وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك نَفَقَة الرَّهْن على الرَّاهِن وَهُوَ قَول الشَّافِعِي إِلَّا أَن مَالِكًا قَالَ إِن أنْفق الْمُرْتَهن كَانَ دينا على الرَّاهِن
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ نَفَقَة الرَّهْن وعلفه وَكسوته على الْمُرْتَهن
قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الظّهْر يركب بِنَفَقَتِهِ إِذا كَانَ مَرْهُونا وَلبن الدّرّ يشرب بِنَفَقَتِهِ إِذا كَانَ مَرْهُونا فَفِي هَذَا الحَدِيث جعل النَّفَقَة على الْمُرْتَهن بَدَلا من مَنَافِعه الَّتِي ينْتَفع بهَا وَقد بَينا أَن ذَلِك مَنْسُوخ فِيمَا تقدم وَالْحسن بن صَالح لَا يخالفهم فِي أَن الْمُرْتَهن لَا يجوز لَهُ الِانْتِفَاع بِالرَّهْنِ فَلَمَّا زَالَ الِانْتِفَاع وَجب أَن تَزُول النَّفَقَة عَن الْمُرْتَهن إِذْ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا جعل النَّفَقَة بَدَلا من الْمَنَافِع
قَالَ أَبُو جَعْفَر أما مَا جعل مَالك مَا أنْفق الْمُرْتَهن دينا على الرَّاهِن فَإِنَّهُ بناه على أَصله فِي أَن من قضى دين غَيره بِغَيْر أمره أَنه غير مُتَطَوّع وَيرجع بِهِ وَهَذَا تبطله سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إبرائه الْمَيِّت بِقَضَاء هَذَا المتطوع الَّذِي كَانَ قد أَبى الصَّلَاة عَلَيْهِ ثمَّ لما أدّى قَالَ لَهُ الْآن بردت عَلَيْهِ جلدته فَلَو كَانَ لَهُ أَن يرجع كَانَ قَائِما مقَام الأول وَكَانَ حَاله بعد أَدَائِهِ كَهُوَ قبله
وَيدل عَلَيْهِ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْمَرْأَة الَّتِي استأذنته فِي الْحَج عَن أَبِيهَا أَرَأَيْت لَو كَانَ على أَبِيك دين فقضيتيه أَكَانَ يقبل قد أَفَادَ هَذَا وُقُوع الْبَرَاءَة بِأَدَائِهِ لَوْلَا ذَلِك لَكَانَ بعد الْأَدَاء كَهُوَ قبله أَلا ترى أَنه قد أَفَادَ سُقُوط الْحَج عَن(4/308)
أَبِيهَا بِفِعْلِهَا كَذَلِك لما شبهه بِالدّينِ دلّ على سُقُوط الدّين وَبَرَاءَة الْمُؤَدى عَنهُ
وَأما قَول زفر إِنَّه إِذا أنْفق بِأَمْر القَاضِي يصير دينا وَيكون الرَّهْن مَحْبُوسًا فَإِنَّهُ خلاف مَا يُوجِبهُ الْقيَاس لِأَن الرَّهْن عقد لَا يَصح إِلَّا بِالتَّرَاضِي وَلم يكن مِنْهُمَا ترَاض بذلك وكما لَا يكون العَبْد رهنا بِالدّينِ الَّذِي يثبت فِي ذمَّته بِإِذن الْمولى
2024 - فِي ضَمَان الرَّهْن
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَابْن أبي ليلى وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ الرَّهْن مَضْمُون بِأَقَلّ من قِيمَته وَمن الدّين
وَقَالَ الثَّقَفِيّ عَن عُثْمَان البتي مَا كَانَ من رهن ذَهَبا أَو فضَّة أَو ثيابًا فَهُوَ مَضْمُون يترادان الْفضل وَإِن كَانَ عقده أَو حَيَوَانا فَهَلَك فَهُوَ من مَال الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن على حَقه إِلَّا أَن يكون الرَّاهِن اشْترط الضَّمَان فَهُوَ على شَرطه
وَقَالَ مَالك إِن علم هَلَاكه فَهُوَ من مَال الرَّاهِن وَلَا ينقص من حق الْمُرْتَهن شَيْئا وَإِن لم يعلم هَلَاكه فَهُوَ من مَال الْمُرْتَهن وَهُوَ ضَامِن لقيمته يُقَال لَهُ صفة فَإِذا وَصفه حلف على صفته وَتَسْمِيَة مَاله ثمَّ يقومه أهل الْبَصَر بذلك فَإِن كَانَ فِيهِ فضل عَمَّا سمى فِيهِ أَخذه الرَّاهِن وَإِن كَانَ أقل مِمَّا سمى الرَّاهِن حلف على مَا سمى وَبَطل عَنهُ الْفضل فَإِن أَبى الرَّاهِن أَن يحلف أعْطى الْمُرْتَهن مَا فضل بعد قيمَة الرَّهْن هَذِه رِوَايَة ابْن وهب عَن مَالك(4/309)
وروى ابْن الْقَاسِم عَنهُ مثل ذَلِك وَقَالَ فِيهِ إِن اشْترط أَن الْمُرْتَهن مُصدق فِي ضيَاعه وَأَن لَا ضَمَان عَلَيْهِ فشرطه بَاطِل وَهُوَ ضَامِن
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا مَاتَ العَبْد فدينه بَاقٍ فَإِن الرَّهْن لَا يغلق
قَالَ وَمعنى قَوْله لَا يغلق الرَّهْن أَنه لَا يكون بِمَا فِيهِ إِذا علم وَلَكِن يترادان الْفضل إِذا لم يعلم هَلَاكه
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي قَوْله لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه فَأَما غنمه فَإِن كَانَ فِيهِ فضل رد إِلَيْهِ وَأما غرمه فَإِن كَانَ فِيهِ نُقْصَان وفاه إِيَّاه
وَقَالَ اللَّيْث الرَّهْن بِمَا فِيهِ إِذا هلك وَلم تقم بَيِّنَة على مَا فِيهِ إِذا اخْتلفَا فِي ثمنه فَإِن قَامَت بَيِّنَة على مَا فِيهِ ترادا الْفضل
قَالَ اللَّيْث وَبَلغنِي ذَلِك عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا ادّعى الْمُرْتَهن إباق العَبْد أَو انفلات الدَّابَّة فَإِن أعلمهُ صَاحبه عِنْدَمَا أبق أَو انفلتت الدَّابَّة فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَيحلف بِاللَّه تَعَالَى أَنه لصَادِق فِيمَا قَالَ فَإِن حلف فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الرَّاهِن غَائِبا فَإِنَّهُ يعلم ذَلِك السُّلْطَان أَو يشْهد عَلَيْهِ فَيكون ذَلِك بَرَاءَة لَهُ وَإِن ادعِي موتا من العَبْد أَو الدَّابَّة لم تقم الْبَيِّنَة فَهُوَ ضَامِن لِأَن الْمَوْت يكون ظَاهرا مَعْلُوما
وَقَالَ الشَّافِعِي هُوَ أَمَانَة لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيهِ بِحَال إِذا هلك سَوَاء كَانَ هَلَاكه ظَاهرا أَو خفِيا وَاحْتج بِحَدِيث ابْن أبي ذِئْب عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يغلق الرَّهْن من صَاحبه الَّذِي رَهنه لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه(4/310)
قَالَ الشَّافِعِي وَوَصله ابْن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله أَو مثل مَعْنَاهُ من حَدِيث ابْن أبي أنيسَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَمن أعجب الْعجب ذكره لِابْنِ أبي أنيسَة وَهُوَ يحيى لَا زيد لِأَن يحيى لَيْسَ مِمَّن يلْتَفت إِلَى حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِمثلِهِ
وَمن مذْهبه أَنه لَا يقبل زِيَادَة غير حَافظ على حَافظ فقد قيل زِيَادَة يحيى بن أبي أنيسَة على جمَاعَة حفاظ مِنْهُم مَالك بن أنس وَغَيره من أَصْحَاب الزُّهْرِيّ الَّذين تقوم بهم الْحجَّة عِنْده ثمَّ أضَاف جَمِيع مَا ذكره فِي هَذَا الحَدِيث إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا هُوَ لَا يغلق الرَّهْن دون مَا سواهُ مِمَّا فِيهِ وبقيته من كَلَام سعيد بن الْمسيب بِغَيْر حِكَايَة مِنْهُ إِيَّاه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كَمَا حَدثنَا يُونُس قَالَ حَدثنَا ابْن وهب أَنه سمع مَالِكًا وَيُونُس وَابْن أبي مليكَة وَابْن أبي ذِئْب يحدثُونَ عَن ابْن شهَاب عَن ابْن الْمسيب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يغلق الرَّهْن وَقَالَ يُونُس بن يزِيد
قَالَ ابْن شهَاب وَكَانَ ابْن الْمسيب يَقُول الرَّهْن مِمَّن رَهنه لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه وَقد روى عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عَن أَبِيه عَن سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن وخارجة بن(4/311)
زيد وَعبيد الله بن عبد الله وَغَيرهم أَنهم قَالُوا الرَّهْن بِمَا فِيهِ إِذا هلك وعميت قِيمَته وَيرْفَع ذَلِك مِنْهُم الثِّقَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهَذَا الْمَذْهَب عَن ابْن الْمسيب خلاف مَا تَأَوَّلَه الشَّافِعِي فِي هَذَا الحَدِيث وَدلّ على أَن قَوْله لَا يغلق الرَّهْن هُوَ خلاف ضيَاعه
وَقد روى أَيْضا شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن الزُّهْرِيّ قَالُوا قَالَ سعيد بن الْمسيب قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يغلق الرَّهْن فبذلك يمْنَع صَاحب الرَّهْن أَن يبتاعه من الَّذِي رَهنه عِنْده حَتَّى يُبَاع من غَيره وَقَوله فبذلك يمْنَع صَاحب الرَّهْن أَن يبتاعه من الَّذِي رَهنه إِنَّمَا هُوَ من كَلَام سعيد بن الْمسيب وَالزهْرِيّ وتأوله على أَنه لَيْسَ هُوَ فِي حَال ضيَاعه وَإِنَّمَا هُوَ فِي حَال سَلَامَته
وَمن مَذْهَب الشَّافِعِي أَن من روى حَدِيثا فَهُوَ أعلم بتأويله فَجعل قَول عَمْرو بن دِينَار دِينَار فِي الشَّاهِد وَالْيَمِين أَنه فِي الْأَمْوَال حجَّة فِي أَن لَا يقْضِي بِهِ فِي غير الْأَمْوَال فَلَزِمَهُ مثله فِيمَا وصفناه
وَقد روى عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَطَاوُس أَنهم كَانُوا يرهنون وَيَقُولُونَ إِن جئْتُك بِالْمَالِ إِلَى وَقت كَذَا وَإِلَّا فَهُوَ لَك
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يغلق الرَّهْن وتأوله على ذَلِك أَيْضا مَالك وسُفْيَان
وَقَالَ أَبُو عبيد لَا يجوز فِي كَلَام الْعَرَب أَن يُقَال الرَّهْن إِذا ضَاعَ قد غلق إِنَّمَا يُقَال غلق إِذا اسْتَحَقَّه الْمُرْتَهن فَذهب بِهِ وَكَانَ هَذَا من فعل(4/312)
الْجَاهِلِيَّة فأبطله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله لَا يغلق الرَّهْن
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب أَنه جعله مَضْمُونا بِأَقَلّ من قِيمَته وَمن الدّين
وروى عبد الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيّ عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِذا رهن رهنا فَقَالَ الْمُعْطِي لَا أقبله إِلَّا بِأَكْثَرَ مِمَّا أُعْطِيك فَضَاعَ رد عَلَيْهِ الْفضل وَإِن رَهنه وَهُوَ أَكثر مِمَّا أعطَاهُ بِطيب نفس من الرَّاهِن فَضَاعَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ
وروى قَتَادَة عَن خلاس عَن عَليّ قَالَ إِذا كَانَ فِي الرَّهْن فضل فأصابته جَائِحَة فَهُوَ بِمَا فِيهِ وَإِن لم تصبه جَائِحَة واتهم فَإِنَّهُ يرد الْفضل
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَهَذَا يدل على أَن الغلق الَّذِي نَفَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ على الضّيَاع
وَأَيْضًا قَالَ الله تَعَالَى {فَإِن أَمن بَعْضكُم بَعْضًا فليؤد الَّذِي اؤتمن أَمَانَته} بعد قَوْله {وَإِن كُنْتُم على سفر وَلم تَجدوا كَاتبا فرهان مَقْبُوضَة} فَدلَّ على أَن الرَّهْن لَيْسَ بأمانة لِأَنَّهُ لَو كَانَ أَمَانَة لما كَانَ لَهُ منع الرَّهْن مِنْهُ بقوله {فليؤد الَّذِي اؤتمن أَمَانَته} وَإِذا ثَبت أَنه مَضْمُون لم يجز أَن يضمن بِالدّينِ إِذا كَانَ الرَّهْن أقل مِنْهُ كالغصب لما كَانَ مَضْمُونا مَعَ التَّعَدِّي لم يضمن بِأَكْثَرَ من الْقيمَة فالرهن بذلك أولى(4/313)
2025 - فِي جِنَايَة العَبْد الرَّهْن
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا قتل العَبْد الرَّهْن رجلا خطأ وَقِيمَة العَبْد أَلفَانِ وَالَّذِي خُوطِبَ الْمولى وَالْمُرْتَهن جَمِيعًا فِيهِ بِالدفع أَو الْفِدَاء رد ألف فَإِن دفعا بَطل الدّين وَإِن فديا فالفداء عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ وَهُوَ رهن على حَاله وَإِن كَانَت قيمَة الرَّهْن مثل الدّين فالفداء على الْمُرْتَهن خَاصَّة فَإِن قَالَ لَا أفدي فدَاه الرَّاهِن وَبَطل الدّين
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك الْفِدَاء على الرَّاهِن فَإِن أبي أَن يفْدِيه فدَاه الْمُرْتَهن وَرجع على الرَّاهِن بِمَا فدَاه بِهِ وَلم يَأْخُذ الرَّهْن حَتَّى يدْفع إِلَيْهِ الْفِدَاء وَالدّين جَمِيعًا فَإِن أَبى سَيّده أَن يَأْخُذهُ بيع فبدىء بِمَا افتداه بِهِ الْمُرْتَهن من الْجِنَايَة وَلَا يُبَاع حَتَّى يحل أجل الدّين فَإِن اجْتمعَا على دفع العَبْد بِالْجِنَايَةِ كَانَ دين الْمُرْتَهن بَاقِيا بِحَالهِ
قَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي يُقَال للْمولى إِن فديته بِالْجِنَايَةِ فَأَنت مُتَطَوّع وَهُوَ رهن فَإِن لم يفعل بيع فِي جِنَايَته وَإِن تطوع بهَا الْمُرْتَهن لم يرجع بهَا على الْمولى وَإِن فدَاه بأَمْره على أَن يكون رهنا مَعَ الْحق الأول فَجَائِز
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد بَينا أَن الرَّهْن مَضْمُون فَيلْزم الْمُرْتَهن بِمِقْدَار الْمَضْمُون مِنْهُ وَيلْزم الرَّاهِن بِحِصَّة الْأَمَانَة(4/314)
2026 - فِي رهن الْعَارِية
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتعَار عبدا ليرهنه فِي دينه فرهنه ضمن بِمِقْدَار مَا سقط من دينه عِنْد الْهَلَاك وَهُوَ بِمَنْزِلَة من قضى دين غَيره بأَمْره فَيرجع بِهِ عَلَيْهِ
قَالَ وَإِن شَرط أَن يرهنه بِشَيْء فرهنه بِأَقَلّ أَو بِأَكْثَرَ أَو بِغَيْر جنس مَا سمى ضمن قِيمَته كلهَا لِأَنَّهُ مُخَالف
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا هلك الرَّهْن ضمن فِي الْموضع الَّذِي يسْقط بِهِ الدّين وَلَا يضمن للْمُعِير شَيْئا إِذا لم يسْقط شَيْئا من دينه بِأَن يكون هَلَاكه ظَاهرا وَإِن رَهنه بِغَيْر مَا سمى ضمن
وَقَول الثَّوْريّ مثل قَوْلنَا أَيْضا
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا ذكر عَنهُ الرّبيع قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا أَن الْمُسْتَعِير يضمن للْمُعِير كَمَا يضمن الْعَارِية
وَالْآخر أَنه لَا يضمن لِأَن خدمته لسَيِّده وَالرَّهْن فِي عُنُقه كضمان سَيّده عَن الرَّاهِن
2027 - فِي عَارِية الرَّهْن
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أعَار الْمُرْتَهن الرَّاهِن العَبْد فَقَبضهُ الرَّاهِن واستخدمه فَلهُ أَن يردهُ إِلَى يَده(4/315)
وَقَالَ مَالك فِيمَا حَكَاهُ ابْن الْقَاسِم إِذا أَعَارَهُ الرَّاهِن خرج من الرَّهْن وَلم يكن لَهُ أَن يردهُ إِلَى يَده بعد ذَلِك وَهُوَ أُسْوَة الْغُرَمَاء فِيهِ
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي وَلَو أكرى الرَّهْن من صَاحبه أَو أَعَارَهُ لم يَنْفَسِخ الرَّهْن
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا نعلم خلافًا أَنه لَو أودعهُ الرَّاهِن كَانَ لَهُ أَن يردهُ إِلَى يَده كَذَلِك الْعَارِية لِأَن ذَلِك لَا يثبت لَهُ حَقًا فِيهِ وَأما الْإِجَارَة فَفِيهَا إِثْبَات حق للْمُسْتَأْجر لَا يُمكن المؤاجر وإبطاله فَيبْطل الرَّهْن بِالْإِجَارَة بأذن الرَّاهِن
2028 - فِيمَن عَلَيْهِ دينان فَقضى أَحدهمَا
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن عَلَيْهِ دينان من جنس وَاحِد وبأحدهما رهن وَلَيْسَ بِالْآخرِ رهن أَو بِكُل وَاحِد رهن أَو كَفَالَة فَقضى بعض المَال وَهُوَ من هَذَا فَالْقَوْل قَوْله فِيمَا قضى وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك يكون مِنْهُمَا جَمِيعًا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ لنا أَن نقضي أَيهمَا شِئْنَا رَجَعَ إِلَى قَوْله دون قَول الْمقْضِي وَلَا يخْتَلف فِي ذَلِك حَال الْقَضَاء وَبعده
2029 - فِي الْعدْل هَل يَبِيع دون السُّلْطَان
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا رهن الرجل رهنا وَوَضعه على يَدي عدل فَهُوَ جَائِز وَإِن سلطه على بَيْعه فبيعه جَائِز وَعَلِيهِ الْعهْدَة وَإِن أبي أَن يَبِيع وَقد شَرط ذَلِك فِي أصل الرَّهْن أجْبرهُ القَاضِي على البيع(4/316)
وَقَالَ مَالك إِذا شَرط عَلَيْهِ البيع لم يَبِعْهُ دون السُّلْطَان سَوَاء كَانَ على يَد الْعدْل أَو الْمُرْتَهن
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَبَلغنِي عَن مَالك أَنه قَالَ وَإِن بيع نفذ البيع وَلم يرد
قَالَ مَالك وَإِن لم يشْتَرط أَنه يَبِيعهُ إِذا حل الْأَجَل فَإِنَّهُ إِذا حل الْأَجَل رَفعه إِلَى السُّلْطَان فَإِن وفاه حَقه وَإِلَّا بَاعَ لَهُ الرَّهْن فأوفاه حَقه
وَقَالَ اللَّيْث إِذا شَرط بيع الْعدْل عَلَيْهِ جَازَ بَيْعه دون السُّلْطَان وَإِن كَانَ الرَّهْن على يَدي الْمُرْتَهن لَا أرى لَهُ بَيْعه دون السُّلْطَان حَتَّى يكون السُّلْطَان الَّذِي يَبِيعهُ فِي حَقه
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يُعجبنِي أَن يكون الَّذِي يَبِيع الرَّهْن غير الْمُرْتَهن فَإِن عجل الْمُرْتَهن فَبَاعَ جَازَ
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَو شَرط للْمُرْتَهن إِذا حل الْحق أَن يَبِيع لم يجز أَن يَبِيعهُ لنَفسِهِ إِلَّا بِأَن يحضرهُ رب الْحق فَإِن امْتنع أَمر الْحَاكِم بِبيعِهِ وَلَو كَانَ الشَّرْط للعدل جَازَ بَيْعه مَا لم يفسخا أَو أَحدهمَا وكَالَته
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لَا معنى لاعْتِبَار السُّلْطَان كَسَائِر الوكالات بِالْبيعِ وكالوصايا
2030 - فِي ضيَاع الثّمن من يَد الْعدْل
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا بَاعَ الْعدْل الرَّهْن وَقبض الثّمن وَقَالَ قد ضَاعَ فقد بَطل الدّين(4/317)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا دفع الْمُرْتَهن الرَّهْن إِلَى السُّلْطَان أَقَامَ السُّلْطَان رجلا يَبِيع ذَلِك الرَّهْن فَبَاعَهُ وَضاع الثّمن فِي يَده فَلَا ضَمَان على الْمَأْمُور
وَقد قَالَ مَالك فِي الْمُفلس إِذا بَاعَ السُّلْطَان مَاله للْغُرَمَاء فَضَاعَ الثّمن أَن الضّيَاع من الْغُرَمَاء فَكَذَلِك هَذِه الْمَسْأَلَة إِذا ضَاعَ الثّمن فَهُوَ من الْمُرْتَهن إِن ضَاعَ قبل أَن يقبضهُ
وَقَالَ أَشهب الضّيَاع من مَال الْغَرِيم
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي ضيَاع الثّمن من الرَّاهِن دون الْمُرْتَهن
قَالَ أَبُو جَعْفَر الثّمن بِمَنْزِلَة الرَّهْن فضياعه على الْمُرْتَهن كضياع الرَّهْن نَفسه فِي يَد الْعدْل
2031 - فِي قَول الْعدْل دفعت الثّمن إِلَى الْمُرْتَهن
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ الْعدْل قد دفعت الثّمن إِلَى الْمُرْتَهن فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه
قَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِيمَن أمره السُّلْطَان بِبيع الرَّهْن وَأَن يدْفع إِلَى الْمُرْتَهن حَقه فَقَالَ قد دفعت إِلَى الْمُرْتَهن حَقه فَالْقَوْل قَول الْمُرْتَهن
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي إِذا قَالَ الْعدْل دفعت الثّمن إِلَى الْمُرْتَهن لم يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا مَبْنِيّ على أصلهم فِي كَونه مَضْمُونا أَو أَمَانَة فَيكون بِمَنْزِلَة ضيَاعه فِي يَده(4/318)
2032 - فِي اخْتلَافهمْ فِي الثّمن
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا تصادقوا على البيع فَقَالَ الْعدْل بِعْت بِمِائَة وأعطيتك وَهُوَ مائَة وَالدّين مائَة
وَقَالَ الْمُرْتَهن بِعته بِخَمْسِينَ وأعطيتنيها فَالْقَوْل قَول الْمُرْتَهن مَعَ يَمِينه وَكَذَلِكَ لَو توى الثّمن على المُشْتَرِي
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك القَوْل قَول الْمُرْتَهن أَنه قبض خمسين وَالْعدْل ضَامِن بِخَمْسِينَ كَرجل دفع إِلَى رجل مائَة دِرْهَم ليدفعها إِلَى رجل من حق لَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ دفعتها إِلَيْهِ وَقَالَ الَّذِي أَمر بِأَن يَدْفَعهَا إِلَيْهِ لم تدفع إِلَّا خمسين أَنه ضَامِن للخمسين وَهُوَ قَول مَالك
قَالَ أَبُو جَعْفَر الرَّاهِن يَدعِي قَضَاء الدّين فَالْقَوْل قَول الْمُرْتَهن فِيمَا اقْتَضَاهُ
أخر الرَّهْن(4/319)
= كتاب الْقِسْمَة =
2033 - فِي القَاضِي هَل يقسم بِظُهُور الْيَد دون ثُبُوت الْملك عِنْده
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي أَرض أَو عقار فِي يَدي رجلَيْنِ أَرَادَا من القَاضِي قسمتهَا بَينهمَا لم يقسمها حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَة أَنَّهَا لَهما وكل شَيْء كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا سوى الْعقار إِذا ادّعَيَا أَنه لَهما فأرادا قسمته وَذكر ذَلِك فِي الْجَامِع الصَّغِير وَلم يذكر خلافًا
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا هُوَ قَول أبي حنيفَة خَاصَّة وَإِنَّمَا يَقُول ذَلِك فِي الْمِيرَاث فَأَما إِذا ادّعَيَا ملك ذَلِك من غير جِهَة الْمِيرَاث فَإِنَّهُ يقسمهُ بَينهمَا وَإِن لم يُقِيمَا بَيِّنَة على الْملك قد بَينه فِي كتاب الْقِسْمَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يقسم ذَلِك كُله بَينهمَا الْمِيرَاث وَغَيره بقولهمَا دون الْبَيِّنَة وَقَول زفر فِي ذَلِك كَقَوْل أبي حنيفَة(4/321)
وَقَالَ مَالك فِي الشِّرَاء وَالْمِيرَاث يقسم ذَلِك كُله بَينهم ويعزل نصيب غَائِب إِن كَانَ فيهم
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يقسم شَيْء مِمَّا يقسم بقولهمَا إِلَّا بِبَيِّنَة لِأَن ذَلِك حكم مِنْهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر يَنْبَغِي أَن لَا يخْتَلف حكم الْمِيرَاث وَغير الْمِيرَاث وَأَن يقسم جَمِيع ذَلِك بَينهم بإقرارهم فَيكون قَضَاء على الْحَاضِرين دون غَيرهم
2034 - فِي أحد الشَّرِيكَيْنِ إِذا طلب الْقِسْمَة وأبى الآخر
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا كَانَ بَيت صَغِير بَين رجلَيْنِ لَو قسم انْتفع أَحدهمَا بِنَصِيبِهِ وَلم ينْتَفع الآخر وَطلب صَاحب النَّصِيب الْكثير الْقِسْمَة قسمته وَكَذَلِكَ إِن طلبَهَا الآخر وَإِن كَانَ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَا ينْتَفع بِنَصِيبِهِ لم أقسمه حَتَّى يجتمعا وَمَا كَانَ فِي قسمته ضَرَر نَحْو الثَّوْب وَالْحمام والحائط لم أقسمه حَتَّى يجتمعا فَإِذا اجْتمعَا قسمته وَإِن اقْتَسمَا ثوبا فشقاه نفذه
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالْحسن بن حَيّ إِذا كَانَ أَحدهمَا لَا ينْتَفع بِنَصِيبِهِ لم أقسمه وَإِن كَانَ الآخر ينْتَفع بِهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فِيمَا لَا يَنْقَسِم لَا يجْبر وَاحِد مِنْهُمَا على البيع(4/322)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْعَرَصَة وَالْقلب المزرع يقسم إِذا طلب أحدهم الْقِسْمَة وَإِن لم ينْتَفع بِهِ وَاحِد مِنْهُم
وَقَالَ فِيمَا لَا يَنْقَسِم من الدَّوَابّ وَالرَّقِيق فَإِنَّهُ إِذا طلب أَحدهمَا البيع بيع عَلَيْهِم إِن أَحبُّوا أَو كَرهُوا إِلَّا أَن يُرِيد الَّذين كَرهُوا البيع أَن يَأْخُذُوا ذَلِك بِمَا يُعْطون بِهِ فَيكون لَهُم ذَلِك
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَكَذَلِكَ فِيمَا لَا يَنْقَسِم من الْمنَازل والدور والحمامات وَغير ذَلِك مِمَّا يكون فِي قسمته ضَرَر وَلَا ينْتَفع بِمَا يقسم مِنْهُ فَإِنَّهُ يُبَاع وَيقسم ثمنه قَالَ وَقَالَ مَالك فِي الْحمام بَين الشُّرَكَاء أَنه يقسم
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَأرى الْحَائِط يقسم قَالَ وَقَالَ مَالك لَا يقسم الْحَائِط وَالطَّرِيق إِلَّا إِن يتراضى الْوَرَثَة على قسمته وَأما الْحمام فَهُوَ عَرصَة كالبيت الصَّغِير
وَقَالَ اللَّيْث مَا كَانَ يَنْقَسِم فَإِنَّهُ يَنْقَسِم ولايباع وَمَا كَانَ من دَار لَا يقسم وَالْحمام والحانوت فانه يُبَاع فَيقسم الثّمن إِلَّا إِن يَشْتَرِيهِ بعض الشُّرَكَاء بأغلى مَا يُوجد من الثّمن فَيكون أولى
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا كَانَ وَاحِد مِنْهُم وَاحِد مِنْهُم ينْتَفع بِنَصِيبِهِ قسمته وَإِن لم ينْتَفع الْبَاقُونَ بِمَا يصير لَهُم إِلَّا أَن يَكُونُوا إِن اجْتمع الْبَاقُونَ انتفعوا الْجَمِيع فيجتمع(4/323)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَن الثَّوْب لَا يقسم حَتَّى يجتمعوا جَمِيعًا على قسمته وَإِن كَانَ لأَحَدهمَا نصيب ينْتَفع بقسمته إِذا كَانَ فِيهِ ضَرَر على الآخر كَذَلِك الْقيَاس فِي كل شَيْء فِي قسمته ضَرَر على أحدهم يَنْبَغِي أَن لَا يقسم إِلَّا بِالتَّرَاضِي وَأما قَول مَالك فِي البيع عَلَيْهِم ففاسد لقَوْل الله تَعَالَى {إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض مِنْكُم}
2035 - فِي قسْمَة الدّور بَعْضهَا فِي بعض
قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر يقسم كل دَار وضيعة على حِدة وَلَا يقسم بَعْضهَا فِي بعض وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِيمَا رَوَاهُ الرّبيع عَنهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن كَانَ الْأَفْضَل قسْمَة كل شَيْء على حِدة فعل وَإِن رأى أَن يجمع نصيب كل وَاحِد فعل
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الدّور والقرى المتباعدة أَنه يقسم كل شَيْء على حِدة وَإِن كَانَت قرى مُتَقَارِبَة جمعت الدّور أَو الْقرى فَيقسم بَعْضهَا فِي بعض
مَالك يجمع الْعَالِيَة والسافلة والبعل مَعَ الْعُيُون إِذا تسامت وَلَا يجمع البعل مَعَ النَّضْح إِذا كَانَت الْقرى مُتَقَارِبَة وَفِي رَغْبَة النَّاس سَوَاء جمعت وَإِن كَانَ بَينهمَا الْيَوْم واليومان لم أجمع وَإِن كَانَت الرَّغْبَة وَاحِدَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَن الثِّيَاب لَا تقسم مَعَ الدّور كَذَلِك الدّور لَا تقسم بَعْضهَا فِي بعض وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَن دَارا بَين رجلَيْنِ لَو طلب أَحدهمَا قسْمَة نَاحيَة مِنْهَا دون الْبَقِيَّة من الدَّار أَنَّهَا لَا تقسم فَدلَّ أَن كل واحده من(4/324)
الدّور مُعْتَبرَة بِنَفسِهَا دون غَيرهَا أَلا ترى أَن كل وَاحِدَة مِنْهَا قد يتَعَلَّق بهَا حق الشُّفْعَة دون الْأُخْرَى
2036 - فِي قسْمَة الْأَنْصِبَاء الْمُخْتَلفَة
قَالَ مُحَمَّد إِذا ورث ابْنَانِ وابنتان دَارا وَأَرَادُوا الْقِسْمَة فَإِن جعلهَا الْقَاسِم سِتَّة أَجزَاء اثْنَيْنِ لكل جُزْء فَإِذا خرج سهم أحدهم أَخذه من مقدم الدَّار ثمَّ الَّذِي يَلِيهِ إِلَى جَانِبه ثمَّ الَّذِي يَلِيهِ إِلَى جَانب الآخر حَتَّى تخرج السِّهَام وَإِن لم يَجْعَلهَا سِتَّة أجراء وَلكنه يذرعها ويقومها فَإِذا خرج سهم رجل ذرع لَهُ من مقدم الدَّار حَتَّى يَسْتَوْفِي نصِيبه ثمَّ إِذا خرج سهم آخر ذرع لَهُ مِمَّا يَلِيهِ بِقدر مَا نصِيبه من الذرع وَالْقيمَة حَتَّى يَسْتَوْفِي ثمَّ كَذَلِك من بعده جَازَ ذَلِك أَيْضا قَالَ وأفضلهما عِنْدِي أَن يفردوا كل سهم
وَقَالَ بشر عَن أبي يُوسُف قَالَ تصور الدَّار فِي صُورَة وَيعرف مَا حولهَا وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الطَّرِيق أَو إِلَى دَار أَو شرب أَو مسيل وَيقوم السهْم الأول فِي مَوضِع كَذَا ثمَّ ينظر إِلَى أَكثر السِّهَام إِن وَقع هُنَالك كَيفَ يكون مَوْضِعه وَمَا على صَاحبه وكس حَتَّى يفضل ذَلِك من الدَّار وَينظر إِلَى أقل السِّهَام إِن وَقعت فِيهِ هَل لصَاحبه فِيهِ مسكن أَو هَل ينْتَفع بِهِ فَإِن استقام(4/325)
أَقرع وَإِن رأى خللا لَا يَسْتَقِيم مَعَ الْقِسْمَة أدارها على وَجه آخر حَتَّى يَسْتَقِيم وَلَا يَجْعَل لبَعْضهِم على بعض طَرِيق وَلَا سَبِيل إِن قلدنا
وَسمعت أَبَا خازم قَالَ قَالَ هِلَال بن يحيى سَأَلت أَبَا يُوسُف عَن أَرض بَين رجلَيْنِ تكون عشرَة أجربة مِنْهَا لأَحَدهمَا تِسْعَة أجربة وَللْآخر جريب وَاحِد فَكَانَت إِن قسم كل جريب مِنْهَا على حياله كَانَت قيمَة كل جريب مِنْهَا عشر قيمَة الأَرْض فَإِذا ضم شَيْء من الأجربة إِلَى شَيْء زَادَت قِيمَته بِالضَّمِّ فَيصير لصَاحب التِّسْعَة الأجربة حِينَئِذٍ أَكثر من تِسْعَة أعشار قيمَة الضَّيْعَة كَيفَ تقسم قَالَ لَا يقسمها كَذَلِك وَلَكِن يقسم لصَاحب الجريب بِحقِّهِ قِطْعَة من هَذِه الأَرْض قيمتهَا تسع قيمَة التِّسْعَة الأعشار الْبَاقِيَة مِنْهَا
قَالَ أَبُو خازم وَهَذَا قَول صَحِيح
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره عَنهُ ابْن الْقَاسِم تقسم الدَّار على سهم أقلهم نَصِيبا
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي تقسم على أقلهم نَصِيبا ويقرع على السِّهَام فَيقسم لمن خرج سَهْمه أَولا السهْم الأول ثمَّ الثَّانِي ثمَّ الثَّالِث
قَالَ أَبُو جَعْفَر أولى ذَلِك مَا ذكره هِلَال عَن أبي يُوسُف ليستوفي كل وَاحِد نصِيبه بِلَا نقص وَلَا زِيَادَة(4/326)
2037 - فِي أُجْرَة الْقَاسِم
روى الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة وَزفر أَن أحد الشُّرَكَاء إِذا طلب الْقِسْمَة وأبى الْآخرُونَ أَن القَاضِي يَأْمُرهُ بِالْقِسْمَةِ وَتَكون أُجْرَة الْقَاسِم على الَّذِي طلبَهَا دون من لم يطْلبهَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِم جَمِيعًا من أرادها وَمن لم يردهَا على عدد رؤوسهم وَهُوَ قَول الْحسن وَمَالك وَالشَّافِعِيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما أجبروا عَلَيْهَا كَانَت الْقِسْمَة وَاقعَة لَهُم جَمِيعًا لحقوق بعض على بعض فَتكون الْأُجْرَة عَلَيْهِم جَمِيعًا
2038 - فِي قسْمَة السّفل والعلو
قَالَ أَبُو حنيفَة يحْسب فِي الْقِسْمَة السّفل ذِرَاع بذراعين من الْعُلُوّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يحْسب الْعُلُوّ بِالنِّصْفِ من السّفل بِالنِّصْفِ فَينْظر كم جملَة ذرع كل وَاحِد مِنْهُمَا فيطرح من ذَلِك النّصْف
وَقَالَ مُحَمَّد تقسم الْقيمَة على حسب الْمَوَاضِع(4/327)
وَقَالَ مَالك يجوز أَن يقتسموا على أَن يَأْخُذ أَحدهمَا السّفل وَيَأْخُذ الآخر الْعُلُوّ
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَا يجوز أَن يَجْعَل فِي الْقِسْمَة لأَحَدهمَا سفلا وَللْآخر علوه إِلَّا أَن يكون علوه وسفله لوَاحِد
وَحكى عَنهُ الْمُزنِيّ أَيْضا لَو اشْترى علو بَيت على أَن يَبْنِي على جدرانه ويسكن على سطحه أجزت ذَلِك إِذا سمى مُنْتَهى الْبُنيان لِأَنَّهُ لَيْسَ كالأرض فِي احْتِمَاله مَا يَبْنِي عَلَيْهِ
قَالَ الْمُزنِيّ وَهَذَا غير مَا ذكره فِي الْقِسْمَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد يكون بَينهمَا سفل بِلَا علو وعلو بِلَا سفل فَتجب الْقِسْمَة إِذا لم يكن فِيهِ ضَرَر وَكَذَلِكَ السّفل الَّذِي لَهُ علو تجوز الْقِسْمَة عَلَيْهِ على أَن يكون السّفل لأَحَدهمَا والعلو للْآخر بِالْقيمَةِ
2039 - فِي الرَّد فِي الْقيمَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك تجوز الْقِسْمَة فِي دَار أَو أَرض بَينهم على أَن يَأْخُذ أَحدهمَا طَائِفَة بِعَينهَا وَيرد فضل دَرَاهِم أَو عرُوض على مَا يجوز عَلَيْهِ الْبياعَات
وروى عَن أبي يُوسُف أَنه كره رد الدَّرَاهِم وَلِأَنَّهُ يجوز أَن يَمُوت قبل(4/328)
إِن يُؤَدِّي الدَّرَاهِم فَيصير غريما من الْغُرَمَاء فَإِن كَانُوا كبارًا أَو رَضوا بذلك جَازَ وَلَا يقبض الَّذِي رد الدَّرَاهِم نصِيبه حَتَّى يبعد
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي وَإِذا كَانَ فِي الْقِسْمَة رد لم يجز حَتَّى يعلم كل وَاحِد مِنْهُم مَوضِع سَهْمه وَمَا يلْزمه وَيسْقط عَنهُ فَإِذا علمه كَمَا يعلم الْبيُوع الَّتِي تجوز أجزته لَا بِالْقُرْعَةِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر يجوز الرَّد فِي الْقِسْمَة على السَّبِيل الَّتِي يجوز فِيهَا البيع إِذا جمعت الصَّفْقَة أَشْيَاء مُخْتَلفَة أَلا ترى أَنه لَو اشْترى شِقْصا من دَار وعبدا بِأَلف دِرْهَم جَازَ وَأخذ الشَّفِيع الشّقص بِحِصَّتِهِ دون العَبْد وكما يتَزَوَّج الْمَرْأَة على دِرْهَم وعَلى أَن ترد عَلَيْهِ عبدا فَيكون العَبْد مَبِيعًا كَذَلِك الْقِسْمَة إِذا وَقع فِيهَا الرَّد
2040 - فِي بيع أحد الشَّرِيكَيْنِ لموْضِع مَعْلُوم
قَالَ مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة إِذا كَانَت الدَّار بَين رجلَيْنِ فَبَاعَ أَحدهمَا نصف بَيت مِنْهَا مَعْلُوم لم يجز بَيْعه لِأَن فِي هَذَا ضَرَرا على صَاحبه وَلم يذكر خلافًا بَينهم
وَقَالَ بشر عَن أبي يُوسُف البيع جَائِز لَا تنقض الْقِسْمَة وَقد يكون وَقد لَا يكون وَإِذا أَو صى الشَّرِيك بِبَيْت مِنْهَا بِعَيْنِه لرجل ثمَّ مَاتَ قسمت الدَّار فَإِن وَقع الْبَيْت فِي نصيب الْمُوصى كَانَ لصَاحب الْوَصِيَّة وَإِن وَقع فِي نصيب الآخر كَانَ لصَاحب الْوَصِيَّة مثل ذرع الْبَيْت كُله فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف(4/329)
وَقَالَ مُحَمَّد لَهُ نصف الْبَيْت إِن وَقع فِي نصيب الْمُوصي وَإِن وَقع فِي نصيب الآخر كَانَ لَهُ مثل نصف ذرعه وَلَو أقرّ أَحدهمَا بِبَيْت مِنْهَا بِعَيْنِه لرجل إِذا قسمت الدَّار فَإِن وَقع الْبَيْت فِي نصيب الْمقر سلمه إِلَيْهِ وَإِن وَقع فِي نصيب الآخر ضرب فِي نصيب الْمقر بِمثل ذرع الْبَيْت وَضرب للْمقر بِنصْف مَا بَقِي من الدَّار بعد الْبَيْت وَلَا يجوز إِقْرَاره على شَرِيكه وَهُوَ قَول مُحَمَّد أَيْضا وَلم يذكر خلافًا وَكَذَلِكَ روى الْحسن عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة إِلَّا أَنه قَالَ فِي الْإِقْرَار إِذا لم يَقع الْبَيْت فِي حِصَّة الْمقر يضْرب للْمقر لَهُ بِنصْف قيمَة الْبَيْت قَالَ وَلَو كَانَ عدل نظر بَين رجلَيْنِ فَأقر أَحدهمَا بِثَوْب مِنْهُ لرجل جَازَ وَلَا يشبه هَذَا الدَّار الْوَاحِدَة لِأَنَّهُ لَا ضَرَر فِيهِ على الْمُنكر وَكَذَلِكَ الرَّقِيق وَالْحَيَوَان
وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد عَن أبي يُوسُف يَنْبَغِي فِي قَوْله أَن تكون الدَّار وَالْحَيَوَان وَالْعرُوض سَوَاء أَلا ترى أَنه لَو بَاعَ نصف كل شَاة على حِدة لم يسْتَطع شَرِيكه أَن يجمع لَهُ نصِيبه فِي جَمِيع الْغنم فَهَذَا فِي الْغنم أَكثر ضَرَرا على الشَّرِيك من الدَّار فَكيف يَخْتَلِفَانِ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي دَار بَين رجلَيْنِ بَاعَ أَحدهمَا نصفا مِنْهَا بِعَيْنِه أَن شَرِيكه إِن أحب أَن يَأْخُذ مَا بَاعَ وَيدْفَع إِلَى المُشْتَرِي نصف الثّمن الَّذِي(4/330)
اشْترى بِهِ المُشْتَرِي فَذَلِك لَهُ وَهَذَا النّصْف الثّمن الَّذِي يدْفع إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ من حِصَّة شريكة لِأَن البيع إِنَّمَا يجوز فِي حِصَّة شَرِيكه وَلَا يجوز فِي حِصَّته إِلَّا أَن يُجِيزهُ فَإِن لم يجزه فِي نصِيبه رَجَعَ المُشْتَرِي على البَائِع بِنصْف الثّمن
وَقَالَ اللَّيْث فِي بعض الشُّرَكَاء إِذا أعتق رَقِيقا بَينهم أَنه يقسم الرَّقِيق فَمَا صَار لَهُ عتق عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي جَوَاز بيع نصِيبه من بَيت من الدَّار ضَرَر على شَرِيكه لِأَنَّهُ يتفرق نصِيبه عِنْد الْقِسْمَة لِأَنَّهُ يحْتَاج أَن يقاسم المُشْتَرِي الْبَيْت على حِدة ويقاسم الشَّرِيك على بَقِيَّة الدَّار
وَلَو أَرَادَ أحد الشَّرِيكَيْنِ قبل البيع الْقِسْمَة على هَذَا الْوَجْه لم يكن لَهُ ذَلِك وَمن أجل ذَلِك لم يجز إِقْرَاره ووصيته فِي نصِيبه من بَيت من الدَّار وَالْقِيَاس فِي الثِّيَاب أَن يكون مثله لِأَنَّهُ قد اسْتحق الْقِسْمَة فَلَو جَازَ بيع نصِيبه من ثوب لجَاز أَن يَبِيع نصِيبه من كل ثوب من إِنْسَان على حِدة فَيبْطل حق الشَّرِيك وأساء وَقد اتَّفقُوا أَن للشَّفِيع أَن يبطل بيع المُشْتَرِي لأجل حَقه كَذَلِك يبطل بيع الشَّرِيك لموْضِع بِعَيْنِه لأجل حَقه فِي الْقِسْمَة فَالْقِيَاس أَن لَا يجوز بَيْعه لنصيبه من ثوب بِعَيْنِه وَأَبُو حنيفَة لَا يرى قسْمَة الرَّقِيق على الِانْفِرَاد وَإِن كَانَ مَعَهم غَيرهم قسموا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يقسمون وَإِن انفردوا فَأَما عتق الشَّرِيك للعبيد الَّذين بَينهم فنافذ فِي نصِيبه لِأَن الْعتْق قد يَقع من أحد الشَّرِيكَيْنِ لما فِيهِ(4/331)
من الضَّرَر وَقد حكم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعِتْق الشَّرِيك وألزمه ضَمَان نصيب شَرِيكه إِذا كَانَ مُوسِرًا فَعلمنَا أَن الْعتْق مُخَالف للْبيع لَا يلْحقهُ الْفَسْخ بعد وُقُوعه وَالْبيع يفْسخ
2041 - فِي الْمُهَايَأَة
قَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كَانَت دَار بَين رجلَيْنِ فَلم يريدا قسمتهَا وأرادا الْمُهَايَأَة على أَن يسكن كل وَاحِد مِنْهُمَا منزلا ويؤاجر كل حِصَّة منزلَة جَازَ ذَلِك وَيَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يهائى بَينهمَا فَإِن أبي ذَلِك أَحدهمَا وَطَلَبه الآخر أجبر الَّذِي أبي على الْمُهَايَأَة وَمَتى أَرَادَ الْقِسْمَة قسمت بَينهمَا وانتقضت الْمُهَايَأَة وَلَو تهايئا على أَن يسْتَعْمل جَمِيعهَا هَذَا شهرا وَهَذَا شهرا لم تجز الْمُهَايَأَة وَهَذَا قَوْلهم جَمِيعًا
قَالَ وَقَالَ أَبُو حنيفَة تجوز الْمُهَايَأَة فِي خدمَة عَبْدَيْنِ على أَن يخْدم هَذَا شهرا ويستخدم الآخر العَبْد الآخر ذَلِك الشَّهْر وَلَو تهايئا على استعمالهما(4/332)
على هَذَا الْوَجْه لم يجز فِي قَول أبي حنيفَة وَجَاز فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَلَا تجوز الْمُهَايَأَة فِي استغلال العبيد بِحَال وَعِنْدَهُمَا تجوز كالدور
قَالَ وَلَو تهايأ فِي دَابَّة على الرّكُوب شهرا أَو فِي دابتين لم يجز ذَلِك عِنْد أبي حنيفَة ثمَّ شكّ أَبُو يُوسُف فِي هَذِه الرِّوَايَة وَهُوَ جَائِز عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَلَا تجوز الْمُهَايَأَة عِنْدهم جَمِيعًا فِي غلَّة النّخل وَالشَّجر وَلَا فِي ألبان الْغنم وَالْبَقر وَالْإِبِل وَإِنَّمَا تجوز فِي السُّكْنَى وزراعة الأَرْض وَمَا لَا قيمَة لَهُ
وَلَو تهايئا فِي جاريتين على أَن ترْضع كل وَاحِدَة ابْن أَحدهمَا شهرا أَو سنة جَازَ لِأَن ألبان بني آدم لَا قيمَة لَهَا بِمَنْزِلَة الْمَنَافِع وألبان الْغنم وَسَائِر الْحَيَوَانَات المأكولة لَهَا قيمَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم فِي قِيَاس قَول مَالك إِن الْمُهَايَأَة جَائِزَة فِي الدّور وَالْأَرضين على أَن يسكن كل وَاحِد طَائِفَة شهرا وَلَيْسَ لأَحَدهمَا فَسخهَا قبل مُضِيّ الْأَجَل وَكَذَلِكَ زراعة الأَرْض
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلم نجد للشَّافِعِيّ قولا فِي الْمُهَايَأَة وَأَصْحَابه يَقُولُونَ إِن مَعَانِيه تدل على أَن لَا معنى لَهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد وَذكر قصَّة الْمَرْأَة الَّتِي قَالَت يَا رَسُول الله إِنِّي وهبت نَفسِي لَك فَلَمَّا خطبهَا الرجل وَقَالَ أعطيها نصف إزَارِي فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تصنع(4/333)
بإزارك إِن لبست لم يكن عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْء وَإِن لبسته لم يكن عَلَيْك مِنْهُ شَيْء فَكَانَ فِي ذَلِك إجَازَة الْمُهَايَأَة فِيهِ وَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا يسْتَحق لبسه فِي حَال دون صَاحبه
وَفِي ذَلِك دَلِيل على أَن كل وَاحِد مِنْهَا مُسْتَحقّ ذَلِك بِحَق ملكه وَذَلِكَ هُوَ الْمُهَايَأَة الَّتِي ذكرنَا ثمَّ نَظرنَا فِي جَوَاز فَسخهَا لأَحَدهمَا إِذا أَرَادَ الْقِسْمَة فَكَانَ قَول أَصْحَابنَا أصح لِأَن ذَلِك لَيْسَ بِإِجَارَة لِأَنَّهُ لَو كَانَ أجارة لما أجبر عَلَيْهَا وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَة قسة الْمَنَافِع
آخر الْقِسْمَة(4/334)
= كتاب اللّقطَة والإباق =
2042 - فِي لقطَة مَا سوى الْحَيَوَان
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فِي اللّقطَة يعرفهَا حولا فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا تصدق بهَا إِن شَاءَ فَإِذا جَاءَ صَاحبهَا كَانَ مُخَيّر ابين الْأجر وَالضَّمان وَلَا يَأْكُل مِنْهَا إِلَّا أَن يكون فَقِيرا وَحكى هِشَام عَن مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة فِي اللّقطَة مَا كَانَ يُسَاوِي عشرَة دَرَاهِم عرفهَا حولا وَإِن كَانَ يُسَاوِي أقل من ذَلِك عرفهَا على قدر مَا يرى ثمَّ تصدق بهَا وَإِن شَاءَ أكلهَا إِن كَانَ فَقِيرا
قَالَ مَالك يعرفهَا حولا ثمَّ يأكلها أَو يتَصَدَّق بهَا إِلَّا أَن تكون تافها يَسِيرا فَيجوز لَهُ أَن يتَصَدَّق بهَا قبل السّنة وَمَتى جَاءَ صَاحبهَا كَانَ مُخَيّرا بَين الْأجر وَالضَّمان إِذا أكلهَا أَو تصدق بهَا
وَقَالَ الْمعَافي عَن الثَّوْريّ ينشد الضآلة فَإِن وجد صَاحبهَا وَإِلَّا يصدق بهَا فَإِن جَاءَ صَاحبهَا خير(4/335)
وَقَالَ أَبُو نعيم عَن الثَّوْريّ فِي الرجل يجد الدِّرْهَم يعرفهُ أَرْبعا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي اللّقطَة يعرفهَا سنة فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا تصدق بهَا فَإِن جَاءَ صَاحبهَا خير بَين الْأجر وَالضَّمان فَإِن كَانَ مَالا عَظِيما جعله فِي بَيت مَال الْمُسلمين
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يعرفهَا حولا فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا تصدق بهَا فَإِن كَانَ فَقير أكلهَا فَإِذا جَاءَ صَاحبهَا خير بَين الْأجر وَالضَّمان
قَالَ الْحسن وَالْعشرَة يعرفهَا سنة وَمَا دونهَا يعرفهَا ثَلَاثَة أَيَّام
وَقَالَ اللَّيْث يعرف اللّقطَة ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ سنة ويكتم الَّذِي أَخذهَا صفتهَا لِئَلَّا يجيىء أهل الْكَذِب فيدعونها فَإِن مرت سنة وَلم يجد لَهَا بَاغِيا كَانَ أولى بهَا قَالَ وَإِن كَانَ مَا الْتقط شَيْئا كثيرا فَأحب إِلَيّ أَن يستنفقها ويتجر فِيهَا بعد أَن يعرفهَا سنة فَإِن جَاءَ صَاحبهَا أَدَّاهَا إِلَيْهِ وَإِن كَانَ شَيْئا يَسِيرا فليتصدق بِهِ فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فَهُوَ مُخَيّر بَين الْأجر وَالضَّمان
وَقَالَ الشَّافِعِي وَيَأْكُل اللّقطَة الْغَنِيّ وَالْفَقِير وَلَا أحب لأحد ترك لقطَة وجدهَا إِذا كَانَ أَمينا عَلَيْهَا فيعرفها سنة على أَبْوَاب الْمَسَاجِد والأسواق ومواضع الْعَامَّة وَيشْهد عَلَيْهَا فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا فَهِيَ لَهُ بعد سنة على أَنه مَتى جَاءَ صَاحبهَا فِي حَيَاته أَو بعد وَفَاته فَهُوَ غَرِيم وقليلها وكثيرها سَوَاء فَإِن كَانَت(4/336)
طَعَاما لَا يبْقى فَلهُ أَن يَأْكُلهُ ويغرمه لرَبه قَالَ الْمُزنِيّ وَمِمَّا وجد بِخَطِّهِ أحب إِلَيّ أَن يَبِيعهُ وَيُقِيم على تَعْرِيفه
قَالَ الْمُزنِيّ وَهَذَا أولى لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقل للملتقط فشأنك بهَا إِلَّا بعد سنة
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الثَّوْريّ عَن سَلمَة بن كهيل عَن سُوَيْد بن غَفلَة عَن أبي بن كَعْب أَنه وجد صرة فِيهَا مائَة دِينَار قَالَ فَأَخذهَا وَذكرهَا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عرفهَا حولا فَإِن وجدت من يعرفهَا فادفعها إِلَيْهِ وَإِلَّا فاستنفع بهَا
وروى مُحَمَّد بن جحادة عَن سَلمَة بن كهيل بِإِسْنَادِهِ نَحوه وَقَالَ فِيهِ عرفهَا سنة ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ عرفهَا سنة ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ عرفهَا سنة فَقَالَ عرفهَا ثَلَاث سِنِين ثمَّ قَالَ اعْلَم عَددهَا ووكاءها ثمَّ استمتع بهَا
وروى شُعْبَة عَن سَلمَة بِإِسْنَادِهِ مثله وَذكر فِيهِ التَّعْرِيف ثَلَاثَة أَحْوَال قَالَ شُعْبَة ثمَّ إِن سَلمَة شكّ لَا يدْرِي أثلاثة أَعْوَام أَو عَاما وَاحِدًا
فَفِي هَذَا الحَدِيث أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَيَا بِالِانْتِفَاعِ بهَا بعد التَّعْرِيف وَاحْتج الشَّافِعِي بذلك وَزعم أَن أَبَيَا كَانَ من أيسر أهل الْمَدِينَة
وَقد روى أَبُو يُوسُف عَن عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان عَن سَلمَة بن كهيل(4/337)
أَن أَبَيَا وجد مائَة دِينَار فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرفهَا حولا أَو سنة فَإِن وجدت صَاحبهَا وَإِلَّا فَاعْلَم مَا وعاؤها وَمَا وكاؤها وَمَا عدتهَا ثمَّ كلهَا فَإنَّك إِلَيْهَا ذُو حَاجَة فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فأعطها إِيَّاه وَإِلَّا فَهِيَ لَك
فَفِي هَذَا الحَدِيث أَن أَبَيَا كَانَ من أهل الْحَاجة
فَإِن قيل إِن هَذَا حَدِيث مَقْطُوع
قيل لَهُ هُوَ مَرْدُود إِلَى سَلمَة بن كهيل وَقد وَصله شُعْبَة وَالثَّوْري وَمُحَمّد نن جحادة وَيلْزم على أصل الشَّافِعِي أَن يقبل هَذِه الزِّيَادَة كَمَا قبل قَول عَمْرو بن دِينَار فِي الشَّاهِد وَالْيَمِين انه فِي الْأَمْوَال
وَقد حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مَرْزُوق قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمثنى الْأنْصَارِيّ قَالَ حَدثنِي أبي عَن ثُمَامَة قَالَ قَالَ أنس كَانَ لأبي طَلْحَة أَرض فَجَعلهَا لله تَعَالَى فَأتي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ اجْعَلْهَا فِي فُقَرَاء قرابتك فَجَعلهَا لحسان وَأبي قَالَ أنس وَكَانَا أقرب إِلَيْهِ مني
فَفِي هَذَا الحَدِيث أَن أَبَيَا كَانَ من الْفُقَرَاء
قَالَ وَاحْتج الشَّافِعِي أَيْضا بِحَدِيث عَليّ بن أبي طَالب فِي الدِّينَار الَّذِي التقطه فَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَكْلِهِ وَلم تكن الصَّدَقَة تحل لَهُ لِأَنَّهُ من بني هَاشم
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدِيث عَليّ مُنْقَطع يرويهِ إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عَن عَطاء بن يسَار قَالَ وجد عَليّ بن أبي طَالب دِينَارا فجَاء بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ وجدت هَذَا فَقَالَ عرفه فَذهب فَمَكثَ مَا شَاءَ الله ثمَّ قَالَ عَرفته فَلم أجد أحدا يعرفهُ قَالَ فشأنك بِهِ قَالَ فَذهب فرهنه فِي ثَلَاثَة دَرَاهِم فِي طَعَام وودك فَبينا هُوَ كَذَلِك إِذا جَاءَ(4/338)
صَاحبه فَعرفهُ فجَاء عَليّ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هَذَا صَاحب الدِّينَار فَقَالَ اده بَعْدَمَا أكلُوا مِنْهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا هُوَ أصل الحَدِيث لَا نعلمهُ روى من وَجه سوى هَذَا الْوَجْه وَهُوَ لَا يحْتَج بِهِ لَا نقطاع سَنَده وَضعف شريك بن عبد الله بن أبي نمر
وَيدل على فَسَاده مَا روى شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق الْهَمدَانِي عَن عَاصِم بن ضَمرَة عَن عَليّ أَنه قَالَ فِي اللّقطَة يتَصَدَّق بهَا فَإِن جَاءَ صَاحبهَا كَانَ مُخَيّرا بَين الْأجر وَالضَّمان
وروى الثَّوْريّ وَمَالك وَعَمْرو بن الْحَارِث عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن عَن يزِيد مولى المنبعث عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ أَنه قَالَ جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا مَعَه فَسَأَلَهُ عَن اللّقطَة فَقَالَ أعرف عفاصها ووكاءها ثمَّ عرفهَا سنة فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا فشأنك بهَا قَالَ فضَالة الْغنم قَالَ لَك أَو لأخيك أَو للذئب قَالَ فضَالة الْإِبِل قَالَ مَعهَا حذاؤها وسقاؤها ترد المَاء وتأكل الشّجر حَتَّى يلقاها رَبهَا وَرَوَاهُ القعْنبِي عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن ربيعَة بِإِسْنَاد مثله وَقَالَ فِيهِ عرفهَا سنة فَإِن لم تعرف فاستنفع بهَا ولتكن وَدِيعَة عنْدك فَإِن جَاءَ صَاحبهَا يَوْمًا من الدَّهْر فأدها إِلَيْهِ
وَرَوَاهُ أَيْضا القعْنبِي عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن ربيعَة عَن يزِيد مولى(4/339)
المنبعث عَن زيد بن خَالِد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله سَوَاء وَرَوَاهُ أَبُو عَامر الْعَقدي عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن ربيعَة عَن يزِيد مولى المنبعث عَن زيد بن خَالِد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله غير أَنه لم يقل فَلْيَكُن وَدِيعَة عنْدك
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله فشأنك بهَا يحْتَمل أَن يُرِيد بشأنك بهَا حَتَّى ينفذ أَحْكَام اللّقطَة فِيهَا من الصَّدَقَة بهَا أَو من حفظهَا أَو من أكلهَا إِن كنت ذَا حَاجَة إِلَيْهَا
وروى عَمْرو بن شُعَيْب عَن عَمْرو وَعَاصِم ابْني سُفْيَان بن عبد الله بن ربيعَة أَن سُفْيَان بن عبد الله وجد عَيْبَة فَأتى بهَا عمر فَقَالَ عرفهَا سنة فَإِن عرفت فَذَاك وَإِلَّا فَهِيَ لَك قَالَ فعرفها سنة فَلم يعرفهَا أحد فَأخْبر عمر بذلك فَقَالَ هِيَ لَك وَقَالَ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرنَا بذلك
فَأبى سُفْيَان أَن يَأْخُذهَا فَأَخذهَا مِنْهُ عمر فَجَعلهَا فِي بَيت مَال الْمُسلمين
قَالَ وَيحْتَمل قَول عمر لِسُفْيَان هِيَ لَك على أَن أمرهَا إِلَيْك تفعل فِيهَا مَا يجب أَن تفعل فِي اللّقطَة وأضافها بذلك إِلَيْهِ لَا على أَنه كَانَ يملكهَا(4/340)
ليَكُون مُوَافقا على مَا فِي حَدِيث زيد بن خَالِد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَوْله ولتكن وَدِيعَة عنْدك فَإِن جَاءَ طالبها يَوْمًا من الدَّهْر فأدها إِلَيْهِ
وَيدل على ذَلِك أَيْضا مَا روى سُوَيْد بن غَفلَة عَن عمر قَالَ فِي اللّقطَة يعرفهَا سنة فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا تصدق بهَا ثمَّ يكون صَاحبهَا مُخَيّرا بَين الْأجر وَالضَّمان
وروى الْأسود بن شَيبَان عَن أبي نَوْفَل العريجي عَن أَبِيه عَن عمر مثله
وروى أَبُو وَائِل عَن ابْن مَسْعُود فِي اللّقطَة مثل ذَلِك
وروى ابْن أبي ذِئْب عَن الْمُنْذر بن أبي الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس مثله وَعَن ابْن عمر مثله وَعَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا مثله
فَهَؤُلَاءِ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد رَأَوْا فِي اللّقطَة مَا وَصفنَا فَلَا يجوز خلافهم إِذْ لم يرو عَن أحد مِنْهُم أَن للغني أكلهَا
فَإِن قيل فقد روى عَن ابْن عمر أَنه أَبَاحَ للملتقط أكلهَا حِين سَأَلَهُ قيل لَهُ يحْتَمل أَن يكون كَانَ مُحْتَاجا إِلَيْهَا
وَأما تَعْرِيف اللّقطَة الْيَسِيرَة أقل من حول فَإِن ذَلِك تَقْلِيد مِمَّن قَالَه(4/341)
لحَدِيث روى فِيهِ وَإِن كَانَ أَصْحَاب الْإِسْنَاد لَا يعتنون بِمثلِهِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ إِسْرَائِيل بن يُونُس عَن عمر بن عبد الله بن يعلى عَن جدته حكيمة عَن أَبِيهَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْتقط لقطَة يسيرَة درهما أَو حبلا أَو شبه ذَلِك فليعرفه ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن إِن فَوق ذَلِك فليعرفه سِتَّة أَيَّام
وَقد روى شريك عَن أبي يَعْفُور الْعَبْدي عَن أبي شيخ الْعَبْدي عَن زيد بن صوحان قَالَ وجدت قلادة فِي طَرِيق مَكَّة فَأتيت بهَا عمر فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ عرفهَا أَرْبَعَة أشهر فَإِن وجدت صَاحبهَا وَإِلَّا فضعها فِي بَيت مَال الْمُسلمين
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام لَا يحل أَخذ الضوال وَلَا أكلهَا لملتقطها وَلَا لغيره وَيَقُول هِيَ خلاف اللّقطَة لِأَن الضوال مَا ضل بِنَفسِهِ واللقطة مَا كَانَ بِخِلَاف ذَلِك ويحتج فِي الضوال بِمَا روى يزِيد بن عبد الله بن الشخير عَن أبي مُسلم الجذمي عَن الْجَارُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضَالَّة الْمُسلم حرق النَّار وروى الْحسن عَن مطرف بن الشخير عَن(4/342)
أَبِيه قَالَ قدمنَا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَلا أحملكم قُلْنَا نَحن نجد فِي الطَّرِيق هوامي الْإِبِل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضَالَّة الْمُؤمن حرق النَّار
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَا فرق بَينهمَا لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ فِي حَدِيث زيد بن خَالِد عَن ضآلة الْغنم مستخبرا عَنْهَا فِي الِالْتِقَاط فَأَجَابَهُ بِمَا أجَاب بِهِ فِيهَا ثمَّ قَالَ فضَالة الْإِبِل فَأَجَابَهُ بِمَا أَجَابَهُ وعنى بِهِ أَنَّهَا مستغنية عَنْك لَا تحْتَاج إِلَى حفظك لَهَا حَتَّى يَأْتِيهَا صَاحبهَا
وَأما قَوْله ضَالَّة الْمُسلم حرق النَّار فلأنهم أرادوها للرُّكُوب وَالِانْتِفَاع لَا للْحِفْظ على صَاحبهَا فَنهى عَن ذَلِك فِيهَا
قَالَ وَأما قَول أبي عبيد من أَن الضال مَا ضل بِنَفسِهِ فغلط لِأَنَّهُ قد روى فِي حَدِيث الْإِفْك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله فِي الْمُسلمين إِن أمكُم ضلت قلادتها فَأطلق ذَلِك على القلادة
2043 - فِي اللّقطَة هَل يسْتَحق بالعلامة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ مدعي اللّقطَة لَا يسْتَحق بالعلامة حَتَّى يُقيم الْبَيِّنَة وَلَا يجْبر الْمُلْتَقط على دَفعهَا إِلَيْهِ بالعلامة ويسعه أَن يَدْفَعهَا وَإِن لم يجْبر عَلَيْهِ فِي الْقَضَاء
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم فِي قِيَاس قَول مَالك يَسْتَحِقهَا بالعلامة وَيجْبر على(4/343)
دَفعهَا إِلَيْهِ فَإِن جَاءَ مُسْتَحقّ فاستحقه بِبَيِّنَتِهِ لم يضمن للملتقط شَيْئا
قَالَ مَالك وَكَذَلِكَ اللُّصُوص إِذا وجد أَمْتعَة فجَاء قوم فادعوها وَلَيْسَت لَهُم بَيِّنَة إِن للسُّلْطَان أَن يتلوم فِي ذَلِك فَإِن جَاءَ غَيرهم وَإِلَّا دَفعهَا إِلَيْهِم وَكَذَلِكَ الْآبِق
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يَدْفَعهَا إِلَيْهِ بعلامة
قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَعْرِِفَة العفاص والوكاء يحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ لِئَلَّا يخْتَلط بِمَالِه ولتعلم أَنَّهَا لقطَة وَقد يكون ليستدل بِهِ على صدق الْمُدَّعِي فيسعه دَفعه إِلَيْهِ وَإِن لم يلْزم فِي الحكم
2044 - فِي ضَمَان اللّقطَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر إِن أشهد حِين أَخذهَا أَنه يَأْخُذهَا ليردها لم يضمنهَا إِن هَلَكت فِي يَده وَإِن لم يشْهد ضمنهَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَابْن شبْرمَة وَالشَّافِعِيّ لَا يضمنهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى يزِيد بن الشخير عَن مطرف بن الشخير عَن عِيَاض بن حمَار الْمُجَاشِعِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من الْتقط لقطَة فليشهد عَلَيْهَا ذَوي عدل وَلَا يكتم وَلَا يغيب فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فَهُوَ أَحَق بهَا وَإِلَّا فَمَال الله يؤتيه من يَشَاء(4/344)
فَيحْتَمل أَن يكون مُرَاده فِي الشَّهَادَة ظُهُور الْأَمَانَة من الْمُلْتَقط وارتفاع الظنة عَنهُ كَمَا روى عَن الْحسن فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذا دفعتم إِلَيْهِم أَمْوَالهم فأشهدوا عَلَيْهِم} أَنه أُرِيد بِهِ ظُهُور أَمَانَة الْوُلَاة على الْأَيْتَام
وَلما لم يضمنهَا إِذا أشهد وَجب مثله إِذا لم يشْهد أَلا ترى أَن مَا كَانَ مَضْمُونا من الغصوب وَنَحْوهَا لَا يُبرئهُ الْإِشْهَاد من ضَمَانه وكما أَنه لَو كتم بعد الْإِشْهَاد من غير جحود لم يضمن كَذَلِك إِذا ترك الْإِشْهَاد لم يضمنهُ
2045 - فِي اللّقطَة من الْإِبِل
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه يجوز أَن يَأْخُذ بَعِيرًا ضَالًّا ليَرُدهُ إِلَى صَاحبه فَإِن أنْفق عَلَيْهِ بِغَيْر أَمر قَاض فَهُوَ مُتَطَوّع وَإِن أنْفق عَلَيْهِ بِأَمْر قَاض ثمَّ هلك الْبَعِير بِالنَّفَقَةِ صَاحبه عِنْد أبي يُوسُف
وَقَالَ زفر لَا يرجع
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا وجد لقطَة فَأَخذه ليَرُدهُ إِلَى صَاحبه ثمَّ رده إِلَى مَوْضِعه الَّذِي وجده فِيهِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَإِن أَخذه وَهُوَ لَا يُرِيد رده ثمَّ بداله فَرده إِلَى مَوْضِعه ثمَّ سرق من ذَلِك الْموضع فَالْأول ضَامِن وَقَالَ زفر لَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالك فِي ضَالَّة الْغنم مَا قرب من الْقرى فَلَا يأكلها ويضمنها إِلَى أقرب الْقرى إِلَيْهَا يعرفهَا فِيهَا وَمَا كَانَ فِي الفلوات والمهامه فَإِنَّهُ يأكلها وَلَا يعرفهَا فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ من ثمنهَا شَيْء لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ(4/345)
هِيَ لَك أَو لأخيك أَو للذئب قَالَ وَالْبَقر بِمَنْزِلَة الْغنم إِذا خيف عَلَيْهَا وَإِذا لم يخف عَلَيْهَا السبَاع فبمنزلة الْإِبِل
وَقَالَ فِي الْإِبِل إِذا وجدهَا فِي فلاة فَلَا يعرض لَهَا فَإِن أَخذهَا فعرفها فَلم يجد صَاحبهَا خَلاهَا فِي الْموضع الَّذِي وجدهَا فِيهِ وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير لَا تُؤْكَل فليعرفها ثمَّ يتَصَدَّق بهَا
وَقَالَ مَالك لَا تبَاع ضوال الْإِبِل وَلَكِن ترد إِلَى موَاضعهَا الَّتِي أُصِيبَت فِيهَا وَكَذَلِكَ فعل عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
وروى عَن عُثْمَان أَنَّهَا تبَاع وَيحبس الإِمَام أثمانها لأربابها
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الشَّاة إِن أكلهَا وَأَخذهَا ضمنهَا لصَاحِبهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي يَأْخُذ الشَّاة ويعرفها فَإِن لم يجد صَاحبهَا أكلهَا ثمَّ ضمنهَا إِن جَاءَ صَاحبهَا وَقَالَ لَا تعرض لِلْإِبِلِ وَالْبَقر فَإِن أَخذ الْإِبِل وَالْبَقر ثمَّ أرسلها ضمن
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما أجَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغنم حِين سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ هِيَ لَك أَو لأخيك أَو للذئب للتخوف عَلَيْهَا كَانَت الْإِبِل بمنزلتها إِذا خيف عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ سَائِر الْأَشْيَاء
وَقَوله فِي الْإِبِل مَعهَا سقاؤها وحذاؤها إِخْبَار عَن حَال فِي الْمَوَاضِع الْمَأْمُون عَلَيْهَا فِيهَا التّلف وأباح تَركهَا وندبه إِلَى أَخذه الْغنم يحفظها على صَاحبهَا لخوف التّلف عَلَيْهَا(4/346)
وَأما قَول مَالك إِن لَهُ أَن يَأْكُل الشَّاة وَلَا يضمنهَا
واحتجاجه فِي ذَلِك بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِيَ لَك أَو لأخيك أَو للذئب فَلَا معنى لَهُ لِأَن قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هِيَ لَك لَيْسَ هُوَ عَليّ معنى التَّمْلِيك
لقَوْله أَو للذئب وَلم يرد بِهِ التَّمْلِيك لِأَن الذِّئْب يأكلها على ملك صَاحبهَا كَذَلِك الْوَاجِد إِن أكلهَا أكلهَا على ملك صَاحبهَا فيضمنها وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث سُلَيْمَان بن بِلَال عَن ربيعَة وَيحيى بن سعيد فاستنفع بهَا ولتكن وَدِيعَة عنْدك دلَالَة على وجوب ضَمَانهَا إِذا أتلفهَا وَأَخذهَا
وَأما رد اللّقطَة بعد أَخذهَا إِلَى الْموضع الَّذِي وجدهَا فِيهِ فقد روى يحيى بن سعيد عَن سُلَيْمَان بن يسَار أَن ثَابت بن الضَّحَّاك وجد بَعِيرًا فَقَالَ لَهُ عمر عرفه فَعرفهُ ثَلَاث مَرَّات ثمَّ جَاءَ إِلَى عمر فَقَالَ قد شغلني عَن ضيعتي فَقَالَ لَهُ عمر انْزعْ خطامه ثمَّ أرْسلهُ حَيْثُ وجدته
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَهَذَا فِي الْبَعِير إِذْ هُوَ غير مخوف عَلَيْهِ التّلف فَجعل لَهُ عمر رده إِلَى مَوْضِعه كَمَا كَانَ مُخَيّرا بدءا بَين أَخذه وَتَركه وَالْقِيَاس فِيمَا يخَاف عَلَيْهِ أَن لَا يردهُ إِلَى مَوْضِعه فيضيعه
2046 - فِي الْأَفْضَل من أَخذ اللّقطَة أَو تَركهَا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه الْأَفْضَل فِي الْبَعِير الضال وَغَيره أَخذه ورده إِلَى صَاحبه وَكَذَلِكَ العَبْد الْآبِق وَإِن تَركه فَهُوَ فِي سَعَة مِنْهُ(4/347)
وَقَالَ مَالك فِيمَن وجد آبقا إِن كَانَ لِجَار أَو لأخ رَأَيْت لَهُ أَن يَأْخُذهُ وَإِن كَانَ لمن لَا يعرف فَلَا يَأْخُذهُ وَهُوَ فِي سَعَة من ترك مَا لجاره أَو لِأَخِيهِ
وَقَالَ اللَّيْث فِي اللّقطَة إِن كَانَت فِي شَيْء لَهُ بَال فالأحب إِلَيّ أَن يَأْخُذهُ ويعرفه وَإِن كَانَ شَيْئا يَسِيرا فَإِن شَاءَ تَركه وَقَالَ فِي ضآلة الْإِبِل فِي الْقرى من وجدهَا يعرفهَا وَإِن وجدهَا فِي الصَّحَارِي فَلَا يقربهَا ولآ يَأْخُذهَا وَأما ضَالَّة الْغنم فَلَا أحب أَن يقربهَا إِلَّا أَن يحوزها لصَاحِبهَا
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَا أحب لأحد ترك لقطَة وجدهَا إِذا كَانَ أَمينا عَلَيْهَا فيعرفها وَسَوَاء قَلِيل اللّقطَة وكثيرها
قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي حَدِيث زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي ضَالَّة الْغنم هِيَ لَك أَو لأخيك أَو للذئب يدل على إِبَاحَته لأخذها وَأَن الْأَفْضَل حوطها على صَاحبهَا
فَإِن قيل روى أَبُو حَيَّان عَن الضَّحَّاك بن الْمُنْذر عَن الْمُنْذر قَالَ كنت بالبوازيج فراحت الْبَقر فَرَأى فِيهَا جرير بقرة أنكرها فَقَالَ لِلرَّاعِي مَا هَذِه الْبَقَرَة فَقَالَ هَذِه بقرة لحقت الْبَقر لَا أَدْرِي لمن هِيَ فَأمر بهَا جرير فَطُرِدَتْ حَتَّى تَوَارَتْ ثمَّ قَالَ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا يأوي الضَّالة إِلَّا ضال(4/348)
قيل لَهُ هَذَا مَحْمُول على أَن يَأْوِيهَا لنَفسِهِ لَا لصَاحِبهَا لما روى يحيى بن أَيُّوب عَن عَمْرو بن الْحَارِث عَن بكر بن سوَادَة عَن أبي سَالم الجيشاني عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من آوى ضَالَّة فَهُوَ ضال مَا لم يعرفهَا وعَلى هَذَا يحمل معنى حَدِيث جرير بن عبد الله
2047 - فِي الْإِنْفَاق على اللّقطَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا أنْفق على اللّقطَة والآبق بِغَيْر أَمر القَاضِي فَهُوَ مُتَطَوّع وَإِن أنْفق بِأَمْر القَاضِي فَذَلِك دين على صَاحبهَا إِذا جَاءَ وَله أَن يحبسها بِالنَّفَقَةِ إِذا حضر صَاحبهَا
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا أنْفق على العَبْد الْآبِق رَجَعَ على صَاحبه إِلَّا أَن يكون انْتفع بِهِ وخدمه فَتكون النَّفَقَة بمنفعته
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِن أنْفق الْمُلْتَقط على الدَّوَابّ وَالْإِبِل وَغَيرهَا فَلهُ أَن يرجع على صَاحبهَا بِالنَّفَقَةِ وَإِن أنفقها بِغَيْر أَمر السُّلْطَان فَلهُ أَن يحبس ذَلِك بِالنَّفَقَةِ فَإِن سلمه المَال فَلَا شَيْء لَهُ وَيرجع أَيْضا عَلَيْهِ بكرَاء حمل اللّقطَة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا يرجع من نَفَقَته بِشَيْء فِي الحكم ويعجبني فِي الْوَرع والأخلاق أَن ترد عَلَيْهِ نَفَقَته
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا رَوَاهُ الرّبيع عَنهُ إِذا أنْفق على الضوال من من أَخذهَا(4/349)
فَهُوَ مُتَطَوّع فَإِن أَرَادَ أَن يرجع على صَاحبهَا فليذهب إِلَى الْحَاكِم حَتَّى يفْرض لَهَا النَّفَقَة ووكل غَيره بِأَن يقبض تِلْكَ النَّفَقَة مِنْهُ وَينْفق عَلَيْهَا وَلَا يكوهن للسُّلْطَان أَن يَأْذَن لَهُ أَن ينْفق عَلَيْهَا إِلَّا الْيَوْم واليومين فَإِذا جَاوز ذَلِك أَمر بِبَيْعِهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَو أَن رجلا أطْعم جائعا يخَاف الْمَوْت أَو سقَاهُ كَانَ مُتَطَوعا فِي ذَلِك كُله كَذَلِك مَا أنْفق على اللّقطَة فِي الْقيَاس
2048 - فِي النَّفَقَة على اللَّقِيط
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه مَا أنْفق الْمُلْتَقط على اللَّقِيط فَهُوَ مُتَطَوّع بِهِ إِلَّا أَن تكون بِأَمْر الْحَاكِم وَكَذَلِكَ من وجد ضآلة من إبل أَو بقر ويأمره القَاضِي بِالنَّفَقَةِ على الدَّوَابّ يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة فَإِن لم يَجِيء صَاحبهَا أمره بِبَيْعِهَا وَكَانَ مَا أنْفق دينا فِي ثمنهَا والغلام وَالدَّابَّة وَمَا كَانَ لَهُ غلَّة يؤاجرهما وَينْفق عَلَيْهِمَا من غلتهما
وَقَالَ مَالك إِن أنْفق الْمُلْتَقط على اللَّقِيط ثمَّ أَقَامَ رجل الْبَيِّنَة أَنه ابْنه فَإِن الْمُلْتَقط يرجع على الْأَب إِن كَانَ طَرحه مُتَعَمدا أَو كَانَ مُوسِرًا وَإِن لم يكن طَرحه أَو ضل مِنْهُ فَلَا شَيْء على الْأَب والملتقط مُتَطَوّع بِالنَّفَقَةِ
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِن أنْفق الْمُلْتَقط على اللَّقِيط احتسابا لم يرجع عَلَيْهِ وَإِن كَانَ لغير ذَلِك أَعْطيته نَفَقَته إِلَّا أَن يكون استخدم الْغُلَام فَتكون نَفَقَته بمنفعته
وَقَالَ ابْن الْمُبَارك عَن الثَّوْريّ إِن أنْفق بِأَمْر الْأَمِير كَانَت دينا عَلَيْهِ(4/350)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي أَخَوَيْنِ أنْفق الْكَبِير على الصفير فَلَا شَيْء لَهُ إِن كَانَ أَخُوهُ معدما وَإِن كَانَ مُوسِرًا أَخذ من مَاله مَا أنْفق عَلَيْهِ وَيكون ذَلِك دينا فِي مَاله إِذا كَانَ مَا أنْفق عَلَيْهِ غير وَاجِب عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ مَا أنفقهُ الْمُلْتَقط يكون دينا عَلَيْهِ إِن كَانَ ذَلِك غير وَاجِب عَلَيْهِ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أنْفق الْمُلْتَقط على اللَّقِيط ثمَّ ادَّعَاهُ رجل رَجَعَ الْمُلْتَقط بِنَفَقَتِهِ على أَبِيه
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا أمره الْحَاكِم بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ كَانَ دينا وَمَا ادّعى قبل مِنْهُ إِذا كَانَ مثله قصدا
وَقَالَ الْمُزنِيّ لَا تقبل دَعْوَاهُ وَلَيْسَ كالأمين يَقُول فَيبرأ
قد قَالَ فِي الْبَاب الَّذِي قبل هَذَا لَا يُوكله الْحَاكِم بِالنَّفَقَةِ وَإِنَّمَا يُقيم من يقبض مِنْهُ فينفق
2049 - فِي جعل الْآبِق
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا يجب الْجعل فِي شَيْء إِلَّا فِي العَبْد الْآبِق وَالْأمة وَالْقِيَاس أَن لَا جعل فيهمَا وَلكنه ترك الْقيَاس للأثر فَإِن جَاءَ بِهِ من مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ درهما وَإِن جَاءَ بِهِ من أقل من مسيرَة ثَلَاث رضخ لَهُ بِشَيْء وَلم يبلغ أَرْبَعِينَ درهما فَإِن جَاءَ بِهِ من مسيرَة ثَلَاثَة وَهُوَ لَا يُسَاوِي أَرْبَعِينَ درهما نقص من قِيمَته درهما فِي قَول أبي حنيفَة(4/351)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِ جعل أَرْبَعِينَ درهما
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِن كَانَ الَّذِي جَاءَ بالآبق من شَأْنه وَعَمله طلب الْإِبَاق وردهم فَإِنِّي أرى أَن يَجْعَل لَهُ شَيْئا على حسب بعد الْموضع وقربه وَلم يقدر للجعل شَيْئا وَإِن لم يكن ذَلِك شَأْنه وَعَمله فَلَا جعل لَهُ وَيُعْطِي مَا أنْفق عَلَيْهِ
قَالَ ابْن الْقَاسِم فِي قِيَاس قَول مَالك إِن كَانَ رجل يطْلب الدَّوَابّ والضوال ليردها أَو كَانَ ذَلِك شَأْنه كَانَ لَهُ جعل
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا جعل لمن جَاءَ بالآبق وَهُوَ قَول اللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَن عبد الله بن مَسْعُود فِي الْآبِق إِذا وجد فِي الْمصر عشرَة دَرَاهِم وَإِذا وجد خَارج الْمصر فأربعون درهما وَلم يرو عَن أحد من الصَّحَابَة خِلَافه وَمثله لَا يُقَال بِالرَّأْيِ وَإِنَّمَا طَرِيقه التَّوْقِيف وَالْقِيَاس أَن لَا شَيْء لَهُ
2050 - فِي الْآبِق كم يحْبسهُ الإِمَام
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا وجد عبدا آبقا فَلم يقدر على صَاحبه يرفعهُ إِلَى القَاضِي فَإِن القَاضِي يقبضهُ مِنْهُ ويتلوم ويحبسه فَإِن جَاءَ وَإِلَّا بَاعه وَإِذا جَاءَ صَاحبه دفع الثّمن إِلَيْهِ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك يحبس السُّلْطَان الْآبِق سنة فَإِن لم يَجِيء(4/352)
صَاحبه بَاعه وَكَانَ لَهُ الثّمن إِذا جَاءَ وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة الْإِبِل أَنَّهَا تسْتَعْمل والآبق إِن خلى عَنهُ أبق ثَانِيَة
وَقَالَ قِيَاس قَول الشَّافِعِي أَن لَا تَوْقِيت فِيهِ ويبيعه القَاضِي ويحفظ ثمنه على مَوْلَاهُ
2051 - فِي بيع الْآبِق إِذا جَاءَ مَوْلَاهُ وَادّعى عتقا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي إِن الْحَاكِم إِذا بَاعَ الآبقة ثمَّ جَاءَ صَاحبهَا فَقَالَ قد كنت أعتقتها أَو هِيَ أم وَلَدي أَنه لَا يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم قِيَاس قَول مَالك لَا يصدق فِي الْعتْق إِلَّا بِبَيِّنَة وَيصدق فِي دَعْوَى الِاسْتِيلَاء إِذا كَانَ مِمَّن لَا يتهم عَلَيْهَا وَترد إِلَيْهِ
قَالَ وَقَالَ مَالك فِيمَن بَاعَ أمة وَوَلدهَا ثمَّ ادّعى الْوَلَد رد إِلَيْهِ الْأمة وَالْولد إِذا كَانَ مِمَّن لَا يتهم على مثلهَا
وَقَالَ فِي الْعتْق لَا يصدق وَإِن لم يكن لَهَا ولد وَادّعى أَنَّهَا أم وَلَده ردَّتْ إِلَيْهِ إِذا كَانَ لَا يتهم على مثلهَا
آخر اللّقطَة والإباق(4/353)
= كتاب الطَّعَام وَالشرَاب واللباس =
2052 - فِي الْقدر يَقع فِيهَا الطير فَيَمُوت فِيهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر سَمِعت أَبَا خازم القَاضِي يحدث عَن سُوَيْد بن سعيد عَن عَليّ بن مسْهر قَالَ كنت عِنْد أبي حنيفَة فَأَتَاهُ ابْن الْمُبَارك بهيئة خراساني فَسَأَلَهُ عَن رجل جعل قدرا لَهُ فِيهَا لحم على النَّار فَمر طير فَوَقع فِيهَا فَمَاتَ فَقَالَ أَبُو حنيفَة لأَصْحَابه مَاذَا ترَوْنَ فِيهَا فَذكرُوا لَهُ عَن ابْن عَبَّاس أَن اللَّحْم يُؤْكَل بعد مَا يغسل ويهراق المرق فَقَالَ أَبُو حنيفَة بِهَذَا نقُول وَلكنه عندنَا على شريطة إِن كَانَ وَقع فِيهَا من حَال سكونها فَكَمَا فِي هَذِه الرِّوَايَة وَإِن كَانَ وَقع فِيهَا فِي حَال غليانها لم يُؤْكَل اللَّحْم وَلَا المرق فَقَالَ ابْن الْمُبَارك وَلم ذَلِك فَقَالَ لِأَنَّهُ إِذا سقط فِيهَا فِي حَال غليانها فَمَاتَ فقد داخلت الْميتَة اللَّحْم وَإِذا وَقع فِيهَا من حَال سكونها فَمَاتَ فَإِنَّمَا وسخت الْميتَة اللَّحْم فَقَالَ ابْن الْمُبَارك وَعقد بِيَدِهِ ثَلَاثِينَ هَذَا زرين بِالْفَارِسِيَّةِ يَعْنِي الْمَذْهَب
قَالَ وَلَا يعلم عَن أحد من الصَّحَابَة خلاف ذَلِك وَقَالَ ابْن وهب عَن(4/355)
مَالك فِي الدَّجَاجَة تقع فِي قدر اللَّحْم وَهِي تطبخ فتموت فِيهَا قَالَ لَا أرى إِن تُؤْكَل تِلْكَ الْقدر لِأَن الْميتَة قد اخْتلطت بِمَا مَا كَانَ فِي الْقدر
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يغسل اللَّحْم ويؤكل وَكَذَلِكَ الزَّيْتُون المنقع إِذا مَاتَت فِيهِ فَأْرَة غسل وَأكل
قَالَ اللَّيْث لَا يُؤْكَل ذَلِك اللَّحْم حَتَّى يغسل مرَارًا ويغلى على النَّار حَتَّى يذهب كل مَا كَانَ فِيهَا وَكَذَلِكَ الزَّيْتُون إِذا وَقعت فِيهِ فَأْرَة فَمَاتَتْ
قَالَ الشَّافِعِي إِذا كَانَ الْكَلْب قد أكل من شَيْء رطب يُمكن أَن يجرى بعضه فِي بعض نجسه وَلَا يجوز أَن يَقُول بِغَيْر هَذَا القَوْل حَتَّى يكون أكلا والحياة فِيهِ وَالدَّم بِالروحِ تَدور
فَأَما إِذا أكل بعد الْمَوْت فَلَا تَدور فِيهِ دم وَإِنَّمَا ينجس حِينَئِذٍ مَوضِع أكله مِنْهُ وَمَا قاربه رَوَاهُ عَنهُ الرّبيع
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عبد الله بن الْمُبَارك عَن عُثْمَان بن عبد الله الْبَاهِلِيّ قَالَ حَدثنِي عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي طير وَقع فِي قدر فَمَاتَ قَالَ يهراق المرق ويؤكل اللَّحْم وَلم يذكر فِيهِ حَال الغليان
وَقد روى مُحَمَّد بن ثَوْبَان عَن السَّائِب بن خباب أَنه كَانَ لَهُ قدر على النَّار فَسَقَطت فِيهَا دجَاجَة ونضجت مَعَ اللَّحْم فاستفتيت عبد الله بن عَبَّاس فَقَالَ اطرَح الْميتَة إهرق المرق وكل اللَّحْم فَإِن كرهته فَأرْسل إِلَيّ مِنْهُ بعضو أَو عضوين
فَفِي هَذَا الحَدِيث إِبَاحَة أكلهَا بعد الغليان(4/356)
وَقد روى ابْن الْمُبَارك عَن عباد بن رَاشد عَن الْحسن مثل جَوَاب أبي حنيفَة فِي الْمَعْنى
وَالْقِيَاس مَا قَالَ أَبُو حنيفَة لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذكرهَا وَلكنه لَا يعلم لِابْنِ عَبَّاس مُخَالف من الصَّحَابَة
2053 - فِي إنفحة الْميتَة
قَالَ أَبُو حنيفَة لبن الْميتَة وأنفحتها طاهران لَا يلحقهما حكم الْمَوْت
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالثَّوْري يكره اللَّبن لِأَنَّهُ فِي وعَاء نجس وَكَذَلِكَ الإنفحة إِذا كَانَت مائعة فَإِن كَانَت جامدة فَلَا بَأْس وَقَالُوا جَمِيعًا فِي الْبَيْضَة إِذا كَانَت من دجَاجَة ميتَة فَلَا بَأْس بهَا
وَقَالَ مَالك لَا يحل اللَّبن فِي ضروع الْميتَة
وَقَالَ الثَّوْريّ اللَّبن لَا يَمُوت وَيكرهُ لأجل أَن وعائه ميتَة
وَقَالَ اللَّيْث لَا تُؤْكَل الْبَيْضَة الَّتِي تخرج من دجَاجَة ميتَة
وَقَالَ عبد الله بن الْحسن اللَّبن الَّذِي يكون فِي ضرع الشَّاة الْميتَة حرَام(4/357)
وَأما بَيْضَة الدَّجَاجَة الْميتَة فَإِنِّي أكره أَن أرخص فِيهَا
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَو رضع صبي من امْرَأَة بعد مَوتهَا لم يحرم لِأَنَّهُ لَا يحل لبن الْميتَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا يدل على أَنه قد حلّه حكم الْمَوْت عِنْده وَخرج بِهِ من جنس الألبان وَأَنه لم يحرمه لنجاسته لِأَن لَبَنًا لَو وَقعت فِيهِ نَجَاسَة ثمَّ أرضع بِهِ صبي كَانَ رضَاعًا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَيْسَ اللَّبن مِمَّا يحيا بحياة الشَّاة وَلَا يَمُوت بموتها إِلَّا أَنه يَنْبَغِي أَن يكون نجسا لمجاورته بضرع نجس وَقد روى أَبُو الصبهاء الْبكْرِيّ قَالَ قَامَ ابْن الْكواء إِلَى عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ على الْمِنْبَر فَقَالَ إِنِّي وطِئت على دجَاجَة ميتَة فَخرجت مِنْهَا ببيضة آكلها فَقَالَ عَليّ لَا قَالَ فَإِن استحضنتها تَحت دجَاجَة فَخرج مِنْهَا فرخ أكله قَالَ نعم قَالَ فَكيف قَالَ لِأَنَّهُ حَيّ خرج من ميت
وروى عَن عَطاء بن السَّائِب عَن كثير بن جمْهَان عَن ابْن عمر فِي دجَاجَة ميتَة خرجت مِنْهَا بَيْضَة أَنه لَا يأكلها وَلَا يعلم عَن غَيرهمَا من الصَّحَابَة خلاف ذَلِك وَالْقِيَاس أَن يُؤْكَل
2054 - فِي مِقْدَار مَا يَأْكُل الْمُضْطَر من الْميتَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ فِيمَا رَوَاهُ الْمُزنِيّ عَنهُ لَا يَأْكُل المضطرب من الْميتَة إِلَّا مِقْدَار مَا يمسك النَّفس(4/358)
وروى ابْن وهب عَن مَالك يَأْكُل مِنْهَا حَتَّى يشْبع ويزود مِنْهَا فَإِن وجد عَنْهَا طرحها
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن المضطرب يَأْكُل من الْميتَة مَا يسد بِهِ جوعه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَيْسَ لأحد أَن يَأْكُل من الْميتَة فِي حَال الشِّبَع وَلَا مَا يُقَارِبه حَتَّى يخَاف فَإِذا أكل مِنْهَا مَا يزِيل الْخَوْف فقد زَالَت الضَّرُورَة وَلَا يحل الْأكل
2055 - فِي تَخْلِيل الْخمر
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فِي كتاب الْأَشْرِبَة لَا بَأْس بتخليل الْخمر وَلَا بَأْس بِأَن يطْرَح فِيهَا السّمك وَالْملح فَيصير مربى إِذا تحولت عَن حَال الْخمر فَصَارَت خلا أَو مربى
وروى أَصْحَاب الْإِمْلَاء عَن أبي يُوسُف فِي نوادره لَو أَن رجلا اتخذ مربى من خمر وسمك وملح فَإِن أَبَا حنيفَة قَالَ إِذا صَار مربى فَلَا بَأْس للأثر الَّذِي جَاءَ عَن أبي الدَّرْدَاء
وَقَالَ أَبُو يُوسُف مثل ذَلِك إِلَّا فِي خصْلَة إِذا كَانَ السّمك هُوَ الْغَالِب للخمر فَلَا يُؤْكَل هَذَا كالعجين الَّذِي عجن بِالْخمرِ وَإِن كَانَت الْخمر الْغَالِبَة للسمك فتحولت عَن طباعها إِلَى المربى فَلَا بَأْس بذلك
وَقد رُوِيَ عَن مُحَمَّد فِي أَمَالِيهِ مثل قَول أبي يُوسُف هَذَا قَالَ مُحَمَّد وَلَو(4/359)
أَن خمرًا صب فِي مربى جعل من الْخمر أَو من غير الْخمر فغلب المربى عَلَيْهَا لم تُؤْكَل وَلَو صب خمر فِي خل أَي خل كَانَ لم يكن بِهِ بَأْس إِذا غلب عَلَيْهَا الْخلّ حَتَّى لَا يُوجد لَهَا طعم وَلَا رَائِحَة وَلَا يشبه اختلاطها بالخل اختلاطها بالمربى لِأَن الْخمر قد يتَحَوَّل خلا بِغَيْر حدث يحدث فِيهَا وَلَا يصير مربى إِلَّا بِعَمَل يعْمل فِيهَا
وَقَالَ ابْن وهب وَابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا يحل للْمُسلمِ أَن يخلل الْخمر وَلَكِن يهريقها فَإِن صَارَت خلا بِغَيْر علاج فَهُوَ حَلَال لَا بَأْس بِهِ
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك فِي الرجل يلقِي الْعصير على الدردبي ليصير خلا فَلَا بَأْس بِهِ إِذا كَانَ إِنَّمَا يُريدهُ للخل
وروى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَنه إِن خللها جَازَ أكله وَبيعه وَبئسَ مَا صنع كَانَ يَنْبَغِي أَن يهريقها
وروى أَشهب عَن مَالك إِذا خلل النَّصْرَانِي خمرًا لَهُ فَلَا بَأْس بِأَكْلِهِ وَكَذَلِكَ إِن خللها مُسلم واستغفر الله تَعَالَى
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْخمر يخلل أَو يَجْعَل مربى لَا بَأْس بِأَكْلِهِ إِذا علم أَنَّهَا قد انقلبت
وَالثَّوْري لَا يرى بَأْسا بتخليل الْخمر وَكَذَلِكَ قَول اللَّيْث وكرهها عبيد الله بن الْحسن
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي أَنَّهَا إِذا صَارَت خلا بِفعل آدَمِيّ لم تُؤْكَل وَإِن كَانَت بِغَيْر فعل آدَمِيّ أكل(4/360)
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سُفْيَان الثَّوْريّ عَن السّديّ عَن أبي هُبَيْرَة عَن أنس قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي حجره يتم وَكَانَ عِنْده خمر حِين حرمت الْخمر فَقَالَ يَا رَسُول الله نصنعها خلا قَالَ لَا فَصَبَّهُ حَتَّى سَالَ فِي الْوَادي
وروى مجَالد عَن أبي الوداك عَن أبي سعيد قَالَ كَانَ عِنْدِي خمر لأيتام فَلَمَّا نزلت تَحْرِيم الْخمر أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نهريقها
قَالَ أَبُو جَعْفَر احْتمل نهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَن يَجْعَل خلا وَأمره بالإراقة مَعْنيانِ أَحدهمَا أَن يكون مَنْهِيّا عَن التَّمَلُّك وَلَا دلَالَة فِيهِ بعد ذَلِك على حظر الْخلّ لمجعول مِنْهَا فَاحْتمل أَن يكون مُرَاده تَحْرِيم ذَلِك الْخلّ وَيحْتَمل أَيْضا أَن يُرِيد قطع الْعَادة لقرب عَهدهم بِشرب الْخمر على وَجه التَّغْلِيظ وَإِن من كَانَ مَأْمُونا مِنْهُ ذَلِك فَغير مَنْهِيّ عَنهُ كَمَا روى ابْن أبي ذِئْب عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كَانَ يَغْدُو فَينْظر إِلَى الْأَسْوَاق فَإِذا رأى اللَّبن أمرنَا بالأسقية ففتحت فَإِن وجد فِيهَا شَيْئا مغشوشا قد جعل فِيهِ وغش بِهِ أهراقها وَمَعْلُوم أَنه لم يكن محرما الْأكل وَلَكِن لقطع الْعَادة والتغليظ على فَاعله
وَقد حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مَرْزُوق قَالَ حَدثنَا أَبُو عَاصِم عَن ابْن أبي ذِئْب عَن ابْن شهَاب عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن أسلم مولى عمر بن الْخطاب عَن عمر قَالَ لَا تَأْكُل من خمر أفسدت خلا حَتَّى يكون الله تَعَالَى بَدَأَ إفسادها(4/361)
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا حَدِيث قد أَخطَأ أَبُو عَاصِم فِي اختصاره وَجعل هَذَا الْكَلَام من قَول عمر وَإِنَّمَا هُوَ من كَلَام ابْن شهَاب
روى ابْن وهب عَن ابْن أبي ذِئْب عَن ابْن شهَاب عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن أسلم أَن عمر أَمر بالطلاء حِين نزل بالجابية وَهُوَ يَوْمئِذٍ يطْبخ كعقيد الرب فَقَالَ إِن هَذَا لشراب مَا انْتهى إِلَيْهِ وَفِيه وَلَا يشرب رجل من خمر أفسدت حَتَّى يبْدَأ الله بفسادها فَعِنْدَ ذَلِك يطيب
وَالَّذِي فِي هَذَا الحَدِيث من كَلَام عمر هُوَ وصف الطلاء
وَقد رَوَاهُ يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن أسلم أَن عمر أُتِي بالطلاء فَقَالَ إِن فِي هَذَا الشَّرَاب مَا انْتهى إِلَيْهِ
فَهَذَا هُوَ أصل الحَدِيث وَهُوَ الَّذِي فِيهِ من كَلَام عمر وَقد كَانَ ابْن شهَاب كثير مَا يروي الحَدِيث فيدرج قَوْله فِيهِ فيظن بعض السامعين أَنه من الحَدِيث
وَقد روى الْحسن عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ أَن تَاجِرًا اشْترى خمرًا فَأمره أَن يصبهَا فِي دجلة فَقَالُوا أَلا تَأمره أَن يَجْعَلهَا خلا فَنَهَاهُ عَن ذَلِك
وَهَذَا يحْتَمل مَا ذَكرْنَاهُ من وَجه التَّغْلِيظ وَقطع الْعَادة فِي إِِمْسَاكهَا
وَقد روى أَبُو إِدْرِيس الْخَولَانِيّ أَن أَبَا الدَّرْدَاء كَانَ يَأْكُل المربى الَّذِي جعل فِيهِ الْخمر وَيَقُول ذكته الشَّمْس وَالْملح(4/362)
وكما لَا يخْتَلف حكم جلد الْميتَة فِي دبغه بعلاج آدَمِيّ أَو غَيره كَذَلِك اسْتِحَالَة الْخمر خلا
2056 - فِيمَن اضْطر إِلَى شرب الْخمر
قَالَ أَبُو حنيفَة يشرب مِنْهَا مِقْدَار مَا يمسك رمقه إِذا كَانَ يرد عطشه
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يفعل لِأَنَّهَا لَا تزيده إِلَّا عطشا وجوعا
وَقَالَ الشَّافِعِي وَلِأَنَّهَا تذْهب بِالْعقلِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا كَانَت تمسك الرمق فالضرورة إِلَيْهَا دافعة كالميتة وَإِذا لم ترْتَفع بهَا الضَّرُورَة وَلَا ينْتَفع بشربها فِي إمْسَاك الرمق فَلَيْسَ إِذا بمضطر إِلَيْهَا وَلَا إِبَاحَة فِيهَا فيستحيل حِينَئِذٍ جَوَاب من أجَاب حِين يسْأَل عَمَّن اضْطر إِلَى شرب الْخمر فَإِنَّهَا لَا تحل وَإِنَّمَا يَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَن يُجيب بِأَن يَقُول لَا يضْطَر إِلَيْهَا فيحيل مَسْأَلَة السَّائِل وَأما مَا ذكره الشَّافِعِي من ذهَاب الْعقل بشربها فَلَيْسَ هُوَ مِمَّا نَحن فِيهِ من شَيْء لِأَنَّهُ يسْأَل عَن الْمِقْدَار الَّذِي لَا يذهب الْعقل إِذا اضْطر إِلَيْهِ
2057 - فِي الشّرْب فِي الْقدح المفضض
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا بَأْس بِأَن يشرب الرجل فِي الْقدح المفضض إِذا لم يَجْعَل فَاه على الْفضة كالشرب بِيَدِهِ وفيهَا الْخَاتم
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا أحب أَن يدهن فِي مدهن الْوَرق وَلَا يستجمر فِي مجامر الْوَرق(4/363)
وَسُئِلَ مَالك عَن ثلمة الْقدح وَمَا يَلِي الْأذن فَقَالَ مَالك قد سَمِعت سَمَاعا كَأَنَّهُ يُضعفهُ وَمَا علمت فِيهِ بنهي
وَقَالَ ابْن وهب سَمِعت اللَّيْث يكره أَن يشرب أَو يُؤْكَل فِي الْقدح والصحفة الَّتِي فِيهَا تضبيب بالورق مثل قَول مَالك بن أنس
فَفِي هَذِه الرِّوَايَة عَن مَالك كَرَاهَته
وَقَالَ الشَّافِعِي وأكره المضبب بِالْفِضَّةِ لِئَلَّا يكون شاربا على الْفضة
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه لم يشرب فِي الْقدح المفضض لما سمع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نَهْيه عَن الشّرْب فِي آنِية الْفضة وَالذَّهَب رَوَاهُ مُوسَى بن أعين عَن خصيف عَن نَافِع عَن ابْن عمر
