اللقاء الشهري [54]
في هذا اللقاء تجد كثيراً مما يهمك من أحكام متعلقة بأركان الإسلام، يقدمها الشيخ بأسلوب ميسر، يجعلك تشتاق لكلام العلماء وتطبيق السنة بعيداً عما أحدثه الناس من البدع والضلالات.(54/1)
من الأشياء التي يتهاون فيها الناس الطهارة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الشهري الذي يتم في مساء السبت الثالث من كل شهر، وهذا السبت هو العشرون من شهر محرم عام تسعة عشر وأربعمائة وألف.
نتكلم في هذا اللقاء على أشياء يتهاون بها الناس، ولكنها مهمة جداً، فمنها ما يتعلق بالصلاة.
فإن كثيراً من الناس يتهاونون في الطهارة، ولا يبالي أتوضأ على الوجه المشروع أم لم يتوضأ، ولا يبالي أطهر ثوبه وبدنه وبقعته من النجاسة أم لم يطهر، ولا يبالي أصلى صلاةً يطمئن فيها ويأتي فيها بما يجب من قراءة وذكر أم لم يفعل.
أما الطهارة فإنه لا شك أنه من شروط الصلاة التي لا تصح إلا بها: أن يتوضأ الإنسان من الحدث الأصغر وأن يغتسل من الحدث الأكبر، دليل ذلك قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] هذا الوضوء، وأما الغسل فقال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] يعني: طهروا جميع البدن.
ثم إن الله عز وجل خفف على العباد في ما إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يتوضأ أو يغتسل بالماء إما لمرض، وإما لفقد الماء، رخص للعباد أن يتيمموا، وذلك بأن يضربوا الأرض بأيديهم ويمسحوا بها وجوههم وأكفهم، قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْه} [المائدة:6] .
ومن الناس من يتهاون في الطهارة من النجاسة، تجد الرجل يبول ثم يقوم من بوله دون أن يستقصي في تطهيره، أما في الماء فتطهيره سهل يغسل الإنسان رأس الذكر حتى يغلب على ظنه أنه تطهر، وهذا سهل، لا تظن أن الأمر صعب، فلو أن نقطة بول وقعت على أرض ملساء وصببت عليها الماء، فإن هذا البول سيجري في أول دفعة من الماء أو قل في ثاني دفعة.
كذلك البول على رأس الذكر لا يحتاج إلى كبير عناء، ربما في ثلاث مرات أو أربع مرات يغلب على ظنك أن المحل نظف، أما ما يفعله بعض الناس من كونه يتزحر ويتكلف ويتشدد حتى يخرج آخر بوله، فهذا غلط؛ لأن هذا مما يسبب سلس البول في الإنسان.
وكذلك بعض الناس تجده يمسح قناة الذكر من أصلها إلى رأس الذكر بحجة أنه يريد أن يخرج البول الباقي في القناة، وهذا غلط أيضاً لا الأول ولا الثاني، كلاهما من البدع ومن التعمق في دين الله عز وجل، وما أكثر الذين يبتلون بالوسواس أو سلسل البول إذا فعلوا مثل هذا الفعل.
الأمر سهل، إذا غلب على ظنك أنك طهرت رأس الذكر من البول انتهى الأمر فلا حاجة إلى أن تعصره ولا أن تتحمل في إخراج ما بقي.(54/2)
من الأشياء التي يتهاون فيها الناس الاطمئنان في الصلاة والتهاون بالصلاة نفسها
تجد بعض الناس يتهاون في الصلاة، من جهة الطمأنينة لا يطمئن، يسرع إسراعاً لا يتمكن فيه من الاستقرار والطمأنينة، وهذا غلط، يجب أن تطمئن في الركوع، والرفع من الركوع، والسجود، والجلوس بين السجدتين؛ لأن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة إلا به، وهنا يشكو بعض الناس من بعض الأئمة الذين لا يمكنهم معهم أن يقيموا الطمأنينة، يقول الرجل: إمامنا لا يمكنني أن أقرأ الفاتحة، فماذا أصنع؟ لا يمكنني أن أطمئن في السجود ماذا أصنع؟ نقول: إذا كان كذلك فلا تصل خلفه؛ لأنك بين أمرين: إما أن تترك الطمأنينة وتتابعه، وإما أن تأتي بالطمأنينة ولا يمكنك المتابعة، وكلاهما غلط، فإذا علمت من إمامك أنه لا يمكنك من قراءة الفاتحة أو من الطمأنينة في الركوع والسجود فلا تصل خلفه، ولكن وجه النصيحة إليه أولاً وقل له: اتق الله فإنك لا تصلي لنفسك إنما تصلي لمن خلفك، اتق الله فيهم، مكنهم من الطمأنينة، مكنهم من قراءة الفاتحة، مكنهم من الذكر والتسبيح والدعاء.
ومن الناس من يتهاون بالصلاة على وجه أقبح وأطم وأعظم، لا يقوم لصلاة الفجر إلا إذا جاء وقت العمل، بل ويقول لأهله: لا توقظوني إلا إذا جاء وقت العمل.
فماذا ترون في هذا الرجل الذي لا يقوم إلا إذا جاء وقت العمل ثم يقوم ويصلي؟ أترون صلاته صحيحه؟ هذا الرجل صلاته غير صحيحة ولا مقبولة ولا مكفرة لسيئاته ولا رافعة لدرجاته بل هي مردودة عليه، يضرب بها وجهه -والعياذ بالله- الدليل: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) يعني: مردوداً، وإذا كان مردوداً فعمله هباء منثورا لا يقبل منه.
وعليه فنقول لهذا الرجل: إنه فعلاً لم يصل صلاة الفجر، لا يصلي في اليوم إلا أربع صلوات؛ لأن صلاة الفجر التي تعمد ألا يقوم إلا إذا جاء وقت العمل فيصليها غير مقبولة منه.(54/3)
من الأشياء التي يتهاون فيها الناس أحكام حج بيت الله
من الناس من يفرط في الحج، ثم تجده إذا جاء ورجع قام يسأل: فعلت كذا فعلت كذا وربما لا يسأل إلا بعد سنوات عديدة، وربما يكون قد تزوج قبل أن يتحلل، وربما يكون قد جامع زوجته قبل أن يتحلل، وهذه مشكلة، ولذلك يجب على الإنسان أن يتعلم أولاً أحكام الحج.
ويجب عليه ثانياً: إذا رجع وشك في شيء من أعمال الحج ولم يتمكن من عالم يسأله في مكة أن يسأل من حين يرجع.
يحرجنا أقوام يسألونا عن أخطاء في حج له عشر سنين أو أكثر، مثاله: رجل حج ولم يطف طواف الإفاضة لأنه رأى الزحام الشديد فلم يطف، ثم رجع وتزوج، فماذا تقولون في زواجه؟ أكثر العلماء يقولون: ما يصح نكاحه، وأنه يجب عليه أن يذهب إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة ثم يعقد للنكاح من جديد، انظر إلى الخطر! وكثير من الناس لا يبالي بهذا، ولو أنه سأل في مكة وأخبر بالحق وجاء بالحق لسلم من هذه المشاكل.
لذلك أقول: يجب على الإنسان إذا فعل شيئاً يظنه خطأً أن يسأل، إذا لم يوفق للسؤال قبل العمل فليبادر بالسؤال عما يظن فيه إشكال.(54/4)
من الأشياء التي يتهاون فيها الناس قضايا البيوع
في البيوع: البيع مبناه على شيئين: الصدق والبيان، أن يصدق الإنسان في معاملته، وأن يبين ما يجب أن يبين، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (البيعان بالخيار، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركت بيعهما) .
من الكذب أن يقول: اشتريت السلعة بعشرة وقد اشتراها بثمانية.
هذا كذب، ولماذا كذب؟ لماذا قال: بعشرة وهي بثمانية؟ لأجل أن يزيد الثمن.
من الكذب أن يقول: هذه السلعة من النوع الفلاني الذي هو طيب وجيد ومتين، وهي من غيره، مثل أن يقول: هذه صناعة يابانية وهي صناعة غير يابانية، بل صناعة أردأ، فهذا أيضاً كذب، هذا الذي يبيع على هذا الوجه يكون بيعه ممحوق البركة.
يوجد بعض الناس يبيع السلعة وهو يعرف أن فيها عيباً ولكنه يكتمه، ثم يقول للمشتري مخادعاً له: أنا أبيع عليك هذا الهيكل سليماً أو معيباً -وهو يدري عن العيب- هل هذا ناصح أو غاش؟ غاش، ومن ذلك بيع السيارات، وهو الذي يسمونه البيع تحت المكبر أو تحت (المايكرفون) يأتي الرجل ويجلب سيارته وهو يعلم أن فيها العيب الفلاني ولكنه يكتمه ويقول: ليس لك إلا كفرات السيارة، هذا لا شك أنه غش وأنه كاتم، وأن الله تعالى ينزع البركة من بيعه، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما) .
ومن الناس من يخادع غيره، بأن يوكله أن يشتري له سلعة يقول: يا فلان اشتر لي الكتاب الفلاني -مثلاً- فيذهب هذا الوكيل ويشتريه لنفسه ثم يبيعه على من وكله بربح، يشتري الكتاب بعشرة ثم يبيعه على موكله باثني عشر مثلاً، هذا حرام، إنما هو وكيل اشتراه للموكل، فكيف يخدعه ويشتريه لنفسه ثم يبيع عليه بربح؟ هذا لا شك أنه غش ولا أحد يدري عنه إلا يذمه ويقول: هذا خداع وكذب.
إذاً ماذا يصنع هذا الوكيل إذا كان يريد أن يشتغل بأجرة؟ نقول: يتفق مع الموكل ويقول: أنا اشتري لك السلعة الفلانية لكن لي عشرة في المائة مثلاً، أو أشتريها بمائة ريال -يعني: أجرة مائة ريال- وما أشبه ذلك، أما أن يخدعه ويوكله الرجل ثم يشتري السلعة لنفسه ثم يبيعها على هذا بربح فهذا عين الظلم وعين الغش.
من ذلك -أيضاً- أنه مع الأسف كثر في الناس الآن شراء الوظائف، يحاول الرجل أو المرأة أن تتوظف في بلدها مثلاً ولا يحصل لها، ثم يأتيها رجل ويقول: أعطيني عشرة آلاف ريال أضمن لك الوظيفة في البلد.
هذا الرجل أتظنون أن المسئولين بمجرد ما يقول لهم هذه المرأة: وظفوها في المكان الفلاني.
يوظفونها؟ لا، فلا بد أن يأخذوا شيئاً، ويأخذ هذا شيئاً، والثالث شيئاً وتعود المسألة إلى شراء ضمائر -والعياذ بالله- وهذا لا يجوز؛ لأنه ليس من المعقول أن رجلاً يأخذ عشرة آلاف ريال بمجرد أن يقف على المسئول ويقول: يا فلان! هذا إنسان فقير ومحتاج، وظفه في المكان الفلاني.
هذه ما تساوي عشرة آلاف ريال، لكنه سوف يرشي المسئولين حتى يتمكن من الوصول إلى غرضه والعياذ بالله.
والأشياء كثيرة وعلى الإنسان أن ينصح نفسه، وأن يعلم أن هناك حساباً وأننا في الدنيا إنما نعمل للآخرة، قال الله تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:17] ، وقال الله تبارك وتعالى في وصف الدنيا: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً} [الحديد:20] فكر في نفسك، في مثل هذا الشهر من العام الماضي معك أناس أصحاب، إخوان أصبحوا الآن في قبورهم مرتهنين، لا يملك الواحد منهم أن يزيل سيئة من سيئاته، ولا أن يكتسب حسنة فوق حسناته، وما أصابهم فسوف يصيبك، تعداك الموت إليهم وسيتعدى غيرك إليك، حاسب نفسك، أنقذ نفسك قبل ألا تستطيع، وفي الحديث: (ما من ميت يموت إلا ندم، إن كان محسناً ندم ألا يكون ازداد، وإن كان مسيئاً ندم ألا يكون استعتب) أنقذ نفسك ما دمت في زمن الإمهال، كل شيء بيديك الآن، إن كنت ظالماً لأحد تستطيع أن تستحله من مظلمته أو تردها عليه، إن كنت مسرفاً على نفسك في ما بينك وبين ربك يمكنك أن تنقذ نفسك من هذا الإسراف فحاسب نفسك أيها الأخ.
أسأل الله أن يجعلني وإياكم من الهداة المهتدين، الصالحين المصلحين، وأن يحسن لنا ولكم العاقبة، وأن يختم لنا ولكم بالتوحيد.
وإلى الأسئلة، نرجو الله أن يوفقنا للصواب.
هذه أسئلة حول موضوع الطهارة والوضوء.(54/5)
الأسئلة(54/6)
نصيحة موجهة لبعض الموسوسين
السؤال
بعض الموسوسين الذين أشرت إلى بعض أحوالهم يأتي إلى غسل الذراعين ويأخذ في غسلهما وقتاً طويلاً، فإذا قلنا له: إن هذا من الوسواس.
قال: الذراع على شكل أسطواني لا ترى هل وصل الماء إلى أسفله أم لا.
فننصحه ولا يتوجه، فما هي نصيحتكم له، وما هي الكتب التي تعالج مثل هذا الموضوع؟
الجواب
نصيحتي لهذا الأخ أن يتقي الله عز وجل، وأن يلتزم بالحدود الشرعية، جاء في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وقال: من زاد على ذلك فقد أساء وتعدى وظلم) هل تقبل أن تكون مسيئاً متعدياً ظالماً؟ الجواب: لا، ولا شك أن هذا الذي ذكر عن نفسه ما سمعتم لا شك أنه واقع في كثير مما وقع فيه غيره، بمعنى: أن الوسواس في الناس أصبح كثيراً، ولا أدري أهو كثير من زمان ولم نعلم به، أو هذه الكثرة متجددة.
على كل حال: سوف يتأثر إذا اقتصر على المشروع على الثلاث بلا زيادة سوف يتأثر، ويضيق صدره، ويقول: إنه صلى بغير طهارة.
نقول: لا بأس، اكسر هذا الحد ثم يلين كل شيء، لو قال لك الشيطان: إنك لم تكمل الطهارة قل: لا بأس.
صل، وإذا عزمت ولاقيت هذا الشيء بحزم أزاله الله عنك؛ مع الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والصبر على تحمل ما يحصل لك من المشقة.(54/7)
عدم تكرار الاستنجاء في كل وضوء لغير حاجة
السؤال
إذا غسل الإنسان عورته بعد الحدث وجاء وقت الصلاة، فهل يغسل العورة من جديد عند الوضوء؟
الجواب
لا، إذا استنجى الإنسان عند البول ثم جاء وقت الصلاة فلا حاجة أن يعيد الاستنجاء مرة أخرى؛ لأن الاستنجاء إزالة نجاسة، إذا زالت النجاسة هل هناك حاجة إلى أن تعيد غسلها عند الوضوء؟ لا، ولهذا قال الله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] ولا ذكر الاستنجاء؛ لأن الاستنجاء إزالة نجاسة متى أزلتها في أي وقت فإنها تزول ولا حاجة إلى إعادة غسلها.(54/8)
حكم صلاة المرأة الحامل التي يخرج منها الدم وصومها
السؤال
امرأة حامل نزل منها دم ما حكم صلاتها وصومها، هل تترك الصلاة والصوم؟
الجواب
الحامل إذا نزل منها الدم فهذا الدم دم فساد، ليس حيضاً، فتصلي وصلاتها صحيحة، وتصوم وصومها صحيح، يحل لزوجها ما يحل لها إذا لم يأتها هذا الدم، لأن هذا الدم يسميه العلماء دم فساد، ولكن لا تتوضأ للصلاة إلا بعد دخول وقتها، إلا النافلة فمتى أرادت أن تصلي فلتتوضأ، في أي وقت غير أوقات النهي، أما الفريضة فلا تتوضأ لها إلا إذا دخل الوقت، هذا إذا كان الدم مستمراً، أما إذا كان متقطعاً وتوضأت ولم يخرج شيء حتى دخل وقت الصلاة فإنها تصلي الصلاة ولا حرج عليها.(54/9)
طهارة الدم الخارج من الإنسان دون السبيلين
السؤال
ما الحكم إذا وقع على الثوب دم من جرح في اليد، هل الدم نجس أم لا؟ وما هو الدم الذي ينجس؟ أفدني جزاك الله خيراً.
الجواب
إذا صلى في ثوب أصابه دم من يده فإن صلاته صحيحه؛ لأن الدم الخارج من الإنسان ليس بنجس إلا ما خرج من السبيلين، فالرعاف دم طاهر، وما يخرج من جرح زجاجة أو مسمار أو ما أشبه ذلك هو دم طاهر، ولم يوجد لا في القرآن ولا في السنة أن دم الآدمي نجس إلا ما خرج من السبيلين، وما خرج من السبيلين فهو نجس، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الحائض أن تغسل الدم عنها؛ لكن الدم الباقي لم يرد الأمر بغسله، والصحابة في الحروب يصلون بجراحاتهم، والجروح دمها كثير في الحرب.
وأما غسل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجهه من الدم حين جرح في أحد فهذا لا يدل على النجاسة، وإنما يدل على إزالة الدم لأنه مستقذر، ولا يريد الإنسان أن يرى الناس عليه شيئاً من الدم.
الخلاصة: أن دم الآدمي طاهر إلا ما خرج من السبيلين (القبل أو الدبر) لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن المؤمن لا ينجس) وفي الحديث: (ما أبين من حيٍ فهو كميتته) وميتة الآدمي طاهرة أو نجسة؟ طاهرة، لكن لا ينبغي للإنسان أن يبقي أثر الدم على نفسه، بل يغسله لئلا يتقزز الناس من مشاهدته.(54/10)
كيفية غسل الجنابة لمن في ظهره لاصق
السؤال
في ظهري لزقة بمقدار شبر ولا تصل يدي لأمسح عليها، فهل أتيمم عند الغسل للجنابة؟
الجواب
إذا لم تتمكن من مسحها فمن الممكن أن تجعل الماء يصب عليها -أي: على هذه اللزقة- ويجزئ ما دام الماء يصب عليها كأنما يصب على ظهرك فإن ذلك مجزئ.(54/11)
حكم وطأ الفرش النجسة بأبوال الأطفال
السؤال
سائلة تقول: فضيلة الشيخ أنا عندي أطفال صغار يتبولون على الفرش ولكن مع الوقت ينشف هذا البول ولا يوجد له أي أثر، فهل يجوز للمتوضئ أن يطأ على هذه الفرش؟
الجواب
الوطء على الفراش النجس إذا لم يكن الفراش رطباً ولا القدم رطبة لا يضر ولا يؤثر، ومن القواعد عند العوام وهي قاعدة صحيحة يقولون: (ما بين اليابسين نجاسة) انتبه إلى الضابط الفقهي: ما بين اليابسين نجاسة.
يعني: إذا التقى شيئان يابسان فإنه لا ينجس أحدهما الآخر، لكن إذا كانت الرجل رطبة والمكان نجساً فإن الواجب غسل الرجل بعد ذلك، لكنني أنصح إخواننا -بارك الله فيهم-: إذا أصابت النجاسة الفرش فليبادروا بغسلها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يفعل ذلك -أي: يبادر بغسل النجاسة- لما بال الرجل الأعرابي في المسجد وانتهى من بوله أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوراً أن يصب على بوله دلو من ماء، ولما جيء بصبي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقعده في حجره، فبال الصبي في حجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأمر بماء فأكفأه بوله، يعني: صب على بول الصبي بدون غسل ولا فرك؛ لأن بول الصبي الذكر الذي لم يأكل الطعام وإنما يتغذى بالحليب خفيف النجاسة، يكفي أن تصب عليه ماءً يغمره دون فرك ولا غسل.
فأقول: إنه ينبغي لنا إذا بال أحد الأولاد على الفراش أن نبادر بغسله، ولكن كيف نغسله إذا كان لاصقاً بالأرض مثل الفرش الكبيرة هذه؟ نقول: أولاً: نأتي بإسفنج ونشفط به البول حتى ينشف، ثم نصب على البول مرتين أو ثلاثاً ماءً وبذلك يطهر.
وأما الصغار فالأصل في الصغير الطهارة، حتى لو خرجوا من الحمام فهم طاهرون، يعني أقدامهم طاهرة؛ لأن النجاسة في الحمام هل تكون في كل الحمام أو في المكان المعد لها؟ في المكان المعد لها -الحوض- وبقية أجزاء الحمام طاهرة؛ الحوض -أيضاً- إذا صب الماء وزالت النجاسة طهر.(54/12)
اليقين لا يزول بالشك
السؤال
فضيلة الشيخ أنا أشتكي من عدم تيقن خروج المذي، فعندما أفكر بالشهوة لا أدري أخرج مني أم لا، هل هناك ضابط في خروجه بارك الله فيك؟
الجواب
سنعطي الأخ السائل والسامع ضابطاً نافعاً عليه دليل من السنة: إذا شككت هل خرجت منك ريح أو بول أو مذي أو غيره مما يبطل الوضوء فالأصل الطهارة، الدليل: أن الصحابة رضي الله عنهم شكوا إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الرجل يحس في بطنه شيئاً ولا يدري أخرج منه شيء أم لا، فقال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) يعني: حتى يتيقن، فالأمر -والحمد لله- واسع، لكن بعض الناس يغلبه الوسواس فإذا شك ذهب ينظر إلى رأس الذكر مثلاً، ولا حاجة إلى هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقل: إذا شك أحدكم فليستبرئ ولينظر.
بل قال: (فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فما دامت المسألة شكاً فإننا لا ننقب ولا نذهب ننظر، نقول: الحمد لله، نتلهى عنه ونتغافل والأصل الطهارة.
كذلك يوجد بعض الناس يشك في حلقة الدبر، يحس برطوبة ولا يدري أهي عرق أو شيء خارج فماذا نقول؟ الأصل الطهارة وهذا عرق، أو نقول الأصل للنجاسة؟ الأصل الطهارة، وهذه الرطوبة نحملها على العرق، لا سيما إذا كنت تحس بهذا في أيام الحر وتفقده في أيام البرد فإن هذا قرينة واضحة على أنه عرق، والأصل الطهارة والحمد لله.(54/13)
نصيحة موجهة لمن تهاون في النظر الى الدشوش
السؤال
أنا شاب ملتزم -ولله الحمد- ولكني بليت ببلوى وهي أن إخواني أتوا بجهاز الدش في استراحة لنا بالمزرعة، كنا نجتمع فيها اجتماع العائلة، ناصحتهم وخوفتهم بالله ولم يستجيبوا لي، ثم انقطعت عنهم في الاجتماع، ثم بعد فترة أتاني الشيطان وقال لي: لماذا لا تنظر إلى هذا الجهاز، إن كان حقاً قبلته وإن كان باطلاً رددته، ثم أخذ يوسوس لي حتى وقعت في هذه المصيبة فأخذت أنظر إليه وأهلي لا يعلمون ذلك إلى الآن، بل إني أناصحهم وأحذرهم منه أمامهم، أما في الخلوة فأذهب وأشغله بغير علمهم وأنا الآن على جرف يكاد ينهار، فما الحل في هذه المصيبة حماك الله من ذلك؟ أرجو الدعاء لي لعل الله يستجيب دعاءكم.
الجواب
نسأل الله أن يحمينا وإياه وإخواننا المسلمين من هذه المصيبة.
الواقع أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وأنه يتدرج به شيئاً فشيئاً حتى يصل إلى غاية الكفر -والعياذ بالله- ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إن المعاصي بريد الكفر.
بريد الكفر يعني: أن الشيطان ينقله من مرحلة إلى مرحلة حتى يصل إلى الغاية، وكان الناس فيما سبق يرسلون رسائلهم عن طريق البريد، البريد عبارة عن خيل يركبها الناس، يسيرون فيها مثلاً عشرة كيلو أو أكثر، هذه محطة، ثم تقف هذه الخيول، وإذا خيل أخرى في المحطة تعدو بها إلى المحطة الثانية، والثالثة، والرابعة حتى تصل إلى البلد، فالمعاصي في الواقع بريد الكفر، يحمل الشيطان الإنسان عليها مرحلة مرحلة حتى ينال غايته منه أجارنا الله وإياكم من ذلك.
نصيحتي للأخ السائل: أن يكون عنده عزم، وأن يكون حازماً، وأن يبعد عن هذا، وإذا حدثته نفسه أن يذهب إليه فلينصرف إلى آخر، لينصرف إلى البيت، إلى المسجد، إلى أصحاب الخير، مع الاستعانة بالله، ودعاء الله عز وجل، أسأل الله أن يصرفني وإياه وإياكم عن كل سوء، وأن يصرف كل سوء عنا.(54/14)
حكم امرأة أحرمت بالعمرة ثم جامعها زوجها حال الإحرام
السؤال
سائلة تقول: فضيلة الشيخ أنا امرأة قدمت من بلدي إلى جدة وكنت محرمة، وقبل أداء العمرة جاءني ما يأتي النساء فأدى زوجي العمرة ورجعنا، حيث أنه مرتبط بعمل، وسارت بنا الحياة طبيعية كزوجين، ثم نزلنا وأدينا مناسك العمرة والحج بعد ذلك، وكان ذلك منذ ثلاث سنوات تقريباً، ولم نعلم أنه كان ينبغي علي أداء العمرة إلا قريباً، فماذا علي الآن مع العلم أني عندما أديت مناسك العمرة لم أنو أنها عن العمرة التي لم يتيسر لي القيام بها؟
الجواب
أولاً نسأل نقول للسائلة: إذا كنت لا تدرين أن الجماع في الإحرام حرام فلا شيء عليك، وإذا كنت مكرهةً على الجماع فلا شيء عليك، أما إذا كنت تعلمين أنه حرام ووافقت الزوج عليه فأنت آثمة، والعمرة التي وقع فيها الجماع عمرة فاسدة، ويجب عليك شاة تذبح في مكة وتوزع على الفقراء، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو صيام ثلاثة أيام، ويجب -أيضاً- أن تقضي عمرة بدل العمرة التي فسدت.(54/15)
حكم القبر داخل البيت
السؤال
سألني أحد طلابي عن حكم قبر في بيتهم لأخ له ولد ميتاً فحفرت أمه له حفرة عميقة في أحد زوايا البيت وأخفته فيها ولم أعلم إلا قبل أيام، وقد مر عليه الآن ثمان سنوات، فما حكم الصلاة في البيت؟ وكذلك هل ينبش هذا القبر الآن مع العلم أنه قد لا يوجد له أثر؟
الجواب
الواجب أولاً أن يصلي عليه صلاة الجنازة.
ثانياً: أن ينبشه ويدفنه في المقبرة لأن البيوت ليست مقابر.(54/16)
حكم استمرار إلقاء الدروس طوال الأسبوع حتى يوم الجمعة
السؤال
فضيلة الشيخ أنا إمام مسجد ألقي دروساً بعد صلاة العصر والعشاء باستمرار وبدون استثناء يوم من أيام الأسبوع، ولكن بعض كبار السن ينكر علي الحديث في يوم الجمعة بحجة أن مشائخهم الذين عاصروهم يكرهون ذلك، فهل هناك حكم شرعي؟
الجواب
أولاً: إذا كانت الدروس التي يلقيها مواعظ فلا ينبغي أن يعظ الناس كل يوم فيملهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتخول أصحابه بالموعظة، أما إذا كانت دروساً علمية فلا بأس أن يستمر كل يوم، ومشائخنا الذين كانوا لا يقرءون أو لا يدرسون يوم الجمعة على الناس يفعلون ذلك بحجة ألا يُملوا الناس؛ لأن الناس سمعوا خطبة الجمعة واكتفوا بها موعظةً، واكتفوا بها فقهاً؛ فلذلك كان علماؤنا الذين أدركناهم لا يحدثون الناس يوم الجمعة بعد العصر اكتفاءً بخطبة الجمعة.
لكن لو فعلها الإنسان ما عليه شيء، يعني: لو أن الإنسان صار يدرس الناس كل عصر ومن ذلك يوم الجمعة فلا بأس.(54/17)
اتخاذ وسيلة تعين على الاستيقاظ لصلاة الفجر
السؤال
فضيلة الشيخ أنا رجل مواظب على جميع الصلوات في المسجد، وفي بعض الأحيان تفوتني صلاة الفجر، وقد يمر عليَّ أيام ثلاثة لم أوفق فيها لحضورها، مع العلم أني أنام ونيتي القيام، وأكون نادماً قلقاً جداً إذا لم أصل صلاة الفجر، وهذا يا شيخ يتكرر في الشهر ثلاث أو أربعة أيام، فما العمل؟ أفتني جزاك الله خيراً.
الجواب
العمل أنه يجب عليك أن تحتاط في الاستيقاظ، تضع عندك ساعة منبهة، فإن كنت ثقيل النوم فاطلب من أهلك أن يأتوا إليك ويوقظوك، وإذا لم يكن عندك أحد في البيت فاطلب من إخوانك أن يوقظوك عن طريق الهاتف، وإذا علم الله تعالى من نيتك صدق العزيمة على أداء صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة أعانك الله عز وجل؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقبل على عبده أكثر مما يقبل العبد على ربه.(54/18)
حكم من يلبس ملابس خفيفة تظهر منها عورته
السؤال
فضيلة الشيخ الزمن زمن صيف، وكثير من الناس يلبس الخفيف والقصير من السراويل، فما حكم صلاة هؤلاء إذا كان الملبوس يصف أو يشف العورة وفقك الله وسددك؟
الجواب
أقول: إن من شرط صحة الصلاة أن يستر الرجل ما بين السرة والركبة بساتر صفيق، لا يتبين من ورائه لون الجلد، وما أشار إليه السائل يوجد، بمعنى: أن بعض الناس يلبس ثياباً شفافة وليس عليه إلا سروال قصير الكمين لا يستر إلا نصف الفخذ الأعلى فيبقى نصف الفخذ الأسفل بادياً، تشاهده وتعرف أن هذا الذي تحته جلد أحمر أو أسود أو حنطي، هذا لا يستر ولا تصح الصلاة به، ولذلك يجب على الإنسان أن يحتاط في هذه المسألة وأن ينصح إخوانه الذين يفرطون فيها لأن المسألة ليست بالأمر الهين.
ولكني أسألكم: لو كان على الإنسان إزار صفيق، وصلى وليس عليه إلا فنيلة علاقية تصح صلاته أو لا؟ تصح صلاته، بل حتى لو لم يكن عليه فنيلة صحت صلاته؛ لأن المهم أن يستر ما بين السرة والركبة.(54/19)
حكم من يخرج منه بول بعد غسل ذكره بمدة
السؤال
فضيلة الشيخ بعد البول أنتظر قدر المعتاد لاكتمال خروجه، ثم أغسل الذكر، وأحياناً أستجمر، ثم بعد فترة ربع ساعة أو أقل من ذلك أجد شيئاً من البول قد تسرب من الذكر بقدر نقطتين أو ثلاث تقريباً، فماذا أفعل علماً أن هذا باستمرار يحصل معي؟
الجواب
أسأل الله له الشفاء العاجل، ليس هناك طريق فيما أرى إلا أن ينتظر حتى ينقطع البول، حتى لو أدى ذلك إلى أن يخرج من المرحاض ويمشي خطوات لأنه مع الحركة ربما ينزل بقية البول.
وأنصح هذا الأخ: أن يعرض نفسه على أطباء مختصين لأن الله تعالى ما أنزل داءً إلا وأنزل له دواء، فربما يجد دواءً يشفيه الله تعالى به.(54/20)
حكم من أصيب بسلس البول
السؤال
تقول: أنا امرأة حاملة في الشهور الأولى، ودائماً بعد الخروج من الحمام ينزل علي نقط من البول خفيف بسبب الحمل، وأتوضأ للصلاة المفروضة أو لكل صلاة؛ لأنه بعض الوقت ينزل عليَّ بعد الوضوء، وأصلي ولا أعرف هل صلاتي صحيحة أم لا.
الجواب
إذا كان هذا الخارج ليس له وقت محدد -والكلام الآن للرجال والنساء، قد يبتلى بعض الرجال أيضاً بهذا- إذا كان هذا الخارج ليس له وقت محدد فحكمه حكم سلسل البول نقول: توضأ وصل ولا يضرك إذا خرج، لأنه لو قلنا: ارجع وأعد الوضوء فربما تعيد الوضوء ثم ينزل مرةً أخرى، وهذه مشقة، أما إذا كان له عادة، يعني: أنه إذا نزل بقي ربع ساعة أو نصف ساعة لم ينزل فهنا نقول: اغتنم الوقت الذي لا ينزل فيه وتوضأ وصل.(54/21)
كيفية إخراج زكاة الأسهم
السؤال
سائل يقول: فضيلة الشيخ سؤالي عن حكم زكاة الأسهم كيف تزكى؟ هل يفرق بين الأسهم المعدة للبيع والشراء، ومن جعلها من أجل أن تحفظ له نقوده فقط، وإن حصل لها ربح في وقت فإنه قد يبيعها لكن ليس لقصد البيع والشراء حين شرائها؟ وما هو وقت حولها؟ وكيف نزكي على نمائها؟
الجواب
الأسهم في الشركات الكبيرة حسب علمي أن الحكومة وفقها الله تأخذ الزكاة، وما أخذته الحكومة من الزكاة فقد وقع موقعه وبرئت به الذمة، أما الأسهم الصغيرة فهذه لا تأخذها الحكومة، وعليك أن تزكيها إن كنت تريدها للتجارة، تزكي الأصل والنماء، وإن كنت لا تريدها للتجارة كإنسان وضع دراهمه في أراضي لتحفظ الدراهم فقط لكن لو احتاج باع منها وأنفق فهذه ليس فيها زكاة؛ لأنها لم تكن عروض تجارة ولا من الأموال التي تجب الزكاة في عينها، فلا زكاة عليه.
أما كيف يزكيها فنقول: إذا تم الحول فقدر قيمتها وقت الحول وأخرج ربع العشر، ولا تعتبر ما اشريتها به لأنك قد تشتريها رخيصة فتزيد أو تشتريها غالية فتنقص، العبرة بقيمتها وقت وجوب الزكاة.(54/22)
حكم الختان للنساء
السؤال
يواجه المسلم في المجتمعات المسلمة في غير هذه البلاد بعض المشكلات الاجتماعية، والمسلم يقف حائراً عندها لعدم وضوح الأدلة الشافية الكافية، ومما يقلقني هو أن عندي بنات وبلغن العاشرة ولم يختن بعد، وفي بلادنا إذا لم تختن المرأة صار ذلك عيباً تعير به المرأة ويصفونها بأشياء مخجلة، وأنا ضمن هذا المجتمع فأرجو أن توضح لي وللكثير ممن هو مثلي وفي حالتي، وأن تفتونا فتوى يستريح معها المسلم ويطمئن إليها: هل ختان النساء سنة للمرأة كما سمعنا؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
الختان الذي يسمه الناس (التطهير) قال بعض العلماء: أنه واجب في حق الذكور والإناث، وقال بعض العلماء: إنه سنة وليس بواجب في حق الذكور والإناث، والقول الثالث وسط يقول: الختان واجب في حق الذكور سنة في حق الإناث، وهذا هو القول الوسط وهو الذي تدل عليه ظواهر الأدلة فليكن هو المعتمد.
والحمد لله ما دامت بناته قد بلغت الثانية عشرة إذا أحب ألا يختنها فلا حرج عليه ولا إثم عليه.(54/23)
حكم من نذر ثم صعب عليه الوفاء به
السؤال
سائلة تقول: فضيلة الشيخ كنت أختلط بمريض فخشيت أن ينتقل إليَّ مرضه فنذرت إن عافاني الله من هذا المرض أن أقرأ سورة البقرة في كل يوم، والآن أجد صعوبةً في ذلك أحياناً.
الجواب
أقول: إذا وجدت صعوبة فمن الذي أوجب عليها النذر؟ هي التي أوجبت على نفسها النذر؛ ولهذا لو أن الناس فقهوا ما نذروا أبداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتي بخير) اسمع كلام الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (لا يأتي بخير) والذي لا يأتي بخير هل نفعله؟ لا، ولهذا مال شيخ الإسلام ابن تيمية إلى تحريم النذر سواء كان في مقابل نعمة أو مقابل ارتفاع نقمة فإنه منهي عنه، ومكروه كراهة شديدة.
فنقول لهذه المرأة: أنت الذي أوجبت على نفسك أن تقرئي البقرة كل يوم، وقراءة البقرة كل يوم ليست بصعبة، يمكن أن تقرئي نصف جزء في أول النهار، ونصف جزء عند صلاة الظهر، ونصف جزء عند صلاة العصر، جزء ونصف، وتكملي بعد العصر أو في الضحى فهو سهل، فالبقرة جزءان ونصف تقريباً، يمكن أن يقرؤها القارئ في خلال ساعة إلا ربع، وهو سهل، ويجب عليها أن تفي بنذرها، فإن لم تفعل فأخشى أن تكون مثل من قال الله فيهم: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [التوبة:76] وما الجزاء؟ {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ} [التوبة:77] .
فنقول للأخت السائلة: استعيني بالله، واقرئي البقرة كل يوم كما ألزمت نفسك بذلك.(54/24)
حكم من أحرم للحج ثم مشى في اليوم الثامن ولم يكمل حجه
السؤال
رجل ذهب إلى العمرة مع أمه وبعض أخواته، وبعد مناسك العمرة وكانوا في منى في اليوم الثامن وافت هذا الرجل المنية -يعني: مات- وبعد ذلك ذهبت أمه مع بقية أخواته وتركن الحج، فما الحكم وماذا يلزمها وعلى بقية أخواته؟
الجواب
إذا كان هؤلاء النسوة قد اشترطن عند الإحرام أنه إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني فلا حرج عليهن، لأن بعض الناس قد لا يتحمل أن يكمل الحج مع المصيبة، أما إذا كن لم يشترطن فهذه مشكلة! ويجب عليهن الآن أن يعتبرن أنفسهن محرمات حتى يذهبن إلى مكة ويؤدين العمرة تحللاً من الحج، ويحججن من العام القادم؛ لأنهن تركن الحج قبل الوقوف بـ عرفة فينقلب إحرامهن عمرة، لما فات الوقوف انقلب إحرامهن عمرة فيلزمهن الآن أن يذهبن إلى مكة على اعتبار أنهن محرمات، وأن يأتين بالعمرة، وفي العام القادم يلزمهن أن يأتين بالحج، هذا إذا لم يكن اشترطن، فإن اشترطن ذلك فالأمر واسع، ليس عليهن شيء.(54/25)
حكم ذكر عيوب الشخصيات في تدريس التاريخ
السؤال
أنا مدرس لمادة التاريخ وعندي إشكال يا فضيلة الشيخ: وهو أنه يمر علي في شرح بعض الشخصيات أنها تذكر بسوء كالخيانة والغدر ونقض العهد والتكبر أو دمامة الخلقة أو غير ذلك، وقد تكون هذه الشخصيات مسلمة، هل ذكري لهذه الشخصيات بما تكره يعتبر غيبة؟
الجواب
أرى ألا يذكر المسلم بسوء سواء كان حياً أو ميتاً لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا) أما المحاسن فتذكر لأن المحاسن تستدعي أن يدعى للرجل وأن يذكر بالخير.
فالذي أرى أنه إذا مر بك شيء من هذا إن ثبت ثبوتاً قطعياً بأنه صدر من هذا الرجل الذي تتكلم عن حياته فالتمس العذر له، وأما إذا لم يثبت فإن الله تعالى يقول: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] .(54/26)
حكم امرأة لم تغسل رأسها من الجنابة لعذر الجهل
السؤال
امرأة متزوجة منذ أكثر من خمس وعشرين سنة، وفي بداية زواجها كانت عندما تغتسل للجنابة تغسل جسدها سوى رأسها جاهلةً بذلك، فأخبرها زوجها بالحكم، فما حكم تلك الصلوات التي صلتها علماً أن هذا الأمر مر عليه مدةً طويلة، ولا تدري كم كانت المدة التي مكثت على هذه الحال.
الجواب
إذا كانت لم يطرأ على بالها أن غسل الرأس واجب في الجنابة، ولم يذكر أحد لها ذلك فأرجو ألا تلزمها الإعادة، وأما إذا كان قد طرأ على بالها ولكنها فرطت وتهاونت فعليها الإعادة، وكيف تعيد؟ تقدر وتتحرى، فما غلب على ظنها قضته وما لم يغلب على ظنها لم تقضه.(54/27)
سجود التلاوة خارج الصلاة مع القارئ
السؤال
بالنسبة لسجود التلاوة في غير الصلاة عند قراءتنا للقرآن إذا كنا جماعة، هل يكون لنا إمام نسجد خلفه أم يجوز لنا أن نرفع قبله؟
الجواب
الإمام هو القارئ إن سجد فاسجدوا خلفه وإن لم يسجد فلا تسجدوا؛ لأن زيد بن ثابت رضي الله عنه قرأ على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سورة النجم فلم يسجد زيد ولم يسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.(54/28)
ترك الأم صغيرها عند إخوته الكبار عند خروجها ليس بتفريط
السؤال
فضيلة الشيخ هذه امرأة لها من العمر ما يقارب التسعين سنة حصلت لها قصة قبل خمسين سنة وهي أنها ذهبت في حاجة لها، وتركت ابنتها التي لها قريباً من سنتين في البيت عند أخواتها، فلما رجعت إلى البيت لم تجد البنت، فذهبت تبحث عنها فوجدتها قد ماتت من الظمأ، فهل على هذه المرأة كفارة؟ وإذا كان عليها كفارة فلمن تدفع الدية؟
الجواب
الظاهر أنه ليس عليها شيء؛ لأن مثل هذا قد جرت به العادة أن المرأة تذهب وتدع بنتها الصغيرة عند أخواتها وإخوانها ولا يعد هذا تفريطاً، أما إذا كان على خلاف العادة بأن فتحت الباب وليس عند الطفلة إلا من كان مثلها أو أقل فهذه تعد مفرطة فعليها أن تصوم شهرين متتابعين احتياطاً، وأما الدية فهي لأبيها.(54/29)
حكم إعطاء مبلغ من المال لمن سيخرج صكاً للأرض
السؤال
فضيلة الشيخ لي أرض لم أخرج عليها صكاً، فقال لي أحد الناس: أعطني مبلغاً من المال لأخرج لك عليها صكاً، فهل يجوز لي أن أدفع هذا المال؟
الجواب
أما إذا كانت أجرةً معتادة فلا بأس، أما إذا كانت كثيرة فهذا يعني أن الرجل سوف يرشي من في المحكمة من كتاب أو غيرهم ليتوصل إلى مقصوده فلا يجوز له أن يفعل هذا.(54/30)
حكم وضع البخور للنساء في صالات الأفراح
السؤال
فضيلة الشيخ أود أن أسأل عن حكم وضع البخور للنساء في قصور الأفراح أثناء الحفلات هل هي من الأمور الجائزة شرعاً؛ علماً بأنها أصبحت من عادة الناس في ولائمهم، وقد تخرج المرأة وتركب مع السائق أو مع رجل أجنبي عنها؟ أفتنا جزاك الله خيراً.
الجواب
أقول: لا تستعملوا هذا، فلا تستعمل النساء البخور اللهم إلا أن يبخروا المحل دون أن تأخذه المرأة وتبخر ثيابها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا صلاة العشاء) يعني: الصلاة كلها، لكن لو وضعوا المباخر على رف مثلاً في المكان أو على رفوف متعددة دون أن تأخذ المرأة المبخرة وتبخر نفسها فهذا لا بأس به.(54/31)
نصيحة لزوج لا يقوم بالواجب عليه لامرأته
السؤال
امرأة تسأل عن حقها من زوجها تقول: فهو قاس في المعاملة غير منفق عليها.
الجواب
الواجب على الزوج أن يعاشر الزوجة بالمعروف لقول الله تبارك وتعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] ولقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228] ولا يحل للإنسان أن يقصر في واجب زوجته، بل الواجب أن يبذل لها ما يجب، وليعلم أنها إذا لم تأخذ منه اليوم حقها أخذته يوم القيامة من أعماله، وما ظنك بامرأة تكون خصماً لك يوم القيامة؟ اتق الله الآن ما دمت تستطيع أن تؤدي الواجب ولا تفرط وتهمل.
أما بالنسبة للزوجة فنقول لها: اصبري واحتسبي الأجر من الله عز وجل، واعلمي أن دوام الحال من المحال، وأن الإنسان قد تتغير حاله، وأسألي الله الهداية لزوجك حتى يقوم بواجبك.(54/32)
الأفضل لمن أراد قضاء طواف الإفاضة أن يكون محرماً
السؤال
فضيلة الشيخ إذا لم يتمكن الحاج من طواف الإفاضة لمرض أقعده عن ذلك فعاد إلى بلده، ثم لما شفي رجع إلى مكة لطواف الإفاضة، فهل يدخل إلى مكة محرماً أم يدخلها حلالاً؟
الجواب
الأفضل أن يدخل مكة محرماً بالعمرة ويطوف ويسعى ويقصر، ثم يطوف طواف الإفاضة، وإن اقتصر على طواف الإفاضة فقط فلا بأس.(54/33)
كيفية وضوء المرأة التي تخرج منها رطوبة وصلاتها
السؤال
تقول السائلة: هل يصح للمرأة أن تصلي صلاتين بوضوء واحد أم يجب عليها الوضوء لكل فريضة حيث أن الرطوبة تخرج كثيراً من النساء؟ وقد سمعنا لكم فتوى في الرطوبة التي تخرج من المرأة، ثم هذه الرطوبة هل هي طاهرة أم نجسة إذا أصابت الثياب؟ أرجو إيضاح ذلك بالتفصيل فالأمر مشتبه لدى الجميع.
الجواب
هذه الرطوبة التي تكون مع المرأة طاهرة إلا أن تكون بولاً، والبول معروف له رائحة كريهة وله لون معروف، لكن هذه الرطوبة الطبيعية العادية طاهرة، لو أصابت الثياب أو البدن لا تنجس لكنها تنقض الوضوء، بمعنى: أنها لا تتوضأ للفريضة إلا بعد دخول الوقت، ولا تتوضأ للنافلة إلا إذا أرادت فعلها، ولها أن تجمع بين الصلاتين، تجمع الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء إذا كان يشق عليها أن تتوضأ لكل صلاة.(54/34)
وجوب قضاء الدين عن الأب الميت بمقدار الإرث
السؤال
فضيلة الشيخ توفي والدي قبل عشر سنوات وليس عليه دين -ولله الحمد- ما عدا منزل عليه أقساط للبنك العقاري، وهذا المنزل كان يسكنه أخي الأكبر مقابل أن يسدد أقساط البنك في كل سنة، وقبل فترة رأيت والدي في المنام في حال معينة يطلب مني البحث في حق عليه، وبعد سؤالي للبنك تبين لي أن أخي لم يسدد ثلاثة أقساط متتالية للبنك، وعندما سألته تهرب من الإجابة واتهمني بعدم الثقة، سؤالي يا فضيلة الوالد: ماذا يلزمني أنا في هذه الحال، هل يجب علي تسديد هذه الأقساط في حال رفض أخي التسديد؟ وعلى من يقع الإثم في حال عدم السداد؛ علماً أني موظف وراتبي جيد وأريد إبراء ذمة والدي؟
الجواب
أقول: هذا من نعمة الله عليك وعلى أبيك أن قيظ الله لك رؤيته ونبهك إلى ما يجب عليك، وأقول: إذا كان هذا الدين في البيت الذي ورثتموه فليس لكم حق في البيت ولا حفنة تراب حتى تؤدوا الدين الذي في البيت، وأعني به الدين الذي حل على الوالد قبل موته، فإذا أبى أخوك فإن الواجب عليك أنت أن تُخرج من دين والدك بقدر نصيبك من البيت، فمثلاً إذا كان البيت أنصافاً فأخرج نصف الدين الذي على أبيك والباقي على أخيك، ولكني من هذا المكان أنصح أخاك وأقول له: يا أخي اتق الله في نفسك واتق الله في أبيك وأخرج الدين؛ لأنك أنت لا يحق لك إرث أبيك إلا بعد قضاء الدين.(54/35)
حكم استخدام جهاز الصدى في المساجد
السؤال
فضيلة الشيخ لقد انتشر في كثير من المساجد ظاهرة جهاز الصدى، فما حكم الصلاة مع وجود هذا الجهاز الترددي؟ هل تجوز الصلاة في مسجد به هذا الجهاز؟ وقد سمعت بأن فضيلتكم امتنع عن الصلاة في مسجد من المساجد به هذا الجهاز.
ملحوظة: بعض الناس يقول: أين دليل التحريم؟ أرجو التوضيح والله يحفظكم ويرعاكم.
الجواب
أقول: إن هذا الصدى حسب ما سمعنا عنه يشبه البوق الذي يستعمله اليهود في صلواتهم، وفيه -أيضاً- محذور آخر وهو أنه يردد الحرف فيكون الحرف الواحد حرفين أو أكثر، وهذا زيادة في القرآن لا تجوز، ولذلك عد العلماء رحمهم الله الشدات في الفاتحة عدوا كل شدة حرفاً، وقالوا: لو أنه ترك التشديد في آية فقال: الحمد لله ربِ العالمين لم تصح قراءته؛ لأن التشديد وهو تكرار الحرف يعتبر حرفين، وعلى هذا فالصدى يعني: أن الذي قرأ فيه زاد في القرآن ما ليس منه؛ ومن هنا نعرف التحريم.
أولاً: إن صح أنه يشبه بوق اليهود في صلاتهم فهو حرام للتشبه.
والثاني: إذا لم يصح هذا فهو حرام لزيادة الحروف، ونحن لا نريد من القرآن أن نحوله إلى أغاني، القرآن نزل للخشوع والخضوع.
ثم إن بعض الناس يقول لي: إن مسجده صغيراً لا يتحمل مكبر الصوت بلا صدى، ومع ذلك يستعمل الصدى! والله هذا يؤسفنا كثيراً أن يتعبد الإنسان لربه بهواه لا بالهدى، نحن لا ننكر أن يصلي الإنسان بمكبر الصوت إذا كان لا يغير الحروف ولا الكلمات ولا يخرج القرآن عن كونه موعظة يلين القلوب، وهذا الصدى يخرجه إلى أن يكون كأنه أغاني، وهذه محنة، والواجب على الإمام أن يتقي الله في نفسه، وأن يزيل هذا الجهاز، ثم ينظر هل هو في حاجة إلى أن يستعمل مكبر الصوت أو لا، إذا لم يكن حاجة فلا حاجة، والواقع أنه إذا كان المسجد صغيراً ألا حاجة لمكبر الصوت؛ لأن كونه ينقل في المنارة هذا أمر منهي عنه لا شك لكونه يؤذي من حوله من المساجد، ويشوش على الآخرين، ويؤذي أصحاب البيوت -أيضاً- لأن أصحاب البيوت يريدون أن يصلوا فيشوش عليهم، ربما يكون في البيت مريض قد بقي كل الليل ما نام، ولما أذن الفجر صلى الفجر ثم رقد فيأتي هذا بمبكر الصوت على المنارة ويحرمه النوم، وفيه مفاسد كثيرة.
إذاً لسنا بحاجة إلى أن ننقل الصلاة على المئذنة.
بقي: هل نحن في حاجة إلى استعمال مكبر الصوت في مسجدنا؟ ينظر.
إذا كان المسجد صغيراً لا حاجة، إذا كان كبيراً ففيه حاجة، لكن لا حاجة للصدى إطلاقاً، بل الصدى مما هو منهي عنه، وقد بينت لكم وجه ذلك.(54/36)
حكم من قال: إن القول بأن استئذان البكر يكون بسكوتها قول مزيف
السؤال
يقول -نسأل الله لنا وله الهداية-: إن القول بأن سكوت البكر إذا استئذنت للنكاح أن أصحاب هذا القول ابتدعوا هذا التزييف، ولأن بعض طوال الشوارب قد ابتدعوا هذا التزييف، فذلك يعود أصلاً إلى الاستلاب الذكوري.
الجواب
على كل حال هي كلمة سخيفة، يقول: إن المرأة إذا استئذنت في النكاح وهي بكر ليس أذنها سكوتها، ويقول: إن هذا تزييف.
والحقيقة أن هذه كلمة خطيرة جداً! أن يكون حكم الرسول عليه الصلاة والسلام تزييفاً، أنا لا أدري كيف ينشر هذا في الصحيفة، وكيف ينطلق قلم لكاتب بمثل هذا! إلا أن يكون جاهلاً، لا ندري، قد يكون جاهلاً لا يدري نسأل الله لنا وله الهداية.(54/37)
اللقاء الشهري [55]
إن الله سبحانه وتعالى حرم علينا ما يضرنا في حياتنا ومجتمعاتنا من إباحية وسفور وتحلل، وأحل لنا أمراً مشروعاً به تحفظ الأنساب والأعراض ألا وهو النكاح، ولكن لابد أن نعرف ما يشترط وما يجب وما يصلح في النكاح، وما يترتب عليه من أمور مهمة، حتى يصير نكاح نعمة وشكر لا نكاح نقمة وكفر.(55/1)
شروط النكاح
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخليله وأمينه على وحيه، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، وجعله خاتم النبيين وإمام المتقين، بل وإمام المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
هذا اللقاء يتجاذبه أمران، الأمر الأول: الكلام عن الإجازة، وماذا يفعل الإنسان في هذه الإجازة الطويلة الصيفية.
والثاني: النكاح.
أما الأول فقد تكلمنا عنه في خطبة الجمعة الماضية وأرجو أن تكون مسموعةً لكثير منكم، ومن لم يسمعها فإنها موجودة -والحمد لله- في الأشرطة، وأما الثاني وهو مهم بل قد يكون أهم وهو النكاح وما يتعلق به.
اعلم أخي المسلم أن النكاح من أخطر العقود وأهمها وأشدها ضرورة وأشدها ضرراً، فالنكاح من سنن المرسلين عليهم الصلاة والسلام، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38] .
النكاح استجابة لداعي الفاطر؛ فإن كل إنسان مفطور على ذلك إلا ما ندر، فهو استجابة للفطرة التي خلق الناس عليها، ومن المعلوم أن استجابة الإنسان لما تقتضيه الفطرة من الأمور المطلوبة، يعني: ما تقتضيه فطرتك فإنه من الأمور المطلوبة بل قد يكون واجباً، أرأيتم الأكل والشرب أتستدعيه الفطرة أو لا؟ تستدعيه، ومع ذلك قد يكون واجباً أحياناً، حتى إنه قد يجب عليك أن تأكل الميتة، فإذا خفت الهلاك وجب عليك أن تأكل ما تسد به رمقك ولو من الميتة.
النكاح تستدعيه الفطرة، فالقيام به استجابة لما تستدعيه الفطرة وتقتضيه، ففي النكاح غض البصر، وتحصين الفرج، وتكثير الأمة وتقارب الأمة بعضها إلى بعض، كم من أناس ليس بينهم صلة ويكون النكاح هو سبب الصلة، ولهذا قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} [الفرقان:54] فالنسب القرابة، والصهر: التقارب بين الناس بسبب الزواج.
ولهذا أكثر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من التزوج من أجل أن يكون له في كل بطن من قريش صلة، وليس إكثار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من التزوج من أجل إشباع رغبته، ولذلك لم يتزوج بكراً إلا امرأةً واحدة، وهي عائشة رضي الله عنها، ولو كان تعدد الزوجات للرسول عليه الصلاة والسلام من أجل إشباع الرغبة لتزوج الأبكار، ومن الذي يرده؟ أي إنسان يشير عليه الرسول صلى الله عليه وسلم سيجيبه، لكن يريد أن يكون له في كل بطن من بطون قريش صلة؛ لأن التناكح بين الناس من أسباب التقارب والصلة، حتى إن أقارب زوجتك يكونون بالنسبة لأولادك أخوالاً، أو آباءً وأجداداً، أو أمهات وجدات، لذلك نقول: من مصالح النكاح أن يتقارب الناس بعضهم إلى بعض.(55/2)
من شروط النكاح: رضا الزوج والزوجة
ولكن هذا النكاح لا بد له من شروط نذكر أهمها: أهمها: رضا كل من الزوج والزوجة، فلا يصح النكاح إلا برضا الزوجين، لا يصح النكاح مع إجبار أحدهما، فلو أن الرجل أجبر ولده على أن يتزوج بنت عمه الذي هو أخو أبيه وقال: لا بد أن تتزوج فإن لم تفعل فسأقاطعك أو سأحبسك أو سأقتلك، لأنه قد تصل الحال إلى القتل -والعياذ بالله- فإذا تزوج الرجل بهذا الإكراه فنكاحه غير صحيح؛ ولهذا يجب على المسلم أن يراعي هذه الحقيقة، وألا يجبر ابنه على أن يتزوج بنت عمه، بل يجعل الخيار له إن شاء تزوج وإن شاء لم يتزوج.
كذلك لا يجوز إكراه البنت أن تتزوج من لا تريده حتى لو كانت بنته، لو كانت ابنته حرم عليه أن يجبرها أن تتزوج من لا تريد التزوج به، فإن فعل وأجبر ابنته على أن يزوجها من لا تريد التزوج به فالنكاح غير صحيح، هو الآن قد سلط هذا الرجل على أن يزني بابنته -والعياذ بالله- لأن النكاح غير صحيح، فإجباره ابنته على أن تتزوج هذا الرجل يعني إجباره إياها على أن يطأها هذا الرجل بغير موجب شرعي، والمسألة خطيرة! ضد ذلك من يمنع أن يتزوج ابنه بامرأة، كما يوجد ممن عندهم أنفة وكبرياء؛ فلا يمكن أن يتزوج ابنه بمن دونهم سواء في النسب أو في الغنى أو فيما يقال: خضيري وقبيلي، تجد الولد يريد أن يتزوج بهذه المرأة لأنها أعجبته في جمالها وخلقها ودينها ويقول أبوه: لا، لا تتزوج.
هذه ما هي من قبيلة فلان، ليست من قبيلتنا، أو نحن أشراف من ذرية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهم ليسوا أشرافاً -سبحان الله! - أو يقول: نحن قبايل وأولئك غير قبايل (خضيريين) من قال هذا؟ لا يحل للإنسان أن يمنع ابنه أن يتزوج امرأة يريدها إلا أن تكون كافرة من غير اليهود والنصارى فله أن يمنعها؛ لأن نكاح الكفار حرام إلا اليهود والنصارى فيجوز للمسلم أن يتزوج من نسائهم.
كذلك -أيضاً- من الناس من يمنع ابنته أن يزوجها بخاطب كفء، خاطب مستقيم في دينه وخلقه والبنت تريده ويقول: لا، إما لأغراض شخصية بينه وبين الرجل، أو لأغراض نفسية أو غير ذلك، يمنع ابنته أن يزوجها ممن خطبها وهو كفء وهذا حرام عليه، ويعتبر خيانة للأمانة، قال أهل العلم: ومن تكرر منه ذلك صار فاسقاً من الفاسقين، وسقطت ولايته، وانتقلت الولاية إلى من بعده.
هذا كلام العلماء رحمهم الله، كتبهم بين أيدينا، يعني: لو يخطب من الرجل ابنته، تخطب ابنته، والخاطب كفء في دينه وخلقه ويأبى، ويأتي آخر مثله ويأبى، ويأتي ثالث ويأبى قلنا: الآن اجلس في حبسك، لا ولاية لك؛ لأنك الآن فاسق، من يزوجها؟ أقرب الناس إليها، بعد أبيها مثلاً يزوجها أخوها، يزوجها عمها، لكن إذا أبت القرابة أن تزوج إما احتراماً لأبيها، وإما خوفاً من المشاكل فمن يزوجها؟ يزوجها القاضي، ترفع القضية إلى القاضي وهو يزوجها غصباً على أبيها وأخيها وعمها، لأن الحق في النكاح للمرأة، الحق لها.
هذا من أهم الشروط، الرضا من الزوج أو من الزوجة؟ من الاثنين جميعاً، لا بد أن يرضى الزوج والزوجة، فبدون رضا لا يصح.(55/3)
من شروط النكاح: وجود الولي
من الشروط المهمة: الولي، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي) لو أن امرأة عاقلة رشيدة زوجت نفسها فالنكاح غير صحيح، ولو باعت بيتها فالبيع صحيح، لماذا؟ لأن النكاح عقد خطير، والمرأة قاصرة العقل قد تنظر إلى القريب ولا تنظر للبعيد، ووليها لا شك أنه أبصر منها وأدق منها نظراً فلا بد من ولي، وهم مرتبون: أولهم وأولاهم الأب وإن علا، ثم الابن وإن نزل، ثم الأخ الشقيق وأبناؤه، ثم الأخ لأب وأبناؤه، لكن الأخ لأب مقدم على أبناء الأخ الشقيق، ثم العم الشقيق وأبناؤه، ثم العم لأب وأبناؤه.
الإخوة من الأم هل لهم ولاية في النكاح؟ الأخ من الأم لا ولاية له حتى لو لم يوجد عاصب فالقاضي يزوج ولا يزوج الأخ من الأم، لو كان هناك امرأة ليس لها إلا أخوها من أمها وليس لها عصبة وخطبت من أخيها من أمها فمن يزوجها؟ يزوجها القاضي، والخطبة الآن موجهة إلى من؟ إلى الأخ من الأم لأنه قريب لكن ليس له ولاية النكاح، يزوجها القاضي.
فمن أولياء المرأة في النكاح؟ نقول: أولياؤها العصبة، ولا حق لذي فرض ولا حق لذي رحم في ولاية النكاح، إنما هو للعصبة، وترتيبهم أن يبدأ بالأصول ثم بالفروع ثم بالإخوة وأبنائهم ثم بالأعمام وأبنائهم.(55/4)
أمور يجب الاهتمام بها في النكاح(55/5)
من الأمور التي يجب الاهتمام بها في النكاح تيسير المهور
ومما يجب الاهتمام به في باب النكاح الصداق -المهر- فالأفضل أن يخفف بقدر الإمكان، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة) وما مقدار الصداق؟ لو تزوج الإنسان امرأة على درهم واحد لكفى، لكن هل له حد أعلى؟ ليس له حد أعلى؛ لكن كلما كان أقل فهو أفضل وأعظم بركة وأهون.
انظر ماذا يترتب على تخفيف الصداق: يترتب عليه أنه أفضل، هذه واحدة.
يترتب عليه أنه أيسر للرجال، ولولا غلاء المهور ما بقيت النساء في البيوت الآن، كل امرأة تريد أن تتزوج لكن الحائل والمانع هو كثرة المهر.
قلة المهر فيه تخفيف على الإنسان من جهة أخرى وهي: لو قدر الله عز وجل ألا يكون بين الزوجين وفاق -وهذا واقع، فقد يكون الزواج غير موفق، أليس كذلك؟ إذا كان المهر سهلاً ويسيراً سهل على الزوج أن يطلق زوجته: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ} [النساء:130] لكن إذا كان المهر كثيراً لا يمكن أبداً أن يطلقها لأنه خسر عليها، وربما استدان أموالاً كثيرة فيصعب عليه جداً أن يطلقها، فيحصل الشر والبلاء.
كثرة المهر توجب كراهة المرأة لأنه ليس كل أنثى يتزوجها الإنسان تعجبه الإعجاب الكامل، أليس كذلك؟ إذا كانت لم تعجبه الإعجاب الكامل فهو يقدر على الصبر عليها لكن يصبر عليها على مضض، وكلما تفرغ قام يفكر: كيف أخسر هذه الأموال العظيمة على هذه المرأة؟ وهو الآن لا يستطيع أن يطلقها لأن المهر كثير، ثم إذا طلقها متى يجد زوجه فتجده يفكر: كيف أخسر هذا المال الكثير على هذه المرأة فيحصل عدم الألفة! وبهذا يصدق الحديث وهو صادق؛ لكن يكون شاهداً لصدق الحديث: (أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة) لذلك ندعو إخواننا المسلمين كل من يسمع كلامنا هذا أن يحرص على تقليل المهر طلباً للأفضل والأيسر، ولئلا تبقى النساء عوانس، ويبقى الرجال لا يتزوجون.(55/6)
من الأمور التي يجب الاهتمام بها في النكاح
مما يهتم به في باب النكاح: عكس النكاح وهو الطلاق، إذا كان النكاح مرغباً فيه فالطلاق يكون بالعكس، لأن النكاح جمع والطلاق تفريق؛ ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يطلق إلا في حال لا يمكن الصبر معها، وإلا فما دام يمكن الصبر فليصبر، يقول الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19] لا تطلق إلا عند الحاجة الملحة، اصبر، قد يقول الإنسان: كيف أصبر على امرأة تعصيني ولا تطيعني؟ نقول: اصبر، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة -يعني: لا يكرهها وينفر منها- إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) إذا كره خلقاً ينظر إلى الخلق الآخر الذي يرضى به فيقابل بين هذا وهذا ويحصل الرضا.
إن بعض الحمقى من الناس يطلق على أسهل سبب، لو دخل إلى بيته وهو يظن أن المرأة قد صنعت الشاي ولم يجد الشاي قد جهز تجده أحمق: إلى هذا الحين ما جهزت الشاي؟ أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، وهذا واقع يا إخواني، نحن لا نقول عن فراغ، هذا واقع.
كذلك بعض الناس إذا نزل به ضيف وأراد أن يكرمه، يريد الضيف أن يرأف به ويرحمه فيقول: إياك أن تذبح شيئاً، علي الطلاق ما تذبح، سبحان الله! المرأة سهلة حتى تطلقها لأجل أن يذبح لك أو ما يذبح؟! وأنكى من ذلك أنه إذا قال: علي الطلاق ما تذبح قال الثاني: علي الطلاق لأذبحن فمن تبقى غير المطلقة؟ وكل هذا من الحمق ومن تعدي حدود الله عز وجل، اسمع الله يقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق:1] وتأمل يا أخي كيف وجه الخطاب للنبي والمراد الأمة: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق:1] اضبطوها تماماً: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ} [الطلاق:1] إذاً لا تسرع في الطلاق، ولذلك يحرم على الإنسان أن يطلق المرأة التي تحيض وهي حائض أو في طهر جامعها فيه، يحرم عليه ذلك سواء علم أم لم يعلم، مثاله: رجل قال لزوجته: أنت طالق، وهي حائض، نقول: هذا حرام عليك، وقد علم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ابن عمر رضي الله عنهما طلق زوجته وهي حائض فتغيض عليه الصلاة والسلام وقال لـ عمر: (مره فليراجعها، ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق) .(55/7)
ضوابط عدة المرأة المفارقة
كذلك لو طلقها في طهر جامعها فيه وهي ممن يحيض وليست بحامل فإن الطلاق حرام، لأنه إذا طلق وهو قد جامعها في هذا الطهر لا يدرى فلعلها حملت منه، وحينئذ لا ندري أطلقها لعدة الحيض أو لعدة الحمل.
الطلاق في حال الحمل واقع أو غير واقع؟ والغريب أن بعض العوام يظنون أن الطلاق في الحمل لا يقع، ولا أدري من أين أتاهم هذا، الطلاق في الحمل يقع، حتى لو جامعها الإنسان وهي حامل وطلقها قبل الغسل من الجنابة وقع الطلاق، إذاً طلاق الحامل من أوكد الطلاق وقوعاً، وإذا تم الطلاق فلا بد من عدة، فما هي العدة؟ العدة إذا كان الإنسان قد دخل بزوجته أو خلا بها لمن تحيض ثلاث حيض طالت المدة أم قصرت، فإذا كانت المرأة لا تحيض إلا في الشهرين مرة كم تكون عدتها؟ ستة أشهر، وإذا كانت المرأة ترضع والعادة أن التي ترضع لا يأتيها الحيض إلا إذا فطمت الصبي، وبقيت ترضع هذا الصبي سنتين كم تكون العدة؟ تكون العدة سنتين، وبعد أن يأتيها الحيض تعتد بثلاث حيض.
غالب الناس -مع الأسف الشديد- يظنون أن عدة الطلاق ثلاثة أشهر سواء تحيض أم لا تحيض، هذا غلط، التي عدتها ثلاثة أشهر صنفان من النساء ذكرهما الله عز وجل في سورة الطلاق فقال: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق:4] إذاً صنفان: التي يئست من الحيض إما لكبرها أو أنها أجرت عملية في الرحم انتزع الرحم منها أو غير ذلك، المهم أنها آيسة، هذه عدتها ثلاثة أشهر.
{وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق:4] يعني: الصغيرات اللاتي لم يأتهن الحيض عدتهن ثلاثة أشهر، إذاً نقول -وانتبهوا للضوابط-: المرأة المفارقة الحياة إن كان فراقها قبل الدخول والخلوة فلا عدة عليها، مثاله: رجل عقد على امرأة وتأخر الدخول، ثم بدا له أن يطلقها قبل أن يدخل بها وقبل أن يخلو بها فطلقها، أعليها عدة؟ لا، لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49] هذه ما عليها عدة.
القسم الثاني: طلقها وهي حامل، فعدتها إلى وضع الحمل طالت المدة أم قصرت لقول الله تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] .
الثالث: امرأة تحيض فعدتها ثلاث حيض طالت المدة أم قصرت.
الرابعة: امرأة طلقها وهي لا تحيض لصغر أو إياس فعدتها ثلاثة أشهر.
أما بالنسبة للمعتدة من الوفاة فإنهن صنفان فقط: حامل وغير حامل، الحامل عدتها وضع الحمل، وغير الحامل عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، تبدأ المدة من موت الزوج حتى لو تأخر دفنه أياماً فإن العدة من حين مات لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة:234] وهو يذرها -أي: يتركها- من حين أن يموت.
إذاً المفارقة بالموت صنفان: فإن كانت حاملاً فعدتها وضع الحمل، أو غير حامل فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام.
لو فرض أن الرجل ما دخل عليها ولا خلا بها، تزوج امرأة عقد له عليها، ثم مات قبل أن يدخل عليها، هل تعتد أو لا؟
الجواب
تعتد، هذا غير الطلاق، انظر سبحان الله! الوفاة تعتد وإن لم يدخل عليها، فلو عقد له على امرأة وهو في مكة والمرأة في المدينة ثم مات في أثناء الطريق وجب على امرأته في المدينة أن تعتد لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة:234] فإذا كانت حاملاً ومات عنها زوجها فعدتها وضع الحمل.
رجل توفي وزوجته في حالة طلق الولادة ثم وضعت قبل أن يدفن انتهت عدتها أو لا؟ انتهت عدتها وإحدادها، ما بقي شيء؛ لقول الله تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] ويدل لذلك أن امرأةً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي سبيعة الأسلمية رضي الله عنها؛ مات عنها زوجها ثم ولدت بعده بليال، فدخل عليها رجل يقال له أبو السنابل بن بعكك ورآها متهيئة للخطَّاب، قال لها: ما هذا؟ لا يمكن أن تتزوجي حتى يمضي عليك أربعة أشهر وعشر؟ وهي نفست في ليال، هي رضي الله عنها لما قال لها أبو السنابل هذا الكلام ذهبت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وأخبرته أنها وضعت، وأن هذا الرجل قال لها: لا يمكن أن تتزوجي إلا بعد أربعة أشهر وعشر.
فقال لها: (كذب أبو السنابل) يعني أخطأ، كذب في لغة الحجازيين في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام بمعنى أخطأ، يعني: أخطأ الرجل (لقد حللت للأزواج) وهي لم تلبث إلا ليالي.
إذاً عدة الوفاة صنفان فقط: إما أن تكون حاملاً فعدتها بوضع الحامل، أو لم تكن حاملاً فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، ابتداءً من موت زوجها لا من دفنه ولا من علمها بموته، من موته تحسب أربعة أشهر وعشرة أيام.
وبماذا تحسب الأشهر؟ تحسب أربعة أشهر وإن كان الشهر تسعة وعشرين يوماً لأن الله قال: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة:234] فإذا قدر أن الشهر الأول والثاني والثالث ناقصات كم ينقص من الثلاثين؟ ثلاثة أيام، العبرة بالأشهر لا بالأيام لأن الله يقول: {وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة:234] .
والعبرة بالأشهر الهلالية.(55/8)
ما يترتب على النكاح من نفقة
ثم إن النكاح يترتب عليه نفقات من الزوج على الزوجة، فالواجب على الزوج أن ينفق على زوجته من حين أن يتسلمها، أي: من حين يدخل عليها، وهل ينفق عليها إنفاق غني أو إنفاق فقير أو وسط؟
الجواب
حسب حاله، قال الله عز وجل: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق:7] فلو تزوجت غنية بفقير وقالت له: ائتني بذهب، ائتني بأفخر الثياب، أسكني بأحسن القصور.
فهل يلزمه ذلك أو لا يلزمه؟ الجواب: لا يلزمه.
ولو تزوجت فقيرة بغني وقالت: أعطني حلياً، هات لي اللباس.
فقال لها: أنت ابنة فقراء، أنت عند أهلك ليس لك اللباس الجميل ولا الحلي وتسكني في حفش بيت.
هل يوافق على هذا الكلام؟ لا، نقول: أنت أغناك الله، والله عز وجل قال: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق:7] .
إذا لم يقم الزوج بالإنفاق الواجب عليه فهل للمرأة أن تطالبه؟ الجواب: نعم، حقها، فإن قام بالواجب وإلا فلها فسخ النكاح؛ لأن الرجل فرط ولم يقم بالواجب عليه فلها أن تفسخ النكاح.
لو كانت المرأة لا تقوم بحق زوجها، وإن قامت قامت على مضض وكره وتثاقل، فهل له أن يحبس النفقة عنها؟ نعم، أعط وخذ، ولذلك إذا كان الزوج لا ينفق عليها فلها أن تمنعه حتى من الفراش: {جَزَاءً وِفَاقاً} [النبأ:26] إن قام بحقها وجب أن تقوم بحقه وإن لم يقم بحقها لم يجب، وهي إن قامت بحقه وجب أن يقوم بحقها وإن لم تقم بحقه لم يجب عليه أن يقوم بحقها، حق متبادل.
يوجد بعض الناس -والعياذ بالله- يهين المرأة إلى أبعد الحدود، لا يتكلم معها ولا يلقي لها بالاً، وهي عنده كخادم من أسوأ الخدم، وهذا والله لا يجوز أبداً، ألم تعلموا أن نبيكم محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقول: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) .
ألم تعلموا أنه كان يسابق زوجاته يجاريهن في المشي؛ كما سابق عائشة رضي الله عنها؟ كل ذلك من حسن خلقه، وتأمل قوله: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) أي: فتأسوا بي.
فالواجب على الزوجين أن يتعاشرا بالمعروف، يقوم الزوج بحق زوجته والزوجة بحق زوجها حتى تكون الحياة بينهما سعيدة، أما إذا كانا في نزاع وخصام فإن الحياة ستكون جحيماً -والعياذ بالله- وسيؤثر ذلك على أولادهما إن كان لهما أولاد.
ونرجو الله تعالى أن يكون فيما حصل من الذكرى كفاية، ونسأل الله تعالى أن يكثر تزويج بناتنا وأبنائنا، وأن يخفف المهور، وأن يخفف القصور إنه على كل شيء قدير.(55/9)
الأسئلة(55/10)
جواز أخذ المال من الآخرين للاستعانة به
السؤال
فضيلة الشيخ أنا شاب أعاني من الشهوة فصارت تغلبني مرة وأغلبها مرة، وأخاف على نفسي الوقوع في معاصي تفسد القلب والدين، وأريد الزواج وليس عندي مال، سؤالي يا فضيلة الشيخ: هناك من يعطني مالاً للزواج ولكن نفسي تأبى أن آخذ مالاً من غيري، فأي الأمر أحب إلى الله: آخذ المال، أم أستعف حتى يغنيني الله من فضله؟ أسأل الله أن يحبك كما أحببتك فيه.
الجواب
جزاك الله خيراً، قال الله عز وجل: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً} [النور:33] إلى متى؟ {حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33] ولكن بماذا يغنيهم الله من فضله؟ أتظنون أنه يمطر عليهم من السماء ذهباً وفضة؟ أبداً، بل حتى ييسر الله لهم الغنى بأي سبيل مباح؛ سواء بإرث، أو بهبة، أو بتكسب، أو غير ذلك، لأن الله تعالى لم يبين بأي سبيل يكون الغنى فأقول للأخ: ما دام المال أتاك من غير استشراف نفس ومن غير سؤال فخذه وتزوج به، وأسأل الله أن يبارك له في زواجه، وإذا كان يتزوج قريباً فليدعنا إلى الوليمة إن شاء الله.(55/11)
تحريم الاختصاء في الشرع
السؤال
فضيلة الشيخ سؤالي عن حكم الاختصاء في الحالة الآتية: رجل لم يتيسر له الزواج وهو مبتلى ببعض المعاصي ويخاف على نفسه من ذلك، وكلما وقع في شيء من ذلك تاب منه وأقلع عنه فوراً، وحلف أو نذر ألا يعود مرةً ثانية، ثم لا يلبث أن يقع مرة أخرى، وقد تكرر هذا منه مراراً، ثم إنه عزم على الاختصاء فاستشار بعض طلبة العلم فذكر له أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن ذلك وقال له: إنك إذا تبت توبةً نصوحاً فإن هذه التوبة تجب ما قبلها، حتى لو فرض أنك وقعت في شيء من ذلك من غير إسراف ثم تبت مرة أخرى لم يضرك هذا بإذن الله، وذكر له حديثاً في ذلك، إلا أن هذا الرجل رد عليه بقوله: إن كان الله سيغفر لي ويتجاوز عني؛ فإني أخاف أن ينكشف أمري وأفتضح عند الناس، وهم لن ينسوها لي أبداً، وستكون وصمة عار في وجهي ما بقيت؛ لأجل هذا فهو عازم على الاختصاء درأً لهذه المفسدة وحتى يتفرغ لطاعة الله وطلب العلم، فما توجيهك له في هذا الأمر جزاك الله خير الجزاء؟
الجواب
توجيهي له أن يتقي الله في نفسه، وألا ينفذ ما هم به من الاختصاء؛ لأن ذلك محرم، وإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم) فليصبر وليحتسب.
ثم إننا في الوقت الحاضر يسر الله سبحانه وتعالى من الأدوية ما يكون مخففاً للشهوة، فبإمكانه أن يتصل بطبيب ناصح ثقة ويشكو إليه هذا الأمر على أني -أيضاً- لا أحبذ هذا، وأرجو الله تعالى أن ييسر له النكاح عن قريب حتى يزول عنه ما يجد.(55/12)
حكم من أراد إعانة صديقه بمال اقترضه
السؤال
فضيلة الشيخ رجل تسلف من صندوق إقراض الزواج مبلغاً من المال، لكنه بقي من هذا المبلغ حوالي النصف، وله صديق سوف يتزوج، فهل يعطي ما بقي لصديقه أو يرجعه إلى صندوق الإقراض؟
الجواب
الواجب عليه أن يرده إلى صندوق الإقراض لأنه مدين وقد قدر على الوفاء، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (مطل الغني ظلم) إلا إذا كان الدين الذي لصندوق الإقراض مؤجلاً -أي: مقسطاً- وهو واثق من نفسه أنه إذا جاء وقت التسليم سيجد ما يسلمه، فهنا لا بأس أن يقرض صديقه أو يساعده تبرعاً، وإذا حل أجل الأقساط عليه أن يوفيه، أما إذا كان ليس عنده ما يوفي به ولا يؤمل ذلك فالواجب عليه أن يقضي دينه ولا يعين هذا الرجل؛ لأن إعانة إخوانه سنة، ووفاء الدين واجب.(55/13)
نصيحة لمن ترك الزواج خوفاً من عدم بر والديه
السؤال
فضيلة الشيخ أريد أن أتزوج ولكني أتركه خوفاً من عدم الوفاء ببر والدي، فماذا أفعل؟
الجواب
غلط، أقول: تزوج وربما يكون التزوج سبباً لبر الوالدين، لأنك إذا تزوجت تزوجت بأمر الله، والطاعات يجر بعضها بعضاً، فتزوج وبادر بالزواج، وربما يكون من بر الوالدين أن تتزوج لتخدم المرأة والديك، وإن كان خدمة المرأة لوالديك ليست واجبة؛ لكنها من باب الأخلاق الفاضلة، فقد ييسر الله لها أن تخدم هذين الأبوين.(55/14)
لا يحق للمرأة المعتدة عن طلاق أن تستعجل عدتها
السؤال
هل يحق للمرأة المطلقة التي تحيض في كل شهرين أن تتناول حبوباً لإنزال الحيض لئلا تطول عدتها؟
الجواب
لا تفعل؛ لأن لزوجها الحق، لأنه ربما مع طول مدة العدة يراجعها، والإنسان إذا راجع زوجته في العدة يراجعها بدون مهر وبدون عقد، فكونها تستعجل الحيض لتنتهي العدة هذا فيه ضرر على الزوج وإسقاط لحقه، فلا تستعمل هذا.
نعم.
لو فرض أنه لا رجعة لزوجها عليها كما لو كانت تعتد لآخر طلقة فقد يقال: إنه لا بأس أن تستعجل الحيض من أجل أن تستريح من العدة وتتزوج غير زوجها.(55/15)
حكم اشتراط تمليك الزوجة الأثاث عند الطلاق
السؤال
يقول السائل: فضيلة الشيخ في بعض البلدان لا يتم الزواج إلا بما يسمى بالقائمة، وهي أن يقوم الزوج بكتابة كل ما يحتويه بيت الزوجية من أثاث وغيره ليكون ملكاً للزوجة في حالة الطلاق، وربما يجبر الزوج على كتابة أشياء غير موجودة الآن، فهل هذا يعتبر من الشرع لأنه عرف في تلك البلاد؟ أفدنا جزاك الله خيراً.
الجواب
هذا يرجع إلى العادة والعرف، إذا كان عندهم أن من تمام المهر أن الزوج يسرد جميع ما في بيته ليكون ملكاً للزوجة فعلى حسب العادة، أما إلزامه بذلك بدون أن يكون هناك عرف مطرد فلا يجوز.(55/16)
وقت انتهاء عدة المرأة التي توفي عنها زوجها
السؤال
امرأة توفي زوجها قبل أربعة أشهر وثمانية أيام، وما بقي عليها إلا يومان من العدة، ولكن لا تعلم يا فضيلة الشيخ متى تخرج من العدة هل في وقت خروج روحه أم متى يكون ذلك؟ آمل توضيح الحكم.
الجواب
إذا تمت أربعة أشهر وأربعة أيام من موته انتهت العدة، لكن إذا كان قد مات في نصف النهار مثلاً فإ نها تكمل إلى الغروب.
وهنا مسألة أحب أن أنبه عليها: أن بعض العوام يقولون: إذا انتهت العدة من الوفاة فإن المرأة تخرج بطعام أو دراهم، وأول من يصادفها تعطيه إياه ولو كان غنياً، هذا غلط، وهذه عادة سيئة وليس لها أصل من الشرع.
لكن معنى انتهاء العدة: أنه إذا تمت خرجت من الإحداد، لأن المرأة في عدة الوفاة يجب عليها الإحداد بأن تتجنب الأمور التالية: أولاً: تتجنب جميع أنواع الزينة فلا تلبس الحلي، ولا تلبس الثياب الجميلة التي يقال لها إنها متزينة، ولا تتطيب، ولا تكتحل، ولا تخرج من البيت إلا لحاجة في النهار أو لضرورة في الليل، وأما مكالمة الرجال في الهاتف أو عند الباب فهذا لا بأس به.(55/17)
حكم نداء أم الزوجة بخالة ونداء الزوجة لأبي الزوج بعم
السؤال
ما حكم نداء أم الزوجة من قبل الزوج بخالة، ونداء الزوجة لأبي زوجها بعم، فإذا كانت هذه العبارة ليست بصحيحة فبماذا ينادى كل واحد منهما؟
الجواب
لا بأس أن ينادي الرجل أم زوجته فيقول: يا خالة أو ما أشبه ذلك، لكن لا يعبر عنها بالخالة؛ مثل لو تكلم مع شخص آخر وقال: اليوم زارتني خالتي؛ لأنه إذا تكلم مع شخص آخر وقال: اليوم زارتني خالتي أوهم أن خالته أخت أمه، أما أن يخاطبها ويقول: يا خالة أو تقول الزوجة لأبي الزوج: يا عم، فهذا لا بأس به، وهو من الأدب.(55/18)
جواز التعدد في الزواج إذا توفرت الشروط
السؤال
أمر مهم كثر في المجتمع وهو: حصول العقم في بعض النساء، ولعل لذلك سبباً خلقياً أو أسباباً منها: استعمال بعض حبوب منع الحمل في أول الزواج.
ثانياً: استعمال موانع الحيض.
ثالثاً: أمور يكيد بها الأعداء لا نعلم بها.
سؤالي يا فضيلة الشيخ: هل للزوج أن يتزوج أخرى لتأخر الذرية لعدة سنوات وهو يحب زوجته، ولكنه يخاف من ظلمها في أمر لا دخل لها فيه، فما توجيهك يا فضيلة الوالد؟ وهل تعلمون علاجاً شرعياً لذلك نفعنا الله بك؟
الجواب
أقول: سبحان الله! في هذا العهد أو في هذا العصر كثر العقم وكثر التشوه -أيضاً- في الأجنة، وذلك لأن بعض النساء -هداهن الله- تستعمل العقاقير لإيقاف الحيض أو لإيقاف الحمل فتعاقب المرأة بهذا، ويعاقب الزوج الذي يأذن لها بهذا، لذلك أشير على إخواني أن يدعوا الأمور على طبيعتها، وإذا كثر النسل فهذه من نعمة الله عز وجل، وهذا هو الذي أراده النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهذه الأمة حيث قال: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة) .
أما قوله: هل له أن يتزوج عليها فنقول: نعم تزوج عليها ولو كانت تلد، تزوج ثانية، فإن أردت وصار عندك قدرة مالية وبدنية فتزوج ثالثة، وإن كان عندك قدرة فتزوج رابعة، كلما تعددت الزوجات فهو أفضل إذا كان عند الإنسان قدرة مالية وبدنية، وقدرة عدلية -يعني: يعدل بينهن- أما إذا كان يخاف ألا يعدل أو كان فقيراً أو ليس عنده قدرة فهنا نقول: اقتصر على واحدة.(55/19)
ليس على المرأة ولاية من أقاربها بالرضاع
السؤل: هل يجوز للأخ من الرضاعة أن يزوج أخته من الرضاعة إذا لم يوجد لها ولي يزوجها أم أن زواجها بيد القاضي؟
الجواب
جميع الصلة بالرضاعة ليس لهم حق أن يزوجوا، الأب من الرضاع لا يزوج، والأخ من الرضاع لا يزوج؛ لأنه ليس بينه وبين المرأة نسب، ونحن نقول: لا يزوج المرأة إلا ذكور عصبتها، هذه القاعدة.(55/20)
حكم الزواج من أهل الكتاب في عصرنا هذا
السؤال
فضيلة الشيخ ذكرت حفظك الله أنه يجوز الزواج من أهل الكتاب، فهل يطلق على اليهود والنصارى في هذا الوقت بأنهم أهل كتاب لما يقومون به من تحريف وتجديد لكتبهم في كل عشر سنوات وانتسابهم لعيسى عليه الصلاة والسلام وهو بريء منهم؟ ثانياً: كيف الجمع بين جواز الزواج من أهل الكتاب والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (لا يبقى دينان في جزيرة العرب، أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب) أرجو توضيح ذلك لي.
الجواب
أقول: من آخر ما نزل في القرآن سورة المائدة، حتى قال العلماء رحمهم الله: إن سورة المائدة ليس فيها شيء منسوخ.
وسورة المائدة فيها حل نساء أهل الكتاب فقال الله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة:5] مع أن السورة نفسها قال الله تعالى فيها: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:73] والنصارى يقولون: إن الله ثالث ثلاثة.
واليهود يقولون: عزير ابن الله.
وقد أحل الله نساءهم.
أما قوله: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب) فمعلوم أن المرأة تابعة لزوجها، فهي وإن بقيت في جزيرة العرب فهي تبع وليست مستقلة، ولذلك لو تزوج إنسان من جزيرة العرب بامرأة من النصارى في بلادهم وأتى بها إلى الجزيرة فله أن يبقيها وذلك لأنها تعتبر تابعة، حتى إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سمى الزوجات عواني -يعني: أسرى- فقال: (اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم) والعاني: هو الأسير.(55/21)
حكم جماع المرأة أثناء الحيض أو في دبرها
السؤال
سائلة تقول: فضيلة الشيخ زوجي يجبرني على الجماع في أثناء الحيض، وعندما أبين له حرمة ذلك في القرآن ينهرني بشدة ويقول: إنك بامتناعك هذا تدفعينني للحرام ولا تعفيني.
فما توجيهك يا فضيلة الشيخ لهذا الرجل وأمثاله، وأولئك الذين ربما يجبرون زوجاتهم على أن يطئوهن في أدبارهن.
الجواب
أقول: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] وطأ المرأة في حال الحيض حرام لأن الله تعالى قال: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222] وإذا كان الزوج يريد المتعة فليتمتع بدون الوطء، له أن يطأها بين الفخذين مثلاً، أو أن يعجل شهوته بأي سبب لكن لا يطأ في الفرج.
أما الوطء في الدبر فهو أخبث، إذا كان الله تعالى قد نهى عن الوطء في الحيض في محل الوطء وهو الفرج فكيف يدنو الإنسان بنفسه حتى يطأها في محل الخبث (الغائط) -والعياذ بالله- لكن هذه انتكاسة، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من عرف بهذا -أي: بوطء المرأة في دبرها- فإنه يجب أن يفرق بينهما غصباً عليه، لأن هذا منتهك لحرمات الله ولم يشكر نعمة الله عليه، والأمر -ولله الحمد- واسع، يستطيع الإنسان أن يتمتع بما بين الفخذين ويقضي شهوته بذلك.
أما بالنسبة للمرأة فيجب عليها أن تمتنع إذا طلب أن يجامعها في الحيض أو في الدبر.(55/22)
حكم إجراء عملية أطفال الأنابيب
السؤال
هل يجوز للزوجين العقيمين استعمال عملية أطفال الأنابيب؟
الجواب
أنا لا أفتي بهذا؛ لكن غيري قد يفتي به، أما أنا فلا أفتي به.(55/23)
تحريم رفع أصوات النساء بالغناء
السؤال
هل من كلمة يا فضيلة الشيخ إلى أصحاب صالات الأفراح والأعراس فيما يحصل من رفع أصوات الغناء بمكبرات الصوت، ويجلس الرجال يستمعون غناء الفتيات فما رأيكم؟
الجواب
رأيي أن هذا حرام أن تظهر أصوات النساء عند الرجال الذي يجلسون يستمعون إليهن ويتلذذون بأصواتهن.
وفيه -أيضاً- إفزاع للجيران، وقلق عليهم، والواجب علينا إزاء هذه النعمة أن نشكر الله عز وجل، وألا نجعل من الفرح سبباً لمعصية الله، ومن المنكرات في هذا أن بعض الأزواج السفهاء يأتون إلى النساء في مجتمعهن ويجلس مع زوجته في مكان مرتفع ويتحدث إليها والنساء أمامه كاشفات الوجوه، وهذا لا شك في تحريمه، وأنه لا يجوز، وإني لأعجب من أهل المرأة كيف يمكنون الزوج من الحضور إلى النساء؟! أفلا يخشون أن تكون امرأة في النساء أجمل من زوجته؟ وإذا كانت أجمل من زوجته فسوف تنحط رغبته في زوجته بلا شك، يعني: الإنسان إذا رأى امرأة أجمل من زوجته وأبهى وأحسن جسماً فستقل رغبته في الزوجة، وتنقلب سعادته شقاوة، فلذلك أنهى عن هذا وأقول: ليتق الله عباد الله، وليتجنبوا هذه السفاسف، والنكاح ليس شيئاً غريباً لا يحدث في السنة إلا مرة، النكاح -والحمد لله- كل ليلة زواجات، فلا حاجة إلى أن نحتفل به هذا الاحتفال الذي يخرج عن السنة، أما ما وافق السنة من ضرب النساء بالدف بأصوات غير مزعجة ولا مثيرة للشهوة فهذا لا بأس به.(55/24)
لا يشترط رضا الزوجة في الطلاق
السؤال
أنا رجل أعمل في جهة رسمية يراجعها من يريد توثيق طلاق، فيكلفني المسئول عن تلك الجهة بسماع لفظ المطلقة وشهادة الشهود، ويكتفي بهذا بوقوع الطلاق دون التأكد من حال المرأة حين الطلاق لأن ذلك متعذر، فهل هذا الإجراء سائغ شرعاً أم لا؟ وماذا يجب علي للتأكد من حال المرأة جزاك الله خيراً؟
الجواب
أولاً: هل يشترط حضور المرأة ورضاها بالطلاق؟ لا يشترط، للرجل أن يطلق زوجته ولو كانت غير حاضرة ولو كانت غير معروفة، هو إذا كتب عند القاضي أو عند كاتب العدل أو عند من قلمه معروف أنه طلق زوجته انتهى سواء حضرت أو لم تحضر، وسواء رضيت أم لم ترض، وأما ظن بعض الناس أنه لا يمكن أن يقع الطلاق حتى يواجه زوجته به فهذا ظن لا أصل له، الطلاق يحصل متى أقر الزوج به وأثبته، وحينئذ لا حاجة أن تذهب المرأة إلى المحكمة، ولا حاجة أن تصدق زوجها، ولا شيء.
ولمن أراد أن يكتب وثيقة الطلاق إذا ظن أن هذا الشخص لا يعرف أحكام الطلاق أن يقول له مثلاً: هل الزوجة مدخول بها أو لا؟ إذا قال: نعم.
قال: هل جامعتها بعد الحيض؟ إذا قال: نعم.
يقول: انتظر حتى يتبين حملها أو تحيض ثم تطهر.
إذا قال: هي حائض.
قال: انتظر حتى تطهر.
هذا لا بأس أن يتحرى منه الكاتب حتى يقع الطلاق طلاق سنة.(55/25)
خطر السفر إلى البلاد الكافرة والمتحللة
السؤال
بعض الناس في الإجازة يذهب إلى خارج المملكة بحجة أو بغير حجة سواء إلى بلاد عربية متحللة أو غربية كافرة، فإذا نصح بعدم السفر قال: إن هذا من الترفيه المباح، والأسعار عندنا غالية ونحو ذلك.
فما واجبي تجاهه إن كان قريباً لي؟ وما نصيحتك له وأمثاله عسى الله أن ينفع بك؟
الجواب
نصيحتي لإخواني المسلمين ألا يبدلوا نعمة الله كفراً، نحن -ولله الحمد- في خير، في أمن، في رغد من العيش، وإذا سمعنا الأخبار والقتال بين الناس، والفقر والخوف وجدنا أننا -ولله الحمد- في نعمة، فكيف نقابل هذه النعمة بكفرها؟ السفر إلى بلاد الكفر أو إلى بلاد متحللة -كما يقول السائل- خطر على العقيدة، خطر على الأخلاق، خطر على العائلة؛ لأن الإنسان إذا رأى الكفر هناك فإنه لن ينفر منه مثل نفوره لو لم يكن رآه، ومن الأمثال العامية: (كثرة الإمساس يقلل الإحساس) فإذا رأى الكفر، وسمع أصوات النواقيس، وأبواق اليهود خف الكفر في نفسه، وهذا إخلال بالعقيدة.
كذلك يرى هناك بيوت الدعارة والزنا واللواط ويرى شرب الخمر، وهذا يؤثر على أخلاقه.
كذلك العائلة الصغار، الصغير لن ينسى الصورة التي رآها في صغره، سوف تتمثل هذه الصورة في رأسه ولو كبر وتباعد الزمن، فيكون هذا الرجل أساء إلى نفسه وأساء إلى عائلته، ثم هذا فيه تنمية لأموال الكفار وتقوية لاقتصادهم.
وفيه -أيضاً- إخلال باقتصاد البلاد؛ لأن الدراهم التي تخرج منا إلى هناك نقصتنا ووفرت الدراهم للبلاد الأخرى.
ثم إن هؤلاء الكفرة يفرحون إذا رأوا الناس اتخذوا بلادهم موئلاً، يفرحون ويخسرون الخسائر الكبيرة لكون الناس يقصدونهم في بلادهم، كل هذه المفاسد العاقل فضلاً عن المؤمن لا يفعلها، فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدي شعبنا لما فيه خيرنا في ديننا ودنيانا.(55/26)
حكم لبس الإحرام الذي خيط عليه ربقة
السؤال
فضيلة الشيخ سمعنا عنكم جواز لبس الإحرام الذي قد خيط عليه ربقة كالإزرة.
الجواب
صحيح، الإزار جائز سواء كان مربوطاً بتكة -يعني: بالربقة كما يقول السائل- أو مخاطاً أو فيه مخابئ -أيضاً- فيجوز أن يلبس الإنسان إزاراً فيه ربقة وأيضاً مخاطاً كالإزار المعروف، وأما توهم بعض العوام أن كل ما فيه خياطة فهو حرام غلط، وغير صحيح، ولذلك يسألون كثيراً عن الحذاء المخروزة هل يجوز لبسها أم لا لأن فيها خياطاً؟ فيقال: الإزار جائز على أي صفة كان، والقميص حرام على الرجال على أي صفة كان.(55/27)
تحريم الغش بالتلميح أو الإشارة أو التصريح أو التعريض
السؤال
أنا مدرس وأضطر إلى توزيع الأسئلة وأراقب على الطلاب، وعندي أكثر من حالة: أولاً: إذا قلت لطالب محدد: أعد حل السؤال.
فهل هذا يعتبر غشاً؟ ثانياً: إذا قلت للطالب: انظر إلى هذا السؤال هل هو صحيح.
لكي ألفت انتباهه لإعادة حل السؤال لأنه أخطأ فيه.
ثالثاً: إذا جعلت الكلام عاماً لجميع الطلاب بدون تحديد.
فما حكم الحالات الثلاث؟
الجواب
كل هذا غش، سواء قلت: انظر للجواب، أو انظر للسؤال تعميماً أو تخصيصاً، اللهم إلا إذا كان السؤال غامضاً فالواجب أن يبين للطالب، أما إذا كان السؤال واضحاً فإن الإشارة إلى الجواب تعتبر غشاً.(55/28)
اللقاء الشهري [56]
لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين نعماً كثيرة لا تعد ولا تحصى، وإن من واجب المؤمنين أن يقوموا بشكر هذه النعم الجزيلة، لأن النعم إذا شكرت قرت وإذا كفرت فرت، فيؤدوا الحقوق المفترضة عليهم من عبادة الله وطاعته؛ بإخراج الزكاة وكثرة الصدقة، وإن قوماً يقابلون النعمة بالكفران، والعافية بالعصيان؛ يلهثون وراء أعداء الله في تتبع أنواع الموضة من الملابس، ويحذون حذوهم في تقليد أشكالهم وألوانهم وملابسهم، وفي هذا اللقاء توجيهات تبين ما يحل من ذلك وما يحرم.(56/1)
من أحكام اللباس ومنكراته
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإنني أذكركم -أيها الإخوة- بما أنعم الله علينا به في هذه البلاد من الرخاء والأمن والاستقرار، وغير ذلك مما لا يوجد في كثير من البلاد، وأنتم تعلمون أو كثير منكم يعلم ما يحدث في العالم من الشرور والفتن والكوارث؛ من الفيضانات والزلازل وغير ذلك.
ولا شك أن النعم تستوجب منا الشكر، لأننا إذا شكرنا الله عز وجل فقد قال الله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7] فبين الله عز وجل أنه بالشكر يزيد النعم، أما إذا قوبلت بالكفر فإن الله تعالى سيعذب هؤلاء الذين أنعم الله عليهم فبدلوا نعمة الله كفراً.(56/2)
تهافت النساء على الموضة
إننا في هذه البلاد -ولله الحمد- نتطلب الكماليات، أما الضروريات فمتوفرة والحمد لله.
نتطلب الكماليات في الأكل والشرب، واللباس، والسكن، والمركوب، وقد أنعم الله علينا بذلك ولله الحمد، فكانت الألبسة والأطعمة والأشربة والمركوبات تأتينا من كل ناحية، ولكن يجب علينا أن نحذر أعداءنا، وألا نأمن مكرهم لأن أعداء الإسلام هم أعداؤكم، أنتم المسلمون الذين تمثلون الإسلام بقدر المستطاع، وأنتم أعداؤهم حقيقة لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ} [الفرقان:31] إنهم يريدون القضاء عليكم، القضاء على دينكم بكل وسيلة، وبكل مكر وخديعة.
ومما يدل على ذلك ما يقدمونه لنا من الألبسة المتنوعة التي لا تتناسب مع اللباس الشرعي، وانظر كيف زخرت المكاتب بالمجلات وبالموديلات التي لا تمت إلى التقاليد التي نحن عليها التي يمليها ديننا لا تمت لها بصلة، والناس مع الأسف بما أنعم الله عليهم يتلقون كل جديد، وكلما أتت موضة أخذوا بها وتركوا السابقة مع أنها صالحة للاستعمال، هم يأخذون أموالنا، هم يقوون اقتصادهم ويرسلون لنا ما يخالف العادات التي نحن عليها، والتي انبثقت من ديننا.
مع الأسف يوجد الآن ألبسة للنساء ملأت الأسواق، ألبسة إذا لبستها المرأة صارت شبه عارية، أو كأنها عارية، ألبسة يوجد عليها صور لا يجوز لبسها، ألبسة يكتب عليها عبارات رديئة سخيفة باللغة الإنجليزية، والناس كإبل نافرة ينكبون على هذه الألبسة ويشترونها من غير أن يفكروا فيها.(56/3)
تحريم لبس النساء للبنطلونات وسبب التدهور في اللباس
وهناك ألبسة -أيضاً- كلها شر وبلاء كالبنطلونات، فالبنطلونات لا تحل للمرأة؛ لأنها لباس الذكور، وقد لعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المتشبهات من النساء بالرجال، والعجب أن الفتوى تصدر من العلماء ولكن الناس لا يبالون، صدرت الفتوى من عند سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز مفتي عام المملكة ومن مشايخ آخرين، ومن اللجنة الدائمة للإفتاء ومع ذلك لا يبالي الناس بهذا.
ثم إنهم يتعللون هؤلاء: بأن المرأة إنما تلبس البنطلون في البيت أو عند الزوج أو ما أشبه ذلك، والعلة ليست هي مجرد أنه يصف حجم المرأة، أو يصف أفخاذها ورجلها، العلة أنه لباس الذكور، فلباس المرأة له تشبه بالرجل، وإذا كان العلماء في هذه البلاد الذين هم قادة علماء البلاد إن لم أقل قادة علماء العالم الإسلامي يقولون للناس: هذا حرام.
ولكن الناس لا يبالون فإنه أمر يؤسف له، إذا لم يطع الناس علماءهم الذين هم قادة البلاد في بيان الشريعة فمن يطيعون؟! إذا كانوا يرجعون إلى علمائهم في شأن الصلاة والزكاة والصيام والحج فلماذا يخالفونهم في شيء دون ذلك وهو اللباس، ثم يركبون أهواءهم من غير نص ولا قياس؟ إن هذه البنطلونات لا تحل للمرأة من أجل التشبه بالرجل، ثم إننا لا نريد فلعل بنطلولات تأتي تكون ضيقة جداً حتى يستطيع الإنسان أن يقدر حجم فخذ المرأة (100%) ، ثم لا ندري لعلها تأتي بنطلونات من حرير ناعم مشابه للبشرة فيضم على أفخاذ المرأة وعلى أردانها حتى تصبح كأنها عارية تماماً، هذا التدهور السريع -ولا أقول التطور- هذا التدهور السريع سببه أمران: الأمر الأول: عدم قيام الرجال بما أوجب الله عليهم من رعاية المرأة وتوجيهها وإرشادها، حتى كأن الإنسان غير مسئول إطلاقاً عن بناته وأخواته وزوجاته، وإننا نحذر أولئك القوم الذين أهملوا نساءهم بأنهم سيكونون يوم القيامة مسئولين عنهم، وربما تكون هؤلاء النساء خصماً لهم عند الله عز وجل، لولا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم علم أن المرأة لن تستقل بنفسها تربيةً وتوجيهاً لما قال: (الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته) ما قال هكذا إلا لأن الرجل يجب عليه أن يحقق المسئولية، وأن يعرف رجوليته، وأن يعرف أنه سلطان في بيته، لكن مع الأسف أن كثيراً من الرجال أصبحوا يُدبَّرون.
أما السبب الثاني: فهو ضعف الشخصية، حتى كنا نظن أننا متخلفون وأن الدول الكافرة هي المتقدمة، فصرنا نلهث وراءهم، ونشرب صديد أفكارهم، والواجب أن يعتز المسلم بدينه، وأن تكون له شخصية قوية لا يخضع لصديد أفكار هؤلاء.
هناك ألبسة ذكرت منها بعض الشيء، ألبسة من الحلي تكون على شكل حيوان، على شكل فراشة أو على شكل حية أو فيها صورة رئيس أو زعيم للكفار، أو مكتوب فيها كلمات سخيفة، كلها موجودة الآن، والواجب مقاطعة هذه الأشياء لأنها حرام، الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، وسبحان الله تلبس المرأة خاتماً أو حلياً آخر لتطرد ملائكة الرحمن عنها، لأنها إذا كانت صورة فالملائكة لا تدخل البيت، وتكون هذه المرأة شؤماً على نفسها وعلى من في البيت حيث إن الملائكة لا تدخل بيتها، وإذا لم تدخل الملائكة البيت ما الذي يدخله؟ الشياطين، فهل أحد يرضى بذلك؟ إنك الآن تمشي في السوق فيقابلك طفلان: أحدهما ذكر والثاني أنثى، أيهما أرفع ثوباً؟ الأنثى هي الأرفع ثوباً، تجد ثوبها إلى الركبة والصبي الذكر إلى الكعب إن لم يكن أنزل، انعكست القضية يا إخواني، انقلبت الأوضاع، كان الذي ينبغي لنا أن تكون الطفلة أسبغ وأطول ثوباً من الطفل، ولكن التقليد الأعمى، صاروا يشاهدون في المجلات أو في ما يسمونه البردة أو في القنوات الفضائية مثل هذه الألبسة فظنوا أن هذا هو الخير.
يوجد -أيضاً- ألبسة للذكور، تجد الذكر عليه هافاً -سروالاً قصيراً- وعليه قميص -أعني ثوباً خفيفاً جداً- يصف البشرة، ومع ذلك يمشي بين الناس، وأدهى من ذلك أنه يصلي به، يقف بين يدي الله عز وجل عارياً نسأل الله العافية، وهذا لا تجزئه صلاته إذا صلى على هذا الوجه؛ لأن الله تعالى يقول: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] وهذه زينة ناقصة، وذكر ابن عبد البر رحمه الله: أن العلماء أجمعوا على بطلان صلاة من صلى عرياناً وهو قادر على الستر.
فالواجب الحذر من هذه الألبسة المحرمة فإن الله يقول: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً} [الأعراف:26] اللباس الذي يواري السوءات هو الضروري، ومعنى يواري: يغطي، وريشاً: لباس الكمال: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26] وهذا حث من الله عز وجل أن نأخذ بلباس التقوى وأن نتقي الله عز وجل في أنفسنا وفي أهلينا فإنه خير.
أسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق لما يحب ويرضى.
والذي ينبغي للإنسان أن يشكر نعمة الله وأن ينفق فلا يسرف ولا يقتر وكان بين ذلك قواما، وإذا اشترى ثوباً جديداً وعنده ثوب خلق فالأفضل أن يتصدق به على الفقراء إما في بلده وإما في بلد آخر، ويكون هذا من شكر نعمة الله عز وجل، وإن بعض الناس لا يهتم بهذا إذا اشترى الثوب الجديد رمى بالأول وإن كان صالحاً للاستعمال وهذا من إضاعة المال، ولهذا قال العلماء: ينبغي للإنسان إذا لبس ثوباً جديداً أن يتصدق بالثوب الخلق -يعني: القديم- حتى يلبس ثوباً جديداً حسياً ويلبس ثوباً معنوياً لأن الصدقة قربة إلى الله عز وجل.
ثم إن الواجب ألا يبخل الإنسان على أهله في ما يجب من كسوة أو طعام أو شراب؛ لأنه مسئول عن ذلك إذا ضيعه، ولكن ليكن قيامه بذلك على وجه لا إسراف فيه ولا تقتير، نسأل الله لنا ولكم السلامة والتوفيق لما يحب ويرضى.(56/4)
الأسئلة(56/5)
الرد على شبهة أن عورة المرأة مع المرأة من السرة إلى الركبة
السؤال
سائل يقول: فضيلة الشيخ حول موضوع لباس المرأة: رفعت المرأة ثوبها من أسفل ولبست المشقوق من الخلف أو من الجانبين، وفي الآونة الأخيرة ظهرت موضة جديدة وهي كشف أعلى الجسد الصدر والأكتاف وأعلى الظهر، فلا يسترها شيء بحجة أن ذلك أمام النساء، والمرأة مع المرأة لا يجب عليها إلا ستر العورة المغلظة، فهل هذا العمل والقول حق أم باطل؟ وما هو دور الرجال والصالحات من النساء؟
الجواب
هذا فهم خاطئ، وقول باطل أن تقول المرأة: إن المرأة أمام النساء تكشف كل شيء إلا العورة المغلظة.
من قال هذا؟ هذا ولا لباس الكفار -والعياذ بالله- يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لباس نساء الصحابة في البيوت لباس يستر من الكف -كف اليد- إلى الكعب -كعب القدم- وهذا في البيوت، فإذا خرجت لبست القفازين لتستر اليدين، وأرخت ذيل ثوبها إلى شبر أو إلى ذراع حتى لا تنكشف الأقدام.
هكذا كان لباس نساء الصحابة، ولا يمكن أن تجد في الصحابة أو أن يروى عن الصحابة أن المرأة تلبس ما يستر ما بين السرة والركبة فقط أبداً، لو تصور الإنسان هذه الصورة لوجدها بشعة! يعني: المرأة تخرج الثدي بارزة والأكتاف وأعلى الظهر، من يقول هذا؟ لكن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة) يعني: أنها لا تتقصد أن تنظر إلى العورة لو كشفتها المرأة المنظورة لحاجة، كما لو كانت تبول مثلاً فلا يجوز للمرأة الأخرى مثلاً أن تنظر إليها في هذه الحال؛ لأنها تنظر إلى عورة.
وإذا كان الله عز وجل يقول: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:31] دل على أن الثوب يصل إلى أين؟ إلى أي مكان؟ الخلاخيل، ما يخفين من زينتهن هي الخلاخيل في الرجل، وبأي شيء تخيفها؟ بالثوب، وهذا دليل على أن ثياب نساء الصحابة تصل إلى الكعب، فلا تضرب بالرجل فيعلم الناس ما تخفي من الزينة؛ لأن هذا فتنة.(56/6)
كيفية تعليم الرجل لامرأته إذا أبت خلع البنطلون
السؤال
فضيلة الشيخ أنا آمر زوجتي بخلع البنطال فترفض وتقول: أنا عندك ولا يوجد أحد غيرنا.
فماذا أفعل يا فضيلة الشيخ؟ هل أهجرها في المنام؟ أرشدني جزاك الله خيراً، وهل علي إثم بعد النصيحة؟
الجواب
هذا أمر سهل، أنت قوام عليها، خذ البنطلون منها وأحرقه وهي تنظر إليه، وتلبس القميص وما يسترها، وكيف تغلبك وأنت رجل وهي امرأة؟ {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34] المرأة لما قال عز وجل: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً} [النساء:128] ما قال: تضربوا.
الرجل قال: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34] لك السلطة عليها، ولولا أنها تريد هذا اللباس ما ذهبت تجادلك لأنها بالنسبة لك تستطيع في الفراش أن تتعرى نهائياً، ولا يكون عليها بنطلون ولا سروال ولا شيء أبداً، لكن يكون عليكما جميعاً الرداء لئلا تنكشفا، وإذا كان هذا سائغاً بالنسبة للزوج فما الفائدة من البنطلون؟ وأنا أقول لك: استعن بالله عليها وخذ بنطلونها وأحرقه، وهي سوف ترضخ للحق إن شاء الله.(56/7)
جواز التصدق بالرديء في غير الزكاة
السؤال
فضيلة الشيخ ذكرت التصدق بالثوب الخلق، فهل يعارض قول الله عز وجل: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ} [البقرة:267] ؟
الجواب
لا يعارض لأن الآية في الزكاة، لا يجوز للإنسان أن يقصد الرديء من ماله ويخرجه في الزكاة، وأما ما ليس واجباً عليه إخراجه فليخرج ما شاء، ولا شك أن التصدق بهذا خير من إتلافه.(56/8)
وجوب الفدية على من جاوز الميقات بغير إحرام
السؤال
فضيلة الشيخ ركبت الطائرة من الرياض إلى جدة بنية العمرة، ثم أعلن قائد الطائرة أنه بعد خمس وعشرين دقيقة سنمر فوق الميقات ولكن غفلت عن زمن المرور فوق الميقات بمقدار أربع أو خمس دقائق وأتممنا مناسك العمرة، فما الحكم يا فضيلة الشيخ؟
الجواب
الحكم أنه على ما ذكره العلماء يلزم هذا السائل أن يذبح شاةً في مكة ويوزعها على الفقراء، فإن لم يجد فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
لكني أنصح الإخوة: أنه إذا أعلن القائد أنه بقي خمسةً وعشرين دقيقة أو عشر دقائق أن يحرموا؛ لأن بعض الناس ينام بعد هذا الإعلان ولا يشعر إلا وهو قريب من مطار جدة، وأنت إذا أحرمت قبل الميقات بخمس دقائق أو عشر دقائق أو ساعة أو ساعتين فلا عليك شيء، إنما المحذور أن تؤخر الإحرام حتى تتجاوز الميقات، والخمس الدقائق للطيارة تبلغ مسافة طويلة.
فأقول للأخ السائل: اذبح فدية في مكة ووزعها على الفقراء عن كل واحد منكم لم يحرم إلا بعد الميقات، لكن في المستقبل انتبهوا إذا أعلن قائد الطائرة فالأمر واسع أحرموا، حتى إذا نمتم بعد ذلك لم يضركم.(56/9)
حكم من أحرم من السيل وكان من أهل الرياض
السؤال
هذا سؤال مثله ولكن يقول: شخص ذهب بعدما فعل -نفس السؤال السابق- لكن يقول: وأما الثالث فعند وصوله مطار جدة ذهب إلى السيل وأحرم من هناك وأتى بعمرته، فهل عليه شيء أم لا؟
الجواب
إذا كان هذا من أهل الرياض وذهب إلى السيل وأحرم منه فلا شيء عليه، لأنه أحرم من ميقاته، وأما إذا كان جاء عن طريق المدينة فالواجب أن يذهب إلى ميقات أهل المدينة ويحرم منه، فإن أحرم من السيل فعليه فدية لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما وقت المواقيت قال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) فتجاوز ميقات أهل المدينة لمن مر به من غيرهم كتجاوز أهل نجد ميقات أهل نجد وهم لم يحرموا.(56/10)
حكم استمرار دم النفاس زيادة على أربعين يوماً
السؤال
هذه سائلة تقول: امرأة قضت الأربعين من مدة نفاسها، ثم خرج منها الدم بعد الأربعين، فما الحكم أرجو التوضيح والإفادة؟
الجواب
القول الراجح أنه ما دام الدم مستمراً فإنها يجب عليها أن تبقى في نفاسها حتى تتم ستين يوماً، فإذا أتمت ستين يوماً واستمر الدم فما زاد عن الستين إن وافق عادتها -أي: عادة حيضها- فهو حيض، وإن لم يوافق عادة حيضها فهو دم فساد، تغتسل وتصلي وتحل لزوجها، وإن طهرت قبل الأربعين وجب عليها أن تغتسل وتصلي، ويجوز لزوجها أن يأتيها ولو قبل الأربعين ما دام أنها طهرت؛ لأنه إذا حلت الصلاة وهي أعظم من استمتاع الزوج بها فاستمتاع الزوج من باب أولى.(56/11)
نصيحة لرجل لا يصلي الصلوات مع الجماعة
السؤال
فضيلة الشيخ والدي لا يصلي مع الجماعة إلا يوم الجمعة، ومن الصعب توجيهه للصواب حيث إنه يقول: انظر لنفسك بتأخرك عن صلاة الفجر، وهذا التأخر عندي نادراً، فما هو الأسلوب الأمثل لأقوم بمعالجة هذه المشكلة؟
الجواب
الآن هذا السائل يحتاج إلى علاج وأبوه يحتاج إلى علاج، أما هو فيحتاج إلى علاج بأن يحرص غاية الحرص على صلاة الفجر لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيما لأتوهما ولو حبواً) ويستعمل الوسائل التي يستيقظ بها كالساعة مثلاً، أو الهاتف، ويوصي أحد أصحابه بأنه إذا أذن الفجر يتصل عليه.
أما بالنسبة لوالده فإني أنصح هذا الوالد أقول له: اتق الله، وصل مع الجماعة فإن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، ثم إن من العلماء المحققين الذين هم قادة في العالم الإسلام من يرى أن من تأخر عن صلاة الجماعة بلا عذر شرعي فلا صلاة له ولو صلى ألف مرة، ومن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ فإنه كان يقول: من لم يصل مع الجماعة بلا عذر فلا صلاة له.
وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، والمسألة خطيرة، لكن القول الراجح: أن الصلاة تصلح إلا أن ذلك الذي ترك الجماعة بلا عذر آثم، وربما يطبع الله على قلبه -والعياذ بالله- لأن المعاصي -نسأل الله العافية- تؤثر على القلب، قال الله تبارك وتعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14] فانظر إلى المعاصي كيف غيبت الحق عن القلب حتى صار يقرأ القرآن وكأنه أساطير الأولين نسأل الله العافية.
فنصيحتي إلى هذا الرجل: أن يتقي الله، وأن يصلي مع الجماعة، وأن يمرن نفسه حتى يذوق طعم الإيمان فيسهل عليه الصلاة مع الجماعة.(56/12)
حكم رمي الأغذية الفاسدة في الزبالة
السؤال
فضيلة الشيخ أنا أعمل في القسم الصحي في البلدية، نقوم بمصادرة الأغذية ثم نرميها مع الزبالة، فهل علينا شيء؟ وماذا نعمل؟
الجواب
ليس على هؤلاء الذين يراقبون الأطعمة الفاسدة شيء، بل هم مأجورون على ذلك؛ لأن بعض الناس -نسأل الله العافية- لا يبالي إذا فسد المأكول عنده أن يضر به الناس، بل بعضهم -نسأل الله العافية- يجعل الرديء أسفل والجيد فوق، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من غش فليس منا) .
أما هذه الأشياء التي تجمع وهي خراب فلا بأس أن تلقى لكن ينبغي أن تكون في أكياس خاصة حتى يعرفها الذين يستلمونها ويلقونها في محل خاص، على أن البلدية التي تنظف الأسواق لا أظن أنه يكون فيما ينظفونه شيء من النجاسات، فيكون إلقاء هذه الأشياء الفاسدة مع الزبل ليس به بأس.(56/13)
حكم من أحرم من جدة وليس من أهلها
السؤال
فضيلة الشيخ رجل يريد أن يتنزه في جدة لمدة أسبوعين، ثم يأتي بعد ذلك بعمرة، فهل يصح ذلك، فقد نقل عنكم أنكم تجيزون ذلك وبالأخص من تزوج حديثاً؟
الجواب
ما نسب إلينا من جواز تجاوز الميقات لمن أراد أن يأتي بعمرة من أجل أن يبقى في جدة أياماً ثم يحرم من جدة فهذا كذب علينا، بل نقول ما قاله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين وقت هذه المواقيت وقال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة) ونقول: سبحان الله! كيف يستهوي الشيطان بني آدم حتى يوقعهم في هذا الشيء؟ لو أحرم للعمرة من الميقات وذهب إلى مكة وأدى العمرة كم يبقى في مكة؟ ساعتين، ثم يذهب إلى جدة ويطيل فيها ما شاء، ويكون سفره من بيته إلى مكة سفر طاعة؛ لأنه أراد العمرة، ولكن الشيطان يغوي بني آدم ويوقعهم في التهاون.
فنقول: نرخص للإنسان إذا كان يريد العمرة أن يذهب إلى جدة ولو مر بالميقات، ولا يحرم من الميقات، لكن يجب إذا أراد أن يحرم أن يرجع إلى الميقات ويحرم منه، فإن كان الإنسان على استعداد لذلك فليفعل، أما أن يتجاوز الميقات وهو يريد العمرة، ويبقى في جدة ما شاء الله ثم يحرم من جدة فهذا لا يجوز.(56/14)
ميقات أهل القصيم براً وجواً
السائل نفسه: ميقات أهل القصيم يا شيخ؟ الشيخ: ميقات أهل القصيم إذا جاءوا من طريق الطائف هو السيل، وإذا جاء من طريق المدينة فهو ذي الحليفة المعروف بـ أبيار علي.
والطائرة من القصيم تمر من أبيار علي، فإذا نزل في جدة من الطائرة وأراد أن يحرم نقول: ارجع إلى أبيار علي وأحرم منها.(56/15)
حكم لبس القبعات على الرأس
السؤال
فضيلة الشيخ في الآونة الأخيرة انتشر بين الأطفال وكبار الشباب لبس القبعات، فما حكم لبسها؟
الجواب
القبعات التي لها رف هذه يدعي بعض الناس أنه يفعلها من أجل توقي ضوء الشمس وحرارتها، ولكن هذه الدعوى لا صحة لها في الواقع، لأننا وجدنا من يلبسها بالليل، ألليل فيه شمس؟ ما فيه شمس، لكنها موضة.
ثم إنني أنصح -أيضاً- الإخوة الذين يلبسونها: أنصحهم لأن ترفيه العين إلى هذا الحد إلى أن لا تقوى على استقبال أشعة الشمس يضرها كثيراً بمنزلة الرجل المترف لو قلت له: اركض من هنا إلى السوق لتعب تعباً عظيماً، لكن الرجل الذي تعود على المشي وكافح المشي لا يهتم به، هكذا -أيضاً- جميع القوى في البدن، فأنت إذا دللت عينيك حتى لا ترى أشعة الشمس فاعلم أن ذلك ضرر عليك، فهي من الناحية الطبية ضارة، اللهم إلا أن يكون أحد في عينيه رمد أو مرض يتعب من ضوء الشمس فهذا قد يقال: لا بأس به، مع أنه يكفي عنه أن يتخذ مرايات طبية ضد الشمس.
فأرى أن من النصيحة لإخواننا وأبنائنا ألا يلبسوا ذلك، عندهم -والحمد لله- لباس يقي الرأس حر الشمس الغترة والطاقية، وفيهما خير.(56/16)
حكم استئجار السيارات من الشركة لمدة معينة ثم يمتلكها المستأجر
السؤال
فضيلة الشيخ بعض شركات السيارات تقوم بإيجار السيارة للشخص مقابل أن يدفع ألفي ريال في الشهر مثلاً، والسيارة تكون باسم الشركة وتقوم بصيانتها من زيت وغيره، وإذا استمر الشخص مستأجراً للسيارة لمدة سنتين مثلاً تملكه الشركة السيارة، فما حكم هذا العمل؟
الجواب
هذا يسمى عندهم بالتأجير المنتهي بالتمليك، وهو عقد محرم فيما نرى، وذلك لأنه عقد جمع بين عقدين، فهذا الذي بيده السيارة هل هو مالك أو مستأجر؟ لا عندهم أنه مالك ومستأجر، إذا كان مالكاً وقدر أن السيارة تلفت بأمر قدري فضمانها على من؟ عليه هو؛ لأنه مالك.
وإذا قدر أنه مستأجر وتلفت بأمر قدري فضمانها على المؤسسة، إذاً توارد الضمان وضد الضمان على عين واحدة، وهذا لا يستقيم.
ثانياً: أنه إذا كان عنده آخر قسط وعجز عن دفعه ماذا يكون؟ تؤخذ السيارة والدراهم التي أخذت أولاً، وهذا ظلم، قد يقول هذا الذي استأجرها أو اشتراها: أنا واثق من نفسي أني سأوفي ولن ترجع السيارة إلى الشركة.
لكن نقول: هل الضمان صحيح؟ الإنسان ربما يأتيه آفة من مرض أو انهدام بيت أو غير ذلك يستوعب كل ماله ويعجز في النهاية عن ذلك، لكني سمعت -والحمد لله- أن الشركات في أوروبا حذرت مراسليها في المملكة عن هذه المعاملة، ورأت فيها نقصاً كبيراً، فأقول: إذا صح فالحمد لله كفى الله المؤمنين القتال، وإذا لم يصح فإني أحذر إخواني المسلمين من هذه المعاملة.
قد يقول بائع السيارة: أنا إذا بعتها بالتقسيط أخشى أن يلعب بي ولا يوفيني ويبيع السيارة.
نقول: الحمد لله هذه العلة لها دواء، ما هو الدواء؟ أن أرهن السيارة، يعني: الشركة أو البائع يرهن السيارة ويأخذ استمارتها ولا يسلمها له إلا إذا أوفى الأقساط التي عليه، وبذلك تكون معاملة صحيحة موافقة للشريعة.(56/17)
نصيحة لامرأة تخصصت في اللغة الإنجليزية
السؤال
سائلة تقول: فضيلة الشيخ أنا فتاة تخرجت من الجامعة وتخصصي في اللغة الإنجليزية، فما ترى يا فضيلة الشيخ بمواصلة دراستي العليا فهل في ذلك بأس؟
الجواب
والله أرى أنها لو تخصصت في العلوم الشرعية لكان هذا أولى بها؛ لأني أخشى إذا تخصصت في اللغة الإنجليزية أن تتخذ كتباً باللغة الإنجليزية ترد من الكفار وتضل بها، فأقول: إذا أمكن الآن أن تجعل دراستها دراسة شرعية في جامعة الإمام أو في الجامعات الأخرى التي فيها تخصصات شرعية فهذا أولى بها.(56/18)
حكم من يأتي قبل الغروب ويجلس على الجدار ولا يصلي تحية المسجد
السؤال
فضيلة الشيخ يأتي بعض الإخوة من المؤذنين أو المأمومين قبيل غروب الشمس إلى المسجد فلا يصلي التحية، فيجلس على الجدار الذي يستند عليه ويقول: إن هذا ليس جلوساً لأنه ليس على الأرض ولم يكن موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويفعل ذلك تحرجاً، فما توجيهكم؟
الجواب
توجيهي أني أسأل الله عز وجل أن يعيذني وإياه والسامعين من الشيطان الرجيم، سبحان الله! تصل الحال بالمؤمن إلى هذا؟! يجلس على الجدار المتخذ للإسناد إليه ولا يصلي وهو يعلم أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) وقوله: إن هذا ليس بجلوس من تخييل الشيطان، إذا قلنا: هذا ليس بجلوس معناه أن كل الذين يجلسون على الكراسي غير جالسين.
ثم هب أنه ليس بجلوس، مكثك بدون صلاة ضياع، وليعلم الجميع أن عمر الإنسان ومكسبه في هذه الدنيا ما أمضاه في طاعة الله، فأقول لهذا الرجل نصيحة لله: لا يلعب عليك الشيطان، صل وإذا كنت لا تستطيع أن تصلي قائماً فاجلس على هذا الجدار وعند الركوع قم واركع واسجد كما تفعل في الصلوات الأخرى، واكسب الوقت فإن الوقت يمضي سريعاً، ويذهب العمر جميعاً.
وأقول: إن فعله هذا معصية للرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن كل الناس يعلمون أن هذا الرجل جالس، ولا يشكون في هذا، فكيف يغالط نفسه ويقول: إنه ليس بجالس؟(56/19)
حكم من صلى لغير القبلة ولم يعلم ذلك إلا بعد ذلك
السؤال
فضيلة الشيخ قدم قادم إلى مدينة عنيزة لأول مرة، وكان يصلي الفريضة في المسجد ويصلي النافلة، وتصلي زوجته الفريضة في البيت، إلا أنه تبين لهم بعد ثمانية أيام أنهم يصلون في البيت لغير القبلة بسبب انحراف المنزل الذي يسكنه عن مستوى الشارع، فما حكم صلاته؟
الجواب
إذا كان الانحراف عن القبلة يسيراً فلا بأس، أما إذا كان كثيراً بحيث تكون القبلة وراءه أو عن يمينه أو عن شماله فعليهم إعادة الصلاة التي مضت، أما الانحراف اليسير فهذا لا يضر.(56/20)
حكم اشتراء الكتب بنية الإهداء ثم نوى إيقافها
السؤال
اشتريت بعض الكتب لإرسالها إلى أخي ليستفيد منها، وقبل إرسالها وضعتها في مكتبتي الخاصة المتواضعة، ثم إني بعد ذلك أوقفت جميع كتبي على طلبة العلم في منطقة معينة بعد وفاتي، السؤال: هل تدخل تلك الكتب التي اشتريتها لأخي في ذلك الوقف؟
الجواب
نعم تدخل؛ لأن الإنسان إذا نوى كتاباً أو أي شيء من الأعيان لشخص ولم يقبضه الشخص فهو بالخيار: إن شاء أمضاه وإن شاء رده، فلو أن الإنسان أراد أن يهدي لأخيه كتاباً وعينه وكتب عليه اسم أخيه، ثم بدا له ألا يفعل فله ذلك؛ لأن الهبة لا تلزم إلا بالقبض.
وكذلك لو أن الإنسان عزل دراهم يريد أن يتصدق بها ثم بدا له ألا يفعل فلا حرج عليه، لأن الفقير لا يملكها إلا إذا قبضها، وهذه قاعدة اتخذها حتى تنفعك: كل شيء تنويه لغرض ولم تنفذه فهو بيدك: إن شئت نفذ وإن شئت فدع.(56/21)
الرد على إشاعة أن ابن عثيمين تراجع في تحريم اقتناء الدش
السؤال
فضيلة الشيخ أشهد الله على محبتك فيه، وبعد يا فضيلة الشيخ: تردد على بعض ألسنة العامة أنكم قد تراجعتم عن فتواكم بحرمة اقتناء الدش وبيعه وشرائه، فهل هذا صحيح؟
الجواب
لا حول ولا قوة إلا بالله! أقول: جزاه الله خيراً على المحبة، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً من أحبابه.
وأما إشاعة أنني تراجعت عن تحريم اقتناء الدش فهذا غريب! غريب!! ولكني أقول: إذا افتروا على الله كذباً فالبشر من باب أولى، وإذا قيل لأحد في شخص من العلماء فيما يستنكر يجب أن يتصل بالعالم، ونحن نشكر أخانا الذي سأل، فأقول: إنني لم أتراجع، بل هو حرام، اقتناؤه حرام، وهو قد أفسد البشر الآن، كل الانحرافات العظيمة حسب ما نسمع أنها توجد في هذا الدش، ولقد أضل قوماً كثيراً، حتى إن بعض الناس -حسب ما نسأل في الهاتف ما ندري عنهم- يكون الرجل مستقيماً ملتزماً، فيضع الدش في بيته وإذا به ينحرف، وينسى أهله، وينسى مصالح دينه ودنياه -والعياذ بالله- فكيف يمكن لعالم يعرف مصادر الشريعة ومواردها أن يفتي بحل هذا الدش؟!!(56/22)
لا يشترط استحضار النية في جزئيات العمل
السؤال
فضيلة الشيخ هل يجب استحضار النية عند مباشرة أي عمل يكون قد استحضرت له النية من قبل، أي: في جزئيات هذا العمل؟
الجواب
الصحيح أنه لا يشترط النية في جزئيات العمل مطلقاً؛ حتى فيما يكون كل جزء منه منفصلاً عن الآخر، وذلك أن المنوي ينقسم إلى قسمين: قسم لا يمكن أن ينفصل بعضه عن بعض مثل الصلاة، فهذا يكفي فيه نية واحدة من أول، ولذلك إذا دخلت في الصلاة فهل يلزمك أن تنوي الركوع والسجود والقيام والقعود؟ لا يلزمك، إذا دخلت في الصلاة فأنت ناو لكل الصلاة.
إذا دخلت في الوضوء هل نقول: يجب أن تنوي لكل عضو نية مستقلة؟ لا.
القسم الثاني: ما يستقل بعض العبادة فيه عن بعض كالحج مثلاً، الحج فيه إحرام، طواف، سعي، وقوف بـ عرفة، فهل يلزم لكل جزء منه أن تنويه أو تكفي النية الأولى؟ أكثر العلماء على أنه يلزم أن تنوي لكل جزء نيته، فلو أنك أحرمت بالعمرة ومشيت وطفت ولم تنو الطواف بعينه، فيرى هؤلاء العلماء أن الطواف لا يصح؛ لأنك لم تنو، ويرى آخرون أن الطواف صحيح وإن لم تنوه ويقول: هذا الطواف جزء من عبادة فهو كالركوع في الصلاة وكالسجود في الصلاة وهذا أقرب إلى الصواب؛ لأن الحج والعمرة عبادة واحدة، لكن لا شك أن الإنسان إذا أراد أن يفعل شيئاً فلا بد أن ينويه، إنما الذي يقع أن يغفل الإنسان ويلهو أما مع عدم الغفلة واللهو فلا بد أن ينوي.(56/23)
حكم تعليق التمائم من القرآن
السؤال
ما هو قولكم يا فضيلة الشيخ في مسألة التمائم إذا كانت من القرآن؟ وهل كتابة آية من القرآن ككتابة آية الكرسي على لوح ثم يمسح ويشرب لدفع الشر وجلب الخير؟ علماً بأن هذا ينفع عند الناس لا سيما إذا كانت المرأة في وقت الولادة إذا كتبت آية الكرسي وشربت فإنها تلد بإذن الله.
الجواب
القراءة على المرضى بالقرآن أفضل بكثير من أن يوضع القرآن في ورقة ويعلق، والتمائم تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم نعلم أنها من القرآن، وقسم نعلم أنها من عمل الكهان، وقسم لا ندري ما هو، يكتب مربعات ومدورات وما أشبه ذلك.
أما القسم الذي نعلم أنه من عمل الكهان كأن يكون فيه أسماء جن أو عفاريت أو ما أشبه ذلك فلا شك أنها حرام.
وقسم آخر لا ندري ما هو فهو -أيضاً- حرام.
قسم ثالث نعلم أنه من القرآن أو من الأحاديث النبوية يأخذه الإنسان ويعلقه على صدره، فهذا فيه خلاف: من العلماء من يقول: إذا كان من القرآن فلا بأس به لعموم قول الله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82] وهذا عام.
ومنهم من يقول: إنه لا يجوز لعموم النهي عن التمائم، ولا شك أن الاحتياط ألا يلبسه الإنسان لكن إذا لبسه فتأثيمه شاق على الإنسان، يعني: ما أستطيع أن أقول: إنه حرام.
أما كون القرآن يكتب في إناء ويصب عليه الماء ثم يروج ويشربه الإنسان فهذا فعله السلف رحمهم الله، يكتبون في إناء للزعفران آية الكرسي، المعوذات وشيئاً من القرآن ثم يصب عليه الماء ويروج هكذا باليد أو بتحريك الإناء، ثم يشربه الإنسان فهذا فعله السلف، وهو مجرب عند الناس، ونافع بإذن الله.(56/24)
صيام الإثنين والخميس وأيام البيض
السؤال
فضيلة الشيخ ما هو الأفضل: صيام يومي الإثنين والخميس أم صيام ثلاثة أيام من الشهر؟
الجواب
هو إذا صام الإثنين والخميس فقد صام ثلاثة أيام من الشهر بل أكثر، كم يصوم إذا صام الإثنين والخميس؟ ثمانية أيام، فصوم الإثنين والخميس يكفي عن صيام الأيام الثلاثة، لكن صيام الأيام الثلاثة لا يكفي عن صوم الإثنين والخميس، فليصم الإثنين والخميس، لكن إن حصل أن يضيف إليها صيام الأيام البيض فهو خير.(56/25)
نصيحة للمرأة أن تلبس الخمار وتترك البرقع
السؤال
ما قولكم يا فضيلة الشيخ في لبس البرقع للنساء مع هذا التوسع الموجود الآن؟
الجواب
أنا أمتنع عن الفتوى بذلك، وأرى ألا تلبسه المرأة لأنه فتنة، والنساء بعضهن يتهاون، يجعل الفتحة كبيرة بحيث ترى العين والجفن، وبعضهن تخرج العين وهي مكتحلة فتفتن، فأرى أن المرأة تبقى على ما هي عليه فيما سبق؛ تخمر وجهها كاملاً كما تخمر رأسها.(56/26)
حكم الرجل يأمر زوجته بإسقاط الحمل
السؤال
فضيلة الشيخ رجل أمر امرأته أن تسقط ولدها وهو دون أربعة أشهر، ففعلت فما حكم هذا؟
الجواب
إذا كان لم تنفخ فيه الروح نظرنا؛ إذا كان يخشى على المرأة الضرر فلا بأس أن تضعه، وإذا كان لا يخشى عليها الضرر فلا يحل لها أن تضعه حتى لو أمرها زوجها؛ لأن لها الحق في هذا الولد، لكن بعض الناس -والعياذ بالله- ليس له هم إلا إشباع الغريزة فقط، وربما يكون له نية أن يطلقها فيخشى إن وضعت أن يكون هناك مشكلة في الطلاق، فنقول: المرأة لا يلزمها إذا أمرها زوجها أن تسقط حملها، فلا يلزمها أن تسقطه بأي حال من الأحوال.
أما إذا كان قد نفخت فيه الروح وتم له أربعة أشهر فهذا لا يجوز تنزيله أبداً لا بأمر الزوج ولا بأمر الطبيب ولا شيء.(56/27)
حكم خروج المرأة إلى الولائم وهي مُحد
السؤال
سائلة تقول: فضيلة الشيخ امرأة في الإحداد دعيت لحضور وليمة زواج وكذلك ولائم أخرى، فهل يجوز لها إجابة تلك الدعوات؟ وما هي الضرورات التي تبيح لها الخروج؟
الجواب
أما في الليل فلا يجوز لها أن تجيب الدعوة؛ لأنها لا يجوز أن تخرج في الليل إلا للضرورة كاحتراق البيت وخوف انهدامه، وخوف اللصوص وما أشبه ذلك.
أما في النهار فالأمر أوسع، فإذا دعيت إلى وليمة فإن كان الداعون لو تخلفت لم يعذروها وهم من الأقارب الذين لا بد من إجابة دعوتهم؛ فلا حرج أن تذهب إلى الدعوة وترجع بمجرد انتهاء الوليمة، وإلا فالأفضل لها أن تبقى في بيتها على كل حال.(56/28)
اللقاء الشهري [57]
يقول الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) فكل معاملة فيها رباً أو ميسر فإنها حرام؛ لذلك لابد على من أراد أن يدخل في أي معاملة أن يراقب الله فيها، ويتعلم معالمها وحدودها أو يسأل أهل العلم عنها حتى يكون كسبه حلالاً، ويلقى الله عز وجل بريء الذمة.
وبين يديك -أيها القارئ الكريم- في هذه المادة فتاوى فيها ما تأتي وما تجتنب من البيوع ونحوها.(57/1)
الحث على العلم ببيان فضله
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإنه يسرنا -ولله الحمد- إقبال الناس على العلم تحصيلاً وتأصيلاً وتفريعاً، ليس هنا في عنيزة ولكن حتى في غيرها، فقد رأينا إقبال الناس العظيم على تلقي العلم في المسجد الحرام وفي كل مكان، وهذا يبشر بخير، فنسأل الله تعالى أن يزيدنا وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً.
في هذه الليلة اقترح علينا بعض الناس أن يكون هذا اللقاء في ما يتعلق بالبيع والشراء والإجارة والاستئجار والوقف وغيرها، حسب ما يسمح به الوقت من المعاملات، وهذا اقتراح جيد؛ وذلك لأن العلم الشرعي منه ما هو فرض عين ومنه ما هو فرض كفاية، فلا يخرج العلم عن أحد الفرضين: إما فرض عين، وإما فرض كفاية.
فرض العين على كل من يحتاج إلى معرفة ما يريد أن يفعله من العبادات، فمثلاً: إذا كنت تريد أن تصلي فلا بد أن تعلم ماذا تقول في صلاتك، وماذا تفعل في صلاتك، وكيف صلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى تعبد الله على بصيرة.
إذا أردت أن تزكي وعندك مال فلا بد أن تعرف ما هي الأموال الزكوية وما مقدار زكاتها وإلى أين تصرف؟ لا بد من هذا؛ لئلا تترك الزكاة وأنت لا تعلم أو تترك زكاة مالٍ قد بلغ النصاب، أو تصرف الزكاة في غير محلها.
كذلك الحج، إذا أردت أن تحج وتعتمر لا بد أن تفهم كيف العمرة وكيف الحج حتى تعبد الله على بصيرة.
أما ما لا يحتاج الإنسان إليه كرجل فقير هل يحتاج الفقير أن يتعلم أحكام الزكاة؟ لا يحتاج؛ لأنه ليس عنده مال، ولهذا قد نقول لزيد من الناس: يجب أن تتعلم أحكام الزكاة ولعمرو لا يجب؛ لأن زيداً عنده مال وعمراً ليس عنده مال، لكن تعلم الشريعة عموماً فرض كفاية؛ ولذلك نهنئ طلبة العلم الذين يدرسون علم الشريعة بأنهم قائمون بفرض من فروض الله، ولا شك أن للفرض أجره العظيم قال الله تعالى في الحديث القدسي: (ما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) ولذلك لو سألك سائل: ركعتا الفجر -يعني: ركعتا صلاة الفجر- أو ركعتان تتهجدهما في الليل أيهما أفضل؟ الأول لأنه فرض والثاني نفل، لكن الله قال: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) .
أحكام البيع والشراء هل تلزم كل أحد؟ قد نقول: لا، وقد نقول: بلى.
أليس كل واحد منا يشتري خبزاً، ويشتري إداماً، ويشتري ثوباً، ويشتري سيارة ممن أغناه الله؟ إذاً لا بد أن نعرف، الآن كل إنسان منا ممكن يذهب إلى البقال ويشتري أغراضاً للبيت، لا بد أن يعرف، لو أن البقال كتب على اللوحة: كل خبزة بريال، مثلاً، فهل يجوز هذا البيع لو أخذت خبزة ووضعت ريالاً؟ يجوز، ألم تعلموا أن بعض العلماء يقول: هذا حرام؛ لأن ما فيه صيغة، ما فيه بعت ولا اشتريت، لكن القول الصحيح أنه حلال، إذاً لا بد أن نعرف.(57/2)
شروط البيع
البيع والشراء والإجارة والتأجيل والاستئجار والوقت وما أشبهها كلها من نعم الله على العباد، لولا حل البيع لوقع الناس في حرج، أنا محتاج إلى لباس ومعي دراهم واللباس عند صاحب الدكان، لولا أن البيع جائز فكيف أتوصل إلى اللباس؟
الجواب
لا يمكن، اللهم إلا بالقتال.
صاحب الدكان محتاج إلى الدراهم يريد أن يصفي البضاعة حتى يشتري بضاعة أخرى؛ لولا هذا لم يتيسر له أن يصفي البضاعة.
إذاً فإباحة البيع من نعم الله عز وجل على العباد، قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة:275] لكن البيع له شروط وله موانع، له شروط لا يصح إلا بها، وله موانع تمنع صحته مع وجود الشروط.(57/3)
من شروط البيع: أن يكون البائع مالكاً للمبيع أو له عليه ولاية
فمن الشروط: أن يكون البائع مالكاً للشيء أو له عليه ولاية، يعني: أنه لا بد أن يقع البيع من مالك أو من يقوم مقامه.
لو أنني استوليت على حقيبتك -حقيبة الدراسة- وبعتها على واحد أيجوز البيع؟ لا يجوز، لأني لست مالكاً ولا قائماً مقام المالك.
لو علمت أنك تريد أن تبيع هذه السلعة فبعتها بناءً على ما أعتقده من أنك تريد بيعها، ولما أخبرتك أجزتني وقلت: جزاك الله خيراً، أنا أبحث عن أحد يشتريها.
