وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره ابْن الْقَاسِم أَنه يحلف أَربع شَهَادَات فَيَقُول تا لله رَأَيْتهَا تَزني أشهد بِاللَّه رَأَيْتهَا تَزني وَالْخَامِسَة لعنة الله عَليّ إِن كنت من الْكَاذِبين وَتقول هِيَ أشهد بِاللَّه مَا رَآنِي أزني وَتقول ذَلِك أَربع مَرَّات وَالْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين
وَقَالَ الثَّوْريّ يشْهد أَربع شَهَادَات بِاللَّه إِنَّه لمن الصَّادِقين وَالْخَامِسَة أَن لعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين
وَتشهد الْمَرْأَة أَربع شَهَادَات بِاللَّه إِنَّه لمن الْكَاذِبين وَالْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين
وَقَالَ الشَّافِعِي يَقُول أشهد بِاللَّه إِنِّي لمن الصَّادِقين فِيمَا رميت بِهِ زَوْجَتي فُلَانُهُ بنت فلَان وَيُشِير إِلَيْهَا إِن كَانَت حَاضِرَة وَيَقُول ذَلِك أَربع مَرَّات ثمَّ يقعده الإِمَام ويذكره الله تَعَالَى وَيَقُول إِنِّي أَخَاف إِن لم تكن صدقت أَن تبوأ بلعنة الله فَإِن رَآهُ يُرِيد أَن يمْضِي أَمر من يضع يَده على فِيهِ يَقُول إِن قَوْلك ولعنة الله عَليّ إِن كنت لمن الْكَاذِبين مُوجبَة إِن كنت كَاذِبًا فَإِن أبي تَركه فَيَقُول ولعنة الله عَليّ إِن كنت لمن الْكَاذِبين فِيمَا رميت بِهِ فُلَانُهُ من الزِّنَا فَإِن قَذفهَا بِأحد يُسَمِّيه بِعَيْنِه وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ قَالَ مَعَ كل شَهَادَة إِنِّي لمن الصَّادِقين فِيمَا رميتها بِهِ من الزِّنَا بفلان أَو فلَان وَفُلَان فَإِن نفى وَلَدهَا قَالَ مَعَ كل شَهَادَة أشهد بِاللَّه إِنِّي لمن الصَّادِقين فِيمَا رميتها بِهِ من الزِّنَا وَإِن هَذَا الْوَلَد لولد زنا مَا هُوَ مني فَإِذا قَالَ هَذَا فقد فرغ من الالتعان
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول مَالك أشهد بِاللَّه لزنت لَا معنى لَهُ لِأَنَّهُ يجوز أَن تكون زنت سوى الزِّنَا الَّذِي ذكره كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي الالتعان وَإِنَّمَا أَمر بالالتعان بذلك الْفرق بِعَيْنِه لَا بِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ أَصْحَابنَا(2/504)
1050 - فِي الْفرْقَة بِاللّعانِ
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تقع الْفرْقَة بعد فراغهما من اللّعان حَتَّى يفرق الْحَاكِم
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث وَزفر إِذا فرغا من اللّعان وَقعت الْفرْقَة وَإِن لم يفرق الْحَاكِم (191 أ)
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ لَا تقع الْفرْقَة بِلعان الزَّوْج وَحده
وَقَالَ عُثْمَان البتي لَا أرى ملاعنة الزَّوْج امْرَأَته ينقص شَيْئا وَأحب إِلَيّ أَن ينْطَلق
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أكمل الزَّوْج الشَّهَادَة والالتعان فقد زَالَ فرَاش امْرَأَته وَلَا تحل لَهُ أبدا التعنت أَو لم تلتعن
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول البتي لم نجده عَن أحد من أهل الْعلم سواهُ وَقد روى ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرق بَين المتلاعنين وَألْحق الْوَلَد بِالْمَرْأَةِ
فَقَالَ قَائِل مِمَّن يذهب إِلَى قَول البتي إِنَّمَا كَانَ ذَلِك فِي قصَّة الْعجْلَاني وَكَانَ طَلقهَا ثَلَاثًا بعد اللّعان فَلذَلِك فرق بَينهمَا
وَقد روى ابْن شهَاب عَن سهل بن سعد قَالَ فَطلقهَا الْعجْلَاني ثَلَاث تَطْلِيقَات بعد فراغهما من اللّعان فأنفذه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(2/505)
وَحَدِيث ابْن عمر أَيْضا إِنَّمَا فِي قصَّة الْعجْلَاني
قَالَ أَبُو جَعْفَر يحْتَمل أَن يَصح الحديثان بِأَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرق بَينهمَا بعد اللّعان ثمَّ طَلقهَا ثَلَاثًا حَتَّى يكون تَفْرِيق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاقعا موقعه على مَا روى فِي الْخَبَر وَقد قَالَ الْأَكْثَر لَا يجوز أَن يمْسِكهَا وَيفرق بَينهمَا وَاسْتحبَّ عُثْمَان البتي أَيْضا الطَّلَاق بعد اللّعان وَلم يستحبه قبل ذَلِك فَعلم أَن اللّعان قد أحدث حكما فِي التَّفْرِيق
وَأما قَول الشَّافِعِي فخلاف الْآيَة لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} النُّور 6 ثمَّ ذكر الْقِصَّة وعَلى قَوْله يَنْبَغِي أَن يلاعنه وَهِي غير زَوْجَة وَقد اتَّفقُوا أَن من طلق امْرَأَته ثمَّ أَبَانهَا ثمَّ قَذفهَا بِغَيْر ولد أَنه يُلَاعن لِأَنَّهَا لَيست زَوْجَة وَكَذَلِكَ الَّتِي بَانَتْ بِلعان الزَّوْج لم يجز لعان الْمَرْأَة
1051 - فِي المتلاعنين يَجْتَمِعَانِ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد إِذا كذب نَفسه وَجلد الْحَد فَلهُ أَن يَتَزَوَّجهَا
وَقَالَ زفر وَأَبُو يُوسُف وَمَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ لايجتمعان أبدا
وَعَن سعيد بن جُبَير أَنه إِذا كذب نَفسه ردَّتْ إِلَيْهِ امْرَأَته مَا كَانَت فِي الْعدة
وَهُوَ رَاوِي حَدِيث ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للعجلاني بعد اللّعان لَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا(2/506)
وروى الزُّهْرِيّ حَدِيث سهل بن سعد فِي قصَّة المتلاعنين وَقَالَ فِيهِ فمضت السّنة أَنَّهُمَا إِذا تلاعنا فرق بَينهَا ثمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أبدا
ثمَّ روى عَنهُ يُونُس أَنه قَالَ لَا يراجعان أبدا إِلَّا أَن يكذب نَفسه فيجلد الْحَد وَتظهر بداءتها فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن تراجعا
فَدلَّ أَن معنى قَوْله لَا يَجْتَمِعَانِ أبدا إِنَّمَا هُوَ مَا كَانَ مُقيما على اللّعان
وروى عَن سعيد بن الْمسيب أَنه إِذا كذب نَفسه ردَّتْ إِلَيْهِ امْرَأَته
وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه إِذا ضرب الْحَد فَهُوَ خَاطب من الْخطاب
1052 - إذاجاءت بعد اللّعان بِولد (191 ب)
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا لَاعن بعد الدُّخُول لزمَه نسب وَلَدهَا مَا بَينه وَبَين سنتَيْن وَإِن لم يدْخل فلأقل من سِتَّة أشهر
وَقَالَ مَالك إِذا رأى امْرَأَته تَزني فَهُوَ فِي ذَلِك يَطَأهَا بعد الرُّؤْيَة فَإِنَّهُ إِن وطأ بعد الرُّؤْيَة أكذب قَوْله وَجلد الْحَد وَألْحق بِهِ الْوَلَد وَإِن كَانَت حَامِلا من زَوجهَا وَهِي فِي تِسْعَة أشهر فَقَالَ رَأَيْتهَا تَزني وجامعتها مُنْذُ رَأَيْتهَا تَزني فَإِنَّهُ يلتعن ويلتحق بِهِ الْوَلَد إِذا كَانَ حملهَا بَينا مشهودا عَلَيْهِ أَو مقرّ بِهِ قبل ذَلِك
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِن لاعنها فَلم ير الْوَلَد فَإِن قَالَ لم أطأها بعد طهر فَلَيْسَ لَهُ وَإِن اقر بِوَطْء فِي ذَلِك الطُّهْر ألحقته بِهِ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا لاعنها عَن الرُّؤْيَة ثمَّ ظهر بهَا حمل بعد ذَلِك فَأنكرهُ وَقَالَت هُوَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يلاعنها لنفيه الْوَلَد(2/507)
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن كَانَت حَامِلا فَأَخْطَأَ الْحَاكِم فَلم يذكر نفي الْوَلَد أَو الْحمل فِي اللّعان حَتَّى فرغ من اللّعان فَإِنَّهُ يَقُول للزَّوْج إِن أردْت نَفْيه أعدت اللّعان وَلَا تعيد الْمَرْأَة بعد إِعَادَة الزَّوْج اللّعان إِن كَانَت فرغت مِنْهُ بعد التعان الزَّوْج الَّذِي أغفل فِيهِ الْحَاكِم نفي الْوَلَد أَو الْحمل
1053 - إِذا اتّفق الزَّوْجَانِ أَن الْوَلَد لَيْسَ مِنْهُ
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يَنْتَفِي الْوَلَد مِنْهُ إِلَّا بِاللّعانِ وَلَيْسَ فِي هَذَا لعان لِأَنَّهَا صدقته فَلَا يَنْفِي نسب الْوَلَد مِنْهُ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث إِذا تصادق الزَّوْجَانِ على أَنَّهَا وَلدته وَأَنه لَيْسَ مِنْهُ لم يلْزمه الولدوتحد الْمَرْأَة
قَالَ مَالك فِيمَا ذكره ابْن الْقَاسِم لَو شهد أَرْبَعَة على امْرَأَة أَنَّهَا زنت مُنْذُ أَرْبَعَة أشهر وَهِي حَامِل وَقد غَابَ زَوجهَا مُنْذُ أَرْبَعَة أشهر فأخرها الإِمَام حَتَّى وضعت ثمَّ رَجمهَا فَقدم زَوجهَا بَعْدَمَا رجمت فَانْتفى من وَلَده وَقَالَ قد كنت استبرأتها وينفي بِهِ الْوَلَد عَن نَفسه وَلَا يَنْفِيه هَا هُنَا إِلَّا بِاللّعانِ
1054 - فِي لعان الْأَخْرَس
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قذف الْأَخْرَس امْرَأَته بِإِشَارَة لم يحد وَلم يُلَاعن
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا قذف امْرَأَته وَهِي خرساء لحق بِهِ وَلَدهَا وَلَا حد عَلَيْهِ وَلَا لعان(2/508)
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يُلَاعن إِذا قذف امْرَأَته بِالْإِشَارَةِ
1055 - فِي إباء الزَّوْجَيْنِ اللّعان
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا نكل عَن اللّعان حبس حَتَّى يُلَاعن
وَقَالَ مَالك وَالْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ أَيهمَا نكل حد للقذف وَإِن نكلت هِيَ حدت للزِّنَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحل دم امْرِئ مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث زنا بعد إِحْصَان وَكفر بعد إِيمَان أَو قتل بِغَيْر نفس فنفى (192 أ) وجوب الْقَتْل إِلَّا بِمَا ذكر والنكول عَن اللّعان خَارج من ذَلِك فَلَا يجب بِهِ رَجمهَا وَإِذا لم يجب الرَّجْم إِذا كَانَت مُحصنَة لم يجب الْجلد فِي غير الْمُحصن لِأَن أحدا لم يفرق بَينهمَا
فَإِن قيل قَوْله امْرِئ مُسلم يتَنَاوَل الرجل دون الْمَرْأَة
قيل لَهُ لَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ للْجِنْس كَقَوْلِه تَعَالَى {إِن امْرُؤ هلك لَيْسَ لَهُ ولد} النِّسَاء 76 وَقَوله {يَوْم يفر الْمَرْء من أَخِيه} عبس 34(2/509)
1056 - فِي نفي الْحمل
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا قَالَ هَذَا الْحمل لَيْسَ مني لم يكن قَاذِفا لَهَا فَإِن ولدت بعد يَوْم لم يُلَاعن حَتَّى يَنْفِيه بعد الْولادَة وَهُوَ قَول زفر
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن جَاءَت بِهِ بعد هَذَا القَوْل لأَقل من سِتَّة أشهر لَاعن
وَقد رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه يلاعنها قبل الْولادَة
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يُلَاعن بِالْحملِ
وَذكر عَنهُ الرّبيع أَنه يُلَاعن حِين تَلد
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عَبدة عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَاعن بِالْحملِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا حَدِيث اخْتَصَرَهُ عَبدة أَخطَأ فِي اختصاره وَأَصله عَن عِيسَى بن يُونُس وَجَرِير جَمِيعًا عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله قَالَ أَرَأَيْتُم إِن وجد رجل مَعَ امْرَأَته رجلا فَإِن هُوَ قَتله قَتَلْتُمُوهُ وَإِن هُوَ تكلم جلدتموه وَإِن سكت سكت على غيظ فأنزلت آيَة اللّعان فَابْتلى بِهِ فجَاء إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلاعن عَن امْرَأَته
فَلم يذكر فِيهِ الْحمل وَلَا أَنه لَاعن بِالْحملِ وَهَذَا عندنَا لِأَنَّهُ قَذفهَا فلاعن بِالْقَذْفِ
وروى ابْن جريج عَن يحيى بن سعيد عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا لي عهد بأهلي مُنْذُ عقرنا النّخل فَوجدت مَعَ امْرَأَتي رجلا مصفرا حمشا سبط الشّعْر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ بَين ثمَّ لَاعن بَينهمَا فَجَاءَت بِهِ يشبه الَّذِي رميت بِهِ(2/510)
وَقد غلط ابْن جريج فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث وَمَتنه أما إِسْنَاده فقد رَوَاهُ سُلَيْمَان بن بِلَال وَاللَّيْث وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن يحيى بن سعيد عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه فأدخلو بَين يحيى وَبَين الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه
وَأما الْمَتْن فَإِنَّهُم رووا أَنَّهَا وضعت ولدا يشبه الَّذِي رميت بِهِ فلاعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا
فَأخْبرُوا أَن اللّعان كَانَ بعد الْوَضع
فَإِن قيل روى أنس أَن هِلَال بن أُميَّة قذف امْرَأَته بِشريك بن سَحْمَاء فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انظروها فَإِن جَاءَت بِهِ على وصف فَهُوَ لهِلَال وَإِن جَاءَت بِهِ على وصف آخر ذكره فَهُوَ لِشَرِيك فَجَاءَت بِهِ على الْوَصْف الْمَكْرُوه (192 ب)
فَلم يُخرجهُ من نسب هِلَال إِلَّا وَقد تقدمه لعان
قيل لَهُ هَذَا مِمَّا يجوز حمل الْخَبَر عَلَيْهِ لِأَن الزَّانِي لَا يلْحق بِهِ النّسَب قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وللعاهر الْحجر وَإِنَّمَا يَقع هَذَا على تنَافِي الْقلب من قرب الشُّبْهَة وَبعده
1057 - فِيمَن يقر بِالْوَلَدِ أَنه مِنْهُ ثمَّ يَنْفِيه
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أقرّ بِولد زَوجته أَنه مِنْهُ ثمَّ نَفَاهُ لاعنها وَالْولد لَهُ وَهَذَا قَول الثَّوْريّ(2/511)
وَقَالَ مَالك إِذا ظهر بهَا حمل فَلم ينتف مِنْهُ حَتَّى وضعت ثمَّ نَفَاهُ فَإِنَّهُ يجلد الْحَد
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالشَّافِعِيّ إذاأقر بِهِ ثمَّ نَفَاهُ ضرب الْحَد
1058 - إِذا ولدت وَلدين فَأقر بِأَحَدِهِمَا وَنفى الآخر
قَالَ أَصْحَابنَا يلْزمه الْولدَان ويلاعن إِذا ولدتهما فِي بطن وَاحِد وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَقِيَاس قَول مَالك أَن يحد الزَّوْج
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن كَانَ نَفْيه بِقَذْف لأمه فَعَلَيهِ الْحَد لَهَا
1059 - فِي موت أحد الزَّوْجَيْنِ بعد الْقَذْف وَاللّعان قبل الْفرْقَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا التعناولم يفرق بَينهمَا حَتَّى مَاتَ أَحدهمَا وَرثهُ الآخر
وَقَالَ مَالك يتوارثان مَا لم يتم اللّعان بَينهمَا فَإِن مَاتَ الزَّوْج بعد اللّعان وَبقيت الْمَرْأَة قيل لهاالتعني فادرئي عَن نَفسك الْحَد وَلَا مِيرَاث لَك وَإِن أَبيت اللّعان أَو كذبت نَفسك أقيم عَلَيْك الْحَد وَكَانَ لَك الْمِيرَاث
وَقَالَ اللَّيْث يتوارثان حَتَّى يفرغا من اللّعان
وَقَالَ الشَّافِعِي أَيهمَا مَاتَ قبل تَكْمِيل الزَّوْج اللّعان وَرثهُ صَاحبه وَالْولد غير منفي حَتَّى يكمل ذَلِك كُله فَإِن امْتنع أَن يكمل اللّعان حد(2/512)
1060 - فِيمَن لَاعن ثمَّ ولدت آخر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا لَاعن امْرَأَته بِولد فنفاه الْحَاكِم وَفرق بَينهمَا ثمَّ ولدت آخر بعد يَوْم لزمَه الْولدَان جَمِيعًا وَاللّعان مَاض على حَاله وَإِن أقرّ بهما فَلَا حد عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَادِق بقوله هما ابناي
فَإِن قَالَ ليسَا بِابْني كَانَا ابنيه وَلَا حد عَلَيْهِ
وَقَالَ زفر إِذا نفاهما بعد ذَلِك فَعَلَيهِ الْحَد
وَقِيَاس قَول مَالك ذكره ابْن الْقَاسِم أَن الثَّانِي مُتَيَقن لِأَنَّهُ حمل وَاحِد
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا ولدت آخر بعد مُدَّة يَوْم فأقد بِهِ لزماه جَمِيعًا وَعَلِيهِ الْحَد إِن كَانَ قَذفهَا وَإِن لم ينفه وَإِن نَفَاهُ التعن وينفيه
1061 - فِي الْمُطلقَة يَنْفِي وَلَدهَا
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَا حَكَاهُ ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد فِي رجل طلق امْرَأَته تَطْلِيقَة يملك الرّجْعَة فَجَاءَت بِولد بعد سنة فنفاه يضْرب الْحَد لِأَنَّهُ قَذفهَا وَهِي أَجْنَبِيَّة
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا بَانَتْ مِنْهُ ثمَّ أنكر حملهَا لاعنها إِن كَانَ (193 أ) حملهَا يشْتَبه أَن يكون مِنْهُ وَإِن قَذفهَا بعد الطَّلَاق الثَّلَاث وَهِي حَامِل يقر بحملها ثمَّ زعم أَنه رَآهَا تَزني قبل أَن يفارقها حد وَلم يُلَاعن وَإِن أنكر حملهَا بعد أَن طَلقهَا ثَلَاثًا لاعنها
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أنكر حملهَا بعد أَن طَلقهَا ثَلَاثًا لاعنها
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أنكر حملهَا بعد الْبَيْنُونَة لَاعن
وَلَو قَذفهَا بِالزِّنَا بعد أَن بَانَتْ مِنْهُ وَذكر أَنه رأى عَلَيْهَا رجلا قبل طَلَاقه إِيَّاهَا جلد الْحَد وَلم يُلَاعن(2/513)
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا ادَّعَت الْمَرْأَة حملا فِي عدتهَا وَأنكر الَّذِي تَعْتَد مِنْهُ لاعنها فإت كَانَت فِي غير عدَّة جلد وَلحق بِهِ الْوَلَد
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن كَانَت امْرَأَة مغلوبة على عقلهَا فنفى زَوجهَا وَلَدهَا التعن وَوَقعت الْفرْقَة وانتفى الْوَلَد وَإِن مَاتَت الْمَرْأَة قبل اللّعان وطالب وَليهَا زَوجهَا كَانَ عَلَيْهِ أَن يلتعن وَلَو مَاتَت ثمَّ قَذفهَا حد وَلَا لعان إِلَّا أَن يَنْتَفِي بِهِ وَلَدهَا أَو حملا فيلتعن
1062 - فِيمَن قذف مرأته ثمَّ طَلقهَا ثَلَاثًا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا بَانَتْ مِنْهُ بعد الْقَذْف بِطَلَاق أَو غَيره فَلَا حد عَلَيْهِ وَلَا لعان وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث والشافي يُلَاعن
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا قَذفهَا وَهِي حَامِل ثمَّ ولدت قبل أَن يلاعنها فَمَاتَتْ لزمَه الْوَلَد وَضرب الْحَد وَإِن لَاعن الزَّوْج وَلم تلتعن الْمَرْأَة حَتَّى تَمُوت ضرب الْحَد ويتوارثان
وَإِن طَلقهَا وَهِي حَامِل وقذفها فَوضعت حملهَا قبل أَن يلاعنها لم يُلَاعن وَضرب الْحَد
قَالَ أَبُو جَعْفَر أوجب الله تَعَالَى اللّعان بَين الزَّوْجَيْنِ وَأوجب على قَاذف الْأَجْنَبِيَّة الْحَد فَمَتَى زَالَت الزَّوْجَة سقط اللّعان
ألاترى أَن شُهُودًا لَو شهدُوا بزنا فَحكم الْحَاكِم بِشَهَادَتِهِم ثمَّ رجعُوا سقط الْحَد وَكَانَ ذَلِك شُبْهَة فِي سُقُوطه وَإِن لم يجب مثله فِي الْأُصُول فَوَجَبَ أَن يكون حُدُوثه قبل اللّعان مسْقطًا لَهُ(2/514)
فَإِن قيل إِنَّه لَو قَذفهَا وَهِي اجنبية ثمَّ تزَوجهَا لم ينْتَقل إِلَى اللّعان كَذَلِك إِذا قذف وَهِي زَوْجَة ثمَّ بَانَتْ لم يبطل اللّعان
قيل لَهُ التَّزْوِيج قد يجب فِيهِ اللّعان وَقد يجب فِيهِ الْحَد أَلا ترى أَنه لَو أكذب نَفسه وَجب الْحَد فِي حَال النِّكَاح وَفِي غير حَال النِّكَاح لَا يجب فِيهِ اللّعان بِحَال
1063 - إِذا ادّعى الْوَلَد بعد اللّعان والفرقة
قَالَ أَصْحَابنَا يلْحق بِهِ النّسَب إِن كَانَ حَيا وَإِن كَانَ مَيتا لم يثبت وَيضْرب الْحَد فَإِن كَانَ الْوَلَد قد ترك ولدا ثَبت النّسَب بدعوته
وَذكر أَبُو جَعْفَر أَن فِي كتاب الْوَلَاء من الْأُصُول أَن الْوَلَد الْملَاعن بِهِ (193 ب) إِن ترك ابْن ابْن أَو ابْن بنت فدعوته جَائِزَة فِي قَول أبي حنيفَة وَلَا تجوز إذاكان لَهُ ابْن بنت
قَالَ أَبُو بكر وَهُوَ على خلاف مَا ذكره
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ الْوَلَد الْملَاعن بِهِ مَيتا لم يصدق على الدعْوَة وحد وَإِن كَانَ الْمَيِّت لَهُ ولد صدق وحد
وَقَالَ الشَّافِعِي يصدق ترك الْمَيِّت ولدا أَو لم يتْرك
1064 - فِي أَرْبَعَة شهدُوا على امْرَأَة بِالزِّنَا أحدهم زَوجهَا
قَالَ أَصْحَابنَا تجوز شَهَادَتهم وأقيم الْحَد على الْمَرْأَة
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يُلَاعن الزَّوْج وَيحد الثَّلَاثَة(2/515)
وَعَن الْأَوْزَاعِيّ رِوَايَتَانِ
وروى نَحْو قَوْلنَا عَن الْحسن وَالشعْبِيّ
وروى عَن ابْن عَبَّاس أَن الزَّوْج يُلَاعن وَيحد الثَّلَاثَة
1065 - فِيمَن نفى ولد امْرَأَته فَلم يُلَاعن حَتَّى مَاتَ الْوَلَد
قَالَ أَصْحَابنَا يُلَاعن ولاينتفي الْوَلَد
وَكَذَلِكَ الشَّافِعِي على مَا دلّ عَلَيْهِ قَوْله
1066 - فِي الْمُلَاعنَة يقذفها أَجْنَبِي
قَالَ أَصْحَابنَا فِي رجل لَاعن امْرَأَته بِولد فقذفها إِنْسَان فَلَا حد عَلَيْهِ وَإِن لاعنها بِغَيْر ولد فقذفها إِنْسَان فَعَلَيهِ الْحَد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يحد قاذفها لاعنت بِولد أَو بِغَيْر ولد وَهُوَ قَول مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
1067 - فِي الْقَذْف الْمُوجب اللّعان
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ للْمَرْأَة يَا زَان فَعَلَيهِ اللّعان وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ أَصْحَابنَا إِذا نفى نسب ولد زَوْجَة فَعَلَيهِ اللّعان
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجب اللّعان حَتَّى يَقُول لَهَا جَاءَت بِهِ من الزِّنَا آخر كتاب الطَّلَاق(2/516)
= كتاب الْبيُوع =
أَبْوَاب السّلم
1068 - فِي ترك مَكَان الْقَبْض
قَالَ أَبُو حنفية لَا يجوز فِيمَا لَهُ حمل وَمؤنَة إِلَّا أَن يشْتَرط تَسْلِيمه مَكَانا مَعْلُوما وَهُوَ قَول زفر وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن لم يكن لَهُ حمل أَو مُؤنَة جَازَ وَإِن لم يشْتَرط مَكَانا وتسليمه حَيْثُ مَا لقِيه وَرُوِيَ عَنهُ أَنه يُسلمهُ فِي مَوضِع العقد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يُسلمهُ فِي مَوضِع العقد فِيمَا لَهُ حمل أَو مُؤنَة وَفِيمَا لاحمل لَهُ إِذا لم يشْتَرط مَكَانا غَيره
وَالسّلم جَائِز وَهُوَ قَول شريك وَالْحسن بن حَيّ وَعبيد الله بن الْحسن
وَقَالَ مَالك إِذا شَرط أَن يُوفيه بِمصْر فَهُوَ فَاسد وَإِن شَرط أَن يُوفيه بالفسطاط جَازَ ويوفيه فِي سوق الطَّعَام وَكَذَلِكَ جَمِيع السّلم إِذا كَانَ لَهَا أسواق قَائِمَة فَإِنَّمَا يُوفيه فِي أسواقها(3/5)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يجوز السّلم وَإِن لم يشرط موضعا وَيَأْخُذهُ فِي منزله إِلَّا أَن يشْتَرط الْمَكَان فَإِن انْتقل من بَلْدَة أَخذه بِهِ حَيْثُ كَانَ منزله حِين أسلفه
1069 - فِي ترك الْأَجَل
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك لَا يجوز إِلَّا مُؤَجّلا
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز
1070 - فِي مُدَّة الْأَجَل
قَالَ سَمِعت ابْن أبي عمرَان يَقُول لَا يكون الْأَجَل فِي السّلم إِلَّا ثَلَاثَة أَيَّام فَصَاعِدا وَهُوَ قَول أَصْحَابنَا وَلم أَجِدهُ فِي شَيْء من رواياتهم
وَذكر بعض أَصْحَاب زفر أَنه لَو أسلم إِلَى نصف النَّهَار جَازَ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الرجل يبْتَاع الطَّعَام إِلَى يَوْم أَو يَوْمَيْنِ مَضْمُونا عَلَيْهِ يُوفيه إِيَّاه أَنه لَا خير فِيهِ إِلَّا إِلَى أبعد من هَذَا وَكَذَلِكَ الْحَيَوَان وَالثيَاب
قَالَ وَلَقَد سَمِعت اللَّيْث يذكر عَن سعيد بن الْمسيب أَنه سُئِلَ عَن أجل يرْتَفع فِيهِ الْأَسْوَاق وينخفض قلت مَا هَذَا الَّذِي ترْتَفع فِيهِ الْأَسْوَاق قَالَ مَا حد لنا وَإِنِّي لأرى الْخَمْسَة عشر وَالْعِشْرين
وَقَالَ ابْن وهب عَن اللَّيْث إِذا تفاوتت الْأَسْوَاق فَلَيْسَ بِهِ بَأْس إِذا بَاعَ فِي الْمحرم لما يُؤَدِّيه فِي شهر ربيع أَو أبعد من ذَلِك على هَذَا كَانَ أهل الْمَدِينَة يدْفَعُونَ إِلَى أَصْحَاب الظّهْر الْأَمْوَال سلفا فِي الْقَمْح وَالزَّيْت فَيخْرجُونَ بهَا إِلَى الشَّام ومصر فيتحملون ويوفون(3/6)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِن سميت أَََجَلًا دون ثَلَاثَة أَيَّام فَهُوَ بيع نقد وَلَيْسَ بسلف وَإِن سميت أَََجَلًا بِثَلَاثَة أَيَّام فَهُوَ بيع السّلم يصلحه مَا يصلح السّلم ويفسده مَا يفْسد السّلم
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يكن مِقْدَار الْكَيْل مَقْصُورا على شَيْء بِعَيْنِه كَذَلِك الْأَجَل فِي الْقيَاس
1071 - فِي السّلم بِإِنَاء بِعَيْنِه
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ إِذا أسلم فِي ملْء هَذَا الْإِنَاء لم يجز وَلَو اشْترى طَعَاما بِعَيْنِه جَار
وَقَالَ مَالك لَا يجوز شِرَاء طَعَام بِعَيْنِه بقدح أَو قَصْعَة لَيْسَ بِمِكْيَال النَّاس حَيْثُ يُوجد مكيال النَّاس وَيجوز لمن يَشْتَرِي من الْأَعْرَاب حَيْثُ لَيْسَ بِمِكْيَال النَّاس فِي الْأَسْوَاق والقرى مثل الْعلف والتبن وَالْحِنْطَة فيشتري بقدح أَو قَصْعَة فَيجوز
وَقَالَ الثَّوْريّ فِي الرجل يسلف بقفير لَهُ فِي بَيته قد عرفه جِيرَانه فَهُوَ جَائِز
1072 - فِيمَن لم يقبض رَأس المَال حَتَّى يفترقا
قَالَ أَصْحَابنَا يفْسد بالافتراق سَوَاء كَانَ رَأس المَال دينا أَو عرضا بِعَيْنِه
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز السّلم حَتَّى يقبض الثّمن قبل أَن يُفَارِقهُ
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بِأَن يفترقا قبل أَن يقبض رَأس المَال إِلَّا أَن يكون ضرب أَََجَلًا بَعيدا لرأس المَال فَيفْسد وَأما إِذا لم يقبضهُ يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ فَلَا(3/7)
بَأْس وَلَا يُعجبهُ بعد أَيَّام كَثِيرَة وَإِن كَانَ رَأس المَال ثوبا أَو نَحوه وَأما الصّرْف فَلَا يجوز حَتَّى يقبض قبل الْفرْقَة
1073 - فِي جَهَالَة رَأس المَال إِذا كَانَ مَكِيلًا أَو مَوْزُونا
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أسلم دَرَاهِم بِعَينهَا لَا يعلم وَزنهَا لم يجز وَهُوَ قَول مَالك والثورى
وَقَالَ مَالك لَو أسلم تَبرأ أَو جَام زجاج أَو فضَّة مكسورا لَا يعلم وَزنه جَازَ فرق بَينه وَبَين الدَّرَاهِم لِأَن التبر بِمَنْزِلَة الثَّوْب والسلعة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يجوز إِذا كَانَ بِعَيْنِه
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ لَا يجوز أَن يسلف شَيْئا جزَافا من فضَّة وَلَا ذهب وَلَا شَيْء غير مَعْلُوم مَنْظُور إِلَيْهِ مَعْدُود من جَمِيع الْعرُوض إِلَى أجل
قَالَ الْمُزنِيّ وَقد أجَاز فِي مَوضِع آخر أَن يدْفع سلْعَته غير مكيلة وَلَا موزونة فِي سلم وَهَذَا أشبه بِأَصْلِهِ
1074 - فِيمَا يدل على الْكَيْل
قَالَ أَصْحَابنَا مَا كيل بالرطل فَهُوَ وزن وماكيل بالقفيز والصاع وَالْمدّ فَهُوَ كيل وَقَالُوا فِي السّمن وَالزَّيْت وَالْعَسَل وَنَحْوه إِنَّه وزن
وَقَالَ الشَّافِعِي أصل الْكَيْل وَالْوَزْن بالحجاز فَكل مَا وزن على عهد(3/8)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأصله الْوَزْن وماكيل فأصله الْكَيْل وَمَا أحدث النَّاس رد إِلَى الأَصْل
وَقَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام الْوَزْن مَرْدُود إِلَى مَا عَلَيْهِ أهل مَكَّة فِيهِ والكيل مَرْدُود إِلَى مَا عَلَيْهِ أهل الْمَدِينَة فِيهِ
وروى الثَّوْريّ عَن حَنْظَلَة عَن طَاوس عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَزْن وزن أهل مَكَّة والمكيال مكيال أهل الْمَدِينَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَا دلَالَة فِي هَذَا على حكم اعْتِبَار مَا لَا يجوز التَّفَاضُل فِيهِ من المكيلات والموزونات إِذا بيع بَعْضهَا بِبَعْض هَل تبَاع وزنا أَو كَيْلا
1075 - فِي السّلم فِي غير حِينه
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز السّلم إِلَّا أَن يكون الْمُسلم فِيهِ مَوْجُودا فِي أَيدي النَّاس من وَقت العقد إِلَى وَقت حُلُول الْأَجَل فَإِن كَانَ مُنْقَطِعًا فِي شَيْء من ذَلِك لم يَصح
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ لَا يجوز السّلم إِلَّا فِيمَا كَانَ فِي يَد النَّاس مِنْهُ شَيْء وَلَا يجوز إِذا لم يكن فِي يَد النَّاس مِنْهُ شَيْء
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا يكون السّلم إِلَّا فِيمَا لَا يكون من السّنة حِين إِلَّا وَهُوَ يُوجد فِيهِ
قَالَ اللَّيْث أكره السّلف فِي الْفَاكِهَة الرّطبَة قبل إبانها(3/9)
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يجوز السّلم فِي التَّمْر قبل حِينه إِذا كَانَ مثله مَوْجُودا فِي يَد النَّاس وَقت حُلُول الْأَجَل فَإِن كَانَ يَنْقَطِع لم يجز
وَاحْتج الشَّافِعِي بِحَدِيث ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدم الْمَدِينَة وهم يسلفون فِي التَّمْر السّنة والسنتين وَالثَّلَاث فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من أسلم فليسلم فِي كيل مَعْلُوم وَوزن مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم
قَالَ وَالرّطب من التَّمْر فقد أجل السّلم فِيهِ قبل حِينه
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا مَحْمُول على مَا كَانَ مَوْجُودا فِي حِين السّلم فِيهِ وَإِن لم يكن مَذْكُورا فِي هَذَا الحَدِيث لِأَن هَذَا الْخَبَر يستوعب كل مَا لَا يجوز فِيهِ السّلم
وَقد روى شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة عَن أبي البخْترِي الطَّائِي قَالَ سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن السّلم فَقَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع النّخل حَتَّى يُؤْكَل مِنْهُ
وروى عَطاء عَن جَابر قَالَ منعنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الثَّمر حَتَّى يطيب هَذَا النَّهْي ثَابت فِي كل حَال
1076 - فِي السّلم فِي سنتَيْن صَفْقَة وَاحِدَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ إِذا أسلم مائَة دِرْهَم فِي كرّ حَنْظَلَة وكر شعير وَلم يبين رَأس مَال وَاحِد مِنْهَا لم يجز(3/10)
وَقَالَ مَالك وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هُوَ جَائِز
قَالَ مَالك لِأَنَّهُ صَفْقَة وَاحِدَة وَإِن اخْتلف أصلاهما جَازَ أَيْضا
1077 - فِي السّلم فِي اللَّحْم
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز السّلم فِي اللَّحْم وَيجوز فِي الشَّحْم
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ يجوز إِذا وصف موضعا مِنْهُ
1078 - فِي السّلم فِي الرؤوس والأكارع
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز السّلم فِي الرؤوس والأكارع
وَقَالَ مَالك يجوز إِذا شَرط صنفا مَعْلُوما صغَارًا أَو كبارًا وَقدرا مَوْصُوفا
وَذكر الرّبيع عَن الشَّافِعِي لَا يجوز السّلف فِي شَيْء من الرؤوس والأكارع
1079 - فِي السّلم فِي السّمك
ذكر فِي الأَصْل جَوَاز السّلم فِي السّمك الطري والمالح وزنا مَعْلُوما فِي حِينه وَلم يذكر خلافًا
وَذكر أَبُو يُوسُف فِي الْإِمْلَاء عَن أبي حنيفَة أَنه لَا خير فِي السّلم فِي السّمك الطري والمالح
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يجوز فِي المالح وَفِي الصغار الَّذِي يُكَال
وَقَالَ مَالك يجوز السّلم فِي السّمك الطري إِذا سمى جِنْسا من الْحيتَان وَاشْترط صنفا أَو طولهَا كَذَا أَو يذكر وزنا(3/11)
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز فِي السّمك وزنا ويصف صَغِيرا أَو كَبِيرا
1080 - فِي السّلم فِي الْجَوْز وَالْبيض
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ لَا بَأْس بالسلم فِي الْجَوْز وَالْبيض عددا وصغير ذَلِك وكبيره سَوَاء وَلم يذكر خلافًا
وَحكى الْحسن بن زِيَاد عَن زفر أَنه لَا يجوز السّلم فِي الْجَوْز وَالْبيض وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ
1081 - فِي السّلم فِي الْفُلُوس
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس بالسلم فِي الْفُلُوس عددا وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك لَا يجوز أَن يسلم دَرَاهِم أَو دَنَانِير أَو فُلُوسًا وَلَا أَن يُبَاع بَعْضهَا بِبَعْض إِلَى أجل لِأَنَّهُ صرف وَيجوز أَن يسلم ثوبا فِي فلوس
1082 - فِي السّلم فِي الْحَيَوَان
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ لَا يجوز السّلم فِي الْحَيَوَان وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ يجوز
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أسلم فِي الرَّقِيق قَالَ عبدا نوبيا خماسيا(3/12)
أَو محتلما أسود هُوَ أَو وضيئا أَبيض أَو أصفر أَو أسحم وَكَذَلِكَ الْجَارِيَة ويصف الدَّوَابّ بنتاجها وجنسها وألوانها
قَالَ وَلَا يجوز السّلم فِي النبل لِأَنَّهُ لَا يقدر على ذرع ثخانتها لرقتها وَلَا صفة مَا فِيهَا من ريش أَو عقب وَغَيره وَلَا فِي اللُّؤْلُؤ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سعيد عَن قيس بن مُسلم عَن طَارق بن شهَاب قَالَ أسلم زيد بن خليدة إِلَى عتريس بن عرقوب فِي قَلَائِص كل قلُوص بِخَمْسِينَ فَلَمَّا جَاءَ الْأَجَل يتقاضاه فَأتى ابْن مَسْعُود يستنظره فَنَهَاهُ عَن ذَلِك وَأمره أَن يَأْخُذ رَأس مَاله
وروى شُعْبَة عَن عمار الدهني قَالَ كَانَ حُذَيْفَة يكره السّلم فِي الْحَيَوَان
وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن حميد عَن أبي نَضرة أَنه سَأَلَ ابْن عمر عَن السّلف فِي الوصفاء فَقَالَ لابأس بِهِ فَقَالَ إِن أمراءنا ينهون عَن ذَلِك قَالَ فأطيعوا أمراءكم قَالَ وأمراؤنا يَوْمئِذٍ عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة وَأَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(3/13)
وروى ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَسمرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن بيع الْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَة
1083 - فِي استقراض الْحَيَوَان
وَقَالَ أَصْحَابنَا لايجوز استقراض الْحَيَوَان
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ يجوز إِلَّا الْآدَمِيّ فَإِنَّهُ لايجوز استقراضه
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا أَبُو رَافع أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استسلف بكرا وَأمره أَن يَقْضِيه رباعيا من إبل الصَّدَقَة
حَدِيث أبي هُرَيْرَة كَانَ لرجل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنا فتقاضاه فَأَغْلَظ لَهُ فهم بِهِ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذرْوَة فَإِن لصَاحب الْحق مقَالا اشْتَروا لَهُ سنا فَأَعْطوهُ إِيَّاه فَإِن خَيركُمْ أحسنكم قَضَاء
قيل هَذَا تَحْرِيم للربا ورد الْأَشْيَاء إِلَى مقاديرها كَحَدِيث سَلمَة بن المحبق عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَن وطىء جَارِيَة لامْرَأَته بِجَارِيَة مثلهَا(3/14)
وَأوجب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمُعْتق ضَمَان نصيب شَرِيكه قيمَة وَلم يُوجب نصف عَبده مثله
قَالَ فَإِن قيل قد أوجب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَنِين غرَّة عبدا أَو أمة وَجعل دِيَة شبه الْعمد مائَة من الْإِبِل مِنْهَا أَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا فَجعل الْحَيَوَان دينا فِي الذِّمَّة
قيل لَهُ قَالَ مَالك إِن من اشْترى جَارِيَة على أَنَّهَا حَامِل أَن البيع بَاطِل
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز السّلم فِي الْحَيَوَان على أَنَّهَا حَامِل
والغرة قد ثبتَتْ غير مَوْصُوفَة وَلَا يجوز أَخذ السّلم فِي مثلهَا وَقد جعل الْمُسلمُونَ فِي جَنِين الْأمة شَيْئا من الدَّرَاهِم وَلم يجْعَلُوا فِيهِ غرَّة
1084 - فِيمَا يجوز فِيهِ النسأ وَمَا لَا يجوز
عِنْد أَصْحَابنَا أَن الْجِنْس بِانْفِرَادِهِ يحرم النسأ وَكَذَلِكَ الْكَيْل وَالْوَزْن كل وَاحِد مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ يحرم النسأ وَإِن اخْتلف الْجِنْس إِلَّا الذَّهَب وَالْفِضَّة فِي الموزونات فَإِنَّهُ جَائِز وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
وَأما التَّفَاضُل فَلَا يحرم إِلَّا باجتماع الْجِنْس والكيل وَالْوَزْن
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَأَبُو الزِّنَاد لَا يحرم بيع رَطْل برطلين(3/15)
وَقَالَ مَالك الْأَمر عندنَا فِيمَا يُكَال أَو يُوزن لَا يُؤْكَل وَلَا يشرب نَحْو العصفر والنوى والخبط والكتم وَمَا أشبه ذَلِك أَنه لَا بَأْس بِهِ اثْنَان بِوَاحِد إِلَى أجل وَلَا بَأْس برطل حَدِيد برطلين حَدِيد يدا بيد وَلَا يجوز نَسِيئَة بالصنف الآخر
وَإِن اخْتلف الصنفان فباختلافهما جَازَ النسأ والتفاضل فَإِن كَانَ الصِّنْف مِنْهُ نَسِيئَة بالصنف الآخر وَإِن اخْتلف فِي الِاسْم مثل الشّبَه والصفر والرصاص والآنك فَإِنِّي أكره مِنْهُ اثْنَان بِوَاحِد إِلَى أجل
وَأما التَّفَاضُل فَإِنَّهُ يحرم إِذا كَانَ صنفا وَاحِدًا يدّخر ويؤكل أَو يشرب
وَقَالَ الثَّوْريّ أسلف مَا يُكَال فِيمَا يُوزن ويوزن فِيمَا يُكَال وأسلف الحنظلة فِي الْقطن
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا يجوز بيع نُحَاس مكسور بِإِنَاء نُحَاس وَزِيَادَة دِرْهَم لَا يجوز إِلَّا وزنا وَقَالَ لَا بَأْس بإبريق رصاص لِأَنَّهُ قد خرج من الْوَزْن وَلَا بَأْس بِبيع النّحاس بالفلوس
وَقَالَ اللَّيْث الرِّبَا تَفْسِيره أَن كل مَا ينْتَفع النَّاس بِهِ فِي كل صنف من الْأَصْنَاف وَإِن كَانَ من الْحِجَارَة أَو التُّرَاب وكل وَاحِد من صنف من تِلْكَ الْأَصْنَاف بِمثلِهِ إِلَى أجل الرِّبَا وَوَاحِد بمثليه وَزِيَادَة شَيْء إِلَى أجل فَهُوَ رَبًّا
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز أَن يسلف شَيْئا مِمَّا يُكَال أَو يُوزن من الْمَأْكُول والمشروب فِي شَيْء مِنْهُ وَإِن اخْتلف الجنسان متفاضلين يدا بيد
وَمَا خرج من الْمَأْكُول والمشروب وَالذَّهَب وَالْفِضَّة فَلَا بَأْس بعضه بِبَعْض مُتَفَاضلا وَإِلَى أجل وَإِن كَانَ من صنف وَاحِد لَا بَأْس أَن يسلف بَعِيرًا فِي بَعِيرَيْنِ ورطل نُحَاس برطلين إِذا دفع العاجل وَوصف الآجل وَمَا أكل وَشرب مِمَّا لَا يُكَال وَلَا يُوزن(3/16)
وروى عَن سعيد بن الْمسيب أَنه قَالَ لَا رَبًّا إِلَّا فِي ذهب ورق أَو مَا يُكَال أَو يُوزن
وروى عَن عِيسَى بن يُونُس وَيحيى الْقطَّان عَن صديقَة بن الْمثنى عَن جده ريَاح بن الْحَارِث قَالَ عمار بن يَاسر العَبْد خير من الْعَبْدَيْنِ وَالْأمة خير من الأمتين وَالْبَعِير خير من البعيرين فَمَا كَانَ يدا بيد فَلَا بَأْس إِنَّمَا الرِّبَا فِي النسأ إِلَّا مَا كيل أَو وزن
قَالَ فِيهِ عِيسَى بن يُونُس عَن صَدَقَة بن الْمثنى بن ريَاح بن الْحَارِث نِسْبَة عِيسَى إِلَى جده وَنسبه يحيى إِلَى أبيَّة وَكَانَ مَذْهَب عمار مواقفا لمَذْهَب إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ مُخَالفا لقَوْل سعيد بن الْمسيب لِأَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا الرِّبَا فِي النسأ يَعْنِي فِيمَا ذكره من الْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ وَخص مَا يُكَال أَو يُوزن بِأَن فِيهِ الرِّبَا إِذا كَانَ مُتَفَاضلا وَإِن كَانَ نسأ وَلم يفرق فِيهِ بَين مَا يُؤْكَل مِنْهُ أَو لَا يُؤْكَل فَثَبت أَن مذْهبه أَن التَّفَاضُل فِي الْمكيل أَو الْمَوْزُون رَبًّا وَهُوَ مَحْمُول على أَنَّهُمَا إِذا كَانَا من جنس وَاحِد
قَالَ وَلَا نعلم عَن أحد من الصَّحَابَة خلاف هَذَا قَالَ وَقَوله الرِّبَا فِي ذَلِك يدل على أَنه تَوْقِيف
وَذكر مَالك والدراوردي عَن عبد الْمجِيد بن سُهَيْل بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن سعيد الْمسيب عَن أبي سعيد وَأبي هُرَيْرَة فِي قصَّة تمر خَيْبَر وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَا تَبِيعُوا كَذَلِك وَلَكِن بِعْ هَذَا واشتر من ثمنه من هَذَا وَكَذَلِكَ الْمِيزَان(3/17)
وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة الزبيرِي عَن الدَّرَاورْدِي عَن عبد الْمجِيد بن سُهَيْل عَن أبي صَالح السمان عَن أبي هُرَيْرَة عَن أبي سعيد مثله فخالفها نعيم بن حَمَّاد فَجعله أبي سهل
قَالَ أَبُو جَعْفَر الذَّهَب وَالْفِضَّة لَا يخرجَانِ عَن حَال الْوَزْن بِحَال وَسَائِر الْأَشْيَاء من النّحاس والرصاص وَنَحْوهمَا قد يوزنان فِي حَال وَلَا يوزنان فِي أُخْرَى على حسب جَرَيَان الْعَادة أَلا ترى أَن الدَّقِيق أصل الْكَيْل وَأَن الْخبز قد خرج بالصنعة عَن حد الْكَيْل عِنْد الْجَمِيع فَمنهمْ من يَقُول هُوَ وزن وَهُوَ قَول زفر
وَمِنْهُم من يَقُول لَيْسَ بكيل وَلَا وزن وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد فِيمَا حَكَاهُ أَبُو جَعْفَر
وَنقل عَن مَالك أَن الْخبز لَا يجوز فِيهِ التَّفَاضُل وَيجوز بيع بعضة بِبَعْض على التَّحَرِّي أَن يكون مثلا بِمثل وَإِن لم يُوزن ذكره عَنهُ ابْن وهب فَلم يَجعله كالدقيق وكالحنطة لِأَن التَّحَرِّي لَا يجوز فيهمَا
وَذكر الرّبيع عَن الشَّافِعِي أَن الْخبز لَا يجوز بعضة بِبَعْض
قَالَ أَبُو جَعْفَر يحْتَمل أَن يكون لم يجزه لِأَن أَصله كيل وَلَا يُمكن ذَلِك فِيهِ فَإِن كَانَ كَذَلِك فَلَا حجَّة عَلَيْهِ فِيمَا ذَكرْنَاهُ
1085 - فِي النسأ فِي الثِّيَاب بَعْضهَا بِبَعْض
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اخْتلف جِنْسهَا جَازَ النسأ نَحْو الْهَرَوِيّ بالقوهي أَو الْهَرَوِيّ فِي زطي وَإِن كَانَ أَصله قطنا وَنَحْوه عَن الثَّوْريّ(3/18)
وَقَالَ مَالك لَا يصلح النَّسِيئَة فِي الثِّيَاب بَعْضهَا بِبَعْض حَتَّى تخْتَلف فيتباين اختلافه نَحْو الْهَرَوِيّ والمروي بالملاحف اليمانية أَو الشقايق وَأما مَا أشبه بعضه بَعْضًا مِنْهَا وَإِن اخْتلف أسماؤها لم يجز اثْنَان بِوَاحِد إِلَى أجل وَذَلِكَ أَن يَأْخُذ الثَّوْبَيْنِ من الْهَرَوِيّ بِالثَّوْبِ الْمَرْوِيّ أَو القوهي إِلَى أجل فَلَا يجوز
وَقَالَ الْحسن بن حى أكره النسأ فِي الثِّيَاب إِذا كَانَ أَصلهمَا وَاحِدًا وَإِن كَانَ أَحدهمَا قطنا وَالْآخر كنانا أَو صُوفًا فَلَا بَأْس فِيهِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يجوز عشرَة أَثوَاب بِثَوْب إِلَى أجل
وَقَالَ اللَّيْث نسجان مصر كلهَا صنف وَاحِد فَلَا يجوز النسأ بَعْضهَا بِبَعْض ونسجان مصر يجوز نسجان الْعِرَاقِيّ
وَقَالَ الشَّافِعِي مَا خرج من الْمَأْكُول والمشروب وَالذَّهَب وَالْفِضَّة جَازَ فِيهَا النسأ والتفاضل
وَقَالَ سعيد بن الْمسيب بقبطية بقبطيتين إِلَى أجل وَكَذَلِكَ سَائِر الثِّيَاب
قَالَ أَبُو الزِّنَاد وَخَالفهُ الْفُقَهَاء كلهم فِي هَذَا
عَن الزُّهْرِيّ لَا يصلح ثوب بثوبين دينا إِلَّا أَن يخْتَلف
وَقَالَ سُلَيْمَان بن يسَار لَا يصلح ثَوْبَان بِثَوْب إِلَّا يدا بيد
وَقَالَ يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ لَا يجوز النسأ فِي الشَّيْء يُبَاع نصفه إِلَّا أَن تخْتَلف الصّفة وَالتَّسْمِيَة
وَقَالَ ربيعَة الَّذِي يحرم فِي ذَلِك الثَّوْب من الثَّوْبَيْنِ من ضربه كالربطة من نسج الولائد بالربطتين من نسج الولائد
1086 - فِي الْخِيَار من السّلم
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا شَرط فِي السّلم خيارا مُدَّة مَعْلُومَة وافتراقا على ذَلِك بَطل وَهُوَ قَول الشَّافِعِي(3/19)
وَقَالَ مَالك لَا يجوز الْخِيَار فِي الصّرْف وَيجوز فِي السّلم الْيَوْم واليومين إِذا لم يقدم رَأس المَال
1087 - إِذا كَانَ بعضه دينا
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز فِي حِصَّة الْعين وَيبْطل فِي الدّين إِن افْتَرقَا على ذَلِك
وَقَالَ مَالك يبطل كُله وَنَحْوه عَن الثورى وَكَذَلِكَ قِيَاس قَول الشَّافِعِي لِأَنَّهُ لَا يُجِيز الدّين فِي السّلم وَكَذَلِكَ لَا يجوز عِنْده إِذا كَانَ عِنْده وَدِيعَة لَهُ فيجعلها سلفا حَتَّى يقبضهَا
وَمن قَوْله إِن الصَّفْقَة إِذا فسد بَعْضهَا فسد جَمِيعهَا
1088 - فِي الشّركَة فِي السّلم قبل الْقَبْض
قَالَ أَصْحَابنَا لاتجوز التَّوْلِيَة وَالشَّرِكَة فِي السّلم قبل الْقَبْض وَهَذَا قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك لايجوز بَيْعه قبل الْقَبْض وَيجوز فِيهِ الشركه وَالتَّوْلِيَة لِأَن هَذَا مَعْرُوف
1089 - فِي الْكفَالَة وَالرَّهْن فِي السّلم
قَالَ أَصْحَابنَا لابأس بِالرَّهْنِ وَالْكَفِيل فِي السّلم وبرأس المَال وَكَذَلِكَ الْحِوَالَة إِذا قبض رَأس المَال قبل الْفرْقَة
وَذكر الْحسن عَن زفر انه إِذا أسلم مائَة دِرْهَم فِي كرّ حِنْطَة إِلَى سنة ثمَّ اعطاه بِالْمِائَةِ قبل الْفرْقَة وأحاله بهَا على رجل وَرَهنه بهَا رهنا لم يَصح شَيْء من(3/20)
ذَلِك وَلم يكن لَهُ على الْكَفِيل سَبِيل وَحكى عَن زفر أَنه إِذا أعطَاهُ كَفِيلا بالسلم بعد العقد أَو أَحَالهُ على غَيره جَازَ
وَقَالَ مَالك لايجوز الْخِيَار فِي الصّرْف وَلَا فِي الْحِوَالَة وَلَا الْكفَالَة وَلَا الرَّهْن وَيجوز الْكَفِيل وَالرَّهْن فِي السّلم وَكَذَلِكَ الْحِوَالَة
وَلم يبلغنِي عَن أحد أَنه كرهه إِلَّا الْحسن وَلَيْسَ بِهِ بَأْس
وَقَالَ الشَّافِعِي لابأس بالكفيل وَالرَّهْن فِي السّلم
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أشهد أَن السّلف الْمَضْمُون إِلَى اجل مَعْلُوم وَكيل أَو وزن مَعْلُوم أحله الله تَعَالَى وَأذن بِهِ أما تقرؤون هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تداينتم بدين إِلَى أجل مُسَمّى فاكتبوه} الْبَقَرَة 282 فَكَانَ فِي الْآيَة الْإِذْن فِي الرَّهْن بالسلم وَإِذا جَازَ بالسلم جَازَ بِرَأْس المَال وَجَاز بِهِ الْكفَالَة وَالْحوالَة
1090 - فِي السّلم إِلَى الْحَصاد
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري لايجوز السّلم إِلَى الْحَصاد والدياس وَالعطَاء وَنَحْوه وَإِن قَالَ إِلَى صَوْم النَّصَارَى والنيروز والمهرجان لم يجز
فَإِن كَانَ مَعْرُوفا لَا يتَقَدَّم وَلَا يتَأَخَّر جَازَ وَإِلَّا لم يجز
وَقَالَ ابْن ليلى إِذا بَاعَ إِلَى الْعَطاء أَو إِلَى أجل سواهُ لَا يعرف فَالْبيع جَائِز وَالْمَال كُله حَال(3/21)
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا كَانَ الْعَطاء جَارِيا وَكَانَ وقته مَعْرُوفا فَالْبيع جَائِز إِلَيْهِ
وَقَالَ مَالك البيع إِلَى الْحَصاد والجذاذ وَالْعصر جَائِز لِأَنَّهُ مَعْرُوف وَينظر إِلَى حصاد ذَلِك الْبَلَد ينظر إِلَى أعظم ذَلِك وكثرته وَلَا ينظر إِلَى أَوله وَلَا إِلَى آخِره فَيكون حُلُوله عِنْد ذَلِك
وَقَالَ مَالك فِي البيع إِلَى الْعَطاء إِن كَانَ ذَلِك مرّة جَائِز لِأَن الْعَطاء كَانَ مَعْرُوفا ثمَّ يُحَرك فَلَا يعرف فَلَيْسَ يُعجبنِي إِلَّا أَن يكون مَعْرُوفا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لابأس أَن يسلف فِي طَعَام نَسِيئَة إِلَى حقله إِذا كَانَ قد أفرك وَأمنت عَلَيْهِ العاهة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا يسلم إِلَى الْجذاذ والدياس والحصاد وَيسلم إِلَى النيروز والمهرجان
وَقَالَ الشَّافِعِي لايجوز إِلَى الْعَطاء والحصاد وَلَا إِلَى فصح النَّصَارَى لِأَنَّهُ يخْتَلف وقته لأَنهم ينسؤون فِيهِ أَيَّامًا فَلَو أجزناه كُنَّا قد عَملنَا فِي ديننَا بِشَهَادَة النَّصَارَى
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسلفوا فِي كيل مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم
وروى عبد الْكَرِيم الْجَزرِي عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لايجعل السّلف إِلَى الأندر يَعْنِي البيدر وَلَا إِلَى الْعَصْر وَلَا إِلَى الْعَطاء وَلَكِن يُسمى شهرا(3/22)
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة قل هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس وَالْحج} الْبَقَرَة 189 فنص على شهور الْأَهِلّة فِي آجال الدُّيُون وَغَيرهَا وَسَائِر الشُّهُور بِغَيْر الْأَهِلّة يخْتَلف أَهلهَا فِيهَا وَيزِيدُونَ فِي بعض السنين وينقصون فَتَصِير أَوْقَاتهَا مَجْهُولَة
1091 - فِيمَن وجد بالسلم عَيْبا
قَالَ ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد إِذا أسلم عشرَة دَرَاهِم فِي ثوب وَقبض الثَّوْب وَوجد عَيْبا أَو حدث بِهِ عِنْده عيب فَإِن أَبَا حنيفَة قَالَ لَا يرجع بِالنُّقْصَانِ وَلَا يردهُ
وَقَالَ مُحَمَّد بِمَنْزِلَة ثوب بِعَيْنِه اشْتَرَاهُ فَيرجع بِنُقْصَان الْعَيْب وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الْمُسلم كرّ حِنْطَة
قَالَ وَفِي قِيَاس قَول أبي يُوسُف يرد قيمَة الثَّوْب معيبا وَيرجع بِالْمُسلمِ كألف اقتضاها فأنفقها ثمَّ علم أَنَّهَا زيوف
وَذكر الْحسن عَن زفر مثل قَول مُحَمَّد
وَلَيْسَ عَن مَالك فِيهِ شَيْء مَنْصُوص وَذكر أَصْحَابه أَن قَوْله كَقَوْل مُحَمَّد وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
1092 - فِي الشِّرَاء بِرَأْس المَال بعد الْإِقَالَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا تَقَايلا السّلم لم يشتر بِرَأْس المَال شَيْئا قبل الْقَبْض(3/23)
وَقَالَ زفر إِذا كَانَ رَأس المَال دَرَاهِم جَازَ الشِّرَاء بِمِثْلِهَا رِوَايَة مُحَمَّد وروى الْحسن بن زِيَاد عَنهُ إِن الشِّرَاء بِرَأْس المَال جَائِز
وَيبين الْمُسلم إِلَيْهِ من الدَّرَاهِم وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري كَقَوْل أبي حنيفَة
وروى عَن ابْن عَبَّاس أَنه أجَاز أَن يَأْخُذهُ
1093 - فِي ترك قبض رَأس المَال بعد الْإِقَالَة
قَالَ لاخلاف بَين أَصْحَابنَا أَن ترك قبض رَأس المَال فِي الْمجْلس لَا يبطل الْإِقَالَة وَأما تَأْخِيره إِلَى مُدَّة مَعْلُومَة فَقِيَاس قَوْلهم جَمِيعًا أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَزفر أَنه بَاطِل لأَنهم إِنَّمَا يجيزون التَّأْخِير فِي الْأَشْيَاء الَّتِي هِيَ إِبْدَال لغَيْرهَا ولايجيزونها فِيمَا لَيْسَ بِبَدَل
قَالَ أَبُو بكر هَذَا غلط وَلَا خلاف بَين أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد فِيهِ
وَقَالَ مَالك لايجوز ترك قبض رَأس المَال فِي الْمجْلس لِأَنَّهُ دين بدين
وَقَالَ الشَّافِعِي لايجوز التَّأْجِيل فِيهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر أجَاز مَالك أَن لَا يقبض الْمُسلم إِلَيْهِ رَأس المَال من الْمُسلم فِي الْمجْلس وَإِن لم يقبضهُ بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ لم يجز(3/24)
1094 - فِي الشَّرْط الْفَاسِد إِذا بَطل
قَالَ أَصْحَابنَا لَو اشْترى صرفا على شَرط الْخِيَار شهرا ثمَّ أبطل الْخِيَار قبل التَّفْرِقَة جَازَ العقد عِنْد أبي حنيفَة وَلَو شَرط الْخِيَار فِي غير الصّرْف شهرا ثمَّ أبْطلهُ فِي الثُّلُث جَازَ العقد وَكَذَلِكَ الْأَجَل الْمَجْهُول
وَقَالَ زفر لَا يجوز أبدا
وَقَالَ مَالك فِي خِيَار الصّرْف لَا يجوز كَقَوْل زفر
وَكَذَلِكَ السّلم قَالَ وَلَو بَاعَ عَبده بِمِائَة دِينَار على أَن أسلف خمسين دِينَارا فَالْبيع فَاسد إِلَّا أَن يرضى من أَخذ السّلف أَن يرد السّلف وَيثبت البيع فِيمَا بَينهمَا
وَقَالَ مَالك لَو بَاعَ إِلَى أجل مَجْهُول فَقَالَ المُشْتَرِي أَنا أبطل الْأَجَل وأنقذ الثّمن فَللْبَائِع أَن يَأْخُذ سلْعَته وَلَا ينظر إِلَى قَول المُشْتَرِي هَذِه رِوَايَة ابْن الْقَاسِم
وَقَالَ ابْن وهب عَنهُ فِيمَن ابْتَاعَ جَارِيَة على أَن لَا يَبِيعهَا وَلَا يَهَبهَا إِن البيع ينْقض إِلَّا أَن يرضى أَن يُسَلِّمهَا إِلَيْهِ وَلَا شَرط فِيهَا
وَقَالَ اللَّيْث إِذا شَرط أَن يتخذها أم ولد فَالْبيع فَاسد وَإِن وضع عَنهُ الشَّرْط جَازَ البيع
وَعند الشَّافِعِي إِذا فسد البيع بِوَجْه لم يجز أبدا
1095 - فِي الْإِقَالَة فِي السّلم من أحد الشَّرِيكَيْنِ
قَالَ أَبُو حنفية إِذا أسلم رجلَانِ إِلَى رجل ثمَّ أقَال أَحدهمَا لم يجز إِلَّا أَن يجزها الآخر وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ(3/25)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمَالك يجوز فِي نصِيبه
وَمذهب الشَّافِعِي يدل على جَوَازه أَيْضا
1096 - فِي الْإِقَالَة فِي بعض السّلم
قَالَ أَصْحَابنَا لابأس فِي بعض رَأس مَاله وَبَعض سلمه وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَالثَّوْري
قَالَ الثَّوْريّ وَأَن يَأْخُذ الَّذِي أسلف أحب إِلَيّ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَأَبُو الزِّنَاد لَا يَصح أَن يَأْخُذ بعض سلمه وَبَعض رَأس مَاله
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ السّلم طَعَاما وَرَأس المَال ثيابًا أَو دَرَاهِم جَازَ أَن يقيله فِي بعض وَيَأْخُذ الْبَعْض وَإِن كَانَ السّلم ثيابًا مَوْصُوفَة لم تجز الْإِقَالَة فِي بَعْضهَا دون بعض
روى سُفْيَان الثَّوْريّ عَن سَلمَة عَن مُوسَى وَعبد الْأَعْلَى عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي الرجل يَأْخُذ بعض سلمه وَرَأس مَاله قَالَ ذَلِك الْمَعْرُوف
روى ابْن الْمُبَارك عَن سُفْيَان عَن جَابر عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه لم يكن يرى بذلك بَأْسا
وروى ابْن الْمُبَارك أخبرنَا أُسَامَة بن زيد أَخْبرنِي نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ من أسلف فِي شَيْء فَلَا يَأْخُذ بعضه سلفا وَبَعضه عينا ليَأْخُذ سلفه كُله أَو رَأس مَاله أَو ينظره(3/26)
وروى أَشْعَث بن سوار عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ إِذا أسلفت فِي شَيْء فَخذ الَّذِي أسلفت أَو رَأس مَالك
1097 - فِي قبض السّلم بِغَيْر كيل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اكتال الْمُسلم إِلَيْهِ كرا لنَفسِهِ من بَائِعه ثمَّ سلمه إِلَى الْمُسلم بِغَيْر كيل لم يجز ذَلِك وَلَا يَبِيعهُ وَلَا يتَصَرَّف فِيهِ بكياله وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ الْمُسلم إِلَيْهِ هَذَا كرّ قد كلته وَصدق الْمُسلم جَازَ لَهُ أَن يَأْخُذهُ بذلك الْكَيْل كَذَلِك لَو كَانَ الْمُسلم إِلَيْهِ اشْتَرَاهُ من غَيره وَقَبضه جَازَ للْمُسلمِ أَخذه بذلك الْكَيْل
وروى ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اشْترى طَعَاما بكيل فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يقبضهُ
وروى سُفْيَان عَن ابْن طَاوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ابْتَاعَ طَعَاما فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يكتاله
قَالَ أَبُو جَعْفَر يحمل الحديثان على معنى وَاحِد لِأَن الِاسْتِيفَاء إِنَّمَا يكون بِالْكَيْلِ مِمَّا يشترى مكايلة إِذا قَبضه بِغَيْر كيل فَجَائِز أَن يزِيد على الْكَيْل الَّذِي اكتاله البَائِع أَو ينقص فَلَا يحصل الْمَقْبُوض مَعْلُوما
وَقَالَ أَصْحَابنَا إِن اسْتَهْلكهُ المُشْتَرِي وتصادقا أَنه كرّ كَانَ مُسْتَوْفيا(3/27)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يضمن قِيمَته كَالْبيع
1098 - رد السّلم الْفَاسِد إِذا اسْتَهْلكهُ المُشْتَرِي إِذا قبض أَجود من السّلم وزاده درهما
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا شَرط فِي السّلم ثوبا آخر وسطا فَجَاءَهُ بِثَوْب وزاده درهما جَازَ وَقَالَ مَالك يجوز فِي الثَّوْب أَن يَأْخُذ أطول مِنْهُ ويزيده درهما وَلَا يجوز أَن يَأْخُذ دون ثَوْبه ويسترجع شَيْئا
وَقَالَ الثَّوْريّ هما جَمِيعًا مكروهان
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز أَن يزِيدهُ درهما لثوب أطول مِنْهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر أَبَاحَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ بنت لبون عَن بنت مَخَاض ويزيده عَلَيْهِ عشْرين درهما
وَيَأْخُذ النَّاقِص وَزِيَادَة عشْرين
1099 - فِي النَّصْرَانِي أسلم فِي خمر ثمَّ يسلم
قَالَ أَصْحَابنَا أَيهمَا أسلم قبل قبض الْخمر بَطل العقد وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أسلم المُشْتَرِي أَخذ مِنْهُ قيمَة الْخمر يَوْم تقاضاه فَإِن كَانَت الْقيمَة أقل من رَأس المَال أَخذ ذَلِك رهنا وَإِن كَانَت الْقيمَة أَكثر من رَأس المَال أعْطى تِلْكَ الْقيمَة وَلم يُعْط الْمُسلم أَكثر من رَأس المَال
وَذكر ابْن وهب فِي النَّصْرَانِي يسلف دِينَارا فِي دينارين ثمَّ أسلم الَّذِي عَلَيْهِ الديناران أَن الَّذِي لَهُ الدِّينَار يَأْخُذ رَأس مَاله(3/28)
1100 - فِي البيع قبل الْقَبْض
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز بيع كل مَا ملك بِعقد ينْقض العقد بهلاكه كَالْبيع وَالْإِجَارَة إِلَّا الْعقار فَإِن أَبَا حنيفَة يُجِيز بَيْعه قبل الْقَبْض فِي ذَلِك كُله كُله
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يجوز بيع الْعقار وَالْعرُوض وَغَيرهَا قبل الْقَبْض مَا ملك بِالشِّرَاءِ
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز بيع مَا ملك بِنِكَاح أَو خلع قبل الْقَبْض
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا يجوز بيع السّلم قبل الْقَبْض
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ من اشْترى ثَمَرَة لم يجز لَهُ بيعهَا قبل الْقَبْض
وَقَالَ عُثْمَان البتي لابأس أَن يَبِيع كل شَيْء قبل أَن يقبضهُ وَإِن كَانَ مِمَّا يُكَال ويوزن
وَقَالَ مَالك لَا يجوز بيع مَا يُؤْكَل أَو يشرب قبل الْقَبْض لامن البَائِع وَلَا من غَيره سَوَاء كَانَ بِعَيْنِه أَو بِغَيْر عينه وَهَذِه رِوَايَة ابْن وهب عَنهُ
وَأما ابْن الْقَاسِم فروى عَن مَالك مثله وَاسْتثنى فِيهِ المَاء فَقَالَ المَاء وَحده يجوز بَيْعه قبل الْقَبْض
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَنهُ لَا يَبِيع الْملح والتوابل حَتَّى يَسْتَوْفِيه وزريعة(3/29)
الفجل الْأَبْيَض الَّذِي يُؤْكَل وزريعة الجزر وزريعة السلق والكراث وَمَا أشبهه فَلَا بَأْس بِأَن يَبِيعهُ قبل أَن يَسْتَوْفِيه لِأَن هَذَا لَيْسَ بِطَعَام وَيجوز فِيهِ التَّفَاضُل
وَذكر ابْن الْقَاسِم عَنهُ فِي الطَّعَام أَنه لَا يجوز بَيْعه قبل الْقَبْض إِذا اشْترى ورويا جَمِيعًا عَنهُ فِي غير الْمَأْكُول والمشروب نَحْو الثِّيَاب وَسَائِر الْعرُوض أَنه يجوز بيعهَا قبل قبضهَا مِمَّن يَشْتَرِي مِنْهُ وَمن غَيره
وَكَذَلِكَ إِذا أسلف فِيهَا يجوز بيعهَا من الَّذِي عَلَيْهِ وَمن غَيره إِلَّا أَنه إِذا بَاعه مِمَّن عَلَيْهِ فِي السّلم بِمثل رَأس المَال أَو بِأَقَلّ لم يزدْ على رَأس مَاله وَلَا يُؤَخِّرهُ وَإِن بَاعه بِعرْض أَيْضا قبل الْقَبْض وَيجوز أَن يَبِيعهُ من غير آلَته بِأَقَلّ أَو أَكثر إِذا انتقد الثّمن
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَجَابِر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا اشْتريت طَعَاما فَلَا تبعه حَتَّى تقبضه وَلم يخصص الطَّعَام
وروى عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ كُنَّا نتلقى الركْبَان فنشتري مِنْهُم الطَّعَام جزَافا فنهانا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نبيعه حَتَّى نحوله من مَكَانَهُ أَو ننقله
وَرَوَاهُ مُوسَى عَن نَافِع بِإِسْنَادِهِ فَذكر فِيهِ أَنه بعث عَلَيْهِم من يمنعهُم أَن يبيعوه حَيْثُ اشتروه حَتَّى ينقلوه حَيْثُ يبيعون الطَّعَام
فَخَالف مُوسَى بن عقبَة عبيد الله فِي معنى هَذَا الحَدِيث وَلَفظه
وَرَوَاهُ مَالك عَن نَافِع قَالَ فَبعث علينا من يَأْمُرنَا بانتقاله من الْمَكَان الَّذِي ابتعناه فِيهِ إِلَى مَكَان سواهُ قبل أَن نبيعه(3/30)
وروى أَبُو الزِّنَاد عَن عبيد بن حنين عَن ابْن عمر عَن زيد بن ثَابت نَهَانَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نبيع السّلع حَيْثُ تبْتَاع حَتَّى يحوزها التُّجَّار إِلَى رحالهم
قَالَ أَبُو جَعْفَر فاضطربت الرِّوَايَات فِي بَيْعه فِي مَوْضِعه أَو وجوب نَقله ثمَّ بَيْعه وَيحْتَمل أَن يكون معنى النَّهْي عَن ذَلِك عَمَّا يلقى الجلب فِيهِ حَتَّى يهْبط بِهِ الْأَسْوَاق لحَاجَة أهل الْأَسْوَاق إِلَى ذَلِك وَلِئَلَّا يضرهم ذَلِك
1101 - إِذا أَمر الْمُسلم بِأَن يَشْتَرِي لَهُ طَعَاما
وَأَن يقبضهُ لَهُ بكيل ثمَّ يكتاله لنَفسِهِ فَفعل جَازَ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز ذَلِك
1102 - فِيمَن أسلم فِي ثَوْبَيْنِ بصفقة وَاحِدَة هَل يَبِيع مُرَابحَة
قَالَ أَبُو حنفية لَا يَبِيع أَحدهمَا مُرَابحَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يَبِيع أَحدهمَا مُرَابحَة بِنصْف الثّمن
1103 - فِي الِاخْتِلَاف فِي السّلم
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اخْتلفَا فِي الْمِقْدَار وَالصّفة تحَالفا وترادا فَإِن اخْتلفَا فِي الْمَكَان تحَالفا وترادا فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَزفر(3/31)
وَفِي قَول أبي حنيفَة القَوْل قَول الْمُسلم إِلَيْهِ
وروى الْحسن نَحوه عَن أبي يُوسُف
وَإِن اخْتلفَا فِي الْأَجَل فَالْقَوْل قَول الطَّالِب فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ زفر يَتَحَالَفَانِ ويترادان
وَقَالَ مَالك إِذا اخْتلفَا فِي قدر الْحِنْطَة فَقَالَ أَحدهمَا كرّ وَالْآخر كرين فَالْقَوْل قَول الَّذِي عَلَيْهِ السّلم مَعَ يَمِينه وَإِن قَالَ أَحدهمَا حِنْطَة وَالْآخر شَعِيرًا تحَالفا وترادا
وَقَالَ مَالك إِذْ اخْتلفَا فِي الْمَكَان سلمه فِي الْموضع الَّذِي تعاقدا فِيهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا اخْتلفَا فِي الْمِقْدَار وَالصّفة وَالْأَجَل تحَالفا وترادا
1104 - فِي قيام الْبَيِّنَة على مَال حلفا فِيهِ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف إِذا قَالَ الْمُسلم سلمت إِلَيْك خَمْسَة دَرَاهِم فِي كرّ حِنْطَة وَقَالَ الْمُسلم إِلَيْهِ أسلمت إِلَيّ عشرَة دَرَاهِم فِي كرّ حِنْطَة أَنه سلم وَاحِد
وَلَو أسلم إِلَيْهِ دِينَارا فِي حِنْطَة وَقَالَ الْمُسلم مائَة دِرْهَم وَأَقَامَا بَيِّنَة أَنَّهُمَا كران بِمِائَتي دِرْهَم ودينار فِي قَوْلهم جَمِيعًا
وَقَالَ مُحَمَّد الأول أَيْضا سلمَان
وَذكر الْحسن عَن زفر أَنه لَو قَالَ الْمُسلم إِلَيْهِ مائَة فِي كرّ شعير وَقَالَ الآخر فِي كرّ حِنْطَة وَأَقَامَا بَيِّنَة أَنه يكون مائَة فِي كرّ حِنْطَة وَمِائَة فِي كرّ شعير(3/32)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف هِيَ مائَة فِي كرّ حِنْطَة افْتَرقَا أولم يفترقا أعطَاهُ مائَة أُخْرَى فِي كرّ شعير
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا قَالَ أسلمت إِلَيْك هَذَا الثَّوْب فِي كرّ حِنْطَة وَقَالَ الآخر أسلمت إِلَيّ هذَيْن الثَّوْبَيْنِ لثوبين غَيرهمَا من كرّ حِنْطَة وَأَقَامَا بَيِّنَة قَالَ تصير الثَّلَاثَة الأثواب فِي كرين حِنْطَة لِأَن بَيِّنَة هَذَا شهِدت على سلم غير مَا شهِدت بِهِ الْأُخْرَى
فَإِن قَالَ أسلمت إِلَيْك هَذَا العَبْد فِي كرّ حِنْطَة وَقَالَ الآخر بل أسلمت إِلَيّ هَذَا العَبْد وَهَذَا الثَّوْب فِي كرّ حِنْطَة وَأَقَامَا بَيِّنَة فَهَذَا سلم وَاحِد وَعَلِيهِ كران بِالثَّوْبِ وَالْعَبْد جَمِيعًا لِأَن بينتهما قد شهِدت بِالْعَبدِ وَشهِدت بَيِّنَة الآخر بِزِيَادَة ثوب
وَقَالَ يحيى على قَول الشَّافِعِي أَن تبطل الْبَيِّنَتَانِ ويتحالفان ويترادان
1105 - فِي صلح رب السّلم الْكَفِيل على رَأس المَال
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا صَالح رب السّلم الْكَفِيل على رَأس المَال فَإِن أجَازه الْمُسلم إِلَيْهِ جَازَ وَإِلَّا بَطل وَهُوَ قَول مُحَمَّد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف الصُّلْح جَائِز وَيرجع الْكَفِيل بالسلم على الْمُسلم إِلَيْهِ إِن كَانَ بأَمْره
وَقَالَ مَالك إِن بَاعه من الْكَفِيل بِعرْض أَو غَيره بيعا جَازَ وَكَانَ السّلم تَاما فَإِن صَالحه الْكَفِيل لنَفسِهِ على ثِيَاب وَكَانَ السّلم ثيابًا مَوْصُوفَة فَإِن كَانَ(3/33)
قبل مَحل الْأَجَل جَازَ وَإِن كَانَت أقل أَو أَجود أَو أَكثر رِقَاعًا أَو أشر فَلَا خير فِيهِ
1106 - إِذا أَمر أَن يكيله فِي غَرَائِر الْمُسلم
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا دفع الَّذِي لَهُ السّلم إِلَى الْمُسلم إِلَيْهِ غَرَائِر وَأمره بِأَن يَكِيل فِيهِ السّلم لم يجز وَلم يكن قبضا
وَقَالَ مَالك إِذا كتب أَن كل الطَّعَام واعزله ثمَّ بِعْهُ لي أَنه يكرههُ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا بعث إِلَيْهِ أَن أكر لي سفينة واحمل فِيهَا الطَّعَام فَإِنَّهُ إِذا حصل الطَّعَام فِي السَّفِينَة برِئ الْمُسلم إِلَيْهِ وَلَا يَبِيعهُ الْمُسلم حَتَّى يكتاله وَهُوَ فِي ضَمَان المُشْتَرِي
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يكون قبضا بجعله غَرَائِر وَفِي البيع حَتَّى يقبضهُ المُشْتَرِي أَو وَكيله
وَقَالَ أَصْحَابنَا فِي الطَّعَام المُشْتَرِي بِعَيْنِه إِذا أمره المُشْتَرِي أَن يكيله من غَرَائِر المُشْتَرِي فَفعل كَانَ قبضا
1107 - فِي السّلم فِي حصاد عَام بِعَيْنِه
ذكر أَبُو جَعْفَر عَن الشَّافِعِي أَن من شَرَائِط السّلم الَّذِي مَالا يَصح أَن يكون مَا أسلم إِلَيْهِ فِيهِ من حصاد عَام كَذَا
وَلم نجد هَذَا عَن أحد من أهل الْعلم سواهُ(3/34)
قَالَ وَكَانَ سَائِر أَصْحَابنَا يذهبون إِلَى أَن السّلم على هَذَا الشَّرْط فَاسد لِأَنَّهُ سلم فِي حصاد لم يحصد وَفِي مَعْدُوم
1108 - إِذا قَضَاهُ خيرا من سلمه
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا رَضِي أَن يَقْضِيه خيرا من سلمه من جنسه جَازَ سَوَاء اعْتَادَ ذَلِك الْمُسلم إِلَيْهِ أولم يعْتد وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك لابأس بِأَن يَقْضِيه أفضل مِنْهُ إِذا لم يشْتَرط المسلف عَلَيْهِ وَلَا عَادَة لَهُ مِنْهُ بذلك
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن وهب عَن مُعَاوِيَة بن صَالح عَن سعيد بن هَانِئ عَن عرباه بن سَارِيَة قَالَ بِعْت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكرا فَجِئْته لأتقاضاء فَقَالَ قضائي نعم لَا أقضيكها إِلَّا نجيبه قَالَ ابْن وهب أحسن الضِّيَافَة فقضاني فَأحْسن قضائي ثمَّ جَاءَ أَعْرَابِي فَقَالَ يَا رَسُول الله أقضينى بكري فقضاه بَعِيرًا مسنا فَقَالَ يَا رَسُول الله أفضل من بكري فَقَالَ هُوَ لَك خير الْقَوْم خَيرهمْ قَضَاء
1109 - فِي السّلم من الْجُلُود
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز السّلم فِي جُلُود الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم
1110 - فِي الاستصناع
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس باستصناع القمقم والطست والخف وَنَحْوه مِمَّا يعرف وَيعلم وَإِن كَانَ لَا يعلم فَلَا خير فِيهِ سَوَاء عجل الْأجر أولم يعجل(3/35)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن ضرب لَهُ أجل فَهُوَ سلم
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يصير سلما
وَقَالَ مَالك إِن ضرب لَهُ أَََجَلًا جَازَ وَكَانَ سلما وَإِن لم يضْرب لَهُ أَََجَلًا لم يجز
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز الاستصناع من ذَلِك إِلَّا أَن يكون شَيْئا مَعْلُوما فَيجوز على شَرَائِط السّلم
1111 - فِي تَوْكِيل ابْن من عَلَيْهِ السّلم بِالْقَبْضِ
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز لرب السّلم أَن يُوكل من عَلَيْهِ السّلم بِقَبْضِهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالِابْن أولى بذلك
وَقَالَ مَالك أكره تَوْكِيل ابْن الَّذِي عَلَيْهِ السّلم أَو عَبده أَو زَوجته بِقَبْضِهِ مِنْهُ وَلَا أكره أَن يُوكل ابْنه الْكَبِير إِذا بَان بالحيازة
1112 - فِي الرطب بِالتَّمْرِ
قَالَ أَبُو حنيفَة يجوز بيع الرطب بِالتَّمْرِ مثلا بِمثل وَكَذَلِكَ الْحِنْطَة الرّطبَة باليابسة
وَقَالَ مَالك وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز بيع الرطب بِالتَّمْرِ
قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُف يجوز بيع الْحِنْطَة الرّطبَة باليابسة
وَقَالَ الْآخرُونَ لَا يجوز(3/36)
1113 - فِي بيع الرطب بالرطب
قَالَ أَصْحَابنَا جَمِيعًا يجوز مثلا بِمثل
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز بيع الْحِنْطَة المبلولة باليابسة
وَقَالَ مُحَمَّد لَا يجوز
وَقَالَ مَالك يجوز بيع الرطب بالرطب وَبيع الْبُسْر بالبسر مثلا بِمثل
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز ذَلِك وَكَذَلِكَ كل مَا ينقص من المجفف
1114 - فِي بيع الْحِنْطَة بِالشَّعِيرِ وَنَحْوه
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز بيع الْحِنْطَة بِالشَّعِيرِ مُتَفَاضلا وَكَذَلِكَ القطاني كلهَا مُخْتَلفَة الْأَنْوَاع يَبِيع نوعا مِنْهَا بالنوع الآخر مُتَفَاضلا وَهُوَ قَول الثَّوْريّ فِي الْحِنْطَة بِالشَّعِيرِ
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك مَا اخْتلف من الطَّعَام والإدام فَبَان اختلافة فلاباس أَن يَشْتَرِي بعضة بِبَعْض جزَافا يدا بيد
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا يجوز السّمن بالودك إِلَّا مثلا بِمثل وَكَذَلِكَ الشَّحْم غير الذاب بالسمن إِذا كَانَ يُرِيد أَن يسيلة إِن كَانَ يأكلة فَلَا بَأْس بِهِ
وَقَالَ اللَّيْث لَا يصلح الشّعير بالقمح إِلَّا مثلا بِمثل لأنة صنف وَاحِد وَهُوَ مِمَّا يجْبر والقطاني كلهَا العدس والحمص والجلبان والفول يجوز فِيهَا التَّفَاضُل لِأَن القطاني مُخْتَلفَة فِي الطّعْم واللون والخلق(3/37)
قَالَ أَبُو جَعْفَر احْتج من منع ذَلِك بِحَدِيث بسر بن سعيد عَن معمر بن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الطَّعَام مثلا بِمثل وَكَانَ طعامنا يَوْمئِذٍ الشّعير
قَالَ وَهَذَا يحْتَمل أَن يكون الطَّعَام المُرَاد هُوَ الشّعير لِأَنَّهُ قَالَ وَكَانَ طعامنا يَوْمئِذٍ الشّعير
وروى عبَادَة بن الصَّامِت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين ذكر الْأَشْيَاء السِّتَّة ثمَّ قَالَ وبيعوا الْحِنْطَة بِالشَّعِيرِ كَيفَ شِئْتُم يدا بيد
وروى الْمُعَلَّى بن مَنْصُور قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن فضل حَدثنِي أَبُو زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
التَّمْر بِالتَّمْرِ والحنظة بِالْحِنْطَةِ وَالشعِير بِالشَّعِيرِ وَالْملح بالملح مثلا بِمثل فَمن زَاد واستزاد فقد أربى إِلَّا مَا اخْتلف ألوانه
وروى الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر قَالَ مَا اخْتلف من الطَّعَام فَلَا بَأْس بِهِ يدا بيد التَّمْر بِالتَّمْرِ وَالزَّبِيب بِالشَّعِيرِ وَكَرِهَهُ نَسِيئَة وَمَعْلُوم أَن مُرَاده اخْتِلَاف الْأَنْوَاع
1115 - فِي بيع الْحِنْطَة بالدقيق وَنَحْوه
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز بيع الدَّقِيق بِالْحِنْطَةِ وَلَا بيع قفيز من حِنْطَة بقفز من سويق وَهُوَ قَول الشَّافِعِي(3/38)
وروى وهب بن جرير عَن شُعْبَة قَالَ سَأَلت ابْن شبْرمَة عَن الدَّقِيق بِالْبرِّ قَالَ لَا بَأْس بِهِ
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بِالْحِنْطَةِ بالدقيق مثلا بِمثل وَلَا بَأْس بالسويق بالقمح
وَالْأَوْزَاعِيّ الْحِنْطَة بالقمح مثلا بِمثل وَلَا بَأْس بِهِ وزنا وَكَذَلِكَ الْقَمْح بالدقيق لَا بَأْس بِهِ وزنا
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَمنع الْمُمَاثلَة فِي الْكَيْل وأجراها فِي الْوَزْن وَلم نجد ذَلِك عَن أحد من أهل الْعلم سواهُ
وَعَن شُعْبَة قَالَ سَأَلت الحكم وحمادا عَن الدَّقِيق فكرهاه
1116 - فِي السويق بالدقيق
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز
وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَنه لَا يجوز إِلَّا مثلا بِمثل وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يجوز مُتَفَاضلا وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ الشَّافِعِي وَاللَّيْث لَا تبَاع الْحِنْطَة بالسويق إِلَّا مثلا بِمثل لِأَنَّهُ سويق كُله إِلَّا أَن بعضه أرق من بعض
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا تبَاع الجديدة بالسويق إِلَّا وزنا(3/39)
1117 - فِي بيع اللحمات بَعْضهَا بِبَعْض
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْحسن بن حَيّ الضَّأْن والماعز جنس وَاحِد وَكَذَلِكَ البختي مَعَ العرابي وَالْبَقر مَعَ الجواميس لَا تبَاع مُتَفَاضلا مِمَّا كَانَ جِنْسا وَيُبَاع لحم الْبَقر بِلَحْم الْغنم مُتَفَاضلا وَكَذَلِكَ الْأَجْنَاس الْمُخْتَلفَة
قَالَ مَالك فِي لحم الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَمَا أشبه ذَلِك من الْوَحْش لَا يَشْتَرِي بَعْضهَا بِبَعْض إِلَّا مثلا بِمثل وزنا بِوَزْن يدا بيد وَلَا بَأْس بِهِ وَإِن لم يُوزن إِذا تحرى أَن يكون مثلا بِمثل وَلَا بَأْس بِلَحْم الْحيتَان بِلَحْم الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَمَا أشبه ذَلِك من الْوَحْش اثْنَيْنِ بِوَاحِد يدا بيد
وَقَالَ مَالك وَأرى لُحُوم الطير كلهَا مُخَالفَة للحوم الْحيتَان والأنعام وَلَا بَأْس أَن يَشْتَرِي بعض ذَلِك بِبَعْض مُتَفَاضلا يدا بيد وَذكر ابْن الْقَاسِم عَنهُ والألبان مثل ذَلِك كَمَا قَالَ فِي اللحوم
وَقَول اللَّيْث كَقَوْل مَالك فِي ذَلِك
ق 4 ال الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ فِي اللَّحْم كُله وَاحِد وحشيه وإنسيه وطائره لَا يجوز مثله بَيْعه إِلَّا مثلا بِمثل وزنا بِوَزْن وَجعله فِي مَوضِع آخر على قَوْلَيْنِ قَالَ الْمُزنِيّ وَقد قطع قبل ذَلِك بِأَن ألبان الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم أَصْنَاف مُخْتَلفَة فلحومها الَّتِي من أصُول الألبان أولى بالاختلاف
وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء أَصْنَاف الْحيتَان مُخْتَلفَة فال بَأْس بَعْضهَا بِبَعْض مُتَفَاضلا وَكَذَلِكَ لُحُوم الطير إِذا اخْتلفت أجناسها
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْحيتَان جنس وَاحِد كالتمر وَإِن اخْتلفت أَنْوَاعه(3/40)
1118 - فِي بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ وَالزَّيْت بالزيتون
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف يجوز اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ من جنسه من غير اعْتِبَاره
وَقَالَ مُحَمَّد لَا يجوز إِلَّا على اعْتِبَار
وَقَالُوا جَمِيعًا لَا يجوز بيع الزَّيْت بالزيتون وَالصُّوف بِالشَّاة والنوى بِالتَّمْرِ وَنَحْوه إِلَّا على الِاعْتِبَار وَكَذَلِكَ اللَّبن بِالشَّاة الَّتِي فِي ضرْعهَا لبن
وَقَالَ مَالك وَلَا بَأْس بِاللَّبنِ يدا بيد وَلَا يجوز نسأ وَلَا بَأْس بِالشَّاة اللَّبُون بِطَعَام إِلَى أجل لِأَن اللَّبن من الشَّاة وَلَيْسَ الطَّعَام مِنْهَا وَقَالَ وَلَا يجوز الزَّيْت بالزيتون سَوَاء كَانَ فِي الزَّيْتُون زَيْت أَو لم يكن قَالَ مَالك وَلَا يجوز النَّبِيذ بِالتَّمْرِ
قَالَ وَلَا بَأْس بِالشَّاة غير اللَّبُون بِلَبن إِلَى أجل
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يجوز شِرَاء شَجَرَة فِيهَا زيتونة بأمداد من زيتون وَكَذَلِكَ شَاة لَهَا لبن بأقساط لبن جَائِز والنماء فِي الشّجر والضرع لَغْو
وَقَالَ اللَّيْث لَا يجوز بيع حَيّ بميت اخْتلف أَو لم يخْتَلف لنَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ وَيجوز بيع الْحيتَان بِلَحْم الطير
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز بيع اللَّحْم بِاللَّحْمِ كَانَ اللَّحْم مُخْتَلفا أَو غير مُخْتَلف وَلَا يجوز بيع شَاة فِي ضرْعهَا لبن بِلَبن
وَذكر أَبُو جَعْفَر حَدِيث سعيد بن الْمسيب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّهْي عَن بيع(3/41)
الْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة فِي بَعْضهَا أَنه يُبَاع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ وَفِي بَعْضهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بحي من الْأَنْصَار وَقد نحرُوا جزورا فَجعلُوا أَجزَاء كل جُزْء مِنْهَا بعناق فَنهى رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الْحَيّ بِالْمَيتِ
وَعَن سعيد بن الْمسيب فِي قَوْله لَا يُبَاع الْحَيّ بِالْمَيتِ
1119 - فِي اللَّحْم النيء بالمستوي
قَالَ أَبُو جَعْفَر قِيَاس قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه أَن لَا يُبَاع النيء بالمستوى إِلَّا يدا بيد مثلا بِمثل إِلَّا أَن يكون من أَحدهمَا شَيْء من التوابل فَيكون الْفضل فِي الآخر بالتوابل
وَقَالَ مَالك لَا يُبَاع اللَّحْم النيء بالقديد إِلَّا مثلا بِمثل وَلَا مُتَفَاضلا وَلَا بَأْس بالطري بالمطبوخ مثلا بِمثل
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز من الْجِنْس الْوَاحِد مطبوخ مِنْهُ بنيء مِنْهُ بِحَال كَذَلِك الْمَطْبُوخ بالمطبوخ
1120 - فِي اللَّحْم بِاللَّحْمِ بِالتَّحَرِّي
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْحسن بن حَيّ يجوز بيع شَاتين مذبوحتين إِحْدَاهمَا أُخْرَى وَأَن لم يكن لأَحَدهمَا جلد لم يجز
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث لَا يَشْتَرِي اللَّحْم بعضه بِبَعْض وزنا(3/42)
1121 - فِي خل التَّمْر بخل الْعِنَب
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس بخل التَّمْر بخل السكر اثْنَان بِوَاحِد
وَقَالَ مَالك لَا يجوز إِلَّا مثلا بِمثل وَكَذَلِكَ نَبِيذ التَّمْر بنبيذ الزَّبِيب
قَالَ وَلَيْسَ هَذَا مثل زَيْت الزَّيْتُون وزيت الفجل وزيت الجلجلان لِأَن هَذِه مُخْتَلفَة ومنافعها شَتَّى
قَالَ وَلَا بَأْس بِزَيْت الْكَتَّان بِغَيْرِهِ من الزَّيْت الآخر يدا بيد مُتَفَاضلا
قَالَ أَبُو جَعْفَر كَأَنَّهُ لم يكن عِنْده من الْأَشْيَاء المأكولة فَلم يَجعله كَذَلِك كالزيت الْمَأْكُول بالزيت الْمَأْكُول
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا ذكر عَنهُ الرّبيع دهن الْحُبُوب والبزور كلهَا كل دهن مِنْهُ بدهن غَيره
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي خل الزَّبِيب بالزبيب أَن يصنع الزَّبِيب خلا فَلَا يصلح ذَلِك وَإِلَّا فَلَا بَأْس بِهِ وَكَذَلِكَ التَّمْر بخل التَّمْر
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز بيع الزّبد بِلَبن من جنسه
1122 - فِي بيع اللَّحْم بالشحم
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز بيع شَحم الْبَطن بِاللَّحْمِ مُتَفَاضلا وَكَذَلِكَ الألية بالشحم وشحم الظّهْر وشحم الْبَطن وَلَا يجوز بيع شَحم الظّهْر بِاللَّحْمِ إِلَّا مثلا بِمثل
وَقَالَ مَالك لَا يَشْتَرِي اللَّحْم بالشحم إِلَّا مثلا بِمثل وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْأَيْمَان الشَّحْم غير اللَّحْم إِذا حلف على أحدهمالا يَحْنَث بِأَكْل الآخر(3/43)
1123 - فِي الْحِنْطَة بِالْحِنْطَةِ هَل يجب قَبضه فِي الْمجْلس
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا بَاعَ حِنْطَة بِعَينهَا بخطة بِعَينهَا وتفرقا قبل الْقَبْض جَازَ وَلم ينتقص البيع بترك الْقَبْض
وَقَالَ مَالك لَا يجوز بيع الحنطه بالحنطه حَتَّى يَكُونَا جَمِيعًا حاضرين فِي الْمجْلس أَو يحضرهما قبل أَن يَتَفَرَّقَا وَكَذَلِكَ الحنطه بِالشَّعِيرِ وَإِن قبض أَحدهمَا وَلم يقبض الآخر حَتَّى افْتَرقَا بَطل ذكره ابْن الْقَاسِم وَذكر ابْن عبد الْحَكِيم عَنهُ قَالَ لَا يُبَاع الطَّعَام كُله إِلَّا الإدام بعضه بِبَعْض إِلَّا يدا بيد
وَقَالَ اللَّيْث لَا يجوز الزَّيْت بِالطَّعَامِ إِلَّا أَن يتقابضا فِي الْمجْلس
وَقَالَ الشَّافِعِي الْمَأْكُول كُله والمشروب كُله مثل الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير لَا يختلفا فِي شَيْء فَإِذا بِعْت صنفا مِنْهُ بصنفه فَلَا يصلح إِلَّا مثلا بِمثل يدا بيد وَلَا خير فِيهِ نَسِيئَة
1124 - فِي التَّمْر بالتمرتين
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْحسن بن حَيّ يجوز بيع تَمْرَة بتمرتين وبيضة ببيضتين وجوزة بجوزتين إِذا كَانَ بِعَيْنِه
وَقَالَ مَالك لَا يجوز الْبيض بالبيض مُتَفَاضلا لِأَنَّهُ يدّخر وَيجوز بيع الصَّغِير مِنْهُ بالكبير وبيض الدَّجَاج ببيض الأوز وبيض النعام إِذا تحرى ذَلِك أَن يَكُونَا مثلا بِمثل
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا أَبُو خازم القَاضِي قَالَ حَدثنَا ابْن أبي زيدون عَن الْفرْيَابِيّ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ قَالَ لَا يجوز تَمْرَة بتمرتين وَلَا جوزة بتمرة(3/44)
قَالَ أَبُو خازم مَا أحسن مَعْنَاهُ فِي هَذَا
ذهب إِلَى أَن ذَلِك أَصله الْكَيْل وَإِلَى أَنه خير مدرك بالكيلي
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا بَأْس بَيْضَة ببيضتين يدا بيد وجوزة بجوزتين
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز بيع التمرة بالتمرتين
قَالَ أَبُو جَعْفَر احْتج من أجَازه بِأَن مستهلك التمرة والتمرتين يجب عَلَيْهِ الْقيمَة وَأَنه غير مَكِيل وَلَا مَوْزُون
آخر السّلم(3/45)
أول الْبيُوع
1125 - فِي خِيَار الْمُتَبَايعين
قَالَ أَبُو جَعْفَر اخْتلفُوا فِي تَأْوِيل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم البيعان بِالْخِيَارِ مالم يَتَفَرَّقَا
فروى عَن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أَن مَعْنَاهُ إِذا قَالَ البَائِع قد بِعْتُك فَلهُ أَن يرجع مَا لم يقل المُشْتَرِي قبلت وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف هما المتساومان فَإِذا قَالَ بِعْتُك بِعشْرَة فَلِلْمُشْتَرِي خِيَار الْقبُول فِي الْمجْلس وَللْبَائِع خِيَار الرُّجُوع فِيهِ قبل قبُول المُشْتَرِي
وَعَن عِيسَى بن أبان نَحوه
وَقَالَ مَالك لَا خِيَار لَهما إِذا عقد بِكَلَام وَإِن لم يَتَفَرَّقَا(3/46)
وَقَالَ الثَّوْريّ وَاللَّيْث وَعبيد الله بن الْحُسَيْن هما بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا أَو يتخايرا وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا عقدا فهما بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا إِلَّا فِي بُيُوع ثَلَاثَة بيع مزايدة الْغَنَائِم وَالشَّرِكَة فِي الْمِيرَاث وَالشَّرِكَة فِي التِّجَارَة فَإِذا صافقه فقد وَجب وَلَيْسَ فِيهِ الْخِيَار وَقت الْفرْقَة يتَوَارَى كل وَاحِد من صَاحبه
وَقَالَ اللَّيْث التَّفَرُّق أَن يقوم أَحدهمَا
وَقَالَ من يُوجب الْخِيَار إِذا خَيره فِي الْمجْلس فَاخْتَارَ فقد وَجب البيع
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن جريج عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تبَايع الْمُتَبَايعَانِ فَكل وَاحِد مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ من بَيْعه مَا لم يَتَفَرَّقَا أَو يكون بيعهمَا عَن خِيَار وَإِذا كَانَ إِن خِيَار فقد وَجب
وَكَانَ ابْن عمر إِذا بَاعَ الرجل وَلم يخيره فَأَرَادَ أَن لَا يقيله قَامَ فَمشى هنيَّة ثمَّ رَجَعَ وَاحْتج الشَّافِعِي على مُرَاد الْخَبَر بِفعل ابْن عمر وَهُوَ رَاوِي الْخَبَر
قَالَ وَلَا دلَالَة فِيهِ على مَذْهَب ابْن عمر لِأَنَّهُ جَائِز أَن يكون خَافَ أَن يكون مِمَّن يرى الْخِيَار فِي الْمجْلس فتحرز مِنْهُ بذلك حذرا مِمَّا كَانَ نزل بِهِ فِي الْبَرَاءَة(3/47)
من الْعُيُوب حِين خوصم إِلَى عُثْمَان فَحَمله على خلاف رَأْيه وَلم يجز الْبَرَاءَة إلأ أَن يُبينهُ لمبتاعه
وَقد روى عَن ابْن عمر مَا يدل على موافقتنا وَهُوَ مَا روى ابْن شهَاب عَن حَمْزَة بن عبد الله بن عمر قَالَ مَا أدْركْت الصَّفْقَة حَيا فَهُوَ من مَال الْمُبْتَاع على أَنه كَانَ يرى الْمَبِيع نَحْو الصَّفْقَة يدْخل فِي ملك المُشْتَرِي وَيخرج من مَال بَائِعه
قَالَ وَيجوز أَن يُسَمِّي المتساومان متبايعين لقربهما من التبايع كَمَا قيل الذَّبِيح لقُرْبه من الذّبْح وَإِن لم يذبح
وَكَقَوْلِه {فَإِذا بلغن أَجلهنَّ فأمسكوهن} الطَّلَاق وَهُوَ مقاربة الْبلُوغ أَلا ترى أَنه قَالَ فِي آيَة {فبلغن أَجلهنَّ فَلَا تعضلوهن} فَأَرَادَ حَقِيقَة الْبلُوغ
وروى جميل بن مرّة عَن أبي الوضيء قَالَ نزلنَا منزلا فَبَاعَ صَاحب لنا من رجل فرسا وأقمنا يَوْمنَا وليلتنا فَلَمَّا كَانَ من الْغَد قَامَ الرجل يسرج فرسه فَقَالَ لَهُ صَاحبه إِنَّك قد بعتني فاختصما إِلَى أبي بَرزَة فَقَالَ إِن شئتما قضيت بَيْنكُمَا بِقَضَاء رَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم سميت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول البيعان بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا وَمَا أراكما تفرقتما
وروى هِشَام بن حسان عَن أبي الوضيء أَنهم اخْتَصَمُوا إِلَيْهِ فِي رجل بَاعَ جَارِيَة فَنَامَ مَعهَا البَائِع فَلَمَّا أصبح قَالَ لَا أرضاها(3/48)
فَقَالَ أَبُو بَرزَة إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ البيعان بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا وَكَانَا فِي خباء شعر
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَا مُخَالفَة أَن أَحدهمَا قد قَامَ لغائط وَبَوْل أَو صَلَاة فِي بيع الْفرس وَقد نَام فِي بيع الْجَارِيَة وَذَلِكَ تفرق عِنْد الْجَمِيع فَمَعْنَى قَول أبي بَرزَة فِي التَّفْرِيق هَا هُنَا التَّفْرِيق بِالْبيعِ لِأَن أَحدهمَا ادّعى البيع وحاجه الآخر
1126 - فِي لفظ الْإِيجَاب وَالْقَبُول
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ بعنى فَقَالَ قد بِعْتُك لم يَصح حَتَّى يقبل الأول وَقَالَ مَالك يتم البيع
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَصح النِّكَاح حَتَّى يَقُول قد زوجتكها وَيَقُول الآخر قبلت تَزْوِيجهَا أَو يَقُول الْخَاطِب زوجنيها وَيَقُول الْوَلِيّ قد زوجتكها كَانَ تزويجا وَلَا يحْتَاج إِلَى قَول الزَّوْج قد قبلت
وَقَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ زَوجنِي فَقَالَ قد زوجتكها كَانَ تزويجا وَلَا يحْتَاج إِلَى قَول الزَّوْج بعد ذَلِك فرقوا بَين البيع وَالنِّكَاح
قَالَ أَبُو جَعْفَر الَّذِي حكيناه عَن الشَّافِعِي فِي النِّكَاح يدل على أَن قَوْله فِي البيع مثله لِأَن من أَصله أَنه لَا يجوز أَن يكون الْوَاحِد وَكيلا فِي البيع لَهما فيعقد لَهما وَلَا يجوز أَن يكون الزَّوْج وَكيلا فِي عقد النِّكَاح لنَفسِهِ كَالْبيع
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَوله بِعني تَوْكِيل الْمُخَاطب فِي ابتياع عبد من نَفسه فَلَا يَصح حكمه واحتيج بعد ذَلِك إِلَى قبُول من جِهَته بعد إِيجَاب الْمُخَاطب لَهُ وَفِي النِّكَاح يجوز أَن يكون وَكيلا فِي عقد لنَفسِهِ عَلَيْهِ(3/49)
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ لَهُ بكم سلعتك فَيَقُول بِمِائَة دِينَار فَيَقُول قد أَخَذتهَا فَيَقُول الرجل لَا أبيعك وَقد كَانَ أوقفها للْبيع فَإِنَّهُ يحلف بِاللَّه مَا ساومه على الْإِيجَاب فِي البيع وَلَا الْأَركان وَأَنه مَا ساومه إِلَّا وَهُوَ يُرِيد غير الْإِيجَاب فَإِن حلف كَانَ القَوْل قَوْله وَإِن لم يحلف لزمَه
قَالَ أَبُو جَعْفَر مَا ذكر عَن مَالك بِأَنَّهُ يصدق أَنه لم يرد بيعا فِي الْخطاب الَّذِي ظَاهره أَنه بيع فَإِنَّهُ لم يعلم أحد من أهل الْعلم عِنْده روى ذَلِك
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا قَالَ أبيعك هَذَا الثَّوْب بِثمن ذكره فَقَالَ المُشْتَرِي قد قبلت فالبائع بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ لزمَه وَإِن شَاءَ لم يلْزمه
1127 - فِي كَيْفيَّة قبض الْعين الْمَبِيع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ لأَحَدهمَا دينا حَالا أجبر على تَسْلِيم الدّين ثمَّ قبض الْعين وَإِن كَانَا عينين قبضا مَعًا
وَقَالَ للخياط وَنَحْوه أَن يمْنَع مَا عمل حَتَّى يقبض الْأجر وَهَذَا يدل على أَن قَوْله فِي البيع كَذَلِك
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا بَاعَ عرضا فيبغي للْبَائِع أَن يدْفع إِلَى الْمُبْتَاع مَا بَاعَ ثمَّ يَأْخُذ الدَّرَاهِم وَإِذا بَاعَ عرضا بِعرْض جعل بَينهمَا عدلا يدفعان إِلَيْهِ جَمِيعًا إِذا اخْتلفَا
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن يقبضان مَعًا هَات وَخذ الثّمن وَالْمَبِيع
وَقَالَ الشَّافِعِي يُؤمر البَائِع بِدفع السّلْعَة وَيجْبر المُشْتَرِي على دفع الثّمن من سَاعَته فَإِن غلب على مَاله أشهد على وقف مَاله وَأشْهد على وقف السّلْعَة فَإِذا دفع أطلق عَنهُ الْوَقْف وَإِن لم يكن لَهُ مَال فَهُوَ مُفلس وَالْبَائِع أَحَق بسلعته
وَقَالَ فِي النِّكَاح إِذا امتنعا أجبرت أَهلهَا على وَقت يدْخلُونَهَا فِيهِ وَأخذت الصَدَاق فَإِذا دخلت دَفعه إِلَيْهَا(3/50)
1128 - فِي خِيَار الشَّرْط
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز البيع فِي سَائِر الْأَشْيَاء بِشَرْط خِيَار البَائِع أَو المُشْتَرِي ثَلَاثًا إِلَّا فِيمَا أَخذ عَلَيْهِ بجعله فِي الْمجْلس وَنَحْو الصّرْف وَالسّلم وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر لَا يجوز بِشَرْط الْخِيَار أَكثر من ثَلَاث فَإِن زَاد فسد البيع وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد والاوزاعي يجوز وَإِن شَرط شهرا أَو أَكثر
وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَالثَّوْري لَا يشْتَرط الْخِيَار للْبَائِع بِحَال
وَقَالَ الثَّوْريّ إِن شَرط الْخِيَار للْبَائِع فسد البيع قَالَ الثَّوْريّ يجوز شَرط الْخَيْر للْمُشْتَرِي عشرَة أَيَّام أَو أَكثر
وَقَالَ مَالك يجوز شَرط الْخِيَار فِي الثَّوْب الْيَوْم واليومين وَمَا أشبهه وَمَا كَانَ أَكثر من ذَلِك فَلَا خير فِيهِ وَالْجَارِيَة يكون الْخِيَار فِيهَا أبعد من هَذَا قَلِيلا الْخَمْسَة الْأَيَّام وَالْجُمُعَة وَنَحْوه فِي الدَّابَّة أَن يسير عَلَيْهَا الْبَرِيد وَنَحْوه ليعرف سَيرهَا وَمَا بعد من أجل الْخِيَار فَلَا خير فِيهِ وَلَا فريق بَين شَرط الْخِيَار للْبَائِع أَو المُشْتَرِي
وَقَالَ الثَّوْريّ يجوز الْخِيَار الْيَوْم واليومين وَالثَّلَاثَة قَالَ وَمَا بلغنَا فِيهِ وَقت إِلَّا أَنا نحب أَن يكون ذَلِك قَرِيبا إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام(3/51)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا اشْترى الرجل الشَّيْء فَقَالَ لَهُ البَائِع اذْهَبْ فَأَنت فِيهِ بِالْخِيَارِ أبدا فَلَا يجوز حَتَّى يَقُول رضيت وَقَالَ مَا أَدْرِي مَا الثَّلَاث إِذا بَاعه فقد رَضِي وَإِذا كَانَت جَارِيَة بكرا فوطأها فقد رَضِي
وَقَالَ مَالك إِذا شَرط الْخِيَار إِلَى مُدَّة مَعْلُومَة فَإِنَّهُ لايصلح فِيهِ النَّقْد فَإِن وَقع البيع بِاشْتِرَاط النَّقْد فَالْبيع فَاسد
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَالَ أَصْحَابنَا نقد الثّمن غير وَاجِب مَعَ بَقَاء الْخِيَار وَإِن شَرط نقد الثّمن مَعَ بَقَاء الْخِيَار فَالْبيع فَاسد
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن لايعجبني طول الْخِيَار وَكَانَ يَقُول للْمُشْتَرِي الْخِيَار مَا رَضِي البَائِع
روى الشَّافِعِي عَن سُفْيَان قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن حبَان بن منقذ سفع فِي رَأسه مأمومة فتثقل لِسَانه فَكَانَ يخدع فِي البيع فَجعل لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخِيَار فِيمَا اشْترى ثَلَاثًا وَقَالَ لَهُ بِعْ وَقل لاخلابة
وَفِي حَدِيث الْمُصراة إِثْبَات الْخِيَار ثَلَاثًا(3/52)
وَحَدِيث مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْمُتَبَايعَانِ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ على صَاحبه مالم يفترقا إِلَّا بيع الْخِيَار يَعْنِي فَإِن الْخِيَار ثَبت بعد الِافْتِرَاق
قَالَ أَبُو جَعْفَر وأنما يَعْنِي الثَّوْريّ جَوَاز البيع بِشَرْط الْخِيَار للْبَائِع وَفرق بَين المُشْتَرِي وَالْبَائِع فَإنَّا لم نجده عَن أحد من أهل الْمعلم
1129 - فِي موت من لَهُ الْخِيَار
قَالَ أَصْحَابنَا يبطل خِيَاره وَيتم البيع وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك وَعبيد الله بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ يقوم وَارثه مقَامه فِي الْخِيَار
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِن اشْتَرِ الرجل الْمَبِيع فَلم يقبله حَتَّى يَمُوت كَانَ ورثته فِي ذَلِك بمزلته يقبلونه وهم بِالْخِيَارِ إِن شَاءُوا أخذُوا وَإِن شَاءُوا ردوا فَإِن كَانَ قد قبل وَرَضي وَنظر ثمَّ مَاتَ قبل أَن يقبض لزمَه البيع وَإِذا اشْترى بِشَرْط فَمَاتَ قبل الْوَقْت كَانَ لوَرثَته مَا كَانَ لَهُ إِلَى وقته
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْخِيَار لَيْسَ يملك ولايصير مَالا وَإِنَّمَا هُوَ رَأْي والرأي لايورث وَلَيْسَ كَخِيَار الْعَيْب لِأَنَّهُ يجوز أَن يُصَالح مِنْهُ على مَال وَيصير مَالا بِهَلَاك الْمَبِيع فِي يَده
قَالَ أَبُو بكر إِذا كَانَ رَأيا كَانَ بِمَنْزِلَة الوكاله وَخيَار الْقبُول فَلَا يُورث
1130 - فِي هَلَاك الْمَبِيع فِي يَد المُشْتَرِي فِي بيع الْخِيَار
قَالَ أَصْحَابنَا إِن كَانَ الْخِيَار للْبَائِع فَلِلْمُشْتَرِي الْقيمَة إِذا هلك قبل مُضِيّ مُدَّة الْخِيَار وَإِن كَانَ الْخِيَار للْمُشْتَرِي فَعَلَيهِ الثّمن وَقت البيع بِالْهَلَاكِ(3/53)
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا كَانَ الْخِيَار للْبَائِع فَالْمُشْتَرِي أَمِين
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث أَيهمَا كَانَ لَهُ الْخِيَار فَهُوَ أَمِين وَهُوَ ذَاهِب من مَال البَائِع
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا كَانَ الْخِيَار للْمُشْتَرِي فَعَلَيهِ الثّمن
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ هُوَ من مَال البَائِع حَتَّى يرضى المُشْتَرِي
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ من لَهُ الْخِيَار فَمَا قَبضه مَضْمُون عَلَيْهِ للَّذي لاخيار لَهُ
وَقَالَ شريك بن عبد الله أَيهمَا كَانَ لَهُ الْخِيَار وَقبض المُشْتَرِي مَاله الَّذِي اشْترى فَهُوَ ضَامِن لَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا كَانَ لَهما جَمِيعًا الْخِيَار فَالْمُشْتَرِي ضَامِن للقيمة إِذا هلك فِي يَده وَذكر عَنهُ الرّبيع أَنه إِذا كَانَ لَهما جَمِيعًا البَائِع بِالْخِيَارِ فَالْمُشْتَرِي ضَامِن لقيمته وَقَالَ فِي كتاب الصَدَاق إِذا كَانَ الْخِيَار للْمُشْتَرِي فَمَاتَ فِي يَده قبل مضى الْخِيَار لزمَه الثّمن
1131 - فِي نقض البيع بِغَيْر محْضر وَالْآخر بِالْخِيَارِ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد إِن اخْتَار الَّذِي لَهُ الْخِيَار البيع بِغَيْر محْضر من الآخر جَازَ وَإِن فَسخه لم يجز إلابمحضر من الآخر
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَزفر وَأَبُو يُوسُف وَمَالك جَازَ إِن فسخ بِغَيْر محضره(3/54)
1132 - فِي الْخِيَار بِغَيْر مُدَّة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا شَرط الْخِيَار بِغَيْر مُدَّة مَعْلُومَة فَالْبيع فَاسد فَإِن أجَازه فِي الثَّلَاث جَازَ عِنْد أبي حنيفَة وَإِن لم يجزه حَتَّى مَضَت الثَّلَاث لم يكن لَهُ أَن يجز وَإِن جعل لَهُ من الْخِيَار مثل مَا يكون لَهُ فِي تِلْكَ السّلْعَة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يجوز شَرط الْخِيَار بعد مُدَّة ويكن الْخِيَار أبدا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَت جَهَالَة الْأَجَل يفْسد البيع كَانَ كَذَلِك جَهَالَة مُدَّة الْخِيَار
1133 - فِي مُضِيّ مُدَّة الْخِيَار
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ إِذا شَرط الْخِيَار مُدَّة مَعْلُومَة فمضت الْمدَّة قبل أَن يفْسخ البيع فقد جَازَ البيع وَلزِمَ المُشْتَرِي سَوَاء كَانَ الْخِيَار للْبَائِع أَو للْمُشْتَرِي
وَقَالَ مَالك إِن شَرط المُشْتَرِي الْخِيَار لنَفسِهِ ثَلَاثًا فَأتى بِهِ بعد مغرب الشَّمْس من آخر أَيَّام الْخِيَار أَو من الْغَد أَو قرب ذَلِك بَعْدَمَا مضى الْأَجَل فَلهُ أَن يرد إِن تبَاعد ذَلِك لم يردهُ قَالَ وَإِن شَرط أَنه إِن غَابَتْ الشَّمْس من آخر أَيَّام الْأَجَل وَلم يَأْتِ بِالثَّوْبِ لزم البيع فَلَا خير فِي هَذَا البيع
1134 - فِي شَرط الْخِيَار لغير الْعَاقِد
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز شَرط الْخِيَار لغير الْعَاقِد وَالَّذِي شَرط لَهُ الْخِيَار فَإِن أجازة جَازَ وَإِن نقض انْتقض وَكَذَلِكَ الْعَاقِد الَّذِي شَرط فَلهُ الْخِيَار(3/55)
وَعَن الشَّافِعِي رِوَايَتَانِ
وَقَالَ مَالك إِذا بَاعَ سلْعَة وَشرط البَائِع إِن رَضِي فلَان ذَلِك فَالْبيع جَائِز وَلَيْسَ للْبَائِع الْخِيَار وَالْخيَار لفُلَان الَّذِي شَرط رِضَاهُ وَكَذَلِكَ لَو شَرط المُشْتَرِي الْخِيَار لغيره فَهُوَ مثل هَذَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر اشْتِرَاطه الْخِيَار لغيره اشْتِرَاط الْخِيَار مِنْهُ لنَفسِهِ وتوكيل لغيره بإجازته أَو فَسخه
1135 - فِي التَّوْكِيل يشْتَرط الْخِيَار للْآمِر
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْوَكِيل بِالشِّرَاءِ إِذا شَرط الْخِيَار للْآمِر وَادّعى البَائِع أَن الْآمِر قد رَضِي لم يصدق وَلَا يَمِين على المُشْتَرِي وَإِن أَقَامَ بَيِّنَة قبلت وَإِن كَانَ الْآمِر فِي مُدَّة الْخِيَار لم أَرض فَالْقَوْل قَوْله وَيلْزم البيع المُشْتَرِي دونه
وَقَالَ مَالك لَا يجوز رِضَاء الْوَكِيل إِذا شَرط الْخِيَار للْمُوكل حَتَّى يرضى الْمُوكل
وَقَالَ الشَّافِعِي للْوَكِيل أَن لَهُ يرد بِالْعَيْبِ فَقِيَاس قَوْله أَن لَهُ أَن يرد إِذا شَرط الْخِيَار للْآمِر(3/56)
1136 - فِي المشتريين للشَّيْء صَفْقَة وَلَهُمَا الْخِيَار
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي رجلَيْنِ اشتريا عبدا صَفْقَة وَاحِدَة وهما بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَرضِي أَحدهمَا لم يكن للْآخر أَن يرد وَكَذَلِكَ لَو لم يكن خِيَار ووجدا بِهِ عَيْبا فَرضِي أَحدهمَا لم يردهُ الآخر وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَعُثْمَان البتي وَالْحسن بن حَيّ وَابْن أبي ليلى وَالشَّافِعِيّ يرد الآخر يرد الآخر نصِيبه قَالَ الثَّوْريّ وَيرجع الآخر بِحِصَّة الْعَيْب من الثّمن فِي نصِيبه
1137 - فِي دَعْوَى الْخِيَار
قَالَ ذكر ابْن سَمَّاعَة وَبشر بن الْوَلِيد عَن ابي يُوسُف أَن البَائِع إِذا ادّعى أَنه بَاعه بِشَرْط خِيَار الثَّلَاث وَادّعى بيعا باتا أَن أَبَا حنفية قَالَ القَوْل قَول البَائِع لِأَنَّهُ لم يقر بِخُرُوجِهِ من ملكه
وروى مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَنه أَيهمَا ادّعى الْخِيَار لم يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة وَلم يذكر فِيهِ خلافًا وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى
وَمَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ يَتَحَالَفَانِ وَهَذَا كاختلافهما فِي الثّمن
قَالَ أَبُو جَعْفَر اخْتِلَاف الْخِيَار لَيْسَ باخْتلَاف فِي نفس الْمَبِيع وَلَا فِيمَا لَهُ حِصَّة من الثّمن فَهُوَ كاختلافهما فِي الْبَرَاءَة من الْعَيْب فَلَا يُوجب التَّحَالُف إِذا لم يختلفا فِي العقد نَفسه(3/57)
1138 - فِيمَن اشْترى أحد هذَيْن على أَنه بِالْخِيَارِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى ثوبا فِي ثَوْبَيْنِ على أَن يأخد أَيهمَا شَاءَ وَهُوَ فِي الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام فَهَذَا جَائِز
وَكَذَلِكَ الثَّلَاثَة وَلَا يجوز فِي الْأَرْبَعَة
قَالَ وَذكر مُحَمَّد أَنه إِن وَقع البيع على مَا ذكرنَا بِغَيْر خِيَار مُؤَقّت مَعْلُوم فَالْبيع فَاسد وَلم نجد فِيهِ خلافًا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا اشْترى شَاة من جمَاعَة غنم بحيادها فَلَا بَأْس بذلك أَو عدد مُسَمّى نحوالعشرة فِي جمَاعَة كَثِيرَة فَلَا بَأْس بذلك
قَالَ وعَلى أصل الشَّافِعِي أَن لَا يجوز فِي ثوب من ثَوْبَيْنِ شَرط الْخِيَار أَو لم يشْتَرط
1139 - فِي الْمُصراة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى شَاة فَحلبَ لَبنهَا لم يردهَا بِعَيْب وَيرجع بِنُقْصَان الْعَيْب
وَقَالَ بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف فِي الْإِمْلَاء لَو اشْترى شَاة وَاشْترط أَنَّهَا تحلب كَذَا وَكَذَا فَالْبيع فَاسد فَإِن ترك المُشْتَرِي الشَّرْط جَازَ البيع مثل(3/58)
البيع إِلَى الْعَطاء كَذَلِك الشَّاة المحفلة وَهِي بِمَنْزِلَة الشَّرْط بكيل مَوْزُون فَإِن شَاءَ ردهَا ورد مَا أكل من اللَّبن وَإِن شَاءَ ابطل مَاله فِي النّظر فَاخْتَارَ البيع
قَالَ أَبُو جَعْفَر وروى عَن زفر فِي كتاب مُضَاف إِلَيْهِ ملقب بنوادره فِيمَن استرى الشَّاة الْمُصراة قَالَ زفر هُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا يحلبها فَإِن شَاءَ ردهَا ورد مَعهَا صَاعا من تمر أَو نصف صَاع من بر وَإِن اشْتَرَاهَا وَلَيْسَت بمحفلة فاحتلبها فَلَيْسَ لَهُ أَن يردهَا لأَنا اتَّبعنَا الْأَثر فِي المحفلة فَإِن بالمحفلة عيب فَإِنَّهُ يرد النُّقْصَان إِلَّا أَن يرضى البَائِع أَن يأخد كَمَا هِيَ
قَالَ أَبُو حنيفَة المحفلة عِنْده وَغَيرهَا سَوَاء وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَمَالك وَالشَّافِعِيّ هُوَ بِخَير النظرين إِذا احتلبها وَوجد إحلابها سرا وَقَالَ ابْن أبي ليلى بِخِلَاف مَا ظهر فَإِن ردهَا رد مَعهَا صَاعا من تمر وَلَا يرد اللَّبن الَّذِي حلب وَإِن كَانَ قَائِما بِعَيْنِه
قَالَ مَالك وَأرى لأهل الْبلدَانِ أَن يُعْطوا الصَّاع من عيشهم بِمصْر الْحِنْطَة من عيشهم قَالَ وَإِنَّمَا تبين أَنَّهَا مصراة إِذا حلبها مرَّتَيْنِ أوثلاثا نقص اللَّبن فِي كل مرّة عَمَّا كَانَ آواه
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ مَالك فِي مشترى الْجَارِيَة إذاولدت عِنْده ثمَّ اطلع على عيب إِنَّه يردهَا وَوَلدهَا على البَائِع
وَقَالَ الشَّافِعِي يحبس الْوَلَد لنَفسِهِ وَيرد الْجَارِيَة كالغلة وَالْكَسْب(3/59)
وَمَعْلُوم أَن فِي الصراة أجرا حَادِثَة فِي ملك المُشْتَرِي فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يكون بِمَنْزِلَة الْوَلَد الْحَادِث فِي ملكه لِأَن احدا مِنْهُم لم يُوجب رد اللَّبن وَجعلُوا بدله صَاعا من تمر فَعلمنَا أَنه غير مشبه عِنْدهم للْوَلَد وَأَنه لَو كَانَ ثَابت الحكم لرد إِلَيْهِ نَظَائِره فَهُوَ مَنْسُوخ بنسخ الْعُقُوبَات والغرامات نَحْو مَا رُوِيَ فِي مَانع الزَّكَاة وَجَائِز أَن يكون عَلَيْهِ السّلم جعل إِيجَاب الصَّاع مَعَ كَثْرَة الْبر عُقُوبَة للْبَائِع فِي تغريره المُشْتَرِي
كَمَا روى أَبُو الضُّحَى عَن مَسْرُوق عَن عبد الله قَالَ أشهد على الصَّادِق الْمُصدق أبي الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن بيع المحفلات خلابة وَلَا يحل خلابة الْمُسلم
1140 - فِي المزايدة فِي الْبيُوع
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ لَا بَأْس بِبيع من يزِيد وَكَانَ الْأَوْزَاعِيّ يكره المزايدة فِي الْمِيرَاث بَين الْوَرَثَة وَالْقِسْمَة بَين أَهلهَا فَأَما غير ذَلِك فَلَا(3/60)
وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه كره بيع من يزِيد
قَالَ أَبُو جَعْفَر عَن أَيُّوب وَعقبَة وعامر كَرَاهَة الزِّيَادَة وَهَذَا على أَنه مارضي البَائِع بِبيعِهِ بِالثّمن الأول
وَعَن عَطاء أدْركْت النَّاس يبيعون الْغَنَائِم مِمَّن يزِيد
وَقَالَ مُجَاهِد لَا بَأْس بذلك
1141 - فِي دُخُول الْمُسلم على النَّصْرَانِي فِي سومة
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ لابأس بِدُخُول الْمُسلم على الذِّمِّيّ فِي سومة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَا نعلم أحدا قَالَ بذلك غير الْأَوْزَاعِيّ قَالَ وكما كَانَ نَهْيه عَن بيع مَا لم يقبض وَعَن النجش وَبيع مَا لم يضمن وَنَحْوه على الْجَمِيع كَذَلِك السّوم
فَإِن قيل النَّهْي عَن السّوم فِي الْمُسلمين خَاصَّة لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام قَالَ لايسوم أحدكُم على سوم أَخِيه
قيل لَهُ يجوز إِطْلَاقه وَالْمرَاد الْجَمِيع كَمَا يُقَال هَذَا طَرِيق الْمُسلمين وَأهل الذِّمَّة لَهُم طَرِيق أَيْضا
قَالَ وَاتَّفَقُوا على كَرَاهَة سوم الذِّمِّيّ على الذِّمِّيّ فَدلَّ على أَنهم مرادون(3/61)
1142 - فِي بيع المجازفة
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ لَا بَأْس بِأَن يَبِيع طَعَاما قد علم مِقْدَاره بمجازفة فِيمَن لايعلم مِقْدَاره
وَقَالَ مَالك لَا يصلح ذَلِك وَللْمُشْتَرِي أَن يردهُ على البَائِع لما كتمه وَكَذَلِكَ الْجَوْز إِذا علم عدده وَلم يعلم المُشْتَرِي لم يَبِعْهُ مُرَابحَة وَأما القثاء وَنَحْوه قَالَ لَهُ أَن يَبِيعهُ مجازفة وَإِن علم البَائِع عدده وَلم يعلم المُشْتَرِي لِأَن ذَلِك يخْتَلف وَهُوَ قَول اللَّيْث
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا اشْترى شَيْئا مِمَّا يُكَال ثمَّ حمله إِلَى بلد يُوزن فِيهِ لم يَبِعْهُ جزَافا وَإِن كَانَ حَيْثُ حمله لَا يُكَال وَلَا يُوزن فَلَا بَأْس بذلك وروى عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه لَا بَأْس بذلك
وَكَرِهَهُ ابْن سِيرِين
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز بيع الْجزَاف حَتَّى تكون الأَرْض الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا مستوية لِأَنَّهُ يكون غررا
1143 - فِي البيع عِنْد أَذَان الْجُمُعَة
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ من عَلَيْهِ إتْيَان الْجُمُعَة فتشاغل بِالْبيعِ بعد النداء لَهَا فَهُوَ آثم وَبيعه جَائِز
وَقَالَ مَالك من بَاعَ بعد النداء الَّذِي يُنَادي بِهِ وَالْإِمَام جَالس على الْمِنْبَر فَالْبيع مفسوخ وَلَا يَبِيع فِي ذَلِك الْوَقْت حر وَلَا عبد وَلَا صبي وَلَا امْرَأَة(3/62)
هَذِه رِوَايَة ابْن وهب عَنهُ
وروى ابْن الْقَاسِم عَنهُ أَنه كره بيع من لاتجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة من هَؤُلَاءِ وفسخه
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أذن بَين يَدي الإِمَام وَهُوَ على الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة لم يجز حَتَّى ينْصَرف الإِمَام وَالنَّاس من الْجُمُعَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَو ذكر صَلَاة لم يبْق من وَقتهَا إِلَّا مِقْدَار مَا يُصليهَا كَانَ عَاصِيا بالتشاغل عَنْهَا بِالْبيعِ وَجَاز بَيْعه كَذَلِك مَا قُلْنَا وَكَذَلِكَ لَو كَانَ فِي صَلَاة فَقَالَ لَهُ رجل قد بِعْتُك عَبدِي هَذَا بِأَلف فَقَالَ قد قبلت صَحَّ البيع وَإِن كَانَ مَنْهِيّا عَن قطع صلَاته بالْقَوْل
1144 - فِي تلقي السّلع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ التلقي فِي أَرض لايضر بِأَهْلِهَا فَلَا بَأْس بِهِ وَإِن كَانَ يضر بِأَهْلِهَا فَهُوَ مَكْرُوه
وَقَالَ مَالك يكره أَن يَشْتَرِي من الجلب فِي نواحي الْمصر الَّتِي يهْبط بهَا السُّوق قيل لَهُ فَإِن كَانَ على سِتَّة أَمْيَال فَقَالَ لابأس بِهِ للأضحية وَغَيرهَا وَلَا يَشْتَرِي للتِّجَارَة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا كَانَ للنَّاس من ذَلِك اتساعا فَلَا بَأْس بِهِ وَإِن كَانُوا مُحْتَاجين فَلَا يقربونه حَتَّى يهْبط بِهِ الْأَسْوَاق(3/63)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يكره تلقي السّلع وَكَانَ يكره الزهدر والزهدر أَن يجلس على الطَّرِيق فِي الْمصر فَإِذا أَمر بِهِ شَيْء اشْتَرَاهُ فَإِن جلس على الطَّرِيق فَمر رجل بسلعة يعرضهَا على غير هَذَا فَلَا بَأْس أَن يَشْتَرِيهَا هَذَا بعد ذَلِك
وَقَالَ اللَّيْث أكره تلقي السّلع وشراءها على الطَّرِيق أَو على بابك حَتَّى تقف السّلْعَة فِي سوقها الَّذِي تبَاع فِيهِ فَإِن تلقى سلْعَة فاشتراها ثمَّ علم بِهِ فَإِن كَانَ بَائِعهَا لم يذهب ردَّتْ إِلَيْهِ حَتَّى بَاعَ فِي السُّوق وَإِن كَانَ قد فَاتَ ارتجعت مِنْهُ وبيعت فِي السُّوق وَدفع إِلَيْهِ ثمنهَا
قَالَ وَإِن كَانَ على بَابه أَو فِي طَرِيقه فمرت بِهِ سلْعَة يُرِيد صَاحبهَا سوق تِلْكَ السّلْعَة فَلَا بَأْس بِأَن يَشْتَرِيهَا وَلَيْسَ هَذَا بالتلقي إِنَّمَا التلقي أَن يعمد لذَلِك
وَقَالَ الشَّافِعِي لايتلقى السّلْعَة وَمن تلقاها فَصَاحب السّلْعَة بِالْخِيَارِ بعد أَن يقدم السُّوق
قَالَ أَبُو جَعْفَر أجَاز البيع وَجعل فِيهِ الْخِيَار
وروى ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاتستقبلوا السّلع وَلَا يتلق بَعْضكُم لبَعض
وَعَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى أَن يتلَقَّى السّلع حَتَّى تدخل الْأَسْوَاق
والأعرج عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاتلقوا الجلب فَمن(3/64)
تَلقاهُ فَاشْترى مِنْهُ شَيْئا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذا أَتَى السُّوق
وروى أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاتستقبلوا الجلب وَلَا يَبِيع حَاضر لباد وَالْبَائِع بِالْخِيَارِ إِذا دخل السُّوق
فَجعل الْخِيَار فِي الْخَبَر الأول للْمُشْتَرِي وَفِي هَذَا للْبَائِع وجميعا يدلان على جَوَاز البيع لِأَنَّهُ أثْبته وَجعل فِيهِ الْخِيَار وَهَذَا يدل على أَن التلقي الْمَكْرُوه إِذا كَانَ فِيهِ ضَرَر فَلذَلِك جعل فِيهِ الْخِيَار فَإِذا لم يكن فِيهِ ضَرَر فَعَلَيهِ مَكْرُوه
1145 - فِي بيع الْحَاضِر للبادي
قَالَ ذكر الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَزفر أَنه لابأس بِبيع حَاضر لباد أهل الْبَادِيَة وَأهل الْقرى
فَأَما أهل الْمَدَائِن من أهل الرِّيف فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالْبيعِ لَهُم بَأْس فِيمَن يرى أَنه يعرف السّوم إِلَّا من كَانَ يشبه الْبَادِيَة فَإِنِّي لاأحب أَن أبيع لَهُم
قَالَ مَالك والبدوي يقدم فَيسْأَل الْحَاضِر عَن السّعر أكره لَهُ أَن يُخبرهُ وَلَا بَأْس أَن يَشْتَرِي لَهُ وَإِنَّمَا أكره أَن يَبِيع لَهُ فَأَما أَن يَشْتَرِي لَهُ فَلَا بَأْس هَذِه رِوَايَة ابْن الْقَاسِم
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك لاأرى أَن يَبِيع الْحَاضِر للبادي وَلَا لأهل الْقرى(3/65)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لايبيع حَاضر لباد ويخبره بالسعر وَلَا يجْتَهد لَهُ على أَخِيه الْمُسلم وَكَذَلِكَ الشِّرَاء لَهُ
وَقَالَ اللَّيْث لَا يُشِير الْحَاضِر على البادي لِأَنَّهُ إِذا أَشَارَ عَلَيْهِ فقد بَاعَ عَلَيْهِ لِأَن من شَأْن أهل الْبَادِيَة أَن يرخصوا على أهل الْحَضَر لقلَّة معرفتهم بِالسوقِ فَنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن البيع لَهُ
قَالَ ولابأس بِأَن يبْتَاع الْحَاضِر للبادي وَأما أهل الْقرى فَلَا بَأْس بِأَن يَبِيع لَهُم الْحَاضِر
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا بَاعَ حَاضر لباد فَهُوَ عَاص وَيجوز البيع لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دعوا النَّاس يرْزق الله بَعضهم من بعض وروى ابْن عمر وَأَبُو هُرَيْرَة وَغَيرهمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن يَبِيع حَاضر لباد دعوا النَّاس يرْزق الله بَعضهم من بعض
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَدلَّ هَذَا على أَنه نهى عَن بيع الْحَاضِر للبادي لِئَلَّا يمْنَع المُشْتَرِي فضل مَا يَشْتَرِيهِ وَلَيْسَ هَذَا بِخِلَاف نَهْيه عَن تلقي السّلع لِأَنَّهُ نهي عَن ذَلِك فِي الْموضع الَّذِي يقدر فِيهِ على ذَلِك فَبَاعَ فَهُوَ جَائِز وَلَا خِيَار لَهُ
1146 - فِي بيع أَرَاضِي مَكَّة
روى مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه كَانَ لايرى بَأْسا بِبيع بِنَاء مَكَّة وَكره بِبيع أرْضهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا أَحْمد بن دَاوُد قَالَ حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن سَالم قَالَ(3/66)
حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ أخبرنَا أَبُو حنيفَة عَن عبيد الله بن زِيَاد عَن أبي نجيح عَن عبد الله بن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من أكل من أجر بيُوت مَكَّة شَيْئا فَإِنَّمَا أكل نَارا
قَالَ مُحَمَّد وَكَانَ أَبُو حنيفَة يكره أجر بيوتها فِي الْمَوْسِم وَفِي الرجل يعْتَمر ثمَّ يرجع فَأَما الْمُقِيم والمجاور فَلَا يرى بِأخذ ذَلِك مِنْهُم بَأْسا
قَالَ مُحَمَّد وَبِه نَأْخُذ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَكَانَ أبن أبي عمرَان يَحْكِي لنا عَن أبي يُوسُف بِغَيْر إِسْنَاد أَنه أطلق ملك أَرَاضِي مَكَّة وإجازة بيوتها وَجعلهَا كَغَيْرِهَا من الْبلدَانِ وَكره مَالك كِرَاء بيُوت مَكَّة قَالَ وَكَانَ عمر ينْزع أَبْوَاب أهل مَكَّة
وَقَالَ الشَّافِعِي أَرَاضِي مَكَّة ملك لأربابها
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا روح بن الْفرج قَالَ حَدثنَا يُوسُف بن عدي قَالَ حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن المُهَاجر عَن أَبِيه عَن مُجَاهِد عَن عبد الله بن عَمْرو أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تحل بيُوت مَكَّة وَلَا إِجَارَتهَا
والعوام بن حَوْشَب عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه كَانَ يكره أجور بيُوت مَكَّة
وَرُوِيَ عَن أُسَامَة بن زيد أَنه قَالَ يَا رَسُول الله أتنزل فِي دَارك بِمَكَّة(3/67)
قَالَ وَهل ترك لنا عقيل من رباع أَو دور فأضاف الْملك إِلَيْهِ
وَقَالَ الله تَعَالَى {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ} الْحَشْر فأضاف الديار إِلَيْهِم
وَلأَهل مَكَّة إغلاق دُورهمْ على أَنَّهَا ملكهم لَوْلَا ذَلِك كَانَت كالمسجد
1147 - إِذا اشْترى كل كَذَا بدرهم
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الرجل يَشْتَرِي الثَّوْب كل ذِرَاع بدرهم ولايعلم مَا الذرع فَالْبيع فَاسد فَإِذا علم بالذرع فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ كل ذِرَاع بدرهم وَإِن شَاءَ ترك
وَكره الثورى هَذَا الشِّرَاء لِأَنَّهُ مَجْهُول الذرع
وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي الرجل يَشْتَرِي الطَّعَام كل قفيز بدرهم فَالْبيع وَاقع على قفيز وَاحِد فَإِن كاله وَدفعه إِلَيْهِ فَهُوَ جَائِز كل قفيز بدرهم
وَقَول زفر فِي جَمِيع ذَلِك كَقَوْل أبي حنيفَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد البيع جَائِز فِي جَمِيع ذَلِك على مَا سمى وَهُوَ قَول مَالك وَعبيد الله بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ
1148 - فِي بيع الدَّار على أَنَّهَا كَذَا ذرعا
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الرجل يَبِيع الدَّار على أَنَّهَا ألف ذِرَاع كل ذِرَاع بدرهم فَوَجَدَهَا أَكثر فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذهَا كل ذِرَاع بدرهم وَإِن شَاءَ ترك وَكَذَلِكَ إِن نقصت من الْألف وَكَذَلِكَ الثَّوْب وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد(3/68)
وَقَالَ مَالك إِذا اشْترى دَارا على أَنَّهَا مائَة ذِرَاع فأصيب مائَة وَخمسين ذِرَاعا فَإِن رَضِي يَعْنِي البَائِع أَن يُسَلِّمهَا جَازَ البيع وَلَا خِيَار للْمُشْتَرِي فَإِن كَانَ أقل من مائَة فَرضِي المُشْتَرِي أَن يقبلهَا فَلهُ ذَلِك وَلَا خِيَار للْبَائِع
وَقَالَ مَالك لَو اشْترى صبرَة على أَنَّهَا كرّ فَوَجَدَهَا تنقص شَيْئا يَسِيرا لزمَه البيع فَإِن كَانَ الَّذِي ينقص كثيرا لم يلْزمه إِلَّا أَن يَشَأْ بِحِصَّتِهِ من الثّمن فَإِن كَانَ أَكثر بِشَيْء يسير لم يكن لوَاحِد مِنْهُمَا خِيَار وَلَزِمَه البيع وَقَالَ إِذا اشْترى دَارك 902 أهذه كل ذِرَاع بدرهم أَو غنمك كل شَاة بدرهم فَهُوَ جَائِز وَقَالَ إِذا اشْترى مِنْك هَذَا الْحَائِط وَهُوَ ألف ذِرَاع فَوَجَدَهُ أَكثر فَهُوَ للْمُشْتَرِي وَإِن كَانَ أقل فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أخد وَإِن شَاءَ ترك
1149 - فِي بيع الدَّار بفنائها
ذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة إِذا بَاعَ الدَّار وَكتب حُقُوقهَا وفناءها فَالْبيع فَاسد لِأَن الفناء لجَماعَة الْمُسلمين لَيْسَ بِملك لأحد وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة من بَاعَ ملكه وَملك غَيره
قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد البيع جَائِز وَذكر الفناء لَيْسَ على وَجه التَّمْلِيك مِنْهُ للفناء وَقد علم النَّاس أَنه لايبيع الفناء مَعَ دَاره
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَنه سُئِلَ عَن الأفنية الَّتِي فِي الطَّرِيق يكريها أَهلهَا قَالَ كل فنَاء ضيق يضر بِالْمُسْلِمين إِذا وضع فِيهِ شَيْء فَلَا أرى ان يُمكن أحدا من الِانْتِفَاع بِهِ وَأَن يمنعوا وَأما كل فنَاء إِذا انْتفع بِهِ أَهله لم يضيق على الْمُسلمين فِي ممرهم لم أر بذلك بَأْسا وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ضَرَر وَلَا ضرار
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَهَذَا يدل على أَنه كَانَ يرى الأفنية مَمْلُوكَة لِأَنَّهُ أجَاز إِجَارَتهَا فَيَنْبَغِي أَن لَا يُفَسر البيع بشرطها(3/69)
قَالَ وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ قَول الشَّافِعِي أَن مَا كَانَ فِيهِ صَلَاح للدَّار فَهُوَ ملك لصَاحِبهَا إِلَّا أَنه لَا يجوز بَيْعه لِأَن فِيهِ حَقًا للْغَيْر كالطريق يكون فِي ملك رجل لآخر فَلَا يجوز بَيْعه عِنْده
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا على أَن الفناء لَا يدْخل فِي الْحُدُود فَدلَّ على أَنه غير مَمْلُوك فَهُوَ كَسَائِر الطّرق الَّتِي للْمُسلمين
1150 - فِي اسْتثِْنَاء مَال العَبْد فِي البيع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا بَاعَ العَبْد وَمَاله فَهَذَا لمن بَاعَ مُتَيَقن يجوز كَمَا يجوز فِي سَائِر الْبياعَات وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا بَاعَ عَبده وَله مَال فيبيعه وَمَاله بِأَلف دِرْهَم فَالْبيع جَائِز إِذا كَانَت رغبته فِي العَبْد لَا فِي الدَّرَاهِم الَّتِي مَعَ العَبْد
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك يجوز أَن يَشْتَرِي العَبْد وَمَاله بِدَرَاهِم إِلَى أجل وَإِن كَانَ مَاله دَرَاهِم ودنانير وعروض وَدين وَغَيره
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَاعَ عبدا وَله مَال فَمَاله للْبَائِع إِلَّا أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع فَلم يَجعله للْمُشْتَرِي إِلَّا بِالشّرطِ فَهُوَ كَبيع دَابَّة وَمَال غَيرهَا(3/70)
1151 - فِيمَن قَالَ كل ثَوْبَيْنِ بِكَذَا
قَالَ أَصْحَابنَا فِي رجل بَاعَ هَذِه الثِّيَاب على أَن كل عشرَة بِأَلف دِرْهَم وَيكون الَّذِي يرد جُزْءا من أحد عشرَة من الثِّيَاب
وَقَالَ بعد ذَلِك يرد ثوبا كَأَنَّهُ وجد بِهِ عَيْبا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِن زَاد فَالْبيع فَاسد وَإِن نقص فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ 209 ب إِن شَاءَ أخد بِجَمِيعِ الثّمن وَإِن شَاءَ ترك
وَقَالَ أَصْحَابنَا إِذا سمى لكل ثوب ثمنا فَإِن وجده زَائِدا فَالْبيع بَاطِل وَإِن وجده نَاقِصا فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ كل ثوب بِمَا سمى وَإِن شَاءَ ترك
1152 - فِي بيع حِصَّة من الدَّار مَجْهُولَة
ذكر بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَنه إِذا بَاعَ نَصِيبا من دَار غير مقسومة وَغير مُسَمّى من ثلث أَو ربع وَكَذَا سَهْما فَالْبيع لَا يجوز على هَذَا الْوَجْه
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا كَانَت الدَّار بَين اثْنَيْنِ أجزت بيع النَّصِيب وَإِن لم يسم وَإِن كَانَت سهمانا كَثِيرَة لم يجز حَتَّى يُسمى
وَقَالَ أَبُو يُوسُف البيع جَائِز وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِذا علم إِن شَاءَ أَخذ وَإِن شَاءَ ترك
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَالَ مُحَمَّد كَقَوْل أبي حنيفَة وَكَذَلِكَ قَول الشَّافِعِي حَتَّى يكون مَعْلُوما عِنْد البَائِع وَالْمُشْتَرِي وَهُوَ قَول مَالك أَيْضا
قَالَ أَبُو جَعْفَر بيع نصيب لَا يعرف أَنه بيع شَيْء حقيقتة مَجْهُولَة عِنْدهمَا وَلَيْسَ كَبيع العَبْد الْغَائِب لِأَنَّهُ تنَاول البيع حَقِيقَة مَذْكُورَة وَإِن جهلا صفته(3/71)
1153 - فِي بيع السّمك فِي المَاء
قَالَ أَبُو حنيفَة فِيمَن بَاعَ سَمَكَة فِي حَظِيرَة إِلَّا أَنه لَا يؤخد إِلَّا بصيد لَا يجوز وَإِن كَانَ يقدر عَلَيْهِ بِغَيْر صيد فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ وَإِن شَاءَ ترك وَهُوَ قَول مَالك وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى هُوَ جَائِز
1154 - فِي بيع الزَّيْت فِي الزَّيْتُون
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز بيع مَا فِي بطن وَلَا الصُّوف على ظهر الْغنم وَلَا اللَّبن فِي الضَّرع وَلَا الزَّيْت فِي الزَّيْتُون
قَالَ مَالك وَيجوز بيع زيته كل رَطْل بِكَذَا إِذا كَانَ مَعْرُوفا لَا يخْتَلف مثل الْقَمْح فِي السنبل وَكَذَلِكَ أَن يَبِيع دَقِيق هَذِه الْحِنْطَة كل قفيز بدرهم على أَن يطحنها وَكَذَلِكَ يجوز بيع الموز إِذا حل بَيْعه وَيسْتَثْنى بطونا فِي الْمُسْتَقْبل خمْسا أَو عشرا وَيجوز أَن يَشْتَرِي أَيْضا مَا يطعم هَذِه السنبل إِذا كَانَ قد حل بَيْعه وَلَا بَأْس بِأَن يَشْتَرِيهِ السّنة أَو السنتين النّصْف
وَكَذَلِكَ يجوز أَن يَشْتَرِي القصيل أَو القضب إِذا بلغ أَن يرْعَى وَيشْتَرط(3/72)
خلفته إِذا لم يشْتَرط أَن يَدعه حَتَّى يصير حبا وَيجوز ان يَشْتَرِي قصيل الزَّرْع على أَن يرْعَى فِيهِ السَّاعَة
قَالَ وَيجوز ان يَشْتَرِي أول جزة من القصيل وَيَشْتَرِي بعد ذَلِك الخلفة وَلَا يجوز لغير الَّذِي اشْترى الأول أَن يَشْتَرِي الخلفة
قَالَ وَيجوز ان يَبِيع لبن غنمه هَذِه شهرا أَو شَهْرَيْن إِذا علم أَن لَبنهَا لَا يَنْقَطِع فِي تِلْكَ الْمدَّة وَيكرهُ ذَلِك فِي الشَّاة والشاتين لِأَن أَمرهمَا يسير وَهُوَ من الْحَظْر إِلَّا أَن يَبِيعهُ كَيْلا فَيجوز أَن يشْتَرط يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ
وَقَالَ اللَّيْث يجوز بيع اللَّبن فِي الضَّرع مكايلة وَلَا يجوز أَن يَبِيعهُ شهرا 210 أ
قَالَ وَيجوز بيع الْقَرْض أَعْلَاهُ واسفله وَكَذَلِكَ الْقصب والقثاء والبقول
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز بيع اللَّبن فِي الضَّرع وَكَذَلِكَ لايجوز بيع الْقَرْض إِلَّا جزة وَاحِدَة يكون مَوْجُودا عِنْد عقده البيع
قَالَ أَبُو جَعْفَر نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الثَّمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا وَقَالَ أَرَأَيْت إِن منع الله الثَّمَرَة بِمَ يسْتَحل أحدكُم مَاله أَخِيه
وَنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع مَا لَيْسَ عِنْد الْإِنْسَان وَذَلِكَ عُمُوم فِي الْكل إِلَّا مَا قَامَ دَلِيله(3/73)
1155 - فِي بيع المَاء
ذكر عَن أبي يُوسُف أَن المَاء لَا يُكَال وَلَا يُوزن
قَالَ أَبُو جَعْفَر مَعْنَاهُ عِنْدِي أَنه لَا بَأْس بِبيع بعضه بِبَعْض مُتَفَاضلا
وحكيى ابْن أبي عمرَان أَن مُحَمَّدًا يَقُول أَن المَاء مَكِيل
بِمَا روى أَنه كَانَ يتَوَضَّأ بِالْمدِّ وَيغسل بالصاع
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بِبيع المَاء وَاحِد بِاثْنَيْنِ
وَيدل قَول الشَّافِعِي أَن المَاء عِنْده مَكِيل
1156 - فِي بيع الْغَائِب
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز بيع الْأَعْيَان الغائبة وَأَن لم يرهَا المُشْتَرِي وَلَا البَائِع وَللْمُشْتَرِي الْخِيَار إِذا رأى ذَلِك وَلَا خِيَار للْبَائِع
قَالَ وَسمعت أَبَا خازم يَقُول قد كَانَ أَبُو حنيفَة يَجْعَل للْبَائِع خِيَار الرُّؤْيَة فِيمَا لم يره كالمشتري ثمَّ رَجَعَ إِلَيّ قَوْله الْمَشْهُور
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري مثل قَول أَصْحَابنَا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا بَاعَ ثوبا لم يره أَو أرَاهُ خرقَة وَقَالَ مثل هَذَا فَالْبيع جَائِز وَلَا خِيَار للْمُشْتَرِي
وَقَالَ سوار بن عبد الله البيع جَائِز وَلكُل وَاحِد من الْمُتَبَايعين الْخِيَار فِيمَا لم يره
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك لَا يجوز شِرَاء الْحَيَوَان الْغَائِب على شَرط ان ينقده ثمنة وإ ن كَانَ قد رَآهُ ورضيه لَا قَرِيبا وَلَا بَعيدا لِأَن البَائِع ينْتَفع بِالثّمن وَلَا يدْرِي هَل يُوجد تِلْكَ السّلْعَة على مَا رَآهَا الْمُبْتَاع أَو لَا يُوجد
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك لَا يجوز شِرَاء الْحَيَوَان الْغَائِب على شَرط أَن ينقده ثمنة وَإِن كَانَ قد رَآهُ ورضيه لَا قَرِيبا وَلَا بَعيدا لِأَن البَائِع ينْتَفع بِالثّمن وَلَا يدْرِي هَل يُوجد تِلْكَ السّلْعَة على مَا رَآهَا الْمُبْتَاع أَو لَا يُوجد
قَالَ وَقَالَ مَالك فِي الساج المدرج فِي جرابه وَالثَّوْب فِي طيه لَا يجوز(3/74)
بيعهمَا حَتَّى ينظر أَو ينضر إِلَى مَا فِي جوفهما وَذَلِكَ من الْغرَر وَهُوَ من الملامسوة
قَالَ وَبيع الْعرُوض مُخَالف لذَلِك وَذكر ابْن الْقَاسِم أَن أصل قَول مَالك من بَاعَ عرُوضا أَو حَيَوَانا أَو ثيابًا بِعَينهَا وَذَلِكَ الشَّيْء فِي مَوضِع غير موضعهَا أَنه أَن كَانَ ذَلِك قَرِيبا لم يكن بذلك بَأْس وَلَا بَأْس بِالنَّقْدِ فِيهِ وَإِن كَانَ بَعيدا جَازَ البيع وَلَا يصلح الْبعد فِي ذَلِك بِشَرْط كَانَ قَرِيبا أَو بَعيدا
وَقَالَ مَالك يجوز بيع السّلْعَة وَلَو لم يرهَا المُشْتَرِي إِذا وصفهَا لَهُ وَلم يشْتَرط الْبعد فَإِن لم يصفها لم يجز البيع
وَقَالَ اللَّيْث إِذا وصف السّلْعَة جَازَ البيع وَلم ينْقد الثّمن حَتَّى يحضر السّلْعَة لِأَنَّهُ إِن لم تكن على مَا وصف البَائِع فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَار
وري عَن الشَّافِعِي أَن شِرَاء مالم يره جَائِز ولاخيار فِيهِ
وَرُوِيَ عَنهُ أَن فِيهِ خِيَار الرُّؤْيَة وَذكر الْمُزنِيّ أَن الصَّحِيح من قَوْله إِن الشِّرَاء لايجوز وصف أَو لم يُوصف
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَرُوِيَ أَبُو سعيد وَأَبُو هُرَيْرَة وَأنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع الْمُلَامسَة والمنابذة
فَقَالَ أَصْحَابنَا إِن ذَلِك يتَعَيَّن لأهل الْجَاهِلِيَّة إِذا وضع يَده على مَا ساوم بِهِ ملكه بذلك صَاحبه وَإِذا نبذ اليه ملكه وَجب ثمنه وَإِن لم يطْلب نَفسه وَكَانَ ذَلِك يجْرِي مجْرى الْقمَار لَا على وَجه التبايع(3/75)
وَقَالَ مَالك الْمُلَامسَة أَن يلمس الرجل الثَّوْب وَلَا ينشره وَلَا يتَبَيَّن مَا فِيهِ أَو يبتاعه لَيْلًا وَهُوَ لايعلم مَا فِيهِ
والمنابذة أَن ينْبذ الرجل الى الرجل ثَوْبه وينبذ الية الآخر ثَوْبه على غير تَأمل مِنْهُم وَيَقُول كل وَاحِد هَذَا بِهَذَا
وَقَالَ الشَّافِعِي معنى الْمُلَامسَة أَن يَأْتِيهِ بِالثَّوْبِ مطويا فيلمسه المُشْتَرِي أَو فِي ظلمَة فَيَقُول رب الثَّوْب أبيعك هَذَا على أَنه إِذا وَجب البيع فَنَظَرت اليه فلاخيار لَك
والمنابذة أَن يَقُول أَنْبِذ اليك ثوبي وتنبذ الي ثَوْبك على أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا بِالْآخرِ وَلَا خِيَار إِذا عرفنَا الطول وَالْعرض
وَقَالَ الزُّهْرِيّ الْمُلَامسَة إِن الْقَوْم كَانُوا يتبايعون السّلع وَلَا ينظرُونَ اليها وَلَا يخبرون عَنْهَا
والمنابذة أَن يتنابذ الْقَوْم والسلع وَلَا ينظرُونَ إِلَيْهَا وَلَا يخبرون عَنْهَا فَهَذَا من أَبْوَاب الْقمَار
وَقَالَ ربيعَة الْمُلَامسَة والمنابذة من أَبْوَاب الْقمَار
فَأخْبر الزُّهْرِيّ أَنه فِيمَا لم يُخبرهُ عَنهُ وَإِلَّا فِيمَا لم يره حسب
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض مِنْكُم} النِّسَاء فَأبْطل مَا كَانَ عَلَيْهِ أهل الجاهيلية من أَخذ الشَّيْء على وَجه الْقمَار وَإِبَاحَة التَّرَاخِي وَلم يفرق بَين مالم يروه وَبَين مَا رئى
وروى أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ قَالَ حَدثنَا حَمَّاد عَن حميد عَن أنس قَالَ(3/76)
نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الْعِنَب حَتَّى يسود وَعَن بيع الْحبّ حَتَّى يشْتَد فَأجَاز بيعَة بعد أَن يسود وَبيع الْحبّ فِي السنبل بعد أَن يشْتَد وَلم يشْتَرط فِي الْعِنَب الرُّؤْيَة وَالْحب فِي السنبل غير مرئي
وروى عُثْمَان وَطَلْحَة وَجبير بن مطعم جَوَاز شِرَاء مالم يرة
وروى معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ قَالَ أَصْحَاب النَّبِي صلى اللة علية وَسلم وَدِدْنَا لَو أَن عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن تبَايعا حَتَّى نَنْظُر أَيهمَا أعظم جدا فِي التِّجَارَة فَاشْترى عبد الرَّحْمَن من عُثْمَان فرسا بِأَرْض لَهُ أُخْرَى بِأَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم أَو نَحْو ذَلِك إِن أدركتها الصَّفْقَة وَهِي سَالِمَة ثمَّ أجَاز قَلِيلا ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ أزيدك سِتَّة الآف إِن وجدهَا رَسُولي سَالِمَة قَالَ نعم فَوَجَدَهَا رَسُول عبد الرَّحْمَن قد مَاتَت فَخرج مِنْهَا بِشَرْطِهِ الآخر
فَقَالَ رجل فَإِن لم يشْتَرط فَهِيَ من مَال البَائِع
وروى يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر قَالَ كُنَّا إِذا تبايعنا كَانَ كل وَاحِد منا بِالْخِيَارِ مَا لم يتفرق الْمُتَبَايعَانِ قَالَ فتبايعت أَنا عُثْمَان(3/77)
قَالَ فَبِعْته مَالا لي بالوادي بِمَال لَهُ بِخَيْبَر قَالَ فَلَمَّا بايعته طفقت أنكص على عَقبي نكص الْقَهْقَرِي خشيَة أَن يترادني البيع عُثْمَان قبل أَن أفارقه
وروى شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالَ أَن عبد الله بن عمر ركب مَعَ عبد الله بن بُحَيْنَة إِلَى أَرض لَهُ بريم فابتاعها مِنْهُ عبد الله بن عمر على أَن ينظر إِلَيْهَا وريم من الْمَدِينَة على قريب من ثَلَاثِينَ ميلًا
فَهَؤُلَاءِ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد تبايعوا على جَوَاز بيع الْغَائِب الَّذِي لم يره المُشْتَرِي وَلَيْسَ فِي شَيْء مِنْهُ ذكر صَفْقَة
