه بعضاً ولا تناقض فيه، فالشرطان في بيع أن يقول البائع للشخص: بعت عليك هذه السلعة بعشرة مؤجلة بشرط أن تبيعها عليَّ بثمانية نقداً.
فتنطبق المسألة على مسألة العينة، ومسألة العينة هي: أن يبيع الإنسان الشيء بثمن مؤجل ثم يشتريه ممن باعه عليه بأقل من ذلك نقداً، مثل أن يقول: بعتك هذه السيارة بخمسين ألفاً إلى سنة ثم يشتريها منه بأربعين ألفاً نقداً، هذه مسألة العينة وهي حرام، سواء اتفقا عليها قبل أم لم يتفقا عليها، ويفسر هذا الحديث: (لا يحل سلف في بيع، ولا شرطان في بيع) على أن المراد بالشرطين بيع العينة.
وأما ما ذهب إليه الفقهاء رحمهم الله، من أنه إذا جمع بين شرطين فإن العقد لا يصح، مثل: أن يشترط على رجل حمل البضاعة وتنزيلها فإن هذا القول ضعيف، والصحيح أن الشروط إذا جمعت ألف شرط وهي معلومة يمكن الحصول عليها فإنها جائزة؛ لعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] والأمر بالوفاء بالعقد يشمل الوفاء بأصل العقد وبما شرط فيه؛ لأن الشروط في العقد من أوصاف العقد فهي داخلة فيه، ولقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً} [الإسراء:34] ولما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) وهذا الحديث وإن كان في سنده كلام كثير، لكن يؤيده حديث عائشة الثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) فمفهومه: كل شرط لا يخالف كتاب الله فهو حق.(19/24)
فوائد الزواج من غير الأقارب
السؤال
فضيلة الشيخ! في كتاب النكاح من كتب الحنابلة رحمهم الله، يقولون: الأفضل في الزواج ألا تكون المرأة من أقاربه، هل ثبت من السنة ما يؤيد ذلك أو خلاف ذلك؟
الجواب
هذا ذهب إليه بعض العلماء لفائدتين: الفائدة الأولى: أنه أنجب للولد، بمعنى أنه يجذبه عرق أمه إذا كانت من قبيلة وعرق أبيه إذا كان من قبيلة، فيجتمع في هذا الطفل أخلاق هؤلاء وهؤلاء.
الفائدة الثانية: أنه أسلم من القطيعة؛ لأنه قد يحدث بينه وبين زوجته خلاف يؤدي إلى تقاطع الأرحام ليس بين الزوج والزوجة فقط بل بين الأقارب كلهم من هؤلاء وهؤلاء، ولكن عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) يشمل القريبة والبعيدة، ولا يخفى علينا أن علي بن أبي طالب تزوج بـ فاطمة رضي الله عنها وهي بنت ابن عمه، فالصواب أنه لا يلتفت للقرابة والبعد، لكن يلتفت إلى ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم: (فاظفر بذات الدين تربت يداك) .(19/25)
توضيح مخالفة شيخ الإسلام الأئمة الأربعة في بعض المسائل
السؤال
بالنسبة للمسائل التي خالف فيها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الأئمة الأربعة ألا يوجد كتاب مؤلف فيها؟
الجواب
نعم.
يوجد، جمعها بعض العلماء تزيد على عشرين مسألة، ولكنه رحمه الله لم يخالفهم بمعنى أنه خرج على أقوالهم كلها، ولكن خرج عن المشهور من أقوالهم، فتجده إذا اختار قولاً من الأقوال لا بد أن يكون له أصل ولاسيما عند الإمام أحمد رحمه الله، ولكن يكون هذا القول الذي ذهب إليه غير مشهور فيظن الظان أنه خالف الأئمة الأربعة.(19/26)
الأفضل في مسألة تغيير لون اللحية البيضاء
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا كان شعر اللحية أبيض، ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم حث على تغيير لونه بالحناء أو بغيره، فسؤالي هو: أيهما أفضل: تغييره أو إبقاؤه على ما هو عليه؟
الجواب
الأفضل تغييره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، قال: (غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد) .(19/27)
حكم صحبة من لا يصلي والجلوس معه
السؤال
إذا كان هناك شخصان أحدهما لا يصلي والآخر لا يشهد صلاة الجماعة ويدعي الصلاة في المنزل، فهل يجوز لي التعامل معهما من كلام وأكل وشرب وضحك إلى آخره؟
الجواب
أما الذي لا يصلي أبداً فهذا كافر مرتد أخبث من اليهود والنصارى؛ لأن اليهودي والنصراني يقر على دينه، وهذا لا يقر على دينه.
وأما الذي لا يصلي مع الجماعة فهو فاسق، ولكنه ليس بكافر، وهؤلاء الكفار أو الفساق لا يجوز للإنسان أن يوادهم بمعنى أن يطلب مودتهم أو محبتهم، ولكن له أن يتكلم معهم ويضحك إليهم بقصد التأليف إذا كان يرجو من ذلك أن يهتدوا، وكما نعلم جميعاً أن التأليف له أهمية، ولهذا يعطى الكافر من الزكاة -التي هي ركن من أركان الإسلام- للتأليف، فينظر الإنسان إذا كان هذا الرجل العاصي بترك الجماعة أو الذي لا يصلي أبداً إذا كان يرجو منه أن يستقيم إذا ضحك إليه وجلس معه وأكل معه فليفعل، وإن كان لا يرجو ذلك فلا يفعل لكنه لا يمنع من نصحه.(19/28)
حكم التكلم بأشياء لا تبنى على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
السؤال
فضيلة الشيخ! سمعت من بعض الدعاة أكثر من مرة يقول: إن الناس قد ضعف عندهم التوكل، ذلك أني إذا سألت شخصاً أراد السفر عند من تنزل عندما تصل المكان الذي تريد؟ يقول: عند قريبي، فتقول: وإذا لم تجد قريباً؟ يقول: معي مال أنزل في فندق أو في شقة، فتقول: فإن لم يكن معك مال؟ يقول: الله يسهل الأمر، فهنا جعل الله في المرتبة الثالثة فهو ضعف في التوكل، وهذا يا فضيلة الشيخ! موجود بكثرة، وأمثال هذا الكلام متداول عندهم كثيراً وهم الذين قد سألت عنهم في الجلسة الماضية؟
الجواب
أقول: إن من الآفات أن يتكلم الإنسان بأشياء لا تبنى على كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيتصور الحق باطلاً أو الباطل حقاً، ومن المعلوم أن الإنسان إذا أضاف الشيء إلى سببه المعلوم فهو جائز، فإذا قيل للمسافر: كيف تسافر؟ إلى من تذهب؟ قال: أذهب إلى قريبي، فإذا لم أجده فمعي دراهم أنزل بها في فندق، فإذا لم يكن عندي قريب ولا معي دراهم فسييسر الله الأمر، فليس في هذا شيء من ضعف التوكل؛ لأنه اعتمد على أسباب ظاهرة معلومة، فإذا فقدت هذه الأسباب فقد علق الرجاء بالله، حتى في اعتماده على الأسباب المعلومة فهو في قرارة نفسه يعلم أن الله هو الذي ييسرها له، وهو الذي سهلها عليه، ولولا تسهيل الله تعالى ما تيسرت.
ولا يعني ذلك أنه جعل الله في المرتبة الثالثة بل بين الأسباب المعلومة المحسوسة، فإذا تعذرت عليه فالله ييسر الأمر، وليس في هذا شيء أبداً من نقص التوكل أو ضعف التوكل.(19/29)
سقوط صلاة الراتبة عن المسافر
السؤال
إذا صلى المسافر الجمعة، هل تسقط عنه الراتبة أو يصليها؟
الجواب
المسافر إذا كان في بلد تقام فيه الجمعة فإنه يجب عليه أن يصلي الجمعة؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] والمسافر يدخل في العموم لأنه من المؤمنين، لا يقول: أنا مسافر سأقصر، الجمعة أوجب عليك فإذا صلى الجمعة فإنها ليس لها راتبة قبلها كما هو معروف، ولكن لها راتبة بعدها فهل يصلي الراتبة أم لا؟ الظاهر أنه لا يصلي الراتبة ولكن يصليها نفلاً مطلقاً، وإنما قلنا: الظاهر ألا يصلي؛ لأنه ليس العلة من ترك الراتبة أن تكون الصلاة مقصورة، بدليل أن المغرب للمسافر ليست مقصورة ومع ذلك لا يصلي لها الراتبة، فنقول: ليست للجمعة راتبة في حقك، ولكن إن صليت تطوعاً مطلقاً بغير قصد الراتبة فلا بأس.
السائل: هل يجوز أن يجمع إليها العصر؟ الشيخ: الجمعة لا يجمع إليها العصر؛ لأن الجمعة صلاة مستقلة لا يجمع إليها ما بعدها ولا تجمع هي أيضاً إلى ما بعدها فتؤخر، فإن السنة الواردة في الجمع بين الظهر والعصر فقط، لا بين الجمعة والعصر، والجمعة كما نعلم تخالف الظهر في مسائل كثيرة.(19/30)
معنى: (ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه)
السؤال
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الأمانة في الحديث: (نزلت الأمانة في جذر قلوب الرجال) والإشكال قوله: (ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه) ما السبب في قبض الأمانة؟
الجواب
المراد -والله أعلم- بهذا الحديث أن الإنسان ينام وقلبه على الأمانة، ثم يستيقظ وقد نزعت الأمانة من قلبه؛ لأنه نام على الأمانة التي ليس عنده فيها قوة فتنزع من قلبه، أو يقال: نام نومة فنزعت الأمانة من قلبه، أي: ولو بعد النوم، وهذا كالحديث الآخر: (يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً) .
ولا يلزم من هذا أن تنزع الأمانة من قلبه وهو نائم بل ينام النومة ثم يستيقظ فتنزع الأمانة من قلبه.(19/31)
ضابط العذر بالجهل في الأحكام الشرعية
السؤال
فضيلة الشيخ! كثيراً ما نسمع أن هذا الإنسان يعذر بالجهل، فلو كان هناك عذر بالجهل فما ضابط هذا الجهل في الأحكام الشرعية؟
الجواب
الجهل -بارك الله فيك- هو: عدم العلم، ولكن أحياناً يعذر الإنسان بالجهل فيما سبق دون ما حضر، مثال ذلك: ما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة: (أن رجلاً جاء فصلى صلاة لا اطمئنان فيها، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ارجع فصل فإنك لم تصل، كرر ذلك ثلاثاً، فقال له: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني) فعلمه ولكنه لم يأمره بقضاء ما مضى لأنه كان جاهلاً، إنما أمره أن يعيد الصلاة الحاضرة.
فإذا كان الإنسان لا يصلي -مثلاً- فيما سبق بناءً على أنه لم تجب عليه الصلاة وهو في محل ناءٍ ليس عنده من يسأله من أهل العلم، فإننا لا نأمره بقضاء ما فاته؛ لأنه معذور، أما إذا كان في بلدٍ فيه العلماء، ولكنه فرط فهذا لا يعذر بالجهل، ويقع هذا كثيراً في المرأة التي تحيض وهي صغيرة، فتظن أنها لم تبلغ بناءً على أن البلوغ لا يكون إلا بتمام خمس عشرة سنة، فتجدها تدع الصيام بناءً على أنها لم تبلغ، ثم تأتي بعد ذلك تسأل تقول: إنها بلغت؛ لأنها حاضت -مثلاً- وبقيت سنتين أو ثلاثاً لم تصم رمضان فهل تقضي؟ ننظر إذا كانت في بلد فيه علماء ويمكنها أن تسأل أهل العلم فهي مفرطة نلزمها بالقضاء، وإذا كانت في مكان بعيد عن العلماء كأهل البادية فإننا لا نلزمها بالقضاء؛ لأنها جاهلة ومعذورة ليس عندها من تسأل، وليس العلم الشرعي متداولاً في البادية.
فكل شيء يكون الإنسان فيه معذوراً فإنه معفو عنه؛ لأن الله تعالى قال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15] وقال: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص:59] .(19/32)
حكم أخذ الأجرة على الدعوة إلى الله
السؤال
فضيلة الشيخ! الإنسان يريد الدعوة إلى الله والعمل الصالح ولكن يرى أن نشاطاته وأعماله الشخصية تأخذ وقته، فهل يأخذ الأجرة على هذه الأعمال بالنية الصالحة؟
الجواب
أولاً: إذا نوى الإنسان النية الطيبة فإن الله ييسر له العمل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) .
ثانياً: ينبغي للإنسان أن يرتب وقته، فإن لنفسه عليه حقاً، ولأهله عليه حقاً، ولضيفه عليه حقاً، فيرتب الوقت الذي يتمكن به من أداء الحقوق إلى أهلها، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أفضل القيام قيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه) .
وهو إذا عمل هذا العمل مع إخلاص النية يسر الله له ذلك، لكن كونه يحب أن يكون إماماً في العلم والدعوة إلى الله والعمل الصالح بدون أن يتحرك هذا لا يمكن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني) .(19/33)
الحث على الابتعاد عن مواقع الريب
السؤال
هناك شاب ملتزم ويلاعب الصغار من الحارة والشباب، فينصحه الإخوان بأن هذا لا يليق بك؛ لأنك إنسان متمسك، ويقولون: إنهم عصاة؛ لأنهم يتلفظون بألفاظ قبيحة وربما يصل بعضهم إلى ترك الصلاة لكن ليس بالكلية، فلا أدري هل يجوز له ملاعبتهم أم لا؟
الجواب
أولاً: يجب على الإنسان أن يبتعد عن مواقع الريب، وكون هذا الرجل يعاشر الصبيان والغلمان يبقى محل تهمة عند الناس، فيجب عليه البعد عن هذا، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال عن نفسه وكانت معه زوجته: صفية بنت حيي، وذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان معتكفاً فجاءته زوجته صفية وتحدثت عنده ساعة، ثم قامت لتذهب إلى مكانها، فقام عليه الصلاة والسلام يمشي معها فمر رجلان من الأنصار فأسرعا المشي لما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم ومعه امرأته خجلاً وحياءً، فقال صلى الله عليه وسلم: (على رسلكما إنها صفية بنت حيي فقالا: سبحان الله! -يعني: نحن لا نظن شيئاً- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً أو قال: شيئاً) مع أن المسألة أبعد مما بين السماء والأرض في أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم محلاً لما لا يليق به صلى الله عليه وسلم فكيف بغيره.
فنصيحتي لهذا الأخ الملتزم أن يبتعد عن مواطن الريب ليسلم عرضه ويسلم دينه، ثم إني -أيضاً- لا آمن عليه أن يلقي الشيطان في قلبه ما يلقي من الشر مع كثرة مخالطته هؤلاء الصبيان ومعاشرتهم.
نعم، لو فرضنا مرةً من المرات -مثلاً- مزح مع أحد منهم فهذا لا بأس به مع سلامة القلب، فإن الرسول عليه الصالة والسلام كان يلاطف الصبيان ويمزح معهم، وقصته مع الصبي الذي كان عنده طائر صغير يسمى النغير، وهذا الطائر كان مع هذا الصبي يفرح به ويلعب به، فمات هذا الطائر فحزن عليه الصبي، فكان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول لهذا الصبي: (يا أبا عمير! ما فعل النغير؟) .
أما معاشرتهم أي: معاشرة الصبيان والغلمان فإني أشير عليه أن يدعها ليسلم عرضه ويسلم دينه، حتى من باب الدعوة لا يعاشرهم، لكن يأتي إليهم ويدعوهم ويكون معه أناس آخرون بحيث لا ينفرد بهم.(19/34)
حكم طمس الصور المهانة
السؤال
هناك حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أحد الصحابة وقال له: (لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته ولا صورة إلا طمستها) فهل هناك حديث ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان في عهده صور مهانة، وهل الأفضل طمسها أو تركها مهانة؟
الجواب
أما الذي أوصاه الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك فهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أوصاه ألا يدع صورة إلا طمسها، وفي لفظ (تمثالاً إلا طمسه ولا قبراً مشرفاً إلا سواه، فالمشروع طمس الصور ولاسيما الصور التي تعظم، كصور الزعماء والعلماء والأمراء وما أشبه ذلك، ولهذا قال: (ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) لأن القبر المشرف قد يكون معظماً تعظيماً يؤدي إلى الشرك وكذلك هذه الصور.
وأما الصور المهانة فإن جمهور العلماء أجازوها واستدلوا بحديث الوسادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل على عائشة وعندها قرام سترت به بيتها أنكر ذلك فشقته وجعلته وسادتين يرتفق بهما، قال العلماء: فهذا دليل على أنه إذا كانت مهانة فإنه لا بأس بها؛ لأن الذي يحذر من الصور إنما هو التعظيم، فإذا أهينت زال المحذور وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء.
وقال بعض العلماء: إنه لا يجوز إبقاء الصورة ولو كانت مهانة، وإنه لا يجوز أن يفترش الإنسان ما فيه الصورة ولا أن يتكئ على ما فيه صورة، وهذا بلا شك أحوط وأسلم.
السائل: والمجلة المصورة؟ الشيخ: المجلة نوعان: مجلة تصوير وهذه لا تجوز، ومجلة علم ولكن فيها صورة أحياناً فهذه تجوز؛ لأن الصورة غير مقصودة.
السائل: وملابس الأطفال؟ الشيخ: ملابس الأطفال المصورة لا يجوز لولي الطفل أن يلبسه إياها.(19/35)
حكم زيادة لفظة وبركاته في التسليم من الصلاة
السؤال
ما حكم الزيادة في التسليم من الصلاة وبركاته؟
الجواب
لا بأس بها أحياناً.(19/36)
حكم الصور في الملابس الملبوسة
السؤال
ما حكم الصور في الملابس الملبوسة؟
الجواب
لبس ما فيه صورة لا يجوز.
السائل: الصور في ماركات الشركات مثل صورة الجمل وغيره؟ الشيخ: لبُس ما فيه صورة لا يجوز.
السائل: لا يوجد ملابس إلا وفيها صور؟ الشيخ: ابحث عن غيرها.(19/37)
حكم إقرار المنكر من أجل الدعوة
السؤال
تكلمت بارك الله فيك عن الدعوة وما الدعوة، وبعض الدعاة يذهب إلى شخص يدخن ويعطونه في بعض الأحيان نقوداً من أجل أن يشتري بها دخاناً، ويقول: إن ذلك في سبيل الدعوة؛ فهل هذا صحيح، ويقعد معه وعنده التلفاز ويقول: لا تنفر هذا من أجل الدعوة، فهل هذا صحيح أم لا؟
الجواب
هذا غير صحيح، الإقرار على المنكر منكر، وكونه يعطيه دراهم يشتري بها دخاناً ليتألفه هذا غير صحيح، تأليفه أن ينصحه ويبين له مضار المعصية سواء كانت دخاناً أو غير دخان، ويحذره منها ويعطيه -مثلاً- أشرطة موجهة أو رسائل أو كتيبات، هذا هو التأليف، أما أن يباشر المعصية هو نفسه ويشتري له الدخان أو يعطيه الدراهم ليشتري الدخان هذا غير صحيح.
السائل: هل يأثم أم لا؟ الجواب: نعم.
يأثم الذي يحضر المنكر، إلا من حضر لإزالته، مثل من جلس عند قوم عندهم تلفزيون يعرض أشياء محرمة فجلس ولم يبادرهم مباشرة بالإنكار، جلس وجعلهم يطمئنون إليه، ثم قال: إن هذا حرام ولا يجوز، ونصحهم، إن أعرضوا عنه وأغلقوا التلفاز فهذا هو المطلوب، وإن أصروا يخرج، فإن بقي بعد ذلك فهو آثم.(19/38)
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم)
السؤال
ما المراد بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المائدة:105] ؟
الجواب
المراد بها أن الله حث الإنسان على أن ينجي نفسه، وإذا أنجى نفسه بقيامه بما أوجبه الله عليه فإنه لا يضره ضلال من ضل، ولا يعني هذا أن الآية تسقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أبا بكر رضي الله عنه قام في الناس، وقال: (إنكم تقرءون هذه الآية وتنزلونها على غير ما أراد الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105] وإني سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه) ولهذا جاءت الآية الكريمة مؤيدة {لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105] ومن الهداية أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.(19/39)
حكم تنفيذ الوصية بالدفن في مكان معين
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك امرأة أوصت أن تدفن ببقعة معينة وما تمت الوصية، ويسأل ولدها ويقول: إنها تعرض له في المنام كثيراً وتعرض لوالده والآن لهم سنة من دفنها، فيسأل: هل يعتبر هذا عصياناً، ثم هل يجوز نبش القبر وإرجاعها إلى المكان الذي أوصت أن تدفن فيه؟
الجواب
لا يلزم تنفيذ الوصية إذا أوصى الميت ألا يدفن إلا في مكان معين، بل يدفن مع المسلمين؛ إذ أن الأرض كلها سواء، وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا مات منهم ميت في أي مكان دفنوه، فهذه الوصية لا يلزم تنفيذها، وكونها تعرض له في المنام لأنه كان يفكر فيها، ومعلوم أن الإنسان إذا فكر في الشيء قد يراه في المنام.
ولهذا عند الناس يقولون: حلوم أهل نجد حديث قلوبهم.
السائل: ألا يدخل هذا تحت إنفاذ الوصية؟ الشيخ: هذا لا يجب تنفيذه أبداً؛ لأنه ليس فيه مقصود شرعي.(19/40)
حكم صلاة سنتي الظهر بعد العصر لمن جمع الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا حصل جمع تقديم في المطر هل يصلي سنتي الظهر بعد العصر والعصر لم يحن بعد؟
الجواب
نعم.
إذا جمع بين الظهر والعصر جمع تقديم أو جمع تأخير وكان غير مسافر فإنه يصلي راتبة الظهر بعد العصر؛ لأن لها سبباً، وفعل ذوات الأسباب في وقت النهي لا بأس به؛ لأن ذوات الأسباب ليس في فعلها نهي.(19/41)
لقاء الباب المفتوح [20]
تكلم الشيخ في هذا اللقاء عما حملته سورة الضحى من معانٍ عظيمة، وقسم الله بآياته على أن ينصر نبيه صلى الله عليه وسلم، وما منَّ به عليه من النعم، ثم أجاب فضيلته على الأسئلة الواردة في هذا اللقاء.(20/1)
تفسير سورة الضحى
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا نفتتح لقاءنا بعد شهر رمضان في يومنا هذا (23) من شهر شوال عام (1413هـ) ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه اللقاءات لقاءات نافعة.
وقد اخترنا أن يكون بداية اللقاء تفسير آيات من كتاب الله عز وجل، ثم بعد ذلك يأتي الجواب على الأسئلة.(20/2)
تفسير قوله تعالى: (والضحى والليل إذا سجى)
في هذا اليوم سوف نتكلم عن قول الله تبارك وتعالى: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:1-5] هذه السورة والتي بعدها كلها في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وما حباه الله به من النعم والكرامات، فالله عز وجل أقسم بالضحى وبالليل، والضحى يكون به ضوء النهار (وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) أي: إذا غطى الأرض فأظلمت بعد هذا النور.
والنور والظلمة شيئان متقابلان، وهما -والعلم عند الله- يمثلان حال الناس قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد بعثته، فالناس قبل البعثة في ظلمة وجهل وغشم وعدوان، وبعد أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم صاروا على النور والهدى.(20/3)
تفسير قوله تعالى: (ما ودعك ربك وما قلى)
ثم بين الله تعالى ما أقسم عليه في قوله: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} أي: ما تركك وأهملك، وما قلاك، أي: أبغضك بل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحد الخليلين اللذين اختصا بهذه الصفة العظيمة؛ وهي من صفات الله عز وجل، وهي الخلة، والخلة أعلى أنواع المحبة، وليس من عباد الله من هو خليل الله إلا إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً) .
وقوله: (وَمَا قَلَى) أي: ما قلاك وأبغضك، فهو لم يتركك ولم يبغضك بل هو سبحانه وتعالى قد اعتنى به وحفظه وأحبه.(20/4)
تفسير قوله تعالى: (وللآخرة خير لك من الأولى)
بين الله لرسوله أن الآخرة خير له من الأولى، فإن الآخرة وما فيها من النعيم لا يعدله شيء من النعم مهما كان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها) .(20/5)
تفسير قوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى)
ثم وعده سبحانه وتعالى بهذه العدة العظيمة والبشارة السارة: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} فأعطاه الله عز وجل من النصر في الدنيا والعز والعلو على عدوه ما رضي به صلى الله عليه وسلم، وسيعطيه أيضاً في الآخرة ما هو أعظم، فإنه في الآخرة يبعثه الله مقاماً محموداً، فيشفع للخلائق، ويعطيه الله عز وجل الوسيلة، وهي درجةٌ في الجنة لا ينالها إلا عبد من عباد الله، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم.(20/6)
تفسير قوله تعالى: (ألم يجدك يتيماً فآوى)
ثم ذكَّره الله تعالى بالنعم، فقال: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى} [الضحى:6] فقد ولد النبي صلى الله عليه وسلم يتيماً ليس له أب، وماتت أمه أيضاً وبقي صلى الله عليه وسلم متفرداً في كفالة جده، ثم مات جده، فكفله عمه أبو طالب، فالله عز وجل خلقه يتيماً ولكنه آواه ونصره وأيده ويسر له من عباده ما يحصل به المنعمة والحفظ.(20/7)
تفسير قوله تعالى: (ووجدك ضالاً فهدى)
قال تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى} [الضحى:7] فالرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يعرف شيئاً من العلم قبل بعثة الله إياه، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ} [الشورى:52] وقال الله تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء:113] فالرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه ما كان عنده من العلم الذي أوحاه الله إليه شيء، ولهذا قال: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى} [الضحى:7] .
وهنا قال: (فهدى) ولم يقل: (فهداك) لأن الله هداه وهدى به.(20/8)
تفسير قوله تعالى: (ووجدك عائلاً فأغنى)
قال تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضحى:8] أي: فقيراً فأغناه الله تعالى وأغنى به صلى الله عليه وسلم، وذلك بما أحل الله له من الغنائم التي يغنمها من أعدائه.(20/9)
تفسير قوله تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر)
قال تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} [الضحى:9] أي: تذكر يتمك؛ فعامل اليتيم باللطف والحنان، ولا تقهره إلا أن يكون قهره في أمرٍ فيه مصلحة له، فهذا ليس قهراً في الحقيقة وإن كان قهراً ظاهرياً، ولكن المصلحة عظيمة لهذا اليتيم.(20/10)
تفسير قوله تعالى: (وأما السائل فلا تنهر)
قال تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} (السائل) : الذي يسأل عن العلم، والسائل: الذي يسأل المال، لا تنهره حتى وإن أغلظ لك القول فلا تنهره، وعامله باللين واللطف والقبول عندما يسأل، وإذا كان على خطأ فبإمكانك أن تنصحه بعد أن تعطيه ما سأل.(20/11)
تفسير قوله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث)
قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} وهو ما أنعم الله به عليه من الوحي المبين والهدى، وما جبله عليه من مكارم الأخلاق وحسن العبادة حدِّث بها، ولكن تحديث المعترف بنعم الله لا المفتخر على عباد الله.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية لما يحب ويرضى؛ إنه على كل شيء قدير.(20/12)
الأسئلة(20/13)
حكم الإحرام لمن جاوز الميقات وله حاجة غير العمرة
السؤال
رجل يريد التنزه في المنطقة الغربية، ويريد البقاء في جدة عدة أيام، ويحب أن يعتمر، وآخر قدم من خارج المملكة وطريق سيره يمر بـ جدة ويحب أن يعتمر، هل يعتمران من جدة؟ أو يلزمهما الإحرام من الميقات وجزاك الله خيراً؟
الجواب
الميزان في هذا هو الإرادة؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم وقَّت المواقيت وقال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة) أي: من غير أهل البلاد التي وقتت لهم ممن أراد الحج والعمرة، فمن أراد الحج أو العمرة فعليه أن يحرم إذا حاذى الميقات، ثم بعد ذلك يقضي غرضه الذي أراد، ولكن من كان أهله في جدة -مثلاً- وسافر من البلد التي سافر منها إلى جدة لأهله، ولكن في نيته أنه في يوم من الأيام يأتي بعمرة، فلا يلزمه الإحرام؛ لأن سفرته هذه في الواقع سفرة إلى أهله.
