ِبسم الله الرحمن الرحيم.
المقدمة.
الحمد لله القائل في محكم التنزيل {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} والصلاة والسلام على هادي البشرية ومعلمها القائل في سنته الغراء " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ".
وبعد..
فليعلم المسلم وغير المسلم أن الإسلام بمبادئه السامية وتشريعاته العادلة وأنظمته المحكمة وتوجيهاته الصادقة حقق للمجتمع أرقى صور التكافل بمفهومه الشامل.. ومن العجيب أن بعض المجتمعات الغربية تفتخر أنها حققت نوعا من أنواع التكافل المعيشي وقد نسوا أو تناسوا أن الإسلام حقق التكافل بكل صوره وأشكاله ونصوص الكتاب والسنة تؤكد هذا المفهوم وتعمقه.
إن التكافل الاجتماعي في الإسلام نظام كامل. نظام بكل ما(1/5)
تحمله هذه الكلمة من معنى هذا النظام قد تدخل في عناصره مدلولات الإحسان والصدقة والبر والزكاة وما إليها ولكنها بذاتها لا تدل على حقيقته لأن مفهومه أوسع وأشمل.
يقول الأستاذ السيد قطب" لقد عني الإسلام بالتكافل الاجتماعي أن يكون نظاما لتربية روح الفرد وضميره وشخصيته وسلوكه الاجتماعي وأن يكون نظاما لتكوين الأسرة وتنظيمها وتكافلها وأن يكون نظاما للعلاقات الاجتماعية بما في ذلك العلاقات التي تربط الفرد بالدولة وأن يكون في النهاية نظاما للمعاملات المالية والعلاقات الاقتصادية التي تسود المجتمع الإسلامي.
وهكذا نرى أن مدلولات البر والإحسان والصدقة- وحتى الزكاة- تتضاءل أمام هذا المدلول الشامل للتكافل الاجتماعي كما عناه الإسلام وكما طبقه في واقع الحياة في يوم من الأيام1.
أخي القارىء:
أقدم لك هذا البحث راجيا من المولى جل وعلا أن ينفع به وأن يجعله في موازين الأعمال يوم نلقاه. وأرجو صادقا من كل من يطلع عليه ويجد فيه هفوة أو زلة قلم أن يوافيني بما يراه وأكون شاكرا ومقدرا سلفا له تجاوبه الكريم.
ولقد حرصت أن أعرض البحث بصورة مبسطة وأسلوب سهل ليستفيد منه عامة القراء. ولقد وضعته في تمهيد وستة فصول التمهيد يشتمل على أسس المجتمع الإسلامي وعناية الإسلام بالجانب الاجتماعي.
__________
1 دراسات إسلامية ص 63.(1/6)
الفصل الأول: التكافل الاجتماعي وتختة ثلاثة مباحث
المبحث الأول: تعريف التكافل.
المبحث الثاني: نشأة التكافل وتطوره.
المبحث الثالث: الأدلة الشرعية والعقلية على مبدأ التكافل الاجتماعي في الإسلام.
الفصل الثاني: أنواع التكافل وتحته عشر مباحث.
المبحث الأول: التكافل العبادي.
المبحث الثاني: التكافل الأخلاقي.
المبحث الثالث: التكافل السياسي.
المبحث الرابع: التكافل الدفاعي.
المبحث الخامس: التكافل الجنائي.
المبحث السادس: التكافل الإقتصادي.
المبحث السابع: التكافل العلمي.
المبحث الثامن: التكافل الأدبي.
المبحث التاسع: التكافل المعيشي.
المبحث العاشر: التكافل العائلي.
الفصل الثالث: الذين يشملهم نظام التكافل الاجتماعي وتحته أحد عشر مبحثا.
المبحث الأول: رعاية الصغار وحضانتهم.
المبحث الثاني: الفقراء والمساكين.
المبحث الثالث: رعاية اليتيم
المبحث الرابع: رعاية اللقطاء.
المبحث الخامس: رعاية الشيوخ والعجزة والعميان والمرضى.