فَإِن قيل نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الْغرَر وَبيع الْغَائِب غرر قيل لَهُ الْغرَر بيع الطير فِي الْهَوَاء والسمك فِي المَاء وَالْبَعِير الشارد وَمَا لَا يقدر على تَسْلِيمه وَأما بيع الْغَائِب وَمَا لم يره فَلَيْسَ فِيهِ غرر
فَإِن قيل فَبيع العَبْد الْآبِق مُتَّفق على بُطْلَانه فَكَذَلِك الْغَائِب
قيل لَهُ لم يبطل بيع العَبْد الْآبِق لغيبته وَإِنَّمَا بَطل لامتناعه وَتعذر تَسْلِيمه لِأَنَّهُ لَو كَانَ بِحَيْثُ يرونه وَهُوَ مُمْتَنع لم يجز البيع أَيْضا
فَإِن قيل لَهُ فَهُوَ بيع الْمَجْهُول
قيل لَهُ الشَّيْء مَعْلُوم فِي نَفسه وَإِن كَانَ المُشْتَرِي جَاهِلا بِهِ وَإِنَّمَا الْمَجْهُول فِي نَفسه أَن البيع جُزْءا من هَذَا الطَّعَام لَا يُسَمِّيه وَلَو كَانَ يجوز مَا هُوَ جَاهِل بِهِ(3/78)
وَإِن كَانَ مَعْلُوما فِي نَفسه لما جَازَ شِرَاء الصُّبْرَة بِعَينهَا لجَهَالَة مقدارها عِنْد مُشْتَرِيه
1157 - فِي شِرَاء الْأَعْمَى وَبيعه
قَالَ أَصْحَابنَا هُوَ جَائِز وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز شِرَاء الْأَعْمَى
1158 - فِي شِرَاء المغيب بِالْأَرْضِ
ذكر ابْن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف فِي رجل بَاعَ لحم شَاة مذبوحة أَن السلخ على البَائِع وَالْبيع جَائِز
وَكَذَلِكَ إِذا بَاعه طَعَاما فِي سنبله فعلى البَائِع تَسْلِيم الْحِنْطَة إِلَى المُشْتَرِي مُمَيزَة من التِّبْن
وَأما الجزر وَنَحْوه فعلى البَائِع أَن يقْلع مِنْهُ أنموذجا يرَاهُ المُشْتَرِي فَإِن رضيه فقلعه على المُشْتَرِي
قَالَ وَكيل الطَّعَام على البَائِع وَوزن الثّمن على المُشْتَرِي
وَذكر ابْن شُجَاع عَن الْحسن بن أبي مَالك عَن أبي يُوسُف فِي بيع الجزرة وَنَحْوه أَنه لَا يجْبر وَاحِد مِنْهُمَا على قلعة فَإِن تشاحا فِي قلعة أبطلت البيع فَإِن قلع البَائِع بعضه أَو كُله فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذه وَإِن شَاءَ رده فَإِن رده لَزِمته قيمتة لِأَنَّهُ قَبضه حَيا وَصَارَ فِي يَده مواتا وَإِن قلع مِنْهُ أقل مَا يَقع فِي المكاييل فَنظر إِلَيْهِ ثمَّ قلع بَقِيَّته لزمَه كُله
وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد فِي نوادره فِيمَن اشْترى تَمرا فِي رُؤُوس النّخل(3/79)
إِلَى جذاذه أَن جذاذه على المُشْتَرِي وَكَذَلِكَ الطّلع وَكَذَلِكَ الجزر قلعه على المُشْتَرِي وَله خِيَار الرُّؤْيَة وَكَذَلِكَ بيع الْحِنْطَة فِي السَّفِينَة إخْرَاجهَا على المُشْتَرِي وَكَذَلِكَ الْحِنْطَة قَائِما على البَائِع أَن يخلي بَينهَا وَبَينه وَكَذَلِكَ إِن بَاعه حِنْطَة فِي حراب ومتاعا فِي جراب فإخراجه على المُشْتَرِي وعَلى البَائِع أَن يفتح لَهُ الجراب حَتَّى يرَاهُ فَإِذا رضيه كَانَ إِخْرَاجه على المُشْتَرِي وَكَذَلِكَ صوف فِي خَشيته على البَائِع أَن يفتق مِنْهَا مِقْدَار مَا يقدر على أَخذ الصُّوف ثمَّ على المُشْتَرِي أَن يَأْخُذ الصُّوف مِنْهُ وَإِن باعهما جَمِيعًا فَلَيْسَ على البَائِع شَيْء من ذَلِك وَلم نجد فِي ذَلِك خلافًا
وَذكر الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة أَن شِرَاء الجزر فِي الأَرْض جَائِز وَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذا رَآهُ فَإِن قلعة البَائِع فَإِن شَاءَ أَخذه وَإِن شَاءَ ترك فَإِن خلى البَائِع بَينه وَبَينه فَإِن قلعة المُشْتَرِي فَلم يرضه فَإِن كَانَ الْقلع ينقصهُ لزمَه وَبَطل خِيَاره وَإِن كَانَ الْقلع لَا ينقصهُ فَلهُ خِيَار الرُّؤْيَة وَكَذَلِكَ الفجل والبصل وَنَحْوه وَهُوَ قَول يَعْقُوب وَزفر
وَقَالَ مَالك يجوز شِرَاء البقل والجزر واللفت المغيب فِي الأَرْض إِذا اسْتَقل ورقه
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا بَاعَ نَخْلَة فقلعها على المُشْتَرِي فَإِذا بَاعَ صَخْرَة فنقلها على المُشْتَرِي أَو حَائِطا ينْقضه فنقضه على المُشْتَرِي
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا بَأْس بِبيع الْقَمْح فِي السنبل وَإِن كَانَ قد ديس وَهُوَ فِي التِّبْن لم يجز بَيْعه لِأَنَّهُ غرر لَا يدْرِي مَا حبه
وَقَالَ الشَّافِعِي مَاله قشران فَأخْرج من الأول يدّخر بِلَا فَسَاد لم يجز بَيْعه فِي قشره نَحْو الْجَوْز إِذا كَانَ عَلَيْهِ قشره الْأَعْلَى وَلَا يجوز بيع لحم شَاة مذبوحة عَلَيْهَا جلدهَا(3/80)
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن بيع الْحبّ حَتَّى يشْتَد فَأجَاز بَيْعه فِي سنبله فقياسه جَوَاز بيع الجزر وَلَا يجوز بيع الصُّوف على ظهر الْغنم
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بشرَاء الصُّوف على ظهر الْغنم وَإِن اشْترط أَن يُؤَخر جزازها بعد خَمْسَة أَيَّام وَعشرَة أَيَّام لِأَن هَذَا قريب وروى ذَلِك ابْن الْقَاسِم عَنهُ
وروى ابْن وهب عَن مَالك فِي بيع الْجُلُود على ظهر الْغنم قبل أَن تذبح قَالَ مَا يُعجبنِي وَلَيْسَ هُوَ بالحرام الْبَين وَعَسَى أَن يكون خَفِيفا وَقد كَانَ النَّاس يَفْعَلُونَهُ وَمَا هُوَ بالشَّيْء الْمَكْرُوه وَهُوَ قَول اللَّيْث
قَالَ اللَّيْث لَا بَأْس بِبيع الْغنم قبل أَن تذبح إِذا نظر إِلَيْهَا
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا بَأْس بِبيع الصُّوف على ظهر الْغنم يَأْخُذهُ مَكَانَهُ وَلَا يُؤَخِّرهُ
وقاف الْأَوْزَاعِيّ لَا بَأْس بِبيع جُلُود الْغنم وَالصُّوف إِذا أَخذهَا حِين بَاعه
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز بيع اللَّبن فِي الضَّرع لِأَنَّهُ مَجْهُول
كَانَ ابْن عَبَّاس يكره بيع الصُّوف على ظهر الْغنم وَاللَّبن فِي الضروع إِلَّا بكيل
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس جَوَاز بيع الصُّوف كالتمرة على رُءُوس النّخل وَلَا يجوز بيع الْجلد لِأَن فِيهِ إِتْلَاف مَال البَائِع بِغَيْر عرض وَهُوَ أكل مَال(3/81)
1159 - فِي بيع الْبَعِير الْحَيّ إِلَّا جلده
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز ذَلِك وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَكَذَلِكَ إِذا اسْتثْنى سلبها وَهُوَ الْجلد وَالرَّأْس والأكارع
وروى الثَّوْريّ عَن أبن أبي ليلى أَنه كَانَ يقْضِي فِي رجل اشْترى بَعِيرًا من رجل وَهُوَ مَرِيض فاستثنى البَائِع جلده فبرئ الْبَعِير أَن لَهُ سلى جلده
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم مثله عَن مَالك يجوز أَن يسْتَثْنى جلدهَا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَنهُ إِذا بَاعَ الشَّاة فاستثنى مِنْهُ ثلثا أَو ربعا أَو نصفا أَو جلدا أَو رَأْسا أَو فخذا أَو كبدا أَو صُوفًا أَو شَعِيرًا أَو بَطنا فَإِنَّهُ إِذا اسْتثْنى جلدا أَو رَأْسا فَإِن كَانَ ذَلِك مُسَافِرًا فَلَا بَأْس بِهِ وَإِن كَانَ حَاضرا فَلَا خير فِيهِ وَاللَّحم أَن يشْتَرط الشَّيْء الْخَفِيف الرطل والرطلين فَذَلِك جَائِز
فَإِن اسْتثْنى لَحْمًا على مَا ذكرت فَقَالَ المُشْتَرِي لَا أذبح فَإِنِّي أرى أَن يذبح على مَا أحب أَو كره قَالَ وَالْجَوَاب الَّذِي ذكرنَا فِي شِرَاء الْجلد هُوَ الْمُسَافِر إِذا اسْتثْنى فَخذهَا أَو كَبِدهَا أَو بَطنهَا فَلَا خير فِي ذَلِك قَالَ وَلَا يجوز بيع عشرَة أَرْطَال من لحم هَذِه الشَّاة وَلَا بيع رَطْل
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا بَأْس بِأَن يَبِيع الشَّاة وَيشْتَرط سلبها وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِذا سلخه وَلَا بَأْس بشرَاء جلد الْبَهِيمَة قبل أَن تذبح وَلَا بَأْس بشرَاء لحم الشَّاة قبل أَن تذبح وَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذا رَآهُ وَإِذا اشْترى جلد الْبَهِيمَة آجر صَاحبهَا على ذَبحهَا
وَقَالَ عُثْمَان البتي فِي الرجل يَبِيع من الرجل الْبَعِير وَيسْتَثْنى رَأسه أَو جلده ثمَّ يرى الْبَعِير فَيَقُول المُشْتَرِي لَا أُرِيد غَيره فهما شريكان بِقِيمَة مَا وَجب المُشْتَرِي يَوْم الشِّرَاء(3/82)
وَقَالَ اللَّيْث لَا بَأْس بشرَاء لحم الشَّاة قبل أَن تذبح إِذا جسها وَيجوز أَن يَبِيع الشَّاة وَيشْتَرط سلبها أَو شَيْئا مِنْهُ
وَلَو اشْترى رجلَانِ جملا فَاشْترى أَحدهمَا رَأسه وَالْآخر بَقِيَّته ثمَّ عَاشَ الْجمل وَسمن قَالَ صَاحب الرَّأْس يكون شَرِيكا بِحِصَّتِهِ مَا نقد وَعَن الْأَوْزَاعِيّ مثله
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي رجل اشْترى من رجل بَعِيرًا على أَن لَهُ جلده ثمَّ بدا لصاجبه الَّذِي ابتاعه أَن لَا ينحره قَالَ للمشترط شروى جلد الْبَعِير
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز أَن يَبِيع الرجل الشَّاة وَيسْتَثْنى مِنْهُ جلدا وَلَا غَيره فِي سفر وَلَا حضر
1160 - فِي بيع ذِرَاع من ثوب
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز شِرَاء ذِرَاع بِعَيْنِه من ثوب وَلَا شِرَاء نصف مِنْهُ بِعَيْنِه وَكَذَلِكَ الحشيشة فَإِن قطع البَائِع ذَلِك وَسلمهُ إِلَى المُشْتَرِي جَازَ وَلم يكن للْمُشْتَرِي أَن يمْنَع
وَقَالَ الثَّوْريّ أكره أَن يَقُول أبيعك ذِرَاعا من هَذَا الثَّوْب مِمَّا يليك وَلَا يلح حَتَّى يذرعه ثمَّ يَبِيعهُ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يجوز ذَلِك للضَّرَر الَّذِي يلْحق بِقِطْعَة وَلَيْسَت الْعلَّة أَنه لَا يدْرِي أَيْن يَقع لأَنهم قد أَجَازُوا بيع نَخْلَة على أَن يقطعهَا وَلَا يدْرِي أَيْن يَقع الْقطع
1161 - فِي بيع ذرعان من الدَّار
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز بيع عشرَة أَذْرع من مائَة ذِرَاع(3/83)
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ يجوز
1162 - فِي البيع إِلَى أجلين
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز أَن يَبِيع بِنَقْد كَذَلِك أَو بنسيئة بِكَذَا أَو لَا يُفَارِقهُ وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا بَأْس بذلك وَلَا يُفَارِقهُ حَتَّى يَأْتِيهِ بِإِحْدَى البيعتين وَإِن أَخذ السّلْعَة على ذَلِك فَهِيَ بِأَقَلّ الثمنين إِلَى أبعد الْأَجَليْنِ
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا فَارقه على ذَلِك وَضاع فَعَلَيهِ أقل الثمنين نَقْدا
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى يحيى بن سعيد عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيعَتَيْنِ فِي بيعَة(3/84)
1163 - فِيمَن بَاعَ بِدِينَار إِلَّا دِرْهَم
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ فِيمَن بَاعَ بِدِينَار إِلَّا دِرْهَم أَن البيع فَاسد
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالْحسن بن حَيّ يكره ذَلِك
وَقَالَ مَالك يجوز أَن يَشْتَرِي بِدِينَار إِلَّا دِرْهَم إِذا كَانَ ذَلِك كُله نَقْدا وَإِن كَانَ الدِّينَار نَقْدا والسلعة نَقْدا وَالدِّرْهَم إِلَى أجل لم يجز(3/85)
قَالَ وَكَذَلِكَ بِدِينَار إِلَّا دِرْهَمَيْنِ قَالَ وَلَا بِدِينَار إِلَّا قفيز حِنْطَة وَهُوَ كَقَوْلِه بِدِينَار إِلَّا دِرْهَم
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله بِدِينَار إِلَّا دِرْهَم يحْتَمل أَن يكون الدَّرَاهِم مسْقطًا من الدِّينَار فَإِن كَانَ كَذَلِك فَلَا يجوز
وَإِن أَرَادَ أَن يَجْعَل الدِّرْهَم مَعَ السّلْعَة بَدَلا من الدِّينَار فَهَذَا جَائِز إِذا تقابضا حِصَّة الصّرْف
وَعند الشَّافِعِي لِأَنَّهُ جمع صرفا وبيعا فِي عقدَة لم يتَبَيَّن حِصَّة كل وَاحِد
1164 - فِيمَن شَرط أَن ينْقد الثّمن إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام وَإِلَّا فَلَا بيع بَينهمَا
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز البيع
وَقَالَ زفر لَا يجوز
وَإِن قَالَ أَرْبَعَة أَيَّام بَطل البيع عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَزفر وَجَاز عِنْد مُحَمَّد
وَقَالَ مَالك البيع جَائِز وَيفْسخ الشَّرْط فَإِن كَانَ عبدا فَهَلَك فِي يَد البَائِع قبل الْأَجَل فَهُوَ من مَال البَائِع وَلَا يشبه هَذَا أَن يَشْتَرِيهِ بِالنَّقْدِ على أَن يذهب يَأْتِيهِ بِالثّمن فِي يَد البَائِع
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا اشْترى دَارا وَجعل للْبَائِع إِن جَاءَ بِالدَّرَاهِمِ مَا بَينه وَبَين سنة فَهُوَ أَحَق بداره فمضت السّنة وَلم يَأْتِ بِالدَّرَاهِمِ فَإِنِّي لَا أرى بيعا وَجب لِأَن أصل ذَلِك مَكْرُوه عِنْدِي إِلَّا أَن نقد الثّمن فَإِن نقد الثّمن فَلَا أأرى بِهِ بَأْسا وَالْبيع مَاض
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الرجل يبْتَاع البيع بِعَيْنِه وينقد وَيشْتَرط البَائِع على(3/86)
الْمُبْتَاع إِن رددت عَلَيْك ثمن سلعتك إِلَى كَذَا وَكَذَا فسلعتي إِلَى رد وَإِن لم أرده إِلَى ذَلِك فَهِيَ لَك
فَقَالَ يرى أَن مَتى يرد البَائِع الثّمن إِلَى الْمُبْتَاع فَهُوَ أَحَق بسلعتة وَإِن لم يجد مَا يرد عَلَيْهِ بِيعَتْ السّلْعَة وَكَانَ فَضلهَا لصَاحِبهَا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا قَالَ على أَن ينقدني فَإِن لم ينقدني فَلَا بيع بيني وَبَيْنك فَإِن نَقده فِي مَجْلِسه وَإِلَّا فَلَا بيع بَينهمَا
وَإِن قَالَ على أَن تنقدني غَدا إِذا فَإِن لم تنقدني فَلَا بيع بيني وَبَيْنك فَهُوَ على ذَلِك أَيْضا إِن نَقده غَدا وَإِلَّا فَلَا بيع بَينه وَبَينه
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن إِنَّه لم ينقده الثّمن لوقت كَذَا فَلَا بيع بَينهمَا فَهَذَا جَائِز
1165 - فِي الرجل يُبَاع ملكة فيسكت
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الرجل يَبِيع مَتَاعا لرجل بِحَضْرَتِهِ فيسكت إِن سُكُوته لَا يكون إجَازَة للْبيع وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى سُكُوته إِقْرَار بِالْبيعِ
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِن سكت حَتَّى يسلم إِلَيْهِ فركبت الدابه ووطئت الْجَارِيَة وقضت الدَّار وَلبس الثَّوْب كَانَ ذَلِك إجَازَة البيع وَلَا يقبل بعد ذَلِك قَوْله إِنِّي لَا أرْضى
وَقَالَ اللَّيْث إِذا سكت فِي بيع الأَرْض حَتَّى أصلحها المُشْتَرِي ثمَّ تكلم فِيهَا لم أرله فِيهَا حَقًا إِلَّا أَن يُعْطي قيمَة الْعَرَصَة
1166 - فِي بيع الْمَصَاحِف
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري لَا بَأْس بِبيع الْمَصَاحِف وشرائها(3/87)
وَقَالَ ابْن شبْرمَة لَا يُبَاع الْمُصحف وَلَا يُؤْخَذ على كِتَابَته أجر بِشَرْطِهِ وَإِن أعطي بِغَيْر شَرط فَلَا بَأْس
وَقَالَ الشَّافِعِي يكره بيع الْمَصَاحِف
وَذكر الرّبيع عَنهُ أَنه لَو بَاعَ مُسلم من نَصْرَانِيّ مُصحفا فَالْبيع مفسوخا وَكَذَلِكَ إِن بَاعَ مِنْهُ دفاتر فِيهَا حَدِيث الرَّسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو بَاعَ نَصْرَانِيّ مُصحفا من مُسلم جَازَ البيع وَلم يكره
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الثَّوْريّ عَن سَالم الْأَفْطَس عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عمر قَالَ وددت أَنِّي قد رَأَيْت الْأَيْدِي تقطع فِي بيع الْمَصَاحِف
وروى ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ اشْتَرِ الْمُصحف وَلَا تبعه وَعَن أبي الزنير عَن جَابر مثله
قَالَ أَبُو جَعْفَر كَمَا جَازَ بيع الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير الَّتِي عَلَيْهَا آي من الْقُرْآن جَازَ بيع الْمُصحف لِأَن حكم الْآيَة والجميع مُتَّفق أَلا ترى أَن الْجنب لَا يقْرَأ آيَة كَمَا لَا يقْرَأ الْجَمِيع
1167 - فِي بيع العَبْد الْآبِق
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز بيع العَبْد الْآبِق إِلَّا أَن يَدعِي مُشْتَرِيه مَعْرفَته
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ وَعبيد الله بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز بيع الْآبِق
وَقَالَ مَالك لَا يجوز بيع الْآبِق إِلَّا يَدعِي مُشْتَرِيه مَعْرفَته فيشتريه ويتواضعان الثّمن فَإِن وجده على مَا يعرفهُ قَبضه وَجَاز البيع وَإِن وجده قد تغير أَو تلف كَانَ من مَال البَائِع ورد الثّمن إِلَى المُشْتَرِي(3/88)
قَالَ مَالك وَإِذا اشْتريت عبدا فِي إباقه فضمانه على البَائِع لِأَن البيع فَاسد وَإِن قدرت على العَبْد بِقَبْضِهِ لم يجز البيع
قَالَ وَإِن كَانَ الْآبِق عِنْد المُشْتَرِي فَإِن علم البَائِع حَاله جَازَ البيع لِأَنَّهُ قد يزِيد وَينْقص فَلَا بُد من أَن يعرف البَائِع حَاله كَمَا يعرف المُشْتَرِي
وَقَالَ عُثْمَان لَا بَأْس بِبيع الْآبِق وَالْبَعِير الشارد وَإِن هلك فَهُوَ من مَال المُشْتَرِي وَإِن اختفا فِي هَلَاكه فعلى المُشْتَرِي الْبَيِّنَة أَنه هلك قبل أَن يَشْتَرِيهِ وَإِلَّا أعطَاهُ ثمنه وَكَذَلِكَ الْمَتَاع إِذا تقدم شِرَاؤُهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّهْي عَن بيع الْآبِق خبر بِإِسْنَاد فِيهِ جمَاعَة من المجهولين وَهُوَ مَا رَوَاهُ مُعلى بن مَنْصُور قَالَ حَدثنَا حَاتِم بن إِسْمَاعِيل عَن جَهْضَم بن عبد الله عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْبَاهِلِيّ عَن مُحَمَّد بن زيد الْعَبْدي عَن شهر بن حَوْشَب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن شِرَاء مَا بطُون الْأَنْعَام حَتَّى تضع وَعَما فِي ضروعها إِلَّا بكيل وَعَن تقبض وَعَن ضَرْبَة القانص
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا الحَدِيث لَا يثبت بِهِ شَيْء وَلَو صَحَّ احْتمل أَن يكون مَعْنَاهُ إِذا شَرط سَلَامَته لبَائِعه رَجَعَ أَو لم يرجع فَيفْسد البيع عِنْد الْجَمِيع بِلَا خلاف بَين الْآبِق وَالْمَغْصُوب إِلَّا أَن أَصْحَابنَا فرقوا بَينهمَا من جِهَة أَن الْمَغْصُوب فِي ضَمَان الْغَاصِب وَلَيْسَ الْآبِق فِي ضَمَان أحد فَهُوَ مَال ناء فَكَذَلِك لم يجز بَيْعه وَهُوَ ضرب من الِاسْتِحْسَان(3/89)
وَأما بيع اللَّبن فِي الضروع فَلَا يجوز لِأَن المُشْتَرِي لَا يتَمَيَّز من الطاري بعد العقد فَيفْسد وَلَا يجوز بيع الْحمل لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو من أَن يُوجد بِتَسْلِيمِهِ مُنْفَصِلا عَن الأَصْل فَيلْحق البَائِع الضَّرَر فَلَا يسْتَحق تَسْلِيمه أَو بِتَرْكِهِ إِلَى أَن يضع فَيفْسد أَيْضا لتعذر التَّسْلِيم وَلِأَنَّهُ بمنزله من اشْترى شَيْئا وَشرط أَن لَا يُسلمهُ إِلَّا بعد شهر فَلَا يجوز وَشِرَاء الصُّوف على ظهر الْغنم الْقيَاس أَنه جَائِز وَقد قَالَ قَائِل الْقيَاس أَن يجوز لِأَن فِي إِزَالَته عَن الْغنم مَنْفَعَة لَهَا جَائِز وَقد قَالَ قَائِل الْقيَاس أَن لَا يجوز لِأَن فِي إِزَالَته عَن الْغنم منفة لَهَا وَكَانَ كاشتراط البَائِع على الْمُبْتَاع مَنْفَعَة أُخْرَى فَيفْسد البيع قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك لِأَن فِي إِزَالَة الثَّمَرَة عَن النّخل مَنْفَعَة النّخل وَيجوز بيعهَا على رُؤُوس النّخل
1168 - فِي بيع حلية السَّيْف
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز بيع حلية سيف وَلَا بيع خَشَبَة فِي جِدَار
وَقَالَ مَالك يجوز بيع ذَلِك وَإِن كَانَ فِي نَزعه ضَرَر لأنما قد رَضِيا بِهِ وَهَذَا مِمَّا لَا يخْتَلف فِيهِ أحد لَا بِالْمَدِينَةِ وَلَا بِمصْر
1169 - فِي بيع السرجين والعذرة
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس بِبيع السرجين وكرهوا بيع العذة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك انه كره بيع الْعذرَة لِأَنَّهَا نَجِسَة وَلَا بَأْس وَكَذَلِكَ بيع زبل الدَّوَابّ هُوَ نجس عِنْده فَيَنْبَغِي أَن لَا يكون كالعذرة وَأما بعر الْإِبِل وَالْغنم وأخثاء الْبَقر فَلَا بَأْس بِهِ عِنْد مَالك
وَكره الثَّوْريّ بيع الْعذرَة
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز بيع الْعذرَة وَلَا الروث وَلَا الْبَوْل وَلَا شَيْء من الأنجاس(3/90)
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد جرت عَادَة النَّاس بِالِانْتِفَاعِ بالسرقين وَإِن كَانَت نجسا فِي تمريغ دوابهم وخلطه بالطين للْبِنَاء والفخار ولوقود النيرَان غير مستنكر ذَلِك عِنْدهم
فَثَبت أَنه من النَّجَاسَات الَّتِي أُبِيح الِانْتِفَاع بهَا فَدلَّ على أَنَّهَا مَمْلُوكَة وَأَن على مستهلكها ضَمَانهَا فَكَانَ دَالا على أَنه يجوز بيعهَا لِأَنَّهُ ملك وَإِذا كَانَ كَذَلِك للْحَاجة إِلَيْهَا فالحاجة فِي الْعذرَة قَائِمَة فِي الِانْتِفَاع بهَا للأرضين فَوَجَبَ أَن يكون كَذَلِك
1170 - فِي الْفَأْرَة تَمُوت فِي الزَّيْت
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يَأْكُلهُ وَينْتَفع بِهِ بِالْبيعِ غير وَيبين إِن بَاعه وَهُوَ قَول اللَّيْث
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ ينْتَفع بِهِ وَلَا يَأْكُلهُ وَلَا يَبِيعهُ
وَقَالَ الثَّوْريّ وَعبيد الله بن الْحسن لَا يَأْكُلهُ ويهريقه أَو يسرج بِهِ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا ينْتَفع بِهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عتبَة عَن ابْن عَبَّاس عَن مَيْمُونَة قَالَت سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن فَأْرَة مَاتَت فِي سمن فَقَالَ ألقوها وَمَا حولهَا وكلوه
فَقَالَ قَائِل لما أمرنَا بإلقاء السّمن النَّجس دلّ على أَنه لَا ينْتَفع بِهِ كالفأرة لما أمرنَا بإلقاها بإلقائها
فَيُقَال لَهُ جَائِز أَن يكون حكمه فِي الْفَأْرَة أَن لَا ينْتَفع با وَحكمه فِي(3/91)
السّمن مَقْصُورا على تَحْرِيم الْأكل دون الِانْتِفَاع كَقَوْلِه تَعَالَى {فَلَا رفث وَلَا فسوق وَلَا جِدَال فِي الْحَج}
وَهَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ رَوَاهُ مَالك وَابْن عُيَيْنَة وَرَوَاهُ معمر بِخِلَافِهِ حَدثنَا فَهد بن سُلَيْمَان قَالَ حَدثنَا الْحسن بن الرّبيع قَالَ حَدثنَا عبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سُئِلَ عَن فَأْرَة وَقعت فِي سمن فَقَالَ إِن كَانَ جَامِدا فخذوها وَمَا حولهَا فألقوه وَإِن كَانَ ذائبا أَو مَائِعا فاستصبحوا لَهُ وَقَالَ فاستنفعوا بِهِ فأباح الاستصباح أَو الِانْتِفَاع بِهِ من غير إستصباح وَذَلِكَ فِي سَائِر وُجُوه الانتفاعات
وَقد روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن عمر أَنه يستصبح بِهِ وَعَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ لَا تأكلوه وبيعوه وبينوا لمن تبيعونه وَعَن الْقَاسِم وَسَالم يبيعوه ويبينون وَلَا يُؤْكَل
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَإِنَّمَا منع أكله للنَّجَاسَة وَمَا نجس بالمجاورة فَإِن بَيْعه جَائِز كَالثَّوْبِ تصيبه النَّجَاسَة
وَقد سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن شحوم الْميتَة
فَقَالَ هُوَ حرَام لعن الله الْيَهُود حرمت عَلَيْهِم الشحوم فَبَاعُوهَا وأكلوا أثمانها
فَأجَاب فِيهَا بِعُمُوم تَحْرِيم الإنتفاع وَأجَاب فِي السّمن بِتَحْرِيم الْأكل وَإِبَاحَة الِانْتِفَاع فَدلَّ على جَوَاز سَائِر وجو الِانْتِفَاع غير الْأكل
فَإِن قيل فأمهات الْأَوْلَاد يجوز الِانْتِفَاع بِهن وَلَا يجوز بيعهنَّ(3/92)
قيل لَهُ كَمَا منع من بيعهنَّ منع من هبتهن وَالصَّدَََقَة بِهن وَلم يمْنَع من هبة الزَّيْت النَّجس وَالصَّدَََقَة بِهِ عِنْد الْجَمِيع
فَمن حَيْثُ جَازَ تَمْلِيكه بِهِبَة أَو صَدَقَة جَازَ البيع وَلم يجز مثله فِي أُمَّهَات الْأَوْلَاد
1171 - فِي بيع النَّحْل
ذكر بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ لَا يجوز بيع النَّحْل فَإِن كَانَ فِي كوارتها عسل فَاشْترى الرجل الكوارة بِمَا فِيهَا من النَّحْل وَالْعَسَل جَازَ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا بَأْس بِبيع دود القز إِذا خرج مِنْهُ القز أَو بعضه كَبيع النَّحْل وَمَعَهُ الْعَسَل وَإِن كَانَ دودا بِغَيْر قَز فَهُوَ كالنحل وَحده فَلَا يجوز بَيْعه كَبيع شرب الأَرْض بِلَا أَرض وَلَو بَاعَ القز جَازَ كبزر الرّطبَة وَغَيره وَلَو بَاعَ فرَاش القز بِغَيْر قَز لم يجز كَبيع النَّحْل وَإِن كَانَ مَعَ الْفراش قَز جَازَ
وَقَالَ مَالك فِي النَّحْل يخرج من جنح هَذَا وجنح هَذَا
قَالَ إِن علم ذَلِك واستطاعوا أَن يردوها إِلَى صَاحبهَا ردوهَا وَإِلَّا فَهِيَ لمن بنيت فِي أجناحه وَكَذَلِكَ حمام الأبرجة
وَإِذا وضع رَحل الأجناح فِي الْجبَال فيدخلها النَّحْل فَهِيَ لمن وضع الأجناح
وَقَالَ الشَّافِعِي مَالا مَنْفَعَة فِيهِ من الْحَيَوَان حَيا وَلَا مذبوحا م يجز شِرَاؤُهُ وَلَا بَيْعه نَحْو الحدأة والرخمة والبغاثة والوزغة والفأرة
قَالَ أَبُو جَعْفَر جعله مَالك كحمام الأبرجة فَدلَّ على جَوَاز بَيْعه(3/93)
وَالشَّافِعِيّ اعْتبر الْمَنَافِع فِي النَّحْل مَنْفَعَة فَدلَّ على جَوَاز بَيْعه
وَقد اتَّفقُوا على أَن مَالا مَنْفَعَة فِيهِ من الْحَيَوَان لَا يجوز بَيْعه كالرخم والحدأمة والقرد وَالذِّئْب والزنابير وَلَيْسَ النَّحْل كَذَلِك لِأَن فِيهِ مَنْفَعَة فَيَنْبَغِي أَن يجوز بَيْعه وَلَو كَانَ مِمَّا لَا يجوز بَيْعه لما جَازَ مَعَ الْعَسَل كالحيات إِذا بَاعَ الدَّار لَا يجوز الْحَيَّات فِيهَا
1172 - فِي بيع الْكلاب
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز بيع كلب الْمَاشِيَة وكلب الصَّيْد وَبيع الْمهْر
وَذكر مُحَمَّد بن الْحسن عَن أَسد بن عَمْرو عَن أبي حنيفَة فِيمَن قتل كَلْبا لرجل لَيْسَ بكلب صيد وَلَا مَاشِيَة فيقتله إِنْسَان يغرم قِيمَته قَالَ وَكَذَلِكَ السبَاع كلهَا وَكَذَلِكَ كل مخلب من الطير
وَقَالَ مَالك لَا يجوز بيع شَيْء من الْكلاب وَيجوز أَن يقتني كلب صيد أَو مَاشِيَة أَو زرع وعَلى من قَتله قِيمَته وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
قَالَ مَالك وَإِن قتل كلب الدَّار فَلَا شَيْء فِيهِ إِلَّا أَن يكون يسرح مَعَ الْمَاشِيَة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ من قتل كَلْبا أَو بازيا فَعَلَيهِ قِيمَته
وَرُوِيَ عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَأبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن ثمن الْكَلْب(3/94)
وروى شُعْبَة عَن أبي التياح عَن مطرف بن الشخير عَن عبد الله ابْن الْمُغَفَّل قَالَ أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقتل الْكلاب ثمَّ قَالَ مَا لي وَالْكلاب ثمَّ رخص فِي كلب الصَّيْد وكلب آخر
فَأخْبر أَن كلب الصَّيْد كَانَ مقتولا وَكَانَ بَيْعه وَالِانْتِفَاع بِهِ حَرَامًا وَكَانَ قَاتله مود بِالْفَرْضِ عَلَيْهِ ثمَّ نسخ ذَلِك وأبيح الِاصْطِيَاد بِهِ وَكَانَ كَسَائِر الْجَوَارِح فِي جَوَاز بَيْعه
وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كسب الْحجام وَثمن الْكَلْب أَنه خَبِيث ثمَّ أَنه لما أعْطى الْحجام أجرته كَانَ نَاسِخا لمَنعه
1173 - فِي بيع النّخل المؤبر
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْأَوْزَاعِيّ من بَاعَ نخلا فثمرته للْبَائِع إِلَّا أَن يَشْتَرِطه الْمُبْتَاع
وَقَالَ ابْن أبي ليلى الثَّمَرَة للْمُشْتَرِي شرطت أَو لم تشْتَرط كسعف النّخل
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا اشْترى أَرضًا وفيهَا زرع لم يبد صَلَاحه فالزرع للْبَائِع إِلَّا أَن يشْتَرط المُشْتَرِي
وَإِذا اشْترى نخلا لم تؤبر فالثمرة للْمُشْتَرِي وَإِن لم يشْتَرط وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَاللَّيْث فِي الثَّمَرَة
وروى ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَاعَ نخلا مؤبرا فثمرته للْبَائِع إِلَّا أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع(3/95)
وأصحابنا لَا يفرقون بَين المؤبر وَغَيره ويجعلون الثَّمَرَة للْبَائِع إِذا كَانَت قد ظَهرت قبل البيع وَلم يخْتَلف من شَرط التَّأْبِير أَنَّهَا لم تؤبر حَتَّى تتأهب وَصَارَت بلحا أَو بسرا ثمَّ بيع النّخل أَن الثَّمَرَة لَا تدخل فِيهِ فَعلمنَا أَن الْمَعْنى فِي ذكر التَّأْبِير ظُهُور الثَّمَرَة لِأَنَّهَا لم تؤبر فِي تِلْكَ الْحَال فِي الْعَادة
1174 - فِي هَلَاك الْمَبِيع قبل الْقَبْض
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ يهْلك من مَال البَائِع
وَقَالَ مَالك فِي الدَّابَّة إِذا حَبسهَا البَائِع حَتَّى يقبض الثّمن فَهِيَ من مَال المُشْتَرِي وَذَلِكَ إِن كَانَ بيعا على النَّقْد وَإِن كَانَ على غير النَّقْد مثل أَن يَقُول إِن جئتني بِالثّمن الْيَوْم وَإِلَّا فَلَا بيع بيني وَبَيْنك فَهَذَا من البَائِع
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم وَآخر قَول مَالك إِن الْحَيَوَان من البَائِع إِلَّا أَن يشْتَرط فِي الصَّفْقَة ان يَقُول إِن كَانَ فِي هَذَا الْوَقْت فَهِيَ من مَال المُشْتَرِي فَيكون من مَال المُشْتَرِي وَأما الدّور والأرضون فَمن المُشْتَرِي
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَقَالَ مَالك فِي الرجل يبْتَاع طَعَاما بِعَيْنِه مكايلة ثمَّ يكتاله حَتَّى فَارقه ثمَّ اسْتهْلك البَائِع الطَّعَام فَعَلَيهِ طَعَام للْمُشْتَرِي وَلَيْسَ للْمُشْتَرِي أَن يفْسخ البيع
قَالَ وَلَو هلك الطَّعَام من غير فعل البَائِع انْتقض البيع فِيهِ ورد الثّمن
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا اشْترى طَعَاما جزَافا فَهَلَك قبل الْقَبْض فَهُوَ من مَال المُشْتَرِي وَإِن إشتراه مكايلة فَهُوَ من مَال البَائِع(3/96)
وَقَالَ فِي الرجل يَشْتَرِي الشَّيْء بالصفقة وَهُوَ غَائِب عَنهُ وَلم يره فَمَا أدْركْت الصَّفْقَة حَيا إِذْ وفى الصَّفْقَة فَهُوَ من مَال المُشْتَرِي
وَقَالَ اللَّيْث إِذا حَبسه البَائِع لقبض الثّمن فَهُوَ من مَال البَائِع وَإِن خلى بَينه وَبَين المُشْتَرِي فَقَالَ المُشْتَرِي دَعه عنْدك حَتَّى آتِيك بِالثّمن فضمانه فِي المُشْتَرِي وَعَلِيهِ الثّمن
وَقَالَ اللَّيْث فِي الرجل يَشْتَرِي العَبْد أَو الدَّابَّة ثمَّ يَقُول آتِيك غَدا فَيتَأَخَّر عَنهُ حَتَّى يَبِيع صَاحب الدَّابَّة دَابَّته أَو عَبده إِن ذَلِك جَائِز وَلَا شَيْء للْمُشْتَرِي وَإِن هَلَكت الدَّابَّة أَو العَبْد كَانَ ضَمَانه من المُشْتَرِي وَيدْفَع ثمنه إِلَى البَائِع
وَاحْتج الشَّافِعِي بِفساد بيع الصّرْف قبل الْقَبْض فَدلَّ على أَنه فِي ضَمَان البَائِع
قَالَ أَبُو جَعْفَر لايختلفون أَن من اشْترى طَعَاما مكايلة فَهَلَك قبل الْكَيْل 216 أَفِي يَد البَائِع أَنه من مَال البَائِع وَكَذَلِكَ مَا سواهُ فِي الْقيَاس
وَقد رُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه قَالَ مَا أدْركْت الصَّفْقَة حَيا مجموعا فَهُوَ من مَال الْمُبْتَاع وَهَذَا خلاف قَول الْجَمِيع
1175 - فِي جِنَايَة البَائِع على الْمَبِيع
قَالَ أَصْحَابنَا وَعبيد الله بن الْحسن إِذا جنى البَائِع على الْمَبِيع قبل الْقَبْض انْتقض البيع فِي مِقْدَار الْجِنَايَة
وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد فِي نوادره أَنه بلغه أَن زفر كَانَ يَقُول فِي البَائِع إِذا قتل العَبْد إِنَّه يضمن قِيمَته
وَذكر ابْن أبي عمرَان قَول زفر إِنَّه يضمن الْقيمَة
وَقَالَ مَالك يضمنهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا جنى البَائِع عَلَيْهِ فِيمَا دون النَّفس أَو فِي النَّفس فَإِنَّهُ(3/97)
بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ضمنه الْجِنَايَة وَإِن شَاءَ ءفسخ البيع وَإِن حدث بِهِ عيب من السَّمَاء فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذه بِجَمِيعِ الثّمن وَإِن شَاءَ ترك
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا نعلم أحدا من أهل الْعلم يُوجب ضَمَان مَا حدث من الْمَبِيع بعد الْقَبْض على بَائِعه غير مَالك بن أنس
1176 - فِي عُهْدَة الرَّقِيق
قَالَ ابْن وهب ذكر عَن مَالك عَن عبد الله بن أبي بكر أَن أبان بن عُثْمَان وَهِشَام بن إِسْمَاعِيل كَانَا يذكران فِي خطبتهما عُهْدَة الرَّقِيق فِي الإيام الثَّلَاثَة من حَيْثُ يَشْتَرِي العَبْد اَوْ الوليدة وعهدة السّنة ويأمران بذلك
قَالَ مَالك وعَلى ذَلِك الْأَمر عندنَا فِيمَن بَاعَ بِغَيْر الْبَرَاءَة أَن مَا أصَاب العَبْد أَو الْأمة فِي الْأَيَّام الثَّلَاثَة من حِين يَشْتَرِيهِ حَتَّى تَنْقَضِي الْأَيَّام الثَّلَاثَة فَهُوَ فِي مَال البَائِع ثمَّ عُهْدَة السّنة من الْجُنُون والجذام والبرص فَإِذا مَضَت السّنة فقد برىء البَائِع من الْعهْدَة كلهَا إِلَّا أَن يكون علم عَيْبا فكتمه فَلَا تَنْفَعهُ الْبَرَاءَة وَكَانَ ذَلِك البيع مردودا وَلَا عُهْدَة عندنَا إِلَّا فِي الرَّقِيق
وَذكر ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَن من بَاعَ عبدا بِغَيْر الْبَرَاءَة فَمَا أصَاب العَبْد فِي الإيام الثَّلَاثَة فَهُوَ من مَال البَائِع بِمَوْت وَغَيره فَإِن غرق فِيهَا أَو احْتَرَقَ أَو قَتله رجل فَهُوَ من مَال البَائِع وَإِن جرح العَبْد فِي الإيام الثَّلَاثَة فأرش جرحه للْبَائِع لِأَن الضَّمَان مِنْهُ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذه بِجَمِيعِ الثّمن وَإِن شَاءَ ترك وَالْقَتْل كَذَلِك(3/98)
وعهدة السّنة إِنَّمَا هُوَ من الْجُنُون والجذام والبرص لَا غَيرهَا
وَذكر ابْن وهب عَن اللَّيْث فِي الرجل يَبِيع الْجَارِيَة فتقيم عِنْد الْمُبْتَاع
قَالَ أَرَاهَا عُهْدَة ترد على البَائِع
فهذان أثبتا عُهْدَة ترد الرَّقِيق دون غَيرهمَا من أهل الْعلم وَقد احْتج بَعضهم لذَلِك بِحَدِيث حبَان بن منقذ حِين جعل لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُهْدَة ثَلَاث وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ شَرط فِي الْخِيَار وَقد احْتج فِيهِ بِحَدِيث الْحسن عَن عقبَة بن عَامر قَالَ جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُهْدَة الرَّقِيق ثَلَاثَة أَيَّام رَوَاهُ سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن الْحسن وَرَوَاهُ همام عَن قَتَادَة عَن الْحسن وَقَالَ لَا عُهْدَة بعد أَربع
وَرَوَاهُ أَيْضا يُونُس عَن الْحسن عَن عقبَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا عُهْدَة بعد أَربع
وَهَذَا يحْتَمل أَيْضا أَن يكون المُرَاد بِهِ الْخِيَار الْمَشْرُوط فِي البيع على أَن الْحسن لم يسمع عَن عقبَة وَلم يلقه
وروى عَن شُرَيْح فِي تَفْسِير ذَلِك قَالَ عُهْدَة الْمُسلم لأَدَاء وَلَا حايلة وَلَا شين رَوَاهُ أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين عَن شُرَيْح
فإحراز الْعهْدَة هِيَ وجوب الرَّد بِالْعَيْبِ الْمَوْجُود قبل البيع وَلَا يخْتَلف فِي ذَلِك الثَّلَاث وَمَا فَوْقهَا أَو مَا دونهَا
وروى ابْن الْمُبَارك عَن ابْن جريج عَن عَطاء قَالَ لم يكن فِيمَا مضى عُهْدَة فِي الأَرْض قلت فَمَا ثَلَاثَة أَيَّام قَالَ لَا شَيْء(3/99)
وروى ابْن جريج عَن ابْن طَاوس عَن أَبِيه كَانَ لَا يرى الْعهْدَة شَيْئا لَا ثَلَاثًا وَلَا أَكثر
فقد خرج مَذْهَب مَالك من أَن يكون لَهُ أصل فِي الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع أَو قِيَاسا على وَاحِد مِنْهَا واي قَول أقبح من أَن يَقُول رجل مَا هلك من بَائِعه هلك من مَال مبتاعه وَإِذا هلك من يَد مبتاعه هلك من مَال بَائِعه
1177 - فِي الجوائح
قَالَ أَصْحَابنَا من أشترى ثَمَرَة من شجر اَوْ نخل أَو زرع فِي أَرض أَو غَيره فَقَبضهُ فأصابته جَائِحَة أهلكته أَو بعضه أَنه من مَال المُشْتَرِي وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك فِي بيع الْبِطِّيخ والقثاء إِذا بدا صَلَاحه جَازَ وَللْمُشْتَرِي مَا نبت حَتَّى تَنْقَطِع ثَمَرَته لِأَن وقته مَعْرُوف عِنْد النَّاس فَإِذا أَصَابَته جَائِحَة فَقطعت ثَمَرَته قبل ان يَأْتِي ذَلِك الْوَقْت يبلغ الثُّلُث أَو أَكثر كَانَ ذَلِك مَوْضُوعا من الَّذِي ابتاعه
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَنهُ مثل ذَلِك وَقَالَ عَنهُ هُوَ مثل كِرَاء الدّور والرضين فَينْظر إِلَى المقتات كم نباتها من أول مَا يَشْتَرِي إِلَى آخر مَا تَنْقَطِع ثَمَرَتهَا وَينظر إِلَى قِيمَته فِي كل زمَان على قدر نفَاقه من الْأَسْوَاق ثمَّ يقسم الثّمن على ذَلِك ويمتثل فِيهِ مَا يجب امتثاله عِنْد الجوائح على ماذكرناه وَكَذَلِكَ الْوُرُود والياسمين وكل شَيْء يجني بَطنا بعد بطن وَأما مَا يخرص مثل النّخل وَالْعِنَب وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ ينظر إِلَى ثلث الثَّمَرَة إِذا أصابتها الْجَائِحَة ثلث الثّمن
وَقَالَ مَالك فِي فِي الْبُقُول أَو الكراث والجزر والبصل والفجل وَمَا أشبهه إِذا اشْتَرَاهُ رجل فأصابته جَائِحَة فَإِنَّهُ يوضع عَن المُشْتَرِي كل شَيْء أَصَابَته الْجَائِحَة قل أَو كثر(3/100)
قَالَ وَالْجَرَاد وَالنَّار وَالْبرد والمطر والطين الْغَالِب والعفن والسموم وإنقطاع مَاء الْعُيُون كُله من الجوائح
وروى سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن حميد الْأَعْرَج عَن سُلَيْمَان بن عَتيق عَن جَابر بن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع السنين وَأمر بِوَضْع الجوائح
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اخْتلف فِي تَأْوِيل ذَلِك فَقَالَ قَائِلُونَ على النّدب كَمَا رَوَت عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن أَن رجلا إبتاع ثَمَر حَائِط فِي زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتبين لَهُ النُّقْصَان فَسَأَلَ رب الْحَائِط ان يضع عَنهُ أَو يقيله فَحلف أَن لَا يفعل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تألى أَن لَا يفعل خيرا فَسمع ذَلِك رب المَال فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هُوَ لَهُ
فَدلَّ على أَنه ندب إِلَى خير لَا وَاجِب
وَمِنْهُم من قَالَ هَذَا فِي الجوائح قبل الْقَبْض كَمَا روى ابْن جريج عَن أبي الزبير عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن بِعْت لأخيك تَمرا فأصابته جَائِحَة فَلَا يحل لَك أَن تَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا بِمَ تَأْخُذ مَال أَخِيك بِغَيْر حق فَذكر فِيهِ البيع بِلَا قبض مَذْكُور فِيهِ(3/101)
وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ فِي وضع الْخراج عَمَّن أصَاب ثمره أَو زرعه آفَة
وَقد روى ابْن وهب عَن عَمْرو بن الْحَارِث عَن بكير بن الأشح عَن عِيَاض بن عبد الله عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ أُصِيب رجل فِي ثمار ابتاعها فَكثر دينه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتصدق عَلَيْهِ فَلم يبلغ وَفَاء دينه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خُذُوا ماوجدتم وَلَيْسَ لكم إِلَّا ذَلِك
فَلم يَأْمر بِوَضْع الْجَائِحَة عَنهُ وَلم يخصص كثيرا دون قَلِيل
1178 - فِي الشِّرَاء بِذَهَب وَفِضة
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن اشْترى جَارِيَة بِمِائَة مِثْقَال ذهب وَفِضة أَنَّهُمَا نِصْفَانِ وَالْبيع جَائِز
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز لجَهَالَة كل وَاحِد مِنْهُمَا
قَالَ ابو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ انه لَو قَالَ لزيد وَعَمْرو عَليّ عشرُون درهما أَن ذللك لَهما نِصْفَانِ وَقد يحْتَمل أَن يكون فِي الْحَقِيقَة أَثلَاثًا فَلم يحمل على ذَلِك وَلم يصدق الْمقر على أَن ينقص أَحدهمَا فِي النّصْف إِذا سكت فَالْبيع مثله
1179 - فِي الْإِقَالَة بيع هِيَ أَو فسخ
قَالَ اصحابنا الْإِقَالَة قبل الْقَبْض فسخ وَقَالَ أَبُو حنيفَة هِيَ بعد الْقَبْض فسخ لَا يَقع إِلَّا بِالثّمن الأول سَوَاء تقابلا بِزِيَادَة أَو نُقْصَان أَو ثمن غير الأول وَهُوَ قَول الشَّافِعِي(3/102)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف هِيَ بيع مُسْتَقل بعد الْقَبْض وَيجوز بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان وبثمن آخر
وَقَالَ ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد إِذا ذكر ثمنا أَكثر من ثمنهَا فَهُوَ بيع بِمَا سمى
وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد قَالَ ابو حنيفَة الْإِقَالَة قبل الْقَبْض فسخ وَبعد الْقَبْض بِمَنْزِلَة البيع
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إا كَانَت بِالثّمن الأول فَهُوَ كَمَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَإِن كَانَت بِأَكْثَرَ من الثّمن أَو بِالْأَقَلِّ فَهُوَ بيع مُسْتَقل قبل الْقَبْض أَو بعده
وروى أَصْحَاب زفر قَالَ كَانَ أَبُو حنيفَة لَا يرى الْإِقَالَة بِمَنْزِلَة البيع فِي شَيْء إِلَّا فِي الْإِقَالَة بعد تَسْلِيم الشَّفِيع الشُّفْعَة فَيُوجب الشُّفْعَة بالإقالة
وَقَالَ زفر لَيْسَ فِي الْإِقَالَة شُفْعَة
وَقَالَ مَالك الْإِقَالَة بيع من الْبيُوع يحلهَا مَا يحل الْبيُوع ويحرمها مَا يحرم الْبيُوع
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يجوز أَن يَقُول المُشْتَرِي للْبَائِع أَقلنِي وَلَك دِرْهَم
وَقَالَ فِي رجل اشْترى طَعَاما وَلم يقبضهُ حَتَّى قَالَ أَقلنِي وَأُعْطِيك كَذَا وَكَذَا درهما فَلَا بَأْس بذلك
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن إِقَالَة على زِيَادَة أَو نُقْصَان بعد الْقَبْض فَلَا خير فِيهِ لِأَن الْإِقَالَة فسخ لَيست بِبيع
قل أَبُو جَعْفَر لَا خلاف فِي جَوَاز الْإِقَالَة فِي السّلم فَدلَّ أَنَّهَا لَيست بِبيع لِأَن بيع السّلم لَا يجوز مبل الْقَبْض وَلما كَانَت فسخا لم يُفْسِدهَا الشُّرُوط على(3/103)
جَوَازهَا بِغَيْر ذكر ثمن فَلَا يكون لذكر الثّمن حكم لِأَنَّهُمَا ذكرا مَالا حكم لذكره
1180 - فِي الرجلَيْن يبتاعان عرضين لَهما
قَالَ أَصْحَابنَا فِي رجل دفع إِلَى آخر ثوبا ليَبِيعهُ مَعَ ثوب لصَاحبه ليبيعهما صَفْقَة بِثمن وَاحِد فَأَخذهُمَا الْوَكِيل وباعهما صَفْقَة بِثمن وَاحِد مُرَابحَة فَإِنَّهُ يقسم الثّمن على الثمنين فَإِن باعهما مساومة فعلى الْقِيمَتَيْنِ
وَقَالَ الثَّوْريّ رِوَايَة ابْن الْمُبَارك يقسم الثمنين على الْقِيمَتَيْنِ فِي الْمُرَابَحَة وروى غَيره عَنهُ على رَأس المَال
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِي رجل اشْترى نصف ثوب بِعشْرَة وَاشْترى الآخر نصفه بِعشْرين فَبَاعَهُ مساومة فالثمن نِصْفَيْنِ وَإِن بَاعه مُرَابحَة أَخذ هَذَا راس مَاله وَهَذَا رَأس مَاله واقتسما الرِّبْح نِصْفَيْنِ
وَإِن باعاه الْعشْرَة كَذَا أَخذ كل وَاحِد رَأس مَاله والرجح بَينهمَا على قد رَأس الْمَالَيْنِ
وَقَالَ إِذا تزوج أَربع نسْوَة على ألف انقسمت على قدر مهورهن كَمَا لَو اشْترى اربعة أعبد
قَالَ وَلَو كَانَ لرجل امْرَأَتَانِ فسألتاه أَن يطلقهما بِأَلف وطلقهما فِي ذَلِك الْمجْلس لزمهما الطَّلَاق وَفِي المَال قَولَانِ
أَحدهمَا أَن الْألف على قدر مُهُور مثلهمَا وَالْآخر على كل وَاحِدَة مهر مثلهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَن بَاعَ عبدا وشقصا من دَار بِثمن وَاحِد أَن الشَّفِيع يَأْخُذ النَّصِيب من الدَّار بِحِصَّتِهِ من الثّمن
وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَنه كَانَ يَقُول يَأْخُذ الشَّفِيع العَبْد والنصيب بِالثّمن ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا يَأْخُذ إِلَّا النَّصِيب بِالْحِصَّةِ(3/104)
1181 - فِي موت العَبْد فِي الْإِقَالَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى عبدا بِأَلف وتقاضيا وتقايلا ثمَّ مَاتَ العَبْد فِي يَد المُشْتَرِي بطلت الْإِقَالَة وَلَو كَانَ هَذَا سلما أَو بيع عبد بِجَارِيَة ثمَّ مَاتَ أَحدهمَا بعد الْإِقَالَة لم تبطل وَعَلِيهِ قيمَة الْمَيِّت
وَقَالَ مَالك لَو اشْترى طَعَاما إِلَى أجل بِثَوْب فَقبض الطَّعَام ثمَّ تَقَايلا الطَّعَام مِنْهُ حَتَّى يردهُ وتنفسخ الْإِقَالَة وَلَو أسلم ثوبا فِي طَعَام ثمَّ تَقَايلا جَازَت الْإِقَالَة إِذْ رد الثَّوْب عِنْد الْإِقَالَة وَلم يُؤَخر دَفعه فَإِن هلك الثَّوْب قبل أَن يَدْفَعهُ إِلَيْهِ بطلت الْإِقَالَة وهما على سلفهما لِأَنَّهُ لَا يصلح أَن يقيله إِلَّا أَن ينْتَقد
قَالَ وكل شَيْء ابتعته مِمَّا يُؤْكَل أَو يشرب أَو لايؤكل ولايشرب إِذا كَانَ يُوزن ويكال فأتلفته فاستقالك صَاحبه بَعْدَمَا أتلفته فالإقالة جَائِزَة وَعَلَيْك مثله إِذا أتلفته بعد الْعلم بِالْهَلَاكِ
وَقَالَ من أسلف دآبة أَو عرضا فِي طَعَام إِلَى أجل جَازَت الْإِقَالَة فِيهِ سَوَاء كَانَت الدَّابَّة قَائِمَة بِعَينهَا أَو فَائِتَة وَعَلِيهِ قيمتهَا إِن كَانَت مستهلكة
1182 - فِي البيع بِرَأْس المَال
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا ولى رجلا شَيْئا مِمَّا يقوم عَلَيْهِ وَلَا يعلم المُشْتَرِي بِمَا يقوم عَلَيْهِ فَالْبيع فَاسد
وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه إِن أعْتقهُ قبل أَن يعلم فَعَلَيهِ الْقيمَة وَلَو أعتق بعد الْعلم فَعَلَيهِ الثّمن
وَقَالَ الْحسن عَن زفر وَهُوَ بَاطِل قَالَ وَقَالَ ابو يُوسُف هُوَ مَوْقُوف فَإِذا علم المُشْتَرِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ وَإِن شَاءَ ترك وَللْبَائِع أَن يفْسخ مَا لم يسْتَوْجب(3/105)
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ البيع فَاسد
قَالَ أَبُو جَعْفَر الثّمن مَجْهُول عِنْد المُشْتَرِي فَلَا يجوز البيع
فَإِن قيل لم لَا يجوز إِذا كَانَ مَعْلُوما فِي الْحَقِيقَة كَشِرَاء مَا لم يره
قَالَ أَبُو بكر لِأَن نفس الثّمن مَجْهُول عَنهُ وَأما الْمَبِيع فمعلوم انه عبد اَوْ ثوب اَوْ نَحوه وَإِنَّمَا جهل الصّفة وجهالة صفة الْأَعْيَان لَا تُؤثر فِي العقد
1183 - فِي الْخِيَار فِي التَّوْلِيَة
قَالَ ابو حنيفَة يحط فِي التَّوْلِيَة وَلَا يحط فِي الْمُرَابَحَة وَله الْخِيَار
وَقَالَ مُحَمَّد لَا يحط فيهمَا وَله الْخِيَار وَهُوَ قَول زفر
وَقَالَ ابو يُوسُف وَعبيد الله بن الْحسن يحط فيهمَا وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى
وَقَالَ عُثْمَان البتي وَالْحسن بن حَيّ فِي الْمُرَابَحَة لَهُ الْخِيَار وَهُوَ قَول مَالك وَلَا يحط شَيْء
قَالَ مَالك فَإِن دَخلهَا عيب عِنْد المُشْتَرِي فَالْبيع فَاسد وَلَا يردهَا وَيرد الْقيمَة
وَقَالَ الشَّافِعِي يحط فِي الْمُرَابَحَة
1184 - فِيمَا يلْحق العقد وَيُبَاع مُرَابحَة عَلَيْهِ
قل أَصْحَابنَا إِذا اشْترى مَتَاعا فَلهُ أَن يحمل عَلَيْهِ مَا أنْفق فِي القصارة والخياطة والكراء وَيلْحق بالرقيق الطَّعَام وَالنَّفقَة وَكَذَلِكَ أُجْرَة السمسار وَيَقُول فِي جَمِيع ذَلِك قَامَ على بِكَذَا(3/106)
وَقَالَ مَالك لَا يحْتَسب فِيهِ اجرة السمسار وَلَا النَّفَقَة وَكَذَا فِي أصل الثّمن وَكَذَلِكَ القصارة والخياطة والصبغ وتحسب نَفَقَة الرَّقِيق فِي رَأس المَال وَلَا يَجْعَل النَّفَقَة ربحا
1185 - فِي المشتريين يقسمان الْمَتَاع
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري إِذا اشْترى رجلَانِ عدل بر بِأَلف دِرْهَم ثمَّ اقتسماه فَلَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا أَن يَبِيع نصِيبه مُرَابحَة وَلَو كَانَ طَعَاما بَاعَ
وَقَالَ مَالك إِن بَين بَاعَ مُرَابحَة وَإِن لم يبين لم يَبِعْهُ
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي أَن لَا يَبِيع نصِيبه من الثِّيَاب مُرَابحَة
1186 - فِيمَن ربح فِي سلْعَة ثمَّ اشْتَرَاهَا
قَالَ أَبُو حنيفَة يطْرَح الرِّبْح من الثّمن الثَّانِي
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَالْحسن بن حَيّ يَبِيعهَا مُرَابحَة على الثّمن الثَّانِي
1187 - فِي الزِّيَادَة فِي الْمَبِيع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ولدت الْجَارِيَة الْمُشْتَرَاة أَو أثمر النّخل بَاعَ الأَصْل مَعَ الزِّيَادَة مُرَابحَة فَإِن اسْتهْلك المُشْتَرِي الزِّيَادَة لم يبع شَيْئا من ذَلِك مُرَابحَة وَإِن هلك ذَلِك من غير فعله بَاعه مُرَابحَة وَلَا يبين
وَقَالَ مَالك إِذا ولدت الْغنم لم يبعها مُرَابحَة مَعَ الْوَلَد حَتَّى يبين وَفِي اللَّبن(3/107)
إِذا كَانَ شَيْئا قَرِيبا بَاعه مُرَابحَة وَلَا يبين وَإِن تقادم لم يبع حَتَّى يبين وَفِي الصُّوف إِذا أَخذه لَا يَبِيع الْغنم مُرَابحَة حَتَّى يبين
1188 - فِيمَن يَشْتَرِي سلْعَة مِمَّن لَا تجوز لَهُ شَهَادَته
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَبِيعهَا مُرَابحَة حَتَّى يبين
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يَبِيعهَا مُرَابحَة إِلَّا أَن يَشْتَرِيهَا من عَبده اَوْ مكَاتبه
وَقَالَ مَالك يَبِيع المُشْتَرِي من عَبده أَو مكَاتبه أَيْضا مُرَابحَة وَلَا يبين لِأَن مَالِكًا يَقُول إِن الْمولى إِذا أدان الْمَأْذُون حآص بِدِينِهِ الْغُرَمَاء قَالَ ابْن الْقَاسِم فَجعله كَالْأَجْنَبِيِّ
1189 - فِيمَن أعْطى بِالثّمن صنفا غَيره
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى عبدا بِأَلف دِرْهَم ثمَّ بَاعه بِالثّمن عرُوضا أَو أعطَاهُ بِهِ ذَهَبا فَهَلَك فَإِنَّهُ يَبِيعهُ مُرَابحَة بِأَلف دِرْهَم وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وَقَالَ مَالك لَا يَبِيعهُ مُرَابحَة حَتَّى يبين مَا نقد وَكَذَلِكَ لَو اشْتَرَاهُ بدين لَهُ على الرجل لم يَبِعْهُ مُرَابحَة حَتَّى يبين وَهُوَ قَول اللَّيْث
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَو وجد المُشْتَرِي عَيْبا رده وَرجع بِالثّمن الَّذِي كَانَ فِي العقد دون مَا نقد كَذَلِك فِي الْمُرَابَحَة وَأَيْضًا لَو لم ينْقد بَائِعهَا بِالثّمن الَّذِي وَقع(3/108)
1190 - فِي الْحَط عَن المُشْتَرِي
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا بَاعَ مَا اشْترى مُرَابحَة ثمَّ حط البَائِع الأول عَن المُشْتَرِي الأول بعض الثّمن فَإِنَّهُ يحط عِنْد الثَّانِي ذَلِك الْقدر وحصته من الرِّبْح وَلَو حط الثّمن كُله لم يحط عِنْد الثَّانِي شَيْء
وَقَالَ مَالك إِن حط المُشْتَرِي الأول عَن الثَّانِي ماحط عَنهُ البَائِع وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي الثَّانِي الْخِيَار إِن شَاءَ أَخذهَا بِجَمِيعِ الثّمن وَإِن شَاءَ رد قَالَ وَلَو شرك فِيهَا رجلا ثمَّ حط البَائِع عَن المُشْتَرِي فَإِنَّهُ يحط عَن الشَّرِيك نصفه أحب المُشْتَرِي أَو كره فرق بيع الشّركَة وَالْبيع
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَإِنَّمَا يحط عَن الشَّرِيك إِذا حط البَائِع عَن صَاحبه مَا يشبه أَن يكون أَرَادَ بِهِ وضيعة من رَأس المَال فَإِن هَذَا هبة أَو صَدَقَة فَلَا يحط عَن الشَّرِيك وَكَذَلِكَ فِي بيع الْمُرَابَحَة وَالتَّوْلِيَة
1191 - فِي الشِّرَاء برقمه
قَالَ اصحابنا إِذا اشْترى مَتَاعا ورقمه بِأَكْثَرَ من ثمنه فَإِنَّهُ جَائِز أَن يَبِيعهُ مُرَابحَة على رقمه وَلَا يَقُول اشْتَرَيْته بذلك وَلَا قَامَ عَليّ بذلك
وَكره مَالك ذَلِك وَخَافَ أَن يكون من وَجه الخديعة والغش
وَقَالَ اللَّيْث لَا بَأْس بِهِ إِذا قَالَ لَيْسَ أبيعكم مُرَابحَة إِنَّمَا أبيعكم مساومة
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا أَنه لَا يجوز أَن يَقُول كم تزيدني على كَذَا حَتَّى أبيعك كَذَا جَائِز أَن يَقُول كم تربحني على كَذَا حَتَّى ابيعك(3/109)
1192 - فِيمَن ابْتَاعَ بنسيئة
قَالَ اصحابنا وَالثَّوْري لَا يَبِيع مُرَابحَة حَتَّى يبين فَإِن بَاعه مُرَابحَة فَلم يبين كَانَ للْمُشْتَرِي أَن يردهُ أَو يرضى بِالثّمن حَالا وَإِن كَانَ قد اسْتَهْلكهُ لزمَه الثّمن حَالا
وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد أَنه يضمن قِيمَته إِذا اسْتَهْلكهُ وَيرجع بِالثّمن وَهُوَ قَول مَالك وَاللَّيْث
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا لم يبين فَلِلْمُشْتَرِي الثَّانِي مثل الْأَجَل الَّذِي اشْتَرَاهُ إِلَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَيْسَ الْأَجَل من نفس البيع وَإِنَّمَا هُوَ شَرط مُلْحق بِهِ فَلَا يثبت الثَّانِي إِلَّا بِالشّرطِ وَأما ضَمَان الْقيمَة فَلَا يجوز كَمَا لَو وجد بِهِ عَيْبا وَقد هلك لم يفْسخ البيع على الْقيمَة
1193 - فِي الزِّيَادَة فِي البيع
قَالَ أَصْحَابنَا تجوز الزِّيَادَة فِي البيع من البَائِع وَمن المُشْتَرِي وَيجوز الْحَط من الثّمن سَوَاء قبض أَو لم يقبض
وَقَالَ ابو حنيفَة إِن كَانَت الزِّيَادَة فَاسِدَة لحقت بِالْعقدِ وافسدته وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا تلْحق العقد وَلم يَصح
وَقَالَ الْحسن عَن زفر لَا تجوز الزِّيَادَة فِي البيع وَتَكون هبة إِن قبضهَا جَازَت وَإِلَّا لم تجز وَكَذَلِكَ الْحَط من الثّمن وَهُوَ هبة فَيصح قبل الْقَبْض بِالثّمن وَلَا يَصح بعد قبض الثّمن إِلَّا أَن يُسلمهُ إِلَى البَائِع فَتكون هبة
وروى مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ إِنَّه إِذا راد المُشْتَرِي البَائِع فِي الثّمن فَالزِّيَادَة جَائِزَة وَإِذا أَرَادَ البَائِع المُشْتَرِي فِي البيع فَالزِّيَادَة بَاطِلَة
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا أسلف فِي ثوب كَذَا وَكَذَا أَو قَالَ أُعْطِيك أَجود مِنْهُ ورديء فَهُوَ مَكْرُوه(3/110)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا اشْترى مائَة شَاة بِمِائَة دِينَار على أَن يزِيد شَاة على رؤيتها قَالَ لَا أرى بذلك بَأْسا يدأ بيد وَكره أَن يكون هَذَا الشَّرْط فِي النَّسِيئَة
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي أَن لَا تجوز الزِّيَادَة فِي البيع من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه ألحقها بِعقد قد حصل عَنهُ افْتِرَاق فَيصير بِمَنْزِلَة قبُول العقد بعد الإفتراق
وَالْآخر أَن الشَّيْء فِي ملك المُشْتَرِي فَكيف يَصح أَن يُعْطي لَهُ بَدَلا وَذَلِكَ أكل بِالْبَاطِلِ
وَكره أَصْحَابنَا الْقيَاس فِيهِ للآثار مثل حَدِيث ابْن مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن سَالم بن أبي الْجَعْد عَن جَابر بن عبد الله قَالَ قضاني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمن جمل ابتاعه مني وَزَادَنِي قيراطا قلت هَذَا قِيرَاط زادنيه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تُفَارِقنِي حَتَّى أَمُوت فَجَعَلته فِي كيسي فَلم يزل عِنْدِي حَتَّى جَاءَ أهل الشَّام الْحرَّة فَأَخَذُوهُ فِيمَا أخذُوا وَكَانَ ذَلِك زِيَادَة فِي ثمن الْبَعِير
وَفِي حَدِيث عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف الْقرشِي الَّتِي اشْتَرَاهَا ثمَّ زَاده بعد الِافْتِرَاق سِتَّة آلَاف وَقبلهَا عُثْمَان
وَحَدِيث الْأَجْلَح الْكِنْدِيّ عَن عبد الله بن أبي الْهُذيْل قَالَ رَأَيْت عمار بن يَاسر وَهُوَ أَمِير خرج من الْقصر فَاشْترى قتا بدرهم واستزاد صَاحب(3/111)
القت حبلا فنازعه حَتَّى أَخذ هَذَا نصفه وَهَذَا نصفه ثمَّ احتمله على عَاتِقه حَتَّى أدخلهُ الْقصر
وَمَعْلُوم أَنه لَا يكون هبة لِأَنَّهُ كَانَ أَمِيرا لَا يجوز لَهُ قبُول الْهَدِيَّة
1194 - فِي النّظر إِلَى الْجَارِيَة عِنْد الشِّرَاء
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز أَن يمس سَاقهَا وذراعها وَينظر إِلَى صدرها مكشوفا قَالَ قَالَ مُحَمَّد أكرهه للشاب
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بِأَن ينظر إِلَى كفيها وَلَا ينظر إِلَى معصميها وساقيها وَلَا يمد يَده على عضدها وساقها
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا أَرَادَ أَن يَشْتَرِيهَا فَلهُ أَن ينظر إِلَى كل شَيْء مِنْهَا إِلَّا الْفرج
وَقَالَ اللَّيْث فِي الرجل يَشْتَرِي من سبي الْمَجُوس الْغُلَام المحتلم فيجرده وَينظر من ذكره وَمن أنثييه أَنه لابأس بذلك ينظر الرجل إِلَى الرجل فِي هَذَا وَالْمَرْأَة إِلَى الْمَرْأَة فِي هَذَا
روى أبي تَمِيمَة الهُجَيْمِي عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنه خطب فَقَالَ لاأعرفن أحدا أَرَادَ أَن يَشْتَرِي أمة فَنظر إِلَى مَا فَوق الرّكْبَة دون السُّرَّة لايفعله أحد إِلَّا عاقبته
وَابْن عمر كشف سَاق جَارِيَة وَوضع يَده على صدرها وهم يقلبونها(3/112)
للشراء وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ ساوم بِجَارِيَة قد بلغت فَوضع يَده على صدرها وَأخذ بعضدها
وَقَالَ الشّعبِيّ إِذا أَرَادَ أَن يبتاعها نظر إِلَى كلهَا إِلَّا الْفرج
1195 - فِي شِرَاء السّلْعَة بِأَقَلّ مِمَّا بَاعَ
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري فِيمَن اشْترى جَارِيَة بِأَلف دِرْهَم فقبضها ثمَّ بَاعهَا من البَائِع بِأَقَلّ من الْألف نقد الثّمن أَن البيع الثَّانِي بَاطِل
قَالَ أَبُو جَعْفَر وحَدثني أَبُو حَامِد اللؤْلُؤِي أَحْمد بن الْحسن النَّيْسَابُورِي قَالَ حَدثنَا حَامِد الْبَلْخِي قَالَ كنت عِنْد سُفْيَان بن عُيَيْنَة فَأَتَاهُ رجل فَقَالَ إِنِّي بِعْت مَتَاعا إِلَى الْمَوْسِم وَأَنا أُرِيد أَن أخرج فَقَالَ سُفْيَان قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا بِعْت بِدَرَاهِم فَخذ دَنَانِير وَإِذا بِعْت بِدَنَانِير فَخذ دَرَاهِم
وَحكى ابْن أبي عمرَان أَن قَول زفر مثل مَا حكى عَن سُفْيَان عَن أبي حنيفَة وَالْمَشْهُور عَن أبي حنيفَة أَنه لايبيعه مِنْهُ بِدَنَانِير أقل من قيمَة الدَّرَاهِم
وَقَالَ مَالك فِيمَن اشْترى سلْعَة بِعشْرَة دَنَانِير إِلَى شهر ثمَّ بَاعهَا من صَاحبهَا بِعشْرين دِينَارا إِلَى شهر إِن هَذَا لايصلح وَهُوَ مِمَّا نهى عَنهُ أهل الْعلم ويرون أَنه رَبًّا
وَقَالَ مَالك فِيمَن اشْترى سلْعَة أَنه لابأس بِبَيْعِهَا مِنْهُ أَو من غَيره قبل الْقَبْض بِأَقَلّ من ذَلِك أَو بِأَكْثَرَ إِلَّا أَن يكون صَاحبهَا من أهل الْعينَة وَقد نَقده(3/113)
الثّمن فَلَا خير فِيهِ إِلَّا أَن يكون طَعَاما أَو شرابًا كَيْلا أَو وزنا فَلَا يَبِيعهُ من أحد حَتَّى يقبضهُ ويكيله أَو يزنه
وَلَو بَاعَ من رجل سلْعَة بِعشْرين درهما إِلَى شهر ثمَّ ابتاعها مِنْهُ بِعشْرَة دَنَانِير نَقْدا أَو إِلَى أجل دون أجل فَإِن ذَلِك لايصلح
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك من بَاعَ جَارِيَة بِمِائَة دِينَار إِلَى أجل لم يجز أَن يَشْتَرِيهَا بِأَكْثَرَ من ذَلِك الثّمن إِلَى أبعد من ذَلِك الْأَجَل وَلَا يجوز أَن يَبِيع جَارِيَة بِعشْرين دِينَارا إِلَى سنة ثمَّ يبتاعها بِعشْرَة دَنَانِير نَقْدا إِلَى سِتَّة أشهروهذا الرِّبَا بِعَيْنِه
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي رجل باعا خَادِمًا إِلَى سنة ثمَّ جَاءَ الْأَجَل أَنه يَأْخُذهُ مِنْهُ بِقِيمَتِه يَوْم يقبضهُ وَلَا يشترية بِدُونِ ذَلِك الثّمن قبل مَحل الْأَجَل إِلَّا بِالثّمن أَو أَكثر
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِيمَن بَاعَ بيعا بنسيئة لم يجز للْبَائِع أَن يَشْتَرِيهِ بِعرْض قبل قبض الثّمن إِلَّا بِعرْض تكون قِيمَته الثّمن أَو أَكثر وَلَا يَشْتَرِيهِ بِعرْض تكون قِيمَته أقل من الثّمن حَتَّى يَسْتَوْفِي الثّمن كُله وَذَلِكَ بعد مَا يقبض المُشْتَرِي السّلْعَة فَإِن نقصت السّلْعَة فِي يَد المُشْتَرِي فَلَا بَأْس بِأَن يَشْتَرِيهَا البَائِع بِأَقَلّ من ذَلِك الثّمن سَوَاء كَانَ الْعَيْب قَلِيلا أَو كثيرا
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا كَانَ لَا يُرِيد المخادعة والمدالسة فَلَا بَأْس بِأَن يَشْتَرِيهِ بِدُونِ ذَلِك الثّمن أَو بِأَكْثَرَ قبل مَحل الْأَجَل وَبعده
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز أَن يَشْتَرِيهِ بِأَقَلّ من الثّمن الأول وبأكثر
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا يُونُس قَالَ حَدثنَا ابْن وهب قَالَ حَدثنِي جرير بن حَازِم عَن أبي إِسْحَاق الْهَمدَانِي عَن أم يُونُس عَن عَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت لَهَا أم محبَّة أم ولد لزيد بن أَرقم الْأنْصَارِيّ يَا أم الْمُؤمنِينَ أتعرفين زيد بن أَرقم قَالَت نعم قَالَت فَإِنِّي قد بِعته عبدا إِلَى الْعَطاء بثمانمائة فَاحْتَاجَ إِلَى(3/114)
ثمنه فاشتريته من قبل مَحل الْأَجَل بستمائة فَقَالَت بئْسَمَا شريت وبئسما اشْتريت أبلغي زيدا أَنه بَطل جهاده مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لم يتب قَالَت فَقلت أَرَأَيْت إِن تركت وَأخذت الستمائة فَقَالَت نعم {فَمن جَاءَهُ موعظة من ربه فَانْتهى فَلهُ مَا سلف}
وروى زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن أبي إِسْحَاق عَن امْرَأَته أم يُونُس أَنَّهَا دخلت على عَائِشَة وَذكر مثله سَوَاء
وروى ابْن الْمُبَارك قَالَ أخبرنَا يُونُس بن أبي إِسْحَاق قَالَ حدثتنى ام الْعَالِيَة قَالَت أَتَيْنَا عَائِشَة ثمَّ ذكر مثله سَوَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يجوز أَن تكون عَائِشَة قَالَت ذَلِك إِلَّا توقيفا لِأَن مَا كَانَ طَريقَة الاستنباط فَلَيْسَتْ هِيَ أولى بالْقَوْل بِهِ وَلَا يلْحق مخالفها فِيهِ الْوَعيد
قَالَ وَمعنى قَوْلهَا بئْسَمَا شريت وبئسما بِعْت لِأَنَّهَا باعت إِلَى الْعَطاء وَقَالَ الله تَعَالَى {يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة قل هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس وَالْحج} فأنكرت عَائِشَة التَّأْجِيل بِغَيْر الْأَهِلّة الْمَعْرُوفَة
قَالَ فَإِن قيل لم يروه غير هَذِه الْمَرْأَة وَلَا ذكرت فِي غير هَذَا الحَدِيث قيل لَهُ وَمَا يمْنَع من ذَلِك وَهِي امْرَأَة مَعْرُوفَة زَوجهَا إِمَام من أَئِمَّة الْمُسلمين أَبُو إِسْحَاق السبعي وَابْنهَا مِمَّن قد حمل عَنهُ الْعلم وَقبلت رِوَايَته
وروى عَن جمَاعَة من أهل الْعلم مِنْهُم أَبُو بردة بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَالشعْبِيّ وَأَبْنَاء ابْنهَا أَحدهمَا إِسْرَائِيل بن يُونُس وَالرِّوَايَة عَن جده وَعَمن(3/115)
سواهُ والأخر عِيسَى بن يُونُس وموضعه من الْجَلالَة مَوْضِعه وَهُوَ حجَّة فِي الرِّوَايَة وَقد كَانَ ابْن عُيَيْنَة من إجلاله إِيَّاه إِذا رَآهُ يَقُول مرْحَبًا بالفقيه
وَقد عمل بِمَا روى وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه
وَقد قبل مخالفنا مَا رَوَت حميدة بنت عبيد بن رِفَاعَة عَن جدَّتهَا كَبْشَة عَن أبي قَتَادَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من إِبَاحَة سُؤْر الْهِرَّة
وَقد قبلوا أَيْضا مَا روته فَاطِمَة بنت الْمُنْذر عَن جدَّتهَا أَسمَاء نحرنا فرسا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأكلناه وَهِي غير مَشْهُورَة بِالْعلمِ
وَكَذَلِكَ يجوز قبُول رِوَايَة الْعَالِيَة امْرَأَة أبي إِسْحَاق وَهِي الْعَالِيَة بنت أَيفع وَقد روى زَوجهَا عَنْهَا أَشْيَاء ذَلِك كلهَا مُسْتَقِيمَة
1196 - فِي شِرَاء الْحِنْطَة بدين عَلَيْهِ
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن كَانَ لَهُ على آخر دين فَاشْترى بِهِ حِنْطَة بِعَينهَا مكايلة ثمَّ فَارقه قبل أَن يكتاله ويقبضه أَن البيع صَحِيح لَا يُبطلهُ ترك الْقَبْض والكيل فِي الْمجْلس
وَذكر ابْن الْقَاسِم عَن مَالك قَالَ أكره أَن يَشْتَرِي الرجل الطَّعَام كَيْلا بدين إِلَى أجل وَالطَّعَام بِعَيْنِه ثمَّ يُؤَخر كيل الطَّعَام إِلَى الْأَجَل الْبعيد ثمَّ ابتاعها بِالدّينِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر مأخوذا عَلَيْهِ شرطا فِي صِحَة العقد لوَجَبَ أَن يكون افتراقهما مُبْطلًا للْعقد قبل أَن يُكَال وَأَن لايختلف فِيهِ حكم الْوَقْت ويعيده كالصرف(3/116)
1197 - فِي بيع الثَّمَرَة فِي رؤؤس النّخل
قَالَ أَصْحَابنَا لابأس بِأَن يَشْتَرِي الثَّمَرَة فِي رؤؤس النّخل من غير شَرط التّرْك وَكَذَلِكَ الكفرى وَيُؤْخَذ بِقِطْعَة فَإِن شَرط تَركهَا بَطل العقد
وَقَالَ مُحَمَّد إِذا كَانَ قد بَاعَ بعضه أَو احمر أَو اصفر فَلَا بَأْس بِأَن يشْتَرط التّرْك حَتَّى يبلغ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لاخير فِي بيع شَيْء من الثَّمر قبل أَن يبلغ من ثمار النّخل من القصيل
وَسُئِلَ عُثْمَان البتي عَن الرجل يَشْتَرِي الثَّمَرَة قبل أَن تزهو قَالَ لَوْلَا مَا قَالَ النَّاس فِيهِ مَا رَأَيْت بِهِ بَأْسا
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك فِيمَن يَشْتَرِي الْحَائِط فِيهِ النّخل وَالرُّمَّان وَغَيرهمَا من الْفَاكِهَة فيطيب بعضه قبل بعض وَيُرِيد بيع مَا فِي حَائِطه كُله قَالَ لاأرى أَن يَبِيع ذَلِك إِلَّا الصِّنْف الَّذِي طَابَ قَالَ وَبيع الثِّمَار قبل أَن يبدوا صَلَاحهَا من الْغرَر
وَذكر عبد الله بن الحكم عَن مَالك قَالَ لَا بَأْس أَن يَشْتَرِي الْفَوَاكِه والحبوب قبل أَن يَبْدُو صَلَاحهَا على أَن يجده مَكَانَهُ
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا يُبَاع شَيْء من الثِّمَار حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا وَإِن شَرط قطعه جَازَ
قَالَ اللَّيْث أَن أول شَيْء يطيب من الْفَوَاكِه التفاح فَإِذا كَانَ الْجنان فِيهَا التفاح وَغَيره من الْفَوَاكِه وَالْخضر وطاب التفاح واصلح أكله جَازَ بيع الْجنان كُله وَإِن لم تطب سَائِر الفواكة لَا يُبَاع ثَمَر النّخل حَتَّى تزهو وتطيب(3/117)
وَقَالَ إِذا بيع البلح وَشرط قطعه جَازَ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا بدا صَلَاحه وتناهى عظمه جَازَ بَيْعه على شَرط التّرْك حَتَّى يتلاحق
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى مَالك عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس بن مَالك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع الثِّمَار حَتَّى تزهى فَقيل لَهُ يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا تزهى
قَالَ تحمر وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَأَيْت إِن منع الله الثَّمَرَة فَبِمَ يَأْخُذ أحدكُم مَال أَخِيه
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَا دلاله فِي ذَلِك على أَنه من كَلَام أنس لِأَنَّهُ جَائِز أَن يكون قَوْله تحمر أَو تصفر من كَلَامه
وَقَوله أَرَأَيْت إِن منع الله الثَّمَرَة من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ بَعضهم إِن نَهْيه البَائِع عَن بيع الثَّمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا لَيْسَ على تَحْرِيم بيعهَا وَإِنَّمَا كَانَ على وَجه المشورة عَلَيْهِم بذلك لما روى زيد بن ثَابت أَنهم كَانُوا يتبايعون الثِّمَار ثمَّ يَقُول الْمُبْتَاع بعْدهَا جد النَّاس أَصَابَهُ مراق أَو قشام عاهات يحتجون بهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما كثرت الْخُصُومَة فَأَما فَلَا تتبايعوا حَتَّى يَبْدُو صَلَاح الثَّمَرَة كالمشورة يشيرها عَلَيْهِم(3/118)
1198 - فِيمَن ابْتَاعَ ثَمَرَة على أَن يقطعهَا ثمَّ تَركهَا حَتَّى تَنْتَهِي
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى طلع نخل أَو بسر كَانَ جَائِزا وَعَلِيهِ أَن يقطعهُ فَإِن تَركه بِغَيْر إِذن صَاحبه حَتَّى يبلغ تصدق بِالْفَضْلِ وَكَذَلِكَ القصيل والرطبة وَنَحْوهَا
وَذكر بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف فِي القصيل والقصب من الرّطبَة أَنه رَجَعَ عَن ذَلِك فَقَالَ هُوَ لصَاحب الأَرْض
وَقَالَ مَالك إِذا اشْترى ثَمَرَة قبل أَن يَبْدُو صَلَاحهَا على أَن يجدهَا فَالْبيع جَائِز إِذا لم يكن فِي البيع شَرط أَنه يتْركهُ حَتَّى يَبْدُو صَلَاحه فَإِن تَركه حَتَّى يَبْدُو صَلَاحه ثمَّ جده فعلية قيمتة يَوْم جدة وان كَانَ رطبا وان تَرِكَة حَتَّى صَار ثمرا ثمَّ جدة فعلية مكيلة ثَمَرَة الَّذِي جدة
وَقَالَ عُثْمَان البتي فِي الرجل يَبِيع النّخل بَعْدَمَا أزهى وَلَا يشْتَرط فِيهَا البَائِع وَلَا المُشْتَرِي جَمِيعًا قَالَ ان شَاءَ المُشْتَرِي أَن يكلفة قطعهَا من يَوْم اشْتَرَاهَا كلفة وان شَاءَ تَركهَا حَتَّى تدْرك وهما شريكان فِي الثَّمَرَة بِقِيمَة الثَّمَرَة يَوْم بَاعَ الأَرْض وَالْبَائِع بِقِيمَة الثَّمَرَة يَوْم بَاعَ الأَرْض وَالْمُشْتَرِي بِقِيمَة الثَّمَرَة الى يَوْم صلحت الثَّمَرَة
وَقَالَ اللَّيْث فِي الرجل يَشْتَرِي النّخل ليقطعها ثمَّ يُثمر قبل أَن يقطعهَا أَن الثَّمَرَة للَّذي بَاعَ النّخل وان اشْترى بلحا ليأكلة فَلَا يأكلة حَتَّى تزهى آخِرَة وانة اذا زهى فَلَيْسَ لَة منَّة شَيْء يحاسبة مِقْدَار مَا أكل وَيرد علية من الثّمن مَا لم يَأْكُل(3/119)
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَن بَاعَ بُلُوغ الجزاز وتركة المُشْتَرِي حَتَّى زَاد فَإِن البَائِع بِالْخِيَارِ فِي أَن يدع لَة الْفضل الَّذِي لَة بِلَا ثمن أَو ينْقض البيع كَمَا لَو باعة حِنْطَة فا نثالت عَلَيْهَا حِنْطَة فلة الْخِيَار قي أَن يسلم لَة الزِّيَادَة أَو يفْسخ باختلاط مَا بَاعَ بِمَا لم يبع
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن تكون الزِّيَادَة الْحَادِثَة ملكا لصَاحب النّخل كَوَلَد الْجَارِيَة فَيفْسد البيع لاختلاط الْمَبِيع بِالزِّيَادَةِ مَعَ جَهَالَة مقدارها وان كَانَ مِقْدَارًا مَعْلُوما فهما شريكان وَذَلِكَ إِذا كَانَت الزِّيَادَة حَادِثَة فِي يَد البَائِع وان كَانَ حدوثها فِي يَد المُشْتَرِي لم يبطل البيع وهما شريكان وَيكون القَوْل قَول البَائِع فِي الثَّمَرَة لِأَنَّهَا من كلة وَفِي القصيل القَوْل قَول المُشْتَرِي لِأَن الزِّيَادَة حَادِثَة فِي قصيل المُشْتَرِي لَا البَائِع
1199 - فِي الْعَرَايَا
ابْن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة الْعرية هِيَ النَّخْلَة يهب صَاحبهَا ثَمَرَتهَا لرجل وَيَأْذَن لَة فِي أَخذهَا فَلَا يفعل حَتَّى يَبْدُو لصَاحب النَّخْلَة أَن يمنعة من ذَلِك ويعوضة مِنْهَا خرصها ثمَّ أَبَاحَ ذَلِك لَة وَرخّص لَة لِأَن المعرى لم يكن ملكة
وَقَالَ عِيسَى بن أبان الرُّخْصَة فِي ذَلِك للمعرى أَن يَأْخُذ ثمرا من رطب لم يملكة
وَقَالَ غيرَة الرُّخْصَة فية للمعرى لأنة كَانَ يكون يخلف الْوَعْد فَرخص لَة فِي ذَلِك وَأخرج من إخلاف الْوَعْد(3/120)
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك الْعرية أَن يعرى الرجل الرجل النَّخْلَة أوالنخلتين أَو أَكثر من ذَلِك سنة أَو سنتَيْن وَمَا عَاشَ فَإِذا كَانَ الثَّمر وطاب ذَلِك قَالَ صَاحب النّخل أَنا أكفيكم سقيها وضمانها وَلكم خرصها تَمرا عِنْد الْجذاذ فَكَانَ ذَلِك مَعْرُوفا منَّة كلة عِنْد الْجذاذ وَلَا أحب أَن يُجَاوز ذَلِك خَمْسَة أوسق
قَالَ وَتجوز الْعرية فِي كل مَا ييبس ويدخر نَحْو التِّين وَالزَّيْتُون وَلَا أرى لصَاحِبهَا الْعرية أَن يَبِيعهَا إِلَّا فِي الْحَائِط مِمَّن لَة ثَمَر بخرصه
وَذكر ابْن أبي عمرَان عَن مُحَمَّد بن شُجَاع عَن عبد اللة بن نَافِع عَن مَالك أَن الْعرية هِيَ النَّخْلَة والنخلتان للرجل فِي حَائِط لغيرة وَالْعَادَة فِي الْمَدِينَة أَنهم يخرجُون بأهلهم فِي وَقت الثِّمَار إِلَى حائطهم فيكرة صَاحب النّخل الْكثير دُخُول الآخر علية فَيَقُول أَنا أُعْطِيك خرص النَّخْلَة تَمرا فَرخص لَهما فِي ذَلِك
قَالَ مَالك فِيمَا ذكرة ابْن الْقَاسِم وَلَا يجوز بيع الْعرية لخرصها حَتَّى يحل بيعهَا وَلَا يجوز بَعْدَمَا حل بيعهَا أَن يَبِيعهَا بِخرْصِهَا ثمرا إِلَّا فِي الْجذاذ وَإِمَّا أَن يعجلة فَلَا وَأما بِالطَّعَامِ فَلَا يصلح أَيْضا أَن يجذ مَا فِي رؤوسها مكانة وَلَا يصلح أَن يَشْتَرِيهَا بِطَعَام إِلَى أجل وَلَا بِثمن نَقْدا وَيجوز أَن يَشْتَرِيهَا من الَّذِي أعراها بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير قبل أَن يحل بيعهَا إِلَّا أَن يشترية ليقطعة مكانة فَأَما على أَن يتركة فَلَا يجوز
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ الْعَرَايَا هِيَ أهل الْبَيْت الْمَسَاكِين يمنحون النخلات فترطب فِي الْيَوْم القفيز والقفيزان وَلَا يكون فِيهَا مَا يشبعهم فَرخص لَهُم أَن يبيعوا نَخْلهمْ بأوساق من تمر(3/121)
قَالَ وَسَأَلت الْأَوْزَاعِيّ عَن الْعرية والواطية والأكلة
قَالَ الْعرية النَّخْلَة يمنحها الرجل والواطية مَا يطَأ النَّاس والأكلة مَا يُؤْكَل منَّة
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْعرية إِنَّمَا تكون فِي خَمْسَة أوسق وأفسخة فِي أَكثر وَهِي أَن يَبِيع ذَلِك بِخرْصِهَا تَمرا وَيقبض النَّخْلَة بتمرها قبل أَن يَتَفَرَّقَا فَإِن تفَرقا قبل ذَلِك فسد البيع وَبيع ذَلِك لكل من رخص لَة وَإِن أَتَى على جَمِيع حائطة
وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة وَأحمد بن حَنْبَل الْعرية أَن يعرى الرجل الفقيز فللمعرى أَن يَبِيعهَا مِمَّن شَاءَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن يحيى بن سعيد عَن بشير بن يسَار عَن سهل بن أبي حثْمَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ إِلَّا إِنَّه رخص فِي الْعَرَايَا أَن تبَاع بِخرْصِهَا من الثَّمر يأكلها أَهلهَا رطبا
فَفِي هَذَا الحَدِيث إِبَاحَة بيعهَا مِمَّن كَانَ أعراها دون غَيره
وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب وَعبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى البَائِع والمبتاع عَن الْمُزَابَنَة قَالَ وَقَالَ زيد بن ثَابت رخص فِي الْعَرَايَا فِي النَّخْلَة والنخلتين توهبان للرجل فيتبيعها بخرصهما تَمرا(3/122)
فَأخْبر أَن العربة الْهِبَة وَمعنى خبر أَو بيعهَا مَحْمُول على بيعهَا من واهبها ليُوَافق حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة
وَاحْتج من قَالَ الْعَرَايَا لَيست الهبات بِمَا روى مَالك عَن دَاوُد بن الْحصين عَن مولى بن أبي أَحْمد يُقَال لَهُ أَبُو سُفْيَان بن جحش عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رخص فِي بيع الْعَرَايَا خَمْسَة أوسق أَو فِيمَا دون خَمْسَة أوسق شكّ دَاوُد
وروى مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان عَن وَاسع بن حبَان عَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رخص فِي الْعرية ثمَّ قَالَ الوسق والوسقين وَالثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة
قَالُوا فَفِي هذَيْن الْحَدِيثين ذكر الْمِقْدَار المرخص فِي بيعهَا من الْعَرَايَا وَهَذَا يدل على أَنَّهَا لَيست بِهِبَة غير مَقْبُوضَة لِأَنَّهَا لَا يعْتَبر فِيهَا الْمِقْدَار
قيل لَهُ يحْتَمل أَن يكون جَابر وَأَبُو هُرَيْرَة وَقفا على ترخيص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الْقدر فَذَكَرَاهُ وَلم يقفا على أَكثر مِنْهُ بِأَيِّهِمَا ذكر
فَإِن قيل روى أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا صَدَقَة فِي الْعرية وَهَذَا يدل على أَنَّهَا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق(3/123)
قيل لَهُ الْعرية نَفسهَا فَلَا تجب فِيهَا صَدَقَة قلت أَو كثرت
وَقد روى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث أَبَا حثْمَة خارصا فجَاء رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن أَبَا حثْمَة قد زَاد عَليّ فَدَعَا أَبَا حثْمَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن ابْن عمك يزْعم أَنَّك قد زِدْت عَلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُول الله لقد تركت لَهُ قدر عرية أَهله وَمَا يطعم الْمَسَاكِين وَمَا يُصِيب الرّيح فَقَالَ قد زادك ابْن عمك وأنصفك
وروى جرير بن حَازِم عَن قيس بن سعيد عَن مَكْحُول أَن النَّبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ خففوا فِي الْخرص فَإِن فِي المَال الْعرية وَالْوَصِيَّة
فقربها إِلَى الْوَصِيَّة الَّتِي هِيَ تمْلِيك بِغَيْر بدل
1200 - فِي زِيَادَة الْكَيْل فِي التَّوْلِيَة
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن اشْترى كرا مكايلة بِمِائَة دِرْهَم فاكتاله من البَائِع ثمَّ ولاه رجلا بِالثّمن فَلَيْسَ يَنْبَغِي للْمُشْتَرِي إِلَّا بكيل مُسْتَقْبل فَإِن كاله فَوَجَدَهُ يزِيد فقيزا على الْكر فَإِن كَانَ مِمَّا يكون بَين الكيلين فَهُوَ للْمُشْتَرِي الأول وَيلْزم الثَّانِي كرّ مِنْهُ بِالثّمن كُله وَإِن كَانَ مِمَّا يزِيد بَين الكيلين فَهَذَا خطأ فِي الْكَيْل يرد على البَائِع الأول وَإِن نقص مِمَّا يكون بَين الكيلين كَانَ للثَّانِي بِحِصَّتِهِ إِن شَاءَ
وَقَالَ مَالك للْمولى نقصانه وزيادته إِن كَانَ مِمَّا يكون بَين الكيلين وَإِن كَانَ أَكثر من نُقْصَان الْكَيْل وضع عَنهُ بِحِسَاب وَلم يكن على الَّذِي ولى ضَمَان بِمَا انْتقصَ وَإِن كَانَ زِيَادَة تعلم أَن زِيَادَته لَيست بِزِيَادَة الْكَيْل فَهُوَ للَّذي ولى وَقَالَ الَّذِي ولى كَانَ نُقْصَانا كثيرا رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ وَإِن كَانَ نُقْصَانا يَسِيرا فَإِنَّهُ إِنَّمَا هُوَ نُقْصَان بَين الكيلين لم أر عَلَيْهِ شَيْئا(3/124)
وَقَالَ الشَّافِعِي للَّذي ولى زِيَادَته وَعَلِيهِ نُقْصَان
1201 - فِي بيع الْعُلُوّ بعد سُقُوطه
قَالَ أَصْحَابنَا فِي رجل لَهُ سفل وَبَيت وَلآخر بَيت وَهُوَ علوه فوقعا فَبَاعَ صَاحب الْعُلُوّ بَينه الْعُلُوّ لم يجز وَإِنَّمَا يجوز البيع إِذا كَانَ مَبْنِيا لِأَنَّهُ بَاعه الْبَنَّا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا اشْترى علو بَيت على أَن يَبْنِي على حَائِطه أَو يسكن على سطحه فَهُوَ جَائِز إِذا سمى مُنْتَهى الْبُنيان لِأَنَّهُ لَيْسَ كالأرض فِي احْتِمَال مَا يبْنى عَلَيْهَا
قَالَ الْمُزنِيّ وَقَالَ فِي أدب القَاضِي لَا يجوز أَن يقسما دَارا على أَن يكون لأَحَدهمَا الْعُلُوّ وَللْآخر السّفل حَتَّى يكون السّفل والعلو لوَاحِد
1202 - فِي الِاخْتِلَاف فِي الْأَجَل فِي البيع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ البَائِع هُوَ حَال وَقَالَ المُشْتَرِي إِلَى شهر فَالْقَوْل قَول البَائِع مَعَ يَمِينه وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ البَائِع شهر وَقَالَ المُشْتَرِي شَهْرَان وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك إِذا اخْتلفَا فِي الْأَجَل وتصادقا فِي الثّمن تحَالفا وترادا إِن كَانَت السّلْعَة قَائِمَة وَإِن كَانَت فَائِتَة فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي مَعَ يَمِينه
وَقَالَ اللَّيْث إِذا كَانَت السّلْعَة قَائِمَة فَالْقَوْل قَول البَائِع والمبتاع بِالْخِيَارِ وَإِن كَانَت قد فَاتَت فَالْقَوْل قَول الْمُبْتَاع وَإِن كَانَت السّلْعَة تعرف لم ينظر إِلَى قَول وَاحِد مِنْهَا وَإِن كَانَ مثلهَا يَشْتَرِي بذلك الثّمن أَو بِأَقَلّ حملا على ذَلِك وَإِن كَانَت لم تعرف فَالْقَوْل قَول البَائِع(3/125)
وَذكر ابْن وهب عَن مَالك فِي كل مَا يُبَاع فِي السُّوق مثل اللَّحْم والفاكهة وَالْحِنْطَة وَنَحْوهَا فَالْمُشْتَرِي مبدأ بِالْيَمِينِ وَالْقَوْل قَوْله وَمَا كَانَ من الدَّوَابّ وَالْأَرضين وَالْعرُوض فالبائع مبدأ بِالْيَمِينِ وَيَأْخُذ ثمنه وَإِذا جازها المُشْتَرِي وفارقها فَالْقَوْل قَوْله
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن إِذا اخْتلفَا فِي الثّمن أوفى الْأَجَل وَالْمَبِيع قَائِم أَو مستهلك ترادا البيع وَغرم المُشْتَرِي الْقيمَة فِي الْمُسْتَهْلك
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أقرّ بِالْبيعِ وَادّعى أَحدهمَا الْخِيَار كَانَ القَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه كاختلافهما فِي الثّمن
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الْأَجَل شَرط مُلْحق بِالْبيعِ لَيْسَ من نفس البيع لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثمن وَلَا مَبِيع فَهُوَ كاختلافهما فِي شَرطه أَنه خباز أَو كَاتب أَن يَقُول قَول البَائِع بالِاتِّفَاقِ وَلَا يترادان كَذَلِك الْأَجَل
1203 - فِي الِاخْتِلَاف بعد هَلَاك السّلْعَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف إِذا هَلَكت السّلْعَة فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي فِي الثّمن وَلَا يتحالفا وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث
قَالَ مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ يَتَحَالَفَانِ وَيرد المُشْتَرِي الْقيمَة
وَحكى ابْن أبي عمرَان عَن زفر أَنه قَالَ إِذا اتفقَا أَن الثّمن كَانَ من جنس وَاحِد كَانَ القَوْل قَول المُشْتَرِي وَإِن اخْتلفَا فِي جنسه تخالفا وترادا قيمَة الْمَبِيع
وَلَا أعلمهُ إِلَّا أَخذه عَن ابْن شُجَاع عَن الْحسن بن زِيَاد عَن زفر
وَقَالَ مَالك القَوْل قَول المُشْتَرِي إِلَّا أَن يَأْتِي بِمَا لابسه من الثّمن(3/126)
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن فِي الْمولى إِذا قَالَ لعَبْدِهِ بِعْتُك نَفسك بِأَلف دِرْهَم وَقَالَ العَبْد نَفسِي بِخَمْسِمِائَة أَن القَوْل قَول العَبْد مَعَ يَمِينه
قَالَ وروى ابْن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف قَالَ قَالَ أَبُو حنيفَة الْقيَاس فِي الْمُتَبَايعين إِذا اخْتَلَفْنَا فَادّعى البَائِع ألفا وَخَمْسمِائة وَادّعى المُشْتَرِي ألف دِرْهَم أَن يكون القَوْل قَول المُشْتَرِي وَلَا يَتَحَالَفَانِ وَلَا يترادان لِأَنَّهُمَا قد أجتعا على ملك المُشْتَرِي السّلْعَة الْمَبِيعَة وَاخْتلفَا فِيمَا ملك البَائِع على المُشْتَرِي من الثّمن فهما كرجلين ادّعى أَحدهمَا على آخر ألفا وَخَمْسمِائة وَأقر هُوَ بِأَلف فَالْقَوْل قَوْله إِلَّا أَنا تركنَا الْقيَاس للأثر فِي حَال قيام السّلْعَة فَإِذا فَاتَت السّلْعَة عَاد الْقيَاس
1204 - فِي موت أحد الْمُتَبَايعين
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْمُتَبَايعين يَمُوت أَحدهمَا ثمَّ يخْتَلف الْحَيّ وورثة الْمَيِّت فَالْقَوْل فِي ثمنة قَوْله مَعَ يَمِينه وَإِن كَانَ فِي أَيدي وَرَثَة الْمَيِّت فَالْقَوْل فِي ثمنة قَوْلهم مَعَ أَيْمَانهم على علمهمْ قَالَ وَلَيْسَ هَذَا الْقيَاس هُوَ اسْتِحْسَان وَالْقِيَاس أَن يكون القَوْل قَول المُشْتَرِي فِي ذَلِك كُله وَلَكنَّا تركنَا الْقيَاس للأثر هَكَذَا حكى أَبُو جَعْفَر
قَالَ وَقَالَ مُحَمَّد يَتَحَالَفَانِ ويترادان وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
1205 - فِي دَعْوَى قبض الثّمن
قَالَ أَصْحَابنَا وَابْن شبْرمَة وَالشَّافِعِيّ إِذا اشْترى شَيْئا وقبضة ثمَّ ادّعى أَنه وَفِي الثّمن فَالْقَوْل قَول البَائِع مَعَ يَمِينه انه مَا قبض
وَقَالَ مَالك مَا كَانَ من الْبيُوع مِمَّا يبْتَاع على وَجه الانتقاد شبه الصّرْف مثل الْحِنْطَة وَالزَّبِيب والحم والفواكه وَالْخضر كلهَا مِمَّا يبْتَاع النَّاس فِي(3/127)
أسوقهم فَإِن ذَلِك مثل الصّرْف وَالْقَوْل فِيهِ قَول المُشْتَرِي إِنَّه قد دفع الثّمن وَعَلِيهِ الْيَمين وَمَا مَكَان من الدّور وَالْأَرضين وَالْبر والدقيق وَالدَّوَاب فَإِن القَوْل فِي ذَلِك قَول البَائِع وَإِن قبض الْمُبْتَاع لَا يُخرجهُ من أَدَاء الثّمن قَبضه
1206 - فِي هَلَاك الْمُشْتَرى شِرَاء فَاسِدا فِي يَد المُشْتَرِي
قَالَ أَصْحَابنَا عَلَيْهِ قِيمَته يَوْم قَبضه لبَائِعه وَهُوَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَذكر ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِيمَن بَاعَ عبدا بِمِائَة دِينَار وَقِيمَته مِائَتَا دِينَار على إِن أسلفتني خمسين دِينَارا فَالْبيع فَاسد وَعَلِيهِ قِيمَته مِائَتَا دِينَار وَينظر إِلَى الْقيمَة فِي البيوعات الفاسده وَإِن كَانَ فَوق الثّمن فَإِنَّهُ يبلغ بِهِ قِيمَته الْمَبِيع وَإِن كَانَ الثّمن يبلغ بِالْعَبدِ الْأَكْثَر من الْقيمَة أَو الثّمن وَذكر ابْن الْقَاسِم أَيْضا عَن مَالك أَنه قَالَ كل بيع حرَام لَا يقر على حَال إِن أدْرك فسخ فَإِذا فَاتَ فعلى المُشْتَرِي قِيمَته يَوْم قَبضه كَانَت الْقيمَة أقل من الثّمن الَّذِي بيع بِهِ اَوْ اكثر إِلَّا البَائِع فَإِنَّهُ إِن كَانَت الْقيمَة أَكثر مِمَّا رَضِي بِهِ لم ترد عَلَيْهِ وَإِن كَانَت أقل رد إِلَى ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْلُو الْمَقْبُوض عَن بيع فَاسد من أحد وَجْهَيْن إِمَّا أَن يكون مَضْمُونا بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ فَإِن كَانَ مَضْمُونا بِنَفسِهِ فَهُوَ كالمغصوب تعْتَبر قيمتة فِي سَائِر الْأَحْوَال وَإِن كَانَ مَضْمُونا بِغَيْرِهِ وَهُوَ الثّمن فالثمن فالثمن هُوَ الْوَاجِب فِي كل حَال وَلَا اعْتِبَار بِالْقيمَةِ وَلَو كَانَ الثّمن هُوَ الْوَاجِب فِي كل حَال وَلَا اعْتِبَار بِالْقيمَةِ لَكَانَ البيع صَحِيحا(3/128)
1207 - فِي خُرُوج المُشْتَرِي عَن الْحَال الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا مَعَ فَسَاد البيع
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الرجل يَشْتَرِي الْجَارِيَة شِرَاء فَاسِدا فيقبضها فيبيعها أَو يَهَبهَا أَو يُسَلِّمهَا أَو يكاتبها أَو يرهنها فَعَلَيهِ ضَمَان الْقيمَة وَجَاز مَا صنع وَلَو أفتك الْجَارِيَة قبل أَن يضمنهُ القَاضِي قيمتهَا ردهَا على البَائِع وَكَذَلِكَ إِن عجزت عَن الْمُكَاتبَة أَو رَجَعَ فِي الْهِبَة وَلَو ردهَا المُشْتَرِي بِعَيْب بعد الْقَبْض بِغَيْر قَضَاء فَعَلَيهِ ضَمَان الْقيمَة وَلَا يردهَا على البَائِع
وَقَالَ مَالك على أَي وَجه رجعت إِلَيْهِ ردهَا على البَائِع
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد وافقهم مَالك على جَوَاز تصرف المُشْتَرِي وَأَنه غير مَقْبُوض فَإِذا عَاد إِلَيْهِ بِملك مُسْتَقْبل لم يجز أَن يردهُ إِذْ هُوَ ملك غير مَا أوجبه بِالْعقدِ كَمَا لَو اشْتَرَاهُ شِرَاء صَحِيحا ثمَّ بَاعه فَاطلع على إِصْبَع زَائِدَة فَاشْتَرَاهُ من المُشْتَرِي الثَّانِي لم يردهُ على البَائِع الأول إِذا كَانَ ذَلِك ملكا غير الأول كَذَلِك البيع الْفَاسِد
1208 - فِي الْملك فِي البيع الْفَاسِد
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى عبدا على أَن لَا يَبِيع وَلَا يهب فَالْبيع فَاسد فَإِن قَبضه فَأعْتقهُ جَازَ عتقه وَعَلِيهِ الْقيمَة وَكَذَلِكَ لَو بَاعه اَوْ وهبه أَو تصرف فِيهِ بِسَائِر وُجُوه التَّصَرُّف
وَذكر ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِيمَن اشْترى عبدا على أَن لَا يَبِيع وَلَا يهب وَلَا يتَصَدَّق فَهُوَ بيع فَاسد فَإِن مَاتَ فَعَلَيهِ قِيمَته وَإِن اشْترى جَارِيَة على ان(3/129)
يتخدها أم ولد فَالْبيع فَاسد فَإِن حملت مِنْهُ فَعَلَيهِ قيمتهَا يَوْم قبضهَا وَكَذَلِكَ إِن أعْتقهَا
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك فِيمَن اشْترى جَارِيَة على شَرط أَن يتخذها أم ولد فَالْبيع فَاسد فَإِن حملت فَعَلَيهِ قيمتهَا يَوْم قبضهَا وَكَذَلِكَ إِن أعْتقهَا وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك فِيمَن اشْترى جَارِيَة على شَرط أَن لَا يَبِيعهَا وَمَا أشبه هَذَا الشَّرْط فَإِنَّهُ لايجوز للْمُشْتَرِي أَن يَطَأهَا لِأَنَّهُ لَا يجوز لَهُ أَن يَبِيعهَا وَلَا يَهَبهَا فَإِذا كَانَ لَا يملك ذَلِك مِنْهَا فَلم يملكهَا ملكا تَاما وَكَانَ بيعهَا مَكْرُوها وَإِن اشْتَرَاهَا بِشَرْط فَوَطِئَهَا فَحملت فَللْبَائِع قيمتهَا وَيحل لسَيِّدهَا فِيمَا يسْتَقْبل
وَقَالَ عُثْمَان البتي فِي الرجل يَشْتَرِي شَيْئا بِحرَام بَين فَإِن كَانَ قَدِيما رَددته وَإِن اسْتَهْلكهُ جَازَ البيع
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز تصرف المُشْتَرِي فِي الشِّرَاء الْفَاسِد بِحَال
وَقَالَ فِي الْكِتَابَة الفاسده إِذا أدّى عتق وَعَلِيهِ الْقيمَة
قَالَ وَلَيْسَت الْكِتَابَة كاليمين لِأَن الْيَمين لَا بيع فِيهَا وَالْكِتَابَة كَالْبيع الْفَاسِد إِذا رد قِيمَته
1209 - فِيمَن اشْترى عبدا على أَن يعتقهُ
قَالَ أَصْحَابنَا البيع فَاسد فَإِن قَبضه فَأعْتقهُ فَعَلَيهِ الثّمن فِي قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد عَلَيْهِ الْقيمَة
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا ابْتَاعَ بيعا فَاسِدا وَاشْترط أَن يَبِيعهُ من فلَان أَو يَهبهُ أَو على أَن يعتقهُ فَالْبيع جَائِز وَالشّرط بَاطِل
وَقَالَ ابْن شبْرمَة البيع فَاسد(3/130)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِيمَن اشْترى عبدا على أَن يعتقهُ أَنه لَا بَأْس بذلك وَلَو بَاعه على أَن يعتقهُ إِلَى سنتَيْن أويدبره فَهَذَا من المخاطرة وَالْغرر وَلَا يجوز
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا بَاعَ عَبده على أَن يعتقهُ وَيكون الْوَلَاء لَهُ فَإِنَّمَا يكون الْوَلَاء للَّذي أعْتقهُ
وَقَالَ ابْن الْمُبَارك عَن الثَّوْريّ فِيمَن اشْترى دَارا على أَنه إِن أدْركهُ فِيهَا دَرك فَلهُ مثل ذرعها من دَار أُخْرَى فَالْبيع جَائِز وَشَرطه بَاطِل
وَإِن قَالَ أبيعك والخلاص عَليّ فَالْبيع جَائِز وَالشّرط بَاطِل
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ كل شَرط فِي بيع هدم الْمَبِيع إِلَّا الْعتَاقَة وكل شَرط فِي نِكَاح هدمة النِّكَاح إِلَّا الطَّلَاق
روى نَحوه عَن إِبْرَاهِيم
قَالَ الْحسن بن حَيّ فَإِذا اشْترى عبدا على أَن يعتقهُ جَازَ البيع وَلزِمَ المُشْتَرِي أَن يعتقهُ فَإِن مَاتَ قبل أَن يعتقهُ لزم ورثته أَن يعتقوه وَكَانَ الْحسن بن حَيّ يُجِيز بيع الْخَادِم إِذا اشْترط صَاحبهَا خدمتها أَََجَلًا مَعْلُوما وَللْمُشْتَرِي أَن يَطَأهَا وَإِن لم يشْتَرط للْخدمَة وقتا مَعْلُوما فَالْبيع مَرْدُود فَإِن اشْترط البَائِع خدمتها وقتا مَعْلُوما ثمَّ أعْتقهَا المُشْتَرِي سَقَطت عَنْهَا الْخدمَة وَكَانَ على المُشْتَرِي أَن يرد على البَائِع بِحِصَّة الْخدمَة من الثّمن(3/131)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِي الرجل يَبِيع الْمَتَاع وَيشْتَرط أَن لَهُ نصف ربحه فَإِنَّهُ إِن كَانَ قَائِما رد البيع فِيهِ وَإِن كَانَ قد بَاعه تصدق بربحه
وَقَالَ اللَّيْث فِيمَن اشْترى عبدا على أَن يعتقهُ فَإِن أبي أجبر على عتقه وَكَذَلِكَ لَو بَاعه من رجل رَقَبَة فَهُوَ مثل ذَلِك
وَقَالَ فِي الرجل يَبِيع غُلَامه على أَنه حر فَإِنَّهُ يعْتق على المُشْتَرِي شَاءَ أَو أَبى وَلَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا أَن يقطع وَفِي الرجل يَبِيع الْجَارِيَة على أَنه إِن بَاعهَا فَهِيَ لَهُ بِالثّمن الَّذِي يَبِيعهَا بِهِ فَإِنَّهُ لَا يصلح أَن يَطَأهَا على هَذَا الشَّرْط وَالْبيع جَائِز وَلَا بَأْس بِأَن يَبِيع عبدا من رجل على هَذَا الشَّرْط ويمنعه على أَن يخرج بِهِ من مصره أَو على أَن لَا يخرج بِهِ فَإِن كَانَت أمة لم يَطَأهَا وفيهَا شَرط
وروى عَنهُ أَنه قَالَ لَا يجوز البيع على شَرط أَنه إِن بَاعه فَهُوَ لَهُ بِالثّمن وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا ذكره الرّبيع عَنهُ أَنه إِن بَاعَ العَبْد على أَن يعتقهُ أَو على أَن يَبِيعهُ من فلَان أَو على أَن يستخدمه فَالْبيع فِي هَذَا كُله فَاسد وَلَا يجوز الشَّرْط فِي هَذَا إِلَّا فِي مَوضِع وَاحِد وَهُوَ الْعتْق أَن يُبَاع للسّنة فَإِذا اشْتَرَاهُ على أَن يعتقهُ فَأعْتقهُ فَالْبيع جَائِز
وَحكى أَبُو ثَوْر عَن الشَّافِعِي أَن البيع جَائِز فِي هَذَا الْمسَائِل كلهَا وَالشّرط بَاطِل
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَاحْتج من أجَاز البيع على شَرط الْعتْق بِحَدِيث بَرِيرَة(3/132)
وَقد رُوِيَ بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة فَمِنْهَا مَا روى همام عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن عَائِشَة ساومت بَرِيرَة فَلَمَّا رَجَعَ النَّبِي صلى اللة علية وَسلم قَالَت إِنَّهُم أَبَوا أَن يبيعوني إِلَّا بِشَرْط الْوَلَاء
فَقَالَ النَّبِي صلى اللة علية وَسلم إِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق
فَلم يذكر فية حكم الشِّرَاء
وروى مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن عَائِشَة أَرَادَت أَن تشتري بَرِيرَة فَقَالَ لَهَا أَهلهَا نبيعكها على أَن ولاءها لنا فَذكرت ذَلِك لرَسُول اللة صلى اللة علية وَسلم فَقَالَ لَا يمنعك ذَلِك فَإِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق
فَفِي هَذَا الحَدِيث شَرط الْوَلَاء وَإِبَاحَة النَّبِي صلى اللة علية وَسلم بيعهَا على ذَلِك وَإِبْطَال الشَّرْط
وَقد روى نَافِع عَن ابْن عمر أنة كرة أَن يَشْتَرِي الْأمة على أَن لَا يَبِيع وَلَا يهب
وَهَذَا يدل على أَن الأول إِن صَحَّ فَهُوَ مَنْسُوخ الحكم عندة
وَقد روى الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عَائِشَة أَن أهل بَرِيرَة أَرَادوا أَن يبيعوها ويشترطوا الْوَلَاء فَذكرت ذَلِك للنَّبِي صلى اللة علية وَسلم فَقَالَ اشتريها فأعتقيها فَإِن الْوَلَاء لمن أعتق
وروى يُونُس وَاللَّيْث عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت جَاءَت بَرِيرَة إِلَيّ فَقَالَت يَا عَائِشَة إِنِّي كاتبت أَهلِي على تسع أوراق فِي كل عَام أُوقِيَّة فأعينيني وَلم تكن قبضت من كتَابَتهَا شَيْئا فَقَالَت لَهَا عَائِشَة ارجعي إِلَى أهلك فَإِن أَحبُّوا أَن أعطيهم ذَلِك جَمِيعًا وَيكون ولاؤك لي فعلت فَذَهَبت إِلَى أَهلهَا فعرضت ذَلِك عَلَيْهِم فَأَبَوا وَقَالُوا إِن شَاءَت أَن تحتسب ذَلِك فلتفعل وَيكون(3/133)
ولاؤك لنا فَذكرت ذَلِك لرَسُول اللة صلى اللة علية وَسلم فَقَالَ لايمنعك ذَلِك مِنْهَا ابتاعي وأعتقي فَإِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق وخطب رَسُول اللة صلى اللة علية وَسلم ثمَّ قَالَ أما بعد فَمَا بَال أنَاس يشترطون شُرُوطًا لَيست فِي كتاب اللة من اشْترط شرطا لَيْسَ فِي كتاب الله فَهُوَ بَاطِل وَإِن كَانَ مائَة شَرط قَضَاء اللة أَحَق وشرطة أوثق وَإِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق
فَكَانَ فِي هَذَا الحَدِيث أَن الْقَوْم طلبُوا أَن يكون الْوَلَاء لَهُم عِنْد أَدَاء عَائِشَة الْكِتَابَة عَنْهَا وَهَذَا لَا خلاف فية أَن الْوَلَاء يكون لَهُم كمن أدّى عَن عَبدة كتابتة مُتَبَرعا بهَا فَهَذَا يدل على أَن النكير كَانَ على عَائِشَة فِي إرادتها أَن يكون الْوَلَاء لَهَا بأدائها الْكِتَابَة عَنْهَا وَفِي هَذَا الحَدِيث أمرة إِيَّاهَا بِالشِّرَاءِ ابْتِدَاء وعتقها بعد ملكهَا ليَكُون الْوَلَاء لَهَا
وروى الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة أَن بَرِيرَة جَاءَت تستعينها فِي كتَابَتهَا فَقَالَت عَائِشَة إِن شَاءَ أهلك اشتريتك ونقدت لَهُم ثمنك صبة وَاحِدَة فَذَهَبت إِلَى أَهلهَا فَقَالَت لَهُم ذَلِك فَأَبَوا إِلَّا أَن يكون الْوَلَاء لَهُم فَذكرت ذَلِك لرَسُول اللة صلى اللة علية وَسلم فَقَالَ رَسُول اللة صلى اللة علية وَسلم اشتريها وَلَا يَضرك مَا قَالُوا فَإِن الْوَلَاء لمن أعتق فَذكر فية إِلَّا ذَلِك كتَابَتهَا
وروت عمْرَة عَن عَائِشَة نَحْو ذَلِك وَأَن النَّبِي صلى اللة علية وَسلم قَالَ لَهَا اشتريها فأعتقيها فَإِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق
فَذَلِك كلة خلاف مَا فِي حَدِيث الْأسود عَن عَائِشَة فِي أَن المقاولة كَانَت بَينهم فِي الشِّرَاء وَشرط الْوَلَاء للْبَائِع
وروى الشَّافِعِي عَن مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أبيَّة عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت جَاءَتْنِي بَرِيرَة فَقَالَت إِنِّي كاتبت أَهلِي على تسع أَوَاقٍ فِي كل عَام أُوقِيَّة فأعينيني فَقَالَت لَهَا عَائِشَة إِن أحب أهلك أَن أعدهَا لَهُم عددتها لَهُم وَيكون(3/134)
ولاؤك لي فعلت فَذَهَبت بَرِيرَة إِلَى أَهلهَا فَقَالَت لَهُم ذَلِك فَأَبَوا عَلَيْهَا فَجَاءَت من عِنْد أَهلهَا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس فَقَالَت إِنِّي عرضت ذَلِك عَلَيْهِم فَأَبَوا إِلَّا أَن يكون الْوَلَاء لَهُم فَسمع بذلك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرته عَائِشَة فَقَالَ خذيها واشترطي فَإِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق فَفعلت عَائِشَة ثمَّ قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّاس فَذكر بَقِيَّة الحَدِيث
قَالَ أَبُو جَعْفَر يحْتَمل أَن يكون معنى قَوْله خذيها واشترطي أَن خذيها بِالشِّرَاءِ واشترطي أَي أظهري إِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق لِأَن الِاشْتِرَاط هُوَ الْإِظْهَار فِي كَلَام الْعَرَب
قَالَ أَوْس بن حجر ... وأشرط فِيهَا نَفسه وَهُوَ موصم ... وَألقى بِأَسْبَاب لَهُ وتوكلا ... يَعْنِي أظهر نَفسه لما حاول أَن يفعل
وَقد روى ابْن وهب عَن مَالك هَذَا الحَدِيث بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ فِيهِ قَالَ النَّبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خذيها واشترطي الْوَلَاء لَهُم وَإِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق وَذكر بَقِيَّة الحَدِيث
قَالَ وَيحْتَمل أَن يكون اشتراطي عَلَيْهِم كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإِن أسأتم فلهَا} الْإِسْرَاء مَعْنَاهُ فعلَيْهَا وَكَقَوْلِه {لَهُم اللَّعْنَة} الرَّعْد وَمَعْنَاهُ وَعَلَيْهِم
وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ الْوَعيد كَقَوْلِه تَعَالَى {واستفزز من اسْتَطَعْت مِنْهُم} الْإِسْرَاء
وَقد روى عَن ابْن عمر مَا قدمنَا من قَوْله أَنه كره أَن يَشْتَرِي الْجَارِيَة على ان لَا يَبِيع وَلَا يهب(3/135)
وروى أَن زَيْنَب امْرَأَة عبد الله بن مَسْعُود باعت عبد الله جَارِيَة واشترطت خدمتها فَذكر ذَلِك لعمر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ لَا يقربنها وَلَا أجد فِيهَا مثوبة وَقيل عبد الله وَزَيْنَب
فَحصل من اتِّفَاق هَؤُلَاءِ فَسَاد البيع الْوَاقِع على نَحْو هَذِه الشُّرُوط
وَقد روى عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحل سلف وَبيع وَلَا شَرْطَانِ فِي بيع
1210 - فِي شَرط سُكْنى الدَّار وركوب الدَّابَّة للْبَائِع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى دَارا على أَن يسكنهَا البَائِع شهرا أَو شَرط لَهُ خدمَة العَبْد أَو كوب الدَّابَّة مؤقتا أَو غير مُؤَقّت فَالْبيع فَاسد وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بِأَن يشْتَرط للْبَائِع سكناهَا مُدَّة مَعْلُومَة الشُّهُور وَالسّنة مَا لم يتباعد وَإِن شَرط سكناهَا حَيَاته فَلَا خير فِيهِ وَإِن بَاعَ دابه على أَن لَهُ ركُوبهَا شهرا فَلَا خير فِيهِ وَيجوز فِي الْيَوْم واليومين
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ جَائِز أَن يَبِيع الرجل بَعِيرًا وَيشْتَرط ظَهره إِلَى الْمَدِينَة وَإِلَى وَقت يُسَمِّيه
وَقَالَ اللَّيْث لَا بَأْس بِأَن يشْتَرط سُكْنى الدَّار سنة لانها إِن أحرقت كَانَت من المُشْتَرِي وَأما الدَّابَّة فَإِن كَانَ شَيْئا قَرِيبا فَلَا بَأْس وَإِن كَانَ بَعيدا لم أحبه وَلَا يجوز أَن يشْتَرط ظهر الدَّابَّة إِلَى مَوضِع لَا قريب وَلَا بعيد وَلَا(3/136)
يصلح أَن يَبِيع الدَّابَّة ويستثني ظهرهَا وَكره أَن يَسْتَثْنِي سُكْنى الدَّار عشر سِنِين
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن جريج عَن عَطاء عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ بِعني بعيرك فَقلت هُوَ لَك يَا رَسُول الله فَقَالَ بِعَيْنِه قد أَخَذته بأَرْبعَة دَنَانِير وَلَك ظَهره إِلَى الْمَدِينَة فَلَمَّا قدمنَا الْمَدِينَة قَالَ يَا بِلَال اقضه حَقه ورده فَأَعْطَانِي أَرْبَعَة دَنَانِير وَزَادَنِي قيراطا
فاحتج من أجَاز اسْتثِْنَاء الظّهْر بذلك
وَقد روى الشّعبِيّ عَن جَابر قَالَ فِيهِ فَبِعْته بأوقية واستثنيت حملانه حَتَّى يقدم الْمَدِينَة فَلَمَّا قدمنَا أَتَيْته بالبعير فَقلت هَذَا بعيرك يَا رَسُول الله فَقَالَ لَعَلَّك ترى إِنَّمَا حسبتك لأذهب ببعيرك يابلال أعْطه أُوقِيَّة قَالَ انْطلق ببعيرك فهما لَك فذل ذَلِك على أَن الْخطاب لم يكن بيعا وَلَو صَحَّ أَنه كَانَ بيعا فَلَا دلاله فِيهِ على أَنه شَرط فِي العقد وَجَائِز أَن يكون بَاعَ وَجعل لَهُ ظَهره إِلَى الْمَدِينَة وايضا شَرط ركُوب البَائِع لَا يَخْلُو من أَن يكون الرّكُوب فِيهِ مُسْتَحقّا من مَال المُشْتَرِي فَيكون البيع فَاسِدا لِأَنَّهُ شَرط لنَفسِهِ مَا قد ملكه المُشْتَرِي عَلَيْهِ وَإِن كَانَ اسْتِثْنَاؤُهُ الرّكُوب أوجب بَقَاء الرّكُوب فِي ملك البَائِع هَذَا فَجَاز لِأَن المُشْتَرِي لم يملك الْمَنَافِع بعد البيع من جِهَة البَائِع وَإِنَّمَا ملكهَا لِأَنَّهَا طرأت على ملكة وَكَذَلِكَ سُكْنى الدَّار وَنَحْوهَا
1211 - فِي شَرط حمل الطَّعَام وحذو النَّعْل على البَائِع
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف إِذا اشْترى طَعَاما فِي الْمصر وَشرط ان يُوفيه فِي منزله جَازَ(3/137)
وَقَالَ مُحَمَّد لَا يجوز
وَقَالَ بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف إِذا اشْترى نعلا بدرهم وَشرط على البَائِع أَن يحذوها جَازَ اسْتِحْسَانًا
وروى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد مثله
وَقَالَ زفر البيع فَاسد
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَعبيد الله بن الْحسن إِذا اشْتريت ثوبا على قصارته أَو نخلا على جذاذه جَازَ
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس أَن يَشْتَرِي ثوبا على أَن يخيطه لَهُ أَو يَشْتَرِي نَعْلَيْنِ على أَن يحذوهما لَهُ وَلَو اشْترى قمحا على أَن يطحنه قَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِيهِ يتعمر وَأَرْجُو أَن يكون خَفِيفا
وكه مَالك أَن يَشْتَرِي السمسم وَالزَّيْتُون على أَن على البَائِع عصره وَكَذَلِكَ الْقَمْح على أَن على البَائِع حَصَاده وذريه وَأَن طحن الْحِنْطَة وَنَحْوهَا خَفِيف
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم وَهَذَا على وَجه الِاسْتِحْسَان لَيْسَ على الْقيَاس واستثقل الْقيَاس فِي مثله
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك فِي الرجل يبْتَاع الْجَارِيَة وعَلى بَائِعهَا حمولتها ونفقتها إِلَى مَوضِع كَذَا فَالْبيع جَائِز وَلَا بَأْس بِهِ
وَكَانَ الثَّوْريّ يكره شِرَاء الثَّوْب على قصارته وَشِرَاء النَّعْل على حذوها وَكَذَلِكَ الحملان والطحن والعصارة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا بَأْس بِأَن يَشْتَرِي النَّعْل على أَن يحذوها وَالثَّوْب على أَن يخيطه والغزل على أَن يحوكه وَنَحْوه مِمَّا يَفْعَله النَّاس
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا اشْترى بيعا على مَا وَصفنَا على أَن يعمله فليقبضه(3/138)
ثمَّ ليدفعه إِلَيْهِ حَتَّى يعمله وَإِن ضَاعَ من عِنْد البَائِع بَعْدَمَا قَبضه المُشْتَرِي فالبائع ضَامِن لِأَنَّهُ كَانَ عِنْده حَتَّى يعمله بِأَجْر وَالْأَجْر من الثّمن فَإِن لم يقدر على عمله قوم عَلَيْهِ عمله وقومت عَلَيْهِ السّلْعَة ثمَّ قسم الثّمن على ذَلِك فَمَا أصَاب عمله من الثّمن رد البَائِع على المُشْتَرِي
وَقَالَ اللَّيْث فِي بيع الطَّعَام وَعَلِيهِ طحنه أَو بيع الزَّيْتُون وَعَلِيهِ عصره إِن كَانَت لَهُ طاحونة ومعصرة فَلَا بَأْس بذلك وَإِن لم يكن لَهُ ذَلِك فَإِنِّي أكرهه وَكَذَلِكَ إِذا شَرط حمل الطَّعَام إِلَى الْمصر وَإِن كَانَت لَهُ سفينة أَو إبل يحمل عَلَيْهَا فَلَا بَأْس وَإِن كَانَ إِنَّمَا يُوفيه بالسداد ويتكارى على حمله إِلَى الْمصر فَإِنِّي أكرهه وَأرَاهُ بِمَنْزِلَة من سلف دَنَانِير فِي طَعَام ودنانير وَلَو اشْترى طَعَاما على أَن يوفية إياة بِموضع يسمية فَلَا بَأْس
1212 - فِي بيع الْكلأ
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز بيع المراعي وَلَا إِجَارَتهَا وَلَا يملك الْكلأ صَاحب الأَرْض حَتَّى يأخذة فيحرزة وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس أَن يَبِيع الرجل مرَاعِي أرضة سنة وَاحِدَة وَلَا يَبِيعهَا سنتَيْن وَلَا ثَلَاثًا وَلَا يَبِيع مرَاعِي أرضة حَتَّى تطيب مراعيها وتبلغ مبلغ الخصب وترعى وَلَا يبيعة قبل أَن ينْبت خصبها
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا بَأْس أَن يحمي الْكلأ للْبيع أَو الشّجر للحطب أَو البيع
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى مَالك عَن ابي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة(3/139)
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يمْنَع فضل المَاء ليمنع بِهِ الْكلأ فَهَذَا دَلِيل على انه لايحل منع الْكلأ وَمَا لَا يحل مَنعه لَا يحل بَيْعه
وَقد روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ النَّاس مشتركون فِي ثَلَاث المَاء وَالنَّار والكلأ
1213 - فِي بيع الْمِيَاه
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ لَا يجو ز بيع المَاء وَهُوَ فِي النَّهر أَو الْبِئْر 2 من أَخذه فَهُوَ لَهُ وَإِن أحرزه فِي وعَاء ثمَّ بَاعه جَازَ بَيْعه
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بِبيع مَاء فِي بِئْر احتفرها فِي أرضه وداره يُرِيد لنَفسِهِ وَكره بيع مَا عمل من ذَلِك فِي الصَّحَارِي وَهِي مثل آبار احتفرها لماشيته فَيكون هُوَ أَحَق بهَا حَتَّى تروى وَيكون للنَّاس مَا فضل إِلَّا من مر بهم لسقيهم ودوابهم فَإِنَّهُم لَا يمْنَعُونَ كَمَا يمْنَع من سواهُم
وَقَالَ مَالك لابأس بِبيع الْعُيُون ومائها يسْقِي بِهِ الزَّرْع وَيجوز بيع شرب يَوْم وإجازة الْبِئْر فِي كل شهر جَائِز إِذا احتفرها لنَفسِهِ وَلم يحتفرها للصدقة
روى أَبُو الزبير عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع الْكلأ(3/140)
وَكَذَلِكَ روى إِيَاس بن عبد الْمُزنِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يمْنَع نقع الْبِئْر
1214 - فِي شَرط الرَّهْن وَالْكَفِيل فِي الثّمن
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا بَاعَ عبدا بِأَلف دِرْهَم على أَن يكفل بهَا فلَان وَهُوَ حَاضر فَقبل جَازَ وَكَذَلِكَ إِذا شَرط أَن يرهنه هَذَا العَبْد بهَا وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الْكَفِيل غَائِبا فَقدم فَقبل الْكفَالَة جَازَ وَإِن لم يقبل فَللْبَائِع أَن يفْسخ وَإِن لم يسم كَفِيلا بِعَيْنِه أَو رهنا بِعَيْنِه فَالْبيع فَاسد وَإِن شَرط رهنا بِعَيْنِه ثمَّ لم يجْبر على الرَّهْن وَللْبَائِع أَن يفْسخ البيع وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ زفر يجْبر على أَن يرهنه إِيَّاه قَالَ وَإِن لم يقبل الْكَفِيل الْكفَالَة فَالْبيع فَاسد
وَقَالَ مَالك إِن شَرط كَفَالَة فلَان بِعَيْنِه فَإِن رضى جَازَ البيع وَإِن لم يرض فَلَا بيع بَينهمَا وَإِن كَانَ الْكَفِيل غَائِبا فَإِن كَانَت غيبته قريبَة فَالْبيع جَائِز إِن رضى بِالْكَفَالَةِ وَإِن كَانَت غيبته بعيدَة فَلَا خير فِي ذَلِك فَإِن أبي أَن يكفل فالبائع بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ رضى بِغَيْر كَفِيل وَإِن شَاءَ أبطل البيع فِيهِ خِيَار
وَفِي الْخلْع إِن لم يرض فلَان بِالْكَفَالَةِ فَهِيَ زَوْجَة وَكَذَلِكَ دم الْعمد يكون على حَقه فِي الْقصاص إِن لم يرض فلَان بِالْكَفَالَةِ
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَالنِّكَاح فِي غير هَذَا جَائِز لَان النِّكَاح لَا خِيَار فِيهِ وَالْبيع(3/141)
قَالَ ويجوزأن يَبِيعهُ على أَن يُعْطِيهِ رهنا لم يسمه وَيُعْطِيه من حَقه رهنا بِهِ وَإِن شَرط رهن عبد بِعَيْنِه أجبر على دَفعه وَلَو شَرط أَن يُعْطِيهِ حميلا بِحقِّهِ وَلم يُسَمِّيه فَالْبيع جَائِز وَيجْبر على أَن يُعْطِيهِ حميلا ثِقَة
1215 - فِي الْبَرَاءَة من الْعُيُوب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا بَاعَ بيعا بِالْبَرَاءَةِ من كل عيب جَازَ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا يبرأ حَتَّى يُسمى الْعُيُوب كلهَا بأسمائها
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك الْأَمر الْمجمع عَلَيْهِ عندنَا فِيمَن بَاعَ عبدا أَو حَيَوَانا بِالْبَرَاءَةِ فقد برِئ من كل عيب فِيمَا بَاعَ إِلَّا أَن يكون علم فِي ذَلِك عَيْبا فكتمه فَلَا يُبرئهُ وَكَانَ مَا بَاعَ مردودا عَلَيْهِ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك الْبَرَاءَة لَا تكون فِي الثِّيَاب
وَقَالَ فِي الْخشب إِذا كَانَ الْعَيْب دَاخل الْخشب فَلَيْسَ بِعَيْب
قَالَ وَكَانَ مَالك يَقُول مرّة لَا تَنْفَعهُ الْبَرَاءَة من شَيْء مِمَّا يتبايعه النَّاس كَانُوا أهل مِيرَاث أَو غَيرهم لَا بيع الرَّقِيق وحدهم فَإِنَّهُ كَانَ يرى الْبَرَاءَة فِيهِ مِمَّا لم يعلم فَإِذا علم عَيْبا والم يسمه بِعَيْنِه وَقد بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ أوباع الوصى كَذَلِك لم تَنْفَعهُ ذَلِك فِي الدَّوَابّ وَلَيْسَت الْبَرَاءَة إِلَّا فِي الرَّقِيق ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا أرى الْبَرَاءَة تَنْفَع فِي الرَّقِيق لأهل الْمِيرَاث وَلَا للوصى وَلَا لغَيرهم وَإِنَّمَا كَانَت الْبَرَاءَة لاهل الدُّيُون يفلسون فيبيع عَلَيْهِم السُّلْطَان
قَالَ مَالك فَلَا أرى الْبَرَاءَة تَنْفَع أهل الْمِيرَاث وَلَا غَيرهم إِلَّا أَن يكون عَيْبا خَفِيفا فَعَسَى وَلَيْسَت الْبَرَاءَة إِلَّا فِي الرَّقِيق والبراءة الَّتِي يبرأ بهَا فِي هَذَا إِذا قَالَ أبيعك بِالْبَرَاءَةِ فقد برِئ مِمَّا يُصِيب العَبْد فِي الْأَيَّام الثَّلَاثَة وَمن عهدتها(3/142)
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا بَاعَ السّلْعَة فَسمى الْعُيُوب وتبرأ مِنْهَا فقد برِئ وَإِن لم يَرَاهَا إِيَّاه
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا بَاعَ وتبرأ من الْعُيُوب لم يبرأ إِلَّا مِمَّا سمى وَمِمَّا عِنْد النَّاس عيب فبينه
وَقَالَ اللَّيْث فِي بيع الْمَوَارِيث إِنَّه بيع بَرَاءَة وَإِن بَاعَ صَاحب الْمِيرَاث فَهُوَ برِئ من الْعُيُوب إِلَّا أَن تقوم بَينه أَنه كَانَ يعلم ذَلِك الْعَيْب فكتمه
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن فِي رجل اشْترى إبِلا فَقَالَ البَائِع إِنَّه برِئ من الجرب وَلَا اعْلَم بِهِ جربا فَإِذا هِيَ جرباء فَإِنَّهُ يردهَا وَإِذا تَبرأ من كل عيب فَهُوَ بَرَاءَة
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا بَاعَ شَيْئا من الْحَيَوَان بِالْبَرَاءَةِ فَالَّذِي أذهب إِلَيْهِ قَضَاء عُثْمَان بن عَفَّان إِنَّه برِئ من كل عيب لم يُعلمهُ وَلَا تَبرأ من كل عيب علمه وَلم يسم لَهُ ويقفه عَلَيْهِ تقليدا فَإِن الْحَيَوَان يُفَارق مَا سواهُ
وَالْقِيَاس أَن لَا يبرأ فِي عُيُوب لم يرهَا وَلَو سَمَّاهَا لاختلافها
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن سَالم أَن عبد الله بن عمر بَاعَ غُلَاما بِالْبَرَاءَةِ بثمانمائة دِرْهَم فَقَالَ الَّذِي ابتاعه لعبد الله بن عمر بالغلام دَاء وَلم تسمه لي وَقَالَ عبد الله بِعته بِالْبَرَاءَةِ فَقضى عُثْمَان على عبد الله أَن يحلف وَمَا بِهِ دَاء يُعلمهُ فَأبى عبد الله أَن يحلف وارتجع العَبْد فصح عِنْده فَبَاعَهُ بِأَلف وَخَمْسمِائة
روى شريك عَن عَاصِم بن عبيد الله عَن عبد الله بن عَامر عَن زيد بن ثَابت أَنه كَانَ يرى الْبَرَاءَة من كل عيب جَائِزَة(3/143)
وروى عَن الشَّافِعِي أَنه قلد عُثْمَان فِي ذَلِك فَكيف لم يُقَلّد ابْن عمر وَالْقِيَاس مَعَه
وَقَوله الْقيَاس أَن لَا يبرأ من عُيُوب لم يرهَا وَلَو سَمَّاهَا فَإِن هَذَا لم يقلده أحد من أهل الْعلم
1216 - فِي وجود الْعَيْب قبل نقد الثّمن
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالشَّافِعِيّ إِذا اشْترى سلْعَة فطعن فِيهَا بِعَيْب قبل أَن ينْقد الثّمن فَلهُ أَن يردهَا إِن قَامَت البينه على الْعَيْب
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا أقبل شُهُوده على الْعَيْب حَتَّى ينْقد الثّمن فَإِن الرَّد بِالْعَيْبِ من حُقُوق العقد لَا من حُقُوق دفع الثّمن فَلهُ أَن يرد وَإِن لم يدْفع الثّمن
1217 - فِيمَن اشْترى جَارِيَة رفوطئها ثمَّ اطلع على عيب فِيهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى جَارِيَة فَوَطِئَهَا ثمَّ اطلع على عيب فَلَيْسَ لَهُ أَن يردهَا وَيرجع بِنُقْصَان الْعَيْب إِلَّا أَن يَشَاء البَائِع أَن يقبلهَا وَيرد الثّمن وَيرد مهر مثلهَا
وَالْمهْر فِي قَوْله بِأخذ الْعشْر من قيمتهَا وَنصف الْعشْر فَيجْعَل الْمهْر نصف لذَلِك وَكَذَلِكَ لَو حدث بهَا عيب عِنْده رَجَعَ بِأَرْش الْعَيْب فِي قَول أَصْحَابنَا إِلَّا أَن يَشَاء البَائِع أَن يقبلهَا وَيرد الثّمن
وَقَالَ ابْن أبي ليلى يردهَا وَيرد مَعهَا نُقْصَان الْعَيْب
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا وَطئهَا يردهَا وَيرد مَعهَا مهر مثلهَا
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِن لم ينقصها الْوَطْء ردهَا وَلَا عقر عَلَيْهِ فَإِن نَقصهَا الْوَطْء ردهَا ورد النُّقْصَان(3/144)
وَقَالَ مَالك الْأَمر الْمجمع عندنَا أَنه من رد وليدة من عيب وجده بهَا وَقد أَصَابَهَا إِن كَانَت بكرا فَعَلَيهِ مَا نقص من ثمنهَا وَإِن كَانَت ثَيِّبًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ من إصابتها شَيْء لِأَنَّهُ كَانَ ضامنأ لَهَا
وَقَالَ الْأَشْجَعِيّ عَن الثَّوْريّ إِذا بَاعَ جَارِيَة فَوَطِئَهَا ثمَّ اطلع على عيب فَمنهمْ من يَقُول يردهَا وَيرد الْعشْر من ثمنهَا إِن كَانَت بكرا وَإِن كَانَت ثَيِّبًا فَنصف الْعشْر وَمِنْهُم من يَقُول هِيَ لَهُ بِوَطْئِهِ إِيَّاهَا وَيرد فضل مَا بَين الصِّحَّة والداء وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْريّ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يردهَا وعقرها فَإِن حدث بهَا عيب ردهَا وَضمن مَا حدث عِنْده
وَقَالَ اللَّيْث يلْزمه وَيرجع بِالْعَيْبِ إِلَّا أَن يَشَاء البَائِع أَن يأخدها بِلَا شَيْء وَإِن كَانَ الْعَيْب الَّذِي وجده الكية وَمَا أشبهه وَمَا أشبههَا لَزِمته وتوضع عَنهُ قيمَة الْعَيْب وَإِن كَانَ فِي البرص من القروح الَّذِي ينقص فَإِنَّهُ يردهَا إِن شَاءَ كَانَت بكرا رد مَعهَا مَا نَقصهَا وَطْؤُهَا من ثمنهَا
قَالَ اللَّيْث قَالَ الزُّهْرِيّ وَسليمَان بن حبيب الْمحَاربي فِي الْوَطْء يلْزمه وَيرجع بِالْعَيْبِ
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن يرد مَعهَا صدَاق مثلهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي الْوَطْء اقل من الْخدمَة فَإِن كَانَت بكرا لم يردهَا نَاقِصَة وَيرجع بِحِصَّة الْعَيْب من الثّمن وَذكر عَنهُ أَبُو ثَوْر مثل قَول مَالك
1218 - فى الْعَيْب فِي بيع الْعرُوض
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وسُفْيَان الشَّافِعِي إِذا بَاعَ عبدا بِجَارِيَة وَتقَابَضَا ثمَّ وجد بالجارية عَيْبا فَردهَا فَإِنَّهُ يَأْخُذ العَبْد
وَذكر عَنهُ أَبُو ثَوْر مثل قَول مَالك(3/145)
وَقَالَ ابْن أبي ليلى يأخد قيمتهَا صَحِيحَة وَكَذَلِكَ الْحَيَوَان وَسَائِر الْعرُوض إِذا بيع بَعْضهَا بعض
وَإِن كَانَ العَبْد قد هلك فِي يَد مُشْتَرِيه فَإِنَّهُ فِي قَول أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَمَالك الشَّافِعِي يرد قيمَة العَبْد
وَفِي قَول ابْن أبي ليلى يأخد قيمَة الْجَارِيَة
1219 - فِي الْمَبِيع يُخرجهُ المُشْتَرِي عَن ملكه ثمَّ يطلع على عيب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا بَاعَ أَو وهب أوتصدق لم يرجع بِأَرْش الْعَيْب وَيرجع على الْعتْق وَالتَّدْبِير وَالِاسْتِيلَاد إِذا اطلع بعده على عيب بحصتة من الثّمن وَالْعِتْق على مَال مثل البيع
وَقَالَ مَالك إِذا وهب للثَّواب فَهُوَ بيع وَإِذا كَانَ لغير ثَوَاب فَهُوَ صَدَقَة وَيرجع بِقِيمَة العَبْد وَإِن بَاعَ نصفهَا قيل للْبَائِع إِمَّا أَن ترد نصف الْعَيْب على المُشْتَرِي وَإِمَّا إِن قبلت النّصْف الْبَاقِي بِنصْف الثّمن وَلَا شَيْء عَلَيْك 2 غير ذَلِك
وَقَالَ عُثْمَان البتي وَفِي البيع وَالْعِتْق إِذا ظهر بعده على عيب فَإِنَّهُ يوضع عَنهُ بِقدر ذَلِك الدَّاء مَا بَينه وَبَين وَفَاء مَا اشْتَرَاهُ بِهِ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا بَاعه لم يرجع بِالْعَيْبِ وَإِن مَاتَ أَو أعْتقهُ رَجَعَ بِقِيمَة الْعَيْب
وَقَالَ عبيد الله الْحسن فِي الرجل يَشْتَرِي الْمَمْلُوك فيعتقه ثمَّ يجده مَجْنُونا لَا تَمْيِيز لَهُ فَإِنَّهُ يرجع على البَائِع فيأخد مَه الثّمن وَيكون الْوَلَاء للْمُعْتق
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا بَاعه اَوْ بَاعَ بعضه لم يرجع على البَائِع بِشَيْء وَإِن أعتق أَو مَاتَ فَعَلَيهِ قيمَة العَبْد(3/146)
وَقَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح لَا يرجع فِي الْمَوْت أَيْضا بِحِصَّة الْعَيْب
وروى شُعْبَة عَن جبلة بن سحيم قَالَ رَأَيْت ابْن عمر يساوم بقميص فلبسه وَكَانَت فِي لحيته صفرَة فَأصَاب الْقَمِيص صفرَة فَأَرَادَ رده ثمَّ قَالَ مَا كَانَت لأرده وَقد صفرته
قَالَ وأخده من اجل الصُّفْرَة
فَقيل إِن ابْن عمر إِنَّمَا كَانَ أَرَادَ رده بِالْعَيْبِ ثمَّ لم يردهُ لأجل الصُّفْرَة وَلَا يرجع بِالْعَيْبِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا الْقيَاس لِأَن الْعَيْب لَا حِصَّة لَهُ من الثّمن لِأَنَّهُ إِن كَانَ اخْتَار إِمْسَاكه وَالرُّجُوع بِالْأَرْشِ لم يكن لَهُ ذَلِك وَكَانَ الْوَاجِب رد الْعَيْب فَإِذا فَاتَ رده لم يرجع بِشَيْء
قَالَ وَحكى ابْن عمرَان هَذَا القَوْل عَن مُحَمَّد بن شُجَاع وَلم أره يُخَالِفهُ فِيهِ
فقد اتّفق فُقَهَاء الْأَمْصَار الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ أَنه يرجع فِي الْعتْق وَلَا يرجع فِي البيع إِلَّا فِيمَا ذكر عَن عُثْمَان البتي فَوَجَبَ أَن يَجْعَل لِلْعِتْقِ أصلا فَيَقُول إِنَّه إِذا لم يكن فِي قَوْله تمْلِيك لغيره رَجَعَ كَالْعِتْقِ وَإِذا كَانَ فِيهِ تمْلِيك لم يرجع كَالْبيع
1220 - إِذا بَاعه المُشْتَرِي ورده عَلَيْهِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا بَاعه المُشْتَرِي ثمَّ رد عَلَيْهِ بِعَيْب بعد الْقَبْض فَإِن كَانَ بِقَضَاء رده على الأول وَإِن كَانَ بِغَيْر قَضَاء قَاض لم يردهُ وَإِن رده بِعَيْب قبل الْقَبْض رده وَإِن يكن بِقَضَاء قَاض(3/147)
وَحكى هِشَام عَن مُحَمَّد أَن قَول ابي حنيفَة الأول أَنه إِذا رد عَلَيْهِ بِوَجْه لَو أرتفعا إِلَى الْحَاكِم رده كَذَلِك إِذا قبله بِغَيْر قَضَاء ثمَّ رَجَعَ
وَقَالَ مَالك إِذا بَاعَ المُشْتَرِي العَبْد لم يرجع على البَائِع وَلَا خُصُومَة بَينهمَا فَإِن رَجَعَ إِلَى المُشْتَرِي بِهِبَة أَو شِرَاء أَو مِيرَاث فَلهُ أَن يُخَاصم بَائِعه فِي الرَّد بِالْعَيْبِ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا بَاعهَا أَو وَهبهَا لم يرجع بِالْعَيْبِ فَإِن ردَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْب فَلهُ ان يردهَا على البَائِع إِذا ثَبت انه كَانَ عِنْده
وَعند الشَّافِعِي لَا فرق بَين قَضَاء القَاضِي وَبَين غير قَضَاء القَاضِي إِذا رَجَعَ إِلَيْهِ بِغَيْر قَضَاء رده بِالْعَيْبِ كَمَا لَو رَجَعَ بِقَضَاء 2
قَالَ قَالَ أَبُو جعفرإذا عَاد إِلَيْهِ بِملك ثَان لم يكن لَهُ رده لِأَنَّهُ غير الْملك الَّذِي أوجبه لَهُ البَائِع وَيَنْبَغِي أَن يخْتَلف رُجُوعه إِلَيْهِ بِقَضَاء أَو غَيره قَضَاء
1221 - فِي الْعَبْدَيْنِ يَمُوت أَحدهمَا بعد الْقَبْض
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى عَبْدَيْنِ وقبضهما وَمَات أَحدهمَا وَجَاء يرد الْبَاقِي لعيب فاختلفا فِي قيمَة الْمَيِّت فَالْقَوْل قَول البَائِع
وَقَالَ ابْن أبي ليلى القَوْل قَول المُشْتَرِي
وَقَالَ مَالك يُقَال صفا الْمَيِّت فَإِذا اتفقَا على صفته فَحِينَئِذٍ يقوم الْمَيِّت(3/148)
على تِلْكَ الصّفة وَإِن تناكرا صفته فَالْقَوْل قَول البَائِع فِي صفته مَعَ يَمِينه إِن كَانَ قد انتقد الثّمن وَإِلَّا فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ احدهما أَن القَوْل قَول البَائِع وَالْآخر أَن القَوْل قَول المُشْتَرِي
1222 - فِي بيع الْأمة على أَنَّهَا حَامِل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا بَاعَ الْجَارِيَة وتبرا من الْحمل فَهُوَ جَائِز وَهُوَ قَول اللَّيْث
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ من جواري الْوَطْء من المرتفعات لم يجز أَن يَبِيعهَا وَبَين حَال الْحمل وَكَانَا البيع مردودا وَإِن كَانَت من وخش الرَّقِيق والخدم من السَّنَد والزنج وَمَا أشبههم رَأَيْت ذَلِك بَرَاءَة وَلَا يجوز ان يَشْتَرِي جَارِيَة على أَنَّهَا حَامِل
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا اشْترى جَارِيَة فَوَجَدَهَا حَامِلا فَإِن كَانَ علم ان لَهَا زوجا فَلَا سَبِيل لَهُ على الَّذِي بَاعهَا فِي حملهَا وَإِن لم يعلم ان لَهَا زوجا فَإِن النَّاس يرونه عَيْبا(3/149)
وَذكر الْحسن بن حَيّ عَن أَشْعَث عَن الشّعبِيّ فِيمَن اشْترى دَابَّة وَشرط أَنَّهَا نتوج فَإِن لم تكن نتوجا فَإِن شَاءَ ردهَا وَإِن اشْتَرَاهَا وَلم يشْتَرط نتوجا فَوَجَدَهَا نتوجا فَإِن شَاءَ ردهَا وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ وَقَالَ الْحسن وَكَذَلِكَ لَو اشْتَرَاهَا حَامِلا أَو غير حَامِل
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن فِيمَن اشْترى شَاة فَوَجَدَهَا حَامِلا فَهُوَ جَائِز عَلَيْهِ وَلَا يشْتَرط الْحمل فِي الشَّاة وَإِن اشْتَرَطَهُ جَازَ كالبطيخ وَالرُّمَّان يُبَاع فِي قشوره وَقَالَ الشَّافِعِي لَو اشْترى فرسا وَاشْترط الْعتاق فسد البيع لِأَنَّهُ بيع مَا لَا يدرى يكون أَو لَا يكون وَإِذا أسلم فِي جَارِيَة وصفهَا فَلَا يجوز أَن يشْتَرط مَعهَا وَلَدهَا وَلَا أَنَّهَا حُبْلَى
1223 - فِي الْعُيُوب الَّتِي يردهَا مَعهَا
قَالَ أَصْحَابنَا كل مَا غده النخاسون عَيْبا ينقص الثّمن فَلِلْمُشْتَرِي ان يردهُ
وَقَالَ ملك لَا يرد إِلَّا من عيب ينقص ثمنه أَو يخَاف عاقبته وَلَا ينظر فِي ذَلِك مَا يرد النخاسون بِهِ
وَاعْتبر الشَّافِعِي مَا ينقص الثّمن
قَالَ ابو جَعْفَر لَا معنى لقَوْل من يَقُول أَنما يرد مِمَّن تخَاف غائلته من الْعُيُوب لأَنهم قد اتَّفقُوا على انه لَو وجده أجدع الْأنف قد برأَ مِنْهُ وَأمنت عَلَيْهِ أَنه يرد وَكَذَلِكَ سَائِر الْعُيُوب
1224 - فِي الْجَوْز وَالْبيض يكسرهُ فيجده فَاسِدا
قَالَ أَصْحَابنَا إِن كَانَ لَا ينْتَفع بِهِ رَجَعَ بِالثّمن كُله وغن كَانَ ينْتَفع بِهِ رَجَعَ بِنُقْصَان الْعَيْب(3/150)
وَقَالَ مَالك فِي الْخشب إِذا قطعه ثمَّ ظهر على عيب بَاطِن فَهُوَ لَازم للْمُشْتَرِي وَلَا شَيْء على البَائِع والرانج والجوز إِذا كسر من المُشْتَرِي وَالْبيض من البَائِع وَيرد إِذا كَسره
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ كل مَا اشْتريت مِمَّا يكون مأكوله فِي جَوْفه فَكَسرته فَأَصَبْته فَاسِدا فلك رده وَمَا بَين قِيمَته فَاسِدا صَحِيحا وَقِيمَته فَاسِدا مكسورا وَقَالَ فِي مَوْضُوع آخر فِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا ان لَيْسَ لَهُ الرَّد إِلَّا أَن يَشَاء البَائِع وَللْمُشْتَرِي مَا بَين قِيمَته صَحِيحا وفاسدا إِلَّا أَن لَا يكون لَهُ فَاسِدا قيمَة فَيرجع بِجَمِيعِ الثّمن وَلَا يرد الثَّوْب مَقْطُوعًا والرانج مكسورا
1125 - فِي الْمَبِيع يتْلف فِي يَد المُشْتَرِي لعيب كَانَ فِي يَد البَائِع
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا اشْترى عبدا قد حل دَمه بقصاص فَقتل فِي يَد المُشْتَرِي رَجَعَ على البَائِع بِالثّمن وَكَذَلِكَ الْمُرْتَد وَلَو كَانَ سرق فَقطع رده وَأخذ الثّمن كُله
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يرجع بِفضل مَا بَين قِيمَته حَلَال الدَّم وَغير حَلَاله وَمَا بَين قِيمَته سَارِقا إِلَى غير سَارِق وَلَو كَانَت جَارِيَة حُبْلَى فَولدت وَمَاتَتْ رَجَعَ بِنُقْصَان الْعَيْب عِنْدهم جَمِيعًا(3/151)
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالثَّوْري إِذا ظهر بهَا دَاء لم يُبينهُ المُشْتَرِي وَقد تمت عِنْد المُشْتَرِي فَإِنَّهُ يردهَا بدائها وَلَا يستأني بالحمى والسعال وَإِنَّمَا يستأني بالجروح وَنَحْوهَا
قَالَ الثَّوْريّ وَهَذَا مِمَّا يستأني بِهِ
وَقَالَ ملك من بَاعَ عبدا وَبِه عيب دَاء سوء مثل الْإِبَاق أَو السّرقَة أَو مرض من الْأَمْرَاض فأبق أَو سرق فَقطعت يَده فَمَاتَ أَو لم يمت وَتَمَادَى بِهِ الضَّرَر فَمَاتَ مِنْهُ أَو أبق فَلم يرجع وَوجد المُشْتَرِي الْبَيِّنَة على هذخ الْعُيُوب أَنَّهَا كَانَت بِهِ حِين بَاعه وَعلم بذلك البَائِع فَإِن المُشْتَرِي يرجع بِالثّمن كُله فيأخده وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي إباق العَبْد وَلَا مَوته وَلَا قطع يَده وَلَو كَانَ بَاعه آبقا فَسرق فَقطعت يَده رد بِالْقطعِ لِأَن الْقطع حدث عِنْد المُشْتَرِي فِي غير الْعَيْب الَّذِي بَاعه أَو حدث فِي مَرضه عيب آخر أَو اعورت عينه أَو قطعت يَده من غير سَبَب الْمَرَض فَهَذَا لَا يردهُ إِلَّا وَمَعَهُ مَا نقص أَو يمسِكهُ وَيَأْخُذ قيمَة الْعَيْب وَفِي الْجَارِيَة إِذا دلّس لَهُ الحبلى فَمَاتَ فِي يَد المُشْتَرِي من النّفاس رَجَعَ بِالثّمن كُله
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن فِي الرجل يَشْتَرِي السّلْعَة وهى مَجْمُوعَة فتزداد عِنْده أَن لَهُ أَن يردهَا
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي الْجِنَايَة إِذا تلف بهَا العَبْد فِي يَد المُشْتَرِي أَنَّهَا من مَال المُشْتَرِي وَيرجع بِأَرْش الْعَيْب(3/152)
1226 - فِيمَا يحدثه المُشْتَرِي فِي السّلْعَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا خاط الثَّوْب قَمِيصًا أَو صبغه أَحْمَر ثمَّ اطلع على عيب رَجَعَ بِالْعَيْبِ وَلَيْسَ للْبَائِع أَن يقبله وَإِن لم يخطه ثمَّ اطلع على عيب رَجَعَ بِالْعَيْبِ إِلَّا أَن يَشَاء البَائِع أَن يقبله فَيرد عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إِن حدث بِهِ عيب عِنْد المُشْتَرِي
وَقَالَ الحكم يردهُ فِي حَال حُدُوث الْعَيْب وَيرد مَعَه نُقْصَان الْعَيْب الْحَادِث عِنْده
وَقَالَ عُثْمَان البتي فِي الثَّوْب والخشبة إِذا قطعهَا ثمَّ وجد عَيْبا يردهما مقطوعين وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي الْقطع
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ البَائِع علم بِالْعَيْبِ حِين بَاعه فَإِن المُشْتَرِي يردهُ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي الْقطع وَإِن قَالَ البَائِع لم أعلم وَقد قطع الْمُشْتَرى الثَّوْب أَو صبغه فالمشترى بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَن يوضع عَنهُ مَا نقص الْعَيْب ويمسك الثَّوْب وَإِن شَاءَ غرم مَا نقص التقطيع والصبغ من ثمن الثَّوْب وَيَردهُ وَإِن كَانَ الصَّبْغ يزِيد فِي ثمنه فَإِن شَاءَ المُشْتَرِي رَجَعَ بِقدر الْعَيْب وَإِن شَاءَ كَانَ شَرِيكا للَّذي بَاعه
هَذِه رِوَايَة ابْن وهب عَن ملك
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن ملك إِذا دلّس الْعَيْب وَهُوَ يعلم
ثمَّ أحدث المُشْتَرِي فِي الثَّوْب صبغا ينقص الثَّوْب أَو قطعه قَمِيصًا وَمَا أشبهه فَإِن المُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ حبس الثَّوْب وَرجع على البَائِع بِمَا بَين الصِّحَّة والدواء وَإِن شَاءَ رده وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الصَّبْغ يزِيد فِيهِ فَهُوَ مثل رِوَايَة ابْن وهب أَيْضا
قَالَ وَلَو لبسه المُشْتَرِي فانتقص للبسه فَعَلَيهِ مانقصه لبسه إِذا أَرَادَ رده
قَالَ ملك والتدليس فِي الْحَيَوَان وَغير التَّدْلِيس سَوَاء لِأَن الْحَيَوَان لم يَبِعْهُ(3/153)
إِيَّاه على أَن يقطعهُ وَالثيَاب اشْتَرَاهَا للْقطع فَإِذا اشْتَرَاهَا حَيَوَانا فاعور عِنْده ثمَّ اطلع على عيب لم يكن لَهُ أَن يردهُ إِلَّا أَن يرد مَعَه مَا نقص إِذا كَانَ عورا أَو نَحوه من عيب مُفسد دلّس أَو لم يُدَلس وَمَا كَانَ من عيب لَيْسَ بمفسد فَلهُ أَن يرد وَلَا يرد مَعَه مَا نَقصه من الْحَيَوَان كُله
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا حدث بِهِ عيب عِنْد المُشْتَرِي واطلع على عيب لم يردهُ وَرجع على البَائِع بِفضل مَا بَين الصِّحَّة والدواء
و4 قَالَ اللَّيْث فِي فِي الرجل يبْتَاع الثَّوْب فيقطعه ثمَّ يجد فِيهِ الْعَيْب فَإِن الرتق والخزق يحلف البَائِع بِاللَّه مَا علم ذَلِك فِيهِ وَأما مَا كَانَ من السقط فَإِنَّهُ يعلم إِن كَانَ عِنْد البَائِع فَهُوَ رد عَلَيْهِ وَيغرم لَهُ البَائِع اجْرِ الْخياط
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا حدث بِهِ عيب عِنْد المشري ثمَّ اطلع على عيب رَجَعَ بِالْعَيْبِ إِلَّا أَن يَشَاء البَائِع أَن يقبله وَلَا يأخد شَيْئا
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَا فرق بَين الْحَيَوَان الثِّيَاب لِأَن البَائِع مَا أذن لَهُ فِي التقطيع فقد أذن لَهُ فِي الْوَطْء والتأديب
1227 - فِي الْبَرَاءَة من الْعَيْب بعد تَمام البيع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أَرَادَ البَائِع ان يتبرأ من الْعُيُوب بعد البيع وَأبي المُشْتَرِي فَلِلْمُشْتَرِي أَن لَا يَشْتَرِيهِ
وَقَالَ مَالك إِذا اشْترى سلْعَة فَلَمَّا قبض قَالَ البَائِع إِن بهَا عيوبا وَأحب ان أَتَبرأ إِلَيْك مِنْهَا فَإِن كَانَت عيوبا ظَاهِرَة ترى فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أخد وَإِن شَاءَ رد
وَإِن كَانَت عيوبا غير ظَاهِرَة لم يقبل قَوْله فِي ذَلِك وَكَانَ المُشْتَرِي على بَيْعه فَإِن اطلع بعد ذَلِك على عيب كَانَ عِنْد البَائِع فَلهُ أَن يرد إِن شَاءَ وَإِن قَالَ(3/154)