وأما من أراد العمرة ولكنه قال: أقضي عملي أولاً ثم أحرم من المكان الذي قضيت به العمل؛ فلا يحل له ذلك، وعليه أن يرجع إلى الميقات الذي مر به ويحرم منه.
هذا بالنسبة لمن سافر من بلد في المملكة إلى المنطقة الغربية لعمل، وأما القادم من مصر إلى المملكة فإننا -أيضاً- نسأل عن إرادته، إذا كان يريد أن يقدم للعمل الذي يعمله في المملكة، ولكن في نيته أنه في يوم من الأيام يأتي بعمرة، فهذا لا يلزمه الإحرام، وأما إذا كانت نيته في هذه السفرة الاعتمار والذهاب إلى العمل فيجب عليه أن يحرم من الميقات.(20/14)
حكم تحريك الشفتين في الصلاة وقراءة القرآن
السؤال
هل يلزم تحريك الشفتين في الصلاة والأذكار والقراءة؟ أم يكفي أن يقرأ بدون تحريك الشفتين؟
الجواب
لا بد من تحريك الشفتين في قراءة القرآن في الصلاة، وكذلك في قراءة الأذكار الواجبة كالتكبير والتسبيح والتحميد والتشهد؛ لأنه لا يسمى قولاً إلا ما كان منطوقاً به، ولا نطق إلا بتحريك الشفتين واللسان، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يعلمون قراءة النبي صلى الله عليه وسلم باضطراب لحيته -أي: بتحركها- ولكن اختلف العلماء هل يجب أن يُسمع نفسه؟ أم يكتفي بنطق الحروف؟ فمنهم من قال: لا بد أن يسمع نفسه، أي: لا بد أن يكون له صوت يسمعه هو بنفسه، ومنهم من قال: يكفي إذا أظهر الحروف، وهذا هو الصحيح.(20/15)
حكم صلاة ركعتين بعد الوتر
السؤال
ما رأيكم فيما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ركعتين بعد الوتر جالساً، وهل هي سنة تفعل دائماً؟
الجواب
يعني! ما هو رأيي في الجمع بين الأحاديث لا في الأحاديث نفسها؛ لأن الحديث ليس لنا فيه رأي، لكن الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض، وكذلك بين الآيات التي ظاهرها التعارض، ينبغي على الإنسان أن يسأل عنه إذا وقع في نفسه شك؛ لأن الآيات أو الأحاديث التي ظاهرها التعارض إذا لم يعرف الإنسان وجه الجمع بينهما بقي قلقاً.
ويجب أن نعلم أنه لا يمكن أن يوجد تعارض بين كلام الله عز وجل، ولا بين السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -فمثلاً- لو قال قائل: إن الله يقول في القرآن: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} [النساء:42] .
هذه الآية تدل على أنهم لا يكتمون الله حديثاً، وفي آية أخرى يقول الله عز وجل: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام:23] فهنا كتموا، كيف يكون هذا؟ آية تنفي أن يكتموا الله حديثاً، وآية تثبت أنهم يكتمون الله حديثاً.
نقول: إن الجمع بينهما هو أن لهم أحوالاً، ففي بعض الأحوال يكتمون الله حديثاً، وفي بعض الأحوال لا يكتمون، كذلك أيضاً بالنسبة للوتر ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) وثبت في صحيح مسلم أنه كان يصلي ركعتين بعد الوتر جالساً، فكيف يمكن الجمع بين فعله وقوله؟ نقول: الحقيقة أنه لا تعارض.
أولاً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم على هاتين الركعتين بل يفعلهما أحياناً.
ثانياً: أن ابن القيم رحمه الله قال: إن هاتين الركعتين ليستا مستقلتين بل هما تابعتان للوتر، فهما بالنسبة للوتر كراتبة الفريضة، فلا يكون ذلك مخالفاً لقوله: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) .(20/16)
حكم ما يأخذه الأئمة والمؤذنون من الرواتب
السؤال
ما حكم من أذَّن لأخذ الأجرة فقط؟
الجواب
أولاً: يجب أن نعلم أن ما تعطيه الحكومة من المكافآت للأئمة والمؤذنين ليس بأجرة؛ ولكنه عطاء من بيت المال لمن قام بمصلحة من مصالح المسلمين، كالمدرسين، والأئمة، والمؤذنين، والقضاة، والأمراء، وما أشبه ذلك.
فليس هذا من باب الأجرة حتى نقول: إن الأجرة على القرب لا تجوز، بل هو من باب العطاء من بيت المال لمن قام بهذه الوظيفة، ولكن يبقى النظر في مسألة: هل يجوز للمؤذن أو الإمام أن يقول: أنا أؤذن من أجل الراتب أو أكون إماماً للناس من أجل الراتب؟ الجواب: نقول: لا تنوي هذه النية، فهذه النية تحبط عملك، ولا يكون لك أجر من الأذان، ولا أجر من الإمامة، ولا أجر من القضاء، ولا أجر من التدريس، انوِ أنك تدرس، وأنك تقبل ما يأتي من الحكومة من هذا الراتب لتستعين به على أمور حياتك.
فإذا فعلت ذلك فإن الراتب لا يفوتك والنية الصالحة تبقى، ولكن قد يغلب الشيطان على بني آدم يقول: أؤذن أو أدرس لأجل هذا العطاء، فهذا قال فيه شيخ الإسلام رحمه الله: إن من عمل عبادة لأجل المال فليس له في الآخرة من خلاق، بل ليس له نصيب في الآخرة، وصدق؛ لأنه تقاضى أجره في الدنيا، المهم ينبغي أن ندعو الناس إلى تصحيح النية.(20/17)
حكم من جامع زوجته في نهار رمضان
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل جامع زوجته في نهار رمضان بدون إنزال؟
الجواب
إذا جامع الرجل زوجته في نهار رمضان وهو ممن يجب عليه الصوم، فإنه يترتب على جِماعه خمسة أمور: أولاً: الإثم.
ثانياً: فساد صوم اليوم.
ثالثاً: وجوب الإمساك.
رابعاً: وجوب القضاء.
خامساً: الكفارة، وهي: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، حتى ولو لم ينزل؛ لأن الجماع يوجب الغسل وإن لم ينزل، ويفسد الصوم وإن لم ينزل، ويفسد الحج وإن لم ينزل إذا كان قبل التحلل الأول.
أما إذا كان الإنسان الذي جامع زوجته في نهار رمضان ليس واجباً عليه الصوم مثل أن يكون مسافراً هو وزوجته، وفي أثناء النهار جامعها وهما صائمان، فهذان ليس عليهما إثم، وإنما يفطران ذلك اليوم ويأكلان ويشربان ويقضيان بدلاً ليومهما؛ لأن المسافر لا يلزمه الصوم.
السائل: كان يعتقد أن الكفارة على الإنزال، أي: يعلم أن الجماع بإنزال عليه الكفارة، ولكن لا يعلم أن الجماع بدون إنزال حرام؟ الشيخ: إذا كان هذا اعتقاده فإنه لا شيء عليه؛ لقوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] .
السائل: ولا يقضي ذلك اليوم؟ الشيخ: ولا يقضي ذلك اليوم.(20/18)
حكم قراءة الأذكار مرتبة صباحاً ومساءً، وقراءة سورة العصر في ختام المجلس
السؤال
فضيلة الشيخ: بعض الناس لهم أوراد يقولونها قبل الغروب وقبل الشروق بترتيب معين؛ وهي أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم محفوظة بترتيب معين، يواظبون عليها يومياً، وما حكم قراءة سورة العصر في ختام المجلس، وجزاك الله خيراً؟
الجواب
أما الأوراد الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن أو من الأذكار النبوية فإنها تفعل كما وردت صباحية أو مسائية، أو كانت دبر الصلوات، أو كانت لأسباب معينة كذكر الدخول للمنزل والخروج منه، المهم أن الأذكار والأوراد الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم تفعل كما وردت.
وأما الأذكار التي لم ترد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو وردت على وجه آخر غير الذي يفعله الإنسان، فإن ذلك يكون بدعة إذا قام به الإنسان؛ لأن البدعة قد تكون في أصل العبادة وقد تكون في وصف العبادة، أما ختم المجلس بسورة العصر؛ فإن ذلك بدعة ولا أصل له.(20/19)
المصلون عن يمين الإمام ويساره لا ينالون فضيلة الصف الأول
السؤال
لدينا مصلى في مدرستنا ولكنه لا يكفي لجميع الطلاب، ويقف بعض الطلاب في صف موازٍ للإمام، فهل الصف الموازي للإمام هو الصف الأول مع أنه يحدث كل يوم؟
الجواب
الصف الأول هو الذي خلف الإمام، فأول صف يلي الإمام هو الصف الأول، والذين يصفون عن يمينه وشماله لا يكون لهم ثواب الصف الأول؛ لأن هذا الموقف -يعني: موقف المأموم عن اليمين وعن الشمال- هو من الأمور الجائزة وليس من الأمور المستحبة، فموقف المأموم وراء الإمام هو السنة بلا شك، فإذا اضطروا إلى أن يقف أحد عن يمينه أو شماله فلهم أن يقفوا، ولكن لا يعد ذلك الصف الأول.
السائل: مع أن هذا يحدث كل يوم طيلة السنة؟ الشيخ: لا يوجد مانع على كل حال، الأمر جائز ولله الحمد، ووقوف هؤلاء عن يمينه وشماله خير من كونهم ينتظرون حتى تفرغ الطائفة الأولى.(20/20)
حكم صلاة تحية المسجد في المصلى
السؤال
فضيلة الشيخ: المصلى الذي لا يؤذن فيه إلا لفرض واحد هل تجب له تحية المسجد؟
الجواب
إذا كان هذا المصلى محجوزاً لعامة الناس فحكمه حكم المسجد، والدليل على ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل مصلى العيد في حكم المسجد، فإنه أمر أن تخرج النساء إلى صلاة العيد، وأن تعتزل الحيض المصلى، وهذا دليل على أنه في حكم المسجد، أما المصلى الخاص الذي يتخذه الإنسان في بيته، أو تتخذه بعض الدوائر في مكان الإدارة فليس لهذا حكم المسجد.(20/21)
رؤية المنافقين لربهم يوم القيامة
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يرى المنافقون الله عز وجل يوم القيامة؟
الجواب
نعم.
الناس يوم القيامة على ثلاثة أقسام: كفار خُلَّص، ومؤمنون خُلَّص، ومنافقون.
أما الكفار الخلص فإنهم لا يرون الله أبداً، لقول الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] .
وأما المؤمنون الخلص فيرون الله عز وجل يوم القيامة وفي الجنة؛ لقول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23] .
وأما المنافقون فإنهم يرون الله في عرصات القيامة ولا يرونه بعد ذلك، وهذا أشد حسرةً عليهم أن يستمتعوا بالنظر إلى الله عز وجل، ثم بعد ذلك يحجبون عنه.
فهذه أقسام الناس يوم القيامة بالنسبة للنظر إلى الرب عز وجل، أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يرون ربهم في عرصات القيامة وبعد دخول الجنة.(20/22)
حكم الفصل بين الصلاتين لمن أراد الجمع
السؤال
فضيلة الشيخ: في أحد المساجد في يوم الجمعة الماضية حصل مطر في مدينة الرياض فصلينا المغرب، وبعد الصلاة قام الإمام ثم رجع ثانية وأقام لصلاة العشاء يريد الجمع فجمعنا، فما حكم هذا الجمع؟
الجواب
المعروف عند أكثر العلماء أنه إذا كان الجمع جمع تقديم فلا بد من موالاة الصلاتين لكن لا تبطل الموالاة بالضوء الخفيف والجلسة الخفيفة.
وقال بعض العلماء: إذا جاز الجمع فلا حرج في الفصل بين الصلاتين حتى لو صليت الأولى في أول الوقت والثانية في آخره.
وهذا القول الثاني اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: إن الجمع ليس معناه ضم الصلاتين بحيث تلي الثانية الأولى، وإنما هو ضم الوقتين بحيث يكونان وقتاً واحداً، فمتى وجد سبب الجمع كالسفر والمطر والمرض فلا حرج عليك أن تصلي الأولى في أول الوقت والثانية في آخر الوقت، فهو يرى رحمه الله أن الجمع هو ضم الوقتين بعضهما إلى بعض، وليس ضم الصلاتين بعضهما إلى بعض.
فعلى هذا نقول: القصة التي وقعت حيث إن الإمام بعد أن خرج ورأى المطر رجع وجمع، نقول: هذه لا بأس بها ولا حرج فيها حتى لو لم يبد له إلا بعد الصلاة فلا يضر؛ لأنه اشتراط نية الجمع قبل تكبيرة الإحرام في الصلاة الأولى ضعيف، فالصواب أنه لا يشترط بل لو حدث المطر بعد أن سلم من المغرب فله أن يجمع.(20/23)
موضع دعاء الاستخارة من الصلاة
السؤال
بالنسبة لدعاء الاستخارة في أي موضع يكون من الصلاة؟
الجواب
دعاء الاستخارة بعد السلام؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (فليصل ركعتين ثم ليقل) وذكر الدعاء.(20/24)
حكم رواية الأحاديث الضعيفة في المواعظ
السؤال
فضيلة الشيخ: ما حكم رواية الأحاديث الضعيفة التي يستعان بها في المواعظ؟
الجواب
الأحاديث الضعيفة التي يستعان بها في المواعظ لا يجوز ذكرها إلا بثلاثة شروط: الشرط الأول: ألا يكون الضعف شديداً؛ فإن كان الضعف شديداً فإنه لا يجوز أن تذكر.
الشرط الثاني: أن يكون لهذا العمل الذي فيه الترغيب أو الترهيب أصل -فمثلاً- إذا ورد حديث ضعيف في الترغيب في صلاة الجماعة -مثلاً- هذا له أصل، فإن صلاة الجماعة قد صح الأمر بها، أو حديث ضعيف في التحذير من الغيبة هذا له أصل، لكن لو يأتي حديث ضعيف في عمل غير مشروع كصلاة التسبيح -مثلاً- فإنه لا يجوز الاعتداد به ولا ذكره إلا مبيناً ضعفه.
الشرط الثالث: ألا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، وهذا الشرط يوجب لنا ألا نذكر الضعيف أمام العامة مطلقاً، لماذا؟ لأن العامي إذا سمع الحديث فسوف يعتقد أنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لنا أن نذكر الأحاديث الضعيفة أمام العامة إلا إذا كان الرجل سيذكر الحديث ثم يقول: إن هذا الحديث ضعيف، فهذا خير لأجل أن يبين الأمر على وجهه.(20/25)
حكم الترتيب بين الصلاتين في جمع التأخير
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا كان شخص مسافراً فوجد جماعة يصلون العشاء فهل يصلي معهم العشاء وبعد ذلك يصلي المغرب؟
الجواب
الصحيح أن هذا يصلي معهم المغرب فيدخل بنية المغرب وإن كانوا يصلون العشاء، ثم إن دخل معهم في الركعة الأولى فإنه إذا قام الإمام للركعة الرابعة يجلس هو ويقرأ التشهد ويسلم.
والانفراد هنا جائز للعذر؛ لأنه لا يمكن أن يقوم إلى الرابعة وهو في صلاة المغرب، فيسلم ثم يدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، وإن كان دخل مع الإمام في الركعة الثانية سلم مع الإمام، وإن دخل في الثالثة أتى بعد سلام الإمام بركعة، هذا هو أرجح الأقوال في هذه المسألة.
وقال بعض العلماء: يدخل معهم بنية العشاء فإذا فرغ صلى المغرب، وهذا يفوت به الترتيب.
وقال بعض العلماء: بل يصلي وحده صلاة المغرب، ثم يدخل معهم فيما بقي من صلاة العشاء، وهذا يحصل به وجود جماعتين في مسجد واحد، إن كان هذا الرجل معه غيره وصلوا جماعة، أو انفراد الإنسان عن جماعة المسلمين، وهذا كله غير مرغوب فيه شرعاً، فأحسن الأقوال في هذه المسألة ما ذكرته أولاً.
وهذه المسألة لا تقع في المسافرين فقط بل تقع أيضاً في المقيمين في جمع المطر، وقد يأتي الإنسان -مثلاً- في جمع المطر وهم يصلون العشاء وهو لم يصل المغرب فنقول له: ادخل معهم بنية المغرب ويعمل كما سبق.(20/26)
حكم قص الشعر للمحرم بعد الشك في التطيب
السؤال
فضيلة الشيخ: امرأة ذهبت مع أهلها لأداء العمرة فلم يتسن لها القص بعد السعي فذهبت إلى جدة مع أهلها فأبدلت ملابسها وشكت أنها تطيبت ثم قصت بعد ذلك؟
الجواب
هذه المرأة ليس عليها شيء؛ لأنها لم تفعل محظوراً من محظورات الإحرام، حيث إنك تقول: شكت هل تطيبت أم لا؟ والأصل براءة الذمة وعدم التطيب، والتقصير أو الحلق ليس له مكان، يجوز في كل مكان في مكة أو في بلد آخر، لكن إذا لم يحلق أو يقصر بقي عليه من محظورات الإحرام ما بقي.(20/27)
الابتداء بحفظ القرآن في طلب العلم
السؤال
فضيلة الشيخ: أيهما أولى عند طالب العلم في بداية طلبه للعلم: حفظه كتاب الله عز وجل أم قراءته؟
الجواب
الأفضل لطالب العلم أن يحفظ كتاب الله؛ لأنه أصل الكتب، وأنفع الكتب، فيحفظ القرآن أولاً، ولكن إذا أمكن أن يحفظ القرآن وما تيسر من متون الحديث النبوية كان هذا خيراً، ويحضر الجلسات العلمية أيضاً عند العلماء، لكن لو قُدر أن يقول: أنا لا أستطيع أن أحفظ القرآن أو أحضر عند العلماء قلنا: ابدأ بالقرآن؛ لأنه الأصل.(20/28)
حكم التداوي بعلاج مع الشك أن الذي دل عليه ساحر
السؤال
فضيلة الشيخ: إنسان مريض، ودل على شخص أنه يعالج، وذهب إليه ودله على دواء من الأعشاب وتعامل به وشفي، وهناك آخر به نفس المرض، ولكنه خشي أن يكون هذا الرجل الذي ذهب إليه هذا الإنسان يتعامل بالسحر، فهل يجوز له أن يستعمل هذا الدواء العشبي أم لا؟ وكيف يعرف الإنسان أن هذا الرجل يتعامل بالسحر أم لا؟
الجواب
بالنسبة للتداوي بالأعشاب لا بأس به سواءً أعطاك إياه إنسان ساحر أو غير ساحر؛ لأن الأعشاب مما أحله الله.
أما بالنسبة للذهاب إلى هذا الرجل فإن كان ساحراً فلا تذهب إليه؛ لأن الذهاب إلى السحرة محرم، هذا إذا علمت أنه ساحر، أما إذا لم تعلم وكان ظاهر الرجل الصلاح والتقوى فالأصل براءة المسلم، ولا بأس أن تذهب إليه.(20/29)
حكم المال إذا حال عليه الحول وكان مدخراً لزواج ونحوه
السؤال
فضيلة الشيخ: شاب يجمع مالاً للزواج وحالته متوسطة، وحال على هذا المال الحول فهل يزكيه؟
الجواب
نعم.
إذا جمع الإنسان مالاً للزواج أو ليشتري به بيتاً أو ما أشبه ذلك، فإنه تجب عليه فيه الزكاة حتى إن كانت حالته المادية متعبة؛ لأن المال تجب الزكاة فيه من حيث إنه مال، وإذا وجد مال عند أي إنسان فإنه يجب عليه أن يزكيه.(20/30)
كيفية التخلص من التعلق بالقبور
السؤال
فضيلة الشيخ: أهالي منطقة شرورة يسلمون عليك ويطلبون منك الدعاء وجزاك الله خيراً، لأنك أرسلت طلبة العلم من عندك وأفادوا المجتمع هناك فائدة عظيمة.
ونسألك عن حال رجال من كبار السن في منطقة شرورة، وهم -والحمد لله- استمعوا للدعوة السلفية وعلموا أنها هي الحق في الدعوات، إلا أنه ما زال لديهم نوع من التعلق بالقبور، وهناك طريق يزورونها وفيها قباب، وعندما نقول لهم: سنزيل هذه القباب يرفضون، فنرجو التوجيه قبل أن يقع بيننا وبينهم مصادمات؟
الجواب
أقول: عليك وعليهم السلام، وقد بلغني والحمد لله أن الإخوان الذين جاءوا إليكم في أيام الإجازة حصل بهم نفع كبير، وأن الناس والحمد الله قابلوهم بالقبول والاستماع والاجتماع إليهم، وجاءنا -والحمد لله- أيضاً كتب حول هذا الموضوع كلها تدل على أن الناس انتفعتوا، وهذا مما يجعلنا ننشط لإرسال البعثات.
أما بالنسبة لما ذكرت من أنهم تركوا -والحمد لله- الشرك وانتهوا عنه وتبين لهم أنه باطل فهذا خير والحمد لله، وأما ما ذكرت من الحجارة أو القباب وأنهم إذا قيل لهم في إزالتها توقفوا، فأقول: ينبغي ألا نتعجل عليهم في إزالتها إذا كانت إزالتها سبباً لرجوعهم إلى ما كانوا عليه أولاً، فتبقى ما دامت لا تعبد، فليست شركاً، لكن إذا رسخ الإيمان في قلوبهم والتوحيد فهم بأنفسهم يزيلونها بلا شك، فأرى ألا تتعجلوا عليهم، وألا تصادموهم من أجل هذا، ما داموا لا يذهبون إليها، ولا يطوفون بها، اتركوهم وهم بكل حال إذا وقر الإيمان في قلوبهم سوف يزيلونها.(20/31)
حكم الوقف والعمل فيه إذا تعطلت منافعه
السؤال
فضيلة الشيخ: توفي والدي رحمه الله وترك لنا منزلاً عشنا فيه فترة من الزمن، وتذكر الوالدة أن الوالد قبيل وفاته سبله بثلث ما وراءه أضحية وعشاء، وليس هناك ما يثبت أنه وقف، وقد آل هذا البيت للسقوط، وهو الآن معطل المنفعة، ولدينا الآن مبلغ من المال ورثناه عن الوالد، ولكن هذا المبلغ لا يكفي لبناء هذا البيت، ثم إن بعض أخواتي بحاجة ماسة إلى المال فأحوالهن ضعيفة ويردن توزيع هذا المال، فما العمل حفظكم الله في هذا البيت وفي هذا المال، وجزاك الله خيراً؟
الجواب
أما بالنسبة للمال فالمال الذي وجدتموه خلف أبيكم تركة ويجب أن يوزع على مستحقيه، أما بالنسبة للبيت فهو لم يثبت أنه وقف ثبوتاً شرعياً؛ لأن شهادة المرأة لا تثبت بها الوقفية، ولكن أنتم إذا كان يغلب على ظنكم أن الوالدة قد تأكدت من هذا الموضوع، فالواجب عليكم التنزه عن هذا البيت وأن تعتبروه وقفاً، وإذا كان الآن معطلاً فخذوا إذناً من المحكمة ببيعه، ويجعل ثمنه في بناء المساجد؛ لأن بناء المساجد أفضل من أضحية أو عشاء يأتي سنة بعد سنة، إلا إذا قال: إنه وقف على أولاده فإنه يباع ويشترى به بيتاً يكون وقفاً كما نص الوالد.
السائل: والسبرة؟ الشيخ: السبرة لأصحابها، تبقى في هذا البيت حتى لو بعتموه، فيبلغ المشتري بأن فيه السبرة.(20/32)
حكم الوفاء بالشروط المشترطة في النكاح
السؤال
إذا وافق الزوج على شرط من الشروط ولم يف به بعد فترة من الزمن لظروف معينة فما الحكم؟
الجواب
إذا اشترط الزوج على نفسه شرطاً، أو وافق على شرط من الشروط اشترطته الزوجة أو وليها فإنه إذا لم يف به فللزوجة الفسخ، أي: لها أن تفسخ النكاح.
السائل: إذا لم يف به لظروف معينة؟ الشيخ: إلا إذا كان عند الشرط قال: نعم.
أنا ألتزم بهذا ما لم يكن كذا وكذا فهو على ما شرط، أما إذا قال: أنا ألتزم به مطلقاً، فإنه يلزم به وإلا لها الفسخ، ولما وقع هذا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قالوا: يا أمير المؤمنين إذاً يطلقننا، قال رضي الله عنه: [مقاطع الحقوق عند الشروط] فمن شرط شرطاً لنفسه فهو به أملك، لكن للزوج في هذه الحالة أن يطلب من المرأة التنازل ولو بعوض.
السائل: إن منعها من ذهابها للعمل بسبب وجود الأولاد وضياع حقوقهم وحقوقه بسبب الذهاب إلى العمل؟ الشيخ: إن كانت شرطت عليه أن تعمل فليس له منعها من العمل؛ لكن لا شك أن المرأة إذا جاءها أولاد فإن بقاءها في بيتها أنفع لها ولأولادها، وينبغي في هذه الحالة أن يقنعها ويبين لها أن هذا خير، وأن ذهابها للعمل بعوض إضاعة لبيتها، وإضاعة لأولادها، فإذا اقتنعت ولو بعوض يعطيه لها فذلك خير، وإن لم تفعل فهي على شرطها، إلا إذا كان شرط عليه أن يلتزم بالسماح لها بالتدريس أو العمل بشرط ألا يأتي أولاد يصدونها، إذا كان ذكر ذلك فله منعها حينئذ.(20/33)
حكم مسألة التورق
السؤال
هناك رجل اشترى لرجل آخر سيارة وباعها عليه بأقساط كثيرة وزاد في القيمة لأجل معلوم؟
الجواب
مثلاً: جاء شخص لتاجر وقال: أنا أريد السيارة الفلانية، فذهب التاجر واشتراها من المعرض بخمسين ألف ريال -مثلاً- ثم باعها على هذا الرجل بستين ألف ريال، نقول: هذه حيلة على الربا؛ لأن التاجر بدلاً من أن يقول: أقرضك قيمتها بخمسين ألف ريال على أن ترد إلي ستين ألف ريال إلى أجل، ذهب التاجر يشتري هذه السيارة شراءً غير مقصود؛ لأنه ما اشتراها إلا لهذا الرجل؛ فهذا لا يجوز، أما إذا كانت السيارة عند التاجر وقد اشتراها بخمسين ألفاً وجاء هذا الرجل وقال: بعنيها بستين ألفاً إلى أجل فهذا لا بأس به.(20/34)
حكم ما يخرج إلى الحلق من المعدة أثناء الصوم
السؤال
فضيلة الشيخ! في فجر رمضان في أثناء الصلاة -مثلاً- يكون البطن ممتلئاً، وعندما يريد أن يتجشأ يخرج شيء من الطعام أو قليل من الماء معه حال الصلاة -مثلاً- وعندما خرج لم يصل إلى الفم وبلعه فهل يفطر؟
الجواب
هذا الذي سألت عنه يحدث كثيراً مع الناس إذا امتلأت المعدة بالطعام، فإن الإنسان إذا تجشأ وخرج الهواء من معدته قد يخرج شيء من الطعام أو من الماء، فإذا لم يصل إلى الفم وابتلعه فلا شيء عليه، والمقصود بالفم ما فيه اللسان.(20/35)
حكم الطبول في الأعراس والذهاب إليها والرقص عليها ودفع الأجرة لذلك
السؤال
ما حكم ذهاب النساء إلى الأعراس التي يوجد فيها ضرب بالدف والطبل خاصة إذا شكت أنه يوجد طبل قبل الذهاب للعرس، وحكم دفع المال لصاحبة الطبل من صاحب العرس؟
الجواب
أما العرس الذي ليس فيه إلا الدف فإن حضوره لا بأس به بشرط أن تكون الأغاني مباحة، وأما إذا كان فيه طبول فإنه لا يجوز حضوره، والفرق بين الطبل والدف، أن الطبل مستور من الجانبين والدف من جانب واحد، ولكن إذا قدر أن المرأة ذهبت إلى هذا العرس ثم فوجئت بالطبول فإنها تنهاهم عن هذا وتنصحهم، فإن امتثلوا فهذا المطلوب، وإلا وجب عليها أن تخرج.