هل يصح البيع أو لا يصح؟ شرط البيع أن يكون من مالك أو من يقوم مقامه، وأنا لست بمالك ولا أقوم مقامك لأنك ما وكلتني، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء، منهم من قال بالجواز، ومنهم من قال لا يجوز.
مثال آخر: رجل أعرف أنه يريد أن يبيع سيارته، ومتأكد من ذلك، فمر بي رجل وقال: هل تعرف أحداً عنده سيارة؟ قلت: نعم، هذه السيارة، والرجل لم يوكلني فاشتراها بثمن مثلها ونقد الثمن وأخذ السيارة وانصرف، هل يجوز أو لا يجوز؟ ننظر، هو لا بد أن يكون من مالك أو من يقوم مقامه، وأنا لست مالكاً ولا قائماً مقام المالك لكن بعض العلماء يقول: إن ذلك جائز وإن لم يوكلني صاحب السيارة، إذا أجازني فقد حصل المطلوب، وهذا القول هو الصحيح، لكن لو لم يجزني وقال: لماذا بعتها؟ أنا ما وكلتك، وأنا كنت أريد بيعها لكني عدلت عن هذا.
فما الحكم؟ فالبيع غير صحيح قولاً واحداً.
الآن تورطت وبعت على الرجل، فماذا أصنع؟ أبحث عن الرجل في أي مكان وأسترد السيارة وأعطيه فلوسه، فإن عجزت فعلي الضمان لصاحب السيارة، فلو قدر أني بعتها بعشرة آلاف وهي تساوي عشرين ألفاً أضمن له عشرين ألفاً أو لا؟ نعم أضمن له عشرين ألفاً لكن عشرة آلاف معي أسلمها له وأزيده عشرة آلاف.(57/4)
الأشخاص الذين يقومون مقام المالك في البيع
إذاً من شروط البيع يا إخواني أن يكون ماذا؟ من مالك أو من يقوم مقامه.
فمن الذي يقوم مقام المالك؟ يقوم مقام المالك الوكيل، والوصي، والناظر، والولي، فهم أربعة: الوكيل، الثاني: الوصي، الثالث: الناظر، الرابع: الولي.(57/5)
من الذين يقومون مقام المالك في البيع الوكيل؟
الوكيل: هو الذي يتصرف لحي بإذنه، مثل أن أقول: يا فلان! خذ سيارتي هذه بعها، هذا وكيل؛ لأنه يتصرف عني وأنا حي بإذني، فهو وكيل، هل جاءت السنة بجواز تصرف الوكيل؟ نعم.
وكل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجلاً وهو عروة بن الجعد أن يشتري له أضحية بدينار، فاشترى اثنتين بالدينار، ثم باع واحدة بدينار، ورجع إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشاة ودينار.
انظر إلى هذا التصرف الطيب! اشترى بالدينار شاتين لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (اشتر أضحية) اشترى شاتين، وجدهما رخيصتين فاشتراهما ثم باع واحدة بدينار وأتى بالشاة والدينار.
أتدرون ماذا قال له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ قال: (اللهم بارك له في بيعه وشرائه) مكافأة عظيمة، فكان -يقول الراوي عنه- فكان لو اشترى تراباً لربح منه ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم له؛ إذاً الوكالة جائزة.
ووكل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا هريرة رضي الله عنه على صدقة الفطر في رمضان؛ لأن الناس يجمعون صدقة الفطر عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويتصدق بها، في ليلة من الليالي -اسمع القصة العجيبة! - في ليلة من الليالي جاء شخص بصفة رجل فأخذ من الطعام، فأمسكه أبو هريرة وقال: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فقال: إنه ذو عيال وإنه فقير، فرحمه أبو هريرة وأطلقه، في الصباح غدا أبو هريرة -يعني: ذهب- إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الغدوة في الصباح فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما فعل أسيرك البارحة؟) ما الذي أعلم الرسول؟ الله عز وجل، قال: (يا رسول الله! إنه قال: إنه ذو حاجة وذو عيال فأطلقته، فقال: إنه كذبك وسيعود) أي: كذب عليك، وسيعود، يقول: (فعلمت أنه سيعود لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه سيعود، فجعلت أرصده فجاء وأخذ من الطعام فأمسكه أبو هريرة وقال: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فادعى الحاجة والفقر والعيال فأطلقه.
ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخبره، فقال: إنه كذبك وسيعود) فجعل يترصد له في الليلة الثالثة، فجاء وأمسكه وقال: لا بد أن أرفعك إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذا تكرر الشيء ثلاث مرات انتهى، فقال له: ألا أدلك على آية في كتاب الله إذا قرأتها لم يزل عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح.
قال: نعم، قال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] ثم غدا رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخبره، فقال: (صدقك وهو كذوب) -صدقك: يعني أخبرك بالصدق، وهو كذوب: يعني الشيطان- ثم قال له: (يا أبا هريرة أتدري من تناجي منذ ثلاث ليال، قال: الله ورسوله أعلم.
قال: ذلك شيطان) .
الشاهد من هذا: أن الرسول وكل على حفظ صدقة الفطر وأجاز تصرف أبي هريرة رضي الله عنه ونفذه، مما يدل على أن القول الراجح: أن الإنسان إذا تصرف في مال غيره وأجازه الغير فالتصرف صحيح.(57/6)
من الذين يقومون مقام المالك الوصي؟
الثاني: الوصي وهو النائب عن الإنسان بعد موته، بأن يقول: أوصيت بخمس مالي للفقراء والوصي فلان، هذا ناب عن المالك بعد مماته، وبهذه المناسبة أود أن أنبه إخواني الذين يكتبون الوصايا ألا يكتبوا الوكيل بعد موت فلان، هذا غلط، لأن الوكالة إذا مات الموكل انفسخت، بل يقول بدلاً من الوكيل فلان يقول: الوصي فلان.(57/7)
من الذين يقومون مقام المالك الناظر؟
الثالث: الناظر، وهو الوكيل على الوقف، كإنسان أوقف عمارة قال: هذه وقف ريعها للفقراء، أيقول: والوكيل عليها فلان أو والناظر عليها فلان؟ أقول: والناظر عليها فلان، ولا أقول: الوكيل؛ وهذه -أيضاً- مما يغلط فيها كثير من الكتاب الذين يكتبون الأوقاف يقول: الوكيل على هذا الوقف هذا غلط، بل يقال: الناظر على هذا الوقف؛ لأن الناظر له استقلال أكثر من الوكيل.(57/8)
من الذين يقومون مقام المالك الولي؟
الرابع: الولي، وهو مفوض من قبل الشرع، وهو الولي على السفيه، ولي على الصغار وعلى المجانين وما أشبه ذلك، هذا يسمى ولياً.
فالولي على مال اليتيم الصغير الذي لم يبلغ أو المجنون أو السفيه له التصرف والبيع والشراء؛ لأنه نائب مناب المالك.
فصار الذين يصح أن يبيعوا نيابةً عن المالك أربعة: الوكيل، والوصي، والناظر، والولي.
المهم لا بد أن يكون البيع من مالك أو من يقوم مقامه.
لو أن رجلاً سرق شيئاً وباعه هل يصح البيع؟ لا يصح البيع؛ لأن السارق ليس مالكاً ولا قائماً مقام المالك.
لو أن شخصاً غصب أرضاً يعرف أن هذه الأرض لجاره فاستولى عليها ثم باعها، أيصح البيع؟ لا يصح، لأنه ليس مالكاً.
لو أن شخصاً وجد شيئاً ثميناً كالحلي في السوق، وكتمه وباعه، أيصح بيعه أو لا يصح؟ لا يصح؛ لأنه ليس من مالك ولا من يقوم مقام المالك.(57/9)
وجوب بيان العيب على البائع
هذا ما يتعلق بالبيع، وعلى كل منا إذا باع أن يتقي الله عز وجل فيبين ويصدق حتى يبارك الله له في بيعه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما) اصدق ولا تقل: إن هذه السلعة جيدة وهي رديئة، لا تنف العيب عنها وفيها عيب، ولهذا نقول: لا شك أن من الغش ما يعرف بالبيع تحت الميكرفون.
وهم الذين يبيعون في السيارات، تأتي السيارة ثم يبيعها ويقول للمشتري: ما بعت عليك إلا الغمارة أو الكفرات، ما تطالبني بأي عيب.
المشتري يكون قد طمع في السيارة ويقول: ما في مشكلة، أشتريها على أن ما فيها إلا الكفرات أو الغمارة هذا حرام إذا كان البائع يعرف العيب الذي فيها، ويجب عليه أن يبين، ولا يقول: أنا بعت عليه برضاه؛ لأنه لو علم بالعيب حقيقةً ما اشتراها، لكنهم يكتمون العيب ويلزمون المشتري بما لم يلتزم به؛ بأنه لا يرجع.
لو أن أحداً اشترى السيارة على هذا الأساس، ثم تبين بها عيب، وثبت أن البائع يدري بهذا العيب، فهل للمشتري الخيار؟
الجواب
نعم، له الخيار، فلو قال البائع: إني قد بعت عليه والتزم.
نقول: لكنك خدعته، لو بعتها بعشرة آلاف ثم علم بالعيب ما اشتراها ولا بثمانية، لكن اشتراها بعشرة مخاطرة، فالبائع إذاً وقع في الإثم، وللمشتري إذا أثبت أن البائع كان يعلم بالعيب وكتمه أن يردها ويأخذ فلوسه.
فعلى البائع أن يتقي الله عز وجل ويصدق ويبين حتى يبارك الله له في بيعه، فإن كذب وقال: إني اشتريتها بمائة.
وهو ما اشتراها إلا بثمانين فبركة بيعه ممحوقة، أو كتم بأن كان يعلم بها عيباً ولكنه كتمه فبركة البيع ممحوقة، فإن قال قائل: نجد أناساً يبيعون ويشترون بالكذب والدجل والغش ومع ذلك تنمو أموالهم وتكثر.
نقول: هذا لا يدل عن رضا الله عنهم، بل (إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وتلا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102] ) .
ونقتصر على هذا القدر مما تكلمنا عليه فيما يتعلق بالبيوع، وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى، ولنتفرغ الآن إلى الإجابة على الأسئلة، ونسأل الله أن يوفقنا للصواب.(57/10)
الأسئلة(57/11)
أحكام بيع ثمار النخيل
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فضيلة الشيخ نرجو من فضيلتكم أن تبينوا لنا أحكام بيع ثمار النخيل خاصة وأن أكثر ثمار النخيل ماتت من شدة الحر.
الجواب
بيع النخيل يعني: بيع الثمرة على النخلة جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أجازه بشرط أن تحمر أو تصفر، فقد نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، فإذا باعها ثم أصيبت بجائحة حر أو مطر أو رياح؛ فللمشتري الخيار لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟) فنهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم البائع إذا أصابت الثمرة جائحة أن يأخذ الثمن وقال: (بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟) .
لكن لو أن العيب الذي حصل كان بسبب المشتري؛ بأن كان يخرفها ويشقق الشماريخ فلا ضمان على البائع؛ لأن العيب حصل بفعل المشتري، وكذلك لو أخر جذها حتى جاء موسم الأمطار ونزل المطر على الثمرة فأفسدها، فلا خيار للمشتري لأنه هو الذي فرط في التأخير.
فإن قال إنسان: هل يجوز للبائع أن يقول للمشتري: إن أصابتها جائحة فإنه يقدر لك النقص ولا تردها، كأن يقول: أبيع لك الثمرة لكن إذا أصابها جائحة من فساد التمر أو ما أشبه ذلك فإنه يثمن ولا تردها، فوافق المشتري على هذا الشرط، فإن ذلك جائز؛ لأن الحق للمشتري في الرد أو تقدير النقص فإذا أسقط الرد بقي له تقدير النقص.(57/12)
الجوائز المشروعة والممنوعة
السؤال
فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مما انتشر بين أصحاب المحطات أنهم يوزعون كروتاً فيها: إذا ملأت سيارتك بمقدار خمسمائة لتر من البنزين تحصل على أربعين لتراً، ويكون ذلك بكل مرة تعبئ بها السيارة تحصل على كرت بقيمة كمية البنزين الذي عبأته، ثم إذا أكملت المقدار المحدد تحصل على الأربعين لتراً فما حكم ذلك جزاكم الله خيراً؟
الجواب
لا بأس به، يعني: لا بأس أن يضع عند محطة البنزين ورقة أو لوحاً بأن من عبأ كذا وكذا من البنزين فله جائزة، هذا جائز لكن بشرط أن يكون ثمن البنزين عنده كثمنه عند الناس لا يزيد؛ لأن المشتري الآن إما سالم وإما غانم، لن ينقصه شيء، أما لو زاد الثمن في البنزين بأن كان اللتر عند غيره بعشرة وهو صار عنده بعشرين فهذا لا يجوز، لأن مشتري البنزين يكون إما غانماً وإما غارماً وهذا هو الميسر.(57/13)
المراد بالتفرق في البيع والشراء
السؤال
يقول السائل: فضيلة الشيخ هل يكون التفرق في البيع بالأبدان أم بماذا؟
الجواب
يشير السائل إلى قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا) فهل المراد: التفرق بالأبدان أم بالأقوال؟ نقول: المتعين أنه التفرق بالأبدان، وأنك إذا بعت على شخص شيئاً فلك الخيار ما دمتما في المجلس ولو طال المجلس، فلو كان في طيارة -مثلاً- وهو إلى جنبه في المقعد وباع عليه شيئاً، فما داما لم يتفرقا فلكل واحد منهما الخيار، لكن لهما أن يقطعا الخيار بمعنى أن يقول: بعتك على أن لا خيار لك.
فإذا قال: قبلت.
لم يكن له خيار ولو كان في المجلس؛ ولهذا جاء في نفس الحديث: (ما لم يتفرقا وكانا جميعاً أو يخير أحدهما الآخر، فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع) وإن تفرقا قبل أن يفسخا البيع فقد وجب البيع.(57/14)
حكم بيع الوكيل السلعة بزيادة في السعر وأخذه للزيادة
السؤال
يقول السائل: فضيلة الشيخ ما الحكم إذا ما وكلني شخص ببيع سلعة وقال لي: بعها بمائة مثلاً.
ثم بعتها بمائة وعشرة، وأخذت العشرة، فهل هذا جائز؟
الجواب
هذا ليس بجائز، يعني: لو قال لك الموكل: خذ هذا بعه بمائة فبعته بمائة وعشرة فالعشرة للذي وكلك وليست لك، إلا إذا قال: خذ هذا بعه بمائة وما زاد فلك، فلا بأس أن تبيعه بمائة والزيادة لك، لكن بشرط: أن يكون الذي وكلك يعرف ثمن هذه السلعة، لأنه قد يكون الذي وكلك جاهل بالأسعار فيظن أن سلعته هذه لا تزيد عن مائة فيقول: بعها بمائة وما زاد فلك.
ففي هذه الحال يجب أن تقول: يا أخي السلعة تساوي أكثر، تساوي مائتين؛ لأنك لو لم تفعل لكنت خادعاً له، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) .(57/15)
جواز اشتراط البائع على المشتري ألا يبيع ما اشتراه إذا صح الغرض
السؤال
يقول السائل: السلام عليكم، أنا يا شيخ اشتريت أرضاً من أخي فشرط عليَّ أخي ألا أبيعها فهل هذا الشرط صحيح؟
الجواب
إذا شرط البائع على المشتري ألا يبيع ما اشتراه فهذا شرط ينافي العقد، لأن مقتضى الشراء أن يكون المشتري مالكاً يتصرف كما شاء وهذا حبسه قال: لا تبع.
لكن إذا كان للبائع غرض صحيح في ألا يبيعها المشتري فالشرط صحيح، مثاله: رجل عنده عبد مملوك وهو في نفسه نفيس، فجاءه صاحب له وقال له: بع علي العبد.
قال: والله العبد أنا عندي نفيس لا أرغب أن أبيعه.
قال: بعه.
فقال: لا أرغب ببيعه إلا بشرط ألا تبيعه أنت، وأنك إن أردت بيعه تبيعه عليَّ أنا وحدي.
فهذا الشرط حينئذ جائز أو غير جائز؟ جائز؛ لأن فيه غرضاً صحيحاً.
كذلك لو كان عند الإنسان بقرة وباعها على شخص قال: بشرط ألا تبيعها على فلان لأن فلاناً يعذب البقر، مثلاً يسني عليها أو للحرث، المهم أنه يؤذيها.
فهذا الشرط صحيح.(57/16)
حكم زكاة العقار
السؤال
اشتريت قطعة أرض قبل عشر سنوات للعمارة، ولكن أردت أن أتاجر فيها حتى يحصل دوري فيها في البنك العقاري، ولكن حتى اليوم لم أبعها حيث عدلت عن بيعها، فهل علي زكاة هذه الأرض قبل عدولي عن بيعها ولها أكثر من عشر سنوات أفيدوني جزاكم الله خيراً؟
الجواب
هذا ينبني على النية، إذا كان الإنسان نوى الربح في هذه الأرض ففيها الزكاة، لأنها تكون تجارة، وأما إذا لم ينو الربح، وإنما ينوي إقامة بناء عليها يؤجره أو يسكنه أو أراد أن يحفظ دراهمه في هذه الأرض، ولم يرد الربح، فهذا لا شيء عليه، فليس عليه زكاة.
كذلك أيضاً: لو أراد الربح وبعد مضي سنتين أو ثلاث عدل عنها وأراد أن تبقى له فإن الزكاة تجب عليه في السنوات التي كان قد نواها للربح وتسقط عنه من حين عدل عن هذه النية.(57/17)
النخيل عليه زكاة إذا بلغ النصاب سواء أعد للأكل أو للبيع
السؤال
يقول السائل: فضيلة الشيخ حفظكم الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل للنخيل الذي في البيوت والأحواش المعدة للأكل وليس للتجارة زكاة؟ وما مقدارها؟ وكيف تحصى؟
الجواب
النخيل التي في البيوت إن كانت قليلة لا تبلغ النصاب فلا زكاة فيها، وإن كانت كثيرة تبلغ النصاب؛ كما يوجد في بعض الاستراحات أو في بعض الأحواش الكبيرة، فهنا يجب عليه أن يزكيها سواء أرادها للأكل أو للبيع؛ لأن الثمار تجب فيها الزكاة على كل حال، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (في ما سقت السماء العشر) وقال: (ليس في ما دون خمسة أوسق صدقة) فهنا يسأل: فإذا كانت تبلغ النصاب ففيها الزكاة وإلا فلا، ولو أنه احتاط وأخرج الزكاة مطلقاً إذا كان يشك هل تبلغ النصاب أو لا فهذا أحسن.
لكن ما مقدارها؟ مقدار الزكاة إذا كان الماء يدخل على الإنسان بدون قيمة فمقدار الزكاة العشر كاملاً؛ لأن هذا الماء لا يكلف الإنسان شيئاً فهو كالذي تسقيه السماء، والعشر (10%) ، وإذا كان يدخل عليه الماء بأجرة ففيه نصف العشر يعني: (5%) .(57/18)
حكم شراء الذهب ببطاقة الصرف الفوري
السؤال
يقول السائل: فضيلة الشيخ هل يجوز شراء الذهب بواسطة بطاقة الصرف الفوري الشبكة السعودية؟
الجواب
الذهب إذا بيع بالأوراق النقدية فلا بد من التقابض قبل التفرق، فليصرف المشتري هذه الورقة ويأتي بالدراهم ويستريح، أو يكون عند البائع -بائع الذهب- ويتصل بالبنك ويقول: يا فلان اخصم من حسابي كذ وكذا -يعني: ثمن الذهب- واجعله في حساب فلان، فإذا قال: فعلت -يعني: البنك- جاز ذلك؛ لأن البائع الآن استلم، بأ، قُيد قيمة الذهب في حسابه، فيكون هذا استلاماً.(57/19)
حكم بيع الذهب القديم نقداً ثم شراء ذهب جديد بذلك النقد
السؤال
لو باع الذهب القديم على صاحب المحل وقبض منه المبلغ، ثم اشترى منه ذهباً جديداً هل في ذلك شيء؟
الجواب
ليس في هذا شيء، أي: كإنسان عنده حلي قديم فجاء إلى التاجر فباعه عليه، ثم اشترى منه بعد أن قبض الثمن حلياً جديداً فهذا لا بأس به ولا إشكال فيه.(57/20)
حكم بيع التمر بتمر آخر مع التفاضل في الثمن
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما رأيكم في من يشتري مثلاً زنبيل تمر (شقر) وزنه ثلاثة كيلو بزنبيل تمر (سكري) وزنه ثلاثة كيلو وزيادة عشرين ريال مثلاً؟
الجواب
هذا لا يجوز لأن التمر جنس واحد، والجنس الواحد لا يجوز أن يزيد بعضه على بعض، ودليل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتي إليه بتمر جيد، فقال: (من أين هذا؟ قالوا: كنا نشتري الصاع من هذا بصاعين، والصاعين بالثلاثة.
فقال: ردوه، هذا عين الربا) ثم أرشدهم عليه الصلاة والسلام إلى أن يبيعوا التمر الرديء بثمن ويشتروا بثمنه تمراً جيداً لكن من غير البائع، يبيعه في السوق ثم يأخذ الدراهم ويشتري تمراً جيداً، فالزنبيل الذي في السوق قد يكون غالياً أكثر ثمناً من زنبيل الشقر، فلا يجوز أن يبيع بعضهما ببعض مع التفاضل أو زيادة الدراهم.(57/21)
حكم بيع الدخان والملابس التي فيها صور
السؤال
ما حكم من يبيع الدخان والملابس التي فيها صور، فهل هذا بيع جائز؟ وهل ما وجده من الربح مال حلال أم حرام؟
الجواب
لا يجوز للإنسان أن يبيع الدخان؛ لأن الدخان محرم، وإذا حرم الله شيئاً حرم ثمنه، ولأن بيعه من باب التعاون على الإثم والعدوان.
وكذلك الملابس التي فيها صور تامة لا يجوز بيعها؛ لأن بيعها يؤدي إلى لبسها، ولبسها حرام، أما إذا لم يكن فيها إلا وجوه فليست حراماً.
وكذلك الحفاظات التي تربط على القبل أو الدبر من الصبي هذه لا بأس ببيعها وشرائها وإن كانت فيها الصور لأنها ممتهنة غاية الامتهان؛ حيث تلف على محل الأذى والقذر.(57/22)
حكم تصرف الورثة في المال الحرام الموروث من الميت
السؤال
يقول السائل: رجل كان يبيع ويشتري في المحرمات فحصل من ذلك على مال كثير ثم مات، هل لورثته التصرف في هذا المال وتقسيمه بينهم؟
الجواب
يعني: لو أن رجلاً كان يكسب المال عن طريق محرم ثم مات؛ فإن هذا المال حلال لورثته وإثمه على الميت، إلا إذا علم الورثة أن هذا المال بعينه لشخص فيجب عليهم أن يردوه إليه، مثال ذلك: رجل غصب أرضاً من شخص، بأن تعدى على حدوده، ثم مات، والورثة يعلمون أن نفس هذه الأرض لجاره، فالواجب عليهم أن يردوها إلى جاره، لأن هذه عين ماله، وكذلك لو سرق شيئاً وبقي المال المسروق عنده ثم مات فيجب على ورثته أن يردوا السرقة إلى مالكها.(57/23)
مسألة ضع وتعجل
السؤال
عندي إيجار محل وأتاني الرجل الذي عندي له إيجار المحل قبل أن يحل إيجار المحل وقال: ادفع الإيجار واخصم منه خمسمائة ريال، هل يجوز ذلك؟
الجواب
هذا يقول: إنه استأجر دكاناً أو بيتاً بخمسة آلاف، وفي أثناء السنة قال صاحب البيت أو الدكان: أعطني أربعة آلاف وأنزل عنك ألف ريال، هل يجوز أو لا يجوز؟ فالجواب: إن هذا جائز ولا بأس به؛ لأن فيه مصلحة للطرفين، المستأجر مصلحته التخفيض، والمؤجر مصلحته التقديم والتعجيل.
وكذلك لو كان عند شخص دراهم مؤجلة مقسطة تبلغ مثلاً مائة ألف مؤجلة بعشر سنين كل سنة عشرة آلاف، فقال صاحب الدين: أعطني خمسة آلاف الآن نقداً وأسقط عنك الباقي، فهذا جائز على القول الراجح؛ لأن في هذا مصلحة للطرفين، وليس فيه ربا بل فيه نقص ضد الربا.(57/24)
حكم معالجة المريض المصاب بالصرع عند من يخرجهم بالقرآن
السؤال
يقول السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يوجد رجل في دولة مجاورة للمملكة تتصل عليه هاتفياً وتقول: اسمك فلان ووالدتك فلانة فقط ويخبرك بالمرض الذي فيك هل هو نفسي أو سحر أو مرض عضوي، فهل هذا جائز؟
الجواب
كيف جائز؟ إنسان لم ير المريض ولم يوصف له المريض المرض ويقول: هذا سحر، أو جن، أو عين؟! هل هو يعلم الغيب؟ هو مشعوذ، أو له أحد من الجن ما ندري، المهم على كل حال لا يصلح هذا، لكن إن علمت أن فلاناً عنده قدرة على إخراج الجن بأن يقرأ على المريض المصاب ويخرج الجني فهذا اذهب إليه بصاحبك المصاب.
واجعله يقرأ عليه حتى يخرج ما فيه.
ونحن لا ننكر أن أحداً من الناس يستطيع أن يخرج الجني من الإنسي، بل هذا أمر واقع، جاءت به السنة وعمل به الأئمة، وكان شيخ الإسلام رحمه الله له القدح المعلى في هذا، يؤتى إليه بالمصروع الذي صرعه الجني ويقرأ عليه ويعدو الصارع ويخرج.(57/25)
حكم مسافر دخل مسجداً وصلى معهم ركعتين ثم سلم الإمام نفسه
السؤال
مسافر دخل المسجد وصلى مع جماعة ركعتين، ثم سلم الإمام وهو لا يعلم هل الجماعة مسافرين أو مقيمين، فهل يتم الصلاة أم يقصرها؟
الجواب
ينظر للقرائن (قرائن الأحوال) إذا كنت في مسجد يصلي فيه المسافرون كمساجد المطارات مثلاً، فالغالب أن الذي يصلي فيها مسافرون، فاجعل صلاتك صلاة المسافر، أما إذا كنت في البلد فمعلوم أن مساجد البلد إنما يصلي فيها المقيمون فأتمم الصلاة أربعاً، وإن شككت فالاحتياط أن تصلي أربعاً لأنه لا يضرك.(57/26)
عدم تحديد الشرع للمدة التي يجوز فيها القصر للمسافر
السؤال
أنا مبتعث إلى أمريكا وأسكن في عمارة كلها مسلمون -ولله الحمد- ولكن مدة إقامتنا متفاوتة، فأنا بقي لي سنة كاملة، والبعض بقي له ستة أشهر وهكذا، ونصلي في مسجد خاص بالعمارة بإشراف السفارة، والإمام نحن اخترناه من بيننا، ولكن هل يا شيخ نقصر الصلاة أم نتم؟ وكذا صيام رمضان والسنن الرواتب؟ ونساؤنا هل تكون مثلنا جزاك الله خيراً؟
الجواب
اتبع إمامك، إذا كان الإمام يتم فأتم وإن كان يقصر فاقصر لأن القول الراجح: أن المسافر مسافر ولو طالت مدة سفره ما لم ينو الإقامة المطلقة أو يستوطن.
بالنسبة للنساء لا يصلين مع الجماعة فيقصرن الصلاة حتى يرجعن إلى بلادهن سواء حددت المدة أم لم تحدد؛ لأنه ليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يدل على التحديد، بل القرآن يقول الله تعالى فيه: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101] والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يرد عنه حرف أنه حدد المدة، وهو عليه الصلاة والسلام بقي في أسفاره مدداً مختلفة، بقي في فتح مكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وكان في رمضان وهو مفطر، وبقي في غزوة تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة، وبقي في حجة الوداع آخر مرة سافرها عشرة أيام يقصر الصلاة.
قيل لـ أنس بن مالك رضي الله عنه: [كم أقمتم في مكة -يعني: عام حجة الوداع-؟ قال: أقمنا فيها عشراً] فإذا كانت أسفار الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم تختلف ولم يحدد لأمته شيئاً معيناً علم أن المسألة ليس فيها تقييد، ما دمت قد أقمت لغرض متى انتهى رجعت فأنت مسافر سواء حددت المدة أم لم تحدد، والتفريق بين التحديد وعدمه لا دليل عليه.(57/27)
حكم من سافر وترك دجاجاً في شبك عندها ما يكفيها من طعام وشراب ثم ماتت
السؤال
يقول السائل: لقد حصل أن سافرنا في الإجازة وتركنا دجاجاً في شبك، ووضعنا عنده ما يكفيه من العيش والماء، ولكن بعد عودتنا وجدناه قد مات، علماً بأنه معنا علم بأن الماء يكفيه، فماذا علينا تجاه ذلك؟ الواجب: الظاهر لي أنكم لم تفرطوا، أبقيتم عنده الماء والطعام فمات، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (دخلت النار امرأة في هرة حبستها، لا هي أطعمتها إذ حبستها، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض) قد يقول قائل: ربما ماتت الدجاج من الحر، فنقول: الحر ليس معلوماً حتى يقال: إنك فرطت في عدم اتخاذ الوقاية منه، وما دام مكانها -مكان الدجاج- مظللاً كالعادة فليس عليك إثم.(57/28)
ما يشرع زيارته في المدينة
السؤال
ما صحة هذا العمل: وهو ما يوجد عند الحرم وخصوصاً عند البقيع من بيع الحب للحمام، فبعض الناس يشتريه ثم يرميه، وبعضهم يتقصد رميه بالمقبرة، فما حكم هذا العمل؟ وحدثونا يا شيخ عن المزارات التي تزار في المدينة النبوية والتي دل عليها الدليل.
الجواب
أرى أن هذا عمل ليس بجيد، كون الإنسان يشتري الحب ويلقيه في الأرض للحمام، هذا غلط، أحياناً يداس هذا الحب بالأقدام خصوصاً في أيام الموسم؛ لأن أيام الموسوم يكون الناس بكثرة ولا تتمكن الحمام من النزول فتأكل، وهذا غلط، بل إضاعة مال وإهانة طعام.
أما المزارات التي في المدينة فهي: أولاً: المسجد النبوي، تصلي فيه ما شاء الله.
ثانياً: قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقبرا صاحبيه أبي بكر وعمر.
ثالثاً: البقيع.
رابعاً: مسجد قباء.
خامساً: شهداء أحد.
غير ذلك لا يوجد مكان تشرع زيارته في المدينة.(57/29)
حكم من نذر بالحج ولم يؤد الحج المفروض عليه
السؤال
فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، امرأة نذرت إن رزقت بمولود أن تحج وقد رزقها الله به، فهل عليها الحج للنذر، علماً بأنها لم تحج الفرض، فأيهما تقدم؟
الجواب
يجب أن تعلموا -أيها الإخوة- أن النذر منهي عنه، نهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: (إنه لا يأتي بخير ولا يرد القضاء) ولهذا ذهب بعض العلماء: إلى أن النذر حرام، لماذا تنذر؟ لماذا تكلف نفسك؟ وهل الله عز وجل لا يمن عليك بالشفاء أو على قريبك بالشفاء إلا إذا شرطت له شرطاً؟! سبحان الله! لا تنظر، اسأل الله الشفاء والعافية، فإن كان الله يريد أن يشفى شفي سواء نذرت أم لم تنذر، فإذا فعلت ونذرت فإن كان نذر طاعة وجب عليك الوفاء به، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) .
بناءً على هذا: ماذا تقولون في المرأة المذكورة؟ يجب أن تحج، لكن تبدأ بحج الفريضة ثم تأتي بحج النذر وجوباً، فإن لم تفعل فقد عرضت نفسها لعقوبة عظيمة، استمع إليها في قول الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [التوبة:75-76] انظر عاهدوا الله إن الله أغناهم أن يتصدقوا وأن يكونوا من الصالحين، فأعطاهم الله ذلك، ولكنهم بخلوا بالمال وأعرضوا عن الصلاح: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ} [التوبة:77] إلى متى؟ {إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} [التوبة:77] أي: إلى الموت: {بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ} [التوبة:77] .
الخلاصة يا إخواني: احذروا النذر، لا تنذروا، أنتم في عافية، لا تلزموا أنفسكم ما لم يلزمكم الله به إلا بفعلكم، من كان عنده مريض فليقل: اللهم اشفه.
من كان يريد الاختبار فليقل: اللهم نجحني؛ لأن بعض الطلبة الآن إذا كانت الدروس صعبة وخاف من السقوط يقول: لله علي نذر إن نجحت لأفعلن كذا وكذا من الطاعات، ثم إذا نجح قام يسأل، يأتي إلى العالم الفلاني والعالم الفلاني انظروا حل، ما في حل، لابد أن توفي بالنذر.(57/30)
اللقاء الشهري [58]
في هذه المادة توجيهات ووصايا للأسرة المسلمة تجاه أبنائها في بداية العام الدراسي، ووصايا للطلاب كذلك بالجد والاجتهاد ومذاكرة الدروس وطلب العلم لله، وأن ثمرة العلم هو العمل.(58/1)
توجيهات عامة للأسرة في بداية العام الدراسي
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ثم إني أشكر الله سبحانه وتعالى أن يسر العودة إلى هذا اللقاء المبارك بعد الإجازة، وهو اللقاء الذي يتم كل شهر في الجامع الكبير بـ عنيزة في مساء ثالث سبت من الشهر، وهذه الليلة ليلة الأحد الثاني والعشرين من شهر جمادى الأولى عام تسعة عشر وأربعمائة وألف.
وأنبه إخواني أنه سيوزع إن شاء الله بعد نهاية اللقاء كتيب صغير فيه الأصول الثلاثة وأدلتها، والدروس المهمة لعامة الأمة، وصفة الحج والعمرة، وأذكار اليوم والليلة بعد انتهاء اللقاء إن شاء الله تعالى.
أقول: إنه كان من المقرر أن نستمر في الكلام على المعاملات، لكن نظراً لاستقبال العام الدراسي الجديد لعل من الأحسن أن نتكلم حول هذا الموضوع.
فأقول: إن الله سبحانه وتعالى جعل أهلينا أمانةً عندنا، وأوجب علينا رعايتهم، وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] وقال نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته) ومن السائل له؟ السائل له هو الله عز وجل، وذلك يوم القيامة حين لا يجد مفراً من السؤال.
وإن الواجب على الرجل في أهله من زوجات وبنين وبنات وغيرهم أن يتفقد أحوالهم، لأنهم مهما كانوا فهم معرضون للخطر والإهمال والغفلة، ولأنه إذا صار يراقبهم ويتابع أحوالهم حصلت بينه وبينهم الألفة والتقارب، وأكثر الناس اليوم -وأستغفر الله إن قلت أكثر- مهملون لأولادهم من البنين والبنات، لا يسأل الابن: أين ذهب؟ ولا من صاحبه ولا من صديقه؟ ولا ماذا عمل في واجباته الدراسية؟ وهذا خطأ.(58/2)
حث الطلاب على الاجتهاد وعدم الإهمال
وعلى الطالب أن يجتهد في ابتداء الدراسة من أول العام؛ لأنه إذا ترك الاجتهاد في أول العام تراكمت عليه المعلومات وعجز عن هضمها في المستقبل، لكن إذا كان يأخذ كل درس في حينه، ويراجعه، ويتمهل فيه؛ سهل عليه في آخر العام أن يراجعه؛ لأن الدرس قد رسخ في ذهنه فتسهل عليه المراجعة وتكون النتيجة طيبة.
أما إذا أهمل وتمنى على الله الأماني وقال: الوقت أمامي طويل ونحن في أول السنة؛ فإنه سيضيع عليه الوقت، وسيعجز في آخر الأمر عن هضم العلوم.
وليعلم أنه ليس المقصود من التعلم أن يحمل الإنسان بطاقة شهادة، المقصود من التعلم: هو إدراك العلم، أما هذه البطاقة فهي وإن كانت ميزاناً ظاهراً في عصرنا لكنها لا تفيد الإنسان شيئاً هذه واحدة خلاصتها: أني أحث الشباب المتعلمين على أن يتداركوا أمرهم من أول السنة، وأحث أولياء أمورهم على مراقبتهم والنظر في أحوالهم ومن أصدقاؤهم؟ وإلى أين يذهبون؟ ومتى يرجعون؟(58/3)
معرفة الطالب أن ثمرة العلم العمل
ثانياً: ما هي ثمرة العلم؟ ثمرة العلم العمل، وعلم بلا عمل فالجهل خير منه، فلا بد من العمل بما علم الإنسان وإلا أصبح الجاهل خيراً منه، فمثلاً: إذا علمنا أنه يجب على الإنسان أن يصلي الصلوات مع الجماعة إن كان رجلاً، وأن يكون أداء الصلاة بحضور قلبه وتدبره لما يقوله ويفعله وجب علينا أن نطبق هذا؛ لأن ذلك هو الثمرة، إذا علمنا أن بر الوالدين واجب -الأم والأب- فالواجب أن نقوم ببرهما، بالإحسان إليهما بالقول والفعل والمال، وبكل ما يسمى براً؛ لأن بر الوالدين بعد حق الله تعالى كما قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء:36] وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:23] وقال الله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:14] .
وليعلم أن العقوق من أكبر الكبائر لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور.
وما زال يكررها حتى قالوا: ليته سكت) .
ثم ليعلم -أيضاً- أن الإنسان إذا بر بوالديه برَّ به أبناؤه وبناته لأن البر -كما يقول العامة- أسلاف، من بر بوالديه بر به أولاده، وهذا جزاء عاجل، والجزاء الآجل عند الله أعظم وأبقى.(58/4)
احترام المدرسين وتوقيرهم
ثالثاً: إذا علمنا أن الواجب القيام بحقوق المدرس فلنطبق هذا، لنحترم المدرس حتى يحترمنا، وكثير من الطلاب لا يحترمون الأساتذة، ويسخرون منهم، وتجد المدرس يدرس والطالب غافل يعبث في دفتره، يعبث في الماسة، يكلم صاحبه، يضع رأسه على الماسة وينام كل هذا ينافي الأدب، فالواجب على الإنسان أن يحترم المعلم؛ لأنه مربٍّ موجه، كما أن الواجب على المدرس -أيضاً- أن يراعي شعور الطلاب، بحيث يتنزل معهم ويناقشهم، ولا يعنف عليهم، ويبذل لهم صدق المقال، ولا يظهر أمامهم إلا بالأخلاق الفاضلة لأن التلميذ يكتسب من أخلاق معلمه أكثر مما يكتسب من أخلاق أمه وأبيه.
وإن بعض المدرسين يهمل هذا الجانب، فتجده يحضر إلى الطلاب ولا يبالي بهم وكأنهم أمامه بَهْمٌ، وإذا قام أحد يسأل سؤال استرشاد قمعه وقال: اجلس.
ولا يمكن الطلاب من المناقشة معهم؛ لأنه يخشى إن ناقشوه أن يكون فاشلاً إذ أنه لم يُحضِّر ولم يهتم، وهذا خطأ وخيانة للوظيفة التي هو فيها، فالواجب أن يكون أمام الطلاب على وجه مرضي مقبول حتى ينتفعوا من علمه إذا كان لديه علم.(58/5)
مراقبة الوالد لابنته عند الذهاب إلى المدرسة
وإن من المهم -أيضاً- ولا سيما بالنسبة للبنات أن يراقب الإنسان كيف تذهب ابنته إلى المدرسة؛ فإن بعض البنات تجدها تطلب من أمها أحسن الثياب وأجملها، وكلما ظهرت موضة قالت لأمها: اشتريها لي؛ حتى تماري بذلك زميلاتها وهذا خطأ عظيم، وكنت أظن أن نظام الرئاسة توحيد اللباس، وإذا كان هذا نظامها فالواجب الأخذ به ولا يجوز أن يتعداه الإنسان؛ لأن ولاة الأمور إذا أمروا بأمر ليس فيه معصية لله ورسوله فالواجب على الأمة اتباعه لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] .
ومن المهم أن ينظر من الذي يذهب بابنته أو بأخته إلى المدرسة، فإنه لا بد في ركوب المرأة مع السائق أن يكون معهما إما امرأة وإما محرم، فلا يجوز للسائق أن يخلو بالمرأة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) ، وما ظنك باثنين الشيطان ثالثهما؟ بعض الناس يتهاون في هذا الأمر تهاوناً كثيراً، حتى إني سمعت أن بعضهم يركب ابنته الشابة مع السائق الذي ليس بمحرم لها، ثم إذا قارب باب المدرسة نزلت وذهبت وكأنها لم تأت وحدها مع السائق: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ} [النساء:108] يخافون الناس ولا يخافون الله! وخطر هذا عظيم لا تستهن به، لا تقل: نحن في أمان، لا تقل: هذا الرجل -الذي ليس من محارمها- رجل مأمون، فاثنان ثالثهما الشيطان ليس بينهما أمان.
لذلك أرى: أنه إذا كان هناك من يحمل البنات أو المدرسات لا يركب معه امرأة وحدها أبداً لأن ذلك خلوة محرمة، ولكن تركب اثنتان فلا بأس، فإذا قال: كل امرأة في بيتها كيف تركب امرأتان؟ نقول: الحمد لله إذا كانت المرأتان متقاربتين في البيوت فلتأت إحداهما إلى الأخرى وتركبان مع السائق اثنتين هذا إذا لم يكن مع السائق أحد من النساء من محارمه، فإن كان معه أحد من النساء من محارمه فهذا كاف.
أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العام عام خير ورشد، وهدى وصلاح للآباء والأمهات، والأبناء والبنات، إنه على كل شيء قدير.
ونأتي الآن إلى دور الأسئلة ونرجو الله أن يوفق فيها للصواب.(58/6)
الأسئلة(58/7)
الأبناء أكبر مشغلة وأعظم مسئولية
السؤال
فضيلة الشيخ تعلم يا فضيلة الشيخ أن بعض الآباء ينشغل في أعماله، وقد لا يتمكن من سؤال أبنائه عن مستواهم الدراسي أو من يصحبون، فهل هذا تضييع لحقوقهم؟
الجواب
قوله إنه ينشغل بأعماله نقول: من أكبر أعماله أبناؤه وبناته، ومسئوليتهم أعظم من مسئولية تجارته، ولنسأل ماذا يريد من تجارته؟ إنه لا يريد منها إلا أن ينفق على نفسه وأهله وهذا غذاء البدن، وأهم منه غذاء القلب، غذاء الروح، زرع الإيمان والعمل الصالح في نفوس الأبناء والبنات.
ثم ليعلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) فالولد الصالح ينفع أباه وأمه في الحياة والممات، فهو أولى من مراعاة المال، فالمال إن كان صاحبه ذا غنى كثير أمكنه أن يجعل فيه عاملين يعملون بالتجارة، وإن كان دون ذلك فإن الله يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3] .(58/8)
حكم من حفظ شيئاً من كتاب الله ثم نسيه
السؤال
يقول: فضيلة الشيخ من المعلوم أنه يقرر على الطلاب حفظ شيء من كتاب الله تعالى، فإذا جاءت السنة الثانية نسينا بعض السور المقررة في الفصل الماضي، فهل يحرم على الإنسان نسيان هذه السور المقررة؟
الجواب
ليعلم أن الله تعالى إذا منَّ على الإنسان بحفظ شيء من كتابه فإنه من النعم العظيمة التي لا ينبغي للإنسان أن يهملها، وقد جاء حديث فيه وعيد شديد على من نسي شيئاً حفظه من كتاب الله، لكن المراد من نسيه معرضاً عنه زاهداً فيه، أما من نسيه لاشتغاله بتحصيل معاشه ومعاش أولاده، وكذلك باشتغاله إذا كان طالباً بالدروس الأخرى فإنه لا إثم عليه؛ لأنه لا يعد تاركاً له على وجه العمد، وقد قال الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فأرجو الله سبحانه وتعالى ألا يكون على هؤلاء إثم، ولكني أحثهم على أن يتعاهدوا ما حفظوه من كتاب الله كما أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: (تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصياً من الإبل في عقلها) .(58/9)
الوسائل المعينة على الإخلاص
السؤال
ما هي الوسائل المعينة على الإخلاص في طلب العلم؟
الجواب
من أكبر الوسائل المعينة على الإخلاص: أن يريد الإنسان بطلب العلم امتثال أمر الله ورجاء ثوابه؛ لأن الله تعالى حث على طلب العلم بقوله: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] وأن يرجو بهذا ما وعد به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) وليعلم أنه ما جلس مجلساً يتعلم فيه العلم إلا كان هذا المجلس غنيمة له، فبهذا وأمثاله يتكون الإخلاص في القلب، وأن يريد الإنسان بطلب العلم وجه الله تعالى والدار الآخرة.(58/10)
مسئولية الأبناء على الأب دون الأم إذا كانت معاقة
السؤال
يقول: فضيلة الشيخ امرأة كبيرة في السن فيها مرض وهو جلطة -نعيذكم بالله وإخواننا المسلمين منها- وهي لها من الأولاد ما يقارب الخمسة؛ منهم ولدان لا يصليان، فماذا على الأم؟ هل عليها إثم أم على الأب؟
الجواب
مسئولية الأولاد على الأب، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته) والشيء الخفي الذي يكون في البيت والأب لا يدري عنه تبلغ الأم به الأب وتبرأ بذلك ذمتها، ولكن المشكل قول السائلة: إن لديها ابنين لا يصليان هذه مشكلة غاية الإشكال، إذا كانا لا يصليان لا في المسجد ولا في البيت فهما كافران إذا كانا بالغين عاقلين؛ لأن ترك الصلاة كفر أكبر مخرج عن الملة -والعياذ بالله- ولنا في إثبات ذلك رسالة صغيرة الحجم لكنها كبيرة المعنى في بيان الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأقوال الصحابة رضي الله عنهم على أن ترك الصلاة بالكلية كفر مخرج عن الملة، يعتبر صاحبه مرتداً؛ إن رجع إلى الإسلام وصلى فهذا المطلوب، وإلا وجب على ولي الأمر قتله لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) .
ولكن لم يسد الله تعالى باب التوبة، فباب التوبة مفتوح، فعلى من ترك الصلاة أن يتوب إلى الله، وما تركه من الصلوات السابقة لا يلزمه قضاؤه، لكن يبتدئ من جديد ويصلي، والتوبة تهدم ما قبلها كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فأرجو من هذه المرأة بل أرجو من أبي الأولاد أن يلاحظ هذين الابنين الذين لا يصليان.(58/11)
حكم حمل سلسلة مفاتيح من ذهب وحكم الصور والصلبان في الأدوات المدرسية
السؤال
فضيلة الشيخ نرى أن بعض المدرسين والطلاب ربما حملوا سلسلة مفاتيح يكون فيها شيء من الذهب، فهل يجوز ذلك؟ كذلك بعض الأدوات المدرسية تكون فيها صور أو صلبان، فما تنبيهكم؟
الجواب
أما السلاسل من الذهب إذا كان الإنسان لا يلبسها فإنها من الإسراف، وإن كان يلبسها فالأنثى يحل لها من الذهب ما جرت به العادة، والذكر لا يحل له أن يلبس شيئاً من الذهب على الإطلاق، لكن لا شك أن كون الميدالية سلسلة من الذهب إسراف، والله عز وجل قال: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام:141] .
أما الصور التي في الأدوات كالتي تكون في كرتون آلة الهندسة أو في بعض البرايات التي للأقلام، أو في بعض الأقلام فهذه لا حكم لها، بمعنى: أنه لا حرج فيها، لكن التخلي عنها أفضل بلا شك.(58/12)
جواز ركوب المدرسة مع السائق إذا كان معها نساء أخر
السؤال
تقول السائلة: فضيلة الشيخ هل يجوز للمرأة التي تُعيِّن مدرسةً أن تسافر مع مدرسات مثلها في كل يوم مع سائق أجنبي ليس معه محرم، هل يجوز ذلك؟
الجواب
الذي نرى أن ذلك لا بأس به، يعني: لو عينت المرأة في بلد غير بلدها تذهب إليه كل يوم وترجع في نفس اليوم مع زميلات لها ولا يحصل في ذلك خلوة مع السائق فلا بأس به، لأن هذا لا يعد سفراً حتى لو بلغ ثمانين كيلو مثلاً أو تسعين كيلو وهن يرجعن في يومهن فليس هذا سفراً فلا يحتاج إلى محرم، لكن الممنوع هو الخلوة، أن يخلو السائق بواحدة منهن حتى ولو في البلد لأن الخلوة بالسائق محرمة.(58/13)
عدم إجابة دعاء الوالدين على أولادهما إذا كان ظلماً
السؤال
فضيلة الشيخ هل دعوة الوالدين على الابن مستجابة إذا كان سبب تلك الدعوة محاولة الابن للإصلاح وعدم تفهم الوالدين لذلك؟
الجواب
دعوة الوالدين على الولد لا تخلو من أن تكون ظلماً أو عدلاً، فإن كانت عدلاً فإن دعاء الوالدين على الولد حري بالإجابة، وإن كان ظلماً مثل أن ينصحهما فيدعوان عليه فإن الله لا يستجب ذلك لقول الله تعالى: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام:21] .
كذلك لو نهياه عن الدروس في المساجد، أو عن صحبة الأخيار ثم أصر على الدروس في المساجد وعلى صحبة الأخيار فدعوا عليه؛ فإن دعوتهما لا تقبل لأنهما ظالمان، وقد قال الله تعالى: ((إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظالمون)) [الأنعام:21] .
وبهذه المناسبة أود أن أوجه نصيحة لبعض الآباء والأمهات -أيضاً-: إذا رأوا من الولد أو البنت إقبالاً على اتباع السنة وضعوا أمامه من المعوقات ما يمنعه عن تطبيق السنة، وربما يحرجانه ويقولان: أنت في حرج.
وربما تقول الأم: والله ما آكل أضحيتك، وما أشبه ذلك، كل هذا لا يجوز، فلا يجوز للإنسان أن ينهى عن المعروف، من الذين ينهون عن المعروف؟ المنافقون: {يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} [التوبة:67] وقولهم: إننا نخاف من التشدد في الدين أو الوساوس أو ما أشبه ذلك -كما يدعي بعض النساء- نقول: هذا علمه عند الله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:3-4] فإذا رأى الإنسان ابنه أو ابنته مقبلاً على الخير وعلى الطاعات فلا يجوز منعه.
كذلك يوجد من بعض النساء إذا كانت البنت صالحة تصوم يومي الإثنين والخميس، أو الأيام البيض، تمنعها الأم، تقول: لا تصومين، وربما تحرجها، وربما تدعو عليها، فنقول: إذا دعت عليها فإنه لا يقبل لأن دعوتها عليها إذا صامت ما شرع الله صيامه ظلم، والظلم لا يقبله الله عز وجل.
وأما تحريجها فإن ذلك -أيضاً- لا يمنع البنت أن تصوم، وعلى الأم أن تكفر كفارة يمين لأن الحرج كالتحريم، والتحريم قال الله تعالى فيه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم:1-2] فإن قال قائل: هل يلزم الابن أو البنت أن يطيع أبويه في عدم الصيام المشروع، أو في عدم طلب العلم، أو في عدم الدعوة إلى الله؟ قلنا: لا يلزمك، ومعصيته إياهما في هذه الحال لا إثم فيها.(58/14)
عدم جواز مناقشة الأم مدير المدرسة عن أبنائها
السؤال
يقول السائل: فضيلة الشيخ يحدث كثيراً في مدارس البنين أن تقوم الأم بالاتصال بالمدرسة ومناقشة المعلم أو مدير المدرسة عن ابنها في المدرسة، سؤالي يا فضيلة الشيخ: هل يجوز لها ذلك، أم أن هذا الدور -أقصد متابعة الأبناء- يجب أن يكون على الأب؟ وما توجيهك يا فضيلة الشيخ؟
الجواب
لا شك أن الأب هو المسئول كما قررناه قبل ذلك، هو المسئول عن أبنائه وبناته، ولا ينبغي للمرأة أن تناقش مدير المدرسة أو أساتذة المدرسة، هذا يكون إلى الأب، الرجال للرجال والنساء للنساء، أما إذا كانت تريد أن تناقش مديرة المدرسة والمدرسات فنعم، الذي يتولى ذلك هو الأم.(58/15)
حكم الدراسة لأجل الشهادة فقط والتوجيه في ذلك
السؤال
فضيلة الشيخ أنا أدرس لآخذ الشهادة، هل هذا حرام علي؟ وكيف أعمل لكي تكون دراستي لوجه الله؟
الجواب
هذا سؤال مهم، الدراسة لأجل الشهادة نسأل هذا الدارس هل تريد الشهادة لتنال بها مرتبةً ورتبةً مالية؛ فالنية هذه نية خاسرة، أو تريد أن تنال بالشهادة مكاناً تنفع به المسلمين من تدريس أو قضاء أو إدارة؛ فهذه نية طيبة ولا تنافي الإخلاص؛ لأننا نعلم الآن أن مدار اتخاذ الإنسان مكاناً ينفع الناس به إنما يكون بالشهادة، الذي ليس معه شهادة ولو كان من أعلم الناس لا يتسنى له أن يدرس في الجامعة مثلاً أو يدرس في الثانوية، فإذا طلبت العلم للشهادة لتتبوأ مكاناً قيادياً في الأمة من مدرس أو قاض أو مدير أو ما أشبه؛ ذلك فهذه نية طيبة وليس فيها إثم.(58/16)
جواز إنشاء الجمعيات المالية بين الزملاء
السؤال
أكثر من سؤال حول موضوع الجمعية فمن ذلك يقول: فضيلة الشيخ نحن مجموعة من الزملاء نريد أن نعمل جمعية، وهي أن يدفع كل واحد منا مبلغاً محدداً كأربعة آلاف، فيأخذ المبلغ واحداً منا ونمشي على الترتيب في أخذ المبلغ، سبب السؤال: أننا سمعنا أنها حرام أو بها شبهة، فما فتواكم يا فضيلة الشيخ في هذه المسألة؟
الجواب
فتواي في هذه المسألة أنها جائزة، وليس فيها شبهة إطلاقاً، بل هي من التعاون بين المسلمين، مثلاً: إذا كانوا عشرة وقالوا: يؤخذ من كل واحد ألف في الشهر، ويعطى الأول، في الشهر الثاني يعطي الثاني، وفي الشهر الثالث يعطى الثالث، وهكذا حتى تعود إلى الأول من جديد، أي مفسدة في هذا؟ أي رباً في هذا؟ فهي خير وتعاون، أحياناً يكون الإنسان في ضائقة وراتبه الذي بيده لا يكفيه فيستعين بإخوانه ويقول: أقرضوني، فلو قال قائل: هو إذا أقرضهم سيقرضونه.
نقول: نعم، وهل أخذ زيادة؟ لم يأخذ زيادة، أعطى ألفاً وأخذ ألفاً، لم تزد، ولا إشكال فيها، والإفتاء فيها بالتحريم وهم في الواقع، وكل قرض جر منفعة فهو ربا، هذا إذا كان منفعة زيادة كأن يقول: أقرضك عشرة آلاف وأسكن بيتك سنة -مثلاً- أما هذا فإن المقرض لم يأته زيادة عما أقرض، وهو انتفع وإخوانه أيضاً انتفعوا، فعندي أنه لا إشكال فيها وأنها من باب التعاون بين الإخوة.
السؤال: إذا كانوا أكثر من اثني عشر هل فيها زكاة؟ الجواب: مسألة الزكاة تكون حسب أقوال العلماء في مسألة الدين، الآن -مثلاً- هو إذا أعطى الأول ألفاً والثاني ألفاً والثالث ألفاً سيكون له في آخر العام ما في ذمتهم، إذا كانوا تسعة كم يكون في ذمتهم؟ تسعة آلاف، تزكى؛ لأن الدين على الملي تجب فيه الزكاة.(58/17)
الكحل الثابت لا يدخل في الوشم المنهي عنه
السؤال
تقول السائلة: فضيلة الشيخ ظهر في أوساط النساء وخصوصاً في مدارس البنات ما يسمى بالكحل الثابت، وهو مجموعة من الأصباغ تدوم فترةً طويلة، فهل يدخل ذلك في حكم الوشم؟ وما توجيهك للنساء في ذلك؟
الجواب
هذا لا يدخل في الوشم لأن الوشم يغرز فيه الكحل في داخل الجلد، ولا ينمحي أبداً أما هذا فينمحي، ولكني أحب أن ينتبه الناس لهذه المواد: الكحل الثابت والميش وما أشبه ذلك، هذه فيها مواد كيماوية لا شك، وتأثيرها على البشرة -يعني: على الجلد- وعلى الشعر أمر مجزوم به؛ لكنه لا يظهر الأثر إلا بعد مدة؛ لذلك أرجو من أخواتنا، وأرجو -أيضاً- من إخواننا أن ينتبهوا لهذه النقطة، فإن هذه المواد الكيماوية لا بد أن يكون لها تأثير على البدن، أما الأشياء الطبيعية كالكحل المعتاد فهذا لا يضر، فلنتنبه لهذا الشيء.(58/18)
ضرورة احترام المدرس وإن كان عاصياً ولزوم النصيحة للشخص إذا وجد فيه عيب
السؤال
هذا يقول: فضيلة الشيخ لي معلم لا يلتزم بالتعاليم الإسلامية فهو يحلق لحيته، ويشرب الدخان، ويطيل ثوبه، فهل يجب علي احترامه وتقديره؟ وهل يجوز أن أعرض عنه؟ -وقبل أن يختم يقول- سبق أن سمعت غيبة لك يا فضيلة الشيخ ولم أنكر فأرجو أن تسامحني على ذلك قبل أن لا يكون دينار ولا درهم.
الجواب
أما بالنسبة للمدرس الذي بهذه الصفة فأرى أن يرفع أمره إلى مدير المدرسة، ومدير المدرسة سوف يعمل اللازم بالنسبة لهذا المدرس بالنصيحة بالتي هي أحسن، وتنحل الأمور إذا أتيت من أبوابها، لكن في الفصل الذي فيه الدراسة يحترم لا لذاته ولكن من أجل أن له الولاية على الطلاب في هذا الفصل -أي: فصل الدراسة-.
وأما بالنسبة لكونه لم يدافع عني فأشكره على هذا الاعتذار، ولكني أبشره بشيء مهم أن كل إنسان يغتاب شخصاً فإنما يقدم له عملاً صالحاً يبقى للذي اغتيب، ولهذا قال بعض السلف: أود أن أبذل دراهم لمن يغتابني؛ لأن الذي يغتابني يهدي إلي هدية أثمن من الدراهم، وهي الحسنات؛ فلقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من تعدون المفلس فيكم؟ قالوا: من لا درهم عنده ولا متاع -أو قالوا: ولا دينار- قال: لا، المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، فيأتي وقد ضرب هذا، وشتم هذا، وأخذ مال هذا؛ فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن بقي من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ثم طرح في النار) نسأل الله العافية.
وأنا لا أقول: إني معصوم، ليس فيَّ شيء يمكن أن يغتابني الناس فيه، لكني أقول: كل إنسان يبلغه عني شيء فالواجب عليه أن يبلغني إياه؛ لأن هذا من النصيحة والإنسان بشر، وهذا خير من كونه يتكلم في عرض الإنسان، أبلغ أخاك عيبه، ومن أهدى إليك عيبك فقد نصحك وأحسن إليك.(58/19)
عدم جواز التقليل من الحفظ المقرر في مدارس التحفيظ
السؤال
فضيلة الشيخ أحسن الله إليك، أنا في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم يقرر علينا خمسة أجزاء مثلاً، ولكن المعلم ربما يقلل على الطلاب فيعطيهم أقل من هذا المقرر، فهل يجوز للمعلم ذلك؟
الجواب
لا يحل للمعلم أن ينقص شيئاً من المقررات، ولا أن يتغيب عن الحصص الدراسية لأنه مؤتمن، فهو أمين بين مؤتمنين: أمين بين الدولة وبين الطلاب، أمين بين الطلاب وآبائهم، يجب عليه أن يمشي على النظام، لكن أحياناً يكون المقرر أكثر من الزمن وحينئذ يقع الإشكال، بمعنى: أنه يكون المقرر -مثلاً- خمسة أجزاء والزمن لا يتسع لخمسة أجزاء، فما موقف المدرس حينئذ؟ في هذه الحال أرى أن المدرسين يكتبون تقريراً إلى إدارة المدرسة، وإدارة المدرسة إلى إدارة التعليم وإدارة التعليم إلى الوزارة في أن الزمن لا يكفي لهذا المقرر فيزاد في الزمن، بدلاً من أن يكون حصتين يكون ثلاثاً.(58/20)
حل توجيهي لشاب في أسرة فاسدة
السؤال
سائل يقول: فضيلة الشيخ في بيتنا دش وفيديو وخادمة، وأبي وإخواني لا يصلون لا في البيت ولا في المسجد، ويشربون الدخان، نصحتهم كثيراً في كل هذا ولم يمتثلوا لنصحي، وأنا إذا ذهبت إليهم أضعف جداً حيث تكون الخادمة في البيت كاشفة الوجه والرأس، والدش موجود وصوته مرتفع بالموسيقى، فماذا أعمل يا فضيلة الشيخ؟ أرجو منكم لهم الدعاء بالهداية.
الجواب
نسأل الله لهم الهداية ولكل إخواننا المسلمين.
أقول: إذا كان يمكنك أن تنفرد بمسكن فافعل، وإذا كان لا يمكنك فاختر حجرةً من البيت تكون فيها وتبعد عن الأشياء المحرمة، وليس عليك من إثمهم شيء ما دمت لا تجد مكاناً وليس عندك دراهم تستأجر بها، فكن في حجرة خاصة في البيت واسأل الله لهم الهداية.(58/21)
حكم الصلاة في المسجد قبل الإقامة بدون إذن الإمام
السؤال
فضيلة الشيخ دخل مجموعة من الناس إلى المسجد قبل إقام الصلاة فصلوا قبل الإقامة، فما حكم صلاتهم؟
الجواب
لا يجوز للإنسان أن يقيم الجماعة في مسجد له إمام راتب إلا بإذن الإمام، وإذا قال هؤلاء: نحن مسافرون، لا يمكننا أن ننتظر حتى يأتي الإمام ويصلي.
قلنا: الأمر واسع، إذا كنتم مسافرين فسافروا وصلوا في الطريق، أما أن تصلوا في مسجد له إمام قبل حضور إمامه فهذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن ذلك فقال: (لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه) فسلطان المسجد هو إمامه فيجب الانتظار حتى يحضر الإمام، فإن قالوا: نحن مسافرون لا يمكننا أن نبقى.
قلنا: الحمد لله، أنتم معذورون بترك الجماعة، سافروا وصلوا في أي مكان شئتم.(58/22)
حكم الصلاة على الإسفنج
السؤال
فضيلة الشيخ ما حكم من دخل مسجداً مفروشاً على الإسفنج؟ وما حكم السجود على الإسفنج في الصلاة؟
الجواب
لا بأس أن يصلي في المسجد، لكن إذا سجد فليكبس على الإسفنج حتى يستقر لقول أنس بن مالك رضي الله عنه: (كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه وسجد عليه) فهذا يدل على أنه لا بد أن تمكن جبهتك لا أن تضعها على الإسفنج وضعاً؛ لأنه إذا وضعتها وضعاً لم يصدق عليك أنك سجدت.
إذاً نقول: إذا صلى الإنسان في المسجد أو في بيته على الإسفنج فإنه لا بد أن يضغط عليه حتى يستقر.(58/23)
كيفية الصلاة الإبراهيمية في التشهد الأخير من الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ ما هي كيفية الصلاة الإبراهيمية في التشهد الأخير في الصلاة صيغة اللفظ الواردة جزاك الله خيراً؟
الجواب
الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هي: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.(58/24)
كيفية التوبة من السرقة
السؤال
فضيلة الشيخ شخص له عدة سوابق في السرقة، وعندما أراد التوبة عن ذلك لم يعرف الوسيلة إلى ذلك، فماذا يفعل حتى يتوب، مع العلم أن الأشخاص الذين سرق منهم لم يعودوا موجودين؟
الجواب
التائب من السرقة لا تتم توبته حتى يوصل المال إلى من سرق منه، ولكن إذا قلنا: لا بد أن توصل المال إلى من سرقته منه قد يكون فيه إشكال، ما هو الإشكال؟ الإشكال أن يقبضوا عليك، وإذا قال: إنه سرق ألفاً قالوا: لا، أنت سرقت ألفين، وهذه مشكلة، فما هي الطريق؟ الطريق أن ينظر إلى أحد من أصحاب الرجل صاحب المال ويذهب إليه ويخبره بالخبر، وصديق صاحب المال يعطيه ويقول: هذا من رجل تاب إلى الله ومن تحقيق التوبة أن يرد المال إليك.
فإذا قال: لم أعرف الرجل، أو كنت أعرفه ولكن سافر إلى بلده ولا أدري أين هو.
نقول: عليك أن تتصدق بقدر ما سرقت تخلصاً من السرقة لا تقرباً بذلك إلى الله، وهكذا القاعدة يا إخواني، القاعدة: في كل مال جهل مالكه أن تتصدق به تخلصاً منه.(58/25)
حكم القراءة من المصحف في الفريضة والنافلة
السؤال
سؤالي يا فضيلة الشيخ: ما حكم النظر في المصحف في صلاة الفرض والنفل؟ وما حكم القراءة ببعض الأدعية كدعاء الاستخارة في صلاة النافلة؟
الجواب
القراءة من المصحف في صلاة الفريضة والنافلة إن كان يمكن أن يقرأ بدون ذلك فهو أفضل؛ لأن القراءة في المصحف تحتاج إلى نظر، وتحتاج إلى حمل المصحف، وإلى وضعه، وإلى تقليب الأوراق وكلها حركات، فإذا كان الإنسان لا بد أن يقرأ فلا بأس سواء في الفريضة أو في النافلة، ومن ذلك -أي: من القراءة في الفريضة- أن بعض الناس في فجر يوم الجمعة لم يحفظ (الم تنزيل السجدة) ، ولا: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} [الإنسان:1] فبعض الناس يترك هذه السنة لأنه لم يحفظها، فنقول: الحمد لله الأمر واسع، إذا كنت لا تحفظها عن ظهر قلب فاقرأ بها من المصحف ولا حرج في هذا، وقد كانت أم المؤمنين رضي الله عنها تقرأ في صلاتها في التهجد من المصحف، فلا حرج.
أما إذا كان ليس له حاجة للقراءة في المصحف فلا يقرأ في المصحف.
وإنني بهذه المناسبة أود أن أنبه إلى شيء كان الناس يفعلونه ثم تقاصروا فيه -والحمد لله- وهو: أن بعض المأمومين في التراويح في رمضان أو في صلاة التهجد يأخذ المصحف ليتابع الإمام، وهذا غلط؛ لأن هذا يؤدي إلى حركات لا داعي لها، ويمنع المصلي من وضع اليد على الصدر، وربما يسرح في نظره إلى الآيات في المصحف عن استماع الإمام، نعم لو أن الإمام لم يحفظ جيداً فقال لبعض المأمومين: يا فلان! صل ورائي، وإذا غلطت فرد علي، فهذا لا بأس به لأن فيها مصلحة، أما لمجرد المتابعة فلا.(58/26)
التفصيل في قصر الصلاة في السفر وجمعها
السؤال
فضيلة الشيخ نحن طلبة ندرس في إحدى الدول الغربية، ولكن نواجه مشكلة وهي: اختلاف الفتاوى في الصلاة: هل تجمع وتقصر، أم تقصر فقط، فماذا تقولون بالتفصيل وفقكم الله؟
الجواب
بقي قسم ثالث: أم لا تقصر ولا تجمع، هذه المسألة يا إخواني مبنية على خلاف العلماء رحمهم الله، إذا أراد المسافر أن يقيم في مكان مدةً محددة معلومة، فهل له أن يقصر الصلاة أو لا؟ أكثر العلماء يقولون: لا يقصر الصلاة إذا زادت إقامته عن خمسة عشر يوماً، وبعضهم يقول: أربعة أيام.
وبعضهم يقول: أربعة أيام لا يحسب منها يوم الدخول والخروج.
وبعضهم يقول: تسعة عشر يوماً.
وقد ذكر الحافظ النووي رحمه الله في كتابه شرح المهذب عشرين قولاً أو أكثر من عشرين قولاً في هذه المسألة.
والقول الراجح: أنه ما دام الإنسان مسافراً فهو مسافر حتى لو حدد المدة، وحتى لو زادت على أربعة أيام أو عشرة أو عشرين أو ثلاثين، هو مسافر، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سافر وأقام عدة إقامات مختلفة وهو يقصر الصلاة، أقام في غزوة الفتح في مكة تسعة عشر يوماً، وأقام في تبوك عشرين يوماً، وأقام في حجة الوداع عشرة أيام وكلها يقصر، ولم يرد عنه حرف واحد يقول: من نوى أكثر من أربعة أيام أو أكثر من خمسة عشر يوماً لزمه الإتمام؛ أبداً، وإنما كان يقصر ما دام على سفر، وقد أطلق الله تبارك وتعالى هذا الحكم فقال: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101] ولم يحدد.
إذاً لا إشكال عندي في أن هؤلاء المبعوثين للدارسة يقصرون الصلاة، ماذا بقي من الرخص؟ الجمع، هل يجمعون أو لا؟ أقول: الأفضل ألا يجمعوا إلا إذا كان يلحقهم في ترك الجمع مشقة كتباعد الأمكنة، أو وجود حصص دراسية تمنعهم من أن يصلوا الصلاة الثانية في وقتها فلهم الجمع.
هذا هو القول الراجح عندي، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه ابن القيم، وشيخنا عبد الرحمن بن السعدي رحمه الله ومشايخ آخرين على أن ذلك غير محدد.
بقي الاختلاف، اختلاف الطلبة لا ينبغي أن يختلفوا في هذا، يتبعون الإمام فإذا كان الإمام الذي يصلي بهم لا يرى القصر ويصلي أربعاً فليصلوا أربعاً وهم على خير، وإن كان يرى القصر ويصلي ركعتين فليصلوا ركعتين، ومن لا يرى القصر وصلى خلف الإمام الذي يقصر فإن الإمام إذا سلم يقوم المأموم فيتم.(58/27)
حكم معاشات التقاعد لمن تقاعد عن العمل
السؤال
فضيلة الشيخ قاربت على التقاعد فبماذا تنصحني: هل أستقيل وأصفي حقوقي بدلاً من التقاعد لأني سمعت أن فيه شبهة رغم أنه أفيد بالنسبة لي من التصفية، أم أنه ليس فيه شبهة فآخذ به يا فضيلة الشيخ؟
الجواب
أقول: ليس فيه شبهة إن شاء الله، معاشات التقاعد ليس فيها شبهة لأنها من بيت المال وليست معاملة بين شخص وآخر حتى نقول: إن فيها شبهة الربا، بل هي استحقاق لهذا المتقاعد من بيت المال، فليس فيها شبهة، تبقى على وظيفتك وتأخذ معاش التقاعد، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يجعل فيه البركة لك.(58/28)
واجبنا نحو المسلمين في كوسوفا
السؤال
فضيلة الشيخ هل من كلمة توجهنا فيها لدعم إخواننا المظلومين في إقليم كوسوفا حيث أن هناك الهجمة الشرسة كالتي كانت في البوسنة من الصرب النصارى بل أشد، وخصوصاً مع هذا التعتيم على وضعهم وهذا التكالب من أعداء المسلمين والتلاعب فيهم، حتى لم نرهم يعملون شيئاً، وما هو حثكم للمسلمين في دعمهم؟
الجواب
والله هذه المسائل لا شك أنها تؤلمنا، والله نتألم، الإنسان لو تصور -لا قدر الله- أن مدينة من مدن المملكة تسلط عليها أعداء شرسون، وأخرجوا النساء والأطفال وقتلوا الرجال الشيوخ فلن يصبر على هذا، ولتألم أو مات ألماً، ولا شك أن إخواننا المسلمين في كوسوفا يلحقهم مثل هذا كما نسمع في الأخبار على أن الأخبار معتمة، ولكن ما موقفنا؟ إننا لا نستطيع إلا الدعاء، أن ندعو الله لهم في الصلوات والخلوات، في آخر الليل، فيما بين الأذان والإقامة، في السجود أن ينصرهم الله وأن يخذل أعداءهم من الصرب.
وكذلك -أيضاً- يجب أن نعلم -أيها الإخوة- أن النصارى واليهود وسائر المشركين أعداء للمسلمين، كلهم أعداء للمسلمين، ومعلوم أن العدو لا يمكن أن يفرش الأرض وروداً لعدوه أبداً، بل يحب القضاء عليه بأسرع وقت، يقول الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:73] ويقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:51] ويقول جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة:1] ويقول تبارك وتعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89] ويقول تعالى: {وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} [الممتحنة:2] ويقول تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة:109] هذه حقيقة يجب أن تكون في قلب كل مسلم، وأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتوحد الأديان أبداً، الدين واحد ما هو؟ الإسلام كما قال الله تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85] .
اليهود والنصارى على دين لكن بعد أن بعث الرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم نسخ الله به جميع الأديان، وهم لو كانوا صادقين بأنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر لاتبعوا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكن هم الآن (اليهود) مكذبون لموسى وهم يدعون أنهم أتباعه، النصارى مكذبون لعيسى وهم يدعون أنهم أتباعه، قال الله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة:113] كل أمة تكفر أخرى، النصارى مكذبون لعيسى عليه السلام لأن عيسى قال لهم: {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6] فلما جاءهم محمد: {قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصف:6] لم يقبلوا بشارة عيسى ولم يصدقوا به.
ثم إني أقول لكم -بارك الله فيكم-: من كذب رسولاً واحداً من الرسل فقد كذب الجميع، اسمعوا قول الله عز وجل: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:105] وهل بعث أحد قبل نوح؟ لا، ومع ذلك يقول الله عن قومه الذين كذبوه إنهم كذبوا المرسلين؛ لأن من كذب رسولاً من الرسل فقد كذب الجميع يجب أن نعرف هذا، وأنا أعلم الآن أن هناك أناساً يداهنون الكفار ويقولون: كلنا إبراهيميون، لأن اليهود يقولون: إبراهيم منا، والنصارى يقولون: إبراهيم منا.
فكذبهم الله فقال: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:67] هؤلاء الذين يداهنون ويقولون: كلنا نؤمن بالله واليوم الآخر، كلنا إبراهيميون نقول: هذه مغالطة، لو كانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر ما كذبوا الرسول عليه الصلاة والسلام.(58/29)
حكم اعتقاد أن للنجوم والبروج تأثيراً
السؤال
فضيلة الشيخ نقرأ في التقاويم اليومية أن لبعض الأبراج خواص تنسب إليها، فهذا المرفق يقول: خواص برج العقرب -مما ذكر- غزير قلما يخلف مطره إلا أنه مذموم؛ لأنه ينبت النشرة وهو نبت إذا رأته الإبل مرضت.
الجواب
على كل حال الإخبار بما يقع في البروج أو النجوم إذا كان مجرد خبر بأن يقال: جرت العادة أنه في النجم الفلاني أو البرج الفلاني يحصل كذا وكذا فهذا لا بأس به لأنه خبر، أما إذا اعتقد أن للبروج تأثيراً في الحوادث فهذا حرام، وهو نوع من الشرك، وكذلك لو اعتقد أن للنجوم التي ليست البروج تأثيراً في الحوادث فهذا نوع من الشرك الذي لا يجوز ولا يصدق، فهذه هي القاعدة: إذا كان يخبر عما كان عادةً مثل أن يقول: إذا دخل البرج الفلاني كثر المطر في العادة.
فلا بأس به، هذا شيء واقع، أما إذا كان يعتقد أن للبرج تأثيراً فهذا نوع من الشرك، وفي الصحيح عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: (صلى بنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة الصبح في الحديبية على إثر سماء كانت من الليل -يعني: على إثر مطر- فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) .(58/30)
حكم اتخاذ احتفالات أو أعياد رأس كل حول
السؤال
فضيلة الشيخ رجل يوجد عنده مؤسسة وسيمر عليه فترة من الزمن بعد أيام يريد أن يحتفل بها لإظهار الأعمال التي قام بها، فما توجيهك له في ذلك هل يفعل أم لا؟ ولماذا؟ وما حكم تهنئته بذلك؟
الجواب
أرى ألا يفعل؛ لأني أخشى أن يتخذ ذلك عيداً، كلما حال الحول أقام احتفالاً، ولم يجعل الله لهذه الأمة عيداً يحتفل فيه إلا الفطر والأضحى والجمعة عيد الأسبوع ولها خصائصها، لكن العيدان: الأضحى والفطر يجوز فيهما من اللعب والدف ما لا يجوز في غيرهما، فهذه الأعياد الثلاثة الإسلامية، ولا ينبغي للإنسان أن يتخذ عيداً سواها، ولكنه لا بأس أن الإنسان إذا تم الحول على تجارته وهي مستقيمة أن يشكر الله تعالى ويحمد الله عليها، بل هذا من الأمور المطلوبة، أما اتخاذ احتفال أو عيد أو عزائم فلا.(58/31)
حكم طاعة الوالدين في فعل المنكر
السؤال
فضيلة الشيخ نخبرك بأنا نحبك في الله، ولقد تطرقت يا فضيلة الشيخ إلى بر الوالدين، فإذا كان الوالدان لا يسمحان بزيارة أخ عاق، فما حكم مخالفتهم في ذلك؟
الجواب
هذا السؤال الذي سأل عنه أخونا يقع كثيراً، يكون بين الأم وبين أختها أو قريبتها سوء تفاهم، أو بين الأب وأخيه أو قريبه سوء تفاهم، ويقول لأولاده: لا تزوروا فلاناً، أو تقول المرأة: لا تزوروا خالتكم مثلاً، ولا شك أن هذا أمر بقطيعة رحم، فهو أمر بمنكر، فلا يطاع الولدان بهذا، لكن تداريهما فتذهب إلى هؤلاء الذين نهوك عن زيارتهم وتزورهم خفية من غير أن يشعر الولدان بذلك، فتجمع بين تحصيل المصلحة ودرء المفسدة.(58/32)
طلب العلم مقدم على صلاة النافلة
السؤال
فضيلة الشيخ تعلمون -حفظكم الله- أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد فعل سنة الضحى ورغب فيها، ونحن طلاب لنا رغبة في أدائها، فهل من كلمة إلى مدراء المدارس والوكلاء والأساتذة لتخصيص غرفة لمن يرغب في أدائها؟
الجواب
لا أستطيع أن أقول هذا، أنا أخشى أنه يقعد يصلي ويتلهى مع زميله وتضيع عليه الفرصة، وهم إن شاء الله ما داموا في طلب العلم فطلب العلم أفضل من النافلة، على أن من العلماء من قال: إن سنة الضحى غير مشروعة.
وبعضهم قال: غير مشروعة لمن يقوم الليل.
ولكن القول الراجح: أن سنة الضحى سنة في كل الأيام، لو لم يكن منها إلا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أنه: (يصبح على كل عضو من أعضاء البدن صدقة) ، والأعضاء -يعني: المفاصل، ثلاثمائة وستون مفصلاً تحتاج كل يوم إلى ثلاثمائة وستين صدقة- لكن التسبيح صدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، قال: (ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى) فإن تيسر لك أن تركعهما فهذا المطلوب وإن لم يتيسر فأنت في خير إن شاء الله.
السائل نفسه: في الفسحة يا شيخ؟ الشيخ: الفسحة يمكن، لكن كوننا نخصص مكاناً لمن أراد أن يصلي أخشى أن يكون فيه تلاعب، وأنتم تعرفون أن الشباب الصغار ليسوا على مستوى واحد.(58/33)
اللقاء الشهري [59]
في هذا اللقاء تفسير آيات من سورة الفرقان، وقد تضمنت هذه الآيات عدة أمور: منها: امتداح الله لنفسه بخلق المخلوقات العظيمة في هذا الكون، بالإضافة إلى تعاقب الليل والنهار من أجل التذكير والعبادة.
ومنها: بيان صفات عباد الرحمن التي نفتقد التحلي بالكثير منها.(59/1)
تفسير آيات من سورة الفرقان
الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع والخمسون من اللقاءات الشهرية التي تتم يوم السبت ليلة الأحد الثالث من كل شهر، وهذه الليلة هي ليلة الأحد الحادي والعشرين من شهر جمادى الآخرة عام (1419هـ) .
أسأل الله تعالى أن ينفعني وإياكم بما علمنا، وأن يزيدنا علماً، وأن يجعلنا من الصالحين المصلحين إنه على كل شيء قدير.(59/2)
تفسير قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً.)
في هذه الليلة سنبدأ بتفسير آخر سورة الفرقان، من قول الله تبارك وتعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً} [الفرقان:61] .
يمتدح جل وعلا نفسه بهذه المخلوقات العظيمة، فيقول: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً} [الفرقان:61] أي: تعالى وتعاظم، وحلت البركة بأسمائه وكلامه عز وجل، كما قال الله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:29] وفي دعاء الاستفتاح نقول في الصلاة: (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك) أي: إن البركة تنال باسمك، ولهذا يذبح رجلان ذبيحتين: أحدهما لم يسم على ذبيحته، والثاني سمى عليها، فذبيحة الأول حرام لا بركة فيها، وذبيحة الثاني الذي سمى عليها حلال فيها البركة.
فالله عز وجل متبارك متعالٍ متعاظم: البركة في أسمائه البركة في صفاته البركة في كلامه جل وعلا.
{الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً} [الفرقان:61] (بروجاً) جمع برج، وهي النجوم العالية، هذه النجوم التي نراها ونشاهدها ليلاً هي بروج يعلو بعضها بعضاً وهي اثنا عشر برجاً، ثلاثة للصيف، وثلاثة للشتاء، وثلاثة للخريف، وثلاثة للربيع، فالجميع اثنا عشر برجاً، نجوم عالية، انظر إلى هذه النجوم كيف تراها بهذا الكبر وبينك وبينها من المسافات العظيمة ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، أو من أطلعه الله عليك! {وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً} [الفرقان:61] السراج: الشمس، والقمر المنير: القمر، والأم هي الشمس؛ لأن نور القمر مستفاد من نور الشمس، ولهذا إذا دنا القمر من الشمس ضعف نوره؛ لأنها تضعف المقابلة بينه وبين الشمس ونوره مكتسب من الشمس، فإذا قرب منها قلَّت المقابلة فقلَّ النور، وإذا ابتعد عنها وصار هو في المشرق وهي في المغرب أو بالعكس امتلأ نوراً؛ ولذلك تجدون القمر في ليالي الإبدار مكانه بالنسبة للشمس في أول الليل شرقاً والشمس غرباً، وفي آخر الليل يكون غرباً والشمس شرقاً ويمتلئ نوره؛ لأنها تتم مقابلته مع الشمس، ولهذا سمى الله الشمس سراجاً والقمر نوراً.(59/3)
تعاقب الليل والنهار
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} [الفرقان:62] يخلف بعضه بعضاً، يأتي الليل فيذهب النهار، ويأتي النهار فيذهب الليل، بقدرة الله جل وعلا، وقد بيَّن الله لنا ذلك في قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ} [القصص:71] ؟
الجواب
لا إله إلا الله، لا أحد يقدر على هذا إلا الله، لو اجتمعت الأمم كلها بأجناسها وأنواعها وقواتها ما استطاعوا أن يمنعوا الشمس لحظة واحدة، ولا أن يعجلوها لحظة واحدة {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ} ؟ الله عز وجل {أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص:72-73] الحمد لله.
إذاً جعل الله الليل والنهار خلفة، أي: يخلف بعضهما بعضاً، يأتي هذا ويذهب هذا، ويأتي هذا ويذهب هذا، ثم هناك آية أخرى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [لقمان:29] تارة يزيد النهار وينقص الليل، وتارة ينقص النهار ويزيد الليل، وتارة يتساويان.
من الذي يسير الشمس حتى يطول الليل أو النهار؟ الله عز وجل.
{خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:62] (لمن أراد أن يذكر) أي: من الناس الذين لا يشكرون الله، لكن لو تأملوا لتذكروا، لو تأملوا بهذه القدرة الإلهية العظيمة؛ أن الله تعالى يجعل الليل والنهار خلفة لتذكروا {أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:62] أي: أراد عبادة، ولهذا لنا عبادات مقرونة باختلاف الليل والنهار الفجر بطلوع الفجر، والظهر بزوال الشمس، والعصر إذا صار ظل كل شيء مثله، والمغرب بغروب الشمس، والعشاء بغروب الشفق، فالله تعالى جعل هذا الاختلاف لمن أراد أن يتذكر؛ لأن الإنسان بمجرد ما يتأمل -وإن لم يكن مؤمناً لكن بعقله- لا بد أن يعرف أن اختلاف الليل والنهار بحكمة من مدبر حكيم عز وجل.(59/4)
تفسير قوله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناًَ)
قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} [الفرقان:63] استمع إلى ما سيأتي في أوصاف عباد الرحمن، وتأمل كيف قال: عباد الرحمن! ليشير إلى أن كونهم عبيداً لله إنما هو برحمة الله عز وجل قال: عباد الرحمن، ولم يقل: عباد الله؛ لتعلم أنهم لم يكونوا عباداً لله إلا برحمة الله عز وجل.
وأوصافهم: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} [الفرقان:63] فإذا قال قائل: هل الخلق كلهم عبيد لله، أو العبيد لله هم العابدون له؟
الجواب
كل الخلق عبيد لله، قال الله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:93-95] كل الخلق عباد لله أرقاء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ولا يستطيعون أن يدفعوا ما أراد الله بهم، أعتى العتاة وأشدهم عناداً عبدٌ لله، لكن بالعبودية الكونية لا بالعبودية الشرعية، ولذلك تحدى الله عز وجل الكفار فقال تعالى: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ} [الواقعة:83] أي: الروح صعدت من البدن حتى وصلت إلى الحلقوم {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة:84-85] (أقرب إليه منكم) أي: بملائكتنا، الملائكة الذين يحضرون لقبض الروح، (ولكن لا تبصرون) فالذين عند الميت حال الاحتضار لا يشاهدون شيئاً {فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} [الواقعة:86] أي: كما تزعمون أنكم لن تجازوا على الأعمال ولن تبعثوا {تَرْجِعُونَهَا} [الواقعة:87] ما هو الجواب؟ لا يمكن أن يرجعوها، متى بلغت الروح الحلقوم لو اجتمع أهل الأرض كلهم وأهل السماء فلن يستطيعوا ردها {تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة:87] لا يمكن.
إذاً: هل الخلق جميعهم كافرهم ومؤمنهم عبيد لله؟ نعم، عبيد لله بالمعنى الكوني، لا يمكن أن يفروا من قضاء الله وقدره، لكن العبادة المفيدة عبادة الشرع، العابدون لله بشرعه اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم.
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63] ذكر صفاتهم الفعلية والقولية {يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} [الفرقان:63] تجده يمشي لا مشية المجنون المخبول، ولا مشية المتسرع؛ بل مشية هينة، وليس المعنى: أنهم لا يسرعون، بل يسرعون في موضع الإسراع ويخفضون في موضع الخفض، لكن هوناً متواضعين لله، متواضعين لعباد الله.
{وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ} [الفرقان:63] وأساءوا إليهم بالقول لا يقابلونهم ولكن {قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63] قد يتبادر لبعض الناس أن المعنى: أنهم يقولون: سلامٌ عليكم، ولكن المعنى أعم من ذلك، أي: قالوا قولاً يسلمون به، إما سلام عليكم، وإما كلام لين آخر يسلمون به.(59/5)
تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً))
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً} [الفرقان:64] يبيتون سجداً لله وقياماً، وتأمل لماذا قدم (لربهم) على قوله: (سجداً وقياماً) ؟! إشارة لإخلاصهم أنهم لا يقومون رياءً ولا سمعة، وإنما يقومون لله وحده، وهل هم يسجدون ويقومون فقط، أم يركعون أيضاً؟ يركعون ويجلسون، الصلاة فيها ركوع وقيام وقعود وسجود، فلماذا نص على القيام والسجود؟ نص عليهما لأن القيام أشرف بذكره، والسجود أشرف بهيئته، القيام أشرف بذكره؛ لأن الإنسان القائم يقرأ كلام الله عز وجل، أفضل قول هو قول الله عز وجل، فلشرف ما يقرأ به في قيامه نص على القيام، والسجود أشرف في هيئته؛ لأن الساجد أقرب ما يكون لربه تبارك وتعالى، فنص على القيام لشرفه لما يقرأ فيه، وعلى السجود لشرفه بهيئته.
وقل لي يا أخي: ما الذي تضعه عند السجود؟ تضع الجبهة والأنف، الوجه، فأشرف ما في الإنسان وأعلى ما في الإنسان ينزل حتى يكون في موطئ الأقدام ذلاً لله عز وجل، ولو وضع السيف على رقبة المؤمن ليسجد لفلان أو فلان ما سجد، لكنه إذا سمع المنادي: حي على الصلاة، حي على الفلاح؛ أجاب بسرعة.
إذاً هؤلاء من أوصافهم أنهم يبيتون لربهم سجداً وقياماً، وهل يطيلون القيام؟ هل يطيلون السجود؟ ما دام بياتهم على هذا الوصف فمعناه أنهم يطيلون القيام والسجود، وهذا إمامهم محمد صلوات الله وسلامه عليه يطيل القيام حتى إن قدميه لتتفطر من طول القيام (صلى معه ذات ليلة عبد الله بن مسعود وهو شاب، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم وأطال القيام، قال عبد الله بن مسعود: حتى هممت بأمر سوء -وهو شاب أصغر من الرسول عليه الصلاة والسلام- قالوا: ماذا هممت يا أبا عبد الرحمن؟ قال: أردت أن أقعد وأدعه) .
الله أكبر! وصلى معه حذيفة بن اليمان ذات ليلة، فبدأ بالبقرة بعد الفاتحة، يقول حذيفة: (فقلت: يسجد عند المائة، -أي: إذا أتم مائة آية يركع- ولكنه مضى حتى أتم البقرة، فقلت: يركع حينئذ، ثم مضى، فقرأ النساء ومضى وقرأ آل عمران) وهذا قبل الترتيب الأخير، لأن سورة النساء كانت قبل آل عمران، وفي الترتيب الأخير صارت آل عمران قبل النساء، وقرأ الرسول عليه الصلاة والسلام خمسة أجزاء وربع، قال حذيفة: (وكان لا يمر بآية تسبيح إلا سبح، ولا بآية رحمة إلا سأل، ولا بآية وعيد إلا تعوذ) إذا كنا نقرأ خمسة أجزاء -مثلاً- في ساعة ونصف، ففي كم قرأها الرسول مع الترتيل ومع السؤال عند ورود الرحمة، والتعوذ عند ذكر العذاب، والتسبيح عند ذكر التسبيح؟ ستكون ساعات طويلة، وفي السجود -أيضاً- يطيل السجود عليه الصلاة والسلام، ولكن قد يستحسر المرء إذا سمع مثل هذا، ويقول: ما لي ولهذا! لا أستطيع، ثم يقول لنفسه: أنام إلى أذان الفجر، فنقول: يا أخي! الخير كل الخير فيما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (اكلفوا من العمل ما تطيقون) أي: لا تكلفوا أنفسكم، وإنما الذي تطيقون، وقال صلى الله عليه وسلم: (أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) أي: الذي يديم عليه الإنسان وإن قل، فإذا حصل لك في آخر الليل قبل الفجر بنصف ساعة، تقوم وتتوضأ وتقرأ ما ينبغي أن يقرأ عند الاستيقاظ، وتصلي ولو ثلاث ركعات (الوتر) وتداوم على هذا، فهو خير والحمد لله.
لكن ابدأ صلاة الليل بعد النوم بركعتين خفيفتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ويأمر به؛ أن تبدأ صلاة الليل بركعتين خفيفتين، والحكمة من هذا: أن الإنسان إذا نام فإن الشيطان يعقد على ناصيته ثلاث عقد، ثم إذا قام من نومه وذكر الله انحلت عقدة، ثم إذا توضأ انحلت العقدة الثانية، ثم إذا صلى انحلت العقدة الثالثة، فكان ينبغي أن يجعل الصلاة أول ما يصلي بعد النوم ركعتين خفيفتين، وهذا سهل، نصف ساعة قبل صلاة الفجر تداوم عليها يكون هذا العمل عند الله عز وجل أحب ما يكون، فإن أحب ما يكون أن تداوم على العمل الصالح.(59/6)
تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ.)
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ} [الفرقان:65] مع كونهم يبيتون لله سجداً وقياماً يخافون من النار {يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ} [الفرقان:65] ؛ لأنهم لا يفخرون ولا يمنون بعملهم على الله، يؤمنون بأن العمل لهم: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ} [فصلت:46] يرون أن لله المنَّة عليهم حينما هداهم لهذا العمل، ولهذا وصفهم الله تبارك وتعالى في آية أخرى بأنهم {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:18] انظر! يقومون آخر الليل يستغفرون الله؛ لأنهم يرون أنهم مقصرون، مهما عمل الإنسان من العبادة والطاعة فلم يؤدِ حق الله عز وجل عليه، إذا عملت بالطاعة فلله عليك حق أن تشكره عليها؛ لأن الطاعة نعمة، وإذا شكرت الله على هذه النعمة لزمك حق آخر تشكره مرة ثانية على هذا الشكر، وإذا شكرته الثالثة لزمك حق رابع، ولهذا قال الشاعر قولاً حميداً:
إذا كان شكري نعمة الله نعمةً عليَّ له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام واتصل العمر
اللهم إنا نسألك شكر نعمتك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ} [الفرقان:65] جهنم اسم من أسماء النار، ولها أسماء كثيرة، أعاذني الله وإياكم ووالدينا ومشايخنا منها إنه على كل شيء قدير.
((رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ)) [الفرقان:65] كأن عذاب جهنم مقبل عليهم، فيقولون: {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} [الفرقان:65] أي: كان لزاماً بمنزلة لزوم الغريم للمدين، أي: ملازم لها، أجارنا الله وإياكم منها! وهذه الملازمة إنما هي لمن يستحق الملازمة وهم الكفار، أما المؤمن فهو وإن فعل معاصٍ يستحق بها أن يعذب في النار فهناك شيء آخر وراء هذا وهو رحمة الله عز وجل، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] أبشر يا أخي المؤمن، أمِّل بربك خيراً، مهما عظمت الذنوب ولكنها دون الشرك فهي تحت المشيئة، لكن لا يغرنك هذا فتأمن من مكر الله وتستمر على المعاصي، وتقول: الحمد لله! الله غفور رحيم، {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] بعض الناس يغرهم هذا الحلم من الله عز وجل، ولكننا نقول لهؤلاء: إن الله تعالى لم يقل: ويغفر ما دون ذلك، بدون أن يقول: لمن يشاء، فهل أنت على يقين أنك تحت المشيئة أن الله يشاء أن يغفر لك؟ لا، لست على يقين، هذا أمر مبهم لا نعلمه، فلا تأمن مكر الله ولا تقنط من رحمة الله.(59/7)
تفسير قوله تعالى: (إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً)
قال تعالى: {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} [الفرقان:66] (إنها) الضمير يعود على جهنم (ساءت مستقراً) هذا ذم عظيم، أي: ساءت مستقراً يستقر به الإنسان، وساءت مقاماً يقيم فيه، فليست حسنة لا في مستقرها ولا في مقامها، ومعلوم أنها لن تكون حسنة وفيها هذا العذاب العظيم المعلوم بالكتاب والسنة.
هذا الوصف لجهنم على ضد الوصف للجنة التي قال الله فيها: {حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} [الفرقان:76] فاختر يا أخي هذا أو هذا.
وفي قوله تعالى: {مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} [الفرقان:66] دليل على أن عباد الرحمن يؤمنون بأن النار مستقر لأهلها الذين هم أصحابها؛ لأن أصحاب النار الذين هم أصحابها لا يخرجون منها، والنار لا تفنى، قال الله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الأحزاب:65] وقد ذكر الله تعالى تأبيد الخلود لأهل النار في ثلاثة مواضع من القرآن: الأول: قال الله سبحانه وتعالى في سورة النساء: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [النساء:168-169] .
الثاني: قال الله تعالى في سورة الأحزاب: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [الأحزاب:64-65] .
الثالث: قال الله تعالى في سورة الجن: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن:23] أبد الآبدين، فالنار لا تفنى {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:48] .
ولو قال قائل: كيف يصبرون؟ أفلا يحترقون؟ ف
الجواب
قال تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:56] ، وقال تعالى: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال:50] لكن الخالق جل وعلا قادر على أن يعيدهم مرةً ثانية؛ فالجلود تنضج ولكن تعاد من جديد، وهكذا أبداً.
قال تعالى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا} [الكهف:29] بعد المدة الطويلة يطلبون الماء {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} [الكهف:29] بمجرد ما يقرب من وجوههم -أجارنا الله وإياكم منها- يشويها فتتمزق، وإذا وصل الأمعاء فاسمع: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15] إذاً لا فائدة فيه.(59/8)
تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا.)
قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:67] هم أيضاً مع كونهم يبيتون لله سجداً وقياماً، والذين يقيمون التهجد سيقيمون الفرائض من باب أولى، هم أيضاً منفقون، لكن إنفاقاً معتدلاً {لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان:67] الإسراف: الزيادة، والإقتار: النقص، أي: لا يسرفون بزيادة ولا يقترون بتقصير، فهنا طرفان في الإنفاق: الأول: إسراف.
والثاني: إقتار.
وبينهما يقول: {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:67] أي: لا يميلون للإسراف ولا إلى التقتير، بل ينفقون بين هذا وهذا حسب ما تقوم به حاجاتهم، هل لأنهم فقراء أم لأنهم معتدلون؟ الثاني لا شك، حتى لو كانوا أغنى ما يكون فلا يمكن أن يسرفوا.
وإذا نظرنا إلى حال الناس اليوم وجدنا أنهم بين طرفين: إما مسرف يأتي بالطعام كثيراً، وباللباس كثيراً، وبالفرش كثيراً، وبالسيارات كثيراً، بكل ما ينفق يسرف، وإما مقتر لا يقوم بالواجب لأهله بل يقتر عليهم، وهناك قسم ثالث لكنه قليل يكون إنفاقه بين هذا وهذا.
والإسراف له أمثلة كثيرة، منها: رجل شاب في مقتبل العمر يريد أن يشتري سيارة، فعرضت عليه سيارة جديدة بأربعين ألف ريال، ممتازة توصله إلى مكة والمدينة والرياض وغيرها، وعرضت عليه سيارة أخرى بثمانين ألف ريال، وهو رجل قليل ذاتِ اليد، يمكن ألا يحصل على هذه السيارة إلا بقرض أو بتقسيط زائد على قيمتها الحاضرة، فتجد بعض الشباب يختار التي بثمانين ألفاً، وهو رجل قليل ذات اليد، فيبقى الدين عليه، وإذا حلَّ الدين ولم يوفِ فإن الدائن لا يرحمه، ويزيد عليه، وإلا فالسجن، وهذا المسكين لا يريد السجن بلا شك، يذهب يستدين من شخص آخر ليقضي الأول، وإذا حلَّ دين الثاني وليس عنده شيء طلب دائناً ثالثاً، وهكذا يكون بين أيدي الأغنياء كالكرة بين أيدي اللاعبين، هذا يضربه مرة وهذا يضربه مرة لماذا يا أخي؟ اشترِ على قدرك بأربعين ألف واقض حاجتك، وإياك والدين فهو هم وغم! ومن ابتلي به فإنه لا يشبع، وأضرب لكم مثلاً في كراهة الرسول عليه الصلاة والسلام للدين: أتت امرأة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! وهبت نفسي لك -تريد أن يكون زوجاً لها، والتزوج بالهبة خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:50]- فلم يُردها الرسول عليه الصلاة والسلام، فقام رجل من الصحابة فقال: يا رسول الله! إن لم يكن لك بها حاجة زوجنيها، قال له: المهر، قال: المهر إزاري، ليس عليه رداء ما عليه إلا إزار، قال: إزاري، قال: إن أعطيتها إياه بقيت بلا إزار، وإن بقي معك بقت بلا صداق، ابحث عن مهر، فذهب الرجل يبحث فما وجد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (التمس ولو خاتماً من حديد) خاتم للإصبع من حديد فلم يجد، هل قال الرسول عليه الصلاة والسلام له: استقرض من إخوانك المسلمين؟ لا.
مع أن الزواج من ضروريات الحياة، ولم يفتح له باب الاستقراض، وإنما قال: (هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم.
معي كذا وكذا، قال: زوجتكها بما معك من القرآن) أي: علمها الذي عندك ويكفي.
فالمهم أن تهاون الشباب الآن وغير الشباب بالدين خطأ عظيم، اقتصد على قدر الحاجة، لا تكن من المسرفين ولا من المقترين، ويقول العوام في المثل السائر: (مد رجلك على قدر لحافك) .
هذا صحيح، الإنسان مثلاً: إذا كان طويلاً واللحاف قصير ومد رجليه فستخرج من اللحاف ويكون عرضة للبعوض وعرضة للبرد، لكن إذا مد رجليه على قدر اللحاف سلم.
فالحاصل: أن من صفات عباد الرحمن أنهم ينفقون ولكنهم {إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:67] .
أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من عباد الرحمن، وسنتكلم إن شاء الله على بقية الآيات في اللقاءات المقبلة.
أمدنا الله وإياكم بعونه، وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه على كل شيء قدير.
وأبشر إخواني الذين جاءوا من أماكن من غير هذا الحي، أبشرهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) اللهم اجعلنا من هؤلاء إنك على كل شيء قدير.(59/9)
الأسئلة(59/10)
أيهما أفضل: قيام الليل أم الذكر؟
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا طالب علم أرغب في قيام الليل ولكن هذا يتعارض مع الجلوس في المسجد بعد الفجر، فهل الأفضل في حقي أن أقوم الليل مع النوم بعد صلاة الفجر إلى وقت الدراسة، أم الأفضل أن أجلس بعد الفجر لقراءة القرآن والحفظ وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
الأفضل أن تقوم الليل؛ لأن جنس الصلاة أفضل من جنس الذكر، وصلاة الليل هي أفضل الصلوات بعد الفرائض كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) فأشير عليك أن تقوم الليل، وأما جلوسك بعد صلاة الفجر، فلا شك أنه مرغب فيه، لكنه لا يساوي صلاة الليل.(59/11)
الجمع بين حديثي: (كل أمتي معافى) و (إذا خلى بمحارم الله)
السؤال
فضيلة الشيخ! عندي لبس وأريد أن تزيله عني جزاك الله خيراً في حديثين: قوله صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) والحديث الثاني: (كان إذا خلا بمحارم الله انتهكها) يريحني الأول ويؤرقني الآخر، فأرجو منك التوضيح يا فضيلة الشيخ في الربط بينهما نفع الله بك؟
الجواب
الربط بينهما: أن من الناس من يتبجح بفعل المعصية، فيفعل المعصية سراً لا يطلع عليه أحد، ثم ينشرها في الناس إذا أصبح، ويقول: فعلت كذا وفعلت كذا، وهذا لا شك أنه ليس في عافية لأمور: أولاً: لأنه هتك ستر الله عليه.
ثانياً: لأنه تبجح بمعصية الله.
ثالثاً: أن هذا وسيلة إلى أن يقتدي به غيره، وما أكثر هذا في الذين يسافرون أيام الإجازة إلى بلاد خليعة ثم يرجع ويقول: فعلت كذا وفعلت كذا في الفندق الفلاني، ومع العاهرة الفلانية، وما أشبه ذلك، هؤلاء ليسوا في عافية ولا شك.
أما الإنسان الذي يترك المعصية أمام الناس ولكن يفعلها إذا خلا، ولم يمنعه من هذا إلا الحياء، وهو مع هذا في الخفاء خائف من الله عز وجل، ويخشى أن الله سبحانه وتعالى يعاقبه ولو بقسوة القلب؛ فهذا لا يذم.
المشكل: الذي يرائي الناس بفعل الطاعات، وكذلك لا يخاف الله بالغيب، وأما رجل يخاف الله لكنه في العلانية يخجل من الناس وفي السر تغلبه نفسه ومع ذلك فهو خائف من ربه؛ فهذا لا لوم عليه، لكن يجب عليه أن يحاول ترك المعصية بقدر استطاعته.(59/12)
حكم من شك في الحدث أثناء الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! من شك في الحدث في أثناء الصلاة ولم يغلب على باله شيء، فما الحكم؟
الجواب
كل إنسان يشك في شيء موجود فلا يلتفت إلى هذا الشك، هذه قاعدة عامة: كل إنسان يشك في شيء موجود أنه زال فالأصل بقاؤه، ومن ذلك: الإنسان يشك في الحدث هل أحدث؟ نقول: الأصل بقاء الوضوء وأنه لم يحدث، وهذا يكثر في طائفتين من الناس: الطائفة الأولى: طائفة مبتلاة بالوسواس والتخيلات والأوهام، وهذه دواؤها الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وألا يُلتفت إلى هذا الوسواس.
والطائفة الثانية: طائفة معهم غازات في بطونهم، يحسون بالحركة ويخشون أنه حصل حدث، فهؤلاء دواؤهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) .
فنصيحتي لكل إنسان: أن يلزم هذين الطريقين، إذا كان عن وسواس فعليه بالتعوذ والإعراض عن هذا الشيء وألا يلتفت إليه، وإذا كان عن شيء محسوس، قرقرة في البطن أو غازات؛ فيبني على اليقين أنه لم يحدث، حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً.(59/13)
حكم النشرة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم النُشرة، فإننا نسمع من البعض يقول في ذلك: الضرورات تبيح المحرمات.
فهل هذه القاعدة مطردة في جميع الضروريات، جزاك الله خيراً؟
الجواب
النُشرة: حل السحر عن المسحور، وقد قسَّم ابن القيم رحمه الله النُشرة إلى قسمين، فقال: القسم الأول: النشرة بالأدعية والتعوذات والقراءة، فهذه جائزة ولا إشكال فيها.
القسم الثاني: النشرة بالسحر، بأن يذهب إلى السحرة يعينون له محل السحر الذي سُحر، قال ابن القيم: هذا من عمل الشيطان، ولا يجوز.
وأما قول بعض الناس: الضرورة تبيح المحرم.
فهذه لا تبيح الشيء الذي يتعلق بالعقيدة، أرأيتم لو قيل لرجل مريض: إنه لا يشفى إلا إذا زنى، فهل يزني؟ لا يمكن أن يزني؛ لأن من شرط إباحة المحرمات عند الضرورة أن تزول الضرورة بذلك.
على كل حال: هذه المسألة قسمها ابن القيم هذا التقسيم، ومن أراد المزيد من ذلك فليرجع إلى كتاب التوحيد لشيخ الإسلام/ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فقد ذكر باباً مستقلاً في هذا، وقال: (باب ما جاء في النُشرة) .(59/14)
حكم مسح الوجه باليدين عقب الدعاء
السؤال
فضيلة الشيخ! أرجو التوضيح حول هذا الأمر الذي أشكل عليَّ وعلى بعض الناس، وهو: ما حكم المداومة أو الإكثار من مسح الوجه باليدين عقب الدعاء، خاصةً أن الناس يحتج بحديث ذكره ابن حجر رحمه الله في بلوغ المرام؟
الجواب
مسح الوجه باليدين بعد الدعاء يرى بعض العلماء أنه بدعة، وممن رأى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: إن الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة ولا ينجبر بعضها ببعض.
ويرى بعض العلماء أن الأحاديث الواردة في ذلك بمجموعها تكون من الأحاديث الحسنة التي يعمل بها.
والأمر في هذا واسع: من مسح وجهه فلا حرج عليه، ومن تركه فهو أفضل.(59/15)
حكم وطء المرأة النفساء
السؤال
ما حكم وطء المرأة في النفاس؟ وكم مدة النفاس؟ وما حكم من فعل ذلك؟
الجواب
وطء المرأة حال النفاس محرم كما هو أيضاً في حال الحيض، لقول الله تبارك: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222] .
وأما مدة النفاس فتختلف، فبعض النساء تكون مدتها عشرين يوماً، وبعضهن دون ذلك، حتى إن بعضهن تبقى خمسة أيام وتطهر، وبعضهن تزيد على الأربعين إلى ستين، فتختلف النساء.
أما من فعل ذلك فعليه أن يتوب إلى الله مما صنع وألا يعود، وقد جعل الله تبارك وتعالى له ما تزول به الشهوة من غير الجماع، فيستطيع أن يجامع بين الفخذين مثلاً، ويستطيع أن يستمني بيد امرأته، أي: يفعل العادة السرية مثلاً، فالأمر -والحمد لله- له حل وأما وطؤها وهي نفساء فإن ذلك حرام، لكن لو طهرت قبل أربعين يوماً فيحل له أن يجامعها؛ لأنه إذا جازت الصلاة جاز الجماع من باب أولى.
وأما ما روي عن بعض السلف: أن امرأته أتت إليه وقد طهرت قبل الأربعين فتركها، فهذا رأيه، ولكن الصحيح الذي لا إشكال فيه: أن من جازت لها الصلاة من الزوجات جاز لزوجها وطؤها.(59/16)
حكم سفر المرأة بدون محرم
السؤال
فضيلة الشيخ! عرض عليَّ هذا المشروع وأنا أستفتيك فيه: هناك مجموعة من المدرسات تم تعيينهن في بلد بعيد جداً، فعرض عليَّ أن أستأجر بيتاً لهن وأسكن أنا وزوجتي معهن بمقابل مادي، على أن أعيدهن أنا وزوجتي في يوم الأربعاء إلى أهلهن فنسافر يوم السبت، وهكذا طوال العام الدراسي، فما رأيك يا فضيلة الشيخ في هذا؟ وهل من كلمة توجهها لي ولأهلهن؟ بارك الله فيك.
الجواب
لا أرى هذا؛ لأن بقاءهن في البلد على سفر، والمرأة لا يحل لها أن تسافر إلا مع ذي محرم، إلا إذا جاء محارمهن وسكنوا معهن فلا بأس، أو أن تذهب بهن أول النهار وترجع بهن آخر النهار ففي هذه الحالة نرى أن ذلك جائز؛ لأن هذه المدة مع قصر المسافة لا تعد سفراً.(59/17)
حكم من جامع زوجته في نهار رمضان ولم يستطع الصيام
السؤال
فضيلة الشيخ! جامعت امرأتي في رمضان، ولكن يا فضيلة الشيخ لا أستطيع الصيام وظرفي أني أعمل، فهل هناك كفارة أخرى؟
الجواب
نعم هناك كفارة أخرى وهي إطعام ستين مسكيناً؛ لأن الذي يجامع زوجته في نهار رمضان في البلد عليه عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
أما لو جامعها في غير بلده كرجل سافر إلى العمرة -مثلاً- وهو صائم هو وأهله، ثم بدا له أن يجامعها في هذا السفر سواءً في الطريق أو في مكة فلا بأس، حتى وإن كان يريد أن يبقى كل شهر رمضان؛ لأن المسافر لا يلزمه الصوم.
والإنسان يجب عليه أن يتقي الله عز وجل، وألا يبدل نعمة الله كفراً، حيث أنعم الله عليه بالزوجة فلا يجعل ذلك سبباً لانتهاك حرمات الله عز وجل فيجامع في نهار رمضان، وقد أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا رسول الله! هلكت، قال: ما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم) فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على قوله: (هلكت) وجعل هذا هلكة، والليل قريب والحمد لله، قد يجامعها في نصف النهار ولم يبق لهما إلا نصف النهار، أو في أول النهار ويبقى باقي النهار.(59/18)
أفضل الأيام في أداء العمرة
السؤال
فضيلة الشيخ! أيهما أفضل للمرأة: أن تذهب لأداء العمرة في رمضان قبل العشر الأواخر، أو في العشر الأواخر؟
الجواب
المرأة والرجل سواء، كما قال عليه الصلاة والسلام: (عمرة في رمضان تعدل حجة) سواءً كانت العمرة في أوله أو في وسطه أو في آخره، لكن هنا مسألة يجب أن نتنبه لها: بعض الناس يذهب بأهله إلى مكة من بنين وبنات ويدعهم يتسكعون في الأسواق، وربما يتعرضهم سيئ من السيئين، فتجده هو في المسجد الحرام يعبد الله عز وجل، لكنه قد أضاع أمانة أهم من بقائه في المسجد الحرام وهي رعاية أهله، ولذلك نرى أن الإنسان إذا كان لا يستطيع السيطرة على أهله فيبقى في بلده والحمد لله، وقوله صلى الله عليه وسلم: (عمرة في رمضان تعدل حجة) ولكنها ليست فريضة، أو يذهب بأهله ويرجع في يومه، ويحصل على عمرة في رمضان ويسلم من الشر الذي قد يأتيه وهو لا يريده.(59/19)
حكم شركات التأمين
السؤال
فضيلة الشيخ! لدينا سيارات نقل بضائع (تريلات) تعمل على الطرق البرية في المملكة بالأجرة، والبضاعة ذات قيمة عالية جداً، أحياناً يقدر الله على إحدى هذه التريلات حادث مروري وهي محملة بالبضاعة، ويكون هناك تلف في البضاعة والسيارة كاملة أو جزء منها، ونتحمل نحن قيمة البضاعة التالفة مع إصلاح سياراتنا على حسابنا وندفع لصاحب البضاعة قيمة التالف، سؤالي يا فضيلة الشيخ: ما حكم التأمين الشامل على البضاعة والسيارة تأميناً شاملاً؟ ثانياً: ما حكم التأمين على البضاعة فقط؟ ثالثاً: ما حكم التأمين ضد الغير فقط؟
الجواب
أما الأول: فإن السيارة إذا حصل عليها حادث وتلف ما فيها من البضاعة بدون تفريط من صاحب السيارة وبدون تعدٍّ منه فلا ضمان عليه، ولا يحل لصاحب المال الذي حمله أن يصُمِّن صاحب السيارة؛ لأن هذا المال بيده أمانة أخذه هو برضى صاحبه وحمله في السيارة فهو أمين، وكل أمين يحصل التلف تحت يده بدون تعدٍّ ولا تفريط فلا ضمان عليه، ولا يحل لصاحب المال أن يطالبه، حتى لو فرض أنه طالبه وخصمه وهو يعلم أن صاحب السيارة لم يتعد ولم يفرط، فإذا أخذه ولو بحكم القاضي فإنه حرام عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أقضي بنحو ما أسمع، فمن اقتطعت له شيئاً من حق أخيه فإنما أقتطع له جمرةً من النار فليستقل أو ليستكثر) .
أما لو كان ذلك بتعدٍّ منه أو بتفريط؛ كسرعة غير عادية، أو تفريط في الكفرات لم يتفقدها، أو غير ذلك، فعليه الضمان.
أما بالنسبة للتأمين: فإنه حرام، سواءٌ على السيارة، أو على المال، أو على السيارة والمال، أو ضد الغير، كله حرام، كله ميسر، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90] فقرن الله الميسر بالخمر والأنصاب والأزلام، والتأمين من الميسر.
وقد لبَّس بعض الناس على دار الإفتاء في المملكة العربية السعودية أنها تجيز التأمين التجاري كالذي أراده السائل، وأصدرت لجنة الإفتاء وعلى رأسها سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز بياناً بأن هذا كذبٌ على اللجنة، وأن اللجنة إنما تجيز التأمين التعاوني، بمعنى: أن يُجعل صندوق بين العائلة توضع فيه دراهم، ومن حصل عليه حادث أعانوه منه ولا يرجع إليه شيء، وأن هذا الذي نسب إلى هيئة كبار العلماء تلبيس ودجل.
فنصيحتي لإخواني المسلمين عموماً: أن يتقوا الله عز وجل، وألا ينتهكوا حرمات الله، وأن يعلموا أن المال خُلِقَ لهم ولم يخلقوا للمال، وأن يعلموا أن المال عارية إما أن تفقده في حياتك أو تموت ويكون لمن خلفك.
فالتأمين بجميع أنواعه وأشكاله حرام، لكن قيل لنا: إن بعض البلاد يجبرون الإنسان على التأمين ولا يعطونه رخصة للسيارة ولا أي معاملة إلا بالتأمين، فماذا يصنع الإنسان؟ نقول: هذه ضرورة، أعطهم ما طلبوا منك للتأمين، ولكن إذا حصل عليك حادث فلا ترجع عليهم إلا بمقدار ما أعطيتهم؛ لأن العقد الذي بينكم عقدٌ باطل شرعاً، وإذا كان باطلاً شرعاً بطل ما يستلزمه وما يقتضيه هذا العقد، ولا يحل لك أن تأخذ إلا بمقدار ما أُخذ منك فقط.(59/20)
حكم من انقطع عنه صوت الإمام وهو في الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! صليت مع الإمام ودخلت معه في تكبيرة الإحرام وسمعت قراءة الفاتحة، ثم فجأة انقطع صوت الإمام ولم أسمع التكبيرة للركوع بسبب خلل في مكبر الصوت، فلم أستطع متابعة الإمام وأكملت صلاتي منفردة.
فهل الصلاة صحيحة بمخالفتي للإمام؟
الجواب
الصلاة صحيحة، إذا انقطع صوت الإمام وانفرد الإنسان عن الإمام فصلاته صحيحة؛ لأنه معذور، لكن لو فرضنا أن هذا في صلاة الجمعة وانقطع الصوت في الركعة الأولى وانفرد الإنسان عن الإمام فإنه لا يصلي جمعة؛ لأنه لم يدرك منها ركعة، ولو انقطع في الركعة الثانية وانفرد عن الإمام أتمها جمعة؛ لأنه أدرك ركعة كاملة.
ولكن لا ينبغي للمأموم -ذكراً كان أو أنثى- إذا انقطع الصوت أن ينوي الانفراد في الحال، بل عليه أن ينتظر؛ لأنه أحياناً ينقطع الصوت ثم يصلحونه، فإذا أيس حينئذٍ ينفرد.(59/21)
حكم بيع التقسيط
السؤال
فضيلة الشيخ! ذكرت -حفظك الله- في خطبة الجمعة بأن بيع السيارة بالتقسيط والضمان حرام الشيخ: لا، نحن ذكرنا التأجير المنتهي بالتمليك.
السائل: وأنا قد اشتريت هذه السيارة، فما العمل الآن ولم يبق سوى أقساط قليلة؟
الجواب
أرى أن تسدد الأقساط القليلة هذه، وينتهي العقد وتكون السيارة لك، وتسلم من غائلتها وشرها.(59/22)
حكم إتيان المرأة في دبرها
السؤال
فضيلة الشيخ! أرجو الإجابة على هذا السؤال؛ لأنه مهم عندي، فهو يقلقني زوجي يطلب مني أن يأتيني من الخلف -أي: من فتحة الشرج- وأنا أرفض ذلك، وهو يجبرني على ذلك لدرجة أني أبكي وأرفض ولكنه يجبرني على هذا الشيء، أرجو الإفادة جزاك الله خيراً؟
الجواب
أولاً: أنصح هذه السائلة إذا أرادت أن تقدم هذا السؤال ألا تقدمه هكذا علناً؛ لأن هذا -والحمد لله- غير موجود، لا يوجد اللهم إلا إذا كان في المليون واحد، وإيراد مثل هذا السؤال في هذا المجتمع يفتح الباب، ثم هو أيضاً في رأيي منافٍ للحياء، أن المرأة تحكي عن زوجها هذا، لو اتصلت بي أو بغيري من أهل العلم في هذا الأمر إما بالتلفون أو برسالة ترسلها لكان خيراً.
على كل حال نحن نبين الحكم في هذا: وطء المرأة في دبرها من كبائر الذنوب، حتى جاء فيه الوعيد الشديد جاء الوعيد بالكفر، وجاء الوعيد باللعن، وسمي هذا: اللوطية الصغرى، والنصوص في هذا كثيرة، وما ذكر عن بعض السلف أنه أباحه خطأ عليهم، كما ذكر ذلك ابن القيم في زاد المعاد، وغيره، وإنما أرادوا أن يأتيها في الفرج من ناحية الدبر، وهذا جائز لا بأس به، أن الإنسان يطأ زوجته في فرجها لكن من الخلف، يأتيها من الخلف هذا لا بأس به؛ لقوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223] أما أن يطأها في الدبر فلا.
وهنا مسألة: يظن بعض الناس أنه إذا فعل هذا -أي: أتى أهله من الدبر- انفسخ النكاح، وليس كذلك، فالنكاح باقٍ، لكن لو عاود واستمر وجب أن يفرق بينهما، أي: يبن المرأة وزوجها الذي يفعل هذا الفعل، وبالنسبة لها عليها أن تمتنع منه بقدر الاستطاعة.
فنصيحتي أولاً للأزواج: أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وفي أهليهم، وألا يعرضوا أنفسهم للعقوبة.
ونصيحتي للزوجات: أن يمتنعن من هذا إطلاقاً، حتى لو أدى ذلك إلى الخروج من البيت إلى أهلها فلتفعل ولا تبق عند هذا الزوج، وهي في هذه الحالة ليست بناشز؛ لأنها فرت من معصية، ولها النفقة على زوجها، فلو بقيت عند أهلها شهراً أو شهرين فإنها تطالبه بالنفقة، لأن الظلم منه هو؛ لأنه لا يحل له أن يكرهها على هذا الأمر.(59/23)
حكم استثمار المال الموروث
السؤال
فضيلة الشيخ! توفي والدي وخلف مبلغاً من المال فوضعته في شركةٍ لاستثماره حتى لا تفنيه الزكاة، وكنت أحياناً أزكيه من مالي الخاص، ثم بعد عدة سنوات رأيت أن أسحبه من تلك الشركة وأضعه في مشروع آخر، وقد نما وكثر، ولكن بعد سنوات صار أقل، فهل يلزمني أن أدفع للورثة أصل المال، أم ما لحقه من النماء؟
الجواب
المال ما دام موروثاً عن الأب فإن أصله وربحه للورثة، لكن لا يجوز لأحد من الورثة أن يضعه في شركة إلا برضى الجميع، إما أن يوكلوه وإما أن يستأذن منهم ويدفعه للشركة، فما حصل من نماء فإنه تابع لأصله، أي: يوزع على كل وارث بقدر إرثه.(59/24)
بمن يلحق العاصي عند قبض روحه؟
السؤال
فضيلة الشيخ! جاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل حين احتضاره للموت المؤمن والكافر: أن المؤمن تفتح له أبواب السماء لروحه، وينادى بأحسن أسمائه، ويكتب كتابه في عليين، وورد في الكافر أنه في سجين، ويفرش له في قبره من النار، فهل هناك غير تلك الحالتين؟
الجواب
الذي يظهر والله أعلم: أن المؤمن تصعد نفسه إلى السماء وتفتح لها أبواب السماء، والكافر لا تصعد نفسه إلى السماء، أما المؤمن العاصي فلا شك أنه ليس كالكافر، ولكن هل يلحق بالمؤمن المتقي أم لا؟ الله أعلم، لا ندري، ثم إني أقول -أيها الإخوة-: أمور الغيب لا تبحثوا فيها، خذوا بما بلغكم ودعوا ما لم يبلغ؛ لأن أمور الغيب فوق مستوى الإنسان، أرأيتم الآن أرواحكم في أجسادكم، هل يستطيع أحدٌ منكم أن يصف روحه؟ أبداً، إلا ما بلغنا من الكتاب والسنة، وهي روحه بين جنبيه، وفي يوم القيامة تدنو الشمس من الخلائق مقدار ميل، والميل إما أن يكون المسافة، وإما أن يكون ميل المكحلة مثل الأصبع هذه الشمس البعيدة عنا الآن لو نزلت مقدار ميل عن مجراها الآن لاحترقت الدنيا، وفي يوم القيامة لا تحرق الناس مع أنها تنزل هذا النزول؛ لأن أحوال الآخرة لا يمكن أبداً أن تقاس بأحوال الدنيا.
في يوم القيامة المؤمنون: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [الحديد:12] جعلنا الله وإياكم منهم والكافرون في ظلمة، يقول المنافقون للمؤمنين: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً} [الحديد:13] ومع ذلك الناس في صعيد واحد، هؤلاء يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، وهؤلاء في ظلمة، فالعقل لا يدرك هذا الشيء، لكن الواجب علينا فيما يتعلق بأمور الغيب أن نقول: سمعنا وآمنا وصدقنا، وألا نقيسه بأحوال الدنيا؛ لظهور الفرق العظيم بين هذا وهذا.(59/25)
حكم صبغ الشعر بالسواد
السؤال
فضيلة الشيخ! انتشر في الأسواق صبغة للشعر ذات ألوان متعددة ما عدا الأسود، ولكنها إذا وضعت على الشعر الأبيض انقلب أسود، فهل يجوز استعمالها، حيث أنها قبل أن توضع على الشعر لونها غير أسود؟ وهل من السنة تغيير الشيب بالكتم أو الحناء؟
الجواب
ما دام أن هذه الصبغة إذا وضعت على الشعر الأبيض اسودَّ فهي حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتغيير الشيب لكنه نهى عن السواد، حيث قال: (وجنبوه السواد) ، وورد الوعيد الشديد على قوم يخضبون بالسواد.
فعلى المرء أن يتقي الله عز وجل، وهو وإن كان شعره أبيض وهو نشيط وقوي فهو شاب، ولو كان شعره أسود وهو ضعيف هزيل فهو شيخ شايب، فالأفضل تغيير الشيب بالحناء والكتم، أي: يخلطان جميعاً، الحناء أصفر والكتم أسود يميل إلى الزرقة قليلاً حتى يخرج منهما لونٌ بني، أي: أدهم، هذا هو الأفضل، وإن صبغ بالحناء فقط فلا بأس، وإن صبغ بالكتم فقط فلا؛ لأنه يكون أسود.(59/26)
أكثر مدة للنفاس
السؤال
فضيلة الشيخ! لقد علمت أن مدة النفاس أربعين يوماً، ولكن قد يزيد على ستين يوماً، ولا أعرف هل أصلي بعد الأربعين أم لا.
أرجو إيضاح ذلك حتى لا تضيع صلاتي.
الجواب
أقول: العلماء -رحمهم الله- مختلفون في أكثر مدة النفاس، فمنهم من قال: أكثر مدة النفاس أربعون يوماً، وعلى هذا فإذا جاوز الدم أربعين يوماً فإن وافق عادة حيضها قبل الحمل جلست، وإن لم يوافق فهو دم فساد، تصلي وتصوم وتحل لزوجها.
هذا هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله عند أصحابه.
القول الثاني: أكثره ستون يوماً، وإن الدم ما دام على وتيرة واحدة لم يتغير، فإنها تبقى إلى ستين يوماً.
وهذا مذهب الشافعي رحمه الله عند أصحابه.
وعليه: إذا تمت الستون يوماً والدم باقٍ قلنا فيه -فيما زاد على الستين- كما قلنا فيما زاد عن الأربعين، إن وافق العادة فهو حيض، وإن لم يوافق العادة فهو دم فساد تغتسل وتصلي وتصوم.(59/27)
التوبة من الآثام والمعاصي
السؤال
هذا سائل يطلب من فضيلة الشيخ أن يكون عوناً له في جواب هذا السؤال، وخلاصة سؤاله أنه يقول: كنت شاباً منحرفاً عن الدين بما تعنيه كلمة الانحراف، ثم منَّ الله عليَّ بتوبة من عنده فرجعت إلى الدين، ولكن العقبات -كما تعلمون- كثيرة والمعوقات أكثر، ثم صار يتوب ويرجع عدة مرات ويعاهد الله ويقسم على الله بألا يعود فيرجع، يقول: بعد مدة استمرت أربع سنوات وأنا على تلك الحال، أفعل المعصية ثم أقسم ألا أعود ثم أعود، ثم منَّ الله علي بفضله ومنته ورحمته فتركت جميع المعاصي التي كنت أرتكبها، سؤالي يا فضيلة الشيخ: هل تقبل توبة كهذه التوبة التي لم تكن صافية نقية؟ وماذا أصنع تجاه هذه الأيمان هل أكفّرها؟ علماً بأني لا أعلم لها عدداً، أم يكفي الإقلاع عن تلك المعاصي؟ وفي آخر السؤال يقول: ماذا أفعل في العهد؟ وهل أدخل تحت قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [الرعد:25] ؟
الجواب
الحمد لله الذي منَّ الله على أخينا في آخر الأمر بالتوبة وإصلاح العمل، وأبشره -حسب ما أعلم من الكتاب والسنة- أن توبته صحيحة، وأسأل الله له الثبات، فليثبت ولا يلتفت إلى الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلبه، فتوبته مقبولة، وليستمر على طاعة الله واجتناب معصيته.
أما ما حصل من الأيمان والعهود فإنه يجزئ عنها جميعها أن يطعم عشرة مساكين؛ لأنها أيمان أو نذور بمعنى الأيمان، والمحلوف عليه شيء واحد، وإذا تعددت الأيمان والمحلوف عليه شيء واحد كفاه عنها كلها كفارة واحدة، فنقول لأخينا: أطعم عشرة مساكين لكل مسكين كيلو من الرز، واجعل معه لحماً يكون طعماً له، وإلا فادع عشرة من الفقراء إلى غداء أو عشاء ويكفيك.
أسأل الله له الثبات، وأن يديم علينا وعليكم نعمته، وهذه من نعمة الله عليه أنه يحس بالذنب ويعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، وهو سبحانه وتعالى أرحم الراحمين.(59/28)
اللقاء الشهري [60]
في هذا اللقاء الذي بدأه الشيخ بالتحدث عن صلاة الاستسقاء وأحكامها؛ تابع تفسير آخر سورة الفرقان؛ ليبين صفات عباد الرحمن التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات، ثم يجيب عن الأسئلة الواردة في هذا اللقاء.(60/1)
صلاة الاستسقاء وصفاتها
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء المتمم للستين من اللقاءات الشهرية التي تتم في الجامع الكبيرة في عنيزة، وهذه الليلة هي ليلة التاسع عشر من شهر رجب عام (1419هـ) .
أسأل الله تعالى أن يجعل لقاءاتنا خيراً وعاقبتها خيراً؛ إنه على كل شيء قدير.
وقبل أن نشرع في موضوع هذا اللقاء نتكلم عن صلاة الاستسقاء صلاة الاستسقاء سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، والاستسقاء يعني: طلب السقيا، ومن المعلوم أن الذي ينزل الغيث هو الرب عز وجل، كما قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} [لقمان:34] وقال الله عز وجل: {أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ} [الواقعة:68-69] .
الجواب
أنت يا ربنا، أنت الذي أنزلته وجعلته مباركاً تنبت به من كل زوج بهيج.
هذا المطر يصرفه الله تبارك وتعالى حيث شاء كيف شاء على قدر ما شاء عز وجل، ولذلك تجد بعض البلاد يكون فيها أمطار كثيرة، وبعض البلاد تكون قاحلة، وبعض البلاد تكون بين هذا وهذا، واستمع إلى قول الله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً} [الفرقان:50] .(60/2)
استسقاء الخطيب يوم الجمعة
الاستسقاء له صفات متعددة: منها: أن يستسقي الخطيب يوم الجمعة في خطبة الجمعة، ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أنس بن مالك رضي الله: (أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل -فبدأ رضي الله عنه بسبب السؤال قبل السؤال- قال: هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ورفع الناس أيديهم معه، وقال: اللهم أغثنا -ثلاث مرات- قال أنس -وهو راوي الحديث- فوالله ما في السماء من سحاب ولا قزعة -القزعة: قطعة من السحاب إذاً: السماء صحو تماماً- وما بيننا وبين سلع -وهو جبل معروف في المدينة إلى الآن بهذا الاسم- من بيت ولا دار -وإنما ذكر ذلك لأن السحاب تأتي من جهة هذا الجبل- يقول: فخرجت من ورائه سحابة مثل الترس -والترس: ما يتوقى به المجاهد من الرماح، وهو يشبه التبس- فارتفعت في السماء، فلما توسطت انتشرت ورعدت وبرقت، فما نزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته) لا إله إلا الله! أمطرت وخر السقف من المسجد، وساح على رأس الرسول عليه الصلاة والسلام، وجعل المطر يتحادر على لحيته، والمدة قصيرة؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] ويقول تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50] وبدأ المطر ينزل أسبوعاً كاملاً ما رأوا الشمس ليلاً ونهاراً، فلما كانت الجمعة الأخرى دخل رجل أو الرجل الأول وقال: (يا رسول الله! تهدم البناء وغرق المال فادع الله يمسكها عنا) تهدم البناء من كثرة الأمطار، وغرق المال من كثرة الأمطار، فادع الله يمسكها عنا، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يدع أن يمسكها الله إنما دعا بدعاء نافع غير ضار، قال: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) وجعل يشير هكذا بيده، يقول أنس: (فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت) بأمر من؟ بأمر الله عز وجل، ليس بأمر الرسول عليه الصلاة والسلام، وإنما يقول: حوالينا ويتفرق السحاب، نقول بأمر الله، ومن المعلوم أنه يمكن أن تكون بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ويكون الله سخر له الغمام كما سخر الريح لسليمان، سليمان سخر الله له الريح؛ يضع البساط ويجلس هو وحاشيته، ثم يأمر الريح فتهب عاصفة قوية لكن بدون قلق: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص:36] حيث أراد {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ:12] لكن محمد عليه الصلاة والسلام لم يقل للسحاب: تفرقي؛ حتى نقول: إن هذا بأمره، إنما دعا الله وقال: (حوالينا ولا علينا) فالذي فرقها هو الذي جمعها وهو الله عز وجل، وخرج الناس يمشون في الشمس -تعالى الله- وسال الوادي (قناة) شهراً، وقناة واد في المدينة بهذا الاسم إلى اليوم، سال شهراً كاملاً من الأمطار، فسبحان الله عز وجل!(60/3)
الدعاء في أي مكان يحصل فيه الدعاء
ومن أنواع الاستسقاء: أن يدعو الإنسان في أي مكان يمكن فيه الدعاء في المسجد أو في البيت، وعلى أي حال في السجود، في التشهد، بين الأذان والإقامة، يدعو الله تعالى بالغيث، ولقد استسقى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ ودعا الله أن ينزل المطر حتى يقوم فلان فيسد ثعلب حائطه بردائه، والثعلب: هو الشق في الجدار تدخل منه السيول، فنزل المطر ونزل المطر وخاف الناس من الغرق، وقالوا للرجل: لا يمكن أن تمسك السماء حتى تقوم أنت وتسد ثعلب حائطك بردائك، فقام الرجل وسد الثعب وهو: الشق في الجدار الذي يدخل السيل إلى الحائط، فلما سده بردائه أمسك المطر سبحان الله! آية من آيات الله، وآية من آيات الرسول عليه الصلاة والسلام.(60/4)
الخروج إلى المصلى
ومن ذلك: أن يخرج الناس إلى مصلى العيد، ويصلي الإمام صلاة الاستسقاء كما يصلي في العيد، ويخطب خطبة واحدة، وإن شاء قدم الخطبة على الصلاة؛ لأن كلا الأمرين ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو بالدعاء المناسب.
وفي هذا الأسبوع ستقام -إن شاء الله- صلاة الاستسقاء بعد غدٍ بأمر ولي الأمر، وتعلمون أن بلادنا واسعة الأرجاء، حتى لو فرض أننا في وسط المملكة لم يكن هناك حاجة إلى المطر؛ لأن موسم المطر بدأ قريباً، لكن هناك أماكن شاسعة تحتاج إلى مطر، والعلماء يقولون: يستسقي ولو كان القحط في غير أرضه، فالأمر واضح والحمد لله، فينبغي لنا أن نخرج مع المسلمين في هذا اليوم؛ لدعاء الله عز وجل والتقرب إليه بالصلاة، وليعلم الناس أنه لا ملجأ لهم عند الشدائد إلا الله عز وجل القادر على إزالتها تبارك وتعالى.
هذا ما أردنا أن نقدمه بين يدي موضوع اللقاء الذي ابتدأناه في الشهر الماضي.(60/5)
في ظلال سورة الفرقان
آخر ما وصلنا إليه قوله تبارك وتعالى في وصف عباد الرحمن: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً * وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:63-67] .(60/6)
توحيد الدعاء والعبادة
ثم قال -وهو ابتداء هذا اللقاء-: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} [الفرقان:68] أي: لا يدعون مع الله إلهاً آخر لا دعاء مسألة ولا دعاء عبادة، وإنما يدعون الله وحده، وهذا هو التوحيد الذي جاءت به الرسل واتفقت عليه، كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36] وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25] كل الرسل أجمعوا على هذا، وحق لهم أن يجمعوا؛ لأن الله تعالى أمرهم بذلك، وقال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] .
فهم لا يدعون مع الله إلهاً آخر لا دعاء مسألة ولا دعاء عبادة دعاء العبادة كالركوع والسجود وجميع أنواع العبادة، فهم لا يذبحون لصنم، ولا ينذرون لصنم ولا لقبر ولا لشمس ولا لقمر، وإنما يجعلون العبادة لله الذي خلقهم.
ولا يدعون غير الله دعاء مسألة؛ فلا يأتون إلى صاحب القبر ويقولون: يا سيدي! يا مولاي! يا ولي الله! أعطني كذا وكذا، لا يقولون هذا؛ لأنهم يعلمون أن غير الله لا يملك نفعاً ولا ضراً لا لنفسه ولا لغيره، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أمره الله أن يقول ويعلن: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ} [الأعراف:188] وإذا كان الله أمره أن يعلن: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً} [الجن:21-22] فإذا كنت أنا لا أدفع عن نفسي لو أرادني الله تعالى بسوء فكيف أملك ذلك لكم؟!! وإذا كان الله أمره أن يعلن: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام:50] فكيف يُتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلهاً مع الله يدعى ليكشف الضر؟!! هذا لا يمكن، والنبي صلى الله عليه وسلم نعلم علم اليقين أنه لو خرج لهؤلاء لقاتلهم واستباح دماءهم وأموالهم ونساءهم؛ لأنهم مشركون.
فعباد الرحمن لا يدعون مع الله إلهاً آخر.(60/7)
أنواع الشرك
والشرك نوعان: أكبر وأصغر، فمن دعا غير الله لكشف الكربات فقد أشرك شركاً أكبر، حتى لو صلى وصام ولو تصدق وحج، ولا يحل له أن يحج؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28] وإذا علمنا أنه يشرك بالله ويدعو غير الله منعناه من دخول المسجد الحرام.
والشرك الأصغر أنواعه كثيرة، وهو خفي جداً، قد يحصل في القلب من غير أن يعلم الرجل الرياء شرك أصغر، مثال ذلك: رجل تصدق بدراهم أمام الناس من أجل أن يقولوا: فلان جواد متصدق، فهذا شرك أصغر، هو يريد التقرب إلى الله، لكن يريد من الناس أن يمدحوه لأنه يتقرب إلى الله انتبهوا! هو لم يرد أن يتقرب إلى الناس بهذا، لو كان يريد هذا لكانت المسألة خطيرة ربما نقول: شرك أكبر، لكنه يريد أن يتقرب إلى الله فيمدحه الناس بأنه جواد يتقرب إلى الله تعالى بالصدقات.
كذلك إنسان قام يصلي وحوله أناس؛ فصار يطمئن في صلاته ولا يتحرك، وقد طمأن رأسه من أجل أن يقال: إن فلاناً يتقن صلاته، هو لا يريد التقرب إلى الناس بالصلاة أبداً، وإنما يريد التقرب إلى الله لكنه حسنها من أجل أن يقول الناس: إن الرجل يتقن صلاته لله عز وجل، وهذا رياء.(60/8)
حكم الرياء إذا خالط العبادة
ما حكم الرياء إذا خالط العبادة؟ حكم الرياء إذا خالط العبادة: أولاً: أن الإنسان يأثم.
ثانياً: أن عبادته مردودة لا يقبلها الله عز وجل؛ لقوله تعالى في الحديث القدسي الصحيح: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) فاحذر الرياء، واجعل نيتك لله خالصة، لا يهمك الناس مدحوك أو ذموك.
بقي مسألة: لو قال قائل: أنا سأترك الصدقة خوفاً من الرياء.
وهذا يقع، كأن وجد فقيراً يسأل وظاهر حاله أنه فقير حقاً، فقال: لن أتصدق عليه خوفاً من الرياء، فماذا نقول؟ نقول: هذا تخاذل وغلط، هذا يعني: أن الشيطان غلبك حتى منعك من الصدقة، تَصدقْ ولا تبالِ، فأنت إن تصدقت من أجل أن يمدحك الناس كان رياء، وإن تركت الصدقة خوفاً من الرياء فإن ذلك خذلان ونصرٌ للشيطان عليك والعياذ بالله، فلا يهمنك هذا.
كذلك بعض الناس يحب أن يصوم، فيترك الصوم مخافة أن يقال: إنه صائم، فيخشى من الرياء، وهذا غلط.
ثم إن الإنسان إذا أظهر العبادة من أجل أن يتأسى الناس به كان إماماً فيها -انتبه إلى هذه النقطة- أحياناً يقول الإنسان: لا أحب أن يطلع الناس أني صائم، لكن لو اطلع الناس عليه من أصحابه وأصدقائه تأسوا به وصاموا، فهل الأفضل الإخفاء أم الإعلان؟ الإعلان أفضل؛ لماذا؟ ليكون إماماً يتأسى به في الخير ويُقتدى به، ولهذا امتدح الله عز وجل الذين ينفقون سراً وعلانية، لم يمتدح الذين ينفقون سراً فقط بل سراً وعلانية؛ لأن العلانية قد تكون أفضل من السر حسب ما يترتب عليها من المصالح.(60/9)
النفس التي حرم الله قتلها
{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الفرقان:68] النفس التي حرم الله هي: أولاً: نفس المؤمن.
ثانياً: نفس الذمي.
ثالثاً: نفس المعاهد.
رابعاً: نفس المستأمن.
أربع أنفس محرمة إلا بالحق(60/10)
أولاً: النفس المؤمنة
أما المؤمن فلا إشكال فيه، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93] خمس عقوبات والعياذ بالله: جزاؤه جهنم، وخالداً فيها، وغضب الله عليه، ولعنه، وأعد له عذاباً عظيماً.(60/11)
ثانياً: الذمي
وأما الذمي؛ فلأن الذمي ساكن معنا في بلدنا وتحت حمايتنا، ولكنه يبذل الجزية، والذمي في الوقت الحاضر لا نعلم له وجوداً، هل أحد منكم يعلم له وجوداً؟ بمعنى: أنه يبقى في بلدنا يبذل الجزية كل سنة، يعطينا دراهم، لكنه في عصمتنا نحميه، هذا غير موجود الآن، لكننا نرجو الله عز وجل أن يوجد في المستقبل القريب، لما كان الإسلام عزيزاً كان أهل الذمة يبقون مع المسلمين في البلاد ولكن مع بذل الجزية، وكيف يبذلونها؟ يبذلونها عن يد وهم صاغرون، يأتي أكبر تاجر من الذميين في بلادنا وقد بقي بالجزية، يأتي هو بنفسه ويدفع الجزية ويعطيها المسئول في الدولة الإسلامية عن يد وهو صاغر.
إذاً: الذمي هو: الذي يقيم بدارنا آمناً مطمئناً لكن يبذل الجزية؛ وهي ما يفرضه الإمام عليه كل عام، فيبقى في حمايته، وإذا تم العام يأتي بالجزية.
مسألة: إذا كان هذا الرجل -الذمي- غنياً وعنده خدم، فأرسل الخادم بالجزية إلى المسئول، فهل يكفي أم لا؟ الله سبحانه وتعالى يقول: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29] اختلف العلماء في قوله: (عن يد) ، فقيل: المعنى: أن يأتي بها الذمي ولا نأخذها منه على طول، يقف عند الماسة أمام المسئول ولا يكلمه المسئول، بل يهينه ويتلهى عنه وهو واقف، فإذا أراد أن يسلم الجزية أخذها منها بقوة حتى يكاد أن ينزع يده؛ لأنه قال: {عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29] أذلة.