البَائِع بهَا دَاء بَاطِن وَأَنا أُرِيد أَن أَتَبرأ مِنْهُ وأقيم الْبَيِّنَة أَنه بهَا السَّاعَة فَإِنَّهُ يُمكن من ذَلِك فَإِن أَقَامَ الْبَيِّنَة برأَ مِنْهُ وَكَانَ لَهُ أَن يتبرأ وتجزئه الْبَرَاءَة
وَمذهب الشَّافِعِي يدل على أَن قَوْله فِيهِ كَقَوْل مَالك
1228 - فِي الْعتْق على عوض
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف فِي الرجل يعْتق عَبده على عوض دَارا أَو عبد لغيره فَأجَاز فَهُوَ للْمولى وَإِن لم يجزه فَعَلَيهِ قيمَة نَفسه لمَوْلَاهُ
وَقَالَ مُحَمَّد عَلَيْهِ قيمَة الدَّار أَو العَبْد الْبَدَل على دَار فِي يَد العَبْد أَو عبد مِمَّا قد اكْتَسبهُ العَبْد قبل ذَلِك كَانَ عَلَيْهِ تَسْلِيم ذَلِك إِلَى مَوْلَاهُ فَإِن سلمه إِلَيْهِ فَأصَاب بِهِ عَيْبا كَانَ الْجَواب فِيهِ على مَا ذكرنَا
1229 - فِي العرضين يبتاعان فيجد بِأَحَدِهِمَا عَيْبا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى عَبْدَيْنِ صَفْقَة وَاحِدَة فَلم يقبضهَا أَو وَاحِدًا مِنْهُمَا حَتَّى وجد عَيْبا بِأَحَدِهِمَا رد الْمَعِيب خَاصَّة
وَقَالَ زفر يرد الْمَعِيب قبل الْقَبْض وَبعده
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ الْمَعِيب هُوَ وَجه الرَّقِيق أَو اسْتحق ردهم كلهم وَرجع بِالثّمن وَإِن لم يكن لَهُ وَجه ذَلِك الرَّقِيق وَلَا من أَجله اشْترى بحصتة من الثّمن خَاصَّة دون الْبَاقِي
وَقَالَ ابْن أبي ليلى يرد الْمَعِيب وَلم يفرق بَين الْقَبْض وَغَيره وَكَذَلِكَ قَول الثورى(3/155)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِن سمى لكل وَاحِد ثمنا وَجعل جملَة الثّمن لَهما فإمَّا أَن يرد الْجَمِيع أَو يرضى بِالْجَمِيعِ
قَالَ عبيد الله بن الْحسن يرد الْمَعِيب خَاصَّة
وَعَن الشَّافِعِي اخْتِلَاف رِوَايَة فِي إِحْدَاهمَا يرد الْمَعِيب وَفِي الْأُخْرَى يردهما جَمِيعًا أَو يمسك
1230 - فِي الزِّنَا فِي الْمَمْلُوك
قَالَ أَصْحَابنَا هُوَ عيب فِي الْجَارِيَة لِأَنَّهَا تستولد وَلَيْسَ بِعَيْب فِي الْغُلَام وَكَذَلِكَ ولد الزِّنَا
وَقَالَ مَالك فِي الْجَارِيَة إِذا كَانَت ولد زنا فَهُوَ عيب
وَقَالَ الشَّافِعِي مَا ينقص الثّمن فَهُوَ عيب
1231 - فِي الْجَارِيَة الَّتِي قد ولدت
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ولدت الْجَارِيَة عِنْد الرجل أَو وَطئهَا ثمَّ بَاعهَا وكتم ذَلِك فَلَيْسَ للْمُشْتَرِي أَن يردهَا
وَقَالَ مَالك إِذا اشْترى عبدا ثمَّ علم أَن لَهُ ولدا كَبِيرا أَو صَغِيرا فَلهُ أَن يردهُ وَهَذَا عيب
1232 - فِي شَرط جنس فيجد غَيره
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى ثوبا على أَنه هروي فَوَجَدَهُ قوهيا فَلَا بيع بَينهمَا وَلَو شَرط فِي التَّمْر أَنه فَارسي فَوَجَدَهُ دقلا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ وَإِن شَاءَ ترك
وَقَالَ مَالك إِذا اشْترى جَارِيَة على أَنَّهَا بربرية فَإِذا هِيَ خراسانية فَلهُ أَن(3/156)
يردهَا وَلَو شَرط أَنَّهَا صقلية فَإِذا هِيَ خراسانية أَو بربرية لم يردهَا لِأَنَّهَا أفضل مِمَّا شَرط
1233 - فِي الرَّد بِالْعَيْبِ بعد الاستغلال
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا حلب لبن شَاة ثمَّ اطلع على عيب رَجَعَ بِالْعَيْبِ وَلم يرد وَكَذَلِكَ ثَمَر النَّخْلَة وَالْولد وَلَو كَانَ عبدا فَأكل غلتة ردة بِالْعَيْبِ وَالْغلَّة لَة
وَقَالَ الْحسن عَن زفر إِذا ولدت الْجَارِيَة فِي يَد المُشْتَرِي أَو وطِئت بِشُبْهَة فَأخذ لَهَا مهْرا أَو زَوجهَا أَو جنى عَلَيْهَا جَان فَأخذ الْأَرْش ثمَّ اطلع على عيب فَإِنَّهُ يردهَا وَيرد ذَلِك كُله مَعهَا وَإِن وَطئهَا هُوَ ردهَا وعقرها إِذا ردهَا بِقَضَاء قَاض وَكَذَلِكَ ثَمَر الشَّجَرَة والنخلة وَإِن ولدت رد نُقْصَان الْولادَة مَعَ الْجَارِيَة وَالْولد على البَائِع
وَقَالَ مَالك يردهَا على البَائِع وَإِن مَاتَ الْوَلَد رد الْأُم وَرجع بِجَمِيعِ الثّمن وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي الْوَلَد وَإِن نقصتها الْولادَة رد نُقْصَان الْولادَة وَلَو مَاتَت الْأُم وَبَقِي الْأَوْلَاد رَجَعَ بِالْعَيْبِ على البَائِع وَلَا يكون للْمُشْتَرِي أَن يرد الْوَلَد وَقِيمَة الْأُم
وَقَالَ فِي الشَّاة إِذا حلبها المُشْتَرِي أَو جز صوفها وَهُوَ قَائِم فِي يَده أَو قد أتْلفه فَإِنَّهُ يرد الشَّاة إِذا وَالصُّوف وَاللَّبن للْمُشْتَرِي كالغلة وَكَذَلِكَ غلَّة النّخل إِلَّا أَن يكون الصُّوف عَلَيْهَا يَوْم اشْترى فَيردهُ مَعَ الشَّاة وَأما ولد الشَّاة فَيردهُ مَعَ الْأُم
وَقَالَ عُثْمَان البتي وَعبيد الله بن الْحسن فِيمَن اشْترى عبدا واستغله ثمَّ ظهر على عيب فَإِن شَاءَ أَن يردهُ رده وَالْغلَّة مَعَه(3/157)
قَالَ عبيد الله فَإِن وهب للْعَبد هبة رده مَعَ الْهِبَة على البَائِع
وَقَالَ الشَّافِعِي الْوَلَد كالغلة لَا يرد مِنْهُ شَيْء وَيرد الْأُم
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول عُثْمَان البتي وَعبيد الله فِي رد الْغلَّة مَعَ الأَصْل مُخَالف لقَوْل جَمِيع أهل الْعلم وَقد روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه جعل الْغلَّة للْمُشْتَرِي بِالضَّمَانِ ورد الأَصْل
1234 - فِي حُدُوث الْوَلَد قبل الْقَبْض
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى جَارِيَة فَولدت قبل الْقَبْض فَأَخذهَا المُشْتَرِي ثمَّ وجد بِأَحَدِهِمَا عَيْبا رده بِحِصَّتِهِ من الثّمن يقسم على قيمَة الْأُم يَوْم العقد وَقِيمَة الْوَلَد يَوْم الْقَبْض
وَقَالَ مَالك إِذا حدث بهَا عيب فِي يَد المُشْتَرِي ثمَّ وجد عَيْبا دلسه البَائِع فَإِنَّهُ ينظر إِلَى قيمَة الْأُم يَوْم العقد بِلَا ولد وَقِيمَة الْوَلَد يَوْم ولدت فَيقسم الثّمن على ذَلِك ثمَّ يرجع بِقِيمَة الْعَيْب وَكَذَلِكَ لَو ولدت بعد الْقَبْض فَهُوَ مثل ذَلِك وَلَو ولدت فِي يَد المُشْتَرِي ثمَّ مَاتَ الْوَلَد رد الْأُم بِجَمِيعِ الثّمن فَإِن حدث بهَا نُقْصَان الْولادَة رد النُّقْصَان مَعهَا لِأَن نُقْصَان الْولادَة مثل العور والشلل والعيوب الْمفْسدَة
وَعند الشَّافِعِي أَن ولد المعيبة لَا حِصَّة لَهُ من الثّمن سَوَاء وَلدته فِي يَد البَائِع بعد البيع أَو المُشْتَرِي(3/158)
1235 - فِي الزِّيَادَة فِي الْبدن
ذكر مُحَمَّد فِي إمْلَائِهِ فِيمَن اشْترى عبدا بِجَارِيَة وَتقَابَضَا ثمَّ وجد بِهِ الْعَيْب وَقد زَادَت الْجَارِيَة فِي بدنهَا أَنه يردهُ وَيَأْخُذ الْجَارِيَة زَائِدَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ مَالك الزِّيَادَة فِي الْبدن يمْنَع الرَّد وَيرجع بِحِصَّة الْعَيْب وَلَو زَادَت قِيمَته بتَعَلُّم صناعَة كَانَ لَهُ أَن يردهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي الزِّيَادَة فِي الْبدن فِي يَد الْمَرْأَة يمْنَع رُجُوعه إِلَى الزَّوْج بِالطَّلَاق قبل الدُّخُول إِلَّا أَن تشَاء هِيَ أَن ترد نصفهَا زَائِدَة
1236 - فِي حُقُوق العقد بِمن يتَعَلَّق
قَالَ أَصْحَابنَا حُقُوق العقد يتَعَلَّق بالمتعاقدين وَإِن كَانَا وكيلين لغَيْرِهِمَا وَيثبت لَهما حق الْقَبْض وَعَلَيْهِمَا حق التَّسْلِيم وَهَذَا الَّذِي يتَوَلَّى الرَّد بِالْعَيْبِ دون الْآمِر وَلَا يُبَالِي حضر الْآمِر أم غَابَ وَلَا يَمِين على الْآمِر للْبَائِع
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا يَسْتَطِيع المُشْتَرِي أَن يرد بِالْعَيْبِ حَتَّى يحضر الْآمِر فَيحلف مَا رَضِي بِالْعَيْبِ
وَقَالَ أَصْحَابنَا فِي الْوَكِيل بِالنِّكَاحِ وَالْخلْع وَالصُّلْح من دم الْعمد لَيْسَ يتَعَلَّق بِهِ من حُقُوق هَذِه الْعُقُود شَيْء وَإِنَّمَا يتَعَلَّق بالموكل
وَقَالَ مَالك إِذا لم يقل الْوَكِيل عِنْد الشِّرَاء إِنِّي اشْتريت لفُلَان فالثمن على الْوَكِيل وَإِن قَالَ اشتريه لفُلَان الْعهْدَة على فلَان دون الْوَكِيل وَكَذَا الْوَكِيل بِالْبيعِ إِذا قَالَ هُوَ لفُلَان الْعهْدَة على الْآمِر وَإِن لم يقل ذَلِك فالعهدة على الْوَكِيل البَائِع وَيرد عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ والمنادي الَّذِي يَبِيع فِيمَن يزِيد لَا عُهْدَة عَلَيْهِ(3/159)
وَلَا يرد عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ وَكَذَلِكَ الْأَجِير فِي البيع وَالشِّرَاء وَالْوَكِيل بِالْبيعِ وَالْوَصِيّ إِذا قَالَا بِبيع أَن لَا يَمِين كَانَ كَمَا قَالَ أَولا قطع السّنة فِي ذَلِك أَن عَلَيْهِ الْيَمين فَأرى أَن يسْتَحْلف وَيرد البيع إِذا لم يحلف
قَالَ وَإِذا وكل رجلا بِبيع سلْعَة فَبَاعَهَا كَانَ للْوَكِيل أَن يقبض الثّمن وَالْوَكِيل بِالنِّكَاحِ لَا يقبض الصَدَاق
وَقَالَ الثَّوْريّ الْوَكِيل بِالشِّرَاءِ يُخَاصم فِي الرَّد بِالْعَيْبِ دون الْمُوكل
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ للْبَائِع عَن الْوَكِيل أَن يَأْخُذ الْوَكِيل بِالثّمن وَإِن شَاءَ أَخذ الْمُوكل وَإِن شَاءَ أخذهما جَمِيعًا وَللْمُشْتَرِي من الْوَكِيل أَن يرد بِالْعَيْبِ على الْوَكِيل إِن شَاءَ وَإِن شَاءَ على الْآمِر وَله أَن يسْتَحْلف كل وَاحِد مِنْهُمَا وَأيهمَا نكل عَن الْيَمين لزمَه
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن الْعهْدَة على الْوَكِيل إِلَّا أَن يشترطانها على الْآمِر فَيكون على الْآمِر دونه
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ لَو وَكله بشرَاء سلْعَة فَوجدَ بهَا عَيْبا كَانَ لَهُ الرَّد بِالْعَيْبِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يحلف مَا رَضِي بِهِ الْآمِر قَالَ وَإِن وَكله بِبيع مَتَاعه فَبَاعَهُ فَقَالَ الْوَكِيل قد دفعت إِلَيْك الثّمن فَالْقَوْل قَوْله وَهَذَا يدل على أَن قبض الثّمن عِنْده إِلَى الْوَكِيل
وَقَالَ فِي الْوَكِيل بِالْخلْعِ لاضمان عَلَيْهِ وَالضَّمان على الْمَرْأَة إِلَّا أَن يضمن الْوَكِيل
1237 - فِي العَبْد يُوجد لَهُ زَوْجَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى عبدا لَهُ امْرَأَة أَو أمة لَهَا زوج ثمَّ علم فَهَذَا عيب يرد مِنْهُ وَكَذَلِكَ قَول مَالك وَعبيد الله بن الْحسن قَالَ مَالك وَلَو كَانَ للْعَبد أَو الْجَارِيَة ولد كَانَ هَذَا عَيْبا(3/160)
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا وجد لَهُ امْرَأَة فَلهُ أَن يكرههُ على طَلاقهَا فَإِن أَبى أَن يطلقهَا فَلَزِمته نَفَقَة لَهَا فَهِيَ على البَائِع وَالزَّوْج لِلْجَارِيَةِ عيب أَيْضا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا اشْترى عبدا فَوجدَ لَهُ امْرَأَة فَلَيْسَ ذَلِك بِعَيْب
وَقَالَ الشَّافِعِي كل مَا ينقص الثّمن فَهُوَ عيب
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ أَصْحَابنَا نَفَقَة الْمَرْأَة وصداقها يلْزم العَبْد فِي رقبته يبع فِيهَا
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ هما دين فِيمَا يُوهب لَهُ أَو يتَصَدَّق بِهِ عَلَيْهِ
1238 - فِي الْأَجِير فِي البيع إِذا فسخ البيع
قَالَ قِيَاس قَول أَصْحَابنَا فِيمَن اسْتَأْجر رجلا على بيع سلْعَة فَبَاعَهَا ثمَّ ردَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْب بِقَضَاء قَاض أَن الْأُجْرَة بَاقِيَة لَا تسْقط بِنَقْض البيع وَهُوَ قِيَاس قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك وَعبيد الله بن الْحسن تسْقط الْأُجْرَة
1239 - فِيمَن يجد الْعَيْب وَالْبَائِع غَائِب
قَالَ أَصْحَابنَا لَا ينْقض البيع فِيهَا حَتَّى يحضر البَائِع أَو خصم عَنهُ
وَقَالَ مَالك إِن كَانَت غيبته بعيدَة وَأقَام المُشْتَرِي الْبَيِّنَة أَنه اشْتَرَاهُ على عُهْدَة الاسلام ونقده الثّمن يلْزم السُّلْطَان البَائِع فَإِن طمع فِي قدومه وَإِلَّا بَاعه وَقضى الرجل حَقه فَإِن فضل شَيْء حَبسه للْبَائِع وَإِن كَانَ على نُقْصَان رَجَعَ المُشْتَرِي على البَائِع بِهِ وَهُوَ قِيَاس قَول الشَّافِعِي فِي الْقَضَاء على الْغَائِب
1240 - فِي ذِي الْعَهْد إِذا أسره قوم اخرون
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا صَالح الامام أهل دَار فِي دور الْحَرْب على مَا يأمنون بِهِ ثمَّ سباهم قوم اخرون من أهل الْحَرْب فلنا أَن نشتريهم ونسترقهم وَهُوَ قَول اللَّيْث(3/161)
وَقَالَ مَالك لَا يجوز لنا أَن نشتريهم وَهُوَ قِيَاس قَول الشَّافِعِي لِأَنَّهُ قَالَ من لَهُ أَمَان فَهُوَ بِمَنْزِلَة الذِّمِّيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَيْسُوا بِمَنْزِلَة الذميين لِأَن علينا أَن نُقَاتِل عَن أهل الذِّمَّة وندفع عَنْهُم وَلَيْسَ علينا ذَلِك لمن كَانَ بَيْننَا وَبَينه هدنه من اهل الْحَرْب
1241 - فِيمَن اشْترى أَبَاهُ وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا
قَالَ ابو حنيفَة لَا يعْتق عَلَيْهِ وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يعْتق عَلَيْهِ
1242 - فِيمَن لَا يفرق بَينهم من ذَوي الْأَرْحَام
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يَنْبَغِي أَن يفرق ذِي بَين رحم محرم إِذا كَانَا صغيرين أَو كَانَ أَحدهمَا صَغِيرا حَتَّى يبلغ فَإِن بَاعَ أَحدهمَا فقد أَسَاءَ وَالْبيع جَائِز فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يجوز البيع فِي التَّفْرِيق بَين الْوَلَد وَالْوَالِد
وَقَالَ مَالك بَين الوالدة وَوَلدهَا
وَقَالَ ابْن وهب فَقلت لمَالِك فالوالد وَولده قَالَ لَيْسَ فِي ذَلِك شَيْء
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا يفرق بَين العَبْد وَولده الصغار وَلَا بَينهم وَبَين أمهاتهم حَتَّى يستغنوا عَن الْأُمَّهَات
قَالَ مَالك وَيجوز أَن يفرق بَين الصَّغِير وَبَين جده وَإِخْوَته وَسَائِر ذَوي الرَّحِم الْمحرم مِنْهُ إِلَّا الْوَلَد والوالدين قَالَ مَالك وَلَو كَانَ لرجل أمة وَلها ابْن صَغِير لِابْنِ صَغِير لرجل فِي عيالة لم يفرق بَينهمَا فِي البيع وَقَالَ الثورى إِذا اسْتغنى عَن الْأُم فَلَا بَأْس بالتفرقة(3/162)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا اسْتغنى عَن الْحَضَانَة فقد خرج عَن الصَّغِير
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا بَأْس بِأَن يفرق بَين المولودين
وَقَالَ اللَّيْث لَا يفرق بَين الْوَالِد وَوَلدهَا حَتَّى يبلغ تسع سِنِين أَو عشرا وَلَا بَأْس بِأَن يفرق بَين الوالدة وَولده وَبَين الْأَخَوَيْنِ
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن لَا يفرق بَين الْوَالِد وَبَين الْأَخَوَيْنِ وَالْوَالِد أَشد من الْأَخَوَيْنِ حَتَّى يَسْتَغْنِي عَن الْحَضَانَة ويستنجي وَقَالَ فِي الْجَارِيَة الخماسية إِذا اشتهت هِيَ وَأمّهَا أَن تبَاع لم أر بَأْسا
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يفرق بَين المسبية وَوَلدهَا حَتَّى يبلغ سبعا أَو ثَمَان سِنِين وَكَذَلِكَ ولد الْوَلَد فَأَما الأخوان فَيُفَرق بَينهمَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا أَبُو أُميَّة قَالَ حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى الْعَبْسِي قَالَ أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن مجمع الانصار عَن طليق بن عمرَان عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فرق بَين وَالِد وَولده وَبَين الْأَخ وأخيه
وَأهل الحَدِيث يضعفون إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل هَذَا من غير إِسْقَاط مِنْهُم لَهُ
وروى ابْن وهب عَن حييّ بن عبد الله الْمعَافِرِي عَن أبي عبد الرَّحْمَن(3/163)
الحبلي عَن أبي أَيُّوب الْأَنْصَار قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من فرق بَين وَالِدَة وَوَلدهَا فرق الله بَينه وَبَين أحبته يَوْم الْقِيَامَة
وروى سعيد بن أبي عرُوبَة عَن الحكم بن عُيَيْنَة عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أبيع غلامين أَخَوَيْنِ وَفرقت بَينهمَا فَذكرت ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أدركهما وارتجعهما وَلَا تبعهما إِلَّا جَمِيعًا وَلَا يفرق بَينهمَا ويطعن من جِهَة أَن سعيدا لَا يعرف لَهُ سَماع من الحكم وَبِأَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة رَوَاهُ عَن الحكم عَن مَيْمُون بن أبي شبيب عَن عَليّ
فَيُقَال لَهُم أَن الْحجَّاج لَيْسَ بِحجَّة على سعيد بل سعيد حجَّة عَلَيْهِ لفضله فِي الضَّبْط والاتفاق
وَقد روى زيد بن أبي أنيسَة هَذَا الحَدِيث عَن الحكم عَن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي ليلى كَرِوَايَة سعيد
وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي الصغار لِأَن فِي حَدِيث عِكْرِمَة بن عمار عَن إِيَاس بن سَلمَة عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه مَعَ أبي بكر إِلَى بني فَزَارَة فسيرا سبيا(3/164)
فيهم امْرَأَة مَعَ ابْنَتهَا فنفل أَبُو بكر ابْنَتهَا فَلَمَّا قدمُوا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَب إِلَى امْرَأَة فَوَهَبَهَا لَهُ فَبعث بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَكَّة فدى بهَا أسرى من الْمُسلمين
فَعلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بنفل أَبى بكر إِيَّاهَا دون أمهَا فَلم يُنكره
وروى ابْن بُرَيْدَة عَن أَبِيه أهْدى أَمِير القبط لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جاريتين فتسرى بِإِحْدَاهُمَا فَولدت لَهُ إِبْرَاهِيم وَأعْطى الْأُخْرَى لحسان بن ثَابت
فَفرق بَينهمَا إِذا كَانَتَا كبيرتين فَثَبت أَن الْأَخْبَار الأولى من النَّهْي عَن التَّفْرِيق فِي الصغار
1243 - فِيمَن اشْترى الْأُم وَالْولد صَفْقَة ثمَّ وجد عَيْبا
قَالَ أَصْحَابنَا يرد الْمَعِيب ويمسك الْأُخْرَى
وَذكر بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف أَنه يردهما جَمِيعًا كالخفين والنعلين
وَقَالَ مَالك يردهما جَمِيعًا سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عبد الرَّحْمَن بن فروخ عَن أَبِيه قَالَ كتب عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَن لَا يفرق بَين أَخَوَيْنِ مملوكين فِي البيع(3/165)
1244 - إِذا حدث فِي أَحدهمَا مَا يمْنَع البيع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا دبر أَحدهمَا لم يكره أَن يَبِيع الآخر
وَقَالَ مَالك لَا يجوز أَن يَبِيع الْأُم إِن دبر الْوَلَد وَلَا يَبِيع الْوَلَد إِن دبر الْأُم
قَالَ وَإِن أعتق الْوَلَد فَإِنَّهُ يَبِيع الْأُم وَيشْتَرط على المُشْتَرِي أَن لَا يفرق بَينهمَا
1245 - هَل يجْبر على الْجمع بَينهمَا إِذا كَانَا فِي ملكَيْنِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ الْوَلَد لرجل وَالأُم لِأَبِيهِ فَلَا بَأْس أَن يَبِيع كل وَاحِد على الأنفراد
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَت أمة لرجل وَابْن لَهَا صَغِير لأَجْنَبِيّ فَإِنَّهُمَا يجبران جَمِيعًا على أَن يجمعا بَينهمَا جَمِيعًا وَلَا يفرق بَينهمَا وَلَو أَن رجلا كَانَ لَهُ أمة وَأَوْلَادهَا صغَار فأوصى بالأولاد لرجل وبالأم لرجل فَالْوَصِيَّة جَائِزَة وَيجْبر الْمُوصى لَهما على أَن يجمعا بَين الْأُم وَالْولد
1246 - فِي جِنَايَة أَحدهمَا هَل توجب التَّفْرِيق
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ لَهُ عبد وَابْنه صَغِير فجنى العَبْد دفع بِالْجِنَايَةِ دون الآخر وَكَذَلِكَ لَو لحقه دين بيع فِيهِ وَحده
وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي الدّين يباعان جَمِيعًا فَيَقْضِي بِحِصَّة الْمَدِين من الثّمن دينه وَحِصَّة الآخر للْمولى
وَقَالَ مَالك يدْفع الْجَانِي بالجنانة ثمَّ يُقَال للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ وَللْآخر يبْقى الْأمة وَالْولد جَمِيعًا لَا يفرق بَينهمَا فَتكون حِصَّة الْجَانِي من الثّمن للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ وَحِصَّة الَّذِي جنى للْمولى
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي إِذا حدث فِي أَحدهمَا مَا يمْنَع بَيْعه جَازَ أَن يَبِيع الآخر(3/166)
1247 - فِي الْعَبْدَيْنِ يشتريان صَفْقَة فيوجد أَحدهمَا حرا أَو مُدبرا أَو نَحوه
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى عَبْدَيْنِ صَفْقَة وَاحِد بِثمن وَاحِد فَإِذا أَحدهمَا حر فَالْبيع بَاطِل فِي العَبْد وَإِن وجد أَحدهمَا مكَاتب أَو مُدبر أَو كَانَت أمة فَكَانَت أم ولد فَالْبيع جَائِز فِي العَبْد بِحِصَّتِهِ
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ أَحدهمَا حرا وَاسْتحق نظر فِي الْحر أَو الْمُسْتَحق فَإِن كَانَ وَجه الْعَبْدَيْنِ أَو من أَجله اسْتَويَا رد الْبَاقِي وَإِن لم يكن كَذَلِك لزمَه الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ من الثّمن
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا اشْترى مَا يحل وَمَا لَا يحل صَفْقَة وَاحِدَة فسد البيع فِي الْجَمِيع كشاة وخنزير
وَقَالَ اللَّيْث إِذا اشْترى دَارا فَإِذا نصفهَا فِي سَبِيل الله تَعَالَى جَازَ البيع فِي النّصْف الآخر بِنصْف الثّمن وَللْمُشْتَرِي الْخِيَار فِي فسخ البيع
1248 - فِيمَن اشْترى جَارِيَة بِعَبْد فَأعْتقهَا ثمَّ اسْتحق العَبْد
قَالَ أَصْحَابنَا عتقه جَائِز وَيغرم قيمتهَا وَكَذَلِكَ لَو كَانَ العَبْد مُدبرا أَو مكَاتبا وَلَو كَانَ العَبْد حرا لم ينفذ عتق المُشْتَرِي فِي الْجَارِيَة
وَقَالَ مَالك إِذا استولد الْجَارِيَة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا اشْترى عبدا بيعا فَاسِدا فَأعْتقهُ بعد الْقَبْض نفذ عتقه وَغرم قِيمَته(3/167)
1249 - فِي غلَّة مَا اسْتحق
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري فِي غلَّة النّخل من الثَّمَرَة وَولد الْجَارِيَة إِذا اسْتَهْلكهُ المُشْتَرِي ثمَّ اسْتحق فعلى المُشْتَرِي ضَمَان مَا أتلف فِي ذَلِك الْمُسْتَحق وَلَو آجر العَبْد أَو الأَرْض فَأخذ الْغلَّة لم يكن عَلَيْهِ فِيهَا ضَمَان لمستحق وَيتَصَدَّق بهَا
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي الثَّمَرَة إِذا استهلكها الْمُسْتَحق
وَقَالَ مَالك غلَّة النّخل للْمُشْتَرِي بِالضَّمَانِ كغلة الدَّار وَالْعَبْد وَلَو كَانَ ذَلِك هبة كَانَت للْمُسْتَحقّ فِي النّخل
وَقَالَ الشَّافِعِي غلَّة النّخل للْمُسْتَحقّ وَكَذَلِكَ ولد الْجَارِيَة
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف بَينهم أَن ولد الْأمة للْمُسْتَحقّ كَذَلِك ثَمَر النّخل لِأَنَّهَا حَادث من الأَصْل وَلَيْسَ كَذَلِك غلَّة الدَّار وَالْعَبْد لِأَنَّهَا مُسْتَحقَّة بِعقد الْإِجَارَة وَهِي للعاقد وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخراج بِالضَّمَانِ فَكل من أَتَّخِذ خراجا من شَيْء فِي ضَمَانه فخراجة لَهُ
1250 - فِي اسْتِحْقَاق بعض الْمَبِيع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى ثوبا فَاسْتحقَّ بعضه فَلهُ الْخِيَار فِي رد الْبَاقِي وَإِن كَانَ شَيْئا مِمَّا يُكَال أَو يُوزن وَقد قَبضه فَاسْتحقَّ بعضه فَلَا خِيَار لَهُ فِي رده
وَقَالَ زفر لَا فرق بَين الْقَبْض وَغَيره لَهُ الْخِيَار فِي الثَّوْب وَلَا خِيَار فِي الْمكيل وَالْمَوْزُون
وَقَالَ شائر أَصْحَابنَا إِذا اسْتحق شَيْء من ذَلِك قبل الْقَبْض فَلِلْمُشْتَرِي خِيَار قَالُوا وَلَو وجد بالمكيل وَالْمَوْزُون عَيْبا فَإِن شَاءَ رد الْجَمِيع وَإِن شَاءَ أمسك وَلَو كَانَا عَبْدَيْنِ كَانَ لَهُ أَن يرد بعد الْقَبْض أَحدهمَا دون الآخر(3/168)
وَقَالَ مَالك إِذا اسْتحق بعض الْحِنْطَة فَلهُ الْخِيَار إِن شَاءَ حبس مَا بَقِي بِحِصَّتِهِ من الثّمن وَإِن شَاءَ رد وَإِن وجد بِبَعْضِه عَيْبا لم يكن لَهُ أَن يرد بَعْضًا دون بعض
وَقَالَ ابْن أبي ليلى فِي الِاسْتِحْقَاق وَالْعَبْد لَا خِيَار لَهُ وَيَأْخُذ مَا بقى بِحِصَّتِهِ وَلم يفرق بَين الْقَبْض وَغَيره
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا خِيَار فِي شَيْء من الِاسْتِحْقَاق إِلَّا أَن يكون ضَرَرا نَحْو الدَّار يسْتَحق بَعْضهَا أَو الْجَارِيَة
1251 - فِي وجوب الْعقر للْمُسْتَحقّ على المُشْتَرِي
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى جَارِيَة فَوَطِئَهَا ثمَّ اسْتحقَّت فَعَلَيهِ الْعقر للْمُسْتَحقّ وَلَا يرجع بِهِ على البَائِع وَإِنَّمَا يرجع بِالثّمن وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ ابْن أبي ليلى يرجع بِالثّمن وبالعقر
وَقَالَ مَالك لَا شَيْء على المُشْتَرِي للْوَطْء بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا كَذَلِك إِن وجدت حرَّة
1252 - فِيمَن صَالح من الْعَيْب على عبد آخر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى عبدا فَوجدَ بِهِ عَيْبا قبل الْقَبْض فَصَالح مِنْهُ على عبد آخر فَكَأَنَّهُ اشتراهما يَنْقَسِم الثّمن على قيمتهَا وَلَو قبض الأول ثمَّ صَالح كَانَ العَبْد الثَّانِي مأخوذا بِحِصَّة الْعَيْب
قَالَ مَالك كَأَنَّهُ اشتراهما صَفْقَة يَنْقَسِم الثّمن عَلَيْهَا وَلم يذكر فرقا بَين الْقَبْض وَغَيره
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي لَا يجوز لِأَنَّهُ صلح من الْمَجْهُول وَهُوَ الْحصَّة(3/169)
1253 - فِيمَن يَبْنِي فِي أَرض ثمَّ اسْتحقَّت
قَالَ أَصْحَابنَا للْمُشْتَرِي أَن يرجع على البَائِع بِقِيمَة الْبناء ويسلمه إِلَيْهِ وَفِيه الْبناء
وَقَالَ مَالك فِيمَن أوصى لَهُ بِثلث مَاله فأخد فِي وَصيته دَارا أَو بِنَاء ثمَّ اسْتحق قيل للْمُسْتَحقّ ادْفَعْ بِنَاء هَذَا وَقِيمَة أَرْضك براحا
وَقَالَ مَالك حَدثنِي حميد بن قيس أَن رجلا غرس وديا مواتا فِي الأَرْض لَا يَرَاهَا لأحد فجَاء صَاحبهَا ورأقام عَلَيْهَا الْبَيِّنَة أَنَّهَا لَهُ فاختصما إِلَى عمر بن الْخطاب فَقَالَ عمر لصَاحب الأَرْض إِن شِئْت أَن تَأْخُذ كل مَا أحدث فِي أَرْضك بِقِيمَتِه وَإِن شِئْت فأعطه أَرْضك بِقِيمَتِهَا
قَالَ مَالك وَأَنا أرى ذَلِك
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يقوم الْمُسْتَحق للباني قيمَة بنائِهِ وَيرجع الْبَانِي بِالثّمن على بائعة
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن يرجع المُشْتَرِي على البَائِع بِقِيمَة الْبناء
وَقَالَ الشَّافِعِي يرجع المُشْتَرِي على البَائِع بِقِيمَة الْبناء
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَو قَالَ رجل لآخر اهدم لي حائطي هَذَا أَو اذْبَحْ شاتي هَذِه فَفعل ثمَّ اسْتَحَقَّه مُسْتَحقّ فضمن الْفَاعِل رَجَعَ بِهِ على الْأَمر لِأَنَّهُ غره وَهُوَ(3/170)
فَإِنَّمَا فعل على أَن لَا يلْحقهُ ضَمَان بِمَا فعله لَهُ كَذَلِك المُشْتَرِي دخل فِي العقد على أَن يسلم لَهُ مَا بَينه بِالثّمن الَّذِي سلمه إِلَى البَائِع فَإِذا لم يسلم لَهُ رَجَعَ بِهِ على البَائِع
1254 - فِي المُشْتَرِي يهْلك الشَّيْء من يَده ثمَّ يسْتَحق
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ إِذا اشْترى عبدا وَمَات فِي يَده ثمَّ اسْتَحَقَّه مُسْتَحقّ فَلهُ أَن يضمنهُ وَيرجع المُشْتَرِي على البَائِع بِالثّمن
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث إِذا مَاتَ فِي يَده فَلَا شَيْء للْمُسْتَحقّ عَلَيْهِ إِلَّا أَن يُقيم البينه أَنه غصبه لِأَنَّهُ يَقُول اشْتَرَيْته من سوق الْمُسلمين
وَقَالَ عُثْمَان البتي لَا يضمنهُ المُشْتَرِي للْمُسْتَحقّ وَلَو كَانَا وضعاه على يَدي رجل فَهَلَك فَالْمُشْتَرِي ضَامِن لِأَنَّهُ قد جرده وَمنعه
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ من اشْترى شَيْئا وَهُوَ لَا يعلم أَنه لغيره فاستهلكه ثمَّ اسْتَحَقَّه مُسْتَحقّ فَإِن المُشْتَرِي يتبع الَّذِي سَرقه مِنْهُ أَو غصبه إِيَّاه وَلم يكن لَهُ أَن يتبع الَّذِي اسْتَهْلكهُ لِأَنَّهُ اسْتَهْلكهُ وَهُوَ لَا يعلم أَنه لغير البَائِع
وَقَالَ الْحسن وَلَو كَانَ الْغَاصِب عبدا فَبَاعَهُ واستهلكه المُشْتَرِي فَالضَّمَان على المُشْتَرِي للْمُسْتَحقّ وَلكنه يتبع العَبْد ثمَّ يتبع مولى العَبْد المُشْتَرِي فرق بَين المُشْتَرِي من عبد وَمن الْحر
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَنه لَو اشْتَرَاهُ وَهُوَ عَالم بِأَنَّهُ لغيره أَنه يضمنهُ وَلَا يخْتَلف حكم الْعلم وَغَيره لِأَنَّهُ ضَمَان تعلق بالبض
1255 - فِيمَن اشْترى جَارِيَة لغيره فَأعتق ثمَّ أجَاز البيع
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمَالك فِيمَن اشْترى جَارِيَة من رجل بِغَيْر أَمر مَالِكهَا فَأعْتقهَا ثمَّ أجَاز الْمَالِك البيع جَازَ الْعتْق
وَقَالَ مُحَمَّد الْعتْق بَاطِل(3/171)
1256 - فِيمَن اشْترى جَارِيَة حَائِضًا هَل يعْتد بِتِلْكَ الْحَيْضَة
قَالَ أَصْحَابنَا يَسْتَبْرِئهَا المُشْتَرِي بِحَيْضَة مُسْتَقلَّة وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث إِذا استبرئها وَهِي فِي أول حَيْضهَا اعْتد بهَا وَإِن كَانَت فِي آخر حَيْضهَا لم يعمد بهَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يعْتد بهَا من الِاسْتِبْرَاء
روى مجَالد عَن أبي الوداك عَن أبي سعيد قَالَ أصبْنَا سَبَايَا يَوْم أَوْطَاس فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع وَلَا غير حَامِل حَتَّى تحيض حَيْضَة وَقَالَ سَائِر أَصْحَابنَا إِذا حَاضَت حَيْضَة فِي يَد البَائِع لم يعْتد بهَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ يدل على أَن قَوْلهم مثل قَول أبي يُوسُف
1257 - فِي اسْتِبْرَاء من لَا تحيض
قَالَ أَصْحَابنَا تستبرأ بِشَهْر
وَقَالَ مَالك تستبرأ الَّتِي لم تبلغ الْمَحِيض وَالَّتِي قد يئست من الْمَحِيض(3/172)
فِي البيع بِثَلَاثَة أشهر وَأما الصَّغِيرَة الَّتِي لَا تحيض مثلهَا فَلَا أرى عَلَيْهِ فِيهَا اسْتِبْرَاء
وَقَالَ الثَّوْريّ تستبرأ الَّتِي لَا تحيض من صغر أَو كبر بِشَهْر وَنصف أَو بِثَلَاثَة أشهر أَيهمَا فعل جَازَ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ بِثَلَاثَة أشهر وَرَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا ابْنة عشر سِنِين فَثَلَاثَة أشهر وَمَا دون ذَلِك فَلَا اسْتِبْرَاء لِأَن الأستبراء فِيمَا خيف عَلَيْهِ الْحَبل وَجعل ثَلَاثَة أشهر لِأَن الْحَبل يبين فِي مثلهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي شهر
وَاحْتج من قَالَ لَا تستبرأ الْبكر بِمَا روى عَن أبن بُرَيْدَة عَن أَبِيه أَن عليا عَلَيْهِ السَّلَام وَقع فِي سَهْمه جَارِيَة من الْحسن فَوَطِئَهَا وَلم يذكر فِيهِ اسْتِبْرَاء
وَهَذَا لَا حجَّة فِيهِ لِأَنَّهُ جَائِز أَن يكون استبرأها بِشَهْر وروى عَن ابْن عمر أَن الْعَذْرَاء لَا تستبرأ
1258 - فِيمَن ارْتَفع حَيْضهَا
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا ارْتَفع حَيْضهَا من من غير إِيَاس لم يَطَأهَا حَتَّى يعلم أَنَّهَا غير حَامِل
وروى عَنهُ أَنه قَالَ يقربهَا ثَلَاثَة أشهر أَو أَرْبَعَة حَتَّى يتَبَيَّن أحبلى هِيَ أم لَا وَكَذَلِكَ قَول أبي يُوسُف(3/173)
وَقَالَ مُحَمَّد حَتَّى تمْضِي أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَقَالَ مرّة تمْضِي شَهْرَان وَخَمْسَة أَيَّام
وَقَالَ زفر لَا يقربهَا حَتَّى تحيض حَيْضَة أَو تمْضِي سنتَانِ
وَقَالَ مَالك لَا يقربهَا حَتَّى تمْضِي ثَلَاثَة أشهر فَإِن ارتابت رفع بهَا إِلَى تِسْعَة أشهر وَلَيْسَ عَلَيْهِ بعد التِّسْعَة الْأَشْهر شَيْء إِلَّا إِن ارتابت فَإِن ارتابت لم يَطَأهَا حَتَّى تستبرأ من تِلْكَ الربية
وروى عَن مَالك أَنه قَالَ إِذا مَضَت لَهَا ثَلَاثَة أشهر دعى لَهَا القوابل فَإِن قُلْنَ لَا حمل بهَا فلسيدها أَن يَطَأهَا
وَقَالَ ابْن الْمُبَارك عَن الثَّوْريّ لَا يَطَأهَا حَتَّى تمْضِي سنتَانِ لِأَن الْحمل لَا يكون أَكثر من سنتَيْن
وَقَالَ اللَّيْث إِن كَانَت مِمَّن تحيض لم يَطَأهَا حَتَّى تحيض
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا اسْتَبْرَأَ أمسك عَن الْوَطْء حَتَّى يعلم أَن تِلْكَ الربية لم تكن
1259 - هَل تُوضَع المسبترأة على يَدي عدل
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يعْتد بالحيضة قبل الْقَبْض من الِاسْتِبْرَاء وَإِن وضعت على يَدي عدل فَهِيَ فِي ضَمَان البَائِع إِن هَلَكت هَلَكت من مَال البَائِع وَهُوَ قَول ابْن شبْرمَة(3/174)
وَقَالَ مَالك لَا يَبِيعهَا الْمَالِك إِذا وَطئهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئهَا فَإِن وَطئهَا وباعها وضعاها على يَدي امْرَأَة لتستبرأ آخر أَن هَذِه الْحَيْضَة للْبَائِع وَالْمُشْتَرِي جَمِيعًا وَكَذَلِكَ لَو لم يكن البَائِع وَطئهَا أَو كَانَت لصبي أَو امْرَأَة
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِيمَن يَشْتَرِي جَارِيَة فيتواضعا للحيضة فيصيبها عور أَو حيض قبل أَن تخرج من الْحَيْضَة فَهُوَ من ملك البَائِع وَالنَّفقَة على البَائِع حَتَّى تخرج من الْحَيْضَة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا وضعاها على يَدي عدل حَتَّى تحيض فَمَاتَتْ قبل ان تحيض فَهِيَ من مَال البَائِع
وَقَالَ اللَّيْث إِذا تواضعا الْجَارِيَة للاستبراء فَإِنَّهَا إِذا حَاضَت دفع الثّمن إِلَى البَائِع وَكَانَ من المُشْتَرِي وَلَا ينْتَظر من حَيْضهَا وَإِنَّمَا تُوضَع وَهِي طَاهِر فَإِذا رَأَتْ الدَّم فقد اسْتَبْرَأَ رَحمهَا وَوَجَبَت للْمُشْتَرِي وَإِن هلك الثّمن وحاضت الْجَارِيَة فعلى المُشْتَرِي غرم ثمنهَا للْبَائِع
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا وَجب البيع لم يكن لأَحَدهمَا فِيهَا مواضعة وَلزِمَ البَائِع التَّسْلِيم
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الْمُوَاضَعَة لَيست وَاجِبَة لِأَن العقد إِنَّمَا يُوجب تَسْلِيم الْبَدَل وَقد وافقهم مَالك وَغَيره على أَن الْجَوَارِي غير المرتفعات لَا تجب فِيهَا مواضعة فَإِن وَجب الِاسْتِبْرَاء فَكَذَلِك المرتفعات لَا تجب فِيهَا مواضعة لِأَن الِاسْتِبْرَاء فِيهِنَّ جَمِيعًا وَاجِب
وَقَالَ مَالك إِنَّمَا توجب الْمُوَاضَعَة فِي المرتفعات دون غَيْرهنَّ(3/175)
1260 - إِذا تَقَايلا قبل الْقَبْض هَل يجب الِاسْتِبْرَاء على البَائِع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أقاله قبل قبض الْجَارِيَة فَلَا اسْتِبْرَاء على البَائِع اسْتِحْسَانًا
وَقَالَ مَالك إِذا أقاله بعد الْقَبْض فِي مثل مَا لَا يُمكن أَن تحيض فِيهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاء وَلَا على المُشْتَرِي مواضعة لِأَنَّهَا لَو هَلَكت فِي مثل ذَلِك كَانَت من مَال البَائِع وَلَا يطَأ البَائِع حَتَّى يستبرئ لنَفسِهِ إِذا كَانَ المُشْتَرِي قد انْقَلب بهَا وَإِن كَانَا لم يفترقا بعد العقد حَتَّى أقاله فَلَيْسَ على البَائِع اسْتِبْرَاء
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا استبرأها البَائِع مثله قبل أَن يفترقا فَإِنَّهُ يستبرأ وَكَذَلِكَ قَول الشَّافِعِي
1261 - فِي الْمُكَاتبَة لعجز
قَالَ أَصْحَابنَا لَا اسْتِبْرَاء عَلَيْهِ فِي مُكَاتبَته إِذا عجزت
وَقَالَ الشَّافِعِي يَسْتَبْرِئهَا لِأَنَّهَا أبيحت لَهُ بِالْعَجزِ
1262 - فِيمَن اشْترى بِدَرَاهِم غَيره وَربح
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي رجل غصب ألف دِرْهَم فَاشْترى بهَا وَبَاعَ وَربح فَإِنَّهُ يتَصَدَّق بِالرِّبْحِ كُله وَعَلِيهِ ضَمَان الْألف لصَاحِبهَا
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَن الرِّبْح للْغَاصِب وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يتَصَدَّق بِهِ
وَقَالَ مَالك يطيب لَهُ الرِّبْح لِأَنَّهُ ضَامِن المَال
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ أسلم لَهُ أَن يتَصَدَّق بِالرِّبْحِ(3/176)
وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد يتَصَدَّق بِالرِّبْحِ
وَعَن عَطاء وَأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن أَن الرِّبْح للْغَاصِب
وَرُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه جعل الرِّبْح لصَاحب المَال
وَقد رُوِيَ عَن مَالك عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه أَن عبد الله وَعبيد الله ابْني عمر قفلا من غَزْوَة فمرا بِأبي مُوسَى فأسلفهما من بَيت المَال فاشتريا بِهِ مَتَاعا وحملاه إِلَى الْمَدِينَة فربحا فِيهِ فَقَالَ عمر أديا المَال وَربحه فَقَالَ عبيد الله مَا يَنْبَغِي لَك هَذَا لَو هلك المَال وَنقص ضمنا وَسكت عبد الله فَأَعَادَ عَلَيْهِمَا القَوْل فَرَاجعه عبيد الله فَقَالَ رجل لَو جعلته قراضا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ نعم فَأخذ نصف الرِّبْح
فَقَالَ أَبُو جَعْفَر يحْتَمل أَن يكون فعله عمر عُقُوبَة لَهما كَمَا شاطر عماله أَمْوَالهم
كَمَا روى هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب أَن رَقِيقا لحاطب سرقوا نَاقَة لرجل من مزينة فانتحروها فَرفع ذَلِك إِلَى عمر بن الْخطاب فَأمر كثير بن الصَّلْت أَن يقطع أَيْديهم ثمَّ قَالَ عمر إِنِّي لأرَاك تجيعهم وَالله لأغرمنك غرما يشق عَلَيْك ثمَّ قَالَ للمزني كم ثمن نَاقَتك قَالَ أَرْبَعمِائَة دِرْهَم فَقَالَ عمر أعْطه ثَمَانمِائَة دِرْهَم
قَالَ وَيدل على أَن عمر لم ير الصَّدَقَة بِالرِّبْحِ فِي طَرِيق الحكم إِلَّا على الْوَجْه الَّذِي قُلْنَا إِن عبيد الله لما قَالَ لَهُ لَو هلك المَال أَو نقص ضمناه فربحه لنا لم يُنكره عمر وَلَا أحد من الصَّحَابَة(3/177)
اخر الجزأ الأول من مُخْتَصر اخْتِلَاف الْعلمَاء للطحاوي تغمده الله برحمته ويتلوه فِي الْجُزْء الثَّانِي من تجزئة جزئي كتاب الصّرْف
وَالْحَمْد لله وَحده اللَّهُمَّ صل على سيدنَا مُحَمَّد واله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا(3/178)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَالْحَمْد لله الْوَاحِد الْعدْل
= كتاب الصّرْف =
1263 - فِي قبض الصّرْف
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز التَّقَابُض فِي الصّرْف مَا لم يفترقا وَإِن طَالَتْ الْمدَّة وانتقلا إِلَى مَكَان اخر وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا يصلح الصّرْف إِلَّا يدا بيد فَإِن لم ينقذه وَمكث مَعَه من غدْوَة إِلَى ضحوة قَاعِدا وَقد تصارفا غدْوَة فتقابضا ضحوة لم يصلح هَذَا وَلَا يكون الصّرْف إِلَّا عِنْد الايجاب بالْكلَام وَلَو انتقلا من ذَلِك الْموضع إِلَى مَوضِع غَيره لم يَصح تقابضهما
1264 - فِي الْوكَالَة فِي قبض الصّرْف
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز أَن يتعاقد الصّرْف ثمَّ يُوكل رجلا بِالْقَبْضِ مَا لم يتفرق(3/179)
المتعاقدان وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ مَالك يحْتَاج أَن يقبضهُ الْعَاقِد وَلَو صرف دِينَارا من رجلَيْنِ فَقَبضهُ أَحدهمَا بِأَمْر صَاحبه وَهُوَ حَاضر جَازَ ذَلِك
1265 - فِي قبض بعض الصّرْف
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قبض بعض الصّرْف وَترك الْبَعْض وافترقا صَحَّ فِي مِقْدَار الْمَقْبُوض وَبَطل فِيمَا لم يقبض
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ إِذا لم يقبض الْبَعْض حَتَّى افْتَرقَا بَطل البيع كُله
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْمنور لَو اشْترى عَبْدَيْنِ فَمَاتَ أَحدهمَا قبل الْقَبْض بَطل البيع فِي الْمَيِّت وَلم يبطل فِي الْبَاقِي كَذَلِك الصّرْف
1266 - فِي بيع الذَّهَب بِالْفِضَّةِ جزَافا
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس بذلك وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بشرَاء الذَّهَب بِالْفِضَّةِ جزَافا إِذا كَانَت تبرا أَو حليا فَلَا يمْنَع فَأَما الدَّرَاهِم المعدودة وَالدَّنَانِير المعدودة فَلَا يَنْبَغِي لأحد أَن يَشْتَرِي شَيْئا من ذَلِك جزَافا حَتَّى تعد وَتعلم مَا عَددهَا وَذَلِكَ مخاطرة وقمار ذكره ابْن الْقَاسِم عَن مَالك رَضِي الله عَنهُ
1267 - فِي الِاسْتِحْقَاق فِي الصّرْف
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى إبريق فضَّة بِمِائَة دِينَار وَتقَابَضَا وافترقا ثمَّ اسْتحق الابريق فَأجَاز الْمُسْتَحق البيع فَهُوَ جَائِز(3/180)
وَقَالَ مَالك وَزفر لَا يجوز إِلَّا أَن يُجِيز قبل الْفرْقَة
1268 - فِي التَّصَرُّف فِي ثمن الصّرْف
قَالَ أَصْحَابنَا وَاللَّيْث لَا يجوز بيع ثمن الصّرْف قبل الْقَبْض
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بِأَن يَأْخُذ بِهِ سلْعَة من السّلع
1269 - فِي الصّرْف على مَا لَيْسَ عِنْده
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ يجوز أَن يَشْتَرِي دِينَارا بِعشْرَة دَرَاهِم لَيست عِنْد وَاحِد مِنْهُمَا ثمَّ يستقرض فيدفعه قبل الْفرْقَة
وروى الْحسن عَن زفر أَنه لَا يجوز الصّرْف إِذا لم يعين أَحدهمَا فَلهُ أَن يَقُول اشْتريت مِنْك ألف دِرْهَم بِمِائَة دِينَار سَوَاء كَانَ ذَلِك عِنْدهمَا أَو لم يكن فَإِن عين أَحدهمَا وَهُوَ الْمَوْجُود فَلهُ أَن يَقُول اشْتريت مِنْك ألف دِرْهَم بِهَذِهِ الدَّنَانِير إِذا دَفعهَا قبل أَن يَتَفَرَّقَا
وَرُوِيَ عَن مَالك نَحْو قَول زفر إِلَّا أَنه قَالَ يحْتَاج أَن يكون قَبضه لما لم يُعينهُ قَرِيبا مُتَّصِلا بمنزله(3/181)
= كتاب الْعتاق =
1270 - فِي بيع الْمُدبر
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز بيع الْمُدبر وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَسَائِر أهل الْكُوفَة وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ لَا يجوز بيع الْمُدبر وَإِن بَاعَ مدبرته فَأعْتقهَا المُشْتَرِي فالعتق جَائِز وينتقض التَّدْبِير وَالْوَلَاء للْمُعْتق وَكَذَلِكَ إِن وَطئهَا فَحملت مِنْهُ صَارَت أم وَلَده وَبَطل التَّدْبِير
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا يُبَاع الْمُدبر إِلَّا من نَفسه أَو من رجل تعجل عتقه وَوَلَاؤُهُ لمن اشْتَرَاهُ مَا دَامَ الأول حَيا فَإِذا مَاتَ الأول رَجَعَ الْوَلَاء إِلَى ورثته
وَقَالَ اللَّيْث أكره بيع الْمُدبر فَإِن بَاعه فَأعْتقهُ المُشْتَرِي جَازَ عتقه وَوَلَاؤُهُ لمن أعْتقهُ(3/183)
وَقَالَ عُثْمَان البتي وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا يجوز بيع الْمُدبر من حَاجَة وَمن غير حَاجَة
وروى عَطاء عَن جَابر بن عبد الله أَن رجلا من الْأَنْصَار أعتق غُلَاما لَهُ عَن دبر مِنْهُ فَاحْتَاجَ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من يَشْتَرِيهِ مني فَاشْتَرَاهُ نعيم بن عبد الله بثمانمائة دِرْهَم فدفها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ
وَقَالَ عَطاء لَا يَبِيعهُ إلاأن يحْتَاج إِلَى ثمنه
1271 - فِي رهن الْمُدبر
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري لَا يجوز رَهنه
وَقَالَ مَالك يجوز رَهنه فَإِن مَاتَ الْمولي وَلَا دين عَلَيْهِ عتق من ثلثه وَإِن مَاتَ وَعَلِيهِ دين يُحِيط بالمدبر بيع فِي دينه
اتَّفقُوا أَن رهن أم الْوَلَد غير جَائِز كبيعها كَذَلِك الْمُدبر
1272 - فِي ولد الْمُدبرَة
قَالَ أَصْحَابنَا هُوَ بمنزلتها وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالك وَالْحسن بن حَيّ رَضِي الله عَنْهُم
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه بمنزلتها وَالْآخر أَنه مَمْلُوك لَا يعْتق بِالْمَوْتِ
وَرُوِيَ عَن عُثْمَان وَابْن عمر وَجَابِر أَن وَلَدهَا بمنزلتها يعتقون بِعتْقِهَا وَلم يخالفهم أحد من الصَّحَابَة(3/184)
1273 - فِي الْمُدبر من الثُّلُث
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُم الْمُدبر من الثُّلُث
وَقَالَ زفر وَاللَّيْث بن سعد الْمُدبر من جَمِيع المَال
وروى جَابر الْجعْفِيّ عَن الْقَاسِم عَن مَسْرُوق عَن عبد الله الْمُدبر من جَمِيع المَال وَهُوَ قَول مَسْرُوق وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
وروى إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن الشّعبِيّ أَن شريحا كَانَ يَقُول الْمُدبر من الثُّلُث وَقَالَ مَسْرُوق من جَمِيع المَال فَقلت لِلشَّعْبِيِّ أَيهمَا كَانَ أعجب إِلَيْك فَقَالَ مَسْرُوق كَانَ أفقههما وَشُرَيْح كَانَ أقضاهما
وَقد روى عَليّ بن ظبْيَان الْكُوفِي عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُدبر من الثُّلُث
وَهَذَا أَخطَأ فِيهِ عَليّ بن ظبْيَان وَإِنَّمَا أَصله مَوْقُوف عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ وَحَدِيث ابْن مَسْعُود لايصح رَوَاهُ جَابر الْجعْفِيّ
وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ عتق الْمُدبر من الثُّلُث(3/185)
1274 - فِي لفظ التَّدْبِير
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ إِن مت فَأَنت حر فَهُوَ مُدبر وَهُوَ قَالَ الثَّوْريّ وَلَا يجوز بَيْعه
وَإِن قَالَ إِن مت من مرضِي هَذَا فَأَنت حر جَازَ بَيْعه وَإِن مَاتَ فِي مَرضه فَهُوَ حر
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ إِذا قَالَ وَهُوَ صَحِيح أَنْت حر بعد موتِي فَإِن كَانَ أَرَادَ وَجه الْوَصِيَّة فَالْقَوْل قَوْله وَيجوز بَيْعه وَإِن أَرَادَ التَّدْبِير يمْتَنع من بَيْعه
1275 - فِي الْمُدبر يَمُوت مَوْلَاهُ وَعَلِيهِ دين
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ دين الْمولى مثل قِيمَته أَو أَكثر سعى فِي الْقيمَة وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي رجل مَاتَ وَلم يتْرك إِلَّا مُدبرا وَعَلِيهِ دين مثل نصف قِيمَته فَإِنَّهُ يُبَاع من الْمُدبر نصفه وَيعتق مِنْهُ ثلث النّصْف ويرق مِنْهُ ثلثا النّصْف الَّذِي بَقِي فِي أَيدي الْوَرَثَة فَإِن أحَاط الدّين رقبته بيع فِي الدّين
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يُبَاع فِي الدّين كَمَا يُبَاع غير الْمُدبر
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا لم يجز بَيْعه فِي الْحَيَاة لأجل الْحُرِّيَّة الَّتِي يَسْتَحِقهَا بِالْمَوْتِ عِنْد من لايرى بيع الْمُدبر فَأن لايباع فِي الْحَال الَّتِي يسْتَحق فِيهَا الْحُرِّيَّة أولى(3/186)
1276 - فِي الْعتْق فِي الْمَرَض مَعَ الدّين
قَالَ أَصْحَابنَا من أعتق عَبده فِي مَرضه وَعَلِيهِ دين يُحِيط بِقِيمَتِه وَلَا مَال لَهُ غَيره فَعَلَيهِ أَن يسْعَى فِي قِيمَته وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَابْن شبْرمَة والبتي وَعبد الله بن الْحسن وسوار وَهُوَ قَول النَّخعِيّ رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَمَالك وَالشَّافِعِيّ يُبَاع فِي الدّين وَلَا ينفذ فِي الْعتْق
1277 - فِي تَدْبِير أحد الموليين
قَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ إِذا دبر أحد الشَّرِيكَيْنِ فللآخر خمس خيارات إِن كَانَ مُوسِرًا إِن شَاءَ ضمن الشَّرِيك نصف قِيمَته عبدا وَإِن شَاءَ دبره كَمَا دبره شَرِيكه وَإِن شَاءَ أعْتقهُ وَإِن شَاءَ استسعى العَبْد فِي نصف قِيمَته عبدا يَوْم التَّدْبِير وَإِن شَاءَ تَركه بِحَالهِ عبدا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هُوَ مُدبر كُله للَّذي دبره وَيضمن لشَرِيكه مُوسِرًا كَانَ أَو مُعسرا
وَقَالَ مَالك إِن اشْتَرَاهُ الَّذِي دبره كَانَ مُدبرا كُله وَإِن لم يشتره انْتقض تَدْبيره إِلَّا أَن يَشَاء الَّذِي لم يدبر أَن يُعْطِيهِ الَّذِي دبر بِقِيمَتِه فَيلْزمهُ ذَلِك وَيكون مُدبرا كُله
1278 - فِي دَعْوَة أحد الشَّرِيكَيْنِ ولد الْمُدبرَة
قَالَ أَصْحَابنَا فِي أحد الشَّرِيكَيْنِ إِذا ادّعى ولد مُدبر بَينهمَا فَالْقِيَاس أَن لايصدق وَاسْتحْسن أَن يصدقهُ وَيجْعَل عَلَيْهِ نصف الْعقر وَنصف قيمَة مدبره يَوْم ولد
وَقَالَ زفر لَا يثبت نسبه(3/187)
وَقَالَ ابْن شبْرمَة على الواطىء نصف الْعقر وَنصف قيمَة خدمتها لشَرِيكه وَلَا يعرض الشَّرِيك للْوَلَد
وَقَالَ مَالك فَتَصِير أم ولد للواطىء وَيضمن نصف قيمتهَا وينفسخ التدبر وَإِن كَانَ مُعسرا وقفت فَإِن أَفَادَ مَالا أَخذ مِنْهُ نصف قيمتهَا وَكَانَت أم وَلَده فَإِن مَاتَ وَلَا شَيْء عِنْده بيع نصفهَا للَّذي لم يطَأ وَكَانَ الْوَلَد حرا وللميت نصف قيمَة أم الْوَلَد
1279 - فِي موت أحد موليي الْمُدبر
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا مَاتَ أحد موليي الْمُدبر عتق نصِيبه من الثُّلُث وَيسْعَى الآخر فِي نصف قِيمَته
وَقَالَ مَالك يعْتق نصيب الْمَيِّت من الثُّلُث وَلَا يقوم عَلَيْهِ نصيب صَاحبه فِي ثلثه فَإِن مَاتَ الْبَاقِي عتق نصِيبه أَيْضا من الثُّلُث
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يقوم عَلَيْهِ قيمَة عبد فيسعى على الْبَاقِي مِنْهُمَا فِي ربع قِيمَته
1280 - فِي مُدبر بَين رجلَيْنِ يعتقهُ أَحدهمَا
قَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ الْمُعْتق مُوسِرًا فشريكه بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أعتق وَإِن شَاءَ ضمن وَإِن شَاءَ استسعى وَالْوَلَاء بَينهمَا نِصْفَيْنِ
وَقَالَ زفر وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن كَانَ مُوسِرًا ضمن وَإِن كَانَ مُعسرا سعى وَالْوَلَاء نِصْفَيْنِ
وَقَالَ مَالك يقوم على الَّذِي أعتق وينفسخ التَّدْبِير(3/188)
وَقَالَ اللَّيْث لَا يضمن الْمُعْتق وَنصِيب الآخر على ملكه ويخدم الْمُدبر الشَّرِيك يَوْمًا ولنفسه يَوْمًا وَإِن مَاتَ العَبْد وَرثهُ الَّذِي لَهُ فِيهِ الرّقّ
1281 - فِي الْمُدبر يقتل مَوْلَاهُ
قَالَ أَصْحَابنَا وَعُثْمَان البتي إِن قَتله خطأ سعى فِي قِيمَته للْوَرَثَة وَإِن قَتله عمدا قتل بِهِ
وَقَالَ مَالك إِن قَتله عمدا بَطل التَّدْبِير وَصَارَ رَقِيقا للْوَرَثَة فَإِن شاؤوا قَتَلُوهُ وَإِن شاؤوا استحيوه وَكَانَ عبدا لَهُم فَإِن استحيوه جلد مائَة وَحبس عَاما وَلَا تغريب عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر مَالك يُجِيز الْوَصِيَّة فِي قتل الْخَطَأ فِي غير الدِّيَة وَفِي الدِّيَة لَا يجيزها وَلَا يُجِيز الْوَصِيَّة فِي قتل الْعمد
وَابْن شبْرمَة يُجِيز الْوَصِيَّة للْقَاتِل
فَإِن كَانَ الْمُدبر قَتله خطأ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن كَانَ عمدا قتل بِهِ
1282 - فِي بيع أم الْوَلَد
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَابْن شبْرمَة وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز بيعهم
وَقَالَ غَيرهم تبَاع
1283 - فِي الْأَب يطَأ جَارِيَته هَل تصير فراشا
قَالَ أَصْحَابنَا إِن حصنها فَأحب إِلَيْنَا أَن يقر بِهِ وَإِن لم يحصنها فَهُوَ فِي سَعْيه من نَفْيه وَلَا يلْزمه الْوَلَد فِي الْحَالين جَمِيعًا إِلَّا أَن يَدعِيهِ
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا عدل عَنْهَا لم يلْزمه(3/189)
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث إِذا أقرّ بِالْوَطْءِ لزمَه الْوَلَد وَلَا يَسْتَطِيع أَن يَنْفِيه إِلَّا أَن يدعى الِاسْتِبْرَاء قبل الْحمل فَإِن قَالَ لم تَلد بِهِ وَلم يدع الِاسْتِبْرَاء لم يلْتَفت إِلَى قَوْله لِأَنَّهَا مصدقة حِين أقرّ الْمولى بِوَطْئِهَا لِأَن الْوَلَد فِي بَطنهَا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا لم يقر بِالْوَلَدِ لم يلْزمه حَتَّى لَا يشك
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ كنت أعزل عَنْهَا ألحقت بِهِ الْوَلَد إِلَّا أَن يَدعِي الِاسْتِبْرَاء بعد النَّفْي للْوَطْء فَيكون ذَلِك لَهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه إِذا أقرّ بِالْوَطْءِ لزمَه الْوَلَد وَهُوَ قَول ابْن عمر
وَقَالَ زيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس أَنه قَالَ إِذا قَالَ لَيْسَ هُوَ مني فَالْقَوْل قَوْله وَإِن وَطئهَا
1284 - فِي دَعْوَة ولد جَارِيَة الابْن
قَالَ أَصْحَابنَا هِيَ أم وَلَده وَعَلِيهِ قيمتهَا إِذا كَانَ وَطئهَا فِي ملك الابْن وَلَا عقر عَلَيْهِ وَلَا قيمَة للْوَلَد وَإِن لم تحمل مِنْهُ فالجارية على ملك الابْن
وَقَالَ مَالك عَلَيْهِ قيمتهَا حملت مِنْهُ أَو لم تحمل وَلَو حملت مِنْهُ وَقد كَانَ الابْن وَطئهَا عتقت عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَو وطأ رجل بنت أم وَلَده عتقت عَلَيْهِ أم وَلَده لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ مِنْهَا إِلَّا الْوَطْء وَقد حرمت عَلَيْهِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا وطىء جَارِيَة ابْنه فَحملت فَهِيَ لَهُ وَيلْحق وَلَدهَا بِهِ وَلَا حد عَلَيْهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا حملت مِنْهُ فَعَلَيهِ مهر وَقيمتهَا وَإِن لم تحمل فَعَلَيهِ الْعقر وَحرمت على الابْن وَلَا قيمَة عَلَيْهِ بِأَن حرمت على الابْن آخر الْعتاق(3/190)
= كتاب الصَّيْد والذبائح =
1285 - فِي الصَّيْد بِمَدِينَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي قطع شَجَرهَا
قَالَ أَصْحَابنَا صيد الْمَدِينَة غير محرم وَكَذَلِكَ شَجَرهَا
وَقَالَ مَالك أكرهه وَلَا جَزَاء فِيهِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وروى سعيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وجدتموه يصيد فِي حُدُود حرم الْمَدِينَة أَو يقطع من شجر فَخُذُوا سلبه
وَأخذ سعد سلب من فعل ذَلِك
وَاتفقَ الْفُقَهَاء على أَنه لَا يُؤْخَذ سلبه فَدلَّ أَنه مَنْسُوخ وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا عُمَيْر مَا فعل النغير فَلم يُنكر صَيْده وإمساكه
وروى أَبُو نعيم عَن يُونُس بن أبي إِسْحَاق عَن مُجَاهِد عَن عَائِشَة كَانَ لآل رَسُول الله صلى اللعه عَلَيْهِ وَسلم وَحش فَإِذا خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعب وَاشْتَدَّ وَأَقْبل وَأدبر فَإِذا أحس برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قد دخل ربض فَلم يترمرم كَرَاهَة أَن يُؤْذِيه(3/191)
وروى مُوسَى بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ لَو كنت تصيد بالعيق لشيعتك إِذا خرجت وتلقيتك إِذا جِئْت فَإِنِّي أحب العيق
قَالَ وَمعنى نَهْيه عَن صيد الْمَدِينَة وشجرها أَن الفجرة كَانَت تَأتي إِلَيْهَا فَكَانَ بَقَاء الصَّيْد وَالشَّجر مِمَّا تَدْعُو إِلَى الفتها وَالزِّيَادَة فِي زينتها
كَمَا ورى نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن هدم آطاء الْمَدِينَة وَإِنَّهَا زِينَة للمدينة
قَالَ الشَّافِعِي أكره صيد وَج بِالطَّائِف وَقطع شَجَرهَا لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرمهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر مَا سمعنَا فِي ذَلِك رِوَايَة وَلَا هُوَ قَول أحد من الْعلمَاء
1286 - فِي أكل ذِي الناب من السبَاع
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يُؤْكَل ذُو الناب من السبَاع وَلَا ذُو مخلب من الطير
وَقَالَ مَالك لَا يُؤْكَل سِبَاع الْوَحْش وَلَا الهر الوحشي الأهلي وَلَا الثَّعْلَب وَلَا الضبع ولاشيئا من السبَاع وَلَا بَأْس بِأَكْل سِبَاع الطير(3/192)
الرخم والعقبان والنسور وغرها مَا أكل الْجِيَف مِنْهَا وَمَا لم يَأْكُل
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ الطير كُله حَلَال إِلَّا أَنهم يكْرهُونَ الرخم
وَقَالَ اللَّيْث لَا بَأْس بِأَكْل الهر وأكره الضبع
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يُؤْكَل ذُو الناب من السبَاع الَّتِي يعدو على النَّاس الْأسد والنمر وَالذِّئْب ويؤكل الضبع والثعلب وَلَا يُؤْكَل النسروالبازي وَنَحْوه لِأَنَّهَا تعدو على طيور النَّاس
روى عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن أكل ذِي نَاب من السبَاع وَذي مخلب من الطير
وَأَبُو ثَعْلَبَة الخنشنى يرويهِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن كل ذِي نَاب من السبَاع
وَأَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن أكل كل ذِي نَاب من السبَاع حرَام
وَكره أَصْحَابنَا الْغُرَاب الأبقع وَلم يكرهوا الزرعي لما روى قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه قَالَ خمس(3/193)
فواسق يقتلن فِي الْحل وَالْحرم أَحدهَا الْغُرَاب الأبقع لِأَنَّهُ يَأْكُل الْجِيَف فَصَارَ أصلا فِي كَرَاهَة مَا يَأْكُل الجيفة
1287 - فِي الْجَوَارِح الَّتِي يصطاد بهَا
قَالَ أَصْحَابنَا مَا علمت من كل ذِي مخلب من الطير وَذي نَاب من السبَاع فَإِنَّهُ يجوز صَيْده وَكَذَلِكَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُم
1288 - فِي الِاصْطِيَاد بكلب الْمَجُوسِيّ
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس بِهِ إِن كَانَ معلما وَهُوَ مَالك رَضِي الله عَنهُ وَإِن علمه الْمَجُوسِيّ فَإِذا اصطاد بِهِ مُسلم لَا بَأْس بِهِ وَهُوَ الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا
وَقَالَ الثَّوْريّ أكره الِاصْطِيَاد بكلب الْمَجُوسِيّ إِلَّا أَن يَأْخُذ من تَعْلِيم الْمُسلم
قَالَ أَبُو جَعْفَر الِاعْتِبَار بِالْمُسلمِ لِأَن مجوسيا لَو اصطاد بكلب مُسلم لم يُؤْكَل
1289 - فِي صيد الْكَلْب يغيب عَن صَاحبه
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا توارى عَنهُ الصَّيْد وَالْكَلب وَهُوَ فِي طلبه فَوَجَدَهُ قد قَتله(3/194)
جَازَ أكله وَإِن ترك الطّلب واشتغل بِعَمَل غَيره ثمَّ ذهب فِي طلبه فَوَجَدَهُ مقتولا وَالْكَلب عِنْده كرهنا أكله
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ إِذا أدْركهُ من يَوْمه أكله فِي الْكَلْب والسهم جَمِيعًا وَإِن كَانَ مَيتا إِذا كَانَ فِيهِ أثر جِرَاحَة وَإِن كَانَ بَات عَنهُ لم يَأْكُلهُ
وَقَالَ الثَّوْريّ رَضِي الله عَنهُ إِذا رَمَاه فَغَاب عَنهُ يَوْمًا أَو لَيْلَة كرهت أكله
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ رَضِي الله عَنهُ إِن وجده من الْغَد مَيتا أَو وجد فِيهِ سَهْمه أَو أثرا فليأكله
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْقيَاس أَن لَا يَأْكُلهُ إِذا غَابَ عَنهُ
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ كل مَا أصميت ودع مَا أنميت
وَفِي خبر آخر عَنهُ وَمَا غَابَ عَنْك لَيْلَة فَلَا تَأْكُله
وَقد روى الثَّوْريّ رَضِي الله عَنهُ عَن مُوسَى بن أبي عَائِشَة عَن عبد الله بن ابي رزين عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّيْد إِذا غَابَ عَنْك مصرعه كرهه وَذكر هوَام الأَرْض
قَالَ أَبُو جَعْفَر يتَوَهَّم قوم أَنه أَبُو رزين الْعقيلِيّ صَاحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ كَذَلِك إِنَّمَا هُوَ أَبُو رزين مولى أبي وَائِل
وروى مُعَاوِيَة بن صَالح عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفيز الْحَضْرَمِيّ عَن أَبِيه عَن أبي ثَعْلَبَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الَّذِي يدْرك صَيْده بعد ثَلَاث يَأْكُلهُ إِلَّا أَن ينتن(3/195)
وروى مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن عِيسَى بن طَلْحَة عَن عُمَيْر بن سَلمَة عَن رجل من بهز أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِالرَّوْحَاءِ فَإِذا هُوَ بِحِمَار وَحش عقير فِيهِ سهم قد مَاتَ فَقَالَ يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعوه حَتَّى يَجِيء صَاحبه فجَاء الْبَهْزِي فَقَالَ يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي رميتي فكلوه فَأمر أَبَا بكر بِأَن يقسمهُ بَين الرفاق وهم محرمون
فأباح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكله وَلم يسْأَله هَل تراخيت عَن طلبه أم لَا
ورى هشيم عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن عدي بن حَاتِم قَالَ قلت يَا رَسُول الله إِنَّا أهل صيد يرْمى أَحَدنَا الصَّيْد فيغيب عَنهُ اللَّيْلَة والليلتين ثمَّ نتبع أَثَره بَعْدَمَا نصبح فنجد سَهْما فِيهِ
قَالَ إِذا وجدت سهمك فِيهِ وَلم تَجِد فِيهِ أثر سبع وَعلمت أَن سهمك قَتله فَكل
فَذكر فِيهِ أَن علمه بسهمه قَتله فَيَنْبَغِي أَن يعْتَبر ذَلِك دون غَيره
1290 - فِي صيد المعراض
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أَصَابَهُ بعرضه وَقَتله لم يُؤْكَل وَإِن خرق بحده أكل وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري رَضِي الله عَنْهُمَا
قَالَ الثَّوْريّ وَإِن رميته بِحجر أَو ببندقية كرهته إِلَّا أَن يذكيه(3/196)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي المعراض خرق أَو لم يخرق
كَانَ أَبُو الدَّرْدَاء وفضاله بن عبيد وَعبد الله بن عمر وَمَكْحُول رَضِي الله عَنْهُم لَا يرَوْنَ بِهِ بَأْسا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا خزق الْحجر فَكل والبندقية لَا تخرق
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِن خزق برقته أَو قطع بحده أكل وَمَا خزق بثقله فَهُوَ وقيذ وَفِيمَا نالته الْجَوَارِح فَقتلته
فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن لَا يُؤْكَل حَتَّى يخرق لقَوْله تَعَالَى من الْجَوَارِح والأخر أَنه حل
وروى عدي بن حَاتِم قَالَ قلت يَا رَسُول الله إِنَّا نرمي بالمعراض
قَالَ مَا خزق فَكل وَمَا أصَاب بِعرْض فَلَا تَأْكُل فَأَنَّهُ وقيذ
وروى شعبه عَن قَتَادَة عَن عقبَة بن صهْبَان عَن عبد الله بن الْمُغَفَّل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْخذف وَقَالَ إِنَّهَا لَا تنكأ الْعَدو وَلَا تصيد الصَّيْد وَلكنهَا تكسر السن وتفقأ الْعين فَدلَّ على أَن الْجراحَة فِي مثله لَا تحل إِذْ لَيْسَ لَهُ حد وَإِنَّمَا الْجراحَة الَّتِي لَهَا حكم هِيَ الْجراحَة بِالْحَدِّ
1291 - فِي الْكَلْب يصدم الصَّيْد
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَتله بصدمته لم يُؤْكَل وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا(3/197)
1292 - فِي ترك التَّسْمِيَة على الصَّيْد والذبيحة
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالْحسن بن حَيّ إِن تَركهَا عمدا لم يُؤْكَل وَإِن تَركهَا نَاسا أكل
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يُؤْكَل فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
قَالَ سُئِلَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ عَمَّن نسي التَّسْمِيَة قَالَ ذكر الله فِي قلب الؤمن
1293 - إِذا أرْسلهُ على صيد فَأخذ غَيره
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُم يُؤْكَل
وَقَالَ مَالك لَا يُؤْكَل
قَالَ أَبُو جَعْفَر شَرط التَّسْمِيَة على الْإِرْسَال لَا على الْمُرْسل عَلَيْهِ فَإِذا صَحَّ الْإِرْسَال فَلَا اعْتِبَار بِمَا يأخده بعد لِأَنَّهُ قد انْقَطع حكم الْإِرْسَال
1294 - فِي الَّذِي يحس شَيْئا فيظنه صيدا فيرميه
قَالَ أَبُو يُوسُف عَن أبي حنيفَة رَضِي الله عَنْهُمَا فِي رجل سمع حسا فَظَنهُ صيدا فَرمى وَأصَاب صيدا فَإِذا الَّذِي سمع حس شَاة لم يَأْكُل ذَلِك الصَّيْد وَلَو ظَنّه شَاة فَرمى وسمى فَإِذا هُوَ صيد وَقد أصَاب غَيره أكله(3/198)
وَلَو سمع حسا فَظَنهُ رجلا فَرَمَاهُ وسمى فَأصَاب الْحس نَفسه فَإِذا هُوَ صيد أكل
وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه سمع حسا بلَيْل ظَنّه إنْسَانا أودابة فَرَمَاهُ فَأَصَابَهُ فَإِذا هُوَ صيد أَو أصَاب صيدا غَيره لم يَأْكُل
قَالَ وَلَا يحل الصَّيْد إِلَّا بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن يرميه وَهُوَ يُرِيد الصَّيْد وَيكون الَّذِي أَرَادَهُ وَسمع حسه ورماه صيدا
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ إِن رمى صيدا وَهُوَ يظنّ أَنه سبع أَو خِنْزِير فَأصَاب ظَبْيًا لم يَأْكُل لِأَنَّهُ لم يرد بِالرَّمْي الِاصْطِيَاد
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا رَمَاه وَهُوَ يرى أَنه سبع فَوَجَدَهُ صيدا وَقد سمى أكل
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو رمى شخصا يحسبه حجرا فَأصَاب صيدا لم أر أكله محرما كَمَا لَو أَخطَأ شَاة وذبحها لَا يريدها وكما لَو ذَبحهَا وَهُوَ يَرَاهَا خَشَبَة لينَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَنه لَو رمى عرضا فَأصَاب صيدا لم يُؤْكَل لِأَنَّهُ لم يرد الِاصْطِيَاد فَعلمنَا أَن من شَرطه إِرَادَة الِاصْطِيَاد
1295 - فِي الصَّيْد يقطع بعضه
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري إِذا قطعه بنصفين أكلا وَإِن قطع الثُّلُث مِمَّا يَلِي الرَّأْس أكلا وَإِن قطع الثُّلُث الَّذِي يَلِي الْعَجز أكل الثُّلُثَانِ الَّذِي يَلِي الرَّأْس وَلَا يَأْكُل الثُّلُث الَّذِي يَلِي الْعَجز
وَقَالَ ابْن أبي ليلى اللَّيْث إِذا قطع مِنْهُ قِطْعَة فَمَاتَ الصَّيْد مَعَ الضَّرْبَة اكلهما جَمِيعًا(3/199)
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ إِذا قطع وَسطه أَو ضرب عُنُقه أكل وَأَن قطع فَخذه لم يَأْكُل الفخد وَيَأْكُل الْبَاقِي
وَقَالَ الاوزاعى إِذا أبان عَجزه لم يَأْكُل مَا انْقَطع مِنْهُ وَيَأْكُل سائره وَإِن قطعه بنصفين اكله كُله
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِن قطعه قطعتين أكله وَإِن كَانَت إِحْدَاهمَا أقل من الْأُخْرَى وَإِن قطع مِنْهُ يدا أَو رجلا أَو أذنا أَو شَيْئا يُمكن أَن يعِيش بعده سَاعَة اكثر ثمَّ قَتله بعد برميته أكل مَا لم يبن وَلم يُؤْكَل مَا بَان وَفِيه الْحَيَاة وَلَو مَاتَ من الْقطع الأول أكلهما جَمِيعًا
1296 - فِي الْحمار الوحشي إِذا دجن
قَالَ اصحابنا وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُم فِي الْحمار الوحشي إِذا دجن وَألف أَنه جَائِز أكله
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْحمار الوحشي إِذا دجن وَصَارَ يعْمل عَلَيْهِ كالعمل على الْأَهْل فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَل
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ توحش الأهلي لَا يُخرجهُ عَن حكم جنسه فِي تَحْرِيم الْأكل كَذَلِك مَا أنس من الْوَحْش
1297 - فِي الصَّيْد يَقع فِي يَده
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن يدْرك صيد الْكَلْب السهْم فَيحصل فِي يَده حَيا ثمَّ يَمُوت فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَل إِن لم يقدر على ذبحه حَتَّى مَاتَ(3/200)
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا إِن لم يقدر على ذبحه حَتَّى مَاتَ أكل وَإِن صَار فِي يَده وَإِن قدر فَلم يذبحه لم يُؤْكَل وَإِن لم يحصل فِي يَده
وَقَالَ الثَّوْريّ إِن قدر أَن يأخده من الْكَلْب فيذبحه فَلم يفعل لم يُؤْكَل
وَقَالَ الأوزاعى إِذا أمكنه أَن يذكيه فَلم يفعل لم يُؤْكَل وَإِن لم يُمكنهُ حَتَّى مَاتَ بَعْدَمَا صَار فِي يَده أكل
وَقَالَ اللَّيْث إِن أدْركهُ فِي فَم الْكَلْب فَأخْرج سكينَة من خفه أَو مَنْطِقه ليذبحه فَمَاتَ قبل أَن يذبحه لم يَأْكُلهُ
1298 - فِي الْكَلْب يَأْكُل الصَّيْد
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أكل الْكَلْب من الصَّيْد فَهُوَ غير معلم لَا يُؤْكَل ويؤكل صيد الْبَازِي وَإِن أكل وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك والاوزاعى وَاللَّيْث يُؤْكَل وَإِن أكل مِنْهُ الْكَلْب
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يُؤْكَل إِذا أكل الْكَلْب والبازي مثله فِي الْقيَاس
وروى شعبه عَن عبد الله بن أبي السّفر عَن الشّعبِيّ عَن عدي بن حَاتِم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا أرْسلت كلبك فَذكرت اسْم الله فَكل وَإِن أكل مِنْهُ فَلَا تَأْكُل فَإِنَّمَا أمسك على نَفسه
وَلم يرو شَيْء يضاد هَذَا علمناه
وَعَن سعد وَابْن عمر أَنه يُؤْكَل وَإِن أكل مِنْهُ(3/201)
وَكَذَلِكَ يرْوى عَن سُلَيْمَان وَأبي هُرَيْرَة وَسَعِيد بن الْمسيب وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم قَالَ إِذا أكل الْكَلْب فَلَا تَأْكُل وَإِن أكل الْبَازِي فَكل
1299 - فِي الْبَعِير الشارد
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا لم يقدر على ذَكَاته فَإِنَّهُ يقتل كالصيد وَيكون مذكاة وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث لَا يُؤْكَل إِلَّا أَن ينْحَر
وَرُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عمر ومسروق مثل أَصْحَابنَا
1300 - فِي الْكَلْب يزْجر بعد انفلاته
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا انفلت الْكَلْب من صَاحبه فزجره وسمى فاصطاد أكل
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ الْكَلْب خرج لطلب الصَّيْد ثمَّ زَجره لم يُؤْكَل وَكَذَلِكَ إِن لم يكن فِي يَده فأشلاه فَإِن كَانَ فِي يَده فأشلاه أكل وَلَا يُؤْكَل إِن لم يكن فِي يَده
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مثل قَوْلنَا
1301 - فِي الصَّيْد يَقع على الأَرْض أَو غَيرهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا رمى الصَّيْد فِي الْهَوَاء فَوَقع على جبل فتردى وَمَات(3/202)
لم يُؤْكَل وَإِن وَقع على الْجَبَل أَو الأَرْض فَمَاتَ مَكَانَهُ أكل وَإِن وَقع فِي مَاء لم يُؤْكَل وقو الشَّافِعِي رَضِي الله عَنْهُم
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ إِذا أعَان على قَتله غرق أَو برد أَو كلب غير معلم لم يُؤْكَل وَإِن وَقع إِلَى الأَرْض فأدركه وسهمه لم ينفذ مقاتله لم يُؤْكَل وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَن ان يكون مَوته من المسقطة وَكَذَلِكَ فِي الوعل يكون على شرف فَيَقَع
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي طَائِر رَمَاه رجل وَهُوَ يطير فِي الجو فَوَقع فِي مَاء فَوَجَدَهُ مَيتا لم يَأْكُلهُ وَإِن وَقع على الأَرْض مَيتا أكله
وَقد روى عدي بن حَاتِم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا وَقعت رميتك فِي مَاء فَلَا تَأْكُل
1302 - فِي كَيْفيَّة ذَكَاة الموقوذة والمتردية وَنَحْوهمَا
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الأَصْل المتردية إِذا أدْرك ذكاتها قبل أَن تَمُوت أكلت وَكَذَلِكَ النطيحة والموقودة وَكَذَلِكَ مَا أكل السَّبع
وَعَن أبي يُوسُف فِي الْإِمْلَاء أَنه إِذا بلغ بِهِ ذَلِك حَالا لَا يعِيش من مثلهَا لم يُؤْكَل وَإِن ذكى قبل الْمَوْت(3/203)
وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه إِن كَانَ يعِيش مِنْهُ الْيَوْم وَنَحْوه أَو دونه فذكاها حلت وَإِن كَانَ لَا يبْقى إِلَّا كبقاء الْمَذْبُوح لم يُؤْكَل وَإِن ذبح
وَاحْتج بِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ كَانَت جراحته متلفة وَصحت عهوده أوامره وَلَو قَتله قَاتل فِي ذَلِك الْوَقْت كَانَ عَلَيْهِ الْقود
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ إِذا أدْرك ذكاتها وَهِي حَيَّة تضرب أكل
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا صَارَت بِحَال لَا تعيش أبدا لم تُؤْكَل وَإِن ذبحت
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا كَانَ فِيهَا حَيَاة فذبحت أكلت والمصبورة إِذا ذبحت لَا تُؤْكَل
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي السَّبع إِذا شقّ بطن الشَّاة فاستيقن أَنَّهَا تَمُوت إِن لم تذك فذكيت فَلَا بَأْس بأكلها
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا فِي الْأَنْعَام إِذا أصابتها الْأَمْرَاض المتلفة الَّتِي قد تعيش مَعهَا مُدَّة قَصِيرَة أَو طَوِيلَة إِن ذكاتها بِالذبْحِ فَإِنَّهَا لَو صَارَت فِي حَال النزع وَالِاضْطِرَاب للْمَوْت أَنه لَا ذَكَاة لَهَا فَكَذَلِك يَنْبَغِي فِي الْقيَاس أَن يكون حكم المتردية وَنَحْوهَا
1303 - فِي صيد الْكِتَابِيّ
قَالَ أَصْحَابنَا يحل صيد الْكِتَابِيّ كَمَا يحل ذَبِيحَته وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ رَضِي الله عَنْهُم
وَقَالَ مَالك لَا يُؤْكَل صيد الْكِتَابِيّ ويؤكل ذَبِيحَته(3/204)
1304 - فِي صيد النَّصَارَى
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أرسل كَلْبه وسمى باسم الله أكل وَإِن سمى باسم الْمَسِيح لم يُؤْكَل وَلَا فرق عِنْدهم بَين الْعَرَب والعجم
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ مَا ذبحوه لكنائسهم أكره أكله وَمَا سمي عَلَيْهِ باسم الْمَسِيح لَا يُؤْكَل وَالْعرب والعجم فِيهِ سَوَاء
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا ذبح وَأهل بِهِ لغير الله كرهه وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم
قَالَ الثَّوْريّ بَلغنِي عَن عَطاء أَنه قَالَ قد أحل الله مَا أهل لغير الله لِأَنَّهُ قد علم أَنهم سيقولون هَذَا القَوْل
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا سَمعه يُرْسِلهُ باسم الْمَسِيح أكل وَقَالَ فِيمَا ذبح أهل الْكِتَابَيْنِ لكنائسهم وأعيادهم كَانَ مَكْحُول لَا يرى بِهِ بَأْسا وَيَقُول هَذِه كَانَت ذَبَائِحهم قبل نزُول الْقرَان ثمَّ أحلهَا الله تَعَالَى فِي كِتَابه وَهُوَ قَول اللَّيْث
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي لَا خير فِي ذَبَائِح نَصَارَى الْعَرَب قَالَ وَمن دَان دين أهل الْكتاب قبل نزُول الْقرَان وَخَالف دين أهل الْأَوْثَان قبل نزُول الْقرَان فَهُوَ خَارج من أهل الْأَوْثَان وَتقبل مِنْهُ الْجِزْيَة عَرَبيا كَانَ أَو عجميا وَمن دخل عَلَيْهِ الاسلام وَلم يدن دين أهل الْكتاب عَرَبيا كَانَ أَو عجميا لم تقبل مِنْهُ الْجِزْيَة وَإِن دَان بدين أهل الْكتاب وَلَا يقبل مِنْهُ إِلَّا الاسلام أَو السَّيْف
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا إِكْرَاه فِي الدّين} الْبَقَرَة 256 قَالَ كَانَت الْمَرْأَة من الْأَنْصَار لَا يعِيش لَهَا ولد فتحلف لَئِن عَاشَ لَهَا ولد ليهودنه فَلَمَّا أجليت بَنو النَّضِير إِذا فيهم نَاس من أَبنَاء الْأَنْصَار فَقَالَت الْأَنْصَار يَا رَسُول الله أَبْنَاؤُنَا فَأنْزل الله تَعَالَى {لَا إِكْرَاه فِي الدّين}(3/205)
قَالَ سعيد فَمن شَاءَ لحق بهم وَمن شَاءَ دخل فِي الاسلام
فَلم يفرق بَين من دَان باليهودية قبل نزُول الْقرَان أَو بعده
وروى عبَادَة بن نسي عَن غُضَيْف بن الْحَارِث أَن عَاملا لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كتب إِلَيْهِ أَن نَاسا من السامرة يقرؤون التَّوْرَاة ويسبتون السبت وَلَا يُؤمنُونَ بِالْبَعْثِ فَكتب إِلَيْهِ عمر أَنهم طَائِفَة من أهل الْكتاب
وَمُحَمّد بن سِيرِين عَن عُبَيْدَة قَالَ سَأَلت عليا عَلَيْهِ السَّلَام عَن ذَبَائِح نَصَارَى الْعَرَب قَالَ لاتحل ذَبَائِحهم فَإِنَّهُم لم يتعلقوا من دينهم بِشَيْء إِلَّا بِشرب الْخمر
وروى عَطاء بن السَّائِب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ كلوا من ذَبَائِح بني تغلب وَتَزَوَّجُوا من نِسَائِهِم قَالَ الله تَعَالَى فِي كِتَابه {وَمن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُم فَإِنَّهُ مِنْهُم} الْمَائِدَة 51 فَلم يَكُونُوا مِنْهُم إِلَّا بِالْولَايَةِ
وَلم يفرق أحد من هَؤُلَاءِ بَين من دَان بذلك قبل نزُول الْقرَان أَو بعده وَلم يُخَالف عَلَيْهِم وَاحِد مِنْهُم فَصَارَ إِجْمَاعًا(3/206)
1305 - فِي ذَبَائِح الصابئيين
فِي الأَصْل لَا يُؤْكَل ذَبَائِح الصابئيين لأَنهم لَيْسُوا أهل كتاب
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْمَجُوس أهل كتاب تُؤْخَذ مِنْهُم الْجِزْيَة وَلَا ينْكح نِسَاؤُهُم وَكَذَلِكَ الصابئيون والسامرة فَقِيَاس قَوْله أَن لَا يُؤْكَل ذَبَائِحهم
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَأما الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَلهم كتاب وَهُوَ التَّوْرَاة والانجيل وَنحن نؤمن بِهِ وَغَيرهم لَا نعلم لَهُم كتابا من عِنْد الله يقرؤونه وَقَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْمَجُوس أهل كتاب لَا يُوجد لَهُ مخرج إِلَّا فِي شَيْء رَوَاهُ أَبُو سعد الْبَقَّال وَهُوَ لَا يحْتَج بِهِ
1306 - فِي ذَبِيحَة صبي وَأحد أَبَوَيْهِ كتابي
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ أحد أَبَوَيْهِ كتابيا فَالْوَلَد كتابي
وَقَالَ مَالك يلْحق بِالْأَبِ دون الْأُم على أَي دين كَانَ(3/207)
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ أَحدهمَا مجوسيا لم يُؤْكَل ذَبِيحَته
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا أَنه يلْحق بِالْأُمِّ فِي الْجِزْيَة وَأَن الْأَب إِذا كَانَ مُسلما فَهُوَ مُسلم فأحرى أَن يكون مُسلما بِإِسْلَام الْأُم وللكتابي بعض أَحْكَام الْمُسلمين فيتبعه أَيهمَا كتابي
1307 - فِيمَا يذكي بِهِ
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تجوز الذَّبِيحَة بظفر وَلَا بسن غير منزوع وَإِن ذبح بسن منزوع أَو ظفر منزوع أَو قصب أَو غَيره مِمَّا يفري الْأَوْدَاج وينهر الدَّم فَهُوَ مذكاة
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ كل مَا أبضع من عظم أَو غَيره ففرى الْأَوْدَاج فَلَا بَأْس بِهِ
وَقَالَ الثَّوْريّ رَضِي الله عَنهُ كل مَا فرى الْأَوْدَاج فَهُوَ ذَكَاة إِلَّا السن وَالظفر
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ رَضِي الله عَنهُ لَا يذبح بصدف الْبَحْر
وَكَانَ الْحسن بن حَيّ يكره أَن يذبح بالقرن وَالسّن والعظم وَالظفر
وَقَالَ اللَّيْث لَا بَأْس بِأَن يذبح كل مَا أنهر الدَّم إِلَّا الْعظم وَالظفر وَالسّن
وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ اسْتثْنى الظفر وَالسّن(3/208)
قَالَ أَبُو جَعْفَر السن وَالظفر المنهى عَن الذَّبِيحَة بهما إِذا كَانَتَا قائمتين فِي صاحبتهما فَأَما المنزوعتان فَلَا لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الظفر إِنَّهَا مدى الْحَبَشَة
وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ ذَلِك الخنق
1308 - فِي قطع الْأَوْدَاج
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قطع ثَلَاثَة من الْأَوْدَاج جَازَ والأوداج أَرْبَعَة وَهِي الْحُلْقُوم والمريء وعرقان من كل جَانب قَالَه أَبُو يُوسُف قَالَ وَقَالَ أَبُو حنيفَة فَإِذا قطع من هَذِه ثَلَاثَة أكل من أَي جَانب كَانَ
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث رَضِي الله عَنْهُمَا يحْتَاج أَن تقطع الْأَوْدَاج والحلقوم وَإِن ترك شَيْئا مِنْهَا لم يجز وَلم يذكر المريء
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا بَأْس إِذا قطع الْأَوْدَاج وَإِن لم يقطع الْحُلْقُوم
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أقل مَا يجزىء من الذَّكَاة قطع الْحُلْقُوم والمريء وَيَنْبَغِي أَن يقطع الودجين وهما العرقان وَقد ينسلان من الْبَهِيمَة والانسان ثمَّ يحيا فَإِن لم يقطع العرقين وَقطع الْحُلْقُوم والمريء جَازَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَنه يَنْبَغِي أَن تقطع هَذِه الْأَرْبَع فَإِن لم يكن قطع الودجين من شَرَائِط الذَّكَاة لَكَانَ فعله مَنْهِيّا عَنهُ لِأَنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي صِحَة الذَّكَاة(3/209)
1309 - فِي نحر الْبَقر وَذبح الْبَعِير
قَالَ أَصْحَابنَا وَاللَّيْث وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُم إِن نحر الْبَقَرَة أَو ذبح الْجَزُور كره وَجَاز
وَقَالَ مَالك إِن نحرت الْبَقَرَة أكلت أَو نحرت الشَّاة أَو شَيْئا من الطُّيُور لم يُؤْكَل إِذا كَانَ ذَلِك من غير ضَرُورَة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يُعجبنِي أَن تنحر الْبَقَرَة وَهُوَ قَول مُجَاهِد
قَالَ أَبُو جَعْفَر رَوَت فَاطِمَة بنت الْمُنْذر عَن أَسمَاء بنت أبي بكر قَالَت نحرنا فرسا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأكلناه
1310 - فِي الْجَرَاد
قَالَ أَبُو جَعْفَر يُؤْكَل الْجَرَاد كَيفَ مَاتَ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ مَا وجده مَيتا لم يَأْكُلهُ وَمَا أَخذه حَيا فَغَفَلَ عَنهُ حَتَّى مَاتَ لم يَأْكُلهُ وَإِن أَخَذته حَيا فَجَعَلته فِي غرارة فَمَاتَ لم يُؤْكَل إِلَّا مَا قطعت رَأسه وَإِن طرحته فِي النَّار وَهُوَ حَيّ من غير أَن تقطع رَأسه فَهُوَ حَلَال أَيْضا
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أَخذه حَيا ثمَّ مَاتَ فَلَا بَأْس بِهِ وَيكرهُ أكله إِذا وجده مَيتا
1311 - فِي شحوم ذَبَائِح الْيَهُود
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُم لَا بَأْس بِهِ(3/210)
وَقَالَ مَالك وَعبيد الله بن الْحسن رَضِي الله عَنْهُمَا لَا يُؤْكَل
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله تَعَالَى {وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب حل لكم} الْمَائِدَة 5 المُرَاد ذَبَائِحهم والشحوم وَإِن كَانَت مُحرمَة عَلَيْهِم فَإِنَّهُ قد أَبَاحَ لنا أكله وَيَنْبَغِي على قَول مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن لايجوز أكل ذَبِيحَة الْيَهُودِيّ من الْإِبِل وَمن كل ذِي ظفر لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {وعَلى الَّذين هادوا حرمنا كل ذِي ظفر} الانعام 146 وَكَانَ لحم الْجمل محرما عَلَيْهِم
وَيلْزمهُ أَن لايأكل مَا اصطاده من السّمك يَوْم السبت
1312 - فِي ذَبِيحَة الْمُرْتَد
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَالثَّوْري رَضِي الله عَنْهُم لاتؤكل ذَبِيحَة الْمُرْتَد وَإِن تهود أَو تنصر
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ تُؤْكَل ذَبِيحَته إِذا تنصر أَو تهود لقَوْل الله تَعَالَى {وَمن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُم فَإِنَّهُ مِنْهُم} الْمَائِدَة 51 المُرَاد من تولاهم من مُشْركي الْعَرَب فَصَارَ إِلَى دينهم فَأَما من كَانَ مُسلما فَلَا لِأَنَّهُ لايقر عَلَيْهِ
1313 - فِي أكل الضَّب
قَالَ أَصْحَابنَا يكره أكل الضَّب
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا لابأس بِهِ
روى الْأَعْمَش عَن زيد بن وهب الْجُهَنِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن حَسَنَة قَالَ نزلنَا أَرضًا كَثِيرَة الضباب فأصابتنا مجاعَة فطبخنا مِنْهَا فَإِن الْقُدُور لتغلى بهَا(3/211)
إِذا جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا هَذَا قُلْنَا ضباب أصبناها فَقَالَ إِن أمة من بني إِسْرَائِيل مسخت دَوَاب الأَرْض فَإِنِّي أخْشَى أَن تكون هَذِه فاكفئوها
وروى ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله لم يهْلك قوما فَيجْعَل لَهُم نَسْلًا وَلَا عَاقِبَة
وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَهْدَت خَالَتِي أم حفيد إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقطا وَسمنًا وضبابا فَأكل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الأقط وَالسمن وَلم يَأْكُل من الضَّب وَأكل على مائدة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو كَانَ لَهُ حَرَامًا مَا أكل على مائدة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وروى أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنه أهدي لَهَا ضَب فَدخل عَلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلته عَن أكله فَنَهَاهَا عَنهُ فجَاء سَائل فَقَامَتْ لتنَاوله إِيَّاه فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتطعمينه مَا لَا تأكلين
وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عَائِشَة(3/212)
رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهدي لَهُ ضَب فَلم يَأْكُلهُ فَقَامَ عَلَيْهِم سَائل فَأَرَادَتْ عَائِشَة أَن تعطيه فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتعطينه مَالا تأكلين
1314 - فِي هوَام الأَرْض
كره أَصْحَابنَا أكل هوَام الأَرْض اليربوع والقنفذ والفأر والحيات والعقارب وَجَمِيع هوَام الأَرْض
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا بَأْس بالحية إِذا ذكيت وَهُوَ قَول مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ إِلَّا أَنه لم يشْتَرط الذَّكَاة
وَقَالَ اللَّيْث لَا بَأْس بِأَكْل الْقُنْفُذ وفراخ النَّحْل ودود الْجُبْن وَالتَّمْر وَنَحْوه
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا بَأْس بِأَكْل الضفدع
قَالَ ابْن الْقَاسِم قَول مَالك رَضِي الله عَنهُ لَا بَأْس بِأَكْل خشَاش الأَرْض وعقاربها ودودها لِأَنَّهُ قَالَ مَوته فِي المَاء لَا يُفْسِدهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَا كَانَت الْعَرَب تستقذره فَهُوَ من الْخَبَائِث كاذئب والأسد والغراب والحية والحدأة وَالْعَقْرَب والفأرة وَلِأَنَّهَا تقصد بالأذى فَهِيَ مُحرمَة من الْخَبَائِث وَكَانَت تَأْكُل الضبع والثعلب لِأَنَّهَا لَا يعدوان عَن النَّاس بأنيابهما فهما حَلَال(3/213)
1315 - فِي صيد الْبَحْر والطافي
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يُؤْكَل السّمك الطافي ويؤكل مَا سواهُ من السّمك وَلَا يُؤْكَل شَيْء من حَيَوَان الْبَحْر إِلَّا السّمك
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا بَأْس بِأَكْل شَيْء يكون فِي الْبَحْر من الضفدع والسرطان وحية المَاء وَغير ذَلِك وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري رِوَايَة
وَقَالَ الثَّوْريّ ويذبح عَنهُ
وروى عَنهُ أَبُو إِسْحَاق الْفَزارِيّ أَنه قَالَ لَا يُؤْكَل من صيد الْبَحْر إِلَّا السّمك
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ صيد الْبَحْر كُله حَلَال وَرَوَاهُ عَن مُجَاهِد
وَكره الْحسن بن حَيّ أكل الطافي
وَقَالَ اللَّيْث لَيْسَ بميتة الْبَحْر بَأْس وَلَا بَأْس بكلب المَاء
وَالَّذِي يُقَال لَهُ برثن المَاء وَلَا يُؤْكَل إِنْسَان المَاء وَلَا خِنْزِير المَاء
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَا يعِيش فِي المَاء حل أكله وَأخذ وذكاته وَلَا بَأْس بخنزير المَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا ألْقى الْبَحْر أَو جزر عَنهُ فكلوه وَمَا مَاتَ فِيهِ وطفا فَلَا تأكلوه(3/214)
فَإِن قيل روى الثَّوْريّ وَحَمَّاد بن سَلمَة فَلم يتجاوزوا بِهِ جَابِرا
قيل لَهُ لَيْسَ إِسْمَاعِيل بن أُميَّة فِيمَا يرويهِ عَن أبي الزبير بدونهما وزيادته مَقْبُولَة عَلَيْهِمَا
وروى عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه كره الطافي من السّمك وَعَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ لَا بَأْس بِهِ
فَإِن قيل روى مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن صَفْوَان بن سليم عَن سعيد بن سَلمَة الْأَزْرَقِيّ عَن الْمُغيرَة بن أبي بردة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي الْبَحْر هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته(3/215)
قيل لَهُ سعيد بن سَلمَة مَجْهُول لَا يعرف بالثبت فَيقطع بروايته وَقد خَالفه فِي إِسْنَاده يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ
فَرَوَاهُ عَن الْمُغيرَة بن عبد الله وَهُوَ ابْن أبي بردة عَن أَبِيه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وروى يحيى بن أَيُّوب عَن جَعْفَر بن ربيعَة وَعمر بن الْحَرْب عَن بكر بن سوَادَة عَن أبي مُعَاوِيَة الْعلوِي عَن مُسلم بن مخشي المدلجي عَن الفراسي أَن رسو الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الْبَحْر هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته
قَالَ وَهَذَا مِمَّا لَا يحْتَج بِمثلِهِ
1316 - فِي لُحُوم الْخَيل
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ لَا تُؤْكَل
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُم تُؤْكَل
روى صَالح بن يحيى بن الْمِقْدَام عَن أَبِيه عَن جده عَن خَالِد بن الْوَلِيد(3/216)
رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن لُحُوم الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير
وَعَن جَابر رَضِي الله عَنهُ أطعمنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لُحُوم الْخَيل ونهانا عَن لُحُوم الْحمر قَالَ أَبُو جَعْفَر خبر الْإِبَاحَة أصح وَالْقِيَاس أَن لَا يُؤْكَل لِأَنَّهُ من ذَوَات الْحَافِر كالحمير
1317 - فِي الْجَلالَة
كره ابو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَأَصْحَابه لُحُوم الْإِبِل الْجَلالَة حَتَّى تحبس أَيَّامًا
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ اكرهه إِن لم يَأْكُل غير الْعذرَة كرهته وَإِن كَانَ أَكثر عَلفهَا غَيرهَا لم أكرهه
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث لَا بَأْس بلحوم الْجَلالَة كالدجاج
قَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ الدَّجَاج يخلط وَالْجَلالَة لَا تَأْكُل غير الْعذرَة وَهِي الَّتِي نكره
وَقد روى سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْجَلالَة(3/217)
1318 - فِي وَقت الْأُضْحِية
قَالَ أَصْحَابنَا يَوْم النَّحْر ويومان من بعده وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يَوْم النَّحْر وَأَيَّام منى كلهَا إِلَى المغيب
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي حُسَيْن عَن جُبَير بن مطعم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل فجاج منى منحر وكل أَيَّام التَّشْرِيق ذبح
قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل لم يسمع ابْن أبي حُسَيْن من جُبَير بن مطعم وَإِنَّمَا يروي عَن شهر أَكثر رِوَايَته
وَقد روى عَن أبي الطُّفَيْل وَعَن طَاوُوس وَهُوَ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي حُسَيْن وَذكر عمر بن سعيد بن أبي حُسَيْن فَقَالَ عبد الله أقدم مِنْهُ
وَقد روى عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَأنس أَن الذّبْح يَوْم النَّحْر ويومان بعده
وَلم يرو عَن غَيرهم من الصَّحَابَة خِلَافه فَثَبت حجَّته وَأَيْضًا فَإِن مثله لَا يُقَال من جِهَة الرَّأْي فَدلَّ أَنه تَوْقِيف(3/218)
1319 - فِي ذبح الْأُضْحِية قبل الإِمَام
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز ذَبحهَا قبل الصَّلَاة وَيجوز بعد الصَّلَاة قبل أَن تذبح الايام وَهُوَ قَول اللَّيْث
قَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز أضْحِية قبل أَن يذبح الإِمَام
قَالَ فِي حَدِيث الْبَراء أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أول نسكنا فِي يَوْمنَا هَذَا الصَّلَاة ثمَّ نرْجِع فننحر
فَدلَّ أَن وَقت النَّحْر بعد الصَّلَاة فَمن فعله فِي وقته أَجزَأَهُ
وروى هِشَام عَن مُحَمَّد عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى ثمَّ خطب وَأمر من كَانَ ذبح قبل الصَّلَاة أَن يُعِيد ذبحا
وروى سُفْيَان عَن الْأسود بن قيس عَن جُنْدُب أَن نَاسا ذَبَحُوا أضْحِية قبل الصَّلَاة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ ذبح مِنْكُم قبل الصَّلَاة فليعد وَمن لَا فليذبح على اسْم الله
فَإِن قيل روى ابْن جريح عَن أبي الزبير عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى يَوْم النَّحْر بِالْمَدِينَةِ فَتقدم رجال فنحروا وظنوا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد نحر فَأمر من كَانَ نحر قبله أَن يُعِيد بِذبح آخر وَلَا ينْحَر حَتَّى ينْحَر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(3/219)
قيل لَهُ هَذَا رِوَايَة ابْن جريح رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة عَن أبي الزبير أَن رجلا ذبح قبل أَن يُصَلِّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عتودا جذعا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تُجزئ عَن أحد بعْدك وَنهى أَن يذبحوا قبل أَن يُصَلِّي
1320 - فِي وجوب الْأُضْحِية
فِي الأَصْل عَن أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ أَنَّهَا وَاجِبَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَيست بواجبة
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ على النَّاس كلهم أضْحِية للْمُسَافِر والمقيم وَمن تَركهَا من غير عذر فبئس مَا وصنع
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا لَيست بواجبة
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا بَأْس بِتَرْكِهَا
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن يُؤثر بهَا أَبَاهُ أحب إِلَى من أَن يُضحي
قَالَ روى زيد بن الْحباب عَن عبد الله بن عَيَّاش أبي عَيَّاش قَالَ حَدثنِي الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ لَهُ يسَار فَلم يضح فَلَا يقربن مصلانا(3/220)
قَالَ فَلم يرفعهُ عَن زيد بن الْحباب عَن عبد الله بن عَيَّاش
وَقد رَوَاهُ عبيد الله بن أبي جَعْفَر عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من وجد سَعَة فَلم يضح فَلَا يقربن مصلانا
وَعبيد الله بن جَعْفَر فَوق ابْن عَيَّاش فِي الضَّبْط وَالْجَلالَة فَلم يرفعهُ
وروى الشّعبِيّ عَن أبي سريحَة قَالَ رَأَيْت أَبَا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَمَا يضحيان كَرَاهَة أَن يقْتَدى بهما
وَقَالَ عِكْرِمَة كَانَ ابْن عَبَّاس يَبْعَثنِي يَوْم الْأَضْحَى بِدِرْهَمَيْنِ اشْترى لَهُ لَحْمًا وَيَقُول من لقِيت فَقل هَذِه أضْحِية ابْن عَبَّاس
وَقَالَ ابْن عمر لَيست بحتم وَلَكِن سنة ومعروف
قَالَ أَبُو مَسْعُود الْأنْصَارِيّ إِنِّي لأدع الْأَضْحَى وَأَنا مُوسر مَخَافَة أَن يرى جيراني أَنه حتم عَليّ
قَالَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بردة إِنَّمَا تجرئ عَنْك وَلَا تجرئ عَن أحد بعْدك يدل على الْوُجُوب
قيل لِأَنَّهُ كَانَ أوجبه ثمَّ أتْلفه فَأوجب إِعَادَته قيل لَهُ لَو أَرَادَ هَذَا(3/221)
لتعرف قيمَة المتلفة ليأمره بِمِثْلِهَا فَلَمَّا لم يعْتَبر ذَلِك دلّ على أَنه لم يقْصد إِلَى مَا ذكرت وَالله أعلم
1320 - فِي وَقت أضْحِية اهل السوَاد
قَالَ أَصْحَابنَا من ذبح من أهل السوَاد بعد طُلُوع الْفجْر من يَوْم النَّحْر أَجزَأَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِم صَلَاة الْعِيد وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك يذبح أهل الْبَوَادِي إِذا نحر أقرب ائمة الْقرى إِلَيْهِم فينحرون بعده فَإِن لم يَفْعَلُوا أخطأوا وَإِن نحرُوا قبله أجزأهم
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقت الذّبْح قدر صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين حلت لَهُ الصَّلَاة وَقدر خطبتين وَأما صَلَاة من بعده فَلَيْسَ فِيهَا وَقت
وَعَن عَطاء يذبح أهل الْقرى بعد طُلُوع الشَّمْس
1321 - فِيمَا تجزىء عَن أَكثر من وَاحِد
قَالَ أَصْحَابنَا تجزىء الْبَدنَة عَن سَبْعَة وَالْبَقَرَة عَن سَبْعَة وَالشَّاة عَن وَاحِد
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مثل ذَلِك
وَقَالَ مَالك يجوز أَن يذبح الشَّاة وَالْبَقر والبدنة عَن نَفسه وَعَن أهل الْبَيْت وَإِن كَانُوا أَكثر من سَبْعَة بشركتهم فِيهَا وَلَا يجزىء أَن يشتروا بَينهم بِالشّركَةِ فيذبحونها إِنَّمَا يجزىء إِذا تطوع عَنْهُم وَلَا يجزىء عَن الأ جنبيين
وَقَالَ اللَّيْث مثله فِي السّفر(3/222)
وَرُوِيَ عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه جعل يَوْم الْحُدَيْبِيَة الْبَدنَة عَن سَبْعَة وَالْبَقَرَة عَن سَبْعَة
وروى مَرْوَان بن الحكم والمسور بن مخرمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل الْبَدنَة عَن عشرَة لِأَنَّهُ نحر سبعين بَدَنَة وَكَانُوا سَبْعمِائة
وروى ذَلِك مُحَمَّد بن إِسْحَاق
وروى الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن مَرْوَان والمسور أَنهم كَانُوا بضع عشرَة مائَة وَقَالَ جَابر كُنَّا يَوْم الْحُدَيْبِيَة ألف وَأَرْبَعمِائَة
وَقَالَ جَابر كُنَّا يَوْم الْحُدَيْبِيَة ألف وَأَرْبَعمِائَة
وروى علْبَاء بن أَحْمَر عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فضحيناالبعير عَن عشرَة
وَعَن رَافع بن خديج أَنهم ذَبَحُوا إبِلا قبل أَن يقسم فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإكفاء الْقُدُور ثمَّ عدل كل عشرَة من الْغنم بجزور فَأخْبر أَن تَعْدِيل الْعشْرَة من الْغنم بالبعير كَانَ فِي الْقِسْمَة
وَحَدِيث ابْن عَبَّاس فِي السّفر يجوز أَن يكون هُوَ حَدِيث مَرْوَان والمسور فِي سفر الْحُدَيْبِيَة
وَقد اتَّفقُوا على جَوَازهَا عَن سَبْعَة وَاخْتلفُوا فِيمَا زَاد فَلم يثبت إِلَّا بتوقيف(3/223)
واتفاق والاشتراك فِي الْبَدنَة جَائِز قد شرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليا رَضِي الله عَنهُ فِي الْبدن
وروى عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه أجَاز الْبَقَرَة عَن سَبْعَة فِي الْأُضْحِية وَلم يذكر فِيهِ أهل الْبَيْت وَاحِد
وَقَالَ مَنْصُور عَن ربعي كَانَ أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُونَ الْبَقَرَة عَن سَبْعَة
وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان عَن أنَاس من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا الْبَقَرَة عَن سَبْعَة
1322 - فِي الْوَحْش هَل يُجزئ فِي الْأُضْحِية
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُم لَا يُجزئ شَيْء من الْوَحْش فِي الضَّحَايَا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ تُجزئ بقرة الْوَحْش عَن سَبْعَة والظبي عَن وَاحِد بِمَنْزِلَة الْمعز
قَالَ اتَّفقُوا على أَنه لَا قربَة فِي ذَبحهَا فِي جَزَاء الصَّيْد وكفارات الْإِحْرَام وَكَذَلِكَ فِي الْأُضْحِية إِذْ لَا قربَة فِي ذَبحهَا(3/224)
1323 - فِي لبن الْأُضْحِية
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اوجب أضْحِية بِعَينهَا لم ينْتَفع بصوفها ولالبنها وَهُوَ قَول مَالك رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ لَا يشرب من لَبنهَا إِلَّا مَا فضل عَن وَلَدهَا
قَالَ الشَّافِعِي لَا يجز صوفها
1324 - إِذا ولدت الْأُضْحِية
قَالَ أَصْحَابنَا يذبحها وَوَلدهَا وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُم
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ إِن ذبح الْوَلَد فَحسن لَا أرى ذَلِك وَاجِبا
1325 - فِي الشكاة تُجزئ فِي الْأُضْحِية
قَالَ فِي الأَصْل إِذا لم تكن لَهَا أذن خلقَة أجرأت فِي الْأُضْحِية والعمياء خلقَة لَا تُجزئ
وروى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ أَنَّهَا إِن لم تكن لَهَا أذن خلقَة لم تجرئ وَإِن كَانَت صَغِيرَة الْأذن أجرأت وروى عَن مَالك نَحوه وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
1326 - فِي الشَّاة تذبح من قفاها
قَالَ أَصْحَابنَا إِن لم تمت حَتَّى قطع الْأَوْدَاج فَلَا بَأْس بأكلها وَإِن مَاتَت فَبل ذَلِك لم تُؤْكَل وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ وَعبد الله بن الْحُسَيْن(3/225)
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِن تحركت بعد قطع رَأسهَا أكلت وَإِلَّا لم تُؤْكَل
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ لَا تُؤْكَل إِذا ذبحت من قفاها
1327 - فِي اضْطِرَاب الشَّاة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا انقلبت السكين فأصابت عينهَا فِي حَال الذّبْح أَو اضْطَرَبَتْ فَانْكَسَرت رجلهَا أَجْزَأت
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا أوجبهَا سَالِمَة ثمَّ أَصَابَهَا مَا لَا تجزىء الْأُضْحِية مَعَه أَجزَأَهُ أَن يُضحي بهَا وَإِن لم يكن أوجبهَا حَتَّى أَصَابَهَا ذَلِك لم تُجزئه
1328 - فِي ذَكَاة الْجَنِين
قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر رَضِي الله عَنْهُمَا لايؤكل الْجَنِين إِلَّا أَن يكون حَيا فيذكى وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُم يُؤْكَل وَإِن كَانَ مَيتا إِذا ذكيت الْأُم
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ إِن تمّ خلقه وأشعر أكل وَإِن لم يتم خلقه لم يُؤْكَل
وروى مجَالد بن سعيد عَن أبي الوداك جبر بن نوف الْبكالِي قَالَ سَمِعت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَأَلنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَا(3/226)
يَا رَسُول الله أَحَدنَا ينْحَر النَّاقة أَو الْبَقَرَة أَو الشَّاة فنجد فِي بَطنهَا جَنِينا أنأكله أم نلقيه قَالَ كلوه إِن شِئْتُم فَإِن ذَكَاته ذَكَاة أمه
وروى ابْن أبي ليلى عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَنِين ذَكَاته ذَكَاة أمه
وَقد تكلم فِي مجَالد وَإِن لم يكن مَتْرُوك الحَدِيث
وَابْن أبي ليلى سيء الْحِفْظ مَعَ جلالة قدره فِي الْعلم
وَحَدِيث زُهَيْر فِي رُوَاته الْحسن بن بشر
وروى الْحجَّاج عَن أبي إِسْحَاق عَن الْحَارِث عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام وَأَيوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَا ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه إِذا أشعر(3/227)
وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى {بَهِيمَة الْأَنْعَام} إِنَّهَا الْجَنِين
وَعَن الْحسن الشَّاة وَالْبَقَرَة وَالْبَعِير
1329 - فِيمَن ذبح أضْحِية رجل بِغَيْر أمره
ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد عَن رجل فذبح ضحاياه قد أوجبهَا عَن أَبِيه وَعَن أمه فذبح كل أضْحِية مِنْهَا عَن غير صَاحبهَا أَنَّهَا تُجزئه وَلَو ذَبحهَا عَن نَفسه مُتَعَمدا لم تجزىء عَن الَّذِي كَانَت لَهُ وَله أَن يضمن الذَّابِح فَإِن ضمهَا إِيَّاه أَجْزَأت عَن الضَّامِن
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا تجزىء وَيضمن الذَّابِح
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تجزىء وَيضمن الذَّابِح النُّقْصَان وَالله أعلم
1330 - إِذا لم يذبح الْأُضْحِية حَتَّى مَضَت أَيَّام النَّحْر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أوجب أضْحِية فَلم يذبحها حَتَّى مَضَت أَيَّام النَّحْر ثمَّ تصدق بهَا أَجزَأَهُ وَقد سقط الذّبْح فَإِن ذَبحهَا بَعْدَمَا مَضَت أَيَّام النَّحْر تصدق بهَا وبالنقصان الْحَادِث بِالذبْحِ
وَقَالَ مَالك إِن مَضَت أَيَّام النَّحْر فَإِن شَاءَ ذَبحهَا وَإِن شَاءَ صنع بهَا(3/228)
مَا شَاءَ قَالَ وَمن هَلَكت أضحيته وَهُوَ مُوسر وَجب عَلَيْهِ أَن يَشْتَرِي مَكَانهَا فِي أَيَّام النَّحْر فيذبحها
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا لم يذبحها حَتَّى مَضَت أَيَّام النَّحْر ذَبحهَا وَأكل مِنْهَا وَأطْعم
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يصنع بهَا أَيَّام النَّحْر كَمَا يصنع فِي أَيَّام النَّحْر
1331 - فِيمَن أوجب أضْحِية فَلَا يمضيها حَتَّى يَمُوت
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أوجب أضْحِية ثمَّ مَاتَ قبل ذَبحهَا فالورثة يصنعون بهَا مَا شاؤوا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا أوجبهَا صَارَت كالوقف وَخرجت عَن ملكه وَلم تورث عَنهُ وتذبح بعد وَفَاته
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ إِذا مَاتَ صَارَت مِيرَاثا وَلَا تذبح عَنهُ
1332 - فِي جُلُود الضَّحَايَا
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْأَوْزَاعِيّ يَشْتَرِي بهَا إِن شَاءَ مَتَاع الْبَيْت وَإِن بَاعهَا بِدَرَاهِم تصدق بِالثّمن
وَقَالَ مَالك يصنع بِجُلُودِهَا مَا يصنع بلحمها
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا يَبِيعهَا وَلَكِن يتَصَدَّق بهَا أَو يَجْعَلهَا سقاء أَو شَيْئا ينْتَفع بِهِ
وَقَالَ اللَّيْث لَا يُبَاع(3/229)
وَقَالَ الشَّافِعِي ينْتَفع بِهِ وأكره بَيْعه
1333 - فِي اعْتِبَار الْبَهِيمَة بِأحد أَبَوَيْهِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَت أم الْبَقَرَة أَهْلِيَّة وأبوها وَحشِي أَو أَبوهَا أَهلِي وَأمّهَا وحشية فَهِيَ تبع للْأُم دون الْأَب
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ إِذا قرعت فحول الظبي غنمة فَلَا زَكَاة فِي أَوْلَادهَا وَإِن قرعت التيوس إناث الظباء فَلَا زَكَاة كَمَا لَا سهم لبغل وَإِن كَانَ أحد أَبَوَيْهِ من الْخَيل
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ أحد أَبَوَيْهِ وَحشِي فَقتله الْمحرم فدَاه
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْوَلَد يتبع الْأُم لِأَنَّهُ يملكهَا مَالك الْأُم لَا مَالك الْأَب فَوَجَبَ أَن يكون الِاعْتِبَار بالابن فِيمَا ذكرنَا
فَإِن قيل فالبغل غير مَأْكُول اللَّحْم وَأمه من الْخَيل
قيل لَهُ لَا خرج بالخلقة الَّتِي باينت الْأُم وَالْأَب إِلَى جنس غير جنسهما فَصَارَ لَهُ حكم نَفسه
1334 - فِيمَن يُرِيد أَن يُضحي هَل يمسك عَن حلق رَأسه
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس لمن يُرِيد أَن يُضحي أَن يحلق شعره ويقص أَظْفَاره فِي عشر ذِي الْحجَّة وَهُوَ قَول مَالك وَاللَّيْث
قَالَ اللَّيْث وَذكر حَدِيث سعيد بن الْمسيب عَن أم سَلمَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من دخل عَلَيْهِ مِنْكُم هِلَال ذِي الْحجَّة وَأَرَادَ أَن يُضحي فَلَا يَأْخُذ من شعره وأظفاره حَتَّى يُضحي(3/230)
قَالَ اللَّيْث قد روى هَذَا النَّاس على غَيره
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِن اشْتَرَاهَا بَعْدَمَا دخل الْعشْر يكف عَن قصّ شَاربه وأظفاره وَإِن اشْتَرَاهَا قبل أَن يدْخل الْعشْر فَلَا بَأْس
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ من أَرَادَ أَن يُضحي لم يمس من شعره شَيْئا
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدِيث أم سَلمَة هَذَا رِوَايَة مَالك عَن عَمْرو بن مُسلم عَن سعيد بن الْمسيب عَن أم سَلمَة رَوَاهُ ابْن وهب وَعُثْمَان بن عمر عَن مَالك مَوْقُوفا على أم سَلمَة
وَرَوَاهُ شُعْبَة عَن مَالك عَن عَمْرو بن مُسلم عَن سعيد بن الْمسيب عَن أم سَلمَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يرفعهُ عَن مَالك أحد غير شُعْبَة
وَقَالَ يحيى بن معِين يُقَال لَهُ عَمْرو بن مُسلم وَعَمْرو بن عمَارَة وَهُوَ ابْن مُسلم بن عبد الله بن أكيمَة وَزَعَمُوا أَنه كَانَ خَليفَة مُحَمَّد بن يُوسُف أخي الْحجَّاج بن يُوسُف لَيْسَ هُوَ عَمْرو بن مُسلم الجندي فَكَانَ مَالك لما لم يرض ابْن مُسلم هَذَا لم يدْخلهُ فِي موطئِهِ وَلم يعْمل بِهِ
وَقد روى ابْن وهب عَن مَالك قَالَ حَدثنِي عمَارَة بن عبد الله عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ لَا بَأْس بالاطلاء بالنورة فِي عشر ذِي الْحجَّة وَتَركه الْعَمَل بِهِ يدل على أَنه غير ثَابت أَو مَنْسُوخ
وروى عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا كنت أفتل قلائد هدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(3/231)
بيَدي فيبعث بهَا إِلَى مَكَّة وَيُقِيم فَمَا يتْرك شَيْئا يصنعه الْحَلَال حَتَّى يرجع النَّاس
وَاتَّفَقُوا أَيْضا أَنه لَا بَأْس بِالْجِمَاعِ فِي أَيَّام الْعشْر لمن أَرَادَ الْأُضْحِية فَمَا دونه أَحْرَى أَن يكون مُبَاحا وَالله أعلم
1335 - فِي الْأَيَّام المعلومات
ذكر أَبُو يُوسُف عَن أبي حنيفَة رَضِي الله عَنْهُمَا عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم المعلومات أَيَّام الْعشْر والمعدودات أَيَّام التَّشْرِيق
وَبشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف قَالَ قَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام وَابْن عمر المعلومات أَيَّام النَّحْر
وَقَالَ غَيرهمَا أَيَّام الْعشْر فِيهَا يَوْم النَّحْر
وَالَّذِي أذهب إِلَيْهِ أَنَّهَا أَيَّام النَّحْر لِأَنَّهُ قَالَ {على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام}
وروى نَافِع عَن ابْن عمر المعلومات يَوْم النَّحْر ويومان بعده من أَيَّام التَّشْرِيق والمعدودات أَيَّام التَّشْرِيق
1336 - فِي الْعَقِيقَة
4
- قَالَ مُحَمَّد فِي الاملاء الْعَقِيقَة تطوع وَكَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة فعلهَا الْمُسلمُونَ فِي أول الاسلام فنسخها ذبح الْأَضْحَى فَمن شَاءَ فعلهَا وَمن شَاءَ لم يفعل(3/232)
وَقَالَ مَالك يعق عَن الْيَتِيم ويضحى عَنهُ وَذكر مَالك قَول من يسْتَحبّ الْعَقِيقَة وَلَو بعصفورة قَالَ مَالك وَلَا يعق بِشَيْء من الطير لِأَنَّهُ قَالَ {على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام}
وَقَالَ مَالك لَا يعق عَنهُ قبل السَّابِع وَإِن مَاتَ قبل السَّابِع لم يعق عَنهُ وَلَا يعق عَن الْكَبِير وَلَا يعق إِلَّا يَوْم السَّابِع ضحوة وَهِي سَاعَة الذّبْح فِي الضَّحَايَا يَأْكُل مِنْهَا أهل الْبَيْت وَيطْعم الْجِيرَان
وَقَالَ الثَّوْريّ لَيست بواجبة وَإِن صنعت فَحسن
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ سنة من سنَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يحلق رَأسه
وَقَالَ اللَّيْث إِن لم يتهيأ أَن يعق فِي سَبْعَة أَيَّام فَلَا بَأْس بِأَن يعق بعد ذَلِك وَلَيْسَ بِوَاجِب أَن يعق عَنهُ بعد سَبْعَة أَيَّام
وَقَالَ الشَّافِعِي يعق عَن الْغُلَام وَعَن الْجَارِيَة كَمَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَوَت أم كرز الْكَعْبِيَّة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْغُلَام شَاتَان وَعَن الْجَارِيَة شَاة
وروى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عق عَن الْحسن كَبْشًا وَعَن الْحُسَيْن كَبْشًا(3/233)
وروى الْحسن عَن سَمُرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْغُلَام مُرْتَهن بعقيقته يذبح عَنهُ يَوْم السَّابِع ويحلق رَأسه وَيُسمى
وروى يزِيد بن عبد الْمُزنِيّ عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يعق عَن الْغُلَام وَلَا يمس رَأسه بِدَم
اخر الصَّيْد والذبائح(3/234)
= كتاب الْأَيْمَان وَالْكَفَّارَات =
1337 - فِي وُجُوه الْأَيْمَان بِاللَّه تَعَالَى
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري الْأَيْمَان ثَلَاثَة لَغْو وغموس وَلَا كَفَّارَة فيهمَا وَالْيَمِين المعقودة على الْمُسْتَقْبل فَفِيهَا الْكَفَّارَة إِذا حنث(3/235)
واللغو عِنْدهم قَوْله لَا وَالله بلَى وَالله فِيمَا يظنّ أَنه صَادِق فِيهِ والغموس أَن يحلف على الْمَاضِي وَهُوَ عَالم بِالْكَذِبِ
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث اللَّغْو أَن يحلف على الشَّيْء يستيقن أَنه كَذَلِك ثمَّ يُوجد على غَيره فَلَا كَفَّارَة فِيهِ والغموس مثل قَوْلنَا وَلَا كَفَّارَة فِي هذَيْن وَإِنَّمَا هِيَ فِي المعقودة على الْمُسْتَقْبل قَالَ وَلَا لَغْو فِي الْحلف بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاق وَإِنَّمَا فِي الْيَمين بِاللَّه تَعَالَى
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي اللَّغْو مثل قَوْلنَا وَقَالَ فِي الْغمُوس كَفَّارَة وَكَذَلِكَ الْحسن بن حَيّ
وَقَالَ الشَّافِعِي اللَّغْو هِيَ المعقودة عَلَيْهِ وَقَالَ الرّبيع عَنهُ من حلف على شىء يرى أَنه كَذَلِك ثمَّ وجده على غير ذَلِك فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة
وروى يحيى بن سعيد الْقطَّان قَالَ حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة قَالَ أَخْبرنِي أبي عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم}
قَالَ نزلت فِي قَول الرجل لَا وَالله وبلى وَالله فَذكر يحيى بن سعيد الْقطَّان السَّبَب فِي نزُول الْآيَة
وَرَوَاهُ مَالك وَشعْبَة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة ثمَّ قَالَت هُوَ لَا وَالله وبلى وَالله وَلم يذكر السَّبَب
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ فِي اللَّغْو هُوَ قَوْله لَا وَالله وبلى وَالله
وروى عَنهُ أَنه قَالَ أَن تحلف وَأَنت غَضْبَان
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما قَالَ الله تَعَالَى {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ}(3/236)
{بِمَا عقدتم الْأَيْمَان} دلّ على أَن اللَّغْو ضد ذَلِك فَوَجَبَ أَن يكون مَعْنَاهُ مَا قَالَ ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة
وَرُوِيَ عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة وَأَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليأت الَّذِي هُوَ خير وليكفر عَن يَمِينه
وروى ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حلف على يَمِين وَهُوَ فِيهَا فَاجر ليقتطع بهَا مَالا لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان
وَعَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حلف على منبري هَذَا بِيَمِين آثمة تبوأ مَقْعَده من النَّار
فَذكر المأثم دون الْكَفَّارَة فِي الْغمُوس وَلَو كَانَت الْكَفَّارَة وَاجِبَة لذكرها كَمَا ذكر فِي الْمَعْقُود
1338 - فِي الْقسم
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ أشهد وَأقسم وأعزم وأحلف كلهَا أَيْمَان
وَقَالَ زفر إِذا قَالَ أقسم لَأَفْعَلَنَّ فَهُوَ يَمِين وَلَو قَالَ أشهد لَأَفْعَلَنَّ لم يكن يَمِينا(3/237)
وَقَالَ مَالك إِن أَرَادَ بقوله أقسم أَي قسم بِاللَّه فَهُوَ يَمِين وَإِلَّا فَلَا شَيْء وَكَذَلِكَ أَحْلف قَالَ وَلَو قَالَ أعزم لم يكن يَمِينا إِلَّا أَن يَقُول أعزم بِاللَّه وَلَو قَالَ عَليّ نذر أَو على نذر لله فَهُوَ مَا نوى وَإِن لم يكن لَهُ نيه فكفارته كَفَّارَة يَمِين
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أقسم لَيْسَ بِيَمِين وَأقسم بِاللَّه يَمِين إِن أرادها وَإِن أَرَادَ الْموعد فَلَيْسَتْ بِيَمِين وَأشْهد بِاللَّه إِن نوى الْيَمين فيمين وَإِن لم ينْو يَمِينا فَلَيْسَتْ بِيَمِين
وَذكر الرّبيع عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا قَالَ أقسم أَو أشهد أَو أعزم وَلم يقل بِاللَّه فَهُوَ كَقَوْل وَالله وَإِن قَالَ أَحْلف بِاللَّه فَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِلَّا أَن يَنْوِي الْيَمين
وروى الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ عبر عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رُؤْيا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصبت بَعْضًا وأخطأت بَعْضًا فَقَالَ أَبُو بكر أَقْسَمت عَلَيْك يَا رَسُول الله لتخبرني فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تقسم وروى أَنه قَالَ وَالله لتخبرني
فَمن النَّاس من يكره الْقسم لقَوْله لَا تقسم وَمِنْهُم من لَا يرى بِهِ بَأْسا وَإِنَّمَا أَنه لَا تقسم لِأَن عبارَة الرُّؤْيَا اجْتِهَاد وَقد يَقع فِيهَا الْخَطَأ
وَقد روى عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أَنه أقسم بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِشَام بن سعيد عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه كَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ قد اسْتعْمل عمر رَضِي الله عَنهُ على الشَّام فَلَقَد رَأَيْتنِي وَأَنا أَشد الْإِبِل بأقتابها فَلَمَّا أَرَادَ أَن يرتحل قَالَ لَهُ النَّاس تدع عمر ينْطَلق إِلَى الشَّام وَالله إِن عمر ليكفينك الشَّام وَهُوَ هَاهُنَا قَالَ أَقْسَمت عَلَيْك إِلَّا أَقمت(3/238)
وروى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهَا أَنه قَالَ للْعَبَّاس فِيمَا خَاصم فِيهِ عليا عَلَيْهِ السَّلَام فِي اشياء تَركهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أبتاه أَقْسَمت عَلَيْك لما سلمته لعَلي
وَقد روى الْبَراء قَالَ أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإبرار الْقسم وَهَذَا يدل على إِبَاحَة الْقسم وَأَنه يَمِين
وَعَن الْحسن وَإِبْرَاهِيم أَقْسَمت وَأَقْسَمت بِاللَّه سَوَاء وكفارته كَفَّارَة يَمِين
1339 - فِي قَول الرجل هُوَ يَهُودِيّ إِن فعل كَذَا
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ هُوَ يَمِين
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا لَيْسَ بِيَمِين
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْحَالِف بذلك مُعظم لله ان لَا يكون مَا حلف عَلَيْهِ فَهُوَ كاليمين بِاللَّه وَأَن لَا يفعل فَفعل
1340 - فِي الْحلف بِحَق الله
قَالَ أَبُو يُوسُف فِيمَن قَالَ وَحقّ الله لَا أفعل كَذَا فَهُوَ يَمِين وَفِيه الْكَفَّارَة(3/239)
وَقَالَ مُحَمَّد لَا كَفَّارَة فِيهِ وَهُوَ قَول مَالك
قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَحقّ الله وجلال الله وعظمة الله وقدرة الله يَمِين نوى بهَا يَمِينا أَو لم يكن لَهُ نِيَّة وَإِن لم يرد بهَا يَمِينا فَلَيْسَتْ بِيَمِين لِأَنَّهُ يحْتَمل وَحقّ الله وَاجِب وقدرة الله مَاضِيَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ فِي قَوْله وعهد الله وميثاقه أَنه يَمِين وعهد الله ماأخذ الله على عباده وَمَا أعطَاهُ عباده إِيَّاه
وَقَالَ الله تَعَالَى {وَمِنْهُم من عَاهَدَ الله} إِلَى قَوْله {بِمَا أخْلفُوا الله مَا وعدوه} قدمهم على ترك الْوَفَاء لِأَن تَاركه مستخف مِمَّن كَانَ عاهده فِي مَنعه مَا كَانَ وعده وَكَانَ حَالفا كَذَلِك وَحقّ الله
1341 - فِي الْحلف بالأمانة
ذكر أَبُو جَعْفَر عَن أَصْحَابنَا فِيمَن حلف بأمانة الله أَنَّهَا لَيست بِيَمِين
قَالَ أَبُو بكر وَلَيْسَ كَذَلِك الْجَواب فِي الأَصْل هِيَ يَمِين عِنْدهم
وَقَالَ الشَّافِعِي لَيست بِيَمِين
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة على السَّمَاوَات} وَالْمرَاد الْإِيمَان والشرائع يدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {ليعذب الله الْمُنَافِقين والمنافقات} يَعْنِي لتركهم الْوَاجِب عَلَيْهِم
وَقَالَ سعيد بن جُبَير الْأَمَانَة فِي هَذَا الْموضع الْفَرَائِض(3/240)
وَعَن مُجَاهِد الصَّلَاة
وَمن حلف بِهَذِهِ الْأَشْيَاء فَلَا كَفَّارَة وَكَذَلِكَ الْأَمَانَة إِذا كَانَ ذَلِك الْمَعْنى فِيهَا
وَقد روى الْوَلِيد بن ثَعْلَبَة الطَّائِي عَن ابْن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حلف بالأمانة فَلَيْسَ منا فَدلَّ على أَن الْحلف بالأمانة خَارج من الْحلف بِاللَّه
1342 - فِي لعمر الله
قَالَ أَصْحَابنَا لعمر الله وأيم الله يمينان وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا قَالَ لعمري لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين
وَقَالَ الشَّافِعِي أيم الله أَنه بِمَعْنى ولعمر الله أَن لم يرد بهَا يَمِينا فَلَيْسَتْ بِيَمِين
1343 - قَوْله لايحل لي أَن أفعل كَذَا
قَالَ حَمَّاد إِذا حنث فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَعند أَصْحَابنَا إِذا أَرَادَ تَحْرِيم ذَلِك الشَّيْء على نَفسه كَانَ يَمِينا(3/241)
1344 - قَوْله علم الله لَأَفْعَلَنَّ كَذَا
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ أحب إِلَيّ أَن يكفر
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا إِخْبَار عَن علم الله بذلك وَلَيْسَ بِيَمِين
1345 - قَوْله وَالله الرَّحْمَن لَأَفْعَلَنَّ كَذَا
قَالَ أَصْحَابنَا هما يمينان إِلَّا أَن يكون أَرَادَ الْكَلَام الأول فَيكون يَمِينا وَاحِدَة وَلَو قَالَ وَالله الرَّحْمَن كَانَ يَمِينا وَاحِدَة
وَقَالَ زفر قَوْله وَالله والرحمن يَمِين وَاحِدَة
وَقَالَ مَالك من حلف بِاللَّه مرَارًا كَثِيرَة يَمِينا بعد يَمِين ثمَّ حنث فَعَلَيهِ كَفَّارَة وَاحِدَة
قَالَ وَلَو قَالَ عهد الله وميثاقه وكفارته فَفِيهِ ثَلَاث كَفَّارَات وَكَذَلِكَ لَو قَالَ والسميع والعليم والحكيم فَثَلَاث كَفَّارَات فرق بَين تكْرَار اسْم وَاحِد وَبَين الْأَسْمَاء الْمُخْتَلفَة
وَقَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ كَقَوْل مُحَمَّد بن الْحسن(3/242)
1346 - فِيمَن حلف بأيمان على الشَّيْء الْوَاحِد
إِذا قَالَ وَالله لاأفعل كَذَا وَالله لاأفعل كَذَا لشَيْء فَإِن أَرَادَ التّكْرَار فيمين وَاحِدَة وَإِن لم تكن لَهُ نِيَّة وَأَرَادَ التَّغْلِيظ فهما يمينان وَإِن قَالَ ذَلِك فِي مجلسين فهما يمينان
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ هِيَ يَمِين وَاحِدَة وَإِن كَانَا فِي مجلسين
وَقَالَ الثَّوْريّ هِيَ يَمِين وَاحِدَة وَإِن كَانَا فِي مجَالِس إِذا نوى يَمِينا وَاحِدَة وَإِن أَرَادَ يَمِينا أُخْرَى أَو التَّغْلِيظ فهما يمينان
وروى عَنهُ أَنه يَمِين وَاحِدَة وَإِن حلف مرَارًا
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِيمَن حلف فِي أَمر وَاحِد بأيمان فَعَلَيهِ كَفَّارَة وَاحِدَة مَا لم يكفر
وَقَالَ البتي إِن أَرَادَ الْيَمين الأولى فكفارة وَاحِدَة وَإِن أَرَادَ التَّغْلِيظ فَلِكُل وَاحِدَة كَفَّارَة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا قَالَ وَالله لَا أكلم فلَانا وَالله لَا أكلم فلَانا فِي مجْلِس وَاحِد فكفارة وَاحِد وَإِن قَالَ وَالله لَا أكلم فلَانا ثمَّ قَالَ وَالله لَا أكلم فلَانا فكفارتان
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي كل يَمِين كَفَّارَة إِلَّا أَن يُرِيد التّكْرَار
1347 - فِي تَحْرِيم الْأَطْعِمَة وَغَيرهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ هَذِه الرمانة عَليّ حرَام فَأكل مِنْهَا حَبَّة حنث وَكَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين(3/243)
وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد عَن زفر أَنه قَالَ الْحل عَليّ حرَام فَإِنَّهُ يَحْنَث سَاعَة يصنع شَيْئا مِمَّا أحل لَهُ من حَرَكَة أَو شرب أَو أكل وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة حِين يفرغ من يَمِينه لِأَنَّهُ قد تحرّك وَقد سكت
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا لم تكن لَهُ نِيَّة فَهُوَ على الطَّعَام أَو الشَّرَاب خَاصَّة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ لَا يكون الْحَرَام يَمِينا فِي طَعَام وَلَا فِي شَيْء إِلَّا فِي الْمَرْأَة فَإِنَّهُ يكون طَلَاقا يحرمها عَلَيْهِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي رجل قَالَ عَليّ حرَام إِن فعلت كَذَا فَفعل فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ من حرم شَيْئا ثمَّ فعله فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْمُزنِيّ إِذا قَالَ كل مَا أملك عَليّ حرَام يَعْنِي امْرَأَته وجواريه كفر عَن الْمَرْأَة والجواري كَفَّارَة وَاحِدَة وَلم يكفر عَن مَاله
وَقَالَ الرّبيع عَنهُ من حرم عَلَيْهِ طَعَاما أَو شرابًا فَلَا كَفَّارَة وَهُوَ لَهُ حَلَال
1348 - فِي الاطعام فِي كَفَّارَة الْيَمين
قَالَ أَصْحَابنَا إِن غدى عشرَة وعشاهم أَجزَأَهُ وَإِن كَانَ فيهم فطيم لم يجز مَا أطْعمهُ وَإِن أَعْطَاهُم أعْطى كل وَاحِد نصف صَاع بر أَو صَاع تمر أَو شعير
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ يغدي ويعشي عشرَة وَلَا يجوز أَن يعطيهم الْعرُوض(3/244)
وَقَالَ الثَّوْريّ يجزىء الاطعام وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم
وَقَالَ الحكم لَا يجزىء الْإِطْعَام يَعْنِي حَتَّى يعطيهم
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يجزىء الْإِطْعَام
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يجوز أَن يعطيهم جملَة وَلَكِن يُعْطي كل مِسْكين مدا
قَالَ وَقد رُوِيَ عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه يغديهم ويعشيهم خبْزًا وَلَحْمًا وزيتا
وَقَالَ إِبْرَاهِيم يغديهم ويعشيهم
وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وجبة وَاحِدَة تجزىء
وَقَالَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَسَالم غداء وعشاء
وَقَالَ سعيد بن جُبَير مَدين من طَعَام وَمد لإدامه وَلَا يجمعهُمْ فيطعمهم وَلَكِن يعطيهم
قَالَ أَبُو جَعْفَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لكعب بن عجْرَة فِي فديَة الْأَذَى أَو أطْعم ثَلَاثَة اصع بَين سِتَّة مَسَاكِين(3/245)
1349 - فِي الْكسْوَة
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْكسْوَة فِي كَفَّارَة الْيَمين لكل مِسْكين ثوب إِزَار أَو رِدَاء أَو قَمِيص أَو قبَاء أَو كسَاء
وروى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَن السَّرَاوِيل تجزىء وَأَنه لَو حلف لَا يَشْتَرِي ثوبا وَاشْترى سَرَاوِيل حنث إِذا كَانَ من سَرَاوِيل الرِّجَال
وروى هِشَام عَن مُحَمَّد أَنه لَا يجزىء السَّرَاوِيل وَلَا الْعِمَامَة وَكَذَلِكَ روى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ وَاللَّيْث إِن كسا الرِّجَال كساهم ثوبا ثوبا وَالْمَرْأَة ثَوْبَيْنِ درعا وخمارا وَذَلِكَ أدنى مَا تجرئ فِيهِ الصَّلَاة وَلَا يجزىء ثوب وَاحِد للْمَرْأَة وولا تُجزئ الْعِمَامَة
وَقَالَ الثَّوْريّ تُجزئ الْعِمَامَة
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تُجزئ الْعِمَامَة والسراويل والمقنعة
1350 - فِي الْكَفَّارَة قبل الْحِنْث
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تُجزئ قبل الْحِنْث
وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ تُجزئ قبل الْحِنْث
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْمحرم يُصِيبهُ أَذَى فِي رَأسه أَنه يُجزئهُ أَن يكفر قبل أَن يحلق(3/246)
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يجوز تَقْدِيم الرَّقَبَة وَالْكِسْوَة وَالْإِطْعَام قبل الْحِنْث وَلَا يجوز تَقْدِيم الصَّوْم
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {ذَلِك كَفَّارَة أَيْمَانكُم إِذا حلفتم} وَالْمرَاد إِذا حنثتم يُرِيد فحنثتم لِاتِّفَاق الْجَمِيع على أَنه لَو قَالَ وَالله لأُكلمَن زيدا الْيَوْم أَنه إِن كلمة قبل مُضِيّ الْوَقْت لم يلْزمه كَفَّارَة فَعلمت أَن وُجُوبهَا غير مُتَعَلق بِالْحلف دون الْحِنْث
1351 - فِيمَن أطْعم خَمْسَة وكسا خَمْسَة
قَالَ أَصْحَابنَا يُجزئهُ
وروى بشر عَن أبي يُوسُف إِن نوى الْكسْوَة عَن الطَّعَام أَو الطَّعَام عَن الْكسْوَة وَذَلِكَ قِيمَته أجرأ وَإِن لم ينْو لم يُجزئ
وَقَالَ الثَّوْريّ يُجزئ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يُجزئ
1352 - فِي كَفَّارَة الْغَائِب من مَاله
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ مَاله غَائِبا أَو دينا فَلم يجد مَا يطعم أَو يكسو أَو يعْتق أجرأه الصَّوْم وَكَذَلِكَ إِن كَانَ لَهُ مَال حَاضر وَعَلِيهِ دين يُحِيط بِهِ أَجزَأَهُ الصَّوْم
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي الدّين الَّذِي عَلَيْهِ مثل قَوْلنَا وَفِي الْغَائِب عَن مَاله لَا يُجزئهُ ويستقرض
وَقَالَ مَالك وَمن كَانَ لَهُ دَار وخادم لَا يُجزئهُ الصَّوْم(3/247)
وَقَالَ اللَّيْث إِذا كَانَ لَهُ بِهِ دَار وخادم يَخْدمه أَجزَأَهُ الصَّوْم
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ من جَازَ لَهُ أَن يَأْخُذ الزَّكَاة وَالْكَفَّارَة أَجزَأَهُ الصَّوْم وَالله أعلم
1353 - إِذا أطْعم عشرَة مَسَاكِين عَن يمينين
قَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ إِذا أعْطى عشرَة مَسَاكِين صَاعا من بر عَن يمينين جَازَت عَن يَمِين وَاحِدَة وَهُوَ قَول أبي يُوسُف رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ مُحَمَّد يُجزئ عَن يمينين وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ زفر لَا يُجزئ عَن وَاحِدَة مِنْهُمَا حَتَّى يَنْوِي كُله عَن يَمِين وَاحِدَة
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ مثل قَول أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ
1354 - فِي الْقيمَة فِي كَفَّارَة الْيَمين
قَالَ أَصْحَابنَا تجوز الْقيمَة فِي الْكسْوَة وَالطَّعَام
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا لَا تُجزئ
1355 - فِي التفكير عَن الْغَيْر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أطْعم عَنهُ بِغَيْر أمره لم يجزه وَإِن كَانَ بأَمْره أَجْزَأَ عَنهُ وَإِن أعتق عَنهُ بأَمْره لم يجزه فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَجَاز فِي قَول أبي يُوسُف وَإِن أعتق عَنهُ على مَال بأَمْره جَازَ فِي قَوْلهم(3/248)
وَقَالَ مَالك يُجزئ بأَمْره وَإِن لم يسم مَالا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم قِيَاس قَول مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن يُجزئ بِغَيْر أمره
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُم مثل قَول أبي يُوسُف رَضِي الله عَنهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى فِي جراء الصَّيْد {ليذوق وبال أمره} فَدلَّ على إِنَّه كفر غَيره عَنهُ بِغَيْر أمره لَا يُجزئ لِأَنَّهُ يكون غير ذائق وبال أمره وَإِذا لم يجز فِي جَزَاء الصَّيْد لم يجز فِي سَائِر الْكَفَّارَات
فَإِن قيل روى عقيل بن خَالِد عَن ابْن شهَاب عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن نَبِي الله أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ فِي حَال بلائه إِن الله ليعلم أَنِّي كنت أَمر على الرجلَيْن يتنازعان فيذكران الله فأرجع إِلَى بَيْتِي فَأكفر عَنْهُمَا كَرَاهِيَة أَن يذكرَا الله الا فِي حق فقد كفر أَيُّوب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن غَيره بِغَيْر أمره
قيل لَهُ هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ نَافِع بن يزِيد عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يذكر أنسا
1356 - فِيمَن نذر صوما أَو صَلَاة فِي مَوضِع بِعَيْنِه
قَالَ زفر رَضِي الله عَنهُ فِيمَن نذر أَن يَصُوم بِمَكَّة فصَام بِالْكُوفَةِ لم يجرئه وَقَالَ سَائِر أَصْحَابنَا يجرئه
وروى الْحسن عَن أبي يُوسُف فِيمَن نذر أَن يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد الْحَرَام(3/249)