فَاحْتمل ذَلِك أَن يكون مِنْهُ على التورع لَا على النَّهْي كَمَا روى عِيسَى بن يُونُس عَن الْمُغيرَة بن زِيَاد عَن أبي عَمْرو مولى أَسمَاء قَالَ رَأَيْت ابْن عمر اشْترى جُبَّة فِيهَا خيط أَحْمَر فَردهَا فَأتيت أَسمَاء فَذكرت ذَلِك لَهَا فَقَالَت بؤسا لِابْنِ عمر يَا جَارِيَة ناوليني جُبَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخرجت إِلَيْنَا جُبَّة مَكْفُوفَة الجيب والكمين والفرج بالديباج وَكَانَ ذَلِك مِنْهُ لَا على وَجه التَّحْرِيم وَإِنَّمَا على وَجه الْمُبَالغَة فِي ترك الْحَرِير المنهى عَنهُ كنضحه المَاء فِي عَيْنَيْهِ لفسل الْجَنَابَة لَا لوُجُوب ذَلِك عَلَيْهِ(4/364)
وَقد روى ابْن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن بنت أبي عَمْرو مولى عَائِشَة قَالَت أَبَت عَائِشَة أَن ترخص لنا فِي تفضيض الْآنِية
وروى أَبُو نعيم قَالَ حَدثنَا شريك عَن حميد قَالَ رَأَيْت عِنْد أنس قدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ فضَّة أَو قد شدّ بِفِضَّة
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَلَا يَخْلُو من أَن ذَلِك قد كَانَ فِي زمَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو أحدثه فِيهِ أنس بعده وَأي ذَلِك كَانَ فقد ثَبت عَن أنس إِبَاحَته لِأَنَّهُ كَانَ يسْقِي النَّاس فِيهِ تبركا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقد رُوِيَ عَن قَتَادَة قَالَ كَانَ عمرَان بن حُصَيْن وَأنس بن مَالك يشربان فِي الْإِنَاء المفضض
وَعَن طَاوس وَمُحَمّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن وَالْحكم بن عُيَيْنَة وَإِبْرَاهِيم وَحَمَّاد وَالْحسن عَن أبي الْعَالِيَة أَنهم كَانُوا يشربون فِي الْإِنَاء المفضض
2058 - فِي حكم عصير الْعِنَب بعد الطَّبْخ
قَالَ أَبُو يُوسُف فِي الْعصير إِذا غلنى فَهُوَ خمرة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا بَأْس بِهِ مَا لم يقذف بالزبد فَإِن طبخ حَتَّى يذهب ثُلُثَاهُ(4/365)
وَيبقى الثُّلُث ثمَّ غلنى بعد ذَلِك فَلَا بَأْس بِهِ وَهَذَا قد خرج عَن حَال الْمَكْرُوه الْحَرَام إِلَى حَال الْحَلَال فَلَا بَأْس بِهِ غلن أَو لم يغل
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا يعْتَبر الغليان أحده إِذا أسكر وَلَا أحده إِذا لم يسكر وَلَا ألتفت إِلَى الغليان وَلَا إِلَى ذهَاب الثُّلثَيْنِ بالطبخ
وَقَالَ الثَّوْريّ أشْرب الْعصير مَا لم يغل وغليانه أَن يقذف بالزبد فَإِذا غلنى فَهُوَ خمر
وَقَالَ اللَّيْث لَا بَأْس بِشرب الْعصير إِذا طبخ حَتَّى يذهب ثُلُثَاهُ وَيبقى ثلثه وَقَالَ لَا بَأْس بِشرب الْعصير حَتَّى يغلي
وَقَالَ الشَّافِعِي كل شراب أسكر كَثِيره فقليله حرَام وَفِيه الْحَد قِيَاسا على الْخمر وَلَا يحد إِلَّا بِأَن يَقُول شربت الْخمر أَو يشْهد عَلَيْهِ بِهِ أَو يَقُول شربت مَا يسكر أَو يشرب من إِنَاء هُوَ وَنَفر فيسكر بَعضهم فَيدل على أَن الشَّرَاب مُسكر
وَاحْتج بِأَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَا أُوتى بِأحد شرب خمرًا أَو نبيذا مُسكرا إِلَّا جلدته الْحَد
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الشّعبِيّ عَن حَيَّان بن حُصَيْن الْأَسدي أَن عمارا أرَاهُ كتاب عمر بن الْخطاب إِلَيْهِ بِأَن يَأْمر الْمُسلمين بِشرب الْعصير الَّذِي قد طبخ حَتَّى يذهب ثُلُثَاهُ وَيبقى ثلثه وَأَن عمارا شربه وَأمر بِهِ النَّاس قَالَ هَذَا شراب لم نَكُنْ نشربه حَتَّى أمرنَا بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ(4/366)
دَاوُد بن أبي هِنْد قلت لسَعِيد بن الْمسيب الطلاء الَّذِي أحله عمر للنَّاس مَا هُوَ قَالَ مَا ذهب ثُلُثَاهُ وَبَقِي ثلثه
فَإِن قيل إِنَّمَا أَبَاحَ ذَلِك لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ بعض أهل الأَرْض إِنَّه لَا يسكر
قيل لَهُ قد أَمر النَّاس بشربه وَلم يسْتَثْن لَهُم مَا لَا يسكر مِمَّا يسكر وَتَابعه عَلَيْهِ الصَّحَابَة من غير نَكِير
2059 - فِي الانتباذ فِي الْأَوَانِي
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا بَأْس بالانتباذ فِي جَمِيع الْأَوَانِي
وروى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَنه كره الانتباذ فِي الدُّبَّاء والمزفت وَلَا يكره غير ذَلِك
وَكره الثَّوْريّ الانتباذ فِي الدُّبَّاء والحنتم والنقير والمزفت
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا أكره من الأنبذة إِذا لم يكن الشَّرَاب يسكر شَيْئا إِلَّا شَيْئا مُسَمّى بِعَيْنِه بَعْدَمَا سمى فِي الْآثَار من الحنتم والنقير والدباء والمزفت
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه نهى عَن الدُّبَّاء والمزفت
وروى ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى وَفد عبد الْقَيْس عَن الدُّبَّاء والحنتم والمزفت(4/367)
وروى ابْن عَبَّاس وَابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرم نَبِيذ الْجَرّ
قَالَ ابْن عَبَّاس والجر كل شَيْء من الْمدر
وَقَالَت عَائِشَة نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ينتبذ فِي الدُّبَّاء والحنتم والمزفت
فَهَذِهِ آثَار قد رويت فِي النَّهْي عَن الأوعية
وروى سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن سَالم بن أبي الْجَعْد عَن جَابر قَالَ لما نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الأعية قَالَت الْأَنْصَار إِنَّا لَا بُد لنا مِنْهَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا إِذا
وَقد روى شريك عَن زِيَاد بن فياض عَن أبي عِيَاض عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الأوعية فَقَالَ لَا تنبذوا فِي الدُّبَّاء والحنتم والنقير فَقَالَ أَعْرَابِي لَا ظروف لنا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشربوا مَا حل لكم وَاجْتَنبُوا كل مُسكر
وروى يَعْقُوب بن مُجَاهِد عَن عبد الرَّحْمَن بن جَابر بن عبد الله عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنِّي كنت نَهَيْتُكُمْ أَن تنبذوا فِي الدُّبَّاء والحنتم والمزفت فانتبذوا وَلَا أحل مُسكرا
وروى وَاسع بن حبَان عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله(4/368)
وروى سماك بن حَرْب عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن مَسْعُود عَن أَبِيه عَن أبي بردة بن نيار قَالَ قَالَ لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي كنت نَهَيْتُكُمْ عَن الشّرْب فِي الأوعية فَاشْرَبُوا فِيمَا بدا لكم وَلَا تسكروا وروى سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد عَن أبي بُرَيْدَة عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
وروى أَبُو الْعَالِيَة وَغَيره عَن عبد الله بن الْمُغَفَّل قَالَ شهِدت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين نهى عَن نَبِيذ الْجَرّ وشهدته حِين أَمر بشربه فَقَالَ اجتنبوا الْمُسكر
وروى خَالِد الْحذاء عَن شهر بن حَوْشَب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ لما وَفد عبد الْقَيْس قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل امرىء حسيب نَفسه لينتبذ كل قوم فِيمَا بدا لَهُم
فَهَذِهِ الْآثَار ناسخة للأولى وَقد ورى أنس أَنه كَانَ ينتبذ لَهُ فِي جرة خضراء وَهُوَ أحد من روى النَّهْي عَن نَبِيذ الْجَرّ
2060 - فِي الخليطين من الْأَشْرِبَة
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا بَأْس بِشرب الخليطين من الْبُسْر وَالتَّمْر أَو الزَّبِيب وَالتَّمْر كَمَا لَو طبخ على الِانْفِرَاد حل كَذَلِك إِذا طبخ مَعَ غَيره(4/369)
وَرُوِيَ عَن ابْن عمر وَإِبْرَاهِيم وَهُوَ قَول أبي يُوسُف الآخر
وَقَالَ مُحَمَّد أكره الْمُعْتق من التَّمْر وَالزَّبِيب
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك لَا يجمع بَين شرابين وَإِن لم يسكر وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم عَنهُ
وَلما رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى أَن ينْبذ الْبُسْر وَالتَّمْر جَمِيعًا وَأَن ينْبذ الزهور وَالرّطب أَيْضا جَمِيعًا
وروى الْمعَافى عَن الثَّوْريّ أَنه كره من النَّبِيذ الخليطين والسلافة وَالْمُعتق
وَقَالَ اللَّيْث لَا أرى بَأْسا بِأَن يخلط نَبِيذ التَّمْر ونبيذ الزَّبِيب ثمَّ يشربان جَمِيعًا وَإِنَّمَا جَاءَ الحَدِيث فِي الْكَرَاهِيَة أَن ينبذا جَمِيعًا ثمَّ يشربان لِأَن أَحدهمَا يشْتَد بِهِ صَاحبه
وَقَالَ الشَّافِعِي نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الخليطين ثمَّ لم يذكر مُخَالفَة مِنْهُ لذَلِك
وروى ابْن عَبَّاس وَأَبُو قَتَادَة وَجَابِر بن عبد الله وَأَبُو سعيد وَأنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن ينْبذ التَّمْر وَالزَّبِيب والزهور وَالرّطب
وروى معبد بن كَعْب عَن أمه وَكَانَت قد صلت الْقبْلَتَيْنِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الخليطين(4/370)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَاحْتمل أَن يكون النَّهْي على وَجه التَّحْرِيم وَاحْتمل أَن يكون لضيف الْعَيْش كَرَاهَة السَّرف كَمَا روى عَن جبلة بن سحيم قَالَ أصابتنا سنة فرآنا ابْن عمر وَنحن نَأْكُل التَّمْر فَقَالَ لنا لَا تقارنوا فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْقرَان قَالَ ابْن عمر إِلَّا أَن يسْتَأْذن الرجل مِنْكُم أَخَاهُ
وَالنَّهْي عَن الخليطين هَذَا مَعْنَاهُ لِأَن كل وَاحِد على حياله يجوز شربه كَمَا يجوز أكل كل تَمْرَة على حيالها
2061 - فِي شرب النَّبِيذ الشَّديد
قَالَ بشر عَن أبي يُوسُف قَالَ أَبُو حنيفَة الْخمر حرَام قليلها وكثيرها وَالسكر حرَام وَلَيْسَ كتحريم الْخمر ونقيع الزَّبِيب إِذا غلن حرَام وَلَيْسَ كتحريم الْخمر والنبيذ الْمُعْتق الْمَطْبُوخ لَا بَأْس بِهِ من أَي شَيْء كَانَ وَإِنَّمَا يحرم مِنْهُ الْقدح الَّذِي يسكر
وَقَالَ أَبُو يُوسُف من قعد يطْلب السكر فَالْأول عَلَيْهِ حرَام والمقعد عَلَيْهِ حرَام وَالْمَشْي إِلَى المقعد عَلَيْهِ حرَام كَمَا أَن الزِّنَا عَلَيْهِ حرَام وَكَذَلِكَ الْمَشْي فِي طلبه وَإِن قعد وَهُوَ لَا يُرِيد السكر فَلَا بَأْس
قَالَ أَبُو يُوسُف وَلَا بَأْس بالنقيع من كل شَيْء وَإِن غلن مَا خلا الزَّبِيب وَالتَّمْر وَهُوَ قَول أبي حنيفَة فِيمَا حَكَاهُ مُحَمَّد من غير خلاف(4/371)
وروى هِشَام عَن مُحَمَّد مَا أسكر كَثِيره فالأحب إِلَيّ أَن لَا يشربه وَلَا أحرمهُ
وروى ابْن وهب عَن مَالك قَالَ السّنة عندنَا أَن من شرب شرابًا يسكر فَسَكِرَ أَو لم يسكر فَعَلَيهِ الْحَد
قَالَ الْمعَافى وَقَالَ الثَّوْريّ أكره نَقِيع التَّمْر ونقيع الزَّبِيب إِذا غلى وَهُوَ السكر
قَالَ الْمعَافى وَسُئِلَ الثَّوْريّ عَن نَقِيع الْعَسَل فَقَالَ لَا بَأْس بِهِ
وروى أَحْمد بن يُونُس عَن الْمعَافى عَن سُفْيَان الثَّوْريّ قَالَ أشْرب من النَّبِيذ كَمَا تشرب من المَاء
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ كل مُسكر وكل مخدر فَهُوَ حرَام
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي مَا أسكر كَثِيره فقليله حرَام
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْخمر مُحرمَة بِنَصّ الْكتاب قَالَ الله تَعَالَى {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر قل فيهمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافع} وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى {قل إِنَّمَا حرم رَبِّي الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن وَالْإِثْم} فَحصل من مَجْمُوع الْآيَتَيْنِ تَحْرِيم الْخمْرَة وَالْخمر هِيَ الَّتِي تعتصر من الْعِنَب لقَوْله تَعَالَى حاكيا عَن صَاحب يُوسُف {إِنِّي أَرَانِي أعصر خمرًا} فَدلَّ على أَن الْخمر معتصرة وَأَنَّهَا خلاف الْأَشْيَاء الَّتِي ينتبذ فِي الأوعية(4/372)
ثمَّ رُوِيَ عَن الشّعبِيّ عَن ابْن عمر عَن عمر أَنه قَالَ إِن الْخمر حرمت وَهِي من خَمْسَة أَشْيَاء من الْعِنَب وَالتَّمْر وَالْعَسَل وَالْحِنْطَة وَالشعِير وَالْخمر مَا خامر الْعقل
وروى عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ نزل تَحْرِيم الْخمر وَهِي الفضيخ فَأخْبر فِي هَذَا الحَدِيث أَن الْخمر هُوَ الفضيخ
وروى مَالك بن مغول عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ لقد حرمت الْخمر وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْء
فَفِي هَذَا الحَدِيث أَن الفضيخ وَمَا يخرج من النّخل لَيْسَ بِخَمْر لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْمَدِينَة من ذَلِك فَهَذَا خلاف مَا رُوِيَ عَن عمر أَن الْخمر من خَمْسَة أَشْيَاء
وروى حميد الطَّوِيل عَن أنس قَالَ كنت أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَة وَأبي بن كَعْب وَسُهيْل بن بَيْضَاء فِي نفر فِي بَيت أبي طَلْحَة فَمر بِنَا رجل فَقَالَ إِن الْخمر قد حرمت فوَاللَّه مَا قَالُوا حَتَّى نتبين حَتَّى قَالُوا أهرق مَا فِي إنائك يَا أنس ثمَّ مَا عَادوا فِيهَا حَتَّى لقوا الله تَعَالَى وَأَنه من الْبُسْر وَالتَّمْر وَهُوَ خمرنا يَوْمئِذٍ
فَأخْبر أنس أَن الْخمر يَوْمئِذٍ التَّمْر والبسر فَانْتفى بذلك أَن يكون غَيرهمَا خمرًا عِنْده
وروى قَتَادَة عَن أنس هَذَا الحَدِيث وَقَالَ إِنَّمَا نعدها يَوْمئِذٍ خمرًا(4/373)
وروى ثَابت عَن أنس قَالَ حرمت علينا الْخمر يَوْم حرمت وَمَا اتخذ خمور الأعناب إِلَّا الْقَلِيل وَعَامة خمورنا الْبُسْر وَالتَّمْر
وروى الْمُخْتَار بن فلفل قَالَ سَأَلت أنس بن مَالك عَن الْأَشْرِبَة فَقَالَ حرمت الْخمر وَهِي من الْعِنَب وَالتَّمْر وَالْعَسَل وَالْحِنْطَة وَالشعِير والذرة وَمَا حرمت من ذَلِك فَهُوَ خمر
فَهَذَا مَا رُوِيَ عَن الصَّحَابَة فِي الْخمر
وَرُوِيَ يحيى بن أبي كثير عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخمر من هَاتين الشجرتين النَّخْلَة والعنبة فَأخْبر أَن الْخمر مِنْهُمَا وَفِي ذَلِك نفى أَن يكون من سواهُمَا فاتفقت الْأمة أَن عصير الْعِنَب الَّذِي اشْتَدَّ وغلى وَقذف بالزبد فَهُوَ خمر وَإِن مستحله كَافِر فَهَذَا يدل على أَن حَدِيث ابْن أبي كثير أَن الْخمر من هَاتين الشجرتين غير مَعْمُول بِهِ عِنْدهم لأَنهم لَو قبلوه لأكفروا مستحل نَقِيع التَّمْر فَثَبت أَنه لم يدْخل فِي الْخمر الْمُحرمَة غير عصير الْعِنَب النيء المشتد الَّذِي قد بلغ أَن يسكر ثمَّ لَا يَخْلُو الْخمر من أَن يكون التَّحْرِيم مُتَعَلقا بهَا غير مقيس عَلَيْهَا غَيرهَا أَو يجب الْقيَاس عَلَيْهَا فوجدناهم جَمِيعًا قد قاسوا عَلَيْهَا نَقِيع التَّمْر إِذا غلى وأسكر كَثِيره وَكَذَلِكَ نَقِيع الزَّبِيب فَوَجَبَ قِيَاسا على ذَلِك أَن يحرم كل مَا أسكر كَثِيره
وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ كل مُسكر حرَام وَاسْتغْنى عَن ذكر(4/374)
سَنَده لقَوْل الْجَمِيع لَهُ وَإِنَّمَا الْخلاف بَينهم فِي تَأْوِيله فَقَالَ بَعضهم أَرَادَ بِهِ مَا يَقع السكر عِنْده كَمَا لَا يُسمى قَاتلا إِلَّا مَعَ وجود الْقَتْل وَقَالَ آخَرُونَ أَرَادَ بِهِ جنس مَا يسكر
وَقد روى أَبُو عون الثَّقَفِيّ عَن عبد الله بن شَدَّاد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ حرمت الْخمْرَة بِعَينهَا الْقَلِيل مِنْهَا وَالْكثير وَالسكر من كل شراب فَفِي هَذَا الحَدِيث أَن غير المخمر لم يحرم عينه كَمَا حرمت الْخمْرَة بِعَينهَا
2062 - فِي لبس الْخَزّ الَّذِي بعضه حَرِير
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا بَأْس بِلبْس مَا كَانَ سداه حَرِير وَلحمَته غير ذَلِك وأكره مَا كَانَ سداه بحرير وَلحمَته حَرِير
وروى إِسْمَاعِيل بن سَالم عَن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ لَا نرى بِلبْس الْحَرِير بَأْسا مَا لم تكن فِيهِ شهرة فَإِذا كَانَت فِيهِ شهرة فَلَا خير فِيهِ
وَقَالَ ابْن وهب وَابْن الْقَاسِم عَن مَالك أكره لبس الْخَزّ لِأَن سداه حَرِير
وأباح الشَّافِعِي لبس قبَاء محشو بقز لِأَن القز بَاطِن
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد أَجمعُوا على نهي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لِبَاس الْحَرِير(4/375)
وروت أَسمَاء بنت أبي بكر أَن جُبَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت مَكْفُوفَة الجيب والكمين والفرج بالديباج
فَاحْتمل أَن يكون كَانَ يلبسهَا فِي الْحَرْب للْحَاجة إِلَيْهَا وَلَا دلَالَة فِيهِ على جَوَاز لبسهَا فِي غير الْحَرْب
وروى الشّعبِيّ عَن سُوَيْد بن غَفلَة أَن عمر بن الْخطاب قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لبس الْحَرِير إِلَّا مَوضِع إِصْبَعَيْنِ
وروى خصيف عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِنَّمَا نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الثَّوْب المصمت فَأَما السدى وَالْعلم فَلَا يَعْنِي من الْحَرِير
قَالَ الشّعبِيّ رَأَيْت على الْحُسَيْن بن عَليّ عَلَيْهِمَا السَّلَام جُبَّة خَز
وَقَالَ بشر بن سعيد قَالَ رَأَيْت على سعد بن أبي وَقاص جُبَّة شامية قِيَامهَا خَز وَرَأَيْت على زيد بن ثَابت خمائص معلمة
قَالَ وهب بن كيسَان رَأَيْت سعد بن أبي وَقاص وَجَابِر بن عبد الله وَأَبا هُرَيْرَة وَأنس بن مَالك يلبسُونَ الْخَزّ
وَقَالَ عُرْوَة كست عَائِشَة عبد الله بن الزبير مطرف خَز
فَهَؤُلَاءِ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد لبسوا الْخَزّ
فَإِن قيل إِن هَذَا كَانَ خَزًّا لَا حَرِير فِيهِ
قيل لَهُ قد روى صَفْوَان بن عبد الله أَن سَعْدا اسْتَأْذن على ابْن عَامر وَتَحْته مرافق من حَرِير فَأمر بهَا فَرفعت فَدخل سعد وَعَلِيهِ مطرف شطره حَرِير فَقَالَ(4/376)
لَهُ ابْن عَامر يَا أَبَا إِسْحَاق اسْتَأْذَنت عَليّ وتحتي مرافق حَرِير فَأمرت بهَا فَرفعت فَقَالَ نعم الرجل أَنْت يَا ابْن عَامر إِن لم تكن من الَّذِي قَالَ الله تَعَالَى {أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بهَا} لِأَن أضطجع على جمر الغضا أحب إِلَيّ من أَن أضطجع على مرافق حَرِير فَقَالَ لَهُ فَهَذَا عَلَيْك مطرف شطره خَز وشطره حَرِير قَالَ إِنَّمَا يَلِي جلدي مِنْهُ الْخَزّ
وروى عمار بن أبي عمار أَن مَرْوَان قدمت عَلَيْهِ مطارف خَز فكساها أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَأَنِّي أنظر إِلَى أبي هُرَيْرَة عَلَيْهِ مِنْهَا مطرف أغبر فَكَأَنِّي أنظر إِلَى طرائق إلإبريسيم فِيهِ
فَدلَّ على أَن الْخَزّ الَّذِي لبسوه هُوَ الَّذِي فِيهِ الْحَرِير(4/377)
= كتاب الْكَرَاهَة =
2063 - فِي الْمَكْرُوه من التصاوير
قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يكره التصاوير فِي الْبيُوت بتمثال وَلَا يكره ذَلِك فِي الْبسَاط وَلم يذكر خلافًا
قَالَ وَقَوْلهمْ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ أَن التصاوير فِي الستور الْمُعَلقَة مَكْرُوه وَكَذَلِكَ مَا كَانَ خرطا أَو نقشا فِي الْبناء
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم كَانَ مَالك يكره التماثيل فِي الأسرة والقباب وَأما الْبسَاط والوسائد وَالثيَاب فَلَا بَأْس بِهِ لِأَنَّهُ يمتهن وَكره أَن يُصَلِّي إِلَى قبَّة فِيهَا تماثيل
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا بَأْس بالصور فِي الوسائد لِأَنَّهَا تُوطأ وتجلس عَلَيْهَا
وَكره الْحسن بن حَيّ أَن يدْخل بَيْتا فِيهِ تِمْثَال أَو تماثيل كَنِيسَة أَو غير ذَلِك وَكَانَ لَا يرى بَأْسا بِالصَّلَاةِ فِي الْكَنِيسَة والبيعة
وَكره اللَّيْث التماثيل الَّتِي تكون فِي الْبيُوت والأسرة والقباب والطساس والمنارات إِلَّا مَا كَانَ رقما فِي ثوب
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي وَإِن دعِي رجل إِلَى عرس فَرَأى صورا ذَات أَرْوَاح لم يدْخل إِن كَانَت مَنْصُوبَة وَإِن كَانَت تُوطأ فَلَا بَأْس وَإِن كَانَ صور الشّجر فَلَا بَأْس(4/379)
روى عَليّ وَابْن عَبَّاس وَأُسَامَة بن زيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْمَلَائِكَة لَا تدخل بَيْتا فِيهِ صُورَة
وروى الزُّهْرِيّ عَن الْقَاسِم عَن عَائِشَة قَالَت دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا مستترة بقرام فِيهِ صور فهتكه ثمَّ قَالَ إِن أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة الَّذين يشبهون بِخلق الله تَعَالَى
قَالَ أَبُو جَعْفَر عُمُومه يَقْتَضِي الرقم والنحت وَغَيره
وروى عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أمه أَسمَاء بنت عبد الرَّحْمَن عَن عَائِشَة قَالَت قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سفر وَعِنْدِي نمط فِيهِ صُورَة فَوَضَعته على سهوتي فَأَخذه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاجتبذه وَقَالَ لَا تستري الْجِدَار قَالَت فصنعته وسادتين فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرتفق عَلَيْهِمَا
وروى الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة نَحْو ذَلِك
فَدلَّ على كَرَاهَة التماثيل مَا كَانَ مِنْهَا رقما أَو نحتا وعَلى انه لَا يكره فِي الوسائد والبسط
وروى عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة قَالَ اشْتَكَى أَبُو طَلْحَة بن سهل فَقَالَ لي عُثْمَان بن حنيف هَل لَك فِي أبي طَلْحَة نعوده فَقلت نعم فجئناه(4/380)
فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَتَحْته نمط فِيهِ صُورَة فَقَالَ ابعدوا هَذَا النمط عني فَقَالَ لَهُ عُثْمَان بن حنيف أَو مَا سَمِعت يَا أَبَا طَلْحَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين نهى عَن الصُّورَة فَقَالَ إِلَّا رقما فِي ثوب أَو ثوبا فِيهِ رقم قَالَ بلَى وَلكنه أطيب لنَفْسي فأميطوه عَنى
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَيحمل هَذَا الحَدِيث على أَنه رقم فِي ثوب يُوطأ ويمتهن كالوسائد والبسط
2064 - فِي شعر الْخِنْزِير للخرازين
قَالَ أَصْحَابنَا لَا ينْتَفع من الْخِنْزِير بِشَيْء وَلَا يجوز بيع شَيْء مِنْهُ وَيجوز للخرازين أَن ينتفعوا بشعرة وبشعرتين للخرز وَكره أَبُو يُوسُف الخرز بِهِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا بَأْس بِأَن يخاط بِشعر الْخِنْزِير وَيجوز للخراز أَن يَشْتَرِيهِ وَلَا يَبِيعهُ
وَقَالَ الْمُزنِيّ خَالف الشَّافِعِي الْمَدَنِيين والكوفيين فِي الِانْتِفَاع بِشعر الْخِنْزِير فَقَالَ لَا ينْتَفع بِشَيْء مِنْهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْخِنْزِير محرم الْعين لَا يجوز الِانْتِفَاع بِهِ فِي حَيَاته وَلَا بعد مَوته أَلا ترى أَنه لَا ينْتَفع بجلده وَإِن دبغ وَكَذَلِكَ شعره(4/381)
2065 - فِي إحفاف الشَّارِب
قَالَ أَبُو جَعْفَر أما أَبُو حنيفَة وَزفر وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فَكَانَ مَذْهَبهم فِي شعر الرَّأْس والشارب أَن الإحفاء أفضل من التَّقْصِير عَنهُ وَإِن كَانَ مَعَه حلق بعض الشّعْر
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك قَالَ إحفاء الشَّارِب عِنْدِي مثلَة قَالَ مَالك وَتَفْسِير حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إحفاف الشَّارِب الإطار وَكَانَ يكره أَن يُؤْخَذ من أَعْلَاهُ وَإِنَّمَا كَانَ يُوسع ذَا الإطار مِنْهُ فَقَط وَذكر عَنهُ أَشهب قَالَ سَأَلت مَالِكًا عَمَّن أحفى شَاربه فَقَالَ أرى أَن يوجع ضربا لَيْسَ حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الإحفاء كَانَ يُبْدِي حُرُوف الشفتين الإطار ثمَّ قَالَ لمن يحلق شَاربه هَذِه بدع فَظهر فِي النَّاس كَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِذا أكربه أَمر نفخ فَجعل رجل يراده وَهُوَ يفتل شَاربه
وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيّ عَن الرجل يحلق رَأسه فَقَالَ أما فِي الْحَضَر فَلَا يعرف إِلَّا يَوْم النَّحْر وَهُوَ فِي الْغَزْو وَكَانَ عِنْده ابْن أبي لبَابَة فَذكر فِيهِ فضلا عَظِيما
وَقَالَ اللَّيْث لَا أحب أَن يحلق شَاربه جدا حَتَّى يبلغ الْجلد وأكرهه وَلَكِن يقص 2 الَّذِي على طرف الشَّارِب وأكره أَن يكون طَوِيل الشاربين
وَقَالَ إِسْحَاق بن أبي إِسْرَائِيل سَأَلت عبد الْمجِيد بن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد عَن حلق الرَّأْس فَقَالَ أما بِمَكَّة فَلَا بَأْس بِهِ لِأَنَّهُ بلد الْحلق وَأما فِي غَيره فِي الْبلدَانِ فَلَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم نجد عَن الشَّافِعِي فِي ذَلِك شَيْئا مَنْصُوصا وَأَصْحَابه(4/382)
الَّذين رأيناهم الْمُزنِيّ وَالربيع يحفان شواربهما فَدلَّ على أَنَّهُمَا أخذا ذَلِك عَن الشَّافِعِي
وَقد رَوَت عَائِشَة وَأَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْفطْرَة عشر مِنْهَا قصّ الشَّارِب
وروى الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ من شَاربه على سواك وَذَلِكَ مِمَّا لَا يكون مَعَه إحفاء وَهَذَا يحْتَمل أَن يكون إِنَّمَا فعل ذَلِك لِأَنَّهُ لم يقدر بِمَا كَانَ مَعَه مِمَّا يَأْخُذ بِهِ غير مَا فعل فَترك حلقه لعدم الْآلَة الَّتِي يكون بهَا الْحلق فِي الْوَقْت
وروى عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجز شَاربه وَهَذَا يحْتَمل أَن يكون على الجز الَّذِي مَعَه الإحفاء
وروى عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ جزوا الشَّوَارِب وارخوا اللحى هَذَا يحْتَمل الإحفاء أَيْضا
وروى الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ جزوا الشَّوَارِب وأرخوا اللحى وَهَذَا يحْتَمل أَيْضا
وروى عمر بن أبي سَلمَة عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ اُحْفُوا الشَّوَارِب وَاعْفُوا اللحى فَدلَّ بِهِ على المُرَاد بالجز(4/383)
وَقد رُوِيَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأبي أسيد وَرَافِع بن خديج وَسَهل بن سعد وَعبد الله بن عمر وَجَابِر بن عبد الله وَأبي هُرَيْرَة أَنهم كَانُوا يحفونَ شواربهم
وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن حَاطِب رَأَيْت ابْن عمر يحفي شَاربه كَأَنَّهُ ينتفه وَقَالَ بَعضهم حَتَّى يرى بَيَاض الْجلد
وَلما كَانَ التَّقْصِير مسنونا فِي الشَّارِب عِنْد الْجَمِيع كَانَ الْحلق أفضل كالرأس وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رحم الله المحلقين ثَلَاثًا فَجعل حلق الرَّأْس أفضل من تَقْصِيره
وَمَا احْتج بِهِ مَالك أَن عمر كَانَ يفتل شَاربه إِذا غضب فَجَائِز أَن يكون كَانَ يتْركهُ حَتَّى يُمكن فتله ثمَّ يحلقه كَمَا يرى كثيرا من النَّاس يَفْعَله
2066 - فِي تهنئة الْعِيد
عبد الله بن يُوسُف قَالَ سَأَلت مَالِكًا عَن قَول النَّاس فِي الْفطر والأضحى قبل الله منا ومنكم قَالَ ذَلِك من فعل الْأَعَاجِم وَكَرِهَهُ
وَقَالَ عمر سُئِلَ الْأَوْزَاعِيّ عَن تلاقي النَّاس فِي الْعِيدَيْنِ بالتحية وَالدُّعَاء فَقَالَ التَّحِيَّة بِالسَّلَامِ حسن وتلاقيهم بِالدُّعَاءِ مُحدث
وَقَالَ عَمْرو بن خَالِد كُنَّا نأتي اللَّيْث بن سعد فِي الْفطر والأضحى فَتَقول قبل الله مِنْك وَمنا يَا أَبَا الْحَارِث فَيَقُول ومنكم ومنكم
وَذكر ابْن وهب عَن اللَّيْث أَنه لَا بَأْس بذلك(4/384)
وَقَالَ يحيى بن عُثْمَان سَأَلت الْحَارِث بن مِسْكين عَن ذَلِك فَقَالَ لم تزل الْأَشْيَاخ يمصر يَقُول ذَلِك وَلَكِن هَؤُلَاءِ الَّذين يَقُولُونَ سِنِين كَثِيرَة لَا يُرِيدُونَ أَن يموتوا
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَحدثنَا يحيى بن عُثْمَان قَالَ حَدثنَا نعيم قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن حَرْب عَن مُحَمَّد بن زِيَاد الْأَلْهَانِي قَالَ كُنَّا نأتي أَبَا أُمَامَة وواثلة بن الْأَسْقَع فِي الْفطر والأضحى ونقول لَهما قبل الله منا ومنكم فَيَقُولَانِ ومنكم ومنكم لَا يعلم عَن أحد من الصَّحَابَة فِي ذَلِك كَرَاهَة وَلَا إِبَاحَة غير مَا رُوِيَ عَن أبي أُمَامَة وواثلة
وروى أَبُو عوَانَة عَن ابْن عون قَالَ قلت لِلْحسنِ فِي قَول النَّاس فِي المعيدين تقبل الله منا ومنكم فَقَالَ مُحدث
وَذكر عبد الرَّحْمَن بن مهْدي أَن هَذَا من كَلَام ابْن عون
وَقد روى حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب قَالَ كُنَّا نأتي مُحَمَّد بن سِيرِين وَالْحسن فِي الْفطر والأضحى فَنَقُول لَهما قبل الله منا ومنكم فَيَقُولَانِ ومنكم وَلما اتَّفقُوا على أَنه جَائِز لمن يُرِيد ذبح الْأُضْحِية أَن يَقُول اللَّهُمَّ تقبل مني جَازَ لغيره أَن يَدْعُو لَهُ بذلك وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنه جَائِز أَن يَقُول للقادم من الْحَج قبل الله حجك فَجَاز مثله فِي الْعِيدَيْنِ
وَقد كَانَ بكار بن قُتَيْبَة والمزني وَأَبُو جَعْفَر بن أبي عمرَان وَيُونُس بن عبد الْأَعْلَى يهنئون بالعيد فيردون مثله على الدَّاعِي لَهُم(4/385)
2067 - فِي الصَّلَاة فِي السبخة
أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَاللَّيْث لَا يجوزون الصَّلَاة فِي السبخة
وَذكر اللَّيْث أَن بعض النَّاس يكرهها
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا وَيُشبه أَن يكون من كرهها إِنَّمَا كرهها لِأَن الْمُصَلِّي لَا يتَمَكَّن من السُّجُود عَلَيْهَا للتهاون بِمَا لم يُوجد فكره ذَلِك كَمَا نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصَّلَاة فِي أعطان الْإِبِل للخوف من جنايتها
2068 - فِي الصَّلَاة بَين أشفاع الْقُنُوت فِي رَمَضَان
قَالَ مَالك لَا بَأْس بذلك وَمَا علمت أَن أحدا كرهه وَعَن الشَّافِعِي مثل ذَلِك
وَكره قوم من أهل الحَدِيث ذَلِك مِنْهُم ابْن حَنْبَل ذكره عَنهُ الْأَثْرَم أَن أَحْمد بن حن 4 بل كره الصَّلَاة بَين التَّرَاوِيح فَذكر لَهُ فِي ذَلِك رخصَة عَن بعض الصَّحَابَة قَالَ هَذَا بَاطِل إِنَّمَا فِيهِ رخصَة عَن الْحسن وَسَعِيد بن جببير وَإِبْرَاهِيم قَالَ وَفِيه عَن ثَلَاثَة من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَرَاهَة عبَادَة بن الصَّامِت وَعقبَة بن عَامر وَأبي الدَّرْدَاء(4/386)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَرُوِيَ عَن عَامر بن عبد الله بن الزبير وَأبي بكر بن حزم وَيحيى بن سعيد أَنهم كَانُوا يصلونَ بَين الأشفاع وَالْأولَى أَن لايزاد فِي التَّرَاوِيح شَيْء فِي حَال مَا يُصَلِّي كَمَا لَا ينقص مِنْهُ لِئَلَّا يخْتَلط بهَا كَمَا كره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُصَلِّي رَكْعَتي الْفجْر بَعْدَمَا أُقِيمَت الصَّلَاة لِئَلَّا يخْتَلط التَّطَوُّع بِالْفَرْضِ
2069 - فِي الصَّلَاة بَين أَذَان الْمغرب وإقامته
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف بَين فُقَهَاء المصار أَنه لَا يصلى
وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل فِي الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب أَحَادِيث جِيَاد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن شَاءَ صلى بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة
قَالَ وَإِن صلى إِذا غربت الشَّمْس وحلت الصَّلَاة فَهُوَ جَائِز
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى كهمس بن الْحسن والجريري عَن عبد الله بن بُرَيْدَة قَالَ حَدثنَا عبد الله بن مُغفل الْمُزنِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين كل أذانين صَلَاة بَين كل أذانين صَلَاة بَين كل أذانين صَلَاة لمن شَاءَ
وروى حُسَيْن الْمعلم عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن عبد الله بن الْمُغَفَّل أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ صلوا قبل صَلَاة الْمغرب رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ صلوا قبل صَلَاة(4/387)
الْمغرب رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ عِنْد الثَّالِثَة لمن شَاءَ كَرَاهَة أَن يحسبها النَّاس سنة
فَاخْتلف كهمس والجريري وحسين الْمعلم فِي متن الحَدِيث فَإِن حمل على أَن رِوَايَة الِاثْنَيْنِ كَانَ أولى من رِوَايَة الْوَاحِد سقط لفظ حَدِيث حُسَيْن الْمعلم وَإِن تكافيا لم يكن أَحدهمَا أولى من الآخر وَلم تثبت الزِّيَادَة الَّتِي فِي حَدِيث حُسَيْن الْمعلم إِذْ كَانَت رِوَايَة غَيره تخالفها
وَقد رُوِيَ عَن أنس قَالَ رآنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نصلي قبل الْمغرب رَكْعَتَيْنِ فَلم يَأْمُرنَا وَلم ينهنا
وروى شُعْبَة عَن عَمْرو بن عَامر الْأنْصَارِيّ قَالَ سَمِعت أنسا يَقُول كَانَ إِذا نوى إِلَى الْمغرب قَالَ كُنَّا نرى أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبتدرون السَّوَارِي يصلونَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ
وَقد روى عَاصِم بن بَهْدَلَة عَن زر عَن أبي بن كَعْب وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَنَّهُمَا كَانَا يصليان رَكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب
وروى شُعْبَة عَن قَتَادَة قَالَ قلت لسَعِيد بن الْمسيب إِن أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ كَانَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب فَقَالَ كَانَ ينْهَى عَنْهُمَا وَلم أدْرك أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصليهَا غير سعد بن مَالك(4/388)
وروى الْمُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم الركعتان قبل الْمغرب بِدعَة
2070 - فِي رد العطاس
قَالَ أَبُو جَعْفَر الَّذين شاهدناهم من أَصْحَاب أبي حنيفَة كَانَ إِذا عطس أحدهم فَقَالَ لَهُ يَرْحَمكُمْ الله وَيَقُول هُوَ يغْفر الله لكم وَمن خالفهم يَقُول يهديكم الله وَيصْلح بالكم
وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ يهديكم الله وَيصْلح بالكم عِنْد العطاس شَيْء قالته الْخَوَارِج لأَنهم لَا يَسْتَغْفِرُونَ للنَّاس
وروى أَبُو بردة بن أبي مُوسَى عَن أَبِيه أَن الْيَهُود كَانُوا يتعاطسون عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَجَاء أَن يَقُول يَرْحَمكُمْ الله فَكَانَ يَقُول يهديكم الله وَيصْلح بالكم
وروى سَالم بن عبيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا عطس أحدكُم فَلْيقل الْحَمد لله رب الْعَالمين أَو على كل حَال وليردوا عَلَيْهِ يغْفر الله لكم
وروى عبد الله بن دِينَار عَن أبي صَالح السمان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا عطس أحدكُم فَلْيقل الْحَمد لله وَليقل لَهُ أَخُوهُ أَو صَاحبه يَرْحَمكُمْ الله وَليقل يهديكم الله وَيصْلح بالكم(4/389)
وروت عمْرَة عَن عَائِشَة قَالَت عكس رجل عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَاذَا أَقُول يَا رَسُول الله قَالَ الْحَمد لله قَالَ الْقَوْم مَا نقُول لَهُ يَا رَسُول الله قَالَ قُولُوا يَرْحَمك الله قَالَ مَاذَا أَقُول لَهُم قَالَ قل يهديكم الله وَيصْلح بالكم
وروى عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا عطس أحدكُم فَلْيقل الْحَمد لله رب الْعَالمين وَليقل لَهُ أَخُوهُ أَو صَاحبه يَرْحَمكُمْ الله وَليقل يهديكم الله وَيصْلح بالكم
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذا حييتُمْ بِتَحِيَّة فَحَيوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَو ردوهَا} فَإِذا قَالَ جَوَاب قَوْله يَرْحَمكُمْ الله يغْفر الله لكم فقد رد عَلَيْهِ مثل مَا حَيَّاهُ وَإِذا قَالَ يهديكم الله وَيصْلح بالكم حَيَّاهُ بِأَحْسَن مِمَّا حَيَّاهُ فَكَانَ متجاوزا لَهُ فِي الْفضل لِأَن الْمَغْفِرَة إِنَّمَا هِيَ ستر الذُّنُوب وَالرَّحْمَة ترك الْعقَاب عَلَيْهَا وَمن حصلت لَهُ الْهِدَايَة وَكَانَ مهديا كَانَ بَعيدا من الذُّنُوب وَمن أصلح باله فحاله فَوق حَال المغفور لَهُ فَكَانَ ذَلِك أولى
2071 - فِي نقش الْمَسَاجِد
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا بَأْس بِأَن ينقش الْمَسْجِد بالجص والساج وَمَاء الذَّهَب
وَكره ذَلِك مَالك وَقَالَ قد كره النَّاس ذَلِك فِي مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ يشغل الْمُصَلِّي وَقد بَلغنِي أَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَرَادَ نَزعه فَقيل لَهُ لَا يخرج مِنْهُ كَبِير شَيْء من الذَّهَب فَتَركه(4/390)
وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب سَأَلت الثَّوْريّ أتكره النقش فِي الْمَسْجِد فَقَالَ نعم قلت السّقف وكل شَيْء قَالَ نعم إِنَّمَا زين الْمَسْجِد وعمارته ذكر الله تَعَالَى
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ فِي إِبَاحَة تخليق الْمَسَاجِد وَإِن كَانَ الرجل مَنْهِيّا عَن تخليق بدنه كَمَا هُوَ مَنْهِيّ عَن لبس الذَّهَب كَذَلِك يجوز نقش الْمَسْجِد بِالذَّهَب وَإِن حرم على الرجل لبسه إِلَّا أَنه يكره مَا يلهي الْمُصَلِّي كَمَا يكره من الخلوق مَا يلهي
وَأما عمر بن عبد الْعَزِيز فَإِنَّهُ ظن أَن الذَّهَب الَّذِي فِيهِ إِذا أَخذ صرف فِي مَنَافِع الْمُسلمين فَقيل لَهُ لَا يخرج مِنْهُ شَيْء فَتَركه
2072 - فِي قطع السدر
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري لَا بَأْس بِقطع السدر وَكَرِهَهُ قوم ونهوا عَنهُ إِلَّا مَا كَانَ فِي زرع مُفسد لَهُ فَإِنَّهُم أباحوه
وروى ابْن جريج عَن عُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان عَن سعيد بن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم عَن عبد الله بن حبشِي قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قطع سِدْرَة صوب الله رَأسه فِي النَّار
وَسَعِيد بن مُحَمَّد هَذَا لَيْسَ بِمَشْهُور فِي الْعلم وَلَا يدرى هَل لَقِي عبد الله بن حبشِي أَو لم يلقه فَلم يثبت بِهَذَا الْإِسْنَاد حجَّة
وَقد روى مُحَمَّد بن شريك عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَمْرو بن أَوْس عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الَّذين يقطعون السدر(4/391)
يصبون فِي النَّار على رؤوسهم صبا فَهَذَا الْإِسْنَاد أحسن من الأول إِلَّا أَن أَبَا أُسَامَة رَوَاهُ عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عُرْوَة من قَوْله غير مَرْفُوع
وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن يزِيد عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَمْرو بن أَوْس قَالَ أدْركْت شَيخا من ثَقِيف قد أفسد السدر زرعه فَقلت أَلا تقطعه فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِلَّا من زرع قَالَ أَنا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أَلا من قطع السدر إِلَّا من زرع صب الله عَلَيْهِ الْعَذَاب صبا وَأَنا أكره أَن أقطعه من الزَّرْع وَمن غَيره
وروى مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي عَن عَمْرو بن دِينَار عَن رجل من ثَقِيف سمع ابْن الزبير يَقُول من قطع السدر صب الله عَلَيْهِ الْعَذَاب صبا فَهَذَا الِاضْطِرَاب فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث يسْقطهُ وَقد روى هِشَام عَن عروه عَن أَبِيه أَنه كَانَ يقطع السدر يَجعله أبوابا
وَقد قَالَ الله تَعَالَى {مَا قطعْتُمْ من لينَة أَو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَة على أُصُولهَا فبإذن الله} فأباح قطع النّخل
وروى أنس أَن مَوضِع مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قُبُور الْمُشْركين وَكَانَ فِيهِ حرث ونخل فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقبور الْمُشْركين فنبشت وبالحرث فسويت وَأمر بِالنَّخْلِ فَقطع
فَإِذا جَازَ قطع النّخل مَعَ مَا فِيهِ من الْمَنَافِع فِي ثَمَرَته فالسدر أولى بذلك
آخر كتاب الْكَرَاهَة(4/392)
= كتاب الزِّيَادَات =
2073 - فِي تَارِك الصَّلَاة عَامِدًا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه من ترك من الْمُسلمين الصَّلَاة على غير جحودها لم يكن بذلك مُرْتَدا وَكَانَ مأخوذا بهَا حَتَّى يُصليهَا
وَقَالَ بعض حفاظ قَول مَالك إِن من مَذْهَب مَالك أَن من ترك صَلَاة مُتَعَمدا لغير عذر حَتَّى خرج وَقتهَا فَهُوَ مُرْتَد وَيقتل إِلَّا أَن يُصليهَا وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
روى الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين العَبْد وَبَين الْكفْر أَو الشّرك ترك الصَّلَاة
وروى أَبُو الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
وَهَذَا يحْتَمل تَركهَا على وَجه الْجُحُود
وروى عِيسَى بن هِلَال الصَّدَفِي عَن عبد الله بن عَمْرو أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من حَافظ على هَؤُلَاءِ الصَّلَوَات الْمَكْتُوبَة كَانَت لَهُ نورا وبرهانا وَنَجَاة من النَّار وَمن لم يحافظ عَلَيْهِنَّ لم تكن لَهُ نورا وَلَا برهانا وَلَا نجاة وَكَانَ يَوْم(4/393)
الْقِيَامَة مَعَ فِرْعَوْن وهامان وَقَارُون وَأبي صَاحب الْعِظَام
وَهَذَا أَيْضا يحْتَمل تَركهَا على وَجه الْجُحُود لِأَن فِرْعَوْن وَمن ذكر كَانُوا يتركونها على وَجه الْجُحُود
وَقد روى مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان عَن ابْن محيريز عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول خمس صلوَات كتبهن الله على الْعباد فَمن جَاءَ بِهن لم يضيع مِنْهُنَّ شَيْئا اسْتِخْفَافًا بحقهن كَانَ لَهُ عِنْد الله عهد أَن يدْخلهُ الْجنَّة وَمن لم يَأْتِ بِهن فَلَيْسَ لَهُ عِنْد الله عهد إِن شَاءَ عذبه وَإِن شَاءَ أدخلهُ الْجنَّة
فَدلَّ على أَنه لَيْسَ بِكَافِر لِأَن الْكَافِر لَا يدْخل الْجنَّة بِحَال
وَلم يَخْتَلِفُوا أَن تَارِك صَوْم رَمَضَان من غير عذر لَيْسَ بِكَافِر كَذَلِك تَارِك الصَّلَاة وَأَيْضًا لَا يَخْتَلِفُونَ أَن تَارِك الصَّلَاة مَأْمُور بِفِعْلِهَا وَالْمُرْتَدّ لَا يُؤمر بِفعل الصَّلَاة إِنَّمَا يُؤمر بِالْإِسْلَامِ ثمَّ بِالصَّلَاةِ
2074 - فِي سُجُود السَّهْو لما ترك عمدا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا يجب بترك شَيْء من الصَّلَاة عمدا سُجُود السَّهْو
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي فِي جَامعه قَالَ وَأرى أَن كل مَا لَو فعله سَاهِيا وَجب عَلَيْهِ سُجُود السَّهْو فَإِذا فعل عَامِدًا سجد فِيهِ(4/394)
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر وَلم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد من أهل الْعلم سواهُ
وَقَالَ مَالك فِيمَن ترك الْقعُود الأول من صلَاته مُتَعَمدا فَسدتْ عَلَيْهِ صلَاته
قَالَ أَبُو جَعْفَر مَا لَا تفْسد الصَّلَاة بِتَرْكِهِ سَاهِيا وَكَذَلِكَ عَامِدًا كَسَائِر أَفعَال الصَّلَاة
وَأما سُجُود السَّهْو فِي الْعمد فروى زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فَلم يدر كم صلى ثَلَاثًا أَو أَرْبعا فَليقمْ فَليصل رَكْعَة ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس قبل التَّسْلِيم فَإِن كَانَت الرَّكْعَة الَّتِي صلى خَامِسَة شفعها بِهَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ وَإِن كَانَ رَابِعَة فالسجدتان ترغيم للشَّيْطَان
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
فَلَمَّا جعل السَّجْدَتَيْنِ ترغيما للشَّيْطَان لأجل النسْيَان الَّذِي لحقه من أَجله والعمد لَيْسَ فِيهِ هَذَا الْمَعْنى إِذا لم يكن للشَّيْطَان سَبَب فِي تَركه لم تجب فِيهِ سُجُود
2075 - فِي الْبكاء فِي الصَّلَاة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِن كَانَ من خوف الله لم يقطعهَا وَإِن كَانَ من وجع قطعهَا
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن إِذا اشْتَدَّ كَأَنَّهُ قد عمل فِي غير الصَّلَاة وَلما كَانَ قَلِيله إِذا كَانَ من خوف الله لَا يقطع كَذَلِك كَثِيره(4/395)
2076 - فِي سَماع الْخطْبَة
قَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا خطب يَوْم الْجُمُعَة فَلم يسْمعهَا أحد من الْحَاضِرين لم تصح الْجُمُعَة وَإِن سَمعهَا بَعضهم صحت
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد من أهل الْعلم غَيره لأَنهم يَقُولُونَ إِن الصَّلَاة جَائِزَة سَمِعت أَو لم تسمع وَقد أَسَاءَ حِين لم يجْهر بهَا
2077 - فِي التسليمة الأولى فِي الصَّلَاة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ يخرج بالتسليمة الأولى من الصَّلَاة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا يخرج حَتَّى يسلم تسليمتين قَالَ وَلَو سلم الْمُسَافِر تَسْلِيمَة ثمَّ نوى الْإِقَامَة قَامَ فأتمها وَلَو سلمهما ثمَّ نوى الْإِقَامَة لم يتم
قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَن مُحَمَّد بن الحنيفية عَن عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور وإحرامها التَّكْبِير وإحلالها التَّسْلِيم
وَقد وجد التَّسْلِيم يخرج بِهِ(4/396)
2078 - فِي رد السَّلَام
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا سُلَيْمَان عَن أَبِيه عَن أبي يُوسُف أَنه يُنكر الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ أَنه إِذا رد السَّلَام بعض الْقَوْم أَجْزَأَ عَن الْجَمِيع
وَقَالَ لَا يجزىء إِلَّا أَن يردوا جَمِيعًا وَلم يذكر خلافًا
وَقَالَ مَالك إِذا سلم الرجل على الْجَمَاعَة فَرد عَلَيْهِ وَاحِد مِنْهُم أَجْزَأَ عَنْهُم وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن وهب عَن مَالك عَن زيد بن أسلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يسلم الرَّاكِب على الْمَاشِي وَإِذا سلم من الْقَوْم وَاحِد أَجْزَأَ عَنْهُم
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَا نعلم فِي هَذَا الْبَاب شَيْئا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير هَذَا الحَدِيث وَغير شَيْء رُوِيَ فِيهِ عَن أبي النَّضر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكل هذَيْن الْوَجْهَيْنِ لَا يحْتَج بِهِ
وَمَا روى من قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَإِذا سلم من الْقَوْم وَاحِد أَجْزَأَ عَنْهُم فَإِن السَّلَام خلاف رد السَّلَام لِأَن السَّلَام الْمُبْتَدَأ تطوع ورده فَرِيضَة
وَقد وجدنَا من الْفُرُوض مَا هُوَ على الْكِفَايَة إِذا قَامَ بِهِ بَعضهم سقط عَن البَاقِينَ كَصَلَاة الْجَمَاعَة فِي الْمَسَاجِد وَغسل الْمَوْتَى ودفنهم وَالصَّلَاة عَلَيْهِم وَلَيْسَ رد السَّلَام من هَذَا الْبَاب لِأَنَّهُ لَو رد غير الْمُسلم عَلَيْهِم لم يسْقط ذَلِك عَنْهُم فرض الرَّد وَمَا كَانَ فرضا على الْكِفَايَة من قَامَ بِهِ من النَّاس سقط عَن البَاقِينَ
فَدلَّ ذَلِك على أَن رد السَّلَام من الْفُرُوض الَّتِي يلْزم كل إِنْسَان بِنَفسِهِ(4/397)
2079 - فِيمَن حج أَعْرَابِيًا ثمَّ هَاجر
قَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا حج الْمَمْلُوك أَو الصَّبِي أَو الْأَعرَابِي ثمَّ عتق الْمَمْلُوك وَأدْركَ الصَّبِي وَهَاجَر الْأَعرَابِي فَعَلَيْهِم الْحَج إِذا اسْتَطَاعُوا إِلَيْهِ السَّبِيل
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله فِي الْأَعرَابِي لم نجده عَن أحد من أهل الْعلم سواهُ وَقَول الله تَعَالَى {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} قد دخل فِيهِ الْأَعرَابِي وَغَيره
وروى فِي أَن حج الْأَعرَابِي لَا يجزىء حرَام بن عُثْمَان حَدِيثا
وَحرَام بن عُثْمَان لَيْسَ مِمَّن يكْتب حَدِيثه وَسمعت الرّبيع يَقُول سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول الحَدِيث عَن حرَام بن عُثْمَان حرَام
وَمَعَ ذَلِك فقد روى مُجَاهِد عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم الْفَتْح إِنَّه لَا هِجْرَة وَلَكِن جِهَاد وَنِيَّة وَإِذا سافرتم فانفروا
وَقَالَت عَائِشَة إِنَّمَا كَانَت الْهِجْرَة قبل فتح مَكَّة وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ يفر الرجل بِدِينِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَإِن قيل فقد روى أَبُو إِدْرِيس الْخَولَانِيّ عَن عبد الله بن وقدان الْقرشِي وَكَانَ مسترضعا فِي بني سعد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَنْقَطِع الْهِجْرَة مَا قوتل الْكفَّار
وَرَوَاهُ أَيْضا عبد الله بن محيريز عَن عبد الله السَّعْدِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله(4/398)
قيل لَهُ الْهِجْرَة الْمَذْكُورَة فِي هَذِه الْآثَار خلاف الْهِجْرَة الْمَذْكُورَة فِي الْآثَار الأولى لِأَن الْهِجْرَة فِي الْآثَار الأولى إِنَّمَا هِيَ الْهِجْرَة الَّتِي يحرم بهَا على أَهلهَا الرُّجُوع إِلَى الدَّار الَّتِي هَاجرُوا مِنْهَا كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسعد حِين مرض بِمَكَّة فَقَالَ أَتَخَلَّف عَن هجرتي فَقَالَ لَا لَكِن البائس سعد بن خَوْلَة يرثي لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن مَاتَ بِمَكَّة
وكما روى عَن الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمقَام بِمَكَّة بعد بعد الصَّدْر لِلْمُهَاجِرِ أَنه ثَلَاث
وَهُنَاكَ هِجْرَة أُخْرَى وَهُوَ مَا روى مُعَاوِيَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تَنْقَطِع الْهِجْرَة حَتَّى تَنْقَطِع التَّوْبَة حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا
فَهَذِهِ الْهِجْرَة هِجْرَة العَاصِي غير الهجرتين الْأَوليين كَمَا روى الزُّهْرِيّ عَن صَالح بن بشر بن فديك قَالَ خرج فديك الى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنَّهُم يَزْعمُونَ أَنه من لم يُهَاجر هلك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقِم الصَّلَاة وَآت الزَّكَاة واهجر السوء واسكن من أَرض قَوْمك حَيْثُ شِئْت تكون مُهَاجرا
2080 - فِي الرجل يعْتق عَبده على مَال فَيردهُ
قَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي رجل أعتق على مائَة دِينَار إِن ذَلِك لَازم للْعَبد وَإِن كره العَبْد ذَلِك(4/399)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد من أهل الْعلم غَيره
وَقَالَ جمَاعَة من أهل الْعلم لَا يعْتق حَتَّى يقبل وَأَجَازَ الله تَعَالَى الْكِتَابَة بِرِضا العَبْد وابتغائه بقوله تَعَالَى {وَالَّذين يَبْتَغُونَ الْكتاب مِمَّا ملكت أَيْمَانكُم فكاتبوهم} فَإِذا لم تصح الْكِتَابَة عَلَيْهِ إِلَّا بقبوله لأجل المَال كَذَلِك الْعتْق
فَإِن قيل فقد يؤاجره بِغَيْر رِضَاهُ
قيل لَهُ لِأَن العَبْد لَا يملك بهَا نَفسه كَالْبيع وَأما الْعتْق فَيملك العَبْد بِهِ نَفسه فاستحال أَن يلْزمه المَال بعد الْعتْق بِغَيْر قبُوله
2081 - فِيمَن قَالَ إِذا مت وَفُلَان فَأَنت حر
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا يكون هَذَا العَبْد مُدبرا حَتَّى يَمُوت فلَان قبل الْمولى فَيكون مُدبرا حِينَئِذٍ وَإِن مَاتَ الْمولى وَلم يمت فلَان فَهُوَ عبد للْوَرَثَة لَهُم أَن يبيعوه وَهُوَ قِيَاس قَول الشَّافِعِي إِلَّا أَن الشَّافِعِي يُجِيز بيع الْمُدبر
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَيهمَا مَاتَ أَولا فَإِنَّهُ من الثُّلُث إِن مَاتَ الْمولى أَولا عتق من الثُّلُث
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَو قَالَ لعَبْدِهِ إِن دخلت الدَّار بعد موتِي فَأَنت حر كَانَ هَذَا بَاطِلا كَذَلِك إِذا مَاتَ الْمولى أَولا كَانَ فِيهِ بِمَنْزِلَة من قَالَ إِذا مَاتَ فلَان بعد موتِي فَأَنت حر فَلَا يعْتق
وَقد قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن فِيمَا لم يحك فِيهِ خلافًا أَن رجلا لَو قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر بعد موتِي بِشَهْر إِن ذَلِك بَاطِل(4/400)
2082 - فِي وطىء الْجَارِيَة الْمُزَوجَة
قَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث فِي الرجل يُزَوّج عَبده أمته ثمَّ يُخَالِفهُ إِيَّاهَا فيطأها فتحبل على ذَلِك ثمَّ ادّعى وَلَدهَا قَالَ لاشيء لَهُ وَلَا يلْحق بِهِ الْوَلَد وَالْولد للْعَبد وَإِن علم بِهِ جلد مائَة وعتقت
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلم يقل أحد أَن الْجَارِيَة تعْتق بِهَذَا الْفِعْل غير اللَّيْث وَكَيف تعْتق وَهُوَ لَو لحق بِهِ نسب وَلَدهَا لم تعْتق فِي الْحَال وَإِنَّمَا كَانَت تصير أم ولد
2083 - فِيمَن قَالَ لعَبْدِهِ اخدمني وَأَنت حر
قَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث فِي رجل قَالَ لعَبْدِهِ اخدمني وَأَنت حر وَلم يؤقت قَالَ أرى أَنه إِذا لم يؤقت وقتا أَنه يعْتق
قَالَ أَبُو جَعْفَر يَعْنِي أَنه يعْتق عقيب ذَلِك القَوْل من الْمولى بِغَيْر خدمَة يكون مِنْهُ وَهُوَ قَائِما على شَرطه بِالْخدمَةِ فَكيف يعْتق قبلهَا أَلا ترى أَنه لَو قَالَ إِن ضربتك فَأَنت حر لم يعْتق حَتَّى يضْربهُ كَذَلِك الْخدمَة
2084 - فِي التَّأْجِيل فِي التَّمْلِيك
قَالَ ابْن وهب عَن مَالك فِي الرجل يضْرب لامْرَأَته أَََجَلًا إِن هُوَ أَتَى إِلَيْهِ وَإِلَّا أمرهَا بِيَدِهَا فيمضي ذَلِك الْأَجَل فَلَا يقْضِي شَيْء ثمَّ تُرِيدُ أَن تخْتَار نَفسهَا قَالَ إِن كَانَت تربصت أَيَّامًا بعد مُضِيّ الْأَجَل رَجَاء أَن يقدم رَأَيْت ذَلِك لَهَا(4/401)
2085 - فِي عدَّة أم الْوَلَد
قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ عدَّة أم الْوَلَد حَيْضَة وَلَا تحل للأزواج حَتَّى ترى الطُّهْر مِنْهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر يدل على أَن الْإِقْرَار هِيَ الْحيض فَيَنْبَغِي أَن تكون عدَّة الْحرَّة ثَلَاث حيض
2086 - فِي النِّكَاح الْفَاسِد
قَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث فِي رجل تزوج امْرَأَة فِي عدتهَا أَو أُخْته فِي الرضَاعَة فَلم يبن بهَا حَتَّى علم ذَلِك فَفرق بَينهمَا قَالَ لَا يصلح لِابْنِهِ وَلَا لِأَبِيهِ أَن ينْكِحهَا
وَقد روى هَذَا القَوْل عَن مَالك بن أنس أَيْضا
وَسَائِر الْفُقَهَاء لَا يحرمونها على ابْنه وَأَبِيهِ
2087 - فِيمَن لَهُ على رجل دين فَابْتَاعَ مِنْهُ شَيْئا بِجِنْس الدّين
قَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث فِي رجل سَأَلَ رجلا الدينارين اللَّذين عَلَيْهِ فمطله بهما ثمَّ يجده يَبِيع طَعَاما إِلَى أجل فيشتري مِنْهُ بدينارين طَعَاما إِلَى أجل ثمَّ يتقاضاه الدينارين فِي مَجْلِسه فيدفعهما إِلَيْهِ قَالَ لَا أرى هَذَا يصلح لِأَنَّهُ كَانَ أَخذه بِالدِّينَارَيْنِ وأضعف لَهُ وَلَا يعرف ذَلِك عَن أحد من أهل الْعلم غير اللَّيْث
وروى أَبُو سعيد وَأَبُو هُرَيْرَة فِي قصَّة تمر خَيْبَر فَقَالَ إِنَّا نَأْخُذ الصَّاع بالصاعين فَقَالَ لَا تفعل وَلَكِن بِعْ تَمرا بدرهم ثمَّ ابتع بِالدَّرَاهِمِ هَذَا(4/402)
وَقَالَ ابْن عمر للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي أبيع الْإِبِل بِالبَقِيعِ فآخذ بِالدَّرَاهِمِ الدَّنَانِير وبالدنانير الدَّرَاهِم فَقَالَ إِذا كَانَ ذَلِك من صرف يومكما وافترقتما وَلَيْسَ بَيْنكُمَا شَيْء فَلَا بَأْس
2088 - فِي بيع الْمَرِيض من وَارثه
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز بَيْعه فِي مَرضه من وَارثه بِمثل الْقيمَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ يجوز
2089 - فِي قرض الْحلِيّ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز قرض الْحلِيّ كالأواني وَنَحْوهَا
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَت لَهُ صناعَة مَعْرُوفَة جَازَ قرضه فَإِذا أَعَارَهُ غَيره كَانَت عاريته قرضا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَن على مستهلك الْحلِيّ قِيمَته دون مثله فَوَجَبَ أَن لَا يجوز قرضه فَإِذا أعراه كَانَ بِمَنْزِلَة عَارِية الدَّوَابّ وَالثيَاب
2090 - فِي جِنَايَة الْمكَاتب
قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ جِنَايَة أم الْوَلَد وَالْمُدبر وَالْمكَاتب على السَّيِّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه على الْمكَاتب الْأَقَل من قِيمَته وَمن أرش الْجِنَايَة وَلَا يُجَاوز بِهِ الدِّيَة
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكر عَنهُ ابْن الْقَاسِم يقْضِي عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ كلهَا كَمَا يُقَال(4/403)
للْمولى لَو كَانَ عبدا إِمَّا أَن تَدْفَعهُ أَو تُؤدِّي الْجِنَايَة كلهَا كَذَلِك الْمكَاتب إماأن يُؤَدِّي جَمِيع الْجِنَايَة وَإِلَّا عجز وَخير سَيّده فِي الدّفع أَو الْفِدَاء
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ جِنَايَة الْمكَاتب فِي رقبته
وَقَالَ الشَّافِعِي على الْمكَاتب الْأَقَل من أرش الْجِنَايَة وَمن قِيمَته
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه يسْتَحق أرش الْجِنَايَة وَكَذَلِكَ يلْزمه جِنَايَته فَالْقِيَاس على ذَلِك أَن تلْزمهُ الدِّيَة إِذا قتل كَالْحرِّ إِلَّا أَنه لما كَانَ رَقِيقا فَلَا يلْزم الْمولى بِجِنَايَة العَبْد أَكثر من دَفعه كَذَلِك الْمكَاتب إِذْ أدّى قِيمَته لتعذر دفع الرَّقَبَة فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَكثر من ذَلِك
2091 - فِي الْمَقْبُوض على وَجه السّوم
قَالَ بشر عَن أبي يُوسُف فِي رجل يساوم رجلا بِثَوْب فَقَالَ البَائِع هُوَ لَك بِعشْرين وَقَالَ المُشْتَرِي لَا بل لَك بِعشْرَة فَذهب بِهِ فَهَذَا إِن لم يَقع بَينهمَا بيع غير أَن المُشْتَرِي إِن اسْتَهْلكهُ فَعَلَيهِ عشرُون وَله أَن يرد مَا لم يستهلكه
وَالْقِيَاس أَن يكون عَلَيْهِ قِيمَته قَالَ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف
قَالَ وَلَو قَالَ البَائِع قد نقضت البيع ثمَّ اسْتَهْلكهُ المُشْتَرِي فَعَلَيهِ قِيمَته وَكَذَلِكَ لَو مَاتَ البَائِع ثمَّ اسْتَهْلكهُ المُشْتَرِي فَعَلَيهِ قِيمَته وَكَذَلِكَ لَو مَاتَ المُشْتَرِي فاستهلكه وَارثه فَعَلَيهِ قِيمَته(4/404)
وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد عَن أبي يُوسُف إِذا قَالَ المُشْتَرِي قد أَخَذتهَا بِأَلف فَقَالَ صَاحبهَا مَا أنقصك من أَلفَيْنِ فَذهب بهَا على ذَلِك فَمَاتَتْ عِنْده فَعَلَيهِ ألفا دِرْهَم مَا قَالَ البَائِع
وَقَالَ زفر عَلَيْهِ الْقيمَة وَإِن لم تمت وردهَا برِئ فِي قَوْلهم جَمِيعًا
وَحكى ابْن أبي عمرَان أَن قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد فِي هَذَا إِن الثَّوْب إِذا كَانَ فِي يَد البَائِع فقا أبيعكه بِعشْرَة وَقَالَ الآخر لَا بِخَمْسَة فَدفعهُ رب الثَّوْب إِلَيْهِ فَهُوَ بِخَمْسَة وَإِن كَانَ الثَّوْب فِي يَد المُشْتَرِي فَقَالَ لَهُ صَاحبه أبيعكه بِعشْرَة وَقَالَ الآخر لَا بِخَمْسَة فَذهب بِهِ فَهُوَ بِعشْرَة وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا اشْترى بيعا على أَن البَائِع بِالْخِيَارِ يَوْمًا وَقَبضه المُشْتَرِي فَهَلَك فِي يَده فَهُوَ أَمِين وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
فَإِذا لم يضمن فِي بيع الْخِيَار فَفِي سوم البيع أَحْرَى أَن لَا يضمن عِنْده
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك مَا قَبضه على وَجه السّوم فَركب الدَّابَّة لينْظر إِلَى سَيرهَا أَو نزع بِالْقَوْسِ فَانْكَسَرت فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ إِذا لم يُخَالف وَلم يَأْخُذهَا بِغَيْر أَمر صَاحبهَا
وَقَالَ الثَّوْريّ فِي رجل أَخذ دَابَّة فَقَالَ اركبها فَإِن رضيتها أَخَذتهَا فَضَاعَت الدَّابَّة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وروى الرّبيع عَن الشَّافِعِي مَا يدل على أَنه اخْتَار ضَمَان الْمَقْبُوض على وَجه السّوم
وَقد روى الشّعبِيّ أَن عمر أَخذ فرسا من رجل على سوم فَحمل عَلَيْهِ رجلا فَعَطب فخاصمه فَجعلَا بَينهمَا شريحا فَقَالَ شُرَيْح يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَخَذته مِنْهُ صَحِيحا سليما فَأَنت لَهُ ضَامِن حَتَّى ترده صَحِيحا(4/405)
سليما فأعجب عمر فَبَعثه قَاضِيا على الْعرَاق
2092 - فِي تَأْخِير الدّين على شَرط الضَّمَان
قَالَ أبوحنيفة وَأَصْحَابه فِي رجل لَهُ على رجل دين حَال من ثمن مَبِيع فَأَخَّرَهُ على أَن يضمنهُ فلَان عَنهُ فَإِن كَانَ فلَان حَاضرا فضمن صَحَّ التَّأْجِيل وَإِن لم يقبل الضَّمَان بَطل التَّأْجِيل وَالرَّهْن مثله
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره ابْن الْقَاسِم إِن كَانَ الدّين حَالا فَأَجله فِيهِ على شَرط الرَّهْن أَو الْكَفِيل جَازَ إِذا رهن وَضمن الْحميل وَإِن كَانَ الدّين إِلَى أجل فَشرط فِي تَأْجِيله الرَّهْن أَو الْكَفِيل لم يجز
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا فرق بَين أَن يكون الدّين حَالا أَو مُؤَجّلا فِي جَوَاز التَّأْجِيل على شَرط الْكفَالَة وَالرَّهْن
2093 - فِي الرُّجُوع فِي الْعَارِية
قَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث فِي رجل قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي قد أسلفت فلَانا عشرَة دَنَانِير أَو أعرت فلَانا دَابَّتي إِلَى كَذَا أَو أعمرته دَاري كَذَا وَكَذَا ثمَّ يُرِيد بعد ذَلِك أَن لَا يفعل شَيْئا من ذَلِك قَالَ إِذا أشهد لَهُ على ذَلِك فَإِن ذَلِك يلْزمه وَيَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ أَن ينْزع
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلم نجد أحدا يفرق فِي الْعَارِية بَين الْإِشْهَاد عَلَيْهَا وَبَين أَن لَا يشْهد غير اللَّيْث وَوجدنَا سَائِر عُقُود التمليكات لَا يخْتَلف حكمهَا بَين الْإِشْهَاد وَغَيره(4/406)
وَقَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث فِي الرجل يخْدم الرجل عَبده عشر سِنِين ثمَّ هوحر فيخدمه أَيَّامًا ثمَّ يَقُول لَهُ الْخدمَة الَّتِي قبلك قد وَضَعتهَا عَنْك اذْهَبْ فَأَنت حر قَالَ اللَّيْث لَا يعْتق حَتَّى يمْضِي الْعشْر السنون
وَقَالَ مَالك يكون حرا مَكَانَهُ
وَقَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث فِي الرجل يدبر الْجَارِيَة بعد مَوته عَن أمة أَنه لَا يجوزله أَن يَطَأهَا وَكَذَلِكَ إِن دبرهَا عَن أمة بعد مَوتهَا فَإِنَّهَا لَا تخرج من الثُّلُث وَلَا يلْحقهَا دين فَإِن أشهد على ذَلِك لم يصلح لَهُ أَن يَطَأهَا
وَقَالَ اللَّيْث من أخدم جَارِيَته رجلا سِتَّة أشهر وأياما فَلَا بَأْس أَن يَطَأهَا سَيِّدهَا إِلَّا أَن يخدمها إِيَّاه حَيَاته فَلَيْسَ لَهُ أَن يَطَأهَا حَتَّى يَمُوت الَّذِي تخدمه وَترجع إِلَيْهِ
2094 - فِي الْوَصِيَّة بِخِدْمَة العَبْد وَنَحْوهَا
قَالَ مُحَمَّد فِي الأَصْل قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أوصى لرجل بِخِدْمَة عَبده وَلآخر بِرَقَبَتِهِ وَهُوَ يخرج من الثُّلُث فَالْعَبْد لصَاحب الرَّقَبَة والخدمة لصَاحب الْخدمَة وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّة بالأمة لوَاحِد وَبِوَلَدِهَا الَّذِي فِي بَطنهَا لآخر وَكَذَلِكَ الْخَاتم والفص وَلم يذكر خلافًا
وروى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد إِذا أوصى لرجل بِخَاتمِهِ وَلآخر بفصه فَإِن كَانَ فِي كَلَام وَاحِد فالفضة للْمُوصى لَهُ بالخاتم والفص للْمُوصى لَهُ بالفص وَإِن كَانَ فِي كلامين مُخْتَلفين فالفصة للْمُوصى لَهُ بالخاتم والفص بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَلم يحك خلافًا وَذكر مُحَمَّد فِي الزِّيَادَات مثل رِوَايَة ابْن سَمَّاعَة فِي الفص والخاتم وَالْبناء وَالدَّار وَالثَّمَرَة والقوصرة(4/407)
وَقَالَ فِي الْوَصِيَّة بِالْخدمَةِ وَالْعَبْد والبستان وَالْغلَّة والدر وسكناها فهوكما قَالَ وصل أَو قطع لكل وَاحِد مَا أوصى لَهُ بِهِ لَا يُشَارِكهُ فِيهِ الآخر
وروى بشر عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة فِي الْإِمْلَاء إِن هَذَا كُله سَوَاء الدَّار وسكناها وَالْعَبْد وخدمته والفص والخاتم وَالشَّاة وَالصُّوف كل هَذَا وَاحِد وَلكُل وَاحِد مَا أوصى لَهُ بِهِ لَا يُشَارِكهُ الآخر فِيهِ
قَالَ وَلَو أوصى بِهَذَا الْخَاتم وَبَعضه لفُلَان ثمَّ قَالَ قد أوصيت بفصه لفُلَان فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي القص إِذا سمى الفص مَعَ الْخَاتم لصَاحب الْخَاتم وَكَذَلِكَ الشّجر وَالنَّخْل
وَذكر الرّبيع عَن الشَّافِعِي إِذا قَالَ خَاتمِي هَذَا لفُلَان وفصه لفُلَان كَانَ الْخَاتم للْمُوصى لَهُ بالخاتم والفص للْمُوصى لَهُ بالفص
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس مَا رَوَاهُ أَبُو يُوسُف لِأَن الفص لَو أزيل من الْخَاتم قبل موت الْمُوصى لَهُ بالخاتم بطلت وَصيته بالفص هَذَا إِذا لم يكن موصى لَهُ غَيره كَذَلِك إِذا أوصى بِهِ لغيره وَلَا وَصِيَّة لصَاحب الْخَاتم فِيهِ وَكَذَلِكَ بِنَاء الدَّار فَهَذَا إِنَّمَا نَأْخُذهُ الْبناء على وَجه التبع فَإِذا أوصى بِهِ لغيره بطلت الْوَصِيَّة فِي الفص لصَاحب الْخَاتم كَمَا لَو زايل الأَصْل
وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يخْتَلف فِي هَذَا أَن يَقُول ذَلِك فِي كلامين موصولين اَوْ مقطوعين
2095 - فِيمَن أقرّ بدار إِلَّا بناءها
قَالَ مُحَمَّد فِي إمْلَائِهِ من رِوَايَة أبي سُلَيْمَان وَإِذا قَالَ لرجل هَذَا دَارك إِلَّا بناءها فَإِنَّهُ لي فَالْقَوْل قَول الْمقر لَهُ ويأخذها وبناءها إِلَّا أَن يُقيم الْمقر الْبَيِّنَة أَنه أحدث هَذَا الْبناء فِيهَا فَتقبل بَينته وَكَذَلِكَ الْخَاتم والفص والجبة والبطانة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَوْلنَا(4/408)
وروى ابْن عبد الحكم أَن القَوْل قَول الْمقر فِي قِيَاس قَول مَالك
وَذكر الرّبيع عَن الشَّافِعِي إِذا قَالَ هَذَا الْخَاتم لفُلَان وفصه لي أَو لفُلَان فَهُوَ مثل قَوْله هَذَا الْخَاتم إِلَّا فصه لفُلَان أَو لي فالخاتم لفُلَان والفص لَهُ أَو لفُلَان
قَالَ أَبُو جَعْفَر يَنْبَغِي أَن يَصح اسْتثِْنَاء الْبناء والفص كمتاع مَوْضُوع فِي الدَّار لَو قَالَ هَذِه الدَّار لفُلَان وَالْمَتَاع الَّذِي فيهالي كَانَ القَوْل قَوْله
2096 - فِي بييع فضَّة بنوعين من الْفضة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا بَاعَ ألف دِرْهَم بِخَمْسِمِائَة بيض وَخَمْسمِائة سود جَازَ وَكَذَلِكَ لَو بَاعهَا بِخَمْسِمِائَة وثوب
وَقَالَ مَالك لَا يجوز بيع ألف بيض بِأَلف سود وبيض إِذا كَانَت الْبيض خيرا من السود وَلَو كَانَت كلهَا سُودًا ببيض جَازَ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الذَّهَب بِالذَّهَب مثلا بِمثل وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ مثلا بِمثل تبرها وعينها سَوَاء
فَدلَّ على أَن لَا اعْتِبَار فِيهِ بِنُقْصَان إِنَّمَا يعْتَبر الْوَزْن
آخر كتاب الزِّيَادَات(4/409)
= كتاب الْمكَاتب =
2097 - فِي الْكِتَابَة الْحَالة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه تجوز الْكِتَابَة الْحَالة فَإِن أَدَّاهَا حِين طلبَهَا الْمولى مِنْهُ وَإِلَّا رد فِي الرّقّ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي رجل قَالَ كاتبوا عَبدِي على ألف دِرْهَم وَلم يضْرب لَهَا أَََجَلًا أَنَّهَا تنجم على الْمكَاتب على قدر مَا يرى فِي كِتَابَته مثله وَقدر قوته قَالَ وَالْكِتَابَة عِنْد النَّاس منجمة وَلَا تكون حَالَة إِن أدّى ذَلِك إِلَى السَّيِّد
وَقَالَ اللَّيْث إِنَّمَا جعل التنجيم على الْمكَاتب رفقا بالمكاتب وَلم يَجْعَل ذَلِك رفقا بالسيد
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَا تجوز الْكِتَابَة على أقل من نجمين قَالَ أَبُو جَعْفَر الْكِتَابَة يتَضَمَّن تمْلِيك الْمكَاتب كَسبه ومنافعه بِالْبَدَلِ الَّذِي عقد عَلَيْهِ فَتجوز حَالَة كَالْبيع وَالْإِجَارَة وَنَحْوهَا
وَأَيْضًا لما جَازَت آجلة فَهِيَ عاجلة أجوز لأَنا قد وجدنَا من الْعُقُود مَا يجوز عَاجلا وَلَا يجوز آجلا كالصرف وَرَأس مَال السّلم(4/411)
2098 - فِي عقد الْكِتَابَة من غير ذكر حُرِّيَّته
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك إِذا كَاتبه على ألف دِرْهَم وَلم يقل إِذا أدّيت فَأَنت حر فَهُوَ جَائِز
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا كَاتبه على مائَة دِينَار إِلَى عشر سِنِين كَذَا كَذَا نجما فَهُوَ جَائِز وَلَا يعْتق حَتَّى يَقُول فِي الْكِتَابَة إِذا أدّيت هَذَا فَأَنت حر أَو يَقُول بعد ذَلِك إِن قولي قد كاتبتك فَكَانَ معقودا على أَنَّك إِن أدّيت فَأن حر
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْكِتَابَة اسْم تَتَضَمَّن الْحُرِّيَّة بِالْأَدَاءِ كالخلع وَالْإِجَارَة يتَضَمَّن مَا تَحْتَهُ من تمْلِيك الْبضْع أَو الْمَنَافِع فَلَا يحْتَاج أَن يشْتَرط الْحُرِّيَّة
2099 - فِي وضع الْكِتَابَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَيْسَ على الْمولى أَن يضع عَن عَبده شَيْئا من كِتَابَته وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك فِي قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ من مَال الله الَّذِي آتَاكُم} هُوَ أَن يضع من كِتَابَته شَيْئا وَلم يؤقت
وَقَالَ الشَّافِعِي يجْبر السَّيِّد على أَن يضع من كِتَابَته شَيْئا وَإِن مَاتَ السَّيِّد بعد قبض جَمِيع الْكِتَابَة حَاص للْمكَاتب بِالَّذِي لَهُ الدّين والوصايا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ من مَال الله الَّذِي آتَاكُم} يحْتَمل الْإِيجَاب وَيحْتَمل النّدب وَلم يَخْتَلِفُوا أَن قَوْله فكاتبوهم على النّدب فَهُوَ مُحكم فَوَجَبَ أَن يعْطف عَلَيْهِ الْمُتَشَابه وَيدل عَلَيْهِ من جِهَة السّنة حَدِيث الزُّهْرِيّ وَهِشَام بن عُرْوَة عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة أَن بَرِيرَة جَاءَت(4/412)
تستعينها فِي كتَابَتهَا وَلم تكن قَضَت من كتَابَتهَا شَيْئا فَقَالَت عَائِشَة إِن أَحبُّوا أَن أعدهَا لَك عدَّة وَاحِدَة وَفِي لفظ الزُّهْرِيّ أَن أَقْْضِي عَنْك كتابتك وَيكون وولاؤك لي فَذكرت ذَلِك بَرِيرَة لأَهْلهَا فَأَبَوا وَقَالُوا إِن شَاءَت أَن تحتسب فلتفعل وَيكون ولاؤك لنا فَسَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ خديها فَإِن الْوَلَاء لمن أعتق
فَلم يُنكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْلهَا إِن شِئْت عددتها عدَّة وَاحِدَة وَلَو كَانَ الإيتاء وَاجِبا لأخبر بِسُقُوط بَعْضهَا
2100 - فِي كِتَابَة العبيد على مَال وَاحِد
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِيمَا روى مُحَمَّد إِذا كَاتب عَبْدَيْنِ مُكَاتبَة وَاحِدَة وَجعل نجومها وَاحِدَة إِن عَجزا ردا وَإِن أديا عتقا فَهُوَ جَائِز وَلَا يعتقان إِلَّا جَمِيعًا وَلَا يردان إِلَّا جَمِيعًا وكل وَاحِد كَفِيل ضَامِن عَن صَاحبه وَرُوِيَ ذَلِك عَن إِبْرَاهِيم
وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ وَالْحسن بن حَيّ إِذا لم يقل كل وَاحِد كَفِيل ضَامِن عَن صَاحبه فَكل وَاحِد مكَاتب بِحِصَّتِهِ إِن أدّى حِصَّته مِنْهَا عتق مِنْهُ وَلم يعْتق الآخر
وَقَالَ زفر إِن قَالَ كل وَاحِد كَفِيل عَن صَاحبه لم يعْتق وَاحِد مِنْهُمَا إِلَّا بأَدَاء الْجَمِيع
وَقَالَ ابْن شبْرمَة فِي رجل كَاتب مملوكين لَهُ على ألف دِرْهَم فأديا خَمْسمِائَة دِرْهَم ثمَّ مَاتَ أَحدهمَا أَن على الْبَاقِي مِائَتَيْنِ وَخمسين(4/413)
وَقَالَ مَالك إِذا كاتبها كِتَابَة وَاحِدَة كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا كَفِيلا عَن صَاحبه يعتقان مَعًا ويرقان مَعًا فَإِن أعتق الْمولى أَحدهمَا لم يجز عتقه إِلَّا أَن يكون زَمنا فَيجوز عتق الزَّمن وَلَا يجوز عتق الصَّحِيح إِلَّا برضى الآخر
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لَو بَاعَ عبدا من جمَاعَة صَفْقَة وَاحِدَة لم يكن لأَحَدهمَا أَن يقبض حِصَّته حَتَّى يقبض البَائِع جَمِيع الثّمن كَذَلِك الْقيَاس فِي الْكِتَابَة أَن لَا يسْتَحق وَاحِد من الْعَبْدَيْنِ رقبته بِالْعِتْقِ إِلَّا بِقَبض الْمولى جَمِيع الْكِتَابَة
2101 - فِي رجلَيْنِ كَاتبا مملوكين لَهما
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَو أَن لِرجلَيْنِ لكل وَاحِد عبد على حِدة كاتبهما جَمِيعًا مُكَاتبَة وَاحِدَة على ألف دِرْهَم وَجعلا نجومهما وَاحِدَة إِن أديا عتقا وَإِن عَجزا ردا فَكل وَاحِد مِنْهُمَا مكَاتب على حِدة بِقدر قِيمَته يعْتق بِأَدَائِهِ دون الآخر وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك إِذا كاتباهما كِتَابَة وَاحِدَة وكل وَاحِد حميل مِمَّا على صَاحبه لم تصلح هَذِه الْكِتَابَة لِأَنَّهُ غرر
قَالَ أَبُو جَعْفَر يجوز هَذَا كَمَا لَو تزوج امْرَأتَيْنِ على ألف دِرْهَم كَانَ لكل وَاحِدَة مِنْهُمَا حصَّتهَا من الْألف بِقدر مهر الْمثل وَأما مَذْهَب مَالك فِي شَرطه الْحمالَة فَإِن عِنْد مَالك أَن ضَمَان الْكِتَابَة لمَوْلَاهُ لَا يجوز
2102 - فِي الْمكَاتب هَل يُسَافر
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فِي الْمكَاتب يشْتَرط عَلَيْهِ مَوْلَاهُ بِأَن لَا يخرج من الْكُوفَة إِلَّا بِإِذْنِهِ فَالشَّرْط بَاطِل وَالْكِتَابَة جَائِزَة وَله أَن يخرج
وَقَالَ مَالك لَيْسَ للْمكَاتب أَن يخرج من أَرض سَيّده إِلَّا بِإِذْنِهِ اشْترط ذَلِك عَلَيْهِ أَو لم يشْتَرط وَذَلِكَ بيد سَيّده إِن شَاءَ أذن لَهُ وَإِن شَاءَ مَنعه
وَقَالَ عُثْمَان البتي وكل شَرط على الْمكَاتب عِنْد كِتَابَته فَهُوَ جَائِز وَإِن اشْترط عَلَيْهِ أَن لَا يخرج من أرضه الَّتِي هُوَ فِيهَا(4/414)
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا اشْترط على الْمكَاتب أَن لَا يخرج فَلَيْسَ لَهُ أَن يخرج
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا كَاتب عَبده فَلَيْسَ لَهُ أَن يمنعهُ أَن يخرج حَيْثُ شَاءَ وَلَا يستأمر مَوْلَاهُ
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي وَالْمكَاتب لَا يمْنَع من السّفر والاكتساب قَالَ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء لَيْسَ للْمكَاتب أَن يُسَافر بِغَيْر إِذن سَيّده قَالَ الْمُزنِيّ الأول أَقيس على أَصله
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي فِي إمْلَائِهِ وللمكاتب أَن يُسَافر بِالتِّجَارَة وَلَيْسَ للْمولى أَن يمنعهُ
2103 - فِي الْخِيَار فِي الْمُكَاتبَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا كَاتب أمته على أَنه بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَولدت فِي الثَّلَاثَة أَو اكْتسبت مَالا ثمَّ أجَاز الْمولى الْكِتَابَة فولدها دَاخل فِي الْكِتَابَة وَالْكَسْب لَهَا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم قِيَاس قَول مَالك أَن الْوَلَد يدْخل فِي كتَابَتهَا إِذا أجَاز الْمولى الْكِتَابَة
2104 - فِي كِتَابَة الْأَب وَالْوَصِيّ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه للْأَب ووصي الْأَب أَن يُكَاتب عبد الصَّغِير وَلَيْسَ لَهما أَن يعتقاه على مَال
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا تجوز كِتَابَة الْوَصِيّ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك للْأَب وَالْوَصِيّ أَن يكاتبا عبد الصَّغِير وَلَيْسَ(4/415)
للْوَصِيّ أَن يعتقهُ على مَال إِذا كَانَ إِنَّمَا يَأْخُذ المَال من العَبْد فَإِن أعطَاهُ رجل مَالا على أَن يعتقهُ فَفعل ذَلِك نظر للْيَتِيم فَهُوَ جَائِز
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي وَلَيْسَ لوَلِيّ الْيَتِيم أَن يُكَاتب عَبده بِحَال لِأَنَّهُ لَا نظر لَهُ فِي ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يكن للمأذون أَن يُكَاتب كَمَا لَا يعْتق على مَال كَذَلِك الْأَب وَالْوَصِيّ وَفَارَقت الْكِتَابَة للْبيع لِأَن للمأذون أَن يَبِيع وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إِنَّمَا يعْتق بأَدَاء مَال هُوَ كَسبه يسْتَحقّهُ الصَّبِي لَو لم يُكَاتب فَهُوَ كَالْعِتْقِ على مَال
2105 - فِي كِتَابَة الْمكَاتب
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه للْمكَاتب أَن يُكَاتب فَإِن أدّى الثَّانِي قبل الأول فَالْولَاء للْمولى وَإِن أدّى الأول قبل الثَّانِي فولاء الثَّانِي للْأولِ
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره عَنهُ ابْن وهب ينظر فِي كِتَابَة الْمكَاتب فَإِن أَرَادَ بذلك الْمُحَابَاة للْعَبد وَعرف ذَلِك بِالتَّخْفِيفِ عَنهُ لم يجز ذَلِك وَإِن كَانَ إِنَّمَا كَاتبه على وَجه الرَّغْبَة وَطلب المَال والعون على كِتَابَته فَهُوَ جَائِز وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْمكَاتب إِذا كَاتب عَبده على وَجه النّظر بذلك لنَفسِهِ أَنه جَائِز فَإِن أدّى الْمكَاتب الْأَسْفَل قبل الْأَعْلَى وَأدّى الْمكَاتب الْأَعْلَى بعد ذَلِك رَجَعَ إِلَيْهِ وَلَاء الْمكَاتب الْأَسْفَل
وَقَالَ الثَّوْريّ تجوز كِتَابَة الْمكَاتب فَإِن أدّى الثَّانِي وَعجز الأول فَالْولَاء للْمولى وَإِن أديا جَمِيعًا كَانَ الْوَلَاء لَهُ
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا كَاتب الْمكَاتب عبدا لَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَة البيع وَالشِّرَاء
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا تجوز كِتَابَة الْمكَاتب إِلَّا بِإِذن الْمولى وَإِن كَاتبه بِإِذن(4/416)
مَوْلَاهُ فَأدى عتق ورق سَيّده إِن عجز فَإِن كَاتبه بِغَيْر إِذن مَوْلَاهُ فَأدى فَلَا عتق لَهُ حَتَّى يُؤَدِّي الْمكَاتب الأول كِتَابَته فَإِذا أَدَّاهَا عتق هُوَ ومكاتبه الَّذِي كَاتبه فِي كِتَابَته
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا كَاتب الْمكَاتب فَفِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا لَا يجوز لِأَن الْوَلَاء لمن أعتق وَالثَّانِي أَنه يجوز وَفِي الْوَلَاء قَولَانِ أَحدهمَا أَن الْوَلَاء مَوْقُوف فَإِن عتق الأول كَانَ لَهُ الْوَلَاء وَإِن لم يعْتق حَتَّى يَمُوت فَالْولَاء لمولى الْمكَاتب
وَالثَّانِي إِن الْوَلَاء لسَيِّد الْمكَاتب بِكُل حَال لِأَنَّهُ عتق فِي حَال لَا يكون لَهُ أَن يعتقهُ مَوْلَاهُ
وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء لَو كَاتب الْمكَاتب عَبده فَأدى لم يعْتق كَمَا لَو أعْتقهُ لم يعْتق قَالَ الْمُزنِيّ هَذَا عِنْدِي أشبه
2106 - فِي الْمكَاتب يعْتق عَبده على مَال
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا يجوز عتق الْمكَاتب عَبده على مَال
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِن أعْتقهُ على مَال يَدْفَعهُ إِلَيْهِ من غير مَال هُوَ للْعَبد فَذَلِك جَائِز إِذا كَانَ على وَجه النّظر لنَفسِهِ وَإِن كَانَ إِنَّمَا أعْتقهُ على مَال للْعَبد فَأَخذه مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يجوز
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي وَإِن أعتق الْمكَاتب عَبده على مَال أَو كَاتبه بِإِذن سَيّده فَأدى كِتَابَته فَفِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا لَا يجوز لِأَن الْوَلَاء لمن أعتق وَالثَّانِي إِنَّه يجوز(4/417)
2107 - فِي اخْتِلَافهمَا فِي الْكِتَابَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ إِذا اخْتلف الْمولى وَالْعَبْد فِي مِقْدَار مَال الْكِتَابَة فَالْقَوْل قَول الْمكَاتب
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ يَتَحَالَفَانِ ويترادان
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس التخالف كَالْبيع أَلا ترى أَنه لَو شهد للْمكَاتب شَاهِدَانِ أَحدهمَا بِأَلف وَالْآخر بِأَلف وَخَمْسمِائة أَن الشَّهَادَة بَاطِلَة كَالْبيع لَو شهد بِهِ كَذَلِك وَلم يكن كمن لَهُ ألف وَخَمْسمِائة فَشهد لَهُ شَاهد بِأَلف وَالْآخر بِأَلف وَخَمْسمِائة فَتجوز الشَّهَادَة على الْألف
2108 - فِي الْمولى يشْتَرط على مُكَاتبَته وَطْؤُهَا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه هَذِه كِتَابَة فَاسِدَة فَإِن أدَّت عتقت وَعَلَيْهَا فضل الْقيمَة إِن كَانَت أَكثر من الْكِتَابَة وَإِن كَانَت الْقيمَة أقل من الْكِتَابَة عتقت بأَدَاء الْقيمَة وَلَا شَيْء عَلَيْهَا غير ذَلِك
وَقَالَ زفر إِذا أدَّت الْقيمَة عتقت سَوَاء كَانَت أقل من الْقيمَة أَو أَكثر
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم فِي قِيَاس قَول مَالك إِن الْكِتَابَة جَائِزَة وَالشّرط بَاطِل وَلَا يشبه البيع لِأَن البيع لَا يجوز فِيهِ الْغرَر وَالْكِتَابَة على الْوَصْف جَائِزَة
وَقَول الثَّوْريّ يدل على أَن مذْهبه أَن الْكِتَابَة جَائِزَة وَالشّرط بَاطِل وَمذهب الشَّافِعِي يدل على أَن هَذَا الشَّرْط يفْسد الْكِتَابَة(4/418)
2109 - فِي ضَمَان الْأَجْنَبِيّ لمَال الْكِتَابَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا يجوز ضَمَان الْأَجْنَبِيّ لمَال الْكِتَابَة إِلَّا أَن يكون للْمكَاتب على الضَّامِن مَال فَيضمنهُ لمَوْلَاهُ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى يجوز ضَمَان الْأَجْنَبِيّ لمَال الْكِتَابَة
وَقَالَ مَالك لَا يجوز لأحد أَن يحمل للسَّيِّد كِتَابَة عَبده وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
2110 - فِي تَزْوِيج الْمكَاتب وعتقه وضمانه وهبته
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز تَزْوِيج الْمكَاتب إِلَّا بِإِذن مَوْلَاهُ وَأما هِبته وعتقه وكفالته عَن رجل فَإِنَّهُ لَا يجوز شَيْء من ذَلِك وَإِن أذن لَهُ الْمولى
وَقَالَ ابْن أبي ليلى للْمكَاتب أَن يتَزَوَّج إِلَّا أَن يكون الْمولى اشْترط عَلَيْهِ فِي الْكِتَابَة أَن لَا يتَزَوَّج إِلَّا بِإِذْنِهِ فَيكون ذَلِك كَمَا شَرط قَالَ وكفالته أَيْضا جَائِزَة قَالَ فَأَما عتقه وهبته فموقوفان فَإِن أعتق أمضى ذَلِك وَإِن عجز بَطل
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم وَابْن وهب عَن مَالك لَا يتَزَوَّج الْمكَاتب إِلَّا بِإِذن مَوْلَاهُ وَإِن أعتق الْمكَاتب عبدا أَو وهب بعض مَاله ثمَّ عتق بعد ذَلِك عَلَيْهِ وَإِن علم السَّيِّد قبل أَن يعْتق فَرده بَاطِل فَإِن عتق بعد ذَلِك لم ينفذ مَا فعل
وَقَالَ الثَّوْريّ إِن اشْترط عَلَيْهِ أَن لَا يتَزَوَّج لم يتَزَوَّج وعتقه وصدقته(4/419)
موقوفان فَإِن أدّى نفذ ذَلِك وَإِن عجز بَطل وَهُوَ قَول عُثْمَان البتي فِي الْعتْق وَالصَّدَََقَة