المبحث السادس: رعاية الأرملة والمطلقة والحامل والمرضع.(1/7)
المبحث السابع: رعاية أصحاب العاهات.
المبحث الثامن: رعاية المنكوبين والمكروبين.
المبحث التاسع: رعاية الشواذ والمنحرفين.
المبحث العاشر: رعاية المشردين.
المبحث الحادي عشر: رعاية أبناء السبيل والمؤلفة قلوبهم والعبيد المكاتبين والغزاة المتطوعين..
الفصل الرابع: الوسائل العملية لتحقيق التكافل وتحته ثمانية مباحث:
المبحث الأول: الزكاة.
المبحث الثاني: الكفارات.
المبحث الثالث: النذور.
المبحث الرابع: الوصايا.
المبحث الخامس: الهبات.
المبحث السادس: الأضاحي.
المبحث السابع: الهدية.
المبحث الثامن: الوقف.
الفصل الخامس: مظاهر تحقيق التكافل الاجتماعي في الإسلام وتحته ثمانية مباحث
المبحث الأول: التكافل العائلي.
المبحث الثاني: التكافل بين أبناء الحي والقرية والبلد.
المبحث الثالث: الجمعيات التعاونية.
المبحث الرابع: إصلاح الطرقات.
المبحث الخامس: بناء المدارس.
المبحث السادس: بناء المستشفيات ودور العلاج.(1/8)
المبحث السابع: بناء الملاجئ للعجزة وأصحاب العاهات.
المبحث الثامن: توفير أسباب العيش للفقراء
الفصل السادس: التكافل الاجتماعي في المملكة العربية السعودية وتحته مبحثان.
المبحث الأول: دور الرعاية الاجتماعية في المملكة العربية السعودية.
المبحث الثاني: الضمان في المملكة العربية السعودية.
هذا وإني لأرجوا الله العلي القدير أن أكون قد وفقت في عرض هذا الموضوع الحيوي الهام كما أسأله تعالى أن ينفع به كاتبه والمطلع عليه إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الزلفي في: 1/3/1405هـ(1/9)
تمهيد
...
أسس المجتمع الإسلامي
بين الإسلام للبشرية أن أسس المجتمع الفاضل عقيدة صالحة، تدعو إلى عبادة الله وحده ونبذ كل معبود سواه، وقد نزل القرآن يقرر هذه الحقيقة في وضوح لا لبس فيه يقول الحق تبارك وتعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} 1.
وإذا تتبعنا سير الأنبياء والمرسلين وجدناهم – صلوات الله وسلامه عليهم – من لدن آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم كلهم يبدءون بتأسيس المجتمع على العقيدة الصافية يقول تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} 2.
__________
1 سورة الصمد
2 سورة النحل الآية (36) .(1/13)
والمجتمع الإسلامي يقوم على أساسين اثنين:
أولهما: العقيدة الإسلامية الصافية التي تحمي المجتمع المسلم من الزلل في التصور والشطط في السلوك يقول تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً} 1.
وثانيهما: الإيمان بأن الإسلام هو موجه الحياة فالمشرع هو الله وليس لأحد من البشر مهما كانت منزلته حق التشريع ومن نازع الله في حقه فهو الخاسر في الدنيا والآخرة.
يقول تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} 2.
لقد اهتم الإسلام بالجانب الاجتماعي إهتماما كبيرا يتضح ذلك من خلال تتبعنا للنصوص الكثيرة ومن الكتاب العزيز والسنة المطهرة..من ذلك قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءوُنَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} 3
بين الله تعالى أن الدليل على خرابهم النفسي وضلالهم الباطني أنك لا تجد لصلاتهم أثرا لحياتهم الاجتماعية بل الآثار تدل على فساد قلوبهم لأنهم يمنعون خيرهم عن المحتاجين إلى معونتهم ومساعدتهم ولا يقومون بما يجب عليهم تجاه إخوانهم في العقيدة من المحتاجين والمعوزين وذلك بمد يد العون كل حسب طاقته وما رزقه الله.. فيا ترى أي تشريع سماوي أو قانون وضعي يعطي الجانب الاجتماعي هذا
__________
1 سورة الروم الآية (20) .