فصلى فِي غَيره لم يجرئه وَإِن نذر أَن يُصَلِّي فِي بَيت الْمُقَدّس فصلى فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أَجزَأَهُ
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ من نذر أَن الصَّوْم فِي مَوضِع يتَقرَّب بإثباته إِلَى الله تَعَالَى كالثغور وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ يَصُوم فِي ذَلِك الْموضع وَإِن كَانَ من أهل مَكَّة أَو الْمَدِينَة وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أعتكف فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاعتكف فِي مَسْجِد الْفسْطَاط لم يُجزئهُ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا جعل عَلَيْهِ صِيَام شهر بِمَكَّة لم يُجزئهُ فِي غَيرهَا
وَقَالَ اللَّيْث من نذر صياما فِي مَوضِع فَعَلَيهِ أَن يَصُوم فِي ذَلِك الْموضع
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ من نذر أَن يُصَلِّي بِمَكَّة لم يُجزئهُ بِالْمَدِينَةِ وَلَا بِبَيْت الْمُقَدّس وَإِن قَالَ بِالْمَدِينَةِ أَو بَيت الْمُقَدّس جَازَ أَن يُصَلِّي بِمَكَّة وَلم يجز أَن يُصَلِّي فِي غَيرهَا من الْبلدَانِ وَإِن نذر فِيمَا سرى هَذِه الْبلدَانِ الثَّلَاثَة صلى حَيْثُ شَاءَ وَمن قَالَ لله عَليّ ان أنحر بِمَكَّة لم يجز فِي غَيرهَا وَكَذَلِكَ إِذا نذر أَن ينْحَر بغَيْرهَا لم يجز إِلَّا فِي الْموضع الَّذِي نذر لِأَنَّهُ وَجب لمساكين ذَلِك الْبَلَد
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقرْبَة فِي الصَّلَاة دون الْموضع فَلَا معنى لاعْتِبَار الْموضع فَإِن قيل روى أَبُو هُرَيْرَة ومَيْمُونَة رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام وَصَلَاة الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من مائَة صَلَاة فِيمَا سواهُ(3/250)
وَرَوَاهُ عَطاء عَن أبي الزبير عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ من الْمَسَاجِد إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام وَصَلَاة فِي ذَلِك أفضل من مائَة صَلَاة فِي هَذَا
وَعَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ من قَوْله مثله
قَالَ ابْن عُيَيْنَة فيرون أَن الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من الصَّلَاة فِيمَا سواهُ من الْمَسَاجِد إِلَّا فِي مَسْجِد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّمَا فضل عَلَيْهِ بِمِائَة صَلَاة
قيل لَهُ مَا ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فضل الصَّلَاة فِي هَذِه الْأَمَاكِن إِنَّمَا هُوَ فِي الْفَرْض دون النَّفْل وَالدَّلِيل عَلَيْهِ حَدِيث عَفَّان بن مُسلم قَالَ حَدثنَا وهيب بن خَالِد قَالَ حَدثنَا مُوسَى بن عقبَة قَالَ سَمِعت أَبَا النَّضر يحدث عَن بشر بن سعيد عَن زيد بن ثَابت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احتجر حجرَة فِي الْمَسْجِد من حَصِير فصلى فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَالِي حَتَّى اجْتمع إِلَيْهِ نَاس ثمَّ فقدوا صَوته فظنوا أَنه قد نَام فَجعل بَعضهم يَتَنَحْنَح ليخرج إِلَيْهِم فَقَالَ مَا زَالَ بكم الَّذِي رَأَيْت من صنيعكم حَتَّى خشيت أَن يكْتب عَلَيْكُم قيام اللَّيْل وَلَو كتب عَلَيْكُم مَا قُمْتُم بِهِ فصلوا أَيهَا النَّاس فِي بُيُوتكُمْ فَإِن أفضل صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إِلَّا الْمَكْتُوبَة
فَأخْبر أَن فعله النَّافِلَة فِي بُيُوتهم أفضل مِنْهَا فِي مَسْجده فَدلَّ على أَن تَفْضِيل الصَّلَاة فِيهِ إِنَّمَا هُوَ مَخْصُوص بِهِ الْفَرْض
وروى عَطاء عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رجلا قَالَ يَوْم فتح(3/251)
مَكَّة يَا رَسُول الله إِنِّي نذرت إِن فتح الله عَلَيْك مَكَّة أَن أُصَلِّي فِي بَيت الْمُقَدّس فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صل هَا هُنَا فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَأْنك إِذا
فَقَوله صل هَا هُنَا يَعْنِي بِمَكَّة وَلم يقل فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَإِنَّمَا الْفضل من مَكَّة الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام دون غَيره
1357 - فِيمَن يُوجب الْمَشْي إِلَى مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ أَصْحَابنَا من نذر الْمَشْي إِلَى مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو إِلَى مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس لم يلْزمه شَيْء
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ إِذا قَالَ لله عَليّ أَن أَمْشِي إِلَى الْمَدِينَة أَو إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِلَّا أَن يَنْوِي أَن يُصَلِّي هنال فَيلْزمهُ الذّهاب إِلَيْهَا رَاكِبًا وَلَا يلْزمه الْمَشْي وَلَو قَالَ لله عَليّ الْمَشْي إِلَى مَسْجِد الْمَدِينَة أَو مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس فَعَلَيهِ الذّهاب إِلَيْهِمَا رَاكِبًا وَالصَّلَاة فيهمَا وَإِن لم ينْو الصَّلَاة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِيمَن نذر أَن يمشي إِلَى بَيت الْمُقَدّس إِذا كَانَت امْرَأَة فلتركب وَإِن شَاءَت تَصَدَّقت بِشَيْء
وَقَالَ اللَّيْث فِيمَن حلف بِالْمَشْيِ إِلَى مَسْجِد من الْمَسَاجِد مَشى إِلَى ذَلِك الْمَسْجِد
وَذكر الْبُوَيْطِيّ عَن الشَّافِعِي فِيمَن نذر أَن يمشي إِلَى بَيت الْمُقَدّس أَو إِلَى الْمَدِينَة ركب إِلَيْهِمَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يُوَافق اللَّيْث على إِيجَابه إِلَى سَائِر الْمَسَاجِد أحد من(3/252)
الْفُقَهَاء قَالَ وَقد بَينا أَن الْفضل فِي الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد الْمَدِينَة إِنَّمَا هُوَ فِي الْفَرْض لَا فِي النَّوَافِل فَصَارَ مَسْجِد الْمَدِينَة كَسَائِر الْمَسَاجِد فِي النَّوَافِل فَلَا يلْزم النَّاذِر فِي الْمَشْي إِلَيْهَا شَيْء
وَقد روى أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام ومسجدكم هَذَا وَمَسْجِد إيلياء
رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة عَن جميل بن بصرة الْغِفَارِيّ صَاحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ جميل بن بصرة بن وَقاص بن حَاجِب بن غفار وَجَمِيل هُوَ أَبُو بصرة
1358 - فِي جعل ثَوْبه سترا للبيت
وَقَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ قد جعلت ثوبي هَذَا سترا للبيت إِذا صرت بِهِ إِلَى حطيم الْكَعْبَة فَعَلَيهِ أَن يهديه
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا قَالَ الله عَليّ أَن هدي هَذَا الثَّوْب لزمَه أَن يهديه
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ إِذا قَالَ مَالِي فِي رتاج نذر الْكَعْبَة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَلَو قَالَ مَالِي فِي كسْوَة الْكَعْبَة أَو فِي طيبها فَإِنَّهُ يهدي ثلث مَاله ويدفعه إِلَى الحجبة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِيمَن قَالَ إِذا أكلت هَذَا الطَّعَام فَهُوَ هذى أَنه إِذا أكله أهدي قيمَة مَا أكل وَإِن قَالَ هُوَ يهدي مَال غَيره فَإِن اسْتَطَاعَ أَن يَشْتَرِيهِ فيهديه فَلْيفْعَل(3/253)
وَقَالَ اللَّيْث فِي امْرَأَة قَالَت تحمل ابْنهَا وتضرب بِهِ الرُّكْن الْأسود أَنَّهَا تحج وتحج بابنها وتنحر هَديا عَنهُ
قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا نذر أَن يهدي مَتَاعا لم يجز إِلَّا أَن يهديه يتَصَدَّق على مَسَاكِين الْحرم وَلَو نذر أَن يهدي أَرضًا أهْدى عَنْهَا
1359 - فِي الصَّغِير هَل يُجزئ فِي الرَّقَبَة المؤمنة
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُم يجرئ الرَّضِيع إِذا كَانَ أحد أَبَوَيْهِ مُسلما وَإِن كَانَا كَافِرين لم يُجزئهُ
قَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ الصَّغِير يُجزئ وَمن صَامَ أَو صلى أحب إِلَيّ وَقَالَ الثورى لَا يجزىء فِي الْقَتْل الصَّبِي إِلَّا أَن يكون قد عقل الصَّلَاة وَصلى
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يُجزئ الصَّغِير لِأَنَّهُ ولد على الْفطْرَة وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ
وَقَالَ ابْن حَيّ يُجزئ الْمَوْلُود وَهُوَ قَول اللَّيْث
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَنه إِذا كَانَ أَبَوَاهُ أَو أَبوهُ مُسلما أَنه يُصَلِّي عَلَيْهِ فَصَارَ فِي حكم الْمُسلمين فَيُجزئ وَالله أعلم
1360 - فِيمَن يكفر عَن يمينين بكفارة وَاحِدَة
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن عَلَيْهِ كَفَّارَة يمينين فكسا عشرَة مَسَاكِين كل سكين ثوبا أجرأه عَن يَمِين وَاحِدَة وَكَذَلِكَ الْعتْق فِي هَذِه وَفِي ظهارين وَلَو كَانَت كَفَّارَة ظِهَار وَقتل فَأعتق عَنْهُمَا لم يجز عَن وَاحِد مِنْهُمَا(3/254)
وَقَالَ زفر إِذا أعتق رَقَبَة عَن ظهارين لم يُجزئهُ وَاحِد مِنْهُمَا
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي اليمينين مثل قَوْلنَا وَفِي الظهارين مثل قَول زفر
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يُجزئ وَلَيْسَ عَلَيْهِ نِيَّة التَّعْيِين فِي الْكَفَّارَات
قَالَ أَبُو جَعْفَر قِيَاس قَول زفر أَنه لَا فرق عِنْدهم بَين الصَّلَاة من جنس وَاحِد أَو من جِنْسَيْنِ فِي حاجتهما إِلَى نِيَّة التَّعْيِين كَذَلِك فِي الْكَفَّارَات وَالله أعلم
1361 - فِيمَن حلف بِصَدقَة مَاله ثمَّ حنث
قَالَ أَصْحَابنَا هَذَا على أَمْوَال الزَّكَاة
وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه على كل شَيْء وَهُوَ قَول زفر قَالَ وَيحبس لنَفسِهِ قوت شهر ثمَّ يتَصَدَّق بِمثلِهِ إِذا أَفَادَ
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي الَّذِي يَقُول مَالِي فِي سَبِيل الله أَنه يَجْعَل ثلث مَاله فِي سَبِيل الله
وَمن قَالَ إِن فعلت كَذَا فَللَّه عَليّ أَن أهدي فَإِنَّهُ يهدي ثلث مَاله
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِيمَن قَالَ فِي غضب عَليّ مائَة بَدَنَة أَن عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين
وَقَالَ اللَّيْث فِيمَن جعل مَاله فِي سَبِيل الله إِن كَانَ حلف بِيَمِين فَحنث فَإِنَّهُ يكفر كَفَّارَة الْيَمين وَإِن كَانَ آثِما هُوَ فِي شَيْء جعله لله على وَجه الشُّكْر أَو التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَن يخرج ثلث مَاله
قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا قَالَ مَالِي فِي سَبِيل الله فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين(3/255)
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عَن عمر بن الْخطاب وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُمَا فِيمَن جعل مَاله فِي رتاج الْكَعْبَة أَن عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين
وَعَن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِيمَن جعل مَاله فِي الْمَسَاكِين أَن يكفر عَن يَمِينه وَينْفق مَاله على عِيَاله
وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مثله
وروى بكير بن عبد الله بن الْأَشَج بن الْهَيْثَم بن سِنَان عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِيمَن جعل مَاله فِي رتاج الْكَعْبَة أَنه يَجْعَل فِي رتاج الْكَعْبَة
وروى ابْن وهب عَن يحيى بن أَيُّوب عَن حميد الطَّوِيل عَن ثَابت الْبنانِيّ وَبكر بن عبد الله عَن أبي رَافع وَكَانَ أَبُو رَافع عبدا لليلى بنت العجماء عمَّة لعمر بن الْخطاب أَن سيدته قَالَت مَالهَا هدى وكل شَيْء لَهَا فِي رتاج الْكَعْبَة وَهِي مُحرمَة بِحجَّة وَهِي يَوْم يَهُودِيَّة وَيَوْم نَصْرَانِيَّة وَيَوْم مَجُوسِيَّة إِن لم تطلق إِلَى امْرَأَتك فَانْطَلق إِلَى حَفْصَة زَوْجَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت كفري يَمِينك ثمَّ انْطلق إِلَى زَيْنَب امْرَأَة من أَهلهَا وَكَانَ لَهَا شَأْن فَقَالَت كفري يَمِينك فَأَبت فَانْطَلق إِلَى عبد الله بن عمر فَقَامَ يمشي مَعَه حَتَّى انْتهى إِلَى بَيتهَا فَقَالَ ابْن هاروت وماروت فَقَالَت بِأبي أَنْت وَأمي قلت كَذَا وَكَذَا فَقَالَت مَا أرْسلت إِلَيْك زَيْنَب قَالَت أَي قلت كَذَا وَكَذَا فَقَالَ لَهَا عبد الله بن عمر كفري عَن يَمِينك وخلي بَين الرجل وَبَين امْرَأَته
وَعَن الْحسن أَن عَلَيْهِ كَفَّارَة الْيَمين إِذا قَالَ إِن لبست هَذَا الثَّوْب فَهُوَ هدى
وَقَالَ أنس يهديه(3/256)
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله إِن فعلت كَذَا فَللَّه عَليّ أَن تصدق بِمَالي الْقيَاس أَن لَا يلْزمه شَيْء عِنْد الْحِنْث لِأَنَّهُ لم يخرج الْإِيجَاب مخرج الْقرْبَة وَإِنَّمَا أخرجه مخرج الْحِنْث فِي الْيَمين فَالْوَاجِب أَن لَا يلْزمه شَيْء لِأَن من أوجبه غير قربَة فِي ذمَّته لم يلْزمه وَلَو حنث فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لم يخرج المَال عَن ملكه عِنْد الْجَمِيع فَوَجَبَ أَن لَا يلْزمه شَيْء إِلَّا أَن جمَاعَة من الصَّحَابَة قد أوجبوا فِيهِ كَفَّارَة يَمِين فَيلْزمهُ وَلَيْسَ كَالْعِتْقِ إِذا حلف بِهِ لِأَن الْعتْق يَقع بِالْحِنْثِ وَالصَّدَََقَة لَا تقع بِالْحِنْثِ
وَقد روى الْقَاسِم بِمَ مُحَمَّد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نذر أَن يُطِيع الله فليطعه وَمن نذر أَن يعصيه فَلَا يعصيه
فَدلَّ على أَنما لَيْسَ بقربة لَا يلْزم بِالنذرِ فئبت أَن خُرُوج النّذر بِصَدقَة المَال إِذا خرج مخرج الْأَيْمَان دون مخرج الْقرب لَا يلْزم بِهِ شَيْء
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَحكى لي الْمُزنِيّ قَالَ قَالَ لي عَليّ بن سعيد كَانَ مُحَمَّد بن الْحسن يذهب إِلَى هَذَا القَوْل يَعْنِي إِلَى مَا ذكرنَا أَن الْقيَاس يُوجِبهُ وَقد كَانَ مُحَمَّد بن الْعَبَّاس يُفْتِي بِهِ أَيْضا 8
فَأَما من قَالَ إِن شفى الله مريضي أَو قضى الله ديني فَللَّه عَليّ أَن أَتصدق بِكَذَا فَهَذَا يبر وَعَلِيهِ أَن يتَصَدَّق بِمَا ذكر وَأما قَول مَالك رَضِي الله عَنهُ الثُّلُث يُجزئ عَمَّن نذر أَن يتَصَدَّق بِجَمِيعِ مَاله فَإِنَّهُ ذهب فِيهِ إِلَى مَا وَرَاه عَن عُثْمَان بن حَفْص بن عَمْرو بن خلدَة عَن ابْن شهَاب أَنه بلغه أَن أَبَا لبَابَة بن عبد الْمُنْذر حِين تَابَ الله عَلَيْهِ قَالَ يَا رَسُول الله أَهجر دَار قومِي الَّتِي أصبت فِيهَا الذَّنب وأجاورك(3/257)
وأنخلع من مَالِي صَدَقَة إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجْزِيك من ذَلِك الثُّلُث
وَهَذَا لَا دَلِيل فِيهِ على مَا قَالَ لِأَن أَبَا لبَابَة لم يُوجب صَدَقَة مَاله وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن يفعل من غير إِيجَاب فَأَشَارَ عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا هُوَ أصلح لَهُ من ذَلِك
وَقد كَانَ كَعْب بن مَالك قَالَ حِين تيب عَلَيْهِ يَا رَسُول الله إِنِّي أَنْخَلِع من مَالِي صَدَقَة إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمسك عَلَيْك بعض مَالك فَهُوَ خير لَك فَأمر بإمساك بعضه من غير قصد مِنْهُ إِلَى الثُّلُث
1362 - فِيمَن حلف أَن لَا يتسرى
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد رَضِي الله عَنْهُمَا التَّسَرِّي أَن يحصنها ريجامعها وَإِن لم يطْلب وَلَدهَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَضِي الله عَنهُ لَا يكون ذَلِك نسريا حَتَّى يطْلب ذَلِك وَلَدهَا
وَقَالَ ربيعَة وَمَالك التَّسَرِّي الْوَطْء
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ التَّسَرِّي أَن لَا يعْزل عَنْهَا فَإِن عزل ثمَّ حملت فَهُوَ تسري فَجعل التَّسَرِّي أَن تحمل مِنْهُ وروى عَنهُ إِذا طلب وَلَدهَا فَهُوَ تسري(3/258)
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ التَّسَرِّي طلب الْوَلِيد حملت أَو لم تحمل فَإِن عزل عَنْهَا فَلَيْسَ بتسرى
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر رَضِي الله عَنهُ التَّسَرِّي التفعل من السِّرّ وَهُوَ الْجِمَاع وَقد يَجْعَل فِي مَوضِع النِّكَاح إِذا كَانَ سَببا للجماع قَالَ الله تَعَالَى {وَلَكِن لَا تواعدوهن سرا} أَي عقد نِكَاح فَوَجَبَ أَن يكون من اشْترى جَارِيَة للْوَطْء متسريا كَمَا كَانَ عقد النِّكَاح تسريا إِلَّا أَنهم قد تخطوا هَذَا الْموضع وَلم يَجْعَلُوهُ تسريا وَذَلِكَ اتِّفَاق مِنْهُم فَلم يثبت التَّسَرِّي إِلَّا بِمَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أَنه يحصل بِهِ وَهُوَ أَنه يحصنها ويجامعها وَيطْلب وَلَدهَا وَتحمل مِنْهُ
1363 - فِيمَن حلف لَا يَأْكُل طَعَاما لرجل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا حلف لَا يَأْكُل طَعَاما اشْتَرَاهُ فلَان فَأكل من طَعَام اشْتَرَاهُ فلَان وَآخر مَعَه فَإِنَّهُ يَحْنَث وَلَو قَالَ لَا ألبس ثوبا اشْتَرَاهُ فلَان فَلبس ثوبا اشْتَرَاهُ فلَان وَآخر مَعَه لم يَحْنَث
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا يَحْنَث فِي جَمِيع ذَلِك
1364 - فِيمَن قَالَ قد حَلَفت وَهُوَ كَاذِب
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ رَضِي الله عَنهُ فِيمَن قَالَ قد حَلَفت وَلم يكن حلف إِن الْفَزارِيّ أَبَا إِسْحَاق ذكر عَن الثَّوْريّ أَنَّهَا كذبة وَيَمِين يكفرهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا نعلم أحدا أوجب فِي ذَلِك الْكَفَّارَة غير الثَّوْريّ وَلَا وَجه لَهُ فِي النّظر لِأَن من كذب لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَلَو قَالَ طلقت وَمَا كَانَ طلق لم يَقع الطَّلَاق(3/259)
1365 - فِيمَن حلف ثمَّ حنث سَاهِيا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا فعل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ نَاسِيا حنث وَإِذا سبقه لِسَانه بِالطَّلَاق من غير قصد طلقت
وَقَالَ الْحجَّاج بن أَرْطَاة لَا يَقع
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ إِذا نسى يَمِينه فَفعل حنث وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا
وَقَالَ اللَّيْث لَا يستيقن أَنه قد حنث وأخافه
وروى عَن مُجَاهِد وَطَاوُس وَسَعِيد بن جُبَير وَسَعِيد بن الْمسيب وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَالْحسن وَقَتَادَة أَنه يَحْنَث فِي النسْيَان وَقَالَ عَطاء لَا يَحْنَث وَالله أعلم
1366 - فِي الإدام
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف رَضِي الله عَنْهُمَا الإدام مَا يصطبغ بِهِ وَالْبيض والجوز وَاللَّحم لَيْسَ بإدام
وَقَالَ مُحَمَّد مَا كَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ أَن يُؤْكَل بالْخبر فَهُوَ أَدَم
وروى عَن جَابر بن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخلّ نعم الإدام
وروى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ تكون الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة خبْزَة إدامها زَائِدَة كبد ثَوْر وَنون(3/260)
فَجعل الكبد إدَامًا
وروى حَفْص بن غياث عَن مُحَمَّد بن أبي يحيى الْأَسْلَمِيّ عَن يزِيد بن أبي أُميَّة الْأَعْوَر عَن يُوسُف بن عبد الله بن سَلام قَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ كسرة من خبز شعير فَوضع عَلَيْهَا تَمْرَة وَقَالَ هَذِه إدام هَذِه فَأكلهَا
وروى ربيعَة عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والبرمة تَفُور بِلَحْم فَقرب إِلَيْهِ خبز وأدم من أَدَم الْبَيْت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألم أر برمة فِيهَا لحم قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله وَلَكِن ذَلِك لحم تصدق بِهِ على بَرِيرَة وَأَنت لَا تَأْكُل الصَّدَقَة فَقَالَ هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَة وَهُوَ لنا هَدِيَّة
فَسَمت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مَا فِي الْقدر مَعَ اللَّحْم إدَامًا من إدام الْبَيْت وَالله أعلم(3/261)
1367 - فِيمَن حلف أَن لَا يكلم فلَانا فَسلم على قوم هُوَ فيهم
قَالَ أَصْحَابنَا قد حنث إِلَّا أَن لَا يَنْوِي الرجل فيهم وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ اللَّيْث لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يتعمده بِالسَّلَامِ
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَحْنَث إِلَّا أَن ينويه
1368 - فِيمَن حلف ليضربن عَبده أسواطا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا حلف أَن يضْرب عَبده عشرَة أسواط فجمعها وضربه بهَا فَإِن وَقع بِهِ كل وَاحِد مِنْهَا بر وَإِلَّا لم يبر وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث لَا يبر
قَالَ أَبُو جَعْفَر قصَّة أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام تدل على القَوْل الأول لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {وَخذ بِيَدِك ضغثا فَاضْرب بِهِ وَلَا تَحنث}
وَقد روى عَن مُجَاهِد أَنه لأيوب خَاصَّة
وَقَالَ عَطاء هِيَ للنَّاس عَامَّة
وَقد روى مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن يَعْقُوب بن عبد الله بن الْأَشَج عَن أبي أُمَامَة بن سهل عَن سعيد بن سعد قَالَ كَانَ بَين أَبْيَاتنَا رجل مَرِيض الْجَسَد ففجر بِجَارِيَة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اضْرِبُوهُ حَده فَقَالُوا إِن ضَرَبْنَاهُ قَتَلْنَاهُ هُوَ أَضْعَف من ذَلِك قَالَ فَخُذُوا لَهُ عثْكَالًا فِيهِ مائَة شِمْرَاخ فَاضْرِبُوهُ بهَا ضَرْبَة وَاحِدَة فَفَعَلُوا(3/262)
وَهُوَ سعيد بن سعيد بن عبَادَة وَقد أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو أُمَامَة هَذَا هُوَ سعد بن سهل بن حنيف وَقد كَانَ ولد فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير أَن مُحَمَّد بن عجلَان روى هَذَا الحَدِيث عَن يَعْقُوب بن عبد الله بن الْأَشَج فَلم يُجَاوز بِهِ أَبَا أُمَامَة
1369 - فِيمَن حلف لَا يكلمهُ حينا
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن حلف لَا يكلم فلَانا حينا أَو زَمَانا أَنه مَا نوى فَإِن لم تكن لَهُ نِيَّة فَهُوَ سِتَّة أشهر
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا أَدْرِي الدَّهْر مَا هُوَ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هُوَ سِتَّة أشهر
وَقَالَ مَالك هُوَ مَا نوى فَإِن لم تكن لَهُ نِيَّة فَجَمِيع ذَلِك سنة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ الْحِين سِتَّة أشهر إِذا لم تكن لَهُ نِيَّة
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا قَالَ لأقضينك حَقك إِلَى حِين فَلَيْسَ بِمَعْلُوم والورع أَن يَقْضِيه قبل انْقِضَاء يَوْم وَلَا يَحْنَث أبدا لِأَنَّهُ يَقع على مُدَّة الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ زمَان ودهر وأحقاب
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول الله تَعَالَى {فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ} وَهُوَ على الْمسَاء والصباح وَقَالَ الله تَعَالَى {هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر} الْإِنْسَان وَهَذَا أطول مُدَّة من الأول
وَقَالَ تَعَالَى {ومتعناهم إِلَى حِين} وَذَلِكَ على الْحَيَاة الَّذِي يتلوها الْمَوْت وَقَوله تَعَالَى {تؤتي أكلهَا كل حِين} إِبْرَاهِيم وروى(3/263)
الْأَعْمَش عَن أبي ظبْيَان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {تؤتي أكلهَا كل حِين} الْحِين سِتَّة أشهر
وروى طَارق عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ الْحِين سِتَّة أشهر
وروى إِبْرَاهِيم بن ميسرَة عَن سعيد بن الْمسيب فِيمَن حلف لَا يكلم امْرَأَته حينا فَقَرَأَ سعيد {تؤتي أكلهَا كل حِين} فَقَالَ النَّخْلَة لَا تكون فِيهَا أكلهَا إِلَّا شَهْرَيْن وَرَأى أَن الْحِين شَهْرَيْن
وروى حَاتِم بن إِسْمَاعِيل عَن بردَان بن أبي النَّضر قَالَ حلف أخي أَن لَا يكلم أَخَاهُ حينا فأتينا سعيد بن الْمسيب فَسَأَلْنَاهُ فَقَرَأَ {تؤتي أكلهَا كل حِين بِإِذن رَبهَا} وَقَالَ الْحِين سِتَّة أشهر وَالله أعلم
1370 - فِيمَن حلف أَن لَا يكلمهُ فَيكْتب إِلَيْهِ أَو يُرْسل رَسُولا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا حلف لَا يكلمهُ فَكتب إِلَيْهِ أَو أرسل إِلَيْهِ لم يَحْنَث وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ يَحْنَث فيهمَا جَمِيعًا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا حلف لَا يكلمة فَكتب إِلَيْهِ فَلم يكلمهُ
وَقَالَ اللَّيْث لَا يَحْنَث فِي الرَّسُول وَأحب أَن لَا يكاتبه فَإِن كَاتبه لم يَحْنَث أَيْضا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَو حلف لَا يتَكَلَّم الْيَوْم فَكتب شَيْئا لم يَحْنَث وَقَالَ الله(3/264)
تَعَالَى {إِنِّي نذرت للرحمن صوما} يَعْنِي صمتا ثمَّ أشارت إِلَيْهِ وَلم يكن ذَلِك كلَاما وَقَالَ الله تَعَالَى فِي قصَّة زَكَرِيَّا {أَلا تكلم النَّاس ثَلَاث لَيَال سويا} ثمَّ قَالَ {فَأوحى إِلَيْهِم} وَالله أعلم
1371 - فِيمَن حلف لَا يَأْكُل لَحْمًا فَأكل شحما
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا حلف لَا يَأْكُل لَحْمًا فَأكل شحما مَا يكون مَعَ اللَّحْم حنث وَإِن أكل من شَحم الْبَطن لم يَحْنَث وَإِن حلف لَا يَأْكُل شحما لم يَحْنَث حَتَّى يَأْكُل شَحم الْبَطن وَإِن أكل شَحم الظّهْر لم يَحْنَث فِي قَول أبي حنيفَة رَضِي لله عَنهُ
وَقَالَ أَبُو يوسفومحمد يَحْنَث فِي شَحم الظّهْر
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا حلف لَا يَأْكُل من لحم هَذِه الشَّاة فَأكل من بَطنهَا حنث وَإِن أكل من شحمها لم يَحْنَث
وَقَالَ اللَّيْث لَا يَحْنَث إِذا أكل شحمها وَهُوَ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ مَالك من حلف لَا يَأْكُل لَحْمًا فَأكل شحما حنث لِأَن الشَّحْم لحم وَلَو حلف لَا يَأْكُل شحما فَأكل لَحْمًا لم يَحْنَث
قَالَ أَبُو حعفر لم يَخْتَلِفُوا أَنه لَو حلف لَا يَأْكُل شحما فَأكل لَحْمًا لم يَحْنَث
1372 - فِيمَن حلف لَا يَأْكُل لَحْمًا فَأكل سمكًا
قَالَ أَصْحَابنَا وَعُثْمَان البتي وَالشَّافِعِيّ لَا يَحْنَث(3/265)
وَقَالَ مَالك يَحْنَث
1373 - فِيمَن فعل بعض الْمَحْلُوف عَلَيْهِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا حلف لَا يَأْكُل هَذَا الرَّغِيف فَأكل بعضه لم يَحْنَث وَهُوَ قَول اللَّيْث وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا
وَقَالَ مَالك يَحْنَث
وَقَالَ عُثْمَان البتي وَالْحسن بن حَيّ إِن نوى الْجَمِيع لم يَحْنَث وَإِن نوى الْبَعْض حنث
1374 - فِي الْإِذْن من حَيْثُ لَا تسمع
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد وَمَالك رَضِي الله عَنْهُم إِذا حلف أَن لَا تخرج امْرَأَته إِلَّا أَن يَأْذَن لَهَا فَأذن من حَيْثُ لَا تسمع وَلم تكن حَاضِرَة لم يكن ذَلِك إِذْنا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف هُوَ قَول إِذن وَهُوَ الشَّافِعِي
1375 - فِيمَن حلف لَا يدْخل دَار فلَان فَوقف على حائطها
قَالَ أَصْحَابنَا يَحْنَث وَكَذَلِكَ إِن قَامَ على سطحها وَلَو قَامَ على طَارق بَاب الدَّار وَالْبَاب بَينه وَبَين الدَّار لم يَحْنَث وَلَو دخل بَيْتا مِنْهَا شَارِعا إِلَى الطَّرِيق حنث
وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف أَن الْبَيْت إِذا لم يكن لَهُ طَرِيق فِي الدَّار لم يَحْنَث(3/266)
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا إِذا قَامَ على سطحها أَو حائطها لم يَحْنَث
قَالَ أَبُو جَعْفَر مَا وَرَاء الْبَاب هُوَ من الدَّار فَيحنث والحائط من الدَّار وَكَذَلِكَ الروشن أَلا ترى أَنه قد يكون قَائِما على ذَلِك فَيَقُول مَا خرجت الْيَوْم من دَاري وَهُوَ على العتبة يَقُول حَتَّى أَدخل دَاري وَالله أعلم
1376 - فِيمَن قَالَ لَا أسكن هَذِه الدَّار وَهُوَ سكانها
قَالَ أَصْحَابنَا إِن أَخذ فِي النقلَة حَتَّى أخرج مَتَاعه وَخرج لم يَحْنَث
وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف فِيمَن قَالَ إِن دخلت هَذَا الْبَيْت حَتَّى أخرج من هَذِه الدَّار فَأَنت طَالِق فَأخْرج مَتَاعه وَخرج وبقى نَحْو من عشرَة أطنان قصب قَالَ كَانَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ يضيق فِي هَذَا وَيَقُول مَا بَقِي من الْمَتَاع شَيْء قَلِيل أوكثير فَهُوَ غير خَارج وَقَالَ أَبُو يُوسُف هُوَ خَارج فِي هَذَا وَلَا يَحْنَث وَلَو بقيت لؤلؤة فِي الْبَيْت بِثمن كثير فقد انْتقل وَلَا يَحْنَث
وَلَو قَالَ لَا أُكَلِّمك حَتَّى أخرج من الْكُوفَة فَهَذَا على الْخُرُوج بِبدنِهِ فَيبرأ إِذا خرج يُرِيد سفرا
وَقَالَ مَالك إِذا حلف لَا يسكنهَا انْتقل بأَهْله وَعِيَاله وَمَاله ومتاعه وكل شَيْء لَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْمُزنِيّ إِذا خرج بِبدنِهِ متحولا لم يضرّهُ(3/267)
بِأَن تردد على حمل مَتَاعه وَإِخْرَاج أَهله وَذكر عَنهُ الرّبيع أَن النقلَة على الْبدن دون الْأَهْل وَالْمَتَاع وَالله أعلم
1377 - فِيمَن حلف لَا يساكن رجلا
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن حلف لَا يساكن رجلا وَلَا نِيَّة لَهُ فساكنه فِي دَار وكل وَاحِد مِنْهُمَا فِي مَقْصُورَة لم يَحْنَث وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ فِي دَار وَاحِدَة حنث وَإِن كَانَ كل وَاحِد فِي مَقْصُورَة إِلَّا أَن يَكُونَا رَفِيقَيْنِ فِي بَيت فَيحلف أَن لَا يساكنه فَإِن انْتقل إِلَى بَيت غَيره فِي الدَّار لم يَحْنَث
1378 - فِيمَن حلف لَا يساكنه فِي دَار بِعَينهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اقتسماها وَجعلا بَينهمَا حَائِطا وَفتح كل وَاحِد بَابا لنَفسِهِ فسكن كل وَاحِد فِي طَائِفَة حنث وَفِي رِوَايَة أُخْرَى أَنه لايحنث وَلَيْسَ هَذَا مساكنة إِلَّا أَن يكون طريقهما ومخرجهما من بَاب الدَّار فَيحنث وَذكر عَن مَالك نَحْو القَوْل الأول
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَحْنَث وَلَيْسَ هَذَا بمساكنة إِلَّا أَن يكون مدخلهما ومخرجهما وَاحِدًا(3/268)
1379 - فِيمَن حلف لَا يدْخل دَار فلَان
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف إِذا حلف لَا يدْخل دَار فلَان هَذِه فَبَاعَهَا فلَان فَدَخلَهَا لم يَحْنَث
وَقَالَ مُحَمَّد يَحْنَث وَهُوَ قَول مَالك وَزفر وَالشَّافِعِيّ
1380 - فِيمَن حلف على قَضَاء دين
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن قَالَ إِن لم أقضك دراهمك الَّتِي لَك عَليّ فَعَبْدي حر فَبَاعَهُ بهَا عبدا وَقَبضه فقد قَضَاهُ وبر
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ إِن كَانَ مَا أعطَاهُ يُسَاوِي الدَّرَاهِم لم يَحْنَث وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ الشَّافِعِي إِن كَانَ قِيمَته أقل حنث
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أعطَاهُ عرضا بِحقِّهِ لم يخرج من يَمِينه
1381 - فِيمَن أعطَاهُ دَرَاهِم دون حَقه
قَالَ أَصْحَابنَا إِن قَضَاهُ زُيُوفًا بر وَإِن قَضَاهُ ستوقه لم يبر
وَقَالَ ملك إِن كَانَ فِيهَا دِرْهَم وَاحِد نَاقِصا حنث كَذَلِك إِن أعطَاهُ فَوجدَ فِيهِ زائفا وَالله أعلم
1382 - فِيمَن حلف أَن لَا يهب هبة لفُلَان فَتصدق عَلَيْهِ
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن حلف لَا يهب لفُلَان هبة فَتصدق عَلَيْهِ بِصَدقَة لم يَحْنَث لِأَن الصَّدَقَة غير الْهِبَة(3/269)
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ يَحْنَث قَالَ مَالك إِذا كَانَ على وَجه الْمَنْفَعَة أَو الْمَنّ لَو وهب رجل لآخر شَاة فَقَالَ الْوَاهِب ألم أفعل بك كَذَا وَكَذَا فَقَالَ إيَّايَ تُرِيدُ امْرَأَتي طَالِق إِن شربت من لَبنهَا أَو أكلت من لَحمهَا فَبَاعَهَا وَاشْترى بِثمنِهَا ثوبا أَو شَاة أُخْرَى فلئن أكل من لحم الثَّانِيَة أَنه يَحْنَث وَإِن أعطَاهُ شَاة أُخْرَى فَلَا بَأْس بِهِ
قَالَ وَلَو حلف لَا يهب لفُلَان دِينَارا فَكَسَاهُ ثوبا فَهُوَ حانث وَلَا أقبل مِنْهُ النِّيَّة فِي هَذَا
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ من حلف أَن لايهبه هبة فَتصدق عَلَيْهِ أَو نحلة أَو أعْمرهُ فَهُوَ هبة
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ مَالك من حلف ليقبلن من فلَان مَا وهب لَهُ فَقبل مِنْهُ عَارِية أَنه لايبر بذلك فِي يَمِينه
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَا فرق بَين الْبر والحنث فِي هَذَا وَالله أعلم
1383 - فِي الْكفَالَة
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن حلف لايكفل عَن فلَان بِشَيْء فكفل بِنَفسِهِ لم يَحْنَث وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ مَالك إِذا حلف لايكفل بِمَال فكفل بِنَفس رجل فَإِنَّهُ يَحْنَث لِأَن الْكفَالَة بِالنَّفسِ هِيَ الْكفَالَة بِالْمَالِ إِلَّا إِن اشْترط وَجهه بِلَا مَال(3/270)
1384 - فِيمَن حلف لَا يَأْكُل رَأْسا
قَالَ أَبُو حنيفَة هِيَ على رُؤُوس الْبَقر وَالْغنم
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد على رُؤُوس الْغنم خَاصَّة
وَقَالَ مَالك يَحْنَث فِي كل رَأس إِلَّا أَن يكون هُنَاكَ كَلَام يسْتَدلّ بِهِ على مُرَاده
وَقَالَ الشَّافِعِي على رُؤُوس الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم
1385 - فِيمَن حلف لَا يركب دَابَّة فلَان فَركب دَابَّة عَبده
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف لَا يَحْنَث
وَقَالَ مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ يَحْنَث
وَقَالَ الشَّافِعِي وَلَو حلف لَا يركب دَابَّة عَبده فَركب دَابَّة عَبده لم يَحْنَث لِأَنَّهَا ملك للْمولى
وَقَول مَالك كَقَوْل مُحَمَّد
1386 - فِيمَن حلف أَن يقْضِي فلَانا حَقه الْيَوْم
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد وَالْأَوْزَاعِيّ إِذا حلف ليقضين فلَانا حَقه غَدا فَأعْطَاهُ الْيَوْم أَو أَبرَأَهُ مِنْهُ أَو مَاتَ أَحدهمَا الْيَوْم سَقَطت الْيَمين(3/271)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَحْنَث
وَقَالَ مَالك إِذا مَاتَ الطَّالِب دَفعه إِلَى ورثته وبر وَكَذَلِكَ إِذا دَفعه إِلَى وَصِيّه
وَقَالَ الثَّوْريّ إِن حلف بِالطَّلَاق إِن خرج الْيَوْم حَتَّى يقضيك فنسي فقبضته امْرَأَته فقد بر
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا حلف أَن لَا يُفَارِقهُ حَتَّى يَسْتَوْفِي حَقه فأحاله على غَرِيم أَو أَبرَأَهُ ثمَّ فَارقه فَإِنَّهُ يَحْنَث
1387 - فِيمَن حلف لَا يلبس ثوبا بِعَيْنِه فيتزر بِهِ
قَالَ أَصْحَابنَا يَحْنَث وَلَو كَانَ بِغَيْر عينه لم يَحْنَث حَتَّى يلْبسهُ كَمَا يلبس ذَلِك الثَّوْب
وَقَالَ مَالك يَحْنَث فِي الثَّوْب بِغَيْر عينه إِذا أداره عَلَيْهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَحْنَث فِي الَّذِي بِغَيْر عينه حَتَّى يلْبسهُ كَمَا يلبس ذَلِك الثَّوْب
1388 - فِيمَن حلف ليقضين فلَانا مَاله فَيَمُوت الطَّالِب
قَالَ أَصْحَابنَا قد حنث(3/272)
وَقَالَ مَالك يَدْفَعهُ إِلَى ورثته أَو وَصِيّه قَالَ وَلَو حلف ليقضين فلَانا حَقه رَأس الشَّهْر فجَاء رَأس الشَّهْر وَفُلَان غَائِب وَله وَكيل فِي حَقه وَلم يُوكله بِقَبض دينه وَقد دَفعه إِلَى وَكيله أخرجه ذَلِك من يَمِينه وَإِن لم يكن مُسْتَحقّا على قبض دينه وَهُوَ قَول اللَّيْث وَإِن حلف ليقضينه حَقه إِلَى رَمَضَان فَمَاتَ الْحَالِف قبل ذَلِك فَلَا يَحْنَث عَلَيْهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا حلف ليقضينه حَقه إِلَى أجل فَمَاتَ قبل لم يَحْنَث
1389 - فِيمَن حلف ليشربن المَاء الَّذِي فِي هَذَا الْكوز الْيَوْم
قَالَ أَصْحَابنَا إِلَّا أَبَا يُوسُف إِذا اهرق المَاء قبل مُضِيّ الْيَوْم سَقَطت الْيَمين وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَحْنَث
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ مثل قَول أبي حنيفَة وَكَذَلِكَ الشَّافِعِي
1390 - فِيمَن حلف ليشربن المَاء الَّذِي فِي هَذَا الْكوز وَلَيْسَ فِيهِ مَاء
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد لَا يَحْنَث
وَلَو قَالَ لأقتلن فلَانا وَفُلَان ميت وَهُوَ يعلم بِمَوْتِهِ حنث وَإِن لم يعلم بِمَوْتِهِ لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ قَالَ مَالك إِذا لم يعلم بِمَوْتِهِ
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن لَا يَحْنَث إِذا لم يكن فِي الْكوز مَاء
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَحْنَث فِي ذَلِك كُله(3/273)
1391 - فِيمَن حلف لَا يهب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا حلف لَا يهب لفُلَان شَيْئا فوهب لَهُ فَلم يقبله فقد حنث
وَقَالَ زفر لَا يَحْنَث حَتَّى يقبل وَيقبض وَهُوَ قِيَاس قَول الشَّافِعِي وَقِيَاس قَول مَالك أَن لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ يَقُول إِن الْمَوْهُوب لَهُ لَا يملك إِلَّا بِالْقَبْضِ وَمَعَ ذَلِك يجْبر الْوَاهِب على تَسْلِيمه إِلَيْهِ
1392 - فِيمَن حلف لَا يفعل شَيْئا فَأمر غَيره
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن حلف لَا يُطلق امْرَأَته وَلَا يعْتق عَبده وَلَا يتَزَوَّج فَأمر غَيره فَفعل حنث إِلَّا أَن يكون مِمَّن لَا يتَوَلَّى ذَلِك بِنَفسِهِ فَيحنث
وَذكر الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة فِيمَن حلف لَا يُزَوّج بنته يَأْمر غَيره فيزوجها فَإِن كَانَت صَغِيرَة حنث وَإِن كَانَت كَبِيرَة لم يَحْنَث لِأَن النِّكَاح تمّ بِرِضَاهَا
قَالَ وَقَالَ زفر لَا يَحْنَث فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَحْنَث فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَن الْكَبِيرَة لَا تتَزَوَّج إِلَّا بولِي فبأمره صَحَّ النِّكَاح
وَلَو تزوجت بِغَيْر إِذْنه فَأجَاز حنث فِي قَول أبي يُوسُف وَلم يَحْنَث فِي قَول زفر
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ إِذا حلف لَا يَشْتَرِي عبدا فَأمر غَيره فَاشْترى لَهُ حنث وَكَذَلِكَ البيع وَلَو حلف لَا يضْرب عَبده فَأمر غَيره فَضَربهُ حنث(3/274)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِيمَن حلف لَا يُزَوّج بنته فَأمر ابْنه فَزَوجهَا لم يَحْنَث
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا حلف لَا يَشْتَرِي فَأمر غَيره فَاشْترى أَو لَا يُطلق فَجعل طَلاقهَا إِلَيْهَا فَطلقت نَفسهَا أَو لَا يضْرب عَبده فَأمر غَيره فَضَربهُ لم يَحْنَث إِلَّا أَن يكون نوى ذَلِك
وَذكر الرّبيع عَنهُ أَنه إِذا حلف لَا يطلقهَا فَجعل أمرهَا بِيَدِهَا وَطلقت نَفسهَا لم يَحْنَث إِلَّا أَن يكون جعل إِلَيْهَا طلا قها وَإِذا حلف ليضربن عبدا فَأمر غَيره فَضَربهُ لم يبر
اخر الْأَيْمَان وَالْكَفَّارَات(3/275)
= كتاب الْحُدُود =
1393 - فِي حد الْمُحصن وَغير الْمُحصن فِي الزِّنَا
قَالَ أَصْحَابنَا يرْجم الْمُحصن وَلَا يجلد ويجلد غير الْمُحصن وَلَا ينفى
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُم لَا يجْتَمع الْجلد وَالرَّجم
وَقَالَ ابْن أبي ليلى ينفى الْبكر بعد الْجلد
وَقَالَ مَالك ينفى الرجل وَلَا تنفى الْمَرْأَة وَلَا العَبْد وَمن نفي حبس فِي الْموضع الَّذِي ينفى إِلَيْهِ
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُم ينفى الزَّانِي
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَلَا تنفى الْمَرْأَة
وَقَالَ الشَّافِعِي ينفى العَبْد نصف سنة(3/277)
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه جلد شراحة الهمدانية ثمَّ رَجمهَا قَالَ جلدتها بِكِتَاب الله ورجمتها بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَرُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه رجم وَلم يجلد
وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ واغد يَا أنيس على امْرَأَة هَذَا فَإِن اعْترفت فارجمها
وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ وشبل وَزيد بن خَالِد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي الْأمة إِذا زنت فليجلدها فَإِن زنت فاجلدوها ثمَّ إِن زنت فاجلدوها ثمَّ بيعوها وَلَو بضفير وَلم يذكر النَّفْي
فَإِن قيل إِنَّمَا أَرَادَ بذلك التَّأْدِيب لَا الْحَد وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن الْأمة إِذا زنت قبل أَن تحصن لَا حد عَلَيْهَا لقَوْله تَعَالَى {فَإِذا أحصن فَإِن أتين بِفَاحِشَة}
قيل لَهُ قد روى سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا زنت أمة أحدكُم فليجلدها الْحَد وَلَا تغريب عَلَيْهَا قَالَ ذَلِك ثَلَاث مَرَّات ثمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة ثمَّ يَبِيعهَا وَلَو بضفير(3/278)
وَقد رُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه غرب ربيعَة بن أُميَّة بن خلف فِي الْخمر إِلَى خَيْبَر فلحق بهرقل فَقَالَ عمر لَا أغرب بعده أحدا وَلم يسْتَثْن فِيهِ الزِّنَا
وَقد رُوِيَ عَن أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا النَّفْي فِي الْمَرْأَة الْبكر
وَقد رُوِيَ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه حد مَمْلُوكَة لَهُ ونفاها إِلَى فدك فَكَانَ النَّفْي ثَابتا فِي النِّسَاء الْأَبْكَار الْحَرَائِر وَالْإِمَاء لما رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْأمة الْجلد دون النَّفْي دلّ على أَن النَّفْي مَنْسُوخ عَن الرجل وَالْمَرْأَة وَالله أعلم
1394 - فِي الْإِحْصَان الْمُوجب للرجم
قَالَ أَصْحَابنَا الْإِحْصَان أَن يَكُونَا حُرَّيْنِ مُسلمين بالغين قد جَامعهَا وهما بالغان
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف فِي الْإِمْلَاء أَن الْمُسلم يحصن النَّصْرَانِيَّة وَلَا تحصنه وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا أَن النَّصْرَانِي إِذا دخل بامرأته النَّصْرَانِيَّة ثمَّ أسلما أَنَّهُمَا مُحْصَنَانِ بذلك الدُّخُول
وروى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف قَالَ قَالَ ابْن أبي ليلى إِذا زنى الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ بَعْدَمَا أحصنا فعلَيْهِمَا الرَّجْم قَالَ أَبُو يُوسُف وَبِه نَأْخُذ
وَقَالَ مَالك تحصن الْأمة الْحر وَالْعَبْد الْحرَّة وَلَا يحصن العَبْد الْحرَّة(3/279)
وَلَا تحصن الْحرَّة العَبْد وتحصن الْيَهُودِيَّة والنصرانية الْمُسلم وتحصن الصبية الرجل وتحصن الْمَجْنُونَة الْعَاقِل وَلَا يحصن الصَّبِي الْمَرْأَة وَلَا يحصن العَبْد الْأمة إِذا جَامعهَا فِي حَال الرّقّ ثمَّ أعتقا لم يَكُونَا محصنين بذلك الْجِمَاع حَتَّى يُجَامِعهَا بعد الْعتْق
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ إِذا تزوجت الْحرَّة خَصيا وَهِي لَا تعلم أَنه خصي فَوَطِئَهَا ثمَّ علمت أَنه خصي فلهَا أَن تخْتَار فِرَاقه وَلَا يكون ذَلِك الْوَطْء إحصانا
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا يحصن بالنصرانية وَلَا بالمملوكة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي العَبْد تَحْتَهُ حرَّة إِذا زنى فَعَلَيهِ الرَّجْم وَإِن كَانَ تَحْتَهُ أمة فَأعتق ثمَّ زنى فَلَيْسَ عَلَيْهِ الرَّجْم حَتَّى ينْكح غَيرهَا وَقَالَ فِي الْجَارِيَة الَّتِي لم تحصن إِنَّهَا تحصن الرجل والغلام الَّذِي لم يَحْتَلِم لَا يحصن الْمَرْأَة وَلَو تزوج امْرَأَة فَإِذا هِيَ أُخْته من الرَّضَاع فَهَذَا إِحْصَان
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا يكون مُحصنا بالكافرة وَلَا الْأمة لَا يحصن إِلَّا بِالْحرَّةِ الْمسلمَة وتحصن المشركة بِالْمُسلمِ ويحصن المشركان كل وَاحِد بِصَاحِبِهِ
وَقَالَ اللَّيْث فِي الزَّوْجَيْنِ المملوكين لَا يكونَانِ محصنين حَتَّى يدْخل بهَا بعد عتقهما وَإِن تزوج امْرَأَة فِي عدتهَا فَوَطِئَهَا ثمَّ فرق بَينهمَا فَهَذَا إِحْصَان وَقَالَ فِي النصرانيين لَا يكونَانِ محصنين حَتَّى يدْخل بهَا بعد إسلامهما
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا دخل بامرأته وهما كَافِرَانِ فَهَذَا إِحْصَان
قَالَ أَبُو جَعْفَر أما قَول الْأَوْزَاعِيّ إِن الْمَمْلُوك يكون مُحصنا بتزويجه الْحرَّة والمملوكة قد تكون مُحصنَة بتزويجها الْحرَّة فَإِنَّهُ يذهب فِيهِ إِلَى مَا رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سُئِلَ عَن الْأمة إِذا زنت وَلم تحصن فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اجلدها فَإِن عَادَتْ فاجلدها فَإِن عَادَتْ فاجلدها فَإِن عَادَتْ فبعها وَلَو(3/280)
بضفير رَوَاهُ الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ وَأبي هُرَيْرَة وشبل بن خُلَيْد الْمُزنِيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يقل فِيهِ وَلم يحصن غير مَالك وَسَائِر أَصْحَاب الزُّهْرِيّ لَا يذكرُونَ هَذَا الْحَرْف وَقد قَالَ الله تَعَالَى {فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب} وَالرَّجم لاينتصف وَأَيْضًا فَلم يقل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّهَا إِذا لم تحصن فحدها الْجلد وَإِنَّمَا أجَاب السَّائِل عَمَّا سَأَلَ وَسكت عَمَّا سواهُ فَهُوَ مَوْقُوف على الدَّلِيل فَثَبت أَن لَا رجم على الرَّقِيق وَيبين ذَلِك أَن الرَّجْم لَيْسَ لَهُ ذكر فِي كتاب الله تَعَالَى وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ لَوْلَا أَن يَقُول النَّاس زَاد عمر فِي كتاب الله لكتبتها فِي الْمُصحف وَقَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فِي شراحة جلدتها بِكِتَاب الله ورجمتها بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَبَطل قَول الْأَوْزَاعِيّ وَثَبت أَن الْإِحْصَان الْمَذْكُور فِي الْإِمَاء إِنَّمَا هُوَ الْعِفَّة لَيْسَ إِحْصَان الرَّجْم
1395 - فِي الذميين إِذا زَنَيَا
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُم يحدان
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ لَا يحدان وَإِنَّمَا رجم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيَهُودِيين لِأَنَّهُ لم يكن للْيَهُود ذمَّة وتحاكموا إِلَيْهِ(3/281)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلم يكن وَاجِبا عَلَيْهِم لما أَقَامَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِذا كَانَ من لَا ذمَّة لَهُ قد حَده النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الزِّنَا فَمن لَهُ ذمَّة أَحْرَى بذلك وَلَهُم يَخْتَلِفُوا أَن الذِّمِّيّ يقطع فِي السّرقَة
1396 - فِي الْحَامِل من الزِّنَا
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تحد حَتَّى تضع فَإِن كَانَ جلدا فحتى تتعافى من نفَاسهَا فَإِن كَانَ رجما رجمت بعد الْوَضع
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ مثل ذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ إِن لم يُوجد للصَّبِيّ من يرضعه فَلم يرْجم حَتَّى يفطم الصَّبِي
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مثله وَفِي الرَّجْم حَتَّى يكفل وَلَدهَا
وروى يحيى بن أبي كثير عَن أبي قلَابَة عَن أبي الملهب عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن امْرَأَة من جُهَيْنَة أقرَّت بِالزِّنَا وَهِي حُبْلَى فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَليهَا فَقَالَ لَهُ أحسن إِلَيْهَا فَإِذا وضعت حملهَا فأتني بهَا فَفعل فَأمر بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فشدت عَلَيْهَا ثِيَابهَا ثمَّ أَمر بهَا فرجمت ثمَّ صلى عَلَيْهَا فَلم يذكر انْتِظَار الْفِطَام فِي هَذَا الْخَبَر
وروى عبد الله بن مهْرَان الْأَسدي عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن أبي الْمليح الْهُذلِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر فِيهِ أَنه لم يرجمها حَتَّى فَطَمته وَعبد الله بن مهْرَان هَذَا مَجْهُول لَا يدْرِي من هُوَ
وَقد روى بشير بن المُهَاجر عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه ذكر قصَّة الغامدية(3/282)
حَتَّى أقرَّت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالزِّنَا أَربع مَرَّات فَلم يرجمها حَتَّى وضعت وفطمت وَلَدهَا ثمَّ أَمر برجمها
1397 - فِي شُهُود الزِّنَا إِذا جَاءُوا مُتَفَرّقين
قَالَ أَصْحَابنَا يحدون وَهُوَ قَول مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ عُثْمَان البتي وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا لَا يحدون وَتقبل شَهَادَتهم
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ الزِّنَا وَاحِدًا
وَقد روى أَن نَافِع بن الْحَارِث كتب إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ أَن أَرْبَعَة جَاءُوا يشْهدُونَ على رجل وامرأه بِالزِّنَا فَشهد ثَلَاثَة أَنهم رَأَوْهُ كالميل فِي المكحلة وَلم يشْهد الرَّابِع بِمثل ذَلِك فَكتب إِلَيْهِ رَضِي الله عَنهُ إِن شهد الرَّابِع على مثل مَا شهد عَلَيْهِ الثَّلَاثَة فاجلدهما وَإِن كَانَا محصنين فارجمهما وَإِن لم يشْهد إِلَّا بِمَا كتبت بِهِ إِلَيّ فاجلد الثَّلَاثَة وخل سَبِيل الرجل وَالْمَرْأَة وَالله أعلم
1398 - فِي عدد الْإِقْرَار بِالزِّنَا
قَالَ أَصْحَابنَا أَربع مَرَّات وَلم يذكر فِي مجَالِس مُتَفَرِّقَة وَهُوَ أَن يغيب فِي كل مرّة عَن مجْلِس القَاضِي حَتَّى لايراه ثمَّ يعود فَيقر
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ حَتَّى يقر أَربع مَرَّات وَلم يذكر مجَالِس مُتَفَرِّقَة وَقَالَ مَالك والبتي وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُم إِذا أقرّ مرّة وَاحِدَة حد وَالله أعلم(3/283)
1399 - فِي الرُّجُوع عَن الْإِقْرَار بِالْحَدِّ
قَالَ أَصْحَابنَا يقبل رُجُوعه عَن الْإِقْرَار بِالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَن بن أبي ليلى لَا يقبل رُجُوعه وَرُوِيَ عَنهُ اللَّيْث أَنه يقبل
وَقَالَ عُثْمَان البتي لَا يقبل رُجُوعه
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي رجل أقرّ على نَفسه بِالزِّنَا أَربع مَرَّات وَهُوَ مُحصن ثمَّ نَدم فَأنْكر أَن يكون أَتَى ذَلِك أَنه يضْرب حد الْفِرْيَة على نَفسه فَإِن اعْترف بسرق أَو شرب خمر أَو قتل ثمَّ أنكر أَن يكون فعل فَإِن عُقُوبَة السُّلْطَان دون الْحَد
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عَليّ رضى الله عَنهُ أَنه قَالَ لقنبر فِي العَبْد الَّذِي أقرّ عِنْده بِالزِّنَا اضربه كَذَلِك مَا لم ينهك
1400 - فِيمَن يبْدَأ بِالرَّجمِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ بِشَهَادَة بَدَأَ الشُّهُود ثمَّ الإِمَام ثمَّ النَّاس وَإِذا كَانَ بِإِقْرَار بَدَأَ الإِمَام ثمَّ النَّاس وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ يَأْمر الإِمَام بذلك وَلَا يعرف ببدئه الشُّهُود أَو الإِمَام(3/284)
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن الْمُبَارك عَن المَسْعُودِيّ عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه قَالَ رَأَيْت عليا رَضِي الله عَنهُ حِين رجم شراحة المهدانية أَتَى بهَا وَهِي حلبى فَرَفعهَا إِلَى السجْن فَلَمَّا وضعت أخرجهَا فلفها فِي عباءة ثمَّ حفرلها حُفْرَة ثمَّ قَامَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَحَمدَ الله ثمَّ قَالَ ياأيها النَّاس إِنَّمَا الرَّجْم رجم سر ورجم عَلَانيَة فرجم السِّرّ أَن يشْهد عَلَيْهِ الشُّهُود فَيبْدَأ الشُّهُود فيرجمون ثمَّ يرْجم الإِمَام ثمَّ النَّاس ورجم الْعَلَانِيَة أَن يشْهد على الْمَرْأَة مَا فِي بَطنهَا فَيبْدَأ الإِمَام فيرجم ثمَّ يرْجم النَّاس أَلا وَإِنِّي راجم فَلَا ترجموا فَتقدم فَرَمَاهَا بِحجر أفما خطأ أصل أذنها وَكَانَ من أصوب النَّاس رمية ثمَّ خلى بَينهم وَبَينهَا
فَإِن قيل قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قصَّة مَاعِز هلا خليتموه [1] يدل على أَنه لم يكن حَاضرا
قيل لَهُ يجوز أَن يكون بَدَأَ فرجم ثمَّ خلى بَينه وَبينهمْ وَغَابَ
1401 - فِي الْمَشْهُود عَلَيْهَا بِالزِّنَا تدعى أَنَّهَا بكر
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْمَرْأَة يشْهدُونَ عَلَيْهَا بِالزِّنَا فتدعي أَنَّهَا بكر فَنظر النِّسَاء وقلن هِيَ بكر فَلَا حد عَلَيْهَا وَلَا على الشُّهُود وَهُوَ قَول الشّعبِيّ وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك يُقَام عَلَيْهَا الْحَد وَلَا يلْتَفت إِلَى قولهن
قَالَ أَبُو جَعْفَر من قَول زفر أَنه لَا تقبل شَهَادَة النِّسَاء وحدهن فِي شَيْء(3/285)
1402 - فِي الْمُكْره على الزِّنَا
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الرجل يكره على الزِّنَا إِن أكرهه غير سُلْطَان حد وَإِن كَانَ أكرهه سُلْطَان لم يحد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يحد فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا والمكرهة لَا تحد فِي قَوْلهم
وَقَالَ زفر إِن أكرهه سُلْطَان حد أَيْضا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ لَا حد فِي حَال الْإِكْرَاه
1403 - إِذا شهد اثْنَان أَنه اشكرهها وَاثْنَانِ أَنَّهَا طاوعته
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر لَا يحد وَاحِد مِنْهُمَا
قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يحد الرجل دون الْمَرْأَة وَهُوَ قَول البتي وَاللَّيْث
وَرُوِيَ عَن الشَّافِعِي أَنه لَا حد على وَاحِد مِنْهُمَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لم يحد الشُّهُود
وَقَالَ زفر إِن شهد أَحدهمَا أَنه استكرهها وَثَلَاثَة أَنَّهَا طاوعته لم يحد وَاحِد مِنْهُم وَهُوَ قَول أَبُو حنيفَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يحد الثَّلَاثَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر اللَّذَان شَهدا بالمطاوعة قاذفان لَهَا وَإِنَّمَا سقط عَنْهَا الْحَد بِشَهَادَة الآخرين بِوُقُوع الْفِعْل مِنْهَا على وَجه الاستكراه فَلَا يجوز قبُول شَهَادَة القاذفين إِذْ كَانَ حد الْقَذْف إِنَّمَا سقط عَنْهُمَا لشُبْهَة(3/286)
1404 - فِي المرحومة هَل يحْفر لَهَا
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يحْفر للمرجوم وَإِن حفر للمرجومة فَحسن
وَقَالَ مَالك لَا يحْفر للمرجوم قَالَ ابْن الْقَاسِم والمرجومة مثله
قَالَ أَبُو حعفر رُوِيَ فِي قصَّة الجهينة أَنه شدّ عَلَيْهَا ثِيَابهَا ثمَّ أَمر برجمها من غير حفرلها وَرُوِيَ أَن عليا عَلَيْهِ السَّلَام حفر لشراحة
1405 - فِي أَرْبَعَة فساق شهدُوا بِالزِّنَا
قَالَ أَصْحَابنَا وَعُثْمَان البني وَاللَّيْث لَا حد عَلَيْهِم
وروى الْحسن عَن أبي يُوسُف فِي رجل قذف رجلا بِالزِّنَا ثمَّ جَاءَ بأَرْبعَة فساق يشْهدُونَ أَنه زَان أَنه يحد الْقَاذِف ويدرأ عَن الشُّهُود
وَقَالَ زفر يدْرَأ عَن الشُّهُود وَعَن الْقَاذِف
وَقَالَ مَالك يحد الشُّهُود وَهُوَ قَول عبد الله بن الْحسن
1406 - فِي اجْتِمَاع الحدين
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ إِذا وَجب عَلَيْهِ حدان فأقيم أَحدهمَا لم يقم عَلَيْهِ الآخر حَتَّى يبرأ إِلَّا الرَّجْم فَإِنَّهُ يرْجم
وَقَالَ مَالك إِن رأى الإِمَام أَن يجمعهما عَلَيْهِ جَمعهمَا وَإِن رأى أَن يفرقهما(3/287)
فعل يجْتَهد فِي ذَلِك وَالْمَرِيض يُؤَخر عَنهُ الْحَد حَتَّى يبرأ وَكَذَلِكَ الَّذِي يخَاف الْبرد وَقد سرق أَنه يحبس حَتَّى يَزُول الْبرد
وَابْن أبي ليلى يجمع عَلَيْهِ الحدين وَقد خطأه أَبُو حنيفَة فِيهِ
1407 - فِي التَّعْزِير وَالْحَد
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد يضْرب فِي الْحُدُود الْأَعْضَاء كلهَا إِلَّا الْفرج وَالرَّأْس وَالْوَجْه
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يضْرب الرَّأْس أَيْضا
وَقَالَ مَالك لَا يضْرب إِلَّا الظّهْر
وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد فِي التَّعْزِير أَنه يضْرب الظّهْر بِغَيْر خلاف فِي الْحُدُود وَيضْرب الْأَعْضَاء إِلَّا مَا ذَكرْنَاهُ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يضْرب فِي الْحَد وَالتَّعْزِير الْأَعْضَاء كلهَا وَلَا يضْرب الْوَجْه والمذاكير
وَقَالَ الشَّافِعِي يتقى الْوَجْه والفرج
وروى ذَلِك عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه أَتَى بِرَجُل شرب خمرًا فَقَالَ اجلد وَاتَّقِ وَجهه ومذاكيره
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سُفْيَان عَن عَاصِم عَن أبي عُثْمَان أَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَتَى بِرَجُل فِي حد فَقَالَ اضْرِب وَلَا يرى إبطاك واعط كل عُضْو حَقه وَعَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا يضْرب الرَّأْس(3/288)
1408 - فِي ضرب الرِّجَال وَالنِّسَاء
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ الضَّرْب فِي الْحُدُود كلهَا ممدودا وَفِي التَّعْزِير مُجَردا قَائِما غير مَمْدُود إِلَّا فِي حد الْقَذْف فَإِنَّهُ يضْرب وَعَلِيهِ ثِيَابه وَينْزع عَنهُ الحشو والفرو
وَقَالَ بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة يضْرب فِي التَّعْزِير فِي إِزَار وَلَا يفرق فِي التَّعْزِير خَاصَّة فِي الْأَعْضَاء
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَابْن أبي ليلى تضرب الْمَرْأَة قَائِمَة فخطأه أَبُو حنيفَة قَالَ وَالرجل يقْعد وَلَا يُقَام وَلَا يمد وتجلد الْمَرْأَة وَلَا تجرد وتقعد
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا يجرد الرجل وَلَا يمد وتضرب الْمَرْأَة قَاعِدَة وَالرجل قَائِما
قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي رجم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيَهُودِيين رَأَيْت الرجل يحني على الْمَرْأَة يَقِيهَا الْحِجَارَة وَهَذَا يدل على أَن الرجل كَانَ قَائِما وَالْمَرْأَة قَاعِدَة
وَمَا رُوِيَ عَن عَليّ وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي ضرب الْأَعْضَاء يدل على ذَلِك أَنه لايتمكن من ضرب جَمِيع الْأَعْضَاء إِلَّا فِي حَال الْقيام وَأَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ جلد رجلا فِي الْقَذْف قَائِما فِي شدَّة الضَّرْب
قَالَ أَصْحَابنَا ضرب التَّعْزِير أَشد الضَّرْب وَضرب الزِّنَا أَشد من ضرب الشَّارِب وَضرب الشَّارِب أَشد من ضرب الْقَاذِف
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث الضَّرْب فِي الْحُدُود كلهَا سَوَاء غير مبرح بَين الضربين(3/289)
وَقَالَ الثَّوْريّ ضرب الزِّنَا أَشد من ضرب الْقَاذِف وَضرب الْقَذْف أَشد من ضرب الشّرْب
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ ضرب الزِّنَا أَشد من ضرب الشّرْب وَالْقَذْف
وروى شريك عَن جَامع بن رَاشد عَن أبي وَائِل قَالَ كَانَ لرجل على ابْن أَخ لأم سَلمَة دين فَمَاتَ فقضت عَنهُ فَكتب إِلَيْهَا كتابا يخرج عَلَيْهَا فِيهِ فَرفعت ذَلِك إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ فَكتب عمر الي عَامله اضْرِب ثَلَاثِينَ ضَرْبَة كلهَا تتضع اللَّحْم وتحدر الدَّم
وروى شُعْبَة عَن وَاصل عَن الْمَعْرُور بن سُوَيْد قَالَ أُتِي عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بِامْرَأَة زنت فَقَالَ أفسدت حسبها اضربوها وَلَا تحرقوا عَلَيْهَا جلدهَا
فقد دلّ هَذَا على أَنه كَانَ يرى ضرب الزَّانِي أخف من التَّعْزِير
وروى عَن عَطاء جلد الزَّانِيَة أَشد من جلد الْفِرْيَة وَجلد الْفِرْيَة وَالْخمر وَاحِد
وَعَن الْحسن ضرب الزِّنَا أَشد من الْقَذْف وَالْقَذْف أَشد من الشّرْب وَضرب الشّرْب أَشد من ضرب التَّعْزِير
وَعَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه جلد رجلا حدا قَاعِدا وَعَلِيهِ كسَاء قسطلاني(3/290)
روى أَنه جلد أَبَا بكرَة سلخة شَاة فألبس مسكها وَهَذَا يدل على شدَّة الضَّرْب
1409 - فِي إِقَامَة الْحَد فِي الْمَسْجِد
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ لاتقام الْحُدُود فِي الْمَسَاجِد وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَأقَام ابْن أبي ليلى حدا فِي الْمَسْجِد فخطأه أَبُو حنيفَة
وَقَالَ مَالك لابأس بالتأديب فِي الْمَسْجِد خَمْسَة أسواط وَنَحْوهَا وَأما الضَّرْب الموجع وَالْحَد فَلَا يُقَام فِي الْمَسْجِد
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى إِسْمَاعِيل بن مُسلم الْمَكِّيّ عَن عَمْرو بن دِينَار عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تُقَام الْحُدُود فِي الْمَسَاجِد وَلَا يقتل بِالْوَلَدِ الْوَالِد
وَإِسْمَاعِيل هَذَا ضَعِيف عِنْد أهل الحَدِيث وَإِسْمَاعِيل بن مُسلم الْعَبْدي ثِقَة(3/291)
1410 - فِي الرجل وَالْمَرْأَة يقران بِالزَّوْجِيَّةِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وجد رجل وَامْرَأَة فِي بَيت وأقرا بِالْوَطْءِ وادعيا أَنَّهُمَا زوجان لم يحدا ويخلى بَينهَا وَبَينه وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك إِن لم يُقِيمَا بَيِّنَة أقيم عَلَيْهِمَا الْحَط
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِن كَانَ يرى قبل ذَلِك يدْخل إِلَيْهَا ويذكرها أَو كَانَا طارئين لَا يعرفان قبل ذَلِك فَلَا حد عَلَيْهِمَا فَإِن كَانَا لم يأتيا شَيْئا من هَذَا فهما زانيان مَا اجْتمعَا وَعَلَيْهِمَا الْحَد
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف أَنه لَو وطأ جَارِيَة كَانَت مَعْرُوفَة أَنَّهَا لغيره فتصادق هُوَ ومولاها انه كَانَ بَاعهَا أَنه لَاحَدَّ عَلَيْهِ كَذَلِك مَا ذكرنَا
فَإِن قيل رُوِيَ عمر رَضِي الله عَنهُ الرَّجْم حق فِي كتاب الله تَعَالَى على من من زنى إِذا أحصن من الرِّجَال وَالنِّسَاء إِذا قَامَت الْبَيِّنَة أَو كَانَ الْحَبل أَو الِاعْتِرَاف فَأوجب الْحَد بِظُهُور الْحمل وَلم يكْشف عَن سَببه
قيل لَهُ إِنَّمَا قَالَ هُوَ حق على من زنى فَهَذَا إِن كَانَ سَبَب الْحمل لزنا
وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لماعز لما أقرّ عِنْده بِالزِّنَا لَعَلَّك قبلت لَعَلَّك لمست يطْلب لَهُ الْفرج عَن الْحَد ثمَّ كشف عَن عقله بعد مَعْرفَته بِهِ خوفًا أَن يكون غَيره قد علم من تغير عقله مَا خَفِي عَنهُ
وَقد رُوِيَ عَن عَمْرو أَنه أُتِي بِامْرَأَة حُبْلَى بِالْمَوْسِمِ فَقَالُوا زنت فَقَالَ عمر(3/292)
رَضِي الله عَنهُ مَا يبكيك فَإِن الْمَرْأَة رُبمَا استكرهت على نَفسهَا يلقنها ذَلِك فَأخْبرت أَن رجلا ركبهَا وَهِي نَائِمَة فَقَالَ عمر لَو قتلت هَذِه لَخَشِيت أَن يدْخل مَا بَين هذَيْن الأخشبين النَّار وخلى سَبِيلهَا
وَرُوِيَ أَن عليا عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لشراحة حِين أقرَّت عِنْده بِالزِّنَا قَالَ لَعَلَّك عصيت نَفسك قَالَت أتيت طائعه غير مُكْرَهَة فرجمها
1411 - فِي الْمَمْلُوك يقر بِالْحَدِّ
قَالَ أَصْحَابنَا إِقْرَاره بِمَا يُوجب الْحَد جَائِز وَهُوَ قَول مَالك وَعُثْمَان البتى وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَسمعت ابْن أبي عمرَان يذكر مَا يكون أَخذه عَن ابْن شُجَاع عَن الْحسن عَن زفر فِي إِقْرَار العَبْد بقتل العبدة أَو بِمَا سواهُ مَا لَو علم كَانَت الْعقُوبَة عَلَيْهِ فِي يَدَيْهِ إِن إِقْرَاره بذلك غير مَقْبُول على مَوْلَاهُ إِذا كذبه فِيهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَمَا أعلم أحدا من الْمُتَقَدِّمين وَافق زفر على ذَلِك غير عَمْرو بن دِينَار
وَقد رُوِيَ عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام أَن عبدا أقرّ عِنْده بِالسَّرقَةِ مرَّتَيْنِ فَقَطعه وَأَن عبدا أقرّ عِنْده بِالزِّنَا فردده أَربع مَرَّات فجلده خمسين
وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مثله فِي قطعه بِإِقْرَارِهِ بِالسَّرقَةِ وَلم يرد عَن غَيرهمَا من الصَّحَابَة خِلَافه(3/293)
1412 - فِيمَن زنى بِجَارِيَة امْرَأَته
قَالَ أَصْحَابنَا إِلَّا زفر عَلَيْهِ الْحَد إِلَّا أَن يَقُول ظَنَنْت أَنَّهَا تحل لي فَلَا يحد وَلَا يثبت النّسَب
وَقَالَ زفر يحد فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
وَقَالَ مَالك يحد
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يجلد مائَة
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تحل لي عزّر وَلم يحد وَإِن قَالَ علمت أَنَّهَا عَليّ حرَام حد
وروى الْحسن عَن جون بن قَتَادَة عَن سَلمَة بن المحبق أَن رجلا زنى بِجَارِيَة امْرَأَته فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن كَانَ استكرهها فَهِيَ حرَّة وَعَلِيهِ مثلهَا وَإِن كَانَت طاوعته فَعَلَيهِ مثلهَا
وروى هشيم عَن أبي بشر عَن حبيب بن سَالم عَن النُّعْمَان بن بشير فِيمَن وَقع بِجَارِيَة امْرَأَته أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن كنت أَذِنت لَهُ جلدته مائَة وَإِن كنت لم تَأْذَنِي لَهُ رَجَمْته
وَهَذَا كُله مَنْسُوخ عِنْد الْجَمِيع(3/294)
وَقد رُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه جلد فِيهِ مائَة
وَرُوِيَ عَنهُ الرَّجْم بالجهالة
وَيجوز أَن يكون ذَلِك على وَجه التَّعْزِير
وروى عَطاء بن السَّائِب عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَا أُوتى بِرَجُل قد وَقع على جَارِيَة امْرَأَته إِلَّا رَجَمْته
1413 - فِي شَهَادَة الشُّهُود بعد حِين على حد
قَالَ أَصْحَابنَا فِي شُهُود شهدُوا بعد حِين بِسَرِقَة أَو شرب خمر أَو زنا قَالَ لَا يحد فِي شَيْء من ذَلِك وَإِن أقرّ بذلك بعد حِين أَخَذته إِلَّا بالشرب
وَقَالَ مُحَمَّد يُؤْخَذ بالشرب
وَكَانَ أَبُو حنيفَة لَا يؤقت فِي تَأْخِير الشُّهُود وقتا وَكَانَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يؤقتان شهرا ذكر مُحَمَّد فِي إمْلَائِهِ
وَقَالَ زفر لَا يحد فِي إِقْرَاره بِشرب الْخمر حَتَّى يقر مرَّتَيْنِ فِي موطنين
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يحد بِإِقْرَارِهِ مرّة وَاحِدَة
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا شهدُوا على زنا قديم أَو سَرقَة حد وَإِن شهدُوا على سكر وَأتي بِهِ وَهُوَ غير سَكرَان لم يحد
وَقَالَ مَالك فِيمَن شرب خمرًا فِي شبيبته ثمَّ تَابَ وَصَارَ فَقِيها عابدا فَشَهِدُوا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يحد(3/295)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ من وجد مِنْهُ ريح خمر أقيم عَلَيْهِ الْحَد وَلَو بعد حِين
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا يبطل الْحَد دون الأمد وَكَذَلِكَ قَول اللَّيْث وَقَالَ تقبل الشَّهَادَة عَلَيْهِ بعد طول الْمدَّة
وَقَالَ الشَّافِعِي والمزني يحْتَمل أَن يسْقط كل حق لله تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ وَقَالَ فِي كتاب الْحُدُود وَبِه أَقُول وَذكر عَنهُ الرّبيع أَن حد الزِّنَا لَا يسْقط بِالتَّوْبَةِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر اسْم الزِّنَا وَالسَّرِقَة لَا يزولان عَن الْفَاعِل بِالتَّوْبَةِ وَيَزُول عَنهُ اسْم قَاطع الطَّرِيق بِالتَّوْبَةِ فَيَنْبَغِي أَن لَا يسْقط حد الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَيسْقط حق حد قاصع الطَّرِيق
1414 - فِيمَن تزوج ذَات محرم مِنْهُ ووطئ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري لَا يحد وَإِن علم عزّر
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يحد إِذا علم بتحريمها عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالك يحد وَلَا يلْحق نسب الْوَلَد وَإِن لم تعلم هِيَ ذَلِك وَإِن كَانَت علمت وَهُوَ لم يعلم ألحقت بِهِ الْوَلَد وأقمت عَلَيْهَا الْحَد
وَقَالَ ابْن شبْرمَة من أقرّ أَنه تزوج امْرَأَة فِي عدتهَا وَهُوَ يعلم أَنَّهَا مُحرمَة عَلَيْهِ ضَربته مَا دون الْحَد وَكَذَلِكَ الْمُمْتَنع
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الَّذِي يتَزَوَّج الْمَجُوسِيَّة أَو الْخَامِسَة أَو الْأُخْتَيْنِ إِن كَانَ جَاهِلا ضرب مائَة ألحق بِهِ الْوَلَد وَإِن كَانَ مُتَعَمدا رجم وَلَا يلْحق بِهِ الْوَلَد(3/296)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِيمَن تزوج امْرَأَة فِي الْعدة وَهُوَ يعلم أَنَّهَا لَا تحل لَهُ أَو ذَات محرم مِنْهُ أقيم عَلَيْهِ الْحَد إِذا وطئ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ الشَّافِعِي وَإِن ادّعى الْجَهَالَة بِأَن لَهَا زوجا أَو أَنَّهَا فِي عدَّة حلف ودرئ عَنهُ الْحَد
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدِيث الْبَراء فِي الَّذِي تزوج امْرَأَة أَبِيه قَالَ أَبُو بردة يرْوى على ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه تزوج امْرَأَة أَبِيه قَالَ أَبُو بردة وَأَمرَنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أَقتلهُ ويروى أَنه عرس بِامْرَأَة أَبِيه
ويروى أَنه نكح امْرَأَة أَبِيه وَأَن أَقتلهُ وآخذ مَاله وَفِي لفظ آخر ويخمس مَاله
1415 - فِيمَن أقرّ بِالزِّنَا بِامْرَأَة بِعَينهَا وجحدت هِيَ
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا حد عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ يحد وَكَذَلِكَ إِن أقرَّت هِيَ وَجحد الرجل وَلم تحد هِيَ للزِّنَا وحدت للقذف
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ تحد هِيَ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا أقرّ هُوَ وجحدت هِيَ وَهُوَ مُحصن جلد الرجل وَلم يرْجم
وَقَالَ ابْن شبْرمَة فِيمَن قَالَ لَا مرأته يَا زَانِيَة فَقَالَت زَنَيْت بك أَو قَالَت أَنْت أزني مني جلد كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه(3/297)
وَقَالَ مَالك إِذا أقرّ بِالزِّنَا بِامْرَأَة بِعَينهَا ضرب للْمَرْأَة حد الْفِرْيَة وأقيم عَلَيْهِ حد الزِّنَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يحد للقذف وَلَا يحد للزِّنَا
1416 - فِي الْمُكْره على الزِّنَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا استكره امْرَأَة فزنى بهَا فَعَلَيهِ الْحَد وَلَا مهر عَلَيْهِ وَهُوَ قَول ابْن شبْرمَة وَالثَّوْري
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ عَلَيْهِ الْحَد وَالْمهْر جَمِيعًا
قَالَ لم يَخْتَلِفُوا فِي الْأمة إِذا طاوعت على الزِّنَا وَلَا مهر لَهَا وَكَذَلِكَ الْحرَّة المستكرهة
1417 - فِي حد الْمَمْلُوك
قَالَ أَصْحَابنَا يقيمه الإِمَام دون الْمولى وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وَقَالَ مَالك يحده الْمولى فِي الزِّنَا وَشرب الْخمر وَالْقَذْف إِذا شهد عِنْده الشُّهُود وَلَا يقطعهُ فِي السّرقَة إِنَّمَا يقطعهُ الإِمَام وَهُوَ قَول اللَّيْث
وَقَالَ الشَّافِعِي يحده الْمولى ويقطعه
وَقَالَ الثَّوْريّ يحده الْمولى فِي الزِّنَا رِوَايَة الْأَشْجَعِيّ وَذكر عَنهُ الْفرْيَابِيّ أَن الْمولى إِذا حد عبدا ثمَّ أعْتقهُ جَازَت شَهَادَته
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يحده الْمولى
روى عَن الْحسن أَنه قَالَ ضمن هَؤُلَاءِ أَربع الصَّلَاة وَالصَّدَََقَة وَالْحُدُود(3/298)
وَالْحكم رَوَاهُ عَنهُ ابْن عون وروى عَنهُ بدل الصَّلَاة الْجُمُعَة
وَقَالَ عبد الله بن محيريز الْحُدُود والفيء وَالْجُمُعَة وَالزَّكَاة إِلَى السُّلْطَان
وَقد روى حَمَّاد بن سَلمَة عَن يحيى الْبكاء عَن مُسلم بن يسَار عَن أبي عبد الله رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ ابْن عمر يَأْمُرنَا أَن نَأْخُذ عَنهُ وَقَالَ هُوَ عَالم فَخُذُوا عَنهُ فَسَمعته يَقُول الزَّكَاة وَالْحُدُود والفيء وَالْجُمُعَة إِلَى السُّلْطَان
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَعَسَى أَن يكون هُوَ أَبَا عبد الله أَخا أبي بكرَة واسْمه نَافِع وَلَا نعلم عَن أحد من الصَّحَابَة خِلَافه
وروى الْأَعْمَش أَنه ذكر إِقَامَة عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ حدا بِالشَّام فَقَالَ الْأَعْمَش هم أمرآء حَيْثُ كَانُوا وَمَا رُوِيَ عَن ابْن أبي ليلى قَالَ أدْركْت بقايا الْأَنْصَار يضْربُونَ الوليدة من ولائدهم إِذا زنت فِي مجَالِسهمْ
1418 - فِي اجْتِمَاع الْحُدُود
قَالَ أَصْحَابنَا يبْدَأ بِالْقصاصِ فِيمَا دون النَّفس ثمَّ يحد للقذف ثمَّ إِن شَاءَ يحد للزِّنَا أَو للسرقة ثمَّ يحد للشُّرْب آخِره
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا قتل وزنى حد ثمَّ قتل
وَقَالَ مَالك يبْدَأ بِمَا هُوَ لله تَعَالَى فَيبْدَأ بِقطع السّرقَة ثمَّ بِالْقصاصِ لِأَن(3/299)
الْقصاص يجوز فِيهِ الْعَفو وَفِي الْحَد لَا يجوز وَلَو زنى وسرق وَهُوَ مُحصن رجم وَلم يقطع
قَالَ مَالك كل حد وَجب عَلَيْهِ مَعَ الْقَتْل فِي قصاص أَو غَيره فَإِنَّهُ يقتل وَلَا يحد إِلَّا فِي الْقَذْف فَإِنَّهُ يجلد ثمَّ يقتل
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا قطع يَد رجل ثمَّ سرق قطعت يَده بِالْقصاصِ وَرجله بِالسَّرقَةِ وَإِن سرق ثمَّ قطع يَد رجل فَقطعت يَده بِالسَّرقَةِ وعزم دِيَة يَد الْمَقْطُوع وَإِن كَانَ عَلَيْهِ حُدُود للنَّاس ثمَّ قتل أخذت حُدُود النَّاس فِيهِ ثمَّ قتل وَإِن كَانَت حُدُود كلهَا لله تَعَالَى مِنْهَا الْقَتْل قتل وَترك مَا سواهُ
وَقَالَ اللَّيْث فِي الْمُرْتَد إِنَّه يقتل وَيبْطل كل جِنَايَة مِنْهَا كَانَت مِنْهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا اجْتمعت على رجل حُدُود وَقتل يَبْتَدِئ بِحَدّ الْقَذْف ثَمَانِينَ جلدَة ثمَّ يحد الزِّنَا ثمَّ تقطع يَده الْيُمْنَى وَرجله الْيُسْرَى لقطع الطَّرِيق وَكَانَت يَده الْيُمْنَى للسرقة وَقطع الطَّرِيق مَعًا وَرجله لقطع الطَّرِيق مَعَ يَده ثمَّ قتل قودا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول مَالك إِن حد الله لَا يسْقطهُ الْعَفو فَلذَلِك كَانَ الدّور يرجع عَلَيْهِ فِي تَجْوِيز رُجُوعه وَإِقْرَاره فِي الْحُدُود دون حق الْآدَمِيّ
1419 - فِيمَن زنا وَقَالَ لم أعلم أَنه محرم
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الذِّمِّيّ إِذا زنى يحد وَإِن قَالَ هُوَ عِنْدِي حَلَال وَلَو أسلم رجل فَشرب الْخمر وَقَالَ لم أعلم أَنَّهَا مُحرمَة لم يحد وَإِن كَانَ ولد فِي دَار الْإِسْلَام لَا يصدق
وَقَالَ زفر يحد فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
وَقَالَ مَالك من أَتَى الْحُدُود لم يعْذر بالجهالة وحد(3/300)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِيمَن أسلم فَلم يمْكث إِلَّا يَوْمَيْنِ أَو عشرَة ثمَّ قذف أَو سرق أَو سكر أَو زنى وَلم يعرف الْإِسْلَام فَإِنَّهُ يضْرب مائَة فِي الزِّنَا مُحصنا وَغير مُحصن ويدرأ عَنهُ مَا سوى ذَلِك حَتَّى يعلم بحدود الْإِسْلَام
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُرْتَهن إِذا وطأ جَارِيَة الرَّهْن حد فَإِن كَانَ رب الْجَارِيَة أذن لَهُ فِي ذَلِك وَكَانَ يجهل درىء عَنهُ الْحَد ويؤدب هُوَ وَالسَّيِّد بِالْإِذْنِ
روى عمر بن دِينَار عَن سعيد بن الْمسيب أَن رجلا قَالَ زَنَيْت البارحة
فَقيل لَهُ إِن الله قد حرمه فَكتب فِيهِ إِلَى عمر فَكتب إِن كَانَ علم أَن الله حرمه فحدوه وَإِن لم يكن يعلم فأعلموه فَإِن عَاد فحدوه
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَلم يُوجب الْحَد على الْجَاهِل بِالتَّحْرِيمِ وَلَا يعلم عَن أحد من الصَّحَابَة خِلَافه
وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} فَأخْبر أَنه لَا يعذب أحدا فِيمَا طَرِيقه السّمع إِلَّا بعد إِقَامَة الْحجَّة عَلَيْهِ بتحريمها وَأَيْضًا فَإِن الْحُدُود عقوبات على انتهاك الْمَحَارِم وَمن لم يعرف الْحُرْمَة قبل وُقُوعه فِيهَا لم يكن منتهكا لَهَا فَلَا حد عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِيمَن وطأ امْرَأَة ثمَّ قَالَ ظننتها امْرَأَتي فَإِنَّهُ يحد
وَقَالَ زفر فِي الْأَعْمَى إِذا وجد امْرَأَة على فرَاشه فَوَطِئَهَا فَلَا حد عَلَيْهِ إِذا قَالَ طننتها امْرَأَتي
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يحد(3/301)
1420 - فِي الإِمَام هَل يُقرر بِمَا يُوجب الْحَد
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ لَا يَنْبَغِي للْحَاكِم أَن يَقُول أفعلت كَذَا لما يُوجب
وَكَانَ ابْن أبي ليلى يَقُول لَهُ أوطئتها يقرره أَربع مَرَّات فَإِن أقرّ بذلك أَرْبعا حَده
روى أَن هزالًا أَمر ماعزا بِالْإِقْرَارِ عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو سترته بثوبك كَانَ خيرا لَك
وروى يحيى بن سعيد عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بعد أَن رجم الْأَسْلَمِيّ اجتنبوا هَذِه القاذورات الَّتِي نهى الله عَنْهَا فَمن ألم فليستتر بستر الله وليتب إِلَى الله فَإِنَّهُ من يبد لنا صفحته نقم عَلَيْهِ كتاب الله تَعَالَى
فَإِن قيل روى أَنه قَالَ واغد يَا أنيس على امْرَأَة هَذَا فَإِن اعْترفت فارجمها
قَالَ أَبُو بكر يحْتَمل أَن يكون أَرَادَ تَعْرِيفهَا ذَلِك لتأْخذ بِحَقِّهَا من الْقَذْف إِن لم يقر بِالزِّنَا(3/302)
1421 - فِيمَن عمل عمل قوم لوط
قَالَ أَبُو حنيفَة يُعَزّر وَلَا يحد
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث يرجمان أحصنا أَو لم يحصنا
وَقَالَ البتي وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ هُوَ بِمَنْزِلَة الزِّنَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحل دم امْرِئ مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث فَإِن كَانَ زنا فَفِيهِ حد الزِّنَى وَإِن لم يكن زنا لم يجز قَتله بِهَذَا
وَقد روى عَاصِم بن عمر عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الَّذِي يعْمل عمل قوم لوط فَاقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ
وعصم بن عمر وَعَمْرو بن أبي عَمْرو ضَعِيف لَا تقوم بروايتهما الْحجَّة(3/303)
وَقد روى عَطاء وَإِبْرَاهِيم وَالْحسن أَن حد اللوطي حد الزَّانِي
1422 - فِي الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَة
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك والبتي لَا حد عَلَيْهِ وَيُعَزر
وَعَن الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ عَلَيْهِ الْحَد وَعَن ابْن عمر لَا حد عَلَيْهِ وَعَن ابْن عمر لَا حد عَلَيْهِ 2
وروى عَمْرو بن أبي عَمْرو عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وجدتموه على بَهِيمَة فَاقْتُلُوهُ واقتلوا الْبَهِيمَة
وروى شُعْبَة وسُفْيَان وَأَبُو عوَانَة عَن عَاصِم عَن أبي رزين عَن ابْن عَبَّاس فِيمَن أَتَى بَهِيمَة أَنه لَا حد عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِسْرَائِيل وَأَبُو بكر وَأَبُو الْأَحْوَص وسريك عَن عَاصِم عَن أبي رزين عَن ابْن عَبَّاس مثله
1423 - فِي التَّعْزِير
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ لَا يبلغ بالتعزير أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَهُوَ قَول شبْرمَة وَالْحسن بن حَيّ(3/304)
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَأَبُو يُوسُف أَكْثَره خَمْسَة وَسَبْعُونَ سَوْطًا
وروى عَن أبي يُوسُف أَنه على مَا يرَاهُ الإِمَام وَلم يذكر منع مُجَاوزَة الْحَد بِهِ
وَقَالَ مَالك عَن التَّعْزِير مَا هُوَ أَشد من الْحُدُود
وَقَالَ اللَّيْث فِي الْمَرْأَة تُوجد مَعَ رجل فِي بَيت بعد الْعشَاء الْآخِرَة أَنَّهُمَا يجلدان سبعين سبعين سَوْطًا وَقَالَ فِي الرجل يخلع امْرَأَته ثمَّ يُصِيبهَا فِي عدتهَا وهما جاهلان يضربان مائَة مائَة وَإِن كَانَ عَالما وَهِي مستكرهة فَعَلَيهِ الْحَد وَقَالَ فِيمَن يدْخل الرجل على غير امْرَأَته يضْرب مائَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يصلح اعْتِبَار الْعُقُوبَات قِيَاسا أَلا ترى أَنه من زنى مائَة مرّة وَمن زنى مرّة وَمن زنى ثَالِثَة مُحرمَة وَمن زنى بأجنبية وَمن زنى فِي رَمَضَان وَهُوَ صَائِم محرم حدودهم سَوَاء لَا يُزَاد على وَاحِد مِنْهُم عُقُوبَة لأجل زِيَادَة انتهاك الْحُرْمَة وَمن قذف رجلا بِالزِّنَا حد وَلَو قذفه بالْكفْر لم يحد فَدلَّ على أَنه لَا يجوز أَن يعْتَبر بهَا غَيرهَا من الْعُقُوبَات وَلَا يُزَاد إِلَيْهَا فَلم يجز اعْتِبَار التَّعْزِير بِالْحَدِّ وَالتَّعْزِير لم يَخْتَلِفُوا فِي أَنه موكول إِلَى اجْتِهَاد الإِمَام فيخفف تَارَة ويشد تَارَة فَلَا معنى لاعْتِبَار الْحَد فِيهِ وَجَاز مجاوزته إِيَّاه
وَقد روى عَن اللَّيْث بن سعد أَنه يحْتَمل أَن لَا يُجَاوز بالتعزير عشرَة أسواط وَيحْتَمل مَا سوى ذَلِك ويحتج لذَلِك بِمَا روى عبد الرَّحْمَن بن جَابر بن عبد الله عَن أبي بردة بن نيار أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يجلد فَوق عشر جلدات إِلَّا فِي حد من حُدُود الله(3/305)
وَقد روى يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب عَن أَبِيه أَن حَاطِبًا توفّي وَأعْتق من صلى من رَقِيقه وَصَامَ وَكَانَت لَهُ وليدة نوبية قد صلت وصامت وَهِي عجمية لم تفقه فَلم يرعه إِلَّا حملهَا فَذهب إِلَى عمر فَزعًا فحدثه فَقَالَ عمر أَنْت الرجل الَّذِي لَا تَأتي بِخَير فأفزعه ذَلِك فَأرْسل إِلَيْهَا عمر أحبلت فَقَالَت نعم من مرعوش بِدِرْهَمَيْنِ فَإِذا هِيَ تستهل بِهِ وصادفت عِنْده عليا وَعُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ أَشِيرُوا عَليّ فَقَالَ عَليّ وَعبد الرَّحْمَن قد وَقع عَلَيْهَا الْحَد فَقَالَ أشر عَليّ يَا عُثْمَان فَقَالَ قد أَشَارَ عَلَيْك أَخَوَاك قَالَ أشر عَليّ أَنْت قَالَ عُثْمَان أَرَاهَا تستهل بِهِ كَأَنَّهَا لَا تعمله وَلَيْسَ الْحَد إِلَّا على من علمه فَأمر بهَا فجلدت مائَة وغربها ثمَّ قَالَ صدقت وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا الْجلد إِلَّا على من علمه
قَالَ ابْن شهَاب وَقد كَانَت نكحت غُلَاما لأَهْلهَا ثمَّ مَاتَ عَنْهَا وَهِي أَعْجَمِيَّة إِلَّا أَنَّهَا تصلي الْقبْلَة مَعَ الْمُسلمين
وَإِن عُثْمَان قَالَ لعمر لَا أرى عَلَيْهَا الرَّجْم وَإِنَّمَا الرَّجْم على من علم الْإِسْلَام فَيعلم مَاذَا عَلَيْهِ وماذا لَهُ فَأمر عمر إِذا نفست أَن تجلد مائَة وتغرب إِلَى مصر من الْأَمْصَار فَجعل من هَذَا الحَدِيث التَّعْزِير مائَة كَانَ عَلَيْهَا استعلام الْأَشْيَاء الْمُحرمَة وغربها زِيَادَة فِي الْعقُوبَة كَمَا غرب فِي الْخمر
1424 - فِي شُهُود الْإِحْصَان إِذا رجعُوا
قَالَ أَصْحَابنَا إِلَّا زفر تقبل فِي الْإِحْصَان رجل وَامْرَأَتَانِ وَإِن رَجَعَ شُهُود الْإِحْصَان فَلَا شَيْء عَلَيْهِم
وَقَالَ زفر لَا تقبل فِي الْإِحْصَان إِلَّا شَهَادَة رجلَيْنِ(3/306)
وَقَالَ أَصْحَابنَا إِن رَجَعَ شُهُود الْإِحْصَان وشهود الزِّنَا بعد الرَّجْم لم يكن على شُهُود الْإِحْصَان ضَمَان شَيْء وَكَانَ الضَّمَان على شُهُود الزِّنَا
وَقَالَ زفر على شُهُود الْإِحْصَان نصف الدِّيَة
وَقَالَ الْمُزنِيّ قِيَاس قَول الشَّافِعِي إِن الدِّيَة على شُهُود الزِّنَا وعَلى شَاهِدي الْإِحْصَان أسداسا
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا على قبُول الشَّاهِدين فِي الْإِحْصَان وَلَو كَانَ هُوَ الْمُوجب للرجم لما قبل إِلَّا أَرْبَعَة لشهود الزِّنَا وَقد اتَّفقُوا أَنه لَو عدل الشُّهُود رجلَانِ ثمَّ رجعا عَن التَّعْدِيل بعد الحكم أَن لَا ضَمَان عَلَيْهِمَا
1425 - فِي رُجُوع شُهُود الزِّنَا بعد الْقَضَاء أَو قبله
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا شهد أَرْبَعَة بِالزِّنَا فَلم يحد حَتَّى رَجَعَ الشُّهُود فَعَلَيْهِم الْحَد وَإِن رجم ثمَّ رَجَعَ أحدهم حد الرَّاجِع وَحده وَغرم ربع الدِّيَة
وَقَالَ زفر لَا يحد إِلَّا الرَّاجِع وَحده
إِذا لم يحكم الْحَاكِم لم يحد وَلَو قضى بِالْحَدِّ فَلم يحد حَتَّى رَجَعَ أحدهم حدوا جَمِيعًا عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَعند مُحَمَّد يحد الرَّاجِع وَحده
وَقَالَ زفر إِذا رَجَعَ الشُّهُود بعد الرَّجْم لم يحدوا
وَقَالَ مَالك إِذا شهد أَرْبَعَة بِالزِّنَا فَشك أحدهم بعد شَهَادَته قبل مُضِيّ الْحَد حدوا جَمِيعًا وَإِن مضى الْحَد ثمَّ شكّ جلد الشاك وَحده(3/307)
وَقَالَ الْبَراء إِذا رجم ثمَّ رَجَعَ وَاحِدًا وَقَالَ تَعَمّدت الشَّهَادَة ليقْتل رَجَمْته إِن قَالَ شبه عَليّ غرم ربع الدِّيَة فَعَلَيهِ الدِّيَة كَامِلَة وَعَلِيهِ الْحَد وَلَا شَيْء على البَاقِينَ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يحد الرَّاجِع وَيغرم ربع الدِّيَة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا رجعُوا بعد الرَّجْم وَقَالُوا شبه علينا حدوا وَعَلَيْهِم الدِّيَة وَإِن قَالُوا تعمدنا قتلوا بِهِ وَإِن رَجَعَ أحدهم قبل إبِْطَال الْحَد ضربوا بِالْقَذْفِ وَإِن كَانَ رُجُوعه بعد الْحَد ضرب الرَّاجِع وَحده
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ إِذا رجم بِشَهَادَة أَرْبَعَة ثمَّ رَجَعَ أحدهم وَقَالَ تَعَمّدت أَن أشهد بزور فَعَلَيهِ الْقود وَإِن قَالَ شهِدت وَلَا أعلم أعليه الْقَتْل أَو غَيره اسْتحْلف وَعَلِيهِ الدِّيَة وَالْحَد قَالَ وَمن رَجَعَ بعد تَمام الشَّهَادَة لم يحد غَيره
1426 - فِيمَن إِلَيْهِ إِقَامَة الْحُدُود
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يُقيم إِلَّا أُمَرَاء الْأَمْصَار وحكامها وَلَا يقيمها عَامل السوَاد وَنَحْوه
وَقَالَ مَالك الشَّرْط والحرس عِنْدِي بِمَنْزِلَة الإِمَام فِي إِقَامَة الْحُدُود
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا كَانَ الْوَالِي عدلا يضع الصَّدَقَة موَاضعهَا فَلهُ عُقُوبَة من على صدقته إِلَّا أَن يَدعِي الْجَهَالَة فَلَا يُعَاقِبهُ وَإِن كَانَ لَا يَضَعهَا موَاضعهَا لم يكن لَهُ أَن يُعَزّر بِهِ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الحرسي لَا يحكم فِي الْأَمْوَال كَذَلِك فِي الْحُدُود(3/308)
1427 - فِيمَن وطأ مَمْلُوكَة بِشُبْهَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا زنى بِجَارِيَة امْرَأَته أَو أَبِيه أَو أمه وَقَالَ علمت أَنَّهَا عَليّ حرَام حد وَإِن زنى بِجَارِيَة ابْنه وَقَالَ علمت أَنَّهَا عَليّ حرَام لم يحد وَإِن قَالَ فِي جَمِيع ذَلِك ظَنَنْت أَنَّهَا تحل لي دَرأ عَنهُ الْحَد وَلَا يثبت النّسَب إِلَّا فِي الْأَب يَدعِي جَارِيَة ابْنه
وَقَالَ إِن ادّعى ولد جَارِيَة مكَاتبه لم يصدق حَتَّى يصدقهُ الْمكَاتب وَإِن أحلّت امْرَأَة نَفسهَا لرجل لم يكن ذَلِك نِكَاحا
وَقَالَ مَالك إِذا وطىء أحد الشَّرِيكَيْنِ لم يحد وَيثبت نسب الْوَلَد وَيضم حِصَّة شَرِيكه وَلَا عُقُوبَة عَلَيْهِ وَإِن أحل رجل جَارِيَته لرجل فَوَطِئَهَا قومت عَلَيْهِ يَوْم وَطئهَا وَلم تحل وَلَا حد عَلَيْهِ وَيلْحق بِهِ الْوَلَد
وَقَالَ مَالك إِن وطىء أم ولد ابْنه فَعَلَيهِ الْحَد
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا أحلّت الْمَرْأَة جاريتها لزَوجهَا فَلَا حد عَلَيْهِ وَلَا تَعْزِير وَيلْحق بِهِ الْوَلَد وَهُوَ مَمْلُوك
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الرجل يَقع على الْجَارِيَة من الْغَنِيمَة فَتحمل مِنْهُ فَإِن من سلف عُلَمَائِنَا يُقِيمُونَ عَلَيْهِ إِذا زنى الْحَد يَوْم جلد ومهرها قيمَة عدل فَيلْحق بهَا وَوَلدهَا بِهِ لمَكَان الَّذِي لَهُ فِيهِ من الشّرك
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا وطىء جَارِيَة أمه أَو ابْنة يثبت النّسَب
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ إِذا وطىء جَارِيَة أَبِيه وأولدها فَعَلَيهِ مهرهَا وَقيمتهَا
وَقَالَ الرّبيع عَنهُ إِذا وطىء الْمُرْتَهن جَارِيَة الرَّهْن بِإِذن الرَّاهِن وَكَانَ يجهل دَرأ عَنهُ الْحَد وَلحق الْوَلَد وَعَلِيهِ قيمتهم يَوْم سقطوا(3/309)
قَالَ وَإِذا وطىء جَارِيَة أَبِيه وَقَالَ ظننتها تحل لي أَحْلف مَا وَطئهَا إِلَّا وَهُوَ يعْتَقد أَنَّهَا حَلَال ثمَّ دَرأ عَنهُ الْحَد وأرغم الْمهْر
وَإِن قَالَ قد عملت أَنَّهَا عَليّ حرَام حد وَلَا يقبل هَذَا إِلَّا مِمَّن يُمكن فِيهِ الْجَهْل
قَالَ وَإِذا وطىء أمه لمكاتبه وللمكاتب عَلَيْهِ مهر وَإِن حملت الْأمة فَهِيَ أم ولد وَعَلِيهِ مهرهَا وَقيمتهَا
1428 - فِي حد العَبْد فِي القدف
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قدف حرا فَعَلَيهِ أَرْبَعُونَ جلدَة وَهُوَ قَول مَالك وَعُثْمَان البتي وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يجلد ثَمَانِينَ
وروى الثَّوْريّ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه أَن عليا عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ يجلد العَبْد فِي الْفِرْيَة أَرْبَعِينَ
وروى الثَّوْريّ عَن ابْن ذكْوَان عَن عبد الله بن عَامر قَالَ أدْركْت أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وَمن بعدهمْ من الْخلف فَلم أرهم يضْربُونَ الْمَمْلُوك فِي القدف إِلَّا أَرْبَعِينَ وَهُوَ مَذْهَب ابْن عَبَّاس وَسَالم وَسَعِيد بن الْمسيب وَعَطَاء
وروى لَيْث بن أبي سليم عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن أَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ فِي عبد عبد قذف حرا إِنَّه يجلد ثَمَانِينَ(3/310)
وَقَالَ أَبُو الزِّنَاد جلد عمر بن عبد الْعَزِيز عبدا فِي الْفِرْيَة ثَمَانِينَ
1429 - فِي التَّعْرِيض بِالْقَذْفِ
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ لَا حد فِي التَّعْرِيض بِالْقَذْفِ
وَقَالَ مَالك عَلَيْهِ فِيهِ الْحَد
وروى الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ عمر يضْرب الْحَد فِي التَّعْرِيض
وروى ابْن وهب عَن مَالك عَن أبي الرِّجَال عَن أمة عمْرَة أَن رجلَيْنِ اسْتَبَّا فِي زمن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ أَحدهمَا للْآخر وَالله مَا أبي بزان وَلَا أُمِّي بزانية فَاسْتَشَارَ عمر فِي ذَلِك فَقَالَ قَائِل مدح أَبَاهُ وَأمه وَقَالَ اخرون قد كَانَ لِأَبِيهِ وَأمه مدح غير هَذَا نرى أَن يجلد الْحَد فجلده عمر ثَمَانِينَ
وَلم يشاور عمر إِلَّا من إِذا خَالف قبل خِلَافه فَحصل الْخلاف فِيهِ بَين السّلف لِأَنَّهُ لم يكن يشاور إِلَّا الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم
1430 - فِيمَن صدق الْقَاذِف
قَالَ أَصْحَابنَا إِلَّا زفر إِذا قَالَ لرجل يَا زَان فَقَالَ الآخر صدقت أَنه يجلد الأول وَلَا يحد الآخر(3/311)
وَقَالَ زفر يحدان جَمِيعًا وَهُوَ قِيَاس قَول مَالك
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَو قَالَ لي عَلَيْك ألف دِرْهَم فَقَالَ صدقت لزمَه المَال وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما عز أَحَق مَا بَلغنِي عَنْك أَنَّك زَنَيْت بِجَارِيَة ال فلَان فَقَالَ نعم
1431 - فِيمَن قَالَ أَخْبرنِي فَلَا أَنَّك زَان
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن قَالَ لآخر أخْبرت أَنَّك زَان فَلَا حد عَلَيْهِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يحد
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ أَخْبرنِي فلَان أَنَّك زَان فَإِن أَقَامَ الْبَيِّنَة أَن فلَانا أخبرهُ وَإِلَّا حد
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا القَوْل لَيْسَ بِقَذْف من قَائِله لِأَنَّهُ لَو أَقَامَ بَيِّنَة أَن فلَانا قَالَه لم يحد هَذَا الحاكي
1432 - فِيمَن قذف جَارِيَة حَامِلا من الْمولى
قَالَ إِذا أقرّ الرجل بِحمْل جَارِيَته ثمَّ مَاتَ فقذفها قَاذف فَلَا حد عَلَيْهِ فِي قِيَاس قَول أبي حنيفَة وضعت ولدا حَيا أَو لم تضع وَقِيَاس قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد إِن جَاءَت بِهِ لما يحكم بِهِ أَنه من مَوْلَاهَا حد قاذفها وَإِن جَاءَت بِهِ لما سوى ذَلِك لم يحد
وَقَالَ مَالك عَلَيْهِ الْحَد وَيقتل من قَتلهَا
وَقَالَ اللَّيْث إِذا تبين أَن فِي بَطنهَا ولدا حد قاذفها(3/312)
1433 - فِيمَن قَالَ يَا فَاسق أَو خَبِيث أَو نَحوه
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن قَالَ لآخر يَا فَاسق أَو يَا خَبِيث أَو يَا سَارِق فَإِنَّهُ يُعَزّر وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ إِلَّا فِي قَوْله يَا خَبِيث فِي قَول ابْن حَيّ وَيُعَزر عِنْده إِذا قَالَ يَا عَدو الله أَو يَا مُنَافِق وَكَذَلِكَ يَا مَجْنُون وَفِي يَا خَبِيث يسْتَحْلف فَإِن أَرَادَ بالخبث السوء عزّر وَإِن أَرَادَ خبث الْخلق لم يُعَزّر وَإِذا قَالَ يَا فَاجر اسْتحْلف أَنه لم ينْو الزِّنَا
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي قَوْله يَا خبيثة أَو يَا فاسقة أَو غلمة حلف مَا أَرَادَ الْقَذْف وعزر ذكره الْمُزنِيّ
وَقَالَ مَالك يُعَزّر فِي قَوْله يَا فَاجر وَيَا فَاسق وَيَا خَبِيث ويستحلف فِي قَوْله يَا خَبِيث مَا أَرَادَ الْقَذْف وَفِي قَوْله يَا مخنث يجلد الْحَد إِلَّا أَن يحلف أَنه لم يرد قذفا
1434 - فِيمَن شتم رجلا
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن شتم رجلا أَنه يعزرأسواطا إِلَّا ان يكون الشاتم لَهُ مُرُوءَة وخطر وَكَانَ ذَلِك أول مَا فعل فَلَا يُعَزّر وَلَا يحبس
وروى عَن الْحسن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ تجافوا عَن عُقُوبَة ذَوي الْمُرُوءَة(3/313)
وَذكر أَشهب عَن مَالك أَنه سُئِلَ أسمعت أَن ذَا الْهَيْئَة تقال عشرته فَقَالَ لم أسمعهُ وَهَذَا من الشَّيْطَان
وَقَالَ الشَّافِعِي ذَوُو الهيئات الَّذين تقال عثرتهم الَّذين لَيْسَ يعْرفُونَ بالسوء فَيكون من احدهم الزلة وَفِي الَّذِي يكْتب إِلَى الْكفَّار إِن كَانَ من ذِي الْهَيْئَة بِجَهَالَة كَمَا كَانَ من حَاطِب بِجَهَالَة وَكَانَ غير مُتَّهم أَحْبَبْت أَن يتجافى عَنهُ وَإِلَّا عزره الْأَمَام
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا يُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَمُحَمّد بن عبد الله بن عبد الحكم قَالَا حَدثنَا ابْن أبي فديك قَالَ وَأَخْبرنِي عبد الْملك بن زيد عَن مُحَمَّد بن أبي بكر عَن أَبِيه عَن عمْرَة عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أقيلوا ذَوي الهيئات عثراتهم إِلَّا حد من حُدُود الله
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا يُونُس وَابْن عبد الحكم صَحِيح رَوَاهُ ابْن أبي فديك وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن عبد الْملك بن زيد وَهُوَ عبد الْملك بن زيد بن سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل
وَقد روى مُوسَى بن دَاوُد قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن عبد الله بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه عَن جده قَالَ(3/314)
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تجافوا عَن عُقُوبَة ذَوي الْمُرُوءَة وَهُوَ ذُو الصّلاح
فَذكر فِيهِ أَن ذَا الْهَيْئَة هُوَ ذُو الصّلاح
وَقد رُوِيَ أَن مُحَمَّدًا بن أبي بكر بن حزم رفع إِلَيْهِ رجل من ال عمر قد شج رجلا وضربه فَأرْسلهُ وَقَالَ أَنْت من ذَوي الهيئه
وَحدثنَا ابْن أبي عمرَان قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن هِشَام عَن بشر بن الْحَارِث عَن عِيسَى بن يُونُس فِي تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث فِي ذِي الْهَيْئَة قَالَ هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ
1435 - فِي قذف الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ
قَالَ أَصْحَابنَا لَا حد عَلَيْهِ وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك لَا يحد قَاذف الصَّبِي وَإِن كَانَ مثله يُجَامع إِذا لم يبلغ وَيحد قَاذف الصبية إِذا كَانَ مثلهَا تجامع وَإِن لم تحصن وَيحد قَاذف الْمَجْنُون
وَقَالَ اللَّيْث يحد قَاذف الْمَجْنُون
1436 - فِيمَن قَالَ فجرت بفلانة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لآخر فجرت بفلانة أَو قَالَ جامعتها حَرَامًا فَلَا حد عَلَيْهِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَفِي قَول مَالك يحد إِلَّا أَن يُقيم بَيِّنَة أَن كَانَ تزَوجهَا نِكَاحا فَاسِدا وَوَطئهَا وَلَو قَالَ الْقَاذِف ذَلِك فَلَا يحد(3/315)
1437 - فِيمَن قَالَ زنى فرجك أَو يدك
وَقَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالشَّافِعِيّ إِذا قَالَ زنى فرجك فَعَلَيهِ الْحَد
وَإِن قَالَ يدك أَو رجلك لم يحد
1437 - م فِي الذِّمِّيّ يقذف ثمَّ يسترق
قَالَ أَصْحَابنَا إِلَّا زفر فِي الذِّمِّيّ يقذف مُسلما ثمَّ ينْقض الْعَهْد وَيلْحق بدار الْحَرْب فيسترق إِن الْحَد قد سقط عَنهُ
وَقَالَ زفر عَلَيْهِ ثَمَانُون جلدَة وَهُوَ قِيَاس قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
1438 - فِيمَن قَالَ لمسلمة زَنَيْت فِي الْكفْر
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري فِيمَن قَالَ لكافرة أسلمت زَنَيْت وَأَنت كَافِرَة فَعَلَيهِ الْحَد وَكَذَلِكَ الْمُعتقَة إِذا قَالَ لَهَا زَنَيْت وَأَنت أمة وَإِن قَالَ لامْرَأَة زَنَيْت وَأَنت مستكرهة فَلَا حد عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالك يحد أَيْضا فِي قَوْله زَنَيْت وَأَنت مستكرهة
وَقَالَ مَالك وَلَو قَالَ زنت وَهِي مسلمة وَقد كَانَت زنت فِي كفرها فَعَلَيهِ الْحَد
وَقَالَ الشَّافِعِي لَو قَالَ زَنَيْت وَأَنت نَصْرَانِيَّة فَلَا حد عَلَيْهِ
1439 - فِي الْقَاذِف يَدعِي أَن الْمَقْذُوف عبد
قَالَ أَصْحَابنَا القَوْل قَول الْقَاذِف وعَلى الْمَقْذُوف الْبَيِّنَة أَنه حر وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ والبتي وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ(3/316)
وَقَالَ مَالك يحد الْقَاذِف إِلَّا أَن تكون لَهُ بَيِّنَة والظالم أَحَق أَن يحمل عَلَيْهِ
1440 - فِي الْمَقْذُوف يعلم أَن الْقَاذِف صَادِق
قَالَ مَالك فِي رجل قَالَ لَهُ رجل يَا زَان وَهُوَ يعلم من نَفسه أَنه زنى أَنه يَسعهُ أَن يضْرب الْقَاذِف وَلَا شَيْء عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يعلم هَذَا القَوْل عَن أحد غير مَالك وَقد روى ابْن الْمُبَارك عَن فُضَيْل بن غَزوَان عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي نعم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قذف مَمْلُوكا بزنا أقيم عَلَيْهِ الْحَد يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا أَن يكون كَمَا قَالَ فَدلَّ على مَا ذكرنَا
1441 - فِيمَن قذف ابْنه
قَالَ أَصْحَابنَا لَا حد عَلَيْهِ وَهُوَ قَول الْحسن وَالشَّافِعِيّ
ويستثقل مَالك أَن يحده وَيَقُول لَيْسَ من الْبر وَإِن أَقَامَ على حَده كَانَ لَهُ ذَلِك
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يحد
1442 - فِي الْحَد يُورث
قَالَ أَصْحَابنَا
إِذا مَاتَ الْمَقْذُوف بَطل الْحَد(3/317)
وَقَالَ مَالك لوَرثَته أَن يحدوه
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي فِي كتاب اللّعان إِذا قَذفهَا زَوجهَا فَلم تطالبه حَتَّى مَاتَت فَطلب وَليهَا بعد مَوتهَا كَانَ على الزَّوْج أَن يُلَاعن أَو يحد
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْحَد لَا يُورث لِأَنَّهُ لَو ورث لَكَانَ بَينهم على السِّهَام وَيُورث الزَّوْج والزوجه فَلَمَّا اتَّفقُوا أَنه لَيْسَ كَذَلِك علمنَا أَنه غير موروث وَلَيْسَ كَذَلِك إِذا قذفه بعد الْمَوْت وَيُوجد وَلَده أَو وَالِده لِأَن الْحَد هَاهُنَا غير موروث وَلم يجب إِلَّا للحي عِنْد الْقَذْف
1443 - فِيمَن قَالَ يَا لوطي
قَالَ أَصْحَابنَا لَا شَيْء عَلَيْهِ فَإِن صرح فَعَلَيهِ التعزيز فِي قَول أبي حنيفَة
وَفِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ عَلَيْهِ الْحَد
وَرُوِيَ نَحوه عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام عَن الْحسن
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ لَهُ يَا لوطي فَعَلَيهِ حد الْفِرْيَة
1444 - فِيمَن قذف أم ابْنة وَهِي ميتَة
قَالَ أَصْحَابنَا لَيْسَ للِابْن أَن يَأْخُذهُ بحدها ويأخده غَيره وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك للِابْن أَن يحده
1445 - فِيمَن قَالَ زنأت فِي الْجَبَل
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف إِذا قَالَ زنأت فِي الْجَبَل وَقَالَ عنيت فِي الصعُود لم يصدق وحد(3/318)
وَقَالَ مُحَمَّد لَا حد عَلَيْهِ
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي فِي جَامعه يحلفهُ بِاللَّه مَا أردْت قَذفهَا القَوْل قَوْله
1446 - فِيمَن يأخد بِحَدّ الْمَيِّت
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا قذف مَيتا لم يَأْخُذهُ بحده إِلَّا الْوَالِد وَإِن علوا أَو سفلوا وَهُوَ قَول أبي يُوسُف
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء لَا يَأْخُذ بِالْحَدِّ إِلَّا الْوَلَد أَو الْوَالِد مِمَّن يَرث وَيُورث يَأْخُذ بِالْحَدِّ بنت الابْن وَلَا يَأْخُذ بنت الْبِنْت
وَقَالَ الْحسن عَن زفر لَا يَأْخُذ من الْوَلَد وَالْوَالِد إِلَّا الْأَقْرَب وَلَا يَأْخُذ الْأَبْعَد مَعَ الْأَقْرَب لَا يَأْخُذ ابْن الابْن مَعَ الابْن وَإِن كَانَ الابْن مَيتا أَخذ ابْن الابْن وَقَالَ أَبُو يُوسُف لكل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يحده
وَقَالَ ابْن أبي ليلى يَأْخُذ الْوَلَد وَالْوَالِد بِالْحَدِّ فَإِن لم يكن هَؤُلَاءِ فالأخ وَالْأُخْت
وَقَالَ الثَّوْريّ يَأْخُذ بحده الْعصبَة وَإِن كَانُوا بعداء ومواليه
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا قذف مَيتا يَأْخُذ بحده من طلبه وَقَامَ بِهِ من النَّاس
وَقَالَ الشَّافِعِي يَأْخُذ حد الْمَيِّت وَلَده وعصبته من كَانُوا فَعلمنَا أَنه لَا يسْتَحق بِالْمِيرَاثِ(3/319)
1447 - فِي الْعَفو عَن حد الْقَذْف
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري لَا يَصح الْعَفو فِيهِ
وروى ابْن أبي عمرَان عَن بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف إِن عَفوه يَصح وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك لَهُ أَن يعْفُو قبل أَن يبلغ الإِمَام فَإِذا بلغ الإِمَام لَهُم يَصح عَفوه
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ مثل قَوْلنَا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا ثَبت عِنْد الإِمَام لم يَصح فِيهِ الْعَفو
قَالَ ابو جَعْفَر لما كَانَ بتصديقه يسْقط دلّ أَنه حق للآدمي لَيْسَ هُوَ حق لله تَعَالَى
1448 - فِي حد الْقَذْف قبل مُطَالبَة الْمَقْذُوف
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يحد إِلَّا بمطالبة الْمَقْذُوف وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى يحده الإِمَام وَإِن لم يُطَالب الْمَقْذُوف
وَقَالَ مَالك لَا يحده الإِمَام حَتَّى يُطَالِبهُ الْمَقْذُوف إِلَّا أَن يكون الإِمَام سَمعه يقذف فيحده إِذا كَانَ مَعَ الإِمَام شُهُود عدُول
1449 - فِي قذف أم العَبْد
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قذف الْمولى أم عَبده وَهِي حرَّة مسلمة قد مَاتَت لم يأخد العَبْد بِالْحَدِّ ويأخده غَيره وَإِن قَذفهَا غير الْمولى أَخذ العَبْد بحدها(3/320)
وَقَالَ مَالك للْعَبد أَن يَأْخُذ مَوْلَاهَا بحدها
وَقَالَ الثَّوْريّ لَيْسَ للْعَبد أَن يَأْخُذ بِحَدّ أمه وَإِن كَانَ الْقَاذِف أَجْنَبِيّا وَلِأَن الْعتْق بعد ذَلِك
1450 - فِيمَن قَالَ لامْرَأَته لم أجدك عذراء
قَالَ أَصْحَابنَا لَا لعان عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ قَول مَالك وَاللَّيْث
وَقَالَ الشَّافِعِي يُوقف فَإِن أَرَادَ الزِّنَا حد وَإِلَّا عزّر فَإِن لم يردهُ وَحلف فَلَا حد عَلَيْهِ وَلَا لعان
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يسْأَل عَن اللَّفْظ لنهي الله تَعَالَى عَن التَّجَسُّس
1451 - فِيمَن قذف جمَاعَة
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري وَاللَّيْث إِن قذفهم بقول وَاحِد أَو أفرد كل وَاحِد فَعَلَيهِ حد وَاحِد
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا قَالَ لَهُم يَا زناة فَعَلَيهِ حد وَاحِد وَإِن قَالَ لكل إِنْسَان يَا زَان فَلِكُل إِنْسَان حد وَهُوَ قَول الشّعبِيّ
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا قذف جمَاعَة فَعَلَيهِ لكل وَاحِد حد وَإِن قَالَ لرجل زَنَيْت بفلانة فَعَلَيهِ حد وَاحِد لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ ضرب أَبَا بكرَة وَأَصْحَابه حدا وَاحِدًا وَلم يحدهم للْمَرْأَة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا قَالَ يَا زَان ابْن زَان فَعَلَيهِ حدان وَإِن قَالَ لجَماعَة إِنَّكُم زناة فحد وَاحِد(3/321)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا قَالَ من دخل هَذِه الدَّار فَهُوَ زَان ضرب لمن كَانَ دَخلهَا إِذا عرفُوا
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ إِذا قذف جمَاعَة بِكَلِمَة وَاحِدَة فَلِكُل وَاحِد حد وَإِن قَالَ لرجل يَا ابْن الزَّانِيَيْنِ فَعَلَيهِ حدان
وَقَالَ فِي أَحْكَام الْقرَان إِذا قذف امْرَأَته بِرَجُل لَاعن وَلم يحد الرجل
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى مُحَمَّد بن كثير قَالَ حَدثنَا مخلد بن حُسَيْن عَن هِشَام عَن ابْن سِيرِين عَن أنس أَن هِلَال بن أُميَّة قذف شريك بن سَحْمَاء بامرأته فَرفع ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إيت بأَرْبعَة شُهَدَاء وَإِلَّا فحد فِي ظهرك قَالَ ذَلِك مرَارًا فَنزلت اية اللّعان
وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَن من قذف امْرَأَته بِرَجُل فلاعن لم يحد الرجل
1452 - فِيمَن وطىء بِشُبْهَة ثمَّ قذف
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وطىء فِي غير ملك وَزَالَ الْحَد بِالشُّبْهَةِ فَلَا حد على قَاذفه وَذَلِكَ فِي الْمُسلمين فَأَما الْمَجُوسِيّ إِذا تزوج أمه فَوَطِئَهَا ثمَّ أسلما فعلى قَاذفه الْحَد فِي قَول أبي حنيفَة وَفِي قَوْله لَا حد على قَاذفه
وَذكر هِشَام عَن مُحَمَّد فِيمَن تزوج امْرَأَة فِي عدتهَا وَلَا يعلم وَدخل بهَا ثمَّ قذفه إِنْسَان أَن أَبَا حنيفَة قَالَ لَا حد على قَاذفه
وَقَالَ مُحَمَّد عَلَيْهِ حد
وَقَالَ الْحسن وَزفر إِذا وطىء مُكَاتبَته فَلَا حد على قَاذفه(3/322)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِ الْحَد وَكَذَلِكَ لَو وطىء جَارِيَة اشْتَرَاهَا ثمَّ اسْتحقَّت على هَذَا الْخلاف
وَقَالَ ابْن أبي ليلى فِي امْرَأَة ولدت فِي الْفُجُور فقذفها رجل فَعَلَيهِ الْحَد إِلَّا أَن يصف ذَلِك الْقَذْف إِلَى ذَلِك الزِّنَا بِعَيْنِه
وَقَالَ مَالك إِذا وطِئت مستكرهة أَو بِنِكَاح فَاسد فقذفها قَاذف فَعَلَيهِ الْحَد
1452 - ب فِيمَن وطِئت حَرَامًا وَهِي أمة أَو كَافِرَة ثمَّ قَذفهَا بعد الْعتْق أَو الْإِسْلَام
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا زنت وَهِي أمة أَو كَافِرَة ثمَّ أعتقت وَأسْلمت فَلَا حد على قاذفها
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا يحد فِي الْأمة وَيحد فِي الْكَافِرَة إِذا قَذفهَا بعد الْإِسْلَام
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يحد فِي الْمَمْلُوك إِلَّا أَن يَقُول زَنَيْت وَأَنت مَمْلُوك
وَقَالَ اللَّيْث فِيمَن جلد فِي الزِّنَا فقذفه إِنْسَان فَلَا حد عَلَيْهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ كل امْرَأَة وطِئت وطئا حَرَامًا فقذفها رجل درىء عَنهُ الْحَد وَإِن قَذفهَا بزنا غَيره
1453 - فِيمَن قَالَ لعربي يَا نبطي أَو نَحوه
روى ابْن عَبَّاس فِيمَن قَالَ لعربي يَا نبطي أَنه لَا حد عَلَيْهِ وَهُوَ قَول أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لست من ولد فلَان يَعْنِي جده فَلَا حد عَلَيْهِ(3/323)
وَقَالَ ابْن أبي ليلى فيهمَا جَمِيعًا الْحَد
وَقَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن قَالَ لرجل فِي غضب لست ابْن فلَان للَّذي يدعى لَهُ فَإِنَّهُ يضْرب الْحَد وَإِن قَالَ فِي غير غضب فَلَا حد عَلَيْهِ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا قَالَ لست لأَبِيك وَأَبَوَاهُ مُشْرِكَانِ حد وَإِن قَالَ يَا ابْن الزَّانِيَة لم يحد
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا قَالَ لعربي يَا عبد مهره فَعَلَيهِ الْحَد وَإِذا قَالَ لرجل يَا ابْن الأقطع وَلم يكن أَبوهُ أقطع فَعَلَيهِ الْحَد وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ يَا ابْن الحائك أَو الْخياط وَلم يكن أَبوهُ كَذَلِك
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ لعربي يَا نبطي أَو يَا فَارسي أَو يَا رومي فَعَلَيهِ الْحَد وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ لرجل من الموَالِي يَا نبطي اسْتحْلف مَا أردْت نَفْيه من ابائه فَإِذا حلف بَطل وَإِن لم يحلف لم يكن عَلَيْهِ حد وَنكل وَإِن قَالَ الْفَارِسِي يَا قبْطِي أَو يَا نبطي فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن قَالَ لرجل يَا ابْن الأقطع أَو يَا ابْن الْيَهُودِيّ فَعَلَيهِ الْحَد إِلَّا أَن يكون أحد ابائه على مَا قَالَ وَإِن قَالَ لرجل مُسلم وَأَبَوَاهُ نصرانيان لست لأَبِيك حد وَكَذَلِكَ إِن كَانَ أَبَوَاهُ عَبْدَيْنِ قَالَ وَإِن نفى رجلا من أمه فَلَا حد عَلَيْهِ
وَقَالَ الثَّوْريّ إِن قَالَ لعربي أمه يَهُودِيَّة أَو أَبوهُ لست لأَبِيك فَلَا حد عَلَيْهِ وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا قَالَ لمولى يَا ابْن الْيَهُودِيّ حد وَإِن قَالَ يَا أبن النبطي لم يحد وَإِن قَالَ لعربي يَا ابْن النبطي حد
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا قَالَ لعربي لست من الْعَرَب حد وَإِن كَانَت أمه أمة(3/324)
وَإِذا قَالَ لأنصاري لست من الْأَنْصَار حد
وَإِن قَالَ لست بِابْن فلَان وَأَبَوَاهُ مُشْرِكَانِ أَو مملوكان حد
وَقَالَ اللَّيْث من قَالَ لرجل يَا ابْن الحائك أَو يَا ابْن الْحداد وَمَا أشبهه حد إِذا لم يكن أَبوهُ كَذَلِك وَلَو قَالَ يَا ابْن الْخياط وَقد رأى أَبَاهُ يرقع الرقعة فَإِنَّهُ يحد وَإِن قَالَ فِي مشاتمة مَا أَنْت بِمَعْرُوف وَمَا يعْتَرف بِهِ فَعَلَيهِ الْحَد وَإِن قَالَ لمُسلم وَأمه نَصْرَانِيَّة يَا ابْن الزَّانِيَة عزّر بأسواط دون الْحَد وَإِن قَالَ يَا ولد الزِّنَا حد
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ لَو قَالَ لعربي يَا نبطي وَقَالَ عنيت نبطي الدَّار وَاللِّسَان حلف مَا أَرَادَ أَن ينْسبهُ إِلَى النبط فَإِن لم يحلف حلف الْمَقْذُوف لقد أَرَادَ نَفْيه وحد لَهُ وَإِن قَالَ أردْت بِالْقَذْفِ الْأَب الجاهلي حلف وعزر على الْأَذَى
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْحَد الْوَاجِب بالقران إِنَّمَا هُوَ فِي قذف الْمُحْصنَات وَلم يجىء بِإِيجَاب الْحَد فِي نفي الْأَنْسَاب من غير قذف فِي كتاب وَلَا سنة وَلَا اتِّفَاق فَبَطل قَول من أوجب الْحَد بِنَفْي النّسَب وَإِن كَانَت الْأُم غير مُحصنَة على مَا حكينا عَن مَالك وَابْن أبي ليلى وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
فَإِن قيل روى المَسْعُودِيّ عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن قَالَ قَالَ عبد الله بن مَسْعُود لَا حد إِلَّا فِي اثْنَيْنِ قذف مُحصنَة أَو نفي رجل من أَبِيه
قيل لَهُ هَذَا مُنْقَطع وَأَنت لاتقول بِهِ
فَإِن قيل روى حَمَّاد بن سَلمَة عَن عقيل بن طَلْحَة عَن مُسلم بن هَيْصَم عَن الْأَشْعَث بن قيس قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَفد كِنْدَة لَا يروني إِلَّا(3/325)
أفضلهم فَقُلْنَا يَا رَسُول الله أَنْت منا فَقَالَ نَحن بَنو النَّضر بن كنَانَة لَا نقفو أمنا وَلَا ننتفي من أَبينَا قَالَ الْأَشْعَث فَلَا أُوتِيَ بِرَجُل يَقُول إِن كنَانَة لَيست من قُرَيْش إِلَّا جلدته الْحَد
قيل لَهُ يحْتَمل أَن يكون جلده بِخِلَافِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَإِن قيل فقد أوجب أَبُو حنيفَة اللّعان بِنَفْي ولد الْمَرْأَة من غير قذف وَقد يكون من غَيره بِأَن تُوطأ مستكرهة وَلَيْسَت زَانِيَة فأوجبه بِنَفْي النّسَب دون الْقَذْف قَالَ أَبُو جَعْفَر نخالفه فِي ذَلِك ونقول لَا يجب اللّعان
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد روى الْأَوْزَاعِيّ قَالَ حَدثنِي شَدَّاد أَبُو عمار قَالَ حَدثنِي وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله اصْطفى من كنَانَة من بني إِسْمَاعِيل وَاصْطفى من كنَانَة قُريْشًا وَاصْطفى من قُرَيْش هاشما وَاصْطَفَانِي من بني هَاشم
فَفِي هَذَا الحَدِيث إِن كنَانَة لَيست من قُرَيْش وَهُوَ خلاف قَول الْأَشْعَث
1454 - فِيمَن قَالَ أَنْت ابْن فلَان لِعَمِّهِ أَو خَاله
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ أَنْت ابْن فلَان لِعَمِّهِ أَو خَاله أَو لزوج أمه فَلَا حد عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالك إِذا نسبه إِلَى عَمه أَو زوج أمه حد وَإِن نسبه إِلَى جده لم يحد(3/326)
1455 - فِي الْيَمين فِي الْقَذْف
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يَمِين فِي حد وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ مَالك إِن ادّعى عَلَيْهِ قذفا لم يسْتَحْلف وَأي الشَّاهِد اسْتحْلف
وَقَالَ الشَّافِعِي يسْتَحْلف الْمُدعى عَلَيْهِ الْقَذْف وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
1456 - فِي الْكفَالَة فِي الْحَد
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يكفل الْمُدعى عَلَيْهِ حدا أَو قصاصا وَيحبس حَتَّى يشْهد شَاهِدَانِ أَو شَاهد عدل يعرفهُ القَاضِي
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا قَالَ الْمَقْذُوف أَو الْمُدَّعِي للْقصَاص بينتي حَاضِرَة كفلته ثَلَاثَة أَيَّام
وروى هِشَام عَن أبي يُوسُف قَالَ فِي تَفْسِير لَا كَفَالَة فِي حد إِذا قَامَت الْبَيِّنَة فَإِنَّهُ يحبس حَتَّى يسْأَل عَنْهَا فَأَما قبل أَن تقوم الْبَيِّنَة فَفِيهِ الْكفَالَة
وروى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد مثل ذَلِك
وَقَالَ مَالك لَا كَفَالَة فِي الْحُدُود وَلَا فِي التَّعْزِير وَلَا فِي الْقصاص
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا شهدُوا عَلَيْهِ بِالزِّنَا أَو السّرقَة لَا يكفل ويسجن حَتَّى ينظر فِي أمره(3/327)
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يكفل رجل فِي حد وَلَا لعان
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَرُوِيَ عَن حَمْزَة بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ أَنه كفل للرجل وَطْء جَارِيَة امْرَأَته حَتَّى كتب إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ
1457 - إِذا جحد قذف امْرَأَته
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أَقَامَت عَلَيْهِ امْرَأَته الْبَيِّنَة أَنه قَذفهَا وَهُوَ يجْحَد أجْبرهُ الْحَاكِم على اللّعان
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا جحد حد
وَقَالَ مَالك إِذا قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة جَازَ الْحَد إِلَّا أَن يَدعِي رُؤْيَة فيلاعن
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن لَاعن وَإِلَّا حد
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَو رَجَعَ إِلَى تَصْدِيق الْبَيِّنَة لَاعن عِنْد الْجَمِيع فَعلمنَا إِن جحوده لَيْسَ بإكذاب لنَفسِهِ من الْقَذْف
1458 - فِي شَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف أَو فِي غَيره
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تقبل شَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف وَإِن تَابَ وَتقبل شَهَادَة الْمَحْدُود فِي عين الْقَذْف إِذا مَاتَ وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ مَالك والبتي وَالشَّافِعِيّ وَاللَّيْث تقبل شَهَادَة مَحْدُود الْقَذْف إِذا تَابَ(3/328)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا تقبل شَهَادَة مَحْدُود فِي الْإِسْلَام
وَرُوِيَ عَن سعيد بن الْمسيب أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لأبي بكرَة إِن تبت قبلت شهادتك فَأبى أَن يَتُوب
وَرُوِيَ عَن الْحسن وَسَعِيد بن الْمسيب أَنَّهُمَا قَالَا لَا تقبل شَهَادَته تَوْبَته فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى
وَقد روى يزِيد بن أبي زِيَاد الشَّامي قَالَ حَدثنَا الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تجوز شَهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة وَلَا مجلود وَلَا ذِي غمر لِأَخِيهِ وَلَا مجرب عَلَيْهِ شَهَادَة زور وَلَا القانع أهل الْبَيْت لَهُم وَلَا الظنين فِي ولآء وَلَا قرَابَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر يزِيد بن أبي زِيَاد لَيْسَ مِمَّن يحْتَج بِهِ
1459 - فِي النَّصْرَانِي يحد فِي الْقَذْف
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا حد وَهُوَ نَصْرَانِيّ ثمَّ أسلم قبلت شَهَادَته أبدا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا حد وَهُوَ ذمِّي ثمَّ أسلم لم تقبل شَهَادَته مَا لم يحد وَهُوَ قَول مَالك(3/329)
وَقَالَ اللَّيْث وَالشَّافِعِيّ لَا تقبل شَهَادَته قبل الْحَد حَتَّى يَتُوب
1460 - فِي الْمَرْأَة تُوجد حَامِلا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وجدت حَامِلا وَلَا يعلم لَهَا زوج لم تحد وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك تحد إِلَّا أَن تقيم الْبَيِّنَة على أَن لَهَا زوجا أَو أَنَّهَا استكرهت أَو نَحْو ذَلِك
اخر كتاب الْحُدُود(3/330)
= كتاب الْقَضَاء والشهادات =
1461 - فِي الْمَسْأَلَة عَن الشُّهُود
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا أسأَل عَن الشُّهُود إِلَّا أَن يطعن فيهم الْخصم إِلَّا فِي الْحُدُود وَالْقصاص
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يسْأَل عَنْهُم فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة ويزكيهم فِي الْعَلَانِيَة وَإِن لم يطعن فيهم الْخصم
وروى يُوسُف بن مُوسَى بن الْقطَّان عَن عَليّ بن عَاصِم عَن ابْن شبْرمَة قَالَ أول من سَأَلَ فِي السِّرّ أَنا كَانَ الرجل يَأْتِي الْقَوْم إِذا قيل لَهُ هَات من يزكيك فَيَقُول قومِي يزكوني فيستحي الْقَوْم فَيُزَكُّونَهُ فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك سَأَلت فِي السِّرّ فَإِذا صحت شَهَادَته قلت هَات من يزكيك فِي الْعَلَانِيَة
قَالَ مَالك لَا يقْضى بِشَهَادَة الشُّهُود حَتَّى يسْأَل عَنْهُم فِي السِّرّ
وَقَالَ اللَّيْث أدركنا النَّاس وَلَا يلْتَمس من الشَّاهِد من يُزَكِّيه وَإِنَّمَا كَانَ الْوَالِي يَقُول للخصم إِن كَانَ عنْدك من يجرح شَهَادَتهم فَاتَ بهم وَإِلَّا أجزنا شَهَادَتهم عَلَيْك
وَقَالَ الشَّافِعِي يسْأَل عَنْهُم فِي السِّرّ فَإِذا عدل سَأَلَ عَن تعديله عَلَانيَة ليعلم أَن الْمعدل سَوَاء هُوَ هَذَا لَا يُوَافق اسْم اسْما وَلَا نسب نسبا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم}(3/331)
وَقَالَ {مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} فَلم يجز قبُول شَهَادَتهم إِلَّا بعد الْعلم بِوُجُود هَذِه الصّفة فيهم فَوَجَبت الْمَسْأَلَة عَنْهُم وَقد اتَّفقُوا فِي الْحُدُود وَالْقصاص وَسَائِر الْحُقُوق مثلهمَا
1462 - فِي تَعْدِيل الْوَاحِد وجرحه
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف يقبل تَعْدِيل الْوَاحِد وجرحه
وَقَالَ مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ وَمَالك لَا يقبل فِي التَّعْدِيل وَالْجرْح أقل من رجلَيْنِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم ينفذ الحكم إِلَّا برجلَيْن فَكَذَلِك الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَلما كَانَ من شَرط المزكى والجارح الْعَدَالَة وَجب أَن يكون من شَرط الْعدَد وَاتَّفَقُوا أَنه لَو عدل رجلَانِ وجرح وَاحِد أَن التَّعْدِيل أولى فَلَو كَانَ الْوَاحِد مَقْبُولًا لما صَحَّ التَّعْدِيل مَعَ جرح الْوَاحِد
1463 - فِي قَول المسؤول لَا أعلم إِلَّا خيرا
عَليّ بن معدي عَن أبي يُوسُف إِذا قيل لَا نعلم مِنْهُ إِلَّا خيرا قبلت شَهَادَته وَلم يذكر خلافًا وَهُوَ قَول البتي
قَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَنه يسْأَل عَن التَّزْكِيَة أَهِي أَن يَقُول الرجل وَلَا أعلم إِلَّا خيرا فَأنكرهُ وَقَالَ لَيْسَ هَذَا تَزْكِيَة حَتَّى يَقُول رضى وَأرَاهُ عدلا
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ لَا يقبل التَّعْدِيل إِلَّا أَن يَقُول عدل عَليّ ولي ثمَّ لَا يقبله حَتَّى يسْأَله عَن مَعْرفَته بِهِ فَإِن كَانَت باطنة متقادمة وَإِلَّا لم يقبل ذَلِك مِنْهُ(3/332)
وَقد رُوِيَ عَن الشَّافِعِي أَنه لَا يقبل حَتَّى يكون لَهُ مَعَ ذَلِك مُرُوءَة
وَقد رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَن من سلم أَن تكون مِنْهُ كَبِيرَة من الْكَبَائِر الَّتِي أوعد الله تَعَالَى عَلَيْهَا النَّار وَكَانَت محاسنه أَكثر من مساوئه فَهُوَ عدل
وفال ابْن أبي عمرَان سَمِعت مُحَمَّد بن سعيد التِّرْمِذِيّ يَقُول سَأَلَني عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق القَاضِي عَن رجل شهد عِنْده فزكيته لَهُ فَقَالَ أتعلم مِنْهُ إِلَّا خيرا قَالَ قلت اللَّهُمَّ غفرا قد أعلم مِنْهُ غير الْخَيْر وَلَا يسْقط بذلك عدله قد أعلمهُ يلقى كناسته فِي الطَّرِيق وَلَيْسَ ذَلِك من الْخَيْر فَسكت
1464 - فِي الْمُدَّعِي يسْتَحْلف مَعَ بَينته
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يسْتَحْلف وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ يسْتَحْلف لقد شهِدت بينتك بِحَق
قَالَ الْحسن بن حَيّ لَا يقْضى لَهُ حَتَّى يحلف وَالصَّغِير يَأْخُذ حَقه بِغَيْر يَمِين
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن أبي ليلى عَن الحكم عَن حَنش أَن عليا عَلَيْهِ السَّلَام اسْتحْلف عبيد الله بن الْحر مَعَ بَينته
وروى الشّعبِيّ عَن شُرَيْح أَنه كَانَ يَأْخُذ الْيَمين مَعَ الشُّهُود إِذا طلب ذَلِك الْخصم
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات ثمَّ لم يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء} فَأَبْرَأهُ من الْجلد بِإِقَامَة أَرْبَعَة شُهَدَاء من غير يَمِين
وروى وَائِل بن حجر أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَرض فَقَالَ(3/333)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْمُدَّعِي بينتك قَالَ لَيْسَ لي بَيِّنَة قَالَ يَمِينه قَالَ إِذن يذهب بهَا قَالَ لَيْسَ لَك إِلَّا ذَلِك
فَلم يُوجب على الْمُدَّعِي غير الْبَيِّنَة وَأَيْضًا الْإِقْرَار حجَّة يثبت بِهِ الْحق كالبينة وَهُوَ ثَابت الحكم بِنَفسِهِ من غير يَمِين كَذَلِك الْبَيِّنَة
1465 - فِي شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء
روى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف قَالَ حَدثنَا ابْن أبي ليلى أَن عِيسَى بن مُوسَى قَالَ لَهُ أتجيز شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء قَالَ قلت نعم وأراهم لذَلِك أَهلا إِنَّمَا أدخلهم فِي الْهوى الدّين إِلَّا الخطابية فَإِن بَعضهم يقبل عين بعض فَيشْهد لَهُ فَلَا أُجِيز شَهَادَة هَؤُلَاءِ
وَسَأَلت أَبَا حنيفَة عَن ذَلِك فَقَالَ مثل ذَلِك وَقَالَ أَبُو يُوسُف مثل ذَلِك
وَقَالَ ابو يُوسُف لَا أقبل شَهَادَة من أظهر شتيمة أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن هَؤُلَاءِ مخانة وَلَو أَن رجلا شتاما للنَّاس وللجيران لم أقبل شَهَادَته
وَقَالَ الثَّوْريّ أقبل شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء إِذا كَانُوا عُدُولًا فِيمَا سوى ذَلِك لَا يسْتَحلُّونَ الشَّهَادَات فِي أهوائهم أَو هوى يخرج بِهِ من الأسلام يعرف ذَلِك النَّاس
وَقَالَ مَالك لَا نسلم على أهل الْقدر وَلَا على أهل الْأَهْوَاء كلهم وَلَا نصلي خَلفهم وَهَذَا يدل أته لَا يقبل شَهَادَتهم(3/334)
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ لَا أرد شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء إِذا كَانَ لَا يرى أَن يشْهد لموافقته بتصديقه وَقبُول يَمِينه وَشَهَادَة من يرى كذبه شركا بِاللَّه ومعصية تجب بهَا النَّار أولى أَن تطيب النَّفس بقبولها من شَهَادَة من يُخَفف الماثم فِيهَا وكل من تَأَول حَرَامًا عندنَا فِيهِ حد أَو لَا حد فِيهِ لم نرد بذلك شَهَادَته
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اخْتلف السّلف فِي أَشْيَاء خَرجُوا فِيهَا إِلَى الْقِتَال وَلم يبطل بذلك أخبارهم كَذَلِك الشَّهَادَة
1466 - فِي شَهَادَة العَبْد
قَالَ أَصْحَابنَا وَابْن شبْرمَة رِوَايَة مَالك وَالْحسن بن حَيّ وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ لَا تقبل شَهَادَة العَبْد فِي شَيْء
وَقَالَ عُثْمَان البتي تجوز شَهَادَة العَبْد لغير سَيّده وَذكر ابْن شبْرمَة كَانَ يَرَاهَا جَائِزَة بأثر ذَلِك عَن شُرَيْح وَكَانَ ابْن أبي ليلى لَا يقبل شَهَادَة العبيد وَظَهَرت الْخَوَارِج على الْكُوفَة وَهُوَ يتَوَلَّى الْقَضَاء بهَا فأمروه بِقبُول شَهَادَة العبيد وبأشياء ذكروها لَهُ من ارائهم كَانَ على خلَافهَا فأجابهم إِلَى امتثالها فأقروه على الْقَضَاء فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْل ركب رَاحِلَته وَلحق بِمَكَّة فَلَمَّا قويت أُمُور بني هَاشم ردُّوهُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْقَضَاء على أهل الْكُوفَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى حَفْص بن غياث عَن الْمُخْتَار بن فلفل عَن أنس قَالَ مَا أعلم أحدا رد شَهَادَة العبيد
وَقَالَ الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ قضى عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ بِأَن شَهَادَة الْمَمْلُوك جَائِزَة بعد الْعتْق إِذا لم يكن ردَّتْ قبل ذَلِك(3/335)
وروى شُعْبَة عَن الْمُغيرَة قَالَ كَانَ إِبْرَاهِيم يُجِيز شَهَادَة الْمَمْلُوك فِي الشَّيْء التافة
وَشعْبَة عَن يُونُس عَن الْحسن مثله
وروى حَفْص عَن حجاج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لَا تجوز شَهَادَة العبيد وَقَالَ الله تَعَالَى {وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا} وَالْعَبْد مَمْنُوع من الْإِجَابَة لحق الْوَلِيّ كَمَا لم يدْخل فِي قَوْله تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} وَقَوله {انفروا خفافا وثقالا} لحق الْمولى وَكَذَلِكَ قَوْله {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت}
1467 - فِي شَهَادَة الْأَعْمَى
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد لَا تجوز شَهَادَة الْأَعْمَى بِحَال وَهُوَ قِيَاس قَول ابْن شبْرمَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَابْن أبي ليلى وَالشَّافِعِيّ إِذا علمه قبل الْعَمى جَازَت وَمَا علمه فِي حَال الْعَمى لم تجز
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث تجوز شَهَادَة الْأَعْمَى وَإِن علمه فِي حَال الْعَمى إِذا عرف الصَّوْت فِي الطَّلَاق وَالْإِقْرَار وَنَحْوه وَإِن شهد على زنا حد للقذف وَلم تقبل شَهَادَته
قَالَ أَبُو جَعْفَر الصَّوْت يشبه وَلَا يقبل شَهَادَته إِلَّا على بعض مِمَّا يشْهد بِهِ فَإِن قيل قد روى عَن أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَخْبَار وَبَين السَّامع وَبَينهَا حجاب
قيل لَهُ لَيست الشَّهَادَة كالخبر لِأَن الْخَبَر يثبت بِهِ الحكم إِذا قَالَ فلَان عَن(3/336)
فلَان وَلَا يثبت بِمثلِهِ الشَّهَادَة وَيجوز أَن يَقُول من سمع وَاحِدًا يروي حَدِيثا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يجوز مثله فِي الشَّهَادَات
وَقَالَ زفر لَا تجوز شَهَادَة الْأَعْمَى إِذا شهد بهَا قبل الْعَمى أَو بعده إِلَّا فِي النّسَب أَن يشْهد أَن فلَانا ابْن فلَان
1468 - فِي شَهَادَة الصّبيان
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تجوز شَهَادَة الصّبيان فِي شَيْء وَهُوَ قَول ابْن شبْرمَة وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى تجوز شَهَادَة الصّبيان بَعضهم على بعض
وَقَالَ مَالك تجوز شَهَادَة الصّبيان فِيمَا بَينهم من الْجراح وَلَا تجوز على غَيرهم وَإِنَّمَا تجوز فِيمَا بَينهم من الْجراح وَحدهَا قبل أَن يتفرقوا أَو يخببوا أَو يعلمُوا فَإِذا افْتَرَقُوا فَلَا شَهَادَة لَهُم إِلَّا أَن يكون أشهد على شَهَادَتهم الْعُدُول قبل أَن يتفرقوا غَيرهم وَإِنَّمَا تجوز شَهَادَة الْأَحْرَار الذُّكُور مِنْهُم ولاتجوز شَهَادَة الْجَوَارِي وَالصبيان
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عبد الله بن حبيب بن أبي ثَابت قَالَ قيل لِلشَّعْبِيِّ إِن إِيَاس بن مُعَاوِيَة لَا يرى بِشَهَادَة الصّبيان بَأْسا فَقَالَ الشّعبِيّ حَدثنِي مَسْرُوق أَنه كَانَ عِنْد عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام إِذْ جَاءَهُ خَمْسَة غلْمَان فَقَالُوا كُنَّا سِتَّة نتغاط فِي المَاء فعرق منا غُلَام فَشهد الثَّلَاثَة على الِاثْنَيْنِ أَنَّهُمَا غرقاه وَشهد الِاثْنَان على الثَّلَاثَة أَنهم غرقوه فَجعل على الِاثْنَيْنِ ثَلَاثَة أَخْمَاس الدِّيَة وَجعل على الثَّلَاثَة خمسي الدِّيَة(3/337)