السائل: ودفع المال لصاحبة الطبل؟ الشيخ: أما دفع المال (للدفافات) فلا بأس به؛ لأنه على عمل مباح، وأما دفعه (للطبالات) فلا يجوز؛ لأنه على عمل محرم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) .
السائل: وما حكم رقص المرأة على هذه الدفوف؟ الجواب: الرقص مكروه ولاسيما إذا كان يخشى منه فتنة؛ وأحياناً تكون الراقصة شابة جميلة ويثير رقصها الشهوة عند النساء.(20/36)
حكم الصلاة في المسجد الذي فيه قبر
السؤال
فضيلة الشيخ: ورد نقاش بين طلبة العلم من باكستان حول الصلاة في المسجد الذي يوجد فيه قبر ليس متصلاً به وإنما في الساحة الخارجية، وأفاد هذا الأخ بأن علماء باكستان قد أجازوا ذلك بحجة عدم قدرتهم على إزالتها، وعدم قدرة الحكومة الباكستانية نفسها على إزالة هذه القبور لتعلق الناس بها، وقد ذكر أحد الإخوة أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان يمر على الناس وهم حول قبر زيد فيقول: الله خير من زيد، فما الضابط في هذه الأمور؟
الجواب
إذا كان المسجد قد بني على القبر فإن الصلاة فيه لا تجوز وهذا المسجد يجب هدمه، وقد قال الله للرسول صلى الله عليه وسلم عن مسجد الضرار: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً} [التوبة:108] لأن مسجد الضرار يجب أن يهدم، فكذلك كل مسجد يجب أن يهدم فإن الصلاة فيه محرمة قياساً على مسجد الضرار.
وأما إذا كان المسجد سابقاً ودفن فيه هذا الرجل بعد أن بني المسجد، فإن كان القبر في القبلة فإنه لا يجوز أن يصلى فيه؛ لأنه إذا صلي فيه استقبل القبر، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه، أنه قال: (لا تصلوا إلى القبور) أي: لا تجعلوها قبلةً لكم، وإن كان القبر عن يمين أو شمال أو خلف الظهر فلا بأس بالصلاة فيه.
السائل: وإن كان في الساحة الخارجية في الحوش؟ الشيخ: الحوش من المسجد والحكم فيه كما قلت، والظاهر -إذا كان القبر في الحوش- أن المسجد سابق عليه فتكون الصلاة فيه صحيحة، إلا أن يكون القبر أمامه.
السائل: وما حكم من صلى في مسجد فيه قبر في قبلته، وكان بين القبر والقبلة مسافة هي حوش هذا المسجد، فهل يعيد الصلاة أم يصلي منفرداً؟ الشيخ: لا يصل في هذا المسجد أبداً ما دام القبر في مكان ينسب للمسجد وهو في القبلة، فلا يُصَل فيه.
السائل: والضابط في هذه المسألة يا شيخ؟! الشيخ: الضابط في هذا: إذا كان القبر بين يديك فلا تصل، وإذا كان القبر خلف ظهرك أو عن يمينك أو عن شمالك فينظر هل القبر سابق على المسجد، أم أن المسجد بني عليه وفي هذه الحالة لا تصل أيضاً، وإن كان المسجد سابقاً على القبر فصل.
فصرت تصلي في حال ولا تصلي في حالين: لا تصلي إذا كان القبر بين يديك، ولا تصلي إذا كان المسجد قد بني على القبر، وتصلي إذا كان المسجد سابقاً على القبر والقبر ليس في القبلة.
السائل: ولكن إذا كان القبر يطاف حوله؟ الشيخ: لا فرق، الأحوال الثلاثة السابقة ارجع إليها.(20/37)
حكم مسابقة الإمام في التأمين
السؤال
هل يجوز للمأموم أن يسبق الإمام بقوله: (آمين) بعد الفاتحة؟
الجواب
إذا قال: (آمين) بعد أن قال الإمام: (ولا الضالين) فلا بأس: ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الإمام: (ولا الضالين) فقولوا: (آمين)) .
فجعل محل قولنا: (آمين) إذا قال الإمام: (ولا الضالين) .
أما من توهم من الناس أن قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا) أي: إذا قال الإمام: آمين، فقولوا أنتم بعده: آمين فليس هذا بصحيح، فمعنى قوله: (إذا أمَّن) إذا شرع؛ بدليل اللفظ الثاني الذي ذكرته.(20/38)
ما يلزم الزوجة بعد وفاة الزوج
السؤال
فضيلة الشيخ: هناك رجل توفي وخلف زوجة كبيرة في السن مريضة، لا أدري ما يلزمها؟
الجواب
إذا توفي الإنسان لزم زوجته العدة أربعة أشهر وعشرة أيام إلا أن تكون حاملاً فإلى أن تضع الحمل، ويلزمها في هذه العدة الإحداد، والإحداد أن تتجنب الطيب إلا الطيب الذي يكون بعد الحيض بأن تطيب المرأة الفرج، أو ما كان مثل البخور فلا بأس به، وتتجنب الحناء في الرأس أو اليدين أو الرجلين، وتتجنب الكحل والتحسين بتحمير الوجه بمكياج أو ما أشبه ذلك، والحلي، وثياب الزينة، والخروج من البيت إلا عند الحاجة أو الضرورة سواء كانت كبيرة أو صغيرة فهذه سبعة أشياء.
السائل: بالنسبة للثوب يا شيخ؟! الشيخ: تلبس ما شاءت من الثياب غير أنها لا تلبس ثياب التجمل أو الزينة، سواء كانت سوداء أو خضراء أو أي لون.(20/39)
حكم البسملة في الخلاء لمن أراد الوضوء فيه
السؤال
فضيلة الشيخ: من أراد أن يدخل إلى الخلاء ونوى أن يتوضأ داخل الخلاء هل يذكر نص البسملة لفظاً أو ينوي بها داخل قلبه؟
الجواب
إذا أراد أن يدخل الخلاء يقول قبل أن يدخل: (باسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث) ، وإذا نوى أن يتوضأ داخل الخلاء سمى في قلبه.(20/40)
حكم من نسي حلق الرأس أو تقصيره في العمرة
السؤال
فضيلة الشيخ: رجل اعتمر ونسي أن يحلق رأسه إلى الآن فما الحكم؟
الجواب
لا بد أن يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام ويتجنب جميع محظورات الإحرام؛ لأنه لم يحل بعد، ثم يحلق ويحل من إحرامه، بَلِّغه الآن، جزاك الله خيراً.
السائل: هل يلبس الإحرام؟ الشيخ: نعم.
يلبس الإحرام لأنه لم يحل بعد.(20/41)
حكم استعمال الشيء المأكول للنظافة
السؤال
فضيلة الشيخ: يوجد في الأسواق بعض الأنواع من الشامبو والصابون ممزوجة بالعسل ولبن الزبادي ما حكم استعمالها؟
الجواب
لا بأس باستعمال هذه الأشياء التي يزال بها الأذى ويحصل بها التنظيف، لكنها لا تستعمل في الاستنجاء أو في الاستجمار وفيها شيء مطعوم.(20/42)
لقاء الباب المفتوح [21]
تحدث الشيخ رحمه الله عن تفسير آيات بينات من سورة التكوير، حيث بيَّن الأهوال العظيمة التي تكون يوم القيامة: من تكوير الشمس، وتساقط النجوم، واشتغال البحار وغيرها، ثم تكلم عن النار التي أعدت للكافرين، والجنة التي أعدت للمتقين، ثم أجاب الشيخ بعد ذلك عن الأسئلة.(21/1)
تفسير آيات من سورة التكوير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا قد وقفنا في تفسير جزء عم على سورة التكوير, وها نحن نبدأ بها إن شاء الله في هذا اللقاء الموافق (يوم الخميس) الأول من شهر ذي القعدة عام (1413هـ) .
فنقول: قال الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} [التكوير:1-3] إلى أن قال: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير:14] .(21/2)
تفسير قوله تعالى: (إذا الشمس كورت)
قوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} التكوير:1] هذا يكون يوم القيامة، والتكوير: جمعُ الشيء بعضِه إلى بعض، ولفُّه كما تُكَوَّر العمامة على الرأس.
و (الشمس) كتلة عظيمة كبيرة واسعة، يكوِّرها الله عز وجل يوم القيامة، فيلفها جميعاً ويطوي بعضها على بعض، فيذهب نورُها، ويلقيها عز وجل في النار إغاظةً للذين يعبدونها من دون الله، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء:98] أي: تحصبون في جهنم، {أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء:98] ويستثنى من ذلك من عُبِد من دون الله تعالى من أولياء الله، فإنه لا يلقى في النار، كما قال الله تعالى بعد هذه الآية بآيتين: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ} [الأنبياء:101-102] .(21/3)
تفسير قوله تعالى: (وإذا النجوم انكدرت)
قال تعالى: {وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ} [التكوير:2] (انكدرت) أي: تساقطت، كما تفسرها آيةٌ أخرى: {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ} [الانفطار:2] ، فالنجوم يوم القيامة تتناثر، وتزول عن أماكنها.(21/4)
تفسير قوله تعالى: (وإذا الجبال سيرت)
قال تعالى: {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} [التكوير:3] فإن هذه الجبال العظيمة الصلبة العالية الرفيعة تكون هباءً يوم القيامة، وتُسَيَّر، كما قال الله تعالى: {وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} [النبأ:20] .(21/5)
تفسير قوله تعالى: (وإذا العشار عطلت)
قال تعالى: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} [التكوير:4] (العشار) جمع عُشَراء وهي: الناقة الحامل التي تم لحملها عشرة أشهر، وهي من أنفس الأموال عند العرب، وتجدُ صاحبَها يرقُبُها ويلاحظها، ويعتني بها، ويأوي إليها، ويحف بها في الدنيا؛ لكن في الآخرة تُعْطَّل ولا يُلْتَفَتُ إليها؛ لأن الإنسان في شأن عظيم مزعج يُنْسِيه كلَّ شيء، كما قال الله تبارك وتعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34-37] .(21/6)
تفسير قوله تعالى: (وإذا الوحوش حشرت)
قال تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير:5] (الوحوش) جمع وحش، والمراد بها: جميع الدواب، لقول الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام:38] ، فتحشر الدواب يوم القيامة، ويشاهدها الناس، ويُقْتَص لبعضها من بعض، حتى إنه يُقْتَص للبهيمة الجلحاء -التي ليس لها قرن- من البهيمة القرناء، فإذا اقْتُصَّ من بعض هذه الوحوش لبعض، أَمَرَها الله تعالى فكانت تراباً، وإنما يفعل ذلك سبحانه وتعالى لإظهار عدله بين خلقه.(21/7)
تفسير قوله تعالى: (وإذا البحار سجرت)
قال تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:6] (البحار) جمع بحر، وجُمِعَت لعظمتها وكثرتها، فإنها تُمَثِّل ثلاثة أرباع الأرض تقريباً أو أكثر، هذه البحار العظيمة إذا كان يوم القيامة فإنها تُسَجَّر -أي: توقَد نار عظيمة تشتعل- وحينئذ تيبس الأرض ولا يبقى فيها ماء؛ لأن مياه بحارها العظيمة تُسَجَّر حتى تكون ناراً.(21/8)
تفسير قوله تعالى: (وإذا النفوس زوجت)
قال تعالى: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير:7] (النفوس) جمع نفس، والمراد بها: الإنسان كُلُّه، فتُزَوَّج النفوس، بمعنى: يُضَمُّ كلُّ صنف إلى صنفه؛ لأن الزوج يراد به: الصنف، كما قال الله تعالى: {وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً} [الواقعة:7] ، أي: أصنافاً ثلاثة.
وقال تعالى: {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [ص:58] أي: أصناف، وقال تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات:22] أي: أصنافهم وأشكالهم.
فيوم القيامة يُضَمُّ كلُّ شكل إلى مثله، أهلِ الخير إلى أهل الخير، وأهلِ الشر إلى أهل الشر، وهذه الأمة يُضَمُّ بعضها إلى بعض {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} [الجاثية:28] لوحدها: (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:28] .
إذاً معنى {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير:7] أي: شُكِّلت وضُمَّ بعضُها إلى بعض، كلُّ صنف إلى صنفه، وكلُّ أُمَّة إلى أُمَّتها.(21/9)
تفسير قوله تعالى: (وإذا الموءودة سئلت)
قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8-9] ، الموءودة هي: الأنثى تُدْفن حية، وذلك أَنَّ الناس كانوا في الجاهلية لِجَهلهم وسوءِ ظنهم بالله وعدمِ تحمُّلهم يُعَيِّر بعضُهم بعضاً إذا أتته الأنثى، {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل:58] ممتلئاً هَمَّاً وغماً: {يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ} [النحل:59] أي: يختفي منهم {مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} [النحل:59] إذا قيل لأحدهم: نبشرك أن الله تعالى جاء لك بأنثى، اغْتَمَّ واهْتَمَّ وامتلأ من الغمِّ والهمِّ وصار يفكر: هل يُبْقِي هذه الأنثى على هون وذل، أم يدسُّها في التراب ويستريحَ منها؟! فكان بعضهم هكذا، وبعضهم هكذا، فمنهم -والعياذ بالله- مَن يدفن البنت وهي حية، إما قبل أن تُمَيِّز، أو بعد أن تُمَيِّز حتى إن بعضهم كان يحفر الحفرة لبِنْتِه فإذا أصاب لحيتَه شيءٌ من التراب نَفَضَته عن لحيته وهو يحفر لها ليدفنها، ولا يكون في قلبه لها رحمة، وهذا يدلك على أن الجاهلية أمرها سفال، فإن الوحوش تحنو على أولادها وهي وحوش، وهؤلاء لا يحنون على أولادهم.(21/10)
تفسير قوله تعالى: (بأي ذنب قتلت)
يقول عز وجل: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} [التكوير:8] ، تُسأل يوم القيامة: {بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:9] لماذا قُتِلَت؟! هل أذنَبَت؟! فإذا قال إنسان: كيف تُسْأل وهي المظلومة، وهي المدفونة، ثم إنها قد تُدْفَن وهي لا تُمَيِّز ولم يَجْر عليها قلم التكليف فكيف تسأل؟! قيل: إنها تُسأل توبيخاً للذي وَأَدَها؛ لأنها تُسأل أمامه، فيقال: {بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:9] ؟! نظير ذلك: لو أن شخصاً اعتدى على آخر في الدنيا، فأتوا إلى السلطان أو الأمير، فقال للمظلوم: بأي ذَنْبٍ ضَرَبَك هذا الرجل؟! وهو يعرف أنه معتدٍ عليه وليس له ذنب؛ لكن من أجل التوبيخ للظالم.
فالموءودة تسأل: {بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:9] توبيخاً لظالمها وقاتلها ودافنها، نسأل الله العافية.(21/11)
تفسير قوله تعالى: (وإذا الصحف نشرت)
قال تعالى: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} [التكوير:10] ، الصحف: جمع صحيفة، وهي: ما تُكْتَب فيها الأعمال.
واعلم أيها الإنسان أن كل عمل تعمله من قول أو فعل، فإنه يُكْتَب ويُسَجَّل في صحائف على أيدي أمناء {كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:11-12] ، فيسجلون كل شيء تعمله، فإذا كان يوم القيامة فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء:13] أي: عَمَلَه في عنقه {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً} [الإسراء:13] ، أي: مفتوحاً، {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] .
كلامنا الآن ونحن نتكلم يُكْتَب، كلام بعضِكم مع بعض يُكْتَب، كلُّ كلامٍ يُكْتَب، {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] .
ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل: خيراً أو ليصمت) ؛ لأن كل شيء سيُكْتَب عليه، ومَن كَثُر كَلِمُه كَثُر سَقَطُه، أي: أن الذي يُكْثِرُ الكلامَ يَكْثُرُ سَقَطُه وزلاتُه.
فاحفظ لسانك، فإن الصحف سوف يُكْتَب فيها كل ما تقول، وسوف تُنْشَر لك يوم القيامة.(21/12)
تفسير قوله تعالى: (وإذا السماء كشطت)
قال تعالى: {وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ} [التكوير:11] ، السماء فوقنا الآن سقفٌ محفوظ قوي شديد، قال تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات:47] ، أي: بقوة، وقال تعالى: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} [النبأ:12] أي: قوية.
ففي يوم القيامة تُكْشَط، أي: تُزال عن مكانها كما يُكْشَط الجلد عند سلخ البعير عن اللحم، فيكشِطها الله عز وجل، ثم يطويها جل وعلا بيمينه، كما قال تعالى: {وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67] .
وقال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء:104] أي: كما يطوي السجلُّ الكتبَ، بمعنى: أن الكاتب إذا فرغ من كتابته طَوَى الورقة حفظاً لها عن التمزق وعن المحو.
فالسماوات تُكْشَط يوم القيامة، ويبقى الأمر فضاءً، إلا أن الله تعالى يقول: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:17] ، فتكون السماء التي فوقنا يكون بدلاً عنها العرش؛ لأن السماء تُطْوَى بيمين الله عز وجل، يطويها بيمينه ويهزها، وكذلك الأرض باليد الأخرى، ويقول: أنا الملك أين ملوك الدنيا؟!(21/13)
تفسير قوله تعالى: (وإذا الجحيم سعرت)
قال تعالى: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} [التكوير:12] ، الجحيم هي: النار، وسُمِيَّت بذلك لِبُعدِ قعرها، وظُلْمَة مرآها، نسأل الله أن ينجينا وإياكم منها.
تُسَعَّر أي: تُوْقَد، وما وَقُودُها الذي توقَد به؟
الجواب
وَقُودُها الذي توقَد به قال الله تعالى عنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] بدلاً من أن يؤتَى بالحطب والورق، يكون الوقودَ الناسُ -أي: الكفار-، والحجارة: حجارةٌ من نار عظيمة شديدة الاشتعال والحرارة، هذا تسعير جهنم.(21/14)
تفسير قوله تعالى: (وإذا الجنة أزلفت)
قال تعالى: {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} [التكوير:13] الجنة: دار المتقين، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سَمِعت، ولا خطر على قلب بشر.
{أُزْلِفَتْ} أي: قُرِّبت وزُيِّنَت للمؤمنين.
وانظر الفرق بين هذا وهذا! دار الكفار ماذا يُفْعَل بها؟! تُسَعَّر وتوقد! ودار المؤمنين؟! تُزَيَّن وتُقَرَّب، {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} .
كل هذا يكون يوم القيامة.
فإذا قرأنا هذه الآيات: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} [التكوير:1-13] نجد أنها اثنتا عشرة جملة؛ ولكن إلى الآن لم يأت الجواب؛ لأنها كلها في ضمن الشرط، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} .
إلخ، فالجواب لم يأت بعد، ماذا يكون إذا كانت هذه الأشياء؟(21/15)
تفسير قوله تعالى: (علمت نفس ما أحضرت)
قال الله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير:14] أي: ما قدَّمت من خير وشر، {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} [آل عمران:30] أي: يكون مُحْضَراً، أيضاًَ {تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:30] فتعلمُ في ذلك اليوم كلُّ نفس ما أحضرت من خير أو شر، نحن في الدنيا نعلم ما نعمل من خير أو شر؛ لكن سرعان ما ننسى، مَن يتذكر الآن ما عمله مما سبق مُذْ جرى عليه قلم التكليف؟! إننا نسينا الشيء الكثير، فلا نتذكر من الطاعات ولا من المعاصي شيئاً؛ لكن هل تظنون أن هذا ذهب سُدَىً كما نسيناه؟ لا.
هو باقٍ، فإذا كان يوم القيامة أحْضَرْتَه أنتَ بإقرارك على نفسك بأنك عملته، ولهذا قال تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير:14] .
فينبغي بل يجب على الإنسان أن يتأمل في هذه الآيات العظيمة، وأن يتعظ بما فيها من المواعظ، وأن يؤمن بها كأنه يراها رأي عين؛ لأن ما أخبر الله به وعَلِمْنا مدلوله، فإنه أشد يقيناً عندنا مما شاهدناه بأعيننا، أو سمعناه بآذاننا؛ لأن خبر الله تعالى صدق لا يخلف؛ لكن ما نراه أو نسمعه كثيراً ما يقع فيه الوهم، فقد ترى الشيء البعيد شبحاً تعيِّنُه في تصورك وهو خلاف الواقع، وقد تسمع الصوت فتظنه شيئاً معيناً في ذهنك وهو خلاف الواقع، فالوهم يَرِد على الحواس؛ لكن خبر الله عز وجل إذا عُلِم مدلولُه لا يمكن أن يَرِد عليه شيء من الوهم؛ لأنه خبرُ صدق.
فهذه الأمور التي ذكرها الله تعالى في هذه الآيات أمورٌ حقيقية، يجب أن تؤمن بها كأنك تراها رأي عين، ثم بعد الإيمان بها يجب أن تعمل بمقتضى ما تدل عليه من الاتعاظ والانزجار، والقيام بالواجبات وترك المنهيات، حتى تكون من أهل القرآن الذين يتلونه حق تلاوته، جعلنا الله وإياكم منهم بِمَنِّه وكرمه، إنه على كل شيء قدير.(21/16)
الأسئلة(21/17)
حكم وسائل الدعوة
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض المدارس في العطلة الصيفية، تقوم بفتح المراكز الصيفية لإشغال وقت الشباب الضائع في الشوارع بأمور خيِّرة من محاضرات، وندوات، ومسابقات، وغيرها من الأمور النافعة، وربما يشغلون الشباب في هذه المعسكرات بلعب الكرة، وبمسارح، ثم اعترض بعض الشباب وقال: هذا لا ينبغي ولا يجوز، وإن هذا ليس من طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، إِذ الواجب أن تكون هذه الدروس في المساجد، ويقولون: وسائل الدعوة توقيفية، ثم إن كثيراً من الشباب احتاروا في ذلك.
فنريد منكم توجيهاً شافياً كافياً في ذلك للتفريق بين الوسائل والمقاصد، حتى يتضح الأمر أثابكم الله، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
لا شك أن الحكومة وفقها الله تُشْكر على ما تنشئه من هذه المراكز الصيفية؛ لأنها تكف بهذه المراكز شراً عظيماً، وفتنة كبيرة، فلو أن هؤلاء الشباب، وهذه الجحافل الكثيرة العدد صارت تجوب الأسواق طولاً وعرضاً، أو تخرج إلى المنتزهات، أو إلى البراري، أو الشعاب، أو الجبال، فما ظنكم بالذي يحصل منها من الشر؟! أعتقد أن كل إنسان عاقل يعرف الواقع سيظن أن كارثة ما ستحصل للشباب من الانحراف، وفساد الأخلاق، والأفكار الرديئة، وغير ذلك؛ لكن هذه المراكز -ولله الحمد- صارت تحفظ كثيراً من الشباب، ولا نقول: تحفظ أكثر الشباب، ولا كل الشباب، كما هو الواقع، ويحصل فيها خيرٌ كثير من استدعاء أهل العلم لإلقاء المحاضرات التي يكون بها العلم الكثير، والموعظة النافعة، والألفة بين الشباب والشيوخ، وهذا لا شك أن فيه مصالح عظيمة.
أما ما يحصل فيها من إمتاع النفس بلعبة الكرة، والمسرحيات، وما أشبه ذلك، فهذا من الحكمة؛ لأن النفوس لو أعطيت الجد في كل حال، وفي كل وقت، لَمَلَّتْ وكَلَّتْ وسئمت، فالصحابة رضي الله عنه قالوا: (يا رسول الله! إذا كنا عندك وذكرتَ لنا الجنة والنار، فكأننا نراها رأي عين؛ لكن إذا ذهبنا إلى بيوتنا، وعافَسْنا الأهل والأولاد نسينا، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: ساعة وساعة) بمعنى: أن الإنسان يكون هكذا مرة وهكذا مرة.
وقال عليه الصلاة والسلام لـ عبد الله بن عمرو بن العاص لما قال رضي الله عنه: (لَأَقُومَنَّ الليلَ ما عِشْتُ، ولَأَصُومَنَّ النهار ما عِشْتُ، قال له: أقُلْتَ هذا؟ قال: نعم يا رسول الله، قال: إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولزَوْرِك -أي: ضيفك- عليك حقاً، فأعطِ كلَّ ذي حق حقه) .
وسمع الرسول بقوم قالوا -حين سألوا عن عمله عليه الصلاة والسلام في السر في بيته، وأُخْبِروا به، وكأنهم تَقالُّوا هذا العمل قالوا: الرسول عليه الصلاة والسلام غَفَر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ونحن لسنا كذلك، فقال بعضهم: أنا لا أنام الليل -أي: يقوم الليل ولا ينام-، وقال الثاني: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الثالث: أنا لا آكل اللحم، وقال الرابع: أنا لا أتزوج النساء، فلما سمع النبي عليه الصلاة والسلام بذلك، قال: (ما بال أقوام يقولون هذا؟! إني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) .
فإعطاء النفس حظها من المتعة المباحة لا شك أنه غاية الحكمة، ثم إن لعبة الكرة مع ما فيها من التسلي وإذهاب التعب النفسي، ففيها منفعة للبدن؛ لأنها تنشطه وتقويه؛ لكن يجب فيها الآتي: أولاً: أن يتجنب اللاعبون ما يفعله بعض السفهاء من لبس السراويل القصيرة، فإن هذا لا يجوز، لا يجوز للشباب الإسلامي أن يلبس سراويل قصيرة؛ لأننا إن قلنا: إن الفخذ عورة فالأمر واضح؛ فالعورة لا يجوز كشفها، والنظر إليها، وإن لم نقل: إنه عورة فإن كشف أفخاذ الشباب فتنة يفتتن بعضهم ببعض، وهذه مفسدة يجب درؤها.
ثانياً: ألا يؤدي ذلك إلى الكلام البذيء مِن سب أو شتم أو ما أشبه ذلك، فإن ما يوصِل إلى الكلام البذيء الخارج عن المروءة لا يجوز.
ثالثاً: ألا يحصل فعلٌ ينافي المروءة، كما يفعل بعض اللاعبين، إذا غلب أحدٌ منهم الآخر جاءوا يركضون إليه يضمونه، ويَخُمُّونه، ويحملونه على أكتفاهم، وما أشبه ذلك من الأفعال المنافية للمروءة؛ لأن هذه الأفعال وإن كانت جاءتنا من دول ليس عندهم مروءة ولا دين، لكننا أول من ننكرها، حتى الأطفال الصغار الذين دون البلوغ والذين هم في سن العاشرة ونحوها لو فعلوا هذا، لكان ينبغي توجيههم بترك هذا الفعل.
أما قول القائل: إن مكان المواعظ المساجد، فَصَدَق، لكن هل الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعظ الناس إلا في المسجد؟ لا.
بل كان يعظهم في المسجد، ويعظهم في السوق، ويعظهم في السفر، ووعد النساء يوماً يعظهنَّ فيه، فأتى إليهن في بيت إحداهن.
فمكان الوعظ صحيحٌ أنه المساجد، وهذا هو الأصل؛ لكن كلما دعت الحاجة إلى الوعظ في غيره فإنه يُوعَظ فيه.
وهؤلاء الشباب لو قلنا: ائتوا لهم بمراكز في المساجد، واطبخوا لهم الغداء فيها، واصنعوا القهوة فيها، لكان هذا منكراً أيضاً، أنكر من كونهم يجلسون في مكان معين.