2 الشورى الآية (21) .
3 سورة الماعون.(1/14)
الاهتمام.. إن الإسلام وحده دون سواه هو الذي كرم الإنسان وأنصفه وأسبغ عليه من فيض رحمته.
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا "1 يا له من تصوير بديع ممن لا ينطق عن الهوى يصور فيه المجتمع المسلم المتماسك المترابط الذي يعين بعضه بعضا ويحنو بعضه على بعض فلا يوجد فيه فقير معدم ولا غني مفرط بل يحمل الموسرون فيه عبء الفقر عن إخوانهم المعوزين وبذلك يتحقق لهم الخير في الدنيا والآخرة.
وهنا سؤال يفرض نفسه ألا من عودة لهذا المجتمع الذي تخرج من مدرسة النبوة ونهل من ينبوعها الثرى وتحقق على يديه الخير كل الخير للبشرية في وقت كانت في أمس الحاجة إليه.
ألا من عودة لهذا المجتمع في هذه الأزمان والأمة الإسلامية بأمس الحاجة إليه لأنها تعاني من آلام الفرقة والتناحر ما لم يمر عليها له مثيل من لدن بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى يومنا الحاضر.
ولعلي فيما أكتبه عن التكافل الاجتماعي في الإسلام أسهم بشيء يسير في رسم المعالم الأساسية لهذا المجتمع المنشود.. يقول الإمام أبو زهرة2: "وهكذا نرى أن واجب المؤمنين أن يتضافروا في إيجاد مجتمع فاضل ولا يسكت مؤمن منهم عن الدعوة إلى الحق بل إن التكافل الاجتماعي الخلقي يوجب عليه أن يسهم في بناء المجتمع الفاضل فيمنع شره ويدفعه إلى الخير ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن من أن يقف على الحياد
__________
1 رواه البخاري ومسلم – انظر صحيح البخاري ج3 ص 98. والجامع الصحيح للإمام مسلم ج8 ص20.
2 في المجتمع الإسلامي لأبي زهرة ص9.(1/15)
في معركة الخير والشر بل عليه أن يكون عنصرا إيجابيا عاملا فقد قال عليه السلام " لا يكن أحدكم إمعة فيقول إن أحسن الناس أحسنت وإن أساؤوا أسأت بل وطنوا أنفسهم إن أحسن الناس تحسنوا وإن أساؤوا فتجنبوا الإساءة "1.
فالتكافل الاجتماعي في الإسلام أوله وأساسه التكافل على إيجاد مجتمع فاضل لا يظهر فيه إلا الخير.
__________
1 رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه سنن الترمذي ج3 ص246.(1/16)
الفصل الأول: التكافل الاجتماعي
وتحته ثلاثة مباحث
المبحث الأول: تعريف التكافل.
المبحث الثاني: نشأة التكافل وتطوره.
المبحث الثالث: الأدلة الشرعية والعقلية على مبدأ التكافل الاجتماعي في الإسلام.(1/17)
المبحث الأول: تعريف التكافل الاجتماعي.
التكافل في اللغة: مأخوذ من مادة كفل وهي تأتي على معاني متعددة من أكثرها شيوعا ما يأتي:
أ -تأتي بمعنى النصيب وبمعنى المثل.. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} 1. قيل معناه نصيبين وقيل ضعفين وقيل مثلين.
ب –تأتي بمعنى الحظ قال الله تعالى: {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} 2 قال فراء الكفل الحظ.
ج –تأتي بمعنى العائل قال في لسان العرب3 "الكافل العائل، كفله يكفله وكفله إياه وفي التنزيل العزيز" {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} 4.
__________
1 سورة الحديد آية (28) .
2 سورة النساء آية (85) .
3 لسان العرب لابن منظور ج11 ص589.