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَا يهب الْمكَاتب مَاله إِلَّا بِإِذن سَيّده فَإِن أعتق عبدا بِإِذن سَيّده فَفِي الْوَلَاء قَولَانِ أَحدهمَا أَنه مَوْقُوف فَإِن عتق الْمكَاتب كَانَ لَهُ وَإِن لم يعْتق حَتَّى يَمُوت فَالْولَاء لسَيِّد الْمكَاتب وَالثَّانِي أَن الْوَلَاء للسَّيِّد على كل حَال
2111 - فِي الْمكَاتب يدبره الْمولى
قَالَ مُحَمَّد فِي إمْلَائِهِ قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا دبر الرجل عَبده ثمَّ كَاتبه بعد ذَلِك فِي صِحَّته ثمَّ مَاتَ الْمولى وَله مَال يخرج العَبْد ومكاتبته من ثلثه أَو تخرج الْمُكَاتبَة وَحدهَا من ثلثه فَالْعَبْد حر لَا سَبِيل عَلَيْهِ وَقد بطلت الْمُكَاتبَة
وَإِن كَانَ العَبْد يخرج من ثلثه وَالْمُكَاتبَة لَا تخرج من ثلثه فَفِي قِيَاس قَوْله أَن يسْعَى فِي الْكِتَابَة إِلَّا أَن يعجز عَنْهَا فَيعتق وَلَا تكون عَلَيْهِ سِعَايَة وَلَكِن هَذَا فسخ لِأَن العَبْد إِذا عجز عَن الْمُكَاتبَة وَخرج من الثُّلُث كَانَ حرا وَتبطل الْكِتَابَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن خرجت الرَّقَبَة من ثلث المَال أَو الْمُكَاتبَة أَيهمَا خرج فَالْعَبْد حر فَإِن مَاتَ الْمولى وَلَا مَال لَهُ غير العَبْد فَإِن أَبَا حنيفَة قَالَ يسْعَى فِي جَمِيع الْكِتَابَة إِلَّا أَن يعجز فيسعى فِي ثُلثي قِيمَته(4/420)
وَفِي قَول أبي يُوسُف يسْعَى فِي الْأَقَل فِيمَا بَقِي عَلَيْهِ من جَمِيع الْكِتَابَة وثلثي الْقيمَة
وَقَالَ مُحَمَّد يسْعَى فِي الْأَقَل من ثُلثي جَمِيع مَا بَقِي عَلَيْهِ من الْكِتَابَة وثلثي الْقيمَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا دبر عَبده ثمَّ كَاتبه ثمَّ مَاتَ فَالْعَبْد يخرج من ثلثه وانتقضت الْكِتَابَة وَيعتق بِالتَّدْبِيرِ فَإِن لم يحملهُ الثُّلُث عتق مِنْهُ الثُّلُث وَيسْعَى فِيمَا بَقِي من الْكِتَابَة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا كَاتب عَبده فَقبض بعض الْكِتَابَة ثمَّ مَاتَ الْمولى فَقَامَتْ الْبَيِّنَة أَنه كَانَ دبره قبل أَن يكاتبه فللمولى مَا أَخذه فِي حَيَاته وَمَا أَخذ مِنْهُ الْوَرَثَة بعد الْمَوْت يردونه عَلَيْهِ وَهُوَ حر
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا دبره ثمَّ كَاتبه ثمَّ مَاتَ عتق بِالتَّدْبِيرِ إِن حمله الثُّلُث وَبَطلَت الْكِتَابَة فَإِن لم يحملهُ الثُّلُث عتق مَا حمل الثُّلُث وَبَطل عَنهُ من الْكِتَابَة بِقَدرِهِ وَكَانَ مَا بَقِي على الْكِتَابَة إِلَّا أَن يعجز فيرق
2112 - فِيمَن كُوتِبَ على نَفسه وعَلى عبد غَائِب
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا كَاتب عبدا لَهُ على نَفسه وعَلى عبد لَهُ غَائِب فالكتابة جَائِزَة فَإِذا أدّى الْحَاضِر عتقا وَلَيْسَ على الْغَائِب مِنْهَا شَيْء(4/421)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم فِي قِيَاس قَول مَالك إِن الْكِتَابَة جَائِزَة وَيكون الْغَائِب مكَاتبا مَعَه أحب أَو كره فَإِن أدّى الْحَاضِر جَمِيع الْكِتَابَة رَجَعَ على الْغَائِب بِحِصَّتِهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالَّذِي دلّ عَلَيْهِ قِيَاس قَول الشَّافِعِي إِن الْكِتَابَة لَا تجوز على الْغَائِب
2113 - فِي الْمكَاتب يملك ذَا رحم محرم مِنْهُ
قَالَ أَبُو حنيفَة للْمكَاتب أَن يَبِيع كل من يَشْتَرِي من ذَوي أرحامه إِلَّا الْوَالِدين وَالْولد وَأم الْوَلَد إِذا كَانَ مَعهَا وَلَدهَا فاجتمعا فِي ملكه فَإِنَّهُ لَا يَبِيع هَؤُلَاءِ وَيبِيع جَمِيع ذَوي أرحامه غَيرهم وَيبِيع أم الْوَلَد إِذا لم يكن مَعهَا وَلَدهَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد كل مَا لم يكن للْحرّ أَن يَبِيعهُ إِذا اشْتَرَاهُ فَكَذَلِك الْمكَاتب لَا يَبِيعهُ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَيْسَ الْمكَاتب أَن يَشْتَرِي ابْنه إِلَّا بِإِذن السَّيِّد فَإِن أذن لَهُ جَازَ وَدخل فِي الْكِتَابَة قَالَ وَإِن اشْترى أَبَوَيْهِ لم يبعهما وَلم يدخلا مَعَه فِي الْكِتَابَة وَإِن خَافَ الْعَجز جَازَ لَهُ أَن يبيعهم
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ للْمكَاتب أَن يَبِيع أَبَاهُ وأخاه إِذا خَافَ الْعَجز عَن أَدَاء الْكِتَابَة وَيبِيع أم وَلَده أَيْضا
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَيْسَ للْمكَاتب أَن يَشْتَرِي من يعْتق عَلَيْهِ لَو كَانَ حرا وَله أَن يقيلهم لَو أوصى لَهُ بهم ويكسبون على أنفسهم وَيَأْخُذ فضل كسبهم وَإِن استولد جَارِيَة لَهُ ألحقته بِهِ ومنعته من الْوَطْء وفيهَا قَولَانِ أَحدهمَا لَا يَبِيعهَا بِحَال وَالْآخر أَن يَبِيعهَا خَافَ الْعَجز أَو لم يخف
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَذكرنَا فِيمَا تقدم أَن الْقيَاس أَنه لَا يجوز كِتَابَة الْمكَاتب(4/422)
كَمَا لَا يجوز عتقه فَكل من دخل فِي كِتَابَته بِالشِّرَاءِ فَالْقِيَاس أَن لَا يجوز شِرَاؤُهُ لَهُ إِلَّا بِإِذن السَّيِّد
2114 - فِي كِتَابَة أحد الشَّرِيكَيْنِ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز لأحد الشَّرِيكَيْنِ مُكَاتبَة نصِيبه بِغَيْر إِذن شَرِيكه
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَعبيد الله بن الْحسن وَعُثْمَان البتي وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ تجوز كِتَابَة أَحدهمَا بِغَيْر إِذن شَرِيكه
2115 - فِي كِتَابَة أحد الشَّرِيكَيْنِ بِإِذن الآخر
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كَاتب نصِيبه بِإِذن شَرِيكه فالكتابة جَائِزَة فِي نصِيبه وَنصِيب الآخر عبد وإذنه فِي الْكِتَابَة إِذن فِي قبض الْمكَاتب من جَمِيع كَسبه مَا لم يَنْهَهُ وَلَا يرجع على الَّذِي كَاتب بِشَيْء فِيمَا قَبضه من مَال الْكِتَابَة إِلَّا أَن يكون نَهَاهُ عَن قبض الْكِتَابَة من كسب نصِيبه وَإِن أدّى عتق وَلم يكن لَهُ أَن يضمن الشَّرِيك وَلكنه يستسعي إِن شَاءَ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هُوَ مكَاتب لَهما جَمِيعًا وَمَا أَدَّاهُ فَهُوَ بَينهمَا وَالْكِتَابَة لَا تتبعض عِنْدهمَا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا تجوز كِتَابَة أَحدهمَا بِإِذن شَرِيكه وَيفْسخ وَإِن أدّى إِلَى الَّذِي كَاتبه لم يعْتق
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَا يجوز أَن يُكَاتب بعض عبد إِلَّا أَن يكون بَاقِيه حرا وَلَا بعض عبد بَينه وَبَين شَرِيكه وَإِن كَانَ بِإِذْنِهِ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء(4/423)
الْكِتَابَة جَائِزَة وللذي لم يُكَاتب أَن يستخدمه يَوْمًا ويخليه يَوْمًا للكسب وَإِن أَبرَأَهُ مِمَّا عَلَيْهِ كَانَ نصِيبه حرا وَقوم عَلَيْهِ الْبَاقِي وَعتق إِن كَانَ مُوسِرًا ورق إِن كَانَ مُعسرا
2116 - فِي مكَاتب لِرجلَيْنِ أعْتقهُ أَحدهمَا
قَالَ مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة فِي مكَاتب بَين رجلَيْنِ أعْتقهُ أَحدهمَا عتق نصِيبه مِنْهُ وَنصِيب الآخر مكَاتب وَإِذا أدّى إِلَيْهِ عتق وَكَانَ وَلَاؤُه بَينهمَا نِصْفَيْنِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف قد صَار حرا كُله وَيضمن الْمُعْتق لشَرِيكه نصف قيمَة العَبْد إِن كَانَ مُوسِرًا وَإِن كَانَ مُعسرا سعى العَبْد للَّذي لم يعْتق فِي نصف قِيمَته وَإِن لم يبْق من مَال الْكِتَابَة إِلَّا دِرْهَم وَاحِد
وَقَالَ مُحَمَّد إِذا أعْتقهُ وَهُوَ مُوسر عتق كُله وَضمن الْمُعْتق الْأَقَل من نصف قيمَة العَبْد وَمن نصف مَا بَقِي من الْكِتَابَة لِأَنَّهُ لم يستهلك لشَرِيكه من المَال إِلَّا الْأَقَل وَإِن كَانَ مُعسرا سعى العَبْد لذِي لم يعْتق فِي الْأَقَل من نصف قِيمَته وَمن نصف مَا بَقِي من الْكِتَابَة
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره عَنهُ ابْن الْقَاسِم فِي رجل أعتق بعض مكَاتبه وَهُوَ صَحِيح قَالَ لَا يعْتق مِنْهُ شَيْء وَإِنَّمَا الْعتْق هَاهُنَا وضع مَال عِنْد مَالك فَينْظر إِلَى مَا عتق وَيُوضَع عَنهُ من الْكِتَابَة بِقدر ذَلِك ثمَّ يسْعَى فِيمَا بَقِي فَإِن أَدَّاهُ عتق وَإِن عجز رق كُله
وَقَالَ مَالك إِلَّا أَن يكون أعتق ذَلِك الشّقص مِنْهُ فِي وَصِيَّة فَإِن ذَلِك عتق للْمكَاتب إِن عجزوحمل ذَلِك الثُّلُث
قَالَ مَالك وَلَو أَن مكَاتبا بَين رجلَيْنِ أعتق أَحدهمَا نصِيبه ثمَّ عجز عَن(4/424)
نصيب صَاحبه لم يقوم على الَّذِي أعْتقهُ وَيكون رَقِيقا بَينهمَا وروى الْأَوْزَاعِيّ مَا يدل على أَن مذْهبه فِي ذَلِك كمذهب مَالك
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا رَوَاهُ عَنهُ الْمُزنِيّ فِي مكَاتب بَين رجلَيْنِ أعْتقهُ أَحدهمَا قوم عَلَيْهِ الْبَاقِي إِن كَانَ مُوسِرًا وَعتق كُله وَإِلَّا كَانَ الْبَاقِي مكَاتبا وَكَذَلِكَ لَو أَبرَأَهُ فَهُوَ كعتقه وَلَو مَاتَ سيد الْمكَاتب فَأَبْرَأهُ بعض الوراثة من حِصَّته عتق نصِيبه عجز أَو لم يعجز وَوَلَاؤُهُ للَّذي كَاتبه وَلَا أقومه عَلَيْهِ وَالْوَلَاء لغيره
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر فِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا هَذَا وَالْآخر يقوم عَلَيْهِ إِذا عجز وَكَانَ لَهُ وَلَاؤُه كُله لِأَن الْكِتَابَة الأولى بطلت وَأعْتق هَذَا ملكه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما اتّفق الْجَمِيع على أَن الْمكَاتب إِذا أدّى الْكِتَابَة عتق وَصَارَ وَلَاؤُه لمَوْلَاهُ دلّ ذَلِك على بَقَاء ملكه فِيهِ بعد الْكِتَابَة لَوْلَا ذَلِك لما اسْتحق عَلَيْهِ وَلَاؤُه بِالْعِتْقِ وَإِذا كَانَ مَالِكًا جَازَ عتقه وَيَنْبَغِي أَن يَرث ورثته رقبته فَيجوز عتق بَعضهم نصِيبه
2117 - فِي قبض أحد الشَّرِيكَيْنِ حِصَّته
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا كَاتب رجلَانِ عبدا لَهما مُكَاتبَة وَاحِدَة فَأدى إِلَى أَحدهمَا حِصَّته لم يعْتق حَتَّى يُؤَدِّي جَمِيع الْكِتَابَة إِلَيْهِمَا سَوَاء قبض بِإِذن شَرِيكه أَو بِغَيْر إِذْنه وَكَذَلِكَ قَالَ مَالك إِنَّه لَا يعْتق بِقَبض أَحدهمَا حِصَّته
وَقَالَ الشَّافِعِي أصح مَا فِيهِ أَن لَا يعْتق بِقَبض أَحدهمَا حِصَّته
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله أصح مَا فِيهِ دَلِيل على أَن فِيهِ غير ذَلِك القَوْل قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلما كَانَا شَرِيكَيْنِ فِيمَا قبض لم يعْتق لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة لَو دفع إِلَيْهِ(4/425)
بعض حِصَّته وَلَا يشبه هَذَا عبد بَين رجلَيْنِ باعاه صَفْقَة وَاحِدَة بِثمن وَاحِد فَدفع الْمُبْتَاع إِلَى أَحدهمَا حِصَّته من الثّمن فَيكون لَهُ أَن يقبض نصِيبه من العَبْد لِأَنَّهُ يجوز لَهُ بيع نصِيبه على حِدة وَلَا يجوز لأَحَدهمَا مُكَاتبَة نصِيبه على حِدة وَله أَن يفسخه إِن كَاتب نصِيبه
2118 - فِي الْكِتَابَة يشْتَرط فِيهَا شرطا بعد أَدَاء المَال
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا كَاتب عَبده على ألف دِرْهَم على أَنه إِذا عتق فَعَلَيهِ ألف آخر أَو على أَن يَخْدمه بعد ذَلِك شهرا جَازَ ذَلِك على مَا شَرط وَلَو قَالَ على أَن يَخْدمه وَلم يؤقت لم تجز الْكِتَابَة
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا كَاتب عَبده بِذَهَب أَو ورق وَاشْترط عَلَيْهِ فِي كِتَابَته سفرا أَو خدمَة أَو أضْحِية أَو كسْوَة فَإِنَّهُ ينظر إِلَى مَا شَرط عَلَيْهِ من خدمَة وَمن سفر وَمَا سوى ذَلِك مِمَّا يعالجه بِنَفسِهِ فَيكون ذَلِك مَوْضُوعا لَا شَيْء عَلَيْهِ مِنْهُ لسَيِّده وَمَا كَانَ من أضْحِية أَو كسْوَة أَو شَيْء يُؤَدِّيه فَهُوَ بِمَنْزِلَة الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا رَوَاهُ الْمُزنِيّ فِي جَامعه وَلَو كَاتبه على أَن يَخْدمه شهرا يَأْخُذ فِيهِ حِين كَاتبه وَيُؤَدِّي إِلَيْهِ بعد الشَّهْر مَالا جَازَ وَلَو شَرط تَعْجِيل المَال وَتَأْخِير الْعَمَل لم يجز وَإِن وصف الْأُضْحِية فَقَالَ مَا عز ثنية من شَاة بدل كَذَا أومن شَاة بني فلَان يَدْفَعهَا إِلَيْهِ يَوْم كَذَا من سنة كَذَا جَازَ وَإِن قَالَ أضْحِية وَلم يصفها لم يجز كَمَا لَا يجوز فِي البيع
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن تكون الْكِتَابَة فَاسِدَة إِذا شَرط عَلَيْهِ بعد الْعتاق شَيْئا كَالْبيع لِأَنَّهُ يلْحقهَا الْفَسْخ(4/426)
2119 - فِي كِتَابَة النَّصْرَانِي
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فِي نَصْرَانِيّ كَاتب عبدا نَصْرَانِيّا ثمَّ أسلم العَبْد فَهُوَ على كِتَابَته وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَو اشْترى نَصْرَانِيّ عبدا مُسلما وكاتبه جَازَت كِتَابَته
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره ابْن الْقَاسِم عَنهُ إِذا أسلم مكَاتب النَّصْرَانِي بِيعَتْ كِتَابَته من مُسلم فَإِن أَدَّاهَا فَعتق فولاؤه لِلنَّصْرَانِيِّ الَّذِي كَاتبه إِذا أسلم يَوْمًا مَا وَإِن عجز كَانَ رَقِيقا لمن اشْتَرَاهُ
قَالَ مَالك وَيجوز شِرَاء النَّصْرَانِي للْعَبد الْمُسلم وَيجْبر على بَيْعه فَإِن كَاتبه على أَن يُبَاع عَلَيْهِ أجبر النَّصْرَانِي على بيع كِتَابَته وَإِن عتق كَانَ وَلَاؤُه لجَمِيع الْمُسلمين وَإِن أسلم مَوْلَاهُ بعد ذَلِك لم ترجع وَلَاؤُه إِلَيْهِ
قَالَ وَلَو كَاتبه وَهُوَ نَصْرَانِيّ ثمَّ أسلم فَبيع عَلَيْهِ كِتَابَته ثمَّ أدّى فَعتق فَإِن أسلم مَوْلَاهُ الَّذِي كَاتبه رَجَعَ إِلَيْهِ وَلَاؤُه وَلَا يشبه هَذَا أَن يعْقد الْكِتَابَة وَالْعَبْد مُسلم
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أسلم مكَاتب النَّصْرَانِي أَو مدبره بيعا جَمِيعًا مِمَّن يعتقهما
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا أعتق على النَّصْرَانِي فولاؤه لَهُ لِأَن الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب كَمَا يلْحق بِهِ النّسَب كَذَلِك الْوَلَاء
2120 - فِي بيع الْمكَاتب
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى أَسد بن الفران عَن مُحَمَّد وَأبي يُوسُف عَن(4/427)
أبي حنيفَة إِذا بَاعَ مكَاتبا فَأعْتقهُ المُشْتَرِي فعتقه بَاطِل وَبيعه بَاطِل وَهُوَ مكَاتب كَمَا كَانَ فَإِن قَالَ الْمكَاتب قد عجزت وَكسرت الْكِتَابَة فَبَاعَهُ الْمولى فبيعه جَائِز وَلم يحك خلافًا
وَسمعت أبن أبي عمرَان يَحْكِي عَن أبي يُوسُف فِي أَمَالِيهِ أَن الْمكَاتب إِذا بيع بِرِضَاهُ بذلك قبل عَجزه عَن الْكِتَابَة أَن بَيْعه جَائِز وَإِن بيع بِغَيْر رِضَاهُ لم يجز بَيْعه
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا يُبَاع رَقَبَة الْمكَاتب وَإِن رَضِي الْمكَاتب لِأَن الْوَلَاء قد ثَبت للَّذي عقد الْكِتَابَة فَإِن فَاتَ ذَلِك حَتَّى يعْتق لم أرده وَلَا وَلَاؤُه للَّذي اشْتَرَاهُ وَأعْتقهُ لِأَن ذَلِك عِنْدِي رضى من العَبْد بِفَسْخ الْكِتَابَة وَقد دخله عتق
وَقَالَ عُثْمَان البتي وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ لَا يُبَاع الْمكَاتب
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة أَن بَرِيرَة كَانَت مُكَاتبَة جَاءَت تستعينها فِي كتَابَتهَا فَقَالَت لَهَا عَائِشَة ارجعي إِلَى أهلك فَإِن أَحبُّوا أَن أعطيهم ذَلِك جمعا وَيكون ولاؤك لي فعلت فَذَهَبت إِلَى أَهلهَا فعرضت ذَلِك عَلَيْهِم فَأَبَوا وَقَالُوا إِن شَاءَت أَن تحتسب فلتفعل وَيكون ولاؤك لنا فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَا يمنعك ذَلِك مِنْهَا ابتاعي وأعتقي فَإِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق
فَذكر فِي هَذَا الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرهَا بشرائها وعتقها وَذَلِكَ كَانَ برضى بَرِيرَة وَهَذَا يدل على مَا ذَكرْنَاهُ عَن أبي يُوسُف فِي جَوَاز شِرَاء الْمكَاتب بِرِضَاهُ وعَلى أَنه لم يقل اشتريها وَهِي مُكَاتبَة وَهَذَا مَحْمُول على الْحَال الَّتِي يجوز فِيهَا بيعهَا(4/428)
2121 - فِي ابتياع كِتَابَة الْمكَاتب
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز بيع كِتَابَة الْمكَاتب
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك يجوز بيع كِتَابَة الْمكَاتب وَإِن هلك الْمكَاتب وَرثهُ الَّذِي اشْترى كِتَابَته جَمِيع مَاله وَإِن عجز فَلهُ رقبته وَإِن أدّى كِتَابَته إِلَى المُشْتَرِي عتق وَوَلَاؤُهُ للَّذي عقد كِتَابَته وَلَيْسَ للْمُشْتَرِي من ولائه شَيْء
وَقَالَ اللَّيْث يجوز بيع كِتَابَة الْمكَاتب فَإِن مَاتَ الْمكَاتب قبل أَن يُؤَدِّي كَانَ للْمُشْتَرِي من مَاله قدر الثّمن وَالْفضل للَّذي كَاتب وَإِن عجز كَانَ عبدا للَّذي اشْترى كِتَابَته
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِنَّمَا عقد البيع على مَال الْكِتَابَة فَغير جَائِز دُخُول الرَّقَبَة فِيهِ ثمَّ قَالَ الَّذين أجازوه إِن مَاتَ الْمكَاتب اسْتحق المُشْتَرِي كَسبه وَذَلِكَ معنى لم يتَنَاوَلهُ عقد البيع وَلَو اقْتَضَاهُ عقد البيع لفسد العقد لِأَنَّهُ قد يَقع على الْمَوْجُود والمستفاد أَيْضا فقد قَالُوا إِنَّه لَو أدّى الْكِتَابَة لم يكن للْمُشْتَرِي أَكثر من الْكِتَابَة الَّتِي ابتاعها وَكَانَ حرا على ملك الَّذِي كَاتب فَدلَّ ذَلِك على أَن عقده على الْكِتَابَة لَا يَقْتَضِي دُخُول كَسبه ورقبته فِيهِ
2122 - فِي الْمكَاتب يسبى بعد الرِّدَّة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا ارْتَدَّ الْمكَاتب وَلحق بدار الْحَرْب فسبي عرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فَإِن أسلم وَإِلَّا قتل وَأدّى كِتَابَته وَمَا بَقِي فميراث لوَرثَته
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يملك العَبْد الْمكَاتب وَلَا مَاله(4/429)
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أبقت الْمُكَاتبَة إِلَى دَار الْحَرْب فقد نقضت كتَابَتهَا فَإِذا سبت ردَّتْ إِلَى مَوْلَاهَا وَإِن أبقت إِلَى غير دَار الْحَرْب فَهِيَ على كتَابَتهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر من يَجْعَل أهل الْحَرْب يملكُونَ بالغلبة فَإِنَّمَا يَجْعَل ذَلِك فِيمَا تحصل أَيْديهم عَلَيْهِ وَمَال الْمكَاتب لم تزل يَده عَنهُ لِأَن الْمكَاتب لَا يملك رقبته وَكَانَت رقبته وَمَاله باقيتين على حَاله
2123 - فِي الْمكَاتب يَمُوت وَيتْرك ولدا أَو والدا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْمكَاتب يَمُوت وَلم يدع مَالا ويدع ولدا أَو والدا أَو أُمَّهَات أَوْلَاد أَو ذَوي أَرْحَام فِي ملكه فَإِنَّهُم يباعون فِي الْكِتَابَة وَاسْتحْسن فِي الْوَلَد الْمُشْتَرى أَنه إِنَّه قَالَ أودى الْكِتَابَة حَالَة قبلت مِنْهُ وَلَا يقبل ذَلِك من وَالِد وَلَا غَيره وَأما الْوَلَد الْمَوْلُود فِي الْكِتَابَة فَإِنَّهُ يسْعَى على النُّجُوم وَفِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد كل من لَا يجوز لَهُ بَيْعه من ذَوي أرحامه وَمن أُمَّهَات أَوْلَاده فَإِنَّهُ يسْعَى على النُّجُوم
وَقَالَ مَالك كل من دخل فِي كِتَابَة الْمكَاتب من غير أَن يعْقد عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يسْعَى على النُّجُوم بعد موت الْمكَاتب
2124 - فِي الْمكَاتب يُؤْتِي شَيْئا من الصَّدَقَة ثمَّ يعجز
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ إِذا عجز الْمكَاتب وَقد أدّى إِلَى الْمولى بعض الْكِتَابَة من الصَّدَقَة فَإِنَّهُ طيب للْمولى وَكَذَلِكَ لَو أعتق وَقد بَقِي فِي يَده شَيْء مِمَّا تصدق بِهِ عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُ طيب(4/430)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِن دفع إِلَيْهِ الصَّدَقَة لَا على وَجه فكاك رقبته فَهِيَ طيبَة للْمولى بعد الْعَجز وَإِن دَفعهَا لفكاك رقبته فَدَفعهَا إِلَى الْمولى ثمَّ عجز أَو أدّى فَعتق ففضل فِي يَده شَيْء مِنْهَا فَإِنِّي أرى لَهُ أَن يستحلهم أَو يردهُ عَلَيْهِم
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا سَأَلَ الْمكَاتب النَّاس وَأَعْطوهُ ثمَّ عجز فليجعل مَا أَخذ مِنْهُ فِي المكاتبين وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف بَينهم أَن الصَّدَقَة على الْمكَاتب جَائِزَة وَأَنه مُبَاح لمَوْلَاهُ أَخذ ذَلِك من كِتَابَته وَإِن كَانَ مِمَّن لَا تحل لَهُ الصَّدَقَة فَلَا يجوز أَن يرحم ذَلِك عَلَيْهِ لعجز الْمكَاتب كَمَا أَن فَقِيرا لَو تصدق عَلَيْهِ ثمَّ اسْتغنى لم تحرم عَلَيْهِ تِلْكَ الصَّدَقَة وَكَذَلِكَ إِذا عتق ففضل فِي يَده شَيْء
2125 - فِي الْمكَاتب يَمُوت وَيتْرك وَفَاء
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَابْن أبي ليلى وَابْن شبْرمَة وَعُثْمَان البتي وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ إِذا مَاتَ الْمكَاتب وَترك وَفَاء أدّيت كِتَابَته وَعتق وَمَا بَقِي فَهُوَ مِيرَاث لوَرثَته فَإِن لم يتْرك وَفَاء وَترك ولدا ولد فِي كِتَابَته يسعوا فِيهَا على النُّجُوم
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث إِن ترك ولدا قد دخلُوا فِي كِتَابَته يسعوا فِيهَا على النُّجُوم وَعتق الْمكَاتب وَولده وَإِن لم يتْرك من دخل فِي كِتَابَته فقد مَاتَ عبدا لَا تُؤَدّى كِتَابَته من مَاله وَجَمِيع مَاله للْمولى
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا مَاتَ وَقد بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم فقد مَاتَ عبدا لَا يلْحقهُ عتاق بعد ذَلِك(4/431)
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عَليّ وَزيد بن ثَابت وَابْن الزبير تُؤدِّي كِتَابَته بعد مَوته وَيعتق
وَرُوِيَ عَن عمر وَعلي أَن جَمِيع مَاله لسَيِّده وَلَا تُؤَدّى مِنْهُ كِتَابَته
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه إِذا علق عتقه بِشَرْط ثمَّ مَاتَ العَبْد قبل وجود الشَّرْط أَنه يبطل وَلَا يلْحقهُ عتقاق بعد مَوته كَذَلِك الْمكَاتب عتقه مُعَلّق بأَدَاء المَال فَإِذا مَاتَ قبل الْأَجَل بطلت الْكِتَابَة وَالْعِتْق إِلَّا أَنهم قد اتَّفقُوا على أَنه لَو علق عتقه بِفعل للْمولى وَجعله شرطا فِيهِ ثمَّ مَاتَ الْمولى بَطل ذَلِك وَلم يعْتق بِهِ ابدا وَاتَّفَقُوا على أَن موت الْمولى لَا يبطل الْأَدَاء من جِهَة العَبْد وَلَا تبطل الْكِتَابَة كَذَلِك لَا يُبطلهُ موت العَبْد وَصَارَ بِمَنْزِلَة البيع وَفَارق الْأَيْمَان فِي بُطْلَانهَا بِمَوْت أَحدهمَا
فَإِن قيل كَيفَ يعْتق بعد الْمَوْت
قُلْنَا لَهُ إِذا أدّى حكم بِعِتْقِهِ قبل الْمَوْت بِلَا فصل كَمَا لَو مَاتَ رجل وَترك ابْنَيْنِ وَألف دِرْهَم وَعَلِيهِ دين ألف دِرْهَم أَنَّهُمَا لَا يرثانه فَإِن مَاتَ أحد الِابْنَيْنِ ثمَّ برأَ الْغَرِيم من الدّين أَخذ ابْن الْمَيِّت مِنْهُمَا حِصَّته مِيرَاثا عَن أَبِيه وَإِن لم يكن مَالِكًا لَهُ يَوْم الْمَوْت وَلكنه جعل فِي حكم من كَانَ مَالِكًا لتقدم سَببه كَذَلِك الْمكَاتب يعْتق بِالْأَدَاءِ قبل الْمَوْت بِلَا فصل
2126 - فِي الْمكَاتب مَتى يعْتق
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَابْن أبي ليلى وَابْن شبْرمَة وَعُثْمَان البتي وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث الْمكَاتب عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم لَا يعْتق إِلَّا بأَدَاء جَمِيع الْكِتَابَة(4/432)
وروى الْأَشْجَعِيّ عَن الثَّوْريّ قَالَ إِذا أدّى الْمكَاتب النّصْف أَو الثُّلُث من كِتَابَته فالأحب إِلَيّ أَن لَا يرد إِلَى الرّقّ لما جَاءَ فِيهِ
وَرُوِيَ عَن الشّعبِيّ قَالَ كَانَ عبد الله وَشُرَيْح يَقُولَانِ فِي الْمكَاتب إِذا أدّى الثُّلُث فَهُوَ غَرِيم
وروى الْمُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ قَالَ عبد الله إِذا أدّى الْمكَاتب قيمَة رقبته فَهُوَ غَرِيم
وروى جَابر بن سَمُرَة عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِذا أدّى الْمكَاتب النّصْف فَهُوَ غَرِيم
وَقَالَت عَائِشَة وَأم سَلمَة وَزيد بن ثَابت الْمكَاتب عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم
وروى عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْمكَاتب عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ من كِتَابَته دِرْهَم
وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يُؤَدِّي الْمكَاتب بِحِصَّة مَا أدّى دِيَة حر وَمَا يبْقى دِيَة عبد
وروى حجاج الصَّوَاب عَن يحيى بن أبي كثير عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله وَلم يذكر ابْن عَبَّاس
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما اتَّفقُوا أَنه لَا يعْتق بِنَفس الْكِتَابَة أشبه البيع(4/433)
أَو الرَّهْن لِأَنَّهُ لَا يسْتَحق الْقَبْض إِلَّا بعد أَدَاء جَمِيع الثّمن أَو الدّين
2127 - فِي وَطْء الْمولى مُكَاتبَته
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ إِذا وطئ الْمولى مُكَاتبَته طَائِعَة أَو مستكرهة فَلَا حد عَلَيْهِ وَعَلِيهِ الْمهْر
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا شَيْء عَلَيْهِ من الْمهْر وَيُعَزر إِن كَانَ عَالما سَوَاء كَانَت طَائِعَة أَو مستكرهة
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر إِذا اغتصبها فَعَلَيهِ مَا نَقصهَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا كَانَت مستكرهة ضرب الْحَد وَلها صدَاق مثلهَا وتمضي على كتَابَتهَا وَإِن كَانَت طاوعته ضربت خمسين جلدَة وَلَا صدَاق لَهَا وتمضي على كتَابَتهَا
وَقَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث إِن كَانَت طاوعته فَذَلِك فسخ لكتابتها وَإِن أكرهها فَإِنَّهُ يُعَاقب عُقُوبَة موجعة وتعتق مَكَانهَا
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لَا حد عَلَيْهِ لِأَن لَهُ فِيهَا رقا وَيجب عَلَيْهِ الْمهْر كَمَا يجب على غَرِيب لَو وَطئهَا بِشُبْهَة لِأَنَّهَا أَحَق بكسبها وَأرش جراحتها وَلَا تعْتق لِأَن الْوَطْء لَيْسَ بِعِتْق وَلَيْسَ بعجز لِأَنَّهَا لم تعجز
2128 - فِي الصُّلْح من الْكِتَابَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد إِذا كَاتبه على ألف دِرْهَم إِلَى سنة ثمَّ صَالحه على خَمْسمِائَة حَالَة أَنه جَائِز
وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي الْإِمْلَاء لَا يجوز(4/434)
وَقَالُوا جَمِيعًا فِي الدّين على غير مُكَاتبَة إِنَّه لَا يجوز على هَذَا الْوَجْه وَقَالَ زفر فِي الْأَجْنَبِيّ أَيْضا
وَقَالَ مَالك مثل قَول أبي حنيفَة فِي الْمُكَاتبَة وَفِي دين الْأَجْنَبِيّ وَوَافَقَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا
وَقَالَ الثَّوْريّ وَعُثْمَان البتي لَا يجوز أَن يَقُول لغريمه عجل لي وأضع عَنْك وَكَذَلِكَ قَالَ البتي فِي الْكِتَابَة وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِي وَقَالَ الْمُزنِيّ قَالَ فِي هَذَا الْموضع وتعجل لَا يجوز وَأَجَازَهُ فِي الدّين
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يَقُول عجل لي وأضع عَنْك وَكَرِهَهُ ابْن عمر وَزيد بن ثَابت
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر كَانَ رَبًّا الْجَاهِلِيَّة الَّذِي ورد الْقُرْآن بِتَحْرِيمِهِ تَأْخِير الدّين الْحَال بِزِيَادَة المَال فحظر عَلَيْهِم ابتياع الْآجَال بالأموال وَالْقِيَاس على ذَلِك إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين مُؤَجل أَن لَا يجوز صلحه على بعضه حَالا لِأَن فِيهِ ابتياع الْأَجَل بِالْمَالِ الَّذِي حطه وَالْقِيَاس أَن لَا فرق بَين سَائِر الدُّيُون وَبَين الْكِتَابَة
2129 - فِي عجز الْمكَاتب
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد فِي الْمكَاتب يعجز فَيَقُول أخروني وَقد أجل بِنَجْم قَالَ إِن كَانَ لَهُ مَال حَاضر أَو مَال غَائِب يَرْجُو قدومه أَخّرهُ يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة لَا يزِيدهُ على ذَلِك شَيْئا وَإِلَّا رد فِي الرّقّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا أرده حَتَّى يتوالى عَلَيْهِ نجمان
وَقَالُوا جَمِيعًا لَو رده فِي الرّقّ بِرِضَاهُ جَازَ(4/435)
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا أرده فِي الرّقّ حَتَّى يتوالى عَلَيْهِ نجمان وَلَا يكون عَجزه إِلَّا عِنْد القَاضِي
وَقَالَ مَالك إِذا كَاتبه على نُجُوم إِلَى آجال سَمَّاهَا وَإِلَّا فَلَا كِتَابَة لَهُ فَلَيْسَ محو كِتَابَة العَبْد بيد السَّيِّد بِمَا شَرط ويتلوم للْمكَاتب إِن جَاءَ الْأَجَل فَإِن أعطَاهُ كَانَ على كِتَابَته وَلَا يكون عَاجِزا إِلَّا عِنْد السُّلْطَان وَالشّرط أَنه يكون عَاجِزا دون السُّلْطَان بَاطِل
قَالَ وَإِذا كَانَ للْمكَاتب مَال ظَاهر فَلَيْسَ لَهُ أَن يعجز نَفسه قَالَ وَيكون عجز الْمكَاتب دون السُّلْطَان عَجزا إِذا لم يكن لَهُ مَال مَعْرُوف وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يكون عَجزه إِلَّا عِنْد السُّلْطَان هُوَ الَّذِي تحل نجومه وَيَقُول أَنا أودي وَلَا يعجز نَفسه فيريده سَيّده أَن يعجزه فَهَذَا يتلوم لَهُ السُّلْطَان فَإِن رأى وَجه أَدَاء تَركه على نجومه وَإِن لم ير لَهُ وَجه أَدَاء عَجزه
وَقَالَ الثَّوْريّ قَالَ بَعضهم يعجز إِذا أخل بِنَجْم وَمِنْهُم من يَقُول إِذا أخل بنجمين وَالِاسْتِثْنَاء فِيهِ أحب إِلَيّ
وَقَالَ الْمعَافى عَن الثَّوْريّ إِذا عجز الْمكَاتب فَقَالَ قد عجزت صَار عبدا ويعجبني أَن يكون الْعَجز عِنْد السُّلْطَان فَإِن كَانَ دونه فَجَائِز
وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيّ عَن الْمكَاتب يعجز كم يُؤَجل حَتَّى يرد إِلَى الرّقّ قَالَ ذَلِك إِلَى رَأْي الإِمَام
وَقَالَ عُثْمَان البتي فِي الْمكَاتب إِذا كُوتِبَ وَاشْترط سَيّده عَجزه فسيده على شَرطه فِيهِ(4/436)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا توالى عَلَيْهِ نجمان فَلم يؤدهما رد فِي الرّقّ وَلَا يرد حَتَّى يتوالى عَلَيْهِ نجمان وَإِن تراضى السَّيِّد وَالْمكَاتب أَن يرجع فِي الرّقّ رَجَعَ فِي الرّقّ دون السُّلْطَان وَإِن لم يعجز
وَقَالَ اللَّيْث إِذا دخل عَلَيْهِ بعض نجومه فَلم يَأْتِ بِهِ لم يعجل عَلَيْهِ وينتظره السُّلْطَان فَإِن رَأْي لَهُ وَجه مكسب أَخّرهُ لذَلِك وَإِن لم ير لَهُ حِرْفَة وَلَا وَجه مكسب يكون قَرِيبا رده فِي الرّقّ
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَيْسَ للسَّيِّد أَن يفْسخ كِتَابَته حَتَّى يعجز عَن أَدَاء نجم فَيكون لَهُ فَسخهَا بِحَضْرَتِهِ إِن كَانَ بِبَلَدِهِ فَإِذا قَالَ لَيْسَ عِنْدِي مَال فَأشْهد أَنه قد عَجزه بطلت كَانَ عِنْد السُّلْطَان أَو غَيره وَلَا ينظره السُّلْطَان وَإِن شَاءَ ذَلِك إِلَّا يحضرهُ مَاله يَبِيعهُ مَكَانَهُ فينظره قدر بَيْعه فَإِن حل عَلَيْهِ نجم فِي غيبته فَأشْهد سَيّده أَن قد عَجزه أَو فسخ مُكَاتبَته فَهُوَ عَاجز وَلَا يعجزه السُّلْطَان إِلَّا أَن يثبت عِنْده حُلُول نجم من نجومه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما جَازَت الْكِتَابَة بدءا عِنْد غير سُلْطَان جَازَ الْعَجز عَنْهَا كَذَلِك وَقد رُوِيَ عَن ابْن عمر وَجَابِر بن عبد الله ويعلى بن أُميَّة جَوَاز الْعَجز دون السُّلْطَان وَلم يرو عَن غَيرهم من الصَّحَابَة خِلَافه
وكما جَازَت الْإِقَالَة فِي البيع عِنْد غير السُّلْطَان كَذَلِك الْكِتَابَة إِذا حل عَلَيْهِ(4/437)
نجم فَلم يُمكنهُ أَدَاؤُهُ صَار كمن عَلَيْهِ ثمن بيع فيبيعه السُّلْطَان عَلَيْهِ أَو يحْبسهُ حَتَّى يَبِيعهُ أَو يفْسخ البيع وَلَا ينْتَظر بِهِ معنى آخر كَذَلِك الْكِتَابَة إِذا حلت وَتعذر عَلَيْهِ الْأَدَاء وَجب فَسخهَا
آخر كتاب الْمكَاتب(4/438)
= كتاب الْفَرَائِض =
2130 - فِي الْحجب بِمن لَا يَرث
قَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَزيد بن ثَابت من لَا يَرث لَا يحجب وَذَلِكَ نَحْو الْإِخْوَة الْكفَّار مَعَ الْأُم وَالِابْن الْكَافِر مَعهَا وَمَعَ الْمَرْأَة أَو الزَّوْج أَنهم لَا يحجبون وَلَا يَرِثُونَ
وَقَالَ عبيد الله يحجبون وَإِن لم يرثوا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ الْمَمْلُوك والمشرك وَالْقَاتِل لَا يَرِثُونَ وَلَا يحجبون
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ الْمَمْلُوك وَالْكَافِر لَا يرثان وَلَا يحجبان وَالْقَاتِل لَا يَرث ويحجب
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَن الْأَب الْكَافِر لَا يحجب ابْنه الْمُسلم من مِيرَاث ابْنه الْمُسلم وَأَنه بِمَنْزِلَة الْمَيِّت كَذَلِك من ذكرنَا(4/439)
2131 - فِي مِيرَاث الْمُرْتَد
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري مَا اكْتَسبهُ قبل الرِّدَّة فَهُوَ لوَرثَته من الْمُسلمين وَمَا اكْتَسبهُ بعد الرِّدَّة فَهُوَ فَيْء
وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالْأَوْزَاعِيّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مَا اكْتَسبهُ قبل الرِّدَّة وَبعدهَا فَهُوَ لوَرثَته من الْمُسلمين وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ جَمِيع مَاله فَيْء
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وبلغنا عَن عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الله بن مَسْعُود وَزيد بن ثَابت أم قَالُوا مِيرَاث الْمُرْتَد لوَرثَته الْمُسلمين
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سُفْيَان وَيُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن حُسَيْن عَن عَمْرو بن عُثْمَان عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَرث الْكَافِر الْمُسلم وَلَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر وَذكره مَالك عَن الزُّهْرِيّ بِإِسْنَادِهِ من قَول أُسَامَة غير مَرْفُوع
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَاحْتج من مَاله فَيْئا بِهَذَا لحَدِيث وَقَالَ الْآخرُونَ المُرَاد بِهَذَا الْكَافِر الَّذِي يقر على كفره وَيَرِث مثله فَأَما المرتدون فَلم يدخلُوا فِيهِ لأَنهم غير مقرين على كفرهم وَلَا يَرث بَعضهم بَعْضًا كَمَا يتوارث سَائِر الْكفَّار بَعضهم من بعض(4/440)
وَيدل على ذَلِك مَا روى هشيم عَن الزُّهْرِيّ قَالَ حَدثنَا عَليّ بن حُسَيْن عَن عَمْرو بن عُثْمَان عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتوارث أهل ملتين لَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر وَلَا يَرث الْكَافِر الْمُسلم
وَكَانَ فِي هَذَا الحَدِيث هَذِه الزِّيَادَة فَدلَّ على أَن المُرَاد بِالْحَدِيثِ الأول الْكَافِر الَّذِي لَهُ مِلَّة يقر عَلَيْهَا
وَرُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قتل الْمُسْتَوْرد وَكَانَ مُرْتَدا وَجعل مَاله لوَرثَته من الْمُسلمين
وروى الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ مَال الْمُرْتَد لوَرثَته
وَرُوِيَ عَن الْحسن وَسَعِيد بن الْمسيب مثل ذَلِك
فَإِن قيل كَمَا لَا يرثنا الْمُرْتَد لَا نرثه
قيل لَهُ إِنَّمَا لم يرثنا عُقُوبَة لَهُ كَمَا يقتل عُقُوبَة وَقد لَا يَرث الْقَاتِل من الْمَقْتُول وَيَرِث لَو مَاتَ الْقَتْل قبله بعد جراحته
وَأَيْضًا قد اتَّفقُوا على أَن مستهلك مَال الْمُرْتَد فِي جِنَايَة يضمنهُ وَأَنه لَيْسَ بِمَنْزِلَة مَال الْحَرْبِيّ فَدلَّ ذَلِك على بَقَاء حكم مَاله على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبله الرِّدَّة فَيَنْبَغِي أَن يسْتَحقّهُ بعد مَوته من كَانَ يسْتَحقّهُ لَو مَاتَ قبل الرِّدَّة(4/441)
فَإِن قيل روى الْبَراء بن عَازِب قَالَ مر بِي خَالِي أَبُو بردة وَمَعَهُ الرَّايَة فَقلت إِلَى أَي تذْهب فَقَالَ أَرْسلنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى رجل نكح امْرَأَة أَبِيه أَن أَقتلهُ وآخذ مَاله فَهَذَا يدل على أَن مِيرَاث الْمُرْتَد فَيْء
قيل لَهُ إِنَّمَا فعل ذَلِك لِأَن الرجل كَانَ مُحَاربًا مَعَ استحلاله لذَلِك حَرْبِيّا فَكَانَ مَاله مغنوما لِأَن الرَّايَات إِنَّمَا تعقد للمحاربة
وَقد روى مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث جد مُعَاوِيَة إِلَى رجل عرس بِامْرَأَة أَبِيه أَن يضْرب عُنُقه ويخمس مَاله فَهَذَا يدل على أَن مَال ذَلِك الرجل كَانَ مغنوما بالمحاربة وَلذَلِك أَخذ مِنْهُ الْخمس
2132 - فِي مِيرَاث الْقَاتِل
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَرث قَاتل عمد وَلَا خطأ إِلَّا أَن يكون صَبيا أَو مَجْنُونا فَلَا يحرم الْمِيرَاث
وَقَالَ ابْن هَب عَن مَالك لَا يَرث الْقَاتِل من دِيَة من قتل شَيْئا وَلَا من مَاله وَإِن قَتله خطأ لم يَرث من دِيَته وَيَرِث من سَائِر مَاله وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ عُثْمَان البتي قَاتل الْخَطَأ يَرث وَلَا يَرث قَاتل الْعمد
وَقَالَ ابْن شرمة لَا يَرث قَاتل الْخَطَأ
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا يَرث الْقَاتِل من مَال الْمَقْتُول وَلَا من دِيَته
وَذكر الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي أَنه إِذا قتل الْبَاغِي الْعَادِل أَو الْعَادِل الْبَاغِي لَا يتوارثان لِأَنَّهُمَا قاتلان(4/442)
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى حَفْص بن ميسرَة قَالَ حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة عَن عدي الجذامي قَالَ قلت يَا رَسُول الله كَانَت لي امْرَأَتَانِ فاستبتا فرميت إِحْدَاهمَا فَمَاتَتْ فَقَالَ اعقلها وَلَا ترثها وَرَوَاهُ وهيب بن عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ فِيهِ فرميت إِحْدَاهمَا بِحجر وَذكر مثله
وروى خلاس أَن رجلا رمى رجلا بِحجر فَأصَاب أمه فَقَتلهَا فغرمه عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام الدِّيَة ونفاه من الْمِيرَاث وَقَالَ إِنَّمَا حظك من مِيرَاثهَا الْحجر
وروى قَتَادَة عَن أبي الْمليح أَن عرْفجَة حذف ابْنه بِالسَّيْفِ فَأصَاب رجله فتله فغرمه عمر الدِّيَة مُغَلّظَة ونفاه من مِيرَاثه وَجعل مِيرَاثه لأمه وأخيه
وروى عَن ابْن عَبَّاس فِي قَاتل الْخَطَأ أَنه لَا مِيرَاث لَهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر فاتفق عمر وَعلي وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم أَن الْقَاتِل لَا يَرث من الْمَقْتُول دِيَة وَلَا غَيرهَا
2133 - فِي الْبَاغِي يقتل الْعَادِل
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد إِذا قتل الْبَاغِي الْعَادِل وَقَالَ كنت على حق فِي رأئي حِين قتلته لم أورثه مِنْهُ وَإِن قَالَ كنت على حق فِي رأئي حِين قتلته(4/443)
وَأَنا الْآن على حق ورثته وأقدت الْبَاغِي فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا أورث الْبَاغِي فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
وَأما الْعَادِل فَإِنَّهُ يَرث الْبَاغِي فِي قَوْلهم جَمِيعًا
وَقَالَ الشَّافِعِي أَيهمَا قتل صَاحبه لم يَرِثهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا نعلم خلافًا أَن الْقَاتِل على وَجه الْقود الْوَاجِب لَهُ يَرث من الْمَقْتُول وَكَذَلِكَ المرجوم فِي الزِّنَا يَرِثهُ من رجمه لِأَنَّهُ قَتله بِحَق كَذَلِك الْعَادِل إِذا قتل الْبَاغِي وَإِذا ثَبت ذَلِك ورث الْبَاغِي الْعَادِل الْمَقْتُول أَيْضا لِأَنَّهُ فِي حكم الْقَتْل الْمُسْتَحق فِي بَاب أَنه لَا يجب بِهِ قَود وَلَا دِيَة فَكَانَ بِمَنْزِلَة من قَتله بِحَق
2134 - فِي وَلَاء الْمُوَالَاة
قَالَ أَصْحَابنَا من أسلم على يَدي رجل ووالاه وعاقده ثمَّ مَاتَ وَلَا وَارِث لَهُ غَيره فميراثه لَهُ
وَقَالَ مَالك وَابْن شبْرمَة وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ مِيرَاثه للْمُسلمين
وَقَالَ يحيى بن سعيد إِذا جَاءَ من أَرض الْعَدو فَأسلم على يَده فَإِن ولاءه لمن وَالَاهُ وَمن أسلم من أهل الذِّمَّة على يَدي رجل مُسلم فولاؤه للْمُسلمين عَامَّة
وَقَالَ اللَّيْث من أسلم على يَدي رجل فقد وَالَاهُ وميراثه للَّذي أسلم على يَده إِذا لم يدع وَارِثا غَيره(4/444)
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عبد الْعَزِيز بن عمر بن عبد الْعَزِيز عَن عبد الله بن موهب عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب عَن تَمِيم الدَّارِيّ قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الرجل يسلم على يَدي الرجل قَالَ هُوَ أولى النَّاس بِهِ بمحياه ومماته
قَالَ عبد الْعَزِيز شهِدت عمر بن عبد الْعَزِيز قضى بذلك فِي رجل أسلم على يَدي رجل مُسلم فَمَاتَ وَترك مَالا وبنتا فَأعْطى الْبِنْت النّصْف وَالَّذِي أسلم على يَدَيْهِ النّصْف
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى أَبُو عَاصِم النَّبِيل عَن ابْن جريج عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ كتب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على كل بطن عقوله وَقَالَ لَا يتَوَلَّى مولى قوما إِلَّا بإذنهم قَالَ وَوجدت فِي صَحِيفَته لعن من فعل ذَلِك فأباح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُوَالَاتهمْ بإذنهم
وروى قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ من أسلم على يَد قوم ضمنُوا جرائره وَحل لَهُم مِيرَاثه
وروى معمر عَن الزُّهْرِيّ أَنه سُئِلَ عَن رجل أسلم فوالنى رجلا هَل بذلك(4/445)
بَأْس قَالَ لَا بَأْس بِهِ قد أجَاز ذَلِك عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن إِذا أسلم كَافِر على يَدي رجل مُسلم بِأَرْض الْعَدو أَو بِأَرْض الْمُسلمين فيمراثه للَّذي أسلم على يَدَيْهِ
2135 - فِي مِيرَاث الْمولى الْأَسْفَل من الْأَعْلَى
قَالَ أَبُو جَعْفَر حكى الْحسن بن زِيَاد عَن أَصْحَابه أَنهم لَا يورثون الْمولى الْأَسْفَل من الْأَعْلَى وَإِنَّهُم يعْقلُونَ عَنْهُم وَإِن لم يرثوهم
قَالَ الْحسن وَقلت أَنا يعْقلُونَ ويرثون بِالْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ورث الْمولى من أَسْفَل
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري وَمُحَمّد بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ وَسَائِر أهل الْعلم مثل قَول أبي حنيفَة فِي الْمِيرَاث
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى حَمَّاد بن سَلمَة وَحَمَّاد بن زيد ووهيب بن خَالِد وَمُحَمّد بن مُسلم الطَّائِفِي عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَوْسَجَة مولى ابْن عَبَّاس عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا أعتق عبدا لَهُ فَمَاتَ الْمُعْتق وَلم يتْرك إِلَّا الْمُعْتق فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِيرَاثه للغلام الْمُعْتق(4/446)
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيث بمعارض وَلما وجدنَا الْأَسْبَاب الَّتِي تجب بهَا الْمِيرَاث هِيَ الْوَلَاء وَالنّسب وَالنِّكَاح ثمَّ كَانَ ذَوُو الْأَسْبَاب يتوارثون وَكَذَلِكَ الزَّوْجَات وَجب أَن يكون الْوَلَاء من حَيْثُ أوجب الْمِيرَاث للأعلى من الْأَسْفَل أَن يُوجِبهُ للأسفل من الْأَعْلَى
2136 - فِي اللَّقِيط
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك اللَّقِيط وَلَاؤُه لجَماعَة الْمُسلمين يرثونه ويعقلون عَنهُ وَهُوَ حر
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا وَلَاء لَهُ وميراثه لجَماعَة الْمُسلمين
وَقَالَ اللَّيْث وَلَاء المنبوذ للَّذي يجده وَبِذَلِك قضى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى بَقِيَّة بن الْوَلِيد عَن سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان عَن عمر بن روبة
وَرَوَاهُ إِسْحَاق بن رَاهْوَيْةِ عَن مُحَمَّد بن حَرْب الأبرش عَن عمر بن روبة عَن عبد الْوَاحِد بن عبد الله النصري عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ قَالَ(4/447)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَرْأَة تحرز ثَلَاث مَوَارِيث عتيقها ولقيطها وَوَلدهَا الَّذِي تلاعن عَلَيْهِ فَهَذَا حجَّة اللَّيْث بن سعد فِي وجوب وَلَاء اللَّقِيط للملتقط لِأَنَّهُ لَا يسْتَحق مِيرَاثه إِلَّا بِثُبُوت ولائه مِنْهُ غير أَن هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا يَدُور على عمر بن روبة وَلَيْسَ هُوَ بالمشهور وَلَا يثبت مثله
وروى الزُّهْرِيّ عَن سِنِين أبي جميلَة أَن عمر قَالَ لَهُ فِي المنبوذ الَّذِي وجده هُوَ حر وَلَك وَلَاؤُه وعلينا نَفَقَته
قَالَ أَبُو جَعْفَر تَأَول مُحَمَّد بن الْحسن هَذَا الحَدِيث على أَن عمر عقد لَهُ ولاءه كَمَا كَانَ يعقده اللَّقِيط على نَفسه لَو كَانَ بَالغا وَهَذَا جَائِز للْإِمَام أَن يعقده عَلَيْهِ
2137 - فِي مَوَارِيث الْمَجُوس
قَالَ أَبُو جَعْفَر كَانَ عَليّ وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا يورثان الْمَجُوس بالسببين جَمِيعًا نَحْو أَن يكون أما وأختا ورثتهما مِيرَاث الْأُم وَالْأُخْت(4/448)
جَمِيعًا وَكَذَلِكَ جَمِيع الْمَوَارِيث وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يَرث بالسببين وَلكنه يُورث بآكدهما نَحْو أَن يكون أما وأختا لأَب فتورث بِأَنَّهَا أم لِأَنَّهَا لَا تسْقط بِحَال وَلَا تورث بأنهاأخت لِأَنَّهَا قد تسْقط فِي حَال
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ يحرم السَّبَب الَّذِي بِهِ ثَبت النّسَب من الْوَجْهَيْنِ اللَّذين ذكرناهما فِي الْمَجُوس لم يمْنَع ثُبُوت النّسَب من الْوَجْهَيْنِ مَعَ حظر السَّبَب لم يحل بعد ذَلِك من أحد الْوَجْهَيْنِ إِمَّا أَن يَجْعَل ثُبُوت النّسَب من الْوَجْهَيْنِ مُوجبا لَهُ حكما بالاجتماع ذَلِك مُخَالفا لحكمه لَو انْفَرد كل وَاحِد مِنْهُمَا كأخت لأَب وَأم قد اخْتصّت بِحكم دون الْأُخْت من الْأُم وَالْأُخْت من الْأَب وَلم ععط مِيرَاث الْأُخْت للْأُم على حياله فَلَمَّا اتَّفقُوا على أَن لَا يثبت إِذا كَانَت أُخْتا لم تخْتَص بميراث خلاف مِيرَاثهَا لَو انْفَرَدت بِكُل وَاحِدَة مِنْهُمَا ثَبت أَنَّهَا تورث بالسببين جَمِيعًا وَتصير كَأَنَّهُ ترك أُخْتا على حِدة وبنتا على حِدة وَقد اتّفق فُقَهَاء الْأَمْصَار فِي ابْني عَم أَحدهمَا أَخ لأم لِأَن للْأَخ من الْأُم السُّدس وَالْبَاقِي بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ وهوقول عَليّ وَزيد بن ثَابت وَإِن كَانَ قد خَالف فِيهِ عمر وَعبد الله وَجعل الْأَخ من الْأُم أولى فَكَذَلِك مَا وَصفنَا
2138 - فِي مَوَارِيث الْكفَّار بَعضهم من بعض
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ فِيمَا رَوَاهُ الْمُزنِيّ فِي جَامِعَة يتوارثون مَعَ اخْتِلَاف ملتهم وَالْكفْر كُله مِلَّة وَاحِدَة(4/449)
قَالَ ابْن الْقَاسِم لَا أحفظه عَن مَالك وَلَكِن لَا يتوارث أهل مِلَّة من مِلَّة أُخْرَى غَيرهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَرث الْمُسلم الْكفَّار دلّ على أَن الْكَافِر يَرث الْكفَّار وَيدل عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنهُ لَا يتوارث أهل ملتين فَدلَّ أَن الْكفْر كُله مِلَّة وَاحِدَة
2139 - فِي الْوَلَد يَدعِيهِ رجلَانِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا سُلَيْمَان عَن أَبِيه عَن مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة قَالَ لَو أَن صَبيا ادَّعَاهُ نَصْرَانِيّ ويهودي ومجوسي وَأَقَامُوا الْبَيِّنَة قضيت بِهِ لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيّ والمجوسي وَجَعَلته على دين أهل الْكتاب
وَفِي قَول أبي يُوسُف يلْحقهُ بِثُلثِهِ وَيَقُول ألحق بِأَيِّهِمْ شِئْت
وروى عَليّ بن معبد عَن مُحَمَّد قَالَ لَو أَن جَارِيَة بَين أَرْبَعَة جَاءَت بِولد فَادعوهُ جَمِيعًا فَهُوَ بَينهم على قِيَاس قَول عمر رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد عَن زفر فِي أَخَوَيْنِ بَينهمَا جَارِيَة فَجَاءَت بابنة وادعياها مَعًا أَنَّهَا ابنتهما فَإِن مَاتَا جَمِيعًا ثمَّ مَاتَ أَبوهُمَا وَترك هَذِه الِابْنَة(4/450)
وعصبة أَنه يكون لهَذِهِ الِابْنَة من تركته الثُّلُثَانِ وَيكون مَا بَقِي مِنْهَا مِيرَاث للْعصبَةِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يكون لَهَا النّصْف وَمَا بَقِي فللعصبة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا القَوْل الَّذِي حكيناه عَن أبي يُوسُف فَهُوَ قَول مُحَمَّد بن الْحسن رَوَاهُ عَن أبي حنيفَة وَعَن أبي يُوسُف فِي كتاب الْفَرَائِض وَقَول الثَّوْريّ فِي ذَلِك مثل قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي جَارِيَة بَين رجلَيْنِ وطئاها فِي طهر وَاحِد وادعيا وَلَدهَا ادّعى لولدها الْقَافة وَكَذَلِكَ لَو وَطئهَا الْمولى ثمَّ بَاعهَا فَوَطِئَهَا المُشْتَرِي فِي ذَلِك الطُّهْر ثمَّ ادّعَيَا الْوَلَد دعِي لَهُ الْقَافة وَلَا فرق عِنْده بَين أَن يَكُونَا مُسلمين أَو أَحدهمَا مُسلم وَالْآخر كَافِر
قَالَ مَالك إِنَّمَا الْقَافة فِي أَوْلَاد الْإِمَاء وَلَا يرى الْقَافة فِي الْحَرَائِر وَلَو طلق رجل امْرَأَته فَتزوّجت قبل أَن تحيض فَولدت فَالْوَلَد للْأولِ وَإِن تزَوجهَا بعد حَيْضَة من عدتهَا فَالْوَلَد للْآخر وَإِن ولدت لسِتَّة أشهر مُنْذُ دخل بهَا الْأَخير وَإِن ولدت لأَقل من ذَلِك فَهُوَ للْأولِ وَلَا يرى الْقَافة فِي ذَلِك وَمَا اسْتعْمل فِيهِ قَول الْقَافة فَقَالُوا قد اشْتَركَا فِيهِ قيل هَل وَال أَيهمَا شِئْت
وَقَول اللَّيْث فِي ذَلِك كَقَوْل مَالك
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي امْرَأَة غلبها رجل على نَفسهَا وَلها زوج اجْتمعَا عَلَيْهَا فِي طهر وَاحِد فَحَملته فَإِنَّهَا إِذا وضعت دعِي لولدها الْقَافة فالحقوه بِالَّذِي هُوَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الموليان إِذا وطئا جَارِيَة فِي طهر وَاحِد فَجَاءَت بِولد فَإِنَّهُ يرى الْقَافة إِذا ادعياه وَإِن نفياه جَمِيعًا وأنكرا أَن يَكُونَا وطئاها لم يلْحق بهما وَضربت الْأمة خمسين جلدَة(4/451)
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا حَكَاهُ الْمُزنِيّ عَنهُ إِذا ادَّعَاهُ حر وَعبد مُسلم مولودا التقطوه فَلَا فرق بَين وَاحِد مِنْهُم فأريته الْقَافة فَإِن ألحقوه بِوَاحِد مِنْهُم فَهُوَ ابْنه وَإِن ألحقوه بِأَكْثَرَ لم يكن ابْن وَاحِد مِنْهُم حَتَّى يبلغ فينتسب إِلَى أَيهمْ شَاءَ فَيكون ابْنه وَيَنْقَطِع عَنهُ دَعْوَى غَيره
قَالَ أَبُو جَعْفَر من اسْتعْمل قَول الْقَائِف ذهب فِيهِ إِلَى حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عَائِشَة قَالَت دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَبْرق أسارير وَجهه فَقَالَ ألم ترى أَن مجززا نظر آنِفا إِلَى زيد بن حَارِثَة وَأُسَامَة بن زيد فَقَالَ إِن هَذِه الْأَقْدَام بَعْضهَا من بعض
وَفِي لفظ آخر أَنَّهُمَا قد غطيا رؤوسهما وَعَلَيْهِمَا قطيفة وَقد بَدَت أقدامهما
قَالُوا فَلَمَّا ترك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النكير على مجزز دلّ ذَلِك على صِحَة قَول الْقَائِف لَوْلَا ذَلِك لنهاه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا لَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَن نسب أُسَامَة بن زيد قد كَانَ ثَابتا قبل ذَلِك فصادف ذَلِك القَوْل مِنْهُ حَقِيقَة الحكم وَإِنَّمَا أعجب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بصوابه كَمَا يظنّ الرجل الشَّيْء الَّذِي لَا يحرم عَلَيْهِ فِي دينه أَن يَظُنّهُ فَيُصِيب حَقِيقَته فيعجب من فهمه
قَالَ أَبُو بكر وَنَظِيره مَا رُوِيَ عَن أبي بكر الصّديق أَنه قَالَ فِي مَرضه لعَائِشَة إِنِّي كنت نحلتك جدَاد عشْرين وسْقا وَإنَّك لم تَكُونِي حُزْتِيهِ وَلَا قبضتيه وَإِنَّمَا هُوَ مَال الْوَارِث وَإِنَّمَا هما أَخَوَاك وَأُخْتَاك قَالَت فَقلت إِنَّمَا هِيَ أُخْتِي أَسمَاء فَقَالَ أَظن ذَا بطن بنت خَارِجَة جَارِيَة فَكَانَ كَذَلِك(4/452)
وَلم يحرم عَلَيْهِ هَذَا الظَّن وَلم يُوجب مَعَ ذَلِك حكما كَذَلِك قَول مجزز وظنه لم يكن مُنْكرا إِذا صَادف حَقِيقَة الْأَمر
وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِمَا روى هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن يحيى بن حَاطِب عَن أَبِيه قَالَ أَتَى رجلَانِ إِلَى عمر بن الْخطاب يختصمان فِي غُلَام من ولادَة الْجَاهِلِيَّة يَقُول هَذَا ابْني وَيَقُول هَذَا هُوَ ابْني فَدَعَا لَهما عمر قائفا من بني المصطلق فَسَأَلَهُ فَنظر فَقَالَ قد اشْتَركَا فِيهِ فَقَامَ إِلَيْهِ عمر فَضَربهُ بِالدرةِ حَتَّى اضْطجع ثمَّ قَالَ للغلام اتبع أَيهمَا شِئْت وَهَذَا لَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَنَّهُ لَو قبل قَول الْقَائِف لألحقه بِالرجلَيْنِ لِأَنَّهُ قَالَ هُوَ مِنْهُمَا
قَالَ أَبُو بكر فَإِن قيل فعلى قَوْلكُم كَانَ يَنْبَغِي أَن يلْحقهُ بهما
قيل لَهُ يجوز أَن يكون الْغُلَام بَالغا فَلَا يثبت دعواهما إِلَّا بتصديقه فَلم يصدقهما عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي يَد نَفسه وَهُوَ حر وَلذَلِك قَالَ لَهُ اتبع أَيهمَا شِئْت وَإِن لم يكن الْغُلَام بَالغا وَكَانَ لَا محَالة مِمَّن يعبر عَن نَفسه فَلم يصدقهما عَلَيْهِ إِلَّا بتصديقه وَهُوَ أَيْضا قَوْلنَا
وَقد روى شُعْبَة عَن تَوْبَة الْعَنْبَري عَن الشّعبِيّ عَن ابْن عمر أَن رجلَيْنِ اشْتَركَا فِي طهر امْرَأَة فَولدت فَدَعَا عمر الْقَافة فَقَالُوا نجد الشّبَه مِنْهُمَا قَالَ فَجعله بَينهمَا
قَالَ وروى قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن عمر مثله وروى عَوْف بن أبي جميلَة عَن أبي الْمُهلب عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قضى فِي رجل ادَّعَاهُ رجلَانِ كِلَاهُمَا يزْعم أَنه ابْنه وَذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّة فَدَعَا أم الْغُلَام فَسَأَلَهَا(4/453)
فَقَالَت لَا أَدْرِي لمن هُوَ أَتَانِي هَذَا أول اللَّيْل وَهَذَا آخِره فَدَعَا عمر أَرْبَعَة من الْقَافة ودعا بِتُرَاب فَأمر المدعيين فوطىء كل وَاحِد مِنْهُم بقدم وَأمر الْغُلَام فوطىء بقدم ثمَّ دَعَا بالقافة وَاحِدًا وَاحِدًا وَفرق بَينهم فتتابعوا أربعتهم أَنه من هذَيْن الرجلَيْن فَقَالَ عمر عجبا لما يَقُول هَؤُلَاءِ قد كنت أعلم أَن الكلبة تلقح بالكلاب ذَوَات الْعدَد وَلم أشعر النِّسَاء يفعلن ذَلِك قبل هَذَا إِنِّي لَا أرى مَا يرَوْنَ اذْهَبْ فهما أَبَوَاك
وَقَالَ سعيد بن الْمسيب كَانَ عمر قائفا وَإِنَّمَا سَأَلَ الْقَافة هَل يكون الْوَلَد من رجلَيْنِ وَإِنَّمَا ألحقهُ بهما بالدعوة لَا بقول الْقَافة وَقد أوجب الله تَعَالَى اللّعان بَين الزَّوْجَيْنِ إِذا قَذفهَا ولاعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يعْتَبر قَول الْقَائِف وَلَو كَانَ قَول الْقَائِف يُؤَدِّي إِلَى حَقِيقَة لعمل عَلَيْهِ وَلما وَافَقنَا مَالك على ترك اعْتِبَار قَول الْقَائِف فِي الْحَرَائِر وَجب مثله فِي الْإِمَاء
وَأَيْضًا اتَّفقُوا فِي الْأمة تدعى أَن وَلَدهَا من الْمولى أَنه لَا يرجع إِلَى قَول الْقَافة لِأَن النَّاس على قَوْلَيْنِ
فَقَالَ عمر وَابْن عمر إِذا أقرّ بِوَطْئِهَا لزمَه
وَقَالَ ابْن عَبَّاس وَزيد بن ثَابت لَا يلْزمه إِلَّا أَن يقر بِالنّسَبِ وَلم يعْتَبر أحد مِنْهُم قَول الْقَافة فِي كَونه مِنْهُ أَو من غَيره
2140 - فِي مِيرَاث الغرقى
قَالَ أَبُو حنيفَة رُوِيَ عَن أبي بكر الصّديق وَزيد بن ثَابت وَعمر بن(4/454)
عبد الْعَزِيز فِي الغرقى يموتون وَلَا يعلم أَيهمْ مَاتَ أَولا أَنه يُورث الْأَحْيَاء من الْأَمْوَات وَلَا يُورث الْأَمْوَات بَعضهم من بعض وَهُوَ قَول أَصْحَاب أبي حنيفَة وَابْن شبْرمَة وَالثَّوْري وَمَالك
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَسمعت ابْن أبي عمرَان يَقُول كَانَ أَبُو حنيفَة يذهب فِي الغرقى إِلَى تَوْرِيث بَعضهم من بعض وَكَانَ يَقُول فِي نَفسِي مِنْهُ شَيْء وَلَا أجد من ألجأ إِلَيْهِ بِمَا فِي نَفسِي من الْأَئِمَّة لِأَن عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود يورثون بَعضهم من بعض حَتَّى حج فلقي أَبَا الزِّنَاد فَذكر ذَلِك لَهُ فحدثه أَبُو الزِّنَاد عَن خَارِجَة بن زيد عَن أَبِيه أَنه كَانَ لَا يُورث بَعضهم من بعض وَيُورث الْأَحْيَاء من الْأَمْوَات فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْكُوفَة أفتى بذلك وَترك مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل ذَلِك لحَدِيث أبي الزِّنَاد
وَرُوِيَ عَن الثَّوْريّ أَنه ورث بَعضهم من بعض رَوَاهُ عَنهُ الْمعَافى
وروى عَنهُ الْأَشْجَعِيّ أَنه لَا يُورث بَعضهم من بعض
وَقَول الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ كَقَوْل أبي حنيفَة وَأَصْحَابه
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عمر وَعلي وَعبد الله بن مَسْعُود تَوْرِيث بَعضهم من بعض من تلاد أَمْوَالهم وَلَا يُورث بَعضهم من بعض مِمَّا وَرثهُ صَاحبه
وَرُوِيَ عَن إِيَاس بن عبد الله وَكَانَ من الصَّحَابَة مثله(4/455)
وَرُوِيَ عَن زيد بن ثَابت أَنه لَا يُورث بَعضهم من بعض وَلَا يحجبون وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم
وروى أَبُو الزِّنَاد أَن مِيرَاث أهل الْحرَّة قسم بَين الْأَحْيَاء وَلم يُورث الْأَمْوَات بَعضهم من بعض وَذَلِكَ بِرَأْي أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ يَوْمئِذٍ
قَالَ ابو جَعْفَر لَا يجوز ان يورثوا بِالشَّكِّ كَمَا لَا يُورث السقط بِالشَّكِّ إِذا وَقع مَيتا مَعَ جَوَاز أَن يكون قد كَانَ حَيا قبل الولاده ثمَّ مَاتَ أَبوهُ
2141 - فِي مِيرَاث الْخُنْثَى
قَالَ أَبُو حنيفَة إِن بَال من حَيْثُ يَبُول الْغُلَام فَهُوَ غُلَام وَإِن بَال من حَيْثُ تبول الْجَارِيَة فَهُوَ جَارِيَة وَإِن بَال مِنْهُمَا فَمن أسبقهما فَإِن لم يسْبق وَاحِد مِنْهُمَا فَهُوَ مُشكل عِنْد أبي حنيفَة
وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد من أكثرهما بولا يُورث
وَإِن كَانَ مُشكلا فَإِن أَبَا حنيفَة يُعْطِيهِ بأخس أَحْوَاله فَإِن كَانَ أخس أَحْوَاله أَن يكون ذكرا أعطَاهُ ذَلِك وَإِن كَانَ أخس أَحْوَاله أَن يكون أُنْثَى أعطَاهُ ذَلِك روى ذَلِك أَيُّوب بن سُلَيْمَان الْبَصْرِيّ عَن يحيى بن آدم وَذكر أَنه مَذْهَب أبي حنيفَة(4/456)
وروى مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه أُنْثَى حَتَّى يثبت انه ذكر وَلم يذكر أخس أَحْوَاله 2
وَذكر أَبُو سُلَيْمَان الْجوزجَاني فِي نوادره عَن مُحَمَّد فِي رجل ترك ابْنا وَخُنْثَى أَن المَال بَينهمَا للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف الأول وَمُحَمّد وَأما فِي قِيَاس قَول الشّعبِيّ فَإِن أَبَا يُوسُف قَالَ يقسم المَال بَينهمَا على سَبْعَة للِابْن أَرْبَعَة وللخنثى ثَلَاثَة جعل الْخُنْثَى ثَلَاثَة أَربَاع ابْن
وَقَالَ مُحَمَّد على قِيَاس قَول الشّعبِيّ للخنثى خَمْسَة من اثْنَي عشر وللابن سَبْعَة لِأَن الْخُنْثَى إِن كَانَ بِنْتا فلهَا أَرْبَعَة وَإِن كَانَ ابْنا فَلهُ سِتَّة فَلهُ نصف مِيرَاث ابْن وَنصف مِيرَاث بنت وَذَلِكَ خَمْسَة وَأما الابْن فَإِن كَانَ الْخُنْثَى بِنْتا فَلهُ ثَمَانِيَة وَإِن كَانَ ابْنا فَلهُ سِتَّة فَجعلنَا لَهُ نصف ذَلِك ثمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُف إِلَى هَذَا القَوْل
قَالَ أَيُّوب بن سُلَيْمَان وَأما الشّعبِيّ وَابْن أبي ليلى وَأهل الْبَصْرَة وَأهل الْمَدِينَة وَأَصْحَاب الْفَرَائِض فَإِنَّهُم يَقُولُونَ فِي الْخُنْثَى لَهُ نصف مِيرَاث الذّكر وَنصف مِيرَاث الْأُنْثَى وَذَلِكَ ثَلَاثَة أَربَاع المَال ويختلفون فِي تَنْزِيل ذَلِك فَأَما أهل الْمَدِينَة فَيَقُولُونَ إِن كَانَ ذكرا فَلهُ المَال فيجعلون لَهُ نصف المَال وَإِن كَانَ أُنْثَى فلهَا النّصْف فيجعلون لَهُ نصف ذَلِك وَهُوَ الرّبع فَذَلِك ثَلَاثَة أَربَاع وَقَالَ البصريون لَهُ النّصْف لَا شكّ فِيهِ وَالشَّكّ فِي النّصْف الآخر هَل هُوَ لَهُ أَو للْعصبَةِ فيجعلون لَهُ نصفه فَصَارَ لَهُ ثَلَاثَة أَربَاع المَال(4/457)
وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ وَالْحسن اللؤْلُؤِي لَا بل لَهَا ثَلَاثَة أَربَاع مِيرَاث للذّكر فيجعلونه فِي كل مَوضِع مُنْفَردا بِثَلَاثَة أَربَاع مِيرَاث الذّكر
قَالَ وَقَالَ أَبُو حنيفَة انْظُر إِلَى أخس أَحْوَاله فَأعْطِيه إِيَّاه وأجعله فِيمَا فضل مُدعيًا أَخْبرنِي بذلك يحيى بن آدم
قَالَ أَيُّوب وَقَول مُحَمَّد بن الْحسن خلاف قَول أبي حنيفَة وَلم يذكر أَيُّوب كَيفَ قَول مُحَمَّد وَقد بَينه مُحَمَّد بن سَمَّاعَة
قَالَ ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد فِي ابْن وَخُنْثَى قَالَ قَول أبي يُوسُف أَنه يضْرب لَهُ ثَلَاثَة أَربَاع نصيب ابْن يَقُول إِن كَانَ غُلَاما فَلهُ أَرْبَعَة وَإِن كَانَ جَارِيَة فلهَا سَهْمَان وللغلام أَرْبَعَة وَأَجْعَل لَهُ ثَلَاثَة يضْرب بهَا مَعَ الْغُلَام وَيضْرب الْغُلَام لنَفسِهِ بأَرْبعَة فَيكون المَال بَينهمَا على سَبْعَة يضْرب بِثَلَاثَة أَربَاع نصيب الْغُلَام وَهَذَا على قِيَاس قَول الشّعبِيّ
وَقَالَ مُحَمَّد وَلَكِنِّي أضْرب لَهُ بِثَلَاثَة أَربَاع نصيب الْغُلَام فأورثه نصف مِيرَاث الْغُلَام وَنصف مِيرَاث الِابْنَة قِيَاس قَول الشّعبِيّ وأضرب لَهُ بذلك فَهُوَ من اثْنَي عشر سَهْما للِابْن سَبْعَة وَله خَمْسَة من قبل أَنه أقل مَا يكون للخنثى أَرْبَعَة إِن كَانَ جَارِيَة وَأكْثر مَا يكون لَهُ سِتَّة إِن كَانَ غُلَاما فَلهُ الْأَرْبَعَة على كل حَال وَنصف الَّذِي يكون لَهُ فِي حَال وَلَا يكون لَهُ فِي حَال فَلهُ خَمْسَة وَأما الْغُلَام فَأَقل مَا يكون لَهُ سِتَّة إِن كَانَ الْخُنْثَى غُلَاما وَأكْثر مَا يكون لَهُ ثَمَانِيَة إِن كَانَ الْخُنْثَى جَارِيَة لَهُ نصف الِاثْنَيْنِ وَاحِد وَله سَبْعَة(4/458)
وَقَالَ مُحَمَّد قَول أبي يُوسُف فِي الْخُنْثَى إِذا كَانَت مَعَه جَارِيَة قِيَاس قولي هَذَا وَفِي ذَلِك ترك لقَوْله الأول فِي الْخُنْثَى مَعَ الْغُلَام
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يحفظ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْخُنْثَى مَعَ شَيْئا لَا فِي الْمِيرَاث وَلَا فِي الشَّهَادَة وَلَا فِي غَيرهَا
قَالَ وَلَكِنِّي أرى أَن يعْتَبر أمره بمثاله
وَذكر بعض حفاظ قَول مَالك أَنه يُورث نصف مِيرَاث الذّكر وَنصف مِيرَاث الْأُنْثَى وَقد روى أَيُّوب عَن أهل المدينه مَا قدمنَا وَفِيهِمْ مَالك
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا بَال مِنْهُمَا فشهادته وميراثه مِيرَاث النِّسَاء وَإِذا صلى قَامَ مَعَ الرِّجَال فَإِذا مَاتَ غسله الرِّجَال رَوَاهُ الْأَشْجَعِيّ عَنهُ وَلم يذكر غير هَذَا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فِي الْخُنْثَى الْمُشكل يُصَلِّي بَين صُفُوف الرِّجَال وَبَين صُفُوف النِّسَاء وَلَا يغسلهُ الرِّجَال بعد الْمَوْت وَلَا النِّسَاء وَلكنه ييمم
وروى أَيُّوب عَن الثَّوْريّ مَا قدمنَا فِي الْمِيرَاث
وَذكر الرّبيع عَن الشَّافِعِي قَالَ يُعْطي الْخُنْثَى مِيرَاث امْرَأَة إِذا أشكل وَتوقف بَقِيَّة المَال حَتَّى يبين أمره
وَذكر الْمُزنِيّ فِي كتاب الْجَنَائِز فِي الْخُنْثَى الْمُشكل أَنه ييمم بعد الْمَوْت
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن لَا يسْتَحق إِلَّا الْأَقَل لِأَن مَا زَاد مَشْكُوك فِيهِ فَلَا نملكه إِيَّاه إِذا لم يكن مَالِكه فِي الأَصْل(4/459)
2142 - فِي المشركة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فِي مَسْأَلَة المشركة وَهِي امْرَأَة مَاتَت وخلفت زوجا وَأما وأخوين لأم وإخوة أَو إخْوَة وأخوات لأَب وَأم أَن للزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ السُّدس وللأخوين من الْأُم الثُّلُث وَلَا شَيْء للَّذين من قبل الْأَب وَالأُم
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ الثُّلُث بَين جَمِيع الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات بِالسَّوِيَّةِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى معمر عَن سماك بن الْفضل عَن وهب بن مُنَبّه عَن الحكم بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ قَالَ شهِدت عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أشرك الْإِخْوَة من الْأَب وَالأُم مَعَ الْإِخْوَة من الْأُم فِي الثُّلُث فَقَالَ لَهُ رجل قد قضيت عَام أول بِغَيْر هَذَا قَالَ كَيفَ قضيت قَالَ جعلته للإخوة للْأُم وَلم تعط الْإِخْوَة من الْأَب وَالأُم شَيْئا قَالَ تِلْكَ على مَا قضينا وَهَذَا على مَا قضينا
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَا اخْتِلَاف عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا يُشْرك الْإِخْوَة من الْأَب وَالأُم مَعَ الْإِخْوَة من الْأُم فِي الثُّلُث وَأَن الثُّلُث للإخوة من الْأُم خَاصَّة
وروى أَبُو قيس عَن هزيل بن شُرَحْبِيل عَن عبد الله مثل قَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ
وروى الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله مثل قَول عمر رَضِي الله عَنهُ فِي السوال وَكَذَلِكَ رَوَاهُ زيد بن ثَابت(4/460)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَاحْتج الشَّافِعِي بِأَنَّهُم قد اشْتَركُوا فِي قرَابَة الْأُم فَوَجَبَ أَن يستحقوا الثُّلُث كلهم وَهَذَا فَاسد لأَنهم لَا يَخْتَلِفُونَ فِي زوج وَأُخْت لأَب وَأم وَأَخ وَأُخْت لأَب إِن للزَّوْج النّصْف وَللْأُخْت للْأَب وَالأُم النّصْف وَلَا شَيْء للْأَخ وَالْأُخْت من الْأَب لِأَنَّهُمَا عصبَة فَلَا يدْخلُونَ مَعَ ذَوي السِّهَام وَلم يَجْعَل الْأَخ من الْأَب بِمَنْزِلَة من لم يكن حَتَّى تسْتَحقّ الْأُخْت من الْأَب السُّدس الَّذِي كَانَت تستحقه لَو لم يكن أَخ كَذَلِك يجب أَن لَا يدْخل الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم مَعَ الْإِخْوَة فِي الثُّلُث الْمُسَمّى لَهُم إِذا كَانُوا عصبَة لِأَن ميراثهم فِيمَا سوى الثُّلُث لَا فِي الثُّلُث وَإِنَّمَا هُوَ فِيمَا فضل فَإِذا لم يفضل شَيْء فَلَا شَيْء لَهُم كَمَا قُلْنَا فِي الْأَخ وَالْأُخْت من الْأَب مَعَ الزَّوْج وَالْأُخْت من الْأَب وَالأُم
2143 - فِي مِيرَاث الْجد مَعَ الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات
قَالَ أَبُو حنيفَة وَعُثْمَان البتي الْجد بِمَنْزِلَة الْأَب يَرث مَا يَرث الْأَب ويحجب مَا يحجب الْأَب
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ بقول زيد بن ثَابت فِي الْجد فَإِن كَانَ مَعَ الْجد إخْوَة وأخوات لأَب فَإِنَّهُ يقاسم بهم الْجد مَا دَامَت الْمُقَاسَمَة خيرا لَهُ من الثُّلُث فَإِذا كَانَ الثُّلُث خيرا لَهُ من الْمُقَاسَمَة أعطَاهُ الثُّلُث ويقاسم بالإخوة وَالْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من الْأَب مَعَ الْجد ثمَّ يرد الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من الْأَب على الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم فَإِن كَانَت أُخْتا وَاحِدَة لأَب وَأم وأخوات لأَب مَعَ الْجد قاسمت الْأُخْت من الْأَب وَالأُم وَالْأَخَوَات من الْأَب الْجد فَمَا أصابهن رد الْأَخَوَات(4/461)
من الْأَب على الْأُخْت من الْأَب وَالأُم حَتَّى يستكمل النّصْف وَمَا بَقِي فللأخوات من الْأَب وَلَا يَرث الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من الْأُم مَعَ الْجد شَيْئا على حَال وَلَا يَرث بَنو الْإِخْوَة من الْأَب وَالأُم وَلَا من الْأَب وَلَا من الْأُم مَعَ الْجد شَيْئا على حَال
وَإِذا كَانَ مَعَ الْجد وَالإِخْوَة وَالْأَخَوَات أحد لَهُ فَرِيضَة امْرَأَة أَو أم أَو زوج أَو بنت أَو بنت ابْن أعطي أَصْحَاب الْفَرَائِض فرائضهم ثمَّ نظر إِلَى مَا بَقِي فَأعْطى الْجد خير الثَّلَاثَة من الْمُقَاسَمَة وَمن ثلث مَا بَقِي وَمن السُّدس وَلَا ينقص الْجد من السُّدس شَيْئا على حَال إِذا ورث إِلَّا فِي الأكدرية وَهِي زوج وَأم وَأُخْت لأَب وَأم وجد فَإِنَّهُ يكون للزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ الثُّلُث وللجد السُّدس وَللْأُخْت النّصْف ثمَّ يُؤْخَذ مَا فِي يَد الْأُخْت وَمَا بَقِي فِي يَد الْجد فَيقسم بَين الْجد وَالْأُخْت على ثَلَاثَة أسْهم للْجدّ سَهْمَان وَللْأُخْت سهم
وروى هِشَام عَن مُحَمَّد أَنه وقف بعد ذَلِك فِي الْجد لينْظر فِيهِ
قَالَ أَبُو يُوسُف وَكَانَ أبن أبي ليلى يَأْخُذ فِي الْجد بقول عَليّ رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي ذَلِك مَا روى مُحَمَّد بن الْحسن عَن السّري بن إِسْمَاعِيل عَن الشّعبِيّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قضى فِي فَرَائض الْجد أَنه جعله أَخا إِلَى سِتَّة أسْهم فقاسمهم مَا كَانَت الْمُقَاسَمَة خيرا لَهُ من السُّدس فَإِن نقص حَظه من السُّدس إِذا قاسمهم أعْطى السُّدس كَامِلا وَإِن كَانَت فَرِيضَة من الْبَنَات أَو الْأُم أَو الْمَرْأَة أَو الزَّوْج أَو مَا سوى ذَلِك من الْوَرَثَة أعْطى أهل الْفَرَائِض فرائضهم وَقسم مَا بَقِي بَين الْجد وَالإِخْوَة الْجد كَأحد الذُّكُور من الْإِخْوَة مَا بلغ حَظه السُّدس فَمَا فَوْقه(4/462)
وَلَا ينقص من السُّدس شَيْئا وَكَانَ مَا بَقِي بَين الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ
وَإِن استوفى أهل الْفَرَائِض فرائضهم وَلم يبْق إِلَّا السُّدس فَهُوَ للْجدّ من قبل أَن الْجد لَا ينقص من السُّدس شَيْئا وَلَا يَرث الْإِخْوَة من الْأُم وَلَا بَنو الْإِخْوَة للْأَب وَالأُم مَعَ الْجد شَيْئا وَلَا يعْتد بِأَخ من أَب مَعَ أَخ من أَب وَأم فَإِن كَانَ أَخ لأَب وَأم وَأُخْت لأَب وجد أعطي الْجد النّصْف وللأخ للْأَب وَالأُم النّصْف وَلَيْسَ لِأَخِيهِ من الْأَب شَيْء وَلَا يعْطى الْجد مَعَ الْوَلَد إِلَّا السُّدس ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى إِلَّا أَن يكون هُوَ الْعصبَة فَيعْطى مَا بَقِي
فَإِن كَانَت ابْنة الصلب أَو ابْنة ابْن أَو أَكثر من ذَلِك من الْبَنَات ومعهن أُخْت أَو أَكثر من ذَلِك من الْأَخَوَات للْأَب وَالْجد فللبنات فرائضهن وللجد سدس المَال وللأخوات مَا بَقِي وَبَنَات الابْن بِمَنْزِلَة الْبَنَات إِذا لم تكن بَنَات لصلبه وَالْأَخَوَات من الْأَب بِمَنْزِلَة الْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم إِذا لم تكن أَخَوَات من الْأَب وَالأُم
قَالَ أَبُو جَعْفَر وروى إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن الشّعبِيّ قَالَ حدثت أَن عليا رَضِي الله عَنهُ كَانَ ينزل بني الْأَخ مَعَ الْجد منَازِل آبَائِهِم وَلم يكن أحد من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَفْعَله غَيره(4/463)
وَقد روينَا عَنهُ خِلَافه فِي رِوَايَة السّري بن إِسْمَاعِيل عَن الشّعبِيّ وَهَذَا أولى لموافقته أقاويل الصَّحَابَة
وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود فِي فَرَائض الْجد إِنَّه إِذا وَافق إخْوَة ذُكُورا وإناثا أَنه كَأحد الذُّكُور مَا أَصَابَهُ الثُّلُث فَإِن نقص حَظه من الثُّلُث أعطي الثُّلُث كَامِلا وَقسم مَا بَقِي بَين الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِن كَانَت مَعَه فَرَائض أعطي أهل الْفَرَائِض فرائضهم وَقسم مَا بَقِي بَينه وَبَين الْإِخْوَة الْجد كَأحد الْإِخْوَة إِلَّا أَن ينقص حَظه من السُّدس فَإِن نقص حَظه من السُّدس أكمل لَهُ سدس المَال وَقسم مَا بَقِي بَين الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِن كَانَ جد وأخوات لَيْسَ مَعَهُنَّ أَخ فللأخوات الثُّلُثَانِ وللجد مَا بَقِي وَإِن كَانَت أُخْتا وَاحِدَة فلهَا النّصْف وللجد مَا بَقِي وَإِن كَانَ جد وأخوات ومعهن فَرَائض سوى الْبَنَات أعطي أَصْحَاب الْفَرَائِض فرائضهم وَأعْطى الْأَخَوَات وَالْأُخْت فرائضهن وَأعْطِي الْجد مَا بَقِي فَإِن كَانَ الَّذِي بَقِي أقل من السُّدس ألحق لَهُم سَهْما من الْحساب السُّدس فَإِن كَانَت الْفَرِيضَة من الْبَنَات وَاحِدَة أَو أَكثر مِنْهَا وَكَانَت فَرَائض سوى ذَلِك أَو لم يكن أعطي من كَانَ فِيهَا من فريضته وَلكُل وَارِث مَا سمي لَهُ وَيقسم مَا بَقِي بَين الْجد وَبَين من كَانَ مَعَه من الْأَخَوَات هُوَ كأخ إِلَّا أَن يكون مَا يُصِيبهُ أقل من سدس المَال فيكمل لَهُ سدس المَال
وَإِن كَانَت أم وجد وَمَعَهَا فَرَائض فَإِن الْأُم لَا تُعْطى ثلث المَال كَامِلا إِلَّا أَن يكون الَّذِي يُصِيب الْجد الثُّلُث مِنْهُ وَكره أَن يفضلها على الْجد وَكَانَ لَا يعْتد بالإخوة من الْأَب مَعَ الْإِخْوَة من الْأَب وَالأُم مَعَ الْجد وَلَا يَحْجُبهُ بهم(4/464)
وَإِن كَانَت أُخْت لأَب وَأم وإخوة لأَب وجد فَإِن للْأُخْت من الْأَب وَالأُم النّصْف وللجد النّصْف وَلَا يَرث الْإِخْوَة من الْأَب شَيْئا إِلَّا أَن يكون مَعَ الْأُخْت للْأَب ولأم أُخْت لأَب أَو أَكثر مِنْهَا من الْأَخَوَات للْأَب لَا أَخ مَعَهُنَّ فَإِن للْأُخْت للْأَب وَالأُم النّصْف وللأخوات للْأَب سهم تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وللجد مَا بَقِي
وَلَا يَرث مَعَ الْجد أَخ لأم وَلَا بَنو أَخ وَالْأَخَوَات من الْأَب بِمَنْزِلَة الْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم إِذا لم تكن أَخَوَات لأَب وَأم فِي جَمِيع مَا ذكرنَا
وَرُوِيَ عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم أَن عمر وَابْن مَسْعُود كَانَا يكرهان أَن يفضلا أما على جد
وَقَالَ إِبْرَاهِيم عَن مَسْرُوق إِن ابْن مَسْعُود كَانَ يَقُول فِي ابْنة وَأُخْت وجد من أَرْبَعَة أسْهم للابنة النّصْف وَللْأُخْت سهم وللجد سهم وَإِن كَانَت أُخْتَيْنِ وَابْنَة وجد كَانَت من ثَمَانِيَة للابنة النّصْف أَرْبَعَة وللجد سَهْمَان وللأختين سَهْمَان وَإِن كن ثَلَاث أَخَوَات كَانَت من عشرَة للابنة النّصْف خَمْسَة وللجد سَهْمَان وَلكُل وَاحِدَة سهم سهم فِي قَول عبد الله إِذا كَانَت فَرَائض فَإِن كَانَت الْمُقَاسَمَة خيرا لَهُ أعطَاهُ وَإِن كَانَ ثلث مَا يفضل بعد الْفَرِيضَة خيرا لَهُ أعطَاهُ وَإِن كَانَ السُّدس خيرا لَهُ من هَذَا أعطَاهُ السُّدس(4/465)
وَرُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب فِي ذَلِك مثل قَول زيد بن ثَابت
وَعَن أبي بكر الصّديق وَعبد الله بن عَبَّاس أَن الْجد بِمَنْزِلَة الْأَب قَالَ ابْن عَبَّاس مَا ذكر الله تَعَالَى جدا وَلَا جدة إِلَّا أَنهم آبَاء {وَاتَّبَعت مِلَّة آبَائِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب}
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَن الْإِخْوَة من الْأُم لَا يَرِثُونَ مَعَ الْجد كَمَا لَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَب وَكَانَ الْجد كَالْأَبِ فِي حجبهم كَذَلِك فِي حجب الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم
وَأَيْضًا اتَّفقُوا أَن بني الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم لَا يَرِثُونَ مَعَ الْجد وَكَذَلِكَ آباؤهم كَمَا لم يرثوا مَعَ الْأَب أَلا ترى أَن الْأَخ للْأَب أولى بِالْمِيرَاثِ من الْعم وَكَذَلِكَ ابْن الْأَخ أولى من الْعم فَلَو كَانَ الْأَخ يسْتَحق الْمِيرَاث مَعَ الْجد لَكَانَ ابْنه بِمَنْزِلَتِهِ إِذا لم يكن أَخ
فَإِن قيل فالأخ من الْأَب وَالأُم أولى بِالْمِيرَاثِ من الْأَخ للْأَب ثمَّ لم يكن ابْن الْأَخ من الْأَب وَالأُم أولى بِهِ من الْأَخ للْأَب
قيل لَهُ الْأَخ من الْأَب وَالأُم وَالْأَخ من الْأَب هما جَمِيعًا إخْوَان للْمَيت وَإِنَّمَا صَار الْأَخ من الْأَب وَالأُم أولى بِهِ لِأَن مَعَه زِيَادَة أم فَإِذا لم يكن أَخ لأَب وَأم كَانَ الْأَخ من الْأَب أولى لِأَنَّهُ أَخ وَأما الْعم فَلَيْسَ بِأَخ وَكَانَ ابْن الْأَخ أولى وَكَذَلِكَ الْجد لَيْسَ بِأَخ وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يقوم ابْن الْأَخ مقَام أَبِيه مَعَ الْجد فَلَمَّا لم يكن كَذَلِك علمنَا أَن الْأَخ لَا مِيرَاث لَهُ مَعَ الْجد
فَإِن قيل لَو كَانَ الْجد أَبَا لَا يسْتَحق الثُّلُث كَامِلا إِذا تركت الْميتَة زوجا(4/466)
وَأما وجدا وكما لَو تركت زوجا وأبوين فَلَمَّا قَالُوا إِن للزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ الثُّلُث وَمَا بَقِي فللجد دلّ على أَنه لَيْسَ بأب
قيل لَهُ لَا يلْزم ابْن عَبَّاس هَذَا لِأَنَّهُ لَا يفرق بَينه وَبَين الْأَب وَالأُم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة
وَأما الْآخرُونَ فَلَا يلْزمهُم أَيْضا لِأَن الْأَب وَالأُم جَمِيعًا فِي دَرَجَة وَاحِدَة فِي الْقرب من الْمَيِّت فَجَاز أَن يتَحَوَّل فرض الْأُم إِلَى السُّدس وَلما كَانَت الْجدّة مَعَ الْأُم فِي دَرَجَتَيْنِ مختلفتين أَعْطَيْت الثُّلُث كَامِلا أَلا ترى أَن بنت الصلب لَهَا النّصْف فَإِن كَانَ مَعهَا ابْن نقلهَا عَن مِيرَاثهَا إِلَى الثُّلُث عَن منزلتها وَلَو كَانَ مَعهَا ابْن ابْن لم ينقلها عَن فَرضهَا فَكَذَلِك الْأُم ينقلها الْأَب عَن فَرضهَا فِي مَسْأَلَة الزَّوْج والأبوين وَلَا ينقلها الْجد
فَإِن قَالَ قَائِل قد رَأينَا فرض الْأُم الثُّلُث إِذا لم يكن مَعهَا إخْوَة ثمَّ كَانَ للجدة السُّدس إِذا لم تكن أم وَلم تعط الْجدّة سهم الْأُم وَلم تكن بمنزلتها كَذَلِك الْجد لَا يكون بِمَنْزِلَة الْأَب
قيل لَهُ إِن الْجدّة لم تجْعَل كالأم فِي الْمِيرَاث وَلم يحكم لَهَا بحكمها فِيهِ بل جعل لَهَا مِيرَاث باين من ذَلِك مفارق لَهُ مِقْدَاره أقل من مِقْدَاره وَجعلت الْجدّة من قبل الْأَب شريكة لَهَا فِيهِ فَدلَّ على أَنهم لم يقيموها مقَام الْأُم وَلَيْسَ كَذَلِك الْجد لأَنا وَجَدْنَاهُ مَعَ الابْن يقوم مقَام الْأَب فِي مِقْدَار مِيرَاثه ووجدناه قد حكم لَهُ بِحكم الْأَب فِي حجب الْإِخْوَة من الْأُم
وَقَالَ الشَّافِعِي لَو كَانَ الْأَمر إِلَى الْقيَاس لَكَانَ الْإِخْوَة أَكثر مِيرَاثا من أخيهم من الْجد لِأَن قرَابَة الْجد وقرابتهم إِنَّمَا هِيَ بِالْأَبِ وَالْأَب لَو مَاتَ(4/467)
وَخلف أَبَاهُ هُوَ الْجد وبنيه وهم إخْوَة الْمُتَوفَّى لَكَانَ بنوه أَكثر حظا فِي الْمِيرَاث من الْأَب فَكَذَلِك كَانَ يجب أَن يَكُونُوا أَكثر حظا فِي ميراثهم بِهِ من أخيهم من الْجد
فَيُقَال لَهُ قد أجمع الْعلمَاء على خلاف الْوَاجِب بِهَذِهِ الْعلَّة الَّتِي ذكرتها وأجروا الْأَمر على مَا أجروه عَلَيْهِ مِمَّا يُخَالف مُوجبهَا وَفِي إِجْمَاعهم على ترك اسْتِعْمَال مَا ذكرت دَلِيل على بطلَان هَذِه الْعلَّة
2144 - فِي الْجدّة هَل تَرث مَعَ ابْنهَا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ لَا تَرث الْجدّة مَعَ ابْنهَا
وَقَالَ أبوب بن سُلَيْمَان الْبَصْرِيّ النَّاس كلهم لَا يورثون الْجدّة وَابْنهَا حَيّ مَا خلا الْبَصرِيين فَإِنَّهُم يورثونها
قَالَ أَبُو جَعْفَر وفقهاء الْبَصرِيين سوار بن عبد الله وَعبيد الله بن الْحسن
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عَليّ وَزيد وَعُثْمَان أَنهم كَانُوا لَا يورثونها وَابْنهَا حَيّ
وَرُوِيَ عَن عمر وَعبد الله بن مَسْعُود وَعمْرَان بن حُصَيْن وَأبي الطُّفَيْل أَنهم ورثوها مَعَ ابْنهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا على أَن الْأُم لَا تحجب الْجدَّات كُلهنَّ وَأَن(4/468)
الْأَب لَا يحجب الْجدّة من قبل الْأُم فَوَجَبَ أَن لَا تحجب الْجدّة من قبله أَيْضا
2145 - فِي الْجدَّات إِذا كَانَ بَعضهنَّ أقرب
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب مِنْهُنَّ أولى بِالْمِيرَاثِ من الْأَبْعَد من قبل الْأُم كن أَو من قبل الْأَب وَالأُم
قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ إِن كَانَت الَّتِي من قبل الْأُم أقرب فَهِيَ أولى بِالْمِيرَاثِ وَهُوَ السُّدس وَإِن كَانَت الَّتِي من قبل الْأَب أقرب شاركتها الَّتِي من قبل الْأُم وَإِن كَانَت أبعد قَالَ مَالك وَلَا مِيرَاث إِلَّا لجدتين فَإِن كَانَتَا سَوَاء فِي الْقرب فالسدس بَينهمَا وَإِن كَانَت الَّتِي من قبل الْأَب أبعد فالسدس الَّتِي من قبل الْأُم
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عَليّ وَزيد أَنَّهُمَا قَالَا أقربهما أولى
وَرُوِيَ عَن زيد أَن الْأَقْرَب إِن كَانَت من قبل الْأَب اشتركتا وَإِن كَانَت الَّتِي من قبل الْأُم أقرب فَهِيَ أولى وَإِن استويتا اشتركتا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما اتَّفقُوا على أَن الْأَقْرَب من قبل الْأُم أولى وَجب مثله فِي الَّتِي من قبل الْأَب
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَحكى أَيُّوب بن سُلَيْمَان أَن مَالك بن أنس خَالف النَّاس(4/469)
جَمِيعًا فِي قَوْله إِنَّه لَا يَرث من الْجدَّات أَكثر من جدتين وَأَن الْجدّة أم أَب الْأَب لَا تَرث وَلَو لم تكن غَيرهَا وَالنَّاس على خلاف قَوْله ثمَّ جَاءَ فِي كِتَابه بِمَا يدل على أَن الجدتين عِنْده اللَّتَيْنِ ورثهما مَالك إِنَّمَا هما أم الْأُم وَأم الْأَب دينه
وَبَقِي بذلك أتكون من فَوْقهمَا من الْجدَّات تَرث الْمُتَوفَّى على حَال وَهَذَا غلط مِنْهُ على مَالك لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَمَا ذكر لم تكن لإحداهما من الْقرب إِلَّا مَا لِلْأُخْرَى وَلم تكن فيهمَا قربى وبعدى كَمَا ذكرهمَا مَالك فِيمَا رَوَاهُ ابْن وهب عَنهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ مَالك بالجدتين جدة كل وَاحِدَة من الْأَب وَمن الْأُم من قبل أمه وَإِن بَعدت لِأَن سواهُمَا من قبل أَب الْأَب
فَأَما أَبُو حنيفَة وَسَائِر أهل الْعلم سوى مَالك فَإِنَّهُم يورثون أم أَب الْأَب مَعَ من يحاذيها من جدات الْمُتَوفَّى من قبل أَبِيه وَمن قبل أمه غير الْجدّة أم أَب الْأُم فَإِنَّهَا لَا تَرث
وَاحْتج من ذهب إِلَى قَول مَالك بِأَن أم أَب الْأُم لما لم تَرث كَانَ كَذَلِك أم أَب الْأَب وَهَذَا لَيْسَ بِحجَّة لَهُ لِأَن هَذِه الْجدّة لَا تَرث ابْنهَا لَو كَانَ بَاقِيا فأمه أَحْرَى أَن لَا تَرث وَأب الْأَب لَا يَرث إِذا لم يكن أَب وَأمه تَرث أَيْضا
وروى الشّعبِيّ أَن عبد الله بن مَسْعُود كَانَ يُشْرك بَين أقربهن وأبعدهن فِي السُّدس وَإِن كن بمَكَان شَتَّى
وَحكى عَنهُ أَيُّوب أَنه كَانَ يُورث أم أَب ألأم مَعَ من لَهُ سهم من ذَوي الْأَرْحَام الَّذين يَرِثُونَ بأرحامهم(4/470)