قَالَ أَبُو جَعْفَر عبد الله بن حبيب غير مَقْبُول الحَدِيث وَهُوَ مُسْتَحِيل أَن يصدق عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام لِأَن أَوْلِيَاء الْفَرِيق إِن ادعوا على أحد الْفَرِيقَيْنِ فقد أكذبوهم فِي شَهَادَته على غَيره
وَقد روى عَن ابْن عَبَّاس وَعُثْمَان بن عَفَّان وَابْن الزبير إبِْطَال شَهَادَة الصّبيان
وَلَو جَازَت شَهَادَتهم فِي الْجراح لجازت فِي غَيرهَا ولجازت على الرِّجَال وَقَول ابْن أبي ليلى ظَاهر الْفساد أَيْضا فِي قبُوله إِيَّاهَا مُطلقًا لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {وَمن يكتمها فَإِنَّهُ آثم قلبه} وَلَيْسَ فِي الصّبيان كَذَلِك
1469 - فِي شَهَادَة البدوي على الْقَرَوِي
عِنْد أَصْحَابنَا تقبل إِذا كَانَ عدلا وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وروى نَحوه عَن الزُّهْرِيّ
وروى ابْن وهب عَن مَالك قَالَ لَا تجوز شَهَادَة بدوي على قروى إِلَّا فِي الْجراح(3/338)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَنهُ لَا تجوز شَهَادَة بدوي على قروي فِي الْحَضَر إِلَّا فِي وَصِيَّة الْقَرَوِي فِي السّفر أَو فِي بيع فَتجوز إِذا كَانُوا عُدُولًا
2 - قَالَ أَبُو جَعْفَر روى مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تقبل شَهَادَة البدوي على الْقَرَوِي وَلَيْسَ فِيهِ فرق بَين شَيْء من الشَّهَادَات وَقد فرق مَالك بَينهمَا فَخَالف الْخَبَر وَأَيْضًا قَالَ الله تَعَالَى {وَمن الْأَعْرَاب من يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ويتخذ مَا ينْفق قربات عِنْد الله} وَمن هَذِه صفته فَهُوَ مرضى فِي شَهَادَته فاحتمال أَن يكون قَوْله لَا تقبل شَهَادَة بدوي من كَانَ بِخِلَاف ذَلِك وَهُوَ مِمَّن قَالَ {وَمن الْأَعْرَاب من يتَّخذ مَا ينْفق مغرما ويتربص بكم الدَّوَائِر} وَقد روى سماك عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ شهد أَعْرَابِي عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رُؤْيَة الْهلَال فَأمر بِلَالًا أَن يُنَادي فِي النَّاس ليصوموا غَدا
1470 - فِي شَهَادَة الذِّمِّيّ على وَصِيَّة الْمُسلم فِي السّفر
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ وَمَالك لَا تجوز شَهَادَتهم على ذَلِك فِي سفر وَلَا حضر
وَقَالَ ابْن أبي ليلى ولأوزاعي تجوز فِي السّفر(3/339)
وروى عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} من غير الْمُسلمين من أهل الْكتاب
وَعَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَشُرَيْح أَن ذَلِك جَائِز فِي السّفر
وَعَن ابْن سِيرِين وَسَعِيد بن جُبَير {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} من أهل دينكُمْ
وَقَالَ الْحسن عَن غير قومكم وَهُوَ خلاف قَول جَمِيع من تقدم
فَإِن قيل لما قَالَ تحسبونهما من بعد الصلوة أَرَادَ الْمُسلمين لِأَن الْكفَّار لَيْسُوا من أهل الصَّلَاة
قيل لَهُ إِن أهل الْكِتَابَيْنِ يعظمون ذَلِك الْوَقْت فِي النَّهَار على غَيره يَعْنِي من بعد الْعَصْر
وروى عَن إِبْرَاهِيم {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} من غير دينكُمْ وَهِي مَنْسُوخَة وَعَن الزُّهْرِيّ مثله
1471 - فِي شَهَادَة أهل الْكفْر بَعضهم على بعض
قَالَ أَصْحَابنَا هِيَ مَقْبُولَة من أهل الذِّمَّة بَعضهم على بعض وَإِن اخْتلفت مللهم وَهُوَ قَول عُثْمَان البتي وَالثَّوْري
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز شَهَادَة أهل الْكفْر بَعضهم على بعض
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث تجوز شَهَادَة أهل كل مِلَّة بَعضهم على بعض وَلَا تجوز على غَيرهَا(3/340)
احْتج بَعضهم لبطلانها بقول الله تَعَالَى {مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} فَيُقَال لَهُ إِنَّمَا ذَلِك فِي الْمُؤمنِينَ لِأَنَّهُ قَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تداينتم}
وَقد روى مَالك عَن نَافِع عَن عَن ابْن عمر أَن الْيَهُود جاؤوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرُوا أَن رجلا وَامْرَأَة مِنْهُم زَنَيَا فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم برجمهما
وروى الْأَعْمَش عَن عبد الله بن مرّة عَن الْبَراء قَالَ مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَهُودِيٍّ محمم فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا شَأْنه قَالُوا زنى فرجمه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وروى مجَالد عَن الشّعبِيّ عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ائْتُونِي بأَرْبعَة مِنْكُم يشْهدُونَ فَشهد أَرْبَعَة مِنْهُم فرجمهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَعَن الشّعبِيّ قَالَ تجوز شَهَادَة أهل الْكتاب بَعضهم على بعض وَعَن شُرَيْح وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَالزهْرِيّ مثله
وَقَالَ ابْن وهب خَالف مَالك معلميه فِي رد شَهَادَة النَّصَارَى بَعضهم على بعض
وَكَانَ ابْن شهَاب وَيحيى بن سعيد وَرَبِيعَة يجيزونها
وَقَالَ ابْن أبي عمرَان سَمِعت يحيى بن أَكْثَم يَقُول جمعت هَذَا الْبَاب فَمَا وجدت عَن أحد من الْمُتَقَدِّمين رد شَهَادَة النَّصَارَى بَعضهم على بعض غير ربيعَة فَإِنِّي وجدت عَنهُ ردهَا وَوجدت عَنهُ إجازتها(3/341)
1472 - فِي الشَّاهِد وَالْيَمِين
قَالَ أَصْحَابنَا وَابْن شبْرمَة لَا يحكم إِلَّا بالشاهدين وَلَا تقبل شَهَادَة شَاهد وَيَمِين فِي شَيْء
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يحكم بِهِ فِي الْأَمْوَال خَاصَّة
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سيف بن سُلَيْمَان الْمَكِّيّ عَن قيس بن سعد عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد
وروى سُلَيْمَان بن بِلَال عَن ربيعَة عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
وروى عُثْمَان بن الحكم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن زيد بن ثَابت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
وروى عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
فَأَما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَلَا يثبت لِأَن عَمْرو بن دِينَار لَا يَصح لَهُ سَماع من ابْن عَبَّاس
وَأما حَدِيث سُهَيْل فَإِن عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي قَالَ سَأَلت سهيلا عَن(3/342)
هَذَا الحَدِيث فَلم يعرفهُ فَقَالَ بعد ذَلِك حَدثنِي ربيعَة عني وَفِي ذَلِك فَسَاد حَدِيث زُهَيْر عَن سُهَيْل أَيْضا
وَقَالَ يحيى بن معِين مَا سَمعه غير الْبَصرِيين من زُهَيْر فَلَيْسَ بِشَيْء وَحَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد إِنَّمَا وَصله عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ وَهُوَ مُرْسل أَخطَأ فِيهِ عبد الْوَهَّاب قد رَوَاهُ مَالك وسُفْيَان عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير ذكر جَابر
وَفِي حَدِيث وَائِل بن حجر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للْمُدَّعِي بينتك أَو يَمِينه لَيْسَ لَك إِلَّا ذَلِك وَقَالَ الله تَعَالَى {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء}
1473 - فِي شَهَادَة أحد الزَّوْجَيْنِ للْآخر
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تجوز شَهَادَة أَحدهمَا للْآخر وَهُوَ قَول مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث
وَقَالَ الثَّوْريّ تجوز شَهَادَة الرجل لَا مرأته وَلَا تجوز شَهَادَة الْمَرْأَة لزَوجهَا
وَقَالَ عُثْمَان البتي تجوز شَهَادَة الْوَلَد لوَالِديهِ وَشَهَادَة الْأَب لِابْنِهِ ولامرأته إِذا كَانُوا عُدُولًا مهذبين معروفين بِالْفَضْلِ وَلَا يَسْتَوِي النَّاس فِي ذَلِك(3/343)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا تجوز شَهَادَة الْمَرْأَة لزَوجهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تجوز شَهَادَة الشَّاهِد لوالده وَإِن علوا وَلَا بمولوده وَإِن سفلوا وَتجوز شَهَادَة أحد الزَّوْجَيْنِ للْآخر
قَالَ أَبُو حعفر اتّفق الْعلمَاء أَن شَهَادَة الشَّاهِد لوالده ولولده لَا تجوز إِلَّا مَا شَرطه عُثْمَان البتي فِي كَونهم مهذبين معروفين بِالْفَضْلِ مَعَ شَرط الْعَدَالَة فَفرق بَينهَا لوالده وَبَينهَا للْأَجْنَبِيّ
وَقد رُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لعبد لله بن عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ لما ذكر لَهُ أَن عَبده سرق مراة لامْرَأَته عبدكم سرق مالكم لَا قطع عَلَيْهِ
فَجعل بذلك مَال كل وَاحِد مِنْهُمَا بِالزَّوْجِيَّةِ الَّتِي بَينهمَا مُضَافا إِلَيْهِمَا
1474 - فِي شَهَادَة الْأَجِير
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْأَوْزَاعِيّ لَا تجوز شَهَادَة الْأَجِير لمستأجره فِي شَيْء وَإِن كَانَ عدلا اسْتِحْسَانًا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ عَن مُحَمَّد بن سِنَان عَن عِيسَى عَن مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة
وَقَالَ مَالك لَا تجوز شَهَادَة الْأَجِير لمن اسْتَأْجرهُ إِلَّا أَن يكون مبرزا فِي الْعَدَالَة وَإِن كَانَ الْأَجِير فِي عِيَاله لم تجز شَهَادَته لَهُ
وَقَالَ الثَّوْريّ شَهَادَة الْأَجِير جَائِزَة إِذا كَانَ لَا يجر إِلَى نَفسه(3/344)
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن لَا تجوز شَهَادَة الْأَجِير الْخَاص
1475 - فِيمَن ردَّتْ شَهَادَته ثمَّ عَاد فَشهد بهَا
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ فِي العَبْد يشْهد بِشَهَادَة فَترد ثمَّ يعْتق وَيشْهد بهَا أَنَّهَا تقبل وَإِن شهد رجل لامْرَأَته فَردَّتْ شَهَادَته ثمَّ شهد بهَا بَعْدَمَا أَبَانهَا لم تقبل شَهَادَته تِلْكَ أبدا
وَقَالَ مَالك إِذا شهد العَبْد أَو الصَّبِي بِشَهَادَة فَردَّتْ ثمَّ كبر الصَّبِي وَعتق العَبْد فشهدا بهَا لم تقبل أبدا وَلَو لم يكن ردَّتْ قبل ذَلِك فَإِنَّهَا جَائِزَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن عُثْمَان بن عَفَّان مثل قَول مَالك
1476 - فِيمَا لَا تقبل فِيهِ شَهَادَة النِّسَاء
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تقبل شَهَادَة النِّسَاء مَعَ الرِّجَال فِي الْحُدُود وَلَا فِي الْقصاص وَتقبل فِيمَا سوى ذَلِك وَهُوَ قَول البتي
وَقَالَ مَالك لَا تجوز شَهَادَة النِّسَاء مَعَ الرِّجَال فِي الْحُدُود وَلَا فِي الْقصاص وَلَا فِي الطَّلَاق وَلَا النِّكَاح وَلَا الْأَنْسَاب وَلَا الْوَلَاء وَلَا الْإِحْصَان وَتجوز فِي الْوكَالَة وَالْوَصِيَّة إِذا لم يكن فِيهَا عتق
وَقَالَ الثَّوْريّ تجوز شَهَادَتهنَّ فِي كل شَيْء إِلَّا فِي الْحُدُود وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا أَنه لَا تجوز فِي الْقصاص أَيْضا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا تجوز شَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ فِي نِكَاح(3/345)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا تجوز شَهَادَة النِّسَاء فِي الْحُدُود
وَقَالَ اللَّيْث تجوز شَهَادَة النِّسَاء مَعَ الرِّجَال فِي الْوَصِيَّة وَالْعِتْق وَلَا تجوز فِي النِّكَاح وَلَا الطَّلَاق وَلَا الْحُدُود وَلَا قتل الْعمد الَّذِي يُقَاد بِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تجوز شَهَادَة النِّسَاء مَعَ الرِّجَال فِي غير الْأَمْوَال وَلَا تجوز فِي الْوَصِيَّة إِلَّا الرجل وَتجوز الْوَصِيَّة بِالْمَالِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عَن إِبْرَاهِيم أَنَّهَا لَا تجوز فِي الطَّلَاق قَالَ حَمَّاد تجوز وَهُوَ قَول الشّعبِيّ
1477 - فِي شَهَادَة النِّسَاء فِي الْولادَة وَنَحْوهَا
قَالَ أَصْحَابنَا تقبل فِي الْولادَة شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة فَإِن كَانَت مُعْتَدَّة فادعت أَنَّهَا قد ولدت وَشهِدت امْرَأَة فَلم يثبت النّسَب من الزَّوْج إِلَّا برجلَيْن أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ فِي قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يثبت بِشَهَادَة امْرَأَة وَكَذَلِكَ الْمُتَوفَّى عَنْهَا
وَذكر الْحسن عَن زفر مثل قَول أبي حنيفَة ثمَّ قَالَ وَكَانَ لَا يقبل شَهَادَة النِّسَاء فِي الْولادَة وَلَا غَيرهَا
وَقَول ابْن أبي ليلى مثل قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَرُوِيَ عَنهُ امْرَأتَيْنِ
وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَالشَّافِعِيّ لَا تقبل أقل من أَربع نسْوَة
وَقَالَ البتي لَا تقبل أقل من ثَلَاث فِي الْولادَة وَغَيرهَا وَكَذَلِكَ الاستهلال
وَقَالَ مَالك لَا تجوز فِي الْولادَة وَفِي عُيُوب النِّسَاء أقل من امْرَأتَيْنِ(3/346)
وَقَالَ الثَّوْريّ تقبل امْرَأَة وَكَذَلِكَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الاستهلال
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا قَالَت الْمَرْأَة قد ولدت صدقت وَألْحق بِأَبِيهِ وَلَا عَن بَينه وَبَينهَا إِن نَفَاهُ لِأَنَّهُ قد تَلد الْمَرْأَة وَلَا يحضرها أحد فَالْقَوْل قَوْلهَا
وَقَالَ إِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ تُجزئ امْرَأَة
وَعَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام تجوز شَهَادَة الْقَابِلَة وَحدهَا فِي الاستهلال وَهُوَ قَول الْحسن
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما اتّفق الْجَمِيع على قبُول شَهَادَة النِّسَاء فِي الْولادَة نَظرنَا هَل هُوَ لِأَنَّهُ لما لم يصلح للرجل النّظر إِلَيْهِ فأقيم النِّسَاء مقَام الرِّجَال أَو لِأَنَّهَا أصل فِي نَفسهَا لَا تعْيين بِالرِّجَالِ فَلَمَّا لم يجز على الزِّنَا إِلَّا أَرْبَعَة رجال وَلم تجز شَهَادَة النِّسَاء فِيهِ وَإِن لم يجز للرِّجَال النّظر إِلَى الْموضع لغير ذَلِك علمنَا أَن شَهَادَة النِّسَاء أصل بِنَفسِهَا لَا تعْيين بِالرِّجَالِ فَلَمَّا لم يجز على الزِّنَا إِلَّا أَرْبَعَة رجال وَلم تجز شَهَادَة النِّسَاء فِيهِ قيامهن مقَام الرِّجَال وَلَا عددهن وَأما الاستهلال فَإِنَّمَا يكون بعد الْولادَة وَيُمكن الرِّجَال مشاهدته
فَالْقِيَاس أَن لَا يقبل فِيهِ إِلَّا مَا يقبل فِي سَائِر الْحُقُوق وشبهة الْحسن بن حَيّ بِقبُول قَول الْمَرْأَة فِي الْحيض وانقضاء الْعدة وهما مُخْتَلِفَانِ لِأَن الْوَلَد مشَاهد يُمكن الْوُصُول إِلَى صِحَة دَعْوَاهَا فِيهِ من جِهَة غَيرهَا وَلَيْسَ كَذَلِك دم الْحيض لِأَنَّهُ لَا عِبْرَة بِظُهُور الدَّم دون الْوَقْت وَالْعَادَة وَنَحْوهمَا
فَإِن قيل فقد قبلت قَوْلهَا فِي السقط فِي بَاب انْقِضَاء الْعدة
قيل لَهُ إِنَّمَا قبلناه فِي انْقِضَاء الْعدة لَا فِي حق يُثبتهُ على غَيرهَا(3/347)
1478 - فِي الشَّهَادَة على الرَّضَاع
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تقبل فِيهِ إِلَّا رجلَانِ أَو رجل وَامْرَأَتَانِ وَهُوَ قَول البتي
وَذكر ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَنه لَا يقبل إِلَّا شَهَادَة امْرَأتَيْنِ إِذا كَانَ ذَلِك قد فَشَا بَينهمَا وَلَا يقبل شَهَادَة الْوَاحِدَة بِحَال
وَذكر ابْن وهب عَنهُ أَنه لَا تقبل شَهَادَة الْوَاحِدَة إِذا كَانَ مِمَّا قد فَشَا عَنْهُمَا قبل ذَلِك وَتقبل شَهَادَة الْمَرْأَتَيْنِ العدلتين قد فَشَا قبل ذَلِك أَو لم يكن فَشَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا كَانَ قد تزَوجهَا ثمَّ شهِدت امْرَأَة أَنَّهَا أرضعتها لم تقبل شهادتها وَإِن لم يكن تزَوجهَا حَتَّى أخْبرت بذلك جَازَ شهادتها على الرَّضَاع
وَقَالَ الشَّافِعِي تقبل فِي الرَّضَاع أَربع نسْوَة وَلَا تجوز فِيهِنَّ الَّتِي تشهد على فعلهَا وَلَا تجوز شَهَادَة أمهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر يجوز لذِي الرَّحِم الْمحرم مِنْهَا النّظر إِلَى بدنهَا فَهُوَ مِمَّا يجوز أَن يرَاهُ الرِّجَال دون الْمَحَارِم وَمَعْلُوم أَن الله تَعَالَى لما أَقَامَ الْمَرْأَتَيْنِ مقَام الرجل وَلم يقم أَرْبعا مقَام رجلَيْنِ من غير أَن يكون مَعَهُنَّ رجل فَلَمَّا جَازَ أَن يكون الرِّجَال شُهُودًا هَا هُنَا لم يجز الِاقْتِصَار بِهِ على شَهَادَة النِّسَاء وحدهن
وَرُوِيَ الْأَوْزَاعِيّ أَن شَهَادَة الْمَرْأَتَيْنِ وَالْمَرْأَة جَائِزَة فِي الْحمام على الْقبل وعَلى الْقَابِلَة الْعقل دون عاقلتها
1479 - فِي الشَّاهِدين يَخْتَلِفَانِ
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا شهد أَحدهمَا بِأَلف وَالْآخر بِأَلفَيْنِ لم يحكم بِشَيْء(3/348)
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ يثبت ألف
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَنه لَو شهد أَرْبَعَة اثْنَان بأَرْبعَة آلَاف وَاثْنَانِ بِأَلفَيْنِ مِنْهُمَا أَنه يحكم بِأَلفَيْنِ بِشَهَادَة الْجَمِيع وبالفين أُخْرَيَيْنِ رد بِشَهَادَة الْأُخْرَيَيْنِ فَدلَّ على أَن شَهَادَتهم بأَرْبعَة آلَاف قد أوجبت الحكم بِأَلفَيْنِ كَذَلِك ألف وَأَلْفَانِ
1480 - فِي الشُّهُود يشْهدُونَ ثمَّ يحدث مِنْهُم غيبَة أَو موت
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا شهدُوا بِحَق أَو حد ثمَّ مَاتُوا أَو غَابُوا أمضى ذَلِك كُله إِلَّا فِي الرَّجْم وَلَو ارْتَدُّوا أَو عموا أَو حدوا فِي قذف قبل إِمْضَاء الْحَد بَطل الْحَد وَلم يحكم بِشَيْء من سَائِر الْحُقُوق فَإِن كَانَ قد حكم بهَا ثمَّ صَارُوا كَذَلِك بَطل مَا كَانَ حدا وَيثبت سَائِر الْحُقُوق
وَقَالَ مَالك يُقَام حد الزِّنَا فِي الموتة والغيبة وَكَذَلِكَ قطع السّرقَة وَكَذَلِكَ الْقصاص وَكَذَلِكَ إِن خرسوا أَو عموا اَوْ جنوا أَو ارْتَدُّوا وَلم يقم عَلَيْهِ شَيْء من ذَلِك وَإِن فسقوا أَو شربوا الْخمر أَقَامَ ذَلِك عَلَيْهِ لِأَن الْقصاص من حُقُوق النَّاس قَالَ ابْن الْقَاسِم وَكَذَا فِي الْقصاص على مذْهبه أَنه لَا يبطل بردة الشُّهُود
وَقَالَ الشَّافِعِي وَإِذا أثبت الشُّهُود الشَّهَادَة على أَي حد مَا كَانَ ثمَّ غَابُوا أَو مَاتُوا قبل أَن يعدلُوا ثمَّ عدلوا أقيم الْحَد وَكَذَلِكَ لَو خرسوا أَو عموا
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا لم يقْض بِشَهَادَتِهِم حَتَّى ارْتَدُّوا فشهادتهم مَرْدُودَة للفسق فَإِذا عموا أَو جنوا لم يحدث فسق وَإِنَّمَا لم تقبل فِي الِابْتِدَاء للعجز عَن الْعبارَة والرؤية وَقد استوفى ذَلِك فِي الِابْتِدَاء فَلَا يضر حُدُوثه بعد ذَلِك(3/349)
1481 - فِي الشَّاهِد يعرف خطه
قَالَ أَبُو حنيفَة مَا وجد القَاضِي فِي ديوانه لَا يقْضِي بِهِ إِلَّا أَن يذكرهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يقْضِي بِهِ إِذا كَانَ فِي قمطره وَتَحْت خَاتمه لِأَنَّهُ لم يفعل مَا أضرّ بِالنَّاسِ وَهُوَ قَول مُحَمَّد
وهذ يدل على أَن من قَوْلهمَا إِنَّه لَا يعْتَبر الْخط فِي الشَّهَادَة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قمطره وَلَا تَحت خَاتمه
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِنَّه مثل قَول إِنَّه مثل قَول أبي يُوسُف فِيمَا يجده فِي ديوانه
وَذكر أَبُو يُوسُف أَيْضا عَن ابْن أبي ليلى أَنه إِذا أقرّ عِنْد القَاضِي لخصمه فَلم يُثبتهُ فِي ديوانه وَلم يقْض بِهِ عَلَيْهِ فِي قَول ابْن أبي ليلى
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف يقْضِي بِهِ عَلَيْهِ إِذا كَانَ يذكرهُ
وَقَالَ مَالك فِيمَن عرف خطه وَلم يذكر الشَّهَادَة أَنه لَا يشْهد على مَا فِي الْكتاب وَلَكِن يُؤَدِّي شَهَادَته إِلَى الْحَاكِم كَمَا علم وَلَيْسَ للْحَاكِم أَن يجيزها وَإِن كتب الَّذِي عَلَيْهِ الْحق بِشَهَادَتِهِ على نَفسه فِي ذكر الْحق وَمَات الشُّهُود ثمَّ أنكر فَشهد رجلَانِ أَنه خطّ نَفسه فَإِنَّهُ يحكم عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَلَا يسْتَحْلف رب المَال
وَذكر أَشهب عَنهُ فِيمَن عرف خطه وَلَا يذكر الشَّهَادَة أَنه يُؤَدِّيهَا إِلَى السُّلْطَان ويعلمه ليرى فِيهَا رَأْيه
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا ذكر أَنه قد أشهد وَلَا يذكر عدد الدَّرَاهِم فَإِنَّهُ لَا يشْهد وَإِن كتبهَا عَبده وَلم يذكر إِلَّا أَنه يعرف الْكتاب فَإِنَّهُ إِذا ذكر أَنه قد أشهد وَأَنه كتبهَا فَأرى أَن يشْهد على الْكتاب(3/350)
وَقَالَ اللَّيْث إِذا عرف أَنه خطّ يَده وَكَانَ مِمَّن يعرف أَنه لَا يشْهد إِلَّا بِالْحَقِّ فليشهد
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا ذكر إِقْرَار الْمقر يحكم بِهِ أثْبته فِي ديوانه أَو لم يُثبتهُ لِأَنَّهُ لَا معنى للديوان إِلَّا الذّكر
وَفِي الْمُزنِيّ أَنه لَا يشْهد حَتَّى يذكر
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {إِلَّا من شهد بِالْحَقِّ وهم يعلمُونَ}
وَقَالَ {أَن تضل إِحْدَاهمَا فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى}
وَقَالَ الله تَعَالَى {وَمَا شَهِدنَا إِلَّا بِمَا علمنَا وَمَا كُنَّا للغيب حافظين}
1482 - فِي الشَّهَادَة على الْمَوَارِيث
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ الشُّهُود نشْهد أَن فلَانا مَاتَ وَترك هَذِه الدَّار مِيرَاثا بَين فلَان وَفُلَان أثْبته لَا يعلمُونَ لَهُ وَارِثا غَيرهمَا جَازَ
وَقَالَ الشَّافِعِي لَو شهدُوا أَنه لَا وَارِث لَهُ غَيره جَازَت الشَّهَادَة وَتقبل وَلَا نعلم لَهُ وَارِثا غَيره
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف فِي ذَلِك أَن الْقيَاس أَن لَا تجوز لأَنهم شهدُوا بِمَا لَا يعلمُونَ وَلَكِن تجوز الشَّهَادَة اسْتِحْسَانًا لِأَنِّي أجعلها على معنى أَنه لَا يعلمُونَ وَارِثا غَيره
وَقَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَمَا شَهِدنَا إِلَّا بِمَا علمنَا وَمَا كُنَّا للغيب حافظين} فَأخْبرُوا بِشَهَادَتِهِم على الْعلم الظَّاهِر دون الْغَيْب(3/351)
وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} وَلَا يُحِيط علم أحد من النَّاس فَإِنَّهُ لَا وَارِث لَهُ غَيره وَلَا يَنْبَغِي أَن يشْهد بذلك على الْبَتَات
1483 - فِي الشَّهَادَة فِي الدَّار وَهِي فِي يَد أَحدهمَا
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تقبل
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا كَانَ الَّذِي فِي يَده ابْن عَم الْمُدَّعِي قضى لشهادتهم وَأَسْكَنَهُ فِي الدَّار مَعَه وَلَا يقتسمان حَتَّى تقوم الْبَيِّنَة على الْمَوَارِيث
وَقَالَ مَالك إِذا شهدُوا أَن الدَّار كَانَت لأبي هَذَا لم يَسْتَحِقهَا حَتَّى يشْهدُوا أَنَّهَا لم تزل لَهُ حَتَّى مَاتَ وَإِن قَالُوا إِن أَبَاهُ مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا وَلم يشْهدُوا على الْوَرَثَة وَلم يعرفوهم فَإِنَّهُ يحْتَاج أَن يُقيم أَنه وَارثه لَا يعلمُونَ لَهُ وَارِثا غَيره فَإِن لم يقم على ذَلِك بَيِّنَة كَانَت مَوْقُوفَة أبدا حَتَّى تشهد الْبَيِّنَة بذلك
1484 - فِي الشَّهَادَة فِي ادِّعَاء الْمِيرَاث بِالزَّوْجِيَّةِ
قَالَ بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف فِي رجل مَاتَ فأقامت امْرَأَته الْبَيِّنَة أَنَّهَا زَوجته وَلم يشْهدُوا على غير ذَلِك فَإِنَّهَا تُعْطى جُزْءا من سِتَّة وَثَلَاثِينَ جُزْءا وَذَلِكَ أقل مَا يكون لَهَا فِي حَال أَن يتْرك أَربع زَوْجَات وابنتين وأبوين
وروى الْحسن بن زِيَاد أَنه يدْفع إِلَيْهَا ربع الثّمن وَكَذَلِكَ ذكره ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد فِي نوادره
وَفِي الأَصْل أَنه يدْفع إِلَيْهَا ربع الْمِيرَاث وَيدْفَع إِلَى الزَّوْج النّصْف وَأما الابْن وَالْبِنْت وَالأُم وَالْأَب فَإِن كل وَاحِد يَأْخُذ جَمِيع المَال بعد أَن يتلوم القَاضِي
وَقَالَ مَالك إِذا قَالُوا لَا نعلم لَهُ وَارِثا غَيره فَإِنَّهُ ينْتَظر فِي ذَلِك وَيسْأل(3/352)
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالُوا هَذَا ابْنه وَلم يشْهدُوا على عدد الْوَرَثَة وَلَا أَنه وَارثه وَلَا وَارِث لَهُ غَيره تلوم القَاضِي وَسَأَلَ عَن الْبلدَانِ الَّتِي وَطئهَا هَل لَهُ فِيهَا ولد فَإِذا بلغ الْغَايَة دفع إِلَيْهِ المَال كُله وَيَأْخُذ مِنْهُ كَفِيلا وَإِن كَانَ مَكَان الابْن زَوْجَة أَعْطَاهَا ربع الثّمن وَلَا يُعْطِيهَا حَتَّى يشْهدُوا أَن زَوجهَا مَاتَ وَهِي لَهُ زَوْجَة أَو لَا يعلمُونَ أَنه فَارقهَا رَوَاهُ الرّبيع عَنهُ فِي الدَّعْوَى
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلم يَخْتَلِفُوا فِي الْغَرِيم وَالْمُوصى لَهُ بِالثُّلثِ إِذا قَامَت لكل وَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة بِمَا ادَّعَاهُ أَنه يدْفع إِلَيْهِ الْجَمِيع وَإِن لم يعلم أَن هُنَاكَ غَرِيم اخر وموصى لَهُ كَذَلِك الابْن وكل من يَرث فِي كل حَال
1485 - فِي اخْتِلَاف الشُّهُود
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا شهد أَحدهمَا أَنه غصبه أَو شجه وَشهد الاخر بِإِقْرَارِهِ على ذَلِك لم تقبل
وَلَو شهد أَحدهمَا أَنه أقرّ بِالْبيعِ أَو الطَّلَاق أَو الْعتاق وَشهد الاخر أَنه بَاعَ أَو طلق جَازَت شَهَادَتهمَا
وَلَو شهد أَحدهمَا أَنه أقرّ بِالْبيعِ يَوْم الْخَمِيس وَشهد اخر أَنه أقرّ يَوْم الْجُمُعَة جَازَت الشَّهَادَة وَكَذَلِكَ الطَّلَاق وَالْعتاق وَلَو شهد أَحدهمَا أَنه قذفه يَوْم الْخَمِيس وَشهد آخر أَنه قذفه يَوْم الْجُمُعَة جَازَت شَهَادَتهمَا فِي قَول أبي حنيفَة وَلم تجز فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ زفر إِذا شهد أَحدهمَا أَنه أقرّ بِأَلف دِرْهَم يَوْم الْخَمِيس وَشهد الاخر أَنه أقرّ لَهُ يَوْم الْجُمُعَة لم تقبل(3/353)
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا شهد على فعل الطَّلَاق وَالْعِتْق وَاخْتلفَا فِي الْمَكَان أَو فِي الْأَيَّام لم تجز شَهَادَتهمَا وَإِن شَهدا على إِقْرَاره وَاخْتلفَا فِي الْمَكَان أَو الْوَقْت جَازَت الشَّهَادَة وَلَو شهد أَحدهمَا أَن فلَانا أوصى لَهُ بِبَعِير وَشهد الآخر أَنه أوصى لَهُ بِشَيْء غير ذَلِك فَهُوَ مَا شَاءَت الْوَرَثَة فَإِن رَأَوْا أَن يجيزوا شَيْئا من ذَلِك جَازَت شَهَادَتهمَا على الْأَقَل
وَقَالَ مَالك إِذا شهد أَحدهمَا أَنه قَالَ لَهُ يَوْم الْجُمُعَة يَا زَان وَشهد الآخر أَنه قَالَ لَهُ يَوْم الْخَمِيس يَا زَان قبلت شَهَادَتهمَا وَكَذَلِكَ الطَّلَاق وَالْعِتْق
وَلَو شهد أَحدهمَا أَنه قَالَ يَوْم الْجُمُعَة إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وَشهد الآخر أَنه قَالَ كَذَلِك يَوْم السبت فَإِنَّهُ إِن حنث طلقت عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا
وَلَو شهد أَحدهمَا على الْحلف على ركُوب الدَّابَّة وَالْآخر على دُخُول الدَّار لم تثبت الشَّهَادَة
وَقَالَ اللَّيْث إِذا شهد أَحدهمَا أَنه قذف رجلا وَشهد أَحدهمَا أَنه قذفه إِلَّا أَن شَهَادَتهمَا فِي موطنين كل وَاحِد مِنْهُمَا شهد وَحده لم تقبل
وَلَو شهد أَحدهمَا أَنه رَآهُ يشرب الْخمر بكرَة وَشهد الاخر أَنه رَآهُ يشرب الْخمر ضحوة قبلت شَهَادَتهمَا وحددته إِذا كَانَت فِي يَوْم وَاحِد
وَقَالَ اللَّيْث تجوز شَهَادَة الأبدال فِي النِّكَاح وَالْعتاق وَلَا تجوز فِي الطَّلَاق وَلَا فِي الْحُدُود إِلَّا فِي الْخمر فَيشْهد أَحدهمَا على شربه فِي أول النَّهَار وَالْآخر فِي آخِره فَتجوز لِأَنَّهُ على حَال الشّرْب
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا شهد أَحدهمَا أَنه طلق الْيَوْم وَالْآخر أَنه طَالِق أمس لم تجز وَلَو شهد أَحدهمَا أَنه أقرّ بِالطَّلَاق الْيَوْم وَشهد الآخر أَنه أقرّ بِهِ أمس جَازَت وَكَذَلِكَ الْإِقْرَار بِالنِّكَاحِ(3/354)
1486 - إِذا شهد أَحدهمَا بِالْمَالِ الْقَرْض وَشهد أَحدهمَا بِالْقضَاءِ
قَالَ أَصْحَابنَا شَهَادَتهمَا جَائِزَة على المَال رِوَايَة مُحَمَّد
وروى الْحسن بن زِيَاد عَن أبي يُوسُف أَن شَهَادَتهمَا إِن كَانَت على ألف دِرْهَم قرض حكم الْحَاكِم بِخَمْسِمِائَة مِنْهَا
وَقَالَ زفر لايحكم بِشَيْء مِنْهَا لِأَنَّهُ مكذب لشاهد الْقَضَاء
وَقَالَ اللَّيْث فِي شَاهِدين شهد الرجل بضيعة أَنَّهَا لَهُ وَشهد أَحدهمَا أَنه بَاعهَا من الْمُدعى عَلَيْهِ فَإِن شَهَادَة الَّذِي يشْهد على البيع قد بطلت ولايحكم للْمُدَّعى بِشَيْء حَتَّى يُقيم شَاهدا آخر على الْملك
1487 - فِي الشَّهَادَة على قَضَاء القَاضِي وَهُوَ لَا يذكر
روى الْحسن بن زِيَاد وَبشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ لاينفذ القَاضِي ذَلِك وَلَا يحكم بِهِ لِأَنَّهُ لَا يذكرهُ
وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد أَنا أقبل الشَّهَادَة وأنفذها لَهُ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ مُحَمَّد بن سَمَّاعَة وَرَوَاهُ عَن مُحَمَّد فِي نوادره وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يحكم بِهِ إِذا لم يذكرهُ
قَالَ أبوجعفر روى أنس أَن الهرمزان نزل على حكم عمر رَضِي الله عَنهُ فَبعث بِهِ معي أَبُو مُوسَى إِلَى عمر فَلَمَّا قدمت بِهِ كَلمه فَلم يتَكَلَّم فَقَالَ مَا لَك لَا تَتَكَلَّم فَقَالَ كَلَام حَيّ أَو ميت قَالَ تكلم فَلَا بَأْس عَلَيْك فَكَلمهُ ثمَّ أَرَادَ عمر قَتله فَقلت لَهُ لَيْسَ لَك إِلَى ذَلِك سَبِيل لِأَنَّك قلت لَهُ لَيْسَ تكلم لَا بَأْس عَلَيْك فَقَالَ ليأتيني بِشَاهِد آخر أَو لَا بُد لي من عُقُوبَتك قَالَ فَخرجت(3/355)
فَلَقِيت الزبير فَوَجَدته قد حفظ مثلهمَا حفظت فَشهد فَأرْسلهُ عمر وَأسلم وَفرض لَهُ وَكَانَ ذَلِك بِحَضْرَة الصَّحَابَة من غير خلاف فَدلَّ على وفاقهم
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل ذَلِك لم يكن ثمَّ قَالَ أَحَق مَا يَقُول ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالُوا نعم فَأَتمَّ الصَّلَاة وَسجد للسَّهْو
1488 - فِي شَهَادَة الْقَاسِم
قَالَ أبوحنيفة إِذا شهد قاسما القَاضِي على قسْمَة قسماها بأَمْره بِأَن إنْسَانا استوفى نصِيبه فَإِنَّهُ يُجِيز شَهَادَتهمَا وَهُوَ قَول أبي يُوسُف
قَالَ مُحَمَّد لَا تجوز شَهَادَتهمَا وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا قسموا بِأَجْر فَلَا خلاف أَنه لَا تجوز شَهَادَتهمَا قَالَ وَإِن كَانَ بِغَيْر أجر فَالْقِيَاس أَن تجوز لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَة لَهُم فِيهَا
1489 - فِي شَهَادَة القَاضِي بعد عَزله على قَضيته
قَالَ أَبُو جَعْفَر مَذْهَب أَصْحَابنَا أَنَّهَا لَا تجوز رَوَاهُ مُحَمَّد عَنْهُم وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ إِذا شهد مَعَه شَاهد آخر جَازَ(3/356)
1490 - فِي شَهَادَة الرجل على فعل من لَا تجوز شَهَادَته
قَالَ أَبُو يُوسُف لَا تجوز شَهَادَته على فعل أَبِيه إِن ادّعى الْأَب سَوَاء كَانَ للْأَب فِيهِ مَنْفَعَة أَو لم يكن
وَقَالَ مُحَمَّد إِذا لم يكن للْأَب فِيهِ مَنْفَعَة جَازَت شَهَادَته جحدا وادعاء
وَعند مَالك أَنه لَا تجوز شَهَادَة الْأَب فِي ذَلِك
وَقَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ أَنه تقبل
1491 - فِي الشَّهَادَة على قَول الْمقر
قَالَ أَصْحَابنَا وَاللَّيْث يجوز إِقْرَار المختبئ على إِقْرَار الْمقر وعَلى الْقَذْف وَالطَّلَاق وَغَيره
وَقَالَ مَالك من سمع رجلا يقذف أَو يُطلق وَلم يشهده
وَقَالَ مَالك يشْهد بِهِ وَإِن لم يشْهد وَيَأْتِي منزل من لَهُ الشَّهَادَة عِنْده فيعلمه أَن لَهُ عِنْده شَهَادَة
وَقَالَ مَالك فِي الرجل يمر بِالرجلَيْنِ وهما يتكلمان فِي الشَّيْء وَلم يستشهداه فيدعوه أَحدهمَا إِلَى السُّلْطَان فَإِنَّهُ لَا يشْهد(3/357)
وَقَالَ مَالك إِذا شهد بَين رجلَيْنِ فِي حق فنسي بعض الشَّهَادَة وَذكر بَعْضهَا لم يشْهد إِذا لم يذكرهَا كلهَا والمار كَذَلِك لِأَنَّهُ قد سقط عَنهُ بعض الشَّهَادَة
وَقَالَ ابْن شبْرمَة فِي رجل سمع رجلا يَقُول لفُلَان عِنْدِي كَذَا وَكَذَا فجَاء ذَلِك الرجل يطْلب مَاله وَلم يشْهد بِهِ يَعْنِي الَّذِي مَعَ عِنْده على نَفسه إِنَّمَا تكلم كلَاما من غير أَن يشْهد بِهِ أحدا وَإِنَّمَا هَذَا حَدِيث الْمجْلس وَلَا يقبل أَو يشهده أَو تناقله الْكَلَام فَيَقُول يَا فلَان أَلا تُعْطِينِي كَذَا الَّذِي لي عنْدك فَيَقُول بلَى أَنا معطيك فأنظرني فَيجوز أَن يشْهدُوا بِهِ عَلَيْهِ وَأما قَوْله لفُلَان عِنْدِي كَذَا ولعلها وَدِيعَة فَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء
قَالَ أَبُو جَعْفَر سَمِعت مُحَمَّد بن جَعْفَر بن حَفْص الْمَعْرُوف بِالْإِمَامِ يَقُول إِن الْحسن وعليا ابْني صَالح بن حَيّ هجرا شَرِيكا لما ولي الْقَضَاء فَكَانَا لَا يكلمانه فَبَيْنَمَا هما يَوْمًا فِي مَسْجِد الْكُوفَة من وَرَاء سَارِيَة وَرجل يُخَاطب رجلا فِي دين لَهُ يتقاضاه إِيَّاه فَيَقُول لَهُ دينك وَالله عَليّ وَيذكر مِقْدَاره وَإِن قدمتني إِلَى القَاضِي جحدتك وَحلفت أَنه لَا شَيْء لَك عَليّ فسمعا ذَلِك وحفظاه عَلَيْهِ فَقدم الطَّالِب صَاحبه إِلَى شريك فطالبه بِدِينِهِ فَأنكرهُ إِيَّاه فَسَأَلَ الطَّالِب شَرِيكا استحلافه فاستحلفه فَحلف ثمَّ خرج آيسا من حَقه فَقَالَ لَهُ الْحسن وَعلي ابْنا صَالح أردده إِلَى شريك فَإنَّا قد حفظنا إِقْرَاره لَك بِدينِك عَلَيْهِ فَرده الرجل إِلَى شريك وَادّعى شَهَادَة الْحسن وَعلي ابْني صَالح فَقَالَ لَهُ شريك وَأَيْنَ هما فَقَالَ هما حاضران فَدَعَا بهما فدخلا فشهدا فَقَالَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ وَعَلِيهِ إِن كَانَ استشهدهما فَقَالَا {وَمَا شَهِدنَا إِلَّا بِمَا علمنَا وَمَا كُنَّا للغيب حافظين} ثمَّ أقبل عَلَيْهِمَا شريك فتكلما لَهما فِيمَا سوى الشَّهَادَة فَلم يُكَلِّمَاهُ وقاما فَخَرَجَا من عِنْده
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا سمع الرجل الرجل يقر بِمَال وَوصف ذَلِك من بيع أَو غضب أَو لم يصفه للْمقر فلازم لَهُ أَن يُؤَدِّيه وعَلى القَاضِي أَن يقبله(3/358)
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى مَالك عَن عبد الله بن أبي بكر عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان عَن أبي عمْرَة الْأنْصَارِيّ عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَلا أخْبركُم بِخَير الشُّهَدَاء الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قبل أَن يسْأَل عَنْهَا فَدلَّ على أَن الشَّهَادَة صَحِيحَة بِالسَّمَاعِ وَلَا اعْتِبَار بإشهاد الشُّهُود عَلَيْهِ وَلَا باسترعاء من لَهُ الشَّهَادَة إِيَّاه
فَإِن قيل روى قَتَادَة عَن زُرَارَة بن أبي أوفى عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير أمتِي الْقرن الَّذِي بعثت فيهم ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ يفشو قوم يشْهدُونَ وَلَا يستشهدون وينذرون وَلَا يُوفونَ ويخونون وَلَا يؤتمنون ويفشوا فيهم الْيَمين
قيل لَهُ قد روى ابراهيم النَّخعِيّ عَن عُبَيْدَة عَن عبد الله قَالَ قُلْنَا يَا رَسُول الله أَي النَّاس خير قَالَ قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ يَجِيء قوم يسْبق شَهَادَة أحدهم يَمِينه وَيَمِينه شَهَادَته قَالَ إِبْرَاهِيم كَانَ أَصْحَابنَا ينهوننا وَنحن غلْمَان أَن نحلف بِالشَّهَادَةِ والعهد
فَدلَّ على أَن الشَّهَادَة هِيَ الْمَحْلُوف بهَا وَلَا يَجْعَلهَا الْإِنْسَان عَادَته كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم}
وَلَا خلاف بَين أهل الْعلم أَن من رأى رجلا يقتل رجلا أَو يغصبه أَنه يجوز أَن يشْهد بِهِ وَإِن لم يستشهده الْجَانِي بذلك على نَفسه(3/359)
1492 - فِي شَاهد الزُّور
قَالَ أَبُو حنيفَة يشهر وَلَا يُعَزّر وَهُوَ قَول شُرَيْح
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يُعَزّر
وَابْن أبي ليلى وَمَالك قَالَ لَا تقبل شَهَادَته أبدا وَإِن تَابَ وَحسنت تَوْبَته
وَقَالَ الشَّافِعِي يشهر وَيُعَزر
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر شَهَادَة الزُّور فسق فسق وَمن رجلا عزّر فوجود الْفسق مِنْهُ أولى أَن يسْتَحق بِهِ التَّعْزِير وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَن من فسق بِغَيْر شَهَادَة الزُّور أَن تَوْبَته مَقْبُولَة وشهادته بعْدهَا كَذَلِك شَهَادَة الزُّور
قَالَ وَذكر بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف أَنه يختبر سِتَّة أشهر فَإِذا ظَهرت تَوْبَته قبلت شَهَادَته ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا أجزي بِأَقَلّ من حول وَمُحَمّد لم يؤقت وَقَالَ إِنَّمَا هُوَ على مَا يَقع فِي الْقلب
وَقد روى عَن شُرَيْح أَنه ينْزع عمَامَته وخفقه خفقات وعرفه فِي الْمَسْجِد
1493 - فِي الشَّهَادَة بِالْمَوْتِ ثمَّ يَجِيء حَيا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا شهدُوا بِمَوْت رجل فَدفع القَاضِي الْمِيرَاث إِلَى ورثته ثمَّ جَاءَ الْمَشْهُود بِمَوْتِهِ حَيا فَلهُ أَن يضمن الشَّاهِدين وَإِن شَاءَ الْوَارِث
وَقَالَ مَالك إِذا شهدُوا بزرو من غير شُبْهَة لم يجز تصرف الْوَارِث وَإِن كَانَ بِأَمْر شبه عَلَيْهِم فَلهُ أَن يفْسخ بعد أَن يرد الثّمن إِلَى مبتاعه وَالْعِتْق والكتابه وَالتَّدْبِير وَالِاسْتِيلَاد فَإِنَّهُ لَا يرد(3/360)
1494 - فِي الشَّهَادَة على الْخط
قَالَ أَبُو مَالك إِذا شهد شَاهِدَانِ فِي ذكر حق أَنه كِتَابَته بِيَدِهِ جَازَ وَأخذ بِهِ كَمَا لَو شهدُوا على إِقْرَاره
وَخَالفهُ جَمِيع الْفُقَهَاء فِي ذَلِك وعدوا هَذَا القَوْل شذوذا
إِذْ كَانَ الْخط يشبه الْخط وَلَيْسَت شَهَادَة على قَول مِنْهُ وَلَا مُعَاينَة فعل
1495 - فِي الشَّهَادَة على الشَّهَادَة
قَالَ أَصْحَابنَا هِيَ جَائِزَة فِي كل شَيْء إِلَّا الْحُدُود وَالْقصاص
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا تجوز فِي الْحُدُود
وَقَالَ مَالك تجوز الشَّهَادَة على الشَّهَادَة فِي الْحُدُود كلهَا وَفِي الْقَتْل وَلَا تقبل فِي الزِّنَا على شَهَادَة أَرْبَعَة أقل من أَرْبَعَة يشْهدُونَ على شَهَادَة اربعة وَقَالَ اللَّيْث تجوز شَهَادَة الرجل الْوَاحِد على شَهَادَة وَاحِد فِي الْقَتْل وَالْحُدُود والأشياء كلهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي تجوز الشَّهَادَة على الشَّهَادَة فِي كل حق لآدمى مَال أَو حد أَو قصاص وَفِي كل حد لله تَعَالَى قَولَانِ
1496 - مِمَّا يقبل من الشُّهُود على شَهَادَة غَيرهم
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يقبل أقل من شَاهِدين على شَهَادَة شَاهِدين
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَابْن شبْرمَة أقبل شَهَادَة شَاهد على شَهَادَة شَاهد وروى نجوه عَن الْحسن(3/361)
وَقَالَ عُثْمَان البتي تقبل على شَهَادَة امرأه شَهَادَة امْرَأَة
وَقَالَ مَالك تقبل شَهَادَة شَاهِدين على شَهَادَة الْعدَد الْكثير وَلَا يقبل أقل من شَاهِدين
وَقَالَ الثَّوْريّ يجوز شَهَادَة امْرَأتَيْنِ على شَهَادَة رجل وَرِوَايَة أُخْرَى أَنَّهَا لَا تقبل
وَقَالَ شُرَيْح تقبل شَهَادَة رجل على شَهَادَة رجل وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا تقبل إِلَّا شَهَادَة رجلَيْنِ على شَهَادَة غَيرهمَا
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تجوز شَهَادَة رجلَيْنِ إِلَّا على شَهَادَة وَاحِد وَآخَرين على شَهَادَة الآخر ورجلان على كل امْرَأَة
وروى مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ كَانَ شُرَيْح يُجِيز شَهَادَة الرجل على شَهَادَة الرجل وَكَانَ يكرهها وَكَانَ يسميهم المباديل وَكَانَ إِبْرَاهِيم يرى ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا على أَنه غير جَائِز أَن يشْهد الرجل على شَهَادَة نَفسه وَهُوَ مَعَ غَيره على شَهَادَة غَيره فَدلَّ على أَنه إِذا قَامَ رجلَانِ مقَام أحد شَاهِدي الأَصْل اسْتَحَالَ أَن يقوم مقَام الآخر فِي تِلْكَ الشَّهَادَة
1497 - فِي الشَّاهِد على شَهَادَة غَيره إِذا لم يعدله
ذكر هِشَام عَن مُحَمَّد أَن رجلَيْنِ لَو أشهدا على شَهَادَتهمَا شَاهِدين وهما لَا يعرفانهما بعدالة وَلَا غَيرهَا فَإِنَّهُمَا إِن شَهدا على شَهَادَتهمَا فقد أساءا وَيَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يسْأَل عَنْهُمَا وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ عُثْمَان البتي لَا تقبل شَهَادَتهمَا إِذا لم يعدلهما اللَّذَان عِنْد القَاضِي روى نَحوه عَن شُرَيْح(3/362)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَنْبَغِي أَن يلْتَفت القَاضِي إِلَى تَعْدِيل الشَّاهِدين اللَّذين شَهدا عِنْده لشاهدي الأَصْل بل يسْأَل عَنْهُمَا كَمَا يسْأَل عَن سَائِر الشُّهُود وَلَيْسَ كل عدل فِي شَهَادَته يصلح للمسألة عَن غَيره
1498 - فِي الشَّهَادَة على شَهَادَة الْحَاضِر فِي الْمصر
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالْحسن بن حَيّ لَا تقبل الشَّهَادَة على شَهَادَة الْحَاضِر فِي الْمصر إِلَّا أَن يكون مَرِيضا أَو غَائِبا على مسيرَة ثَلَاث وَفِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد تقبل
وَقَالَ مَالك لَا أحب الشَّهَادَة على شَهَادَة حَاضر وَلَيْسَ بمريض
وَقَالَ الثَّوْريّ تقبل إِذا كَانَ غَائِبا فِي مَكَان الْقصر فِي مثله فِي الصَّلَاة
وَقَالَ الشاقعي لَا يقبل كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي فِي مثل أحد جَانِبي بَغْدَاد وَيقبل فِي الْبلدَانِ الثَّانِيَة الَّتِي لَا يُكَلف أَهلهَا إِتْيَانه
وَهَذَا يدل على أَن الشَّهَادَة على الشَّهَادَة كَذَلِك عِنْده
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما قبلت وكَالَة الْحَاضِر وَسمعت من بَيِّنَة الْخصم عَلَيْهِ وَإِن كَانَ حَاضرا فِي الْمصر كَذَلِك الشَّهَادَة على الشَّهَادَة لِأَن كل شَهَادَة جَازَت على الْبعيد جَازَت على الْقَرِيب
1499 - فِي رُجُوع الشُّهُود
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا حكم بِشَهَادَتِهِمَا ثمَّ رجعا ضمنا مَا حكم بِهِ وَلَا يقْتَصّ مِنْهُ فِيمَا يُوجب تلف النَّفس أَو بعض الْأَعْضَاء وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ(3/363)
وَقَالَ عُثْمَان البتي وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ إِن قبل شَهَادَتهمَا برجم أَو قصاص أَو قطع فِي سَرقَة ثمَّ رجعا وَقَالا تعمدنا أقتص مِنْهُمَا
وروى عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان إِن كَانَا يَوْم رَجعْنَا أفضل مِنْهُمَا يَوْم شَهدا رد الْقَضَاء وأبطله وَإِن كَانَت حَالهمَا يَوْم رجعا مثل حَالهمَا يَوْم شَهدا أَو دون ذ 4 لَك لم يصدقهما وَلم يقبل رجوعهما وَلم يضمنهما شَيْئا
وَقد كَانَ أَبُو حنيفَة يَقُول بذلك ثمَّ رَجَعَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الرُّجُوع لَيْسَ بِشَهَادَة مستأنفة فَلَا اعْتِبَار فِيهِ بِالْعَدَالَةِ وَلَا يجوز نقض الحكم برجوعهما أَيْضا من أجل أَنَّهُمَا غير خصمين وَلَا شَاهِدين عَلَيْهِ وهما بِسوء الظَّن فِي رجوعهما أولى مِنْهُمَا بِهِ فِي ابْتِدَاء الشَّهَادَة وَمن لحقته ظَنّه لم تقبل شَهَادَته
وَقد روى مطرف عَن الشّعبِيّ أَن رجلَيْنِ شَهدا عِنْد عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام على رجل بِالسَّرقَةِ ثمَّ أَتَيَا بآخر فَقَالَا أخطانا إِنَّمَا هُوَ هَذَا فَقَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام لاأجيز شهادتكما على هَذَا وأضمنكما ديه ذَاك وَلَو أعلمكما أنكما فعلتما ذَلِك عمدا قطعت أيديكما
وَقَالَ عُثْمَان البتي فِي اللَّذين يَشْهَدَانِ فِي الْحُقُوق الَّتِي تَدور بَين النَّاس أَنه إِن رَجَعَ أَحدهمَا رد ذَلِك الْقَضَاء عتاقا كَانَ أَو طَلَاقا أوما كَانَ فَإِن فَاتَ رده إخذ من الرَّاجِع جَمِيع مَا أقربه الرجل الْمَشْهُود عَلَيْهِ وَإِن رجعا جَمِيعًا أَخذ صَاحب الْحق أَيهمَا شَاءَ ويكونان هما يطلبان الَّذِي قضى لَهُ بِشَهَادَتِهِمَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر الضَّمَان يتَعَلَّق وُجُوبه على الشَّاهِدين بِإِزَالَة الْيَد فَلَا فرق بَين حَاله بعد الْفَوْت وَقَبله فِي وُجُوبه(3/364)
1500 - فِي عدَّة الشُّهُود إِذا كَانُوا أَكثر من أَرْبَعَة فِي الزِّنَا وشاهدين فِي الْحُقُوق
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا شهد خَمْسَة على رجل بِالزِّنَا فرجم ثمَّ وَاحِد فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فَإِن رَجَعَ آخر فعلَيْهِمَا ربع الدِّيَة وَإِن شهد ثَلَاثَة بِمَال فَرجع وَاحِد فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فَإِن رَجَعَ آخر فعلَيْهِمَا نصف المَال
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا رَجَعَ وَاحِد من سِتَّة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي الزِّنَا وَكَذَلِكَ اثْنَان فَإِن رَجَعَ ثَالِث فعلى الثَّلَاثَة نصف الدِّيَة فَإِن رَجَعَ وَاحِد من الثَّلَاثَة فَعَلَيهِ سدس الدِّيَة
وَقَالَ الْمُزنِيّ إِذا رَجَعَ وَاحِد من ثَلَاثَة شُهُودًا بِمَال فَعَلَيهِ ثلث المَال فِي الْقيَاس وَحَكَاهُ عَن أَشهب
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس خلاف ذَلِك لِأَنَّهُ حكم بِشَهَادَة الثَّلَاثَة بِالْمَالِ والباقيان مَحْكُوم بِشَهَادَتِهِمَا أَيْضا وهما ثابتان فَلَا ضَمَان
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَا خلاف أَنه إِذا شَهدا أَرْبَعَة بِالزِّنَا ثمَّ رَجَعَ وَاحِد غرم ربع الدِّيَة لبَقَاء ثَلَاثَة أَربَاع الشَّهَادَة وَالْقِيَاس على هَذَا أذا كَانُوا سِتَّة فَرجع ثَلَاثَة أَن يكون عَلَيْهِم ربع الدِّيَة لبَقَاء ثَلَاثَة أرباعها
1501 - فِيمَن قضى عَلَيْهِ بِشَهَادَة شُهُود فَيحلف بِالطَّلَاق أَنه مَا كَانَ عَلَيْهِ ذَلِك
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَا حَكَاهُ مُحَمَّد إِذا قَالَ امْرَأَتي طَالِق إِن كَانَ لفُلَان عَليّ شَيْء فَشهد شَاهِدَانِ أَن فلَانا أقْرضهُ فَقضى القَاضِي عَلَيْهِ بِالْمَالِ لم يَحْنَث وَلَو شهد أَن عَلَيْهِ ألف دِرْهَم فَقضى بهَا حنث الْحَالِف وَهُوَ قَول البتي(3/365)
وَحكى هِشَام عَن مُحَمَّد أَنه لَا يَحْنَث فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا لِأَن قَوْلهمَا هِيَ عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ بالْقَوْل الَّذِي كَانَ نطق بِهِ أول مرّة
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا شهدُوا على بَاطِل أَنه لَا يَحْنَث
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ والمدنيون يَقُولُونَ بقول ابْن أبي ليلى
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ امْرَأَته طَالِق إِن دخل الدَّار ثمَّ أقرّ أَنه دَخلهَا وَشهد عَلَيْهِ الشُّهُود وَقَالَ إِنِّي كنت كَاذِبًا طلق عَلَيْهِ القَاضِي وَلَا يَنْفَعهُ إِنْكَاره وَلَو أقرّ بِأَنَّهُ فعل شَيْئا ثمَّ حلف بِطَلَاق بعد ذَلِك أَنه مَا فعله ثمَّ قَالَ كنت كَاذِبًا فَمَا أَقرَرت بِشَيْء صدق وَلَو حلف وَلم يكن عَلَيْهِ شَيْء وَلَو أقرّ بَعْدَمَا شهد عَلَيْهِ الشُّهُود أَنه فعله لزمَه الْحِنْث
وَقَالَ الثَّوْريّ إِن قَالَ إِن امْرَأَته طَالِق إِن لم يكن شهدُوا عَلَيْهِ بزور لم يفرق بَينهمَا فَإِن فعل كَذَا وَقَامَت عَلَيْهِ بَيِّنَة أَنه قد فعله وَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ غذا شهد عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِيَمِين حلف بهما فَقَالَ كل امْرَأَة أَتَزَوَّجهَا فَهِيَ طَالِق إِن كَانَ حلف بِيَمِين أَو شهد عَلَيْهِ بِحَق فَإِنَّهُ يُوكل فِي يَمِينه هَذِه إِلَى الله تَعَالَى
وَقَالَ اللَّيْث إِذا شهد عَلَيْهِ بِحَق فَحلف بِطَلَاق امْرَأَته إِن كَانَا شَهدا عَلَيْهِ إِلَّا بباطل فَإِنَّهُ يُوكل فِي امْرَأَته إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِن شَهدا عَلَيْهِ رجلَانِ آخرَانِ بذلك الْحق غير الْأَوَّلين طلقت امْرَأَته
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا شهد أَنه غصبه وَحلف هُوَ مَا عصبه طلقت
وَذكر الْمُزنِيّ أَنه لَا يَحْنَث وَلم نجد خلافًا لَهُ على الشَّافِعِي
1502 - فِي الْوَارِث يَبِيع ثمَّ يشْهد مَعَ غَيره بِهِ لآخر
قَالَ الشَّافِعِي فِي الرجل يَبِيع مِيرَاثا فيرثه من أَبِيه فَادّعى رجل أَنه اشْتَرَاهُ من الْأَب فَشهد لَهُ الْوَارِث وَآخر أَنه تقبل شَهَادَتهمَا(3/366)
وَلم يقبل بذلك أحد من أهل الْعلم غَيره
1503 - فِي إِقَامَة الْخصم الْبَيِّنَة على الْجرْح
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا شهدُوا على رجل بِحَق فَأَقَامَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ بَيِّنَة أَنهم فساق أَو مستأجرون لم يلفت إِلَى ذَلِك وَيسْأل عَنْهُم فِي السِّرّ ويزكيهم فِي الْعَلَانِيَة ثمَّ يحكم لشادتهم
قَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء وَكَانَ أَبُو حنيفَة لَا يقبل الشَّهَادَة على الْجرْح إِلَّا أَن يشْهدُوا على إِقْرَار الشَّاهِد أَنه شريك وَإِن الْمُدَّعِي وَكله فِي ذَلِك وَخَاصم فِيهِ أَو أَنه مَحْدُود فِي قذف حَده قَاضِي كَذَا وَكَذَا قَالَ وَهُوَ قَول أَصْحَابنَا
وَقَالَ ابْن أبي ليلى تقبل الشَّهَادَة على الْجرْح وعَلى أَنهم مستأجرون أَو شُهُود زور
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف مثله
وَقَالَ مَالك إِن زكوا الشُّهُود ثمَّ أَقَامَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ البنية أَنهم يشربون الْخمر أَو آكِلَة الرِّبَا أَو مجَّانا أَو يَلْعَبُونَ بالشطرنج أَو النَّرْد أَو الْحمام فَإِن هَذَا مِمَّا يجرح شَهَادَتهم ويبطلها
وَقَالَ الشَّافِعِي تقبل بنية الْمَشْهُود عَلَيْهِ على الْجرْح إِذا بَينُوهُ للْحَاكِم(3/367)
1504 - فِي البنية بعد الْيَمين
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتحْلف الْمُدعى عَلَيْهِ ثمَّ أَقَامَ البنية قبلت بنيته وَهُوَ قَول شُرَيْح وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا تقبل بنيته بعد استحلافه الْمُدعى عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالك إِن استحلفه وَلَا علم لَهُ بالبنية ثمَّ علم أَن بنية قبلهَا وَبَطلَت الْيَمين وَإِن كَانَ يعلم بنيته فاستحلفه وَرَضي بِالْيَمِينِ وَترك البنية فَلَا حق لَهُ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا شهِدت البنية حصلت الْيَمين كَاذِبَة فطلبت فَإِن قبل قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حلف على يَمِين ليقتطع بهَا مَال امْرِئ مُسلم لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان وَهَذَا يدل على صِحَة الحكم لَهُ بِالْمَالِ الْمَحْلُوف عَلَيْهِ وَأَنه قد اقتطعه فَدلَّ على نفي قبُول البنية عَلَيْهِ بِهِ
قيل لَهُ الاقتطاع لَا يُوجب الْملك وَإِنَّمَا هُوَ عَلَيْهِ كقاطع الطَّرِيق لَا يملك مَا قطعه وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قضيت لَهُ الشَّيْء من حق أَخِيه فَلَا يَأْخُذهُ فَإِنَّمَا أقطع من النَّار(3/368)
1505 - فِي الشَّاهِد هَل هُوَ حر فِي شَهَادَته أَو غير حر
قَالَ أَصْحَابنَا النَّاس أَحْرَار إِلَّا فِي أَرْبَعَة أَشْيَاء الشَّهَادَة وَالْحُدُود وَالْقصاص وَالْعقل
وَقَالَ مَالك هم أَحْرَار فِي الشَّهَادَات حَتَّى يُقيم الْمَشْهُود عَلَيْهِ البنية أَنهم عبيج وَكَذَلِكَ هم أَحْرَار فِي كل شَيْء
وَقَالَ الشَّافِعِي هم عبيد فِي الشَّهَادَة حَتَّى تثبت الْحُرِّيَّة بِبَيِّنَة
1506 - فِي شَهَادَة الْأَخْرَس
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز شَهَادَة الْأَخْرَس
وَقَالَ ابْن عبد الحكم عَن مَالك شَهَادَة الْأَخْرَس جَائِزَة إِذا كَانَت تفهم
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا على جَوَاز بَيْعه وطلاقه وَنَحْو ذَلِك بِالْإِشَارَةِ وَيجوز أَيْضا بِالْكتاب وَالشَّهَادَة حكمهَا أَن يكون آكذ من ذَلِك لاتفاقهم أَنه لَا تثبت الشَّهَادَة بِالْكتاب إِذا لم يتَكَلَّم بهَا
1507 - فِي حكم الْحَاكِم بِعِلْمِهِ
قَالَ أَصْحَابنَا مَا شَاهده الْحَاكِم من الْأَفْعَال الْمُوجبَة قبل الْقَضَاء أَو بعده فَإِنَّهُ لَا يحكم فِيهَا بِعِلْمِهِ إِلَّا الْقَذْف وَمَا علم قبل الْقَضَاء من حُقُوق النَّاس لم يحكم فِيهِ بِعِلْمِهِ وَإِن علم بعد الْقَضَاء حكم وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يحكم فِيمَا علمه قبل الْقَضَاء من ذَلِك بِعِلْمِهِ وَهُوَ قَول سوار(3/369)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يقْضِي بِعِلْمِهِ قبل الْقَضَاء بعد أَن يستحلفه فِي حُقُوق النَّاس وَفِي الْحُدُود وَلَا يقْضِي بعد الْقَضَاء إِذا علمه حَتَّى يشْهد مَعَه فِي الزِّنَا ثَلَاثَة وَفِي غَيره رجل آخر
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي إِمَام شهد هُوَ وَرجل آخر على قذف رجل أَنه يحده
وَقَالَ شُرَيْح ارتفعوا إِلَى إِمَام فولى وَأَنا أشهد بذلك
وَقَالَ مَالك لايقضي بِعِلْمِهِ فِي سَائِر الْحُقُوق حَتَّى يكون شَاهِدَانِ سواهُ وَفِي الزِّنَا أَرْبَعَة غَيره
وَقَالَ اللَّيْث لَا يحم فِي حُقُوق النَّاس بِعِلْمِهِ حَتَّى يكون مَعَه شَاهد آخر فَيَقْضِي بِشَهَادَتِهِ وَشَهَادَة الشَّاهِد مَعَه
وَقَالَ الشَّافِعِي يقْضِي بِعِلْمِهِ فِي حُقُوق النَّاس وَفِي الْحُدُود قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يعْمل رُجُوع الْمقر
وَقَالَ ابْن أبي ليلى فِيمَن أقرّ عِنْد القَاضِي فِي مجْلِس الحكم بدين فَإِن القَاضِي لاينفذ ذَلِك حَتَّى يشْهد مَعَه آخر وَالْقَاضِي شَاهد ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك إِذا ثَبت قَوْله فِي الْأُصُول عِنْده أنفذ عَلَيْهِ الْقَضَاء
1508 - فِي قَول القَاضِي إِذا قَالَ حكمت على فلَان بِكَذَا
قَالَ أَبُو حنفية وَأَبُو يُوسُف إِذا قَالَ القَاضِي قد قضيت على هَذَا الرجل بِالرَّجمِ فارجمه وَكَذَلِكَ سَائِر الْحُدُود والحقوق
وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد فِي نوادره لايجوز للْقَاضِي أَن يَقُول أقرّ فلَان عِنْدِي بِكَذَا بِشَيْء يقْضِي بِهِ عَلَيْهِ من قتل أَو مَال أَو طَلَاق أَو عتاق حَتَّى(3/370)
يشْهد مَعَه على ذَلِك رجلَانِ عَدْلَانِ أَو رجل عدل لَيْسَ يكون هَذَا لأحد بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَنْبَغِي أَن يكون فِي مجْلِس القَاضِي أبدا رجلَانِ عَدْلَانِ يسمعان من يقر ويشهدان على ذَلِك فيفذ الْحَاكِم عَلَيْهِ بِشَهَادَة مِنْهُ وَمِمَّنْ حَضَره
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم على مَذْهَب مَالك إِن كَانَ القَاضِي عدلا وسع الْمَأْمُور أَن يفعل مَا قَالَ القَاضِي وَإِن لم يكن عدلا لم يقبل قَوْله
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا كَانَ عدلا يجوز قَوْله
1509 - فِي القَاضِي يَقُول أقرّ هَذَا عِنْدِي بِكَذَا
قَالَ أَبُو حنفية وَأَبُو يُوسُف إِذا أقرّ عِنْده فَلم يحكم بِهِ عَلَيْهِ وَلم يُثبتهُ فِي ديوانه فَإِنَّهُ يحكم بِهِ عَلَيْهِ إِذا ذكره
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا يقْضِي عَلَيْهِ بِهِ حَتَّى يُثبتهُ فِي ديوانه
وَقَالَ مُحَمَّد لايكم عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ حَتَّى يشْهد على أقراره رجلَانِ عَدْلَانِ فَينفذ الحكم بِشَهَادَة مِنْهُ وَمِمَّنْ حضر وَلَا يجوز أَن يَقُول سَأَلت عَن الشَّاهِدين فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وزكيا هَذَا بِمَنْزِلَة إِقْرَاره حَتَّى يعلم ذَلِك غَيره مِمَّن هُوَ رَضِي
وَقَالَ مَالك لايقضي على الرجل بِإِقْرَارِهِ حَتَّى يكون مَعَ القَاضِي بَيِّنَة مِنْهُ بذلك عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واغد يَا أنيس على امْرَأَة هَذَا فَأن اعْترفت فارجمهما فَاعْترفت فارجمها وَلم يقل لَهُ إِن اعْترفت فاشهد عَلَيْهَا حَتَّى يكون حجَّة لَك بعد مَوتهَا
قتل معَاذ وَأَبُو مُوسَى مُرْتَدا بارتداده عِنْدهمَا وهما واليان لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْيمن(3/371)
وَعبد الله بن مَسْعُود أَمر قرظة بن كَعْب بقتل ابْن النواحة بِالرّدَّةِ الَّتِي كَانَت مِنْهُ عِنْده
وَقتل أَبُو مُوسَى مُرْتَدا بالعراق قبل اسْتِتَابَة وَلم يُنكره عمر وَأنكر ترك أستتابتة
1510 - فِي تلقين الشَّاهِد
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد لايلقنه وَلَكِن يسمع مِنْهُ مَا شهد بِهِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
قَالَ أَبُو يُوسُف لَا بَأْس أَن يَقُول أَتَشهد بِكَذَا وَهُوَ قَول الآخر
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا على أَنه لايلقن أحد الْخَصْمَيْنِ فَوَجَبَ أَن لايلقن الشَّاهِد وتلقين الشَّاهِد أَكثر من تلقين الْخصم لِأَنَّهُ يلقنه مَا يكون حجَّة للخصم الشَّاهِد
1511 - فِي شَهَادَة الْأَخ
قَالَ أَصْحَابنَا تجوز شَهَادَة الْأَخ لِأَخِيهِ وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ تجوز شَهَادَة الصّديق الملاطف وَالْمولى إِلَّا أَن يكون فِي عِيَاله
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا تجوز شَهَادَة لِأَخِيهِ
وَلم يقل بِهِ غير الْأَوْزَاعِيّ(3/372)
1512 - فِي شَهَادَة السؤول
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا أَبُو أَحْمد بن دَاوُد قَالَ حَدثنَا يَعْقُوب بن أَحْمد أَو غَيره من أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ شهد رجل عِنْد ابْن أبي ليلى فَرد شَهَادَته فَقلت مثل هَذَا فلَان وحاله كَذَا وَحَال ابْنه كَذَا ترد شَهَادَته قَالَ أَيْن يذهب بك إِنَّه فَقير
فَهَذَا قد رد شَهَادَة الْفَقِير سَوَاء يسْأَل أَو لَا يسْأَل
وَقَالَ مَالك لَا تجوز شَهَادَة السؤول فِي الشَّيْء الْكثير وَتجوز فِي الشَّيْء التافه الْيَسِير إِن كَانُوا عُدُولًا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا احْتَاجَ إِلَى الْمَسْأَلَة لِأَنَّهُ مُنْقَطع بِهِ أَو لحقه غرم أَو جَائِحَة فَسَأَلَ لم ترد شَهَادَته وَمن سَأَلَ ضَرُورَة وَلَا معنى من هَذِه الْمعَانِي فَهَذَا يَأْخُذ مَا لَا يحل ويكذب بِذكر الْحَاجة فَترد شَهَادَته وَكَذَلِكَ إِن كَانَ غَنِيا فَقبل الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة لم تقبل شَهَادَته إِذا علم أَنَّهَا لَا تحل لَهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْفَقِير لَا يمْنَع جَوَاز الشَّهَادَة وَقَالَ الله تَعَالَى {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين} ومستحيل أَن ترد شَهَادَتهم مَعَ مَا وَصفهم الله بِهِ وَمن حلت الْمَسْأَلَة فَسَأَلَ لم ترد شَهَادَته لِأَنَّهُ لم يات محضورا
1513 - فِي القَاضِي يجد الشُّهُود عبيدا فِي الزِّنَا
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا رجم بِشَهَادَة أَرْبَعَة وجاءهم نفر فزعموا أَنهم أَحْرَار مُسلمُونَ فَإِذا هم مجوس أَو عبيد فَإِن الدِّيَة على المزكين
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد على بَيت المَال وَإِن لم يزكهم أحد فَالدِّيَة على بَيت المَال فِي قَوْلهم وَفِي الْقصاص على الْمُقْتَص لَهُ(3/373)
وَقَالَ مَالك فِي الْعَبْدَيْنِ الدِّيَة على عَاقِلَة الإِمَام وَإِن كَانَ أقل من الثَّلَاث فَفِي الإِمَام وَإِن كَانَ رجم فَإِن علم الشُّهُود فَعَلَيْهِم الدِّيَة ويحدون وَإِن لم يعلمُوا فَذَلِك خطأ من الإِمَام وعَلى عَاقِلَته الدِّيَة وَإِن كَانَ أحد الشُّهُود مسخوطا وَلَيْسَ بِعَبْد فَلَا شَيْء على أحد
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ خطأ الإِمَام على بَيت المَال
وَرُوِيَ عَن مطرف عَن عمر بن سعيد قَالَ قَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام من ضَرَبْنَاهُ حدا فَمَاتَ فَلَا دبة لَهُ إِلَّا صَاحب الْخمر فَإِنَّهُ شَيْء نَحن فَعَلْنَاهُ
وَرَوَاهُ أَبُو الْأَحْوَص عَن مطرف عَن رجل عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام غير أَنه قَالَ فديته فِي بَيت المَال
وَقَالَ اللَّيْث إِذا شهد رجلَانِ بِالسَّرقَةِ فَقطع ثمَّ وجد أَحدهمَا عبدا فَإِن العَبْد يكون مَقْطُوعَة يَده وَإِن كَانَ الْحر الَّذِي شهد مَعَه علم أَنه عبد فَعَلَيهِ نصف دِيَة يَده
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي خطأ الإِمَام فِي الْقصاص بِشَهَادَة عَبْدَيْنِ هُوَ على عَاقِلَة الْحَاكِم وَإِن علم أَنه لَيْسَ لَهُ أَن يشْهد فَعَلَيهِ الْقصاص
1514 - فِي صفة الْعدْل الَّذِي يحكم بِشَهَادَتِهِ
بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف من سلم من الْفَوَاحِش الَّتِي تجب فِيهَا الْحُدُود وَمَا يشبه مَا يجب فِيهِ الْحَد من العظائم وَكَانَ يُؤَدِّي الْفَرَائِض وأخلاق الْبر فِيهِ أَكثر من الْمعاصِي قبلنَا شَهَادَته لِأَنَّهُ لَا يسلم عبد من ذَنْب وَإنَّهُ كَانَ الْمعاصِي أَكثر رددنا شَهَادَته وَلَا تقبل شَهَادَة من يلْعَب بالشطرنج ويقامر عَلَيْهَا وَلَا من يلْعَب بالحمام ويطيرها وَكَذَلِكَ من يكثر الْحلف بِالْكَذِبِ لَا تجوز شَهَادَة هَؤُلَاءِ(3/374)
وَقَالَ الْمُزنِيّ وَالربيع عَن الشَّافِعِي إِنَّه إِذا كَانَ الْأَغْلَب على الرجل وَالْأَظْهَر من أمره الطَّاعَة والمروءة قبلت شَهَادَته وَإِن كَانَ الْأَغْلَب من أمره الْمعْصِيَة وَخلاف الْمُرُوءَة ردَّتْ شَهَادَته
وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم عَن الشَّافِعِي إِذا كَانَ أَكثر أمره الطَّاعَة وَلم يقدم على كَبِيرَة فَهُوَ عدل وَلم يشْتَرط الْمُرُوءَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْلُو ذكره الْمُرُوءَة فِي رِوَايَة الرّبيع والمزني أَن يكون فِيمَا يحل أَو يحرم فَإِن كَانَت فِيمَا لَا يحل فَلَا معنى لمراعاتها وَإِن كَانَت فِيمَا يحرم فَهِيَ من الْمعاصِي فَالْمُرَاد كَمَا ذكرنَا عَن أبي يُوسُف وَلَا معنى لذكر الْمُرُوءَة
1515 - فِيمَن أقرّ بعد الْخُصُومَة
قَالَ أَصْحَابنَا وَسَائِر الْفُقَهَاء إِذا اخْتَصمَا إِلَى الْحَاكِم فَلم يقر الْمُدعى عَلَيْهِ ثمَّ قاما من عِنْد القَاضِي فَأقر وَقَامَت بَيِّنَة على إِقْرَاره لزمَه إِقْرَاره
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا اخْتَصمَا وَلم يقر لم يَصح إِقْرَاره بعد قِيَامه من عِنْد القَاضِي
وَلم يقل بذلك أحد غَيره
1516 - فِي الشَّاهِد يرى رجلا يَبِيع دَار غَيره فيسكت
قَالَ أَصْحَابنَا وَسَائِر أهل الْعلم إِذا جَاءَ مَالِكهَا فادعاها فَشهد لَهُ من سكت عِنْد البيع جَازَت شَهَادَته
وَقَالَ اللَّيْث إِذا لم يُخْبِرهُمْ الشَّاهِد بِشَهَادَتِهِ أَنَّهَا ملك الْغَيْر حَتَّى بيع لم تقبل شَهَادَته فِيهِ بعد ذَلِك
وَلم يقل بِهِ أحد غَيره(3/375)
1517 - فِيمَن لَا يَدعِي دَارا فِي يَدي رجل زَمَانا ثمَّ يدعيها
ذكر عبد الله بن عبد الحكم عَن مَالك وَمن كَانَت فِي يَده دَار فجازها عشر سِنِين على حَاضر ينْسب إِلَيْهِ وَهُوَ مَعَه مُقيم لَا يَدعِي فِيهَا حَقًا ثمَّ ادَّعَاهَا فَلَا حق لَهُ
وَلم يقل بذلك أحد غَيره بالتوقيت وَلَا بِغَيْر التَّوْقِيت إِلَّا مَا ذكرنَا عَن اللَّيْث
1518 - فِي حكم الْحَاكِم بعقود فِي الظَّاهِر هِيَ فِي الْبَاطِن خِلَافه
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا حكم الْحَاكِم بِبَيِّنَة بِفَسْخ عقد أَو عقد مِمَّا يَصح أَن يبتدأ فَهُوَ نَافِذ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ لَا يَقع
وَقَالَ أَبُو يُوسُف فَإِن حكم بفرقة لم يحل للْمَرْأَة أَن تتَزَوَّج وَلَا يقربهَا زَوجهَا أَيْضا
1519 - فِيمَا تجوز فِيهِ الشَّهَادَة على خبر الاستفاضة
قَالَ مُحَمَّد فِي إمْلَائِهِ قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كَانَت الدَّار فِي يَدي رجل مَعْرُوف بِهِ ينْسب إِلَيْهِ وَيعرف بِهِ فتداولها نَاس بعده فجَاء بعض ورثته يطْلب(3/376)
حَقه مِنْهَا وَقد سمع قوم بِمَوْتِهِ وبتركها مِيرَاثا لوَرثَته وَلم يعاينوه وَإِنَّمَا سمعُوا من الْعَامَّة لم يسعهم أَن يشْهدُوا على ذَلِك وَكَذَلِكَ الرَّقِيق وَالْأَمْوَال وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَكَذَلِكَ الْعتاق لَا يثبت عِنْد الشُّهُود بالْخبر عِنْد أبي حنيفَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا جَاءَ من ذَلِك وَلَاء مَعْرُوف مَشْهُور جَازَت الشَّهَادَة بِهِ وَإِن لم يحضر الْمُعْتق
وَالنّسب يشْهد بِهِ إِذا جَاءَ أَمر مَشْهُور فِي قَوْلهم جَمِيعًا وَكَذَلِكَ الْمَوْت يشْهد بِهِ ثمَّ خبر الاستفاضة أَو يُخبرهُ عدل أَنه حضر مَوته أَو جنَازَته وَالنِّكَاح أَيْضا يثبت بِأَمْر مَشْهُور
وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد قَالَ قَالَ أَبُو حنيفَة لَا تجوز الشَّهَادَة بِالسَّمَاعِ إِلَّا على أَرْبَعَة أَشْيَاء الْمَوْت وَالنّسب وَالنِّكَاح وَالْقَاضِي يكون قَاضِيا بِمصْر فيراه الرجل وَيسمع النَّاس يَقُولُونَ ذَلِك فيسعه أَن يشْهد كِتَابه إِلَى قَاضِي مصر اخر
وَقَالَ أَبُو يُوسُف أُجِيز الشَّهَادَة بِالسَّمَاعِ على الْعتْق فِي مثل مولى أبي جَعْفَر صَالح صَاحب الْمصلى وَإِن لم يشْهدُوا على عتق أبي جَعْفَر وَقَول مُحَمَّد كَقَوْل أبي حنيفَة
وَقَالَ مَالك لَا تجوز الشَّهَادَة على ملك الدَّار بِالسَّمَاعِ على خمس سِنِين وَنَحْوهَا إِلَّا فِيمَا يكثر من السنين وَيطول من الزَّمَان فَإِذا كَانَ على مثل هَذَا فالشهادة فِيهِ جَائِزَة وَكَذَا الشِّرَاء وَهُوَ بِمَنْزِلَة سَماع الْوَلَاء
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَشَهَادَة السماع إِنَّمَا هِيَ فِيمَا أَتَت عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ أَو خَمْسُونَ سنة
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي الشَّهَادَة على ملك الدَّار وَالثَّوْب على تظاهر(3/377)
الْأَخْبَار بِأَنَّهُ ملك وَبِأَن لَا أرى منازعا فِي ذَلِك فَتثبت مَعْرفَته بِالْقَلْبِ وتشيع الشَّهَادَة عَلَيْهِ وعَلى النّسَب
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ فِي جَوَاز الشَّهَادَة بِالسَّمَاعِ فِي النِّكَاح وَأَنَّهَا لَا تجوز فِي الطَّلَاق فالعتق مثله
1520 - فِي شَهَادَة ولد الزِّنَا
قَالَ مَالك تجوز شَهَادَة ولد الزِّنَا وَلَا تجوز فِي الزِّنَا وَمَا أشبهه
وَلم يقل بِهِ غير مَالك
روى عبد الْملك بن سعيد بن أبجر عَن إياد بن لَقِيط عَن أبي رمثة قَالَ أتيت مَعَ أبي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ظَهره بثرة فَقَالَ أبي دَعْنِي أعالجها فَإِنِّي طَبِيب قَالَ أَنْت رَفِيق وَالله عز وَجل طَبِيب فَقَالَ من هَذَا فَقَالَ ابْني أشهد بِهِ فَقَالَ أما إِنَّه لَا يجني عَلَيْك وَلَا تجني عَلَيْهِ
1521 - فِي قبُول الدَّعْوَى قبل الْخلطَة
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ كل من ادّعى حَقًا قبل غَيره وَلم تكن لَهُ بَيِّنَة اسْتحْلف الْمُدعى عَلَيْهِ فِي الْأَشْيَاء الَّتِي يَصح الِاسْتِحْلَاف فِيهَا
وَقَالَ مَالك إِذا ادّعى العَبْد الْعتْق أَو الْمَرْأَة الطَّلَاق لم يسْتَحْلف الْمُدعى عَلَيْهِ حَتَّى يشْهد شاهدبالعتق(3/378)
وروى مَالك عَن جميل بن عبد الرَّحْمَن أَن عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ عَاملا على الْمَدِينَة لم يسْتَحْلف الْمُدعى عَلَيْهِ حَتَّى يكون بَينه وَبَين الْمُدَّعِي مُخَالطَة أَو مُلَابسَة
قَالَ مَالك إِذا ادّعى غصبا وَإِن كَانَ لَا يتهم بذلك لم يسْتَحْلف ويؤدب الْمُدَّعِي وَإِن كَانَ مِمَّن يتهم بذلك نظر فِيهِ السُّلْطَان وأحلفه
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَلَا يسْتَحْلف الْمُدعى عَلَيْهِ الْقصاص وَلَا الضَّرْب بِالسَّوْطِ وَمَا أشبهه إِلَّا أَن يَأْتِي بِشَاهِد عدل فيستحلف لَهُ وَفِي الطَّلَاق إِذا جَاءَ بِشَاهِد عدل اسْتحْلف مَا طلق
1522 - فِي كَيْفيَّة الِاسْتِحْلَاف فِي الدَّعْوَى
قَالَ أَصْحَابنَا وَابْن شبْرمَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ إِذا ورث مِيرَاثا فَادّعى رجل فِيهِ حَقًا فَإِن الْوَارِث يسْتَحْلف على الْعلم لَا يعلم لهَذَا فِيهِ حَقًا وَفِي البيع وَالْهِبَة وَنَحْوهَا يسْتَحْلف على الْبَيَان لِأَن الْمِيرَاث يدْخل فِي ملكه بِغَيْر قبُوله وَفِي البيع وَالْهِبَة لَا يملك إِلَّا بِالْقبُولِ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى الْيَمين فِي الشِّرَاء وَالْمِيرَاث وَالْهِبَة وَغير ذَلِك على الْعلم
وَفِي حَدِيث الْقسَامَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يحلفُونَ مَا قتلنَا وَلَا عرفنَا(3/379)
قَاتلا واستحلف عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي الْقسَامَة كَذَلِك وَذكر مُغيرَة عَن الشّعبِيّ عَن شُرَيْح أَنه كَانَ يسْتَحْلف الْوَارِث الْبَتَّةَ وَكَانَ إِبْرَاهِيم يسْتَحْلف على علمه
1523 - فِي الِاسْتِحْلَاف على الْعَيْب
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يسْتَحْلف البَائِع على الْعَيْب حَتَّى يعلم أَن الْعَيْب بالسلعة فَإِذا ثَبت الْعَيْب استحلفه بِاللَّه الْبَتَّةَ لقد بَاعه وَسلمهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْب وَذَلِكَ سَوَاء فِي الْعُيُوب الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي نَفسِي من الِاسْتِحْلَاف الْبَتَّةَ على الشَّيْء الْبَاطِن خَاصَّة وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَابْن أبي ليلى يسْتَحْلف فِي الْعُيُوب على الْبَتَات فَيحلف فِي الْإِبَاق بِاللَّه مَا أبق قطّ
وَقَالَ البتي يسْتَحْلف فِي الظَّاهِر على الْبَتَات وَفِي الْبَاطِن على الْعلم وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ الثَّوْريّ يحلف فِي الْإِبَاق على الْعلم
وَقَالَ الشَّافِعِي يحلف على الْبَتَات فِي كل عيب
1524 - فِي الرَّد بِالْعَيْبِ قبل استحلاف المُشْتَرِي
كَانَ أَبُو حنيفَة لَا يحلف المُشْتَرِي مَا رَضِي حَتَّى يَدعِي البَائِع ذَلِك(3/380)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف أحب إِلَيّ أَن أستحلفه وَإِن لم يَدعِي البَائِع رَوَاهُ بشر بن الْوَلِيد عَنهُ وَهُوَ قَول الْحسن بن صَالح وَشريك وَقَول مَالك مثل قَول أبي حنيفَة
1525 - فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اخْتلفَا فِي الثّمن والسلعة قَائِمَة حلف كل وَاحِد على دَعْوَى صَاحبه وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ وَالْحسن بن حَيّ إِلَّا أَن الْحسن بن حَيّ قَالَ يَتَحَالَفَانِ أَيْضا إِذا كَانَت لَهما بَيِّنَة وَجعل الْبَيِّنَتَيْنِ متكافئتين وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وأصحابنا جعلُوا الْبَيِّنَة بَيِّنَة البَائِع
وَقَالَ أَصْحَابنَا إِذا تحَالفا فسخ البيع إِلَّا أَن يرضى المُشْتَرِي أَخذه على مَا قَالَ البَائِع وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك يحلف كل وَاحِد مِنْهُمَا على دَعْوَى نَفسه لَا دَعْوَى صَاحبه
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا اخْتلفَا فِي الثّمن فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي مَعَ يَمِينه إِلَّا أَن يُقيم البَائِع بَيِّنَة وَلم يُوجب التَّحَالُف
وَقَالَ الثَّوْريّ يَتَحَالَفَانِ فَإِن نكلا أَو حلفا فسخ البيع
وَقَالَ أَصْحَابنَا من نكل مِنْهُمَا لزمَه دَعْوَى صَاحبه
1526 - فِي الِاسْتِحْلَاف على الدعاوي
قَالَ أَبُو يُوسُف يسْتَحْلف فِي دَعْوَى البَائِع مَا بَاعه فَإِن عرض فَقَالَ قد يَبِيع ثمَّ يفْسخ أَو يعود إِلَيْهِ بِملك ثَان استحلفه مَا بَيْنك وَبَينه بيع تَامّ قَائِم السَّاعَة فِيمَا ادّعى(3/381)
وَقَالَ مُحَمَّد فِي نَوَادِر ابْن سَمَّاعَة مَا أحلفه مَا بِعْت وَلَكِن أحلفه مَا هَذِه الْأمة لَهُ شِرَاء بِكَذَا وَمَا لَهَا عَلَيْك كَذَا ثمن هَذَا العَبْد وَفِي الطَّلَاق مَا هَذِه الْمَرْأَة باينة مِنْك بِهَذِهِ التطليقات الثَّلَاث وَفِي الْعتْق مَا هَذِه حرَّة السَّاعَة بِهَذَا الْعتْق وَفِي العَبْد مَا عتقه إِذا كَانَ مُسلما لِأَنَّهُ لَا يرد عَلَيْهِ رق بعد عتق وَالْعَبْد الذِّمِّيّ مثل الْأمة
وَمَالك لَا يحلف إِلَّا أَن يكون هُنَاكَ حَال أُخْرَى حَال دَالَّة على مَا ادّعى فَيحلف مَا طلق وَمَا بَاعَ
وَالشَّافِعِيّ يحلف مثل قَول مُحَمَّد
واستحلف عُثْمَان ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي عيب بِاللَّه مَا بِعته وأعلمته وَلَا كتمته
1527 - فِي استحلاف الْمَرْأَة غير المبرزة
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا تقبل الْوكَالَة من الْمَرْأَة وَلَا من الرجل إِذا كَانَ حَاضرا صَحِيحا يُمكنهُ إتْيَان القَاضِي فَلَا بُد لَهَا من الْخُرُوج حَتَّى يحلف عِنْد القَاضِي
وَأَبُو يُوسُف تقبل الْوكَالَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقِيَاس قَوْله إِذا توجه عَلَيْهَا الحكم بِيَمِين أَن لَا يحضرها إِذا لم يكن من عَادَتهَا الْخُرُوج وَيبْعَث من يستحلفها مَعَ شَاهِدين يحْضرَانِ ذَلِك
قَالَ مَالك إِذا كَانَ الدَّعْوَى فِي شَيْء لَهُ خطر قَالَ فَإِنَّهَا تخرج إِلَى الْمَسْجِد وَإِن كَانَت لَا تخرج أخرجت لَيْلًا فأحلفت وَإِن كَانَ الْحق شَيْئا يَسِيرا أحلفت فِي بَيتهَا إِذا كَانَت مِمَّن لَا تخرج وَأرْسل إِلَيْهَا القَاضِي من يستحلفها(3/382)
1528 - فِي رد الْيَمين
قَالَ أَصْحَابنَا لَا ترد الْيَمين على الْمُدَّعِي
وَقَالَ ابْن أبي ليلى فِي رِوَايَة إِذا قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ أَنا أرد الْيَمين عَلَيْهِ رَددتهَا عَلَيْهِ إِذا كَانَ يتهم وَإِن لم يتهم لم أردهَا وَرُوِيَ عَنهُ أَنه يردهَا بِغَيْر تُهْمَة
وَقَالَ مَالك إِذا نكل الْمُدعى عَلَيْهِ حلف الْمُدَّعِي وَإِن لم يَدعِي الْمَطْلُوب يَمِين الطَّالِب
وَقَالَ الشَّافِعِي وَلَو رد الْمُدعى عَلَيْهِ الْيَمين فَقلت للْمُدَّعِي احْلِف فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ أَنا أَحْلف لم أجعَل ذَلِك لَهُ لِأَنِّي قد أبطلت أَن يحلف وَجعلت الْيَمين على صَاحبه وَلَا حجَّة لَهُم فِي حَدِيث الْقسَامَة لِأَن أَبَا سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَسليمَان بن يسَار رويا عَن أنَاس من الْأَنْصَار أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَدَأَ باليهود فَقَالَ يحلف مِنْهُم خَمْسُونَ رجلا فَأَبَوا فَقَالَ للْأَنْصَار استحقوا فَقَالُوا أنحلف على الْغَيْب
وَقَوْلهمْ استحلفوا يجوز أَن تكون بَيِّنَة يقيمونها أَو يكون على معنى قد استحققهم عَلَيْهِ دِيَة صاحبيكما رَوَاهُ ابْن أبي ليلى عَن سهل بن أبي حثْمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُم إِمَّا أَن يدوا صَاحبكُم وَإِمَّا أَن يؤذنوا بِحَرب فَأخْبر أَن الدِّيَة مُسْتَحقَّة بِوُجُود الْقَتْل وَأَن الْأَيْمَان لَا يبرئهم مِنْهُ(3/383)
وَحَدِيث أبي سَلمَة وَسليمَان بن يسَار عَن الْأَنْصَار فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دِيَته على الْيَهُود لِأَنَّهُ وجد بَين أظهرهم وَذَلِكَ خلاف مَا ذكر يحيى بن سعيد عَن بشير بن يسَار عَن سهل بن أبي حثْمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للْأَنْصَار أتحلفون وتستحقون دم صَاحبكُم
1529 - فِي الحكم بِالنّكُولِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا نكل عَن الْيَمين حكم عَلَيْهِ بِالْحَقِّ للْمُدَّعِي وَقَالَ مَالك إِذا نكل حبس حَتَّى يحلف
وَقَالَ الشَّافِعِي يُقَال للْمُدَّعِي احْلِف وَاسْتحق
وَقَالَ قوم من أهل مَكَّة يحبس حَتَّى يقر أَو يحلف
وروى مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن سَالم أَن ابْن عمر بَاعَ غُلَاما لَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَقَالَ المُشْتَرِي بِهِ دَاء لم يسمعهُ فاختصما إِلَى عُثْمَان فَقضى أَن يحلف ابْن عمر بِأَنَّهُ لقد بَاعه وَمَا بِهِ دَاء يُعلمهُ فَأبى عبد الله بن عمر أَن يحلف وارتجع العَبْد وَرَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن يحيى بن سعيد بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ فِيهِ فَأبى أَن يحلف فَرد إِلَيْهِ الْغُلَام وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يزِيد بن هَارُون وَعباد بن الْعَوام وَيحيى بن سعيد
روى أَبُو نعيم عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الْملك الْأَسدي عَن أبي مليكَة أَنه كتب إِلَى ابْن عَبَّاس فِي امْرَأتَيْنِ ادَّعَت إِحْدَاهمَا على صاحبتها أَنَّهَا أَصَابَت يَدهَا(3/384)
بإشفى وَأنْكرت فَكتب إِلَيْهِ ابْن عَبَّاس أَن ادعها واقرأ عَلَيْهَا {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا} الْآيَة فَإِن حَلَفت فَخَل عَنْهَا وَإِن لم تحلف فضمنها فَهَذَا عُثْمَان وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهُم قد رَأَوْا الحكم بِالنّكُولِ لَيْسَ عَن أحد من الصَّحَابَة خِلَافه
1530 - فِي النّكُول فِي الْجِنَايَات
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا نكل عَن الْعَهْد فِيمَا دون النَّفس اقْتصّ مِنْهُ وَفِي النَّفس يحبس حَتَّى يقر أَو يحلف
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يقْضِي فِي الْجَمِيع بِالْأَرْشِ
وَحَكَاهُ ابْن أبي عمرَان عَن مُحَمَّد بن شُجَاع عَن الْحسن بن زِيَاد عَن زفر أَنه يقْتَصّ بِالنّكُولِ من النَّفس وَمَا دونهَا
وَقَالَ مَالك إِذا ادّعى قطع يَده وَأقَام شَاهدا اسْتحْلف مَعَ شَاهده وتقطع يَد الْقَاطِع وَإِن نكل الْمَقْطُوع يَده عَن الْيَمين اسْتحْلف الْقَاطِع فَإِن حلف وَإِلَّا حبس حَتَّى يحلف وَإِن ادّعى قتل عمد وَأقَام شَاهدا عدلا أقيم هُوَ وَبَعض عصبَة الْمَقْتُول خمسين يَمِينا وَيقتل
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِي الْقَتْل يُوجد فِي الْقَوْم فَادّعى عَلَيْهِمَا الْوَلِيّ أَنهم قتلة صَاحبه اسْتحْلف خمسين مِنْهُم مَا قتلت وَلَا علمت قَاتلا فَإِن أَبَوا أَن يقسموا قتلوا لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ حقنتم دماءكم بأيمانكم وَإِن(3/385)
حلفوا كَانَت عَلَيْهِم الدِّيَة وَإِن ادّعى الْوَلِيّ على رَهْط من أهل قَبيلَة كَثُرُوا أَو قلوا بطلت الْقسَامَة وَصَارَت دَعْوَى
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي والأيمان فِي الدِّمَاء مُخَالفَة لغَيْرهَا لَا يبرأ مِنْهَا إِلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينا وَسَوَاء فِي هَذَا النَّفس دِيَة أَو الْجرْح نَقْتُلهُ ونقصه مِنْهُ بِنُكُولِهِ وَيَمِين صَاحبه
1531 - من الْقَضَاء على الْغَائِب
قَالَ أَصْحَابنَا وَابْن شبْرمَة لَا تسمع بَيِّنَة على غَائِب إِذا لم يكن الْخصم حَاضرا
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف إِذا حضر للطَّالِب شَاهِدَانِ فَلم يحضر الْمَطْلُوب وَلم يُؤْكَل قبلت الْبَيِّنَة وأنفذت عَلَيْهِ الْقَضَاء وَكَذَلِكَ إِن كَانَ حَاضرا فتغيب فَإِنِّي أبْعث من يُنَادي على بَابه ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن لم يحضر قبلت الْبَيِّنَة وأنفذت الْقَضَاء
قَالَ ابْن أبي عمرَان وَكَانَ أَبُو يُوسُف يَقُول إِنَّه إِذا لم يحضر بعد النداء أَقَامَ عَنهُ وَكيلا يسمع الْبَيِّنَة عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالك يقْضِي على غَائِب فِي الدّين وَلَا يقْضى فِي الْعقار إِلَّا أَن يكون غيبَة الْمُدعى عَلَيْهِ طَوِيلَة وَقَالَ إِذا غَابَ بَعْدَمَا توجه عَلَيْهِ الْقَضَاء قضى عَلَيْهِ وألزمه
وَقَالَ اللَّيْث لَا يعجل فِي الْأَعْيَان لِأَنَّهُ لَا يَأْمَن أَن يكون وَقفا وَفِي سَائِر(3/386)
الْأَمْوَال يقْضى على غَائِب بعد أَن يُعْطي حميلا ثِقَة لِأَنَّهُ لَا يَأْمَن أَن يكون الْمَطْلُوب قد برِئ من الدّين
وَقَالَ الشَّافِعِي يقْضى على الْغَائِب فِي كل شَيْء
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَنه لَو كَانَ حَاضرا لم نسْمع بَيِّنَة الْمُدَّعِي حَتَّى يسْأَل الْمُدعى عَلَيْهِ فَإِذا كَانَ غَائِبا فأحرى أَن لَا تسمع
1532 - فِي جلب الْمُدعى عَلَيْهِ أَو الْبَيِّنَة
كَانَ عِيسَى بن أبان وَإِسْمَاعِيل بن حَمَّاد يجلبان بِالْبَيِّنَةِ يشْهد عِنْدهمَا للْمُدَّعِي لشخص الْمُدعى عَلَيْهِ بِمَا شهِدت بِهِ عادلة كَانَت أَو غير عادلة
وَقَالَ بكار بن قُتَيْبَة لَا يجلبه لَكِن يكْتب إِلَى خَلِيفَته فِي النَّاحِيَة فيذكر الدَّعْوَى وَيجمع بَين الْمُدَّعِي عَلَيْهِ وَالْمُدَّعِي وَيسمع من الْبَيِّنَة وَيسْأل عَن الْبَيِّنَة فَإِن خرج إِلَيْهِ من حَقه وَإِلَّا توليت النّظر بَينهمَا وأشخصت الْمُدعى عَلَيْهِ وَلَا تشخص الْبَيِّنَة عَلَيْهِ بِغَيْر محْضر
قَالَ وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد لَا أسأَل عَن شَاهِدي الجلب
وَقَالَ ابْن سَمَّاعَة أسأَل عَن شَاهِدي الجلب وَلَا أشخص أحدا بِغَيْر بَيِّنَة غير عادلة لِأَنَّهُ يلْزمه مُؤنَة فِي الشخوص
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَعَاني قَول مَالك إِنَّه إِن كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ غَائِبا إِلَّا مثل مَا يُسَافر النَّاس فِيهِ ويقدمون ليثبت إِلَى وَالِي الْموضع فِي أَخذ الْمُدعى عَلَيْهِ إِلَى مثل مَا يُسَافر النَّاس فِيهِ بالاستحلاف أَو الْقدوم للخصومة فِي الدَّار الَّتِي فِي يَده وَإِن كَانَت غيبَة بعيدَة سمع من بَيِّنَة الْمُدَّعِي وَقضى لَهُ
وَقَالَ اللَّيْث لَا يجلب الْمُدعى عَلَيْهِ حَتَّى تشهد بِبَيِّنَة على الْحق
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي إِنَّه يجلب بِدَعْوَى الْمُدَّعِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَيْسَ عِنْد أَصْحَابنَا الْمُتَقَدِّمين فِيهِ شَيْء وَالْقِيَاس أَن لَا يجلب بِبَيِّنَة وَلَا غير بَيِّنَة(3/387)
1533 - فِي كتاب القَاضِي فِي مصر وَاحِد
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك إِذا كَانَ فِي الْمصر قاضيان قبل كتاب أَحدهمَا إِلَى الآخر بِحَق لرجل
وَقَالَ مَالك يجوز كتاب أَمِير الصَّلَاة أَيْضا إِلَى القَاضِي فِي مصر لِأَنَّهُ يجوز حكمه
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يقبل كتاب أحد القاضيين فِي الْمصر إِلَى الآخر بِبَيِّنَة شهِدت عِنْده وَيحْتَاج أَن يُعِيد تِلْكَ الْبَيِّنَة عِنْد هَذَا بِالْحَقِّ إِنَّمَا يقبل ذَلِك فِي الْبلدَانِ الثَّانِيَة
1534 - فِي كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي فِي كل شَيْء إِلَّا فِي الْحُدُود وَالْقصاص وَيحْتَاج أَن يشْهد الشُّهُود على مَا فِي الْكتاب وَلَا يجوز كتاب القَاضِي فِي عبد أَو أمة محلى أَو مَوْصُوف
وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي العَبْد يخْتم فِي عُنُقه وَيُؤْخَذ مِنْهُ كَفِيل ثمَّ يبْعَث بِهِ إِلَى القَاضِي الَّذِي كتب حَتَّى يشْهدُوا عِنْده على غيبه ثمَّ يكْتب لَهُ كتابا آخر على ذَلِك فيبرئ كفيله وَلَا يجوز ذَلِك فِي الْأمة
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يقبل كتاب القَاضِي حى يشْهدُوا على مَا فِي جَوْفه فَإِن لم يكن فِي دَاخله اسْم القَاضِي الْكَاتِب والمكتوب إِلَيْهِ لم يقبله وَكَذَلِكَ إِن لم يكن فِيهِ أسما آبائهما فَإِن كَانَ فِيهِ أسماؤهما وَأَسْمَاء آبائهما قبله وَإِن كَانَ فِيهِ من ابْن فلَان إِلَى فلَان لم يقبل وَإِن كَانَ مَشْهُورا مثل ابْن أبي ليلى وَابْن شبْرمَة(3/388)
وَقَالَ الْحسن عَن أبي حنيفَة وَزفر إِن انْكَسَرَ الْخَتْم لم يقبله
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يقبل إِذا شهِدت بِهِ البنية وَقَالَ إِذا قَامَ على دَابَّة بَيِّنَة وَهِي فِي يَد رجل أَنَّهَا دَابَّته وَقَالَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ اشْتَرَيْتهَا بِبَعْض الْبلدَانِ فَإِنَّهُ يُؤمر الَّذِي كَانَت الدَّابَّة وَيخْتم فِي عُنُقهَا وَيكْتب إِلَى قَاضِي ذَلِك الْبَلَد أَي قد حكمت بِهَذِهِ الدَّابَّة فِي يَده أَن يخرج قيمتهَا فَيُوضَع على يَدي عدل ويمكنه القَاضِي من الدَّابَّة لفُلَان فاستخرج مَاله من بَائِعه فَإِن هَلَكت الدَّابَّة فَهِيَ من مَال الذَّاهِب وَيدْفَع الْقيمَة إِلَى مُسْتَحقّ الدَّابَّة وَإِن كَانَت جَارِيَة وَالَّذِي بِيَدِهِ أَمِين كَانَت مثل الدَّابَّة وَإِن كَانَ غير مَأْمُون عَلَيْهَا فَعَلَيهِ أَن يسْتَأْجر أَمينا يذهب وَيكون مَعَه وَإِلَّا لم يدْفع إِلَيْهِ ويروى عَن اللَّيْث نَحْو ذَلِك
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يقبل كتاب القَاضِي إِلَّا بعدلين يَشْهَدَانِ على مَا فِيهِ وَإِن لم يكْتب اسْمه وَاسم الْمَكْتُوب إِلَيْهِ بعد أَن يشْهدُوا أَنه كتاب القَاضِي إِلَى هَذَا وَلَا يضرّهُ أَن ينكسر الْخَتْم
قَالَ أَبُو جَعْفَر كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الرّوم كتابا فَأَرَادَ أَن يَبْعَثهُ غير مختوم حَتَّى قيل لَهُ إِنَّهُم لَا يقرءونه إِلَّا أَن يكون مَخْتُومًا فَاتخذ الْخَاتم من أجل ذَلِك فَدلَّ على أَن كتاب القَاضِي حجَّة وَإِن لم يكن مَخْتُومًا
1435 - فِي موت القَاضِي
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا مَاتَ القَاضِي الْكَاتِب أَو عزل قبل وُصُول كِتَابه إِلَى الآخر لم يجزه الآخر وَإِن مَاتَ الآخر وَولى آخر لم يجزه الثَّانِي لِأَنَّهُ إِلَى غَيره(3/389)
وَقَالَ مَالك إِذا مَاتَ الْكَاتِب أَو الْمَكْتُوب إِلَيْهِ وَولى غَيره أجَازه الثَّانِي وَهُوَ قَول سوار وَعبيد الله بن الْحسن
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن مَاتَ الْكَاتِب أَو عزل لم يمْنَع ذَلِك قبُوله
قَالَ أَبُو جَعْفَر كتاب القَاضِي لَيْسَ بِحكم مِنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَار كَالشَّهَادَةِ فَلَو شهد شُهُود بِحَق ثمَّ مَاتَ القَاضِي وَولى آخر لم ينفذ تللك الشَّهَادَة حَتَّى يُعَاد وَكَذَلِكَ إِذا مَاتَ الْمَكْتُوب إِلَيْهِ وَولى غَيره وَلما لم يكن لغير الْمَكْتُوب إِلَيْهِ فِي حَيَاة الْمَكْتُوب إِلَيْهِ أَن ينفذ كتاب القَاضِي إِلَى غَيره كَذَلِك بعد مَوته
1536 - فِي الحكم بَين أهل الذِّمَّة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد هم مخلون وأحكامهم فِي المناكحات مالم يختصموا إِلَيْنَا فَإِن رَضِي الزَّوْجَانِ بحكمنا حكمنَا بَينهمَا بِحكم الْإِسْلَام وَإِن رَضِي أَحدهمَا وَأبي الآخر لم يحكم حَتَّى يرضيا فِي قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ مُحَمَّد يحكم بَينهمَا إِذا رَضِي أَحدهمَا فَإِن تراضوا بحكمنا حملناهم على حكم الْإِسْلَام إِلَّا فِي النِّكَاح فِي الْعدة بِغَيْر شُهُود
وَقَالَ مُحَمَّد يفْسخ النِّكَاح فِي الْعدة وَلَا يفسخه بِغَيْر شُهُود
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يحكمون على حكم الْإِسْلَام رَضوا أَو لم يرْضوا إِلَّا فِي النِّكَاح بِغَيْر شُهُود فَإِنَّهُم يقرونَ عَلَيْهِ وَأما فِي سَائِر الْعُقُود فمحمولون على حكم الْإِسْلَام إِذا خَاصم أَحدهمَا إِلَّا بيع الْخمر وَالْخِنْزِير فِيمَا بَينهم فَيجوز
وَقَالَ أَصْحَابنَا طَلَاق الذِّمِّيّ وَاقع فِي النِّكَاح الَّذِي يَصح مثله بَين الْمُسلمين فَإِن طلق امْرَأَته ثَلَاثًا منع الْمقَام مَعهَا
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك فِي طَلَاق الْمُشْركين نِسَاءَهُمْ يتناكحون وَلَا بعد(3/390)
طلاقهم شَيْئا لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {قل للَّذين كفرُوا إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف}
وَذكر ابْن الْقَاسِم عَن مَالك يحمل أهل الذِّمَّة فِي الْبياعَات على حكم الْإِسْلَام إِلَّا فِي الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يحكم بِهِ فِيمَا بَينهم وَفِي السّلم لَا يعرض لَهُم فَإِن ترافعوا كَانَ مُخَيّرا إِن شَاءَ حكم وَإِن شَاءَ ترك فَإِن حكم بَينهم حكم بِحكم الْإِسْلَام وَإِنَّمَا حكم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالرَّجمِ على الْيَهُودِيّ لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ ذمَّة يَوْمئِذٍ
وَقَالَ مَالك الذِّمِّيّ إِذا سرق قطع وَكَذَلِكَ إِذا قتل أَو قطع يَد ذمِّي اقْتصّ مِنْهُ وَإِذا زنى لم يحد وَيرد إِلَى أهل دينه فَإِن أعلن ذَلِك عزره الإِمَام
قَالَ مَالك وَإِذا تظالم أهل الذِّمَّة فِي مواريثهم لم يعرض لَهُم وَلَا أحكم بَينهم فِيمَا يحكم دينهم وَإِن تظالموا وَلَكِن إِن رَضوا بحكمنا حكم بَينهم بحكمنا وَإِذا طلق الذِّمِّيّ امْرَأَته ثَلَاثًا فَرَفَعته إِلَى الإِمَام لم يعرض لَهما حَتَّى يرضيا جَمِيعًا بحكمنا فَإِن رَضِيا فَالْقَاضِي مُخَيّر إِن شَاءَ حكم وَإِن شَاءَ ترك وَإِن حكم حكم بِحكم الْإِسْلَام
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا خَاصم أحد الذميين إِلَى الإِمَام حكم بَينهم بِكِتَاب الله وَلَا يرد إِلَى أهل دينه وَذَلِكَ فِي الْأَمْوَال والفروج وَالنِّكَاح وَالطَّلَاق
قَالَ وَقَوله {فَإِن جاؤوك فاحكم بَينهم} مَنْسُوخ بقوله {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله}
قَالَ وَإِن زنى حد إِذا بلغه ذَلِك وَيَقَع طَلَاقه
وَقَالَ اللَّيْث فِي قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَ من قسم الْجَاهِلِيَّة فَهُوَ على قسم الْجَاهِلِيَّة وَمَا كَانَ من قسم أدْركهُ الْإِسْلَام فَهُوَ على قسم الْإِسْلَام إِن هَذَا(3/391)
حكم ثَابت لَو هلك نَصْرَانِيّ فاقتسموا على دينهم ثمَّ أَسْلمُوا لم يبطلوا قسمتهم وَلَو لم يقتسموا حَتَّى أَسْلمُوا قسم على مَوَارِيث الْمُسلمين وَإِن أسلم بَعضهم وَلم يسلم بَعضهم فَهُوَ على قسم الْجَاهِلِيَّة
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا أحكم على الْحَرْبِيين حَتَّى يجتمعا على الرضى وَأحكم على الذميين إِذا خَاصم أَحدهمَا وَلَا خِيَار للْإِمَام وَقَالَ فِي مَوضِع اخر هُوَ مُخَيّر
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله عز وَجل {فَإِن جاؤوك فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم} وَكَانَ ظَاهره أَلا يحكم إِلَّا بعد الْمَجِيء وَجعله مُخَيّرا فَاحْتمل أَن يكون التَّخْيِير مَنْسُوخا بقوله تَعَالَى {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله}
وروى ابْن عَبَّاس أَنه نزل فِي شَأْن بني النَّضِير وَقُرَيْظَة كَانَ بَنو النَّضِير إِذا قتلوا من قُرَيْظَة أَدّوا نصف الدِّيَة وَإِذا قتل قُرَيْظَة من النَّضِير أَدّوا الدِّيَة فَأنْزل الله تَعَالَى {فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم} فسوى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهم فِي الدِّيَة
وَقَالَ جَابر نزل فِي شَأْن الْيَهُودِيّ الَّذِي زنى
وروى مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس أَن قَوْله تَعَالَى {فَإِن جاؤوك فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم} كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُخَيّرا إِن شَاءَ حكم وَإِن شَاءَ ردهم إِلَى أحكامهم قَالَ نزلت {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله وَلَا تتبع أهواءهم} قَالَ فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يحكم بَينهم على كتَابنَا(3/392)
وروى الْفراء قصَّة الْيَهُودِيّ الَّذِي زنى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَنا أول من أَحْيَا مَا أماتوه من أَمر الله حِين رجمه وأبطل الْجلد وَالتَّحْمِيم
فَدلَّ على أَنه قد كَانَ عَلَيْهِ إحْيَاء حكم الله فيهم وَإِن أماتوه وَأَنه لم يكن لَهُم دفع ذَلِك عَن أنفسهم لِأَنَّهُ لَو كَانَ لَهُم لما رجمه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا شَأْن هَذَا قَالُوا زنى فرجمه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد أَن سَأَلَهُمْ مَا تَجِدُونَ حد الزَّانِي من كتابكُمْ
فَإِذا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أَقَامَ حد الله وَلَيْسَ لَهُم ذمَّة فَإِن صَار لَهُم ذمَّة فَهُوَ أَحْرَى أَن يُقَام عَلَيْهِم فَبَطل قَول مَالك وَقد قَالَ مَالك إِن الإِمَام لَو أَقَامَ الْحَد على أهل الذِّمَّة لم يكن معتديا فَدلَّ على أَن الذِّمَّة لم ترفع الْحَد عَنهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن قَوْله {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله} إِنَّمَا نسخ التَّخْيِير الَّذِي فِي قَوْله {فَإِن جاؤوك فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم} وَإِنَّمَا شَرط الْمَجِيء فقائم
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا فَاسد لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث الْبَراء قد حكم ورد الْيَهُود عَمَّا فَعَلُوهُ وَحَملهمْ على حكم الله من غير أَن يتراضوا بِهِ
1537 - مَتى يحبس الْمَدِين
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ثَبت عَلَيْهِ شَيْء من الدُّيُون من أَي وَجه ثَبت فَإِنَّهُ يحبس شَهْرَيْن أَو ثَلَاثَة ثمَّ يسْأَل عَنهُ فَإِن كَانَ مُوسِرًا حبس أبدا حَتَّى يَقْضِيه وَإِن كَانَ مُعسرا خلى سَبيله(3/393)
وَسمعت ابْن أبي عمرَان يَقُول كَانَ متأخري أَصْحَابنَا مِنْهُم مُحَمَّد بن شُجَاع يَقُولُونَ كل دين كَانَ أَصله من مَال وَقع فِي يَدي الْمَدِين كأثمان الْبياعَات وَالْعرُوض وَنَحْوهَا حَبسه وَمَا لم يكن أَصله من مَال وَقع فِي يَده مثل الْمهْر وَالْخلْع والصلع من دم الْعمد وَنَحْوه لم يحْبسهُ حَتَّى يثبت وجوده وملأه
وَقَالَ ابْن أبي ليلى فِي الدُّيُون يحْبسهُ إِذا أخبر أَن عِنْده مَالا
وَقَالَ مَالك لَا يحبس الْحر وَالْعَبْد فِي الدّين وَلَا يستبرأ أمره فَإِن اتهمَ قد خبأ مَالا أَو عينه حَبسه وَإِن لم يجد لَهُ شَيْئا لم يحْبسهُ وخلاه
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا كَانَ مُوسِرًا حبس وَإِن كَانَ مُعسرا لم يحبس
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا ثَبت عَلَيْهِ دين بيع مَا ظهر لَهُ وَدفع وَلم يحبس وَإِن لم يظْهر حبس وَبيع مَا قدر عَلَيْهِ من مَاله فَإِن ذكر عسرة قبلت مِنْهُ الْبَيِّنَة لقَوْل الله تَعَالَى {وَإِن كَانَ ذُو عسرة فنظرة إِلَى ميسرَة} وأحلفه مَعَ ذَلِك بِاللَّه وأخليه وَأَمْنَع غرماءه فِي من لُزُومه
قَالَ أَبُو جَعْفَر الصَّحِيح وجوب حَبسه سَوَاء كَانَ الدّين من أصل مَال أَو غير مَال
فَإِن قيل إِذا كَانَ عَن أصل مَال فقد علم يسَاره حبس وَإِذا كَانَ من غير أصل فَلم يعلم فَلَا يحبس لِأَن الْحَبْس عُقُوبَة وَلَا يُعَاقب من لم يثبت ظلمه
قيل لَهُ قد تعدى القَاضِي عَلَيْهِ بِنَفس الدَّعْوَى ويحضره ويحول بَينه وَبَين تصرفه وأشغاله قبل أَن يثبت الْحق عَلَيْهِ وَمِمَّا قد ثَبت من الدّين أولى أَن يحبس بِهِ وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَهُ لُزُومه مِقْدَار مجْلِس القَاضِي واللزوم عُقُوبَة وَقد أثبتوه(3/394)
1538 - فِي الْمَدِين هَل يُؤَاجر
قَالَ اللَّيْث يُؤَاجر الْحر الْمُعسر فَيَقْضِي دينه من أجرته وَلم يُوَافقهُ على هَذَا القَوْل أحد إِلَّا الزُّهْرِيّ فَإِن اللَّيْث روى عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ أَنه يُؤَاجر الْحر الْمُعسر بِمَا عَلَيْهِ من الدّين حَتَّى يقْضى عَنهُ وَقَالَ الله تَعَالَى {وَإِن كَانَ ذُو عسرة فنظرة إِلَى ميسرَة}
وروى بكير بن الْأَشَج عَن عِيَاض بن عبد الله عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ أُصِيب رجل فِي ثمار ابتاعها فَكثر دينه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خُذُوا مَا وجدْتُم وَلَيْسَ لكم إِلَّا ذَلِك
1539 - فِي الْحجر للدّين
أَبُو حنيفَة لَا يرى الْحجر فِي ذَلِك
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا فلسه الْحَاكِم لم يجز بَيْعه وَلَا عتقه وَلَا صدقته وَيبِيع القَاضِي مَاله ويقضيه الْغُرَمَاء
وَقَالَ مُحَمَّد فِي نَوَادِر ابْن سَمَّاعَة قَالَ أهل الْمَدِينَة إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين لم يجز إِقْرَاره حَتَّى يقْضِي مَا عَلَيْهِ وَلَا عتقه وَلَا شَيْء يتْلف بِهِ مَاله حَتَّى يقْضِي مَا عَلَيْهِ
قَالَ مُحَمَّد وَقَالَ الْقَاسِم بن معن إِذا أقرّ بدين فحبسه لَهُ حجر عَلَيْهِ وَلَا يجوز إِقْرَاره حَتَّى يقْضِي الدّين الأول
وَقَالَ شريك مثل قَوْله
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن يجوز إِقْرَاره وَبيعه وَجَمِيع مَا صنع فِي مَاله حَتَّى يحْجر القَاضِي عَلَيْهِ وَيبْطل إِقْرَاره بعد حَبسه إِيَّاه بِالدّينِ وَقيل التَّفْلِيس يجوز(3/395)
فِي إِقْرَاره وَإِن كَانَ عَلَيْهِ دين وَإِذا أَقَامَ غرماؤه عَلَيْهِ على وَجه التَّفْلِيس فَهُوَ حجر أَيْضا
وَقَالَ الثَّوْريّ وَابْن حَيّ إِذا حَبسه القَاضِي فِي الدّين لم يكن مَحْجُورا عَلَيْهِ حَتَّى يفلسه فَيَقُول لَا أُجِيز لَك أمرا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين لم يجز صدقته وَهُوَ قَول اللَّيْث
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا رفع الَّذِي يسْتَحق التَّفْلِيس إِلَى القَاضِي أشهد أَنه قد أوقف مَاله فَإِذا فعل لم يجز بَيْعه وَلَا هِبته وَمَا فعل من ذَلِك فَعَلَيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه مَوْقُوف فَإِن فعل جَازَ وَالْآخر أَنه بَاطِل
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لغرماء الْمَدِين فِي الدّين خُذُوا مَا وجدْتُم لَيْسَ لكم إِلَّا ذَلِك من غير مَسْأَلَة عَن تقدم بَعْضهَا على بعض دَلِيل على أَن الأول وَالثَّانِي سَوَاء وَلما لم يسألهم عَن جِهَات الدُّيُون علمنَا أَن جَمِيعهَا سَوَاء فَبَطل بذلك قَول الْأَوْزَاعِيّ
وَمن قَالَ أَن الدّين يُوجب الْحجر وَإِذا ثَبت وجوب الدّين لَا يُوجب الْحجر وَجب أَن يكون حَبسه بِهِ لَا يُوجِبهُ لِأَن الْحَبْس إِنَّمَا يكون بِوَاجِب قبله وَبَطل بذلك أَيْضا قَول مُحَمَّد إِن للْقَاضِي أَن يحْجر عَلَيْهِ لِأَن الدّين بِعَيْنِه إِذا لم يُوجب حجرا لم يجب أَيْضا بِحجر القَاضِي
1540 - فِي البيع على الْمَدِين
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يُبَاع على الْمَدِين شَيْء من مَال وَيحبس حَتَّى يَبِيع هُوَ إِلَّا الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فَإِنَّهُ يُبَاع عَلَيْهِ بِالدّينِ بَعْضهَا بِبَعْض(3/396)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ يُبَاع كل شَيْء
1541 - فِي الَّذِي يفلس وَقد اشْترى سلْعَة
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَابْن شبْرمَة فَمن اشْترى سلْعَة وَقَبضهَا ثمَّ أفلس أَو مَاتَ وَعَلِيهِ دُيُون فالبائع أُسْوَة الْغُرَمَاء وَلَا سَبِيل لَهُ على السّلْعَة سَوَاء قبض من ثمنهَا شَيْئا أَو لم يقبض من ثمنهَا شَيْئا
وَقَالَ مَالك إِن مَاتَ المُشْتَرِي فالبائع أُسْوَة الْغُرَمَاء فِيهَا وَإِن أفلس فالبائع أَحَق بالسلعة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِن مَاتَ المُشْتَرِي فَهِيَ للْبَائِع دون الْغُرَمَاء إِذا لم يكن قبض من ثمنهَا شَيْئا
وَقَالَ اللَّيْث البَائِع أَحَق بهَا إِذا أفلس
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن فِي التَّفْلِيس وَالْمَوْت البَائِع أَحَق وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى يزِيد بن هَارُون وَمَالك عَن يحيى بن سعيد عَن أبي بكر مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن عمر بن عبد الْعَزِيز عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَيّمَا رجل أفلس فَأدْرك رجل مَاله بِعَيْنِه فَهُوَ أَحَق بِهِ من غَيره
وروى قَتَادَة عَن النَّضر بن أنس عَن بشير بن نهيك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(3/397)
قَالَ فِي الرجل إِذا أفلس فَوجدَ رجل مَتَاعه بِعَيْنِه فَهُوَ أَحَق بِهِ وَلَا دَلِيل فِي ذَلِك على مَا قَالُوا لِأَنَّهُ قَالَ وجد عين مَاله وَمَا اخْتلفَا فِيهِ هُوَ مَال المُشْتَرِي وَذَلِكَ فِي الودائع والغصوب
فَإِن قيل تبطل فَائِدَته
قيل لَهُ لَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ أفادنا أَن بَقَاءَهُ فِي يَد من هُوَ فِي يَده لَا يبطل حق الْمَالِك وأبطل بِهِ مَا قَالَ مَالك فِيمَن ادّعى دَارا قد أجازها الْمُدعى عَلَيْهِ عشر سِنِين أَنه لَا يقبل دَعْوَى مدعيها وَأَن ذَلِك تخرج بَينته إِن أَقَامَهَا على ملكه
فَإِن قيل قد روى مُوسَى بن عقبَة عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أَيّمَا رجل بَاعَ سلْعَة فَأدْرك سلْعَته بِعَينهَا عِنْد رجل وَقد أفلس وَلم يقبض من ثمنهَا شَيْئا فَهِيَ لَهُ وَإِن كَانَ قَضَاهُ من ثمنهَا شَيْئا فَمَا بَقِي فَهُوَ أُسْوَة الْغُرَمَاء
وَرَوَاهُ الزبيدِيّ عَن الزُّهْرِيّ بِإِسْنَادِهِ مثله وَزَاد فِيهِ وَأَيّمَا امرىء هلك وَعِنْده مَال امرىء بِعَيْنِه اقْتضى مِنْهُ شَيْئا أَو لم يقتض فَهُوَ أُسْوَة للْغُرَمَاء
قيل لَهُ الحديثان جَمِيعًا رَوَاهُمَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن مُوسَى بن عقبَة وَعَن الزبيدِيّ وَإِسْمَاعِيل فِيمَا يرويهِ عَن غير الشاميين لَا يُسَاوِي شَيْئا(3/398)
والزبيدي وَإِن كَانَ من أهل الإتقان فَإِنَّهُ من غير حجَّة فِيهِ
وَقد روى هَذَا الحَدِيث مَالك عَن الزُّهْرِيّ فَوَقفهُ على أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن لَيْسَ فِيهِ لأبي هُرَيْرَة ذكر
فَإِن قيل قد رَوَاهُ ابْن أبي ذِئْب قَالَ حَدثنِي أَبُو الْمُعْتَمِر بن عَمْرو بن رَافع عَن ابْن خلدَة الزرقي وَكَانَ قَاضِيا بِالْمَدِينَةِ أَنه قَالَ جِئْنَا أَبَا هُرَيْرَة فِي صَاحب لنا أفلس فَقَالَ هَذَا الَّذِي قضى فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا رجل مَاتَ أَو أفلس فَصَاحب الْمَتَاع أَحَق بمتاعه إِذا وجده بِعَيْنِه
قيل لَهُ أَبُو الْمُعْتَمِر لَا يدرى من هُوَ وَلم يسمع بِذكرِهِ فِي غير هَذَا الحَدِيث وَهُوَ دون الحَدِيث الأول فَلم يثبت فِي ذَلِك شَيْء من جِهَة(3/399)
الْأَثر وَالنَّظَر أَن البَائِع أَحَق بإمساك السّلْعَة حَتَّى يقبض ثمنهَا مُوسِرًا كَانَ المُشْتَرِي أَو مُعسرا ثمَّ إِذا أسلم وَهُوَ مُوسِرًا لم يكن لَهُ عَلَيْهَا سَبِيل كَذَلِك فِي الْإِعْسَار
1542 - فِي الْوَصِيّ يَبِيع التَّرِكَة فِي الدّين
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا طَالب الْغُرَمَاء الْوَصِيّ بِبيع تَرِكَة الْمَيِّت فِي دينهم فَأمره القَاضِي بِبيعِهِ فِي قبض الثّمن فَهَلَك فِي يَده ثمَّ اسْتحق العَبْد رَجَعَ المُشْتَرِي بِالثّمن على الْوَصِيّ وَرجع الْوَصِيّ على الْغُرَمَاء
وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه إِن بَاعه بِغَيْر سُؤال من الْغُرَمَاء ضمن الثّمن ومرجع بِهِ مَال الْمَيِّت دون الْغُرَمَاء وَلم نجد خلافًا
وَقَالَ مَالك إِذا هللك الثّمن فِي يَده الْوَصِيّ فَهُوَ من مَال الْغُرَمَاء وَإِذا اسْتحق العَبْد رَجَعَ على الْغُرَمَاء بِجَمِيعِ مَا عَلَيْهِم ذهَاب دينهم وَضَمان الثّمن للْمُشْتَرِي والإفلاس
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا شَيْء على الْغُرَمَاء من ضَمَان الثّمن إِذا اسْتحق وَإِنَّمَا يرجع بِهِ فِي مَال الْمَيِّت
1543 - إِذا قضى دين بعض الْغُرَمَاء
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قضى القَاضِي الْغَرِيم دينه من تَرِكَة الْمَيِّت ثمَّ حضر آخر فَأَقَامَ الْبَيِّنَة على دين الْمَيِّت وَقد تولى مَا قَبضه الْوَارِث فَإِذا الْغَرِيم الثَّانِي يتبع الأول فيشاركه فِيمَا قبض وَهُوَ قَول الشَّافِعِي(3/400)
وَقَالَ مَالك لَا يتبع الْغَرِيم الأول وَلكنه يتبع الْوَارِث إِذا كَانَ فِيمَا أَخذ الْوَارِث وفا بِالدّينِ الآخر فَإِن لم يكن فِيمَا أَخذ الوارثه وَفَاء رَجَعَ هَؤُلَاءِ الْغُرَمَاء الْآخرُونَ على الْغُرَمَاء الْأَوَّلين بِمَا زَاد دينهم على الَّذِي أَخذ الْوَرَثَة فيحاصونهم
قَالَ أبوجعفر هم جَمِيعًا أُسْوَة فِي مَال الْمَيِّت فَلَا يجوز أَن يستأثر بَعضهم وَقَضَاء القَاضِي لَهُ بِالدّينِ إِنَّمَا هم على أَنه جعل ذِي حجَّة على حجَّة
1544 - فِي الْخَشَبَة تغرز فِي حَائِط الْجَار
قَالَ أَصْحَابنَا لَيْسَ لَهُ أَن يفعل إِلَّا بِإِذن صَاحب الْحَائِط وَهُوَ قَول مَالك وَعبيد الله بن الْحسن
وَقَالَ الرّبيع فِي الْبُوَيْطِيّ عَن الشَّافِعِي لَيْسَ للْجَار أَن يمْنَع جَاره أَن يغرز خَشَبَة فِي جِدَاره لحَدِيث أبي هُرَيْرَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى مَالك بن أنس وَيُونُس عَن ابْن شهَاب عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يمْنَع أحدكُم جَاره أَن يغرز خَشَبَة فِي جِدَاره ثمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة مَالِي أَرَاكُم عَنْهَا معرضين وَالله لأرمين بهَا بَين أكتافكم
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنِي روح بن الْفرج فَسَأَلت أَبَا زيد والْحَارث بن هشتم وَيُونُس بِالنّصب والتنوين على خَشَبَة وَاحِدَة(3/401)
وروى أَبُو بكر وَأَبُو سعيد وَابْن عمر وَجَابِر وَأَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي حجَّة الْوَدَاع إِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ عَلَيْكُم حرَام كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا فَعلمنَا إِنَّمَا فِي الحَدِيث الأول على حسن الْمُجَاورَة وَالنَّدْب لَا على الْوُجُوب
كَمَا روى جبلة بن سحيم عَن ابْن عمر أَنه مر بهم وهم يَأْكُلُون التَّمْر فِي أَيَّام ابْن الزبير فَقَالَ لَا تقرنوه فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن ذَلِك قَالَ ابْن عمر إِلَّا أَن يسْتَأْذن الرجل أَخَاهُ فَهَذَا على حسن المؤاكلة لِئَلَّا يستأثر على بعض مؤاكلة فِي وَقت المجاعة
كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للزبير فِي شراج الْحرَّة اسْقِ يَا زبير ثمَّ أرسل إِلَى جَارك فَغَضب الْأنْصَارِيّ وَقَالَ يَا رَسُول الله أَن كَانَ ابْن عَمَّتك فَتَلَوَّنَ وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ اسْقِ يَا زبير ثمَّ احْبِسْ المَاء حَتَّى يبلغ الْجدر فَأمر ندبا بِحسن الْمُجَاورَة فَلَمَّا احتفظه وتعدى الْوَاجِب استوفى للزبير صَرِيح الحكم
1545 - فِي السّقف بَين الْعَدو والسفل
قَالَ أَصْحَابنَا سقف السّفل لصَاحب السّفل وَلِصَاحِب الْعُلُوّ حق السُّكْنَى عَلَيْهِ فَإِن انْهَدم لم يجْبر صَاحب السّفل على الْبناء وَلَكِن يُقَال لصَاحب الْعُلُوّ إِن شِئْت فَابْن وامنعه من السُّكْنَى حَتَّى يعطيك قيمَة الْبناء
وَقَالَ مَالك السّقف لصَاحب السّفل وَيجْبر على الْبناء إِذا انْهَدم وَهُوَ قَول اللَّيْث(3/402)
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا تداعيا السّقف فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ فَإِن انْهَدم لم يجبرا على الْبناء فَإِن بنى صَاحب الْعُلُوّ لم يكن لَهُ منع صَاحب السّفل من السُّكْنَى وَمن شَاءَ أَن يهدمه لِأَن الْبناء لَهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْحَائِط الَّذِي عَلَيْهِ الْخشب لصَاحب السّفل عِنْدهم جَمِيعًا لذَلِك يجب أَن يكون مَا عَلَيْهِ من السّقف وَإِذا بنى صَاحب الْعُلُوّ قاعا بناه بِحَق فَلَا يكون مُتَطَوعا أَلا ترى أَن هليس لصَاحب السّفل مَنعه من الْبناء
وَقَالَ اللَّيْث بن سعد إِذا بنى صَاحب الْعُلُوّ فَلهُ أَن يُؤَاجر السّفل حَتَّى يَسْتَوْفِي مَا أنْفق
قَالَ وَحكى أَبُو خازم مثل هَذَا القَوْل عَن أبي يُوسُف بن خَالِد
قَالَ وَقَالَ عِيسَى بن أبان هَذَا خطأ لِأَن الْحَاكِم إِذا آجر السّفل فالأجرة لصَاحب السّفل فَلَا يجوز أَن يَدْفَعهُ إِلَى صَاحب الْعُلُوّ إِلَّا بأَمْره لِأَنَّهُ لَا يجْبر صَاحب السّفل على رد النَّفَقَة
1546 - فِي الْمُتَبَايعين يَخْتَلِفَانِ وَهُنَاكَ شَفِيع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اخْتلفَا فِي الثّمن تحَالفا وترادا ثمَّ إِن شَاءَ الشَّفِيع أَخذه بِمَا قَالَ البَائِع أَو يدع وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك لَا شُفْعَة لَهُ
1547 - فِي الْقَوْم فِي السَّفِينَة يطْرَح مَتَاعهمْ
قَالَ مُحَمَّد فِي السّير إِذا بَاعَ مبتاعا فِي السَّفِينَة وَقَبضه المُشْتَرِي ثمَّ قَالَ(3/403)
من روى بِشَيْء مِنْهُ فِي الْبَحْر فَهُوَ برِئ من ثمنه لم يَصح هَذَا الشَّرْط وَلم يبرأ من ثمنه
وروى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف إِذا ركبُوا الْبَحْر فَاشْتَرَطُوا بَينهم أَن كل شَيْء يرْمى بِهِ من السَّفِينَة إِذا خفنا فَهُوَ بَيْننَا بِالْحِصَصِ وَإِن هَذَا الشَّرْط بَاطِل وكل م رمى بِشَيْء لرجل فَهُوَ ضَامِن
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْمَتَاع الَّذِي يطْرَح من الْمركب يُخَفف لَيْسَ على من فِي الْمركب من حر أَو حرَّة شَيْء
وَقَالَ ابْن عبد الحكم عَن مَالك إِذا طرح مَا فِيهِ من الْمَتَاع ليخفف فَيجمع من لَهُ مَتَاع فِي الْمركب شريك فِي ذَلِك وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّيْث
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ الرجل ألق متاعك على أَن أضمنك أَنا وركبان السَّفِينَة ضمنه دونهم إِلَّا أَن يتطوعوا قَالَ الْمُزنِيّ هَذَا غلط يَنْبَغِي أَن يكون عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ
قَالَ أَبُو جفعر قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دماؤكم وَأَمْوَالكُمْ عَلَيْكُم حرَام وَاتَّفَقُوا أَنه لَو اضْطر إِلَى طَعَام غَيره فَأَكله ضمنه فَدلَّ أَن الضرورات لَا تبيح إِتْلَاف مَال الْغَيْر بِغَيْر ضَمَان وَقَوله لغير إتلف متاعك أَو مَتَاع غَيْرك على أَنِّي ضَامِن شَرط بَاطِل قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل شَرط فِي كتاب الله فَهُوَ بَاطِل
1548 - فِي الْوَصِيّ يَدعِي عَلَيْهِ غُرَمَاء الْمَيِّت قبض الدّين
قَالَ مَالك إِذا ادّعى غُرَمَاء الْمَيِّت عَلَيْهِ دين أَنه دَفعه إِلَى الْوَصِيّ فَإِنَّهُ يسْتَحْلف فَإِن نكل عَن الْيَمين وَكَانَ شَيْئا يَسِيرا ضمن فَإِن كَانَ كثيرا فَلَا أَدْرِي(3/404)
وَقَالَ ابْن هُرْمُز إِن نكل عَن الْيَمين ضمن المَال
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا نعلم أحدا من أهل الْعلم فرق بَين الْيَسِير وَالْكثير إِلَّا مَالك
1549 - فِي الرَّضَاع على من يجب
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ لَا تجبر الْأُم على الرَّضَاع فِي النِّكَاح وَلَا بعد الْفرْقَة
وَقَالَ مَالك تجبر عَلَيْهِ إِذا وَجَبت نَفَقَتهَا عَلَيْهِ فِي النِّكَاح إِلَّا أَن تكون شريفة لَا ترْضع مثلهَا وَإِن فَارقهَا لم يجْبر على الرَّضَاع وَهُوَ الْأَب
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما قَالَ الله تَعَالَى {فَإِن أرضعن لكم فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} دلّ على أَنَّهَا مخيرة إِن شَاءَت أرضعت وَإِن شَاءَت لم ترْضع وَقَالَ سُبْحَانَهُ {وَإِن تعاسرتم فسترضع لَهُ أُخْرَى} وَإِن كَانَ الرَّضَاع مُسْتَحقّا لما اسْتحقَّت عَلَيْهِ أجرا
1550 - فِي نَفَقَة دوِي الرَّحِم الْمحرم
قَالَ أَصْحَابنَا يجْبر ذووا الرَّحِم الْمحرم على النَّفَقَة على قدر مواريثهم وَإِن ترك ابْن عَم وخالا فالتفقة على الْخَال
وَقَالَ ابْن شبْرمَة فِي قَول تَعَالَى {وعَلى الْوَارِث مثل ذَلِك}
قَالَ يلْزم الْوَارِث النَّفَقَة على الصَّبِي الصَّغِير إِذا لم يكم لَهُ شَيْء وَلم يذكر فرقا بَين ذِي الرَّحِم الْمحرم وَغَيره(3/405)
وَقَالَ مَالك يلْزم الْأَب نَفَقَة وَلَده الصلب وبنيه الذُّكُور حَتَّى يبلغُوا ثمَّ تسْقط وَالنِّسَاء يتزوجن فَإِذا دخل بهَا زَوجهَا فَلَا نَفَقَة لَهَا وَلَو طَلقهَا قبل الدُّخُول فلهَا النَّفَقَة وَلَيْسَ عَلَيْهِ نَفَقَة الْأَخ وَلَا ذِي قرَابَة وَقَوله تَعَالَى {وعَلى الْوَارِث مثل ذَلِك} مَنْسُوخ
وَقَالَ الثَّوْريّ يجب رضَاع الصَّبِي الْفَقِير على عصبته الَّذين يرثونه هَذَا رِوَايَة الْأَشْجَعِيّ
وروى الْمعَافى عَنهُ فِي أَخ لأَب وَأَخ لأم أَنَّهُمَا يجبران على النَّفَقَة على قدر مواريثهما
قَالَ وَإِذا مَاتَ الرجل وَامْرَأَته حَامِل أنْفق عَلَيْهَا من جَمِيع المَال حَتَّى تضع فَإِذا وضعت أنْفق على الصَّبِي من نصِيبه فَفرق بَين الرَّضَاع وَبَين النَّفَقَة بعد الرَّضَاع فَيجْعَل الرَّضَاع على الْعصبَة وَغَيره من النَّفَقَة على الْوَرَثَة على قدر الْمَوَارِيث وَلم يفرق بَين ذَوي الرَّحِم الْمحرم وَغَيره
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ الرَّضَاع على الْعصبَة إِذا لم يكن لَهُ أَب وَلَا أم
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ النَّفَقَة على كل وَارِث بِقدر مِيرَاثه إِلَّا الْأَبَوَيْنِ على الْوَلَد وَالْولد على الْأَبَوَيْنِ
وَقَالَ اللَّيْث فِي الْيَتِيم الْمُرْضع كَقَوْل مَالك قَالَ ويفرض للْأَب الْمُحْتَاج على ابْنه وَكَذَلِكَ يفْرض للْأُم المحتاجة
وَقَالَ الشَّافِعِي على الْأَب نَفَقَة الْوَلَد حَتَّى يبلغ إِلَّا أَن يَكُونُوا زمنى فينفق عَلَيْهِم وَكَذَلِكَ ولد وَلَده وَإِن سفلوا
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا أَن نَفَقَة الرَّضَاع على الْأَب دون الْأُم فَدلَّ على أَن الْعَصَبَات مَخْصُوصَة بِالنَّفَقَةِ دون ذَوي الْأَرْحَام(3/406)
وروى عَمْرو بن شُعَيْب عَن سعيد بن الْمسيب أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أجبر عصبَة أَن ينفقوا على صبي الرِّجَال دون النِّسَاء
وَعَن ابْن عَبَّاس النَّفَقَة على الصَّبِي إِذا مَاتَ أَبوهُ على الْوَارِث كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وعَلى الْوَارِث مثل ذَلِك}
1551 - فِي النَّفَقَة على الْبَهَائِم
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجْبر الْمَالِك عَلَيْهَا وَلَكِن ينْهَى عَن تضييعها فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَلَا يجْبر فِي الحكم
وَقد رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَن الدَّابَّة إِذا ادّعى رجل فَأَقَامَ بَينه فَوضعت على يَدي عدل أَن الَّذِي كَانَت فِي يَده لَهُ أَن يركبهَا إِذا كَانَ غير مخوف عَلَيْهَا وَله أَن يُؤَاجر الدَّابَّة مَا لم يبلغ ذَلِك ضَرَرا لِأَن عَلفهَا عَلَيْهِ وَهِي لَهُ حَتَّى يردا الْبَيِّنَة فَأوجب فِي هَذِه الرِّوَايَة أَن نَفَقَة الدَّابَّة على الْمَالِك
وَفِي مَذْهَب مَالك يجْبر على نَفَقَة الْبَهَائِم
وَقَالَ الشَّافِعِي يَأْمُرهُ السُّلْطَان بِأَن يعلفها أَو يَبِيعهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا على أَنه يجْبر على نَفَقَة الْمَمْلُوك الَّذِي لَا يقدر على الْكسْب والبهائم مثله
وَقد قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَت الْمَاشِيَة وَدِيعَة عِنْد رجل وصاحبها غَائِب أَو كَانَت ضَالَّة لقطها فَرَفعهَا الَّذِي فِي يَده إِلَى القَاضِي أَنه يَأْمُرهُ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهَا وَتَكون ذَلِك دينا على مَالِكهَا(3/407)
وروى عبد الله بن جَعْفَر فِي قصَّة الْجمل الَّذِي كَانَ فِي حَائِط رجل من الْأَنْصَار فَلَمَّا دخل الْحَائِط وَرَأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى ذرفت عَيناهُ فَأَتَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمسح سراته وذفراه فسكن فَقَالَ من رب هَذَا الْجمل فجَاء فَتى من الْأَنْصَار فَقَالَ هُوَ لي يَا رَسُول الله قَالَ أَفلا تتقي الله فِي هَذِه الْبَهِيمَة الَّتِي ملك الله إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شكا إِلَى أَنَّك تجيعه وتدئبه
رَوَاهُ أَسد بن مُوسَى عَن مهْدي بن مَيْمُون عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي يَعْقُوب عَن الْحسن بن سعد مولى الْحسن بن عَليّ عَن عبد الله بن جَعْفَر عَلَيْهِم السَّلَام
1552 - فِي قرض مَال الْيَتِيم
قَالَ أَصْحَابنَا يقْرض القَاضِي أَمْوَال الْأَيْتَام وَيكْتب بهَا أذكار الْحُقُوق وَإِن أقْرضهَا الْوَصِيّ ضمن
وَرُوِيَ نَحوه عَن ابْن أبي ليلى وَرُوِيَ عَنهُ أَنه لَا يقْرض وَهُوَ قَول مَالك وسُفْيَان الثَّوْريّ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يستقرض الْوَصِيّ من مَال الْيَتِيم إِذا كَانَ أَبوهُ أوصى إِلَيْهِ فَإِن كَانَ أَبوهُ لم يوص إِلَيْهِ وَإِنَّمَا جعله القَاضِي فَلَا يستقرض مِنْهُ وَلَيْسَ وَصِيّ الْأُم أَو الْجد من ذَلِك فِي شَيْء
قَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي لَا يقْرض ولي الْمَحْجُور عَلَيْهِ مَاله وَيجوز للْقَاضِي أَن يقْرض مَال الْمُفلس(3/408)
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر وَقِيَاسه أَن يقْرض مَال الْيَتِيم أَيْضا
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالْقَرْض مَعْرُوف فَلَا يَفْعَله فِي مَال الْيَتِيم
وَقد رُوِيَ أَن أَبَا مُوسَى أقْرض عبد الله وَعبيد الله ابْني عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُم من مَال الله ويصرفانه فِيهِ للتِّجَارَة فَلَمَّا جَاءَ إِلَى عمر ابْني أَمِير الْمُؤمنِينَ فأسلفكما أديا المَال وَربحه
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَفعل أبي مُوسَى لم يكن على وَجه الحكم وَقد قَالَ فِي الْيَتِيمَة يُزَوّجهَا القَاضِي ثمَّ تبلغ أَن لَهَا الْخِيَار وَلَو كَانَ ذَلِك التَّزْوِيج من القَاضِي حكما لما كَانَ لَهَا رده عَن نَفسهَا كَذَلِك قرض القَاضِي لمَال الْيَتِيم لَا يَقع موقع الحكم وَإِنَّمَا هُوَ مِثْلَمَا يُوكله من لَيْسَ بحاكم
1553 - فِي ولي الْيَتِيم ينْفق عَلَيْهِ
قَالَ أَصْحَابنَا مَا أنفقهُ من مَال الْيَتِيم فَهُوَ مُتَبَرّع بِهِ وَلَا يرجع بِهِ على الْيَتِيم وَقَالُوا إِذا أتفق عَلَيْهِ أَبوهُ وَأشْهد انه أنْفق ليرْجع بِهِ فِي مَاله رَجَعَ بِهِ وَإِن لم يشْهد لم يرجع بِهِ وَالْوَصِيّ يرجع بِهِ وَإِن لم يشهده
وَقَالَ مَالك فِي صبي أنْفق عَلَيْهِ وَحل لَهُ أَن يرجع على أَبِيه فِي مَال الصَّبِي إِن كَانَ لَهُ مَال وَإِن لم يكن لَهُ مَال يَوْم أنْفق لم يكم لَهُ أَن يرجع بِهِ فِي مَال بعد ذَلِك إِلَّا أَن يكون الْأَب مموسرا فَيرجع بِهِ على أَبِيه
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أنْفق ولي الْيَتِيم عَلَيْهِ رَجَعَ بِهِ فِي مَاله وَمن لم يكن لَهُ بولِي فَهُوَ مُتَبَرّع فِي النَّفَقَة(3/409)
1554 - فِي الْوَصِيّ يَدعِي بعد الْبلُوغ دفع المَال إِلَى الْيَتِيم
قَالَ أَصْحَابنَا هُوَ مُصدق فِيهِ مَعَ يَمِينه وَكَذَلِكَ إِن قَالَ أنفقت عَلَيْهِ فِي صغره صدق فِي نَفَقَته مثله وَكَذَلِكَ لَو قَالَ هلك وَهُوَ قوق الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك لَا يصدق الْوَصِيّ أَنه دفع المَال إِلَى الْيَتِيم وَهُوَ قَول الشَّافِعِي لِأَن الَّذِي زعم أَنه دَفعه إِلَيْهِ لَيْسَ هُوَ الَّذِي ائتمنه وكالوكيل يدْفع المَال إِلَى غَيره لَا يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة وَقد قَالَ الله تَعَالَى {فَإِذا دفعتم إِلَيْهِم أَمْوَالهم فأشهدوا عَلَيْهِم}
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَيْسَ فِي الْأَمر بِالْإِشْهَادِ دَلِيل على أَنه غير مُصدق بِلَا إِشْهَاد وَإِنَّمَا أَمر بِالْإِشْهَادِ لتظهر أَمَانَته كَمَا أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُلْتَقط بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَقَول الشَّافِعِي أَنه لم يأتمنهم الْأَيْتَام لَا معنى لَهُ لِأَن المَال غير مَضْمُون فِي يَدي الْوَصِيّ بل هُوَ أَمَانَة وَإِن لم يأتمنه عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْوَدِيعَةِ فَيقبل قَوْله وَفِي الرَّد وَأما مَسْأَلَة الْوَكِيل فَإِنَّمَا لم يقبل قَول الْوَكِيل على من ادّعى دَفعه إِلَيْهِ وَهُوَ مُصدق فِي بَرَاءَة نَفسه
1555 - فِي الْوَصِيّ يَدعِي قَضَاء دين الْمَيِّت
قَالَ مَالك إِذا ادّعى الْوَصِيّ أَنه دفع مَال الْمَيِّت إِلَى غُرَمَائه وجحدوا وَلم يكن لَهُ بَيِّنَة فَإِنَّهُ يضمن الْوَصِيّ مَا دَفعه بِغَيْر إِشْهَاد(3/410)
1556 - فِي الْقصار يدْفع الثَّوْب إِلَى غير مَالِكه
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا دفع الْقصار ثوب رجل إِلَى غَيره فَقَطعه قَمِيصًا وخاطه فَإِن لصَاحب الثَّوْب أَن يضمن أَيهمَا شَاءَ
وَقَالَ مَالك يضمن الْقصار وَلَا يضمن الَّذِي قطعه وخاطه وَلَا يَأْخُذهُ مِنْهُ أَيْضا حَتَّى يدْفع إِلَيْهِ أُجْرَة خياطته
وَقَالَ الشَّافِعِي لَهُ أَن يضمن أَيهمَا شَاءَ
1557 - فِيمَن يفتح كوَّة فِي جِدَاره
قَالَ أَصْحَابنَا لصَاحب الْحَائِط أَن يُبينهُ ويعليه وَأَن يفتح كوَّة وَلَيْسَ للْجَار مَنعه وَله أَن يَبْنِي فِي دَاره حَماما أَو سورا أَو رحى
وَقَالَ ابْن شيرمة لَيْسَ لَهُ أَن يَبْنِي فِي دَاره حَماما وَلَا يفتح فِي حَائِطه أبوابا أَو بَابه حَائِطا يطلع فِيهِ إِلَى جَاره
وَقَالَ مَالك يمْنَع الْجَار أَن يفتح فِي حَائِطه أبوابا وكوى يشرف بهَا على جَاره وَله أَن يفعل مَا لَا ضَرَر فِيهِ على جَاره وَلَا يُمكنهُ النّظر إِلَيْهِ وَلَا يمْنَع أَن يَبْنِي حَائِطا لسد الرّيح وَالشَّمْس عَن جَاره وَيمْنَع أَن يَبْنِي رحى أَو حَماما فِي دَاره إِذا أضرّ بجاره
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر وَكَذَلِكَ حفر الْبِئْر
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن لَيْسَ لَهُ أَن يفتح فِي حَائِطه كوَّة يضر بجاره
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَن لَهُ رفع حَائِطه والكوة أَحْرَى بِذَاكَ(3/411)
1558 - فِي فتح الْبَاب فِي الزقاق
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَت دَار بَين قوم فِي زقاق غير نَافِذ فاقتسموها فَلِكُل وَاحِد أَن يفتح فِي نصِيبه بَابا فِي الزقاق
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ غير نَافِذ فَلَيْسَ لصَاحب دَار فِيهِ أَن يفتح فِيهِ بَابا اخر وَلَا يحوله عَن مَوْضِعه فَيَجْعَلهُ حذاء بَاب دَار غَيره لِأَنَّهُ يضر بِهِ وَإِن كَانَت الدَّار لجَماعَة فاقتسموها لم يكن لوَاحِد مِنْهُم أَن يفتح بَابا اخر وَإِنَّمَا يخرجُون من الْبَاب الَّذِي كَانَ قبل القسمه
1559 - فِي طَرِيق فِي دَار غَيره
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَت مَقْصُورَة لقوم فِي دَار لغَيرهم لَهَا طَرِيق فِيهَا فَلَيْسَ لَهُم أَن يفتحوا فِيهَا بَابا اخر وَلَا يحوله عَن مَوْضِعه
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم على مَذْهَب مَالك لَهُم أَن يفتحوا بَابا إِلَى مَوضِع اخر إِذا لم يكن على أهل الدَّار فِيهِ ضَرَر وَلَيْسَ لَهُم أَن يحولوا الْبَاب فيتطرقوا مِنْهُ إِلَى الدَّار
وَقَالَ أَصْحَابنَا إِذا أَرَادَ أَن يفتح بَابا من دَار لَهُ إِلَى الْمَقْصُورَة ثمَّ يمر بهَا فِي طَرِيق الْمَقْصُورَة فِي الدَّار فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا أَن تكون الدَّار والمقصورة لوَاحِد وَإِن كَانَ سَاكن الدَّار غير سَاكن الْمَقْصُورَة فَلَيْسَ لساكن الدَّار أَن يتَطَرَّق فِي الدَّار إِلَى الْمَقْصُورَة فِي الدَّار الَّتِي فِيهَا طَرِيق وَقَالَ مَالك إِن أَرَادَ أَن يَجْعَل هَذَا الطَّرِيق لسكة نَافِذَة يَأْذَن للنَّاس فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك وَإِن لم يكن كَذَلِك وَسكن مَعَه غَيره فَلهم جَمِيعًا أَن يمروا فِي الطَّرِيق
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن لَهُ أَن يجتاز فِي دَاره فِي الْمَقْصُورَة إِلَى الطَّرِيق فِي الدَّار(3/412)
1560 - فِيمَن يحدث فِي أرضه بِئْرا أَو نَهرا يضر بجاره
قَالَ أَصْحَابنَا لَهُ أَن يحدث فِي أرضه بِئْرا أَو نَهرا وَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِن مرت مِنْهُ أَرض لجاره وَلَو صب المَاء فِي سطحه فَخرج إِلَى ملك غَيره فأفسده ضمن اسْتِحْسَانًا
وَقَالَ مَالك يمْنَع من ذَلِك مَا يضر بجاره
وَقَالَ أَصْحَابنَا إِذا أحرق حصائد فِي أرضه فَأحرق مِنْهَا أَرض غَيره لم يضمن وَقَالَ مَالك إِذا علم أَن أَرض جَاره لَا تسلم من هَذَا المَاء وَالنَّار ضمن وَقَالَ مَالك إِذا علم أَن أَرض جَاره لَا تسلم من هَذَا المَاء وَالنَّار ضمن وَإِن كَانَت مَأْمُونَة فحملتها الرّيح فاحترقت أَرض غَيره لم يضمن
1561 - فِي حل رِبَاط الدَّابَّة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَت دَابَّة رجل مربوطة فَحل رباطها لم يضمن الَّذِي حلهَا وَكَذَلِكَ لَو فتح القفص فَخرج الطير أَو حل قيد العَبْد وَلَو فتح زق رجل فِيهِ عسل أَو سمن فَسَالَ فَهُوَ ضَامِن وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا حل الدَّابَّة فَهُوَ ضَامِن
وَقَالَ مَالك إِذا فتح بَاب الْحَانُوت وَلَيْسَ فِيهِ أحد فَإِنَّهُ يضمن مَا ذهب مِنْهُ وَإِن كَانَ فِي الْحَانُوت إِنْسَان نَائِم أَو منتبه لم يضمن الَّذِي فَتحه وَكَذَلِكَ إِذا فتح بَاب الدَّار وَفِيه دَوَاب وَيضمن العَبْد إِذا حل الْقَيْد وَكَذَلِكَ الطير إِذا فتح القفص
قَالَ أَبُو جَعْفَر فتح بَاب الدَّار وَنَحْوه لم يحصل بِهِ تلف وَإِنَّمَا حصل بِفعل حَادث من غَيره فَلَا يضمن وسيلان الزق بِنَفس الْحل(3/413)
1562 - فِي الطَّائِر يتوحش
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ الطَّائِر ملكا لإِنْسَان وَأَصله وَحش فتوحش فَهُوَ على ملكه وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك هُوَ لمن أصاده ثَانِيًا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ضوال الْإِبِل إِنَّهَا حرق النَّار فَلم يُخرجهَا عَن ملكه بالتوحش والضلال
وَقد قَالَ مَالك إِذا أفلت مِنْهُ الصَّيْد وَلم يتوحش إِلَى الأول حَال طِينَة تكون فِي إِذْنهَا قرطا أَو قلادة
1563 - فِي حَرِيم الْآبَار
قَالَ أَصْحَابنَا فِي بِئْر العطن أَرْبَعُونَ ذِرَاعا وبئر الْعين خَمْسمِائَة وَلَا يعرف أَبُو حنيفَة سِتِّينَ ذِرَاعا لبئر الناضج وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يَقُولَانِ سِتُّونَ ذِرَاعا(3/414)
وَقَالَ مَالك لَيْسَ للآبار حَرِيم إِلَّا مَا يضر بهَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ حد الْبِئْر الَّتِي فِي الصَّحرَاء ثَلَاثمِائَة ذِرَاع
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ من حفر بِئْرا فَلهُ من نَوَاحِيهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعا
وَقَالَ الشَّافِعِي للبئر مرافقها الَّتِي لَا يكون صَلَاحهَا إِلَّا بهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر وروى أَبُو يُوسُف عَن الْحسن بن عمَارَة عَن الزُّهْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَرِيم بِئْر العطن أَرْبَعُونَ ذِرَاعا وحريم بِئْر الناضح سِتُّونَ ذِرَاعا وحريم الْعين خَمْسمِائَة ذِرَاع
وروى ابْن وهب عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب أَنه حَدثهُ أَن حَرِيم الْبِئْر خمس وَعِشْرُونَ ذِرَاعا وحريم بِئْر الزَّرْع ثَلَاثمِائَة ذِرَاع من نَوَاحِيهَا
قَالَ الزُّهْرِيّ وَسمعت النَّاس يَقُولُونَ وحريم الْبِئْر خَمْسمِائَة ذِرَاع فَلم يرفعهُ وَهُوَ أحسن إِسْنَادًا وَأَصَح مخرجا(3/415)
1564 - فِي حَرِيم النَّهر
قَالَ أَبُو حنيفَة مياه النَّهر لصَاحب الأَرْض وَلَا يحفرها فَلم يَجْعَل للنهر حريما
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد للنهر حَرِيم مِقْدَار مَا يَكْفِيهِ لإلقاء طِينَة وَلم يؤقت وَرُوِيَ نَحوه من قِيَاس مَذْهَب مَالك
وَقد روى يُونُس عَن ابْن شهَاب قَالَ كَانَ يُقَال حَرِيم الْأَنْهَار ألف ذِرَاع وَلَا يُقَال ذَلِك إِلَّا توقيفا
1565 - فِي الْمُفلس
قَالَ مَالك فَمن يفلس وَله أم ولد أَو مُدبر وَله مَال أَنه لَيْسَ للْغُرَمَاء أَن يَأْخُذُوا مَالهم وَكَذَلِكَ إِذا مرض الرجل لم يجز لَهُ أَن يَأْخُذ مَالهمَا ولسيدهما أَن يَأْخُذ مَالهمَا قبل أَن يمرض فَأَما فِي الْمَرَض فَلَا وَله أَن يَأْخُذ مَال الْمُعْتق إِلَى سِنِين مَا لم يتقارب أَو يمرض وَلَيْسَت السّنة قَرِيبا
وَقَالَ اللَّيْث مَا أعطاهما بعد الدّين أَخذه الْغُرَمَاء وَقيل الدّين أَشد فِيهِ وَفِي الْمَرَض لَا يَأْخُذ
1566 - فِي تَزْكِيَة الْمَرْأَة
تَعْدِيل الْمَرْأَة مَقْبُول عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد لَا يقبل إِلَّا رجل وَامْرَأَتَيْنِ
وَقَالَ مَالك لَا تجوز تَزْكِيَة النِّسَاء بِوَجْه لَا فِي مَال وَلَا غَيره(3/416)
وَقَالَ الْبُوَيْطِيّ عَن الشَّافِعِي لَا يعدل النِّسَاء وَلَا يخْرجن وَلَا يشْهد على شَهَادَتهنَّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر يقبل فِي التَّزْكِيَة مَالا يقبل فِي الشَّهَادَة وَلِأَنَّهُ يَقُول فِي الشَّهَادَة أشهد وَلَا يحْتَاج فِي التَّزْكِيَة إِلَى لفظ الشَّهَادَة
1567 - فِي الْمَشْهُود عَلَيْهِ يغيب