4 سورة آل عمران آية (37) .(1/19)
د –تأتي بمعنى الضامن قال الله تعالى: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} 1 أي أيهم يعولها ويضمن معيشتها.
التكافل الاجتماعي في الاصطلاح:
تعاون أبناء المجتمع - فرادى وجماعات – على تحقيق الخير ودفع الجور.
يقول الشيخ الإمام أبو زهرة2 معرفا التكافل في الاصطلاح: "يقصد بالتكافل الاجتماعي في معناه اللفظي أن يكون آحاد الشعب في كفالة جماعتهم وأن يكون كل قادر أو سلطان كفيلا في مجتمعه بمده بالخير وأن تكون كل القوى الإنسانية في المجتمع متلاقية في المحافظة على مصالح الآحاد ودفع الأضرار ثم في المحافظة على دفع الأضرار عن البناء الاجتماعي وإقامته على أسس سليمة".
يقول الأستاذ عبد الله علوان3 في تعريف التكافل الاجتماعي: "أن يتضامن أبناء المجتمع ويتساندوا فيما بينهم سواء أكانوا أفرادا أو جماعات حكاما أو محكومين على اتخاذ
مواقف إيجابية كرعاية اليتيم أو سلبية كتحريم الاحتكار بدافع من شعور وجداني عميق ينبع من أصل العقيدة الإسلامية ليعيش الفرد في كفالة الجماعة وتعيش الجماعة بمؤازرة الفرد حيث يتعاون الجميع ويتضامنون لإيجاد المجتمع الأفضل ودفع الضرر عن أفراده".
__________
1 سورة آل عمران آية (44) .
2 في المجتمع الإسلامي ص4.
3 التكافل الاجتماعي في الإسلام ص12.(1/20)
ويقول الدكتور عبد العزيز الخياط1: "فمعنى التكافل الاجتماعي إذن أن يتساند المجتمع أفراده وجماعته بحيث لا تطغى مصلحة الفرد على مصلحة الجماعة ولا تذوب مصلحة الفرد في مصلحة الجماعة وإنما يبقى للفرد كيانه وإبداعه ومميزاته للجماعة هيئتها وسيطرتها فيعيش الأفراد في كفالة الجماعة كما تكون الجماعة متلاقية في مصالح الآحاد ودفع الضرر عنهم".
__________
1 المجتمع المتكافل في الإسلام ص74.(1/21)
نشأة التكافل وتطوره
...
المبحث الثاني: نشأة التكافل الاجتماعي وتطوره
تعتبر حاجة الإنسان إلى أخيه الإنسان قديمة قدم البشرية إذ من سنن الله الكونية ألا يبقى الإنسان على حالة والحدة بل تتقلب به الأحوال تقلب الليل والنهار ويبقى محتاجا إلى غيره مهما وصل إليه من عز ورياسة بل إنه كلما تدرجت في الحياة سنا ومكانة كلما عظمت حاجته إلى غيره فالإنسان ينشأ في أول حياته في كنف والديه يحتاج إلى رعايتهما له والعناية به ثم تتدرج به الحياة وهو محضون في عش الأسرة حتى يكبر ويصبح رجلا يعتمد على نفسه - بعد الله – في شؤون الحياة من كسب للرزق وطلب للقوة ويضل على هذه الحال يكد ويكدح حتى تدركه الشيخوخة ويقعده الهرم فيحتاج إلى الرعاية والعناية به وهو في هذه الحال أحوج إلى مد يد العون منه في السابق لأنه في أول حياته تعلق عليه الآمال العريضة من قبل أقاربه ومن يعوله وأما في حال كبره فيكثر الزاهدون فيه من أقرب أقربائه(1/23)
ومنذ أقدم العصور عرف الإنسان حاجته إلى أخيه وضرورة تضامنه مع أسرته وأقربائه الذين تربطه بهم روابط القربة ولقد اتضح ذلك بشكل جلي في حياة المصريين والرومان والفرس ثم في ظل الكنيسة عصورا طويلة ولكنه في كل الأحوال عند هؤلاء كان في حدود ضيقة على وجه الإحسان والعطف وفي فترات غير متصلة حتى بزغت شمس الإسلام وجاء التنظيم الكامل الشامل للتكافل الاجتماعي بما لا يدع مجالا للزيادة في النقص ولقد عاش المجتمع الإسلامي الأول حياة مليئة بصور التكافل والتعاون وظهر ذلك بصورة جلية حينما حل المهاجرون ضيوفا على الأنصار في المدينة حيث كان الأنصاري يتنازل عن شطر ماله لأخيه المهاجر بل وصل الإيثار والتكافل حدا يحق لكل مسلم أن يفاخر فيه.. ولئن اختفت تلك الصورة من حياة المسلمين وتبدلت وأصبحوا في ذيل القافلة بعد أن كانوا في طليعة القيادة فذلك كله أثر من آثار تنكبهم للمنهج السوي وبعدهم عن صراط الله المستقيم وكلما نرجوه أن يفيق المسلمون من غفلتهم ويتداركوا ما فاتهم ويعودوا لقيادة البشرية فهي في هذه العصور أحوج ما تكون إليهم.