قَالَ وروى بَعضهم لَا يُورثهَا وَلَا اخْتِلَاف عَنهُ أَنه كَانَ لَا يُورث جدة مَعَ جدة هِيَ أمهَا
وروى إِبْرَاهِيم أَن عبد الله كَانَ يُورث من الْجدَّات ثَلَاثًا جدتي الْأَب وَأم الْأُم
وروى لَيْث عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لَا يَرث مَعَ الْجدَّات الْأَرْبَع
وَرُوِيَ نَحوه عَن جَابر بن زيد وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين
قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين ثَبت أَن أول جدة أطعمت السُّدس أم أَب وَكَانَ يَقُول إِذا اجْتَمعْنَ الْجدَّات الْأَرْبَع فالسدس بَينهُنَّ لِأَن ذَلِك طعمة وأيتهن كَانَت أقرب فَهِيَ أولى
وَعَن مَسْرُوق أَنه جَاءَتْهُ أَربع جدات فَألْقى أم أَب الْأُم وَورث سائرهن
وَعَن إِبْرَاهِيم مثله وَقَالَ إِبْرَاهِيم أطعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر ثَلَاث جدات السُّدس
قَالَ إِبْرَاهِيم وهما جدتا أَبِيه أم أمه وَأم أَبِيه وجدته أم أم أمه(4/471)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالْحجّة فِي أَن الْقُرْبَى مِنْهُنَّ أولى أَن الْعَصَبَات وَالْأَوْلَاد الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب مِنْهُنَّ أولى فَكَذَلِك الْجدَّات
2146 - فِي الرَّد وتوريث ذَوي الْأَرْحَام
كَانَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ وَشريك يَقُولُونَ بِالرَّدِّ وتوريث ذَوي الْأَرْحَام مِمَّن لَيْسَ لَهُ سهم مَذْكُور وَلَا هُوَ عصبَة إِذا لم يكن غَيرهم
وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يردان وَلَا يورثان ذَوي الْأَرْحَام ويجعلان مَا فضل من ذَوي السِّهَام لبيت المَال
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {وأولو الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتاب الله} ذكره فِي موضِعين أَحدهمَا بعد ذكره الْولَايَة لِلْهِجْرَةِ بقوله {وَالَّذين آمنُوا وَلم يهاجروا مَا لكم من ولايتهم من شَيْء}
وَالْآخر بقوله {النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتاب الله من الْمُؤمنِينَ والمهاجرين} فنسخ بِهِ التَّوَارُث بِالْحلف
وَرُوِيَ عَن ابْن الزبير مثل ذَلِك فِي سَبَب نزُول الْآيَة وَذكر أَنَّهَا نزلت فِي الْعَصَبَات
وروى زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دعِي إِلَى جَنَازَة رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا ترك قَالُوا ترك عمته وخالته فَقَالَ(4/472)
اللَّهُمَّ رجل ترك عمته وخالته فَلم ينزل عَلَيْهِ شَيْء فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أجد لَهما شَيْئا
وَهَذَا حَدِيث مُنْقَطع لَا يحْتَج بِمثلِهِ
وَقَول ابْن الزبير إِنَّهَا نزلت فِي الْعَصَبَات لَيْسَ بِحجَّة وَقد خَالفه فِي ذَلِك جمَاعَة من الصَّحَابَة
وروى أَبُو أُمَامَة بن سهل بن حنيف عَن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الله وَرَسُوله مولى من لَا مولى لَهُ وَالْخَال وَارِث من لَا وَارِث لَهُ
وروى ابْن جريج عَن عَمْرو بن مُسلم عَن طَاوس عَن عَائِشَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْخَال وَارِث من لَا وَارِث لَهُ
وروى شُعْبَة عَن بديل بن ميسرَة الْعقيلِيّ عَن رَاشد بن سعد عَن أبي عَامر الْهَوْزَنِي عَن الْمِقْدَام بن معدي كرب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من ترك كلا فَإِلَيَّ وَمن ترك مَالا فلورثته وَأَنا وَارِث من لَا وَارِث لَهُ أَعقل عَنهُ وَأَرِثهُ وَالْخَال وَارِث من لَا وَارِث لَهُ يعقل عَنهُ ويرثه
وَهَذِه آثَار مُتَّصِلَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي أولى
فَإِن قيل لما ذكر الْعقل دلّ على أَنه أَرَادَ الْخَال الَّذِي يكون من الْعصبَة وَهُوَ أَن يكون من بني أعمام الْمَيِّت(4/473)
قيل لَهُ أما عقل الْجِنَايَة فَلم يذكرهُ إِلَّا شُعْبَة وَقد رَوَاهُ حَمَّاد بن زيد عَن بديل بن ميسرَة عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن رَاشد بن سعد عَن أبي عَامر الْهَوْزَنِي عَن الْمِقْدَام بن معدي كرب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا مولى من لَا مولى لَهُ أرث مَاله وأفك عانيه وَالْخَال وَارِث من لَا وَارِث لَهُ ويفك عانيه
وَحدثنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان الْمرَادِي قَالَ حَدثنَا أَسد بن مُوسَى قَالَ حَدثنَا مُعَاوِيَة بن صَالح قَالَ أَخْبرنِي رَاشد بن سعد أَنه سمع الْمِقْدَام بن معدي كرب يحدث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الله وَرَسُوله مولى من لَا مولى لَهُ يَرث مَاله ويفك عنوه وَالْخَال وَارِث من لَا وَارِث لَهُ يَرث مَاله ويفك عنوه
فَثَبت أَنه إِنَّمَا أَرَادَ حمل الثّقل عَنهُ بالرحم الَّذِي بَينه وَبَينه لَا عقل الْجِنَايَات الَّتِي يُؤْخَذ بهَا
كَمَا روى عِكْرِمَة عَن عَائِشَة قَالَت قلت يَا رَسُول الله أَخْبرنِي عَن ابْن عَمَّتي ابْن جدعَان كَانَ ينْحَر الكوماء وَكَانَ يحلب على المَاء وَكَانَ يكرم الْجَار ويقري الضَّيْف وَيصدق الحَدِيث ويصل الرَّحِم ويفي بِالذِّمةِ ويفك العاني وَيطْعم الطَّعَام وَيُؤَدِّي الْأَمَانَة قَالَ هَل قَالَ يَوْمًا اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من نَار جَهَنَّم قَالَت قلت لَا مَا كَانَ يدْرِي مَا نَار جَهَنَّم قَالَ فَلَا إِذا فَدلَّ على أَنه أَرَادَ مَا يحملهُ اخْتِيَارا لَا مَا يلْزم بِالْجِنَايَةِ
فَإِن قيل روى مُحَمَّد بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن عبد الرَّحْمَن بن حنظله الزرقي أَنه أخبرهُ عَن مولى القريش يُقَال لَهُ ابْن مُوسَى(4/474)
قَالَ كنت جَالِسا عِنْد عمر فَلَمَّا صلى الظّهْر قَالَ يَا يرفأ هَلُمَّ ذَلِك الْكتاب لكتاب كَانَ كتب فِي شَأْن الْعمة يسْأَل عَنْهَا ويستخير فِيهَا فَأتى بِهِ يرفأ فَدَعَا بقدح فِيهِ مَاء فمحا ذَلِك الْكتاب فِيهِ ثمَّ قَالَ لَو رضيك الله لأمرك لَو رضيك الله لأقرك قَالُوا فَهَذَا يدل على رفع عمر مِيرَاث الْعمة
قيل لَهُ ابْن مُوسَى لَا يدرى من هُوَ وَلَا يثبت مثل ذَلِك بِرِوَايَة مثله وَقد روى الشّعبِيّ أَن عمر جعل الْعمة بِمَنْزِلَة الْأَخ وَالْخَالَة بِمَنْزِلَة الْأُخْت فَأعْطى الْعمة الثُّلثَيْنِ وَالْخَالَة الثُّلُث
وَرُوِيَ عَن عَليّ وَعبد الله أَيْضا تَوْرِيث ذَوي الْأَرْحَام
وَرُوِيَ عَن زيد بن ثَابت أَنه كَانَ لَا يُورث ذَوي الْأَرْحَام وَيجْعَل بَيت المَال أولى
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلما اتَّفقُوا على أَن الْعَصَبَات الْأَقْرَب أولى من الْأَبْعَد كَذَلِك ذَوُو الْأَرْحَام يَنْبَغِي أَن يَكُونُوا أولى من جمَاعَة الْمُسلمين لأجل الْقرب
فَإِن قيل إِنَّمَا وَجب اعْتِبَار ذَلِك فِي الْعصبَة فَمَا الدَّلِيل على أَن ذَوي الْأَرْحَام لَيْسُوا بعصبة أولى من الْمُسلمين
قيل لَهُ لِأَنَّهُ يجوز أَن يسْتَحق المَال بِالنّسَبِ الَّذِي لَا يثبت بِهِ تعصيب مثل الْأَخ من الْأَب وَالأُم هُوَ أولى من الْأَخ للْأَب بِزِيَادَة سَبَب الْأُم الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تعصيب أَلا ترى أَن الْأَخ من الْأُم لَيْسَ بعصبة وَقد اخْتلف الصَّحَابَة فِي وُجُوه الرَّد(4/475)
فروى إِبْرَاهِيم عَن مَسْرُوق أَن عبد الله كَانَ لَا يرد على إخْوَة الْأُم مَعَ أم وَلَا على ابْنة ابْن مَعَ ابْنة الصلب وَلَا على أَخَوَات لأَب مَعَ أُخْت لأَب وَأم وَلَا على امْرَأَة وَلَا على زوج وَلَا على جدة
وروى الشّعبِيّ عَنهُ مثل ذَلِك وَقَالَ وَلَا على جدة إِذا كَانَ مَعهَا وَارِث غَيرهَا
قَالَ الشّعبِيّ وَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يرد على كل وَارِث بِحِسَاب مَا ورث من الْفضل بعد الْفَرَائِض وَلَا يرد على زوج وَلَا على امْرَأَة شَيْئا وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري
وَقد اخْتلف أهل الْعلم أَيْضا فِي أَشْيَاء أخر من هَذَا الْمَعْنى من ذَلِك اخْتلَافهمْ فِي بنت بنت وَبنت أُخْت لأَب وَأم
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه الْمِيرَاث لابنَة الْبِنْت دون ابْنة الْأُخْت
قَالَ الثَّوْريّ وَمن قَالَ بالتشريك قَالَ الْمِيرَاث بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَرُوِيَ ذَلِك عَن عبد الله بن مَسْعُود وَلَا يعلم عَن أحد من الصَّحَابَة خِلَافه
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا الحَدِيث لم يرفعهُ إِلَى ابْن مَسْعُود غير زيد بن الْحباب عَن الْحُسَيْن بن وَاقد عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله وَيُقَال إِنَّه مِمَّا غلط فِيهِ زيد بن الْحباب وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف على عَلْقَمَة
وَقَالَ رَوَاهُ الْفضل بن مُوسَى السينَانِي عَن الْحُسَيْن بن وَاقد عَن(4/476)
مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة فِي بنت بنت وَبنت أُخْت فَقَالَ النّصْف وَالنّصف
وَأما الْكُوفِيُّونَ فينكرون هَذَا الحَدِيث ويزعمون أَنه لَيْسَ من حَدِيث مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر أصلا
وَالْقِيَاس يدل على قَول أَصْحَابنَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يجب أَن يعْتَبر للرحم الَّذِي بَين الْحَيّ الْوَارِث وَبَين المتوفي الْمَوْرُوث وَلَا يعْتَبر النّسَب الَّذِي بِهِ يُدْلِي لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُدْلِي بميت لَا يَرث
وَاخْتلفُوا فِي عمَّة وَابْنَة خَالَة وَابْنَة عمَّة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه الْمِيرَاث للقربى مِنْهَا
وَقَالَ الثَّوْريّ يَجْعَل لكل وَاحِدَة مِيرَاث من تدلي من عمته أَو خَالَته وَلَا تعْتَبر الْقُرْبَى مِنْهُمَا
2147 - فِي ذَوي الْأَرْحَام وَمولى عتاقه
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري مولى الْعتَاقَة أَحَق بِالْمِيرَاثِ من الْعمة وَالْخَالَة
وَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك الْعمة وَالْخَالَة أولى مِنْهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله تَعَالَى {وأولو الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتاب الله} يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ أَنه أولى من الْمولى فَلَمَّا وجدنَا الزَّوْج وَالْمَرْأَة قد يرثان مَعَ ذَوي الْأَرْحَام الَّذين مَعَهم التَّعْصِيب علمنَا أَن المُرَاد بِهِ نسخ الْمِيرَاث بِالْحلف وَالْهجْرَة وَإِثْبَات الْمِيرَاث لِذَوي الْأَسْبَاب وَالْوَلَاء بِمَنْزِلَة النّسَب(4/477)
وَقد روى سَلمَة بن كهيل عَن عبد الله بن شَدَّاد قَالَ كَانَ لابنَة حَمْزَة مولى أَعتَقته فَمَاتَ الْمولى وَترك بِنْتا وَابْنَة حَمْزَة فَرفع ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأعْطى ابْنَته النّصْف وَأعْطى مولاته ابْنة حَمْزَة النّصْف
فَإِن قيل روى مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم أَنه ذكر لَهُ خبر ابْنة حَمْزَة هَذَا فَقَالَ إِنَّمَا أعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْنة حَمْزَة مَا أَعْطَاهَا من هَذَا طعمة
قَالَ أَبُو جَعْفَر سَمِعت ابْن أبي عمرَان يَقُول هَذَا كَلَام مُسْتَحِيل لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو ذَلِك الْمِيرَاث أَن يكون وَجب لابنَة الْمُتَوفَّى دون ابْنة حَمْزَة أَو لابنَة الْمُتَوفَّى وَابْنَة حَمْزَة فَإِن كَانَ وَجب لابنَة الْمُتَوفَّى ولبنت حَمْزَة كَانَ ذَلِك مِيرَاثا لَا طعمة وَإِن كَانَ وَجب لبِنْت الْمُتَوفَّى لم يكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليعطي حَقّهَا للْغَيْر طعمة
وَقد روى قَتَادَة عَن الْحسن عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن ابْن ابْني مَاتَ فَمَالِي من مِيرَاثه قَالَ السُّدس فَلَمَّا ولى دَعَاهُ وَقَالَ لَك سدس آخر فَلَمَّا ولى دَعَاهُ وَقَالَ السُّدس الآخر طعمة
وَقد رُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه جعل الْمِيرَاث للْمولى مَعَ الِابْنَة نِصْفَيْنِ
وَرُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود أَن المَال كُله للْبِنْت(4/478)
2148 - فِي مِيرَاث ابْن الْمُلَاعنَة
قَالَ أَصْحَابنَا ابْن الْمُلَاعنَة بِمَنْزِلَة غَيره فِي الْمِيرَاث إِلَّا أَنه لَا نسب لَهُ من جِهَة الْأَب وَلَا قرَابَة بِحَال وَكَذَلِكَ ولد الزِّنَا فَلَو ترك أَخَاهُ الَّذِي ولد مَعَه فِي بطن وأخا آخر لأمه كَانَ لأمه السُّدس ولأخويه الثُّلُث بَينهمَا ثمَّ يرد الْبَاقِي عَلَيْهِم أَثلَاثًا على قدر مواريثهم
وَقَالَ عُثْمَان البتي تَرث أمه جَمِيع الْمِيرَاث إِلَّا أَن يكون مَعهَا أحد من أهل الْفَرَائِض فَيعْطى فريضته
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك فِي ولد الْمُلَاعنَة وَولد الزِّنَا إِذا مَاتَ ورثت أمه حَقّهَا فِي كتاب الله تَعَالَى وَإِخْوَته من أمه حُقُوقهم وَيَرِث الْبَقِيَّة موَالِي أمه إِن كَانَت مولاة فَإِن كَانَت عَرَبِيَّة ورثت حَقّهَا وَورث إخْوَته من أمه حُقُوقهم وَكَانَ مَا بَقِي للْمُسلمين وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وروى ابْن الْقَاسِم سُئِلَ مَالك فِي ملاعنة تَلد غلامين توأمين فِي بطن وَاحِد فَيهْلك أَحدهمَا وَيتْرك مَالا بِأَيّ شَيْء ترى أَن يورثه أَخُوهُ بوراثة الْأُم أَو بوراثة الْأَب قَالَ بوراثة الْأَب فَلَيْسَ هَذَا عِنْدِي كَوَلَد الزِّنَا لِأَن ذَلِك لَا أَب لَهُ وَإِن هَذَا لَو قَالَ لَهُ أحد لَيْسَ أَبوك فلَان جلد الْحَد فَأرى أَن يتوارث بوراثة الْأَب
وَقَالَ الْمعَافى بن عمرَان عَن الثَّوْريّ إِذا كَانَ لِابْنِ الْمُلَاعنَة أَخ لأَب وَأم فللأم الثُّلُث وللأخ السُّدس وَمَا بَقِي فَيرد على الْأُم دون الْأَخ لِأَنَّهَا عصبَة(4/479)
وَقَالَ الْفرْيَابِيّ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ فِي ابْن الْمُلَاعنَة إِن ترك ابْن أَخِيه وجده أَن المَال لِابْنِ الْأَخ لِأَنَّهُ عصبَة أمه
قَالَ سُفْيَان وَمن النَّاس من يَقُول أمت الْأُم فَمن يَرِثهَا فَهُوَ يَرِثهُ
وَقَالَ سُفْيَان فِي ابْن الْمُلَاعنَة ترك خالا وَخَالَة فَالْمَال للخال وَفِي قَول إِبْرَاهِيم الثُّلُث للخالة وَالثُّلُثَانِ للخال
قَالَ سُفْيَان الْخَال عصبَة الْأُم
وَقَالَ سُفْيَان فِي ابْن ملاعنة ترك بِنْتا وعصبة لأمه فللبنت النّصْف وَمَا بَقِي فلعصبة أمه
قَالَ أَبُو جَعْفَر وروى مُحَمَّد عَن السّري بن إِسْمَاعِيل عَن الشّعبِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي مِيرَاث ابْن الْمُلَاعنَة مثل مَا حكيناه عَن أَصْحَابنَا وَقَالَ فِي آخِره فَإِن مَاتَ وَلَيْسَت لَهُ أم فَإِن عصبته عصبَة أمه
وَرُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس أَن عصبته عصبَة أمه مثل مَا روينَاهُ عَن الثَّوْريّ
وَقَالَ ابْن عمر أمه عصبته تَرثه ويرثها
وَقَالَ زيد بن ثَابت إِذا مَاتَ ابْن الْمُلَاعنَة وَترك أمه وَمن سميت لَهُ فَرِيضَة فَإِن لكل وَارِث مَا سمي لَهُ وَمَا فضل فلبيت المَال
وَقَول عُثْمَان البتي مُوَافق لقَوْل ابْن عمر
قَالَ وَاحْتج من قَالَ عصبته عصبَة أمه أَنه لما رد نسبه بالملاعنة إِلَى أمه صَار فِي الحكم من قَومهَا فَصَارَ قَومهَا عصبَة لَهُ كَمَا كَانُوا عصبَة لَهَا كَمَا
فَيُقَال لَهُم هُوَ بِمَنْزِلَة من كَانَ لَهُ أَب فَمَاتَ وَلم يتْرك لَهُ قرَابَة من جِهَته(4/480)
فَلَا تصير عصبته عصبَة أمه كَذَلِك ابْن الْمُلَاعنَة قَالَ وَأما مَا روى عَن مَالك فِي الْفرق بَين الْمُلَاعنَة وَولد الزِّنَا فِي أَنَّهُمَا إِذا كَانَا توأمين من الْمُلَاعنَة وَرثهُ أَخُوهُ بِقرَابَة الْأَب وَفِي ولد الزِّنَا لَا يَرث بِقرَابَة الْأَب فَلَا معنى لَهُ لِأَن النّسَب من جِهَة الْأَب مُنْقَطع فِي الْحَالين فَلَا معنى لاعْتِبَار نسب مُنْقَطع
2149 - فِي الْإِقْرَار
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري فِي رجل مَاتَ وَترك ابْنَيْنِ فَأقر أَحدهمَا بِأَخ وَجحد الآخر أَنه يُعْطِيهِ نصف مَا فِي يَده
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَمَالك وَعبيد الله بن الْحسن يُعْطِيهِ ثلث مَا فِي يَده
وَقَالَ ابْن شبرمه يَقُول لَهُ الْحَاكِم اعطه ماشئت فَأَما أَنا فَلَا أعْطِيه شَيْئا فَإِن قَالَ لَيْسَ لي أَن أنكر بِنَصِيبِهِ أخذت حِصَّته الَّتِي يزْعم فتصدقت بهَا
وَقَالَ اللَّيْث وَالشَّافِعِيّ لَا يُعْطِيهِ لِأَن النّسَب لم يثبت
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَو أقرّ بِامْرَأَة أَنَّهَا كَانَت زَوْجَة أَبِيه وَجحد الآخر أَنه يُعْطِيهَا بِقدر مَا تستحقه من مِيرَاث الزَّوْجَة على اخْتلَافهمْ فِيهِ وَلم يمنعوها من ذَلِك لأجل التَّزْوِيج لم يثبت فَكَذَلِك إِقْرَاره بِأَخ
وَأَيْضًا لَو اشْترى عبدا ثمَّ أقرّ أَن البَائِع كَانَ أعْتقهُ وَجحد البَائِع نفد الْعتْق وَلم يَنْفَسِخ البيع
وَأَيْضًا لَو كَانَ وَارثه مولى لَهُ أعْتقهُ فَأقر بِابْن للْمَيت فَإِن أعطَاهُ نصِيبه فَهُوَ(4/481)
مَا قُلْنَا وَإِن لم يُعْطه فَكيف يتْرك فِي يَده مَال هُوَ مقرّ بِأَنَّهُ لَا يسْتَحق مِنْهُ شَيْئا وَأَن غَيره هُوَ الْمُسْتَحق لَهُ
وَأما اخْتِلَاف الْقَائِلين بإعطائه بقض مَا فِي يَده فَإِن قَول أَصْحَابنَا فِيهِ أصح لِأَن إِقْرَاره يضمن أَنَّهُمَا متساويان فِي كل جُزْء من المَال فَغير جَائِز أَن يبخس حَظّ أحدهم لأجل ظلم غَيرهمَا لَهما كَمَا لَو غصب غَاصِب بعض المَال كَانَ الْبَاقِي بَين الْوَرَثَة على فَرَائض الله تَعَالَى
آخر كتاب الْفَرَائِض
انْتهى الْجُزْء الرَّابِع ويليه الْجُزْء الْخَامِس
وأوله كتاب الْوَصَايَا(4/482)
= كتاب الْوَصَايَا =
[2150] فِي الْوَصِيَّة بِأَكْثَرَ من الثُّلُث إِذا أجازها الْوَرَثَة [فِي حَيَاة الْمُوصي]
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْحسن بن حَيّ وَعبيد الله بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ إِذا أوصى لرجل بِأَكْثَرَ من الثُّلُث أَو أوصى لبَعض ورثته فأجازها الْوَرَثَة فِي حَيَاته لم يجز ذَلِك حَتَّى يجيزوه بعد الْمَوْت
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَعُثْمَان البتي لَيْسَ لَهُم أَن يرجِعوا فِيهِ بعد الْمَوْت وَهِي جَائِزَة عَلَيْهِم
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا استأذنهم فَكل وَارِث بَائِن عَن الْمَيِّت مثل الْوَلَد الَّذِي بَان عَن أَبِيه وَالْأَخ وَابْن الْعم واللذين لَيْسُوا فِي عِيَاله فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُم أَن يرجِعوا وَأما امْرَأَته وَبنَاته اللآتي لم يبن مِنْهُ وكل [من] فِي عِيَاله فَإِن كَانَ قد احْتَلَمَ فَلهم ان يرجِعوا وَكَذَلِكَ الْعم وَابْن الْعم وَمن خَافَ مِنْهُم انه [إِن] لم يجزه لحقه مِنْهُم فِي قطع النَّفَقَة إِن صَحَّ فَلهم أَن يرجِعوا
وروى ابْن وهب عَن مَالك فِي الْمَرِيض ليستأذن ورثته فِي الْوَصِيَّة(5/5)
لبَعض ورثته فَإِن أذنوا لَهُ فَلَيْسَ لَهُم أَن يرجِعوا فِي شَيْء من ذَلِك وَلَو كَانَ استأذنهم فِي الصِّحَّة فَلهم أَن يرجِعوا إِن شاؤوا وَإِنَّمَا يجوز إذْنهمْ فِي حَال الْمَرَض لِأَنَّهُ يحجب عَن مَاله بحقهم فَيجوز ذَلِك عَلَيْهِم
وَقَول اللَّيْث فِي ذَلِك كَقَوْل مَالك
وَإِن أجازوه بعد الْمَوْت جَازَ عِنْد جَمِيع الْفُقَهَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ للْمُوصي إبِْطَال تِلْكَ الْوَصِيَّة فِي الْحَيَاة مَعَ كَونه مَالِكًا لِلْمَالِ فالورثة أَحْرَى ان يرجِعوا فِيمَا أَجَازُوا
2251 - فِي الْوَصِيَّة بِشَيْء بِعَيْنِه
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أوصى لرجل بِعَبْد وَلآخر بِعَبْد آخر قيمَة أَحدهمَا أَكثر من الثُّلُث وَقِيمَة الآخر أقل من الثُّلُث ضرب الَّذِي قيمَة عَبده أقل من الثُّلُث بِقِيمَة العَبْد وَضرب الَّذِي قِيمَته أَكثر من الثُّلُث بِمِقْدَار الثُّلُث من العَبْد وَلَا يضْرب بِالْفَضْلِ
وَقَالَ ابو يُوسُف وَمُحَمّد يضْرب كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي الثُّلُث بِقِيمَة عَبده كَامِلَة فَيقسم الثُّلُث بَينهمَا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا أوصى لرجل بسكنى دَاره سنة اَوْ خدمَة عَبده سنة وَلَا مَال لَهُ غير ذَلِك فَإِنَّهُ يُقَال للْوَرَثَة إِمَّا أَن تسلموا إِلَيْهِ ذَلِك أَو تعطوه ثلث مَال الْمَيِّت(5/6)
وَلَو أوصى لَهُ بِالْعَبدِ وَهُوَ أَكثر من الثُّلُث فَأحب أَن يعطوه ثلث جَمِيع مَال الْمَيِّت من العَبْد وَلَا يُعْطي غَيره
وَقَالَ مرّة أُخْرَى يُعْطي ثلث مَال الْمَيِّت من كل شَيْء
قَالَ وَقَالَ مَالك لَو أوصى لَهُ بدين فَلم يحمل ذَلِك الثُّلُث وأبى الْوَرَثَة أَن يجيزوا أَعْطوهُ من الْعين وَالدّين وَالْعَقار وكل شَيْء يبلغ الثُّلُث وَلَو أوصى لَهُ بِمِائَة دِينَار وَهِي اكثر من الثُّلُث فَلم يجيزوه أَعْطوهُ ثلث مَا ترك من الدّين وَغَيره
وَفرق بَين العَبْد يوصى بِهِ بِعَيْنِه وَبَين الدّين وَالدَّنَانِير وَالسُّكْنَى وَنَحْوهَا
وَذكر الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره عَن الشَّافِعِي أَن لكل وَاحِد من أَصْحَاب الْوَصَايَا مَا سمي لَهُ من الثُّلُث إِذا كَانَت وصاياهم أَكثر من الثُّلُث
وَذكر الْمُزنِيّ فِي جَامعه عَن الشَّافِعِي مثل هَذَا وَقَالَ فِيهِ إِذا أوصى بِشَيْء بِعَيْنِه فَهُوَ فِيمَا أوصى بِهِ وَلَا يخرج إِلَى غَيره مَا سلمهَا الْوَرَثَة فَإِن لم يسلم الْوَرَثَة مَا لَزِمَهُم ضرب بِمَا أَصَابَهُ فِي مَال الْمَيِّت
قَالَ الْمُزنِيّ هَذَا غلط بل تصح وَصيته فِي الشَّيْء بِعَيْنِه أَو مَا احْتمل الثُّلُث مِنْهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْلُو وَصيته من أَن تكون جَائِزَة فَلَا يسعهم مَنعه أَو لَا تجوز فَلهم أَن يمنعوه وَلَا يلْزمهُم بِمَنْع مَا لَهُم أَن يمنعوه من حَقهم(5/7)
وَاحْتج بَعضهم على ابي حنيفَة بِالْعَبدِ الْجَانِي إِذا اخْتَار الْمولى إِمْسَاكه لَزِمته الدِّيَة وَهِي أَضْعَاف قيمَة العَبْد وَكَذَلِكَ مَا أوصى بِهِ الْمَيِّت إِذا كَانَ بِعَيْنِه فَلم تسلمه الْوَرَثَة وَجب عَلَيْهِم تَسْلِيم ثلث مَال الْمَيِّت لِأَن الْمَيِّت كَانَ لَهُ أَن يُوصي بِهِ
قَالَ أبوجعفر وَمَا ظَنَنْت أَن أحدا من أهل الْعلم يقنع بِمثل هَذَا من نَفسه لِأَن الْوَاجِب بِالْجِنَايَةِ أحد شَيْئَيْنِ إِمَّا دفع العَبْد أَو الدِّيَة فَإِذا مَنعه فقد اخْتَار الدِّيَة وَأما العَبْد الْمُوصى بِهِ فَلم تجز الْوَصِيَّة فِيهِ إِلَّا بِمِقْدَار الثُّلُث مِنْهُ فَمن أَو جب عَلَيْهِم الثُّلُث من غَيره وعَلى أَن العَبْد الْجَانِي لَيْسَ بعروض الْوَصِيَّة لِأَن الْجَانِي فِي ملك مَوْلَاهُ فَلهُ أَن يختاره وَيدْفَع الدِّيَة وَله أَن يَدْفَعهُ وَالشَّيْء الْمُوصى بِهِ فِي ملك الْمُوصى لَهُ بِهِ إِن خرج من الثُّلُث لَا حق للْوَارِث فِيهِ وَإِن لم يخرج من الثُّلُث فمقدار مَا يخرج من الثُّلُث فِي ملك الْمُوصى لَهُ فَلَيْسَ للْوَارِث مَنعه وبقيته فِي ملك الْوَارِث فَلَيْسَ للْمُوصى لَهُ اخذها مِنْهُ
2152 - فِي الْوَصِيَّة بِالثُّلثِ إِذا أَفَادَ مَالا بعده
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ إِذا اوصى بِثلث مَاله ثمَّ أَفَادَ مَالا ثمَّ مَاتَ فَإِنَّمَا لَهُ ثلث مَاله يَوْم يَمُوت الْمُوصي
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا اوصت امْرَأَة فِي مَرضهَا بِالثُّلثِ فورثت مَالا فللموصى لَهُ الثُّلُث من جملَة الْمَالَيْنِ إِلَّا أَن يكون مَالا لم يعلم بِهِ حَتَّى مَاتَت فَلَيْسَ للْمُوصى لَهُ من المَال الَّذِي لم يعلم بِهِ شَيْء(5/8)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك مثله وَقَالَ لَو أوصى بِعِتْق أَو غَيره فَإِن المَال الَّذِي وَرثهُ وَلم يعلم بِهِ أَنه لَا تدخل فِيهِ الْوَصَايَا لَا عتق وَلَا غَيره وَمَا علم بِهِ فَإِن الْوَصَايَا تدخل فِيهِ
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا أوصى فِي مَرضه بِثلث مَاله ثمَّ ورث مَالا لم يحدث فِيهِ شَيْئا فَالْوَصِيَّة فِي ثلث مَا كَانَ أوصى الا أَن يكون الْمُوصي أوصى وَهُوَ صَحِيح فَأرى لَهُ ثلث كل شَيْء تَركه
قَالَ اللَّيْث إِذا أوصى ثمَّ ورث مَالا وَلم يعلم بِهِ لم يكن للْمُوصى لَهُ مِنْهُ شَيْء
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ ان مَا علم بِهِ مِمَّا أَفَادَ يدْخل فِي الْوَصِيَّة كَذَلِك مَا لم يعلم بِهِ لِأَن الْعلم وَالْجهل فِيهِ سَوَاء إِذْ كل وَاحِد مِنْهُمَا لم تُوجد فِيهِ وَصِيَّة مستأنفة
2153 - فِيمَن أوصى بِأَكْثَرَ من الثُّلُث
قَالَ أبوحنيفة فِي رجل أوصى لرجل بِثلث مَاله وَلآخر بِجَمِيعِ مَاله فَلم تجزه الْوَرَثَة أَن الثُّلُث بَينهمَا نِصْفَانِ
وروى مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه إِن أجَاز الْوَرَثَة فَلصَاحِب الثُّلُث السُّدس وَالْبَاقِي لصَاحب الْجَمِيع
قَالَ الْحسن عَن زفر عَن أبي حنيفَة فِي رجل أوصى لرجل بِثلث مَاله وَلآخر بِجَمِيعِ مَاله أَن الثُّلُث بَينهمَا نِصْفَانِ وَهُوَ قَول زفر وَإِن أجازت الْوَرَثَة(5/9)
كَانَ الثُّلُث بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَكَانَ للَّذي أوصى لَهُ بِالْجَمِيعِ نصف جَمِيع المَال يَأْخُذهُ من الثُّلثَيْنِ وَالسُّدُس الْبَاقِي من الثُّلثَيْنِ بَين الْمُوصى لَهما نِصْفَيْنِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن لم تجز الْوَرَثَة فَالثُّلُث بَينهمَا على أَرْبَعَة وَكَذَلِكَ إِن أجَازه الْوَرَثَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَابْن أبي ليلى وَابْن شبْرمَة وَمَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ الثُّلُث بَينهمَا على أَرْبَعَة إِذا لم يجيزوا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة مَعَهم إِذا أوصى لرجل بِالثُّلثِ وَلآخر بالسدس قسم الثُّلُث بَينهمَا على ثَلَاثَة إِذا لم تجز الْوَرَثَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْمُوصى لَهُ بِجَمِيعِ المَال موصى لَهُ بِمَا زَاد على الثُّلُث بِملك الْعين فَلَا يضْرب بِهِ وَالْمُوصى لَهُ بِالثُّلثِ وبالسدس كل وَاحِد مِنْهُمَا على الِانْفِرَاد موصى لَهُ بِمَا يملكهُ الْمَيِّت فيتحاصان فِي الثُّلُث على قدر الوصيتين وَأما إِذا أَجَازُوا فَإِن رِوَايَة مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه لَا تعْمل الْإِجَازَة لصَاحب الثُّلُث وأعملها لصَاحب الْجَمِيع
وَرِوَايَة زفر عَن أبي حنيفَة أَنه قسم الثُّلُث بَينهمَا بِغَيْر إجَازَة وَبَقِي الثُّلُثَانِ لَا يَدعِي صَاحب الثُّلُث فِيهِ أَكثر من السُّدس وَالنّصف مُسلم لصَاحب الْجَمِيع وَالسُّدُس قد يتنازعاه فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ أَلا ترى أَنه لَو أجَاز الْوَرَثَة لصَاحب الثُّلُث خَاصَّة كَانَ لَا يَأْخُذ إِلَّا السُّدس مِمَّا بَقِي فَهَذَا مِمَّا كَانَ يمِيل إِلَيْهِ متقدمو أَصْحَابنَا من قَول أبي حنيفَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالْقِيَاس عِنْدِي على أصل ابي حنيفَة أَن يكون الثُّلُثَانِ بَين(5/10)
الْمُوصى لَهُم على خَمْسَة أَرْبَعَة أخماسه لصَاحب الْجَمِيع وخسمه لصَاحب الثُّلُث نضرب كل وَاحِد بِمَا بَقِي من وَصيته كَمَا قُلْنَا فِيمَن أوصى بِثلث مَاله لرجل وبسدسه لآخر فَلم تجز الْوَرَثَة أَنَّهُمَا يتضاربان فِيهِ بوصيتهما
2154 - فِيمَن أوصى بِشَيْء لرجل ثمَّ أوصى بِهِ لآخر
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عَليّ بن معبد عَن مُحَمَّد قَالَ وَإِذا قَالَ قد أوصيت لفُلَان بِثلث مَالِي ثمَّ قَالَ الثُّلُث الَّذِي أوصيت بِهِ لفُلَان قد أوصيت بِهِ لفُلَان فَالثُّلُث بَينهمَا نِصْفَانِ
وَقَالَ فِي الأَصْل إِذا أوصى بِعَبْد لرجل ثمَّ أوصى بِهِ لآخر فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ
وَلَو قَالَ العَبْد الَّذِي أوصيت بِهِ لفُلَان هُوَ لفُلَان كَانَ ذَلِك رُجُوعا فِي الْوَصِيّ الأولى وَلَو قَالَ قد أوصيت بِهِ لفُلَان كَانَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ
وَرُوِيَ عَن ابْن وهب عَن مَالك إِذا أوصى بِوَصِيَّة ثمَّ أوصى بِوَصِيَّة وَلم يذكر الآخر قَالَ تجوزان جَمِيعًا وَلَا تنقض الْآخِرَة الأولى إِلَّا أَن يبين فِيهَا نقض شَيْء مِمَّا فِي الأولى
قَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا قَالَ العَبْد الَّذِي أوصيت بِهِ لفُلَان هُوَ وَصِيَّة لفُلَان فالثانية نقض الأولى
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا أوصى بِعَبْد لرجل ثمَّ أوصى بِهِ لآخر فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ
وَقَالَ سوار بن عبد الله فِي رجل أوصى بِوَصِيَّة ثمَّ أوصى بعد ذَلِك بِوَصِيَّة أُخْرَى أَن الثَّانِيَة تفسخ الأولى(5/11)
وَكَانَ عبيد الله بن الْحسن يراهما جَمِيعًا
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا أوصى لرجل بِعَبْد بِعَيْنِه ثمَّ أوصى بِهِ لآخر فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ وَلَو قَالَ العَبْد الَّذِي أوصيت بِهِ لفُلَان لفُلَان أَو قَالَ قد أوصيت بِهِ لفُلَان كَانَ ذَلِك رُجُوعا عَن الأول بِالْآخرِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْوَصِيَّة إِنَّمَا هِيَ تمْلِيك بعد الْمَوْت فَالْأولى وَالثَّانيَِة سَوَاء مَا لم تكن فِي الثَّانِيَة دلَالَة على الرُّجُوع عَن الأولى
فَإِن قيل يَنْبَغِي أَن تكون الْوَصِيَّة الثَّانِيَة رُجُوعا عَن الأولى على كل حَال
قَالَ سوار بن عبد الله كَمَا لَو قَالَ قد بِعْتُك عَبدِي هَذَا بِأَلف دِرْهَم فَلم يقبله حَتَّى قَالَ لرجل قد بعتكه بِمِائَة دِينَار كَانَ ذَلِك رُجُوعا عَن البيع الأول قيل لَهُ الْفرق بَينهمَا أَن البيع لَا يَقع إِلَّا بِقبُول الآخر وَالْوَصِيَّة قد صحت من قبل الْمُوصي قبل قبُول الْمُوصى لَهُ أَلا ترى أَن الْمُخَاطب بِالْبيعِ لَو مَاتَ قبل الْقبُول بَطل البيع وَلَو مَاتَ الْمُوصى لَهُ بعد موت الْمُوصي قبل الْقبُول صحت الْوَصِيَّة لَهُ
2155 - مَا يبْدَأ بِهِ من الْوَصَايَا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا أوصى بوصايا مُخْتَلفَة من عتق وَحج وَصدقَة ووصايا لقوم بأعيانهم فَإِنَّهُ ينظر إِلَى الثُّلُث فَيقسم بَين أَصْحَاب الْوَصَايَا وَبَين سَائِر مَا ذكر من الْقرب ثمَّ ينظر إِلَى مَا حصل من حِصَّة(5/12)
الْقرب الَّتِي لَيست لإِنْسَان بِعَيْنِه فَيبْدَأ مِنْهَا بالفروض الَّتِي أوجبهَا الله تَعَالَى كَزَكَاة المَال وَحجَّة الْإِسْلَام على التَّطَوُّع بَدَأَ بهَا أَو أَخّرهَا ثمَّ ينظر إِلَى مَا بَقِي فَيبْدَأ بِمَا بَدَأَ من النَّوَافِل وَالتَّسْمِيَة إِذا كَانَت بِعَينهَا فَهِيَ بِمَنْزِلَة وَصِيَّة لإِنْسَان بِعَيْنِه
وروى بشر عَن أبي يُوسُف فِي الزَّكَاة وَحجَّة الْإِسْلَام أَنه يبْدَأ بِالزَّكَاةِ وَإِن أَخّرهَا ثمَّ الْحجَّة ثمَّ كَفَّارَات الْأَيْمَان وَجَزَاء الصَّيْد وَنَحْوه وَإِن كَانَت حجَّة تطوع وَكَفَّارَة يَمِين بدأت بكفارة الْيَمين وَيبدأ بكفارة الْقَتْل على جَزَاء الصَّيْد لِأَن الْقَتْل أوجب من جَزَاء الصَّيْد
قَالَ وأبدأ بكفارة الْقَتْل على كَفَّارَة رَمَضَان لِأَن كَفَّارَة الْقَتْل فَرِيضَة فِي الْكتاب وَكَفَّارَة رَمَضَان مُخْتَلف فِيهَا
قَالَ إِبْرَاهِيم يسْتَغْفر الله وَيَقْضِي يَوْمًا وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
قَالَ وَلَو أوصى بِعِتْق فِي كَفَّارَة يَمِين وبكفارة صيد وفدية الاذى بَدَأَ بِمَا بَدَأَ بِهِ لِأَن هَذِه أَشْيَاء مُتَسَاوِيَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي مَوضِع آخر من الْإِمْلَاء فِي الزَّكَاة وَالْحج يتحاصان
وَقَالَ الْحسن عَن زفر إِذا اوصى بِمِائَة دِرْهَم فِي سَبِيل الله وبمائة دِرْهَم فِي الْمَسَاكِين وبمائة دِرْهَم فِي الْحَج وَأوصى لرجل بِمِائَة دِرْهَم وَأوصى أَن يعْتق فَإِنَّهُ لَا يبْدَأ بِشَيْء قبل شَيْء(5/13)
قَالَ أَبُو يُوسُف يتحاصون فَمَا أصَاب الرجل سلم إِلَيْهِ وَمَا بعد ذَلِك فَهُوَ تطوع يبْدَأ فِيهِ بِمَا بَدَأَ وَإِن كَانَ فِيهِ وَاجِب بَدَأَ بِالْوَاجِبِ وَإِن أَخّرهُ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك الْعتْق الْبَتَات وَالتَّدْبِير يبْدَأ بهما على سَائِر الْوَصَايَا ثمَّ عتق عبد قد أوصى بِهِ بِعَيْنِه وَالَّذِي أوصى أَن يَشْتَرِي بِعَيْنِه وَيعتق يتحاصان ثمَّ الْكِتَابَة ثمَّ الْحَج قَالَ وَالْعِتْق الْبَتَات وَالتَّدْبِير يبْدَأ بهما على الزَّكَاة وعَلى الْوَصِيَّة بِالْعِتْقِ وَإِقْرَاره بدين لمن لَا يجوز لَهُ إِقْرَاره يبْدَأ بِهِ قبل الْوَصِيَّة بِالْعِتْقِ فَإِن علم وجوب الزَّكَاة فِي مَاله بإجاة مَا كَانَ غَائِبا وَعلم وجوب زَكَاته فَهُوَ من رَأس المَال إِذا وَجَبت فِي مَرضه وَإِن وَجَبت الزَّكَاة فِي صِحَّته ففرط فِيهَا ثمَّ أوصى بِهَذَا فَهَذَا يكون من الثُّلُث
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَقَالَ مَالك إِذا أوصى بِزَكَاة مَاله وَعتق رَقَبَة من ظِهَار أَو قتل بدىء بِالزَّكَاةِ ثمَّ الْعتْق الْوَاجِب فِي الظِّهَار وَالْقَتْل وهما سَوَاء يتحاصان فِيهِ ويبدآن على عتق التَّطَوُّع وَعتق الظِّهَار وَالْقَتْل يبْدَأ بهما على كَفَّارَة الْيَمين وَيبدأ بِالطَّعَامِ فِي قَضَاء رَمَضَان على النّذر لِأَنَّهُ آكِد
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا أوصى أَن يَشْتَرِي غُلَام فلَان بعد مَوته فَيعتق عَنهُ وَأوصى بوصايا يعجز عَنْهَا الثُّلُث بدىء بِالْعِتْقِ الَّذِي سمى قبل غَيره
وَقَالَ الْأَشْجَعِيّ عَن الثَّوْريّ إِذا أوصى بعتاقة ووصايا بدىء بالعتاقة فَإِن بَقِي شَيْء كَانَ لأَصْحَاب الْوَصَايَا(5/14)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي امْرَأَة أوصت أَن يحجّ عَنْهَا وَيعتق قَالَ إِن كَانَت صرورة بدىء بالعتاق ثمَّ حج بِمَا بَقِي من حَيْثُ يبلغ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ الْوَصَايَا كلهَا بِالْحِصَصِ إِلَّا عتقا موقعا فَإِنَّهُ يبْدَأ بِهِ قدم أَو أخر وَإِذا وهب فِي الْمَرَض ثمَّ أوصى بِالثُّلثِ حَاص الْمُوصى لَهُ بِالثُّلثِ الْمَوْهُوب لَهُ
وَقَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث إِذا دبر رَقِيقا فِي صِحَّته وَأعْتق آخَرين عِنْد الْمَوْت تحاصا جَمِيعًا
قَالَ وَقَالَ مَالك يبْدَأ المدبرون عَلَيْهِم
قَالَ وَقَالَ اللَّيْث إِذا أوصى بِزَكَاة مَاله وبوصايا مَعهَا بدىء بِالزَّكَاةِ على الْوَصَايَا من الْعتْق وَغَيره فَيخرج من ثلثه فَإِن فضل بعد ذَلِك من الثُّلُث شَيْء كَانَ لأهل الْوَصَايَا بِالْحِصَصِ
قَالَ وَإِذا أوصى بِعِتْق رَقَبَة بِعَينهَا وبحجة ووصايا وَلم يكن حج بدىء بالعتاقة ثمَّ بِالْحَجِّ ويتحاص أهل الْوَصَايَا فِيمَا بَقِي من الثُّلُث بعد ذَلِك وَإِن قَالَ اشْتَروا غُلَام فلَان فأعتقوه وَأوصى بوصايا مَعَ ذَلِك فَلم يحمل الثُّلُث فَإِنَّهُم يتحاصون وَلَو أعتق عبدا بِعَيْنِه بَدَأَ بِعِتْقِهِ
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي فِي جَامعه وَلَو قَالَ فِي مَرضه غلامي هَذَا حر لوجه الله تَعَالَى ثمَّ قَالَ غلامي هَذَا حر ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك لآخر وَلَيْسَ لَهُ مَال غَيرهم ثمَّ مَاتَ عتق الأول كُله إِن خرج من الثُّلُث فَإِن كَانَ أَكثر من الثُّلُث عتق مِنْهُ مَا حمل الثُّلُث ورق مَا بَقِي مِنْهُ والعبدان مَعَه وَإِن كَانَ أقل من الثُّلُث عتق كُله وَعتق من الثَّانِي تَمام الثُّلُث فَإِن فضل شَيْء عتق من الثَّالِث
وَقَالَ فِي الْوَصَايَا إملاء وَلَا يبْدَأ من الْعتَاقَة بِشَيْء دون شَيْء تَدْبِير(5/15)
وَلَا غَيره إِنَّمَا يعْتق الْبَتَات فِي الْمَرَض الَّذِي لَو صَحَّ أعتق كُله وَقَالَ فِي الْوَصَايَا بِخَطِّهِ هبة الْبَتَات إِذا قبضت بدئت على الْعتْق فِي الْوَصَايَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يخْتَلف حكم الْهِبَة فِي الْمَرَض والوصايا فِي أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا من الثُّلُث وَجب أَن يتحاصوا إِلَّا أَنهم قد اتَّفقُوا على أَن الْعتْق الْموقع فِي الْمَرَض يبْدَأ بِهِ على سَائِر الْوَصَايَا
2156 - فِي الْمُحَابَاة وَالْعِتْق فِي الْمَرَض
قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِذا حابى فِي البيع فِي مَرضه ثمَّ أعتق بدا بالمحاباة ثمَّ الْعتْق وَإِن أعتق ثمَّ حابى تحاصا وَإِن حابى ثمَّ أعتق ثمَّ حابى فَللْبَائِع الأول نصف الثُّلُث وَنصف الثُّلُث بَين الْمُعْتق وَبَين البَائِع الآخر
وَقَالَ أَبُو يُوسُف أبدأ فِي ذَلِك كُله بِالْعِتْقِ
وَقَالَ زفر إِذا أعتق ثمَّ حابى بَدَأَ بِالْعِتْقِ وَإِن حابى ثمَّ أعتق بدىء بالمحاباة وَإِن حابى ثمَّ أعتق ثمَّ حابى بدىء بالمحاباة الأولى ثمَّ بِالْعِتْقِ ثمَّ بالمحاباة الثَّانِيَة
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا تصدق فِي مَرضه ثمَّ أوصى بوصايا لم يكن لأَصْحَاب الْوَصَايَا أَن يدخلُوا على الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ فِي الصَّدَقَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك قِيَاس لقَوْله إِنَّه إِذا حابى ثمَّ أعتق فالعتق أولى
وَقَالَ الرّبيع فِي الْبُوَيْطِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا حابى وَأوصى بوصايا تحاصوا فِي الثُّلُث(5/16)
قَالَ وَقد قيل فِيمَن بَاعَ فِي مَرضه بيعا حابى فِيهِ فسخ البيع لِأَن الْعقْدَة وَقعت على غرر لِأَنَّهُ إِن صَحَّ ثَبت وَإِن مَاتَ نقض على كَثْرَة الثُّلُث وقلته وعَلى قدر وَصَايَاهُ وَدينه وَهُوَ أحب إِلَيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالْقِيَاس مَا قَالَ الشَّافِعِي لِأَن الثّمن لم يتَحَصَّل بعد وَرُبمَا زَاد وَرُبمَا نقص
قَالَ أَبُو بكر هَذَا لَيْسَ بِشَيْء لانه وَجب لَو وَجب هَذَا لوَجَبَ أَن لَا يجوز شِرَاء العَبْد الْمَعِيب الَّذِي لَا يعلم بِهِ المُشْتَرِي لانه لَو هلك فِي يَده رَجَعَ بِحِصَّة الْعَيْب من الثّمن وَيكون مَا بَقِي بعد الْحصَّة مَجْهُولا وَلِأَنَّهُ جَائِز أَن يجب لَهُ الرُّجُوع وَجَائِز أَن لَا يجب لَهُ الرُّجُوع لِأَنَّهُ إِن بَاعَ العَبْد من غَيره أَو قَتله لم يجب الرُّجُوع بِأَرْش الْعَيْب وَلِأَنَّهُ لَو علم بِهِ وَالْعَبْد قَائِم كَانَ خِيَاره فِي فسخ البيع دون الرُّجُوع بِالْحِصَّةِ فَلَمَّا لم يمْنَع كَونه معيبا من صِحَة البيع مَعَ جَوَاز مَا ذكرنَا كَانَ كَذَلِك حكم الْمُحَابَاة وَالْمعْنَى فِي جَمِيع ذَلِك أَن البيع قد وَقع صَحِيحا وَالثمن هُوَ مَا ثَبت بِالْعقدِ وورود الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فِيهِ إِنَّمَا يكون فِي الْمُحَابَاة بعد ثُبُوته وَصِحَّته وَكَذَلِكَ يلْزم الشَّافِعِي على هَذَا الْقيَاس أَن لَا يجوز شِرَاء عَبْدَيْنِ صَفْقَة لِأَنَّهُ جَائِز أَن يَمُوت أَحدهمَا فِي يَده وَيحدث للْبَاقِي عيب فَيردهُ بِالْحِصَّةِ وَتَكون حِصَّة الْبَاقِي مَجْهُولَة فَهَذَا يدل على ضعف اعتلال الشَّافِعِي
2157 - فِيمَن أوصى لقبيلة لَا يُحصونَ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أوصى لبني فلَان قَبيلَة لَا يُحصونَ فَالْوَصِيَّة بَاطِلَة(5/17)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك هِيَ جَائِزَة
وَقَالَ الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره عَن الشَّافِعِي وَلَو أوصى لَهُ وَلمن لَا يُحْصى بِثُلثِهِ فَالْقِيَاس أَنه كأحدهم
فَهَذَا يدل على جَوَاز الْوَصِيَّة لمن لَا يُحْصى
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي وَإِن حبس على عشيرة وهم لَا يُحصونَ مثل بني تَمِيم فقد قيل إِن أعْطى مِنْهُم ثَلَاثَة فَصَاعِدا أَجزَأَهُ كَالْوَصِيَّةِ للْفُقَرَاء
وَقد قيل لَا شَيْء لَهُم لأَنهم قوم بأعيانهم لَا يدرى مَا يصير لكل وَاحِد مِنْهُم
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اتّفق الْجَمِيع على جَوَاز الْوَصِيَّة للْفُقَرَاء وَإِن لم يَكُونُوا مُعينين إِلَّا أَن ذَلِك إِنَّمَا جَازَ لِأَنَّهَا لله تَعَالَى وَإِذا دخل فِيهَا الْأَغْنِيَاء وهم غير مَحْصُورين صَارَت حَقًا لآدَمِيّ وَحقّ الْآدَمِيّ لَا يثبت لغير عين أَلا ترى أَنه لَو قَرَأَ بِمَجْهُول غير معِين لم يجز إِقْرَاره كَذَلِك الْوَصِيَّة وَأَيْضًا فَإِن الْوَصِيَّة إِذا كَانَت لآدَمِيّ فَإِنَّمَا يتم الْقبُول الْمُوصى لَهُ وَالْمُوصى لَهُ هَاهُنَا غير معِين وَلَا يَصح مِنْهُ الْقبُول فَلم تصح
2158 - فِيمَن أوصى لولد فلَان
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا أوصى بِثلث مَاله لبني فلَان وَلم يسمهم وَكَانَ لَهُ بنُون فماتوا وَولد لَهُ آخَرُونَ قبل موت الْمُوصي فَالْوَصِيَّة لمن وجد حَيا من وَلَده يَوْم يَمُوت الْمُوصي
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث الْوَصِيَّة لمن أدْرك الْقسم مِنْهُم وَلَا يلْتَفت إِلَى من مَاتَ مِنْهُم بعد موت الْمُوصي قبل أَن يقسم المَال(5/18)
وَقَالَ الثَّوْريّ إِنَّمَا يعْطى من كَانَ مَوْجُودا يَوْم الْوَصِيَّة
والمزني قَالَ فِيهِ مرّة مثل قَول أبي حنيفَة وَمرَّة مثل قَول الثَّوْريّ وَلَا يحفظ عَن الشَّافِعِي فِيهِ شَيْء
قَالَ أَبُو جَعْفَر الأولى أَن يعْتَبر من كَانَ مَوْجُودا وَقت الِاسْتِحْقَاق كَمَا قَالُوا جَمِيعًا فِي الْأَوْقَاف
2159 - فِيمَن أوصى لمَيت قد علم بِمَوْتِهِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أوصى بِثُلثِهِ لفُلَان فَمَاتَ قبل الْمُوصي أَو كَانَ مَيتا يَوْم الْوَصِيَّة وَهُوَ يعلم اَوْ لَا يعلم فَالْوَصِيَّة بَاطِلَة وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي رجل أوصى بِثُلثِهِ لرجل فَإِذا الرجل قد مَاتَ قبل الْوَصِيَّة قَالَ إِن كَانَ علم بِمَوْتِهِ حِين أوصى فَهُوَ للْمَيت الْمُوصى لَهُ يقْضى بهَا دينه ويرثها ورثته إِن لم يكن عَلَيْهِ دين وَإِن كَانَ لم يعلم بِمَوْتِهِ الْمُوصي فَلَا وَصِيَّة لَهُ وَلَا لوَرثَته وَلَا لأهل دينه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَو وهب لزيد وَهُوَ ميت أَن الْهِبَة بَاطِلَة علم بِمَوْتِهِ أَو لم يعلم وَأَن ورثته لَا تقوم فِي قبُولهَا مقَامه كَذَلِك الْوَصِيَّة لِأَنَّهَا إِنَّمَا أوجبهَا للْمَيت فَإِذا لم تصح للْمَيت لم يستحقوها عَنهُ
2160 - فِي الْوَصِيَّة للْقَاتِل
قَالَ اصحابنا وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ لَا تجوز وَصِيَّة الْمَقْتُول للْقَاتِل فَإِن أجازها الْوَرَثَة جَازَت عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَلم تجز عِنْد أبي يُوسُف(5/19)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا ضربه عمدا أَو خطأ فأوصى لَهُ الْمَضْرُوب ثمَّ مَاتَ من ذَلِك جَازَت الْوَصِيَّة فِي مَاله وَفِي دِيَته إِذا علم بذلك مِنْهُ وَلَو أوصى لَهُ بِوَصِيَّة ثمَّ قَتله الْمُوصى لَهُ عمدا أَو خطأ فَالْوَصِيَّة لقَاتل الْخَطَأ تجوز فِي مَاله وَلَا تجوز فِي دِيَته وَقَاتل الْعمد لَا تجوز لَهُ وَصِيَّة من الْمَقْتُول فِي مَاله وَلَا فِي دِيَته
وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَالْأَوْزَاعِيّ تجوز وَصِيَّة الْمَقْتُول للْقَاتِل فِي ثلثه كَمَا تجوز لغير الْقَاتِل
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد ثَبت ان الْقَاتِل لَا يَرث لِأَن الْمِيرَاث يجب بِالْمَوْتِ وَكَانَ هُوَ سَببه وَكَذَلِكَ لَا تجوز لَهُ الْوَصِيَّة لِأَنَّهَا تجب بِالْمَوْتِ وَكَانَ هُوَ سَببه وَلَو جَازَت الْوَصِيَّة مَعَ حرمَان الْمِيرَاث كَأَن لَو لم يقْتله وَمَات كَانَ يسْتَحق عشر مَاله وَإِذا قَتله وَقد أوصى لَهُ فَلَو جَازَت الْوَصِيَّة لَهُ كَانَ يسْتَحق الثُّلُث فَيكون قد جر مَاله إِلَى نَفسه بقتْله فَلَا تجوز كالميراث
وَلَا فرق بَين الدِّيَة وَبَين سَائِر مَاله لِأَن الْجَمِيع من مَال الْمَيِّت موروث عَنهُ وَلَا فرق أَيْضا بَين أَن تتقدم الْجِنَايَة على الْوَصِيَّة أَو تتأخر عَنْهَا لِأَن الْوَصِيَّة لَو جَازَت كَانَت مُتَعَلقَة بِالْمَوْتِ وَهُوَ قَاتل بعد الْمَوْت فَلَا وَصِيَّة لَهُ
وَأما خلاف أبي يُوسُف فِي مَنعه الْإِجَازَة بِإِجَازَة الْوَرَثَة فَإِن الْقيَاس مَا قَالَه لِأَنَّهُ لما جعل كالميراث فِي بُطْلَانهَا بِالْقَتْلِ وَجب أَن لَا تجوز بِإِجَازَة الْوَرَثَة كَمَا لَا يجوز لَهُ الْمِيرَاث بِإِجَازَة الْوَرَثَة(5/20)
2161 - فِي وَصِيَّة الْبَالِغ الْمَحْجُور عَلَيْهِ
قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن فِي كتاب الْحجر وَلم يحك خلافًا عَن أحد من أَصْحَابه الْقيَاس فِي وَصَايَا الْغُلَام الَّذِي قد بلغ وَهُوَ مُفسد غير مصلح من التَّدْبِير وَغَيره أَنه بَاطِل وَلَكنَّا نستحسن فِي وَصَايَاهُ إِذا وَافق فِيهَا الْحق وَلم يَأْتِ سَرفًا يسْتَحقّهُ الْمُسلمُونَ أَن يجوز من ثلثه كَمَا تجوز وَصِيَّة غَيره
قَالَ ابْن وهب عَن مَالك الضَّعِيف فِي عقله والمصاب الَّذِي يفِيق أَحْيَانًا تجوز وصاياهم إِذا كَانَ مَعَهم من عُقُولهمْ مَا يعْرفُونَ بِهِ مَا يوصون بِهِ فَأَما من لَيْسَ مَعَه من عقله مَا يعرف بِهِ مَا يُوصي بِهِ أَو كَانَ مَغْلُوبًا على عقله فَلَا وَصِيَّة لَهُ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْمَحْجُور عَلَيْهِ إِن حَضرته الْوَفَاة فأوصى بوصايا فَذَلِك جَائِز
وَقَالَ الرّبيع بن سُلَيْمَان عَن الشَّافِعِي تجوز وَصِيَّة كل من عقل الْوَصِيَّة من بَالغ مَحْجُور وَغير بَالغ
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِنَّمَا منع الْمَحْجُور عَلَيْهِ للْفَسَاد فِي مَاله احْتِيَاطًا لَهُ فَإِذا صَار فِي حَال الْمَوْت اسْتغنى عَن ذَلِك فَكَانَ بِمَنْزِلَة من لَيْسَ بمحجور عَلَيْهِ أَلا ترى أَنه يحد فِي الْقَذْف وَيجوز طَلَاقه وَهُوَ مُفَارقَة للصَّبِيّ من هَذَا الْوَجْه
2162 - فِي وَصِيَّة الصَّبِي
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تجوز وَصِيَّة الصَّبِي(5/21)
وَذكر الْمُزنِيّ نَحْو ذَلِك وَلم يعزه إِلَى الشَّافِعِي
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا أوصى وَهُوَ ابْن عشر سِنِين جَازَ مَا لم تكن فِي وَصيته اخْتِلَاط وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ أقل من عشر بالشَّيْء الْخَفِيف
وَقَالَ اللَّيْث تجوز وَصيته إِذا أصَاب الْوَصِيَّة
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن إِذا أوصى فِي وسط مَا يَحْتَلِم لَهُ الغلمان جوزت وَصيته
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عَمْرو بن سليم الزرقي وَأَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم (أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أجَاز وَصِيَّة غُلَام يفاع
قَالَ أَبُو بكر وَكَانَ الْغُلَام ابْن عشر سِنِين وَهُوَ مُنْقَطع لِأَن وَاحِدًا مِنْهُمَا لم يدْرك عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
وَالْقِيَاس أَن لَا تجوز وَصيته لِأَنَّهُ لَا يجوز طَلَاقه وَلَا يحد وَلَا يقْتَصّ مِنْهُ فَكَانَ قَوْله كلا قَوْله فِي هَذِه الْأَشْيَاء كَذَلِك فِي وَصيته وَلَيْسَ كالمحجور عَلَيْهِ للْفَسَاد لِأَن أَقْوَاله فِي هَذِه الْأَشْيَاء جَائِزَة
2163 - فِي الْوَصِيَّة بوقف الْمُصحف
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا تصح بذلك وَهُوَ مِيرَاث
وَقَالَ مَالك وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ تجوز من الثُّلُث(5/22)
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ
إِنَّكُم تظْلمُونَ خَالِدا إِنَّه احْتبسَ أدرعه وأعتده حبسا فِي سَبِيل الله تَعَالَى وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا فِي الْجمل الَّذِي جعله أَبُو طليق حَبِيسًا فِي سَبِيل الله وَأَجَازَ لَهُ الرّكُوب فِيهِ
وَإِذا جَازَ أَن يفعل ذَلِك فِي صِحَّته جَازَت الْوَصِيَّة بِهِ
21164 - فِي الْوَصِيَّة بالنصيب
قَالَ أبوحنيفة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا ترك ابْنا وَأوصى بِنَصِيب ابْن لم تجز الْوَصِيَّة وَلَو أوصى بِمثل نصيب ابْن أَو بِنَصِيب ابْن لَو كَانَ جَازَ وَكَانَ ذَلِك وَصِيَّة بِنصْف المَال
قَالَ وَلَو ترك ابْنة فَقَالَ قد أوصيت لَهَا بِنَصِيب ابْن جَازَ وَلها الثُّلُثَانِ إِن أجازت الْوَرَثَة
قَالَ مُحَمَّد وَلَو قَالَ بِمثل نصيب ابْن كَانَ لَهُ الخمسان
وَقَالَ زفر أَو أوصى لَهُ بِنَصِيب أحد بنيه وهم خَمْسَة أعطي الْخمس وَإِن أوصى بِنَصِيب امْرَأَته وَلَيْسَ لَهُ ولد أعطي الرّبع وَبِه قَالَ الْحسن
وَقَالَ زفر لَو قَالَ أوصيته بِنَصِيب ابْني الْمَيِّت لَو كَانَ حَيا فَالْوَصِيَّة جَائِزَة وَيُعْطى نصيب الابْن لَو كَانَ حَيا(5/23)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف الْوَصِيَّة فِي ذَلِك بَاطِل
قَالَ وأصل قَول مَالك الَّذِي يحكيه أَصْحَابه عَنهُ أَنه إِذا أوصى بِمثل نصيب ابْنه أَو بِنَصِيب ابْنه وَلَا وَارِث لَهُ غير ابْنه ذَلِك فَيُخَير الابْن أَن الْمُوصى لَهُ يَأْخُذ جَمِيع المَال وَيخرج الابْن من الْمِيرَاث
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ وَعبيد الله بن الْحسن إِذا أوصى بِمثل نصيب أحد ابنيه وَلم يتْرك غَيرهمَا فَلهُ الثُّلُث وَإِن كَانُوا ثَلَاثَة فَلهُ الرّبع وَهُوَ قَول عُثْمَان البتي
وَقَالَ عُثْمَان البتي أَيْضا لَو قَالَ لفُلَان مثل نصيب أحد وَلَدي وَله بنُون وَبَنَات فَإِن كَانَ ذكرا فَلهُ مَا للذّكر وَإِن كَانَت انثى فلهَا نصيب الْأُنْثَى
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أوصى لرجل بِنَصِيب ابْنه وَلَا ابْن لَهُ غَيره فَلهُ النّصْف فَإِن لم يجز الابْن فَلهُ الثُّلُث وَلَو قَالَ بِمثل نصيب أحد وَلَدي فَلهُ مَعَ الِاثْنَيْنِ الثُّلُث وَمَعَ الثَّلَاثَة الرّبع حَتَّى يكون كأحدهم وَلَو قَالَ بِمثل نصيب أحد ورثتي أَعْطيته مثل أقلهم
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول مَالك لَا معنى لَهُ لِأَنَّهُ جعل الْمُوصى لَهُ بِمثل نصيب الابْن جَمِيع نصيب الابْن والموصي لم يوص لَهُ بِجَمِيعِ نصِيبه إِنَّمَا أوصى لَهُ بِمثل نصِيبه وَقد قَالَ الله تَعَالَى {للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} النِّسَاء 11 فَلم يُوجب بذلك إِخْرَاج الْأُنْثَيَيْنِ من الْمِيرَاث وَأَيْضًا فَلَا يعقل غير ذَلِك من اللَّفْظ لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يكون مثلا لشَيْء مُنْتَفٍ إِنَّمَا يكون مثلا لشَيْء ثَابت قَالَ وَأما تَسْوِيَة زفر بَين الْوَصِيَّة وَبَين نصيب ابْن وَبَين الْوَصِيَّة بِمثل نصيب ابْن فَلَا معنى لذَلِك أَيْضا لِأَن الْوَصِيَّة بِنَصِيب الابْن يتَنَاوَل نصِيبه خَاصَّة يقوم(5/24)
الْمُوصى لَهُ فِي نصِيبه الَّذِي كَانَ يَأْخُذهُ لَوْلَا تِلْكَ الْوَصِيَّة وَالْوَصِيَّة بِمثل نصِيبه وَصِيَّة يبْقى مَعَه نصِيبه وهما مُخْتَلِفَانِ
وَقد قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن الْوَصِيَّة بِنَصِيب الابْن بَاطِل لِأَن نصيب الابْن هُوَ مَا قد اسْتَحَقَّه مِيرَاثا عَن ابيه وَملكه وَمَا قد ملكه لَا تصح وَصِيَّة أَبِيه فِيهِ كَمَا لَو قَالَ إِذا ملك ابْني من تركتي مَا يسْتَحقّهُ مِنْهَا فقد أوصيت بِهِ لفُلَان فَلَا تصح الْوَصِيَّة بِهِ
2165 - فِيمَن يُوصي بِسَهْم من مَاله
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أوصى بِسَهْم من مَاله فَلهُ نصيب أحد الْوَرَثَة إِلَّا أَن يكون أقل من السُّدس فَيكون لَهُ السُّدس
وَقد قَالَ ابو يُوسُف وَمُحَمّد لَهُ مثل نصيب أحد الْوَرَثَة الْأَقَل مِنْهُم إِلَّا أَن يزِيد على الثُّلُث فَيكون لَهُ الثُّلُث وَلَا يُزَاد عَلَيْهِ إِلَّا بِإِجَازَة الْوَرَثَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله إِلَّا أَن يكون أقل من السُّدس فِي قَول أبي حنيفَة غلط وَإِنَّمَا هُوَ إِلَّا ان يكون اكثر من السُّدس فَيكون لَهُ السُّدس وَهُوَ قَول زفر
قَالَ أَبُو بكر رِوَايَة أبي جَعْفَر هُوَ مَا ذكره فِي الْجَامِع الصَّغِير
وَقَالَ فِي الأَصْل يعْطى أخس سِهَام الْوَرَثَة وَإِن كَانَ أقل من السُّدس وَإِن كَانَ الْأَقَل أَكثر من السُّدس أعطي السُّدس فِي قَول أبي حنيفَة(5/25)
وَأما الْجُزْء والنصيب فَفِي قَوْلهم جَمِيعًا تعطيه الْوَرَثَة مَا شاؤوا
وَقَالَ اشهب بن عبد الْعَزِيز وَلم يعزه إِلَى مَالك لَهُ الثّمن إِذا لم يعرف عدد الْوَرَثَة لِأَنَّهُ أقل سِهَام الْفَرِيضَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم من رَأْيه لَهُ السُّدس إِذا لم يعرف عدد الْوَرَثَة فَإِن عرف فَلهُ أخس نصيب أحد الْوَرَثَة
وَقَالَ عُثْمَان البتي وَالثَّوْري لَهُ الثُّلُث قلت سِهَام الْوَرَثَة أَو كثرت
وَقَالَ عُثْمَان البتي وَلَو أوصى بِنَصِيب من مَاله فَلَو جعل لَهُ مثل نصيب أحد وَلَده كَانَ حسنا
وَقَالَ الرّبيع والمزني عَن الشَّافِعِي إِذا أوصى لَهُ بِنَصِيب أَو جُزْء أَو حَظّ قيل للْوَرَثَة أَعْطوهُ مَا شِئْتُم وَلم يذكر السهْم
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله سهم من مَال يحْتَمل أَن يكون سَهْما من السِّتَّة الأسهم الَّتِي تَنْقَسِم عَلَيْهِ الْفَرَائِض وَيحْتَمل أَن يكون سَهْما من عشرَة لِأَن الْأَعْدَاد عشرَة وَإِنَّمَا يُزَاد عَلَيْهَا بعد ذَلِك أَجزَاء مِنْهَا وَيحْتَمل أَن يكون سَهْما من السِّهَام الَّتِي تَنْقَسِم عَلَيْهَا مِيرَاث الْمُوصي بَين ورثته على فَرَائض الله تَعَالَى الَّتِي يرثونه عَلَيْهَا وَكَانَ هَذَا أولى لِأَن هَذِه هِيَ السِّهَام الموروثة عَنهُ(5/26)
فَأَما مَا اعْتَبرهُ أَبُو حنيفَة من السِّهَام إِذا كَانَت دون سِتَّة أَو فَوْقهَا فَلَا وَجه لَهُ فِي الْقيَاس وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يعْتَبر السُّدس أَو سهم من سِهَام الْفَرِيضَة كَمَا قَالَ فِي رجل قَالَ لعَبْدِهِ سهم مِنْك حر أَنه يعْتق سدسه وكما قَالَ عُثْمَان البتي وَالثَّوْري
وروى عَمْرو بن خَالِد عَن ابْن الْمُبَارك عَن يَعْقُوب بن الْقَعْقَاع عَن عَطاء فِيمَن أوصى بِسَهْم من مَاله قَالَ لَيْسَ بِشَيْء
وَرُوِيَ عَن شُرَيْح أَنه يعْطى مثل أحد سِهَام الْوَرَثَة
وَرُوِيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَن لَهُ السُّدس على كل حَال
2166 - فِي الْوَصِيَّة لعبد بعض الْوَرَثَة
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ لَا تجوز الْوَصِيَّة لعبد بعض ورثته
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك تجوز الْوَصِيَّة لَهُ بالتافه الْيَسِير
قَالَ ابو جَعْفَر لَا فرق بَين الْقَلِيل وَالْكثير كَمَا لَو أوصى للْوَارِث
2167 - فِيمَن قَالَ لرجل اجْعَل ثُلثي حَيْثُ أَحْبَبْت
قَالَ اصحابنا إِذا أوصى لرجل بِثُلثِهِ حَيْثُ شَاءَ أَو نصفه حَيْثُ شَاءَ كَانَ لَهُ أَن يَجعله لنَفسِهِ أَبُو لبَعض وَلَده وَلَو قَالَ يُعْطِيهِ من أحب لم يكن لَهُ أَن يُعْطِيهِ نَفسه
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا قَالَ يَجعله حَيْثُ رأى فَأعْطَاهُ الْوَصِيّ(5/27)
أحدا من وَلَده أَو قرَابَته لم يجز إِلَّا أَن يكون لذَلِك وَجه يعرف بِهِ صَوَاب فعله هَذَا شَاهد لِابْنِهِ فَأرى أَن يجوز
قَالَ ابو جَعْفَر فَإِذا لم يجز أَن يَجعله لِابْنِهِ فِي كل حَال فَأن لَا يَجعله لِأَبِيهِ أولى
وَقَالَ الْمُزنِيّ فِي جَامعه عَن الشَّافِعِي إِذا قَالَ ثلث مَالِي إِلَى فلَان يَضَعهُ حَيْثُ رَآهُ فَلَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذ لنَفسِهِ مِنْهُ شَيْئا كَمَا لَو أمره أَن يَبِيع لَهُ شَيْئا لم يكن لَهُ أَن يَبِيعهُ من نَفسه فَلَيْسَ لَهُ أَن يُعْطِيهِ وَارِثا لَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَن يَضَعهُ فِيمَا لَيْسَ للْمَيت فِيهِ نظر
قَالَ ابو بكر تَشْبِيه الشَّافِعِي ذَلِك بِالْأَمر بِالْبيعِ بعيد لِأَنَّهُ لَو قَالَ بِعْهُ من نَفسك لم يجز وَلَو قَالَ اجْعَلْهُ لنَفسك جَازَ عِنْد الْجَمِيع
2168 - فِيمَن أوصى بِثُلثِهِ لفُلَان وللفقراء وَالْمَسَاكِين
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْجَامِع الصَّغِير إِذا أوصى بِثُلثِهِ لأمهات أَوْلَاده وَهن ثَلَاث وللفقراء وَالْمَسَاكِين قسم الثُّلُث على خَمْسَة لأمهات أَوْلَاده ثَلَاثَة وللفقراء سهم وللمساكين سهم
وَلَو أوصى بِثُلثِهِ لفُلَان وللمساكين فنصفه لفُلَان وَنصفه للْمَسَاكِين وَلم يحك خلافًا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي إمْلَائِهِ فِي رجل أوصى بِثلث مَاله للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَلفُلَان فَإِن أَبَا حنيفَة قَالَ أقسمه على ثَلَاثَة أسْهم سهم للْفُقَرَاء وَسَهْم للْمَسَاكِين وَسَهْم لفُلَان(5/28)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف أقسمه على سَهْمَيْنِ سهم للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَسَهْم لفُلَان لِأَن الْمِسْكِين يَقع عَلَيْهِ اسْم الْفَقِير وَالْفَقِير يَقع عَلَيْهِ اسْم الْمِسْكِين أَلا ترى أَنه لَو قَالَ للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والمحتاجين لم يَجْعَل للمحتاجين سهم لِأَن الِاسْم الْوَاحِد من هَذَا يجمع هَذَا كُله
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي رجل أوصى بِثلث مَاله فِي سَبِيل الله وَفِي الْفُقَرَاء واليتامى يقسم الثُّلُث عَلَيْهِم على وَجه الِاجْتِهَاد وَلم يره أَثلَاثًا
قَالَ ابْن الْقَاسِم فَإِذا أوصى لفُلَان وللمساكين لم أر لَهُ نصف الثُّلُث وَلكنه يعْطى مِنْهُ على وَجه الِاجْتِهَاد وَلَو قَالَ ثلث مَالِي لفُلَان وَفُلَان وَأَحَدهمَا غَنِي كَانَ الثُّلُث بَينهمَا نِصْفَيْنِ
وَقَالَ الْمُزنِيّ فِي جَامعه الْكَبِير عَن الشَّافِعِي إِذا أوصى بِثُلثِهِ فِي الْمَسَاكِين قسم فِي مَسَاكِين ذَلِك الْبَلَد دون غَيرهم يدْخل فِيهِ الْفُقَرَاء لأَنهم مَسَاكِين فَإِن كثر حَتَّى يغنيهم نقل إِلَى أقرب الْبلدَانِ
فَإِن قَالَ فِي الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين علمنَا أَنه أَرَادَ التَّمْيِيز بَين أهل الْفقر وَأهل المسكنة وَالْفَقِير من لَا مَال لَهُ وَلَا كسب والمسكين من لَهُ مَال أَو كسب يَقع مِنْهُ موقعا وَلَا يُغْنِيه فَيجْعَل الثُّلُث بَينهمَا نِصْفَيْنِ
قَالَ ابو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} التَّوْبَة 60 فَذكر الصِّنْفَيْنِ وَقَالَ {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين} الْأَنْفَال 41 وَقَالَ فِي آيَة الفيئ {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى} إِلَى قَوْله {وَالْمَسَاكِين} الْحَشْر 7 فَذكر(5/29)
فِي هَاتين الْآيَتَيْنِ الْمَسَاكِين وَلم يذكر الْفُقَرَاء وَلَا خلاف أَن من يُعْطي من الزَّكَاة لفقر أَو مسكنة أَنه يُعْطي من الفيئ فَثَبت أَن ذكره للْفُقَرَاء مَعَ الْمَسَاكِين على وَجه التَّأْكِيد لَا على أَن وَاحِدًا من الصِّنْفَيْنِ غير الآخر
وَقَالَ تَعَالَى {فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين} الْمَائِدَة 89 وَجَائِز عِنْد الْجَمِيع إِعْطَاء الْفُقَرَاء وَكَذَلِكَ سَائِر الْمَوَاضِع الَّتِي ذكر فِيهَا الْمَسَاكِين والفقراء بمثابتهم عِنْد من يفرق بَينهم
وَأما مَا فرق بِهِ الشَّافِعِي بَين الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فَلَا دلَالَة عَلَيْهِ من كتاب وَلَا سنة وَلَا لُغَة
فَإِن قيل قَالَ الله تَعَالَى {أما السَّفِينَة فَكَانَت لمساكين يعْملُونَ فِي الْبَحْر} الْكَهْف 79 فسماهم مَسَاكِين وَأثبت لَهُم ملك السَّفِينَة والفقراء خلافهم وهم الَّذين لَا يملكُونَ شَيْئا
قيل لَهُ قد رَأينَا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سمى من لَا يملك شَيْئا مِسْكينا
بقوله {أَو مِسْكينا ذَا مَتْرَبَة} الْبَلَد 16 وَهُوَ الَّذِي قد أفْضى إِلَى التُّرَاب فَلم يكن لَهُ مَا يُغْنِيه عَنهُ فقد صَار مُسْتَحقّا لاسم المسكنة بمرتبة سفلى وبمرتبة أَعلَى مِنْهَا وَقَالَ تَعَالَى {للْفُقَرَاء الَّذين أحْصرُوا فِي سَبِيل الله} الْبَقَرَة 273 فوصفهم بالحصر فِي سَبِيل الله وبالمنع بِالْخرُوجِ مِنْهُ إِلَى غَيره وَقد أحطنا علما أَنهم لم يدخلُوا فِي سَبِيل الله خالين من سلَاح يُقَاتلُون بِهِ وَلَا عُرَاة من ثِيَاب تواريهم يؤوون فِيهَا فَرَائض صلواتهم
وَقد قَالَ الرَّاعِي ... أما الْفَقِير الَّذِي كَانَت حلوبته ... وفْق الْعِيَال فَلم يتْرك لَهُ سبد ...(5/30)
فَسَماهُ فَقِيرا مَعَ ملكه للحلوبة فَثَبت بذلك أَن الْفَقِير قد يملك وَقد لَا يملك وَكَذَلِكَ الْمِسْكِين وَإِن الاسمين بِمَعْنى وَاحِد
وَقد قَالَ بعض أهل اللُّغَة هُوَ الَّذِي يجد الشَّيْء الَّذِي لَا يُغْنِيه وَإِن الْمِسْكِين هُوَ الَّذِي لَا يجد شَيْئا
فَيُقَال لَهُ قد قَالَ الله تَعَالَى {أما السَّفِينَة فَكَانَت لمساكين} الْكَهْف 79 فَدلَّ أَن الْمِسْكِين قد يملك وَقد لَا يملك بقوله تَعَالَى {أَو مِسْكينا ذَا مَتْرَبَة} وَالْفَقِير أَيْضا قد يملك بِمَا دلّ عَلَيْهِ قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {للْفُقَرَاء الَّذين أحْصرُوا فِي سَبِيل الله} الْبَقَرَة 273 مَعَ وجودهم مَا يَأْكُلُون وَمَا يلبسُونَ وَمَا يُقَاتلُون بِهِ وَقد سمي فَقِيرا وَهُوَ مِمَّن أفْضى بِهِ الْفقر إِلَى التُّرَاب
وَقد روى الْمُعَلَّى عَليّ بن مَنْصُور قَالَ أَخْبرنِي يحيى بن سعيد قَالَ أَخْبرنِي مجَالد عَن الشّعبِيّ عَن وهب بن خنبش قَالَ جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ وَاقِف بِعَرَفَة فَسَأَلَهُ رِدَاءَهُ فَأعْطَاهُ إِيَّاه فَذهب بِهِ ثمَّ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِن الْمَسْأَلَة لَا تحل إِلَّا من فقر مدقع أَو غرم مفظع والفقر المدقع هُوَ المفضي بِصَاحِبِهِ إِلَى الدقعاء وَهِي التُّرَاب
2169 - فِي الْوَصِيَّة للْوَارِث إِذا أجازها الْوَرَثَة
قَالَ اصحابنا وَمَالك وَالشَّافِعِيّ إِذا أوصى لبَعض ورثته فأجازته بَقِيَّتهمْ جَازَت وَصيته
وَقَالَ الْمُزنِيّ لَا تجوز لِأَنَّهُ إِنَّمَا منع الْوَارِث من الْوَصِيَّة لِئَلَّا يَأْخُذ مَال الْمَيِّت من وَجْهَيْن مُخْتَلفين فَلم يجز أَن يجتمعا فِي حَال وَاحِدَة(5/31)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما اتَّفقُوا على جَوَاز الْوَصِيَّة بِجَمِيعِ المَال إِذا أجَازه الْوَرَثَة كَذَلِك تجوز للْوَارِث بإجازتهم لَا فرق بَينهمَا
2170 - فِي الْعتْق الْمُؤَقت بعد الْمَوْت
قَالَ فِي الأَصْل وَلم يحك خلافًا إِذا قَالَ فِي وَصيته يخْدم عَبدِي فلَانا سنة ثمَّ يعْتق وَلَا مَال لَهُ غَيره فَإِنَّهُ يخْدم فلَانا يَوْمًا وَالْوَرَثَة يَوْمَيْنِ فَإِذا مضى ثَلَاث سِنِين عتق
قَالَ أَبُو جَعْفَر ظَاهر ذَلِك أَنه يعْتق وَإِن لم يعتقهُ مُعتق
وَقَالَ مُحَمَّد بن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد إِذا قَالَ هُوَ حر بعد موتِي بِشَهْر إِنَّمَا يعْتق بعد شهر وَلَا يعْتق حَتَّى يعْتق
وَالْقِيَاس أَنه يكون بَاطِلا وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة الْعتْق الْبَتَات أَلا ترى أَنه لَو جنى جِنَايَة قبل مَجِيء الشَّهْر كَانَ للْوَرَثَة أَن يَدْفَعُوهُ
وروى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك مَا دلّ ظَاهره على أَنه يعْتق بعد الْوَقْت من غير تَجْدِيد عتق وعَلى ذَلِك يدل قَول الشَّافِعِي فِيمَا رَوَاهُ عَنهُ الرّبيع
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يعْتق بِالْمَوْتِ وَلم يجز عتقه قبل الْمَوْت صَار مِيرَاثا للْوَرَثَة فَلَا تصح الْوَصِيَّة بعد ذَلِك لِأَن حكم الْوَصَايَا أَن يكون وُجُوبهَا عقيب الْمَوْت بِلَا فصل
2171 - فِي الْوَصِيَّة بالغلة والخدمة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أوصى لرجل بسكنى دَار أَو بِخِدْمَة عبد أَبُو بغلة أَرض أَو بُسْتَان وَذَلِكَ ثلثه أَو أقل فَهُوَ جَائِز وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَعُثْمَان(5/32)
البتي وسوار بن عبد الله وَعبيد الله بن الْحسن وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا تجوز ذَلِك وَالْوَقْت وَغير الْوَقْت فِي ذَلِك سَوَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا فِيمَن أوصى لرجل بِشَيْء ثمَّ مَاتَ وَهُوَ فِي غير ملكه أَن وَصيته بذلك غير جَائِزَة فَاحْتمل أَن تكون الْوَصِيَّة بالمنافع كَذَلِك لِأَن الْمُوصي لَو مَاتَ وَهِي فِي غير ملكه ثمَّ وجدنَا الْمَنَافِع قد يجوز أَن يسْتَحق بِعقد الْإِجَازَة وَإِن لم يكن المؤاجر مَالِكًا للمنافع يَوْم عقد الْإِجَازَة إِلَّا أَن الْمَنَافِع تكون حَادِثَة على ملك المؤاجر فَتجوز وَأما مَنَافِع الدَّار وَالْأَرْض بعد موت الْمُوصي فَهِيَ طارئة على ملك الْوَرَثَة وَالْقِيَاس أَن لَا تجوز الْوَصِيَّة
2172 - فِيمَن أوصى بِأَن يخْدم عَبده فلَانا سنة ثمَّ جن فَلَا يقبل فلَان
ذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد عَن ابي حنيفَة إِذا أوصى أَن يخْدم عَبده فلَانا سنة ثمَّ جن فَقَالَ فلَان لَا اريد خدمته فَالْعَبْد رَقِيق للْوَرَثَة يبيعونه إِن شاؤوا وَلم يحك خلافًا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي العَبْد يخْدم الرجل سنة ثمَّ هُوَ حر فيهب الْمُوصى لَهُ بِالْخدمَةِ الْخدمَة للْعَبد أَو يَبِيعهَا مِنْهُ أَنه حر تِلْكَ السَّاعَة وَلَا شَيْء للْوَرَثَة فِي ذَلِك
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَفِي مَسْأَلَتنَا يَنْبَغِي أَن يعْتق حِين أَبى أَن يقبل الْوَصِيَّة(5/33)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي رجل أوصى لِابْنِهِ بِخِدْمَة غُلَامه سنة ثمَّ هُوَ حر وَله إخْوَان فَقَالَ يخدمهم جَمِيعًا سنة ثمَّ هُوَ حر
وَقَالَ اللَّيْث فِي امْرَأَة أوصت لرجل بِثلث مَالهَا وأوصت فِي غُلَام لَهَا أَن يخْدم وَلَدهَا حَتَّى يبلغُوا أَشَّدهم ثمَّ هُوَ حر فَقَالَ يبْدَأ بالغلام فيقام بِرَجُل فِي الثُّلُث فَتكون خدمته على فَرَائض الله تَعَالَى فَإِذا بلغُوا أَشَّدهم أعتق وَمَا فضل من الثُّلُث فلأهل الْوَصَايَا
2173 - فِي الْمُوصى لَهُ بِالْخدمَةِ يُؤَاجر العَبْد
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أوصى لرجل بسكنى دَار أَو بِخِدْمَة عبد فَلَيْسَ لَهُ أَن يُؤَاجر الدَّار وَلَا العَبْد
وَقَالَ مَالك يجوز لَهُ أَن يُؤَاجر الدَّار وَالْعَبْد إِلَّا ان يكون قَالَ اخدم ابْني مَا عَاشَ ثمَّ أَنْت حر فَلَا يُؤَاجر لِأَن المُرَاد بِهِ الْحَضَانَة وَالْكَفَالَة
وَقَالَ اللَّيْث لَهُ أَن يكريه إِلَّا أَن يشرط عَلَيْهِ أَن يسكنهُ وَلَا يكريه
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي فِي الصَّدَقَة إِذا اشْترط عَلَيْهِ السُّكْنَى جَازَ أَن يكروا
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا جَمِيعًا على أَن للْمُسْتَأْجر أَن يُؤَاجر
وَاتَّفَقُوا أَيْضا أَنه لَيْسَ للْمُوصى لَهُ بالغلة أَن يسكن فَوَجَبَ أَن لَا يُؤَاجر الْمُوصى لَهُ بِالسُّكْنَى وان لَا يتَعَدَّى مَا أوصى لَهُ بِهِ
قَالَ الشَّيْخ وَأَيْضًا لما لم يكن للْمُسْتَعِير أَن يعير وَجب أَن يكون كَذَلِك الْمُوصى لَهُ لِأَنَّهُ ملك الْمَنَافِع بِغَيْر بدل(5/34)
2174 - فِيمَن أوصى بِعِتْق أمة لَهُ على أَن لَا يتَزَوَّج
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الأَصْل من غير خلاف بَينهم إِذا أوصى أَن يعْتق أمته على أَن لَا يتَزَوَّج ثمَّ مَاتَ فَقَالَت لَا أَتزوّج فَإِنَّهَا تعْتق من ثلثه فَإِن تزوجت بعد لم تبطل وصيتها
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ هِيَ حرَّة على أَن تثبت على الْإِسْلَام فَإِن أَقَامَت على الْإِسْلَام سَاعَة فَهِيَ حرَّة وَإِن إرتدت بعد ذَلِك لم تبطل وصيتها
وَإِذا أوصى لأم وَلَده بِأَلف دِرْهَم على ان لَا تتَزَوَّج أبدا أَو قَالَ سنة أَو يَوْمًا فَإِن تزوجت قبل ذَلِك فوصيتها بَاطِلَة
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ اعتقوها على أَن لَا تخرج من عِنْد وَلَدي إِلَى شهر أَو إِلَى سنة أَو قَالَ هِيَ حرَّة إِن لم تتَزَوَّج شهرا فَإِن تزوجت قبل الشَّهْر أَو خرجت قبل الْوَقْت فوصيتها بَاطِلَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا أوصى لأم وَلَده بِأَلف دِرْهَم على أَن لَا تتَزَوَّج فَقَالَت لَا أَتزوّج وقبضت الْألف ثمَّ تزوجت بعد ذَلِك فَإِنَّهُ ينْزع مِنْهَا الْألف
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي رجل أعتق أم وَلَده عِنْد الْمَوْت ثمَّ أصدقهَا أَرْبَعمِائَة دِينَار على أَن لَا تتَزَوَّج فَإِن تزوجت فصداقها مائَة دِينَار قَالَ لَهَا اربعمائة دِينَار وَيفْسخ الشَّرْط
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا وَقعت الْوَصِيَّة على شَرط لم تنفذ حَتَّى يُوجد الشَّرْط وَلَا خلاف أَنَّهَا إِذا قَالَت بعد مَوته لَا أَتزوّج أَنَّهَا تسْتَحقّ الْعتْق بِالْوَصِيَّةِ فَدلَّ على أَن الشَّرْط فِي وَصِيَّة مَوْلَاهَا هُوَ قَوْلهَا لَا أَتزوّج لَا ترك التَّزْوِيج حَتَّى تَمُوت لِأَنَّهُ لَو كَانَ الشَّرْط أَن لَا تتَزَوَّج حَتَّى تَمُوت لما اسْتحقَّت الْوَصِيَّة حَتَّى تَمُوت وَبعد الْمَوْت لَا تصح لَهَا وَصِيَّة فَثَبت أَن الشَّرْط هُوَ قَوْلهَا لَا أَتزوّج فتستحق الْعتْق وَلَا يُبطلهُ بعد ذَلِك التَّزْوِيج(5/35)
2175 - فِيمَن قَالَ فلَان مُصدق بعد موتِي فِيمَا يَدعِيهِ عَليّ من دين
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الرجل تحضره الْوَفَاة فَيَقُول لفُلَان عَليّ دين فصدقوه فِيمَا قَالَ قَالَ يصدق فِيمَا بَينه وَبَين الثُّلُث فَإِن كَانَ أوصى بوصايا غير الثُّلُث لأَصْحَاب الْوَصَايَا فَالثُّلُث لأَصْحَاب الْوَصَايَا وَالثُّلُثَانِ للْوَرَثَة ثمَّ قيل لأَصْحَاب الْوَصَايَا أقرُّوا لَهُ من الثُّلُث بِمَا شِئْتُم وللورثة أقرُّوا لَهُ من الثُّلثَيْنِ بِمَا شِئْتُم فَمَا بَقِي من الثُّلُث فأصحاب الْوَصَايَا أَحَق بِهِ من صَاحب الدّين وَلَا يشاركهم فِيهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا من قَوْلهم إِذا كَانَ الْمُوصي قد أقرّ أَن عَلَيْهِ للْمُوصى لَهُ دينا لم يذكر مِقْدَاره
فَأَما إِذا قَالَ صدقوه فِيمَا يَدعِيهِ عَليّ وَلم يقر أَن عَلَيْهِ دينا لم يجب تَصْدِيقه على شَيْء مِمَّا يَدعِيهِ لنَفسِهِ من الدّين على الْمَيِّت الْمُوصي وَلَا اخْتِلَاف عَنْهُم فِي شَيْء من ذَلِك
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي رجل أوصى أَن لرجل عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ دِينَارا وَأوصى مَعَ ذَلِك أَنه يصدق فِيمَا قَالَ فَادّعى ان لَهُ خمسين دِينَارا قَالَ أرى ان يحلف وَيَأْخُذ خميسين دِينَارا
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا قَالَ فِي مَرضه مَا قَالَ فلَان من شَيْء فصدقوه قَالَ هُوَ وَصِيَّة من الثُّلُث وَهُوَ قَول عبيد الله بن الْحسن
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي لَو ضمن لرجل مَا قضى بِهِ على فلَان لرجل(5/36)
آخر أَو مَا أشهد بِهِ فلَان عَلَيْهِ فَلَا يجوز وَهُوَ مخاطرة وَإِذا كَانَ هَذَا غير جَائِز من الْحَيّ على نَفسه كَانَ من الْمَيِّت عل نَفسه من الْجَوَاز أبعد
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَو قَالَ فِي حَيَاته فلَان مُصدق فِيمَا يَدعِيهِ عَليّ لم يلْزم الْمُدعى عَلَيْهِ شَيْء بقول الْمُدَّعِي وَكَانَ قَوْله ذَلِك كلا قَول وَكَذَلِكَ يجب أَن يكون حكمه بعد الْمَوْت
وَقَول أبي حنيفَة فِي قَول الرجل فِي وَصيته لفُلَان عَليّ دين فصدقوه أَنه يصدق فِيمَا بَينه وَبَين الثُّلُث اسْتِحْسَانًا لِأَن من قَالَ لفُلَان على دين القَوْل قَوْله فِي مِقْدَاره وَالْقَوْل قَول ورثته بعد مَوته وَلكنه اسْتحْسنَ فِي أَن يصدق فِي مِقْدَار مَا تصح الْوَصِيَّة بِهِ
2176 - فِيمَن قَالَ صدقُوا وصيتي فِيمَن أوصيت لَهُ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فِيمَن أوصى إِلَى رجل وَقَالَ قد جعلت ثُلثي لرجل قد سميته لَهُ فصدقوه يَعْنِي الْوَصِيّ لم يصدق الْوَصِيّ وَحده لِأَنَّهُ شَاهد وَهُوَ قَول عبيد الله بن الْحسن
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ قد كتبت وصيتي وجعلتها عِنْد فلَان فصدقوه وأنفذوا مَا فِيهَا أَنه يصدق وَينفذ مَا فِيهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يصدق الْوَصِيّ لِأَنَّهُ شَاهد كَمَا لَا يصدق إِذا قَالَ صدقُوا فلَانا فِيمَا يَدعِيهِ عَليّ(5/37)
2177 - فِيمَن أوصى لوَارث ولأجنبي
قَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء إِذا مَاتَ وَله ابْنَانِ لَا وَارِث لَهُ غَيرهمَا فأوصى بِمَالِه كُله لأحد ابنيه ولرجل أَجْنَبِي أَو قَالَ مَالِي كُله لفُلَان وَلفُلَان وَصِيَّة ثمَّ مَاتَ فَأجَاز الابنان للْأَجْنَبِيّ وَصيته وَلم يجزه الْوَارِث لِأَخِيهِ فللرجل الْأَجْنَبِيّ نصف المَال وَكَانَ مَا بَقِي بَين الِابْنَيْنِ نِصْفَيْنِ وَلَو أجَاز لِأَخِيهِ وَلم يجز للْأَجْنَبِيّ فللأجنبي ثلث المَال بِغَيْر إجَازَة فَيكون لَهُ أَرْبَعَة أسْهم من اثْنَي عشر سَهْما وَيكون للِابْن الْمُوصى لَهُ سَبْعَة من اثْنَي عشر وَمَا بَقِي فللابن الَّذِي لم يوص لَهُ بِسَهْم قَالَ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَوْلنَا
وَقَالَ فِي الْجَامِع الصَّغِير إِذا أوصى لوَارث ولأجنبي بِوَصِيَّة جَازَت وَصِيَّة الْأَجْنَبِيّ وَبَطلَت وَصِيَّة الْوَارِث
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا أوصى الْوَارِث لأجنبيين وَلم يسع ذَلِك الثُّلُث فَإِن لم يتْرك وَارِثا غير الَّذِي أوصى لَهُ بُدِئَ بالأجنبيين فِي الْوَصِيَّة فِي الثُّلُث وَلم يحاصهم الْوَارِث بِشَيْء وَلَو كَانَ مَعَ الْوَارِث وَارِث غَيره يحاص الْوَارِث الَّذِي أوصى لَهُ والأجنبيون فِي الثُّلُث فَمَا صَار للأجنبيين من المحاصة أسلم إِلَيْهِم وَمَا صَار للْوَارِث من ذَلِك فَإِن شريكيه فِي الْمِيرَاث يخيرون فَإِن شاؤوا أنفذوه لَهُ وَإِن شاؤوا ردوا فَيكون مِيرَاثا بَينهم وَمذهب الْحسن بن حَيّ يدل على أَنه إِذا أوصى لوَارث ولأجنبي أَن الْأَجْنَبِيّ لَا يحاصه الْوَارِث وَيكون الْوَارِث كمن لم يوص لَهُ(5/38)
وَقَالَ اللَّيْث فِيمَن أوصى لوَارث بسدس مَاله وَأوصى لأَجْنَبِيّ بِثلث مَاله فَلم تجز الْوَرَثَة للْوَارِث ذَلِك السُّدس فللموصى لَهُ بِالثُّلثِ ثلث المَال بعد ذَلِك السُّدس فَيكون ذَلِك السُّدس ردا على الْوَرَثَة
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي فِيمَن أوصى لوَارث ولأجنبي فَلم يجيزوا فللأجنبي النّصْف وَيسْقط النّصْف
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْوَصِيَّة للْوَارِث إِذا لم تجزها الْوَرَثَة فَهِيَ كَالْوَصِيَّةِ فَلَا يجوز أَن يحاص الْأَجْنَبِيّ فِيمَا أوصى لَهُ بِهِ
2178 - فِيمَن اوصى لِقَرَابَتِهِ
قَالَ وَإِذا أوصى بِثلث مَاله لِذَوي قرَابَته فَإِن أَبَا حنيف وَزفر قَالَا ذُو الْقَرَابَة كل ذِي رحم محرم مِمَّن لَا يَرِثهُ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب الرِّجَال وَالنِّسَاء فِيهِ سَوَاء وَأَقلهمْ اثْنَان فَصَاعِدا فَإِن كَانَ لَهُ عمان وخالان وَابْن فَالْوَصِيَّة للعمين دون الخالين فَإِن كَانَ عَم وَاحِد وخالان فَالْوَصِيَّة بَينهم للعم نصفه وللخالين مَا بَقِي فَإِن أوصى لذِي قرَابَته فَهَذَا على وَاحِد وَإِن كَانَ لَهُ عَم وخالان فَالْوَصِيَّة للعم
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا أوصى لِذَوي قرَابَته أَو لأقربائه فَهَذَا على بني الْأَب الَّذين ينسبون إِلَيْهِ من قبل الرِّجَال أَو النِّسَاء أقْصَى أَب فِي الْإِسْلَام كَانُوا ذَوي رحم محرم مِنْهُ أَو لم يَكُونُوا الْأَقْرَب والأبعد فِيهِ سَوَاء
وَرُوِيَ عَن زفر من غير جِهَة الْحسن أَن الْوَصِيَّة لمن قرب من قبل الْأُم أَو الْأَب دون الْأَبْعَد وَسَوَاء فِيهِ الرَّحِم الْمحرم وَغَيره(5/39)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا يدْخل فِي الْأَقَارِب إِذا أوصى لِقَرَابَتِهِ إِلَّا من كَانَ من قبل الْأَب الْعمة وَابْنَة الْأَخ وَمن أشبههما وَيبدأ بالفقراء حَتَّى يغنوا ثمَّ يُعْطوا الْأَغْنِيَاء
وَقَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث إِذا أوصى للأقربين قسم على أقرابئه كلهم مَا كَانَ من عَم وخال كل من بَينه وَبَينه قرَابَة وَيكون الْقسم فِي ذَلِك وَاجِبا لَا يفضل بَعضهم على بعض وَإِن كَانَ بَعضهم احوج من بعض
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا قَالَ ثُلثي لقرابتي أَو لذِي رحمي أَو لأرحامي فَسَوَاء من قبل الْأَب وَالأُم وأبعدهم وأقربهم فَإِن كَانَ من قُرَيْش أعطي بقرابته الْمَعْرُوفَة عِنْد الْعَامَّة الَّتِي ينْسب إِلَيْهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} الْأَنْفَال 41 وَقَالَ {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى فَللَّه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} الْحَشْر 7 وَلما قسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سهم ذَوي الْقُرْبَى أعْطى بني هَاشم وَبني الْمطلب وَأكْثر بني هَاشم فليسو ذَوي رحم محرم مِنْهُ وَبني الْمطلب كلهم غير ذَوي رحم محرم مِنْهُ فَثَبت بذلك فَسَاد قَول من اعْتبر ذَوي الرَّحِم الْمحرم وَفَسَد بذلك أَيْضا قَول من اعْتبر الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَإِن كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطى بني هَاشم جَمِيعًا وَبَعْضهمْ أقرب إِلَيْهِ من بعض وَأعْطى بني الْمطلب وَبَنُو هَاشم أقرب إِلَيْهِ مِنْهُم
وَثَبت بِهِ أَيْضا فَسَاد قَول من جعل أهل الْحَاجة مِنْهُم أولى لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الله عَلَيْهِ وَسلم قد عَم بعطيته بني هَاشم وَفِيهِمْ أَغْنِيَاء(5/40)
وَكَانَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ فِي ذَلِك أولى عندنَا بِالْحَقِّ
فَإِن قيل فقد أعْطى هَؤُلَاءِ قرَابَته من قبل الْأُم وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُعْط قرَابَته من قبل أمه
قيل لَهُ هُوَ كَمَا ذكرت وَذَلِكَ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يعم بعطيته سهم ذَوي الْقُرْبَى قراباته كلهم وَإِنَّمَا أعْطى بَعضهم لِأَن الله تَعَالَى قد جعل لَهُ أَن يُعْطي من شَاءَ مِنْهُم وَيتْرك البَاقِينَ وَإِن كَانُوا أقرباءه
2179 - فِيمَن أوصى بِوَصِيَّة إِن مَاتَ فِي سفرة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا أوصى فَذكر فِي مَرضه أَو فِي سَفَره فَرجع من ذَلِك السّفر أَو برأَ من ذَلِك الْمَرَض بطلت الْوَصِيَّة وَإِن جعلهَا مُبْهمَة فَمَتَى مَاتَ فَهِيَ جَائِزَة من ثلثه وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَرُوِيَ عَن الثَّوْريّ نَحوه
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الرجل يكْتب وَصيته فِي سَفَره أَو مَرضه ويضعها على يَدي رجل ثمَّ يقدم من سَفَره أَو يبرأ من مَرضه فيقبضها مِمَّن هِيَ عِنْده فَيَمُوت فتؤخذ الْوَصِيَّة بِحَالِهَا أَو تقوم الْبَيِّنَة بهَا فَإِنَّهَا لَا تنفذ لِأَنَّهُ قد أَخذهَا
قَالَ وَلَو قَالَ فِي وَصيته إِن حدث بِي حدث من مرضِي أَو سَفَرِي هَذَا فلفلان كَذَا وَفُلَان عَبدِي حر وَكتب هَذَا وَهُوَ مَرِيض فبرأ من مَرضه وَقدم من سَفَره فَأقر وَصيته بِحَالِهَا فَمَتَى مَاتَ فَهِيَ جَائِزَة وَإِن برأَ من مَرضه وَقدم من سَفَره مَا لم ينقضها وَإِن لم يكن كتب ذَلِك وَلكنه قَالَ إِن حدث من سَفَرِي هَذَا أَو من مرضِي هَذَا وَأشْهد على ذَلِك فَإِذا صَحَّ من مَرضه ذَلِك أَو قدم من سَفَره ثمَّ مَاتَ فَإِن ذَلِك بَاطِل لَا يجوز
وَقَالَ اللَّيْث إِذا قَالَ إِن حدث بِي حدث فِي سَفَرِي هَذَا أَو مرضِي هَذَا ثمَّ يقدم أَو يبرأ فقد بطلت الْوَصِيَّة(5/41)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يَخْتَلِفُوا أَنه إِذا لم يَكْتُبهَا كَانَت مَوْقُوفَة على الشَّرْط الَّذِي اشْتَرَطَهُ كَذَلِك إِذا كتبهَا لِأَن الْوَصِيَّة إِنَّمَا تصح بالْقَوْل لَا بِالْكِتَابَةِ
2180 - فِي الْوَصِيَّة بِمَا بَقِي
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا كَانَ لَهُ ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم كل ألف فِي كيس على حِدة فَقَالَ قد أوصيت لهَذَا بِمَا بَقِي من هَذِه الْألف بِعَيْنِه ثمَّ أوصى لرجل آخر بِأَلف أُخْرَى كَانَت الْألف الثَّانِيَة جَائِزَة لصَاحِبهَا وَلَيْسَ لصَاحب مَا بَقِي شَيْء
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم فِي رجل أوصى فَقَالَ لفُلَان عشرَة دَنَانِير وَلفُلَان مَا بَقِي من ثُلثي فَمَاتَ صَاحب الْعشْرَة قبل الْمُوصي فَإِن علم الْمُوصي فَالثُّلُث كُله لَهُ وَإِن لم يعلم أعطي مَا بعد ذَلِك وَلم يروه عَن مَالك
وَقَالَ اللَّيْث إِذا قَالَ إِن مت فغلامي فلَان وَفُلَان حران وَمَا بَقِي من ثُلثي لفُلَان ثمَّ يَمُوت أحد الغلامين أَو كِلَاهُمَا فَإِنَّهُمَا يقومان قيمَة فِي ثلثه ثمَّ تطرح تِلْكَ الْقيمَة وَيكون مَا بَقِي من الثُّلُث بعد الْقيمَة للْمُوصى لَهُ
وروى الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي وَلَو أَن رجلا قد حج فَقَالَ احجوا عني رجلا بِمِائَة دِرْهَم واعطوا مَا بَقِي من ثُلثي لفُلَان وَأوصى بِثلث مَاله لرجل بِعَيْنِه فللموصى لَهُ بِالثُّلثِ نصف الثُّلُث وللحاج وللموصى لَهُ بِمَا بَقِي من الثُّلُث نصف الثُّلُث ويحج عَنهُ رجل بِمِائَة
قَالَ الشَّافِعِي وَلَو أوصى لرجل بِشَيْء وَقَالَ مَا فضل من ثُلثي لفُلَان جَازَ فَإِن هلك ذَلِك الشَّيْء كَانَ من مَال الْمُوصى لَهُ بِهِ وَقوم من الثُّلُث ثمَّ أعْطى الَّذِي أوصى لَهُ بِفضل الثُّلُث مَا فضل عَنهُ كَمَا لَو سلم فَدفع