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا سَمِعت الْبَيِّنَة عَلَيْهِ ثمَّ غَابَ لم يحكم عَلَيْهِ حَتَّى يحضر وَقَالَ يعْذر إِلَيْهِ ثَلَاثَة أَيَّام يُنَادى على بَابه فَإِن خرج وَإِلَّا قضى عَلَيْهِ
قَالَ مُحَمَّد فَإِن غَابَ لم يقْض عَلَيْهِ وَإِن كَانَ مختفيا دخل عَلَيْهِ النِّسَاء بِغَيْر إِذن فَإِن قُلْنَ هُوَ هُنَاكَ أمرت الرِّجَال أَن يدخلُوا
قَالَ أَبُو جَعْفَر كَمَا احْتِيجَ إِلَى حُضُوره فِي حَال السماع فحال الْقَضَاء أَحْرَى وَأما الهجم فقد قَالَ الله تَعَالَى {لَا تدْخلُوا بُيُوتًا غير بُيُوتكُمْ حَتَّى تستأنسوا وتسلموا على أَهلهَا} وَفِي حرف ابْن عَبَّاس حَتَّى تستأذنوا وَلَا فرق بَين النِّسَاء وَالرِّجَال
1568 - فِي الشَّهَادَة عِنْد الْحَاكِم كَيفَ هِيَ
قَالَ أَصْحَابنَا وَسَائِر الْفُقَهَاء يَقُول أشهد بِكَذَا وأشهدني بِكَذَا وَأشْهد أَن فلَانا أقرّ عني بِكَذَا
وَقَالَ سوار بن عبد الله يحْتَاج أَن يَقُول أشهد شَهَادَة الله على كَذَا وَكَذَلِكَ أَبُو عبيد عَن حجاج قَالَ شُعْبَة شهِدت عِنْد سوار فَقَالَ لي أَتَشهد بِشَهَادَة الله فَقلت بلَى أشهد بِشَهَادَة نَفسِي(3/417)
وَحَدِيثه عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي مُسلم قَالَ لَهُ أشهد بِشَهَادَة الله فَقَالَ لَا وَلَكِن اشْهَدْ بشهادتي
قَالَ شُعْبَة فَقَالَ لي سوار بشهادتك وَإِنِّي أشهد
وَقد روى حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب وَهِشَام عَن مُحَمَّد بن سِيرِين أَن رجلا شهد عِنْد شُرَيْح بِشَهَادَة فَقَالَ أشهد بِشَهَادَة الله فَقَالَ شُرَيْح لَا تقل شَهَادَة الله فَإِن الله لَا يشْهد إِلَّا بِحَق وَلَكِن أشهد بشهادتك
وَإِنَّمَا كره ذَلِك لِأَن الشَّاهِد لَا يدْرِي مَا شَهَادَة الله تِلْكَ الدَّعْوَى إِذْ جَازَ فِي المغيب أَن يكون خلاف مَا يشْهد بِهِ
فَإِن قبل قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا نكتم شَهَادَة الله}
قيل لَهُ إِنَّمَا هَذَا فِي حلف الشَّاهِدين على مَا شَهدا بِهِ لِأَنَّهُ فِي نفس مَا شَهدا بِهِ وَلَيْسَ فِيهِ دلَالَة على كَيْفيَّة شَهَادَتهم على مَا يشْهدُونَ بِهِ
1569 - فِي الْمُدعى عَلَيْهِ يَقُول لَا أقرّ بِهِ وَلَا أنكرهُ
قَالَ بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف إِذا قَالَ الْخصم للْقَاضِي لَا أقرّ وَلَا أنكر قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجْبرهُ على ذَلِك وَيسمع البنية عَلَيْهِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا أَدَعهُ حَتَّى يقر أَو يُنكر
وَقَالَ الْحسن بن صَالح إِذا سكت ألزمهُ الْحق وَإِذا قَالَ لَا أَحْلف ألزمته
قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي حَدِيث سماك عَن حَنش عَن عَليّ رَضِي عَنهُ قَالَ(3/418)
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جلس إِلَيْك الخصمان فَلَا تقص للْأولِ حَتَّى تسمع كَلَام الآخر
1570 - فِي الشُّفْعَة فِي الْبناء
قَالَ مَالك فِي رجلَيْنِ بنيا فِي أَرض لَيست لَهما فَبَاعَ أَحدهمَا حِصَّته من ذَلِك فلشريكه أَن يَأْخُذهُ قَالَ مَالك وَمَا هُوَ بِالْأَمر الَّذِي حاصه وَلَكِن أرى ذَلِك لَهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد من الْفُقَهَاء غَيره وَقَالَ سَائِر الْفُقَهَاء لَا شُفْعَة إِلَّا فِي أَرضين وَسَائِر العقارات
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَا خلاف بَينهم أَن لَا شُفْعَة فِي مَمْلُوك كَذَلِك فِيمَا سوى الْعقار وَقد حكى عَن بعض المكيين إِيجَاب الشُّفْعَة فِي غير الْعقار وَالْأَرضين وَاحْتج بِمَا روى أَبُو حَمْزَة السكرى عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن ابْن أبي مليكَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشَّرِيك شَفِيع والشفقة فِي كل شَيْء
وَبِمَا روى ابْن إِدْرِيس عَن ابْن جريح عَن عَطاء عَن جَابر قَالَ قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشُّفْعَة فِي كل شَيْء(3/419)
1571 - فِي أَخذ القَاضِي الدّين للْغُرَمَاء
قَالَ مَالك إِذا مَاتَ رجل وَعَلِيهِ دين وغرماؤه غيب فَأخذ القَاضِي حق الْغُرَمَاء وَرفع المَال إِلَى الْوَرَثَة فَهَلَك مَا قَبضه القَاضِي فَهُوَ من مَال الْغُرَمَاء وَكَذَلِكَ الْمُفلس
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد من أهل الْعلم غَيره وَهَذَا نَظِير قَوْله يَبِيع التركه فِي دين الْمَيِّت فيضيع الثّمن فِي يَده أَنه يضيع من مَال الْغُرَمَاء فَإِن اسْتحق على الْغُرَمَاء
1572 - فِي بيع الأَرْض ثبتَتْ أَنَّهَا وقف
قَالَ اللَّيْث فِي عَرصَة لسبيل الله وبناها رجل على غرر وَلم يقبضهَا وَلم يظلم أحدا فِيهَا فَإِنَّهُ يُقَال لوالي الْوَقْف إِمَّا أَن تعطيه قيمَة بنائِهِ ثمَّ تكريها وَاسْتَوْفِ مَا غرمت ثمَّ تخلص هِيَ وبناؤها فِي سَبِيل الله وَإِمَّا أخذت قيمَة الْعَرَصَة والتمست بهَا دَارا فَجَعلهَا فِي سَبِيل الله
وَلم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد من أهل الْعلم إِلَّا أَن مَالِكًا قد رُوِيَ عَنهُ فِيمَن عمر أَرضًا لَا يَظُنهَا لأحد ثمَّ جَاءَ مستحقها فَإِن شَاءَ أعطَاهُ مَا عمر وَأَخذهَا وعمارتها وَإِلَّا أعْطى صَاحب الأَرْض قيمَة أرضه فَإِن كرهها كَانَا شَرِيكَيْنِ على قيمَة الأَرْض بِغَيْر عمَارَة وَقِيمَة الْعِمَارَة بِلَا أَرض
قَالَ أَبُو جَعْفَر أَحْكَام المستهلكات لَا يخْتَلف فِيمَا يتَعَلَّق بهَا من الضَّمَان بِالْعلمِ وَلَا غَيره
1573 - فِي الْمَرَض الْمُوجب للحجز
قَالَ أَصْحَابنَا فِي المفلوج والمقعد والأشل إِذا تطاول بِهِ فَلَا يُخَالف فِيهِ(3/420)
الْمَوْت فَهُوَ كَالصَّحِيحِ وَإِن مَاتَ فِي حدثان مَا أَصَابَهُ لم ينجز هِبته إِلَّا من الثُّلُث وَقَالُوا الْمَرَض الَّذِي وَجب الحجز أَن يكون صَاحب فرَاش قد أَصَابَهُ الْمَرَض وَأما الَّذِي يَجِيء وَيذْهب فِي حَوَائِجه فَلَا وَإِن كَانَ يشتكي أَو يخم
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ صَاحب فرَاش يخَاف فِيهِ الْمَوْت لم يجز هِبته إِلَّا من الثُّلُث وَإِن كَانَ مفلوجا لَا يخَاف مَوته وَقد طَال كَانَ كَالصَّحِيحِ
وَقَالَ الثَّوْريّ الْمَرَض المضني هُوَ الَّذِي يكون فعله فِيهِ وَصِيَّة
وَقَالَ الشَّافِعِي هُوَ الْمَرَض الَّذِي يخَاف مِنْهُ الْمَوْت
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه من قدم ليرجم فِي الزِّنَا أَو يقتل قي قصاص أَن هِبته وَصِيّه وَهُوَ صَاحب فرَاش فَدلَّ على أَن الحكم للخوف من الْمَوْت
1574 - فِي الاحتكار
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كَانَ الاحتكار والتلقي فِي أَرض لَا يضر بِأَهْلِهَا فَلَا بَأْس بِهِ وَإِن كَانَ ذَلِك يضر بِأَهْلِهَا فَهُوَ مَكْرُوه(3/421)
قَالَ مُحَمَّد فِي نَوَادِر ابْن سَمَّاعَة فِي الرجل يَشْتَرِي طَعَام أهل الْمصر أَو مَا يجلب إِلَيْهِم حَتَّى يضر ذَلِك بِأَهْل الْمصر ويغلبه عَلَيْهِم فَإِنِّي أجْبرهُ على البيع وأعزره وأضربه وَلَا أَسعر عَلَيْهِ وَأَقُول بِعْ بِمَا يَبِيع النَّاس وَزِيَادَة مَا يتَغَابَن فِيهِ وَأما الْجَانِب إِلَى الْمصر فَلَا أجْبرهُ على البيع
وَذكر هِشَام عَنهُ أَنه قَالَ الحكرة أَن يَشْتَرِي من السُّوق فيحكره أَو من قرى ذَلِك الْمصر فَأَما إِذا اشْتَرَاهُ من مصر آخر وَجَاء بِهِ فَلَا بَأْس
وَذكر هِشَام عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ إِذا جب من دستاق طَعَاما احتكره فَلَيْسَ بحكرة إِنَّمَا الحكرة أَن يَشْتَرِي من الْمصر
قَالَ أَبُو يُوسُف وَإِن جلبه من نصف ميل فَلَيْسَ بحكرة وَإِن اشْتَرَاهُ من الرستاق واحتكره فِي الرستاق فَهُوَ محتكر وَمَا أَخذ من زرعه فَلَيْسَ بحكرة
وَقَالَ مَالك الحكرة فِي كل شَيْء من الطَّعَام والكتان وَالزَّيْت وَالصُّوف وَجَمِيع الْأَشْيَاء وكل مَا أضرّ بِالسوقِ يمْنَع من محتكره كَمَا يمْنَع الْحبّ فَإِن لم يضر بِالسوقِ فَلَا بَأْس
قَالَ وَلَا يمْنَع أهل الرِّيف أَن يشتروا من الْفسْطَاط الطَّعَام ويحملونه إِذا لم يضر بِأَهْل الْفسْطَاط فَإِن أضرّ بهم منعُوا من ذَلِك
وَأما الثَّوْريّ فَإِنَّهُ كره كبس القت قَالَ وَكَانُوا يكْرهُونَ الاحتكار قَالَ الثَّوْريّ وَإِذا لم يُغير احتكار السُّوق فَلَا بَأْس كَانَ سعيد بن الْمسيب يحتكر الزَّيْت
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ المحتكر هُوَ الَّذِي يَشْتَرِيهِ من سوق الْمُسلمين ثمَّ يحْبسهُ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا يكون الْجَانِب محتكرا وَإِنَّمَا المحتكر من يَشْتَرِي من السُّوق يطْلب الرِّبْح
وَقَالَ اللَّيْث كَقَوْل مَالك(3/422)
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يسعر على المحتكر وَلَا يُؤمر بِبيع طَعَامه
وَقد روى كريب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ غلا السّعر على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا يَا رَسُول الله سعر لنا فَقَالَ إِنَّمَا الغلاء والرخص بيد الله عز وَجل وَإِنِّي لأرجو أَن ألْقى الله تَعَالَى وَلَيْسَ أحد مِنْكُم يطلبني بمظلمة وَلَا حد وَلَا مَال وروى أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي ر مثله
وروى مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن سعيد بن الْمسيب عَن معمر بن عبد الله بن نَافِع بن نَضْلَة الْعَدوي قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا يحتكر إِلَّا خاطئ فَقلت لسَعِيد بن الْمسيب فَلم تحتكر قَالَ كَانَ معمر يحتكر
وهذ يدل على أَن الَّذِي كَانَ يَفْعَله غير الَّذِي روى فِيهِ النَّهْي لِأَنَّهُ لَو كَانَ هُوَ أسقطت عَدَالَته وَرِوَايَته فَدلَّ أَنه أَرَادَ خَاصّا من الاحتكار وَهُوَ الَّذِي يضر بِالنَّاسِ(3/423)
= كتاب السّير =
1575 - فِي الدُّعَاء قبل الْقِتَال
قَالَ أَصْحَابنَا إِن دعوهم قبل الْقِتَال فَحسن وَلَا بَأْس بِأَن يُغيرُوا عَلَيْهِم بِغَيْر دَعْوَة
وَقَالَ مَالك الدعْوَة أصوب إِلَّا أَن يعجل الْمُسلمُونَ عَن أَن يَدعُوهُم
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَنهُ لَا تسبوا حَتَّى تدعوا
وَقَالَ اللَّيْث فِي الرّوم وَمن استهم أَنهم يُقَاتلُون وَلَا يدعونَ لِأَن الدعْوَة قد بلغتهم
وَقَالَ الْحسن بن صَالح بن حَيّ يُعجبنِي كلما حدث إِمَام بعد إِمَام أحدث دَعْوَة لأهل الشّرك
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي من لم تبلغهم الدعْوَة لم يقاتلوا حَتَّى يدعوا إِلَى الْإِيمَان فَإِن قتل مِنْهُم قبل ذَلِك فعلى من قَتله الدِّيَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لبث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الدعْوَة سِنِين يَدْعُو النَّاس إِلَى الأسلام(3/425)
وَيُقِيم عَلَيْهِم الْحجَج والبراهين وَبِذَلِك أمره الله تَعَالَى بقوله {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن فَإِذا الَّذِي بَيْنك وَبَينه عَدَاوَة كَأَنَّهُ ولي حميم}
وَقَوله تَعَالَى {فَاعْفُ عَنْهُم وَاصْفَحْ} وَنَحْوهَا من الْآي ثمَّ أنزل عَلَيْهِ بعد ذَلِك {وَلَا تقاتلوهم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} فأباح قتال من قَاتله وَلم يبح قتال من لم يقاتله
وَفِي ذَلِك مَا كَانَ الْإِسْلَام يبشر وَيُقِيم الْحجَّة بِهِ على من لم يكن علمه قبل ذَلِك من الْكفَّار ثمَّ أنزل عَلَيْهِ {قَاتلُوا الَّذين يلونكم من الْكفَّار} فَأطلق لَهُ وَلِلْمُؤْمنِينَ الَّذين اتَّبعُوهُ قتال من يليهم من الْكفَّار قاتلوهم قبل ذَلِك أَو لم يقاتلوهم
وَلم يبح قتال من لم يَله وَلذَلِك زِيَادَة فِي انتشار الْإِسْلَام فِي سَائِر الْبلدَانِ
ثمَّ أنزل عَلَيْهِ {وقاتلوا الْمُشْركين كَافَّة كَمَا يقاتلونكم كَافَّة} فَأمر بِقِتَال الْمُخَالفين لدين الْإِسْلَام كَافَّة حَتَّى لَا يكون دين إِلَّا دين الله تَعَالَى تعبد بِهِ عباده
وَقد تقدّمت معرفَة النَّاس جَمِيعًا بِالْإِسْلَامِ وَعَلمُوا منابذته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أهل سَائِر الْأَدْيَان وَلم يذكر فِي شَيْء من الْآي الَّتِي أَمر فِيهَا بِالْقِتَالِ ذكر دُعَاء من أَمر بِقِتَال لأَنهم قد علمُوا خِلَافه لَهُم وَمَا يَدعُوهُم إِلَيْهِ
وَقد روى سُفْيَان عَن ابْن أبي نجيح عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ مَا قَاتل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قوما حَتَّى يَدعُوهُم(3/426)
وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن انس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُغير على الْعَدو عِنْد صَلَاة الصُّبْح فيستمع فَإِن سمع أذانا امسك وَإِلَّا اغار
فَهَذَا يدل على أَنه كَانَ لَا يَدْعُو
وروى نَافِع عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أغار على بني المصطلق وهم غَارونَ وأنعامهم على المَاء فَقتل مقاتليهم وسبى ذَرَارِيهمْ وَكَانَ فيهم جوَيْرِية
وَفِي حَدِيث عَلْقَمَة بن مرْثَد عَن ابْن بُرَيْدَة عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَمر رجلا على سَرِيَّة قَالَ إِذا لقِيت عَدوك من الْمُشْركين فادعهم إِلَى إِحْدَى ثَلَاث خِصَال فَإِن هم أجابوك إِلَيْهَا فاقبل مِنْهُم وكف عَنْهُم ادعهم إِلَى الْإِسْلَام
وَهَذَا يتَحَمَّل أَن يكون فِي قوم لم تبلغهم الدعْوَة وَلم يدروا مَا يدعونَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ قد ذكر الْجِزْيَة إِن لم يسلمُوا وَعَبدَة الْأَوْثَان من الْعَرَب لم يقبل مِنْهُم الْجِزْيَة
وَقد روى ابْن عُيَيْنَة عَن عمر بن ذَر عَن ابْن أخي أنس ابْن مَالك عَن عَمه أَنه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عليا عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى قوم يقاتلونهم ثمَّ بعث فِي(3/427)
أَثَره يَدعُوهُ وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تأته من خَلفه وائته من بَين يَدَيْهِ
قَالَ وَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليا عَلَيْهِ السَّلَام أَلا يقاتلوهم حَتَّى يَدعُوهُم وَهَذَا يحْتَمل أَيْضا أَن يكون من أهل الْكتاب الَّذين احْتِيجَ إِلَى ذكر الْجِزْيَة فِي دُعَائِهِمْ
وروى أَبُو حَازِم عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَليّ وَسلم لما وَجه عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى خَيْبَر وَأَعْطَاهُ الرَّايَة قَالَ عَليّ يَا رَسُول الله أقاتلهم حَتَّى يكون مثلنَا فَقَالَ انفذ على رسلك حَتَّى تنزل بِسَاحَتِهِمْ ثمَّ ادعهم إِلَى الْإِسْلَام وَأخْبرهمْ بِمَا يجب عَلَيْهِم من حُقُوق الله تَعَالَى فوَاللَّه لِأَن يهدي الله بك رجلا وَاحِدًا خير لَك من ان تكون لَك حمر النعم
1576 - فِي الِاسْتِعَانَة بالمشركين
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس بالاستعانة بِأَهْل الشّرك على قتال الْمُشْركين إِذا كَانَ حكم الْإِسْلَام هُوَ الْغَالِب الْجَارِي عَلَيْهِم وَإِنَّمَا يكره الِاسْتِعَانَة بهم إِذا كَانَ حكم الشّرك الظَّاهِر وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا أكره أَن يستعان بهم
وَقَالَ ملك لَا أرى ان يستعينوا بهم إِلَّا أَن يَكُونُوا خدما
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله سُبْحَانَهُ ( {لَا تَتَّخِذُوا بطانة من دونكم}
وَقَالَ ( {وَمَا كنت متخذ المضلين عضدا}(3/428)
وروى مَالك بن انس عَن الفضيل بن أبي عبد الله عَن عبد الله بن نيار الْأَسْلَمِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة قَالَت خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل بدر فَلَمَّا كَانَ بحرة الْوَبرَة أَتَاهُ رجل فَقَالَ قد جئْتُك لأتبعك وَأُصِيب مَعَك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتؤمن بِاللَّه وَرَسُوله قَالَ لَا قَالَ فَارْجِع فَلَنْ نستعين بمشرك فَعَاد الرجل إِلَيْهِ ثَلَاث مَرَّات وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَهُ ذَلِك قَالَ فَرجع فأدركه بِالْبَيْدَاءِ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أول مرّة أتؤمن بِاللَّه وَرَسُوله فَقَالَ نعم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْطَلق
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا يدل على أَنه كَانَ من عَبدة الْأَوْثَان لِأَنَّهُ دَعَاهُ إِلَى الْإِيمَان بِاللَّه وَأهل الْكتاب يُؤمنُونَ بِاللَّه
وَرُوِيَ عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد فَرَأى كَتِيبَة خشناء فَقَالَ من هَؤُلَاءِ فَقَالُوا بني قينقاع وهم رَهْط عبد الله بن سَلام فَقَالَ أَسْلمُوا فَأَبَوا قَالَ لَهُم فَارْجِعُوا فَإِنِّي لَا أستعين بالمشركين على الْمُشْركين
وَهَذَا يدل على أَن أهل الْكتاب وَعَبدَة الْأَوْثَان فِي منع الِاسْتِعَانَة بهم سَوَاء
وَقد رُوِيَ أَنه لما بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع أبي سُفْيَان ليخرج إِلَيْهِ يَوْم أحد(3/429)
انْطلق إِلَى بني النَّضِير وهم يهود فَقَالَ لَهُم فإمَّا قاتلتم مَعنا وَإِمَّا أعرتمونا سِلَاحا
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك لضَرُورَة دعت إِلَيْهِ
وَقد رُوِيَ أَن صَفْوَان بن أُميَّة شهد حنينا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مُشْرك
قَالَ مَالك لم يكن بِأَمْر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1577 - فِي أهل الذِّمَّة هَل يُسهم لَهُم
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يُسهم لَهُم وَلَكِن يرْضخ لَهُم
وَقَالَ الشَّافِعِي يستأجرهم الإِمَام من مَال لَا مَالك لَهُ بِعَيْنِه فَإِن أغفل ذَلِك الإِمَام أعْطى من سهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي مَوضِع آخر يرْضخ للمشرك إِذا قَاتل مَعَ الْمُسلمين
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا أَن العَبْد إِذا قَاتل يجوز أَمَانه ويرضخ لَهُ وَالْكَافِر الَّذِي لَا يجوز أَمَانه أولى أَن لَا يُسهم لَهُ وَلَا يرْضخ(3/430)
1578 - فِي العَبْد هَل يُسهم لَهُ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا شهد الْقِتَال رضخ لَهُ وَلم يُسهم وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك لَا أعلم العَبْد يُعْطي شَيْئا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يُسهم العَبْد كَالْحرِّ
وَقد روى يزِيد بن هُرْمُز عَن ابْن عَبَّاس فِي جَوَاب كتاب نجدة لم يكن يُسهم للْمَرْأَة وَالْعَبْد إِذا خصوا النَّاس إِلَّا أَن يحْذيَا من غَنَائِم الْقَوْم
وروى عُمَيْر مولى آبي اللَّحْم قَالَ شهِدت خَيْبَر مَعَ سادتي فَكَلَّمُوا فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنِّي مَمْلُوك فَأمر لي فقلدت السَّيْف فَإِذا أَنا أجره فَأمر لي بِشَيْء من خرتي الْمَتَاع
1579 - فِي الْمَرْأَة هَل يُسهم لَهَا
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَاللَّيْث لَا يُسهم لَهَا ويرضخ
وَقَالَ ابْن وهب سَأَلت مَالِكًا عَن النِّسَاء هَل يحذين من الْغَنَائِم فِي الْغَزْو فَقَالَ مَا علمت ذَلِك
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يُسهم للنِّسَاء(3/431)
أسْهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للنِّسَاء بِخَيْبَر وَأخذ الْمُسلمُونَ بذلك بعده
قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي كتاب ابْن عَبَّاس إِلَى نجدة أَن النِّسَاء كن يحضرن الْغَزْو ويداوين المرضى ويحذين فِي الْغَنِيمَة وَلم يضْرب لَهُنَّ بِسَهْم
1580 - فِي الصَّبِي هَل يُسهم لَهُ
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ لَا يُسهم لَهُم ويرضخ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يُسهم لَهُ أسْهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للصبيان بِخَيْبَر
وَقَالَ مَالك فِي الْغُلَام الَّذِي أطَاق الْقِتَال إِذا كَانَ مثله قد بلغ الْقِتَال فَإِنَّهُ يُسهم لَهُ وَإِن لم يبلغ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يجز أَمَانه كَالْعَبْدِ وَجب أَن لَا يُسهم لَهُ
1581 - فِي تخريب بِلَاد الْعَدو
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري لَا بَأْس بتخريب بِلَادهمْ وتحريق الشّجر لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {مَا قطعْتُمْ من لينَة} الْآيَة
قَالُوا وتذبح الْغنم وَتحرق إِذا لم يُمكن إخْرَاجهَا
وَقَالَ مَالك تحرق النّخل والمواشي لَا تعرقب وَلَا تمس(3/432)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ أكره قطع شَجَرَة مثمرة أَو تخريب قَرْيَة أَو كَنِيسَة
وَقَالَ فِي رِوَايَة وَلَا بَأْس بِأَن يحرق الْحَضَر إِذا يبيحه الْمُسلمُونَ على مَا كَانَ فِيهِ من طَعَام أَو كَنِيسَة وَكره كسر الرَّحَى وإفسادها وَلَا بَأْس بتحريق الشّجر المثمر والبيوت إِذا كَانَت لَهُم معاقل وأكره تحريق الزَّرْع والكلأ وَكره اللَّيْث إحراق النّخل وَالشَّجر المثمر وَلَا يعرقب بَهِيمَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي وَصِيَّة الْجَيْش الَّذِي وَجهه إِلَى الشَّام وَلَا تغرقن نخلا وَلَا تحرقنها وَلَا تعقروا بَهِيمَة وَلَا شَجَرَة مثمرة وَلَا تهدموا بيعَة
رَوَاهُ الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب وَهُوَ مُرْسل لِأَنَّهُ لم يُولد فِي أَيَّام أبي بكر رَضِي الله عَنهُ
وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ مَا تَأَوَّلَه مُحَمَّد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أخْبرهُم بِأَنَّهُم يفتحونها وَقَالَ الله تَعَالَى {مَا قطعْتُمْ من لينَة} الْآيَة
وروى نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحرق نخل بني النَّضِير(3/433)
1582 - فِي زمن الْحصن بالمنجنيق وَغَيره
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري لَا بَأْس برمي حصون الْمُشْركين وَإِن كَانَ فيهم أُسَارَى من الْمُسلمين أَو أَطْفَال من الْمُسلمين وَلَا بَأْس بِأَن يحرقوا الْحصن ويقصد بِهِ الْمُشْركين وَإِن أَصَابُوا وَاحِدًا من الْمُسلمين فِي ذَلِك فَلَا دِيَة لَهُ وَلَا كَفَّارَة
وَقَالَ الثَّوْريّ فِيهِ كَفَّارَة وَلَا دِيَة
وَقَالَ مَالك لَا تحرق سفينة الْكفَّار إِذا كَانَ فِيهَا أُسَارَى من الْمُسلمين لقَوْل الله تَعَالَى {لَو تزيلوا لعذبنا الَّذين كفرُوا مِنْهُم عذَابا أَلِيمًا}
أَي إِنَّمَا صرف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهُم لما كَانَ فيهم من الْمُسلمين لَو تزيل الْكفَّار عَن الْمُسلمين لعذب الْكفَّار
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا تترس الْكفَّار بأطفال الْمُسلمين مَا يرموا لقَوْل الله تَعَالَى {وَلَوْلَا رجال مُؤمنُونَ}
قَالَ وَلَا تحرق الْمركب فِيهِ أُسَارَى الْمُسلمين وَيَرْمِي الْحصن بالمنجنيق وَإِن كَانَ فِيهِ أُسَارَى مُسلمين فَإِن أصَاب أحدا من الْمُسلمين فَهُوَ خطأ وَإِن جاؤوا يترسون بهم رموا وقصدوا الْعَدو وَهُوَ قَول اللَّيْث
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا بَأْس بِأَن يَرْمِي بهم الْحصن وَفِيهِمْ أُسَارَى وَأَطْفَال وَمن أُصِيب فَلَا شَيْء فِيهِ وَإِن تترسوا فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يرْمونَ وَالْآخر لَا يرْمونَ إِلَّا أَن يَكُونُوا ملتحمين فَيضْرب الْمُشرك ويتوفى الْمُسلم جهده فَإِن أصَاب فِي هَذِه الْحَال مُسلما فَإِن علمه مُسلما فَالدِّيَة مَعَ الرَّقَبَة وَإِن لم يُعلمهُ مُسلما فالرقبة وَحدهَا(3/434)
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {وَلَوْلَا رجال مُؤمنُونَ} الْآيَة وَنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قتل النِّسَاء والولدان من الْحَرْبِيين وَلم يمْنَع ذَلِك من الْغَارة عَلَيْهِم وَفِيهِمْ من قد نهى عَن قَتلهمْ
وروى الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس عَن الصعب بن جثامة قَالَ سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أهل الديار من الْمُشْركين يبيتُونَ فيصاب من ذَرَارِيهمْ وَنِسَائِهِمْ قَالَ هم مِنْهُم
وَكَانَ يَأْمر السَّرَايَا بالغارة عَلَيْهِم وعَلى ذَلِك مضى الْخُلَفَاء الراشدون فَدلَّ ذَلِك على أَن الْآيَة الَّتِي ذكرهَا خُصُوصِيَّة لأهل مَكَّة
1583 - فِي السّفر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو
قَالَ أَصْحَابنَا يكره أَن يُسَافر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو مَخَافَة أَن يَنَالهُ الْعَدو وَلَا يكره فِي الْعَسْكَر الْعَظِيم
وَقَالَ مَالك لَا يُسَافر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو
وروى مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ لَا يُسَافر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو مَخَافَة أَن يَنَالهُ الْعَدو(3/435)
وروى أَيُّوب وَلَيْث بن أبي سليم عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ لَا يُسَافر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو فَإِنِّي أَخَاف أَن يَنَالهُ الْعَدو
1584 - فِي الجعائل
قَالَ أَصْحَابنَا تكره الجعائل مَا كَانَ فِي الْمُسلمين قُوَّة أَو كَانَ فِي بَيت المَال بِمَا يفِيء بذلك فَأَما إِذا لم تكن بهم قُوَّة وَلَا مَال فَلَا بَأْس بِأَن يُجهز بَعضهم بَعْضًا وَيجْعَل الْقَاعِد للشاخص
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بالجعائل لم يزل النَّاس يتجاعلون فِي الْمَدِينَة عندنَا وَذَلِكَ لأهل الْعَطاء وَمن لَهُ ديوَان وَكره مَالك أَن يُؤَاجر نَفسه أَو فرسه فِي سَبِيل الله وَكره أَن يُعْطِيهِ الْوَالِي الْجعل على أَن يتَقَدَّم إِلَى الْحصن فَيُقَاتل وَلَا يكره لَهُ العطايا الجعائل لِأَن الْعَطاء نَفسه مَأْخُوذ على هَذَا الْوَجْه
وَكره الثَّوْريّ الْجعل وَكَرِهَهُ اللَّيْث
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز أَن يَغْزُو بِجعْل من مَال رجل وأراده إِن غزا بِهِ وَإِنَّمَا أجزته من السُّلْطَان لِأَنَّهُ يَغْزُو بِشَيْء من حَقه
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْجِهَاد فرض على الْكِفَايَة وَمن فعله فَإِنَّمَا أدّى فَرْضه فَلَا يسْتَحق الْجعل على غَيره لِأَنَّهُ فعله فرضا لنَفسِهِ فَإِذا جَازَت الضَّرُورَة جَازَت المعاونة على وَجه الِاسْتِئْجَار وَلَا أَخذ بدل عَن الْغَزْو وَأَيْضًا فَإِن(3/436)
الْغَازِي يسْتَحق سَهْما من الْغَنِيمَة دون الَّذِي أعطَاهُ الْجعل فاستحال أَن يجب لَهُ جعل فِيمَا جعله لنَفسِهِ
1585 - فِي سَهْمَان الْخَيل
قَالَ أَبُو حنيفَة للفارس سَهْمَان وللراجل سهم
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَابْن أبي ليلى وَمَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ للفارس ثَلَاثَة أسْهم وللراجل سهم
وروى ابْن أبي ليلى عَن الحكم عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسْهم يَوْم خَيْبَر للْفرس سَهْمَيْنِ وللفارس سَهْما وللراجل سَهْما يَعْنِي للراجل
وروى إِبْرَاهِيم بن سعد عَن كثير مولى بني مَخْزُوم عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسم لمائتي فرس يَوْم خَيْبَر سَهْمَيْنِ سَهْمَيْنِ
فَأَما ابْن أبي ليلى فسيء الْحِفْظ وَأما كثير هَذَا مَجْهُول لَا يحْتَج بِهِ
وروى عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل للْفرس سَهْمَيْنِ وللرجل سَهْما(3/437)
وَقَالَ أَحدهمَا للراجل رَوَاهُ أَبُو أُسَامَة وَعبد الله بن نمير
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر وَحدثنَا يحيى بن عُثْمَان قَالَ حَدثنَا نعيم قَالَ حَدثنَا ابْن الْمُبَارك قَالَ أخبرنَا عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أسْهم للفارس سَهْمَيْنِ وللراجل سَهْما فَجعل فِي هَذَا الحَدِيث للفارس سَهْمَيْنِ
وَذكر صَالح بن أَحْمد بن حَنْبَل عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ عَن يحيى الْقطَّان قَالَ سَأَلت عبيد الله الْعمريّ عَن حَدِيثه للفارس سَهْمَيْنِ فَقَالَ نَافِع مُرْسل وَلم ينْسبهُ أَيْضا
وَقَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ وحَدثني سليم بن أَخْضَر عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسم فِي الْأَنْفَال للْفرس سَهْمَيْنِ وللرجل سَهْما
وَقَالَ عبد الرَّحْمَن فَسَأَلت سُفْيَان عَنهُ فَقَالَ سَمِعت مِنْهُ وَلَكِن خالفوني فِيهِ
وروى سعيد بن دَاوُد الزنبري عَن مَالك بن أنس عَن أبي الزِّنَاد عَن خَارِجَة بن زيد عَن زيد بن ثَابت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطى الزبير أَرْبَعَة أسْهم سَهْما لَهُ مَعَ الْمُسلمين وسهمين للْفرس وَسَهْما لذِي الْقُرْبَى(3/438)
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر وَهُوَ حَدِيث مُنكر لم يروه عَن مَالك إِلَّا الزنبري وَأَصْحَاب الحَدِيث لَا يثبتون رِوَايَته عَن مَالك
وروى سعيد بن عبد الرَّحْمَن الْجُهَنِيّ وَإِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عَن جده قَالَ ضرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للزبير يَوْم خَيْبَر وَذكر مثله فَأَما إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش فَمنهمْ لَا يقبل شَيْئا من حَدِيثه وَمِنْهُم من يقبله عَن الشاميين خَاصَّة وَهَذَا حَدِيث خَارج عَن حَدِيثه عَن الشاميين
وَرَوَاهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أَن الزبير كَانَ يضْرب لَهُ فِي الْمغنم بأَرْبعَة أسْهم وَذكر مثله وَهَذَا مُرْسل وسُفْيَان أجل من سعيد بن عبد الرَّحْمَن
وَمن جِهَة النّظر أَن الْفرس آلَة فَالْقِيَاس أَن لَا يُسهم لَهُ كَسَائِر الْآلَات فَينزل الْقيَاس فِي السهْم الْوَاحِد وَأَيْضًا لَو حضر الْفرس دون الرجل لم يسْتَحق وَلَو حضر الرجل دون الْفرس اسْتحق فَلَمَّا لم نجاوز بِالرجلِ سَهْما وَاحِدًا كَذَلِك الْفرس(3/439)
1586 - فِي البراذين
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَمَالك وَالشَّافِعِيّ البرذون وَالْفرس سَوَاء
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ كَانَ أَئِمَّة الْمُسلمين فِيمَا سلف لَا يسهمون للبراذين حَتَّى هَاجَتْ الْفِتْنَة من بعد قتل الْوَلِيد بن يزِيد
وَقَالَ اللَّيْث للهجين والبرذون سهم وَاحِد وَلَا يلحقان بالعراب
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن عُيَيْنَة عَن الْأسود بن قيس عَن كُلْثُوم أَو عَليّ بن الْأَقْمَر وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر عَن أَبِيه قَالَ أغارت الْخَيل بِالشَّام وعَلى النَّاس رجل من هَمدَان يُقَال لَهُ الْمُنْذر بن أبي حميضة الوادعي فأدركت الْخَيل من يَوْمهَا وَأدْركت الكوادن من الْغَد فَقَالَ لَا أجعَل مَا أدْرك كَمَا لم يدْرك فَكتب إِلَى عمر فِيهِ فَكتب إِلَيْهِ عمر هبلت الوداعي أمه لقد اذكرت بِهِ امضوها على مَا قَالَ
وَعَن عبد الله بن دِينَار سَأَلت ابْن الْمسيب عَن صَدَقَة البراذين فَقَالَ سعيد وَهل فِي الْخَيل من صَدَقَة
وَعَن الْحسن البراذين بِمَنْزِلَة الْخَيل إِذا أدْركْت مَا يدْرك الْخَيل
وَقَالَ مَكْحُول أول من قسم للبراذين خَالِد بن الْوَلِيد يَوْم دمشق قسم(3/440)
للبراذين نصف سَهْمَان الْخَيل لما رأى من جريانها وَكَانَ يُعْطي للبراذين سَهْما سَهْما وَهُوَ مَقْطُوع وَهُوَ رَأْي لَيْسَ بتوقيف إِلَّا أَنه اعْتبر الْقُوَّة والحدة
وَمن جِهَة النّظر أَن راجل الْعَرَبِيّ والعجمي سَوَاء فِي السهْمَان كَذَلِك خيل الْعَرَبِيّ والعجمي وَأَيْضًا فَإِن البرذون إِن كَانَ من الْخَيل فيسهمه سهم الْخَيل وَإِن لم يكن مِنْهُ وَلَا سهم لَهُ كالبغل وَالْحمار
1587 - فِيمَن يَغْزُو بأفراس
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يُسهم إِلَّا لفرس وَاحِد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث يُسهم الفرسين
1588 - فِيمَن دخل رَاجِلا وفارسا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا دخل رَاجِلا ثمَّ ابْتَاعَ فرسا ضرب لَهُ بِسَهْم راجل وَإِن دخل فَارِسًا ثمَّ نفق فرسه ضرب لَهُ بِسَهْم فَارس
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا شهد شَيْئا من الْحَرْب فَإِن شَاءَ ضرب لَهُ بِسَهْم فَارس وَإِلَّا ضرب لَهُ بِسَهْم راجل
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا أعتبر الدُّخُول وَإِنَّمَا أعتبر الْقِتَال وَهُوَ قَول اللَّيْث
وَذكر ابْن الْمُبَارك عَن أبي حنيفَة إِذا دخل أَرض الْحَرْب بفرس فنفق ثمَّ غنموا أعْطى لفرسه وَإِن بَاعَ فرسه أوردهُ لم يُعْط لفرسه وَإِن دخل رَاجِلا ثمَّ اشْترى فرسا فِي دَار الشّرك أعطي سهم فرس وَقد كَانَ مرّة قَالَ لَا يعْطى لفرسه إِذا لم يدْخل بِهِ مَعَه وَهَذَا خلاف مَا رَوَاهُ عَنهُ أَبُو يُوسُف(3/441)
1589 - فِيمَن يَمُوت غازيا فِي دَار الْحَرْب
قَالَ أَصْحَابنَا لَا شَيْء لَهُ فِي الْغَنِيمَة
وَقَالَ مَالك إِذا مَاتَ قبل أَن يضمن أَو يُقَاتل فَلَا شَيْء لَهُ وَإِن قَاتل ثمَّ مَاتَ غنموا فَلهُ سَهْمه
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ من مَاتَ أَو قتل فَلهُ سَهْمه وَهُوَ قَول اللَّيْث
1590 - فِي التَّاجِر الْأَجِير الْحَرْبِيّ هَل يسْتَحق السهْم
قَالَ أَصْحَابنَا إِن قَاتلُوا اسْتحق السهْمَان وَإِن لم يقاتلوا فَلَا شَيْء لَهُم وَلَو دخل مُقَاتِلًا فَأسر ثمَّ تخلص قبل إِخْرَاج الْغَنِيمَة فَلهُ سَهْمه وَهُوَ قَول مَالك فِي التَّاجِر والأجير
وَقَالَ الثَّوْريّ التُّجَّار يُسهم لَهُم من الْغَنِيمَة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ من أسلم فِي دَار الشّرك ثمَّ خرج إِلَى الْعَسْكَر اسْتحق السهْم إِذا أدركهم قبل الْغَنِيمَة وَإِن جَاءَ بعد قسمتهَا فَلَا شَيْء لَهُ قَالَ وَلَا سهم للْعَبد وَلَا للْأَجِير
وَقَالَ الْحسن بن صَالح يُسهم للْأَجِير
وَقَالَ اللَّيْث الْأَجِير لَا شَيْء لَهُ وَمن أسلم وَخرج إِلَى الْعَسْكَر فَإِن قَاتل فَلهُ سَهْمه وَإِن لم يُقَاتل فَلَا شَيْء لَهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء} فَجَعلهَا للغانمين وَمن لم يُقَاتل عَلَيْهَا فَلَيْسَ بغانم فَلَا يسْتَحق(3/442)
1591 - فِي إخصاء الْبَهَائِم
قَالَ مُحَمَّد إخصاء الْخَيل يكره لِأَن صهيله يرهب الْعَدو وَلَيْسَ بِحرَام
وَعَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه نهى عَن إخصاء الْخَيل
وَكره مَالك إخصاء الْخَيل وَلم يكره إخصاء سَائِر الْبَهَائِم وَكره الثَّوْريّ إخصاء شَيْء وَقَالَ إِنَّهَا مثلَة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يكره إخصاء الْخَيل إِلَّا أَن يصول فَإِن صال فَلَا بَأْس بإخصائه وَذكر نَحوه عَن مَالك
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عبد الله بن نَافِع عَن أَبِيه عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن يخصى الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَالْخَيْل وَعبد الله بن نَافِع لَا يحْتَج بحَديثه
وَرَوَاهُ مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَوْقُوف
وَقد روى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضحى بكبشين موجئين فَلَو كَانَ ذَلِك مَكْرُوها لما ضحى بهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن ذَلِك يكون ذَرِيعَة إِلَى الإخصاء
وَقد رُوِيَ إخصاء الْبَهَائِم عَن عُرْوَة وَطَاوُس وَعَطَاء(3/443)
1592 - فِي الدَّابَّة تقف فِي دَار الْحَرْب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا لم يسْتَطع إِخْرَاجه ذبحه ثمَّ أحرقه وَالسِّلَاح وَالْمَتَاع يحرق وَالْحَدِيد يدْفن
وَقَالَ مَالك إِن شَاءَ عرقبه وَإِن شَاءَ ضرب عُنُقه وَكره ذبحه لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {فَطَفِقَ مسحا بِالسوقِ والأعناق}
وَقَالَ اللَّيْث يتْركهُ وَلَا يعرقبه وَيكسر السِّلَاح
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يقتل وَلَا يذبح إِلَّا لمأكله وَيجوز أَن يعرقبه إِذا كَانَ رَاكِبه حَرْبِيّا
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ أَن جَعْفَر بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام عرقب فرسه وَقَاتل الْقَوْم حَتَّى قتل
وَرُوِيَ أَن خَالِد الْحذاء عَن أبي قلَابَة عَن أبي الْأَشْعَث عَن شَدَّاد بن أَوْس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن الله كتب الْإِحْسَان على كل شَيْء فَإِذا قتلتم فَأحْسنُوا القتلة وَإِذا ذبحتم فَأحْسنُوا الذّبْح وليحد أحدكُم شفرته وليرح ذَبِيحَته
وَالذّبْح أحسن من الْعقر وأوجأ وَإِنَّمَا عقر جَعْفَر لِأَنَّهُ خشِي أَن يكون من الْعَدو مَا يشْغلهُ عَنهُ(3/444)
وروى ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن يمثل بالبهائم
1593 - فِي تسييب الدَّابَّة تقف فيرسلها صَاحبهَا
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الرجل يسيب دَابَّته وَقد وقفت فَأَخذهَا آخر وَأنْفق عَلَيْهَا إِن صَاحبهَا يَأْخُذهَا وَلَا نَفَقَة عَلَيْهِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وروى وهب عَن مَالك فِيمَن ترك دَابَّة وَقد قَامَت عَلَيْهِ بمضيعة لَا يَأْكُل وَلَا يشرب فَمن أَخذهَا فأحياها فَإِنَّهُ يَأْخُذهَا وَيدْفَع إِلَيْهِ أجره وَمَا أنْفق عَلَيْهَا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَنهُ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ أجر وَله النَّفَقَة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِي الرجل يَأْكُل التَّمْر ويلقي النَّوَى أَنه لمن أَخذه وَكَذَلِكَ من خلى عَن دَابَّته أَو غير ذَلِك فأباحه للنَّاس فَمن أَخذه فَهُوَ لَهُ وَلَا يرجع فِيهِ الأول إِلَّا أَن يَقُول لم أبحه للنَّاس فَيَأْخذهُ مَعَ يَمِينه أَنه لم يبحه
وَقَالَ اللَّيْث من ترك دَابَّة قَامَت عَلَيْهِ بمضيعة لَا يَأْكُل وَلَا يشرب فَمن أَخذهَا وأحياها فَهِيَ لَهُ إِلَّا أَن يكون تَركه وَهُوَ يُرِيد أَن يرجع إِلَيْهِ فَرجع مَكَانَهُ فَهُوَ لَهُ وَكَذَلِكَ الْقَوْم فِي الْمركب يتخوفون فيلقون مَتَاعهمْ فَمن أَخذه فَهُوَ لَهُ وَلَا شَيْء للَّذي ألْقى الْمَتَاع لأَنهم ألقوه على وَجه الْإِيَاس مِنْهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَنه لَو أيس من حَيَاة عَبده فَخَلَّاهُ ثمَّ وجده فِي يَد غَيره فَهُوَ أَحَق بِهِ كَذَلِك غَيره
1594 - فِيمَن أعْطى شَيْئا فِي سَبِيل الله تَعَالَى
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ ثلث مَالِي وَصِيَّة فِي سَبِيل الله فَإِنَّهُ يُعْطي الْفُقَرَاء فِي سَبِيل الله فَيكون لَهُم وَإِن مَاتَ قبل أَن يَغْزُو كَانَ مِيرَاثا عَنهُ لِأَن ذَلِك صَدَقَة عَلَيْهِ(3/445)
وَقَالَ مَالك إِذا أعْطى رجلا وَقَالَ هُوَ لَك فِي سَبِيل الله فَلهُ أَن يَبِيعهُ وَإِن قَالَ هُوَ فِي سَبِيل الله اركبه فَرده
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا أعْطى شَيْئا فِي سَبِيل الله إِن شَاءَ وَضعه فِيمَن يَغْزُو من أهل الثغور وَإِن شَاءَ قسمه فِي فقرائهم
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِيمَن أعْطى شَيْئا فِي سَبِيل الله أَنه كَسَائِر مَاله مَا لم يقل حبس أَو مَوْقُوف
إِنَّه وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا أعْطى فرسا فِي سَبِيل الله فِي الزَّكَاة فَهِيَ لَهُ وَإِن كَانَ فِي غير الزَّكَاة فَمَاتَ جعله فِي مثله
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أعْطى شَيْئا فِي سَبِيل الله لم يَبِعْهُ حَتَّى يبلغ مغزاه ثمَّ يصنع بِهِ مَا شَاءَ وَكَذَلِكَ الْفرس إِلَّا أَن يكون حوله حبسا فَلَا يُبَاع
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن إِذا قَالَ هُوَ لَك فِي سَبِيل الله فَرجع فَهُوَ لَهُ وَإِن قَالَ فِي سَبِيل الله فَرجع بِهِ رده حَتَّى يَجعله فِي سَبِيل الله
وَقَالَ الشَّافِعِي الْفرس الْمَحْمُول عَلَيْهَا فِي سَبِيل الله هِيَ لمن يحمل عَلَيْهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى فِي الصَّدقَات فِي سَبِيل الله تَعَالَى فَهُوَ تمْلِيك لِأَن الصَّدَقَة تمْلِيك وبلوغ المغزى لَا اعْتِبَار بِهِ لِأَنَّهُ إِن ملكه فِي الْحَال على أَن يَغْزُو بِهِ فالملك صَحِيح يتَصَرَّف فِيهِ تصرف الْمَالِك وَإِن كَانَ قَالَ إِذا بلغت مغزاك فَهُوَ لَك فَهَذَا تمْلِيك على مخاطرة فَلَا يَصح
1595 - فِي الْمركب يطْرَح فِيهِ النَّار
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ إِن لم يرج الْخَلَاص من النَّار وَلَا من طرح نَفسه فِي الْبَحْر فعل أَيهمَا شَاءَ
وَقَالَ مُحَمَّد لَا يطْرَح نَفسه فِي الْبَحْر وَهُوَ قَول الثَّوْريّ(3/446)
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم} فَقَوْل مُحَمَّد أصوب
1596 - فِي الحرس أَو الصَّلَاة
قَالَ أَصْحَابنَا إِن كَانَ هُنَاكَ من يَكْفِي الحرس فَالصَّلَاة أفضل وَإِن لم يكن كَذَلِك فالحرس أفضل وَإِن أمكنه أَن يجمع بَينهمَا فَهُوَ أفضل وَهَذَا قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ الحرس أفضل وَهُوَ قَول اللَّيْث
قَالَ أَبُو جَعْفَر الحرس فرض على الْكِفَايَة فَهُوَ أفضل من صَلَاة التَّطَوُّع
1597 - فِي الْحَرْبِيّ يدْخل إِلَيْنَا بِغَيْر أَمَان
قَالَ أَبُو يُوسُف فِي الْإِيلَاء إِذا وجد الْحَرْبِيّ فِي دَار الْإِسْلَام بِغَيْر أَمَان فَهُوَ فَيْء وَكَذَلِكَ فِي السّير الصَّغِير
وَقَالَ مُحَمَّد فِي السّير الْكَبِير قَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ فَيْء
وَقَالَ مُحَمَّد هُوَ لمن وجده
وَقَالَ مَالك هُوَ فَيْء الْمُسلمين
وَقَالَ الثَّوْريّ هُوَ أَسِير إِذا أَخَذُوهُ
وَقَالَ مَالك هُوَ لأهل الرِّبَاط الَّذِي سقط إِلَيْهِم
وَقَالَ الشَّافِعِي هُوَ فَيْء إِلَّا أَن يسلم قبل أَن يظفر بِهِ(3/447)
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن يكون لمن أَخذه وَفِيه الْخمس لِأَنَّهُ لم يُؤْخَذ بِقُوَّة الْمُسلمين وَقد رُوِيَ هَذَا القَوْل عَن أبي يُوسُف وَمُحَمّد
1598 - فِي أَخذ الْمُبَاحَات فِي دَار الْحَرْب
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري إِذا دخل مَعَ عَسْكَر الْمُسلمين فَأخذ شَيْئا من صيد أَو جَوْهَر أَو عسل أوحسالة قيمه فَذَلِك كُله فَيْء وَلَا يكون لَهُ مِنْهُ شَيْء دون أهل الْعَسْكَر وَلَو بَاعَ شَيْئا من ذَلِك الْعَسْكَر لم يطْلب لَهُ ثمنه وَلم يجز لَهُ بَيْعه وَكَذَلِكَ الْحَطب
وَلَو أَخذ حشيشا فَبَاعَهُ طَابَ ثمنه لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام النَّاس شُرَكَاء فِي ثَلَاث وَكَذَلِكَ قَول مَالك فِي الطير وقصب النشاب والعصى السَّبع إِلَّا أَن يَأْخُذهُ لمَنْفَعَة نَفسه أَو لهدية فَيجوز
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يجوز أَن يَأْخُذ مَا لَيْسَ لَهُ ثمن وَفِي رِوَايَة أُخْرَى يَأْخُذ من الْمُبَاح مَا لم يحوزوا فِي بُيُوتهم
وَقَالَ الشَّافِعِي جَمِيع الْمُبَاحَات لَهُ وَلَا خمس إِلَّا فِي الذَّهَب فَفِيهِ الْخمس إِلَّا أَن يكون الْمُشْركُونَ قد أحرزوه فَيكون غنيمَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَو وجد صيدا فِي أَرض رجل كَانَ لَهُ دون مَالك الأَرْض فَكَذَلِك مَا أَخذه فِي أَرض الْحَرْب وَأما الشّجر فَلَو قطعه فِي ملك رجل كَانَ لمَالِك الأَرْض فَكَذَلِك إِذا أَخذه من ملك رجل من أَرض الْحَرْب فَهُوَ غنيمَة وَإِن أَخَذُوهُ من غير ملك فَهُوَ لمن أَخذه(3/448)
1599 - فِي أَمَان العَبْد
قَالَ أَبُو حنيفَة أَمَانَة غير جَائِز إِلَّا أَن يُقَاتل وَرُوِيَ نَحوه عَن أبي يُوسُف فِي الْإِمْلَاء
كَمَا رُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ مُحَمَّد يجوز أَمَانه وَإِن لم يُقَاتل وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ
1600 - فِي الْحَرْبِيّ الْمُسْتَأْمن يكون مَعَه أسرى من الْمُسلمين
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أعطيناه الْأمان على أَن يدْخل إِلَيْنَا بأسرى الْمُسلمين للْفِدَاء ثمَّ هرب الأسرى مِنْهُم قبل أَن يفادوا لم يردهم عَلَيْهِ وَإِذا اشترطوا فِي أمانهم ردهم لم يردهم وَلم يُعْطوا الْفِدَاء وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَاللَّيْث
وَقَالَ مَالك إِذا أسلم رهن دَار الْحَرْب من أَيْدِينَا وَقَالُوا لَا تردونا رددناهم
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عُرْوَة عَن الْمسور ومروان أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أَرَادَ صلح أهل مَكَّة قَالَ سُهَيْل بن عَمْرو على أَلا يَأْتِيك منا رجل وَإِن كَانَ مُسلما إِلَّا رَددته إِلَيْنَا وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رد أَبَا جندل بن سُهَيْل بن عَمْرو وَجَاء نسَاء مؤمنات مهاجرات فَأنْزل الله تَعَالَى {وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر} وَإِلَى هَذَا الحَدِيث ذهب مَالك وَهَذَا مَنْسُوخ لِأَن الصُّلْح فِي رد من جَاءَ مُسلما(3/449)
وَلم يخْتَص بِالرِّجَالِ دون النِّسَاء ثمَّ نسخ الله الحكم فِي النِّسَاء بقوله تَعَالَى {إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات}
وَنسخ الحكم فِي الرِّجَال بِمَا روى إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن قيس بن أبي حَازِم عَن خَالِد بن الْوَلِيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه إِلَى أنَاس من خثعم فَاعْتَصمُوا بِالسُّجُود فَقَتلهُمْ فوداهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنصْف الدِّيَة وَقَالَ إِنِّي بَرِيء من كل مُسلم مَعَ مُشْرك لَا ترَاءى ناراهما وَهَذَا يُوجب نسخ الأول لِأَنَّهُ كَانَ بعده لِأَن خَالِدا كَانَ مُشْركًا فِي صلح الْحُدَيْبِيَة إِن كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ من حكمه رد الْمُسلمين إِلَى الْبَرَاءَة مِنْهُ وَقد اتَّفقُوا أَيْضا على أَن عبد الْحَرْبِيّ الْمُسْتَأْمن لَو أسلم منع من رده إِلَى دَار الْحَرْب وأجبره على بَيْعه
1601 - فِي الْحَرْبِيّ الْمُسْتَأْمن يَأْتِي مَا يُوجب الْحَد
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ لَا يحد الْحَرْبِيّ الْمُسْتَأْمن إِذا زنى أَو سرق
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَأَبُو يُوسُف يحد للزِّنَا وَالسَّرِقَة وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري
وَقَالَ مَالك لَا يحد للزِّنَا وتقطع فِي السّرقَة
قَالَ وَلَو سرق مُسلم من حَرْبِيّ مستأمن قطع(3/450)
1602 - فِي الْحَرْبِيّ الْمُسْتَأْمن يدل على عَورَة الْمُسلم
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري لَا يكون ذَلِك نقضا للْعهد فِي حَرْبِيّ وَلَا ذمِّي وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ هَذَا نقض للْعهد وَقد خرج من الذِّمَّة إِن شَاءَ الْوَالِي قَتله وَإِن شَاءَ صلبه
وَقَالَ مَالك فِي أهل الذِّمَّة إِذا تلصصوا وَقَطعُوا الطَّرِيق لم يكن ذَلِك نقض للْعهد حَتَّى يمنعوا الْجِزْيَة وينتقضوا الْعَهْد ويمتنعوا من أهل الْإِسْلَام فَهَؤُلَاءِ فيىء إِذا كَانَ الإِمَام يعدل فيهم
وَقَالَ مَالك فِي الذِّمِّيّ يستكره الْمسلمَة فيزني بهَا فَهُوَ خَارج من الْعَهْد وَإِن طاوعته لم يخرج
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا ينْقض الْعَهْد بِشَيْء فعله الْمعَاهد إِلَّا الِامْتِنَاع من أَدَاء الْجِزْيَة والامتناع من الحكم فَإِذا فعلوا ذَلِك نبذ إِلَيْهِم وَإِن كَانَ الْمُسْتَأْمن عينا للْمُشْرِكين لم يقتل وعوقب
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَن الْمُسلم لَو فعل ذَلِك لم يبح دَمه كَذَلِك الْمُسْتَأْمن وَالذِّمِّيّ
1603 - فِي الْمُسْتَأْمن يودع أَو يقْرض
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أودع الْحَرْبِيّ الْمُسْتَأْمن أَو أقْرض ثمَّ لحق بدار الْحَرْب فَأسر فالوديعة فيىء وَالْقَرْض على الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ بَاطِل وعَلى قَول مَالك الْوَدِيعَة فيىء
وَقَالَ الشَّافِعِي الدّين والوديعة مغنوم إِذا رَجَعَ إِلَى دَار الْحَرْب وَقتل
وَرُوِيَ عَنهُ أَنه لوَرثَته(3/451)
1604 - فِي الْحَرْبِيّ الْمُسْتَأْمن يتَزَوَّج ذِمِّيَّة
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يصير ذِمِّيا وَإِن كَانَت حربية مستأمنة تزوجت ذِمِّيا فَهِيَ ذِمِّيَّة
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تصير ذِمِّيَّة بِالتَّزْوِيجِ إِلَّا أَن لزَوجهَا أَن يمْنَعهَا الرُّجُوع وَله أَن يَدعهَا ترجع وَإِن طَلقهَا أَو مَاتَ عَنْهَا فلهَا أَن ترجع
1605 - فِي الْحَرْبِيّ الْمُسْتَأْمن يسلم
قَالَ أَصْحَابنَا الْحَرْبِيّ الْمُسْتَأْمن يسلم وَله فِي دَار الْحَرْب أَمْوَال وعقار وَامْرَأَة حَامِل وَأَوْلَاد صغَار وكبار فَظهر على الدَّار فَهَذَا كُله فيىء وَهُوَ قَول مَالك وَاللَّيْث
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يتْرك لَهُ أَهله وَعِيَاله
قَالَ أَصْحَابنَا وَإِن أسلم هُنَاكَ ثمَّ خرج وَأَوْلَاده صغَار أَحْرَار مُسلمُونَ وَمَا أودعهُ ذِمِّيا أَو مُسلما فَهُوَ لَهُ وَالْبَاقِي كُله فيىء
وَقَالَ الشَّافِعِي من خرج إِلَيْنَا مِنْهُم مُسلما أحرز مَاله وصغار وَلَده
1606 - فِي الْمُسلم يتَزَوَّج فِي دَار الْحَرْب
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْمُسلم يتَزَوَّج حربية فِي دَار الْحَرْب فَتحمل مِنْهُ ثمَّ يظْهر الْمُسلمُونَ على الدَّار فَهِيَ وَمَا فِي بَطنهَا فيىء وَلَو كَانَت وَلدته لم يكن فَيْئا وَهِي فيىء
وَقَالَ الشَّافِعِي الْوَلَد حر لِأَنَّهُ مُسلم بِإِسْلَام أَبِيه(3/452)
1607 - فِي نبش قُبُور الْمُشْركين
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس بنبش قُبُور الْمُشْركين طلبا لِلْمَالِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك أكرهه وَلَيْسَ بِحرَام
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا يفعل لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما مر بِالْحجرِ سجا ثَوْبه على رَأسه واستحث رَاحِلَته ثمَّ قَالَ لَا تدْخلُوا بيُوت الَّذين ظلمُوا أنفسهم إِلَّا أَن تدخلوها وَأَنْتُم باكون مَخَافَة أَن يُصِيبكُم مَا أَصَابَهُم
فقد نهى أَن يدخلوها عَلَيْهِم وَهِي بُيُوتهم فَكيف يدْخلُونَ قُبُورهم
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا الحَدِيث يرويهِ الزُّهْرِيّ مُرْسل وَقد ذكر فِيهِ أَن لَا تدخلوها إِلَّا وَأَنْتُم باكون فأباح دُخُولهَا على هَذَا الْوَجْه
وَقد رُوِيَ أَنه لما أَتَى ذَلِك الْوَادي أَمر النَّاس فَأَسْرعُوا وَقَالَ هَذَا وَاد مَلْعُون وَرُوِيَ أَنه أَمر بالعجين فَطرح
وَقد روى مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن بجير ابْن أبي بجير قَالَ سَمِعت عبد الله بن عَمْرو يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين خرجنَا إِلَى الطَّائِف فمررنا بِقَبْر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا قبر أبي رِغَال وَهُوَ أَبُو ثَقِيف وَكَانَ من ثَمُود وَكَانَ بِهَذَا الْحَرَام يدْفع عَنهُ فَلَمَّا خرج أَصَابَته النقمَة بِهَذَا الْمَكَان فَدفن فِيهِ وَآيَة ذَلِك أَنه دفن مَعَه غُصْن من(3/453)
ذهب إِن أَنْتُم نَبَشْتُمْ عَنهُ أصبتموه مَعَه فَابْتَدَرَهُ النَّاس فَاسْتَخْرَجُوا مَعَه الْغُصْن
وَفِي الحَدِيث إِبَاحَة نبش قبر الْمُشرك لأجل المَال
وَقد روى عَن أنس قَالَ كَانَ مَوضِع مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُبُور الْمُشْركين وَكَانَ فِيهِ حرث ونخل فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقبور المشتركين فنبشت وبالحرث فسويت وبالنخل فَقطع
1608 - فِي الْأَسير هَل يمد عُنُقه للْقَتْل
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا بَأْس
وَقَالَ الثَّوْريّ أكرهه لَا يَنْبَغِي أَن يُمكن من نَفسه إِلَّا مجبورا
1609 - فِي الْمُسْتَأْمن الْمُسلم يُقَاتل مَعَ المشتركين
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يَنْبَغِي أَن يقاتلوا مَعَ أهل الشّرك لِأَن حكم الشّرك هُوَ الظَّاهِر وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ الثَّوْريّ يُقَاتلُون مَعَهم
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا يُقَاتلُون إِلَّا أَن يشترطوا عَلَيْهِم إِن غلبوا أَن يردوهم إِلَى دَار الْإِسْلَام
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
قَالَ أَبُو حعفر الْقِتَال الَّذِي دَعَاهُ وَلَاؤُه إِلَى الْمُسلمين هُوَ قتال تَحت(3/454)
راية الْكفْر وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا بَرِيء من كل مُسلم مَعَ مُشْرك لَا يتَرَاءَى ناراهما
وروى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لرجل من الْمُشْركين جَاءَ يبايعه وَيُقَاتل مَعَه وَهُوَ مُشْرك فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرجع فَلَنْ نستعين بمشرك 2
وَأَيْضًا فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْمر يالقتال على شَرَائِط أَحدهَا الدُّعَاء إِلَى الْإِسْلَام ثمَّ قَالَ فَإِن فَأَبَوا فادعهم إِلَى إِعْطَاء الْجِزْيَة فَإِن اجابوك فاقبل مِنْهُم وَإِن أَبَوا فَقَاتلهُمْ
فَإِن قيل روى أَن الزبير قَاتل بِالْحَبَشَةِ مَعَ النَّجَاشِيّ عدوا آخر
قبل لَهُ النَّجَاشِيّ كَانَ مُسلما وَأَيْضًا فَلم يذكر فِيهِ قتال وَإِنَّمَا ذهب يعرف خبرهم فَأخْبر الْمُهَاجِرين
1610 - فِي العميان وَأَصْحَاب الصوامع
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يقتل العميان وَلَا الْمَعْتُوه وَلَا المقعد وَلَا أَصْحَاب الصوامع الَّذين طينوا الْبَاب عَلَيْهِم لَا يخالطون النَّاس وَهُوَ قَول مَالك
قَالَ مَالك وَأرى أَن يتْرك لَهُم من أَمْوَالهم مِقْدَار مَا يعيشون بِهِ وَمن خيف مِنْهُ قتل
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا يقتل الشَّيْخ وَلَا الْمَرْأَة وَلَا المقعد
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا يقتل الحراث والزراع وَلَا الشَّيْخ الْكَبِير وَلَا الْمَجْنُون عَنهُ وَلَا رَاهِبًا وَلَا امْرَأَة(3/455)
وَقَالَ اللَّيْث لَا يقتل الراهب فِي صومعته وَيتْرك لَهُ من مَاله الْقُوت
وَعَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يقتل الشَّيْخ والراهب وَهُوَ عِنْد الْمُزنِيّ أولى
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عبد الله بن ذكْوَان عَن المرقع بن صَيْفِي عَن حَنْظَلَة الْكَاتِب كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمر بِامْرَأَة لَهَا حلق فَلَمَّا جَاءَ أفرجوا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَت هَذِه تقَاتل ثمَّ اثبع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِدا أَن لَا تقتل امْرَأَة وَلَا عسيفا
فَدلَّ على أَنه إِنَّمَا يقتل من كَانَ من أهل الْقِتَال وَقد قتل يَوْم خَيْبَر دُرَيْد بن الصمَّة وَكَانَ ذَا رَأْي ومكيدة فِي الْحَرْب
1611 - فِي سلب الْقَتِيل
قَالَ أَصْحَابنَا السَّلب من غنيمَة الْجَيْش إِلَّا أَن يكون الْأَمِير نفله
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عَن أبي قَتَادَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نفله سلب قَتِيل قَتله
وَلم يبين السَّبَب فِيهِ هَل كَانَ تقدم فِيهِ القَوْل فِي ذَلِك أم لَا
وَذكر فِي حَدِيث آخر أَنه كَانَ يَوْم حنين وجال النَّاس قتلت رجلا من المشتركين ثمَّ رَجَعَ النَّاس فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قتل قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة فَلهُ سلبه فَقُمْت فَقلت من يشْهد لي ثَلَاثًا فَقَامَ رجل من الْقَوْم فَقَالَ(3/456)
صدق وسبله عِنْدِي فارضه مِنْهُ فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ لَا هَا الله إِذا لَا يعمد إِلَى أَسد من أَسد الله يُقَاتل عَن الله وَعَن رَسُوله فيعطيك سلبه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صدق فاعطه إِيَّاه قَالَ أَبُو قَتَادَة فأعطانيه
مَا كَانَت هَذِه تقَاتل ثمَّ اتبع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ فِيهِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِك بعد قتل أبي قَتَادَة إِيَّاه
وَذكر أنس هَذِه الْقِصَّة وَقَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ من قتل مُشْركًا فَلهُ سلبه فَقتل أَبُو طَلْحَة يومئد عشْرين قَتِيلا وَأخذ أسلابهم قَالَ أَبُو قَتَادَة إِنِّي ضربت رجلا وَعَلِيهِ درع فَقتلته وَذكر الْقِصَّة وَهَذَا يدل أَن القَوْل قد كَانَ تقدم من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل الْقِتَال وَلَا يمْنَع أَن يكون أعلمهم ذَلِك أَيْضا بعد انْقِضَاء الْحَرْب
وَقد روى خَالِد بن معدان عَن جُبَير بن نفير عَن عَوْف فِي قصَّة المددي الَّذِي قتل روميا يَوْم مؤته فَأعْطَاهُ خَالِد بن الْوَلِيد بعض سلبه وَمنعه الْبَعْض فَقلت يَا خَالِد مَا هَذَا أما تعلم أَن رَسُول الله أعْطى الْقَاتِل السَّلب كُله قَالَ بلَى وَلَكِنِّي استكثرته فَلَمَّا رَجعْنَا ذكرته لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمره أَن يدْفع إِلَيْهِ بَقِيَّة سلبه فَقلت لخَالِد كَيفَ رَأَيْت يَا خَالِد أَو لم أوف لَك على مَا وعدتك فَغَضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ يَا خَالِد لاتعطه وَأَقْبل عَليّ وَقَالَ هَل أَنْتُم تاركوا أمرائي لكم صفوة أَمرهم وَعَلَيْهِم كدره وَهَذَا قبل خَيْبَر لِأَن خَيْبَر كَانَت(3/457)
فِي آخر سنة سِتّ من الْهِجْرَة ومؤتة كَانَت فِي أول سنة ثَمَان من الْهِجْرَة وَفِي منع خَالِد إِيَّاه جَمِيعه وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاتعطه بعد أَن أمره بإعطائه دَلِيل على أَنه غير مُسْتَحقّ بِنَفس الْقَتْل لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لما مَنعه حَقه وَإِن كثر فَدلَّ على أَنه كَانَ على وَجه النَّفْل لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن شهد تِلْكَ الْحَرْب
وَقد رُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ فِي قَتِيل الْبَراء بن مَالك إِنَّا كُنَّا لانخمس السَّلب وَإِن سلب الْبَراء قد بلغ مَالا وَلَا أرانا إِلَّا خامسيه
1612 - إِذا قَالَ الإِمَام من أصَاب شَيْئا فَهُوَ لَهُ
قَالَ أَصْحَابنَا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَلَا خمس فِيهِ وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَكره مَالك أَن يَقُول من أصَاب شَيْئا فَهُوَ لَهُ لِأَنَّهُ قتال بِجعْل
وَقَالَ الشَّافِعِي يُخَمّس مَا أَصَابَهُ إِلَّا السَّلب وَفرق الشَّافِعِي بَين أَن يقْتله وَهُوَ مقبل أَو مُدبر فَقَالَ فِي الْمُدبر لَا سلب لَهُ
1613 - فِي النَّفْل قبل الْقِسْمَة أَو بعْدهَا
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري لانفل بعد إِحْرَاز الْغَنِيمَة إِنَّمَا النَّفْل أَن يَقُول من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه وَمن أصَاب شَيْئا فَهُوَ لَهُ(3/458)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُسْوَة حَسَنَة قد كَانَ ينفل فِي الْبدَاءَة الرّبع وَفِي الرّجْعَة الثُّلُث
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز أَن ينفل بعد إِحْرَاز الْغَنِيمَة على وَجه الإجتهاد
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر روى حبيب بن مسلمة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نفل فِي الْبدَاءَة الرّبع وَفِي رجعته الثُّلُث بعد الْخمس فَأَما التَّنْفِيل فِي الْبدَاءَة قبل الْقِتَال فمما قد عمل بِهِ الْمُسلمُونَ وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي القفول فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن يكون فِي الْحَال الَّتِي كَانَت الْغَنَائِم كلهَا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغَيْر خمس كَانَ فِيهَا
كَمَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم بدر من فعل كَذَا فَلهُ كَذَا فَلَمَّا كَانَت الْغَنِيمَة جَاءَت الشبَّان يطْلبُونَ نفلهم فَقَالَ الشُّيُوخ لَا تستأثروا علينا فَإنَّا كُنَّا تَحت الرَّايَات وَلَو انْهَزَمْتُمْ كُنَّا ردْءًا لكم فَأنْزل الله تَعَالَى {يَسْأَلُونَك عَن الْأَنْفَال} الْآيَة فقسم بَينهم بِالسَّوِيَّةِ
وَرُوِيَ نَحوه عَن عبَادَة بن الصَّامِت
فَفِي هَذَا الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسمهَا بَينهم بِغَيْر خمس أخرجه مِنْهَا وَقد كَانَ لَهُ أَن لَا يقسم مِنْهَا شَيْء فَيحْتَمل أَن يكون حَدِيث ابْن مسلمة فِي الْحَال الَّتِي كَانَت الْقِسْمَة فِيهَا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا حجَّة فِيهِ
فَإِن قيل ذكر فِي حَدِيث حبيب الرّبع وَالثلث بعد الْخمس وَذَلِكَ بعد الْحَال الَّتِي كَانَت الْغَنَائِم كلهَا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قيل لَهُ لَا دَلِيل فِيهِ على مَا ذكرت لِأَنَّهُ لم يذكر أَنه الْخمس الَّذِي يسْتَحقّهُ أهل الْخمس وَجَائِز أَن يكون ذَلِك على خمس الْغَنِيمَة لَا فرق بَينه وَبَين(3/459)
الثُّلُث وَالنّصف وَقد روى عبد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث سَرِيَّة فِيهَا ابْن عمر فغنموا غَنَائِم كَثِيرَة فَكَانَت غنائمهم لكل إِنْسَان اثنى عشر بَعِيرًا وَنفل كل إِنْسَان مِنْهُم بَعِيرًا بَعِيرًا فَذكر السهْمَان للجيش وَأخْبر أَن النَّفْل جَار من غير نصيب الْجَيْش
وَقد روى مُحَمَّد بن سِيرِين أَن أنس بن مَالك كَانَ مَعَ عبيد الله بن أبي بكرَة فِي غزَاة فَأَصَابُوا سَبَايَا فَأَرَادَ عبيد الله أَن يُعْطي أنسا من السَّبي قبل أَن يقسم فَقَالَ أنس لَا وَلَكِن اقْسمْ ثمَّ اعطني من الْخمس فَقَالَ عبيد الله لَا إِلَه من جَمِيع الْغَنَائِم فَأبى أنس أَن يقبل وأبى عبيد الله أَن يُعْطِيهِ من الْخمس فَهَذَا عَن أنس بِحَضْرَة غَيره من الصَّحَابَة من غير نَكِير
وَقد رُوِيَ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ كَانَ النَّاس يُعْطون النَّفْل من الْخمس
1614 - فِي المدد يلْحق الْجَيْش
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا غنموا فِي دَار الْحَرْب ثمَّ لحقهم جَيش آخر قبل إخْرَاجهَا إِلَى دَار الْإِسْلَام فهم شُرَكَاء فِيهَا
وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ لَا يشاركونهم
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الزُّهْرِيّ عَن عَنْبَسَة بن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث أبان بن سعيد على سَرِيَّة قبل نجد فَقدم أبان وَأَصْحَابه بِخَيْبَر(3/460)
بَعْدَمَا فتحنا وَإِن حزم خيلهم لِيف فَقَالَ أبان أقسم لنا يَا رَسُول الله قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فَقلت لَا تقسم لَهُم شَيْئا يَا رَسُول الله قَالَ أبان أتيت بِهَدَايَا وَفد نجد فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجْلِسْ يَا أبان فَلم يقسم لَهُم شَيْئا فاحتج من لم يُوجب الْقِسْمَة بِهَذَا وَهَذَا لَا حجَّة فِيهِ لِأَن خَيْبَر صَارَت دَار الْإِسْلَام حِين فتحت وَهَذَا وَجه
وَفِيه وَجه آخر وَهُوَ مَا روى حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَليّ بن زيد عَن عمار بن أبي عمار عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ مَا شهِدت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مغنما إِلَّا قسم لي إِلَّا خَيْبَر فَإِنَّهَا كَانَت لأهل الْحُدَيْبِيَة خَاصَّة فَفِي هَذَا الحَدِيث إِن خَيْبَر كَانَت لأهل الْحُدَيْبِيَة خَاصَّة يشهدوها أَو لم يشْهدُوا دون من سواهُم لِأَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَانَ وعدهم إِيَّاهَا بقوله {وَأُخْرَى لم تقدروا عَلَيْهَا} بعد قَوْله {وَعدكُم الله مَغَانِم كَثِيرَة}
وَقد روى أَبُو بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ قدمنَا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد فتح خَيْبَر بِثَلَاث فقسم لنا وَلم يقسم لأحد عَمَّن لم يشْهد الْفَتْح غَيرنَا فَفِي هَذَا الحَدِيث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسم لأبي مُوسَى ولأصحابه من غَنَائِم خَيْبَر وَلم يشْهدُوا الْوَقْعَة وَلم يقسم مِنْهَا لأحد لم يشْهدُوا الْوَقْعَة وَهَذَا يحْتَمل أَن يكون لأَنهم كَانُوا من أهل الْحُدَيْبِيَة وَيحْتَمل أَن يكون بِطيبَة أنفس أهل الْغَنِيمَة
كَمَا روى خثيم بن عرَاك عَن أَبِيه عَن نفر من قومه أَن أَبَا هُرَيْرَة قدم(3/461)
الْمَدِينَة هُوَ وَنَفر من قومه قَالَ فقدمنا وَقد خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى خَيْبَر واستخلف على الْمَدِينَة رجلا من بني غفار يُقَال لَهُ سِبَاع بن عرفطة فأتيناه وَهُوَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلَاة الْغَدَاة فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَة الأولى كهيعص وَفِي الثَّانِيَة ويل لِلْمُطَفِّفِينَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فَأَقُول وَأَنا فِي الصَّلَاة ويل لأبي فلَان لَهُ مكيالان إِذا اكتال اكتال بالوافي وَإِذا كال كال بالناقص فَلَمَّا فَرغْنَا من صَلَاتنَا أَتَيْنَا سباعا فزودنا شَيْئا حَتَّى قدمنَا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد افْتتح خَيْبَر فَكلم النَّاس فأشركونا فِي سِهَامهمْ
وَقد روى قيس بن مُسلم عَن طَارق بن شهَاب أَن أهل الْبَصْرَة غزوا نهاوند وأمدهم أهل الْكُوفَة فظفروا فَأَرَادَ أهل الْبَصْرَة أَن لَا يقسموا لأهل الْكُوفَة وَكَانَ عمار على أهل الْكُوفَة فَقَالَ رجل من بني عُطَارِد أَيهَا الأجدع تُرِيدُ أَن تشاركنا فِي غنائمنا فَقَالَ خير أُذُنِي سبيت فَكتب فِي ذَلِك إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ فَكتب إِن الْغَنِيمَة لمن شهد الْوَقْعَة
فَحصل فِيهِ الْخلاف بَين الصَّحَابَة لِأَن عمارا رأى الشّركَة وَرَأى عمر أَنَّهَا لمن شهد الْوَقْعَة
1615 - فِي الرجل يغنم وَحده
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن دخل دَار الْحَرْب مغيرا بِغَيْر إِذن الإِمَام فَمَا غنم فَهُوَ لَهُ وَلَا خمس فِيهِ حَتَّى يكون لَهُم مَنْعَة(3/462)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا كَانُوا تِسْعَة فَفِيهِ الْخمس
وَقَالَ الثَّوْريّ فِيهِ الْخمس وَإِن كَانَ وَاحِدًا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِن شَاءَ الإِمَام عاقبه وَحرمه وَإِن شَاءَ خمس مَا أصَاب وَالْبَاقِي لَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي يخمسه
1616 - فِي الطَّعَام فِي دَار الْحَرْب
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس أَن يُؤْكَل الطَّعَام والعلف فِي دَار الْحَرْب بِغَيْر إِذن الإِمَام وَكَذَلِكَ الْحَيَوَان وَإِن أخرج مِنْهُ شَيْئا إِلَى دَار الْإِسْلَام وَكَانَ غنيمَة وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ مَا أخرجه من ذَلِك إِلَى دَار الْإِسْلَام فَهُوَ لَهُ أَيْضا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء} الْآيَة ظَاهره أَن يكون الْجَمِيع غنيمَة إِلَّا أَنهم متفقون على إِبَاحَة أكل الْأَطْعِمَة هُنَاكَ وإعلاف الدَّوَابّ مِنْهَا فَخص ذَلِك من الْآيَة وَحكم الْعُمُوم بَاقٍ فِيمَا عَداهَا
وَقد روى أَبُو إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ عَن مُحَمَّد بن أبي المجالد عَن عبد الله بن أبي أوفى قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَيْبَر يَأْتِي أَحَدنَا إِلَى طَعَام من الْغَنِيمَة فَيَأْخُذ مِنْهُ حَاجته
وروى ابْن الْمُبَارك عَن جرير بن حَازِم عَن حميد بن هِلَال قَالَ حَدثنَا(3/463)
خَالِد بن عُمَيْر قَالَ شهِدت الأبلة مَعَ عتبَة بن غَزوَان فأصبنا سفينة مَمْلُوءَة جوزا قَالَ قلت مَا هَذِه الْحِجَارَة فَأخذ رجل جوزة فَكَسرهَا فَقَالَ هَذَا طَعَام طيب فَأَكَلُوا مِنْهُ
وروى سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن حميد بن هِلَال عَن عبد الله بن مُغفل قَالَ أصبت جرابا من شَحم يَوْم خَيْبَر فالتزمته فَقلت لَا أعطي أحدا الْيَوْم من هَذَا شَيْئا فَالْتَفت فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبتسم فَلم يُنكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله
وَقد روى عباد بن نسي عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم عَن معَاذ بن جبل أَنه قَالَ كلوا لحم الشَّاة وردوا إهابها إِلَى الْمغنم فَإِن لَهُ نَمَاء
وَقَالَ أَصْحَابنَا مَا كَانَ من غير الطَّعَام والعلف فَإِنَّهُ لَا ينْتَفع بِهِ إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة
وَحَدِيث رويفع بن ثَابت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يَأْخُذ دَابَّة من الْمَغَانِم فَيركبهَا حَتَّى إِذا أنقصها ردهَا فِي الْمَغَانِم وَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يلبس ثوبا من الْمَغَانِم حَتَّى إِذا أخلقه رده فِي الْمَغَانِم رَوَاهُ حَنش بن عبد الله عَن رويفع فَإِن مَعْنَاهُ إِذا كَانَت مُتَعَيّنا عَنْهَا فَبَقيَ بهَا دَابَّته وثوبه
1617 - فِي قسْمَة الْمَغَانِم فِي دَار الْحَرْب
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تقسم الْغَنَائِم فِي دَار الْحَرْب(3/464)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف أحب إِلَى أَن لَا تقسم فِي دَار الْحَرْب إِلَّا أَن لَا يجد حمولة فتقسم فِي دَار الْحَرْب
وَقَالَ مَالك أكره قسمتهَا فِي دَار الْحَرْب
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ نقسمها فِي دَار الْحَرْب
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى جُبَير بن مطعم وَجَابِر (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسم غَنَائِم حنين بالجعرانة
1618 - فِي الرجل يملك عبدا من السَّبي فيدعيه
قَالَ أَصْحَابنَا يصدق إِذا كَانَ مثله يُولد لمثله وَلم يعرف لَهُ نسب
روى يحيى بن عبد الله بن بكير عَن مَالك قَالَ الْأَمر عندنَا أَلا يُورث أحدا من الْمَغَانِم شَيْئا لَا باعتراف وَلَا غَيره إِلَّا أحد ولد فِي الْعَرَب وَامْرَأَة جَاءَت حَامِلا من أَرض الْعَدو فَوضعت فَهُوَ وَلَدهَا يَرِثهَا
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ عَن مَالك انه كَانَ لَا يُورث الحبلى لَا بِبَيِّنَة وَلَا بِغَيْر بَيِّنَة
وَقَالَ الْمعَافى عَن الثَّوْريّ فِي قوم من أهل الْحَرْب خَرجُوا مُسلمين مقرين بأنسابهم قَالَ لَا يجوز إِلَّا مَا قَامَت عَلَيْهِ بَيِّنَة وَإِن كَانَ عِنْدهم تجار يشْهدُوا على أقرارهم بذلك فِي بِلَادهمْ لم يجز فَأَما أهل الذِّمَّة فَإِن أنسابهم ثَبت فِيمَا يقرونَ بِهِ بَينهم قَالَ وَلَا يُورث حميل إِلَّا بِبَيِّنَة إِن قَالَ هُوَ أخي لم يصدق
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي قوم ينسبون فَيدعونَ النّسَب فَإِن شَهَادَة بَعضهم لبَعض جَائِزَة فِي النّسَب وَالْمِيرَاث
وَقَالَ اللَّيْث لَا يتوارث من ولد فِي أَرض الْعَدو بعد أَن يسلمُوا فِي دَار(3/465)
الْإِسْلَام وَلَا تقبل شَهَادَة بَعضهم لبَعض فِي أنسابهم وَلَو جاؤونا فأسلموا كَانُوا على ذَلِك عندنَا وَلَا يُورث إِلَّا من كَانَت لَهُ ولادَة فِي الْإِسْلَام
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا ادّعى الْأَعَاجِم ولادَة بالشرك فَإِن جاؤونا مُسلمين وَلَا وَلَاء فِي أحد مِنْهُم بِعِتْق قبلنَا دَعوَاهُم كَمَا قبلنَا غَيرهم من أهل الْجَاهِلِيَّة وَإِن كَانُوا مسبيين عَلَيْهِم رق أَو أعتقوا قبلت عَلَيْهِم وَلَا أقبل إِلَّا بِبَيِّنَة ولادَة مَعْرُوفَة قبل السَّبي وَهَكَذَا أهل حصن وَمن حمل إِلَيْنَا مِنْهُم
قَالَ أَبُو جَعْفَر النّسَب يتَعَلَّق بِالْملكِ وَالنِّكَاح وَقد يكون ذَلِك فِي دَار الْحَرْب كَمَا يكون فِي دَار الْإِسْلَام فَيَنْبَغِي أَن لَا يخْتَلف حمله فِي الْحَالين
1619 - فِي ملك أهل الْحَرْب علينا بالغلبة
قَالَ أَصْحَابنَا يملكونه علينا فَإِن غنمناه فجَاء صَاحبه قبل الْقِسْمَة أَخذه بِغَيْر شَيْء وَإِن جَاءَ بعد الْقِسْمَة يَأْخُذهُ بِالْقيمَةِ وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَالْحسن بن صَالح وَاللَّيْث
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي العَبْد يأبق إِلَى الْمُشْركين كَافِرًا فَيُؤْخَذ أَسِيرًا رد على صَاحبه بِالْقيمَةِ وَبعدهَا بِغَيْر شَيْء
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن أبي الْمُهلب عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ أغار الْمُشْركُونَ على سرح الْمَدِينَة فَأخذُوا العضباء وَامْرَأَة من الْمُسلمين فَلَمَّا كَانَت ذَات لَيْلَة قَامَت الْمَرْأَة وَقد نوموا فَجعلت لَا تضع يَدهَا على بعير إِلَّا رغا حَتَّى أَتَت العضباء فَأَتَت على نَاقَة ذَلُول فركبتها وتوجهت قبل الْمَدِينَة ونذرت لَئِن الله نجاها عَلَيْهَا(3/466)
لتنحرنها فَلَمَّا قدمت عرفت النَّاقة فَأتوا بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته الْمَرْأَة بنذرها فَقَالَ بئس مَا جزيتيها لَا نذر فِي معصيبة وَلَا فِيمَا لَا يملك ابْن آدم رَوَاهُ عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ بِهَذَا الْإِسْنَاد فَزَاد فِيهِ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ نَاقَته
وَلَيْسَ عبد الْوَهَّاب كحماد بن زيد فَتقبل زِيَادَته عَلَيْهِ لِأَن عبد الْوَهَّاب لَيْسَ حَافِظًا وَحَمَّاد حَافظ
وَقد روى الْحسن بن عمَارَة عَن عبد الْملك بن ميسرَة عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا وجد بَعِيرًا لَهُ كَانَ الْمُشْركُونَ أَصَابُوهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أصبته قبل الْقِسْمَة فَهُوَ لَك وَإِن أصبته بَعْدَمَا قسم أَخَذته بِالْقيمَةِ
وَقد ذكر عَليّ بن الْمَدِينِيّ عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان أَنه سَأَلَ مسعرا غير ذَاك فَقَالَ هُوَ من حَدِيث عبد الْملك
وَقد روى سماك بن حَرْب عَن تَمِيم بن طرفَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
وروى قَتَادَة عَن خلاس عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ من اشْترى مَا أحرزه الْعَدو فَهُوَ جَائِز
1620 - فِي العَبْد يسبيه الْعَدو فيشتريه رجل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْتَرَاهُ مِنْهُم رجل فَأخْرجهُ إِلَى دَار الْإِسْلَام جَازَ لمَوْلَاهُ أَخذه بِالثّمن فَإِن وهبه لرجل قبل أَن يَأْخُذهُ مَوْلَاهُ ثمَّ جَاءَ الْمولى لم يكن لَهُ فسخ الْهِبَة وَلكنه يَأْخُذهُ من الْمَوْهُوب لَهُ بقيمتة يَوْم وهب(3/467)
وَالَّذِي يَجِيء على قَول مَالك فِيمَا ذكره أَشهب أَنه تبطل هبة المشري لِأَنَّهُ لَو اعتقه بَطل عتقه وَأَخذه مولاة بِالثّمن الثّمن الَّذِي اشْتَرَاهُ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يَأْخُذهُ الْمولى من المُشْتَرِي الثَّانِي بِالثّمن الَّذِي أَخذه بِهِ الأول من الْعَدو ثمَّ يرجع الثَّانِي على الأول بِالثّمن
قَالَ ابو جَعْفَر لما لم يكن لَهُ نقض الْقِسْمَة كَذَلِك لَا ينْتَقض بَيْعه وَلَا هِبته إِلَّا أَنهم قَالُوا الشَّفِيع ينْقض بيع المُشْتَرِي وهبته وَمَعَ ذَلِك لَا ينْقض قبض المُشْتَرِي وَلَا يردهُ إِلَى البَائِع ثمَّ يَأْخُذهُ كَمَا كَانَ يَأْخُذ قبل الْقَبْض إِلَّا أَن الشَّفِيع يثبت لَهُ حق الْأَخْذ بِالْبيعِ الثَّانِي لَو كَانَ سلم فِي يَد الأول وَلَو كَانَ الْمولى الأول سلمه للْأولِ لم يكن لَهُ بعد ذَلِك أَخذه بِالشِّرَاءِ الثَّانِي وَالْقِيَاس على هَذَا لَا يكون لَهُ أَخذه على مَا لم يُوجب لَهُ أَخذه وَهُوَ البيع الثَّانِي وَيَأْخُذهُ بِالْأولِ وَحده
1621 - فِي الْحر يأسره الْعَدو فيشتريه رجل بِغَيْر أَمر
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ لَا يجب شَيْء من الثّمن على الْأَسير إِلَّا ان يكون أَمر هـ بِالشِّرَاءِ فَيلْزمهُ ذَلِك للْمُشْتَرِي
وَقَالَ مَالك يلْزم الْأَسير الثّمن وَإِن اشْتَرَاهُ بِغَيْر أمره وَإِن كَانَت أم وليد لرجل كَانَ ذَلِك على الْمولى
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَيْسَ للْمُشْتَرِي أَن يلْزمه الْأَسير دينا لنَفسِهِ بِغَيْر أمره لِأَن ذَلِك خَارج عَن الْأُصُول
فَإِن قيل لما كَانَ وَاجِبا على المأسور فعله فَرجع بِهِ
قيل لَهُ وواجب على الْمُسلمين كلهم ان يفدوه لوُجُوبه على المأسور وَمَعَ ذَلِك لَو امْرَهْ المأسور بِالْفِدَاءِ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ عِنْد الْجَمِيع وَإِن فعل مَا يجب عَلَيْهِ فَعلمنَا أَن لُزُوم الضَّمَان فِي هَذَا الْبَاب لَا يتَعَلَّق بِالْوُجُوب
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَو اسرد معي فَفَدَاهُ مُسلم بِغَيْر أمره استسعاه فِيهِ(3/468)
1622 - فِي الْمُدبر يرْتَد ثمَّ يسبى
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يملكونه فَإِن أسلم كَانَ عبدا لمَوْلَاهُ قسم أَو لم يقسم
وَقَالَ مَالك إِن قسم خير سَيّده فَإِن افتك كَانَ على تَدْبيره وَإِن أَبى أَن يفتكه خدم العَبْد الَّذِي وَقع فِي سَهْمه فِي قِيمَته فَإِن استوفى وَالْمولى حَيّ رَجَعَ الْأَمر إِلَى مَوْلَاهُ على تَدْبيره فَإِن مَاتَ السَّيِّد قبل ذَلِك وَخرج من الثُّلُث فَهُوَ حر وَاتبع مَا بَقِي من الْقيمَة وَإِن لم يخرج من الثُّلُث عتق مِنْهُ الثُّلُث وَكَانَ مَا بَقِي مِنْهُ رَقِيقا لمن وَقع سَهْمه
1623 - فِي اهل الذِّمَّة ينقضون الْعَهْد ويحاربون
قَالَ أَبُو حنيفَة لايصيرون حَربًا حَتَّى لَا يكون بَينهمَا وَبَين دَار الْحَرْب دَار للْمُسلمين حَتَّى يحكموا فِيهَا بِحكم الشّرك وَلَا يبْقى فِيهَا مُسلم وَلَا ذمِّي آمن فَإِن فقد شَيْء من ذَلِك لم تكن دَار حَرْب وَكَانُوا بِمَنْزِلَة أهل الْبَغي
وَقَالَ ابو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا كَانَ جرى فِيهَا حكم الشّرك فقد صَارَت دَار حَرْب
وَقَالَ مَالك إِن قطعُوا الطَّرِيق وَخَرجُوا متلصصين فهم بِمَنْزِلَة الْمُحَاربين من الْمُسلمين وَإِن منعُوا الْجِزْيَة وَنَقَضُوا الْعَهْد وامتنعوا من حكم الْإِسْلَام من غير أَن يظلموا فَهَؤُلَاءِ فيىء إِذا كَانَ الإِمَام يعدل فيهم
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا حَارب أهل الذِّمَّة الْمُسلمين ثمَّ ظفر بهم قتلوا وَكَانَ نِسَائِهِم وذراريهم فَيْئا وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُرْتَدين سَوَاء كَانُوا فِي دَار الْإِسْلَام أَو فِي دَار(3/469)
الْحَرْب يُقَاتلُون فَإِن أَسْلمُوا فمالهم لَهُم وَإِلَّا قتلوا وَنِسَاؤُهُمْ لم نسبهم فَإِذا قتلوا كَانَ مَا لَهُم فَيْئا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف أَن الْحَرْبِيّ الْمُسْتَأْمن إِذا لحق بدار الْحَرْب عَاد ألى حكم الْحَرْب وَبَطل الْأمان فَدلَّ على اخْتِلَاف حكم الدَّاريْنِ وَكَذَلِكَ من يُخَيّر للمفاداة من طلب اللحاق بِأَهْل الْحَرْب من أهل الذِّمَّة فَإِنَّمَا يخيره إِذا طلب ذَلِك ليعود إِلَى حكم الْحَرْب فَيصير بِمَنْزِلَة سَائِر أهل الْحَرْب
وَقد روى سُفْيَان عَن قيس بن مُسلم عَن طَارق بن شهَاب قَالَ جَاءَ وَفد بزاخة أَسد وغَطَفَان أهل الرِّدَّة إِلَى أبي بكر رَضِي الله عَنهُ يسألونه الصُّلْح فَخَيرهمْ أَبُو بكر بَين الْحَرْب المجلية أَو السّلم المخزية فَقَالُوا هَذِه الْحَرْب المجلية قد علمناها فَمَا السّلم المخزية قَالَ تنْزع مِنْكُم الْحلقَة والكراع وتتركون أَقْوَامًا تتبعون اذناب الْإِبِل حَتَّى يرى الله خَليفَة نبيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام والمهاجرين أمرا يعذرونكم بِهِ ونغنم مَا أصبْنَا مِنْكُم وتردون إِلَيْنَا مَا أصبْتُم منا وتدون لنا قَتْلَانَا وَتَكون قَتْلَاكُمْ فِي النَّار قَالَ غفام عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ إِنَّك قد رَأَيْت رَأيا وسنشير عَلَيْك اما مَا ذكرت من الْحلقَة والكراع فَنعم مَا رَأَيْت وَأما مَا ذكرت من أَن يتْركُوا أَقْوَامًا يتبعُون أَذْنَاب الْإِبِل حَتَّى يرى الله خَليفَة نبيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام والمهاجرين أمرا يعذرونهم بِهِ فَنعم مَا رَأَيْت وَأما مَا ذكرت من أَن نغنم مَا أصبْنَا مِنْهُم ويردوا إِلَيْنَا مَا أَصَابُوا منا فَنعم مَا رَأَيْت وَأما مَا ذكرت من أَن يدوا قَتْلَانَا وَتَكون قتلاهم فِي النَّار فَإِن قَتْلَانَا قتلوا على أَمر الله أُجُورهم على الله تَعَالَى لَيست لَهُم ديات فتابع الْقَوْم قَول عمر(3/470)
فَفِي هَذَا الحَدِيث اتِّفَاق جَمِيع الصَّحَابَة على إِثْبَات الْغَنَائِم فِي أَمْوَال الْمُرْتَدين الْمُحَاربين وَإِن لم يقبلُوا كَسَائِر أَمْوَال الْحَرْبِيين
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالْوَاجِب أَن تصير دَار الْحَرْب فغلبة الْكفَّار وجريان حكمهم فِيهَا لقَوْل الله تَعَالَى ( {هم الَّذين كفرُوا وصدوكم عَن الْمَسْجِد الْحَرَام} الممتحنة أى مَا غَنِمْتُم
فذل على أَن جَرَيَان حكم الشّرك فِي الدَّار هُوَ الَّذِي تجعلها دَار حَرْب
1624 - فِي قتل الْمُرْتَدَّة
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري لَا يقتل
وَقد كَانَ أَبُو يُوسُف يَقُول تقتل ثمَّ رَجَعَ ثمَّ قَالَ لَا تقتل وَهُوَ قَول شبْرمَة
إِن تنصرت الْمسلمَة فَتَزَوجهَا نَصْرَانِيّ جَازَ 2
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَعُثْمَان البتي وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ تقتل
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سُفْيَان عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من ترك دينه فَاقْتُلُوهُ(3/471)
وروى أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري عَن عَاصِم عَن أبي رزين عَن ابْن عَبَّاس فِي الْمَرْأَة ترتد قَالَ لَا تقتل وتجبر عَلَيْهِ
روى حَمَّاد بن سَلمَة عَن قَتَادَة عَن خلاس عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْمُرْتَدَّة عَن الْإِسْلَام قَالَ سَبَايَا
وروى عَن الْحسن وَعَطَاء أَنَّهَا لَا تقتل
وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ تقتل
1625 - فِي مِيرَاث الْمُرْتَد
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري إِذا لحق بدار الْحَرْب أَو مَاتَ قسم مَاله بَين ورثته وَعتق مدبروه من الثُّلُث وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يُوقف مَاله إِلَى أَن يَمُوت أَو يقتل
1626 - فِي عدَّة امْرَأَة الْمُرْتَد
قَالَ أَبُو جَعْفَر قِيَاس قَول أبي حنيفَة أَن تكون عدتهَا أبعد الْأَجَليْنِ
قَالَ أَبُو بكر قد روى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَن عدتهَا ثَلَاث حيض فِي قَوْلهم جَمِيعًا وقولهما أَنَّهَا ثَلَاث حيض
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا ارْتَدَّ وَلحق بدار الْحَرْب ثمَّ رَجَعَ قبل أَن تَعْتَد امْرَأَته أَرْبَعَة أشهر وَعشرا فَإِن عَلَيْهَا أبعد الْأَجَليْنِ وَإِن رَجَعَ بَعْدَمَا اعْتدت أَرْبَعَة أشهر وَعشرا فَلَيْسَ عَلَيْهَا بعد ذَلِك حيض
وَالشَّافِعِيّ لَا يُوجب عَلَيْهَا عدَّة إِذا قتل غير عدَّة الْبَيْنُونَة(3/472)
1627 - فِيمَن يَأْتِي مَا يُوجب الْحَد فِي دَار الْحَرْب
قَالَ أَصْحَابنَا فِي مُسلم زنى فِي دَار الْحَرْب ثمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا فَلَا حد عَلَيْهِ وَإِن كَانَ فِي جَيش الْمُسلمين فِي دَار الْحَرْب فَإِن كَانَ على الْجَيْش أَمِير مصر أَو الشَّام أَو نَحوه أَقَامَ الْحُدُود فِي عسكره قبل القفول وَإِن كَانَ أَمِير سَرِيَّة لم يقم عَلَيْهِ الْحَد
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَإِن لم يكن أَمِير مصر من الْأَمْصَار أَقَامَ الْحُدُود إِلَّا الْقطع فَإِنَّهُ لَا يقطعهُ حَتَّى يقفل
روى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف فِي قوم تجار دخلُوا دَار الْحَرْب فَسرق بَعضهم من بعض لم تقطع فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ ابْن أبي ليلى تقطع وَهُوَ قَول أبي يُوسُف
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا فرق بَين دَار الْحَرْب وَدَار الْإِسْلَام فِي الْحُدُود
1628 - فِيمَن سرق من الْمغنم وَبَيت المَال
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تقطع وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث تقطع من سرق من الْغَنِيمَة وَإِن كَانَ لَهُ فِيهَا نصيب وَهُوَ قَول اللَّيْث
كَذَلِك قَالَا فِيمَن سرق شَيْئا وَهُوَ شريك فِيهِ إِذا كَانَ نصيب غَيره يبلغ ربع دِينَار
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تقطع من سرق من الْغَنِيمَة(3/473)
وروى عَنهُ أَنه تقطع
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سماك بن حَرْب عَن فلَان بن فلَان ابْن عبيد بن الأبرص أَن عليا عَلَيْهِ السَّلَام أَتَى بِرَجُل قد سرق من الْغَنِيمَة فَقَالَ لَهُ إِن لَهُ فِيهَا نَصِيبا فَلم يقطعهُ وَلم يُخَالِفهُ فِيهِ أحد من الصَّحَابَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن تقطع لِأَن شَهَادَته مَقْبُولَة على من غصب مِنْهَا شَيْئا وَيجوز أَيْضا للْإِمَام الْقَضَاء بذلك وَإِن كَانَ لَهُ فِيهَا نصيب
1629 - فِيمَن وطئ جَارِيَة من الْمغنم
قَالَ أَصْحَابنَا لَا حد عَلَيْهِ وَلَا يثبت نسب وَلَدهَا مِنْهُ وَعَلِيهِ الْعقر وَلَو أعتق رجل من الْجَيْش نصِيبه من الْمغنم لم يعْتق
وَقَالَ الثَّوْريّ أَيْضا لايعتق
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث عَلَيْهِ مائَة جلدَة وَيقوم قيمَة عدل فَيلْحق وَلَدهَا بِهِ
وَالْعَبْد تقطع لِأَنَّهُ لَا حق لَهُ فِي الْغَنِيمَة
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يحد وَعَلِيهِ الْمهْر وَإِن كَانَ فيهم أَبوهُ أَو ابْنه لم يعْتق عَلَيْهِ قبل الْقِسْمَة وَإِن أحصوا الْمغنم فَعَلمُوا كم حَقه فِيهَا مَعَ جمَاعَة أهل(3/474)
الْمغنم ثمَّ استولد جَارِيَة سقط عَنهُ بِمِقْدَار نصِيبه مِنْهَا وَتقوم عَلَيْهِ إِن كَانَ بهَا حمل وَتَكون أم ولد لَهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَا يعْتق نصِيبه إِن أعتق لِأَنَّهُ لَيْسَ للْإِمَام أَن يقسم وَأَن يَبِيع حَتَّى يحصل الثّمن دَرَاهِم أَو دَنَانِير ثمَّ يقسمهما فَدلَّ على أَن أهل الْغَنِيمَة غير مالكين لأَنهم لَو كَانُوا مالكين لما جَازَ للْإِمَام بيع أنصبائهم إِلَّا بإذنهم
1630 - فِي عُقُوبَة الغال
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ يُعَزّر وَلَا يحرق مَتَاعه
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يحرق مَتَاعه إِلَّا مَا غل وَإِلَّا سلاحه وثيابه الَّتِي عَلَيْهِ ويعاقبه مَعَ ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى أَسد بن مُوسَى عَن الدَّرَاورْدِي عَن صَالح بن مُحَمَّد بن زَائِدَة عَن سَالم عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من غل فاحرقوا مَتَاعه واضربوه(3/475)
وروى مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن الدَّرَاورْدِي بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ فِيهِ فاضربوا عُنُقه واحرقوا مَتَاعه
وَصَالح بن مُحَمَّد هَذَا ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ
وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحل دم امْرِئ مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث فنفى بِهِ وجوب الْقَتْل فِي الْغلُول
وروى ابْن جريج عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ لَيْسَ على الخائن وَلَا على المختلس وَلَا على المنتهب قطع وَهَذَا أحسن إِسْنَادًا من حَدِيث الْغلُول
وَإِن صَحَّ احْتمل أَنه حِين كَانَت الْعُقُوبَات فِي الْأَمْوَال كَمَا قَالَ فِي مَانع الزَّكَاة وكما روى أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ضَالَّة الْإِبِل المكتومة غرامتها وَمثلهَا مَعهَا
وكما روى عَنهُ فِي سَارِق التَّمْر أَن فِيهِ غَرَامَة مثله وَجَاز أَن يُكَال وَهَذَا كُله مَنْسُوخ
1631 - فِي الْمُسلم يُقيم فِي دَار الْحَرْب فَيقْتل
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْحَرْبِيّ يسلم فِي دَار الْحَرْب فيقتله مُسلم مستأمن من(3/476)
قبل أَن يخرج فَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِلَّا الْكفَّار فِي الْخَطَأ وَإِن كَانَا مستأمنين دخلا دَار الْحَرْب فَقتل أَحدهمَا صَاحبه فَعَلَيهِ الدِّيَة فِي الْعمد وَالْخَطَأ وَالْكَفَّارَة فِي الْخَطَأ خَاصَّة وَإِن كَانَا أسيرين فَلَا شَيْء على الْقَاتِل إِلَّا الْكَفَّارَة فِي الْخَطَأ فِي قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد عَلَيْهِ الديه فِي الْعمد وَالْخَطَأ
وروى بشير بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف فِي الْحَرْبِيّ يسلم فِي دَار الْحَرْب فيقتله رجل مُسلم قبل أَن يخرج إِلَيْنَا أَن عَلَيْهِ الدِّيَة اسْتِحْسَانًا
وَلَو وَقع فِي بِئْر حفرهَا أَو وَقع عَلَيْهِ ميزاب عمله لم يضمن شَيْئا
وَقَالَ مَالك إِذا أسلم فِي دَار الْحَرْب فَقتل قبل أَن يخرج إِلَيْنَا فعلى قَاتله الدِّيَة وَالْكَفَّارَة وَإِن كَانَ خطأ
قَالَ وَقَوله تَعَالَى {فَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} إِنَّمَا كَانَ فِي صلح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل مَكَّة لِأَنَّهُ من لم يُهَاجر لم يُورث لأَنهم كَانُوا يتوارثون بِالْهِجْرَةِ قَالَ الله تَعَالَى {وَالَّذين آمنُوا وَلم يهاجروا مَا لكم من ولايتهم من شَيْء حَتَّى يهاجروا} فَلم يكن لمن لم يُهَاجر وَرَثَة يسْتَحقُّونَ مِيرَاثه فَلم تجب الدِّيَة ثمَّ نسخ ذَلِك بقوله تَعَالَى {وأولو الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض}
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ من أَقَامَ فِي أَرض الْعَدو وَإِن انتحل الْإِسْلَام وَهُوَ يقدر على التَّحْوِيل إِلَى الْمُسلمين فأحكامه أَحْكَام الْمُشْركين وَإِذا أسلم الْحَرْبِيّ ثمَّ أَقَامَ ببلادهم وَهُوَ يقدر على الْخُرُوج فَلَيْسَ بِمُسلم يحكم فِيهِ بِمَا يحكم بِهِ أهل الْحَرْب فِي مَاله وَنَفسه
قَالَ الْحسن وَإِذا لحق الرجل بدار الْحَرْب وَلم يرْتَد عَن الْإِسْلَام فَهُوَ مُرْتَد بِتَرْكِهِ دَار الْإِسْلَام(3/477)
وروى أَبُو إِسْحَاق عَن عَامر عَن جرير قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أبق العَبْد إِلَى أَرض الشّرك فقد حل دَمه
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قتل مُسلما فِي دَار الْحَرْب فِي الْغَارة وَالْحَرب وَهُوَ لَا يعلم انه مُسلم فَلَا عقل فِيهِ وَلَا قَود وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة وَسَوَاء كَانَ الْمُسلم أَسِيرًا أَو مستأمنا أَو رجلا أسلم هُنَاكَ وَإِن علمه مُسلما فَقتله فَعَلَيهِ الْقود
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر قد رُوِيَ أَن سَرِيَّة قتلت قوما من خثعم اعتصموا بِالسُّجُود فَجعل لَهُم نصف الْعقل وَقَالَ أَنا بَرِيء من كل مُسلم مَعَ مُشْرك
وَقد روى فِي حَدِيث إباق العَبْد إِلَى أَرض الشّرك مَا ذكرنَا وَهَذَا على وَجه تَركه لِلْإِسْلَامِ وَاخْتَارَهُ للشرك
وَقد روى عَن ابْن عَبَّاس فِي قَول الله تَعَالَى {فَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} إِنَّه الرجل يسلم ثمَّ يَأْتِي قومه مشركون فيقيم مَعَهم فيعزوهم الْجَيْش جَيش رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيقْتل الرجل فأنزلت هَذِه الْآيَة {فَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن}
1632 - فِي الْمَنّ على الْأَسير
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز أَن يمن على الْأَسير فَيرد حَرْبِيّا
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي للْإِمَام أَن يمن على الرِّجَال الَّذين ظهر عَلَيْهِم أَو يفادي بهم(3/478)
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {حَتَّى إِذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإمَّا منا بعد وَإِمَّا فدَاء} وَظَاهره يَقْتَضِي الْمَنّ أَو الْفِدَاء وَيمْنَع الْقَتْل
وَقد رُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه دفع إِلَيْهِ عَظِيم من عُظَمَاء اصطخر ليَقْتُلهُ فأبي أَن يقْتله وتلا قَوْله {فإمَّا منا بعد وَإِمَّا فدَاء} وَرُوِيَ عَن الْحسن وَعَطَاء وَسَعِيد بن جُبَير أَنهم كَرهُوا قتل الْأَسير لقَوْله تَعَالَى {فإمَّا منا بعد وَإِمَّا فدَاء}
وَالشَّافِعِيّ يرى قتل الْأَسير وَلَا يكرههُ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قتل عقبَة بن أبي معيط وَالنضْر بن الْحَارِث بعد الْأسر وَهَذَا لَا يَخْلُو إِمَّا ان يكون مَنْسُوخَة فَلَا يعْمل بهَا أَو ثَابِتَة فَلَا يتعداها
فَإِن قيل قد روى اللَّيْث عَن سعيد بن أبي سعيد عَن أبي هُرَيْرَة أَن خيل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسرت ثُمَامَة بن أَثَال فربطه بِسَارِيَة فِي الْمَسْجِد فَخرج إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ مَا عنْدك يَا ثُمَامَة قَالَ عِنْدِي يَا مُحَمَّد خير إِن تقتل تقتل ذَا دم وَإِن تنعم تنعم على شَاكر وَإِن كنت تُرِيدُ المَال فسل تعط مِنْهُ مَا شِئْت فَتَركه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر الحَدِيث وَفِيه إِسْلَام ثُمَامَة وَفِيه خطابه لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمن وَالْقَتْل وبأخذ المَال وبسكوت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لَهُ إِنَّمَا كَانَ ذَلِك من مُشْرك لَا معرفَة لَهُ بِأَحْكَام الْإِسْلَام وَجَائِز أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا سكت عَن إِنْكَار الْقَتْل ليَكُون سَببا لأسلامه لِأَن حكمه حكم الْمُحَاربين وَالْحَرب خدعة وَقَالَ قَالَ الله تبَارك تَعَالَى {وقاتلوهم حَتَّى لَا تكون فتْنَة} {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}(3/479)
1633 - فِي الْفِدَاء
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تبَاع السَّبي من أهل الْحَرْب فيردوا حَربًا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا بَأْس بِأَن يفادى أسرى الْمُسلمين بأسرى الْمُشْركين وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا بَأْس بِبيع النِّسَاء من أهل الْحَرْب وَلَا يُبَاع الرجل إِلَّا أَن يفادى بهم الْمُسلمُونَ
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا بَأْس بِأَن يفادى أسرى الْمُشْركين بِالْمَالِ وَإِن شَاءَ من غَيرهم
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن الْمُبَارك عَن معمر عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن أبي الْمُهلب عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ أسرت ثَقِيف رجلَيْنِ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأسر أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا من بني عَامر بن صعصعة فَمر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ موثق فَأقبل إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ على م أحبس فَقَالَ بجريرة حلفائك فَقَالَ الْأَسير إِنِّي مُسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن قَتلهَا وَأَنت تملك أَمرك أفلحت كل الْفَلاح ثمَّ مضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فناداه أَيْضا فَأقبل فَقَالَ إِنِّي جَائِع فأطعمني فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه حَاجَتك ثمَّ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاداه بِالرجلَيْنِ اللَّذين كَانَت ثَقِيف أسرتهمَا
وروى ابْن علية عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن أبي الْمُهلب عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن النَّبِي فدى رجلَيْنِ من الْمُسلمين بِرَجُل من الْمُشْركين من بني عقيل(3/480)
فَلم يذكر إِسْلَام الْأَسير وَذكر فِي الحَدِيث الأول وَلَا خلاف أَنه يفادى الْآن على هَذَا الْوَجْه لِأَن الْمُسلم لَا يرد إِلَى أهل الْحَرْب
فَقَالَ بَعضهم كَمَا لَا يرد الْمُسلم إِلَى أهل الْحَرْب كَذَلِك الذِّمِّيّ والأسير الْكَافِر وكما لايفادون بِالسِّلَاحِ لِأَن فِيهِ تَقْوِيَة لأهل الْحَرْب
قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي هَذَا الحَدِيث أَنه قَالَ بجريره حلفائك فَدلَّ انه كَانَ من قوم بَينهم وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد كَانَ الْأَسير دَاخِلا مَعَهم لِأَن الْحلف قد يكون عهدا وَكَانَ فِي ذَلِك الْحلف وجوب رد أَسْرَاهُم إِلَيْهِم وَإِن أَسْلمُوا كَمَا شَرط ذَلِك لأهل مَكَّة فحسبه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أفداه من أَصْحَابه ثمَّ نسخ ذَلِك
والدمي يجوز أَن يفادى بِهِ الْمُسلم لِأَن رُجُوعه إِلَى دَار الْحَرْب يبقيه على مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْكفْر بَين الْكفَّار وَالْمُسلم إِذا رددناه إِلَى دَار الْحَرْب يكون بَين قوم كفار مخالفين لدينِهِ
وَقد روى عِكْرِمَة بن عمار عَن إِيَاس بن سَلمَة بن الْأَكْوَع عَن أَبِيه قَالَ نفلني أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ امْرَأَة من بني فَزَارَة فَقدمت بهَا الْمَدِينَة فاستوهبها مني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ففادى بهَا أُنَاسًا من الْمُسلمين أُسَارَى كَانُوا بِمَكَّة
قَالَ أَبُو بكر وَلَا معنى لكراهية بيع السَّبي من أهل الْحَرْب لِأَنَّهُ كَمَا جَازَ أَن يرد إِلَيْهِم بالمفاداة جَازَ أَن يرد إِلَيْهِم بغَيْرهَا أَلا ترى أَنه لَا يجوز تمْلِيك أهل الْحَرْب السِّلَاح بِفِدَاء وَلَا غَيره وَأما كَرَاهَة أَصْحَابنَا فدَاء الْمُشْركين بِالْمَالِ بقوله تَعَالَى {لَوْلَا كتاب من الله سبق لمسكم فِيمَا أَخَذْتُم عَذَاب عَظِيم} فَلَا حجَّة فِيهِ لِأَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلوا ذَلِك قبل أَن تحل الْغَنَائِم لَهُم كَمَا روى الْأَعْمَش عَن ابي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ لما كَانَ يَوْم بدر تعجل نَاس من الْمُسلمين فَأَصَابُوا من الْغَنَائِم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(3/481)
لم تحل الْغَنَائِم لقوم سود الرؤوس قبلكُمْ كَانَ النَّبِي إِذا غنم هُوَ وَأَصْحَابه جمعُوا غنائمهم فتنزل نَار من السَّمَاء فتأكلهم فَأنْزل الله تَعَالَى {لَوْلَا كتاب من الله سبق لمسكم فِيمَا أَخَذْتُم عَذَاب عَظِيم} {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُم حَلَالا طيبا} وَإِنَّمَا فعلوا لَك والغنائم مُحرمَة فَأَما من فعله والغنائم مُبَاحَة فَجَائِز لَهُ ذَلِك
وَقد روى فِي سَبَب نُزُولهَا عِكْرِمَة بن عمار عَن أبي زميل عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أسر الأساري يَوْم بدر شاور النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَبُو بكر بِالْفِدَاءِ وَأَشَارَ عمر بِالْقَتْلِ فَلَمَّا كَانَ من الْغَد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد عرض عَليّ عذابكم أدنى من هَذِه الشَّجَرَة للَّذي عرض لِأَصْحَابِي من أَخذ الْفِدَاء فَأنْزل الله تَعَالَى {مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ أسرى} الْآيَة الْأَنْفَال
فَفِي هَذَا الحَدِيث أَنهم طلبُوا الْفِدَاء الَّذِي يصير غنيمَة لَهُم وَالْغنيمَة حينذ مُحرمَة ثمَّ أَبَاحَهَا الله تَعَالَى فِي المستأنف بِالْآيَةِ
وَتَأَول مُحَمَّد بن الْحسن قَوْله تَعَالَى {لَوْلَا كتاب من الله سبق} على أَنه لَو أَنِّي أحللت لكم الْغَنَائِم
وَقد قيل إِنَّه لَوْلَا مَا سبق من الله تَعَالَى أَن لَا يعذب أحد من أهل بدر وَقيل إِنَّمَا فعلوا ذَلِك قبل قيام الْحجَّة عَلَيْهِم بِتَحْرِيمِهِ
1634 - فِي صبي المسبي من دَار الْحَرْب
قَالَ أَصْحَابنَا إِن سبي مَعَه أَبَوَاهُ أوأحدهما لم يصل عَلَيْهِ إِذا مَاتَ وَإِن لم يسب مَعَه وَاحِد من أَبَوَيْهِ صلى عَلَيْهِ إِذا مَاتَ وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ(3/482)
وَقَالَ مَالك لَا يصلى عَلَيْهِ حَتَّى يعقل الْإِسْلَام وَيسلم وَإِن لم يكن مَعَه وَاحِد من أَبَوَيْهِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِن كَانَ انقسم صلى عَلَيْهِ وَإِن لم يكن انقسم لم يصل عَلَيْهِ سَوَاء كَانَ مَعَه أَبَوَاهُ أَو لم يَكُونَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْمُسلم لَهُ مملوكان نصرانيان فيلدان عِنْده قَالَ أولادهما مُسلمُونَ لِأَنَّهُ أولى بهم من أَبِيهِم وأمهم
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا أسلم الْجد قبل الْأَب أجبر ابْن ابْنه إِذا كَانُوا صغَارًا على الْإِسْلَام وَكَذَلِكَ الْعم إِذا لم يكن أبوهم حَيا وَالْجد من الْأُم يجْبر ابْن بنته على الْإِسْلَام إِذا لم يكن أبوهم حَيا وَكَانُوا صغَارًا
وروى عَن الْأَوْزَاعِيّ إِذا سبي وجده وَهُوَ صَغِير صلى عَلَيْهِ وَإِن كَانَ وَحده صلى عَلَيْهِ
وروى عَن الْحسن بن حَيّ مثل قَوْلنَا فِي رِوَايَة حميد
وروى الْمُخْتَار عَنهُ أَنه قَالَ إِذا اشْترى رجل مُسلم صَبيا صَغِيرا من أَوْلَاد الْمُشْركين وَأعْتقهُ ثمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يَرِثهُ وَيُصلي عَلَيْهِ وَإِن ملكه نَصْرَانِيّ كَانَ على مِلَّة النَّصَارَى
وَقَالَ اللَّيْث فِي الرجل لَهُ العَبْد النَّصْرَانِي يُزَوجهُ أمة نَصْرَانِيَّة فيولدها إِن وَلَدهَا يجْبر على الْإِسْلَام وَالْمَجُوس إِذا سبوا لَا يباعون إِلَّا من الْمُسلمين إِذا أَسْلمُوا وَإِن أَقَامُوا على دينهم بيعوا من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَإِن كَانُوا صغَارًا لم يباعوا إِلَّا من الْمُسلمين
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن(3/483)
أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ ويمجسانه كَمثل الْبَهِيمَة تنْتج الْبَهِيمَة جَمْعَاء هَل تكون فِيهَا جَدْعَاء
فَرده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى حكم أَبَوَيْهِ لَا إِلَى الدَّار وَلَا إِلَى الْمولى
1635 - فِيمَن تُؤْخَذ مِنْهُ الْجِزْيَة
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يقبل من مُشْركي الْعَرَب إِلَّا الْإِسْلَام أَو السَّيْف وَتقبل من أهل الْكتاب من الْعَرَب وَمن سَائِر الْكفَّار الْعَجم الْجِزْيَة
وَمذهب مَالك فِيمَا ذكره ابْن الْقَاسِم تقبل من الْجَمِيع الْجِزْيَة
وَقَالَ الثَّوْريّ الْعَرَب لَا يسبون وهوازن سبوا ثمَّ تَركهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تقبل الْجِزْيَة إِلَّا من أهل الْكتاب عربا كَانُوا أَو عجما
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن الْمسور بن مخرمَة عَن عَمْرو بن عَوْف وَكَانَ شهد بَدْرًا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ حَلِيف لبني عَامر بن لؤَي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح إِلَى الْبَحْرين يَأْتِي بجزيتها وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَالح الْبَحْرين وَأمر عَلَيْهِم الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ فَقدم أَبُو عُبَيْدَة بِمَال من الْبَحْرين فَسمِعت الْأَنْصَار بقدوم أبي عُبَيْدَة فوافوا صَلَاة الْفجْر مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْصَرف فتعرضوا لَهُ فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين رَآهُمْ ثمَّ قَالَ أظنكم سَمِعْتُمْ أَن أَبَا عُبَيْدَة قدم بِشَيْء من الْبَحْرين قَالُوا أجل يَا رَسُول الله قَالَ أَبْشِرُوا فوَاللَّه مامن الْفقر أخْشَى(3/484)
عَلَيْكُم وَلَكِن أخْشَى أَن تبسط الدُّنْيَا عَلَيْكُم كَمَا بسطت على من كَانَ قبلكُمْ فتنافسوا فِيهَا كَمَا تنافسوا فتهلككم كَمَا أهلكتهم
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَؤُلَاءِ كَانُوا مجوسا لِأَن قيس بن مُسلم رُوِيَ عَن الْحسن بن مُحَمَّد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَى مجوس الْبَحْرين يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام فَمن أسلم مِنْهُم قبل مِنْهُ وَمن أبي ضربت عَلَيْهِ الْجِزْيَة وَلَا تُؤْكَل لَهُم ذَبِيحَة وَلَا ينْكح لَهُم امْرَأَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَحدثنَا بكار بن قُتَيْبَة قَالَ حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن عمرَان قَالَ حَدثنَا عَوْف قَالَ كتب عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ إِلَى عدي بن أَرْطَاة أما بعد فسل الْحسن مَا منع من قبلنَا من الْأَئِمَّة أَن يحولوا بَين الْمَجُوس وَبَين مَا يجمعُونَ من النِّسَاء اللآئي لَا يجمعهن أحد غَيرهم فَسَأَلَهُ فَأخْبرهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل من مجوس الْبَحْرين الْجِزْيَة وأقرهم على مجوسيتهم وعامل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ على الْبَحْرين الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ وَفعله بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم
وروى جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه أَن عمر بن الْخطاب قَالَ وَالله مَا أَدْرِي كَيفَ أصنع بالمجوس فَقَامَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَقَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسُئِلَ عَنْهُم فَقَالَ سنوا بهم سنة أهل الْكتاب(3/485)
وَالزهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب أَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ الْجِزْيَة من مجوس هجر وَأَن عمر بن الْخطاب أَخذهَا من مجوس السوَاد وَأَن عُثْمَان أَخذهَا من بربر
وَأما قَول الثَّوْريّ إِن الْعَرَب لَا يسترق فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد سبى بني المصطلق واسترقهم وَكَانَت فيهم جوَيْرِية بنت الْحَارِث وشبيب بن فَزَارَة فِي سَرِيَّة أَمر عَلَيْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر الصّديق
وَذكر الشَّافِعِي عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ لَا تُؤْخَذ الْجِزْيَة من الْعَرَب وَهَذَا شَيْء لم يذكرهُ عَن ابي يُوسُف غير الشَّافِعِي
1636 - فِي مِقْدَار الْجِزْيَة
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْحسن بن حَيّ اثْنَا عشر وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ وَثَمَانِية وَأَرْبَعُونَ
وَقَالَ مَالك أَرْبَعَة دَنَانِير على أهل الذَّهَب وَأَرْبَعُونَ درهما على أهل الْوَرق الْغَنِيّ وَالْفَقِير سَوَاء لَا يُزَاد وَلَا ينقص
وَقَالَ الشَّافِعِي دِينَار على الْغَنِيّ وَالْفَقِير
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى أَبُو بكر بن عَيَّاش عَن عَاصِم عَن أبي وَائِل عَن مَسْرُوق عَن معَاذ بن جبل قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن وَأَمرَنِي أَن آخذ من كل حالم دِينَار أَو عدله معافر(3/486)
وروى إسرئيل عَن أبي إِسْحَاق عَن حَارِثَة بن مضرب عَن عمر أَنه بعث عُثْمَان بن حنيف فَوضع الْجِزْيَة على أهل السوَاد ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين وَأَرْبَعَة وَعشْرين واثني عشر
وروى مَالك عَن نَافِع عَن أسلم أَن عمر ضرب الْجِزْيَة على أهل الذَّهَب أَرْبَعَة دَنَانِير وعَلى أهل الْوَرق أَرْبَعِينَ درهما مَعَ ذَلِك أرزاق الْمُسلمين وضيافة ثَلَاثَة أَيَّام
فَاحْتمل أَن يكون الضِّيَافَة والرزق لتكملة الثَّمَانِية وَالْأَرْبَعِينَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَالَ يحيى بن آدم الْجِزْيَة بِغَيْر تَوْقِيت على مِقْدَار الِاحْتِمَال وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع
1637 - فِي الذِّمِّيّ يسلم أويدخل حولا فِي حول أَو يَمُوت
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا لم يُؤْخَذ من الذِّمِّيّ خراج رَأسه حَتَّى تَنْقَضِي تِلْكَ السّنة وَتدْخل سنة أُخْرَى لم يُؤْخَذ مِنْهُ لما مضى
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يُؤْخَذ مِنْهُ وَإِن مَاتَ عِنْد تَمام السّنة أَو ذمِّي فِي بعض السّنة لم يُؤْخَذ مِنْهُ خراج رَأسه فِي قَوْلهم جَمِيعًا وَإِن أسلم سقط مَا مضى
وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَالشَّافِعِيّ إِذا أسلم فِي بعض السّنة يَأْخُذ مِنْهُ بِحِسَاب(3/487)
وَقَالَ مَالك وَعبد الله بن الْحسن إِذا أسلم سقط مَا مضى
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الثَّوْريّ عَن قَابُوس بن أبي ظبْيَان عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ على مُسلم جِزْيَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا كَانَ الْإِسْلَام الطارىء على الرّقّ لايرفعه كَذَلِك لَا تبطل الْجِزْيَة الَّتِي وَجَبت
1638 - فِي الْكَافِر يُصِيب حدا ثمَّ يسلم
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الذِّمِّيّ إِذا زنى أَو سرق ثمَّ أسلم أقيم عَلَيْهِ الْحَد إِلَّا أَن يكون قد تقادم
وَقَالَ مَالك لَا يسْقط عَنهُ حد الْقَذْف وَالسَّرِقَة وَلَا يجب عَلَيْهِ حد الزِّنَا
وَقَالَ الثَّوْريّ فِي الْمُسلم يَزْنِي وَيسْرق ثمَّ يرْتَد ثمَّ يسلم هدم الْإِسْلَام مَا كَانَ قبله إِلَّا حُقُوق النَّاس
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا زنت النَّصْرَانِيَّة فَأَرَادَ الْحَاكِم أَن يرجمها فَأسْلمت درىء عَنْهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا زنى أوسرق وَهُوَ كَافِر ثمَّ أسلم لم يسْقط عَنهُ الْحَد
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ مَا يسْتَحق بِهِ الْعقُوبَة على وَجْهَيْن
أَحدهمَا يسْتَحقّهُ بِالْإِقَامَةِ عَلَيْهِ كالكفر
ولاآخر بِوُقُوع الْفِعْل دون الْإِقَامَة كَالزِّنَا وَالسَّرِقَة لِأَنَّهُ يجب بعد انْقِضَاء الْفِعْل(3/488)
ف 4 ثَبت أَن الْكَافِر يسْتَحق اسْم الْكفْر مَا دَامَ كَافِرًا وَلَا يسْتَحقّهُ بعد إِسْلَامه وَالزَّانِي وَالسَّارِق لم يزل عَنْهُمَا الِاسْم بالإقلاع عَن الْفِعْل
وَقد روى عَن الْحسن الْبَصْرِيّ فِي الْمُرْتَد عَن الْإِسْلَام أَنه يقتل وَإِن أسلم وَجعله كالزاني وَالسَّارِق
وَقد روى عَليّ بن مسْهر عَن دَاوُد بن أبي هِنْد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ ارْتَدَّ رجل من الْأَنْصَار فلحق بِمَكَّة يَوْم بدر فَأرْسل إِلَى قومه سلوا لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل لي من تَوْبَة فَأنْزل الله تَعَالَى {كَيفَ يهدي الله قوما كفرُوا بعد إِيمَانهم وشهدوا أَن الرَّسُول حق} إِلَى قَوْله {إِلَّا الَّذين تَابُوا من بعد ذَلِك وَأَصْلحُوا} فَكتب بهَا إِلَيْهِ فَاسْتَرْجع وَأسلم
فَإِن قيل فالمحارب يسْقط عَنهُ الْحَد بِالتَّوْبَةِ قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ
قيل لَهُ لَا يَقُول أحد أَن التَّوْبَة تسْقط حد الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَلَهُمَا أَلا خلاف فِي الْإِسْلَام والمحارب يسْقط عَنهُ الْحَد بِالتَّوْبَةِ من الْفِعْل لَا من الْكفْر
1639 - فِي الصَّبِي هَل يكون مُسلما بِإِسْلَام أمه
قَالَ أَصْحَابنَا وَعُثْمَان البتي وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ يكون الصَّبِي مُسلما بِإِسْلَام أحد أَبَوَيْهِ
وَقَالَ مَالك الْوَلَد على دين أَبِيه(3/489)
1640 - فِي ارتداد الصَّبِي الَّذِي لم يبلغ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد ارتداد الصَّبِي الَّذِي يعقل ارتداد وَيجْبر على الْإِسْلَام ولايقتل وإسلامه
وَقَالَ أَبُو يُوسُف ارتداده لَيْسَ بارتداد وإسلامه إِسْلَام
وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ لَيْسَ إِسْلَامه بِإِسْلَام وَلَا ارتداده بارتداد
وَقَالَ عُثْمَان ارتداده ارتداد وَعَلِيهِ مَا على الْمُرْتَد ويقام عَلَيْهِ الْحُدُود وإسلامه إِسْلَام
وَقَالَ مُحَمَّد إِذا أسلم الصَّبِي وَهُوَ يعقل ثمَّ بلغ فَرجع عَن الْإِسْلَام أجبر عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الذِّمِّيَّة إِذا أسلم أَبوهَا وَقد راهقت لم تجبر على الْإِسْلَام إِذا حَاضَت واختارت الْكفْر وَكَذَلِكَ الْغُلَام الْمُرَاهق وَقَالَ إِذا أسلم أَبوهُ وَقد راهق الْحلم ثمَّ مَاتَ الْأَب كَانَ مِيرَاثه مَوْقُوفا فَإِن بلغ فَأسلم اسْتحق المراث وَإِن أبي أَن يسلم لم يكن لَهُ مِيرَاث فَإِن قَالَ قبل الْبلُوغ أَنا أسلم فَأسلم لم يُعْط المراث حَتَّى يبلغ فَيسلم بعد الْبلُوغ
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا أسلم الصَّبِي ثمَّ ارْتَدَّ أخيف وعذب فَإِن أبي أَن يرجع ترك
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أسلم الصَّبِي رَاغِبًا فِي الْإِسْلَام فَهُوَ مُسلم وَلَا يرد إِلَى أَبَوَيْهِ النَّصَارَى فَإِن رَجَعَ إِلَى النَّصْرَانِيَّة ترك وَذَاكَ فَلَو رَجَعَ بعد الِاحْتِلَام لم يتْرك وَالْكفْر وَإِن جدع الْغُلَام فَأسلم لِلنَّصَارَى
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول عُثْمَان البتي جَائِز بقول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع الْقَلَم عَن(3/490)
ثَلَاثَة ثمَّ إِذا ثَبت أَنه لَا يقتل بِالرّدَّةِ فِي حَال الْكفْر دلّ على أَن إِسْلَامه لَيْسَ بِإِسْلَام وَأما مَا كَانَ أمره بالأبوين فَلَا ينفسد كَذَلِك إِسْلَامه وَمن جعله مُسلما احْتج بِإِسْلَام عَليّ وَالزُّبَيْر رَضِي الله عَنْهُمَا وهما صغيران قبل الْبلُوغ
وَبِمَا حَدثنَا يُونُس بن عبد الْأَعْلَى قَالَ أخبرنَا ابْن وهب قَالَ أخبرنَا السّري بن يحيى عَن الْحسن عَن الْأسود بن سريع عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة فَلَا يزَال عَلَيْهَا حَتَّى يعبر عَنهُ لِسَانه فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ
1641 - فِي الْأَسير يعاهد أهل الْحَرْب على أَن لَا يخرج من بلدهم
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس أَن يخرج وإعطاؤه الْعَهْد عَن ذَلِك بَاطِل
وَرُوِيَ عَن مَالك أَنه لَا يخرج إِلَّا بإذنهم
وَقَالَ اللَّيْث إِذا حلفوه لم يخرج وَلَا يَأْخُذ مَالهم
وَقَالَ الشَّافِعِي يخرج وَلَا يَأْخُذ مَالهم لِأَنَّهُ قد أَمنهم بذلك كَمَا أمنوه
1642 - فِي الرِّبَا فِي دَار الْحَرْب
قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَمُحَمّد لَا بَأْس فِي الرِّبَا فِي دَار الْحَرْب بَين الْمُسلمين وَبينهمْ(3/491)
وَقَالَ اللَّيْث أكرهه للمستأمن ولابأس بِهِ للأسير
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز للمستأمن وَلَا للأسير
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى حَاتِم بن إِسْمَاعِيل عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي خطبَته بِعَرَفَة أول رَبًّا أَضَعهُ رَبًّا الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب فَإِنَّهُ مَوْضُوع كُله
وَقد كَانَت مَكَّة دَار حَرْب إِلَى أَن فتحت فَأبْطل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا بَقِي من الرِّبَا وَلم يبطل مَا قبض وَأنزل الله تَعَالَى {وذروا مَا بَقِي من الرِّبَا} الْبَقَرَة
وَقد كَانَ الْعَبَّاس مِمَّن تقدم إِسْلَامه قبل فتح مَكَّة وَذَلِكَ بَين فِي قصَّة الْحجَّاج بن علاط
وَقد كَانَ تَحْرِيم الرِّبَا قبل فتح مَكَّة بِحَدِيث فضَالة بن عبيد فِي قصَّة قلادة خرز فِيهَا ذهب ابتاعها بِتِسْعَة دَنَانِير فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا حَتَّى يُمَيّز مَا بَينهمَا
1643 - فِي تَعْلِيم الْكَافِر الْقُرْآن وَالسّنة
ذكر مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه لَا بَأْس بتعليم الْحَرْبِيّ وَالذِّمِّيّ الْقُرْآن وَالْفِقْه وَلم يذكر خلافًا
وَقَالَ مَالك لَا يعلمُونَ الْكتاب بِغَيْر قُرْآن وَكره رقية أهل الْكتاب وَرُوِيَ عَن الشَّافِعِي رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا الْكَرَاهَة وَالْأُخْرَى الْجَوَاز
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى حَمَّاد بن سَلمَة عَن حبيب الْمعلم قَالَ سَأَلت(3/492)
الْحسن أعلم أَوْلَاد أهل الذِّمَّة الْقُرْآن قَالَ نعم أَلَيْسُوا يقرؤون التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَهُوَ من كتاب الله
وَقَالَ أَبُو حعفر قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله} الأية التَّوْبَة 6
وروى شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة أَن أُسَامَة بن زيد أخبرهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِمَجْلِس فِيهِ عبد الله بن أبي بن سلول وَذَلِكَ قبل أَن يسلم عبد الله بن أبي بن سلول فَإِذا فِي الْمجْلس عبد الله بن أبي فَدَعَاهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الله تَعَالَى وعلمهم الْقُرْآن
وروى مُحَمَّد عَن سعيد عَن عمْرَة أَنَّهَا أخذت بِكِتَاب الله نعالى
وَرُوِيَ عَن مَالك أَنه كره أَن يَشْتَرِي من أهل الْكفْر فيعطون دَرَاهِم أَن تصرف مِنْهُم
قَالَ أَبُو جَعْفَر يكره أَن يعْطى الْكَافِر دِرْهَم فِيهِ سُورَة أَو آيَة من كتاب الله لِأَنَّهُ لايغتسل من جَنَابَة فَهُوَ كالجنب بِمَسّ الصُّحُف فَيكْرَه أَن يعطاه وَالدَّرَاهِم فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن عَلَيْهَا فرآن ولاذكر الله وَإِنَّمَا ضربت فِي أَيَّام عبد الْملك بن مَرْوَان ولابأس بِأَن يكْتب الى الْكفَّار الدُّعَاء إِلَى الْإِسْلَام بِالْقُرْآنِ
وَقد روى الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله عَن أبن عَبَّاس قَالَ أَخْبرنِي أَبُو سُفْيَان بن حَرْب فِي قصَّة هِرقل قَالَ فَقَرَأَ فِي كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد عبد الله وَرَسُوله إِلَى هِرقل عَظِيم(3/493)
الرّوم سَلام على من أتبع الْهدى أما بعد فَإِنِّي أَدْعُوك بِدُعَاء الْإِسْلَام أسلم تسلم وَأسلم يؤتك الله أجرك مرَّتَيْنِ وَإِن توليت فَإِن عَلَيْك إِثْم الأريسيين
{يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم} الْآيَة آل عمرَان 64
فَهَذَا يدل على جَوَاز ذَلِك عِنْد الْحَاجة
1644 - فِي أَحْكَام الأَرْض المفتتحة بعد إِخْرَاج الْخمس
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري إِذا افتتحها عنْوَة فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ الله قسمهَا وَأَهْلهَا بَين الْغَانِمين وَإِن أقرّ أَهلهَا عَلَيْهَا وَجعل عَلَيْهَا وَعَلَيْهِم الْخراج وَتَكون ملكا لَهُم يجوز بيعهم وشراءهم لَهَا
وَقَالَ مَالك مَا بَاعَ أهل الصُّلْح من أَرضهم فَهُوَ جَائِز وَمَا افْتتح عنْوَة فَإِنَّهُ لايشتري مِنْهُم أحد لِأَن أهل الصُّلْح من أسلم مِنْهُم كَانَ أَحَق بأرضه وَمَاله وَأما أهل العنوة الَّذين أخذُوا عنْوَة مِمَّن أسلم مِنْهُم أحرز لَهُ إِسْلَامه نَفسه وأرضه للْمُسلمين لِأَن بِلَادهمْ قد صَار صفيا للْمُسلمين
وَقَالَ الشَّافِعِي مَا كَانَ عنْوَة فخمسها لأَهْلهَا وَأَرْبَعَة أخماسها للغانمين فَمن طَابَ حَقًا عَن نَفسه فَجَائِز للْإِمَام أَن يَجْعَلهَا وَقفا عَلَيْهِم وَمن لم يطب نفسا فَهُوَ أَحَق بِمَالِه
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى} إِلَى آخر الْقِصَّة الْحَشْر فَجعل الْحق فِي الْفَيْء لجَمِيع أَصْنَاف الْمَذْكُورين فِي الْآيَة وَاتفقَ الْمُسلمُونَ على أَنه لَو غلب على الْأَمْوَال دون الْأَرْضين كَانَت مقسومة بَين الْغَانِمين بعد الْخمس فَخرج ذَلِك من الْآيَة وَبَقِي حكمهَا فِي الْأَرْضين وَكَذَلِكَ فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَرض خَيْبَر(3/494)
روى الثَّوْريّ عَن يحيى بن سعيد عَن عَن بشير بن يسَار عَن سهل بن أبي حثْمَة قَالَ قسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَر نِصْفَيْنِ نصفا لنوائبه وَحَاجته وَنصفا بَين الْمُسلمين قسمهَا بَينهم على ثَمَانِيَة عشر سَهْما
وَقد رُوِيَ عَن عمر أَنه لم يقسم أَرض السوَاد ومصر وَالشَّام وَجعلهَا مَادَّة للْمُسلمين وَلمن يجيئ بعده وَاحْتج بِالْآيَةِ وَوَافَقَهُ الصَّحَابَة بعد الْخلاف
وروى أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منعت الْعرَاق قفيزها ودرهمها الحَدِيث
فَدلَّ على أَنَّهَا تكون للغانمين لِأَن مَا ملكه الغانمون يكون فِيهِ القفيز وَالدِّرْهَم
1645 - فِي أَرض الْخراج هَل هِيَ مَمْلُوكَة
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَابْن أبي ليلى هِيَ مَمْلُوكَة لأَهْلهَا الَّذين أقرَّت فِي أَيْديهم
وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَمَالك وَعبيد الله بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ هِيَ غير مَمْلُوكَة وَلَا يجوز بيعهَا وَلَا رَهنهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف أَن أَرض الصُّلْح مَمْلُوكَة لأَهْلهَا لأَنهم أقرُّوا عَلَيْهَا كَذَلِك المفتتحة عنْوَة بِمَا دللنا عَلَيْهِ من إِقْرَار أَهلهَا عَلَيْهَا(3/495)
1646 - فِي شِرَاء أَرض الْخراج واستئجارها
قَالَ أَصْحَابنَا لابأس بذلك
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ مثل ذَلِك
وَقَالَ مَالك أكره اسْتِئْجَار أَرض الْخراج
وَكره شريك شِرَاء أَرض الْخراج وَقَالَ لاتجعل فِي عُنُقك صغَار
وَذكر ابْن أبي عمرَان عَن سُلَيْمَان بن بكار قَالَ سَأَلَ رجل الْمعَافى بن عمرَان عَن الزَّرْع فِي أَرض الْخراج فَنَهَاهُ عَن ذَلِك فَقَالَ لَهُ قَائِل تزرع أَنْت فِيهَا فَقَالَ يَا أخي إِنَّه لَيْسَ فِي الشَّرّ قدوة
وَقَالَ الشَّافِعِي لابأس بِأَن يكتري الْمُسلم أَرض خراج كَمَا يكتري دوابهم قَالَ والْحَدِيث جَاءَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاينبغي لمُسلم أَن يُؤَدِّي الْخراج وَلَا لِمُشْرِكٍ أَن يدْخل الْمَسْجِد الْحَرَام إِنَّمَا هُوَ خراج الْجِزْيَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر من كرهه ذهب إِلَى أَن الْخراج صغَار كالجزية
وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه كره شِرَاء أهل الذِّمَّة وَقَالَ لاتجعل مَا جعل الله فِي عنق هَذَا الْكَافِر فِي عُنُقك
وَقَالَ ابْن عمر مثل ذَلِك قَالَ وَلَا تجْعَل فِي عُنُقك الصغار
وروى حسن بن صَالح بن حَيّ عَن قيس بن مُسلم عَن طَارق بن شهَاب قَالَ أسلمت امْرَأَة من أهل نهر الْملك فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ إِن اخْتَارَتْ أرْضهَا فَخلوا بَينهَا وَبَين أرْضهَا وَإِلَّا فَخلوا بَين الْمُسلمين وأرضهم
وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام منعت الْعرَاق قفيزها ودرهمها(3/496)
يدل على أَنه وَاجِب على الْمُؤمنِينَ لِأَنَّهُ أخبر عَمَّا يمْنَع الْمُسلمُونَ من حق الله تَعَالَى فِي الْمُسْتَقْبل وَالصغَار لايجب على الْمُسلمين وَإِنَّمَا يجب على الْكَافرين للْمُسلمين
1647 - فِي إِحْدَاث البيع وَالْكَنَائِس
قَالَ مُحَمَّد فِي السّير من غير خلاف مَا كَانَ أَرض صلح فَصَارَ مصرا فَإِنَّهُم يتركون وكنائسهم وَيمْنَعُونَ من إِحْدَاث مثله فِي الْمصر وَلَا يمْنَعُونَ فِي السوَاد وَمَا كَانَ عنْوَة فَإِذا صَار مصرا منعُوا من أَن يصلوا فِيهِ وَلَا يمْنَعُونَ فِي أَرض الصُّلْح إِذا خربَتْ أَن يعيدوها كَمَا كَانَت وَيمْنَعُونَ أَن يحولوها إِلَى مَوضِع آخر من الْمصر وَلَا يمْنَعُونَ فِيمَا فتحت عنْوَة أَن يحدثوها فِي غير مصر
وَقَالَ مَالك يمْنَعُونَ أَن يحدثوا فِي بِلَاد الشَّام كنسية إِلَّا أَن يكون لَهُم عهد فيحملون عَلَيْهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يحدث أهل الذِّمَّة فِي أَمْصَار الْمُسلمين كَنِيسَة وَلَا يظهروا فِيهَا حمل خمر وَلَا إِدْخَال خِنْزِير وَلَا يحدثوا فِيهَا بِنَاء يتطولون بِهِ بِنَاء الْمُسلمين وَمَا كَانَ قَدِيما من الْكَنَائِس لم تهدم وَترك على مَا وجدوا ذَلِك إِن إفتتح عنْوَة أَو أَحْيَاهُ الْمُسلمُونَ وَإِن كَانَ صلحا تركُوا وَمَا صولحوا عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنهم يمْنَعُونَ من إِظْهَار الْخمر وَالْخِنْزِير والصلبان فِي أَمْصَار الْمُسلمين وَأَنَّهُمْ لَا يمْنَعُونَ مِنْهَا فِي الْقرى الَّتِي فِي أَيْديهم وَكَذَلِكَ إِحْدَاث الْكَنَائِس فِي الْمَوْضِعَيْنِ
1648 - فِي ضرب الناقوس فِي الْمصر
قَالَ مُحَمَّد فِي السّير فِي غير خلاف فِي أَرض الصُّلْح لَا يمْنَعُونَ ضرب الناقوس فِي بيعهم وكنائسهم(3/497)
وَمذهب مَالك أَنهم يمْنَعُونَ مِنْهُ
وَقَالَ اللَّيْث يمْنَعُونَ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا صَالح الإِمَام قوما من النَّصَارَى على مَدِينَة فِيهَا كنائس فَيَنْبَغِي أَن يشْتَرط عَلَيْهِم أَن لَا يسمعوا الْمُسلمين فِيهَا ضرب الناقوس
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنهم غير ممنوعين من رفع أَصْوَاتهم بِقِرَاءَة كتبهمْ وَكَذَلِكَ الناقوس
1649 - فِي الدَّار يظْهر عَلَيْهَا وفيهَا أَرض لمُسلم
قَالَ أَصْحَابنَا يصير كُله فَيْئا
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنَّهَا للْمُسلمِ كَمَا كَانَت
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يكون للْمُسلمِ وَلَا يكون فَيْئا وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَذَلِكَ فِي الْمُسلم فِي دَار الْحَرْب فيسري
1650 - فِي هَدَايَا الْعمَّال
قَالَ أَبُو يُوسُف من غير خلاف مَا أهْدى ملك الرّوم إِلَى أَمِير الْجَيْش فِي دَار الْحَرْب فَهُوَ لَهُ خَاصَّة وَكَذَلِكَ مَا يعْطى الرَّسُول
وَقَالَ مُحَمَّد فِي السّير من غير خلاف إِذا أهْدى إِلَى أَمِير الْجَيْش هَدِيَّة قبلهَا وَكَانَت غنيمَة فِيهَا الْخمس كَسَائِر الْغَنَائِم وَكَذَلِكَ لَو أهدي إِلَى قَائِد من قواد الْمُسلمين لِأَن ذَلِك على وَجه الْخَوْف وَإِن أهْدى الْعَدو إِلَى رجل من الْمُسلمين لَيْسَ بقائد وَلَا أَمِير هَدِيَّة فَلَا بَأْس بِأَن يَأْخُذهَا وَتَكون لَهُ دون أهل الْعَسْكَر وَذكر حَدِيث ابْن اللتبية(3/498)
وَرُوِيَ نَحوه عَن ابْن الْقَاسِم فِي مَذْهَب مَالك وَكَذَلِكَ قَول الْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي كتاب الرّبيع فِي الزَّكَاة وَإِذا أهْدى وَاحِد من الْقَوْم للوالي هَدِيَّة فَإِن كَانَت لشَيْء نَالَ مِنْهُ بِهِ حَقًا أَو بَاطِلا فَحَرَام على الْوَالِي أَخذهَا لِأَنَّهَا حرَام عَلَيْهِ أَن يستعجل على أَخذه الْحق وَقد ألزمهُ الله تَعَالَى ذَلِك لَهُم وَحرَام عَلَيْهِ أَن يَأْخُذ بَاطِلا والجعل عَلَيْهِ أحرم فَإِن أهدي إِلَيْهِ من غير هذَيْن الْمَعْنيين أحد من أهل ولَايَته تفضلا وشكرا كَانَ مِنْهُ فِي الْعَامَّة فَلَا يقبلهَا فَإِن قبلهَا مِنْهُ كَانَت فِي الصَّدقَات لَا يَسعهُ عِنْدِي غَيره إِلَّا أَن يُكَافِئهُ عَلَيْهِ بِقَدرِهَا فيسعه أَن يتمولها وَإِن كَانَت من رجل لَا سُلْطَان لَهُ وَلَيْسَ بِالْبَلَدِ الَّذِي بِهِ سُلْطَان شكرا على حسن كَانَ مِنْهُ فَأحب إِلَيّ إِن قبلهَا أَن تجْعَل لأهل الْولَايَة أَو يدع قبُولهَا وَلَا يَأْخُذ مُكَافَأَة وَإِن أَخذهَا فتمولها لم يحرم عَلَيْهِ عِنْدِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَذكر حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ فِي قصَّة ابْن اللتبية أَنه لَيْسَ فِيهِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذه مِنْهُ وَلَا أَنه تَركه عَلَيْهِ إِلَّا أَنه قد دلّ على أَنه(3/499)
لَا يَنْبَغِي لرجل أَن يقبل هَدِيَّة أهديت إِلَيْهِ بِسَبَب ولَايَته وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك فِي معنى قرض جر مَنْفَعَة
فَإِن قيل روى الزُّهْرِيّ عَن كثير بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ شهِدت حنينا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بغلة لَهُ بَيْضَاء أهداها لَهُ فَرْوَة بن نفاثة الجذامي وَاخْتَارَ آخر فِي قبُوله الْهَدَايَا
قيل لَهُ لم يكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مَخْصُوصًا بِمَا أَفَاء الله عَلَيْهِ من غير قتال من أَمْوَال الْكفَّار أَن يكون لَهُ دون الْمُسلمين فَهَذَا يدل على صِحَة قَول مُحَمَّد
وَأما النّظر فَإِنَّهُم متفقون أَن على الإِمَام أَن لَا يقبل هَدِيَّة الْكفَّار وَلَو كَانَت فَيْئا لما كَانَ لَهُ أَن لَا يقبلهَا وَلَا يردهَا على الْحَرْبِيين
وَقد روى الْأَعْمَش عَن عمر بن مرّة عَن أبي الصَّالح الْحَنَفِيّ عَن أم كُلْثُوم بنت عَليّ أَن عليا عَلَيْهِ السَّلَام أهْدى إِلَيْهِ بعض العظماء أترجا فَأخذ مِنْهُ بعض صبيانه أترجة فانتزعها مِنْهُ فبكي الصَّبِي فَلم يردهَا إِلَيْهِ حَتَّى قَومهَا ثمَّ أعطَاهُ إِيَّاهَا
وَهَذِه يحْتَمل أَن يكون رد فيهبها على الْمهْدي حَتَّى يكون كالشراء وَيحْتَمل أَن يكون رد قيمتهَا فِي بَيت المَال ويتحمل أَن يكون فعل ذَلِك تَبَرعا
وَقد روى أَبُو عَاصِم عَن معَاذ بن الْعَلَاء عَن أَبِيه عَن جده قَالَ سَمِعت عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام يخْطب يَوْمًا وَهُوَ يَقُول مَا أصبت مُنْذُ وليت هَذَا الْأَمر إِلَّا هَذِه القوصرة ثمَّ قَالَ(3/500)
.. أَفْلح من كَانَت لَهُ قوصرة
يَأْكُل مِنْهَا كل يَوْم مرّة ...