وإني أقول لهذا الأخ الذي اعترض بهذا الاعتراض: يجب أن يكون عند الإنسان إدراك ووعي، وأن يُنَزِّل الأمور منازلها، وألا يكون سطحياً يرى من فوق السقوف، بل يكون إنساناً واعياً يَسْبُر أغوار الأمور، وينظر ما الذي يترتب من المصالح والمفاسد على الأفعال، والقاعدة العريضة الواسعة الشاملة للشريعة الإسلامية إنما هي: جلبُ المصالح ودفعُ المفاسد، فقد أتت المراكز بالمصالح ودَفْع المفاسد، ولا أحد يشك في أننا لو قلنا لروَّاد المراكز الصيفية: ائتوا إلى المساجد لما تحمل الناس هذا، حتى العامة لا يتحملون هذا الشيء.
فإذاً نقول: هذه الأماكن؛ أماكن المدارس التي هي محل العلم من أزمنة طويلة، والمسلمون لا ينكرونها، بل درسوا فيها وبنوها، وبنوا لها الأربطة، وطبعوا لها الكتب، كل ذلك لم يكن معروفاً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، غاية ما هنالك أنه يمكن أن يُسْتَدلَّ للأربطة بأصحاب الصُّفَّة؛ لكن هل منع الرسول عليه الصلاة والسلام من ذلك؟ أبداً.
ما منع من هذا، فالمدارس الآن مكان للعلم، يُدْرَس فيها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال العلماء، والوسائل المساندة للعلم من نحوٍ وغيره.
فنقول للأخ الذي اعترض هذا الاعتراض: فكِّر في الأمر، واعلم أن الدين أوسع من فكرك، وأوسع من عقلك، وأنه يأتي بالمصالح أينما كانت، ما لم تشتمل على مضار مساوية أو غالبة فتُمْنَع.
أما قوله: إن وسائل الدعوة توقيفية: فكلمة وسائل تدل على أنها ليست توقيفية, فما دامت وسيلة فإننا نسلكها إلا أن تكون محرمة، نسلكها وإن لم يرد نوعها في الشريعة؛ ما لم تكن محرمة؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، ألسنا الآن نبلغ الناس بواسطة مكبر الصوت؟! هذه وسيلة، فهل كانت هذه الوسيلة موجودة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام؟! الجواب: غير موجودة! ألسنا نقرأ الكتب بلبس النظَّارة من أجل تكبير الحرف أو بيانه؟! هذه وسيلة لقراءة الكتب وتحصيل العلم، فهل كان هذا موجوداً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام؟! الجواب: غير موجود! ألسنا نضع في أذن الأصم أو خفيف السمع سماعة ليسمع ما يُلقَى من الخير؟! الجواب: بلى! وهل كان هذا موجوداً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؟! ما دمنا أقررنا بأنها وسيلة، فإننا ننظر إلى الغاية، فإذا كانت الوسيلة محرمةً حَرُمَت في ذاتها.
فلو جاء أناس وقيل لكم عنهم: هؤلاء الجماعة لا يقربون منكم حتى تضربوا لهم بالمعازف، ويرقصوا عليها! قلنا: هذه لا نستعملها؛ لأنها وسيلة محرمة.
أو قيل: لا يقبل هؤلاء الدعوة إلى الله إلا أن تكون الداعية امرأة شابة جميلة! فهل نأتي بامرأة شابة جميلة؟ لا.
إذاً فالوسائل جائزة، وعلى حسب ما هي وسيلة إليه، ما لم تكن ممنوعة شرعاً بعينها فإنها تُمْنَع.
وأنا أحبذ المراكز الصيفية، وأرى أنها من حسنات الحكومة، وأحثُّ أولياء الأمور على إدخال أولادهم فيها؛ لكن يجب الحذر من مسائل، وهي: الأولى: أن يُخْلَط الشباب الصغار مع المراهقين والكبار؛ لما في ذلك من الفتنة التي يُخْشَى منها.
الثانية: أن يكون القائمون على هذه المراكز من ذوي العلم، والأمانة، والصلاح، والمروءة، بحسب الإمكان ولا نقول: لابد أن يكون كذلك؛ لأنه أمر قد يكون مستحيلاً، فالكمال لله وحده؛ لكن بحسب الإمكان، ولهذا لما تكلم العلماء عن القضاة، وأنه يجب أن يكون القاضي عدلاً، قالوا: إذا لم يوجد قاضٍ عدلٌ، فإنه يُوَلَّى أحسن الفاسقَين، وأقربهما للأمانة؛ لأن الله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] .
الثالثة: أن على ولاة الأمور إذا أدخلوا أولادهم في هذه المراكز أن يتحسسوا أخبار هذه المراكز، وينظروا كيف تكون مثلاً طلعات التلاميذ إلى البَرِّ، ومن الذي يخرج بهم وهكذا، حتى يحافظوا على أولادهم.
فنسأل الله التوفيق للجميع.
وأكرر -ولا سيما مع طلبة العلم- لابد أن يكون طالب العلم ذهنُه واسعاً وتفكيرُه عميقاً، وألا يأخذ الأمور بظاهرها وسطحيتها، وأن ينظر مقاصد الشريعة وما ترمي إليه من إصلاح الخلق، وألا يمنع ما يكون صلاحاً أو ما يكون درءاً لمفسدة أكبر، إلا إذا ورد الشرع بمنعه.(21/18)
حكم من رمى الجمرة ليلاً مع امرأته
السؤال
فضيلة الشيخ! تعلمون ما يكون على النساء في وقت الحج من الزحام، وعدم القدرة على أداء المناسك في بعض الأماكن، وقد أفتى أهل العلم بالنسبة للمرأة بأنها ترمي في الليل، فهل لوليِّها أن يذهب ويرمي لنفسه معها في الليل، أو يذهب في النهار ويصاحبها فقط في الليل؟
الجواب
الصحيح أن الرمي في الليل جائز، إلا ليلة العيد فإنه لا يجوز إلا في آخر الليل، وكذلك في اليوم الثاني عشر لا يؤخره إلى الليل؛ لأنه لو أخره إلى الليل لزم أن يبقى إلى اليوم الثالث عشر، كذلك رمي الثالث عشر لا يؤخر إلى الليل؛ لأن أيام التشريق تنتهي بغروب ليلة الثالث عشر.
فيجوز حتى لغير المرأة أن يرمي ليلاً، ونرى أن الرمي ليلاً مع الطمأنينة والإتيان بالرمي على وجه الخشوع، أفضل من كونه يذهب ليرمي في النهار وهو لا يدري أيرجع إلى خيمته أو يموت، ولا يؤدي العبادة -حين يؤديها- عبادةً، بل يؤديها وكأنه مشغول البال بالخوف على نفسه، وقد قررنا قاعدة دلت عليها الشريعة: أن المحافظة على ذات العبادة أولى من المحافظة على زمانها أو مكانها ما دام الوقت متسعاً، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان) ، فمن كان يدافع الأخبثين نقول له: أخِّر الصلاة إلى آخر الوقت حتى تقضي حاجتك، وإن كانت الصلاة في أول الوقت أفضل؛ لكن إذا صليت وأنت تدافع الأخبثين فإنك لا تحصل على الخشوع الذي يتعلق بذات العبادة.
لهذا نرى في الوقت الحاضر أن الرمي في الليل أفضل من الرمي في النهار، إذا كان الرمي في النهار لا يحصل به الخشوع وأداء العبادة على الوجه المطلوب، فيجوز للرجل أن يؤخِّر الرمي إلى الليل من أجل أن يذهب هو وأهله ليرموا الجمرة.(21/19)
حكم تأخير إخراج الزكاة
السؤال
يا شيخ! ما الحكم إذا أُخِّرت زكاة الذهب أكثر من ثلاثة أشهر؟ هذا أمر.
والأمر الآخر: ما الحكم إذا اشترى ذهباً جديداً وأضافه إلى الذهب القديم الذي وجبت عليه الزكاة؟
الجواب
تأخير الزكاة سواءً كانت زكاة الذهب أو غيره لا يجوز، إلا إذا لم يجد الإنسان أهلاً للزكاة وأخَّرها ليتحرى مَن يرى أنه أهل فهذا لا بأس به؛ لكن يجب أن يقيد الحول؛ لكيلا يقول في السنة الثانية مثلاً: أنا ما زكيتُ إلا من مدة ستة أشهر، فأضيف ستة أشهر أخرى مثلاًَ: إذا كانت تحل في رمضان، ولم يجد أحداً يعطيه، وأخَّرها إلى ذي القعدة، فإذا جاء رمضان الثاني يؤدي الزكاة، فلا يقل: أنا لم أؤدِّ إلا في ذي القعدة، فلا أخرجها إلا في ذي القعدة؛ لأن الأول تأخير، فإذا كان لمصلحة فلا بأس.
أما إذا اشترى ذهباً في أثناء الحول، فإنه لا يُضَمُّ إلى الذهب الأول في الزكاة، بل يجعل له حولاً وحده، وإن شاء أن يضمه إلى الأول ويُخْرِج زكاتهما في آن واحد فلا بأس، ويكون هذا من باب تقديم الزكاة.
السائل: وإذا كان الجديد أقل من النصاب؟ الشيخ: إذا كان الذي اشتراه أقل من النصاب فيضاف إلى الأول في النصاب؛ لكن في الحول له حول وحده، ما لم يختر أن يجعل زكاتهما في شهر واحد.(21/20)
حكم الخروج من مزدلفة ليلاً
السؤال
فضيلة الشيخ! حاج خرج من مزدلفة بعد منتصف الليل ومعه أهله؛ ولكن لم يتجه إلى الجمار ليرمي جمرة العقبة، بل اتجه إلى المخيم ولم يرم جمرة العقبة إلا بعد الضحى، فهل يلزم من خرج من مزدلفة أن يتجه إلى الجمار؟
الجواب
أولاً: السنة أن يبقى في مزدلفة حتى يصلي الفجر ويُسْفِر جداً، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكن من خاف من زحام الناس في رمي العقبة فليخرج في آخر الليل وليرمِ الجمرة، وكونه يخرج من آخر الليل ولا يرمي الجمرة لا شك أنه مخالف للسنة من وجهين: الوجه الأول: خروجه قبل أن يصلي الفجر.
الوجه الثاني: أنه أخر الرمي إلى أن ارتفعت الشمس، والإنسان الذي يتقدم من أجل الرمي مأمور بأن يتقدم في الرمي.
السائل: هل يلزمه شيء في هذا؟ الشيخ: لا يلزمه شيء.(21/21)
من نوى الحج يوم عرفة
السؤال
يا شيخ! شخصٌ نوى الحج في يوم عرفة، فأيُّهما أفضل له: أن يقرن أم يُفرد؟
الجواب
الذي يظهر لي أن القران أفضل؛ لأنه يحصل به نُسُكان: عمرةٌ وحج، فيقول: لبيك عمرة وحجاً ويُهدي.(21/22)
حكم الاستمناء بيد الزوجة في نهار رمضان
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل غلبته شهوتُه في نهار رمضان، فاستمنى بيد زوجته فما الحكم؟
الجواب
الحكم أن هذا حرام عليه إلا إذا كان مسافراً، فإن المسافر يجوز أن يفطر بالأكل والشرب والجماع وغيره؛ لكن إذا كان غير مسافر فإنه يحرم عليه؛ لأنه صومَه يَفْسُد بهذا العمل، وعليه أولاً: التوبة إلى الله تعالى -وهي أهم شيء- وأن يشعر بالخجل من الله والذل بين يديه.
ثانياً: يقضي هذا اليوم الذي أفطره، وزوجتُه لا شيء عليها إلا إذا أنزلت، وقد مَكَّنَتْه من هذا الفعل باختيارها، فعليها أن تقضي، ويحرم عليها هذا التمكين، فيكون عليها التوبة والقضاء.(21/23)
حكم الملابس التي عليها الصليب
السؤال
فضيلة الشيخ! كَثُرَت أنواعُ الصلبان في الملابس والبضائع، فلا أدري هل هناك صليبٌ محددٌ تجب إزالته؟ وإذا كان لا يمكن أن يزال هذا الصليب إلا بتلف جزء من هذه العين أو جميع هذه البضاعة، فهل تجب إزالته؟ وكذلك ما يتعلق بالنجمة السداسية، هل يجب أيضاً إزالتها أم ماذا؟
الجواب
أقول -بارك الله فيك- أولاً: لابد أن نعلم أن هذا صليب؛ لأن بعض الأشياء يظنها بعض الناس صلباناً وليست كذلك.
ثانياً: أن نعلم أنه وُضِع لأنه صليب، لا لكونه نقشاً في الثوب مثلاً؛ لأن النصارى يعظمون الصليب، فلا يمكن أن يجعلوا وَشْياً في ثوب، إنما يضعونه موضع الاحترام.
فلابد من هذين الأمرين، فإذا تحققنا أنه صليب فإن الواجب تمزيقه، أو على الأقل السنة تمزيقه، ولنقاطع هذه الثياب؛ فإذا قاطعناها ولم يستفد التجار منها قاطعوها أيضاً.
وكذلك يقال في النجمة السداسية التي يقال: إنها شعار اليهود، فحكمها حكم الصليب، وإن كان اليهود لا يتخذونها على سبيل العبادة؛ لكنها مختصة بهم.
السائل: ولكن الصلبان -يا شيخ- على أنواع مختلفة، أعني: هل كل صليب لابد أن أتأكد أنه صليب؟ الشيخ: نحن سألنا عنها النصارى الذين أسلموا فقالوا: إن الصليب عندنا هو الصليب المعروف؛ أن يكون خطان، أحدهما يقع عرضاً والثاني طولاً، ويكون الطوليُّ مِن جانبٍ أطولَ من الثاني.
حتى أننا سألناهم عن ساعة الصليب هذه التي يسمونها ساعة الصليب فقالوا: هذه لا يراد بها الصليب، هذه علامة الشركة فقط؛ لأن الصليب عند النصارى يقولون عنه: إنه خط مرتفع طويل، ثم خط عرْضي، وأحد الجانبين في الخط الطولي أطول من الآخر؛ لأن هذا هو الواقع، فالإنسان المصلوب توضع له خشبةٌ عرضاً من أجل أن تربط بها يداه، فهل يمكن أن تكون الخشبةُ الموضوعةُ لليدين موضوعةً في النصف؟! لا.
بل تكون في الأعلى، لهذا نحن في شك من هذه التي نُشِرَت قبل سنتين بأشكال مختلفة، وقالوا: هذه صلبان! ثم إن علامة (+) هل هي صليب؟ ليست صليباً.
السائل: ولكنهم يشكلون أشكالاًَ وصوراً على أشكال الصليب! الشيخ: لا.
هم يقولون: هذا ليس صليباً، فقد حدَّثني إنسان مسلم وكان نصرانياً، فقال: هذا هو الذي عندنا.
كذلك يوجد فيما سبق الدلاء التي يُرفع بها الماء من البئر، في أعلاها شيء يُسمى: (العَرْقات) ، عبارة عن خشبتين، إحداهما عَرْضِية والأخرى طولية، فمِن هذه الأشياء ليست صليباً.
فالشيء الصليب هو الذي وُضع على أنه صليب.(21/24)
وجوب العدل بين طلاب أهل السنة والرافضة
السؤال
من المعلوم -يا شيخ- لديكم أنه يوجد عندنا نحن في المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام الرافضة بكثرة، ويدرسون معنا في المدارس كلها، فيسأل بعضُ المدرسين فيقول: هل يجب علي أن أعدل بينهم وبين الطلاب الذين هم من أهل السنة أم أقصر في حقهم ولا أعطيهم حقهم؛ لأنهم -كما يقول هو- أعداء لله ولرسوله، وهم كما قال كثير من أهل العلم: كفار خارجون عن الملة.
الجواب
أولاً: أعجبني قولك: المدينة النبوية؛ لأن المشهور عند الناس المدينة المنورة، والصواب: المدينة النبوية؛ لأن النور كان في مكة أيضاً قبل أن يكون في المدينة.
ثانياً: الواجب على المدرس أن يحكم بالعدل، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا} [المائدة:8] أي: لا يحملكم بُغْض قوم على ألا تعدلوا {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] حتى إن العلماء قالوا: يجب على القاضي إذا تحاكم إليه خصمان أحدهما مسلم والثاني كافر أن يجلسهما منه مجلساً واحداً، فلا يقول للمسلم: تعال هنا وللكافر: اذهب هناك، لا.
بل يجعلهما جميعاً أمامه، وأن يعدل بينهما في الكلام، فلا يغلظ الكلام للكافر ويرققه للمسلم، فلا يقول للمسلم: صبحك الله بالخير ولا يقوله للكافر، بل يجعلهما سواء في باب المحاكمة؛ لأن هذا هو العدل.
فهؤلاء التلاميذ إذا قدموا أجوبتهم فليَغُضَّ النظر عن كونه فلاناً أو فلاناً، ليصحح على ما كان أمامه من قول، إن صواباً فهو صواب، وإن خطأً فهو خطأ، كما أنه لا يجوز أن ينظر -إذا كان يعرف صاحب الجواب- إلى حال الطالب من قبل، هل هو فاهم أو غير فاهم؛ لأن بعض الناس أو بعض المدرسين يقَدِّر درجات التلاميذ على حسب ما كان يعرفه منهم، وهذا غلط، بل يجب أن يقدر الدرجات أو الترتيب على حسب ما رُفِع إليه في الجواب النهائي؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما أقضي بنحوِ ما أسمع) .
وكثيراً ما يكون الطالب جيداً، فيتوهم في الجواب أو في السؤال، فيفهم السؤال على أن السائل أراد به كذا، ويجيب بحسب هذا الفهم.
أو يتوهم في الجواب فيظن أن جواب هذا السؤال هو كذا وكذا، وهو غلط، مثل أن يكون في السؤال: كم أقسام الحديث؟ فيظن الطالب أن المراد: كم أقسامه من حيث العدد، فيقول: متواتر ومشهور وعزيز، وغريب وغيره.
ويتوهم آخر أن المراد: مراتب الحديث من حيث الصحة فيقول: صحيح، وحسن، وضعيف.
والصحيح إما لذاته أو لغيره، والحسن إما لذاته أو لغيره.
فالمهم: أن الواجب على المدرس إذا قدمت إليه أوراق الإجابة، أن يصحح حسب الجواب بقطع النظر عن المجيب.
وكذلك في أثناء التدريس يجب أن يعدل بين التلاميذ مهما كان الأمر، وهو بهذه الطريقة يفتح آفاقاً بعيدة قد لا يدركها؛ لأن الخصم يفهم أنه لم يتحدَّاه، فيرغب فيه ويقول: هذا مُنْصِف، وعادل، ويجره ذلك إلى أن يألَفَه ويقبل منه ما يقول.
ولهذا فنحن ننصح إخواننا المدرسين في البلاد التي ذكرتَ، والتي يختلط فيها أهل السنة وأهل البدعة أن يحاولوا بقدر المستطاع تأليف أهل البدعة وجذبهم إليهم؛ لأن الشباب لَيِّن العريكة، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (اقتلوا شيوخ المشركين، واستبقوا شَرْخَهم) أي: شبابهم؛ لكي يجتذبهم لكن لو أن الأستاذ يعامل طلابه من أهل البدعة بالقسوة والآخرين باللين، أو يعاملهم بالتشديد في التصحيح والآخرين بالتخفيف، أو يعاملهم بإسقاطهم وهم مجيبون صواباً، فلا شك أن هذا يولِّد في قلوبهم البغضاء والكراهية، حتى للحق الذي كان عند هذا الأستاذ.(21/25)
حكم ترتيب الصلاة
السؤال
إذا نوى المسافر جمع المغرب والعشاء جمع تأخير إلى أن يصل إلى المنطقة الفلانية، فلما وصل دخل وقت العشاء، أو أنه أذن، أو أقيمت الصلاة، فكيف يعمل؟ الشيخ: وصل إلى بلده أم وصل إلى بلد آخر؟ السائل: لا.
هو مسافر من محل إقامته إلى محل آخر.
الشيخ: أي: وصل إلى المحل الآخر؟ السائل: نعم.
الجواب
هو الآن يصلي المغرب، ثم يصلي مع الجماعة العشاء، فإن أقيمت الصلاة قبل أن يصلي المغرب، دخل معهم بنية المغرب، فإن أدرك العشاء من أول ركعة وقام الإمام إلى الرابعة جلس هو وتشهد وسلم، ثم قام مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، وإن دخل مع الإمام في صلاة العشاء في الركعة الثانية فما بعدها فالأمر واضح، إن دخل في الركعة الثانية سلم مع الإمام، وإن دخل في الركعة الثالثة أتى بركعة بعدها، وإن دخل في الرابعة أتى بركعتين بعدها.(21/26)
حكم من جامع امرأته وهي تقضي صيامها
السؤال
يا شيخ! الذي يجامع امرأته وهي تقضي صيامها، هل هو آثم؟
الجواب
هل هي تقضي بإذنه أم بغير إذنه؟ السائل: بإذنه.
الشيخ: نعم.
هو آثم؛ لأنه أفسد عليها صومها؛ لكن ليس فيه كفارة عليها ولا عليه؛ لأنه مفطر.
السائل: لكن فعله هل هو من الكبائر أم لا يدخل في ذلك؟ الشيخ: لا أعلم فيه وعيداً خاصاً، والذنب إذا لم يكن عليه وعيد خاص فلا يكون من الكبائر.(21/27)
لقاء الباب المفتوح [22]
في هذا اللقاء تفسير الآيات الأخيرة من سورة التكوير، والتي احتوت على قسم الله تعالى بالخنس، وعلى قسمه بالليل والنهار، وسبب قسمه تعالى بهذه المخلوقات هو بيان عظمة المقسم عليه وهو القرآن، ثم وصف الله تعالى رسوله جبريل بأنه كريم وأنه ذو قوة.
وهكذا استمر الشيخ في تفسير الآيات إلى آخر آية من سورة التكوير.(22/1)
تفسير آيات من سورة التكوير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن هذا هو اللقاء الثاني من شهر ذي القعدة عام: (1413هـ) في يوم الخميس.
ونكمل فيه ما تكلمنا عنه فيما سبق من سورة التكوير، حيث قال الله عزَّ وجلَّ: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير:15-16] إلى أن قال: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [التكوير:27] .(22/2)
تفسير قوله تعالى: (فلا أقسم بالخنس)
قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} [التكوير:15] : قد يظن بعض الناس أن (لا) نافية، وهي ليست كذلك، بل هي مثُبِته للقسم، ويؤتى بها في مثل هذا التركيب للتأكيد.
فالمعنى: أُقْسِم بالخُنَّس، والخُنَّسُ: جمعُ خانسة، وهي: النجوم التي تَخْنِس أي: ترجع، فبينما تراها في أعلى الأفق، وإذا بها راجعة إلى آخر الأفق، وذلك -والله أعلم- لارتفاعها وبُعدها، فيكون ما تحتها من نجوم أسرع منها في الجري بحسب رؤية العين.
وقوله: {الْجَوَارِ} [التكوير:16] أصلها: الجواري بالياء؛ لكن حُذِفت الياء للتخفيف.
و {الْكُنَّسِ} [التكوير:16] هي: التي تكنس أي: تدخل في مغيبها.
فأقسم الله بهذه النجوم، ثم أقسم بالليل والنهار، فقال: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير:17-18] .
فمعنى قوله: {عَسْعَسَ} [التكوير:17] أي: أقبل، وقيل: أدبر، وذلك أن الكلمة (عَسْعَسَ) في اللغة العربية تصلح لهذا وهذا؛ لكن الذي يظهر أن معناها: أَقْبَل ليطابق ما بعده من القسم وهو: قوله {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير:18] فيكون الله أقسم بالليل حال إقباله، وبالنهار حال إدباره.
وإنما أقسم الله تعالى بهذه المخلوقات لعِظَمِها وكونها من آياته الكبرى، فمَن يستطيع أن يأتي بالنهار إذا كان الليل؟! ومن يستطيع أن يأتي بالليل إذا كان النهار؟! قال الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص:71-73] .(22/3)
تفسير قوله تعالى: (إنه لقول رسول كريم)
فهذه المخلوقات العظيمة يقسم الله بها لعِظَمِ المُقْسَم عليه، وهو قوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [التكوير:19] .
(إِنَّهُ) أي: القرآن.
{لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} هو: جبريل عليه الصلاة والسلام، فإنه رسول الله إلى الرسل بالوحي الذي ينزله عليهم، ووصفه الله بالكرم لحسن منظره، كما قال تعالى في آية أخرى: {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم:6] قال العلماء: (المِرَّة) : الخَلْق الحسن والهيئة الجميلة.
فكان جبريل عليه الصلاة والسلام موصوفاً بهذا الوصف، فهو كريم.(22/4)
تفسير قوله تعالى: (ذي قوة عند ذي العرش مكين)
قال تعالى: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير:20] وصفه الله تعالى بالقوة العظيمة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم رآه على صورته التي خلقه الله عليها، له ستمائة جناح، قد سَدَّ الأفقَ كلَّه، وذلك مِن عظمته عليه الصلاة والسلام.
وقوله: {عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ} أي: عند صاحب العرش، وهو الله جل وعلا، والعرش فوق كل شيء، وفوق العرش رب العالمين عزَّ وجلَّ، قال الله تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [غافر:15] فذو العرش هو الله عزَّ وجلَّ.
وقوله: (مَكِينٍ) أي: ذو مكانة، أي: أن جبريل عند الله ذو مكانة وشرف، ولهذا خَصَّه الله بأكبر النعم التي أنزلها الله على عباده، وهو الوحي، فإن النعم -يا إخواني- لو نظرنا إليها لوجدنا أنها قسمان: الأول: نِعَمٌ يستوي فيها البهائم والإنسان وهي: متعة البدن: الأكل، والشرب، والنكاح، والسكن، هذه النعم يستوي فيها الإنسان والحيوان، أليس كذلك؟! الإنسان يتمتع بما يأكل، وبما يشرب، وبما ينكح، وبما يسكن، والبهائم كذلك.
الثاني: نِعَمٌ أخرى يختص بها الإنسان وهي: الشرائع التي أنزلها الله على الرسل لتستقيم حياة الخلق؛ لأنه لا يمكن أن تستقيم حياة الخلق أو تطيب حياتهم إلا بالشرائع، {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] فالمؤمن العامل بالصالحات هو الذي له الحياة الطيبة في الدنيا، والثواب الجزيل في الآخرة، واللهِ لو فتشتَ حياةَ الملوكِ، وأبناءِ الملوك، والوزراءِ، وأبناءِ الوزراء، والأمراءِ، وأبناءِ الأمراء، والأغنياءِ، وأبناءِ الأغنياء، لو فتشت حياتهم، وفتشت حياة من آمن وعمل صالحاً لوجدت الثاني أطيب عيشة، وأنعم بالاً، وأشرح صدراً؛ لأن الله عزَّ وجلَّ الذي بيده مقاليد السماوات والأرض تكفل بذلك، فقال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97] فتجد المؤمن العامل للصالحات مستور القلب، منشرح الصدر، راضياً بقضاء الله وقدره، إن أصابه خيرٌ شكر الله على ذلك، وإن أصابه ضدُّه صبر على ذلك، واعتذر إلى الله مما صنع، وعلم أنه إنما أصابه بذنوبه، فرجع إلى الله عزَّ وجلَّ، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (عجباً للمؤمن! إنَّ أمرَه كلَّه خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له) وصدق النبي عليه الصلاة والسلام.
إذاً: أكبر نعمة أنزلها الله على الخلق هي: نعمة الدين الذي به قوام حياة الإنسان في الدنيا والآخرة.
وأنا أسألكم الآن: ما هي الحياة؟ هل هي حياة الدنيا أو حياة الآخرة؟! حياة الآخرة، الدليل: قوله تعالى في سورة الفجر: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:24] ، فالدنيا ليست شيئاً، إنما الحياة الحقيقية حياة الآخرة، والذي يعمل للآخرة يحيا حياةً طيبة في الدنيا، كما تلوتُ عليكم الآية.
فصار المؤمن العامل للصالحات هو الذي كسب الحياتين، حياة الدنيا، وحياة الآخرة.