هذا قول لبعض الفقهاء إلا أنه ضعيف، ولا يمكن أن يعامل الإسلام الذميين هذه المعاملة، لكن المعنى: {عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29] أي: أن الذمي يبذلها بيده لا يرسل بها خادماً، وأيضاً لا يأتي بفخر وهينمة، بل يبذلها وهو صاغر.
وهذا الذمي حمايته علينا، وصد العدوان عنه علينا،؛ لأننا نستلم منه مقابل ذلك الجزية.(60/12)
ثالثاً: المعاهد
والمعاهد هو: من بيننا وبينه عهد أن يبقى في البلد لكنه لا يبذل الجزية، ولكن يجب علينا حمايته وفاءً بالعهد، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة) والعياذ بالله! فالمعاهد له حق لا يجوز العدوان عليه.
ومن يتولى المعاهدة؟ أيتولاها رعاع الناس وغوغاء الناس، أم ولي الأمر؟ يتولاها ولي الأمر، فإذا عاهد ولي الأمر تاجراً أو مهندساً أو عاملاً أو غير ذلك؛ فلا يحل لأي واحد من الرعية أن يؤذيه أو يقتله، بل من قتله لم يرح رائحة الجنة والعياذ بالله! فكيف يدخلها؟ لا يدخلها ولا يرح رائحتها، والمسألة ليست فوضى كل واحد يقول: أنا السلطان، أنا الأمير، أنا المدبر، أنا الذي أكتب العهد، وما أشبه ذلك، فالمسألة ترجع لولاة الأمور.(60/13)
رابعاً: المستأمن
والمستأمِن لا يبقى في بلادنا، رجل معه بضاعة يريد أن يدخل بها البلد ليبيعها، بضاعة مباحة، فيدخل ونعطيه الأمان على أن يدخل ولا أحد يعتدي عليه هذا هو الرابع من النفوس المعصومة المحرمة.
عباد الرحمن لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، وعلى هذا فمن قتل نفساً معصومة فإنه ليس من عباد الله، أي: اختل من صفات من عباد الرحمن فيه هذا الوصف العظيم.(60/14)
أمثلة للحق الذي يبيح قتل النفس المحرمة
وقوله عز وجل: {إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الفرقان:68] سنضرب أمثلة للحق الذي يبيح قتل النفس المحرمة(60/15)
القصاص
أولاً: القصاص، والقصاص بحق بمعنى: إذا قتل أحدٌ شخصاً وتمت شروط القصاص، فإن القاتل يقتل؛ لقول الله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث.
وذكر منها: النفس بالنفس) فيقتل.
والقصاص حياة، مثاله: زيد قتل عمراً فقتلنا زيداً؛ نقول: هذه حياة.
وقد قال بعض العلمانيين والمعترضين على الشريعة: كيف يكون حياة وقد قتل واحداً والآن نقتل اثنين، أين الحياة؟! فنقول: سبحان الله! إذا قتلنا هذا القاتل فكم ينكفُّ عن القتل من مجرمين؟ كثير، كل مجرم يهم بالقتل إذا علم أن مآله أن يقتل توقف؛ لأن أشد الناس حباً للحياة وكراهةً للموت أبعدهم عن الإيمان، بمعنى: أن أبعد الناس عن الإيمان هو أشد الناس حباً للحياة، قال الله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} [البقرة:96] والمشرك لا يود الموت، اليهودي والنصراني لا يود الموت: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [البقرة:94-95] المجرم لا يمكن أن يقدم على شيء وهو يعلم أنه سيقتل به أبداً.
إذاً: النفس بالنفس جائز، وهل ينافي وصف عباد الرحمن؟ لا، لأنه قتل بحق، والقتل بحق جائز.(60/16)
الزنا
ومن القتل بحق: أن يرجم الزاني إذا تمت الشروط.
والزنا -والعياذ بالله- قال الله فيه: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] أيهما أشد وأقبح: الزنا أم نكاح ذوات المحارم؟ نكاح ذات المحارم، ولهذا قال الله عز وجل: {وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً} [النساء:22] وفي الزنا قال: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] ولهذا كان القول الراجح من أقوال العلماء: أن من زنى بأحد محارمه يقتل بكل حال، حتى وإن لم يكن ثيباً.
أقول: الزاني إذا زنى وهو محصن قد منَّ الله عليه بالنكاح واستمتع بزوجته ثم زنا؛ فيرجم على كل حال، يرجم إذا تمت الشروط وكيف يكون الرجم؟ يوقف ويجمع حصى، ويأخذ الناس من هذا الحصى ويضربونه حتى يموت، وهنا نسأل: أليس قتله بالسيف أهون؟! فلماذا قتل بالحجارة؟ نقول: أولاً: حكم الله عز وجل لا تعترض عليه، قل: سمعنا وأطعنا، فإذا قلت: سمعنا وأطعنا فتح الله عليك.
ثانياً: لا تظن أن الإسلام يفرق بين شيئين إلا لسبب، فهذا الرجل الزاني الشهوة تعلقت بجميع بدنه؛ لأن كل البدن مع الشهوة يهتز فينال من اللذة، فكان من المناسب أن نرجمه بالحجارة حتى يتألم جميع بدنه الذي تلذذ بالحرام، وهذه حكمة عظيمة، ولهذا قال العلماء: لا يجوز أن يرجم بحجارة كبيرة تقتله بأول مرة، ولا يجوز أن يقصد المقاتل بحيث يموت بسرعة، بل يفرق الأحجار على بدنه حتى يموت.
إذاً: زنا المحصن مبيح لقتله لكن بالرجم.(60/17)
اللواط
ثالثاً: اللواط، والعياذ بالله! وهو إتيان الذكر الذكر، هذه جريمة قال فيها نبي الله لوط لقومه: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} [الأعراف:80] الفاحشة، لم يقل فاحشة، و (أل) تدل على كبر هذه الفاحشة، وهي والله كبيرة أعظم من الزنا والعياذ بالله! ولهذا وبخ لوط قومه فقال: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [الشعراء:165-166] ما هذه الفطرة؟! فطرة مقلوبة، ولهذا قال: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء:166] أي: مخالفون للفطرة.
فإذا تلوط رجل برجل وكلٌّ منهما بالغ غير مكره وجب قتلهما وجوباً، حتى وإن لم يحصنا وإن لم يتزوجا الزاني لا يرجم إلا إذا كان قد تزوج وجامع زوجته بالحلال، أما اللواط فلا يشرط فيه هذا، يقتل الفاعل والمفعول به، والدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الصغير واسمه: السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، قال: إن الصحابة أجمعوا على قتل الفاعل والمفعول به.
لكن اختلفوا: فمنهم من قال: يُصعد بهما إلى أعلى مكان في البلد ثم يلقيان منه ويتبعان بالحجارة.
ومنهم من قال: يرجمان رجم الزاني.
ومنهم من قال: يحرقان بالنار، وقد فعل ذلك أبو بكر رضي الله عنه وبعض الخلفاء؛ لأن جريمتهم جريمة عظيمة وليست بهينة.
إذاً: مما يبيح القتل: اللواط.(60/18)
الحرابة
رابعاً: الحرابة، والحرابة: أن يوجد قومٌ يتكتلون في الطرقات ومن مر من الناس أخذوا ماله وقتلوه، هؤلاء بين الله تعالى عقوبتهم في سورة المائدة فقال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ} [المائدة:33] هؤلاء يجب أن يقتَّلوا إذا قتلوا الناس، حتى وإن لم يطالب أولياء المقتولين عن القتل، حتى ولو سمحوا بالقتل؛ لأنهم يقتلون ردعاً لفسادهم.
وهناك أشياء معروفة عند العلماء لا نطيل الكلام فيها، وهي معروفة -والحمد لله- عند الفقهاء رحمهم الله في كتاب الحدود وفي كتاب المرتد.
ولنتفرغ للأسئلة لأنها كثيرة، وربما يكون فيها تعرض لبعض ما نريده.(60/19)
الأسئلة(60/20)
قلب الرداء في الاستسقاء والحكمة من ذلك وهل تقلب المرأة عباءتها؟
السؤال
فضيلة الشيخ! هل من كان يلبس شماغاً يقلبه في صلاة الاستسقاء، وهل المرأة تقلب عباءتها؟
الجواب
الظاهر لا، المرأة الستر لها أفضل ولا تقلب عباءتها، والشماغ أيضاً لا يقلب؛ لأنه ليس رداءً ولا لباساً على الجسم فهو يشبه العمامة على الرأس، ولم أعلم إلى ساعتي هذه أن الصحابة كانوا يقلبون عمائمهم، لكن المشلح للرجال قد يكون مشبهاً للرداء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن: ما الحكمة في هذا؟ ما الحكمة في أن الإنسان يقلب المشلح مثلاً؟ الجواب: من باب التفاؤل، أن الله يقلب الشدة إلى رخاء، وهذا تعليل لا بأس به، تفاؤلاً لعل الله عز وجل أن يقلب الحال من الجدب وقحط المطر إلى الرخاء.
ولكن أهم من ذلك عندي التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم بالنسبة لنا، نقلب ذلك تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لقول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} [الأحزاب:21] أما بالنسبة لفعل الرسول إياه فالتعليل ما سبق.
أيضاً قال بعض العلماء: وكأن الرجل التزم بأن يغير عمله السيئ إلى عملٍ صالح؛ لأن الأعمال لباس، قال الله تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26] فكأن الإنسان بهذا الفعل التزم أن يغير حاله ولباسه الديني إلى لباس آخر، والله أعلم.
وعلى كل حال: أهم شيء بالنسبة لنا أننا نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم.(60/21)
التخلف عن صلاة الاستسقاء بحجة كثرة المعاصي
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض طلبة العلم لا يخرج لصلاة الاستسقاء بحجة أن المعاصي موجودة، فكيف ندعو الله ونحن لم نغير من أحوالنا؟
الجواب
هذا غلط؛ لأن المصائب كلها قد تكون بسبب الذنوب، كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى:30] وقد تكون امتحاناً من الله عز وجل يمتحن بها العبد هل يصبر أو لا يصبر.
هذه واحدة.
ثانياً: إذا قلنا: إن علينا ذنوباً، أليست هذه الصلاة من أسباب مغفرة الذنوب؟! إذاً: فلنخرج إلى الله عز وجل، ولنضح له في البر نستسقيه ونتعبد له بالصلاة والذكر وغير ذلك.
فلهذا أرجو من إخواننا طلبة العلم -إذا صح السؤال- أن يتأملوا الموضوع، وألا يثبطوا الناس عن الخير وأن يشجعوهم عليه.(60/22)
شهر رجب والمخالفات التي تقع فيه
السؤال
فضيلة الشيخ! هل لشهر رجب مزية عن غيره من الشهور؟ وهل العمرة في شهر رجب أفضل، أم في شهر شعبان أيهما أُثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
شهر رجب كغيره من الشهور لكنه من الأشهر الحرم، والأشهر الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، هذه ثلاثة متوالية، ورجب منفرد، ولهذا يسميه بعض الناس: رجب الفرد.
والأشهر الحرم المعاصي فيها أعظم من غيرها؛ لقول الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة:36] وشهر رجب كان بعض السلف يعتمرون فيه؛ لأنه نصف الحول؛ فإذا أسقطنا الثلاثة الحرم الأول: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، وبدأنا من صفر صار رجب هو الشهر السادس، أي: نصف السنة، وإن بدأنا من محرم صار شهر رجب هو السابع، فكان بعض السلف يعتمرون في هذا الشهر؛ لئلا يتأخرون عن زيارة البيت الحرام، حتى يبقى البيت الحرام معموراً في آخر السنة وفي وسط السنة.
أما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يعتمر فيه، وإنما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في أشهر الحج، كل عمر الرسول كانت في أشهر الحج، ولم يعتمر لا في رمضان ولا في رجب، لكن رمضان ورد فيه: (عمرة في رمضان تعدل حجة) أما رجب فلم يرد.
ويعتقد بعض الناس أنه تسن في رجب زيارة المسجد النبوي ويسمونها الرجبية، وهذا لا أصل له، ولا يعرفه السلف ولا قدماء الأمة، فهو بدعة محدثة ليست من دين الله عز وجل، وزيارة المسجد النبوي مشروعة في كل وقت، أي وقت تذهب إلى المسجد النبوي تزوره فهو خير.
كذلك يظن بعض الناس أن الإسراء والمعراج كان في رجب في ليلة سبعة وعشرين، وهذا غلط، ولم يصح فيه أثر عن السلف أبداً، حتى إن ابن حزم رحمه الله ادعى الإجماع على أن الإسراء والمعراج كان في ربيع الأول، ولكن الخلاف موجود ولا إجماع، وأهل التاريخ اختلفوا في هذا على نحو عشرة أقوال، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كل الأحاديث في ذلك ضعيفة منقطعة مختلفة لا يعول عليها.
إذاً: ليس المعراج في رجب وأقرب ما يكون أنه في ربيع.
ولو فرضنا أنه في رجب وفي ليلة سبعة وعشرين هل لنا أن نحدث في هذه الليلة احتفالاً وفي صبيحتها تعطيلاً للأعمال؟ أبداً، هذه بدعة دينية قبيحة، لم ترد لا عن الرسول، ولا عن الخلفاء، ولا عن الصحابة، ولا عن التابعين، ولا عن أئمة المسلمين، فهي بدعة منكرة.
وبعض الناس يظنون أن ليلة المعراج أفضل من ليلة القدر والعياذ بالله، وهذا غلط محض، فلذلك يجب علينا نحن أواخر هذه الأمة أن ننظر إلى ما فعله سلف الأمة قبل ظهور البدع، وأن نبين للناس، ومن بان له الحق فلم يتبعه فهو على خطر؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115] .(60/23)
زكاة الحلي
السؤال
فضيلة الشيخ! يعمد بعض النساء في مثل هذه الأيام وشهر شعبان إلى بيع ما عندها من الذهب أو استبداله هروباً من زكاة الحلي التي يحل حولها في رمضان، فهل من نصيحة وتوجيه؟
الجواب
النصيحة: يجب أن نعلم أن الحيل في الشريعة الإسلامية باطلة؛ سواء كانت هذه الحيل على إسقاط واجب، أو على فعل محرم، فكلها باطل، والذي يتحيل فيه شبهٌ من أخس عباد الله وهم اليهود، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) والمتحيل على الله لاعب على الله -والعياذ بالله- مستهزئٌ بالله: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ} [البقرة:9] ومع ذلك كل من تحيل على واجب لإسقاط الواجب فإنه لا يسقط ويكون مطالباً به عند الله، وكل متحيل على محارم الله فإنها لا تحل ويكون معاقباً على هذه المعصية، فحذار حذار من الحيل! فإنكم لا تعاملون إلا من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
ونقول: لو فرض أن امرأة باعت حليها في شعبان أو في رجب فراراً من وجوب الزكاة عليها في رمضان، فإن الزكاة تجب عليها في رمضان في الحلي الجديد؛ لأنه عوض عما تجب فيه الزكاة، أرأيت لو أن إنساناً عنده -مثلاً- دراهم من فضة، ثم باعها قبل رمضان بشهر أو شهرين وحولها إلى دنانير، فهل تجب الزكاة في الدنانير في رمضان أم نقول: حتى يتم الحول؟ تجب في رمضان، فالحيل لا تسقط الواجب، وما سمعت أحداً قال مثلما جاء في هذا السؤال من هذه الحيلة.
نعم.
أسمع من بعض الناس يقول: إن حلي المرأة لا تجب فيها الزكاة، وهذا خلاف مشهور من قديم الزمان، ولكن الخلاف يجب على المؤمن أن يرده إلى الله ورسوله، قال الله عز وجل: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10] وقال عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] ولم يرد لا في القرآن ولا في السنة أن حلي المرأة لا زكاة فيه أبداً، ومن وجد شيئاً من ذلك فليسعفنا به، بل النصوص عامة في وجوب زكاة الذهب والفضة، مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) .
لا يوجد نص يقول: ليس في حلي المرأة زكاة، والقياس على الثياب غلط، فلو كان عند الإنسان ألف ثوب لا تجب في الزكاة، فقياس الحلي على الثياب غلط: أولاً: لأنه قياس في مقابلة النص، وكل قياس في مقابلة النص فإنه فاسد باطل.
ثانياً: أنه لا يتم القياس؛ لأن الذهب والفضة الأصل فيهما وجوب الزكاة، والثياب ونحوها الأصل فيها عدم الوجوب.
ثالثاً: أن الذين يقولون بعدم الوجوب، قالوا: لو أن المرأة أعدت الذهب للكراء -تؤجره- ففيه الزكاة، ولو أن إنساناً صنع ثياباً كثيرة للكراء فليس فيها زكاة، فإذاً: القياس غير صحيح.
والحمد لله، زكاة الحلي ربع العشر، أي: (2.
5%) وهذه لا تضر الإنسان، إن كانت واجبة في دين الله فقد أدى ما عليه وأبرأ ذمته، وإن لم تكن واجبة فهي تطوع: (وكل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة) والله ليتمنين كل واحدٍ منا بعد الموت أنه تصدق بدرهم واحد، لأن كل الأموات يتمنون أن في حسناتهم زيادة حسنة واحدة، والصدقة من أفضل الأعمال.(60/24)
بلوغ النصاب في الزكاة وحكم استخدام ما يمنع الطير عن الثمار
السؤال
فضيلة الشيخ! لي مزرعة فيها أشجار العنب وهي تثمر ولكن الطير يأتي عليها كلها ولا أستفيد منها بشيء، فهل عليَّ في ذلك زكاة وهو لا يمكن خرصه؟ وهل يجوز تغطية الأشجار المثمرة عن الطير أو استعمال ما يطردها عنه؟
الجواب
إذا كان هذا العنب يفسده الطير حتى لا يبقى ما يبلغ النصاب فلا زكاة على صاحبه، وأما إذا كانت تفسده ويبقى مقدار النصاب ففي ففيما بقي الزكاة.
وأما هل يجوز أن يجعل على العنب شبكاً يمنع الطيور منه، أو يجعل أشياء يحدث منها صوت ويفزع منه الطير ويذهب فلا بأس؛ لأنه يجوز للإنسان أن يدافع عن ماله، حتى لو هاجمه رجل مسلم فله أن يدافع عن ماله، فكيف بالطيور؟ فلا بأس أن يضع الإنسان شيئاً ينفر الطيور عن إفساد ماله وهو غير ملوم في ذلك.(60/25)
حكم الصلاة في مكان العمل لمن خاف الضرر
السؤال
فضيلة الشيخ! نحن مجموعة من الموظفين -عشرة تقريباً- نعمل في مصرف إسلامي، وتأتي علينا صلاة المغرب ونحن في العمل، فهل يجوز لنا -يا فضيلة الشيخ- أن نصلي في مكان العمل علماً أن المسجد قريبٌ منا؛ حيث يتطلب العمل منا كثيراً من الوقت لإنهائه مما يفوت علينا صلاة الجماعة، فماذا نعمل جزاك الله خيراً؟
الجواب
إذا كان خروجكم من هذا المصرف إلى المسجد يؤثر ضرراً، أو يُخشى من سرَّاق أو ما أشبه ذلك فلا بأس أن تبقوا وتصلوا في مكانكم، والسؤال كما سمعتم يقول: مصرف إسلامي، أي: أنه خالٍ من الربا، وهذا عذر؛ حتى إن العلماء قالوا: لو أن الخباز خاف إذا ذهب إلى المسجد أن تحترق الخبز فله أن يبقى، والخبز ليس بشيء بالنسبة للدراهم، ثم إن العلماء يقولون: إنه معذور بترك الجماعة مع أن هؤلاء سوف يصلون جماعة، فلا أرى حرجاً عليهم إذا كان ذهابهم إلى المسجد يتضمن ضرراً أو يُخاف من السرَّاق.(60/26)
حكم هدايا العمال
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم ما يعمله بعض الموظفين من توصيل أبناء مدرائهم أو رؤسائهم في العمل إلى بيوتهم بعد خروج الأبناء من المدرسة، إما بأمر من الرئيس بمقابل أو بدون مقابل؛ سواءً كان واحداً أو أكثر جزاكم الله خيراً؟
الجواب
هذا يشبه هدايا العمال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد: (هدايا العمال غلول) والغلول حرام، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:161] فإذا كان هذا الرجل يذهب بأبناء رئيسه أو بناته إلى المدرسة ويرجع بهم إلى البيت فهذا لا شك أنه مثل الهدية، فإن كان بأجرة جاء أمر آخر، وهو أنه يشغله عن العمل الرسمي؛ لأن الذهاب بالأولاد إلى المدارس أو الرجوع بهم من المدارس يكون في وقت العمل الرسمي، ولا يجوز للمدير أو الرئيس أن يستعمل من تحت يده في أعماله الخاصة أبداً، فإن فعل فهو ظالم للدولة، وإن أكرهه فهو ظالم للدولة وظالم للموظفين، وبعض الناس -والعياذ بالله- إذا لم يعمل الموظف بما يريد تعرَّض له، وإذا كان بيده أن ينقله إلى مكان يعيد نقله، أو أن يحرمه من ميزات واجبة له، وهذا حرام.
والواجب علينا -يا إخواني- أن نتقي الله عز وجل، وأن نعلم أننا ملاقو الله، وأن نعلم أننا سنحشر حفاة عراة غرلاً، فلا يحل لأحد أن يظلم أحداً ممن جعله الله تحت يده.(60/27)
مسألة في الرضاع
السؤال
فضيلة الشيخ! أمي تزوجت رجلاً وأنجب بنتاً وولداً، ثم توفي فتزوجت أمي والدي وهو عم البنت والولد -تعني: الزوج الثاني- تقول: وله أبناء أحدهم رضع من والدتي مع أختي لأمي، سؤالي يا فضيلة الشيخ: هل يصبح هذا الولد أخاً للبنت، أم لا؛ لأن بعض الناس يقول: الحليب للأب، جزاك الله عنا خير الجزاء؟
الجواب
الواقع أن اللبن للأب والأم، فإذا أرضعت امرأة طفلاً صار ولداً لها، وصار جميع من أتوا من المرأة إخوة له؛ سواء من زوج سابق أو زوج لاحق، كذلك أولاد الزوج الذي كان زوجاً لها حين إرضاع الولد يكونون إخوةً لهذا الطفل، إخوةً له من الأب، ولذلك أقول: يمكن أن يكون الإخوة إخوة من الأم، ويمكن أن يكونوا إخوة من الأب، ويمكن أن يكونوا إخوة من الأب والأم.
فلو أن امرأة تزوجت رجلاً وولد لها أولادٌ منه ثم مات عنها أو طلقها، ثم تزوجت آخر فولدت منه، ثم أرضعت طفلاً بلبن الآخر، فما صلة الأولاد من الزوج الأول بهذا الطفل؟ هم إخوة من الأم، وبالنسبة لأولاد الزوج الثاني من الأم والأب، وأولاد الزوج الثاني من امرأة أخرى يكونون إخوة من الأب.(60/28)
حكم بيع ما خرج من الملك
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا مزارع أزرع القمح وأدخله لصوامع الدولة التي أعطتني بطاقة بما قيمته سبعون ألف ريال تقريباً، ولا تصرف لي قيمته إلا بعد عدة سنوات، وقد اشترى مني شخصٌ هذا القمح في هذه السنة مع بطاقة الصوامع بأربعين ألف ريال حالَّة، فهل هذا جائز؟ وإذا كان ذلك غير جائز فماذا أفعل مع المشتري حيث أنه سيرفض إقالتي؟
الجواب
القمح الذي باع هذه السنة هل هو القمح الذي أدخله على الدولة؟ إذا كان كذلك فهذا غلط؛ لأن القمح الذي دخل على الدولة ملك للدولة وخرج من ملكه، فكيف يبيعه؟ الدولة الآن عندها قيمة القمح، فإذا كان أدخله بسبعين ألفاً ثم باعه بأربعين ألفاً فمعناه: أنه باع سبعين ألفاً عند الدولة بأربعين ألفاً، وهذا حرام لا يجوز، أما مشكلته مع الرجل فهذه إلى القاضي وليست إلينا هنا.(60/29)
حكم الجمع والقصر في السفر المتردد
السؤال
نحن جماعة من المدرسين تبعد المدرسة ما يزيد على مائة وخمسين كيلو عن البلدة التي نسكن فيها، ونحن نتردد يومياً إلى المدرسة، وقد اختلفنا في حكم القصر والجمع بالنسبة لصلاة الظهر والعصر، فهل يحق لنا في هذه المسافة القصر والجمع ونحن نتردد يومياً إلى المدرسة أم لا؟
الجواب
الاحتياط ألا يقصروا ولا يجمعوا؛ لأن مثل هذا لا يعد عند الناس سفراً، وإن كان سفراً عند بعض العلماء، فالذي أرى لهم: ألا يجمعوا ولا يقصروا.
إلا لو فرض أنهم إذا وصلوا إلى أهليهم متعبين ويخشون إن ناموا ألا يقوموا إلا عند الغروب، أو يخشون إن بقوا حتى يؤذن العصر أن يصلوا العصر وهم في شدة النعاس، فهنا نقول: اجمعوا؛ لأن الجمع أوسع من القصر، لا حرج أن يجمعوا، وإذا وصلوا إلى بلدهم ينامون إلى الغروب، أما القصر فأرى أن الاحتياط ألا يقصروا؛ لأن هذا لا يسمى سفراً في عرف الناس الآن.(60/30)
حكم الضمان في حوادث السيارات
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا امرأة كان معي ولد رضيع عندما سافرت مع أخي من الدمام إلى الرياض، وفي السفر انفجر أحد الكفرات ثم انقلبت السيارة ومات هذا الرضيع في هذا الحادث، وسؤالي فضيلة الشيخ: هل عليَّ كفارة في موت ذلك الرضيع؛ لأني أخشى أن أكون قد فرطت؟ وما هي الكفارة؟
الجواب
ليس عليها الكفارة، ولا فرطت، امرأة سافرت بطفلها معها هذا ليس بتفريط، هذا شيء معتاد عند الناس ولا يعدونها مفرطة، وأما بالنسبة لسائق السيارة فينظر: إذا كان انفجار الكفر بتفريطه أو بتعديه فهو ضامن، أما إذا كان بغير تفريطه ولا تعديه، بمعنى: أنه قد تفقد السيارة ولم يعلم فيها عيباً ولكن قضاء الله وقدره فوق كل شيء؛ فهذا لا شيء عليه، وهذا يقع كثيراً، أحياناً ينفجر الكفر بدون أي سبب لا بسرعة ولا بتحميل فوق الطاقة، ولكن الله إذا أراد شيئاً نفد، فهذا لا شيء عليه، والقاعدة: كل حادث ليس بتفريط من السائق ولا بتعدٍ منه فإنه لا شيء عليه فيه.(60/31)
حكم إنشاد قصائد الرثاء على القبور
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا شاعر توفي صديق حميم لي، فقلت في رثائه أبياتاً من الشعر ثم ذهبت إلى المقبرة فقرأتها عليه كما يفعل من أراد السلام عليه، فهل فعلي هذا صحيح؟ وهل الميت يسمع رثاءه؟ أفتنا جزاك الله خيراً
الجواب
لو أنك -جزاك الله خيراً- لما فعلت هذا أعطيته الورقة يقرؤها لكان أحسن! هذا ليس بمشروع وغلط منك، والميت لا يسمع مثل هذا، وغاية ما يسمع أنه من سلم عليه وهو يعرفه رد عليه السلام، هذا إن صح الحديث في ذلك؛ لأن العلماء اختلفوا في صحة هذا الحديث: (أن الرجل إذا أتى قبراً يعرفه في الدنيا وسلم عليه رد الله عليه روحه فرد السلام) هذا إن صح الحديث، أما أن تجعل له رثاء تأتي وتنشد عنده فليس بصحيح؛ ولا شك أن هذا بدعة.
وإني أنصح إخواني: ألا يتعبوا أنفسهم في التعلق بالأموات؛ لأنهم إذا تعلقوا بالأموات وأكثروا من زيارة الصديق والقريب بقي الحزن في قلوبهم لا يزول، وصاروا كلما زاروا تجدد الحزن، والحمد لله كل حي ميت، والمصيبة تبرد بطول الأيام إذا لم يوجد ما يجددها، ويكفي إحساناً إلى الميت من صديق أو قريب أن تدعو الله له، هذا خير ما تهديه إلى الميت ادع الله له، استغفر له اللهم اغفر لفلان، اللهم ارحمه، اللهم افسح له في قبره، اللهم نور له فيه، وما أشبه ذلك من الدعاء المناسب.
ولا أدري هل الأبيات مع أخينا أم لا؟ لعله يعرضها عليَّ ولو بعد انتهاء الدرس، لنرى ما فيها؛ لأنني أخشى أن يكون فيها بلاء، فأرجو منه أن يعرضها عليَّ حتى إذا كان فيها شيء مخالف أو غلو ينبه عليه.(60/32)
حكم صلاة الاستسقاء على انفراد
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز للإنسان أن يصلي صلاة الاستسقاء فرداً، أو المدرس مع التلاميذ في المدرسة؟
الجواب
أما على كلام الفقهاء رحمهم الله فيجوز أن يصليها فرداً أو مع أهله في البيت أو في المدرسة، لكن السنة والأكمل أن يجتمع المسلمون في مكان واحد على إمام واحد ويسألون الله؛ لأنه كلما كثر الجمع واتحدوا كان أقرب إلى الإجابة.
فلذلك ننصح إخواننا أن يحضروا إلى مصلى العيد للاستسقاء، والفقهاء قالوا: يخرج إلى مصلى العيد ومعه الشيوخ والصبيان المميزون وأهل الصلاح، لأن ذلك أقرب إلى الإجابة، فالحضور هو الأفضل.(60/33)
نصيحة وتوجيه لأصحاب الجوالات
السؤال
فضيلة الشيخ! ظهر في الآونة الأخيرة جهاز الجوال وكثر استعماله من النساء وخاصةً من الفتيات، وأسيء استعماله في المعاكسات فلا رقيب ولا حسيب من البشر، فهل من نصيحةٍ للآباء والفتيات، فإنه أصبح من أخطر حبائل الشيطان!!
الجواب
النصيحة: إن أسباب الشر في عصرنا كثرت، وهي فتنة يفتتن بها من أراد الله فتنته، وهي ابتلاء من الله عز وجل، فإن الله تعالى قد يبتلي العباد بتيسير سبل المعاصي لهم، وما ذكره السائل واقع: فإن الجوالات وسيلة قريبة لاتصال الشابات بالشباب؛ لأنها تستخدمه في كل مكان حتى ولو كان في المرحاض -في الحمام- ولأنه إذا اتصل أحد يظهر رقمه في الجوال ويسهل الاتصال به، فهو خطير.
ولذلك أولاً: أنصح شبابنا وشاباتنا من هذا العمل المشين، وأرجو أن يكون مستقبل الإسلام على أيديهم خير مستقبل.
ثانياً: أنصح الآباء والأولياء أن يتحسسوا وينظروا ببصر ثاقب: كيف تستعمل الشابة هذا الجوال، وكيف يستعمله الشاب؟ وقلت لكم: إن الله قد يبتلي العباد بتيسير أسباب المعاصي ليمتحنهم عز وجل، ولنا مثلان: المثل الأول: في أمم قبلنا.
والمثل الثاني: في صدر هذه الأمة.
فاليهود حرم عليهم صيد السمك يوم السبت، فإذا كان يوم السبت جاءت الأسماك على ظهر الماء: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ} [الأعراف:163] في أيام الأسبوع الباقية لا تأتي، وطال عليهم الأمد، فقالوا: لا بد من حيلة، وهي أن نضع شباكاً يوم الجمعة فيأتي السمك ويتكاثر فيها، وإذا كان يوم الأحد خذوه، فماذا فعل الله بهم؟ قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65] فكانوا قردة.
وصدر هذه الأمة ابتلاهم الله عز وجل وهم محرمون بالصيد المحرم على الحرام، فكان الصيد تناله أيديهم ورماحهم الزاحف تناله اليد، فالأرنب يمسكه بيده، والغزال يمسكه بده، والطائر يدركه برمحه، مع أن الطيور لا تدرك إلا بالسهام، والرمح -كما تعرفون- عبارة عن عصا أو نحوه في رأسه حديد مدبب، ينالها برمحه فالصحابة؟ أمسكوا عن هذا، ما أحد منهم صاد صيداً مع أنه سهل.
والآن المعصية سهلت بواسطة هذه الأجهزة فعلينا أن ننتبه، وأخشى أن يعمنا الله تعالى بعقاب، وأن يبدل هذا الأمن خوفاً، وهذا الشبع جوعاً، وهذه الكسوة عرياً؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:96-99] .
أجارنا الله وإياكم من هذا!(60/34)
حكم رجوع المرأة لتارك الصلاة إذا تاب
السؤال
هذه السائلة تقول: فضيلة الشيخ! أنا أم لأربعة أطفال تزوجت منذ ثمانية عشر سنة من رجل لا يعرف الصلاة أبداً طوال هذه السنوات، بالرغم أنه مرت به ظروف سيئة؛ فقد توفي ابنه، وبعد ذلك أصيب بحادث مؤلم ولكنه لم يعتبر واستمر على العصيان، وأنا دائماً أقدم له النصيحة والإرشاد، ولكن لا يريد أن أتكلم في هذا الموضوع، بالرغم من أنه دائماً يذكر الله، وعندما أطلب من والدته أن تنصحه تقول: اصبري، كثيرٌ من الناس يصبرون، ولكن خوفي من النار ومن سوء تربية أبنائي جعلني أفكر بالانفصال، وكثرت المشاكل بيننا، وتم الطلاق في العام الماضي، وذهب عند والدته منذ سنة وأربعة أشهر، وجلست أربي أبنائي وأدعو الله له بالتوفيق والسداد، ولكني أخبرت من أحد الأقارب أنه بدأ يصلي في المسجد في بعض الأوقات بسبب تأثير بعض أصحابه عليه، وبسبب أن أمه قالت: إذا صليت سوف تتزوج امرأة أخرى، وحاولت أن أضع وسيطاً يتوسط بيننا من أجل أن يعود إلى بيته إذا كان صحيحاً ما سمعت، ولكن والدته تقف في طريق سعادته وتقول: لن ترجع حتى تربيها لك الزوجة الثانية.
أرجو أن تدلني يا فضيلة الشيخ على من يسعدني ويقف بجانب أبنائي لإرجاع أبيهم بدون مشاكل، فما رأيك وتوجيهك؟
الجواب
أقول: إذا صح أن الرجل عاد إلى الإسلام بالصلاة فلا حرج أن تعود إليه بعقدٍ جديد، وأما إذا كان لم يزل تاركاً للصلاة، فإنه لا يجوز أن ترجع إليه.(60/35)
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان
السؤال
هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في شهر شعبان؟
الجواب
شهر شعبان كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر الصوم فيه، حتى كان يصومه إلا قليلاً، أي: إلا يوماً أو يومين، ولذلك ينبغي للإنسان أن يكثر الصيام في شهر شعبان.(60/36)
اللقاء الشهري [61]
في هذا اللقاء ذكر الشيخ خصائص شهر رمضان وفضائله، ثم ذكر أنواع الصوم، مبيناً أنه صوم عن المعنويات وصوم عن المحسوسات، ثم تكلم عن مفطرات الصيام، ومتى يصير بها الإنسان مفطراً، ذاكراً مع ذلك أحكاماً متفرقة في الصيام، وقد تخلل ذلك كله توجيهات وفوائد مهمة، ونصائح غالية.(61/1)
خصائص شهر رمضان
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا كنا نسير في تفسير سورة الفرقان، وانتهينا فيه إلى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} [الفرقان:68] .
وسنرجئ الكلام على التفسير لمناسبة قرب شهر رمضان المبارك.
فأولاً: شهر رمضان له مزايا عظيمة: منها: أن الله تعالى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، كما قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185] ، ومن ثم أوجب الله صيامه ليكون شكراً لله عز وجل على هذه المنة العظيمة، وهي إنزال القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.
ومنها: أن الله فرض صومه فرضاً، وكان فرضه في السنة الثانية من الهجرة، وكان أول ما فرض يخير الناس بين أن يصوم الصائم أو يغذي، ثم بعد هذا تعين الصوم وصارت الفدية لمن لا يستطيع الصوم على وجه مستمر، وعلى هذا فيكون النبي صلى الله عليه وسلم صام تسع سنين.
ومن خصائص هذا الشهر: أن الله تعالى سن قيامه على وجهٍ خاص، وهو أنه يسن فيه أن يكون القيام جماعة مع الإمام، ثبت هذا في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى بأصحابه ثلاث ليال ثم ترك القيام، وقال: إنه تركه خوفاً من أن يفرض علينا.
وبقي الناس يصلون أوزاعاً، الرجل وحده، والرجل مع الرجلين والثلاثة والأربعة، حتى كان زمن عمر رضي الله عنه، ولما كان زمن عمر قال: [أرى أن يجمع الناس على إمام واحد] فأمر رجلين: أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة انتبه إلى هذا! أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، وعلى هذا فصلاة التراويح إحدى عشرة ركعة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أما سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، ثم فصلت فقالت: يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً) ومعنى قولها: (يصلي أربعاً) أي: يجعلها في وقت واحد لا في تسليم واحد، بل الأربع بتسليمتين كما جاء ذلك مفصلاً في حديثها رضي الله عنها: (ثم يستريح، ثم يصلي أربعاً بتسليمين ثم يستريح، ثم يصلي ثلاثاً) ومن ثم سمي هذا القيام تراويح، لأن الناس يتروحون فيه ويستريحون.
وقيام غيره سنة ولا شك، ينبغي للإنسان ألا يدع قيام الليل ولو كان يسيراً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله جل وعلا ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له حتى يطلع الفجر) لكن كونها جماعة في المساجد هذا خاص برمضان.
ومن خصائص هذا الشهر: أن صيامه سببٌ لمغفرة الذنوب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه) كل ما تقدم، إذا صمته إيماناً بالله واحتساباً لثواب الله يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك، كل ما تقدم والحمد لله.
ومن خصائصه: أن من قامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، كل ما تقدم يغفر لك إذا قمت إيماناً واحتساباً، إيماناً بالله واحتساباً لثوابه؛ فإنه يغفر لك ما تقدم من ذنبك.
ومن فضائل الشهر المبارك: أن فيه ليلة القدر، والدليل أن الله تعالى قال في القرآن العظيم: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1] وقال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185] فإذا جمعت بين الدليلين صارت النتيجة: أن ليلة القدر في رمضان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف يتحرى ليلة القدر، فاعتكف العشر الأول، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم قيل له: إنها في العشر الأواخر، فاعتكف العشر الأواخر.
ومن خصائص هذا الشهر: أنه يسن اعتكاف العشر الأواخر منه، وأما غيره من الشهور فلا يسن فيه الاعتكاف، لكن لو اعتكف فلا بأس، إنما لا يطلب من الناس أن يعتكفوا في غير رمضان، في العشر الأواخر تحرياً لليلة القدر.
ومن خصائص هذا الشهر: أن العمرة فيه تعدل حجة لحديث: (عمرة في رمضان تعدل حجة) ، حتى لو اعتمرت فطفت وسعيت وقصرت ومشيت تعدل حجة، فليس بلازم أن تبقى يوماً أو يومين أو أكثر، إنما عمرة واحدة تعدل حجة.
وبهذه المناسبة أقول: إن العمرة في رمضان سنة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عمرة في رمضان تعدل حجة) ، وهذا يعني الحث عليها، ولكن إذا كان الإنسان إمام مسجد أو مؤذن مسجد فهل من حقه أن يذهب من أول يوم من رمضان ويبقى هناك إلى آخر الشهر؟ لا يجوز له ذلك؛ لأن قيامه بواجب الإمامة وواجب الأذان حتم واجب عليه، فكيف يليق بالمؤمن أن يقدم النفل على الواجب؟!! بعض الناس يعبدون الله تعالى ويريدون الخير لكن يجهلون، يقول: أذهب هناك في رمضان أستأنس والحرم والعالم، نقول: لا بأس، هذا طيب، لكن بقاؤك لأداء الوظيفة أفضل، لأنك إذا ذهبت وتركت الوظيفة أثمت.
وبعض الناس يذهب بأهله إلى هناك، وليس له وظيفة، لكن ذهب بأهله وترك الفتيات والفتيان لا يبالي بهم، يخرجون إلى الأسواق يتسكعون فيها وربما ينالهم أذىً من السفهاء، وهو جالس في المسجد الحرام وتاركٌ ما يجب عليه، فإنه يجب عليه رعاية أهله وتحصينهم من سوء الأخلاق، لكن كثير من الناس عمرتهم عاطفة فقط، لا ينظرون إلى الأمور ويزنون بعضها ببعض حتى يعرف ما هو الأحسن والأفضل.
ومن خصائص هذا الشهر: أنه إذا دخل شهر رمضان تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النيران، تفتح أبواب الجنة استقبالاً للعاملين عملاً صالحاً، وهذا يعني حث الناس على العمل الصالح حتى يدخلوا من هذه الأبواب، وتغلق أبواب النار حتى ينكف الناس عن الأعمال الموجبة للنار، لأن أبوابها أغلقت.
ومن خصائص هذا الشهر: أنه تصفد -أي: تغلُّ- فيه مردة الشياطين، فلا يخلصون إلى ما يخلصون إليه في غيره.
وله مزايا كثيرة.(61/2)
أنواع الصوم
نعود إلى الصوم فنقول: إن الصوم نوعان: صوم عن المحسوسات.
وصوم عن المعنويات.
فالصوم عن المحسوس كل واحد يقدر عليه، لكن الصوم عن المعنويات ليس كل أحد يقدر عليه.
الأول: الصوم عن المحسوسات هو الصوم عن الأكل والشرب والجماع وما يفطر الصائم، هذا صوم عن شيء محسوس غذاء للبدن فقط، وهذا كل إنسان يقدر عليه.
الثاني: الصوم عن المعنويات، وهذا هو الشاق، وهو الصوم عن المعاصي.
فمن صام عن المفطرات الحسية ووقع في المعاصي والمآثم فإنه لم يأت بروح الصوم ولا بحكمة الصوم، والدليل: قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] ، ما قال: لعلكم تجوعون، لعلكم تعطشون، لعلكم تتركون التمتع بالنساء لا، إنما قال: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] ، هذه هي الحكمة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) ، إن الله عز وجل لا يريد منا إذا صمنا أن نتعذب بترك الأكل والشرب والنكاح، إنما يريد أن ندع قول الزور والعمل به والجهل، وليس الجهل ضد العلم، الجهل هو العدوان، وعلى هذا قول الشاعر:
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
إذاً: الصوم الحقيقي هو الصوم عن الأمور المعنويات، أي: عن المعاصي، ولهذا قال الشاعر:
إذا لم يكن في السمع مني تصاون وفي بصري غض وفي منطقي صمتُ
فحظي إذاً من صومي الجوع والظمأ فإن قلت إني صمت يوماً فما صمتُ
والشاعر أخذ هذا المعنى من الآية والحديث.
وهل الذي يصوم ولا يصلي هل هو صائم حقيقة؟ لا والله، يوجد أناس -والعياذ بالله- يسهرون الليل كله في رمضان، وإذا تسحروا وملئوا بطونهم برزق الله ناموا عن صلاة الفجر والظهر والعصر، وإذا قاربت الشمس أن تغرب قاموا وصلوا الفجر والظهر والعصر، ولا يذكرون الله فيها إلا قليلاً، ولو تأخر الغروب لتأخروا، لكن لقرب أكلهم استيقظوا، هؤلاء ما صاموا، صومهم ناقص للغاية.
أناس صاموا وجعلوا يأكلون لحوم الناس بالغيبة، أصام هؤلاء؟ ما صاموا حقيقة.
أناس صاموا ولكنهم يتعاملون في البيع والشراء بالغش والكذب والأيمان الكاذبة، أصام هؤلاء؟ لا، هؤلاء لم يصوموا.
إذاً: يجب علينا أن نلاحظ الصوم المعنوي، وهو الصوم عن المعاصي، هذا أهم شيء، أما الصوم عن المفطرات الحسية فهذا أمر سهل كل يستطيعه.(61/3)
مفسدات الصيام
ولنعد الآن إلى الأشياء التي يصام عنها حساً، فنقول: الذي يصام عنه حساً: الأكل والشرب والجماع، وهذا مذكور في قول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] ، فذكر من المفطرات الأكل والشرب والجماع، وهي مفسدة للصوم بإجماع المسلمين، هذا في القرآن.
ومن المفطرات: ما كان بمعنى الأكل والشرب، أي: ما أغنى عن الأكل والشرب، مثل الإبر المغذية التي يكتفى بها عن الأكل والشرب، أما غير المغذية فلا تفطر، سواء ضربها الإنسان في الفخذ أو في العرق، أو في الوريد، أو في أي شيء، لا يفطر من الإبر -أي: الحقن- إلا ما يغني عن الأكل والشرب؛ لأنه بمعنى الأكل والشرب، إذ إن البدن يتغذى به هذه أربعة.
الخامس: إخراج المني بفعل الإنسان، أي: أن يفعل فعلاً يخرج به المني، سواء قبَّل زوجته فأمنى، أو ضمها فأمنى، أو ما أشبه ذلك، أو استمنى بيده، أو على مخدة أو على فراش حتى خرج المني؛ فإنه يفطر ويفسد صومه، ولو قال قائل: ما هو الدليل؟ كيف تفسدون عبادة خلق الله بدون دليل؟ نقول: هذا اعتراض صحيح، أي إنسان يفسد أي عبادة من العبادات فعليه الدليل، وإلا فلا يجوز له أن يتحكم في عباد الله ويقول لهذا: عبادتك صحيحة، ولهذا عبادتك فاسدة، لا يمكن.
ف
الجواب
ربما يُستدل بما جاء في الحديث القدسي الذي رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه حيث إن الله يقول: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) والمني شهوة، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة) أن الرجل إذا جامع زوجته فهي صدقة (قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: نعم، أرأيتم لو وضعها -انتبهوا لكلمة (وضعها) - في الحرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال: كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) ، هذا هو تقرير الدليل في أن الإنزال بفعل الإنسان يفسد الصوم.
وما هو حكم الإمذاء؟ لو أن إنساناً قبل زوجته فأمذى أيفسد صومه؟ لا يفسد، ولا يمكن أن يقاس الإمذاء على الإمناء لظهور الفرق بينهما.
السادس: إخراج القيء عمداً والقيء معروف، أن يخرج الإنسان ما في معدته من الطعام والشراب، إذا تعمد، أما إذا غلبه القيء فإنه لا يضره، والدليل على هذا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من استقاء عمداً فليقضِ، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه) وهنا
السؤال
لو أحسست بالقيء هل يلزمك أن تحجبه وتمنعه؟ الجواب: لا يجب، وفي هذا ضرر عليك؛ لأن المعدة إذا هاجت لا بد أن تخرج، فلا تمنعها، دعه يخرج، لكن لا تجلبه أنت، وفرق بين الجلب وبين كون المعدة تهيج حتى يخرج ما فيها، فالأول بفعل الإنسان والثاني بغير فعله.
السابع: إخراج الدم بالحجامة.
فلو أن الصائم حجم فخرج منه دم فسد صومه، ولا بد من دليل، فقد ذكرت لكم الآن أن كل إنسان يقول هذه العبادة فاسدة، قل: عليك الدليل، ولا يحل لإنسان أن يقول للناس: عباداتكم باطلة إلا بدليل؛ لأنه لو أبطل عبادة قام بها الإنسان لربه افترى على الله كذباً إلا بدليل إذاً: ما هو الدليل؟ الدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) ، وهذا الحديث صحيح عند الإمام أحمد رحمه الله، صححه وأخذ به، وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة صغيرة له اسمها: حقيقة الصيام، قرر هذا وأكده، وبين أنه هو القول الراجح، وإن كان بعض العلماء يقول: الحجامة لا تفطر، لكن الصحيح أنها تفطر.
وهل الرعاف يفطر أم لا؟ أما لو غلب الإنسان فإنه لا يفطر، ولا إشكال في هذا، فلو أن الإنسان رعف أنفه وخرج دم كثير فإنه لا يفسد صومه؛ لأنه بغير قصد وقياساً على القيء، فإن القيء إذا غلبه لا يفطر، وهذا أيضاً مثله، لكن لو أن الإنسان أدخل إصبعه في أنفه لينظفه فصار الرعاف أيفطر أم لا؟ لا يفطر؛ لأنه ما أراد أن يخرج الدم، بخلاف الذي أتى للحاجم وقال: احجمني.
الثامن: خروج دم الحيض والنفاس فإذا خرج دم المرأة وهي صائمة فسد صومها، أعني بذلك الحيض أو النفاس، فلو حاضت المرأة قبل غروب الشمس بخمس دقائق فقط فإنه يفسد صومها، ولو حاضت بعد الغروب بدقيقة فلا يفسد صومها، وأما ما اشتهر عند النساء أنهن يقلن: إذا حاضت المرأة قبل أن تصلي المغرب ولو بعد غروب الشمس فصومها فاسد، فهذا غير صحيح، بل متى غابت الشمس وهي لم تحض فصيامها صحيح، حتى لو أحست بأن الحيض تحرك قبيل الغروب ولم يخرج إلا بعد الغروب فصيامها تام وصحيح، وإن لم تصلِّ، فالعبرة بغروب الشمس وخروج الدم.
والنفاس كذلك، ودم الاستحاضة، الدم الذي يسمى دم فساد هل يفسد الصوم؟ لا يفسد الصوم إلا دم الحيض أو دم النفاس.
إذاً: هذه ثمانية مفطرات، لكن الثامن في الواقع بغير اختيار الإنسان، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحائض مقرراً الحكم: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟) .
والسبعة الأولى هي: الأكل، الشرب، الجماع، إنزال المني بفعله، القيء عمداً، الحجامة، ما كان بمعنى الأكل والشرب.(61/4)
شروط تفطير المفطرات
اعلموا -أيها الإخوة- أن هذه المفطرات السبعة لا تفطر إلا بشروط ثلاثة: الأول: أن يكون عالماً.
الثاني: أن يكون ذاكراً.
الثالث: أن يكون عامداً.
فضد العلم الجهل، والجهل نوعان: إما جهل بالحكم الشرعي، وإما جهل بالوقت، وكلاهما إذا حصل فلا إثم على الصائم ولا قضاء ولا كفارة، فإذا كان جاهلاً بالحكم الشرعي، كرجل استمنى -مثلاً- وهو لا يدري أن الاستمناء حرام في الصيام، فنقول: لا يفسد صومه.
رجل استقاء عمداً، وهو لا يدري أنه يفسد الصوم، فنقول: صومه صحيح.
رجل أكل وشرب يظن أنه في الليل وإذا هو بعد الفجر، فصومه صحيح.
رجل كان في غيم وليس معه ساعة، فظن أن الشمس غربت فأفطر، وإذا بالشمس تخرج من وراء الغيم، فنقول: صومه صحيح لأنه جاهل بالوقت.
رجل سمع في الراديو مؤذناً فظنه مؤذن الحي فأفطر، وإذا بمؤذن الحي يؤذن بعد ذلك، فصومه صحيح؛ لأنه جاهل بالوقت.
قد يقول قائل: ما هو الدليل على أنه يصح الصوم مع الجهل، والله تعالى يقول: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] ؟ قلنا: عندنا أدلة: أولاً: قول الله تبارك وتعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] قال الله قد فعلت.
لا أؤاخذكم إذا نسيتم أو أخطأتم، والخطأ الجهل.
ثانياً: عدي بن حاتم رضي الله عنه قرأ قول الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ} [البقرة:187] فأتى بعقالين، والعقال هو الذي تقيد به البعير، واحد أسود وواحد أبيض، وجعلهما تحت وسادته، وجعل يأكل ويشرب والنور في السماء ساطع، لكن إلى الآن لم يتبين العقال الأسود من الأبيض، فلما تبين العقال الأسود من الأبيض أمسك فهم من الآية أن المراد بالخيط الأبيض هو الحبل الأبيض، والخيط الأسود الحبل الأسود، إذاً: هو جهل معنى الآية، فلما أصبح أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، فقال له: (إن وسادك لعريض) ، أي: أن وسع الخيط الأبيض والأسود؛ لأن الخيط الأبيض بياض النهار، والأسود سواد الليل، فإذا كان الخيط الأبيض والأسود تحت الوسادة فإنها سوف تكون عريضة عرض الأفق، فبين له النبي عليه الصلاة والسلام أنه بياض النهار وسواد الليل ولم يأمره بقضاء الصوم؛ لأنه كان جاهلاً بالحكم، يظن أن هذا معنى الآية.
كذلك الجهل بالوقت روت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنهم كانوا في يوم غيم فأفطروا، ثم طلعت الشمس؛ لأنه ليس عندهم ساعات، ولا يعرفون الوقت إلا بالشمس، ولعل الغيم كان شديداً متكاثفاً، المهم أنهم أفطروا ثم طلعت الشمس، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به، ولو أمرهم به لنقل إلينا، لأنه إذا أمر به كان من الشريعة والشريعة لا بد أن تنقل إلينا تامة.
تبين الآن أنه لابد أن يكون عالماً، فإن كان جاهلاً فلا شيء عليه.
كذلك إذا أكل أو شرب ناسياً فلا شيء عليه، قال الرسول عليه الصلاة والسلام في نفس المسألة: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) ، اللهم لك الحمد، (فليتم صومه) إشارة إلى أن الصوم لم يحصل فيه نقص ولا فساد، ثم بين الحكمة والسبب فقال: (إنما أطعمه الله وسقاه) ، لأنه لم يتعمد.
يقولون: الشيء بالشيء يذكر قال أحد التلاميذ وهو في قاعة الاختبار: إنه يكتب الجواب فسمع شخصاً يعلِّم تلميذاً إلى جانبه بالجواب، يسأل هذا التلميذ ويقول: هل يجوز أن أكتب الجواب وأنا سمعته؟ نعيد
السؤال
تلميذ على الماسة يكتب الجواب ولا يريد الغش بأي حال من الأحوال، لكنه سمع شخصاً يقول لجاره: الجواب كذا وكذا، والجواب صحيح، فهل يجوز أن ينقل الجواب أم لا يجوز؟ نقول: إنما علمه الله، هذا رزق جاء بدون تعب، فلا حرج أن يكتب الجواب، حتى لو فرض أنه لم يكن يعرفه فيكتبه؛ لأنه ما حاول الغش ولا غش.
بقي علينا من الشروط شرط ثالث: أن يكون عامداً، إذا لم يكن عامداً فلا شيء عليه، دليل ذلك قوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] ، فإذا لم يتعمد فلا شيء عليه، وله أمثلة: إنسان يستنشق في الوضوء فنزل الماء من خياشيمه إلى معدته، فلا يفطر؛ لأنه غير متعمد.
كذلك إنسان يتمضمض فنزل الماء إلى بطنه، فلا يفطر؛ لأنه غير متعمد، والله عز وجل يقول: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] .
إذاً: هذه الشروط الثلاثة لا بد من مراعاتها حتى لا يفسد الإنسان عبادة عباد الله وهي غير فاسدة، وكما لا يجوز لنا أن نتساهل لا يجوز أن نشدد، بعض الناس يقول: شدد لا تفتح للناس ويقول: ناسي هذا غير صحيح، كما لا يجوز لنا أن نتساهل فيما أوجب الله لا يجوز لنا أن نتشدد، دين الله بين الغالي فيه والجافي عنه.
هذا ما يتعلق بالصيام، وأرجو الله تعالى أن ينفعني وإياكم به.(61/5)
وصايا متفرقة في الصيام
ولكن يا إخوان احفظوا صيامكم، صونوه عن قول الزور، وعن عمل الزور، وعن العدوان على الناس، ابتعدوا عن الغيبة، أكثروا في الصيام من قراءة القرآن، ومن الذكر، ومن الصلاة في غير أوقات النهي؛ حتى يكون صومكم على وجه يرضى الله جل وعلا به.(61/6)
المحافظة على السحور
كذلك تسحروا في آخر الليل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، فقال: (تسحروا) ، وفعله هو صلوات الله وسلامه عليه، وقال: (فصل ما بيننا وبين صيام أهل الكتاب أكلة السحور) ، إذاً: عندما يقدم السحور استحضر ثلاثة أشياء: الأول: امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حتى تكون من الذين قالوا: سمعنا وأطعنا.
الثاني: التأسي به عليه الصلاة والسلام كأنما يتسحر أمامك.
الثالث: مخالفة أهل الكتاب اليهود والنصارى.
ولا أدري أنحن نستحضر هذه المعاني أم لا؟ قليل من الناس، إما جهلاً أو نسياناً، لكن احرص على هذا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن في السحور بركة) ، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنك تأكل وتشرب وتمسك من طلوع الفجر، كل النهار لا تأكل ولا تشرب ومع ذلك يعينك الله عليه، بواسطة السحور الذي أكلت وشربت كم تشرب في أيام الصيف في اليوم من مرة؟ كل خمس دقائق تشرب مرة، فإذا صمت تصبر إلى غروب الشمس، كل ذلك من بركة السحور.(61/7)
الإفطار على الرطب
وعند الإفطار اختر أن تفطر على رطب، والرطب الآن -بحمد لله- موجودة في الثلاجات، وإن لم تجد فعلى تمر، وإن لم تجد فعلى ماء، وهنا
السؤال
ليس عندك تمر ولكن عندك أطباق حلوى وكأس ماء، فأيها تفطر به: أطباق الحلوى أم الماء؟ تفطر بالماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإن لم يجد فعلى ماء) ، ولم يقل: فعلى حلو، فالماء أفضل من أطباق الحلوى، ثم إذا شربت كل ما شئت.(61/8)
تأخير السحور وتعجيل الفطر
والأفضل في السحور أن تؤخره بشرط أن تأمن طلوع الفجر، اجعله آخر شيء قبل الفجر بيسير، وأما قول بعض العوام: أمسك قبل الفجر بخمس دقائق فلا أصل له، كل حتى يتبين الفجر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعد في رمضان مؤذنين: أحدهما بلال والثاني ابن أم مكتوم وكان بلال يؤذن قبل الوقت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه يؤذن ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم) ، من أجل القائم يرجع ويأكل والنائم يستيقظ (كلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم -وهو أعمى- فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) إذا طلع الفجر ذهب يؤذن، إذاً هناك مسافة بين طلوع الفجر وبين أذانه، والرسول صلى الله عليه وسلم أذن لهم أن يأكلوا إلى أن يسمعوا أذان ابن أم مكتوم.
فعليك أن تؤخر السحور فهو أفضل.
والفطر الأفضل تعجيله، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) .(61/9)
التوبة من شرب الدخان في رمضان
وإنني بهذه المناسبة أزف إلى إخواني الذين ابتلوا بشرب الدخان نصيحة باستقبال هذا الشهر المبارك: أن يحاولوا ترك الدخان؛ لأنه يسهل لهم في هذا الشهر أكثر من غيره، إذ إنهم سيكونون في النهار ممتنعين بحكم الصيام، وفي الليل يتلهون عنه بالقراءة، بأن يروح بعضهم على بعض، أو بأي شيء، يتصبرون في الليل، فإذا مضى شهر كامل وهم لم يتناولوا الدخان انقطع عنهم بإذن الله، فهو فرصة أن يتوب الإنسان من شرب الدخان، ومن استعان بالله أعانه الله، ومن اتقى الله جعل له مخرجاً، ومن اتقى الله جعل له من أمره يسراً، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من المتقين.(61/10)
قيام الليل في رمضان
وإلى هنا ينتهي القول فيما يتعلق بالصوم، أما بالنسبة للقيام فإنني أبشركم بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام بأصحابه وأنهى الصلاة قبل طلوع الفجر، فقالوا: (يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا -أي: لو قمت بنا إلى آخر الليل- فقال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) اللهم لك الحمد يكتب لك قيام ليلة وأنت على فراشك ومع أهلك، لكن قم مع الإمام حتى ينصرف، وتقوم معه من صلاة العشاء أو من القيام.
فإذا قال قائل: ماذا تقولون في قوم يذهبون إلى مساجد أخرى غير مساجد حاراتهم؟ ف
الجواب
لا حرج عليهم في هذا، المساجد كلها بيوت الله، إلا إذا كان يترتب على ذهابهم تعطيل المسجد في حارتهم فلا، أما إذا كان سيبقى من يقيم الصلاة في هذا المسجد فلا حرج أن يذهب الإنسان إلى مسجد آخر يرتاح لقراءته صوتاً وأداءً؛ لأن الأمر -والحمد لله- واسع، وكثيرٌ من الناس إذا صلى مع من يرتاح له نفسياً أو لحسن صوته أو لحسن أدائه يكون أخشع، وما دام الله عز وجل قد فسح ولم يحرم علينا أن نتعدى مساجدنا في حاراتنا إلى غيرها فالأمر -والحمد لله- واسع، إلا إذا لزم من ذلك تعطيل المسجد فلا، كلٌ يصلي في حارته، وإذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة، وهذا من نعمة الله عز وجل.
وإنني أوصي إخواني الأئمة أن يتقوا الله عز وجل فيمن خلفهم؛ بأن يؤدوا الصلاة بطمأنينة، في القراءة، والركوع، والسجود، والقيام بعد الركوع، والجلوس بين السجدتين، والتشهد أيضاً، فإن كثيراً من الأئمة يسرع في الركوع والسجود والقيام، ويسرع في التشهد، فإن الإنسان يتشهد التشهد المعروف فإذا وصل إلى قوله: وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وإذا بالإمام يسلم، هذا غلط وخطأ، دع المصلين يدعون الله عز وجل بعد التشهد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر التشهد قال: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) ، على الأقل دعهم يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الكاملة، دعهم يستعيذون بالله من الأربع: (أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) .
ولو سألنا سائل: ما هو الوقت الذي يربحه الإنسان في حياته؟ لقلنا: طاعة الله عز وجل، نصيبنا من أعمارنا في الدنيا هو طاعة الله عز وجل، أما الباقي فهو إما علينا وإما لا لنا ولا علينا، أما الذي نربحه من أعمالنا فهو طاعة الله عز وجل.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.(61/11)
الأسئلة
والآن مع الأسئلة، وأرجو منكم أن تنتبهوا للسؤال؛ لأنه ربما يكون السؤال الذي يلقى هو الذي في نفوسكم فتستغنون به عن سؤال جديد.(61/12)
كيف يكون الفطر بالرطب؟
السؤال
فضيلة الشيخ! ذكرتم الفطر على رطب، فهل السنة أن تكون ثلاثاً فما فوق، أم يكفي واحدة ويشرب الإنسان قهوة بعدها؟ ومثل ذلك من تصبَّح بسبع تمرات، هل لا بد أن يأكل التمر مرة واحدة ثم يشرب بعد السبع؟ أرجو الإفادة
الجواب
على كل حال؛ الفطر على تمرات، وأقلها ثلاثاً، لكن بعض الناس في أيام الصيف يكون عطشاناً وييبس فمه، فإذا أكل تمرة احتاج أن يشرب، فلا بأس ولا حرج الأمر واسع، لكن إذا أمكن أن تأكل ثلاثاً قبل أن تشرب فهو أحسن، وفي وقتنا في هذا الفصل يمكن، ربما بعض الناس لا يشرب أبداً.(61/13)
حكم الأكل والشرب بعد الأذان إذا لم يطلع الفجر
السؤال
فضيلة الشيخ! من الملاحظ في الأشهر السابقة في رمضان تفاوت المؤذنين خصوصاً في أذان الفجر، وبلغني عن فضيلتكم أنكم تقترحون إضافة خمس دقائق على تقويم أم القرى خاصة، فهل هذا صحيح؟
الجواب
نعم هذا صحيح، وكثرت في الأيام الأخيرة الأوراق التي ترفع إليَّ من إخوة أثق بهم، يقولون: إن التقويم متقدم على طلوع الفجر، وبعضهم يبالغ إلى ثلث ساعة، وبعضهم ربع ساعة، وكتبوا لنا أوراقاً، وكتبوا لنا أيضاً بيانات في كل فصل، بل في كل يوم، لكن على كل حال؛ الإنسان ينبغي له أن يحتاط في الصوم ولا يضره -إن شاء الله- إذا تقدم خمس دقائق، لكن في الصلاة هذه هي المشكلة التي أنا مهتم بها كثيراً؛ لأن بعض الناس حينما يؤذن الفجر يقوم ويصلي، سواء في البيوت أو في بعض المساجد، وهذا خطأ، فلو كبرت للإحرام قبل الوقت لم تبرأ ذمتك ولم تؤد الفريضة، ونسمع أن بعض الناس من حين يؤذن وينتهي الأذان يقول: أقم الصلاة.
هذه هي المشكلة، وأيهما أشد خطراً: أن تأكل بعد طلوع الفجر وأنت لم تعلم أنه قد طلع، أو أن تصلي وأنت لم تعلم أن الفجر قد طلع؟ الثاني أخطر، فلا تصح صلاة الفجر وتبرأ بها الذمة إلا إذا تيقنت أو غلب على ظنك غلبةً قوية أن الوقت قد دخل.(61/14)
حكم الكبير الذي لا يستطيع الصوم
السؤال
سائلة تقول: فضيلة الشيخ! لي والدٌ لم يصم أربع سنوات وهو مقعد على السرير وهو مريض وعمره يزيد على خمس وثمانين سنة، فهل عليه كفارة؟ أفدنا جزاك الله خيراً.
الجواب
الكبير الذي لا يستطيع الصوم يجب عليه أن يفدي عن كل يوم بإطعام مسكين، وذلك بأن يجمع المساكين على غداء، والغداء في الغالب في رمضان صعب، أو على عشاء، يطعم -مثلاً- اليوم عشرة مساكين، وغداً عشرة مساكين آخرين، وبعد غد عشرة مساكين في آخر الشهر، هذا واحد، أو يعطي كل واحد كيلو من الأرز ومعه لحم يكون إداماً له، أيُّ لحم؛ سواء كان من بقر أو غنم أو إبل أو دجاج.(61/15)
الإطالة في صلاة التراويح
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا إمام مسجد أريد أن أطيل في صلاة التراويح وأرتل القرآن، لكن كبار السن خلفي ومنهم والدي يمنعونني من ذلك ويوردون علي أحاديث التخفيف مثل: (أفتان أنت يا معاذ؟!) ونحو هذا، فما هو الضابط يا فضيلة الشيخ في عدد التسبيح ونحوه في الصلاة؟
الجواب
أهل العلم يقولون: إن عدد التسبيح في الصلاة أعلاها عشر، وأدنى الكمال ثلاث، لكن المشكلة كيف نؤدي التسبيح؟ بعض الناس يقول: سبحان الله سبحان الله سبحان الله سريعاً، فيمكن أن يقول أربع تسبيحات في أقل من ثانية، وهذا ليس بصحيح، بل قل: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، بهدوء، هذا أدنى الكمال، وأعلاه عشر، ثم نقول: النافلة ليست مثل الفريضة، الفريضة لا بد أن الإنسان يحضر ويصلي مع الجماعة، أما النافلة فليست واجبة، أيضاً الفريضة لا بد أن يصلي الإنسان قائماً والنافلة يجوز أن يصلي قاعداً، فقل لوالدك ومن يشبهه من كبار السن: إذا كنتم لا تستطيعون أن تصلوا قياماً فصلوا قعوداً، والأمر والحمد لله واسع، لكن دعونا نغتنم الفرصة في هذا الشهر المبارك بزيادة دقيقة في عمل صالح.(61/16)
ختم المصحف في صلاة التراويح
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا إمام مسجد وهناك نية ألا أختم القرآن في صلاة التراويح، ولكن بعض جماعة المسجد يرغبون بل يلزمونني بذلك، فكيف أتصرف معهم؟ أأخذ برأيي أم برأيهم؟
الجواب
خذ برأيك ما دام أنك لو أكملت بهم القرآن لأطلت، لأنك إذا كنت تتحرى السنة في عدد الركعات، فستكون عدد الركعات إحدى عشرة، ولو قرأت بهم في كل ليلة جزءاً صعب عليهم، لكن اقرأ ما تيسر، إن ختمت القرآن في قيام أول الشهر وآخر الشهر فحسن، وإن لم تفعل فليس بواجب، فأنت اقرأ ما تيسر، وهنا في الجامع لنا سنين طويلة، ومن حين بدأنا نقتصر على إحدى عشرة ركعة، ولا نختم القرآن إلا إذا تمكنا من ختمه في ليالي التهجد في آخر الشهر.(61/17)
متى تفطر الحامل؟
السؤال
امرأة تقول: فضيلة الشيخ! المرأة الحامل إذا أخبرها طبيب ثقة بأن الصيام قد يؤثر على الجنين، ولكن هذا التأثير ليس كبيراً حيث سينقص وزن الطفل فقط، ولكن سرعان ما يستعيد وزنه بعد الولادة بإذن الله، فهل يجب عليها أن تصوم، أم الأولى في حقها أن تفطر لحق الجنين؟
الجواب
إذا كان لا يضر الجنين وهي لا يحصل عليها مشقة فلتصم، وخفة وزنه قد يكون لمصلحته؛ لأنه إذا خف وزنه سهل خروجه، وبعد أن يولد فيشب ويثقل وزنه، أما إذا قالوا: إنه يضره؛ بحيث لا يأتيه من الغذاء من الدم ما يقيم عظامه وأعصابه وما أشبه ذلك، فهنا لا تصوم، أو كان يشق عليها هي؛ لأن النساء يختلفن في الحمل، وأيضاً الحمل يختلف أوله وآخره، فمتى وجدت مشقة أو خيفة على الجنين فإنها لا تصوم.(61/18)
حكم استنشاق الدخان أو البخور
السؤال
الصيام في هذا العام في برد شديد كما هو متوقع، ويكثر إشعال الناس للنار بغرض التدفئة، ويخرج من هذه النار دخان قد يدخل في جوف الإنسان وذلك لقربه من النار، فماذا يصنع؟ وهل يفطر بذلك؟
الجواب
إذا كان حول الإنسان دخان من حطب أو من بخور فإنه لا يضر، حتى لو أخذ المبخرة وأضفى عليها الغترة فإنه لا يضر، الذي يضر أن يستنشق الدخان؛ لأنه إذا استنشقه دخل إلى جوفه، أما مجرد أن يشم رائحة دخان، أو أن يكون في حجرة وقد أولع النار وصار يخرج منها الدخان فإن ذلك لا يضر، حتى لو دخل أنفه لا يضر، مثلاً: لو أن إنساناً في هذه الأيام سبح في بركة وانغمس فيها ودخل الماء إلى بطنه فإنه لا يضره؛ لأنه لم يتعمد.
وهذه النقطة أسمع كثيراً من الناس يسألون عن البخور للصائم ويظنون أن مجرد الدخان يفطر الصائم، وهذا غلط، لا يفطره إلا إذا استنشقه ودخل إلى جوفه.
وإذا استنشق ماء الورد وأحس به في حلقه فلا يفطر؛ لأنه ليس له جرم وإنما هو مجرد رائحة، ولذلك -أيضاً- لو شم ريحاناً وأحس به في حلقه فإنه لا يضر.(61/19)
نصيحة للطلاب بمناسبة قرب الامتحان
السؤال
فضيلة الشيخ! صيام هذا الشهر يأتي في أيام امتحان وسوف نشتغل عن كثير مما كنا نعمل سابقاً، فما نصيحتك للطلاب والطالبات؟
الجواب
أما الطالبات فسمعت أنهم قدموا اختبارهن، وأما الطلبة فأنتم تعلمون أن الرجل أقوى من المرأة وأشد تحملاً، ولا يهمه لو جعل على كتفه عدلاً من الشعير وعلى الكتف الآخر عدلاً من الشعير؛ لأنه قوي، وسيكون قوياً -إن شاء الله- على أداء الامتحان، لكن يبقى النظر: إذا كان من عادته -مثلاً- أن يقرأ كل يوم خمسة أجزاء، وفي أيام الامتحان لا يتمكن، فنقول: الحمد لله، الأمر واسع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) ، فما دمت في رمضانات سابقات تقرأ كل يوم خمسة أجزاء أو عشرة وتعذر عليك ذلك بواسطة الامتحان؛ فإنه يرجى أن يكتب لك الأجر الذي كنت تفعله فيما سبق، أي: أجر العمل الذي كنت تعمله فيما سبق.(61/20)
التوبة مما وقع من أخطاء في رمضان
السؤال
سائلة تقول: فضيلة الشيخ! لقد أخطأت في صيامي كثيراً، أرجو الله أن يغفر لي ويتوب علي، فما هي كفارة الكذب الذي وقع مني؟ وما هي كفارة القسم بالله كاذباً؟ فلقد أقسمت أيماناً مغلظة على أمور معينة ثم خلفت هذه الأيمان وأريد أن أتوب وأكفر عن هذه الأيمان، إلا أني لم أتذكر كم عدد هذه الأيمان جزاك الله خيراً.
الجواب
هذا السؤال تضمن أشياء: أولاً: أخطاء كثيرة في صيامها، والمخرج المخرج التوبة إلى الله عز وجل، أن يندم الإنسان وأن يتأثر نفسياً، وأن يعزم على ألا يعود، وإذا تاب إلى الله فإن الله يقول: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] أي ذنب تتوب منه يتوب الله عليك.
ثانياً: وأما الأيمان التي حلفت وحنثت فيها ولكنها لا تدري كم عددها فتأخذ بالأقل، فإذا قدرت أنها عشرة أو عشرون فتجعلها عشرة؛ لأن الأصل براءة الذمة، فلم يلزمها كفارة لم تعلم أنها وجبت عليها.(61/21)
الشهر الذي مدته تسعة وعشرون يوماً هل يجزئ في الكفارة؟
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل عليه كفارة صيام شهرين: رجب وشعبان، فهل يتم هذين الشهرين، أم يمشي على التقويم؟
الجواب
إذا كان شهر رجب ثبت دخوله بشهادة، وثبت دخول شعبان بشهادة، وكان رجب تسعة وعشرين يوماً وكان شعبان تسعة وعشرين يوماً، فقد نقص عن الستين يومان، فنقول: يجزئه ذلك؛ لأن الله تعالى لم يقل: صيام ستين يوماً، كما قال: إطعام ستين مسكيناً في كفارة الظهار، بل قال: شهرين، والشهر هو ما بين الهلالين، سواء كان تسعة وعشرين يوماً أو ثلاثين يوماً، أو شهر يكون تسعة وعشرين يوماً والشهر الثاني ثلاثين يوماً، المهم أن ما حدده الله بالشهر فهو شهر.(61/22)
حكم سفر المرأة إلى مكة كل سنة
السؤال
يقول السائل: أمي تقوم بالذهاب إلى مكة لغرض العمرة في كل سنة، وتقوم بأخذ أولادها وأعمارهم من الرابعة عشرة والثالثة عشرة، فهل نقوم بمنعها من الذهاب كل سنة، أم نقوم بمساعدتها على ذلك؟
الجواب
هذا يرجع إلى حال الأم وحال الأولاد، إن كان الأولاد يخشى عليهم من السفه والتجول في الأسواق يميناً وشمالاً فالأفضل أن تبقى في بلدها، وإن كانوا -أي: الأولاد- ملتزمين لا يخشى عليهم، وهي ترى أنها هناك أخشع لها وأحضر لقلبها فلتفعل، فالأمر واسع، إلا إذا كان في البيت زوج لها ولم يسافر معها ويرغب أن تبقى معه حرم عليها أن تذهب إلى العمرة، حرام وليس مكروهاً فقط، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه) ، فإذا كان هذا في الصوم وهي عند زوجها لا يجوز أن تصوم إلا بإذنه فكيف أن تسافر؟!! ولهذا يجب على المرأة إذا كان زوجها لم يسافر أن تبقى معه إلا إذا أذن لها، فإن أذن لها مرغماً فإذنه غير معتبر، يجب أن تبقى، فلو قالت الزوجة مثلاً: أنا سأذهب أسافر إلى مكة وأعتمر وأجلس هناك إلى العيد، فقال: اذهبي أو لا تذهبي، هذا ليس إذناً، والإنسان يعرف قول صاحبه عن رضى وقوله عن إكراه، فإذا علمت أنه لم يقل هذا إلا عن إكراه أو خوف فلا تسافر.(61/23)
حكم العادة السرية وكيفية التخلص منها
السؤال
هل من حل إيمانيٍ وعمليٍ للعادة السرية حيث أني مبتلىً بها وتؤرقني في شهر رمضان؟
الجواب
أسأل الله له العافية، أما الحل الإيماني فهو قول الله تبارك وتعالى في وصف المؤمنين: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ} [المعارج:29-31] والعادة السرية وهي الاستمناء وراء ذلك؛ وراء الزوجات ووراء المماليك من النساء وهن السراري {فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ} [المعارج:31] فوصف الله ذلك بأنه عدوان، والإنسان إذا علم أن هذا عدوان لن يفعله.
وأما الرادع الحسي فليسأل الأطباء حتى يتبين له أنها من أضر ما يكون على البدن، وإن كان الإنسان يجد فيها راحة، لكنها راحة يسيرة يعقبها ضرر كبير، ولقد قال لي بعض الناس: إنه ابتلي بهذا فابتلي بالوساوس الشيطانية والعياذ بالله والمضايق النفسية، وهذا ليس ببعيد؛ لأن الله تعالى حكيم جعل هذه النطفة لها محل معين: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223] ، وعلى الإنسان أن يتصبر ويتصبر ويتصبر، ولقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام دواءً ناجحاً وهو الصوم، فقال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) .(61/24)
حكم من صام في بلده ثم سافر إلى آخر لم يوافقوهم في الصيام
السؤال
فضيلة الشيخ! إني أحبك في الله، وأسأل الله لي ولكم ولجميع المسلمين العلم النافع والعمل الصالح والقبول.
أما بعد: فسؤالي هو: شخص سافر بعد دخول شهر رمضان بخمسة أيام للعمل في دولة عمان، وكنا هنا في السعودية صمنا قبلهم بيوم، واستمر هناك شهر رمضان عندهم إلى ما بعد رمضان، وكان الشهر هنا في السعودية ثلاثين يوماً، وكذلك هناك في عمان ثلاثين يوماً، فإذا صمت على صيامهم أكون قد صمت واحداً وثلاثين يوماً، ولكني لما صمت ثلاثين يوماً أفطرت بناءً على صيامي في السعودية، فصمت على صيام أهل هذا البلد وأفطرت معهم وخالفت البلد الذي أنا فيه، فهل عليَّ شيء؟
الجواب
أولاً أقول: أحبه الله الذي أحبنا فيه، وجعلنا وإياكم من أحبابه.
سمعتم السؤال: يقول: إنه سافر من السعودية إلى بلد آخر خالفهم في دخول الشهر، ولنفرض أن السعودية ثبت عندها الشهر ليلة السبت وهم لم يصوموا إلا ليلة الأحد، وكان الشهر تاماً في السعودية وفي البلد الآخر، ويلزم -على هذا- إذا صام معهم أن يصوم واحداً وثلاثين يوماً، وإن أفطر ففيه إشكال؛ وهو أنه سيفطر والناس صائمون، أقول -وأسأل الله أن يوفقني إلى الصواب-: إذا علمنا أن هؤلاء الذين تأخروا عن السعودية تأخروا عناداً ومخالفةً لـ أهل السنة فإنه يفطر ولو كانوا صائمين، لكن يفطر سراً؛ لئلا يكون مخالفاً للجماعة علناً، أما إذا علمنا أن هذا عن اجتهاد منهم، ولم يخالفوا أهل السنة، لكن هذا الذي أداهم إليه اجتهادهم، تحروا الهلال فما رأوه، فهنا نقول: لا تفطر، صم معهم ولو كان صومك واحداً وثلاثين يوماً؛ لأن هذا اجتهاد والسعودية لها اجتهاد.(61/25)
حكم الجمع بين صلاة الجمعة والعصر
السؤال
فضيلة الشيخ! سافرنا إلى العمرة ثم جمعنا بعد صلاة الجمعة في المسجد الحرام، فهل هذا يجوز؟
الجواب
لا يجوز أن تجمع العصر إلى صلاة الجمعة؛ لقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103] أي: وقت محدد، وإذا كان كذلك فإنه لا يجوز أن نجمع بين صلاتين إلا إذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، ولم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه جمع العصر إلى الجمعة أبداً، إنما كان يجمع العصر إلى الظهر؛ لأنها مثلها، أما الجمعة فتختلف عن الظهر اختلافاً عظيماً، فإن قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصادف أن صلى الجمعة في السفر، بل كان يصلي الظهر على أنها ظهر والعصر على أنها عصر ويجمع بعضهما إلى بعض، ولم تأت الجمعة عليه وهو في السفر فيصليها جمعة.
نقول: نعم هذا صحيح؛ فإن الجمعة لا تشرع في السفر، لكن مرت عليه الجمعة في المدينة في المطر ولم يجمع العصر إليها، مع أنه كان يجمع العصر إلى الظهر في المطر، لكن في الجمعة ما جمع، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة، فدخل رجل وقال: (يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل -لا يوجد مطر ولا مرعى- فادع الله يغيثنا، فرفع يديه وقال: اللهم أغثنا.)
ثلاث مرات، والناس رافعو أيديهم معه، أمطرت السماء، فما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته، اللهم صلِّ وسلم عليه، آية من آيات الله! وبقي المطر أسبوعاً كاملاً لا يرون الشمس، والسماء تمطر وسالت الأودية، حتى إن الوادي الذي يسمى: قناة، -وهو معروف إلى الآن بهذا الاسم- صار يمشي شهراً كاملاً الله أكبر! وفي الجمعة الثانية دخل الرجل أو غيره، وقال (يا رسول الله، تهدم البناء وغرق المال -من كثرة الأمطار- فادع الله أن يمسكها عنا، فرفع يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) فأقلعت، وخرج الناس في الشمس.
الآن وجد سبب الجمع الجمعة الأولى نزل المطر ولم يجمع العصر، والجمعة الثانية كان الوحل والوحل يجمع له ولم يجمع، فدل هذا على أن العصر لا يمكن أن تضاف إلى الجمعة جمعاً.
وأقول لهذا الأخ السائل: عليكم الآن أن تعيدوا العصر أربعاً، أحوط من جهة أ، تصلوها أربعاً لا من جهة الإعادة، فإن الإعادة لا بد أن تعيدوها، أعيدوا العصر إما أربعاً وإما ركعتين، إن اقتصرتم على ركعتين فلا بأس؛ لأن صلاة المسافر ركعتان، وإن جعلتموها أربعاً لأنكم في حضر الآن فاجعلوها أربعاً.(61/26)
حكم المسح على ظاهر الجبيرة فقط
السؤال
فضيلة الشيخ! وضعت جبيرة قبل شهرين وكنت أمسح عليها كما أمسح على الجوارب، لا أمسح أسفلها ولا جوانبها لمدة شهر ونصف، فما حكم الصلاة في هذه المدة؟
الجواب
أقول: إنه لا إعادة عليه في صلاته، وإن كان لا يمسح من الجبيرة إلا ظاهرها، والدليل على هذا: عمار بن ياسر رضي الله عنه بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنب، احتلم في الليل ولم يجد الماء، فجعل يتمرغ على التراب، يتقلب كما تتقلب الدابة، قياساً على الغسل، فإن الغسل يشمل كل البدن، فقال: إذاً لابد أن يلوث كل البدن بالتراب، وجاء وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: (إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، وضرب بيديه على الأرض ومسح وجهه وكفيه) ، ولم يأمره بالإعادة، لم يأمره أن يعيد الصلاة السابقة؛ لأنه كان مجتهداً، الرجل مجتهد وفعل ذلك عن قياس، وهذا الأخ السائل الذي عليه الجبيرة أتى بقياس، لكنه نقص، الجبيرة لا بد أن تمسح كلها من فوق ومن تحت ومن كل ناحية، لكن أقول للأخ: أسأل الله لي وله العلم النافع، وليس عليه إعادة فيما سبق.
وهناك قضية ثانية تشبه هذه: امرأة جاءت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقالت: (يا رسول الله! إني أستحاض حيضة كثيرة -شديدة- تمنعني من الصلاة، فماذا أصنع؟) فأرشدها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنها تجلس عادتها، ولم يأمرها بإعادة الصلوات التي تركتها؛ لأنها بانية على أصل، أن الأصل في الدم الذي يخرج من المرأة أنه حيض.
السائل: إذا كانت الأصابع ظاهرة ولا يغسلها ولا يمسحها في الجبيرة.
الشيخ: هذه أيضاً نقطة، بعض الأحيان تكون الجبيرة في الكف والأصابع ظاهرة، فيلزم أن تغسل الأصابع والجبيرة تمسح عليها، كذلك في الرجل قد تكون أصابع الرجل ظاهرة، فاغسلها وامسح الجبيرة.(61/27)
حكم إعادة الصلاة والصيام بعد التوبة مع تعليق على كلمة (سيدة)
السؤال
سائلة تقول: فضيلة الشيخ! أنا سيدة لي أولاد، ومنذ ثلاث سنوات وأنا لا أصلي ولا أصوم، والآن هداني الله ولله الحمد فأنا أصلي وأصوم وأدعو ربي وأستغفره على ما فات مني، أرجو إفتائي على ما فاتني ماذا علي؟ هل يكون علي كفارة مع الاستغفار أم ماذا أصنع؟
الجواب
ليس عليها إلا التوبة وقد تابت والحمد لله، وليس عليها إعادة ما مضى من الصلوات، ولا إعادة ما مضى من الصوم، لكن الزكاة عليها أن تؤدي الزكاة وإن لم تؤدها فلا حرج؛ لأنها لما تركت الصلاة صارت -والعياذ بالله- مرتدة من الكافرات، والآن هداها الله للإسلام فهي مسلمة والحمد لله.
لكن لي على كلامها ملاحظة، تقول: أنا سيدة وهذه تزكية للنفس، وهل الرجل يقول: أنا سيد؟ المرأة هي التي تقول: أنا سيدة، وهذا اللقب متلقن من غير المسلمين؛ لأن غير المسلمين يقدسون النساء ويرفعونهن أكثر من درجتهن، فاعتاد الناس أن المرأة تسمى (السيدة) والعجيب أنك لو تأملت كتب الحديث التي ينقل فيها أصحابها ما يروونه عن عائشة وأمهات المؤمنين وغيرهن فلن تجد واحداً قال: السيدة عائشة أبداً، والناس الآن إذا ذكروا عائشة قالوا: السيدة، ولا يقولون: السيد أبو بكر، مع أن أبا بكر أعلى منها وأحق بالسيادة، والرجال هم السادة والنساء هن عوان (أسرى) عند الرجال، أقول هذا لقول الله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف:25] أقول هذا لقول الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228] أقول هذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله في النساء فإنهن عوانٌ عندكم) ، ولست أريد بذلك غمط النساء، بل حقهن على الرءوس، والبنات أمهات المستقبل والأمهات أمهات الحاضر، لكن أريد أن المرأة تنزل حيث أنزلها الله عز وجل؛ لأن ذلك أستر لها وأصون وأحفظ لدينها، وأصلح للمجتمع، ولا يغر المرأة ما كانت عليه الدول الكافرة، الدول الكافرة الكفر أعظم، لكن عليها أن تتبع أمهات المؤمنين، ونساء الصحابة ماذا فعلن، وماذا قلن، وماذا تركن.
إذاً: كلمة (سيدة) احذفوها من القاموس، اضربوا عليها بالقلم الأحمر، وقولوا للمرأة: إن بعض الجهات يكتبون على الحمامات: هذا للرجال وهذا للسيدات.
وهذا غمط في حق الرجال، أليس كذلك؟! الرجل سوف يزعل إذا رأى أن المرأة سيدة وهو فقط رجل، لكن التقليد الأعمى مشكلة، نسأل الله العافية!(61/28)
حكم الطلاق من الرجل الكبير السن، وإذا قال: أنت طالق ستين مرة، فما حكمه؟
السؤال
يقول السائل: أبي يبلغ من العمر خمساً وستين سنة، وفي السنتين الأخيرتين تغير تغيراً كبيراً، فقام بطلاق أمي فقال: إنك طالق ستين مرة، يطلقها وترجع له مرة، فما رأيك يا فضيلة الشيخ هل ترجع له حيث أنه يبلغ هذا العمر الكبير وهو بحاجة إلى من يعوله؟ أفتنا مأجوراً جزاك الله خيراً.
الجواب
أقول: إذا كان هذا الكلام الذي يصدر منه عن غير وعي فلا طلاق عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق في إغلاق) ، وهذا نص في الطلاق، ولقول الله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ} [المائدة:89] ، فإذا كان هذا الرجل لا يدري ما يقول، لكن مع الضيقة والضنك طلق، فلا طلاق عليه أصلاً لا واحدة ولا ستين، وأما إذا كان يعقل فإنه إذا قال: أنت طالق ستين مرة، قلنا: يكفي منك ثلاث، وسبعة وخمسون لك، فأنت ابحث، والعمر في الواقع الخمسة والستون لا يؤدي إلى الخرف والهذرات إلا أن يكون الإنسان مصاباً بمرض في رأسه، لكن عادة أنه ما يصل إلى الهذرات في هذا السن.
والخلاصة: إذا كان الوالد حينما تكلم بهذا الكلام يعي ما يقول ويدري ما يقول فالطلاق واقع، ثم هل يكون ثلاثاً أو واحدة؟ فيه خلاف، وأما إذا كان لا يعي ما يقول فالطلاق غير واقع.(61/29)
نصيحة لأصحاب الدشوش
السؤال
فضيلة الشيخ! هل من نصيحة لمن يشاهد الدش في رمضان في نهاره أو ليله؟
الجواب
النصيحة لمن يشغله في رمضان وغيره، وأنتم -بارك الله فيكم- تعلمون ما حصل من هذه الدشوش من تغير في المجتمع لا سيما في الشباب، تغير ملحوظ واضح، منذ طلعت علينا هذه الآلة الفاسدة ونحن نحس بالتغير، وضرره كبير، أسأل الله تعالى أن يسلط الحكومة على من يقتنيه حتى تتلفه؛ لأنه في الواقع ضرر لا من ناحية الدين فقط ولا من ناحية الخلق ولا من ناحية الأمن، بل من كل ناحية.
فأنصح إخواني عباد الله من أن يقتنوه، ومن كان عنده شيء منه فلا سبيل له إلى التخلص منه إلا بتكسيره؛ لأنه إن وهبه استعمله الآخر في المعاصي وكان هو السبب، وإن باعه فكذلك، فلا سبيل للخلاص منه إلا بالتكسير، فإذا قال: أنا اشتريته بدراهم فكيف أكسره هذا إضاعة مال؟! قلنا: إضاعة المال في طاعة الله خير، والأموال كلها إنما خولنا الله إياها لأجل أن نقوم بطاعته، فإذا أتلفناها خوفاً من الوقوع في المعصية كان هذا ربحاً وليس إتلافاً، وهذا كما ذكر المفسرون في قول الله تبارك وتعالى عن سليمان عليه الصلاة والسلام أنه اشتغل بالخيل التي أعدها للجهاد، لأن سليمان يحب الجهاد ولا شك، ولهذا أقسم أن يطوف على تسعين امرأة كل واحدة منهن تلد غلاماً يقاتل في سبيل الله، وكان يحب الخيل، فعرضوها عليه ذات يوم فانشغل بها عن صلاة العصر، فقال: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص:32] ، أي: الشمس {رُدُّوهَا عَلَيَّ} [ص:33] فردوا عليه الخيل {فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [ص:33] لأنها شغلته عن طاعة الله، فأتلفها ليتخلص من شرها.
فإتلاف هذه الدشوش والتخلص من شرها هو من طاعة الله عز وجل.(61/30)
هل يؤجر من سمع المواعظ والمحاضرات من المسجل أو الراديو؟ وحكم دخول الحائض إلى المسجد
السؤال
سائلة تقول: هل سماع الخطب والمحاضرات والندوات ومجالس الذكر من المذياع يحصل به الأجر كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم.
إلى آخر الحديث) وذلك خاصة للنساء؟ وهل تأثم المرأة إذا دخلت تحت درج المسجد من الداخل أو داخل سوره وهي حائض لتستمع إلى المواعظ والمحاضرات؟
الجواب
أما الأول فلا شك أن الإنسان يؤجر على سماع القرآن من المسجل أو من الإذاعة، ويؤجر كذلك على سماع المواعظ والمحاضرات والندوات المفيدة من الإذاعة أو من المسجل.
وأقول: إن من نعمة الله عز وجل على عباده وجود هذه الآلات الحافظة التي تحفظ ما يقول الناس وتبلغ القريب والبعيد، هي من نعمة الله عز وجل، لكن أن يكون ذلك مثل أجر الحاضرين الذين يتدارسون القرآن فلا، ولهذا لو جعلنا مسجلاً عند مكبر الصوت ليؤذن بدل الرجل الذي يؤذن فإن ذلك لا ينفع؛ لأن هذا حكاية أذان وليس أذاناً.
وأما دخول الحائض المسجد فلا يجوز إلا مارةً مروراً فقط، والمسجد كل ما أحاط به السور، سواءٌ الدرج أو البرحة التي نسميها الصرحة، فهذه لا يجوز أن تبقى فيها، والحمد لله الآن ليس هناك داعي؛ لأنها ستسمع من الأشرطة أو من مكبر الصوت في المنارة.
ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم اغتنام أوقاتنا بالأعمال الصالحة، وأن يحسن لنا ولكم الخاتمة والعاقبة، إنه على كل شيء قدير.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.(61/31)
اللقاء الشهري [62]
لقاء مهم مليء بالأحكام الشرعية، مستفيض بالأدلة النقلية، غني بالتوجيهات والنصائح الربانية، موضوعه الحج والعمرة، بل فيه ذكر ما يفعله الحاج منذ خروجه من بيته حتى عودته إليه.(62/1)
الحج وما يتعلق به
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الشهري الذي يتم في هذا المسجد الجامع الكبير في مدينة عنيزة كل شهر مرة، إلا أن يحول دون ذلك مانع، وهذه الليلة هي الخامسة من شهر ذي القعدة عام (1419هـ) .
ونحن في أوسط أشهر الحج؛ لأن أشهر الحج ثلاثة: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، فنحن في أوسط الشهور الثلاثة شرفها الله عز وجل، لذلك رأيت أن من المناسب أن نتكلم عن الحج وما يتعلق به، فنقول: أولاً: منزلة الحج من الدين الإسلامي.
ثانياً: حكم الحج.
ثالثاً: متى فرض الحج.(62/2)
منزلة الحج في الدين الإسلامي
أما منزلة الحج من الدين الإسلامي: فهو أحد أركان الإسلام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام) فمنزلته من الإسلام منزلة عالية، فهو أحد أركانه ومبانيه العظام.(62/3)
حكم الحج
أما حكمه: فإنه فرضٌ بإجماع المسلمين المستند إلى الكتاب والسنة، أي: أن فرضه ثبت بالكتاب العزيز، وبالسنة النبوية، وبإجماع المسلمين.
أما الكتاب: فقال الله عز وجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97] .
وأما السنة: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيها الناس! إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا.
فقام رجل هو الأقرع بن حابس، فقال: يا رسول الله! أفي كل عام؟ -أي: أفرض الله ذلك كل عام؟ - قال: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، الحج مرة فما زاد فهو تطوع) .
وأجمع المسلمون على فرضية الحج واشتهر ذلك بينهم، وكان ذلك من المسلَّمات في الدين الإسلامي، حتى إن أهل العلم قالوا: من أنكر فرضية الحج فهو كافر؛ لأن هذا مما علم بالضرورة من دين الإسلام، فالمسلمون كلهم يقولون: إن الحج ركن من أركان الإسلام.
وهل يجب الحج على الإنسان فوراً أو على التراخي؟
الجواب
يجب فوراً، أي: من حين أن تتم شروط وجوب الحج فإنه يجب أن يؤديه الإنسان ولا يتأخر، لأن واجبات الإنسان على الفور، فإن الإسلام لا يدري ما يعرض له، فقد يكون فقيراً بعد الغنى، ويكون سقيماً بعد الصحة، ويكون ميتاً بعد الحياة، إذاً: متى تمت الشروط فبادر ولا تتأخر.(62/4)
شروط وجوب الحج
والشروط خمسة: الإسلام وضده الكفر.
والعقل وضده الجنون.
والبلوغ وضده الصغر.
والحرية وضدها الرق.
والاستطاعة وضدها العجز.
الأول: الإسلام وضده الكفر فالكافر لا يجب عليه الحج، ولهذا لو وجدنا كافراً لا نقول له: حج، بل نقول له: أسلم أولاً ثم حج.
الثاني: العقل وضده الجنون فلو فرض أن إنساناً منذ صغره كان مجنوناً، عنده أموال كثيرة لكنه مجنون، فلا حج عليه ولا يُحج عنه؛ لأنه غير عاقل، فإذا وجدنا أحداً متخلفاً في العقل منذ صغره وعنده مال وعنده أب يمكن يحج به، فإنه لا يجب عليه الحج لعدم العقل.
الثالث: البلوغ وضده الصغر فلو مات قبل أن يبلغ فإنه لا يحج عنه، لا يجب الحج عنه، لأنه صغير، حتى لو فرض أن هذا الصغير عنده أموال كثيرة ومات فإنه لا يحج عنه منها؛ لأنه لم يجب عليه الحج، والبلوغ يحصل بالنسبة للرجال بواحد من أمور ثلاثة: الأول: أن يتم له خمس عشرة سنة.
الثاني: أن تنبت عانته.
الثالث: أن ينزل المني بشهوة أو احتلاماً.
أما في النساء فتزيد المرأة علامة رابعة وهي: الحيض، فإذا حاضت ولو لم يكن لها إلا عشر سنوات فهي بالغ.
الشرط الرابع: الحرية وضدها الرق فالرقيق المملوك لا حج عليه؛ لأنه ليس له مال فإن ماله لسيده.
الخامس: الاستطاعة وهو الشرط الذي ذكره الله في القرآن وجاءت به السنة أيضاً: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] أي: من قدر أن يحج، أما من لم يقدر فلا حج عليه، ولكن إن كان ذا مال فإنه يقيم من يحج عنه، أي: ينيب من يحج عنه ما لم يرجُ أن يقدر في المستقبل فلا ينيب عنه من يحج عنه، وإذا زال العجز وجب عليه أن يحج بنفسه.
مثال ذلك: رجل عنده مال كثير لكن فيه مرض لا يرجى برؤه، أو كِبر والكِبر لا يرجى زواله، فهل يلزمه أن ينيب من يحج عنه؟ نعم يلزمه، لأنه قادر بماله فيلزمه أن يقيم من يحج عنه.
مثال ثانٍ: رجل عنده مال وهو عاجز عن الحج هذا العام، لكن مرضه يرجى أن يشفى منه، فهل يلزمه أن يقيم من يحج عنه، أم ينتظر إلى العام القادم؟ ينتظر إلى العام القادم، ولا يصح أن يقيم من يحج عنه؛ لأنه قادر بنفسه.
مثال ثالث: إنسان عنده مال وهو قادر ببدنه، فهل يلزمه أن يحج هذا العام، أم نقول له: لك أن تؤخره إلى العام الثاني؟ يلزمه أن يحج هذا العام، ولا يجوز أن يؤخر إلى العام الثاني؛ لأن الحج على الفور.
مثال رابع: إنسان قادر ببدنه لكن ليس عنده مال، فهل يلزمه أن يحج؟ فيه تفصيل: إن كان يقدر أن يمشي ولا تزيد النفقة على نفقة الإقامة؛ فإنه يلزمه أن يحج، كرجل من أهل مكة ليس عنده مال، لكن يستطيع أن يخرج مع الناس إلى عرفة ويرجع، فنقول: يلزمه أن يحج؛ لأن الله قال: {مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] وهذا مستطيع، والحج لا يكلفه زيادة مال، فيلزمه أن يحج.(62/5)
متى فرض الحج
متى فرض الحج؟ فرض الحج على القول الراجح: في السنة التاسعة أو العاشرة، ولم يفرض قبل ذلك، مع أن التوحيد فرض من أول البعثة، والصلاة فرضت قبل الهجرة، والزكاة فرضت إما قبل الهجرة وبُينت تفاصيلها بعد الهجرة، أو لم تفرض إلا بعد الهجرة، والصيام فرض بعد الهجرة، والحج تأخر إلى التاسعة أو العاشرة، والحكمة ظاهرة: لأن مكة -شرفها الله عز وجل- كانت إلى السنة الثامنة بيد المشركين، يمنعون من شاءوا، ويأذنون لمن شاءوا، حتى إنهم صدوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يتم عمرته عام الحديبية، فليس من الحكمة أن يلزم الناس أن يحجوا مع أنهم قد يردون من أثناء الطريق، فتأخر فرض الحج إلى أن فتحت مكة في السنة الثامنة.(62/6)
سبب تأخير النبي صلى الله عليه وسلم للحج بعدما فرض
إذا قلنا: إنه فرض في السنة التاسعة فهل حج الرسول عليه الصلاة والسلام من حين فرض؟ لم يحج؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الحج لسببين: الأول: أنه صلى الله عليه وسلم بقي في المدينة يتلقى وفود العرب الذين يأتون مسلمين؛ لأن العرب لما فتحت مكة وفتحت الطائف انكسرت شوكتهم، وصاروا يدخلون في دين الله أفواجاً، فبقي في المدينة يتلقى الوفود ويعلمهم الدين ثم ينصرفون.
هذا سبب.
سبب آخر: في السنة التاسعة حج المسلمون والمشركون، فاختار الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن تكون حجته ليس فيها أخلاطٌ من المشركين، ولهذا لما حج أبو بكر رضي الله عنه في السنة التاسعة بالناس نادى المنادي: ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.
إذاً أخر النبي صلى الله عليه وسلم الحج لسببين: الأول: البقاء في المدينة لتلقي الوفود.
الثاني: ألا يكون معه أحدٌ من المشركين.(62/7)
صفة الحج والعمرة
نعود الآن فنذكر كيفية الحج الحج نوع من الجهاد في سبيل الله؛ بدليل: أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (يا رسول الله! هل على النساء جهاد؟ قال: عليهن جهاد لا قتال فيه؛ الحج والعمرة) ولهذا كان في الحج تعب بدني وإنفاق مالي كالجهاد تماماً، فهو نوعٌ من الجهاد في سبيل الله، واستنبط بعض العلماء رحمهم الله ذلك من قول الله تبارك وتعالى: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:195-196] فذكر الحج بعد أن ذكر الإنفاق في سبيل الله، وهو إشارة إلى أن الحج نوعٌ من الجهاد في سبيل الله، ولكن لا بد أن نعرف صفة الحج حتى نفعل هذه الصفة على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(62/8)
من آداب السفر
أولاً: يشد الإنسان رحله من بلده إلى مكة، فينبغي أن يتأدب بآداب السفر؛ يكون سمح البال، واسع الصدر، معه النفقة التي تكفيه وتزيد؛ لأنه لا يدري ما يعرض له في الطريق، قد يحتاج شيئاً أو يحتاج مرافقه شيئاً فتكون النفقة معه، وليكن خادم إخوانه في السفر، قال نافع مولى ابن عمر: [صحبت عبد الله بن عمر في السفر لأخدمه فكان يخدمني رضي الله عنه] .
كن خادم أصحابك، فإن ذلك من محاسن الأخلاق، ولهذا قال بعضهم: إنما سمي السفر سفراً لأنه يسفر عن أخلاق الرجال.
أي: يبينها ويظهرها، حتى إن عمر رضي الله عنه شهد رجلاً عنده يزكي رجلاً ويقول: إنه رجل عدل وفيه ما فيه، فقال له عمر: هل سافرت معه؟ قال: لا، قال: إذاً أنت لا تعرفه.
ولذلك إذا سافرت مع إنسان تبين لك من أخلاقه ما لا يتبين في حال الإقامة.(62/9)
الإحرام من الميقات
فإذا وصلت إلى الميقات فأحرم، لا تتجاوز الميقات وأنت تريد الحج أو العمرة إلا محرماً واغتسل كما تغتسل للجنابة، ثم طيب بدنك بالطيب على الرأس وعلى اللحية، ثم البس الإحرام، والإحرام: إزار ورداء للرجال، أما النساء فليس لهن ثياب معينة، ولتلبس المرأة ما شاءت، إلا أنها لا تلبس ثياباً تلفت أنظار الرجال إليها، ثم تلبي فتقول: لبيك اللهم عمرة.
وتركض أو تمشي وأنت لا تزال تلبي وترفع الصوت بالتلبية إذا كنت رجلاً، وأما المرأة فلا ترفع صوتها، إلى أن تصل إلى مكة.(62/10)
دخول المسجد الحرام والطواف بالبيت
ثم إذا وصلت إلى مكة تدخل المسجد الحرام وتقول عند دخوله ما تقوله عند أي مسجد، فتقول: (باسم الله والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك) ثم تقصد الحجر الأسود وتستلمه -أي: تمسحه- وتقول: باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.
وإن تيسر أن تقبله مع الاستلام فهو حسن، وإن لم يتيسر لا الاستلام ولا التقبيل فالإشارة تكفي باليد اليمنى، وليس كما نشاهده من العوام يمد يديه جميعاً، إنما باليد اليمنى، ثم تنطلق من الحجر لتجعل الكعبة عن يسارك وتدور إلى أن تصل الحجر، وإذا مررت بالركن اليماني وهو الركن الذي يليه الحجر فاستلمه -أي: امسحه- بدون تكبير، فإن لم تستطع فلا تشر إليه، لأن ذلك -أعني التكبير عند استلام الركن اليماني، والإشارة إليه عند تعذر استلامه- لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، والعبادات مبناها على التوقيف، وقل بين الركن اليماني والحجر الأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] وإذا حاذيت الحجر مرة ثانية فقل: الله أكبر.
فقط، وفي بقية الطواف الطائف يقول ما شاء من ذكر ودعاء وقراءة قرآن؛ لأن المقصود أن تشتغل بما يقربك من الله عز وجل، إن شئت أن تقرأ قرآناً فاقرأ، أو أن تذكر الله فاذكر الله، أو أن تسبح فسبح، أو أن تكبر فكبر، كما تشاء، حتى تتم سبعة أشواط.
وبذلك انتهى الطواف.
واعلم أنك بهذا الطواف -وأقصد بذلك الرجال- يسن لك سنتان: السنة الأولى: أن تضطبع بردائك، ومعنى الاضطباع: أن تجعل الرداء وسطه تحت الإبط وطرفيه على العاتق الأيسر في جميع الطواف، وأن ترمل في الأشواط الثلاثة الأولى، والرمل هو: سرعة المشي مع مقاربة الخطى، وهذا إن تيسر، أما إذا كان هناك زحام فإن الإنسان لا يتمكن من الرمل إلا بتأذٍ يقع عليه أو تأذٍ يقع منه.
وإذا أتممت سبعة أشواط فتقدم إلى مقام إبراهيم واقرأ وأنت متجهٌ إلى مقام إبراهيم قول الله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125] ثم صل ركعتين، تقرأ في الأولى قل يا أيها الكافرون مع الفاتحة، وفي الثانية قل هو الله أحد مع الفاتحة، وخفف الركعتين، ولا تدع بعدهما، بل دع المكان لغيرك، وإذا سلمت فإن تيسر أن تعود إلى الحجر الأسود وتستلمه فافعل، وإن لم يتيسر فلا إشارة.(62/11)
السعي بين الصفا والمروة
ثم اتجه إلى الصفا لتسعى بين الصفا والمروة، فإذا دنوت من الصفا فاقرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] وإن شئت فزد: أبدأ بما بدأ الله به.
هذا تقوله إذا أقبلت على الصفا وليس إذا صعدت، وتقوله أول مرة ولا تقوله عند المروة، ثم اصعد الصفا واتجه إلى القبلة وارفع يديك وادع الله عز وجل واذكره بما ورد، ثم انحدر من الصفا متجهاً إلى المروة، فإذا حاذيت العلم الأخضر وهو العمود الأخضر وفوقه نجفات خضر؛ فاركض بقدر ما تستطيع، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسعى شديداً تدور به إزاره، وهذا مشروط بما إذا لم يكن زحام، فإن كان زحام فعلى ما تستطيع، ولا تسع سعياً شديداً فتتأذى وتؤذي، حتى تصل إلى المروة، فإذا وصلت إليها فاصعد عليها واستقبل القبلة وارفع يديك وقل كما قلت على الصفا؛ حمداً وذكراً ودعاء، ثم انزل منها متجهاً إلى الصفا، تمشي في موضع المشي وتركض في موضع الركض، فإذا أقبلت على الصفا فلا تقرأ الآية، إنما تقرأ إذا أقبلت على الصفا أول مرة، وتصعد على الصفا وتدعو الله عز وجل بما دعوت به في أول شوط، حتى تتم سبعة أشواط.(62/12)
الحلق أو التقصير
ثم تحلق أو تقصر، لكن إذا كان وقت الحج قريباً فالتقصير أفضل في العمرة ليتوفر الشعر للحج، وبهذا تحل حلاً كاملاً.
فصارت العمرة الآن: إحرام، وطواف، وسعي، وحلق أو تقصير، تتم الآن وتحل من كل شيء حرم عليك بالإحرام.(62/13)
الإحرام للحج إذا دخل يوم الثامن من ذي الحجة
فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة، فأحرم من مكانك الذي أنت فيه، إن كنت في مكة فمن مكة، وإن كنت في منى فمن منى، وإن كنت في عرفة فمن عرفة، أو في أي مكان، أحرم منه واغتسل والبس ثياب الإحرام وتطيب كما فعلت عند إحرام العمرة، وتقول: لبيك اللهم حجاً، ولا تقول عمرة، وتبقى في منى محرماً تصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، كل صلاة تصليها في وقتها، لكن قصراً، فتصلي الظهر ركعتين والعصر ركعتين والعشاء ركعتين، أما المغرب فثلاث والفجر ركعتان.(62/14)
الوقوف بعرفة
ثم إذا طلعت الشمس اليوم التاسع تذهب إلى عرفة، تنزل بمكان يسمى (نمرة) كان الناس ينزلونه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نزل فيه حتى زالت الشمس، لكن الآن يصعب جداً أن تنزل فيه، والنزول فيه سنة وليس بواجب.
فإذا زالت الشمس يوم عرفة فصلِّ الظهر والعصر جمعاً وقصراً بأذان وإقامتين، ويحسن أن تستمع إلى خطبة الإمام في مسجد نمرة، وهذا سهل في الوقت الحاضر، اجعل عندك راديو في الخيمة وافتحه على الإذاعة السعودية ثم استمع؛ لأن الخطبة في يوم عرفة سنة، وإذا انتهى الخطيب فأذن وصلِّ الظهر ركعتين والعصر ركعتين، وتبقى الآن متفرغاً للذكر والدعاء وقراءة القرآن وغير ذلك ربما يقول قائل: إذا بقيت من هذا الوقت إلى الغروب أدعو الله وأذكر الله وأقرأ القرآن ربما أتعب، فنقول: هذا حقيقة، لكن إذا وجدت من نفسك تعباً فاسترح لأكل أو شرب أو نوم أو ما أشبه ذلك، ولكن احرص على أن يكون آخر النهار -نهار يوم عرفة - وقتاً للتفرغ لعبادة الله؛ للذكر والتسبيح وقراءة القرآن، ولقد جربت شيئاً نافعاً لا يحصل فيه ملل ولا كسل، وهو أن تقرأ القرآن بتدبر فتسأل عند آية الرحمة، وتتعوذ عند آية الوعيد، وتسبح عند آية التسبيح، والقرآن فيه وعد ووعيد وتسبيح، وهنا لا تمل؛ لأنك سوف تقرأ القرآن وتمشي فلا تمل ولا تتعب.(62/15)
المبيت بمزدلفة
فإذا غربت الشمس فاتجه إلى مزدلفة (المشعر الحرام) وتبيت بها، ولكنك تصلي من حين أن تصل إلى مزدلفة المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين مجموعة، إلا أنك إذا تأخر بك السير وخشيت أن ينتصف الليل قبل أن تصل إلى مزدلفة؛ وجب عليك أن تصلي ولا تؤخر إلى ما بعد نصف الليل، وتبيت في مزدلفة، ثم تصلي الفجر إذا طلع الفجر، وتذكر الله تعالى قليلاً حتى تسفر جداً.(62/16)
رمي الجمار
ثم تنزل إلى منى، وأول ما تفعل رمي جمرة العقبة -إن تيسر- بسبع حصيات تكبر مع كل حصاة: الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، والسنة ألا تلقط الحصى من مزدلفة ولكن القطها من منى، ولو عند الجمرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف عند الجمرة وأمر ابن عباس أن يلقط له سبع حصيات، فالتقطها من هناك، أما ما ورد عن بعض السلف أنها تلقط من مزدلفة، فإنما قالوا ذلك ليكون الإنسان مستعداً للرمي من حين أن يصل إلى منى؛ لأنه ليس كل أحد يتيسر له أن ينزل في منى ويلقط الحصى أو أن يأمر من يلقط له الحصى، فقالوا: خذ الحصى معك من أجل أن تذهب وترمي من حين أن تصل، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم -يا إخواننا- رمى جمرة العقبة وهو على بعيره ولم ينزل، وقد قال العلماء رحمهم الله: إن رمي جمرة العقبة تحية منى كالركعتين تحية المسجد.(62/17)
النحر والطواف والسعي والمبيت بمنى
فإذا رميت الجمرة فانحر الهدي، وهذا هدي التمتع، ثم احلق رأسك كاملاً، ثم البس الثياب؛ لأنك حللت من جميع محظورات الإحرام إلا النساء، وتطيب.
ثم تنزل إلى مكة فتطوف طواف الإفاضة بثيابك؛ لأنك حللت من لبس الإحرام تطوف سبعة أشواط بدون رمل، تشمي مشياً عادياً.
ثم تسعى بين الصفا والمروة على حسب ما سمعتم أولاً.
ثم ترجع إلى منى وتبيت بها.(62/18)
مسائل مهمة تتعلق بالحج
ولننظر -أيها الإخوة- الآن بعد الانصراف من مزدلفة والوصول إلى منى فعلنا عدة أمور: أولاً: رمي جمرة العقبة.
ثانياً: النحر.
ثالثاً: الحلق.
رابعاً: الطواف.
خامساً: السعي.
فهل للإنسان أن يقدم بعضها على بعض؟ اسمع فتوى النبي عليه الصلاة والسلام (ما سئل عن شيء يوم العيد قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج) .
وعلى هذا نأخذ أمثلة: رجل انطلق من مزدلفة إلى مكة رأساً وطاف وسعى ثم عاد ورمى، فإن ذلك يجوز.
رجل رمى ثم حلق قبل أن ينحر، فنقول: يجوز.
رجل نزل إلى مكة ليطوف ويسعى فوجد المطاف ضيقاً جداً، فسعى قبل أن يطوف، فإن ذلك يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شيء قدم ولا أخر يومئذٍ -أي: يوم النحر- إلا قال: (افعل ولا حرج) .
ثم يبيت في منى ليلة أحد عشر وليلة اثنى عشر وليلة ثلاثة عشر، هذا إن تأخر، وإن تعجل فيبيت ليلة أحد عشر وليلة اثنى عشر، وبعد الزوال في الأيام الثلاثة يرمي الجمرات الثلاث، فيرمي الجمرة الصغرى، ثم الوسطى، ثم العقبة والصغرى هي أول ما يليك إذا نزلت إلى مكة، ترميها بسبع حصيات، تكبر مع كل حصاة، ثم تبعد عن الزحام والحصى وتقف مستقبلاً القبلة رافعاً يديك تدعو الله عز وجل دعاءً طويلاً حسب ما تستطيع، ثم الوسطى ترميها مثلها وتقف بعدها وتدعو الله تعالى دعاءً طويلاً، ثم جمرة العقبة ولا تقف ثلاثة أيام بعد الزوال، وبذلك تم الحج، فإذا أردت السفر إلى بلدك فلا تخرج حتى تطوف الوداع.
ولنأخذ الآن أمثلة: رجل دفع من عرفة قبل الغروب، فلا يجوز له ذلك، بل يجب أن يبقى في عرفة حتى تغرب الشمس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف في عرفة حتى غربت الشمس، ولو كان الدفع قبل الغروب جائزاً لدفع الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه أرحم بالأمة وأرفق بهم أن يدفعوا في النهار، وفي وقت ليس هناك أعمدة كهرباء، فلما انتظر حتى غربت الشمس وحل الظلام ولم يدفع قبل ذلك علمنا أن البقاء في عرفة إلى الغروب واجب، ولأن الإنسان إذا دفع قبل الغروب خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم ووافق هدي المشركين؛ لأن المشركين يدفعون من عرفة إذا صارت الشمس على الجبال كالعمائم على رءوس الرجال، أي: إذا قاربت الغروب مشوا.
رجل دفع من مزدلفة قبل أن يصلي الفجر، فهذا جائز، لا سيما في عصرنا هذا من أجل الزحام، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للنساء والضعفة أن يدفعوا من مزدلفة في آخر اليوم لئلا يزحمهم الناس، وفي وقتنا الآن الزحام شديد، فلك أن تدفع قبل الفجر من مزدلفة وترمي، متى وصلت ترمي ولو كان قبل الفجر بساعة أو ساعتين.
لكن رجل لم يدفع من مزدلفة إلا بعد طلوع الشمس، كذلك يجوز، لكن لا يفعل إلا لعذر؛ كتعطل السيارة، أو فقد بعض الأصحاب فيبقى يبحث عنهم مثلاً، وإلا فليدفع قبل أن تطلع الشمس؛ لأن تأخير الدفع من مزدلفة حتى تطلع الشمس يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ويوافق هدي المشركين، فقد كان المشركون إذا وقفوا في مزدلفة يقولون: أشرق ثبير كيما نغير.
رجل أخر الرمي حتى غابت الشمس في يوم أحد عشر ويوم اثنا عشر، فإن ذلك جائز، ولك أن ترمي إلى الفجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت أول الرمي وسكت عن آخره، فدل هذا على أن الأمر واسع، لا سيما في أوقاتنا هذه الجمع كثير، والغشم كثير، وعدم المبالاة كثير، وتجد الواحد يأتيك كالجمل الصائل الهائج يريد أن يرمي -على زعمه- الشيطان، وربما يأخذ أحجاراً كبيرة يرمي الشيطان على زعمه، وسُمع بعضهم وهو يلعن الجمرة، ويقول: لعنك الله أنت الذي فرقت بيني وبين زوجتي.
سبحان الله! هذا جهل عظيم، ولذلك يجب أن ننزع هذه العقيدة الباطلة من أفكار الناس، ونقول: رمي الجمرات منسك من مناسك الحج، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما جعل الطواف بالبيت وبـ الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) .
رجل جمع أيام التشريق في آخر يوم، لم يذهب يوم أحد عشر ولا اثنا عشر، جعلها كلها جميعاً في آخر يوم، هذا لا يجوز إلا لعذر؛ كما لو كان الإنسان بعيداً في أطراف منى ويشق عليه أن يتردد كل يوم، فنقول: لا بأس، اجمع الأيام الثلاثة في آخر يوم، ولكن ابدأ بالترتيب، ارم ثلاثاً عن يوم أحد عشر، وثلاثاً عن يوم اثنا عشر، وثلاثاً عن يوم ثلاثة عشر، فترمي الأولى ثم الوسطى ثم العقبة.
امرأة يشق عليها الزحام ولا يرجى أن تتأخر حتى يخف، فهل لها أن توكل؟
الجواب
نعم لها أن توكل، وكذلك الشيخ الكبير له أن يوكل، والمريض له أن يوكل، وضعيف البنية له أن يوكل؛ لأن الزحام شديد لا سيما في اليوم الثاني عشر لمن أراد أن يتعجل؛ لأنه في هذا اليوم يحصل زحام شديد، والمرأة لا تتحمل فلتوكل.
رجل عزم على أن يتعجل ويخرج من منى، لكن حبسه السير، ازدحام السيارات حبسه حتى غابت الشمس فماذا نقول له؟ نقول: سر ولو غابت الشمس؛ لأنك حبست ضرورة.
رجل أو امرأة خاف من الزحام إذا رمى في أول الوقت يوم اثنا عشر، ثم تعجل فأخر الرمي حتى خف الزحام ولم يخف الزحام إلا بعد الغروب فرمى ودفع، فإن ذلك يجوز؛ لأن هذا التأخير ضرورة، فهو كمن نام عن صلاة أو نسيها يصليها إذا ذكرها، وهذا نقول: ما دام لا يتحمل الزحام وأخر حتى غابت الشمس، ومن نيته القطعية أنه متعجل وليس متأخراً، نقول: إن الله تعالى يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ويقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] .
أسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً.
بقي الكلام على محظورات الإحرام، ولكن الوقت لا يتسع، فليؤجل -إن شاء الله- إلى اللقاء القادم ونتكلم عليه.(62/19)
الأسئلة(62/20)
حكم من وكل ابنه ليحج عنه نافلة
السؤال
فضيلة الشيخ! طلب مني والدي أن أحج عنه في هذا العام حج نافلة، حيث أنه قد حج مرة واحدة ولكنه يشك في أداء مناسكها أداءً صحيحاً كاملاً، وهو قادر على الحج مادياً ولكنه صحياً غير قادر، فهل أحج عنه، علماً أني قد حججت عن نفسي؟
الجواب
لا بأس أن يحج عنه في هذا الحال، ولكن قوله: إنه لا يدري عن الفريضة.
هذا لا يقبل منه، لا بد أن يحدد ما الذي حصل منه، لأنه قد يكون الذي حصل منه ترك واجب يجبر بدم ولو من الآن، فلا بد للأب أن يُستفصل ما الذي أخللت به، حتى يتبين الأمر، لأنه إذا كان أخلل بترك واجب فحج ابنه عنه لا يغني ولا يفيد، فأرجو من هذا الوالد ومن الولد أيضاً أن يفصل ما الذي حصل من الخلل لعله يجبر الآن، وأما إذا كان الأب قادراً على أن يحج ببدنه وقال لابنه: حج عني، فلا يحج عنه، كما أنه لو قال لابنه: صلِّ عني فلا يصلي عنه، فالحج عبادة، ولم ترد الاستنابة في الحج إلا في الفريضة للعاجز، كالمرأة التي قالت: (يا رسول الله! إن فريضة الله على عباده بالحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع الركوب على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم) والأخرى قالت: (يا رسول الله! إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: نعم) أما إنسان في بيته ويعاشر أهله وينام على الكنبات، ثم يقول لواحد: حج عني! هذا لا يصح، الحج عبادة، لا بد أن يشعر الإنسان بقلبه أنه متعبد لله بها متقرب إلى الله بها.(62/21)
الأفضل لمن قد أدى فريضة الحج ولديه مال
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا شاب سبق لي أداء الحج أكثر من مرة ولله الحمد والمنة، فما هو الأفضل في حقي الآن: أن أحج بنفسي، أم أتبرع بتكاليف الحج لمسلم لم يؤد الفريضة فأدفع ذلك المال إلى مكتب الجاليات أو غيره؟
الجواب
الأفضل أن تعطيه من يستعين به على أداء الفريضة، ولعله يكتب لك -إن شاء الله- أجره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا) .(62/22)
حكم الاستخارة لمن أراد الحج
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يشرع لمن أراد أن يحج في هذا العام أن يصلي صلاة الاستخارة؟
الجواب
إذا كان واجباً فلا يجوز للإنسان أن يصلي صلاة الاستخارة، لأنه لا بد أن يحج، إذ أن أداء الفريضة على الفور، وأما إذا كانت نافلة فله أن يستخير: هل يحج هذا العام أو الذي بعده؛ لأنه في النافلة إن شاء حج هذا العام أو الذي بعده أو الذي بعده، وأما الواجب فلا يستخير فيه؛ لأن الله قد حكم به وأوجبه.(62/23)
حكم من مات ولم يحج
السؤال
لي ابن أخ أصيب بمرض السرطان -أعيذكم بالله من ذلك وجميع المسلمين- وتوفي هذا العام وعمره تسع عشرة سنة ولم يؤد فريضة الحج، علماً بأنه أصيب بهذا المرض منذ خمس سنوات، فهل نحج عنه؟ وهل هناك كفارة؟
الجواب
لا بد أن نسأله: هل هذا الشاب عنده مال يستطيع أن يحج به؟ إن كان الأمر كذلك فلا بد أن يحج عنه، وإذا لم يكن عنده مال فالحج ليس بواجب عليه وقد مات بريئاً من الفريضة، لكن إن أرادوا أن يتطوعوا ويحجوا عنه فلا حرج.(62/24)
حكم وضع لباس الإحرام على هيئة الإزار
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم وضع لباس الإحرام على هيئة الإزرة؟
الجواب
لا حرج، فلو أن الإنسان خاط الإزار ولبسه فلا حرج في هذا، حتى لو جعل فيه ربقة يشده بها، وذلك لأنه لم يخرج عن كونه إزاراً، والمشروع للمحرم أن يحرم بإزار ورداء، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل) قال: (إزاراً) ولم يقل: إزاراً ليس فيه خياطة، فإذا خاط الإنسان إزاره ووضع فيه الربقة وشده على بطنه فلا حرج في هذا.
ونقول: لو كان معه جوال وجعل له مخبأً في هذا الإزار فلا بأس.(62/25)
السر في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو قلت نعم لوجبت)
السؤال
ما هو سر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو قلت نعم لوجبت) لماذا لم يقل لا بل مرة في العمر؟
الجواب
السر والله أعلم: لكف مثل هذا السؤال، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لو قال: نعم؛ لوجبت ولما استطعتم، فكأنه يقول: دعوني ما تركتكم، ولا تسألوا عن شيء فتجابوا بشيء لا تستطيعونه.(62/26)
حكم من أحرم ولبى بإحرام فلان من الناس
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم من حج مع الناس دون تحديد نسكه؟
الجواب
إذاًً ماذا سيقول؟ هل يقول: لبيك مع الناس؟! فلا بد أن يعين حجاً أو عمرة أو ما أشبه ذلك، لكن لو قال: لبيك بمثل ما أحرم به فلان، مثل لو لم يكن طالب علم وقال: لبيك بمثل ما أحرم به فلان؛ فإنه يكفي، وينظر فلاناً ماذا لبى به، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا موسى الأشعري وعلي بن أبي طالب إلى اليمن، وقدما عليه في مكة في حجة الوداع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ علي بن أبي طالب: (بم أهللت؟ قال: قلت: أهللت بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن معي الهدي فلا تحل) ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أشرك علي بن أبي طالب في الهدي، فصار علي كأنه قد ساق الهدي، ومن ساق الهدي فلا يمكن أن يحل إلا يوم العيد، أما أبو موسى فقال: (أهللت بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اجعلها عمرة) لأن أبا موسى لم يسق الهدي.
فالشاهد من هذا: أنه يجوز أن يحرم الإنسان بما أحرم به فلان، ويسأله: أنت أحرمت بحج أو بعمرة أو بحج وعمرة؟ ويمشي على ما هو عليه.
إلا إذا أحرم فلان بحج فنقول للذي قال: أحرمت بالذي أحرم به فلان: اجعلها عمرة.(62/27)
حكم انتقاب المرأة في الحج
السؤال
يقول السائل: أمي امرأة كبيرة قد ضعف بصرها، فهل يجوز لها أن تلبس النقاب في الحج وتضع غطاءً خفيفاً على عينها وذلك لتستطيع الإبصار؟
الجواب
لا يجوز لها ذلك؛ لعموم نهي النبي صلى الله عليه وسلم المرأة عن النقاب، ولكن من الممكن أن تغطي وجهها، وإذا كانت لا تبصر تمسك بيد ابنتها أو أختها أو ما أشبه ذلك، وأما أن نجيز للمرأة ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فلا.(62/28)
حكم المبيت في مزدلفة بدل منى بسبب الزحام
السؤال
يقول السائل: حججت قبل سنتين ومعي نساء ولم نبت في منى؛ لأننا سمعنا أن الشيخ ابن باز حفظه الله أفتى بجواز الجلوس في مزدلفة بسبب شدة الزحام، وقد ذهب أناس ورجعوا بسبب الزحام، ومعنا نساء، فما حكم ذلك؟
الجواب
إذا لم يجد الإنسان مكاناً في منى فلينزل عند آخر خيمة، سواء في وادي محسر أو في مزدلفة أو من جهة أخرى، المهم أنه إذا لم يجد مكاناً فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ينزل في آخر الحجيج ولا شيء عليه.(62/29)
التنبيه على بعض الأخطاء التي تقع في الحج
السؤال
فضيلة الشيخ! تعرضتم للجهل العظيم، فهل نبهتم -وفقكم الله- على هذه الأمور التي يكثر فيها الجهل: الزحام لتقبيل الحجر، والتحلق على النساء في المطاف حتى إن بعضهم يستدبر الكعبة، والقراءة من كتاب المناسك لكل شوط دعاء، وعدم الاستفادة من أيام الحج الفاضلة واستغلالها فهي تذهب هدراً؟
الجواب
نأخذها واحدة واحدة: المسألة الأولى: الزحام لتقبيل الحجر غير مشروع وغير مسنون، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لـ عمر: (إنك رجل قوي فلا تزاحم فتؤذي الضعيف) إن وجدت فرجة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر، والزحام يحصل به أذية على الطائف وعلى الآخرين، ويذهب عن القلب الخشوع الذي يراد للعبادة؛ لأنه يكون مشغولاً بنفسه، ولا يدري هل يستطيع الخروج أم يموت في الداخل، فلذلك نرى أنه ليس من السنة ولا من المطلوب أن تزاحم لتقبيل الحجر، والحمد لله يكفي عن التقبيل أن تشير إليه.
الثانية: التحلق على النساء في المطاف إذا كان هناك جماعة يطوفون ويتحلقون على النساء حتى إن بعضهم يمشي في الطواف وقد جعل الكعبة خلف ظهره والثاني جعل الكعبة أمام وجهه، كلا الرجلين لا يصح طوافهما، فلا بد أن يكون البيت عن يسارك وأنت تطوف، فلذلك يجب التنبه لهذا.
الثالثة: القراءة من الكتيبات التي توزع وكل شوط له دعاء معين، هذا بدعة بلا شك، وهو إشغال للمسلمين عما أتوا من أجله وهو دعاء الله عز وجل، فالإنسان عندما يقرأ كتيباً ربما لا يدري ما هو معناه، وهو كذلك، وسمع بعضهم وهو يقول: اللهم أغنني بجلالك عن جرامك، وهو يريد: بحلالك عن حرامك، لكن لا يدري، وسمع بعضهم يقول: "ربنا آتنا في الدنيا حسنتو الآخرة حسنة" وهو لا يدري، من أجل حرف العطف، وهذه بلية وهي صد المسلمين عند دعائهم الذي يريدونه هل من المعقول أن تقرأ دعاءً لا تدري ما معناه، أو أن تدعو الله بشيء في قلبك تريده من أمور الدنيا والدين؟ الأمر الثاني، يا أخي! ادع الله بما تريد، كل إنسان يريد حاجة الفقير يريد غنى، والمريض يريد صحة، والشاب يريد زوجة وهكذا، كل إنسان له غرض، وأما أن نقصر الناس على هذه الأدعية التي لا يعرفونها فهو منكر وبدعة، والعجيب أنهم إذا وصلوا إلى حد الحجر وبقي كلمة واحدة من الدعاء وقف، فلو قال: ربنا آتنا ووصل إلى الحجر لا يقول: في الدنيا حسنة، لماذا؛ لأنه انتهى الشوط، وربما يكمل الدعاء قبل تمام الشوط فيسكت، وهذا شيء نسمعه ونسمع به.
فوصيتي لكم -بارك الله فيكم- أن تنهوا عن هذه الكتيبات.
وبعضهم يقول: هذا مقام العائذ بك من النار، وهو موازٍ باب العمرة والمقام وراءه، وهذا لا يجوز، فأنتم انصحوا إخوانكم من باب النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
الرابعة: عدم الاستفادة من أيام الحج الفاضلة واستغلالها، وهذا صحيح، فكثير من الناس يجعل الحج كأنه نزهة مزاح ولغو، ولا يستغل هذه الأيام الفاضلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) وعلى رأسها يوم عرفة ويوم النحر: (قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء) .
فاستغل هذه الأيام، لأنك لا تدري أتدركها بعد هذا العام أم لا، ولا تدري أيحصل لك المجيء إلى مكة بعد هذا العام أم لا.
وبهذه المناسبة أقول: في الحج ست وقفات، وأنتم تظنون أنه ليس في الحج إلا وقفة واحدة، بل فيه ست: وقفة على الصفا، ووقفة على المروة، ووقفة في عرفة، ووقفة في مزدلفة بعد الفجر، ووقفة عند رمي الجمرة الأولى في أيام التشريق، ووقفة عند رمي الجمرة الوسطى، فهذه ست وقفات، لكن بعضها طويل وبعضها قصير.(62/30)
حكم من نسي الحلق وهو معتمر ثم حلق بعدما خرج من مكة
السؤال
فضيلة الشيخ! أخذت العمرة قبل سنوات ولم أحلق إلا بعدما خرجت من مكة نسياناً فماذا عليَّ؟
الجواب
ليس عليك شيء -إن شاء الله- ما دمت قد نسيت ثم أتيت بالواجب، إلا أنه إذا كان ذلك في العمرة فلا بد أن تخلع ثيابك فوراً وتلبس ثياب الإحرام ثم تقصر أو تحلق، لأنك لا تحل من العمرة إلا بالحلق أو التقصير.(62/31)
حكم الإحرام من جدة لمن ليس من أهلها
السؤال
فضيلة الشيخ! شخصٌ سافر إلى جدة لقضاء شغل له وفي نيته أن يحرم لأداء العمرة عندما ينتهي من هذا العمل، فهل يجوز له الإحرام من جدة والحال هذه؟
الجواب
لا يجوز له الإحرام من جدة، يجب عليه إذا انتهى شغله أن يرجع إلى الميقات الذي مر به أولاً فيحرم منه، فمثلاً: إذا جاء بالطائرة من القصيم وأنهى شغله في جدة فيجب أن يرجع إلى المدينة ليحرم من ميقات أهل المدينة؛ لأنه يكون قد حاذاه، وإذا كان جاء من الرياض فيجب عليه إذا أنهى شغله في جدة أن يرجع إلى السيل الذي هو قرن المنازل ويحرم منه.
ولكني أقول يا إخواني: الشيطان يلعب على ابن آدم، لماذا لا يحرم من الميقات، وإذا وصل جدة طلع إلى مكة وخلال ثلاث ساعات وهو راجع؟ هل في هذا صعوبة؟ قد يقول: إن شغلي من حين أصل يبدأ، نقول: الحمد لله، قدم رحلة قبل هذه.(62/32)
حكم من مات ولم يحج تفريطاً منه وهو قادر
السؤال
إذا لم يحج الشخص وهو قادر ولكنه يسوف فمات ولم يحج فهل يحج عنه؟ وإذا مات هل يحكم بأنه من أهل النار أم لا؟
الجواب
يرى بعض أهل العلم أن ترك الحج كفر، ويستدل بقول الله تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97] قال: (ومن كفر) أي: فلم يحج، وهذا رواية عن الإمام أحمد.
ويروى عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: [لقد هممت أن أبعث إلى هذه الأمصار، فمن وجدوه ذا سعة ولم يحج فليمت يهودياً أو نصرانياً، ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين] وإن كان هذا الأثر فيه شيء من الضعف.
ولكن إذا فرط ومات فهل يحج عنه أم لا؟ الإنسان يتوقف في هذا لأنه قد يقول قائل: إنه لو حج عنه لا ينفعه، الرجل تارك مفرط، بخلاف من مات ولم يؤد الزكاة؛ فهذا يجب أن تؤدى الزكاة إن كان له مال؛ لأن الزكاة حق للفقراء بخلاف الحج.
فعلى كل حال: إذا وجد سعةً ولم يحج فهو على خطر عظيم.(62/33)
حكم الصلاة في الإزار فقط
السؤال
فضيلة الشيخ! هل تجوز الصلاة في الإزار فقط وهي تستر ما بين السرة والركبة؟ وما الحكم إذا ظهرت السرة؟
الجواب
الصحيح أنه لا بأس أن يصلي بإزار، لكن إذا كان الإزار واسعاً يتسع للإزار ولستر المنكبين وجب عليه، أما إذا لم يكن عنده إلا إزار فإنه لا حرج عليه أن يصلي بإزار، ولكن إذا كان عنده ما يستر به منكبيه فليسترهما.
وإذا ظهرت السرة فليرفع الإزار؛ لأن العورة ما بين السرة والركبة، فليست السرة من العورة وليست الركبة مع العورة، لكن يرفعه؛ لأنه يخشى مع الحركة أن تنزل أكثر.(62/34)
حكم حج الزوج بزوجته والنفقة عليها
السؤال
فضيلة الشيخ! إني أحبك في الله لي زوجة ولم تحج، فهل يلزمني أن أحج بها؟ وهل تلزمني نفقتها في الحج؟ وإذا لم يجب عليَّ فهل يسقط عنها؟
الجواب
أقول: أحبك الله الذي أحببتني فيه، وجزاك الله خيراً، وجعلنا الله وإياكم من أحبابه.
إن كانت الزوجة قد اشترطت عليه في العقد أن يحج بها وجب عليه أن يفي بهذا الشرط وأن يحج بها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] وقال: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً} [الإسراء:34] .
أما إذا لم تشرط عليه فإنه لا يلزمه أن يحج بها، ولكني أشير عليه أن يحج بها: أولاً: طلباً للأجر، لأنه يكتب له من الأجر مثل ما كتب لها، وهي قد أدت فريضة.
ثانياً: أن ذلك سببٌ للألفة بينهما، وكل شيء يوجب الألفة بين الزوجين فإنه مأمور به.
ثالثاً: أنه يمدح ويثنى عليه بهذا العمل.
فليستعن بالله، وليحج بزوجته سواء شرطت عليه أم لم تشترط، وأما إذا اشترطت فيجب عليه أن يوفي.(62/35)
حكم منع الزوج زوجته من الحج
السؤال
إذا منع الزوج زوجته من الحج فهل يأثم؟
الجواب
نعم يأثم، إذا منع زوجته من الحج الذي تمت شروطه فهو آثم، فلو قالت: هذا أخي محرم لي سيذهب يحج بي، وأنا عندي نفقة ولا أريد منك مالاً، وهي لم تؤد الفريضة، فيجب أن يأذن لها، فإن لم يفعل حجت ولو لم يأذن إلا أن تخاف أن يطلقها، فتكون حينئذٍ معذورة.(62/36)
حكم الوكالة في رمي الجمار
السؤال
امرأة تاهت عن محرمها عند الجمرات ولم تستطع الرمي فوكلت رجلاً لا تعرفه أن يرمي عنها، فما الحكم في ذلك؟
الجواب
إذا كان الرجل ثقة فلا بأس أن توكل من يرمي عنها؛ لأنها في هذه الحال لا تستطيع، ولكن لو أنها أخرت الرمي حتى تجد محرمها ويذهب بها وترمي بنفسها لكان أفضل.(62/37)
حكم تمتع من اعتمر ثم خرج من مكة إلى بلده
السؤال
أريد الذهاب إلى مكة في هذه الأيام وأرغب في الحج، فإذا أخذت عمرة في الأسبوع الأول من ذي القعدة وسأعود إلى عنيزة في أسبوعي، فهل يحق لي أن أكون متمتعاً إلى الحج؟ فإذا كان يحق لي فهل أحرم من الميقات للحج أو من داخل مكة؟
الجواب
إذا جاء إلى مكة وأتى بالعمرة ورجع إلى بلده ثم رجع إلى مكة، إن رجع إلى مكة بإحرام الحج فهو مفرد؛ لأن رجوعه إلى بلده حال بينه وبين التمتع، حيث أنه أفرد العمرة بسفر وأفرد الحج بسفر، وأما إذا أحرم بعد رجوعه بعمرة فإنه يكون متمتعاً بالعمرة الثانية لا بالعمرة الأولى، وإذا قدر أنه لم يأت بعمرة في السفر الثاني وأراد الحج وجب عليه أن يحرم من الميقات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت قال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) أو قال: (ولمن مر بهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة) .(62/38)
إذا مات الميت في الحج ولم يكمل حجه فهل يكمل عنه؟
السؤال
فضيلة الشيخ! ذهبت أنا وصاحب لي للحج في العام الماضي فمات صاحبي، فهل أكمل عنه الحج أم لا؟
الجواب
كيف يكمل الحج وهو محرم بالحج؟!! على كل حال: إذا أحرم الإنسان بالحج ومات قبل تمامه فإنه لا يقضى عنه ما بقي، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان واقفاً بـ عرفة، فأتوا إليه وقالوا له: يا رسول الله! إن فلاناً وقصته ناقته فسقط منها ومات، فقال: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تغطوا رأسه، ولا تحنطوه -أي: لا تجعلوا فيه طيباً- فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) أي: يخرج من القبر يقول: لبيك اللهم لبيك، ولم يقل: كملوا عنه؛ ولأننا لو كملنا عنه لفاته هذه المنقبة وهي أنه يخرج محرماً، لأننا إذا أكملنا عنه حلَّ.
لذلك إذا مات الإنسان في أثناء النسك فلا يقضى عنه شيء، وإذا كان لم يحل التحلل الأول دفن في ثوبه، أي: في إزاره وردائه، ولا يؤتى له بكفن جديد ليخرج من قبره وهو يقول: لبيك اللهم لبيك.
وهذا نظير المجاهد الذي يقتل شهيداً فإنه يبعث يوم القيامة وجرحه يثعب دماً، اللون لون الدم والريح ريح المسك.
الله أكبر!(62/39)
حكم من طاف طواف الوداع ثم بات بمكة ولم ينفر
السؤال
فضيلة الشيخ! قمت بفريضة الحج، وبعد أن انتهيت من طواف الوداع نمت في مكة؛ لأني كنت في تعب شديد ولم أستيقظ إلا في اليوم الثاني، فهل عليَّ شيء؟
الجواب
عليه أن يعيد الطواف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) وهذا آخر عهده بالفراش، فعليه أن يعيد الطواف، وإذا كان لم يفعل فأرى له من الاحتياط أن يذبح فدية بـ مكة توزع على الفقراء.(62/40)
المرجع المناسب لمعرفة صفة الحج والعمرة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هو المرجع المناسب لمعرفة صفة الحج والعمرة؟
الجواب
الحمد لله الآن المناسك كثيرة، أي: المؤلفات في صفة الحج والعمرة كثيرة لعلماء موثوقين والحمد لله، وأجمع حديث في صفة الحج حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ فإنه ذكر حج النبي صلى الله عليه وسلم منذ خرج من المدينة إلى يوم العيد مفصلاً، فهو أجمع وأشمل حديث.(62/41)
حكم من أسقطت جنينها بدون قصد وهي جاهلة بحملها
السؤال
هذه امرأة انقطعت عنها الدورة لمدة شهرين وكانت حاملاً، ولم تكن تعرف حملها لجهلها بعوارض الحمل، فحدث أن أتاها مغصٌ في بطنها فاستخدمت مسهلاً وهي لا تعرف أنها حامل وإنما استخدمته للعلاج، فحدث أن سقط حملها بقدر قبضة اليد قطعة دمٍ حمراء، سؤال هذه المرأة بعد أن رزقها الله بذرية أصغرهم في الجامعة بعد ثلاثين سنة: هل عليها ذنب أو كفارة فيما فعلت رغم جهلها ولم يكن فيما مضى عندها من تسأله من علماء أو مشايخ؟
الجواب
ليس عليها شيء، لأن هذا الحمل لم يكن إنساناً، وأيضاً هي ما شربت الدواء من أجل أن يسقط الحمل، إنما شربته من أجل أن يسهل بطنها حيث ظنت أن هذا مغص في البطن فشربته، فليس عليها شيء.(62/42)
حكم وضع العلامات على القبور
السؤال
أثناء دخولنا لأحد المقابر شاهدنا بعض الأمور على قبور المسلمين، ومنها: وضع أسياخ من حديد بطول القبر كعلامة للقبر، أو وضع قطعة من المعدن أو الزجاجات الفارغة، وبعض الناس يتوسع في وضع علامات للقبر، بحيث يقوم بالكتابة على القبر برموز باسم الميت وتاريخ الوفاة وحفر ذلك على حجر أو نخيلة تصب من إسمنت ونحوه، فهل هذا الأمر جائزاً؟
الجواب
أقل أحواله الكراهة؛ لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لـ أبي الهياج الأسدي: [ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته] .