المفهوم الواسع للتكافل:
هناك نظرة قاصرة لبعض الباحثين في النواحي الاجتماعية للمجتمع المسلم مفادها أن نظام التكافل الاجتماعي في الإسلام قاصر على ضمان الأمور الضرورية والحيوية بالنسبة للفرد والجماعة ومرتكز على جوانب معية من البر والإحسان والصدقة لفئات الفقراء والمحتاجين والعاجزين والحق أن نظام التكافل يشمل تربية عقيدة الفرد وضميره وارتباط الأسرة وتنظيمها وتكافلها وتنظيم العلاقات الاجتماعية كربط الفرد بالدولة وربط الدولة بالجماعة وربط الأسرة بذوي القرابات.(1/24)
وشمل كذلك تنظيم المعاملات المالية والعلاقات الاقتصادية.. وخلاصة القول أن نظام التكافل في الإسلام يكاد ينتظم التشريع الإسلامي كله لأن غاية التكافل هو إصلاح أحوال الناس وتهيئة الجو لهم ليعيشوا آمنين مطمئنين على عقائدهم وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم1.
سبب اهتمام الإسلام بالتكافل:
لقد أوضح الفقهاء القدامى وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية سبب اهتمام الإسلام بالضمان الاجتماعي ممثلا في مؤسسة الزكاة بأنه لا يمكن أن تستقيم العقيدة وتنموا الأخلاق، إذا لم يطمئن الفرد في حياته ويشعر أن المجتمع الإسلامي يقف معه ويؤمن له حاجاته الضرورية عند العجز أو الحاجة2.
وقد ذهب أبو محمد ابن حزم إلى أبعد من ذلك بكثير حيث أجاز مقالته من منع الإنسان حاجته الضرورية من المأكل والملبس والمشرب..يقول ابن حزم3 ما نصه: "ولا يحل لمسلم اضطر أن يأكل الميتة أو لحم الخنزير وهو يجد طعاما فيه فضل عن صاحبه لمسلم أو لذمي لأن فرضا على صاحب الطعام إطعام الجائع إذا كان ذلك كذلك فليس بمضطر إلى الميتة ولا إلى لحم الخنزير وله أن يقاتل عن ذلك فإن قتل فعلى قاتله القود وإن قتل المانع فإلى لعنة الله لأنه منع حقا ... " وهل هذا مسلم لأبي محمد الصحيح في نظرنا أن للمسلم الأخذ من فضل مال أخيه ولا يعدل إلى الخمر والميتة ولحم الخنزير إلا في الضرورة القصوى ولكن ليس له أن يقاتل من منعه ذلك وعلى كل فالمسألة مبسوطة في كتب الفقه فلتراجع.
__________
1 التكافل الاجتماعي في الإسلام عبد الله علوان ص 19.
2 الإسلام والضمان الاجتماعي للدكتور/ محمد الفنجري ص32.
3 المحلى لابن حزم جـ6 ص159 مسألة (725) .(1/25)