فقد احْتبسَ القوصرة
1651 - فِي اسْتِتَابَة الْمُرْتَد
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يقتل الْمُرْتَد حَتَّى يُسْتَتَاب وَمن قَتله قبل أَن يُسْتَتَاب فقد أَسَاءَ وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَذكر بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف فِي الزنديق الَّذِي يظْهر الْإِسْلَام قَالَ أَبُو حنيفَة أستتيبه كالمرتد فَإِن أسلم خليت سَبيله وَإِن أَبى قتلته
وَقَالَ أَبُو يُوسُف كَذَلِك زَمَانا فَلَمَّا رأى مَا يصنع الزَّنَادِقَة ويعودون قَالَ أرى إِذا أتيت بزنديق أمرت بِضَرْب عُنُقه وَلَا أستتيبه فَإِن تَابَ قبل أَن أَقتلهُ لم أَقتلهُ وخليته 2
وَذكر سُلَيْمَان بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن أبي يُوسُف قَالَ إِذا زعم الزنديق أَنه قد تَابَ حَبسته حَتَّى أعلم تَوْبَته
وَذكر مُحَمَّد فِي السّير عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَن الْمُرْتَد يعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فَإِن أسلم وَإِلَّا قتل مَكَانَهُ إِلَّا أَن يُطَالب أَن يُؤَجل فَإِن طلب ذَلِك أجل ثَلَاثَة أَيَّام وَلم نجد خلافًا
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقد حَدثنَا سُلَيْمَان بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن أبي يُوسُف فِي نوادره وَذكرهَا عَنهُ أدخلها فِي أَمَالِيهِ عَلَيْهِم قَالَ قَالَ أَبُو حنيفَة اقْتُل الزنديق سرا فَإِن تَوْبَته لَا تعرف وَلم يحك أَبُو يُوسُف خلافًا(3/501)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك الْمُرْتَد يعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام ثَلَاثًا فَإِن أسلم وَإِلَّا قتل وَإِن ارْتَدَّ سرا قتل وَلم يُسْتَتَاب كَمَا تقتل الزَّنَادِقَة وَلَا يستتابون والقدرية يستتابون فَقيل لمَالِك كَيفَ يُسْتَتَاب قَالَ يُقَال لَهُم اتْرُكُوا مَا أَنْتُم عَلَيْهِ فَإِن فعلوا وَإِلَّا قتلوا
روى مَالك عَن زيد بن أسلم قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير دينه فاضربوا عُنُقه
قَالَ مَالك هَذَا فِيمَن ترك الْإِسْلَام وَلم يقر بِهِ لَا من خرج من الْيَهُودِيَّة إِلَى النَّصْرَانِيَّة وَلَا من النَّصْرَانِيَّة إِلَى الْيَهُودِيَّة قَالَ مَالك إِذا رَجَعَ الْمُرْتَد إِلَى الْإِسْلَام فَلَا ضرب عَلَيْهِ وَحسن أَن يتْرك الْمُرْتَد ثَلَاثَة أَيَّام ويعجبني
قَالَ الْحسن بن حَيّ يُسْتَتَاب الْمُرْتَد وَإِن تَابَ مائَة مرّة وَقَالَ اللَّيْث النَّاس لَا يستتيبون من ولد فِي الْإِسْلَام إِذا شهد عَلَيْهِ بِالثَّانِيَةِ وَلكنه يقتل من ذَلِك تَابَ أَو لم يتب إِذا قَامَت الْبَيِّنَة العادلة
وَقَالَ الشَّافِعِي يُسْتَتَاب الْمُرْتَد ظَاهرا والزنديق وَإِن لم يتب قتل وَفِي الاستتابة فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ وَالْآخر لَا يُؤَخر لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَأْمر فِيهِ بأناة وَهَذَا ظَاهر الْخَبَر
قَالَ الشَّافِعِي وَلَو شهد عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِالرّدَّةِ فَأنْكر فَإِن إِقْرَاره لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول لله وَيبرأ من كل دين خَالف الْإِسْلَام لم يكْشف عَن غَيره
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ وَلم يذكر فِيهِ اسْتِتَابَة(3/502)
رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس فِي الْمُرْتَد اللَّاحِق بِمَكَّة حِين كتب إِلَى قومه سلوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل لي من تَوْبَة فَأنْزل الله تَعَالَى {كَيفَ يهدي الله قوما كفرُوا بعد إِيمَانهم} إِلَى قَوْله {إِلَّا الَّذين تَابُوا من بعد ذَلِك وَأَصْلحُوا} فَكَتَبُوا بهَا إِلَيْهِ فَاسْتَرْجع وَأسلم فَحكم بِالتَّوْبَةِ بِمَا ظهر من قَوْله يُوجب اسْتِعْمَال ذَلِك الحكم بِمَا يظْهر مِنْهُ دون مَا فِي قلبه وَقد قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اجتنبوا كثيرا من الظَّن} وَقَالَ {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} وَقَالَ {إِن الَّذين آمنُوا ثمَّ كفرُوا ثمَّ آمنُوا} فَحكم بِإِيمَان بعد كفر وَكفر بعد إِيمَان وَقَالَ {إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات} وَقَالَ {وَلَا تَقولُوا لمن ألْقى إِلَيْكُم السَّلَام لست مُؤمنا}
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لخَالِد بن الْوَلِيد هلا شققت عَن قلبه
وَقد رُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ اسْتِتَابَة الْمُرْتَد قبل قَتله فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُرْتَدين الَّذين قَتلهمْ الْمُسلمُونَ لَو أخذتهم سلما لعرضت عَلَيْهِم الْبَاب الَّذِي خَرجُوا مِنْهُ فَإِن خَرجُوا وَإِلَّا استودعتهم السجْن وَمعنى ذَلِك الاستتابة
وَقد رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ أستتيبهم ثَلَاثًا
وروى الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله أَخذنَا بِالْكُوفَةِ رجال مُؤمنُونَ بمسيلمة فَكتب فيهم إِلَى عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فَكتب عُثْمَان اعْرِض عَلَيْهِم دين الْحق وَشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَمن قبلهَا(3/503)
وتبرأ من دين مُسَيْلمَة فَلَا تقتلوه وَمن لزم دين مُسَيْلمَة فاقتله فقبلها رجال مِنْهُم وَقبل دين مُسَيْلمَة رجال فَقتلُوا
وروى الثَّوْريّ عَن أبي إِسْحَاق عَن حَارِثَة بن مضرب أَنه اتى عبد الله فَقَالَ مَا بيني وَبَين أحد من الْعَرَب إحْنَة وَإِنِّي مَرَرْت بِمَسْجِد بني حنيفَة فَإِذا هم يُؤمنُونَ بمسيلمة فَأرْسل إِلَيْهِم عبد الله فجيء بهم فاستتاب غير ابْن النواحة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَوْلَا أَنَّك رَسُول لضَرَبْت عُنُقك وَأَنت الْيَوْم لست برَسُول فَأمر قرظة بن كَعْب فَضرب عُنُقه بِالسوقِ ثمَّ قَالَ من أَرَادَ أَن ينظر إِلَى ابْن النواحة قَتِيلا فليأت السُّوق فَهَؤُلَاءِ استتابوا بِحَضْرَة الصَّحَابَة من غير خلاف
1652 - فِي الذِّمِّيّ يسب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن سبّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو عابه وَكَانَ مُسلما فقد صَار مُرْتَدا وَلَو كَانَ ذِمِّيا عزّر وَلم يقتل
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك من شتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمُسلمين قتل وَلم يستتب وَمن شتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْيَهُود وَالنَّصَارَى قتل إِلَّا أَن يسلم
وَقَالَ الثَّوْريّ الذِّمِّيّ يُعَزّر وَذكر عَن ابْن عمر أَنه يقتل
وروى الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ وَمَالك فِيمَن سبّ(3/504)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَا هِيَ ردة فَإِن تَابَ نكل وَإِن لم يتب قتل قَالَ يضْرب مائَة ثمَّ يتْرك حَتَّى إِذا هُوَ برأَ ضرب مائَة وَلم يذكر فرقا بَين الْمُسلم وَالذِّمِّيّ
وَقَالَ اللَّيْث فِي الْمُسلم يسب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَا يناظر وَلَا يُسْتَتَاب وَيقتل مَكَانَهُ وَكَذَلِكَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَقَالَ الشَّافِعِي وَيشْتَرط على المصالحين من الْكفَّار أَن من ذكر كتاب الله أَو مُحَمَّدًا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو دين الله بِمَا لَا يَنْبَغِي أَو زنى بِمسلمَة أَو أَصَابَهَا باسم نِكَاح أَو فتن مُسلما عَن دينه أَو قطع عَلَيْهِ طَرِيقا أَو أعَان أهل الْحَرْب بِدلَالَة على الْمُسلمين أَو آوى عينا لَهُم فقد نقض عَهده وَأحل دَمه وبرئت مِنْهُ ذمَّة الله عز وَجل وَذمَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَهَذَا يدل على أَنه لَو لم يشْتَرط لم يسْتَحل دَمه بذلك
روى حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَطاء بن السَّائِب عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَتْهُ الْيَهُود فَقَالُوا السام عَلَيْك فَقَالُوا لَوْلَا يعذبنا الله بِمَا نقُول فَنزلت {وَإِذا جاؤوك حيوك بِمَا لم يحيك بِهِ الله} الْآيَة وروى سعيد عَن قَتَادَة عَن أنس أَن يَهُودِيّا مر على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ السام عَلَيْك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَدْرُونَ مَا قَالَ قَالُوا نعم ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سلم عَلَيْكُم أحد من أهل الْكتاب فَقولُوا وَعَلَيْك
روى الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت دخل رَهْط من الْيَهُود على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا السام عَلَيْك قَالَت ففهمتها فَقلت وَعَلَيْكُم(3/505)
السام واللعنة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مهلا يَا عَائِشَة فَإِن الله يحب الرِّفْق فِي الْأَمر كُله فَقلت يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألم تسمع مَا قَالُوا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قلت وَعَلَيْكُم
وَمثل هَذَا الدُّعَاء لَو كَانَ من الْمُسلم لصار بِهِ مُرْتَدا يقتل وَلم يقتلهُمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك
روى شُعْبَة عَن هِشَام بن زيد عَن أنس بن مَالك أَن امْرَأَة يَهُودِيَّة أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَاة مَسْمُومَة فَأكل مِنْهَا فجيء بهَا فَقيل لَهُ أَلا نقتلها قَالَ لَا قَالَ فَمَا زلت أعرفهَا فِي لَهَوَات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَلَا خلاف بَين الْمُسلمين أَن من فعل ذَلِك بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مِمَّن ينتحل الْإِسْلَام أَنه مُرْتَد يقتل
فَإِن قيل روى أَبُو يُوسُف عَن حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن عَن رجل عَن عمر أَن رجلا قَالَ إِنِّي سَمِعت رَاهِبًا يسب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَو سمعته لقتلته إِنَّا لم نعطهم الْعَهْد على هَذَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِسْنَاده ضَعِيف وَيحْتَمل أَن يكون شَرط عَلَيْهِم أَن لَا يكون هَذَا مِنْهُم
1653 - فِي تصرف الْمُرْتَد
قَالَ أَبُو حنيفَة مَوْقُوف(3/506)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف جَائِز كَالصَّحِيحِ
وَقَالَ مُحَمَّد كَالْمَرِيضِ
وَقَالَ مَالك بَيْعه وشراؤه مَوْقُوف فَإِن أسلم جَازَ وَإِلَّا بَطل وَيُوقف الإِمَام مَاله إِذا ارْتَدَّ رِوَايَة ابْن الْقَاسِم
روى أَشهب أَن بَيْعه جَائِز على غير مُحَابَاة أسلم أَو قتل وعطيته كعطية الْمَرِيض
وَقَالَ الْبُوَيْطِيّ عَن الشَّافِعِي تصرفه مَوْقُوف فَإِن أسلم جَازَ وَإِن قتل بَطل وَيُوقف مَاله
وَقَالَ فِي جَامعه الْكَبِير إِذا كَاتب عبدا قبل أَن يقف الْحَاكِم مَاله فكتابته جَائِزَة وَكَذَلِكَ كل مَا صنع فِي مَاله
1654 - فِي الرِّدَّة تبطل الْإِحْصَان
قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر وَمُحَمّد وَمَالك الرِّدَّة تبطل إحْصَانه أسلم أَو لم يسلم
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا تبطل إحْصَانه أسلم أَو لم يسلم
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا حج الْمُسلم ثمَّ ارْتَدَّ لم يجب عَلَيْهِ الْحَج إِذا أسلم وَهَذَا يدل على أَنه لَا يبطل إحْصَانه بِالرّدَّةِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الرَّجْم عُقُوبَة كَمَا أَن التَّحْرِيم بِالطَّلَاق الثَّلَاث حَتَّى تنْكح زوجا غَيره عُقُوبَة فَلَمَّا لم تبطل الرِّدَّة الْعقُوبَة الْوَاجِبَة بِالطَّلَاق كَذَلِك مَا يجب بالإحصان لَا تبطله الرِّدَّة(3/507)
1655 - فِي الْمُرْتَد يقتل رجلا خطأ
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْمُرْتَد يقتل رجلا خطأ ثمَّ يقتل فَالدِّيَة فِيمَا اكْتَسبهُ فِي حَال الْإِسْلَام
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ فِيمَا اكْتَسبهُ فِي حَال الْإِسْلَام وَالرِّدَّة
وَقَالَ مَالك لَا تعقل عَاقِلَة الْمُرْتَد جِنَايَته
1656 - فِي الذِّمِّيّ ينْتَقل إِلَى كفر آخر
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يعرض لَهُ وَهُوَ قَول مَالك
وروى الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا بدل كفره إِلَى كفر آخر لم يعن على ذَلِك وَقيل لَهُ إِن أَقمت على مَا كنت عَلَيْهِ وَإِلَّا نبذ إِلَيْهِ عَهده فَأخْرج إِلَى دَار الْحَرْب والكتابية إِذا تمجست لم يحل نِكَاحهَا وَإِذا صَارَت الْمَجُوسِيَّة كِتَابِيَّة حل نِكَاحهَا
قَالَ أَبُو حعفر إِذا انْتقل من كفر إِلَى كفر يجوز إِقْرَاره عَلَيْهِ بِهِ والجزية لم يمْنَع مِنْهُ
1657 - فِي الْمُرْتَدَّة هَل يَرِثهَا زَوجهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا مَاتَت أَو لحقت لم يَرِثهَا زَوجهَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِن مَاتَت قبل انْقِضَاء الْعدة ورثهَا وَإِن مَاتَت أَو قتلت بعد انْقِضَاء الْعدة فَلَا مِيرَاث لَهُ فَإِن رجعت إِلَى دَار الْإِسْلَام فِي عدتهَا فهما على نِكَاحهمَا(3/508)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن لحقت جَازَ لزَوجهَا أَن يتَزَوَّج أُخْتهَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا لِأَنَّهَا إِن رجعت قيل انْقِضَاء الْعدة كَانَت امْرَأَته
وَقَالَ مَالك مَالهَا فَيْء لَا يَرِثهَا أحد وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا ارْتَدَّت وَقتلت فميراثها لزَوجهَا وَإِن رجعت إِلَى الْإِسْلَام خطبهَا زَوجهَا بِنِكَاح جَدِيد
1658 - فِي فرض الْجِهَاد
قَالَ أَصْحَابنَا الْجِهَاد وَاجِب إِلَّا أَن الْمُسلمين فِي عذر حَتَّى يحْتَاج إِلَيْهِم
وَقَالَ ابْن شبْرمَة الْجِهَاد لَيْسَ بِوَاجِب والقائمون بِهِ من الْمُسلمين أنصار الله
وَقَالَ مَالك الْجِهَاد فرض بالأموال والأنفس فَإِن مَنعهم الضَّرَر أَو عَاهَدُوا بِأَنْفسِهِم لم يسْقط عَنْهُم الْفَرْض بِأَمْوَالِهِمْ
وَقَالَ الشافي الْغَزْو غَزوَان نَافِلَة وفريضة فَأَما الْفَرِيضَة فَهُوَ النَّفر إِذا أظل الْعَدو بِلَاد الْإِسْلَام والنافلة الرِّبَاط وَالْخُرُوج إِلَى الثغور إِذا كَانَ فِيهَا من فِيهِ كِفَايَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {انفروا خفافا وثقالا} الْآيَة يَعْنِي شبَابًا وشيوخا وَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا مَا لكم إِذا قيل لكم انفروا فِي سَبِيل الله اثاقلتم إِلَى الأَرْض أرضيتم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا من الْآخِرَة فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا قَلِيل إِلَّا تنفرُوا يعذبكم عذَابا أَلِيمًا ويستبدل قوما}(3/509)
{غَيْركُمْ وَلَا تضروه شَيْئا وَالله على كل شَيْء قدير} فَثَبت فَرْضه إِلَّا أَنه على الْكِفَايَة لقَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة}
وَقد روى عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس أَن قَوْله {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة} لَيست فِي الْجِهَاد وَلَكِن لما دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مُضر بِالسِّنِينَ أجدبت بِلَادهمْ فَكَانَت الْقَبِيلَة تقبل بأسرها حَتَّى يحلوا بِالْمَدِينَةِ من الْجهد ويقبلوا الْإِسْلَام وهم كاذبون فضيقوا على أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأجهدوهم فَأنْزل الله تَعَالَى يخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم لَيْسُوا مُؤمنين فردهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عَشَائِرهمْ وحذر قَومهمْ فعلمهم بذلك
قَوْله {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة} وروى عَليّ بن أبي طَلْحَة أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس فِي ذَلِك أَنه يَعْنِي مَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا جَمِيعًا ويتركوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة يَعْنِي عصبَة يَعْنِي السَّرَايَا فَإِذا رجعت السَّرَايَا وَقد نزل بعدهمْ قُرْآن تعلمه الْقَاعِدُونَ وَقَالُوا إِن الله قد أنزل على نَبِيكُم بعدكم قُرْآنًا وتعلمناه فتعلمونهم إِيَّاه فَكَانَ فرض التفقه على الْكِفَايَة كَذَلِك الْجِهَاد
وَرُوِيَ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني الْإِسْلَام على خمس شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَحج الْبَيْت وَصَوْم رَمَضَان وَجَائِز أَن يكون قبل نزُول فرض الْجِهَاد
وَقد وري عَن حُذَيْفَة الْإِسْلَام ثَمَانِيَة أسْهم الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَصَوْم(3/510)
رَمَضَان وَالْحج وَالْجهَاد وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَقد خَابَ من لَا سهم لَهُ وَهَذَا لَا يُقَال رَأيا وَإِنَّمَا هُوَ تَوْقِيف
1659 - فِي قسْمَة الْخمس والفيئ
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْجَامِع الصَّغِير يقسم الْخمس على ثَلَاثَة أسْهم للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل
وروى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة خمس الله وَالرَّسُول وَاحِد وَخمْس ذَوي الْقُرْبَى لكل صنف سَمَّاهُ الله فِي هَذِه الْآيَة خمس الْخمس
قَالَ أَبُو يُوسُف والفيئ الْخراج لِأَن الله تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابه {مَا أَفَاء الله على رَسُوله} إِلَى آخر الْقِصَّة لِأَنَّهُ لَو لم يكن الفيئ وَالْخَرَاج مَوْقُوفا على النَّاس فِي الأعطية والأرزاق لم تشحن الثغور وَلم تقو الجيوش على الْقِتَال
وَقَالَ مَالك الفيئ وَالْخمس سَوَاء يجعلان فِي بَيت المَال قَالَ وَيُعْطِي الإِمَام أقرباء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَا يرى ويجتهد فَإِن تكافأ أهل الْبلدَانِ فِي الْحَاجة بَدَأَ بِالَّذِي المَال فيهم وَإِن كَانَ بعض الْبلدَانِ أَشد حَاجَة نقل إِلَيْهِم أَكثر المَال وَكَانَ مَالك يرى التَّفْضِيل فِي الْعَطاء على قدر الْحَاجة وَلَا يخرج المَال من بلد إِلَى بلد غَيره حَتَّى يُعْطي أهل الْبَلَد الَّذِي هُوَ فِيهِ(3/511)
مَا يغنيهم مَا يغنيهم على وَجه النّظر وَالِاجْتِهَاد وَيجوز أَن يُجِيز الْوَالِي على وَجه الدّين أَولا من يرَاهُ قد اسْتحق بِهِ الْجَائِزَة
قَالَ والفيئ حَلَال للأغنياء
وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ بَلغنِي أَن الفيئ مَا صولح عَلَيْهِ وَأَن الْغَنِيمَة مَا غلب عَلَيْهِ وَقَالَ سهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْخمس وَمَا بَقِي خمس الْخمس وَمَا بَقِي فَلِكُل طَبَقَات الَّتِي سمى الله تَعَالَى فَهَذَا من قَوْله يدل على أَن سهم ذَوي الْقُرْبَى بَاقٍ بعد وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ شريك أَرض الْخراج مَا كَانَ صلحا على خراج يُؤَدِّيه إِلَى الْمُسلمين وَسَوَاد الْكُوفَة أَخذ عنْوَة فَهُوَ فيىء وَلَكنهُمْ تركُوا فِيهِ وَوضع عَلَيْهِم شَيْء وَلَيْسَ بالخراج
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَن ذَاك لَو لم يكن خراجا وَكَانَ ضريبة لأخذ من النِّسَاء وَالصبيان والمطيقين للتكسب فَدلَّ على أَنه خراج الرّقاب وَذَلِكَ لَا يجب إِلَّا على الْأَحْرَار
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يبْدَأ فِي الفيىء بالمقاتلة فَإِن كَانَ فضل فذراريهم فَإِن كَانَ فضل بعد فالمسلمين
وَقَالَ يحيى بن آدم عَن الْحسن بن حَيّ الْغَنِيمَة مَا أَخذ عنْوَة والفيىء مَا صولحوا عَلَيْهِ من الْجِزْيَة وَالْخَرَاج
قَالَ يحيى وَقَالَ بعض الْفُقَهَاء الأَرْض لَا تخمس لِأَنَّهَا فيئ وَلَيْسَت بغنيمة لِأَن الْغَنِيمَة لَا توقف وَالْأَرْض إِن شَاءَ الإِمَام وقفهاء وَإِن شَاءَ قسمهَا(3/512)
كَمَا يقسم الفيئ فَلَيْسَ فِي الفيىء خمس وَلكنه لجَمِيع الْمُسلمين كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى}
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْغَنِيمَة والفيئ الْخمس وَالْغنيمَة مَا أوجف عَلَيْهِ الْخَيل أَو ركاب وَهِي لمن حضر من غَنِي أَو فَقير والفيئ مَا لم يوجف عَلَيْهِ بخيل وَلَا ركاب وَفِيه الْخمس أَيْضا وَيقسم سهم ذَوي الْقُرْبَى بَين غنيهم وفقيرهم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ
وَقَالَ عَطاء للمقاتلة فِي الفيئ وَكَذَلِكَ النِّسَاء والذرية وَلَا بَأْس بِأَن يُعْطي الرجل أَكثر من كِفَايَته وَلَيْسَ للمماليك فِيهِ شَيْء وَلَا للأعراب الَّذين هم أهل الصَّدَقَة وَيُسَوِّي فِي الْعَطاء كَمَا فعل
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ خمس الْغَنِيمَة لمن سمى الله فِي الْآيَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد كَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سهم من الْخمس وَسَهْم من الْغَنِيمَة كَرجل مِنْهُم وَسَهْم الصفى
روى أَبُو جَمْرَة عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لوفد عبد الْقَيْس آمركُم بِأَرْبَع شَهَادَة أَن لَا إِلَه الله وَأَن مُحَمَّد رَسُول الله وتقيموا الصَّلَاة وتؤتوا الزَّكَاة وتعطوا سهم الله من الْمَغَانِم والصفي
وَعبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نفل لسيفه ذُو الفقار يَوْم بدر(3/513)
وَلم يخْتَلف الْفُقَهَاء أَن الصفي قد سقط بِمَوْتِهِ فَكَذَلِك سَهْمه الَّذِي كَانَ لَهُ من الْخمس يرجع إِلَى جملَة الْغَنِيمَة وَلَا يرجع إِلَى شَيْء من نَوَائِب الْمُسلمين
وَأما سهم ذَوي الْقُرْبَى فَإِن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أعْطى مِنْهُ بني هَاشم وَبني الْمطلب وَلم يُعْط بني أُميَّة وَقَالَ إِن بني الْمطلب لم يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام
قَالَ جُبَير بن مطعم وَلم يقسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لبني عبد شمس وَلَا بني نَوْفَل من ذَلِك الْخمس شَيْئا كَمَا قسم لبني هَاشم وَبني الْمطلب
وَقَالَ قَائِل إِنَّمَا كَانَ سهم ذَوي الْقُرْبَى موكولا إِلَى رأية فَلَمَّا مَاتَ بَطل كمن أوصى بِثلث مَاله لمن يرَاهُ فِي قرَابَة زيد فَمَاتَ زيد قبل أَن يرَاهُ لأحد فِي قرَابَته فَتبْطل الْوَصِيَّة
قيل لَهُ فقد أثْبته الله لَهُم بِغَيْر شَرط وَقد قَالَ ابْن عَبَّاس سهم ذَوي الْقُرْبَى لقربى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسمه لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا قسْمَة الشَّافِعِي ذَلِك للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ فَلَا وَجه لَهُ لِأَنَّهُ لَا خلاف لَو أَن رجلا أوصى بِثلث مَاله لِذَوي قرَابَة فلَان أَو وقف عَلَيْهِم وَقفا أَنه لَا يفضل الذُّكُور على الْإِنَاث
وَقَول الشَّافِعِي فِي الفيئ أَنه يُخَمّس خطأ لِأَن الله تَعَالَى ذكر الْغَنَائِم فَأوجب فِيهِ الْخمس وَذكر الفيئ فِي قَوْله {مَا أَفَاء الله على رَسُوله} فَذكر فِيهِ الرَّسُول وَذَوي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل كَمَا قَالَ فِي آيَة الْخمس ثمَّ قَالَ {وَالَّذين تبوؤوا الدَّار وَالْإِيمَان} فوصفهم بِمَا(3/514)
وَصفهم بِهِ ثمَّ قَالَ {وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ} فَذكر فِي الْغَنَائِم الْخمس لأصناف مذكورين وَذكر فِي آيَة الفيئ حق الْجَمِيع فِي جَمِيع الفيئ فَثَبت أَن حكم الفيئ غير حكم الْغَنِيمَة
وَأما قَول مَالك إِنَّه لَيْسَ وَاحِد إِلَّا وَله فِي هَذَا المَال حق إِلَّا الْمَمْلُوك
وَاحْتج بِمَا رُوِيَ عَن مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان أَن عمر قَالَ لَيْسَ أحد يوحد الله إِلَّا لَهُ قسم أعْطِيه أَو مَنعه إِلَّا الْمَمْلُوك وَهَذَا يُوجب دُخُول الْأَعْرَاب فِيهِ
وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث بُرَيْدَة فَأخْبرهُم أَنهم كأعراب الْمُسلمين يجْرِي عَلَيْهِم حكم الله الَّذِي يَجْزِي على الْمُؤمنِينَ وَلَا يكون لَهُم فِي الْغَنِيمَة وَلَا يكون لَهُم فِي الفيئ وَالْغنيمَة إِلَّا أَن يجاهدوا مَعَ الْمُسلمين قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن وَبِهَذَا نَأْخُذ
فَثَبت أَن الْأَعْرَاب لَا حق لَهُم فِي الفيئ وَالْغنيمَة إِلَّا أَن يجاهدوا
1660 - فِي السَّبق
قَالَ مُحَمَّد من غير خلاف إِلَّا فِي خف أَو حافر أَو نصل وَيجوز السَّبق على الْأَقْدَام
قَالَ مُحَمَّد إِذا جعل السَّبق وَاحِدًا فَقَالَ إِن سبقتنى فلك كَذَا وَلم يقل إِن سبقتك فَعَلَيْك كَذَا وَإِن سبقتني فَعَلَيْك كَذَا فَلَا بَأْس وَيكرهُ أَن يَقُول إِن سبقتك فَعَلَيْك كَذَا وَإِن سبقتني فعلي كَذَا هَذَا لَا خير فِيهِ وَإِن قَالَ رجل غَيرهمَا أيكما سبق فَلهُ كَذَا فَلَا بَأْس فَإِن كَانَ بَينهمَا مُحَلل إِن سبق(3/515)
لم يغرم وَإِن سبق أحد فَلَا بَأْس بذلك إِذا كَانَ يسْبق ويسبق تكون دَابَّته مِمَّا يسابق عَلَيْهَا لَا تكون دَابَّة لَا تتحرك
وَقَالَ مَالك سبق الْخَيل أحب إِلَيّ من سبق الرَّمْي وَيكون سبق الْخَيل على نَحْو مَا يسْبق الإِمَام فَإِن كَانَ المسبق غير الإِمَام فعل كَمَا يفعل الإِمَام وَلَا يسْتَحبّ أَن يرجع إِلَيْهِ بِشَيْء مِمَّا خرج مِنْهُ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي السَّبق فِي الرَّمْي إِذا غلب أحد الجريين الآخر فَإِن وجد السَّبق فِيهِ أَن يسْبق الرجل إخوانه ثمَّ يرضى إِن بداله فِي الجريين شَاءَ فَإِن غلب أَو غلب أنفذ سبقه لَهُم
وَقَالَ اللَّيْث قَالَ ربيعَة فِي الرجل يسْبق الْقَوْم بشىء إِن سبقه لَا يرجع إِلَيْهِ قَالَ اللَّيْث وَنحن نرى أَن كل من سبق سبقا يجوز السَّبق فِي مثله إِن سبقه جَائِز فَإِن سبق أَخذ ذَلِك مِنْهُ وَإِن سبقه آخر سبقه وَلم يُخرجهُ
وَقَالَ مَالك أرى أَن يُخرجهُ على كل حَال سبق أَو سبق نَحْو السُّلْطَان
وَقَالَ الشَّافِعِي نَحْو مَا ذكره مُحَمَّد
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر روى أَبُو صَالح السمان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا سبق إِلَّا فِي حافز أَو خف
روى ابْن أبي ذِئْب عَن نَافِع بن أبي نَافِع عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا سبق إِلَّا فِي نصل أَو خف أَو حافر
روى هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت سابقت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(3/516)
فسبقته فَلَمَّا حملت اللَّحْم سابقته فَسَبَقَنِي فَقَالَ هَذِه بِتِلْكَ
وَأما قَول مَالك والأزواعي إِن الْأَشْيَاء المسبق بهَا قد كَانَ فِي ملك من سبق بهَا وَإِنَّمَا أخرجهَا بِالسَّبقِ من ملكه على شريطه فَلَا يملك عَلَيْهِ أَو يَأْخُذ الشَّرْط
وَأما الْمُحَلّل فقد روى عباد بن الْعَوام عَن سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَدخل فرسا بَين فرسين وَهُوَ يُؤمن أَن يسْبق فَذَلِك الْقمَار
وَلَا يعلم روى فِيهِ شَيْء عَن غَيره
وروى حميد عَن الْحسن عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا جلب وَلَا جنب
روى معمر عَن ثَابت عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
قَالَ مَالك مَعْنَاهُ ان يجلب فرسا خَلفه يستحثه وَالْجنب أَن يركب فرسا آخر حَتَّى إِذا دنى من الغابة تحول صَاحبه على الْفرس المجلوب(3/517)
وَقَالَ اللَّيْث أَن يجلب وَرَاء الْفرس فِي السباق وَالْجنب أَن يكون إِلَى جنبه يهيب بِهِ للسباق
وَهُوَ أولى مِمَّا قَالَ مَالك لِأَن السَّبق إِنَّمَا يكون على فرس بِعَينهَا لاعلى أَن يركب غَيرهَا ثمَّ يتَحَوَّل عَنْهَا
1661 - فِي إحْيَاء الْموَات
قَالَ أَبُو حنيفَة من أَحْيَا أَرضًا لم تكن لَهُ إِلَّا بِإِذن الإِمَام
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هِيَ لَهُ وَإِن لم يَجْعَلهَا لَهُ الإِمَام
قَالَ أَبُو يُوسُف والموات الَّذِي يجوز إحياؤه بِغَيْر إِذن الإِمَام هُوَ الَّذِي إِذا وقف رجل وَأَدْنَاهُ إِلَى الْأَمْصَار فصاح بِأَعْلَى صَوته لم يسمعهُ أدنى أهل الْمصر إِلَيْهِ وَمَا بِخِلَاف ذَلِك فَلَيْسَ بموات
وَقَالَ مَالك مَا قرب من الْبيُوت والعمران الَّتِي يتشامح النَّاس فِيهَا فَإِن ذَلِك لَا يكون لأحد إِلَّا بقطيعة من السُّلْطَان وَقَوله عَلَيْهِ وَالصَّلَاة وَالسَّلَام من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ إِنَّمَا هُوَ فِي الفيافي والصحارى وإحياؤها حفر الْآبَار وجر الْعُيُون وغرس الشّجر وَبِنَاء الْبُنيان وَمَا أشبه ذَلِك والمعادن يقطعهَا الإِمَام من شَاءَ يعْمل فِيهَا وَلم يرهَا لأَهْلهَا(3/518)
وَقَالَ ابْن شبْرمَة مَا سبق إِلَيْهِ النَّاس أَنهَار الْمُسلمين وَمَا أفا الله مِنْهَا عَلَيْهِم فَلَيْسَ بموات وَمَا كَانَ وسط الْعمرَان إِنَّمَا الْموَات مَا لَا يَسْتَطِيع أحد أَن يسرق إِلَيْهِ المَاء فحفر آخر كَذَلِك نَهرا فأحياها فَهِيَ لمن أَحْيَاهَا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَيْسَ فِي السوَاد موَات وَإِنَّمَا الْموَات أَرض الْعَرَب وَفرق مَا بَينهمَا الطين وَقَالَ من اختط على نهر لَيْسَ من الطين فَهُوَ أَحَق بِهِ
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن فِي السُّلْطَان يقطع الأَرْض ويحدها لَهُ هِيَ جَائِزَة لَهُ وَإِن لم يقبضهَا وَيجوز الْإِحْيَاء دون السُّلْطَان
وَقَالَ الشَّافِعِي الْموَات الَّذِي لم يملكهُ أحد فِي الْإِسْلَام يعرف وَلَا عمَارَة ملك فِي الْجَاهِلِيَّة وَسَوَاء كَانَت إِلَى جنب قَرْيَة عامرة أَو نهر حَيْثُ كَانَ فَهِيَ لمن أَحْيَاهَا
وروى قَتَادَة عَن سُلَيْمَان الْيَشْكُرِي عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أحَاط حَائِطا فَهِيَ لَهُ
وَقَتَادَة عَن الْحسن عَن سَمُرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أحَاط على شَيْء فَهُوَ لَهُ
وروى من أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ
وروى الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس عَن الصعب بن جثامة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا حمى إِلَّا الله وَلِرَسُولِهِ(3/519)
وَلَيْسَت الأَرْض كالصيد لِأَن للْإِمَام إقطاع الأَرْض وَلَيْسَ لَهُ إقطاع الصَّيْد
1662 - فِي أَمْوَال الْبُغَاة
قَالَ فِي الأَصْل لاتكون غنيمَة ويستعان بكرا عهم وسلاحهم على حربهم فَإِذا وضعت الْحَرْب أَوزَارهَا رد المَال عَلَيْهِم وَيرد الكراع عَلَيْهِم إِذا لم يبْق من الْبُغَاة أحد وَمَا اسْتهْلك فَلَا شَيْء فِيهِ
وَذكر إِبْرَاهِيم بن الْجراح فِي الْبَرْمَكِي عَن أبي يُوسُف مَا وجد فِي أَيدي أهل الْبَغي من كرَاع أَو سلَاح فيئ يقسم ويخمس وَإِذا تَابُوا لم يؤخذوا بِدَم وَلَا مَال استهلكوه
وَقَالَ مَالك مَا اسْتَهْلكهُ الْخَوَارِج من دم أَو مَال ثمَّ تَابُوا لم يؤخذوا بِهِ وَمَا كَانَ قَائِما بِعَيْنِه رد وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا قوتل اللُّصُوص المحاربون فَقتلُوا وَأخذ مَا مَعَهم فَهُوَ غنيمَة لمن قَاتلهم بعد إِخْرَاج الْخمس إِلَّا أَن يكون شَيْء يعلم أَنهم سَرقُوهُ من النَّاس
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى فطر بن خَليفَة عَن مُنْذر بن يعلى عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ قسم عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم الْجمل فيئهم بَين أَصْحَابه مَا قوتل بِهِ من الكراع وَالسِّلَاح
فَهَذَا يدل على مَا قَالَ أَبُو يُوسُف فِي الْبَرْمَكِي(3/520)
وروى عِكْرِمَة بن عمار عَن أبي زميل عَن عبد الله بن الدولي عَن ابْن عَبَّاس أَن الخوراج نقموا على عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه لم يسب وَلم يغنم فحاجهم بِأَن قَالَ لَهُم أفتسبون أمكُم عَائِشَة ثمَّ تستحلون مِنْهَا مَا تستحلون من غَيرهَا فلئن فَعلْتُمْ لقد كَفرْتُمْ روى أَبُو مُعَاوِيَة عَن الصَّلْت بن بهْرَام عَن أبي وَائِل قَالَ سَأَلته أخمس عَليّ أهل الْجمل قَالَ لَا
وَلم يَخْتَلِفُوا أَن أَمْوَالهم المتروكة فِي دِيَارهمْ لَا يغنم فَإِن قتلوا كَذَلِك مَا مَعَهم مِنْهَا وَأَيْضًا كَمَا لم تغنم رقابهم لم يجز أَن تغنم أَمْوَالهم
1663 - فِي قُضَاة الْبُغَاة
قَالَ أَبُو يُوسُف فِي الْبَرْمَكِي لَا يَنْبَغِي لقَاضِي الْجَمَاعَة أَن يُجِيز كتاب أهل الْبَغي وَلَا شَهَادَته وَلَا حكمه
وَقَالَ مَالك تكشف أحكامهم فَمَا كَانَ مُسْتَقِيمًا أمضى
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا غلب الْخَوَارِج على مَدِينَة فَأخذُوا صدقَات أَهلهَا وَأَقَامُوا عَلَيْهِم الْحُدُود لم تعد عَلَيْهِم وَلَا يرد فِي قَضَاء قاضيهم إِلَّا مَا يرد من قَضَاء قَاضِي غَيرهم وَإِن كَانَ غير مَأْمُون بِرَأْيهِ على استحلال دم أَو مَال لم ينفذ حكمه وَلم يقبل كِتَابه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يؤخذوا بعد التَّوْبَة بِمَا استهلكوا من مَال أَو دم صَار كَأَنَّهُمْ أَخَذُوهُ بِحَق كَذَلِك فِيمَا أمضوه يَنْبَغِي أَن يَكُونُوا بِمَنْزِلَة أهل الْعدْل
آخر السّير [1](3/521)
= كتاب الشّركَة =
1664 - فِي الشّركَة بالعروض
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تجوز الشّركَة إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير وَلَا تجوز بالعروض وَهُوَ قَول ابْن شبْرمَة
وَقَالَ البتي تجوز الشّركَة بالعروض
وَقَالَ مَالك تجوز الشّركَة بالعروض وَلَا تجوز بِالطَّعَامِ وَإِن تَسَاويا وَسَوَاء كَانَ نوعا وَاحِدًا أَو أنواعا مُخْتَلفَة وَلَا تجوز الشّركَة وَمن أَحدهمَا دَنَانِير وَمن الآخر دَرَاهِم وَإِن كَانَت الْقيمَة سَوَاء لِأَن الطَّعَام بِمَنْزِلَة الصّرْف
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا تجوز الشّركَة بالعروض وَلَا تكون إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ أَو بِالدَّنَانِيرِ أَو دَنَانِير بِدَرَاهِم فيخلطانها يَعْنِي يتبايعان نصف الدَّرَاهِم بِنصْف الدَّنَانِير
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا تجوز بالعروض إِلَّا أَن يكون قمحا أَو زبيبا فيخلطان جَمِيعًا(4/5)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا تكون الشّركَة بالعروض إِلَّا أَن يَبِيع كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف مَتَاعه بِنصْف مَتَاع الآخر أَو تكون عرُوضا مِمَّا يخْتَلط كالحنطة وَالشعِير وَالزَّيْت وَالسمن وَالدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير إِذا اختلطا فَلم يعرف ذَا من ذَا فيصيرا شَرِيكَيْنِ
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تجوز الشّركَة فِي الْعرُوض وَلَا فِيمَا يرجع فِي حَال المفاضلة إِلَى الْقيمَة إِلَّا أَن يَبِيع نصف عرضه عرض الآخر ويتقابضا وَلَا تجوز الشّركَة إِذا كَانَ من أَحدهمَا دَرَاهِم وَمن الآخر دَنَانِير
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا تجوز بالعروض لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة من قَالَ بِعْ نصف عرضك على أَن يكون ثمنه لي وَيصِح فِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير أَن يَقُول اشْتَرِ لي بدراهمك عبدا
وَقَول مَالك فَاسد لِأَن الدَّرَاهِم يدخلهَا الرِّبَا وَالشَّرِكَة بهَا جَائِزَة
1665 - فِي الشّركَة قبل الْخَلْط
قَالَ أَصْحَابنَا تصح الشّركَة قبل الْخَلْط للدراهم وَالدَّنَانِير إِذا عينا المَال وأحضراه
وَقَالَ زفر لَا تَنْعَقِد حَتَّى يختلطا
وَقَالَ أَصْحَابنَا أَيهمَا هلك قبل الْخَلْط بعد الشّركَة فَهُوَ من مَال صَاحبه خَاصَّة
وَقَالَ مَالك إِن كَانَا جعلا لكل وَاحِد من الْمَالَيْنِ فِي صرة ثمَّ قبضهما أحد الشَّرِيكَيْنِ فالمصيبة عَلَيْهِ خَاصَّة(4/6)
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا تصح الشّركَة حَتَّى يختلطا
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تصح الشّركَة إِلَّا بالخلطة
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا لم يخلطا فَمَال كل وَاحِد مِنْهُمَا على ملكه فَإِن كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا فالقابض أَمِين فَهَلَك من صَاحبه دونه
1666 - فِي التَّفَاضُل فِي الرِّبْح
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْحسن بن حَيّ إِذا اشْتَركَا شركَة عنان على أَن يعملا وتفاضلا فِي الرِّبْح جَازَ وَإِن كَانَ رَأس المَال مِنْهُمَا سَوَاء
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ رَأس المَال من عِنْد أَحدهمَا الثُّلُث وَمن الآخر الثُّلثَيْنِ على أَن يعملا نِصْفَيْنِ وَالرِّبْح نِصْفَانِ فَلَا خير فِي هَذِه الشّركَة
وَلَا يجوز عِنْده التَّفَاضُل فِي الرِّبْح مَعَ التَّسَاوِي فِي رُؤُوس الْأَمْوَال
قَالَ الشَّافِعِي إِذا اشْتَركَا مائَة ثَمَانِينَ على أَن الرِّبْح نِصْفَانِ فالشركة فَاسِدَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم تجز الْمُضَاربَة إِذا شَرط على رب المَال كَذَلِك فِي الشّركَة إِذا كَانَ عمل الآخر مَشْرُوطًا لم يجز أَن يسْتَحق ربح المَال الآخر لِأَن الْمُضَاربَة لَا تصح على هَذَا الْوَجْه
1667 - فِي شركَة الْعَنَان بَين الذِّمِّيّ وَالْمُسلم
قَالَ أَصْحَابنَا هِيَ مَكْرُوهَة وَتجوز وَهُوَ قَول البتي وَالشَّافِعِيّ(4/7)
وَقَالَ مَالك لَا تجوز شركَة الْمُسلم لِلنَّصْرَانِيِّ إِلَّا أَن يكون النَّصْرَانِي يتَصَرَّف بِحَضْرَتِهِ لَا يغيب عَنهُ
وَقَالَ الثَّوْريّ مَا يغيب عَنهُ فَلَا يُعجبنِي
1668 - فِي شَرط الْفضل فِي الوضيعة
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْحسن بن حَيّ الوضيعة على الْمَالَيْنِ بعددهما وَشرط الْفضل بَاطِل وَالرِّبْح على مَا اشْترطَا وَهُوَ قَول البتي
وَقَالَ مَالك الشّركَة فَاسِدَة وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر كل مَا لَا يَصح من الْعُقُود إِلَّا بِالْقَبْضِ لم يُفْسِدهُ الشَّرْط كالعمري والهبات وَالصَّدقَات كَذَلِك الشّركَة إِذا لم تصح بالْقَوْل دون إِحْضَار المَال وَالْقَبْض وَجب أَن لَا يُفْسِدهَا الشَّرْط
1669 - فِي شَرط الْعَمَل على أحد الشَّرِيكَيْنِ
قَالَ أَصْحَابنَا هِيَ جَائِزَة فَإِن كَانَ من أَحدهمَا ألف وَمن الآخر أَلفَانِ فَشرط الْعَمَل على صَاحب الْأَلفَيْنِ على أَن الرِّبْح نِصْفَانِ كَانَ الرِّبْح على رُؤُوس الْأَمْوَال وَالشّرط بَاطِل وَإِن كَانَ الْعَامِل الآخر فَشرط الرِّبْح نِصْفَيْنِ جَائِز
وَقَالَ مَالك لَا يجوز شَرط الْعَمَل على أَحدهمَا فَإِن اشْترط عَلَيْهِمَا الْعَمَل على أَن المَال عِنْد أَحدهمَا فَغير جَائِزَة(4/8)
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا كَانَ فِي الشَّرْط أَن يعْمل أَحدهمَا دون الآخر فَهُوَ فَاسد
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي إِنَّهَا لَا تجوز إِلَّا على الْمُسَاوَاة فِي الْعَمَل كَمَا لَا تجوز إِلَّا على الْمُسَاوَاة فِي الرِّبْح
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْمُضَاربَة لَا يجوز فِيهَا شَرط عمل رب المَال وَالْقِيَاس أَلا تجوز الشّركَة مَعَ شَرط إِخْرَاج يَد أحد الشَّرِيكَيْنِ
1670 - فِي نَفَقَة أحد الشَّرِيكَيْنِ
قَالَ أَصْحَابنَا ينْفق كل وَاحِد مهما من مَال نَفسه وَيغرم لشَرِيكه حِصَّته مَا أنْفق من الْجُمْلَة
وَقَالَ مَالك فِي المتعاوضين إِذا كَانَ لكل وَاحِد مِنْهُمَا عِيَال ألغيا نفقتهما وَإِن كَانَ أَحدهمَا وَحده وَلَا عِيَال لَهُ وَللْآخر عِيَال وَولد حسب كل وَاحِد مَا أنْفق
1671 - فِي شركَة الْوُجُوه
قَالَ أَصْحَابنَا شركَة الْوُجُوه حائزة وَالرِّبْح على قدر مَا يَقع من المَال بِالشِّرَاءِ لكل
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ شركَة التاجرين جَائِزَة بِغَيْر مَال
وَقَالَ مَالك لَا تجوز الشّركَة إِلَّا بِمَال متساو إِذا حضرا جَمِيعًا الشِّرَاء وَكَانَ أَحدهمَا حميلا بِالْآخرِ(4/9)
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تجوز الشّركَة إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير مختلطين
1672 - فِي شركَة الْأَبدَان
قَالَ أَصْحَابنَا تجوز شركَة الْأَبدَان فِي الصناعات اتّفقت أَو اخْتلفت عملا فِي موضِعين أَو مَوضِع وَاحِد وَلَا تجوز فِي الِاصْطِيَاد والاحتطاب وَنَحْوه
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة قَالَ كل مَا تجوز فِيهِ الْوكَالَة تجوز فِيهِ الشّركَة وَمَا لَا تجوز فِيهِ الْوكَالَة لَا تجوز فِيهِ الشّركَة وَمَا تجوز فِيهِ الشّركَة من الصناعات نَحْو الْخياطَة والقصارة فَإِنَّهُ سَوَاء عملا جَمِيعًا أَو أَحدهمَا فَمَا حصل من فضل فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ
وَقَالَ مَالك تجوز الشّركَة على أَن يخيطا أَو يصطادا إِذا كَانَا يعملان جَمِيعًا فِي مَوضِع وَاحِد وَكَذَلِكَ إِذا اشْتَركَا فِي صيد البزاة وَالْكلاب إِذا كَانَ الْكَلْب أَو الْبَازِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ يكون البازيان متعاونين والكلبان متعاونين على صيد وَاحِد
وَقَالَ مَالك لَا تجوز الشّركَة بَين حداد وقصار وَإِنَّمَا تجوز فِي صناعَة وَاحِدَة يعملان جَمِيعًا فِيهَا فِي مَوضِع وَاحِد فَإِن عملا فِي موضِعين أَو كَانَت صناعتين لم تجز الشّركَة
وَقَالَ مَالك يجوز أَن يشْتَرك المعلمان فِي تَعْلِيم الصّبيان إِذا كَانَا فِي مَوضِع وَاحِد وَإِن تفَرقا فِي مجلسين فَلَا خير فِيهِ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث شركَة الْأَبدَان لَا تجوز إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ أَو الدَّنَانِير ويختلط المالان
فَهَذَا يدل على أَنه لَا يجز شركَة الْأَبدَان(4/10)
1673 - فِي تصرف شريك الْعَنَان
قَالَ أَصْحَابنَا مَا اشْتَرَاهُ أحد شَرِيكي الْعَنَان على الشّركَة فَهُوَ لَهما وَمَا اشْتَرَاهُ من غير تِلْكَ التِّجَارَة فَهُوَ لَهُ خَاصَّة وَإِن أقرّ أَحدهمَا بدين فِي تِجَارَته جَازَ عَلَيْهِ خَاصَّة وَلَيْسَ على الْمُنكر مِنْهُ شَيْء وَإِن كَانَ لَهما دين على رجل فَأَخَّرَهُ أَحدهمَا لم يجز تَأْخِيره على الآخر إِلَّا بِرِضَاهُ وَلَا يكون أَحدهمَا خصما فِيمَا تولاه الْأُخَر فِي رد بِعَيْب وَلَا مُطَالبَة بِثمن وَلَا غَيره وَفِي الْمُعَاوضَة يلْزم جَمِيع ذَلِك الشَّرِيك الآخر
وَكَانَ مَالك لَا يعرف شريك الْعَنَان وَلَا أحد من أهل الْحجاز وَإِنَّمَا الشّركَة شركَة الْمُفَاوضَة وَإِذا بَاعَ أحد الشَّرِيكَيْنِ فَلِلْمُشْتَرِي أَن يرد بِالْعَيْبِ على الآخر إِذا كَانَ البَائِع غَائِبا فَإِن كَانَ مُقيما أَو كَانَت غيبته يَوْمًا فَإِنَّهُ ينْتَظر حَتَّى يَأْتِي لَعَلَّ لَهُ حجَّة فَإِن جحد أَن يكون بَاعه شَرِيكه وَبِه الْعَيْب حلف على الْعلم
وَقَالَ الشَّافِعِي يلْزم إِقْرَار أحد الشَّرِيكَيْنِ الآخر وَهُوَ لَا يعرف شركَة الْعَنَان(4/11)
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِن كَانَ الآخر خصما عَن البَائِع فَهُوَ كَالْوَكِيلِ يَنْبَغِي أَن لَا يخْتَلف حكمه فِي حَال حُضُوره وغيبته
1674 - فِي خُصُومَة أحد شَرِيكي الصناعات فِيمَا تولاه الآخر
قَالَ أَصْحَابنَا أَيهمَا تقبل بِالْعَمَلِ فلرب المَال مُطَالبَة الآخر بِهِ وَأيهمَا مَا دفع الثَّوْب فَلهُ أَن يُطَالب الآخر وَإِذا جنت يَد أَحدهمَا فَالضَّمَان عَلَيْهِمَا ذكره بشر عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة فَإِن أقرّ أَحدهمَا بِثَوْب فِي يدهما إِن هَذَا دَفعه إِلَيْهِ ليعمله وَقَالَ الشَّرِيك الآخر هُوَ لي صدق الْمقر وَدفع الثَّوْب إِلَى الْمقر لَهُ اسْتِحْسَانًا كالمتفاوضين أَلا ترى أَن لَهُ أَخذ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْعَمَل وَرَوَاهُ مُحَمَّد كَذَلِك
وَقَالَ مَالك فِي القصارين إِذا اشْتَركَا فِي حَانُوت فَمَرض أَحدهمَا من عمل الآخر فَالْعَمَل بَينهمَا وَلَا بَأْس بذلك
وَكَذَلِكَ إِن غَابَ أَحدهمَا يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ وَعمل الآخر
وَقَالَ أَصْحَابنَا إِذا مرض أَحدهمَا أَو غَابَ فَعمل الآخر بَينهمَا
1675 - فِي الشّركَة على أَعْيَان الأدوات
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا تجوز الشّركَة على فعل من أَحدهمَا وبعين من الآخر على أَن يؤاجرهما وَيكون الْأجر نِصْفَيْنِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَذَلِكَ لِأَن الْوكَالَة على هَذَا الْوَجْه لَا تصح
وَقَالَ أَصْحَابنَا وَتجوز الشّركَة على أَن آلَة القصارة من عِنْد أَحدهمَا(4/12)
وَالْبَيْت من الآخر على أَن يعملا بأداة هَذَا فِي بَيت هَذَا على أَن الْكسْب نِصْفَانِ لِأَن الْآلَة فِي هَذَا الْموضع لَيْسَ مِمَّا يُؤْخَذ أجره وَكَذَلِكَ الْبَيْت وَالْأُجْرَة مَأْخُوذَة عَن الْفِعْل وَفِي الْبَغْل وَالْبَعِير مَأْخُوذ من الْبَغْل وَالْبَعِير
وَقَالَ مَالك هَذَا لَا يجوز أَيْضا
1676 - فِي شَرط الْمُزَارعَة
قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يسْتَحق بعض الْخَارِج بِالشّرطِ إِلَّا عَن الأَرْض أَو عَن الرجل وَلَا يسْتَحق عَن الْبَقر والآلة وَرب الْبذر وَيسْتَحق بِغَيْر شَرط وَمَتى فَسدتْ الْمُزَارعَة كَانَ الْخراج لصَاحب الْبذر وللباقي أجر الْمثل عَلَيْهِ من أَرض أَو عَامل
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَت الأَرْض من عِنْدِي وَالْبَقر من عِنْد شَرِيكي وَالْبذْر من عندنَا جَمِيعًا وَالْعَمَل علينا جَمِيعًا أَنه جَائِز إِذا كَانَ كِرَاء الأَرْض وَالْبَقر سَوَاء وَإِن كَانَ أَحدهمَا أَكثر كِرَاء لم أحبه
وَيجوز عِنْده إِذا أخرج أَحدهمَا الأَرْض وَالْآخر الْبَقر وَالْآخر الْعَمَل إِذا كَانَ الْبذر بَينهم أَثلَاثًا وتكافؤا فِي الْعَمَل وَإِن كَانَ الْبذر من عِنْد أحدهم لم يجز بِحَال
وَلَا تصلح الشّركَة فِي الزَّرْع عِنْد مَالك إِلَّا أَن يكون الْبذر بَينهمَا ويتكافآن فِيمَا بعد ذَلِك من الْعَمَل فَإِن كَانَ الْبذر من عِنْدهمَا وَمن عِنْد الآخر الأَرْض وَجَمِيع الْعَمَل لم يجز لصَاحب الأَرْض وَيُعْطِي هَذَا بذرهما
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا كَانَ لأَحَدهمَا مَاء وَللْآخر أَرض اشْتَركَا على أَن ينبتا الأَرْض وَالْمَاء فَيكون عمل تِلْكَ الأَرْض ونفقتها عَلَيْهِمَا سَوَاء فَهُوَ جَائِز
وَقَالَ اللَّيْث إِذا كَانَ من عَن أَحدهمَا الأداة وَمن عِنْد الآخر الْعَمَل فَإِنَّهُ(4/13)
ينظر إِلَى قيمَة الْعَمَل وَأُجْرَة الْآلَة فيترادان الْفضل وَإِن كَانَت الأَرْض من عِنْد أَحدهمَا أَو كَانَت تكرى مثلهَا أقيم لَهُ كراها جَازَ عَلَيْهِ نصف الْكِرَاء
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا اشْترك أَرْبَعَة نفر لأَحَدهم الْبذر وَللْآخر الأَرْض وَللْآخر الْبَقر وَللْآخر عمل يَده فالشركة فَاسِدَة وَالرِّبْح لصَاحب الْبذر وللآخرين إِجَارَة أمثالهم
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِنَّمَا تجوز الْمُزَارعَة على أَن تكون الأَرْض مستأجرة وَيكون الرجل مُسْتَأْجرًا فَإِذا خرج عَن ذَلِك لم تصح إِلَّا أَن مُحَمَّدًا قَالَ إِذا كَانَ من عِنْد أَحدهمَا الفدان وَمن الآخر الْعَمَل وَمن الآخر الْبذر وَعَلِيهِ أُجْرَة الْمثل لهَؤُلَاء فَكَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يُفْسِدهَا بَين صَاحب الأَرْض لفسادها فِيمَا بَين صَاحب الْبَقر وَبَين صَاحب الأَرْض
كَمَا قَالَ فِي الْمُضَاربَة إِذا وَقعت بَين صَاحب المَال وَبَين الْمضَارب على أَن للْمُضَارب ثلث الرِّبْح ولرب المَال ثلث الرِّبْح ولرجل آخر شَرط عمله فِي الْمُزَارعَة ثلث الرِّبْح أَن الْمُضَاربَة جَائِزَة ولرب المَال ثُلثي الرِّبْح وللمضارب ثلثه وَللْآخر أجرتا مثله فَلم تفْسد الْمُضَاربَة فِيمَا بَين رب المَال وَبَين الْمضَارب لأجل فَسَادهَا فِيمَا بَينه وَبَين الآخر
1677 - فِي الصَّانِع يقْعد فِي حانوته من يعْمل مَعَه بِالنِّصْفِ
قَالَ أَصْحَابنَا فِي صانع أَو خياط يقْعد مَعَه فِي حانوته رجلا يطْرَح عَلَيْهِ الْعَمَل بِالنِّصْفِ أَنه جَائِز اسْتِحْسَانًا
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز(4/14)
1678 - فِي شركَة الْمُفَاوضَة
قَالَ أَصْحَابنَا شركَة الْمُفَاوضَة جَائِزَة وشرطهما أَن يستويا فِي المَال الَّذِي يجوز انْعِقَاد الشّركَة وَفِي التَّصَرُّف فَيكون حِينَئِذٍ كل وَاحِد مِنْهُمَا وَكيلا لصَاحبه فِي التَّصَرُّف وَالْخُصُومَة وضامنا عَنهُ مَا يلْزمه من جِهَة الْعُقُود الدَّاخِلَة فِي الْمُفَاوضَة وَمَا كَانَ ضَمَانه فِي معنى ضَمَان الْعُقُود وَيجوز عِنْدهم الْمُفَاوضَة فِي شركَة الْوُجُوه والأبدان أَيْضا
فَإِن وزن أَحدهمَا بعد الْمُفَاوضَة دَرَاهِم أَو دَنَانِير فَسدتْ الْمُفَاوضَة فِي الْوُجُوه
وَإِن وزن عرُوضا لم تفْسد
وَقَالَ ابْن أبي يعلى إِذا اشْتَركَا شركَة مُفَاوَضَة ولأحدهما ألف دِرْهَم وَللْآخر أَلفَانِ فَهَذِهِ مُفَاوَضَة جَائِزَة وَالْمَال كُله بَينهمَا نِصْفَانِ فَإِن اشْتَركَا فِي جَمِيع الْأَشْيَاء فقد تفاوضا وَإِن اشْتَركَا فِي نوع وَأحد من التِّجَارَة متفاوضان فِي ذَلِك النَّوْع
وَتَصِح الْمُفَاوضَة على الثُّلُث والثلثين وَلَا يُفْسِدهَا أَن يكون مَال أَحدهمَا أَكثر من مَال الآخر وَإِن اشْترى أَحدهمَا جَارِيَة لنَفسِهِ من مَال الشّركَة فصاحبه مُخَيّر إِن شَاءَ أَمْضَاهُ وَإِن شَاءَ رده إِلَى الشّركَة وَإِن اشْترى طَعَاما ليأكله كَانَ لَهُ خَاصَّة(4/15)
وَقَول الثَّوْريّ فِي الْمُفَاوضَة كَقَوْل أَصْحَابنَا إِلَّا أَن شَرط الشّركَة عِنْده أَن يخلطا الْمَالَيْنِ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِي الْمُتَفَاوضين يَقُول كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه أَنْت فِي مَالِي بمنزلتي فيصيران شَرِيكَيْنِ متفاوضين وَلَا بَأْس أَن يَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا من المَال مَا شَاءَ من غير أَن يحسبه على نَفسه وَلَيْسَ بَينهمَا حِسَاب مِمَّا أخذا وَيُؤْخَذ كل وَاحِد مِنْهُمَا بدين صَاحبه
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تجوز شركَة الْمُفَاوضَة بِحَال
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَذكر لنا بكار بن قُتَيْبَة أَنه سمع أَبَا عَاصِم النَّبِيل وقا لَهُ رجل مَا معنى شركَة الْعَنَان فَقَالَ هِيَ كلمة تطرف بهَا أهل الْكُوفَة يُرِيد أَنهم أحدثوها للفرقة بَين الْمُفَاوضَة والعنان فَذَكرته لِابْنِ أبي عمرَان فَقَالَ مَا قَالَ شَيْئا وَإِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذ من عنان الدَّابَّة الَّذِي يحبسها بِهِ راكبها عَمَّا لَا يُريدهُ لِأَنَّهُ يمْنَع نَفسه بهَا عَن التَّصَرُّف فِي سَائِر الْوُجُوه الْأُخَر وَمنعه أَن يتَصَرَّف عَلَيْهِ من غير الْوَجْه الَّذِي تعاقدا عَلَيْهِ
وَقَالَ نَابِغَة بن جعدة ... وشاركنا قُريْشًا فِي تقاها ... وَفِي أحسابها شرك الْعَنَان ...
فَإِذا كَانَت شركَة الْعَنَان مَوْجُودَة فِي اللُّغَة فقد دلّ على أَن هُنَاكَ شركَة غَيرهَا وَهِي الْمُفَاوضَة فَتجوز الْمُفَاوضَة كَمَا جَازَ الْعَنَان إِلَّا أَن الْمُفَاوضَة أَعم وَإِذا جَازَ الْعَنَان مَعَ مَا فِيهَا من الْجَهَالَة جَازَت الْمُفَاوضَة
1679 - فِي كَفَالَة أحد الْمُتَفَاوضين
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كفل أحد الْمُتَفَاوضين بِمَال لزم صَاحبه(4/16)
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك لَا يلْزم فِي عَارِية المفاوض
قَالَ أَصْحَابنَا للمفاوض أَن يعير اسْتِحْسَانًا وَكَذَلِكَ العَبْد الْمَأْذُون لَهُ
وَقَالَ مَالك لَا يجوز إِلَّا فِي الشَّيْء الْخَفِيف أَو يخبر بِهِ فِي الِاسْتِبْرَاء فَلَا يضمن وَإِن صنع ذَاك من غير التِّجَارَة ضمن
1680 - فِي شركَة المفاوض
قَالَ أَصْحَابنَا للمفاوض أَن يُشَارك آخر شركَة مُفَاوَضَة أَو عنان وَيجوز على شَرِيكه
وَقَالَ مَالك لَا يجوز
1681 - فِيمَن قَالَ مَا اشْتريت من شَيْء فَهُوَ بَيْننَا نِصْفَانِ أَو لم يؤقت
قَالَ بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف فِي الْإِمْلَاء إِذا قَالَ مَا اشْتريت الْيَوْم فبيني وَبَيْنك
فَإِن أَبَا حنيفَة قَالَ هُوَ جَائِز وَكَذَلِكَ إِن لم يؤقت يَوْمًا وَوقت مَالا وَكَذَلِكَ إِن وَقت صنفا من الثِّيَاب وسمى عددا وَلم يسم ثمنا وَلَا يَوْمًا فَهُوَ جَائِز
وَإِن قَالَ مَا اشْتريت وَلم يسم شَيْئا فَهُوَ بيني وَبَيْنك فَإِن أَبَا حنيفَة قَالَ لَا يجوز إِلَّا أَن يشتركا فيقولا مَا اشترينا أَو اشْترى لنا أَو اشْترى وَاحِد منا من تِجَارَة فَهُوَ بَيْننَا فَهَذَا جَائِز وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَإِن قَالَ مَا اشْتريت الْيَوْم فَهُوَ لي لم يجز وَلَو قَالَ مَا رَأَيْت أَن تشتريه الْيَوْم لي فاشتره جَازَ إِذا جعل الْمَشِيئَة إِلَى الْوَكِيل(4/17)
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء إِذا قَالَ مَا اشْتريت من شَيْء فَهُوَ بيني وَبَيْنك وَذَلِكَ بَينهمَا على الْأَبَد حَتَّى يُخرجهُ الشَّرِيك وَلم يحك خلافًا وَكَذَلِكَ قَول اللَّيْث
وَقَالَ مَالك لَا يجوز وَلَا تعجبني شركَة الْوُجُوه
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ مَا اشْتريت من شَيْء فَهُوَ بيني وَبَيْنك لم يَقع شركَة وَمَا اشْترى من شَيْء فَهُوَ لَهُ خَاصَّة
قَالَ أَبُو جَعْفَر تقع البضاعة وَالْمُضَاربَة على وَجه التَّفْوِيض كَذَلِك التَّوْكِيل
1682 - فِي الدّين بَين الرجلَيْن
قَالَ مُحَمَّد عَن أَصْحَابنَا إِذا أَقبض أَحدهمَا شَيْئا شركه الآخر فِيهِ فَإِن سلمه لَهُ لم يكن لَهُ أَن يرجع عَلَيْهِ حَتَّى يَنْوِي مَا على الْمَطْلُوب فَإِذا نوى رَجَعَ عَلَيْهِ بِنصْف مَا قبض
وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي الْإِمْلَاء عَن أبي حنيفَة إِن سلم لَهُ فَلهُ أَن يعود حَتَّى يُشَارِكهُ فِيمَا أَخذ
وَقَالَ الشَّافِعِي يُشَارِكهُ الشَّرِيك الآخر فِيمَا قبض
وَقَالَ مَالك إِن قَبضه بِأَمْر السُّلْطَان لم يُشَارِكهُ وَإِن قَبضه بِغَيْر أَمر سُلْطَان شَاركهُ
قَالَ مَالك وَكَذَلِكَ إِن أمره الشَّرِيك أَن يخرج مَعَه فِي اقتضائه أَو يُوكل فَلم يفعل فَإِنَّهُ لَا يُشَارِكهُ فِيمَا قبض(4/18)
1683 - فِي أحد الشَّرِيكَيْنِ فِي الدّين يَأْخُذ بِنَصِيبِهِ عرضا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا صَالح أحد الشَّرِيكَيْنِ من نصِيبه من الدّين على عوض فَإِن للشَّرِيك الآخر أَن يَأْخُذ نصفه إِلَّا أَن يَشَاء الْقَابِض أَن يُعْطِيهِ نصف نصِيبه من الدّين وَإِن اشْترى مِنْهُ بِنَصِيبِهِ عوضا رَجَعَ عَلَيْهِ شَرِيكه بِنصْف نصِيبه من الدّين لَا غير
وَقَالَ زفر الشِّرَاء وَالصُّلْح سَوَاء وَيرجع بِنصْف نصِيبه من الدّين
وَقَالَ مَالك كَقَوْل زفر فِي الصُّلْح
1684 - فِي تَأْخِير أحد الشَّرِيكَيْنِ
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الشَّرِيكَيْنِ فِي الدّين إِذا أخذهما الْغَرِيم بِنَصِيبِهِ لم يجز
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يجوز وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز تَأْخِير دين أَصله حَال
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن حل مَا أخر كَانَ لَهُ أَن يرجع على الشَّرِيك بِنصْف مَا قبض وَإِن شَاءَ رَجَعَ بِنَصِيبِهِ على الْغَرِيم
وَقَالَ مَالك إِذا نوى مَا على الْغَرِيم من حِصَّته الَّذِي أخر وَقد اقْتضى صَاحبه نصِيبه لم يرجع عَلَيْهِ بِشَيْء مِمَّا قبض
آخر الشّركَة(4/19)
= كتاب الْمُزَارعَة =
1685 - فِي الْمُزَارعَة وَالْمُسَاقَاة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر رحمهمَا الله لَا تجوز الْمُزَارعَة وَلَا الْمُسَاقَاة
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالثَّوْري وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رَحِمهم الله تجوزان جَمِيعًا
وَقَالَ مُحَمَّد لَا تجوز الْمُزَارعَة فِي الأَرْض الْبَيْضَاء وَتجوز الْمُسَاقَاة فِي(4/21)
أصل نخل وكرم ورمان وَمَا أشبهه وَتجوز الْمُزَارعَة فِي الأَرْض الْبَيْضَاء بَين النّخل على وَجه التبع وَتجوز أَن يساقيه النّخل وعَلى أَن يزرع الأَرْض وَالْخَارِج من الأَرْض أَو بَينهمَا لِأَنَّهَا تبع وَإِنَّمَا تجوز إِذا كَانَت الأَرْض الَّتِي بَين النّخل الثُّلُث وَالنَّخْل الثُّلثَيْنِ وَنَحْوه
يَقُول الْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ تجوز الْمُزَارعَة
وَاللَّيْث لَا يجيزها ويجيز الْمُسَاقَاة وَكَذَلِكَ الشَّافِعِي إِلَّا أَن الشَّافِعِي يجوز الْمُسَاقَاة فِي النّخل وَالْكَرم دون غَيرهمَا وَلَا تجوز الْمُزَارعَة بِالثُّلثِ إِلَّا فِي الأَرْض الْبَيْضَاء الَّتِي بَين النّخل الَّتِي تشترك مَعَ النّخل فِي السَّقْي
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ثَابت بن الضَّحَّاك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْمُزَارعَة وَاخْتلف أَلْفَاظ رَافع بن خديج فَروِيَ عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن المخابرة
وَرُوِيَ عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّمَا يزرع ثَلَاثَة رجل لَهُ أَرض فَهُوَ يَزْرَعهَا وَرجل منح أَخَاهُ أرضه فَهُوَ يزرع مَا منح مِنْهَا وَرجل اكترى بِذَهَب أَو فضَّة
وروى يعلى بن حَكِيم عَن سُلَيْمَان بن يسَار عَن رَافع بن خديج قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَت لَهُ أَرض فليزرعها أَو يَزْرَعهَا أَخَاهُ وَلَا يكريها بِالثُّلثِ وَلَا بِالربعِ وَلَا بِطَعَام مُسَمّى
وروى الزُّهْرِيّ عَن سَالم أَن ابْن عمر كَانَ يكْرِي أرضه حَتَّى بلغه أَن(4/22)
رَافع بن خديج كَانَ ينْهَى عَن كِرَاء الْأَرْضين فَلَقِيَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ سَمِعت عمي وَكَانَا قد شَهدا بَدْرًا يحدثان أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن كِرَاء الْأَرْضين فَترك ابْن عمر كِرَاء الأَرْض
وروى مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع أَن رَافع بن خديج أخبر عبد الله بن عمر أَن عمومته جاؤوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ رجعُوا فَقَالُوا إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن كِرَاء الْمُزَارعَة فَقَالَ ابْن عمر قد علمنَا أَنه كَانَ صَاحب مزرعة يكريها على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَن لَهُ مَا فِي ربيع الساقي الَّذِي تفجر مِنْهُ المَاء وَطَائِفَة من التِّبْن لَا أَدْرِي مَا التِّبْن وَمَا هُوَ فَأخْبر ابْن عمر سَبَب الْفساد وَهُوَ شَرط مَا فِي الرّبيع الساقي وَلم يُنكره رَافع
وروى عَطاء عَن جَابر بن عبد الله قَالَ كَانَ لرجل منا فضول أَرضين على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانُوا يؤاجرونها على النّصْف وَالثلث وَالرّبع فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَت لَهُ أَرض فليزرعها أَو يمنح أَخَاهُ فَإِن أبي فليمسك
وروى الثَّوْريّ عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن حَنْظَلَة بن قيس الزرقي أَنه سمع رَافع بن خديج يَقُول كُنَّا أَكثر أهل الْمَدِينَة حقلا وَكُنَّا نقُول للَّذي نخابره لَك هَذِه الْقطعَة وَلنَا هَذِه الْقطعَة تزرعها لنا فَرُبمَا أخرجت هَذِه الْقطعَة وَلم تخرج هَذِه شَيْئا وَرُبمَا أخرجت هَذِه وَلم تخرج هَذِه شَيْئا فنهانا(4/23)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فَأَما بورق لم ينهنا عَنهُ
وروى أَبُو الزبير عَن جَابر كُنَّا فِي زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَأْخُذ الأَرْض بِالثُّلثِ أَو الرّبع بالماذيانات فَنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك
وروى سعيد بن الْمسيب عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ كَانَ النَّاس يكرون الْمزَارِع بِمَا يكون على الساقي فَنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك وَقَالَ اكروها بِالذَّهَب وَالْوَرق
وروى عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَامل أهل خَيْبَر بِشَطْر مَا يخرج من الزَّرْع وَالنَّخْل
وروى أَبُو الزبير عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَامل أهل خَيْبَر كَمَا كَانُوا وَجعلهَا بَينه وَبينهمْ فَبعث ابْن رَوَاحَة فخرصها عَلَيْهِم فَفِي هذَيْن الْخَبَرَيْنِ إجَازَة الْمُزَارعَة وَالْمُسَاقَاة فَإِن قيل نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن المخابرة رَوَاهُ عَطاء وَأَبُو الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي مُشْتَقَّة من خَيْبَر فَدلَّ على أَنه مُتَأَخّر عَن قصَّة خَيْبَر(4/24)
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا لَا يَصح لمَالِك وَالشَّافِعِيّ لِأَنَّهُمَا لَا يجيزان الْمُسَاقَاة ويحتجان بِقصَّة خَيْبَر وَالْمُخَابَرَة اسْم كَانَ مَوْجُودا قبل حَدِيث خَيْبَر وَإِن ثَبت النَّهْي عَن المخابرة وَهِي الْمُزَارعَة فَيَنْبَغِي أَن لَا يجوز فِي الزَّرْع من النّخل إِذا كَانَ أقل من الثُّلُث وَاعْتِبَار الثُّلُث تحكم بِغَيْر دَلِيل وَلَا يَصح التَّوْقِيت إِلَّا من جِهَة التَّوْقِيف فَإِن قيل إِنَّمَا أجزته للضَّرُورَة
قيل لَهُ وَعَمن رويت جَوَاز الْعُقُود الْفَاسِدَة بِالضَّرُورَةِ
وَقد روى أَسْبَاط بن مُحَمَّد عَن كُلَيْب بن وَائِل قَالَ قلت لِابْنِ عمر أَتَانِي رجل لَهُ أَرض ومآء وَلَيْسَ لَهُ بذر وَلَا بقر أخذت أرضه بِالنِّصْفِ فزرعتها ببذري وبقري فناصفته فَقَالَ حسن فَأجَاز ابْن عمر الْمُزَارعَة وَقد روى قصَّة خَيْبَر وَحَدِيث رَافع بن خديج
1686 - فِي التِّبْن فِي الْمُزَارعَة
قَالَ مَالك إِذا دفع النّخل مُعَاملَة مَعَ الأَرْض فالتبن بَينهمَا نِصْفَيْنِ
وَقَالَ بشر عَن أبي يُوسُف إِذا شَرط أَن مَا أخرج الله تَعَالَى من طَعَام فَهُوَ بَينهمَا لم يجز حَتَّى يشترطا مَا أخرج الله من شَيْء فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَيْنِ أَلا ترى أَنه لَو شَرط التِّبْن نِصْفَيْنِ وَالْحِنْطَة للزارع لم يجز
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء لَا يجوز أَن يشْتَرط التِّبْن للزارع وَالْحب نِصْفَيْنِ وَلَا يجوز حَتَّى يكون الْحبّ والتبن جَمِيعًا نِصْفَيْنِ(4/25)
وَقَالَ فِي الْمُزَارعَة الْكَبِير إِذا شَرط التِّبْن لصَاحب الْبذر وَالْحب نِصْفَيْنِ جَازَ وَإِن شَرط التِّبْن لمن لَيْسَ لَهُ بذر وَالْحب نِصْفَيْنِ لم يجز
قَالَ ابْن أبي عمرَان الصَّحِيح مَا قَالَه مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء وَوَافَقَ فِيهِ أَبَا يُوسُف لِأَن التِّبْن إِن كَانَ مَعَ الْحِنْطَة كصنف وَاحِد فَغير جَائِز شَرط بعض مِنْهُ بِعَيْنِه للْآخر أَلا ترى أَنه لَا يجوز أَن يشْتَرط الْحِنْطَة لأَحَدهمَا والتبن بَينهمَا وَإِن كَانَا صنفين لم يجز كشعير وحنطة وَلَا يجوز أَن يشْتَرط أَن الشّعير لأَحَدهمَا وَالْحِنْطَة بَينهمَا
وَأما سواقط النّخل فَفِي قَول مَالك هُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ
وَفِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد لرب النّخل لِأَن السواقط لَيست من الثَّمَرَة وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَة النّخل نَفسه
1687 - فِيمَا يجوز فِيهِ الْمُسَاقَاة
قَالَ مَالك لَا تجوز الْمُسَاقَاة فِي كل شَيْء يَجِيء ثمَّ يخلف ثمَّ يَجِيء ثمَّ يخلف نَحْو الْقصب والبقول والموز والتين لِأَن بيع ذَلِك جَائِز وَبيع مَا يَجِيء بعده
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الْمُزَارعَة الْكَبِير تجوز الْمُسَاقَاة فِي الطّلع مَا لم يتناه عظمه فَإِذا بلغ حَالا يزِيد بعد ذَلِك لم يجز وَإِن لم يرطب
وَقَالَ بشر عَن أبي يُوسُف فِي الْإِمْلَاء إِذا دفع أَرضًا ليغرسها نخلا وكرما وشجرا على أَن مَا أخرج الله تَعَالَى من النّخل وَالشَّجر وَالْكَرم فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ فَهُوَ جَائِز إِلَّا أَن يكون الشّجر وَالْكَرم الَّذِي يغرسه لَيْسَ لَهُ قيمَة(4/26)
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تجوز الْمُسَاقَاة إِلَّا فِي النّخل وَالْكَرم لِأَن ثمرتهما بَائِن فِي شجر لَا حَائِل دونه يمْنَع إحاطة النّظر وَمن غَيرهمَا مفترق بَين أَضْعَاف ورق شَجَرَة لَا يحاط بِالنّظرِ إِلَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَيْسَ كَذَلِك لِأَن ثَمَرَة الزَّيْتُون والتين والكمثرى والآجاص وَنَحْوهَا من الأترج وَالرُّمَّان يحاط بِالنّظرِ إِلَيْهِ
1688 - فِي الْمُسَاقَاة على الشّجر الَّذِي لَا يحْتَاج إِلَى سقِِي
قَالَ مَالك تجوز الْمُسَاقَاة فِي الشّجر البعل الَّذِي لَا يحْتَاج إِلَى سقِِي
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الْمُزَارعَة الْكَبِير هُوَ جَائِز وَتَكون الْمُسَاقَاة على التلقيح وَالْحِفْظ وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ اللَّيْث لَا تجوز الْمُسَاقَاة إِلَّا فِيمَا سقَاهُ
1689 - إِذا شَرط جَمِيع الثَّمَرَة للساقي
قَالَ مَالك هُوَ جَائِز كمن دفع مَالا مُفَاوَضَة على أَن جَمِيع الرِّبْح لِلْعَامِلِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يجوز وَلَا يكون ذَلِك مُسَاقَاة وَالثَّمَرَة لرب النّخل
1690 - فِي الْمُسَاقَاة على زرع قد نبت
قَالَ مَالك لَا تجوز الْمُسَاقَاة فِي زرع إِلَّا أَن يعجز صَاحبه عَن سقيه
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك لَا يساقي شَيْء من النّخل إِذا كَانَ فِيهِ ثَمَر قد بدا(4/27)
وطاب وَحل بَيْعه وَتجوز قبل أَن تبدو صَلَاحه وَيحل بَيْعه وَالْمُسَاقَاة فِي الزَّرْع إِذا خرج واستقل فعجز صَاحبه عَن سقيه وعلاجه فَهِيَ جَائِزَة
وَقَالَ اللَّيْث لَا يساقي الزَّرْع بعد أَن يسْتَقلّ ويساقي الْقصب إِذا خرج من الأَرْض لِأَن الْقصب أصل
وَقَالَ مُحَمَّد وَلم يحك خلافًا إِذا دفع إِلَيْهِ الزَّرْع مُعَاملَة قبل أَن يستحصد جَازَ وَإِن كَانَ قد استحصد لم يجز
وَقَالَ الشَّافِعِي تجوز الْمُسَاقَاة على الثَّمر الَّذِي قد حل بَيْعه فِي النّخل ذكره الرّبيع عَنهُ
وَذكر الْبُوَيْطِيّ أَنه لَا تجوز الْمُعَامَلَة إِذا كَانَ فِي النّخل ثَمَر قد بدا صَلَاحه
1691 - فِي الْمُعَامَلَة على غرس الشّجر
قَالَ بشر عَن أبي يُوسُف إِن كَانَ للشجر قيمَة عِنْد الْغَرْس لم يجز وَإِن لم يكن لَهُ قيمَة جَازَ
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الْمُزَارعَة الْكَبِير هَذَا جَائِز فِي غرس الشّجر وَالنَّخْل على أَن يكون الْجَمِيع بَينهمَا تَصِفِينَ وَكَذَلِكَ أصُول الرّطبَة وَإِن شَرط الثَّمَرَة نِصْفَيْنِ جَازَ أَيْضا على مَا اشْترطَا وَالْأُصُول للغارس
1692 - من أجل الْمُسَاقَاة
قَالَ مَالك لَا يجوز أَن يشْتَرط للمساقاة أَََجَلًا بِعَيْنِه شهرا أَو سنة وَإِنَّمَا الْمُسَاقَاة إِلَى الجداد(4/28)
فَقَالَ مُحَمَّد فِي الْمُزَارعَة من غير خلاف إِذا سمى الْمُعَامَلَة فِي النّخل سِنِين مَعْلُومَة جَازَت وَإِن لم يسم سِنِين جَازَ وَهُوَ على أول ثَمَرَة تخرج فِي أول سنة اسْتِحْسَانًا وَلَو كَانَ ذَلِك فِي أصُول الرّطبَة وَلم يسم سنة وَلَا أَكثر لم يجز لِأَن الرّطبَة لَيْسَ لَهَا غَايَة تَنْتَهِي إِلَيْهَا فِي نباتها فَإِن كَانَ للرطبة غَايَة تَنْتَهِي إِلَيْهَا فِي نبتها حَتَّى تقطع ثمَّ تخرج بعد ذَلِك جَازَت الْمُعَامَلَة وَكَانَت على أول جزة وَلَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا بَعْضهَا إِلَّا من عذر
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الْمُسَاقَاة إِنَّمَا تكون إِلَى جذاد الثَّمر لَا إِلَى وَقت غَيره
وَقد روى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَامل الْيَهُود على نخل خَيْبَر وَزرع أرْضهَا مَا بدا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يذكر وقتا
1693 - فِي نخل حائطين مُعَاملَة
قَالَ مَالك لَا يجوز أَن يدْفع حائطين صَفْقَة وَاحِدَة أَحدهمَا على النّصْف وَالْآخر على الثُّلُث وَكَذَلِكَ دَفعه أرضه على النّصْف وحائطه على الثُّلُث وَإِن دفعهما جَمِيعًا على النّصْف جَازَ
وَقَالَ مُحَمَّد يجوز ذَلِك
وَقَالَ الشَّافِعِي لَو ساقاه على حَائِط فِيهِ أَصْنَاف من دقل وعجوة وصيحاني على أَن لَهُ من الدقل النّصْف وَمن الْعَجْوَة الثُّلُث وَمن الصيحاني(4/29)
الرّبع وهما يعرفان كل صنف كَانَ كثلاثة حَوَائِط وَإِن جهلا أَو أَحدهمَا كل صنف لم يجز
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا فرق بَين أَن يجمع الْجَمِيع فِي صَفْقَة وَبَين تفريقها كالإجارات والبيوع
1694 - فِي المساقي هَل يساقى
قَالَ مَالك للمساقي أَن يدْفع النّخل إِلَى أَمِين ثِقَة مثله وَإِن دَفعه إِلَى غير أَمِين لم يجز
وَقَالَ مُحَمَّد إِن كَانَ الْبذر من قبل الْعَامِل فَلهُ أَن يَدْفَعهُ مُزَارعَة وَإِن كَانَ من عِنْد رب الأَرْض لم يَدْفَعهُ إِلَّا أَن يَقُول لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك كالمضاربة وَكَذَلِكَ النّخل لَا يَدْفَعهَا إِلَى غَيره إِلَّا أَن يَقُول لَهُ رب النّخل أعمل فِيهِ بِرَأْيِك
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمضَارب إِذا دفع إِلَى غَيره مُضَارَبَة بِغَيْر إِذن صَاحبه فَهُوَ ضَامِن
1695 - فِي آلَة السَّقْي على من هِيَ
قَالَ مَالك إِذا كَانَت النَّفَقَة والمؤونة على رب الْحَائِط وَلم يكن على الدَّاخِل إِلَّا أَن يعْمل بيدَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ أجِير بِبَعْض الثَّمر فَلَا يجوز وَإِنَّمَا الْمُسَاقَاة أَن تكون النَّفَقَة والمؤونة كلهَا على الدَّاخِل فِي الْحَائِط قَالَ وَلَا يجوز أَن يشْتَرط على رب المَال شَيْئا لَيْسَ فِي الْحَائِط يَوْم أَخذه مُسَاقَاة إِلَّا أَن يكون الشَّيْء التافه الْغُلَام أَو الدَّابَّة
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الزارعة إِذا دفع إِلَيْهِ أَرضًا وبذرا وَشرط الدولاب(4/30)
والدالية وأداتها على رب الأَرْض أَو دوابا يسقى عَلَيْهَا المَاء للزَّرْع جَازَ وَكَذَلِكَ الْمُسَاقَاة فِي النّخل وَلَو كَانَ الْبذر من قبل الْعَامِل وَاشْترط على رب الأَرْض دولابا أَو دوابا يَسْتَقِي عَلَيْهَا لم تجز الْمُزَارعَة وَإِن شَرط على الْعَامِل جَازَت الْمُزَارعَة
وَقَالَ الشَّافِعِي كل مَا كَانَ فِيهِ مستزاد فِي الثَّمر من إصْلَاح المَاء وَطَرِيقه وَقطع الْحَشِيش المضر بِالنَّخْلِ وَنَحْوه جَازَ شَرطه على الْعَامِل وَلَا باس بِأَن يشْتَرط المساقي على رب النّخل غلمانا يعْملُونَ مَعَه وَلَا يشغلهم فِي غَيره
1696 - فِي الجداد والتلقيح على من يكون
قَالَ مَالك جدَاد الثَّمر على الْعَامِل
وَقِيَاسه أَن يكون حصاد الزَّرْع على الْعَامِل والتلقيح على الْعَامِل إِلَّا أَن يشْتَرط على رب الأَرْض فَيجوز وَيكون عَلَيْهِ وعصر الزَّيْتُون على من شرطا عَلَيْهِ مِنْهُمَا
وَقَالَ مُحَمَّد فِي كتاب الْمُزَارعَة السَّقْي والتلقيح وَالْحِفْظ حَتَّى يصير(4/31)
ثمرا على الْعَامِل فَإِذا بلغ الجداد فالجداد عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ إِذا كَانَ الشَّرْط نِصْفَيْنِ وَلَو أَن صَاحب النّخل اشْترط فِي أصل الْمُعَامَلَة الجداد وَالْحِفْظ بَعْدَمَا يبلغ على الْعَامِل فالمعاملة فَاسِدَة
وَقَالَ الشَّافِعِي أَن اشْترط المساقي على رب الْحَائِط جداده لم يجز وَكَانَت الْمُسَاقَاة بَاطِلَة
1697 - فِي تحظير الجداد على من يكون
قَالَ مَالك على المساقي سد الْحِيطَان وإبار النّخل وَقطع الجريد وَمَا أشبه ذَلِك وَلَا يَنْبَغِي إِن يشْتَرط عملا حفر بِئْر أَو عين أَو غراس يغرسه يَأْتِي بِهِ من عِنْده قَالَ وَإِن شَرط أَن يَبْنِي حوله حَائِطا أَو يدرب عَلَيْهِ دربا أَو يحْفر بِئْرا لم تجز الْمُسَاقَاة
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الزارعة إِذا شَرط على الْمزَارِع كري الْأَنْهَار وَإِصْلَاح المسنيات كَانَت الْمُزَارعَة فَاسِدَة
وَقَالَ الشَّافِعِي مَا كَانَ مستزادا فِي الثَّمَرَة من إصْلَاح المَاء وَطَرِيقه وَقطع الْحَشِيش المضر بِالنَّخْلِ وَنَحْوه فَجَائِز شَرطه على الْعَامِل فَأَما سد الْحَائِط فَلَيْسَ فِيهِ مستزاد وَلَا صَلَاح فِي الثَّمَرَة فَلَا يجوز شَرطه على الْعَامِل إِذا كَانَ المساقي مخوفا على النّخل
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم على مَذْهَب مَالك إِذا ساقاه ثمَّ علم أَنه سَارِق يخَاف عَلَيْهِ أَن يذهب بثمر الْحَائِط أَو كَانَت إِجَارَة دَار فخاف أَن يسرق الْجُذُوع(4/32)
فَلَيْسَ لَهُ أَن يُخرجهُ لِأَن مَالِكًا يَقُول إِذا بَاعَ سلْعَة فَوجدَ المُشْتَرِي مُفلسًا أَن البيع لَازم لَهُ
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الْمُزَارعَة إِذا علم أَن الْعَامِل سَارِق مخوف على إِفْسَاد النّخل فَهَذَا عذر وَلِصَاحِب النّخل أَن يُخرجهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي يمْنَع من السّرقَة وَيكون عَلَيْهِ من يقوم مقَامه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ على المساقي حفظ مَا قع عَلَيْهِ السماقاة وَترك تضييعه فَإِذا لم يكن مَا يلْزم بِحَق الْمُسَاقَاة مَوْجُودا فِيهِ كَانَ كاعاجز عَن الْعَمَل فلصاحبه أَن يفْسخ الْمُسَاقَاة كَمَا للْمُسْتَأْجر فسخ الْإِجَارَة إِذا وجد الْأَجِير عَاجِزا عَن الْعَمَل
1698 - فِي الِاسْتِحْقَاق فِي الْمُزَارعَة
قَالَ مُحَمَّد إِذا اسْتحق الأَرْض بَعْدَمَا خرج الزَّرْع فَإِنَّهُ يقْلع الزَّرْع وَيرجع على رب الأَرْض بِحِصَّتِهِ من الزَّرْع قَائِما فَإِن شَاءَ أَخذ نصف الزَّرْع وَسلم إِلَى رب الأَرْض نصفه
وَقَالَ مَالك لَيْسَ عَلَيْهِ أَن يقْلع الزَّرْع إِذا لم يكن زارع الأَرْض غَاصبا وكل من زرع على وَجه شُبْهَة فَإِنَّهُ لَا يقْلع زرعه وَيكون عَلَيْهِ الْكِرَاء
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي أَنه يقْلع الزَّرْع
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَو غصب فزرع أَنه يقْلع زرعه فَكَذَلِك إِذا زرع وَهُوَ لَا يعلم أَنَّهَا لغيره لِأَن حُقُوق الْآدَمِيّين لَا يخْتَلف فِيهَا حكم الْعلم وَغير الْعلم(4/33)
1699 - فِي موت رب النّخل أَو المساقي
قَالَ مَالك إِذا مَاتَ الْعَامِل قيل لوَرثَته اعْمَلُوا أَنْتُم فَإِن أَبَوا كَانَ ذَلِك فِي مَال الْمَيِّت
وَقَالَ مُحَمَّد إِذا دفع إِلَيْهِ أَرضًا زَرعهَا بِيَدِهِ فَمَاتَ رب الأَرْض قبل أَن يستحصد فَإِنَّهُ يتْرك فِي يَد الْعَامِل حَتَّى يستحصد ثمَّ يقسم الثَّمَرَة على الشَّرْط
وَعند الشَّافِعِي لَا ينْتَقض ذَلِك بِمَوْت أَحدهمَا
1700 - فِيمَن اسْتَأْجر أَرضًا للزِّرَاعَة وفيهَا شجر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتَأْجر أَرضًا بَيْضَاء بِدَرَاهِم للزِّرَاعَة فِيهَا نخل أَو شجر لَا يمْنَع الزِّرَاعَة فَالْإِجَارَة جَائِزَة فَإِن كَانَ الشّجر يمْنَع الزِّرَاعَة لم تجز الْإِجَارَة
وَقَالَ مَالك يجوز أَن يسْتَأْجر دَارا فِيهَا نخلات على أَن الثَّمَرَة للْمُسْتَأْجر إِذا كَانَت الثَّمَرَة مثل ثلث الْكِرَاء أَو أقل
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز اسْتِئْجَار الأَرْض فِيهَا نخل فِيهِ ثَمَرَة سَوَاء بدا صَلَاحه أَو لم يبد إِذا اشْترط الثَّمَرَة للْمُسْتَأْجر
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَا يجوز اسْتِئْجَار الأَرْض الَّتِي فِيهَا نخل لَا يُمكن زراعتها للمزارعة وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ فِي بَعْضهَا نخل لِأَنَّهُ لَا يصل إِلَى زراعة مَوضِع النّخل وَلَا يَنْبَغِي أَن يدْخل النّخل فِي الْإِجَارَة لِأَن ذَلِك بيع الثَّمَرَة وهما لم يتعاقدا عقد بيع(4/34)
1701 - فِيمَن لَهُ طَرِيق فِي أَرض رجل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ لَهُ طَرِيق فِي أرضه فَلَيْسَ لصَاحب الأَرْض أَن يزرع فِي مَوضِع الطَّرِيق
وَقَالَ مَالك لَيْسَ للَّذي لَهُ الطَّرِيق أَن يستطرق فِي أَرض هَذَا إِلَى أرضه بماشيته وغنمه لِأَنَّهُ يفْسد زرعه
وَقَول الشَّافِعِي مثل قَول أَصْحَابنَا
فَإِن قيل روى ابْن وهب عَن مَالك عَن عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ضَرَر وَلَا ضرار قيل لَهُ فَمن الضَّرَر أَن يمْنَع صَاحب الأَرْض الطَّرِيق من الاستطراق(4/35)
= كتاب الْمُضَاربَة =
1702 - فِي المَال الَّذِي يجوز فِيهِ الْمُضَاربَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف لَا تصح الْمُضَاربَة إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير وَلَا تجوز بالفلوس وَهُوَ قَول مَالك وَاللَّيْث وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا دفع إِلَيْهِ ثوبا على أَن يَبِيعهُ على أَن مَا كَانَ من ربح فبينهما نِصْفَيْنِ أَو أعطَاهُ دَارا يبنيها أَو يؤاجرها على أَن أجرهَا بَينهمَا نِصْفَيْنِ جَازَ وَالْأَجْر وَالرِّبْح بَينهمَا نِصْفَيْنِ
قَالَ وَهَذَا بِمَنْزِلَة الأَرْض للزِّرَاعَة وَالنَّخْل للمعاملة
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن تجوز الْمُضَاربَة بالفلوس النافقة كالدراهم وَالدَّنَانِير
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَصح أَن يَقُول بِعْ عَبدك على أَن يكون ثمنه لي وَيجوز أَن يَقُول اشْتَرِ بدراهمك عبدا بِعَيْنِه يكون لي وتشبيهه بالمزارعة والمعاملة بعيد لِأَن الْمُضَاربَة يدْفع مِنْهَا رَأس المَال ثمَّ الرِّبْح بَينهمَا(4/37)
والمعاملة والمزارعة لَا يدْفع مِنْهَا وَلَو شرطا دفع مِقْدَار بِعَيْنِه لرب المَال فسدتا
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تجوز الْمُضَاربَة بمثاقيل الذَّهَب وَالْفِضَّة
وروى أَشهب عَن مَالك أَنه تجوز بنقر الذَّهَب وَالْفِضَّة لِأَن النَّاس قد قارضوا قبل أَن يضْرب الذَّهَب وَالْفِضَّة قَالَ ابْن الْقَاسِم سَمِعت أَن مَالِكًا سهل فِيهَا فَقَالَ لَا يجوز بنقر الذَّهَب وَالْفِضَّة قَالَ وَلَا يجوز بالمصنوع
قَالَ اللَّيْث لَا يجوز بالنقر وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للَّذين باعوا فِي الْغَنَائِم أَرْبَعَة مَثَاقِيل سلبه عينا فِي الْغَنَائِم أَن يتما وَقد كَانُوا يتبايعون بِدَنَانِير على وَجه هِرقل ودراهم على وَجه كسْرَى ثمَّ ضرب بعد ذَلِك دَرَاهِم ودنانير إسلامية
1703 - إِذا شَرط الْمضَارب عمل عبد رب المَال
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا شَرط للْمُضَارب ثلث الرِّبْح ولعَبْد رب المَال ثلث الرِّبْح على أَن يعْمل العَبْد مَعَه فَهُوَ جَائِز وَالثُّلُثَانِ لرب المَال وَالثلث للْمُضَارب وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك تجوز الْمُضَاربَة وَالشّرط ولرب المَال الثُّلُث ولعبده الثُّلُث وللمضرب الثُّلُث كَأَنَّهُ دَفعه إِلَى أَجْنَبِي مُضَارَبَة
وَقَالَ اللَّيْث لَا بَأْس بِأَن يشْتَرط عمل عبد رب المَال مَعَه وَلَا يجوز أَن يشرط خدمَة عبد الْمضَارب شهرا لرب المَال فَإِن خدمَة عبد الْمضَارب كَانَ لَهُ أجر مثله شهرا بِخِدْمَة العَبْد وَالْمُضَاربَة على حَالهَا
1704 - إِذا شَرط على الْمضَارب خُصُوص التَّصَرُّف
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا شَرط على الْمضَارب أَن لَا يَشْتَرِي إِلَّا من فلَان(4/38)
أَو لَا يَشْتَرِي إِلَّا الرَّقِيق أَو على أَن لَا يَبِيع وَلَا يَشْتَرِي إِلَّا بِالْكُوفَةِ كَانَ ذَلِك على مَا شَرط لَا يَنْبَغِي أَن يتجاوزه فَإِن تعداه ضمن
وَقَالَ مَالك لَا خير فِي شَيْء من ذَلِك وتفسد الْمُضَاربَة بِهَذِهِ الشُّرُوط وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ لَا يَشْتَرِي إِلَّا سلْعَة كَذَا إِلَّا أَن تكون السّلْعَة مَوْجُودَة كَثِيرَة لَا تخْتَلف فِي شتاء وَلَا صيف فَإِن ذَلِك لَا بَأْس بِهِ
وَقَالَ اللَّيْث يجوز أَن يشْتَرط شرطا لَا بَأْس بِهِ مثل أَن يَقُول لَا تركب بِهِ فِي الْبَحْر وَلَا تسلف فِي سلْعَة واشتر يدا بيد وَلَا تشتر حَيَوَانا هَذَا كُله لَا بَأْس بِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز أَن يقارضه إِلَى مُدَّة وَلَا أَن يشْتَرط أَن لَا يَشْتَرِي إِلَّا من فلَان وَلَا سلْعَة وَاحِدَة بِعَينهَا أَو يَشْتَرِي نخلا أَو دوابا فَإِن فعل فَذَلِك كُله فَاسد وَإِن اشْترط أَن يَشْتَرِي صنفا مَوْجُودا فِي الشتَاء والصيف فَذَلِك جَائِز
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَن الْمُضَاربَة قد يجوز وُقُوعهَا خَاصَّة فِي نوع من التِّجَارَات يُوجد فِي كل وَقت وَكَذَلِكَ يجوز أَن يَقُول تصرف فِي سَائِر الْبلدَانِ إِلَّا فِي بلد معينه فَلَمَّا جَازَ ذَلِك عِنْد الْجَمِيع وَجب أَن يَقع خَاصَّة إِذا خصها بِبَلَد أَو بسلعة بِعَينهَا
1705 - فِي تَوْقِيت الْمُضَاربَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم نجد عَن أَصْحَابنَا تَوْقِيت الْمُضَاربَة(4/39)
وَقِيَاس قَوْلهم فِي الْوكَالَة أَنَّهَا لَا تخْتَص بِالْوَقْتِ لأَنهم قَالُوا لَو وكل رجلا بِبيع عَبده الْيَوْم فَبَاعَهُ غَدا جَازَ وَكَانَت كَالْوكَالَةِ المنقطعة
قَالَ أَبُو بكر هَذَا لَيْسَ بِشَيْء لأَنهم يَقُولُونَ لَو قَالَ بِعْهُ الْيَوْم وَلَا تبعه غَدا لم يكن لَهُ بَيْعه غَدا وَكَذَلِكَ لَو قَالَ على أَن يَبِيعهُ الْيَوْم دون غَد
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ إِذا وَقتهَا فَسدتْ
1706 - فِي الْمُضَاربَة بِثمن بِعرْض لغيره
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا دفع إِلَيْهِ عرضا فَقَالَ بِعْهُ واعمل بِثمنِهِ مُضَارَبَة كَانَ جَائِزا على مَا قَالَ إِذا قبض الثّمن كَانَ مُضَارَبَة
وَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِن الْمُضَاربَة لَا تصح وَفِي الْأُخْرَى تصح وَهُوَ قَول مَالك أَنه إِذا قبض الثّمن صحت وعَلى رب المَال أجر مثله فِي بيع الْعرُوض
وَالشَّافِعِيّ لَا يجيزها
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْوكَالَة تتَعَلَّق على المخاطرة كالإمارة وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن قتل زيد فجعفر الْأَمِير وَالْمُضَاربَة مثلهَا(4/40)
1707 - فِي الْمضَارب يَبِيع بنسيئة
قَالَ أَصْحَابنَا لَهُ أَن يَبِيع بنسيئة مَا لم يَنْهَهُ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَمَالك لَا يَبِيع بنسيئة إِلَّا بِإِذْنِهِ فَإِن فعل ضمن
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن بَاعَ أَو اشْترى بدين ضمن إِلَّا أَن يَأْذَن لَهُ
1708 - فِي مُحَابَاة الْمضَارب
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز شِرَاؤُهُ إِلَّا بِمَا يتَغَابَن فِيهِ
وَقَالَ مَالك إِذا حابى فِي البيع جَازَ البيع وَضمن الْمضَارب الْمُحَابَاة وَلَا يرد البيع إِن كَانَ مُعسرا
1709 - فِي الْمضَارب أَن يُسَافر بِالْمَالِ
روى مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء عَن أبي حنيفَة أَن للْمُضَارب أَن يُسَافر بِالْمَالِ إِلَى حَيْثُ شَاءَ
وروى أَبُو يُوسُف فِي الْإِمْلَاء أَنه لَيْسَ لَهُ أَن يُسَافر بِالْمَالِ
قَالَ أَبُو يُوسُف يخرج بِهِ إِلَى مَوضِع يرجع بِهِ من يَوْمه كقطربل من بَغْدَاد وَلَا يُسَافر بِهِ إِلَى مَا هُوَ أَكثر مِنْهُ
وَقَالَ مَالك لَهُ أَن يُسَافر بِالْمَالِ شَرط ذَلِك أَو لم يشرط إِذا كَانَ المَال كثيرا(4/41)
الشَّافِعِي يُسَافر على أَن الرِّبْح بَينهمَا على الشَّرْط
1710 - إِذا أمره أَن يستدين على الْمُضَاربَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أمره أَن يستدين على المَال فَاشْترى بِرَأْس المَال عبدا ثمَّ اشْترى جَارِيَة بِأَلف فثمن الْجَارِيَة عَلَيْهَا نِصْفَانِ
وَقَالَ مَالك لَا يجوز أَن يَقُول لَهُ اشْتَرِ على الْمُضَاربَة بِالدّينِ لِأَنَّهُ كالمضاربه بِغَيْر حَال وَقَالَ الشَّافِعِي اذا ادان الْمضَارب فِي بيع اَوْ شِرَاء فَهُوَ ضَامِن إِلَّا أَن يَأْذَن لَهُ رب المَال
1711 - فِي خلط الْمُضَاربَة بِمَالِه
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يخلطه بِمَالِه وَلَا يُشَارك بِهِ غَيره إِلَّا أَن يَقُول اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك(4/42)
وَقَالَ مَالك يجوز لَهُ أَن يخلط بِمَالِه وَإِن لم يذكر اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك وَإِن شَرط على الْمضَارب أَن يخلط بِمَالِه لم يجز
وَقَالَ مَالك لَهُ أَن يقارض آخر ويخلط مَاله بِمَال رب المَال الأول وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
قَالَ وَلَو دفع رجل مالين قراضا على أَن يكون ربح هَذَا النّصْف وَربح الآخر على الثُّلُث وَلَا يخلطهما فَإِن ذَلِك مَكْرُوه
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا بَأْس أَن يخلطه بِمَالِه وَقَالَ الثُّلُث لَا يخلطه إِلَّا بِإِذْنِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن خلطه فَهُوَ ضَامِن
1712 - فِي نَفَقَة الْمضَارب
قَالَ أَصْحَابنَا إِن سَافر بِالْمَالِ أنْفق مِنْهُ فِي طَعَامه وَكسوته وَشَرَابه وركوبه والحجامة من مَاله والدواء من مَاله خَاصَّة وَكَذَلِكَ نَفَقَته فِي الرُّجُوع من سفر وَإِذا أَقَامَ فِي مَوضِع فنفقته على نَفسه
وَقَالَ مَالك طَعَامه وَكسوته فِي سَفَره وَمَا يصلحه بِالْمَعْرُوفِ فِي المَال بِقدر المَال إِذا شخص فِي المَال وَله النَّفَقَة فِي المَال فِي رُجُوعه فِي سَفَره
وَقَالَ الثَّوْريّ نَفَقَته فِي الذّهاب من الْمُضَاربَة وَفِي الرُّجُوع إِلَى بَلَده عَلَيْهِ خَاصَّة(4/43)
وَقَالَ اللَّيْث لَهُ أَن ينْفق فِي الْحَضَر مِقْدَار مَا يتغدى بِهِ وَلَا يتعشى وَلَا يكنس لِأَنَّهُ يكون بِالْغَدَاةِ مَشْغُولًا بِمَال الْمُضَاربَة وَفِي السّفر نَفَقَته فِي مَال الْمُضَاربَة فَإِن خرج بِمَال نَفسه مَعَه كَانَت النَّفَقَة على قدر الْمَالَيْنِ بِالْحِصَصِ وَهَذَا أَيْضا قَول أَصْحَابنَا
وَقَالَ الْبُوَيْطِيّ عَن الشَّافِعِي لَا ينْفق فِي السّفر والحضر إِلَّا أَن يَأْذَن صَاحبه
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا القَوْل خلاف الْإِجْمَاع
وَقَول اللَّيْث أَيْضا خلاف الْإِجْمَاع لِأَنَّهُ لَو وَجب لَهُ الْغَدَاء وَجب لَهُ الْعشَاء كالسفر وَالنَّفقَة فِي الرُّجُوع على المَال أَيْضا لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ كَانَ المَال مُضَارَبَة كَمَا كَانَ سَبَب خُرُوجه فِي الِابْتِدَاء لمَال الْمُضَاربَة
1713 - إِذا شَرط جَمِيع الرِّبْح للْمُضَارب
قَالَ أَصْحَابنَا إِن شَرط جَمِيع الرِّبْح للْمُضَارب فَهُوَ قرض وَهُوَ قَول ابْن شبْرمَة(4/44)
وَقَالَ مَالك هَذَا لَا بَأْس بِهِ وَلَا شَيْء على الْعَامِل
وَقَالَ الشَّافِعِي هَذَا مُضَارَبَة فَاسِدَة وَله أجر مثله وَالنُّقْصَان وَالزِّيَادَة لصَاحب المَال
1714 - فِي الْمضَارب يبضع
قَالَ أَصْحَابنَا لَهُ أَن يبضع
وَقَالَ مَالك إِذا بضع ضمن وَلَا يودع إِلَّا عِنْد الْخَوْف على منزله
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَهُ أَن يسْتَأْجر لَهُ من يحفظه وَيعْمل بِهِ وَله أَن يودع ويبضع بِغَيْر أجر
1715 - فِيمَن قَالَ خُذ مَالِي على زيد واعمل بِهِ مُضَارَبَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَبضه كَانَ مُضَارَبَة فِي يَده(4/45)
وَقَالَ مَالك لَا يجوز هَذَا فَإِن فعل وَعمل فَلهُ أجر مثله فِي التقاضي وَيرد إِلَى ترَاض مثله لِأَنَّهُ شَرط الْقَبْض فِي الْمُضَاربَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَيْسَ ذَلِك بِشَرْط إِنَّمَا ذَلِك أَمْرَانِ أَحدهمَا وكَالَة بِالْقَبْضِ وَالْآخر الْأَمر بِالْعَمَلِ وَالشّرط أَن يَقُول أقبضهُ على أَن تعْمل بِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي مثل مَا ذكر يفرق بَين أَن يشرط مثل ذَلِك فِي الْمُضَاربَة وَبَين أَن لَا يشرط
1716 - فِي الْمُضَاربَة بدين على الْمضَارب
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك إِذا أمره بِأَن يعْمل بِالدّينِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ مُضَارَبَة على النّصْف فَهَذَا فَاسد وَمَا اشْترى فللمضارب خَاصَّة لَهُ ربحه وَعَلِيهِ وضيعته وَدين رب المَال بِحَالهِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد جَمِيع مَا اشْتَرَاهُ وَربح فِيهِ فَهُوَ لرب المَال وَقد توى من الدّين وَله على رب المَال أجر مثله
1717 - إِذا قَالَ للْمُضَارب ضم إِلَيْهَا ألفا من عنْدك واعمل بهَا مُضَارَبَة
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس بِهِ فَإِن شَرط فضل الرِّبْح للْمُضَارب لِأَنَّهُ عَامل(4/46)
وَقَالَ مَالك لَا يجوز ذَلِك فِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم وَأَجَازَهُ فِي رِوَايَة أَشهب
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يصلح هَذَا
1718 - فِي الْمضَارب يودع
قَالَ أَصْحَابنَا لَهُ أَن يودع
وَقَالَ مَالك لَا يودع إِلَّا عِنْد الْخَوْف على منزله
1719 - فِي شَرط ضَمَان المَال على الْمضَارب
قَالَ أَصْحَابنَا الْمُضَاربَة جَائِزَة وَهُوَ قَول اللَّيْث
وَقَالَ مَالك الْمُضَاربَة فَاسِدَة وَله أجر مثله
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي أَن يفْسد لِأَنَّهُ قَالَ إِذا شَرط البضاعة مَعَ الْمضَارب فَسدتْ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْمُضَاربَة لَا تصح إِلَّا بِالْقَبْضِ فَهُوَ كالعمرى لَا يُبْطِلهَا الشَّرْط وَلَيْسَ كَالْبيع لِأَنَّهُ يَصح بالْقَوْل(4/47)
1720 - فِي الْمضَارب ينْفق على مَال الْمُضَاربَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَحَمله بِمِائَة من عِنْده أَو قصره بِمِائَة من عِنْده فَهُوَ مُتَطَوّع وَلَا شَيْء لَهُ وَإِن صبغ الثِّيَاب حَمْرَاء فَهُوَ شريط فِيهِ بِزِيَادَة الصَّبْغ وَلَا يضمن
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا حمله من عِنْده فَذَلِك دين لَهُ فِي المَال فَإِن استغرق المَال وَزَاد لم يكن لَهُ على رب المَال شَيْء
1721 - فِي المضاربين يفضل أَحدهمَا فِي الرِّبْح
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز أَن يشْتَرط لأحد المضاربين النّصْف وَللْآخر أقل أَو أَكثر
وَقَالَ مَالك لَا يجوز أَن يفضل أَحدهمَا لِأَنَّهُمَا متساويان فِي الْعَمَل لَا يجوز فِيهَا التَّفَاضُل عِنْده وَكَذَلِكَ قِيَاس قَول الشَّافِعِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَو رَضِي أَحدهمَا بِأَن يعْمل بِغَيْر شَيْء جَازَ فَكَذَلِك إِذا رَضِي بِنُقْصَان الرِّبْح(4/48)
1722 - فِي الْمضَارب يدْفع المَال مُضَارَبَة إِلَى غَيره
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك على أَن مَا رزقك الله فبيننا نِصْفَانِ فَدفعهُ إِلَى آخر مُضَارَبَة بِالنِّصْفِ وبالثلثين وَمَا حصل من الرِّبْح بَينهمَا نِصْفَانِ
وَلَو قَالَ على أَن مَا كَانَ من فضل فبيننا نِصْفَانِ كَانَ الثُّلُثَانِ للْآخر وَالثلث للْأولِ وَضمن الأول لرب المَال تَمام نصف الرِّبْح وَهُوَ السُّدس
وَقَالَ زفر إِذا قَالَ على أَن مَا رزقك الله من شَيْء فَهُوَ بَيْننَا نِصْفَانِ وعَلى أَن يعْمل فِيهِ بِرَأْيهِ فَدَفعهَا الْمضَارب إِلَى آخر مُضَارَبَة أَنه جَائِز فَإِن شَرط للْآخر الثُّلثَيْنِ فَهُوَ مُخَالف ضَامِن لرأس المَال
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الْمُزَارعَة الْكَبِير مِمَّا رَوَاهُ أَسد بن الْفُرَات عَنهُ إِذا دفع إِلَيْهِ أَرضًا وبذرا على أَن يزرعه فَمَا أطْعم الله من شَيْء فَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ وَأمره أَن يعْمل فِيهِ بِرَأْيهِ فَدفع الْعَامِل الْبذر وَالْأَرْض إِلَى رجل مُزَارعَة على أَن الثُّلُث للدافع وللمدفوع إِلَيْهِ الثُّلُثَانِ أَنه مُخَالف ضَامِن الْبذر
وَقَالَ ابْن أبي عمرَان لَا فرق بَين الْمُزَارعَة وَالْمُضَاربَة فِي الْقيَاس
قَالَ ابْن أبي عمرَان وَسمعت عليا الرَّازِيّ يَقُول كتبه الْأَخِيرَة الَّتِي تفرد بِنِصْفِهَا كالمزارعة وَالْمُضَاربَة وَنَحْوهَا فِيهَا أَشْيَاء لَو نظر عَلَيْهَا لرجع عَنْهَا لِأَنَّهَا مُخَالفَة لأصوله
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا دفع الْمضَارب المَال إِلَى غَيره وَخرج مِنْهُ إِلَيْهِ فقد ضمن وَإِن دفع بَعْضًا واتجر فِي بعض على غير وَجه الْخُرُوج إِلَيْهِ فَمَا دفع إِلَيْهِ فَلَيْسَ بضامن وَإِنَّمَا هُوَ استعانة بِغَيْرِهِ(4/49)
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث لَا يجوز لِلْعَامِلِ أَن يفاوض غَيره إِلَّا بِأَمْر رب المَال فَإِن دَفعه إِلَى غَيره على أَن لَهُ ثُلثي الرِّبْح فَهُوَ ضَامِن وَنصف الرِّبْح لرب المَال وَنصفه للثَّانِي وَللثَّانِي على الأول سدس الرِّبْح
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا قَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَلهُ أَن يَدْفَعهُ مُضَارَبَة إِلَى غَيره وَأحب إِلَيّ أَن يُفَسر فَيَقُول ادفعها إِلَى غَيْرِي
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا دَفعه مُضَارَبَة إِلَى آخر بِغَيْر أَمر رب المَال فلرب المَال نصف المَال وَالْأول ضَامِن وللعامل نصف مَا يبْقى ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ هُوَ ضَامِن وَالرِّبْح كُله للْأولِ وَعَلِيهِ أجر الْمثل للثَّانِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ لَهُ أَن يسْتَأْجر من يعْمل لَهُ فِي الْمُضَاربَة أذن لَهُ أَو سكت كَذَلِك فِي الْقيَاس يَدْفَعهُ مُضَارَبَة إِلَى غَيره وَإِن لم يقل اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك
1723 - فِي شِرَاء الْمضَارب من رب المَال وَشِرَاء رب المَال مِنْهُ
قَالَ أَصْحَابنَا لرب المَال أَن يَشْتَرِي من الْمضَارب وَالْمُضَارب يَشْتَرِي مِنْهُ
وَقَالَ زفر لَا يجوز الشِّرَاء بَينهمَا فِي مَال الْمُضَاربَة
وَقِيَاس قَول مَالك أَنه يجوز إِذا كَانَت حَقِيقَته كظاهره وَهُوَ قَول اللَّيْث وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي أَيْضا أَن يجوز(4/50)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَيْسَ الْمضَارب كَالْوَكِيلِ لِأَن الثّمن الَّذِي يلْزم الْمضَارب وَالثمن الَّذِي يلْزم الْوَكِيل بِالشِّرَاءِ يلْزم الْمُوكل مثله للْوَكِيل فالمضارب كَالْأَجْنَبِيِّ
1724 - فِي بيع رب المَال شَيْئا من الْمُضَاربَة بِغَيْر أمره
قَالَ فِي الْمُضَاربَة الصَّغِير عَن أَصْحَابنَا إِذا بَاعَ رب المَال جَارِيَة من الْمُضَاربَة بِقِيمَتِهَا أَو أَكثر جَازَ البيع وَلَو بَاعَ بِأَقَلّ من ذَلِك كَانَ للْمُضَارب أَن يرد البيع
وَقَالَ مَالك لَا يجوز بَيْعه إِلَّا أَن يُجِيزهُ الْعَامِل فَإِن أجَازه جَازَ فِي نصيب رب المَال وَلم يجز فِي نصيب الْمُقَارض
1725 - فِي عبد الْمُضَاربَة يقتل
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْمُضَاربَة لَا قصاص على قَاتله إِلَّا أَن يجمعا على قَتله فَيقْتل وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك إِذا لم يكن فِيهِ فضل فلرب المَال أَن يقْتَصّ إِذا فسخت الْمُضَاربَة وَقد بَقِي فِي يَده شَيْء يسير(4/51)
1726 - رد الْمضَارب من لَهُ السّفر مَا كَانَ تافها كخلق قربَة
قَالَ مَالك وَإِذا بَقِي فِي يَدي الْمضَارب خلق قربَة أَو ثوب أَو شَيْء تافه فَهُوَ لِلْعَامِلِ وَإِنَّمَا يرد الشَّيْء الَّذِي لَهُ ثمن
وَقَالَ اللَّيْث مَا ألبس فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَهُوَ لِلْعَامِلِ وَإِنَّمَا يرد الشَّيْء الَّذِي لَهُ ثمن وَأما الزَّكَاة وَخلق الْقرْبَة وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ لَا يحل لَهُ حَتَّى يَسْتَأْذِنهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا لم يقلهُ غير مَالك وَاللَّيْث وَالْفُقَهَاء كلهم على خِلَافه وَلَا فرق بَين التافه وَغَيره
وَقد روى عبد الرَّحْمَن بن مهْدي والقعنبي عَن سعيد بن مُسلم عَن عَامر بن عبد الله بن الزبير عَن عَوْف بن الْحَارِث بن الطُّفَيْل عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إياك ومحقرات الذُّنُوب فَإِن لَهَا من الله طَالبا وَإِذا كَانَ محقرات الذُّنُوب مَطْلُوبَة ككبيرها كَانَ كَذَلِك قَلِيل التَّبعَات ككبيرها(4/52)
1727 - فِي الْمضَارب يتَعَدَّى
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا لم يقل اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَدفعهُ إِلَى غَيره ضمنه وَالرِّبْح بَين الأول وَالثَّانِي على مَا شَرط ولرب المَال أَن يضمن أَيهمَا شَاءَ
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا شَرط عَلَيْهِ أَن لَا يُجَاوز مَكَانا فجاوزه فَاشْترى فَهُوَ ضَامِن وَإِذا اشْترى على الشَّرْط الَّذِي كَانَ بَينهمَا فَصَاحب المَال بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ رَأس مَاله وَإِن شَاءَ أجَاز لَهُ مَا منع وَكَانَ على شَرطه
وَإِن قَالَ اشْتَرَيْته لنَفْسي وضمنت المَال فَهُوَ مَا قَالَ
وَإِن اشْتَرَاهُ على الشَّرْط الَّذِي بَينهمَا وَقَالَ لم أعلم أَنِّي أضمن فَأَما إِذا علمت أَنِّي أضمن فَلَا أجعَل لَهُ شَيْئا فلس لَهُ ذَلِك وَهُوَ بَينهمَا وَإِن أحب ذَلِك صَاحب المَال فَإِن شَاءَ أَن يضمنهُ ضمنه وخلاه وَالرِّبْح
وَقَالَ إِيَاس بن مُعَاوِيَة هُوَ ضَامِن وَالرِّبْح بَينهمَا نِصْفَانِ
وَقَالَ سوار هُوَ ضَامِن وَالرِّبْح على مَا اشْترطَا
وَقَالَ مَالك إِذا دفع إِلَى آخر بِغَيْر أَمر صَاحبه فَهُوَ ضَامِن وَإِن نقص فَعَلَيهِ النُّقْصَان وَإِن ربح فَلصَاحِب المَال نصف الرِّبْح وللعامل نصف مَا بَقِي
وَقَالَ اللَّيْث إِذا دفع إِلَيْهِ مائَة دِينَار قراضا فسلف مِنْهَا عشْرين دِينَارا وَعمل بِثَمَانِينَ فَصَارَت مائَة فَلصَاحِب المَال ربح خمسين وللعامل ربح ثَلَاثِينَ لِأَنَّهُ تعدى وَلَو سلف خمسين وَعمل بالخمسين الْأُخْرَى حَتَّى صَارَت مائَة فَلَيْسَ لِلْعَامِلِ من الرِّبْح شَيْء وَالرِّبْح كُله لرب المَال وَلَو نقص من الْخمسين الَّتِي عمل بهَا لم يكن عَلَيْهِ ضَمَان وَكَانَ عَلَيْهِ ضَمَان الْخمسين الَّتِي سلف
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا تعدى فَإِن اشْترى بِالْمَالِ بِعَيْنِه فالشراء بَاطِل وَلَا ربح لوَاحِد مِنْهُمَا وَإِن اشْترى بِعَيْنِه فَذَلِك للمقارض لتعديه وَالْمَال فِي ذمَّته(4/53)
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا ضمن الطَّالِب بطلت الْمُضَاربَة لِأَن الْمُضَاربَة لَا تصح بِمَال فِي الذِّمَّة
1728 - إِذا نَهَاهُ رب المَال عَن الْعَمَل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا نَهَاهُ عَن الْعَمَل وَفِي يَده رداهم أَو دَنَانِير فنهيه صَحِيح فَإِن اشْترى بعد ذَلِك مَتَاعا ضمن فَإِن كَانَ فِي يَده عرُوض فَنَهَاهُ كَانَ للْمُضَارب أَن يَبِيعهُ وَكَذَلِكَ لَو مَاتَ رب المَال
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ المَال على حَاله أَخذه مِنْهُ فَإِن كَانَ قد اشْترى بِالْمَالِ وتجهز ليخرج بِهِ إِلَى سفر فَلَيْسَ لرب المَال أَن يردهُ وَإِن نَهَاهُ عَن الْعَمَل وَفِي يَده سلْعَة فَإِنَّهُ ينظر السُّلْطَان فَإِن رأى وَجه بَيْعه بَاعه وَهُوَ أَن يكون وَقت نفاق تِلْكَ السّلْعَة وَإِن لم ير وَجها أخر السّلْعَة حَتَّى يرى وَجه بيع
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ رب المَال أَنا آخذها بِمَا تَسَاوِي فَإِنَّهُ وأجنبي سَوَاء فِي ذَلِك
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا اخْتلف الْمُقَارض وَرب المَال فِي بيع السّلْعَة فَالْقَوْل قَول من دَعَا إِلَى البيع
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ للْمُضَارب بيع مَا فِي يَده من الْمَتَاع بعد موت رب المَال لم يعْمل بهبته فِي حَيَاته وَلم يكن كَالْوَكِيلِ إِلَّا أَن لَهُ مُطَالبَته برد رَأس مَاله فَلَا بُد من البيع(4/54)
1729 - فِي تقاضي مَال الْمُضَاربَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أدانه الْمضَارب فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِ فضل أجبر الْمضَارب على التقاضي وَإِن لم يكن فِيهِ فضل لم يجْبر على تقاضيه وأحال الَّذِي لَهُ المَال حَتَّى يتقاضاه
وَقَالَ مَالك يجْبر على التقاضي فَإِن كَانَ فِيهِ وضيعة فلرب المَال أَن لَا يرضى بالحوالة
قَالَ أَبُو جَعْفَر للْمُضَارب إِخْرَاج نَفسه من الْمُضَاربَة مَتى شَاءَ وَله أَن يفعل ذَلِك إِذا كَانَ المَال دينا وَإِن لم يكن فِيهِ فضل فَعَلَيهِ أَن يحِيل وَإِن كَانَ فِيهِ فضل فَهُوَ قد أَخذ الْبَدَل عَن الْعَمَل فَيجْبر على التقاضي
1730 - فِي موت الْمضَارب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا مَاتَ الْمضَارب وَالْمُضَاربَة عرُوض فَلَيْسَ لرب المَال بَيْعه وَإِنَّمَا يَبِيعهُ وَصِيّ الْمضَارب فَإِن لم يكن لَهُ وَصِيّ بَاعه أَمِين القَاضِي
وَقَالَ مَالك إِذا مَاتَ الْمضَارب وَالْمَال دين وَفِيه ربح فَإِن كَانَ ورثته أُمَنَاء اقتضوه وَلَهُم حِصَّة الْمَيِّت من الرِّبْح وَإِن لم يَكُونُوا أُمَنَاء خلوا بَين رب المَال وَبَينه وَلَا شَيْء لَهُم من الرِّبْح فَإِن لم يَفْعَلُوا وكلوا أَمينا يَقْتَضِيهِ فَإِن لم يَفْعَلُوا أسلم المَال الدّين وَالْعرُوض إِلَى رب المَال فاقتضاه وَلَا شَيْء لَهُم من الرِّبْح(4/55)
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا مَاتَ رب المَال وَالْمَال مَتَاع لم يحركه حَتَّى يَأْتِي القَاضِي فيأمره بِبيعِهِ فَإِن حركه كَانَ ضَامِنا لَهُ فَإِذا كَانَ موت رب المَال يخرج الْمضَارب من ولَايَته ويبيعه القَاضِي كَذَلِك الْمضَارب
وَقَالَ اللَّيْث إِذا مَاتَ الْمضَارب تَقْتَضِيه الْوَرَثَة وَلَهُم ربح الْمَيِّت وَإِن كَرهُوا ذَلِك استأجروا من المَال من يتقاضاه ويقسمون مَا بَقِي بعد الْإِجَارَة من الرِّبْح بعد رَأس المَال وَإِن قَالَ رب المَال أَنا أَتَقَاضَاهُ وَلَا أُعْطِيكُم ربحا لم يكن لَهُ ذَلِك
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يكون لوَارِثه أَن يعْمل وَيبِيع مَا كَانَ فِي يَده فَإِن كَانَ فِيهِ فضل كَانَ لوَارِثه وَإِن كَانَ خسرانا كَانَ فِي المَال
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يكن لَهُ نَهْيه عَن البيع فِي حَيَاته وَكَانَ لَهُ البيع بعد النَّهْي كَذَلِك وَصِيّه بعد مَوته وَلَا معنى لبيع الْوَرَثَة لأَنهم إِنَّمَا يخلفون الْمَيِّت فِيمَا ورثوا عَنهُ وهم لَا يَرِثُونَ التَّصَرُّف فِي الْمُضَاربَة أَلا ترى أَن وَصِيّا لرجل لَو مَاتَ لم يخلفه الْوَرَثَة فِي الْوَصِيَّة وَقَامَ وَصِيّه فِيهِ مقَامه
وَقَول مَالك وَاللَّيْث إِن الْوَرَثَة إِذا اقتضوا المَال استحقوا الرِّبْح وَإِن لم يقتضوا لم يستحقوا فَلَا معنى لَهُ لِأَن الرِّبْح موروث عَن الْمَيِّت عملت الْوَرَثَة بعد ذَلِك فِيهِ أَو لم تعْمل وَلَا يَزُول ملكهم بتركهم التقاضي(4/56)
1731 - إِذا مَاتَ الْمضَارب وَلم تعرف الْمُضَاربَة بِعَينهَا
قَالَ أَصْحَابنَا تصير دينا وَهُوَ قَول الثَّوْريّ والبتي وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالشَّافِعِيّ لَا شَيْء للْمُودع وَلَا لرب المَال فِي الْمُضَاربَة
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكره ابْن الْقَاسِم عَنهُ إِذا كَانَت عِنْده ودائع وقراض وَلم تُوجد بِعَينهَا وَعَلِيهِ دين وَلم يوص بِشَيْء يحاص أهل الودائع وَأهل الْقَرَاض فِيمَا ترك
وَقَالَ مَالك فِي رجل بعث رجلا بِمَال إِلَى بلد فَقدم الْبَلَد فَهَلَك الرَّسُول وَقَالَ الْمُرْسل إِلَيْهِ لم يدْفع إِلَيّ شَيْئا فَلَا شَيْء لرب المَال فِي مَال الرَّسُول فَإِن هلك الرَّسُول بالطاعون وَلم يُوجد لَهَا أثر قَالَ مَا أحراه أَن يكون فِي مَاله وَإِن مَاتَ الرَّسُول فِي الطَّرِيق فَهُوَ ضامنه فِي مَاله وَإِن مَاتَ أحد الشَّرِيكَيْنِ فَأَقَامَ الآخر الْبَيِّنَة أَن الْمَيِّت كَانَ قبض من مَالهمَا مائَة دِينَار وَلم يُوجد قَالَ إِن كَانَ مَوته قَرِيبا من قَبضه حَتَّى نظر أَن مثلهَا لم يشغلها فِي تِجَارَته فَهُوَ فِي حِصَّته وَإِن تطاول فَلَا شَيْء فِي مَاله
1732 - فِي الْمضَارب يَدعِي أَنه قد رد المَال
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْمضَارب وَالْمُودع إِذا قَالَا قد رددنا المَال فَالْقَوْل قَوْلهمَا مَعَ أيمانهما وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ عُثْمَان البتي فيهمَا جَمِيعًا عَلَيْهِ الْبَيِّنَة أَنه قد رده وَكَذَلِكَ كل أَمِين يَدعِي الدّفع(4/57)
وَقَالَ مَالك فِي الْقَرَاض وَإِن كَانَ دَفعه إِلَيْهِ بِغَيْر بَيِّنَة فَهُوَ مُصدق وَإِن كَانَ دَفعه إِلَيْهِ بِبَيِّنَة فَإِنَّهُ يلْزم حَتَّى يُقيم الْبَيِّنَة بِدَفْعِهِ وَإِلَّا غرم المَال وَكَذَلِكَ الْوَدِيعَة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا قَالَ قد هلك فَهُوَ أَمِين لَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن قَالَ دفعتها إِلَيْك فَإِن جَاءَ بِبَيِّنَة أَنه قد دَفعهَا إِلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ ضَامِن
وَقَالَ اللَّيْث إِذا دَفعه إِلَيْهِ بِبَيِّنَة لم يصدق على الرَّد إِلَّا بِبَيِّنَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْلُو الْإِشْهَاد من أَن يُخرجهُ من حكم الْمُضَاربَة أَو لَا يُخرجهُ فَإِن كَانَ بَاقِيا مَعَ الْإِشْهَاد على الْمُضَاربَة فَالْقَوْل قَوْله كَمَا لَو لم يشْهد وَلما كَانَ الْإِشْهَاد لَا يُخرجهُ من جَوَاز التَّصَرُّف فِيهِ وَاسْتِحْقَاق الرِّبْح دلّ أَنه بَاقٍ على الضاربة لَوْلَا ذَلِك لَكَانَ ضَامِنا لِلْمَالِ لَهُ ربحه لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخراج بِالضَّمَانِ