والحمد لله، الإنسان يمكن أن يدعو للمقبور ولو في بيته، فليس من الشرط أن تحضر إلى قبر الإنسان، وإذا رآها في المقبرة فليخبر المسئولين في البلد، إما البلدية أو غيرها من أجل إزالة هذه الأشياء.(62/43)
اختصاص المحكمة بقضايا النزاع في الميراث
السؤال
توفي والدنا وترك لنا ميراثاً وهو عقارات، واتفقنا مع الوالدة على عدم بيعها لنستفيد من ريعها، غير أن الأخ الأكبر طلب حقه فثمّن العقار وأعطي نصيبه، وقد تحصل على أموال زائدة عن حقه بحجة أنه يقوم بالمصروف علينا، حتى البيت الذي يسكنه هو للورثة وحكمت المحكمة بإخراجه منه ولكنه رفض، وهذه القضية مستمرة منذ ما يقارب العشرين عاماً، وهناك أمور متوقفة على شهادة الوالدة التي رفضت الشهادة بحجة أنه أخ لنا مع ظلمه، فهل للوالدة الحق بعدم الإدلاء بالشهادة وبيان الحقيقة أم هي آثمة؟ نرجو التوضيح والنصيحة.
الجواب
أرجو أن يقبل نصيحتي: وهو أن يحول هذا السؤال إلى المحكمة.(62/44)
بيان لأضرار الدشوش
السؤال
لي صديق أراه من الملتزمين، يحافظ على الواجبات ولكن عنده بعض الاستهانة في بيته؛ فالتلفاز موجود، ثم أدخل صحن الاستقبال "الدش" وكان من المحاربين له، ولكنه الآن أدخله بحجة متابعة الأخبار خصوصاً ما يسمى بقناة الجزيرة التي تبث الشبه العقدية وتدسها مع الأخبار والأشياء العلمية، فما نصيحتك له ولأمثاله؟ آمل ذكر أضرار هذا الدش وآثاره.
الجواب
الذي أرى أن هذه الدشوش أضرارها ظاهرة في المجتمع، الآن تغير المجتمع أو تغيرت شريحة كبيرة من المجتمع تغيراً ملموساً، حتى ظهرت الفاحشة والعياذ بالله! بل الفاحشة الكبرى، وحتى بث فيه التشكيك في الدين الإسلامي، يقام رجلان يتناظران، ويجعل الضعيف منهما هو الذي يدافع عن الإسلام، والقوي ببيانه ولسانه هو الذي يهاجم الإسلام، فيبتلع هذا الضعيف ابتلاعاً، ويقع المشاهد في حيرة وشك، وربما فضل غير الإسلام على الإسلام -نسأل الله العافية- ووالله إن هؤلاء الذين يبثون هذه الأشياء إنهم لمسئولون عن الأمة الإسلامية، وإنهم سيجدون غبها من حين أن تخرج نفوسهم من أرواحهم، وهؤلاء المشاهدون سيدخلون في قول الله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} [الأحزاب:67-68] والواجب الإعراض عن هذه الدشوش التي يبثها أعداء الإسلام والتحذير منها، وكم حذرنا نحن وحذر غيرنا منها! ولكن إلى الله المشتكى، الناس لا يزالون في غفلة وسهو، نسأل الله السلامة!(62/45)
رخص السفر لا تنتهي إلا بالوصول إلى البلد
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا خرج رجل في رحلة برية مسافة قصيرة كعشرين كيلو مثلاً، وهو ينوي المبيت خارج البلد، فهل يجوز له الجمع والقصر؟ وكذلك إذا كانت رحلته إلى مكان بعيد، وفي أثناء عودته توقف خارج بلده ولكنه على مسافة قريبة منها فبات هناك، فهل يجوز له القصر والجمع؟
الجواب
يجوز له القصر والجمع، ما دام أنه خرج عن البلد وبقي ليلة أو ليلتين فإنه مسافر، وكذلك إذا أقبل من سفر وبقي عليه مسافة قصيرة حتى يصل إلى بلده فله الجمع والقصر؛ لأن رخص السفر لا تنتهي إلا بالوصول إلى البلد، كما أن رخص السفر لا تبتدئ إلا بعد الخروج من البلد.(62/46)
نصيحة لموسوس
السؤال
هناك إنسان عندما يذهب إلى دورة المياه للوضوء يمكث فيها مدة طويلة، حتى إنه في بعض الأحيان كالفجر تطلع الشمس وهو لم ينته من الوضوء، وعند السؤال عن سبب ذلك يذكر بأنه يخرج منه بول وينتظر انقطاع البول، وأنه كلما انتهى من الوضوء يحس بأنه خرج منه بولٌ مرة أخرى فضيلة الشيخ: هل يجوز له الانتظار حتى انقطاع البول رغم خروج وقت الصلاة؟ وهل يجوز زيادة غسل الأعضاء أكثر من ثلاث مرات؟
الجواب
أسأل الله له الشفاء، اللهم اشفه وعافه، هذا وسواس ومرض، فأقول له: نصيحتي لك أنك إذا بلت أول مرة وانقطع البول أن تستنجي ثم تتوضأ وتمشي إلى الصلاة، أما إن بقيت فإن الشيطان سوف يلعب بك، ويدفع البول شيئاً فشيئاً حتى يشوش عليك، فأرجو أن تنتبه لهذا، من حين ما ينقطع البول استنج ثم توضأ وانصرف إلى الصلاة، وإذا قويت على هذا فإن الله تعالى يزيل عنك الذي تجده.(62/47)
حكم من اعتمر وترك طواف الوداع
السؤال
اعتمرت في رمضان وتركت طواف الوداع، فهل عليَّ شيء وأنا أعلم فتواكم ولكني تساهلت بسبب فتوى بعض العلماء وإلحاح الرفقة عليَّ بالتعجيل؟ فماذا عليَّ الآن؟
الجواب
إذا طاف الإنسان وسعى وقصر في العمرة ومشى فلا عليه شيء؛ لأن طوافه الأول عند سفره، وأما إذا بقي ولو قليلاً فإن عليه أن يطوف طواف الوداع، وهذا الرجل يقول: إنه سمع فتوانا وسمع فتوى آخرين، فإذا كان حين تركه لطواف الوداع وهو متردد هل هو واجب أو غير واجب بناءً على اختلاف الفتوى فليس عليه شيء، وأما إذا كان يعتقده واجباً ولكن تهاون؛ فالاحتياط أن يذبح فدية في مكة وتوزع على الفقراء، إما أن يذهب إلى مكة بنفسه، أو يوكل من يقوم عنه بهذا الشيء.(62/48)
اللقاء الشهري [63]
إن من الواجب المتحتم على كل مسلم أن يعرف أمور دينه؛ حتى يعبد الله على علم وبصيرة وهدى؛ بعيداً عن الأهواء والشبهات، والتفريط والوقوع في المحظورات، وفي هذا اللقاء يتكلم الشيخ عن الأمور المحظورة في عبادة من العبادات وشعيرة من شعائر الإسلام ألا وهي محظورات الإحرام، ثم بعد ذلك يجيب عن الأسئلة الواردة في هذا اللقاء.(63/1)
محظورات الإحرام
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخليله وأمينه على وحيه، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق ليكون للعالمين نذيراً، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الشهري الذي يتم في كل شهر في الجامع الكبير في عنيزة، وهذه الليلة هي التاسعة عشرة من شهر ذي القعدة عام (1419هـ) .
تكلمنا في الحلقة السابقة عن شروط وجوب الحج، وعن صفة العمرة والحج، والآن نتكلم عن محظورات الإحرام.
فيجب أولاً أن نعلم: أن الإنسان متى قال: لبيك اللهم لبيك، لبيك عمرة أو لبيك حجة؛ فقد دخل في عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل، فينبغي أن يعظم هذه العبادة؛ لأن تعظيم شعائر الله من تقوى القلوب: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج:30] ينبغي للإنسان من حين أن يدخل في النسك أن يقوم بما أوجب الله عليه؛ من الصلوات في أوقاتها مع الجماعة، وأن يترك كل ما حرم الله عليه من الغيبة والنميمة، والكذب واستماع الأغاني، وغير ذلك مما حرم الله عليه، وينبغي أن يتخلق بالأخلاق الفاضلة؛ من بشاشة الوجه، وانشراح الصدر، وتحمل المشاق، والصبر على الأذى؛ لأن حسن الخلق من أفضل الأعمال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) والإنسان يذكر بالخير إذا أحسن خُلقه، ويقتدى به أيضاً؛ فيكون دالاً على الخير بمقاله وفعاله، وما أكثر ما نسمع عن الناس أنهم يقولون: صحبنا فلاناً في السفر فوجدناه خير صاحب.
وقد قيل: إنما سمي السفر سفراً لأنه يسفر عن أخلاق الرجال.
(يسفر) أي: يبين ويظهر أخلاق الرجال.
قال رجل: [صحبت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لأخدمه فكان يخدمني] .
إذاً: عليك بحسن الخلق، وعليك ببذل المال ما استطعت، فلا تبخل على نفسك ولا تبخل على إخوانك إذا رأيت محتاجاً فساعده، وإذا رأيت كئيباً فأدخل عليه السرور.
ولا تزاحم عباد الله في المناسك عند المطاف وعند السعي وعند الجمرات، بل احرص على أن تتحمل الزحام ولا تؤذي أحداً، لأن ذلك كله في سبيل الله.(63/2)
الرفث في الإحرام
واجتنب المحظورات في الإحرام التي منعها النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الآيات الكريمة أيضاً بالإشارة إليها، فمن ذلك: الرفث وهو الجماع ومقدماته من النظر بشهوة والتقبيل واللمس بشهوة، بل إن الإحرام يحرم فيه عقد النكاح، حتى العقد لو كانت المرأة المعقودة بها بعيدة، بل إنه تحرم فيه الخطبة، لا تخطب امرأة وأنت في إحرام عمرة أو حج، ولهذا قال الله عز وجل: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ} [البقرة:197] .(63/3)
حلق الرأس
كذلك اجتنب حلق الرأس؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196] لأنك لو حلقت رأسك وأنت محرم فعند التحلل أين الشعر؟! ومن المعلوم أنه عند التحلل إما أن يقصر الإنسان وإما أن يحلق، فإذا حلق في حال الإحرام أو قصر فماذا سيفعل عند التحلل؟! ولهذا قال الله عز وجل: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196] .(63/4)
الطيب
ولا تتطيب؛ فإن الطيب من محظورات الإحرام، ودليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس) والزعفران: نوع من أنواع طيب، والورس: نبت معروف في اليمن له رائحة كرائحة الزعفران؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استفتي في رجل وهو واقف بـ عرفة، وهذا الرجل وقصته ناقته، أي: سقط منها فمات، فجاءوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يصنعون به؛ فقال: (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه -والحنوط: أطياب تجعل في الميت إذا مات- فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) ؛ لأنه مات وهو محرم فيبعث يوم القيامة على إحرامه، كالمجاهد إذا قتل في سبيل الله يدفن في ثيابه، ولا يغسل ولا يطلب له كفن حتى لو وجدت الأكفان، وإنما يدفن في ثوبه بدمائه ولا يغسل الدم؛ لأنه يبعث يوم القيامة وجرحه يثعب دماً -ينزف- اللون لون الدم والريح ريح المسك، كذلك المحرم إذا مات وهو محرم يكفن في ثياب الإحرام ولا يطلب له كفن من جديد، وإنما يكفن في إزاره وردائه ولا يغطى رأسه، ويبعث يوم القيامة من قبره يقول: لبيك اللهم لبيك، يلبي بين العالم، بين المحشورات كلها.
إذاً: لا يتطيب المحرم، لا في بدنه، ولا في ثيابه، ولا في طعامه، ولا في شرابه، ولذلك يحرم على المحرم أن يشرب القهوة التي فيها الزعفران إذا كان ريحه باقياً.(63/5)
لبس الثياب المنهي عنها
وكذلك لا يلبس شيئاً معيناً من الثياب عينه النبي صلى الله عليه وسلم؛ سئل: (ما يلبس المحرم؟ -أي: أي ثوب يلبسه المحرم؟ - قال: لا يلبس القميصَ ولا السراويلَ ولا البرانسَ ولا العمائمَ ولا الخفاف) .
القميص: هي ثيابنا التي علينا الآن قمص.
السراويل معروفة.
البرانس: ثياب فضفاضة واسعة ولها شيء يتصل بالرأس، ويغطيه، يتصل بها شيء مخيط معها على ما هي معروفة مما يدار على الرأس.
الخفاف: ما يلبس في الرجل من جلود ونحوها، والجوارب مثلها.
هكذا حدد النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يلبسه المحرم، ومفهومه أن ما عدا ذلك يلبسه.
إذاً: هل يلبس المحرم الساعة؟ يلبسها؛ لأنها ليست من هذه الأشياء الخمسة.
وهل يلبس نظارة العين؟ يلبسها؛ لأنها ليست من هذه الأشياء الخمسة.
وهل يلبس الحزام ويربط به إزاره؟ نعم يلبسه.
وهل يلبس الإزار إذا كان مخيطاً، أي: قد خيط طرفاه؟ نعم يلبسه، لأنه ليس من هذه الخمسة، بل هو إزار ولو خيط، ولو جعل فيه ربقة فإنه يجوز؛ لأنه لا يخرج عن كونه إزاراً إذا وضعت فيه الربقة، وكذلك لو وضع فيه محفظة يجعل فيها الدراهم أو الحاجات فإنه يجوز له ذلك؛ لأنه لا يزال يسمى إزاراً وليس من الخمسة، فقد الخمسة وما سواها فهو جائز.
وإذا لبس الإنسان المشلح فنقول: لا يجوز إذا لبسه على هيئة لبسه العادي، أما لو التف به كما يلتف بالرداء فلا بأس، وكذلك لو لبس غترة وشماغ وطاقية فإن ذلك لا يجوز؛ لأنه يشبه العمامة، بل هذا عمامة عندنا نحن النجديين، عمامتنا: الغترة والطاقية.(63/6)
قتل الصيد
كذلك لا يجوز للمحرم أن يقتل الصيد؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95] والصيد مثل: الحمام، الضباء، والأرانب، والجراد، فإن الجراد من الصيد، ولذلك لا يجوز للمحرم أن يقتل جرادة، كما لا يجوز قتل الجرادة في الحرم ولو كنت غير محرم؛ لأن الحرم يحرم صيده، وأكثر الناس يجهلون أن الجراد من الصيد؛ ولذلك تجدهم في أيام رمضان عندما يهيج الجراد يلاحقونه ويأخذونه، وربما يجمعونه في كيس ويبيعونه، وهذا حرام؛ لأن الجراد من الصيد، فالواجب على المسلم أن يمتنع من محظورات الإحرام.(63/7)
حكم من ارتكب شيئاً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً
فلو قال قائل: لو أن الإنسان نسي وغطى رأسه فهل عليه شيء؟ لا ليس عليه شيء، لكن يجب عليه من حين يذكر أن يكشف رأسه.
لو أن الإنسان تطيب ناسياً فهل عليه شيء؟ لا.
لكن من حين أن يذكر يجب عليه أن يغسل الطيب.
لو أن الإنسان قبَّل الحجر الأسود والحجر الأسود بعض الناس يجعل فيه طيباً وعلق الطيب بشفتيه أو بأنفه، فهل يأثم أو لا يأثم؟ لا يأثم، لكن يجب عليه في الحال أن يمسح هذا الطيب؛ لأن المحرم لا يجوز له أن يتطيب.
لو أن الإنسان فعل محظوراً جاهلاً يظن أنه جائز، فهل عليه شيء؟
الجواب
لا، ولكن عليه أن يزيل هذا المحظور من حين أن يعلم، ولنضرب لهذا مثلاً: رجل دفع من عرفة ونزل في مزدلفة وظن أن الحج عرفة وأنه انتهى، فقام وتطيب، فهل عليه شيء أم لا؟ لا؛ لأنه جاهل، فإذا قال إنسان: أعطونا دليلاً على أن الجاهل والناسي ليس عليهما شيء.
قلنا: قال الله عز وجل: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله تعالى: قد فعلت.
وقال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] فنفى أن يكون علينا جناحٌ فيما أخطأنا به، وبين أن الجناح على من تعمد، وهذه لا شك أنها من نعمة الله عز وجل.(63/8)
حكم قطع الشجر للمحرم
ولو أن المحرم قطع غصناً أو ورقة من الشجر، فهل هذا حرام أو غير حرام؟ نقول: فيه تفصيل: إن كان داخل الحرم فهو حرام، وإن كان خارج الحرم فهو حلال.
مثال ذلك: قطع شجرة في عرفة، فإنه حلال؛ لأن عرفة ليست من الحرم قطع شجرة في منى، فإنه حرام؛ لأن منى من الحرم، وعلى هذا فلا علاقة بين قطع الشجر والإحرام، فإن الشجرة إن كانت في الحرم، أي: داخل حدود الحرم، فهي آمنة، ولا يجوز لأحد أن يقطعها، وإن كانت خارج الحرم فليس لها أمان، فيجوز لكل إنسان أن يقطعها سواء كان محرماً أم غير محرم.(63/9)
حكم لبس النقاب والقفازين للمرأة المحرمة
هل يجوز للمرأة أن تنتقب وهي محرمة؟ لا، لا يجوز، والنقاب: أن تغطي وجهها وتفتح لعينيها ما تنظر به، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تنتقب المرأة المحرمة.
وهل يجوز للمرأة المحرمة أن تلبس القفازين؟ لا.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تلبس المرأة القفازين، فإذا قال قائل: المرأة تلبس قفازين لتستر كفيها عن الناس، قلنا: يمكن أن تستر كفيها بطرف العباءة، ولا يلزم لبس القفازين.
أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لما فيه الخير والصلاح، وأن يرزقنا تعظيم حرماته وشعائره؛ إنه على كل شيء قدير.
ونظراً لكثرة الأسئلة نقتصر على هذا القدر من بيان محظورات الإحرام لنتفرغ للإجابة عن الأسئلة، ونسأل الله أن يوفقنا للصواب.(63/10)
الأسئلة(63/11)
فضل عشر ذي الحجة
السؤال
فضيلة الشيخ! بعد أيام نستقبل عشر ذي الحجة، فما نصيحتك للجميع في استغلالها؟ أرجو بيان فضلها والأعمال التي تسن فيها.
الجواب
عشر ذي الحجة تبتدئ من دخول شهر ذي الحجة وتنتهي بيوم عيد النحر، والعمل فيها قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهنَّ أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلاً خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) .
وعلى هذا فإني أحث إخواني المسلمين على اغتنام هذه الفرصة العظيمة، وأن يكثروا في عشر ذي الحجة من الأعمال الصالحة؛ كقراءة القرآن، والذكر بأنواعه من تكبير وتهليل وتحميد وتسبيح، والصدقة، والصيام، وكل الأعمال الصالحة اجتهد فيها، والعجب أن الناس غافلون عن هذه العشر! تجدهم في عشر رمضان يجتهدون في العمل، لكن في عشر ذي الحجة لا تكاد ترى أحداً فرَّق بينها وبين غيرها، وإذا قام الإنسان بالعمل الصالح في هذه الأيام العشر يكون قد أحيا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من الأعمال الصالحة.
وإذا دخلت هذه العشر والإنسان يريد أن يضحي فإنه لا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من بشرته شيئاً، كل هذه لا يأخذ منها إذا كان يريد أن يضحي، فأما الذي يضحى عنه فلا حرج عليه، وعلى هذا فإذا أراد الإنسان أن يضحي عنه وعن أهل بيته أضحية واحدة كما هي السنة؛ فإن أهل البيت لا يلزمهم أن يمسكوا عن الشعر والظفر والبشرة، وإنما الذي يلزمه هو المضحي الذي هو الأب، وما تسمعون من هذه العبارة: حرم على من يضحي أو يضحى عنه.
فإنها عبارة لبعض العلماء، أما الحديث فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذن من شعره ولا من بشرته ولا من ظفره شيئاً) فوجه الخطاب لمن يريد أن يضحي، ولكن لو قال قائل: إذا كان هذا الذي يريد أن يضحي سافر للحج فسوف يؤدي العمرة ويقصر، مع أنه أوصى أهله أن يضحوا، نقول: هذا لا يضر؛ لأن التقصير في العمرة نسك ولا بد من فعله، وكذلك التقصير في الحج أو الحلق لا بأس به، وإن كان لا يدري هل ضحى أهله أم لا.(63/12)
حكم من أحرم ومُنع من دخول مكة
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك شخص لم يتمكن من إخراج بطاقة الحج، فإذا أحرم ومُنع من دخول مكة هل يدخل في حكم المحصر فيحل ويهدي، أم أن له أن يلبس ثيابه ويدخل؛ لأنه يريد عمل الخير لا لطمع في الدنيا؟
الجواب
أقول: ما دام الحج الآن لا بد أن يحمل الحاج بطاقة الدخول، فما الذي يمنعه من حمل البطاقة؟ الأمر ميسر، وفي كل مكان مكاتب تعطي هذه البطاقات، فكيف يخاطر ويذهب إلى الحج دون أن يحمل البطاقة؟ ولكن لو فرض أنه فعل ومنع من دخول مكة؛ فإنه يكون في حكم المحصر، يذبح الهدي هناك في مكان إحصاره ويتحلل والحمد لله، لكن هنا شيء يكفيه عن التحلل، وهو أن يقول عند عقد الإحرام: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني.
فإذا قال ذلك ومنع يرجع ويلبس ثيابه ويحج في وقت آخر.
أما الأمر الثاني الذي قاله في السؤال: أنه يلبس الثياب وهو محرم، فهذا غلط عظيم، وهذا نوع من الاستخفاف بحرمات الله عز وجل، إذ كيف تحرم وتعصي الرسول صلى الله عليه وسلم فيما نهاك عنه من لبس القميص؟! وما هذا إلا خداع لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فإذا قدرنا أنه خداع انطلى على الشرطة والجنود، فليس خداع لله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران:5] ثم من الذي أوجب عليك هذا الشيء؟ أليس حجك سنة وعمرتك سنة وطاعة ولي الأمر واجبة إلا في معصية؟ ولهذا لو منعنا أن نؤدي الحج الواجب قلنا: لا سمع ولا طاعة نريد أن نحج، أما إذا كان الحج حج نفل أو عمرة ورأى ولي الأمر أن من الخير للمسلمين عموماً الذي يحجون أن يخفف عنهم بهذا النظام، فلا محذور فيه، ولا شك أن ولي الأمر له أن يفعل ما فيه المصلحة ودفع المضرة، وما دمت أديت الفريضة فالباقي نفل، وطاعة ولي الأمر ومساعدة إخوانك في هذا النظام -الذي نسأل الله أن يجعل عاقبته حميدة- خير لك من أن تكلف نفسك، ثم نقول: إذا كان لديك رغبة في الحج فانظر إلى بعض الناس الذين لم يؤدوا الفريضة وساعدهم، وأعطهم الدراهم يحجون بها لأنفسهم؛ فتكون معيناً على فريضة، وتشارك صاحب الفريضة فيما أعنته عليه.(63/13)
حكم تأخير الحج للمرضعة
السؤال
سائلة تقول: أريد أداء فريضة الحج هذا العام أول مرة وأنا متزوجة ولي أولاد صغار، أصغرهم يبلغ من العمر خمسة أشهر، وأقوم بإرضاعه رضاعة طبيعية فقط، ولكنه باستطاعته أن يتناول وجبة أخرى بسيطة بجانب الحليب، وقد منعني زوجي من الحج بحجة الرضاعة الطبيعية، وأنا لا أريد اصطحابها معي خوفاً عليها من الأمراض وتغير الجو، وأيضاً عدم أخذ نصيب أكبر من الطاعات؛ لأنها سوف تشغلني في وقتي، مع العلم أن موافقة زوجي متوقفة على إفتاء فضيلتكم، فهل هذا من الأمور التي تسمح لي بترك الحج هذا العام؟
الجواب
لا حرج على هذه المرأة التي هذه حالها أن تؤخر الحج إلى سنة قادمة: أولاً: لأن كثيراً من العلماء يقولون: إن الحج ليس واجباً على الفور، وأنه يجوز للإنسان أن يؤخر مع قدرته.
ثانياً: أن هذه محتاجة إلى البقاء من أجل رعاية أولادها، ورعاية أولادها من الخير العظيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها) .
فأقول: تنتظر إلى العام القادم، ونسأل الله أن ييسر لها أمرها ويقدر لها ما فيه الخير.(63/14)
السفر الذي يقطع التمتع
السؤال
اعتمر رجل من أفريقيا في أشهر الحج، ثم ذهب إلى المدينة ينتظر الحج، فهل هذا يعتبر متمتعاً؟
الجواب
لا ندري، إن رجع بعمرة صار متمتعاً بالعمرة الأخيرة، وإن رجع بالحج بأن أحرم بالحج من ذي الحليفة فقال بعض أهل العلم: إنه مفرد؛ لأنه قطع بين الحج والعمرة بسفر.
والصحيح: أنه ليس بمفرد وأنه متمتع؛ لأن السفر الذي يقطع التمتع هو أن يسافر الإنسان إلى بلده، وأما إذا سافر إلى بلد آخر فإنه ليس متمتعاً؛ لأنه ما زال في سفره الأول، إذ أن الإنسان إذا سافر إلى مكة من بلده فهو مسافر حتى يرجع إلى بلده، فسفره من مكة إلى المدينة ومن المدينة إلى مكة هو عبارة عن سفر واحد.
والخلاصة: أنه إذا كان من أهل أفريقيا وأدى العمرة في أشهر الحج وذهب إلى المدينة ورجع من المدينة محرماً بالحج أو بعمرة جديدة فإنه لا يزال متمتعاً، وعليه هدي التمتع، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.(63/15)
حكم حج من فقدت محرمها في عرفة
السؤال
تقول السائلة: فضيلة الشيخ! حججت في العام الماضي أنا وزوجي، وفي يوم عرفة ضاع زوجي ولم أره إلا بعد أن انتهى الحج في بلدي، فهل حجي صحيح أم ناقص؟
الجواب
الحج صحيح وليس فيه نقص؛ لقول الله تبارك وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ولقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286] وماذا تصنع إذا فقد زوجها؟ تستمر في حجها وترجع مع رفقتها.(63/16)
حكم التمتع بالحج لأهل مكة
السؤال
رجل من أهل القصيم أناب رجلاً من أهل مكة بالحج متمتعاً، فهل في مثل هذه الحالة يلزم الهدي للتمتع أم لا؟
الجواب
هذا لا يلزم، وكيف يكون أهل مكة متمتعين؟! لأنهم لم يأتوا بالعمرة من الميقات إنما أحرموا من مكة بالحج، فهم ليسوا متمتعين، وعلى هذا فمن أراد أن ينيب من يمكنه التمتع فلينب من أهل الطائف مثلاً، أو من أهل جدة، أما أهل مكة فلا.(63/17)
الوقت الكافي للمتمتع بالحج
السؤال
ما هو الوقت الكافي للتمتع؟ أحياناً نحل من إحرامنا ضحى اليوم الثامن ثم نحرم بالحج في نفس اليوم.
أرجو التوضيح.
الجواب
إذا وصل الإنسان إلى مكة وهو متمتع، فإذا أمكنه أن يفصل بين الحج والعمرة ولو بساعة فهو متمتع، وأما إذا دخل وقت الحج، مثل أن يقدم مكة بعد ظهر اليوم الثامن فقد انتهى وقت التمتع؛ لأنه دخل وقت الحج، والله عز وجل يقول: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة:196] وهذا يدل على أن بينهما مسافة ووقتاً، وهذا قد وصل إلى مكة والناس في منى محرمون بالحج.
فنقول: إذا قدمت متأخراً فانو الحج مفرداً، وإن كنت تحب أن يحصل لك حج وعمرة فانوه قراناً وقل: لبيك عمرة وحجاً.(63/18)
رمي الجمار للمتعجل
السؤال
فضيلة الشيخ! ذكرت في اللقاء الماضي -وفقك الله- أن الحاج إذا عزم على التعجل في اليوم الثاني عشر وكانت الجمرات مزدحمة وانتظر حتى يخف الزحام فله أن يتعجل ولو رمى الجمرات بعد الغروب، فهل يجب أن ينتظر عند الجمرات أم يجوز أن يكون عند خيمته؟ وماذا إذا لم يخف الزحام إلا بعد العشاء؟ أرجو ذكر ضابط نستنير به حول هذا الأمر.
الجواب
الواجب أن يتقدم إلى الجمرات وينتهز الفرصة، وقد بلغني عن بعض الناس أنه في عصر اليوم الثاني عشر يكون المرمى خفيفاً؛ وذلك لأن المتعجلين قد انتهى أكثرهم، والمتأخرين يأتون في الليل، فحدثني شخص يقول: أنا أرمي عادةً بعد العصر وأنا أتعجل وأجده خفيفاً، والعلة معقولة.
فأقول: تقدم، بمعنى: حمَّل متاعك وتقدم إلى الجمرات، ومتى وجدت فرصة فارم وانزل إلى مكة، حتى لو فرض أنك لم تجد الفرصة إلا بعد غروب الشمس أو بعد دخول وقت العشاء فلا حرج عليك، متى وجدت الفرصة فارم ولو بعد منتصف الليل وانزل إلى مكة.(63/19)
ما يحصل به التحلل الأول والثاني
السؤال
بم يحصل التحلل الأول والثاني؟
الجواب
التحلل الأول يحصل بأمرين: رمي جمرة العقبة بعد العيد، والذي يرمى من الجمار يوم العيد هو العقبة فقط، ثم بعد ذلك الحلق أو التقصير، وهذا يحصل به التحلل الأول، فإذا انضاف إلى ذلك طواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة حل التحلل الثاني، وعلى هذا يمكن أن يتحلل الإنسان التحلل الثاني في يوم العيد نفسه، فيرمي الجمرات ويحلق أو يقصر وينزل إلى مكة ويطوف ويسعى ويكون حل التحلل الثاني وحل له كل شيء.(63/20)
حج المفرد
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل قدم إلى المملكة لأول مرة لأداء الحج، فهل يجوز له أن يحج مفرداً مع أنه لم يسبق له أداء العمرة؛ وذلك لأن له صحبة مفردين؟
الجواب
لا بأس أن يحج مفرداً، ولكن تبقى عليه العمرة، وقوله: لأن له رفقة مفردين.
لا يمنع أن يتمتع، فينزل مع الرفقة ويطوفون جميعاً ويسعون جميعاً وهم يبقون على إحرامهم وهو يقصر ويحل، وأحسن له إذا حل من أجل أن يخدم إخوانه بدون مشقة أو تعب، وإذا كان يوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج وخرج مع إخوانه ووقف معهم في عرفة ومزدلفة ومنى وينزلون إلى مكة، فيمتاز عنهم بشيء واحد وهو السعي، وهم لا سعي عليهم؛ لأنهم سعوا عند القدوم، وهو عليه السعي؛ لأنه سعى عند القدوم للعمرة فيجب أن يسعى للحج مع الطواف.(63/21)
الأفضل لمن وصل مكة بعد ظهر يوم عرفة
السؤال
من وصل إلى مكة بعد الظهر من يوم عرفة، هل الأفضل له أن يذهب إلى مكة ويطوف طواف القدوم ويسعى سعي الحج ثم يخرج إلى عرفة، أو أن الأفضل أن يذهب إلى عرفة مباشرة؟
الجواب
الأفضل أن يذهب إلى عرفة مباشرة؛ لأن هذا اليوم يوم عرفة وليس يوم الطواف، والرجل الذي أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصلى معه الفجر في مزدلفة وهو عروة بن مضرس، أتى من جبال طيء من عند حائل وصادف النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صلاة الفجر في مزدلفة، فقال: (يا رسول الله إني أتعبت نفسي وأكللت راحلتي -أو قال: أكللت نفسي وأتعبت راحلتي- وإني ما تركت جبلاً إلا وقفت عنده، فهل لي من حج؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بـ عرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) ولم يذكر أنه طاف طواف القدوم، وعلى هذا فإذا وصلت إلى مكة في يوم عرفة فاذهب إلى عرفة.(63/22)
حكم الحج عن المريض
السؤال
امرأة بالغة حصل عليها حادث وأصبح بها حالة نفسيه، فهي تخاف من السيارة وأصواتها، وصار في عقلها شيء من التخلف، فهل يحج عنها أم لا؟
الجواب
إذا كان عندها مال فيحج عنها، وإن كان ليس عندها مال فلا يحج عنها، فلا يجب أن يحج عنها إذا كان ليس عندها مال؛ لأنها غير قادرة، وأما إذا كان عندها مال فالظاهر أن مثل هذا المرض لا يزول، فنسأل الله لها الشفاء والعافية، وأن يعينها ويقدرها على أداء الحج.(63/23)
حكم الحج على من لا مال له
السؤال
سماحة الشيخ! جزاك الله خير الجزاء أنا طالب فهل لي أن أحج وآخذ من والدي، أم أنتظر حتى أتوظف فيكون عندي ما يمكنني من الحج، أيهما الأفضل لي؟
الجواب
من المعلوم أن الطالب الذي ليس عنده مال لا يلزمه أن يسأل والده ويقول: أعطني ما أحج به؛ لأنه لم يجب عليه الحج، لكن إن رأى الأب أن يعطيه ما يحج به إحساناً له لا وجوباً على الأب فلا حرج، وهذا من الإعانة على البر والتقوى ومن صلة الرحم أيضاً.
فأشير على جميع الآباء الذين عندهم قدرة أن يساعدوا أبناءهم في أداء الحج وإن كان غير مفروض عليهم؛ لأن هذا من الإحسان ومن صلة الرحم.(63/24)
وقت صلاة المغرب والعشاء في مزدلفة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هو الراجح في نظر فضيلتكم في من وصل إلى مزدلفة قبل أذان العشاء متى يصلي المغرب والعشاء؟ وهل يجوز أن نؤخر صلاة العشاء إلى بعد منتصف الليل حتى نصل إلى مزدلفة، أم نقف في منتصف الطريق ونصلي؛ لأنه أحياناً لا يتيسر لنا المكان إلا بعد منتصف الليل؟
الجواب
أقول: من دفع من عرفة إلى مزدلفة ثم أمسكه السير حتى قارب نصف الليل فالواجب أن يصلي العشاء، ولا يجوز أن يؤخرها إلى ما بعد منتصف الليل؛ لأن وقت العشاء ينتهي بنصف الليل.
ومن دفع من عرفة إلى مزدلفة ووصل إلى مزدلفة قبل أذان العشاء فله أن يصلي المغرب والعشاء جمع تقديم؛ لأنه وصل قبل العشاء، يصلي جمع تقديم ولا حرج؛ لأنه مسافر، ولأن ذلك أيسر لا سيما في وقتنا الحاضر مع كثرة الحجاج، والإنسان لو ذهب يتوضأ ربما يضيع عن قومه، فله أن يجمع جمع تقديم متى وصل إلى مزدلفة.(63/25)
الحث على مساعدة الآخرين في نفقة الحج
السؤال
رجل يرغب أن يحج نافلة ولكنه لا يستطيع لكبر سنه فهل الأفضل أن ينيب عنه، أو أن يتصدق بالقيمة جزاك الله خيراً؟
الجواب
الأفضل أن يعين من يؤدي فريضة الحج بهذه الدراهم، ولا يوكل من يحج عنه؛ لأن التوكيل في الحج إنما جاء في الفريضة دون النافلة، وإذا لم يجد أحداً يحتاج إلى أداء الفريضة فليصرف هذه الدراهم إما في بناء مسجد يساهم فيه، أو في أعمال صالحة أخرى، أو يتصدق بها على فقير أو قريب.(63/26)
حكم التوكيل في الحج عن المريض
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا مريض بمرض الصرع منذ ثلاث عشرة سنة، وأستعمل دواءً يمنع بقدرة الله تعالى حدوث نوبة الصرع، ولكن إذا تعبت وجهدت حدث لي الصرع، فهل يجوز لي أن أوكل أحداً يحج عني، أم أحج وأتحمل؟
الجواب
إذا كان هذا المرض لا يرجى أن يزول فليوكل من يحج ويعتمر عنه إن كان عنده مال، وإن لم يكن عنده مال فالحج غير واجب عليه.
أما إذا كان يرجى زواله باستمرار الدواء فلينتظر حتى يشفيه الله.
وأسأل الله تبارك وتعالى أن يشفيه ويعافيه ويرفع عنه ما يجد.(63/27)
حكم التوكيل في رمي الجمار
السؤال
فضيلة الشيخ! حججنا قبل خمس سنوات ولله الحمد وكان معنا نساء، وخرجنا من مزدلفة على نية أنهن سيرمين، وقبل أن نصل الجمرة خشينا عليهن وأبقيناهن ورمينا عنهن ولم يكن هناك زحام شديد، ثم سمعنا من يقول: أن الرمي يوم النحر لا بد أن ترميه المرأة بنفسها، فما العمل الآن؟
الجواب
الرمي في يوم العيد وفيما بعده من النسك، وقد قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] ولا يجوز لأحد أن يوكل من يرمي عنه لا في يوم العيد ولا في غير يوم العيد إلا من لا يستطيع، فمثلاً: المرأة كبيرة السن لا تستطيع، ومثلها الرجل المريض لا يستطيع، سواء كان رجلاً أو امرأة، وكذلك الصغير أو النحيف لا يستطيع، هذا إذا لم يتأخر، أما إذا تأخر إلى الليل فالغالب أن الأمر واسع ويمكنه أن يرمي بنفسه، فلو أن هؤلاء الرجال أخروا النساء إلى الليل ورمين في الليل لكان ذلك خيراً، أما ما مضى فإن كان قد حصل منهم تفريط فعلى كلام الفقهاء: بجب أن تذبح كل واحدة منهن -ممن وكلت- فدية في مكة توزع على الفقراء سواء ذهبت هي بنفسها أو وكلت.
وإني أقول: الزحام الشديد الذي يخشى على النساء منه لا يجوز أن تخوض المرأة غماره؛ لأن ذلك تعب عليها، ولأنها سترمي الجمرة وهي لا تشعر من شدة الزحام، فمثلاً: إذا كان يريد أن يتعجل في يومين ويحب أن يرمي من حين الزوال وينصرف، هنا لا يمكن أن ترمي المرأة أبداً، لأن فيه خطر عليها، فنقول: في هذه الحال توكل ولا حرج.
أما في غير ذلك مثلاً: في يوم الحادي عشر، فيمكن أن تؤخر الرمي عن الزوال إلى العصر أو إلى الليل إلى الفجر، فالأمر والحمد لله واسع.(63/28)
حكم الحج عن الغير من أجل المال
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم من أخذ نقوداً من أجل أن يحج عن غيره، وكان مقصده التكسب من هذه الحجة وقصر في النفقة في الحج واقتصد وعاد بأكثر من نصف المال الذي أعطي إياه؟
الجواب
إذا حج الإنسان عن غيره من أجل المال فأخشى ألا يقبل الله منه؛ لقول الله تبارك وتعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ} [هود:15-16] وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى:20] فإذا علمت من نفسك أنك تأخذ الدراهم لتحج عن غيرك من أجل الدراهم فلا تفعل، اتركه ولا تخيب نفسك وتخيب أخاك.
أما إذا أردت أن تحج عن الغير إحساناً به؛ لأنه يرغب هذا، واستعانةً بما يعطيك على أداء النسك فهذا لا بأس به، وإذا أعطاك شيئاً وبقي مما أعطاك فهو لك، إلا إذا قال: ما زاد على النفقة فرده عليَّ؛ فيجب عليك أن ترده.(63/29)
حكم من لا يستطيع الغسل من الجنابة
السؤال
فضيلة الشيخ! لقد أكرمني الله بالحج إلى بيته الحرام وأتممت مناسك الحج، ولكن حينما بت في مزدلفة أصبحت محتلماً فلم أستطع الاغتسال لكثرة الزحام، فتوضأت وصليت الفجر ثم ذهبت إلى منى واغتسلت وصليت الفجر حوالي الساعة العاشرة، فما الحكم؟ وهل عليَّ شيء؟ جزاك الله خيراً.
الجواب
الواجب على من لا يستطيع أن يغتسل أن يتيمم، فإن الله تعالى رخص للإنسان إذا لم يجد الماء أن يتيمم، وإذا تيمم وصلى فصلاته صحيحة ولا يحتاج أن يعيدها، فإذا قدر على الماء بعد ذلك وجب عليه أن يغتسل إذا كان تيممه عن جنابه، أو يتوضأ إذا كان تيممه عن حدث أصغر.
لكن ما فعله الأخ الذي سأل فصحيح؛ لأن الرجل أكبر ما يمكن أن نقول: عليك الإعادة وقد أعاد، مع أنه لا يجب عليه الإعادة؛ لقول الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] .(63/30)
حكم ذبح الهدي أو حلق الرأس خارج الحرم
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم من ذبح الهدي أو حلق رأسه خارج منطقة الحرم في عرفات مثلاً؟
الجواب
أما الحلق فلا بأس أن يحلق في عرفات أو غيرها؛ لأن الحلق ليس له مكان، وأما الهدي هدي التمتع فلا بد أن يكون داخل الحرم، فلو ذبح هديه في عرفات لم يصح ولم يجزئه حتى لو دخل باللحم وأعطاه أهل منى لم يقبل منه؛ لأنه ذبحه في غير مكانه، وإذا كان هذا قد وقع منه فالأمر والحمد لله سهل، يوكل أحد الذاهبين إلى مكة أن يشتري له شاة ويذبحها بنية الهدي الذي ذبحه في غير مكانه، وإن كان يريد أن يذهب هو بنفسه ليحج فليباشر ذلك بنفسه.(63/31)
حكم استعمال الصابون ومعجون الأسنان والمناديل المبللة بالطيب للمحرم
السؤال
ما حكم استعمال المناديل المبللة بالطيب، وكذلك معجون الأسنان والصابون؟
الجواب
المناديل المبللة بالطيب لا يجوز استعمالها في حال الإحرام، إلا إذا حل التحلل الأول؛ بأن رمى جمرة العقبة وحلق أو قصر، وأما معجون الأسنان فلا بأس به؛ لأن رائحته ليست رائحة طيب لكنها رائحة ذكية ونكهة طيبة، وكذلك الصابون لا بأس باستعماله؛ لأنه ليس طيباً ولا مطيباً ولكن فيه رائحة ذكية طيبة من أجل إزالة ما يعلق باليد من الرائحة التي قد تكون كريهة.(63/32)
النافلة تكمل الفريضة
السؤال
سائلة تقول: حججت قبل سنوات عديدة، ثم قالت: إن يسر الله لي حجة أخرى فسأجعل تلك سنة وأنوي هذه الحجة فريضة؛ لأني في تلك الحجة في أيام جهل وعدم إدراك، فهل يجوز لها هذا العمل؟
الجواب
نقول: فريضتها هي الأولى، والحجة الثانية تطوع، واعلم -أخي المسلم- أن جميع النوافل تكمل بها الفرائض، مثلاً: نحن الآن صلينا العشاء، والعشاء لها سنة بعدها، فإذا صلينا الراتبة التي بعدها فإن كان في الفريضة خلل فهذه الراتبة تجبر الخلل والحمد لله، كذلك هذه المرأة نقول: إذا كان في حجها الأول خلل فحجها الثاني يرقع ذلك الخلل، فإن النوافل تكمل بها الفرائض يوم القيامة إذا كان في الفرائض نقص.(63/33)
حكم شرب الماء المخلوط بالورد أو النعناع للمحرم
السؤال
ما حكم شرب المحرم للماء الذي وضع فيه ماء الورد أو النعناع؟
الجواب
أما ماء الورد فلا يجوز أن يشرب الإنسان منه متى كانت رائحته باقية، وأما النعناع فلا بأس به؛ لأن رائحته ليست طيباً ولكنها رائحة ونكهة طيبة، فهي من جنس رائحة التفاح والأترج وما أشبههما.(63/34)
حكم صوم اليوم الثالث عشر من ذي الحجة لمن تعود صيام الأيام البيض
السؤال
بالنسبة لمن يصوم الأيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، فهل يصوم الثالث عشر مع الرابع عشر والخامس عشر مع أن الثالث عشر من أيام التشريق، أم يجعل صيامه في العشر؟
الجواب
يسال عن الذي يصوم أيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، في شهر ذي الحجة هل يصوم اليوم الثالث عشر؟ نقول: لا يجوز؛ لأن عيد الأضحى يتبعه ثلاثة أيام تسمى أيام التشريق، لا يجوز للإنسان أن يصوم فيها إلا من لم يجد الهدي من متمتع وقارن فيصومها.
ولكن نقول لهذا السائل: صم عشر ذي الحجة، وهي التسع الأول: الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع، ويجزئ ذلك عن صيام أيام البيض، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام لا يبالي أصامها في أول الشهر أم في وسطه أم في آخره) .(63/35)
الأضحية عن الحاج
السؤال
فضيلة الشيخ! ما انتشر بين بعض العامة أنه لا يضحي الحاج إلا إذا كان قد توفي أحد والديه، فهل هذا صحيح؟
الجواب
هذا ليس بصحيح، الحاج إذا كان هو صاحب البيت فإنه يضحي، بمعنى: أنه يقول لأهله: اذبحوا الأضحية عني وعنكم، ويعطيهم القيمة، أما إذا كان يريد أن يضحي بـ مكة فلا؛ لأن الحاج المشروع في حقه هو الهدي وليس الأضحية، ولهذا لم يضحِ النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مع أنه كان يضحي كل سنة، واكتفى في حجة الوداع بنحر الهدي وهو مائة بعير، نحر منها ثلاثة وستين بيده والباقي أعطاه علياً رضي لله عنه وقال: انحره.
ولم يضحِ.
فعلى هذا نقول: إذا كان الحاج رب البيت فليوصِ أهله بأن يشتروا أضحية من ماله ويضحى بها عنه وعنهم، وأما في مكة فالهدي.(63/36)
اللقاء الشهري [64]
في هذه المادة يبدأ الشيخ بالدعاء لإخواننا في كوسوفا، ثم بتفسير آخر سورة الفرقان، خاتماً بالإجابة عن الأسئلة الواردة في هذا اللقاء، والتي كانت في مواضيع شتى.(64/1)
دعاء وتأمين
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا أول لقاء شهري يتم في هذه السنة، وهذا الشهر هو شهر محرم عام (1420هـ) وهذه الليلة هي ليلة السادس عشر منه.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعله عام خير وبركة للإسلام والمسلمين، وأن ينصر إخواننا المسلمين في كوسوفا على أعدائهم الصرب المعتدين.
أسأل الله تعالى أن يمنح إخواننا رقاب أولئك الصرب المعتدين الظالمين، وما ذلك على الله بعزيز.
وأحث إخواني المسلمين على أن يكثروا من دعاء الله تعالى لهم في كل وقت، وأن يقنتوا في صلاة الفجر كما جاءنا من ولاة أمورنا أن نقنت لهم في صلاة الفجر، فنتقيد بما ذكروا لنا ولاة الأمور؛ لأن أصل القنوت في المملكة إنما يكون بعد إذن ولي الأمر، إذ أن القنوت إنما يخاطب به ولي الأمر لا كل إنسان بمفرده؛ لأنه نوع من الولاية.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يحقق لإخواننا النصر العاجل، وأن يقر أعيننا بهزيمة أولئك الصرب، إنه على كل شيء قدير.(64/2)
استقبال العام الجديد بالتوبة والاعتبار
ينبغي للإنسان العاقل أن يعتبر ما سيأتي بما مضى، إنك أيها الأخ المسلم قد أمضيت عاماً كاملاً اثني عشر شهراً، مضت وكأنها دقائق بل لحظات، فاعتبر المستقبل بالماضي، سيمر بك هذا العام -إن بقيت في الدنيا- سريعاً كما مر بك العام المنصرم، فاستعد يا أخي للأعمال الصالحة، انتهز الفرصة، لا تُضع وقتك سدى، الوقت أثمن من المال وأغلى، أرأيت قول الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99-100] ولم يقل: لعليِّ أتمتع في الدنيا، لعليِّ أبني القصور وأشيدها، لكن قال: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:100] .
أكثر من طاعة الله، فلله عليك وظائف يومية وأسبوعية وحولية، فقم بهذه الوظائف من الوظائف اليومية: الصلوات الخمس التي هي أحد أركان الإسلام وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، حافظ عليها ومر أبناءك بالصلاة لسبع واضربهم عليها لعشر، وتفقد جيرانك وقم بنصحهم وإرشادهم لعل الله يهديهم على يدك.(64/3)
في ظلال سورة الفرقان
أما موضوع هذا اللقاء فهو آخر سورة الفرقان انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان:68] فما معنى قوله: (لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ) ؟ أي: لا يشركون مع الله إلهاً آخر.
وما معنى قوله: {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الفرقان:68] ؟ أي: لا يقتلون النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق.
وما هي النفس التي حرم الله قتلها؟ هي أربع: المسلم، والمعاهد، والذمي، والمستأمن.
إذاً: الموجود بيننا من الكفار يعتبرون من المعاهدين.(64/4)
تفسير قوله تعالى: (وَلا يَزْنُونَ)
الصفة الثالثة: قوله: {وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان:68] والزنا: وطء الفرج الحرام والعياذ بالله، فمن جامع امرأة بغير عقد نكاح صحيح أو ملك يمين صحيح فهذا هو الزنا، وهو من كبائر الذنوب وعظائمها، وقد سماه الله تعالى فاحشة فقال: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] وعقوبته الرجم أو الجلد مع التغريب.
الرجم إذا كان الزاني محصناً، والمحصن هو: الذي تزوج بنكاح صحيح وجامع زوجته وهو بالغ عاقل حر.
وانظر إلى الشروط: تزوج بنكاح صحيح، وجامع زوجته، وهما -أي: الزوج والزوجة- بالغان، عاقلان، حران، أي: غير مملوكين، فإذا تمت هذه الشروط الخمسة فهو محصن، فإذا زنى بعد ذلك وجب رجمه بالحجارة، بمعنى: أن يقف للناس ويرموه بالحجارة، وتكون الحجارة وسط لا صغيرة ولا كبيرة، ولا يتقصدون المقاتِل؛ لأنهم إذا تقصدوا المقاتِل قضوا عليه بسرعة، والحكم الشرعي يريد أن يتألم جميع بدنه الذي تلذذ بوطء الحرام.
هكذا حد الزاني إذا كان محصناً، ثم إذا تم رجمه ومات فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدعى له بالمغفرة ويدفن مع المسلمين؛ لأنه مسلم، وهذا الحد يكون كفارة له، فلا يعذب يوم القيامة على زناه؛ لأنه عذب في الدنيا.
مسألة: قد يقول قائل: لماذا لا نقتله بالسيف؛ لأنه أقرب وأسرع في الإجهاز عليه؟ نقول: لا، نقتله بالرمي بالحجارة، هكذا جاءت السنة، وهذا الرجم ثابت في الشريعة المحمدية وكذلك في شريعة اليهود، لأنه تطهير للناس، وردعٌ لهم عن هذه الفاحشة.
أما إذا كان الزاني غير محصن فإنه يجلد مائة جلدة بحضور طائفة من المؤمنين، ويغرب عن الوطن الذي وقع فيه الزنا لمدة سنة، ولكن لا يغرب إلى بلاد يتمكن فيها من الزنا؛ لأنه إنما يغرب إبعاداً له عن مكان الزنا.
وغير المحصن هو من اختل فيه شرط من شروط الإحصان التي سمعتموها.
ولا بد أن يكون الزاني عالماً بالتحريم، فإن لم يكن عالماً بالتحريم فإنه لا يحد، لكن لو علم بالتحريم ولم يعلم بالحد فإنه يحد؛ لأنه ليس من شرط الحد، أن يكون المجرم عالماً به، كما أن الإنسان لو جامع زوجته في نهار رمضان في بلده فإنه يجب عليه الكفارة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، لكن لو قال هذا الرجل: إنه لم يعلم بأن هذه هي الكفارة ولو علم لما فعل، قلنا: لا يمنع هذا من وجوب الكفارة؛ لأن الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله كان لا يدري ما عليه من الكفارة، فألزمه النبي صلى الله عليه وسلم بها.
قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} [الفرقان:68] (ذلك) المشار إليه ما سبق: الشرك، وقتل النفس والزنا.
{يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} [الفرقان:69] نسأل الله العافية! ولا شك أنه من يشرك بالله شركاً أكبر فإنه مخلدٌ في نار جهنم والجنة حرام عليه، وكذلك قتل النفس إن استحل قتلها وهو يعلم أنها محرمة، أي: نفس محرمة محترمة، فهو كافر فيخلد في النار؛ لأنه استحل ما حرمه الله عز وجل وهو يعلم أنه حرام، أما إن لم يستحل القتل فهو ذنب من الذنوب العظيمة، والزنا إذا استحله صار كافراً مخلداً في النار، وإن فعله لغلبة الشهوة عليه فإنه من كبائر الذنوب ولكن لا يخلد في النار.(64/5)
التوبة وشروطها
قال الله عز وجل: {إِلاَّ مَنْ تَابَ} [الفرقان:70] أي: تاب عن هذه الثلاثة، فإذا تاب من الشرك غفر الله له، وإذا تاب من قتل النفس غفر الله له، وإذا تاب من الزنا إذا غفر الله له، ودليل ذلك: قول الله عز وجل: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38] أي: ينتهوا عن كفرهم، يغفر لهم كل ما سلف من الذنوب، فلو أن أحداً كان يسجد للصنم ويستغيث به ثم هداه الله فأخلص وتبرأ من الشرك، فإن ذلك الشرك السابق لا يضره؛ لأنه تاب.
لو أن إنساناً قتل نفساً بغير حق، ثم ندم وتاب إلى الله عز وجل فإن ذلك لا يضره؛ لأنه تاب، ولكن لا بد أن يسلم نفسه لأولياء المقتول ليقتلوه، أو يأخذوا الدية، أو يعفوا عنه، وإلا لم تصح توبته.
ولو أنه زنا -والعياذ بالله- ثم ندم وتاب فلا يؤاخذ على زناه، لكن بالنسبة للمزني بها هل لها حق عليه بحيث نقول له: تحلل منها؟ في هذا تفصيل: إن كانت طائعة فلا حق لها، وإن كانت مكرهة فلها الحق، فعليه أن يستحلها، أي: يطلب منها أن تحلله؛ لأنه اعتدى عليها، وربما تكون بكراً فأفسدها، فالأمر عظيم.
نرجع إلى قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ تَابَ} [الفرقان:70] .
فما هي التوبة؟ وما شروطها؟ التوبة هي: الرجوع إلى الله عز وجل من معصيته إلى طاعته.
وشروطها خمسة: الأول: الإخلاص لله.
الثاني: الندم على ما فعل.
الثالث: الإقلاع عنه.
الرابع: العزم على ألا يعود.
الخامس: أن تكون التوبة في وقت تقبل فيه التوبة.(64/6)
إخلاص التوبة لله عز وجل
فمن تاب مراعاةً للخلق فتوبته غير مقبولة؛ لأنه لم يتب إلى الله وإنما تاب إلى الخلق، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) انتبه يا أخي! أخلص النية لله، لو تصدقت بمائة ريال ليقول الناس: إنك كريم فهل تقبل؟ لا تقبل، لأنك أشركت مع الله، تصدق ليقول الله عز وجل: هذا عبدي تصدق تقرباً إلي.(64/7)
الندم
الثاني الندم: فلا بد أن يكون في قلبك حسرة على ما جرى من الذنب، لا يكن فعلك للمعصية وعدمه سواءً، بل لا بد أن يكون في قلبك حسرة، تتحسر وتقول: ليتني ما فعلت! أغواني الشيطان! وما أشبه ذلك.(64/8)
الإقلاع عن الذنب
الثالث: الإقلاع عن الذنب: وما أثقل هذا الشرط على كثير من الناس! فلننظر إلى إنسان يترك الصلاة، كيف يكون الإقلاع عن ترك الصلاة؟ أن يصلي.
إنسان يأكل الربا فكيف الإقلاع؟ أن يترك الربا.
إنسان تعدى على شخص فضربه، فكيف الإقلاع؟ الإقلاع أن يستحله ويقول: يا فلان حللني.
إنسان اغتاب شخصاً تكلم في عرضه وهو غائب، فكيف الإقلاع منه؟ أن يمسك عن غيبته وأن يستحله، يقول: يا فلان حللني، وإذا جاءك أخوك المسلم يطلب منك الحل فلا ترده، حللَّه حتى يكون أجرك على الله عز وجل، قال الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى:40] بعض الناس -والعياذ بالله- تأخذه العزة بالإثم، فإذا جاءه أخوه يستحله يقول: كيف أحللك وأنت هتكت عرضي وتكلمت عليَّ في المجالس وما أشبه ذلك؟ نقول: ما دام الرجل جاء يستحلك فاحتسب الأجر على الله عز وجل، ولعلك إذا حللته أن تنقلب غيبته إياك ثناءً عليك، وهذا هو الواقع.
وذا كان الذنب أخذ مال من شخص؛ سرقة أو غصباً أو ما أشبه ذلك، فكيف الإقلاع عنه؟ أن ترد المال إليه، فإذا قال: لا أستطيع، لو ذهبت وأعطيته -مثلاً- مائة ريال لقال: أخذت مني ألفاً، ثم جعلها مشكلة، نقول: إذا خفت من هذا فهناك طرق: كأن تعطي المال شخصاً ثقة وتقول: يا فلان! هذا المال أخذته سرقة من ذلك الرجل وعينه، جزاك الله خيراً أده إليه وقل له: إن هذا مال قد أخذ منك في سالف الزمان، وتبرأ الذمة بهذا.
وإذا لم تجد ثقة فاجعله في ظرف وأرسله في البريد ولا تكتب عنواناً لك، وقل: هذا من أخ لك تاب إلى الله وقد أخذه منك فحلله.
إذا كنت لا تعرفه، مثل أن يكون صاحب دكان أخذت منه شيئاً وسافر الرجل ولم تدر من هو ولا تعرف محله، فماذا تصنع؟ تصدق به تخلصاً منه لا تقرباً به إلى الله، لأنك لو تصدقت به تقرباً إلى الله ما قبل الله منك، لكن تصدق به لصاحبه تخلصاً منه.
فإن كان صاحبه كافراً، وهذا يقع من بعض الناس يكون عنده عامل غير مسلم فيظلمه ولا يوفيه ويسافر العامل ولا يعرف عنه لا مكانه ولا حمولته ولا شيئاً مما يمكن أن يتوصل إليه، فإنه يتخلص من هذه الدراهم ويعطيها إما بيت المال، وإما شخصاً فقيراً، أو ما أشبه ذلك، وهذا الرجل إن أسلم نفعته الصدقة، وإن لم يسلم لم تنفعه الصدقة؛ لأن الكافر لا ينفعه أي عمل صالح.(64/9)
العزم على عدم العودة إلى الذنب
الرابع: العزم على ألا يعود فلا بد أن تعزم على ألا تعود، فإن تبت مخلصاً لله، نادماً على ما فعلت، مقلعاً عنه، لكن في قلبك أنه لو تيسرت لك المعصية الثانية لفعلت، فإن التوبة لا تصلح؛ لأن توبتك الآن توبة مؤقتة إلى أن تسنح الفرصة لك فتفعل المعصية، هذا لا ينفع.
لكن هل يشترط ألا يعود أم ليس بشرط؟
الجواب
ليس بشرط، فليس من شرط التوبة ألا تعود، فربما يكون الإنسان عازماً على ألا يعود ثم تغلبه نفسه الأمارة بالسوء فيعود، فإذا عاد فالتوبة السابقة لا تبطل، ولكن عليه أن يجدد توبةً للذنب الذي فعله.(64/10)
أن تكون التوبة في وقت تقبل فيه التوبة
الشرط الخامس: أن تكون التوبة في وقت تقبل فيه التوبة فخرج بذلك ما إذا حضر الموت الإنسان وتاب فإنه لا تقبل التوبة منه؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} [النساء:18] هذا ما ينفعه، ولذلك لما أدرك فرعون الغرق قال الله عنه: {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] فقيل له: {أَالآنَ} [يونس:91] تؤمن وتكون من المسلمين {وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:91] فلا تقبل منه، وهذا الشرط -أيها الإخوة- يستلزم أن نبادر إلى التوبة وألا نتأخر؛ لأننا لا ندري متى يأتينا الموت، كم من إنسان مات على فراشه! وكم من إنسان مات على سيارته! كم من إنسان يمشي وسقط ومات! فإذا كان هكذا فبادر بالتوبة لئلا يفجأك الموت.
أما الثاني: فهو طلوع الشمس من مغربها، فإنه إذا طلعت الشمس من مغربها: {لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرا} [الأنعام:158] لا يوجد توبة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها) وذلك أن هذه الشمس العظيمة التي أمرت أن تسير بانتظام تشرق من المشرق وتغرب من المغرب، إذا جاء وقت خروجها من المغرب استأذنت الله عز وجل أن تخرج من المشرق فيقول: اخرجي من المغرب فتخرج، فإذا رآها الناس آمنوا كلهم، لكن الذين لم يؤمنوا من قبل لا ينفعهم الإيمان.
أسأل الله تعالى أن يتوب علينا وعليكم توبةً نصوحاً، وأن يوفقنا لما فيه خيرنا وصلاحنا في ديننا ودنيانا، وأن يكتب ذلك لجميع المسلمين إنه على كل شيء قدير.
وإلى الأسئلة فيما بقي من الوقت.(64/11)
الأسئلة(64/12)
مسائل في قنوت النوازل
السؤال
فضيلة الشيخ! تكلمتم حفظكم الله عن قنوت النوازل، فآمل التكرم ببيان ما يلي حيث أشكل عليَّ ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو على رعل وذكوان وعصية، فأريد بيان الأمر هل يقال في الدعاء: اللهم اهدنا فيمن هديت، ويخرج عن الموضوع وهو الاستنصار للمصابين بالنازلة؟ وهل يدعى فيه للمسلمين عموماً ويدعى على الكافرين، ويقال: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
أولاً: يجب أن نعلم أن القنوت للنوازل أمره إلى ولي الأمر إلى السلطان، حتى إن فقهاء الحنابلة رحمهم الله يقولون: لا يقنت إلا الإمام نفسه، ليس إمام المسجد، إمام الدولة فقط، فإذا كان راجعاً إلى الإمام فإنه ليس لنا الحق أن نقنت بدون إذنه.
هذه واحدة، وهي مسألة مهمة جداً.
ثانياً: هل يختص القنوت بصلاة الفجر أم بجميع الفرائض؟ والجواب: أنه يكون في جميع الفرائض كما ثبت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا قال ولي الأمر: اقنتوا في صلاة الفجر، فالمعنى: ألا نقنت في غيره.
ثالثاً: القنوت هل هو الدعاء بقنوت الوتر المعروف: اللهم اهدني فيمن هديت.
؟ ليس كذلك، القنوت يدعى فيما خص له فقط، فمثلاً: إذا كنا الآن نقنت لإخواننا في كوسوفا فندعو الله تعالى أن ينصرهم على عدوهم وأن يكبت عدوهم، هذا هو الأصل، وإن زاد الإنسان في حمد الله عز وجل والثناء عليه، والصلاة على نبيه والدعاء للمسلمين فلا بأس، لكن لا يطيل، فإن بعض الناس يطيل في القنوت حتى يسأم المصلون وراءه، وهذا غلط، إذا كنا نعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أسوتنا وقدوتنا لا يطيل في قنوت النوازل فلنتبعه.(64/13)
عظم فتنة النساء
السؤال
فضيلة الشيخ! تكلمتم عن الزنا -والعياذ بالله- وأسبابه، وقد كثرت أسباب الزنا وأعظمها المرأة التي حذر النبي صلى الله عليه وسلم من شأنها؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) وقال عليه الصلاة والسلام: (فاتقوا الدنيا واتقوا النساء) فهل من كلمة توجيهية في التحذير من هذه الفتنة؟
الجواب
الكلمة حول هذا الموضوع: أن نعلم أن الله عز وجل ذو حكمة بالغة فرَّق بين الرجال والنساء قدراً وفرَّق بينهما شرعاً، أما تفريقه بينهما قدراً فاسأل علماء التشريح للأجساد تجد أن تركيبة المرأة ليست كتركيبة الرجل، بل بينهما اختلاف عظيم، وانظر إلى الفرق التكويني -الذي لا يحتاج إلى علماء- يبن المرأة والرجل فالصوت يختلف، حتى إن بعض الرجال إذا كان صوته يشبه النساء يقولون: فلان صوته كصوت المرأة، وبعض النساء يكون صوتها جهورياً غليظاً كصوت الرجل، فالأول يستنكر والثانية تستنكر؛ لأنها خرجت عن مقتضى العادة التي جعلها الله عز وجل للصنفين، كذلك أيضاً في القوة والتحمل والجلد، ولهذا رفع الجهاد عن النساء؛ لأنهن لسن أهلاً لذلك، قالت عائشة رضي الله عنها: () لأنها لا يمكن أن تصمد في القتال، وإذا وجد امرأة نادرة فهذا شيء نادر لا حكم له.
ثم هناك أشياء ثانية لا أود أن أتعرض لها فيما يتعلق بشئونها الخاصة، فالفرق أمر معلوم، ولا أحد ينكر هذا.
وفرَّق الله بينهما شرعاً، فعلى النساء واجبات ليست على الرجال، وعلى الرجال واجبات ليست على النساء، وإن كان الأصل أن يتساوى الرجال والنساء في أحكام الله، لكن هناك أحكام اقتضت حكمة الرب عز وجل أن تختص بالنساء وأحكام اقتضت حكمة الله أن تكون للرجال، ولو لم يكن من ذلك إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء يخاطبهن: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبِّ الرجل الحازم من إحداكن.
قلن: يا رسول الله! ما نقصان عقلنا؟ قال: أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟) هذا نقص دين، الرجل يصلي ويصوم في رمضان وهي لا تصلي ولا تصوم في هذا الشهر الفضيل، هذا نقصان دين، وأما العقل فقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً بالشهادة، فإن شهادة الرجل بشهادة امرأتين، وشهادة المرأة لا تقبل في الحدود الشرعية، لا تقبل في الزنا، لو أن مائة امرأة شهدت على رجل بأنه زنى لم تقبل، ولو شهد أربعة رجال قبلوا، وأشياء كثيرة شرعية فرَّق الله بها بين الرجل والمرأة.
ثم إنه لما كانت فتنة النساء عظيمة حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله كما في الحديث الذي ذكره السائل، وبتوجيهه وإرشاده عليه الصلاة والسلام، حيث أمر بابتعاد النساء عن الرجال حتى في مواطن العبادة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) لأن آخرها أبعد من أولها عن الرجال، فصار خيرها، وكان صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة يبقى قليلاً لا ينصرف من أجل أن تنصرف النساء قبل أن يختلط بهن الرجال، ورويت أحاديث في نهي المرأة أن تحتضن الطريق، أي: تكون في وسط الطريق؛ لئلا تختلط بالرجال، وهذا أمر معروف في الشرع لا يجهله إلا من لم يقرأ ما كتبه العلماء رحمهم الله في ذلك.
لهذا أقول: إن على الإنسان أن يقي نفسه وأهله نار جهنم؛ بتوجيه النساء إلى ما ينبغي أن يكن عليه من العفة والحياء والتستر والبعد عن الاختلاط بالرجال، بل وعن مخاطبة الرجال على وجه يكون سبباً للفتنة، ولهذا قال الله تبارك وتعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب:32] .(64/14)
ظاهرة كثرة السائقين وخروج البنات معهم بغير محرم
السؤال
فضيلة الشيخ! من أسباب الزنا الظاهرة كثرة السائقين والخدم، ويرى ذلك عند مدارس البنات والأسواق والمناسبات، فما توجيهك يا فضيلة الشيخ؟ وهل يباح إدخال الخادمة الشابة الصغيرة وحدها في بيت يمتلأ بالشباب المراهقين، أو وجود السائق مع فتيات مراهقات؟ نرجو التوجيه.
الجواب
على كل حال هذا لا يحتاج إلى توجيه، مجرد حكاية في الواقع يكفي في التوجيه، كل إنسان عاقل لا يريد هذا أبداً، ولهذا حرم النبي صلى الله عليه وسلم الخلوة بالمرأة وقال: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) .
فنصيحتي لأولئك الذين يتهاونون بالخلوة: أن يتوبوا إلى الله عز وجل، وألا يجعلوا السائقين يخلون بالبنات، تجد المرأة الشابة مع سائق أجنبي شاب، فنقول: الحمد لله، إذا كنت أنت أيها الأب الكريم تستطيع أن تصحبها فهذا المطلوب، وإلا فاجعل معها أحد إخوانها أو معها امرأتين أو ثلاثاً حتى تزول الخلوة.(64/15)
كفارة الجماع في نهار رمضان
السؤال
أنا امرأة كنت متزوجة من رجل، وهذا الرجل جامعني في نهار رمضان عدة مرات وكنت جاهلة بهذا الأمر، فحزنت وذهبت إلى أهلي ثم رجعت إليه وبعد ذلك طلقني وهذا من عدة سنوات، أي: أكثر من عشر سنوات، وقد جلست معه سنة واحدة، فهل عليَّ شيء في ذلك؟
الجواب
إذا كانت هذه السائلة لا تدري أن الجماع حرام كالأكل والشرب فليس عليها شيء لا قضاء ولا كفارة، لكن ظني أن هذا بعيد، بعيد أن تجهل المرأة أو الرجل أن جماع الصائم حرام.
أما إذا كانت تعلم أنه حرام ولكن لا تدري ماذا يجب عليها إذا فعلت فهي آثمة وعليها الكفارة، وهي عتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطع فإطعام ستين مسكيناً، قال أهل العلم: وإذا تكرر هذا في أيام فعليها لكل يوم كفارة.(64/16)
حكم تشبه النساء بالرجال والعكس
السؤال
فضيلة الشيخ! ظهرت في الآونة الأخيرة أحذية نسائية تشبه من الأمام حذاء الرجل ذات إصبع ومن الخلف والأسفل بحذاء النساء، فما حكمها؟
الجواب
هذه تصلح للخنثى الذي لا يدرى أذكر هو أم أنثى! إذا كان ظاهرها يشبه حذاء الرجل، وأن الإنسان لو وجدها لظن أنها حذاء رجل فإنه لا يجوز أن تلبسها المرأة، كما أن الرجل لو وجد حذاءً ظاهره من حذاء النساء وأسفله وعرقوبه من حذاء رجال فإنه لا يجوز أن يلبسه؛ لأن العبرة بالظاهر.
فنصيحتي لأخواتي: ألا يلبسن هذا لأن الأمر خطير، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال.(64/17)
حكم الإتمام في السفر
السؤال
ذكرتم يا فضيلة الشيخ في أحد اللقاءات الماضية: أن الرجل إذا خرج مسافة عشرين كيلو تقريباً فله قصر الصلاة، بشرط أن يجلس يومين فأكثر.
فهل الشخص إذا كان لا يرى ذلك وخرج مع أناس يقصرون الصلاة يتم هو، أم يعتبر مخالفاً للجماعة؟
الجواب
لا بأس أن يتم، ما دامت المسألة خلافية وهو يرى أنه لا يحل له القصر فليصل وراء الإمام الذي يقصر وإذا انتهت صلاته -أي الإمام- قام وأتى بركعتين، وفي هذه الحال إذا كان الذي يرى عدم جواز القصر أقرأ القوم فليكن هو إمامهم، وإذا كان هو إمامهم لزم الجميع أن يتموا؛ لأن المسافر إذا صلى خلف الإمام المتم وجب عليه الإتمام.(64/18)
حكم التهنئة بدخول العام الجديد
السؤال
فضيلة الشيخ! هل تجوز التهنئة بدخول العام الجديد؟
الجواب
لا أعلم لها أصلاً من السنة ولا من عمل السلف، بل هي عادة، فأنت لا تفعلها، ولكن من هنأك فرد عليه؛ لأنه ما هنأك إلا محبةً فيك وسروراً بدخول العام الجديد، فمن هنأك فهنئه، ومن لم يهنئك فلا تبتدئه.(64/19)
هل تترك المرأة الغسل لأجل تساقط الشعر؟
السؤال
امرأة مصابة بمرض يجعل شعرها يتساقط إذا غسلته بالماء، فماذا تفعل: هل تترك الغسل من الحيض والجنابة، أم ماذا؟
الجواب
لا بد أن تغتسل للحيض والجنابة، وتساقط الشعر من الماء لا شك أنه داء ومرض، وما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء، فلتراجع الأطباء فلعلهم يجدون شيئاً يمسك الشعر إذا مر عليه الماء، وأخشى أن تكون هذه المرأة معها شيء من الوسواس، وأنها تحك رأسها بقوة وشدة عند الاغتسال ويتساقط الشعر.(64/20)
حكم من كبر تكبيرة الإحرام إماماً ثم ذكر أنه على غير طهارة
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا كبر الإمام تكبيرة الإحرام ثم ذكر أنه ليس على طهارة، فرجع فقدم الذي خلفه والذي خلفه لم يكبر تكبيرة الإحرام بعد، والذين بجواره صغار لم يقدمهم لأنهم في المدرسة، فماذا عليه؟
الجواب
الصورة المذكور هي: رجل تقدم ليصلي بالجماعة وذكر أنه ليس على وضوء، نقول: يجب عليه الانصراف ولا يستحيي، فإن الله تعالى لا يستحيي من الحق، ثم إذا كان وراءه من يمكن أن يصلي بالقوم جذبه وقدمه وقال: أكمل بهم، وإذا كان وراءه من لا يصلح أن يكون إماماً فليقل لهم: كل واحد يصلي على انفراده.(64/21)
نصيحة لشاب مبتلى بالعادة السرية
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا شاب في التاسعة عشرة من العمر مبتلىً بالعادة السرية، كلما تبت إلى الله تغلبني الشهوة، وأقع في هذه العادة السيئة، فما نصيحتك لي؟ وهل هذه العادة من قبيل الزنا؟
الجواب
نصيحتي لك: أن تكسر شوكة الشيطان، كلما حدثتك نفسك فتلهَّ عن ذلك وأعرض واسأل الله تعالى الإعانة، فإن غلبتك نفسك فتب إلى الله، والله تعالى لا يمل حتى تمل، كلما غلبتك نفسك وعجزت وفعلت فباب التوبة مفتوح والحمد لله، لكن حاول أن تتصدد عنها وأن تبتعد، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) .
أسأل الله تعالى أن يهيئ لشبابنا زوجات صالحات، وأن يرخص المهور حتى تكون الواحدة بعشرة آلاف أو عشرين ألفاً، أو بشيء معقول.
والآن حسب علمي أن الناس بدءوا يخففون المهور والحمد لله، والمستقبل سيكون خيراً من الماضي بإذن الله عز وجل.(64/22)
التحذير من بعض الأوراق التي تنشر بين الناس
السؤال
ما قول فضيلتكم في هذه الأوراق التي تنشر بين المسلمين ويصدقها الناس، وهذه بعضها؟
الجواب
هذه الأوراق نشرها باطل وكلها كذب.
الأولى تقول: من الشيخ أحمد حامل مفاتيح حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وذكر أنه كان يقرأ القرآن في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي تلك اللحظة غلبه النوم.
إلى آخره.
هذه الوصية كذب ليس لها أصل، ولا يحل لأحد أن يوزعها، ومن رآها توزع فلينصح من يوزعها لكف التوزيع، والعجب أن محمد رشيد رضا رحمه الله صاحب المنار يقول: إنها كانت موجودة في عهده في زمن الطلب.
أي: لها الآن أكثر من مائتي سنة وهي يتداولها الناس.
الورقة الثانية تقول: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: دخلت أنا وفاطمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدناه يبكي بكاءً شديداً، فقلت: فداك أبي وأمي يا رسول الله ما الذي أبكاك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي! ليلة أسري بي إلى السماء رأيت نساءً من أمتي في عذاب شديد، فأنكرت شأنهن لما رأيت من شدة عذابهن.
هذا أيضاً كذب ليس بصحيح، وهذا يقول في آخرها: كل من يقرأ هذا عليه جزاه الله خيراً أن يصورها ويوزعها على أصدقائه.
أقول: كل من يقرأ هذا عليه أن يمزقها وأن يحذر منها؛ لأنها كذب، ولها نظائر كثيرة ولا داعي أن أتكلم فيها، لكن أقول: احذروا هذه المنشورات، وإذا وجدتم منشوراً فاعرضوه على العلماء عندكم حتى يبينوا الحق، والله الموفق.(64/23)
العدل في الأعطيات بين الأولاد
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك مسألة تشكل على كثير من الناس، وهي مسألة العدل بين الأولاد ذكوراً كانوا أم إناثاً، نرجو توضيح هذه المسألة من ناحية شراء السيارة أو الزواج، ما الفرق بين قوله: الهبة أو الهدية أو العطية أو النفقة؟ وما حكم الوصية بذلك، أن يوصي الأب بمال يكون لأحد من الأبناء عندما يبلغ فيحتاج للزواج مثلاً؟ وإذا لم يوص هل للأولاد التصرف بالمال بذلك بعد اتفاقهم وتراضيهم؟ نرجو توضيح هذه المسألة وما يرد عليها من إشكالات، بارك الله في علمك ونفع بك.
الجواب
جاء عن بشير بن سعد الأنصاري رضي الله عنه: أنه نحل ابنه النعمان نحلة إما غلاماً وإما بستاناً، فقالت زوجته: لا أرضى حتى تشهد النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فذهب ليشهد النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فقال: (أشهد على هذا غيري، فإني لا أشهد على جور) فتبرأ منه النبي صلى الله عليه وسلم، ولما سأله: (ألك بنون؟ قال: نعم، قال: أكلهم أعطيتهم مثل هذا؟ قال: لا.
قال: إني لا أشهد على جور) ، فلا يجوز للإنسان أن يخص أحداً من أولاده بشيء دون الآخرين إلا مسألة النفقة، فالعدل فيها أن يعطي كل إنسان ما يستحقه، وهذا يختلف، فالكبير يحتاج إلى ثياب طويلة واسعة والصغير دون ذلك، فهل نقول: إذا أعطيت الصغير ثوباً وأعطيت الكبير ثوباً أعط الصغير الفرق بين الثوبين؟ لا؛ لأن الإنفاق من كسوة وطعام وشراب وفراش تابع للحاجة، فالعدل بين الأولاد فيه أن تعطي كل إنسان ما يحتاج.
والتزويج من النفقة، فإذا احتاج أحدهم إلى زوجة زوجته، والآخرون ما احتاجوا فلا تزوجهم ولا تعطهم مهراً؛ لأن الأول زوجته لأجل دفع حاجته.
وهل يوصي الإنسان بعد موته أن يعطى أولاده الصغار الذين لم يبلغوا مثل ما أعطي الكبار الذين زوجهم؟ لا يجوز أن يوصي، وإن أوصى فالوصية باطلة مردودة، لكن لو أن الورثة فيما بعد أرادوا أن يعطوا إخوانهم الصغار شيئاً فلا حرج في ذلك.
والله الموفق.(64/24)
اللقاء الشهري [65]
في هذا اللقاء محور الحديث عن استغلال الإجازة الصيفية، مع ذكر أقسام الناس في هذه الإجازة من ناحية استغلالها، فمنهم من يستغلها بطلب العلم الشرعي، وهذا أعظم استغلال لهذه الإجازة، أو بالذهاب إلى مكة والمدينة للعمرة والزيارة، وقد ذكر -رحمه الله- بعض التنبيهات التي تتعلق بهذه الزيارة، ثم ذكر صنفاً آخر، وهم الذين يستغلونها بالسفر لمجرد المتعة المباحة، مبيناً دخول هذا في باب الترويح عن النفس، وبعد ذلك حذر من الصنف الرابع وهم أصحاب اللهو الذين يستغلون هذه الإجازة بالسفر المحرم إلى بلاد الكفر، حيث طمس الهوية الإسلامية.(65/1)
استغلال الإجازة الصيفية وأقسام الناس فيها
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والستون من اللقاءات الشهرية التي تتم كل شهر مرة في ليلة الأحد الثالث من كل شهر، وهذه الليلة هي الخامسة عشرة من شهر صفر عام (1420هـ) .
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل هذه اللقاءات ولقاءات إخواننا أهل العلم لقاءات مباركة دالة على الخير محذرة من الشر، وإنني أبشركم -أيها الإخوة- أن حضوركم إلى هذه اللقاءات من ذكر الله عز وجل، وأنكم مثابون عليها مع ما يحصل لكم من العلم النافع الذي تستنيرون به في أمور دينكم ودنياكم.
أيها الإخوة: إننا نستقبل إجازة المدارس في هذا العام، الإجازة النهائية التي تبلغ حوالي ثلاثة أشهر، أو تزيد قليلاً أو تنقص قليلاً.
هذه الإجازة هل ينبغي أن نجعلها كاسمها إجازة، أو نقول: هي إجازة مقيدة، بمعنى: أنها إجازة من الدروس النظامية، ولكنها ليست إجازة في طلب العلم وفي طلب ما ينفع الإنسان؟ ينبغي أن نجعلها كذلك، وأن نجد فيها غاية الجد في طلب ما ينفعنا في ديننا ودنيانا، لا نقول: إن الدراسة انتهت، فإن عمل المرء لا ينقضي حتى يأتي أجله، كما قال الله عز وجل: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] وقيل: "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد".(65/2)
استغلالها بطلب العلم الشرعي
ولكن الواقع أن الناس ينقسمون في هذه الإجازة إلى أقسام كثيرة: منهم: من يتفرغ في هذه الإجازة لطلب العلوم الشرعية التي لم يقرأها في دراسته النظامية، أو التي قرأها على عجل دون أن يتمهل فيها وأن يتعمق فيها، وهؤلاء خير الأصناف، أعني: الذين يتفرغون في هذه الإجازة لطلب العلم الشرعي، وما هي الوسيلة لذلك؟ الوسيلة -والحمد لله- الآن موجودة، يوجد دورات في المدن الكبيرة، يجلس لها أهل العلم يعلمون الطلبة، وهناك أيضاً مراكز صيفية إذا يسر الله لها أقواماً أمناء، أهل علم وإيمان انتفع بهم الشباب ولا شك، وهناك كتب ومؤلفات يقرؤها طالب العلم ويتمرن على كسب العلم عن طريقها، ولكن احذر أن تقرأ كتباً مضلة فكرياً أو خلقياً أو منهجياً، فإن ضررك من هذه الكتب أكثر من غفلتك عنها، اقرأ كتب العلماء الذين عرفوا بالعلم والإيمان كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وتلميذه ابن القيم، كذلك كتب الفقهاء إذا كنت تتحمل أن تبحث وأن تقارن بين أقوال العلماء، كذلك مثل كتب شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله وفي التفسير وغير التفسير، ومثل كتب شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله من فتاويه أو غيرها، وغير ذلك من كتب أئمة الدعوة والحمد لله وهي متوفرة.
هذا هو الصنف الأول من الأصناف الذين يتمتعون بالإجازة.(65/3)
استغلالها بالذهاب إلى مكة والمدينة للعمرة والزيارة
وهناك صنف من الناس يسيرون في الأرض يذهبون إلى مكة وإلى المدينة يتمتعون بعمرة وزيارة، والعمرة قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: (العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما) فتكون العمرة كفارة لما بين العمرتين من صغائر الذنوب، وزيارة المسجد النبوي قربة إلى الله عز وجل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) وليس لهذه الزيارة أو العمرة حد محدود، فيمكن أن تبقى أسبوعاً أو شهراً أو أكثر من ذلك حسب ما يتيسر لك، وحسب ما يناسبك وأهلك، وتزداد بذلك ثقافة ومعرفة لأحوال الناس، لا سيما وأن الناس الذين يفدون إلى مكة والمدينة من جهات شتى من العالم الإسلامي، فيحصل لك جلوس إليهم، واحتكاك بهم، ودراسةٌ لأحوالهم، وإرشادٌ لهم لما هم عنه غافلون أو به جاهلون.
مكة -شرفها الله- فيها المسجد الحرام، وهل فيها أمكنة أخرى تزار في العمرة أو لا؟ العمرة ليس فيها شيء إلا المسجد الحرام، تطوف وتسعى وتقصر وانتهت العبادة ليس هناك عبادة سوى هذا، الصلوات معروفة، ولكن ليس هناك أماكن يسن للإنسان أن يقصدها.
وبعض الناس يتعمد أن يذهب إلى غار حراء يظن أن هذا من السنة وليس كذلك، غار حراء غار كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعبد فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينبأ، ونزل عليه الوحي وهو في هذا الغار، ولكن لم يعد النبي صلى الله عليه وسلم إليه بعد ذلك ولا كان الصحابة يقصدونه، وهناك غار آخر يقصده بعض والناس يظن أنه قربة، وهو غار ثور الذي اختفى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة وإتيانه ليس بسنة ولا قربة إلى الله عز وجل، لكن لو أن الإنسان صعد على جبل حراء أو على جبل ثور من أجل أن يطلع فقط دون أن يتقرب إلى الله بهذا الصعود، فهل ينكر عليه؟
الجواب
لا ينكر عليه، ينكر على الإنسان الذي يذهب يتعبد لله ويتقرب إلى الله بذلك.
وفي المدينة النبوية اقصد بذهابك إليها الصلاة في المسجد النبوي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة) وأول ما تقصد المسجد تصلي فيه وليس له حد محدود، صلِّ فيه فرضاً واحداً أو اثنين أو ثلاثة، يوماً أو يومين أو ثلاثة أو أكثر، ليس فيه خمس صلوات كما يقول بعض العوام، ولا فيه أربعين صلاة كما يقول آخرون، بل صلِّ ما شئت.
ثم زيارة قبر نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، هذا القبر كان هو مسكنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان له زوجات مات عن تسع منهن، وكل واحدة لها بيت، وهذا الذي هو فيه بيت عائشة رضي الله عنها، ولما مرض النبي صلى الله عليه وسلم كان من عدله أن يذهب إلى كل امرأة في يومها وهو مريض، ويقول: (أين أنا غداً؟ أين أنا غداً؟) فهم زوجاته رضي الله عنهن أنه يريد يوم عائشة، فأذنَّ له أن يمرَّض في بيت عائشة، فبقي عند عائشة مريضاً وآتاه الموت يوم الإثنين، اللهم صل وسلم عليه، وصادف ذلك اليوم يوم عائشة، ومات وهو في حجرها عليه الصلاة والسلام، وآخر ما طعم من الدنيا ريقها؛ لأن أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر دخل ومعه سواك والنبي صلى الله عليه وسلم يحتضر، فجعل ينظر إليه، فعرفت عائشة أنه يريده فقالت: آخذه لك؟ فأشار أن نعم، فأخذته وقضمته بأسنانها، أي: قطعت الألياف التي كان عبد الرحمن يتسوك بها، ثم قضمته وعلكته وطيبته وصار من أحسن ما يكون، ثم أعطته النبي صلى الله عليه وسلم فاستاك به بيده الكريمة، قالت: (فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استن استناناً -يعني: استاك استياكاً- أحسن منه) فصار آخر ما طعم من الدنيا ريقها رضي الله عنها.
المهم أنه مات في هذا المكان، والحمد لله ما زال فيه منذ دفن إلى اليوم، والأرض لا تأكل منه شيئاً، الأنبياء كلهم لا تأكلهم الأرض، فقد حرم الله جل وعلا على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء.
وإذا انتهيت من الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في أي مكان منه، وإن كان في الروضة وهي ما بين بيته ومنبره فهو أحسن، إذا انتهيت فاذهب إلى القبور الثلاثة: قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر أبي بكر وقبر عمر، وسلم عليهم، ابدأ أولاً بالرسول صلى الله عليه وسلم وسلم عليه، قف أمامه وقل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
هذه أحسن صيغة تسلم بها على الرسول صلى الله عليه وسلم، ودع عنك ما يذكره بعضهم في بعض الكتيبات الصغار، وسلم عليه بما علمه أمته.
ثم اخط خطوة عن يمينك لتكون تجاه أبي بكر رضي الله عنه، وسلم عليه وقل له: السلام عليك يا خليفة رسول الله، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمدٍ خيرا -ثلاث كلمات- ثم تجاوز قليلاً خطوة واحدة عن يمينك لتقف تجاه عمر رضي الله عنه، وسلم عليه وقل: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمدٍ خيراً.
وهناك مزار ثالث: وهو البقيع، مقبرة أهل المدينة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) ، فتأتي وتسلم على المقبرة أول ما تدخل على الجميع بالسلام المعروف: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم) .
ثم اعمد إلى قبر الخليفة الثالث عثمان وهو معروف، سلم عليه، قف أمامه وقل: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، اللهم ارض عنه واجزه عن أمة محمدٍ خيراً.
ثم انصرف ولا تدع في المقبرة، فالمقبرة ليست مكان دعاء، وأهل القبور لا يُدعون، أهل القبور يدعى لهم ولا يُدعون، فهم في حاجة.
هذه ثلاثة مزارات.
الرابع: مسجد قباء، تطهر في بيتك واخرج إليه وصل فيه ما شاء الله، فإن من تطهر ببيته وخرج إلى قباء وصلى فيه كان كمن أدى عمرة، وصلِّ فيه ما شئت ثم انصرف، قال الله تبارك وتعالى مخاطباً نبيه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [التوبة:107] أربعة أغراض لمسجد الضرار، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة:108] صل في قباء ركعتين أو ما شئت، ثم انصرف.
هذا المزار الرابع.
الخامس: شهداء أحد، والمكان معروف ومقبرتهم معروفة، سلم عليهم كما تسلم على سائر المقابر، وإن شئت فخصص منهم حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي له هذا اللقب العظيم: أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن حمزة، وقد استشهد حمزة في غزوة أحد في السنة الثالثة من الهجرة.
هذه خمسة مزارات في المدينة وما سواها فلا أصل له، وليس هناك مسجد قبلتين ولا مسجد غمامة ولا شيء، لكن تعرف أن بعض الناس يستغل الفرصة لأكل المال بالباطل، فيقول للناس الذين لا يعرفون: هذا مزار كذا، وهذه سبعة مساجد، وهذا مسجد غمامة، وهذا مسجد القبلتين وما أشبه ذلك، فهذا استغلال وأكل أموال الناس بالباطل، حتى إني رأيت في شرقي الطائف حصاةً حجراً يقولون: أن النبي صلى الله عليه وسلم اتكأ بمرفقه على هذه الحصاة، وهي في سفح جبل، والرسول عليه الصلاة والسلام ما جاء إلى الطائف من هذه الناحية، لكن الناس يريدون أن يلعبوا على الجهال فيسلبوا أموالهم.
انتهينا الآن من بلدين شريفين عظيمين يسافر إليهما بعض الناس في الإجازة، ومن الناس من يسافر لزيارة قريب له في بلاد أخرى، يسافر يزورهم ويصلهم ويستأنس بهم مدة يقدرها الله عز وجل، وهذا أيضاً سفرٌ مبرور وصاحبه مأجور، لأنه سفر لصلة الرحم، وهو مشروع، ويثاب صاحبه على هذا السفر، ويحصل لك أن تشاهد أقاربك وتحبهم ويحبوك وفيه خير كثير.(65/4)
استغلالها بالسفر للمتعة المباحة
وهناك صنف يسافر لمجرد المتعة لكنها متعة حلال، وهذا جائز، له أن يسافر وإن كان سينفق أمواله لكنه سينفقها في مباح، والنفوس تكل وتسأم وتتعب مع الدروس، فإذا انطلقت وذهبت لينفس الإنسان عن نفسه فلا حرج، الدين والحمد لله يسر، لكن بشرط ألا يذهب إلى محرم، فمثلاً: لا يذهب إلى أماكن الأغاني والمطربين والملحنين؛ لأن شهود أهل الباطل باطل، وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} [النساء:140] فلا تشهد باطلاً لا أغاني، ولا رقصاً، ولا شيئاً محرماً؛ لأنك إذا فعلت ذلك فقد استعنت بنعم الله على معصية الله، وهذا لا يليق بالعاقل فضلاً عن المؤمن.(65/5)
استغلالها بالسفر المحرم إلى بلاد الكفر
الصنف الخامس: من يسافر لبلاد كافرة، وهذا أخطر ما يكون، بلاد الكفر بلاد قد دمرت من الإيمان، لا تسمع فيها أذاناً ولا إقامة، وإنما تسمع نواقيس النصارى وأبواق اليهود، لا تسمع فيها (الله أكبر) كيف يليق بالمؤمن أن يذهب من بلاد يعلن فيها بتكبير الله وتوحيده إلى بلاد لا يسمع فيها هذا؟! مع ما يشاهد في أسواقها وفي مقاهيها وفي مطاعمها وفي فنادقها من الشر، مع أن بعض الناس يذهب للأسف بعائلته وهم صغار فتترسم هذه الصورة الباطلة في أذهانهم ولا ينسونها أبداً، وهذا السفر إلى التحريم أقرب منه إلى الإباحة، وقد صرح بعض علمائنا المعاصرين أن ذلك حرام، حتى لو أن الإنسان من أتقى الناس؛ لأن الإنسان بشر والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
فإياك أن تسافر وحدك أو بأهلك إلى بلاد الكفر! احذرها وابتعد عنها لا خير فيها ولا في أهلها.
الصنف السادس: ومن الناس من يبقى في بلده في متجره أو متجر أبيه، أو في مزرعته، أو مع مواشيه، فهؤلاء على خير ما داموا لا يأتون محرماً في هذا الجلوس.
أسأل الله تعالى أن يحفظ علينا ديننا، وأن يصلح شبابنا وشاباتنا وشيوخنا وكهولنا إنه على كل شيء قدير.
والآن إلى الأسئلة، نسأل الله أن يوفقنا فيها إلى الصواب، إنه على كل شيء قدير.(65/6)
الأسئلة(65/7)
حكم حضور الوليمة التي فيها منكر
السؤال
فضيلة الشيخ! من المعلوم أنه في الإجازة تكثر مناسبات الزواج والولائم ونحوها، فهل يجوز للإنسان أن يحضر وليمة أو زواجاً فيه منكر كالضرب بالطبول أو الأغاني ونحوها؟
الجواب
هذا السؤال وجيه؛ لأن الناس غالباً يتزوجون في هذه الإجازة، وولائم العرس أصلها مشروع، فينبغي للمتزوج أن يصنع وليمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عبد الرحمن بن عوف: (أولم ولو بشاة) ولكن الوليمة تكون بقدر، بمعنى: على قدر معين، بحيث لا تصل إلى الأشر والبطر والتوسع بالمأكولات وكذلك التوسع في الأماكن، فإنه بلغنا أن بعض الناس يستأجر فندقاً كاملاً الليلة هذه بمائة ألف أو نحوها، فهذا بطر، وهذا مما يسبب قلة الزواج، لأن الزوج ليس على استعداد أن يبذل هذه المبالغ؟! ومتى يحصل هذه المبالغ، ولو اقتصر الناس على وليمة يسيرة يحضرها أقارب الزوج وأقارب الزوجة والجيران الأقربون لكان هذا هو الخير كما هي العادة فيما سبق.
أما إذا كانت الوليمة تشتمل على محرم فنقول: إن كان الإنسان له رأي وله قيمة، وبحضوره يستطيع أن يوقف المحرم، فالحضور عليه واجب، يجب أن يحضر؛ لأنه يكسب بحضوره فائدتين: الفائدة الأولى: إجابة الدعوة.
الفائدة الثانية: إزالة المنكر.
وأما إذا كان لا يستطيع فإنه لا يحضر، لأنه إذا حضر وشاركهم، أو جلس ولكنه لم يقم ولم يفارق صار مثلهم في الإثم والعياذ بالله! ومن المنكر: ما بلغنا عن بعض النساء أنها تأتي وعليها العباءة في الشارع، لكن إذا دخلت ألقت العباءة وصارت كأنها عارية والعياذ بالله! فهذا منكر.
ومن المنكر: أن بعض النساء يحضرن بآلات التصوير ويصورن المشهد، وربما اختفى بعض السفهاء من الرجال وفعلوا ذلك، هذا أيضاً من المنكرات العظيمة.
ومن المنكر: أن يأتي الزوج في محفل النساء ويكون قد أعد له ماسة، وإن شئت فقل: منصة، ويجلس هو والزوجة أمام النساء، حتى قيل: إن بعض السفهاء يقبل زوجته أمام النساء!! نعوذ بالله! ألا يثير الشهوة هذا؟! بلى والله، مهما كانت المرأة في التقوى وتشاهد شاباً وشابة يقبل أحدهما الآخر إلا وستثور شهوتها، وربما يأتي بتفاحة أو بحلوى ويلقمها الزوجة أمام النساء، كل هذا من الفتن، وهذا حرام بلا شك، وأقبح من ذلك أن بعض الناس يأتي بفيديو ويصور هذا المشهد، كل هذه حدثت أخيراً، وسببها ما قاله الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
الفراغ ليس عنده شغل، ما يشتغل ويكد على عياله وعلى نفسه، والشباب الصغر؛ أما الكبير فإنه عاقل ولا يدع الأوقات تذهب سدى.
والجدة هي: الغنى، فإن الغنى مفسدة إلا من هداه الله عز وجل.
الخلاصة: أن حضور الولائم من السنة، لكن إذا كان فيها محرم، فإن قدرت على تغييره فاحضر وغير وإلا فلا تحضر.(65/8)
حكم الضرب بالدف ومن يضرب عليه؟
السؤال
فضيلة الشيخ! هل الضرب بالدف الموجود هو المسنون؟ وهل السنة أن يكون الضارب عليه من الأطفال أم من النساء، فإننا نشاهد أن بعض الناس يأتي بمغنية تكلفتها ما يقارب الثلاثة آلاف ريال، علماً أنه يحصل رقص مائع وحركات ليست من عاداتنا نحن المسلمين، وكلمات الغناء ماجنة تؤخذ من أشرطة غنائية فهل هذا هو المسنون، أم أن المسنون سوى ذلك؟ نرجو بيانه.
الجواب
هذا غير مسنون، هذا منكر، والدف الذي يشرع الضرب فيه هو الطار الذي ختم من جانب واحد والجانب الآخر مفتوح، أما الطار الذي هو مغلق فهذا لا يجوز وهو الطبل، والفرق بينهما: أن الطار المفتوح صوته خفيف، والمغلق له رنة أكثر من ذلك.
والأغاني المشروعة تكون من النساء، يغنين بأغاني ترحيبية، وأغاني تدخل السرور على الحاضرين، وأما الأغاني الهابطة الماجنة فإنها لا تجوز.(65/9)
حكم تكسير الدش مع رفض الوالد لذلك
السؤال
فضيلة الشيخ! والدي عنده دش ونصحناه بإخراجه ولكنه رفض، فهل يجوز لنا تكسيره؟ وإذا غضب علينا بفعل ذلك فهل نأثم؟
الجواب
إذا كسرتموه ولن يشتري بدله فكسروه وإن غضب، والقلوب بيد الله عز وجل، ربما يغضب ولكن في النهاية يرضى، أما إذا كسرتموه اليوم اشترى بدله، فهذا لا تكسروه، لأنه إضاعة مال بلا فائدة، ولكن لا تحضروه، إذا كنتم ساكنين معه في البيت لا تحضروه عندما يشاهد الأشياء المحرمة.(65/10)
حكم لبس النساء للنعال التي تشبه نعال الرجال
السؤال
سائلة تقول: فضيلة الشيخ! ظهر في الآونة الأخيرة نعال نزلت تشبه نعال الرجال من حيث الإصبع، فما حكم لبسها وفقك الله؟
الجواب
أرى أن لبسها حرام؛ لأني رأيتها ظاهرها نعل رجل ولا يشك الإنسان أنها لرجل، صحيحٌ أن أسفلها غليظ ليس كنعل الرجال، لكن الحكم على الظاهر، الظاهر إذا رآها الإنسان قال: هذه نعل رجل، الخاتم والسير كله من نعل الرجال، فلبس هذا حرام، وشراؤه حرام، وبيعه حرام، وأشد من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء) فهل يرضى أحد أن يدخل تحت لعنة الرسول عليه الصلاة والسلام؟! لا أحد يرضى، لذلك أرى أن تقاطع هذه النعال، وألا تشترى، ونسأل الله تعالى أن يوقظ المسئولين عما يرد على هذه البلاد من مثل هذه الأمور، حتى يمعنوا ما كان حراماً.(65/11)
حكم العقود المطلقة التي ليس فيها شرط
السؤال
سائل يقول: فضيلة الشيخ! تعاقدت زوجتي وزميلاتها مع سائق يوصلهن إلى مدرستهن بمبلغ معين عقداً مطلقاً، فهل يلزمهن أجرة ذلك السائق في أيام الإجازة؟
الجواب
على هذا لا ينبغي هنا، ولكن لا بد أن نبين ما نراه الحق إن شاء الله تعالى: إذا كان هناك شرط بين صاحب السيارة والمستأجرات فعلى ما اشترطوا، بمعنى: إذا كان السائق اشترط عليهن الأجرة في الإجازة؛ إجازات الأعياد وإجازات الفصول، فعلى ما اشترطوا؛ لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] والأمر بالوفاء بالعقود أمر بالوفاء بأصل العقد، وبشرط العقد أي: بما يشرط في العقد، وإن لم يكن بينهم شرط يرجع إلى عرف الناس وعادة الناس: هل العادة أن السائق يعطى في أيام الإجازة أم لا؟ فيمشى على العرف، وإذا كان العرف مختلفاً فالأصل أنه لا يستحق إلا أيام الدراسة، ومع ذلك أنا مفتٍ ولست بملزم، لو أن صاحب السيارة قال: لا بد أن آخذ كل الشهور حتى الإجازة فالمحكمة هي التي تحكم بينهم، ولذلك أقول: ينبغي للنساء اللاتي يستأجرن من يحملهن في أيام الدراسة أن يكتبن في العقد: أنه لا حق لك في أيام الإجازة، حتى لا يكون هناك اشتباه.(65/12)
نصيحة لمن يترك زوجته وأولاده بلا عائل
السؤال
تقول السائلة: زوجي يسافر ويتركنا في الإجازة بلا عائل، الأولاد والبنات يضيعون، فما نصيحتك له ولأمثاله؟
الجواب
نصيحتي له ولأمثاله: أن بقاءه في أهله خير له من السفر إذا كانوا محتاجين إلى رعايته، لأنه إذا بقي فقد قام بواجب عليه أوجبه الله عليه في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] وأوجبه النبي صلى الله عليه وسلم عليه في قوله: (الرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته) .
أما إذا كانوا يستمرون على ما هم عليه من الطاعة فله أن يسافر، لكن لا ينبغي أن يبطئ عنهم، بل شهر أو نصف شهر أو ما أشبه ذلك، إلا للضرورة.(65/13)
نصيحة لطالب العلم في دعوته إلى الله
السؤال
فضيلة الشيخ! هذا سؤال باسم طلبة العلم: فنحن في بداية الإجازة الصيفية نستعد ويستعد غيرنا من إخواننا طلبة العلم إلى الدعوة إلى الله في شتى بقاع الأرض، سواء في قرانا أو غيرها، فما نصيحتك لطالب العلم في دعوته إلى الله عز وجل ما هي الخطوات التي يسلكها؟ وبماذا تحثونه عليه؟
الجواب
قبل كل شيء النية الخالصة، أن ينوي الإنسان بدعوته إلى الله عز وجل نشر دين الله في عباد الله، وتعليم الجاهل، وإرشاد الضال.
هذا قبل كل شيء.
ثانياً: أن يدعو بالحكمة؛ بالرفق وباللين وبالمناقشة على وجه هادئ إذا احتيج إلى المناقشة.
ثالثاً: ألا يتدخل في أمر لا يدركه، مثل أن يفتي بما لا علم له به، فإن الإفتاء بغير علم من أكبر الذنوب؛ لأنه يقول على الله ويفتري على الله، ولهذا قرنه الله تعالى بالشرك في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] فإذا سئل عن شيء لا يعلمه فيقول: أنا لا أعلم، ولكن من حقكم علي أن أسأل وأبلغكم، أو يرشدهم إلى من يسألونه حتى تبرأ بذلك ذمته، ولكن مع ذلك أقول: إذا كان يقوم بالدعوة غيره واستفادته من طلب العلم أكثر من استفادته في المواعظ والدعوة إلى الله، فليستمر في طلب العلم حتى ينضج، وليوازن بين فائدة هذا وهذا.(65/14)
المسارعة بالزواج لمن كان مستطيعاً ولو رفض الوالدان
السؤال
أنا شاب أخشى على نفسي الفتنة شديد التوقان إلى النكاح، ولي مصدر مالي لا بأس به ووالدي مقتدر، وقد أخبرت أهلي مرات ومرات في هذا الشأن، ولكن جوابهم دائماً: الزواج مسئولية وأمانة، والذي جعلك تصبر إلى هذا الوقت يجعلك تصبر حتى تنهي دراستك الجامعية وتتوظف.
فضيلة الشيخ: أرجو إبداء رأيك في شأني، وأرجو إسداء النصح لوالدي، وما تنصحني به؟ علماً بأني قادر على الزواج وأستطيع الإنفاق على نفسي وزوجتي والمسكن مهيأ، ولكن لم يبق إلا موافقة الوالد.
الجواب
أقول: توكل على الله، ومن الليلة ابحث عن زوجة، ولا تطع والدك، وهنا أمران: أمر والدك بالانتظار، وأمر نبيك بالحث على النكاح، فأيهما تقدم؟ أمر النبي عليه الصلاة والسلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج) وهذا الرجل حسب سؤاله مستطيع، المال عنده والبيت عنده وكل شيء، فليتزوج، فإن اكتفى بواحدة وإلا ففي ثانية، وإن لم يكتف بثانية فثالثة، وإن لم يكتف بثالثة فرابعة، وإن لم يكتف برابعة فليشتر أمة، والإماء له ما شاء.
الخلاصة: أقول: لا تطع والدك تزوج واستعن بالله.
أما بالنسبة للوالد: فإني أحذره من أن يمنع أولاده من النكاح، وأقول: إذا طلب الولد النكاح وهو فقير وأنت غني يجب أن تزوجه من مالك، فكيف إذا كان هو سيزوج نفسه؟ وأقول للوالد: اتق الله، لو أنك في وضع الولد الآن ومنعك أحد من النكاح ألا يكون في قلبك عليه شيء؟ الجواب: بلى والله، فليتق الله، ولييسر الأمر لولده.
وكذلك بالنسبة للبنات، بعض الناس يمنع بناته من النكاح بحجة أنها لم تكمل الدراسة، فيقال: متى خطب الكفء فزوجه ولا تنتظر الدراسة، المرأة في الحقيقة مطالبة بشئون البيت، أما الدراسة والتوسع فيها فهذا للرجال، والنساء مأمورات بشئون البيت، قال الله تعالى لأطهر النساء في خير القرون: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب:33] وانظروا إلى البلاد التي عايشت المرأة فيها الرجل ماذا يحصل؟ يحصل فساد وبلاء ومصاحبة، ومفاسد لا يعلمها إلا الله، لكن لو أن الرجل سعى بما يلزمه مما هيأه الله له قدراً وشرعاً والمرأة كذلك؛ لكمل الشعب واستراح يأتي الرجل إلى البيت فيجد كل شيء كاملاً، يخرج إلى السوق فيجد أنه هو الذي يباشر الأعمال وهو الذي يباشر الوظائف، وللنساء بيوت وللرجال وظائف، كلٌّ يسعى فيما يكمل به الآخر المرأة تكمل لزوجها الراحة وشئون البيت، والرجل يكمل لزوجته جميع المئونة، ولو أننا مشينا على ما جاءت به الشريعة في هذا الأمر لحصل خير كثير.
فإذا خطب كفء فزوج واستعن بالله ولا ترد المرأة، والإنسان إذا رد بناته مرة بعد أخرى عزف الناس عنهن ثم بقين لا أزواج لهن.(65/15)
حكم طواف من كانت حائضاً ثم قطعت الدم بحقنة
السؤال
تقول السائلة: فضيلة الشيخ! حججت هذا العام، وفي أثناء طواف الإفاضة نزلت علي العادة، فأخبرت طبيبة الحملة بذلك فقالت: سوف أعطيك إبرة توقف عنك الدم لمدة ست ساعات، وفعلاً توقف الدم ست ساعات، فطفت وسعيت، وبعد ست ساعات جاءت الدورة، فهل ما فعلته صحيحاً أم ماذا؟
الجواب
إذا كان الوقوف طهراً كاملاً والنساء يعرفن الطهر فلا بأس يكون طوافها صحيحاً، وأما إذا لم يكن طهراً صحيحاً فقد طافت قبل أن تطهر، وطواف المرأة قبل طهرها باطل وغير صحيح.(65/16)
توجيه لمن انشغل بعمله عن طلب العلم وعن الخشوع في الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! لي أعمال كثيرة أبحث فيها عن الرزق تقوم بشغلي عن طلب العلم النافع، وهذا العمل يشغلني حتى أحياناً في وقت صلاتي بالتفكير، فهل أنا مؤاخذ على هذا العمل؟
الجواب
أما بالنسبة لشغل العمل عن طلب العلم فلا حرج؛ لأن طلب العلم فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الآخرين.
وأما إشغاله عن الصلاة فاستمع إلى قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون:9] فلا تخسر، حاول أن تحضر قلبك كما أحضرت جسمك للصلاة، وألا تنشغل فيما سواها، وعوِّد نفسك على هذا حتى تجد لذة الصلاة، وحتى تكون صلاتك ناهية لك عن الفحشاء والمنكر.(65/17)
نصيحة لمن لا يوقظ أهله للفجر بسبب خروجه للأذان
السؤال
فضيلة الشيخ! والدتي تنام عن صلاة الفجر وأنا أخرج قبل الأذان فلا يمكنني أن أقوم بإيقاظهم إلى الصلاة لا هي ولا إخواني، فلا تصلي، فهل يجوز لي أن أسكب عليها الماء، أو أن أسحب شرشفها الذي تتغطى به؟ وهل هذا مخالف للبر بالوالد؟
الجواب
أولاً: أنصح هذا السائل ألا يخرج إلى المسجد قبل الأذان، ما دام الذين في البيت محتاجين إليه فلا يخرج ويبقى حتى يؤذن ثم يوقظهم، ويستعمل كل الأساليب التي يحصل بها الإيقاظ، لكن بدون إزعاج، والماء لو صبه على وجه الوالدة أزعجها بلا شك، لكن إذا سحب الشرشف منها بلطف ولين فهذا لا يضر، المهم نشير عليه ألا يتقدم إلى المسجد، بل يصبر حتى يؤذن ويوقظ أمه وإخوانه وهو على خير.
مداخلة: هو مؤذن المسجد.
الشيخ: ليس فيه إشكال، يذهب ويؤذن ثم يرجع ويوقظهم.(65/18)
اللقاء الشهري [66]
بدأ الشيخ لقاءه بمقدمة، ثم بدأ بتفسير آيات من آخر سورة الفرقان المتحدثة عن أوصاف عباد الرحمن، فذكر أنهم لا يشهدون مجالس الغيبة التي فيها منكرات، وأنهم بعيدون عن اللغو الذي لا فائدة منه، وأنهم إذا نسوا شيئاً من أمر الله فذُكّروا ذكروا ورجعوا وأنابوا.
وذكر أن من دعائهم أن يرزقهم الله الذرية الطيبة التي تقر بها الأعين.
ثم ذكر أن جزاء هؤلاء جنات فيها غرف وغيرها من النعيم المقيم، ولهم الخلد فيها جزاء أعمالهم الطيبة والصبر على ذلك.(66/1)
تفسير بعض آيات من سورة الفرقان
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخليله وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وترك أمته على محجة بيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة: فهذا هو اللقاء الشهري الذي يتم كل شهر في ليلة الأحد الثالثة من كل شهر، وهذا الشهر هو شهر ربيع الأول عام (1420هـ) .(66/2)
تفسير قوله تعالى: (والَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ)
نبتدئ هذا اللقاء بما انتهينا إليه فيما سبق من تفسير آخر سورة الفرقان.
ذكر الله تبارك وتعالى أوصاف عباد الرحمن وسبق كثير منها، ومن أوصافهم: أنهم {لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72] .
(لا يشهدون الزور) أي: لا يشهدون المنكر من القول والعمل، أي: لا يحضرونه ولا يجلسون إليه؛ لأن شهود الزور يحصل به إثم الزور، بمعنى: أن الإنسان إذا قعد مع قوم على زور فإنه مثلهم وإن لم يعمل عملهم، ودليل ذلك قول الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} [النساء:140] فهذا يعني أنكم إذا قعدتم إذاً تكونوا مثلهم {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} [النساء:140] فهم لا يشهدون الزور وإذا لم يشهدوا الزور، لن يعملوا به.
وإنه بهذه المناسبة يشكو كثيرٌ من الناس اليوم حضور اجتماعات الزفاف؛ لأنهم يقولون: لا تخلو كثيرٌ من ليالي الزفاف إلا وفيها منكر، فماذا نصنع؟ هل نحضر مع كرهنا لذلك أو لا نحضر؟ الجواب يا إخواننا أن نقول: إذا كان الإنسان بحضوره يستطيع أن يمنع المنكر وجب عليه أن يحضر؛ وذلك لسببين: أولاً: أن إجابة وليمة العرس واجبة بالشروط المعروفة.
ثانياً: أنه يستطيع إزالة المنكر، ومن استطاع أن يزيل المنكر وجب عليه أن يزيله، فإن لم يستطع فلا يحضر؛ لأنه إذا حضر شاركهم في الإثم.
يقول بعض الناس: إذا لم أحضر يغضب القريب والصديق، فنقول: وليكن ذلك؛ لأنك إذا أغضبته أرضيت الله، وهل ينبغي للمؤمن أن يراعي رضا الناس دون رضا الله؟! لا والله، إن من التمس رضا الناس بسخط الله؛ سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن التمس رضا الله بسخط الناس؛ كفاه الله مئونة الناس، فلا تبالِ يا أخي، وإذا قال لك قريب: لماذا لم تحضر؟ تقل: لو اتقيت الله لحضرنا، ولا نبالي، ولا نحابي أحداً في دين الله، وتقول له بصراحة: لو أنك تخليت عن هذا الأمر الذي هممت به لأجبتك، أما أن تقيم هذه الحفلة المحرمة، وتريد مني أن أحضر، فهذا لا يمكن.
كذلك أيضاً، يوجد أناسٌ يجلسون عند الذين يغتابون الناس، وغيبة الناس من الزور بلا شك، فتجده يجلس ويستمع إلى الغيبة، ويقول: إني كارهٌ لذلك، فهل هذه الدعوى صحيحة؟ ليست صحيحة؛ لأنه لو كان كارهاً لذلك حقيقةً ما جلس، وإذا جلس مع الذين يغتابون الناس وإن لم يشاركهم في الغيبة فهو مشارك لهم في الإثم.(66/3)
تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً)
يقول الله تعالى في وصف عباد الرحمن: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72] واللغو هو الذي ليس بزور وليس بمشروع ومحبوب، يمرون به مر الكرام (مروا كراماً) أي: بعيدين عن اللغو، وهذا أيضاً يقع كثيراً بين الناس، تجد الناس الآن في الاستراحات، وفي الدواوين، وفي البيوت، تجد كثيراً من كلامهم لغواً لا فائدة فيه، هؤلاء إذا مروا باللغو مروا كراماً، يسلمون من اللغو ويأتون بالخير والنصيحة.(66/4)
تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ.)
ثم قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً} [الفرقان:73] أي: إذا نسوا شيئاً من طاعة الله، ثم ذكرهم أحد بذلك قبلوا وسمعوا وأبصروا، فلم يخروا عليها صماً وعمياناً، وإنما يتلقونها بالقبول والراحة، ويقومون بما يجب عليهم.
إن بعض الناس -والعياذ بالله- إذا ذكر بآيات الله استنكف واستكبر، وقال: من أنت حتى تأمرني؟ من أنت حتى تنهاني؟! أنا أكبر منك أنا أعلم منك!! وهذا محرم، الواجب إذا ذكرك أحدٌ بطاعة الله أن تتذكر وألا تخر على ذلك أصم أعمى.(66/5)
تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا.)
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] يسألون الله سبحانه وتعالى أن يهب لهم من أزواجهم وذرياتهم قرة أعين، أي: ما تقر به العين؛ من معاشرة طيبة، وصلاح، وتعاون على البر والتقوى، وغير ذلك مما تقر به عينه.
{وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] وهذه أفضل وأعلى من التي قبلها، أي: اجعلنا أئمة للمتقين في التقوى، والدعوة إلى الله، والخير والبر، وهذه -والله- تساوي الدنيا كلها؛ أن تكون إماماً للناس في تقوى الله عز وجل، بحيث يضرب بك المثل، وتتبع أقوالك وأفعالك، ويقتدي الناس بك، والمتقون: هم الذين قاموا بطاعة الله، واجتنبوا ما نهى الله عنه.(66/6)
تفسير قوله تعالى: (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا.)
قال تعالى: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} [الفرقان:75] هذا جزاؤهم، والغرفة هي الجنة، وسميت بذلك لأنها غرف فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نسأل الله أن يجعلني وإياكم من ساكنيها {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} [الفرقان:75] أي: بسبب صبرهم.
قال أهل العلم: والصبر ثلاثة أقسام: 1/ صبر على طاعة الله.
2/ صبر عن معصية الله.
3/ صبر على أقدار الله المؤلمة ولنضرب لكل واحدة مثالاً: الصبر على طاعة الله أن يقاوم الإنسان نفسه ويحملها على فعل الطاعة، فلو قام في آخر الليل في أيام الشتاء، ووجد الماء بارداً لكنه لا يضره، فإنه يحتاج إلى صبر، فليصبر، وإن تألم بالبرد، فإن إسباغ الوضوء على المكاره من الرباط.
هذا صبر على طاعة الله.
الصبر عن معصية الله أن تهون عليه نفسه النظر إلى النساء -مثلاً- ويحاول أن يمنعها.
هذا صبر عن محارم الله.
الصبر على أقدار الله لا يكاد يسلم أحد من بلاء من مرض من فقر من فقد أقارب من فقد أصحاب، والمصائب كثيرة، فليصبر على هذه الأقدار، ويتحمل، فإن الله تعالى مع الصابرين.
قال العلماء رحمهم الله: ومقام الناس بالنسبة لأقدار الله أربعة مقامات: الأول: الجزع.
الثاني: الصبر.
الثالث: الرضا.
الرابع: الشكر.
كل إنسان يصاب بمصيبة لا بد أن يكون على حال من هذه الأحوال.
الأول: الجزع وذلك أنه إذا أصيب بالمصيبة جعل يلطم خده، وينتف شعره، ويدعو بالويل والثبور، ويشق ثوبه وهذا عليه وزر، أو إذا مات عليه قريب جعل ينوح عليه نوح الحمام ولا يصبر، والنوح على الأموات من كبائر الذنوب، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة، أي: التي تنوح والتي تستمع لها.
ومن الناس -والعياذ بالله- من يزيد على هذا فيصعد إلى الجبل عند المصيبة ويتردى منه؛ فيهلك نفسه، أو يشرب سماً، فيقتل نفسه، أو يقتل نفسه بحديدة، ولا يصبر، وهل هذا الذي يفعل هذا الفعل ينجو من المصيبة؟ لا والله، بل لا يزداد إلا حسرة؛ لأنه إذا مات وهو الذي قتل نفسه فإنه يعذب بما قتل به نفسه في نار جهنم، نسأل الله العافية! وما فعله هذا إلا كالمستجير من الرمضاء بالنار.
الثاني: الصبر وهو أن يتجرع مرارة المصيبة، يتعب نفسياً من المصيبة، لكنه قد حمى سمعه وبصره وجوارحه، ويتحمل، فإن زاد على ذلك الاحتساب، أي: احتساب الأجر من الله على الصبر فهذا نور على نور.
الثالث: الرضا ومعناه: أن الإنسان إذا أصيب بمصيبة قال: هذه من عند الله، ورضي بها واستسلم، ولم يكن في قلبه ذلك الحزن البالغ الذي قد يحمله على مكروه، بل يقول: أنا عبد الله عز وجل يفعل بي ما شاء، إن أصابني بضراء صبرت فكان خيراً لي، وإن أصابني بسراء شكرت فكان خيراً لي.
الرابع: الشكر لكن كيف يشكر الإنسان على المصيبة؟ يشكر على المصيبة من وجهين: الوجه الأول: أنه إذا قاسها بما هو أعظم شكر الله.
الثاني: أنه إذا قاسها باعتبار أجرها شكر الله؛ لأن الأجر خيرٌ من المصيبة: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10] .
نرجع إلى الآيات قال الله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً} [الفرقان:75] تتلقاهم الملائكة بالتحية والسلام، وإدخال الأنس والسرور، وغير ذلك مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
{خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} [الفرقان:76] (خالدين فيها) أي: في الغرفة، والمراد غرفات الجنات (حسنت مستقراً ومقاماً) والفعل إذا بني على (فعُل) فمعناه التعجب، أي: ما أحسنها مستقراً ومقاماً! أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من ساكني هذه الغرف، وأن يتوفانا على الإيمان، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.(66/7)
الأسئلة(66/8)
بعض مكفرات الذنوب
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا فعل الإنسان منكراً وأصابه بسبب هذا المنكر مرضٌ، فهل هذا ابتلاءٌ من الله أم لا؟
الجواب
إذا أذنب الإنسان ذنباً وأصيب بمرض؛ فإن هذا المرض يكفر الله به عنه، بل إذا أصابته شوكة كفَّر الله بها عنه، بل إذا اغتم واهتم كفَّر الله بها عنه، كما جاء ذلك في الحديث صريحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من نعمة الله عز وجل؛ أن الإنسان إذا أصيب بمرض فإن ذلك يكون تكفيراً عن سيئاته، أو همَّ فإن ذلك يكون تكفيراً عن سيئاته.(66/9)
حكم حضور الأفراح مع وجود منكرات مخفية
السؤال
أغلب أفراحنا -ولله الحمد- ليس فيها منكرات، اللهم إلا إذا دخل الرجال إلى صالات الطعام وهي قريبة من صالات النساء فقد نسمع أحياناً أصواتاً نسميها طقاقات، فهل هذا منكر؟ وهل يجب علينا الخروج بعد أن حضرنا إلى هذا الطعام والنفوس مشتاقة إلى هذا الطعام اللذيذ؟ أقول: هل علينا الخروج بعد أن ترفض النساء خفض أصواتهن؟ وهل إذا علمت أن عند النساء منكراً في هذا الزواج ألا أحضر خصوصاً أنني لا أشاهده، فهو خاص بصالة النساء وصالة الرجال خالية من المنكرات؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
يقول أهل العلم رحمهم الله: إذا دعي شخص إلى وليمة وفيها منكر لا يقدر على تغييره، ولا يحضره ولا يشاهده ولا يسمعه؛ فإنه بالخيار إن شاء حضر، وإن شاء لم يحضر.
أما ما يتعلق بصالات النساء القريبة من محل الرجال، فالنصيحة: أن تكون الجدران التي تلي مجالس الرجال مختومة، ليس فيها شيء يمضي معه الصوت، وأن يكون الصوت خفيفاً بقدر ما يسمعه من في الصالة من النساء، فإذا استعمل الناس هذا، وصارت صالة النساء منفردة مختومة لا تصل أصوات النساء إلى الرجال، وصارت الأصوات خاصة بالصالة فهذا لا بأس به، وليحضر ولا حرج عليه.(66/10)
حكم الغناء مع المعازف
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأي فضيلتكم فيما يفعله بعض الرجال في تجمعات الرجال وأفراحهم من الغناء بدون المعازف ومع المعازف؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الغناء مع المعازف حرام، إلا ما استثني، والذي استثني هو الدف، والدف هو: الطار الذي لم يختم من كل جانب، بمعنى: أن فيه جانباً واحداً يدق عليه، والثاني مفتوح، هذا يسمى الدف وهو من المعازف لكن رخص فيه في أيام العرس، كما جاءت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الطبل المختوم من الجانبين، أو الموسيقى، أو الربابة، أو ما أشبه ذلك؛ فهذه حرام ولا يجوز استعمالها، واستعمالها في الحقيقة منافٍ لشكر الله على نعمة النكاح، ولا ينبغي لنا أن نبدل نعمة الله كفراً.(66/11)
بدعية الاحتفال بالمولد النبوي
السؤال
ذكرتم فضيلة الشيخ في تفسيركم لقوله تعالى: {لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان:72] الحديث حول الزور، فهل حضور حفل المولد من هذا الزور أم لا؟ وهل إذا دعي الإنسان لحضور محاضرة أو إلقاء محاضرة في مثل هذه الاحتفالات هل يحضر أم لا؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
أقول: إن الاحتفال بالمولد النبوي ليس معروفاً عن السلف الصالح، وما فعله الخلفاء الراشدون، ولا فعله الصحابة ولا التابعون لهم بإحسان، ولا أئمة المسلمين من بعدهم، وهنا نسأل: هل نحن أشد تعظيماً للرسول صلى الله عليه وسلم من هؤلاء؟! لا هل نحن أشد حباً للرسول من هؤلاء؟ لا فإذا كان كذلك فإن الواجب علينا أن نحذو حذوهم، وألا نقيم عيد المولد النبوي؛ لأنه بدعة أين الرسول صلى الله عليه وسلم منه؟ لماذا لم يقم عيداً لمولده؟ أين الخلفاء الراشدون؟ أين الصحابة؟ أهم جاهلون بهذا، أم كاتمون للحق فيه، أم مستكبرون عنه؟! كل هذا لم يكن، ولا شك أن كثيراً ممن يقيمون هذه الموالد يقيمونها عن حسن نية، إما محبة للرسول صلى الله عليه وسلم، وإما مضاهاةً للنصارى الذين يقيمون لعيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام عيداً لميلاده، فيقولون: نحن أحق.
ولكن هذا من التصور الخاطئ؛ لأنه كلما كان الإنسان أحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبعد عن البدع، لأنه إذا ابتدأ هذا وقال: إنني أتقرب إلى الله تعالى به، قلنا: أدخلت في دين الله ما ليس منه، وتقدمت بين يدي الله ورسوله، وإن قال: إنه عادة عندنا، قلنا: وهل تقام الأعياد بناءً على العادات أم بناءً على الشريعة؟! بناءً على الشريعة، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجدهم يحتفلون بعيدين لذكرى انتصار وقع لهم، فنهاهم عن ذلك، وقال: (إن الله أبدلكم بخيرٍ منهما: عيد الأضحى وعيد الفطر) فكيف تقيمون عيداً؟! فإن قالوا: نحن نقيم هذا العيد إحياءً لذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالجواب: أولاً: لم يصح أن مولده كان في اليوم الثاني عشر.
ثانياً: لو صح فذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم تتكرر كل يوم، أليس المسلمون يقولون في كل يوم: أشهد أن محمداً رسول الله في الأذان؟ بلى، بل إن الإنسان في كل صلاة يقرأ التشهد ويقول: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) الذكرى دائماً في قلب المؤمن وليست خاصة بليلة معينة، ولكن نظراً إلى أن كثيراً من الناس يجهلون مثل هذا الأمر، ويجهلون خطورة البدعة؛ استمروا فيها، ولكني -والحمد لله- أتفاءل خيراً أن كثيراً من الناس اليوم -ولا سيما الشباب منهم- عرفوا أن هذه البدعة لا أصل لها ولا حقيقة لها.(66/12)
معنى قوله تعالى: (مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا)
السؤال
فضيلة الشيخ! ما نوع (مِن) في قوله تعالى: {مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا} [الفرقان:74] ؟ وهل يدعو بذلك المتزوجون فقط أم يفعل ذلك الجميع؟ أحسن الله إليك.
الجواب
(مِن) هذه للبيان، وليست للتبعيض، أي: أنهم عينوا ما طلبوا بالأزواج والذرية، وهذا يشمل المتزوج وغير المتزوج؛ لأن غير المتزوج مقبل على الزواج والذرية، فهو يسأل الله تعالى أن يهب له من أزواجه اللاتي يتزوج بهن، وأما المتزوج فالأمر فيه ظاهر، فتكون دعوة غير المتزوج دعوة لما يستقبل من أمره، وأما المتزوج فهي دعوة لما هو عليه الآن.(66/13)
اختيار الزوجة لا يتوقف على رضا الأبوين
السؤال
فضيلة الشيخ! قد عقدت زواجي على امرأةٍ لا ترضى عليها أمي؛ لا لدينها، وإنما لا تحبها لأنها لم ترق لها فقط، ما هي نصيحتك يا شيخنا مع العلم أني قد عقدت عليها؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
أقول: بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير.
النكاح لا أحد يتدخل فيه، لا أم ولا أب، إلا إذا رأوا شيئاً يخل بالدين، لأن هذا خاص بالإنسان نفسه، كما أنه في الأكل -مثلاً- إذا قال له أبوه: لا تقرب الأرز، فهل يتركه؟ لا يتركه، هذا شيء يتعلق بالإنسان نفسه وشخصه، فإذا أحبَّ الإنسان أن يتزوج من امرأة وقالت له أمه: لا تتزوج بها، يسأل: هل فيها عيب في دينها، أو عفتها، أم ليس فيها شيء؟ قالت: ليس فيها شيء لكني لا أريدها، نقول: يتزوجها وبارك الله لهما وعليهما وجمع بينهما في خير.
ولكن يجب عليه بعد ذلك أن يحاول الإصلاح بين زوجته وأمه، حتى تستقر الأوضاع، ويحصل الاجتماع بين الرجل وأمه وزوجته، فإن لم يمكن هذا وصار اجتماعهما في بيت واحد يؤدي إلى النزاع والشقاق، في الصباح في شقاق وفي المساء في شقاق، فلا حرج عليه أن ينفرد بمسكن وحده مع زوجته.(66/14)
حكم سفر المتزوج بدون أهله لغير حاجة
السؤال
فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ظهر في الآونة الأخيرة سفر بعض الشباب الصالحين إلى خارج المملكة عزاباً، ويتركون زوجاتهم وأولادهم، وسفرهم هذا لغير حاجة، إضافةً إلى ما يحصل لأولادهم من إهمالٍ وضياعٍ نرجو منكم التوجيه وجزاكم الله خيراً.
الجواب
هذا والله من المؤسف؛ أن الإنسان يسافر ويترك أهله، وهم محتاجون إليه في النفقة، ومحتاجون إليه في الأنس به، ومحتاجون إليه في التوجيه والتربية، ثم يذهب إلى بلاد ربما يحصل له فيها شر في عاداتهم وأخلاقهم وعباداتهم، فنصيحتي لهؤلاء: أن يتقوا الله في أنفسهم، ويتقوا الله في أهليهم، ويبقوا في بلادهم، وإذا أرادوا أن يسافروا سافروا بأهليهم إلى مكة والمدينة وإلى ما فيه خير لهم، أما أن يذهبوا ليتلفوا أنفسهم ويصدوا عن أهليهم؛ فهذا خطأ، سفه في العقل، وضلال في الدين.(66/15)
حكم بيع ما ليس عنده
السؤال
فضيلة الشيخ! وفقكم الله ونفع بكم إذا علمت أن شخصاً يبحث عن سلعة معينة، فهل يجوز أن أبيعه هذه السلعة مع أني لا أملكها، لكن بعد أن آخذ منه المبلغ أذهب وأشتري هذه السلعة من السوق بسعر أقل من المبلغ الذي أخذته منه؟ نرجو التوضيح، ولكم جزيل الشكر.
الجواب
هذا ليس بجائز، صورة المسألة: أن يأتي شخص إلى آخر ويقول: أريد السلعة الفلانية، وليست عنده، فيبيعها عليه، ويأخذ الثمن ويشتري بأقل مما باع به، فهذا ليس من النصح في شيء، ثم هل هو ضامن أن يجد هذه السلعة؟ قد يكون رآها عند شخص من الناس، وهذا الشخص قد باعها، وخرجت من ملكه، فيبقى بينه وبين المشتري نزاع.
وقد يقول قائل: إن السلم كان معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو: أن يأتي الرجل إلى صاحب البستان ويقول: هذه ألف ريال تعطيني بها ثمراً من النخل أو زرعاً أو حباً من الزرع بعد سنة.
هذا جائز وعمل به الصحابة، لكن قضيتنا ليست سلماً، القضية بيع حاضر بحاضر، فاعتمد على ما كان يظنه من أن السلع موجودة في المكان الفلاني، ثم لم يجدها، فماذا يكون؟ يكون نزاع، ويقول هات ذلك: التي بعتها لي، فيقول: لم أجدها!! ثم إذا قدر أن وجودها مضمون، فكيف يغش صاحبه؟! يبيعها عليه بألف ويشتريها بثمانمائة، هذه المعاملة محرمة، وعلى المرء أن يتقي الله عز وجل، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام رضي الله عنه أن يبيع ما ليس عنده.(66/16)
حكم لبس الأطفال الملابس الضيقة والقصيرة وكذلك القصات الغريبة
السؤال
فضيلة الشيخ! كثيراً ما نرى في مجالس النساء الفتيان والفتيات الصغار ذوي السبع سنوات أو نحوها وهم يرتدون الملابس القصيرة أو الضيقة، أو بقصات غريبة، أو قصات للفتيات الصغيرات تشبه قصات الأطفال الذكور، فإذا تكلمنا مع الأم ونصحناها احتجت بأنهم مازالوا صغاراً، فنرجو من فضيلتكم التكرم بالبيان الشافي لقضية لباس الأطفال وقص شعورهم، وبارك الله فيكم.
الجواب
من المعلوم أن الإنسان يتأثر بالشيء في صغره، ويبقى متأثراً به بعد الكبر، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نأمر الصبيان بالصلاة لسبع سنين ونضربهم عليها لعشر؛ ليتعودوا، والطفل على ما اعتاد، فإذا اعتادت الطفلة الصغيرة أن تلبس القصير الذي يصل إلى الركبة، والقصير الذي يصل إلى العضد أو الكتف؛ ذهب عنها الحياء، واستساغت هذه الملابس بعد كبرها، كذلك بالنسبة للشعر، فالمرأة لا بد أن يكون لها شعر يتميز عن شعر الرجال، فإن جعلت شعرها كشعر الرجال فقد تشبهت بهم، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال.
وليُعلَم أن الأهل مسئولون عن هؤلاء الصبيان، وعن توجيههم وتربيتهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته) فالحذر الحذر من الإهمال! وليكن الإنسان جاداً في توجيه أبنائه وبناته، حريصاً عليهم حتى يصلحهم الله تبارك وتعالى ويكونوا قرة عين له.(66/17)
حكم منع الزوجة من الحضور إلى الحفلات المشتملة على منكر
السؤال
فضيلة شيخنا حفظه الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: من المنكرات الظاهرة في حفلات الأعراس: ما تلبسه كثيرٌ من النساء من الملابس المفتوحة والشفافة وشبه العارية، فهل يجب على الزوج أن يمنع زوجته من حضور الزواجات بسبب هذه المنكرات؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
يجب على الزوج -واستمع لكلمة (يجب) - أن يمنع زوجته من حضور الحفلات التي تشتمل على منكر؛ لأنه مسئولٌ عن الزوجة، ويجب على الزوجة أن تمتثل أمر زوجها؛ لأن هذا حقيقة الزوجية، أعني: طاعة الزوج في غير معصية الله، حتى إنَّ بعض العلماء يقول: للزوج أن يمنع زوجته من الخروج من البيت مطلقاً إلا للصلاة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) ولا يجوز للزوجة أن تتسخط من منع الزوج لها من حضور هذه الحفلات المنكرة، بل عليها أن تشكر الله أن يسر لها زوجاً يحميها من المعاصي.(66/18)
حكم التبرع بأعضاء الميت
السؤال
فضيلة الشيخ! توفي لي أحد الأقارب، فهل يشرع لي التبرع بأحد أعضائه؟ وإذا كان ذلك مشروعاً، فهل الأفضل التبرع أم عدمه؟ جزيتم خيراً.
الجواب
ما أظن أحداً يفعل هذا، إذا مات الميت فهو محترم كالحي تماماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كسر عظم الميت ككسره حياً) وقد ذكر فقهاء مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أنه لا يجوز أن يقطع شيء من الميت ولو أوصى به الميت، حتى لو قال الميت مثلاً: إذا مت فخذوا الكلية أو القلب أو العين، أو ما أشبه ذلك، فإنه لا يجوز أن تنفذ وصيته.
وكذلك الحي لا يجوز أن يتبرع بشيء من أعضائه، ولا لأمه وأبيه، فلو فرضنا أن الأم فيها فشل كلوي، وقرر الأطباء أنه لا بد من أن يتبرع ابن لها بإحدى كليتيه، فلا يحل له أن يفعل؛ لأن الكلية إذا أخذت من شخص فإنه تبقى له واحدة، وهذه الواحدة لو مرضت فربما يؤدي إلى هلاكه، لأنه قد أخذ إحدى الكليتين.
فلا يحل لأحد أن يتبرع بشيء من جسده، لا في حياته، ولا بعد موته، إلا شيئاً واحداً وهو الدم، فيجوز للإنسان أن يتبرع بدمه، بشرط ألا يتضرر بسحبه منه، وأن ينتفع به المريض، والفرق بينه وبين الأعضاء: أن الدم يخلفه دم آخر، فإذا سحب من العروق عوض بدل ذلك دمٌ آخر، وحينئذٍ لا يكون متضرراً بأخذ هذا منه.(66/19)
حكم من شهد أناساً يصلون وقد صلى
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأيكم في من يقف حول المسجد أثناء أداء الصلاة في هذا المسجد في مثل هذه الليلة، حتى تنتهي الصلاة ثم يدخلون المسجد لحضور هذا اللقاء المبارك هل عملهم هذا صحيح، أم الأفضل أن يدخلوا في الصلاة مع الإمام فتكون لهم نافلة؟
الجواب
عملهم صحيح، فلا يأثمون عليه، ولكن الأفضل أن يدخلوا المسجد ويصلوا مع المسلمين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لرجلين رآهما قد تخلفا عن صلاة الفجر في مسجد الخيف في منى، فجيء بهما ترعد فرائصهما هيبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (ما منعكما أن تصليا في القوم؟ قالا: يا رسول الله! صلينا في رحالنا، قال: إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها -أي: الصلاة الثانية- لكما نافلة) .(66/20)
حكم البيع والشراء وقت الجمعة لمن صلى مبكراً
السؤال
فضيلة الشيخ! يصلي بعض الناس الجمعة في جوامع تخرج بسرعة، ثم يأتون إلى السوق ويحصل بيع وشراء والصلاة لم تنته في هذا الجامع والخطبة أحياناً، ما حكم البيع والشراء في هذه الساعة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
لا بأس به، ما داموا قد أدوا صلاة الجمعة فإنه لا بأس أن يحضروا ويبيعوا ويشتروا، ولو كان المسجد الذي إلى جانبهم لم يصل بعد، اللهم إلا إذا كانوا قريبين من المسجد بحيث يشوشون على المصلين؛ فيمنعون.(66/21)
حكم زواج الغريب بنية الطلاق
السؤال
ما حكم السفر إلى الخارج والتزوج بعقد صحيح ومهر، وجميع شروط الزواج، لكن بنية الطلاق؟
الجواب
هل أحد يتزوج امرأة إلا لتبقى معه! هذا هو الأصل، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم:21] فليس المقصود من الزواج أن الإنسان يقضي وطره وشهوته فقط، نعم هذا من مقصود النكاح، لكن المقصود الأول هو أن تكون سكناً يسكن إليها، وتبقى معه إلى أن يفرِّق الله بينهما إما بموت أو طلاق، أما النكاح بنية الطلاق فالعلماء مختلفون فيه: منهم من أجازه، ومنهم من منعه.
لكن هنا شيء آخر: سمعت أن بعض الشباب يذهب إلى بعض البلاد ليتزوج فقط، ليس له غرض إلا أن يتزوج، وتجده يجلس مع هذه المرأة لمدة أسبوع أو عشرة أيام ثم يطلقها، وهذا لم يقل أحد من العلماء بجوازه، العلماء ذكروا الجواز فيما لو كان شخص غريب في بلد، وخشي على نفسه؛ فله أن يتزوج بنية أنه إذا غادر البلد طلقها.
هذا محل الخلاف، أما أن يذهب إلى البلد بقصد أن يتزوج فهذا لم يقل أحد بجوازه، إلا من يرى جواز المتعة كـ الرافضة، وهذا رأي باطل أبطلته السنة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المتعة: (إنها حرام إلى يوم القيامة) .(66/22)
حكم الكدرة والصفرة قبل وبعد الحيض
السؤال
فضيلة الشيخ! نرجو توضيح قولكم في الكدرة والصفرة قبل وبعد الحيض، علماً بأن المرأة تقول: إن حيضي لا بد أن يتقدمه يوم كدرة أو صفرة، وبعض النساء تقول: لا بد أن يعقب حيضي صفرة بصفة دائمة، أرجو توضيح ذلك بتفصيل.
الجواب
الذي نرى أن الصفرة قبل الحيض ليست بشيء، وأن الصفرة بعد الحيض ليست بشيء، وأن الصفرة في أثناء الحيض شيءٌ لأنها لم تطهر بعد.
فمثلاً: إذا كانت عادة المرأة خمسة أيام، ورأت الدم في اليومين الأولين، وفي اليوم الثالث رأت صفرة، وفي اليوم الرابع والخامس رأت دماً، فالصفرة هذه التي بين الدمين تعتبر من الحيض، أما لو رأت صفرة لمدة يومين أو ثلاثة أو أكثر، ثم جاء الحيض، فالصفرة هذه ليست بشيء، أو طهرت وانتهت أيامها ثم رأت الصفرة فليست بشيء.
إذاً الصفرة إما أن تكون قبل الحيض، أو بعد الحيض، أو في أثناء الحيض، والذي يعتبر حيضاً هو ما كان في أثناء الحيض فقط.(66/23)
حكم تصغير الأسماء المعبدة لله تعالى
السؤال
ما حكم تصغير الأسماء التي فيها تعبيد لله عز وجل، مثل: عبود لعبد الله؟
الجواب
لا بأس أن يصغروها؛ لأنهم لا يقصدون بذلك تصغير اسم الله عز وجل، إنما يقصدون بهذا تصغير المسمى، عبد الله يسمونه عبيد الله، ليس فيها شيء، وبعضهم يقول: عبود، أيضاً ليس فيها شيء، وعبد الرحمن بعضهم يسمونه عبيد الرحمن، ليس فيها شيء، وبعضهم يسمونه تحيم، هذه أيضاً ليس فيها شيء؛ لأن التصغير إنما يقصد به تصغير المسمى لا تصغير اسم الله الكريم.(66/24)
حكم كشف المرأة وجهها أمام الأجانب
السؤال
ما حكم كشف وجه المرأة؟ ولعله يقصد كشف الوجه أمام الرجال الأجانب.
الجواب
كشف المرأة وجهها أمام الرجال الذين ليسوا بمحارمها محرم، وقد بينا ذلك في رسالة صغيرة تسمى: رسالة الحجاب، وذكرنا فيها من الأدلة من القرآن والسنة والمعنى ما لو طالعه الإنسان تبين له الحق.(66/25)
حكم لبس الحجاب الأبيض أو غيره إذا كان من عادة البلد
السؤال
فضيلة الشيخ حفظك الله! هل يجوز للمرأة أن تتحجب بلباس أبيض أو أخضر أو غيره من الألوان إذا كان هذا عادة عند قومها، خاصةً إذا حوربت من بعض الجهات إن هي لبست جلباباً أسود؟
الجواب
لا بأس -إذا كان هذا عادة أهل البلد- أن تلبس الثياب البيض، لكن ليس على شكل ثياب الرجال، واللون لا عبرة به، لكن بشرط: أن يتميز ثوبها عن ثوب الرجل، أما إذا لم يكن من عادة بلدها فإن الواجب أن تتبع عادة أهل البلد، تلبس الثياب السود أو الخضر أو الحمر حسب العادة وتغطي جميع وجهها.(66/26)
حكم ملاصقة الأرجل في الصلاة
السؤال
أرجو من فضيلتكم بيان الحكم الشرعي الصحيح لملاصقة الأرجل مع من يجاور المصلي.