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله بِمَا بَقِي من الثُّلُث يحْتَمل أَن يُرِيد بعد الْوَصَايَا وَيحْتَمل أَن يكون مُرَاده بعد لتسمية للْأولِ وَإِن لم يثبت لَهُ كَمَا لَو أوصى لرجل بِثَلَاثَة ارباع الثُّلُث وَلآخر بِالربعِ(5/42)
فَلَمَّا كَانَ لَو قَالَ قد أوصيت بِمَا بَقِي من الثُّلُث وَلم يوص للْآخر بِشَيْء اسْتحق الثُّلُث علمنَا أَن الْمُوصى لَهُ يسْتَحق كل الثُّلُث إِلَّا مَا يسْتَحق عَلَيْهِ بِوَصِيَّة يسلم للْمُوصى لَهُ
2181 - فِي الرجل يُوصي لعَبْدِهِ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَالْحسن ن حَيّ إِذا أوصى لعَبْدِهِ بِثلث مَاله فَإِنَّهُ يعْتق رقبته من الثُّلُث وَإِن بَقِي من الثُّلُث شَيْء أعطي
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي رجل أوصى لعَبْدِهِ بِثلث مَاله فَلَا شَيْء لَهُ وَهُوَ للْوَرَثَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْوَصِيَّة تمْلِيك مثل الْهِبَة وَالصَّدَََقَة بل الْوَصِيَّة آكِد لِأَنَّهَا تصح غير مَقْبُوضَة وَلَو وهب لعَبْدِهِ نَفسه أَو تصدق بهَا عَلَيْهِ عتق كَذَلِك إِذا أوصى بِهِ لنَفسِهِ بِالْوَصِيَّةِ
2182 - فِي الْوَصِيَّة لبني فلَان وَله ولد ولد
قَالَ بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أوصى بِثلث مَاله لبني فلَان وَلَا ولد لَهُ لصلبه فَإِنَّهُ يُعْطي ولد وَلَده من قبل الرِّجَال وَلَا يُعْطي ولد وَلَده من قبل الْبَنَات
وَقَالَ فِي الأَصْل إِذا أوصى لبني فلَان وَله بنُون وَبَنَات وَمَات فَالْوَصِيَّة للذكور دون الْإِنَاث فِي قَول أبي حنيفَة وَكَذَلِكَ إِن كَانَ فلَان حرا(5/43)
وَلَا يدْخل فِيهِ الْبَنَات وَلَا بَنَات الابْن وَلَو قَالَ لولد فلَان دخل فِيهِ الذُّكُور وَالْإِنَاث فَإِن كَانَ لَهُ ولد لصلبه فَالْوَصِيَّة لولد الابْن الذُّكُور وَالْإِنَاث وَلَيْسَ لولد الْبَنَات شَيْء
وَقَالَ مُحَمَّد فِي السّير الْكَبِير إِذا أَمنهم على أَوْلَادهم لم يدْخل أَوْلَاد الْبَنَات فِيهِ وَدخل فِيهِ أَوْلَاد الْبَنِينَ وَلم يذكر خلافًا
قَالَ الْخصاف فِي كِتَابه فِي الْوُقُوف قَالَ أَبُو حنيفَة فِي رجل أوصى بِثلث مَاله لولد زيد وَلَيْسَ لَهُ ولد لصلبه وَله ولد من أَوْلَاد الذُّكُور وَالْإِنَاث أَن الثُّلُث لولد الذُّكُور دون ولد الْإِنَاث
قَالَ وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن يدْخل الْبَنَات فِيهِ فيكونون أُسْوَة أَوْلَاد الْبَنِينَ وَهَذَا خلاف مَا ذكر مُحَمَّد فِي السّير وَفِي الأَصْل من الْوَصَايَا
وَسمعت بكار بن قُتَيْبَة أَبَا بكرَة يَقُول كَانَ ابْن عَائِشَة يَعْنِي عبيد الله بن مُحَمَّد التَّيْمِيّ يَأْخُذ من وقف لبَعض الهاشميين كَانَ وَقفه على وَلَده وَكَانَت أم ابْن عَائِشَة مِنْهُم فَكَانَ يَأْخُذ بهَا من ذَلِك الْوَقْف حَتَّى أخرجه مِنْهُ عِيسَى بن أبان وَلم ير لَهُ فِيهِ حَقًا بِأُمِّهِ الَّتِي هِيَ من ولد الْوَاقِف
قَالَ بكار وَأنكر أَصْحَابنَا هِلَال وَغَيره يَوْمئِذٍ على عِيسَى ذَلِك ورأوه قد خرج بِهِ من قَول أَصْحَابه إِلَى قَول مخالفهم فَذكرت ذَلِك لعيسى عَنْهُم فَقَالَ مَا خرجت بذلك من قَول أَصْحَابنَا هَذَا قَول مُحَمَّد بن الْحسن(5/44)
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَذكرت أَنا ذَلِك لأبي خازم فَقَالَ لي صدق عِيسَى هَذَا قَول مُحَمَّد بن الْحسن فِي السّير الْكَبِير
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَذكر مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ فِي كِتَابه فِي الْوَقْف وَهُوَ من أَصْحَاب زفر مِنْهُم تعلم وَإِلَى قَوْله يذهب وَلم يحك خلافًا بَين زفر وَأبي حنيفَة أَنه إِذا أوقف وَقفا على وَلَده أَنه يدْخل فِيهِ وَلَده وَولد وَلَده مَا تَنَاسَلُوا الْبَطن الْأَعْلَى والأسفل وَيدخل فِيهِ ولد الذُّكُور وَولد الْإِنَاث مَا تَنَاسَلُوا
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا قَالَ دَاري حبيس على وَلَدي فَإِن ولد الْوَلَد يدْخلُونَ مَعَ الْآبَاء وبدئ بِالْآبَاءِ
وَإِن قَالَ وَلَدي وَولد وَلَدي دخلُوا أَيْضا وبدئ بِالْوَلَدِ وَكَانَ لَهُم الْفضل إِن كَانَ فضلا قَالَ وَكَانَ الْمُغيرَة وَغَيره يُسَوِّي بَينهم
قَالَ مَالك إِذا قَالَ حبيس على وَلَدي فَهِيَ لوَلَده وَولد وَلَده وَلَيْسَ لولد الْبَنَات شَيْء قَالَ الله تَعَالَى {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم} النِّسَاء 11 وَأجْمع النَّاس على أَنه لَا يقسم لولد الْبَنَات شَيْء إِذا لم يكن ولد لصلبه وَإِن بني الْبَنِينَ وَالْبَنَات يقسم لَهُم ويحجبون من كَانَ يحجب من كَانَ فَوْقهم
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا قَالَ ثُلثي لبني فلَان فَلَيْسَ لبني الْبَنَات شَيْء إِنَّمَا هُوَ لبني بنيه وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّيْث
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن يدْخل ولد الْبَنَات
ومسائل الشَّافِعِي تدل على أَن ولد الْبَنَات يدْخلُونَ فِي ذَلِك لِأَنَّهُ يعْتق عَلَيْهِ إِذا ملكهن لولد الْبَنِينَ(5/45)
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} النِّسَاء 1
وَأَجْمعُوا أَن ولد الْبَنِينَ يدْخلُونَ فِي ذَلِك إِذا لم يكن ولد لصلبه
وَأَجْمعُوا أَن ولد الْبَنَات لَا يدْخلُونَ وَلَا دلَالَة فِيهِ على أَنهم لَيْسُوا من أَوْلَاده لِأَن الْكفَّار وَالْعَبِيد من أَوْلَاده لصلبه لَا يدْخلُونَ فِي الْمِيرَاث وَلَا يدل على أَنهم لَيْسُوا وَلَده
وَقد روى إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن هَانِئ بن هَانِئ عَن عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ ولد لي غُلَام فسميته حَربًا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مَا سميت ابْني قلت سميناه حَربًا قَالَ هُوَ حسن وَقَالَ فِي الْحُسَيْن مثل ذَلِك
وروى الْأَشْعَث عَن الْحسن عَن أبي بكرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
إِن ابْني هَذَا سيد وَإِنِّي لأرجو أَن يصلح الله بِهِ بَين فئتين من أمتِي يَعْنِي الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا
وروى عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد عَن أَبِيه قَالَ خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إِحْدَى صَلَاتي الْعشَاء وَهُوَ حَامِل أحد ابنيه الْحسن أَو أَو الْحُسَيْن فَتقدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوضع الْغُلَام عِنْد قدمه الْيُمْنَى فَسجدَ بَين ظهراني صلَاته سَجْدَة أطالها فَرفعت رَأْسِي فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ساجد وَإِذا الْغُلَام رَاكب ظَهره فعدت فسجدت فَلَمَّا صلى قَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّك سجدت بَين ظهراني صَلَاتك سَجْدَة أطلتها أَشَيْء أمرت بِهِ أم كَانَ يُوحى إِلَيْك قَالَ كل ذَلِك لم يكن وَلَكِن ابْني ارتحلني فَكرِهت أَن أعجله حَتَّى يقْضِي من حَاجته فَسمى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن ابْنَته ابْنا فِي هَذِه الْأَخْبَار(5/46)
2183 - فِي الرجل يُوصي لبني فلَان هَل تدخل فِيهِ الْإِنَاث
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا قَالَ ثلث مَالِي لبني فلَان وَله بنُون وَبَنَات فَالثُّلُث للبنين دون الْبَنَات إِلَّا أَن يكون فلَان فخذا أَو قَبيلَة تحصى فَيكون للذكور وَالْإِنَاث وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وروى يُوسُف بن خَالِد السَّمْتِي عَن أبي حنيفَة فِي رجل قَالَ ثلث مَالِي لبني فلَان وَله بنُون وَبَنَات أَن الثُّلُث لَهُم جَمِيعًا وهم فِيهِ سَوَاء
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الذّكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء وَهُوَ قَول عُثْمَان البتي وَالثَّوْري
وروى الْمعَافى عَن الثَّوْريّ إِذا أوصى بِثُلثِهِ لإخوة فلَان فَهُوَ للذكور دون الْإِنَاث
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا كَانَ فلَان فخذا جَازَ أَن يُقَال للْمَرْأَة هِيَ من بني فلَان فَدخلت فِي الْوَصِيَّة وَإِذا لم يكن فخذا أَو كَانُوا لصلبه لم يجز أَن يُقَال للْمَرْأَة هَذِه من بني فلَان إِلَّا أَنه إِذا اجْتمع الذُّكُور وَالْإِنَاث جَازَ أَن يُقَال هَؤُلَاءِ بَنو فلَان فَالْقِيَاس أَن يدْخل فِيهِ الذُّكُور وَالْإِنَاث
2184 - فِي الْوَصِيَّة بِالنَّفَقَةِ
روى الْحسن عَن أبي حنيفَة وَزفر وَهُوَ رِوَايَة مُحَمَّد أَيْضا عَن أبي حنيفَة وَقَول مُحَمَّد إِن الْوَصِيَّة بِالنَّفَقَةِ مَا عَاشَ إِذا لم يشترطها من الثُّلُث فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْوَصِيَّة بِجَمِيعِ المَال فَإِن أجازها الْوَرَثَة وقف جَمِيع(5/47)
المَال عَلَيْهِ إِلَى أَن يَمُوت وَإِن أوصى بوصايا مَعَ ذَلِك ضرب الْمُوصى لَهُ بِالنَّفَقَةِ بِالثُّلثِ وَالْمُوصى لَهُ بِالثُّلثِ بِالثُّلثِ أَيْضا فَيكون الثُّلُث نِصْفَيْنِ إِن لم تجز الْوَرَثَة
وَفِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد يكون الثُّلُث بَينهمَا على أَرْبَعَة يضْرب الْمُوصى لَهُ بِالنَّفَقَةِ بِجَمِيعِ المَال وَالْآخر بِالثُّلثِ
وَقَالَ الْحسن وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن كَانَ الثُّلُث كثيرا حبست لصَاحب النَّفَقَة بِالْعشرَةِ دَرَاهِم كل شهر قدر عمر الْإِنْسَان من أهل ذَلِك الزَّمَان وأقصى مَا يُوقف لَهُ قدر تَمام مائَة سنة من وَقت مولده فَإِن كَانَ الْمُوصى لَهُ ابْن أَرْبَعِينَ سنة حسب مَا يُصِيبهُ فِي سِتِّينَ سنة كل شهر عشرَة دَرَاهِم فَيُوقف ذَلِك لَهُ وَيرد مَا بَقِي على الْوَرَثَة وَيُؤْخَذ مِنْهُم كَفِيل وَينْفق على الرجل مِمَّا عزل فَإِن مَاتَ الْمُوصى لَهُ قبل أَن يستكمل مَا عزل لَهُ رد مَا بَقِي على الْوَرَثَة وَإِن بَقِي حَتَّى ينْفق عَلَيْهِ ذَلِك وينفد أَخذ من الْوَرَثَة عشرَة كل شهر وَأنْفق عَلَيْهِ حَتَّى يستكمل الثُّلُث أَو يَمُوت
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا قَالَ أَنْفقُوا على فلَان عشر سِنِين فعزلت لَهُ نَفَقَة عشر سِنِين ثمَّ مَاتَ الْمُوصى لَهُ قبل أَن ينْفق رَجَعَ ذَلِك إِلَى وَرَثَة الْمُوصي
وَقَالَ أَشهب عَن مَالك فِيمَن أوصى بوصايا وَأوصى لنفر خَمْسَة بنفقتهم مَا عاشوا فَإِنَّهُ يعمر كل وَاحِد من الْخَمْسَة سبعين سنة سبعين سنة من وَقت مولده من كَانَ مِنْهُم ابْن عشر سِنِين حبس لَهُ نَفَقَة سِتِّينَ سنة وَمن كَانَ(5/48)
أقل أَو أَكثر فعلى هَذَا لِأَنِّي أرى السّبْعين من أَعمار النَّاس الْيَوْم فَكلما مَاتَ مِنْهُم وَاحِد رد نصِيبه على أهل الْوَصَايَا حَتَّى يموتوا فَإِذا مَاتُوا وَمَعَهُمْ أهل وَصَايَا رد ذَلِك على أهل الْوَصَايَا حَتَّى يستوفوها فَإِذا فضل شَيْء رد على وَرَثَة الْمَيِّت
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا أوصى لفُلَان بِمِائَة وَلفُلَان عشرَة كل شهر فَإِنَّهُمَا يتحاصان يضْرب الْمُوصى لَهُ بِالْمِائَةِ بِمِائَة وَالْمُوصى لَهُ بِالْعشرَةِ يضْرب فِي أول شهر بِعشْرَة فيعطي حصتهم وَيدْفَع مَا بَقِي إِلَى الْمُوصى لَهُ بِالْمِائَةِ فَإِذا كَانَ الشَّهْر الثَّانِي ضرب بِعشْرين وَضرب صَاحب الْمِائَة بِمِائَة وَحسب على صَاحب الْعشْرَة مَا أَخذ فِي الشَّهْر الأول وَكَذَلِكَ يقسم بَينهمَا فِي كل شهر
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ الْمُوصى لَهُ بِالنَّفَقَةِ بِمَنْزِلَة الْمُوصى لَهُ بِجَمِيعِ المَال فَيضْرب مَعَ صَاحب الثُّلُث فِي الثُّلُث بذلك
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أوصى بِثلث مَاله وَلآخر أَن ينْفق عَلَيْهِ مَا عَاشَ وَالثلث مائَة دِينَار قسم الْمِائَة بَينهمَا فَإِن مَاتَ قبل أَن يَسْتَوْفِيه رد مَا بَقِي على الآخر
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالْقِيَاس أَن يُوقف عَلَيْهِ بِمِقْدَار مَا يعِيش مثله فِي الْعَادة وَلَا يجوز أَن يُوقف عَلَيْهِ لما يعلم أَنه لَا يعِيش إِلَى مثله
فَإِن قيل يجوز أَن يهْلك المَال الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فَيحْتَاج أَن يعود إِلَى مَا أَخذه الْوَرَثَة
قيل لَهُ لَا يجوز ذَلِك لِأَن الْقِسْمَة قد صحت فِيمَا عزل فَيكون بِمَنْزِلَة مَا قد أوصى بِهِ بِعَيْنِه(5/49)
وَأما قَول عُثْمَان البتي فَلَا معنى لَهُ لِأَنَّهُ إِن وَجب أَن لَا يضْرب للْمُوصى لَهُ بِالنَّفَقَةِ إِلَّا بِنَفَقَة الشَّهْر الْوَاحِد الَّذِي يسْتَحقّهُ فَيَنْبَغِي أَن لَا يضْرب الْمُوصى لَهُ بِالثُّلثِ إِلَّا الْقدر الَّذِي يسْتَحقّهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَاحِد مِنْهُمَا أولى بِالِاحْتِيَاطِ لَهُ من الآخر
2185 - فِي الْوَصِيَّة للجيران
قَالَ مُحَمَّد إِذا أوصى لجيرانه فَالْقِيَاس أَن يكون لجيرانه الملاصقين دون غَيرهم وَهُوَ قَول أبي حنيفَة فِيمَا رُوِيَ عَنهُ وَيكون للسكان والملاك
قَالَ مُحَمَّد وَإِنَّمَا أستحسن أَن أجعله لجَمِيع من يجمعه مَسْجِد الْمحلة الَّتِي فِيهَا الْمُوصي من الملاصقين وَغَيرهم والملاك والسكان فِيهِ سَوَاء وَلَا يدْخل فِيهِ الرَّقِيق
وَقَالَ بشر عَن أبي يُوسُف الْجِيرَان الَّذين تجمعهم محلّة وَاحِدَة أَو مَسْجِد وَاحِد فَإِن تفَرقُوا فِي مسجدين فهم أهل محلّة وَاحِدَة إِذا كَانَ المسجدان متقاربين فَأَما إِذا تبَاعد مَا بَينهمَا وَكَانَ كل مَسْجِد عَظِيما جَامعا فَكل أهل مَسْجِد جيران دون الآخرين وَأما الْأَمْصَار الَّتِي فِيهَا الْقَبَائِل فالجيران على الأفخاذ دون الْقَبَائِل وَإِن كَانَ أَهلهَا من قبائل شَتَّى غير أَن الْفَخْذ الَّذِي فِيهِ الدّور يجمعهُمْ فَهَؤُلَاءِ جيران
وَقَالَ الْحسن عَن زفر فِي رجل أوصى لجيرانه قَالَ فجيرانه كل حَدِيد لداره سَاكن أَو مَالك للدَّار
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي وأقصى الْجوَار أَرْبَعُونَ دَارا من كل نَاحيَة(5/50)
قَالَ أَبُو جَعْفَر تَوْقِيت دور بِعَينهَا لَا معنى لَهُ لِأَن التَّوْقِيت فِي مثله لَا يثبت إِلَّا بالتوقيف
وَقَول من اعْتبر الْجَار الملاصق فَاسد أَيْضا لِأَنَّهُ روى عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت يَا رَسُول الله إِن لي جارين فَإلَى أَيهمَا أهدي قَالَ أقربهما مِنْك بَابا
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِذا اجْتمع الداعيان فأجب أقربهما بَابا فَإِن أقربهما بَابا أقربهما جوارا
فَلم يعْتَبر الملاصقة وَاعْتبر الْقرب بِالْبَابِ مَعَ كَونهمَا جارين فَالْقَوْل مَا قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لِأَنَّهُ فِي الْعَادة كَذَلِك
2186 - فِي الْوَصِيَّة للأرامل
قَالَ مُحَمَّد إِذا أوصى لأرامل بني فلَان والأرامل من النِّسَاء وَهِي الَّتِي قد أرملت من زَوجهَا وَمَالهَا وَهِي بَالِغَة فَإِن كن يحصين أعطين وَإِن لم يحصين أعطي الْفُقَرَاء مِنْهُنَّ
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف فِي الْإِمْلَاء مثل قَول مُحَمَّد إِلَّا أَنه قَالَ على الفقيرة والموسرة
وَقَالَ الْمعَافى عَن الثَّوْريّ إِذا قَالَ ثلث مَالِي لأرامل بني فلَان فالذكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء وَذكر ذَلِك عَن الشّعبِيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سماك بن حَرْب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ(5/51)
قدمت عبر الْمَدِينَة فَاشْترى مِنْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَتَاعا فَبَاعَهُ بِرِبْح أَوَاقٍ فضَّة فَتصدق بهَا على أرامل بني عبد الْمطلب ثمَّ قَالَ لَا أَعُود أَن أَشْتَرِي بعْدهَا شَيْئا وَلَيْسَ ثمنه عِنْدِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَإِنَّمَا أَرَادَ بذلك النِّسَاء من بني عبد الْمطلب اللائي أنسابهن فِي غَيرهم وَلم يرد الرِّجَال الَّذين لَا تحل لَهُم الصَّدَقَة لِأَنَّهُ تصدق من الرِّبْح فَحصل لَهُ قبل أَن يُؤَدِّي عَنهُ كَمَا يتَصَدَّق بِرِبْح مَا لم يضمن
قَالَ وَإِنَّمَا سميت أرملة وَسمي الرجل أرمل لذهاب زادهما وإفضائهما إِلَى الرمل حَتَّى صَارا لَا يحجبهما عَنهُ شَيْء
قَالَ أَبُو بكر كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {أَو مِسْكينا ذَا مَتْرَبَة} الْبَلَد 16 فَأفَاد لفظ الأرملة شَيْئَيْنِ فقد الزَّوْج وَالْمَال فَإِن كَانَ لَهَا زوج ينْفق عَلَيْهَا فَلَيْسَتْ أرملة إِن كَانَ لَهَا مَال وفقدت زَوجهَا فَلَيْسَتْ أرملة لوُجُود مَا يمْنَعهَا من هَذِه الصّفة فَدلَّ على صِحَة قَول مُحَمَّد غير قَول أبي يُوسُف
وَأما قَول من قَالَ يدْخل فِيهِ الرِّجَال فَلَا معنى لَهُ أَيْضا لِأَن الأرامل جمع أرملة كَمَا أَن الأنامل جمع أُنْمُلَة وَجمع أرمل رمل كَمَا يُقَال أَخْضَر وخضر وأحمر وحمر
2187 - فِي الْوَصِيَّة لرجل بِذِي رحم محرم مِنْهُ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد وَأَبُو يُوسُف إِذا أوصى لرجل بأَخيه أَو امْرَأَته ثمَّ مَاتَ لم يعْتق العَبْد وَلم يفْسد النِّكَاح حَتَّى يقبل الْمُوصى لَهُ الْوَصِيَّة
وَقَالَ زفر وَمَالك وَالثَّوْري يعْتق قبل أَو لم يقبل(5/52)
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا وهب لصبي من يعْتق عَلَيْهِ أَو أوصى لَهُ بِهِ وَله وَصِيّ كَانَ عَلَيْهِ قبُوله وَيعتق عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اتَّفقُوا على أَن الْمُوصى لَهُ بِالْمَالِ إِذا رد الْوَصِيَّة بطلت وَكَانَت كَالْهِبَةِ لَا تملك إِلَّا بِالْقبُولِ كَسَائِر عُقُود التمليكات
2188 - فِي الْوَصِيَّة بِجَمِيعِ المَال لمن لَا وَارِث لَهُ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا لم يكن لَهُ وَارِث فأوصى بِجَمِيعِ مَاله جَازَ وَهُوَ قَول شريك بن عبد الله
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ لَا تجوز وَصيته إِلَّا فِي الثُّلُث
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الشّعبِيّ وَغَيره عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل قَالَ قَالَ عبد الله بن مَسْعُود لَيْسَ من حَيّ الْعَرَب أَحْرَى أَن يَمُوت الرجل مِنْهُم وَلَا يعرف لَهُ وَارِث مِنْكُم معشر هَمدَان فَإِذا كَانَ كَذَلِك فليضع مَاله حَيْثُ أحب وَلَا نعلم لَهُ مُخَالفا من الصَّحَابَة
وَأَيْضًا فَإِن الْمُسلمين لَا يسْتَحقُّونَ مَاله بعد مَوته على سَبِيل الْمِيرَاث لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لما جَازَ أَن يسْتَحقّهُ الرجل مَعَ أَبِيه لِأَن الْأَب وَالْجد لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مِيرَاث وَاحِد فَعلمنَا أَنهم لَا يستحقونه على جِهَة الْمِيرَاث وَإِنَّمَا يعطيهم الإِمَام من جِهَة أَنه مَال لَا مَالك لَهُ وَكَانَ للْإِمَام أَن يَضَعهُ حَيْثُ يرى فمالكه أولى بذلك من الإِمَام لِأَنَّهُ كَانَ مَالِكًا لَهُ إِلَى أَن توفّي أَلا ترى أَنه إِذا كَانَ لَهُ وَارِث فأوصى بِأَكْثَرَ من الثُّلُث أَنه إِذا لم تجزه الْوَرَثَة رد إِلَيْهِ مَا زَاد(5/53)
لِأَنَّهُ يَأْخُذهُ مِيرَاثا فَإِذا لم يكن مِيرَاث فَالْوَصِيَّة جَائِزَة كالثلث الَّذِي لَا يُورث إِذا أوصى بِهِ
وَأَيْضًا فللإمام أَن يَجعله لرجل من الْمُسلمين فالموصي بذلك أولى مِنْهُ كَمَا كَانَ فِي حَال الْحَيَاة
2189 - فِي عتق النَّسمَة عَن الْمَيِّت
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا أوصى بِأَن يعْتق عَنهُ نسمَة من ثلث مَاله وَمَاله ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم فَاشْترى الْوَصِيّ عبدا بِأَلف دِرْهَم وَأعْتقهُ وَأعْطى الْوَرَثَة الْأَلفَيْنِ ثمَّ لحق الْمَيِّت دين فَإِنَّهُ يُؤْخَذ من الْوَرَثَة مَا قبضوا حَتَّى يقْضِي الدّين وَيضمن الْوَصِيّ الثّمن الَّذِي دَفعه وَيكون الْعتْق عَن الْوَصِيّ
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره ابْن الْقَاسِم عَنهُ إِن لحقه دين يسْتَغْرق جَمِيع مَاله رد العَبْد فِي الرّقّ وَإِن لم يستغرقه عتق مِنْهُ بِقدر الثُّلُث بعد الدّين وَلَا يضمن الْوَصِيّ شَيْئا إِذا لم يعلم بِالدّينِ وَلم نجد عَن الشَّافِعِي شَيْئا مَنْصُوصا وَقِيَاس قَوْله أَن يضمن الْوَصِيّ وَلَا يخْتَلف فِيهِ حكم الْعلم وَالْجهل
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما اتَّفقُوا على أَن الْوَصِيّ لَو كَانَ عَالما بِالدّينِ ضمن مَا دَفعه من مَال الْمَيِّت فِي ثمن النَّسمَة كَذَلِك إِذا لم يعلم لِأَن حُقُوق الْآدَمِيّين لَا يخْتَلف فِي ضَمَانهَا حكم الْجَهْل وَالْعلم
وَقد قَالَ مَالك إِذا أَخطَأ القَاضِي فَقتل رجلا بِشَهَادَة عَبْدَيْنِ أَنه يضمن وَإِن لم يتَعَمَّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا كَانَ القَاضِي أَو أَمِينه أعتق ثمَّ لحق الْمَيِّت دين بَطل الْعتْق وَبيع فِي الدّين لِأَن القَاضِي لَا يلْحقهُ ضَمَان فِيمَا تصرف فِيهِ من جِهَة الحكم فَلَا يكون مُشْتَريا لنَفسِهِ وَلَا ينفذ عتقه لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصِيَّة للْمَيت(5/54)
2190 - فِي أُمَّهَات الْأَوْلَاد هَل يدخلن فِي الموَالِي
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد فِي رجل أوصى بِثلث مَاله لمواليه لم تدخل فِيهِ أُمَّهَات أَوْلَاده وَلَا مدبروه وَإِنَّمَا يدْخل فِيهِ من عتق مِنْهُم قبل مَوته
وروى بشر عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ تدخل فِيهِ أُمَّهَات أَوْلَاده ومدبروه وكل من عتق بِمَوْتِهِ ثمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُف فَقَالَ لَا يدخلن إِلَّا من عتق قبل مَوته
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك تدخل أُمَّهَات أَوْلَاده ومدبروه وَهُوَ قَول اللَّيْث
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْوَصِيَّة إِنَّمَا تسْتَحقّ بِالْمَوْتِ فَمن لم يكن من موَالِيه فِي تِلْكَ الْحَال وَإِنَّمَا يثبت لَهُ الْوَلَاء بعد ذَلِك فَلَا يدْخل فِي الْوَصِيَّة
2190 - م فِي الْوَصِيَّة للموالي
قَالَ مُحَمَّد فِي الْجَامِع وَلم يذكر خلافًا فِي رجل عَرَبِيّ أوصى لمواليه وَله موَالِي أعتقهم وَلَهُم أَوْلَاد وموالي أعتقهم موَالِيه فَالْوَصِيَّة لمواليه الَّذين أعتقهم ولأولادهم وَلَا شَيْء مِنْهَا لموَالِي موَالِيه وَلَو لم يكن لَهُ موَالِي أعتقهم وَلَا أَوْلَادهم قد مَاتُوا وَله موَالِي أعتقهم موَالِيه فَالْوَصِيَّة لموَالِي موَالِيه وَإِن لم يكن وَاحِد من هَؤُلَاءِ وَكَانَ لَهُ موَالِي أعتقهم ابْنه وَقد مَاتَ فورث ولاءهم فَلَا شَيْء لهَؤُلَاء وَإِن كَانَ يَرث ميراثهم لأَنهم لَيْسُوا موَالِيه(5/55)
وَقَالَ زفر الْوَصِيَّة لمواليه الَّذين أعتقهم ولموالي أَبِيه إِذا كَانَ قد ورث ولاءهم وَكَذَلِكَ إِن كَانَ لَهُ موَالِي قد مَاتُوا
وَقَالَ بشر عَن أبي يُوسُف فِي رجل عَرَبِيّ أوصى بِثلث مَال لمواليه وَقد أعتق عبدا وَأعْتق عَبده عبدا فَإِن عبد العَبْد الْمُعْتق لَا يدْخل فِي الْوَصِيَّة وَإِن كَانَ الَّذِي أعْتقهُ مَيتا لِأَنَّهُ ينْسب إِلَيْهِ وَإِن كَانَ مَيتا وَإِنَّمَا يَرِثهُ الْمولى الْأَعْلَى لَو كَانَ حَيا بولاء الْمِيرَاث لَا بولاء الْعتْق
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا أوصى بِصَدقَة على موَالِيه دخل فِيهِ كل من يَرِثهُ بِالْوَلَاءِ من موَالِي أَبِيه وَذَوي قرَابَته وَيُعْطِي الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب إِلَّا أَن يكون فِي الأباعد من هُوَ أحْوج من الْأَوَّلين وَيبدأ بِأَهْل الضعْف وَالْحَاجة
وَقَالَ اللَّيْث فِي رجل أعتق عِنْد مَوته رَقِيقا وَأوصى بِبَقِيَّة الثُّلُث لمَوْلَاهُ ولأبيه وَعَمه موَالِي فَالْوَصِيَّة لموَالِي أَبِيه وَعَمه خَاصَّة
وَقَالَ اللَّيْث إِذا قَالَ دَاري حبيس على موَالِي وَله أَوْلَاد موَالِي أَنهم يدْخلُونَ فِي ذَلِك
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي فِي مسَائِل الْحَبْس وَإِن قَالَ موَالِي من أَسْفَل ولولده موَالٍ من أَسْفَل لم يدْخل فِي ذَلِك إِلَّا موَالِيه خَاصَّة وَولد موَالِيه وَلم يدْخل فِي ذَلِك موَالِي موَالِيه
قَالَ أَبُو جَعْفَر ويحتج لمَذْهَب مَالك بِمَا روى ابْن لَهِيعَة عَن ابْن الْهَاد عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لزيد بن حَارِثَة لما اخْتصم هُوَ وَعلي وجعفر فِي ابْنة حَمْزَة أما أَنْت يَا زيد فمولاي مَوْلَاهَا(5/56)
فَأخْبر أَن زيد مَوْلَاهَا وَهِي ابْنة عَمه
قَالَ أَبُو جَعْفَر يَقُول أَصْحَاب الحَدِيث إِن ابْن لَهِيعَة غلط فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث وَإِنَّمَا هُوَ عَن مُحَمَّد بن نَافِع عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ
وَرَوَاهُ إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن هَانِئ وهبيرة عَن عَليّ فِي هَذَا الحَدِيث فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزيد أَنْت أخونا ومولانا
وَهَذَا أولى مِنْهُ لاتصال إِسْنَاده ولفساد حَدِيث ابْن لَهِيعَة وَلِأَن مُحَمَّد بن نَافِع لَعَلَّه لم يُولد فِي حَيَاة عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قصَّة بَرِيرَة إِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق
فنفى ثُبُوت الْوَلَاء لمن لم يعْتق
2191 - فِيمَن أوصى لمواليه وَله موَالِي أَعلَى وموالي أَسْفَل
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا أوصى لمواليه وَله موَالِي أعتقهم وموالي أعتقوه فَالْوَصِيَّة بَاطِلَة حَتَّى يبين لأيهم أوصى
وَذكر ابْن أبي عمرَان أَن أَبَا يُوسُف قَالَ إِن كَانَ الْمُوصي مِمَّن عظم أمره(5/57)
حَتَّى صَار لَهُ موَالِي أعتقهم منسوبين إِلَيْهِ فَالْوَصِيَّة لأولئك دون الَّذين أعتقوه وَذكر الْأنْصَارِيّ عَن أبي حنيفَة وَزفر أَن الْوَصِيَّة بَاطِلَة
وَأَن عُثْمَان البتي وسوار بن عبد الله وَعبيد الله بن الْحسن قَالُوا يُوقف ذَلِك على الموَالِي فَإِن اصْطَلحُوا على أَمر جَازَ وَإِن لم يصطلحوا أوقف ذَلِك
وَلم يحفظ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِيهِ شَيْئا وَقَالَ رَأْيِي أَن يكون للَّذين هم أَسْفَل
وَلم يحفظ عَن الشَّافِعِي شَيْئا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول من جعله للْمولى الْأَسْفَل لَا معنى لَهُ لِأَن الِاسْم يَقع عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا ذَلِك قَضَاء بِالظَّنِّ على مُرَاد الْمُوصي وتخصيصه وَلَا يجوز الْقَضَاء فِي الْأَمْوَال بِالظَّنِّ
وَقَول من قَالَ يُوقف حَتَّى يصطلحوا لَا معنى لَهُ أَيْضا لِأَن الْوَصِيَّة إِنَّمَا تصح بِقبُول الْمُوصى لَهُ إِذا أُشير إِلَيْهِ بِعَيْنِه أَلا ترى أَنه لَو قَالَ قد بِعْت عَبدِي من وَاحِد من فلَان أَو فلَان فاصطلحا على قبُوله لم يَصح وَلَيْسَ ذَلِك مثل الْوَصِيَّة لأحد الْفَرِيقَيْنِ من الموَالِي الأعلين والأسفلين لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ للْوَرَثَة أَن يجعلوها لأي الجنسين شاؤوا وَلم يكن يحْتَاج إِلَى الِاصْطِلَاح
2193 - فِيمَن أوصى لكل وَاحِد من رجلَيْنِ بِثلث مَاله فَيَمُوت أَحدهمَا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا أوصى لرجل بِثلث مَاله ثمَّ أوصى لآخر بِثلث مَاله ثمَّ مَاتَ أَحدهمَا قبل موت الْمُوصي فللثاني مِنْهُمَا جَمِيع الثُّلُث(5/58)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم آخر قَول مَالك فِي ذَلِك إِن نصف الثُّلُث يرجع إِلَى الْوَرَثَة وَكَذَلِكَ قَول اللَّيْث
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَصِيَّة الْمَيِّت بَينهمَا قد بطلت فَكيف يحاص وَرَثَة الْمُوصى لَهُ الْحَيّ بِوَصِيَّة قد بطلت فَوَجَبَ أَن يكون الثُّلُث كُله للحي وَلَا فرق بَين علمه بِمَوْتِهِ وجهله
قَالَ مُحَمَّد فِي إمْلَائِهِ إِذا أوصى بِثُلثِهِ لِرجلَيْنِ وَأَحَدهمَا ميت فللباقي جَمِيع الثُّلُث علم الْمُوصي بِمَوْتِهِ أَو لم يعلم قَالَ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَوْلنَا
وروى بشر عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة مثل ذَلِك
قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا كَانَ مَجْهُول الْمَوْت فللباقي نصف الثُّلُث وَإِذا كَانَ مَعْرُوف الْمَوْت فَهُوَ كَمَا قَالَ أَبُو حنيفَة
2194 - فِي ولد الْمُوصى بهَا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه مَا وَلدته الْأمة الْمُوصى بهَا قبل موت الْمُوصي لَا يدْخل فِي الْوَصِيَّة بِحَال وَمَا وَلدته بعد مَوته قبل الْقِسْمَة فَإِنَّهُ يدْخل فِي الْوَصِيَّة بِالرَّقَبَةِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَيبدأ بِالْأُمِّ من الثُّلُث ثمَّ بِالْوَلَدِ إِن بَقِي من الثُّلُث شَيْء
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَزفر وَمُحَمّد يكون الثُّلُث مِنْهُمَا
وَقَالُوا إِذا أوصى بِعِتْق جَارِيَته ثمَّ مَاتَ فَولدت قبل أَن يعْتق أعتقت دون وَلَدهَا وَلَو أوصى أَن يتَصَدَّق بهَا فَولدت تصدق بِوَلَدِهَا مَعهَا إِذا خرجا من الثُّلُث وَلَو أوصى بِأَن تبَاع من فلَان بِأَلف دِرْهَم فَولدت قبل البيع لم يبع وَلَدهَا مَعهَا وَلَو أوصى أَن تبَاع من فلَان بِأَلف دِرْهَم وَيتَصَدَّق بِثمنِهَا على الْمَسَاكِين بيع الْوَلَد مَعهَا(5/59)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا أوصى لَهُ بِخِدْمَة جَارِيَته حَيَاته فَولدت بعد مَوته فَإِنَّهُ يقوم فِي الْخدمَة مَعهَا وَكَذَلِكَ لَو قَالَ اعتقوا جاريتي هَذِه بعد موتِي فولدها بمثابتها يعتقون مَعهَا من الثُّلُث وَلَا يقرع بَينهم إِذا لم يسعهم الثُّلُث كَمَا يقرع بَين الَّذين أوصى بعتقهما إِذا لم يحملهما الثُّلُث
وَقَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث فِيمَن أوصى بِعِتْق أمة لَهُ إِن مَاتَ من مَرضه فَولدت ولدا قبل أَن يَمُوت ثمَّ مَاتَ من مَرضه فولدها بمنزلتها
قَالَ وَقَالَ اللَّيْث إِذا أوصى بِعِتْق أمة لَهُ وَهِي حَامِل فَوضعت حملهَا ثمَّ مَاتَ لم تعْتق إِلَّا هِيَ وَلَو مَاتَ وَهِي حَامِل أعتق وَلَدهَا مَعهَا
وَذكر الْمُزنِيّ أَن الْوَاجِب على مَذْهَب الشَّافِعِي أَن يدْخل الْوَلَد وَالْهِبَة الحادثان بعد موت الْمُوصي
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول اللَّيْث لَا معنى لَهُ فِي إِدْخَال الْوَلَد الْحَادِث قبل الْمَوْت فِي الْوَصِيَّة لِأَن الْوَصِيَّة إِنَّمَا تجب بِالْمَوْتِ فَوجدَ الْمَوْت وَالْولد بَائِن مِنْهَا فَلَا يدْخل فِيهَا
قَالَ وَلَا تَخْلُو الْجَارِيَة بعد مَوته من أَن تكون على ملك الْوَرَثَة أَو ملك الْمُوصى لَهُ أَو مَوْقُوفَة فَلَو كَانَت على ملك الْوَرَثَة قبل الْقبُول لما صحت الْوَصِيَّة فِيهَا بعد ذَلِك وَإِن كَانَت فِي ملك الْمُوصى لَهُ فَهَذَا فَاسد لِأَنَّهُ يجوز أَن يدْخل فِي ملكه بِغَيْر قبُوله فَثَبت أَنَّهَا مَوْقُوفَة
فَإِن قيل ملك بِالْمَوْتِ فَيدْخل الْوَلَد مَعَ الْأُم ويكونان جَمِيعًا من الثُّلُث كَأَنَّهُ أوصى بهما لَهُ وَأما الْوَصِيَّة بِالْعِتْقِ فَلَا يدْخل الْوَلَد فِيهَا لِأَن الْعتْق لَا ملك فِيهِ لأحد وَلَا يعْتَبر قبُولهَا(5/60)
2195 - فِيمَن أوصى بنسمة بِمَال مَعْلُوم
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أوصى أَن يعْتق عَنهُ نسمَة بِأَلف دِرْهَم فَكَانَ ثلثه أقل من ألف بطلت الْوَصِيَّة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يَشْتَرِي لَهُ بِالثُّلثِ نسمَة وَيعتق عَنهُ وَهُوَ قَول مَالك
قَالَ مَالك وَإِن لم يَجدوا مايشتري بِهِ رَقَبَة فَإنَّا نشْرك بَينه وَبَين آخر وَإِن لم يَفِ بذلك جَازَ أَن يعتقوا بِهِ مكَاتبا فِي آخر كِتَابَته
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا فِي أَنه لَو أوصى أَن يحجّ عَنهُ بِمِائَة فَلم يبلغ ذَلِك الثُّلُث أَنه يحجّ عَنهُ بِالثُّلثِ من حَيْثُ يبلغ وَكَذَلِكَ النَّسمَة وَفرق أَبُو حنيفَة بَينهمَا بِأَنَّهُ يجوز أَن يحجّ عَنهُ بِغَيْر وَصِيَّة فَيَقَع عَن الْمَيِّت وَلَا يعْتق عَنهُ بِغَيْر أمره فَيكون الْوَلَاء للْمَيت بل يكون للْمُعْتق
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِن هَذَا وَإِن كَانَ كَذَلِك فَإِنَّهُم لَا يَخْتَلِفُونَ أَن الثُّلُث إِذا بلغ مَا سمى أَنه لَا يحجّ عَنهُ بِأَقَلّ مِنْهُ كالنسمة وَأما قَول مَالك فِي الشّرك فِي الرَّقَبَة ومعونة الْمكَاتب فَلَا معنى لَهُ لِأَن ذَلِك خلاف وَصِيَّة الْمَيِّت
2196 - فِي الْوَصِيَّة بِالنِّكَاحِ
كَانَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ لَا يجيزون وَصِيَّة الرجل إِلَى غَيره فِي تَزْوِيج ابْنَته بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا صَغِيرَة أَو كَبِيرَة(5/61)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم إِذا أوصى فِي مَرضه فَقَالَ زوجوا ابْنَتي فُلَانَة فلَانا وَهِي بكر فِي حجره أَو يَقُول إِن مت من مرضِي هَذَا فقد زوجت ابْنَتي فلَانا فَرضِي فلَان بذلك بعد مَوته إِن ذَلِك يلْزمهَا وَالْوَصِيَّة بعد الْمَوْت أسهل وَقد سُئِلَ مَالك عَن رجل أوصى أَن يُزَوّج ابْنَته رجلا بعد مَوته فَقَالَ ذَلِك لَازم لَهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْأَب إِنَّمَا هُوَ ولي لَهَا فِي حَيَاته غير ولي بعد الْمَوْت وَقد صَارَت الْولَايَة بعد الْمَوْت لغيره فَلَا تصح الْوَصِيَّة بِالتَّزْوِيجِ مَعَ زَوَال ولَايَة الْأَب وثبوتها لغيره من الْأَوْلِيَاء وَأَيْضًا قد اتَّفقُوا أَن سَائِر الْأَوْلِيَاء غير الْأَب إِلَيْهِم ولَايَة تَزْوِيجهَا فِي الْحَيَاة وَلَيْسَ إِلَيْهِم الْوَصِيَّة بذلك إِلَى أحد بعد مَوْتهمْ فَكَذَلِك الْأَب
2197 - فِي الْمَرِيض يقْضِي بعض غُرَمَائه
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك لَيْسَ للْمَرِيض أَن يقْضِي بعض غُرَمَائه دينه دون بعض
وَقَالَ الثَّوْريّ لَهُ أَن يَقْضِيه وَيسلم لَهُ مَا قبض وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَت هباته من الثُّلُث وقضاؤه للدّين من جَمِيع المَال وَجب أَن يكون حَال الْمَرَض فِي قَضَاء الدّين بِمَنْزِلَة حَال الصِّحَّة فَيجوز قَضَاؤُهُ وَلَا يحاصه سَائِر الْغُرَمَاء
قَالَ أَبُو بكر وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لِأَن الدّين بعد الْمَوْت من جَمِيع المَال وَلَا يجوز للْقَاضِي وَلَا للْوَصِيّ أَن يقْضِي لبَعض الْغُرَمَاء دون بعض
2198 - فِي الشَّهَادَة على الْوَصِيَّة
قَالَ هِشَام عَن مُحَمَّد فِيمَن كتب وَصيته بِيَدِهِ وَالْقَوْم ينظرُونَ إِلَيْهِ وَلَا يقدر أَن ينْطق لم يجز ذَلِك حَتَّى يَقُول اشْهَدُوا عَليّ بهَا وَلم يذكر خلافًا(5/62)
وروى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد قَالَ قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كتب الرجل وَصيته ثمَّ قَالَ لقوم اشْهَدُوا على مَا فِي هَذَا الْكتاب إِن كَانَ ذَلِك فِي صك فِيهِ ذكر حق لم يجز ذَلِك حَتَّى يقرأه أَو يرونه يَكْتُبهُ وهم يعْرفُونَ الْكتاب ويقرؤنه أَو يقْرَأ عَلَيْهِم فَيَقُول اشْهَدُوا عَليّ بِمَا فِيهِ
قَالَ وَلَو كتب رِسَالَة من رجل إِلَى فلَان سَلام عَلَيْك أما بعد فَإنَّك كتبت إِلَيّ تتقاضاني الْألف الَّتِي كَانَت لَك عَليّ وَقد كنت قضيتك مِنْهُ خَمْسمِائَة وَبقيت خَمْسمِائَة عَليّ فَهَذَا جَائِز وَهِي شَهَادَة عَلَيْهِ بِالْحَقِّ للرجل وَإِن لم يشهدهم وَيَنْبَغِي لمن علم ذَلِك أَن يشْهد عَلَيْهِ وَإِن أشهدهم على الرسَالَة وَلم يعرفوا مَا فِيهَا لم يجز ذَلِك عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يجوز ذَلِك فِي الرسَالَة وَلَا يجوز فِي الصَّك
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا كتب وَصيته وَختم عَلَيْهَا وَقَالَ للشُّهُود اشْهَدُوا بِمَا فِيهَا لم يجز ذَلِك وَكَذَلِكَ قَالَ الثَّوْريّ حَتَّى يقرأه عَلَيْهِم
وَقَالَ ابْن وهب وَابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي رجل كتب وَصيته ثمَّ دَفعهَا إِلَى نفر وأشهدهم أَن مَا فِيهَا مِنْهُ وَأمرهمْ أَن لَا يفضوا خَاتمه حَتَّى يَمُوت قَالَ ذَلِك جَائِز إِذا أشهدهم أَن مَا فِيهَا مِنْهُ وَمَتى عرفُوا أَنه الْكتاب بِعَيْنِه فليشهدوا بِهِ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أشهدهم على مَا فِي الْكتاب وَلَا يعلمُونَ مَا فِيهِ فَإِن ختموا عَلَيْهِ بخواتيمهم ووضعوه عِنْد رجل مِنْهُم فَلَا بَأْس بِأَن يشْهدُوا على ذَلِك(5/63)
الْكتاب إِذا كتبُوا شهاداتهم فِيهِ وَإِن لم يعلمُوا مَا فِيهِ وَإِن هم تركُوا الْكتاب عِنْد صَاحبه ثمَّ مَاتَ لم أر لَهُم أَن يشْهدُوا على مَا فِيهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَو قرئَ الْكتاب على الْمُوصي ثمَّ أقرّ الْمَشْهُود عَلَيْهِ أَنه قد فهمه وأشهدهم عَلَيْهِ جَازَ وَجَائِز ان يكون أقرّ لَهُم بذلك وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة بِخِلَاف ذَلِك فَالْقِيَاس على ذَلِك أَن تصح الشَّهَادَة عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ وَإِن لم يَقْرَؤُهُ عَلَيْهِ إِذا أقرّ عِنْدهم بذلك
وَأَيْضًا لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَن فِي يَده شَيْء مغطى فأشهدهم أَن مَا فِيهِ لفُلَان أَن ذَلِك جَائِز ويسعهم أَن يشْهدُوا بِهِ عِنْد القَاضِي لِأَنَّهُ أشهدهم على مَاله حَقِيقَة مَعْلُومَة فِي نَفسه وَكَذَلِكَ إشهادهم على مَا فِي الْكتاب الْمَخْتُوم
وَقد روى مُعْتَمر بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه قَالَ حَدثنِي الْحَضْرَمِيّ عَن أبي السوار عَن جُنْدُب بن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث رهطا عَلَيْهِم أَبَا عُبَيْدَة أَو عُبَيْدَة بن الْحَارِث فَلَمَّا مضى لينطلق بَكَى صبَابَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَجَلَسَ وَبعث عبد الله بن جحش وَكتب لَهُ كتابا وَأمره أَن لَا يقْرَأ الْكتاب حَتَّى يبلغ مَكَان كَذَا وَكَذَا وَلَا تكرهن أحدا من أَصْحَابك على الْمسير فَلَمَّا بلغ الْمَكَان قَرَأَ الْكتاب واسترجع وَقَالَ سمعا وَطَاعَة لله وَلِرَسُولِهِ قَالَ فَرجع رجلَانِ وَمضى بَقِيَّتهمْ فَكَانَ مَا فِي هَذَا الْكتاب لَازِما لعبد الله بن جحش مَعَ جَهله بِمَا فِيهِ فَكَذَلِك الْإِشْهَاد عَلَيْهِ فِي مثله وَإِن لم يقرأه(5/64)
2199 - فِي الشَّهَادَة على الْإِيمَاء
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْأَخْرَس يقْرَأ عَلَيْهِ وَصيته وَيُقَال لَهُ نشْهد عَلَيْك بِمَا فِيهِ فيشير بِرَأْسِهِ نعم قَالَ إِذا جَاءَ من ذَلِك مَا يعرف أَنه إِقْرَار أَو كتب فَهُوَ جَائِز وَإِذا اعتقل لِسَان الرجل لم يجز أَن يشْهدُوا على إِشَارَته
قَالَ أَبُو جَعْفَر يَعْنِي بذلك من اعتقل لِسَانه إِذا لم يطلّ بِهِ ذَلِك فَأَما إِذا ييئس من برئه بِمُضِيِّ مُدَّة أجل عنين فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْأَخْرَس
قَالَ أَشهب إِذا جَاءَ من ذَلِك مَا يعرف جَازَ وَلم يذكر خلافًا بَينه وَبَين مَالك
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أثبت إِشَارَة الْمَرِيض على مَا يعرف من حَضَره أَنه يعرف مَا يصنع جَازَت وَصيته وَإِن اخْتلف ذَلِك فِيهِ وَإِن لم يثبت مَا يُشِير بِهِ من وَصيته أبطل ذَلِك
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي امْرَأَة قَالَت فِي مَرضهَا فلَان حر وَفُلَان حر ثمَّ أصمتت فَقيل لَهَا وَفُلَان حر فأومأت برأسها أَي نعم ثمَّ أفاقت فتكلمت فَسمِعت أخرين فأجازهم مَكْحُول كلهم
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا كَانَ قبله كَلَام وَبعده كَلَام كَانَ جَائِزا
وروى الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي فِي مُخْتَصره قَالَ وأصمتت أُمَامَة بنت(5/65)
أبي الْعَاصِ فَقيل لَهَا لفُلَان كَذَا وَلفُلَان كَذَا فَأَشَارَتْ أَن نعم فبرئت وَصيته
قَالَ الشَّافِعِي فَإِذا جَازَ هَذَا فِي الصَّحِيح لما لم يقدر على الْكَلَام كَانَ فِي الَّذِي لم يزل أمره بِالْإِشَارَةِ أَحْرَى
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن أبي دَاوُد قَالَ حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن عبد الله الأويسي قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد عَن شُعْبَة عَن هِشَام بن زيد عَن أنس بن مَالك قَالَ عدا يَهُودِيّ على جَارِيَة فَأخذ أَوْضَاحًا كَانَت عَلَيْهَا ورضخ رَأسهَا بَين حجرين فَأتى بهَا أَهلهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي فِي آخر رَمق قد أصمتت قَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَتلك فلَان يَعْنِي الْيَهُودِيّ الَّذِي قَتلهَا فَأَشَارَتْ برأسها أَي لَا فَقَالَ ففلان لرجل آخر غير الَّذِي قَتلهَا فَأَشَارَتْ برأسها أَي لَا فَقَالَ ففلان لقالتها فَأَشَارَتْ أَي نعم فَأمر بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرض رَأسه بَين حجرين
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إشارتها بِمَنْزِلَة دَعْوَاهَا ذَلِك بلسانها من غير اعْتِبَار مِنْهُ دوَام ذَلِك عَلَيْهَا مُدَّة من الزَّمَان فَدلَّ على أَن من اعتقل لِسَانه فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْأَخْرَس فَيجوز إِقْرَاره بِالْإِيمَاءِ وَالْإِشَارَة
قَالَ أَبُو بكر رَحمَه الله مَعْلُوم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقتل الْيَهُودِيّ(5/66)
بإيمائها وَإِنَّمَا قَتله بِإِقْرَار مِنْهُ بذلك أَو بِبَيِّنَة لِأَن دَعْوَى الْمَجْرُوح لَا تقبل على غَيره وَإِن جَازَ أَن يقْتله بِإِقْرَارِهِ وَإِن لم ينْقل إِلَيْنَا كَذَلِك يجوز أَن يكون إِنَّمَا قبل الْخُصُومَة من أوليائها فِي ذَلِك بدعواهم وَكَانَت فَائِدَة استثباتها فِي ذَلِك وإشارتها أَنه يغلب مَعهَا فِي الظَّن أَنه هُوَ الْقَاتِل فيسع الْأَوْلِيَاء أَن يدعوا عَلَيْهِ وَإِن لم يغلب ذَلِك فِي الظَّن لما وسعهم أَن يعترضوا رجلا من عرض النَّاس فيدعوا ذَلِك عَلَيْهِ
2200 - فِي حكم الْحَامِل وَمن شهد الْقِتَال فِي أَمْوَالهم
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فِي المحصور وَالَّذِي فِي صف الْقِتَال وَالْحَامِل إِنَّهُم بِمَنْزِلَة الصَّحِيح فِي أَمْوَالهم وَمن بارز رجلا أَو قدم ليقْتل فِي قصاص أَو ليرجم فِي زنا فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْمَرِيض وَكَذَلِكَ الْحَامِل إِذا ضربهَا الطلق أَو حدث بهَا من الْحمل مَا تصير بِهِ صَاحِبَة فرَاش فَهِيَ كَالْمَرِيضِ
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك وَاللَّيْث إِذا مضى على الْحَامِل سِتَّة أشهر لم يجز لَهَا قَضَاء فِي مَالهَا إِلَّا فِي ثلثهَا
قَالَ مَالك وَكَذَلِكَ إِذا زحف فِي صف الْقِتَال فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْمَرِيض الْمخوف عَلَيْهِ مَا كَانَ على تِلْكَ الْحَالة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ وَالثَّوْري إِذا التقى الصفان فَمَا صنع فَهُوَ وَصِيَّة
وَقَالَ سعيد بن الْمسيب الْحَامِل والغازي صدقتهما من الثُّلُث
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ مثل الصَّحِيح
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ الْحَامِل بِمَنْزِلَة الصَّحِيح مَا لم يضْربهَا الْمَخَاض(5/67)
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي فِي الْأَسير إِذا قدم ليقْتل لم يجز لَهُ من مَاله إِلَّا الثُّلُث وَإِذا اقتحم فِي الْحَرْب فمخوف وَإِذا كَانَ فِي أَيدي الْمُشْركين الَّذين يقتلُون الأسرى فمخوف
وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء إِن قدم من عَلَيْهِ قصاص فَهُوَ غير مخوف مَا لم يجرحوا لِأَنَّهُ يُمكن أَن يتْركُوا فيحيوا
وَقَالَ الْمُزنِيّ الأول أولى لِأَنَّهُ قد يسلم من التحام الْحَرْب وَمن كل مرض مخوف
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَن تصرف الْمَرِيض صَاحب فرَاش من الثُّلُث فِي هباته وصدقاته وعتاقه مَعَ اخْتِلَاف حَال الْأَمْرَاض بعد أَن يكون صَاحب فرَاش وَلم يفرقُوا فِي الْمَرَض الَّذِي هَذَا وَصفه أَن يكون وُقُوع تصرفه فِي أَوله أَو آخِره فَلَمَّا لم يكن لأوّل حَال الْحمل حكم الْمَرَض كَذَلِك آخِره مَا لم تضربه إِلَى أَن تصير صَاحِبَة فرَاش بحدوث الطلق وَكَذَلِكَ من خيف عَلَيْهِ الْقَتْل وَلَا حكم لذَلِك إِلَّا أَن يبارز أَن يقدم ليقتص مِنْهُ أَو يقتل بِغَيْر قصاص
2201 - فِي ولَايَة الْجد على الصَّغِير
قَالَ أَصْحَابنَا وَصِيّ الْأَب أولى بِالْولَايَةِ على الصَّغِير فِي الشِّرَاء وَالْبيع من الْجد أَب الْأَب فَإِذا لم يكن أَب وَلَا وَصِيّه فالجد بِمَنْزِلَة الْأَب فِي ذَلِك
وَقَالَ مَالك لَا يجوز للْجدّ بيع مَال ابْن ابْنه الصَّغِير وَلَا يجوز أمره فِيهِ أَلا أَن يكون وَالِد الصَّبِي أوصى إِلَيْهِ بذلك(5/68)
قَالَ وَكَذَلِكَ الْأَخ وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَارِيَة الْبكر لَا يُزَوّجهَا بِغَيْر إِذْنهَا وَلَا الصَّغِيرَة إِلَّا أَبوهَا أَو جدها فَدلَّ ذَلِك على أَن مذْهبه أَن الْجد يقوم مقَام الْأَب
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ وَصِيّ الْأَب أولى بِالتَّصَرُّفِ على الصَّغِير دلّ على أَن الْجد لَا ولَايَة لَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَو كَانَ لَهُ ولَايَة لما كَانَ وَصِيّ الْأَب أولى مِنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ للْأَب أَن يزِيل ولَايَته إِذا كَانَت مُسْتَحقَّة بِالنّسَبِ وَهُوَ ثَابت مَعَ وَصِيّ الْأَب وَمَعَ عَدمه
2202 - فِيمَن اشْترى ابْنه فِي مَرضه
قَالَ أَبُو حنيفَة وَاللَّيْث فِيمَن اشْترى ابْنه فِي مَرضه فَإِن خرج من ثلثه عتق وَورثه وَإِن لم يخرج من ثلثه لم يَرِثهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يَرث فِي الْأَحْوَال كلهَا وَيسْعَى فِي قِيمَته لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّة لَهُ وَيسْقط عَنهُ مِنْهَا بِقدر مِيرَاثه وَيسْعَى لباقي الْوَرَثَة فِي حصصهم
2203 - فِي إِقْرَار بعض الْوَرَثَة بِوَصِيَّة من الْمَيِّت
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة فِي رجل مَاتَ وَترك ابْنَيْنِ فَأقر أَحدهمَا بِأَن الْمَيِّت أوصى لَهُ بِثلث مَاله وَجحد الآخر أَنه يدْفع إِلَى الْمُوصى لَهُ الثُّلُث مِمَّا فِي يَده وَهُوَ قَول الشَّافِعِي(5/69)
وَسمعت ابْن أبي عمرَان يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف أَنه يَأْخُذ من الْمقر نصف مَا فِي يَده وَكَذَلِكَ روى الْحسن بن زِيَاد عَن زفر
قَالَ وَقَالَ مَالك يَأْخُذ الْمقر لَهُ مِقْدَار حَقه من نصيب الَّذِي أقرّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يخْتَلف أَصْحَابنَا فِي الْمقر بِابْن آخر أَنه يُعْطِيهِ نصف مَا فِي يَده وَاتَّفَقُوا أَيْضا أَن الْمُوصى لَهُ لَو أَقَامَ الْبَيِّنَة على أحد الِابْنَيْنِ وَالْآخر غَائِب أَنه يَأْخُذ مِنْهُ نصف مَا فِي يَده وَكَذَلِكَ إِذا جحد أَحدهمَا وَأقر الآخر
2204 - فِيمَن أوصى إِلَى رجل فِي خَاص مَاله
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي رجل أوصى إِلَى رجل فِي بيع تركته وَأوصى إِلَى آخر فِي اقْتِضَاء دينه أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا وَصِيّ فِي جَمِيع ذَلِك وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن كل وَاحِد مِنْهُمَا وَصِيّ فِيمَا أوصى بِهِ إِلَيْهِ خَاصَّة وَذكر مُحَمَّد فِي الأَصْل أَن قَول أبي يُوسُف مثل قَول أبي حنيفَة
وروى الْحسن بن زِيَاد عَن زفر مثل قَول أبي حنيفَة وَعَن أبي يُوسُف مثل قَول مُحَمَّد إِنَّه وَصِيّ فِيمَا أوصِي بِهِ إِلَيْهِ خَاصَّة
وَذكر ابْن الْقَاسِم من رَأْيه أَنه إِذا قَالَ فلَان وَصِيّ على مَالِي وَفُلَان وَصِيّ على قَضَاء ديني وَفُلَان وَصِيّ على بضع بَنَاتِي إِن هَذَا جَائِز
قَالَ وَسُئِلَ مَالك عَن رجل أوصى إِلَى رجل أَن يتقاضى دينه وَيبِيع تركته وَلم يوص إِلَيْهِ بِأَكْثَرَ من هَذَا أَيجوزُ أَن يُزَوّج بَنَاته فَقَالَ مَالك لَو وَقع ذَلِك رَجَوْت أَن يكون جَائِزا وَلَكِن الأحب إِلَيّ أَن يرفع ذَلِك إِلَى السُّلْطَان حَتَّى ينظر فِيهِ
وَإِن قَالَ فلَان وَصِيّ حَتَّى يقدم فلَان فَإِذا أقدم ففلان القادم وَصِيّ فَهَذَا جَائِز(5/70)
وروى الْمُزنِيّ فِي جَامعه عَن الشَّافِعِي إِذا أوصى إِلَى رجل بِمَال وَإِلَى آخر بِمَال كَانَت كل وَاحِدَة من الوصيتين إِلَى من جعلهَا إِلَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ لَهُ أَن يُوصي فِي الثُّلُث بِمَا شَاءَ وَكَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة تصرفه فِيهِ فِي حَيَاته وَكَذَلِكَ لَهُ أَن يُوصي بِبَعْض مَاله إِلَى رجل وببعضه إِلَى آخر كَمَا كَانَ لَهُ أَن يفعل ذَلِك فِي حَيَاته بِالتَّوْكِيلِ فِيهِ
2205 - فِي وَصِيّ الْأُم وَالْأَخ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَصِيّ الْأُم وَالْأَخ بِمَنْزِلَة وَصِيّ الْأَب على الْكَبِير الْغَائِب فِي مِيرَاثه عَنْهُمَا مَا سوى الْعقار وَلَا يَبِيع الْعقار وَلَا يتجر فِي المَال
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَصِيّ الْأُم أَحَق بِمَال الصغار الَّذِي ورثوه عَن الْأُم من أَبِيهِم
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي امْرَأَة أوصت بابنة لَهَا إِلَى أُخْت لَهَا وللابنة مَال فَذَلِك جَائِز
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك وَلَا يجوز ذَلِك لوصي الْأَخ وَلكنه يرفع إِلَى السُّلْطَان وَفرق بَين وَصِيّ الْأُم ووصي الْأَخ لِأَن الْأُم يجوز لَهَا فِي وَلَدهَا أَشْيَاء كَثِيرَة لَا يجوز للْأَخ وَلَو أجزته للْأَخ أجزته للعم وَلمن هُوَ أبعد مِنْهُ قَالَ وَلَا يجوز أَيْضا لوصي الْجد أَمر إِذا لم يكن الْأَب أوصى إِلَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يكن للْأُم وَالْأَخ ولَايَة فِي مَال الصَّغِير كَذَلِك وصيهما وَقد اتَّفقُوا على أَن وصيهما لَا يتَصَرَّف فِيمَا لم يَرِثهُ الصَّغِير عَنْهُمَا(5/71)
2206 - فِي وَصِيَّة الرجل إِلَى عَبده
قَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ الْوَرَثَة صغَارًا فَالْوَصِيَّة جَائِزَة وَإِن كَانُوا كبارًا فَالْوَصِيَّة إِلَى عَبده بَاطِلَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الْوَصِيَّة إِلَى عَبده بَاطِل فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك تجوز الْوَصِيَّة إِلَى عَبده وَإِن كَانَ فِي الْوَرَثَة أكَابِر فَإِن أَرَادَ الْكِبَار بيع أنصبائهم اشْترى ذَلِك للصغار إِن كَانَ لَهُم مَال وَإِن لم يكن لَهُم مَال ترك نصيب الأصاغر من العَبْد يقوم عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون فِي بيع الأكابر نصِيبهم ضَرَر على الأصاغر فَيُبَاع نصيب الأصاغر مَعَهم وَقَول اللَّيْث فِي هَذَا مثل قَول مَالك
قَالَ أَبُو جَعْفَر من شَرط الْوَصِيّ أَن يكون عدلا أَمينا وَالْعَبْد مَنْقُوص الْحَال فِي بَاب الشَّهَادَة وَسُقُوط بعض الْفَرَائِض عَنهُ فَالْقِيَاس أَنه لَا تجوز الْوَصَايَا إِلَيْهِ بِوَجْه
2207 - فِي الْوَصِيّ يدْفع مَال الْيَتِيم مُضَارَبَة أَو يتجر بِهِ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَالشَّافِعِيّ للْوَصِيّ أَن يتجر بِمَال الْيَتِيم وَأَن يَدْفَعهُ مُضَارَبَة وَلَا يضمن
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يتجر بِهِ لنَفسِهِ وَيضمنهُ وَلَا يتجر بِهِ للْيَتِيم
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا يحركه أحب إِلَيّ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِن اتّجر بِهِ وَأخرجه جَازَ لَهُ ذَلِك وَإِن دَفعه إِلَى(5/72)
غَيره ليتجر بِهِ وَكَانَ ذَلِك أمثل فَلَا بَأْس بِهِ فَإِن هلك لم يضمنهُ فِي الْوَرع وَضَمنَهُ فِي الْقَضَاء إِلَّا أَن يُقيم بَيِّنَة
وَقَالَ اللَّيْث لَا بَأْس بِأَن يسلف ولي الْيَتِيم مَال الْيَتِيم من يضمنهُ ويتجر فِيهِ وضمانه على وَالِي الْيَتِيم إِن أسلفه أحد أَو استسلفه لنَفسِهِ فِي بعض مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَإِن تسلفه فيتجر فِيهِ فَالضَّمَان عَلَيْهِ وَالرِّبْح للْيَتِيم
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا يجوز للْوَصِيّ أَن يتجر فِي مَال الْيَتِيم وَعَلِيهِ الضَّمَان إِن فعل وَكَذَلِكَ إِن دَفعه مُضَارَبَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عمر أَنه دفع مَال يَتِيم مُضَارَبَة
وَقَالَ نَافِع كَانَ ابْن عمر يكون عِنْده مَال الْيَتِيم فَرُبمَا أنْفق بعضه وَرُبمَا أعْطى مِنْهُ مُضَارَبَة
وَقَالَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد كَانَت أَمْوَالنَا عِنْد عَائِشَة وَكَانَت تبضعها فِي الْبَحْر
وَلَا يرْوى عَن غَيرهم من الصَّحَابَة خلافهم
وَلم يَخْتَلِفُوا أَن للْأَب أَن يتجر فِي مَال الصَّغِير وَكَذَلِكَ وَصِيّه
2208 - فِي الْوَصِيّ يَبِيع عقار الصَّغِير
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ الْوَرَثَة كبارًا وَلَيْسَ على الْمَيِّت دين وَلَا هُنَاكَ وَصِيَّة لم يجز للْوَصِيّ بيع الْعقار عَلَيْهِم وَإِن كَانُوا أَغْنِيَاء فَإِن كَانَ فيهم(5/73)
صَغِير فَإِن أَبَا حنيفَة قَالَ للْوَصِيّ أَن يَبِيع على الصغار والكبار وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يجوز بَيْعه فِي نصيب الْكِبَار وَيجوز فِي حِصَّة الصغار
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا يَبِيع الْوَصِيّ عقار الْيَتَامَى إِلَّا أَن يكن دَارا غَلَّتهَا لَا تحملهم وَلَيْسَ لَهُم مَا ينْفق عَلَيْهِم مِنْهُ فتباع الدَّار أَو يرغب فِيهَا فيعطي الثّمن الَّذِي فِيهِ غِبْطَة وَمَا أشبه ذَلِك فَيجوز بَيْعه على الصغار وَلَا يجوز على الْكِبَار وَلكنه يتْرك أنصباء الْكِبَار الْغَيْب وَيكون النّظر فِي نصيب لغَائِب إِلَى السُّلْطَان
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا لم يكن على الْمَيِّت دين وَلَا وَصِيَّة لم يجز بيع الْوَصِيّ لعقار الْكِبَار وَينظر فِي بَيْعه على الصغار فَإِن كَانَ نظرا لَهُم جَازَ إِن كَانَ غير نظر لَهُم لم يجز
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْوَصِيّ مَأْمُور بشرَاء الْعقار للصغار إِذا كَانَ لَهُم فِيهِ حَظّ لِأَن فِيهِ حفظ مَالهم وَلَا يجوز أَن يصرف الْعقار إِلَى غَيره إِلَّا لضَرُورَة أَو غِبْطَة كَمَا جَازَ سواهُ لما فِيهِ من الْغِبْطَة لَهُم
2209 - فِي الْوَصِيّ يُوصي إِلَى غَيره
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري فِي الْوَصِيّ يُوصي إِلَى غَيره أَن الثَّانِي وَصِيّ للْمَيت الأول ولوصيه(5/74)
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا يكون وَصِيّا للْأولِ إِلَّا أَن يُوصي إِلَيْهِ الآخر بِوَصِيَّة الأول
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْوَصِيّ تحضره الْوَفَاة فيوصي بِمَال ذَلِك الرجل إِلَى رجل وببضع بَنَاته إِلَى رجل آخر فَذَلِك جَائِز
وروى الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره عَن الشَّافِعِي قَالَ لَيْسَ للْوَصِيّ أَن يُوصي بِمَا أوصى بِهِ إِلَيْهِ وَإِن قَالَ إِن حدث بوصيي حدث فقد أوصيت إِلَى من أوصى إِلَيْهِ لم يجز لِأَنَّهُ أوصى بِمَال غَيره
وَقَالَ فِي اخْتِلَاف أبي حنيفَة وَابْن أبي ليلى إِن ذَلِك جَائِز إِذا قَالَ قد أوصيت إِلَيْك بتركة فلَان
قَالَ الْمُزنِيّ قَوْله هَذَا مُوَافق لقَوْل الْكُوفِيّين والمدنيين وَالَّذِي قبله أشبه بقوله
قَالَ ابو جَعْفَر لَيْسَ للْوَكِيل أَن يُوكل غَيره فِيمَا وكل بِهِ إِلَّا أَن يَجْعَل إِلَيْهِ ذَلِك فَيجوز لَهُ تَوْكِيل غَيره وَكَذَلِكَ الْوكَالَة الْمُطلقَة لَا يسْتَحق بهَا التَّصَرُّف فِي البيع إِلَّا أَن يَجْعَل ذَلِك إِلَيْهِ أَو يَقُول لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك ويجيز أمره فِيهِ وَالْوَصِيّ يسْتَحق التَّصَرُّف فِي المَال بِنَفس الْوَصِيَّة وَإِن لم يشْتَرط ذَلِك لَهُ فِي عقد الْوَصِيَّة وَلَا يشرط جَوَاز أمره فَصَارَ لفظ الْوَصِيَّة مقتضيا لجَوَاز أمره فِيهِ كَالْوكَالَةِ إِذا شَرط فِيهَا ذَلِك فَيجوز للْوَصِيّ أَن يُقيم وَصِيّا مَكَانَهُ وَإِن لم يشرط لَهُ كَمَا يتَصَرَّف بِسَائِر وُجُوه التَّصَرُّف وَإِن لم يشرط لَهُ وكما يُوكل الْوَكِيل إِذا شَرط لَهُ جَوَاز أمره
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَول الشَّافِعِي إِنَّه إِذا اشْترط فِي وَصيته إِن حدث(5/75)
بوصيه حدث الْمَوْت فقد أوصى إِلَى من أوصى إِلَيْهِ وَصِيّه لم يجز واحتجاجه أَنه جعله وَصِيّا فِي مَال غَيره فَإِنَّهُ منتقض لِأَنَّهُ يُوجب أَن لَا تجوز الْوِصَايَة الأولى مِنْهُ لِأَنَّهَا فِي مَال الْغَيْر
2210 - فِي تصرف أحد الْوَصِيّين
روى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد فِي رجل يُوصي إِلَى رجلَيْنِ قَالَ لَيْسَ لأَحَدهمَا أَن يفعل شَيْئا دون صَاحبه إِلَّا فِي سِتَّة أَشْيَاء يجوز لَهُ مَا يجوز للْوَارِث أَن يَفْعَله إِلَّا فِي خَصْلَتَيْنِ يجوزان لَهُ وَلَا يجوز للْوَارِث النَّفَقَة على الصغار فِي الطَّعَام وَالْكِسْوَة الَّتِي لابد مِنْهَا فَإِن ذَلِك يجوز لَهُ وَلَا يجوز للْوَارِث أَن يَفْعَله وَيجوز لَهُ شِرَاء الْكَفَن وَقَضَاء الدّين عَنهُ وإنفاذ وَصيته فِيمَا أوصى بِهِ من صَدَقَة أَو نَحْوهَا أَو شَيْء لرجل يَدْفَعهُ إِلَيْهِ من غير شركَة بَينه وَبَين قوم وَيكون خصما فِيمَا يدعى على الْمَيِّت فَأَما غير ذَلِك من شِرَاء وَبيع فَلَا
وَقَالَ فِي الْجَامِع الصَّغِير لَيْسَ لأحد الْوَصِيّين أَن يَشْتَرِي للْوَرَثَة إِذا كَانُوا صغَارًا إِلَّا الطَّعَام وَالْكِسْوَة لَيْسَ لَهُ أَن يَشْتَرِي لَهُم عبدا يخدمهم وَإِن احتاجوا إِلَى ذَلِك إِلَّا بِأَمْر الآخر فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف فعل أحد الْوَصِيّين جَائِز كفعلهما
وروى الْحسن عَن زفر مثل قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَيْسَ لأحد الْوَصِيّين أَن يَشْتَرِي وَيبِيع لِلْيَتَامَى دون صَاحبه وَكَذَلِكَ الارتهان وَإِن اخْتلفَا نظر فِي ذَلِك السُّلْطَان
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا حَكَاهُ عَنهُ الْمُزنِيّ إِذا أوصى إِلَى رجلَيْنِ فَمَاتَ(5/76)
أَحدهمَا أبدل مَكَانَهُ آخر وَإِن دفع مكَاتب الْمَيِّت مُكَاتبَته إِلَى أحد وصييه لم يعْتق
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا فِي الوكيلين بِالْبيعِ والمضاربين أَنه لَا يجوز تصرف أَحدهمَا دون الآخر كَذَلِك يجب أَن يكون الوصيان
2211 - فِي حفظ الْوَصِيّين لِلْمَالِ
قَالَ فِي الأَصْل قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا اخْتلف الوصيان فِي المَال عِنْد من يكون فَإِنَّهُ يكون عِنْد كل وَاحِد مِنْهُمَا نصفه وَإِن شَاءَ استودعاه رجلا وَإِن شَاءَ أجعلاه عِنْد أَحدهمَا وَلم يذكر خلافًا
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك فِي الرجل يُوصي إِلَى الْقَوْم أَنهم لَا يقسمون مَاله بَينهم بل يكون عِنْد أفضلهم فَيكون هُوَ الَّذِي يَلِي النَّفَقَة على من ترك فَإِن اتهموا كلهم ختم ذَلِك المَال فَوضع على يَدي عدل
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا اخْتلفَا قسم بَينهمَا وَجعل فِي أَيْدِيهِمَا نِصْفَيْنِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا كَانَا متساويين فِي الْوَصِيَّة استحقا جَمِيعًا إمْسَاك المَال بَينهمَا وَالتَّصَرُّف على الصَّغِير فَلَا معنى لاعْتِبَار أفضلهما
2212 - فِي الْوَصِيَّة بشرَاء نسمَة بِعَينهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قِيَاس قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ فِيمَن أوصى أَن يَشْتَرِي عبد فلَان بِأَلف دِرْهَم وَيعتق عَنهُ فَبَاعَهُ فلَان بِأَقَلّ من ألف دِرْهَم أَنه يعْتق عَن الْمَيِّت وَيكون الْفضل مَرْدُود إِلَى الْوَرَثَة(5/77)
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك يعان بِالْفَضْلِ رَقَبَة بِعَينهَا فَيعتق أَو مكَاتب يقاطع وَهُوَ قَول اللَّيْث
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا أوصى بِالْمَالِ فِي وَجه لَا يجوز صرفه فِي غير ذَلِك الْوَجْه وَإِن تعذر تصرفه فِي الْوَجْه الْمُوصى بِهِ رَجَعَ إِلَى الْوَرَثَة نَحْو أَن يُوصي بِأَن يَشْتَرِي بِثلث مَاله عبد زيد فَيعتق عَنهُ فَأبى زيد أَن يَبِيعهُ وَأعْتقهُ عَن نَفسه إِن مَا أوصى بِهِ الْمَيِّت يرجع إِلَى الْوَارِث كَذَلِك مَا فضل من ثمن رَقَبَة بِعَينهَا يَنْبَغِي أَن يرجع إِلَى الْوَارِث
2213 - فِي الْوَصِيّ يَأْكُل من مَال الْيَتِيم
قَالَ إِسْمَاعِيل بن سَالم عَن مُحَمَّد قَالَ أما نَحن فَلَا نحب للْوَصِيّ أَن يَأْكُل من مَال الْيَتِيم شَيْئا قرضا وَلَا غَيره وَلم يذكر خلافًا
وَذكر بشر بن الْوَلِيد فِي نَوَادِر أبي يُوسُف سَمِعت أَبَا يُوسُف قَالَ لَا يَأْكُل الْوَصِيّ من مَال الْيَتِيم إِذا كَانَ مُقيما وَإِذا أَرَادَ أَن يخرج فِي تقاضي دين لَهُم وَإِلَى ضيَاع لَهُم فَلهُ أَن ينْفق ويكتسي وَيَشْتَرِي دَابَّة فَإِذا رَجَعَ رد الثِّيَاب الَّتِي عَلَيْهِ إِن كَانَ بَقِي مِنْهَا شَيْء وَيرد الدَّابَّة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا أَدْرِي لَعَلَّ هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ} النِّسَاء 6 بقوله {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض مِنْكُم وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم إِن الله كَانَ بكم رحِيما} النِّسَاء 29
وَقَالَ ابْن الحكم عَن مَالك وَمن كَانَ لَهُ يَتِيم فخلط نَفَقَته بِمَالِه فَإِن كَانَ(5/78)
الَّذِي يُصِيب الْيَتِيم أَكثر مِمَّا يُصِيب وليه من نَفَقَته فَلَا بَأْس وَإِن كَانَ الْفضل للْيَتِيم فَلَا يخالطه
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلم يفرق بَين الْغَنِيّ وَالْفَقِير
وَقَالَ الْمعَافى عَن الثَّوْريّ يجوز لوَلِيّ الْيَتِيم أَن يَأْكُل طَعَام الْيَتِيم ويكافئه عَلَيْهِ وَهَذَا يدل على أَنه كَانَ يُجِيز لَهُ أَن يستقرض من مَاله
قَالَ الثَّوْريّ وَلَا يُعجبنِي أَن ينْتَفع من مَاله بِشَيْء وَإِن لم يكن على الْيَتِيم فِيهِ ضَرَر نَحْو اللَّوْح يكْتب فِيهِ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ ويستقرض الْوَصِيّ من مَال الْيَتِيم إِذا احْتَاجَ إِلَيْهِ ثمَّ يَقْضِيه وَيَأْكُل الْوَصِيّ من مَال الْيَتِيم بِقدر عمله فِيهِ إِذا لم يضر بِالصَّبِيِّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الزُّهْرِيّ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد أَن رجلا أَتَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ إِن إِلَيّ مواشي أَيْتَام فَهَل عَليّ جنَاح أَن أُصِيب من رسل مَوَاشِيهمْ فَقَالَ ابْن عَبَّاس إِن كنت تبغي ضَالَّتهَا وَتَهْنَأ جَرْبَاهَا وَتَلوط حياضها وتفرط عَلَيْهَا يَوْم وُرُودهَا فَلَا جنَاح عَلَيْك أَن تصيب من رسلها
فَلم يذكر أَن مِقْدَار مَا يصل إِلَيْهِ من مَال الْيَتِيم مثل مَا يصيبهم من مَنَافِعه فَدلَّ على أَنه لم يَجْعَل ذَلِك بَدَلا مِمَّا يَفْعَله الْوَلِيّ للْيَتِيم
وروى الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل قَالَ قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِنِّي أنزلت مَال الله تَعَالَى مني بِمَنْزِلَة مَال الْيَتِيم من كَانَ غَنِيا فليستعفف وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ فَاحْتمل أَن يكون مُرَاده الْقَرْض أَو بِغَيْر بدل
وروى سُفْيَان عَن أبي إِسْحَاق عَن حَارِثَة بن مضرب قَالَ كتب عمر بن(5/79)
الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِنِّي أنزلت نَفسِي منزلَة وَالِي مَال الْيَتِيم إِذا اسْتَغْنَيْت اسْتَعْفَفْت وَإِن احتجت استقرضت ثمَّ قضيت
وروى أَبُو الْأَحْوَص عَن أبي إِسْحَاق عَن يرفأ مولى عمر عَن عمر رَضِي الله عَنهُ مثل ذَلِك فَثَبت أَنه إِنَّمَا كَانَ يرى أَخذه على جِهَة الْقَرْض
وَهَذَا خلاف مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَهُوَ أولى لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يحل لي مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْكُم مثل هَذِه يَعْنِي وبرة أَخذهَا من بعيرة إِلَّا الْخمس إِذا كَانَ النَّبِي صلى فِيمَا يَتَوَلَّاهُ من أَمْوَال الْمُسلمين كَا ذكرنَا كَانَ الْوَصِيّ فِيمَا يَتَوَلَّاهُ من مَال الْيَتِيم أَحْرَى أَن يكون كَذَلِك
2214 - فِي شِرَاء الْوَصِيّ من نَفسه
قَالَ فِي الأَصْل قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا اشْترى الْوَصِيّ لنَفسِهِ شَيْئا من مَتَاع الْيَتِيم فَإِن كَانَ ذَلِك خيرا للْيَتِيم بِأَن يَشْتَرِيهِ بِأَكْثَرَ من قِيمَته جَازَ وَإِن اشْتَرَاهُ بِمثل قِيمَته لم يجز
وروى الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة وَزفر أَنه لَا يجوز أَن يَشْتَرِي من مَال الْيَتِيم شَيْئا
قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا اشْترى بِمَا يَشْتَرِي بِمثلِهِ جَازَ وَقَالَ فِي الأَصْل لَا يجوز شِرَاءَهُ فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَإِن كَانَ خيرا للْيَتِيم وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَعبيد الله بن الْحسن لَا يجوز للْأَب أَن يَشْتَرِي لنَفسِهِ شَيْئا من مَال الصَّغِير فَإِذا لم يجز للْأَب فالوصي أَحْرَى بذلك(5/80)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْوَصِيّ يَشْتَرِي من مَال الْيَتِيم أرى أَن يُعَاد فِي السُّوق فَإِن زادوه بَاعه وَإِلَّا لزم الْوَصِيّ بِالَّذِي اشْترى
قَالَ وَيجوز للْوَصِيّ إقراض مَال أحد اليتيمين للْآخر لِأَنَّهُ لَا تُهْمَة فِيهِ
قَالَ وَقَالَ مَالك إِذا أبضع رجل رجلا بضَاعَة دَرَاهِم يصرفهَا لَهُ وأبضعه آخر دَنَانِير يصرفهَا هُوَ لَهما بِنَفسِهِ جَازَ ذَلِك
قَالَ وَقَالَ مَالك للْأَب أَن يَشْتَرِي لنَفسِهِ مَال ابْنه الصَّغِير قَالَ وَلَا يُعجبنِي أَن يَشْتَرِي الْوَصِيّ لنَفسِهِ من مَال الْيَتِيم فَإِن اشْتَرَاهُ رَأَيْت أَن يُعِيدهُ فِي البيع فَإِن كَانَ فِيهِ فضل كَانَ لأهل الْمِيرَاث وَإِن كَانَ فِيهِ نُقْصَان كَانَ عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون فِيهِ فضل بعد أَن يجْتَهد وَلَا بَأْس بِأَن يحْبسهُ الْوَصِيّ بذلك وَأَجَازَ مَالك فِي الشي التافه أَن يَشْتَرِي بِهِ الْوَصِيّ لنَفسِهِ
وَعَن الثَّوْريّ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا أَنه يَشْتَرِي وَالْأُخْرَى أَنه لَا يَشْتَرِي إِلَّا بِأَمْر القَاضِي
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ للْأَب أَن يَشْتَرِي من مَال ابْنه الصَّغِير ويبيعه مِنْهُ لنَفسِهِ
وَقَالَ اللَّيْث يجوز أَن يَشْتَرِي الْوَصِيّ من نَفسه مَال الْيَتِيم إِذا حضر أهل الْبَصْرَة والمعرفة بذلك وَإِن لم يحضر أهل الْمعرفَة بذلك لم يجز
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا رَوَاهُ الْمُزنِيّ لَا يجوز للْوَكِيل وَالْوَصِيّ أَن يَشْتَرِي من نَفسه
وَعَن الشَّافِعِي من غير هَذِه الرِّوَايَة أَنه يجوز للْأَب أَن يَشْتَرِي لنَفسِهِ مَتَاع ابْنه الصَّغِير(5/81)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَمن قَول زفر إِن الْأَب لَا يجوز أَن يَشْتَرِي مَتَاع الصَّغِير لنَفسِهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن لَا يجوز للْوَصِيّ وَلَا للْأَب أَن يَشْتَرِي من نَفسه إِلَّا أَن فِي الْأَب معنى يُفَارق الْوَصِيّ وَهُوَ ان الْأَب يهب مَاله لِابْنِهِ الصَّغِير وَيكون هُوَ الْوَاهِب والقابض وَلَا يجوز مثله فِي الْوَصِيّ
قَالَ أَبُو بكر لَا فرق عِنْدهم بَين الْأَب وَالْوَصِيّ فِي جَوَاز هِبته للصَّغِير وَيكون قَابِضا لَهُ عقيب العقد
2215 - فِي مقاسمة الْوَصِيّ الْمُوصى لَهُ على الْوَرَثَة
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْجَامِع الصَّغِير وَلم يحك خلافًا مقاسمة الْوَصِيّ الْمُوصى لَهُ بِالثُّلثِ على الْوَرَثَة جَائِزَة ومقاسمة الْوَرَثَة الْوَصِيّ على الْمُوصى لَهُ بَاطِلَة فَإِن قَاسم الْوَصِيّ الْوَرَثَة فَأخذ نصيب الْمُوصى لَهُ فَضَاعَ كَانَ للْمُوصى لَهُ أَن يرجع فَيَأْخُذ من الْوَرَثَة ثلث مَا فِي أَيْديهم
وَقَالَ الْحسن عَن زفر مثل ذَلِك
قَالَ الْحسن وَقَالَ أَبُو يُوسُف مقاسمة الْوَصِيّ الْوَرَثَة على الْمُوصى لَهُ جَائِزَة فَإِن ضَاعَ مَا فِي يَدي الْوَصِيّ ضَاعَ من مَال الْمُوصى لَهُ وَلَا يرجع الْمُوصى لَهُ على أحد بِشَيْء وَيَأْخُذ قَالَ الْحسن وَقَالَ زفر إِن لم يوص الْمَيِّت بِشَيْء وَالْوَرَثَة بَعضهم حُضُور وَبَعْضهمْ غيب فقاسم الْوَصِيّ الْحُضُور على الْغَيْب وَدفع إِلَى الْحُضُور حصتهم وَأخذ حِصَّة الْغَيْب فَضَاعَت من يَد الْوَصِيّ أَن للغيب أَن يرجِعوا على الْحُضُور فيقاسموهم مَا وصل إِلَيْهِم على الْمَوَارِيث كَأَن الْمَيِّت لم يتْرك غير الَّذِي وصل إِلَيْهِم وَإِن شاؤوا رجعُوا(5/82)
بحصتهم مِمَّا وصل إِلَى الْحُضُور على الْوَصِيّ لِأَنَّهُ دَفعه إِلَيْهِم بِغَيْر إذْنهمْ وَيرجع بِهِ الْوَصِيّ على الْحُضُور
وَقَالَ أَبُو يُوسُف الْقِسْمَة جَائِزَة على الْغَيْب وَلَيْسَ للغيب أَن يرجِعوا عل الْحُضُور بِشَيْء ضَاعَ مَا أَخذ الْوَصِيّ أَو لم يضع وَبِه قَالَ الْحسن
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا يقاسم على الْكَبِير والنائب إِلَّا السُّلْطَان وَلَا يقاسم الْوَصِيّ عَلَيْهِم وَيجوز للْأَب وللوصي أَن يقاسما على الصغار وَلَا فرق بَين الْعقار وَغَيره
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يقسم الْوَصِيّ على الصغار وَلَا يقسم على الْكَبِير الْغَائِب
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن لَا يقسم على الْكِبَار وَلَا على الْمُوصى لَهُ لِأَنَّهُ لَا ولَايَة لَهُ عَلَيْهِم
مُلْحقَة 2180 زِيَادَة فِي مَسْأَلَة الْوَصِيَّة بِمَا بَقِي من الثُّلُث وَقد تقدّمت
قَالَ أَبُو جَعْفَر كل مَا استدللنا على أَن الْمُوصى لَهُ بِمَا بَقِي من الثُّلُث يسْتَحق الْجَمِيع إِذا مَاتَ أهل الْوَصَايَا قبل الْمُوصي غَيره بِأَنَّهُ لَو أوصى بِمَا بَقِي من الثُّلُث وَلَو يوص لغيره أَنه يسْتَحق جَمِيع الثُّلُث وظننا أَنه لَا مُخَالف فِيهِ ثمَّ وجدنَا فِيمَا ذكره أَبُو زيد عَن ابْن الْقَاسِم أَن مَالِكًا قَالَ فِي رجل قَالَ لفُلَان مَا بَقِي مَالِي وَلم يوص بِشَيْء أَنه لَا شَيْء لَهُ قَالَ وَهِي من مسَائِل الشُّرُوط
قَالَ أَشهب يكون لَهُ الثُّلُث كُله فمما يحْتَج بِهِ عَلَيْهِ أَنه لَو أوصى لرجل(5/83)
بِمَا بَقِي من ثلثه وَلم يوص قبل ذَلِك ثمَّ أوصى بوصايا فِي ثلثه أَنه يجوز لمن أوصى لَهُ بهَا وَيكون مَا بَقِي من ثلثه للَّذي أوصى لَهُ بِمَا بَقِي وَلَا يعلم فِي ذَلِك خلافًا فَلَو لم تكن الْوَصِيَّة بِمَا بَقِي وَصِيَّة جَائِزَة لما جَازَت إِذا أوصى بوصايا بعْدهَا فَثَبت بذلك أَن الْوَصِيَّة بِمَا بَقِي وَصِيَّة صَحِيحَة وَإِن انْفَرَدت آخر كتاب الْوَصَايَا(5/84)
= كتاب الدِّيات والجنايات =
2216 - فِي شبه الْعمد وَمَا يجب فِيهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر جملَة قَول أبي حنيفَة رَحمَه الله فِي ذَلِك أَنه إِذا قَتله بحديدة أَو بليطة قصب أَو بِنَار فَهُوَ عمد فِيهِ الْقصاص وَمَا سوى ذَلِك شبه عمد فَلَا قصاص فِيهِ وَفِيه الدِّيَة مُغَلّظَة على الْعَاقِلَة وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة وَلَا يكون(5/85)
التَّغْلِيظ عِنْده إِلَّا فِي أَسْنَان الْإِبِل خَاصَّة دون عَددهَا وَلَيْسَ فِيمَا دون النَّفس شبه عمد بِأَيّ شَيْء ضربه فَعَلَيهِ الْقصاص إِذْ أمكن فَإِن لم يُمكن فَعَلَيهِ أَرْشه مغلظا إِذا كَانَ من الْإِبِل يقسط مَا يجب
وَجُمْلَة قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد إِن شبه الْعمد مَا لَا يقتل مثله كاللطمة الْوَاحِدَة والضربة الْوَاحِدَة بِالسَّوْطِ وَلَو كرر ذَلِك حَتَّى صَارَت جملَته مِمَّا يقتل كَانَ عمدا وَفِيه الْقصاص بِالسَّيْفِ وَكَذَلِكَ إِذا غرقه بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ الْخَلَاص مِنْهُ وَهُوَ قَول عُثْمَان البتي إِلَّا أَنه يَجْعَل دِيَة شبه الْعمد فِي مَاله
وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَمَا كَانَ من شبه عمد فَهُوَ عَلَيْهِ فِي مَاله يبْدَأ بِمَالِه فَيُؤْخَذ حَتَّى لَا يتْرك لَهُ شَيْء فَإِن لم يتم كَانَ مَا بَقِي من الدِّيَة على عَاقِلَته
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا ضربه بعصا أَو رَمَاه بِحجر أَو ضربه عمدا فَهَذَا عمد وَفِيه الْقصاص وَمن الْعمد أَن يضْربهُ فِي ثائرة يكون بَينهمَا ثمَّ ينْصَرف عَنهُ وَهُوَ حَيّ ثمَّ يَمُوت فَتكون فِيهِ الْقسَامَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك شبه الْعمد بَاطِل إِنَّمَا هُوَ عمد أَو خطأ
وَقَالَ الشجعي عَن الثَّوْريّ شبه الْعمد أَن يضْربهُ بعصا أَو بِحجر أَو بِيَدِهِ فَيَمُوت فَفِيهِ الدِّيَة مُغَلّظَة وَلَا قَود فِيهِ والعمد مَا كَانَ بسلاح فَفِيهِ الْقود وَالنَّفس يكون فِيهَا الْعمد وَشبه الْعمد وَالْخَطَأ والجراحة لَا تكون فِيهَا إِلَّا خطأ أَو عمدا
وروى الْفضل بن دُكَيْن عَن الثَّوْريّ إِذا حدد عودا أَو عظما فجرح بِهِ بطن حَيّ فَهَذَا شبه الْعمد لَيْسَ فِيهِ قَود
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي شبه الْعمد الدِّيَة فَإِن لم يكن تَمام فعلى الْعَاقِلَة وَشبه الْعمد أَن يضْربهُ بعصا أَو بِسَوْط ضَرْبَة وَاحِدَة فَيَمُوت فَإِن ثنى بالعصا ثمَّ مَاتَ مَكَانَهُ فَهُوَ عمد يقتل بِهِ وَالْخَطَأ على الْعَاقِلَة(5/86)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا ضربه بعصا ثمَّ عَاد فَقتله مَكَانَهُ من الضَّرْبَة الثَّانِيَة فَعَلَيهِ الْقصاص وَإِن عل الثَّانِيَة فَلم يمت مِنْهَا ثمَّ مَاتَ فَهُوَ شبه الْعمد لَا قصاص فِيهِ وَفِيه الدِّيَة على الْعَاقِلَة وَالْخَطَأ على الْعَاقِلَة
وَقَالَ اللَّيْث الْعمد مَا عمد بِهِ إِنْسَان وَإِن ضربه بإصبعه فَمَاتَ من ذَلِك دفع إِلَى ولي الْمَقْتُول وَالْخَطَأ فِيهِ الدِّيَة على الْعَاقِلَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا يدل على أَن اللَّيْث لَا يرى شبه الْعمد وَإِنَّمَا يكون خطأ أَو عمدا
وَقَالَ الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره عَن الشَّافِعِي إِذا عمد رجل بِسيف أَو بخنجر أَو سِنَان رمح أَو مَا يشق بحده إِذا ضرب أَو رمى بِهِ الْجلد وَاللَّحم دون المقتل فجرحه جرحا كَبِيرا أَو صَغِيرا فَمَاتَ مِنْهُ فَعَلَيهِ الْقود وَإِن شدخه بِحجر أَو تَابع عَلَيْهِ الخنق أَو والى بِالسَّوْطِ حَتَّى يَمُوت أَو طبق عَلَيْهِ بَيْتا بِغَيْر طَعَام وَلَا شراب أَو ضربه بِسَوْط فِي شدَّة حر أَو برد مِمَّا الْأَغْلَب أَنه يَمُوت مِنْهُ فَمَاتَ فَعَلَيهِ الْقود وَإِن ضربه بعمود أَو بِحجر لَا يشدخ أَو بِحَدّ سيف وَلم يجرح أَو أَلْقَاهُ فِي بَحر قريب الْبر وَهُوَ يحسن العوم أَو مَا يغلب على الظَّن أَنه لَا يَمُوت بِمثلِهِ فَمَاتَ فَلَا قَود فِيهِ وَفِيه الدِّيَة على الْعَاقِلَة مُغَلّظَة(5/87)
قَالَ أَبُو جَعْفَر الدَّلِيل على ثُبُوت شبه الْعمد مَا روى هشيم عَن خَالِد الْحذاء عَن الْقَاسِم بن ربيعَة بن جوشن عَن عقبَة بن أَوْس السدُوسِي عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب يَوْم فتح مَكَّة فَقَالَ فِي خطبَته أَلا إِن قَتِيل خطأ الْعمد بِالسَّوْطِ والعصا وَالْحجر فِيهِ دِيَة مُغَلّظَة مائَة من الْإِبِل مِنْهَا أَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا
فَثَبت بذلك شبه الْعمد الَّذِي لَيْسَ بعمد مَحْض وَلَا خطا مَحْض
وروى إِبْرَاهِيم عَن عبيد بن نضيلة الْخُزَاعِيّ عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَن امْرَأتَيْنِ ضربت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بعمود الْفسْطَاط فقتلتها فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالدِّيَةِ على عصبَة الْعَاقِلَة وَقضى فِيمَا فِي بَطنهَا بغرة والغرة عبد أَو أمة فَقَالَ الْأَعرَابِي أغرم من لَا طعم وَلَا شرب وَلَا صَاح فَاسْتهلَّ مثل ذَلِك يطلّ فَقَالَ سجع كسجع الْأَعْرَاب
وروى يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن ابْن الْمسيب وَأبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ اقْتتلَتْ امْرَأَتَانِ من هُذَيْل فَضربت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بِحجر(5/88)
فقتلتها وَمَا فِي بَطنهَا فاختصموا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقضى أَن دِيَة جَنِينهَا عبد أَو أمة وَقضى بدية الْمَرْأَة على عاقلتها وورثها وَلَدهَا وَمن مَعَهم فَقَالَ حمل بن مَالك بن النَّابِغَة الْهُذلِيّ يَا رَسُول الله كَيفَ أغرم من لَا شرب ولاأكل وَلَا نطق وَلَا اسْتهلّ فَمثل ذَلِك يطلّ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذَا من إخْوَان الْكُهَّان من أجل سجعه الَّذِي سجعه
فَفِي هذَيْن الْحَدِيثين وجوب الدِّيَة على الْعَاقِلَة
وَقد روى أَبُو عَاصِم عَن ابْن جريج قَالَ أَخْبرنِي عَمْرو بن دِينَار عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس ان عمر بن الْخطاب نَشد النَّاس قَضَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَنِين فَقَامَ حمل بن مَالك بن النَّابِغَة فَقَالَ إِنِّي كنت بني امْرَأتَيْنِ وَأَن إِحْدَاهمَا ضربت الْأُخْرَى بمسطح فقتلتها وجنينها فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَنِين بغرة وَأَن تقتل مَكَانهَا
فَذكر فِي هَذَا الحَدِيث الْقَتْل وَقد قيل إِن هَذَا غلط من أبي عَاصِم لِأَن الْحميدِي قد روى عَن هِشَام بن سُلَيْمَان المَخْزُومِي عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن دِينَار عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس مثل حَدِيث أبي عَاصِم عَن ابْن جريح وَلم يذكر فِيهِ وَأَن تقتل مَكَانهَا
وَرَوَاهُ أَيْضا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن طَاوس أَن عمر قَالَ(5/89)
آذكر الله امْرَءًا سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى فِي الْجَنِين بِشَيْء فَذكر مثل ذَلِك وَلم يقل فِيهِ أَن تقتل مَكَانهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَيْسَ هَذَا بغلط من أبي عَاصِم لِأَن الْحجَّاج بن مُحَمَّد قد روى عَن ابْن جريج قَالَ أَخْبرنِي عَمْرو بن دِينَار سمع طاوسا يحدث عَن ابْن عَبَّاس عَن عمر أَنه نَشد قَضَاء رَسُول الله صلى فِي ذَلِك فَقَامَ حمل بن مَالك فَقَالَ كنت بَين حجري امْرَأتَيْنِ فَضربت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بمسطح فقتلتها وجنينها فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَنِينهَا بغرة وَأَن تقتل مَكَانهَا
فَثَبت بذلك أَن أَبَا عَاصِم لم يغلط فِي هَذِه الزِّيَادَة وعَلى أَنه لَو انْفَرد بهَا عَاصِم كَانَت مَقْبُولَة لِأَنَّهُ لَيْسَ باخْتلَاف فِي نفس الحكم وَإِنَّمَا هُوَ زِيَادَة زَادهَا أَبُو عَاصِم وحذفها ابْن عُيَيْنَة وَغَيره
وَقد روى سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ سَمِعت أَبَا الْمليح ابْن أُسَامَة الْهُذلِيّ قَالَ كَانَ فِينَا امْرَأَتَانِ فَضربت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بعمود فقتلتها وَقتلت مَا فِي بَطنهَا فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَرْأَة بِالْعقلِ وَفِي الْجَنِين بغرة عبد أَو أمة أَو بفرس أَو عشر من الْإِبِل وَقضى أَن الْعقل على عصبَة القاتلة
وروى شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن أبي الْمليح عَن حمل بن مَالك قَالَ كَانَت(5/90)
لي امْرَأَتَانِ فرجمت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بِحجر فَأصَاب قَتلهَا وَهِي حَامِل فَأَلْقَت جَنِينا وَمَاتَتْ فَرفع ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالدِّيَةِ على عَاقِلَة القاتلة وَقضى فِي الْجَنِين بغرة عبد أَو أمة أَو مائَة شَاة أَو عشر من الْإِبِل
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَكَانَ مَا روى حمل بن مَالك فِي ذَلِك مضطربا وَكَانَت هَذِه الْقَضِيَّة بِمَنْزِلَة مَا لم يرد فِيهِ شَيْء وَثَبت مَا روى الْمُغيرَة وَأَبُو هُرَيْرَة فِيهَا وَهُوَ نفي الْقصاص وَلما ثَبت فِي هَذِه الْأَخْبَار أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل دِيَة الْمَرْأَة على الْعَاقِلَة ثَبت أَن دِيَة شبه الْعمد على الْعَاقِلَة
وَقد رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ يعمد أحدكُم فَيضْرب أَخَاهُ بِمثل آكِلَة اللَّحْم وَهِي الْعَصَا ثمَّ يَقُول لَا قَود عَليّ لَا أُوتى بِأحد فعل ذَلِك إِلَّا أقدته
وروى شريك عَن أبي إِسْحَاق عَن عَاصِم بن ضَمرَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ شبه الْعمد بالعصا وَالْحجر الثقيل وَلَيْسَ فيهمَا قَود
2217 - فِي الْقَاتِل فِي الْحرم وَفِي الشَّهْر الْحَرَام
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَابْن أبي ليلى وَمَالك إِن الْقَتْل فِي الْحل وَالْحرم سَوَاء فِيمَا يجب بِهِ من الدِّيَة أَو الْقود
وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيّ عَن الْقَتْل فِي الشَّهْر الْحَرَام أَو الْحرم هَل تغلظ الدِّيَة فِيهِ قَالَ بلغنَا أَنه إِذا قتل فِي أشهر الْحرم أَو فِي الْحرم زيد على الْعقل الثُّلُث وَيُزَاد فِي شبه الْعمد فِي أَسْنَان الْإِبِل(5/91)