والكافر هو الذي خسر الدنيا والآخرة: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر:15] .(22/5)
تفسير قوله تعالى: (مطاع ثم أمين)
يقول عزَّ وجلَّ: {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير:21] (مُطاعٍ ثَمَّ) أي: هناك (أمينٌ) على ما كُلِّف به، فجبريل هو المُطاع، فمَن الذي يطيعه؟! قال العلماء: تطيعه الملائكة؛ لأنه ينزل بالأمر من الله، فيأمر الملائكة فتطيعه، فله إمرة، وله طاعة على الملائكة، ثم الرسل عليهم الصلاة والسلام، الذين ينزل جبريل عليهم بالوحي، لهم إمرة وطاعة على المكلَّفين، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [المائدة:92] .
ولما أقسم الله عزَّ وجلَّ على أن هذا القرآن قول هذا الرسول الكريم الملكي ففي آية أخرى بيَّن الله سبحانه وتعالى وأقسم أن هذا القرآن قول رسول كريم في قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} [الحاقة:38-41] فهل الرسول هناك هو الرسول هنا؟
الجواب
لا.
الرسول هنا في سورة التكوير رسولٌ ملكي أي: من الملائكة، وهو جبريل.
والرسول هناك رسول بشري، وهو محمد عليه الصلاة والسلام.
والدليل على هذا واضح: هنا قال: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير:19-20] وهذا الوصف لجبريل، هو الذي عند الله، أما محمد عليه الصلاة والسلام فهو في الأرض.
وهناك قال: {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} [الحاقة:38-41] رداً على قول الكفار الذين قالوا: إن محمداً شاعر {وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ} [الحاقة:42] .
أيهما أعظم قسماً: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ} [التكوير:15-20] أو {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة:38-40] ؟ أيُّ القسَمين أعظم؟ الثاني أعظم، لأنه لا يوجد شيءٌ أعمُّ منه؛ {بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ} [الحاقة:38-39] ، كل الأشياء إما نبصرها أو لا نبصرها، إذاً: أقسم الله بكل شيء، ولكن هنا أقسم بالآيات العُلْوية فقط؛ {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير:15-16] والليل، والنهار، هذه آيات عُلْوية أُفُقية، لاحظوا! سبحان الله! تناسب الرسول الذي أُقْسِم على أنه قوله، وهو: جبريل؛ لأن جبريل من عند الله.
إذا قال قائل: كيف يصف الله القرآن بأنه قول الرسول البشري، والرسول الملكي؟! نقول: الرسول الملكي بلَّغه إلى الرسول البشري، والرسول البشري بلغه إلى الأمة، فصار قول جبريل بالنيابة، وقول محمد بالنيابة، فمن القائل الأصلي الأول؟! القائل الأول هو: الله عزَّ وجلَّ.
فالقرآن قول الله حقيقةً، وقول جبريل باعتبار أنه بلَّغه إلى محمد، وقول محمد باعتبار أنه بلغه إلى الأمة.(22/6)
تفسير قوله تعالى: (وما صاحبكم بمجنون)
حَسَنٌ! قال الله تعالى: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير:22] مَن المراد بقوله: {صَاحِبُكُمْ} ؟! المراد به: محمد رسول الله.
وتأمل أنه قال: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} ، ولم يقل: وما محمد! فكأنه قال: {وَمَا صَاحِبُكُمْ} الذي تعرفونه، وأنتم وإياه دائماً، فهو صاحب، فقد بقي فيهم أربعين سنة في مكة قبل النبوة، يعرفونه ويعرفون صدقه وأمانته، حتى كانوا يطلقون عليه اسم: (الأمين) .
{وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} أي: ليس مجنوناً، بل هو أعقل العقلاء عليه الصلاة والسلام، أكمل الناس عقلاً بلا شك، وأسَدُّهم رأياً.(22/7)
تفسير قوله تعالى: (ولقد رآه بالأفق المبين)
قال تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ} [التكوير:23] أي: رأى جبريل {بِالأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير:23] أي: البيِّن الظاهر العالي، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى جبريل على صورته التي خُلِق عليها مرتين: مرة في غار حراء.
ومرة في السماء السابعة، لما عُرِجَ به عليه الصلاة والسلام.
{وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ} : أيُّ رؤية هذه؟ هل هي الرؤية التي في غار حراء، أم الرؤية التي فوق السماء؟ في غار حراء؛ لأنه يقول: {رَآهُ بِالأُفُقِ} [التكوير:23] ، إذاً: محمد في الأرض.(22/8)
تفسير قوله تعالى: (وما هو على الغيب بظنين)
قال تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ} [التكوير:24] أي: وما محمد صلى الله عليه وسلم على الغيب -أي: على الوحي الذي جاءه من عند الله- بِمُتَّهم، ظنين: بالظاء المُشالَة أي: بِمُتَّهم، من الظن وهو: التهمة، وفيها قراءة {بِضَنِينٍ} بالضاد، أي: ببخيل، فهو عليه الصلاة والسلام ليس بمتهم في الوحي، ولا باخلٍ به، بل هو أشد الناس بذلاً لما أوحي إليه، يُعَلِّم الناس في كل مناسبة، وهو أبعد الناس عن التهمة، لكمال صدقه عليه الصلاة والسلام.(22/9)
تفسير قوله تعالى: (وما هو بقول شيطان رجيم)
قال تعالى: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} [التكوير:25] أي: ليس بقول أحدٍ من الشياطين، وهم الكهنة الذين توحي إليهم الشياطين الوحيَ، ويكذبون معه، ويخبرون الناس، فيظنونهم صادقين.
ثم قال: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [التكوير:26-27] .
وندع الكلام على بقية السورة إلى جلسة أخرى؛ لئلا ينتهي بنا الوقت عن الأسئلة.(22/10)
الأسئلة(22/11)
بم تدرك الجماعة مع الإمام
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض الناس يقول: إنه يتأخر في البيت حتى تقام الصلاة، فيظل في البيت حتى يجلس الإمام للتشهد الأخير ثم يأتي فيقول: أدرك الجماعة وفضل الجماعة بإدراكي للتشهد، فما رأيك؟
الجواب
رأينا أن هذا محروم غاية الحرمان، والإنسان إذا لم يدرك من صلاة الجماعة إلا التشهد فليس مدركاً لصلاة الجماعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) فمفهومه: أن من أدرك دون ذلك فليس مدركاً لها، فيجب أن يُنصح هذا الرجل ويُبَيَّن له الحق، لعل الله يهديه بذلك.(22/12)
سقوط الصدقة عمن أفطر رمضان لمرض
السؤال
فضيلة الشيخ! لي بنتٌ مَرِضَت في رمضانِ الماضي، وطَرَحَها المرضُ على الفراش، وبعد أن تعافت صامت، فهل عليها الصدقة أم لا؟
الجواب
ليس عليها صدقة؛ لقول الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] ولم يذكر الله الصدقة، فليس عليها الصيام.
السائل: وإذا كانت مصابة بمرض في القلب يمنعها من الحج، هل لي أن أحج عنها أم لا؟ الشيخ: فريضة؟ السائل: نعم.
الشيخ: إذاً: يصح.
السائل: عندي حِجَّة! أتعرف أحداً يأخذها؟ الشيخ: والله الآن لا أعرف أحداً؛ لكن مُرَّ عليَّ فيما بعد إن شاء الله، وإن وجدتَ أحداً فأعطِه إياها.
السائل: وهل يصح أن أحج عنها إذا صارت لا تقدر؟ الشيخ: نعم.(22/13)
لزوم المفطر لرمضان قضاء ما أفطره من أيام
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم كفارة فطر شهر رمضان كاملاً من قبل امرأة حامل كانت تتوقع عدم قدرتها على الصيام؛ ولكنها صامت الشيء اليسير منه، ولا تحصي عدد الأيام التي لم تصمها؟
الجواب
الواجب عليها أن تتحرى الأيام التي أفطرتها وتصومها.(22/14)
حكم الذهاب إلى امرأة بقصد معالجة الأَخَيَّة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم الذهاب إلى امرأة بقصد معالجة الولد الصغير مِمَّا يسمى بـ (الأَخَيَّة) ، علماً بأن هذه المرأة تعلم ما إذا كان فيه أَخَيَّتُه أو لا، وذلك بمص أصبعه الإبهام بفمه، فما حكم الذهاب إلى هذه المرأة؟
الجواب
إذا كانت هذه المرأة تعالِج بأشياء حسية معلومة فلا حرج؛ لأنه قد يكون عندها -مع التجارب والممارسة- علم بآثار هذا المرض وطبيعته، فإذا كانت تعطيكم أدوية معروفة محسوسة، فهذا لا بأس به.(22/15)
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يكتوون ولا يسترقون)
السؤال
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يَكْتَوُون) هل المراد به كقوله: (ولا يَسْتَرْقُون) ، أم أنه غير ذلك؟
الجواب
المراد بقوله: (ولا يكتوون) أي: لا يطلبون من أحد أن يكويهم، وكذلك (ولا يسترقون) أي: لا يطلبون من أحد أن يَرْقِيَهم.
أما إذا كواك إنسانٌ بدون طلب منك فإنك لا تخرج عن هؤلاء السبعين ألفاً.(22/16)
حكم من عزم على السفر في نهار رمضان وجامع أهله قبل السفر
السؤال
رجل أراد السفر في نهار رمضان مع جماعته، فوَاقَعَ امرأتَه في نفس النهار الذي سيسافر فيه، وسافر، فهل عليه شيء يا شيخ؟
الجواب
المواقعة في بلده؟ السائل: نعم.
في بلده.
الشيخ: أولاً: عليه الإثم.
ثانياً: عليه أن يقضي هذا اليوم.
ثالثاً: عليه أن يكفر كفارة الجماع في نهار رمضان؛ لأن الرجل لا يجوز له أن يترخص برخص السفر إلا إذا غادر البلد، أما قبل مغادرة البلد فهو مقيم، فبلِّغه بهذا.
السائل: الإشكال أن هناك بعض الصحابة ورد عنهم أنهم أفطروا في نفس هذا الظرف؟ الشيخ: ورد عن أنس رضي الله عنه في الفسطاط أنه لما أراد أن يسافر والسفينة على الشاطئ أتى بسفرته وأفطر؛ لكن هذا خلاف ما عليه عامة الصحابة، والله عز وجل يقول: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة:184] .
وهذا الرجل إن كان طالبَ عِلْمٍ وفَهِمَ مِن هذا الحديث أنه جائز له فليس عليه شيء، مع أني أنا أرى أن الواجب على طلبة العلم الصغار ألا يتسرعوا في إفتاء أنفسهم؛ لأنهم ليس عندهم إدراك حتى يبحثوا مع العلماء.
السائل: يا شيخ! لو أنه ما كان لديه علم.
الشيخ: أرأيت لو اشتهى وهو لا يريد السفر، هل يُمَكَّن من ذلك؟! لا يُمَكَّن.(22/17)
صورة إخراج الزكاة من الرواتب الشهرية
السؤال
فضيلة الشيخ! كيف يتم إخراج زكاة الرواتب الشهرية؟
الجواب
إخراج الزكاة في الرواتب الشهرية إن كان الإنسان كلما أتاه الراتب أنفقه بحيث لا يبقى إلى الشهر الثاني فهذا ليس عليه زكاة؛ لأن من شروط وجوب الزكاة: تمام الحول.
وإن كان يدَّخر أعني مثلاً: ينفق نصف الراتب، ونصف الراتب يدخره فعليه الزكاة، كلما تم الحول يؤدي زكاة ما عنده؛ لكن هذا فيه مشقة؛ أن الإنسان يحصي كل شهر بشهره، ودرءاً لهذه المشقة: يجعل الزكاة في شهر واحد لجميع ما عنده من المال، فمثلاً إذا كان يتم حول أول راتب في شهر محرم، فإذا جاء شهر محرم الذي يتم به حول أول راتب يُحصي كل الذي عنده، ويخرج زكاته، وتكون الزكاة لأول شهر واقعةً عند تمام الحول، وتكون لما بعده معجلة، والتعجيل جائز.(22/18)
مقدار نصاب الفضة
السؤال
كم نصاب الفضة؟
الجواب
النصاب بالنسبة للفضة (56) ريالاً من الفضة، أو ما يعادلها من الورق، ويُسألُ عن هذا الصيارفةُ، فيقال مثلاً: كم قيمة (56) ريالاً من الفضة من الورق، فإذا قالوا مثلاً: قيمتها (500) كان النصاب (500) ، وإذا قالوا: أقلَّ أو أكثرَ فعلى حَسَبِه.(22/19)
حكم الزكاة على من باع مزرعته بالتقسيط
السؤال
رجلٌ عنده مزرعةٌ لم يطرأ في باله بيعُها، ولا عَرَضَها؛ إنما عَرَضَ له مَن أغراهُ، فباعها بأقساط تمتد إلى عشر سنوات؛ في كل سنة قسط، فكيف يزكي هذا؟
الجواب
قبل أن يبيعها ليس عليه فيها زكاة؛ لأنها ليست عروضاً.
وبعد بيعها تكون زكاتُه زكاةَ دَين، بمعنى: أنه إذا استوفى شيئاً أدَّى زكاتَه لِسَنَتِه، وإذا استوفى في السنة الثانية يؤدي زكاتَه لِسَنَتَين، وإذا انقضت السنة الثالثة يؤديه لثلاث سنوات، وهكذا.(22/20)
حكم وضع السواك بين الأصابع في الصلاة
السؤال
يا شيخ! هل ورد شيءٌ في وضع السواك بين الأصابع في الصلاة؟ وإذا كان لم يرد فما حكم مَن عَمِل هذا؟
الجواب
لا أعلم أنه ورد عن الرسول أنه يجعل سواكه لا في أذنه ولا بين أصابعه.
أما الحكم في هذه المسألة: فلا ينبغي أن يضعه بين أصابعه؛ لأنه يشغله، إذْ أنه يحتاج إلى مراقبة.(22/21)
عدم سنية ما يقال من ذكر بعد التجشؤ والتثاؤب
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا تجشأ الإنسان أو تثاءب فهل هناك ذكر معين يقوله؟
الجواب
لا.
إذا تجشأ الإنسان أو تثاءب فليس له ذكر، خلافاً للعامة، فالعامة إذا تجشئوا يقولون: الحمد لله! والحمد لله على كل حال؛ لكن لم يرد أن التجشؤ سبب للحمد، كذلك إذا تثاءبوا قالوا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهذا لا أصل له، ولم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يفعل ذلك.
لكن قد يقول قائل: أليس التجشؤ نعمة، والنعمة يستحق الله عز وجل عليها الحمد؟ قلنا: بلى.
هو نعمة؛ لكن لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يحمد الله إذا تجشأ، وإذا لم يرد فإنه ليس مشروعاً بناء على قاعدة معروفة عند العلماء، وهي: أن كلَّ شيء وُجِد سببه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فلم يفعله ففعلُه ليس بسنة؛ لأن فعل الرسول سنة وتركه سنة، فالتجشؤ موجود، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يحمد الله عليه، إذاً: ترك الحمد هو السنة.
كذلك الاستعاذة من الشيطان الرجيم عند التثاؤب قد يقول قائل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (التثاؤب من الشيطان) ، وقد قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:200] ! قلنا: إن المراد بقوله تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} [الأعراف:200] أنك إذا هممتَ بمعصية أو بترك واجب فاستعذ بالله؛ لأن الأمر بالفحشاء من الشيطان، {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268] فإذا حصل هذا النزغ فاستعذ بالله.
أما التثاؤب فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدُكم فليَكْظِم ما استطاع، فإن عجز فليضع يده على فيه) ولم يقل: إذا تثاءب أحدكم فليستعذ بالله، مع أنه قال: (التثاؤب من الشيطان) ، فدل هذا على أن الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند التثاؤب ليست بسُنَّة.(22/22)
وجوب إخراج زكاة الذهب المستعمل
السؤال
فضيلة الشيخ! الذهب المستخدم هل يُزَكَّى أم لا يُزَكَّى؟
الجواب
الذهب المستعمل، أو الذي يُستعمَل ويُعار، أو الذي باقٍ لا يستعمل إلا عند المناسبات، كله فيه زكاة، على القول الراجح الصحيح.
وبعض العلماء يقول: المستعمل ليس فيه زكاة.
لكن الصحيح: أن فيه الزكاة إذا بلغ النصاب وهو (85) جراماً، وأما ما دون ذلك فليس فيه زكاة، والدليل على وجوب الزكاة فيه: ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار وأُحْمِي عليها في نار جهنم، فيُكْوَى بها جنبُه وجبينُه وظهرُه، كلما بَرَدَت أعيدت في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقْضَى بين العباد، ثم يَرَى سبيله؛ إما إلى الجنة وإما إلى النار) .
ونسأل الآن: المرأة التي عندها حلي هل هي صاحبة ذهب أو لا؟ كلنا يقول: إنها صاحبة ذهب، ويدل على العموم: ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي يد ابنتها مُسَكَتان غليظتان من ذهب -أي: سوارَين غليظين- فقال لها: (أتؤدين زكاة ذلك؟ قالت: لا.
قال: أيَسُرُّكِ أن يُسَوِّرَك الله بهما سوارَين من نار؟! فخَلَعَتهما وأعطتهما النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله) .
وهذا وعيد، ولا وعيد إلا على ترك واجب.
وكذلك سألت إحدى أمهاتِ المؤمنين رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن حلي عندها: (أهو كنز؟ قال: إذا بلغ أن تُؤَدَّى زكاتُه ثم زُكِّي فليس بكنز) .
وقد يقول قائل: ما مقدار الزكاة؟! نحن عرفنا الآن أن الحلي من الذهب إذا بلغ النصاب ففيه الزكاة، فما مقدار هذه الزكاة؟! نقول: مقدارها ربع العشر، أي: (2.
5%) ففي الألف ريال تكون (25) ريالاً، وفي العشرة آلاف ريال تكون (250) ريالاً، وفي المائة ألف ريال تكون (2500) ريالٍ، فهي جزء يسير والحمد لله، وربما يكون هذا من بركته، وهو من بركته بلا شك؛ لأن الزكاة فيها أجر عظيم: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} [البقرة:261] ، وفيها أيضاً بركة للمال، فإنه ما خالطت الزكاةُ مالاً إلا بَرَّكَتْه، وربما يُبارَك في هذا الحلي ويُوْقَى الآفات بسبب إخراج الزكاة منه.
هذا فضلاً على الأجر الذي يكتسبه الإنسان، فإذا أعطيتَ الآن من الحلي زكاته [25] ريالاً من الألف، أتظن أن هذه الخمسة والعشرين ريالاً غُرْماً وخسارة؟! لا.
بل هو ربح، فالخمسة والعشرون ريالاً تكون يوم القيامة الريال بسبعة ريالات، ومع كل ريال (100) ريال، فيصير الريالُ (700) ريال، فتحصل يوم القيامة أجر سبعمائة ريال في كل ريال، بينما أنت في الدنيا توفِّر إن وفَّرت الخمسة والعشرين ريالاً في الألف ريال فربما يكون عدم إخراجك سبباً لضياع هذا الحلي، أو لتلفه، أو لتكسُّره، أو لسرقته، أو لاستعارة أحدٍ إياه ثم يجحده، أو ما أشبه ذلك.
فالذي أحب مِن إخواني المسلمين ألا يظنوا أن الصدقات أو الزكوات تذهب جفاءً، بل هي خير، فليس لك من مالك إلا ما أنفقته لله، والباقي سيكون لغيرك.(22/23)
حكم ترك السنة خوفاً من أذية الناس
السؤال
التورُّك في الصلاة بالنسبة للمأموم إذا كان يضايق مَن بجانبه، أيهما أفضل: أن يتورَّك، أو أن يتركها؟ لأن كثيراً من الناس لا يستطيع أن يتورَّك إلا إذا اتكأ على مَن بجانبه؟
الجواب
التورُّك في الصلاة معروف؛ أن تنصب اليمنى وتخرج اليسرى من الجانب الأيمن وتتورَّك، أي: أنك تضع وَرِكَكَ على الأرض، وهذا يوجب من الإنسان أن يتجافى قليلاً، وربما يكون الصف متضايقاً والناس مزدحمين فيه فيؤذي مَن إلى جانبه.
فهنا اجتمع عندنا شيئان: فعل سنة.
ودفع أذى عن المسلم.
فأيهما أولى: فعل السنة، أو دفع الأذى؟ دفع الأذى؛ لأن أذية المؤمن ليست بالهينة، أذية المؤمن ولو بالقول فضلاً عن الفعل الذي يحصل في الصلاة ويشوِّش عليه صلاته، أذية المؤمن تكون بالقول أو بالفعل، يقول الله عز وجل فيها: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [الأحزاب:58] .
ويقول عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جارَه) .
وخرج مرَّةً على أصحابه وهم في المسجد يصلون ويجهرون بالقراءة، فقال: (كلكم يناجي ربه، فلا يؤذِيَنَّ بعضُكم بعضاً في القراءة) ، أين هي الأذية؟! الأذية أنك إذا جهرت شوَّشتَ على الذين هم حولك فآذيتَهم.
ومِن ثَمَّ نعرف أن بعض الإخوة الذين يصلون بالمايكروفون الذي يُسْمَع من المنارة ويشوِّش على المساجد التي حوله أنهم ليسوا على صواب، وأنهم إن لم يكونوا آثمين فليسوا غانمين، إذْ لا فائدة من رفع الصوت على المنارة، ما الفائدة منه؟! هل فيه فائدة؟! أبداً، ما فيه فائدة، فيه مدعاة للكسل؛ لأن بعض الناس الذين في البيوت يقولون: لِتَوِّهِ صَلَّى، لِتَوِّهِ بَدَأ، أَصْبِرُ حتى إذا بقيت ركعة ذهبت.
ثم ربما يذهب إذا بقيت الركعة، ولا يدركها، ففيها مدعاة للكسل.
وفيها -أيضاً- أذية للجيران، فربما يكون بعض الناس مريضاً أو قلقاً كل الليل، فإذا أُذِّن للفجر صلى الفجر ثم رقد ليستريح، فيأتي هذا الصوت الكبير فيزعجه ولا ينام، فهذه أذية.
والمساجد الأخرى أيضاً تتأذى! بَلَغَنا أن بعض الناس لما كَبَّر المسجد الذي بجواره تابعه، وهذا إخلال بمتابعة إمامه، ما سببها؟! سببها هذا المايكروفون الذي يُسْمَع من المنارة.
وبلغني عن بعض الناس قال: إن لنا مسجداً قريباً منا، قراءة إمامه جيدة، أداءٌ طيب، وصوت جميل، وإمامنا من الناس الذي تَمْشي حالُه، فكان إذا قرأ الإمام الذي بجوارنا تابعتُه، وأنصتُ لقراءته، وتركت إمامنا يسرح.
فهذه أذية عظيمة.
وأنا دائماً أفكر وأقول: ما هي النتيجة التي نحصلها من وراء هذا؟! ثم لو فُرِض أن هناك مصلحة فإنها تقابلها الأذية، والرسول قال لأصحابه يخاطبهم؛ يخاطب أفضل القرون وخير القرون، قال: (لا يؤذِيَنَّ بعضُكم بعضاً) فجعل ذلك أذية، وصَدَق الرسول، إنها أذية.
فهذه القاعدة انتبه لها: تركُ السنة لدفع الأذية خير من فعل السنة مع الأذية، فهذا المتورِّك إذا كان بتَوَرُّكِه يؤذي جاره فلا يتورَّك، وإذا علم الله من نيته أنه لولا هذا لَتَوَرَّكَ فإن الله تعالى يثيبه؛ لأنه يكون كمن قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَن مرض أو سافر كُتِب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) .
السائل: بعضهم يشغل المايكروفون ليُسْلِم مَن أراد أن يُسْلِم! الشيخ: يُسْلِم، هل نحن في دار كفر؟! السائل: أو أنه يهتدي.
الشيخ: هذا إذا كان يريد أن يهتدي، وما سمعنا أحداً اهتدى بهذا أبداً.
مداخلة: وربما اختلط بالرياء! الشيخ: والرياء الله أعلم! إذا كان الإمام قصده الرياء فهذا شيء آخر.(22/24)
وقت قراءة المأموم الفاتحة في الصلاة الجهرية
السؤال
فضيلة الشيخ! كيف يمكن للمأموم أن يقرأ بفاتحة الكتاب إذا لم يعطه الإمام فرصة له في الصلاة الجهرية؟
الجواب
يمكن أن يقرأ والإمام يقرأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة الفجر ذات يوم وقد نوزِع القراءة، فسأل الصحابة، قال: (هل تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم.
قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) ، فأنت تقرأ ولو كان إمامك يقرأ، وإذا كان الإمام له سكتة ولو يسيرة فيمكنك أن تقرأ فيها آية من الفاتحة وتكْمِل.(22/25)
حكم حج من توفي عنها زوجها وهي في زمن الإحداد
السؤال
فضيلة الشيخ! امرأة توفي عنها زوجها، وأدركتها فريضة الحج وهي في الحداد، وهي مستطيعة وقادرة وعندها محرم، فهل تحج أم لا؟
الجواب
لا تحج، بل تبقى في بيتها.
أعني: إذا مات عنها زوجها وجاء وقت الحج وهي في العدة -في الإحداد- فإنها تبقى، وفي هذه الحال لا يجب عليها الحج؛ لقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] وهذه المرأة لا تستطيع شرعاً.
السائل: وإذا كان معها محرم يا شيخ؟ الشيخ: نعم.
تؤجل إلى السنة الثانية أو الثالثة.(22/26)
الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يأتي زمان.
) وانتشار الصحوة
السؤال
فضيلة الشيخ! كيف يكون الجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يأتي زمان إلا والذي بعده أشر منه) وبين ما نراه في واقعنا من إقبال الناس على الله؟! فنحن نجزم ونقطع قطعاًَ أن هذا الوقت أحسن من أوقاتٍ قد مضت من قلة المنكرات، وإقبال الناس على الله، وهذا شيء مشاهَد، وهو ما يُسمى الآن بالصحوة، ومعلوم أن هذه الصحوة لا تكون إلا بعد غفلة، فكيف يكون الجمع بين هذا وهذا؟
الجواب
يجب أن نعلم أن القرآن وصحيح السنة لا يخالفان الواقع أبداً، فإذا وقع شيء يخالف ظاهر القرآن والسنة فاعلم أنك أخطأت في فهم الكتاب والسنة، وأن المراد بذلك معنىً لا يخالف الواقع.
الواقع الآن -كما تفضل الأخ- أن هناك إقبالاً شديداً ولله الحمد من الشباب على دين الله، ونسأل الله لهم الثبات وأن يوفقهم إلى الصواب؛ لكن هناك شر مستطير بالنسبة لكثير من الناس! هناك إقبال والحمد لله؛ لكن يوجد شر عظيم أيضاً، فالمنكرات الموجودة الآن في المسلمين هل كانت توجد من قبل؟! ما كانت توجد، بل ما كنا نصدق أن إنساناً يشرب الخمر! والآن الخمر في بعض بلاد الإسلام يُباع علناً، ويوضع في الثلاجات كما يوضع الشراب الحلال! وما كنا نظن أن شخصاً يلوط بمثله! والآن في بعض البلاد الإسلامية يُعْرَض الذكر على الإنسان كأنه امرأةٌ حلال! والمخدرات المهلكات للأمم هل كنا نعرفها؟! لا.
فالأمة الآن فيها خير كثير، وفيها شر، وإذا قارنت بين هذا وهذا فقد تقول: إن الخير أغلب إن شاء الله، وإذا لم يُرْدَع مِن قِبل أهل الشر فسَيَغلِب أهلُ الخير.
لكن المراد بالحديث: الوُلاة؛ لأن سبب ذكر أنس رضي الله عنه لهذا الحديث أن الناس جاءوا إليه يشكون ما يجدون مِن الحجاج، والحجاج بن يوسف الثقفي معروف، فقال لهم: (اصبروا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه لا يأتي على الناس زمان إلا وما بعده شر منه حتى تلقوا ربكم) ، وهذا واقع بالنسبة للولاة، فما يأتي على الناس زمانٌ إلا وما بعده شر منه.