الجواب
كان الصحابة رضي الله عنهم إذا قاموا في الصف يلصق أحدهم كعبه بكعب صاحبه ومنكبه بمنكبه وذلك لغرضين: الغرض الأول: تحقيق المساواة.
والغرض الثاني: سد الفرج.
وليس إلصاق الكعب بالكعب مقصوداً لذاته، بل هو مقصود لغيره، وهو تحقيق المساواة والتراص، وبناءً على ذلك: يتبين أن ما يفعله بعض الناس الآن من كونه يفرج بين رجليه ويحنف الرجل من أجل أن تتلاصق الكعاب لا أصل له، فالصحابة لم يقولوا: كان الرجل يفرج بين رجليه حتى يمس كعب صاحبه، بل قالوا: إنهم يتراصون حتى إن أحدهم ليمس كعبه كعب صاحبه.
لكن بعض الناس لا يتأنى في فهم النصوص حتى يعرف المراد، وإلا فلا يمكن أن يدعي أحد أن المعنى: أن الرجل يفرج رجليه، ويبقى أعلى البدن متباعداً، هذا غير ممكن، ولا أحد يقول بهذا.(66/27)
حكم تحريك الأصبع في التشهد وكيفيتها
السؤال
هذا يا شيخ يريد تطبيق عملي لتحريك الأصبع في التشهد.
الشيخ: أصح الأقوال عندنا في تحريك الأصبع: أنه يحرك كلما دعا الإنسان، مثلاً: إذا قال: رب اغفر لي، يرفع الأصبع وارحمني، يرفع الأصبع، وكل جملة دعائية يرفع الأصبع، في التشهد: السلام عليك أيها النبي، فيه دعاء، يرفع أصبعه السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، يرفع أصبعه اللهم صل على محمد، يرفع أصبعه اللهم بارك على محمد، يرفع أصبعه أعوذ بالله من عذاب جهنم، يرفع أصبعه ومن عذاب القبر، يرفعها المهم أنه يرفع أصبعه عند كل دعاء، ولهذا جاء الحديث: (كان يحركها يدعو بها) والمعنى واضح؛ لأنه يرفعها إلى الله عز وجل الذي يدعوه.(66/28)
حكم صلاة المفترض خلف مفترض مع اختلاف النية
السؤال
فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: الرجاء من سماحتكم توضيح القول في صحة صلاة من يصلي المغرب خلف من يصلي العشاء، مع حصول المخالفة، حيث لم تتوافق الصورة الظاهرة، وكيف الجواب على قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه) ؟
الجواب
السؤال يقول: هل يجوز للإنسان أن يصلي خلف إمام يخالفه في النية؟ مثلاً: الإمام يصلي العشاء فدخل إنسان معه ليصلي المغرب، النية مختلفة هل يجوز أن يدخل معه مع اختلاف النية؟ الجواب: يجوز، وما المانع؟ وهذا لا يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه) لأن هذه الجملة فسرها الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: (إذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا) .
أما اختلاف صلاة المأموم فلا تضر؛ لأن هذا المأموم إن دخل مع الإمام الذي يصلي العشاء في أول ركعة، انتهت صلاة المغرب إذا قام الإمام إلى الرابعة، فلينفرد عن الإمام، ينوي الانفراد ويقرأ التشهد ويكمل ثم يقوم مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء.
وإن دخل مع الإمام بنية المغرب والإمام في الركعة الثانية من صلاة، العشاء فيسلم معه ولا يضر، وبعض الناس يقول: إذا دخل معه في الركعة الثانية سوف يجلس في الركعة الأولى، فنقول: يجلس في الركعة الأولى؛ لأن الأولى له هي الثانية للإمام، كذلك إذا قام الإمام إلى الرابعة فكان عليه هو أن يجلس؛ لأن من يصلي المغرب يجلس في الثانية، وهنا لا يجلس بل يتبع الإمام، فصار يتشهد في غير موضع التشهد، ويترك التشهد في موضع التشهد، نقول: هذا الاختلاف لا يضر، أرأيتم لو دخل مع الإمام في الظهر بنية الظهر لكن دخل في الركعة الثانية، فهل تختلف صورة صلاته أم لا؟ تختلف، فإنه إذا دخل مع الإمام بنية الظهر، والإمام يصلي الظهر، لكن دخل في الركعة الثانية، سوف يتشهد في الركعة الأولى، ويترك التشهد في الركعة الثانية، ويتشهد في الركعة الثالثة، وهذا لا يضر، لأن ما كان من غير صلاته، وإنما فعله تبعاً للإمام لا يضر؛ لأنه مأمور بمتابعة الإمام.(66/29)
حكم عمل المساج من وراء الثياب أو مباشرة
السؤال
ما رأي فضيلتكم فيما يفعله بعض الفتيات مع بعضهن بعضاً، أو الفتيان مع بعضهم بعضاً من عمل المساج، وهو: أن يرقد الشخص على بطنه -مثلاً- ويقوم الآخر بتدليك ظهره وجنبيه ورقبته وكتفيه وساقيه وربما فخذيه، وأحياناً يكون ذلك من وراء ثياب، وأحياناً يكون التدليك مع مباشرة الجلد، وربما وضع المدلك دهناً يدلك به، خصوصاً أن مثل هذه الظاهرة تكثر في سكن الكليات والجامعات لكلا الجنسين؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
إذا فعله الزوج مع زوجته أو الزوجة مع زوجها فهذا لا بأس به؛ لأنه مهما كان الأمر فهو مباح حتى لو تحركت شهوته في هذه الحال فليقض شهوته لأنه مع امرأته، أما إذا كان مع غيرهما ففيه فتنة، فلو أن شاباً فعل ذلك مع شاب ألا يخشى أن تثور شهوته؟ بلى، ولو فعلتها امرأة مع امرأة يخشى كذلك أن تثور شهوتها؛ لأن المرأة تشتهي كما يشتهي الرجل، فلا أرى هذا جائزاً إلا مع الزوج وزوجته، كذلك لو فرضنا أن رجلاً شيخاً كبيراً له بنات وطلب منهن أن يغمزن ظهره فهذا لا بأس به؛ لأن الشهوة هنا بعيدة جداً، والرجل كبير يحتاج إليه، فمع حاجته وبعد الشهوة نقول: لا بأس به إن شاء الله.(66/30)
حكم لعب الشطرنج والورق عموماً
السؤال
فضيلة الشيخ! أحسن الله إليك ما حكم لعب الورق التي ليس فيها صورة أرواح وغيرها؟ وما حكم لعب الشطرنج، واللعب بالزهر، علماً أنهم لا يضيعون أوقات الصلاة؟ أجيبونا مأجورين وجزاكم الله خيراً
الجواب
هذا محرم عند كثير من علمائنا المعاصرين: الشطرنج والورقة، وممن قال بتحريمه شيخنا أبو عبد الله عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله.(66/31)
كيفية اعتداد المطلقة مع عدم انتظام دورتها
السؤال
فضيلة الشيخ! امرأة طلقت طلاقاً بائناً، والدورة الشهرية ليست منتظمةً لديها؛ فقد تتأخر الشهر والشهرين لا تأتيها الدورة، فكيف تكون عدة هذه المرأة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
المرأة التي تحيض عدتها ثلاث حيض، سواء طالت المدة أم قصرت، وعلى هذا لو طلق الإنسان زوجته بعد وضعها، فالعادة أن المرأة إذا كانت ترضع لا يأتيها الحيض، فنقول: تبقى هذه المرأة حتى يأتيها الحيض بعد الرضاع وتحيض ثلاث مرات؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] هذا هو الواجب.(66/32)
حكم من تقاضى راتبه دون عمل
السؤال
فضيلة الشيخ! أحسن الله إليكم تُلزَم بعض الشركات من قبل الدولة بتوظيف عددٍ معين من الموظفين خلال العطلة الصيفية، فتقوم بعضها بتوظيف بعض الشباب وظائف رمزية؛ بحيث تُسجل أسماء موظفين عندها، وتقول: تعالوا في آخر الشهر لاستلام الرواتب، حيث اكتفت الشركة من الموظفين، فما حكم عملهم ذلك؟ وما حكم من توظف فيها في سنين سابقة واستلم منها رواتب؟
الجواب
هذا العمل أو هذه العملية فعلتها الحكومة -جزاها الله خيراً- لسببين: السبب الأول: إشغال الطلبة عن إضاعة الأوقات، والفراغ الذي قد يكون سبباً لمآسي كثيرة.
السبب الثاني: تمرين الشباب على العمل.
وبعض الشركات يكون عندها عمَّال تستغني بهم، فإذا قدم الشباب إليها طلباً قالت: أنا أعطيكم الراتب، ولا تعملوا واذهبوا لأهلكم، وهذا لا يفي بغرض الدولة؛ لأن الدولة إنما فعلت هذا لسببين: السبب الأول: إشغال الشباب عن ضياع الأوقات.
الثاني: تمرن الشباب على العمل.
والشركة إذا قالت: خذ هذا الراتب ولا تشتغل لم تف بالغرض.(66/33)
حكم مصافحة المرأة الأجنبية
السؤال
تنتشر في بلادنا مصافحة الرجال للنساء المحرمات عليهم، فهل عليَّ حرجٌ في مصافحة النساء القواعد من أقاربي إذا خشيت حصول الجفاء؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
لا يجوز للإنسان أن يصافح امرأةً ليست من محارمه، حتى ولو كانت كبيرة؛ لأنه كما يقال: لكل ساقطة لاقطة.
والكبيرة ربما تكون كبيرة السن لكن لحمتها لحمة شابة فتحصل الفتنة.
وخلاصة الجواب: لا يجوز لإنسان أن يصافح امرأةً، إلا من كانت زوجته أو من محارمه.(66/34)
حكم ترك بعض السنن خوفاً من وقوع فتنة
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز ترك بعض السنن خوفاً من وقوع فتنة، أو افتراقٍ بين المسلمين؟
الجواب
كأنه -والله أعلم- يريد ترك رفع اليدين مثلاً في الصلاة، لأن بعض العلماء يقول: إن رفع اليدين في الصلاة خاص بتكبيرة الإحرام فقط، وينكرون على من يرفعون أيديهم عند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد، فهل الأفضل أن أخالف ما هم عليه اتباعاً للسنة، أو الأفضل أن أترك السنة تأليفاً لقلوبهم؟ الثاني أولى، لكن مع ذلك لا يترك السنة تماماً بل يعمل بها في بيته، ويعلم هؤلاء أن الحق في رفع اليدين، ثم إذا اطمأنوا إلى قوله رفعوا أيديهم.(66/35)
حكم تسمية المدينة بالمدينة المنورة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم تسمية المدينة المنورة بهذا الاسم؟
الجواب
اشتهر عند الناس لقب المدينة المنورة، ولكن هذا حدث أخيراً، فكل كتب السابقين يقولون: المدينة فقط، أو يقولون: المدينة النبوية، والمدينة المنورة في الواقع ليس خاصاً بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن كل مدينة دخلها الإسلام فهي منورةٌ بالإسلام، وحينئذٍ لا يكون للمدينة النبوية ميزةٌ إذا قلنا: المدينة المنورة، لكن مع هذا لا نقول: إنه حرام، بل نقول: هذا لقب جرى الناس عليه فلا بأس به، لكن الأفضل أن نقول: المدينة النبوية.(66/36)
حكم من ترك صلاة الجماعة تهاوناً
السؤال
هل على الإنسان شيءٌ إذا ترك صلاة الجماعة تهاوناً بدون عذر؟
الجواب
إذا ترك صلاة الجماعة تهاوناً بدون عذر ثم صلى منفرداً، فإن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى أن صلاته باطلةٌ؛ لأنه يرى أن الجماعة شرط لصحة الصلاة، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كل يعلم منزلته في العلم والأمانة والدين والفهم، فقوله قوي، لكنه ضعيف من وجه، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) وهذا يدل على أن صلاة المنفرد صحيحة، وإلا لما كان لها فضل، فرأي شيخ الإسلام في هذا ضعيف.
والصواب: أن صلاة الجماعة واجبة وليست شرطاً لصحة الصلاة، وأن من لم يصل مع الجماعة فهو آثم، عاصٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مشابهٌ للمنافقين الذين تثقل عليهم الصلوات، حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) .
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء المبارك، ونسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على الخير في مثل هذه الليلة من الشهر القادم إن شاء الله تعالى.(66/37)
اللقاء الشهري [67]
في بداية العام الدراسي يلتحق بحلق التعليم آلاف الطلاب من الكبار والصغار على مختلف فئات العمر والمراحل الدراسية، فكان لابد من الحديث عن استقبال العام الدراسي الجديد وكيف نستقبله.
وفي هذا اللقاء بيّن الشيخ ملحوظات دقيقة وتوجيهات سديدة للطلاب، ثم بعد ذلك أجاب عن الأسئلة التي وردت إليه في هذا اللقاء.(67/1)
وقفات في استقبال العام الدراسي الجديد
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى على حين فترة من الرسل، وانطماس من السبل، أرسله بدين كامل منظم للخلق في عباداتهم ومعاملاتهم وأخلاقهم وأحوالهم، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، حتى في آخر حياته عليه الصلاة والسلام وهو يوصي أمته: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم) فلم يدع وقتاً ولا لحظة إلا وهو يرشد أمته للخير، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الشهري الذي يتم في الجامع الكبير في مدينة عنيزة، يتم في هذه الليلة ليلة خمس وعشرين من شهر جمادى الأولى عام (1420هـ) .
فنسأل الله عز وجل الذي يسر مثل هذه اللقاءات أن يجعلها لقاءات مباركة نافعة، اللهم اجعلها لقاءات مباركة نافعة لنا ولإخواننا المستمعين ولإخواننا الذين يسمعون.
وما دمنا في استقبال عام دراسي جديد كما ذكر ذلك أخونا الشيخ/ حمود بن عبد العزيز الصايغ وهو معلوم، فإن من الأجدر والأولى أن نتكلم فيما ينبغي أن نستقبل هذا العام الجديد به.
فنقول: هذا العام كغيره من الأعوام يدخل حقل التعلم الصغار والكبار، من أولى ابتدائي إلى آخر الجامعة والدراسات العليا، كل واحد منهم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كلكم يغدو -يخرج في الغداة- فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) .
إن علينا في استقبال هذا العام أن نلاحظ الملاحظات الآتية:(67/2)
إخلاص النية لله عز وجل في الدراسة
أولاً: ما الذي جاء بنا إلى حقل التعليم من مدرسة أو معهد أو جامعة؟ هل نحن جئنا لننال حظاً من الدنيا، أو جئنا لننال حظاً من الدين؟ يختلف الناس: فبعض الناس لا يأتي إلا من أجل أمر الدنيا، وبعض الناس يأتي لأمر الدين، ليتعلم أمور الدين فيقيم نفسه ثم يقيم غيره، ولا غرو ولا عجب في هذا؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) وهذا مثال وإلا فجميع الأعمال على هذا المنوال.
الذي يريد أن يتعلم الدين ليعمل به ويعلم الناس هل يفوته شيء من العلم؟
الجواب
لا.
والذي يتعلم للدنيا إن لم يفته شيء من العلم وصار كالأول فقد اختلفا اختلافاً عظيماً في الثواب والأجر، لذلك أحث إخواني طلبة العلم أن تكون نيتهم خالصةً لله، وأعني بذلك: طلبة العلم الشرعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من طلب علماً مما يبتغى به وجه الله يريد عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة) والعياذ بالله! وتأمل قوله: (مما يبتغى به وجه الله) لأن العلوم أنواع، والعلوم التي يبتغى بها وجه الله هي العلوم الشرعية التي يحيا بها دين الله عز وجل، أما الأمور الدنيوية كعلوم الحساب والهندسة وما أشبهها فهذه للدنيا من أصلها وفرعها.
فعليك -يا أخي- بالإخلاص لله عز وجل في طلب العلم.
وقد يقول بعض الناس: إنكم إذا قلتم هذا منعتمونا من دخول المدارس والمعاهد والجامعات التي تمشي على النظام ويتدرج فيها الإنسان حتى يصل إلى الغاية؛ لأن كثيراً من الناس يريدون أن يقرءوا ليأخذوا الشهادة، فما الحل؟ أنترك هذه المدارس ونقول: عليكم بالدراسة في المساجد وفي البيوت أما هذه المدارس والمعاهد والجامعات فاتركوها، أم نصحح النية ونقرأ في هذه الجامعات؟ أيهما أولى؟ الثاني وهو أن نصحح النية، وكيف نصحح النية؟ من المعلوم في الوقت الحاضر أن الإنسان لا يمكن أن يرتقي إلى مكان ومنزلة ينفع بها الناس إلا إذا كان معه شهادة، ولهذا إذا قال: ليس معي شهادة، ركلوه، فإذا طلبت العلم في هذه المدارس والمعاهد والجامعات من أجل أن تنال الشهادة التي ترتقي بها إلى مكان تنفع الناس به، فهذه النية نية صحيحة يثاب عليه العبد، فأنت -يا أخي- ادخل المدارس والمعاهد والجامعات بنية أنك تريد شهادة تتمكن بها من نفع الناس تكون مديراً تكون وزيراً تكون أستاذاً؛ لأنه لا توجد مرتبة كهذه إلا إذا كان لديك شهادة.(67/3)
التحلي بالأخلاق الفاضلة
ثانياً: أحث طالب العلم على التخلق بالأخلاق الفاضلة؛ لأنه لا فائدة للعلم إلا أن تعمل به، ولهذا قال الله عز وجل: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم:1] وهذا العلم: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:2-4] .
فلا بد أن يكون طالب العلم على خلق فاضل، أسأل الله أن يهديني وإياكم لأحسن الأخلاق والأعمال حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) احرص كل الحرص على حسن الخلق، ومن حسن الخلق أنك إذا لقيت صاحبك فسلم عليه، قل: سلام عليك؛ لأن هذا من الأخلاق الفاضلة، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الأخلاق الفاضلة وعلى السلام بالذات، فقال في حق المسلم على أخيه: (إذا لقيته فسلم عليه) وقال صلى الله عليه وسلم: (والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) أظهروه وأعلنوه وأكثروا منه.
ولقد كان بعض السلف يدخل إلى السوق ليسلم على الناس كيف يدخل ليسلم؟! أليس الناس يدخلون السوق ليربحوا؟
الجواب
بلى.
وهذا يدخل ليربح، لأنه إذا سلم مرة كان له عشر حسنات، وهذا ربح عظيم.
فمن الخلق أن تسلم على من لقيت من المسلمين، وأما من غير المسلمين فلا تسلم عليهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن نبدأ اليهود والنصارى بالسلام وغيرهم كذلك.
فإذا قال قائل: إذا لقيت شخصاً هو أصغر مني فهل أبدؤه بالسلام، أم أقول: أنا أحق منه أن يبدأني بالسلام؟ أقول أيها الإخوة: لا تأخذك العزة بالإثم فتقول: أنا الأكبر لي الحق، فقد كان من خلق النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يبدأ من لقيه بالسلام، مع أنه أشرف الخلق وأعظم الخلق حقاً على الخلق ومع ذلك يبدأ من لقيه بالسلام، لا تقل: أنا أكبر منه، ابدأ أنت ولك الأجر ولك الأسوة الحسنة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالسلام إذن من الأخلاق الفاضلة، ومن السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
مسألة: هل يكفي من السلام أن تقول: مرحباً وأهلاً؟ لا يكفي؛ لأن الله تعالى ذكر السلام، وقال نبيه صلى الله عليه وسلم: (إذا لقيته فسلم عليه) ، وكذلك لا يكفي أن ترد على من سلم عليك وتقول: أهلا وسهلاً بأبي فلان، بل لا بد أن تقول: وعليك السلام، ثم ترحب.(67/4)
مساعدة الإخوان
من الأخلاق الفاضلة التي ينبغي لطالب العلم أن يتصف بها: مساعدة إخوانه إن احتاجوا للمساعدة، سواء كان في مال يقرضه إياه، أو في طعام يحمله له، أو في ورقة يعينه على نقلها، المهم أن تعينه كلما احتاج إلى معونتك؛ لأن ذلك صدقة -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة) فاحرص على نفع إخوانك، واعلم أن الجزاء من جنس العمل، فإذا أحسنت إلى إخوانك أحسن الله إليك، وأيهما أعظم: أن تحسن أنت إلى أخيك، أو أن يحسن الله إليك؟ الثاني أعظم، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) أي: أن عون الله للإنسان كعونه لأخيه.
ولا تظن أن طلب المعونة إنما يجاب إذا كان من زملائك، لا تظن هذا، بل هذا وغيره أيضاً، حتى من الجيران، فلو أن أحداً طلب منك أن تعينه فأعنه؛ فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.(67/5)
المثابرة في طلب العلم والمصابرة عليه
ومما ينبغي لطالب العلم إذا كان يريد العلم حقيقة: أن يثابر على العلم، أي: يداوم عليه ويصبر ولا يمل؛ لأن العلم صعب، والعلم إن أعطيته كلك أدركت بعضه، وإن أعطيته بعضك لم تدرك منه شيئاً، فاجتهد في المراجعة، واجتهد في المناقشة مع إخوانك بنية الوصول إلى الحق، اجتهد في تعاهد ما حفظت من العلم، وإذا قرأت تاريخ العلماء رحمهم الله تعجبت: كيف كانوا يصبرون هذا الصبر على طلب العلم؟! مع أنه ليس هناك كهرباء، ولا أدوات كتابية سهلة، الأشياء في ذلك الوقت كانت صعبة، ومع ذلك كانوا يبقون كل الليل يراجعون على قنديل يكادون لا يبصرون ما يقرءون، لكنهم جادون؛ لأنهم يعلمون أنهم في جدهم وطلبهم للعلم كالمجاهدين في سبيل الله عز وجل، ليس عملاً ضائعاً بل هو كالجهاد في سبيل الله، واسمع إلى قول الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً} [التوبة:122] (ينفروا) أي: في الجهاد، (كافة) لا يمكن هذا؛ لأنه لو نفروا كافةً في الجهاد لتعطلت شعائر الإسلام، فلهذا قال: {فَلَوْلا نَفَرَ} [التوبة:122] ومعنى (لولا) : هلَّا: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة:122] أي: وقعدت طائفة {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة:122] من الذين يتفقهون في الدين: النافرون أم القاعدون؟ القاعدون {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122] فانظر كيف جعل الله التفرغ لطلب العلم معادلاً للجهاد في سبيل الله.
إذاً: أنت يا طالب العلم مجاهد في سبيل الله، وحاجة الناس إلى العلم أشد من حاجتهم إلى الجهاد؛ لأن الجهاد في ناحية خاصة وعمل خاص، لكن العلم في كل نواحي الحياة، العلم يعرف الإنسان بعقيدته في ربه عز وجل يعرف كيف يتطهر، وكيف يتوضأ، وكيف يصلي، وكيف يزكي، وكيف يصوم، وكيف يحج، وكيف يجاهد.
والعلماء هم ورثة الأنبياء، وذلك في العبادة والخلُق والمعاملة والدعوة، إذا قاموا بهذا فقد ورثوا الأنبياء، أما العالم الذي لا يعمل بعلمه فليس بوارث للأنبياء، ولكن اعلم أنك ربما تطلب العلم وتتساهل في العمل به، لكن كلما طلبت العلم ازددت رغبةً فيما عند الله وحينئذٍ تعمل بالعلم، ولهذا قال بعض أهل العلم: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله.
سبحان الله! فالعلم الشرعي كله خير، فاعمل به تفز بربحه.(67/6)
دور الآباء في توجيه الأبناء
ولعل ما ذكرناه من التوجيه بالنسبة لطلب العلم كافٍ، وبقي النظر: البنون والبنات لهم راعٍ يرعاهم، إذا كانوا صغاراً فإن الذي يرعاهم ويدير شئونهم هو أبوهم أو أخوهم الأكبر.
(الرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته) فيجب على أولياء الأمور ورعاة البيوت أن يحملوا أهليهم على عبادة الله عز وجل، وعلى الحرص في طلب العلم، وأن يشجعوا الأولاد، يقول: تعال يا بني! ماذا حفظت اليوم؟ اقرأ عليَّ ما حفظت؛ حتى يتشجع ويعلم أن وراءه من يتابعه، وكذلك يقال في البنات شجعهم، احملهم على العلم، احملهم على العمل به، ألَّف قلبك إلى قلوبهم، لا تكن كبعض الآباء يكون في بيته كالخشبة المسندة لا يحرك ساكناً، فإن الإنسان مسئول عن أسرته ورعيته.
أسأل الله أن يعينني وإياكم على أداء الأمانة، والإنسان مؤتمن على أهله ولا بد أن يسأل: أين ذهبت يا ولدي؟ ماذا قال لك المدرس؟ ما هي دروسك؟ ويشجعه.(67/7)
دور المدرسين في تربية الطلاب
وكذلك أيضاً بالنسبة لرعاة التلاميذ في المدرسة، وهم الأساتذة والمدرسون والمدراء، يجب عليهم أن يقوموا بما هو أصلح من حسن التعليم، وقوة الملاحظة، والحزم، حتى لا يفوت الوقت على الطلاب، ويجب على الأساتذة أن يظهروا أمام الطلاب مظهراً جميلاً يرغبهم في الخير، ومن المؤسف أنك تجد بعض المدرسين يدخل الفصل عابس الوجه مقطباً لا يريد من أي طالب أن يسأل ولا أن يناقش، بل تجده إذا ناقشه أحد من الطلبة زجره ووبخه؛ لأنه ليس عنده علم فيخجل، إن أجاب بالخطأ فضح نفسه، وإن سكت فضح نفسه، فينتهر الطالب ويقول: اسكت اجلس، والطالب إذا نهره الأستاذ مرة فإنه سوف يستحسر ولا يسأل.
والذي ينبغي للمدرس أن يكون قوياً من غير عنف، حليماً من غير ضعف؛ حتى تستقيم له حياته مع تلاميذه.
وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
وإلى الأسئلة، نسأل الله أن يوفقنا فيها إلى الصواب.(67/8)
الأسئلة(67/9)
توجيه إلى سائقي باصات النساء وإلى النساء المتبرجات
السؤال
فضيلة الشيخ! من الملاحظ على مدارس البنات كثرة السائقين من المسلمين والكفار وأشكالهم عجيبة في التجمل، يقفون قريباً من أبواب المدارس وقد يكون معه محرم أو لا يكون إلا طفلاً صغيراً أو لا يوجد أحد معه.
ثانياً: المعلمات يلبسن ملابس مخالفة للحشمة والتستر فتحات وشفاف وضيق، فما توجيه فضيلة الوالد في ذلك؟
الجواب
أقول: إن الواجب على من يحمل النساء من طالبات أو معلمات أو موجهات أو مديرات أن يتقي الله في نفسه، وأن يبتعد عن أسباب الفتنة، ومن الفتنة: أن يخرج بأجمل ما يكون من اللباس وأحسن ما يكون من الهيئة، وكأن هذا اليوم يوم عرسه، وربما ينثر على نفسه من الطيب ما تفتتن به المرأة هذا ما أنصحه لله عز وجل، فإن تيسر أن يعرف الأمر من نفسه وإلا فالواجب أن يرفع أمره إلى المسئولين ويمنع، ولقد كانت الرئاسة العامة لتعليم البنات إذا رأت من أحد ما ينِمُّ عن فعل ما يفتتن به النساء فصلته، وهذا هو الواجب، وهي مشكورة إذا قامت بهذا.
أما بالنسبة للنساء فلا يحل للمرأة أن تركب وحدها مع السائق، حتى لو كان بينها وبين المدرسة مسافة قريبة فلا يحل لها ذلك؛ لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وما الذي يمنع أن يكون بينه وبينها كلام يَنِمُّ عن بلاء؟! قد لا يكون هذا في أول يوم ولا في ثاني يوم، ولكن مع كثرة المساس يقل الإحساس، ويتدرج مع المرأة شيئاً فشيئاً، لو لم يكن من ذلك إلا أنه يتلذذ بصوتها وتثور شهوته، والإنسان بشر، فلا يجوز للمرأة مهما كانت ومهما كان السائق أن تنفرد معه في السيارة.
وكيف إذا كانت المرأة شابة وكان قائد السيارة شاباً؟! إنها ظلمات بعضها فوق بعض، نسأل الله السلامة.
ثم إن على المتعلمات والمعلمات والمديرات وجميع النساء أن تخرج بثوب عادي، ولقد أحسنت الرئاسة صنعاً حيث جعلت الزي زياً واحداً، فجزاها الله خيراً، ولكن مع ذلك تريد الرئاسة الإصلاح وبعض النساء يردن الإفساد، تأتي بثوب جميل تحصل فيه الفتنة لمن شاهدها ثم تقتدي بها بقية النساء.
فالواجب تقوى الله عز وجل على الجميع، نسأل الله تعالى أن يحمي بلادنا من كل سوء وشر وبلاد المسلمين عامة.(67/10)
طرق الاستفادة من قراءة كتب العلم
السؤال
فضيلة الشيخ! كيف أستفيد من قراءتي لكتب العلم حتى لا تضيع سدىً؟
الجواب
أولاً: الناس يختلفون في هذا، بعض الناس يكون عنده قوة في الحفظ والذكاء، فيحفظ الكتاب بمجرد أن يمر عليه مرة واحدة ويفهم المعنى، وبعض الناس يكون عنده حفظ وليس عنده ذكاء، وبعض الناس عنده ذكاء وليس عنده حفظ، لكن الناقص يجب أن يحاول تكميل نفسه بكثرة المراجعة، ومن أحسن الشيء أن تقدر -مثلاً- خمسة أسطر وتحفظها وتكررها حتى تكون عندك مثل الفاتحة، ثم تنتقل إلى موضع آخر، ثم تعيد ما حفظته بالأمس، ولقد كنت -أتحدث عما كنت أفعله- أتحفظ المتن في العصر وفي الصباح أراجع فأجدني قد حفظت، وبعض الناس يقول بالعكس: أتحفظ في أول النهار وأراجع في آخر النهار فأجدني حفظت، والإنسان أمير نفسه.
ثانياً: إذا مرت بك فائدة عزيزة قلَّ أن تمر بك؛ فقيدها واجعل لك دفتراً خاصاً تقيد فيه هذه المسائل، ولهذا قيل: قيدوا العلم بالكتابة.
ثالثاً: احرص على أن تتباحث مع زملائك وتنهي الأمر إلى الشيخ، لأنه مع المباحثة يتفتح الذهن، ويتعود الإنسان على المناظرة، ونحن في هذا العصر محتاجون إلى جودة في المناظرة؛ لأن أهل الفسوق والفجور عندهم من قوة البيان وطلاقة اللسان ما قد يضيع الحق بباطلهم.(67/11)
أهمية النية في الأعمال
السؤال
فضيلة الشيخ! الطالب الذي يتجه لدراسة العلوم العلمية كالطب والهندسة وغيرها مما يخدم الناس، هل ينقص أجره أم لا؟ وكيف السبيل الصحيح لهذا؛ لأن الطلاب لو توجهوا إلى العلوم الشرعية لما وجد من يخدم في المجالات العلمية العملية؟ آمل التوضيح.
الجواب
هذه العلوم في حد ذاتها ليس فيها أجر؛ لأنها لا تَمُتُّ إلى الشريعة بصلة من حيث أن الشريعة لا تقوم إلا بها، إذ أن الشريعة تقوم بدونها، فهي في حد ذاتها ليس فيها أجر، لكن إذا نوى الإنسان بها سد حاجة الناس واستغناءهم عن غيرهم صار له الأجر بهذه النية، وقد رأيت كلاماً لبعض العلماء قال: إن مثل هذه الأمور تعلمها من فروض الكفاية؛ لأن الناس محتاجون إلى الصنعة، ومحتاجون إلى البناء، ومحتاجون إلى الأعمال التي يطلبها هؤلاء، والنية لها تأثير كبير في حصول الأجر، فتنوي أنت إذا لم يكن لديك رغبة في طلب العلوم الشرعية، تنوي بذلك أنك تريد أن تسد بعلمك حاجات المسلمين، فالناس محتاجون، وينبغي أن نكون أمة نستغني عن غيرنا.
والآن لو قلت لك: إننا نفتقر إلى غيرنا في أشياء كثيرة، لكن الحمد لله بدأت الأمور الآن تتحسن، وبدأت الصناعات الآن في بلادنا تتطور ونرجو لها مستقبلاً أزهر.(67/12)
حكم ما يمنع من وصول الماء إلى الجلد من غراء ونحوه
السؤال
فضيلة الشيخ! أصيبت بعض أصابعي بغراء قوي يصعب إزالته حيث أن هذه المادة تحجب الماء من الوصول إلى الجلد عند الوضوء، وإني عندما أقوم بإزالته يلحقني ضرر من ذلك، فماذا أصنع؟
الجواب
أولاً: ادفع، بمعنى: قبل أن تستعمل هذا الغراء اجعل على يدك قفازين من البلاستيك، فما دمت تعرف أنك سوف تمارس هذه المهنة فاجعل قفازين من البلاستيك، وهذه تمنع أن يعلق بك شيء من هذا الغراء.
ثانياً: إذا قدر أنك لم تلبس القفازين فهل الغراء لا يذوب بأي شيء، أم له أشياء تذيبه؟ له أشياء تزيله وهو البنزين أو القاز (الكيروسين) لكن ذكر لي بعض الناس: أن بعض الغراء لا يزيله بنزين ولا قاز، وأنه لا يذهب إلا إذا ذهب شيء من الجلد معه، فمثل هذا لا تلزم إزالته، ويكفي أن يمر عليه الماء، وإن حصل أن تمسحه مع مرور الماء عليه فهذا أحسن.(67/13)
السفر في طلب العلم
السؤال
فضيلة الشيخ! طالب العلم الذي يفارق أهله من أجل طلب العلم هل يزيده ذلك قربةً عند الله؟ وأرجوك يا شيخنا أن تذكر بعض فضائل طلب العلم التي وردت في الكتاب والسنة مما يشجعنا ويجعلنا نزداد في طلب العلم؟
الجواب
لا شك أن كون الطالب يبحث عن العلم حتى في بلاد أخرى ثم يهاجر إلى طلب العلم أنه أفضل ممن يطلب العلم في بلده، مع تساوي نوع الطلب ونوع العمل بالعلم؛ لأن هذا فارق الأوطان وفارق الأهل وفارق المألوف من أجل تحصيل العلم، فيكون هذا أفضل، كما أن الغالب أن الذي يسافر لطلب العلم يكون أكثر تفرغاً من الذي يطلب العلم في بلده؛ لأنه في بلده قد يشغله أهله في حاجاتهم أو غير هذا فيفوته خير كثير، ثم إن طالب العلم الذي يسافر في طلب العلم يلتقي بأناس لا يجدهم في بلده، والغالب أن الأصدقاء من البلد يلهون الإنسان، والأصدقاء من غير البلد ما داموا جاءوا كلهم لطلب العلم سوف يساعدونه على طلب العلم.
أما طلبه أن أذكر فضائل العلم فهذا موجود في الكتب.(67/14)
توبة شاب كان يسرق النقود من أبيه
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا شاب أبلغ من العمر خمس عشرة سنة -ملتزم ولله الحمد- وكنت أسرق من أبي بعض النقود وهو لا يعلم عني وهي مبالغ كثيرة لا أعلم قدرها، والله يعلم أني نادم على ما فعلت، والآن أنا عندي مسجد وأستلم منه مكافأة ولكن المكافأة تذهب مني إلى أهلي حيث أنني عليَّ التزامات، وهناك أناس قد سرقت منهم وأنا لا أستطيع إرجاعها إليهم فلا أملك نقوداً وأستحي منهم، فماذا أصنع؟
الجواب
أقول: هذا الأخ قد بارك الله له في عمره، فإن عمره خمس عشرة سنة، وقد سرق من أبيه وسرق من الناس وصارت عليه ديون كثيرة، نسأل الله أن يعينه على أدائها إلى أهلها، وما دام الرجل إمام مسجد وملتزم وعليه ديون، فإنه يجوز أن يدفع له من الزكاة ما يقضي به دينه؛ لأنه داخل في قوله تعالى: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة:60] لكن إذا خشي الإنسان أنه لو أعطاه ليقضي الدين صرفه في كماليات وترك الدين، فهناك لا يُعطه بل يذهب إلى الدائن ويسدد عنه.
بقي أن يقال: كيف يتخلص من قوم سرق منهم؟ هل يذهب إليهم ويقول: أنا سرقت منكم؟! لكن هناك حيلة، وهي أن يرسل بالبريد المضمون، ولكن وهذه فيها إشكال، وهو أنه قد لا يسلم إلى يد صاحبه، لكن بعض الناس يكتب: خاص يسلم بيده ولا يفتحه إلا هو، وهذا يكتب على الظرف وأحياناً يأتينا هكذا، فهنا إذا علمنا أنه وصل أرجو ألا يكون فيه بأس.
وهناك طريقة أخرى: ما دام أنه إمام مسجد فإنه يستطيع أن يذهب إلى صاحبه الذي سرق منه ويقول: هذه دراهم من رجل يقول لي سلمها لفلان فإني قد سرقتها منه.
وهذا صحيح؛ لأنه قال: من رجل، وهو رجل قد سرقها، وهذه أيضاً أحسن من الأولى؛ لأنه يطمئن إلى وصولها إلى صاحبها.
وهناك حل ثالث: أن يضعها في سيارة المسروق منه، أو يلقيها إلى بيته، لكن في السيارة أخشى أن يجدها أحد الركاب، لكنه إذا عين وقال: هذه إلى فلان وعين اسمه، فتبرأ الذمة إن شاء الله.(67/15)
السنة في الدعاء للميت بعد الدفن
السؤال
فضيلة الشيخ! شاركت في تشييع جنازة في إحدى مدن القصيم، وبعد الدفن ورش الماء وقف المشيعون للدعاء على الميت ولكنهم أطالوا الوقوف جداً وقالوا: هذه هي السنة، حيث ورد أن الوقوف ما يعدل ذبح جزور وتقسيم لحمه، فما صحة ذلك؟ ومتى يكون الوقوف؟ وما هي الأدعية الواردة؟ ومن لم يقف إلا قصيراً ثم ينصرف هل ينال الأجر الموعود به؟
الجواب
إذا فرغ الناس من دفن الميت فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: (استغفروا لأخيكم فإنه الآن يسأل) ، ولم يكن يدعو بهم دعاءً جماعياً بل كل إنسان يدعو لوحده، ولم يكن يطيل الوقوف، ومن عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا دعا دعا ثلاثاً، وعليه فيكفي أن تقف وتقول: اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له اللهم ثبته، اللهم ثبته.
اللهم ثبته، وتنصرف، وأما الجلوس أو الوقوف بقدر ما تنحر الجزور ويقسم لحمها فهذا قاله عمرو بن العاص رضي الله عنه وأوصى به، ولكن هذا ليس من الهدي العام للنبي صلى الله عليه وسلم ولا للصحابة، فهو أوصى به اجتهاداً منه رضي الله عنه، وقال: [حتى أراجع رسل ربي] أي: الملائكة الذين يسألونه.
والذي أرى: أن يؤخذ بما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال: وصية عمرو بن العاص رضي الله عنه اجتهاد منه، والسنة قائمة بعدم ذلك.(67/16)
حكم من أدركها الحيض وهي صائمة
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا نزل دم الحيض قبل المغرب بربع ساعة أو ثلث ساعة قبل الأذان وأنا صائمة صيام التطوع، فهل يجب عليَّ قضاؤه؟
الجواب
إذا نزل دم الحيض على الصائمة ولو قبل الغروب بلحظة بطل صومها، فإن كان صوماً واجباً وجب عليها أن تقضيه، وإن كان تطوعاً فهي بالخيار: إن شاءت قضته وإن شاءت لم تقضه، لكن إذا كان صومها لهذا اليوم تطوعاً لكونه يوماً معيناً فلا تقضي.
مثاله: امرأة من عادتها أن تصوم الإثنين والخميس، وفي آخر يوم الإثنين قبل الغروب أتاها الحيض ففسد صومها، فهل تقضي ذلك اليوم؟ الجواب: لا تقضه، لأنه صوم مسنون في يوم معين وقد فات اليوم، فهو سنة فات محلها.
مسألة: لو أن المرأة أحست عند الغروب بمغص الدم -دم الحيض- ولكن لم يخرج إلا بعد الغروب بخمس دقائق، فهل يفسد صومها؟ لا يفسد؛ لأنه لا يفسد إلا إذا خرج الحيض.(67/17)
كيف يكون المدرس أو المدرسة داعية إلى الله؟
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا معلمة في إحدى المدارس أعلم المواد العلمية، وتتوق نفسي لأن أكون داعية إلى الله وأحمل لهم التدريس ما الله به عليم، غير أني لا أجد صلةً بين تخصصي وبين ما أريد وهو الدعوة إلى الله، ولطالما وقفت حائرة عند سؤال بعض تلميذاتي: ما الغرض من دراسة هذه المادة؟ سؤالي يا فضيلة الشيخ: كيف أجعل من هذا التخصص البعيد عن الشرع وسيلة للدعوة إلى الله؟ ولي طلب أخير: أن تدعو الله أن يهديني ويهدي بي وأن يحلل عقدةً من لساني.
الجواب
أقول: إذا كانت المرأة أو الرجل يريد أن يكون داعيةً إلى الله وتخصصه في العلم الذي نجح فيه بعيد عن هذا الغرض؛ فإنه يمكن أن يدعو الله بما عنده من العلم الآخر ولو يسيراً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) وإذا كان تخصصه بشيء يتعلق بالأحياء فبإمكانه أن يشرح كيف ركب الله البدن، وكيف جعل فيه هذه القوى، البدن الآن فيه معامل مختلفة، انظر إلى طعامك كيف يدخل وكيف يخرج؟ ما الذي حوله من حاله الأولى عند دخوله إلى حاله الثانية عند خروجه؟ الله عز وجل، لكن بما أودع في الجسم من المعامل والتكريرات، فيمكن إذا كان هو عالم بهذا أن يدعو إلى الله بهذه الواسطة، كما قال الله عز وجل: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] إذا كان عالماً بالجيولوجيا والنبات فإنه يمكن أن يشرح للتلاميذ ما يتعلق بهذا مما يدل على كمال الله عز وجل وقدرته، وقد قال الله تعالى: {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} [الذاريات:20] .(67/18)
توبة المرابي
السؤال
فضيلة الشيخ! أبشرك بأن كثيراً من الذين يعملون في البنوك الربوية في قلق من عملهم، وقد رجع عدد منهم إلى الله وترك عمله ويسر الله له عملاً خيراً منه، ولكن سؤالي يا فضيلة الشيخ الذي حيرني: توبة المرابي كيف تكون: هل يخرج من جميع ماله المحرم الذي اكتسبه، أم ماذا يصنع؟ حيث أني قرأت لأهل العلم كلاماً مختلفاً: منهم من قال: يتخلص مما في يده من المال المحرم إن كان عالماً بالحرمة، فإن لم يكن فلا يخرج شيئاً، ومنهم من قال: له كل ما في يده قبل التوبة تسهيلاً له في التوبة، ومنهم من قال: يتخلص من الربا كله؛ لأن الله يقول: {فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة:279] فما هو الحكم الذي تؤيده الأدلة جزاك الله عنا خيراً، ويسر لإخواننا طريق الخلاص من كل محرم؟
الجواب
الذي يظهر لي: أنه إذا كان لا يعلم أن هذا حرام فله كل ما أخذ وليس عليه شيء، أو أنه اغتر بفتوى عالم أنه ليس بحرام فلا يخرج شيئاً، وقد قال الله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:275] .
أما إذا كان عالماً فإنه يتخلص من الربا بالصدقة به تخلصاً منه، أو ببناء مساجد أو إصلاح طرق أو ما أشبه ذلك.(67/19)
حكم خروج المتوفى عنها زوجها وقت العدة وما تمنع منه
السؤال
فضيلة الشيخ! امرأة معتدة عدة وفاة، وقد خلَّف زوجها أموالاً وعقاراً فكان من نصيبها فِلة، وبدأت تؤثث هذه الفِلة، فتقول: هل يجوز لي أن أذهب إلى الفِلة في وقت النهار لترتيب الأثاث في مكانه المناسب والإشراف عليه، أم يجب عليَّ البقاء في المنزل؟
الجواب
أرى أنه يجب عليها البقاء في المنزل الذي مات زوجها وهي فيه؛ لأن تأخير تأثيث الفِلة حتى تنتهي العدة لا يضر، لكن إن احتاجت إلى الخروج فإنها تخرج نهاراً وترجع ليلاً.
أما الأشياء التي تمنع منها المحتدة فهي: أولاً: التحلي أي: لبس الحلي بجميع أنواعه، سواء كان في اليدين أو في الأذنين أو على الرأس أو في الرجلين، المهم يجب عليها أن تتجنب جميع أنواع الحلي في أي مكان من بدنها.
ثانياً: يجب أن تتجنب كل لباس الزينة، كل ما يعد زينة، وأما ما لا يعد زينة فلها أن تلبسه، سواء كان أخضر أو أسود أو أحمر أو أبيض، ليس هناك لون يجب أن تتقيد به، المهم ألا يكون ثوب زينة، بمعنى: ألا يقال إن المرأة تجملت.
ثالثاً: الطيب يجب عليها أن تتجنب جميع أنواع الطيب، لا الدهن كالعود والورد ونحوه، ولا البخور، إلا إذا طهرت من الحيض فلا بأس أن تستعمل البخور شيئاً يسيراً.
رابعاً: تزيين الجسم فلا تكتحل، ولا تتورس كمحمر الشفاه مثلاً، ولا تتمكيج، فكل هذا ممنوع.
وأما الاغتسال فلها أن تغتسل كما شاءت في الليل أو في النهار، في الجمعة أو غير الجمعة، وكل هذا لا يضر.
خامساً: ألا تخرج من بيتها الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه، بل تبقى فيه ليلاً ونهاراً حتى تنتهي العدة؛ لأن الله قال: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة:234] أي: ينتظرن في بيوتهن أربعة أشهر وعشرة أيام.
وإن كانت حاملاً؟ فإلى وضع الحمل، طالت المدة أو قصرت، ولهذا يمكن أن تنتهي المرأة من الإحداد قبل أن يدفن زوجها إذا كانت حاملاً، بأن تكون -مثلاً- في الطلق حين مات الزوج، وحين خرجت روحه خرج الطفل من بطنها، نقول: هذه الآن انتهت عدتها وإحدادها، وإن بقيت عشرة أشهر فتبقى حتى تضع؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] .(67/20)
حكم مخالطة قاطع الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا عامل أعمل مع مجموعة من المسلمين في عمل، ولكني لم أشهد على هؤلاء العمال أنهم ركعوا لله ركعة عدا العيدين فقط لمدة عام، فما واجبي نحوهم وقد نصحتهم كثيراً؟ وما واجب صاحب العمل؟ وبماذا تنصحه؟ وهل يصيرون بفعلهم كفاراً يحرم أن أبدأهم بالسلام والتحدث؟ ولكم أفضل الجزاء.
الجواب
الواجب على من كان مشاركاً لهؤلاء في أعمالهم وهم لا يصلون أن ينصحهم أولاً، ويحذرهم من عقوبة الله سبحانه وتعالى، ويبشرهم بما لهم إذا قاموا بطاعة الله، فإن نفع بهم ذلك فهو ذاك، وإن لم ينفع وجب عليه أن يبلغ صاحبهم الذين يعملون عنده، يبلغه عن أحوالهم، وهذا الذي يعملون عنده يجب عليه أن يأمرهم بالصلاة، فإن لم يفعلوا وجب أن يسفِّرهم؛ لأنه لا خير فيهم، ولا يحل السكوت عليهم، بل الواجب أن ينصحوا أولاً ثم يسفَّروا إلى بلادهم ثانياً.(67/21)
اللقاء الشهري [68]
في هذه المادة يتحدث الشيخ عن تفسير بعض آيات سورة الفرقان، مع ذكر بعض الفوائد والتوجيهات، ثم بعد ذلك يجيب عن الأسئلة الواردة في هذا اللقاء.(68/1)
في ظلال سورة الفرقان
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الشهري الذي يتم في ليلة الأحد الثالث من كل شهر ما لم يوجد مانع، وهذا اللقاء هو الثامن والستون من اللقاءات الشهرية، وهذه الليلة هي ليلة الأحد السادس عشر من شهر جمادى الثانية عام (1420هـ) .
وسوف نتكلم في هذا اللقاء عما بقي من آيات آخر سورة الفرقان.
وقد انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان:77] ولا حرج علينا أن نعيد ما قبلها لما فيه من الفائدة.
يقول الله تبارك وتعالى: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً} [الفرقان:75] (أولئك) أي: الذين اتصفوا بتلك الصفات السابقة من قوله: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} [الفرقان:63] إلى هذه الآية: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} [الفرقان:75] والذي يجزيهم ذلك هو الله عز وجل، لكنه لم يسم للعلم به، والشيء المعلوم إذا لم يسم فلا حرج، أرأيتم قول الله عز وجل: {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً} [النساء:28] فإن الخالق هو الله، حذف لأنه معلوم.
إذاً: {يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ} [الفرقان:75] الذي يجازي هو الله عز وجل، وحذف لأنه معلوم، لا أحد يمكن أن يدخل أحداً الجنة إلا الله عز وجل، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن أهل الجنة إذا مروا على الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار واقتص لبعضهم من بعض الاقتصاص النهائي الذي يزيل الغل والحقد في الصدور، فإذا أتوا إلى باب الجنة وجدوه مغلقاً، يحتاجون إلى أن يشفع لهم أحد في فتحه، فيشفع النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا بعد أن وصلوا إلى الجنة فكيف إذا لم يصلوا إليها؟! لا يمكن الوصول إلى الجنة ولا يمكن جزاء الغرفة إلا من قبل الله عز وجل، وقولنا: الغرفة، المراد به الجنس، وإلا فهي أكثر من واحدة، كما قال تعالى: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ:37] غرفات: جمع غرفة، فالمراد بقوله: (الغرفة بما صبروا) المراد الغرفات وهي غرفات الجنات، كما قال عز وجل: {لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [الزمر:20] .(68/2)
أنواع الصبر
وقوله عز وجل: {بِمَا صَبَرُوا} [الفرقان:75] الباء هنا للسببية، أي: بسبب صبرهم، و (ما) مصدرية؛ لأن ما بعدها يؤول بالمصدر، وتقدير الكلام بعد (ما) المصدرية: بصبرهم، أي: يجزون الغرفة بصبرهم، والصبر: الحبس، ومنه قول العرب: قتل فلانٌ صبراً أي: محبوساً مقيداً.
والمراد بالصبر هنا الصبر على ثلاثة أمور: الأول: الصبر على طاعة الله.
الثاني: الصبر عن معصية الله.
الثالث: الصبر على أقدار الله.(68/3)
الصبر على الطاعة
فالصبر على طاعة الله: أن يحبس الإنسان نفسه على الطاعة فيتمها ويتقنها ويجيدها.
وهل يحتاج هذا إلى معاناة؟
الجواب
نعم يحتاج إلى معاناة، لا سيما مع ما شق في الطاعة، فإن الإنسان يجد معاناة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرباط من جملة أوصاف المرابطين: (وإسباغ الوضوء على المكاره) وفي رواية: (في السبرات) أي: أيام البرد؛ لأن أيام البرد يشق على الإنسان أن يتوضأ لبرودة الماء.
كذلك الصلاة تحتاج إلى معاناة وصبر، وليس الصبر في الصلاة على مجرد الحركات البدنية، فالحركات البدنية قد تكون سهلة مثل: القيام والركوع والسجود، هذا قد يكون سهلاً، لكن هناك صبر شاق متعب، وهو صبر القلب على عدم الوساوس، على عدم السرحان يميناً وشمالاً، وأكثرنا -نسأل الله أن يعاملنا بعفوه- أكثرنا يصلي ولكن قلبه ليس مصلياً، قلبه يجول يميناً وشمالاً، فهل نقول: إن هذا صابر؟ لا، ما صبر، فاحبس القلب، اجعله يتدبر ما تقول ويتأمل ما تفعل، فإذا قرأت الفاتحة فاصبر نفسك على أنك تخاطب رب العالمين جل وعلا، وإذا قلت: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] فالله يقول لك: حمدني عبدي، وإذا قلت: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] فالله يقول لك: أثنى عليَّ عبدي، إذا قلت: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] فالله يقول: مجدني عبدي، وإذا قلت: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل.
فاصبر قلبك على أنك تستحضر هذا المعنى العظيم.
ثم اذكر قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق:16] يعلم الوسوسة والذي يوسوس به، وحينئذٍ يكون هذا عوناً على حضور القلب، والشيطان سوف يهجم عليك، وإذا صددت القلب عن الهواجس في هذا الشيء فتح لك باباً ليس له قيمة ولا ينفعك لا في دينك ولا دنياك، فإذا سددته فتح آخر، لم يكن يطرأ على بالك أبداً وهلم جرا.
فاصبر قلبك واحبسه عن الهواجس، وأحضره معك في صلاتك.
هذا صبر على الطاعة.
والإنسان في الحج يجد مشقةً عظيمة في الزحام في الطواف في السعي في رمي الجمرات في الطريق، فاصبر نفسك، لا تقل: ليتني ما حججت هذا العام.
اصبر نفسك واحبسها على هذه المشقة.
وهذا صبر على طاعة الله.
وفي الصيام في أيام الصيف النهار طويل، والجو حار، والبدن يحتاج إلى رطوبة، فتنشف الأعضاء ويتألم الإنسان، ولكن اصبر نفسك، لا تتأسف على صوم تطوع، ولا تمل من صوم واجب.
وكذلك طاعة الوالدين، قد يأمرك الوالد بما لا تريد، لكن ليس عليك فيه ضرر وله فيه مصلحة، فاصبر عليه وإن كنت لا تريده.
والأمثلة على هذا كثيرة.(68/4)
الصبر عن المعصية
والقسم الثاني: الصبر عن المعصية، بمعنى: أن نفسك إذا دعتك إلى معصية فامنعها، ذكرها بالله، خوفها من العقوبة، فلو دعتك نفسك إلى أن تشرب الخمر -والعياذ بالله- وامنعها، وبين لها ما فيه من الضرر.
لو دعتك نفسك إلى الزنا بالعين أو بالأذن أو بالفرج فاصبر نفسك، وغض الطرف، وأعرض عن السماع، وحصن فرجك، وربما تجد من ذلك صعوبة لا سيما مع قوة الداعي وقلة المانع؛ فالداعي إلى الزنا في الوقت الحاضر قوي، فإذا نظرت إلى وسائل الإعلام وإلى الشيء الفاضح، سواء كانت مرئية أو مسموعة أو مقروءة تجده قوياً جداً، كذلك أيضاً الداعي إلى هذا قوة الشباب، والفراغ، والأمن، والنعمة، كل هذه من أسباب تسهيل الزنا والعياذ بالله! وإذا نظرت إلى المانع فإذا هو ضعيف الإيمان ضعيف، والرادع السلطاني ضعيف، انظر إلى البلاد يمينك وشمالك تجد أن الرادع هش، لا يقيمون الحدود، وسمعنا والعهدة على الناقل: أن في بعض قوانينهم أنه إذا كان الزنا بين رجل وامرأة باختيارهما ولا زوج للمرأة فإنه لا عقوبة!! نعوذ بالله! هذا تعطيل لحدود الله.
وإن كان لها زوج ورضي بذلك فلا عقوبة، وإن طالب فله حق! وهذا القانون باطل، والإعراض عن حكم الله واتباع هذا قد يؤدي إلى الكفر المحض والعياذ بالله.
فإذا صبر الإنسان نفسه مع قوة الداعي وقلة المانع كان هذا من الصبر المحمود.
أيهما أشد كلفة على الإنسان: الصبر على الطاعة، أو عن المعصية؟ الأصل أن الصبر على الطاعة أشد؛ لأن فيه حمل الناس على الفعل، والفعل أهون من الترك، لكن قد يكون في بعض الناس الصبر عن المعصية أشق عليه، ولكلٍ درجات مما عملوا.(68/5)
الصبر على أقدار الله
القسم الثالث: الصبر على أقدار الله وأقدار الله عز وجل هي ما يقدرها على العباد، وهي دائرة بين أمرين: بين الإحسان والعدل، كل ما يقدره الله على العبد من مصائب دائر بين أمرين: إما إحسان وإما عدل الإحسان: أن يقدر الله مصيبة على العبد ولا يعلم لها سبباً، هذه إحسان، وأما التي يعلم أن لها سبباً فهذا عدلٌ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى:30] .
وما منا أحد إلا يصاب، والمصيبة مصيبة الدين, ولهذا نقول في دعاء القنوت: اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا.
الدنيا مهما كانت مصيبتها فهي هينة، غاية ما فيها الموت، والموت انتقال من أدنى إلى أعلى بالنسبة للمتقين، قال الله عز وجل: {وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى} [النساء:77] مصيبة الدنيا سهلة بالنسبة لمصيبة الدين، مصيبة الدين -والله- أعظم وأشد على العاقل، أما الدنيا فكما قلت لكم أولاً: الحال لا تدوم وكما قيل: دوام الحال من المحال.
والثاني: أنها أنهى ما تكون أن توصل إلى الموت الذي لا بد منه.
والصبر على أقدار الله: ألا يتسخط الإنسان بقلبه ولا بلسانه ولا بجوارحه ألا يتسخط بقلبه بأن يسخط على الله عز وجل ويقول: كيف ابتلاني ولم يبتلِ فلاناً؟ يا أخي! من أنت؟ ألست عبداً لله؟! إذا كنت كذلك فالسيد يفعل بعبده ما شاء، ثم اعلم أنك لا تصاب بمصيبة وإن قلَّت إلا كُفَّر بها عنك سيئات أو رُفعت بها درجات، حتى جاء في الحديث: (إن الرجل ليطلب المفتاح من جيبه -يفتح الدار- ولا تقع عليه يده أول مرة يكتب له به أجر) لأنه يفزع، ويقول: لعله ضاع، أين وضعته؟ هذا الفزع يكتب له به أجر، إلى هذا الحد!! حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الشوكة يشاكها يثاب عليها) .
أنت مأجور، فكيف تتسخط من قضاء الله وقدره والخير لك؟! يقال: إن رابعة العدوية وهي من جملة العابدات أصيبت بمصيبة فقطعت أصبعها فلم تتأثر، فقيل لها في ذلك، قالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها.
ما شاء الله! أما التسخط باللسان: كأن يشكو الله عز وجل إلى الخلق، أو يقول: واويلاه! واثبوراه! وما أشبه ذلك.
وأما التسخط بالجوارح: فشق الجيوب، ولطم الخدود، ونتف الشعور، وما أشبه ذلك، ويوجد أناس يفعلون هذا، وأعظمه وأقبحه وأشده: الانتحار والعياذ بالله! يوجد أناس إذا أصيبوا بالمصائب التي يعجزون عنها ذهبوا يقتلون أنفسهم، ولقد حكى لنا نبينا صلى الله عليه وسلم قصة رجل جُرح فلم يصبر، ففعل ما لا يجوز فعله، فأوجب الله له النار.
والذي ينتحر تخلصاً من هذه المصيبة لن يتخلص، هو يظن أنه إذا مات استراح وليس كذلك، بل إذا مات فإنه معذب في نار جهنم بما قتل به نفسه خالداً مخلداً فيها أبداً.
ولهذا ننعى إخواننا الذين يذهبون إلى بلاد فلسطين المحتلة ويفجرون أنفسهم بين جمع اليهود، ويظنون بذلك أنهم يتقربون إلى الله، ولكن هذا لا يزيدهم إلا بعداً؛ لأنهم يقتلون أنفسهم والعياذ بالله! وقتل النفس من كبائر الذنوب، يُعذب في النار بما قتل به نفسه.
ولكننا لا نقول لهؤلاء: إنهم من هذا الصنف؛ لأنهم مجتهدون، يظنون أن هذا خير، والمتأول نرجو الله له العفو، لكن هذا العمل محرم شرعاً وليس من الجهاد في سبيل الله، وهو أيضاً خلاف المعقول فإذا قدرنا أنه قتل نفسه كم يقتل من اليهود؟ أكبر شيء اجعله يقتل خمسين أو مائة، فتأخذ اليهود بالثأر وتقتل مئات، وتزداد تعصباً لما ترى من استحلال البلاد، لكن أكثر الناس لا ينظر إلى العواقب ولا ينظر إلى الأمور العميقة.
المهم يا إخواني: أن الصبر على أقدار الله مواضعه ثلاثة، وهي: القلب، واللسان، والجوارح، هذه أنواع الصبر، فقول الله عز وجل هنا: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} [الفرقان:75] أي: بصبرهم، والصبر كما سمعتم ثلاثة أنواع.
واعلم أن مما يسليك في المصائب أن تنظر إلى من حولك، هل من حولك قد أصيبوا أم لا؟ إنك لن ترى إلا مصاباً مثلك، أو أعلى منك، أو دونك، لكن لا يخلو أحد من مصيبة، إلا من قصر عمره فهلك قبل أن تناله المصائب، هذا إن قدر وجوده.
فسلِّ نفسك بأقرانك وأصحابك، وقد كانت الخنساء ترثي أخاها صخراً وتقول:
ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن أسلي النفس عنه بالتأسي(68/6)
تفسير قوله تعالى: ((وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً))
{خَالِدِينَ فِيهَا} [الفرقان:76] خلوداً دائماً أبدياً، لا موت، ولا مرض، ولا نوم، ولا هم، ولا غم، ولا نصب، ولا تعب، حتى إن الرجل ليشتهي الثمرة على الغصن فيتدلى له الغصن حتى يأخذ الثمرة، قال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} [الرحمن:54] قال العلماء: إن الإنسان إذا اشتهى الثمرة انهزع الغصن بأمر الله عز وجل حتى يأخذ الثمرة بدون تعب.
لا فيها غم ولا خوف، يقول الله تعالى لهم: (أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً) هذا والله النعيم، رضوان الله أبدي لأهل الجنة.
اللهم اجعلنا من أهل الجنة.
{خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} [الفرقان:76] يعني: ما أحسنها! وهذه الجملة تفيد التعجب، أي: ما أحسن مستقرهم! وما أحسن مقامهم! فهم في نعيم ومستقر آمنين: {لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:48] .
{قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان:77] أي: لولا عبادتكم لم يعبأ الله بكم شيئاً ولأهلككم، ولولا دعاؤكم لأهلككم {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر:45] .
{فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} والخطاب للكفار {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً} [الفرقان:77] أي: سوف يكون العذاب لزاماً لكم لأنكم التزمتم الكفر في حياتكم فلزمكم العذاب بعد مماتكم.
اللهم نجنا من النار، اللهم نجنا من النار، اللهم نجنا من النار، وأسكنا دار القرار.
وإلى هنا ينتهي الكلام على الآيات الأخيرة من هذه السورة.
أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن تدبر كلامه وعمل به وصار قائده إلى جنات النعيم، إنه على كل شيء قدير.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(68/7)
الأسئلة(68/8)
خطر تتبع الموضات ولبس العباءات الفاضحة
السؤال
فضيلة الشيخ! مشكلة أراها انتشرت في مجتمعنا وابتلي بها أناس ذوو دين وخلق، ألا وهي لبس العباءات التي تكون على الكتفين مع تنوع أسمائها، مرة عمانية وأخرى فرنسية، فما قولك الفصل في هذه المسألة لعلنا نحصر هذه المشكلة قبل انتشارها بشكل أعظم؟ وأقترح على فضيلتكم -والأمر لكم- أن تكتب فتوى في ذلك وتوزع على مدارس البنات وغيرها من مجتمعات النساء.
الجواب
أولاً: أنا أرى أن شعبنا -والحمد لله- شعب محافظ، قد بنى سلوكه ومنهجه على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى ما درج عليه سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم، هذا معظم شعبنا ولله الحمد، ولا إشكال في ذلك، وأحب بكل قلبي ألا ننتهز الفرص كلما جاءتنا موضة ذهبنا نأخذ بها.
وهذه الموضات التي ترد إلينا: إما أن تخالف الشريعة وإما أن تخالف العادة، فإن كانت مخالفة للعادة دون الشريعة فإن اتباعها يعتبر سفهاً في العقل، إذ أي فرقٍ بين هذه العادة التي وردت والعادة التي نحن عليها؟ بل إن عاداتنا -والحمد لله- أقرب إلى الستر والمصونة من العادات الواردة.
أما إذا كانت مخالفة للشريعة فكيف يرضى المسلم أن يتلبس بعادات قوم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر مخالفة لشريعة الله؟! ثم اعلم -يا أخي- أن التشبه بالكفار يزيد الكفار قوة ويزيدك ضعفاً، بغض النظر عن نوع الملبوس؛ لأنك إذا تشبهت بقوم فهذا يعني أنك جعلتهم سادة لك، وجعلت نفسك تابعاً لهم وهم متبعون إذاً: أنت أنزلت نفسك في منزل الذل وأنزلت أولئك في منزل العز؛ لأنه لولا أنك تعتقد أنهم أرقى منك لما قلدتهم، وهذه كثير من الناس يغفل عنها، كثير من الناس لا يعرف هذا، ويكفي أن نعلم أن أولئك إذا علموا أنك آخذ بعاداتهم فرحوا بهذا، وقالوا: نحن القادة ونحن السادة.
فأود من كل قلبي ألا ننتظر كل موضة تخرج فنأخذ بها، ثم إننا إذا جعلنا نتتبع الموضات ألهانا ذلك عن مصالح ديننا ودنيانا، وصار الواحد منا -ولا سيما النساء- ليس له هم إلا أن ينظر ماذا حدث اليوم، ماذا ورد إلى السوق من اللباس، وما أشبه ذلك، وهذه مصائب تدل على ضعف الشخصية وعلى قلة الدين.
والآن هناك شيء عجيب! فتحت مطاعم للأكل والشرب في بلد كـ عنيزة، بلد أهلها -والحمد لله- غالبهم مواطنون، فوجدنا أن أناساً يرتادون هذه المطاعم من أهل البلد الصميم يتعشون هم وأهلهم في هذه المطاعم! سبحان الله! عجائب! أيهما أحسن: عشاء أنت الذي توليته بنفسك وعرفت ما فيه وعرفت نظافته، أم طعام قد يكون بقايا طعام وضع بعضه على بعض وسخن في النار وكأنه مطبوخ الآن؟! ثانياً: أنت لا تدري، أحياناً قد يوجد في هذه المطاعم طعام متسمم.
ثالثاً: كيف تخرج بعوائلك؟! بنات أعمارهن تسع عشرة سنة أو عشرون سنة أو خمس عشرة سنة، وشباب صغار، كيف تخرج بهم إلى هذه المطاعم؟! أليس من الأجدر بك وأنت الرجل المصون الحريص على سلامة عرضك، أليس الأجدر بك أن تبقى أنت وأهلك في بيتك؟! والله هذا هو الأجدر.
فالحقيقة أن الإنسان كلما تفكر في المجتمع وجد هناك أشياء تَنِمُّ عن ضعف الشخصية، وعن قلة الدين، وعن سفه العقل.
أما بالنسبة لهذه العباءات، فلا يشك أحد أن العباءة العادية التي كانت تلبسها نساؤنا أستر من هذه العباءات وأبعد من الفتنة، وأقوى للشخصية؛ حيث إن الإنسان لم يتنزل إلى ما ورده من غير المسلمين، وهذا يكفي في أن نرجح العباءات السابقة على العباءات الجديدة.
ثم إننا نقول: بالله عليكم أيهما أستر: العباءة السابقة، أم هذه التي تبين الأكتاف وتبين العنق طوله من قصره، وربما تكون ضيقة تبين مقاطع الجسم؟ الأول أفضل وأستر، ثم لا ندري أيضاً ربما تتطور المسألة وتكون اليوم عباءة وغداً قميصاً، ويستطيع الواحد أن يقول: ما الفرق يبن هذه العباءة الكتفية وبين القميص؟ وتكون النساء تخرج بالقمص، وربما تتطور الدعوى ولا يكفي هذا، ربما تخرج بالقمص المفتوحة من الأمام والخلف وليس على المرأة إلا السروال، فالمسألة ليست تطوراً بل هي تدهور، وإذا لم يقم الرجال من أهل العلم والدين والعقل والمصونة على هذه العادات التي وردتنا فسوف تنتشر على وجه لا يمكننا أن نقوم أمامه؛ لأن الماء إذا كان قليلاً يمكن حبسه في أي حابس، لكن إذا جاء واد كبير فما الذي يسده؟! فالواجب على عقلائنا وأهل الدين منا وأهل العلم أن يحاربوا هذه الأشياء قبل أن تستفحل ويعجزوا عنها، واسألوا الدول الكافرة والمقلدة للكفار ماذا حصل لهم بالتفسخ والتبرج؟ حيث عجزوا الآن عن أن يقيموا حرماتهم وشخصياتهم.(68/9)
التعلق بالمخلوقات وتصديق ما لا يعقل
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل اشتهر بعلاج الأمراض وإجراء العلميات بدون جراحة، ويخبر الناس بما فيهم من الأمراض وظاهره الصلاح وأنه محافظ على الصلاة، ولا يطلب من الناس نقوداً، ولكن الناس تعلقوا به، وأعرف أناساً من هذه المنطقة يريدون السفر إليه وهو موجود في خارج هذه البلاد، فما حكم السفر إليه؟ وما تعليقكم؟
الجواب
يقولون: حدث العاقل بما لا يعرف، فإن صدق فلا عقل له.
ما أُخبرنا أن أحداً يشفي الله المرضى على يده بمجرد المس بيده إلا عيسى عليه السلام.
فأنا لا أصدق بهذا أبداً، وإن قدر أن الناس فتنوا به وحصل أن أحداً ذهب إليه وعالجه بدون عملية، فهناك شياطين تعمل له.
لو قال لنا أحد: هذه الشمس ليست شمساً، إنما هي لمبات مكونة ومجموعة وتضيء الأرض، فلن نوافقه على هذا، وأي إنسان له عقل بل أدنى ذرة من عقل لا يمكن أن يصدق أن رجلاً من بني آدم يؤتى إليه بمرضى يحتاجون إلى عمليات فيعالجهم بدون جراحة سبحان الله عجائب! وهذا مما ابتلي به الناس اليوم، وصاروا يعتمدون على غير ربهم عز وجل ويتعلقون بالمخلوق، فيصدقون بما لا يعقل.
فأقول للأخ الذي يريد أن يسافر: لا تسافر، ابق في مكانك واسأل ربك عز وجل، فالله على كل شيء قدير كم من أناس حفرت قبورهم، وجهز الماء لتغسيلهم، وجلبت الأكفان ليكفنوا فيها ولم يموتوا! لأن الله على كل شيء قدير، الذي أنزل المرض قادر على أن يرفعه ما لم يكن الأجل قد حل فلا فائدة ماذا قال زكريا حين بشره الله بالولد؟ وماذا قال الله له؟ {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنْ الْكِبَرِ عِتِيّاً} [مريم:8] {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} [مريم:9] من الذي أوجدك؟ إنه الله، فالله عز وجل قادر على أن يوجد لك ولداً، وأنا أقول للمريض: من الذي أمرضك؟ إنه الله، فالذي أمرضك قادر على أن يرفع المرض عنك، لكن الله تعالى يقول: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق:3] ولا بد أن أمره يبلغ مكانه: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:3] قد يكون الله عز وجل قدر أن هذا المرض هو المرض النهائي، والدعاء حينئذٍ يكون رفعة للدرجات، وقد يكون الله قدر أن هذا المرض لا يزول إلا بدعاء فلان أو فلان فيدعو الله ويبرأ.(68/10)
حكم إخراج الزكاة من صندوق العائلات
السؤال
فضيلة الشيخ! كثر في الآونة الأخيرة وضع العائلات صندوقاً خاصاً بأفرادها بحيث من يحتاج يقترض منه لأي غرض، فهل على ذلك الصندوق زكاة أم لا؟ أفدنا جزاك الله خيراً.
الجواب
إذا كان الذين يضعون سهامهم في هذا الصندوق يعتقدون أن ملكهم باقٍ على هذا الذي وضعوه، بمعنى: أنه لو أراد أن يسحبه سحبه، وأنه لو مات ورث عنه، فالملك ملك الجميع وتجب زكاته.
انتبه للتفصيل حتى يزول الإشكال أما إذا كان المساهم في هذا الصندوق يعتقد أن الدراهم خرجت عن ملكه ولن يستطيع سحبها ولن تورث من بعده، فهذه لا زكاة فيها؛ لأنها خرجت عن ملكه.
السائل: أمين الصندوق هل يأثم إذا لم يخرجها؟ الشيخ: إذا وجبت الزكاة لا بد أن يخرجها، وكما قلت في التفصيل: يطلب من كل منهم أن يوكلوه في إخراج زكاتهم ويخرجها، وإن لم يكن توكيل فعلى كل واحد منهم أن يعرف ما وضع في هذا الصندوق ويخرج زكاته.(68/11)
الأذان في مساجد الطرقات
السؤال
فضيلة الشيخ! مسألة تحصل في مساجد الطرق، إذا دخل جماعة إلى المسجد وكان مسجد الطريق تقام فيه الجماعات مراراً، فهل يؤذن للصلاة فيه كل من دخل؟ وإذا لم يشرع الأذان فهل يقيم إمامهم الصلاة، أم يقيم غير الإمام؟
الجواب
إذا كان هؤلاء الجماعة الذين حضروا دخل عليهم الوقت وهم في البر لم يؤذنوا ولم يسمعوا أذاناً؛ فإنهم إذا وصلوا إلى المسجد يؤذنون ويقيمون الصلاة؛ لأنهم في البر لم يؤذنوا لأنفسهم ولم يكونوا في حكم المؤذَن لهم، أما إذا كانوا يسمعون الأذان وهم في الطريق ووصلوا إلى المسجد فإنهم يقيمون الصلاة بلا أذان.(68/12)
ظاهرة الانهزامية في التمسك بالد~
الجواب
ين
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا شاب ملتزم -ولله الحمد- ولكني أعاني من انهزامية شديدة، وأحس كأن عيون الناس تراقبني بعين الازدراء والسخرية، حيث إن ثوبي قصير وشخصيتي شخصية متدين، فما نصيحتك لي؟ وما نصيحتك لمن يزدري أمثال أولئك؟
الجواب
أولاً: ينبغي للإنسان أن يكون قوياً بدينه عزيزاً به، ما دام متمسكاً بدين الله حق التمسك فلا يهمنه أحد، وليعلم أنه لم يسلم أحدٌ من هذا؛ حتى رب العالمين جل وعلا كذبه بنو آدم وشتموه، قالوا: إن الله لا يقدر على أن يعيد الموتى، وهذا تكذيب، وقالوا: إن له ولداً، وهذا شتم، والنبي صلى الله عليه وسلم ما سلم من الناس، لا هو ولا غيره من الرسل، وكل إنسان مؤمن سيكون له عدو من المجرمين، كما قال عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ} [الفرقان:31] فما دمت -يا أخي- على حق فاعتز بالحق الذي أنت فيه: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8] حتى لو قال لك الشيطان: إن الناس يزدرونك.
فقل: الحمد لله، إذا ازدروني على ديني فأنا فوقهم في هذا الدين.
أما مسألة اللباس القصير، فاللباس القصير ليس هو الميزان، بل إن الميزان الأخلاق واتباع السنة، وبالنسبة للثوب الصحابة رضي الله عنهم كانت ثيابهم إلى الكعب، بل إن الحديث يدل على جواز لبس الثوب إلى الكعب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرتب العقوبة إلا على ما كان أسفل من الكعبين، وأنا أرى الناس ينفرون من صاحب الثوب الذي إلى نصف الساق أو لا يقبلون منه النصيحة، بعض الناس -والعياذ بالله- لا يقبل النصيحة ممن ثوبه إلى نصف ساقه، فما دام الأمر واسعاً فأكف الناس عن عرضي، وأتمتع بما أحل الله، ورب مفضول يكون أفضل.
أما بالنسبة لمن يكره هؤلاء أو يستهزئ بألبستهم فننظر: هل قصده كراهة ما هم عليه، أم كراهتهم هم أنفسهم؟ إن كان قصده كراهة ما هم عليه من الحق، فهذا خطر، وقد يكون ردة عن دين الإسلام، وإن كان كارهاً لهم هم بأنفسهم؛ فهذا لا يكون ردة، لكنه مع ذلك يجب أن يصبر نفسه.
وأضرب لكم مثلاً: لو أن رجلاً عالماً موثوقاً عند الناس محبوباً إليهم جعل ثوبه إلى نصف ساقه، ولا حاجة إلى التمثيل بالشخص، وآخر ليس له ذكر عند الناس ومغمور جعل ثوبه إلى نصف ساقه، فهل تكون النفس قابلةً للأول دون الثاني، أم هم على حد سواء؟ الأول تقبله أكثر من الثاني، وربما تقتدي به أيضاً، لذلك يجب على الإنسان أن يعرف قدر نفسه بين الناس، وما دام الأمر واسعاً والحمد لله فلا يكلف نفسه ما ليس بواجب، وفيه نفور الناس عنه وعدم قبول نصيحته إياهم.(68/13)
حكم الصور التي تلصق بالجسم
السؤال
ما حكم هذه اللواصق التي توجد عند محلات الخياطة ومستلزماتها، وذلك بأن تقوم المرأة أو الفتاة بلصقه على جسدها أياماً وربما ساعات، وربما وضعته في أماكن لا يليق كشفها ولبست عليه لباساً شفافاً لكي يظهر، وهذا في المناسبات ونحوها بدأ ينتشر، وهو عبارة عن صور لحيوانات وحيات وعقارب وطيور وعلامات لها معانٍ عند الكفار وفراعنة وغيرها، وله جرم يمنع وصول الماء، فما حكم وضعه وشرائه وبيعه؟ وهل من نصيحة للآباء والأولياء الذين لا يعلمون ما يحدث في بناتهم؟ وقد حدثني شخص أنه ربما رسم وشماً على الجسد لا يخرج منه، جزاك الله عنا خيراً وجعلك مفتاح خير مغلاق شر.
الجواب
هذا من الأمور التي ذكرتها من قبل وهي الانهزامية أمام ما يرد إلينا من أعدائنا.
أولاً: هذه الصور لا يجوز أن تعلق على الأجسام مهما كان حتى لو كانت منفصلة، وهذه الآن الموجودة أمامي عقارب وقطط وشيء ما أدري ما هو، على كل حال: لو أن المرأة علقتها كان حراماً عليها، فكيف وهي تلصقها على عضوها ويمنع وصول الماء في الوضوء والغسل، وربما ينطبع منه صورة تبقى -كما قال السائل- وتكون كالوشم، وكل هذا حرام، ويجب أن يمنع، ومن رأى منكم أحداً من البقالات أو غيرها تبيع هذا الشيء فليبلغ المسئولين من أجل منعها، وإن كان ثمة عقوبة تعاقب، أما أن نجعل سباع بني آدم يلعبون بنا هذا اللعب، يأخذون دراهمنا ويؤثموننا! فهذا لا يليق يا جماعة، اتقوا الله، تآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، أي إنسان يرى هذا فالواجب عليه أن يبلغ المسئولين، إما هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإما المحافظة أو الإمارة حتى تصل إلى وزارة التجارة ووزارة التجارة يجب عليها أن تمنع هذا؛ لأنها مسئولة عند الله عز وجل أن تدخل هذه الأشياء بلادنا تفسد نساءنا وأشباه النساء والناس يتفرجون على هذا، ليس هذا بصحيح، تعاونوا على البر والتقوى.
الخلاصة: وضع هذه الأوراق التي فيها صور على الثوب أو على الجسد محرم لا يجوز، وطبعه على الجلد حتى يكون فيها قشرة تمنع وصول الماء لا يجوز، ووضعه على الجلد حتى تنطبع الصورة ولا تزول بالماء لا يجوز، وتمكين نسائنا وسفهائنا من هذا لا يجوز، وإقرار الدكاكين التي تبيع هذا لا يجوز.
الواجب علينا نحن الشعب إذا رأينا مثل هذا أن نرفع به إلى المسئولين، وعلى المسئولين أن يبلغوه أعلى مسئول في البلد حتى يقوم بمنعه، أما ترك الحبل على الغارب كل من شاء أن يأتي بشيء أتى به، ونحن مثل الدجاج التي يوضع لها الحب وفيه السم يأكل هذا الحب ويموت، فهذا غلط! أنتم المسئولون، أنا لا أستطيع أن أمشي على كل دكان وأنظر ما فيه، ولا أستطيع أن أغير كل شيء، لكن أنتم -والحمد لله- تستطيعون أن تنظروا إلى هذه الدكاكين وتناصحوهم أولاً، فإن اهتدوا فهذا المطلوب، وإلا فارفعوهم إلى المسئولين، هذا ما في ذمتكم، وأرجو من الأخ الذي أعطانا هذا أن يهبها لي وأتصرف فيها بما أريد.(68/14)
هل يرث الإخوة لأم مع الجد؟
السؤال
فضيلة الشيخ! شخص ولد له ولد واحد فقط ثم توفي الأب -يرحمه الله- وخلَّف مالاً بعده، وعاش هذا الولد حتى بلغ من العمر ثلاث عشرة سنة وتوفي وخلَّف وراءه المال الذي ورثه من أبيه، وليس له إلا والدة وجد من أبيه وإخوة من أمه، فهل إخوته من أمه يرثون أم لا؟ وكم نصيب جده ونصيب أمه؟
الجواب
الإخوة من الأم لا يرثون إذا وجد أحد من الآباء أو الأجداد بمحض الذكور، بمعنى: أن الإخوة من الأم يحجبهم الأب، يحجبهم أبو الأب، وأبو أب الأب، ما دامت السلسلة كلها من الذكور فإن الإخوة من الأم لا يرثون، أيضاً الإخوة من الأم تحجبهم البنات، والأبناء، وأبناء الأبناء، وبنات الأبناء.
بقي الميراث لأمه وجده، فالأم لها السدس؛ لقول الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء:11] والباقي للجد، والإخوة من الأم ليس لهم شيء.(68/15)
عدد الرضعات المحرمات
السؤال
فضيلة الشيخ! أرضعت إحدى قريباتي بنتاً صغيرة وذلك بواسطة الثدي الصناعي وليس من ثديها ولكنه من حليبها تضعه فيه، وقد أرضعتها ثلاث مرات، فهل تكون بنتاً لها من الرضاعة؟
الجواب
الرضاع لا يحرم إلا إذا كان خمس رضعات فأكثر، كل رضعة منفصلة عن الأخرى، وأما تنفس الصبي في الرضعة الواحدة فليس بشيء، فلو أن الصبي في حجر المرضعة تنفس خمس مرات فالرضعة واحدة، فلا بد أن تتفرق الرضعات ومقدارها خمس رضعات، فإذا أرضعت المرأة الطفلة مرة أو مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً فلا أثر لها، فلا بد من خمس، وحينئذٍ صار ولدها من الرضاعة، حتى لو فرض أنها أرضعته بلبن ابنها الذي له ثلاث سنوات، فلو أنها فطمت ابنها وأرضعت هذا الطفل بما بقي من اللبن؛ فإنه يكون ابناً لها من الرضاع إذا تمت خمس رضعات، وقد ورد في السؤال أنها أرضعته ثلاث رضعات إذاً: ليس ولداً لها.
ولو أنه أُ رضع خمس مرات من الفنجان، كأن وضعت المرأة حليبها في فنجان وأرضعته، ثم بعد مدة أرضعته بفنجان آخر، حتى أكملت خمسة فناجين؛ فإنه يصير ولداً لها سواءً أشبع أو لم يشبع.
مسألة: بلغني أن بعض الأزواج يستمتع بزوجته بمص ثديها فيشرب حليبها، فإنه يكون ابناً لها من الرضاع، وهنا المشكلة أنه إذا كان ابنها من الرضاع فإن النكاح ينفسخ، فتكون هذه اللذة أعقبها شقوة، ولهذا نحذر الأزواج من هذا العمل.
وهذا الذي قلته هو رأي ابن حزم رحمه الله وأصحابه من الظاهرية، يقولون: إن الرضاع يؤثر حتى في الكبير، وبناءً على هذا الرأي نقول: إذا رضع الزوج من زوجته خمس مرات كل صباح يفطر على حليبها، فإنه يكون ولداً لها على رأي هؤلاء العلماء وينفسخ النكاح.
لكن على كل حال: قول الجمهور أنه لا يكون ولداً لها؛ لأنه لا بد أن يكون الرضاع قبل الفطام.(68/16)
نصيحة لمشاهدي القنوات الفضائية
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا شاب ابتليت بالنظر إلى القنوات الفضائية الخليعة، وقد أترك الصلاة أحياناً لهذا الأمر، فما نصيحتك لي جزاك الله خيراً؟
الجواب
نصيحتي لك: أن تكسر هذه الوسيلة التي توصلك إلى مشاهدة القنوات الفضائية التي تصدك عن ذكر الله وعن الصلاة، اكسرها لله وستجد في قلبك -والله- لذة الإيمان وحلاوة الإيمان أشهى من كل شيء: (ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه) جرب من الليلة وأتني بعد أسبوع وانظر ماذا كان لقلبك، ستتغير إذا فعلت ذلك لله عز وجل.
ذكر أن سليمان عليه السلام كان يحب الجهاد في سبيل الله، ولهذا أقسم ذات ليلة وقال: والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، تلد كل واحدة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله.
لمحبته للجهاد، فقيل له: قل: إن شاء الله، فما قال: إن شاء الله.
وذلك لتأكد عزيمته، فجامع في تلك الليلة تسعين امرأة فولدت واحدة منهن شق إنسان، الله أكبر! نصف واحد، حتى يتبين له أن الأمر أمر الله عز وجل، وقد قال الله لنبيه: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23-24] .
عرضت عليه ذات يوم الخيل المسومة واستمتع بها ولها بها، يقولون: لها عن صلاة العصر حتى غابت الشمس، وفسروا بذلك قول الله عز وجل: {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص:32] أي: حتى غابت الشمس ولم يصلِ العصر، فقال: {رُدُّوهَا عَلَيَّ} [ص:33] فردوها عليه {فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ} [ص:33] (السوق) : جمع ساق؛ ساق الرجل، فجعل يعقرها ويضرب أعناقها، انتقاماً من نفسه حيث تلهى بها عن الصلاة، قتلها أو عقرها لله عز وجل، فماذا جازاه الله؟ جازاه الله بالريح، سخر الله له الريح تجري بأمره رخاءً حيث أصاب وبقوة عاصفة، وكم تبلغ العواصف الآن؟ تبلغ مائتي كيلو في الساعة، أو ما بين ذلك، والريح التي سخرها الله لسليمان قال: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ:12] أي: في اليوم مسيرة شهرين، وبأمره، قالوا: إنه يضع البساط ويجلس عليه هو وحاشيته ثم يأمر الريح فتحمله، على بساط بدون أي فزع! {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص:36] .
فأنت يا أخي! إذا تركت هذه الآلة لله عز وجل وكسرتها؛ فإن شاء الله تعالى ستجد لذة إيمان وحلاوة إيمان لا تستطيع أنت ولا أنا أن أصفها، فكسره الليلة ونم نوماً هادئاً وصلِ الفجر، وإن تيسر لك أن تقوم آخر الليل فالحمد لله.(68/17)
حكم كشف الوجه للطبيب
السؤال
فضيلة الشيخ! أذهب إلى المستشفى بكثرة وأكشف وجهي للدكتور وأنا لا أتناول الدواء الذي يعطيني إياه، فهل عليَّ إثم؟
الجواب
هذه لا يجوز لها أن تذهب إلى الطبيب وتكشف وجهها عنده، ما دام يصف لها الدواء ولا تستعمله، فما هي الفائدة؟ لكن إن احتاجت حاجة حقيقة فلا بأس أن يكشف الطبيب على ما يحتاج إلى النظر إليه، بشرط ألا ينفرد بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم) .(68/18)
مشكلة أسرية
السؤال
فضيلة الشيخ! لي أم تعيش في بيت بمفردها وهي تتألم بسبب ذلك كثيراً، فأرادت أن آتي بها لتعيش معي في بيتي ولكن زوجتي أبت ذلك وسلكت معها جميع السبل الطيبة لإقناعها ولكن دون جدوى، فهل لي أن أطلق زوجتي بسبب ذلك؟
الجواب
هذه ينظر فيها من عدة أوجه: أولاً: هل الأم ملحة على أن ينقلها ابنها إلى بيته؟ ثانياً: هل له أولاد من هذه الزوجة بحيث لو طلقها لتشتت الأولاد وحصل بذلك مفاسد؟ ثالثاً: هل يمكن أن يستأجر بيتاً بجواره ويجعل أمه فيه ويجعل بينه وبينها باباً يدخل إليها وتدخل إليه؟ إذا كان هذا ممكناً فهو الواجب، ولا أستطيع الآن أن أقول: طلق امرأتك، لأني أخشى أن الأم لم تلزمك في الموضوع وقانعة بما هي عليه ولا يهمها، وأخشى أيضاً أن طلاق الزوجة يكون فيه تشتت الأولاد وضرر كثير، فأسأل الله تعالى أن يهيأ له أن يجمع بينه وبين أمه وزوجته على وجه مستقيم.(68/19)
حكم المسح على النعال إذا كانت تحت الكعبين
السؤال
فضيلة الشيخ! نقرأ أن من شروط المسح على الخفين: أن يكون ساتراً لمحل الفرض.
فهل معنى ذلك: أنه يجوز المسح على (الكنادر) المعروفة -أكرمكم الله- الآن وغالباً ما تكون تحت الكعبين، خصوصاً إذا كان في نزعها مشقة؟ وإذا انتهت مدة المسح وأنت على طهارة فما الحكم؟ وكذلك إذا خلعت الخفين وأنت على طهارة المسح فهل تصلي في ذلك؟
الجواب
إذا كان الخف دون الكعبين فمن العلماء من أجاز المسح عليه كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ومنهم من لم يجز المسح عليه، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم في المحرم إذا لم يجد نعلين: (فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين) قال: وهذا دليل على أن الخف الذي أسفل من الكعبين حكمه حكم النعل وليس حكم الخف، فالاحتياط: إذا كان الخف دون الكعبين ألا تمسح عليه، تبعاً لرأي الجمهور.
وأما إذا تمت المدة وأنت على طهارة في مسح فاستمر على طهارتك حتى ينتقض وضوؤك بناقض آخر، لأن انتهاء مدة المسح لا تنقض الوضوء على القول الصحيح، إذا لا دليل على انتقاض الوضوء بتمام مدة المسح، وإذا لم يكن دليل فالذي يقول: إنه ينتقض، يحتاج إلى دليل، والأصل بقاء ما كان على ما كان، وكذلك لو خلع الإنسان الجورب الذي كان يمسح عليه فإن طهارته باقية، ولا تنتقض إلا إذا وجد ناقض آخر كبول أو غائط أو ريح، فهو على طهارته، فإذا انتقض وضوؤه وتوضأ فلا بأس أن يعيد الخفين أو الجوارب بعد الوضوء الثاني.(68/20)
حكم الاتكاء في الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! من المشاهد في كثير من المساجد وجود حواجز في الصف الأول يتكئ عليها المصلون أثناء انتظارهم للصلاة أو بعد الصلاة، ولكننا نلاحظ على البعض أنه يعتمد عليها أثناء قيامه أو ركوعه بساقه في الصلاة، وبعضهم في أثناء التشهد يتكئ عليها بظهره، فهل فعلهم هذا صحيح؟ وما الواجب فعله في مساجدنا تجاه هذه المتكآت؟
الجواب
المتكآت لا أرى فيها بأساً بشرط أن يكون تجاوزها سهلاً، لأن بعض المتكآت ترفع فيشق على من أراد أن يجاوزها، فإذا كانت قصيرة لا تشق على من أراد أن يتجاوزها فلا بأس بها.
أما الاعتماد عليها فقد ذكر العلماء رحمهم الله: أن الإنسان لو اعتمد وهو قائمٌ على عمود اعتماداً كاملاً، بحيث لو أزيل العمود لسقط؛ فإن صلاته الفريضة لم تصح؛ لأنه لم يقم قياماً يعتمد فيه على أعضائه، أما إذا كان ذلك في حال الجلوس فلا بأس أن يتكئ عليها ولو كان اتكاءً كاملاً، لكن اعتماده على أعضائه أحسن.(68/21)
حكم المسح على الحناء الموضوع على الشعر في الوضوء
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم المسح على الحناء الموضوع على الشعر أثناء الوضوء؟
الجواب
لا بأس به، ولو كان يمنع وصول الماء، لكن في الغسل من الجنابة والحيض لا بد من إزالته، ويدل على أن الأول لا بأس به: أن النبي صلى الله عليه وسلم في إحرامه في الحج كان قد لبَّد رأسه، أي: وضع عليه لبد من صمغ أو عسل أو ما أشبه ذلك؛ اتقاء الشعث، كما قال صلى الله عليه وسلم حين قيل له: (يا رسول الله! ألا تقصر -أي: من العمرة- وتحل كما حل الناس؟ قال: إني قد سقت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أنحر) فالحناء على الرأس ولو منع وصول الماء لا بأس به في الوضوء، لكن في الغسل من الجنابة أو الحيض لا بد من إزالته.(68/22)
المسح على الجبيرة أو ما حل محلها
السؤال
من وضع لصقة على جرح وعليه غسل جنابة واغتسل وهي عليه ثم نزعها ولم يمسح على محلها وصلى، فما حكم ذلك؟
الجواب
لا حرج عليه؛ لأنه حين اغتساله كانت عليه هذه اللصقة، لكن لا بد أن يمر يده عليها ليكون ماسحاً، فإذا مسحها تمت طهارته، حتى لو أزالها فيما بعد فهو على طهارته.
السائل: يقول: لم يمسح عليها يا شيخ.
الشيخ: إذا تجاوزها الماء فإن بعض العلماء يقول: إذا غسل الممسوح أجزأه عن المسح، وبعضهم يقول: لا يجزئه غسل الممسوح عن مسحه، وبعضهم يقول: إن أمر يده عليه فلا بأس وإلا فلا.
مثال ذلك: الرأس، فلو أن الإنسان توضأ وضوءاً عادياً فوضع رأسه تحت (البزبوز) حتى امتلأ الشعر من الماء ولم يمر يده عليه فإنه لا يجزئ؛ لأن هذا عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) هذا في الوضوء، أما في الغسل فيجزئ؛ لأن الغسل ليس فيه شيء ممسوح إلا الجبيرة.
وبعضهم يقول: إن كان حين غسله أمر يده عليه أجزأ.
وبعضهم يقول: إنه يجزئ مطلقاً، لكن الاحتياط: أنه لا بد من المسح في الممسوح.(68/23)
حكم جمع العصر إلى الجمعة
السؤال
فضيلة الشيخ! كنت أسافر مع والدي وأنا صغير لم أبلغ، وكان والدي يجمع الجمعة والعصر، وكنت أصلي معه أنا وإخواني، وقال له بعض الناس: إن هذا العمل لا يجوز، حيث إن فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين أفتى بذلك، فذهب والدي وسأل فأفتاه بعض أهل العلم وقالوا له: يجوز لك أن تجمع الجمعة مع العصر؛ لأن السفر له خاصية، وبعد مدة ترك والدي الجمع بينهما، فهل علينا قضاء ما فات من الصلوات؟
الجواب
أما الصغار فليس عليها قضاء؛ لأنهم دون البلوغ فلم يكلفوا، وأما الكبار فما داموا قد استفتوا عالماً فإثمهم على من أفتاهم وليس عليهم شيء.
وأما حكم المسألة: فإن القرآن والسنة يدلان على أنه لا يجوز جمع العصر إلى الجمعة لا في سفر ولا في حضر، والدليل من القرآن العزيز قول الله سبحانه وتعالى: {فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103] أي: لها وقت محدد، فإذا صلى الإنسان الصلاة قبل وقتها فهي غير صحيحة، إلا إذا صح أنها تجمع لما قبلها فهي صحيحة، وهنا نقول: السنة دلت على أن العصر لا تجمع للجمعة لوجود سبب الجمع ولم يجمع الرسول عليه الصلاة والسلام وأنا أسأل الآن: المطر من أسباب الجمع أم لا؟ الجواب: نعم من أسباب الجمع، وكذلك الوحل في الأسواق من أسباب الجمع، وقد وجد هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع العصر وذلك فيما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: يا رسول الله! -اسمع كلام الصحابة، الصحابة رضي الله عنهم فصيحون صريحون- قال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ورفع الناس أيديهم، وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.
قال أنس وهو راوي الحديث: وكانت السماء صحواً، وما نرى في السماء سحاباً ولا قطعة من سحاب، وما بيننا ويبن سلع من بيت ولا دار - وسلع جبل في المدينة معروف إلى الآن، تأتي من قبله السحاب- يقول: فنشأت من ورائه سحابة مثل الترس، فارتفعت في السماء وانتشرت ورعدت وبرقت وأمطرت، فما نزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته) سبحان الله! إن الله على كل شيء قدير {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] وكان المطر يتحادر من لحيته لأن سقف المسجد من عريش، وأنتم تعرفون العريش فإنه يوجد الآن في الفلاية بساتين ما يسمى عريشاً أو يسموه المجبب، وهو من السعف، فنزل المطر من فوق إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فما نزل إلا والمطر يتحادر من لحيته، ثم صلى وبقي المطر أسبوعاً كاملاً ليلاً ونهاراً لا يقف، وما رأوا الشمس.
وفي الجمعة الثانية دخل رجل أو الرجل الأول، وقال: (يا رسول الله! غرق المال وتهدم البناء) وذلك من المطر، يحتمل أن الزروع لكثرة الأمطار غرقت، والمواشي جرفتها الشعاب وهلكت، أما تهدم البناء فواضح؛ لأن البناء كان من الطين فتهدم (فادع الله يمسكها عنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر.
قال أنس: فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت) الله أكبر! سبحان الله العظيم! انفرجت بأمر الله، فخرج الناس يمشون في الشمس.
ويتبين من هذا أن الجمعة الأولى فيها سبب الجمع وهو المطر، ولم يجمع النبي صلى الله عليه وسلم، والجمعة الثانية فيها سبب الجمع وهو الوحل ولم يجمع، ومن المعلوم أنه لو كان الجمع سائغاً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه بالمؤمنين رءوف رحيم: (وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً) .
ثم نقول: هل الجمعة كالظهر، أم أنها تفارقها في الأحكام؟ تفارقها في أكثر من ثلاثين حكماً، فكيف يصح أن نقيس الجمعة على الظهر؟! هذا قياس فاسد؛ لوجود النص المانع من القياس، ولظهور الفرق الموجب للتفريق.
فمن قال بجواز جمع العصر إلى الجمعة فقد أخطأ، والدليل كما سمعتم من القرآن: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103] والأصل: أن العصر لا تصلى إلا إذا دخل وقت العصر، ومن السنة ما سمعتم.
والقياس غير صحيح لأمرين: أولاً: لمصادمة الدليل.
ثانياً: لأنه قياس مع الفارق، ولا يقاس فرع على أصل إلا إذا تشابه في كل شيء.(68/24)
اللقاء الشهري [69]
يوم الجمعة يوم عظمه الله في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا اللقاء المبارك كان ليوم الجمعة النصيب الوافر من الشرح والبيان، فقد تناول الشيخ بعض أحكام يوم الجمعة بدءاً من كيفية الأذان، ثم عرج على أحكام الخطبة وبيان حكم البيع بعد أذان الجمعة، وفي الأخير تذكير بفضل إجابة نداء يوم الجمعة.(69/1)
تفسير آيات من أواخر سورة الجمعة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أتباعه بإحسان إنه على كل شيء قدير.
أما بعد: فهذه هي ليلة الأحد الخامس عشر من شهر رجب عام (1420هـ) وبها يتم اللقاء التاسع والستون من اللقاءات الشهرية التي تعقد في هذا المسجد الجامع الكبير في عنيزة، في ليلة الأحد الثالث من كل شهر ما لم يكن هناك مانع.
هذا اللقاء -ولله الحمد- يحصل فيه خير كثير: اجتماع على الذكر (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) ولله تعالى ملائكة سياحون في الأرض يلتمسون حلق الذكر، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة) .
فهذه اللقاءات مع أهل العلم فيها خير كثير، نحث إخواننا على الحرص عليها ومتابعتها والاستفادة منها، ونسأل الله أن يجمعنا في الدنيا على طاعته وفي الآخرة في دار كرامته.
أيها الإخوة: موضوع هذا اللقاء هو الكلام على قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة:9-11] .(69/2)
تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ)
(يا أيها الذين آمنوا) اسمع الخطاب والنداء من أين صدر؟ صدر من عند الله عز وجل، إلى الذين آمنوا، وما أطيب هذا الوصف الذي يصفك الله به أيها المؤمن! فإذا سمعت الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا) مكرماً لك، رافعاً لشأنك، فانتبه، ما هذا النداء؟ وماذا يريد المنادي منا؟ قال ابن مسعود رضي الله عنه: [إذا سمعت الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فأرعها سمعك، فإما خيرٌ تؤمر به، وإما شرٌّ تنهى عنه] .
أرعوا أسماعكم لهذا الخطاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] والنداء للصلاة يكون بالأذان المعروف، وقد قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة والناس ليس لهم دولة إسلامية، فأنشأ الدولة الإسلامية من حين هاجر، وصاروا يجتمعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليصلوا معه، وليس ثمة نداء، فتشاوروا فيما بينهم: كيف نجمع الناس على الصلاة؟ فقال بعضهم: اضربوا ناقوساً.
وقد كان النصارى يضربونه عند الصلاة في الكنيسة، والناقوس مثل الجرس الكبير.
وقال بعضهم: نجعل بوقاً ينفخ فيه ويكون له صوت عالي حتى يحضر الناس.
واقترح آخرون: أن توقد نار عظيمة يشعر بها أهل البلد ويعرفون أن الوقت قد دخل.
فهذه اقتراحات ثلاثة، كلها رفضت الناقوس للنصارى، والبوق لليهود، والنار للمجوس، كل هذه لم يوافقوا عليها، فهداهم الله عز وجل للحق، فرأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه رضي الله عنه في المنام أثناء المشاورات رجلاً بيده بوق، فقال له: أتبيعني هذا؟ قال: نعم، لكن ماذا تصنع به؟ قال: أنادي به للصلاة، قال: ألا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قال: بلى، فأذن الأذان كله في المنام، فلما أصبح غدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بأنه رأى كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنها لرؤيا حق -أثبتها النبي عليه الصلاة والسلام، والحق ضده الباطل- ولكن اذهب إلى بلال فإنه أندى صوتاً منك فعلمه الأذان ينادي به بالناس.
فما أن سمعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلا جاء مسرعاً يقول: والله يا رسول الله لقد رأيت مثل الذي رأى) إذاً: هذه رؤيا صدقها النبي صلى الله عليه وسلم وحكم بأنها حق، ثم أيدت بشهادة رجل آخر وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن ثم ثبت الأذان في السنة الثانية من الهجرة إلى يوم القيامة، ونسأل الله تعالى ألا يقطعه وألا يقطعنا من سماعه، هذا الأذان بقي إلى يومنا هذا.
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك أذانان لصلاة الجمعة بل أذان واحد، فإذا جاء الخطيب وسلم على الناس وجلس على المنبر أذن المؤذن، ولما كثر الناس في زمن عثمان رضي الله عنه واتسعت المدينة زاد عثمان رضي الله عنه أذاناً ثالثاً الأذان الأول والثاني والإقامة ثلاثة، فصار يؤذن للجمعة مرتين: مرة سابقة على مجيء الإمام، ومرة عند مجيء الإمام، ولم يكن على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا الثاني الذي يكون عند حضور الإمام.
وقد ادعت حادثة حديثة من الشباب: أن الأذان الأول للجمعة بدعة.
سفهاء الأحلام، قالوا: إنه بدعة؛ لأنه لم يكن في عهد الرسول.
سبحان الله! الرسول نعم لم يفعله إلا أنه سنَّه، فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) وعثمان رضي الله عنه منهم بإجماع المسلمين، فيكون اتباع عثمان في ذلك بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، والسبب الذي من أجله زاد عثمان هذا الأذان لم يكن موجوداً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يقال: إنه وجد في عهده ولم يفعله، فإحداثه بعده بدعة.
ثم نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم سنَّ أذاناً لغير وقت الصلاة في غير الجمعة، وذلك في رمضان، فقد كان في رمضان للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذنان: أولهما بلال والثاني عبد الله بن أم مكتوم، وكان بلال رضي الله يؤذن قبل الفجر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه يؤذن ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) .
إذاً: هذا أذان قبل الصلاة لغرض لا يتعلق بالصلاة وإنما يتعلق بالسحور، فكيف بأذان الجمعة الذي تعلق بنفس الصلاة حتى يأتي الناس إليها مبكرين.
إذاً فالأذان الأول للجمعة مشروع والحمد لله، والمراد بالآية الكريمة: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة:9] المراد بها الأذان الثاني الذي يكون عند حضور الإمام، والمنادي (إذا نودي للصلاة) غير معلوم، لم يسم في الآية، لكنه معلوم بالعمل، فالمؤذن للجمعة هو المؤذن لبقية الصلوات الخمس.(69/3)
تفسير قوله تعالى: (
فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ.)
قال تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] (اسعوا) أي: ائتوا مبادرين، وليس المعنى: ائتوا راكضين، لا يمكن أن تأتي وأنت تركض، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) إذاً: المراد بالسرعة هنا المبادرة في الحضور إلى ذكر الله، وذكر الله هو الخطبة والصلاة؛ لأن الخطبة تلي الأذان، والله عز وجل يقول: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] ولأن الخطبة فيها ذكر الله؛ ففيها حمد وثناء على الله، وشهادة له بالتوحيد، وشهادة للنبي بالرسالة، وموعظة للمؤمنين، فهي ذكر لله عز وجل.
ولهذا لا يجوز للإنسان أن يتكلم حال خطبة الجمعة؛ لأنه مأمور بأن يأتي إلى هذا الذكر، فكيف يأتي ويتلهى عنه؟ إذاً: يجب أن ننصت لهذه الخطبة وجوباً، فإن تكلم فقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (الذي يتكلم والإمام يخطب يوم الجمعة كمثل الحمار يحمل أسفاراً) والأسفار هي كتب علمية يحملها الحمار، أتظنون أن الحمار ينتفع بها؟! لا أبداً، الحمار أبلد الحيوانات، لا ينتفع بالكتب التي على ظهره ولا التي أمامه، وهذا الذي يتكلم والإمام يخطب يوم الجمعة كمثل الحمار يحمل أسفاراً.
وقد مثل الله اليهود بالحمار يحمل أسفاراً، قال تعالى:: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ} [الجمعة:5] إذاً: الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب مشابهٌ لليهود، وأي مسلم يرضى أن يكون مشابهاً لليهود؟! لا أحد.
فإن تكلم وقال له آخر: اسكت، فقد لغا، أي: ضاعت عليه جمعته، ما كأنه صلى الجمعة ولا ينال أجر الجمعة حتى لو كان مغتسلاً متطيباً متقدماً إلى المسجد خاشعاً متخشعاً، إذا قال لمن يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب: اسكت، فقد ضاعت عليه الجمعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت) فإن أشار إليه إشارة بيده فلا يلغو؟ لا يلغو؛ لأن اللغو رتب على القول لا على الإشارة.
وإذا قال قائل: هل هذه الآية تشمل ما إذا سمعت مؤذناً يؤذن للجمعة ولكنك تريد أن تصلي في مسجد آخر ومسجدك الذي تريده لم يؤذن فيه، فهل يجب عليك أن تسعى لما سمعت مؤذن المسجد الآخر؟
الجواب
لا، كما أنه لا يجب عليك أن تستمع لخطبته لأنك لا تريد الصلاة معه، فمثلاً: إذا قدرنا أنك تريد أن تصلي الجمعة في الجامع الكبير هنا، وسمعت مؤذناً في طرف البلد يؤذن للجمعة لحضور إمامه، هل يلزمك إذا شرع في الخطبة أن تسكت؟ لا يلزمك، حتى لو كنت تسمع سماعاً تاماً لأنك لا تريد أن تصلي معه، فلست مأموراً بأن تذهب إليه.
{إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] الصلاة، والتكبير، والاستعاذة بالله، وقراءة القرآن، كل هذا من ذكر الله.(69/4)
تفسير قوله تعالى: (
وَذَرُوا الْبَيْعَ.)
قال تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] (ذروا) أي: اتركوا، حتى لو كانت السلعة بين يديك تعرضها للزبون وسمعت المؤذن يقول: (الله أكبر) فدعها وامض، حتى لو قلت: بعت عليك، وسمعته يؤذن قبل أن يقول: قبلت، فعليك أن توقف البيع، فلا يجوز إيجاب ولا قبول بعد أذان الجمعة.
(ذروا البيع) اتركوا البيع، والآية عامة، أي بيع، سواءٌ كان هذا البيع قليلاً أو كثيراً، حتى لو كان مسواكاً، فإذا أذن للجمعة وأنت تريد أن تشتري مسواكاً لتتسوك به في هذه الصلاة لا يجوز؛ لأنه بيع، لكن استثنى العلماء رحمهم الله ما لو كان الإنسان يحتاج إلى شراء ثوب، عنده ثوب نجس لا يمكن أن يصلي فيه، ويحتاج إلى شراء ثوب، فهنا يجوز أن يشتري ثوباً ولو بعد أذان الجمعة الثاني؛ لأنه يشتري الثوب للوصول إلى شرط من شروط الصلاة، فصار اشتغاله بشراء الثوب لمصلحة الصلاة.
واستثنى العلماء أيضاً: ما لو وجد ماءً يباع وهو على غير وضوء بعد أذان الجمعة الثاني، وهذا يوجد في المدن الكبيرة، فهل يشتريه ليتوضأ به، أم نقول: يحرم شراؤه ويتيمم ويصلي؟ الأول، نقول: هذه ضرورة، وهذه أيضاً لمصلحة الصلاة.
واستثنى العلماء ما كان للضرورة، كإنسان هالك من الظمأ، والماء يباع عند المسجد، وهو إن دخل في الصلاة شوش فكره يريد الماء فله أن يشتري ويشرب، وإلا فالأصل التحريم (ذروا البيع) هذا مع أن البيع حلال في الأصل، والدليل قول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275] لكن لما كان البيع قد ينشغل به الإنسان عن حضور الخطبة والصلاة صار البيع في هذه الحال حراماً.
أرأيتم لو أن رجلين يمشيان إلى الجمعة فأذن المؤذن، فقال أحدهما للآخر: يا فلان، اشترينا أرضاً فهل لك الرغبة في أن تساهم فيها؟ قال: نعم، اكتبني مساهماً، قال: إن شاء الله أكتب.
هل يجوز هذا أم لا يجوز؟ معلوم أن المساهمة بيع بيع، إذاً: فهي تدخل في الآية: (وذروا البيع) إذاً: هذا حرام ويلغى العقد، وإذا انتهت الصلاة يجدد ويقول: يا فلان، أنا مساهم معكم اكتب لي سهماً.
إذاً البيع بعد نداء الجمعة الثاني محرم وباطل، ولا ينتقل فيه المبيع إلى المشتري ولا الثمن للبائع، وإذا وقع هذا قلنا للمتبايعين: هذا عقد باطل، وإذا انتهت الصلاة فتبايعا من جديد.
هل تحرم الهدية بعد نداء الجمعة الثاني؟ لو كان الإنسان -مثلاً- يمشي مع صاحبه ومعه مسواك فأهداه إلى صاحبه هدية، فإنه يجوز؛ لأنه ليس بيعاً، ثم هو يسير فقال: خذ هذا المسواك، فيأخذه ولا يلهيه.
عقد النكاح، رجلان يمشيان فقال أحدهما للآخر: إنه يبحث عن زوجة، فقال: عندي لك زوجة وهي ابنتي، ومعهما رجلان آخران من أجل أن يكونوا شهوداً، فقال: زوجنيها، قال: هذه أبرك ساعة، أنا ما غذوتها إلا لك وأمثالك، باسم الله زوجتك ابنتي فلانة، قال: قبلت، وهذا بعدما أذن الأذن الثاني يوم الجمعة وهما في طريقهما إلى المسجد، ثم قال للرجلين: اشهدا، تم العقد الآن، فهل يجوز هذا أم لا يجوز؟ ننظر إلى الآية، اجعلونا نمشي على ألفاظ نصوص الكتاب والسنة، قال الله: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] هل عقد النكاح بيع؟ ليس عقد بيع، إذاً على مقتضى اللفظ أن يكون عقد النكاح جائزاً؛ لأنه أمر نادر يقل جداً، متى يصادف أن اثنين يمشيان إلى المسجد وبعد الأذان يزوج أحدهما الآخر ابنته؟! هذا ما تيسر، والنادر يقول العلماء: ليس له حكم، ومن نظر إلى أن المقصود بالنهي عن البيع هو الانشغال عن حضور الخطبة والصلاة قال: النكاح قد يشغل أكثر، هذا الرجل الذي عقدنا له الزواج سوف يفكر متى الدخول؟ ومتى يصير؟ ومن أين المهر والنفقات وأثاث البيت؟ يفكر أكثر من عقد البيع، فيقول بعض العلماء الآخرين: عقد النكاح حرام ولا يصح، وإنما ذكر الله البيع لأنه الغالب، وإلا فجميع العقود مثل البيع، إلا شيئاً نعلم أنه لا يمكن أن يلحق بالبيع لقلة إشغالك كالهدية -كما مثلنا أولاً- فهذا يجوز.(69/5)
تفسير قوله تعالى: (
ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ.)
قال الله عز وجل: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} [الجمعة:9] (ذلكم) المشار إليه السعي إلى الجمعة (خير لكم) من البيع ومن الدنيا وما فيها.
والله إن طاعة واحدة تطيع الله فيها خير لك من الدنيا وما فيها؛ لأن الدنيا زائلة والطاعة باقية، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها) اللهم اجعل لنا فيها موضعاً يا رب العالمين، اللهم اجعل لنا فيها موضعاً، اللهم اجعل لنا فيها موضعاً وموضع السوط أقل من هذه (الماسة) وليس المقصود الدنيا دنياك أنت، بل المقصود الدنيا من أولها إلى آخرها (ومن بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة) والبيت أكبر من موضع السوط (ومن صلى في اليوم اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة) أربع قبل الظهر بسلامين، واثنتان بعدها، واثنتان بعد المغرب، واثنتان بعد العشاء، واثنتان قبل الفجر، إذا صليتها يوماً واحداً بنى الله لك بيتاً في الجنة، وفي اليوم الثاني بيتاً آخر، وهكذا الثالث والرابع.
إذاً: قول الله عز وجل هنا: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} [الجمعة:9] أي: من البيع، وإن عظم وإن كثر ربحه فمضيكم إلى ذكر الله يوم الجمعة خير من ذلك.
{إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة:9] أي: إن كنتم من ذوي العلم والفهم فاعلموا أن هذا خيرٌ لكم.
وهنا أنبه إلى أن الإنسان ينبغي له إذا قرأ: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} [الجمعة:9] أن يقف، ثم يقول: {إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة:9] لأنه لو قال: (ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون) أوهم أن يكون الشرط في الخيرية، فيكون المعنى: خير لنا إن علمنا وإلا فلا، والأمر ليس كذلك، هو خير لنا على كل حال، لكن (إن كنتم تعلمون) كأنه يقول عز وجل: اعلموا إن كنتم ذوي العلم أن هذا خير لكم.
ولهذا نجد أن الإنسان إذا ترك البيع عند الجمعة ثم عاد إلى البيع بعد أذان الجمعة أن الله يبارك له في بيعه ويوسع له، والعكس بالعكس.
وإلى هنا ينتهي الكلام عن هذه الآية، وسنعود في اللقاء القادم إلى تكملة السورة إن شاء الله تعالى.(69/6)
الأسئلة(69/7)
حكم من اغتسل للجمعة ثم صلى ولم يتوضأ
السؤال
فضيلة الشيخ! في يوم الجمعة اغتسلت للجمعة ونويت أن أتوضأ بعد هذا الغسل ولكن نسيت الوضوء وصليت الجمعة، فماذا عليَّ، هل أعيد الصلاة أم ماذا؟
الجواب
أولاً: يجب على الإنسان أن يعلم أن غسل الجمعة واجب، ومن لم يغتسل فهو عاصٍ لله ورسوله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) .
ثانياً: هل هذا الغسل عن حدث أم عن غير حدث؟ الجواب: ليس عن حدث، وإذا فلن يكن عن حدث لم يرتفع الحدث به، لأن الحدث إنما يرتفع إذا كانت الطهارة عن حدث، وإذا لم يرتفع الحدث به وصلى الإنسان الجمعة بغير وضوء فإنه يعيدها ظهراً؛ لأنه ما نوى رفع الحدث.
أما لو اغتسل عن جنابة ولم يتوضأ فإن صلاته صحيحة؛ لأن الإنسان يجوز له أن يصلي بالغسل عن الجنابة وإن لم يتوضأ، ولكن بشرط: أن يتمضمض ويستنشق.
وعلى هذا نقول للأخ السائل: الأحوط في حقك أن تعيد صلاة الجمعة ظهراً، وأنت إن شاء الله قد حصَّلت الأجر؛ لأنك لم تتعمد الصلاة بغير وضوء.(69/8)
مقدار الوقت بين الأذان الأول والثاني للجمعة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هو الوقت المشروع بين الأذانين؟ أعني: الأذان الأول والثاني للجمعة، هل هو كفعل هذه البلاد أم كفعل بلاد الحرمين؟
الجواب
البلاد واحدة ولا يصح أن نميز بينهما، فـ القصيم وبلاد الحرمين شيء واحد، أنا كنت أتوقع أن يقول: بلاد الشام أو العراق أو ما أشبه ذلك، لهذا عليه أن يصحح العبارة أولاً.
والواقع أننا في نجد نجعل فرقاً بين الأذان الأول والأذان الثاني نحو نصف ساعة أو ساعة إلا ربع وبعض الناس ساعة، وفي مكة والمدينة لا يجعلون بينهما فرقاً، إذا دخل الوقت وقت الظهر أذن المؤذن الأذان الذي يسمونه الأول، ثم يؤذن الثاني بعد مجيء الخطيب.
والذي يظهر لي أن فعل أهل نجد أصح؛ لأنه هو الذي يحصل به الفائدة، أن الناس يستمعون إلى الأذان الأول ثم يتأهبون إلى الصلاة ويأتون إلى المسجد الجامع، وقد قال أهل العلم رحمهم الله: من سمع النداء الثاني يوم الجمعة لزمه السعي من حين أن يسمع، ومن كان بيته بعيداً لزمه السعي إلى الجمعة بحيث يصل إليها مع الخطيب.
فعمل الناس هنا عندي أقرب إلى الصواب ممن لا يؤذنون الأذان الأول للجمعة إلا إذا دخل وقت الظهر.
لكن ليس معنى هذا أن نضلل من خالفنا، وهذه نقطة مهمة أبثها لطلاب العلم: إذا اختلف الفقهاء في سنة فقال بعضهم: هي سنة، وقال آخرون: ليست بسنة، فليس لازم قول الذين يقولون: إنها ليست بسنة أن يبدعوا الآخرين، لا يبدعونهم أبداً، لأننا لو بدعنا المخالف لنا في هذه الأمور لزم أن يكون كل الفقهاء في مسائل الخلاف مبتدعة، لأن الذي يقول لي: إنت مبتدع، أقول له: وأنت مبتدع، فيبقى الفقهاء كلهم في مسائل الخلاف أهل بدعة، وهذا لا قائل به، فإذا اختلف العلماء رحمهم الله في مسائل لا تتعلق بالعقيدة وليست محدثةً حدثاً واضحاً، إنما اختلفوا في مفهوم النصوص، فهنا نقول: الأمر واسع، ولا يمكن أن يبدع بعضنا بعضاً.(69/9)
هل يجزئ غسل الجنابة عن غسل الجمعة؟ وحكم غسل الجمعة في ليلة الجمعة
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا كان عليَّ جنابة فاغتسلت في يوم الجمعة، فهل يكفي هذا الغسل عن غسل الجمعة، أم أغتسل غسلاً آخر؟ وهل يجزئ إذا اغتسل المسلم في ليلة الجمعة؟
الجواب
أما إذا اغتسل الإنسان في ليلة الجمعة فإنه لا يكفي عن غسل الجمعة، وأما إذا اغتسل يوم الجمعة عن جنابة فإنه يجزئ عن غسل الجمعة، كما تجزئ صلاة الفريضة عن تحية المسجد، فهنا اغتسل الإنسان غسلاً مشروعاً وهو غسل الجنابة فأجزأ عن الغسل المشروع الذي هو يوم الجمعة، لكن لو نواهما جميعاً في غسل واحد فهو أفضل.(69/10)
حكم حضور المرأة لصلاة الجمعة
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يشرع للمرأة أن تحضر صلاة الجمعة؟ وهل في هذا الجامع مكان لصلاة الجمعة للنساء؟
الجواب
أما حضور المرأة للجمعة والجماعات فإنه ليس بمشروع لكنه جائز، والدليل على هذا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خيرٌ لهن) فالأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها ولا تحضر الجمعة ولا الجماعات، لكن إذا حضرت فلا ننهاها، إذا أتت إلى المسجد غير متبرجة بزينة ولا متطيبة بطيب له رائحة يشمها من كان حولها، أما هذا المسجد ففيه -والحمد لله- مصلى خاص للنساء، يدخلن من باب خاص بعيداً عن مخالطة الرجال.(69/11)
حكم جمع العصر مع الجمعة
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز للمرأة التي صلت الجمعة في الحرم المكي أن تجمع صلاة العصر معها؟
الجواب
لا يجوز أن تجمع صلاة العصر إلى الجمعة، لا في المسجد الحرام، ولا في المسجد النبوي، ولا في المسجد الأقصى، ولا في المساجد الأخرى، ولا في البيوت، الجمعة صلاة عيد لها خصائصها ومميزاتها، وهي منفردة تماماً عن غيرها من الصلوات، ولا يمكن أن يجمع صلاة أخرى تخالفها إليها.
هذا من جهة التعليل، أما من جهة الدليل: فلأنه وجد سبب الجمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم -أعني: جمع العصر إلى الجمعة- ولم يجمع، وجمع بين العصر والظهر، وتركُ الجمع في يوم الجمعة مع وجود سببه يدل على أنه لا يجوز، ولو كان جائزاً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم تشريعاً للأمة ورفقاً بها، فإذا قال قائل: ما هو الدليل على أن الأصل لا تجمع للجمعة؟ قلنا: الدليل أنه في جمعة من الجمع كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، فدخل رجل فقال: (يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا) فأنشأ الله السحاب واتسع ورعد وبرق وأمطر والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، وما نزل إلا والمطر يتحادر من لحيته، سبحان الله! والله أكبر! ولماذا نزل من لحيته؟ لأن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم على عريش، والعريش سقف من جريد النخل، والمطر يتخلله، فما نزل إلا والمطر يتحادر من لحيته، إذاً المطر كان شديداً، فخرج الناس ولم يجمع النبي عليه الصلاة والسلام مع وجود السبب وهو المطر، وبقي المطر أسبوعاً كاملاً ليلاً ونهاراً ما طلعت الشمس، قال أنس: [والله ما رأينا الشمس سبتاً] الله أكبر! مطر ينزل بالليل والنهار على بيوت من الطين، يخاف عليها أن تتهدم، ولهذا جاء في الجمعة الثانية إما الرجل الأول أو غيره وقال: (يا رسول الله! غرق المال وتهدم البناء) غرق المال: السيول جرفت المواشي، والزروع أغرقها الماء ففسدت، وتهدم البناء لأنه من الطين، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) فانفرجت السماء بقدر المدينة فقط، حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم يشير بيده الكريمة ويقول: حوالينا ولا علينا، فينفرج السحاب إلى الجهة التي أشار إليها الرسول صلى الله عليه وسلم، هل لأنه رب مدبر أم لأنه داعٍ لرب مدبر؟ الثاني، فإنه ليس بيده شيء، لكن دعا ربه فاستجاب له، وخرج الناس يمشون في الشمس، والأسواق كان فيها وحل لأنها طين، ليس هناك إسفلت، وهو سبب موجب للجمع، ومع ذلك لم يجمع النبي صلى الله عليه وسلم، وترك الشيء مع وجود سببه بلا مانع دليل على أنه ليس مشروع، وهذا واضح ولله الحمد، أن العصر لا تجمع إلى الجمعة لا من الرجال ولا من النساء، لكن النساء إذا صلينها ظهراً فإنهن يجمعن العصر إليها؛ لأن جمع العصر إلى الظهر أمر جاءت به السنة.(69/12)
حكم الإنكار على من يبيع ويشتري بعد النداء الأول يوم الجمعة
السؤال
فضيلة الشيخ! هل لي أن آمر بالصلاة الذين يبيعون ويشترون بعد النداء الأول يوم الجمعة فأنكر عليهم بيعهم وشراءهم؟ وجزاك الله خيراً.
الجواب
يجب عليك أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بعد أذان الجمعة الثاني، لكن إذا شرع الخطيب في الخطبة فيجب أن تتوقف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت) وقولي له: أنصت، أمرٌ بمعروف ونهي عن المنكر، ومع ذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (فقد لغوت) وهذه عقوبة، هذا ليس ثواباً بل عقوبة.
السائل: أنهاهم في النداء الأول؟ الشيخ: في النداء الأول لك أن تنهاهم إلى أن يشرع الخطيب في الخطبة.(69/13)
حكم حضور الجمعة والجماعة للمسافر إذا دخل البلد
السؤال
هل يجوز للمسافر إذا قام في بلد أن يتخلف عن حضور الجمعة وكذلك الجماعة؟
الجواب
لا يجوز، بل يجب على من سمع النداء أن يجيب المنادي سواء كان مقيماً أو مسافراً، فمن أقام في البلد في يوم الجمعة وهو مسافر وسمع النداء يجب عليه أن يجيب، لأن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] ونسأل هذا المسافر: هل أنت من المؤمنين أم لا؟ فسيقول: من المؤمنين، فنقول: إذا كنت من المؤمنين فما جوابك لله يوم القيامة وقد وجه إليك الخطاب وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] ؟ نعم لو فرض أن الإنسان يمشي في سفره ومر بالبلد وهو في الشارع يسمع المنادي، فنقول: لا يلزمك أن تبقى وتصلي لأنك ماشي، لكن إنسان مقيم يجب أن يحضر، وكذلك أيضاً يقال في الجماعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الجماعة: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر) والسفر ليس بعذر، بدليل: أن الله أمر بصلاة الجماعة في حال القتال.(69/14)
حكم كتابة الخطبة والخطيب يخطب
السؤال
فضيلة الشيخ! رأيت بعض الإخوة يلخص خطبة الجمعة وأنتم تخطبون، حفظكم الله ورعاكم وأطال في عمركم على طاعته، فهل فعله هذا صحيح؟
الجواب
هذا الفعل ليس صحيحاً؛ لأنه إذا لخص جملة ضاعت عليه الجملة الأخرى، أو لخصها على وجه خطأ، فلا يرخص للإنسان أن يلخص خطبة الجمعة، لكن هنا شيء أهم من هذا، وهو المسجل والحمد لله، يأتي بالمسجل وهناك مسجلات صغيرة جداً ويسجل، وإذا ذهب إلى البيت يلخص ما شاء، فلا تكتب لا قليلاً ولا كثيراً.(69/15)
حكم غسل الجمعة للمريض
السؤال
فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ذكرتم أن غسل الجمعة واجب على كل محتلم.
فإذا كان الشاب فيه زكام وخشي مضاعفة الزكام فماذا يفعل؟
الجواب
أولاً: تعبيرك هذا غلط غلط غلط، أن تقول: ذكرت، وأنا ما ذكرت أنا أقول: قال الرسول عليه الصلاة والسلام، وفرق بين قولي: ذكرت، وبين قولي: قال الرسول، فصواب العبارة أن تقول: إنكم سقتم الحديث وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) والله عز وجل يعلم أني لو لم أر في هذا الحديث وجوب غسل الجمعة ما قلت للناس: اغتسلوا، وكيف ألزم الناس بما يلزمهم في دين الله؟! الإنسان يخشى ربه قبل أن يخشى خلقه، هذا شيء واجب علينا أن نبلغه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) فكلمة (واجب) لو صارت في كتاب من كتب المؤلفين من الرجال، لقيل: إن المؤلف يرى وجوب غسل الجمعة، فكيف وقد صدر من أعلم الخلق بشريعة الله وأنصح الخلق لعباد الله، وأفصح الخلق في القول والمقال، هذا أمر واضح أنه واجب.
أما إذا كان الإنسان مريضاً بزكام أو غيره ويخشى من استعمال الماء فلا شيء عليه؛ لأن لدينا قاعدة من الله عز وجل وهي: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] و {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286] ويروى وهو ضعيف: أن قوماً خرجوا في سرية فجرح أحدهم فاحتلم، فقال لقومه: ألا أتيمم؟ قالوا: لا نجد لك رخصة، الماء بين يديك، فاغتسل فدخل الماء جرحه فمات، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا، إنما شفاء العي السؤال) والله عز وجل قال: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء:29] ، ولما أجنب عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو في سرية مع قومه تيمم ولم يغتسل وصار إمامهم، فلما وصلوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أخبروه، فقال: (أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ قال: يا رسول الله! ذكرت قول الله عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء:29] فخفت على نفسي من البرد، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه) تقريراً لهذا، وفرحاً يكون هذا الرجل يفهم من كتاب الله ما أراده الله عز وجل، وإلا لو كان رجلاً بسيطاً لقال: إن الله قال: (لا تقتلوا) وأنا ما قتلت نفسي، أنا خفت عليها من البرد، والبرد ليس قتلاً على كل حال، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم إقراراً وتقريراً لهذا الرجل وفرحاً بكونه فهم من كتاب الله عز وجل هذا الفهم، فرح الرسول أن أمته فهمت كلام ربها.
ونحن -والله- نفرح كما فرح الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن كان بين الفرحين مثل ما بين المشرق والمغرب، لكننا نفرح أن يفهم العامة وطلاب العلم من كتاب الله ما أراده الله تعالى بكلامه.
فإذا كان هذا الرجل مزكوماً ويخشى أنه إن خلع ثيابه أصابه الهواء وتأثر أو تأخر برؤه فقد عفا الله عنه.(69/16)
حكم ذكر الله أو الصلاة على النبي متابعة للخطيب
السؤال
فضيلة الشيخ! الرجل الذي يتكلم والإمام يخطب يوم الجمعة بذكر الله أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عندما يذكر ذلك الإمام في الخطبة، أو يؤمن على الدعاء، فهل هذا يعتبر من الكلام أثناء الخطبة؟ وماذا يشرع وما لا يشرع للمأموم أثناء الخطبة؟
الجواب
هذا لا يعد من الكلام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لنا مثلاً بالكلام المؤثر، فقال: (إذا قلت لصاحبك.)
وأنت ما قلت لصاحبك، أنت مع ربك عز وجل، فإذا ذكر اسم الله في أثناء الخطبة فقلت: سبحانه، أو ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم فقلت: اللهم صل عليه، أو ذكر ثواب فقلت: أسأل الله من فضله، أو ذكر عقاب فقلت: أعوذ بالله، فإن هذا لا يدخل في الكلام المحرم، لكن هل يسن للإنسان أن يقوله أم لا؟ أرى أنه لا بأس أن يقوله، وهذا مما يدعو إلى حضور قلبه مع الإمام بخلاف ما إذا غفل، ولكن بشرط: ألا يشوش على من حوله.(69/17)
حكم إدخال الأولاد المدارس الأجنبية
السؤال
انتشر في الآونة الأخيرة التفريط في المدارس الأجنبية في بلادنا، حتى ذكر أنها تزيد على مائة مدرسة، في الرياض ثلاثون، وفي الشرقية أربع عشرة مدرسة، وفي جدة ثلاث وعشرون مدرسة، وفي القصيم مدرسة واحدة، وهكذا موزعة على المناطق، فما الحكم في إدخال أولادنا إلى هذه المدارس؟ وما حكم تأجير المساكن لهذه الأغراض؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
أرى أنه ينظر أولاً في مناهجهم، ما هذه المناهج؟ وما الذي يخشى منها في المستقبل؟ لأنه قد يكون في أول سنة مناهجها سليمة (100%) لكن في السنة الثانية تتغير ويكون الإنسان قد وقع في شركها وفي فخها ولا يمكن أن ينتقل عنها.
ثانياً: أرى ألا ندخل أبناءنا في هذه المدارس مطلقاً؛ لأنها مهما كانت فمدارسنا خيرٌ منها والحمد لله، وفي المدارس التابعة لوزارة المعارف ما يشفي ويكفي.
فرأيي: أنه لا يجوز لواحد منا أن يدخل أبناءه أو بناته -إن فتحت مدارس للبنات- في هذه المدارس، وتجب مقاطعتها، هذا رأيي في هذه المدارس، أما في وضع هذه المدارس فالأمر ليس إلي ولا إليكم بل إلى جهات أخرى.(69/18)
حكم قراءة سورة الكهف في ليلة الجمعة
السؤال
فضيلة الشيخ! من قرأ سورة الكهف في ليلة الجمعة فهل يحصل له فضل قراءة سورة الكهف؟
الجواب
لا، قراءة سورة الكهف يوم الجمعة، وأحسن ما يكون أن تكون بعد طلوع الشمس، لك من طلوع الشمس إلى غروب الشمس، إذا قرأتها في أي ساعة ما يبن الطلوع والغروب فقد أجزأ.(69/19)
حكم الصلاة والصوم لمن زاد نزول الدم عن عادتها
السؤال
فضيلة الشيخ! أتت الدورة الشهرية واستمرت معي إلى الآن وقد مضى عليها اثنا عشر يوماً حتى هذا اليوم، وهذه المرأة عادتها سبعة أيام فقط، ولم تصل خلال السبعة الأيام الأولى، ثم اغتسلت وصلت بناءً على عادتها دائماً، فهل ما فعلته صحيح؟ وهل تصوم أو لا؟ وهل تحل لزوجها خلال الأيام الباقية؟ أفتنا مأجوراً بارك الله فيك.
الجواب
عملها هذا صحيح لو تعدى الدم خمسة عشر يوماً، أما قبل الخمسة عشر يوماً فإنه يحتمل أن العادة زادت، والنساء تزيد عادتهن أحياناً وتنقص أحياناً.
فنقول لهذه المرأة: انتظري حتى تتمي خمسة عشر يوماً، فإذا أتممت خمسة عشر يوماً فاغتسلي وصلي وفي الشهر الثاني اجلسي عادتك فقط، لأنه لا يصدق أن المرأة مستحاضة حتى تتجاوز نصف المدة، خمسة عشر يوماً، فإذا تجاوزت نصف المدة صار أكثر وقتها دماً، وحينئذٍ ترجع إلى عادتها من قبل أن يأتي هذا المرض، ولا تحل لزوجها حتى تتم خمسة عشر يوماً ثم تغتسل فتحل، فإذا جاء الشهر الثاني فإنها تجلس عادتها فقط ثم تغتسل وتصلي وتحل لزوجها.(69/20)
حكم رش ماء زمزم في دبر الطفل لمرض فيه
السؤال
هل يجوز رش الطفل في دبره من ماء زمزم لوجود مرض فيه وهذا الماء مقروء فيه، في الحمام؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
يقرأ على ماء زمزم وغير ماء زمزم ويمسح به موضع الألم في أي موضع من الجسم، لكن ينظف أولاً القبل والدبر من أثر البول أو الغائط، ثم يمسح بهذا الماء.(69/21)
كيفية الصلاة مع الإمام إذا ضاق المصلى
السؤال
فضيلة الشيخ! لدينا مصلى في المدرسة يضيق على المصلين، حتى إن بعض الطلاب يصلي مع الإمام في الصف الأول، فهل الأفضل أن يبقى الإمام في الوسط ويصلي الطلاب يمينه ويساره، أم يصلي الإمام في اليسار ويكون جميع الطلاب يمينه؟
الجواب
الأفضل إذا ضاق المكان عن كون الإمام متقدماً والمأموم متأخراً فإنه يصلي الإمام بينهما، حتى لو كانوا ثلاثة صلى أحدهم عن يمين الإمام والثاني عن يساره، لأن الأمر كان هكذا في أول الإسلام، كان الثلاثة يصلون صفاً واحداً وإمامهم وسطهم، ثم نسخ هذا وصار الثلاثة يتقدمهم الإمام، وعلى هذا فنقول: إذا وجد ثلاثة فالأفضل أن المأمومين وراء الإمام والإمام متقدم، وإن ضاق المكان صفوا صفاً واحداً والإمام بينهما، وليس عن يمينه فقط كما يفهمه بعض العوام، وإذا كان المأموم واحداً فإنه يكون عن يمين الإمام، لأنه الآن دار الأمر بين أن يكون في اليسار أو في اليمين، فنقول: اليمين أفضل.
وهنا نقطة أحب أن أنبه عليها، وهي: أن بعض الناس إذا جاءوا والناس يصلون جماعة صاروا في اليمين ولو كان بعيداً من الإمام وتركوا اليسار وهو قريب، وهذا مفهوم خطأ، بل يكون الأيمن أفضل إذا كان اليسار مقارباً له أو مساوياً، وأما إذا كان اليسار أقرب فهو أفضل من اليمين، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: أتموا الأيمن فالأيمن، ولما كان الصف الأول أفضل من الصف الثاني على كل حال قال: (أتموا الأول فالأول) ولو كان اليمين أفضل على كل حال لكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول للناس: أتموا الأيمن فالأيمن، ثم إن صورة الجماعة إذا كانوا من وراء الإمام إلى يمينه الصف تام واليسار ما فيه أحد، فهذه صورة لا تدل على توسط الإمام، مع أنه يوجد حديث لكنه ضعيف أنه صلى الله عليه وسلم قال: (وسطوا الإمام) أي: اجعلوه وسطاً.(69/22)
تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا
السؤال
ما هو تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} [مريم:71] هل المعنى: أن المسلم والكافر والفاجر والصالح سيمرون على جهنم؟ وجزاكم الله كل خير.
الجواب
أما على الصراط فلا يمر إلا المؤمنون، والكفار يساقون إلى النار -والعياذ بالله- في عرصات القيامة ورداً، وأما المؤمنون فهم يصعدون على الصراط إلى الجنة، ثم يصعدون عليه على قدر أعمالهم في السرعة، ومنهم من يخدش ويلقى في جهنم ويعذب بقدر ذنوبه حسب ما أراد الله عز وجل ثم يخرج.(69/23)
توجيه حيال واقع الفساد الذي يمس المرأة وينادي بإفسادها
السؤال
فضيلة الشيخ! غير خافٍ عليكم حفظكم الله ما تواجهه المرأة في هذه البلاد وغيرها من بلاد المسلمين من حملات لإخراجها من بيتها ونزع حيائها وحشمتها، وإن المشاهد لأحوال المرأة في الآونة الأخيرة في هذه البلاد يجد تحولاً كبيراً لما كانت عليه في السابق؛ حيث بدأ التساهل في الحجاب والتلاعب بأشكاله في ظل تسابق أهل الأسواق، فقد أغرقوا الأسواق بكم هائل من الملابس والعباءات التي ترغب الفتاة بالسفور والتبرج، كما بدأ ظهور المرأة بألوانها الجميلة وشعرها في الصحف والمجلات والتلفاز وذلك باسم الفن الهادف، والمذيعة المتألقة أو الحاذقة، إلى غير ذلك مما يضيق به صدر كل غيور فضيلة الشيخ! ما هو دور طلبة العلم وأولياء الأمور الذين قصروا في توجيه المرأة وأدخلوا وسائل الإعلام التي ساعدت على إخراج المرأة من حيائها وحشمتها؟ نرجو توجيهكم يا فضيلة الشيخ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الواقع أن هذه مصيبة -كما قال الأخ السائل- وقد سارت في البلاد سير النار في الهشيم، وأنها مما ينذر بالخطر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعلم البشر بما ينفع الناس ويضرهم في دين الله عز وجل قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء، وإنما كانت فتنة بني إسرائيل في النساء) ومع الأسف الشديد أن هذا يوجد تحت بصر أولياء الأمور وسمعهم، لكن الرجل يذهب إلى دكانه أو إلى عمله ويترك أهله ولا يفعل فيهم شيئاً، والأمر عند هؤلاء بارد، لكنه -والله- ينذر بالخطر.
ثم هذه الموضات التي أغرقت الأسواق وأفسدت الأسواق وأفسدت النساء كلها ضرر على اقتصادياتنا، تجد المرأة الموظفة يذهب نصف راتبها في هذه الموضات، حتى لو كانت الموضة الجديدة أسوأ حالاً من الأولى لكنها جديدة، فتشتري المرأة ثوباً بمائة ريال أو بمائتين ريال أو بخمسمائة ريال أو بستمائة ريال.
إن هذه الموضات التي ترد على البلاد هي ضرر على اقتصادنا وضرر على ديننا، تكون المرأة فكرها دائماً في هذه الموضات ما الذي أتى اليوم؟ وما الذي سيأتي غداً؟ فيضيع الدين كله من أجل هذا اللباس الذي بعضه لا يجوز شرعاً.
لذلك أنصح رجالنا المؤمنين أن ينتبهوا لهذا الأمر، وأن يعلموا أن أعداءهم أعداء حقيقيون، فمنهم أناس لا يهمهم هذا الأمر، لا يهمهم إلا تحصيل الفلوس فقط، ومنهم أناس يقصدون إفساد المسلمين، نسأل الله أن يجعل كيدهم في نحورهم، وأن يوقظ أولياء أمورنا لما فيه الخير والصلاح، وأن يمنعوا أهليهم وأبناءهم وبناتهم من اتباع الموضات التي لا تفيد.(69/24)
دور المسلمين نحو إخوانهم في الشيشان
السؤال
أكثر من سائل يسألون عن الشيشان، يقولون: ما دورنا نحو إخواننا في الشيشان؟
الجواب
الواقع أن الجمهورية الشيشانية أصيبت بهذا البلاء من الملاحدة الكفرة.
موقفنا: أن ندعو لهم، ندعو لهم في الصلاة، وبين الأذان والإقامة، وفي صلاة الليل، وفي كل المناسك، أما مسألة القنوت فلا نقنت إلا بأمر ولي الأمر، لأننا تابعون لولي الأمر، وسأخبركم عن رأي الفقهاء في مسألة القنوت عند النوازل: من العلماء من يقول: لا يقنت في النوازل إلا الرئيس الأعلى في الدولة فقط وغيره لا يقنت.
وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله، حيث قالوا: إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة فيقنت الإمام الأعظم في الفرائض، وعلى هذا لا يسن للشعب أبداً أن يقنت، وعللوا ذلك: بأنه لم يقنت في النوازل إلا الرسول عليه الصلاة والسلام.
لكن هذا القول ضعيف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم مشرع.
ومن العلماء من قال: يقنت إمام المسجد كل في مسجده.
ومنهم من قال: يقنت كل مصلٍ.
وهذا هو الأرجح، أن يقنت كل مصلٍ، لكن الإمام في الجماعة لا يقنت إلا بعد موافقة ولاة الأمور، إن قالوا: اقنتوا قنتنا جهراً، وإن سكتوا سكتنا، لكننا لا نسكت عن الدعاء لإخواننا في الشيشان.