وَذكر الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي فِي مُخْتَصره وَذكر تَغْلِيظ الدِّيَة فِي شبه الْعمد وَقَالَ الدِّيَة فِي هَذَا على الْعَاقِلَة وَكَذَلِكَ الْجراح وَكَذَلِكَ التَّغْلِيظ فِي النَّفس والجراح فِي الشَّهْر الْحَرَام والبلد الْحَرَام وَذي الرَّحِم
وَرُوِيَ عَن عُثْمَان أَنه قضى فِي دِيَة امْرَأَة وطِئت بِمَكَّة بدية وَثلث
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد رُوِيَ عَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ ذَلِك
وروى إِبْرَاهِيم عَن الْأسود أَن رجلا أُصِيب عِنْد الْبَيْت فَسَأَلَ عمر عليا رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ لَهُ دِيَته من بَيت مَال الْمُسلمين فَلم ير عليا رَضِي الله عَنهُ مِنْهُ أَكثر من الدِّيَة وَلم يُخَالِفهُ عمر فِيهِ
وَقَالَ الله تَعَالَى {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة إِلَى أَهله} النِّسَاء 92 وَهُوَ عَام فِي الْحرم والحل وَلما كَانَت الْكَفَّارَة فِي الْحرم كهي فِي الْحل كَذَلِك الدِّيَة وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا إِن قَتِيل خطأ الْعمد قَتِيل السَّوْط والعصا فِيهِ مائَة من الْإِبِل وَلم يفرق بَين الْحل وَالْحرم وَقد اخْتلف التابعون فِي ذَلِك فَروِيَ عَن سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير وَأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن وخارجة بن زيد وَعبيد الله بن عبد الله وَسليمَان بن يسَار أَن الدِّيَة فِي الْحرم وَفِي الشَّهْر الْحرم كهي فِي غَيره
وَقد رُوِيَ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَسَالم بن عبد الله أَن من قتل فِي الْحرم زيد على دِيَته مثل ثلثهَا(5/92)
2218 - فِي كَيْفيَّة تَغْلِيظ الدِّيَة وَهل تغلظ فِي غير شبه الْعمد
قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا تَغْلِيظ إِلَّا فِي أَسْنَان الْإِبِل فِي شبه الْعمد وَفِي الْعمد الَّذِي لَا قصاص فِيهِ إِلَّا أَن الْعمد الَّذِي لَا قصاص فِيهِ الدِّيَة فِيهِ فِي مَال الْجَانِي فِي ثَلَاث سِنِين نَحْو الْأَب يقتل ابْنه وَفِي شبه الْعمد على الْعَاقِلَة
ودية شبه الْعمد عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف أَربَاعًا خمس وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض وَخمْس وَعِشْرُونَ بنت لبون وَخمْس وَعِشْرُونَ حقة وَخمْس وَعِشْرُونَ جَذَعَة وَهُوَ قَول عبد الله بن مَسْعُود
وَقَالَ مُحَمَّد دِيَة شبه الْعمد أَثلَاثًا ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ مَا بَين ثنية إِلَى بازل عامها كلهَا خلفة يَعْنِي بالخلفة الْحَامِل وَهُوَ قَول زيد بن ثَابت
وَرُوِيَ مثله عَن عمر بن الْخطاب وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْريّ
وروى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَن الدِّيَة الْمُغَلَّظَة فِي الرجل يحذف ابْنه بِالسَّيْفِ فيقتله فَتكون عَلَيْهِ الدِّيَة مُغَلّظَة ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة وَهِي حَالَة قَالَ وَالْجد إِذا قتل ولد وَلَده على هَذَا الْوَجْه فَهُوَ مثل الْأَب فَإِن قطع يَد الْوَلَد وعاش فَفِيهِ نصف الدِّيَة مُغَلّظَة
وَقَالَ مَالك تغلظ على أهل الْوَرق وَالذَّهَب أَيْضا وَهُوَ أَن ينظر إِلَى قيمَة الثَّلَاثِينَ من الحقة وَالثَّلَاثِينَ من الْجَذعَة وَالْأَرْبَعِينَ من الخلفة فَيعرف كم قيمتهن ثمَّ ينظر إِلَى دِيَة الْخَطَأ أَخْمَاسًا من الْأَسْنَان عشْرين بنت مَخَاض(5/93)
وَعشْرين ابْن لبن وَعشْرين بَنَات لبون وَعشْرين حَقه وَعشْرين جَذَعَة ثمَّ ينظر كم فضل مَا بَين دِيَة الْخَطَأ ودية الْمُغَلَّظَة فيزاد فِي الدِّيَة على قدر ذَلِك قَالَ وَهُوَ على قدر الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فِي سَائِر الْأَزْمَان وَإِن صَارَت التَّغْلِيظ ضعْفي دِيَة الْخَطَأ زيد عَلَيْهِ من الْوَرق بِقدر ذَلِك
وَقَالَ الثَّوْريّ فِي دِيَة شبه الْعمد من الْوَرق وَيُزَاد عَلَيْهَا بِقدر مَا بَين دِيَة الْخَطَأ إِلَى دِيَة شبه الْعمد فِي أَسْنَان الْإِبِل نَحْو مَا قَالَ مَالك وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عَمْرو بن شُعَيْب أَن عمر قضى فِي قَتَادَة المدلجي حَيْثُ حذف ابْنه بِالسَّيْفِ فَمَاتَ بِمِائَة من الْإِبِل ثَلَاثِينَ حقة وَثَلَاثِينَ جَذَعَة وَأَرْبَعين خلفة وَأَخذهَا حَالا وَجعلهَا لأخي الْمَقْتُول
وَهَذَا مُرْسل لِأَن عَمْرو بن شُعَيْب لم يدْرك زمَان عمر
وَقد روى وَاصل الأحدب عَن الْمَعْرُور بن سُوَيْد عَن عمر قَالَ الدِّيَة تحمل فِي ثَلَاث سِنِين وَلم يخصص دِيَة دون دِيَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اتَّفقُوا على أَن التَّغْلِيظ فِي الْأَسْنَان وَأَن التَّغْلِيظ فِيهَا(5/94)
لَا يكون بِزِيَادَة الْعدَد ثمَّ اخْتلفُوا فِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فَقَالَ بَعضهم هِيَ ديات فِي أَنْفسهَا وَقَالَ بَعضهم لَيست هِيَ بديات فِي أَنْفسهَا وَإِنَّمَا هِيَ بدل من الدِّيَة الَّتِي هِيَ مائَة من الْإِبِل وَوجدنَا عمر رَضِي الله عَنهُ قد جعل الدِّيَة من الذَّهَب ألف دِينَار وَمن الْوَرق مَا قد اخْتلف عَنهُ فِيهِ فروى عَنهُ أهل الْمَدِينَة أَنه جعلهَا اثْنَي عشر ألفا وروى أهل الْعرَاق أَنه جعلهَا عشرَة ألف وَأَجْمعُوا أَنه جعلهَا فِي ثَلَاث سِنِين
فَدلَّ على أَنَّهَا ديات فِي أَنْفسهَا لَيست بأبدال عَن غَيرهَا لِأَنَّهَا لَو كَانَت إبدالا لَكَانَ دينا بدين فَثَبت أَنَّهَا ديات بأنفسها وَقد فعل ذَلِك عمر بِحَضْرَة من الصَّحَابَة من غير خلاف فَلَا تجوز الزِّيَادَة عَلَيْهَا لِأَن التَّغْلِيظ إِنَّمَا هُوَ فِي صفة الدِّيَة لَا فِي زِيَادَة عَددهَا
قَالَ أَبُو بكر وَلَو كَانَت الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير بَدَلا من الْإِبِل لوَجَبَ اعْتِبَارهَا بِالْإِبِلِ فِي سَائِر الْأَزْمَان على حسب زِيَادَة الْقيم ونقصانها وَكَانَت لَا تكون مقدرَة بِعشْرَة ألف دِرْهَم وَألف دِينَار
قَالَ أَبُو بكر فَإِن قيل لَا يمْتَنع أَن تكون مَأْخُوذَة عَن قيمَة الْإِبِل وَيجوز لَا على أَنَّهَا دين بدين كَمَا يَقُولُونَ فِيمَن تزوج بِامْرَأَة على عشْرين من الْإِبِل أَن عَلَيْهِ الْوسط من ذَلِك وَإِن جَاءَ بِالْقيمَةِ دَرَاهِم أَو دَنَانِير قبلت مِنْهُ وَلم يكن ذَلِك بيع دين بدين(5/95)
قيل لَهُ لَو كَانَ كَذَلِك لوَجَبَ اعْتِبَار قيمَة الْإِبِل فِي سَائِر الْأَزْمَان فِي الدِّيات فَلَمَّا لم يعْتَبر ذَلِك أحد وَأوجب الْجَمِيع الدِّيَة من الذَّهَب ألف دِينَار وَمن الْوَرق على اخْتلَافهمْ فِيهَا دلّ ذَلِك على أَنَّهَا ديات بأنفسها وَلَيْسَت مَأْخُوذَة بَدَلا عَن الْإِبِل
2219 - فِي أَسْنَان الْإِبِل فِي الْخَطَأ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه دِيَة الْخَطَأ أَخْمَاسًا وَكَذَلِكَ قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ إِلَّا أَنهم اخْتلفُوا فِي الْأَسْنَان من كل صنف
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه عشرُون ابْن مَخَاض وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ حقة وَعِشْرُونَ جَذَعَة
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ عشرُون بنت مَخَاض وَعِشْرُونَ ابْن لبون وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ حقة وَعِشْرُونَ جَذَعَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى زيد بن جُبَير عَن خشف بن مَالك عَن عبد الله بن مَسْعُود أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل الدِّيَة فِي الْخَطَأ أَخْمَاسًا
وروى مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله بن مَسْعُود فِي دِيَة الْخَطَأ أَخْمَاسًا وَذكر الْأَسْنَان مثل قَول أبي حنيفَة(5/96)
فَهَذَا يدل على أَن الْأَخْمَاس الَّتِي رَوَاهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت على هَذَا الْوَجْه إِلَّا أَن خشف بن مَالك لَا يعرف
وروى أَبُو إِسْحَاق عَن عَاصِم بن ضَمرَة عَن عَليّ فِي دِيَة الْخَطَأ أَربَاعًا خَمْسَة وَعِشْرُونَ جَذَعَة وحقة وَبنت مَخَاض وَبنت لبون
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر مَا ذهب إِلَيْهِ مَالك فِي أَسْنَان الْخَطَأ لَا يروي عَن أحد من الصَّحَابَة ويروي مثله عَن سُلَيْمَان بن يسَار
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول من جعل فِي الْخَطَأ مَكَان ابْن لبون ابْن مَخَاض أولى لِأَن بني اللَّبُون أَعلَى من بني الْمَخَاض فَلَا تثبت هَذِه الزِّيَادَة بِغَيْر تَوْقِيف
قَالَ أَبُو بكر وَأَيْضًا فَإِن ابْن اللَّبُون بِمَنْزِلَة بنت الْمَخَاض فَيصير مُوجبه بِمَنْزِلَة مُوجب أَرْبَعِينَ بنت مَخَاض
2220 - فِي الدِّيَة من غير الْإِبِل
قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر وَمَالك وَالشَّافِعِيّ الدِّيَة من غير الْإِبِل من الدَّنَانِير ألف دِينَار وَمن الْوَرق عِنْد أبي الْوَرق عِنْد أبي حنيفَة وَأَصْحَابه عشرَة ألف دِرْهَم وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ إثنا عشر ألفا
وَقَالَ مَالك أهل الذَّهَب أهل الشَّام ومصر وَأهل الْوَرق أهل الْعرَاق وَأهل الْإِبِل الْبَوَادِي قَالَ مَالك لَا يقبل من أهل الْإِبِل إِلَّا الْإِبِل وَمن أهل الذَّهَب إِلَّا الذَّهَب وَمن أهل الْوَرق إِلَّا الْوَرق(5/97)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الدِّيَة من الْوَرق عشرَة ألف وعَلى أهل الذَّهَب ألف دِينَار وعَلى أهل الْإِبِل مائَة بعير وعَلى أهل الْبَقر مِائَتَا بقرة وعَلى أهل الشَّاة ألفا شَاة وعَلى أهل الْحلَل مِائَتَا حلَّة يَمَانِية وَلَا يُؤْخَذ من الْبَقر وَالْغنم فِي الدِّيَة إِلَّا الثني فَصَاعِدا وَلَا يُؤْخَذ من الْحلَل إِلَّا اليمانية قيمَة كل حلَّة خَمْسُونَ درهما فَصَاعِدا
وَذكر الثَّوْريّ مثل ذَلِك عَن عمر وَلم يذكر خِلَافه فِيهِ
وَقَالَ اللَّيْث الدِّيَة من الْإِبِل الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بِالدِّيَةِ فِي الْخَطَأ أثني عشر ألف دِرْهَم
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى هَذَا الحَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عِكْرِمَة وَلم يذكر ابْن عَبَّاس وسُفْيَان بن عُيَيْنَة حجَّة على مُحَمَّد بن مُسلم وَمُحَمّد بن مُسلم لَيْسَ بِحجَّة عَلَيْهِ فَلم يثبت بِهَذَا الحَدِيث حجَّة
وروى الشّعبِيّ عَن عُبَيْدَة عَن عمر أَنه جعل الدِّيَة على أهل الذَّهَب ألف دِينَار وعَلى أهل الْوَرق عشرَة ألف وعَلى أهل الْبَقر مِائَتي بقرة وعَلى أهل الشَّاة ألفي شَاة وعَلى أهل الْإِبِل مائَة من الْإِبِل وعَلى أهل الْحلَل مِائَتي حلَّة(5/98)
وروى هشيم عَن يُونُس عَن الْحسن أَن عمر بن الْخطاب قوم الْإِبِل فِي الدِّيَة مائَة من الْإِبِل قوم كل بعير بِمِائَة وَعشْرين درهما أثني عشر ألف دِرْهَم
فقد اخْتلف عَن عمر فِي ذَلِك فَذكر فِي هَذَا الحَدِيث أَنه جعل الْوَرق قيمَة الْإِبِل لَا أَنه أصل فِي الدِّيَة وَفِي غير هَذَا الحَدِيث أَنه جعل الدِّيَة من الْوَرق وَقد روى ابْن أبي نجيح عَن أَبِيه أَن عُثْمَان قضى فِي الدِّيَة بأثني عشر ألف دِرْهَم
وروى نَافِع بن جُبَير بن مطعم عَن ابْن عَبَّاس مثل ذَلِك
وروى الشّعبِيّ عَن الْحَارِث عَن عَليّ قَالَ الدِّيَة إثنا عشر الْفَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اتّفق الْجَمِيع على الْعشْرَة ألف وَاخْتلفُوا فِي الزِّيَادَة فَلَا تجوز إِثْبَاتهَا بِغَيْر دلَالَة وَقد دلّ قَوْلهم هَذَا على أَن الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير صنف من أَصْنَاف الدِّيَة لَا على وَجه الْبَدَل وَقد قَالَ أَبُو حنيفَة فِيمَا ذكره عَنهُ الْحسن بن زِيَاد أَن عمر إِنَّمَا جعل الدِّيَة من الْأَصْنَاف الَّتِي رويت عَنهُ لِأَن ذَلِك كَانَ أَمْوَالهم فَلَمَّا صَارَت الدَّوَاوِين والأعطية جعل أَمْوَالهم الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَالْإِبِل
قَالَ أَبُو جَعْفَر جعله الدِّيَة فِي الأعطية لم يُخرجهَا من أَن تكون من الْإِبِل عِنْده كَذَلِك سَائِر الْأَصْنَاف(5/99)
2221 - فِي العواقل
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه الدِّيَة فِي قتل الْخَطَأ على الْعَاقِلَة فِي ثَلَاث سِنِين من يَوْم يقْضِي بهَا الْعَاقِلَة هم أهل ديوانه إِن كَانَ من أهل الدِّيوَان يُؤْخَذ ذَلِك من أعطياتهم حَتَّى يُصِيب الرجل مِنْهُم من الدِّيَة كلهَا أَرْبَعَة دَرَاهِم أَو ثَلَاثَة فَإِن أَصَابَهُ أَكثر من ذَلِك ضم إِلَيْهَا أقرب الْقَبَائِل إِلَيْهِم فِي النّسَب من أهل الدِّيوَان وَإِن كَانَ الْقَاتِل لَيْسَ من أهل الدِّيوَان فرضت الدِّيَة على عَاقِلَته الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب فِي ثَلَاث سِنِين من يَوْم يقْضِي بهَا القَاضِي فَيُؤْخَذ فِي كل سنة ثلث الدِّيَة عِنْد رَأس كل حول وَيضم إِلَيْهِم أقرب الْقَبَائِل مِنْهُم فِي النّسَب حَتَّى يُصِيب الرجل من الدِّيَة ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو أَرْبَعَة
قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن يعقل عَن الحليف حلفاؤه وَلَا يعقل عَنهُ قومه
وَقَالَ عُثْمَان البتي لَيْسَ أهل الدِّيوَان أولى بهَا من سَائِر الْعَاقِلَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك الدِّيَة على الْقَبَائِل على الْغَنِيّ على قدره وَمن دونه على قدره حَتَّى يُصِيب الرجل من مائَة دِرْهَم وَنصف
وَحكى عَنهُ أَن ذَلِك يُؤْخَذ من أعطياتهم
وَقَالَ الثَّوْريّ تجْعَل الدِّيَة ثلثا فِي الْعَام الَّذِي أُصِيب فِيهِ الرجل وَلَكِن يكون عِنْد الأعطية على الرِّجَال(5/100)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ الْعقل على رُؤُوس الرِّجَال فِي أعطية الْمُقَاتلَة
وَقَالَ اللَّيْث الْعقل على الْقَاتِل وعَلى الْقَوْم الَّذين يَأْخُذ مَعَهم الْعَطاء وَلَا يكون على قومه مِنْهُ شَيْء فَإِن لم يكن فيهم من يحمل الْعقل ضم إِلَى ذَلِك أقرب الْقَبَائِل إِلَيْهِم
وروى الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره عَن الشَّافِعِي أَن الْعقل على ذَوي الْأَنْسَاب دون أهل الدِّيوَان والحلفاء على الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب من بني أَبِيه ثمَّ بني جده ثمَّ بني جد أَبِيه فَإِن عجزوا عَن الْبَعْض حمل الموَالِي المعتقين الْبَاقِي فَإِن عجزوا عَن بعض وَلَهُم عواقل أعقلته عواقلهم فَإِن لم يكن لَهُ ذُو نسب وَلَا مولى من أَعلَى حمل للْمولى أَسْفَل وَيحمل من كثر مَاله نصف دِينَار وَمن كَانَ دونه ربع دِينَار لَا يُزَاد على هَذَا وَلَا ينقص مِنْهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن جريج عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ كتب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على كل بطن عقوله وَقَالَ وَلَا يتَوَلَّى مولى قوما إِلَّا بإذنهم
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَظَاهره يَقْتَضِي التَّسْوِيَة بَين الْقَرِيب والبعيد من الْجَانِي لأَنهم من الْبَطن
وروى عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لسَلمَة بن نعيم حِين قتل مُسلما وَهُوَ يَظُنّهُ كَافِرًا أَن عَلَيْهِ وعَلى قومه الدِّيَة وَلم يفرق بَين الْقَرِيب الْبعيد فَهَذَا(5/101)
يدل على أَن الْبعيد والقريب سَوَاء وَهَذَا أَيْضا يدل على التَّسْوِيَة بَينهم فِيمَا يلْزم كل وَاحِد مِنْهُم من غير اعْتِبَار الْغَنِيّ من الْفَقِير
وَأما الحليف فقد روى سعد بن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه عَن جُبَير بن مطعم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا حلف فِي الْإِسْلَام وإيما حلف كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة فَلم يزده الْإِسْلَام إِلَّا شدَّة فَأثْبت حلف الْجَاهِلِيَّة وَقد كَانَ الحليف عِنْدهم كالقرابة فِي النُّصْرَة وَالْعقل ثمَّ أكد الْإِسْلَام ذَلِك
وَقد كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظهر قبله على رجل من الْمُشْركين فربطه إِلَى سَارِيَة من سواري مَسْجده فَقَالَ علام أحبس فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بجريرة حلفائك فَدلَّ على بَقَاء الْحلف الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة
وَأما مَا اخْتلفُوا فِيهِ من الْعَاقِلَة فَإِن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يتعاقلون بالنصرة ثمَّ جَاءَ الْإِسْلَام فَجرى الْأَمر فِيهِ كَذَلِك ثمَّ جعل عمر الدَّوَاوِين فَجمع بهَا النَّاس وَجعل أهل كل جند يدا وَجعل عَلَيْهِم قتال من يليهم من الْأَعْدَاء فصاروا بِهِ فِي الْحَال الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا وَمن أجلهَا يتعاقلون
وَقَول من اعْتبر ثَلَاثَة وَأَرْبَعَة دَرَاهِم أولى لِأَن هَذَا الْقدر مُتَّفق عَلَيْهِ وَمَا زَاد مُخْتَلف فِيهِ وَلم تقم عَلَيْهِ دلَالَة(5/102)
2222 - فِي الْعمد فِيمَا دون النَّفس مِمَّا لَا قصاص فِيهِ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه كل جِنَايَة فِيمَا دون النَّفس لَا يُسْتَطَاع فِيهَا الْقصاص من قطع عُضْو من غير مفصل نَحْو المنقلة والآمة والجائفة فالأرش فِي مَال الْجَانِي وَهُوَ قَول عُثْمَان البتي وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن وهب وَابْن الْقَاسِم عَن مَالك هم على الْعَاقِلَة وَهُوَ آخر قَول مَالك
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَقَالَ لَو قطع يَمِين رجل وَلَا يَمِين لَهُ كَانَت دِيَة الْيَد فِي مَاله وَلَا تحملهَا الْعَاقِلَة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ هُوَ فِي مَال الْجَانِي فَإِن لم يبلغ ذَلِك مَاله حمل ذَلِك على عَاقِلَته وَكَذَلِكَ إِذا قتلت امْرَأَة زَوجهَا متعمدة وَلها مِنْهُ أَوْلَاد فعقله فِي مَالهَا خَاصَّة فَإِن لم يبلغ ذَلِك مَالهَا حمل على عاقلتها
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سعيد بن مَنْصُور قَالَ حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لَا تعقل الْعَاقِلَة عمدا وَلَا صلحا وَلَا اعترافا
روى عَن عمر فِي الَّذِي حذف ابْنه بِالسَّيْفِ أَن الدِّيَة عَلَيْهِ فِي مَاله وَلَا فرق بَين النَّفس وَمَا دونهَا(5/103)
2223 - فِي الْجَانِي هَل يدْخل فِي الْعقل
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَاللَّيْث وَابْن شبْرمَة الْقَاتِل والجارح يعقل مَعَ الْعَاقِلَة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ لَا يدْخل الْجَانِي مَعَهم فِي الْعقل
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي الدِّيَة على الْعَاقِلَة وَمَا عجزت عَنهُ الْعَاقِلَة فَهُوَ فِي مَاله
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سعد بن طَارق عَن نعيم بن أبي هِنْد عَن سَلمَة بن نعيم أَنه قتل رجل من الْمُسلمين ظَنّه من الْمُشْركين يَوْم الْيَمَامَة فَقَالَ لَهُ عمر عَلَيْك وعَلى قَوْمك الدِّيَة
وروى عِكْرِمَة عَن عمر بن عبد الْعَزِيز مثل ذَلِك وَلَا يعرف عَن أحد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ خِلَافه
2224 - فِيمَن أقرّ بقتل خطأ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَابْن شبْرمَة وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ عَلَيْهِ الدِّيَة فِي مَاله
وَقَالَ مَالك لَا شَيْء عَلَيْهِ فِيمَا ذكره عَنهُ ابْن وهب
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَنهُ لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي مَاله وَإِن كَانَ الَّذِي أقرّ لَهُ مِمَّن لَا يتهم عَلَيْهِ فَهُوَ على الْعَاقِلَة بقسامة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وروى عَن ابْن عَبَّاس لَا تعقل الْعَاقِلَة عمدا وَلَا صلحا وَلَا اعترافا وَلَا نعلم عَن أحد من الصَّحَابَة خلاف وَهُوَ الْقيَاس لِأَن(5/104)
الْعَاقِلَة إِنَّمَا تحمل عَنهُ مَا قد لزمَه وَوَجَب عَلَيْهِ فَإِذا لم يصدقهُ على الْعَاقِلَة صدق على نَفسه وَلَا يجوز أَن تلْزم الْعَاقِلَة إِن كَانَ مِمَّن لَا يتهم لِأَن أحدا لَا يصدق على غَيره وَإِذا لم يسْتَحقّهُ عَلَيْهِ وَلَا قسَامَة فَكَذَلِك بالقسامة وَأَيْضًا لما اتّفق الْجَمِيع على أَن القَاضِي يسْأَل الْمُدعى عَلَيْهِ عَن قتل الْخَطَأ دلّ ذَلِك على أَن الْوَاجِب بِالْقَتْلِ هُوَ حق عَلَيْهِ وَإِن كَانَت عَاقِلَته تتحمله لِأَنَّهُ لَو كَانَ على عَاقِلَته دِيَة لما سُئِلَ عَنهُ أَلا ترى أَن مَا يدعى على الْمولى لَا يسْأَل الأوصياء عَنهُ لأَنهم لَو أقرُّوا بِهِ لم يلْزمهُم
2225 - فِي ديات النِّسَاء
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ دِيَة الْمَرْأَة وجراحها على النّصْف من دِيَة الرجل فِيمَا قل أَو كثر
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث يسوى الرجل وَالْمَرْأَة فِي عقل الْجراح حَتَّى يبلغ ثلث دِيَة الرجل ثمَّ تكون دِيَة الْمَرْأَة على النّصْف
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن وهب عَن مَالك عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن قَالَ سَأَلت سعيد بن الْمسيب كم فِي إِصْبَع الْمَرْأَة فَقَالَ عشر من الْإِبِل فَقلت وَكم فِي إِصْبَعَيْنِ قَالَ عشرُون من الْإِبِل فَقلت وَكم من ثَلَاث أَصَابِع قَالَ ثَلَاثُونَ من الْإِبِل قلت فكم من أَربع عشرُون من الْإِبِل فَقلت حِين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلهَا فَقَالَ سعيد أعراقي أَنْت فَقلت بل عَالم متثبت أَو جَاهِل متعلم فَقَالَ هِيَ السّنة يَا ابْن أخي(5/105)
وَقَوله هِيَ السّنة لَا دلَالَة على أَنه تَوْقِيف من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن السّنة قد تكون من غَيره قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي
وَلَيْسَ يرْوى ذَلِك إِلَّا عَن زيد بن ثَابت
وروى عَن عَليّ وَعبد الله بن مَسْعُود أَن أَرْشهَا على النّصْف فِيمَا قل أَو كثر
وَلما اتَّفقُوا على أَن مَا فَوق الثُّلُث على النّصْف فَكَذَلِك مَا دونه
2226 - فِيمَن قتل ابْنه
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَأَصْحَابه وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ لَا يُقَاد وَالِد بولده وَلَا الْجد
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يُقَاد الْجد بِابْن الابْن وَلَا يُقَاد الْأَب بالابن وَكَانَ يُجِيز شَهَادَة الْجد لِابْنِ ابْنه وَلَا يُجِيز شَهَادَة الْأَب لَهُ
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا قتل ابْنه عمدا قتل بِهِ
قَالَ مَالك لمن ذبحه قتل بِهِ وَإِن حذفه بِسيف أَو عَصا لم يقتل بِهِ وَكَذَلِكَ الْجد
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد روى عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي قصَّة قَتَادَة(5/106)
المدلجي الَّذِي حذف ابْنه بِالسَّيْفِ فقلته أَنه قَالَ لَوْلَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يُقَاد وَالِد بولده لأقدتك وَهُوَ خبر مستفيض عِنْد أهل الْعلم كَمَا روى أَن لَا وَصِيَّة لوَارث وَاخْتِلَاف الْمُتَبَايعين
وَأَنه ورد من طَرِيق الْآحَاد فَهُوَ بِمَنْزِلَة التَّوَاتُر لاستفاضته وشهرته
2227 - فِيمَا دون الْمُوَضّحَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ لَيْسَ فِيمَا دون الْمُوَضّحَة من شجاج أرش مُقَدّر وَإِنَّمَا فِيهِ حُكُومَة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِي السمحاق أَربع من الْإِبِل وروى ذَلِك عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عَن عَليّ فِي السمحاق أَربع من الْإِبِل وَعَن عمر أَنه قضى فِي الترقوة بِحمْل وَفِي الضلع بِحمْل
وَقَالَ زيد بن ثَابت فِي الْعين الْقَائِمَة إِذا طعنت مائَة دِينَار وَهَذَا عندنَا على وَجه الْحُكُومَة لِأَنَّهُ تَوْقِيف(5/107)
2228 - فِي مَوَاضِع الشجاج
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا يكون الشجاج إِلَّا فِي الْوَجْه وَالرَّأْس وَلَا تكون الْجَائِفَة إِلَّا فِي الْجوف
قَالَ بشر عَن أبي يُوسُف كل مَوضِع يكون فِيهِ منقلة وهاشمة وسمحاق وباضعة ومتلاحمة ودامية فَإِنَّمَا ذَلِك فِي الرَّأْس والجبهة والصدغين واللحيين وَمَوْضِع الْعظم من اللحيين والذقن وَلم نجد خلافًا وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ عُثْمَان البتي الْمُوَضّحَة فِي الْوَجْه وَالرَّأْس سَوَاء
وَقَالَ مَالك المأمومة والمنقلة والموضحة لَا تكون إِلَّا فِي الْوَجْه وَالرَّأْس وَلَا تكون المأمومة إِلَّا فِي الرَّأْس خَاصَّة إِذا وصل إِلَى الدِّمَاغ قَالَ والموضحة مَا تكون فِي جمجمة الرَّأْس وَمَا دونهَا فَهُوَ من الْعُنُق لَيْسَ فِيهِ مُوضحَة
وَقَالَ مَالك الْأنف لَيْسَ من الرَّأْس فِيهِ مُوضحَة وَكَذَلِكَ اللحى الْأَسْفَل ليسه فِيهِ مُوضحَة(5/108)
وَقَالَ مَالك فِي الْحَد مُوضحَة فَإِن شان الْوَجْه زيد فِي الْأَرْش وَإِن لم يَشن لم يزدْ على أرش الْمُوَضّحَة قَالَ والجائفة مَا أفضت إِلَى الْجوف
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْمُوَضّحَة فِي الْوَجْه وَالرَّأْس سَوَاء وَفِي جِرَاحَة الْجَسَد على النّصْف مَا فِي جِرَاحَة الرَّأْس
قَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث الْمُوَضّحَة فِي الْجَسَد قَالَ الله تَعَالَى {والجروح قصاص} الْمَائِدَة 45
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عبد الله بن عمر أَنه قَالَ مَا فَوق الذقن من الرَّأْس وَلَا يغطيه الْمحرم
وَقد اتّفق الْفُقَهَاء على أَن الْمحرم لَا يُغطي رقبته كَمَا لَا يُغطي وَجهه فَدلَّ على أَن مُرَاد ابْن عمر أَن الذقن من الْوَجْه وَإِنَّمَا ذكر مَا فَوق الذقن كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {فاضربوا فَوق الْأَعْنَاق} الْأَنْفَال 12 وَإِذا كَانَ ذَلِك من الْوَجْه وَجب أَن تكون فِيهِ مُوضحَة وَفِيمَا يحاذيه من الرَّأْس مِمَّا يَلِي الْعُنُق وَلَا يخْتَلف حكمهَا باخْتلَاف جوانبها فَثَبت مَا ذكرنَا عَن أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ وَبَطل مَا قَالَه مَالك
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَول اللَّيْث لَا معنى لَهُ لِأَن مَا فِي الْبدن لَا يُسمى شجاجا وَإِنَّمَا سمي شجة مَا كَانَ فِي الرَّأْس وَتسَمى مَا كَانَ فِي الْبدن جِرَاحَة
2229 - مَتى تقتص من الْجِرَاحَات
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَأَصْحَابه فِيمَن كسر سنّ رجل الْأَرْش فِيهِ حَتَّى يحول(5/109)
الْحول فَيحكم بِمَا يؤول إِلَيْهِ أمره وَكَذَلِكَ الْجِرَاحَات لَا يقْضِي فِيهَا بِأَرْش حَتَّى ينظر مَا تؤول
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا تقاد من جِرَاحَة عمدا إِلَّا بعد الْبُرْء وَلَا يعقل الْخَطَأ إِلَّا بعد الْبُرْء وَقَالَ الثَّوْريّ مثل ذَلِك
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يتربص بِالسِّنِّ وَالْجرْح سنة مَخَافَة أَن يبتعض
وَقَالَ الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره عَن الشَّافِعِي وَلَو قطع إِصْبَع رجل فَسَأَلَ الْمَقْطُوع الْقود سَاعَة قطع أقدته فَإِن ذهبت كف المجنى عَلَيْهِ جعلت على الْجَانِي أَرْبَعَة أَخْمَاس دِيَتهَا وَلَو مَاتَ مِنْهَا قتلته فَإِن قطع إصبعه فتأكلت فَذَهَبت كَفه أقدته من الإصبع وَأخذ أرش يَده إِلَّا إصبعا وَلم ينْتَظر أَن يبرأ إِلَى مثل جِنَايَته أَو لَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر احْتج من أوجب الْقصاص قبل الْبُرْء بِمَا روى أنس أَن يَهُودِيّا رض رَأس صبي بَين حجرين فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يرض رَأسه بَين حجرين
قَالُوا فَثَبت أَنه يَنْبَغِي أَن يقْتَصّ مِنْهُ بِمثل مَا فعل قَالَ وَإِذا كَانَ ذَلِك وَاجِبا لم يكن للانتظار بِهِ وَجه قيل لَهُ هَذَا الَّذِي ذكرت رَوَاهُ قَتَادَة وَهِشَام بن زيد عَن أنس
وَقد روى معمر عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن أنس أَن رجلا من الْيَهُود رضخ رَأس جَارِيَة على حلي لَهَا فَأمر بِهِ أَن يرْجم حَتَّى قتل فقد تساوى الحديثان فِي ذَلِك من جِهَة السَّنَد فَلَيْسَ أَحدهمَا بِأولى بِالْقبُولِ من الآخر(5/110)
وَوجه الرَّجْم على مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمر من الْإِبَاحَة للمثلة كَمَا قطع أَيدي العرنيين وأرجلهم وسمل أَعينهم ثمَّ نسخ ذَلِك
وَقد روى الْحسن عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَخْطُبنَا فيأمرنا بِالصَّدَقَةِ وينهانا عَن الْمثلَة
وروى الْحسن عَن سَمُرَة قَالَ قل مَا خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطْبَة إِلَّا أمرنَا فِيهِ بِالصَّدَقَةِ ونهانا عَن الْمثلَة
وروى مُغيرَة عَن سماك عَن إِبْرَاهِيم عَن هني بن نُوَيْرَة عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أحسن النَّاس قتلة أهل الْإِيمَان وَفِي حَدِيث آخر أعف النَّاس قتلة أهل الْإِيمَان وَهَذَا لَا يكون إِلَّا فِيمَن حل لَهُم قَتله فوصفهم بِصفة الْقَتْل وَأَن لَا يكون مِنْهُم مَا قد نهوا عَنهُ عَن الْمثلَة
وروى خَالِد الْحذاء عَن أبي قلَابَة عَن الْأَشْعَث عَن شَدَّاد بن أَوْس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله كتب الْإِحْسَان على كل شَيْء فَإِذا قتلتم فَأحْسنُوا القتلة وَإِذا ذبحتم فَأحْسنُوا الذّبْح وليحد أحدكُم شفرته وليرح ذَبِيحَته
وروى ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن يمثل بالبهائم(5/111)
وَرُوِيَ أَن عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن الْوَلِيد قتل أعلاجا صبرا بِالنَّبلِ فَقَالَ أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْهَى عَن قتل الصَّبْر وروى ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تَتَّخِذُوا شَيْئا فِيهِ الرّوح غَرضا
فَإِذا كَانَ ذَلِك مَمْنُوعًا مِنْهُ فِي الْبَهَائِم كَانَ بَنو آدم فِي الْمَنْع أولى وَقَالَ الله تَعَالَى {والجروح قصاص} الْمَائِدَة 45 وَلَا يُمكن اسْتِيفَاء الْقصاص بِالرَّمْي والرضخ بِالْحجرِ
وَإِذا قطع يَد رجل فَمَاتَ فَلَو قَطعنَا يَده ثمَّ لم يمت احتجنا أَن نَقْتُلهُ بعد ذَلِك فَلَا يكون ذَلِك قصاصا لأَنا قد جرحناه بِأَكْثَرَ من جراحته وَقد يجرح الرجل الْجراحَة فيعدي إِلَى أَعْضَاء آخر فَتجب فِيهَا ديات إِذا برأَ مِنْهَا وَإِن مَاتَ وَجَبت دِيَة وَاحِدَة فَكيف يحكم عَلَيْهِ بديات لَا يدْرِي هَل يَسْتَحِقهَا وَإِن دفعناها إِلَيْهِ احتجنا إِلَى استرجاعها مِنْهُ فَهَذَا يدل على أَن حكم الْجِرَاحَات مُعْتَبر بِمَا يؤول إِلَيْهِ
2230 - فِي كسر الْعظم
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا قصاص فِي عظم مَا خلا السن
وَقَالَ اللَّيْث وَالشَّافِعِيّ مثل ذَلِك وَلم يستثنوا السن
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك عِظَام الْجَسَد كلهَا فِيهَا الْقود إِلَّا مَا كَانَ مخوفا مثل الْفَخْذ وَمَا أشبهه فَلَا قَود فِيهِ وَلَيْسَ فِي الهاشمة قَود وَكَذَلِكَ(5/112)
المنقلة وَفِي الذراعين والعضد والساقين والقدمين والكعبين والأصابع إِذا كسرت فَفِيهَا الْقصاص
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَيْسَ فِي المأمومة قصاص
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا على أَن لَا قصاص فِي عظم الرَّأْس وَكَذَلِكَ سَائِر الْعِظَام قَالَ الله تَعَالَى {والجروح قصاص} الْمَائِدَة 45 وَذَلِكَ غير مُمكن
وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن الزبير انه اقْتصّ من مأمومة فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهِ وَهَذَا يدل على أَن الَّذين أنكروه كَانُوا نظراؤه من الصَّحَابَة وَإنَّهُ لم ينكروه من طَرِيق الرَّأْي لِأَن مَا كَانَ طَرِيقه الِاجْتِهَاد لَا يجوز النكير فِيهِ
2231 - فِي مِقْدَار مَا تحمله الْعَاقِلَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا بلغ من الْمَرْأَة نصف عشر دِيَتهَا وَمن الرجل نصف عشر دِيَته حَملته الْعَاقِلَة وَمَا دونهَا فَهُوَ فِي مالح لَا تحمله الْعَاقِلَة
وَقَالَ مَالك إِذا بلغ ثلث الدِّيَة حَملته الْعَاقِلَة وَمَا دون ذَلِك لَا تحمله الْعَاقِلَة وَهُوَ فِي مَال الْجَانِي
وَقَالَ الثَّوْريّ وَابْن شبْرمَة الْمُوَضّحَة وَمَا زَاد فَهُوَ على الْعَاقِلَة فَدلَّ على أَنه اعْتبر من الرجل وَالْمَرْأَة مِقْدَار مُوضحَة الرجل(5/113)
وَقَالَ عُثْمَان البتي وَالشَّافِعِيّ تحمل الْعَاقِلَة قَلِيل وَكثير من قتل وجرح من عبد وحر
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اتَّفقُوا على أَن الْعَاقِلَة لَا تحمل ضَمَان الْأَمْوَال وَتحمل الثُّلُث من الدِّيَة وَالْمعْنَى فِيهِ أَن لَهُ أرشا مَعْلُوما فَلَمَّا كَانَ للموضحة أرش مَعْلُوم وَجب أَن تحمله الْعَاقِلَة وَمَا دونهَا لَا أرش لَهُ مَعْلُوم وَإِنَّمَا فِيهِ حُكُومَة كتقويم الْمَتَاع الْمُسْتَهْلك فَلَا تحمله الْعَاقِلَة
2232 - فِيمَن قتل نَفسه خطأ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ من قتل نَفسه خطأ أَو عمدا لم يجب على عَاقِلَته شَيْء
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَو أَن رجلا ذهب يضْرب بِسَيْفِهِ فِي الْعَدو فَأصَاب نَفسه فعلى عَاقِلَته الدِّيَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِنَّمَا تحمل الْعَاقِلَة عَن الْجَانِي مَا قد لزمَه فتتحمله تَخْفِيفًا عَنهُ أَلا ترى أَن الَّذِي لَا عَاقِلَة لَهُ يلْزمه ذَلِك فِي مَاله والجاني على نَفسه يَسْتَحِيل أَن يجب لَهُ على نَفسه شَيْء فاستحال وجوب ذَلِك على عَاقِلَته
2233 - فِي الرُّجُوع عَن الْإِقْرَار بِالْقَتْلِ
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ من أقرّ بقتل عمد ثمَّ رَجَعَ عَن إِقْرَاره لم يقبل رُجُوعه
وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن مَالك فروى ابْن الْقَاسِم عَنهُ أَن لَا يقبل وروى عبد الله بن عبد الحكم أَنه يقبل رُجُوعه(5/114)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا أقرّ بقتل رجل من غير امتحان ثمَّ أنكر لم يقتل بِهِ وَيضْرب على مَا يرى الإِمَام
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اسْتحق عَلَيْهِ الْوَالِي الْقود بِإِقْرَارِهِ فَلَا يقبل رُجُوعه فِي إِسْقَاطه عَن نَفسه
فَإِن قيل فَلَو رَجَعَ شَاهد الْقَتْل بعد الْقَضَاء بِهِ سقط الْقود هلا كَانَ الْإِقْرَار مثله
قيل لَهُ قد قَالُوا إِن الْقيَاس أَن لَا يبطل بِرُجُوع الشَّاهِدين فإسقاطه بعد الرُّجُوع اسْتِحْسَان وَالْإِقْرَار مَحْمُول على الْقيَاس
قَالَ وَمذهب الْأَوْزَاعِيّ أَن رُجُوع الشَّاهِدين يسْقط الْقود وَسَائِر الْحُقُوق قبل الْقَبْض وَجعل الْإِقْرَار فِي ذَلِك كَالشَّهَادَةِ
2234 - فِي الصَّبِي يقتل
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث فِي الصَّبِي إِذا قتل عمدا أَو خطأ فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْخَطَأ تحمل الْعَاقِلَة مِنْهُ مَا تحمل من الْجَانِي خطأ وَمَا دونهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي عمد الصَّبِي فِي مَاله
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا كَانَ الْبَالِغ الَّذِي تلْزمهُ الْكَفَّارَة فِي قتل الْخَطَأ تحمل جِنَايَته عَاقِلَته وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون اللَّذَان لَا كَفَّارَة عَلَيْهِمَا أَحْرَى أَن تحمله الْعَاقِلَة(5/115)
2235 - فِي الصَّبِي وَالرجل يقتلان رجل
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا أشرك صبي وَرجل أَو مَجْنُون وصحيح أَو قَاتل عمد وَقَاتل خطأ فِي قتل رجل فَلَا قصاص على وَاحِد مِنْهُمَا وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ أَحدهمَا أَبَا للمقتول فعلى الْأَب والعامد نصف الدِّيَة فِي مَاله وعَلى الْمُخطئ وَالْقَاتِل الْبَالِغ على عَاقِلَته
وَقَالَ الْحسن عَن زفر عَن رجل قتل امْرَأَته هُوَ وأجنبي مُتَعَمدا بحديدة وللرجل مِنْهَا ابْن كَانَ لِابْنِهِ أَن يقتل الْأَجْنَبِيّ وَيرجع على أَبِيه بِنصْف الدِّيَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا قصاص على وَاحِد مِنْهُمَا
وَقَالَ مَالك إِذا اشْترك الصَّبِي وَالرجل فِي قتل رجل فعلى عَاقِلَته الصَّبِي نصف الدِّيَة وَيقتل الرجل
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ على عاقلتهما الدِّيَة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ على الرجل نصف الدِّيَة وعَلى الصَّبِي على عَاقِلَته
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قتل رجل مَعَ صبي رجلا قتل الرجل وعَلى الصَّبِي نصف الدِّيَة فِي مَاله وَكَذَلِكَ الْحر وَالْعَبْد إِذا قتلا عبدا وَالْمُسلم وَالنَّصْرَانِيّ إِذا قتلا نَصْرَانِيّا(5/116)
قَالَ وَإِن اشْترك قَاتل خطأ فعلى الْعَامِد نصف الدِّيَة فِي مَاله وَجِنَايَة الْمُخطئ على عَاقِلَته
قَالَ الْمُزنِيّ وَاحْتج الشَّافِعِي على مُحَمَّد بن الْحسن فِي منع الْقود من الْعَامِد إِذا شَاركهُ صبي أَو مَجْنُون
فَقَالَ إِن كنت دفعت عَنهُ الْقَتْل لِأَن الْقَلَم عَنْهُمَا مَرْفُوع وَإِن عمدهما خطأ على عاقلتهما فَهَلا أقدت من الْأَجْنَبِيّ إِذا قتل عمدا مَعَ الْأَب لِأَن الْقَلَم عَن الْأَب لَيْسَ بمرفوع وَهَذَا ترك أصلك
قَالَ الْمُزنِيّ قد شرك الشَّافِعِي مُحَمَّد بن الْحسن فِيمَا أنكر عَلَيْهِ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لِأَن رفع الْقصاص عَن الخاطئ وَالْمَجْنُون وَاحِد فَكَذَلِك حكم من شاركهم بالعمد وَاحِد
قَالَ الشَّيْخ الَّذِي ألزمهُ الشَّافِعِي مُحَمَّدًا غير لَازم بِحَق النّظر لِأَن الَّذِي يلْزم على هَذَا الأَصْل أَن كل من كَانَ عمده خطأ أَن لَا يقتل المشارك لَهُ فِي الْقَتْل وَإِن كَانَ عَامِدًا فَأَما من لَيْسَ عمده خطأ إِذا شَاركهُ فَلَيْسَ بِلَازِم على ذَلِك وَهُوَ مَوْقُوف الحكم على دَلِيله لِأَنَّهُ عكس الْعلَّة
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس فِي هَذِه الْمسَائِل أَن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِحكم نَفسه دون غَيره كَأَنَّهُ تفرد بقتْله دونه(5/117)
2236 - فِي قطع الْيَد النَّاقِصَة
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا قطع كَفه وفيهَا إِصْبَع أَو إصبعان فَفِيهِ دِيَة الإصبع دون الْكَفّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد ينظر إِلَى أرش الإصبع وَأرش الْكَفّ بِغَيْر الإصبع فَيدْخل الْقَلِيل فِي الْكثير
وَقد روى مُحَمَّد أَن عَلَيْهِ دِيَة مَا فِي الْكَفّ من الْأَصَابِع ثمَّ ينظر إِلَى الْوَاجِب فِي الْكَفّ لَو قطعت وَلَا أَصَابِع فِيهَا فَينْظر مَا كَانَ من ذَلِك مُقَابلا لما كَانَ بَقِي من الْأَصَابِع فِي الْكَفّ فَيسْقط عَن الْجَانِي وَإِلَى مَا كَانَ من ذَلِك مُقَابلا لما كَانَ قطع من أَصَابِع الْكَفّ فَيُؤْخَذ من الْجَانِي
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا قطع الْكَفّ فَإِنَّمَا لَهُ بِحِسَاب مَا بَقِي من الْأَصَابِع فِي الْكَفّ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم وَإِن بقيت إِصْبَع وَاحِدَة فَفِي الْكَفّ حُكُومَة وَفِي الإصبع الدِّيَة
وَقَالَ الشَّافِعِي على الْقَاطِع أرش الإصبع والحكومة فِي الْكَفّ فَإِذا وَجب أرش الْيَد تَامَّة دخلت الْكَفّ مَعَ الْأَصَابِع
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَن قطع الْكَفّ مَعَ الْأَصَابِع الْخمس لَا توجب للكف شَيْئا فَالْقِيَاس على هَذَا أَن لَا يكون للكف أرش مَعَ الإصبع الْوَاحِدَة وَأَن لَا يدْخل أرش الإصبع فِي أرش الْكَفّ فَبَطل قَول أبي يُوسُف فِي اتِّبَاعه الْقَلِيل وَالْكثير وَبَقِي الْكَلَام بَين أبي حنيفَة وَمُحَمّد على الرِّوَايَة(5/118)
الْأُخْرَى فَالْقِيَاس مَا قَالَ مُحَمَّد إِن كل خمس من الْكَفّ تَابع لإصبع من الْأَصَابِع الْخمس
2237 - فِي الْيَد تقطع من نصف الساعد
قَالَ الطَّحَاوِيّ عَن مُحَمَّد فِي رجل قطع يَد رجل من نصف الساعد أَن فِي الْيَد نصف الدِّيَة وَفِيمَا قطع من الساعد حُكُومَة
قَالَ مُحَمَّد وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَأبي حنيفَة وَقَوْلنَا
وروى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف فِي الْيَد إِذا قطعت من الْمرْفق الدِّيَة وَفضل حُكُومَة فِي قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف نصف الدِّيَة وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَهُوَ قَول الشَّافِعِي أَيْضا
قَالَ الثَّوْريّ إِذا قطعت الْيَد من الْمرْفق أَو الْمفصل أَو الْمنْكب فَفِيهِ الدِّيَة وَكَذَلِكَ روى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ فِي قَاطع الْأَصَابِع أَن عَلَيْهِ دِيَة الْيَد وَكَذَلِكَ لَو قطع الْكَفّ مَعهَا فَمن لم يُوجب للساعد شَيْئا جعلهَا بِمَنْزِلَة الْكَفّ مَعَ الْأَصَابِع وَمن أوجب فرق مَا بَينهمَا بِأَنَّهُم يدْخلُونَ مَا لَا أرش لَهُ مَعْلُوم فِيمَا لَهُ أرش مَعْلُوم وَلَا يدْخلُونَ الشَّيْئَيْنِ اللَّذين لَا أرش لَهما فِي الشَّيْء(5/119)
الْوَاحِد الَّذِي لَهُ أرش مَعْلُوم أَلا ترى أَن فِي المارن الدِّيَة وَإِذا قطع الْأنف بالمارن لم يكن عَلَيْهِ إِلَّا دِيَة وَاحِدَة وَلَو قطع مَعَ الْأنف طَائِفَة من الْوَجْه كَانَ عَلَيْهِ الدِّيَة وحكومة فِيمَا قطع من الْوَجْه وَكَذَلِكَ الْكَفّ تدخل فِي أرش الْأَصَابِع وَلَا تدخل مَعهَا الذِّرَاع
2238 - فِي الْأَعْوَر تفقأ عينه الصَّحِيحَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَعُثْمَان البتي وَالشَّافِعِيّ فِيهَا نصف الدِّيَة إِذا كَانَ خطأ
وَقَالَ ابْن وهب وَابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِيهَا الدِّيَة كَامِلَة
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ ذَاهِب السّمع من إِحْدَى أُذُنَيْهِ فَضرب إِنْسَان الْأذن الْأُخْرَى فَأذْهب سَمعه فَعَلَيهِ نصف الدِّيَة وَكَذَلِكَ الرجلَيْن وَالْيَدَيْنِ إِذا قطع إِنْسَان الْبَاقِيَة مِنْهُمَا فَعَلَيهِ نصف الدِّيَة وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك فِي عين الْأَعْوَر دون غَيرهَا
وَقَول اللَّيْث فِي الْعين مثل قَول مَالك
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِن كَانَت يَده أُصِيبَت فِي سَبِيل الله ثمَّ أصَاب الْيَد الْأُخْرَى إِنْسَان فَفِيهَا الدِّيَة كَامِلَة وَإِن كَانَ أَخذ لَهَا عقلا فَنصف الْعقل وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْعين(5/120)
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {وَالْعين بِالْعينِ} الْمَائِدَة 45 وَلم ينْسَخ الله ذَلِك فَكَانَ معقولا أَن الْوَاجِب إِذا كَانَ عمدا الْقصاص وَفِي الْخَطَأ دِيَتهَا كَمَا يقْتَصّ فِي الْعَينَيْنِ فِي الْعمد وَتُؤْخَذ دِيَتهَا فِي الْخَطَأ وَفِي كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي كتبه لعَمْرو بن حزم وَفِي الْعين خَمْسُونَ من الْإِبِل وَفِي الْيَد خَمْسُونَ من الْإِبِل وَلم يفرق بَين عين الْأَعْوَر وَالصَّحِيح
وَقد قَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْيَد نصف الدِّيَة إِذا كَانَت الأولى قد أَخذ أَرْشهَا فَكَذَلِك إِذا لم يَأْخُذ أَرْشهَا لِأَن الْجَانِي إِنَّمَا يلْزمه حكم جِنَايَته خَاصَّة وَلَا اعْتِبَار فِي فعله بِمَا فعله غَيره فِي الْيَد الْأُخْرَى
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر وَرُوِيَ عَن عمر وَعُثْمَان وَابْن عمر فِي الْأَعْوَر تفقأ عينه الصَّحِيحَة أَن عَلَيْهِ الدِّيَة كَامِلَة
2239 - فِي الممسك هَل يقتل
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فِيمَن أمسك رجلا حَتَّى قَتله آخر فالقود على الْقَاتِل دون الممسك وَيُعَزر الممسك
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا أَمر عَبده أَن يقتل رجلا فَقتله فَإِن كَانَ العَبْد أعجميا قتل السَّيِّد وَإِن كَانَ غير أعجمي قتل العَبْد
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الممسك للرجل حَتَّى يقْتله فعلَيْهِمَا جَمِيعًا الْقصاص فَإِن الماسك قد أَرَادَ قَتله وَقَالَ اللَّيْث مثل قَول مَالك(5/121)
وَقَالَ اللَّيْث إِن أمْسكهُ ليضربه فقلته قتل الْقَاتِل وعوقب الآخر
قَالَ اللَّيْث وَلَو أَمر غُلَامه أَن يقتل رجلا فَقتله قتلا بِهِ جَمِيعًا
وَقَالَ الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره عَن الشَّافِعِي وَيقتل الذَّابِح دون الماسك كَمَا يحد الزَّانِي دون الماسك
قَالَ أَبُو جَعْفَر الممسك معِين لَيْسَ بِقَاتِل كالمعين على الزِّنَا لَا يحد إِذْ لَيْسَ بزان
فَإِن قيل روى يحيى بن سعيد عَن سعيد بن الْمسيب أَن عمر بن الْخطاب قتل نَفرا خَمْسَة أَو سَبْعَة بِرَجُل وَاحِد قَتَلُوهُ قتل غيلَة وَقَالَ عمر لَو تمالأ عَلَيْهِ أهل صنعاء لقتلتهم جَمِيعًا
قيل لَهُ أَرَادَ بالممالاة مُبَاشرَة الْقَتْل أَلا ترى أَنه لَو مالأه عَلَيْهِ ثمَّ تفرد أَحدهمَا بقتْله من غير محْضر من الآخر كَانَ الْقود على من بَاشر الْقَتْل دون من مالأ عَلَيْهِ
2240 - فِي الْقصاص فِي مُوضحَة مَا بَين قَرْني المشجوج
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا شجه مُوضحَة فأحدث مَا بَين قَرْني المشجوج وَهِي لَا تَأْخُذ مَا بَين قَرْني الشاج فَإِن المشجوج مُخَيّر بَين الْأَرْش أَو الْقصاص بِمِقْدَار طول شجته فَحسب وَإِن كَانَت الشَّجَّة مَا بَين قَرْني المشجوج وَهِي تَأْخُذ مَا بَين قَرْني الشاج ويفضل مِنْهَا خير المشجوج أَيْضا فَإِن شَاءَ أَخذ الْأَرْش وَإِن شَاءَ اقْتصّ مَا بَين قَرْني الشاج لَا أزيده على ذَلِك وَكَذَلِكَ(5/122)
على هَذَا الِاعْتِبَار إِذا كَانَت الشَّجَّة فِي طول رَأس المشجوج فتقصر عَن رَأس الشاج أَو تزيد
وَقَالَ مَالك يقْتَصر لَهُ بِقدر شجته طولا إِلَى حَيْثُ يبلغ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِيمَا رَوَاهُ عَنهُ الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره
قَالَ الشَّافِعِي وَإِن أخذت رَأس الشاج كُله وَبَقِي شَيْء أَخذ أَرْشه
وَقَالَ الرّبيع إِذا شجه فِي قرنه والشاج أسلخ الْقرن فللمشجوج الْخِيَار فِي الْقصاص وَالْأَرْش وَلَو كَانَ خَفِيف الشّعْر أَو فِيهِ قرع قَلِيل يكتسي إِن طَال شَيْئا فَلهُ الْقصاص
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ إِن قَاطع الْيَد الصَّحِيحَة إِذا كَانَ نَاقص الْيَد فَاخْتَارَ الْمَقْطُوع الْقصاص أَنه لَا أرش لَهُ مَعَ ذَلِك بِقدر مَا بَين الصَّحِيحَة والناقصة فَكَذَلِك إِذا كَانَ مَا بَين قَرْني الشاج أنقص وَجب أَن يكون مُخَيّرا بَين الْقصاص بِلَا أرش أَو أرش الشَّجَّة بِلَا قصاص
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَكَانَ مُحَمَّد بن الْعَبَّاس الرَّازِيّ يَقُول يَنْبَغِي أَن لَا يكون للمشجوج الْخِيَار وَإِن فضلت الشَّجَّة عَن قَرْني الشاج فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَأْخُذ مَا بَين قَرْني الشاج فَحسب لِأَن ذَلِك لَيْسَ بِعَيْب فِي الْخلقَة وَإِنَّمَا هُوَ صغر الْعُضْو كَالْيَدِ الصَّغِيرَة تُؤْخَذ بالكبيرة وَلَا يُوجب للمقطوع الْخِيَار
قَالَ وَإِن كَانَ مَا بَين قَرْني الشاج أوسع فَيَنْبَغِي أَن يقْتَصّ لَهُ مَا بَين قَرْني الشاج كُله كَالْيَدِ الْكَبِيرَة تُؤْخَذ بالصغيرة وكالموضحة إِذا كَانَ الشاج كثير اللَّحْم وَرَأس المشجوج ملصق جلده بالعظم وَكَانَ مُحَمَّد بن الْعَبَّاس يحْكى ذَلِك عَمَّن تقدمه من أهل الْعلم مِمَّن تَأَخّر عَمَّن ذكرنَا(5/123)
2241 - فِي حكم الْأُذُنَيْنِ فِي الدِّيَة
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ فِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَة وَفِي السّمع الدِّيَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك الدِّيَة فِي السّمع وَفِي الْأُذُنَيْنِ الْحُكُومَة إِذا لم يذهب السّمع
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى أَبُو إِسْحَاق عَن عَاصِم بن ضَمرَة عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْأذن نصف الدِّيَة
وروى معمر عَن عَمْرو بن مُسلم عَن طَاوس قَالَ قضى أَبُو بكر فِي الْأذن إِذا استؤصلت بِخمْس عشرَة من الْإِبِل وَقضى فِيهَا عمر بِنصْف الدِّيَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ فِي الْأنف الدِّيَة وَهِي ناتئ عَن الْوَجْه طَرِيق للشم كَمَا أَن الْأُذُنَيْنِ بائنان عَن الرَّأْس طَرِيقَانِ للصوت إِلَى السّمع وَجب أَن يكون فيهمَا الدِّيَة لتساويهما فِي ذَلِك
2242 - فِي شعر الرَّأْس واللحية
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ فِي شعر الرَّأْس واللحية إِذا حلقا فَلم ينْبت فَفِي كل وَاحِد مِنْهُمَا الدِّيَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم قِيَاس قَول مَالك وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِيهِ حُكُومَة(5/124)
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى أَبُو حنيفَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ بلاغا أَن فِي اللِّحْيَة إِذا لم تنْبت الدِّيَة
وَقد رُوِيَ عَن سعيد بن الْمسيب وَشُرَيْح وَالْحسن أَن فِي الحاجبين الدِّيَة وَعَن الشّعبِيّ مثله وَلَيْسَ عَن غَيرهم من التَّابِعين خلاف ذَلِك
وَالْقِيَاس أَن تكون فيهمَا حُكُومَة لِأَن طَرِيق إِثْبَات الدِّيات التَّوْقِيف وَلَيْسَ للحاجبين وَشعر الرَّأْس أصل يرد إِلَيْهِ من إِيجَاب الدِّيَة وَاخْتِلَاف من ذكرنَا من الْفُقَهَاء فِي الحاجبين كَهُوَ فِي شعر الرَّأْس
2243 - فِي الْقصاص فِي نتف شعر الرَّأْس
قَالَ أَصْحَابنَا لَا قصاص فِي الشّعْر نبت أَو لم ينْبت وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا نتف من لحيته وَرَأسه شعرًا نتف من لحيته وَرَأسه نَحْو مَا نتف قصاصا يكون ذَلِك فِي خَفِيف اللِّحْيَة وكثيرها
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقصاص اسْتِيفَاء الْمثل لِأَنَّهُ يَأْخُذ من الْمُقْتَص مِنْهُ مَا لم يكن مَوْجُودا وَقت الْجِنَايَة
2244 - فِي الْقصاص فِي اللِّسَان
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا يقْتَصّ من اللِّسَان وَهُوَ قَول مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ(5/125)
وَقَالَ اللَّيْث يقْتَصّ مِنْهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقصاص اسْتِيفَاء وَذَلِكَ غير مُمكن فِي اللِّسَان لِأَنَّهُ إِن قطع بعضه فَذهب بعض الْكَلَام لم يدر أَن مَا يَأْخُذهُ بِالْقصاصِ يذهب بِهِ من الْكَلَام مثل مَا ذهب من المجنى عَلَيْهِ وَإِن قطعه من أَصله فَإِنَّهُ لَا يُوصل إِلَيْهِ إِلَّا بجذبه وَقد ينجذب أَكثر مِمَّا أَخذ الْجَانِي أَو أقل فَلَا سَبِيل فِيهِ إِلَى اسْتِيفَاء الْمثل
2245 - فِي الْقصاص من اللَّطْمَة وَالسَّوْط
قَالَ أَصْحَابنَا لَا قصاص فِي اللَّطْمَة وَلَا فِي اللكزة وَلَا فِي ضرب السِّيَاط وعَلى الْفَاعِل التَّعْزِير وَلَا أرش فِي شَيْء من ذَلِك إِلَّا أَن يجرح فَإِن اخضر أَو احمر أَو تورم فَلَا أرش فِيهِ وَلَا قصاص
وَقَالَ مَالك لَا قَود فِي اللَّطْمَة وَلَا يحفظ عَنهُ فِي السَّوْط شَيْئا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم وَأرى فِيهِ الْقود
وَقَالَ اللَّيْث فِي ضرب السَّوْط يُقَاد مِنْهُ وَيُزَاد عَلَيْهِ للتعدي واللطمة إِن كَانَت فِي الْعين فَلَا قصاص للخوف على الْعين ويعاقبه السُّلْطَان وَإِن كَانَت على الخد فَفِيهَا الْقود
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ فِي اللَّطْمَة وَالضَّرْب بالسياط الَّتِي لَا تبضع وَلَا تجرح فِيهَا حُكُومَة عدل إِلَّا أَن تكون اللَّطْمَة لَيْسَ لَهَا أثر خضرَة وَلَا صفرَة فَإِن كَانَت لَهَا خضرَة أَو صفرَة كَانَ فِيهَا بِقَدرِهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عبد الله بن مسلمة القعْنبِي عَن مُحَمَّد بن هِلَال عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَسْجِد فَقَامَ وقمنا حَتَّى(5/126)
بلغ وسط الْمَسْجِد أدْركهُ أَعْرَابِي فجبذ بردائه من وَرَائه وَكَانَ رِدَاؤُهُ خشنا فحمر رقبته فَقَالَ يَا مُحَمَّد احْمِلْ لي على بَعِيري هذَيْن فَإنَّك لَا تحمل لي من مَالك وَلَا من مَال أَبِيك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أحمل لَك حَتَّى تقيدني مِمَّا حبذت برقبتي فَقَالَ الْأَعرَابِي لَا وَالله لَا أقيدك فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك ثَلَاث مَرَّات كل ذَلِك يَقُول لَا وَالله لَا أقيدك فَلَمَّا سمعنَا قَول الْأَعرَابِي أَقبلنَا إِلَيْهِ سرَاعًا فَالْتَفت إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عزمت على من سمع كَلَامي أَن لَا يبرح من مقَامه حَتَّى آذن لَهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لرجل من الْقَوْم يَا فلَان احْمِلْ لَهُ على بعير شَعِيرًا وعَلى بعير تَمرا ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى انصرفوا
فَطلب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ الْقصاص فَاحْتمل أَنه يُرِيد بِهِ أَنه قد لزمَه قصاص الْآخِرَة فَطلب ذَلِك مِنْهُ ليسقط عَنهُ فِي الْآخِرَة وَإِذا احْتمل ذَلِك لم يجب الْقصاص فِي الدُّنْيَا لجهلنا بمقداره
وَقد روى طَارق بن شهَاب قَالَ لطم أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ رجلا فَقَالُوا وَالله مَا رَأينَا كَالْيَوْمِ قطّ مَا رَضِي أَن يمنعهُ حَتَّى لطمه فَقَالَ أَبُو بكر إِن هَذَا أَتَانِي يستحملني فَحَملته ثمَّ أَتَانِي يستحملني فَحَملته ثمَّ أَتَانِي يستحملني فَحَملته فَإِذا هُوَ يَبِيعهَا فَحَلَفت أَن لَا أحملهُ ثمَّ قَالَ وَالله لأحملنه ثمَّ قَالَ اقْتصّ مني فَعَفَا الآخر عَنهُ
وَقَالَ عمر بن الْخطاب وَالله لأقتص من عمالي فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن كَانَ كل رجل على طَائِفَة فأدب بعض رَعيته إِنَّك لتقْتَص مِنْهُ قَالَ أَي وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لأقصن مِنْهُ وَقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقص من نَفسه(5/127)
وَرُوِيَ أَن خَالِد بن الْوَلِيد اقْتصّ رجلا من ابْن أَخ لَهُ لطمه
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ مَا تأولناه فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
2246 - فِيمَا تسري إِلَيْهِ الْجِنَايَة
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا شجه مُوضحَة فَذهب مِنْهَا شعر رَأسه فَعَلَيهِ الدِّيَة وَيدخل أرش الْمُوَضّحَة فِيهِ وَكَذَلِكَ إِن ذهب عقله فَعَلَيهِ الدِّيَة بِلَا أرش الْمُوَضّحَة فَإِن ذهب سَمعه وبصره فَعَلَيهِ ديتان وَأرش الْمُوَضّحَة فَإِن ذهب بعض الشّعْر نظر إِلَى أرش الْمُوَضّحَة وَأرش الشّعْر فَيدْخل الْأَقَل فِي الْأَكْثَر وَإِن شجه آمة فَذهب مِنْهَا عقله فَعَلَيهِ الدِّيَة تَامَّة وَلم يذكر خلافًا
وَقَالَ الْحسن عَن زفر إِذا شجه آمة فَذهب مِنْهَا عقله فَعَلَيهِ دِيَة وَثلث دِيَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِ الدِّيَة وَيدخل أرش الآمة فِيهَا وَإِن ذهب بَصَره قَالَ زفر عَلَيْهِ دِيَة وَثلث وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَإِن ذهب سَمعه وبصره فَعَلَيهِ ديتان وَتدْخل الآمة فِي السّمع وَلَا تدخل فِي الْبَصَر وَقَالَ زفر عَلَيْهِ ديتان وَثلث
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا قطع لِسَانه فَمنع الْكَلَام فَعَلَيهِ الدِّيَة وَإِنَّمَا تجب الدِّيَة فِي قطع اللِّسَان إِذا منع الْكَلَام فَإِن ضربه فَأذْهب سَمعه وَاصْطلمَ أُذُنَيْهِ فَعَلَيهِ دِيَة وَاحِدَة
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَو شجه مُوضحَة فَذهب مِنْهَا عَيناهُ وشعره(5/128)
فَلم ينْبت ثمَّ برِئ اقْتصّ من الْمُوَضّحَة فَإِن ذهبت عَيناهُ وَلم ينْبت شعره فقد استوفى حَقه وَإِن لم تذْهب عَيناهُ وَنبت شعره زِدْنَا عَلَيْهِ الدِّيَة وَفِي الشّعْر حُكُومَة وَلَا أبلغ بِشعر رَأسه ولحيته دِيَة
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي إِذا جنى عَلَيْهِ فَذهب عقله فَفِي ذهَاب عقله الدِّيَة فَإِن كَانَ قد جنى عَلَيْهِ مَعَ ذَلِك جِنَايَة لَهَا أرش فَعَلَيهِ أرش تِلْكَ الْجِنَايَة مَعَ الدِّيَة فِي ذهَاب عقله
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا على أَن أرش الْكَفّ يدْخل فِي أرش الْأَصَابِع وَكَذَلِكَ الْأنف فِي المارن وَبَاقِي الذّكر فِي الْحَشَفَة لِأَن بعض ذَلِك لَهُ أرش مَعْلُوم وَبَعضه لَيْسَ لَهُ أرش مَعْلُوم فأدخلوا مَا لَا أرش لَهُ مَعْلُوم فِيمَا لَهُ أرش وللموضحة أرش مَعْلُوم كَذَلِك الْعقل والسمع فَوَجَبَ أَن لَا يدْخل أرش الْمُوَضّحَة فِي شَيْء من ذَلِك
وَقد اتَّفقُوا أَيْضا على أَن أرش الْمُوَضّحَة لَا يدْخل فِي الْبَصَر وَكَذَلِكَ فِي السّمع وَالْعقل
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَكَذَلِكَ لَا يجب أَن يدْخل أرش الْمُوَضّحَة فِي شعر الرَّأْس لِأَن مَوضِع الْمُوَضّحَة لَو كَانَ لَا شعر فِيهِ لَكَانَ نَاقِصا معيبا فَلم يجب أرش الْمُوَضّحَة لذهاب الشّعْر فَحسب(5/129)
2247 - فِي أَخذ الْيُمْنَى باليسرى
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا تُؤْخَذ الْيُمْنَى باليسرى وَلَا الْيُسْرَى باليمنى لَا فِي الْعين وَلَا فِي الْيَد وَلَا تُؤْخَذ السن إِلَّا بِمِثْلِهَا من الْجَانِي
وَقَالَ ابْن شبْرمَة تفقأ الْيُمْنَى باليسرى واليسرى باليمنى وَكَذَلِكَ اليدان وَتُؤْخَذ الثَّنية بالضرس والضرس بالثنية
وَقَالَ الْحسن إِذا قطع إصبعا من كف وَلم يكن للقاطع من تِلْكَ الْكَفّ إِصْبَع مثلهَا قطع من تِلْكَ الْكَفّ إِصْبَع مثلهَا مِمَّا تلِي تِلْكَ الإصبع وَلَا تقطع إِصْبَع كف بإصبع كف أُخْرَى كَذَلِك تقلع السن الَّتِي تَلِيهَا إِذا لم تكن للقالع سنّ مثلهَا وَإِن بلغ ذَلِك الأضراس وتفقأ الْعين الْيُمْنَى باليسرى إِذا لم تكن لَهُ يمنى وَلَا تقطع الْيَد الْيُمْنَى باليسرى وَلَا الْيُسْرَى باليمنى
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {وَالْعين بِالْعينِ وَالْأنف} الْآيَة الْمَائِدَة 45 وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا كَانَ ذَلِك الْعُضْو من الْجَانِي صَحِيحا لم يكن للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ أَن يتَعَدَّى مَا قابله من عُضْو الْجَانِي إِلَى غَيره مِمَّا بأزائه وَإِن تَرَاضيا فَدلَّ على أَن المُرَاد بِالْآيَةِ هُوَ مَا قَابل ذَلِك الْعُضْو من الْجَانِي دون غَيره
2248 - فِي الْوَلِيّ الْكَبِير هَل يقْتَصّ دون الصَّغِير
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك إِذا قتل الرجل وَله ابْنَانِ أَحدهمَا كَبِير وَالْآخر صَغِير فللكبير أَن يقْتَصّ وَلَا ينْتَظر بُلُوغ الصَّغِير
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ لَو ترك ابْنا صَغِيرا وأخا كَبِيرا كَانَ للْأَخ أَن(5/130)
يقْتَصّ قبل بُلُوغ الصَّغِير وَكَذَلِكَ غَيره من الْعصبَة قَالَ مَالك وللعصبة أَن يصالحوا على الدِّيَة
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ لَا يقْتَصّ حَتَّى يبلغ الصَّغِير
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقصاص موروث عَن الْمَيِّت وللصغير نصِيبه فَلَا يَسْتَوْفِيه من لَا ولَايَة لَهُ عَلَيْهِ كالغائب
2249 - فِيمَن يجب لَهُ الْقصاص
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ لكل وَارِث نصِيبه من الْقصاص وَيجوز عَفوه على نَفسه وَلَا يجوز على غَيره فِي إبِْطَال حَقه من الدِّيَة وَلَا يخْتَلف فِي ذَلِك الرِّجَال وَالنِّسَاء
وَقَالَ ابْن أبي ليلى الْقصاص لكل وَارِث إِلَّا الزَّوْج وَالْمَرْأَة
وَقَالَ مَالك لَيْسَ للبنات وَالْأَخَوَات من الْقصاص شَيْء وَإِنَّمَا هُوَ للرِّجَال الْبَنِينَ وَالإِخْوَة
وَيجوز عَفْو الرِّجَال على النِّسَاء وَلَا يجوز عَفْو النِّسَاء
قَالَ مَالك وَلَيْسَ للإخوة من الْأُم عَفْو عَن الْقصاص
قَالَ فَإِن عَفا الرِّجَال على أَن يَأْخُذُوا الدِّيَة فَالدِّيَة بَين سَائِر الْوَرَثَة على فَرَائض الله تَعَالَى
وَقَالَ اللَّيْث يجوز عَفْو الْعصبَة عَن الدَّم وَيبْطل حق الْبَنَات وَلَا عَفْو للنِّسَاء وَلَا قسَامَة لَهُنَّ وَهُوَ قَول مَالك فِيمَا ذكره ابْن وهب
قَالَ أَبُو جَعْفَر الدَّم موروث عَن الْمَيِّت بِدلَالَة أَن الْمَجْرُوح لَو عَفا عَن(5/131)
الْجَارِح جَازَ عَفوه فَإِذا كَانَ موروثا عَنهُ وَجب أَن يسْتَحقّهُ جَمِيع الْوَرَثَة وَقد اتَّفقُوا على أَن الْعصبَة إِذا صَالحُوا عَن الدِّيَة كَانَت بَينهم على فَرَائض الله تَعَالَى فَدلَّ أَن بدلهَا وَهُوَ الدَّم لَهُم
2250 - فِي الْوَلِيّ يقطع ثمَّ يعْفُو
قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر ولي الْقَتِيل إِذا قطع يَد الْقَاتِل ثمَّ عَفا عَنهُ فَعَلَيهِ دِيَة الْيَد فِي مَاله
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ لَا شَيْء عَلَيْهِ وَيُعَزر
وَقَالَ مَالك فِيمَا رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم عَنهُ إِذا قطع يَده فَعَلَيهِ الْقصاص لِأَن حَقه النَّفس دون الْيَد
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد وافقهم مَالك على أَنه إِذا قَتله فقد أتلف بِالْقَتْلِ سَائِر أَعْضَائِهِ فَلَا يضمنهَا كَمَا لَا يضمن قطع يَد الْمُرْتَد لِأَنَّهُ اسْتحق تلف أعضاءه بِالْقَتْلِ وَأما إِذا عَفا بعد الْقطع فَإِن ذَلِك الْقطع لَا يَخْلُو من أَن يكون مُوجبا للضَّمَان أَو غير مُوجب لَهُ فَإِن كَانَ مُوجبا فَيَنْبَغِي أَن لَا يسْقطهُ الْقَتْل وَإِن كَانَ غير مُوجب لَهُ فَيَنْبَغِي أَن لَا يُوجِبهُ الْعَفو
2250 - م فِيمَن جنى على عُضْو فَذهب مِنْهُ عُضْو آخر
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا شجه مُوضحَة فَذَهَبت عَيناهُ أَو قطع إصبعه فشلت أُخْرَى أَو قطع الْيُمْنَى فشلت الْيُسْرَى أَو شجه مُوضحَة فَصَارَت منقلة أَو قطع مفصلا من إصبعه فشل مَا بَقِي مِنْهَا فَلَا قصاص فِي شَيْء من ذَلِك وَعَلِيهِ الْأَرْش(5/132)
قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِي الْعُضْو الْوَاحِد مثل ذَلِك نَحْو أَن يشجه مُوضحَة فَيصير منقلة أَو يقطع أنملته فتشل إصبعه فَلَا يكون فِي هَذَا قصاص وَأما إِذا ذهبت عينه من الْمُوَضّحَة أَو ذهبت إِصْبَع أُخْرَى أَو يَد أُخْرَى فَعَلَيهِ الْقصاص فِي الأولى وَالْأَرْش فِي الْأُخْرَى
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَو كسر بعض سنة فَسَقَطت أَو قطع أنملته فَسَقَطت أُصْبُعه كلهَا أَو يَده فَعَلَيهِ الْقصاص فِي الإصبع وَفِي الْيَد
وروى بشر عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة إِذا قطع إصبعه من غير مفصل فَسَقَطت الإصبع من الْمفصل لم أقتص مِنْهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف أجعَل لَهُ الْقصاص فِي الإصبع
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء لَو قطع إصبعه فَسَقَطت الْكَفّ من الْمفصل قطعت يَده كَأَنَّهُ قطعهَا من الْمفصل وَلَو سَقَطت من نصف الساعد ثمَّ برأَ فَلَا قصاص عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ ابْتَدَأَ قطعهَا من نصف الساعد وَعطف على هَذَا مسَائِل ثمَّ قَالَ وَهَذَا كُله قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَوْلنَا
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا فَقَأَ عينه عمدا فَذَهَبت الْعين الْأُخْرَى فقأت عَيْنَيْهِ جَمِيعًا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا قطع إصبعه عمدا فشلت يَده فَعَلَيهِ الْقصاص فِي الإصبع وَالْأَرْش فِي الْيَد ويجتمع فِي قَول مَالك فِي ضَرْبَة وَاحِدَة قصاص وعقل
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا ذكره الرّبيع إِن قطع إِحْدَى أنثييه فَسَقَطت الْأُخْرَى فَعَلَيهِ الْقصاص فِيمَا قطع وَالْعقل فِي الَّتِي سَقَطت(5/133)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف بَينهم أَنه لَو جنى على عُضْو فسرت إِلَى النَّفس أَن عَلَيْهِ الْقصاص فِي النَّفس فَاعْتبر مَا آلت إِلَيْهِ الْجِنَايَة وَكَذَلِكَ إِذا قطع إصبعه فَسَقَطت الْيَد فَكَأَنَّهُ بَاشر قطع الْيَد فَعَلَيهِ الْقصاص فِي الْيَد وَإِذا شلت الْيَد فَكَأَنَّهُ بَاشر ضرب الْيَد فشلت فَلَا قصاص فِيهِ
2251 - فِي قطع الذّكر والأنثيين
قَالَ أَبُو يُوسُف فِي الْإِمْلَاء وَلم يحك خلافًا إِذا بَدَأَ فَقطع الذّكر ثمَّ الْأُنْثَيَيْنِ خطأ فَعَلَيهِ ديتان وَإِن بَدَأَ بالأنثيين ثمَّ الذّكر فَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَة وَفِي الذّكر حُكُومَة وَإِن قطعهمَا من جَانب ففيهما ديتان
وروى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد مثله من غير خلاف
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا قطع الذّكر والأنثيين فَعَلَيهِ ديتان بِأَيِّهِمَا بَدَأَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس مَا قَالَ مَالك لِأَنَّهُ إِن قطع الْأُنْثَيَيْنِ أَولا فقد وَجَبت دِيَتهمَا وحكومة فِي النُّقْصَان الَّذِي دخل فِي الذّكر فَإِذا قطع الذّكر بعد ذَلِك وَجب كَمَال الدِّيَة
2252 - فِيمَن قطع يَد رجل ثمَّ قَتله
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِيمَن قطع يَد رجل عمدا ثمَّ قَتله عمدا قبل الْبُرْء فللولي أَن يقطع يَده ثمَّ يقْتله
وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك يقْتله وَلَا يقطع يَده رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك(5/134)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَنه لَو قطع يَده فبرأ مِنْهَا ثمَّ قَتله أَن لَهُ أَن يقطع يَده ثمَّ يقْتله كَذَلِك إِذا لم يبرأ مِنْهَا حَتَّى قَتله
2253 - فِيمَن ضرب سنّ رجل فتسود أَو يضْرب عينه فتبيض
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْعين إِذا ابْيَضَّتْ حَتَّى لَا يبصر وَالْيَد إِذا شلت حَتَّى لَا ينْتَفع بهَا فَعَلَيهِ عقلهَا فَأَما إِن كَانَ عمدا فَفِي مَاله وَإِن كَانَ خطأ فعلى الْعَاقِلَة وَإِذا اسودت السن أَو احْمَرَّتْ أَو اخضرت فَفِيهَا أَرْشهَا كَامِلا وَإِن اصْفَرَّتْ فَإِن أَبَا حنيفَة قَالَ فِيهَا حُكُومَة
وَقَالَ عُثْمَان البتي لَا يجب فِي السن جَمِيع دِيَتهَا إِذا اسودت
وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري وَاللَّيْث إِذا اسودت فَفِيهَا عقلهَا تَاما
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيهَا حُكُومَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَنْبَغِي أَن يكون فِي السوَاد مثل مَا فِي السُّقُوط لِأَنَّهُ لَو وَجب ذَلِك لوَجَبَ أَن يكون لَو جنى عَلَيْهَا بعد ذَلِك جَان فَسَقَطت أَن يكون فِيهَا شَيْء آخر فَيكون قد اخذ أَكثر من أرش السن
2254 - فِي السن تقلع ثمَّ تنْبت
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قلع سنّ رجل فَنَبَتَتْ فَلَا شَيْء على القالع
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف من غير هَذِه الْجِهَة أَن على الْجَانِي حُكُومَة لما نَالَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ من الْأَلَم(5/135)
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث مثل قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَن قلع سنّ صبي لم يثغر فَإِن لم تنْبت تمّ عقلهَا وَإِن نَبتَت فَلَا عقل لَهَا
وَإِن نَبتَت سنّ رجل قد قلعت بعد أَخذه أَرْشهَا قَالَ الْمُزنِيّ قَالَ الشَّافِعِي فِي مَوضِع يرد مَا أَخذ وَقَالَ فِي مَوضِع آخر لَا يرد شَيْئا
قَالَ الْمُزنِيّ هَذَا أَقيس لِأَنَّهُ لَا ينْتَظر بسنه كَمَا ينْتَظر بسن من لم يثغر
قَالَ الشَّافِعِي لَو قطع لِسَان رجل وَأخذ أَرْشه ثمَّ نبت صَحِيحا لم يرد شَيْئا
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي إِذا جرحه فِي رَأسه فنبت الشّعْر كَانَ فِيهِ حُكُومَة إِن كَانَ خطأ لَا تبلغ بهَا دِيَة وَإِن لم ينْبت الشّعْر غير أَنه إِذا لم ينْبت الشّعْر زيد فِي الْحُكُومَة بِقدر الشين مَعَ الْأَلَم وَقَالَ فِي مَوضِع آخر إِذا كَانَ الشين أكبر من الْجرْح لم يرد للشين شَيْء وَعَلِيهِ أرش الْجرْح وَلَا يبلغ بِهِ أرش الْمُوَضّحَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِيمَا رَوَاهُ الْحسن بن زِيَاد عَنهُ فَإِذا شجه مُوضحَة فالتحمت وبرأ فَشَجَّهُ عَلَيْهَا آخر مُوضحَة أَن على الأول أرش الْمُوَضّحَة وعَلى الثَّانِي حُكُومَة وَلَا قصاص فِيهَا
قَالَ أَبُو يُوسُف أقتص مِنْهَا
وَقَالَ الْحسن على الأول حُكُومَة وعَلى الثَّانِي الْقصاص
قَالَ أَبُو جَعْفَر سنّ الْكَبِير إِذا قلعت إِنَّمَا ينْتَظر بهَا الْبُرْء كَسَائِر الْجِنَايَات فَإِذا حصل الْبُرْء فَلَا يَنْبَغِي أَن يسْقط الْأَرْش بنبات الشّعْر فِي الْمُوَضّحَة(5/136)
وَلَا بنبات السن وَأما سنّ الصَّغِير فَإِنَّمَا ينْتَظر بهَا عودهَا لجَرَيَان الْعَادة بِأَنَّهَا تنْبت إِذا لم يكن قد أثغر
2255 - فِي الْيَد الشلاء وَنَحْوهَا
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْحسن بن حَيّ فِي ذكر الْخصي ولسان الْأَخْرَس وَالْيَد الشلاء وَالرجل العرجاء وَالْعين الْقَائِمَة العور أَو السن السَّوْدَاء وَذكر الْعنين حُكُومَة عدل
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك فِي الْعين الْقَائِمَة إِذا قلعت وَفِي الْيَد الشلاء إِذا قطعت لَيْسَ فِيهَا عقل مُسَمّى وَإِنَّمَا فِيهِ الِاجْتِهَاد
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي كل سنّ من الْأَسْنَان إِذا أُصِيبَت مِنْهُ سنّ فانتقص ثمَّ أُصِيبَت ذَلِك السن فَإِنَّمَا لَهُ على حِسَاب مَا بَقِي من ذَلِك الْعُضْو
قَالَ وَمَا كَانَ خلقَة لم ينْتَقض مِنْهُ شَيْء مثل استرخاء الْبَصَر أَو ضعفه بالرمد وَالْيَد الضعيفة وَهُوَ ينْتَفع بهَا ويبطش وَالرجل ينْتَفع بهَا وفيهَا ضعف فَفِي ذَلِك كُله الدِّيَة كَامِلَة لَو كَانَ ذَلِك ضعف من جِنَايَة إِنْسَان فَأخذ لَهُ عقلا ثمَّ أُصِيب بعد ذَلِك فَلهُ مَا بَقِي من الْعقل وَلَو كَانَ من السَّمَاء فعرج إِلَّا أَنه يمشي وَضعف الْبَصَر من الرمد إِلَّا أَنه يبصر فَفِيهِ الدِّيَة كَامِلَة
وَقَالَ ابْن شبْرمَة فِي الْيَد الشلاء وَالْعين العور أَو لِسَان الْأَخْرَس فِي كل شَيْء من ذَلِك ثلث دِيَته وَكَذَلِكَ قَالَ الثَّوْريّ فِي الْيَد الشلاء وَقَالَ الثَّوْريّ فِي ذكر الْخصي ولسان الْأَخْرَس حكم عدل(5/137)
وَقَالَ اللَّيْث فِي الْعين الْقَائِمَة العوراء مائَة دِينَار وَهُوَ قَول زيد بن ثَابت وَفِي السن إِذا اسودت عقلهَا كَامِلا وَإِن طرحها إِنْسَان آخر بعد ذَلِك وَهِي ثَابِتَة فَعَلَيهِ أَيْضا أَرْشهَا كَامِلا وَهُوَ قَول سعيد بن الْمسيب
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي قدم الْأَعْرَج وَفِي يَد الأعسر إِذا كَانَتَا سالمتين الدِّيَة وَفِي الْعين الْقَائِمَة وَالْيَد وَالرجل الشلاء ولسان الْأَخْرَس وَالذكر الأشل يكون منقبضا لَا ينبسط أَو منبسطا لَا ينقبض فِي ذَلِك كُله حُكُومَة
قَالَ الشَّافِعِي ويقاد بِذكر رجل شيخ وَصبي وَخصي وَالَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء وَكَانَ الذّكر ينتشر أَو لَا ينتشر مَا لم يكن بِهِ شلل يمنعهُ من أَن ينقبض أَو ينبسط
قَالَ أَبُو جَعْفَر تَوْقِيت ابْن شبْرمَة ثلث دِيَة هَذِه الْأَعْضَاء لَا معنى لَهُ لِأَن طَرِيق ذَلِك التَّوْقِيف أَو الِاتِّفَاق وَأما مَا روى اللَّيْث عَن زيد بن ثَابت أَن فِي الْعين الْقَائِمَة مائَة دِينَار فَإِنَّهُ جَائِز أَن يكون تقويما مِنْهُ لعين بِعَينهَا على وَجه الِاجْتِهَاد كَمَا رُوِيَ عَن عمر أَنه قضى فِي الترقوة بجمل وَفِي الضلع بجمل
وَلما اتَّفقُوا أَن فِي الْمُوَضّحَة نصف عشر الدِّيَة أَو مَا دونهَا فِيهَا حُكُومَة وَكَذَلِكَ سَائِر الْأَعْضَاء الَّتِي لَهَا أروش مقدرَة أَن يكون فِي بَعْضهَا حُكُومَة(5/138)
فَإِن قيل لما حَدثنَا يحيى بن عُثْمَان قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي السّري الْعَسْقَلَانِي قَالَ حَدثنَا عبد الرَّزَّاق قَالَ حَدثنَا سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مَالك بن أنس عَن يزِيد بن عبد الله بن قسيط اللَّيْثِيّ عَن سعيد بن الْمسيب أَن عمر بن الْخطاب وَعُثْمَان بن عَفَّان قضيا فِي الملطأة بِنصْف الْمُوَضّحَة
قَالَ عبد الرَّزَّاق فَذَكرته لمَالِك بن أنس قَالَ لَيْسَ الْعَمَل على هَذَا عندنَا قيل لَهُ هَذَا حَدِيث لَا أصل لَهُ عندنَا لِأَن الْحَارِث بن مِسْكين ذكر عَن ابْن الْقَاسِم عَن عبد الرَّحْمَن بن أَشْرَس عَن مَالك عَمَّن حَدثهُ عَن يزِيد بن عبد الله بن قسيط فَأدْخل بَينهمَا رجلا مَجْهُولا
2256 - فِي الشَّهَادَة على الْقَتْل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا شهدُوا أَنه ضربه بِسيف فَلم يزل صَاحب فرَاش حَتَّى مَاتَ فَعَلَيهِ الْقصاص وَهُوَ قَول عُثْمَان البتي وَالثَّوْري
وَقَالَ شُرَيْح حَتَّى يشْهدُوا أَنه قَتله
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر روى الْحسن بن زِيَاد عَن زفر فِي رجل قطع إِصْبَع رجل عمدا ثمَّ جَاءَ آخر فَقطع مَا بَقِي من الْكَفّ قبل أَن تبين الإصبع فَلم يزل مَرِيضا حَتَّى مَاتَ قتلا جَمِيعًا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف تقطع إِصْبَع الَّذِي قطع الإصبع وَيقتل الَّذِي قطع الْكَفّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَهَذَا يدل على أَن مَذْهَب زفر فِي الْمَسْأَلَة الأولى كَقَوْل أبي حنيفَة وَسَائِر أَصْحَابه(5/139)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا ضربه فَبَقيَ بعد الضَّرْب مغمورا لم يَأْكُل وَلم يشرب وَلم يتَكَلَّم وَلم يفق حَتَّى مَاتَ فَهَذَا الَّذِي لَا قسَامَة فِيهِ وَإِن أكل أَو شرب وعاش ثمَّ مَاتَ بعد ذَلِك فَفِيهِ الْقسَامَة وَإِن شهد شَاهد أَنه ضربه فأجافه وعاش الرجل فَأكل وَشرب وَتكلم فَفِيهِ الْقسَامَة إِذا كَانَ الشَّاهِد عدلا
وَقَالَ اللَّيْث إِذا ضربه فَلم يزل مغمورا حَتَّى مَاتَ وَلم يفق من غمرته أَو أَفَاق إفاقة شرب فِيهَا مآء أَو تكلم ثمَّ مَاتَ مَكَانَهُ فَإِنَّهُ يقتل بِهِ وَإِن كَانَت جِنَايَته تَأَخَّرت حَتَّى أَفَاق أَو تكلم أَو أكل وَشرب ثمَّ مَاتَ بعد ذَلِك لم يقتل إِلَّا بالقسامة أَنه مَاتَ من تِلْكَ الضَّرْبَة
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا شهدُوا أَنه ضربه بِسيف وَمَا أنهر الدَّم وَمَات مَكَانَهُ جعلته قَاتلا وَإِن قَالُوا لَا نَدْرِي أنهر دَمه أَولا ورأيناه شلاء لم أجعله جارحا حَتَّى يَقُولُوا أوضحه هَذِه الْمُوَضّحَة بِعَينهَا
وَقَالَ الرّبيع عَنهُ إِذا جرحه عمدا بسلاح فَكَانَ ضمنا حَتَّى مَاتَ فَعَلَيهِ الْقصاص
قَالَ أَبُو جَعْفَر أَكثر مَا يُمكن أَن يعلم بِهِ حُدُوث الْمَوْت من جراحته أَن يبْقى مَرِيضا صَاحب فرَاش حَتَّى يَمُوت فيسعهم أَن يشْهدُوا أَنه مَاتَ مِنْهَا كَمَا يسعهم أَن يشْهدُوا أَن هَذَا ابْنه إِذا كَانَ قد ولد على فرَاشه وكما يَسعهُ إِذا رأى صَبيا فِي يَدي رجل يَدعِي أَنه ابْنه أَن يشْهد أَنه ابْنه مَعَ جَوَاز أَن يكون الْمقر كَاذِبًا فَكَمَا جَازَ ذَلِك فِي الْأَنْسَاب لِأَن ذَلِك جِهَة الشَّهَادَة بِهِ ونهايته كَذَلِك حُدُوث الْمَوْت من الْجراحَة إِذْ كَانَ ذَلِك جِهَة الشَّهَادَة بِالْمَوْتِ من الْجراحَة
وَأما قَول مَالك وَاللَّيْث فِي الْقسَامَة الَّتِي ذكرَاهَا أَنه مَاتَ من الْجراحَة فَلَا معنى لَهُ لِأَن هَذِه دَعْوَى وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أعطي النَّاس بدعواهم(5/140)
لادعى نَاس دِمَاء نَاس وَأَمْوَالهمْ وَلَكِن الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على الْمُدعى عَلَيْهِ فَجمع بَين دَعْوَى المَال وَالدَّم
2257 - فِيمَن قطع الْأَصَابِع ثمَّ قطع الْكَفّ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ فِيمَن قطع أَصَابِع رجل ثمَّ قطع مَا بَقِي من الْكَفّ وَذَلِكَ كُله خطأ فَعَلَيهِ دِيَة الْيَد
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِن قطع إِصْبَعَيْنِ مِمَّا يليهما من الْكَفّ فَإِن كَانَ فِي ضَرْبَة وَاحِدَة فخمسا الدِّيَة دِيَة الْيَد
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا يدل على أَنه لَو كَانَ بضربتين كَانَ خلاف ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ حكم قطع الإصبع مراعى بِمَا يؤول إِلَيْهِ فَلَو سقط الْكَفّ كَانَ عَلَيْهِ دِيَة الْيَد كَأَنَّهُ بَاشر قطعهَا وَقد يجوز أَن يَمُوت مِنْهَا فَتجب دِيَة النَّفس فَإِذا حدثت الْجِنَايَة الثَّانِيَة على مَا يجوز أَن يتناهى إِلَيْهِ دخلت الأولى فِيهَا وَصَارَ كَأَنَّهُ ابتدأها كَذَلِك وَأما إِذا برأت الأولى فقد زَالَت المراعاة وَوَجَب اعْتِبَار كل وَاحِدَة بِنَفسِهَا
2258 - فِيمَن عض ذِرَاع رجل
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ فِيمَن عض ذِرَاع رجل فَانْتزع المعضوض ذراعه فَقلع سنا من أَسْنَان العاض فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي السن وَإِن جرحه المعضوض فِي مَوضِع آخر فَعَلَيهِ ضَمَانه(5/141)
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَمَالك هُوَ ضَامِن لدية السن
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِن انتزعها من ألم العضة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن انتزعها من غير ألم أَصَابَهُ فَعَلَيهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن زُرَارَة بن أوفى عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن رجلا عض يَد رجل فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَنزع يَده فَوَقَعت ثنيتاه فاختصموا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يعَض أحدكُم أَخَاهُ كَمَا يعَض الْفَحْل لَا دِيَة لَك
وروى ابْن جريج عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَن صَفْوَان بن يعلى حَدثهُ عَن يعلى بن أُميَّة قَالَ كَانَ لي أجِير فقاتل إنْسَانا فعض أَحدهمَا صَاحبه فَانْتزع إصبعه فَسَقَطت ثنيتاه فجَاء إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأهدر ثنيته وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أيدع يَده فِي فِيك فتقضمه كقضم الْفَحْل
وَهَذَا مِمَّا لَا يجوز خِلَافه لصِحَّة مَجِيئه ولاشيء يُخَالِفهُ مِمَّا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَيْضا فِيمَن شهر على رجل سِلَاحا وَأَوْمَأَ إِلَى قَتله وَهُوَ صَحِيح الْعقل فَقتله الْمَشْهُور عَليّ دافعا لَهُ عَن نَفسه أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ فَإِذا لم يضمن نَفسه بِدَفْعِهِ إِيَّاه عَن نَفسه كَذَلِك لَا يضمن سنه بِدَفْعِهِ إِيَّاه عَن عضه
وَقد روى سعيد بن كثير بن عفير قَالَ حَدثنَا سُلَيْمَان بن بِلَال عَن عَلْقَمَة بن أبي عَلْقَمَة عَن أمه عَن عَائِشَة قَالَت سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من أَشَارَ بحديدة إِلَى أحد من الْمُسلمين يُرِيد بهَا قَتله فقد وَجب دَمه(5/142)
2259 - فِي الْجَانِي إِذا فقد مَا يجب عَلَيْهِ فِيهِ الْقصاص
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قطع يَد رجل فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقصاص فَقطعت يَده فِي سَرقَة أَو فِي قصاص لآخر فللآخر عَلَيْهِ أرش يَده وَلَو قطعهمَا إِنْسَان بِغَيْر حق لم يكن للمقطوع الأول شَيْء وَلَو قتل رجل عمدا فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقود فَقتل بِحَق أَو بِغَيْر حق فَلَا شَيْء لوَلِيّ الْمَقْتُول الأول
وَقَالَ عُثْمَان البتي مثل ذَلِك فِي النَّفس
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا ذهبت يَده من السَّمَاء أَو قطعت فِي السّرقَة فَلَا شَيْء للمقطوع الأول وَإِن قطع رجل يَد الْقَاطِع خطأ فعلى الْقَاطِع الثَّانِي دِيَة الْيَد وَيكون ذَلِك للمقطوع الأول وَإِن قطعهَا رجل عمدا كَانَ للمقطوع الأول الْقصاص على الْقَاطِع الثَّانِي لِأَنَّهُ كَانَ أَحَق بِيَدِهِ من نَفسه
قَالَ وَلَو قتل رجل عمدا فجَاء رجل فَقتل هَذَا الْقَاتِل عمدا قيل لأولياء الْقَاتِل الآخر ارضوا أَوْلِيَاء الْمَقْتُول الأول وخذوا قَاتل وَلِيكُم فَاصْنَعُوا بِهِ مَا شِئْتُم فَإِن أرضوا أَوْلِيَاء الْمَقْتُول الأول وَإِلَّا دفع الْقَاتِل الثَّانِي إِلَى أَوْلِيَاء الْمَقْتُول الأول فصنعوا بِهِ مَا أَرَادوا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا قتل الْقَاتِل الأول فَلَا حق لأولياء الأول على الْقَاتِل الثَّانِي
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قتل رجلا عمدا فَقطع رجل يَد الْقَاتِل عمدا أَو خطأ فَلَا سَبِيل لوَلِيّ الْمَقْتُول على المَال وَقيل لَهُ إِن شِئْت فَاقْتُلْ وَإِن شِئْت فَخذ الدِّيَة(5/143)
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اتَّفقُوا على أَن وجوب الْقصاص لَا يُوجب لمن وَجب لَهُ ذَلِك ملك الْيَد وَلَا النَّفس وَإِنَّمَا لَهُ حق اسْتِيفَاء الْقصاص فَإِذا ذهبت يَده أَو نَفسه فَالْقِيَاس أَن لَا يجب للْأولِ شَيْء سَوَاء أَخذ ذَلِك بِحَق أَو بِغَيْر حق فِي النَّفس وَمَا دونهَا
2260 - فِيمَن قطع من رجل إصبعا وَمن آخر يَده
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قطع إِصْبَع رجل ثمَّ قطع يَد آخر وَذَلِكَ كُله فِي الْيُمْنَى ثمَّ اجْتَمعُوا أَو بَدَأَ بِالْيَدِ ثمَّ بالأصابع فَإِنَّهُ تقطع إصبعه للْأولِ ثمَّ يُخَيّر صَاحب الْيَد بَين الدِّيَة وَبَين الْقصاص
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا قطع يَد رجل وَقتل آخر قتل وَلم تقطع يَده وَكَذَلِكَ سَائِر الْجِرَاحَات