انظر الآن إلى البلاد الإسلامية، ولا سيما العربية التي نحن نعرف! فـ مصر -مثلاً- لما كانت ملكية هل هي أحسن، أم بعد أن صارت جمهورية؟! الأول أحسن بكثير، ثم الجمهوريات التي توالت عليها، كل جمهورية شر من التي قبلها! وانظر إلى العراق! ستجده كذلك! وانظر إلى الشام! ستجده كذلك! فالناس بالنسبة للولاة لا يأتي زمان إلا وما بعده شر منه، في الظلم، والبُعد عن الدين، وقمع أهل الحق، وغير ذلك.
أعرفتَ الآن؟! فصار المراد بذلك -فيما يظهر- هم الولاة؛ (لا يأتي على الناس زمان إلا وما بعده شر منه) .
قَدْ يَرِدْ على هذا خلافة عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فإن الخلفاء قبله كانوا شراً منه، وهو خير منهم بلا شك، خيرٌ ممن سبقه، لا سيما القريبين منه، فيقال: هذا لا يخالف الحديث؛ لأن نصوص الكتاب والسنة أحياناً تأتي على الأغلب، ليس على كل عين وكل فرد.(22/27)
حكم استقدام العمال وأخذ المال على استقدامهم
السؤال
فضيلة الشيخ! شخصٌ لديه مكتب استقدام أيدٍ عاملة، يقوم بإحضار العمال من الخارج؛ ولكنه يأخذ مبلغاً من المال مقابل إحضار هذا العامل، والمصلحة للعامل كبيرة جداً، فحتى لو دفع مبلغاً، وأتى إلى هنا واشتغل فستكون مصلحته لا تقارن مع المرتبة التي يكون قد سلَّم المبلغ فيها، فهل هذا جائز لصاحب المكتب أن يأخذ من العامل مبلغاً مقابل إحضاره إلى هنا؛ ليشتغل ويستلم الرواتب ويتحسن وضعُه؟
الجواب
أولاً: ننصح مكاتب الاستقدام ألا تستقدم إلا مسلمين:- ألا يستقدم الكفار، لا من النصارى، ولا من غيرهم، لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب) .
وقال في مرض موته: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) .
وقال: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أدع إلا مسلماً) .
كل هذه أحاديث صحيحة! وأين نحن إذا وقفنا بين يدي الله عز وجل وكنا نستقدم هذه الجنود والجحافل العظيمة من غير المسلمين إلى بلاد نشأ فيها الإسلام، وهي مأوى الإسلام أولاً وآخراً؟! (الإيمان يأرِزْ إلى المدينة -أي: يرجع- كما تأرز الحية إلى جُحرها) .
إذاً: بلادنا منشأ الإسلام ومَرَدُّ الإسلام.
ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر وقال: (ويل للعرب من شر قد اقترب، قيل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم.
إذا كثر الخَبَث) ومَن هم الخَبَث؟! أما تقرءون القرآن؟! {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28] كل مَن سوى المسلم فهو نَجَس.
فإذا كثر الخَبَث سواء من العمال أو من العمل هَلَكَ الناسُ.
فنصيحتي لمكاتب الاستقدام: ألا يستقدموا إلا مسلماً.
قد يقولون: إن الاختصاص قد يكون في الكفار، ولا نجد من المسلمين رجلاً مختصاً بهذا العمل، أي: يُتْقِنُه! فنقول: إذا قدَّرنا هذا، فلماذا يأتي عاملٌ في زراعة؟! أو يأتي عاملٌ فيكون راعياً؟ أو يأتي عامل فيكون في كناسة البلدية؟! هل هذا لا يعرفه المسلمون؟! أنا أسألكم! هل المسلم لا يُحسن هذا أم أنه يُحسن؟ يُحسن.
فعلى كل حال هذه نصيحتي للمستقدمين، وليعلموا أن الله سيسألهم يوم القيامة عما خالفوا به شريعته.
ثانياً: ألا يستقدم إلا إذا كانت هناك حاجة بيِّنة لهذا العامل:- ولكن مع الأسف صار استقدام العمال الآن مُتَّجراًَ، صار الواحد يجلب من العمال ما يزيد على حاجته أضعافاً مضاعفة، ويَكُدُّهُم بالسوق، ويأخذ عليهم ضريبة؛ كل شهر كذا وكذا! وهذا حرام شرعاً، ومخالف للدولة نظاماً.
أما إذا توفر هذان الشرطان، وهما: أن يكون مسلماً.
وأن يكون بقدر الحاجة.
ثم أخذ منه شيئاً لاستقدامه، وإذا لم يصلح له وردَّه ردَّ عليه ما أخذ فلا بأس؛ لأنه مما هو معروف أنه يكون بين العامل والمستقدم ثلاثة شهور تجربة، فإذا لم يصلح العامل ردَّ عليه ما أخذ، فأرجو ألا يكون به بأس.
أما إذا كان لا يردُّه فهذا يعني أنه ربح والعامل المسكين خسر، وقد يكون باع ما وراءه وما دونَه -كما يقولون- لأجل أن يعطي هذا القدر الذي طلبه المستقدم، ثم بعد أن يقعد شهراً أو شهرين يقال له: ارجع، ليس لك شيء.
وأزيد على هذا: أن بعض الكفلاء يكُدُّون المكفولين، ويأخذون منهم العمل الذي بينهم وبينهم، أو ربما أكثر، ثم لا يعطونهم الأجور، وكثيراً ما يأتينا عمال يبكون؛ لأنهم لا يعطَون أجوراً، ويموتون من الجوع، ويُجْعَلون في دور قديمة، ويُحشر العشرات في دار لا تتحمل إلا نصفَهم، وهذا حرام على الكفلاء، قال الله عز وجل في الحديث القدسي: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجلٌ أعطى بي ثم غدر، ورجلٌ باع حراً وأكل ثمنه، ورجلٌ استأجر أجيراً، فاستوفى منه ولم يعطه أجره) .
فنصيحتي للكفلاء: أن يتقوا الله عز وجل في هؤلاء الفقراء، وأن يعطوهم حقهم، وألا يكلفوهم أكثر مما تم عليه العقد، وليعلموا أن الدنيا دولٌ، فلعلهم في يوم من الأيام يكونون كهؤلاء العمال، يذهبون إلى بلادهم مِن فَقْرٍ كما جرى من قبل، حيث كان الناس من قبل يذهبون إلى الهند والشام والعراق من الفقر، أفلا يمكن أن ترجع هذه الحال؟! أجيبوا! بلى.
يمكنها أن ترجع، فالله على كل شيء قدير.
فإذا كان الله أنعم علينا بهذه النعمة الآن -ولله الحمد- إن لم نشكرها زالت، {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7] .(22/28)
حكم الزكاة على الدين
السؤال
أولاً: يا شيخ! نحن نحبك في الله.
ثانياً: أنا بعتُ لشخص سيارة، وبَقِيَت لي عنده (5000) ريال، وما زالت عنده من عدة سنين، ثم إن الشخص اختفى، وما أدري أين هو، فهل أزكي عنها أم لا؟
الجواب
أولاً: أحبكم الله الذي أحببتمونا فيه.
ثانياً: لا.
فالدين الذي على معسر ليس فيه زكاة، إلا إذا قبضتَه فإنك تزكيه سنة واحدة، والآن ما دمتَ لا تعرف أين ذهب الرجل، فليس عليك زكاة.
ونختم هذه الجلسة بأن نسأل الله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعلنا وإياكم ممن تحقق فيهم قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (مَن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله به طريقاً إلى الجنة) .
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.(22/29)
لقاء الباب المفتوح [23]
في هذا اللقاء تفسير ثلاث آيات من سورة التكوير، الأولى: قوله تعالى: (إن هو إلا ذكر للعالمين) والثانية: قوله تعالى: (لمن شاء منكم أن يستقيم) وقد توسع في شرح هذه الآية، فقد تحدث فيها عن مشيئة الإنسان وأنها باختياره، وأن ما نفعله هو باختيارنا وإرادتنا، وتحدث أيضاً عن معنى الاستقامة، أما الآية الثالثة والأخيرة فهي قوله تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) ، ثم أجاب عن الأسئلة.(23/1)
تفسير آيات من سورة التكوير
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث في هذا الشهر، شهر ذي القعدة، عام: (1413هـ) ، وهو اللقاء الأسبوعي الذي يكون في كل يوم خميس.
وكما نحن نمشي عليه فيما سبق، فإننا نمشي عليه الآن، وباستمرار إن شاء الله تعالى، ما لم يوجد منهج آخر أكمل منه، فإن الإنسان ينشد الكمال بقدر ما يستطيع.
في الأسبوع الماضي تكلمنا عن سورة التكوير: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير:1] ، حتى وصلنا إلى قول الله تبارك وتعالى-: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} [التكوير:24-26] .(23/2)
تفسير قوله تعالى: (إن هو إلا ذكر للعالمين)
قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [التكوير:27] : (إِنْ) هنا بمعنى: (ما) ، وهذه قاعدة؛ أنه إذا جاءت (إلاَّ) بعد (إنْ) فهي بمعنى (ما) أي: أنها تكون نافية؛ لأن (إنْ) تأتي نافية، وتأتي شرطية، وتأتي مخفَّفة من الثقيلة، والذي يبيِّن هذه المعاني هو السياق، فإذا جاءت (إنْ) وبعدها (إلاَّ) فهي نافية، أي: ما هو، وهو القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ونزل به جبريل على قلبه {إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [التكوير:27] ، فـ (ذِكْر) يشمل التذكير، والتذكُّر؛ فهو تذكير للعالَمين، وتذكُّر لهم، أي: أنهم يتذكرون به ويتعظون به، والمراد بالعالَمين: مَن بُعِث إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] .
وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1] .
فالمراد بالعالمين هنا: مَن أرسل إليهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.(23/3)
تفسير قوله تعالى: (لمن شاء منكم أن يستقيم)
قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:28] جملة (لِمَنْ شَاءَ) بدل مما قبلها؛ لكنها بإعادة العامل وهو (إلاَّ) يصير: {إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:27-28] ، وأما من لا يشاء الاستقامة فإنه لا يتذكر بهذا القرآن، ولا ينتفع به، كما قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37] .
فالإنسان الذي لا يريد الاستقامة لا يمكن أن ينتفع بهذا القرآن.
إذا قال قائل: هل مشيئة الإنسان باختياره؟ نقول: نعم.
مشيئة الإِنسان باختياره، فالله عز وجل جعل للإنسان اختياراً وإرادة، إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل؛ لأنه لو لم يكن ذلك لَمَا قامت الحجة على الخلق الذين أُرْسِلَت إليهم الرسل بإرسال الرسل.
أفهمتم الموضوع؟! إذاً: هل ما نفعله نحن يكون باختيارنا وإرادتنا؟
الجواب
نعم.
هو باختيارنا وإرادتنا، ولولا ذلك لَمَا كان لإرسال الرسل حجة علينا، إذْ أننا نستطيع أن نقول: نحن لا نقدر على الاختيار، فالإنسان لا شك فاعل باختياره، وكل إنسان يعرف أنه إذا أراد أن يذهب إلى مكة فهو باختياره، وإذا أراد أن يذهب إلى المدينة فهو باختياره، وإذا أراد أن يذهب إلى بيت المقدس فهو باختياره، وإذا أراد أن يذهب إلى الرياض فهو باختياره، أو إلى أي مكان أراد فهو باختياره، لا يرى أن أحداً أجبره عليه، ولا يشعر أن أحداً أجبره على ذلك.
كذلك أيضاً من أراد أن يقوم بطاعة الله فهو باختياره، ومن أراد أن يعصي الله فهو باختياره.
فالمشيئة للإنسان هو حر فيها؛ ولكن نعلم علم اليقين أنه ما شاء شيئاً إلا وقد شاءه الله من قبل، ولهذا قال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير:29] ، ما نشاء شيئاً إلا بعد أن يكون الله قد شاءه، فإذا شئنا الشيء علمنا أن الله قد شاءه، ولولا أن الله شاءه ما شئناه، كما قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} [البقرة:253] .
فنحن إذا عملنا الشيء نعمله بمشيئتنا واختيارنا؛ ولكن نعلم أن هذه المشيئة والاختيار كانت بعد مشيئة الله عز وجل، ولو شاء الله ما فعلنا.
فإن قال قائل: إذاً لنا حجة في المعصية؛ لأننا ما شئناها إلا بعد أن شاءها الله! فالجواب: أنه لا حجة لنا؛ لأننا لم نعلم أن الله شاءها إلا بعد أن فعلناها، وفِعْلُنا إياها باختيارنا، ولهذا لا يمكن أن نقول: إن الله شاء كذا أو شاء كذا إلا بعد أن يقع، فإذا وقع فبأي شيء وقع؟! وقع بإرادتنا ومشيئتنا.
لهذا لا يَتَّجِه أن يكون للعاصي حُجَّةٌ على الله عز وجل وقد أبطل الله هذه الحجة في قوله: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} [الأنعام:148] ، فلولا أنه لا حجة لهم ما ذاقوا بأس الله، ولَسَلِموا من بأس الله؛ ولكن لا حجة لهم، فلهذا ذاقوا بأس الله.
وكلنا نعلم أن الإنسان لو ذُكِر له أن بلداً آمناً مطمئناً يأتيه رزقه رغداً من كل مكان، فيه من المتاجر والمكاسب ما لا يوجد في البلاد الأخرى، وأن بلداً آخر خائف غير مستقر، مضطرب في الاقتصاد، مضطرب في الخوف والأمن، فإلى أيِّهما يذهب؟! بالتأكيد سيذهب إلى الأول ولا شك، ولا يرى أن أحداً أجبره أن يذهب إلى الأول، بل يرى أنه ذهب إلى الأول بمحض إرادته.
هكذا الآن طريق الخير وطريق الشر، قال الله لنا: هذه طريق جهنم، وهذه طريق الجنة، وبيَّن لنا ما في الجنة من النعيم، وما في النار من العذاب، فأيَّهما نسلك؟! بالقياس الواضح الجلي سنسلك طريق الجنة لا شك، كما أننا في المثال الآنف سنسلك طريق البلد الذي يأتيه رزقه رغداً من كل مكان.
فلو أننا سلكنا طريق النار فإنه سيكون علينا العَتب والتوبيخ واللوم، وينُادَى علينا بالسَّفَه، كما لو سلكنا في المثال الأول طريق البلد المَخُوْف المتزعزع الذي ليس فيه استقرار، فإنَّ كل أحدٍ يلومنا ويوبخنا.
إذاً: ففي قوله: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:28] تقرير لكون الإنسان يفعل الشيء بمشيئته واختياره؛ ولكن بعد أن يفعلَ الشيءَ ويشاؤه نعلم أن الله قد شاءه من قبل، ولو شاء الله ما فعل، وكثيراً ما يعزم الإنسان على شيء، يتجه بعد العزيمة على هذا الشيء، وفي لحظة ما يجد نفسه منصرفاً عنه، أو يجد نفسه مصروفاً عنه؛ لأن الله لم يشأْه.
فكثيراً ما نريد أن نذهب -مثلاً- إلى مسجدٍ ما لنستمع إلى محاضرة، وإذا بنا ننصرف بسبب أو بغير سبب، أحياناً بسبب بحيث نتذكر أن لنا شغلاًَ أو يُقال لنا: إن المحاضرة أُلغيت، فنرجع، وأحياناً نرجع بدون سبب، لا ندري إلا وقد صرف الله تعالى همتنا عن ذلك فرجعنا، ولهذا قيل لأعرابي: بِمَ عرفت ربك؟ قال: بنقض العزائم، وصرف الهِمَم.
بنقض العزائم يعني: أن الإنسان يعزم على الشيء عزماً مؤكداً، وإذا به ينتقض.
من نقض عزيمته؟ لا يشعر أن هناك مرجحاً أوجب أن يعدل عن عزيمته الأولى، بل بمحض إرادة الله.
وصرف الهمم أي: أن الإنسان يهمُّ بالشيء ويتجه إليه تماماً، وإذا به يجد نفسه منصرفاً عنه، سواء كان الصارف مانعاً حسياً، أو كان الصارف مجرد اختيار من الإنسان أن ينصرف، وكل هذا من الله عز وجل.
فالحاصل: أن الله يقول: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:28] .
ما معنى الاستقامة؟ الاستقامة هي: الاعتدال، ولا عَدْلَ أَقْوَمُ من عدل الله عز وجل في شريعته.
ففي الشرائع السابقة كانت كل شريعة تناسب حال الأمم زماناً ومكاناً وحالاً، وبعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام أصبحت شريعته تناسب الأمة التي بُعِثَ النبي صلى الله عليه وسلم إليها مِن أول بعثته إلى نهاية الدنيا.
ولِهذا كان من العبارات المعروفة: أن الدين الإسلامي صالح لكل زمان ومكان وحال، ولو تمسك الناس به لأصلح الله الخلق.
انظر مثلاً الإنسان! يصلي أولاً قائماً، فإن عجز فقاعداً، فإن عجز فعلى جنب، إذاً: الشريعة تتطور بحسب الشخص؛ لأن الدين صالح لكل زمان ومكان.
ويجب على المحدث أن يتطهر بالماء، فإن تعذر استعمال الماء لِعَجْزٍ أو عَدَمٍ عَدَل إلى التيمم، فإن لم يجد ماءً ولا تراباً، أو كان عاجزاً عن استعمال التراب فإنه يصلي بلا شيء، لا بطهارة ماء ولا بطهارة تيمم.
كل هذا لأن شريعة الله عز وجل كلها مبنية على العدل، فليس فيها جور، وليس فيها ظلم، وليس فيها حرج، وليس فيها مشقة، ولهذا قال: {أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:28] .
وضد الاستقامة انحرافان: انحرافٌ إلى جانب الإفراط والغُلُو.
وانحرافٌ إلى جانب التفريط والتقصير.
ولهذا كان الناس في دين الله عز وجل ثلاثة أصناف: طَرَفان، ووسط.
طرفٌ مُغالٍ مُبالغٌ مُتَنَطِّعٌ مُتَعَنِّتٌ.
وطرفٌ آخرُ مُفَرِّطٌ مُقَصِّرٌ مُهْمِلٌ.
والثالثُ وَسَطٌ بين الإفراط والتفريط، مستقيمٌ على دين الله.
وهذا الأخير هو الذي يُحْمَد.
أما الأول المغالي، والثاني المجافي فكلاهما هالك، بحسب ما عند كليهما من الغلو أو من التقصير.
وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الغلو والإفراط والتعنت والتنطع، حتى إنه قال: (هلك المتنطِّعون، هلك المتنطِّعون، هلك المتنطِّعون) ؛ لأن التنطُّع فيه إشقاق على النفس، وفيه خروجٌ عن دين الله عز وجل.
كما أن الله ذَمَّ المفرِّطين والمهملين، وقال في وصف المنافقين: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] .
فدينُ الله وسط بين المغالي فيه والمجافي عنه، ولهذا قال هنا: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:28] ، لا يميل يميناً ولا شمالاً، بل يكون سيرُه سيرَ استقامة على دين الله عز وجل.
والاستقامة كما تكون في معاملة الخالق عز وجل وهي: العبادة، تكون -أيضاً- في معاملة المخلوق، فكن مع الناس بين طرفين، بين طرفِ الشدة والغلظة والعبوس، وطرفِ التراخي والتهاون وبذل النفس، وانحطاط الرتبة، كن حازماً من وجهٍ، وليناً من وجه.
ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله في القاضي: ينبغي أن يكون ليِّناً من غير ضعف، قوياً من غير عنف، فلا يكون لينُه يشطح به إلى الضعف، ولا قوته إلى العنف، بل يكون بين ذلك، ليناً من غير ضعف، قوياً من غير عنف، حتى تستقيم الأمور.
فبعض الناس -مثلاً- يعامل الناس دائماً بالعبوس، والشدة، وإشعارِ نفسه بأنه فوق الناس، وأن الناس تحته، وهذا خطأ.
ومن الناس من يحط قدْر نفسه، ويتواضع إلى حد التهاون، وعدم المبالاة، بحيث يبقى بين الناس لا حرمة له، وهذا أيضاً خطأ.
فالواجب أن يكون الإنسان بين هذا وهذا، كما هو هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه عليه الصلاة والسلام يشتد في موضع الشدة، ويلين في موضع اللين.
فيجمع الإنسان هنا بين الحزم والعزم، واللين والعطف والرحمة.(23/4)
تفسير قوله تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين)
قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29] أي: لا يمكن أن تشاءوا شيئاً إلا وقد شاءه الله من قبل.
فأنا مشيئتي الآن أن أحدثكم وأتحدث إليكم، فهذه مشيئةٌ مني أنا؛ لكنها ما كانت إلا بعد مشيئة الله عز وجل، لو شاءَ اللهُ أشاءُ أنا، ولو شاء الله ألا يكون الشيء ما كان ولو شئتُ، فحتى لو شئتُ والله تعالى لم يشأ فإنه لن يكون، بل يقيِّض الله تعالى أسباباً تحول بيني وبين هذا حتى لا يقع، وهذه مسألة يجب على الإنسان أن ينتبه لها؛ أن يعلم أن فعلَه بمشيئته، مشيئةٌ تامةٌ بلا إكراه؛ لكن ليعلم أن هذه المشيئةَ مقترنةٌ بمشيئة الله، وأنه ما شاء الشيء إلا بعد أن شاء الله، وأن الله لو شاء ألا يكون لما شاءه الإنسان، أو أن الإنسان شاءه؛ ولكن يحول الله بينه وبينه بأسباب وموانع.
وهنا قال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29] ولم يقل ربكم؛ إشارة إلى عموم ربوبية الله، وأن ربوبية الله تعالى عامة؛ ولكن يجب أن تعلموا أن (العالَمِين) هنا ليست كـ (العالَمِين) في قوله: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [التكوير:27] .
قلتُ في (العالَمِين) الأولى: إن المراد بها مَن أُرْسِل إليهم الرسول.
أما هنا في (العالَمِين) الثانية: فالمراد بها: كلُّ مَن سوى الله؛ لأنه ما ثَمَّ إلا رب ومربوب، فإذا قيل: ربُّ العالَمِين، تعيَّن أن يكون المراد بـ (العالَمِين) كلُّ مَن سوى الله، كما قال الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: وكلُّ مَن سوى الله فهو عالَم، وأنا واحدٌ من ذلك العالَم.
الحاصل: أن هذه السورة سورة عظيمة، فيها تذكرة وموعظة، ينبغي للمؤمن أن يقرأها بتدبر وتمهل، وأن يتعظ بما فيها، كما أن الواجب عليه في جميع سور القرآن وآياته أن يكون كذلك، حتى يكون ممن اتعظ بكتاب الله، وانتفع به.
نسأل الله تعالى أن يعَظِنا وإياكم بكتابه، وسنةِ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وآياتِه الكونية، إنه على كل شيء قدير.
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.(23/5)
الأسئلة(23/6)
حكم تعليق الآيات القرآنية والأحاديث في المجالس أو في السيارة
السؤال
ما حكم تعليق الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة في مجلس -مثلاً- أو في سيارة، أو في غيرهما؟
الجواب
تعليق الآيات القرآنية في المجالس أمر مُبْتَدَع أحدثه الناس، ولم يكن ذلك معروفاً في عهد السلف الصالح، وذلك لأن القرآن الكريم ليس وَشْياً تُوَشَّى به الجدران، وتُزَيَّن به، كما رأينا بعض الناس يعلِّق لوحةً تُكْتَبُ فيها آية، وتجعل هذه الآية كأنها قصر، بحيث تُهَنْدَس على صفة البناء الذي في الشرفات، وبعضُهم علَّق سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] على هذا الوجه، إذا رأيتَه تقول: هذا قصر، والقرآن أشرفُ مِن أن يكون زينةً ووَشْياً في الجدران.
وإن قُصِدَ بذلك التبرك: فليس التبرك بأن يكتب كتاب الله ويعلق في الجدران، التبرك بالقرآن حقيقةً هو: التبرك بتلاوته، فإن كل حرف منه بعشر حسنات.
كذلك إن أُرِيْدَ بذلك الاتعاظ والتذكر: فإننا لم نجد أن المجلس الذي يكتب فيه شيء من آيات الله يزداد فيه تقوى الناس، واتعاظهم، وتذكُّرهم، بل إننا نرى بعض هذه المجالس يُفْعَل فيها المنكر؛ ويُشْرَب الدخان فيها، ويُغْتاب فيها الناس، وتُؤْكَل لحومُهم، وما هذا إلا نوعٌ استهزاء؛ كتاب الله فوق رأسه وهو يسهر به في معصية الله! وإن أُرِيْدَ بذلك التحصُّن والوِرْد، كما تعلق الآيات على الصدور: فهذا أيضاً بدعة، فما كان السلف الصالح يتحصنون بمثل هذا؛ ويكتبوا الآيات على جدرانهم.
وهذا الأخير -أعني: أن يُقْصَدَ به التحصُّن- يوجب أن الإنسان يعتمد على ذلك، ولا يَقْرَأُه هو بنفسه، أي: الآيات التي فيها التحصين، مثل آية الكرسي؛ مَن قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح، ومثل الآيتين الأخيرتين في سورة البقرة؛ مَن قرأهما في ليلة كَفَتاه، فتجد الإنسان يعتمد على ما كتبه في هذا المجلس أو في مُقَدَّمِ البيت ومَدْخَلِه، ويقول: الآن احتمى البيت بِما كتب فيه من الآيات، ويُعْرِض عن التحصين الحقيقي الذي هو في التلاوة.
لذلك نرى ألا تُعَلَّق هذه الآيات على الجُدُر.
أما الأحاديث فإذا عُلِّق ما يناسب المقام، مثل أن يُعَلَّق كفارةُ المجلس، فهذا لا بأس به؛ لأن هذا تذكير، وينتفع به الناس، فالإنسان إذا رأى مكتوباً عند باب المجلس: كفارة المجلس: أن تقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، فإنه يتذكر هذا ويقوله.
كذلك التعليق في السيارات، إذا كان التعليق في السيارات أذكاراً واردةً مناسبة، مثل أن يعلق الإنسان في السيارة دعاءَ الركوب، فإن هذا حسن، وتذكير، ولا بأس به، وكل إنسان يشعر بأنه يستفيد من ذلك، ويا حبذا لو كانت الكتابة بحرف مُكَبَّر، بحيث يقرَأُه مَن في الخلف؛ لأن هذه الكتابة الصغيرة لا يقرَأُها إلا مَن كان إلى جانبها، أو الذي يقرَأُها، أما مَن كان في الخلف فلا يستطيع قراءتها، فلو جُعِلت بخط كبير إذا أمكن حتى يقرأها مَن في الخلف لكان هذا طيباً.(23/7)
حكم المداومة على الوعظ عند القبور أثناء الدفن
السؤال
فضيلة الشيخ! ما مشروعية الموعظة عند القبر؟ فقد سمعنا مَن يقول: إنها ما وردت عن الرسول، وسمعنا مَن يقول: إنها سنة!
الجواب
القولُ بأنها (ما وَرَدَتْ) على إطلاقه غيرُ صحيح، والقولُ بأنها (سنة) غيرُ صحيح، ووجه ذلك أنه لم يرد أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقف عند القبر أو في المقبرة إذا حضرت الجنازة، ثم يعظ الناس ويذكرهم، هذا ما سمعنا به، وهو بدعة، وربما يؤدي في المستقبل إلى شيءٍ أعظم؛ ربما يؤدي إلى أن يتطرق المتكلم إلى الكلام عن الرجل الميت الحاضر، مثل أن يكون هذا الرجل فاسقاً مثلاً، ثم يقول: انظروا إلى هذا الرجل! بالأمس كان يلعب، بالأمس كان يستهزئ، بالأمس كان كذا وكذا، والآن هو في قبره مُرْتَهَن، أو يتكلم في تاجر مثلاً، فيقول: انظروا إلى فلان، بالأمس كان في القصور والسيارات والخدم والحشم والآن انظروا حالَه.