وليعلم أن الشيشان جمهورية إسلامية والروس أمة ملحدة، لكن لما رأوا أن الإسلام سيمتد أرادوا أن يقضوا على الإسلام، وأول جمهورية إسلامية استقلت هي الشيشان فيما أعلم، فأرادوا أن يقضوا على الإسلام، ولذلك الغرب ساكتون وما قالوا شيئاً، لأن هذا مما يفرحون به، إذ أن الغرب الكفرة يفرحون بكل ما يكون فيه ذل للإسلام وخذلان المسلمين، لا شك في هذا، وعندي ألف في الألف أنهم يودون هذا، وإن أظهروا أنهم يساندون الإنسانية وما أشبه ذلك فهم كذبة، ولهذا هم ساكتون، لما بدأت جمهورية الشيشان الآن تُضرب بالقنابل ويموت الناس في الأسواق تحركوا ولكن تحرك سلحفاة، وإلا لو خنقوا الروس في الأمور الاقتصادية لعلمنا أن الروس سوف يستسلم ويذل، بل من أسباب هجوم الروس على الشيشان ولكنه دون السبب الأول: أنهم يريدون أن يشغلوا شعبهم بهذه الحرب عن العيب والعور والبلاء في اقتصادهم ومجتمعاتهم.
تيمور الشرقية مسألتها أهون من هذا بكثير، لكن لما كان غالبها من النصارى ماذا فعل الغرب الأمة النصرانية الملحدة؟! أقاموا أسطولاً وطيارات ودبابات من أجل أن يفصلوا تيمور الشرقية عن إندونيسيا حتى يضعفوا المسلمين ويأخذوهم شيئاً فشيئاً دويلات دويلات، وقد علم أن التفرق فيه الفشل كما قال عز وجل: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46] .
نحن موقفنا: أن نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينصر إخواننا الشيشان في جمهوريتهم، وأن يذل الروس إذلالاً يكون حديثاً لمن بعدهم، وكذلك كل من كاد للمسلمين، لأنه ليس بيننا وبين هؤلاء نسب، بيننا وبينهم الدين، من كان عدواً للإسلام فهو عدونا إلى يوم القيامة، ومن كان ناصحاً للإسلام فعلى حسب نصحه نحبه ونفرح بانتصاره، ألم تروا أن الله قال: {الم * غُلِبَتْ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم:1-5] مع أنه نصر الروم وهم نصارى على الفرس وهم مجوس، كلهم كفار، لكن لا بأس أن يفرح المؤمن بانتصار من فيه خير للمسلمين ولو كان كافراً.
اللهم انصر إخواننا المسلمين في الشيشان، اللهم انصرهم على عدوهم، اللهم فرج كرباتهم ويسر أمورهم، واخذل أعداءهم يا رب العالمين.
اللهم صل على محمد.(69/25)
اللقاء الشهري [70] رقم 1؛2
في بداية هذا اللقاء تذكير بأحوال الأمة الإسلامية وتسلط الأعداء عليها من كل حدب وصوب، مع ذكر واجبنا نحوهم، ثم انتقل الشيخ ذاكراً مزايا شهر رمضان من نزول القرآن فيه، بالإضافة إلى سنية القيام فيه والاعتكاف، منبهاً على الحكمة من فرضية الصيام، ثم أضاف إلى ذلك ذكر مفطرات الصوم، وشروط تحقق الإفطار بهذه المفطرات، خاتماً كلمته بالتذكير بشروط وجوب الصوم.
ثم انتقل -رحمه الله- بعد ذلك للإجابة عن الأسئلة.(70/1)
بيان حال الأمة الإسلامية مع تسلط الأعداء عليها
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء المتمم للسبعين من اللقاءات الشهرية التي تتم في الجامع الكبير في مدينة عنيزة في ليلة الأحد الثالث من كل شهر، وهذه الليلة هي ليلة عشرين من شهر شعبان عام (1420هـ) .
أسأل الله أن ينفعنا بهذه اللقاءات، وأن يرزقنا وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً، ورزقاً طيباً واسعاً يغنينا به عن خلقه، ولا يغنينا به عنه عز وجل.
في هذه الليلة نرحب بإخواننا في مدينة بريدة في مسجد الغانم بحي البصيرية، حيث إنهم شاركوا في الاستماع إلى هذا اللقاء عبر الهاتف جزاهم الله خيراً وأخلف عليهم ما أنفقوه بالبركة، كما سبقهم في ذلك إخواننا في رياض الخضراء.
إن الأمة الإسلامية في هذه الأيام تستقبل شهر رمضان المبارك، ولكنها تعيش بألم ونكد فيما يجري على إخواننا في الشيشان من تسلط أولئك الملحدين من بلاد الروس عليهم، لا لشيء؛ إلا لأنهم شرعوا في نشر الدين الإسلامي الصافي من البدع في بلاد البلقان، ولكن أعداء الإسلام لا يرضون بهذا أبداً سواءٌ كانوا من الملحدين الشيوعيين، أو كانوا من النصارى أو من اليهود أو من غيرهم، وهذا ظاهر.
إن الدول الغربية ساكتة، بل ربما يكون بعضها يساعد الروس بالخفاء -قاتل الله الجميع- ولما أرادت تيمور الشرقية وهي جزء من الأمة الإسلامية في إندونيسيا أن تتحرر لأن أكثرها نصارى، قام الغرب وقعد، وهيأ الأسطول الجوي والبحري والبري من أجل أن ينفصل هذا الجزء من إندونيسيا لأن أكثره نصارى، أما جمهورية الشيشان الجمهورية الفتية التي عرفت حقيقة الحياة، وعرفت حقيقة التوحيد، وعرفت الدين الصافي، فهي عند الغرب منشقة، والمجاهدون فيها إرهابيون وما أشبه ذلك، ولكني أقول: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:249] .
إننا لن نيئس ولن نقنط وسوف يرجع الروس على أعقابهم مخذولين إن شاء الله كما رجعوا في أول مرة، وإن من حق إخواننا علينا، بل أدنى حق أن ندعو الله لهم أن ينجيهم من القوم الظالمين، وأن ينصرهم على القوم الكافرين في أوقات وأحوال الإجابة في السجود في الفريضة والنافلة، بين الأذان والإقامة، في آخر الليل، في يوم الجمعة من مجيء الإمام إلى أن تُقضى الصلاة، كل هذه أوقات إجابة علينا أن نلح على الله عز وجل بالدعاء.
اللهم انصر إخواننا المسلمين في الشيشان، اللهم انصرهم على عدوهم، اللهم اردد عدوهم خائباً نادماً، اللهم أذله بعد العزة، اللهم أضعفه بعد القوة، اللهم أفقره بعد الغنى، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم يا رب العالمين، واجعل بأسهم بينهم.(70/2)
مزايا شهر رمضان وخصائصه(70/3)
من خصائص رمضان: نزول القرآن فيه
المسلمون اليوم يستقبلون شهر رمضان، وهذا الشهر له مزايا كثيرة على غيره من الشهور: منها: أن الله أنزل فيه القرآن قال تعالى: {هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185] أنزل الله هذا القرآن في ليلة القدر، وهذا القرآن الكريم -أيها الإخوة- كلام الله عز وجل تكلم به حقيقة، وتلقاه جبريل من الله عز وجل، ونزل به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وتناقله المسلمون قرناً بعد قرن كابراً عن كابر حتى بلغنا -ولله الحمد- غير منقوص ولا مزيد، وهذا القرآن له أيضاً خصائص، منها: 1/ أنه كلام الله ولا يستطيع أحد أن يأتي بمثله، ولا بعشر سور، ولا بسورة من مثله، ولا بأي حديث مثله، قال الله عز وجل: {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] ومعنى (ظهيراً) أي: معيناً، وقال عز وجل: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود:13] وقال عز وجل: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس:38] وقال عز وجل: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} [الطور:34] ولو دون آية، ولكن لا أحد يستطيع.
2/ ومن خصائص القرآن الكريم: أنه لا يجوز للجنب أن يقرأه حتى يغتسل، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أحرص الناس على إقراء القرآن لا يمنعه عن إقرائهم إلا الجنابة.
3/ ومنها: أنه لا يجوز مس المصحف أو أي ورقة فيها قرآن إلا بوضوء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يمس القرآن إلا طاهر) .
4/ ومنها: أن الحائض لا تقرأ القرآن إلا لحاجة، والحاجة مثل: الأوراد كآية الكرسي، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، وقل هو الله أحد، والمعوذات، وغيرها مما ورد من الأوراد.
ومن الحاجة: أن تخاف نسيانه فتقرأه ولا بأس.
ومن الحاجة: أن تكون معلمة تعلم القرآن ولو كانت حائضاً ولا بأس.
ومن الحاجة: أن تكون متعلمة فتسمع القرآن معلمتها، لأن هذه حاجة ولا بأس في ذلك.
5/ ومن خصائص القرآن: أن الحرف الواحد منه بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها، فمثلاً إذا قرأت: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] (مالك) أربعة حروف فيها أربع حسنات، كل حسنة بعشر أمثالها، فالجميع أربعون حسنة، في أي كلام يحصل هذا الفضل؟ لا يحصل إلا في القرآن الكريم.
6/ ومنها: أن القرآن يلين القلب ولو كان قاسياً، ودليل ذلك قول الله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:21] وهو الجبل، وفيه يقول ابن عبد القوي رحمه الله:
وحافظ على درس القران فإنه يلين قلباً قاسياً مثل جلمد
نسأل الله تعالى أن يلين قلوبنا بالقرآن الكريم.(70/4)
من خصائص رمضان: وجوب صومه
من خصائص رمضان: أن الله تعالى أوجب على عباده أن يصوموه، فقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] إلى قوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185] وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه) .(70/5)
من خصائص رمضان: مشروعية قيام لياليه
ومنها: أن (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه) ولو قمت شهر رجب أو شعبان أو شوال لم يحصل لك هذا الأجر، إنما الأجر لمن قام رمضان إيماناً واحتساباً.
فإن قال قائل: وهل يمكن أن يقوم الإنسان رمضان كله؟ قلنا: نعم يمكن ذلك، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة كاملة) وهو على فراشه، وسبب هذا الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قام بأصحابه إلى نصف الليل، فقالوا: (يا رسول الله، نفلنا بقية ليلتنا -أي: زدنا- قال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) اللهم لك الحمد، قيام ليلة وأنت على فراشك نائم ولكن حافظ إذا دخلت مع الإمام على ألا تنصرف حتى ينتهي، أما أن تصلي مع هذا ركعتين ومع هذا ركعتين ومع هذا ركعتين فلا يصح.
فإن قال إنسان: هل الأفضل إذا صليت مع الإمام حتى ينصرف أن أقتصر على هذا وأنتهي ولا أقوم، أو الأفضل أن الإمام إذا قام للوتر أترك الإمام؛ لأني سوف أصلي في آخر الليل، وإذا صليت آخر الليل أختم صلاتي بالوتر؟
الجواب
الأول أفضل؛ لأنك إذا مكثت مع الإمام حتى ينصرف أدركت قيام الليل كله مع الجماعة، وأعطيت نفسك حظاً أكثر من الراحة، ولو كانت الصورة الثانية -أعني: أن يترك الإمام ويتهجد في آخر الليل ويوتر- ولو كان هذا أمراً مطلوباً لقال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: تهجدوا في آخر الليل، لكنه لم يقل هذا بل قال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) .(70/6)
من خصائص رمضان: أن فيه ليلة القدر
ليلة القدر أشاد الله تعالى بذكرها فوصفها بأنها مباركة في سورة الدخان: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان:3] وأنزل الله تعالى فيها سورة كاملة: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:1-5] هذه الليلة من قامها إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وفي هذه الليلة يفرق كل أمر حكيم، ويكتب فيها كل ما يكون في السنة.(70/7)
من خصائص رمضان: مشروعية الاعتكاف فيه
من خصائص رمضان: أنه يسن فيه الاعتكاف وهو أن يلزم الإنسان المسجد لطاعة الله عز وجل، والدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في العشر الأواخر منه، وقد اعتكف قبل ذلك العشر الأول ثم الأواسط يتحرى ليلة القدر، فأخبر أنها في العشر الأواخر فاعتكف العشر الأواخر حتى توفاه الله.
ولكن الاعتكاف هل المراد به أن الأصحاب ينضم بعضهم إلى بعض في زاوية في المسجد يتحدثون باللغو وما لا فائدة منه، أو المقصود التعبد لله عز وجل؟ الثاني هو المقصود، ولهذا قال العلماء في تعريف الاعتكاف: هو لزوم مسجدٍ لطاعة الله.
فإياك أن تذهب هذه الأوقات الثمينة بالتحدث إلى أصحابك وإضاعة الأوقات، أما إذا تحدث معهم أحياناً فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تحدث مع زوجته صفية بنت حيي رضي الله عنها ليلاً، ثم قام من أجل أن يقلبها إلى بيتها.
ثم إن الاعتكاف يدخله الإنسان إذا غابت الشمس يوم عشرين ويخرج إذا غابت الشمس من آخر يوم من رمضان سواء كان التاسع والعشرين أو الثلاثين.(70/8)
من خصائص رمضان: أنه تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار
من خصائص رمضان: أنه إذا دخل تفتح فيه أبواب السماء، وأبواب الرحمة، وأبواب الجنة ترغيباً لمن يريد الجنة أن يعمل لها، ولذلك يكثر الخير من أهل الخير، وتغلق فيه أبواب النار حتى لا يعمل الإنسان بعمل أهل النار، وتغل فيه الشياطين، فلا يصلون إلى ما يصلون إليه في غيره، وإلا لا بد من عمل الشياطين لكنهم لا يصلون إلى ما يصلون إليه في غيره.(70/9)
الحكمة من مشروعية صوم رمضان
أيها الإخوة: لا بد أن نتكلم عن الحكمة في فرض الصوم.
الحكمة ذكرها الله عز وجل في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] هذه الحكمة: (لعلكم تتقون) أي: تتقون الله عز وجل.
وجاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) فالله لا يريد منا أن نترك الطعام والشراب فقط، بل يريد منا أن ندع قول الزور والعمل بالزور والجهل، فقول الزور يشمل كل قول محرم من الغيبة والنميمة والسب والشتم وما أشبه ذلك، ويجب على الصائم أن يدع ذلك ويتأكد في حقه.
والعمل بالزور: العمل المحرم كالغش والخيانة وأكل الربا وما أشبه ذلك، وإلا فإن الإنسان لم يصم حقيقة.
والجهل: العدوان على الغير؛ لأن الجهل يأتي في اللغة العربية بمعنى: العدوان على الغير كما في قول الشاعر:
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا(70/10)
مفسدات الصوم
هذا هو الحكمة من الصيام، أما الصيام الظاهري صيام البدن فهو عن الأشياء الآتية: أولاً: الأكل والشرب والجماع، فقد قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة:187] أي: الإفضاء إليهن بالجماع {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة:187] هنا اسمع {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة:187] هذا تابع للمباشرة {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] هذه ثلاث مفطرات إذا فعلها الإنسان فسد صومه، فلو جامع فسد صومه، ولو أكل فسد صومه، ولو شرب فسد صومه.
الرابع: أن يستقيء فيقيء، إذا استقاء الإنسان أي: حاول أن يخرج ما في معدته من الطعام والشراب فخرج فسد صومه، وأما إذا قاء غير متعمد فلا يفسد صومه، والدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه القيءُ فلا قضاء عليه، ومن استقاء عمداً فليقض) ومعنى ذرعه القيء أي: غلبه، فلا قضاء عليه، ومن استقاء عمداً فليقض.
الخامس: الحجامة إذا ظهر الدم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) فإذا احتجم الصائم وخرج منه دم أفطر لهذا الحديث، لا تقل: هذا ليس بأكل ولا شرب والقيء ليس بأكل ولا شرب، بل قل: سمعنا وأطعنا.
السادس: ما كان بمعنى الأكل والشرب: وهو الحقن التي يستغنى بها عن الأكل والشرب، اذهب المستشفى واسأل فيه عن حقن تحقن بالبدن تغني عن الأكل والشرب، وهناك حقن لا تغني عن الأكل والشرب لكن الذي يفطر هو الأول؛ لأنه يستغنى بها عن الأكل والشرب ويسميها (العوام) المغذي، أما الإبر غير المغذية فلا تفطر، والإبر المقوية لا تفطر، والإبر للدواء لا تفطر سواءٌ كانت في العضلات أو في الوريد أو في أي مكان، لا يفطر من الإبر إلا ما كان مغذياً فقط.
السابع: إنزال المني بلذة بفعل من الصائم، سواءٌ كان بالاستمناء وهو ما يُسمى بالعادة السرية، أو كان بتمرغ على الفراش، أو كان بتقبيل امرأته، أو بضمها، أو بتكرار النظر إليها، فإن الصوم يفسد؛ لقول الله تعالى في الحديث القدسي في الصائم: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) وهذه شهوة.
لكن إن أمذى بذلك، أي: قبَّل امرأته فخرج منه المذي فإن الصوم لا يفسد؛ لأنه لا دليل على فساده.
وسأعطيك أيها الأخ السامع إذا شرع الإنسان في العبادة على وجه شرعي فإنه لا يجوز أن يفسدها إلا بدليل شرعي، الأمر ليس إلينا إنما الأمر إلى الله، وهذا الرجل شرع في الصيام واستمر صائماً على وجه شرعي فلا يجوز أن نقول: إذا أمذى فسد صومه، إلا إذا كان عندنا دليل شرعي ولا دليل على هذا، ولا يمكن أن يقاس المذي على المني لما بينهما من الفروق الحسية والحكمية والذاتية، فهذا يختلف عن هذا.
الثامن: خروج دم الحيض، فإذا خرج من المرأة دم الحيض ولو قبل الغروب بدقيقة واحدة أو أقل فسد صومها، وإن غابت الشمس قبل أن تحيض ثم حاضت بعد الغروب بلحظة فصومها صحيح.
وأما ما اشتهر عند النساء أن المرأة إذا حاضت بعد الفطور قبل أن تصلي المغرب فسد صومها، فهذا لا أصل له، ولم يقل به أحد من العلماء.
فإن قال قائل: ما دليلك على أن المرأة إذا كانت صائمة ونزل منها دم الحيض فسد صومها؟ نقول: دليلنا على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم) .
التاسع: خروج دم النفاس، وهو ما يحصل عند الولادة مع الطلق، فإذا أحست المرأة وهي حامل بالطلق ونزل منها الدم فسد صومها، هذا إذا كان قبل الولادة بيومين أو ثلاثة، أما إذا كان الدم قبل هذه المدة فهو دم فساد لا يفسد الصوم.(70/11)
شروط تحقق الإفطار بالمفطرات
هذه تسعة مفطرات، ولكن يجب أن نعلم أن هذه المفطرات لا تفطر بمجرد أن يتناولها الصائم بل لا بد لها من شروط ثلاثة: الشرط الأول: أن يتناول هذه الأشياء ذاكراً.
الشرط الثاني: أن يتناولها عالماً.
الشرط الثالث: أن يتناولها قاصداً مريداً لها.
ضد الذكر النسيان؛ فلو تناولها ناسياً كأن مر بماء وهو عطشان فشرب حتى روي ناسياً فلا شيء عليه.
كذلك أيضاً لو كان جاهلاً لم يعلم أن هذا الشيء يفطر؛ كإنسان احتجم وظن أن الحجامة لا تفطر، فصومه صحيح.
إنسان قبل زوجته فأنزل، لكنه ظن أنه لا يفسد الصوم إلا بالجماع، فلا شيء عليه؛ لأنه جاهل.
إنسان أكل السحور ثم تبين أنه قد أذَّن، أي: طلع الفجر، وأن أكله كان بعد طلوع الفجر فلا شيء عليه لأنه جاهل.
إنسان سمع صوت مؤذن في آخر النهار فأفطر، فتبين أن المؤذن قد أذن قبل الوقت، فماذا على الذي أفطر؟ لا شيء عليه؛ لأنه جاهل.
الشرط الثالث: أن يكون قاصداً فإن لم يكن قاصداً فلا شيء عليه، كرجل يتوضأ فتمضمض، ثم نزل الماء إلى جوفه فلا شيء عليه، لأنه لم يقصد هذا.
امرأة أكرهها زوجها فجامعها وهي صائمة ولم تستطع أن تدافعه، فصومها صحيح ولا شيء عليها.
والدليل على ذلك: أن الأكل والشرب بنص القرآن يفطر، فما الدليل على أن الإنسان إذا كان جاهلاً أو ناسياً أو غير قاصد لا يفطر؟ الدليل: قال الله عز وجل: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا} [البقرة:286] قال الله: قد فعلت.
فلا يؤاخذنا الله عز وجل لا بالخطأ ولا بالنسيان، وقال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] والذي دخل الماء إلى جوفه غير قاصد ولم يتعمد قلبه أن يشرب ويفسد الصوم، هذه الأدلة من القرآن وكفى بها أدلة.
أما السنة: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) وهذا نص في الموضوع.
أما الجهل: فقد أتى عدي بن حاتم رضي الله عنه وكان صائماً، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أنه جعل تحت وسادته عقالين -والعقال: الحبل الذي تربط به يد البعير -أحدهما أسود والثاني أبيض، وجعل يأكل -يتسحر- وهو ينظر إلى هذين العقالين، فلما تبين الأسود من الأبيض أمسك.
إذاً هذا الرجل أكل بعد طلوع الفجر أم لا؟ نعم قطعاً؛ لأنه لا يتبين الخيط الأبيض الذي هو العقال من الأسود إلا بعد ارتفاع النور.
ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: (إن وسادك لعريض) أي: واسع (إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل) ومعلوم أن بياض النهار وسواد الليل ليس تحت الوسادة ولم يأمره بالقضاء، مع أنه أكل بعد طلوع الفجر، لكنه جاهل لا يعرف معنى الآية تماماً.
دليل آخر: في آخر النهار قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس، ولم يأمرهم بالقضاء، وهم الآن قد أكلوا قبل غروب الشمس، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به، ولو أمرهم به لنُقل إلينا؛ لأنه إذا أمرهم به صار شريعة، والشريعة محفوظة لا بد أن تنقل.
أما الدليل على القصد فقد سمعتموه من القرآن وهو قوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] .(70/12)
الجماع أعظم المفطرات
أعظم المفطرات الجماع؛ لأن الجماع فيه كفارة مغلظة، وهي: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
ودليل هذا هذه القصة الغريبة: أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله، هلكت قال: وما الذي أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم) هل الرجل الآن متعمد أو غير متعمد؟ متعمد، والدليل أنه قال: (هلكت) فهو عالم (فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتق رقبة، قال: لا أجد، قال: صم شهرين متتابعين، قال: لا أستطيع، قال: أطعم ستين مسكيناً، قال: لا أجد، ثم جلس الرجل فجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خذ هذا وتصدق به، فقال: يا رسول الله، أعلى أفقر مني؟ -انظر الطمع، جاء على أنه خائف وجل- والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني) لابتيها أي: الحرتين، المدينة ليس فيها أفقر مني، أتدرون ماذا فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ (فضحك حتى بدت نواجذه أو أنيابه عليه الصلاة والسلام وقال له: أطعمه أهلك) انظروا إلى سماحة الإسلام ويسر الإسلام! لما جاء هذا الرجل تائباً عومل بهذا اليسر، فرجع الرجل إلى أهله وقد خرج منهم خائفاً، رجع إليهم غانماً فرحاً عنده تمر.
المهم أن أعظم المفطرات هو الجماع وفيه ما سمعتم: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطيع فإطعام ستين مسكيناً، والمرأة كالرجل إذا كانت مطاوعة، أما إذا كانت مكرهة فلا شيء عليها.(70/13)
شروط وجوب الصوم
هل الصوم واجب على كل الناس، أو لا بد فيه من شروط؟
الجواب
لا بد فيه من شروط، واعلم يا أخي وأخص طالب العلم: أن من إتقان هذه الشريعة أن جعلت للعبادات ضوابط بحيث لا تجب إلا بشروط ولا تسقط إلا بأسباب.
فشروط وجوب الصيام: 1/ أن يكون مسلماً.
2/ بالغاً.
3/ عاقلاً.
4/ قادراً.
5/ مقيماً.
6/ خالياً من الموانع.
الأول: الإسلام وضده الكفر، فالكافر لا نلزمه بالصوم، بل ولا نأمره بالصوم حتى يسلم، لو رأينا كافراً يأكل في البيت في نهار رمضان، لا نقول له شيئاً، ولو خرج إلى السوق نمنعه، لكن في بيته لا نمنعه ولا ننهاه عن الأكل؛ لأنه ليس بمسلم.
الثاني: البلوغ وضد البلوغ الصغر، والبلوغ يحصل بواحد من ثلاثة أمور: 1/ تمام خمس عشرة سنة.
2/ إنزال المني بشهوة.
3/ إنبات العانة: وهي الشعر الخشن حول القبل.
وتزيد المرأة بالحيض؛ إذا حاضت ولو لم يكن عمرها إلا عشر سنوات فهي بالغة، والصغير لا يجب عليه الصوم لكن يؤمر به ليعتاده.
الثالث: العاقل وضد العاقل المجنون، وإن شئت فقل: ضد العاقل فاقد العقل؛ ليشمل المجنون والمغمى عليه والمخرف لكبرٍ، فكل هؤلاء لا يجب عليهم الصيام، فلو أن إنساناً حصل له حادث في أول يوم من رمضان وبقي مغمى عليه كل الشهر فإنه لا يقضي إلا اليوم الأول؛ لأن اليوم الأول أدرك أوله وهو صاحٍ والباقي لا شيء عليه؛ لأنه ليس معه عقل، كذلك المهذري ليس عليه صيام؛ لأنه فاقد العقل فلا يلزمه الصيام، كذلك أيضاً لو اختل تفكيره بسبب حادث أو مرض فلا صيام عليه.
الرابع: القدرة وضدها العجز، والعجز إما أن يكون طارئاً يرجى زواله، وإما ألا يرجى زواله، فالذي يرجى زواله نقول للمريض: انتظر حتى يعافيك الله واقض الصوم، والذي لا يرجى زواله كالعجز عن الصوم لكبر أو لمرض لا يرجى برؤه فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً، وقد كان أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كبر يجمع آخر رمضان ثلاثين فقيراً ويطعمهم خبزاً وإداماً عن ثلاثين يوماً.
الخامس: المقيم وضده المسافر، فالمسافر يخير: إن شاء صام، وإن شاء أفطر، والصوم أفضل له إلا أن يشق عليه فالفطر أفضل، لماذا الصوم أفضل؟ أولاً: لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: لأنه أسرع في إبراء الذمة.
ثالثاً: لأنه أيسر للمكلف.
رابعاً: لأنه يصادف شهر رمضان الذي هو شهر الصيام.
لكن إذا شق عليه ولو قليلاً فالفطر أفضل.
السؤال
ما تقولون في رجل: ذهب إلى مكة لأداء العمرة وهو صائم لكنه في أثناء الطواف والسعي عطش وشق عليه، فهل الأفضل أن يبقى صائماً مع المشقة، أو يفطر؟ الجواب: الأولى له أن يفطر، ولما جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في آخر النهار -العصر- قيل: (يا رسول الله! إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنهم ينتظرون ما تفعل، فدعا بماء بعد العصر وشربه والناس ينظرون، فأفطر الناس إلا قليل منهم -كأنهم شحوا باليوم وبقوا ممسكين- فقالوا: يا رسول الله! إن بعض الناس قد صام، قال: أولئك العصاة، أولئك العصاة) لأن الصوم يشق عليهم فلم يقبلوا رخصة الله.
فإن قال قائل: أرأيتم لو كان صائماً ثم سافر في أثناء النهار أيجوز له أن يفطر؟ فالجواب: نعم يجوز له أن يفطر؛ لأنه يصدق عليه قول الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] .
فإذا قال قائل: أرأيتم لو أنه قدم إلى بلده وهو مفطر في السفر هل يبقى مفطراً أم يمسك إلى غروب الشمس؟ فالجواب أن للعلماء في هذا قولين: أحدهما: أنه يجب عليه أن يمسك مع القضاء.
والثاني: لا يجب عليه أن يمسك؛ لأنه لو أمسك ما نفعه، إذ لا بد من قضاء هذا اليوم، وهذا القول هو الراجح أنه إذا قدم المسافر مفطراً لا يلزمه الإمساك؛ لأنه لا يستفيد من هذا الإمساك شيئاً وليس بصوم.
السادس: الخلو من الموانع، وهذا خاص بالأنثى، فلا تكون حائضاً، فإن كانت حائضاً أو نفساء فلا صيام عليها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم) .
فإن قال قائل: أرأيتم لو حدث الحيض في أثناء النهار أيفسد صومها؟ الجواب: نعم.
أرأيتم لو أنها كانت مفطرة حال الحيض ثم طهرت في أثناء النهار أيلزمها الإمساك؟ فيه قولان للعلماء، فهي كالمسافر الذي قدم مفطراً، والصحيح: أنه لا يلزمها الإمساك، لأنها سوف تقضي هذا اليوم.
ولعلنا نقتصر على هذا القدر، ونسأل الله تعالى أن يخلص لنا ولكم النية، وأن ينفعنا بما علمنا إنه على كل شيء قدير والآن إلى الأسئلة، وتكون بين أهل عنيزة وأهل بريدة وأهل رياض الخضراء.(70/14)
الأسئلة(70/15)
التحذير من الأخطاء التي تقع في شهر رمضان
السؤال
فضيلة الشيخ! من الملاحظ على بعض المسلمين اليوم في شهر رمضان الإسراف في الأكل والشرب؟
الجواب
ما قاله السائل صحيح، بعض الناس يسرفون في المآكل والمشارب في نهار رمضان، كأنهم لا يقرءون قول الله عز وجل: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف:31] صحيح أن رمضان شهر الجود وشهر الكرم، لكن على وجهٍ نافع، أما الإسراف فلا نفع فيه، ومن ذلك ما يفعله بعض الناس في العمرة تجده يذهب إلى مكة ويبقى فيها الشهر كله أو أكثره ويخسر على هذا خمسين ألفاً أو ستين ألفاً، وهذا من سوء التصرف، هذه الدراهم الكثيرة يكفي منها خمسة آلاف تذهب أنت وعائلتك وتعتمر في يوم أو يومين وترجع والباقي تتصرف فيه؛ لأنه يوجد أناس من المسلمين فقراء جياع، بل يوجد من بلادك من هم فقراء وجياع.
شارك في بناء المساجد، شارك في الأعمال الإغاثية وما أشبه ذلك، أما أن تأخذ خمسين ألفاً أو ستين ألفاً والمقصود يحصل بدونها؛ لأن العمرة يكفي فيها يوم، فهذا أيضاً من الإسراف الذي يفعله بعض الناس نسأل الله لنا ولهم الهداية.
السائل: من الملاحظ أيضاً كثرة النزول إلى الأسواق من النساء خصوصاً في آخر شهر رمضان؟ الشيخ: هذا أيضاً من الخطأ.
أولاً: المرأة بيتها خير لها، حتى التراويح لو جلست في بيتها أفضل، لكن بعض النساء تقول: إذا جلست في البيت يلحقني الكسل ولا أستطيع أن أقوم بالتراويح.
فنقول: لا بأس، إذاً هذه مصلحة فاذهبي إلى المسجد، أما أن تتسكع في الأسواق مع كثرة السفهاء فهذا خطأ، ويجب على أولياء النساء أن يمنعوهن من هذا.
السائل: متابعة المسلسلات والقنوات التي تتنافس في الشر في هذا الشهر؟ الشيخ: كذلك أيضاً متابعة المسلسلات والأفلام الخليعة في هذا الشهر محرمة وفي غيره أيضاً محرمة، لكن هنا يشتد التحريم؛ لأن هذا شهر عبادة، وشهر تقوى، وشهر البعد عن المحرمات، فالواجب على أولياء الأمور أن يمنعوا من ولاهم الله عليه من مشاهدة هذه المسلسلات.
السائل: الاشتغال بالألعاب في الليل عند الشباب.
الشيخ: الألعاب قسمان: قسم مباح كالمسابقة على الأقدام، وكرة القدم إذا لم يكن فيها كشف عورة ولا نزاع وخصومة، فهذه لا بأس بها، لكن لا أرى أن يحيوا ليلهم بهذا، أقول: هذا وقت فاضل، اجتمعوا في البيت وتدارسوا القرآن، أو ناموا حتى تتفرغوا للعبادة في النهار؛ لأن كثيراً من الناس في الليل سهران، وفي النهار نائم، وأقبح من ذلك أن بعض الناس ينام إذا صلى الفجر ولا يقوم إلا عند غروب الشمس فيترك الصلوات، وهذا خطأ كبير.(70/16)
حكم الاكتحال في نهار رمضان
السؤال
فضيلة الشيخ: هل الكحل في نهار رمضان يفطر علماً بأن فيه قناة تصل بين العين والحلق فإذا بصق يجد الشخص أثراً لذلك هل نقول: أفطر ذلك الإنسان؟
الجواب
القول الراجح أنه لا يفطر بالكحل، حتى لو وجد لونه أو طعمه في حلقه، كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لأن هذا ليس أكلاً ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب، ولا يرد على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ لقيط بن صبرة: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) لأن الأنف موضع لإيصال المشروبات إلى المعدة، فهو منفذ معتاد، أما العين فليست كذلك، وعلى هذا فإن الصائم له أن يكتحل ولو وصل الكحل إلى حلقه.(70/17)
حكم الإطعام عن الرجل الكبير الذي لا يشعر بنفسه
السؤال
فضيلة الشيخ: السلام عليك ورحمة الله وبركاته أما بعد: ما حكم الإطعام عن الرجل الكبير الذي لا يشعر بنفسه؟
الجواب
الرجل الكبير الذي لا يشعر ليس عليه لا إطعام ولا صيام؛ لأنه بمنزلة الصبي الذي دون التمييز أو دون البلوغ فليس عليه شيء.(70/18)
المفاضلة بين العمرة والاعتكاف في رمضان
السؤال
فضيلة الشيخ! أيهما أفضل العمرة في رمضان أم الاعتكاف؟
الجواب
العمرة في رمضان لا تنافي الاعتكاف في الواقع، لأن الاعتكاف في العشر الأواخر والعمرة في كل الشهر، فبإمكانه أن يعتمر في أول الشهر ويتفرغ للاعتكاف.(70/19)
حكم من ذرعه القيء ورجع منه إلى جوفه وهو صائم
السؤال
فضيلة الشيخ! أصبت بفشل كلوي خلال شهر رمضان الماضي، وقد صمته ولله الحمد، ولكن في بعض الأيام يأتيني قيء شديد إلى درجة أنه يرجع إلى جوفي مرة أخرى، سؤالي: هل يكون صومي صحيحاً أم لا؟
الجواب
صوم هذا السائل صحيح؛ لأن هذا القيء بغير اختياره، وقد سمعتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ذرعه القيء فلا قضاء عنه) وإذا رجع منه شيء إلى الجوف بغير اختيار الإنسان فلا شيء عليه؛ لأن من شروط المفطرات: أن تكون عن قصد.(70/20)
حكم من قتل إنساناً خطأً
السؤال
فضيلة الشيخ! كنت في الخامسة عشرة من عمري خرجت مع عمي للصيد، وكنا نطارد ظباً وعمي نازل وأنا ابن أخيه الصغير أقود السيارة مع عدم معرفتي للقيادة فدهست عمي حتى مات، فدفعت الدية إلى أهل عمي، ولكن هل علي كفارة صيام وأنا قادر على الصيام ومتى أبدأ بالصيام؟
الجواب
كل إنسان يقتل نفساً معصومة؛ سواء كان المقتول مسلماً أو ذمياً أو معاهداً؛ فإن عليه الكفارة وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فلا شيء عليه، وهذا السائل يقول: إنه قادر على أن يصوم الكفارة فليستعن بالله بعد رمضان وليصم الكفارة، ولكن إذا كان يحب أن يصوم الأيام الست بعد العيد فلا حرج، ثم يشرع في الكفارة.(70/21)
حكم تعليق الدعاء بالمشيئة
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فضيلة الشيخ! ورد النهي في السنة عن تعليق الدعاء بالمشيئة ما وجه قول النبي صلى الله عليه وسلم للمريض: (لا بأس طهور إن شاء الله) ؟
الجواب
النهي عن تعليق الدعاء بالمشيئة هو قول الإنسان: اللهم اغفر لي إن شئت، وهذه أقبح من قول: اللهم اغفر لي إن شاء الله.
هذه واحدة.
ثانياً: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس طهور إن شاء الله) وهذا خبر، وهو طهور بالنسبة للمريض إذا احتسب الأجر، والمريض قد يحتسب الأجر وقد لا يحتسب، فإذا لم يحتسب لم يكن طهوراً له.
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن شاء الله) هو كالرجاء أن يكون هذا المريض محتسباً للأجر فيكون مرضه طهوراً له، وحينئذٍ لا ينافي تعليق الدعاء بالمشيئة.
ومما ينهى عنه أيضاً ما يفعله بعض الناس يقول: اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه.
فإن هذا منكر، بل اسأل الله أن يعافيك، واسأل الله أن يغنيك، واسأل الله أن يعلمك، ولا تقل: لا أسألك رد القضاء؛ لأنه لا يرد القضاء إلا الدعاء وكم من إنسان أشرف على الموت فدعا أو دعي له فشفاه الله.
المهم أن هذه الكلمة لا يجوز أن تقال: (اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه.
يا أخي اسأل الله العافية ولا تسل الله أن يبتليك بلطف.(70/22)
حكم من أجبر على المشاركة في خدمة الحجيج ويريد أن يحج
السؤال
فضيلة الشيخ! شخص يعمل في العسكرية وجب عليه الحج ولم يؤده ويريد أن يؤديه هذه السنة، ولكنه أجبر على المشاركة في خدمة الحجيج، فهل يجب عليه أن يرفض ويحج؟
الجواب
لا يجب عليه أن يرفض بل يسمع ويطيع، أحياناً يطلب منه أن يشارك ولكن قد يرخص له في يوم عرفة أن يحرم بالحج، فإذا رخص له في يوم عرفة أن يحرم بالحج أحرم من عرفة، ولا يلزمه أن يذهب إلى الميقات؛ لأنه لم يتمكن من الشروع في النسك إلا في هذا المكان، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من كان دون المواقيت فمن حيث أنشأ) .(70/23)
توجيه لمن يتأخر عن صلاة العشاء بسبب مشاهدة المسلسلات
السؤال
ما رأيك فيمن يتأخر عن صلاة العشاء في رمضان؛ لأنه يشاهد المسلسلات؟
الجواب
أقول: أخطأ خطأً عظيماً؛ لأنه لا يجوز أن يتأخر الإنسان عن صلاة الجماعة لا في رمضان ولا في غيره، ولا سيما أنه تأخر ليشاهد مسلسلات قد تكون خبيثة كما هو الغالب، فعليه أن يتوب إلى الله، وأن يجتهد في طاعة الله تعالى في هذا الشهر؛ لأنه لا يدري هل يعود عليه أو لا يعود، فكم من إنسان لم يعد عليه رمضان كم من إنسان أشرف على رمضان ومات قبل أن يدرك أول يوم، فعليه أن يتوب إلى الله من الآن، ويصمم ويعزم على أن يستقبل شهر رمضان بهمة عالية وعزيمة صادقة.(70/24)
حكم من حلف فحنث فصام ولم يطعم
السؤال
فضيلة الشيخ! رجل حلف على شيء ثم حنث في يمينه وصام مع قدرته على الإطعام، فما الحكم: هل يجزئه الصيام مع أن الله بدأ بالإطعام وجعل الصيام عند عدم الاستطاعة، ولو كان غير عالم بالحكم هل يختلف الحكم؟
الجواب
إذا صام الإنسان في كفارة اليمين وهو قادر على إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن الصوم يكون نافلة وعليه أن يأتي بالكفارة، لكن الصوم لا يضيع يكون نافلة له وليطعم.
ولقد اشتهر عند كثير من الناس أن كفارة اليمين هي الصيام، ولهذا إذا حلف على أخيه وقال: والله أن تفعل كذا، يقول: لا تجعلني أصوم ثلاثة أيام، وهذا خطأ، الإطعام مقدم أو الكسوة أو عتق الرقبة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة.(70/25)
حكم صوم من به مرض خطير
السؤال
فضيلة الشيخ: لقد أجريت لي عملية استئصال قلب واستبداله بقلب آخر قبل سبعة أشهر وقد نجحت العملية والحمد لله.
أولاً: يا فضيلة الشيخ أطلب منكم الدعاء لي والتأمين من الإخوة الحضور باستمرار هذا النجاح، وأن يوفقني الله للاستقامة والشكر على هذه النعمة.
ثانياً: السؤال يا فضيلة الشيخ: إن طبيبي المشرف والمتابع لحالتي يفيدني بعدم إمكانية صوم شهر رمضان القريب، ما الحكم يا فضيلة الشيخ علماً بأنه ليس من أهل السنة؟ وأخيراً: ماذا أعمل في أيام علي من رمضان الماضي أفطرت فيها عند تدهور حالتي؟
الجواب
الحمد لله، أسأل الله تعالى أن يديم شفاءه، وأن يثبته على دين الله، وهذه من نعمة الله سبحانه وتعالى عليه، فليستغل الفرصة بكثرة العبادات من التسبيح والتكبير والتهليل وقراءة القرآن والصدقة إن كان عنده مال وما أشبه ذلك.
أما بالنسبة للصيام فلا يصوم، فإذا قال الطبيب الموثوق: إن الصوم ربما يعيد المرض عليه حرم عليه أن يصوم؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] فليبق حتى يشفيه الله تعالى شفاءً تاماً ويأذن له طبيبه بالصوم.
وأما الأيام التي مضت فإنه إذا تعافى عافية كاملة فعليه أن يقضيها مع رمضان القريب.(70/26)
أفضلية دفع الزكاة في رمضان
السؤال
يا شيخ! دفع الزكاة في رمضان هل له أفضلية على غيره من الشهور مع أنها واجبة إذا توفرت فيها الشروط؟
الجواب
الواجب في الزكاة أن يدفعها إذا تم الحول ولا ينتظر رمضان، فإن أحب أن يدفعها في رمضان وقد تم حولها السابق فإنه يستغفر الله تعالى عن تأخيرها، ولا حرج عليه أن يقدم زكاة العام المقبل في رمضان، هذا من حيث الزمن ورمضان لا شك أن النفقة فيه أفضل، لكن أحياناً تكون الزكاة في غير رمضان أفضل والصدقة أفضل؛ لأن الفقراء يكونون أحوج منهم في رمضان كما هو معروف، في رمضان تكثر الصدقات والزكوات فيحصل للفقراء شيء من الغنى، لكن في غير رمضان قد يكونون أشد حاجة.(70/27)
قتل كل مؤذ
السؤال
فضيلة الشيخ! جزاك الله خيراً، إذا كانت عندي قطة سوداء داخل الحطب ولحقني منها أذىً وطردتها ورجعت، هل يجوز أن أقتلها؟
الجواب
إذا آذتك فاقتلها؛ لأن كل مؤذٍ يقتل حتى بنو آدم الساعون في الأرض فساداً يقتلون، فكيف بالهرة، فإذا آذتك وأخرجتها ولم تفعل، أي: ما امتنعت، فلك قتلها.(70/28)
حكم التهنئة لدخول شهر رمضان
السؤال
فضيلة الشيخ! هل وردت تهنئة بدخول شهر رمضان، وإذا هنأني شخص ماذا أقول له؟ وجزاك الله خيراً.
الجواب
ورد عن السلف أنهم كانوا يهنئون بعضهم بعضاً في دخول رمضان ولا حرج في هذا، فيقول مثلاً: شهر مبارك، أو بارك الله لك في شهرك، أو ما أشبه ذلك، ويرد عليه المهنأ بمثل ما هنأه به، فيقول مثلاً: ولك بمثل هذا، أو يقول: وهو مبارك عليه، أو ما يحصل به تطييب خاطر المهنئ.(70/29)
حكم الشراء ديناً عن طريق البنك بالتقسيط المريح
السؤال
فضيلة الشيخ! كثر في الوقت الحاضر تنافس البنوك والشركات على التقسيط المريح كما زعموا مما أثقل الكثيرين بالديون لغير حاجة، وهذه البنوك بعضها لا يملك تلك السلعة، ولكن يطلب منك تحديد المطلوب ثم يشتريه أو يحضره بشرط أن تفتح عنده حساباً جارياً، وتضع راتبك الشهري عنده لضمان حقه فما الحكم وما التوجيه؟
الجواب
التوجيه أن هذه مصيبة، أعني أن تسهيل الاستدانة ضرر لا سيما على الشباب، تجد الشاب صغيراً ومع ذلك عليه ديون كثيرة؛ لأنه سهل له الطريق، والدين أمره عظيم: (سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة هل تكفر الذنوب؟ قال: نعم، ثم لما ولى الرجل دعاه وقال: إلا الدين أخبرني بذلك جبريل آنفاً) .
وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قدم عليه الميت لا يصلي عليه إذا كان عليه دين لا وفاء له، حتى قدم إليه رجل من الأنصار فخطى خطوات ليصلي عليه، ثم سأل: (هل عليه دين؟ قالوا: نعم، فتأخر وقال: صلوا على صاحبكم) حتى عرف ذلك في وجوه القوم، فقال أبو قتادة رضي الله عنه: (يا رسول الله! الديناران عليَّ، قال: حقَّ الغريم وبرئ من الميت؟ قال: نعم، فتقدم وصلى) ثم إنه جاء في حديث وإن كان ضعيفاً: (أن نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) فلماذا يا أخي تثقل ذمتك بالديون وأنت في غنىً عنها؟ تجد الرجل يستدين ليشتري سيارة بقيمة سبعين ألفاً وهو يستطيع أن يشتري سيارة بثلاثين ألفاً، وهذا خطأ عظيم، نسأل الله أن يهدي الشباب وغير الشباب للمحافظة على براءة الذمة.
أما بالنسبة للمعاملة التي ذكرها السائل أن الرجل يختار سيارة معينة، ويأتي إلى التاجر سواءً البنك أو غير البنك ويقول: أنا أريد السيارة الفلانية وأنا ليس عندي نقود، فيقول له: أنا أشتريها وأبيعها منك بالتقسيط، هذا حرام، وهو حيلة لا إشكال فيها، وحيلة قريبة، لو كان الربا العظيم الذي رتب الله عليه من العقوبة ما لم يرتب على ذنب غيره سوى الشرك؛ لو كان يحل بهذه الطريقة وهذه الخديعة ما حرم ربا أبداً، وإذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (قاتل الله اليهود لما حرمت عليهم الشحوم أذابوها، ثم باعوها وأكلوا ثمنها) لو تأملت هذه الحيلة التي قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيها: (قاتل الله اليهود) لوجدتها أبعد عن الحرام من هذه الحيلة التي ذكرها السائل.
ولا تغتر أيها المسلم بمن يفتي بالجواز؛ لأن هذه بمجرد ما يتأملها الإنسان يعرف أنها حرام، ثم قولهم: لو أن الذي طلب شراءها تركها بعد شراء البنك أو التاجر لها لقبل منه أن يترك، نقول: هذا كلام ليس له معنى، رجل جاء وعين السيارة التي يريدها ليس هو بتارك، لكن فرض أن يكون تركها إنما هو: من أجل أن يلقوا القش حتى لا يقال: إن هذه حيلة على الربا، ولكن الله عز وجل لا يخفى عليه خافية، احذر يا أخي المسلم من هذه المعاملة، إنها أشد جرماً من أن يقول البنك: خذ خمسين ألفاً واشتر السيارة وهي عليك بستين ألفاً مقسطة، هذه حرام ليس عليها إشكال، والصورة التي ذكرها السائل أخبث، لأنها جمعت مفسدة الربا ومفسدة الحيلة والخداع.(70/30)
حكم كشف عورة المرأة عند الولادة ونتف الشعر للزينة
السؤال
فضيلة الشيخ! تتساهل بعض النساء في أمر العورة، فتذهب إحداهن إلى الطبيب مع وجود طبيبة خصوصاً في قسم الولادة وأمراض النساء، وكذلك أيضاً تأتي إحداهن بامرأة تزيل الشعر الزائد عن جسمها خصوصاً ما حول العورة مما يلزم الكشف عن كثير من العورة خصوصاً عند الزواج، فهل هذان مسوغان للكشف عن العورة سواءً للرجل أو المرأة؟
الجواب
أما الأول: إذا احتاجت المرأة للكشف عن العورة للولادة فهذا شيء يشبه الضرورة فلا بأس به.
وأما الثاني وهو التزيين بحلق الشعر الذي حول العورة فلا حاجة له في الواقع؛ لأن التي كانت تحلق شعرها من حين نبتت العانة ولم تحتج إلى غيرها هي أيضاً لا تحتاج إلى غيرها.
ومسألة إزالة الشعر عند النكاح أو عند الزواج سمعت أن بعض الكوفيرات يستعملن النمص والعياذ بالله، أي: نتف شعر الوجه حتى لو كان فيه شعرة ما تنظر إلا بمنظار نتفتها، وهذا لا يجوز، لأن النمص محرم بل من كبائر الذنوب.
فالمهم أن كشف العورة إذا احتيج إليه فلا بأس به أما مع عدم الحاجة فلا يجوز.(70/31)
الفرق بين صلاة التراويح وقيام الليل
السؤال
فضيلة الشيخ حفظه الله: ما الفرق بين صلاة التراويح وقيام الليل؟
الجواب
صلاة التراويح هي قيام الليل، لكن المسلمين جعلوها في أول الليل، لأنه أسهل على الناس من آخر الليل، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقم الليل كله إلا في العشر الأواخر، فقد كان يقوم الليل كله، أما أول الشهر فكان يقوم وينام، ومع هذا لم يقم بأصحابه إلا ثلاث ليالٍ ثم تأخر خشية أن تفرض على الناس.(70/32)
الجمع بين أفضلية العمل بين الصحابة والناس آخر الزمان
السؤال
فضيلة الشيخ! كيف نجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: (في آخر الزمان عند كثرة الفتن يكون عمل الرجل مثل عمل خمسين من الصحابة) وحديث: (لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) ؟
الجواب
يجب أن نعلم أن الفضل نوعان: الأول: فضل مطلق وهذا لا يمكن أن يباري أحد الصحابة فيه.
الثاني: فضل مقيد، فهذا قد يكون الإنسان فيه أفضل من الآخرين، وإن كان دونهم في الفضيلة، في أيام الصبر الذي يكون فيه الإنسان غريباً لا يجد من يساعده ولا من يعينه، بل ربما يجد من يستهزئ به ويسخر منه ويضيق عليه ويؤذيه، فمن أجل هذه المعاناة ضوعف له الأجر، أما الفضل المطلق فهو للصحابة رضي الله عنهم، نظير ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد يخص بعض الصحابة بشيء وغيره من الصحابة أفضل منه، لما قال في خيبر: (لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) دعا علي بن أبي طالب، فقيل له: إنه يشتكي عينيه، فجيء به فبصق صلى الله عليه وسلم في عينيه فبرأ كأن لم يكن به وجع، ثم أعطاه الراية، ومن المعلوم أن محبة الله ورسوله بالنسبة لـ أبي بكر أشد من علي رضي الله عنه، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل: (أي الرجال أحب إليك؟ قال: أبو بكر) فهذه ينبغي لطالب العلم أن يتفطن لها.(70/33)
الأفضل في المكان الذي تقام فيه صلاة التراويح
السؤال
فضيلة الشيخ! هل الأفضل أن تقام صلاة التراويح في كل مسجد، أم تجتمع بعض المساجد مع بعض كأن تكون في الجوامع حتى يكون أكثر جماعة وأنشط؟
الجواب
الذي يظهر لي أن الأيسر للناس أن يكون الناس في أحيائهم، كل حي يقيم التراويح في مسجده، حتى تعمر بيوت الله عز وجل بالمصلين، ثم لو قلنا: إنهم يجتمعون في مسجد واحد حصل بذلك هجر لبقية المساجد وحصل تضييق على المساجد الأخرى، وأنتم تعلمون الآن أن المسألة ليست كالسابق، فالناس يأتون على سياراتهم فتجد الرجل وحده في سيارة فلا يحصل ضيق وتعب، فالذي أرى أن الأفضل أن تصلى صلاة التراويح في المساجد كما تصلى الفرائض.(70/34)
حكم لبس المرأة للنقاب والبنطلون
السؤال
فضيلة الشيخ! انتشر في الآونة الأخيرة وبشكل ملفت بين النساء وبإقرار من أولياء الأمور بل يساعدوهن على ذلك منها ما يسمى بالنقاب والعباءة الفرنسية والبنطلون، خاصة من أولياء ظاهرهم الالتزام، أرجو تقديم النصيحة جزاكم الله خيراً؟
الجواب
أما النقاب فقد كان معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والدليل على هذا: "أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى المحرمة أن تنتقب".
ولكن هذا الشيء الجائز إذا كان يفضي إلى شيء محرم فمن الأولى منعه؛ لأن كل مباح يفضي إلى محرم يكون حراماً، أو على الأقل يكون ممنوعاً، والنقاب لو أبحناه للنساء اليوم لتوسعن فيه، وصارت لمدة أسبوع أو شهر على النقاب السني المعروف، ثم بعد ذلك تتوسع كما هو الواقع الآن، صارت الآن النساء بدلاً من النقاب يتلثمن، بمعنى عامي: يتلطمن لطمة، فلذلك لا نفتي بجوازه وإن كنا نعتقد أنه في الأصل جائز.
أما بالنسبة للبنطلون، الواقع أن هذا من وحي الشيطان، فإن العلماء الكبار في هذه البلاد كلهم أفتوا بتحريمه، المتكلم يفتي بتحريمه وهو أنا، والشيخ/ عبد العزيز بن باز رحمه الله يفتي بتحريمه، واللجنة الدائمة للإفتاء تفتي بتحريمه، والشيخ/ عبد الله بن جبرين يفتي بتحريمه، هؤلاء رموز علماء البلاد، إذا كان العامة لا يرجعون إلى مثل هؤلاء فإلى من يرجعون؟ لذلك أؤكد أنه يجب منع المرأة من لبس البنطلون ولو عند الزوج، والحمد لله الزوج ليس بحاجة للبنطلون، ولا بحاجة للثياب أيضاً، يجوز أن يبيت هو وزوجته في الفراش بدون شيء، لماذا البنطلون؟ لولا أن الشيطان يوحي إلى الناس بتزيين الشيء القبيح.
أليس البنطلون مبيناً مفاصل الرجلين، هذه رجل وهذه رجل؟ وكذلك أيضاً ربما يبين الصدر، وربما يأتي يوم من الأيام فيغدقون على بلادنا ببنطلونات لونها لون الجلد ورقتها رقة الجلد وضيقة جداً، إذا لبستها المرأة تكون كأنها عارية وهذا ليس ببعيد.
أما العباءة الفرنسية، فأنا لا أتصورها، ولكن أظن أنها تلبس على الكتف ولها أكمام فتكون المرأة كأنها لابسة المقطع ما لبست عباءتها، ولا أحب أن نفتح الباب فتتطور المسألة -بل تتدهور- إلى شيء أسوأ.(70/35)
حكم من أدرك مع الإمام في العشاء ركعتين فاكتفى بالسهو ولم يكمل
السؤال
تقول السائلة: فضيلة الشيخ! صلينا معك صلاة العشاء، وقد أتينا إلى الصلاة في السجود الأول من الركعة الثانية وكبرنا وصلينا ثم جلسنا معك جلوس التشهد الأول، ثم أكملنا الركعتين وأنت سلمت ونحن سجدنا سجود السهو قبل السلام ثم سلمنا، فهل الصلاة صحيحة؟ فإن كانت غير ذلك فهل تلزمنا الإعادة؟
الجواب
الذي فهمنا من كلام المرأة السائلة: أنها ما صلت إلا ركعتين، وعلى كل حال: إن كانت لم تصل إلا ركعتين وجب عليها الآن أن تعيد الصلاة أربع ركعات، وأما إذا كانت أكملت الركعتين بعد أن سلمت فعليها سجود السهو بعد السلام، وإذا فات لا يضرها.
الخلاصة: إذا كان على الإمام سجود سهو بعد السلام وكان بعض الناس عليه قضاء فماذا يصنع؟ الواجب إذا سلم الإمام من الصلاة أن يقوم ويقضي ما عليه، ثم إن كان أدرك الإمام في سهوه سجد بعد السلام، وإن كان الإمام سها قبل أن يدخل معه فلا شيء عليه.(70/36)
توجيه للطلاب الذين سيمتحنون في رمضان
السؤال
فضيلة الشيخ! يأتي شهر رمضان والطلاب والطالبات في انشغال مع المذاكرة من أجل الامتحانات، وسوف يمضي أكثر الشهر في هذه الامتحانات والمذاكرة لغير طلاب الجامعة، فما توجيهكم حيث سننشغل عن قراءة القرآن وربما نفوت التراويح والنوافل، فكيف يكون الجمع؟
الجواب
أولاً: بالنسبة للنساء، فقد أخبرني الرئيس العام أن امتحانهن سوف يبتدئ من اليوم الثالث من رمضان، وأن الدروس كل يوم درس فقط، وهذا لا يوجب انشغال على المرأة حتى عن قيام رمضان، فلتهون على نفسها، أما بالنسبة للرجال فمن كان مجتهداً من أول العام فإنه لن يحتاج إلى كثرة الدراسة، ومن كان مضيعاً فقد ضيع نفسه.(70/37)
نصيحة في استغلال شهر رمضان بالعبادة
السؤال
فضيلة الشيخ! بم تنصحون من يقضي أكثر نهار رمضان بالنوم وقلة الذكر؟ نرجو توجيه هؤلاء إلى الفعل الصحيح وجزاك الله خيراً؟
الجواب
أوجه إخواني جميعاً وأول ما أبدأ به نفسي: أن نستغل هذا الشهر المبارك أسأل الله أن يبلغنا وإياكم صيامه وقيامه إيماناً واحتساباً، أن نستغله بالأعمال الصالحة من ذكر وقراءة قرآن، وصلاة وصدقة، وبر والدين وصلة أرحام، وخلق حسن، لأنه شهر قد لا يعود على الإنسان مرة ثانية، وأما الذين يسهرون في الليل وينامون في النهار فهم من أخسر الناس، لأنهم أضاعوا الليل فيما لا فائدة فيه، بل وربما في مضرة، وأضاعوا النهار أيضاً بكثرة النوم، وربما ينامون حتى عن صلاة الظهر وصلاة العصر.
فنصيحتي لإخواني المسلمين: أن يتقوا الله عز وجل وأن يغتنموا فرص المواسم فإنها والله أبلغ من مواسم البيع والشراء في وجوب الحرص عليها.(70/38)
حكم دفع الزكاة على المال الذي دفع كأسهم
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم دفع الزكاة على المال الذي دفع كأسهم وقدره مائتي ألف ريال، هل تدفع الزكاة على الربح أم على رأس المال رغم أن رأس المال الآن لا يوجد منه شيء حيث دفع مصروفات، ماذا نفعل جزاك الله خيراً؟
الجواب
هذا ينظر إلى المساهم، فإن كان المساهم يريد أن تبقى سهامه في الشركة ليستغلها فهذا ليس عليه شيء إلا في الدراهم فقط، وأما إذا صرفت في المعدات أو ما أشبه ذلك فليس عليه شيء.
أما إذا كان ممن يتاجر بالأسهم بمعنى: أنه لا يريد استمرار مشاركته، بل كلما جاءه ربح باع هذه الأسهم واشترى أسهماً أخرى فهذا عليه أن يزكي عن السهم بقدر قيمته عند وجوب الزكاة، فإذا كان السهم أول ما ساهم مائة ريال ثم زاد إلى ألف ريال فيزكي ألف ريال.
السائل: على رأس المال وليس على الربح؟ الشيخ: الربح سوف يأخذه ويدخله في المال فيتبع المال.(70/39)
قيام الليل مع أكثر من إمام
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض المساجد مثل الحرم المكي يصلون عشر تسليمات كل خمس تسليمات يصليها إمام، هل إذا صليت خمس مع الإمام الأول وذهبت يكتب لي قيام ليلة أو لا بد من الإتمام؟
الجواب
لابد من الإتمام؛ وذلك لأن الإمام الثاني نائب عن الأول والدليل على هذا: أن الوتر يكون مع الإمام الثاني، فالأول لم يتم صلاته في الواقع، بل قام بعض القيام وأتمه الآخر.(70/40)
حكم من ذهب مع أولاده للعمرة وانشغل عنهم بالعبادة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما رأيك فيمن يذهب في رمضان إلى مكة لأداء العمرة هو وأولاده ويتركهم يتسكعون في الأسواق والطرقات وهو مشغول بالعبادة؟
الجواب
أرى أن هذا إلى الإثم أقرب إليه من الأجر، لأن رعاية الأولاد وتربيتهم أوجب من الذهاب إلى العمرة، بل الذهاب إلى العمرة سنة وليس بواجب، فكيف يدع الواجب ويفعل السنة؟ ومن المعلوم أن عبادة الله ليست بالهوى، بل بالهدى وما دل عليه الشرع، أما لو جعلنا كل إنسان يعبد الله بهواه لتفرق الناس ولصاروا أشتاتاً وأنواعاً.
فالواجب على الإنسان أن يراعي أهله حتى لو فرض أن أهله بقوا وهو سافر إلى مكة فقد أثم إلا أن يذهب إلى مكة ويؤدي العمرة ويرجع في يومه فهذا أرجو ألا يكون عليه إثم.(70/41)
الرد على من قال: إن دولة الشيشان دولة بدعية
السؤال
فضيلة الشيخ! تكلمت في أول اللقاء عن الشيشان وبعض الناس يشكك في الشيشانيين ويقول: بأنهم ليسوا من أهل السنة حيث أن عندهم بدعاً، والبعض الآخر يقول: هم السبب فيما حصل فكيف نعينهم؟ فهل من كلمة جواباً على هؤلاء وإخواننا يبادون إبادة جماعية، والمسلمون يتفرجون ولا يسمع لهم صوتاً؟
الجواب
أما الأول وهو قولهم: إن عندهم بدعاً، فلا شك أنه ما من شعب إلا عنده بدعة إلا أن يشاء الله، ولكن الدولة دولة سنية سلفية، وقد واجهت رئيسهم ومفتيهم قبل العام عند سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز رحمه الله وواجهت منهم تقبلاً للحق بل طلباً للحق، ودولة الشيشان في دول القوقاز تسمى الوهابية، لأن عقيدتها سلفية.
وأما كونهم السبب في ذلك، فهب أنهم تصرفوا وأخطئوا، هل إذا أخطئوا -وهم إن شاء الله لهم أجر على اجتهادهم- ندعهم تأكلهم الطيور؟ أبداً! أخطئوا وكلنا يخطئ، لكن لما وقعوا في الشباك يجب أن ننقذهم بقدر المستطاع، فلا لبس في موضوعهم، صحيح أن الدولة التي إلى جانبهم دولة صوفية بدعية، وهي أنجوشيا، وقد علمنا أن زعمائهم قد شدوا الحمل على الوهابية، أما الشيشان فلا، فبهذا أجبنا والحمد لله على كلا الأمرين: أولاً: أنها ليست دولة بدعية.
والثانية: إذا قدر أنهم أخطئوا في التقدير وحصل ما حصل، فالواجب أن نساعدهم الآن لما وقعوا في الشباك.(70/42)
حكم دفع الزكاة للمتضررين في الشيشان
السؤال
ما رأيك يا فضيلة الشيخ! هل يجوز تعجيل الزكاة لإخواننا المتضررين في الشيشان؟
الجواب
لا بأس في ذلك، أرى أن الشيشان الآن في حاجة للزكاة، المجاهدون من قسم (في سبيل الله) واللاجئون من قسم (الفقراء والمساكين) فأحث إخواني على التبرع لهم بالصدقات وبالزكوات.(70/43)
حكم من رأى صائماً يأكل أو يشرب ناسياً
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته! إذا رأيت الصائم يأكل أو يشرب ناسياً في نهار رمضان ماذا أفعل: هل أذكره أم أتركه؟
الجواب
يجب على من رأى شخصاً يأكل أو يشرب في رمضان وهو يعرف أنه صائم؛ يجب عليه أن يذكره لأنه إذا نسي فهو معذور لكن أنت لم تنس، وقد قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] .(70/44)
نصيحة للابسي القبعات
السؤال
ما حكم لبس القبعة التي انتشرت في عصرنا هذا بين كثير من الشباب هداهم الله؟ أفيدونا يا فضيلة الشيخ مأجورين وجزاكم الله خيراً.
الشيخ: ما هي القبعة؟ السائل: لبس القبعة طاقية لها مقدمة من الوجه.
الشيخ: التي فيها رف؟ السائل: ليس فيها شيء لكن شكلها تشبهاً يا شيخ.
الشيخ: لكن فيها رف من الأمام.
السائل: نعم.
الشيخ: أرى ألا تلبس وقد لقيت شاباً بعد صلاة العشاء وقلت: لماذا تلبس هذه؟ قال: ألبسها عن الشمس، فتأمل كيف بلغ بهم حد البلاهة إلى هذا، بعد صلاة العشاء هل يوجد شمس؟ ثم إن ظني أنها ضارة على العين؛ لأن العين بعد ذلك لا تستطيع مجابهة أشعة الشمس.
وعلى كل حال: ينبغي أن نقابل الذين يلبسونها باللين واللطف ونقول: لا ينبغي أن تخرج عن عادة البلد دون الإنكار عليه.(70/45)
التقويم ومطابقة الفجر في التوقيت
السؤال
السلام عليكم فضيلة الشيخ! هل تقويم أم القرى موافق لطلوع الفجر؟
الجواب
فيه خلاف بين الناس، وقد حرر بعض الإخوة من أهل العلم والخبرة، فوجدوا أنه في الفجر متقدم خمس دقائق على طلوع الفجر.(70/46)
حكم استعمال نقط الأنف في رمضان
السؤال
يا شيخ! ما حكم استعمال نقط الأنف في رمضان وهي تدخل غالباً في الحلق؟
الجواب
إذا لم تصل إلى الحلق أو وصل الطعم دون الجرم الذي صب في الأنف فهذه لا تضر، أما إذا كانت كثيرة تصل إلى المعدة فإنه لا يجوز استعمالها لمن صومه واجب إلا عند الضرورة ويفطر ويقضي يوماً بدله.
وإلى هنا انتهى هذا اللقاء المبارك، أسأل الله تعالى أن يجعله نافعاً للجميع، وأن يعيدنا وإياكم معاد الخير إنه على كل شيء قدير.(70/47)
اللقاء الشهري [71]
تنقضي الأيام، ويتصرم الزمان، بسرعة غير معهودة، وهذا كله يدعو إلى استغلال الوقت واستثماره، فهو أنفس ما يملكه الإنسان.
وإذا كانت هذه قيمة الوقت، فهو في رمضان أغلى وأثمن، هذه كلها محاور دار حولها الحديث في هذا اللقاء، بالإضافة إلى تفصيل لأحكام الزكاة.
وفي فقرة الأسئلة كثير من الفتاوى العامة، والإجابات الهامة، عن أسئلة الحاضرين.(71/1)
هدي السلف في قضاء أوقات رمضان
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد جرت عادة السلف أو كثير منهم إذا دخل رمضان أن يتفرغوا لقراءة القرآن؛ وذلك لأن الشهر يمضي، وهو شهر القرآن، فينبغي أن يتفرغ الناس فيه لقراءة القرآن، ولكن نظراً لطلب الإخوة في مركز الدعوة في عنيزة أن يحصل هذا اللقاء العارض، ونظراً لما أرجو الله سبحانه وتعالى فيه من المصلحة، وافقت على عقد هذا اللقاء في هذه الليلة ليلة الأحد الحادي عشر من شهر رمضان المبارك عام (1420هـ) .
هذه الليلة ليلة الأحد أول أيام الأسبوع، وهي أول العشر الأواسط من رمضان، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح لنا ولكم الأولى والآخرة.(71/2)
معنى تقارب الزمان ودلالاته
في هذه الليلة أود أن أذكر نفسي وإياكم باغتنام الوقت قبل فواته، فإن الأيام تمضي بسرعة ولا سيما في وقتنا هذا، فإن الإنسان بينما هو في يوم الجمعة وإذا بالجمعة التالية كأن لم يكن بينهما إلا يوم واحد، وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان) فإن قوله: حتى يتقارب الزمان، قال بعض العلماء: إن المعنى هو أن المدن تكبر فتكون المسافة التي بين المدينتين عشرة أيام فإذا كبرتا وصارتا أقل من ذلك، فيتقارب الزمان، ولكن الذي يظهر: أنه يفسر بما نحن عليه اليوم، الزمان متقارب جداً، وجرب نفسك، شهر رمضان في العام الماضي كأنه لم يمش إلا في شعبان، هذا ما أجده في نفسي ولا أدري أتجدون ذلك في أنفسكم أو لا؟ تجدون هذا!! كأنما دخل شهر رمضان هذا العام الليلة الماضية والآن تم ثلثه والثلث كثير، نسأل الله تعالى أن يعفو عما مضى وأن يعيننا على الأعمال الصالحة فيما بقي.(71/3)
فضل أيام رمضان
العشر الأواسط أفضل من العشر الأول والعشر الأواخر أفضل من العشر الأواسط، وتجدون هذا في الغالب مطرد وأن الأوقات الفاضلة آخرها أفضل من أولها، ويوم الجمعة عصره أفضل من أوله، ويوم عرفة عصره أفضل من أوله، والحكمة من هذا والله أعلم: أن النفوس إذا بدأت بالعمل كلت وملت فرُغِّبت بفضل آخر الأوقات على أولها حتى تنشط فتعمل العمل الصالح.(71/4)
من أحكام الزكاة
الغالب أن الناس في هذا الشهر يخرجون زكاتهم نظراً لفضيلة الزمان وهذا لا بأس به ولا حرج في أن الإنسان يجعل شهر رمضان شهر الزكاة، وكان أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه يخطب في الناس ويقول: أما بعد فإن هذا شهر زكاتكم، قيل: إنه شهر محرم، وقيل: شهر رمضان، وعلى كل حال فلا حرج أن يجعل الإنسان شهراً معيناً يحصي فيه ماله الذي فيه الزكاة ويزكي، ولكن لا يؤخر ما وجبت زكاته إلى الشهر، مثلاً: لو وجبت زكاتك في رجب فلا يجوز أن تؤخرها إلى رمضان، لكن لك أن تقدم زكاتك التي لا تحل إلا في ذي الحجة تقدمها في رمضان ولا حرج، فالمهم لما كان عادة كثير من الناس أن يخرج زكاته في رمضان كان لا بد أن يعرف الإنسان.
أولاً: الأموال الزكوية.
ثانياً: مقدار الزكاة.
ثالثاً: إلى من تصرف الزكاة؟ هذه ثلاثة، أولاً: الأموال الزكوية، هل كل مال فيه زكاة؟ هذه واحدة.
ثانياً: مقدار الزكاة نصف أو ربع أو عشر أو أكثر أو أقل، لا بد أن نعرف، كما يجب علينا أن نعرف صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء وعدد ركعاتها، فكذلك الزكاة؛ لأن الزكاة أخت الصلاة وقرينتها في كتاب الله.
الثالث: إلى من تصرف؟ هل الإنسان بالخيار يصرفها كيف يشاء؟ لا.(71/5)
الأموال الزكوية
الأموال الزكوية هي: بهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم.
ثانياً: الذهب والفضة.
ثالثاً: الخارج من الأرض.
رابعاً: عروض التجارة.
الأول: بهيمة الأنعام، وليس كل بهيمة الأنعام تجب فيها زكاة، لا بد أن تكون سائمة -أي: ترعى- لا يعلفها صاحبها، ترعى إما كل السنة أو أكثر السنة، فأما التي تعلف فليس فيها زكاة ولو بلغت آلافاً، فمثلاً: إنسان عنده ألف شاة لكنه يعلفها وهو قد أعدها للتنمية ولم يعدها للتجارة، فهذه ليس فيها زكاة؛ لأنها ليست سائمة.
والسائمة: هي التي ترعى مما أخرج الله عز وجل إما السنة كلها أو أكثرها.
الثاني: الخارج من الأرض، وهل كل خارج من الأرض تجب فيه الزكاة؟ قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ} [البقرة:267] وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (فيما سقت السماء أو كان عثرياً العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر) فلو أخذنا بعموم هذه الآية والحديث لقلنا: تجب الزكاة في كل خارج من الأرض، حتى في البطيخ والخضروات وفي كل شيء؛ لأن الآية عامة والحديث عام، لكن هناك شيء مقيد وهو: أنه لا بد أن يبلغ نصاباً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) .
إذاً لا بد أن يبلغ خمسة أوسق فأكثر.
الثاني: لا بد أن يكون مما يوسق.
أي: يحمل ويدخر ويقتات، مثل: التمر والبر والشعير، والأرز، وأما ما لا يوسق فليس فيه زكاة.
الآن نسأل: الخضروات والفواكه وما أشبه ذلك توسق؟
الجواب
لا، جرت العادة أنها تؤخذ أفراداً أو بالوزن وتؤكل مباشرة فليس فيها زكاة.
إذاً ليس كل خارج من الأرض فيه زكاة.
الثالث: الذهب والفضة، والنصوص فيها عامة، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة:34] ومعنى يكنزونها أي: لا يؤدون زكاتها {وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:34-35] وهذه عامة سواء كان الذهب قليلاً أو كثيراً وسواءً كان دراهم أو دنانير، أو قطعاً من الذهب وقطعاً من الفضة أو كان حلياً مع أن الحلي حرام استعماله في الأكل والشرب، أو كان حلياً، النصوص عامة، فهل هي مخصصة أم لا؟ الجواب: ننظر، نقول: لا بد أن تبلغ النصاب، والنصاب من الفضة خمس أواق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة) والأوقية: أربعون درهماً، فتكون الخمس الأواق مائتي درهم، وهذه الأواق بالنسبة للجرامات بلغت (595) جراماً، فمن كان عنده من الفضة دون ذلك فليس فيه زكاة.
الذهب جاء فيه حديث رواه أهل السنن: (ليس عليك فيما دون عشرين ديناراً زكاة) والدينار مثقال، فيكون نصاب الذهب عشرون مثقالاً، تبلغ بالجرامات (85) جراماً، وما دون ذلك ليس فيه زكاة.
لكن لو قال قائل: عندي نصف نصاب من الذهب ونصف نصاب من الفضة هل أكمل أحدهما بالآخر؟ الجواب: قال بعض العلماء: تكمل أحدهما بالآخر، فإذا كان عندك عشرة دنانير وعندك مائة درهم، لو نظرت إلى كل واحد بعينه فلا زكاة عليه؛ لأن كل واحد منهما لم يبلغ النصاب، وإن جمعتهما صارا نصاباً، وهذا محل خلاف بين العلماء، والقول الراجح: أنه لا يضم أحدهما إلى الآخر؛ لأن السنة دلت على أن هذا له نصاب وهذا له نصاب، وكما أننا لا نضم البر إلى الشعير في تكميل النصاب فلا نضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب.(71/6)
حكم زكاة الحلي
السؤال
امرأة عندها حلي من الذهب يبلغ النصاب هل يجب عليها أن تزكيه أم لا؟
الجواب
هذا فيه خلاف بين العلماء، بعضهم يقول: لا زكاة فيه؛ لأن هذا يستعمل للباس فهو كالثياب التي على الإنسان لا زكاة فيها، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) فهي حوائج معدة للإنسان يستعملها المرء للتجمل كالثياب فلا زكاة فيها.
وقال آخرون: تجب الزكاة إذا بلغ النصاب؛ لأن الأدلة عامة لم يخصص منها شيء، والواجب على الأمة الإسلامية في نصوص الكتاب والسنة أن تتبع عموم الكتاب والسنة، فإذا كان عاماً عممت الحكم، وإن كان خاصاً خصصته، ولا يمكن لأي إنسان أن يثبت أن الحلي لا زكاة فيه وأنه مستثنى، فليس في الكتاب ولا في السنة ولا في إجماع الأمة ولا في القياس الصحيح دليل على انتفاء وجوب الزكاة في الحلي، والأدلة أربعة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وكلها ليس فيها دليل، ومن وجد دليلاً فليتفضل به، وجزى الله شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله خيراً فقد كنا نقلد المذهب في هذه المسألة ونقول: الحلي المعد للبس ليس فيه زكاة، حتى قدر الله عز وجل أن ندرس في الرياض في المعهد العلمي، وندرس على يد الشيخ/ عبد العزيز رحمه الله في بيته أو في المسجد، فمرت بنا هذه المسألة فرأيناه يرى وجوب زكاة الحلي، وألف بذلك رسالة في وجوب الزكاة، فقلنا له: ما دليلك يا شيخ؟ قال: الدليل العمومات والخصوصات، العموم القرآن والسنة: {يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة:34] قال أهل العلم: معنى كنزها ألا تؤدي زكاتها، حتى لو كانت على ظهر جبل فهي كنز، وما تؤدى زكاته ولو كان في قعر الأرض فهو ليس بكنز، وقال أيضاً رحمه الله -وذكره في رسالته- حديث أبي هريرة في مسلم: (ما من صاحب ذهب ولا فضة إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جبينه -أي: وجهه- وظهره وجنبه كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار) وتقرير هذا الدليل أن يقال: هل المرأة التي تملك الحلي هل يقال: إنها صاحبة ذهب أو فضة؟ الجواب: نعم، يقال بلا شك، إذاً تدخل في عموم الحديث.
وقال أيضاً رحمه الله: هناك دليل خاص وهو ما أخرجه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم: (أن امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي يد ابنتها مسكتان -أي: سواران- قال: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟) الجواب: لا يسرها، كأنه قال: إن لم تؤدِ زكاته سورك الله بهما سوارين من النار (فخلعتهما من ابنتها وألقتهما للرسول صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله) وهذا دليل خاص، وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله ورواية عن إمامنا الإمام أحمد بن حنبل، وقد قيل: إنه في العصور الوسطى كان على مذهب أبي حنيفة ثلاثة أرباع الأمة الإسلامية؛ لأن الخلفاء في الدولة العثمانية كلهم على مذهب الأحناف والناس على دين ملوكهم.
على كل حال: الحق لا يعرف بالكثرة، صحيح أن كثرة العلماء مرجحة بلا شك، لكن إذا وجد الدليل فهو الإمام ولا قول لأحدٍ بعده، لكن هؤلاء الذين قالوا: يقاس على الثياب.
الجواب: هذا القياس فاسد من وجهين: الوجه الأول: أنه في مقابلة النص، فالنص يدل على وجوب الزكاة، فكيف تقيس شيئاً تبطل به نصاً؟! لا يمكن هذا، ولهذا يسمي العلماء القياس المعارض للنص: فاسد الاعتبار، أي: اعتباره فاسد ولا قيمة له.
ثانياً: أن هذا القياس غير صحيح، الذهب والفضة ما هو الأصل فيهما؟ وجوب الزكاة، والثياب الأصل عكس هذا، وهو عدم وجوب الزكاة، فكيف يقاس شيء الأصل فيه الوجوب على شيء الأصل فيه عدم الوجوب؟ هذا لا يستقيم.
ثم هو قياس متناقض، يقولون: لو كان عند المرأة دنانير ذهب تعدها للنفقة ففيها الزكاة، وإن كانت لا تعدها ففيها زكاة أيضاً على قول هؤلاء، ويقولون في الحلي: إن أعد للنفقة ففيه الزكاة وإن أعد للبس فلا زكاة فيه، والقياس يقتضي أن يتساوى الأصل والفرع.
على كل حال لا أحب أن أطيل في هذه المسألة، المسألة خلافية، من العلماء من قال: تجب، ومنهم من قال: لا تجب، وإذا كنا نخشى أن نقف بين يدي الله يوم القيامة فلا شك أن الاحتياط لنا أن نزكي هذا.(71/7)
زكاة عروض التجارة
عروض التجارة شامل عام لا يختص بمال معين، فكل شيء تعده للتجارة ففيه الزكاة حتى الثياب، والسيارات فيها زكاة لو كان إنسان عنده معرض سيارات معدة للتجارة يشتري ليربح ففيها الزكاة، ومن يبيع ويشتري في الأراضي يريد الربح ففيها زكاة، الأواني فيها زكاة، بهيمة الأنعام يريدها للتجارة وإن كان يعلفها كل يوم ففيها زكاة.
أما مقدار الواجب: فالواجب من الذهب والفضة وعروض التجارة ربع العشر، أي: واحداً من أربعين، فليقل الطالب: عندك أربعون ألف ريال كم فيها من الزكاة؟! ألف ريال، إذا قال: إنه ينقص ماله، نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما نقص مال من صدقة) بل ينميه الله عز وجل ويقيه الآفات، مع ما يكون في قلب الإنسان من الكرم ومحبة الإحسان إلى الغير والفوائد العظيمة، إذاً لا حاجة إلى الحساب الكثير، نقول: إذا أردت أن تعرف مقدار الواجب في مالك وفي عروض التجارة فقوِّم المال وقت الوجوب، ثم اقسم ذلك على أربعين، فالناتج بالقسمة هو الواجب.
أما الخارج من الأرض فما كان يخرج بتعب ومشقة -بسقي- ففيه نصف العشر، وما ليس فيه مشقة ففيه العشر كاملاً.
أما الماشية، بهيمة الأنعام لا يستطيع الإنسان أن يضبطها؛ لأنها فيها أوقاص والشارع هو الذي حددها.(71/8)
بيان مصارف الزكاة
أما البحث الثالث في الزكاة فهو من أهل الزكاة؟ هل الإنسان مخير إذا رأى أي شخص يرق له أعطاه الزكاة أم أن أهل الزكاة أصناف معلومة محددة من قبل الشرع؟
الجواب
الثاني، استمع قول الله عز وجل: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60] أي: أن الله فرضها علينا وبيَّن أن هذا الفرض صادر عن علم وحكمة والله عليم حكيم، أي إنسان يتصف بواحد من هذه الأوصاف فأعطه زكاتك ولا تبالِ، لكن هل تعطي أباك منها وهو فقير؟ نقول: لا تجزئ، ونقول: أي إنسان يقول لك: إنه لا يجوز أن تعطي زكاتك والدك قل: هات الدليل؛ لأنك أنت معك دليل، فأقول: إذا حابى الإنسان نفسه بالزكاة فكأنه لم يخرجها، بمعنى أنه إذا كان إعطاء الزكاة يقضي أن يسقط عنه شيء من الواجب فالزكاة لا تلزم مثلاً: هذا غني وأبوه فقير يجب عليه أن ينفق على أبيه من ماله الخاص، فإذا كان هذا الأب يحتاج في النفقة إلى عشرة آلاف سنوياً وعند الابن عشرة آلاف زكاة، لو أعطاها والده لأسقط عن نفسه عشرة آلاف فكأنه ما أدى الزكاة في الواقع؛ لأنه حمى بها ماله، وبناءً على ذلك نقول: كل القرابات الذين لا تلزمك نفقتهم أعطهم أو لا يلزمك ما تحملوه فأعطهم زكاتك، فهذا الأب الذي ذكرنا لو أنه حصل منه أ، صدم سيارة إنسان وقدرت السيارة بخمسة آلاف، هل يجوز أن تعطي والدك خمسة آلاف غرم السيارة أو لا يجوز؟ لأنه لا يلزم الابن أن يتحمل غرامات أبيه، نعم يجب عليه أن ينفق عليه، لكن الغرامات لا، انتبه إلى هذه القاعدة.
السؤال
هل يجوز أن نصرف الزكاة في التعليم في إصلاح الطرق في بناء المساجد في بناء المدارس؟ لا يجوز، لأنه مخصص، والذي يأمر وينهى هو الله عز وجل، وأما قوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:60] فالمراد الغزاة، ليس المراد كل ما يقرب إلى الله، لو كان المراد كل ما يقرب إلى الله لم تكن للحصر فائدة في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة:60] ونقول: لو أننا أذنا للناس أن يصرفوا زكاة أموالهم في هذه المشاريع الخيرية لانسد باب الإنفاق وصار الناس ينفقون زكواتهم في هذه المشاريع ولم يبق تطوع من الناس، فيكون في ذلك سد باب الخير، ولا نحب أن نطيل في هذا البحث ونقتصر على ما أوردنا ونسأل الله أن يجعل فيه الكفاية.(71/9)
الأسئلة
والآن إلى الأسئلة ونرجو الله أن يوفقنا للصواب.(71/10)
إذا اجتمعت صلاة التراويح وصلاة الجنازة فأيهما يقدم؟
السؤال
فضيلة الشيخ! حصل في هذا اليوم جنازة قبل صلاة التراويح، فأيهما أفضل أن نتبع الجنازة أم نصلي صلاة التراويح؟ وما هو الأفضل بالنسبة للإمام هل يؤجل صلاة الجنازة إلى ما بعد التراويح أم يعجل بها؟
الجواب
تعارض الآن عندنا شيئان وكلاهما له فضل، اتباع الجنازة والثاني التراويح، فهل نتبع الجنازة وندع التراويح أم العكس؟ ننظر التراويح لو فوتها الإنسان لم يفته إلا صلاة الجماعة فقط؛ لأنه يمكن أن يتهجد في بيته، له من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر والجنازة لو فوتها أو بقي في التراويح فاتت، وعلى هذا التعليم يقدم الجنازة، ولكن إذا كان يخشى أنه إذا ذهب مع الجنازة تكاسل وفاته التهجد فليبق إلا إذا اضطر إلى الخروج مع الجنازة بأن لم يكن معها من يقوم بالكفاية فحينئذٍ يتبع الجنازة.(71/11)
حكم استخدام التحاميل والحقن في نهار رمضان
السؤال
فضيلة الشيخ! شخص مصاب بالتهاب المرارة وحصوتها ويتعرض لنوبات شديدة من الألم لا ينفع معه الإبر المسكنة فيضطر إلى وضع التحاميل، فما حكم وضع هذه التحاميل المسكنة في نهار رمضان؟ كذلك الإبر المسكنة التي ليست مغذية وكالأنسولين لمرضى السكر؟
الجواب
الذي نرى أن هذا ليس مفطراً، سواءً التحاميل من أسفل أو إبر السكر؛ لأنها ليست مغذية فلا تكون بمعنى الأكل والشرب، وأعطيكم قاعدة أخص بهذا طلبة العلم: إذا تعارض القول بأنه مفطر أو أنه غير مفطر فما الأرجح؟ أنه غير مفطر، إذ لا يجوز لنا أن نفسد عبادة شرعية إلا بدليل شرعي؛ لأننا لو أفسدنا الصوم لكنا جنينا على هذا الصائم وأفسدنا صومه، ولكنا قلنا على الله ما لا نعلم، وهذه قاعدة تفهم في كل شيء، كلما تعارض عليك أمران وجوب أو عدم وجوب فالأصل عدم الوجوب، حرام أو غير حرام فالأصل عدم التحريم، مفسد أو غير مفسد فالأصل عدم الإفساد وهكذا.(71/12)
حكم زكاة أسهم الشركات
السؤال
فضيلة الشيخ! عندي مائة سهم في شركة ما فهل عليها زكاة؟ وما مقدار زكاة الأسهم؟
الجواب
إذا كانت الدولة وفقها الله تأخذ الزكاة من هذه الشركات بدقة فلا يلزمك أن تزكي؛ لأن ولي الأمر له أن يقبض الزكاة ويصرفها في مصارفها كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يبعث عماله لقبض الزكاة وتأتي إليه في المدينة ويقسمها.
وأما إذا كانت الدولة لا تأخذها فعليك أن تحصي السهام التي لك، فإن كنت تعدها للتجارة فقدر قيمتها عند وجوب الزكاة وأخرج ربع عشر القيمة، لأن هذه زكاة العروض، وإن لم تكن أعددتها للتجارة بل لتبقى وتنمو فلا زكاة عليك في الأمور العينية التي ليست من الأموال الزكوية، كما لو كان الإنسان مساهماً في آلات ومعدات لا للتجارة ولكن للاستغلال فلا زكاة عليه في هذه المعدات، وإنما الزكاة في النقود التي تحصل منها.(71/13)
ما يقال خلف الإمام إذا دعا بجمل دعائية أو خبرية
السؤال
فضيلة الشيخ! يمر بنا ونحن نصلي خلف الإمام بعض الجمل خصوصاً في الدعاء بعض الجمل الخبرية وبعض الجمل الدعائية فما يقول عقب كل واحدة مثل: اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله إلى آخره؟
الجواب
اللهم إنا نستعينك معناها: نطلب العون وهي دعاء، فتقول: آمين.
أما نحمدك ونثني عليك فهذا خبر فإن شئت قلت: (سبحانك) وإن شئت سكت، لأنها جملة خبرية ثناء على الله عز وجل.(71/14)
حكم دفع المرأة زكاتها لزوجها
السؤال
السلام عليكم يا فضيلة الشيخ! هل يجوز أخذ زكاة زوجتي من الذهب علماً بأنها مدرسة وأنا حتى الآن لا أعمل أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
الجواب
يجوز للمرأة أن تدفع زكاتها لزوجها إذا كان من أهل الزكاة؛ سواءً زكاة الذهب أو زكاة المال، وذلك لأن الزوجة لا يجب عليها الإنفاق على زوجها حتى نقول: لو دفعت زكاتها إليه لحمت بذلك مالها، فيجوز للزوجة أن تدفع زكاة مالها لزوجها إذا كان من أهل الزكاة.(71/15)
حكم زكاة الأراضي
السؤال
فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته! هل تجب الزكاة في الأرض التي تأخذ من الدولة علماً أنه لا يريد أن يقيم عليها مسكناً وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
لا يجب عليه أن يزكيها؛ لأن الرجل ليس تاجر أراضٍ، لكنه أبقاها يقول: إن احتجتها بعتها وإلا بقيت، أو يكون متردداً يبن أن يتجر بها أو يبقيها ويبني عليها بناءً أو ما أشبه ذلك، فالمهم أن هذا لا تجب فيه الزكاة، كذلك لو أن الإنسان اشترى أرضاً للتجارة وفي أثناء الحول بدا له أن يبني عليها بناءً فلا زكاة فيها، وكذلك لو اشترى أرضاً ليبني عليها، ثم طابت نفسه منها وعرضها للبيع ليشتري أرضاً أخرى فلا زكاة عليه، فزكاة الأراضي إنما تجب على الذين يتجرون بالأراضي وهم أصحاب العقارات.(71/16)
حكم التأجير المنتهي بالتمليك
السؤال
فضيلة الشيخ! التأجير المنتهي بالتمليك كثر الكلام فيه، فما هو القول الذي يفتي به فضيلتكم؟
الجواب
أنا واحد من أعضاء هيئة كبار العلماء نسأل الله ألا يجعل ذلك فتنة لي، المسألة لا تزال تحت البحث من هيئة كبار العلماء؛ لأنها عرضت على المجلس مرتين ولم يبت فيها بشيء، وينتظر إلى الجلسة القادمة إن شاء الله في آخر شوال وانظر ماذا يصدر، لكن لا تتعامل بها الآن حتى تصدر الفتوى.(71/17)
كيفية زكاة المال المشترك
يقول: فضيلة الشيخ! عندنا سيارات نملكها ثم نبيعها بالأقساط الشهرية وهذا المال لمجموعة من الأشخاص احترنا في كيفية إخراج زكاته علماً بأن هذا المال في أصله كان لمجموعة من الأشخاص كجمعية، فلما زاد عن الحاجة بدأنا نشتري سيارات ونقسطها، فكيف نخرج زكاته؟
الجواب
إخراج الزكاة سهل يوكل هؤلاء الشركاء واحداً منهم ويتولى الإخراج من مجموع المال، وكل على سهمه، فمثلاً: إذا قدر أنه مائة ألف بين عشرة أشخاص، نقول لهؤلاء العشرة: وكلوا واحداً منكم ويخرج الزكاة من المائة الألف عن الجميع.
أقساط السيارات كغير الشركاء، أي: الديون التي لك في ذمة الناس إذا جاء وقت الزكاة احص مالك الموجود بين يديك واحص الديون التي لك على الناس وأخرج زكاتها جميعاً تسترح منها ولا تبق معلقة، لكن إذا كانت الديون على شخصٍ معسر لا يمكنك أن تطالبه لإعساره فلا زكاة عليك فيما عنده حتى تقبضه، فإذا قبضته فزكه لسنة واحدة ولو كان قد مضى عليه سنوات؛ لأن الذي عند المعسر كالمعدوم.(71/18)
إخراج الزكاة للمتسولين في الحرم
السؤال
أنتم تعلمون يا فضيلة الشيخ أن المتسولين في الحرم كثر، فهل يجوز صرف مائة ريال من فئة خمسة ريالات ومن ثم دفعها لهم على أنها من الزكاة؟ الشيخ: يعني معناه: تعطيهم مثلاً مائة ويعطونك تسعين، هكذا؟ السائل: يصرف قبل أن يدخل إلى الحرم يأخذ معه مبلغ من المال يعتبره من الزكاة هل يجوز ذلك؟ الشيخ: ويعطي هؤلاء المتسولين؟ السائل: ويعطي هؤلاء المتسولين.
الشيخ: إذا غلب على ظن الإنسان أن الذي أعطاه مستحق للزكاة أجزأه سواء كان متسولاً أو كانت هيئته هيئة الفقير فإنه يجزؤه؛ حتى لو بان بعد ذلك أنه غني فإنه يجزئ، ولهذا لما تصدق الرجل على غني وأصبح الناس يتحدثون: تصدق الليلة على غني، قيل لهذا المتصدق الذي ندم على تصدقه على الغني: أما صدقتك فقد قبلت.
والله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها، لا يلزمنا أن نبحث عن الإنسان حتى نصل إلى حد اليقين هذا شيء متعذر أو متعسر، إذا غلب على ظنك أن هذا من أهل الزكاة فأعطه، وإذا تبين أنه ليس من أهلها فزكاتك مقبولة والحمد لله.(71/19)
حكم رد السلام في الصلاة
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا كنت في صلاة الظهر وسلم علي آخر هل أرد أم لا؟ وما هو الأولى للقادم؟
الجواب
أما الرد بالقول فلا يجوز، لأنك إذا رددت بالقول بطلت الصلاة، وأما الرد بالإشارة فلا بأس وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرد السلام بالإشارة، يرفع يده إشارة إلى أني قد سمعت ولكني لن أتكلم؛ لأني في الصلاة، ولكن إن بقي المسلم حتى سلم المصلي رد عليه بالقول وإن ذهب كفت الإشارة.(71/20)
حكم زكاة البهائم السائمة التي تعد للتنمية
السؤال
يقول: فضيلة الشيخ! الأغنام والإبل الموجودة في البادية هل تعتبر سائمة وهل فيها زكاة حيث أن صاحبها يعلفها أكثر من نصف السنة ولربما علفها السنة كلها علماً بأن الغالب أنهم يعدونها للتنمية والاتجار بها؟
الجواب
هذه تكلمنا عليها، لكن لعل السائل لم ينتبه: إذا كانت هذه السائمة للتنمية وهي تعلف أكثر من نصف السنة فلا زكاة فيها؛ لأنها ليست سائمة شرعية، وإن كانت ترعى أكثر الحول ففيها الزكاة، أما إذا كانت للتجارة رجل يتجر بالأغنام يبيع هذه اليوم ويشتري بدلها وما أشبه ذلك، فهذه فيها الزكاة على كل حال حتى لو كان يعلفها، لأنها أموال تجارية كأموال التجار في الدكاكين.(71/21)
حكم استعمال ما يمنع الدورة الشهرية من أجل العبادة
السؤال
يقول: فضيلة الشيخ! قد يحمل المرأة حبها للخير أن تستعمل بعض الموانع لمنع الدورة الشهرية لأجل العمرة أو لأجل صيام وصلاة رمضان فما حكم ذلك؟
الجواب
أما من أجل صلاة رمضان أو صيام رمضان فلا تستعملها؛ لأن الأمر واسع والحمد لله، وهذا شيء كتبه الله على بنات آدم كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذه الحبوب بلغني من أطباء مخلصين صادقين أن فيها أضراراً عظيمة، وأما العمرة فهذه ربما يرخص فيها؛ لأن العمرة قد تفوت لو جاء الحيض من حين الإحرام قبل الطواف ورجعوا قبل أن تطوف، فالعمرة ربما يرخص فيها وأما من أجل الصيام والقيام وقراءة القرآن فلا.(71/22)
حكم زيارة المرأة للمقابر
السؤال
ما حكم زيارة المرأة للمقابر؛ لأن هناك دليلاً يقال: إن عائشة رضي الله عنها زارت أخاها عبد الرحمن في المقبرة.
وهذا حديث حسن خرجه النسائي فما حكم ذلك؟ والله أعلم.
الجواب
أولاً: يجب علينا أن نعلم أنه لا يمكن أن يعارض قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقول أحدٍ كائناً من كان؛ لقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] ولقوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] .
فلا يمكن أن يعارض لعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زائرات القبور بما فعلته عائشة رضي الله عنها: أولاً: لأنها معرضة للصواب والخطأ بخلاف قول المعصوم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ثانياً: ربما تكون نسيت إن كان قد بلغها الحديث أو تأولت أو ما أشبه ذلك، لكن هناك حديث في صحيح مسلم حين فقدت عائشة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووجدته زائراً للبقيع، قالت: (يا رسول الله! أرأيت ماذا أقول؟ فعلمها السلام على القبور) ولكن هذا أيضاً لا يعارض الزيارة؛ لأنا نقول: لو أن المرأة مرت في المقبرة ووقفت ودعت لأهل القبور فلا بأس، أما أن تخرج من بيتها لتزور القبور فهذا محرم.(71/23)
حكم قراءة سورة بعد الفاتحة للمأموم في الركعة الثالثة والرابعة
السؤال
فضيلة الشيخ! في الصلاة الرباعية إذا أطال الإمام الركعة الثالثة طويلاً بعدما أنتهي من الفاتحة هل أقرأ سورة بعدها، أم ألزم السكوت حتى يركع؟
الجواب
لا، الأولى أن تقرأ سورة بعدها؛ لأنه قد جاء في حديث أبي سعيد ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد يزيد على الفاتحة في الركعتين الأخريين، ولأن الصلاة لا سكوت فيها إلا لقراءة الإمام والإمام يقرأ سراً، وعلى هذا فنقول: اقرأ سورة بعد الفاتحة.
لو قال قائل: هلا تقولون: إننا نردد الفاتحة؟ فالجواب: لا، لأن ذلك لم يرد وقراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأخريين قد ورد.(71/24)
حكم استخدام الهاتف الجوال للمعتكف في المسجد
السؤال
يقول: فضيلة الشيخ! ما حكم استعمال الجوال أو الهاتف في المسجد للمعتكف؟ وما ضوابط ذلك إذا كان جائزاً؟
الجواب
لا بأس باستعمال الجوال والهاتف للمعتكف في المسجد إذا لم يشوش على الناس، فإن شوش على الناس فإنه لا يستعمل، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج على أصحابه ذات ليلة وهم يصلون في المسجد أوزاعاً ويجهرون بالقراءة، فقال: (لا يؤذين بعضكم بعضاً في القراءة، كلكم يناجي ربه) وأمرهم ألا يجهروا لئلا يؤذي بعضهم بعضاً، فإذا كانت هذه الجوالات أو البياجر تشوش على المصلين فإن الواجب أن يصكها الإنسان ويغلقها حتى لا يشوش على إخوانه.
وبهذه المناسبة أود أن أذكر إخواني الأئمة الذين يصلون بالميكرفون ويفتحونه على حافات المسجد أو في المنارة فإن ذلك يشوش على من بقربهم من المساجد، ويشوش على أهل البيوت الذين يصلون وحدهم، وربما يؤدي إلى الإضرار بأهل البيوت، قد يكون المريض متشوفاً للنوم فيطير عنه النوم ويتأذى بهذا، فأدعو إخواني الأئمة إلى إقفال الميكرفونات عن المنائر وقت الصلاة؛ لأنها أذية لا شك فيها، وليس فيها فائدة للمصلين؛ لأن المصلين قد يستغنون بالمكبرات الداخلية، ولا للذين خارج المسجد؛ لأن الذين خارج المسجد إذا سمعوا القراءة وظنوا أن الإمام قريباً يركع أسرعوا وركضوا لإدراك الركوع فخالفوا بذلك السنة؛ ولأن بعض الناس وقد شكي إلينا هذا يبقى في بيته ويقول: مازال في الركعة الأولى والإنسان إذا أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة، ثم يبقى إلى أن يبقى ركعة ثم قد يدرك الركعة وقد لا يدركها.(71/25)
انقطاع دم الحيض دليل طهارة المرأة
السؤال
ما الحكم إذا انقطع الدم عن المرأة بعد الدورة الشهرية هل هذا يعد طهراً؟ علماً بأنها لم تر القصة البيضاء؟!
الجواب
القصة البيضاء تكون بانقطاع الدم، لأنه إذا انقطع الدم ونشفت المرأة محل الخارج بقصة بيضاء ولم تجد دماً، فهذه القصة البيضاء، وعلى هذا فمتى انقطع الدم الذي هو الحيض فقد طهرت المرأة ووجبت عليها الصلاة ووجب عليها الصيام، وجاز لزوجها أن يجامعها إن كانت متزوجة.(71/26)
حكم إخراج الجنين من بطن الأم
السؤال
فضيلة الشيخ: امرأة أصيبت بحادث في ظهرها وهي حامل في الشهر الخامس فقرر الأطباء إجراء عملية لظهرها واشترطوا إخراج الجنين فأبت الأم، فقالوا: إن عليها خطراً من الشلل أو الموت إن استمر الجنين ولم تعمل العملية، فما العمل الآن مأجورين؟
الجواب
لا يجوز إخراج الجنين إذا كان لو أخرج لمات حتى وإن خيف على الأم الشلل أو الموت، أسمعتم الحكم؟ إذاً بعد نفخ الروح في الجنين لا يجوز إخراجه بأي حال من الأحوال مهما كان؛ لأنك إذا أخرجته قتلت نفساً عمداً وهذا الجنين مؤمن، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93] .
ولأننا إذا أخرجناه هل نتيقن أن الأم تسلم؟ لا، ربما تكون العملية سبباً لموتها، وحينئذٍ نكون ارتكبنا محظوراً متيقناً لدفع ضرر محتمل.
وأيضاً إذا أبقينا الجنين وماتت الأم أو شلت، فهل نحن الذين تسببنا لموتها أو شللها؟ الجواب: لا، هذا من الله عز وجل، والله تعالى يقدر ما شاء، وأيضاً لن نتيقن أنه إذا بقي يموت.
كثيراً ما يقرر الأطباء أن المرأة لو بقي الحمل في بطنها لماتت ثم لا تموت، وأنا على يدي وتحت سمعي وبصري: قرر الأطباء على امرأة حامل أن جنينها مشوه وأنه لا بد من إخراجه، تقرير طبي! فظهر الجنين أجمل إخوانه، مما يدل على أنهم قد يخطئون.
فعلى كل حال: لو فرضنا (100%) أنه إذا بقي في بطنها هلكت وهلك الجنين لقلنا: إن هلاكها ليس بأيدينا بل من عند الله عز وجل، والله فرق بين الذي بيد الإنسان وبين الذي من عنده كما قال عز وجل: {قُلْ هَلْ َتَربَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} [التوبة:52] فنحن إذا أبقينا الجنين وماتت الأم فليس بفعلنا بل بفعل الله عز وجل: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد:38] وهذه مما قدم فيها العقلانيون عقولهم على الكتاب والسنة وقالوا: إذا بقي في بطن أمه وماتت الأم مات هو، فنقول: وليكن ذلك، إذا ماتت الأم يموت هذا الجنين مثلاً فمن الله عز وجل على أنه يمكن الآن، حسب ترقي الطب أنه إذا تقرر موت الجنين عند الولادة أمكنهم بسرعة أن يخلصوا الأم من الموت، وهذا شيء مؤكد، فالمهم أنت يا أخي امش على الكتاب والسنة ولا يهمك أحد، والدنيا ليست للبقاء، الذي ما مات اليوم سيموت غداً.(71/27)
حكم شراء السيارة من البنوك بشروط فيها حيل ربوية
السؤال
فضيلة الشيخ! حفظك الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما حكم الاقتراض من البنك؟ اقتراض سيارة علماً بأن شروطهم: أولاً: السيارة تملك ملكية جزئية وليس للمعرض حرية التصرف فيها.
ثانياً: أن الفائدة عند تأخر القسط عن الوقت المحدد تزداد يومياً.
ثالثاً: أن من شروطهم أخذ (1%) عندما يتراجع عن الاقتراض بحجة أنها أتعاب.
رابعاً وهو الأخير: تحويل الراتب الشهري إليهم.
الجواب
هذه المعاملة بارك الله فيكم محرمة؛ لأن البنك إنما اشترى السيارة من أجلك، ولم يشترها من أجلك إلا لأجل الربا، ولهذا لا يمكن أن يبيعها لك برأس مالها، فهذا البيع بيع غير مراد، بيع يتخذ حيلة لاستحلال ما حرم الله عز وجل، والتحيل على المحرم لا يجعله مباحاً كما أن التحيل على الواجب لا يسقطه، وإن أفتاك الناس وأفتوك فهي حرام، وأضرب لك مثلاً يا أخي: أهذه الحيلة أقرب إلى المحرم أم حيلة اليهود الذين حرمت عليهم الشحوم فأذابوها ثم باعوا الودك وأكلوا ثمنه؟ لا شك أن هذه الحيلة التي اشتبهت على بعض العلماء فأفتوا بحلها أقرب إلى التحريم من حيلة اليهود، نعم لو قدر أن البنك يملك السيارة وفي حوزته تساوي خمسين نقداً فجاء إنسان وقال: أنا أريد أن آخذها بستين مؤجلة، ولا يزاد الدين بتأخر الوفاء فهذا بيع صحيح، لكن اختلف العلماء فيما إذا كان طالب السيارة لا يريدها وإنما يريد قيمتها بحيث إذا اشتراها باعها مباشرة وأخذ القيمة فهذه مسألة التورق واختلف فيها العلماء رحمهم الله، وكان شيخ الإسلام رحمه الله يمنعها منعاً باتاً ويشدد فيها -أعني شيخ الإسلام ابن تيمية - وناهيك به علماً وفقهاً وورعاً، يقول: هذه حرام، ويقول: يا سبحان الله! كيف يرجع الربا المحرم في الكتاب والسنة والذي ورد من الوعيد عليه ما لم يرد على ذنب دون الشرك، كيف ينقلب حلالاً بهذه الحيلة؟ فيرى أن التورق حرام، وأنه من العينة وذكره نصاً عن الإمام أحمد رحمه الله.
أما مسألتنا التي أشار إليها السائل فالبنك لا يملكها، لكن أتيت إليه وقلت: أنا أختار السيارة الفلانية في المعرض الفلاني قال: اذهب وانظر كم ثمنها ثم راجعني، ثم أشتريها من المعرض بخمسين وأبيعها عليك بستين إلى أجل، فهذه لا يشك إنسان تأملها حق التأمل في أنها حرام.(71/28)
حكم مشاركة اليهود والنصارى أعيادهم واحتفالاتهم
السؤال
يا شيخ! يشتمل القرن القادم في الرابع والعشرين من هذا الشهر المبارك بحلول ما يسمونه بالألفية الثالثة، ولا يخفى على فضيلتكم احتفال اليهود والنصارى بهذه المناسبة الكبيرة عندهم، ولا يخفى عليكم أيضاً انبهار الناس بما ينشره الكفرة من التهويل عما يحدث في تلك الليلة.
ما هو توجيه فضيلتكم للناس الذين يسمرون أعينهم أمام شاشات التلفزة والقنوات الفضائية في مثل هذه المناسبة فيما أن الكفرة يعتمدون على نبؤاتهم في هذه المناسبة؟
الجواب
بارك الله فيك! هذه المسألة صدرت فيها فتوى من اللجنة الدائمة في عدة صفحات، ونشروها وهي مفيدة، وصوتي مضموم إلى صوتهم، وإني لأعجب غاية العجب من هؤلاء الكفرة الذين يدعون الذكاء، أقول: الذكاء -لأنهم ليس لهم عقول- كل إنسان كافر فليس بعاقل كما قال عز وجل في الكفرة: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [البقرة:171] لكن أقول: ليس عندهم ذكاء، هل تمام تسعة وتسعين يعني دخول ألفين وواحد؟ الجواب: لا، إذاً الألفان ما تمت، وستتم إذا تمت ألفين أما ألف وتسعمائة وتسعة وتسعون فكيف يقال تمت الألفان؟ وكيف يقال دخلت الألفية الثالثة؟ وهذه والحمد لله أول فاضح يفضح هؤلاء ويبين أنهم سفهاء، هذه واحدة، إذاً هذا خطأ من الناحية التاريخية.
ثانياً: من الناحية العقدية أتعجب غاية العجب من قوم عندهم من الذكاء ما استطاعوا أن يصنعوا هذه الصنائع الباهرة، ويعتمدون فيما يقدرونها من الألفيات على أوهام وخيالات لا حقيقة لها، ربما كانوا يضحكون على من يقول مثلها فيما سبق والآن هم قالوها، من قال لهم: إن شيئاً سيتغير بعد حلول الألفية الثالثة؟ ولا يجوز لنا نحن المسلمين أن نصدقهم في ذلك لأن هذا من علم الغيب، وقد قال الله عز وجل: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} [النمل:65] نعم.
إذا كان هناك شيء أجلوه إلى أجل معين كما يزعم عن الكمبيوتر أنه إذا مضى كذا وكذا، أنه في (2005م) أو (2001م) سيتعطل والآن هم جادون غاية الجد في التأهب لهذا، هذا هم قدروه ويمكن، ولقد حدثني إنسان أتى من أمريكا بحديث عجب، يقول: إن الكمبيوتر الآن ما له إلا رقمان، وإذا وصل إلى (99) ثم شرع في (2000) ألغيت الأرقام وصار اثنين، يقول: فهم الآن مشوش عليهم، هل معناه أن الزمن يعود من (1099) إلى (99) فقط؟ أي: يبلعون ألف سنة، أو هناك ألف ثالثة سوف تأتي، والله لو قاله إنسان صغير لقلنا: هذا مجنون، الزمان يعود ألف سنة إلى الوراء؟ لا يصلح، لكن هم سبحان الله! جاعلين بطونهم وأيديهم على قلوبهم يقولون: نخشى الآن أن يرجع الزمان إلى الوراء، سبحان الله! شيء عجيب! لكن الله عز وجل أراد أن يفضحهم وأن هؤلاء قوم سفهاء الأحلام ليس عندهم عقول، أما بالنسبة لنا نحن المسلمين فلا يحل لنا أن نتابعهم في هذا، ولا أن نصدقهم على ما يقولون ويتخرصونه، لأننا أمة حق بين واضح، لا خيالات ولا أوهام.
ثانياً: ما يجعلونه عيداً بمناسبة دينية يحرم علينا أن نسايرهم فيه، حتى أن ابن القيم رحمه الله في كتابه أحكام أهل الذمة ذكر أن الذي يرضى بأعيادهم إن كان قد سلم من الكفر فهو أشد ممن يرضى بكذا وكذا من المعاصي، وكلامه هذا واضح.
إذا رضي الإنسان بشعائر الكفر فمعناه الرضا بالكفر، وهذا خطر على الإنسان، ولا يجوز لنا أن نتبادل الهدايا من أجل هذا، ولا أن نهنئهم بهذا العيد، ولا أن ننزل قيم الأشياء من أجل هذه المناسبة، لأني سمعت بعض المحلات يقولون: ننزل القيمة من (100) فيجعلها (90) لماذا؟ ربما يكون هؤلاء التجار عندهم سلع كاسدة ويريدون أن ينزلوا فقالوا: هذه مناسبة، لكن لا يجوز حتى في هذه الحال، انتظر حتى تمضي الأيام ثم نزل ما شئت، أما أن تنزلها بهذه المناسبة فلا.
واعلم يا أخي المسلم أن الكافر يفرح فرحاً عظيماً إذا وافقه المسلم في شيء من شعائره، حتى تعلمنا للغتهم يفرحون به، ونحن كثيرٌ منا مثل الدجاج يأكل حباً فيه سم، يعني: تعلمنا للغتهم وحتى بعض الناس يتخاطب بها ويفرحون بها فرحاً عظيماً، لو أن إنساناً غير عربي تعلم لغتك هل تفرح؟ أنا أفرح أن يتعلم لغتي وهو لغته غير العربية، كذلك هم يفرحون، ولهذا كان من حكمة عمر رضي الله عنه أنه يضرب الناس إذا رطنوا رطانة الأعاجم، لماذا يتكلم بلغة غير عربية؟! أتريد أن تقضي على هويتك وعلى عروبتك وعلى دينك؟! لأن الدين لا يمكن أبداً أن يفهم فهماً حقيقياً إلا حسب مقتضى اللغة العربية، ولهذا تجد كثيراً من العلماء الذين ليسوا أصلاً في العرب ولم يتقنوا العربية تجدهم إذا فسروا القرآن أو فسروا الحديث يكون عليهم خطأ كثير.
على كل حال، رأينا في هذه الاحتفالات: أنه لا يجوز للإنسان أن يشاركهم فيها، ولا يهنئهم بأعيادهم، ولا يخفف من الأعمال، ولا أن ينزل من قيم السلع من أجل هذه المناسبة.
نسأل الله تعالى أن يعيد للأمة الإسلامية مجدها وعزها وكرامتها إنه على كل شيء قدير.(71/29)
نصائح موجهة للمعتكفين
السؤال
فضيلة الشيخ! ونحن مقبلون على العشر الأواخر من شهر رمضان بعد العشر الأواسط ما نصيحتك وفقك الله تعالى؛ خصوصاً للمعتكفين، فإنه يكثر عند المعتكفين التساؤل متى يبدأ في اعتكافه ومتى يخرج؟ وهل من السنة ألا يخرج لصلاة العيد ذلك اليوم؟ وهل من السنة الاغتسال للمعتكف بعد صلاة المغرب في كل ليلة من ليالي العشر؟
الجواب
العشر الأواخر لا شك أنها أفضل أيام رمضان؛ لأن فيها ليلة القدر إما في الواحد والعشرين أو الثالث والعشرين أو الخامس والعشرين أو السابع والعشرين أو التاسع والعشرين، هذه الأوتار هي آكدها، ويجوز أن تكون في الليلة الثانية والعشرين والرابعة والعشرين والسادسة والعشرين والثامن والعشرين والثلاثين، وأوكد الأوتار ليلة سبعة وعشرين، لكن ليلة القدر عموماً لا تخص بشيء إلا تأكد القيام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه) أما ما يفعله بعض الناس من كثرة الصدقة ليلة سبعة وعشرين يزعمون أنها ليلة القدر، أو العمرة في ليلة سبعة وعشرين يزعمونها ليلة القدر فهذا خطأ من جهتين: أولاً: ليلة سبعة وعشرين ليست هي ليلة القدر، فقد صادفت ليلة القدر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة واحد وعشرين.
ثانياً: إذا ثبت أنها ليلة القدر ولن يثبت -اللهم إلا بما يشاهد من قرائن الأحوال ولكنه لا يتيقن- فلا يخصص إلا ما خصصه الشارع وهو القيام، فليس للصدقة فيها زيادة أجر ولا للعمرة فيها زيادة أجر، وهذه مسألة مهمة.
أما مسألة الاعتكاف فالإنسان يدخل الاعتكاف إذا غربت الشمس يوم عشرين -أي: من ابتداء ليلة واحد وعشرين- وينتهي بغروب الشمس آخر يوم من رمضان سواءً تسعة وعشرين أو ثلاثين، ويخرج إلى بيته، ولا حاجة إلى أن يبقى في المسجد حتى يخرج إلى صلاة العيد، فإن هذا وإن قاله بعض العلماء ليس عليه دليل.
أيضاً: يخرج المعتكف كغيره بأجمل وأحسن اللباس، وليس كما قال بعضهم: يخرج بثيابه التي عليه ويدعون أنها أثر عباده كإبقاء دم الشهيد عليه، نقول: الثياب ليست هي أثر الاعتكاف، الاعتكاف لا يغير من اللباس شيئاً.
كذلك ينبغي للمعتكف ما دام قد اعتكف وحبس نفسه في المسجد أن يمضي وقته بطاعة الله عز وجل من قراءة وذكر وصلاة في غير أوقات النهي وغير ذلك من القربات، وألا يجعل هذا المكان -أعني: المسجد- مزاراً يزوره أصدقاؤه وأقاربه ومن حديث لحديث، ومن قهوة لقهوة (وربما من فصفص لفصفص) وما أشبه ذلك، هذا خطأ، الاعتكاف: التعبد لله تعالى بلزوم مسجد لطاعة الله.
أسأل الله تعالى أن يجعل لنا ولكم من هذا الشهر نصيباً، ومن ليلة القدر نصيباً، وأن يستعملنا في طاعته ويحمينا من معاصيه.
والاغتسال بعد المغرب ليس بسنة، وما كان معروفاً عند السلف من الاغتسال فهو من أجل أن ينشطوا على القيام، وليس مراداً لذاته، وبناءً على ذلك: ففي أيام الشتاء لا يحتاج الإنسان إلى تنشيط؛ لأن الوقت بارد والكسل قليل، وفي غير أيام الشتاء أيضاً بالنسبة لوقتنا الحاضر هناك منبهات غير الاغتسال، مثل: القهوة، والشاي، والعصير وما أشبه ذلك.(71/30)
الحكم إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة
السؤال
إذا وافق العيد يوم الجمعة فماذا يكون العمل؟
الجواب
العمل أنه حصل للمسلمين عيدان: عيد الأسبوع وعيد رمضان، فمن حضر صلاة العيد مع الإمام سقط عنه حضور الجمعة ولكن يصليها ظهراً، أما الإمام فيجب عليه أن يُجمِّع، والمساجد الأخرى لا تقيم الظهر، أي: لا نقول للمساجد الأخرى: أذنوا الظهر وصلوا ظهراً، ولكن نقول: احضروا إلى الجامع، ومن لم يحضر وقد حضر مع الإمام صلاة العيد فيصلي في بيته أو في مزرعته أو ما أشبه ذلك، المهم لا تقام المساجد إلا مساجد الجمعة فقط يوم العيد، تقام الجمعة، فمن حضرها فهو أفضل، ومن لم يحضرها لم يأثم إذا كان قد حضر صلاة العيد، ولكن على من لم يحضرها أن يصلي الظهر، لأنه فرض الوقت ولا بد منه.(71/31)
اللقاء الشهري [72]
ابتدأ الشيخ جلسته بالكلام عن ثلاث نقاط ليست من الموضوع، أولاها: عدوان الروس على الشيشان، وكيف أن المجاهدين ما زالوا يقاومون بالرغم من قلتهم وقلة أسلحتهم وكثرة الروس وأسلحتهم.
وثانيها: حكم صلاة الجمعة إذا كانت في يوم عيد.
وثالثها: صلاة الكسوف وبعض أحكامها، ثم انتقل إلى موضوع اللقاء وهو الحديث عن الحج وصفته وأحكامه.(72/1)
عدوان الروس على الشيشان
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والسبعون من اللقاءات الشهرية التي تتم ليلة الأحد الثالث من كل شهر، لكننا هذا الشهر أخرناها أسبوعاً؛ نظراً لأن أوله قد شغل الناس بصيام الأيام الستة من شوال، وهذه الليلة هي ليلة الأحد الثالث والعشرون من شوال حسب التقويم، أو الرابع والعشرون منه حسب رؤية الهلال عام (1420هـ) .
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل في هذه اللقاءات الخير والبركة، وأن يعيدها علينا وعليكم في أمن وإيمان وإسلام واتباع.
في هذا اللقاء حدثت أشياء لا بد أن نتكلم عليها قبل أن نشرع في موضوع اللقاء.
الشيء الأول: هو ما حصل من عدوان دولة الروس على إخواننا في الشيشان: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [البروج:8-9] ونحن نؤمن بالله وقدره وقضائه ونعلم علم اليقين أن لو شاء الله ما فعلوه، ولكن الله تعالى فعله لحكمة عظيمة لعل المسلمين يرجعون إلى الله عز وجل، فإن ما حصل في جانب من أراضي المسلمين فكأنما حصل في قلب كل بلد مسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه) .
ونحن نعلم أن الملحدين الروس إنما قاتلوا هذه الجمهورية الفتية؛ لأنها أقبلت على تطبيق الدين الإسلامي في التوحيد والمتابعة، علمنا هذا من علمائهم ورؤسائهم الذين واجهناهم في الحج، ولكن مع الأسف أن الجمهوريات الأخرى لا يريدون أن تطبق الشريعة على ما ينبغي مع أنها إسلامية، ولذلك لم يقوموا بنصر إخوانهم في الشيشان، وإلا لو قامت هذه الجمهوريات ورجت دولة الروس لحصل في هذا شيء كثير، لكن نعلم أن هناك خونة حتى في نفس الشيشان كما نسمع من الأخبار (خونة يتبعون الروس) فما موقفنا الآن؟ من المعلوم أنه ليس لنا حيلة ولا قدرة ولا قوة، وأن الموقف كان يجب أن يكون من الدول الإسلامية في إنكار هذا الأمر الفظيع، ولكن قدر الله وما شاء فعل، موقفنا الآن هو أن ندعو الله عز وجل بأن ينصرهم عليهم وأن يدمر هذه الدولة الكافرة الملحدة؛ في كل وقت مناسب حتى في السجود، في صلاة الفريضة والنافلة، حتى في آخر نهار الجمعة، في وقت صلاة الجمعة، في كل وقت إجابة، والله سبحانه وتعالى قد يملي لهؤلاء الظلمة الكفرة ويمكنهم بعض الشيء من أجل أن يوغلوا في الكفر والعدوان ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وهذا الذي نؤمله ونرجوه من الله عز وجل.(72/2)
حكم صلاة الجمعة إذا كانت في يوم عيد
ثانياً: صادف عيد الفطر هذا العام عيد الأسبوع، أي: كان عيد الفطر وعيد الأسبوع في يوم واحد يوم الجمعة، فما موقف المسلمين من الصلاتين صلاتي العيدين: هل يكتفون بصلاة العيد عن الجمعة، أو بالجمعة عن العيد؟ كل هذا لا يكون؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا صادف العيد يوم الجمعة صلى العيد في وقتها والجمعة في وقتها كما ثبت ذلك في صحيح مسلم، وبناءً على ذلك فالزموا إقامة صلاة العيد في وقتها في أول النهار، وتلزم إقامة صلاة الجمعة في وقتها بعد الزوال، لكن يرخص لمن حضر صلاة العيد مع الإمام ألا يحضر صلاة الجمعة، ولكن يجب أن يصلي الظهر دون أن تقام صلاة الجماعة في المساجد؛ لأنه لا يمكن أن تقام صلاة الجماعة في المساجد والجوامع يصلون جمعة، لكن الذي حضر صلاة العيد يصلي في بيته -مثلاً- أو في استراحته مع زملائه صلاة الظهر فقط، ولكن حضورهم للجمعة أفضل، ولهذا وجب على الإمام الذي يصلي بالناس صلاة العيد أن يصلي الجمعة مع أنه حاضر صلاة العيد، لكن يجب أن تقام هذه الشعيرة صلاة الجمعة.(72/3)
صلاة الكسوف
الشيء الثالث: الكسوف الذي حدث في آخر ليلة الجمعة قبل الماضية، حدث الكسوف بعد طلوع الفجر، فاختلف الناس هل يصلون أو لا يصلون؟ وذلك لأن العلماء رحمهم الله اختلفوا في هذه المسألة فمنهم من قال: إذا طلع الفجر فإنه لا يصلى صلاة الخسوف، يعني: لو كسف القمر بعد طلوع الفجر ولو قبل الصلاة لا تصلى بناءً على أن هذا وقت نهي والنهي لا تصلى فيه صلاة الخسوف، لكن هذا القول ضعيف، والصواب أنها تصلى صلاة الخسوف -خسوف القمر- ولو كان ذلك بعد طلوع الفجر، إلا إذا انتشر ضوء النهار حتى غطى على ضوء القمر لو كان صاحياً فحينئذٍ لا يصلى؛ لأن القمر زال سلطانه والانتفاع به، وقد جعل الله تعالى القمر آية ليلية، فقال تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء:12] قال مجاهد وغيره: آية الليل هي القمر، وإذا انتشر ضوء النهار ما بقي آية؛ لأنه زال سلطانه فحينئذٍ لا يصلى.
أما ما دام ظلام الليل غالباً على ضوء النهار وخسف القمر فإنه يصلى ولا نهي عن صلاة الكسوف، وصلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان، يطول القراءة الأولى التي قبل الركوع الأول ثم الثانية أقصر منها ثم القراءة في الركعة الثانية أقصر من القراءة الأولى وهكذا، ركعتان فيهما أربعة ركوعات وأربع سجدات، هكذا صلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
كسفت الشمس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في التاسع والعشرين من شوال عام عشر من الهجرة بعد أن ارتفعت؛ كسفت كسوفاً كلياً حتى صارت كأنها قطعة نحاس، وفزع الناس لذلك حتى النبي عليه الصلاة والسلام قام فزعاً؛ حتى إنه لحق بردائه وخشي أن تكون الساعة؛ لأن الشمس إذا كسفت كسوفاً كلياً أظلم الجو وأمر أن ينادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس وصلى بهم الصلاة التي سمعتم عنها، في هذه الصلاة أطال القراءة إطالة طويلة حتى إن بعض الصحابة يسقط مغشياً عليه من طول القيام، وفي مقامه عرضت عليه الجنة وعرضت عليه النار، قال: (ولم أر كاليوم قط أفظع) يعني: رأى شيئاً فظيعاً صلوات الله وسلامه عليه، ولما انتهت الصلاة وقد تجلت الشمس خطب الناس خطبةً بليغةً عظيمةً جداً، خطبهم قائماً لكن لم يرد أنه صعد على المنبر، ولكنه خطب قائماً صلوات الله وسلامه عليه، كان هذا اليوم هو اليوم الذي مات فيه إبراهيم رضي الله عنه ابن محمد صلى الله عليه وسلم، وكان هذا الابن من مارية القبطية، يعني: ليس من حرة، وكان صلى الله عليه وسلم يحبه، ومات وله ستة عشر شهراً، وكان له مرضع في الجنة، ولما مات بكى عليه الصلاة والسلام وقال: (العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون) في هذا اليوم كسفت الشمس، فقال الناس: كسفت لموت إبراهيم؛ لأنهم جهال، فيظنون أن كسوف الشمس يعني موت عظيم، أو القمر إذا خسف فيعني موت عظيم، فأعلن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، وما الحوادث في الأرض حتى تؤثر في أجواء السماء؟ الأرض لا تؤثر في السماء، لكن السماء تؤثر في الأرض بالقواصف والصواعق والبرد وغير ذلك، أما الأرض حوادثها لا تؤثر في السماء، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان يخوف الله بهما عباده) نسأل الله أن يعاملنا جميعاً بعفوه.
إذا نظرنا إلى حالتنا اليوم وجدنا أن كثيراً من المسلمين على وجه غير مرضي: يضيعون الصلاة، ويتبعون الشهوات، ويقرون المنكر ولا يتناهون عنه، ويجهلون المعروف أو ينكرون المعروف، ولذلك {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41] أسأل الله أن يوقظنا وإياكم بآياته، وأن يعفو عنا ويغفر لنا ويعيننا على طاعته.(72/4)
الحج
أما موضوع هذا اللقاء بما أن موسم الحج قد قرب ونحن الآن في شهر من أشهر الحج، أليس كذلك؟ فما هي أشهر الحج؟ شوال وذو القعدة وذو الحجة، هذه أشهر الحج، ونحن الآن -أيضاً- على القرب من شهر من الأشهر الحرم وهو ذو القعدة؛ لأن ذا القعدة وذا الحجة والمحرم هذه الثلاثة أشهر حرم، والرابع رجب، وبما أننا قريبون من الحج ينبغي أن نعرف من الذي عليه الحج؟ ينبغي أن نعرف متى فرض الحج؟ ينبغي أن نعرف كم حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟(72/5)
السنة التي فرض فيها الحج
فنقول: إن الحج لا يجب إلا بشروط نذكرها إن شاء الله، أما متى فرض؟ فقد فرض الحج في السنة التاسعة من الهجرة لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97] ونزلت هذه الآية في السنة التاسعة، كل أول سورة آل عمران نزل في السنة التاسعة وتسمى: عام الوفود، ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم في تلك السنة، لكنه خلَّف على الحجاج خليفته الأول أبا بكر رضي الله عنه، لم يحج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأنه بقي في المدينة تسهيلاً للوفود الذين يقدمون المدينة ليتعلموا دينهم.
ومن جهة أخرى كان الناس في السنة التاسعة يحج المشرك والمؤمن، فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السنة: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف في البيت عريان، فصارت السنة العاشرة خالصةً للمسلمين، وهي التي حج فيها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وهنا تعليل ثالث وهو أن هؤلاء الوفود الذين يأتون في السنة التاسعة إذا أسلموا سيحجون في السنة العاشرة، فيكون ذلك أكثر جمعاً للمسلمين.
أما كم حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ فإنه لم يحج بعد الهجرة إلا مرة واحدة، قبل الهجرة جاء في السنن أنه حج مرة أيضاً، ولكن الثابت هو ما بعد الهجرة فلم يحج إلا مرة واحدة صلى الله عليه وسلم.(72/6)
شروط الحج
أما شروط الحج فهي خمسة جمعت في هذا البيت:
الحج والعمرة واجبان في العمر مرةً بلا توان
بشرط إسلامٍ كذا حريه عقلٌ بلوغٌ قدرةٌ جليه
الإسلام: وضد الإسلام الكفر، فالكافر لا يجب عليه الحج؛ لأنه لو حج لم يقبل منه، قال الله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة:54] من المعلوم أن الكافر بالهوية لا يمكن أن يدخل مكة، هناك شرطة تمنعه، لكن المسلم بالهوية الكافر في الحقيقة يدخل مكة، مثاله: رجل لا يصلي وحج، فهل يصح حجه؟ لا.
لا يصح؛ لأن الذي لا يصلي كافر كفراً أكبر مخرجاً عن الملة، فلو حج لم يكن مسلماً ولا يقبل منه، ولهذا نقول لمن ابتلوا بهذه البلية (بعدم الصلاة) صلوا أولاً، ثم حجوا، أما أن تذهبوا إلى مكة وأنتم لا تصلون فحرام عليكم أن تدخلوا الحرم؛ لأن حدود الحرم لا يحل للكافر أن يدخله، ولست أقصد بالحرم المسجد، فالحرم ما كان داخل الأميال.
الثاني: الحرية ضدها الرق، فالرقيق لا يجب عليه الحج؛ لأنه أولاً لا مال عنده، وثانياً: هو مشغول بخدمة سيده.
الثالث: العقل: وضد العقل الجنون، فلو فرض أن إنساناً كان مجنوناً -نسأل الله السلامة- لكنه غني هل يجب عليه الحج؟
الجواب
لا.
هل يحجج عنه؟ الجواب: لا.
لأن من شرط الوجوب العقل، كذلك لو فرض أن شخصاً كبيراً ليس عنده مال ثم أصابه الهرم وصار يهذي ما له عقل، ثم مات له قريب فورثه، فكان عنده مال هل يجب عليه الحج؟ لا يجب، لماذا؟ لأنه غير عاقل فلا يجب عليه الحج.
الرابع: البلوغ وضده الصغر، فالصغير لا يجب عليه الحج، لكن لو حج صح حجه إلا أنه يجب عليه إذا بلغ أن يأتي بحجة الإسلام؛ لأنه إذا حج قبل أن يبلغ فقد حج قبل أوانه فصار كالذي يصلي قبل الوقت لا تجزئه عن الفريضة، لو صلى إنسان قبل أذان الظهر يعني: قبل زوال الشمس، نقول: لا تجزئك عن الفريضة، ولا بد أن تصلي بعد دخول الوقت.
الشرط الخامس: القدرة على الحج، القدرة بالبدن والقدرة بالمال، فمن كان قادراً ببدنه قادراً بماله وجب عليه أن يحج بنفسه، ولا يجوز أن يؤخر الحج، لا يقول: هذه السنة أريد أن أتريث والسنة الثانية أحج؛ لأنه لا يعلم ما يعرض له، ربما تأتي السنة الثانية وهو عاجز أو فاقد للمال أو ميت هالك، فلا يجوز أن يتأخر؛ هذا إذا كان قادراً بماله وبدنه.
إذا كان قادراً بماله لكنه عاجز ببدنه عجزاً لا يرجى زواله كإنسان غني لكنه كبير السن أو مشلول أو ما أشبه ذلك، فهنا نقول: أقم من يحج عنك، الدليل: أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت: (يا رسول الله! إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج شيخاً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم) قالت: فريضة الله، فأقرها على هذا القول، فدل ذلك على أن العاجز ببدنه لا تسقط عنه الفريضة ما دام عنده مال.
إذا كان عاجزاً بماله قادراً ببدنه يلزمه أن يحج بنفسه مثل أن يكون من أهل مكة ليس عنده مال لكن يستطيع أن يخرج إلى عرفة ومزدلفة ومنى بكل سهولة، نقول: يجب عليك أن تحج؛ لأنك قادرٌ ببدنك.
حسن إذا كان عاجزاً بالمال والبدن فلا شيء عليه والحمد لله.
من ذلك -أي: من القدرة على الحج- أن يكون للمرأة محرم، فمن لا محرم لها لا حج عليها، حتى لو بلغت أربعين سنة أو خمسين سنة أو أكثر، فلتهنأ بالعافية ولا تحزن؛ لأن الحج ليس فريضة عليها لعدم وجود المحرم، فلو لقيت ربها للقيت ربها غير عاصيةٍ في ترك الحج، بل هي ممتثلة لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) .
لقد كان بعض النساء تتألم وتحزن إذا لم تجد محرماً، فنقول: الحمد لله لا تألَّمي ولا تحزني؛ لأن الحج لا يجب عليك، وهنا أسألكم: هل الفقير الذي لا زكاة عليه يندم ويحزن لأنه لم يزك، الجواب: لا يندم ولا يحزن؛ لأنه لم تجب عليه الزكاة، وإن كان يتمنى أن عنده المال فيتصدق، فنقول: الحمد الله أيتها المرأة المسلمة إنك إذا تركت الحج لعدم وجود المحرم فقد أطعت الله ورسوله حيث قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) .
حسن إذا قال قائل: لماذا لا تجعلونها كالشيخ الكبير تنيب من يحج عنها؟ قلنا: لا نقول هذا؛ لأنه لا يجب عليها الحج حتى يجب عليها أن تنيب من يحج عنها، فهي لم يجب عليها الحج.
ما رأيكم في امرأة ليس لها محرم فقالت لرجل له ثلاثون سنة: أريد أن أرضعك لتكون محرماً لي وعمره ثلاثون سنة! وصارت تحلب له خمسة أيام من لبنها ليشرب، فرضع خمس مرات، ما تقولون؟ الجواب: لا يصلح؛ لأنه فاته وقت الرضاعة، فالكبير لا يتغذى بالرضاع، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة) المعنى: الرضاعة المؤثرة هي التي يندفع بها الجوع ويحتاج الطفل إليها، أما الكبير فلا ينفعه الرضاع ولو رضع مائة مرة.
ومن الاستطاعة: ألا يكون على الإنسان دين، فإن كان عليه دين نظرنا: إن كان الدين حالاً وجب عليه أن يقضي الدين أولاً، ثم إن بقي شيء حج به وإلا فلا حج عليه، وإن كان مؤجلاً نظرنا إذا كان هذا الدين المؤجل إذا حل وجد عنده -أي: عند هذا الإنسان- رصيداً فليحج سواءً راجع من له الدين أو لم يراجعه، ما دام الدين مؤجلاً وهو واثق من نفسه أنه إذا حل القسط يستطيع دفعه، فهنا نقول: حج، ومن ذلك إذا كان الإنسان عليه أقساط للبنك العقاري، فقال: القسط قدره اثنا عشر ألفاً وأنا ليس عندي إلا ثلاثة آلاف، نقول: ليس عليك حج إلا إذا وثقت أنك إذا حل القسط أديته فتوكل على الله حج.
أقول بارك الله فيكم الذي عليه الدين سنقسمه إلى قسمين: الأول: الحال، فنقول: أوف الدين ثم حج.
الثاني: المؤجل، فنقول: إذا كنت تعلم من نفسك أنه إذا حل الأجل فعندك قدرة على الوفاء فحج؛ سواءً استأذنت من صاحب الدين أو لا، أما إذا كان ليس عندك ثقة من نفسك لا تحج، فإذا قال: أنا أرغب في الحج فالحج واجب، قلنا: لا.
ما هو بواجب عليك، وإذا كنت صادقاً فكن راغباً في قضاء الدين؛ لأن الدين أمره خطير خلافاً لمن يتساهل فيه، ألم تعلموا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي قال الله عنه: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] أنه إذا قدمت إليه جنازة يصلي عليها كان لا يصلي عليها إذا كان عليه دين، قدم رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليصلي عليه، فلما خطا خطوات سأل: (هل عليه دين؟ قالوا: نعم.
عليه ديناران، فتأخر وقال: صلوا على صاحبكم) الله أكبر، يا لها من مصيبة على أهل الميت! يتراجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الصلاة عليه! صعبة جداً جداً.
فقام أبو قتادة رضي الله عنه وقال: (يا رسول الله! الديناران عليَّ، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: حق الغريم وبرئ منهما الميت؟ قال: نعم.
يا رسول الله! فتقدم وصلى) هذا يدل على أن الدين أمره عظيم، حتى الشهادة وهي القتل في سبيل الله تكفر كل شيء إلا الدين فلا تكفره، صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا تتهاون بالدين، الآن تجد بعض الناس يتهاون؛ تجده -مثلاً- يشتري بيتاً بأقساط، لماذا يا أخي؟ استأجر حتى يغنيك الله، تجده يشتري السيارة يمكن أن يجدها بعشرين ألفاً ولكن يشتري سيارة بثمانين ألفاً لماذا؟ تجد بيته مستقيماً ويكفيه، لكن يقول: أريد أن أضع فيه ديكور وأريد أن أضع فيه فرشاً غالية الثمن، هذا غلط، الدين ليس بهين، لا تتهاون بالدين، فالمنزلة الشرعية أنه عظيم فضلاً عما يقال: الدين سهر في الليل وهَمٌّ في النهار.
هذا المدين الذي قلنا أنه إذا كان دينه مؤجلاً وليس واثقاً أن يوفي عند حلول القسط، إذا لم يحج ولقي الله هل يعاقبه الله؟ لا يعاقبه؛ لأنه لم يجب عليه الحج، ولقد قال الله تعالى: {مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] .
طالب علم عنده مكتبة يحتاجها، ولو باعها أو باع بعضها تمكن من الحج لكن يحتاجها، هل نقول: بع من مكتبك ما تحج به؟ الجواب: لا.
لا نقول بع، ما دمت تحتاج إلى هذه الكتب ولو كانت غالية الأثمان وليس عندك دراهم فإنه لا يلزمك أن تبيع منها وتحج؛ لأن هذا مما يحتاجه الإنسان.
كذلك -مثلاً- في البيت أواني يحتاجها في الشهر مرة أو في السنة مرة هل نقول: بعها وحج، أم نقول: لا حج عليك؟ الجواب: هو الثاني (لا حج عليه) لأن هذه من حوائجه، والدين والحمد لله يسر ليس فيه مشقة ولا تعسير.
وإلى هنا ينتهي هذا الكلام، وإن شاء الله في الدرس القادم سنذكر بحول الله محظورات الإحرام وكيفية الحج، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً، ونكمل هذا اللقاء بالإجابة على الأسئلة، وأرجو من الجميع أن ينتبهوا ويتابعوا الجواب على الأسئلة، لا يقول أحدكم: أنا لم أقدم سؤالاً ويبقى في هواجس فيضيع عليه الوقت، فانتبهوا فربما يأتي في الأسئلة أشياء أهم مما سمعتم.(72/7)
الأسئلة(72/8)
من أحكام الكسوف
السؤال
فضيلة الشيخ! نريد من فضيلتكم بيان الأحكام التالية في الكسوف: بماذا تدرك صلاة الكسوف؟ وهل تشرع خطبة الكسوف لكل أحد؟ وهل يكون الإمام واقفاً أم جالساً؟
الجواب
تدرك الركعة في الكسوف بإدراك الركوع الأول، يعني مثلاً: لو جئت والإمام قد ركع الركوع الأول ثم دخلت معه وهو يقرأ ثم ركع الثاني، فإن هذه الركعة قد فاتتك؛ لأن الإمام ركع ركوعين، وأنت الآن ركعت ركوعاً واحداً إذاً فاتتك الركعة، فالضابط: أنك متى دخلت مع الإمام بعد الركوع الأول في الركعة فقد فاتتك الركعة، فإذا قمت تقضيها هل تصلي القضاء بركوع واحد أم بركوعين؟ بركوعين لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وفي لفظ: (فاقضوا) .
هل تشرع فيها الخطبة لكل أحد؟ الجواب: من كان قادراً على أن يوجه الناس فليتكلم، فإن لم يكن الإمام قادراً على أن يخطب الناس ويوجههم، قام أحد من الجماعة الذين يمكنهم ذلك يخطبون الناس.
وأما هل يخطب قائماً؟ فنعم.
يخطب قائماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطب في صلاة الكسوف قائماً، وهذا يدل دلالة واضحة على أن الخطبة فيها مشروعة وليست من الخطب العوارض، بل هي خطبة ثابتة كلما صلى الكسوف يخطب بعدها، لكن هذا من كان قادراً، وأما من لا يعرف فلا يتكلم، ولينظر أحد طلبة العلم في المسجد ويطلب منه أن يتكلم.(72/9)
تقديم صلاة الفريضة على الكسوف
السؤال
إذا جاء الكسوف بعد دخول وقت الصلاة فأيهما يبدأ به؟
الجواب
نعم.
يبدأ بصلاة الفريضة، يعني مثلاً: حصل الكسوف بعد الأذان نقول: صل الفريضة أولاً، ثم صلاة الكسوف، لماذا؟ أولاً: لأن الفريضة أهم، الفريضة واجبة.
ثانياً: أن الفريضة أحب إلى الله لقوله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) .
ثالثاً: أنها أيسر على الناس؛ لأن المرء إذا صلى الفريضة قد يكون لديه شغل، قد يكون محتاجاً إلى البول أو الغائط أو ما أشبه ذلك فيذهب.
رابعاً: أنه إذا صلى الفريضة، لو بدأ بالكسوف وجاء إنسان دخل بعد أن كبر الإمام ماذا ينوي هذا الداخل؟ سينوي أنها الفريضة وهي صلاة الكسوف، فنقول: ابدأ بما يتبادر إلى أذهان الداخلين وهي صلاة الفريضة.
الخلاصة: أن نقدم صلاة الفريضة على صلاة الكسوف.(72/10)
حكم من صلى مع جماعة صلاة الخسوف ويظن أنها صلاة الفريضة
السؤال
فضيلة الشيخ! دخل رجل مع الإمام وهو يصلي صلاة الخسوف، والرجل يظن أنها صلاة الفرض فدخل معه، فماذا يفعل هذا المأموم؟
الجواب
هذا هو الذي ذكرنا قبل قليل، دخل فظن أن الإمام يصلي صلاة الفريضة ثم ما قام الإمام بعد الركوع الأول وشرع في القرآن عرف أنها صلاة الكسوف ماذا يصنع؟ ينفرد عن الإمام ويكمل الفريضة؛ لأنه قد دخل على أنها فريضة فيكملها وينفرد عن الإمام؛ لأنه لا يمكنه متابعة الإمام إذ أن الإمام سوف يركع في الركعة الواحدة ركوعين، وهذا لا يصح في الفريضة، فإذا علمت أنها صلاة الكسوف فانو الانفراد وكمل صلاة الفريضة؛ لأنك نويتها من أول الصلاة، ثم ادخل مع الإمام فيما بقي من صلاة الكسوف.(72/11)
تهنئة للشيخ بإتمام صيام رمضان
السؤال
فضيلة الشيخ! بما أن هذا أول لقاء بعد شهر الصيام فإن الإخوة بـ بريدة يهدونك السلام جميعاً ويهنئونك وأنفسهم بإتمام شهر الصيام، ويدعون الله لك بأن تكون ممن طال عمره وحسن عمله.