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي لَو قطع إِصْبَع رجل من الْيُمْنَى وكف آخر من الْيُمْنَى واجتمعا اقْتصّ من الإصبع وَكَانَ لصَاحب الْكَفّ أَن يقْتَصّ وَيَأْخُذ أرش الإصبع وَإِن شَاءَ أَخذ أرش الْكَفّ قَالَ وَلَو بَدَأَ فاقتصه من صَاحب الْكَفّ أعْطى صَاحب الإصبع أَرْشهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي وَإِذا قتل الرجل نَفرا اقْتصّ مِنْهُ للَّذي قَتله أَولا وَالدية فِي مَاله لمن بَقِي مِمَّن قَتله آخرا
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن يقْتَصّ من إصبعه ثمَّ تقطع بَقِيَّة الْكَفّ للْآخر بِغَيْر خِيَار لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ خِيَار قبل قطع الإصبع وَإِنَّمَا جعل أَصْحَابنَا لَهُ الْخِيَار لِأَنَّهُ إصبعه أخذت بِحَق عَلَيْهِ وَلَو ذهبت إصبعه بِغَيْر حق عَلَيْهِ لَكَانَ لَا خِيَار للمقطوعة يَده فِي ترك يَد قاطعه وَأخذ يَده وَلَيْسَ يشبه هَذَا عِنْدهم(5/144)
ذهَاب الإصبع قبل قطعه يَد الآخر فِي وجوب الْخِيَار للمقطوعة يَده بَين الْقصاص وَبَين الْأَرْش لِأَن الْجِنَايَة أوجبت الْخِيَار وَإِذا كَانَت الْيَد صَحِيحَة فالجناية لم توجب خيارا للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ وَلَو ذهبت بِغَيْر حق لم يكن للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ شَيْء فَكَذَلِك ذَهَبا بعضه بِغَيْر حق لَا يُوجب لَهُ خيارا
وَأما قَول الشَّافِعِي فِي الْجِنَايَة للمقطوعة يَده الْخِيَار بَين قطع الْيَد وَأخذ أرش الإصبع إِذا قطع الإصبع فَإِنَّهُ مُخَالف لأصله لِأَنَّهُ لَو كَانَ حِين قطع مَقْطُوع الإصبع لم يكن للمقطوع يَده أَن يقطعهَا وَيَأْخُذ أرش الإصبع
وَأما قَول الشَّافِعِي فِيمَن قتل جمَاعَة إِنَّه يقتل للْأولِ وللآخرين الدِّيَة فَإِن أَبَا حنيفَة وَأَصْحَابه يَقُولُونَ يقتل لَهُم جَمِيعًا لِأَن نفس الْقَاتِل لم يملكهَا ولي الْمَقْتُول الأول فَثَبت حق ولي الْمَقْتُول الثَّانِي فِيهَا كَمَا ثَبت للْأولِ أَلا ترى أَنه لَو سرق من رجل ثمَّ سرق من آخر قطع لأيهما حضر وَإِن اجْتمعَا قطع لَهما
2261 - فِي الْعَفو عَن الْقطع أَو الْجراحَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر إِذا عَفا عَن الْجراحَة الْعمد أَو الشَّجَّة أَو الْقطع ثمَّ مَاتَ فَعَلَيهِ الدِّيَة فَإِن عَفا عَن الْجِنَايَة أَو عَن الْجراحَة وَمَا يحدث مِنْهَا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي ذَلِك كُله
وَقَالَ ابْن وهب وَابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الصُّلْح من الْجراحَة أَنه لَا يكون صلحا عَن النَّفس فَإِن مَاتَ فَلهُ أَن يقْتله وَكَذَلِكَ إِذا عَفا عَن الْيَد ثمَّ مَاتَ فَلهُ الْقصاص فِي النَّفس(5/145)
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا عَفا عَن الْجراحَة ثمَّ مَاتَ لم يقتل وَيعْقل بِمَا فضل من الدِّيَة وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ قد عَفَوْت عَن الْجراحَة وَعَما يحدث مِنْهَا من عقل وقود ثمَّ مَاتَ فقد بَطل الْقود وَنظر إِلَى أرش الْجِنَايَة وَكَانَ فِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا أَنه جَائِز أَن يعْفُو عَنهُ من ثلث مَال الْعَافِي كَأَنَّهَا مُوضحَة فَهِيَ نصف الْعشْر وَيُؤْخَذ بباقي الدِّيَة وَالْقَوْل الثَّانِي إِنَّه يُؤْخَذ بِجَمِيعِ الْجِنَايَة لِأَنَّهَا صَارَت نفسا وَهَذَا قَاتل لَا تجوز لَهُ وَصِيَّة بِحَال
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْجراحَة مُرَاعَاة فَإِن برأت كَانَ الْعَفو عَنْهَا وَإِن مَاتَ علمنَا أَنه عَفا عَمَّا لم يجب لَهُ فَكَأَنَّهُ لم يعف عَن شَيْء
2262 - فِي الْمُقْتَص مِنْهُ إِذا مَاتَ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَابْن أبي ليلى إِذا اقْتصّ من يَد أَو شجة فَمَاتَ الْمُقْتَص مِنْهُ فديته على عَاقِلَة الْمُقْتَص لَهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا شَيْء على الْمُقْتَص لَهُ
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك مثل قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ عُثْمَان البتي فِي رجل قَتله الْقصاص يرفع عَن الَّذِي اقْتصّ لَهُ قدر تِلْكَ الْجراحَة وَمَا بَقِي من دِيَته على عَاقِلَة الْمُقْتَص لَهُ إِلَّا أَن يكون الْمُقْتَص لَهُ عبدا فَمَا بَقِي من ثمنه فَفِي مَال الْمُقْتَص لَهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عَطاء عَن عبيد الله بن عمر أَن عمر وعليا كَانَا يَقُولَانِ فِي الَّذِي يَمُوت من قصاص لَا دِيَة لَهُ(5/146)
وروى سعيد بن الْمسيب عَن عمر مثل ذَلِك وَقَالَ قَتله الْحق لَا دِيَة لَهُ
وروى أَبُو يعِيش عَن إِبْرَاهِيم أَن ابْن مَسْعُود كَانَ يَقُول فِي الَّذِي يقْتَصّ مِنْهُ ثمَّ يَمُوت يحط عَنهُ قدر جراحته ثمَّ يكون ضَامِنا لما بَقِي
فَقَوْل عَليّ وَعمر مُوَافق لقَوْل أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَمن قَالَ بقولهمَا
وَقَول ابْن مَسْعُود مُوَافق لقَوْل عُثْمَان البتي وَلَا نعلم عَن أحد من الصَّحَابَة مثل قَول أبي حنيفَة وَابْن أبي ليلى
وَرُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم وَالْحكم مثل قَول عُثْمَان البتي
وَرُوِيَ عَن حَمَّاد مثل قَول أبي حنيفَة وَهُوَ قَول طَاوس وَعَطَاء
وَقَالَ وَاحْتج من لم يُوجب شَيْئا باتفاقهم فِي الْمَقْطُوع فِي السّرقَة مَاتَ أَنه لَا شَيْء فِيهِ لِأَنَّهُ قطع بِحَق
قَالَ وَالْفرق بَينهمَا أَن الْقطع فِي السّرقَة حق لله تَعَالَى وَالله تَعَالَى أَخذ نَفسه وَأَخذه غير مَضْمُون وَمَا أَخذه الْمُقْتَص مِنْهُ فَهُوَ مَضْمُون عَلَيْهِ فإباح الْأَخْذ لَا يسْقط الْقصاص لِأَن رمي الْغَرَض مُبَاح وَإِن أصَاب إنْسَانا ضمن وَلَا خلاف فِيمَن أدب امْرَأَته فَمَاتَتْ أَنه ضَامِن وَلَا يسْقط عَنهُ الْإِبَاحَة وَأما رفع أرش الْعُضْو عَنهُ على قَول عُثْمَان البتي فَلَا معنى لَهُ لِأَن الْقطع إِذا سرى إِلَى النَّفس فَالْحكم للنَّفس لَا للعضو
2263 - فِي كَيْفيَّة الْقصاص
قَالَ أَصْحَابنَا على أَي وَجه قَتله لم يقتل إِلَّا بِالسَّيْفِ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِن قَتله بعصا أَو بِحجر أَو بالنَّار(5/147)
أَو بِالتَّفْرِيقِ قتل بِمثلِهِ فَإِن لم يمت فَلَا يزَال يُكَرر عَلَيْهِ من جنس مَا قَتله بِهِ حَتَّى يَمُوت وَإِن زَاد على فعل الْقَاتِل الأول
وَقَالَ ابْن شبْرمَة يضْرب مثل ضربه وَلَا يضْربهُ أَكثر من ذَلِك وَقد كَانُوا يكْرهُونَ الْمثلَة وَيَقُولُونَ السَّيْف يُجزئ من ذَلِك كُله فَإِن غمسه فِي المَاء فَإِنِّي لَا أَزَال أغمسه فِيهِ حَتَّى يَمُوت
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن ضربه بِحجر فَلم يقْلع عَنهُ حَتَّى مَاتَ فعل بِهِ مثله وَإِن حَبسه بِلَا طَعَام وَلَا شراب حَتَّى مَاتَ حبس فَإِن لم يمت فِي تِلْكَ الْمدَّة قتل بِالسَّيْفِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي التَّفْرِيق وَكَذَلِكَ إِذا أَلْقَاهُ فِي مهواة بعيدَة وَلَو قطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ فَمَاتَ فعل بِهِ الْوَلِيّ مثل ذَلِك فَإِن مَاتَ وَإِلَّا قَتله بِالسَّيْفِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يُمكن اسْتِيفَاء الْقصاص على الْوَجْه الَّذِي قَالَه مَالك وَالشَّافِعِيّ فَلَا يجوز أَن يفعل بِهِ مَا لم يَفْعَله بالمقتول لِأَن ذَلِك خلاف الْقصاص الَّذِي أَمر الله تَعَالَى بِهِ وَقد قَالَ قوم أَنه إِذا فعل بِهِ مثل مَا فعل بِأَن قطع يَده قبل الْبُرْء ثمَّ مَاتَ الْمَقْطُوع الأول أَنه لَا شَيْء على الْقَاطِع الأول وَهُوَ قَول عَطاء
وَقد روى عَمْرو بن دِينَار عَن مُحَمَّد بن طَلْحَة قَالَ طعن رجل بقرن فِي رجله فَأتى النَّبِي صلى فَقَالَ أقدني فَقَالَ انْتظر فَعَاد إِلَيْهِ فَقَالَ انْتظر فَعَاد إِلَيْهِ فَقَالَ انْتظر فَعَاد إِلَيْهِ فأقاده فبرأ المستقاد مِنْهُ وشلت رجل الآخر فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ قد بَرِئت رجله وشلت رجْلي قَالَ قد قلت لَك انْتظر وَلم ير لَهُ شَيْئا(5/148)
وَهَذَا يُوجب أَن لَا يُؤْخَذ من الْبدن الْجَانِي شَيْء لم يَأْخُذهُ من بدن الْمَجْنِي عَلَيْهِ وَأَن يُؤْخَذ مِنْهُ مَكَان ذَلِك دِيَة مَا ذهب لجنايته مِمَّا لم يعمد إِلَى أَخذه
2264 - فِي رجلَيْنِ قطعا يَد رجل
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تقطع يدان بيد وَاحِدَة وَكَذَلِكَ سَائِر الْأَعْضَاء وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك تقطع أَيْديهم جَمِيعًا وَإِن كَانُوا جمَاعَة
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي يقْتَصّ مِنْهُم إِذا جرحوه مَعًا لَا يتَجَزَّأ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْعُضْو ذُو أَجزَاء لَهُ مساحة فَإِذا أَخذه جمَاعَة وكل وَاحِد إِنَّمَا أَخذ بعضه وَلَو انْفَرد بِقطع ذَلِك الْبَعْض لم يسْتَحق عَلَيْهِ قطع الْعُضْو فَكَذَلِك إِذا قطعه مَعَ غَيره لِأَنَّهُ منقسم متجزئ وَلَيْسَ كَذَلِك النَّفس لِأَنَّهَا غير متجزئة وَلَا منقسمة وَقد تُؤْخَذ بِغَيْر قطع شَيْء من الْأَعْضَاء فيتلف وَإِنَّمَا هِيَ خُرُوج الدَّم من يَده فَكل وَاحِد من الآخذين فِي حكم الْجَمَاعَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالرِّجَال وَالنِّسَاء فِي الْقصاص فِي النَّفس سَوَاء عِنْد جَمِيع من ذكرنَا غير عُثْمَان البتي فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمَرْأَة تقتل الرجل عمدا إِن لأوليائه أَن يقتلوها وَلَهُم فِي مَالهَا أَيْضا نصف الدِّيَة وَإِن كَانَ هُوَ الَّذِي قَتلهَا فَعَلَيهِ الْقود لِأَن رجلَيْنِ لَو قتلا رجلا قتلا وَلَو قتل رجل رجلَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ الْقود وَالدية(5/149)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما اتَّفقُوا على وجوب الْقصاص بَينهمَا دلّ على تكافئهما فَلَا يجب مَعَ الْقود غَيره قَالَ وَقَوله تَعَالَى {وَالْأنف بالأنف} الْمَائِدَة 45 أَرَادَ بِهِ التَّسْوِيَة بَين الشريف والوضيع فِي الْقصاص
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ فجعلهم جَمِيعًا متكافئين فِي الدِّمَاء وَقَوله تَعَالَى {وَالْأنف بالأنف} الْمَائِدَة 45 لما لم يمْنَع قتل الْمَرْأَة بِالرجلِ كَذَلِك قتل الرجل بِالْمَرْأَةِ
2265 - فِي قتل الْحر بِالْعَبدِ
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري يقتل الْحر بِالْعَبدِ
وَقَالَ مَالك وَابْن شبْرمَة وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ لَا يقتل
وَعَن سعيد بن الْمسيب قَالَ يقتل الْحر بِالْعَبدِ
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ فَإِن قيل فَلم لَا تقطع يَد الْحر بيد العَبْد
قيل لَهُ لما روى عمرَان بن حُصَيْن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عبد لقوم قطع أذن عبد لقوم فَلم يَجْعَل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا قصاصا(5/150)
2266 - فِي رمحة الدَّابَّة
قَالَ أَصْحَابنَا فِي رمحة الدَّابَّة برجلها إِذا كَانَ صَاحبهَا يسير عَلَيْهَا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى يضمن وَهُوَ قَول ابْن شبْرمَة وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث إِن أقرعها ضمن مَا أَصَابَت برجلها وَإِن لم يقرعها لم يضمن وَيضمن مَا أَصَابَت بمقدمها
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن وهب قَالَ سَمِعت سُفْيَان الثَّوْريّ يحدث عَن أبي قيس عَن هزيل بن شُرَحْبِيل
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا هزيل الْأَعْمَى روى عَنهُ الزُّهْرِيّ لقِيه بِالْكُوفَةِ وهزيل كُوفِي وَهُوَ يذكر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْبِئْر جَبَّار والمعدن جَبَّار والعجماء جَبَّار وَفِي الرِّكَاز الْخمس
وروى أَحْمد بن الْمِقْدَام عَن زِيَاد بن عبيد الله البكائي قَالَ حَدثنَا الْأَعْمَش عَن أبي قيس عَن هزيل بن شُرَحْبِيل عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ العجماء جَبَّار والبئر جَبَّار وَالرجل جَبَّار وَفِي الرِّكَاز الْخمس(5/151)
وَقد روى عباد بن الْعَوام عَن سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرجل جَبَّار
وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن يزِيد الوَاسِطِيّ عَن سُفْيَان بن حُسَيْن بِإِسْنَادِهِ مثله
وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن همام بن مُنَبّه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ النَّار جَبَّار
قَالَ لنا أَحْمد بن أبي عمرَان سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول أَصله الرجل جَبَّار وَلكنه صحف
وَرُوِيَ عَن شُرَيْح أَنه أبطل النفح بِالرجلِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يُمكنهُ التحفظ من الرجل والذنب فَهُوَ جَبَّار ويمكنه التحفظ من الْيَد والفم فَعَلَيهِ ضَمَانه
2267 - فِي الفارسين يصطدمان
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ فِي الفارسين يصطدمان فيموتان فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا دِيَة الآخر على عَاقِلَته(5/152)
وَقَالَ عُثْمَان البتي وَزفر وَالشَّافِعِيّ على كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف دِيَة صَاحبه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا فِيمَن وضع حجرا فِي الطَّرِيق أَو بنى حَائِطا فصدم الْحَائِط أَو عثر بِالْحجرِ رجل إِن ضَمَانه على الْبَانِي وَوَاضِع الْحجر وَلَا يسْقط عَنهُ شَيْء من أجل أَن الصدم فعله كَذَلِك المصطدمان
2268 - فِي اخْتِلَاف حَال الرَّمْي والوقوع
قَالَ أَبُو حنيفَة فِيمَن رمى مُسلما فَارْتَد المرمى ثمَّ وَقع بِهِ السهْم فَقتله فَالدِّيَة على الرَّامِي لوَرَثَة الْمُرْتَد
وَقَالَ ابو يُوسُف وَمُحَمّد لَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن رَمَاه وَهُوَ مُرْتَد فَوَقع بِهِ السِّهَام بعد مَا أسلم فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي قَوْلهم جَمِيعًا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَلَو رمى عبدا فَأعتق ثمَّ وَقع السهْم بِهِ فَمَاتَ فعلى الرَّامِي قيمَة العَبْد للْمولى
وَقَالَ مُحَمَّد عَلَيْهِ مَا بَين قِيمَته مرمي إِلَى غير مرمي
وَقَالَ زفر إِذا رَمَاه وَهُوَ مُرْتَد ثمَّ أسلم ثمَّ وَقع بِهِ السهْم وَهُوَ مُسلم فعلى الرَّامِي الدِّيَة قَالَ وَلَو رمى عبدا فَأعتق ثمَّ وَقع بِهِ السهْم فَعَلَيهِ الدِّيَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَاعْتبر أَبُو حنيفَة حَال خُرُوج السهْم لَا مَا سواهُ وَاعْتبر زفر حَال وُقُوعه وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد اعْتبر الْحَالين دون أَحدهمَا على الإنفراد
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا رَمَاه وَهُوَ نَصْرَانِيّ ثمَّ وَقع بِهِ وَهُوَ مُسلم(5/153)
أَو عبد فَأعتق ثمَّ وَقع السهْم بِهِ فَلَا قصاص عَلَيْهِ وَفِيه دِيَة حر مُسلم وَكَذَلِكَ الْمُرْتَد يسلم قبل وُقُوع السهْم فتحول الْحَال قبل وُقُوع الرَّمية
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول أبي حنيفَة فِي مراعاته خُرُوج السهْم دون غَيره يفْسد لِأَنَّهُ يلْزمه أَن يَقُول لَو رمى عبدا فَمَاتَ قبل وُقُوع السهْم بِهِ ثمَّ وَقع بِهِ السهْم وَهُوَ ميت أَنه يلْزمه قِيمَته وَهَذَا لَا يَقُوله أحد وَيلْزمهُ أَن يَقُول لَو أعْتقهُ مَوْلَاهُ قبل وُقُوع السهْم ثمَّ مَاتَ أَبوهُ وَخلف مَالا ثمَّ وَقع بِهِ السهْم فَقتله أَن لَا يورثه من أَبِيه اسْتَحَالَ أَن يَجعله فِي حكم الْمَقْتُول قبل ذَلِك على ملك مَوْلَاهُ وَلما بَطل هَذَا ثمَّ وجدنَا الرَّامِي قد يَمُوت قبل وُقُوع السهْم بالمرمى ثمَّ يَقع بِهِ السهْم فيقتله فَيكون قَاتلا لَهُ بَطل أَن يكون الرَّامِي كالمباشر للْقَتْل بِالرَّمْي لِأَن الْمَيِّت لَا يَصح مِنْهُ مُبَاشرَة الْقَتْل فَبَطل قَول زفر أَيْضا إِنَّه إِذا أسلم الْمُرْتَد المرمى ثمَّ وَقع بِهِ السهْم أَنه يضمن وَثَبت مَا قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد من اعْتِبَار حَال المرمى فِي وَقت خُرُوج السهْم وَفِي وَقت وُقُوعه
قَالَ وَقَول الشَّافِعِي فِي ذَلِك مُضْطَرب لِأَنَّهُ رَاعى فِي الْقصاص خُرُوج السهْم من يَد الرَّامِي وراعى فِيمَا أوجب بِوُقُوع السهْم حكم المرمى فَالْوَاجِب أَن لَا يَجْعَل فِيهِ دِيَة حر إِذا كَانَ قد رَمَاه وَهُوَ عبد وَأَن لَا يَجْعَل فِيهِ دِيَة مُسلم إِذا كَانَ رَمَاه وَهُوَ غير مُسلم
2269 - فِي الْعَفو عَمَّا وَقع عَلَيْهِ الصُّلْح من الدَّم
قَالَ أَبُو جَعْفَر ذكر ابْن وهب عَن اللَّيْث فِي الرجل يقتل عمدا فيصالحه على الدِّيَة ويعفيه من الْقَتْل إِن هُوَ مَاتَ ثمَّ يبدوا لَهُ فَيَضَع تِلْكَ الدِّيَة لما يَرْجُو من الثَّوَاب فَذَلِك جَائِز وَلَا يتبع مِنْهُ بِشَيْء
قَالَ اللَّيْث وَإِن وضع نصفهَا أَو ثلثهَا أَو مَا كَانَ مِنْهَا مَا لم يَضَعهَا كلهَا فَإِن مَا وضع من ذَلِك لَا يجوز إِلَّا فِي ثلثه بِمَنْزِلَة الْوَصِيَّة(5/154)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا يدل على أَن وَضعه كَذَلِك كَانَ وَهُوَ صَاحب فرَاش وَلم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد من أهل الْعلم فِي وَضعه جَمِيع الدِّيَة بعد الصُّلْح وَبَعْدَمَا صَار مَالا ثمَّ فرق بَينهمَا وَبَين وضع النَّقْص
2270 - فِي ديات أهل الْكفْر
قَالَ أَصْحَابنَا وَعُثْمَان البتي وَالْحسن بن حَيّ دِيَة الْكَافِر مثل دِيَة الْمُسلم واليهودي وَالنَّصْرَانِيّ والمجوسي والمعاهد وَالذِّمِّيّ سَوَاء
وَقَالَ مَالك دِيَة أهل الْكتاب على النّصْف من دِيَة الْمُسلم ودية الْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَة دِرْهَم وديات نِسَائِهِم على النّصْف من ذَلِك
وَقَالَ الشَّافِعِي دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ ثلث الدِّيَة ودية الْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَة وَالْمَرْأَة على النّصْف
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا ابْن أبي دَاوُد قَالَ حَدثنَا الْوَهْبِي قَالَ حَدثنَا ابْن إِسْحَاق عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ لما دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة عَام الْفَتْح قَالَ فِي خطبَته دِيَة الْكفَّار نصف دِيَة الْمُسلم
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم ترو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دِيَة الْكَافِر أَنَّهَا النّصْف أَعلَى(5/155)
من هَذَا الحَدِيث وَلَيْسَ كل أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ يقبلُونَ هَذَا الْإِسْنَاد وَلَا يحتجون بِهِ
وَرُوِيَ عَن سعيد بن الْمسيب عَن عمر بن الْخطاب قَالَ دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ أَرْبَعَة ألف ودية الْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَة دِرْهَم
قَالَ سعيد وَقضى عُثْمَان فِي دِيَة الْمعَاهد بأَرْبعَة ألف
وروى الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه أَن مُسلما قتل كَافِرًا من أهل الْعَهْد فَقضى عَلَيْهِ عُثْمَان بن عَفَّان بدية الْمُسلم
وروى عبد الْعَزِيز بن عبد الله الأويسي قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد عَن ابْن شهَاب قَالَ كَانَ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان يجْعَلُونَ دِيَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى إِذا كَانُوا معاهدين مثل دِيَة الْمُسلم سَوَاء
وروى مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن دَاوُد بن الْحصين عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِن جاؤوك فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم وَإِن تعرض عَنْهُم فَلَنْ يضروك شَيْئا وَإِن حكمت فاحكم بَينهم بِالْقِسْطِ} الْمَائِدَة 42
قَالَ نزلت فِي الدِّيَة بَين بني قُرَيْظَة وَبَين بني النَّضِير وَذَلِكَ أَن قَتْلَى بني النَّضِير كَانَ لَهُم شرف يودون الدِّيَة كَامِلَة وَبني قُرَيْظَة كَانُوا يودون نصف الدِّيَة فَتَحَاكَمُوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله تَعَالَى فيهم فحملهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْحق فَجعل الدِّيَة سَوَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَمن جِهَة النّظر أَن الله تَعَالَى قَالَ {وَإِن كَانَ من قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق فديَة مسلمة إِلَى أَهله وتحرير رَقَبَة مُؤمنَة}(5/156)
النِّسَاء 92 كَمَا قَالَ {وَمن قتل مُؤمنا خطأ} فَذكر الدِّيَة فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا وَالْكَفَّارَة
وَاتَّفَقُوا على أَن الْكَفَّارَة فيهمَا وَاحِد كَذَلِك الدِّيَة فتأول مَالك على أَن المقتولين فِي هَذِه الْآيَة مُؤمنُونَ لِأَنَّهُ قَالَ فِي أول هَذِه الْآيَة {وَمن قتل مُؤمنا خطأ} ثمَّ قَالَ {وَإِن كَانَ من قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق} أَي إِن كَانَ ذَلِك الْمُؤمن من قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق وَالْحجّة عَلَيْهِ أَن الله تَعَالَى قد قَالَ فِي هَذِه الْآيَة وَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن فَدلَّ ذَلِك على أَنه تَعَالَى لم يعطفه على مَا تقدم من قَوْله {وَمن قتل مُؤمنا خطأ} لِأَنَّهُ لَو كَانَ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ لأغنى ذَلِك عَن وَصفه بِالْإِيمَان وَكَذَلِكَ قَوْله {وَإِن كَانَ من قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق} غير مُضْمر فِيهِ الْمُؤمن الَّذِي تقدم ذكره لِأَن قَوْله وَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن هُوَ الَّذِي يَلِي قَوْله {وَمن قتل مُؤمنا خطأ} فَإِذا لم يكن مَا يَلِيهِ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ فَمَا بعده أولى بذلك فَثَبت أَن دِيَة الْمُسلم وَالْكَافِر سَوَاء
وَرُوِيَ عَن عَلْقَمَة وَسَعِيد بن الْمسيب وَمُجاهد وَعَطَاء وَالزهْرِيّ
2271 - فِي قتل الْمُؤمن بالكافر
قَالَ أَصْحَابنَا وَابْن أبي ليلى وَعُثْمَان البتي يقتل الْمُسلم بالذمي
وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ لَا يقتل(5/157)
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث إِن قَتله غيلَة قتل بِهِ وَإِلَّا لم يقتل
قَالَ أَبُو جَعْفَر وروى الشّعبِيّ عَن أبي جُحَيْفَة عَن عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر وَلَا ذُو عهد فِي عَهده
وَهَذَا هُوَ الْكَافِر الَّذِي لَا يقتل بِهِ ذُو الْعَهْد وَهُوَ الْحَرْبِيّ وَلَا يجوز أَن يحمل على أَن الْعَهْد قد حقن دَمه فَلَا يقتل بِهِ لبُطْلَان فَائِدَته إِذْ قد علم أَن الْإِسْلَام والعهد يحقنان الدَّم
وروى الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ لما قتل عبيد الله بن عمر الهرمزان وجفينة وَكَانَ نَصْرَانِيّا فَاجْتمع الْمُهَاجِرُونَ وَأمر عُثْمَان بقتل عبيد الله وَكَانَ فَرح للنَّاس مَعَ عبيد الله يَقُولُونَ لجفينة والهرمزان أبعدهُمَا الله فَلم يقل الْمُهَاجِرُونَ إِنَّمَا يَأْمُرهُ بقتْله الهرمزان لَا لجفينة
فَدلَّ على أَن تَأْوِيل قَوْله لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر على الْوَجْه الَّذِي ذكرنَا
وروى شُعْبَة عَن عبد الْملك بن ميسرَة عَن النزال بن سُبْرَة أَن عمر كتب أَن يقتل رجل من الْمُسلمين بِرَجُل من الْكفَّار فَجعلُوا يَقُولُونَ اقْتُل حنين فَيَقُول حَتَّى يَجِيء القبط فَكتب عمر أَن يودي وَلَا يقتل
فقد رأى عمر قتل الْمُسلم بالكافر وَإِنَّمَا أَمر بعد ذَلِك أَن يودي لِأَن الرجل قَالَ حَتَّى يَجِيء القبط فَجعل ذَلِك شُبْهَة فِي دَرْء الْقود
وَقد روى سُلَيْمَان بن بِلَال عَن ربيعَة عَن عبد الرَّحْمَن بن الْبَيْلَمَانِي أَن(5/158)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى بِرَجُل من الْمُسلمين قد قتل معاهدا من أهل الذِّمَّة فَضرب عقنه وَقَالَ أَنا أولى من وفى بِذِمَّتِهِ
وروى معمر عَن عَمْرو بن مَيْمُون أَن عمر بن عبد الْعَزِيز فعل ذَلِك وَمن جِهَة النّظر أَنه كَمَا تقطع فِي السّرقَة مِنْهُ كَذَلِك فِي الْقَتْل يُقَاد مِنْهُ كَالْمُسلمِ بل أَمر الذِّمِّيّ فِي هَذَا أغْلظ لِأَن العَبْد لَا تقطع فِي مَال مَوْلَاهُ وَيقتل بِهِ
وَاحْتج الشَّافِعِي بِأَنَّهُ لَا خلاف أَنه لَا يقتل بالحربي الْمُسْتَأْمن كَذَلِك لَا يقتل بالذمي وهما فِي تَحْرِيم الْقَتْل سَوَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَيْسَ مَا ذكره الشَّافِعِي إِجْمَاع لِأَن أَحْمد بن أبي عمرَان وجعفر بن أَحْمد قد حدثانا قَالَا حَدثنَا بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف قَالَ يقتل الْمُسلم بالحربي الْمُسْتَأْمن
2272 - فِي الْقصاص بَين الرجل وَالنِّسَاء
قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَأَصْحَابه وَابْن شبْرمَة لَا قصاص بَين الرجل وَالنِّسَاء إِلَّا فِي النَّفس
وَرُوِيَ عَن ابْن شبْرمَة رِوَايَة أُخْرَى أَن بَينهم قصاصا فِيمَا دون النَّفس
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَمَالك وَاللَّيْث وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ(5/159)
الْقصاص فِيمَا بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي النَّفس وَمَا دونهَا إِلَّا أَن اللَّيْث قَالَ إِذا جنى الرجل على امْرَأَته عقلهَا وَلم يقْتَصّ بِهِ
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا قتلت امْرَأَة رجلا قتلت وَأخذ من مَالهَا نصف الدِّيَة وَكَذَلِكَ إِن أَصَابَته بجراحة وَإِن كَانَ هُوَ الَّذِي قَتلهَا أَو جرحها فَعَلَيهِ الْقود وَلَا يرد عَلَيْهَا شَيْء
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ بَينهم الْقصاص فِي النَّفس وَجب فِيمَا دونهَا وَأَن لَا يعْتَبر اخْتِلَاف الدِّيات
2273 - فِي الْقصاص بَين العبيد
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ لَا قصاص بَين العبيد إِلَّا فِي الْأَنْفس خَاصَّة
وَقَالَ ابْن شبْرمَة لَا قصاص بَين العبيد
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ الْقصاص بَينهم وَاجِب فِي النَّفس وَمَا دونهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى قَتَادَة عَن أبي نَضرة عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن عبدا لقوم فُقَرَاء قطع إِذن عبد لقوم أَغْنِيَاء فَأتوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّا قوم فُقَرَاء فَلم يقصه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ فاستعملنا الْحَدِيثين أَحدهمَا فِي النَّفس وَالْآخر فِيمَا دونهَا
فَإِن قيل إِنَّمَا لم يُوجب الْقصاص فِي إِذن العَبْد لِأَن موَالِيه كَانُوا فُقَرَاء(5/160)
قيل لَهُم لم يكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليفعل ذَلِك وَلَا يخص فَقِيرا من غنى مَعَ قَول الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كونُوا قوامين بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله وَلَو على أَنفسكُم أَو الْوَالِدين والأقربين إِن يكن غَنِيا أَو فَقِيرا فَالله أولى بهما} النِّسَاء 135
فَثَبت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقْتَصّ مِنْهُ لِأَن ذَلِك لم يكن وَاجِبا
وَرُوِيَ عَن الحكم أَنه لَا يقْتَصّ من العَبْد للْعَبد إِلَّا فِي النَّفس
وَقَالَ الْحسن فِي المماليك الْقصاص بَينهم فِي الْجِرَاحَات
وَقَالَ إِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ لَا قصاص بَينهم فِي الْجِرَاحَات وَهُوَ قَول إِيَاس بن مُعَاوِيَة
2274 - فِي الْقصاص بَين العبيد والأحرار
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا قصاص بَين الْأَحْرَار وَالْعَبِيد إِلَّا فِي النَّفس
وَقَالَ ابْن أبي ليلى الْقصاص بَينهم فِي جَمِيع الْجِرَاحَات الَّتِي يُسْتَطَاع فِيهَا الْقصاص
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك لَيْسَ بَين الْحر وَالْعَبْد قَود فِي شَيْء من الْجراح وَالْعَبْد يقتل بِالْحرِّ وَلَا يقتل الْحر بِالْعَبدِ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا كَانَ العَبْد هُوَ الْجَانِي اقْتصّ مِنْهُ وَلَا يقْتَصّ من الْحر للْعَبد
وَقَالَ الشَّافِعِي من جرى عَلَيْهِ الْقصاص فِي النَّفس جرى عَلَيْهِ الْقصاص فِي الْجراح
وَقَالَ اللَّيْث أَيْضا إِذا قتل العَبْد الْحر فلولي الْمَقْتُول أَن يَأْخُذ بهَا(5/161)
نفس العَبْد الْقَاتِل فَيكون لَهُ وَإِذا جنى على الْحر فِيمَا دون النَّفس فللمجروح الْقصاص إِن شَاءَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَإِيجَاب اللَّيْث الْخِيَار لنُقْصَان العَبْد على الْحر لَا معنى لَهُ لِأَن الْمَرْأَة نَاقِصَة عَن الرجل وَهُوَ لَا يُوجب خيارا
2275 - فِي الذِّمِّيّ يجني على الْمُسلم
قَالَ أَصْحَابنَا الْقصاص مِمَّا بَين الْمُسلم وَالْكَافِر كَمَا هُوَ بَين الْمُسلمين
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكر عَنهُ ابْن وهب لَا يقْتَصّ للْحرّ من العَبْد وَلَا من النَّصْرَانِي فِي شَيْء من الْجراح إِلَّا فِي النَّفس
وَذكر ابْن عبد الحكم عَن مَالك قَالَ إِذا فَقَأَ نَصْرَانِيّ عين مُسلم عمدا اجْتهد فِي ذَلِك السُّلْطَان وَلَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَة العَبْد لِأَن العَبْد يُؤْخَذ أَحْيَانًا رَقِيقا فِي ذَلِك وَقد قيل لَهُ الدِّيَة وَلَا قَود بَينهمَا إِلَّا أَن يقتل الذِّمِّيّ مُسلما فَيقْتل بِهِ وَكَذَلِكَ العَبْد
وَقَالَ اللَّيْث يقْتَصّ لِلْمُؤمنِ من الْكَافِر فِي الْعمد وَلَا يقْتَصّ للْكَافِرِ من الْمُؤمن وَيكون عَلَيْهِ الْعقل
وَقَالَ الشَّافِعِي يقْتَصّ من العَبْد وَالنَّصْرَانِيّ للْحرّ الْمُسلم فِي الْجراح
2276 - فِي غصب الصَّبِي الْحر
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه فِيمَن غصب صَبيا حرا فَمَاتَ عِنْده بحمى أَو فجاءة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن أَصَابَته صَاعِقَة أَو نهشته حَيَّة فعلى عَاقِلَة الْغَاصِب(5/162)
وَسمعت ابْن أبي عمرَان يَقُول كَانَ زفر يَقُول لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي شَيْء من ذَلِك
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا حمل صَبيا على دَابَّة يسقيها أَو يمْسِكهَا فوطئت الدَّابَّة رجلا فَقتلته فَالدِّيَة على عَاقِلَة الصَّبِي وَلَا يرجع على عَاقِلَة الرجل
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا يدل على أَنه لَا يضمن الصَّبِي لِأَنَّهُ لَو ضمنه لرجع عَلَيْهِ بِمَا يحدث عَلَيْهِ فِي يَده لِأَن أَبَا حنيفَة وَأَصْحَابه الَّذين يضمنُون الصَّبِي بِالْغَصْبِ من حَادث عَلَيْهِ فِي يَده مِمَّا يُمكن أَن يتحفظ مِنْهُ يوجبون فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لعاقلة الصَّبِي أَن يرجع على عَاقِلَة الْغَاصِب
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذْ أرسل رجل صَبيا فِي حَاجَة فجنى الصَّبِي فَلَيْسَ على الْمُرْسل شَيْء وَهُوَ على الصَّبِي وَإِذا أرسل مَمْلُوكا فجنى جِنَايَة فعلى الْمُرْسل
وروى الْمعَافى عَن الثَّوْريّ وَمن يسْتَعْمل أَجِيرا صَغِيرا فِي حَاجَة فَأَكله الذِّئْب فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن اسْتعْمل أَجِيرا فِي عمل شَدِيد فَمَاتَ مِنْهُ فَإِن كَانَ صَغِيرا ضمن وَإِن كَانَ كَبِيرا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَكَانَ الْحسن بن حَيّ لَا يرى بَأْسا أَن يستعير الرجل مَمْلُوكا يَقُول اسْقِنِي مَاء وناولني وضُوءًا وَالصَّبِيّ كَذَلِك وَإِن كَانَ غَنِيا عَن ذَلِك ضمن
وَقَالَ الشَّافِعِي لَو صَاح رجل بصبي أَو معتوه فَسقط من صيحته ضمن قَالَ أَبُو جَعْفَر فَإِذا ضمنه بسقوطه من صيحته بِغَيْر وُقُوع يَده عَلَيْهِ فَإِذا عطب من قبل ذَلِك بعد وُقُوع يَده عَلَيْهِ أَحْرَى أَن يضمنهُ(5/163)
قَالَ أَبُو جَعْفَر ضَمَان الْغَصْب لَا يخْتَلف بِأَن يَمُوت حتف أَنفه أَو بحادث من غَيره فَلَمَّا لم يضمن للصَّبِيّ بِمَوْتِهِ حتف أَنفه وَجب أَن لَا يضمن بحادث من غَيره
2271 - م زِيَادَة فِي قتل الْمُؤمن بالكافر
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ غير ناف تكافؤ دِمَاء الْمُسلمين ودماؤهم لِأَنَّهُ قد يُضَاف الْأَمر إِلَى الْمُسلمين وَيدخل أهل الذِّمَّة فِيهِ فَالْمَعْنى كَمَا قَالَ هَذِه طرق الْمُسلمين وَأهل الذِّمَّة وهم سَوَاء
وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسلم أَخُو الْمُسلم لَا يحل لَهُ من مَاله إِلَّا مَا حل لَهُ من نَفسه
وَأهل الذِّمَّة داخلون فِي حظر الدِّمَاء وَالْأَمْوَال
قَالَ أَبُو بكر كَقَوْلِه لَا يحل مَال امْرِئ مُسلم إِلَّا بِطيبَة من نَفسه وَالذِّمِّيّ كَذَلِك
2277 - فِيمَا يحدث فِي الطَّرِيق والفناء
قَالَ أَبُو حنيفَة لَهُ أَن يحدث فِي الطَّرِيق الْأَعْظَم كنيفا أَو ميزابا أَو ظلة أَو دكانا وَينْتَفع بِهِ مَا لم يضر بِالْمُسْلِمين وللرجل من عرض النَّاس أَن يُبطلهُ وَإِن كَانَ يضر بِالطَّرِيقِ لم يَسعهُ الِانْتِفَاع بِهِ وَهُوَ ضَامِن لما أصَاب(5/164)
فِي ذَلِك فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إِلَّا أَن يكون بالوعة أَمرهم السُّلْطَان أَن يحفروها فَلَا يضمنُون فَإِن حفروها بِغَيْر إِذن السُّلْطَان ضمنُوا وَله أَن يحْفر ذَلِك فِي الْمَفَازَة وَيَبْنِي وَلَا يضمن
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَابْن أبي ليلى مَا لَا يضر بِالطَّرِيقِ من ذَلِك لَا أقلعه وَيضمن عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد مَا عطب بِهِ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَهُ أَن يحدث فِي الطَّرِيق مر الْمَطَر والمرحاض بحفرة إِلَى جَانب حَائِطه والميزاب والظلة وَلَا يضمن مَا عطب بذلك وَمَا حفره فِي الطّرق مِمَّا لَا يجوز لَهُ ضمن مَا عطب بِهِ
قَالَ مَالك وَإِن حفرهَا فِي دَاره لسارق يرصده ليَقَع فِيهَا أَو وضع حِبَالًا أَو شَيْئا يتلفه فَعَطب بِهِ السَّارِق فَهُوَ ضَامِن وَكَذَلِكَ إِن عطب بِهِ غير السَّارِق
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ من أحدث فِي الطَّرِيق حَدثا من نضح أَو مَاء اَوْ حجر أَو شَيْء أخرجه من دَاره فِي الطَّرِيق من ظله أَو جنَاح فَهُوَ ضَامِن لما عطب بِهِ من ذَلِك إِذا عطب بالجناح وَهُوَ قَائِم فِي مَوْضِعه فَإِن انْقَطع فَأصَاب شَيْئا ضمن مِنْهُ مِقْدَار مَا كَانَ خَارِجا وَلم يضمن حِصَّة مَا كَانَ فِي حَائِطه مِنْهُ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِيمَن أخرج كنيفا أَو جذعا على الطَّرِيق فأعنت أحدا ضمن ذَلِك
وَقَالَ اللَّيْث فِي رجل ربط بَعِيرًا أَو دَابَّة على طَرِيق فعقرت فِي رباطها أَو أفلتت فَإِن كَانَ ذَلِك من شَأْنهَا مَعْلُوما فَعَسَى أَن يضمن وَإِن كَانَ شَيْئا لم يكن مِنْهَا فِيمَا خلا فَلَا أرى عَلَيْهِ شَيْئا(5/165)
قَالَ وَإِن أخرج عودا أَو حجرا أَو خَشَبَة من جِدَاره فَمر بهَا إِنْسَان فجرحته أَو قتلته فَإِن كَانَ ذَلِك لَا يعرف من صنع النَّاس ضمن
قَالَ وَإِن حفر بِئْرا فِي دَاره أَو فِي طَرِيق أَو فِي رحبة لَهُ فَوَقع فِيهَا إِنْسَان فَإِنَّهُ لَا يضمن مَا حفر فِي دَاره أَو فِي رحبة لَهُ لَا حق لأحد فِيهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِك شَيْء
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن فِيمَا يتَّخذ النَّاس من الساباطات والكنف إِذا لم يكن مِنْهَا ضَرَر فِي أطلام أَو حمولة فَإِنَّهَا تتْرك فَإِن أَبى رجل وَاحِد أَن يرضى قَالَ هَذَا مضار فَإِن كَانَ جماع رددتهم حَتَّى يصطلحوا قَالَ والدكاكين أَهْون من الساباطات يتكأ عَلَيْهَا وَيُوضَع عَلَيْهَا الْحمل وَإِن جنت ضمن
وَقَالَ فِي الكرابيس الَّتِي تتَّخذ فِي الطَّرِيقَة وَقد أحكمت أفواهها فَلهم أَن يمنعوهم
قَالَ الشَّافِعِي فِي وَاضع الْحجر فِي الأَرْض لَا يملكهَا يضمن مَا عطب بِهِ قَالَ وَلَو حفر فِي صحراء أَو فِي طَرِيق وَاسع مُحْتَمل فَمَاتَ بِهِ إِنْسَان أَو مَال(5/166)
حَائِط من دَاره فَوَقع على إِنْسَان فَمَاتَ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَضعه فِي ملكه وَإِن كَانَ قد أشهد عَلَيْهِ وَإِن أخرج جنَاحا إِلَى الطَّرِيق فَإِن لم يضر ترك وَإِن أضرّ قلع
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَنه يضمن فِيمَا لَيْسَ لَهُ أَن يحدثه وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِيمَا لَهُ أَن يحدثه فِي غير ملكه وَجَوَاز إحداثه لَا يُبرئهُ من الضَّمَان كراكب الدَّابَّة يضمن مَا عطب بِهِ وَإِن كَانَ لَهُ أَن يسير
2278 - فِي جِنَايَة الْكَلْب
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْكَلْب يَجعله الْإِنْسَان فِي دَاره فَيدْخل دَاخل فيعقره فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك قَالَ فِي الْكَلْب الْعَقُور إِذا كَانَ فِي الدَّار أَو فِي غير الدَّار فَتقدم إِلَى صَاحبه فَهُوَ ضَامِن لما عقر
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَإِنَّمَا يعْتَبر ملك الْمُقدم فِي الْموضع الَّذِي يجوز لَهُ اتِّخَاذه وَلَيْسَ كَذَلِك لما يَتَّخِذهُ فِي الدّور وَمَا أشبههَا مِمَّا لَا يجوز اتِّخَاذه فِيهَا
وَذكر الْوَاقِدِيّ عَن مَالك وَابْن أبي ذِئْب فِي الرجل يدْخل فِي دَار قوم وَلَهُم كلب عقور فيعقره أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ مربوطا كَانَ أَو غير مربوط
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك فِي رجل اقتنى كَلْبا فِي دَاره لماشية فعقر الْكَلْب إنْسَانا أَنه إِذا اقتناه وَقد علم انه يعقر النَّاس فَهُوَ ضَامِن لما أصَاب(5/167)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف أَن من وضع فِي دَاره حجرا فَعَطب بِهِ إِنْسَان أَنه لَا يضمن لِأَنَّهُ فِي ملكه كَذَلِك الْكَلْب
وَقد رخص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اتِّخَاذ الْكَلْب للماشية فَكيف يضمن مَعَ إِبَاحَته لَهُ
2279 - فِي الْحَائِط المائل
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْحَائِط المائل إِذا اشْهَدْ عَلَيْهِ فَلم يهدمه حَتَّى وَقع على إِنْسَان أَو دَابَّة ضمن وَإِن لم يشْهد عَلَيْهِ لم يضمن وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى يضمن أشهد عَلَيْهِ أَو لم يشْهد
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يضمن أشهد عَلَيْهِ أَو لم يشْهد
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف أَنه لَو جعل دَابَّة فِي ملكه فَخرج إِلَى غير ملكه فَقتل وأفسد أَن صَاحبه لَا يضمن أشهد عَلَيْهِ أَو لم يشْهد كَذَلِك الْقيَاس فِي الْحَائِط لِأَنَّهُ وَضعه فِي ملكه وميله لَيْسَ من فعله إِلَّا أَن أَصْحَابنَا تركُوا الْقيَاس لما رُوِيَ عَن جمَاعَة من التَّابِعين أَنه يضمن إِذا أشهد عَلَيْهِ مِنْهُم شُرَيْح وَالْحسن وَإِبْرَاهِيم(5/168)
2280 - فِيمَن صَاح بِرَجُل من جِدَار فَوَقع
قَالَ أَبُو جَعْفَر كَانَ أَبُو حنيفَة وَسَائِر أَصْحَابه يَقُولُونَ لَا ضَمَان على الصائح وَلَا مُخَالف لَهُم فِي ذَلِك غير اللَّيْث فَإِنَّهُ قَالَ من كَانَ على جِدَار أَو قصر أَو خَشَبَة فَقَالَ لَهُ رجلا آخر إياك أَن تسْقط فَسقط فَمَاتَ أَو انْكَسَرَ إِن كَانَ إِنَّمَا تَأَخّر بأَمْره جعلت الدِّيَة على عَاقِلَته
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي فِي مُخْتَصره وَلَو صَاح رجل فَسقط عَن حَائِط لم أر عَلَيْهِ شَيْئا وَلَو كَانَ صَبيا أَو معتوها فَسقط من صيحته ضمن
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْجِنَايَات إِنَّمَا تكون إِمَّا بِمُبَاشَرَة الْقَتْل أَو بِسَبَب يتَّصل بالمجني عَلَيْهِ كالرمي وَنَحْوه والصياح لَيْسَ بِجِنَايَة من الصائح إِنَّمَا هُوَ ارتياع من الَّذِي صِيحَ بِهِ لَا فعل للصائح فِيهِ فَلم يكن الصائح جانيا وَلَو كَانَ هَذَا ارتاع من غير صياح مِنْهُ بِهِ لم يضمن هَذَا شَيْئا كَذَلِك إِذا ارتاع من صياحه لِأَن الارتياع لَيْسَ هُوَ فعلا من الصائح أحدثه فِي المرتاع
2281 - فِي أَخذ الدِّيَة من قَاتل الْعمد
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري وَابْن شبْرمَة وَالْحسن بن حَيّ لَيْسَ لوَلِيّ الْمَقْتُول عمدا إِلَّا الْقصاص وَلَا يَأْخُذ الدِّيَة إِلَّا بِرِضا الْقَاتِل
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ هُوَ بِالْخِيَارِ بَين الْقصاص وَبَين أَخذ الدِّيَة وَإِن لم يرض الْقَاتِل
وَقَالَ الشَّافِعِي وَإِن عَفا الْمُفلس عَن الْقصاص جَازَ وَلم يكن لأهل(5/169)
الْوَصَايَا وَالدّين مَنعه لِأَن المَال لَا يملك بالعمد إِلَّا بِمَشِيئَة الْمَجْنِي عَلَيْهِ إِن كَانَ حَيا وبمشيئة الْوَرَثَة إِن كَانَ مَيتا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {كتب عَلَيْكُم الْقصاص فِي الْقَتْلَى} إِلَى قَوْله {فَمن عُفيَ لَهُ من أَخِيه شَيْء فاتباع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَان} الْبَقَرَة 178
فَقَالَ من خَيره بَين الْقصاص وَبَين الدِّيَة أَن الْآيَة قد اقْتَضَت ذَلِك شَاءَ الْقَاتِل أَو أَبى
فَيُقَال لَهُم قد روى عَمْرو بن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ الْقصاص فِي بني إِسْرَائِيل وَلم يكن فيهم دِيَة فَقَالَ الله تَعَالَى لهَذِهِ الْأمة {كتب عَلَيْكُم الْقصاص} إِلَى قَوْله {فَمن عُفيَ لَهُ} فالعفو فِي أَن يقبل الدِّيَة فِي الْعمد ذَلِك تَخْفيف من ربكُم مِمَّا كَانَ كتب على من كَانَ قبلكُمْ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَحدثنَا ابْن أبي دَاوُد قَالَ حَدثنَا سعيد بن سُلَيْمَان الوَاسِطِيّ عَن سُلَيْمَان بن كثير قَالَا حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قتل فِي عميا أَو رميا يكون بَينهم بِحجر أَو سَوط أَو بعصا فعقله عقل خطأ وَمن قتل عمدا فقود يَده وَمن حَال بَينه وَبَينه فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ لَا يقبل الله مِنْهُ صرفا وَلَا عدلا
فَإِن قيل قد روى ابْن عُيَيْنَة هَذَا الحَدِيث عَن عَمْرو عَن طَاوس مَوْقُوفا عَلَيْهِ لم يذكر فِيهِ ابْن عَبَّاس وَلَا رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الله عَلَيْهِ وَسلم(5/170)
قيل لَهُ قد كَانَ ابْن عُيَيْنَة حدث بِهِ مرّة هَكَذَا وَمرَّة أُخْرَى حدث بِهِ كَمَا حدث بِهِ سُلَيْمَان بن كثير رَوَاهُ عَنهُ حوثرة بن مُحَمَّد الْبَصْرِيّ
وروى ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري قَالَ سمعة أَبَا شُرَيْح الكعبي يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خطبَته يَوْم فتح مَكَّة أَلا إِنَّكُم معشر خُزَاعَة قتلتم هَذَا الْقَتِيل من هُذَيْل وَإِنِّي عاقله فَمن قتل لَهُ بعد مَقَالَتي هَذِه قَتِيل فأهله بَين خيرتين بَين أَن يأخذو الْعقل وَبَين أَن يقتلوه
وَقد روى يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم فتح مَكَّة من قتل لَهُ قَتِيل فَهُوَ بِخَير النظرين إِمَّا أَن يقتل وَإِمَّا أَن يودي
وَهَذَا على معنى الْإِبَاحَة لأخذ الْعقل إِذا رَضِي الْقَاتِل
وَقد روى مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس أَن عمته الرّبيع لطمت جَارِيَة فَكسرت ثنيتها فاختصموا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر بِالْقصاصِ فطلبوا إِلَيْهِم الْعَفو فَأَبَوا أَو الْأَرْش فَأَبَوا إِلَّا الْقصاص فَقَالَ أنس بن النَّضر يَا رَسُول الله أتكسر ثنية الرّبيع لَا وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَا تكسر ثنيتها فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أنس كتاب الله الْقصاص فَعَفَا الْقَوْم فَقَالَ(5/171)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن من عباد الله من لَو أقسم على الله لَأَبَره فَأخْبر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن الَّذِي فِي كتاب الله هُوَ الْقصاص دون غَيره
وروى ثَابت الْبنانِيّ عَن أنس أَن رجلا قتل رجلا فَدفعهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ولي الْمَقْتُول ثمَّ قَالَ اعْفُ عَنهُ فَأبى ثمَّ قَالَ فَخذ أرشا فَأبى فَقَالَ أما إِنَّك إِن قتلته كنت مثله فَمضى الرجل فَلحقه النَّاس فَقَالُوا إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أما إِنَّك إِن قتلته كنت مثله فخلى سَبيله فَذهب إِلَى أَهله يجر نسعته
فَقَالَ لَهُ اعْفُ فَلَمَّا أَبى قَالَ لَهُ خُذ أرشا فَدلَّ على أَنه إِن عَفا لم يكن لَهُ أرش وَلَو كَانَ لَهُ أرش لما قَالَ لَهُ خُذ أرشا بعد أَن قَالَ اعْفُ إِذْ كَانَ عَفوه يُوجب الْأَرْش
فَإِن قيل إِنَّمَا لَزِمته الدِّيَة بِغَيْر رِضَاهُ لِأَن عَلَيْهِ إحْيَاء نَفسه
قيل لَهُ فَيَنْبَغِي أَن يلْزمه إِعْطَاء دَاره وَعَبده إِذا أَرَادَ ذَلِك ولي الْمَقْتُول لِأَن عَلَيْهِ إحْيَاء نَفسه
2282 - فِي الْكَفَّارَة فِي قتل الْعمد
قَالَ أَصْحَابنَا لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ فِي قتل الْعمد
وَقَالَ مَالك يَصُوم شَهْرَيْن أَو يعْتق رَقَبَة ويتقرب إِلَى الله سُبْحَانَهُ بِمَا(5/172)
اسْتَطَاعَ من خير فخيره بَين الصَّوْم وَالْعِتْق وَهَذَا يدل على أَنه لم يرهَا وَاجِبَة لِأَن آيَة الْقَتْل يَقْتَضِي التَّرْتِيب وَقَول اللَّيْث أَيْضا يدل على أَنه لم يرهَا وَاجِبَة
وَقَالَ الشَّافِعِي عَلَيْهِ الْكَفَّارَة كالمخطئ
قَالَ أَبُو جَعْفَر احْتج من أوجبهَا بِأَن الله سُبْحَانَهُ أوجبهَا فِي الْخَطَأ والعمد أولى بذلك
فَيُقَال لَهُ لم يُوجِبهَا فِي الْخَطَأ للمأثم حَتَّى يُقَاس عَلَيْهِ الْعمد لِأَن الْمُخطئ لَا مأثم عَلَيْهِ وَإِذا لم يكن مَوْضُوعَة للمأثم لم يسْقط بهَا المأثم عَن الْعَامِد فَلَا يجوز إِيجَابهَا عَلَيْهِ للمأثم
وَقد روى ابْن الْمُبَارك عَن إِبْرَاهِيم بن أبي عبلة عَن العريف والعريف هُوَ عبد الله بن فَيْرُوز الديلمي تَابِعِيّ عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نفر من بني سليم فَقَالُوا إِن صاحبا لنا أوجب قَالَ فليعتق رَقَبَة يفْدي الله بِكُل عُضْو مِنْهَا عضوا مِنْهُ من النَّار
وَاحْتج من أوجب الْكَفَّارَة فِي الْعمد بِهَذَا الحَدِيث
قيل لَهُ لم يذكر بِأَيّ شَيْء أوجب بقتل أَو غَيره فَلَا دلَالَة فِيهِ على مَا ذكرت وَيدل على أَنه لم يرد الْقَتْل أَنه لم يَأْمُرهُ بِرَقَبَة مُؤمنَة وَلم يقل إِن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن فَدلَّ أَنه لم يرد الْكَفَّارَة وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى بذلك(5/173)
2283 - فِيمَا تجب فِيهِ الْكَفَّارَة
قَالَ أَصْحَابنَا لَا كَفَّارَة على السَّائِق والقائد وَلَا على حافر الْبِئْر وَوَاضِع الْحجر فِي الطَّرِيق وَالدية على عواقلهم وعَلى الرَّاكِب الْكَفَّارَة إِذا وطئ بِيَدِهِ أَو رجله وَمن لَا تجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة من هَؤُلَاءِ لَا يحرم الْمِيرَاث وَمن وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة مِنْهُم حرمه
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِيمَن دفع إِلَى صبي دَابَّته ليمسكها أَو دفع إِلَيْهِ سِلَاحا فَعَطب الصَّبِي بذلك فعلى عَاقِلَة الدَّافِع الدِّيَة وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة
وَقَالَ ابْن عبد الحكم عَنهُ وَمن أَمر غَيره بِضَرْب غُلَام لَهُ فَعَطب فعلَيْهِمَا الْكَفَّارَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا يَقْتَضِي إِيجَاب الْكَفَّارَة على حافر الْبِئْر وَنَحْوه قَالَ وَمذهب الشَّافِعِي أَيْضا يدل على مُوَافقَة مَالك فِي ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يكن مَا ذكرنَا من وَاضع الْحجر وَنَحْوه قَاتلا فِي الْحَقِيقَة وَإِنَّمَا فعل للسبب من غير اتِّصَال ذَلِك فِي الْمَقْتُول من فعله لم تلْزمهُ كَفَّارَة فسائر مَا وَصفنَا من الرَّمْي وَوَطْء الرَّاكِب أَفعَال من هَؤُلَاءِ يتَّصل بالمقتول وَكَانَ قَاتلا لَزِمته الْكَفَّارَة
2284 - فِي الْجَنِين
قَالَ أَصْحَابنَا فِي رجل ضرب بطن امْرَأَة حرَّة فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا فَلَا(5/174)
كَفَّارَة فِيهِ وَعَلِيهِ الْغرَّة وَإِن وَقع حَيا ثمَّ مَاتَ فَفِيهِ الْكَفَّارَة وَالدية وَقِيمَة الْغرَّة خَمْسمِائَة دِرْهَم وَهِي على الْعَاقِلَة فِي سنة وَهِي بَين وَرَثَة الْجَنِين على فَرَائض الله تَعَالَى وَلَو قتل الْأُم بالضربة ثمَّ خرج الْجَنِين بعد مَوتهَا مَيتا فَعَلَيهِ الدِّيَة فِي الْأُم وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي الْجَنِين وَالذكر وَالْأُنْثَى سَوَاء إِذا خرج مَيتا قبل موت الْأُم
وَقَالَ مَالك فِي الْجَنِين غرَّة عبد أَو أمة وَقِيمَته خَمْسُونَ دِينَارا أَو سِتّمائَة دِرْهَم وَهِي موروثة عَن الْجَنِين على فَرَائض الله تَعَالَى وعَلى الضَّارِب الْكَفَّارَة وَذَلِكَ إِذا خرج الْجَنِين مَيتا قبل موت الْمَيِّت فَإِن خرج مَيتا بعد موت الْأُم فَلَا شَيْء فِيهِ وَفِي الْأُم الدِّيَة قَالَ فَإِن خرج حَيا ثمَّ مَاتَ فَإِن اسْتهلّ صَارِخًا فَفِيهِ مَا فِي الْجَنِين
وَقَالَ مَالك فِي جَنِين الْيَهُودِيَّة والنصرانية عشر دِيَة أمه
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ جَنِين ابْن النَّصْرَانِي خَمْسُونَ دِينَارا
وَقَالَ اللَّيْث دِيَة الْجَنِين لأمه وَحدهَا
وَرُوِيَ عَن ربيعَة وَالزهْرِيّ أَنَّهَا موروثة على فَرَائض الله تَعَالَى
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي جَنِين الْحرَّة لمسلمة إِذا استبان شَيْء من خلقه وألقته مَيتا ففهي غرَّة عبد اَوْ أمة يُورث كَمَا لَو خرج حَيا ثمَّ مَاتَ وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة وَأَقل شَيْء الْغرَّة يَنْبَغِي أَن تكون سبع سِنِين أَو ثَمَان سِنِين وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يقبلهَا مَعِيبَة وَلَا خَصيا رَوَاهُ عَنهُ الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَو ضرب بطن امْرَأَة ميتَة حَامِل فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا أَنه لَا شَيْء فِيهِ وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ الضَّرْب فِي حَيَاتهَا ثمَّ مَاتَت ثمَّ(5/175)
ألقته مَيتا فَبَطل بذلك قَول اللَّيْث وَقد قَالَ اللَّيْث أَنه لَو ضربهَا فَمَاتَتْ قبل والجنين فِي بَطنهَا وَلم يسْقط أَنه لَا شَيْء فِيهِ فَكَذَلِك إِذا أسقطت بعد مَوتهَا
وَأما الْكَفَّارَة فِي الْجَنِين فَإِن الله تَعَالَى قرن إِيجَاب الْكَفَّارَة بِوُجُوب الدِّيَة بقوله {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة} النِّسَاء 92 والجنين لَا دِيَة فِيهِ وَلَا كَفَّارَة فِيهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن الْغرَّة موروثة وَلَيْسَت بِمَنْزِلَة بدل عُضْو من أعضائها أَنا وجدنَا لَو قطع يَدهَا فَمَاتَتْ لدخلت الْيَد فِي النَّفس وَلَو أَلْقَت جَنِينا مَيتا ثمَّ مَاتَت من الضَّرْبَة وَجَبت الدِّيَة والغرة وَلم تدخل الْغرَّة فِي الدِّيَة فَدلَّ ذَلِك على أَنه مُنْفَرد بِحكمِهِ دون أمه فَوَجَبَ أَن تكون الْعِزَّة موروثة عَنهُ وَبَطل قَول من جعلهَا لأمه
2285 - فِي الْغرَّة على الْعَاقِلَة
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ الْغرَّة على الْعَاقِلَة
وَقَالَ مَالك وَالْحسن بن حَيّ هِيَ فِي مَال الْجَانِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأخبار تقدم ذكرهَا أَنه جعل الْغرَّة على الْعَاقِلَة
2286 - فِي جِنَايَة النَّصْرَانِي من يحملهَا
قَالَ أَصْحَابنَا فِي النَّصْرَانِي إِذا قتل مُسلما أَو ذِمِّيا فَإِن كَانَت لَهُ معاقل يتعاقلون فعلى عواقلهم وَإِن لم تكن لَهُم معاقل فَفِي مَال الْجَانِي
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي النَّصْرَانِي إِذا جنى جِنَايَة يحمل عَنهُ تِلْكَ(5/176)
الْجِنَايَة أهل جزيته وهم أهل كورتة الَّذين خراجه مَعَهم وَكَذَلِكَ إِذا أصَاب أهل الذِّمَّة بَعضهم بَعْضًا وَهُوَ قَول اللَّيْث
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا كَانَ الْجَانِي نوبيا فَلَا عقل على أحد من النّوبَة إِلَّا أَن يَكُونُوا يثبتون أنسابهم إِثْبَات أهل الْإِسْلَام وَكَذَلِكَ كل رجل من قَبيلَة أَعْجَمِيَّة أَو لقبط أَو غَيره فَإِن لم يكن لَهُ وَلَاء يعلم فعلى الْمُسلمين لما بَينه وَبينهمْ من ولَايَة للدّين وَأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مَاله إِذا مَاتَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الدِّيَة تلْزم الْجَانِي ويتحمله عَنهُ الْعَاقِلَة فَإِن كَانَ لأهل الذِّمَّة عواقل وَجب أَن يتحملها فَإِن تكن لَهُم عواقل فَفِي مَال الْمَقْتُول إِذا لم هُنَاكَ من يتحملها عَنهُ
2287 - فِي الْقسَامَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وجد قَتِيل فِي محلّة وَبِه شَرّ وَادّعى الْوَلِيّ على أهل الْمحلة أَنهم قَتَلُوهُ أَو على وَاحِد مِنْهُم بِعَيْنِه اسْتحْلف أهل الْمحلة خمسين رجلا بِاللَّه مَا قتلنَا وَلَا علمنَا قَاتلا يختارهم الْوَلِيّ فَإِن لم يبلغُوا خمسين كرر عَلَيْهِ الْأَيْمَان ثمَّ يغرمون الدِّيَة وَإِن نكلوا عَن الْيَمين حبسوا حَتَّى يقرُّوا أَو يحلفوا وَهُوَ قَول زفر(5/177)
وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد عَن أبي يُوسُف إِذا أَبَوا أَن يقسموا تَركهم وَلم يحبسهم وَجعل الدِّيَة على الْعَاقِلَة فِي ثَلَاث سِنِين وَقَالُوا جَمِيعًا إِن ادّعى الْوَلِيّ على رجل من غير أهل الْمحلة فقد أَبْرَأ أهل الْمحلة وَلَا شَيْء لَهُ عَلَيْهِم
وَقَول الثَّوْريّ مثل قَول أبي حنيفَة إِلَّا أَن ابْن الْمُبَارك رُوِيَ عَنهُ أَنه إِذا ادّعى الْوَلِيّ على رجل بِعَيْنِه فقد أَبْرَأ الْمحلة
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا ادّعى الْوَلِيّ على رجل بِعَيْنِه من أهل الْمحلة فقد برِئ أهل الْمحلة وَصَارَ دَمه هدرا إِلَّا أَن يُقيم الْبَيِّنَة على ذَلِك الرجل
وَقَالَ عُثْمَان البتي يسْتَحْلف مِنْهُم خَمْسُونَ رجلا مَا قتلنَا وَلَا علمنَا قَاتلا ثمَّ لَا شَيْء عَلَيْهِم غير ذَلِك إِلَّا أَن تقوم الْبَيِّنَة على رجل بِعَيْنِه أَنه قَتله
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك الْقسَامَة لَا تجب إِلَّا بِأحد أَمريْن إِمَّا أَن يَقُول الْمَقْتُول دمي عِنْد فلَان أَو يَأْتِي وُلَاة الدَّم بلوث من بَيِّنَة وَإِن لم تكن قَاطِعَة على الَّذِي يدعى عَلَيْهِ الدَّم فَهَذَا مُوجب الْقِسْمَة لمُدعِي الدَّم على من ادعوهُ عَلَيْهِ فتبدأ بأيمان مدعي الدَّم فِي الْعمد وَالْخَطَأ فَيحلف من وُلَاة الدَّم خَمْسُونَ رجلا خمسين يَمِينا فَإِن قل عَددهمْ أَو نكل بَعضهم ردَّتْ الْأَيْمَان عَلَيْهِم إِلَّا أَن ينكل أحد من وُلَاة الْمَقْتُول الَّذين يجوز عفوهم فَلَا يقتل إِذا نكل وَاحِد مِنْهُم وَلَا ترد الْأَيْمَان على من بَقِي من وُلَاة الدَّم إِذا نكل وَاحِد مِنْهُم عَن الْأَيْمَان وَلَكِن إِذا كَانَ ذَلِك فَإِنَّمَا ترد الْأَيْمَان على الْمُدعى عَلَيْهِم الدَّم فَيحلف مِنْهُم خَمْسُونَ رجلا خمسين يَمِينا فَإِن لم يبلغُوا خمسين رجلا ردَّتْ الْخَمْسُونَ الْيَمين على من حلف مِنْهُم فَإِن لم يُوجد أحد يحلف إِلَّا الَّذِي ادّعى عَلَيْهِ الدَّم حلف هُوَ خمسين يَمِينا
قَالَ وَلَا يقتل فِي الْقسَامَة إِلَّا وَاحِد لَا يقتل فِيهَا اثْنَان
وَذكر ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا شهد رجل عدل على الْقَاتِل أقسم رجلَانِ فَصَاعِدا خمسين يَمِينا(5/178)
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَالشَّاهِد فِي الْقسَامَة إِنَّمَا هُوَ لوث لَيست بِشَهَادَة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يسْتَحْلف من أهل الْقرْيَة خَمْسُونَ رجلا مَا قتلنَا وَلَا علمنَا قَاتلا فَإِن حلفوا استحقوا وَإِن نقصت قسامتهم أَو نكل رجل مِنْهُم لم يُعْطوا الدَّم وعقل قبيلتهم إِذا كَانَ بِحَضْرَة الَّذين ادّعى عَلَيْهِم فِي دِيَارهمْ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يحلف من كَانَ حَاضرا من أهل الْمحلة من سكان أَو ملاك خمسين يَمِينا مَا قتلنَا وَلَا علمنَا قَاتلا فَإِذا حلفوا كَانَ عَلَيْهِم الدِّيَة وَلَا يسْتَحْلف من كَانَ غَائِبا وَإِن كَانَ مَالِكًا وَسَوَاء كَانَ بِهِ أثر أَو لم يكن وَكَانَ مُسلم بن خَالِد الزنْجِي وَأهل مَكَّة لَا يرَوْنَ الْقسَامَة
وَقَالَ اللَّيْث الَّذِي يُوجب الْقسَامَة أَن يقل الْمَقْتُول قبل مَوته فلَان قتلني أَو يَأْتِي من الصّبيان وَالنِّسَاء وَالنَّصَارَى وَمن يشبههم مِمَّن لَا يقطع بِشَهَادَتِهِ أَنهم رَأَوْا حِين قتل هَذَا فَإِن الْقسَامَة تكون مَعَ ذَاك
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا وجد الْقَتِيل فِي دَار قوم مَحْضَة أَو قَبيلَة وَكَانُوا أَعدَاء للمقتول وَادّعى أولياؤه قَتله فَلهم الْقسَامَة وَكَذَلِكَ الزحام إِذا لم يفترقوا حَتَّى وجدوا بَينهم قَتِيل أَو فِي نَاحيَة لَيْسَ إِلَى جنبه إِلَّا رجل وَاحِد أَو يَأْتِي عَنهُ مُتَفَرّقين من الْمُسلمين من نواح لم يجتمعوا فِيهَا يثبت كل وَاحِد مِنْهُم على الِانْفِرَاد على رجل أَنه قَتله فتتواطأ شهاداتهم وَلم يسمع بَعضهم بِشَهَادَة بعض وَإِن لم يَكُونُوا مِمَّن لم يعدلُوا أَو شهد عدل أَنه قَتله لِأَن كل سَبَب من هَذَا يغلب على عقل الْحَاكِم أَنه كَمَا ادّعى وليه فللولي أَن يقسم على الْوَاحِد وَالْجَمَاعَة من أمكن أَن يكون فِي جملتم وَسَوَاء كَانَ بِهِ جرح أَو غَيره(5/179)
لِأَنَّهُ قد يقتل بِمَا لَا أثر لَهُ وَإِن أنكر الْمُدعى عَلَيْهِ أَن يكون فيهم لم يسمع الْوَلِيّ إِلَّا بِبَيِّنَة وَلَا ينظر إِلَى دَعْوَى الْمَيِّت
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى مَالك عَن ابْن أبي ليلى بن عبد الله عَن عبد الرَّحْمَن بن سهل عَن سهل بن أبي حثْمَة أَنه أخبرهُ رجال من كبراء قومه أَن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إِلَى خَبِير فَأتى محيصة فَأخْبر أَن عبد الله بن سهل قد قتل وَطرح فِي فَقير بِئْر أَو عين فَأتى يهود فَقَالَ لَهُم أَنْتُم وَالله قَتَلْتُمُوهُ فَقَالَ وَالله مَا قَتَلْنَاهُ فَأقبل حَتَّى قدم على قومه فَذكر لَهُم ذَلِك ثمَّ أقبل هُوَ وَأَخُوهُ حويصة وَهُوَ أكبر مِنْهُ وَعبد الرَّحْمَن بن سهل فَذهب محيصة ليَتَكَلَّم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمحيصة كبر كبر يُرِيد السن فَتكلم حويصة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِمَّا أَن يدوا دِيَة صَاحبكُم وَإِمَّا أَن يؤذنوا بِحَرب فَكتب إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك فَكَتَبُوا إِلَيْهِ إِنَّا وَالله مَا قَتَلْنَاهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحويصة ومحيصة وَعبد الرَّحْمَن أتحلفون وتستحقون دم صَاحبكُم فَقَالُوا لَا قَالَ فَيحلف لكم يهود قَالُوا لَيْسُوا بمسلمين فوداه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عِنْده فَبعث إِلَيْهِم بِمِائَة نَاقَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر مَعْلُوم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقل للْيَهُود إِمَّا أَن تدوا صَاحبكُم وَإِمَّا أَن تأذنوا بِحَرب من الله إِلَّا وَقد تحقق عِنْده قبل ذَلِك وجود الْقَتْل بِخَيْبَر فَدلَّ ذَلِك على وجوب الدِّيَة على الْيَهُود بِوُجُود الْقَتِيل بَينهم لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يؤذنوا بِحَرب إِلَّا بمنعهم حَقًا وَاجِبا عَلَيْهِم فَدلَّ على صِحَة قَول أَصْحَابنَا
وَقد رُوِيَ نَحْو ذَلِك عَن عمر فِي قَتِيل وجد بَين حيين فَجعله عمر(5/180)
رَضِي الله عَنهُ على أقربهما فأحلف مِنْهُم خمسين رجلا مَا قتلنَا وَلَا نعلم قَاتلا ثمَّ أغرمهم الدِّيَة فَقَالَ لَهُ الْحَارِث بن الأزمع نحلف وتغرمنا فَقَالَ نعم
وَاحْتج من قَالَ يبْدَأ المدعون فَيحلفُونَ فَإِذا حلفوا استحقوا دم صَاحبهمْ وَإِن لم يحلفوا حلف الْمُدعى عَلَيْهِم ويروا بِهَذَا الحَدِيث
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقد روى عباد بن الْعَوام عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن عبد الرَّحْمَن بن بجيد قَالَ وَالله مَا كَانَ الحَدِيث كَمَا حدث سهل وَلَقَد أوهم إِنَّمَا كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أهل خيبرأن قَتِيلا وجد بَين أفنيتكم فدوه فَكَتَبُوا يحلفُونَ مَا قتلنَا فوداه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عِنْده
قَالَ ابْن إِسْحَاق وَسمعت عَمْرو بن شُعَيْب فِي الْمَسْجِد الْحَرَام يَقُول وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا كَانَ الحَدِيث كَمَا حدث سهل وَلَقَد أوهم وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث إِلَى أهل خَيْبَر أَن قَتِيلا وجد بَين أفنيتكم فدوه أَو آذنوا بِحَرب فبعثوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحلفُونَ مَا قَتَلُوهُ فوداه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عِنْده
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالوهم فِي ذَلِك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للْيَهُود إِمَّا أَن تدوا وَإِمَّا(5/181)
أَن تأذنوا بِحَرب من الله وَفِي ذَلِك تَحْقِيق وجوب الدِّيَة على الْيَهُود وَلم يكن من أَوْلِيَاء الْقَتِيل قبل ذَلِك قسَامَة وَكَانَ محالا أَن يُقَال لأولياء الْقَتِيل أتحلفون وتستحقون دم صَاحبكُم وهم قد كَانُوا مستحقين لَهُ قبل ذَلِك بِوُجُود الْقَتِيل فِي الْموضع
وَقد روى سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن يحيى بن سعيد سمع بشير بن يسَار عَن سهل بن أبي حثْمَة وَذكر الْقِصَّة إِلَى أَن قَالَ محيصة إِنَّا وجدنَا عبد الله بن سهل قَتِيلا فِي قليب من قلب خَيْبَر وَذكر عَدَاوَة الْيَهُود لَهُم قَالَ فتبرئك يهود بِخَمْسِينَ يَمِينا أَنهم لم يقتلوه قَالَ وَكَيف نرضى بأيمانهم وهم مشركون قَالَ فَيقسم مِنْكُم خَمْسُونَ أَنهم قَتَلُوهُ قَالَ كَيفَ نقسم على من لم نر فوداه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عِنْده
وَرَوَاهُ مَالك عَن يحيى عَن بشير بن يسَار أَن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مَسْعُود خرجا إِلَى خَيْبَر وَذكر الْقِصَّة فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتحلفون خمسين يَمِينا وتستحقون دم صَاحبكُم أَو قاتلكم قَالُوا يَا رَسُول الله لم نشْهد وَلم نحضر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتبرئكم يهود بخمسي يَمِينا قَالُوا يَا رَسُول الله كَيفَ نقبل أَيْمَان كفار فَزعم بشير أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وداه من عِنْده
فَذكر فِي هَذَا الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَدَأَ بأولياء الدَّم قَالَ أتحلفون
وروى أَبُو نعيم قَالَ حَدثنَا سعيد بن عبيد الله الطَّائِي عَن بشير بن يسَار أخبرهُ عَن سهل بن أبي حثْمَة أَن نَفرا من قومه انْطَلقُوا إِلَى خَيْبَر فوجدوا أحدهم قَتِيلا فَقَالُوا للَّذين وجدوه عِنْدهم قتلتم صاحبنا فَقَالُوا وَالله مَا قتلنَا وَلَا علمنَا قَاتلا قَالَ فَانْطَلقُوا إِلَى نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا يَا نَبِي الله انطلقنا إِلَى خَيْبَر فَوَجَدنَا أَحَدنَا قَتِيلا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكبر الْكبر فَقَالَ لَهُم تأتون(5/182)
بِالْبَيِّنَةِ على من قتل قَالُوا مَا لنا بَيِّنَة قَالَ أفيحلفون لكم قَالُوا لَا نرضى بأيمان الْيَهُود فكره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يبطل دَمه فوداه بِمِائَة من إبل الصَّدَقَة
فَذكر فِي هَذَا الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طلب مِنْهُم الْبَيِّنَة فَلَمَّا أَخْبرُوهُ أَن لَا بَيِّنَة لَهُم قَالَ أيحلفون لكم وَلَيْسَ فِيهِ خلف من الْآثَار فَهَذَا أشبه وَأولى مِمَّا رُوِيَ على مَا ذَكرْنَاهُ دلّ كَقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أعطي النَّاس بدعاويهم لادعى نَاس دِمَاء رجال وَأَمْوَالهمْ وَلَكِن الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على الْمُدعى عَلَيْهِ
وروى معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي سَلمَة وَسليمَان بن يسَار عَن رجال من الْأَنْصَار أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للْيَهُود بدأبهم يحلف مِنْكُم خَمْسُونَ فَأَبَوا فَقَالَ للْأَنْصَار استحقوا فَقَالُوا نحلف على الْغَيْب فَجَعلهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دِيَته على الْيَهُود وَلِأَنَّهُم وجد بَين أظهرهم
فَفِي هَذَا الحَدِيث قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْيَهُود يحلف مِنْكُم خَمْسُونَ وإبائهم لذَلِك وَقَوله للْأَنْصَار استحقوا وإبائهم ذَلِك وَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد ذَلِك بدية ذَلِك الْقَتِيل على الْيَهُود لوُجُوده بَينهم
فَدلَّ على أَن الدِّيَة مُسْتَحقَّة بوجد الْقَتِيل وَهَذَا مَا فِي حَدِيث بشير بن يسَار وَهُوَ أولى مِنْهُ لِاسْتِقَامَةِ طَرِيقَته لِأَن بشير بن يسَار لَيْسَ كَأبي سَلمَة وَلَا كسليمان بن يسَار لَا سِيمَا وَقد رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب مُوَافقَة ذَلِك
فَإِن قيل فَمَا معنى قَوْله فِي هَذَا الحَدِيث استحقوا قيل مَعْنَاهُ أَي استحقوا بِمَا يُوجب الِاسْتِحْقَاق دَمه وَهُوَ الْبَيِّنَة وَهُوَ الْقود لِأَن الْمُسْتَحق قبل الْبَيِّنَة هُوَ الدِّيَة(5/183)
وَقد روى الْحسن عَن الْأَحْنَف ان عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ اشْترط على أهل الذِّمَّة إِن قتل رجل من الْمُسلمين بأرضكم فَعَلَيْكُم الدِّيَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَول مَالك إِذا قَالَ الْمَقْتُول دمي عِنْد فلَان أَن تجب الْقسَامَة فَلَا أصل لَهُ فِي السّنة وَلَا دَلِيل عَلَيْهِ وَقد نفى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك بقوله لَو أعطي النَّاس بدعاويهم وَكَذَلِكَ اعْتِبَار الْعَدَاوَة بَينهم لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقل أوجبت ذَلِك للعداوة وَلَا كشف عمر عَن ذَلِك فِي الْقَتِيل الَّذِي قضى فِيهِ بِالدِّيَةِ
وروى إِبْرَاهِيم عَن الْأسود أَن رجلا أُصِيب عِنْد الْبَيْت فَسَأَلَ عمر عليا رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ دِيَة من بَيت مَال الْمُسلمين
فَإِن قيل فَمَا معنى قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة أتحلفون خمسين يَمِينا وتستحقون دم صَاحبكُم أَو قاتلكم
قيل لَهُ رُوِيَ فِي هَذَا الحَدِيث بِالشَّكِّ
وَرُوِيَ فِي حَدِيث ابْن أبي ليلى عِنْد الله دم صَاحبكُم بِغَيْر شكّ مَعْنَاهُ اسْتِحْقَاق الْوَاجِب بِدَم صَاحبكُم
وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ الْعَمَل بالقسامة جَاهِلِيَّة
2288 - فِي كَيْفيَّة الْيَمين
روى مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة قَالَ إِذا كَانَت الْيَمين على رجل يحلفهُ القَاضِي بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الرَّحْمَن الرَّحِيم الَّذِي يعلم من السِّرّ مَا يعلم من الْعَلَانِيَة فَذَلِك حسن وَإِن اكْتفى(5/184)
بِالْأولَى أَجزَأَهُ وَلَا يسْتَقْبل القَاضِي بِالَّذِي يحلف الْقبْلَة وَلَا يدْخلهُ الْمَسْجِد وحيثما حلفه فَهُوَ مُسْتَقِيم
وَرُوِيَ أَيْضا عَن أبي حنيفَة فِي الْقسَامَة يقسم مِنْهُم خَمْسُونَ رجلا بِاللَّه مَا قتلنَا وَلَا علمنَا قَاتلا ثمَّ يغرمون الدِّيَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك الْيَمين فِي الْقسَامَة على الْبَيِّنَة يقسم الْوَرَثَة بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أَن قَاتلا قَتله أَو مَاتَ من ضربه وَلَا يزِيد على ذَلِك وَلَا يَقُول الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي سَائِر الْأَيْمَان
قَالَ وَيكون ذَلِك فِي الْمَسَاجِد فِي أدبار الصَّلَوَات وعَلى رُؤُوس النَّاس قَالَ وَأهل قرى مَكَّة وَالْمَدينَة وَبَيت الْمُقَدّس يجلبون إِلَى الْبَلَد فيقسمون فِيهِ وَأهل الْآفَاق يستحلفون فِي مواضعهم إِلَّا أَن يكون بَينهم وَبَين الْمصر عشرَة أَمْيَال أَو نَحْوهَا فيجلبون إِلَى مصر فَيحلفُونَ فِي الْمَسْجِد
وَقد روى أَسد عَن مَالك أَن يسْتَحْلف بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الَّذِي يعلم السِّرّ وَالْعَلَانِيَة
وَحكى الْوَاقِدِيّ عَن أبي حنيفَة وَالثَّوْري أَن القَاضِي يستحلفه مَكَانَهُ وَلَا يستحلفه عِنْد الْمِنْبَر
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يستحلفه وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَإِن قَالَ وَالله فقد اكْتفى
وَقَالَ الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره عَن الشَّافِعِي إِذا ادّعى مَالا مبلغه عشرُون دِينَارا أَو جِرَاحَة عمد صغرت أَو كَبرت أَو فِي طَلَاق أَو لعان أَو حد(5/185)
أَو رد يَمِين فِي ذَلِك فَإِن كَانَ بِمَكَّة كَانَت الْيَمين بَين الْبَيْت وَالْمقَام وَإِن كَانَ بِالْمَدِينَةِ كَانَت على مِنْبَر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن كَانَ بِبَلَد غَيرهمَا أَحْلف بعد الْعَصْر فِي مَسْجِد ذَلِك الْبَلَد بِمَا تؤكد بِهِ الْأَيْمَان
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه يَتْلُو عَلَيْهِ {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ} آل عمرَان 77
قَالَ وَإِذا حلف فِي الْقسَامَة حلف بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم خَائِنَة الْأَعْين وَمَا تخفي الصُّدُور بقتل فلَان فلَانا مُنْفَردا بقتْله مَا شركه أحد فِي قَتله وَيحلف الْمُدعى عَلَيْهِ كَذَلِك مَا قتل فلَانا وَلَا أعَان على قَتله وَلَا ناله من فعله وَلَا تسبب فعله شَيْء جرحه وَلَا وصل إِلَى شَيْء من بدنه
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْيَمين حق لمن وَجَبت لَهُ على الْحَالِف وَمن لزمَه حق أَخذ مِنْهُ لَا فِي مَكَان بِعَيْنِه فَكَذَلِك الْأَيْمَان
فَإِن قيل إِنَّمَا اسْتحْلف فِي الْمَسْجِد وَنَحْوه لتعظيم المستحلف لذَلِك
قيل لَهُ لَو كَانَ كَمَا ذكرت لوَجَبَ أَن لَا ينظر الْحَاكِم بَين النَّاس إِلَّا فِي هَذِه الْمَوَاضِع ليهاب من عَلَيْهِ الْحق جحوده وَفِي ذَلِك دَلِيل على أَن الِاسْتِحْلَاف على الْحُقُوق هُنَاكَ أَيْضا
فَإِن قيل روى مَالك عَن هَاشم بن هَاشم بن عتبَة بن أبي وَقاص عَن عبد الله بن نسطاس عَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من حلف على منبري هَذَا بِيَمِين آثمة تبوأ مَقْعَده من النَّار(5/186)
قيل لَهُ يحْتَمل أَن يكون ذَلِك على جِهَة اخْتِيَار الْحَالِف لذَلِك لَا على إِيجَاب الْحَاكِم ذَلِك عَلَيْهِ وَقَالَ الله تَعَالَى {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ} الْآيَة آل عمرَان 77 وَلم يفرق بَين شَيْء من الْأَمَاكِن وَإِذا رأى الْحَاكِم أَن إحلافه فِي بعض الْمَوَاضِع أزْجر لَهُ عَن الْيَمين الكاذبة جَازَ أَن يَفْعَله وَكَانَ حسنا وَلما اتَّفقُوا فِيمَا هُوَ أقل من ربع دِينَار أَنه لَا يسْتَحْلف إِلَّا فِي مَوضِع الْخُصُومَة كَذَلِك مَا فَوْقه وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا} يُوجب التَّسْوِيَة بَين الْقَلِيل وَالْكثير فِي حكم الْيَمين
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالزِّيَادَة على قَوْله بِاللَّه على وَجه التَّأْكِيد لَا معنى لَهُ فِي الْقيَاس لِأَن الْوَعيد لَا حق لمن حلف بِاللَّه كَاذِبًا وَإِن لم يؤكده وَلِأَن كَفَّارَة الْيَمين تتَعَلَّق بهَا مَعَ عدم التَّأْكِيد فِيهَا وَلَا فرق فِي الْقيَاس بَين الْقسَامَة وَغَيرهَا من الْأَيْمَان وَمن زَاد فِي الْقسَامَة فَإِنَّمَا زَاده اتبَاعا لَا قِيَاسا
وَأما من أجَاز لوَلِيّ الْقَتِيل الْحلف على الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه فعله فَإِن ذَلِك مِمَّا لَا يحل لِأَنَّهُ مُدع لما لَا يعلم وَقد نَهَاهُ الله تَعَالَى عَن ذَلِك بقوله {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} الْإِسْرَاء 36 كَمَا لَا يَسعهُ أَن يَقُول ذَلِك فِي غير الْقسَامَة والقسامة أَحْرَى بذلك
وَأما قَول من يسْتَحْلف الْمُدعى عَلَيْهِم مَا قتلنَا وَلَا علمنَا قَاتلا إِنَّمَا هُوَ إِضَافَة إِلَى الْجُمْلَة وَأما الْوَاحِد إِذا حلف فَإِنَّهُ يحلف مَا قتلت وَلَا علمت قَاتلا وَلَا يسْتَحْلف الْوَاحِد مَا قتلنَا وَلَا علمنَا قَاتلا لِأَن ذَلِك يَمِين على فعل الْغَيْر مَا قتل وَذَلِكَ غيب لَا يسع الْحلف عَلَيْهِ فَإِن رأى الْحَاكِم توكيد الْيَمين وَلم يأب ذَلِك المستحلف كَانَ مَا رَوَاهُ أَسد عَن مَالك من قَوْله وَالَّذِي يعلم من السِّرّ وَالْعَلَانِيَة أحسن مِمَّا ذَكرْنَاهُ عَن أبي حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ الَّذِي يعلم من السِّرّ مَا يعلم من الْعَلَانِيَة لِأَن ذَلِك خُصُوصِيَّة وَقَوله الَّذِي يعلم السِّرّ وَالْعَلَانِيَة يعم ذَلِك وَيزِيد عَلَيْهِ(5/187)
2289 - فِي أَيْمَان أهل الْكفْر فِي الْقسَامَة وَغَيرهَا
قَالَ أَصْحَابنَا يسْتَحْلف النَّصْرَانِي بِاللَّه الَّذِي أنزل الْإِنْجِيل على عِيسَى وَيحلف الْيَهُودِيّ بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى وَيحلف الْمَجُوسِيّ بِاللَّه الَّذِي خلق النَّار
وَقَالَ مَالك يسْتَحْلف النَّصْرَانِي بِاللَّه حَيْثُ يعظم من الْكَنَائِس وَغَيرهَا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا يسْتَحْلف أحد بِغَيْر الله ويستحلف النَّصْرَانِي بِرَبّ عِيسَى واليهودي بِرَبّ مُوسَى والمجوسي بِرَبّ النَّار
وَقَالَ يسْتَحْلف أهل الذِّمَّة حَيْثُ يعظمون من الْمَوَاضِع مِمَّا يعرف الْمُسلمُونَ وَمَا يعظم الْحلف مِنْهُم مثل قَوْله وَالله الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى وَبِالَّذِي أنزل الْإِنْجِيل على عِيسَى وَمَا أشبه ذَلِك وَلَا يحلفُونَ بِمَا يجهل عَرفته الْمُسلمُونَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الشّعبِيّ عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سَأَلَ ابْني صوريا عَن الرَّجْم فِي التَّوْرَاة قَالَ لَهما أنشدكما بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى كَيفَ تَجِدُونَ حد الزَّانِيَيْنِ فِي التَّوْرَاة
وَأما قَول الْحسن بن حَيّ إِن النَّصْرَانِي يسْتَحْلف بِرَبّ عِيسَى فَإِن النَّصَارَى يأبون ذَلِك وَقد أعْطوا الْجِزْيَة على أَن يتْركُوا على ذَلِك فَلَا يَنْبَغِي أَن يستحلفوا كَذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر ذكر ابْن الْقَاسِم عَن مَالك قَالَ يسْتَحْلف فِي الْأَيْمَان قيَاما إِلَّا أَن يكون دخل بِهِ عَلَيْهِ وَالَّذِي يحلف عِنْد الْمِنْبَر يحلف قَائِما(5/188)
وَلم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد من أهل الْعلم سوى مَالك وَأَخذه بِالْقيامِ الَّذِي يُرِيد وَلَا تصلح الْعُقُوبَات بِغَيْر حجَّة
2290 - فِي الْقَتِيل فِي مَسْجِد جمَاعَة أوسوق
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْقَتِيل يُوجد فِي سوق الْمُسلمين أَو فِي مَسْجِد جَمَاعَتهمْ فَهُوَ فِي بَيت المَال وَلَيْسَ قسَامَة وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا شَيْء فِيهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا وجد قَتِيل فِي محلّة قوم يخلطهم غَيرهم أَو فِي صحراء أَو مَسْجِد أَو سوق فَلَا قسَامَة فَإِن ادّعى وليه على أهل الْمحلة لم يحلف إِلَّا من أثبتوه بِعَيْنِه وَلَو كَانُوا ألفا فَيحلفُونَ يَمِينا لأَنهم يزِيدُونَ على خمسين فَإِن لم يبْق مِنْهُم إِلَّا وَاحِد حلف خمسين يَمِينا وَبرئ فَإِن نكلوا حلف وُلَاة الدَّم خمسين يَمِينا واستحقوا الدِّيَة فِي أَمْوَالهم إِن كَانَ عمدا وعَلى عواقلهم فِي ثَلَاث سِنِين إِن كَانَ خطأ
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد أوجب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدِّيَة على الْيَهُود بِوُجُود الْقَتِيل فِيمَا بَينهم بقوله إِمَّا أَن يدوا صَاحبكُم وَإِمَّا أَن يأذنوا بِحَرب من الله وَرَسُوله وَكَانَ ذَلِك لقوم خَواص فَإِذا كَانَ الْموضع لعامة النَّاس وَجب أَن يكون فِي أَمْوَالهم وَهُوَ بَيت المَال وَقد رُوِيَ نَحْو ذَلِك عَن عَليّ وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا
2291 - فِي السكان فِي الْقَبِيلَة
روى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة فِي قَتِيل وجد فِي(5/189)
قَبيلَة فالقسامة وَالْعقل على أهل الخطة دون المشترين والسكان وَهُوَ قَول أبي يُوسُف
وَقَالَ ابْن أبي ليلى على السكان والمشترين مَعَهم وَأهل الخطة قَالَ فَإِن وجد فِي دَار فَهُوَ على أهل قَبيلَة تِلْكَ الدَّار والسكان اللَّذين فِيهَا فِي قَول ابْن أبي ليلى
وَقَالَ أَبُو حنيفَة على عَاقِلَة مَالك الدَّار وَإِن كَانَ مُشْتَريا وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَقَالَ أَبُو حنيفَة فَإِن كَانَت هَذِه الْمحلة فِيهَا من قبائل شَتَّى فَالدِّيَة والقسامة على أهل الخطة الأولى وَلَا شَيْء على المشترين من قسَامَة وَلَا دِيَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِم مَعَهم وعَلى السكان مَعَ أهل الْملك تخْتَار الْوَرَثَة خمسين رجلا مِنْهُم جَمِيعًا فَيحلفُونَ وتلزمهم الدِّيَة فَإِن اخْتَارُوا الْخمسين من قَبيلَة وَاحِدَة فَذَاك عَلَيْهِم وَالدية عَلَيْهِم بِالْحِصَصِ جَمِيعًا
قَالَ وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن بَاعَ أهل الْمحلة جَمِيعًا فَالدِّيَة والقاسمة على المشترين وَلَيْسَ على السكان شَيْء من الدِّيَة وَلَا قسَامَة
وَقَالَ ابْن أبي ليلى فِي دَار فِيهَا سكان وجد فِيهَا قَتِيل الدِّيَة والقسامة على السكان وَهُوَ قَول أبي يُوسُف
وَقَالَ أَبُو حنيفَة على عواقل أَرْبَاب الدَّار وَإِن كَانُوا أَغْنِيَاء
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي قَتِيل وجد فِي دَار قوم أَو فِي محلتهم أَو فِي أَرض قوم فَلَيْسَ فِيهِ قسَامَة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ الْقسَامَة على من كَانَ حَاضر الْقَبِيلَة حِين وجد الْقَتِيل فِيهَا من سكان أَو أَرْبَاب الدّور وَمن كَانَ غَائِبا مِنْهُم لم يدْخل فِي الْقسَامَة(5/190)
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا وجد قَتِيل فِي زحام قيل للْوَلِيّ ادْع على من شِئْت مِنْهُم فَإِن كَانَت جمَاعَة يُمكن أَن يَكُونُوا قاتليه قبلت دَعْوَاهُ وَحلف وَاسْتحق الدِّيَة على عواقلهم فِي ثَلَاث سِنِين فَإِن ادّعى على من لَا يُمكن أَن يكون كلهم زحمه فَإِن لم يدع على أحد بِعَيْنِه يُمكن أَن يكون زحمه لم يعرض لَهُم فِيهِ وَلم يَجْعَل فِيهِ عقل وَلَا قَود وَكَذَلِكَ إِن قتل بَين صفّين لَا يدْرِي من قلته
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يعْتَبر فِي شَيْء من هَذَا حكم الْموضع فَلَمَّا أوجب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدِّيَة على أهل خَيْبَر لوُجُوده فِيمَا بَينهم دلّ على وجوب اعْتِبَار حكم الْموضع وَأما من أوجب ذَلِك على السكان فَإِنَّهُ يحْتَج بِخَيْبَر وَكَانَت للْمُسلمين وَالْيَهُود سكان وَمن لم يُوجِبهُ على السكان احْتج بِأَن باليهود كَانُوا ملاكا وَكَانُوا على صلح قبل فتح خَيْبَر وَاحْتج بِمَا روى مُسَدّد عَن بشر بن الْمفضل عَن يحيى بن سعيد عَن بشير بن يسَار عَن سهل بن أبي حثْمَة قَالَ انْطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مَسْعُود إِلَى خَيْبَر وَهِي يَوْمئِذٍ صلح فَتَفَرَّقُوا فِي حوائجهما وَذكر الحَدِيث وَبِمَا روى القعْنبِي عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن يحيى بن سعيد عَن بشير بن يسَار أَن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مَسْعُود خرجا إِلَى خَيْبَر وَهِي يَوْمئِذٍ صلح وَأَهْلهَا يهود وَذكر الحَدِيث
فَدلَّ على أَن قصَّة الْقَتْل بِخَيْبَر كَانَت قبل فتحهَا وَأَن الْيَهُود كَانُوا ملاكها
فَإِن قيل كَيفَ يجوز مُرَاعَاة الْملك فِي إيحاب الْقسَامَة وَالدية وَقد يكون الْملاك غيبا
قُلْنَا لَهُ هَذَا على التَّسْلِيم لما جرى عَلَيْهِ الْأَمر فِي ذَلِك كَمَا وَجَبت الدِّيَة على الْعَاقِلَة من الرِّجَال وَإِن لم يكن مِنْهُم جِنَايَة(5/191)
2292 - فِي جريح فِي محلّة مَاتَ فِي غَيرهَا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري إِذا وجد الرجل فِي محلّة وَبِه جِرَاحَة فَاحْتمل إِلَى بَيته وَلم يزل مَرِيضا حَتَّى مَاتَ فَالدِّيَة والقسامة على أهل الْمحلة الَّتِي جرح فِيهَا
قَالَ ابْن أبي ليلى لَا شَيْء فِيهِ
وروى بشر عَن أبي يُوسُف مثل قَول ابْن أبي ليلى
فَإِن كَانَ صَحِيحا يَجِيء وَيذْهب ثمَّ مَاتَ فَلَا شَيْء فِيهِ عَلَيْهِ فِي قَوْلهم جَمِيعًا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا كَانَ صَاحب فرَاش حَتَّى مَاتَ فَفِيهِ الْقسَامَة وَإِن كَانَ يَجِيء وَيذْهب إِن لم يلتئم الْجرْح فَلَا قسَامَة فِيهِ وَإِن مَاتَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا كَانَ وجود الْقَتِيل فِيهَا يجعلهم كمن بَاشر الْقَتْل فِي وجوب الْقسَامَة وَالدية وَجب أَن يكون وجود الْجراحَة إِذا مَاتَ مِنْهَا بِمَنْزِلَة وجود الْقَتِيل
أَلا ترى أَن وجود الْجراحَة إِذا مَاتَ مِنْهَا بِمَنْزِلَة وجود الْقَتِيل إِذا بَاشرهُ فِي حكم الْقصاص