فلهذا نرى ألا تُفْعَل هذه؛ لأن هذه ليست من السنة، فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقف إذا فرغ من دفن الميت أو إذا كان في انتظار دفن الميت، فيقوم ويخطب الناس، أبداً، ولا عهدنا هذا أيضاً في مشايخنا السابقين، وهم أقرب إلى السنة مِنَّا، ولا عهدنا هذا أيضاً فيمَن قبلهم من الأصحاب، فما كان الناس في عهد أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي -فيما نعلم- يفعلون هذا، وخير الهَدْي هَدْيُ مَن سَلَفَ إذا وافَقَ الحق.
وأما الموعظةُ التي تعتبرُ كلامَ مجلس، فهذه لا بأس بها، فإنه قد ثبت في السنن أن الرسول عليه الصلاة والسلام أتى إلى بقيع الغرقد وفيه أناس يدفنون ميتاً لهم؛ لكنَّ الميتَ لَمْ يُلْحَدْ بعد، أي: معناه أنهم يَحفرون القبر، فجلس وجلس حوله أصحابُه، وجعل يحدثهم بحال الإنسان عند موته، وحالِ الإنسان بعد دفنه حديثاً هادئاً ليس على سبيل الخطبة.
وكذلك ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما أنه جلس على شفير قبر ابنته وهي تُدفَن فقال عليه الصلاة والسلام: (ما منكم من أحدٍ إلا وقد كُتِبَ مقعدُه من الجنة ومقعدُه من النار! فقالوا: يا رسول الله! ففيم العمل؟! قال: اعملوا، فكلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِق له) .
فالحاصل: أن الموعظة عند القبر التي هي قيام الإنسان ليخطب هذه لا شك أنها ليست من السنة، ولا تنبغي، لِمَا عرفتَ مِمَّا سيحدُث في المستقبل، وأما الموعظة مثل أن يكون الإنسان جالساً ويدعو حوله أصحابَه، ثم يتكلم بما يناسب فهذا طيب، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم.(23/8)
مسألة دفع القدر بالدعاء
السؤال
فضيلة الشيخ! كيف يجمع بين أن الدعاء يردُّ القدر، وأن الأمور جميعَها مقدرةٌ قبل خلق السماوات والأرض؟
الجواب
نجيب بأن الله سبحانه وتعالى مقدِّرٌ للأشياء قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وقدَّر أن هذا الشيء الذي كان بصدد أن يحدث من البلاء قد قُدِّر ما يمنعُه وهو الدعاء، فيكون الدعاء مُقَدَّراً، وكذلك ما كان بصدد النزول من البلاء مقدراً.
فيكون هذا الشيء الذي امتنع أو ارتفع من البلاء بعد نزوله بسبب الدعاء يكون قد قُدِّر من الأصل أنه سيرتفع بهذا الدعاء، أو أنه سيمتنع بهذا الدعاء.
فالدعاء مكتوب من الأول، والبلاء مكتوب من الأول.
فإذا دعا الإنسان أن يرفع الله عز وجل البلاء بعد نزوله، فارتفع بدعائه -كما هو مشاهَدٌ الآن؛ يدعو الإنسان فيرتفع البلاء- فهذا معناه أن الله قد كتب في اللوح المحفوظ أن هذا البلاء سينزل ويرفعه الدعاء.
إذاً: كلٌّ منهما مكتوب، البلاء المتوقَّع نزوله يمتنع بالدعاء، فيكون هذا البلاء الذي كان بصدد النزول قد قدر الله له دعاءً يمنعه، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام إذا كسفت الشمس أو القمر أن نفزع للصلاة والدعاء؛ لأن الله ينذرنا ببلاء سينزل، ولهذا قال: (يخوف الله بهما عباده) ولم يقل: ينتقم الله بهما من عباده؛ لكنه تخويف وإنذار من الله عز وجل، فإذا صلينا ودعونا الله فإن هذا الذي أُنذرنا به بهذا الكسوف يمنعه الله عز وجل.
كما أن الدعاء نفسه عبادة سواء أُجيب أم لَمْ يُجَب، وما من إنسان يدعو الله بصدق إلا أعطاه الله تعالى واحدة من ثلاث: إما أن يعطيَه ما سأل.
أو يكفَّ عنه من الشر ما هو أعظم.
أو يدخرَ ذلك له عنده يوم القيامة ثواباً.(23/9)
حكم الحج على من لا يستطيع دفع بعض تكاليفه
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة للحج هذا العام أصبح عن طريق حملة، فهل يجوز لي إن لم أستطع دفع تكاليف الحملة، -وخاصة إذا كان معي أهلي- أن أذهب إلى مكة وأحرم من هناك؟ وما الأمور التي تترتب على ذلك؟
الجواب
هل الحج فريضة؟ السائل: نعم.
فريضة.
الشيخ: إذا كان فريضة، وكان يمكنك أن تذهب إلى مكة فلا بد أن تحرم من الميقات؛ لأنك تريد الحج والعمرة.
السائل: لا أستطيع دفع تكاليف الحملة، فهي ثقيلةٌ عليَّ! الشيخ: إذا كنت لا تستطيع فليس عليك حج؛ ومن الممكن أن تخبر أحداً من الإخوان الذين يعرفونك، والناس يُحبون الخير.(23/10)
حكم ذبح العقيقة خارج البلاد لعدم حاجة أهلها للحم
السؤال
ما حكمُ توزيعِ العقيقة وإخراجِها خارجَ البلاد، مع العلم بعدم حاجة أهلها لِلَحم هذه العقيقة، وباستطاعتهم أن يقيموا بدلاً عنها واحدةً أخرى في نفس البلد؟
الجواب
بالمناسبة لهذا السؤال أود أن أبين للإخوة الحاضرين والسامعين أنه ليس المقصودُ من ذبح النسك سواءً كان عقيقةً أو هدياً أو أضحيةً اللحمُ أو الانتفاعُ باللحم، فالانتفاع باللحم يأتي أمراً ثانوياً.
المقصود بذلك هو: أن يتقرب الإنسان إلى الله بالذبح، هذا أهم شيء، أما اللحم فقد قال الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] .
وإذا علمنا ذلك تبين لنا خطأ من يدفعون مالاً ليُضَحَّى عنهم في مكان آخر، أو يُعَقَّ عن أولادهم في مكانٍ آخر؛ لأنهم إذا فعلوا ذلك فاتهم المهم، بل فاتهم الأهم من هذه النسيكة وهو التقرب إلى الله بالذبح، وأنت لا تدري من يتولى ذبح هذه، قد يتولاه مَن لا يصلي، فلا تحل، أو قد يتولاه مَن لا يسمي عليها، فلا تحل، أو قد يُعبث بالذبيحة ولا يُشترى إلا شيئاً لا يُجزئ.
فمن الخطأ جداً أن تصرف الدراهم لشراء الأضاحي أو العقائق من مكان آخر، نقول: اذبحها أنت، بيدك إن استطعت، أو بوكيلك، واشهَدْ ذبحها حتى تشعر بالتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بذبحها، وحتى تأكل منها؛ لأنك مأمورٌ بالأكل منها، قال الله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] .
وقد أوجب كثير من العلماء على الإنسان أن يأكل من كل نسيكةٍ ذبحها تقرباً إلى الله، كالهدايا، والعقائق وغيرها، فهل ستأكل منها وهي في محل بعيد؟! لا.
وإذا كنت تريد أن تنفع إخوانك في مكان بعيد فابعث بالدراهم إليهم، ابعث بالثياب إليهم، ابعث بالطعام إليهم، أما أن تنقل شعيرة من شعائر الإسلام إلى بلاد أخرى فهذا لا شك أنه من الجهل.
أنا أعتقد أن الذين يفعلون ذلك لا يريدون إلا الخير؛ لكن ليس كل من أراد الخير يوفَّق له، ألَمْ تعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام أرسل رجلين في حاجة، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما وصليا، ثم وجدا الماء، فأحدهما توضأ وأعاد الصلاة، والثاني لم يعد الصلاة، فقال للذي لم يعد الصلاة: (أصبت السنة) ، والذي أعاد الصلاة كان يريد الخير، فشفَعَت له نيته هذه، وأُعْطِي أجراً على عمله الذي كرَّرَه؛ لكنه خلاف السنة، ولهذا لو أن الإنسان أعاد الصلاة بعد أن سمع بأن السنة عدم الإعادة لم يكن له أجر؛ لكن هذا كان له أجر؛ لأنه كان لا يعلم أن السنة عدم الإعادة.
فالحاصل أنه ليس كل من أراد الخير يوفَّق له، وأنا أخبرك، وأرجو أن تخبر من يبلُغُه خبرُك بأن هذا عمل خاطئ ليس بصواب.
نعم.
لو فُرِضَ أنه دار الأمر بين أن تَعُقَّ أو تُنْجِي أناساً من المجاعة المهلكة وهم مسلمون، وأردت أن تأخذ دراهم العقيقة وترسلها لقلنا: لعل هذا أفضل؛ لأن إنقاذ المسلمين من الهلاك أوجب من العقيقة؛ لكن لا ترسل دراهم على أن تكون عقيقة.(23/11)
تنظيم دروس خاصة بالمرأة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأيكم في جَعْل دروس خاصة بالمرأة، وذلك لتوجيهها وإعانتها على طلب العلم، لتكون مربية لنفسها ولأولادها ولمن هي مسئولة عنهم؟
الجواب
من يدرِّسها؟ السائل: طالبات علم مثلها، أو نساء فاضلات عندهن علم.
الشيخ: المهم أن تدرِّسها أنثى.
فأقول: لا بأس بهذا، لا بأس أن يُجْعَل -مثلاً- مكانٌ تدرَّسُ فيه النساء؛ تقوم امرأة ذاتُ علم ودين لتدريس هؤلاء النساء؛ لكن بشرط ألا يترتب عليه محظور من وجه آخر، مثل أن يكون تجمُّعُ النساء في هذا البيت سبباً لِحَوْمِ السفهاء حولهن، وعدم التنظيم؛ لأن مدارس البنات منظَّمة الآن؛ كلٌّ يأتي وينادَي بمكبر الصوت على ابنته أو مَن هو ولِيٌّ عليها، فإذا حصل هذا منظَّماً سالماً من المحظور فلا بأس.(23/12)
أقسام المصائب وأقسام الناس تجاهها
السؤال
بالنسبة للمصيبة التي تصيب المسلم، كيف يفرق المسلم بين كونها مكفِّرة للذنوب ورافعة للدرجات، وبين أن تكون نذيراً من الله سبحانه وتعالى للإنسان؟
الجواب
أولاً: يجب أن نعلم أن الله قال في الكتاب: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30] .
لأول: إما أنها بما كسبت يده، فيُعاقب على المعصية في الدنيا، وعقوبة الدنيا أهون من عقوبة الآخرة.
الثاني: وإما أن تكون من أجل امتحانه حتى يصل إلى درجة الكمال في الصبر؛ لأن الإنسان بين حالين: إما سراء، فوظيفتها الشكر.
أو ضراء، فوظيفتها الصبر.
فلا يصل الإنسان إلى درجة الصبر إلا بشيء يُصْبَر عليه، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبتلى أكثر مما يبتلى غيره، حتى إنه يوعَك بالمرض كما يوعَك الرجلان منا، وشدِّد عليه عليه الصلاة والسلام عند الموت من أجل رفعة درجته بمقام الصبر.
فالإنسان يُبْتَلى بلاءً خاصاً، إما بسبب ذنوب ارتكبها، فيكفر الله عنه بهذه المصيبة، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، ولهذا بعض الناس إذا فعل ذنوباً ثم حصلت عليه مصائب وبلايا يشكر الله على هذا؛ لأنه يقول: علم الله بذنبي فعاقبني في الدنيا قبل الآخرة، وعقوبة الدنيا أهون من عقوبة الآخرة، فيَجْعل ذلك نعمة يشكر الله عز وجل عليها.
والإنسان إذا أصيب ببلاء فله أربع حالات: الأولى: إما أن يتسخط بقلبه أو جوارحه، فيشق الجيب، وينتف الشعر، ويلطم الخد، ويَرَى في قلبه أنه ساخط على ربه -والعياذ بالله- فهذا في أدنى الدرجات، وهو آثم، وقد تبرأ منه الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: (ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية) .
الثانية: وإما أن يصبر ويحتسب مع كراهته لما حصل، فهذا قام بالواجب، وله أجر الصابرين، وإذا احتسب الأجر على الله فـ {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10] .
الثالثة: حالة أكمل من الصبر وهي الرضا؛ الرضا أكمل من الصبر، فالصابر ساخط للبلاء؛ لكنه صابر، والراضي متساوٍ عنده الأمران بالنسبة لقضاء الله عز وجل ويقول في نفسه: ما قضى الله هذا لي إلا خيراً، فيرضى تماماً، ويكون حاله غير متأثر إطلاقاً، لا بقلبه ولا بجوارحه.
الرابعة: أن يكون في مقام الشكر.
كيف يشكر الله على المصيبة؟! نقول: وجهه ما ذكرتُ لكم قبل قليل: أنه يعلم -إذا كان قد فعل ذنوباً- أن هذه عقوبة لذنوبه، فيشكر الله أن عجل له العقوبة لتكون في الدنيا، وذلك أهون من كونها في الآخرة، ثم يشكر الله على أنه إذا رضي وصبر كانت خيراً له، فيشكر الله على ذلك.(23/13)
حكم العامل إذا نوى وعلق النية بإذن الكفيل له
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك رجل قَدِم من مصر إلى بلادنا هنا، ونوى أن يأخذ العمرة؛ ولكنه يقول: إن كفيله سوف يكون في المطار، وهو يعرف أن هذا الكفيل شديد، فخشي ألا يأذن له، فلم ينوِ بالعمرة إلا بعد أن يأذن له، فلما نزل المطار أذن له، وقد كان نَوَى أن يأخذ العمرة؛ لكن ما أحرم من المطار، وشبيهٌ بذلك: أن بعض الناس يذهب إلى جدة لعمل، ويقول: إن بقي وقتٌ فإنه ينوي من جدة، ويأخذ العمرة، فما حكم هاتين المسألتين؟
الجواب
حكم هاتين المسألتين واحد.
فالعامل الذي قَدِم إلى جدة وقال: إن أذن لي كفيلي أتيتُ بعمرة وإلا فلا، نقول: إذا وصل إلى جدة وأذن له كفيله فليحرم من جدة ولا شيء عليه.
وكذلك الآخر الذي قدم إلى جدة لعمل، وقال: إن تيسر لي أتيتُ بعمرة وإلا فلا، نقول: إن تيسر له فليحرم من جدة ولا شيء عليه؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ومن كان دون ذلك -أي: دون المواقيت- فمن حيث أنشأ) .(23/14)
اشتراط الوضوء في مس المصحف للمكلفين
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة لِمَسِّ المصحف والقراءة فيه، هل يلزم له الوضوء؟ والطلاب في المدارس هل يؤمرون بالوضوء؟ أحسن الله إليك.
الجواب
أما القراءة في المصحف فلا يشترط لها الوضوء، وأما مَسُّ المصحف فلا بد فيه من وضوء! وعلى هذا فبإمكان الإنسان أن يأخذ المصحف بين يديه، ويكون عليهما قفازان، أو يكون معه منديل يتصفح به المصحف ويقرأ.
أما بالنسبة للصبيان فقد رخص في ذلك كثير من العلماء أن يمسوا القرآن بلا وضوء، وقالوا: لأنهم غير مكلفين، فقد رُفِع القلم عن ثلاثة.
وقال بعض العلماء: إن الصبيان لا يمسون المصحف إلا بوضوء؛ لأن هذا احترام للمصحف، واحترام المصحف واجب على كل أحد.
ولكن نحن نقول: إن أمكن أن يتوضئوا فهو أفضل بلا شك وأسلم، وإن لم يمكن فلا بأس.(23/15)
حكم بيع الوقف المحصور إذا تعطلت منافعة
السؤال
فضيلة الشيخ! رجلٌ أوقف منزلَهُ على أربعٍِ من بناته، وهذا المنزل بعد فترة من الزمن أصبح خرباً، ولا يمكن الاستفادة منه، وهؤلاء البنات لا يستطعن إصلاحه والاستفادة منه، فهل يجوز لهن بيعه؟
الجواب
أولاً: لنسأل: هل وقَّفَ هذا البيت على أربعٍ من بناته دون الآخرين والأخريات؟ السائل: أعطى الآخرين شيئاً آخر.
الشيخ: تعني: أنه أرضى أولئك! إذاً: الوقف صحيح.
فإذا تعطلت منافع هذا الوقف فلهنَّ بيعُه، وشراء ما هو خير منه؛ لأن الوقف لا يعدُوهنَّ.(23/16)
حكم ذكر اسم الميت عند الصلاة عليه
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك بعض الناس إذا قدم الميت للصلاة عليه يذكر اسم هذا الشخص، هل هذا الأمر فيه شيء؟
الجواب
تعني أنه يقول: هذا الذي مات فلان بن فلان؟ السائل: نعم.
يقول: الصلاة على فلان بن فلان.
الجواب: إخبار الناس بالميت إذا قُدِّم بأنه ذكر أو أنثى من أجل أن يكون الدعاء بضمير المذكر إذا كان ذكراً أو بضمير المؤنث إذا كانت أنثى، أو إذا كانت هناك جنازة كبيرة أو صغيرة لم تبلغ الحلم، فيخبر الناس من أجل أن يدعوا لكل ميت بما يناسبه، هذا لا بأس به لما فيه من المصلحة.
وأما الإخبار عنه باسمه فلا أدري، أتوقف في هذا! قد يكون فيه مصلحة، وقد لا يكون فيه مصلحة، قد يكون مثلاً مِن الحاضرين مَن بينه وبين هذا الميت المعين عداوةٌ سابقةٌ مثلاً، فينصرف عن الصلاة، ويقول: لستُ مصلياً على هذا الرجل، فيكون في هذا تشويش، أو ربما يصلي عليه وبدلاً من أن يدعو الله له يدعو الله عليه، فلو أنه تُرك التعيين بالاسم لكان أحسن.(23/17)
حكم العمرة في أشهر الحج
السؤال
ما رأيكم في العمرة في شهر ذي القعدة؟ وهل نقول: بأنها سنة مؤكدة لورودها عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
لا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتمر في ذي القعدة ثلاث عُمَرٍ منفردة؛ في عمرة الحديبية التي صُد عنها، وفي عمرة القضاء في السنة التي تلتها، وفي عمرة الجعرانة في السنة التي تلتها أيضاً، وفي عمرة حَجِّه، حيث كان قارناً في السنة العاشرة.
والعمرة في أشهر الحج في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كانت مؤكدة؛ لأنه كانت عند العرب في الجاهلية عقيدة فاسدة؛ أنه لا اعتمار في أشهر الحج، وأن أشهر الحج للحج، حتى إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لما أمر أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي أن يجعلوها عمرة استغربوا ذلك، وقالوا: يا رسول الله، كيف نجعلها عمرة وقد سمينا الحج؟ قال: (افعلوا ما أمرتكم به) .
وقد استحب بعض العلماء أن يعتمر الإنسان في أشهر الحج اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى إن بعض العلماء تردد؛ هل العمرة في أشهر الحج أفضل أم العمرة في رمضان؟(23/18)
حكم قول القائل: (أقامها الله وأدامها) عند إقامة الصلاة
السؤال
قام شاب مجتهدٌ في أحد المساجد وتكلم عن بعض البدع في الصلاة، وقال: من البدع قول الشخص: (أقامها الله وأدامها) عندما يقيم المقيم، فلما انتهى قام شخص آخر وأنكر عليه في نفس المسجد، وقال: هذه ليست بدعة؛ لأنها وردت في حديث ضعيف، والحديث الضعيف يؤخذ به في باب الفضائل -على حد قول الرجل هذا- ويستند على فتوى وكلام أحد المشايخ؟
الجواب
قول القائل إذا قال المقيم: قد قامت الصلاة: (أقامها الله وأدامها) هو مبني على حديث ضعيف كما قال الأخ الأخير، فالحديث في هذا ضعيف؛ ولكن بعض الفقهاء أخذ به، وقال: إنه يقول كما يقول المقيم، إلا عند قد قامت الصلاة فيقول: أقامها الله وأدامها، وما دامت المسألة فيها خلاف بين علماء السنة، فلا ينبغي أن نقول لمن قالها: إنه مبتدع.
وأما قول الأخير: إنها من فضائل الأعمال، فالأحاديث الضعيفة لا تثبت بها الأحكام، ومن قال: إن الأحاديث الضعيفة يُحْتَج بها في الفضائل فمراده أنه إذا ورد الحديث الضعيف في فضيلة عمل من الأعمال ثبت بالسنة؛ لكن فيه فضل، وهذا الفضل جاء في حديث آخر ضعيف، فيقول: إننا نأخذ بهذا الضعيف؛ لأنه إن كان الثابت مأموراً به كان هذا الحديث الضعيف الذي فيه الفضيلة دعماً لهذا الأمر، فيزيد الإنسان نشاطاً.
ثم إن كان الحديث صحيحاً فهذا ما يريده الإنسان، وإن لم يكن صحيحاً فإنه لم يزده إلا قوة في الطاعة.
وإذا كان الحديث نهياً، وورد فيه تحذير عن هذا الفعل في حديث ضعيف فهذا التحذير إن كان صحيحاً فالإنسان قد سلم من هذه العقوبة، وإن كان غير صحيح فهذا لا يزيده إلا بُعداً عن المعصية، وهو أمر مطلوب.
فالحاصل أن الحديث الضعيف لا يمكن أن يُثْبَت به حكم من الأحكام، حتى عبارة (قد قامت الصلاة) لا نثبتها بالحديث الضعيف.
فمن لم يصح عنده الحديث، فإنه لا يقوله، ومَن رأى أن الحديثَ حَسَنٌ وأنه حجةٌ قالَهُ.
ولذلك يقول العلماء: لا يجوز الاحتجاج بالحديث الضعيف إلا بشروطٍ ثلاثة: الأول: ألا يكون الضعف شديداً.
الثاني: أن يكون لهذا العمل الذي فيه الفضل، أو التحذير أصلٌ ثابت.
الثالث: ألا يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قالَهُ.
وليس الاحتجاج بالضعيف على إطلاقه، بل يُحْتَج بالضعيف في باب الترغيب وفي باب الترهيب بشرط: أن يكون لهذا المُرَغَّب فيه أو المُحَذَّر عنه أصلٌ ثابت.
وأظنكم سمعتم الآن الأذان، وهو الحد الفاصل لهذه الجلسة.
وإلى جلسة أخرى إن شاء الله تعالى، وسيكون إن شاء الله الكلام فيها عن الحج، وما يتعلق به؛ لقُرْبِ موسم الحج.
نسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.(23/19)
لقاء الباب المفتوح [24]
تحدث الشيخ في هذا اللقاء عن الحج؛ حكمه وفرضيته، وحكم من تركه تكاسلاً أو تركه إنكاراً، ثم تحدث عن شروطه، وتعمق في مسألة الاستطاعة، وأنه لا يجب الحج على من عليه دين أو امرأة لم تجد لها محرماً.
ثم بعد ذلك أجاب عن الأسئلة.(24/1)
الحج.
حكمه وفرضيته
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا يوم الخميس الثاني والعشرون من شهر ذي القعدة من عام (1413هـ) هو يوم اللقاء الرابع لهذا الشهر.
وقد تكلمنا فيما سبق عن سورة {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير:1] ، وما قبلها من سُوَر عبس، والنازعات، والنبأ، وأكملنا ولله الحمد هذه السور الأربع.
أما اليوم فسنجعل افتتاح لقائنا هذا بالكلام عن الحج.
فالحج هو أحد أركان الإسلام الخمسة التي بُنِي عليها الإسلام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام) .
وقد فرضه الله عزَّ وجلَّ على عباده في السنة التاسعة من الهجرة، وحج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السنة العاشرة، وهو فرضٌ بإجماع المسلمين؛ مَن أنكر فرضيته وقد عاش بين المسلمين فهو كافر؛ لأنه أنكر فرضاً ثابتاً بالكتاب والسنة معلوماً بالضرورة من دين الإسلام، ومن أقر بفرضيته ولكنه تركه تهاوناً مع وجوبه عليه، فمن العلماء مَن قال: إنه كافر، كما هي إحدى الروايات عن الإمام أحمد رحمه الله، ومنهم مَن قال: إنه ليس بكافر، وهو القول الراجح؛ لكنه آثم وفاعلٌ كبيرةً مِن كبائر الذنوب، ويدلُّ على كونه غير كافر: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.
ولكنه لا يجب إلا بشروط:(24/2)
شروط وجوب الحج
الشرط الأول: الإسلام: وضده الكفر، فالكافر لا يجب عليه الحج، ولا يؤمر به، ولا يجوز له أن يدخل مكة - أي: حَرَمَ مكة -؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28] .
ومِن ذلك: مَن لا يصلي، فإننا لا نأمره بالحج، ولا نُمَكِّنه من دخول مكة - أعني: حرم مكة - لأنه مرتد كافر، لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28] .
والثاني: البلوغ: وضده الصِّغَر، فالصغير لا يجب عليه الحج؛ ولكن لو حج صحَّ حجه، ووجب عليه إذا بلغ أن يحج حج الفريضة.
والثالث: العقل: وضده الجنون، فالمجنون لا يجب عليه الحج، ولا يصح منه الحج؛ لعدم صحة النية منه.
والرابع: الحرية: وضده الرِّق، فالرقيق لا يجب عليه الحج؛ لأنه مملوكٌ مشغولٌ بخدمة سيده؛ ولكنه لو حج بإذنه وهو بالغٌ عاقل فمِن العلماء مَن قال: إن حجه صحيح ومجزئ.
ومنهم مَن قال: إنه غير مجزئ.
ولكنهم متفقون على أنه صحيح.
والخامس: الاستطاعة، أي: القدرة على الوصول إلى البيت الحرام بالمال والبدن، وضده العجز، فمن كان عاجزاً بماله فلا حج عليه، كالفقير الذي ليس عنده من المال ما يمكنه أن يحج به، إما لكونه قليل ذات اليد، أو لكونه مديناً بدين يستغرق ما في يده.
ولهذا نقول: إن من عليه دين فإنه لا يحج حتى يقضي الدين، فإن كان الدين مؤجلاً -أعني: مُقَسَّطاً- فإن كان يَثِق من الوفاء كلما حلَّ القسط، وبيده الآن ما يحج به وَجَبَ عليه الحج، وإن كان لا يثق فإنه لا يجب عليه الحج، ولا ينبغي أن يحج أيضاً؛ لأن وفاء الدين أهم من الحج، لماذا نقول: أهم من الحج؟
الجواب
لأن الحج مع وجود الدين ليس بواجب، فحتى الآن لم يصبح عليه فريضة، وعلى هذا فلا ينبغي للإنسان أن يحج وعليه دين حتى لو أذن له الدائن بأن يحج؛ لأن إذن الدائن لا يوجب أن يَسْقُط عنه شيءٌ من دينه.
وقد ظن بعض الناس أن الدائن إذا أذن فإن المدين يحج، والأمر ليس كذلك؛ لأن الدائن لا يتعلق حقه ببدن المدين حتى نقول: إذا أذن له فليحج، وإنما يتعلق الحق بمال المدين، فهل إذا أذن الدائن لمدينه أن يحج يَسْقُط عنه شيءٌ من دَينه؟ الجواب: لا، إذاً لا فائدة من الإذن.
وحينئذٍ نقول: مَن كان عليه دَين فإن كان حالاً فلْيُوْفِه قبل أن يحج، وإن كان مؤجلاً -أي: مُقَسَّطاً- وكان الرجل يثق من نفسه أنه إذا حل القسط أوفاه، وبيده الآن ما يمكن أن يحج به فليحج، وإن كان لا يثق من نفسه فلا، وإنما يجعل ما بيده الآن مدخراً لقضاء الدين إذا حل القسط.