الشيخ: أقول جزاهم الله خيراً، وعليهم السلام ورحمة الله وبركاته، ولهم التهنئة بما من الله به على الجميع من إكمال شهر الصيام بصيامه وقيامه، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبله منا وأن يجعله شاهداً لنا يوم نلقاه، وأن يعيده علينا وعلى الأمة الإسلامية بالإيمان والعمل الصالح والانتصار والظهور على الأعداء إنه على كل شيء قدير.(72/12)
حكم بيع الاسم لآخر في قرض الصندوق العقاري
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم بيع الاسم لشخص آخر في قرض الصندوق العقاري؟
الجواب
هذا يرجع إلى النظام المعروف عند الصندوق، فإذا كانوا يجيزون أن يبيعه فلا بأس، وذلك لأن العقار مرهون للصندوق، والمرهون لا يباع إلا بإذن المرتهن، فإذا أذنوا فلا بأس.(72/13)
حكم جعل الطلاق بيد المرأة وحكم الدخان
السؤال
يا فضيلة الشيخ! في هذه الأيام في غير بلاد الحرمين صدرت في بعض البلاد الإسلامية بعض الفتاوى التي في الدين منها: أن يكون الطلاق بيد المرأة، ومثل فتوى جواز الدخان لصاحب المال الوفير، ما توجيهكم لذلك يا فضيلة الشيخ؟
الجواب
توجيهنا لهذا: أما من قال: إن الطلاق يكون بيد المرأة، فهذا ليس بصواب وليس بصحيح، وهو معارض للقرآن الكريم، فالقرآن يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب:49] ويقول عز وجل: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة:237] ويقول عز وجل: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] ويقول عز وجل: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء:34] وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما الطلاق لمن أخذ بالساق) وهذا فيما أظن خلاف إجماع المسلمين أن يكون الطلاق بيد المرأة.
ومن الناحية العقيلة: المرأة ذات عاطفة سريعة وعقل ناقص، لو ترى رجلاً أجمل من زوجها لجاءت إلى الزوج وقالت: أنت طالق ثلاثاً، طلقتك طلاقاً بائناً لا رجعة فيه؛ لأنها ترجو هذا الرجل الجميل، ولو يسيء الرجل إليها أدنى إساءة خلاص لركبت الطلاق بالثلاث، هذا شيء غريب أعني: قلب الحقائق والعياذ بالله.
نعم لو فرض أن هناك شروطاً اشترطتها على الزوج ولم يف بها فلها الفسخ ولا نسميه طلاقاً؛ نسميه فسخاً لا يحسب من الطلاق ولا ينقص به عدد الطلاق.
وأما مسألة الدخان، فالدخان أهون من هذه المسألة؛ لأن الدخان قد اختلف فيه العلماء من قديم الزمان وحديثه، فمنهم من قال: إنه مباح، ومنهم من قال: إنه مكروه، ومنهم من قال: إنه حرام، ومنهم من قال: إنه مستحب، ومنهم من قال: إنه واجب، نعم أول ما خرج على الناس اختلفوا فيه كعادة الأشياء الجديدة، الذين قالوا إنه واجب كيف يصير واجباً؟ قال: نعم.
لو فرضنا بعد ما أذن المؤذن والإنسان يشرب الدخان وله ساعة أو ساعتين ما شرب وهو دايخ الآن ما يمكن يروح يصلي إلا إذا شرب سيجارة، قالوا: فلابد أن يشرب من أجل أن يصلي بطمأنينة، فقالوا: هذا يجب، (لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافع الأخبثان) لكنا نقول: هذا لنبين للناس أن مسألة الدخان تحريمه ليس إجماعياً، بل هو مختلف فيه.
في الوقت الحاضر وبعد أن تقدم الطب، وعرفت مضار الدخان لا يشك أي إنسان يعرف مصادر الشريعة ومواردها أنه حرام، ولا يمكن أن يفتي بحله، ونحن لا نفتي بحله ونرى أنه حرام، وأنه لا يليق بالعاقل فضلاً عن المؤمن، ويحصل فيه من الشر والبلاء ما تقشعر له الجلود، الشاب إذا ابتلي بهذا يمكن يبيع عرضه من أجل أن يأخذ سيجارة والعياذ بالله.(72/14)
الواجب على من ترك المبيت بمزدلفة
السؤال
ذهبنا إلى الحج ولما صعدنا عرفة تعطلت السيارة في نهاية عرفة وصلينا المغرب وأصلحنا السيارة ومشينا، ولكن لم نعرف الطريق، فتهنا وتعطلت السيارة مرة ثانية ولم نصل مزدلفة إلا بعد طلوع الشمس ما الحكم يا فضيلة الشيخ؟
الجواب
أولاً: لن أجيب على هذا السؤال، متى كان هذا وفي أي سنة؟ السائل: لا أتذكر يا شيخ.
الشيخ: هب أنه في آخر عام، لماذا يسأل الآن وقد مضى إلى الآن أحد عشر شهراً، فلماذا أخر السؤال إلى اليوم؟ السائل: ما الحكم يا شيخ؟ الشيخ: والله أنا أرى أن مثل هؤلاء لا يستاهلون الجواب اللهم إلا أن يكون جاهلاً لا يعرف شيئاً، لكن هذه الصورة التي ذكرت لا أحد يجهل أن فيها خطأ، وكان عليه أن يسأل وهو في مكة قبل أن ينتهي الحج، ولكن على حسب القواعد المعروفة عند العلماء: أن على من لم يدرك المبيت في مزدلفة أو على الأقل يأتي قبل الفجر أن عليه دماً يذبح في مكة ويوزع على الفقراء، ومن لم يجد فلا شيء عليه.(72/15)
حكم الودك إذا وضع مع الطعام
السؤال
فضيلة الشيخ: أشهد الله على حبك في الله، وسؤالي هو: نعلم أن لحم الجزور ينقض الوضوء فهل الودك الناتج عن شحم الجزور ينقض الوضوء إذا وضع مع الطعام أو بعض المأكولات مثل الكليجة وغيرها؟
الجواب
أكل لحم الإبل ينقض الوضوء بلا شك؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بالوضوء من أكل لحمها، وسئل عن الرجل يأكل من لحم الإبل أيتوضأ؟ قال: نعم.
ثم سئل عن الرجل يأكل من لحم الغنم يتوضأ؟ قال: إن شاء.
هذا معنى الحديث، وعليه فنقول: إن لحم الإبل ناقض للوضوء سواءً الشحم أو اللحم الأحمر أو الأمعاء أو الكرش أو الكبد أو غيره، وسواء كان نياً أو مطبوخاً، وسواء كان قليلاً أو كثيراً، وأما الودك الذي يخلط بغيره لإصلاحه فإنه لا ينقض الوضوء كالودك الذي يجعل في الكليجة أو ما أشبه ذلك، فإن هذا لا ينقض الوضوء؛ لأنه لا يصدق عليه أنه أكل لحماً.(72/16)
نصيحة لرواد الإنترنت
السؤال
فضيلة الشيخ! أرجو أن توجه نصائح ذهبية لبعض الشباب الملتزم الذين يعكفون على الإنترنت وجزاكم الله خيراً.
الجواب
معلوم أن الإنترنت فيه خير وفيه شر، والذي يبتغي فيه الخير يجده، وفيه علوم شرعية وعلوم لغوية وعلوم صناعية وغير ذلك، وفيه شر محض وشر كثير، وقد بلغني أنها في خطورتها أشد من القنوات الفضائية.
فنصيحتي لإخواني: بالنسبة للإنترنت أو للقنوات الفضائية أن يتقوا الله في أنفسهم، وأن يعلموا أنهم ما خلقوا لهذا وإنما خلقوا لعبادة الله عز وجل، وأنهم إذا نزلوا بأنفسهم إلى ما يشبه الحيوانات وهو إشباع الرغبات والشهوات فقد خسروا الدنيا والآخرة والعياذ بالله، فعلى إخواني المسلمين أن يحفظوا دينهم، وأن يحفظوا أوقاتهم، وألا يضيعوا هذا العمر الثمين الثمين الثمين، والله لدقيقة واحدة أعز من ألف درهم، أرأيتم إذا حضر الموت لو قيل للإنسان: أعطنا كل الدنيا ونؤجلك دقيقة واحدة لقال: نعم.
ولهذا قال الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99-100] .
أسأل الله لنا جميعاً حسن الخاتمة، ولهذا جاء في الحديث (ما من ميت يموت إلا ندم، إن كان محسناً ندم ألا يكون ازداد، وإن كان مسيئاً ندم ألا يكون استعتب) احفظ العمر يا أخي، والله إنه لأغلى من الذهب والفضة، وإذا كان الإنسان لا يضيع درهماً من الدراهم فكيف يضيع هذا العمر الذي عليه مدار السعادة أو الشقاء، اللهم اجعلنا من السعداء، اللهم اجعلنا من السعداء، اللهم اجعلنا من السعداء يا رب العالمين.(72/17)
أخبار المسلمين في الشيشان وحكم الذهاب للجهاد
السؤال
فضيلة الشيخ! حفظكم الله ورعاكم، إخواننا المسلمين في الشيشان، ما هي آخر أخبار إخواننا المسلمين هناك؟ وما رأيكم فيمن يريد الذهاب هناك للجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الله؟ وما هي شروط الجهاد في سبيل الله؟ وهل المتزوج يلزمه بر والديه إن كانا ليسا بحاجته؟ وفقكم الله.
الجواب
الأخبار عنهم والحمد لله سارة إذا نظرنا إلى حجم القوات الظالمة المعتدية بالنسبة إليهم، يعني: وما بقاؤهم هذه المدة يكابحون ويكدحون إلا نصر من الله عز وجل وآية من آيات الله، كيف تقف هذه الأمة الضعيفة أمام هذه القوة الظالمة التي تقصف المدن والقرى والشعاب والطرق ليلاً ونهاراً، ومع ذلك لا زالوا والحمد لله يدافعون، والذي نسمع خيراً كثيراً، سمعنا أن طائفة منهم نزلوا من الجبال لفك حصار من الروس، فلما نزلوا خافوا أن يفطن لهم الروس فيقضون عليهم، فأرسل الله سبحانه وتعالى ثلوجاً عظيمةً وضباباً ثخيناً كثيفاً، فمر هؤلاء القوم من عند جيوش الروس وهم لا يشعرون بهم حتى فكوا الحصار، هكذا سمعت مباشرة من الذين كلمونا من هناك، وهذه نعمة.
أما الذهاب إليهم فقد حدثني من له صلة بهم وهو في المملكة أنه لا ينبغي الذهاب إليهم في الوقت الحاضر؛ لأن هناك ثلوجاً عظيمة وبرداً شديداً، نفس أهل المنطقة بعضهم يموت، وهم يقولون: ننتظر من إخواننا أن يأتي الدفء، فإذا أتى الدفء فمرحباً بهم.(72/18)
حكم صلاة الكسوف للمرأة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم صلاة الكسوف للمرأة في البيت، وهل يجوز للمرأة أن تصلي في المسجد؟
الجواب
تصلي في المسجد؛ لأن نساء الصحابة حضرن صلاة الكسوف حين كسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويجوز أن تصلي في بيتها، وأصح أقوال العلماء: أن صلاة الكسوف فرض كفاية، وأنه يجب أن تقام صلاة الكسوف في البلاد، مثلاً: إذا كنا في مدينة فيجب أن تقام صلاة الكسوف، ولكن لا تجب في كل المساجد إلا على سبيل الاستحباب والأفضل أن تقام صلاة الكسوف في الجوامع كما نص على ذلك أهل العلم وكما يدل عليه ظاهر السنة، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جمع الناس في مكان واحد، ثم قرأ بهم قراءة تدل على أن هذه صلاة اجتماع وذلك أنه قرأ به جهراً وهو يصلي بهم نهاراً، ولا نعلم صلاة يقرأ فيها جهراً في النهار إلا الصلوات التي يجتمع إليها كصلاة العيد وصلاة الجمعة وصلاة الاستسقاء، فدل هذا على أن الأفضل أن يجتمع المسلمون في الجوامع، وهو أيضاً أولى لأجل أن يخطب المصلي؛ لأنه هو خطيب المسجد يخطب بالناس بعد انتهاء صلاة الكسوف.(72/19)
حكم قول القائل: أسألك بالله
سائل صدر سؤاله بقوله: أسألك بالله إلا تقرأ هذا السؤال على الشيخ؟
السؤال
التعليق على مقولته: أسألك بالله إلا تقرأ هذا السؤال؟
الجواب
أولاً: لا ينبغي للإنسان أن يلجأ أخاه ويحرجه في قوله: أسألك بالله؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من سألكم بالله فأجيبوه) فإذا قلت للشخص: أسألك بالله.
أحرجته؛ لأنه يبقى متردداً هل يجيبك أو لا يجيبك وقد يكون في إجابته لك ضرر عليه، فلا ينبغي للإنسان أن يسأل أخاه هذا السؤال؛ على أن بعض أهل العلم قال: إن معنى من سألكم بالله أي: من سألكم بدين الله، أي سؤالاً جائزاً له فأجيبوه، وليس المعنى من قال: أسألك بالله؛ ولذلك أنا أنصح جميع إخواني المسلمين ألا يقولوا لإخوانهم: أسألك بالله، ثم هذا المسئول إذا كان في إجابته ضرر لا تلزمه الإجابة.(72/20)
نصيحة لمن يظن أنه يطلب العلم من أجل الشهادة
السؤال
يا فضيلة الشيخ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يريد به إلا عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة) أو كما قال، أنا طالب في الجامعة وأدرس علوماً شرعية، وكثيراً ما أقول: إني سأترك الدراسة لهذا الحديث؛ لأني لست مخلصاً في دراستي، بل وأنا أدرس لأجل الشهادة والمال، وأنا متردد أرجو من فضيلتكم توجيهي وجزاكم الله خيراً.
الجواب
أقول: جزاه الله خيراً على هذا السؤال الذي قد يشكل على كثير من الطلاب، من المعلوم أن الذين يدرسون في الجامعة إنما يريدون أن يتبوءوا مكاناً ينفعون به الناس، ولا طريق إلى ذلك إلا بالشهادة، فهو إذا درس في الجامعة من أجل أن يحصل على الشهادة، فيكون مدرساً أو قاضياً أو معلماً مرشداً أو واعظاً فهذا خير، وهذه نية سليمة ما فيها شيء؛ لأنه من المعلوم الآن لو جاء إنسان عالم بدون شهادة وقدم ليكون أستاذاً في الجامعة هل يطاع؟ ما يطاع؛ لأنه ما معه شهادة، فإذاً نقول لإخواننا: نيتكم سليمة إذا كنتم تريدون بهذه الشهادة أن تتبوءوا مكاناً تنفعون به عباد الله، فهي نية سليمة ولا إشكال فيها، وكم من أناس درسوا في الجامعة فنفع الله بهم، صاروا قضاة صاروا دعاة صاروا موجهين صاروا مدرسين، فنفع الله بهم.(72/21)
حكم من حبسه حابس عن الحج
السؤال
فضيلة الشيخ! أحرمت بالحج العام الماضي أنا وأولادي السبعة من ذي الحليفة ولم نشترط عند الميقات، وعندما وصلنا إلى الحج ردونا؛ لأننا ليس معنا تصاريح للحج، علماً بأنني قلت لأحد أقاربي في المدينة: احجز لنا شقة من أجل أن نجلس فيها، فرجعنا إلى الشقة في المدينة واستحللنا من الإحرام، فماذا علينا؟ وفقكم الله.
الجواب
الواقع أن هؤلاء مفرطون ما داموا يعرفون أنهم ربما يردون، فعليهم أن يشترطوا فيقولوا: إن حبسنا حابس فمحلنا حيث حبستنا، لكن يبقى الآن هل إنهم أحرموا على نية أنهم إن ردوا رجعوا وحلوا من الإحرام، إذا كانوا على هذه النية فلهم ما نووا، وأرجو أن يكون إحلالهم صحيحاً ولا شيء عليهم.(72/22)
نصيحة لمن قسى قلبه وثقلت الطاعة عليه
السؤال
فضيلة الشيخ! أشكو من قسوة قلبي وثقل الطاعة عليَّ فهل من حل؟ رغم أني مسرفة على نفسي بالمعصية، فما نصيحتك لي ولأخواتي الفتيات اللاتي شغلن بالموضة ونحوها من الأمور التي تفتن المرأة عن دينها؟
الجواب
أقول: إن قسوة القلب لها دواء وهو الإكثار من قراءة القرآن، دليل ذلك قول الله عز وجل: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:21] والجبل كما نعلم حجارة صماء لو نزل القرآن عليها لخشع وتصدع، كذلك القلب إذا ورد عليه القرآن وقرأ الإنسان بتفكر وتمعن فلا بد أن يؤثر في قلبه، واسمع إلى قول الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37] فعليك أيتها الأخت! بتلاوة كتاب الله بتدبر وتخشع، وسيبدل الله هذه القسوة ليناً ورجوعاً إلى الله تبارك وتعالى.
أما النساء اللاتي شغلن بالموضات فقد خسرن الدنيا والآخرة إلا أن يشاء الله، وإنك لتعجب من هؤلاء النساء اللاتي شغلن بالموضات يتعبن أنفسهن، ويتعبن أزواجهن، ويتعبن آباءهن ويتعبن أولياء أمورهن، ثم إن هذا المال يذهب إلى من؟ إلى الشركات التي تورد هذه الموضات وقد تكون الشركات شركات كافرة، فينتفع أعداؤنا بأموالنا.
فنصيحتي للنساء ولأولياء أمورهن: ألا يذهبوا وراء هذه الموضات التي لا خير فيها إلا إضاعة الوقت وإتلاف المال، مع ما فيها من تأثير على القلب في انصرافها عن طاعة الله.(72/23)
نصيحة للذين يدخلون الدش إلى منازلهم
السؤال
فضيلة الشيخ! حفظه الله، تعلمون أنه حصل فتنة كبيرة بمشاهدة الدشوش، وبعض الناس والعياذ بالله ربما أدخله في منزله وبين أولاده فما تعليقكم حفظكم الله؟
الجواب
تعليقنا على هذا: أن يتقي الله المرء في نفسه وأهله، وألا يدخل هذه الدشوش في البيوت؛ لأن الإنسان يدخلها على أنه سيشاهد الأخبار فقط أو ما يبث فيها من علوم، لكن لا تزال به حتى ينغمس في طينها -والعياذ بالله- ولقد سمعت عن أناس ملتزمين على درجة عالية من العلوم أدخلوا هذه الدشوش على أنهم يشاهدون الأخبار، ويطالعون بعض المعلومات، وإذا بهم ينتكسون والعياذ بالله، فخطرها عظيم.
أما بالنسبة لمن يدخلها في بيته وهو يشاهد أهله يطالعون هذه المنكرات العظيمة، فأنا أسأل: هل يعد هذا ناصحاً لأهله أم غاشاً لهم؟ هو غاش بلا شك؛ لأنه قادر على أن يمنعهم منها لإخراجها وتكسيرها، فإذا كان غاشاً فهل يدخل في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما من عبدٍ يسترعيه الله على رعيه يموت يوم يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة) ؟ الأمر خطير يا إخواني، فلذلك أرى أنه يحرم على الرجل أن يدخل هذه الدشوش إذا كان يعرف من أهله أنهم سيشاهدون ما لا تجوز مشاهدته.(72/24)
حكم ركوب المرأة مع السائق الأجنبي لوحدها
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم ركوب المرأة مع السائق الأجنبي لوحدها إذا كانت في الشارع والسيارة مكشوفة يرى ما بها من الداخل، ما رأيكم في ذلك حيث أن كثيراً من الناس يقول: إنها ليست خلوة ما دامت أمام الناس؟
الجواب
رأينا أنه حرام ولا يحل، والمفسدة التي في الخلوة موجودة في هذه الصورة، وقوله: إنه ليس خلوة؛ لأن الناس يشاهدونها، الجواب عنه من وجهين: الأول: أن السيارة ماشية.
ما كل واحد يشاهدها وليس الناس يطالعون في كل سيارة تمشي.
الثاني: أنه وإن كانت ترى لكن الهمس واللمس والضحكة لهذه المرأة التي هو خالٍ بها لا يدري عنها الناس، فالمحظور الذي في الخلوة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم موجود في هذا، بل قد يكون هذا أشد، فربما يراودها عن نفسها ويقول: إن لم تفعلي وإلا فسأمشي على البر وأكرهك على ما أريد ولا تريدينه أنت، فالمسألة خطيرة جداً، ولقد حدثت بحوادث لا أحب أن أذكرها لفظاعتها فيمن ركبت مع السائق لوحدها.
فالحذر الحذر من هذا! وباب الزنا أحاطه الشارع بسياج قوي حتى حرم النظر إلى المرأة، والخلوة بها، والسفر بلا محرم، وذلك أن النفوس تدعو إليه، النفوس ضعيفة الإيمان، فلذلك جعل له سياج يحمي المرء من أن يقوم به.(72/25)
حكم من يؤخر صلاة الفجر إلى وقت الوظيفة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم من لا يصلي الفجر إلا عند قيامه لأجل الوظيفة أي: في الساعة السابعة والنصف تقريباً في الغالب، مع العلم بأنه لا يتأخر عن عمله بدقيقة واحدة؛ لأنه يحرص على أن يسجل في سلك المتقدمين في الوظيفة؟
الجواب
يرى بعض أهل العلم أن من ترك صلاة واحدة حتى خرج وقتها بلا عذر كافر كفراً أكبر مخرجاً عن الملة، وبناءً على هذا يكون هذا الرجل كافراً كفراً مخرجاً عن الملة؛ لأن تأخير الصلاة إلى ما بعد الوقت عمداً بلا عذر شرعي لو صلاها لم يستفد منها ولا تقبل منه.
ويرى آخرون: أن ترك الصلاة الذي ورد أنه كفر هو أن يتركها بالكلية لا الفجر ولا غيره، وهذا أقرب إلى ظاهر النصوص؛ فهذا لا يكفر على هذا القول الذي نرجحه، لكن على خطر عظيم -والعياذ بالله- ما لم يعتقد أنه يجوز تأخير الفجر إلى ما بعد الوقت فحينئذٍ يكون أنكر فرضيتها فيكفر بالإنكار.(72/26)
حكم قص المرأة لشعرها إلى ما فوق الكتفين لأجل زوجها
السؤال
يا فضيلة الشيخ! هل يجوز قص الشعر إلى ما فوق الكتفين للمرأة إذا كانت لا تقصد التشبه وإنما إجابة لطلب زوجها، وما حكم لبس النقاب وإخراج العينين فقط؟
الجواب
أما الأول وهو قص المرأة شعرها: فالمشهور عند الحنابلة أنه يكره أن تقصه ولو شيئاً يسيراً، وقالوا: إنه إذا كانت في النسك لا تقص منه إلا قدر أنملة، فما بالك بغيره؟ وقال بعض العلماء: إنه يجوز أن تقص رأسها بشرط ألا يرتفع فوق الكتف، وألا يكون فيه مشابهة لشعر الرجال أو لشعر المومسات العاهرات أو الكافرات، وبناءً على هذا نقول: لا تقص المرأة شعر رأسها إلى ما فوق الكتفين حتى وإن رضي الزوج بذلك، بل حتى وإن أمر بذلك، وعلى الأزواج أن يتقوا الله وألا يكرهوا النساء على أمر يكرهنه، والإسلام أيضاً لا يراه.
أما بالنسبة للنقاب: فالنقاب في الأصل جائز؛ لأن الصحابيات كن ينتقبن في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في المحرمة: (لا تنتقب) لكن نظراً لما حدث من النساء اليوم وتوسعهن في ذلك لا أفتي بجوازه، بل أرى منعه؛ لأن النساء تلاعبن به فصار بعضهن يفتح فتحة كبيرة حتى يظهر الحاجب وأعلى الخد، وصار بعضهن الآن يتلثم في الخمار تلثماً، وبناءً على هذا التوسع أرى منعه ولا أفتي بجوازه، ولا حرج علي في ذلك؛ لأن الأشياء المباحة إذا كان يترتب عليها محظور فإنها تمنع؛ كما منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من طلق زوجته ثلاثاً من مراجعتها، وقال: [أرى الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم] فأمضاه عليهم.(72/27)
حكم توكيل الحاج من يضحي عنه في بلده
السؤال
ما الحكم في رجل ذهب إلى الحج وكان قبل ذهابه قد وكل من يضحي عنه في بلده، فهل يجوز له ذلك، أم هل يكتفي بحجه ولا أضحية عليه، فما هو الأفضل في حقه؟ وما الذي يترتب على ذلك من أحكام شرعية؟ وجزاك الله خيراً.
الجواب
إذا كان أهله معه فالأفضل ألا يوصي بأضحية أي: ألا يوكل أحداً يضحي عنه، وأما إذا كان أهله في بلدهم، فهنا ينبغي أن يوكل من يضحي عنه في أهله، وحينئذٍ لا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من بشرته شيئاً إلا إذا أحرم بالعمرة فله أن يقصر؛ لأن التقصير صار نسكاً.(72/28)
حكم الاغتسال في غير الميقات لمن أراد العمرة
السؤال
هل يجوز لمن أراد العمرة أن يغتسل في بيته ثم يسافر وهو في القصيم وينوي إذا ما وصل إلى الميقات؛ خصوصاً في مثل هذه الأيام الباردة؟
الجواب
نعم.
لا بأس أن يغتسل في بيته ويسافر إذا كان اغتساله عند السفر، ولكنه إن تمكن من أن يغتسل في الميقات فهو أفضل.
إلى هنا ننتهي من المجلس، نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعله مجلس خير وبركة، وأن يرزقنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً متقبلاً، ورزقاً طيباً واسعاً.(72/29)
اللقاء الشهري [73] رقم1؛2
الحج هو أحد الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام، فهو فريضة على كل مسلم ومسلمة يستطيع إليه سبيلاً، وقد فُرض الحج في السنة التاسعة، فحج النبي عليه الصلاة والسلام في السنة العاشرة وذلك لأسباب.
وقد بيَّن الشيخ رحمه الله أن على من أراد الحج أن يتعلمه، وأن يحج كما حج النبي صلى الله عليه وسلم، حيث وضح صفة حجه عليه الصلاة والسلام كاملة في هذا اللقاء، وقد كان من المواضيع التي ذكرت في هذا اللقاء الأضحية وفضل عشر ذي الحجة.(73/1)
أهمية الحج في الإسلام
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا نشكر الله عز وجل على إنعامه وإفضاله حيث شرع مواسم الخيرات لعباده ليستكثروا من الخير، فمن قضى شهر الصيام حتى دخلت شهور حج بيت الله عز وجل، فإن أول شهور الحج شهر شوال، فالعباد ينتقلون من موسم إلى موسم، وما شرع الله الحج لأهل مكة وذبح الهدايا إلا وشرع لغيرهم من البلدان التقرب إليه بالأضاحي، فلله الحمد والمنة على هذه النعم.
أيها الإخوة: إن هذا اللقاء هو اللقاء الشهري الذي يتم في مساء السبت الثالث من كل شهر؛ نسأل الله أن ينفع به وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه.
اخترنا أن يكون بعد المغرب ليتسع الوقت للكلام والجواب على السؤال، نبدأ أولاً بالحج فنتكلم عن أهميته في دين الإسلام.
الحج هو في منزلة عالية من دين الإسلام؛ وذلك لأنه أحد أركانه التي بني عليها لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (بني الإسلام على خمس) أي: على خمس دعائم: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله هذه واحدة، وهي مفتاح العمل فلا يصح عمل إلا بها، حتى لو صام الإنسان وزكى وحج وصلى ولكن لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإنه لا يقبل حجه ولا يقبل صومه، ولا تقبل صدقته ولا تقبل صلاته.
فإن قال قائل: أليس الإنسان يقول في الصلاة: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ نقول: بلى يقول هذا، لكن أرأيت لو كان يقول هذا ولكنه يعبد الأموات أيكون صادقاً في هذه الشهادة؟ لا.
إذاً لا تقبل منه الصلاة، وشهادته أن لا إله إلا الله شهادة كذب؛ لأن من شهد أن لا إله إلا الله أي: لا معبود بحق إلا الله، فلا يمكن أن يعبد أحداً سوى فاطر السماوات والأرض.
الركن الثاني: إقام الصلاة، أي: الإتيان بها مستقيمة حسب ما صلاها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي قال لأمته: (صلوا كما رأيتموني أصلي) .
الثالث: إيتاء الزكاة، أي: إعطاء المال الواجب في الأموال لمستحقيه، ولهذا نقول: إيتاء الزكاة حذف منها المفعول الثاني، والتقدير: إيتاء الزكاة مستحقها.
الرابع: صوم رمضان.
الخامس: حج بيت الله الحرام.
إذاً الحج في مرتبة عالية من هذا الدين الإسلامي؛ لأنه أحد أركانه ومبانيه العظام، وقد تأخر فرض الحج، فلم يفرضه الله عز وجل على عباده إلا متأخراً في السنة التاسعة أو العاشرة؛ وذلك لأن مكة كانت قبل ذلك تحت قبضة قريش يمنعون من شاءوا ويأذنون لمن شاءوا، ولهذا منع المشركون رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد جاء معتمراً معه الهدي يلبي الله عز وجل، ولما أقبل على الحرم منعوه، في أي مكان؟ في الحديبية، قالوا: لا يمكن أن تدخل مكة فيتحدث الناس: أنا أخذنا ضغطاً، وجرى بينهم وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الصلح الذي ظاهره هضم المسلمين حقهم، ولكنه فتح كما سماه الله عز وجل، فقال في كتابه: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد:10] المراد بالفتح هنا صلح الحديبية، لذلك كان من حكمة الله عز وجل أن يتأخر فرض الحج إلى بيت الله إما في السنة التاسعة أو في السنة العاشرة.(73/2)
صفة حجه عليه الصلاة والسلام إجمالاً
فرض الحج وحج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد هجرته مرةً واحدة في الاتفاق، وجعل الله تعالى في هذه الحجة على كثرة ما فيها من الأفعال وكثرت ما فيها من الأقوال بركة عظيمة، تلقاها سلفنا الصالح (الصحابة رضي الله عنهم) ونقلوها إلينا -والحمد لله- محفوظة متقنة محررة من قبل جهابذة العلماء في الحديث، حتى كأنما نشاهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو لم يحج إلا مرة واحدة، ولكن بركة الله لا نهاية ولا حصر لها.
في السنة التاسعة أعلن أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حاج العام المقبل، فاجتمع المسلمون من جميع الجهات من الجزيرة العربية من أجل أن يشاهدوا حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيقتدوا به وينقلوه إلى الأمة، فاجتمع خلق كثير كانوا من بين يدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن خلفه وعن يمينه وشماله مد البصر، أمم عظيمة لتقتدي برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتأتم به وتنقل حجه إلى أمته من بعدهم، وهكذا حصل.
خرج صلى الله عليه وسلم في الخامس والعشرين من ذي القعدة يوم السبت، ونزل في ذي الحليفة وأحرم منها وسار إلى مكة، ولما وصل البيت طاف طواف القدوم، وسعى سعي الحج والعمرة؛ لأنه كان قارناً وبقي على إحرامه، فلم يتحلل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأنه كان قد ساق الهدي، طاف بالبيت وبقي على إحرامه وأمر أصحابه أن يحلوا، ثم خرج ظاهر مكة ونزل الأبطح وكان قدومه يوم الأحد الرابع من شهر ذي الحجة وبقي هناك يصلي ركعتين ولم ينزل إلى المسجد الحرام لا لطواف ولا لصلاة.
وفي اليوم الثامن توجه صلوات الله وسلامه عليه بأصحابه إلى منى، فنزل هناك وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً بلا جمع، ولما طلعت الشمس سار إلى عرفة ونزل بـ نمرة وهي: قرية تقع جنوب غرب عرفة من أجل أن يستريح ويريح رواحلهم.
فلما زالت الشمس أمر أن ترحل ناقته، فرحلت وركبها ونزل في بطن الوادي وادي عرنة في المكان الذي بني فيه المسجد الآن، نزل هناك وأمر المؤذن فأذن للظهر، فصلى الظهر ركعتين، ثم العصر ركعتين، ثم خطب الناس خطبةً عظيمةً بليغةً تناولها أهل العلم بالشرح واستنباط الفوائد، ومن أحسن ما رأيت رسالة للشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله في شرح هذه الخطبة وهي مطبوعة ومنشورة، ويقال: إنه ما من أحد في عرفة إلا سمع الخطبة، أي: أن الله عز وجل سهل للمسلمين أن يسمعوا هذه الخطبة في أي مكان من عرفة.
ثم ارتحل ناقته إلى المكان الذي اختار أن يقف فيه، وهو عند جبل عرفات الذي يسمى: جبل الرحمة، وهي تسمية حادثة وإلا فاسمه إلال على وزن هلال أو جبل عرفة وهو معروف الآن، نزل هناك، لماذا نزل هناك؟ أظن والله أعلم أنه اختار النزول هناك ليكون خلف أصحابه؛ لأن من عادته في السير أن يكون آخر قومه ليتفقد المتخلف صلوات الله وسلامه عليه، وقف على بعيره يدعو الله عز وجل رافعاً يديه اليمنى واليسرى حتى إن خطام ناقته لما سقط أخذه بإحدى يديه وهو رافع الأخرى إلى أن غابت الشمس، ثم دفع متجهاً إلى مزدلفة، وفي أثناء الطريق احتاج صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يبول فخرج إلى الشعب عن يسار الذاهب إلى مزدلفة، ونزل وبال وتوضأ، ولكنه توضأ وضوءاً خفيفاً ولم يسبغ، وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أردف خلفه على ناقته أسامة بن زيد بن حارثة، فقال له أسامة: (الصلاة يا رسول الله! قال: الصلاة أمامك) .
ثم ركب حتى أتى مزدلفة بعد دخول وقت العشاء فتوضأ فأسبغ وأمر فنودي للصلاة، ثم صلى المغرب والعشاء ثم بات هناك، ولما طلع الفجر أمر بالأذان للفجر ثم صلى الفجر في غلس مبكراً على خلاف العادة، وبعد ذلك ركب حتى أتى المشعر الحرام مكان المسجد اليوم، ووقف على بعيره يدعو الله ويستغفر الله حتى أسفر جداً، وكان يقول في عرفة: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) وفي مزدلفة يقول: (وقفت هاهنا وجمع -يعني: مزدلفة - كلها موقف) كأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم يشير إلى أن يبقى كل أناس بمكانهم حتى لا يزدحموا على مكان مخصوص، والحكم واحد والأجر واحد.
ولما أسفر جداً سار من مزدلفة إلى منى وكانت منى في ذلك الوقت لها ثلاث طرق: طريق على اليمين، وطريق على اليسار، وطريق في الوسط، فسلك الطريق الوسطى؛ لأنها تخرج رأساً على جمرة العقبة، وهو يريد أن يبدأ قبل كل شيء برمي الجمرة، حتى أتى الجمرة ووقف وأمر عبد الله بن عباس أن يلقط الحصى -حصى الجمرات- فلقط سبع حصيات فقط فوق الحمص ودون البندق، وجعل يقلبها بين يديه ويقول: (بأمثال هؤلاء فارموا وإياكم والغلو في الدين) رماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة.
ومن المعلوم أنه لن يصل إلى الجمرة إلا بعد طلوع الشمس؛ لأنه وقف في مزدلفة حتى أسفر جداً، ثم سار على بعيره، فرمى الجمرات ثم نحر هديه، أهدى مائة بعير عليه الصلاة والسلام (مائة بعير عن سبعمائة شاة) نحر بيده الكريمة ثلاثاً وستين بعيراً، وأعطى علي بن أبي طالب رضي الله عنه الباقي فينحر، ثم حلق رأسه وبدأ بالشق الأيمن وقسم الشعر على الناس.
فهو إلى الآن رمى ثم نحر ثم حلق وحل، تحلل صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم نزل إلى مكة فطاف بالبيت وشرب من ماء زمزم وصلى الظهر هناك، ثم خرج إلى منى، خرج إلى منى ووجد أناساً لم يصلوا، فصلى مرةً أخرى؛ لأنه ثبت أنه صلى في منى الظهر وصلى في مكة، والجمع بينهما أن نقول: صلى في مكة ولما خرج وجد بعض أصحابه لم يصلوا فصلى بهم صلى الله عليه وسلم.
وبات في منى ليلة الحادية عشرة، ولما زالت الشمس من اليوم الحادي عشر ذهب ليرمي الجمرات قبل أن يصلي الظهر بعد الزوال وقبل الصلاة، رمى الجمرة الأولى بسبع حصيات، ثم تقدم واستقبل القبلة ورفع يديه وجعل يدعو دعاءً طويلاً، ثم الوسطى بسبع حصيات، ثم تقدم واستقبل القبلة ورفع يديه وجعل يدعو دعاءً طويلاً، ثم جمرة العقبة ولم يقف، ثم عاد إلى رحله، وبات في منى ليلة الثاني عشر، وفي اليوم الثاني عشر فعل كما فعل في اليوم الحادي عشر، ثم بات في منى ليلة الثالث عشر، ورمى الجمرات في اليوم الثالث عشر كما رماها في اليوم الثاني عشر، ثم نزل إلى مكة وصلى الظهر في مكة -ظهر يوم الثالث عشر- وبات في مكان يقال له: المحصَّب لكثرة حصبائه، وفي آخر الليل أمر بالرحيل فارتحل الناس، وأتى البيت فطاف فيه طواف الوداع، ثم صلى صلاة الفجر، ثم غادر إلى مهاجره طيبة المدينة، فبقي في مكة عشرة أيام (من الرابع إلى الرابع عشر) ولهذا سئل أنس بن مالك: كم أقمتم في مكة؟ قال: أقمنا فيها عشراً.
هذه صفة حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أتينا بها على وجه الإجمال ليكون ذلك أسهل وأقرب للفهم، ولكن لنا فيها وقفات.(73/3)
وقفات تفصيلية في حجه عليه الصلاة والسلام(73/4)
كيفية إحرامه عليه الصلاة والسلام
أولاً: كيف أحرم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ أحرم بأن اغتسل كغسل الجنابة أي: غسلاً كاملاً، وتطيب في لحيته وبدنه بطيب من أطيب ما يكون، وبطيب غادق (كثير) حتى كان يُرى وبيص المسك من مفارقه وهو محرم عليه الصلاة والسلام، ثم لبس الإزار والرداء ثم أحرم فقال: (لبيك حجة، وجاءه الملك قال له: قل عمرةً وحجاً، فقال: عمرةً وحجاً) فصار بذلك قارناً، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله وهو إمام أهل السنة وإمام أهل الحديث، قال: لا أشك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان قارناً والمتعة أحب إليَّ، وسيأتي معنى قوله رحمه الله: المتعة أحب إليَّ؛ لأن الرسول أمر به، فكان يقول: لبيك عمرةً وحجاً، هذه واحدة.(73/5)
وقفة مع الطواف وبعض ما يتعلق به
الوقفة الثانية: لما أتى المسجد ماذا صنع؟ صنع عند دخول المسجد كما يصنع عند دخول المساجد الأخرى لعموم الأدلة بدون تفصيل، ثم اتجه إلى الكعبة -زادها الله شرفاً وعظمة- اتجه إليها فاستلم الركن أي: الحجر الأسود وقبله، وفي الأشواط الثلاثة الأولى كان يرمل أي: يسرع دون أن يمد الخطى، أي: يسرع والخطى على ما هي عليه متقاربة في الأشواط الثلاثة فقط، وفي الأربعة الباقية كان يمشي على عادته، لكن الاضطباع في جميع الطواف؛ والاضطباع: أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن، وطرفيه على كتفه الأيسر، وهو سنة في الطواف فقط.
إذاً حصل أنه استلم الركن وقبله واضطبع في جميع طوافه، ورمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، وماذا يقول عند استلامه؟ كان يكبر، كلما استلم الركن قال: الله أكبر، وكان يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] .
ولم ينقل ماذا يقول في بقية الأشواط، ولكن قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما جعل الطواف بالبيت وبـ الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) وعلى هذا ففي طوافك ادع الله بما شئت من خيري الدنيا والآخرة، اذكر الله، اقرأ القرآن، سبح؛ لأن المقام مقام ذكر الله عز وجل، وأما ما يوجد في الكتيبات هذه لكل شوط دعاء مخصوص فهذا بدعة لا تستعمله، وانصح من رأيته يستعمله، قل: يا أخي! ادع الله بما تحب، لا تقرأ شيئاً ربما لا تعرف معناه.
مسألة: إذا قال قائل: كيف يقبِّل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حجراً؟ أيفعل ذلك تبركاً بالحجر أم ماذا؟ ف
الجواب
ليس تبركاً بالحجر، فالحجر لا ينفع ولا يضر، ولهذا لما طاف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقبَّل الحجر، قال: [إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك] إذاً نحن نقبل الحجر تأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتعبداً لله عز وجل وتذللاً له حيث نقبل حجراً من الأحجار، ولولا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبله ما قبلناه، ولذلك لا نقبل الركن اليماني؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقبله، ولا نقبل الركنين الشامي والغربي، ولا نستلمهما أيضاً؛ لأنهما ليسا على قواعد إبراهيم، فصارت أركان البيت ثلاثة أقسام: الأول: ما يسن استلامه وتقبيله وهو الحجر الأسود.
والثاني: ما يسن استلامه دون تقبيله ودون الإشارة إليه وهو الركن اليماني.
والثالث: ما لا يسن تقبيله ولا استلامه وهما الركنان الشامي والغربي.
مسألة: فلو قال قائل: أرأيتم لو لم يتمكن من استلام الحجر ولا تقبيله ماذا يصنع؟ نقول: يشير إليه بيده ويقول: الله أكبر.
أما الركن اليماني إذا لم يستطع استلامه فإنه لا يشير إليه؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والعبادات توقيفية، إن لم ترد عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا يحل لنا أن نتعبد إلى الله بها.
انتهى الكلام على موقف الطواف.
الوقفة الثالثة: موقف ركعتين خلف المقام؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما انتهى من طوافه تقدم إلى مقام إبراهيم وقال: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] وصلى ركعتين خلف المقام، هاتان الركعتان هل هما واجبتان أم هما سنة؟ وهل يتعين أن يكونا خلف المقام، أو يجوز أن يكونا في أي مكان من المسجد، أو إذا لم يمكن في المسجد فخارج المسجد؟ الجواب: اختلف العلماء في وجوب هاتين الركعتين.
فقال بعض العلماء بالوجوب، وقال بعض العلماء بالاستحباب، والأقرب: أنهما للاستحباب، أنهما مستحبتان لا واجبتان، ولا يشترط أن يكونا خلف المقام، بل لو كانا في أي مكان في المسجد كفى، بل لو كانا خارج المسجد كما لو كان المسجد ضيقاً وصلى في الساحات الخارجية فلا بأس، والسنة تخفيفهما، وأن يقرأ فيهما في الأولى: قل يا أيها الكافرون، وفي الثانية: قل هو الله أحد.(73/6)
سعيه عليه الصلاة والسلام ونزوله بالأبطح والدفع إلى منى
الوقفة الرابعة: عند السعي، إن النبي صلى الله عليه وسلم لما دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158]-أي: لما دنا قل أن يصعد- (أبدأ بما بدأ الله به) فبدأ بـ الصفا.
صعد الصفا، وماذا صنع حين صعوده؟ رفع يديه حين رأى البيت وكبر ثلاثاً، وقال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده) كرر هذا ثلاث مرات يدعو فيما بين المرة الأولى والثانية، وفيما بين المرة الثانية والثالثة، وبعد الثالثة نزل متجهاً إلى المروة، في أثناء السعي مر بالوادي، الوادي (مجرى السيل) وكان في ذلك الوقت بيناً واضحاً، بطن الوادي عادة يكون منخفضاً، فلما انخفض سعى سعياً شديداً أي: ركض حتى إن إزاره لتدور به من شدة السعي، ولما صعد الوادي مشى عادةً وفعل على المروة كما فعل على الصفا، ولم يكرر الآية: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] لأنها ليست من ذكر المسعى، إنما قالها حينما دنا من الصفا قبل أن يدخل في السعي.
مسألة: الوقوف عند السعي ليس بكثير؛ لأن ما لا شيء يستلم ولا يقبل ولا يشار إليه، إنما هو أشواط معروفة يبتدئها بـ الصفا ويختمها بـ المروة.
ماذا صنع بعد السعي؟ أمر من لم يكن معه هدي أن يجعل إحرامه عمرة ويحل، قالوا: (يا رسول الله! نحل وقد سمينا الحج -أي: لبينا بالحج كيف نجعلها عمرة؟ - قال: افعلوا ما آمركم به) حتم عليهم وغضب حتى حل من لم يكن معه هدي، قالوا: (يا رسول الله! الحل كله؟ قال: الحل كله) .
مسألة: وقفة بعد أن سعى قلنا: إنه نزل في الأبطح ظاهر مكة بقي فيه أربعة أيام من يوم الأحد إلى يوم الخميس، وهو في هذا المكان يقصر الصلاة، وربما جمع بين الصلاتين، هل البقاء في الأبطح من الأمور المشروعة، أو إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نزله من أجل الراحة؟
الجواب
الثاني، في ذلك الوقت لا يوجد بناء، الآن يوجد بناء ولا يمكن للمرء أن ينزل إلا أن يستأجر من العمائر التي فيه، ومع ذلك لا نقول: إن من السنة أن يكون مكانك في مكة في هذه العمائر؛ لأن نزول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الأبطح أيسر له من أجل الدفع إلى منى.
مسألة: دفع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى منى في اليوم الثامن، نقف هنا: هل البقاء في منى في اليوم التاسع هل هو واجب أو سنة؟ الجواب: هو سنة وليس بواجب، فلو دفع الإنسان من مكة إلى عرفة فلا حرج، لكن فاته أجر المبيت في منى، ولو لم يحرم في الحج إلا يوم عرفة وذهب إلى عرفة فلا حرج، الدليل: أن عروة بن مضرس رضي الله عنه أدرك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صباح يوم العيد في مزدلفة وصلى معه، وأخبره أنه أتعب ناقته وأتعب نفسه وما ترك جبلاً إلا وقف عنده، فهل له من حج؟ فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من شهد صلاتنا هذه -يعني: الفجر- ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بـ عرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) وعلى هذا فإذا ذهب الناس من أوطانهم ووصلوا إلى مكة يوم الثامن وخرجوا فوراً إلى منى دون أن يطوفوا بالبيت ويسعوا فلا حرج.(73/7)
الوقوف بعرفات
مسألة: نقف على الوقوف بـ عرفات، هل الذهاب إلى نمرة والمكث فيها إلى الزوال هل هو واجب أو سنة؟
الجواب
هو سنة وليس بواجب، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الحج عرفة) ونمرة ليست من عرفة.
مسألة: الوقوف بـ عرفة إلى غروب الشمس، ولا يحل لأحد أن يخرج من حدود عرفة قبل غروب الشمس؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقف حتى غابت الشمس وقال: (خذوا عني مناسككم) ولو دفع الإنسان قبل غروب الشمس لشابه هدي المشركين دون هدي سيد المرسلين، وذلك لأن المشركين إذا صارت الشمس على رءوس الجبال كالعمائم على رءوس الرجال دفعوا من عرفة، فخالفهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتأخر حتى غابت الشمس.
مسألة: الناس في عرفة هل يستقبلون القبلة عند الدعاء، أو يستقبلون الجبل؟ الجواب: يستقبلون القبلة، الجبل ليس له حرمة في ذاته، ولهذا لا يشرع صعوده ولا التمسح به ولا الوقوف على رأسه، هو جبل عادي فالاتجاه عند الدعاء إلى القبلة، وهل يقف الإنسان قائماً، أو يدعو وهو جالس؟ نقول: يدعو وهو جالس، وإن رأى مللاً وقام ليستريح ودعا وهو قائم فلا حرج.
مسألة: وهل الأفضل أن يدعو وهو راكب في السيارة، أو أن يدعو في مكان خالٍ يناجي ربه فيه؟ الجواب: الثاني؛ لأنه إذا ركب الناس ربما يشوش بعضهم على بعض ويشتغل بعضهم ببعض، فإذا انحاز الإنسان إلى مكان خالٍ ودعا الله كان ذلك أخشع له، ولكن بماذا يدعو يا إخواني؟ الجواب: إن علم شيئاً من السنة في هذا فليدع به وإلا دعا بما أحب، ومن المعلوم أنه إذا طال الزمن في الدعاء فسيحصل الملل، ولكن الحمد لله الأمر واسع خذ كتاب الله العزيز واقرأ فيه بتدبر، وكلما مرت بك آية رحمة فاسأل، أو آية وعيد فتعوذ، أو آية تسبيح فسبح، وإذا تابعت القرآن على هذا الوجه لن تمل إلى أن تغرب الشمس.
وهنا أنبه إخواننا على تحري حدود عرفة؛ لأن بعض الحجاج -الله يهدينا وإياهم- ينزلون قبل الوصول إلى عرفة ويبقون فيها، فإذا غابت الشمس انصرفوا، ألم تعلموا أن هؤلاء لا حج لهم؟ الجواب: بلى.
لا حج لهم؛ لأنهم لم يقفوا بـ عرفة، نعم لو فرض أن عرفة كانت ضيقاً ونزلوا هناك خارج الحدود، فإذا زالت الشمس ذهبوا إلى عرفة وبقوا فيها إلى الغروب، أو ذهبوا إلى عرفة بعد العصر وبقوا إلى الغروب فهذا لا بأس به.(73/8)
المبيت بمزدلفة
ننتقل إلى مزدلفة، إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى بها المغرب والعشاء جمع تأخير، فإذا وصل الناس إلى مزدلفة قبل دخول وقت العشاء فهل يصلون جمعاً، أو نقول: صلوا المغرب في وقتها والعشاء إذا دخل وقتها؟ بعض العلماء قال بالثاني: إذا وصلت إلى مزدلفة قبل دخول وقت العشاء فصل المغرب، ثم إذا دخل وقت العشاء فصل العشاء بأذان وإقامة، والمغرب بأذان وإقامة.
ولكني أقول: في الوقت الحاضر لا شك أن الأيسر على الحجاج أن يجمعوا بين المغرب والعشاء من حين أن يصلوا، وإذا كان كذلك فالأفضل فعل الأيسر، فليصلوا المغرب والعشاء من حين أن يصلوا ولو قبل دخول وقت العشاء؛ لأنه -كما تعلمون- يتعب الإنسان في الحصول على الماء، وربما إذا أبعد عن مكان إخوانه يضيع، فليصل المغرب والعشاء جمع تقديم وذلك أفضل؛ لأنه مسافر، والمسافر الأفضل له فعل الأيسر من الجمع وعدم الجمع.
من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقف حتى صلى الفجر، ووقف عند المشعر الحرام حتى أسفر جداً، فهل هذا واجب، أو يجوز أن يدفع الإنسان في آخر الليل؟
الجواب
هذا ليس بواجب، ولكنه أفضل لا سيما في الزحام الشديد، وقد أذن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للنساء والضعفة أن يدفعوا من مزدلفة قبل الفجر، وأن يرموا الجمرة إذا وصلوا ويصلوا الفجر في منى.
مسألة: إذا بقي الإنسان إلى الفجر وصلى الفجر وبقي للدعاء فهل نقول: اذهب إلى المشعر الحرام، أو يجوز أن تدعو الله في مكانك؟ الجواب: يجوز أن تدعو الله في مكانك؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وقفت هاهنا وجمع كلها موقف) .(73/9)
أعمال اليوم العاشر
في منى وقفات: أولاً: من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رمى جمرة العقبة أول ما وصل إلى منى، أرأيتم لو أن الإنسان عدل إلى رحله، وأنزل متاعه، واستراح قليلاً، ثم ذهب للرمي أيجوز أو لا يجوز؟
الجواب
يجوز.
في منى يوم النحر يفعل الحاج خمسة أشياء: أولاً: رمي جمرة العقبة.
والثاني: النحر.
والثالث: الحلق أو التقصير.
والرابع: الطواف.
والخامس: السعي، إن كان متمتعاً أو كان قارناً أو مفرداً ولم يكن سعى بعد طواف القدوم.
لو قدم هذه الأشياء بعضها على بعض فلا حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يسأل في التقديم والتأخير في هذه الأشياء، فيقول: (لا حرج) ومن سأله عند تقديم الحلق على النحر قال: (لا حرج) ولم يقل: ولا تعد، فكونه يقول لا حرج دون أن يقول: ولا تعد يدل على أن الأمر واسع والحمد لله، وهذا من رحمة الله أن الحجاج رخص لهم، من الناس من يحب أن يبدأ بالطواف والسعي قبل كل شيء، ومنهم من يحب الرمي ثم الحلق حتى لا يجتمع الناس في مكان واحد، ولهذا تجد أمماً عظيمة يطوفون ويسعون، وتجد آخرين يرمون، وآخرين يذهبون إلى المنحر، كل هذا من التيسير اللهم لك الحمد.
إذاً لو قدر أنك لو ذهبت من مزدلفة إلى مكة وطفت وسعيت، ثم خرجت ورميت ونحرت وحلقت، ما الحكم؟ لا حرج، وهكذا لو أتيت إلى مكة للطواف والسعي ووجدت المطاف مزدحماً، ووجدت السعي أوسع فبدأت بالسعي؛ أيجوز أو لا يجوز؟ يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل عن هذه المسألة نفسها، فقيل له: (سعيت قبل أن أطوف؟ قال: لا حرج) فالأمر والحمد لله واسع.(73/10)
الرمي وطواف الوداع
وقفة في الرمي: من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يرم إلا بعد الزوال في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، فهل يجوز الرمي قبل الزوال؟ لا يجوز؛ لأنه لو جاز الرمي قبل الزوال لرخص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للضعفة كما رخص لهم في يوم العيد أن يرموا قبل الفجر، والموجب قائم وهو الزحام، بل إنه في رمي الجمرات في أيام التشريق أشد إلحاحاً؛ لأن الجو حار، ومع ذلك لم يأذن لأحد أن يتقدم فيرمي قبل الزوال.
حتى في اليوم الثاني عشر وهو يوم التعجل لا يجوز لأحد أن يرمي قبل الزوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يرم إلا بعد الزوال وقال: (خذوا عني مناسككم) ولكن لو أن الإنسان في اليوم الثاني عشر تعجل ولم متاعه، وحمله على السيارة ثم ذهب متجهاً إلى مكة على أنه سيرمي وينزل، فحدث زحام في الخطوط وزحام عند الجمرات، فهل ينتظر إلى الليل ثم يرمي ويمشي، أو نقول: انتظر إلى الليل وتبقى إلى اليوم الثالث؟ الجواب بالأول، ما دمت قد نويت التعجل وارتحلت وحبسك الزحام، فلا حرج أن تستمر في تعجلك ولو بعد غروب الشمس، حتى لو لم ترم إلى منتصف الليل، ثم امش ولا حرج؛ لأنه يصدق عليك أنك تعجلت في يومين لكن حبسك العذر.
في آخر شيء طواف الوداع، إذا انتهى الإنسان من الحج وأراد الرجوع إلى بلده؛ فإنه لا ينصرف حتى يطوف بالوداع، ويسقط الوداع عن المرأة الحائض والنفساء، أسأل الله تعالى أن يهيئ للمسلمين حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً.(73/11)
الأضحية شروطها وآدابها
أما الأضحية فالأضحية سنة مؤكدة لا ينبغي للقادر عليها أن يدعها حتى قال بعض العلماء: إنها واجبة على القادر؛ لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بها ولفعله إياها، فيكره للقادر أن يترك الأضحية، بل يضحي عنه وعن أهل بيته، ولا تصح الأضحية إلا بثلاثة شروط: الأول: أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم، فلو ضحى الإنسان بفرس فإنه لا يجزئ، ولو ضحى بظبي لم يجزئ، فلا بد أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام وهي: الإبل والبقر والغنم معزها وضأنها.
الشرط الثاني: أن تكون بالغة للسن الواجب وهو في الضأن ستة أشهر، وفي المعز سنة، وفي البقر سنتان، وفي الإبل خمس سنوات، وما دونها لا يجزئ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) .
الشرط الثالث: أن تكون سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء وهي ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله: (أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء التي لا تنقي) العجفاء يعني: الهزيلة التي ليس فيها مخ.
بقي الوقت، فلا بد أن تكون في الوقت المحدد شرعاً، وهو من صلاة العيد إلى غروب الشمس آخر أيام التشريق، فمن ذبح قبل الصلاة لم تجزئ ووجب عليه أن يذبح بدلها، أي: لو أن إنساناً لما دخل يوم العيد وطلعت الشمس قال: أريد أن أذبح الأضحية حتى إذا رجعت من الصلاة وجدت اللحم ناضجاً، فذبحها، نقول: هذه لا تجزئ، شاتك شاة لحم، إن أحببت أن تبيع هذا اللحم فبعه، وإن أحببت أن تهديه فأهده، وإن أحببت أن تتصدق به فتصدق، وإن أحببت أن تأكله فكله، المهم أنها شاة لحم.
ويجب عليه أن يذبح مثلها وجوباً بعد الصلاة، إلى آخر أيام التشريق، إذا غربت الشمس يوم الثالث من أيام التشريق انتهى وقت الأضحية، فتكون الأيام أربعة أيام.
وإذا دخل عشر ذي الحجة والإنسان قد نوى الأضحية فإنه لا يأخذ من شعره ولا من بشرته ولا من ظفره شيئاً حتى يضحي، ما هي البشرة؟ الجلد، قد يقول قائل: كيف يأخذ الإنسان من جلده؟ نقول: نعم.
يوجد بعض الناس يكون في أقدامه شقوق فتجده ينتفها، هذا لا يجوز وهو يريد أن يضحي.(73/12)
المصالح التي تفوت بإرسال مال الأضحية لمكان ما ليضحى فيه
واعلم أن الأضحية في مكان المضحي لا خارج البلد، وأما ما يظنه بعض الناس من أنك ترسل دراهم إلى مكان من بلاد المسلمين ليضحى به فهذا غلط، وفيه فوات مصالح عظيمة وله سلبيات، أما فوات المصالح: فأولاً: هل الأضحية شرعت من أجل الانتفاع باللحم، أو من أجل التقرب إلى الله تعالى بذبحها؟
الجواب
الثاني بلا شك، قال الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] وقال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج:34] ولو كان المقصود اللحم لجاز لكل إنسان أن يشتري يوم العيد أكثر من لحم الضأن ويتصدق به، ولكن المقصود التقرب إلى الله تعالى بالذبح، فإذا أرسلت دراهم إلى مكان لا تدري عنه، فهل تشعر بأنك متقرب إلى الله تعالى بالذبح، أو متقرب إلى الله تعالى بهذه الدراهم التي أرسلت؟ الجواب بالثاني لا شك، ولا تشعر بأنك متقرب إلى الله بالذبح، فيفوت هذا المقصود الأعظم الذي قال الله عنه: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] .
ثانياً: أمرنا الله تعالى بالأكل منها فقال تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] وإذا دفعت الدراهم إلى مكان ما يشترى به أضحية ويضحى بها فهل تأكل منها؟ لن تأكل ففوت أمر الله عز وجل، وقد قال بعض العلماء: إن الأكل منها واجب وأن من لم يأكل من أضحيته فهو آثم.
قالوا: لأن الله أمر بالأكل وقدم الأكل على إطعام المسكين، قال: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} [الحج:28] وأنت الآن ما أنت بآكل منها.
ثالثاً: يفوت المضحي الذي أرسل الدراهم ذكر اسم الله عليها؛ لأن الذي يسمي هو الذابح ففاتك هذا الشيء، فحرمت الأجر.(73/13)
الأمور السلبية في إرسال مال الأضحية ليضحى بها في مكان آخر
أما الأمور السلبية فهي كثيرة: منها: أن الإنسان ممنوع من أخذ الشعر والظفر والبشرة حتى يضحي، وإذا أرسل الدراهم فما الذي يعلمه أنه ضحي بها أو لا؟ لا يدري، فيبقى معلقاً هل يأخذ من هذه شيئاً أو لا يأخذ؟ ويبقى في شك حتى يضرب التلفون على الذين قبضوا الدراهم يقول: هل ذبحتم أضحيتي؟ حتى يأخذ من شعره الذي يستحب أخذه، فسيقولون: والله عندنا آلاف من الغنم ما ندري ما هي أضحيتك؟ ربما يقولون: انتظر ثلاثة أيام، ولا يمكن أن يتأكد أن أضحيته ذبحت إلا إذا انتهت الأضاحي كلها، فيبقى الإنسان معلقاً لا يفعل السنة في حلق العانة، ولا في تقليم الأظفار، ولا في الأخذ من الشارب، فعطل السنن.
ثانياً: من الأمور السلبية أنك إذا دفعت الدراهم -وهذه مسألة يجب النظر فيها نظراً عميقاً- إذا دفعت الدراهم ودفع الثاني دراهم والثالث دراهم، ولنقل اجتمع -مثلاً- مائة ألف فاشتري بها أضاحي، فما هي أضحيتك من هذه الأضاحي؟ إن الذين يضحون لا يدرون، اجتمع عندهم مائة ألف عن مائتين أضحية، ذبحوا المائتين ولا يدرون أن هذه لفلان أو هذه لفلان، ذبحوها باسم أنها ضحايا وبس، ومعلوم أنه لا بد من تعيين من هي له، ولم يبلغنا أن هؤلاء الذين يأخذونها أنهم يجعلون قوائم بأسماء فيقول: باسم الله عندي صفحة فيها عشرة أسماء، فلان ابن فلان هذه أضحيته فاذبحها يا جزار، ما يقولون هذا، وحينئذٍ تبقى أضحيتك عائمة، وبمقتضى القواعد الشرعية لا تجزئ الأضحية لأنه لم يعين، صارت مائتين أضحية مشاعة بين مائتين رجل أو أقل أو أكثر، وهذا أمر مشكل.
ومنها: أنه يفوتك الأكل منها وقد بينا أن بعض العلماء أوجب الأكل.
ومنها: أنك لا تأمن أن يتأخر ذبح أضحيتك إلى ما بعد أيام التشريق؛ لأنه إذا قدرنا أن هناك عشرة آلاف رأس والجزارون خمسة أو ستة أو عشرة، فهل يمكنهم أن يذبحوا هذا العدد الكثير في أربعة أيام؟ قد لا يمكن، فتبقى الأضاحي متأخرة عن وقتها، وكما سمعتم أولاً: إذا لم تقع الأضحية في وقتها فهي غير مجزئة.
والمهم أننا ننصح إخواننا المسلمين عن ارتكاب هذه الطريق بما فيها من فوات المنافع، وحصول الأمور التي يقع فيها الشك، ولسنا نريد بهذا أن نمنع الخير عن إخواننا المتبرعين بل نقول: يا أخي! انفع إخوانك بالدراهم، بالأطعمة، بالكسوة، بالفرش، بالخيام، بحفر الآبار، افعل هذا، وربما يكونون محتاجين لهذا أكثر من حاجتهم لقطعة من اللحم، فأرجو من إخواننا المسلمين في مثل هذه الأمور أن يتأنوا وأن يسألوا أهل العلم.
لو قال قائل: إذا دعت الضرورة في بلد ما إلى بذل الأضاحي لهم، نقول: لا تبذل الأضاحي، ابذل صدقة، والصدقة عند الضرورة أفضل من الأضحية، لكن ادفعها لا على أن يشترى بها أضحية، الأضحية دعها عندك في بيتك، وهذه اجعلها صدقة والصدقة عند الضرورة -أي: دفع الضرورة- أفضل من أضحية، فمثلاً: إخواننا في الشيشان مضطرون إلى مساعدتهم بالمال إذا كان يمكن أن يصل إليهم، فإذا كان الإنسان عنده مائتا ريال إما أن يشتري بها أضحية أو يرسلها لهم؟ الأفضل أن يرسلها لهم؛ لأنهم في ضرورة والأضحية ما هي ضرورة، فلينتبه المسلمون لهذا، ولا ينجفلوا للدعوات التي ظاهرها العاطفة، والعاطفة يجب أن تكون من كل مسلم لأخيه، لكن لا بد من التمشي على الحدود الشرعية.(73/14)
فضل عشر ذي الحجة
أخيراً فضل عشر ذي الحجة: قال فيها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) يعني: عشر ذي الحجة، أولها أول يوم وآخرها يوم العيد، وقيل: آخرها يوم عرفة.
وعلى كل حال: فأحث إخواننا المسلمين على كثرة العمل الصالح في هذه الأيام العشر من الصدقة والذكر وقراءة القرآن وغير ذلك، والعجب أن المسلمين في عشر رمضان يكثرون من الخير وحق لهم ذلك، لكن في عشر ذي الحجة هم عنها غافلون؛ لأنه لم يتنبه العلماء في هذه المسألة فينبهوا الناس، أو تنبهوا لكن لم يحصل فرصة للكلام.
على كل حال: أحث إخواني على كثرة العمل الصالح في هذه الأيام العشر من قراءة القرآن، والذكر، والصلاة، والصدقة، والصيام، وليملئوا الأجواء من قولهم: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
في المساجد والأسواق والبيوت جهراً إلا النساء فلا ترفع أصواتهن بذلك.
صيام عشر ذي الحجة ورد حديث في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصومها) وورد حديث في السنن عن حفصة: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يدع صيامهن) قال الإمام أحمد: والمثبت مقدم على النافي.
ونحن نقول: لا حاجة إلى هذا ما دام عندنا قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) وهل الصيام من العمل الصالح؟ نعم.
يدخل في هذا، وكون عائشة رضي الله عنها ما رأته صائماً فغيرها رآه وأثبت، ولفظ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقتضي صيامها، ولعلها رضي الله عنها لها عذر في عدم الرؤية، أو يجوز عليها ما يجوز على غيرها من النسيان أو غير ذلك، المهم لدينا نص محكم وهو: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) فيقتضي أن يصومها المسلمون تقرباً إلى ربهم عز وجل.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم للعمل الصالح الذي يرضيه عنا، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأن يجعل خير أعمارنا آخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا وأسعدها يوم نلقاه، وأن يجمعنا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.(73/15)
الأسئلة(73/16)
النيابة في الحج
سائل يقول: فضيلة الشيخ! في النيابة عن الغير، كثر في الآونة الأخيرة النيابة عن الغير في الحج؛ فهلا تكرمت يا فضيلة الشيخ! ببيان هذه الأمور: أولاً: النيابة المشروعة في الفرض والنفل ما هي وما صفتها؟
الجواب
الأصل في العبادات أن تكون من الفاعل المخاطب بها؛ لأن المقصود بها إصلاح القلب، والتقرب إلى الله عز وجل، وإذا أناب الإنسان غيره فيها فإنه لا يستفيد هذه الفائدة العظيمة، فمثلاً: إذا استناب الإنسان شخصاً في الحج تجد المحرم متجنباً للمحظورات، وتجد المنيب على كل ما يريد من الشهوات وربما يكون على المعاصي، فأين العبادة؟ ولذلك نقول: الاستنابة في الحج إن كانت عن فريضة، والمنيب لا يستطيع أن يقوم بها على وجه لا يرجى زواله فهذا لا بأس به؛ لأن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن أبيها وكان شيخاً كبيراً أدركته الفريضة -فريضة الحج- فقالت: (يا رسول الله! أحج عنه؟ قال: نعم) وهذا واضح لعجزه، وكذلك لو كان ميتاً ولم يحج وأراد أحد أن يحج عنه فلا بأس؛ لأن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أن أمها نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، قال: (حجي عنها) .
أما الاستنابة في النفل؛ ففي ذلك روايتان عن الإمام أحمد: إحداهما أن ذلك جائز، والثانية: أن ذلك ليس بجائز، وفرق بينها وبين الفريضة بأن الفريضة لا بد من فعلها إما بنفس الإنسان وإما بنائبه، وأما النافلة فلا، فتهاون الناس الآن في النيابة في الحج أمرٌ ليس من عادة السلف، ولا كانوا يتجاسرون على هذه النيابة على هذا الوجه.
ثم إن بعض الناس يُنوِّب في بعض أفعال الحج مثل من يوكل من يرمي عنه وهو قادر على الرمي، تجده جالساً في الخيمة مع أصحابه يتحدث وكأنه في نزهة ثم يقول: يا فلان خذ حصاي وارم عني، أين العبادة؟ الحج عبادة يا إخواننا، ليس مجرد أفعال تفعل، عبادة يتقرب بها الإنسان إلى ربه عز وجل، ولذلك كان الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، فلا ينبغي الإكثار من الاستنابات، ولكن خير من ذلك إذا كان الإنسان قد أدى الفريضة أن يرى رجلاً لا يستطيع أن يؤدي الفريضة فيعطيه دراهم ليحج بها، فيكون قد أعان على حج واجب وله مثل أجر الفاعل، أي: له أجر الفريضة؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من جهز غازياً فقد غزا) .(73/17)
حكم من يحج عن غيره وهو مستأجر من قبل حملة الحج للعمل
السؤال
هل يجوز لي أن أحج نيابةً وأنا مستأجر من قبل حملة الحج للعمل، وقد أذنوا لي بالحج، ومن المعلوم أني لن أدفع من مال النيابة شيئاً بل ربما سأقبض مالاً من تلك الحملة، فما حكم ذلك المال الذي دفع لي؟
الجواب
إذا علم بذلك الذي دفع المال وأذن فلا بأس، لكن إذا لم يعلم وأعطه الدراهم وحج هذا الرجل مجاناً إما لكونه عاملاً في الحملة أو لغير ذلك، المهم أنه حج مجاناً فماذا يكون؟ نقول: لا بد أن تستأذن منه بعد الحج وتقول: هل رخصت لي؟ إن قال: لن أرخص لك، فيرد عليه ما أخذه، والحج للموكل، مثال ذلك: زيد أعطى عمراً دراهم ليحج بها، فحج عمرو بالسيارات التي تبرع بها أهلها، أو صار عاملاً في حملة ولم يسلم شيئاً، فهنا نقول: يجب عليك أن تخبر من أعطاك المال فإن أذن لك فإنه يقال: ما آتاك من المال فهو لك، وثبت الحج له، وإلم يأذن وقال: لا.
أنت الآن حججت مجاناً وحججت عني؛ فإنه يكون قد حج عن نفسهويرد الدراهم إلى صاحبها.(73/18)
لا يجب الحج على المدين ولا الاستدانة للحج
السؤال
حول الحج مع الاستطاعة ووجود الدين هل للإنسان أن يستلف ليحج؟ ومن حج وعليه دين حال هل يصح حجه سواءً سمح له صاحب الدين أم لا؟
الجواب
أولاً يا إخوان: يجب أن نشكر الله عز وجل ونثني عليه أنه لم يوجب الحج على من عليه دين رأفة بالناس، فإذا كان عليك دين فلا تحج؛ لأن الحج لم يجب عليك أصلاً، ولو لقيت ربك للقيته وأنت غير مفرط؛ لأنك لم يجب عليك الحج، فاحمد الله أن يسر لك، واعلم أن حق الآدمي مبني على المشاحة، والآدمي لا يسقط شيئاً من حقه، وحق الله مبني على المسامحة، أترد فضل الله عليك وتقول: أريد أن أحج وعليَّ دين ويبقى الدين عالقاً في ذمتك مع أن الحج ليس واجباً عليك؟ الحج لا يجب على من عليه دين أبداً إلا إذا كان الدين مؤجلاً، وكان الإنسان واثقاً أنه إذا حل القسط فإنه يوفيه، وكان بيديه دراهم يمكن أن يحج بها، فهنا نقول: حج لأنك قادر بلا ضرر، وعلى هذا فالذي عليه دين للبنك العقاري وهو واثق من نفسه أنه إذا حل القسط أوفاه، وبيده الآن دراهم يمكن أن يحج بها فليحج، وأما إذا كان لا يثق أنه يوفي الدين إذا حل القسط فلا يحج، ويبقي الدراهم عنده حتى إذا حل القسط أدى ما عليه.(73/19)
حكم حج الخادمة بدون محرم واستقدامها كذلك
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم الحج والعمرة للخادمة إذا لم يكن معها محرم؟ وما حكم استقبال الخادمة بدون محرم أو نقل كفالتها ممن قد استقدمها مسبقاً؟
الجواب
هذان سؤالان: السؤال الأول: إذا حج أهل البيت وعندهم خادمة وليس معها محرم فليحجوا بها؛ وذلك لأن حجهم بها أحفظ لها من أن تبقى في البيت وحدها أو يعيروها لأحد من الناس، فنرى أن تذهب معهم؛ لأنها باقية معهم في البيت بلا محرم.
وأما بالنسبة لاستقدام النساء بلا محرم؛ فكنت بالأول أتساهل فيه بعض الشيء، وأقول: إذا جاء بها محرمها ثم رجع فالأمر سهل، لكن حصلت وقائع من بعض ضعيفي الإيمان وضعيفي العفاف أوجبت لي أن أقول: لا يجوز أن تستقدم خادمة إلا بمحرمها الذي يبقى معها.(73/20)
سبب تنظيم الحج في المملكة عن طريق الحملات
السؤال
لقد صدر تنظيم الحج عن طريق الحملات، وهذا مكلف مادياً لمن عنده أربع بنات، حيث يكلف ذلك حوالي خمسة عشر ألف ريال على أقل تقدير؛ فهل يسقط الحج عنهم؟
الجواب
من المعلوم أن الحكومة وفقها الله سنت سنتين: السنة الأولى: أنه لا يحج أحد إلا بعد خمس سنوات، وهذا التنظيم في محله؛ وذلك من أجل التخفيف على الحاج الذي حج تطوعاً وعلى الآخرين، والحكومة وفقها الله لم تمنع الحج، لم تقل لا تحجوا إلا الفريضة، لكنها نظمت، وفرق بين المنع والتنظيم، ونقول للإخوة: لا تحزنوا من هذا النظام؛ لأن أسباب المغفرة والحمد لله لا تنحصر في الحج، الإنسان إذا أسبغ الوضوء وصلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وإذا قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر، وإذا قال: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين أتم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، وإذا صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، وكذلك إذا قام ليلة القدر، فأسباب المغفرة والحمد لله كثيرة، لا تحزن يا أخي وساعد الحكومة على النظام الذي فيه الخير، وإذا كنت ولا بد فانظر إلى أخيك الذي لم يفرض وساعده على فرضه، أعطه النفقة تحز أجر فريضة الحج.
وأما بالنسبة للنظام الثاني وهو: أنه لا بد أن يحج الناس مع الحملات، فالذي أرى أن الناس فهموه على غير المراد؛ وذلك لأن الخيام الآن في منى أخذتها الحملات، ما بقي مكان للخيمة التي تذهب بها العائلة وتنصبها هناك، فرأوا حفظاً للنظام وعدم الفوضى أن يكون الإنسان في أيام الحج خاصة مع حملة؛ لأنه إذا وصل إلى منى ووجد أن الخيام قد وزعت فأين يذهب؟ فظني أن النظام هذا يراد أن يكون الإنسان في أيام الحج خاصة مع حملة، أما الوسيلة التي تنقله إلى مكة فلا أظن أنه لا بد أن يكون مع الحملة وربما يذهب على سيارته.(73/21)
أهمية الخط المحاذي للحجر الأسود والرد على من يقول: إنه يسبب الزحام للطائفين
السؤال
ما رأيكم فيما يفعله كثير من الطائفين الذين يقفون على الخط المحاذي للحجر الأسود لأجل التكبير، ويظنون أنه لا بد من التكبير على الخط فلا يجوز تجاوزه إلا بعد التكبير؛ مما يكون سبباً في الزحام ومضايقة الطائفين؟
الجواب
أقول: هذا الخط الذي وضع على قلب الحجر الأسود هو من نعمة الله عز وجل على كل الحجاج والمعتمرين؛ ذلك لأن الإنسان لا يتيقن محاذاة الحجر بدون هذا الخط، وما أكثر ما كنا نتساءل هل حاذينا الحجر هل تقدمنا هل تأخرنا؟ لكن لما جاء هذا الخط صرنا نتيقن أننا بدأنا الطواف من حيث يبدأ وانتهينا به من حيث ينتهي.
أما مسألة الوقوف فقد طفنا نحن في أيام السعة وفي أيام الضيق ولم نجد هذا الذي يقول بعض الناس، وإن كان الحج في الحقيقة كالبحر (أمواج) لكن ما لقينا أحداً، بعض العوام من خارج البلاد ربما يقفون، ولكن مع ذلك إذا كان الزحام شديداً لا يتمكنون من الوقوف طويلاً؛ لأن الناس يدفعونهم، كان الناس من قبل يقفون في مساحة أوسع من هذه المساحة؛ لأن كل واحد منهم يظن أنه حاذى الحجر يقف ويسلم على الحجر، أما الآن فانحصر الموقف عند هذا الخط، فأرى أنه من نعمة الله، ومن حسنات الحكومة وفقها الله عز وجل، كان من قبل خطين أحدهما عن يمين الحجر والآخر عن يساره، أرادوا به أن يحتاط الإنسان عند ابتداء الطواف فيبدأ من الخط اليسار، ويحتاط في انتهائه فيصل إلى خط اليمين، وحصل في ذلك إشكال؛ لأن هذين الخطين يكون الحجر بينهما فيحصل الإشكال، تجد بعض الناس يبتدئ من الخط الثاني الأيمن فينقص الشوط الأول، وبعض الناس ينتهي في الشوط الأخير عند الخط الأيسر فينقص الشوط الأخير.
ثم بعد ذلك رئي أن يزال الخطان وأن تجعل خطاً واحداً، وإذا أردت أن تعرف ضرورة الناس إلى هذا الخط، فانظر منتهاه من عند باب الصفا، الذي يقف عند منتهاه من عند باب الصفا، يقول: سبحان الله هذا محاذاة الحجر! لأنه يظن أن محاذاة الحجر قبل هذا بأمتار، وإذا ظن هذا ووقف في الشوط الأخير قبل أن يصل إلى المنتهى لم يصح الشوط الأخير فيرجع بدون طواف.
فالمهم أن هذا -والحمد لله- آثاره حسنة جداً وحفظٌ للطواف لا نظير له، وإذا وقف الناس ثلاث ثوانٍ فإنه لا يمكنهم الوقوف طويلاً مع زحام الناس لهم، مع أني وأقول ذلك مشهداً إياكم على هذا: ما رأيت هذا الشيء بمعنى: أن كثيراً منهم يسلم، يعني: يشير بيده وهو يمشي، والذي يقف يقف ثواني لا تبلغ دقيقة واحدة.(73/22)
حكم امرأة حجت وطافت طواف الإفاضة وهي حائض
السؤال
هناك امرأة طافت حول الكعبة وهي حائض، ولم تخبر والدها وأهلها بذلك وأكملت حجها، وقد توفي والدها، فما عليها؟
الجواب
هذه مشكلة، هل هو طواف الإفاضة أم الوداع؟ السائل نفسه: يظهر أنه طواف الإفاضة.
السائل: يا شيخ! التعقيب بارك الله على سؤال الحج: الأخوات تقول: إن الطواف كان في عمرة ليس في حج.
الجواب: نفس الشيء؛ لأن طواف العمرة ركن، وهذه أشد؛ لأنها إذاً لم تحل تحللاً أولاً ولا ثانياً، هي الآن على إحرامها تماماً فيجب عليها أن تتجنب جميع محظورات الإحرام.
السائل نفسه: لكن هي اعتمرت وحجت بعدها مرات.
الجواب: طيب اعتمرت وحجت هل نوت القضاء؟ إن نوت القضاء فهذا مقبول، وإن لم تنو القضاء فيبقى هل صحت عمرها التي وقعت في جوف العمرة الأولى أو لم تصح؟ أنا أقول أسأل الله لي العفو العافية: إن هذه العمرة صحيحة إن شاء الله لأنها جاهلة، وإلا لكان إحرامها بعمرة في جوف عمرة لا يصح، فنقول: إحرامها إن شاء الله صحيح وعمرها صحيحة، وما دامت لم تنو القضاء فعليها القضاء.
الشيخ: إذا كان طواف الإفاضة فأخبرها أنها الآن فيما بقي من إحرامها يعني: لم تحل إلا التحلل الأول، وإذا كان لها زوج يجب على زوجها أن يتجنبها، وإذا كانت قد عقد عليها النكاح بعد طوافها الإفاضة وهي حائض فعقد النكاح غير صحيح، ويجب أن يفارقها زوجها وتذهب الآن إلى مكة إن أتت بعمرة من الميقات فحسن، فتأتي بالعمرة وتطوف وتسعى وتقصر، ثم تطوف طواف الإفاضة للحج الماضي، وإن لم تأت بالعمرة فلا حرج فتذهب إلى مكة وتطوف طواف الإفاضة للحج الماضي وترجع إلى بيتها، وبعد رجوعها إذا كانت قد تزوجت فيما بين قضاء الطواف الآن والطواف الأول فيجب أن يعاد العقد، وإذا أعيد العقد فله أن يدخل بها فوراً؛ لأن العدة له.(73/23)
التكبير في أيام التشريق يكون في كل وقت
السؤال
فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته التكبير في أيام التشريق يكون بعد الصلوات فقط، أم في كل وقت؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
الصحيح: أن التكبير في أيام التشريق سنة في كل وقت، وقد نص الله على ذلك في الكتاب العزيز فقال: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:203] .(73/24)
الأفضل في الأضحية
السائل: هل الأفضل في الأضحية رفيعة القيمة، أو السمينة الكبيرة؟
الجواب
الغالب أنهما متلازمان، أن الكبيرة ذات اللحم الكبير يكون أغلى، لكن أحياناً يكون بالعكس، فإذا نظرنا إلى منفعة الأضحية قلنا: الكبيرة أفضل وإن قلت قيمتها، وإن نظرنا إلى صدق التعبد لله عز وجل قلنا: كثيرة الثمن أفضل؛ لأن بذل الإنسان المال الكثير تعبداً لله يدل على كمال عبادته وصدق عبادته.
والجواب: أن نقول لهذا: انظر ما هو أصلح لقلبك فافعله، ما دامت المصلحتان قد تعارضتا فانظر ما هو أصلح لقلبك، إن رأيت أن النفس يزداد إيمانها وذلها لله عز وجل ببذل الثمن الكثير فابذل الثمن الكثير.(73/25)
القيام بالأفضل والأرفق بعد النزول من مزدلفة ليلاً
السؤال
فضيلة الشيخ! بعد النزول من مزدلفة ليلاً بعد نصف الليل هل الأفضل أن نرمي أم نذهب إلى المطاف؛ لأن ذلك ربما يكون أرفق على من معه نساء يخشى من حبسهن له، فيبادر بالطواف قبل الرمي قبل فجر يوم العيد؟
الجواب
الأفضل الأرفق، فإذا كان الأرفق له أن ينزل إلى مكة ويطوف ويسعى ويخرج ويرمي فليفعل، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الضعفة من أهله ليلة الـ مزدلفة قبل الفجر مع أن الأفضل أن يبقى الحاج حتى يسفر، فبعثهم ليرموا بهدوء وطمأنينة، فإذا كان الإنسان يرى أنه إذا نزل إلى مكة وطاف وسعى كان أرفق له فليفعل.(73/26)
لا يجب الحج على من لا يملك نفقته
السؤال
يوجد عندي ولدان أنوي أن أسافر بهما لأداء فريضة الحج، ولكن عند مراجعة إحدى الحملات طلبوا مبالغ كبيرة قد تصل إلى قرابة عشرين ألف ريال، وأنا دخلي محدود، فهل تسقط عنهما فريضة الحج حتى يدركا هذا المبلغ؟
الجواب
أقول: إذا كان مفهوم النظام: أن الإنسان يجب أن يعقد مع الحملة من بلده حتى يرجع وهذا يكلفه، ولا يستطيعه فإنه لا يجب عليه الحج؛ لأنه غير مستطيع، لكن في ظني أن الناس فهموا خطأ، الحكومة إنما قالت هذا -والله أعلم- تريد أن يكون الإنسان منتمياً إلى حملة في المشاعر خاصة؛ لأنه من الآن قد أخذت الخيام الجديدة، فأين يسكن الناس؟ مشكلة هذه، فالذي يظهر لي والله أعلم: أن الحكومة وفقها الله إنما تريد الانتماء إلى حملة في مشاعر الحج لا من بيتك إلى أن ترجع إليهم.(73/27)
حكم السكن في منى
السؤال
هل لا بد من السكن في منى مع أن أجور الخيام مرتفعة، أو أسكن خارج منى؟
الجواب
إذا كنت تقدر على أجور الخيام فيجب أن تكون في الخيام، وإن كنت لا تقدر فاسكن حيث انتهت الخيام.(73/28)
حكم حج من ترك السعي (التحلل الثاني)
السؤال
امرأة وصلت إلى مكة وهي قارنة، فسعت بين الصفا والمروة قبل يوم عرفة ثم أكملت أعمال الحج، وبعد أن طهرت طافت حول الكعبة ولم تسع مرة ثانية فما حكم عملها ذلك؟
الجواب
سعيها لم يصح، وهو ركن من أركان الحج، وذلك أنه لم يسبقه طواف، فيجب عليها الآن أن تذهب إلى مكة وأن تسعى وتعتبر نفسها أنها لم تحل التحلل الثاني.(73/29)
حكم خلع الإحرام وإبداله بثياب أخرى من أجل المرور من نقاط التفتيش
السؤال
بعض الحجاج بعد إحرامه ووصوله إلى نقاط التفتيش يعمد إلى قلع إحرامه ولبس ثيابه لعدم استخراج تصريح الحج، فإذا تعداهم لبس إحرامه ثم قدم فدية، ما قولكم لهؤلاء؟
الجواب
قولنا في هؤلاء أنهم أخطئوا من جهة أنهم خدعوا الدولة بمخالفة النظام.
ثانياً: أنهم عصوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم معصيةً ظاهرة، فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يلبس المحرم القميص) وهؤلاء لبسوه، فكأنه يعلن بفعله معصية الرسول عليه الصلاة والسلام، وعجباً لهؤلاء أن يتخذوا آيات الله لعباً من أجل حج ليس بواجب عليهم؛ فالحكومة ما منعتهم من الحج، بل نظمت الحج، فكيف يخادعون الحكومة بإظهار أنهم غير محرمين، ويعصون الله ورسوله بلباس القميص؟!! إني لأعجب ولو فتشت ما فتشت لرأيت مثل هؤلاء الذين ابتلوا بمعصية الله ورسوله، ومخادعة الدولة، لو فتشت فيهم لوجدت عندهم تهاوناً كثيراً في أمور عظيمة أهم من هذا.(73/30)
حكم السعي قبل يوم عرفة بالنسبة للمرأة
السؤال
بالنسبة للمرأة التي سعت قبل يوم عرفة؟
الجواب
لو فرض أنها طاهر وطافت طواف القدوم وسعت قبل عرفة فلا بأس.
السائل: لكن كانت عليها العادة يا شيخ.
الجواب: إيه! معناه أنها في العادة ولم تطف.
السائل: هل هناك دليل يا شيخ! أنه لا سعي قبل الطواف؟ الجواب: نعم هناك، وهو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لـ عائشة: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت ولا بـ الصفا والمروة) وذكرت عن نفسها أنها لما طهرت طافت وسعت.(73/31)
حكم ذهاب الخادمة إلى الحج بدون محرم
السؤال
ما حكم يا شيخ! ذهاب الخادمات إلى الحج بدون محرم بمصاحبة مجموعة من النساء؟
الجواب
هذا بارك الله فيك لا نرى جوازه إلا إذا كانت الخادمة قد سافر أهل البيت ولم يبق في البيت أحد فهنا تذهب معهم ولو بدون محرم؛ لأن ذلك أحفظ لها.(73/32)
حكم اقتراض مال الأضحية
السؤال
رجل يصر أن يضحي وعليه دين؛ يقترض ليشتري أضحية فيضحي بها؟
الجواب
أنا أرى ألا يفعل إلا إذا كان الرجل يؤمل أن يقضي دينه، فهذا نقول: إنه أحيا سنة وفعل خيراً، وما دام أنه يعرف أنه الآن ما عنده شيء لكن إذا جاء الراتب فسيكون عنده شيء، فلا بأس أن يقترض.(73/33)
حكم جعل الإحرام على شكل إزار
السؤال
فضيلة الشيخ! كثر الكلام حول وضع الإحرام على شكل وزرة، أليس يكون مفصلاً على البدن وقد نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن لبس السروال والقميص، فهو سيكون من جنس السروال أرجو التوضيح، حتى أن بعض العامة قال: كل مرة تأتون بشيء جديد؟
الجواب
الحمد لله إذا جئنا بشيء جديد وهو مباح ذلك من فضل الله، نرى أن الإزار إزار سواءٌ لف على البدن بدون خياطة أو خيط، وسواءٌ ربط بسبتة أو نحوها أو ربط بتكة؛ لأنه لا يزال يسمى إزاراً.
وأما السروال فبينه وبين الإزار فرق، السروال مفصل على كل عضو على حدة: الرجل اليمنى وحدها والرجل اليسرى وحدها، فلا يصح قياسها عليه، ثم إن عموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من لم يجد إزاراً) يشمل الإزار المخيط وغير المخيط.(73/34)
حكم قبول الأبناء لمساعدة أبيهم المالية في الحج
السؤال
فضيلة الشيخ! لدي أبناء لا يستطيعون الحج استطاعة مالية، وأرغب في مساعدتهم وإعطائهم ما يكفيهم، لكنهم لا يرغبون في ذلك، فهل يأثمون بذلك، وهل عليَّ من إثم؛ خاصة وأني راغب في أدائهم لهذه الفريضة وأحذرهم من التأخير؟
الجواب
هذه المسألة إذا قال الأب لأبنائه: أنا مستعد أن أحج بكم فهل يلزمهم القبول أو لا؟ يرى بعض أهل العلم أنهم لا يلزمهم القبول؛ لأن في هذا منة، وهم لا يجب عليهم الحج بأنفسهم؛ لأنهم ليس عندهم شيء.
ويرى آخرون: أنه يلزمهم القبول؛ لأن منة الأب على ابنه ليست كمنة الرجل الذي هو بعيد عنه.
لكن لو كانوا يعلمون أن أباهم سوف يقول بين حين وآخر: أهذا جزائي! أحج بكم وأفعل وأفعل وتفعلون كذا، فلهم أن يمتنعوا ولا يحجوا.(73/35)
السفر إلى بلد الحاج بعد العمرة يقطع التمتع
السؤال
ما رأي فضيلتكم فيمن أخذ عمرة في شوال متمتعاً بها إلى الحج، فإذا جاء الحج يريد أن يحرم بالحج داخل حدود الحرم علماً أنه سيرجع إلى بلده بعد العمرة التي في شوال مع زوال حكم الإحرام من جدة؟
الجواب
التمتع هو أن يحرم الإنسان بالعمرة في أشهر الحج ناوياً الحج، فإن أتى بعمرة في أشهر الحج ولم يطرأ على باله أنه سيحج، ثم رجع إلى بلده وبدا له أن يحج وأتى بحج مفرد فهو مفرد وليس بمتمتع، كذلك لو أتى بالعمرة ناوياً الحج متمتعاً بها إلى الحج، ثم عاد إلى بلده، ثم رجع إلى الحج محرماً بالحج فإنه ليس بمتمتع؛ وذلك لأنه فصل بين العمرة والحج بالرجوع إلى بلده، وأنشأ للحج سفراً مستقلاً كما أنه أتى بعمرة في سفر مستقل، وبناءً على هذا إذا رجع من بلده لابد أن يحرم من الميقات الذي يمر به أولاً.
السائل: الإحرام من جدة يا فضيلة الشيخ؟ الشيخ: الإحرام من جدة لأهل جدة لا بأس، وغيرهم يجب أن يحرم من أول ميقات مر به إذا كان يريد الحج أو العمرة.(73/36)
حرمة تطييب ثياب الإحرام
السؤال
ما حكم وضع المسك على الإحرام والبدن بعد لبسه من الميقات؟
الجواب
لا يجوز للإنسان أن يلبس إحراماً مطيباً لا بالمسك، ولا بدهن العود، ولا بالريحان، ولا بالورد؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس) .
أما بالنسبة لتطييب بدنه عند الإحرام فهذا من السنة أن يطيب رأسه ولحيته؛ كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.(73/37)
حكم اشتراط الاستقامة على من يُعطى الزكاة
السؤال
هناك لجنة الزكاة تحت جمعيات تشترط حصول شهادة محافظة على الصلاة، لكن بعض المتقدمين يتخلف عن صلاة الفجر، وهذه اللجنة تصر على أنه لا بد من صلاة الفجر، ما رأيكم في هذا؟ الشيخ: يعني: أنها لا تعطي أحداً من الزكاة إلا إذا كان يؤدي الصلاة؟ السائل: وبالذات صلاة الفجر.
الشيخ: يعني: هي تقول هكذا؟ السائل: إي نعم.
الشيخ: ولكنهم مستحقون للزكاة؟ السائل: نعم.
الشيخ: لا يحل لها هذا.
السائل: وهم يصلون محافظون على الصلوات لكن الفجر قد يتساهل أو قد ينام.
الشيخ: أقول: لا يحل لهذه اللجنة أن تشترط في إعطاء الزكاة أن يكون مستحقها مستقيماً، هذه زيادة قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة:60] وهذا فقير مستحق، فلا يحل لها ذلك، وليس من شروط استحقاق الفقير: أن يكون عدلاً.
لكن تعطيه وتحثه على الاستقامة فلعله يستقيم.(73/38)
لا يجب الحج على المرضع إذا أدى إلى مشقة
السؤال
فضيلة الشيخ! أنا امرأة أرضع طفلتي وهي الآن في الشهر السابع وأنوي الحج إن شاء الله تعالى؛ فهل أحج وأتركها مع تعلق قلبي معها وهي تشرب الحليب، أم ماذا أصنع؟
الجواب
لا أرى أن تحج، حتى الفريضة لا تجب عليها في هذه الحال؛ لأن قلبها سوف ينشغل بابنتها، وسفرها بابنتها صعب، فلتبق والعام القادم إن شاء الله تحج.(73/39)
حكم الإحرام بالقران في يوم عرفة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم من أحرم بالعمرة والحج في يوم عرفة هل يكون متمتعاً أم قارناً؟ وإذا طاف ونزل على المسعى وهو في السطح، وعند التقصير أخذ شعرات من جوانب رأسه هل عليه شيء؟
الجواب
هذه ملخبطة.
على كل حال هو يقول: هل يجوز أن يحرم بالقران في يوم عرفة؟ والجواب: نعم؛ لأنه إذا أحرم بالقرآن دخلت العمرة بالحج وصارت الأفعال للحج، وكما أنه يجوز أن يحرم مفرداً بالحج يوم عرفة، فكذلك يجوز أن يحرم قارناً ولا إشكال في هذا، لكن لو قدم الإنسان مكة في اليوم الثامن فهل يتمتع أو لا؟ الذي أرى أنه لا يتمتع؛ لأن الله قال: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة:196] وهذا يدل على أنه لا بد أن يكون هناك وقت بين العمرة والحج يتمتع بها، وأنت الآن مأمور بأن تخرج إلى منى فما بقي لك إلا نسكان: إما القران وإما الإفراد.(73/40)
كلمة توجيهية إلى أصحاب الحملات
السؤال
يا فضيلة الشيخ! نأمل توجيه كلمة إلى أصحاب الحملات بالاهتمام بالمسافرين معهم؛ بالسهر على راحتهم وتوعيتهم في أمور دينهم وخاصةً في أمور الحج؛ وعدم رفع التكاليف عليهم وفقكم الله؟
الجواب
أقول: بارك الله تعالى في سعي الحملات إذا أخلصت النية لله عز وجل ونوت راحة الحجاج، وهو أمر مطلوب، فالذي ينبغي من أصحاب الحملات ألا يستغلوا الفرصة في زيادة النفقات إلا ما دعت الضرورة إليه؛ لأن بعض الحملات تقول: إن الخيام في منى ارتفعت أسعارها فيرفع السعر من أجل هذا، والإنسان لا بد أن يكون له ربح، لكن التبرر بالناس غلط، ثم إني أشير على إخواني أصحاب الحملات أن يصطحبوا معهم طالب علم، إن كانت السيارات واحدة فالواحد يكفي، وإن تعددت السيارات فينبغي أن يجعلوا مع كل سيارة طالب علم يوجههم ويرشدهم، ويرجعون إليه عند المشاكل.(73/41)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الحج أوكد من غيره
السؤال
بعض الناس عند تأدية مناسك الحج يتهاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويرى منكراً ولا ينكره، ومعروفاً فلا يأمر به، وإذا سألته عن ذلك قال: إن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105] فما رأيكم في هذا؟ وما تفسير هذه الآية وفقكم الله على طريق الحق؟
الجواب
أرى في هذا: أنه يجب على كل إنسان أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر سواءً في الحج أو في غير الحج؛ لأن النصوص عامة، لكنها في الحج قد تكون أوكد؛ لأن الله تعالى قال: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197] .
وأما الآية الكريمة فالله تبارك وتعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105] ومن لم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في موضعه فإنه لم يهتد، لكن إذا عجز الإنسان عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهنا لا يتعب نفسه، بل عليه نفسه ولا يضره من ضل، فتفسير الآية هو هذا، ولهذا قال أبو بكر رضي الله عنه: (أيها الناس! إنكم تقرءون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105] وإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا رأى الناس المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه، أو قال: بعقاب من عنده) والآية صريحة: (لا يضركم من ضل) بشرط: إذا اهتديتم، ومن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع وجوبه فما اهتدى.(73/42)
حج من عليه دين عن غيره
السؤال
رجل عليه دين ما يستطيع الحج، ويقول: لكن قد يأخذ حجة عن عنه، فما الحكم؟ الشيخ: لا بأس بهذا؛ لأن أخذ الحج عن غيره لا تضره شيئاً، بل ربما يعطى قدراً من المال أكثر مما ينفقه فيحصل له زيادة.(73/43)
جواز خياط الرداءين ببعضهما للحاجة
السائل: هناك شخص ثقيل الجسم وبدين فيقول: أضع الإحرام على هيئة رداء فما رأيكم في هذا.
الشيخ: على هيئة ماذا؟ السائل: على هيئة إزار دائري على الجسم مخيطاً فهل يكون مخيطاً أم لا؟ الشيخ: أنا أرى أن يخيط الرداءين بعضهما ببعض، ثم يلبسه اللباس المعتاد.(73/44)
الصدقة بالمال الموصى به أفضل من الحج إذا لم يعين الميت الحج
السؤال
هناك مبلغ من المال صدقة من الوالد رحمه الله تعالى؛ فهل الأفضل أن أتصدق به عنه في أي مجال من مجالات الخير، أو أن أدفعه لشخص ليحج عنه؛ علماً أنه حج رحمه الله أكثر من مرة، يعني السائل يقول: هل الصدقة أفضل، أم الحج؟
الجواب
الصدقة بالمال الموصى به إذا لم يعين الميت الحج أفضل؛ لأنه ينتفع بها الفقير بدون عوض، والحج لا يحج إلا بعوض، فالصدقة أفضل، إلا إذا كان الموصي نص في الوصية على الحج فيتبع ما نص عليه.(73/45)
حكم المسح على الحذاء دون الجورب مع الصلاة بالجورب فقط
السؤال
رجل لبس الجوارب والحذاء، ثم مسح على الحذاء فقط، وعندما وصل إلى المسجد خلع الحذاء وصلى وعليه جوارب فقط، وهذه طريقته حتى نهاية مدة المسح، فما حكم طريقته هذه وفقكم الله؟
الجواب
هذه غلط؛ لأن القاعدة: أن الإنسان إذا مسح على شيء تعلق الحكم به، فإذا مسح على الكنادر (الحذاء) ثم خلعها وأراد أن يتوضأ فلا بد أن يتوضأ وضوءاً كاملاً بغسل رجليه، ولهذا نقول: الأفضل في مثل هذه الحال أن يجعل المسح على الجوارب أعني: على الشراب من أجل أن يكون حراً من جهة الحذاء.
السائل: وما حكم فعله هذا؟ الشيخ: الذي فعل أرجو ألا يكون به بأس؛ لأنه قد قيل به من بعض العلماء، لكن في المستقبل لا يفعل.(73/46)
حكم الحج عمن مات قبل أن يكمل حجه
السؤال
فضيلة الشيخ! عامل غير قادر على الحج لفقره، لكن دفع له كفيله ما يكفي لحجه فذهب في العام الماضي للحج مع رفقته، وأحرم للحج هناك ولكن ضاع عن رفقته فرجع إلى عنيزة صباح اليوم التاسع ولم يكمل حجه، وفي هذه السنة توفي في آخر شهر رمضان فهل يجب على ورثته أن يحجوا عنه؛ علماً بأنهم فقراء؟
الجواب
لا يجب عليهم أن يحجوا عنه؛ لأن من عجز عن تكميل نسكه بموت فلا يكمل له، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في الرجل الذي وقصته ناقته يوم عرفة: (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه، ولا تحنطوه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) ولم يأمرهم أن يكملوا النسك عنه، فهذا الرجل قدم على ربه ونسأل الله له العفو.(73/47)
وجوب تعيين صاحب الهدي من قبل النائب عنه في الذبح
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض الحملات يجمعون من الحجاج مبالغ للهدي ويذبحون عنهم هديهم، ولكن ربما تركوا التسمية عن كل واحد فهل هذا جائز؟
الجواب
هذا لا يجوز، لا بد أن تعين لمن هذه الذبيحة، فمثلاً: إذا كان في الحملة ثلاثون رجلاً واشترى لهم ثلاثين شاةً؛ فليكن بين يديه قائمة بأسمائهم، وكلما قدم شاةً قال: هذه عن فلان؛ لأنه لا بد من التعيين، أما أن يذبح الثلاثين عن ثلاثين رجلاً فلا يصلح هذا.(73/48)
لا يجوز لولي المعتوه التبرع من ماله ولو لقربة
السؤال
فضيلة الشيخ! وحول الأضحية فهذا سائل يقول: إذا كان هناك شخص عنده مال وهو لا يعقل، فهل يضحى عنه من ماله؛ لأن له عادةً أنه يضحي لما كان مدركاً لذلك؟
الجواب
لا يضحى عنه؛ لأنه إذا وصل إلى حد ليس عنده تمييز؛ فإنه لا يجوز أن يتبرع أحدٌ بشيء من ماله، والأضحية تبرع، ثم مثل هذا الرجل ربما يكون البيت فيه أحد من أولاده الكبار يضحي عنه وعن والده وأهل بيته.(73/49)
ترك سنة سوق الهدي
السؤال
فضيلة الشيخ! عندنا وللأسف سنة مندثرة، وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم يسوق الهدي في العمرة فما توجيهكم لمن ترك هذه السنة؟
الجواب
نعم.
كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسوق الهدي في العمرة والحج، وأحياناً يرسل بالهدي من المدينة وهو في المدينة، وهذه السنة تركها الناس، والذي يظهر لي أن تركهم إياها من أجل المشقة، حتى الرعاة ربما لا يجد راعياً يسوقها من الحل أو من بلده إلى مكة، فمن أجل هذه المشقة تركت، ولكن لو أن أحداً كان حول الحرم أعني: في الحل وهو حول الحرم وساق الهدي فهذا طيب.(73/50)
حكم من قطع شجرة مؤذية وهو محرم جهلاً
السؤال
قمت بالحج في السنة الماضية وكانت حولنا شجرة مؤذية فقطعتها وأنا جاهل بذلك، فما الحكم؟
الجواب
أولاً نسأل: هل هذه الشجرة مما غرسه الآدمي، أو مما أنبته الله بغير فعل آدمي؟ إن كانت الأولى فليس فيها شيء ولو كانت في جوف مكة ولو كان الإنسان محرماً، وإن كانت الثانية أي: أنها نبتت بغير فعل الآدمي فننظر هل هي في عرفة، أو داخل حدود الحرم؟ إن كانت في عرفة فلا حرج؛ لأن قطع الشجر لا علاقة له بالإحرام، وإن كانت داخل الحرم كـ مزدلفة ومنى فإن قطع الأشجار التي أنبتها الله حرام، ولكن هذا الرجل يقول: إنه جاهل، والجاهل لا شيء عليه، جميع محظورات الإحرام، بل جميع المحرمات في الشريعة إذا فعلها الإنسان جاهلاً فلا شيء عليه لا إثم ولا فساد نسك ولا جزاء؛ لقول الله تبارك وتعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله تعالى: قد فعلت.
ولقول الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] ولقول الله تعالى في الصيد: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} [المائدة:95] .
فخذ يا أخي المسلم هذه القاعدة من رب العالمين عز وجل: كل محرم تفعله ناسياً أو جاهلاً فليس عليك شيء إطلاقاً، الرجل يأكل وهو صائم ناسياً صومه صحيح، يأكل بعد الفجر ولم يعرف بطلوع الفجر صومه صحيح، كل المحرمات إذا فعلها الإنسان جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه، الرجل يتكلم في الصلاة وهو لا يدري أن الكلام فيها حرام صلاته صحيحة.(73/51)
الأولى اتباع الأسهل في الرمي
السؤال
هل يؤجر الإنسان إذا ترك سنة الرمي بعد الزوال وقبل الصلاة، فما الأفضل اتباع الأسهل أو السنة؟
الجواب
أرى: أن اتباع الأسهل أولى، والآن إذا ذهب ورمى بعد الزوال قد يكون فيه مشقة شديدة، ولا سيما الذين معهم نساء فسيشق عليهم، وربما يغمى على المرأة فيبقى الإنسان متعب النفس والبدن، والحمد لله هذه سنة بعد الزوال مباشرة وقبل الصلاة ولك أن ترمي بعد العصر، ولك أن ترمي بعد المغرب، ولك أن ترمي بعد العشاء، ولك أن ترمي في آخر الليل إلى أن يطلع الفجر.(73/52)
حكم أخذ ورقة عقد من إحدى الحملات من أجل التصريح دون الذهاب مع الحملة
السؤال
فضيلة الشيخ! هل يجوز لي أن آخذ ورقة عقد من إحدى الحملات، وذلك من أجل التصريح لي بالحج من قبل الأحوال، مع العلم بأني لست من أهل هذه المنطقة، ولن أذهب مع هذه الحملة، ولكن من أجل التصريح فقط؟
الجواب
لا أرى جواز هذا، أرى أنه يجب أداء الأمانة، وأرى أنه يجب الصدق، وأنت إذا أخذت ورقة من الحملة وهي كذب فقد خنت الدولة من جهة وكذلك كذبت، والحملة لا يحل لها أن تعطيك، وقد بلغني أن بعض الحملات تأخذ مائة ريال أو مائتين حسب حالته وتعطيه، وهذا لا يجوز، والواجب أن يكون المؤمن صريحاً، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً) .(73/53)
حكم الكدرة والصفرة التي تخرج من المرأة
السؤال
فضيلة الشيخ! أرجو توضيح هذا الأمر حيث كثر الكلام فيه، وهو حكم الكدرة والصفرة التي تخرج من المرأة بعد انقطاع الدم، ومتى يكون طهر المرأة وهل لا بد من القصة البيضاء؟
الجواب
هذه مسألة اختلف فيها العلماء، والذي ترجح عندي أخيراً: أنه لا عبرة بالكدرة ولا بالصفرة إلا ما كان أثناء الحيض، يعني: مثلاً امرأة عادتها خمسة أيام رأت في اليوم الثالث كدرة أو صفرة نقول: هي تبع الحيض، أما امرأة أتتها الكدرة والصفرة قبل أن ينزل الدم فهذه الكدرة والصفرة لا عبرة بها، وامرأة أخرى طهرت من الحيض وانقطع الدم وبقيت الصفرة والكدرة -أيضاً- لا حكم لها.(73/54)
حكم الهدي والأضحية للحاج
السؤال
فضيلة الشيخ! الهدي والأضحية ما حكمهما للحاج؟
الجواب
الهدي سنة كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أهدى مائة بعير عليه الصلاة والسلام عن سبعمائة من الضأن صلى الله عليه وسلم، وذبح منها ثلاثة وستين بيده على قدر عمره الشريف، وأعطى علياً فنحر الباقي، ثم أمر من كل بعير بقطعة فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها، وهذا مما يؤكد أكل الإنسان من هديه وأضحيته، لكن لو أن الإنسان كان رب البيت وحج فعليه هدي، يعني: المشروع بحقه الهدي، ولا بأس أن يبقي لأهله دراهم يشترون بها أضحية فيضحون بها.(73/55)
حكم قطر الدم التي تكون بعد الطهر
السؤال
هذه أخت تسأل وتقول: انتهيت من الدورة الشهرية منذ تسعة أيام وبعد ذلك نزلت قَطر من الدم من الظهر حتى العصر هل يجوز مواصلة الصلاة والعبادة بعد ذلك؟
الجواب
نعم.
هذا ليس بشيء، فالقطر بعد الطهر لا تعتبر شيئاً، وقد مثل ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالرعاف، قال: [إذا نزل من المرأة ما يشبه الرعاف بعد الطهر فليس بشيء] .(73/56)
الحث على الدعاء للمجاهدين في الشيشان
السؤال
أرجو من فضيلتكم حث الإخوة على الدعاء لإخواننا في الشيشان لا سيما في الأيام العشر من ذي الحجة ويوم عرفة وأيام الذبح أيام الأضاحي وفقكم الله وجزاكم الله خيرا؟
الجواب
نعم.
أنا أحث إخواني على الدعاء لإخوانهم المسلمين في الشيشان سواءٌ في العشر أو قبل العشر، أحثهم على الدعاء لهم في السجود، وبعد التشهد قبل التسليم، وكذلك فيما بين الأذان والإقامة، وكذلك في جوف الليل، بإلحاح وافتقار إلى الله عز وحل؛ لأنهم في محنة نسأل الله تعالى أن يفرج عنهم، ونسأل الله تعالى أن يدمر الروس تدميراً يكون عبرةً للعالمين وما ذلك على الله بعزيز، القلوب بيد الله، فقد تتنافر قلوب الروس الطغاة حتى يقتل بعضهم بعضاً، أسأل الله أن يجعلها حرباً شعواء في أسواقهم وبيوتهم.(73/57)
المرأة ليس لها ثياب معينة في الإحرام
السؤال
هل للإحرام بالنسبة للنساء ملابس معينة؟ وما حكم تغيير ملابس الإحرام سواءً للرجل أو المرأة؟
الجواب
المرأة ليس لها ثياب معينة في الإحرام، تلبس ما شاءت غير ألا تتبرج بالزينة، ولها أن تغير الثياب لوسخ أو نجاسة أو غير ذلك، وكذلك الرجل له أن يغير لباس الإحرام، لكن الرجل معروف أن له لباساً خاصاً في الإحرام وهو الإزار والرداء، لكن لو أراد أن يغيرها فلا حرج، إما لوسخ أو نجاسة أو لغير ذلك من الأسباب.(73/58)
أحكام الصلاة في السفر
السائل: فضيلة الشيخ! آمل توضيح أحكام الصلاة في السفر من القصر والجمع، خصوصاً وكثيراً من الناس ربما يشكل عليه هذا الأمر؟
الجواب
أما القصر في السفر فهو سنة مؤكدة لا ينبغي للإنسان تركها، إلا من كان في بلد فيجب عليه أن يصلي مع الجماعة.
وأما الجمع فالأفضل للمسافر أن يجمع إذا جد به السير، أعني: إذا كان مستمراً في سيره، أما إذا كان جالساً فالأفضل ألا يجمع، وإن جمع فلا حرج عليه.
ولكن إذا ائتم الإنسان برجل يتم وجب عليه الإتمام لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) .(73/59)
حكم صيام النفل للمرأة دون إذن الزوج
السؤال
فضيلة الشيخ! امرأة تريد أن تحافظ على صيام الإثنين والخميس وتصوم عشر ذي الحجة، ولكن زوجها ربما يمنعها من ذلك فهل لها ذلك؟
الجواب
ليس للمرأة أن تصوم وزوجها حاضر إلا بإذنه، لا الإثنين ولا الخميس، ولا الأيام البيض، ولا عشر ذي الحجة إلا بإذنه، ولكن لا ينبغي للزوج أن يمنعها من الخير فيكون في نفسها شيء، وهو إذا رخص لها في الصوم فقد أعانها على خير والإعانة على خير خير، فأشير على الزوج أن يأذن لها أن تصوم، وأما إذا أصر ولم يأذن فإنه لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه.(73/60)
ثبوت الأجر لمن يستمع للمحاضرات عبر الهاتف
السؤال
يا فضيلة الشيخ! نحن نستمع كلامك الآن ونحن في بريدة فهل يحصل لنا الأجر، وندخل في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله) الحديث؟
الجواب
نعم.
نرجو هذا؛ لأن اجتماعكم على سماع الميكرفون كاجتماع الناس على مكبر الصوت، أنتم الآن تستمعون الهاتف كما يستمع الناس بالميكرفون، فأنتم إن شاء الله نرجو لكم الأجر والثواب.(73/61)
قول الشيخ (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ما وجهه؟
السؤال
يا شيخ! كثيراً ما يردد الشيخ حفظه الله عند ذكر النبي قوله: صلى الله عليه آله وسلم ولم يقل: وأصحابه.
فهل هي من الصيغ الواردة؟ وأيهما أفضل والمشهور؟
الجواب
أنا لا أقول صلى الله عليه وآله، أقول: صلى الله عليه وعلى آله.
ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما قالوا: علمنا كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) قال أهل العلم: آل النبي أتباعه على دينه.
السائل نفسه: وكذلك في التشهد يا فضيلة الشيخ.
الشيخ: وكذلك في التشهد: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) .(73/62)
حكم الأكل من الأضحية التي لم يذكر عليها اسم الله
السؤال
هذا السائل يقول: إذا ضحينا ونسينا التسمية فقد سمعت عنكم حفظكم الله: أن هذه الضحية لا يجوز أكلها، والله تعالى يقول: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] وقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] .
الجواب
ضحى الإنسان ونسى أن يسمي هل تبقى الذبيحة حلالاً أو لا؟ الجواب: ليست حلالاً؛ لأن الله تعالى قال: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام:121] وأطلق، وهنا شيئان: الأول: فعل الذابح.
والثاني: فعل الآكل.
لو ذبح ولم يسم الله فلا إثم عليه لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] لكن بقي فعل الآكل، الآكل لا يجوز أن يأكل وهو يعلم أنه لم يذكر اسم الله عليها، وقد نهاه الله عن ذلك، لكن لو فرض أن الآكل أكل ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه، وهذا الذي قررناه هو مقتضى الأدلة القرآنية والنبوية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قد يقول قائل: يذهب على الإنسان مال كثير، إذا فرضنا أنها بعير مثلاً؟ نقول: الحمد لله إذا ذهب فقد ذهب بأمر الله: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام:121] وإذا ذهب فإنه لن ينسى بعد اليوم التسمية أبداً، لأنه يذكر أنه فات عليه هذه الذبيحة.
أرأيت لو أن إنساناً صلى محدثاً ناسياً فليس عليه شيء في الصلاة لأنه ناس، لكن يجب عليه أن يعيدها لفوات الشرط، وقد أشبعنا الكلام على هذه المسألة في كتابنا الأضحية والذكاة، لو رجعت إليه لكان خيراً.(73/63)
حكم أداء صلاة المغرب والعشاء في عرفة وحكم المبيت ليلة التاسع في عرفة
السؤال
فضيلة الشيخ! نرى بعض المسئولين عن الحج ربما يحملون من معهم بالمبيت ليلة التاسع في عرفة ويلزمون أيضاً من معهم بصلاة المغرب والعشاء في عرفة بمجرد مغيب الشمس والحجة التيسير؟
الجواب
إذا كان هؤلاء يخشون أنهم إذا دفعوا لم يصلوا مزدلفة إلا بعد منتصف الليل فلا بأس أن يصلوا المغرب والعشاء في عرفة، وأما إذا كانوا لا يخشون هذا فلا يصلون إلا في مزدلفة ما لم يخشوا خروج الوقت، فإن خشوا خروج الوقت قبل الوصول إلى مزدلفة انحازوا جانباً ووقفوا وصلوا.
السائل نفسه: المبيت ليلة التاسع في عرفة؟ الشيخ: المبيت ليلة التاسع في عرفة لا بأس به لا حرج، لكن الأفضل أن يكون المبيت ليلة التاسع في منى.(73/64)
اللقاء الشهري [74]
هذا اللقاء عبارة عن جلسة محاسبة لما قدمه الإنسان طيلة العام، هل قام بما أمره الله عز وجل من الواجبات واجتنب ما نهاه عنه من المحرمات، أو أنه قصّر فيما أمره الله به، وارتكب ما نهاه الله عنه؟ ومما تناوله هذا اللقاء: التحذير من غيبة العلماء والأمراء، وبيان أن غيبتهم ليست كغيبة عامة الناس.(74/1)
وقفة محاسبة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة: هذا هو اللقاء الأول من هذا العام من اللقاءات الشهرية التي تتم في ليلة الأحد الثالث من كل شهر، وهذا اللقاء هو ليلة الأحد التاسع عشر من شهر محرم عام (1421هـ) .
أسأل الله تعالى أن يجعله لقاءً مباركاً نافعاً، هذا اللقاء كما علمتم الآن تم بعد صلاة العشاء، ولكن نظراً لكون الليل يقصر رأينا أن نقدمه في المستقبل فنجعله بعد صلاة المغرب؛ حتى يسهل على من جاءوا إلى البلد الرجوع إلى بلدهم مبكرين، وحتى لا يطول اللقاء في الليلة القصيرة، فعزمنا -إن شاء الله تعالى- في المستقبل أن يكون اللقاء بعد صلاة المغرب.
هذا اللقاء نذكر فيه إخواننا ماذا ختموا به العام الماضي؟ من الناس من ختمه بالحج إلى بيت الله الحرام (ومن حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) ومن الناس من لم يحج ولكن صام يوم عرفة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم عرفة: (إنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) ولكن مع ذلك لا نتكل على الأماني؛ لأن الإنسان قد يقصر في صومه وقد يقصر في حجه، فلنتأمل هل نحن فيما مضى من عامنا السابق قمنا بالواجب؟ الواجب لله والواجب لعباد الله هل نحن قصرنا في العمل السابق؟ هل علينا واجبات لم نقم بها؟ هل نحن أدينا الزكاة التي هي حق لله وحق للعباد؟ قد نكون مقصرين في أداء الواجب من الزكاة هل نحن أدينا ما يجب علينا لأقاربنا من النفقات أو لأزواجنا من النفقات؟ هل نحن أمسكنا عن أعراض المسلمين ولم نغتب أحداً ولم ننم إلى أحد، أم أن الأمور على خلاف ذلك؟ فيجب علينا -أيها الإخوة- أن نحاسب أنفسنا عما مضى، أما المستقبل فهو إلى الله عز وجل، ولكن يجب على الإنسان أن يعزم عزيمة صادقة على أنه سيلتزم بما أوجب الله عليه لله أو لعباد الله، وليستعن بالله، وليقرأ قول الله عز وجل: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشورى:13] وهذا من أهم الوصايا كما قال الله عز وجل: {شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13] يجب أن نعزم العقد من الآن على أن نكون أمة واحدة على أن يكون هدفنا واحداً على أن يكون منهجنا واحداً على أن تكون قلوبنا متآلفة صافية، ليس فيها حقد على أحد ولا بغضاء لأحد من المسلمين، وعلينا إذا سمعنا عن أحد ما يقال عنه أن نتأكد أولاً هل هذا حق أو ليس بحق؟ فكم من شيء ينقل عن الشخص من قول أو فعل ولا يكون له أساس من الصحة، فلنتثبت أولاً هل وقع هذا الشيء أو لا؟ مثلاً: لو قيل لنا: إن فلاناً لا يصلي مع الجماعة، فهل نأخذ هذا بدون تثبت؟ لا.
نتثبت أولاً، ثم إذا ثبت لدينا أنه مخل بواجب الجماعة فإننا لا نتخذ من هذا سبيلاً إلى غيبته والتشمت به، وإلقاء العداوة والبغضاء في قلوب الناس بالنسبة له، علينا أن ننصحه، ولكن كيف النصيحة؟ النصيحة إما أن يذهب الإنسان إليه في بيته، أو يدعوه في بيته ويتكلم معه بالرفق واللين والترغيب والترهيب، فإن استقام فهذا المطلوب، وإن لم يستقم برئت الذمة منه وصار الإثم عليه.(74/2)
التحذير من غيبة العلماء والأمراء وبيان أقسام العلماء
كذلك قد نسمع عن بعض العلماء أخطاءً وليس أحدٌ معصوم من الخطأ، فهل نأخذ بما سمعنا دون تثبت؟ لا.
لا بد للإنسان أن يتثبت؛ لأن هذا الناقل قد يكون فهم كلام العالم خطأً، وقد يكون سأل عن شيء ليس هو الذي يريد فأخطأ في التعبير فأجاب العالم على حسب ما سمع، والعالم إنما يجيب على حسب ما يسمع؛ لأنه لا يعلم ما في القلوب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما أقضي بنحو ما أسمع) هذا وهو الرسول عليه الصلاة والسلام (فمن اقتطعت له من حق أخيه شيئاً بغير حق فإنما أقتطع له جمرة من النار فليستقل أو يستكثر) .
وإذا ثبت عن العالم ما نقل عنه فهل نطيل ألسنتنا بسب هذا العالم؟ لا.
لا نفعل؛ لأن هذا لا يجدي من الحق شيئاً، وربما تأخذ العالم العزة بالإثم فيزداد في ما هو عليه من الخطأ، إذاً العلاج أن نذهب إليه -إلى هذا العالم- بأدب وبأسلوب رفيع ونقول: بلغنا عنك كذا وكذا فما وجهه؟ نرجو أن تبين لنا وجه ذلك؛ لأنك عندنا في منزلة عالية لعلمك وفضلك، فأخبرنا، إذا أخبر بوجهة ما قال وكانت الوجهة حقاً؛ فالواجب علينا أن نقبل ما قال وأن ندافع عنه في المجالس، ونقول: إنما قال كذا لكذا وكذا، فننقذ سمعة الرجل ونبين الحق.
واعلموا -يا إخواننا- أن غيبة العلماء ليست كغيبة عامة الناس؛ لأن غيبة العالم لا شك أنها تؤثر عليه، لكن تؤثر على شيء أهم وهو ما يحمله من العلم من علم الشريعة؛ لأن الناس إذا لم يثقوا بالعالم لم يقبلوا قوله حتى لو قال الصواب، فتكون أنت إذا اغتبت العالم جنيت على العالم وعلى الشريعة؛ لأن الناس لا يثقون بقوله بعد هذا.
كذلك الأمراء وولاة الأمور، ليست غيبتهم كغيبة غيرهم، وليست غيبة غيرهم كغيبتهم؛ لأنك إذا اغتبت ولاة الأمور أو نشرت معايبهم بين الناس كرههم الناس، وصاروا إذا أمروا بالحق قال الناس: هذا باطل، وتمردوا عليهم، وماذا يحصل للأمة إذا تمردت على أمرائها؟ تحصل الفوضى، وربما يصل الأمر إلى أن تسيل الدماء، ولا يخفى علينا جميعاً ما وقع في بعض البلاد العربية بناءً على هذا، والواجب علينا إذا سمعنا وتأكدنا عن الأمراء ما لا ينبغي أن نناصحهم، أن نبذل لهم النصيحة، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) هؤلاء خمسة: أولاً: النصح لله عز وجل بأن تخلص له الدين، ولا تريد بالعبادة ما سوى الله عز وجل، لا تريد أن يمدحك الناس؛ فإن مدح الناس لا ينفعك ولا يضرك، لا ينفعك إلا ما كتب الله لك.
ثانياً: النصيحة لكتاب الله وهو القرآن أن تصدق بأخباره، وأن تمتثل أوامره وأن تجتنب نواهيه، وأن تذود عنه تحريف المبطلين وغلو الغالين، القرآن كلام الله عز وجل وهو أمانة بين أيدينا يجب علينا أن نذب عنه وأن ندافع عنه.
ثالثاً: النصيحة للرسول بالإيمان بأنه رسول الله حقاً، وأن نصدق خبره، وأن نمتثل أمره وأن نجتنب نهيه صلوات الله وسلامه عليه، فهو الإمام وهو القدوة والأسوة.
رابعاً: لأئمة المسلمين وأئمة المسلمين هم الذين يقتدي بهم المسلمون إما بالتشريع وإما بالتنفيذ، وهم العلماء والأمراء، العلماء أئمة يدعون الناس إلى كتاب الله عز وجل هم المقدمون في هذا، والأمراء أئمة، ولهذا من له السلطة العليا يسمى الإمام، فهم الأئمة ينفذون شريعة الله، وحينئذٍ يكون من الإمام الأول في الأئمة هم العلماء؛ لأن الأمراء يجب عليهم أن يتبعوا الحق الذي قاله العلماء، إذاً فالحقيقة أن الإمامة بيد العلماء، والمراد بالعلماء: العلماء الربانيون الذين هم العلماء حقيقة؛ لأنك إذا تدبرت أحوال العلماء وجدت أنهم ثلاثة أقسام: الأول: عالم ملة.
الثاني: عالم دولة.
الثالث: عالم أمة.
الأول: عالم ملة وهو الذي ينشر الملة ويبينها للناس ويعمل بها، ولا تأخذه في الله لومة لائم، هو يريد إقامة الملة لا غير، حتى إنه ليفتي أباه فيقول: يا أبت! هذا حرام، يا أبت! هذا واجب، ويفتي السلطان ويقول: هذا حرام وهذا حلال، لكن بالحكمة.
الثاني: عالم دولة ينظر ما تشتهيه الدولة فيحكم به ويفتي به حتى لو خالف نص الكتاب والسنة، وإذا خالف نص الكتاب والسنة شرع في تحريفه، وقال: المراد بكذا كذا وكذا، فحرف الكتاب والسنة لإرضاء الدولة.
الثالث: عالم أمة ينظر ماذا يريد الناس العامة فيفتيهم بما يستريحون إليه، حتى ولو كان على حساب نصوص الكتاب والسنة، ولذلك تجده يتتبع الرخص لإرضاء العامة، ويقول: هذه مسألة خلافية والأمر واسع.
سبحان الله! الأمر واسع والله يقول عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] كيف تقول: هذه فيها خلاف وأمرها واسع؟! والله إن الأمر ضيق، وإذا وجد الخلاف يجب أن يحقق الإنسان في المسألة أكثر وأكثر حتى يتبين له الصواب، أما كونه يسترخي ويقول: هذه مسألة خلافية، والأمر واسع، وباب الاجتهاد مفتوح، وما أشبه ذلك، فهذا خطأ، الواجب أن يتبع الإنسان ما دل عليه الكتاب والسنة سواءٌ أرضى الأمة أم أسخطها، والله عز وجل يقول: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] ما قال: ماذا أجبتم العامة؟ ماذا أجبتم الدولة؟ {مَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] .
فليتق الله العالم إذا نوقش في مسألة قال فيها بخطأ ليتق الله وليتبع الحق، وليعلم أنه إذا تبع الحق بعدما تبين فإن ذلك والله رفعة له، وليس كما يخيله الشيطان أنه إضاعة له، بعض الناس يقول: إذا رجعت إلى فلان وفلان في المناقشة يعني أنني مهزوم ومغلوب، ولكن الواقع أنه هازم نفسه غالب على نفسه الأمارة بالسوء، ارجع إلى الحق أينما كان، وخذه من أي مصدر، ألم تعلموا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أرجح الناس عقلاً وأصوبهم صواباً أمر أن يستشير الناس، فقال الله عز وجل: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران:159] وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنه إذا شاور سوف يرجع إلى الرأي الصواب سواءٌ كان رأيه أو رأي غيره.
فعلى المسلم أن يتقي الله عز وجل وأن يتبع الحق أينما كان، وأن يعلم أنه بتواضعه ورجوعه إلى الحق يزيده الله تبارك وتعالى رفعة وعزة في الدنيا والآخرة.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا جميعاً ممن رأى الحق حقاً واتبعه، اللهم اجعلنا ممن رأى الحق حقاً واتبعه، ورأى الباطل باطلاً واجتنبه، ولا تجعل ذلك ملتبساً علينا فنضل يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك في هذا الجمع أن تنصر إخواننا في الشيشان، اللهم انصرهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم اغفر لموتاهم، اللهم اجمع شمل أحيائهم، اللهم إنا نسألك بعزتك وقوتك وقهرك أن تدمر دولة الروس، اللهم دمرها تدميراً يكون عبرةً للناس، اللهم فرق جمعهم، اللهم شتت شملهم، اللهم اهزم جندهم، اللهم أبدلهم بعد القوة ضعفاً، وبعد العزة ذلاً، وبعد الغنى فقراً، وبعد الاجتماع تفرقاً، وبعد الائتلاف تمزقاً، اللهم اجعل بأسهم بينهم يا رب العالمين، اللهم أقر أعيننا بهزيمتهم عاجلاً غير آجل، إنك على كل شيء قدير.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(74/3)
الأسئلة(74/4)
حكم من أتى جماعة يصلون وهو قد صلى
السؤال
يأتي بعض الإخوة إلى اللقاء وفضيلة الشيخ يصلي فبعضهم يجلس خارجاً، وبعضهم يصلي تحية المسجد، وبعضهم يجلس، فما الحكم يا فضيلة الشيخ؟
الجواب
إذا جاء الإنسان إلى جماعة فإنه يدخل معهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة الفجر في مسجد الخيف عام حجة الوداع، فوجد رجلين لم يصليا فسألهما عن ذلك، فقالا: (صلينا في رحالنا، فقال: إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة) فإذا دخلت المسجد وهم يصلون فصل معهم حتى لو كان في المغرب.(74/5)
شرح حديث: (من غسَّل يوم الجمعة واغتسل.)
السؤال
فضيلة الشيخ! أرجو من فضيلتكم بيان هذا الحديث: عن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في غسل يوم الجمعة: (من غسَّل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ؛ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن، والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحيهما والحاكم وصححه وهو في صحيح الألباني.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من جاء في الساعة الأولى من يوم الجمعة فكأنما قرب بدنة، وفي الساعة الثانية كأنما قرب بقرة.)
الحديث.
متى بداية الساعة الأولى؟ وهل بداية يوم الجمعة من طلوع الفجر أم من طلوع الشمس؟ أرجو توضيح ذلك جزاك الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء ونفع بك.
الجواب
أما الحديث الأول: (من غسَّل واغتسل، وبكر وابتكر، ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ؛ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها) الحديث من حيث الإسناد لا بأس به ولا مطعن فيه، لكن من حيث ترتب الثواب العظيم على ذلك قد يستغربه بعض الناس، ولكن -يا أخي- لا تستغرب فضل الله عز وجل، فقد يكون العمل عملاً قليلاً وله ثواب كثير، وفضل الله تعالى واسع، لكن ما معنى: غسَّل واغتسل؟ معناها: غسَّل بتنظيف الجسم، واغتسل أي: بالغ في ذلك، أو اغتسل كغسل الجنابة، وبكر وابتكر أي: بالغ في البكور، ودنا من الإمام واضح، واستمع ولم يلغ أيضاً واضح.
فاحرص -يا أخي- على أن تغتسل يوم الجمعة؛ لأن غسل الجمعة واجب على كل بالغ، والدليل على وجوبه قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) هذا الحديث أخرجه السبعة البخاري وأبو داود ومسلم والنسائي وابن ماجة والإمام أحمد رحمه الله، كلهم أخرجوه (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) هذا كلام الرسول عليه الصلاة والسلام.
وهل تجدون أحداً أعلم بشريعة الله من رسول الله؟ لا.
هل تجدون أحداً أنصح لعباد الله من رسول الله؟ لا.
هل تجدون أحداً أفصح فيما يعبر به عما في نفسه من رسول الله؟ لا.
كل الخلق لا يدانون الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا هل تجدون أحداً أعلم بما يقول من رسول الله؟ أبداً، وقد قال: (غسل الجمعة واجب) ثم علقه بوصف يقتضي الإلزام وهو البلوغ، فقال: (على كل محتلم) وإنني أعتقد لو جاءت هذه العبارة في كتاب من كتب الفقه لكان الشارحون يقولون: إن المؤلف يرى وجوب الغسل، فكيف وقد جاءت عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟! ثم إذا اغتسلت فاحرص على أن تبادر وتبكر في الساعة الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة (من جاء في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن جاء في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن جاء في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن جاء في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن جاء في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة) .
وابتداء الساعات هذه من طلوع الشمس، واقسم ما بين طلوع الشمس إلى مجيء الإمام على خمسة أقساما، سواء طالت المدة أم قصرت؛ لأن الزمن يختلف بين الشتاء والصيف.(74/6)
الفتور وعلاجه
السؤال
هل تمر على الإنسان ساعات يشعر فيها بالفتور؟ وما علاجه؟ الشيخ: هذا أمر لا بد منه، فالإنسان لا يمكن أن يكون على حالٍ واحدة دائماً في النشاط والعبادة وطلب العلم، لا بد كما جاء في حديث حنظلة: (ساعة وساعة) ولكن على الإنسان أن يكون حازماً، وأن يجعل فتوره تقوية لمستقبله، ولا يجعل الفتور سبيلاً إلى الفتور الآخر، وإلا فلا يمكن أن يكون الإنسان دائماً جاداً بل لا بد من راحة للجسم وراحة للعقل وراحة للفكر.(74/7)
عورة المرأة عند النساء والرجال
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هي حدود عورة المرأة عند الرجال وعند النساء؟
الجواب
اقرأ قول الله عز وجل: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:31] يتبين لك: أن لباس النساء لباس ساتر يصل إلى الكعب؛ لأن قوله: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:31] دليل على أن الثياب قد وصلت إلى أسفل الساق؛ لأن الذي يخفى من الزينة هو الخلخال وشبهه.
عورة المرأة مع الرجل إذا كان من محارمها فما يظهر غالباً كالوجه والكفين والذراعين والرأس والرقبة والساقين، هذا لا بأس أن ينظر الرجل إليه، وليس معنى ذلك: أن المرأة تلبس لباساً قصيراً؛ لأن هناك فرقاً بين اللباس وبين النظر، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ولا الرجل إلى عورة الرجل) ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: للمرأة أن تلبس ما تستر بين السرة والركبة فقط.
ولا يعقل أبداً أن نساء الصحابة يجلسن بعضهن إلى بعض والمرأة ليس عليها إلا سروال من السرة إلى الركبة، هذا لا يمكن أن يقوله عاقل فضلاً عن عالم يعرف هدي الصحابة رضي الله عنهم.
ثم نقول: يلزم من هذا القول أن تكشف المرأة عن ثديها، وهذا لا يفعله حتى نساء الغرب، بل تضع على الثدي سنديانات لئلا ترى، فهل يعقل أن نساء الصحابة يكن أشد تهتكاً من نساء الغرب؟! ثم على فرض أن هذا مقصود، بمعنى: أن المرأة يجوز لها أن تلبس هذا أمام المرأة الأخرى، هل يليق أن ينشر ذلك في وقت الناس فيه ليسوا مقبلين على التستر بل بالعكس؟ وإذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لـ معاذ: (أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً، قال معاذ: يا رسول الله! أفلا أبشر الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا) مع أن المسألة مسألة عقيدة وعبادة، فكيف نقول للناس الآن: المرأة تنظر إلى ما عدا ما بين السرة والركبة، ونقول للأخرى: البسي ما يستر السرة والركبة، كيف نقول هذا؟! هذا فتح باب شر خطير جداً، ولذلك استنكر كثيرٌ من النساء هذا الفهم، وهو فهمٌ خاطئ؛ لأن لدينا امرأتين: ناظرة ومنظورة، والنبي صلى الله عليه وسلم خاطب الناظرة ولم يخاطب المنظورة، فالمنظورة معروف أنها قد كست بدنها كاملاً، حتى إن أم سلمة لما ذكرت خروجها للسوق، قالت: يا رسول الله! تنكشف الأقدام، فرخص للمرأة أن تنزل ثوبها إلى ذراع، فالمهم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يخاطب المنظورة وإنما خاطب الناظرة، والناظرة ربما تنظر إلى عورة أختها إذا كانت مثلاً تسبح، أو إذا كانت تقضي حاجتها، أو إذا كانت خلعت ثوبها لسبب من الأسباب، فلا يجوز أن تنظر إلى عورتها، أما أن نقول للمنظورة: البسي ما يستر ما بين السرة والركبة فقط، فهذا خطأ على الحديث، وليس هذا معنى الحديث.(74/8)
حكم أشرطة الفيديو التي فيها صور مدبلجة لحيوانات
السؤال
هناك أشرطة فيديو فيها صور مدبلجة لحيوانات وغيرها تحكي قصصاً تربوية تاريخية خاليةً من الأغاني والموسيقى، فما حكم هذه الأشرطة؟ وما رأي فضيلتكم فيمن يروون قصصاً للأطفال خيالية فيها حث على آداب الإسلام مثلاً؟
الجواب
هذه الصور المدبلجة هل هي صور على أشكال مروعة يخشى على عقول الصبيان منها أم لا؟ إن كانت الأولى فهذا لا يجوز؛ لأن الواجب أن نجنب أبناءنا كل ما يشوش على عقولهم، أما إذا كانت صور معقولة وفيها تربية فهذا لا بأس به، لكن بشرط ألا تنسب القصة إلى شخص معين وهو لم يقلها أو لم يقم بها، وما زال العلماء رحمهم الله يضربون الأمثال فيقولون: هذا رجل فعل كذا وفعل كذا، ولكنه ليس واقعاً، إنما يقصدون التصوير والتقريب.(74/9)
حكم ستر صاحب المعصية
السؤال
حديث: (من ستر على أحد ستر الله عليه) هل يجوز لنا أن نستر على الزاني وشارب الخمر؟ وإذا كان الجواب بنعم فكيف ننكر المنكر؟ وهل نتغاضى إذا رأينا منكراً؟ أفيدونا حفظكم الله.
الجواب
أما إذا بلغت الأمور إلى المسئولين فلا يجوز التستر، لكن قبل ذلك ينظر: هل هذا الرجل كان مستقيماً وحصلت منه فلتة، وربما إذا نصح يتوب إلى الله عز وجل، فهذا الأولى أن يستر، وأما إذا كان لو ستر لتمرد وازداد شره، فهذا لا يجوز ستره، بل يجب أن يرفع إلى ولاة الأمور ليقيموا عليه ما يجب عليه من العقوبة.(74/10)
حكم من دخل في طواف الإفاضة بين الحجر والكعبة
السؤال
حججت في أحد الأعوام وكان الحج فرضاً وعندما كان طواف الحج مع الزحام الشديد دخلت في هذه الأشواط بين حجر إسماعيل والكعبة، فهل علي شيء؟ وجزاكم الله خيراً.
الشيخ: ما هذا الطواف الذي دخل فيه بين الحجر والكعبة؟ السائل: طواف الحج، طواف الإفاضة.
الجواب
هذه مشكلة، معناه: أن الرجل إلى الآن حل التحلل الأول فقط، ويجب عليه أن يذهب إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة، ثم إن شاء أحرم من الميقات بعمرة وطاف وسعى وقصر ثم طاف طواف الإفاضة عن حجه السابق، وإن شاء طاف طواف الإفاضة فقط ورجع.
ثم إننا ننصح إخواننا الحجاج وغيرهم ألا يبقوا هذه المدة بدون سؤال، قد يتعلل بعض الناس فيقول: ما طرأ على بالي أني أخطأت لكن بعدما سمعت من الناس عرفت الخطأ، فنقول: الله يعين هؤلاء ويعين العلماء أيضاً؛ لأن هذه تحدث مشاكل عند العلماء، ولذلك لو سألت عالمين أو ثلاثة تجد بينهم اختلافاً في هذا، ثم إن السائل يقول: حجر إسماعيل، وهذا خطأ، الحجر هنا ليس حجر إسماعيل، وإسماعيل لم يعلم به ولم يدفن به، هذا الحجر لما هدمت قريش الكعبة وأرادت أن تبنيها قصرت عليهم النفقة، فأرادوا أن يخرجوا بعض الكعبة من البناء ورأوا أن الجهة الشمالية أولى؛ لأنه ليس فيها الحجر الأسود، فحطموها وأخرجوا منها نحو ستة أذرع ونصف، وأما إسماعيل فلا علم له بها ولم يدفن بها، ولا يمكن أن يدفن بها وهي بيت الله عز وجل التي يؤمها المسلمون من جميع أقطار الدنيا، فتكون قبلتهم قبر آدمي.
فبلغ الرجل هذا وقل له: يذهب إلى مكة الآن ويقوم بما يجب.(74/11)
حكم النذر إذا لم يسم
السؤال
امرأة تقول لأبنائها: علي نذر ألا تفعلوا كذا، فيفعلوا وهي لم تسم، فماذا عليها؟
الجواب
أولاً: ننهى عن النذر؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنه وقال: (إنه لا يأتي بخير، وإنه لا يرد قضاءً) حتى إن بعض أهل العلم حرم النذر؛ لأن الإنسان يلزم نفسه بما لا يلزمه.
ثانياً: بالنسبة لقضية المرأة عليها كفارة يمين؛ لأن هذا النذر حكمه حكم اليمين، فتطعم عشرة مساكين أو تكسوهم أو تعتق رقبة، فإن لم تجد صامت ثلاثة أيام متتابعة.(74/12)
حكم غسل الجمعة على من استيقظ قبل مجيء الإمام بقليل
السؤال
هل يجوز لمن قام من النوم قبل صلاة الجمعة بقليل أن يذهب ويصلي بدون غسل؟
الجواب
إذا قدر أن الإنسان نسي أو نام ولم يذكر أو لم يستيقظ إلا قبل مجيء الإمام بقليل، بحيث يتخلف لو بقي يغتسل، فهنا يسقط الغسل؛ لأن الغسل للجمعة فرع، فلا يمكن أن يضاع الأصل من أجل الفرع.(74/13)
حكم من أسقطت جنينها وقد نفخ فيه الروح
السؤال
فضيلة الشيخ! هذه والدتي في قلق حيث حملت في الشهر السادس وكانت مريضة بسبب حمل الجنين، ودخلت المستشفى وأخرجوها وقالوا: إن كان مريضاً سينزل، فذهبت إلى إحدى النساء فكوتها؛ لأن من حولها من النساء قالت: اكتوي، فإذا كان الجنين مريضاً نزل، وإن كان سليماً سيرتفع، ثم شربت نشا المحلبية فسقط الجنين فصاح حوالي خمس دقائق فمات، ووالدتي في حيرة، وقد كانت مريضة جداً حتى نزل الجنين، فهل عليها حرج؟ وهل عليها إثم في ذلك؟
الجواب
عليها حرج، ثم حرج، ثم حرج، وإثم، ثم إثم، ثم إثم؛ لأن الجنين إذا بلغ أربعة أشهر لا يمكن تنزيله إطلاقاً حتى لو أن أمه هلكت فليكن؛ لأن الإنسان كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يجمع الخلق في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك) هذه أربعة أشهر (ثم يبعث إليه ملك فينفخ فيه الروح) وإذا نفخ فيه الروح لا يمكن تنزيله إطلاقاً؛ لأنه لو نُزِّل لكان هذا يعني قتل نفس بغير حق، فإذا قال أحد: لو بقي في بطن أمه لهلكت وإذا هلكت يهلك.
فالجواب: أولاً: لو هلكت الأم قد لا يهلك الجنين إذا كان عندها من يعمل العملية مباشرة ويخرج الولد، فقد يسلم، فموته ليس محققاً.
ثانياً: إذا قدر أن الأم ماتت فهل ماتت بفعلنا؟ لا.
هذا من الله عز وجل، لكن لو نزلنا الجنين ومات فقد مات بفعلنا وهذا لا يجوز.