2293 - فِي العَبْد يُوجد قَتِيلا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد فِي العَبْد يُوجد قَتِيلا فِي قَبيلَة فَفِيهِ الْقسَامَة وَعَلَيْهِم قِيمَته فِي ثَلَاث سِنِين وَلَا تبلغ بهَا الدِّيَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِيمَن قتل عبدا عَلَيْهِ قِيمَته بَالِغَة مَا بلغت لَا تعقله الْعَاقِلَة إِذا وجد فِي محلّة وَفِي قِيَاس هَذَا القَوْل لَا قسَامَة فِيهِ(5/192)
وَرُوِيَ عَنهُ أَن الْقيمَة على الْعَاقِلَة وَفِي قِيَاس هَذَا القَوْل فِيهِ الْقسَامَة
وروى الْحسن بن زِيَاد عَن أبي يُوسُف فِي عبد وجد قَتِيلا فِي دَار رجل قَالَ هُوَ هدر لَا شَيْء فِيهِ قسَامَة وَلَا قيمَة
وَقَالَ زفر على عَاقِلَة رب الدَّار القاسمة وَالْقيمَة
وَقَالَ ابْن شبْرمَة لَيْسَ فِي العَبْد وجد قَتِيلا شَيْء هُوَ كالدابة
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك لَيْسَ فِي العَبْد قسَامَة فِي عمد وَلَا خطأ
قَالَ فَإِن قتل عبد عمدا أَو خطأ لم يكن على الْمولى قسَامَة وَلَا يَمِين وَلَا يسْتَحق ذَلِك إِلَّا بِبَيِّنَة عادلة أَو شَاهد وَيَمِين
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا وجد العَبْد قَتِيلا فِي دَار قوم فَعَلَيْهِم غرم ثمنه وَلَا قسَامَة فِيهِ
وَذكر الرّبيع عَن الشَّافِعِي قَالَ لسَيِّد العَبْد الْقسَامَة فِي العَبْد وَيقسم الْمكَاتب فِي عَبده غَيره
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اتَّفقُوا على وجوب الْكَفَّارَة على قَاتل العَبْد خطأ وَكَانَ كَالْحرِّ فَوَجَبَ فِيهِ الْقسَامَة وَالْقيمَة
وَقَول الشَّافِعِي إِن الْمكَاتب يقسم فِي مَمْلُوكه لَا معنى لَهُ لِأَن الْمكَاتب لَيْسَ من أهل الْقسَامَة فِي غير مَمْلُوكه فَكيف يقسم فِي مَمْلُوكه
2294 - فِي السَّفِينَة تصطدمان
قَالَ قِيَاس قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه إِن ذَلِك إِن كَانَ من فعل الرَّاكِب أَو الملاح فَهُوَ ضَامِن وَإِن كَانَ من غير فعل وَاحِد مِنْهُمَا فَلَا ضَمَان على أحد فِي الْأَنْفس وَأما الْمَتَاع فَإِن الملاح فِيهِ أجِير مُشْتَرك فَيضمن فِي قَول من يضمن الْأَجِير وَلَا يضمن فِي قَول من لَا يضمن(5/193)
وَقَالَ ابْن أبي ليلى فِي الملاح يغرق سفينته لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي الْمَتَاع لِأَن المَاء غَالب
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا وَقعت إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى وَقد ربطت عل الجسر فِي طَرِيق الْمُسلمين فأيتهما انْكَسَرت فعلى الْأُخْرَى انكسارها
وَقَالَ مَالك لَا ضَمَان على أحد إِلَّا أَن يعلم أَن النوتي لَو شَاءَ أَن يصرفهَا صرفهَا وَهُوَ يقدر على ذَلِك فَيضمن
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِيمَن كَانَ على دآبة فحمحمت الدَّابَّة بِهِ وغلبته فَمَا وطِئت فِي تِلْكَ الْحَال وَهُوَ مغلوب على حَبسهَا فَهُوَ ضَامِن وَإِن كَانَت منغلبة وَلَيْسَ صَاحبهَا عَلَيْهَا فَلَا شَيْء فِيهِ قَالَ وَكَذَلِكَ السَّفِينَة إِذا كَانَ فِيهَا رجال فَغَلَبَتْهُمْ فَمن كَانَ فِيهَا ضَامِن لما أَصَابَته بِمَنْزِلَة الرَّاكِب على الدَّابَّة الجامح
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي فِي السفينتين إِذا اصطدمتا إِذا أمكن وَاحِدًا مِنْهُمَا صرفهَا فعلى كل وَاحِد ضَمَان نصف دِيَة الآخر على عَاقِلَة الصادم فَإِن لم يُمكن وَاحِدًا مِنْهُم صرف ذَلِك بِحَال من الْأَحْوَال أبدا فَمَا صَنَعُوا هدر
وَقَالَ فِي كتاب الْإِجَارَات لَا ضَمَان إِلَّا بِأَن يُمكن صرفهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ العجماء جَبَّار وَمعنى ذَلِك إِذا كَانَت الْجِنَايَة من فعلهَا لَا من فعل الرَّاكِب فَكَذَلِك السَّفِينَة لَا يضمن صَاحبهَا فِيمَا لَا يُمكن التحفظ مِنْهُ وَلَيْسَ من فعله وَضمن مَا كَانَ من فعله(5/194)
2295 - فِيمَن اطلع فِي بَيت غَيره ففقئت عينه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا نعلم عَن أبي حنيفَة وَأَصْحَابه فِي ذَلِك شَيْئا مَنْصُوصا غير أَن أصلهم من فعل شَيْئا دافعا بِهِ عَن نَفسه فِيمَا لَهُ فعله أَنه لَا يضمن مَا تلف بِهِ من ذَلِك المعضوض إِذا انتزع يَده من فَم العاض فَسَقَطت ثنيتاه أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ دفع بِهِ عَن نَفسه عضة فَلَمَّا كَانَ من حق صَاحب الْبَيْت أَن لَا يطلع أحد فِي بَيته قَاصِدا لذَلِك أَن لَهُ مَنعه وَدفعه عَنهُ كَانَ ذهَاب عينه يمنعهُ من ذَلِك هدرا على هَذَا يدل مَذْهَبهم
قَالَ أَبُو بكر هَذَا لَيْسَ بِشَيْء ومذهبهم أَنه يضمن لِأَنَّهُ يُمكنهُ أَن يمنعهُ من الِاطِّلَاع فِي بَيته من غير فقء عينه بِأَن يزجره بالْقَوْل أَو ينحيه عَن الْموضع وَلَو أمكن المعضوض أَن ينتزع يَده من غير كسر سنّ العاض فَكَسرهَا ضمن
وَقَالَ ابْن عبد الحكم عَن مَالك من اطلع على رجل فِي بَيته ففقئ عينه بحصاة فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الْقود
قَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَو تطلع إِلَيْهِ رجل فِي بَيته فطعنه بِعُود أَو رَمَاه بحصاة ففقئت عينه فَهَذَا هدر
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي مَا كَانَ مُقيما على الِاطِّلَاع فَحَذفهُ بحصاة أَو بِعُود أما يعْمل عَلَيْهِ مِمَّا لَا يكون لَهُ جراح يخَاف قَتله وَإِن كَانَ قد يذهب الْبَصَر فَهُوَ هدر وَلَو مَاتَ المطلع من ذَلِك لم تكن عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَلَا إِثْم فَإِن نزع عَن الِاطِّلَاع لم يكن لَهُ أَن يَنَالهُ بِشَيْء وَمن ناله بِشَيْء فَعَلَيهِ الْقود
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا يُونُس قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن سهل بن سعد سمعته يَقُول اطلع رجل من جُحر فِي بَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مدرى يحك بِهِ رَأسه فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أعلم أَنَّك تنظرني(5/195)
لطعنت بِهِ فِي عَيْنك إِنَّمَا الاسْتِئْذَان من أجل الْبَصَر
وَرَوَاهُ ابْن أبي ذِئْب أَيْضا عَن الزُّهْرِيّ عَن سهل بن سعد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
وروى مُوسَى بن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنَا أَبَا بن يزِيد الْعَطَّار قَالَ حَدثنَا يحيى بن أبي كثير أَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة حَدثهُ عَن أنس أَن أَعْرَابِيًا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فألقم عينه حصاصة الْبَاب فَبَصر بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ سَهْما أَو عودا محدوا وَجَاء ليفقأ عين الْأَعرَابِي فَذهب فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما إِنَّك لَو ثَبت لفقأت عَيْنك
وروى عبد الله بن بكر قَالَ حَدثنَا حميد عَن أنس قَالَ اطلع رجل من خلل بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسدد آلَة مشقصا فنحى الرجل رَأسه
وروى سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اطلع فِي بَيت قوم بِغَيْر إذْنهمْ فقد حل لَهُم أَن يفقئوا عينه
وروى قَتَادَة عَن النَّضر بن أنس عَن بشير بن نهيك عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من اطلع فِي دَار قوم بِغَيْر إذْنهمْ ففقئوا عينه فَلَا دِيَة وَلَا قصاص فَهَذِهِ آثَار متواترة لَا يسع خلَافهَا(5/196)
2296 - فِي الْعَاقِلَة تحمل قيمَة العَبْد
قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر وَمُحَمّد وَأَبُو يُوسُف فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِذا قتل العَبْد خطأ فَقيمته على عَاقِلَة الْقَاتِل فِي ثَلَاث سِنِين
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف إِنَّهَا على الْجَانِي فِي مَاله حَالَة وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَمَالك
وَقَالَ مَالك الْكَفَّارَة الَّتِي فِي الْقُرْآن فِي الْأَحْرَار وَالْكَفَّارَة فِي قتل العَبْد حَسَنَة
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث وَعُثْمَان البتي هِيَ من مَال الْقَاتِل
وَقَالَ الشَّافِعِي هِيَ على الْعَاقِلَة وَكَذَلِكَ مَا دون النَّفس من الْحر وَالْعَبْد قل أَو كثر
وَقَالَ أَصْحَابنَا لَا تعقل الْعَاقِلَة مَا جنى على العَبْد فِيمَا دون النَّفس
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ فَاقْتضى ذَلِك وجوب الْقصاص فِيمَا بَين الْحر وَالْعَبْد وَيلْزم قَاتله الْكَفَّارَة أَيْضا فَوَجَبَ أَن يكون على الْعَاقِلَة كَالْحرِّ
فَإِن قيل فيلزمك ذَلِك فِيمَا دون النَّفس
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس فيهمَا وَاحِد وَلكنه لما رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لم يقْتَصّ من العَبْد فِيمَا دون النَّفس لم نوجبه(5/197)
قَالَ أَبُو بكر مَا دون النَّفس من العَبْد بِمَنْزِلَة المَال لانْتِفَاء الْقصاص فِيهِ بِحَال على أصلنَا وَأما قَول مَالك إِن الْكَفَّارَة الَّتِي فِي الْقُرْآن إِنَّمَا هِيَ فِي الْأَحْرَار دون العبيد لِأَنَّهُ ذكر مَعهَا الدِّيَة وَالْعَبْد لَا تجب فِيهِ دِيَة فَإِن الله تَعَالَى قد قَالَ {فَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} النِّسَاء 92 فَأوجب الْكَفَّارَة بِلَا دِيَة فَعلمنَا أَن وجوب الْكَفَّارَة غير مَقْصُور على حَال وجوب الدِّيَة
2297 - فِي قيمَة العَبْد إِذا جَاوَزت الدِّيَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر وَمُحَمّد إِذا قتل عبدا خطأ قِيمَته أَكثر من الدِّيَة غرم عَاقِلَته عشر ألف دِرْهَم وَهُوَ قَول الحكم بن عتيبة وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان
قَالَ أَبُو يُوسُف يغرم قِيمَته بَالِغَة مَا بلغت فِي مَاله دون عَاقِلَته وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ إِلَّا أَن الشَّافِعِي يَجْعَلهَا على الْعَاقِلَة فِي الْخَطَأ
وَقَالَ الْأَشْجَعِيّ عَن الثَّوْريّ لَا يبلغ بِالْعَبدِ دِيَة الْحر إِذا قتل خطأ ينقص مِنْهَا الدِّرْهَم وَنَحْوه
قَالَ أَبُو جَعْفَر الرّقّ نقص فمحال أَن يجب فِي حَال نقصانه أَكثر مِمَّا يجب فِي حَال تَمَامه وَهُوَ حَال الْحُرِّيَّة وَجب أَن لَا يُجَاوز بِهِ الدِّيَة وَأَيْضًا قد قَضَت السّنة بِأَن الدِّيَة فِي ثَلَاث فِي كل سنة الثُّلُث فَلَو وَجب أَكثر من الدِّيَة لوَجَبَ أَن يكون فِي أَكثر من ثَلَاث سِنِين وَذَلِكَ خلاف السّنة فَثَبت بطلَان قَول من جَاوز بهَا الدِّيَة ثمَّ كل من منع مُجَاوزَة الدِّيَة فَإِنَّهُ يُوجب النُّقْصَان وَمِقْدَار النُّقْصَان موكول إِلَى رَأْي الإِمَام
2298 - فِي أَعْضَاء العَبْد
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي يَد العَبْد أَو عينه نصف قِيمَته وَكَذَلِكَ شجاجه تجب(5/198)
فِيهَا من قِيمَته مثل مَا يجب من الْحر من دِيَته إِلَّا أَن يزِيد على أرش الْحر فِي ذَلِك فينقص مِنْهُ بِقَدرِهِ إِن قطع يَده وَقِيمَته عشر ألف أَو أَكثر كَانَ عَلَيْهِ خَمْسَة ألف إِلَّا خَمْسَة دَرَاهِم
وَقَالَ فِي أذن العَبْد ونتف حَاجِبه إِذا لم ينْبت مَا نَقصه
وَقَالَ مُحَمَّد فِي جَمِيع مَا يتْلف من أَعْضَاء العَبْد النُّقْصَان ينظر إِلَى قِيمَته صَحِيحا وَإِلَى قيمَة دِيَة الْجِنَايَة فَيغرم الْجَانِي فضل مَا بَينهمَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف مثل قَول أبي حنيفَة فِي أَعْضَاء العَبْد وَقَالَ فِي الْحَاجِب فِي الْأذن فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف قِيمَته كَمَا يجب فِي الْحر نصف دِيَته
وروى الْحسن عَن زفر مثل قَول أبي حنيفَة وروى عَنهُ مُحَمَّد مثل قَول أبي حنيفَة وَإِن فَقَأَ عَيْني عبد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن شَاءَ سلمه إِلَيْهِ وَأخذ قِيمَته وَإِن شَاءَ أمْسكهُ وَلَا شَيْء لَهُ من النُّقْصَان
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن شَاءَ أمْسكهُ وَأخذ النُّقْصَان وَإِن شَاءَ دَفعه وَأخذ قِيمَته
وَقَالَ زفر عَلَيْهِ مَا نَقصه فَإِن بلغ ذَلِك أَكثر من عشرَة ألف كَانَ عَلَيْهِ عشرَة ألف دِرْهَم
وروى ابْن وهب عَن مَالك أَن فِي مُوضحَة العَبْد نصف عشر ثمنه وَفِي منقلته عشره وَنصف عشر ثمنه وَفِي مأمومته وجائفته فِي كل وَاحِدَة مِنْهُمَا ثلث ثمنه وَفِيمَا سوى هَذِه الْخِصَال الْأَرْبَع مَا نَقصه
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَنهُ مثل ذَلِك وَقَالَ عَنهُ أَيْضا إِن فَقَأَ عَيْني عبد جَمِيعًا أَو قطع يَدَيْهِ ضمنه الْجَارِح وَيعتق عَلَيْهِ إِذا أبْطلهُ فَإِن كَانَ جرحا لم يُبطلهُ(5/199)
مثل فقء عين وَاحِدَة أَو جدع أنف فَعَلَيهِ مَا نَقصه من ثمنه وَلَا يعْتق عَلَيْهِ
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا أُصِيب من العَبْد مَا يكون نصف ثمنه من يَد أَو رجل أَخذ مَوْلَاهُ نصف ثمنه إِذا كَانَ برأَ وَإِذا أُصِيب أَنفه أَو ذكره دَفعه مَوْلَاهُ إِلَى الَّذِي أَصَابَهُ وَأخذ ثمنه إِذا كَانَ قد برأَ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي يَد العَبْد نصف ثمنه وَإِن غصب مَمْلُوكَة مَا قبضهَا ضرب مائَة وَغرم قيمتهَا وَيدْفَع إِلَى أَهلهَا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ جِرَاحَة الْمَمْلُوك فِي قِيمَته مثل جِرَاحَة الْحرفِي دِيَته فَإِن قطع أُذُنَيْهِ أَو فَقَأَ عَيْنَيْهِ فَإِن شَاءَ الْمولى أَخذ النُّقْصَان وَإِن شَاءَ أَخذ الْقيمَة وَدفعه إِلَى الْجَانِي
وَقَالَ اللَّيْث فِي رجل خصأ غُلَاما لرجل وَكَانَ ذَلِك زِيَادَة فِي ثمنه فَإِنَّهُ يقوم ثمنه كُله لسَيِّده زَاد أَو نقص ويعاقب فِي ذَلِك
قَالَ الشَّافِعِي جِرَاحَة العَبْد من ثمنه كجراح الْحر من دِيَته فِي كل قَلِيل وَكثير وَقِيمَته مَا كَانَت وَتحمل ثمنه الْعَاقِلَة إِذا قتل خطأ وَفِي ذكره ثمنه وَلَو زَاد الْقطع فِي ثمنه أضعافا وَقَوله إِن لعبد يكون لمَوْلَاهُ على حَاله
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يجوز أَن يكون الْوَاجِب فِي عَيْني العَبْد قِيمَته وَيبقى العَبْد مَعَ ذَلِك فِي ملك الْمولى لِأَن الْأَشْيَاء الْمَمْلُوكَة لَا تجوز اجتماعها مَعَ أبدالها فِي ملك وَاحِد وَلَا يجوز أَيْضا أَخذ الْقيمَة وَتَسْلِيم العَبْد إِلَيْهِ بِغَيْر(5/200)
رِضَاهُ لِأَن ذَلِك عقد وعقود التمليكات لَا تقع إِلَّا برضاهما فصح وجوب النُّقْصَان لَا غير على مَا قَالَ زفر
2299 - فِي العَبْد الْمَجْرُوح يعتقهُ مَوْلَاهُ
قَالَ أَبُو حنيفَة فِيمَن قطع يَد عبد خطأ فَأعْتقهُ مَوْلَاهُ ثمَّ مَاتَ من الْقطع فعلى الْقَاطِع نصف قِيمَته لمَوْلَاهُ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي النَّفس
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يضمن الْقَاطِع مَا نقص العَبْد بِجِنَايَتِهِ لمَوْلَاهُ إِلَى أَن أعْتقهُ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ سوى ذَلِك
وَقَالَ عُثْمَان البتي فِي رجل جرح عبد رجل ثمَّ بَاعه مَوْلَاهُ ثمَّ مَاتَ فِي يَد المُشْتَرِي فَإِنَّهُ ينظر إِلَى مَا أَخذه البَائِع من الثّمن فَإِن كَانَ قِيمَته فَلَا شَيْء على الْجَارِح وَإِن كَانَ أقل رَجَعَ على الْجَانِي بِتمَام قِيمَته
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِيمَن يجرح عبد رجل فَأعْتقهُ ثمَّ مَاتَ من الْجراحَة فَإِن عقله عقل حر فَكَذَلِك النَّصْرَانِي يضْرب ثمَّ يسلم وَيَمُوت فَإِن دِيَته دِيَة مُسلم
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي رجل قطع يَد عبد فَأعتق ثمَّ مَاتَ فعلى الْحر الدِّيَة كَامِلَة فِي مَاله للسَّيِّد مِنْهَا نصف قِيمَته يَوْم قطعه وَالْبَاقِي لوَرثَته
قَالَ وَلَو فَقَأَ عين عبد قِيمَته مِائَتَان من الْإِبِل فَأعتق ثمَّ مَاتَ فَلم يكن فِيهِ إِلَّا دِيَة لِأَن الْجِنَايَة تنقص بِمَوْتِهِ حرا وَكَانَت الدِّيَة لسَيِّده دون ورثته
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْجِنَايَة قد أوجبت على الْجَانِي حَقًا للْمولى أَلا ترى أَن عَفوه جَائِز بعد الْجِنَايَة فَإِذا أعْتقهُ سقط حَقه فِيمَا حدث بعد الْعتْق فَلَا يجوز أَن يجب للْوَرَثَة لِأَنَّهُ إِذا لم يجب للْمولى الَّذِي كَانَت الْجِنَايَة فِي ملكه فأحرى أَن(5/201)
لَا يجب لمن لم يكن لَهُم حق فِي حَال وُقُوعهَا فَصَارَ الْعتْق كبرء العَبْد من الْجِنَايَة فَيكون عَلَيْهِ الْأَرْش إِلَى وَقت وُقُوع الْعتاق
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَالَ بعض أهل النّظر من الْمُتَأَخِّرين من أهل الْعلم إِن هَذِه الْجِنَايَة تبطل كلهَا وَلَا شَيْء على الْجَانِي مِنْهَا لَا للْمولى وَلَا لغيره لِأَنَّهُ لَو لم يعتقهُ لَكَانَ الْوَاجِب هُوَ النَّفس لَا الْجراحَة فَلَمَّا بطلت الْجراحَة وَلم يَسْتَحِقهَا الْمولى لسقوطها وَلم تجب النَّفس لِأَنَّهَا حدثت فِي غير ملكه سَقَطت الْجِنَايَة قَالَ فَيُقَال لَهُ إِنَّمَا يسْقط حكم الْجراحَة إِذا وَجَبت النَّفس فَيدْخل فِيهَا فَإِذا لم يجب بهَا ضَمَان النَّفس اسْتَحَالَ أَن يدْخل مَا دونهَا فِيهَا وَهِي لم تجب فَصَارَ ذَلِك بِمَنْزِلَة برْء العَبْد من الْجراحَة
2300 - فِي جَنِين الْأمة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر وَمُحَمّد فِي رجل ضرب بطن امْرَأَة فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا فعلى الضَّارِب نصف عشر قِيمَته إِن كَانَ غُلَاما وَعشر قيمتهَا إِن كَانَ جَارِيَة
وروى الْحسن بن زِيَاد عَن أبي يُوسُف أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي جَنِين الْأمة إِلَّا أَن يكون قد نقص الْأُم فَعَلَيهِ نُقْصَان الْأُم
وَقَالَ زفر إِن نقصتها الْولادَة فَعَلَيهِ أرش الْجَنِين ونقصان الْأُم أَيْضا
وَاتَّفَقُوا كلهم أَنه لَو ضرب بطن دَابَّة أَلْقَت جَنِينا مَيتا أَن عَلَيْهِ مَا نقص الْأُم
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالْحجاج بن أَرْطَاة فِي جَنِين الْأمة نصف عشر قيمَة أمه
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي جَنِين الْأمة عشر قيمتهَا كجنين الْحرَّة(5/202)
من دِيَة أمة وَقَالَ فِي جَنِين أم الْوَلَد إِذا كَانَ لسَيِّدهَا فِيهِ مَا فِي جَنِين الْحرَّة قَالَ قَالَ مَالك فِي غير هَذِه الرِّوَايَة فِي جَنِين الْبَهِيمَة كَمَا فِي جَنِين الْأمة عشر قيمَة أمه
وَقَالَ الثَّوْريّ جَنِين الْأمة إِن كَانَ غُلَاما فَفِيهِ عشر قِيمَته لَو كَانَ حَيا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِي جَنِين الْأمة نصف عشر قِيمَته وَكَذَلِكَ فِي جَنِين الْفرس فِيهِ نصف عشر
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي جَنِين الْأمة عشر قيمَة أمه يَوْم جنى عَلَيْهَا ذكرا كَانَ اَوْ أُنْثَى
قَالَ الْمُزنِيّ وَالْقِيَاس على أَصله عشر قيمَة أمه يَوْم تلقيه لِأَنَّهُ قَالَ لَو ضربهَا ثمَّ أَلْقَت جَنِينا مَيتا ثمَّ أعتقت فَأَلْقَت جَنِينا آخر فَعَلَيهِ عشر قيمَة أمه لسَيِّدهَا وَللْآخر مَا فِي جَنِين الْحرَّة لأمه ولورثته
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ فِي جَنِين الْحرَّة نصف عشر دِيَته إِن كَانَ ذكرا وَعشر دِيَتهَا إِن كَانَ أُنْثَى فَاعْتبر الْغرَّة بديته وَجب أَن يعْتَبر ذَلِك فِي جَنِين الْأمة بِقِيمَتِه لَا بِقِيمَة أمه وَأَيْضًا لَو اعْتبرنَا عشر قيمَة أمه كَانَت قيمَة أمه ألف دِرْهَم فَكَانَ الْوَاجِب مائَة دِرْهَم وَإِن كَانَت قيمَة الْجَنِين عشرَة دَرَاهِم وَلَو ألقته حَيا ثمَّ مَاتَ كَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِ عشر قِيمَته عشرَة دَرَاهِم فَكَانَ الْوَاجِب إِذا ألقته حَيا ثمَّ مَاتَ أقل مِنْهُ إِذا ألقته مَيتا ففسد بذلك قَول من اعْتبر قيمَة أمه
2301 - فِي جِنَايَة الْمَمْلُوك
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا جنى العَبْد جِنَايَة خطأ خير الْمولى بَين دَفعه إِلَى ولي الْجِنَايَة وَبَين أَن يفْدِيه بِأَرْش الْجِنَايَة وَإِن اسْتهْلك مَالا تبع فِيهِ إِلَّا أَن يُؤَدِّي عَنهُ مَوْلَاهُ(5/203)
وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ إِذا جنى جِنَايَة خطأ قيل لمَوْلَاهُ ادفعه أَو افده بِأَرْش الْجِنَايَة
وَقَالَ مَالك فِي الْجِنَايَة واستهلاك المَال إِمَّا أَن يَدْفَعهُ بذلك وَإِمَّا أَن يفْدِيه بِالدّينِ أَو أرش الْجِنَايَة وَإِن كَانَ للْعَبد مَال كَانَ ذَلِك فِي مَاله إِلَّا أَن يفْدِيه مَوْلَاهُ
وَقَالَ اللَّيْث فِي جِنَايَة العَبْد خطأ يدْفع بهَا أَو يفْدِيه مَوْلَاهُ وَلَو قتل حرا عمدا فلولي الْقَتِيل أَن يَأْخُذ العَبْد وَقَالَ فِي عبد عَلَيْهِ دين جرح رجلا فالمجروح أولى بِرَقَبَة العَبْد من أهل الدّين حَتَّى يَسْتَوْفِي عقل جرحه فَإِن فضل لَهُم شَيْء بعد عقل الْجرْح فهم أولى بِهِ لأَنهم تركُوا طلب دينهم حَتَّى جرح الرجل
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي جِنَايَة العَبْد يُبَاع فِيهِ إِلَّا أَن يفْدِيه مَوْلَاهُ فَإِن بيع دفع إِلَى ولي الْجِنَايَة أرش جِنَايَته وَمَا بَقِي فلمولاه
قَالَ أَبُو جَعْفَر جِنَايَة العَبْد على الْحر يسْتَحق بِهِ رَقَبَة الْجَانِي بِالْقصاصِ وَقِيمَة العَبْد مِمَّا يجوز أَن يسْتَحق فَوَجَبَ أَن يسْتَحق بِجِنَايَة الْخَطَأ إِلَّا أَن يفْدِيه الْمولى وَأما الدّين فَلَيْسَ فِي الْأُصُول اسْتِحْقَاق الرّقاب بهَا وَإِنَّمَا يثبت فِي الذِّمَّة فليستوفى من الْكسْب وَثمن العَبْد مثل كَسبه فليستوفى ثمنه دون الرَّقَبَة
2302 - فِي عتق العَبْد الْجَانِي
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْمولى إِذا أعتق العَبْد الْجَانِي إِن كَانَ عَالما بِجِنَايَتِهِ فَعَلَيهِ أَرْشهَا كَامِلا وَإِن لم يعلم فَعَلَيهِ الْأَقَل من قِيمَته وَمن أرش الْجِنَايَة
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالثَّوْري وَابْن شبْرمَة عَلَيْهِ الدِّيَة إِذا علم(5/204)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ عَلَيْهِ الْقيمَة وَلم يفرق بَين الْعلم وَغَيره
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِي رِوَايَة حميد عَنهُ عَلَيْهِ الدِّيَة علم أَو لم يعلم وروى عَنهُ الْمُخْتَار أَن عَلَيْهِ الْقيمَة
وَقَالَ مَالك إِذا أعْتقهُ وَهُوَ يعلم بِالْجِنَايَةِ الْخَطَأ فَإِن حلف مَا أَرَادَ بِعِتْقِهِ تحمل الْجِنَايَة أسلم العَبْد إِلَى ولي الْجِنَايَة وَيبْطل الْعتْق وَإِن قَالَ أردْت تحمل الْجِنَايَة جَازَ الْعتْق وَغرم أرش الْجراحَة وَإِن كَانَت جَارِيَة فاستولدها كَانَ كَذَلِك
وَقَالَ اللَّيْث إِن لم يعلم بِالْجِنَايَةِ حَتَّى أعْتقهُ خير السَّيِّد فَإِن شَاءَ أمضى عتقه وَأدّى الْأَرْش وَإِن شَاءَ أسلمه بجريرته وَإِن علم بِالْجِنَايَةِ فالعقل على السَّيِّد
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا بَاعه وَقد جنى فَالْبيع مفسوخ إِلَّا أَن يتَطَوَّع بِالْجِنَايَةِ أَو قيمَة العَبْد كَالرَّهْنِ إِذا بَاعه وَفِيه قَول آخر إِن البيع جَائِز كَمَا يكون الْعتْق جَائِزا وَعَلِيهِ الْأَقَل من قِيمَته وَمن أرش الْجِنَايَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ الْمولى مُخَيّرا بَين الدّفع وَالْفِدَاء ثمَّ أعْتقهُ مَعَ الْعلم بِالْجِنَايَةِ فقد اخْتَار إِمْسَاكه العَبْد لنَفسِهِ فَلَزِمَهُ الْفِدَاء كَالْعَبْدِ إِذا كَانَ المُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِيهِ فَأعْتقهُ
2303 - فِي الْمَحْجُور عَليّ يَأْمر مَحْجُورا بِالْجِنَايَةِ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد فِي عبد مَحْجُور عَلَيْهِ أَمر عبدا مَحْجُورا عَلَيْهِ أَن يقتل رجلا فَقتله فمولى الْقَاتِل بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ دفع وَإِن شَاءَ فدى فَإِن عتق العَبْد الْآمِر رَجَعَ مولى الْمَأْمُور عَلَيْهِ فَأخذ مِنْهُ قيمَة عَبده الْمَأْمُور وَلَو كَانَ العَبْد أَمر صَبيا حرا فَقتل رجلا فَالدِّيَة على عَاقِلَة الصَّبِي فَإِن عتق العَبْد لم يرجع عَلَيْهِ بِشَيْء
وروى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف فِي الْآمِر والمأمور إِذا كَانَا عَبْدَيْنِ(5/205)
وَكَانَت الْجِنَايَة مَالا أَو نفسا فَإِذا أعتق الْآمِر لزمَه الدّين وَلَا تلْزمهُ الْجِنَايَة كَمَا لَو أقرّ بِجِنَايَة ثمَّ عتق لم يلْزمه بعد الْعتْق وَلَو أقرّ بدين لزمَه
وروى الْحسن عَن زفر فِي عبد أَمر صَبيا أَن يقتل رجلا فَقتله فعلى عَاقِلَة الصَّبِي الدِّيَة ثمَّ ترجع عَاقِلَة الصَّبِي على سيد العَبْد فَقَالَ لَهُ ادْفَعْ العَبْد إِلَى الْعَاقِلَة وَأَخذه بِالدِّيَةِ وَهُوَ قَول الْحسن بن زِيَاد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف على عَاقِلَة الصَّبِي الدِّيَة ثمَّ يرجعُونَ على العَبْد إِذا أعتق يَوْمًا إِمَّا بِالْأَقَلِّ من الدِّيَة أَو قيمَة العَبْد
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْحر يَأْمر عبد غَيره أَو صبي غَيره بقتل رجل فَقتله فَإِن كَانَ العَبْد وَالصَّبِيّ يميزان بَينه وَبَين سَيّده وَأَبِيهِ ويريان لسَيِّده وَأَبِيهِ طَاعَة وَلَا يريانها لهَذَا عُوقِبَ الْآمِر وَكَانَ الصَّغِير وَالْعَبْد قاتلين دون الْآمِر وَإِن كَانَا لَا يميزان ذَلِك فالقاتل الْآمِر وَعَلِيهِ الْقود إِن كَانَ الْقَتْل عمدا وَإِذا أَمر الرجل ابْنه الصَّغِير أَو عبد غَيره الأعجمي أَن يقْتله فَقتله فدمه هدر لِأَنِّي لَا أجعَل جنايتهما بأَمْره كجنايته
وروى ابْن الْمُبَارك عَن الثَّوْريّ فِي رجل قَالَ لعبد غَيره اقْتُل نَفسك فَفعل فَهُوَ ضَامِن لقيمته فَإِن قَالَ اقْتُل مَوْلَاك فَفعل فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
قَالَ أَبُو جَعْفَر العَبْد الْآمِر غَاصِب للْمَأْمُور من جِهَة الْقود وَقَوله لَا يلْزمه إِلَّا بعد الْعتْق وَلَا يلْزمه ضَمَان من جِهَة القَوْل فِي حَال الرّقّ فَيَنْبَغِي أَن يخْتَلف حكمه أَن يكون لَهُ تَمْيِيز أَو لَا يكون لِأَن العَبْد الْمَغْصُوب إِذا غصبه حر لَا يخْتَلف حكمه فِي الضَّمَان أَن يكون مُمَيّزا يقدر على الِامْتِنَاع من الْغَصْب أَو لَا يقدر عَلَيْهِ وَإِذا ثَبت ذَلِك فَمَا كَانَ ضَمَانه من جِهَة الْجِنَايَة لَا يلْزمه بعد(5/206)
الْعتْق لِأَن جِنَايَة العَبْد لَا تثبت بعد الْعتْق وَمَا كَانَ من ضَمَان الْأَمْوَال فَإِنَّهُ يلْزمه بعد الْعتْق
2304 - فِي الْمُوصي بخدمته إِذا قتل
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي العَبْد الْمُوصى بخدمته لرجل وبرقبته لرجل إِذا قتل خطأ بعد موت الْمُوصي وَهُوَ يخرج من الثُّلُث فَإِنَّهُ تُؤْخَذ قِيمَته فيشترى بهَا عبد فيخدم صَاحب الْخدمَة وَإِن قطعت يَده أَخذ الْأَرْش فَإِن كَانَت الْجراحَة تنقص الْخدمَة اشْترى بِهِ عبدا آخر حَتَّى يَخْدمه مَعَ الأول أَو يُبَاع الأول فيشترى بِالْجَمِيعِ عبد حَتَّى يَخْدمه إِذا تراضوا وَإِن اخْتلفُوا لم يبع العَبْد وَاشْترى بِالْأَرْشِ عبدا يخْدم مَعَه فَإِن لم يُوجد بِهِ عبد وقف الْأَرْش حَتَّى يصطلحا
وَقَالَ مَالك تُؤْخَذ الْقيمَة فَتكون لصَاحب الرَّقَبَة وَيبْطل حق صَاحب الْخدمَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيمَة قَائِمَة مقَام العَبْد فَيَنْبَغِي أَن يثبت فِيهَا حق صَاحب الْخدمَة كَالْعَبْدِ الْمَقْتُول لَو كَانَ بَاقِيا أَلا ترى أَن أَرض الْوَقْف لَو غرقها رجل حَتَّى صَارَت بحرا فغرم قيمتهَا أَنه يَشْتَرِي بهَا أَرض فَيُوقف مَكَانهَا
2305 - فِي جِنَايَة الْمُدبر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قتل الْمُدبر أَو أم الْوَلَد رجلا خطأ فعلى الْمولى الْأَقَل من قِيمَته وَمن أرش الْجِنَايَة إِلَّا أَن تكون الْقيمَة عشرَة ألف أَو أَكثر فَيكون عَلَيْهِ عشرَة ألف إِلَّا عشرَة دَرَاهِم فَإِن قتل آخر فَلَا شَيْء على الْمولى واشتركا فِي تِلْكَ الْقيمَة
وروى الْحسن عَن زفر فِي أم الْوَلَد قتلت رجلَيْنِ أَو ثَلَاثَة خطأ فعلى الْمولى لوَرَثَة كل وَاحِد مِنْهُم الْقيمَة(5/207)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِ قيمَة وَاحِدَة لَهُم جَمِيعًا
وَقَالَ زفر فِي مُدبر قتل دَابَّة لرجل فَلصَاحِب الدَّابَّة أَن يستسعي الْمُدبر فِي قيمَة الدَّابَّة وَإِن شَاءَ اتبع الْمولى بِقِيمَة الْمُدبر ثمَّ اتبع الْمُدبر بِمَا بَقِي من قيمَة الدَّابَّة فاستسعى فِيهِ وَكَذَلِكَ أم الْوَلَد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن شَاءَ صَاحب الدَّابَّة استسعى الْمُدبر فِي جَمِيع قيمَة دَابَّته وَإِن شَاءَ أتبع السَّيِّد بِالْقيمَةِ وَلم يكن لَهُ على الْمُدبر شَيْء حَتَّى يعْتق
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد فِي مُدبر اسْتهْلك مَتَاعا فَإِنَّهُ يسْعَى فِيهِ وَلَا شَيْء على الْمولى
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك فِي أم ولد جنت جِنَايَة فعلى الْمولى الْأَقَل من قيمتهَا وَمن أرش الْجِنَايَة
وَقَالَ مَالك فِي الْمُدبر إِذا جنى وَله مَال فَأبى سَيّده أَن يفْدِيه فَإِن لم يكن فِيهِ وَفَاء اسْتعْمل الْمُدبر بِمَا بَقِي دِيَة جرحه
وَقَالَ الثَّوْريّ فِي جِنَايَة الْمُدبر وَأم الْوَلَد على الْمولى الْقيمَة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي جِنَايَة الْمُدبر إِن فدَاه الْمولى وَإِلَّا دفع بهَا وعَلى الْمولى فِي جِنَايَة أم الْوَلَد قيمتهَا إِن بلغ ذَلِك جنايتها
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ جِنَايَة الْمُدبر على سَيّده فَإِن قتل حرا فعلى مَوْلَاهُ الدِّيَة وَإِن قتل خَمْسَة فدياتهم على مَوْلَاهُ وَكَذَلِكَ أم الْوَلَد
وَقَالَ اللَّيْث فِي جِنَايَة أم الْوَلَد يُخَيّر الْمولى بَين أَن يُؤَدِّي عقل جنايتها مَا بَينه وَبَين قيمَة رقبَتهَا وَإِن شَاءَ أَن يخليها تسْعَى فِي قيمَة رقبَتهَا لَيْسَ على الْمولى غير ذَلِك(5/208)
وروى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف قَالَ سَأَلت ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن عَن أم ولد قتلت رجلا قَالَ يُقَال لمولاها أد دِيَة قتيلها فَإِن فعل ذَلِك وَإِلَّا أعْتقهَا عَلَيْهِ وَجعلت دِيَة قتيلها على عاقلتها
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي وَلَو جنت أم ولد ضمن الْمولى الْأَقَل من الْأَرْش أَو الْقيمَة فَإِن جنت أُخْرَى فَفِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا أَن الثَّانِي يُشَارك الأول فِي الْقيمَة ثمَّ هَكَذَا كلما جنت وَالْقَوْل الثَّانِي إِن الْمولى يغرم قيمَة أُخْرَى للثَّانِي وَكَذَلِكَ كلما جنت
2306 - فِي جِنَايَة الْمكَاتب
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِي مكَاتب جنى جِنَايَة ثمَّ عجز قبل أَن يقْضِي دينه عَلَيْهِ قيل لمَوْلَاهُ ادفعه أَو افده وَإِن قضى عَلَيْهِ بِقِيمَتِه لوَلِيّ الْجِنَايَة ثمَّ عز فَإِنَّهُ يُبَاع فِيهَا
وَقَالَ زفر إِذا عجز قبل الْقَضَاء أَو بعده فَإِنَّهُ يُبَاع فِيهِ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا جنى الْمكَاتب قَالَ لَهُ القَاضِي أد وَإِلَّا عجزتك وَلم أسمعهُ يفرق بَين عَجزه قبل قَضَاء القَاضِي أَو بعده
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا جنى الْمكَاتب ثمَّ عجز قيل لمَوْلَاهُ ادفعه أَو افده فَإِن أدّى نصف الْجِنَايَة ثمَّ عجز خير الْمولى بِأَن يدْفع نصفا بِنصْف الْجِنَايَة أَو يفِيدهُ بِنِصْفِهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا عجز بيع فِي الْجِنَايَة إِن لم يود عَنهُ مَوْلَاهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْمكَاتب حكمه مراعى فِي الْجِنَايَة فِي رقبته لِأَنَّهُ رَقِيق فَإِن عجز قبل الْقَضَاء صَار كَعبد جنى فيخاطب الْمولى بِالدفع أَو الْفِدَاء وَإِن عجز بعد الْقَضَاء فَإِن القَاضِي قد جعله دينا فَيُبَاع فِيهِ(5/209)
2307 - فِي الْمكَاتب يَمُوت وَعَلِيهِ جِنَايَة
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي مكَاتب جنى جِنَايَة ثمَّ مَاتَ وَلم يتْرك إِلَّا مائَة دِرْهَم ومكاتبته أَكثر من ذَلِك وَلم يقْض عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ فالمائة للْمولى لِأَنَّهُ مَاتَ عبدا وَلَو كَانَ عَلَيْهِ دين مَعَ ذَلِك دفع إِلَى صَاحب الدّين فَإِن كَانَت الْجِنَايَة قد قضى بهَا كَانَ مَا تَركه بَين أَصْحَاب الدّين وَالْجِنَايَة بِالْحِصَصِ
وَقَالَ الْحسن عَن زفر الْجِنَايَة وَالدّين سَوَاء وَإِن لم يقْض بِالْجِنَايَةِ
قَالَ وَقَول مَالك إِن الْجِنَايَة وَسَائِر الدُّيُون سَوَاء
وَقَالَ مَالك إِذا عجل عتقه على مَال ثمَّ مَاتَ وَعَلِيهِ دين بُدِئَ بدين الْأَجْنَبِيّ ثمَّ الْمولى
وَقَالَ مَالك فِي الْمكَاتب إِذا جنى عَلَيْهِ الْأَقَل من قِيمَته وَمن أرش الْجِنَايَة فَإِن كَانَ عَلَيْهِ دين وَكِتَابَة وَجِنَايَة فَلهُ أَن يبْدَأ بِمَا شَاءَ من ذَلِك
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا مَاتَ الْمكَاتب وَعَلِيهِ دين ضرب للْمولى مَعَ الْغُرَمَاء بِمَا بَقِي من الْكِتَابَة
2308 - فِي الْجمل الصؤول
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة فِي بعير صال على رجل فَقتله الرجل فَهُوَ ضَامِن
وروى عَليّ بن معبد عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ أستقبح أَن أضمنه
وَقَالَ الثَّوْريّ يضمن
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يضمن كَمَا لَو قتل رجلا قصد قَتله(5/210)
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْفرق بَين الرجل وَالْبَعِير لَو قتل الرجل كَانَ هدرا فحرمته قبل قَتله كهي بعده وَلِأَن الضَّرُورَة إِلَى مَال الْغَيْر لَا يسْقط ضَمَانه
2309 - فِي أَعْضَاء الْبَهِيمَة
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي شَاة القصاب وبقرة الجزار تفقأ عين وَاحِدَة مِنْهُنَّ فَفِي شَاة القصاب مَا نَقصهَا وَفِي الْبَعِير وَالْبَقَرَة ربع قيمتهَا وَهُوَ قَول زفر
وروى الْحسن بن زِيَاد عَن زفر أَن فِي جَمِيع ذَلِك النُّقْصَان وَهُوَ قَول مَالك وَاللَّيْث
وَقَالَ اللَّيْث أَيْضا إِن فقئ عينهَا أَو كسر رجلهَا أَو قطع ذنبها فَعَلَيهِ ضَمَان الدِّيَة حَتَّى يُؤَدِّي ثمنهَا أَو شراؤها
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي ذَلِك كُله مَا نقص
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِي غير الدَّابَّة ربع ثمنهَا فَإِن قطع ذنبها ضمن النُّقْصَان
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس عِنْد أَصْحَابنَا إِيجَاب النُّقْصَان وَلَكنهُمْ تركُوا الْقيَاس لما رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب أَنه قضى فِي عين الدَّابَّة بِربع قيمتهَا بِمحضر الصَّحَابَة من غير مُخَالف لَهُ مِنْهُم وَلِأَن مثله لَا يُقَال قِيَاسا فَهُوَ إِذن تَوْقِيف
2310 - فِيمَا يفْسد الْبَهَائِم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار
قَالَ أَصْحَابنَا لَا ضَمَان على أَرْبَاب الْبَهَائِم فِيمَا يُفْسِدهُ أَو يجني عَلَيْهِ لَا فِي اللَّيْل وَلَا فِي النَّهَار إِلَّا أَن يكون رَاكِبًا أَو قائدا أَو سائقا أَو مُرْسلا(5/211)
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ مَا أفسدت الْمَوَاشِي بِالنَّهَارِ فَلَيْسَ على أَهلهَا مِنْهُ شَيْء وَمَا أفسدت بِاللَّيْلِ فضمانه على أَرْبَابهَا
وَقَالَ ابْن الْمُبَارك عَن الثَّوْريّ لَا ضَمَان على صَاحب الْمَاشِيَة
وروى الْوَاقِدِيّ عَنهُ فِي شَاة وَقعت فِي غزل حائك بِالنَّهَارِ أَنه يضمن وَتَصْحِيح الرِّوَايَتَيْنِ إِذا أرسلها سائبة ضمن بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وَإِذا أرسلها مَحْفُوظَة لم يضمن لَا بِاللَّيْلِ وَلَا بِالنَّهَارِ
وَقَالَ اللَّيْث يضمن بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وَلَا يضمن أَكثر من قيمَة الْمَاشِيَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سُفْيَان عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة وَعبد الله بن عِيسَى عَن الزُّهْرِيّ عَن حرَام بن محيصة عَن الْبَراء أَن نَاقَة لآل الْبَراء أفسدت شَيْئا فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن حفظ الثِّمَار على أَهلهَا بِالنَّهَارِ وَضمن أهل الْمَاشِيَة مَا أفسدت ماشيتهم بِاللَّيْلِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى مَالك وَابْن عُيَيْنَة وَمعمر عَن الزُّهْرِيّ عَن حرَام بن محيصة أَن نَاقَة للبراء بن عَازِب دخلت حَائِطا لرجل فأفسدت فِيهِ فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن على أهل الحوائط حفظهَا بِالنَّهَارِ وكل مَا أفسدت الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ فضمانه على أَهلهَا وَهَؤُلَاء أثبت من إِسْمَاعِيل بن أُميَّة وَعبد الله بن عِيسَى وَرَوَوْهُ مُرْسلا(5/212)
فَإِن قيل رَوَاهُ الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن ابْن شهَاب عَن حرَام بن محيصة أَن الْبَراء بن عَازِب أخبرهُ وَذكر الحَدِيث
قيل لَهُ إِسْمَاعِيل بن أُميَّة وَعبد الله بن عِيسَى فِي الوراية أتقن من الْأَوْزَاعِيّ فِيهَا وَإِذا كَانَ من ذكرنَا مِمَّن رَوَاهُ مُرْسلا حجَّة عَلَيْهَا فَهِيَ حجَّة على الْأَوْزَاعِيّ على أَن الْفرْيَابِيّ قد رَوَاهُ عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن حرَام بن محيصة أَن الْبَراء كَانَت لَهُ نَاقَة ضارية ثمَّ ذكر الحَدِيث فَحصل مُنْقَطِعًا
وَقد روى مَالك وسُفْيَان وَيُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العجماء جَبَّار
وروى يزِيد بن هَارُون عَن ابْن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله وَلم يفرق بَين جنايتها بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار
وَهَذَا الحَدِيث أولى لصِحَّة سَنَده واستقامة طَرِيقَته وَلَو تَسَاويا من جِهَة السَّنَد كَانَ هَذَا أولى لِأَن مَا فِي حَدِيث حرَام بن محيصة إِنَّمَا هُوَ على اتِّبَاع شَرِيعَة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِأَن النَّفس إِنَّمَا تكون بِاللَّيْلِ مضمنة وصونه لله تَعَالَى فِي ذَلِك وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام جرح العجماء جَبَّار شَرِيعَة من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُبتَدأَة بعد الأولى(5/213)
= كتاب الْحجر =
2311 - فِي الْحجر على الْمُفْسد لمَاله
كَانَ أَبُو حنيفَة لَا يرى الْحجر على الْحر الْبَالِغ الْعَاقِل لَا لسفه وتبذير وَلَا لدين وإفلاس فَإِن حجر عَلَيْهِ القَاضِي ثمَّ أقرّ بدين أَو تصرف فِي مَاله جَازَ ذَلِك عَلَيْهِ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين وَقضى القَاضِي عَلَيْهِ بالتفليس لم يجز إِقْرَاره وَلَا بَيْعه وَلَا شِرَاؤُهُ وَلَا جَمِيع أَفعاله بعد التَّفْلِيس
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَإِذا كَانَ هَذَا مذْهبه فِي حفظ مَاله على غُرَمَائه حياطة لَهُ فَقِيَاس قَوْله أَن يكون كَذَلِك إِذا كَانَ سَفِيها مبذرا وَلَا دين عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا كَانَ سَفِيها حجرت عَلَيْهِ وَإِذا فلسته وحبسته حجرت عَلَيْهِ وَلم أجز بَيْعه وَلَا شِرَاؤُهُ وَلَا إِقْرَاره بدين إِلَّا بِبَيِّنَة تشهد بِهِ عَلَيْهِ أَنه كَانَ قبل الْحجر(5/215)
وَقَالَ ابْن أبي عمرَان عَن ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد فِي الْحجر بِمثل قَول أبي يُوسُف فِيهِ وَيزِيد عَلَيْهِ أَنه إِذا صَارَت فِي الْحَال الَّتِي يسْتَحق مَعهَا الْحجر صَار مَحْجُورا عَلَيْهِ حجر القَاضِي عَلَيْهِ مَعَ ذَلِك أَو لم يحْجر
وَقَالَ أَبُو يُوسُف نقُول لَا يكون مَحْجُورا عَلَيْهِ بحدوث هَذِه الْأَحْوَال فِيهِ حَتَّى يحْجر القَاضِي عَلَيْهِ فَيكون بذلك مَحْجُورا عَلَيْهِ
قَالَ مُحَمَّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْحجر على الْحر بَاطِل فَإِذا بلغ الْغُلَام جَازَ تصرفه فِي مَاله بِالْبيعِ وَالْهِبَة وَغَيرهمَا وَإِن لم يؤنس مِنْهُ رشد كَانَ فَاسِدا ويحال بَينه وَبَين مَاله وَمَعَ ذَلِك إِن أقرّ بِهِ لإِنْسَان أَو بَاعه جَازَ مَا صنع من ذَلِك وَإِذا تمت لَهُ خمس وَعِشْرُونَ سنة دفع إِلَيْهِ مَاله وَإِن لم يؤنس مِنْهُ رشد
وَقَالَ مُحَمَّد إِذا بلغ وَلم يؤنس مِنْهُ رشد لم يدْفع إِلَيْهِ مَاله وَلَا بَيْعه وَلَا هِبته وَكَانَ بِمَنْزِلَة من لم يبلغ فَمَا بَاعَ أَو اشْترى نظر الْحَاكِم فِيهِ فَإِن رأى إِجَازَته أجَازه وَهُوَ مَا لم يؤنس مِنْهُ رشد بِمَنْزِلَة الصَّبِي الَّذِي لم يبلغ إِلَّا أَنه يجوز لوصي الْأَب أَن يَبِيع وَيَشْتَرِي على الَّذِي لم يبلغ وَلَا يجوز أَن يَبِيع وَيَشْتَرِي على الَّذِي بلغ إِلَّا بِأَمْر الْحَاكِم
وَقَول عبيد الله بن الْحسن فِي ذَلِك كَقَوْل أبي حنيفَة فَبَطل الْحجر على الْحر
وَذكر ابْن الْقَاسِم وَابْن عبد الحكم عَن مَالك قَالَ وَمن أَرَادَ الْحجر على وليه فليحجر عَلَيْهِ عِنْد السُّلْطَان حَتَّى يوقفه للنَّاس يعرفهُ النَّاس وَيسمع مِنْهُ فِي مَجْلِسه وَيشْهد على ذَلِك وَترد بعد ذَلِك مَا مونع بِهِ وَمَا أذن بِهِ السَّفِيه فَلَا يلْحقهُ ذَلِك إِذا صلحت حَاله وَهُوَ مُخَالف للْعَبد إِذا مَاتَ الْمولى قد أدان فَلَا يقْضِي عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَوته بِمَنْزِلَتِهِ فِي حَيَاته إِلَّا أَن يُوصي بذلك فِي ثلثه فَيكون ذَلِك لَهُ وَإِذا بلغ الْوَلَد فَلهُ أَن يخرج عَن أَبِيه وَإِن كَانَ أَبوهُ شَيخا(5/216)
ضَعِيفا إِلَّا أَن يكون الابْن موليا عَلَيْهِ أَو سَفِيها أَو ضَعِيف الْعقل يخَاف عَلَيْهِ فَلَا يكون لَهُ ذَلِك وَقَالَ الْفرْيَابِيّ عَن الثَّوْريّ فِي قَوْله تَعَالَى {وابتلوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا فادفعوا إِلَيْهِم أَمْوَالهم} النِّسَاء 6 قَالَ الْفَصْل وَالْحِفْظ لمَاله
وَكَانَ يُقَال إِذا اجْتمع فِيهِ خصلتان إِذا بلغ الْحلم وَكَانَ حَافِظًا لمَاله لَا يخدع عَنهُ
وَحكى الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي فِي مُخْتَصره قَالَ وَإِذا أَمر الله تَعَالَى بِدفع أَمْوَال الْيَتَامَى إِلَيْهِم بأمرين لم يدْفع إِلَيْهِم إِلَّا بهما وهما الْبلُوغ والرشد وَالصَّلَاح فِي الدّين حَتَّى تكون الشَّهَادَة جَائِزَة مَعَ إصْلَاح المَال وَالْمَرْأَة إِذا أونس مِنْهَا الرشد دفع إِلَيْهَا مَالهَا تزوجت أَو لم تتَزَوَّج كالغلام نكح أَو لم ينْكح لِأَن الله تَعَالَى سوى بَينهمَا وَلم يذكر تزويجا فَإِذا حجر الإِمَام عَلَيْهِ لسفهه وإفساد مَاله أشهد على ذَلِك فَمن بَايعه بعد الْحجر فَهُوَ الْمُتْلف لمَاله وَمَتى أطلق عَنهُ الْحجر ثمَّ عَاد إِلَى حَال الْحجر حجر عَلَيْهِ وَمَتى رَجَعَ إِلَى حَال الْإِطْلَاق أطلق عَنهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول الشَّافِعِي إِن من إيناس الرشد الَّذِي لَا يدْفع المَال إِلَى صَاحبه حَتَّى يكون من أَهله جَوَاز الشَّهَادَة لم نجده عَن أحد من أهل الْعلم غَيره
وَذكر التَّسْوِيَة بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء وَقد ذكرنَا حكم الْمَرْأَة فِي مَالهَا فِي كتاب النِّكَاح(5/217)
قَالَ أَبُو جَعْفَر منع الله تَعَالَى الْيَتَامَى بعد بُلُوغ النِّكَاح حَتَّى يؤنس الرشد مِنْهُم بقوله تَعَالَى {وابتلوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا فادفعوا إِلَيْهِم أَمْوَالهم} النِّسَاء 6 وَهِي آيَة محكمَة غير مَنْسُوخَة والابتلاء الْمَذْكُور فِيهَا هُوَ الاختبار لأحوالهم فِي حفظ المَال وتبذيره
فَإِن قيل قد رُوِيَ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله وابتلوا الْيَتَامَى قَالَ عُقُولهمْ قيل لَهُ هَذَا محَال لِاتِّفَاق الْجَمِيع على أَنه مَمْنُوع من مَاله بعد الْبلُوغ إِذا كَانَ مُفْسِدا فَدلَّ على أَن إيناس الرشد لَيْسَ هُوَ الْعقل فَحسب لِأَنَّهُ لَو كَانَ إيناس الرشد هُوَ الْعقل لما صرفه أحد مِنْهُ مَعَ وجود الْعقل
فَإِن قيل قَالَ الله تَعَالَى فِي آيَة الدّين {فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحق سَفِيها أَو ضَعِيفا أَو لَا يَسْتَطِيع أَن يمل هُوَ فليملل وليه بِالْعَدْلِ} الْبَقَرَة 282 فَأجَاز مداينة السَّفِيه فَدلَّ على أَن مداينة السَّفِيه لَا يُوجب حجرا
قيل لَهُ اسْم السَّفه يَقع على مَعَاني مُخْتَلفَة مِنْهَا السَّفه فِي المَال وَهُوَ تبذيره وإفساده وَوَضعه فِي غير موَاضعه فَذَلِك السَّفه الْمُخْتَلف فِي حَال أَهله وَاسْتِحْقَاق الْحجر بِهِ وَمِنْهَا السَّفه فِي اللِّسَان وَمَعَهُ إصْلَاح المَال وَذَلِكَ غير مُوجب للحجر
وَيدل على أَن السَّفه قد يكون فِي غير المَال قَوْله تَعَالَى {إِلَّا من سفه نَفسه} الْبَقَرَة 130 قَالَ أَبُو عُبَيْدَة يُرِيد أهلكها وأوبقها وَمِنْه مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قَالَ لَهُ عبد الله بن عَمْرو إِنِّي أحب أَن يكون رَأْسِي دهينا وقميصي غسيلا وشراك نَعْلي جَدِيدا أَفَمَن الْكبر هُوَ يَا رَسُول الله قَالَ لَا إِنَّمَا الْكبر من سفه الْحق وَغَمص النَّاس وَهَذَا يعود إِلَى معنى إهلاكه نَفسه ويوبقها(5/218)
قَالَ وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى {فليملل وليه بِالْعَدْلِ} الْبَقَرَة 282 قَولَانِ أَحدهمَا أَن الْهَاء فِي قَوْله وليه رجعت إِلَى صَاحب الدّين وَالْآخر أَنَّهَا رجعت إِلَى الَّذِي يتَوَلَّى الَّذِي عَلَيْهِ الدّين بأَمْره وَفِي أمره إِيَّاه يدل على انْتِفَاء الْحجر عَنهُ وَأَنه إِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى غَيره فِي ذَلِك السَّفه الَّذِي قصر بِهِ عَن إملاء ذَلِك عَن نَفسه لجهله بِوُجُوه الْأَحْكَام
وَيدل على تَأْكِيد أَمر الْحجر مَا رُوِيَ عَن عَليّ رضوَان الله عَلَيْهِ وَعُثْمَان وَالزُّبَيْر وَعبد الله بن جَعْفَر رَضِي الله عَنْهُم وَهُوَ مَا روى هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَن عبد الله بن جَعْفَر أَتَى الزبير فَقَالَ إِنِّي ابتعت بيعا ثمَّ إِن عليا يُرِيد أَن يحْجر عَليّ فَقَالَ الزبير فَأَنا شريكك فِي البيع فَأتى عَليّ عُثْمَان فَسَأَلَهُ أَن يحْجر على عبد الله بن جَعْفَر فَقَالَ الزبير أَنا شَرِيكه فِي هَذَا البيع قَالَ فَقَالَ عُثْمَان كَيفَ أحجر على رجل شَرِيكه الزبير فَهَذَا يدل على أَنهم جَمِيعًا قد رأو الْحجر جَائِزا وشاركه الزبير ليدفع الْحجر عَنهُ وَكَانَ ذَلِك بِحَضْرَة الصَّحَابَة من غير نَكِير غَيرهم عَلَيْهِم وَلَا خلاف
قَالَ أَبُو بكر لَيْسَ فِيهِ دلَالَة على أَنه من مَذْهَب الزبير جَوَاز الْحجر وَإِنَّمَا يدل ذَلِك على تسويغه لعُثْمَان الْحجر وَلَا دلَالَة فِي ذَلِك على أَن ذَلِك كَانَ رَأْيه لِأَن ذَلِك يحكم سَائِر مسَائِل الِاجْتِهَاد
وَقد روى يزِيد بن هُرْمُز أَن نجدة كتب إِلَى ابْن عَبَّاس يسْأَله مَتى يَنْقَضِي يتم الْيَتِيم فَكتب عبد الله بن عَبَّاس كتبت تَسْأَلنِي مَتى يَنْقَضِي يتم الْيَتِيم(5/219)
ولعمري أَن الرجل تنْبت لحيته وَهُوَ الضَّعِيف الْأَخْذ لنَفسِهِ ضَعِيف الْإِعْطَاء مِنْهَا فَإِذا أَخذ لنَفسِهِ من صَالح مَا يَأْخُذ النَّاس فقد انْقَطع عَنهُ الْيُتْم وَفِي لفظ آخر أَنه إِذا بلغ الْحلم أونس رشده وَدفع إِلَيْهِ مَاله فقد انْقَضى يتمنه
وروى الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة أَن عَائِشَة بلغَهَا أَن ابْن الزبير بلغه أَنَّهَا باعت بعض رباعها فَقَالَ لتنتهين أَو لأحجرن عَلَيْهَا فبلغها ذَلِك فَقَالَت لله عَليّ أَن لَا ُأكَلِّمهُ أبدا فَثَبت بذلك أَن ابْن الزبير كَانَ يرى الْحجر على المتسرع فِي مَاله وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَن عَائِشَة كَانَت ترى الْحجر إِلَّا أَنَّهَا أنْكرت عَلَيْهِ أَن تكون هِيَ من أهل الْحجر فلولا ذَلِك لبينت أَن الْحجر لَا يجوز ولردت عَلَيْهِ قَوْله
قَالَ وَاحْتج أَبُو يُوسُف لأبي حنيفَة فِي مذْهبه لرفع الْحجر بِمَا روى مَالك عَن عبد الله بن دِينَار عَن عبد الله بن عمر أَن رجلا ذكر لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه يخدع فِي الْبيُوع فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا بَايَعت فَقل لَا خلابة وَكَانَ الرجل إِذا بَايع يَقُول لَا خلابة
فَفِي هَذَا الحَدِيث وقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَنه كَانَ يغبن فِي الْبيُوع فَلم يمنعهُ من التَّصَرُّف وَلم يحْجر عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما قَالَ لَهُ إِذا بَايَعت فَقل لَا خلابة أَي لَا ينفذ على خلابتك إيَّايَ فَجعل بيوعه مُعْتَبرَة فَإِن كَانَ فِيهَا خلابة لم يجز عَلَيْهِ(5/220)
وَقد نهى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي حَدِيث آخر أَن يَبِيع حَاضر لباد وَقَالَ دعوا النَّاس يرْزق الله بَعضهم من بعض
وَهَذَا إِنَّمَا يدل على قَول مُحَمَّد فِي اعْتِبَاره عُقُود الْمَحْجُور عَلَيْهِ قَالَ وَلم نجد عَن أحد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ أَنه لَا حجر كَمَا قَالَ أَبُو حنيفَة إِلَّا إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد بن سِيرِين فَإِنَّهُ قد روى شُعْبَة عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ لَا حجر على حر
وروى ابْن عون عَن ابْن سِيرِين أَنه كَانَ لَا يرى الْحجر شَيْئا
2312 - فِي عتق الْمَحْجُور عَلَيْهِ ونكاحه
قَالَ مُحَمَّد فِي الأَصْل وَإِن أعتق الْمَحْجُور عَلَيْهِ عبدا لَهُ جَازَ عتقه وَيسْعَى فِي قِيمَته للَّذي أعْتقهُ إِن دبره جَازَ تَدْبيره ويستخدمه وَلَا يجوز بَيْعه فَإِن مَاتَ الْمولى وَلم يؤنس مِنْهُ رشد سعى العَبْد فِي جَمِيع قِيمَته مُدبرا كَالْمَرِيضِ إِذا أعتق وَعَلِيهِ دين وَلَو تزوج امْرَأَة جَازَ نِكَاحه بِمهْر الْمثل وَيبْطل الْفضل
قَالَ وَقَالَ مُحَمَّد بعد ذَلِك فِي أَمَالِيهِ من رِوَايَة ابْن سَمَّاعَة وَإِذا أعتق الْمَحْجُور عَلَيْهِ عبدا من عبيده فَإِن أَبَا يُوسُف قَالَ عتقه جَائِز وَيسْعَى فِي جَمِيع قِيمَته
وَقَالَ مُحَمَّد الْعتْق جَائِز وَلَا يسْعَى فِي شَيْء قَالَ وَلَو كَانَ تجب عَلَيْهِ السّعَايَة لوَجَبَ إِذا طلق امْرَأَته قبل الدُّخُول أَن لَا يجب لَهَا شَيْء لم يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا(5/221)
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك الْأَمر عندنَا أَن السَّفِيه يجوز طَلَاقه وَلَا يجوز عتاقه مَحْجُورا عَلَيْهِ كَانَ أَو غير مَحْجُور عَلَيْهِ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَنهُ مثل ذَلِك
وَقَالَ عَنهُ فِي جواباته أيبيع وَلَا يجوز نِكَاح السَّفِيه وَلَا عتقه إِلَّا فِي أم وَلَده
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي وَإِن أَكثر الْمَحْجُور عَليّ الطَّلَاق لم يُزَوّج وسرى وَالْعِتْق مَرْدُود
وَقَالَ عَنهُ الرّبيع وَيجوز طَلَاق الْمَحْجُور عَلَيْهِ الْبَالِغ وَلَا يجوز عتقه لأم وَلَده وَلَا لغَيْرهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْلُو عتقه من أَن يكون قد تنَاوله الْحجر فَلَا ينفذ أَو لم يتَنَاوَلهُ فَينفذ بِلَا سِعَايَة فَلَمَّا كَانَ الْمَمْلُوك مَالا لَهُ وَهُوَ مَحْجُور عَلَيْهِ فِي مَاله بِدلَالَة بطلَان بَيْعه وَهُوَ مَعَ ذَلِك يعتاض عَنهُ فالعتق أولى بِالْبُطْلَانِ إِذا لم يعتض مِنْهُ وَقَول من أوجب السّعَايَة بَاطِل لِأَن الْعتْق عِنْده لم يدْخل فِي الْحجر فَلَمَّا بَطل قَول من أوجب السّعَايَة وَقَول من أوجبه بِلَا سِعَايَة صَحَّ أَن عتقه لَا ينفذ
فَإِن قيل فَلَو طلق امْرَأَته قبل الدُّخُول لزمَه ذَلِك وَقد كَانَ الْبضْع فِي حكم المَال لِأَنَّهَا لَو ارْتَدَّت سقط مهرهَا فَكَذَلِك عتقه كطلاقه
قيل لَهُ لم يدْخل الطَّلَاق فِي الْحجر فَهُوَ فِيهِ بعد الْحجر كَهُوَ قبله لِأَن الْبضْع نَفسه لَيْسَ بِمَال وَالْعِتْق وَاقع فِي عبد هُوَ مَال لَهُ دَاخل فِي الْحجر لَا يجوز بَيْعه وتصرفه فَصَارَ عتقه فِيهِ كَبَيْعِهِ وهبته وَلَا فرق بَين أم الْوَلَد وَغَيرهَا من مماليكه لِأَنَّهَا فِي الْحَيَاة مَال لَهُ أَلا ترى أَن قَاتلا لَو قَتلهَا لَا يسْتَحق هُوَ قيمتهَا كهي لَو لم تكن أم ولد لَهُ ويطأها بِملك الْيَمين
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَمَا ذكره مُحَمَّد بن الْحسن من تشبيهه عتق الْمَحْجُور عَلَيْهِ(5/222)
بِعِتْق الْمَرِيض الَّذِي عَلَيْهِ دين فَغير مشبه لَهُ من قبل ان الْمَرِيض جَائِز التَّصَرُّف فِي أَمْوَاله وَإِنَّمَا يفْسخ مِنْهُ بعد الْمَوْت مَا يجب فَسخه أَلا ترى لَو وهب عَبده فِي مَرضه فَأعْتقهُ الْمَوْهُوب وعَلى الْمَرِيض دين يُحِيط بِمَالِه ثمَّ مَاتَ أَن الْمَوْهُوب لَهُ يغرم قِيمَته كلهَا وَلم تبطل الْهِبَة فَدلَّ ذَلِك على جَوَاز تصرفه
قَالَ أَبُو بكر يُؤَكد هَذَا الْمَعْنى أَنه لَا حق لأحد قبل الْمَوْت فِي فسخ عقوده وتصرفه وَإِنَّمَا يثبت لَهُم الْحق بعد مَوته وَلَيْسَ كَذَلِك الْمَحْجُور عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِالْحجرِ قد صَارَت أَقْوَاله وعقوده كلا عُقُود فَلم ينف
قَالَ وَأما نِكَاحه فقد اتَّفقُوا أَنه لَيْسَ للْوَلِيّ أَن يُزَوجهُ فِي حَال حجره فَدلَّ ذَلِك على أَنه لم يدْخل فِي الْحجر وَإِنَّمَا تنَاول الْحجر غير التَّزْوِيج فَإِذا تزوج جَازَ بِمهْر الْمثل
قَالَ أَبُو بكر فَهَذَا يدل على بطلَان الْحجر لِأَن وليه لَا يَبِيع عَلَيْهِ وَلَا يتَصَرَّف فِي مَاله فَكَانَ فِي سَائِر مَاله بِمَنْزِلَة الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَكَانَ ذَلِك يُوجب جَوَاز تصرف وليه فِي مَاله
آخر كتاب الْحجر(5/223)
= كتاب الْمَأْذُون فِي التِّجَارَة =
2313 - فِي الْإِذْن فِي تِجَارَة خَاصَّة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ اقعد قصارا أَو صباغا فَهَذَا إِذن لَهُ فِي التِّجَارَات كلهَا وَإِذا أذن لَهُ فِي تِجَارَة خَاصَّة فَهُوَ مَأْذُون لَهُ فِي سَائِر التِّجَارَات وَإِن قَالَ لَهُ أجر نَفسك فِي البقالين أَو فِي عمل من الْأَعْمَال فَهَذَا إِذن مِنْهُ فِي سَائِر التِّجَارَات
وَلَو قَالَ أجر نَفسك من فلَان لم يكن مَأْذُونا لَهُ فِي التِّجَارَة لِأَنَّهُ أمره أَن يُؤَاجر نَفسه من إِنْسَان بِعَيْنِه فَإِذا أرسل عَبده ليَشْتَرِي لَهُ ثوبا أَو أرسل جَارِيَته لتشتري لَهُ لَحْمًا بدرهم فَهَذَا فِي الْقيَاس إِذن فِي التِّجَارَة وَلَا يكون إِذْنا اسْتِحْسَانًا
وَقَالَ الْحسن بن صَالح إِذا أذن لَهُ فِي نوع من التِّجَارَات فَهُوَ إِذن فِي التِّجَارَات كلهَا
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا أذن لَهُ فِي تِجَارَة خَاصَّة فَهُوَ مَأْذُون لَهُ فِيهَا خَاصَّة لَا يجوز لَهُ أَن يتجر فِي غَيرهَا وَهُوَ قِيَاس قَول الشَّافِعِي فِيمَا رَوَاهُ الرّبيع
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا خلى بَينه وَبَين الشِّرَاء وَالْبيع فَهُوَ مَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة كلهَا وَإِذا قَالَ لَهُ أد إِلَى الْغَد لم يكن مَأْذُونا فِي التِّجَارَة فَإِن(5/225)
أقعده قصارا لم يكن مَأْذُونا لَهُ قَالَ وَلَا يشبه هَذَا الْبَز لِأَن هَذَا عَامل بِيَدِهِ قد عرف النَّاس حَاله وَأَنَّهُمْ لم يؤمروا بمداينته
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي رجل أذن لعَبْدِهِ فِي التِّجَارَة فَزعم الْمولى أَنه لم يَأْذَن لَهُ إِلَّا فِي خَاص مِنْهَا قَالَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَة بذلك وَإِلَّا فَهُوَ ضَامِن لجَمِيع مَا لحق العَبْد من الدّين
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما اتَّفقُوا على جَوَاز تَخْصِيص الْوكَالَة بالقصارة أَنه غير جَائِز لَهُ أَن يتعداها وَإِن دخل فِيهَا شِرَاء الصابون والأشنان فَكَذَلِك الْإِذْن فِي القصارة يجوز أَن يكون خَاصّا فِيهَا دون غَيره وَلما جَازَت الْمُضَاربَة الْخَاصَّة فِي نوع من التِّجَارَات كَانَ كَذَلِك حكم الْإِذْن فِي التِّجَارَة
2314 - فِي العَبْد الْمَأْذُون لَهُ هَل يكون عَلَيْهِ دين لمَوْلَاهُ
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يثبت للْمولى على عَبده دين سَوَاء كَانَ عَلَيْهِ دين أَو لم يكن وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِيمَا يَقْتَضِيهِ معنى مذْهبه
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي العَبْد الْمَأْذُون إِذا داينه سَيّده لزم ذَلِك العَبْد وَيضْرب بِدِينِهِ مَعَ الْغُرَمَاء مَا لم يحابي العَبْد سَيّده
قَالَ وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ مَعَ العَبْد مَال لسَيِّده قد دَفعه إِلَيْهِ يتجر بِهِ فلحق العَبْد دين فَإِن الدّين الَّذِي لحق العَبْد يكون فِي مَال سَيّده الَّذِي دَفعه إِلَى العَبْد يتجر بِهِ وَفِي مَال العَبْد وَلَا يكون فِي رَقَبَة العَبْد وَيكون بَقِيَّة الدّين فِي ذمَّة العَبْد وَلَا يكون فِي ذمَّة السَّيِّد من ذَلِك الدّين شَيْء
قَالَ أَبُو جَعْفَر العَبْد لَا يملك إِذا كَانَ ملكا لغيره وَلَا يجوز أَن يكون لمَوْلَاهُ عَلَيْهِ دين لِاسْتِحَالَة وجوب الدّين لَهُ فِي مَال نَفسه لِأَنَّهُ لَو كَانَ يجب لَهُ فِي مَاله دين كَانَ قد وَجب لَهُ على نَفسه دين وَهَذَا محَال(5/226)
2315 - فِي عَارِية الْمَأْذُون وهديته
قل أَصْحَابنَا يجوز هَدِيَّة العَبْد التَّاجِر الطَّعَام ودعوته وعاريته دَابَّته وَكره كسْوَة الثَّوْب وَالدَّنَانِير
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا يجوز للْعَبد أَن يُعْطي من مَاله شَيْئا بِغَيْر أَمر سَيّده سَوَاء كَانَ مَأْذُونا لَهُ فِي التِّجَارَة أَو غير مَأْذُون لَهُ وَكَذَلِكَ الْعَارِية والدعوة إِلَى الطَّعَام إِلَّا أَن يكون مَأْذُونا لَهُ فِي التِّجَارَة فيصنع ذَلِك ليجتر بِهِ إِلَيْهِ المُشْتَرِي مِنْهُ فيطلب بذلك الْمَنْفَعَة فِي شِرَائِهِ وَبيعه فَيكون هَذَا من التِّجَارَة وَيجوز فَإِن علم أَن أَهله لَا يكْرهُونَ الدعْوَة فَأجَاز لَهُ ذَلِك
وَقَالَ ابْن وهب سَأَلت اللَّيْث عَن عبد مَمْلُوك فِي منزل تمر بِهِ وَهُوَ فِيهِ يقدم إِلَيْك طَعَاما لَا تَدْرِي هَل أمره سَيّده أم لَا
قَالَ اللَّيْث الضِّيَافَة حق وَاجِب وَأَرْجُو أَن لَا يكون بذلك بَأْس إِن شَاءَ الله
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة لَا يهب وَلَا يصدق وَلَا يتَزَوَّج وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْمَمْلُوك الْمَحْجُور عَلَيْهِ إِلَّا فِي البيع وَالشِّرَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر العَبْد لَا يملك فحاله بعد الْإِذْن فِي الْهَدِيَّة وَالْعَارِية والدعوة كَهُوَ قبل الْإِذْن إِذْ لَيْسَ ذَلِك من التِّجَارَة فَإِن احْتج بِحَدِيث سلمَان الْفَارِسِي الَّذِي رَوَاهُ عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة عَن مَحْمُود بن أَسد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ حَدثنِي سلمَان الْفَارِسِي ذكر الحَدِيث بِطُولِهِ وَذكر فِيهِ أَنه كَانَ عبدا قَالَ فَلَمَّا أمسيت جمعت مَا كَانَ عِنْدِي ثمَّ خرجت حَتَّى جِئْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ نفر من أَصْحَابه فَقلت بَلغنِي إِنَّه لَيْسَ بِيَدِك شَيْء وَأَن مَعَك أَصْحَابك(5/227)
وَأَنْتُم أهل حَاجَة وغربة وَقد كَانَ عِنْدِي شَيْء وَضعته للصدقة فَلَمَّا ذكر لي مَكَانكُمْ رأيتكم أَحَق بِهِ ثمَّ وَضعته لَهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلوا وَأمْسك هُوَ ثمَّ أَتَيْته بعد أَن تحول إِلَى الْمَدِينَة وَقد جمعت شَيْئا فَقلت رَأَيْتُك لَا تَأْكُل الصَّدَقَة وَقد كَانَ عِنْدِي شَيْء أَحْبَبْت أَن أكرمك بِهِ لَيْسَ بِصَدقَة فَأكل وَأكل أَصْحَابه
وروى شريك عَن عبيد الْمكتب عَن أبي الطُّفَيْل عَن سلمَان قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَدقَة فَردهَا وأتيته بهدية فقبلها وَرَوَاهُ ابْن بُرَيْدَة أَيْضا عَن أَبِيه عَن سلمَان
فَإِن هَذَا لَيْسَ فِيهِ حجَّة لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسْأَل سلمَان أمأذون هُوَ أَو مَحْجُور عَلَيْهِ وَجَائِز أَن يكون إِنَّمَا قبل هديته على ظَاهر الْحُرِّيَّة وَإِن كَانَ الْبَاطِن خلَافهَا كَمَا بَايع الْمَمْلُوك الَّذِي بَايعه فِي حَدِيث جَابر بن عبد الله على ظَاهر الْحُرِّيَّة وَقد كَانَ عبدا
وَحَدِيث جَابر يرويهِ اللَّيْث عَن أبي الزبير عَن جَابر أَنه قَالَ جَاءَ عبد فَبَايع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْهِجْرَة وَلَا يشْعر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه عبد فجَاء سَيّده يُريدهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعنيه فَاشْتَرَاهُ بعبدين أسودين وَلم يُبَايع أحدا حَتَّى يسْأَله أعبد هُوَ فَجَائِز أَن يكون قبل هَدِيَّة سلمَان على هَذَا الْوَجْه(5/228)
قَالَ أَبُو بكر لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ حِين علم برق سلمَان يامر برد صدقته وهديته وغرامتها فَلَمَّا لم يفعل ذَلِك دلّ على أَنه قبلهَا مَعَ علمه بِأَنَّهُ عبد وعَلى أَن العَبْد وَالْحر فِي ذَلِك سَوَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد ذكرنَا عَن اللَّيْث بن سعد إِيجَاب الضِّيَافَة وَجعل من أجل ذَلِك من نزل على العَبْد قبُول ذَلِك وَأكله من غير إِذن مَوْلَاهُ وحجته فِي ذَلِك حَدِيث شُعْبَة عَن مَنْصُور عَن الشّعبِيّ عَن الْمِقْدَام أبي كَرِيمَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الضَّيْف حق وَاجِب على كل مُسلم فَإِن أصبح بفنائه فَإِنَّهُ دين إِن شَاءَ اقْتَضَاهُ وَإِن شَاءَ تَركه
وروى اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الْخَيْر عَن عقبَة بن عَامر قَالَ قُلْنَا يَا رَسُول الله إِنَّك تبعثنا فنمر بِقوم فَقَالَ إِن نزلتم بِقوم فَأمروا لكم بِمَا يَنْبَغِي للضيف قاقبلوا فَإِن لم يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُم حق الضَّيْف الَّذِي يَنْبَغِي
وروى عبد الرَّحْمَن بن أبي عَوْف الجرشِي عَن الْمِقْدَام بن معدي كرب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَيّمَا رجل ضاف بِقوم فَلم يقروه كَانَ لَهُ أَن يعقبهم بِمثل قراه
وَبِمَا حَدثنَا بِهِ فَهُوَ قَالَ حَدثنَا عبد الله بن صَالح قَالَ حَدثنَا مُعَاوِيَة بن(5/229)
صَالح أَن أَبَا طَلْحَة حَدثهُ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَيّمَا ضيف نزل بِقوم فَأصْبح محروما فَلهُ أَن يَأْخُذ بِقدر قراه وَلَا حرج عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر فَظَاهر هَذِه الْأَخْبَار يُوجب الضِّيَافَة وَجَائِز أَن يكون مَنْسُوخَة
وَقد روى عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ حَدثنَا الْمِقْدَاد بن الْأسود قَالَ جِئْت أَنا وَصَاحب لي قد كَادَت تذْهب أسماعنا وأبصارنا من الْجُوع فَجعلنَا نتعرض للنَّاس فَلم يضفنا أحد فأتينا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَا يَا رَسُول الله أَصَابَنَا جوع شَدِيد فتعرضنا للنَّاس فَلم يضفنا أحد فأتيناك فَذهب إِلَى منزله وَعِنْده أَرْبَعَة أعنز فَقَالَ يَا مقداد احلبهن وجزء اللَّبن لكل اثْنَيْنِ جُزْءا
فَلم يأمرهما أَن يأخذا مَا استضافا بِمِقْدَار ضيافتهما مَعَ شدَّة حاجتهما إِلَى ذَلِك فَدلَّ ذَلِك على أَن الضِّيَافَة قد كَانَت غير وَاجِبَة فِي بعض الْأَوْقَات
وروى اللَّيْث عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عَن أبي شُرَيْح الْعَدوي أَنه قَالَ سَمِعت أذناي وأبصرت عَيْنَايَ حِين تكلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قَالَ من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَليُكرم جَاره من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَليُكرم ضَيفه جائزته قَالَ وَمَا جائزته يَا رَسُول الله قَالَ يَوْمه وَلَيْلَته للضيافة ثَلَاث فَمَا كَانَ وَرَاء ذَلِك فَهُوَ صَدَقَة عَلَيْهِ وَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلْيقل خيرا أَو ليصمت
فَأخْبر فِي هَذَا الحَدِيث أَن الضِّيَافَة من كَرَامَة الضَّيْف فَدلَّ على انْتِفَاء(5/230)
وُجُوبهَا وَجَائِز أَن تكون قد كَانَت وَاجِبَة عِنْد الْحَاجة إِلَيْهَا لقلَّة عدد أهل الْإِسْلَام فِي ذَلِك الْوَقْت وتقارب وتباعد مواطنهم أَن يَقع ذَلِك لعُمُوم الْإِسْلَام فِي الْجوَار لِأَن فِي حَدِيث شُرَيْح أَنَّهَا جائزته والجائزة منحة والمنحة إِنَّمَا تكون عَن اخْتِيَاره لَا عَن وجوب
2316 - فِي دين الْمَأْذُون هَل هُوَ فِي رقبته أَو فِي كَسبه
قَالَ أَصْحَابنَا الْمَأْذُون وَكَسبه فِي دُيُون الْغُرَمَاء فَإِن كَانَ الْمولى قد أَخذ مِنْهُ غلَّة عشرَة دَرَاهِم فِي كل شهر لم يرجع عَلَيْهِ الْغُرَمَاء مِنْهَا بِشَيْء فَإِن كَانَ أَخذ أَكثر من ذَلِك رد الْفضل وللغرماء أَن لَا يطلبوا بيع العَبْد ويستسعوه فِي دينهم حَتَّى يستوفوه فَإِن طلبُوا بَيْعه فَبيع بِأَقَلّ من الدّين اقتسموا الثّمن بَينهم بِالْحِصَصِ على قدر دُيُونهم وَلم يكن لَهُم على العَبْد سَبِيل حَتَّى يعْتق فَإِذا عتق أتبعوه بِمَا بَقِي من دينهم
وَقَالَ مَالك لَيْسَ للْغُرَمَاء من خراج العَبْد شَيْء وَلَا من الَّذِي يبْقى فِي يَد العَبْد بعد الْخراج وَإِنَّمَا يكون ذَلِك لَهُم فِي مَال العَبْد إِن وهب للْعَبد مَال أَو تصدق بِهِ عَلَيْهِ إِذْ أوصى لَهُ بِهِ فَقبله العَبْد فَأَما مَا عمله فَلَيْسَ لَهُم فِيهِ قَلِيل وَلَا كثير وَإِنَّمَا يكون دينهم الَّذِي صَار فِي ذمَّة العَبْد فِي مَال العَبْد إِن طَرَأَ للْعَبد مَال يَوْمًا مَا بِحَال مَا وصفت لَك وَإِن عتق العَبْد يَوْمًا مَا كَانَ ذَلِك الدّين يبتع بِهِ وَإِن قبل وَأَخذه سَيّده قِيمَته فَلَا شَيْء لَهُم فِي قِيمَته
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا أعْتقهُ مَوْلَاهُ وَعَلِيهِ دين يضمن قِيمَته ويبيعه غرماؤه بِمَا زَاد على قِيمَته(5/231)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا أذن لَهُ مَوْلَاهُ فِي البيع وَالشِّرَاء فِي مَال مَوْلَاهُ مِمَّا لحقه من دين فَهُوَ من مَال مَوْلَاهُ وَإِن كَانَ إِنَّمَا أذن لَهُ فِي البيع وَالشِّرَاء فِي مَال العَبْد أَو توجه العَبْد ثمَّ لحقه دين فَهُوَ فِي مَال العَبْد وَفِي رقبته وَإِن كَانَ دفع إِلَيْهِ مَالا مُسَمّى فادان فَهُوَ فِيمَا دفع إِلَيْهِ من مَاله وَفِي رَقَبَة العَبْد
وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيّ عَن رجل زوج عَبده حرَّة وَجعل مهرهَا على نَفسه ثمَّ مَاتَ وَلم يدع مَالا غير العَبْد
قَالَ إِن أدّى لَهَا أولياؤه مَا جعل على نَفسه من صداقتها فَهِيَ أَحَق بِهِ مَا أَقَامَت على نِكَاحه وَإِن كَرهُوا ذَلِك أسلموه إِلَيْهَا وَحرمت عَلَيْهِ
وَذكر حميد عَن الْحسن بن صَالح قَالَ إِذا خرق العَبْد ثوب الرجل وأفسد لَهُ شَيْئا أَو اسْتهْلك لَهُ مَالا بِغَيْر أمره فَهُوَ دين فِي رَقَبَة العَبْد يسْعَى فِيهِ فَإِن بَاعه مَوْلَاهُ كَانَ ثمنه فِي دينه وَإِن فضل شَيْء عَن العَبْد لم يتبع بِهِ للْعَبد وَإِن عتق لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ لَهُم ثمنه لَيْسَ لَهُم بعد ذَلِك شَيْء وَكَذَلِكَ كَانَ قَوْله فِي الْمَأْذُون لَهُ إِذا بَاعه مَوْلَاهُ ثمَّ أدّى ثمنه لم يتبع العَبْد بعد ذَلِك بِشَيْء وَإِن عتق
وَذكر عَنهُ الْمُخْتَار قَالَ إِذا قَاطع مَمْلُوكه على الْغلَّة فآجر نَفسه مِمَّا أدّى فَهُوَ فِي رقبته وَإِذا كَانَ سَيّده يؤاجره فَلَيْسَ عَلَيْهِ من دينه شَيْء قَالَ وَإِذا ادان الْمَأْذُون لَهُ ثمَّ جنى فَإِنَّهُ يُخَيّر مَوْلَاهُ فَإِن دَفعه بِجِنَايَتِهِ اتبعهُ دينه وَإِن أعْتقهُ ضمن جِنَايَته وَيتبع الدّين الْمَمْلُوك وَإِن لم يعتقهُ فَلَيْسَ للْغُرَمَاء أَن يبيعوه وَلَكِن يؤاجرونه ولايأخذ مَوْلَاهُ من غَلَّته شَيْئا
وَقَالَ اللَّيْث إِذا كَانَ على الْمَأْذُون دين وعَلى مَوْلَاهُ دين وَقد أفلسا فغرماء العَبْد أولى بِمَال العَبْد من غُرَمَاء الْمولى وَيُبَاع العَبْد لغرماء السَّيِّد
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَهَذَا يُوجب أَلا يُبَاع العَبْد فِي دين نَفسه
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن غراماء العَبْد أَحَق أَن يستسعوه وَأَن يبيعوه من سَيّده وَإِن قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة بدين ومولاه غَائِب بيع فِي دينه(5/232)
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي مُخْتَصر الْمُزنِيّ وَإِذا أذن الرجل لعَبْدِهِ فِي التَّزْوِيج فَتزَوج كَانَ لَهَا الْمهْر مَتى عتق وَفِي إِذْنه لعَبْدِهِ إِذن باكتساب الْمهْر وَالنَّفقَة إِذا وَجَبت عَلَيْهِ فَإِن كَانَ مَأْذُونا لَهُ فِي التِّجَارَة أعْطى مِمَّا فِي يَده
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ فِي العَبْد إِذا اسْتهْلك مَالا لغير مَوْلَاهُ بِغَيْر أَمر مَوْلَاهُ أَن على مَوْلَاهُ بَيْعه فِيهِ لصَاحبه إِلَّا أَن يَشَاء أَن يفْدِيه من مَاله بذلك فَوَجَبَ أَن يكون ذَلِك حكم مَا لزمَه فِي التِّجَارَة بِإِذن مَوْلَاهُ
وَأما قَول الْحسن بن صَالح إِنَّه إِذا بيع فِي الدّين وَفضل دينه عَن الثّمن أَنه لَا يتبع بِهِ بعد الْعتْق فَلَا معنى لَهُ لِأَن الدّين كَانَ على العَبْد لَا على غَيره وَلذَلِك بيع فِيهِ فَلم يثر مِمَّا بَقِي بِالْبيعِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالْقِيَاس أَن يكن الْغُرَمَاء أولى بِمِقْدَار مَا عَلَيْهِ من الْمولى كَسَائِر إكسابه
2317 - فِي صدَاق الْأمة الْمَأْذُون لَهَا أرش يَديهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أذن لَهَا فِي التِّجَارَة ففقأ رجل عينهَا ثمَّ لحقها دين فَإِن الْأَرْش للْمولى وَلَا حق للْغُرَمَاء فِيهِ وَإِن كَانَ الدّين قبل الفقء فالأرش للْغُرَمَاء وَكَذَلِكَ الْوَلَد بِمَنْزِلَة الْأَرْش وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الفاقئ عبدا فَدفع بِهِ فَهُوَ كَالْوَلَدِ
وَقَالَ الْحسن عَن زفر فِي الْمَأْذُون لَهَا يجوز للْمولى أَن يُزَوّجهَا كَانَ عَلَيْهَا دين أَو لم يكن وَالْمهْر للسَّيِّد سوآء زَوجهَا قبل الدّين أَو بعده
قَالَ أَبُو يُوسُف إِن زَوجهَا وَعَلَيْهَا دين فالمهر للْغُرَمَاء وَإِن زَوجهَا قبل أَن يلْحقهَا دين فالمهر للسَّيِّد وَكَذَلِكَ الْوَطْء بِشُبْهَة على هَذَا الْخلاف
قَالَ وَقَالَ زفر لَا يُبَاع وَلَدهَا فِي دينهَا وَهُوَ للسَّيِّد وَلدته قبل الدّين أَو بعده وتباع رقبَتهَا(5/233)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن ولدت قبل أَن يستدين لم تبع وَإِن ولدت بعد الدّين بيع فِي دينهَا
وَذكر سلمَان بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن مُحَمَّد مثل ذَلِك قَالَ مُحَمَّد وَالْكَسْب للْغُرَمَاء سَوَاء مَا كسبته قبل الِاسْتِدَانَة أَو بعْدهَا إِذا لحقها الدّين وَهُوَ فِي يَدهَا ثمَّ يَأْخُذهُ السَّيِّد قبل ذَلِك
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا جرح الْمَأْذُون لَهُ وَعَلِيهِ دين فالأرش للْمولى
وَقَالَ الشَّافِعِي كمعنى قَول مَالك
قَالَ أَبُو جَعْفَر كَمَا كَانَ للْغُرَمَاء بَيْعه فِي دينه كَذَلِك أرش أَعْضَائِهِ وكما يَأْخُذُونَ قِيمَته لَو قتل وَقد دللنا على استحقاقهم بَيْعه فِيمَا سلف وَإِذا كَانَ لَهُم أَخذ قِيمَته وَأرش جِنَايَته كَذَلِك لَهُم أَخذ صَدَاقهَا سَوَاء نَقصهَا الْوَطْء أَو لم ينقصها
وَقَالَ زفر فِي الْوَطْء بِشُبْهَة إِن نَقصهَا وَذَلِكَ بعد الدّين فالمهر للْغُرَمَاء وَإِن كَانَ قبل الدّين فَهُوَ للْمولى وَإِن لم ينقصها فالمهر للْمولى قبل الدّين وَبعده
2318 - فِيمَا وهب للمأذون لَهُ
وَقَالَ أَصْحَابنَا فِيمَا وهب للْعَبد هُوَ كَسَائِر إكسابه الْغُرَمَاء أَحَق بِهِ من الْمولى سَوَاء استفاده قبل الدّين أَو بعده
وَقَالَ الْحسن عَن زفر لَا سَبِيل للْغُرَمَاء على الْهِبَة سَوَاء وهب لَهُ قبل الدّين أَو بعده(5/234)
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره ابْن الْقَاسِم عَنهُ إِذا لحقه دين ووهب لَهُ هبة فَهِيَ للْغُرَمَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَن مَا وهب للْمكَاتب بِمَنْزِلَة سَائِر إكسابه فَكَذَلِك الْمَأْذُون لَهُ يجب أَن يكون مَا وهب لَهُ كَسَائِر إكسابه وَلَيْسَ أرش الْجِنَايَة كالكسب لِأَن ذَلِك ملك للْمولى لم يستفده من جِهَة العَبْد فَلَا يلْحقهُ دين وَجب بعد لُزُومه كَمَا فِي يَده للْمولى
2319 - فِي العَبْد بَين رجلَيْنِ يَأْذَن لَهُ أَحدهمَا فِي التِّجَارَة
قَالَ أَصْحَابنَا فِي عبد بَين رجلَيْنِ أذن لَهُ أَحدهمَا فِي التِّجَارَة إِن ذَلِك جَائِز فِي نصِيبه وَمَا لحقه من الدّين فَهُوَ فِي نصِيبه خَاصَّة دون من لم يَأْذَن وَلَيْسَ للْآخر أَن ينهاه عَن الشِّرَاء وَالْبيع لصَاحبه
وَقَالَ مَالك لَا يجوز لأَحَدهمَا أَن يَأْذَن لَهُ فِي التِّجَارَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما اسْتحق كل وَاحِد مِنْهُمَا استخدامه بالمهايأة كَانَ لَهُ فِي يَوْم نوبَته أَن يَأْذَن لَهُ فِي التِّجَارَة ويستخدمه بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا لِأَن أمره بِالْبيعِ وَالشِّرَاء ضرب من الِاسْتِخْدَام وَإِذا جَازَ ذَلِك ثَبت الدّين فِي نصِيبه فَثَبت أَنه لَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا منع شَرِيكه من الْإِذْن فِي التِّجَارَة كَمَا لَيْسَ لَهُ مَنعه من استخدامه وَمن أمره إِيَّاه بالابتياع لَهُ وَالْبيع عَلَيْهِ لحقه فِيهِ
2320 - فِي الْمَأْذُون عَلَيْهِ دين حَال ومؤجل
قَالَ أَصْحَابنَا الْمَأْذُون إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين حَال لرجل وَلآخر عَلَيْهِ دين مُؤَجل فَأَرَادَ صَاحب الدّين الْحَال بَيْعه فَإِن القَاضِي يَبِيعهُ وَيُعْطِيه حِصَّته من الثّمن وَيدْفَع حِصَّة الْمُؤَجل إِلَى الْمولى فَإِذا حل دفع إِلَيْهِ الْمولى مَا قَبضه(5/235)
فَإِن هلك فِي يَد الْمولى فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَيتبع صَاحب الدّين الْمُؤَجل صَاحب الدّين الْحَال فيشاركه فِيمَا قبض هَذِه رِوَايَة مُحَمَّد من غير خلاف ذكره
وروى الْمُعَلَّى بن مَنْصُور الرَّازِيّ عَن أبي يُوسُف قَالَ إِذا بِعْت العَبْد الْمَأْذُون لَهُ حل كل دين عَلَيْهِ إِلَى أجل وَكَذَلِكَ إِذا حجر عَلَيْهِ الْمولى أَو بَاعه بِإِذن الْغُرَمَاء حل كل دين عَلَيْهِ إِلَى أجل وَإِن أعْتقهُ لم يحل مَا عَلَيْهِ وَكَانَ إِلَى أَجله
وروى الْحسن عَن زفر أَنه إِذا بيع فَإِنَّهُ يُبَاع لَهُم جَمِيعًا فيقسمون ثمنه بَينهم بِالْحِصَصِ من حل دينه وَمن لم يحل وَهُوَ قَول الْحسن
قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُف يُبَاع لَهُم جَمِيعًا بِالْحِصَصِ فيعطي من حل دينه وَمن لم يحل حبس عَلَيْهِ حَتَّى يحل
وَقَالَ مَالك لَا يُبَاع الْمَأْذُون لَهُ فِي الدّين وَلكنه قَالَ فِي الْمُفلس إِذا أفلس فقد حلت دُيُونه
وَقَالَ ابْن صَالح إِذا مَاتَ وَعَلِيهِ دين مُؤَجل حل عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إِذا أفلس حل دينه
وَقَالَ اللَّيْث فِيمَن أفلس وَعَلِيهِ دين إِلَى أجل فَإِنَّهُ يحل دينه قبل الْمَيِّت وَيقسم مَاله بَين غُرَمَائه العاجل والآجل إِلَّا أَن يتَحَمَّل لَهُ الْغُرَمَاء بِدِينِهِ الآجل فَإِن ذَلِك يجوز لَهُم
وَذكر الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره عَن الشَّافِعِي قَالَ وَقد ذهب بعض المفتيين إِلَى أَن دُيُون الْمُفلس إِلَى أجل تحل حلولها على الْمَيِّت وَقد يحْتَمل أَن يُؤَخر الْمُؤخر عَنهُ لِأَن لَهُ ذمَّة وَقد يملك وَالْمَيِّت قد بطلت ذمَّته وَلَا يملك بعد مَوته الدّين
قَالَ الْمُزنِيّ هَذَا أصح وَبِه قَالَ فِي الْإِمْلَاء(5/236)
وَذكر الْبُوَيْطِيّ عَنهُ فِي مُخْتَصره وَأَجَازَهُ لنا الرّبيع عَن الشَّافِعِي قَالَ وَمن مَاتَ أَو أفلس فقد حل دينه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يخْتَلف من أوجب بيع العَبْد فِي الدّين أَن الثّمن مقسوم بَين صَاحب الْحَال وَصَاحب الْمُؤَجل وَجب أَن لَا تكون حِصَّة الْمُؤَجل محبوسة عَنهُ لِأَنَّهُ قد بَطل ذَلِك الدّين من الذِّمَّة وَصَارَ فِي الْعين والآجال لَا تثبت إِلَّا فِي دُيُون فِي الذِّمَّة وَلَا تثبت فِي الْأَعْيَان أَلا ترى أَنه لَو بَاعَ عبدا بكر حِنْطَة بِعَينهَا إِلَى أجل كَانَ البيع فَاسِدا وَإِن بَاعه بكر فِي الذِّمَّة إِلَى أجل جَازَ فَكَذَلِك حِصَّة الدّين الْمُؤَجل لما تحولت فِي الْعين وَجب أَن يبطل الْأَجَل فِيهَا
قَالَ وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن إِذا كَانَ على العَبْد دين مُؤَجل فَبَاعَهُ مَوْلَاهُ أَن بَيْعه جَائِز وَلَيْسَ للْغُرَمَاء على الْمولى سَبِيل فِي الثّمن فَإِذا حل دينهم ضمنوه الْقيمَة وَكَذَلِكَ لَو وهبه جَازَت هِبته وَضمن قِيمَته إِذا حل الدّين وَإِن توى مَا على الْمولى من الْقيمَة لم يكن لَهُم على العَبْد وَلَا على الْمَوْهُوب لَهُ سَبِيل قَالَ ذَلِك فِي الْمَأْذُون الْكَبِير
وَقَالَ ابْن سَمَّاعَة عَنهُ فِي نوادره وَكَذَلِكَ الثّمن بَين رجلَيْنِ رُوِيَ عَنهُ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَن للْغُرَمَاء أَن يبطلوا بيع الْمولى وهبته بديونهم الآجلة كَمَا يكون لَهُم إِبْطَالهَا بديونهم العاجلة
قَالَ ابْن سَمَّاعَة عَنهُ وَإِنَّمَا كَانَ لَهُم أَن يبطلوا بَيْعه لِأَن دُيُونهم الآجلة فِي ذمَّته كالعاجلة وَإِن لم يكن لَهُم الْمُطَالبَة بِهِ كَالرَّهْنِ بِالدّينِ الْمُؤَجل أَنه لَيْسَ للرَّاهِن بَيْعه أَلا ترى أَنه يجوز إِبْرَاء الْغُرَمَاء مِنْهَا
2321 - فِي كَيْفيَّة الْحجر على العَبْد
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يكون الْحجر على الْمَأْذُون لَهُ إِلَّا فِي أهل سوقه وَلَا يكون الْحجر عَلَيْهِ فِي بَيِّنَة حجرا وَكَذَلِكَ الصَّبِي وَالْمَعْتُوه(5/237)
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره ابْن الْقَاسِم عَنهُ فِي الرجل يحْجر على وليه قَالَ لَا يحْجر عَلَيْهِ إِلَّا عِنْد السُّلْطَان فَيكون السُّلْطَان هُوَ الَّذِي يوقفه للنَّاس ويشيع بِهِ فِي مَجْلِسه وَيشْهد على ذَلِك فَمن بَاعه أَو ابْتَاعَ مِنْهُ بعد ذَلِك فَهُوَ مَرْدُود
وَقَالَ فِي الرجل الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة إِذا أَرَادَ أَن يحْجر عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ السُّلْطَان حَتَّى يكون السُّلْطَان هُوَ الَّذِي يوقفه للنَّاس
وَقَالَ مَالك وَمن ذَلِك أَن يَأْمر بِهِ السُّلْطَان ليطاف بِهِ ليعلم النَّاس مِنْهُ ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اتَّفقُوا أَن الْحجر لَيْسَ بِمَنْزِلَة الْعَزْل عَن الْوكَالَة الَّذِي يَصح بَين الْمولى وَبَين العَبْد الْوَكِيل فَيشْتَرط أَصْحَابنَا إِظْهَاره واشتهاره وَشرط مَالك السُّلْطَان وَقد اتَّفقُوا على صِحَة الْإِذْن بِغَيْر سُلْطَان فَكَذَلِك فَسخه كفسخ الْعُقُود الَّتِي تصح ابْتِدَاؤُهَا بِغَيْر سُلْطَان فَكَانَ فَسخهَا كابتدائها مثل البيع وَالْإِجَارَة وَالنِّكَاح وَمَا لم يَصح ابتداؤه إِلَّا بالسلطان كَانَ كَذَلِك أَجله مثل أجل الْعنين لَا يَصح إِلَّا بالسلطان فَكَذَلِك خِيَار الْمَرْأَة فِيهِ بعد الْأَجَل لَا يثبت إِلَّا بالسلطان فَوَجَبَ أَن يكون الْحجر جَائِزا دون السُّلْطَان كالإذن
2322 - فِي إِذن الصَّغِير فِي التِّجَارَة
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز للْأَب أَن يَأْذَن لِابْنِهِ الصَّغِير فِي التِّجَارَة إِذا كَانَ يعقل الشِّرَاء وَالْبيع وَكَذَلِكَ الْوَصِيّ فِي الْأَب وَيكون بِمَنْزِلَة العَبْد الْمَأْذُون لَهُ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا أرى إِذن الْأَب وَالْوَصِيّ للصَّبِيّ فِي التِّجَارَة جَائِزا وَإِن لحقه فِي ذَلِك لم يلْزمه الصَّبِي مِنْهُ شَيْء
وَقَالَ الْحسن بن صَالح فِي الصَّبِي يَأْذَن لَهُ أَبوهُ فِي التِّجَارَة فِيهِ إِن دينا أَنه(5/238)
يكون عَلَيْهِ فِي مَاله فَإِن لم يكن لَهُ مَال كَانَ عَلَيْهِ دينا يُؤْخَذ بِهِ مِمَّا وجد لَهُ مَال صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي فِي كِتَابه فِي الْإِقْرَار وَمَا أقرّ بِهِ الصَّبِي من حق الله تَعَالَى أَو لآدَمِيّ أَو حق فِي مَال أَو غَيره فَإِقْرَاره سَاقِط عَنهُ وَسَوَاء كَانَ الصَّبِي مَأْذُونا لَهُ فِي التِّجَارَة أذن لَهُ أَبوهُ أَو وليه من كَانَ أَو حَاكم وَلَا يجوز للْحَاكِم أَن يَأْذَن لَهُ فَإِن فعل فَإِقْرَاره سَاقِط عَنهُ وَكَذَلِكَ شِرَاؤُهُ وَبيعه مفسوخ وَلَو أجزت إِقْرَاره فِي التِّجَارَة أجزت أَن يَأْذَن لَهُ بِطَلَاق امْرَأَته أَو يَأْمُرهُ فيقذف رجلا فأحده أَو يخرج فاقتص مِنْهُ فَكَانَ بِهَذَا وأشباهه أولى أَن يلْزمه من إِقْرَاره لَو أذن لَهُ فِي التِّجَارَة لَيْسَ بِإِذن لَهُ بِالْإِقْرَارِ بِعَيْنِه وَلَكِن لَا يلْزمه شَيْء من هَذَا كَمَا يلْزم الْبَالِغ بِحَال
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمر بن أبي سَلمَة وَهُوَ صَغِير بتزويج أم سَلمَة إِيَّاه وَقد ذَكرْنَاهُ فِي كتاب الْوكَالَة فَدلَّ على أَن الصَّغِير الَّذِي لَا تجوز أَقْوَاله إِذا أطلق لَهُ غَيره أَقْوَاله لَهُ عَادَتْ أَقْوَاله إِلَى غير مَا كَانَت عَلَيْهِ حَالهَا قبل ذَلِك من بُطْلَانهَا وَإِذا عملت أَقْوَاله لغيره بأَمْره كَانَت أَقْوَاله لنَفسِهِ بِأَمْر من يملك ذَلِك أولى بِالْجَوَازِ
وَقَالَ الله تَعَالَى {وابتلوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح} النِّسَاء 6 والإبتلاء الإختبار والإختبار قد يكون فِي عُقُولهمْ ومذاهبهم وَفِي حرفهم فِيمَا يبيعون ويبتاعون
وَفِي ذَلِك دَلِيل على جَوَاز إِذن وليه لَهُ فِي التِّجَارَة
آخر الْمَأْذُون
تمّ الْمُخْتَصر وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
وَقع الْفَرَاغ من قِرَاءَته وتفهمه سلخ الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة(5/239)