ومن الاستطاعة: أن يكون للمرأة محرم، فإن لم يكن لها محرم فإن الحج ليس بواجب عليها، بل يحرم عليها أن تحج بلا محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) قال ذلك عليه الصلاة والسلام وهو يخطب الناس معلناً ذلك، حتى لا يخفى على أحد، فلا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم، سواء كانت كبيرة أو شابة، وسواء كان معها نساءٌ أم لم يكن، وتهاوُن بعضِ الناس اليوم خطأ؛ لكونهم يطلقون نساءهم أو خَدَمهم فيحجون بلا محرم، فإن هذا لا يحل -أي: لا يحل للمرأة ولو كانت خادمة- أن تحج بلا محرم، ولو كانت مع نساء؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) .
فمتى وجب الحج وَجَبَ على الإنسان أن يبادر به، ولا يجوز أن يتأخر؛ لأن جميع أوامر الله تعالى على الفورية ما لم يوجد دليل على جواز التأخير؛ لقول الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ} [آل عمران:133] .
وقوله: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148] .
ولأن الإنسان لا يدري ما يعرِض له، فقد يموت قبل أن يحج، ويبقى الحج ديناً في ذمته.
وعلى هذا فالواجب على مَن وجب عليه الحج لتمام شروطه أن يبادر به، فإن لم يفعل كان آثماً، وإذا مات قبل أن يحج مع التأخير فمِن العلماء مَن يقول: إنه يُحَجُّ عنه ويُجْزِئُه.
ومنهم من يقول: إنه لا يُحَجُّ عنه؛ لأنه لا يُجْزِئُه؛ لكونه أخَّر الحج مع قدرته عليه، فلا ينفعه حج غيره عنه.(24/3)
الأسئلة(24/4)
بعض أحكام المعتدة
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين! وفقكم الله! أرجو من فضيلتكم بيان ما يجب على المرأة المتوفى عنها زوجها أن تفعله فترة العدة، وما يجب عليها أن تتجنبه؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المرأة التي مات عنها زوجها تتجنب في مدة العدة الآتي: أولاً: كل ثياب جميلة تُعَدُّ تَزَيُّناً.
ثانياً: التحلِّي بجميع أنواعه، سواء كان في الأذن، أو الذراع، أو على الرأس، أو قلادة، أو ما أشبه ذلك، فيشمل جميع أنواع الحلي.
ثالثاً: الاكتحال، فلا تكتحل، لا ليلاً ولا نهاراً.
رابعاً: التحسين بتحمير الشفاه أو غيره، فلا يجوز لها أن تفعل شيئاً من ذلك.
خامساً: الخروج من بيتها إلا لحاجة أو ضرورة.
سادساً: التطيُّب بأي نوعٍ من أنواع الطيب، إلا أنها إذا طَهُرت فلها أن تستعمل شيئاً من البخور تُطيب به ما حصل فيه رائحة من فرجها وما حوله.
السائل: وإذا كان فيها صرع حيث يأتيها صرع، فهل يجوز لها أن تخرج؟ الشيخ: قلتُ: لا تخرج من البيت إلا لحاجة أو ضرورة.(24/5)
حكم قطع النافلة إذا أقيمت صلاة الفريضة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هو القول الراجح في صلاة النافلة إذا أقيمت الصلاة؟
الجواب
القول الراجح في النافلة إذا أقيمت الصلاة: إن كان في الركعة الثانية أتمها خفيفة، وإن كان في الركعة الأولى قطعها.(24/6)
وجوب الذبح في مكة على من ترك واجباً في الحج
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك رجل لم يتمكن من المبيت بـ مزدلفة، ولم يطف طواف الوداع، فترتب على ذلك دم لعدم المبيت بـ مزدلفة، ودم لعدم الطواف، فهل له أن يذبح في محل إقامته ويوزِّع لحم الذبيحتين إذا كان يشق عليه إيصال الذبيحتين إلى الحرم؟
الجواب
هذا الرجل الذي ترك المبيت بـ مزدلفة، وترك طواف الوداع ترك واجبين من واجبات الحج، فعليه لكل واجب دم، والدم الواجب لترك الواجب يجب أن يكون في مكة، ولا يلزم أن يذبح هو بنفسه، فبإمكانه أن يوكِّل أحداً من الحجاج أو المعتمرين فيذبحه الوكيل، ويفرق جميع لحمها على الفقراء هناك.(24/7)
حكم توكيل الأهل في الأضحية
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز لشخص توكيل أهله في الأضحية؟ الشيخ: لماذا يوكِّل أهله في الأضحية؟ السائل: للتفرغ لأعمال الحج.
الشيخ: تعني: أنه حاج؟ السائل: نعم.
الشيخ: يجوز للإنسان إذا حج أن يوكل أحداً من أهله الباقين في البلد، فيُضَحِّي عنه، وعن أهل بيته؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكَّل علي بن أبي طالب في ذبح بقية هديه.(24/8)
ضوابط في سفر العائلات إلى خارج الوطن
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم سفر العائلات إلى خارج البلاد الإسلامية، مع العلم بأن هناك جوازات فيُنْظَر إلى صورة المرأة، وقد يطلبُ الرجل من المرأة كشف وجهها حتى يتثبت من شخصيتها؟ فهل هذا يجوز إذا كان من غير ضرورة؟
الجواب
أولاً: لا نرى أن الإنسان يسافر إلى بلد خارج بلده إلا لحاجة أو مصلحة راجحة؛ وذلك لأن السفر إلى البلاد الخارجية يتكلف نفقات كبيرة لا داعي لها، فتكون من إضاعة المال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن إضاعة المال.
ثانياً: أن هذا السفر ربما يشغلهم عن أشياء يفعلونها في بلدهم، من صلة رحم، وطلب علم إذا كانوا يطلبون العلم.
وغير ذلك، ولا شك أن الاشتغال عن الشيء النافع يعتبر خسارة في عمر الإنسان.
ثالثاً: أن البلاد التي يسافرون إليها قد تكون بلاداً أثَّر فيها الاستعمار من جهة الأخلاق والأفكار، فيحصل بذلك ضرر على الإنسان في أخلاقه وأفكاره، وهذا هو أشد الأمور التي يُخشى منها في السفر إلى الخارج.
ولهذا أقول لهذا السائل ولغيره: عندنا -ولله الحمد- من المصايف في بلادنا ما يغني عن الخارج، مع قلة النفقات، ونفع المواطنين.(24/9)
توجيه قوله تعالى: (إذ يريكهم الله في منامك قليلاً)
السؤال
مِمَّا هو معلوم أن رؤيا الأنبياء حق، فما هو الجواب عن قوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} [الأنفال:43] ؟
الجواب
رؤيا الأنبياء حق بلا شك، والله سبحانه وتعالى أَرَى نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم عدوَّه قليلاً لأجل المصلحة العظيمة، فهو مَثَلٌ ضربه الله عزَّ وجلَّ له، وليس هو رؤيا بالفعل؛ لكنه مثل ضُرب له من قِبل الله عزَّ وجلَّ من أجل أن لا يكون فيه ذل أو جبن عن التقدم في الجهاد؛ ولهذا قال: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} [الأنفال:43] فكان من الحكمة أن الله سبحانه وتعالى يريه إياهم مثلاً يضربه من أجل التنشيط على الجهاد.
السائل: أتعني أن هذه الرؤيا ليست حقاً؟ الشيخ: لا.
هي حق من الله عزَّ وجلَّ، فالرسول رأى حقاً؛ لكنه لم ير هؤلاء القوم، بل أُرِي إياهم مثلاً.(24/10)
من أحكام الحائض في الحج
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هي الأحكام المتعلقة بالمرأة إذا حاضت وهي تؤدي المناسك؟ وهل يجوز لها أن تأخذ حبوب مَنْع الدورة في أثناء هذه الفترة؟
الجواب
إذا حاضت المرأة بعد إحرامها فإنها تفعل كل ما يفعله الحاج إلا الطواف بالبيت والسعي الذي بعده، فإذا حاضت مثلاً بعد أن أحرمت ولم تصل بعد إلى مكة فإنها إن غلب على ظنها أنها تطهر قبل اليوم الثامن تبقى على إحرامها؛ ولكنها لا تطوف ولا تسعى حتى تطهر.
وإن غلب على ظنها أنها لا تطهر إلا بعد اليوم الثامن فإنها تحرم بالحج فتُدْخِل الحج على العمرة، وتصير قارنة، كما جرى ذلك لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
وأما أخذ الحبوب من أجل منع العادة فلا بأس به هنا للحاجة بشرط مراجعة الطبيب.(24/11)
معنى القول بأن القرآن (عرض)
السؤال
يا شيخ! أحسن الله إليك! هناك رجل يقول: إن القرآن عَرَضٌ، فما معنى هذه الكلمة؟ الشيخ: الرجل الذي قال لك: إن القرآن عَرَضٌ لماذا لم تسأله: ما معنى عَرَض؟! السائل: يقول: إنه يُقْصَد بها أن القرآن يتبادر إلى الذهن بالحفظ في وقت الصلاة عندما يقرأ الإنسانُ القرآنَ في التراويح، فيقول: هو عَرَضٌ، أو قريباً من هذا الكلام؛ لكني ما فهمتُ معنى عَرَض؟
الجواب
لا بد أن تسأله، هل يريد بالعَرَض الصفة، أي: أنه صفة من صفات الله، فهذا صحيح؛ لأن الكلام كلام الله، وكلام الله تعالى صفة من صفاته، أو أنه يريد شيئاً آخر، لا ندري.
فالواجب أن يُسْتَفْصل هذا الرجل، ويقال له: إن كنت تريد بقولك: عَرَض، أنه صفة من صفات الله تكلم به عزَّ وجلَّ، وأنزله على محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل فهذا حق.
وإن أراد معنَىً آخر فيُنْظَر في هذا المعنى الذي أراد.(24/12)
التفضيل بين قراءة القرآن وبين طلب العلم
السؤال
ما هو الأفضل: قراءة القرآن في وقت كثير، أم قراءته في وقت قليل وإشغال الوقت الباقي بطلب العلم مثلاً، أو قراءة كتاب، لا سيما إذا كانت قراءة القرآن كثيراً تكون بتدبُّرٍ قليل؟ الشيخ: هل المراد قراءة القرآن حفظاً أو قراءته نَظَراً.
السائل: نَظَراً.
الجواب
إذا كان نظراً فإن طلب العلم أفضل -أعني: العلم الشرعي- وطلب العلم الشرعي هو من القرآن في الواقع؛ لأن العلم الشرعي كله أحكام القرآن الذي وجد فيه أو وجد في السنة المفسِّرة له.(24/13)
توجيه حديث: (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً)
السؤال
حديث (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً) هل المقصود بالصلاة قبل الأذان أم بعد الأذان؟
الجواب
حديث (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً) إذا صح فالمراد به ما بين الأذان والإقامة.(24/14)
حكم القنوت في صلاة الجمعة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم القنوت في صلاة الجمعة؟ الشيخ: يقول العلماء: إن الإمام لا يقنُت في صلاة الجمعة؛ لأن الخطبة فيها دعاء للمؤمنين، فيُدعى لمن يُراد أن يُقْنَت لهم في أثناء الخطبة، هكذا قال أهل العلم.
والله أعلم.
السائل: وإن قنت يا شيخ؟ الشيخ: ما دام أن العلماء قالوا: لا يقنت، فعليه أن يترك.
السائل: وهل هو جائز يا شيخ؟ الشيخ: لا بأس؛ لأنه حتى لو قنت فإنه لا يعتبر عاصياً؛ لكن الأحسن أن يدعو لمن أراد القنوت لهم في أثناء الخطبة.(24/15)
حكم من اعتمر لنفسه وحج عن غيره
السؤال
فضيلة الشيخ! إنسان حج واعتمر، ونوى العمرة لنفسه والحج لغيره، هل يكون هذا متمتعاً؟
الجواب
إذا اعتمر الإنسان لنفسه وأراد الحج لغيره في سَنَة واحدة فإنه يعتبر متمتعاً؛ لأن الفاعل واحد؛ جمع بين العمرة والحج؛ ولكن أسألك: لماذا جعل العمرة له والحج لغيره؟ هل هو متبرع أم أن غيره قد وكله في الحج؟ السائل: نوى العمرة لغيره، والحج له.
الشيخ: أمتبرعٌ هو؟ السائل: نعم متبرع.
الشيخ: لا بأس.
السائل: وإذا لم يكن متبرعاً؟ الشيخ: إذا لم يكن متبرعاً فإن المعروف عندنا في عرفنا أن الإنسان إذا وكَّلك بالحج وأعطاك نفقته؛ المعروف أنه يريد العمرة والحج جميعاً.(24/16)
وقت صلاة الضحى
السؤال
متى يبدأ وقت صلاة الضحى ومتى ينتهي؟
الجواب
سنة الضحى وقتها من لحظة ارتفاع الشمس قدر رمح -أي: بعد طلوع الشمس بنحو ربع ساعة- إلى قبيل الزوال، أي: إلى قبل زوال شمس الظهر بنحو عشر دقائق.(24/17)
توجيه قوله صلى الله عليه وسلم في المساجد: (لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى)
السؤال
بالنسبة لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ذكر فيه المساجد، فقال: (لَتُزَخْرِفُنَّها كما زَخْرَفَتِ اليهودُ والنصارى) فهل المقصود بالزخرفة الصور والتماثيل، وإذا حدث أن زُخْرِفَت بالصور، فهل تجوز الصلاة فيها؟
الجواب
هذا الحديث مروي عن ابن عباس رضي الله عنه من قوله.
وإذا كان كذلك فإن الزخرفة يراد بها الزخرفة المشابهة لزخرفة اليهود والنصارى.
وأما الزخرفة التي لا تشغل المصلي وإنما تعطي المسجد زيادةً في الراحة والبرودة في الصيف والدفء في الشتاء، فهذه لا بأس بها؛ ولكن يجب أن لا يبالغ في ذلك كما يفعل بعض الناس الآن؛ تجده يجعل على المحراب من الزخارف والنقوش ما يشغل المصلي أو يكون له ثمن باهظ.
وأما الصور فلا يجوز إطلاقاً أن تُجْعَل في المساجد صورة، لا صورة آدمي ولا صورة حيوان.(24/18)
حكم كتابة ذكر الله على لافتات الطرق
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم وضع اللافتات على الطرق الطويلة التي يُكتب فيها -مثلاً-: سبحان الله أو اذكر الله؟
الجواب
هذه اللافتات التي توجد في الطرق لا بأس بها، ففيها تذكير.
لكن هناك أناس يكتبون على الجسور كلمات ساقطة جداً، فمثل هذه لا يجوز إقرارها، بل يجب محوها؛ لأنها كلمات لا تليق بالإنسان، فضلاً عن أن هذه طرق يأتيها الناس من كل بلد، فيحصل في هذا سمعة سيئة عن الشعب السعودي؛ بأنه شعب ساقط سافل، وربما يكون كاتب هذه الكلمات السيئة مُغْرِضاً.(24/19)
تحريم إيذاء الكافر المعاهد
السؤال
بعض الشباب يضايق الكفار في الطرق، وقد يؤذيهم، فهل هذا جائز؟
الجواب
إيذاء الكفار الذين بيننا وبينهم عهد وميثاق مُحَرَّم ولا يحل؛ لكن إكرامهم وإفساح المجال لهم هو الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) ، وليس المعنى أن يؤذيهم ويرصَّهم -مثلاً- على الجدار أو ما أشبه ذلك؛ لأن الكفار اليهود كانوا موجودين في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة، ولم يكن يعاملهم بهذه المعاملة؛ بالإيذاء، بل كان عليه الصلاة والسلام يعاملهم بما يقتضيه العهد.(24/20)
حكم صيام عشر ذي الحجة
السؤال
هل ورد في الحديث حديث صحيح صيام العشر من ذي الحجة؟
الجواب
صيام العشر من ذي الحجة من الأعمال الصالحة ولا شك، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) .
فيكون الصيام داخلاً في عموم هذا الحديث، على أنه ورد حديث في السنن حسَّنه بعضهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يصوم هذه العشر، أي: ما عدا يوم العيد، وقد أخذ بها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وهو الصحيح أي: أن صيامها سنة.(24/21)
حكم التعامل مع أهل البدع الداعين إلى بدعهم
السؤال
كَثُرَ الرافضة عندنا في السكن، وأصبح لهم بعض التحرك مع الطلاب الذين يأتون من خارج البلاد، فيذهبون معهم إلى الأسواق، ويباشرون عليهم، ولهم بعض الأشياء، فما الحل معهم؟
الجواب
إذا كان لهؤلاء نشاط في الدعوة إلى بدعتهم فليكن منكم نشاط أكبر في الدعوة إلى سنتكم؛ لأن الحق إذا قام به أهله فإن الله عزَّ وجلَّ يقول في كتابه: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء:18] لكن كوننا نرى نشاط أهل البدع في بدعتهم -ولا سيما البدع الغليظة- ثم نسكت أو نقول: ماذا نفعل؟ فإن هذا يعتبر جبناً، فإذا كان لهم دعوة فلتكن دعوتكم أنتم أكبر وأعظم؛ لأنكم على حق ومأجورون، أما أهل البدع إذا دعوا إلى بِدَعِهم فهم آثمون مأزورون؛ عليهم الوبال، وعليهم وبال كل مَن دعوه إلى هذه البدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) .
فأنا أحثكم على أن يكون لكم نشاط عظيم، فإذا كانوا يبذلون درهماً فابذلوا درهمين، وإذا كانوا يأتون إلى هؤلاء في بيوتهم ويدعونهم إلى أن يأتوا إليهم في البيوت فليكن نشاطكم في هذا أكثر وأعظم.
السائل: ومضايقتهم لنا؟ الشيخ: كما قلنا فيما سبق أن النبي عليه الصلاة والسلام أعطانا قاعدة نسير عليها؛ نعاملهم بمثل ما يعاملوننا به.(24/22)
حكم من لا يستطيع الصوم في كفارة القتل الخطأ
السؤال
فضيلة الشيخ! هذا سؤال لشخص ليس موجوداً الآن، يقول: لقد حصل لي حادث مروري حيث كنتُ في شارع رئيسي عام، وكانت سرعتي فوق المتوسطة، وخَرَجَتْ لي سيارة مع تقاطع، ولم أشعر بها إلا عندما اصطدمتُ بها، فتوفى بهذا الحادث رجلٌ واحد، وكانت نسبة الخطأ عليَّ (25 %) ، وبالنسبة لأهل الرجل فقد سامحوا في الدية، وقال لي القاضي: عليك صيام شهرين متتاليين.
والحقيقة أن هذا الحادث له الآن ثلاث سنوات أو أكثر، وأنا مِن أثر الحادث جلستُ في المستشفى أكثر من شهرين، وجسمي لا يساعدني على الصيام، حيث أني أتعبُ من صيام رمضان كثيراً لولا مساعدة ربي جلَّ وعَلا.
أرجو أن تجدوا لي حلاً، حيث إنني عندما صدمت بالسيارة لم أكن متعمداً، بل هو الذي طلع عليَّ، وكذلك لم تكن سرعتي جنونية؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
خلاصة السؤال: أنه صدم رجلاً خرج عليه من شارع فرعي، وأن الشيخ القاضي حكم عليه بصيام شهرين متتابعين، وأنه حسب تقرير المرور حُكِم عليه بـ (25 %) من الدية؛ ولكن أهل الدية تنازلوا، فبَقِي عليه حق الله عزَّ وجلَّ وهو صيام شهرين.
فإن كان يستطيع أن يصوم الشهرين فليصُم، وإذا كان لا يستطيع فليس عليه شيء؛ لأن الله عزَّ وجلَّ بين في كفارة القتل: أن فيها عِتْق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، ولم يذكر الإطعام.(24/23)
حكم الذهاب إلى السحرة وتصديقهم
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز للرجل أن يذهب إلى ساحر ليعرف هل هو مسحور أم لا؟ ولو قابل ساحراً ولم يقصد الذهاب إليه، وأخبره أنه مسحور، هل يصدقه أم لا؟
الجواب
أولاً: السحر لا شك أن له أثراً في الإنسان أثراً في العقل، وأثراً في البدن، وأثراً في الإحساس، ولهذا لما ألقى السحرة سِحْرَهم أمام موسى عليه الصلاة والسلام كان يخيل إليه من سحرهم أن هذه الحبال والعصي تسعى، بمعنى: أنها تمشي وتركض.
فالسحر لا شك أن له تأثيراً ولكن لا ينبغي أن يكون الإنسان سريع التوهُّم؛ فكلما أصابه شيء قال: إنه سحر، حتى إن بعض الناس يُزْكَم فيقول: هذا الزكام سحر! وهذا خطأ.
لكن على كل حال إذا تبين أثر السحر على الإنسان بأثرٍ ظاهر، فصادفه ساحر وقال: إنك مسحور، فلا يعتمد على قول هذا الساحر؛ ولكن يعتمد على ما حصل له من آثار السحر، ويكون قول الساحر مؤيِّداً له.(24/24)
حكم الصلاة على سطح الحرم المدني
السؤال
فضيلة الشيخ! بالنسبة للصلاة على سطوح الحرم المدني، ما حكمها؟ علماً بأن الصفوف غير متصلة فوق السطوح! الشيخ: في الحرم المدني؟! السائل: نعم.
فُتحت في هذه الأيام الأخيرة.
الشيخ: على السطوح؟! السائل: نعم.
الجواب
على كل حال، الصلاة على السطوح في الحرم المدني كالصلاة على السطوح في الحرم المكي، وكذلك في بقية المساجد، أي: أنه لا بأس بذلك.
وأما اتصال الصفوف فالذي ينبغي للإنسان إذا جاء أن يبدأ أولاً بالمكان الذي فيه الإمام، فلا ينزل إلى القَبَوات ولا يصعد إلى السطوح إلا إذا وجد أن المكان الذي فيه الإمام قد مُلِئ.(24/25)
حكم خروج المذي في رمضان بشهوة
السؤال
هل المذي يوجب القضاء في شهر رمضان إذا كان بشهوة؟
الجواب
المذي لا يُفسد الصوم، سواء كان الصوم في رمضان أو في غير رمضان.
السائل: المذي لا يُفسد؟! الشيخ: لا يُفسد الصوم، نعم.
السائل: فهل يوجب القضاء؟ الشيخ: إذا قلنا: لا يفسد الصوم فإنه لا يوجب القضاء.
السائل: بشهوةٍ أو بغيرها؟ الشيخ: هو -غالباً- لا ينزل إلا بشهوة، فحتى لو كان بشهوة، وحتى لو قبَّل امرأته أو باشرها، وأمذى فإن صومه صحيح، ولا يلزمه القضاء.(24/26)
مناقشة شروط نقل الفتوى عن المفتي
السؤال
بعض طلبة العلم ذكر أن نقل الفتوى عن المفتي لا تجوز إلا بأربعة شروط: أولاً: لا بد أن يعرف الحكم في المسألة.
ثانياً: لا بد أن يعرف الدليل.
ثالثاً: لا بد أن يعرف وجه الاستدلال.
رابعاً: لا بد أن يعرف الجواب عن قول من خالف إذا كان في المسألة خلافاً.
وعزا هذا القول إلى ابن القيم.
فهل هذا صحيح، ثم إذا كان صحيحاً فما توجيهكم؟
الجواب
أولاً: يقال لهذا الناقل عن ابن القيم: أثبت ذلك عن ابن القيم؛ لأن ما أكثر الذين يقولون: جاء في هذا حديثٌ عن الرسول، أو جاء كلامٌ عن السلف، أو جاء كلامٌ عن بعض العلماء، ثم يكون متوهِّماً في نقله! فيقال: أرِنا كلام ابن القيم؛ لأن كلام ابن القيم ربما يكون على غير الوجه الذي فهمه.
ثم إذا صح هذا عن ابن القيم فإنه غير مُسَلَّم؛ لأن الناقل ليس مفتياً على حسب فتوى المفتي، فهناك فرق بين أن يقول: قال الشيخ الفلاني: كذا وكذا، فيكون ناقلاً، وبين أن يُسأل هذا الذي استفتى العالم، ثم يفتي بدون أن ينسبه ذلك إلى العالم، فهذا هو الذي يحتاج إلى أن الإنسان لا بد أن يعرف الدليل والاستدلال، ويكون كالمجتهد تماماً.
فهناك فرق بين نسبة القول إلى العالم، وبين أن يفتي به اعتماداً على قول عالمٍ بدون أن ينسبه إليه، فالأول مخبرٌ ناقل، وليس فيه شيء، إلا أن يتأكد أن المفتي قال: كذا وكذا، وأما الثاني فيعتبر مفتياً مجتهداً، والمفتي المجتهد لا بد أن يعرف الدليل ويعرف الاستدلال، ويجيب عن أدلة المخالف إذا كان هناك مخالف.
فأنت أولاً: طالِبْه بما ذَكَرَ عن ابن القيم، ثم بعد ذلك الحكم في المسألة كما قلتُ لك؛ أي: أن هناك فرقاً بين الإخبار؛ أن فلاناً أفتى بكذا، وبين أن يفتي الإنسان على أنه مستقل بالفتوى، فهذا يكون مجتهداً حكمه حكم المجتهدين.(24/27)
جواز قتل الحيوان المملوك لمرض ونحوه
السؤال
تصاب بعض الحيوانات بأمراض أو حوادث أو تهرم عند الإنسان، وهي في ملكه، من المأكولة وغير المأكولة، فهل إذا كانت تتألم ألماً شديداً أو فيها مرض يُخشى من العدوى، هل ينبغي قتلها أو تركها؟
الجواب
إذا كان عند الإنسان حيوان مسئول عنه لكونه في مُلكه أو في حوزته ثم أصيب هذا الحيوان بمرض لا يمكن الانتفاع به مع هذا المرض فلا بأس أن يقتله؛ لأنه في هذه الحالة سيكون عبئاً عليه، وسوف نلزمه بالإنفاق عليه، فيكون في ذلك إضاعة للمال؛ لأنه ينفق على شيء لا يستفيد منه.
فعلى هذا نقول: لا بأس أن تقتل هذا الحيوان إذا كان مريضاً لا تنتفع منه، أو كان يُخشى منه عدوى ضارة بالحيوانات الأخرى، هذا إذا كان تحت مسئوليتك.
أما إذا كان خارجاً عن مسئوليتك بأن يكون هناك حمار أو كلب أو دابة في البر ليس لك عليها ولاية فدَعْها حتى يَقْضِي الله فيها أمراً كان مفعولاً.
السائل: وإذا كان من المسئولين الرسميين؟ الشيخ: أما المسئول الرسمي عن مراعاة الحيوانات فهو مسئول كالذي يملكها مباشرة.
السائل: والذي أصيب في حادث يقتله؟ الشيخ: نعم.(24/28)
حكم المريض الذي لا يرجى برؤه إذا مات وعليه صوم
السؤال
هناك مريض مَرِضَ في رمضان، وبعد رمضان شُفِي قليلاً، ورأى من نفسه أنه قد خَفَّ، وحالته أصبحت جيدة تمكِّنه من الصيام، فقال: أريد أن أصوم؛ لأن عليه أياماً من رمضان، فصام وجرَّب يوماً؛ ولكنه رأى من نفسه أنه مُتْعَبٌ، وقال: إن شاء الله عندما أتعافى تماماً أكمل الصيام، فقبضه الله قبل هذا الوقت الذي حدده ليقضي فيه، فهل يقضي عنه وليه أم ماذا؟ الشيخ: وهذا المرض قديمٌ فيه، أعني: له مدة فيه؟ السائل: نعم، فقد كان مريضاً بالسكر، ثم حصل له هذا.
الجواب
هذا بارك الله فيك يُطْعَم عنه عن كل يوم مسكيناً؛ لأن تركه الصيام كان لمرضٍ لا يُرجى زواله؛ لأن السكر -أعاذنا الله وإياكم منه- في الغالب لا يزول، فيُطْعَم عن كل يوم مسكيناً.
فهذه السنة كان صيامنا تسعة وعشرين يوماً، فيُطْعِم تسعة وعشرين فقيراً.
السائل: لم يفطر رمضان كاملاً، أفطر فقط اثنا عشر يوماً.
الشيخ: يكون بحسب الأيام، كل يوم له مسكين؛ إذا كان أفطر اثنا عشر يوماً فيُطْعَم عنه اثنا عشر مسكيناً.(24/29)