على هذه المرأة الآن أن تصوم شهرين متتابعين، أما مسألة الدية فهذا بينها وبين وارث الجنين ولا نتكلم فيها، ولكن عليها الكفارة أن تصوم شهرين متتابعين، فإن قالت: إنها لا تقدر، فلا شيء عليها؛ لأن الله تعالى لم يذكر بدلاً عن صيام الشهرين في القتل، فإذا عجزت عن الواجب سقط عنها.(74/14)
حكم من حج فوقف بعرفة ومزدلفة ولم يكمل بقية الحج
السؤال
فضيلة الشيخ! حدث معي قبل عشر سنوات ولم أكن متزوجة في ذلك الوقت، فقد كنت زائرة إلى مكة في أشهر الحج، ثم نويت الحج في بداية شهر ذي الحجة فأحرمت من منزل عمي بـ مكة، وفي صباح يوم عرفة طفت بالبيت ثم ذهبت إلى عرفة وشهدت ذلك اليوم، ثم انصرفت إلى مزدلفة سيراً على الأقدام وبت في مزدلفة، وبعد صلاة الفجر ضيعت عمي في مزدلفة إلى مغرب ذلك اليوم، وبعد الغروب نزلت إلى مكة وبت في المنزل دون أن أكمل أركان الحج لا رمياً ولا مبيتاً ولا طوافاً، وفي نهاية شهر ذي الحجة عدت إلى القصيم، فماذا أصنع الآن؟
الجواب
مشكلة يا إخوان، هذه المرأة الآن لم تأت بطواف الإفاضة؛ لأن طواف الإفاضة وقته بعد الوقوف بـ عرفة ومزدلفة، إذاً الطواف لاغي، لم تفعل إلا الوقوف بـ عرفة ومزدلفة، فعليها الآن أن تتجنب جميع محظورات الإحرام؛ لأنها لا تزال في إحرام، وتذهب إلى مكة وتطوف وتسعى، وما تركت من واجب الرمي أو المبيت فعليها دم لكل واحد، فعليها للرمي دم وللمبيت دم.
أكرر الجواب: يجب الآن أن تذهب إلى مكة وتطوف طواف الإفاضة وتسعى للحج، وعليها دم لترك المبيت، ودم لترك الرمي، ودم ثالث لترك طواف الوداع.(74/15)
حكم لبس العباءة الواسعة الأكمام
السؤال
ما حكم لبس العباءة ذات الأكمام الواسعة، علماً أنها تكون ساترة لليد وغير مزركشة؟
الجواب
الذي أرى: أن الذي ينبغي لنسائنا أن يكون لهن شخصية إسلامية، وأن يبقين على العباءة المعتادة التي تكون على الرأس؛ لأنها أستر، والعباءة التي تكون على الأكتاف تبين الأكتاف وتبين طول الرقبة من قصرها، ثم هي فتح باب للتوسع، فلن تقف النساء على هذا الحد ما دام فتح لهن الباب، فأرى أن تبقى المرأة على لباسها الأول للعباءة التي تكون على رأسها وبقية بدنها.(74/16)
حكم صلاة المسبل
السائل: ما حكم صحة القول: بأن صلاة المسبل حري ألا تقبل؟ وهل هذا يكون أعلم من آكل الربا والزاني والعاق لوالديه نأمل توضيح ذلك، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
يرى كثيرٌ من العلماء أن المسبل ثوبه أو سرواله أو مشلحه إذا صلى لا تقبل صلاته؛ لأنه صلى بالثوب المحرم عليه، ولكن القول الراجح عندي: أن صلاته مقبولة إلا أنه آثم.
وأما المقارنة بينه وبين عقوق الوالدين وقطيعة الرحم فلا يمكننا هذا؛ لأن هذه الأمور تعود إلى الله عز وجل، فتقدير الثواب والعقاب إلى الله عز وجل.(74/17)
حكم ركوب المرأة مع السائق الأجنبي
السؤال
فضيلة الشيخ! هل ركوب المرأة مع الرجل الأجنبي لوحدها داخل المدينة يعتبر خلوة؟
الجواب
أرى أن هذا خلوة، ركوب المرأة مع السائق الذي ليس بمحرم لها خلوة محرمة داخلة في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) (وما من رجل خلا بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) وهذه الخلوة أخطر من الخلوة في الحجرة؛ وذلك لأن السائق يتلاعب بعقل هذه المرأة، ويزين لها السوء، ويلين لها القول، ويذهب بها حيث شاء في البراري والقفار، فخطر هذا عظيم، فلا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تركب مع سائق ليس بمحرم لها ولو كانت في البلد.(74/18)
من قتل له قتيل فهل يقتل القاتل أم لا؟
السؤال
فضيلة الشيخ! إذا كان الرجل يعيش في بلاد لا تطبق حدود الله وقتل ولده، ومعلوم أن القاتل في تلك البلاد لا يقتل وإنما يسجن عدة سنوات ثم يخرج، فماذا يفعل والد المقتول الذي يقول الله فيه: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} [الإسراء:33] هل له أن يعتدي عليه؟ أفيدونا مأجورين.
الجواب
هذا السؤال لا نجيب عليه هنا، لكن إذا سألنا عنه سائل أخبرناه بما عندنا حول هذا الموضوع، وأنت تعرف أنه لو أن ولي المقتول قتل القاتل حصل بذلك شر كبير، إذ يأتي أولياء القاتل الذي قتل فيعتدون على الآخرين وتنتشر الدماء، فالمسألة هذه خطيرة، وعلى الإنسان الذي قتل له قتيل في بلد لا يحكم فيها بكتاب الله عز وجل أن يصبر ويقول كما قال الأول:
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تنوعت الأسباب والموت واحد
أما أن يفعل فعلاً تكون فيه فتنة وشر وبلاء فلا يفعل.(74/19)
حكم إخراج الصغير من الصف في الصلاة
السؤال
هل يجوز للإمام أن يخرج الصغير دون السابعة من الصف؟
الجواب
لا يجوز للإمام ولا لغير الإمام أن يخرج الصغير من الصف، إلا إذا كان في ذلك ضرر بحيث يكون منه أصوات مزعجة أو تردد بين الصفوف، أو ما أشبه ذلك، فحينئذٍ له إخراجه، ولكن يتصل أولاً بوليه الذي في المسجد ويقول: يا فلان، إن ولدك مثلاً أو أخاك حصل منه كذا وكذا، وأنت بسكوتك عنه تكون آثماً.
أما إذا لم يكن منه شيء فلا، بل يبقى الأطفال في أماكنهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد فهو أحق به) وأما قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى) فالمراد: أمر العقلاء البالغين أن يكونوا يلون الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إلا لو قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا يلني إلا أولوا الأحلام.
قلنا: اطردوا الصغار، لكن قال: ليلني، وهو أمر وليس نهي، أمر هؤلاء أولي الأحلام والنهى أن يتقدموا حتى يلوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ثم إن طرد الصغار له تأثير نفسي عليهم، فيكرهون الذي طردهم، ويكرهون المسجد، ويكرهون الجماعة، ويؤثر عليهم في المستقبل، والصغير لا ينسى، اذكر -مثلاً- نفسك عندما كنت صغيراً وضربك أحد فلن تنساه.(74/20)
العدل بين الأولاد
السؤال
هل من العدل بين الأولاد -بنين وبنات- في شراء ما يحتاجون، أم يكون الشراء حسب الحاجة؟
الجواب
شراء ما يحتاجون بمعنى شراء حسب الحاجة، السؤال ما يختلف، لكني أقول لك: يجب العدل بين الأولاد إلا ما يحتاجه أحدهم دون الآخر، فمثلاً: لو كان عند إنسان ثلاثة أولاد أحدهم قد بلغ أن يتزوج، فهنا يزوجه ولا يعطي الآخرين مثله؛ لأنه لم يبلغ أن يتزوجوا، وإذا كان عنده بنت وولد، فالولد يحتاج إلى غترة أو طاقية بعشرين ريال -مثلاً- لكن البنت تحتاج إلى حلي بمائة ريال أو مائتين، فيعطيها ويعطي هؤلاء ما يحتاجون إليه، وأما إذا أعطاهم شيئاً فوق الحاجة فإنه لا يجوز إلا أن يسوي بين الذكور وبين الإناث، ويكون للذكر مثل حظ الأنثيين.(74/21)
جواز غيبة الفاسق لتبيين حاله
السؤال
هل صحيح أنه لا غيبة لفاسق؟ ومن هو الفاسق الذي تحل غيبته إذا كان ذلك حلالاً؟
الجواب
هذا ليس بحديث، ومراد قائله: أنه يجوز للإنسان أن يبين ما في الفاسق من العيوب من أجل إصلاحه لا من أجل الشماتة به، أو من أجل التحذير منه إذا خاف أن يغتر الناس به، هذا معنى هذه المقالة.(74/22)
بيان لخطر التفحيط
السؤال
فضيلة الشيخ! يكثر في بلادنا الشباب الذين همهم التفحيط والسرعة والتطعيس وإيذاء المسلمين، ولذلك يحصل أحياناً -بل كثيراً- حوادث يحصل فيها وفيات، فهل يعتبر هذا من الانتحار؟ وما دور أولياء أولئك الشباب وتمكينهم من تلك السيارات؟ ثم ما حكم ذلك الرجل هل يحل له أن يعفو عن كل من أساء إليه بحادث ونحوه؟
الجواب
هذا ليس من الانتحار؛ لأن الانتحار أن يقصد الإنسان قتل نفسه وهذا ما قصد، لكن لا شك أنه من السفه ومجانبة الصواب، ونصيحتي لأولياء أمور هؤلاء: أن يتقوا الله عز وجل، وألا يمكنوا أولادهم من هذا الفعل الذي يجني عليهم أضراراً نفسية وأضراراً مالية وعدواناً على الغير، وليخش هؤلاء من زوال النعم، فإن النعم إذا لم تشكر زالت، رزقنا الله وإياكم شكر نعمته وحسن عبادته.(74/23)
كيفية سماع الإذاعات التي فيها الخير والشر
السؤال
فضيلة الشيخ! هناك إذاعة تبث من خارج المملكة معظم ما فيها أغاني وموسيقى، ولكنهم جعلوا شيئاً من الفتوى فانكب الناس عليها سماعاً، فما حكم استماعها علماً أنه يوجد بها ذلك البلاء؟
الجواب
على كل حال: من المعلوم أن الإذاعات تجعل الخير وتجعل الشر، فإذا كنت تأمن على نفسك من استماع الشر واستمعت الخير فلا بأس؛ لأن هذا الراديو -مثلاً- أو التلفزيون أمره بيدك، إذا شئت أغلقته وإذا شئت فتحته، فإذا كان به خير فلا حرج أن تستمع إلى الخير بشرط أن تأمن على نفسك؛ لأن بعض الناس يقول: أنا أريد أن أسمع الفتاوى والأخبار وما أشبه ذلك، ولكن ما يزال به الشيطان حتى ينهمك في سماع الأشياء المحرمة.(74/24)
حكم الجمع لمن سيصل بلاده قبل دخول وقت الصلاة الثانية
السؤال
مسافر يعلم أنه سيصل إلى بلده قبل دخول وقت الصلاة الثانية، فهل يجوز أن يجمع بين الصلاتين؟ مثاله: إنسان غابت عليه الشمس وهو في السفر وأراد أن يجمع العشاء إلى المغرب، فهل هذا جائز؟ وهل الجمع لمن كان جاداً في السفر؟
الجواب
هذا جائز؛ لأنه ما زال في السفر، لكن الأفضل ألا يفعل إذا كان يظن أو يغلب على ظنه أنه سيصل إلى بلده قبل دخول وقت العشاء أو بعده ولكن يمكن الوقت؛ وذلك لأن الجمع رخصة عند الحاجة سواءٌ في السفر أو في الإقامة.
ويجوز الجمع للجاد في السير وغير الجاد؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يجمع وإن كان نازلاً، كما في حديث أبي جحيفة في نزول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الأبطح عام حجة الوداع، قال: (فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من قبة كانت من أدم حمراء، ووضعت له العنزة فتقدم فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين) فظاهر الحديث أنه جمعهما، وكذلك في تبوك جمع بين الصلاتين وهو نازل.
لكن يقال: القصر أفضل للمسافر من حين يخرج من بلده إلى أن يرجع إليها، ما لم يصل مع إمام يتم، والجمع رخصة لا ينبغي فعله إلا عند الحاجة إليه، وإن فعله المسافر فلا حرج.(74/25)
الثواب لا قياس فيه
السؤال
ورد في الحديث: (من جلس في مصلاه بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس كان كحجة وعمرة تامة تامة) أو كما ورد في الحديث، هل معنى ذلك: أن من فعل هذا فله مثل أجر الحج والعمرة، أم كيف ذلك؟
الجواب
أولاً: هذا الحديث فيه مقال، فإن كثيراً من الحفاظ ضعفوه.
ثانياً: على تقدير صحته فالثواب لا قياس فيه، قد يثاب الإنسان على عمل قليل ثواب عمل كثير؛ لأن الثواب فضل من الله عز وجل يؤتيه من يشاء.(74/26)
حكم صيام يوم عاشوراء دون صيام يوم قبله أو بعده
السؤال
لي طفلة في العاشرة من عمرها صامت يوم عاشوراء ولم تصم قبله ولا بعده فما حكم ذلك يا فضيلة الشيخ؟ الشيخ: ما شاء الله! ما لها إلا عشر سنوات؟! السائل: نعم.
عشر سنوات.
الجواب
ما شاء الله! لا حرج عليها؛ لأن صوم يوم قبله أو يوم بعده على سبيل الأفضلية فقط.(74/27)
حكم المماطلة في قضاء الدين
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم شراء القرض ممن خرج له قرض من البنك العقاري؟ وما حكم من لم يسدد إلى الآن وهو حالٌّ عليه وقادر على السداد؟
الجواب
أما الأول: فلا نرى الجواز، إلا إذا ذهب إلى الجهة المسئولة وتنازل الأول للآخر.
وأما تأخير الوفاء مع القدرة عليه فإنه محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مطل الغني ظلم) والمطل معناه: التأخير في الوفاء، والعجب من بعض الناس -اللهم اهدنا فيمن هديت- أنهم يقولون: إن مال الحكومة ليس له حرمة، ويماطلون في حق الحكومة، وهذا خطأ، فمال الحكومة له حرمة؛ لأن المال الذي في بيت المال للمسلمين عموماً، كل إنسان له فيه حق، ولكن لا يستقل به واحد دون الآخر، فلذلك نصيحتي لهذا الأخ الذي أخر وماطل: أن يتقي الله عز وجل، وأن يوفي الأقساط التي حلت عليه مع القدرة على ذلك، وما يدريه لعله يموت غداً أو بعد غد ثم يبقى معلقاً بدينه، والدين ليس بالسهل، كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل أن يفتح الله عليه، كان لا يصلي على من عليه دين، حتى أنه قدم له رجل من الأنصار، فلما خطا خطوات قال: (هل عليه دين؟ قالوا: نعم، فتأخر وقال: صلوا على صاحبكم) انظر يا أخي! النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرأف الخلق بالخلق يقول: (صلوا على صاحبكم.
فقال أبو قتادة رضي الله عنه: الديناران عليَّ، قال: حق الغريم وبرئ منه الميت؟ قال: نعم.
فتقدم وصلى) وسأله رجل: (هل يكفِّر القتل في سبيل الله؟ قال: نعم.
يكفِّر كل شيء، ولما انصرف قال: تعال، أتاني جبريل وقال: إلا الدين) فالاستشهاد في سبيل الله لا يكفر الدين.
وتهاون بعض الناس الآن بالدين خطأ عظيم، تجد الواحد منهم يستدين من أجل أن يشتري سيارة فخمة، ويجد سيارة بثلاثين ألفاً فيقول: لا.
أشتري بسبعين ألفاً، أو يجد فراشاً يكفي بيته بخمسين ألفاً، فيقول: لا، أريد أن أشتري بمائة ألف، وهذا لا شك أنه من السفه وأنه خطأ.
العوام يقولون مثلاً جيداً: مد رجلك على قدر لحافك.
إنسان لحافه قصير ورجلاه طوال فلا يمد رجليه بل يضمهما حتى يكون الغطاء على جميع الجسم.
الآن:
أزف الترحل غير أن ركابنا لمّا تزل برحالنا وكأن قد
انتهى الوقت المقرر، وإلا لقاء قادم إن شاء الله تعالى، ومن كان له سؤال ولم يجب عنه فالتلفون [3642107](74/28)
اللقاء الشهري [75]
في نهاية كل عام دراسي تبدأ الامتحانات، وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان، وهذا يذكرنا بالامتحان الأكبر يوم تبلى السرائر، وتظهر أسرارها الضمائر، لكن الامتحان الأكبر ليس فيه إعادة كامتحان المدارس، فإما إلى جنة وإما إلى نار.
وبعد الامتحانات الدراسية تأتي الإجازات الصيفية، وكيف يستغلها الشخص، فالناس فيها على أصناف شتى ما بين مضيع مفرط أو مستفيد مغتنم، فالسعيد من تقدم والشقي من تأخر.(75/1)
الامتحان الأكبر
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني من اللقاءات الشهرية التي تتم مساء كل سبت ثالث من كل شهر، نسأل الله تبارك وتعالى أن يديمها، وأن يرزقنا وإياكم علماً نافعاً، وعملاً صالحاً متقبلاً، ورزقاً طيباً واسعاً، هذه الليلة هي ليلة الأحد السابع عشر من شهر صفر عام (1421هـ) .
نذكر إخواننا جميعاً ونذكر أنفسنا ونحن في زمن الاختبار والامتحان لطلابنا من ذكور وإناث - نذكر أنفسنا وإياكم بالاختبار الأعظم الذي يكون بين الإنسان وبين ربه يوم القيامة.
إن هذا الاختبار الذي يكون يوم القيامة ليس اختباراً للظواهر بل للبواطن، فالظواهر كل أحد يمكن أن يحسنها أحسن شيء، كما قال الله تعالى في المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون:4] أي: إن منظرهم حسن بهي يظن الإنسان أنهم من أهل التقى {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:4] فهم خطباء فصحاء، لكن لا خير فيهم {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4] لا تستقيم بنفسها بل على جدار.
أيها الإخوة: الاختبار يوم القيامة على البواطن، كما قال الله عز وجل: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق:8-9] أي: البواطن.
(تبلى) أي: تختبر وينظر ما فيها ولا عبرة بالظواهر.
{يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ} [الطارق:9-10] إن المشركين ينكرون أن يكونوا مشركين ويقولون: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام:23] لكن تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون.
أخي المسلم: يقول الله تبارك وتعالى: {أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:9-10] أعمال الجوارح كل يستطيع أن يحسنها أحسن شيء، لكن أعمال القلوب صعبة، ولهذا قال بعض السلف: ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص.
الإخلاص الذي نظن أننا مخلصون في أعمالنا، ومع ذلك السلف كانوا يجاهدون أنفسهم على الإخلاص.
فتش قلبك -يا أخي- هل فيك رياء؟ هل فيك كراهة للحق؟ هل فيك بغضاء للمؤمنين؟ هل فيك حقد على المؤمنين؟ فإن غسيل القلب كل يوم أهم من غسيل الثياب كل يوم، اغسل قلبك وطهره، يقول الله عز وجل: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} [المائدة:41] فطهر قلبك.
اللهم طهر قلوبنا يا رب العالمين، الله طهرها من الرياء، اللهم طهرها من البغضاء على المسلمين ومن الحقد عليهم يا رب العالمين، اللهم اختم لنا بخاتمة السعادة واجعلنا ممن كتبت له الحسنى وزيادة.
أيها الإخوة: بعد هذا الاختبار -أعني: اختبار يوم القيامة- إما إلى الجنة وإما إلى النار، قال الله عز وجل: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} [الروم:14-16] .
أخي المسلم: فكر في ذلك اليوم، لا درهم ولا دينار، ولا متاع ولا ثياب، ولا حميم ولا صديق ولا قريب {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34-37] .
يا أخي المسلم: هل هذا اليوم قريب أم بعيد؟ إنه قريب، قال الله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} [الأحزاب:63] وقال تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} [الشورى:17] .
إننا نتطلع إلى آخر العام ونقول: بقي اثنا عشر شهراً، وإذا به في لحظة يصل إلينا، كذلك عمر الإنسان يقول: متى الموت؟ ويؤمل، وإذا بحبل الأمل قد انصرم، ثم بعد النقلة من الدنيا إلى الآخرة ليس هناك عمل، انتهى وقت العمل، ما بقي إلا الجزاء، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية) أي: شيء يضعه في حياته يجري ثوابه؛ كبناء المساجد، وبناء الدور لطلبة العلم، وطباعة الكتب للانتفاع بها، وإصلاح الطرق، وما أشبه ذلك مما يدوم نفعه (أو علم ينتفع به) وهذا أعظم، العلم الذي ينتفع به أفضل الثلاثة؛ لأن العلم الذي ينتفع به يبقى به ذكرك مئات السنين (أو ولد صالح يدعو له) الولد الصالح يفنى عن قريب أو بعيد، لكن العلم النافع الذي ينتفع به يبقى ما شاء الله، الآن نحن ننتفع بما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهل ننتفع بأموال الأغنياء الذين أنفقوا كثيراً منها في سبيل الله؟ لا.
لكن علم أبي هريرة بين أيدينا يقرأ صباحاً ومساءً في المساجد والمدارس.
الإمام أحمد له مئات السنين ومع ذلك ننتفع بعلمه الآن، شيخ الإسلام ابن تيمية له مئات السنين وننتفع بعلمه الآن، وهل يحصل على أجر من انتفاعنا بعلمه؟ نعم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أو علم ينتفع به) فهو يحصل على أجر.
أيها الأخ: حاسب نفسك، واستعد للاختبار الأعظم.
اللهم ثبت أقدامنا يا رب العالمين، ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، إنك على كل شيء قدير.(75/2)
الإجازة وكيفية استغلالها
أعود إلى اختبار الدنيا: أبناؤنا وبناتنا الآن يختبرون ليحصلوا على نتيجة، نتيجة دراسية وقد لا يحصلون، لكن ماذا بعد هذا الاجتهاد المضني المتعب بعده إجازة، وتسمى عطلة؛ من أجل أن يستريح الإنسان عن كدح مضى ويستعد للمستقبل، هذا هو المقصود من الإجازة، ولكن بماذا يمضي الإجازة من حصلت له الإجازة؟ الناس يختلفون اختلافاً عظيماً، فلنستعرض ما نعلم من ذلك وما لم نعلم ذكرونا به وأعلمونا به.
من الناس من يستغل هذه الإجازة بالانكباب على العلم، ودراسة ما سبق، والاستعداد لما يأتي، والدعوة إلى الله عز وجل في القرى والأمصار، ولا شك أن هذا خيرٌ عظيم ينتفع به الإنسان وينفع.
وما أحسن أن يقوم جماعة من الإخوان ويأخذون رخصة من الجهات المسئولة ويذهبون إلى الجنوب وإلى الشرق وإلى الشمال وإلى الغرب في المملكة، فأطراف المملكة يحتاجون إلى العلم الشرعي، وإلى الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، وما أكثر ما يأتينا من طلب أن نحضر أو أن نُحضر أحداً من طلاب العلم! ولا شك أن هذا خير ما تمضى به الإجازة.(75/3)
استغلال الإجازة بأداء العمرة
ومن الناس من يستغل هذه الإجازة بالسفر إلى الحرمين: مكة والمدينة، يذهب إلى هناك بأهله ويبقى ما شاء الله فيحصل على خير، يحصل على عمرة، وعلى صلاة في المسجد الحرام، وعلى التقاء بإخوانٍ له من أقطار الدنيا، وهذا خير، قال صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) مثلاً: اعتمرت قبل ستة أشهر واعتمرت في هذه الإجازة، فما بينهما فهو مكفَّر بهذه العمرة، إنها نعمة عظيمة، يكفر لك ما بين العمرتين، وما أكثر ما حملت من الذنوب التي تحتاج إلى تكفير! ولكن احذر من شيء يفعله بعض الجهال، وهو تكرار العمرة في سفر واحد، فإن هذا لا أصل له في شريعة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن نبينا صلى الله عليه وسلم فتح مكة في العشرين من شهر رمضان في السنة الثامنة من الهجرة، وبقي فيها تسعة عشر يوماً لم يأت بعمرة، ففي أول قدومه لا يمكن أن يأتي بعمرة؛ لأنه مجاهد، لكن بعد أن استقر الوضع لم يخرج إلى التنعيم ولا إلى الجعرانة ولا إلى غيرهما من الحل حتى يأتي بعمرة.
وهل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جاهل بالعمرة المكية؟ هل الرسول جاهل أنها سنة؟ لا.
هل الرسول صلى الله عليه وسلم عالمٌ بأنها سنة ولكن لم يسنها لأمته؟ كلا والله، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن ذلك من شريعة الله ودين الله لكان أول القائمين به وأول الداعين له، فلم يفعل، وما كرر العمرة أبداً.
في حجة الوداع احتاجت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن تحرم بعمرة بعد الحج، فأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بها إلى التنعيم وتحرم بعمرة وتأتي تطوف وتسعى وتقصر، أخوها معها قد تيسر له أن يعتمر، ومع ذلك لم يفعل، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلم أنه معها، وأن من اليسير عليه أن يعتمر، ومع ذلك لم يقل: اعتمر يا عبد الرحمن.
يا إخوتي: أين نحن من طريق السلف؟ احذر أن تكرر العمرة لا عنك ولا عن أبيك ولا عن أمك، ولهذا قال بعض التابعين: [لا أدري أهؤلاء الذين يخرجون إلى التنعيم يأتون بعمرة أيأثمون أم يؤجرون؟] لا تغتر بعمل الناس، كم من أناس عملوا عملاً ليس له أصل من الشرع! أقول هذا إبراءً للذمة، وإصلاحاً للأمة، وإقامةً للملة بعون الله عز وجل، أنا ما يضرني لو أن أحداً اعتمر ألف مرة، لكن يجب عليَّ بما أنعم الله به عليَّ من العلم أن أبين الحق، ولا أبالي بالعمل ولا أبالي بفتوى من يفتي، بيننا وبين المفتين سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ليأتوا بحديث واحد أمراً أو فعلاً أو إقراراً من الرسول عليه الصلاة والسلام أن الناس يكررون العمرة من مكة.(75/4)
صفة العمرة
صفة العمرة أن تنويها من حين تركب السيارة من بيتك؛ حتى يكون الطريق عبادة من بيتك إلى أن ترجع، وليس معنى ذلك: أني أقول: ادخل في العمرة، بل انو أنك مسافر للعمرة، حتى لو قدر الله عليك ألا تدرك العمرة فإنه يكتب له الأجر، والدليل قول الله عز وجل: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء:100] فانو العمرة من حين تركب السيارة، فكن في سفرك مقيماً للصلاة، حسن الأخلاق، خادماً لإخوانك، قال بعضهم: [صحبت ابن عمر لأخدمه فكان يخدمني] .
الله أكبر! ابن عمر الصحابي الجليل الورع الفقيه يقول الرجل: صحبته لأخدمه فكان يخدمني.
(ومن تواضع لله رفعه الله) .
فإذا وصلت إلى الميقات فاغتسل كما تغتسل للجنابة، وهذا معلوم -أي: صفة الاغتسال- ثم طيب رأسك ولحيتك، طيبها بأطيب ما تجد، وأكثر من الطيب في رأسك؛ لأن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تقول: [كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو محرم] والمفارق أي: مفرق الرأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتخذ الشعر بناءً على أن هذه هي العادة في زمنه، وكان أول ما قدم المدينة يسدل رأسه إلى وراء موافقة لليهود، ثم بعد ذلك كره أن يوافقهم وصار يفرق الشعر على اليمين وعلى الشمال وعلى الخلف.
فإذا وصلت إلى الحرم -أوصلك الله إلى الخير- فادخل المسجد وقل الذكر الذي تقوله عند دخول كل مسجد، وتقدم إلى الحجر الأسود فاستلمه، امسحه بيدك وقبله إن استطعت، وإلا استلمه بيدك وقبل يدك، وإن لم تستطع فبالإشارة، يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال لـ عمر: (يا عمر! إنك رجل قوي فلا تزاحم فتؤذي الضعيف، ولكن إن وجدت فرجة فاستلمه -أي: الحجر الأسود- وإلا فاستقبله وهلل وكبر) ثم تطوف سبعة أشواط تبتدئ من الحجر وتنتهي بالحجر، واحذر أن تدخل من باب الحِجر؛ لأنك لو دخلت من باب الحجر أنقصت الشوط.
أتدرون ما هذا الحجر؟ العوام يقولون: هذا حجر إسماعيل، إسماعيل ما يدري عنه ولا يعلم عنه ولا دفن فيه، هذا الحجر لما هدمت قريش الكعبة وأرادت أن تبنيها نقصت النفقة، ما عندهم مال، فقالوا: إذاً تقصر الكعبة، لا يبنى الجزء الشمالي منها، ولكن يحوَّط، ففعلوا، وبقيت حتى فتح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مكة، سنة ثمان من الهجرة، وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحسن الناس خلقاً وخير الناس لأهله، يتحدث مع زوجاته ويحدثهن، وينبسط إليهن، حدث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها يوماً من الدهر فقال لها: (لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم، وجعلت لها بابين: باباً يدخل منه الناس وباباً يخرجون منه) يعني: ولكن خشيت الفتنة أني لو هدمتها وأعدتها على ما سبق افتتن الناس؛ لأنهم حديثو عهد بكفر، فبقيت إلى عهد عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنه، لما تولى عبد الله بن الزبير على الحجاز هدم الكعبة؛ لأن الفتنة أمنت، وبناها على قواعد إبراهيم، وبقيت زمناً من الدهر، ثم أعيدت على ما هي عليه اليوم.
إذاً: الحجر الآن من الكعبة، ولا بد أن نطوف من ورائه، لأننا لو دخلنا من الباب لم يتم الشوط، انتبه لهذا.
ثم من نعمة الله عز وجل أن وفق هذه الحكومة -جعلها الله موفقةً دائمة- ووضعت علامة على محاذاة الحجر الأسود لما كثر الناس وكانوا لا يدركون محاذاة الحجر، فوضعت هذا الخط البني حتى يعرف الإنسان من أين يبتدئ وإلى أين ينتهي، وكنا قبل هذا نجد مشقة يقف الواحد فيشك ويقول: أنا حاذيت أو تقدمت أو تأخرت لكن من نعمة الله وتوفيقه أن الحكومة -زادها الله توفيقاً- وضعت هذا الخط، وفيه مصلحة عظيمة، فصار الناس الآن يبتدئون من الخط لا على أنه علامة شرعية مقصودة بذاتها؛ ولكن لأنه علامة على محاذاة الحجر، كما يوجد الآن بين أيديكم خطوط لتسوية الصفوف، وكما يوجد الآن لإيصال الكلام هذه الميكرفونات هل نحن نتعبد لله تعالى بوضع الميكرفون على أنه عبادة، أو على أنه وسيلة لإسماع الناس؟ الثاني، كذلك هذه الهواتف الآن تسمع من في بلاد بعيدة.
على كل حال أقول: أتمم سبعة أشواط، ثم صلِّ ركعتين خلف المقام إن تيسر ولو كنت بعيداً، المهم أن يكون المقام بينك وبين البيت، وإن لم يتيسر ففي أي مكان، ثم اعمد إلى المسعى، فاصعد على الصفا واستقبل القبلة وارفع يديك للدعاء والتهليل والتكبير، ثم انزل متجهاً إلى المروة، فإذا حاذيت العمود الأخضر فاركض بقدر ما تستطيع إذا كان المسعى واسعاً ليس فيه زحام، إلى أن تصل إلى العمود الآخر الأخضر، ثم امش على العادة حتى تصل إلى المروة وافعل عليها كما فعلت على الصفا، وهكذا حتى تتم سبعة أشواط، من الصفا إلى المروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط آخر، إذاً ليس كالطواف، الطواف لا يتم الشوط حتى تصل إلى المكان الذي بدأت منه، لكن المسعى لا، والسعي في الدور الأرضي والسعي في الدور الثاني والسعي في الدور الثالث كلها مجزئة، والأفضل لك أن تكون في الدور الذي تتمكن فيه من الخشوع ويقل فيه الزحام.
فإذا أتممت السعي سبعة أشواط بعد ذلك تحلق أو تقصر، أنت بالخيار، احلق وهو أفضل، أو قصر، والمرأة تقصر، وبذلك انتهت العمرة، فمن أراد أن يرجع إلى بلده رجع في الحال، ومن أقام في مكة فليقم، ولكن إذا أراد أن يرجع إلى بلده فليطف طواف الوداع.(75/5)
استغلال الإجازة بزيارة المدينة
أما المسجد النبوي فأول ما تصل إليه تدخل كما تدخل المساجد الأخرى وتذكر الذكر المعروف، ثم تصلي ما شاء الله أن تصلي في نفس المسجد، واعلم أن الزيادة في المسجد حكمها حكم المسجد، وإذا صليت فاتجه إلى القبر الشريف قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقابله، وقل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
ولا سلام أحسن من هذا السلام؛ لأنه الذي علمه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمته، ثم اخط خطوة عن اليمين لتقف أمام أبي بكر رضي الله عنه وتقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمدٍ خيراً.
ثم اخط خطوة عن اليمين لتكون مقابل عمر بن الخطاب فتقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمدٍ خيراً.
وانتهى، لا يحتاج أن تقف للدعاء، سواءٌ استقبلت القبر أو استقبلت القبلة.
ثم تخرج وتذهب إلى البقيع مقبرة الصحابة رضي الله عنهم، التي قال فيها الرسول عليه الصلاة والسلام: (اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) وهذا عام يشمل الموجودين في ذلك الوقت والذين بعدهم.
هذه المقبرة مقبرة الصحابة رضي الله عنهم، وفيها قبر الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، فسلم أولاً سلاماً عاماً تقول: السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم.
ثم تسلم سلاماً خاصاً على أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، الذي قتل شهيداً وهو يتلو كتاب الله عز وجل، تسلم عليه وتقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمدٍ خيراً.
ثم تنصرف، وإذا أحببت أن تزور مسجد قباء فهو خير، تتوضأ في بيتك وتخرج وتصلي فيه ما شاء الله، ركعتين أو أربعاً بسلامين، أو ستاً بثلاث تسليمات، وهكذا، الذي تريد، ثم تنصرف، ثم تزور الشهداء في أحد، وعلى رأسهم أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، تسلم عليهم كالعادة: السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون إلى آخره.
وهنا انتهى الذي يزار في المدينة، فصار هناك خمسة أشياء: الأول: المسجد النبوي.
الثاني: قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصاحبيه.
الثالث: البقيع.
الرابع: قباء.
الخامس: أحد.
وغير هذا لا يسن، وما يذكره بعض الناس هناك من المساجد السبعة، ومسجد الغمامة، ومسجد القبلتين، وما أشبه ذلك، كله لا يزار وزيارته بدعة.
هذه طائفة من الناس تقضي الإجازة في هذه الأماكن المطهرة.(75/6)
قضاء الإجازة بالسفر المحرم
ومن الناس من يقضي الإجازة في بلاد الكفر أو في بلاد دمار الأخلاق، نسأل الله العافية! يسافر بأهله وأطفاله إلى بلاد الكفر، بلاد لا يسمع فيها الأذان ولا تقام فيها الجماعة، وإنما فيها نواقيس النصارى وأبواق اليهود، يذهب بأطفاله، والطفل يتلقى ويتلقف ما يشاهد ويسمع ويبقى في قلبه.
ثم إنفاقٌ عظيم على هذه الرحلة في جيوب أعدائه، في جيوب أعداء الله، في جيوب من ينصرون اليهود، رفعٌ لمعنوياتهم -أي: الكفرة- ورفعٌ لاقتصادهم، وفخرٌ لهم أن يأتي الناس إلى بلادهم، وهذا يجب أن يخجل الإنسان منه في مروءته قبل أن ينظر في دينه، وهذه الرحلة لو قال قائل بأنها حرام لم يكن قوله بعيداً؛ لما فيها من إضاعة الوقت وإنفاق المال والخلل في الأخلاق والمروءة.
وهناك بلاد أخرى غير كافرة، لكن فيها أنواع من البلاء والشرور، يشاهدها الإنسان وهو في غنى عنها، فكأن هذا ممن يستعين برزق الله على معصيته.
لذلك نصيحةً لله عز وجل وإبراءً للذمة: أنصح إخواني المسلمين من أن يسافروا إلى هذه البلاد، وأقول: الحمد لله بلادنا فيها أشياء ترفيهية مباحة، ولست أقصد الترفيهية المحرمة كالأغاني والموسيقى وما أشبه ذلك، هذا لا نقره، ولا نجوز لأحد أن يشهده، لكن هناك أشياء مباحة يتسلى بها الإنسان وقتاً من الزمن.
ومن الناس من يقضي الإجازة في أعمال تجارية، يكون هذا الطالب -مثلاً- له والدٌ يتعامل بالتجارة، فيساعد والده ويستفيد ويكتسب.
ومن الناس من يقضي الإجازة في الحراسة، يكون أبوه فلاحاً فيساعد والده في الفلاحة، وكل هذا خير.
فالمهم أن نصيحتي لإخواني المسلمين: أن يستغلوا هذه الإجازة بما ينفعهم في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما جميعاً، وأقول هذا استكمالاً للتقسيم، وإلا فالذي ينفع في الآخرة نافعٌ في الدنيا، انتبه يا أخي! أنا قلت: بما هو نافعٌ في الدنيا أو نافع في الآخرة أو نافعٌ فيهما، قلت هذا استكمالاً للتقسيم، وإلا فالذي ينفع في الآخرة ينفع في الدنيا؛ لأن الذي ينفع في الآخرة يعني: أنك اكتسبت الوقت وربحت الوقت، والذين لا ينتفعون في الآخرة من دنياهم خسروا أو لم يخسروا؟ خسروا والله، ضاعت أعمارهم، لم ينتفعوا من الدنيا بشيء، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما جلس قومٌ مجلساً لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا كان عليهم كرة) (كرة) أي: حسرة، كيف فاتنا؟ كل لحظة تمر بك لم تنتفع بها في الآخرة فإنها خسارة، لكن عادة قد تكون إثماً وقد لا تكون إثماً.
فعليك يا أخي بانتهاز الفرصة ما دمت في زمن الإمهال، هذه الإجازة استغلها بما ينفع ودع عنك ما يضر، وإذا كنت من الخيار فدع اللغو، كما قال الله عز وجل في عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً، قال: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72] أي: يمرون مراً لا يتضررون فيه، بل يسلمون من إضاعة الوقت.
أسأل الله لنا ولكم التوفيق لما يحب في الدنيا والآخرة، وأن يجعل أعمارنا في خير أعمالنا، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.(75/7)
الأسئلة(75/8)
فتنة الإنترنت وكيفية النجاة منها
السؤال
فضيلة الشيخ! أمة الإسلام مستهدفةٌ من أعدائها قد تكالبوا علينا من كل صوب، آخر شرهم -وهو من أخطر الشر في نظري- ما يسمى بالإنترنت الذي غزا البيوت، بل فتحت له مقاهي يحضرها الأطفال والشباب قبل الكبار وينادى بفتح مثلها للنساء، وأعظم ما يعرض في هذه المقاهي الجنس وساقط الأخلاق، فما نصيحتك لنا في التعامل مع هذه الفتنة؟ وما حكم فتح هذه المقاهي وغالب ما يشاهد فيها الفساد؟ نفع الله بك.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الفتن حذر منها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعظم تحذير، وأخبر أنها ستكون فتنٌ يرقِّق بعضها بعضاً، كلما حدثت فتنة قال الناس: الفتنة السابقة أهون من هذه، أي أن الفتنة الحادثة تجعل الفتنة السابقة رقيقة سهلة؛ وذلك لأنها أعظم وأشد، وهذا هو الواقع.
لقد سئم الناس وتعبوا وملوا وأنكروا من القنوات الفضائية، فجاء هذا الإنترنت الذي أصبح الإنسان يخاطب المرأة وجهاً لوجه، ويشاهد ما يريد من الشر والفساد، ولكن سمعت أن حكومتنا -وفقها الله- وضعت حاجزاً عن نشر الأخلاق السيئة في الإنترنت، وهذا مما تشكر عليه الحكومة، ومما يدل على رعايتها الرعاية الطيبة لشعبها، وهي وإن سيطرت على جهة ما قد لا تسيطر على كل جهة، ولكن هي في طريقها -إن شاء الله تعالى- إلى السيطرة على هذا كله، ومنع ما يسيء إلى الدين أو إلى الأخلاق، ولكن الحكومة ليست كل شيء، أليس كذلك؟ ليست كل شيء، إنما يجب على الشعب نفسه أن يتقي الله عز وجل وأن يتجنب ما فيه ضررٌ مما تنشره الإنترنت، وكل إنسان راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته، والله لو طبقنا هذه المسئولية التي أخبرنا عنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لصلح الشعب، فإن الشعب أفراد مكونة من بني آدم، لو أن صاحب هذا البيت أصلح بيته، والثاني أصلح بيته، والثالث أصلح بيته؛ لمشى الإصلاح وصلح الخلق، لكن المشكل أن في البيوت رجالاً أشباه الرجال ولكنهم نساء، لا يكاد يسيطر على بيته، هو إذا جاء وأكلهم جاهز أكل ونام أو ذهب إلى متجره ولا يهمه، وإذا جاء في الليل وجد زوجته على الفراش وهي متجملة له وقضى حاجته منها ولا يهمه، أهذا رجل؟! لا والله ما هو برجل، إن الرجل هو الذي يتفقد أهله ماذا صنعوا؟ وماذا فعلوا؟ وأين ذهب أبناؤه وبناته؟ وأين رجعوا؟ لأنه مسئول مسئول مسئول، وقد قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] أمرنا أن نقي أهلينا ناراً، وهذا يعني أن نربيهم التربية التي تقيهم النار، ولكن مع الأسف أن كثيراً من الرجال ليس برجل، بل هو شبيه رجل وليس برجل، ولهذا خطب بعض الخلفاء بعد أن اختلفت الأمة وقال: أيها الرجال ولا رجال! أيها الرجال أشباه الرجال! الرجل رجل بمعنى الكلمة.
فنصيحتي لكل واحد من إخواني المسلمين: أن يراقب أهله من ذكور وإناث؛ لأنه مسئول، وإذا رباهم التربية الصحيحة انتفع بهم بعد موته، صلحوا وصاروا يدعون له بعد الموت.
الإنترنت فيه خير، لا أقول: إنه شر محض، بل فيه خير، لكن مع ذلك فيه شرور شرور في العقائد؛ لأنه تنشر فيه عقائد بدعية بعضها مكفر وبعضها مفسق، وفيه الشر في الأخطاء الكثيرة في الفتاوى، يقوم المفتي ويفتي بما عنده وليس عنده علم، وهذا خطر على العوام؛ لأن العامي على اسمه عامي، وكما قيل: العوام هوام، والعامي إذا أفتى إنسان يوافق هواه ضرب صفحاً عن الفتاوى الأخرى، وهذا ضرر، وفيه ضرر في الأخلاق، والدعارة والفساد، وغير ذلك مما هو معروف، فمن استفاد منه واقتناه لما فيه من المصلحة وسلم من شره، فهذا من وسائل العلم، وأما من أخذ بما فيه من خير وشر وشاهد ما هب ودب فهو على خطر.
أما ما يتعلق بفتح المقاهي فهذا لا يسأل عنه، هذا له جهة مسئولة عنه فليتصل بهذه الجهة.(75/9)
الأعراس الشرعية
السؤال
فضيلة الشيخ! من الأمور التي تكثر في الإجازة الصيفية كثرة الزواجات والمناسبات، لكن يلحظ عليها لبس النساء للشفاف والمشقق، والإسراف في الولائم، وحصول الغناء خارج القصر، وعدم استغلال مثل هذه الاجتماعات بالخير والفائدة، فما توجيهكم؟
الجواب
هو كما قال السائل: في أيام الإجازة تكثر الزواجات، ونسأل الله أن يكثرها وأن يكثر النسل، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يا معشر الشباب!) انظر خطاب النبي عليه الصلاة والسلام، ما وجهه للشيوخ أو للكهول، بل للشباب: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) أي: قطع، يخفف الشهوة ويوصل العبد بربه، ويتلهى بذكره وصومه عن تذكر الجنس.
أقول: إن الناس -والحمد لله- تكثر فيهم الزواجات في أيام الإجازة، ولكن يجب أن نجعل هذه الزواجات زواجات شرعية، فيها الدف والغناء للنساء كما كان ذلك معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والدف هو الطار الذي ليس له إلا وجه واحد، ويُتجنب الأغاني الماجنة أو الموسيقى أو ما أشبه ذلك، يجب أن تتجنب.
ثانياً: يجب أن تأتي المرأة بلباس الحشمة، لباس الحياء، والمرأة مضرب المثل في الحياء، ولهذا يقال: أحيا من العذراء في خدرها.
ليس لباسها كلباس الرجال، ولا حياؤها كحياء الرجال، ولا عملها كأعمال الرجال، والله تعالى فرق بين الرجل وبين المرأة في كل شيء، إلا في الأحكام الشرعية فالناس فيها سواءٌ، كالصلاة واجبة على الرجال والنساء، والزكاة على الرجال والنساء، والصوم على الرجال والنساء، والجهاد على الرجال دون النساء؛ لأن المرأة ضعيفة ما تستطيع أن تقاتل.
كذلك اللباس تختلف النساء عن الرجال، ومن قال: إن عورة المرأة كعورة الرجال فقد أخطأ، ولهذا كان نساء الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا خرجن إلى الأسواق يكون على المرأة جلباب واسع مثل العباءة، ورخص لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ترخيه شبراً، قالوا: (يا رسول الله! تنكشف أقدامهن.
قال: أرخينه إلى ذراع) كل ذلك لئلا تنكشف قدم المرأة، ولأجل ألا تسرع في المشي؛ لأنه إذا كان جلبابها إلى ذراع فلا تستطيع العجلة.
ثم إن بعض الناس اشتبه عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة، ولا الرجل إلى عورة الرجل) اشتبه عليهم الأمر، فظنوا أن معنى الحديث: أن للمرأة أن تلبس أمام المرأة ما يستر الذي بين السرة والركبة فقط، وهذا خطأ على فهم الحديث إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا الحديث لم يتكلم عن اللباس أصلاً، تأمل الحديث -يا أخي- هل تكلم الرسول على اللباس؟ لا.
بل تكلم عن النظر، المرأة لا تنظر عورة المرأة، ما قال: للمرأة أن تلبس من اللباس ما يستر ما بين السرة والركبة، أبداً ولا تعرض له؛ لأنه من المعلوم أن لباس النساء في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في السوق كما سمعتم، لبس الجلابيب الواسعة المرخاة، وفي البيوت اللباس المعتاد، لا تُخرج المرأة في بيتها إلا ما تحتاج إليه للطبخ ونحوه، هذا لباسها، حتى إنه لما أمر النساء أن يخرجن إلى العيد قلن: (يا رسول الله! المرأة ليس عليها جلباب، قال: تلبسها أختها من جلبابها) أي: تعيرها جلباباً تخرج به، ما قال: تخرج بالقميص أو نحوه.
والجلباب هو ما يشبه العباءة.
المهم أن الخطأ في فهم النصوص خطر عظيم، ولما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة) ما تكلم في اللباس إطلاقاً، وليس معناه: أن النساء يلبسن ما بين السرة والركبة فقط.
وهل تتصور أنت -أيها المسلم- أن نساء الصحابة فيما بينهن تجلس الواحدة ليس عليها إلا سروال يستر ما بين السرة والركبة؟! هل تتصور هذا؟! لا.
أبداً، الدول الغربية ما فعلت هذا، حتى الدول الغربية التي نساؤها عاريات يجعلن على الثدي شيئاً يسترها، وهذا الذي توهم يريد أن يكون نساء الصحابة فيما بينهن ما تلبس المرأة إلا ما بين السرة والركبة، سبحان الله! عجائب، عجائب، عجائب! إننا نقول بكل سهولة وبكل يسر: لم يتكلم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا الحديث عن اللباس أبداً، وإنما تكلم عن نظر المرأة إلى المرأة، وهذا ممكن، كأن تكون المرأة مثلاً تغتسل وحولها امرأة، نقول: لا يجوز أن تنظر إلى العورة امرأة تقضي حاجتها وحولها امرأة، نقول: لا يحل لها أن تنظر إلى عورتها امرأة نائمة انكشفت عورتها، نقول للمرأة الأخرى: لا تنظري إلى عورتها امرأة جالسة وليس عليها سروال ورافعة ساقيها وستبدو العورة، نقول للثانية: لا تنظري إلى عورتها هكذا ينزل الحديث، وليس في الحديث ذكرٌ للباس أبداً، لكن أكثر ما يخطئ الناس في الفهم أو القياس الفاسد.(75/10)
حكم خلوة المرأة مع السائق
السؤال
كثيراً ما نرى -يا فضيلة الشيخ- امرأة أو مجموعة نساء مع السائق، وإذا ما تمت المناقشة حول ذلك قالوا: هناك فتاوى تجيز ركوب المرأة مع السائق داخل المدينة، ما رأي فضيلتكم؟
الجواب
إذا كان هذا في البلد فلا بأس؛ لأنهن نساءٌ مع واحد، والمنهي عنه هو الخلوة، واحدة تخلو بالسائق، فهذا لا يجوز ولو في البلد، وما ذكر من الفتاوي المختلفة في هذا الباب يجب أن يعرض على الكتاب والسنة وينظر ما نتيجته أرأيتم رجلاً مع امرأة ليست بمحرم له في سيارة، الزجاج مغلق والسيارة تمشي، أهذا خلوة أم لا؟ خلوة لا شك؛ لأنه ليس واقفاً يشاهده الناس، هو مار يمشي، ما يشاهده الناس، ولا يرون ماذا يفعل، ولا يسمعون ما يتكلم به، لا سيما بعد أن رخص للسيارات بوضع التظليل، ألا يمكن أن يقول هذا الرجل الأجنبي للمرأة: تعالي هنا قدام، وفي حال السير يتكلم معها ويهمس، وربما يقبِّل، وربما يعصر الفخذ هل هذا ممكن أم غير ممكن؟ هذا ممكن، حتى لو قدر أن هذا ليس بخلوة، ما دام يفضي إلى محرم فالمباح إذا أفضى إلى محرم صار حراماً، أرأيتم البيع والشراء حلال أم حرام؟ البيع والشراء حلال، وإذا أذن الأذان الثاني ليوم الجمعة صار حراماً.
فيجب على المفتين وهم يتحملون المسئولية، وما أعظم زلة العالم! يجب عليهم أن يتقوا الله عز وجل، وأن ينظروا إلى النتيجة فيما يفتون به، لا مجرد أن ينظروا إلى الأمور على وجهٍ سطحي، بل ينظرون ما هي النتيجة، أنا أقول: حتى لو قلنا: إنه ليس بخلوة وأنه مباح، فإنه يجب أن يقال: إنه حرام؛ لما يترتب عليه من المفاسد، وأنا أقول وأشهدكم على ما أقول، وكبراء علمائنا الذين توفاهم الله والباقون -أيضاً- يقولون بهذا: أنه لا يجوز للمرأة أن تخلو بالسائق لوحدها، وأن خلوتها بذلك خلوة شرعية، وهذا الذي أوصيكم به أيها الإخوة، اتئدوا في الفتاوى، ولا تسمعوا لكل فتوى حتى تعرفوا أنها صدرت من عالم أمين على عباد الله فقيه في دين الله، والعالم ليس هو المتبحر في حفظ العلوم، العالم الفقيه هو الذي يقدر الأمور ويخطط للفتوى قبل أن يفتي، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: [كيف بكم إذا كثر قراؤكم وقل فقهاؤكم؟!] كثر القراء معناه: علم كثير لكن بدون فقه، والعالم الرباني هو الذي يربي الأمة على دين الله عز وجل.
الخلاصة: أن خلوة المرأة مع السائق في البلد حرام لا تجوز داخلةٌ في النهي، أما في السفر ففيها محظوران: الأول: السفر بلا محرم.
الثاني: الخلوة.(75/11)
حكم صلاة ركعتي الطواف بعد كل طواف
السؤال
يا شيخ! هل الصلاة التي بعد الطواف تكون بعد كل طواف أم في طواف خاص؟
الجواب
المعروف عند العلماء رحمهم الله أنها بعد كل طواف حتى طواف التطوع، لكن قالوا: للإنسان أن يجمع أسبوعين أو ثلاثة، ثم يصلي بعد ذلك لكل أسبوع ركعتين، مثلاً: طاف أربعة عشر مرة ينوي سبعاً وسبعاً، نقول: لا حرج، وصل ركعتين للسبع الأول وركعتين للسبع الثاني.(75/12)
حكم لبس النقاب
السؤال
فضيلة الشيخ! تفشى بين بعض نسائنا -هداهن الله- ظاهرة لبس النقاب بشكل ملفت للنظر، وهو متفاوت بين السعة والضيق، وبعضهن يلبسن نقاباً واسعاً لكن يلبسن فوقه غطاء، وتجدون برفق هذا السؤال -يا فضيلة الشيخ- نموذجين من هذه النقابات، أرجو -حفظكم الله- بيان حكم لبسهما، سواءًَ في الإحرام أو غيره عند النزول للأسواق ونحوه؟
الجواب
أقول بارك الله فيكم: النقاب في الأصل جائز، ولا يمكن أن نقول بأنه حرام؛ لأنه موجود في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والدليل على وجوده بين النساء: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى المرأة المحرمة أن تنتقب، وكونه ينهى عن المرأة المحرمة أن تنتقب يدل على أن هذا من عادات المحلات، ولكن إذا ترتب عليه مفسدة فإننا لا نفتي بجوازه تربيةً للأمة، فإذا قال قائل: كيف تمنع ما كان حلالاً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام؟ أقول: أمنعه لأنه ترتب عليه مفسدة، فبدأت المرأة توسع النقاب وتجمله وتكتحل ويحصل شر، والعين قد تفتن أكثر من نظر الوجه، فإذا قال قائل: هل سبقك أحدٌ في منع ما كان جائزاً من أجل التربية؟ فالجواب: نعم، سبقني إلى هذا الخليفة الراشد عمر بن الخطاب الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن يكن فيكم محدثون -أي: ملهمون- فـ عمر) وذلك في شيء من أخطر الأمور، فقد كان طلاق الثلاث في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي عهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر، كان طلاق الثلاث واحدة، فإذا قال الرجل لزوجته: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، فهي واحدة، في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي عهد أبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، والثلاث إذا جمعت في كلمة أو في مجلس حرام، فكثر الطلاق الثلاث في عهد عمر، فلما كثُر قال رضي الله عنه: [أرى الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم] تأديباً لهم أمضاه عليهم، وقال: أي إنسان يطلق زوجته ثلاثاً في مجلس واحد فإننا نلزمه ونمنعه من مراجعة الزوجة، مع أن مراجعة الزوجة في الأصل حلال، لكن رأى أن الناس وقعوا في الحرام فمنع الحلال، وهذا من السياسة الحكيمة؛ أن يراعي الإنسان أحوال الأمة، ولقد سمعتم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم امتنع من هدم الكعبة وردها إلى قواعد إبراهيم خوفاً من الفتنة.(75/13)
الدش وخطره
السؤال
سائلة تقول: يا فضيلة الشيخ! أراد زوجي إحضار الدش إلى أولادي، فرفضت ذلك فأحضره ووضعه في غرفة في السطح، ثم أخذ يجلس عنده كل وقته حتى النوم والأكل نحضره له في هذه الغرفة، فقاطع أولاده ومجالستهم حتى اشتكت المدرسة من ضعفهم، فأخذ يسيء خلقه عند أتفه الأسباب، ومرة أخرجني من البيت فبت عند الجيران لكون أهلي في المدينة المنورة، والآن أنا عند أهلي، ماذا أفعل خاصة وأن لدي أولاداً كما ذكرت؟ آمل من فضيلتكم توجيهي.
الجواب
لا شك أن الصواب مع هذه المرأة، ما دامت وصلت الحال بهذا الرجل إلى أن عكف على هذا الدش، فالصواب معها، والواجب على الرجل -إذا كان الأمر كما ذكرت المرأة- أن يتقي الله تعالى في نفسه، وأن يكسر هذا الدش؛ لأنه صده عن طاعة الله، وصده عن معاشرة أهله، وصده عن رعاية أولاده، وصده عن مصالح عظيمة، فليتق الله، وأسأل الله أن يسمعه كلامي، ليتق الله عز وجل وليكسر هذه الآلة التي أدت إلى هذه الحال التي ذكرتها المرأة، وإذا فعل ذلك فسوف يطيب عيشه، ويطمئن قلبه، وتصلح أموره، ويجمع الله شمله بأهله وأولاده.(75/14)
حكم المواشي التي تشرب من مياه الصرف الصحي
السؤال
رجل عنده إبل وغنم في جانب الوادي، ويجري في هذا الوادي مياه الصرف الصحي وتشرب منه هذه المواشي، فهل يؤكل لحمها ويشرب لبنها؟
الجواب
لا حرج أن يؤكل لحمها ويشرب لبنها؛ لأنها تشرب فقط، والجلالة التي قال العلماء: إنه يحرم لحمها ولبنها حتى تحبس وتطعم الطاهر ثلاثاً يقولون: هي التي أكثر علفها النجاسة، وهذا شرب وليس بعلف.
هذا من جهة.
من جهة أخرى: أسمع أن هذه المجاري يجعل فيها مواد تذهب النجاسة، لا يبقى للنجاسة أثر لا في اللون ولا في الطعم ولا في الريح، وإذا وصل الأمر إلى هذا صار الماء طاهراً، لو أصاب ثيابك لم يجب عليك أن تغسله، إذا صح هذا الذي أخبرت به، أنه يلقى عليه المواد تفتته وتزيل النجاسة لا لوناً ولا طعماً ولا ريحاً.(75/15)
حكم الذهاب إلى الملاهي
السؤال
يا صاحب الفضيلة! يكثر ذهاب أولياء الأمور بأطفالهم إلى ما يسمى بملاهي الأطفال، وفيه من المخالفات الشرعية من تبرج بعض النساء، والأطفال فيهم حرص شديد على الذهاب إلى هذه الملاهي، فما الحكم الشرعي في الذهاب إلى هناك؟
الجواب
هذه الملاهي -كما ذكر أخونا السائل- فيها منكرات، وإذا كان المكان فيه منكرات فإن استطاع الإنسان أن يزيل هذه المنكرات وجب عليه الحضور لإزالتها، وإذا لم يستطع حرم عليه الحضور، وحينئذٍ نقول: اخرج بأولادك إلى البر وكفى، وأما أن يؤتى بهم إلى هذه الملاهي وفيها الاختلاط، وفيها السفهاء الذين يغازلون النساء، وفيها الثياب التي لا يحل للمرأة لبسها؛ فإنه لا يحل أن يأتي إليها إلا إذا كان قادراً على إزالة المنكر.(75/16)
حكم ذهاب الطالبات إلى الكليات البعيدة
السؤال
ما حكم ذهاب الطالبات للدراسة في الكليات التي تبعد عن البلد خمسة وسبعين كيلو تقريباً، مع العلم أن عدد الطالبات يصل إلى أربعين طالبة في الحافلة، والسائق الذي يذهب بهن يعطى راتباً من قبل الكلية؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
لا حرج في هذا إذا كن يرجعن في يومهن، مثلاً: طالبات أو معلمات يذهبن إلى بلد آخر خمسة وسبعين كيلو أو مائة كيلو ويرجعن في يومهن ولا خلوة، فهذا لا حرج فيه؛ لأنه لا يسمى سفراً عرفاً.(75/17)
حكم المراكز الصيفية للذكور والإناث
السؤال
فضيلة الشيخ! من المعلوم أن البنين والبنات في هذه الإجازة يكثر فراغهم حيث الصباح والمساء لا شيء عندهم، فما توجيهك في المراكز الصيفية للذكور والإناث؟
الجواب
أما المراكز الصيفية للذكور فأنا أحث عليها إذا كان القائمون عليها أهل علم وإيمان ونزاهة؛ لأنها في الواقع تحفظ وقت الطالب، وتحميه من عدوان السفهاء عليه، فأحث إخواني أن يلحقوا أبناءهم بهذه المراكز، وأسأل الله تعالى أن يجعلها مرتع خيرٍ وبركة.
أما النساء فلا أرى هذا، أن يكون لهن مراكز، حتى لو وضع مراكز لا أرى للمرأة أن تذهب؛ لأني أخشى من التوسع والتطور وبعد إذٍ لا نستطيع أن نمنع.
مداخلة: وماذا عن دور القرآن؟ الشيخ: دور القرآن حسن، مثلاً النساء تذهب إلى دور القرآن وتتعلم القرآن هذا حسن.
إلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وقد زاد عن الوقت المقرر؛ لأن من عادتنا أن نقيم الصلاة على الساعة الثانية بالتوقيت العربي، ونرجو الله تعالى أن يجعل فيما حصل كفاية، وأن يثيب الجميع على هذا الحضور والإنصات والاستماع.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(75/18)
اللقاء الشهري [76]
النكاح سنة من سنن المرسلين له فوائد عظيمة جداً، منها: غض البصر، وتحصين الفرج، وتكثير النسل، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الشباب المستطيع أن يتزوج، وأمر من لم يستطع أن يصوم؛ لأنه هو الحل الوحيد لمن لا يستطيع الزواج، وقد جاءت هذه المادة لبيان كل ذلك، مع توضيح لشروط الزواج، وشروط الخروج منه.(76/1)
النكاح وفوائده
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا في هذه الليلة ليلة الأحد الثالث عشر من شهر ربيع أول عام (1421هـ) نفتتح هذا اللقاء السادس والسبعين من اللقاءات الشهرية التي تتم كل شهر ليلة الأحد الثالث من كل شهر في الجامع الكبير في عنيزة، والتي يشاركنا فيها في الآونة الأخيرة إخوانٌ لنا في مدن أخرى، نسأل الله تعالى أن ينفع بهذه اللقاءات.
هذا اللقاء سنجعله مناسباً لما يحدث في هذه الإجازة من كثرة الزواج.
فنقول: الزواج من سنن المرسلين، كما قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38] وكما فعل صاحب مدين مع موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام حين قال له: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ} [القصص:27] ولأن فيه فوائد عظيمة للمجتمع عموماً وللزوجين خصوصاً، ولأنه من طبيعة البشر؛ فإن الطبيعة الفطرية تهوي النكاح وتريده، ولولا أن الله جعل في الفطرة هواية النكاح ما تزوج أحد؛ لأنه يستحيا -لولا قوة الشهوة- أن يكشف الرجل عورته للمرأة وتكشفها للرجل، لكن الله جبل الخلق على هذه الفطرة من أجل المصالح العظيمة التي منها: بقاء النسل وبقاء البشر، إذ لولا النكاح ما توالد البشر ولهلكوا.
وفي النكاح فوائد كثيرة: منها: التأسي بالمرسلين كما سبق.
ومنها: غض البصر وتحصين الفرج؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة -أي: النكاح- فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) .
ومنها: تكثير نسل الأمة، ولهذا حث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أن نتزوج بالودود الولود؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكاثر الأنبياء يوم القيامة بأمته، وأمته أكثر الأمم بلا شك.
ومنها: ما يترتب على ذلك من الإنفاق على الزوجة والأولاد.
ومنها: ما يترتب على ذلك من تقارب الناس بعضهم لبعض، كما قال عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} [الفرقان:54] تجد الرجل لا يعرف هؤلاء القوم وليس لهم به صلة، فإذا تزوج منهم حصلت الصلة حتى كأنهم من أقاربه، وهذه هي إحدى الحكم في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حتى يكون له في كل قبيلة من قريش صلة بالمصاهرة، ولهذا مات صلوات الله وسلامه عليه عن تسع نسوة.(76/2)
شروط النكاح
النكاح فيه فوائد كثيرة، ومن أجل هذه الفوائد جعل الله تعالى له حدوداً في الدخول فيه وحدوداً في الخروج منه.
نذكر الحدود في الدخول فيه:(76/3)
الولي
أولاً: لا بد من الولي، وهو الرجل البالغ العاقل من عصبات المرأة، وعلى هذا فالمرأة لا تكون ولياً، بمعنى: لا تزوج الأم ابنتها؛ لأن الأم نفسها تحتاج إلى ولي.
والبالغ ضده الصغير، فالصغير لا يكون ولياً ولو كان من أذكى الناس، فذكرٌ له أربع عشرة سنة ومن أذكى الناس وأعقل الناس لا يمكن أن يكون ولياً، فلو كانت امرأة لها أخٌ شقيق ذكي عاقل، ولها ابن عم بعيد لكنه بالغ عاقل تمت به شروط الولاية، فمن الذي يزوجها؟ يزوجها ابن العم البعيد، وذلك لفقد البلوغ.
والعاقل ضده المجنون، ولا يكون ولياً، بل هو يحتاج إلى ولاية.
(من عصبات المرأة) احتراز من ذوي الفروض والأرحام، فذوو الفروض لا ولاية لهم، وذوو الأرحام لا ولاية لهم أبو الأم هل يكون ولياً لبنت ابنته؟ لا.
لأنه ليس من العصبة وجد المرأة لأمها لا يكون ولياً لها؛ لأنه ليس من العصبة، أما جدها لأبيها فهو ولي؛ لأنه من العصبة، وعلى هذا لو اجتمع أبو أم وابن عم بعيد فإن الذي يزوج المرأة ابن العم البعيد دون أبو الأم، والأخ من الأم هل يزوج أخته من الأم؟
الجواب
لا يزوج؛ لأنه ليس من العصبة، وعلى هذا فلو وجد ابن عم بعيد جداً وأخ من أم فإن الذي يزوجها ابن العم البعيد إذا تمت شروط الولاية.
إذاً: ولي المرأة هو الرجل البالغ العاقل من عصبات المرأة، وما هو الدليل على أنه لا بد أن يكون لها ولي؟ أليست المرأة يجوز أن تبيع كل مالها كما شاءت في الحدود الشرعية؟ الجواب: بلى.
لكن لا تزوج نفسها؛ لأن النكاح ليس بالأمر الهين، بل خطير جداً، الدليل قول الله تعالى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة:232] تعضلوهن أي: تمنعوهن، وهذا يدل على أنها لا تتزوج إلا بولي وإلا لكان العضل وعدمه سواءً.
ثانياً: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا نكاح إلا بولي) أي: لا نكاح صحيح إلا بولي، هذا شرط من شروط النكاح، ولو زوجت المرأة العاقلة العالمة الذكية نفسها رجلاً خليقاً ديناً فإن النكاح باطل؛ لأنها لم تتزوج بولي، و (لا نكاح إلا بولي) .(76/4)
رضا الزوجين
الشرط الثاني: رضى الزوج والزوجة فإن أكره الزوج أو الزوجة على النكاح فلا نكاح، وكيف يكره الزوج؟ عند بعض البوادي يكره الرجل ابنه على أن يتزوج ابنة عمه ويقول: إما أن تتزوجها وإلا فالرصاصة في رأسك، وهذا إكراه فلا يصح النكاح، بعض البادية يفعل هذا؛ لأنه قد حجر ابنة أخيه لابنه، فيقول: كيف أقابل الرجال وأنا قد حجرت ابنة عمك لك ثم تقول: لا؟ فيكره ابنه على أن يتزوجها، فالنكاح باطل، كذلك لو أكرهت البنت على أن تتزوج من لا تريد فإن النكاح باطل، حتى لو كان أباها فإن النكاح باطل، فلو أكره ابنته على النكاح بأن قال لها: يا ابنتي! هذا ابن عمك قد حجرناه لك ولا يمكن أن تخجلينا، إما أن تتزوجي وإلا فالرصاصة في رأسك.
فوافقت وتم العقد، فإن هذا العقد غير صحيح لعدم الرضا، الدليل: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تنكح الأيم -أي: الثيب- حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت) وقال: (البكر يستأذنها، أو قال: يستأمرها أبوها) فنص على البكر ونص على الأب.
وما ذهب إليه بعض العلماء من جواز إجبار الرجل ابنته على الزواج، مستدلين بحديث عائشة حين زوجها أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وليس لها إلا ست سنين؛ فقولهم ضعيف واستدلالهم باطل؛ لأن أبا بكر زوج عائشة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهل يعقل أن عائشة تمانع في هذا؟ أبداً، هو يعلم علم اليقين أنها تفرح بهذا، ولهذا لما نزل قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:28-29] فالرسول خير النساء: إن كنتن تحببن الدنيا وزينتها فأنا أسرحكن سراحاً جميلاً، وإن كنتن تردن الله ورسوله فلكن الله ورسوله، وبدأ بـ عائشة، عائشة البكر الصغيرة خيرها وخاف أن يدركها الشباب وقال لها: (ما عليك أن تستأمري أبويك) أي: شاوري أبويك، خاف أن تتعجل وتقول: أريد الدنيا؛ لأنها صغيرة، قالت: يا رسول الله! أفي هذا أستأمر أبوي أن أخير بين الله ورسوله وبين الدنيا، أفي هذا أستأمر أبوي؟ أريد الله ورسوله.
سبحان الله! هل يعقل أن مثل هذه إذا زوجها أبوها بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تمانع؟ لا تمانع، إذاً الاستدلال بهذا الحديث خطأ وغلط، لكن أروني بكراً أقر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نكاحها وهي كارهة، لا تجدون هذا، وما يفعله بعض البادية يحبس ابنته على كثرة ما يعطى من الأموال فقد خان أمانته، وسقطت ولايته، وفعل إثماً مبيناً والعياذ بالله، ولن تغنيه الدنيا عن الآخرة، وما يدري فلعله لا يستمتع بما اشترط لنفسه من الأموال.
هذا هو الشرط الثاني.(76/5)
تعيين الزوجة
الشرط الثالث: تعيين الزوجة كأن يسميها باسمها، أو يصفها بوصف لا ينطبق إلا عليها، أو يشير عليها إن كانت حاضرة، فالتعيين يكون بواحد من أمور ثلاثة: أن يسميها باسمها، كأن يكون هناك رجل له ابنتان إحداهما زينب والثانية فاطمة، فقال: زوجتك إحدى ابنتي، من هي؟ لا بد من أن يعين، لكن قال: زوجتك ابنتي فاطمة؛ فهذا تعيين، أو له ابنتان إحداهما طويلة والثانية قصيرة، وقال: زوجتك ابنتي القصيرة، وهذا الوصف لا تتصف به الأخرى، هذا تعيين صحيح، أو بناته عنده في المجلس لكنهن متغطيات، فقال: زوجتك هذه، وأشار إليها، فهذا تعيين صحيح.
لعلكم تقولون: أليس صاحب مدين قال لموسى: زوجتك إحدى ابنتي؟ فالجواب بلى، قال: إحدى ابنتي، ما قال هذه ولا هذه، لكننا نعلم أن موسى عينها، فإحدى ابنتي للتخير، أي: خذ من شئت، فعينها فزوجه إياها، فهنا عينها بعد الإبهام وهذا الصحيح.(76/6)
الشهود
بقي شرط رابع مختلف فيه وهو: الشهود أن يكون العقد بشاهدين ذكرين بالغين عاقلين، فإن تزوج بلا شهود فلا نكاح، أو بشهادة امرأتين فلا نكاح، أو بشاهدة عشر نساء فلا نكاح، أو بشاهدة غلامين فلا نكاح، لا بد أن يكونا رجلين بالغين عاقلين، لكن هذا الشرط فيه خلاف بين العلماء، منهم من يقول: إنه شرط للصحة، ومنهم من يقول: إنه شرط للكمال، بمعنى: أنه إذا كان هناك شهود فهو أكمل وإلا فالعقد صحيح، وهل يصح أن يكون أحد الشاهدين المأذون الشرعي الذي يكتب أو لا يصح؟ يصح أن يكون أحد الشاهدين المأذون الشرعي، وعلى هذا فإذا حضر الرجل والمأذون الشرعي وشاهد، وزوجه الولي فالعقد صحيح؛ لأن المأذون شاهد.
إذاً: لا بد في العقد من هذه الشروط، ولا بد ألا يزيد عن العدد المشروع وهو أربع، فلو تزوج خامسةً ومعه أربع فالنكاح باطل؛ لقوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3] فإن طلق إحدى الأربع فهل يتزوج الخامسة؟
الجواب
ما دامت المطلقة في العدة فلا يتزوج، وإذا انتهت العدة تزوج.(76/7)
تعلم ما يجب في النكاح وما يحرم وما يباح
ثم إنه ينبغي للإنسان أن يتعلم ما يجب في النكاح وما يحرم وما يباح، حتى يؤدي الواجب ويجتنب المحرم ويستمتع بالمباح.
والواجب على الرجل وعلى المرأة -أيضاً- أن يعاشر كل منهما الآخر بالمعروف؛ لقول الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] وأما ما يفعله بعض الناس من الرجال والنساء من كونه يعاكس الآخر، وينكد عليه حياته، ويثير غضبه؛ فهذا حرام وإثم والعياذ بالله! وأشر منه من إذا غضب أدنى غضبة طلق ثم يأتي نادماً أمسك أعصابك، لا تطلق إلا بعد روية ومشاورة وتفكير: هل في الطلاق خير أم لا؟ فعلى كل من الزوجين أن يعاشر الآخر بالمعروف على الرجل إذا رأى امرأته على منكر أن ينصحها، وعلى المرأة إذا رأت الرجل على منكر أن تنصحه، وعلى كل منهما أن يقبل النصيحة ولا تأخذه العزة بالإثم، لكن إذا كان الرجل يتهاون بالصلاة ونصحته المرأة ثم نصحته ثم نصحته، فهل تلح عليه دائماً؟
الجواب
لا.
تدعو بالمعروف؛ لأنها لو تلح عليه دائماً كرهها وأبغض حتى الحق، وقال: لن أصلي، ما عليك مني، كما هو معلوم، لكن بالتي هي أحسن، فإذا عجزت عنه فهل عليها إثم من معصيته؟ لا.
ليس عليها إثم، قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:20] عليها أن تبين النصيحة وليس عليها إثم من مخالفة الزوج، إثمه عليه، وكذلك يقال في المرأة.
وهل للزوج أن يمنع امرأته من الخروج من المنزل أم لا؟ نعم.
له أن يمنعها من الخروج من المنزل، وهل له أن يمنعها من زيارة أمها وأبيها؟ لا.
إلا إذا خاف أن تفسد الأم ابنتها عليه؛ لأن بعض الأمهات -نسأل الله العافية- تفسد ابنتها على زوجها، تقول لها: زوجك لا يعطيك نفقة ولا يعطيك حلياً، ولا يذهب بك إلى الاستراحات، ولا يشتري لك سيارة، وما أشبه ذلك، تذهب من عند زوجها مثل الزبد سهلة لينة ثم تأتي وهي حجر؛ لأن أمها ملأت قلبها على زوجها، والعجب أن هذا يأتي من الأم غيرةً من ابنتها أن زوجها يحبها! وكان عليها إذا كان زوجها يحبها أن تشكر الله أن ابنتها محبوبة عند زوجها؛ لأن هذا من مصلحة الجميع.
ومما ينبغي أن يعلم -وهو يخفى على كثير من الشباب والشابات- أنه إذا حصل الدخول وحصل الجماع وجب الغسل سواءٌ أنزل أم لم ينزل، وبعض الجهال يظن أنه لا يجب الغسل إلا إذا أنزل، وهذا غلط، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم ينزل) فيجب الغسل بواحد من أمرين: إما الإنزال ولو بدون جماع، وإما الجماع ولو بدون إنزال.
والجماع والإنزال من باب أولى، انتبهوا لهذا ونبهوا الشباب؛ لأنه يتصل بنا البعض ويقول: له سنة وسنتين وثلاث يجامع الزوجة ولا يغتسل؛ لأنه يظن أن الجماع الذي يوجب الغسل هو الذي يحصل فيه إنزال، وليس كذلك، فنبهوا إخوانكم وأصحابكم على هذا وأشيعوه بين الناس حتى لا يمضي الأمر.(76/8)
طرق الخروج من النكاح
أما بالنسبة للخروج من النكاح فلا بد فيه من شروط، فإن الإنسان يخرج من النكاح إما بالطلاق وإما بالفسخ وإما بالموت إما بالطلاق بأن يطلق الرجل امرأته وينتهي، أو بالفسخ بأن تكون المرأة اشترطت على زوجها شرطاً ولم يفِ به فلها الفسخ، أو يجد الرجل في امرأته عيباً لم يعلم به فله الفسخ، أو يفارق الرجل زوجته على عوض فهذا فسخ، وهل أحد يفارق امرأته على عوض؟ نعم.
كأن تكون العشرة بينهما غير جيدة وتطلب الطلاق فيقول: لا أطلقك إلا بكذا وكذا، فتبذل هي أو وليها، فهذا فسخ، لا ينقص به عدد الطلاق ولا يحتسب من الطلاق، بل هو فسخ وفداء، ولهذا قال الله عز وجل: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] ثم قال {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة:230] أي: الثالثة.
قال ابن عباس: [كل طلاق أجازه المال فهو خلع] أي: أن كل طلاق فيه عوض فإنه خلع، أي: فسخ وليس بطلاق.
ثم الطلاق هل كلما أراد الإنسان أن يطلق يطلق أم لا بد من حدود؟ لا بد من حدود: أولاً: لا تطلق المرأة بعد الدخول وهي حائض، ودليل ذلك قول الله تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] فسر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك بأن يطلقها طاهراً من غير جماع، وذلك في قصة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: فإن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما طلق زوجته وهي حائض، فأخبر عمر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتغير فيه، أي: غضب، لماذا يطلق وهي حائض؟ ثم قال لـ عمر: (مره -أي: مر ابن عمر - فليراجعها ثم ليتركها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً) فالطلاق في الحيض منكر وحرام وتعدٍ لحدود الله، ولكن لو أن الإنسان أحمق فطلق في الحيض فإنه يقع، وهكذا قول العلماء -علماء الأمة- أكثر العلماء ومنهم المذاهب الأربعة يقولون: إذا طلق في الحيض فإنه يقع، وأظهر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا يقع الطلاق في الحيض، ونصر هذا القول واحتج له بما يقبل وما لا يقبل.
فاعلموا -أيها الإخوة- أن طلاق الرجل امرأته في الحيض ليس أمراً هيناً، فلو طلقها في الحيض وقلنا: إنه يقع، وجمهور العلماء على أنه يقع، ثم ردها بدون اعتبار لهذه الطلقة فإنه يطؤها وطء زنا، أكثر العلماء يقولون هذا، والآن مع الأسف الشديد تساهل الناس في هذا الأمر، صار الواحد مباشرة يبت الطلاق وهي حائض ولا يهمه، هذا خطأ عظيم، ثم يأتي إلى أبواب العلماء ويقول: أفتوني، وكان هذا القول أعني القول: بأن الطلاق في الحيض لا يقع، كان هذا القول مهجوراً لا يعرفه الناس في هذه البلاد، حتى ظهرت الفتوى وانتشر أن الطلاق في الحيض لا يقع، وصار الزوج العامي الذي لا يعرف كوعه من كرسوعه إذا طلق في الحيض جاء يستفتي وقال: إني طلقت في الحيض، قال له المفتي: إذاً وقع الطلاق عليك، قال: كيف يقع وأنا طلقت في الحيض والطلاق في الحيض لا يقع؟ وهو عامي جاهل، لكن لما كان له حظ نفس في هذه المسألة صار عالماً يحاج طلبة العلم.
المهم لا تتهاونوا بالطلاق في الحيض، وأنا وإن كنت أرى أنه لا يقع، لكن أرى أن الإنسان على خطر؛ لأن كل الأمة وأئمة الأمة يرون أنه يقع إلا ما ندر، ولهذا في هذا الجمع كل الذين أجابوا قالوا: يقع، وواحد منهم قال: إنه لا يقع، فمثلتم خلاف العلماء تماماً، أكثركم يقول: إنه يقع.
وبالنسبة لي أنا إذا جاءني شخص وقال: إنني طلقت زوجتي في الحيض عام (1410هـ) ، ثم طلقتها طلاقاً صحيحاً عام (1415هـ) ، ثم طلقتها طلاقاً صحيحاً عام (1420هـ) هذه ثلاث طلقات، جاء يستفتيني وأنا أرى أن الطلاق في الحيض لا يقع، فهل أقول: طلقتك الأولى لم تقع ولك المراجعة؟ أنا شخصياً لا أفتي بهذا، أقول: طلقتك الأولى وقعت، والدليل: لو أنها حين انقضت عدتها من طلقتها الأولى تزوجت إنساناً هل يأتي زوجها الذي طلقها ويقول للرجل: أنت الآن استحللت امرأتي؟ لا يأتي أبداً، إذاً الذي عندي أنه لو جاءني الرجل الذي طلق في الحيض في العدة فهنا أقول: طلاقك غير واقع والزوجة في عصمتك؛ لأنها لم تحل لغيرك الآن، لكن بعد أن انقضت العدة وندم وجاء يريد أن يفسد الأول لا أفتيه بأنه لم يقع، بل أقول: وقع، ويحسب عليك من الطلاق، انتبهوا إلى الخطة التي مشيت عليها تأسياً بـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين ألزم الناس بوقوع الطلاق الثلاث المجموعة لما انتهكوا حرمات الله وصاروا لا يبالون بالطلاق الثلاث المجموعة، وبعض العلماء السابقين رحمهم الله أشار إلى هذه المسألة وقال: إن الرجل إذا طلق زوجته الطلقة الثالثة جاء يقول: إن أحد الشهود على عقد النكاح غير عدل، فاسق، من أجل أن يبطل العقد؛ لأنه ليس بشهود عدول، وإذا بطل العقد بطل الطلاق المبني على العقد، فلا يحسب عليه، انظر هذا الرجل -والعياذ بالله- يتبع هواه، لما كان يستحل زوجته ويطؤها ليلاً ونهاراً صار الشاهد على العقد عدلاً، ولما ضاقت عليه الحيلة صار الآن غير عدل، هذا تلاعب بآيات الله عز وجل، أقول: إن بعض العلماء المعاصرين قبل مدة ذكر هذا في بعض أجوبته المطبوعة.
على كل حال لا يطلق في حيض.
ثانياً: لا يطلق المدخول بها في طهر جامع فيه، إلا أن تكون حاملاً فلا بأس؛ لأنه لو جامع ثم طلق بعد الجماع فبماذا تعتد: أتعتد بالحمل أم بالحيض؟ إن قلت: بالحمل، قلنا: لا، لاحتمال أنها لم تحمل، وإن قلت: بالحيض، قلنا: لا تعتد بالحيض؛ لأنها تحتمل أنها حملت، انتبه للحكم العظيمة في الشريعة الإسلامية! فإذا طلق في طهر جامع فيه فهو حرام؛ لأنه لم يطلق لعدة متيقنة، يحتمل أن تكون حاملة فعدتها وضع الحمل، ويحتمل ألا تكون حملت فعدتها بالحيض، فلما صار هذا محتملاً صار هذا حراماً؛ لأن الله تعالى قال: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق:1] وإذا كنا لا ندري أعدتها عدة الحامل أم عدة غير الحامل لم نكن أحصينا العدة، وقد قال الله عز وجل: ((وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ)) [الطلاق:1] .
إذاً: يحرم طلاق المرأة المدخول بها إذا كانت حائضاً، أو في طهر جامع فيه أما إذا كانت في طهر لم يجامع فيه فالطلاق جائز، وإذا كانت حاملاً فالطلاق صحيح ولو جامعها ولو لم يغتسل من جماعها.
وغير المدخول بها إذا طلقها وهي حائض رجل عقد على امرأة والدخول بعد شهر، وفي أثناء هذه المدة طلقها، فالطلاق هنا حلال؛ لأنه ليس عليها عدة، وقد قال الله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] فإذا طلقها قبل الدخول والخلوة فلا عدة، ويطلق متى شاء ولو حائضاً.
السؤال
لو طلقها وهي نفساء عليها الدم حلال أم حرام؟ حلال؛ لأنه طلق للعدة، إذ أن النفساء إذا طلقت شرعت في العدة من حين الطلاق، فيكون قد طلق للعدة، فإذا أورد علينا شخص فقال: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لـ عمر: (مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً) فنقول: هو يخاطب رجلاً طلق امرأته في حيض، والمعنى: طاهرة من الحيض لا مطلق الطهر، وعلى هذا فالطلاق في النفاس جائز وليس بطلاق بدعي، وهو نافذ؛ لأنه إذا طلقها في هذه الحال فقد طلق للعدة.(76/9)
الأسئلة(76/10)
نصيحة في التقليل من تكاليف الزواج
السؤال
فضيلة الشيخ! هل من نصيحة للإخوة الحاضرين والسامعين في التقليل من تكاليف الزواج من مهر وغيره، وبطاقات الزواج التي مصيرها إلى القمامة وقد تساوي خمسة إلى عشرة ريالات، ولو وضعت على شريط أو كتاب بريال أو ريالين لنفع الله بها وحفظت هذه البطاقة ونشر الخير بذلك الزواج؟
الجواب
أنا أنصح إخواني المسلمين عن الإسراف في المهور والمغالاة فيها وعن الإسراف في الولائم، فإن النكاح ليس بغريب، كل بني آدم يتزوجون، فليس أمراً غريباً حتى نسرف في مناسباته، هو أمر طبيعي، فليكن طبيعياً (وأعظم النكاح بركة أيسره مؤونة) وكلما سهَّل الإنسان مؤونة النكاح صار ذلك سبباً في الالتئام بين الزوجين وحسن العشرة بينهما؛ لأن ذلك من بركته، فنصيحتي لإخواني أولاً: ألا يغالوا في المهور.
ثانياً: ألا يغالوا في الولائم بلغني أنه يوجد في بعض البلدان من ينفق مائة ألف ريال على وليمة واحدة أو أكثر، باستجلاب المغنيات والمغنين، واستئجار الفنادق الرفيعة، وما أشبه ذلك، هذا خطأ عظيم وإسراف يخشى من العقوبة.
ثالثاً: ألا يغالوا في بطاقات الدعوة أحياناً تأتيك البطاقة تساوي عشرة ريالات أو أكثر وهي -كما قال السائل- مرجعها إلى القمامة، ومع ذلك إذا وجه الدعوة إلى مائة رجل فستكون قيمتها ألف ريال، وهذا خطأ عظيم، حتى الذين تأتيهم البطاقة -وأنا منهم- أرق لهؤلاء الإخوان وأرحمهم وأقول: مساكين! بذلوا الأموال في غير طائل، أرأيت لو أنهم صوروا على آلة التصوير ألف نسخة، ولتكن بخمسين ريال وتغني عن هذا، والمقصود إشعار المدعو بأنه عند الداعي له منزلة يحتاج أن يوجه الدعوة إليه.
رابعاً: الإسراف في ليالي الزفاف في ملابس النساء التي يصدق على بعضها ما جاء في الحديث: (نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات) وأقبح من ذلك أن يقوم الرجل وزوجته على المنصة، وربما يقبلها، وربما يعطيها الحلوى أو التفاح، وربما تأكل بعض التفاح وتعطيه يأكل بعضه أو بالعكس! بالله عليكم هل هذا يثير الشهوة أم لا؟! نعم.
يثير الشهوة الراقدة التي ما تعرف الحياء، وأقبح من ذلك أن تؤخذ صورة الرجل والمرأة بالفيديو، يزعمون أنها للتذكار، وهي فضيحة وإنكار! وشر من ذلك أن يرى النساء أمامه متبرجات متطيبات لابسات أحسن ثياب، وربما تكون الواحدة منهن بالنسبة إلى زوجته كالقمر بالنسبة إلى السهى، السهى نجم ضعيف، فيتعلق قلبه بمن يشاهد من النساء ويعرض عن زوجته، وتكون ليلته سوداء ولو في الليالي المقمرة؛ لأنه رأى من النساء من نكد عليه حياته، هو في نفسه يشعر بأن زوجته أجمل النساء وأنها خير النساء، فتأتي هذه المرأة التي شاهدها في هذا الحفل فتغطي محاسن زوجته، والعجيب أن الذي يدعو هؤلاء النساء هم أهل الزوجة، فهم يخربون بيوتهم بأيديهم! يأتون بهؤلاء النساء حتى تكون زوجته فيهن رخيصة، وهذا والله من المنكر، ولم يحدث إلا أخيراً، وأنا أحبذ أن يأتي الزوج بعد صلاة العشاء إلى بيت الزوجة ومعه أنفار قليل، فيجلسون ويتحدثون بنحو ربع ساعة ويشربون القهوة والشاي ثم يقولون: السلام عليكم، بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير.
ويقول قائل منهم: بارك الله لمن زار وخفف، وهم لم يبقوا إلا ربع ساعة، والآن يبقون إلى الفجر، والله بلغني أنهم يبقون إلى الفجر، ويديرون رأس الزوج، مسكين! هو معهم كالشاة يمشي ويتعب ويمل، فإذا وصل إلى الصفر من قوته البدنية والجنسية أدخلوه على زوجته، ما الفائدة؟ الآن من حين يدخل إلى أين يذهب؟ إلى الفراش، إلى النوم مباشرة من أين جاءتنا هذه العادات؟ المثال الذي ذكرته لكم بعد ربع ساعة من صلاة العشاء أو نصف ساعة إلى الأكثر يأخذون بيد الزوج ويدخلونه على زوجته في بيت أبيها، نكاح هادئ جميل لذيذ موافق للفطرة، ولكن كما قيل: في الترف التلف.
وهذا هو المطابق للواقع، كلما ازداد الناس ترفاً ازدادوا تلفاً وتهالكاً، فنسأل الله الهداية.(76/11)
حكم التعدد من أجل مجاراة الناس أو لتأديب الزوجة
السؤال
بما أن الحديث حول مناسبات الأعراس هذا سؤال: ما رأي فضيلتكم فيمن يتزوج امرأة ثانية بقصد المجاراة للغير، أو من أجل أن يؤدب زوجته كما يزعم، وغالباً ما يفشل هذا الزواج؟
الجواب
أما من حيث تعدد الزوجات، فهل الأفضل التعدد، أو الأفضل الإفراد؟ في هذا للعلماء قولان مشهوران: القول الأول: أن الأفضل أن يقتصر على واحدة.
وهذا هو المشهور في مذهب الإمام أحمد رحمه الله عند أصحابه المتأخرين، قالوا: يسن أن يتزوج نكاح واحدة، وعللوا ذلك: بأنه أبعد عن الجور، وأجمع للقلب، وأبعد عن التشويش.
وقال آخرون: بل الأفضل أن يعدد؛ لأنه أكثر في تحصيل مصالح النكاح.
والقول بالتعدد أقرب إلى الصواب من القول بالإفراد، لكن من تزوج لقصد مجاراة الغير ومماراتهم فهذا قصد سيئ مذموم، النساء لسن ثياباً يلبسهن الرجال، فإذا لبس الآخرون ثوباً جديداً لبس هو ثوباً جديداً، بل المرأة مكرمة لها حقها، ومن تزوج من أجل تأديب زوجته فلا حرج؛ لأن بعض النساء لا يؤدبهن إلا النساء، ولهذا يقال: أدبوا النساء بالنساء.
وكثيرٌ من النساء تكون ناشزة لا تؤدي زوجها الحق الواجب له، فيريد أن يبسط نفسه وأن يتزوج عليها، وإذا تزوج عليها فمنهن من تستقيم ومنهن من تزيد نشوزاً، وحينئذٍ يبت طلاقها ويدعها عند أهلها.
فالمهم أن التزوج لتأديب الزوجة الناشز لا بأس به، وأما التزوج لمجاراة الناس فلا.(76/12)
حكم الزواج بالكتابية
السؤال
ما حكم الزواج بالكتابية إما يهودية أو نصرانية؟
الجواب
ليس لنا أن نحكم إلا بما حكم الله به يا أخي! وقد قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة:5] أي: حلال، فيجوز للرجل أن يتزوج اليهودية أو النصرانية، هذا هو الأصل، لكن إذا خاف الإنسان على نفسه أو ولده من أن يتزوج باليهودية أو النصرانية مُنع من ذلك لا لأن المرأة حرام، ولكن لخوف أن يقع في الحرام، فإذا كان رجلاً ضعيف الدين وأعجبته امرأة يهودية ولا يأمن نفسه أن تجره إلى دينها، فهنا نمنعه ونقول: يحرم عليك؛ لأن زواجك بها وهو حلال ذريعةٌ إلى الوقوع في الحرام، وكذلك لو خاف على أولاده؛ لأن بعض الناس أشباه الرجال وليسوا برجال رجلٌ في ثيابه، ورجلٌ في شماغه، ورجلٌ في مشلحه، لكن حقيقته امرأة، فإذا خاف أن يفسد أولاده على يدها فلا يتزوجها، وكذلك يقال في النصرانية.
والحاصل: أن الأصل جواز تزوج المسلم باليهودية أو النصرانية ما لم يخش المحذور، فإن خشي المحذور منع.
وهكذا -يا إخواني- كل شيء مباح، إذا كان يخشى منه المحذور فإنه ينقلب حراماً، انتبه إلى هذه القاعدة وخذها يا طالب العلم ويا العامي أيضاً؛ لأنها سهلة جداً: كل شيء مباح إذا خشي منه المحذور فإنه يكون حراماً.
وهنا نكتة أقصها عليكم حتى تعلموا أن الإنسان الذي على فطرته عنده من الجواب ما ليس عند العالم المنحرف، يقال: إن رجلاً من أهل نجد اجتمع بنصراني أظنه في مصر، وجرى الحديث بينهما كما يجري الحديث بين الجالسين كثيراً، فقال له النصراني: أنتم أيها المسلمون ظلمة، قال: كيف؟ قال: لأنكم تبيحون لأنفسكم أن تتزوجوا منا ولا تبيحون لنا أن نتزوج منكم.
هل هذا صحيح هذا أم غير صحيح؟ فيه تفصيل، فقوله: أنكم ظلمة، غير صحيح، وقوله: تبيحون ولا تبيحون، صحيح، فقال له العامي: نحن نؤمن بنبيكم وأنتم لا تؤمنون بنبينا، سبحان الله! جواب مفحم مقنع، آمنوا بنبينا ولكم أن تتزوجوا منا.
وهذا جواب سليم.
وآخر قدح في النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: إن زوجته فيها ما فيها، ورماها بالإفك، وهو نصراني، قال: نبيكم هذا -قاتله الله، قاتل الله النصراني- يقول: نبيكم هذا عنده زوجة، وذكر الإفك، المنافقون رموها بالإفك، رموا عائشة بأنها زانية والعياذ بالله! فقال له العامي: إن كان نبينا قد اتهمت زوجته ورميت بالزنا فإن نبيكم قد اتهمت أمه ورميت بالزنا.
هل هذا صحيح أم غير صحيح؟ صحيح؛ لأن اليهود يرون أن مريم عليها السلام زانية، قالوا: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} [مريم:28] فيا أخي: سبحان الله! الجواب على الفطرة يكون غالباً مقنعاً.
السائل: نقرها على ما تفعله كشرب خمر وما إلى ذلك؟ الشيخ: نعم.
هل إذا تزوج امرأة يهودية أو نصرانية فإنه يقرها على ما تراه حلالاً في دينها.(76/13)
حكم سماع الشهود موافقة الزوجة
السؤال
هل يشترط للشهود في النكاح سماع موافقة الزوجة؟ وهل يكون الشهود من محارمها أم من غيرهم؟ لأن الذي يحصل يا شيخ أن المأذون ووالد الزوجة والشهود يجتمعون في مكان ويقررون، ويذهب أحد محارم الزوجة ويأخذ توقيعها على هذا.
الجواب
أولاً: لا بد أن نعلم أن المشهور من المذهب أن الشهود في النكاح يشترط ألا يكونوا من أصول الزوج ولا من فروعه، ولا من أصول الولي ولا من فروعه، ولا من أصول الزوجة ولا من فروعها، وعلى هذا فلو كان أحد الشهود والد الولي لم يصح، أو كان الشهود ابن الزوج لم يصح، ولكن هل تشترط الشهادة على رضى الزوجة أم لا؟ في ذلك خلاف، والمذهب أنه سنة وليس بواجب، لكن نظراً لما يحدث في وقتنا الحاضر من المخاصمات ونحوها نرى أنه لا بد أن يشهد الشهود على إذن الزوجة.
السائل: هل يسمعون موافقتها يا شيخ؟ الشيخ: إذنها يعني موافقتها، ولكن بعض النساء إذا كانت أختها التي تريد الزواج لا تعرف تكتب تحضر التي تعرف تكتب وتكتب اسم أختها وتوقع عليه، وهذا حرام لا يجوز، بل الواجب أن تحضر الزوجة وإن لم تعرف الكتابة ويؤخذ إذنها ويكتفى بذلك.(76/14)
منهج الرسول عليه الصلاة والسلام مع زوجاته عند الخلاف
السؤال
أحياناً يحصل بين الرجل وزوجته سوء تفاهم فيهجرها في المضجع ولا يتكلم معها، وإذا دخل المنزل لا يسلم عليها، فهل هذا العمل موافق لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجر؟ وما هو منهج الرسول عليه الصلاة والسلام مع زوجاته عند الخلاف؟
الجواب
من الخطأ والغلط أن تصل الحال بالزوجين إلى هذا، أن يهجرها في المضجع ويهجرها في الكلام، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بيته يقوم بأعمال البيت حتى تأتي الصلاة فيخرج إلى الصلاة، فلا ينبغي للإنسان أن يهجر أهله حتى لو أخطئوا فليتحمل وليصبر؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة -أي: لا يكرهها- إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن النساء خلقن من ضلع وأعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن استمتعت بها استمتعت بها على عوج) وهذا الهجر لا يزيد الأمر إلا شدة، بل عليه أن يصبر ويتحمل ويلاطف الزوجة ويكلمها على قدر عقلها حتى تتم الأمور، والزوجة يكفيها ابتسامة فقط تزيل عنها كل ما في قلبها، ويكفيها ضد ذلك عبوس في الوجه فتنفر، فليراعي الإنسان هذه الأحوال ليعيش مع زوجته عيشةً هنيةً رضية.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء.(76/15)
اللقاء الشهري [77]
في هذا اللقاء تفسير الآيات الأخيرة من سورة الأحزاب، مع شرح وتوضيح معنى عرض الأمانة، وبيان آيات المنافقين، وسمات المشركين، وصفات المؤمنين.
وفي آخره الحديث عن التوبة، وشروط قبولها، والإجابة عن أسئلة الحاضرين.(77/1)
تفسير أواخر سورة الأحزاب
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة المكرمون: إن من نعمة الله عز وجل علينا في هذا العصر أن يسر لنا المواصلات والاتصالات، فها نحن نتكلم من هنا من الجامع الكبير في عنيزة ويسمعنا إخوانٌ لنا في بلاد أخرى بدون مشقة وبدون كلفة، بينما كان الناس في الأول لا يتواصلون إلا بعد مدة، ولكن من نعمة الله عز وجل أن يسر المواصلات في الطائرات والسيارات والبواخر وكذلك الاتصالات، فلله الحمد والنعمة.(77/2)
تفسير قوله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ)
ثم إننا في هذه الليلة، أعني ليلة الأحد الحادي والعشرين من شهر ربيع الآخر، سوف نتكلم على قول الله عز وجل: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72] .
قوله عز وجل: {إِنَّا عَرَضْنَا} [الأحزاب:72] ، تحدث الله عن نفسه بصيغة الجمع: {إِنَّا عَرَضْنَا} [الأحزاب:72] فلماذا؟ للتعظيم، لتعظيم نفسه عز وجل؛ لأنه سبحانه العظيم الذي لا أعظم منه، وقد شبه النصارى على عوام المسلمين فقالوا: إن الله سبحانه وتعالى متعدد لأنه يقول: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} [الأحزاب:72] ، ويقول: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى} [يس:12] ، ويقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} [الحجر:9] ، فيشبهون؛ لأن هذه الضمائر تدل على الجمع، لكنها في اللغة العربية تدل على الجمع وعلى التعظيم، وهؤلاء عموا عن قول الله عز وجل: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:163] ، وهكذا كل من في قلبه زيغ يتبع ما تشابه من القرآن والسنة فيضرب بعضه ببعض، ولكن يقيض الله عز وجل لدينه من يحفظه ويدفع هذه الشبهات ويبين الحق فيها، فمن هؤلاء؟ هؤلاء هم الراسخون في العلم؛ لقول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} [آل عمران:7] ، أي: القرآن {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران:7] ، ذكر قسمين: آيات محكمات، وأخر متشابهات {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران:7] ، أي: ميل عن الحق وضلال {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران:7] ويدعون المحكم {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} [آل عمران:7] ، أي: فتنة الناس عن دينهم {وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران:7] أي: تحريفه على ما يريدون.
إذاً: قوله عز وجل: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} [الأحزاب:72] ، {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى} [يس:12] ، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} [الحجر:9] ، وأشباهها من الآيات يراد بها التعظيم {عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} [الأحزاب:72] أي: القيام بما يجب، {عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ} [الأحزاب:72] سبحان الله! مخلوقات عظيمة عرض الله عليها الأمانة هل تقوم بها أم لا؟ قال الله عز وجل: {فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا} [الأحزاب:72] ، (أبين) أي: امتنعن عن حملها لأنها مسئولية عظيمة، ولعل قائلاً منكم يقول: كيف تعرض الأمانة على جماد؟ ف
الجواب
الجماد وذو الشعور أمام أمر الله على حد سواء، يوجه الله الخطاب إلى الجماد فيجيب الله عز وجل؛ لأن كل شيء بالنسبة لله على حد سواء، واسمع قول الله عز وجل: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} [فصلت:11] ، هذا أمر موجه للجماد {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:11] ، هذا الجواب، أجابت هذه الجماد لله عز وجل.
ولما تجلى الله عز وجل للجبل حين قال موسى: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143] شوقاً إلى الله عز وجل، {قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف:143] ، فنظر موسى إلى الجبل بعد أن تجلى الله له فجعله دكاً، اندك لعظمة الله عز وجل وخشيته، فخر موسى صعقاً، غشي عليه؛ لما رأى من الهول العظيم، جبل أمامه صخر عظيم اندك في لحظة! ومن المعلوم أن الإنسان لا يتحمل هذا {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف:143] .
أيها الإخوة: لقد قال الله عز وجل: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ} [الحشر:21] ، هذا القرآن وهو كلام الله وصفةٌ من صفاته {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:21] .
عرض الله الأمانة على السماوات والأرض والجبال {فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} [الأحزاب:72] خفن منها ألا يقمن بواجب الأمانة، {وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ} [الأحزاب:72] الله أكبر! حملها الإنسان، بماذا حملها؟ بما أعطاه الله من العقل والتفكير وبما أرسل إليه من الرسل وبين له السبل وهداه، (إنه) أي: الإنسان، (كان ظلوماً جهولا) .
وقوله: (إنه) قال بعض أهل العلم: الضمير يعود على الإنسان الكافر هو الظلوم الجهول، ليس عائداً على كل إنسان؛ لأن المسلم ذو عدل وذو علم وذو رشد، فالإنسان الذي كان ظلوماً جهولاً هو الكافر، أما المؤمن فلا يمكن، المؤمن يمنعه إيمانه عن الظلم، ويمنعه إيمانه عن السفه والغي.(77/3)
تفسير قوله تعالى: (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ)
ثم قال عز وجل: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:73] المعنى: أن الله عز وجل بين لنا الأمانة، وأنه عرضها على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان لأجل هذه النتيجة، وما هي النتيجة؟ {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:73] هؤلاء ثلاثة أقسام انقسم إليها الخلق: الأول: المنافقون.
الثاني: المشركون.
الثالث: المؤمنون.
انتبه يا أخي وانظر سبيل من تسلك.(77/4)
المنافقون وصفاتهم
قال تعالى: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ} [الأحزاب:73] فمن هم المنافقون؟ المنافقون: هم الذين يظهرون الإسلام ويخفون الكفر، يظهرون الإسلام ويقولون: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ويحضرون الصلاة، ويتصدقون، لكن قلوبهم خربة خالية من الإيمان، أعاذني الله وإياكم من ذلك! اللهم أعذنا من النفاق.
هذا الصنف من الناس خرج حينما صار للمسلمين قوة وعزة، لكن في مكة قبل الهجرة ليس هناك منافق، الناس إما مؤمن صريح وإما كافر صريح، لكن لما قويت شوكة المؤمنين وخصوصاً بعد أن هزم الكفار في بدر، وقد كانت في السنة الثانية من الهجرة في رمضان -لما هزم المشركون بدأ النفاق؛ لأنهم -أي: المنافقين- عرفوا أن محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم سيظهر دينه، فصاروا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، وأنزل الله فيهم سورة كاملة من طوال المفصل، وهي قوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ.
} [المنافقون:1] فكانوا يحضرون الصلاة، لكنهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، ويتصدقون لكنه رياء وسمعة، ويأتون إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ويقولون: نشهد إنك لرسول الله، سبحان الله! فماذا قال الله فيهم؟ قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1] أي: لكاذبون في قولهم: نشهد؛ لأنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، ولذلك إذا احتاجوا إلى هذه الكلمة عجزوا عنها، فإن المنافق إذا دفن في قبره وتولى عنه أصحابه أتاه ملكان يسألانه: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلت! يقول: لا أدري؛ لأنه ليس في قلبه إيمان، والآخرة مبنية على السرائر لا على الظواهر، أما الدنيا فمبنية على الظواهر، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين استؤذن في قتل المنافقين، قال: (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) ، وفي الآخرة العبرة بالسرائر {أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:9-10] {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق:8-9] اللهم طهر سرائرنا، اللهم طهر سرائرنا، اللهم طهر سرائرنا يا رب العالمين، وأمتنا على الإيمان والتوحيد.
أيها الإخوة: المنافقون لهم روغان عن الحقائق، ولذلك كان من صفاتهم أنهم إذا حدثوا كذبوا، وأكذب حديث أنهم يقولون: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وهم كاذبون في هذا لا يؤمنون به، وإذا عاهدوا غدروا، لا يوفون بالعهد؛ لأنه ليس عندهم إيمان يحملهم على الوفاء بالعهد، وإذا خاصموا فجروا؛ فجحدوا ما يجب عليهم وادعوا ما ليس لهم، وإذا ائتمنوا خانوا.
أخي المسلم: هذه علامات النفاق، هذه علامات النفاق، هذه علامات النفاق، فاحذر أن تتصف بواحدةٍ منها؛ لأن نبينا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم حذرنا منها.
والآن لو نظرت في واقع المسلمين اليوم لوجدت كثيراً منهم إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا اؤتمن خان.
إن كثيراً من المسلمين وليس أكثرهم، فالحمد لله أكثرهم مستقيم، لكن فيهم من إذا حدثك كذبك، وإذا وعدك أخلفك، وإذا عاهدك غدر بك، وإذا خاصمك فجر بك، وما أكثر الذين يأتون إلينا يشكون من كفلائهم! أتى به على عقد معلوم بينهم ثم لا يفي بالعهد ولا يفي بالعقد، يماطل بالأجرة وربما ينكرها، ويؤذي العامل ويحمله ما ليس واجباً عليه وهكذا.
وهناك -أيضاً- من إذا اؤتمن خان، وما أكثرهم! إذا اؤتمنوا خانوا، وما أكثر الخيانة في كثير من الناس! ومن ذلك -مثلاً- أن يعرض الإنسان سلعته فيأتيه الزبون ليشتري فيقول: كم قيمة هذه؟ فيقول: ألف ريال، وقيمتها في الحقيقة خمسمائة، لكن استغل فرصة جهل هذا المشتري بالثمن وقال: بألف ريال، هذا جمع بين الكذب والخيانة والغدر، ثلاث صفات من صفات المنافقين، وما يدري أن ما ترتب على هذا الكذب من كسب مادي فهو حرام، ويوشك من أكل الحرام ألا تستجاب دعوته؛ لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!) ومن الخيانة في الأمانة: ما يفعله كثيرٌ من أولياء النساء في التزويج، فتجده يخطب منه الرجل الصالح المستقيم في دينه وخلقه ولكن إذا عرف أنه لن يعطيه مالاً رده، وقال: البنت صغيرة، البنت مخطوبة لغيرك، وما أشبه ذلك، ثم يزوجها ابن عمها الذي ليس عنده خلق ولا دين، أو يزوجها من ليس ابن عمها ولكن أكثر الدراهم لأبيها، وهذه والله خيانة، وستطالبه البنت يوم القيامة، وحينئذٍ يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لماذا تحجب المرأة عن خاطبها الكفء من أجل مصلحتك الخاصة؟ أليس هذا من الخيانة؟! أليس هذا من الظلم؟! سبحان الله! لو أنك أنت أيها الأب خطبت امرأة ثم منعت منها لاستكبرت هذا الشيء وعددته ظلماً وجوراً، والعجب أن هؤلاء يظلمون أقرب الناس إليهم وهنَّ بناتهم اللاتي هنَّ بضعةٌ من الأب وقطعة وجزء منه، ومع ذلك يظلمها هذا الظلم، يحجزها لابن عمها، أو يقول: لا تتزوجي رجلاً من غير القبيلة، أو ما أشبه هذا! هذا من المنكر، وللقضاة أن يتدخلوا في هذا الموضوع، بمعنى: أن المرأة إذا خطبها كفءٌ لها وأبى أبوها فلها أن ترفع الأمر إلى القاضي ويقول لأبيها: زوجها وإلا زوجتها أنا أو من يليك في الولاية من عصبتها.
ومن الخيانة وهي من صفات المنافقين: ما ذكره الله عز وجل في قوله: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين:1-3] ، إذا استوفى لنفسه استوفى كاملاً، وإذا كال لغيره نقص، (يخسرون) أي: ينقصون، قال الله عز وجل: {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:4-6] .
ومن الخيانة في الأمانة: ما يفعله بعض الناس في أهله، يرضيهم بما حرم الله عليهم، فيجلب لهم من وسائل الإعلام المنظورة والمقروءة والمسموعة ما فيه البلاء والشقاء، وهذا خيانة للأمانة، وسوف يحاسب عند الله عز وجل يوم القيامة، لقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] ، فجعل وقاية الأهل كوقاية النفس، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته) ، مسئول أمام الله يوم القيامة.
أسأل الله أن يعينني وإياكم على أداء هذه الأمانة الكبرى.
عليك أن توجه أهلك من بنين وبنات وزوجات وغيرهن ممن لك ولاية عليهن، أن توجههم إلى الطريق السوي، الطريق المستقيم، ولا تظن أنك بريء من المسئولية أبداً، فقد حملك إياها الله رب العالمين وحملك إياها رسول رب العالمين محمدٌ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ومن النفاق: أن بعض الناس يرائي، بمعنى: أنه يفعل العبادة ليقول الناس: إن فلاناً عابد.
اللهم أعذنا من الرياء ومن راءى راءى الله به، وسوف يفضحه إما في الدنيا وإما في الآخرة.
ومن ذلك أيضاً: أن يتصدق بشيء أمام الناس ليقولوا: فلان كريم، لا ليتقرب إلى رب العالمين، وهذا الرياء مبطلٌ للعمل، قال الله عز وجل في الحديث القدسي الصحيح: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) ، ولما سئل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الرجل يقاتل أعداء الله، يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) ، فالمراءاة في العمل محبطة له، ويا أخي المسلم! ماذا ينفعك الناس؟ ماذا ينفعونك إذا راءيتهم؟ وماذا يضرونك إذا أخلصت العمل لله وتركتهم؟ إنهم لن يضروك شيئاً بالإخلاص، وإنهم يضرونك بالرياء، وأنت الذي أضررت بنفسك.
فاحذر أخي من النفاق، احذر من النفاق العقدي والعملي، العقدي في القلب أجارني الله وإياكم منه، والعملي بالجوارح.(77/5)
المشركون وصفاتهم
قال تعالى: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ} [الأحزاب:73] المشرك: من اتخذ مع الله إلهاً يعبده، أو اتخذ مع الله رباً يعتقد أن له تدبيراً في الكون، والمشرك كافر واضح وليس منافقاً، يظهر شركه علناً ويقاتل المؤمنين من أجله، مثل مشركي قريش، أليسوا قاتلوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عمداً؟ أليسوا أخرجوه وأصحابه من ديارهم؟ أليسوا يسيئون إليه بالقول وبالفعل؟ يقولون: إنه ساحر، إنه مجنون، إنه كاذب، وأساءوا إليه بالفعل أيضاً؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يومٍ ساجداً تحت الكعبة، آمن مكان على الأرض ذلك المكان، وهو محترم معظم عند قريش إلا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كان ساجداً لله عز وجل فقالوا: من يذهب إلى جزور بني فلان ويأتي بسلاها القذر المكروه منظراً ويضعه على ظهر محمد؟ فانتدب لذلك أشقاهم والعياذ بالله! فذهب وأتى بسلا الناقة الذي يخرج منها عند الولادة، فألقاه على ظهر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو ساجد بالله عليكم أفي هذا إهانة للرسول؟! بلى والله أفي هذا إهانة للمسجد الحرام؟ بلى والله، والعجب أنه لو جاء بدوي جاهل يسجد تحت الكعبة لعظموه واحترموه، وهذا النبي الكريم الذي هو أولى بالكعبة من هؤلاء المشركين يفعل به هذا! لماذا؟ لأن المشركين لا يبالون، يعلنون بشركهم ولا يبالون، ما عندهم نفاق.
هذا الصنف الثاني من الناس.(77/6)
المؤمنون وصفاتهم
الصنف الثالث: قال تعالى: {وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:73] ، اللهم تب علينا يا رب العالمين يتوب الله على المؤمنين الموحدين الذين ليس عندهم نفاق، فهم موحدون ضد المشركين، وهم خالصون ضد المنافقين، يتوب الله عليهم، حتى لو أنهم تابوا من الشرك ومن النفاق تاب الله عليهم، لقول الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] وكم من مشرك منابذ للدعوة الإسلامية تاب فتاب الله عليه.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ضد الدعوة الإسلامية، فأسلم وكان الخليفة الثاني في هذه الأمة.
خالد بن الوليد، وعكرمة بن أبي جهل، وغيرهم من صناديد قريش وكفارها أسلموا فتاب الله عليهم.
أبو سفيان زعيم قريش، كان يقول يوم أحد: اعلُ هبل.
لأن أبا سفيان لما انتهت الحرب وصارت الهزيمة على المسلمين لأنهم حصل منهم ما يوجب الهزيمة، افتخر وقال: أفيكم محمد؟ قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تجيبوه) لماذا؟ إهانة له، وحتى يربو بنفسه بعد ذلك ويفتخر، انظر يا أخي إلى الحكمة النبوية، وهكذا وقع، ثم قال: أفيكم ابن أبي قحافة؟ أفيكم عمر؟ قال: (لا تجيبوه) حينئذٍ افتخر وانتفخ ورأى أنه حصل على كل شيء، فقال: اعلُ هبل.
وهبل صنم لقريش وسط الكعبة، والمعنى: ما أعلاك اليوم! اليوم أنت العالي، ثم قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أجيبوه) ، الآن حمي الوطيس، وصلت المسألة إلى الباري عز وجل، قال: (أجيبوه، قالوا: بماذا نجيبه؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل، فقالوا: الله أعلى وأجل) ، إذا كنت اليوم تفتخر بصنمك بأنه عالٍ فالله أعلى وأجل، ثم قال أبو سفيان لما رد عليه بالتوحيد أتى عن طريق الرسالة، قال: يوم بيوم بدر والحرب سجال.
كيف يوم بدر؟ يوم بدر كان النصر للمسلمين، وقتل من صناديد قريش وكبرائهم ما هو معلوم قال: يوم بيوم بدر، أي: اليوم غلبناكم وأنتم غلبتمونا يوم بدر، والحرب سجال، أي: مرة لكم ومرة عليكم، فأجابوه: لا سواء، لا سواء -أي: بين اليومين- قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.
وهل هذان اليومان على حد سواء بعد أن كان قتلى المسلمين في الجنة وقتلى الكفار في النار؟ لا.
أنا المقصود من هذا أن المشركين يصرحون بمنابذة المؤمنين، وأن الإنسان إذا تاب ولو كان مشركاً منابذاً تاب الله عليه؛ فهذا الرجل أبو سفيان أسلم وصار من الصحابة، لكنه تأخر إسلامه فتأخرت مرتبته.
إذاً: من تاب تاب الله عليه، حتى من الشرك، وحتى من النفاق، وحتى من الاستهزاء بالله وآياته، والدليل على أن التائب من النفاق يتوب الله عليه قول الله عز وجل: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتي اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:145-146] ، لكن لاحظ أن الله ذكر أشياء مهمة {الَّذِينَ تَابُوا} [النساء:146] أي: رجعوا من النفاق إلى الإيمان الخالص {وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ} [النساء:146] توكلوا عليه واعتصموا به {وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ} هذه ثلاثة أوصاف {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:146] .
والمستهزئ بالله وآياته هل تصح توبته؟
الجواب
نعم تصح، والدليل: قول الله عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة:65] ، أي: سألت المستهزئين؛ لأنهم كانوا يستهزئون ويقولون: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء -يعنون: النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه- ما رأينا مثلهم أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء.
وكذبوا والله، هذه الأوصاف في المنافقين تماماً، قال الله عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً} [التوبة:65-66] إذاً معناه: أن هؤلاء قد يعفو الله عنهم وذلك بالتوبة، فمن تاب مهما كان شركه وكفره فإن الله يتوب عليه.
وهؤلاء الذين تابوا من الكفر وقد قتلوا من قتلوا من المسلمين هل يلزمهم ضمان المسلمين الذين قتلوهم؟ لا يلزمهم، لقول الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} [الأنفال:38] ولهذا لو رأى شخص شخصاً كان كافراً وقد قتل أباه ثم أسلم فإنه لا يجوز له أن يقتله؛ لأن إسلامه عصمه وغفر له به ما سلف.
قال تعالى: {وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:73] أيها الأخ العربي النحوي: تشكل عليك هذه الجملة: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:73] أي: كان فيما مضى، والآن؟ كان فعل ماضي، نقول: (كان) هنا لا يقصد بها الزمان، بل يقصد بها تحقيق اتصاف الله عز وجل بالمغفرة والرحمة، فهي كما يقول النحويون: مسلوبة الزمان، والمقصود بها التوكيد، فالله تعالى متصف بالمغفرة والرحمة دائماً وأبداً.(77/7)
شروط التوبة
وهنا يجدر بنا أن نتكلم عن شروط التوبة هل كل من قال: تبت إلى الله يكون تائباً؟ لا بد من شروط، وشروط التوبة خمسة: الأول: الإخلاص لله عز وجل.
فمن تاب رئاء الناس فلا توبة له، ومن تاب خوفاً من سوط السلطان فلا توبة له، فلابد فيها من الإخلاص لله عز وجل، وإن كان الإنسان قد يحمله خوفه من السلطان على التوبة، لكن يتوب إلى الله مخلصاً، ولهذا شرعت الحدود في الزنا والسرقة والقذف وما أشبه ذلك، وهذه لا شك أنها تحمل الإنسان على ترك هذه الذنوب، لكنه يتركها لله لا لمجرد الخوف.
الثاني: الندم على ما فات.
يندم بقلبه ويتحسر ويقول: ليتني لم أفعل، ولا يجعل حاله بعد التوبة كحاله قبلها، بل لا بد من انفعال في النفس وندم، وليتني لم أفعل، لا اعتراضاً على القدر ولكن ندماً على ما فعل.
الثالث: الإقلاع عن الذنب.
وهذا هو بيت القصيد، وكيف يكون الإقلاع عن الذنب إن كان الذنب ترك واجب قام بهذا الواجب إذا كان يمكن قضاؤه، وأقول: إذا كان يمكن قضاؤه؛ لأن من الواجبات ما لا يقضى، مثلاً: لو أن الإنسان ترك الصلاة حتى خرج وقتها عمداً بلا عذر، فهنا لا يقضي الصلاة؛ لأنه لو قضاها لم تقبل منه، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ، أي: مردود عليه، أما لو أخرها لعذر كنوم ونسيان فيقضيها ولا حرج.
وإذا كان الذنب فعل محرم أقلع عنه في الحال ولا يكمل، فلو فرضنا أن إنساناً يأكل طعاماً لغيره ثم تاب في أثناء الطعام، فهل نقول: له أن يشبع، أو يجب عليه أن يكف؟ يجب عليه أن يكف، ولو استمر لم تصح توبته، لأنه لابد من الإقلاع في الحال.
ولو أن شخصاً استولى على أرض رجل من الناس وتبين له أن الأرض ليست له، فهل يبقي الأرض في ملكه، أم يجب أن يردها إلى صاحبها؟ يجب أن يردها إلى صاحبها حتى لو كان قد بنى عليها، يجب أن يردها إلى صاحبها، ويتصالح مع صاحبها إذا كان قد بنى عليها بنياناً، أو يترافعان إلى القاضي.
وإذا كان الذنب جحد دينٍ عليه، فتكون التوبة بأن يقر ويرده إلى صاحبه، أما أن يقول: أنا أخشى إن أقررت بعد أن جحدت أن تسوء سمعتي عند الناس، فنقول له جواباً على هذا: إذا ساءت سمعتك عند الناس زمناً قصيراً فستعود السمعة أحسن من قبل؛ لأن الله إذا رضي عن العبد أرضى عنه الناس، والناس إذا تأملوا في الموضوع ورأوا أن هذا الرجل خرج من المحرم عليه بصراحة أحبوه ورفعوا ذكره وزالت السمعة السيئة، لكن الشيطان يقول للإنسان: لا تقر وأنت قد جحدت أولاً، إذا أقررت بعد جحدك قالوا: هذا رجل متقلب، ما دام الأمر مضى امضِ، هذا غلط عظيم، قل الحق وسوف تكون العاقبة لك.
الشرط الرابع: العزم على ألا يعود في المستقبل.
فإن تاب من الذنب الآن ولكن في نيته أنه إذا حصلت فرصة فعله، فالتوبة غير صحيحة؛ لأنه لم يعزم على ألا يعود، بل تاب الآن لكن في نفسه أنه لو سنحت الفرصة لعاد إلى الذنب، فهذا لا تقبل توبته.
الشرط الخامس: أن تكون التوبة في زمن القبول.
انتبه إلى هذا الشرط: أن تكون التوبة في زمن القبول؛ بأن تكون قبل حضور الأجل، وقبل طلوع الشمس من مغربها، ذلك لأنه إذا حضر الأجل فإن التوبة غير مقبولة، وإذا طلعت الشمس من مغربها فالتوبة غير مقبولة، والدليل: قول الله عز وجل: {وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} [النساء:18] أخي المسلم: هل عندك أمان أنك ستبقى حتى تتوب؟ لا، إذاً: يا أخي! بادر بالتوبة قبل أن يدركك الأجل وأنت لم تتب {وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} [النساء:18] .
وانظر شاهداً لهذا: فرعون الذي أرسل الله إليه موسى فكذبه، وخرج بجنوده ليقضي على موسى وقومه، حتى صار موسى وقومه بين البحر وبين فرعون وقومه، وهو بحر القلزم المسمى اليوم بـ البحر الأحمر {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61] أي: أدركنا الآن، هلكنا، البحر أمامنا وفرعون خلفنا، فقال موسى قول المطمئن الواثق بالله عز وجل: {قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] ، فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر، عصا من شجر عادي، لكن فيه آيات، فضرب البحر بالعصا، فانفلق اثنتي عشرة طريقاً، انفلق وصارت أسواق واسعة في وسط البحر والماء كالجبال بين هذه الأسواق، ثم إن هذه الأسواق صارت يابسة في الحال كما قال عز وجل: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً} [طه:77] فدخل وموسى وقومه من هذه الأسواق، ثم أتبعه فرعوه وقومه، فأمر الله البحر فانطبق عليهم، فماذا قال فرعون لما أدرك الغرق؟ {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] ، الآن آمن، وانظر كيف أذل نفسه غاية الذل بقوله: {إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} [يونس:90] ، فجعل نفسه تابعاً لبني إسرائيل، بينما كان في الأول عالياً عليهم، لكن اضطر إلى هذا {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] ، فقيل له: {أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:91] أي: آلآن تتوب؟ هذا لا ينفع وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92] أي: علامة، وذلك أن بني إسرائيل قد أرعبهم فرعون إرعاباً عظيماً، فلا تطمئن قلوبهم ولا تهدأ نفوسهم حتى يروا هذا العدو وقد هلك، فبقي الجسم وشاهده بنو إسرائيل واطمأنوا أنه قد أدركه الغرق، ولهذا قال تعالى: {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92] ثم بعد ذلك أكلته الحيتان وذهب، وما ذكر أنه موجود الآن في الأهرام فلا أساس له من الصحة، وكم من شيء اشتهر ولكن ليس له سند، والقرآن الكريم يقول: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ} [يونس:90] انتهى موضوعه.
الأمر الثاني مما لا تقبل معه التوبة: إذا طلعت الشمس من مغربها، فإذا حصل ذلك آمن الناس كلهم؛ لأنه حصل لهم أمر ليس باستطاعة أحد، الشمس الآن تشرق من المشرق وتغرب من المغرب، فإذا طلعت من المغرب ورآها الناس آمنوا، وقالوا: لا يمكن أن تخلف العادة إلا ولها رب يدبرها، فآمنوا، ولكن الله يقول: {لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} [الأنعام:158] .
هذه شروط التوبة خمسة، إذا تحققت تاب الله على العبد، اللهم إنا نسألك أن تتوب علينا يا رب العالمين، وأن توفقنا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا إنك على كل شيء قدير.(77/8)
الأسئلة(77/9)
المقصود بالأمانة المذكورة
والآن إلى الأسئلة، نسأل الله تعالى أن يلهمنا الصواب.
السؤال
فضيلة الشيخ! ما المقصود بالأمانة في هذه الآية التي فسرتموها؟
الجواب
المقصود بالأمانة في الآية التي ذكرناها الأوامر والنواهي، أي: التكليف في العبادات، فيشمل كل ما يجب فعله أن يفعله الإنسان وكل ما يحرم فعله أن يتجنبه الإنسان.(77/10)
توجيه إلى أصحاب الحدائق والمنتزهات
السؤال
فضيلة الشيخ! أشهد الله على محبتك، وأسأله سبحانه أن يجمعنا وإياك ووالدينا وإخواننا المسلمين في جنته.
الشيخ: آمين.
وبعد: أعرض هذه القضية التي بدأ يتهافت أرباب الأموال والمستكثرون منها عليها، ألا وهي المشاريع العائلية من منتزهات وحدائق، التي ينشئها أصحاب الأموال، يختلط الرجال والنساء فيها كل ذلك طمعاً في المال، فما توجيهك لهؤلاء؟ وأيهما أولى أن يخصصوها للنساء خاصة أم يجعلوها مختلطة؟ فنحن يا فضيلة الشيخ نقع تحت ضغوط عائلية بالذهاب بأهلنا إلى تلك الأماكن!
الجواب
السؤال هذا مهم جداً، ولكن لا تنفع فيه الفتوى، هذا لا بد أن يرفع إلى الجهات المسئولة في الدولة ويُدرس بنية الإصلاح ويُمنع ما لا يجوز، فالدولة -والحمد لله- قوية، والدولة متى قامت بأمر الله عز وجل نصرها الله على كل إنسان، وإلا فمن المعلوم أن الدول الكافرة والدول الفاسقة وإن لم تصل إلى حد الكفر تضغط على هذه الحكومة بكل ما تستطيع؛ لأنه -والحمد لله- لا أعلم أحداً أقوم بدين الله من هذه الدولة على ما فينا من القصور، لكن إذا رأينا غيرنا ولو كانوا قريبين منا تبين الفرق العظيم، والله عز وجل يقول في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7] ، لكن فيما بيننا يجب علينا النصح، أن ننصح هؤلاء الذين انخذلوا أمام الضغوط التي توقعهم في الهاوية، وأن يعلموا أن الدنيا ليست دار مقر إنما هي دار عمل وممر، فليتقوا الله في أنفسهم وليتقوا الله تعالى في إخوانهم المواطنين.(77/11)
حكم أداء الصلاة بعد استعمال المنشطات
السؤال
فضيلة الشيخ! ما حكم أداء الصلاة وسائر العبادات بعد تعاطي بعض الأمور المنشطة المتخذة للعلاج والخمول والكسل؟ الشيخ: هل هذه الحبوب تزيل العقل؟ السائل: لا، إنما تنشط فقط.
الجواب
إذاً ما المانع؟ لا بأس في هذا ولا إشكال فيه.(77/12)
كيفية تحمل الإنسان للأمانة
السؤال
كيف يكون الإنسان هو الذي احتمل الأمانة وهو مكلف ولم يكن له اختيار في ذلك الاحتمال؟
الجواب
أقول: إن الله عز وجل قال: {وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ} [الأحزاب:72] ، والله عز وجل لا يظلم أحداً، فلولا أن الإنسان اختار هذه الأمانة أن يحملها لما قال: وحملها الإنسان، وكما ذكرنا في التفسير: إن الإنسان حملها بما أعطاه الله من العقل والتصرف، وبما أرسل إليه من الرسل وأنزل إليه من الكتب، فكأنه قال: أنا لها، أنا الذي أحملها؛ لأن عندي كتاب الله وسنة رسوله وعندي العقل والتمييز.(77/13)
نصاب التمر
السؤال
رجل له عدد من الدور فيها عدد من النخيل، فهل تجب الزكاة إذا بلغت النصاب؟ وما هو نصابها بالكيلو؟
الجواب
أقول: بارك الله فيك هذه النخيل تجب فيها الزكاة إذا بلغت النصاب؛ لعموم الأدلة الدالة على ذلك، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر) ، والنصاب هو ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويعتبر النصاب بزنة التمر عند يبسه لا بقيمته عند كونه رطباً؛ لأنه قد يكون في حال الرطب يبلغ النصاب، ولكن إذا يبس لا يبلغ النصاب، فالعبرة به يابساً، أي: إذا صار تمراً.(77/14)
كيفية العدل بين الأولاد
السؤال
ما هي طريقة العدل بين الأولاد وخاصة في حاجاتهم كالسيارة والزواج؟ وهل الأبناء والبنات سواء؟
الجواب
طريقة العدل بين الأولاد أن يعطى كل إنسان ما يحتاج، فإذا احتاج أحدهم إلى الزواج أعطاه المهر كاملاً، ولا يلزمه أن يعطي الآخرين، أما بالنسبة للسيارة فالاحتياط أن يجعل السيارة باسمه -أي: باسم الوالد- ويمنح ولده الانتفاع بها، فإذا قدر أن الوالد مات أعيدت السيارة إلى تركته وورثها الجميع، وإذا قدر أن الابن مات أيضاً أعيدت إلى الأب، هذا هو الأحوط.
أما بالنسبة للتعديل في مقدار ما يعطيهم إذا كانوا ذكوراً وإناثاً، فالقول الراجح: أن للذكر مثل حظ الأنثيين، لأنه لا قسمة أعدل من قسمة الله عز وجل، وقد قال الله تعالى: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11] .
وهنا مسألة أحب أن أنبه عليها، وهي: أن بعض الناس يوصي لأولاده الصغار بالمهر بعد وفاته، وهذا حرام، ولا يحل له، ولا يلزم الورثة أن ينفذوا هذه الوصية، مثال ذلك: رجل له ثلاثة أولاد: أحدهم كبير بلغ سن الزواج فأعطاه مهراً خمسين ألفاً مثلاً، وبقي الاثنان صغاراً لم يبلغوا سن الزواج، فبعض الناس يوصي لكل واحد بخمسين ألفاً بمثل ما زوج به الكبير، وهذا غلط، والوصية حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا وصية لوارث) ، وإذا شاء الولد الثالث أن يبطل الوصية فله ذلك.(77/15)
حكم الصلاة في البيت لعذر شرعي
السؤال
كنت أحافظ على الصلوات جميعها في المسجد لما كانت عندي سيارة، ثم بعد ذلك بعت السيارة، وهو رجل كبير في السن، والآن أصبح يصلي في بيته، فما الحكم؟
الجواب
لا بأس، إذا كان المسجد بعيداً ويشق عليه فله أن يصلي في بيته.(77/16)
حكم من أدرك الركوع الثاني من صلاة الكسوف
السؤال
فضيلة الشيخ! أدركت صلاة الكسوف في الركوع الثاني في الركعة الأولى، فهل تحسب لي ركعة؟
الجواب
في صلاة الكسوف ركعتان، وفي كل ركعة ركوعان، وإذا أدرك الركوع الأول فقد أدرك الركعة، وإن فاته الركوع الأول فاتته الركعة، وعلى هذا فلو دخل مع الإمام بعد أن رفع من الركوع الأول فاتته الركعة، فيقضيها إذا سلم الإمام، يقضيها بركوعين وسجودين.(77/17)
حكم المسح على الجورب إذا لبسه على جورب آخر
السؤال
رجل مسح على الجورب ثم لبس جورباً آخر وهو على طهارة، فهل يمسح عليه؟
الجواب
إذا لبس جورباً ويمسح عليه ثم نزعه ولبس آخر نظرنا: إن كان بعد مسح الأول فإنه لا يمسح على الآخر، وأما إذا كان نزعه -أي: نزع الأول- قبل أن يمسحه بل هو على طهارته ثم غير الجورب، فهنا تبتدئ المدة من أول مسحةٍ بعد الحدث، لكن المسألة التي أردت: لو أن إنساناً لبس جورباً ومسح عليه، ثم رأى نفسه محتاجاً إلى جورب آخر فلبس الجورب الآخر على طهارة مسح الأول، فهنا لا حرج في ذلك، وتبتدئ المدة من مسح الأول لا من مسح الثاني.(77/18)
حكم مس المصحف من غير طهارة
السؤال
ما حكم مس المصحف من غير طهارة؟
الجواب
القول الراجح: أن مس المصحف لا يجوز إلا بطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر، وأما قراءة القرآن فتجوز من المحدث حدثاً أصغر ولا تجوز من المحدث حدثاً أكبر حتى يغتسل، هذا هو القول الراجح في هذه المسألة، والمسألة فيها خلاف معروف عند العلماء، ولكن الراجح عندي ما سمعته مني.(77/19)
المراد بالعرض في قوله تعالى: ((إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ) .)
السؤال
فضيلة الشيخ! ما معنى قول الله تعالى: {عَرَضْنَا} [الأحزاب:72] والعرض أليس من الله؟ فكيف تأبى السماوات والأرض والجبال عن حمل الأمانة؟
الجواب
المراد: عرضها عليهم، ولم يأمرهم بها سبحانه وتعالى، إنما عرضها عليهم وقال: هل تحملونها أو لا؟ {فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا} [الأحزاب:72] وليس المراد بالعرض الأمر، فلو أمر الله تعالى هذه السماوات والأرض والجبال لامتثلت، وفرق بين العرض وبين الأمر.(77/20)
ضابط شراء السلع التي فيها جوائز
السؤال
فضيلة الشيخ! المسابقات والجوائز والسحب عليها ما ضابط الحلال منها والحرام؟ فنحن في حيرة حيث كثرت بما يفوق الخيال.
الجواب
الضابط: أنه إذا جعلت جائزة لمن يشتري بملغ معين، وهذا الذي وضع الجائزة لم يزد السعر من أجل الجائزة فلا بأس، ولكن يبقى المشتري إذا كان لا يريد السلعة لكن اشتراها من أجل الجائزة فهذا حرام عليه؛ لأنه إنما قصد الجائزة دون السلعة، فصار لنا نظران: النظر الأول: بالنسبة لواضع الجائزة نقول: لا بأس بوضعها بشرط ألا يزيد قيمة السلع عنده.
النظر الثاني: بالنسبة للمشتري، لا بأس أن يشتري ويأخذ الجائزة إذا حصلت له بشرط أن يكون له غرض في الشراء، لا يشتري من أجل أن يحصل على الجائزة، وكما سمعنا أن بعضهم يشتري علب الحليب من أجل الجائزة التي فيها، فإذا فكها أراق الحليب في الأرض، ليس له غرض فيه، فهذا محرم ولا يجوز هذا هو الضابط.(77/21)
حكم إهداء الدش للغير وما العمل بعد ذلك؟
السؤال
لقد كان لدي دش فيما مضى وقد قمت بإهدائه إلى أحد أقربائي، والآن بعد أن منَّ الله علي بالهداية أردت أن أتلفه، فما العمل؛ علماً بأنني لا أستطيع أن أطلبه منه لأنه قد يعتقد أنني لا أريد أن أعطيه، أو أني تراجعت في هديتي؟
الجواب
أقول: الحمد لله الذي منَّ على هذا بالهداية، وليذهب إلى الذي أخذه ويسأله: هل هو يستعمله في المحرم كما هو غالب الاستعمال عند الناس، أو لا يستعمله إلا في الأخبار فقط؟ فإن كان الثاني وهو ثقة فلا حرج، وإن كان الأول وأنه يشاهد في هذا الدش ما هب ودب، فإنه يقول عني أنا: إن فلاناً يقول: خذه وكسره أمام الرجل الذي أهديته له، وبهذا يزول الشك من الرجل الذي أهدي له، ويقتنع إن شاء الله عز وجل.(77/22)
حكم ولوغ الكلب في الإناء وكذلك الأحواض الكبيرة
السؤال
يوجد لدي عدد من الغنم والضأن ومعها كلبان معدة للحراسة، وأحياناً يشربان مع الغنم والضأن، فما حكم ذلك علماً بأن الماء راكد؟
الجواب
ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أمر بغسل الإناء سبع مرات إحداها بالتراب إذا ولغ فيها الكلب، لكن الأحواض الكبيرة لا يؤثر فيها ولوغ الكلب، فإذا كانت هذه أحواض كبيرة -أعني: بركاً كبيرة- فإنه لا يضر أن تشرب منها الكلاب، وتشرب منها الغنم أيضاً، ويتطهر منها الناس؛ لأن هذا ليس كالأواني التي يؤثر فيها ولوغ الكلب.(77/23)
كيف يعمل من سرق أموالاً وأراد أن يردها إلى أهلها؟
السؤال
من كان يسرق من أقاربه بعض المال وقد منَّ الله عليه بالتوبة، ولكن يخشى إذا رد هذه الأموال حدوث المشاكل، فماذا يفعل؟ الشيخ: سرقها سرقة؟ السائل: نعم.
الجواب
ليس هناك مشكلة إن شاء الله، ينظر إلى شخص ثقة أمين ويخبره بالواقع ويقول: جزاك الله خيراً، أعطها أهلها، بشرط أن يكون هذا أميناً عند أهل الأموال، وإذا لم يمكن هذا فهناك طريقة أخرى وهي: أن يرسل بالبريد المسجل أو الممتاز ويكتب ورقة بغير قلمه هو: هذه دراهم قد سرقها منكم سارق والآن يردها عليكم.(77/24)
حكم شهادة الابن على أبيه والتشهير به
السؤال
ما حكم شهادة الابن على أبيه والتشهير به؟
الجواب
أما شهادة الابن أو البنت على أبيهما في المحكمة فهي واجبة؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء:135] ، وأما التشهير بذلك فهذا حرام؛ لأنه لا داعي لهذا، وفيه عقوق للوالدين.(77/25)
حكم اقتناء التلفاز
السؤال
ما حكم اقتناء التلفاز؟
الجواب
إذا أتيت بالتلفاز هل تستطيع أن تسيطر عليه بحيث لا يشاهد فيه إلا ما كان مباحاً؟ إن كان الأمر كذلك فلا بأس، وإذا كنت لا تستطيع السيطرة عليه فهناك شيء يسمى: الكمبيوتر، اشتر من هذا النوع وضع فيه من الأشرطة ما تريد، ويحصل به المطلوب إن شاء الله.(77/26)
حكم من لم تعتد بعد وفاة زوجها وهي جاهلة
السؤال
ما حكم من مات عنها زوجها ولم تعتد وهي جاهلة بذلك؛ علماً بأن زوجها تركها مدة طويلة؟
الجواب
لا شيء عليها ما دامت جاهلة، وأما ترك زوجها لها مدة طويلة فهذا لا يمنع العدة كما يتوهمه بعض الناس، بعض الناس يقول: الرجل إذا طلق زوجته وقد غاب عنها مدة طويلة فإنه لا عدة عليها، وإذا مات عنها وقد تركها مدة طويلة فلا عدة عليها، وهذا غلط، العدة واجبة على كل من كانت مع زوج سواء طالت مدة غيبته عنها أم لا، لكن إذا تركت العدة أو تركت الإحداد جهلاً منها فلا شيء عليها، والعدة تنتهي بانتهاء وقتها.(77/27)
حكم الصلاة خلف الصوفيين
السؤال
ما حكم صلاة الجماعة خلف أئمة الصوفية إذا تعذرت الصلاة مع غيرهم؛ علماً أنه لا يوجد في تلك البلاد غير الأئمة الصوفيين؟
الجواب
أقول: سيسهل الله أمره.(77/28)
إذا حاذت المرأة الحائض الميقات فماذا تعمل؟
السؤال
فضيلة الشيخ! تساؤلات بين المسافرين خصوصاً الذين يذهبون لأداء العمرة: أولاً: المرأة الحائض إذا حاذت الميقات فماذا تعمل؟
الجواب
إذا كانت المرأة حائضاً ووصلت إلى الميقات وهي تريد العمرة فإنها تغتسل وتحرم، وتبقى حتى تطهر، ثم إذا طهرت طافت وسعت وقصرت، وإذا كانت تخشى أن يرجع أهلها قبل أن تطهر فلا تحرم، فإن قدر أنهم بقوا حتى طهرت فإنها تخرج إلى التنعيم وتحرم منه.(77/29)
حكم طواف الوداع للمعتمر
السؤال
ما حكم طواف الوداع للمعتمر؟
الجواب
الصحيح أن طواف الوداع للمعتمر واجب، إلا إذا رجع الإنسان من سفره فوراً بأن طاف وسعى وقصر ثم ركب السيارة ومشى فهذا يكفيه الطواف الأول، وأما لو بقي ولو ساعة واحدة وجب عليه أن يطوف للوداع عند الخروج.(77/30)
رجل كتب صك أرض لأخيه باسمه كي يقدمها إلى البنك، فما حكم ذلك؟
السؤال
إذا أخذ شخصٌ صك أرضٍ من أخيه فوضعها باسمه ثم تقدم بها إلى البنك العقاري، ثم بعد ذلك أعاد الأرض إلى صاحبها وكتب الصك باسم صاحبها الأول، وفيه ما يكون بمقابل وقد يكون بغير مقابل، فهل هذا معارضٌ للأمانة أم لا؟
الجواب
هذا معارض للأمانة، جامع بين الكذب والخيانة وأكل المال بالباطل وحصول المشاكل في المستقبل، لذلك أقول: هذا عمل محرم لا يحل للمسلم أن يفعله.(77/31)
حكم المعاملة مع البنوك التي تبيع بالتقسيط إذا لم تكن السلعة موجودة عندها
السؤال
فضيلة الشيخ! بعض الأشخاص يتفقون مع البنوك على أقساط، ثم بعد توقيع العقد يشترون له سيارة ويعرضها هذا الشخص للبيع، هل يجوز شراء هذه السيارة منه نقداً؟
الجواب
أصل هذه المعاملة محرمة، يحرم على الإنسان أن يأتي إلى البنك أو إلى التاجر ويقول: أنا أريد السيارة الفلانية اشترها لي، ثم بعها عليَّ بالتقسيط بثمن أكثر، هذا محرم، وهذا -والله- حيلة على الربا، وهو أقبح مما لو جاء إلى البنك وقال: أعطني خمسين ألف ريال وهي عليَّ بستين ألف ريال إلى سنة، كلاهما محرم، لكن الأخيرة أهون؛ لأن الأخير ربا صريح، والإنسان فيه لم يسلك سبيل المنافقين، أما الأولى فإنه خادع الله عز وجل، هذا البنك ما اشترى السيارة إلا من أجلك، فكأنه أقرضك قيمتها بزيادة، فليحذر المؤمن هذه المعاملة، وليتق الله ربه، وليعلم أن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأن العبرة في العقود بمعانيها لا بصورها.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(77/32)