وَلما لم يخْتَلف حكم الغصوب بِالْإِشْهَادِ أَو تَركه كَذَلِك الْمُضَاربَة والوديعة وَسَائِر الْأَمَانَات
1733 - فِي عتق الْمضَارب
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري إِذا كَانَ رَأس المَال ألفا وَقِيمَة العَبْد أَلفَيْنِ فَأعْتقهُ الْمضَارب جَازَ عتقه وَكَانَ كعبدين شَرِيكَيْنِ أعْتقهُ أَحدهمَا وَإِن كَانَت قيمَة الْجَارِيَة مثل رَأس المَال فَادّعى الْمضَارب وَلَدهَا لم يصدق فَإِن زَادَت حَتَّى(4/58)
صَارَت أَلفَيْنِ ثَبت النّسَب واستسعى الْوَلَد فِي حِصَّة رب المَال ألف وَخَمْسمِائة وَضمن الْمضَارب نصف قيمَة الْأُم
وَقد ذكر مُحَمَّد فِي نَوَادِر ابْن سَمَّاعَة أَنه إِذا وَطئهَا الْمضَارب وَلَا فضل فِيهَا فَجَاءَت بِولد فَادَّعَاهُ لشُبْهَة بتزويج فَلَزِمَهُ الْوَلَد وكل وَاحِد مِنْهُمَا قِيمَته ألف لم يعْتق وَاحِد مِنْهُمَا فَإِن زَادَت قيمَة أَحدهمَا جرى فِيهِ الْعتْق
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَهَذَا يدل على أَن النّسَب إِنَّمَا ثَبت بِمَا ادَّعَاهُ من التَّزْوِيج والشبهة
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا ربح مرّة وَوضع أُخْرَى فَلَا ربح لَهُ إِلَّا بعد حِسَاب جَامع وإتمام لرأس المَال إِلَّا أَن يكون شَرط لرَبه ربح كل مَا يبين فَهُوَ بِمَنْزِلَة محاسبته
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا يدل على أَنه لَا يملك مِنْهُ شَيْء إِلَّا بعد محاسبته فَقِيَاس قَوْله أَن لَا يعْتق وَإِن كَانَ فِيهِ فضل
وَقَالَ مَالك إِذا ربح ثمَّ اشْترى من ربح المَال جَارِيَة فَوَطِئَهَا فَحملت مِنْهُ ثمَّ نقص المَال فَإِنَّهُ إِن كَانَ لَهُ مَال أخذت قيمَة الْجَارِيَة من مَاله فأوفى المَال فَمَا كَانَ بعد وَفَاء المَال فَهُوَ بَينهمَا على شَرطهمَا وَإِن لم يكن لَهُ مَال بِيعَتْ الْجَارِيَة حَتَّى يُوفي رَأس المَال من ثمنهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَلَا يُرَاعِي فضل قيمَة الْجَارِيَة يَوْم وَطئهَا وَإِنَّمَا تعْتَبر قيمتهَا فِي الْوَقْت الَّذِي يُوفي رب المَال رَأس مَاله وروى ذَلِك عَنهُ ابْن وهب وَقَالَ ابْن وهب ثمَّ رَجَعَ عَنهُ وَقَالَ أَقف فِيهِ(4/59)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَنهُ إِذا اشْترى الْمضَارب وَلَده وَهُوَ يعلم فَإِنَّهُ يعْتق عَلَيْهِ وَيدْفَع إِلَى رب المَال رَأس مَاله وَربحه إِن كَانَ فِيهِ ربح وَإِن لم يكن فيهمَا ربح فَأسلم إِلَى رب المَال رَأس مَاله وَلم يعْتق وَإِن كَانَ لَا مَال لِلْعَامِلِ وَكَانَ فِيهِ فضل بيع مِنْهُ بِقدر رَأس المَال وَربح المَال فَدفع إِلَى رب المَال وَعتق مِنْهُ مَا بَقِي
فَجعل فِي هَذِه الرِّوَايَة أَنه إِذا كَانَ فِيهِ فضل فَهُوَ بِمَنْزِلَة عبد بَين رجلَيْنِ وَإِذا لم يكن فِيهِ فضل لم يعْتق
وروى أَشهب عَن مَالك فِي الزَّكَاة أَنه يعْتد بِالرِّبْحِ ملكا من يَوْم نَص فِي يَد الْمضَارب
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا وَطئهَا قبل أَن يَقع لَهُ ربح فِي المَال فَعَلَيهِ حد الزَّانِي وَإِذا كَانَ لَهُ فِيهَا ربح جلد مائَة جلدَة فَإِن حملت قومت وَدفعت إِلَيْهِ ورد على صَاحب المَال مَا صَار بِهِ فِيهَا
وَقَالَ اللَّيْث إِذا ابْتَاعَ جاريتين فَأعتق إِحْدَاهمَا وأحبل الْأُخْرَى فَإِنَّهُمَا يباعان جَمِيعًا وَيكون الْوَلَد لِأَبِيهِ بِقِيمَتِه فَمَا نقص من الْقَرَاض فَعَلَيهِ ضَمَانه وَمَا زَاد فَهُوَ بَينهمَا وَلم يذكر فرقا بَين أَن يكون كل وَاحِدَة أَكثر من رَأس المَال أَو مثله
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا اشْترى سلْعَة تَسَاوِي أَلفَيْنِ وَحَال الْحول فَفِيهِ(4/60)
قَولَانِ أَحدهمَا تزكّى السّلْعَة كلهَا لِأَنَّهَا من مَال مَالِكهَا لَا شَيْء للْمُضَارب فِيهَا حَتَّى يَسْتَوْفِي رب المَال رَأس المَال
وَالْقَوْل الآخر إِن على رب المَال زَكَاة ألف وَخَمْسمِائة ووقفت الزَّكَاة فِي خَمْسمِائَة فَإِن حَال عَلَيْهَا حول ثَان وَبَلغت أَلفَيْنِ زكيت الْأَلفَيْنِ لِأَنَّهُ قد حَال على الْخَمْسمِائَةِ الْحول من يَوْم صَارَت للمقارض وَإِن نفقت السّلْعَة فَلَا شَيْء على رب المَال وَلَا على الْمُقَارض
وَحكى الْمُزنِيّ عَنهُ أَنه إِذا اشْترى ابْن نَفسه لم يعْتق عَلَيْهِ سَوَاء كَانَ فِيهِ فضل أَو لم يكن فِيهِ لِأَنَّهُ لَا ربح لَهُ إِلَّا بعد قبض رَأس المَال
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَن رب المَال لَو أعْتقهُ وَقِيمَته أَلفَانِ أَنه يضمن حِصَّة الْمضَارب مِنْهُ فَدلَّ على أَن الْمضَارب مَالك لَهُ فَإِن قيل فَكيف أجزت للْمُضَارب أَن يَأْخُذ الرِّبْح بِالْعِتْقِ قبل أَن يَسْتَوْفِي رب المَال رَأس مَاله
قيل لَهُ لم نبح لَهُ ذَلِك وَلَكِن الْعتْق قد نفذ وَحصل الِاسْتِهْلَاك كَمَا لَو أعتق رب المَال عتق رَأس مَاله وحصته من الرِّبْح وَقد استوفى ربحه قبل الْمضَارب
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَو كَانَت قيمَة كل وَاحِد من الْعَبْدَيْنِ ألف دِرْهَم لم ينفذ عتق الْمضَارب فِيمَا وَلَا فِي أَحدهمَا
وَقَالَ زفر يجوز عتقه فِي نصِيبه أعتقهما أَو أعتق أَحدهمَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَو أعتق رب المَال أَحدهمَا عتق جَمِيعه وَكَانَ مُسْتَوْفيا لرأس مَاله فَدلَّ على أَن رَأس مَاله فِي كل وَاحِد على حياله فَلَا ربح إِذا للْمُضَارب فِيهِ(4/61)
1734 - فِي أَخذ الرِّبْح قبل الْقِسْمَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اقْتَسمَا الرِّبْح وَمَال الْمُضَاربَة على حَاله فَضَاعَ بعد ذَلِك فَإِن قسمتهَا بَاطِلَة وَمَا أَخذه رب المَال مَحْسُوب من رَأس مَاله وَمَا أَخذه الْمضَارب يردهُ وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك إِذا أذن لرب المَال فِي أَخذ الرِّبْح وَقَالَ رَجَوْت السَّلامَة وَحلف رد الْمضَارب مَا أَخذه
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أذن لَهُ رب المَال فِي أَخذ الرِّبْح فَأَخذه ثمَّ هلك رَأس المَال لم يرد الْمضَارب شَيْئا وَإِن أَخذه بِغَيْر إِذْنه كَانَ عَلَيْهِ أَن يجْبر المَال بِالرِّبْحِ الَّذِي قَبضه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يحصل ربح إِلَّا بعد حُصُول رَأس المَال وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَو ضَاعَ شَيْء من المَال قبل أَن يقبضهُ أَنه يهْلك من الرِّبْح دون رَأس المَال فَلَا فرق بَين أَن يقبض الْمضَارب ربحه أَو لَا يقبضهُ
1735 - فِي جِنَايَة رب المَال على الْمُضَاربَة
قَالَ أَصْحَابنَا مَا اسْتَهْلكهُ رب المَال من الْمُضَاربَة صَار بِهِ مُسْتَوْفيا لرأس مَاله وَمَا اسْتَهْلكهُ الْمضَارب يضمنهُ
وَقَالَ مَالك لَا يكون مُسْتَوْفيا لرأس مَاله وَلكنه يكون بِهِ دينا عَلَيْهِ إِلَّا أَن يحاسبه فَيجْعَل من رَأس المَال
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا كَانَ الَّذِي لزم رب المَال من جنس المَال فَلَا سَبِيل للْمُضَارب عَلَيْهِ لِأَن لرب المَال استرجاعه مِنْهُ إِذا صَار فِي يَده(4/62)
1736 - إِذا اشْترى الْمضَارب فَهَلَك فِي يَده الثّمن
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى الْمضَارب بِأَلف من الْمُضَاربَة عبدا يُسَاوِي ألفا فَهَلَك المَال فِي يَده قبل أَن ينقده فَإِنَّهُ يرجع على رب المَال بِهِ وَيكون رَأس مَاله أَلفَيْنِ فِي الْمُضَاربَة
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث يُقَال لرب المَال إِن شِئْت فادفع الثّمن وَتَكون السّلْعَة قراضا على حَالهَا وَإِن أبي لزم الْمُقَارض ثمنهَا وَكَانَت لَهُ فَإِن لم يكن لَهُ مَال بِيعَتْ عَلَيْهِ وَكَانَ لَهُ الرِّبْح وَعَلِيهِ النُّقْصَان وَقَالَ مَالك فَإِن أدّى رب المَال فرأس المَال ألف
وَقَالَ الثَّوْريّ يرجع على رب المَال
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا اشْترى وَجَاء ليدفع المَال فَوَجَدَهُ قد ضَاعَ فَلَيْسَ على صَاحب المَال شَيْء والسلعة للمقارض
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْمضَارب أجِير بِجُزْء من الرِّبْح فَيرجع كَمَا يرجع الْأَجِير
1737 - فِي لمضارب يَدعِي أَنه أنْفق فِي سَفَره من مَاله وَيُرِيد الرُّجُوع
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يصدق على الرُّجُوع عَلَيْهِ وَإِن كَانَ أَمينا فِيمَا يصرف فِيهِ(4/63)
وَقَالَ مَالك هُوَ مُصدق يرجع بِمَا أنفقهُ من مَال إِذا كَانَت نَفَقَة مثله وَهُوَ قِيَاس قَول الشَّافِعِي فِي مَسْأَلَة ذكرهَا فِي الْإِجَارَة إِذا أذن لَهُ فِي النَّفَقَة على الْإِبِل وَقِيَاس قَول الثَّوْريّ مثل قَول أَصْحَابنَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِنَّمَا يكون أَمينا فِي رفع الضَّمَان عَن نَفسه لَا فِي إِيجَابه على غَيره
1738 - فِي اخْتِلَافهمَا فِي الرِّبْح
إِذا ربح فَقَالَ رب المَال شرطت لَك النّصْف وَقَالَ الْمضَارب الثُّلثَيْنِ فَالْقَوْل قَول رب المَال
وَقَالَ مَالك القَوْل قَول الْمضَارب فِي عمل مثله فِي تعامل النَّاس وَإِن جَاءَ بِشَيْء مستنكر لم يصدق ورد إِلَى عمل مثله وَهُوَ قَول اللَّيْث
وَقَول الثَّوْريّ كَقَوْل أَصْحَابنَا
وَقَالَ الشَّافِعِي يَتَحَالَفَانِ ويتفاسخان وللمضارب أجر مثله على رب المَال
ط إِذا كَانَ رب المَال لَو قَالَ دَفعته بضَاعَة صدق كَذَلِك إِن أقرّ بِرِبْح مَا
1739 - فِي اخْتِلَافهمَا فِي رَأس المَال
قَالَ أَبُو جَعْفَر ذكر مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء أَنه إِذا جَاءَ بِأَلفَيْنِ فَقَالَ رب(4/64)
المَال رَأس المَال أَلفَانِ وَقَالَ الْمضَارب ألف فَالْقَوْل قَول رب المَال فِي قَول أبي حنيفَة الأول ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ القَوْل قَول الضَّارِب وَالْفُقَهَاء كلهم على القَوْل الثَّانِي من قَوْله
1740 - فِي الْمُضَاربَة الْفَاسِدَة
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا دفع المَال مُضَارَبَة وَلم يسم ربحا فَهَذِهِ مُضَارَبَة فَاسِدَة وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيهِ وَله أجر مثله وَالرِّبْح لرب المَال كُله والوضيعة عَلَيْهِ وَفِي قَوْلهمَا يضمن لِأَنَّهُ أجِير مُشْتَرك
وَقَالَ مَالك إِذا لم يسم ربحا رد إِلَى قِرَاض مثله وَإِن دفع إِلَيْهِ مَالا قراضا على أَن يسلفه رب المَال سلفا فللعامل أجر مثله وَجَمِيع الرِّبْح لرب المَال وَكَذَلِكَ إِن قَالَ على أَن لرب المَال درهما من الرِّبْح زِيَادَة
وَقَالَ مَالك إِذا شَرط عَلَيْهِ ضَمَان المَال فَلهُ قِرَاض مثله وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إِن شَرط مُضَارَبَة إِلَى سنة رد إِلَى قِرَاض مثله
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُضَاربَة الْفَاسِدَة لَهُ أجر مثله وَالرِّبْح وَالْمَال لرَبه
آخر كتاب الْمُضَاربَة(4/65)
= كتاب الْوكَالَة =
1741 - فِي وكَالَة الْحَاضِر
قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر لَا يجوز تَوْكِيل الْحَاضِر بِالْخُصُومَةِ إِلَّا برضاء خَصمه أَو عذر من مرض
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَابْن أبي ليلى وَالشَّافِعِيّ يقبل من كل أحد بِغَيْر رضَا الْخصم
وَقَالَ ملك لَيْسَ لَهُ أَن يُوكل فِي ابْتِدَاء الْخُصُومَة إِلَّا من عِلّة فَإِذا أدليا بحجتهما وَحلف أَحدهمَا أَن لَا يُخَاصم الآخر وَعرف مِنْهُ أَذَى وَشتم وَكَانَت غيبته لذَلِك فَلهُ أَن يُوكل وَأما الْمَرْأَة وَمن لَا يرضى أَن يخْتَلف إِلَى القَاضِي وَمن يضعف عَن حجَّته فليوكل من افتدى الْخُصُومَة فَلهُ أَن يُوكل لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الدَّار وَلَا ضَرَر
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن لَا يقبل من الرجل الجريء إِلَّا من عذر وَيقبل من الْمَرْأَة إِذا كَانَت غير خراجة أَو كَانَت حَائِضًا لَا يصلح لَهَا دُخُول الْمَسْجِد وَأما إِذا كَانَت تخرج لم تقبل مِنْهَا الجراية
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد الرَّحْمَن بن سهل الْأنْصَارِيّ لما خَاصم(4/67)
إِلَيْهِ فِي دم أَخِيه عبد الله بن سهل الَّذِي وجد قَتِيلا بِخَيْبَر بِمحضر من عميه حويصة ومحيصة ابْني مَسْعُود كبر كبر يُرِيد ولي الْكَلَام فِي ذَلِك الْكَبِير مِنْهُمَا فَتكلم حويصة ثمَّ محيصة وَكَانَ الْوَارِث عبد الله بن سهل دونهمَا فَكَانَا وكيلين
وَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يُوكل عقيلا ثمَّ لما أسن عقيل قَالَ عبد الله بن جَعْفَر وَكيلِي فَمَا قضى لَهُ فلي وَمَا قضى عَلَيْهِ فعلي فخاصم عبد الله بن جَعْفَر طَلْحَة فِي ضفير أحدثه عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي أرضه إِلَى عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَقيل الْخُصُومَة فَهَذَا اتِّفَاق مِنْهُم على جَوَاز تَوْكِيل الْحَاضِر
1741 - ب فِيمَن أَرَادَ تثبيت وكَالَة من غَائِب
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تقبل بَينته إِلَّا أَن يكون هُنَاكَ خصم حَاضر
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَمَالك وَالشَّافِعِيّ تقبل وَإِن لم يحضر خصم
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا على أَنه لَا تسمع الْبَيِّنَة على حَاضر إِلَّا بعد سُؤَاله عَمَّا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ وسماعه مِنْهُ كَذَلِك الْغَائِب(4/68)
1742 - فِي إِقْرَار الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد لَا يجوز إِقْرَاره على الْمُوكل عِنْد غير القَاضِي وَيجوز عِنْد القَاضِي
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يجوز عِنْد قَاض وَغير قَاض
وَقَالَ زفر لَا يجوز عِنْد غير قَاض وَلَا عِنْد قَاض وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَو قَالَ من غير تَوْكِيل مَا أقرّ بِهِ فلَان عَليّ فَهُوَ لَازم لي أَنه لَا يلْزمه إِقْرَاره وَكَذَلِكَ الْوَكِيل
1743 - فِي الْوَكِيل يُوكل
قَالَ أَصْحَابنَا لَيْسَ لَهُ أَن يُوكل إِلَّا بِإِذن الْمُوكل لَهُ وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَهُ أَن يُوكل بذلك إِذا أَرَادَ أَن يغيب أَو مرض
قَالَ أَبُو جَعْفَر هُوَ لم يُوكله فِي التَّوْكِيل وَالْوكَالَة لَا تسْتَحقّ بعمومها التَّصَرُّف وَلَيْسَ كَذَلِك الْوِصَايَة أَلا ترى أَنه لَو قَالَ قد وَكلتك لم يسْتَحق بِهِ التَّصَرُّف
وَلَو قَالَ قد أوصيت إِلَيْك اسْتحق بِهِ التَّصَرُّف على الْعُمُوم فَوَجَبَ أَن(4/69)
يسْتَحق بِهِ عُمُوم التَّصَرُّف على الْمَيِّت وَإِن لم يكن ذُكُورا كَمَا اسْتحق سَائِر وُجُوه التَّصَرُّف وَلم يسْتَحق ذَلِك بِالْوكَالَةِ لِأَنَّهَا لَا تقع إِلَّا خَاصَّة على حسب مَا يَقْتَضِيهِ لفظ الْمُوكل من الْخُصُومَة
1744 - فِي وكَالَة الصَّبِي وَالْعَبْد الْمَحْجُور عَلَيْهِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ الصَّبِي يعقل وَالْعَبْد جَازَ توكيلها والعهدة على الْآمِر
وَقَالَ مَالك لَا يجوز الْإِذْن للصَّبِيّ فِي التِّجَارَة عبدا كَانَ أَو حرا
وَالشَّافِعِيّ يجوز تَوْكِيل العَبْد الْمَحْجُور عَلَيْهِ بِالْخلْعِ وَنَحْوه وَلَا يجوز تَوْكِيل غير بَالغ وَلَا معتوه
قَالَ الشَّافِعِي وَلَو جَازَ لَهُ إِقْرَاره إِذا أذن لَهُ أَبوهُ فِي التِّجَارَة لجَاز أَن يَأْذَن لَهُ فِي طَلَاق امْرَأَته أَو يَأْمُرهُ بِقَذْف رجل فيحده
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْوَكِيل إِنَّمَا يفعل ذَلِك للَّذي وَكله لَا لنَفسِهِ فَلَا معنى لاعْتِبَار حَال التَّوْكِيل لِأَن اعْتِبَار حَاله فِي تصرفه إِنَّمَا يجب فِيمَا يتَصَرَّف فِيهِ لنَفسِهِ أَلا ترى أَنه لَو وكل صَبيا بهدم دَاره أَو ذبح شاته فَفعل أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِ فِيهِ وَلَوْلَا أَن الْوكَالَة صَحِيحَة لضمن كَذَلِك يقوم مقَامه فِي الْعُقُود وَلَيْسَ ذَلِك كَإِذْنِهِ فِي طَلَاق امْرَأَة الصَّبِي لِأَن الْأَب لَا يملك ذَلِك(4/70)
فَلَا يَصح تَوْكِيله بِهِ وَهُوَ يملك التَّصَرُّف على نَفسه فِي البيع وَالشِّرَاء وَسَائِر الْعُقُود فَيصح تَوْكِيل الصَّبِي بِهِ وَكَذَلِكَ يملك التَّصَرُّف على الابْن فِي الشِّرَاء وَالْبيع فَيجوز إِذْنه لَهُ فِيهِ
وَقد روى يزِيد بن هَارُون عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن عمر بن أبي سَلمَة عَن أم سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطبهَا فَقَالَت يَا رَسُول الله إِنِّي مصبية وَلَيْسَ أحد من أوليائي شَاهد قَالَ لَيْسَ أحد من أوليائك شَاهد وَلَا غَائِب يكره ذَلِك فَقَالَت يَا عمر زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَزَوجهَا
1745 - إِذا وَكله بِالشِّرَاءِ بِمَا عَلَيْهِ من الدّين
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أمره أَن يَشْتَرِي عبدا بِعَيْنِه بِمَا عَلَيْهِ من الدّين جَازَ وَإِن كَانَ بِغَيْر عينه لم يجز
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يجوز فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
وَقَالَ مَالك إِن قَالَ أسلفه فِي طَعَام لم يجز وَإِن قَالَ اشْتَرِ بهَا سلْعَة نَقْدا فَإِن كَانَ الْآمِر والمأمور حاضرين جَازَ وَإِلَّا لم يجز
1746 - فِي البيع بقيل الثّمن من الْوَكِيل
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا وَكله بِبيع عَبده فَبَاعَهُ بِقَلِيل أَو كثير جَازَ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز إِلَّا بِمَا يتَغَابَن فِيهِ وَالشِّرَاء لَا يجوز عَلَيْهِ إِلَّا بِمَا يتَغَابَن النَّاس فِيهِ فَإِن اشْترى بِأَكْثَرَ لزمَه دون الْآمِر فِي قَول أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك يكون مَوْقُوفا على إجَازَة الْآمِر(4/71)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا فِي الْوَصِيّ أَنه لَا يَبِيع إِلَّا بِمَا يتَغَابَن فِيهِ فَكَذَلِك الْوَكِيل
1747 - فِيمَن وكل بِالشِّرَاءِ بِثمن ذكر لَهُ فَابْتَاعَ بِأَقَلّ
قَالَ أَبُو حنيفَة من غير خلاف إِذا وَكله أَن يَشْتَرِي لَهُ شَيْئا بِعَيْنِه بِثمن ذكره لَهُ فَاشْتَرَاهُ لَهُ بِأَقَلّ من ذَلِك الثّمن أَنه لَا يكون مُخَالفا وَيلْزمهُ مَا اشْترى وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ زفر الشِّرَاء للْمَأْمُور وَلَا يلْزم الْآمِر
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ هُوَ مُخَالف والآمر بِالْخِيَارِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الشِّرَاء بِأَلف غير الشِّرَاء بِأَلفَيْنِ أَلا ترى أَنه لَو قَالَ قد اشْتريت مِنْك هَذَا العَبْد بألفي دِرْهَم فَقَالَ قد بعتكه بِأَلف أَنه لَا ينْعَقد بَينهمَا بيع كَذَلِك الْوكَالَة فِي الْقيَاس
1748 - فِي الْوَكِيل يَبِيعهُ من نَفسه
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يَبِيعهُ من نَفسه
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يَبِيعهُ من نَفسه إِذا علم صَاحبه وَقَالَ اللَّيْث يَبِيعهُ من نَفسه نَاقِصا مَا يعْطى بهَا أَو أَكثر وَفِي الصّرْف لَا يَبِيعهُ من نَفسه إِلَّا أَن يكون الْآمِر حَاضرا(4/72)
1749 - فِي الْوَكِيل بالسلم إِذا أسلم إِلَى أَبِيه وَنَحْوه
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز أَن يُسَلِّمهَا إِلَى أَبِيه وَابْنه وَلَا من لَا تجوز لَهُ شَهَادَته
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يجوز إِلَّا من عَبده ومكاتبه ومفاوضه
وَقَالَ مَالك يجوز إِذا لم يكن فِيهِ مُحَابَاة إِلَّا فِي مُفَاوَضَة أَو ابْنه الصَّغِير
1750 - فِي الْوَكِيل يَبِيع بِغَيْر الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي رجل وكل رجلا بِبيع دَاره فَبَاعَهَا بِعرْض من الْعرُوض جَازَ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ لَا يَبِيع إِلَّا بِدَرَاهِم أَو دَنَانِير
وَقَالَ مَالك إِذا بَاعهَا بِعرْض لم يلْزم الْآمِر وَأحب إِلَى أَن يُبَاع الْعرض فَإِن كَانَ فِيهِ فضل عَن قيمَة الْمَبِيع كَانَ للْآمِر وَإِن كَانَ فِيهِ نُقْصَان ضمن الْوَكِيل
1751 - فِي الْوَكِيل يَشْتَرِي من يعْتق على الْآمِر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وَكله بِأَن يَشْتَرِي لَهُ جَارِيَة فَاشْترى أمه أَو بنته جَازَ وَلزِمَ الْآمِر وعتقت عَلَيْهِ
وَإِن قَالَ اشْتَرِ لي جَارِيَة أطئها أَو قَالَ أبيعها فَاشْترى هَؤُلَاءِ لزم الْمَأْمُور دون الْآمِر وَهُوَ قَول الشَّافِعِي(4/73)
وَكَذَلِكَ روى الْحسن بن زِيَاد فِي هَذِه الْمسَائِل وَقَالَ عَن أبي حنيفَة إِذا كَانَ الْآمِر قد حلف بِعِتْق كل مَمْلُوك يملكهُ إِلَى ثَلَاثِينَ سنة فَاشْترى الْمَأْمُور عبدا بِأَمْر الْآمِر أَو أمة عتق من مَال الْآمِر إِلَّا أَن يكون الْمَأْمُور قد علم بِيَمِين الْآمِر فِي هَذِه الْمَسْأَلَة
وَفِي الأولى فَيكون الْمَأْمُور مُخَالفا وَيلْزمهُ الشِّرَاء لنَفسِهِ
وَقَالَ مَالك إِذا وَكله أَن يَشْتَرِي لَهُ أمة فَاشْترى أمه أَو ابْنَته فَإِن علم لم يجز على الْآمِر وَإِن لم يعلم جَازَ عَلَيْهِ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أمره أَن يبْتَاع لَهُ عبدا فَاشْترى أَخَاهُ وَهُوَ لَا يعلم فَإِنِّي أكره ذَلِك وَلَا يعْتق عَلَيْهِ وَلكنه يُبَاع فَإِن كَانَ فِيهِ فضل كَانَ لَهُ وَإِن كَانَ نُقْصَان كَانَ عَلَيْهِ وَلَا شَيْء على الْوَكِيل
قَالَ أَبُو جَعْفَر حُقُوق الْآدَمِيّين لَا يخْتَلف فِي حَال الْجَهْل وَالْعلم كَذَلِك هَذَا
1752 - فِي ضيَاع الثّمن من الْوَكِيل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا دفع إِلَيْهِ ألف دِرْهَم وَأمره أَن يَشْتَرِي لَهُ بهَا دَارا فاشتراها وَهَلَكت الدَّرَاهِم بعد الشِّرَاء فَإِنَّهُ يرجع بِمِثْلِهَا على الْآمِر وَلَو لم يدْفع الدَّرَاهِم حَتَّى اشْترى ثمَّ دَفعهَا إِلَيْهِ فَهَلَكت ضمن الْوَكِيل ألفا من مَاله للْبَائِع وَلَا يرجع بهَا على الْآمِر
وَقَالَ مَالك يرجع بهَا على الْآمِر فِي هَذِه أَيْضا(4/74)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَو دَفعه إِلَيْهِ قبل الشِّرَاء كَانَ هَالكا من مَال الْآمِر وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قبضهَا وَهُوَ أَمِين فِيهَا لَا بِحَق وَاجِب لَهُ عَلَيْهِ وَإِذا قبضهَا بعد الشِّرَاء فَإِنَّمَا قبضهَا بِحَق وَاجِب دينا لَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ فِي ضَمَانه أَلا ترى أَنه كَانَ مجبرا على دَفعهَا إِلَيْهِ
1753 - فِي الْوَكِيل بِالْبيعِ أَو التَّزْوِيج إِذا قَالَ قد فعلته
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا قَالَ الْوَكِيل بِالتَّزْوِيجِ زَوجته أمس لم يصدق إِلَّا بِشُهُود وَفِي البيع يصدق
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يصدق فيهمَا وَهُوَ قَول مَالك وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِي فِي الْوَكِيل بِالْبيعِ وَلَا يحفظ عَنهُ شَيْء فِي التَّزْوِيج
1754 - فِي الْوكَالَة بشرَاء دَار أَو عبد أَو نَحوه
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ الْجِنْس مَجْهُولا لم يجز مثل أَن يَقُول اشْتَرِ لي ثوبا لِأَنَّهَا أَجنَاس مُخْتَلفَة وَإِن قَالَ هرويا جَازَ وَإِن لم يسم الثّمن وَإِن قَالَ اشْتَرِ لي عبدا لم يجز فَإِن سمى روميا وَنَحْوه أَو سمى الثّمن جَازَ وَإِن كَانَ وَكله أَن يَشْتَرِي لَهُ حمارا وَلم يسم الثّمن فَهُوَ جَائِز
فَإِن قَالَ اشْتَرِ لي دَارا لم يجز وَإِن سمى الثّمن جَازَ
وَعَن أبي يُوسُف أَنه لَا يجوز وَإِن سمى الثّمن حَتَّى يُسمى الْمصر الَّذِي يَشْتَرِي لَهُ فِيهِ
قَالَ مَالك إِذا أمره أَن يَشْتَرِي جَارِيَة أَو ثوبا فَإِن اشْترى مَا يصلح أَن(4/75)
يكون من جواري الْآمِر وَمن ثِيَاب الْآمِر جَازَ وَإِن اشْترى مَالا يشبه أَن يكون من جواريه أَو من ثِيَابه لم يجز على الْآمِر إِلَّا أَن يَشَاء وَيلْزم الْمَأْمُور
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا معنى لاعْتِبَار ملك مَا يكون من جواري الْآمِر وَمن ثِيَابه لِأَنَّهُ قد يَشْتَرِي مَا لايشتهيه من ذَلِك لهبة أَو صَدَقَة أَو غَيره أَو تِجَارَة أَو عتق
1755 - إِذا اشْترى جَارِيَة مَعِيبَة
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا وَكله أَن يَشْتَرِي لَهُ جَارِيَة فاشتراها عمياء أَو مَقْطُوعَة الْيَدَيْنِ جَازَ على الْآمِر
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يجوز
وَقَالَ مَالك مَا كَانَ من الْعُيُوب مُفْسِدا لم يجز على الْآمِر
1756 - فِي الْوَكِيل يَدعِي البيع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ الْوَكِيل بِالْبيعِ قد بِعته من فلَان بِأَلف دِرْهَم وَجحد فلَان البيع وَلَا بَيِّنَة للْوَكِيل فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَهُوَ قَول سَائِر أهل الْعلم
وَقَالَ مَالك يضمن الْوَكِيل الثّمن لِأَنَّهُ أتْلفه حِين لم يشْهد
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَو قَالَ الْمُودع رددت الْوَدِيعَة أَو هَلَكت وَقد كَانَ دَفعه إِلَيْهِ بِغَيْر بَيِّنَة أَن القَوْل قَوْله لِأَنَّهُ أَمِين كَذَلِك الْوَكِيل
1757 - إِذا ابْتَاعَ الْوَكِيل زِيَادَة على مَا وكل بِهِ
قَالَ مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة إِذا وَكله أَن يَشْتَرِي لَهُ عشرَة(4/76)
أَرْطَال لحم بدرهم فَاشْترى عشْرين رطلا بدرهم لزم الْآمِر مِنْهَا عشرَة أَرْطَال بِنصْف دِرْهَم وَكَانَ للْمَأْمُور عشرَة أَرْطَال بِنصْف دِرْهَم وَلم يذكر خلافًا وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن أبي يُوسُف فِي الْإِمْلَاء
وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه إِذا أمره أَن يَشْتَرِي لَهُ خَمْسَة أَرْطَال سمن بدرهم فَاشْترى لَهُ خَمْسَة أَرْطَال وأوقية بالدرهم لزم الْآمِر كُله إِذا كَانَ يَسِيرا فَإِن اشْترى لَهُ عشرَة أَرْطَال بدرهم لزم الْآمِر خَمْسَة مِنْهَا بِنصْف دِرْهَم
وَأَصْحَاب مَالك يَقُولُونَ قِيَاس مذْهبه أَن يلْزم الْجَمِيع الْآمِر بالدرهم
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن صَاحب المَال بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ الْجَمِيع بالدرهم وَإِن شَاءَ أَخذ ماأمر بِهِ بِحِصَّتِهِ من الثّمن
وَالْقَوْل الآخر أَنه يلْزم الْآمِر جَمِيع مَا اشْتَرَاهُ بِالثّمن
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد رُوِيَ فِيمَا يدْخل فِي هَذَا لِمَعْنى حَدِيث عُرْوَة الْبَارِقي وَهُوَ مَا رَوَاهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن شبيب بن غرقدة عَن عُرْوَة الْبَارِقي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطى رجلا دِينَارا يَشْتَرِي لَهُ أضْحِية فَاشْترى شَاتين فَبَاعَ إِحْدَاهمَا بِدِينَار فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هَذِه أضْحِية وَهَذَا دِينَار ربحه فَدفع إِلَيْهِ بالدينار ودعا لَهُ بِالْبركَةِ
وَقد روى الشَّافِعِي هَذَا الحَدِيث عَن سُفْيَان فَقَالَ فِيهِ عَن شبيب أَنه سمع الْحَيّ يَقُولُونَ أعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر الحَدِيث فَصَارَ الحَدِيث عَن رجال الْحَيّ
وَقد روى سعيد بن زيد أَخُو حَمَّاد بن زيد قَالَ حَدثنَا الزبير بن الخريت(4/77)
قَالَ وَحدثنَا أَبُو لبيد لمازة بن زبار عَن عُرْوَة بن أبي الْجَعْد الْبَارِقي وَذكر الحَدِيث
سعيد بن زيد لَيْسَ بِقَوي عِنْد أهل الحَدِيث إِلَّا أَنه قد رَوَاهُ مَعَ سعيد هَارُون النَّحْوِيّ قَالَ حَدثنَا الزبير بن الخريت عَن أبي لبيد الْبَارِقي
وَهَذَا حَدِيث مُسْتَقِيم السَّنَد مَعْرُوف الروَاة فَثَبت صِحَة ملك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للشاتين لَوْلَا ذَلِك لما أَخذ مِنْهُ الدِّينَار وَلما أمضى لَهُ البيع
1758 - فِي الْوَكِيل يَأْخُذ السّلم
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وَكله بِأَن يَأْخُذ لَهُ دَرَاهِم فِي طَعَام فَأَخذهَا الْوَكِيل إِلَى أجل مُسَمّى فالسلم على الْوَكِيل خَاصَّة وَلَا يَصح على الْآمِر فَإِن دفع الدَّرَاهِم إِلَى الْآمِر كَانَت قرضا على الْآمِر للْوَكِيل وَقَالَ يَصح السّلم على الْآمِر وَالدَّرَاهِم للْآمِر
وَقَالَ مَالك وَإِن شَرط الْمُسلم على الْوَكِيل أَنه إِن لم يرض الْآمِر فالسلم عَلَيْك للأجل فَهُوَ جَائِز كَمَا قَالَ
وَقَالَ مَالك لَو وَكله بِأَن يسلم لَهُ دَرَاهِم فِي طَعَام فأسلمها فللآمر أَن يُطَالب الْمُسلم إِلَيْهِ بِالطَّعَامِ إِذا حل الْأَجَل وَإِن لم يحضر الْمَأْمُور(4/78)
1759 - فِي الْوَكِيل يدْفع دَرَاهِم إِلَى آخر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا دفع إِلَيْهِ دَرَاهِم وَأمره أَن يَدْفَعهَا إِلَى رجل فَقَالَ قد دفعتها فَالْقَوْل قَوْله فِي بَرَاءَة نَفسه وَلَا يصدق على الآخر
وَقَالَ مَالك إِن لم يقم الرَّسُول الْبَيِّنَة أَنه قد دَفعهَا ضمن وَإِن كَانَ الرَّسُول شَرط على الْآمِر أَن يكون القَوْل قَوْله وَأَن لَا يشْهد عَلَيْهِ إِذا دَفعه فَلَا ضَمَان على الرَّسُول إِذا قَالَ قد دفعت
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ الْوَكِيل أَمينا كَانَ مُصدقا فِي بَرَاءَة نَفسه كَمَا هُوَ مُصدق فِي مَتَاعه
فَإِن قيل قَالَ الله عز وَجل {فَإِذا دفعتم إِلَيْهِم أَمْوَالهم فأشهدوا عَلَيْهِم} والأوصياء مؤتمنون وَقد أمروا بِالْإِشْهَادِ
قيل لَهُ فَائِدَة أَمَانَة المؤتمنين عَلَيْهِم لَا يُغير ذَلِك
وَقد وَافَقنَا مَالك على أَنه لَو دفع إِلَيْهِ دَرَاهِم وَأمره أَن يتَصَدَّق بهَا على الْمَسَاكِين أَنه مُصدق فِيهَا بِغَيْر بَيِّنَة كَذَلِك الْوَكِيل فِي دَفعهَا إِلَى رجل بِعَيْنِه
1760 - فِيمَن يُؤمر بِأَن يقْضِي عَنهُ دَرَاهِم فَيدْفَع إِلَيْهِ دَنَانِير
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أمره أَن يقْضِي عَنهُ فلَانا عشرَة دَرَاهِم لَهُ عَلَيْهِ فَبَاعَهُ(4/79)
الْمَأْمُور بهَا دَنَانِير أَو ثوبا جَازَ وَكَذَلِكَ لَو دَفعهَا إِلَيْهِ ليقبضها فَأعْطَاهُ دَرَاهِم غَيرهَا من غَيره أَو بَاعه ثوبا جَازَ وَلم يكن مُتَطَوعا
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ لي رجل أَقْرضنِي دَرَاهِم فَأمرت رجلا لي عَلَيْهِ دَرَاهِم أَن يَدْفَعهَا إِلَيْهِ قرضا مني فَأعْطَاهُ مَكَانهَا دَنَانِير أَو بَاعه بهَا ثوبا فَهُوَ جَائِز وعَلى الْقَابِض الدَّرَاهِم قرضا للْآمِر
وَقَالَ اللَّيْث فِيمَن أمره رجلا أَن يقْضِي عَنهُ رجلا دِينَارا فَأعْطَاهُ دَرَاهِم فَهُوَ مُخَيّر عِنْد الْقَضَاء إِن شَاءَ أَخذ مِنْهُ دِينَارا وَإِن شَاءَ أَخذ مِنْهُ عدد الدَّرَاهِم الَّتِي قضى عَنهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أمره أَن يقْضِي عَنهُ دِينَارا فَرضِي الَّذِي لَهُ الدِّينَار بِثَوْب مَكَان الدِّينَار أَو طَعَاما أَو دَرَاهِم فللقاضي على المقضى عَنهُ الْأَقَل من دِينَار أَو قيمَة مَا قضى عَنهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَن الْمَأْمُور غير مُتَطَوّع فِيمَا دفع فَالْأولى أَن يرجع عَلَيْهِ بِالدّينِ لِأَنَّهُ الْمَأْمُور بِقَضَائِهِ دون غَيره وَقد وَقع الْقَضَاء وَبرئ مِنْهُ
1761 - فِيمَن يَأْمر غَيره بقسمة مَال فِي سَبِيل الله أَو عتق ثمَّ يَمُوت
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ اللَّيْث فِي رجل أعْطى رجلا مَالا فِي صِحَّته ليقسمه فِي سَبِيل الله أَو يعْتق عبدا ثمَّ يَمُوت صَاحب المَال قبل أَن يفرغ الرجل من ذَلِك أَنه إِن كَانَ أشهد على دفع المَال إِلَيْهِ وأبرزه فَإِنَّهُ ينفذ فِيهِ مَا قَالَ(4/80)
وَلَا يدْخل فِي ثلث وَلَا غَيره وَإِن لم يقم عَلَيْهِ بَيِّنَة فَإِنَّهُ للْوَرَثَة وَلَا ينفذ فِي ذَلِك الْوَجْه
وَهَذَا قَول لم يقل بِهِ أحد من أهل الْعلم غَيره وَهُوَ فَاسد النّظر أَيْضا لِأَن الْإِشْهَاد لَا يزِيل ملكه عِنْدهم وَإِنَّمَا الْإِشْهَاد يعلم بِهِ مَا قد فعله
1762 - فِي الْوَكِيل يقر بِقَبض المَال وَيَدعِي الْهَلَاك
قَالَ مَالك إِذا وكلت رجلا بِقَبض مَال من رجل فَقَالَ قد قَبضته وَضاع مني لم يصدق الْوَكِيل وَالْمَال بَاقٍ على الَّذِي عَلَيْهِ إِلَّا أَن يُقيم بَيِّنَة بِالْقَبْضِ إِلَّا أَن يكون وَكيلا يَشْتَرِي وَيبِيع وَيقبض ويفوض إِلَيْهِ فَهُوَ مُصدق وَإِنَّمَا لَا يصدق إِذا كَانَ وَكيلا بِقَبض مَال على رجل فَقَط
وَلَو قَالَ لَهُ بِعْ عَبدِي فجَاء بِرَجُل فَقَالَ بِعته مِنْهُ وَصدقه قبل قَوْله وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ ادْفَعْ هَذَا المَال إِلَى فلَان فَقَالَ قد دَفعته وَصدقه فلَان فَالْقَوْل قَوْله
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يُوَافق مَالِكًا أحد على قَوْله إِن الْغَرِيم لَا يبرا بقول الْوَكِيل قد قبضت
1763 - اخْتِلَاف الْوَكِيل وَالْمُوكل فِي الثّمن
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ الْآمِر أَمرتك بِأَن تشتري بِأَلف فَقَالَ الْمَأْمُور(4/81)
بِخَمْسِمِائَة فَالْقَوْل قَول الْآمِر سَوَاء كَانَت السّلْعَة قَائِمَة أَو فَائِتَة وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ أَمرتنِي بِالْبيعِ وَلم تقل شَيْئا وَقَالَ الْآمِر أَمرتك أَن تبيع بِالنَّقْدِ فَالْقَوْل قَول الْآمِر
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ أَمرتنِي أَن أبيعه بِعشْرَة وَقَالَ الْآمِر بِاثْنَيْ عشر فَالْقَوْل قَول الْآمِر إِن لم يفت وَإِن فَاتَ فَالْقَوْل قو الْمَأْمُور
1764 - فِي الْوَكِيل يحبس السّلْعَة بِالثّمن
قَالَ أَصْحَابنَا لَهُ أَن يحبسها بِالثّمن فَإِذا هَلَكت بعد الْحَبْس كَانَت كَالرَّهْنِ فِي قَول أبي يُوسُف
وَعند أبي حنيفَة وَمُحَمّد كَالْمَبِيعِ
وَقَالَ زفر لَا يحبسها بِالثّمن وَإِن حبس ضمن الْقيمَة كالغصب وَهُوَ قَول مَالك
1765 - فِي موت الْمُوكل وعزله
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يَنْعَزِل الْوَكِيل إِلَّا بعد الْعلم بِالْعَزْلِ يَنْعَزِل بِالْمَوْتِ وَإِن لم يعلم(4/82)
وَقَالَ مَالك إِذا وَكله بشرَاء عبد وَمَات ثمَّ اشْترى الْوَكِيل وَلم يعلم بِمَوْتِهِ فَإِنَّهُ يلْزم الْوَرَثَة وَإِن علم لم يلْزمهُم
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا وكل الْوَلِيّ رجلا بِأخذ الْقصاص ثمَّ قَالَ الْوَلِيّ قد عَفَوْت فَقتله الْمَأْمُور فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِ إِلَّا الْيَمين مَا علم بِالْعَفو وَلَا شَيْء على الْوَلِيّ أَيْضا
وَالثَّانِي أَنه ضمن الدِّيَة وَيكفر كمن قتل خطأ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْوكَالَة لَيست بِحَق الْوَكِيل لَازم للْمُوكل إِخْرَاجه مَتى شَاءَ وَإِذا كَانَ كَذَلِك وَجب أَن لَا يعْتَبر علم الْوَكِيل بعزله وَأَن يَنْعَزِل مَتى عَزله وَإِن لم يعلم وَلم يَخْتَلِفُوا أَن الْمُوكل لَو بَاعَ العَبْد الْمُوكل بِبيعِهِ خرج الْوَكِيل من الْوكَالَة كَذَلِك إِذا عَزله وَإِن لم يعلم وَإِذا ثَبت ذَلِك فِي الْعَزْل فَفِي الْمَوْت أَحْرَى
1766 - فِي وَكيل أحد الْمُتَفَاوضين
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وكل المفاوض رجلا بِشَيْء ثمَّ افْتَرقَا ثمَّ فعل الْوَكِيل ذَلِك وَهُوَ لَا يعلم فَإِن ذَلِك كُله جَائِز عَلَيْهِمَا
وَقَالَ مَالك إِذا افْتَرقَا وَعلم المبضع فَإِنَّهُ يَشْتَرِي بِمَا أضبع مَعَه
آخر كتاب الْوكَالَة(4/83)
= كتاب الْإِجَارَات =
1767 - فِي ضَمَان الْأَجِير الْمُشْتَرك
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا ضَمَان على الْأَجِير الْمُشْتَرك إِلَّا فِيمَا جنت يَدَاهُ
وَقَالَ زفر لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا جنت يَدَاهُ أَيْضا إِلَّا أَن يُخَالف
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَعبيد الله بن الْحسن يضمن إِلَّا مَا لَا يَسْتَطِيع الِامْتِنَاع مِنْهُ كالحريق وَمَوْت الشَّاة واللصوص الغالبين
وَقَالَ الثَّوْريّ يضمن فِي اللُّصُوص أَيْضا
وَقَالَ مَالك يضمن الْقصار إِلَّا أَن يَأْتِي أَمر من أَمر الله تَعَالَى مثل الْحَرِيق والسرق والضياع إِذا قَامَت عَلَيْهِ بَيِّنَة وَيضمن قرض الفأر إِذا لم تقم بَيِّنَة وَإِن قَامَت بَيِّنَة أَنه قرض الفأر من غير تَضْييع لم يضمن
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا يضمن الْقصار من الْحَرِيق والأجير الْمُشْتَرك ضَامِن إِذا لم يشْتَرط لَهُ أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ(4/85)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ من أَخذ الْأُجْرَة فَهُوَ ضَامِن تَبرأ أَو لم يتبرأ وَمن أعْطى الْأجر فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَإِن شَرط وَلَا يضمن الْأَجِير الْمُشْتَرك من عَدو حارق أَو موت
وَقَالَ اللَّيْث الصناع كلهم ضامنون لما أفسدوا أَو هلك عِنْدهم
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ أَحدهمَا يضمن وَالْآخر لَا يضمن إِلَّا مَا جنت يَده
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَا ضَمَان على الْحجام والبيطار الْمُشْتَرك وَإِن أَخذ الْأجر كَذَلِك سَائِر الصناع وَكَذَلِكَ الْأَجِير الْخَاص لَا يضمن عِنْد الْجَمِيع كَذَلِك الْمُشْتَرك
1768 - فِي الرَّاعِي الْمُشْتَرك
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يضمن مَا مَاتَ وَهلك وَإِنَّمَا يضمن مَا عطب من سِيَاقه
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يضمن مَا مَاتَ مِنْهَا بِشُهُود وَيضمن مَا هلك
وَقَالَ عُثْمَان البتي لَا يضمن الرَّاعِي إِلَّا أَن يشْتَرط عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالك لَا ضَمَان عَلَيْهِ إِلَّا فِيمَا أفسد أَو فرط
وَقَالَ الثَّوْريّ فِي الْمَوْت يضمن
وَقَالَ اللَّيْث إِذا شَرط عَلَيْهِ رباطها بِاللَّيْلِ فَغَفَلَ عَن بَعْضهَا فَهَلَك فَهُوَ ضَامِن(4/86)
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا فعل مَا للرعاة أَن يفعلوه مِمَّا فِيهِ صَلَاح لم يضمن وَإِن فعل خلاف ذَلِك ضمن
1769 - فِيمَن يعْمل
قَالَ مَالك فِي الرجل يدْفع إِلَى الرجل الْخَاتم أَو القلادة يصلحها على وَجه الْمَعْرُوف فَهُوَ ضَامِن وَإِن لم يَأْخُذ أجرا وَكَذَلِكَ إِذا ضَاعَ عِنْد الْخياط أَو الصّباغ بغر أجر فَهُوَ ضَامِن
قَالَ عُثْمَان البتي إِذا قَالَ الصَّانِع عملته بغر أجر فَإِنَّمَا يَدعِي الْبَرَاءَة من ضَمَانه فَعَلَيهِ الْبَيِّنَة وَالْقَوْل قَول رب الْمَتَاع
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ القَوْل قَول الْقصار أَنه عمله بِغَيْر أجر وَلَا خلاف بَين أَصْحَابنَا أَن من عمل شَيْئا على وَجه التَّبَرُّع بِأَمْر صَاحبه أَنه لَا يضمن
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْأَجِير الْمُشْتَرك إِنَّمَا يضمن لِأَنَّهُ عمل لنَفسِهِ لِأَنَّهُ يسْتَحق بِهِ الْأجر والمتبرع عمل لغيره فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
1770 - فِي الْأَجِير يسْقط مِنْهُ الْحمل
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الرجل يسْتَأْجر بقيراط محملًا من الْفُرَات موقع مِنْهُ فِي بعض الطَّرِيق فَإِن شَاءَ ضمنه قِيمَته فِي الْمَكَان الَّذِي انْكَسَرَ وَأَعْطَاهُ الْأجر بِحِسَاب وَإِن شَاءَ ضمنته قِيمَته فِي الْمَكَان الَّذِي حمله وَلَا أجر لَهُ
حُكيَ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ قد رَجَعَ أَبُو حنيفَة إِلَى قَوْلنَا فِي هَذِه(4/87)
الْمَسْأَلَة حِين ضمنه فِي الْموضع الَّذِي حمله فِيهِ قبل أَن يُعْطِيهِ لِأَنَّهُ لم يكن جانيا فِي ذَلِك الْموضع
وَقَالَ زفر لَا ضَمَان عَلَيْهِ إِذا لم يُخَالف
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِن أَتَى من غَيره لم يضمن وَإِن أَتَى من نَفسه ضمن
وَقَالَ مَالك لَا ضَمَان عَلَيْهِ إِن عثر الْبَعِير أَو انشقت الراوية إِلَّا أَن يكون من بعيره فَيضمن
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ من أَخذ أجرا على شَيْء يبلغهُ فَزعم أَنه سرق فَهُوَ لَهُ ضَامِن وَلَا يضمن الحرق وانكسار الْوِعَاء
وَذكر الرّبيع عَن الشَّافِعِي لَا يضمن الْأَجِير بِحَال إِلَّا مَا جنت يَده
1771 - فِي السَّفِينَة تغرق
قَالَ أَبُو حنيفَة إِن غرقت من يَد الملاح أَو معالجته ضمن وَإِن غرقت من ريح أَو موج أَو من شَيْء وَقع عَلَيْهَا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَإِن كَانَ رب الطَّعَام فِي السَّفِينَة فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي شَيْء من ذَلِك
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي المَاء خَاصَّة لِأَنَّهُ عَدو غَالب وَقَالَ ابْن شبْرمَة لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا غرق وَله الْأجر بِحِسَاب مَا حمل(4/88)
وَقَالَ مَالك إِن تعدوا فِي الْمَدّ ضمنُوا وَإِن لم يتعدوا لم يضمنوا 8
وَذكر الثَّوْريّ عَن ابْن أبي ليلى أَن الملاح يضمن مَا غرق فِي الْبَحْر
وَقَالَ ابْن شبْرمَة لَا يضمن وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ يضمن الملاح إِلَّا من الْغَرق
وَقَالَ اللَّيْث لَا يضمن من الْغَرق وَيضمن مَا نقص من الطَّعَام
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا تعدى ضمن وَإِن لم يَتَعَدَّ لم يضمن
1772 - فِي الْإِجَارَة على الْوَقْت وَالْعَمَل
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا اسْتَأْجرهُ على أَن يخبز لَهُ هَذِه الْعشْرَة مخاتيم هَذَا الْيَوْم كُله بدرهم فَهَذَا فَاسد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هُوَ جَائِز وَالْإِجَارَة وَاقعَة على الْعَمَل دون الْمدَّة
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز الِاسْتِئْجَار على أَن يعْمل غَدا وَلَا يجوز إِلَّا أَن يشْتَرط عَلَيْهِ أَن يعْمل سَاعَة اسْتَأْجرهُ أَو تكون الْإِجَارَة على خياطَة هَذَا الثَّوْب وَيبدأ بِالْعَمَلِ سَاعَة تجب الْإِجَارَة إِن شَرط عَلَيْهِ أَن يَأْخُذ فِي عمله وسمى الْفَرَاغ إِلَى أجل يُمكن أَن يعْمل مثله فِي ذَلِك الْأَجَل فَذَلِك أفضل وَإِن لم يسم فَهُوَ جَائِز وَيعْمل بطاقته حَتَّى يفرغ مِنْهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْإِجَارَة إِنَّمَا تصح على الْعَمَل أَو على الْمدَّة فَإِذا شَرط الْعَمَل فِي الْمدَّة وَلم ندر بِأَيِّهِمَا يسْتَحق الْأجر فَتبْطل(4/89)
1773 - فِي اسْتِحْقَاق الْأُجْرَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتَأْجرهُ ليحمل لَهُ شَيْئا إِلَى مَوضِع اسْتحق الْأجر بِقدر الْحمل وَإِن كَانَ عملا بِيَدِهِ كالخياطة والصبغ لم يسْتَحق شَيْئا من الْأجر حَتَّى يفرغ من الْعَمَل ويدفعه إِلَى صَاحبه وَفِي كِرَاء الْإِبِل إِلَى مَكَّة واستئجار الدَّار يسْتَحق بِقدر الْمسير وَقدر السُّكْنَى
وروى مُحَمَّد عَن زفر إِذا اسْتَأْجر دَارا سنة بِأُجْرَة مُسَمَّاة فقد ملك المؤاجر الْأجر قبل أَن يتقابضا
وروى الْحسن بن زِيَاد عَن زفر أَنه لَا يجب عَلَيْهِ أَن يُعْطِيهِ أُجْرَة شهر حَتَّى يَنْقَضِي الشَّهْر
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا لَيْسَ باخْتلَاف رِوَايَة لِأَن مُحَمَّدًا ذكر ملك الْأُجْرَة للمؤاجر وَالْحسن ذكر اسْتِحْقَاق قبضهَا
وَقَالَ مَالك فِي كِرَاء مَكَّة وكراء الصَّانِع بِيَدِهِ شهرا إِن كَانَ كِرَاء النَّاس عِنْدهم بِالنَّقْدِ أجبر على النَّقْد وَإِن كَانَ كِرَاء النَّاس عِنْدهم لَيْسَ بِالنَّقْدِ لم يصلح هَذَا الْكِرَاء وَلَا هَذِه الْإِجَارَة إِلَّا أَن يكون الثَّوْب نَقْدا فَإِن لم يكن الثَّوْب نَقْدا فالكراء بَاطِل كمن اشْترى ثوبا على أَن يُعْطِيهِ بعد شهر
وَقَالَ مَالك فِي كِرَاء الدَّار مِنْهُ إِذا لم يكن بَينهمَا شَرط دفع إِلَيْهِ بِحِسَاب مَا سكن وَإِن كَانَ كِرَاء الدَّار عِنْدهم نَقْدا أجبر على النَّقْد
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا اسْتَأْجر دَارا شهرا لم يكن لَهُ من الْأُجْرَة شَيْء حَتَّى يبلغ رَأس الشَّهْر(4/90)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ فِي كِرَاء مَكَّة يعجله قبل أَن يركب لِأَن ذَلِك سنة النَّاس والصباغ والقصار وكراء الدَّابَّة لَا يَأْخُذ من أجره شَيْئا حَتَّى يعْمل الَّذِي تكارى لَهُ
وَقَالَ إِذا تكارى دَارا سنة بِأَلف دِرْهَم إِذا وَجَبت لَهُ مِائَتَان وَحَال الْحول وَجَبت الزَّكَاة وَكره شَرط تَعْجِيل الْأجر وَلَا بَأْس بتعجيله من غير شَرط
وَقَالَ اللَّيْث لَا بَأْس أَن يُؤَخر الْكِرَاء إِلَى أَن يَنْقَضِي شهره
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا دفع مَا أكرى وَجب لَهُ جَمِيع الْكِرَاء وَقَالَ فِي الْخياط وَنَحْوه إِذا لم يشْتَرط عمله بِيَدِهِ لَا يجوز أَن يكون الْأجر مُؤَخرا لِأَنَّهُ دين بدين وَإِن كَانَ شَرط عمله بِيَدِهِ جَازَ التَّأْخِير لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة مَبِيع بِعَيْنِه
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد اتَّفقُوا على أَنه لَو عجل لَهُ الْأجر وَقَبضه المؤاجر أَنه يملكهُ فَدلَّ على أَنه قد ملكه بِنَفس العقد لِأَن مَا لَا يكون مَمْلُوكا بِالْعقدِ لَا يملك بِالْقَبْضِ كالمشترى على أَن البَائِع بِالْخِيَارِ
قَالَ أَبُو بكر لَا يملكهُ بِالْقَبْضِ وَإِنَّمَا يملكهُ بالتعجيل وَمعنى التَّعْجِيل تَعْجِيل الْملك وَلَو عجله لَهُ وَلم يقبضهُ لملكه وَقد يملك عندنَا أَيْضا بِالْقَبْضِ دون العقد كَالْهِبَةِ وَالصَّدَََقَة وَالْبيع الْفَاسِد
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَأما وجوب قبض الْأُجْرَة فَيَنْبَغِي أَن يكون بِإِزَاءِ قبض الْمَنَافِع كقبض المبيعات بِإِزَاءِ قبض أبدالها وَلَيْسَ قبض الْمُسْتَأْجر بِإِزَاءِ قبض الْمَبِيع لِأَن الْمَبِيع يصير فِي ضَمَان المُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَالْمَنَافِع لَا تصير فِي ضَمَانه بِقَبض الْمُسْتَأْجر
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد الله بن عمر عَن عبد الْكَرِيم(4/91)
ابْن مَالك عَن مُجَاهِد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الجزار الَّذِي جزر بدنه فَأمرنِي أَن أقوم على بدنه وَأَن أقسم جلودها وجلالها وَأَن لَا أعطي الجزار مِنْهَا شَيْئا وَقَالَ إِنَّا نُعْطِيه من عندنَا وَفِي لفظ آخر إِنَّا نُعْطِيه من غير ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا عبد الْكَرِيم بن مَالك الْجَزرِي مَقْبُول الرِّوَايَة وَعبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق أَبُو أُميَّة الْبَصْرِيّ ضَعِيف وَهَذَا يدل على جَوَاز كَون الْأُجْرَة دينا فِي مَنَافِع مَضْمُونَة لِأَنَّهَا لَو كَانَت إِذا كَانَت مَضْمُونَة لَا تكون أجرهَا دينا لقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اشْترط عمله بِعَيْنِه وَلما قَالَ إِنَّا نُعْطِيه من عندنَا لم يقل قبل افتراقك إِيَّاه
1774 - فِي الصَّانِع يمْنَع مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ لقبض الْأُجْرَة
قَالَ أَصْحَابنَا للقصار والصباغ وكل صانع بِيَدِهِ أَن يحبس مَا صنعه حَتَّى يَسْتَوْفِي الْأجر وَأما الْحمال وملاح فَإِنَّهُ لَا يحبس
وَقَالَ مَالك لَهُم كلهم أَن يحبسوا بِالْأَجْرِ فَإِن هلك فَلَا ضَمَان عَلَيْهِم إِلَّا أَن يغيبوه ويحوزوه عَن أَصْحَابه فَيكون بِمَنْزِلَة الرَّهْن وَذَلِكَ فِي الْبَز وَنَحْوه مِمَّا لَا يُؤْكَل وَلَا يشرب وَمن اُسْتُؤْجِرَ فِي زرع أَو نخل أَو أصل لسقيه فأفلس صَاحبه فَهُوَ أولى بِهِ من الْغُرَمَاء حَتَّى يَسْتَوْفِي وَإِن مَاتَ صَاحب الأَصْل وَالزَّرْع فالمساقي فِيهِ أُسْوَة الْغُرَمَاء(4/92)
وراعي الْإِبِل وَالدَّوَاب أُسْوَة الْغُرَمَاء فِي الْمَوْت والتفليس والصباغ والخياط وَنَحْوه أَحَق بِمَا بقى من أَيْديهم من سَائِر الْغُرَمَاء فِي الْمَوْت والتفليس وَكَذَلِكَ من اُسْتُؤْجِرَ على حمل مَتَاع من بلد إِلَى بلد وَقَالَ الثَّوْريّ للقصار والصباغ حبس الْمَتَاع لقبض الْأُجْرَة وَكَذَلِكَ كل شَيْء لَهُ فِيهِ شَيْء نَحْو النجار وَالْبناء فَلَيْسَ لَهُ أَن يحبس
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه أُسْوَة الْغُرَمَاء وَقِيَاس هَذَا أَن لَا يكون حَبسه بِالْأَجْرِ والصناع أَحَق بِهِ من سَائِر الْغُرَمَاء لِأَن لَهُ فِيهِ عَن صنع وَالْقِيَاس أَن يكون لَهُ حَبسه
قَالَ أَبُو جَعْفَر عمل الْقصار والخياط وَنَحْوه قَائِم فِي الثَّوْب فَلهُ حَبسه وَحمل الْمَتَاع لَيْسَ بِعَمَل قَائِم فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ حَبسه
1775 - إِذا اسْتهْلك الْخياط وَنَحْوه الثَّوْب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتهْلك الْقصار والصباغ وَنَحْوه الثَّوْب بَعْدَمَا عمله قبل أَن يُسلمهُ فَرب الثَّوْب بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ضمنه مَعْمُولا وَأَعْطَاهُ الْأجر وَإِن شَاءَ ضمنه قِيمَته غير مَعْمُول وَلَا أجر لَهُ وَقَالَ زفر يضمنهُ قيمَة الثَّوْب مَعْمُولا وَعَلِيهِ الْأجر بِلَا خِيَار(4/93)
وَقَالَ مَالك يضمنهُ قِيمَته يَوْم دَفعه إِلَيْهِ وَلَا يضمنهُ مَقْصُورا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا أَرَادَ أجر يَده ضمنه مخيطا وَإِن لم يرد أُجْرَة يَده ضمنه مقطعا
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن فِي خياط عمل نصف ثوب ثمَّ تلف الثَّوْب أَن لَهُ بِحِسَاب مَا عمل فِي الثَّوْب من الْأجر
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي إِذا حَبسه فَهَلَك أَن يضمنهُ قِيمَته مصبوغا
1776 - فِي الِاسْتِئْجَار على الْقصاص
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا اسْتَأْجر رجلا ليقتص لَهُ من النَّفس لم تجز الْإِجَارَة وَلم يكن لَهُ أجر وَإِن اسْتَأْجرهُ ليقتص لَهُ فِيمَا دون النَّفس جَازَ وَفِي قَول مُحَمَّد هُوَ جَائِز فِي النَّفس وَمَا دونهَا وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَاللَّيْث
وَقَالَ أَصْحَابنَا فِيمَا يجوز فِيهِ الْإِجَارَة على الاقتصاص أَن الْأجر على الْمُقْتَص لَهُ لَا على الْمُقْتَص مِنْهُ
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ على الْمُقْتَص مِنْهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر ذكر ابْن أبي عمرَان أَن أَبَا حنيفَة إِنَّمَا لم يجز الْإِجَارَة على الْقصاص فِي النَّفس لِأَن الْإِجَارَة تقع فِيهِ على مَجْهُول لَا يدْرِي فِي أَي مَوضِع تقع الضَّرْبَة وَيجوز فِيمَا دون النَّفس لِأَنَّهُ يفصل من الْمفصل وَهُوَ(4/94)
مَعْلُوم إِلَّا أَنه أجَاز الْإِجَارَة على ذبح الشَّاة وَمَوْضِع الذّبْح مَجْهُول لَا يدْرِي أَسْفَل الْعُنُق أَو أَعْلَاهُ وَأما الْأُجْرَة فَإِنَّمَا تجب على الْمُقْتَص لَهُ من قبل أَن الْمَجْنِي عَلَيْهِ لَو كَانَ مِمَّن يحسن الاقتصاص فَأَرَادَ الْجَانِي أَن يتَوَلَّى ذَلِك من نَفسه كَانَ للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ أَن يأباه ويتولاه هُوَ لَا خلاف بَين أهل الْعلم فِيهِ فَدلَّ أَن الْقصاص إِلَى الْمَجْنِي عَلَيْهِ لَا إِلَى الْجَانِي فالأجرة عَلَيْهِ دون الْجَانِي وَلَيْسَ ذَلِك مثل الْكَيْل وَالْوَزْن أَنه على من عَلَيْهِ الدّين لِأَن الطَّالِب لَا يصل إِلَى الِانْتِفَاع إِلَّا بتمييزه من حق الْمَطْلُوب فعلى الْمَطْلُوب أَن يميزه لَهُ ويقطعه عَن مَاله ويعينه بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن
1777 - فِيمَن قَالَ إِن خاط الْيَوْم فَلهُ دِرْهَم وَإِن خاط غَدا فَنصف دِرْهَم
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا قَالَ إِن خطته الْيَوْم فلك دِرْهَم وَإِن خطته غَدا فلك نصف دِرْهَم أَن الشَّرْط الأول جَائِز وَإِن وفى بِهِ اسْتحق الدِّرْهَم وَإِن لم يَفِ بِهِ وخاطه غَدا فَلهُ أجر مثله لَا ينقص من نصف وَلَا يُجَاوز بِهِ درهما
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الشرطان جَمِيعًا جائزان
وَقَالَ زفر الْإِجَارَة فَاسِدَة فَإِن خاطه الْيَوْم فَلهُ الْأَقَل من أجر مثله وَمن دِرْهَم وَإِن خاطه غَدا فَلهُ الْأَقَل من أجر مثله أَو من نصف دِرْهَم وَإِن قَالَ إِن خطته خياطَة رُومِية فلك دِرْهَم وَإِن خطته فارسية فلك نصف دِرْهَم إِن الشرطان جَمِيعًا جائزان فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْمَسْأَلَة الأولى مثل قَول زفر إِلَّا أَنَّهُمَا(4/95)
يوجبان أجر الْمثل بَالغا مَا بلغ وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة أَن تكون الْإِجَارَة فَاسِدَة أَيْضا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يكن الْعَمَل فِي الْوَقْت الأول مُسْتَحقّا على الْأَجِير دلّ على فَسَاد الْإِجَارَة لِأَنَّهَا إِنَّمَا تجوز على مَا يلْزم الصَّانِع لَا على مَا لَا يلْزمه وَكَذَلِكَ فِي الْخياطَة الرومية والفارسية لَيْسَ لَهُ أَن يؤاخذه بِوَاحِد من العملين فَوَجَبَ أَن تكون الْإِجَارَة فَاسِدَة لِأَنَّهَا وَاقعَة على عمل مَجْهُول
وَإِنَّمَا اسْتحْسنَ أَصْحَابنَا فِي إِجَارَة ذَلِك وَشبهه
مُحَمَّد إِن دفع إِلَى رجل ثَوْبَيْنِ على أَن يَأْخُذ أَحدهمَا بِعَيْنِه إِن شَاءَ بِعشْرَة وَالْآخر بِخَمْسَة وعَلى أَنه بِالْخِيَارِ فِي ذَلِك ثَلَاثًا وَهَذَا أَيْضا اسْتِحْسَان من قَوْلهم
1778 - فِي الْإِجَارَة على البيع وَالشِّرَاء
لَا يجوز ذَلِك عِنْد أَصْحَابنَا وَإِن اسْتَأْجر شهرا يَبِيع لَهُ وَيَشْتَرِي جَازَ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى يجوز ذَلِك كُله(4/96)
وَقَالَ مَالك إِذا سمى لَهُ شَيْئا يَبِيعهُ بِهِ وسمى لَهُ أَََجَلًا مَعْلُوما جَازَ وَاسْتحق مَا شَرط لَهُ هَذَا رِوَايَة ابْن وهب
قَالَ وَإِن قَالَ فِي كل دِينَار كذل لم يجز
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَنهُ إِذا قَالَ بِعْ لي هَذَا الثَّوْب وَلَك دِرْهَم فَلَا بَأْس بِهِ سَوَاء وَقت لَهُ ثمنا أَو لم يُوَقت وَإِنَّمَا يجوز ذَلِك فِي الثَّوْب والثوبين وَلَا يجوز فِي الْكثير وَكَذَلِكَ يجوز أَن يَقُول لَهُ لَك ثَلَاثَة دَرَاهِم فِي كل دِرْهَم مائَة تشتري لَهُ بهَا
وَقَالَ الثَّوْريّ فِي الرجل يَشْتَرِي للنَّاس وَله فِي كل مِثْقَال إِنِّي لَا أحب ذَلِك
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا بَأْس بِأَن يَقُول بِعْ هَذَا الثَّوْب وَلَك من كل دِينَار دِرْهَم أَو يَقُول إِن بِعته فلك كَذَا أَو يَقُول ثمنه كَذَا وَكَذَا فَمَا ازددت عَلَيْهِ فَهُوَ لَك
قَالَ اللَّيْث لَا بَأْس بِأَن يَقُول بِعْهُ بِمَا وجدت وَلَك فِي كل دِينَار قِيرَاط وَيَقُول بِعْهُ بِكَذَا وَلَك دِينَار وَهَذَا إِنَّمَا يجوز فِي الْحَضَر فِي الْأَمر الْخَفِيف مثل الثَّوْب وَنَحْوه فَأَما أَن يخرج مَتَاعه إِلَى مَوضِع سفر على هَذَا فَلَا خير فِيهِ
وَقَالَ اللَّيْث وَلَا بَأْس بِأَن يَقُول للصياد اضْرِب بشبكتك فِي الْبَحْر ضَرْبَة أَو ضربتين بِكَذَا فَهَذَا جَائِز فَإِن خرج شَيْء مِنْهُ فَهُوَ لَهُ وَإِن لم يخرج شَيْء لم يكن لَهُ شَيْء
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي من جعل لرجل جعلا على أَن ينكحه وَلَيْسَ العقد إِلَيْهِ وَلَكِن يسْعَى لَهُ حَتَّى ينكحه فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك الْجعل وَله أجر مثله
وَرُوِيَ عَنهُ وَقَالَ أَيْضا إِذا قَالَ إِن جئتني بعبدي الْآبِق فلك دِينَار كَانَ جَائِزا وَله مَا سمى
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْأُجْرَة والجعل وَاحِد لَا يُخرجهُ الِاسْم من حكم الْإِجَارَة(4/97)
كَالْبيع إِن سمى مقابضة أَو مُبَادلَة كَانَ بيعا وَالْإِجَارَة لَا تجوز إِلَّا على أُجْرَة مَعْلُومَة وَوقت مَعْلُوم أَو عمل مَعْلُوم والجعالة لَيست وَاقعَة على مُدَّة مَعْلُومَة وَلَا عمل مَعْلُوم ففسدت
1779 - فِي اخْتِلَاف الْأَجِير وَالْمُسْتَأْجر
إِذا قَالَ الْخياط أَمرتنِي بقميص وَقَالَ رب المَال أَمرتك بقباء فَالْقَوْل قَول رب الثَّوْب وَيضمن الْخياط فِي قَول أَصْحَابنَا وَالثَّوْري
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالْأَوْزَاعِيّ القَوْل قَول الْخياط وَكَذَلِكَ قَالَ مَالك إِلَّا أَن يَأْتِي بِأَمْر لَا يستعملون مثله
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا اسْتَأْجرهُ لهدم بَيت فِي الدَّار فهدم الدَّار كلهَا فَقَالَ صَاحب الدَّار أَمرتك بهدم بَيت وَاحِد وَقَالَ الآخر أَمرتنِي بهدم الْجَمِيع فَالْقَوْل قَول الهادم وَكَذَلِكَ إِذا أمره بِنَزْع ضرسين فَالْقَوْل قَول الْأَجِير إِذا أقرّ الْأَمر أَنه قد أَمر بِنَزْع ضرس وَاحِد
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا أقرّ أَنه أَمر بِقطع الثَّوْب فَالْقَوْل قَول الْخياط أَنه أمره بقباء وَلَا يصدق الآخر إِلَّا بِبَيِّنَة وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّيْث
وَقَول عبيد الله بن الْحسن مثل قَوْلنَا
وَالشَّافِعِيّ أَشَارَ إِلَى أَن قَول رب الثَّوْب أشبه بِالْحَقِّ(4/98)
1780 - فِي الْإِجَارَة على تَعْلِيم الْقُرْآن وَنَحْوه
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تجوز الْإِجَارَة على تَعْلِيم الْقُرْآن وَالْأَذَان وَالصَّلَاة وَلَا على تَعْلِيم الْفَرَائِض وَالْفِقْه
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بِأخذ الْأُجْرَة على تَعْلِيم الْقُرْآن وَالْأَذَان وَتكره الْإِجَارَة على تَعْلِيم الْفِقْه
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ تكره أُجْرَة الْمعلم
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز أخذا الْأُجْرَة على تَعْلِيم الْقُرْآن وَالْأَذَان وَالصَّلَاة بهم
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عبد الله بن أبي السّفر عَن الشّعبِيّ عَن خَارِجَة بن الصَّلْت عَن عَمه أَنه قَالَ أَقبلنَا من عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأتينا على حَيّ من أَحيَاء الْعَرَب فَقَالُوا لنا إِنَّكُم جئْتُمْ من عِنْد الحبر بِخَير فَهَل عنْدكُمْ رقية لمعتوه عندنَا فَقُلْنَا نعم فَقَرَأت عَلَيْهِ فَاتِحَة الْكتاب ثَلَاثَة أَيَّام غدْوَة وَعَشِيَّة أجمع بزاقي ثمَّ أتفل وكأنما أنشط من عقال فأعطوني جعلا فَقلت لَا حَتَّى أسأَل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلته فَقَالَ كل فلعمري لمن أكل برقية بَاطِل لقد أكلت برقية حق(4/99)
وهشيم عَن أبي بشر عَن أبي المتَوَكل النَّاجِي عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا فِي غزَاة فَذكر نَحوه فِي ملدوغ فأعطوهم غنما فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خذوها واضربوا لي مَعكُمْ فِيهَا بِسَهْم
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِنَّمَا ذكر فِي ذَلِك أخذا لجعل على الرّقية والرقية لَيست بواجبة وَالْأَذَان وَالصَّلَاة وَاجِبَة وَكَذَلِكَ تَعْلِيم الْقُرْآن وَقد روى يحيى بن أبي كثير عَن زيد بن سَلام عَن أبي سَلام عَن أبي رَاشد الحبراني عَن عبد الرَّحْمَن بن شبْل الْأنْصَارِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اقْرَءُوا الْقُرْآن وَلَا تغلوا فِيهِ وَلَا تجفوا عَنهُ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ
فقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْأكل بِالْقُرْآنِ
وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن سعد بن إِيَاس الْجريرِي عَن أبي الْعَلَاء بن عبد الله بن الشخير عَن مطرف بن الشخير عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتخذ مُؤذنًا لَا يَأْخُذ على أَذَانه أجرا فَلَو كَانَ أَخذ الْأجر على الْأَذَان جَائِزا لما كره أَن يتَّخذ من يَأْخُذ عَلَيْهِ أجرا كَمَا أَن العمالة لما كَانَت مُبَاحَة لم يكره أَن يسْتَعْمل من يَأْخُذ العمالة
كَمَا رُوِيَ عَن عمر أَنه اسْتَعْملهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الصَّدَقَة فَلَمَّا أديتها إِلَيْهِ(4/100)
عملني فأبيت أَن آخذه فَقَالَ إِذا أَعطيتك شَيْئا من غير أَن تسْأَل فَكل وَتصدق
وَقد حثنا أَبُو أُميَّة قَالَ حَدثنَا أَبُو عَاصِم النَّبِيل قَالَ أخبرنَا الْمُغيرَة بن زِيَاد قَالَ أَخْبرنِي عبَادَة بن نسي عَن الْأسود بن ثَعْلَبَة عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ كنت أعلم نَاسا من أهل الصّفة الْقُرْآن فأهدى إِلَيّ رجل مِنْهُم قوسا على أَن أقبلها فِي سَبِيل الله
فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن أردْت أَن يطوقك الله بهَا طوقا من النَّار فاقبلها
فَإِن قيل قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حَدِيث سهل بن سعد للرجل قد زوجتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن
قيل لَهُ إِنَّمَا مَعْنَاهُ لأجل الْقُرْآن وَالْمهْر غَيره كَمَا تزوج أَبُو طَلْحَة أم سليم على إِسْلَامه
1781 - فِي نسج الْغَزل بِبَعْضِه
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ فِي رجل دفع إِلَى حائك غزلا يحوله ثوبا على النّصْف إِن هَذَا بَاطِل وَله أجر مثله وَكَذَلِكَ إِذا دفع(4/101)
إِلَيْهِ ثوبا يَبِيعهُ على أَن مَا كَانَ من ربح بَينهمَا نِصْفَانِ أَو أعطَاهُ دَارا يواجرها على أَن الْأجر نِصْفَانِ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى هَذَا كُله جَائِز وَالْأَجْر وَالرِّبْح بَينهمَا نِصْفَانِ بِمَنْزِلَة الْمُزَارعَة والمعاملة وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث
وَقَالَ اللَّيْث وَيجوز أَن يُعْطِيهِ الرمكة والدجاجة على النّصْف إِذا جعل لعلفها أَََجَلًا لِأَنَّهُ تَابع لنصف ذَلِك بِمَا شَرط من الْعلف فَإِذا انْقَضى الْأَجَل كَانَت الدَّجَاجَة والرمكة بَينهمَا نِصْفَيْنِ فَإِن قيل هلا كَانَ كالمضاربة
قيل لَهُ لِأَن الْمُضَاربَة إِنَّمَا جوزت بِجُزْء من الرِّبْح الطارىء عَلَيْهَا بِالْعَمَلِ وَلم يجز على جُزْء من رَأس المَال وَكَذَلِكَ الْمُزَارعَة والمعاملة لَا تشبهان ذَلِك لِأَنَّهَا معقودة على جُزْء من الْعين الْمَعْقُود عَلَيْهَا
1782 - فِي كِرَاء ضراب الْفَحْل
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز كِرَاء عسب الْفَحْل
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بكرَاء عسب الْفَحْل إِذا شَرط وقتا مَعْلُوما وَإِن اسْتَأْجر مِنْهُ ينزيه حَتَّى تعلق مِنْهُ فَذَلِك فَاسد لَا يجوز
وروى أَبُو الزبير عَن جَابر نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع ضراب الْفَحْل وَنَافِع عَن ابْن عمر قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ثمن عسب الْفَحْل(4/102)
وَالْأَعْمَش عَن أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ثمن الْكَلْب وعسب التيس وَأَيْضًا فَإِن ضراب الْفَحْل يَقع لنَفسِهِ لَا للْمُسْتَأْجر
1783 - فِي اسْتِئْجَار الظِّئْر والأجير بِالطَّعَامِ وَالْكِسْوَة
قَالَ أَبُو حنيفَة يجوز اسْتِئْجَار الظِّئْر بطعامها وكسوتها الْأَوْسَط وَلَا يجوز ذَلِك فِي سَائِر الْإِجَارَات
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز شَيْء من ذَلِك إِلَّا أَن يصفه كَمَا يُوصف فِي الشِّرَاء وَيكون الْإِيجَار مُؤَجّلا
وَقَالَ ابْن شبْرمَة يجوز الِاسْتِئْجَار للْأَجِير بطعامه كَمَا يسْتَأْجر الظِّئْر بذلك لرضاع الصَّبِي
وَقَالَ مَالك يجوز اسْتِئْجَار الدَّابَّة إِلَى مَوضِع بعلفها واستئجار الْغُلَام بطعامه وَيجوز أَن يكريه إِلَى مَكَّة على أَن عَلَيْهِ طَعَامه ذَاهِبًا وجائيا وَيجوز اسْتِئْجَار الْأَجِير بكسوة يصفها وبطعام فَقَط إِذا عجل الْكسْوَة وَهِي بِعَينهَا وسمى لَهَا أَََجَلًا
وَقَالَ الْحسن لَا بَأْس بِأَن يسْتَأْجر الْغُلَام بطعامه وَلَا يستأجره بكسوته
1784 - فِي أُجْرَة الْقَاسِم
قَالَ أَبُو حنيفَة وَقِيَاس قَول مَالك إِنَّه على عدد الرؤوس وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ على قدر الْأَنْصِبَاء(4/103)
1785 - فِي الِاخْتِلَاف فِي الْأجر
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْأُصُول إِذا فرغ من الْعَمَل وَاخْتلفَا فِي الْأُجْرَة فَالْقَوْل قَول الْمُسْتَأْجر
وَذكر إِبْرَاهِيم بن الْجراح عَن أبي يُوسُف أقبل قَول الْمُسْتَأْجر إِذا كَانَ متقاربا وأحلفه وَإِذا تفَاوت لم أقبل قَوْله وَكَانَ لِلْعَامِلِ أجر مثله وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن أبي ويوسف أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وللأجير أجر مثله
وَقَول شبْرمَة وَالثَّوْري كَقَوْل أبي حنيفَة
وَقَالَ مَالك القَوْل قَول الصَّانِع إِلَّا أَن يَأْتِي بِشَيْء مستنكر
1786 - فِي الْجمال يدعى عَلَيْهِ قبض الْكِرَاء
قَالَ أَصْحَابنَا القَوْل قَول إِن لم يقبض
وَقَالَ مَالك القَوْل قَول الْجمال مَا دَامَ الْمَتَاع فِي يَده وَإِن بلغ الْموضع وَسلمهُ إِلَى صَاحبه ثمَّ قَامَ بعد ذَلِك بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ أَو أَمر قريب فَالْقَوْل قَوْله وَإِن تطاول ذَلِك فَالْقَوْل قَول المستكري أَنه قد دفع مَعَ يَمِينه وَكَذَلِكَ الْخياط والصباغ إِذا سلمُوا الثِّيَاب يقر على هَذَا(4/104)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم نجد هَذَا القَوْل عَن غير مَالك
1787 - إِذا ادّعى المكاري أَنه قد حمل
قَالَ مَالك إِذا دفع إِلَى رجل كتابا أَو حمولة يحملهُ إِلَى مَوضِع ذكره لَهُ ثمَّ قَالَ قد حَملته فَأعْطِنِي الْكِرَاء فَالْقَوْل قَوْله وَله الْأجر وَلَا يصدق المستكري أَنه لم يحملهُ لِأَنَّهُ قد ائتمنه على حمله
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد غير مَالك وَقَوله إِنَّه أَمِين فَإِنَّمَا هُوَ أَمِين فِي بَرَاءَة نَفسه إِذا قَالَ قد ضَاعَ فَأَما أَن يسْتَحق بِهِ على غَيره فَلَا
1788 - فِي الصَّانِع يَدعِي أَنه قد رد الْمَصْنُوع
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْخياط والصناع وَنَحْوه إِذا ادّعى أَنه قد رد الْمَصْنُوع فَالْقَوْل قَوْله
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يصدق وَالْقَوْل قَول صَاحب الشَّيْء مَعَ يَمِينه
وَقَالَ مَالك القَوْل قَول رب الشَّيْء سَوَاء علمه بِأَجْر أَو بِغَيْر أجر
1789 - فِي الِاخْتِلَاف فِي قدر الْمسَافَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اخْتلفَا فَقَالَ أكريتني إِلَى بَغْدَاد بِعشْرَة دَرَاهِم وَقَالَ(4/105)
الآخر أكريتك إِلَى الْقصر بِعشْرَة وَلم تركب فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ ويترادان فَإِن قَامَت بَيِّنَة فَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الْمُسْتَأْجر إِلَى بَغْدَاد بِعشْرَة
وَقَالَ مَالك إِذا أنقده الْكِرَاء فَالْقَوْل قَول رب الدَّابَّة وَإِن لم ينقده قسم الْكِرَاء على الْموضع الَّذِي انْتهى إِلَيْهِ والموضع الَّذِي ادّعى رب الدَّابَّة الْكِرَاء إِلَيْهِ فَيعْطى المكاري حِصَّته إِلَى ذَلِك الْمَكَان الَّذِي بلغه
وَقَالَ الشَّافِعِي يَتَحَالَفَانِ فيترادان فَإِن كَانَ قد ركب شَيْئا فَعَلَيهِ قيمَة مَا ركب
1790 - فِي وَقت الْخدمَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتَأْجر عبدا لخدمة شهر فَإِنَّهُ يستخدمه من السحر إِلَى الْعشَاء الْآخِرَة وَإِلَى أَن ينَام كَمَا يخْدم النَّاس
وَقَالَ مَالك مَا عرف النَّاس فِي اسْتِخْدَام العبيد
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي لَا يضر بِهِ الضَّرَر الْبَين وَمَا يعرف النَّاس أَنه يُطيق المداومة عَلَيْهِ
1791 - فِيمَن شَرط الْآجر من قبل الْبناء
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتَأْجرهُ لبِنَاء حَائِط مَعْلُوم وَشرط الْآجر والجص من عِنْد الْبناء لم يجز وَقَالَ مَالك يجوز أَن يستأجره ليبني لَهُ دَارا على أَن الْآجر والجص من عِنْد الْأَجِير وَإِن لم يضْرب لَهُ أَََجَلًا
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي أَنه فَاسد(4/106)
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا يفْسد من وَجْهَيْن أَحدهمَا جهالته وَالْآخر أَنه بيع مَا لَيْسَ عِنْده
فَإِن قيل قد يسْتَأْجر الْخياط والصباغ والخيوط والصبغ من الْأَجِير
قيل لَهُ هَذَا مَخْصُوص من جملَة الْقيَاس بِالْإِجْمَاع
1792 - فِي علاج الْعين بالكحل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتَأْجر كحالا على أَن يكحل عينه كل شهر بدرهم فَهُوَ جَائِز وَكَذَلِكَ الدَّوَاء فِي كل دَاء
وَقَالَ مَالك إِذا اسْتَأْجر كحالا يكحل عينه كل شهر بدرهم فَهَذَا على الْبُرْء فَإِن برأَ فَلهُ حَقه وَإِلَّا فَلَا شَيْء وَإِذا كَانَ صَحِيح الْعين فَشرط أَن يكحله شهرا بدرهم بالإثمد جَازَ وَالْإِجَارَة فِيهِ جَائِزَة قَالَه ابْن الْقَاسِم على قِيَاس قَول مَالك
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا بَأْس أَن يشارط الطَّبِيب على الْبُرْء ويشارط فِي العَبْد على تَعْلِيمه عملا فَإِن كَانَ ذَلِك فَلهُ الْأجر الْمُسَمّى وَإِن لم يكن ذَلِك فَلهُ أجر مثله وَهُوَ قَول عبيد الله بن الْحسن
قَالَ أَبُو جَعْفَر الدَّوَاء فِي العلاج بِمَنْزِلَة الخيوط والخياط(4/107)
1793 - فِي أجر الرَّاعِي
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتَأْجرهُ شهرا لرعي الْغنم فَهُوَ جَائِز وَهُوَ أجِير خَاص لَا يَأْخُذ غنم غَيره فَإِن نقص الْغنم فَلهُ الْأجر وَإِن أَرَادَ أَن يزِيد فَلهُ أَن يزِيدهُ بِقدر مَا يُطيق وَإِن كَانَ قد سمى غنما بِأَعْيَانِهَا وَلَو لم يستأجره شهرا وَلكنه دفع إِلَيْهِ غنما فَسَماهُ على أَن يرعاها لَهُ كل شهر بدرهم فَهَذَا مُشْتَرك لَا يزِيد فِيهَا فَإِن هلك بَعْضهَا نقص من الْأجر بِحِسَابِهِ
وَقَالَ مَالك فِيمَن بَاعَ سلْعَة بِثمن على أَن ينجز لَهُ فِي ثمنهَا سنة وَشرط أَنه إِن تلف المَال أخلفه البَائِع حَتَّى يتم علمه سنة فَهَذَا جَائِز وَإِن لم يشْتَرط إخلافه لم يجز
كَذَلِك إِذا اسْتَأْجرهُ يرْعَى لَهُ غنمه هَذِه بِأَعْيَانِهَا سنة فَإِن لم يشْتَرط فِيهَا أَن مَا مَاتَ مِنْهَا فعلى رب الْغنم أَن يخلفه فَلَا خير فِي هَذِه الْإِجَارَة فَإِن شَرط أَن يخلفها ثمَّ لم يخلفها اسْتحق الْأجر بِمُضِيِّ السّنة فَإِذا انْفَسَخت الْإِجَارَة بِمَوْت الْغنم لم يجز وَإِن لم يَنْفَسِخ جَازَ هَذَا أَصله
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا اسْتَأْجر الرَّاعِي يرْعَى غنما فَلَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذ من غَيره إِلَّا بِإِذْنِهِ وَله أجر مَا رعى للنَّاس قبل أَن يمنعهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهُوَ قَول سَاقِط لِأَنَّهُ لم يشْتَرط مُدَّة للإجارة فَلَو جَازَت الْإِجَارَة كَانَ أَجِيرا مُشْتَركا
1794 - إِذا ادّعى الْمُسْتَأْجر ارْتِفَاع التَّسْلِيم
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري إِذا جَاءَ بِالْعَبدِ الْمُسْتَأْجر للْخدمَة فَقَالَ أبق حِين أَخَذته أَو مرض فَإِن كَانَ مَرِيضا أَو آبقا فَالْقَوْل قَول الْمُسْتَأْجر وَإِن كَانَ فِي يَده صَحِيحا فَالْقَوْل قَول المؤاجر(4/108)
وَقَالَ مَالك إِذا اسْتَأْجر فسطاطا ذَاهِبًا أَو جائيا فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ قد ضَاعَت فِي الْبَريَّة فَالْقَوْل قَول الْمُسْتَأْجر فِي الضّيَاع وَيلْزمهُ الْكِرَاء كُله
1795 - فِي الصَّبِي الْمُسْتَأْجر يبلغ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أجر الْوَصِيّ الْيَتِيم فَبلغ فِي مُدَّة الْإِجَارَة كَانَ لَهُ فَسخهَا وَلَو أجر دَاره أَو عَبده ثمَّ بلغ لم يكن لَهُ فَسخهَا
وَقَالَ مَالك إِن أجر الْوَصِيّ دَاره فِي مُدَّة يظنّ أَن الصَّبِي لَا يبلغ فِي مثلهَا لم يكن لَهُ أَن يرد مَا صنع وَإِن علم أَن الصَّبِي يَحْتَلِم قبل ذَلِك لم يجز ذَلِك عَلَيْهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي العَبْد الْمُسْتَأْجر للْخدمَة إِذا أعْتقهُ المؤاجر جَازَ عتقه ومضي على الْإِجَارَة وَيرجع بهَا على السَّيِّد
فَإِذا كَانَ هَذَا مذْهبه فِي العَبْد فَفِي الْوَصِيّ أَحْرَى أَن لَا يفْسخ ببلوغ الصَّبِي
1796 - فِي اسْتِئْجَار الدَّابَّة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتَأْجر دَابَّة من الْبَصْرَة إِلَى الْكُوفَة فَلهُ أَن يذهب بهَا إِلَى أَي نَوَاحِيهَا شَاءَ وَإِن اسْتَأْجر دَابَّة إِلَى الرّيّ كَانَت الْإِجَارَة فَاسِدَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا اكترى إِلَى الرّيّ فَهُوَ إِلَى مدينتها وَإِذا اكتراها إِلَى الشَّام أَو إِلَى خُرَاسَان فالكراء فَاسد(4/109)
قَالَ مَالك لَا يجوز الْكِرَاء إِلَى الشَّام وَإِن اكترى إِلَى فلسطين نظر إِلَى معارف النَّاس فَإِن كَانَ عِنْدهم إِلَى الرملة فَهُوَ إِلَى الرملة وَإِذا اكترى إِلَى مصر فَهُوَ إِلَى الْفسْطَاط
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا اكترى إِلَى الْكُوفَة فَإِنَّهُ يبلغهُ أَهله وَإِن كَانَ فِي أقْصَى الْكُوفَة
وَعند الشَّافِعِي الْمُتَعَارف
1797 - الِاخْتِلَاف فِي مِقْدَار العصفر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اخْتلفَا فِي مِقْدَار العصفر الَّذِي أمره أَن يصْبغ بِهِ فَالْقَوْل قَول رب الثَّوْب
وَقَالَ مَالك القَوْل قَول الصّباغ إِذا كَانَ مَا فِي العصفر من الثَّوْب يشبه أَن يكون كَمَا قَالَ الصّباغ لِأَنَّهُ قد ائتمنه على ذَلِك
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي أَن يكون القَوْل قَول رب الثَّوْب
1798 - فِي الظِّئْر لَهَا زوج
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أذن لَهَا الزَّوْج فِي أَن تؤاجر نَفسهَا ظِئْرًا فلأهل الصَّبِي أَن يمنعوه فِي وَطئهَا فِي منزلهم وَلَيْسَ لَهُم أَن يمنعوه من وَطئهَا فِي منزله
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَت الْإِجَارَة بِإِذن زَوجهَا لم يكن للزَّوْج أَن يَطَأهَا(4/110)
فِي الظِّئْر تُرِيدُ فسخ الْإِجَارَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا لم تعرف بِمثل ذَلِك فلهَا أَن لَا ترْضع وَإِن كَانَت تعرف بِهِ فَهُوَ جَائِز عَلَيْهَا وَلَيْسَ لَهَا أَن تتْرك إِلَّا من عذر
وَقَالَ مَالك لَيْسَ لَهَا أَن تفسخ الْإِجَارَة وَإِن كَانَت شريفة غير مَعْرُوفَة بذلك
1800 - إِذا مَاتَ أَبُو الرَّضِيع
قَالَ أَصْحَابنَا إذااستأجر ظِئْرًا لِابْنِهِ ثمَّ مَاتَ الْأَب لم تنْتَقض الْإِجَارَة وَالشَّافِعِيّ يَقُول بِهِ
وَقَالَ ابْن شبْرمَة لإخوة الصَّبِي أَن يقبضوه مِنْهَا
1801 - فِي الْإِجَارَة بِمَا فِي الذِّمَّة
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز إِلَّا على مَا يجوز مثله فِي البيع وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ مَالك يجوز أَن يكون الْأجر عبدا مُؤَجّلا وثيابا مُؤَجّلَة كَالْبيع وَلَا يجوز إِذا لم يشْتَرط الْأَجَل فِيهِ
وَعند الشَّافِعِي إِذا كَانَت الْمَنَافِع مَضْمُونَة فسبيل إبدالها أَن يكون حَالَة كالسلم
1802 - فِي اسْتِئْجَار الشَّرِيك
قَالَ أَصْحَابنَا فِي طَعَام بَين رجلَيْنِ اسْتَأْجر أَحدهمَا صَاحبه على حمل(4/111)
يُصِيبهُ مِنْهُ غير مقسوم أَو على طحنه لم يجز ذَلِك وَإِن فعل فَلَا أجر لَهُ وَكَذَلِكَ لَو اسْتَأْجر نصف دَابَّة بَينهمَا تحمل شَيْئا لَهُ لم يجز
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ غزل بَين رجلَيْنِ اسْتَأْجر أَحدهمَا صَاحبه على أَن ينسجه بِدَرَاهِم مُسَمَّاة لم يجز لِأَن النسج إِذا لزمَه لَا يقدر أَن يَبِيع نصِيبه من الْغَزل وَلَو كَانَ بَينهمَا غنم اسْتَأْجرهُ على أَن يرعاها بِنصْف أجرهَا جَازَ إِذا كَانَ إِن مَاتَت الْغنم أخلف لَهُ مثل حِصَّته وَإِن كَانَ بَينهمَا حِنْطَة فاستأجره على أَن يطحنها كلهَا لم يجز وَإِن شَرط طحن حِصَّته جَازَ
وَقِيَاس مَذْهَب اللَّيْث أَن الْإِجَارَة فَاسِدَة إِذا شَرط الْعَمَل فِي النَّصِيبَيْنِ وللعامل أجر مثله
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا اسْتَأْجرهُ لحمل شَيْء بَينهمَا قد وَقعت الْإِجَارَة على حمل نصِيبه على أَن يحمل مَعَه نصيب الْأَجِير فقد اشْترط شرطا يفْسد الْإِجَارَة لِأَنَّهُ لَا يقدر على حمل مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ إِلَّا بِحمْل مَا لم يدْخل فِي الْإِجَارَة وَلَيْسَ كَذَلِك إِجَارَة نصف الْبَيْت على قَوْلهمَا لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يسْتَحق الْأجر فِيهِ بِالتَّسْلِيمِ لَا غير وَقد يَصح تَسْلِيم النّصْف مشَاعا
1803 - فِي التَّصَرُّف فِي الْأُجْرَة ثمَّ تنْتَقض الْإِجَارَة
قَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء فِي رجل اسْتَأْجر رجلا بِدَرَاهِم حَالَة فَأعْطَاهُ بهَا دَنَانِير أَو عرضا ثمَّ انتقضت الْإِجَارَة رد الْأجر نَفسه دون الْمَقْبُوض وَالشَّافِعِيّ يَقُول بِهَذَا
وَقَالَ مَالك إِذا أَخذ عَن الدَّنَانِير دَرَاهِم رد الدَّرَاهِم وَإِذا أَخذ عرضا رد الدَّنَانِير ذكر ذَلِك فِي البيع وَالْإِجَارَة مثله(4/112)
1804 - فِي الْبِئْر تتهور
إِذا اسْتَأْجرهُ ليحفر لَهُ بِئْرا فِي دَاره فحفرها ثمَّ انهارت قبل أَن يفرغ مِنْهَا فَلهُ من الْأجر بِحِسَابِهِ وَكَذَلِكَ لَو كَانَت فِي فنائه وَلَو كَانَت فِي الْجَبانَة فحفرها فانهارت فَلَا أجر لَهُ حَتَّى يُسَلِّمهَا إِلَى صَاحبهَا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا اسْتَأْجرهُ يحْفر لَهُ بِئْرا فحفرها فانهدمت فَإِن كَانَ بعد فَرَاغه مِنْهَا فَلهُ الْأجر وَإِن انْهَدَمت قبل الْفَرَاغ فَلَا أجر لَهُ
وَذكر ابْن الْقَاسِم عَنهُ أَيْضا أَنه إِذا اسْتَأْجرهُ يحْفر لَهُ بِئْرا صفتهَا كَذَا فحفر نصفهَا فانهدمت فَلهُ من الْأجر بِقدر مَا عمل إِلَّا أَن يكون ذَلِك من وَجه الْجعل وَهُوَ أَن يَجْعَل لَهُ جعلا على أَن يحْفر لَهُ بِئْرا بِعشْرين درهما فَإِن حفرهَا فانهدمت قبل أَن يُسَلِّمهَا إِلَى صَاحبهَا فَلَا شَيْء لَهُ
فَذَلِك اخْتِلَاف رِوَايَتَيْنِ وَلم يذكر فِيهَا فرقا بَين حفرهَا فِي ملكه أَو غير ملكه
1805 - إِذا لم يسم مَا يحمل على الدَّابَّة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اخْتَصمَا قبل أَن يحمل انتقضت الْإِجَارَة فَإِن حمل عَلَيْهَا كَمَا يحمل النَّاس فَعَطب فَلَا ضَمَان وَإِن سلم فَلهُ الْأجر الْمُسَمّى
وَقَالَ زفر لَهُ أجر الْمثل وَهُوَ الْقيَاس وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ(4/113)
1806 - فِي بيع الْمُسْتَأْجر
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز بَيْعه إِلَّا أَن يكون عَلَيْهِ دين فحبس بِهِ فَبَاعَهَا فِي دينه فَهَذَا عذر وَالْبيع جَائِز
وَحكى ابْن أبي عمرَان عَن أبي يُوسُف فِي إمْلَائِهِ أَن المُشْتَرِي إِن علم أَنه مُسْتَأْجر فَالْبيع جَائِز وينتظر انْقِضَاء الْإِجَارَة بِمَنْزِلَة من اشْترى سلْعَة وَعلم بهَا عَيْبا وَإِن لم يعلم أَنه مُسْتَأْجر فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ فسخ البيع وَإِن شَاءَ رَضِي
وَلَا يخْتَلف قَوْله فِي الْوَارِث إِذا بَاعَ الدَّار الْمُوصى لرجل بسكناها إِن ذَلِك لَا يجوز إِلَّا أَن يُخبرهُ الْمُوصى لَهُ بِالسُّكْنَى وَهُوَ قَول اللَّيْث فِي الْإِجَارَة
وَقَالَ ابْن شبْرمَة يقطع البيع الْإِجَارَة
وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز البيع
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا يجوز إِلَّا من عذر وَكَذَلِكَ سَائِر الْأَعْذَار لَهُ أَن يفْسخ بهَا نَحْو أَن يسْتَأْجر غُلَاما لعمل فيبدو لَهُ فِي ذَلِك الْعَمَل ويتحول عَنهُ وَمثل أَن يُرِيد الْمولى أَن يُسَافر بالغلام
وَقد قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أجَاز الْمُسْتَأْجر البيع انتقضت الْإِجَارَة
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي إِن أجَاز الْمُسْتَأْجر البيع فللمشترى الْملك وَلِهَذَا الْخدمَة وَإِن شَاءَ ردا البيع
وَقَالَ فِيهِ قَول ثَان إِن البيع منتقض لِأَنَّهُ يحول بَينه وَبَينه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَن المؤاجر لَو أَرَادَ فسخ الْإِجَارَة من غير بيع لم يكن لَهُ ذَلِك فَلَا يجوز لَهُ فَسخهَا بِالْبيعِ أَيْضا(4/114)
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَت لمُدَّة قريبَة فَلَيْسَ للْمُسْتَأْجر فسخ البيع وَإِذا كَانَت بعيدَة فَلهُ فَسخه
وَهَذَا فَاسد لِأَن قَلِيل الْمدَّة وبعيدها لَا يخْتَلف فِيهَا حق الْمُسْتَأْجر
وَقَالَ مَالك فِي بعيد الْمدَّة إِن البيع بَاطِل وَكَانَ الأولى بِهِ أَن يقفه لِأَنَّهُ يرى البيع الْمَوْقُوف
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يجوز أيستوفي الْمَنَافِع فِي ملك المُشْتَرِي إِذا أجَاز الْمُسْتَأْجر البيع لِأَن البَائِع عقد على مَنَافِع طارئة على ملكه فِي المستأنف غير مَمْلُوكَة بِالْعقدِ بِدلَالَة أَن هَلَاك العَبْد بعد الْإِجَارَة يبطل العقد فَيصير حِينَئِذٍ الْمَنَافِع كَأَنَّهَا مُسْتَثْنَاة على المُشْتَرِي فِي ملكه وَذَلِكَ يمْنَع جَوَاز البيع وَلَيْسَ كالأمة الْمُزَوجَة إِذا بِيعَتْ لِأَن الْبضْع بِمَنْزِلَة الْمَمْلُوك بِالْعقدِ بِدلَالَة أَن هلاكها بعد العقد لَا يبطل الْمهْر وَأَن كَونهَا مُزَوّجَة لَا يمْنَع جَوَاز عقد البيع عَلَيْهَا بِغَيْر إِذن الزَّوْج
1807 - فِي الْأُجْرَة لَهَا حمل ومؤونة
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْإِجَارَة إِذا لم يكن لَهُ حمل ومؤونة أوفاها حَيْثُ مَا أَخذه وَإِن كَانَ لَهُ حمل ومؤونة لم يجز فِي قَول أبي حنيفَة حَتَّى يشْتَرط الْموضع الَّذِي يوفيها فِيهِ
وَفِي قَوْلهمَا يَدْفَعهُ عِنْد الأَرْض وَالدَّار
وَفِي الحمولة مَا وَجب فِي الْعَمَل بِيَدِهِ حَيْثُ يُوفيه الْعَمَل
وَقَالَ مَالك إِذا اكترى إبِلا إِلَى مَكَّة بِطَعَام مَضْمُون وَلم يذكر مَوضِع الْإِيفَاء وَلَا ضرب لَهُ أَََجَلًا فَهُوَ فَاسد إِذا لم يكن للنَّاس عَادَة يحملون عَلَيْهَا(4/115)
1808 - فِي مُسْتَأْجر الدَّابَّة إِذا حمل عَلَيْهَا غَيره
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتَأْجر دَابَّة بِعَينهَا ليرْكبَهَا فَحمل عَلَيْهَا غَيره ضمن وَالْأَجْر عَلَيْهِ وَهُوَ قَول ابْن شبْرمَة وَالْحسن بن حَيّ فِي انه لَا يركبهَا غَيره
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا أَنه لَا يفعل وَالْأُخْرَى إِذا كَانَ مثله أَو دونه فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ ذكر الرّبيع عَن الشَّافِعِي أَنه اعْتبر الجثة وَقَالَ فِي العنف إِن لم يكن كركوب النَّاس ضمن وَإِن كَانَ كركوب النَّاس لم يضمن
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَن اسْتَأْجر دَابَّة ليحمل عَلَيْهَا حِنْطَة مَعْلُومَة الْمِقْدَار فَحمل عَلَيْهَا شَعِيرًا بمقدارها أَنه لَا يضمن وَلَو حمل عَلَيْهَا حديدا ضمن كَذَلِك الرِّجَال متفاوتون فِي الْحمل على الدَّابَّة وَلَا يضْبط الْمُسَاوَاة فِيمَا بَينهم
1809 - فِي الْمُسْتَأْجر يجوز بالدابة الْموضع الْمَشْرُوط ثمَّ يردهَا
قَالَ فِي الأَصْل فِي الرجل يسْتَأْجر دَابَّة ليرْكبَهَا إِلَى الْحيرَة فجاوز بهَا الْقَادِسِيَّة ثمَّ ردهَا إِلَى الْحيرَة فعطبت فَهُوَ ضَامِن فِي قَوْله الثَّانِي الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْعَارِية
وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد إِذا اسْتَأْجر دَابَّة أَيَّامًا مَعْلُومَة يركبهَا فِي(4/116)
الْمصر فَخرج عَلَيْهَا من الْمصر ثمَّ ردهَا فِي تِلْكَ الْأَيَّام إِلَى الْمصر فعطبت لم يضمن كَالْوَدِيعَةِ
وَذكر بشر عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة إِذا اسْتَأْجر دَابَّة بِأَجْر مَعْلُوم إِلَى مَوضِع مَعْلُوم فجاوز ذَلِك الْموضع ثمَّ ردهَا فَمَاتَتْ فِي الْموضع الَّذِي سمي فَهُوَ ضَامِن وَعَلِيهِ الْكِرَاء فِي الْبدَاءَة إِلَى الْموضع الَّذِي سمي وَيبْطل الْكِرَاء عَنهُ فِيمَا بعد الْخلاف
وَذكر الْحسن بن أبي مَالك عَن أبي يُوسُف فِي رجل اسْتَأْجر دَابَّة من بَغْدَاد إِلَى الْكُوفَة فَجَاز بهَا إِلَى الْقَادِسِيَّة فَصَارَ ضَامِنا غَاصبا ثمَّ أمْسكهَا فَتلفت فِي يَده أَنه بَرِيء من ضَمَانهَا وَلَو اسْتَأْجرهَا ذَاهِبًا وجائيا فَجَاز ثمَّ رَجَعَ لم يبرأ من الضَّمَان لِأَن من اسْتَأْجرهَا ذَاهِبًا وجائيا عَلَيْهِ ردهَا إِلَى صَاحبهَا وَالَّذِي يسْتَأْجر إِلَى الْكُوفَة على المؤاجر أَن يبْعَث مَعَه من يقبضهَا مِنْهُ فَلَمَّا لم يفعل كَانَ الْمُسْتَأْجر ممسكا لَهَا لصَاحِبهَا فبرىء بإمساكه لَهَا
وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد عَن زفر إِذا اسْتَأْجرهَا من الْكُوفَة إِلَى الْقَادِسِيَّة ذَاهِبًا وجائيا فَجَاز الْقَادِسِيَّة ثمَّ ركبهَا رَاجعا إِلَى الْكُوفَة فَعَلَيهِ الْأجر ذَاهِبًا وجائيا وَإِن أَصَابَهَا شَيْء من حِين جَاوز الْقَادِسِيَّة ضمن وَإِن سلمت إِلَى أَن رَجَعَ إِلَى الْقَادِسِيَّة ثمَّ أَصَابَهَا شَيْء إِلَى الْكُوفَة فَلَا ضَمَان
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا جَاوز الْقَادِسِيَّة فَهُوَ ضَامِن حَتَّى يردهَا إِلَى صَاحبهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ كِرَاء فِي رُجُوعه وَعَلِيهِ نصف الْكِرَاء فِي الذّهاب(4/117)
قَالَ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة هَذَا رِوَايَة الْحسن بن زِيَاد
وَقَالَ مَالك فِي الْعَارِية إِذا تعدى عَلَيْهَا إِلَى مَوضِع قريب أَو بعيد فعطبت ضمن وَإِن تعدى فَردهَا وَكَانَ بقرية قريبَة الأميال ونحتوها فَلَا عَلَيْهِ شَيْء إِذا سلمت وَعَلِيهِ كِرَاء مَا تعدى فِيهِ فَإِن كَانَ تعدى بَعيدا كَانَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ دَابَّته وكراء مَا تعدى وَإِن شَاءَ أَخذ قيمتهَا يَوْم تعدى
وَقَالَ الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ إِذا تعدى فجاوز الْموضع ضمن وَلَا يبرأ إِلَّا بردهَا إِلَى صَاحبهَا
وَقَالَ أَصْحَابنَا فِي الْوَدِيعَة إِذا تعدى ثمَّ نزل عَنْهَا برىء
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يبرأ
1810 - فِي الْإِقَالَة فِي الْإِجَارَة على زِيَادَة الْأجر
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْإِقَالَة قبل الْقَبْض فسخ عِنْد أَصْحَابنَا وَبعد الْقَبْض عِنْد أبي حنيفَة كَذَلِك فَلَا تصح إِلَّا على الثّمن الأول فَأَما الْإِجَارَة فَإِنَّهُ يَصح فِيهَا الْفَسْخ وَلَا يَصح فِيهَا عقد إِجَارَة بَينه وَبَين المؤاجر
قَالَ ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد لَا يجوز للْمُسْتَأْجر أَن يُؤَاجر مَا اسْتَأْجرهُ من المؤاجر بعد الْقَبْض وَلَا قبله لِأَنَّهُ لَو جَازَ كَانَ على كل وَاحِد تَسْلِيم مَنَافِع غَيره وَأَخذه فِي وَقت وَاحِد إِلَى صَاحبه فَيبْطل
وَقَالَ مَالك إِذا أنقده الْكِرَاء فَإِنَّهُ تجوز إقالته بِزِيَادَة على رَأس المَال مَا لم يبرحا فَإِن تفَرقا جَازَت الزِّيَادَة من الْمُسْتَأْجر وَلَا تجوز من المؤاجر(4/118)
1811 - فِي جِنَايَة الْأَجِير الْمُشْتَرك
قَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ ضَامِن لما جنت يَدَاهُ وَإِن لم يُخَالف والتبزيغ والحجامة إِذا حدث عَنْهَا الْمَوْت لم يضمن وَهُوَ قَول ابْن شبْرمَة وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ زفر لَا يضمن مَا جنت يَدَاهُ إِلَّا أَن يُخَالف
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَابْن أبي ليلى يضمن مَا هلك عِنْده من جِنَايَته
1812 - فِي هَلَاك الدَّابَّة الْمُسْتَأْجرَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اكترى دَابَّة بِغَيْر عينهَا يحملهُ إِلَى حلوان فضعفت عَن حمله فِي الطَّرِيق فَعَلَيهِ أَن يبدلها وَإِن كَانَ اكتراها بِعَينهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يبدلها وَهُوَ قَول البتي وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ فِي مَوضِع لَا يقدر فِيهِ على الْكِرَاء فَإِنَّهُ يتَحَوَّل على دَابَّة مَكَانهَا إِن رَضِي الْكِرَاء وَإِن كَانَ الْكِرَاء فِيهِ مَوْجُودا لَا يتَحَوَّل إِلَى غَيرهَا(4/119)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَأَجَازَ عُثْمَان البتي إِجَارَة مسكن لَا بِعَيْنِه وَهَذَا لم نجده عَن أحد من أهل الْعلم
1813 - فِي إِجَارَة الْحلِيّ
لم يكرههُ أحد من الْفُقَهَاء إِلَّا مَالك فَإِنَّهُ كرهه وَلَا يحرمه
1814 - فِي إِجَارَة الدَّرَاهِم
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز إِلَّا أَن يُقَال أستأجره لأزن بِهِ ويوقت
وَقَالَ مَالك لَا يجوز إِجَارَة الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير والفلوس وَيكون قرضا
1815 - فِي أُجْرَة الْأَرْضين
قَالَ أَصْحَابنَا تجوز إِجَارَة الْأَرْضين المزروعة بِمَا تجوز بِهِ سَائِر الْإِجَارَات وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَكره مَالك أَن يستأجرها بثمر أَو حِنْطَة مِمَّا تخرج مِنْهَا أَو من غَيرهَا وَيجوز أَن يكتريها
قَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا تكرى الأَرْض بِشَيْء مِمَّا تنْبت الأَرْض وَإِن كَانَ لَا يُؤْكَل(4/120)
وَقَالَ مَالك وَلَا يجوز استئجارها بالسمن وَالْعَسَل والجبن وَاللَّبن كَمَا لَا يجوز بالقمح لِأَنَّهُ يصير كالقمح بالسمن وَالْعَسَل إِلَى أجل قَالَ وَلَا تكرى بالملح وَلَا بالكتان
قَالَ أَبُو جَعْفَر مَا يخرج من الأَرْض لَيْسَ بِبَدَل عَن الْأُجْرَة فَيعْتَبر فِيهِ مَا ذكره مَالك فَيجوز بيع اللأرض بِهَذِهِ الْأَشْيَاء
1816 - فِي الْإِجَارَة على عمل مَا لَيْسَ عِنْده
قَالَ فِي الأَصْل إِذا اسْتَأْجرهُ على أَن يقصر لَهُ عشرَة أَثوَاب بدرهم وَلم يره الثِّيَاب وَلم يكن عِنْده فَهَذَا فَاسد وَلَو سمى لَهُ جِنْسا من الثِّيَاب لم تجز مَا لم يرهَا إِيَّاه
وَقَالَ ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد إِذا اسْتَأْجرهُ بِعشْرَة دَرَاهِم على أَن يحلج لَهُ قطنا مَعْلُوما وَسَماهُ مرويا أَو حشنا فَهَذَا جَائِز إِذا كَانَ الْقطن عِنْده وَلَا يجوز استئجاره على عمل مَا لَيْسَ عِنْده كَمَا لَا يجوز بيع مَا لَيْسَ عِنْده وَلَو قَالَ تقصر لي مائَة ثوب مَرْوِيّ بِكَذَا جَازَ إِذا كَانَت الثِّيَاب عِنْده وَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذا رأى الثِّيَاب وَلَا يشبه الْقطن لِأَن قصارة الثِّيَاب تخْتَلف على حسب دقتها ورقتها وَكَانَ لَهُ الْخِيَار والقطن لَا يخْتَلف فِيهِ النَّوْع الْوَاحِد مِنْهُ
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بِأَن يشارط الخباز أَن يخبز لَهُ شَيْئا مُسَمّى إِلَّا أَنه يَأْتِيهِ الْيَوْم بِمد وَغدا بِصَاع وَهُوَ قَول اللَّيْث
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْعَمَل الْحَاصِل فِي الثَّوْب بِمَنْزِلَة الْمَبِيع أَلا ترى أَن للصانع حَبسه بِالْأُجْرَةِ كحبس الْمَبِيع فَلم يجز الِاسْتِئْجَار عَلَيْهِ إِلَّا وَهُوَ عِنْد(4/121)
مستأجره لِأَن صِحَة الْعَمَل فِيهِ مضمنة بِمَا يَقع فِيهِ الْعَمَل وَلَيْسَ كَذَلِك الْأَجِير الْحَاضِر لِأَنَّهُ يسْتَحق الْأجر بِتَسْلِيم نَفسه لَا بِعَمَل وَاقع فِي عين
1817 - فِي الْمُسْتَأْجر يتَعَدَّى فِي المركوب أَو الدَّار
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتَأْجر دَابَّة إِلَى مَوضِع فجاوز بهَا ذَلِك الْموضع أَو كَانَ سُكْنى دَار شهرا فسكنها شَهْرَيْن فَعَلَيهِ الْأجر الْمُسَمّى وَلَا أجر عَلَيْهِ فِيمَا تعدى فِيهِ وَبِه يَقُول الثَّوْريّ
وَقَالَ ابْن شبْرمَة وَاللَّيْث عَلَيْهِ الْكِرَاء الْمُسَمّى والكراء إِلَى حَيْثُ شَاءَ بِحَسب مَا اكترى سَوَاء عطبت أَو سلمت إِلَّا أَنَّهَا إِذا عطبت ضمنهَا أَيْضا
وَقَالَ مَالك إِن تعدى الْميل والميلين فَلَا قيمَة عَلَيْهِ وَعَلِيهِ الْكِرَاء إِذا ردهَا على حَالهَا وَإِن اسْتَأْجر ثوبا شهرا فحبسه فَعَلَيهِ الْكِرَاء بِقدر مَا حَبسه بِغَيْر لبس وَلَا يكون عَلَيْهِ مثل أجر من لبس
قَالَ مَالك وَإِن غصب حرا فاستخدمه فَعَلَيهِ الْكِرَاء
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا تعدى بالدابة إِلَى مَوضِع آخر فَعَلَيهِ الْأجر الْمُسَمّى وَعَلِيهِ أجر الْمثل فِيمَا تعدى فِيهِ
قَالَ وَلَا يخْتَلف عَنهُ فِيمَن غصب حرا فَاسْتَعْملهُ فِي عمل أَنه لَا أجر عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَفرق بَين الْحر وَالْعَبْد
1818 - فِي غصب الْغَاصِب هَل يسْقط الْأجر عَن الْمُسْتَأْجر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا غصب الدَّار الْمُسْتَأْجرَة غَاصِب حَتَّى انْقَضتْ الأجارة(4/122)
فَلَا أجر على الْمُسْتَأْجر وَهُوَ قَول البتي وَالْحسن بن حَيّ وَعبيد الله بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك إِن غصبه سُلْطَان لَا ينتصف مِنْهُ فَلَا أجر عَلَيْهِ وَإِن غصبه غير سُلْطَان فَعَلَيهِ الْكِرَاء
قَالَ أَبُو جَعْفَر على المؤاجر إدامة تَسْلِيمهَا إِلَى الْمُسْتَأْجر وَلَا يُبرئهُ التَّسْلِيم الأول من ذَلِك بِدلَالَة السُّلْطَان إِذا غصب فَوَجَبَ أَن يكون غير السُّلْطَان مثله كَالْبيع إِذا غصبه غَاصِب من يَد البَائِع لَا يخْتَلف حكمه أَن يكون سُلْطَانا وَغَيره فِي أَن المُشْتَرِي لَا يلْزمه الثّمن
1819 - فِي الْإِجَارَة بالمنافع
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز سُكْنى دَار بسكنى دَار وَكَذَلِكَ سَائِر الْمَنَافِع لَا يجوز بجنسها
وَقَالَ مَالك لابأس بسكنى دَار بسكنى أُخْرَى
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف فِي جَوَاز بيع دَار بدار كجوازه بِغَيْر الدّور إِلَّا أَن ذَلِك أَعْيَان وللمنافع أصل آخر فِي امْتنَاع جَوَاز الْجِنْس بِالْجِنْسِ مِنْهُ
وَهُوَ مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من النَّهْي عَن الشّغَار وَهُوَ قَول مَالك بضع ببضع والأبضاع مَنَافِع فالعقود عَلَيْهَا كعقود الْإِجَارَات على الْمَنَافِع(4/123)
1820 - فِي منع التَّسْلِيم فِي بعض الْمدَّة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتَأْجر دَارا مُسَمَّاة فَمَنعه إِيَّاهَا شهرا أَو أَكثر ثمَّ أَرَادَ أَن يسلم إِلَيْهِ فِي بَقِيَّة الْمدَّة فَلَيْسَ للْمُسْتَأْجر أَن يمْتَنع إِلَّا من عذر وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ الثَّوْريّ للْمُسْتَأْجر الْخِيَار إِن شَاءَ أَخذهَا فِي بَقِيَّة الْمدَّة وَإِن شَاءَ ترك الْإِجَارَة
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لم يسْتَحق عَلَيْهِ تَسْلِيمهَا إِلَّا حَالا فحالا وَقد وجد فِيمَا بَقِي من الْمدَّة كَذَلِك فَلَيْسَ لَهُ أَن يمْتَنع وَلَيْسَ ذَلِك مثل أَن يسْتَأْجر دارين فتغرف إِحْدَاهمَا فَيكون لَهُ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذهَا فِي بَقِيَّة الْمدَّة وَإِن شَاءَ ترك الْإِجَارَة وَلَيْسَ ذَلِك مثل الأولى لِأَنَّهُ قد يسْتَحق تَسْلِيمهَا مَعًا كالمبيعين فِي صَفْقَة وَاحِدَة
1821 - فِي إجَازَة الْمشَاع
قَالَ أَوب حنيفَة لَا تجوز إِجَارَة الْمشَاع إِلَّا من شَرِيكه وَهُوَ قَول زفر
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ تجوز إجَازَة الْمشَاع
قَالَ وَذكر عَمْرو بن خَالِد فِي اخْتِلَاف زفر وَأبي يُوسُف الَّذِي رَوَاهُ مَا يُوجب أَن لَا يتجوز إِجَارَة الْمشَاع من الشَّرِيك فِي قَول أبي حنيفَة وَزفر(4/124)
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْمشَاع لَا يُمكن الِانْتِفَاع بِهِ إِلَّا بالمهايأة فَيصير كالمشروط فِي عقد الْإِجَارَة أَن يكون فِي يَد الْمُسْتَأْجر يَوْمًا وَفِي يَد آخر يَوْمًا وَلَا يسْتَحق الْمُسْتَأْجر بالمهايأة الْبدَاءَة على الآخر فَيصير وَقت السُّكْنَى مَجْهُولا ففسد
وَإِذا كَانَ ملكا لنَفسِهِ فَذَلِك غير مَوْجُود فَيجوز
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى الَّتِي لَا تجيز إِجَارَتهَا من الشَّرِيك ذهب فِيهَا إِلَى أَنه يجوز أَن يَبِيع الْمُسْتَأْجر نصِيبه من الدَّار فَتحصل الْإِجَارَة فِي مشَاع فَيحْتَاج فِيهِ إِلَى الْمُهَايَأَة فتفسد
وَقَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز رهن الْمشَاع من الشَّرِيك وَلَا من غَيره
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقد قَالَ أَبُو حنيفَة فِي دَار بَين رجلَيْنِ أجراها من رجل ثمَّ نَاقض الْمُسْتَأْجر أَحدهمَا الْإِجَارَة فِي نصِيبه لم يبطل فِي نصيب الآخر وَكَذَلِكَ إِذا مَاتَ أَحدهمَا
وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة وَزفر أَن الْإِجَارَة تنْتَقض
1822 - فِي اسْتِئْجَار الطَّرِيق
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا اسْتَأْجر طَرِيقا ليمر فِيهِ من دَار المؤاجر إِلَى دَار الْمُسْتَأْجر لم يجز ذَلِك وَهُوَ قَول أبي يُوسُف
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم على مَذْهَب مَالك يَنْبَغِي أَن يجوز(4/125)
قَالَ أَبُو جَعْفَر اسْتِئْجَار الطَّرِيق لَا يقطع حق المؤاجر من التطرق فِي الْموضع فَصَارَ كاستئجار الْمشَاع فَلَا يجوز على قَول أبي حنيفَة
وَقِيَاس قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد أَن يجوز لإجارتهما إِجَارَة الْمشَاع ثمَّ لَا يَخْلُو ذَلِك الطَّرِيق من أَن يَنْقَسِم أَو لَا يَنْقَسِم فَإِن انقسم فَهُوَ لَا يدْرِي أَي الْجَانِبَيْنِ يَقع لَهُ أَو مِمَّا لَا يَنْقَسِم فَيكون فِي يَد كل وَاحِد مِنْهُمَا يَوْمًا فَيفْسد لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أَي يَوْم يبتدىء فِيهِ التَّسْلِيم
فَإِن قيل هَذَا اشْترى نصف دارة شَائِعا للشَّرِيك فِيهَا حق الْقيمَة وكل وَاحِد لَا يدْرِي أَي جَانب يصير لَهُ بِالْقِسْمَةِ وَلم يفْسد البيع فِي أجل ذَلِك
قيل لَهُ الْفرق بَينهمَا أَن البيع يُوجب لَهُ الْملك الْمَبِيع مشَاعا فيستلمه على الْهَيْئَة الَّتِي ابتاعها ثمَّ تقع الْقِسْمَة فِي ملكه لَا يُجِيز البيع لِأَن الْقِسْمَة لَا تصير من حُقُوق البيع وَلَيْسَ كَذَلِك الْإِجَارَة لِأَنَّهُ لَا يملك الْمَنَافِع فِي الْحَال وَإِنَّمَا ملكهَا حَالا فحالا فَلَو جَازَت الْإِجَارَة كَانَت الْقِسْمَة وَاقعَة فِي تِلْكَ الْمَنَافِع على ملك المؤاجر وَيكون مُسلما لَهَا فِي المستأنف إِلَى الْمُسْتَأْجر فَتكون الْإِجَارَة وَاقعَة على مَنَافِع مشاعة فِي وَقت الْإِجَارَة ومقسومة فِي وَقت التَّسْلِيم وَذَلِكَ يُوجب فَسَادهَا
1823 - إِذا آجر مَا اسْتَأْجر بِأَكْثَرَ
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز للْمُسْتَأْجر أَن يُؤَاجر مَا اسْتَأْجرهُ قبل أَن يقبض(4/126)
وَيجوز بعد الْقَبْض فَإِن آجر بِأَكْثَرَ يتَصَدَّق بِالْفَضْلِ إِلَّا أَن يكون أصلح فِيهِ شَيْئا أَو بنى فِيهِ بِنَاء وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ مَالك والبتي وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ لَا بَأْس بِأَن يؤاجره بِأَكْثَرَ وَلَا يتَصَدَّق بِشَيْء
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن الْحسن وَعَطَاء أَنه لَا بَأْس بِالْفَضْلِ
وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْفضل للمؤاجر
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول إِبْرَاهِيم مُخَالف لقَوْل سَائِر أهل الْعلم فَإِن احْتج من يتَصَدَّق بِالْفَضْلِ بنهيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ربح مَا لم يضمن
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقد رُوِيَ أَيْضا عَن ربح مَا لم يقبض وَقد جعل الْجَمِيع هَذِه الْمَنَافِع فِي حكم الْمَقْبُوض فِي بَاب جَوَاز الْإِجَارَة عَلَيْهَا بعد الْقَبْض كالأعيان
وَأَيْضًا قد قَالُوا إِنَّه لَا يتَصَدَّق بِالْفَضْلِ إِذا أعَان بِشَيْء من جِهَته قل أَو كثر
وَقد خالفهم الْحسن بن حَيّ فِي ذَلِك فَجعله لَا يتَصَدَّق بِحِصَّة مَا أعَان بِهِ إِذا قسمت الْأُجْرَة على مَنَافِع الدَّار وعَلى مَنَافِع مَا أعَان بِهِ وَيتَصَدَّق بِمَا يفضل بعد ذَلِك وَلم يَجْعَل الْقَلِيل كالكثير
فَإِن قيل هَذِه بِمَنْزِلَة من اشْترى خَاتمًا بِدِرْهَمَيْنِ فضَّة وَفِيه فص بدانق وَدِرْهَم فضَّة(4/127)
قيل لَهُ هَذَا غير مشبه لذَلِك لأَنا قد علمنَا الْمُسَاوَاة فِي الْفضة وَلم يُوجب علينا ذَلِك فِي الْأُجْرَة الثَّانِيَة مَعَ الأولى
1824 - إِذا أجر مُدَّة تتراخى عَن العقد
قَالَ ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد فِي رجل قَالَ قد آجرتك عَبدِي غدي غَدا بدرهم فَهُوَ جَائِز وَله أَن يَبِيعهُ قبل مَجِيء غَد أيفسخ أَو يَهبهُ وتنتقض الْإِجَارَة إِن جَاءَ غَد وَلَيْسَ فِي ملكه وَإِن رد عَلَيْهِ بِعَيْب نقضا أَو رَجَعَ فِي الْهِبَة قبل قد رجعت الْإِجَارَة على حَالهَا وَإِن رَجَعَ إِلَيْهِ بِملك يسْتَقْبل بِطَلَب الْإِجَارَة وَلم يذكر خلافًا
وَقَالَ مَالك يجوز أَن يسْتَأْجر لوقت مُسْتَقْبل نَحْو أَن يَقُول استأجرته السّنة الْقَابِلَة وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا تقع الْإِجَارَات إِلَّا على وَقت مُسْتَقْبل فَلَا فرق بَين أَن يكون ابْتِدَاء الْمدَّة من حِين العقد أَو يتراخى عَنهُ وَقد جرت عَادَة النَّاس بالاستئجار لِلْحَجِّ قبل الْخُرُوج لَا يمْنَع مِنْهُ أحد
1825 - إِذا اسْتَأْجر كل شهر بِكَذَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتَأْجر دَارا كل شهر بدرهم وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يفْسخ عِنْد رَأس الشَّهْر وَإِن لم يفْسخ رَأس الشَّهْر حَتَّى مضى من الشَّهْر الثَّانِي يَوْم أَو يَوْمَانِ فَلَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا أَن يفْسخ فِي بَقِيَّة الشَّهْر
وَقَالَ إِذا اكترى حانوتا كل شهر بدرهم فللمستأجر أَن يخرج مَتى شَاءَ إِلَّا أَن يتكارى شهرا بِعَيْنِه وَإِن اسْتَأْجر أَرضًا كل سنة بِمِائَة دِرْهَم فَلِكُل وَاحِد(4/128)
مِنْهُمَا فسخ الْإِجَارَة قبل أَن يزرع فَإِن زرع فَلَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا أَن يفْسخ تِلْكَ السّنة وَلَو ترك مَا بعْدهَا إِن شَاءَ
وَقَالَ الثَّوْريّ أكره أَن يَقُول استأجرته كل شهر بِكَذَا وَهُوَ كَقَوْلِه اشْترى مثل هَذَا الجراب كل ثوب بِكَذَا فَلَا يجوز حَتَّى يُسَمِّي الثِّيَاب
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا اسْتَأْجر كل شهر بِكَذَا أجَاز الشَّهْر الأول وَكَانَا بعده بِالْخِيَارِ كِلَاهُمَا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ أكريتها كل سنة بِدِينَار وَلم يسم أول السنين وَآخِرهَا فَهُوَ فَاسد
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم توجب إِجَارَة لَازِمَة فِيمَا بعد الشَّهْر الأول وَكَانَ حكم الشَّهْر الأول حكم مَا بعده لتساوي الشُّهُور فِي دُخُولهَا تَحت العقد وَجب أَن لَا يلْزم الشَّهْر الأول وَإِذا لم يلْزم العقد لم يلْزم بِالدُّخُولِ فِيهِ
1826 - فِي موت أَحدهمَا
قَالَ أَصْحَابنَا أَيهمَا مَاتَ من الْمُسْتَأْجر أَو المؤاجر انتقضت الْإِجَارَة وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَاللَّيْث
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا تنْتَقض أَيهمَا مَاتَ مثل البيع
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِن مَاتَ الْمُسْتَأْجر وَترك مَالا فَلَيْسَ للْوَرَثَة فَسخهَا ويؤدون الْأُجْرَة من الْمِيرَاث وَإِن لم يتْرك مَالا فَلهم أَن يفسخوا وَإِن شاؤوا أَدّوا الْأُجْرَة من مَالهم وَكَانُوا أولى من المؤاجر وَإِن مَاتَ المؤاجر فَالْإِجَارَة بِحَالِهَا كَبيع بَاعه وَهُوَ قَول عبيد الله بن الْحسن
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْمَنَافِع غير مَمْلُوكَة بِالْعقدِ لِأَنَّهَا غير مَوْجُودَة فَإِذا طرأت(4/129)
بعد الْمَوْت فِي ملك الْوَارِث فَهِيَ لَهُم فَلَا يسْتَحق بِعقد الْمَيِّت لِأَن الْمَيِّت لم يملك تِلْكَ الْمَنَافِع لِأَنَّهَا لم تحدث على ملكه وَإِنَّمَا حدثت على ملك غَيره هَذَا إِذا مَاتَ المؤاجر فَإِن مَاتَ الْمُسْتَأْجر لم يَصح لوَرثَته ملك الْمَنَافِع لأَنهم إِنَّمَا يملكُونَ مَا كَانَ الْمَيِّت مَالِكًا لَهُ وَلَا يرثونها وَلَا يملكونها بِالْعقدِ لأَنهم لم يعاقدوا
1827 - فِي إِجَارَة الْبَيْت لما لَا يحل
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا بَأْس بِأَن يُؤَاجر بَيْتا فِي السوَاد مِمَّن يتَّخذ فِيهِ بَيت نَار أَو كَنِيسَة أَو يَبِيع فِيهِ الْخمر
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يَنْبَغِي أَن يكريه لشَيْء من هَذَا وَهُوَ قَول مَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا بَأْس بِأَن يَبِيع الْعصير لمن يَتَّخِذهُ خمرًا وَكَرِهَهُ الْحسن بن حَيّ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا أَخذه من مُسلم لبيع الْخمر أَو يَجْعَل فِيهِ حوايى لم يسْتَحق الْكِرَاء وَإِن كَانَ ذِمِّيا رد إِلَى بعض أساقفتهم
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف فِي جَوَاز عقد الْإِجَارَة مِمَّن يتعاطى الفسوق وَالْفساد وإتيان الْأَشْيَاء الْمُحرمَة وَإِن تَحْرِيم هَذِه الْأَشْيَاء لَا يمْنَع جَوَاز الْإِجَارَة فَمن يعلم أَن بَيته لَا يَخْلُو من مثل ذَلِك فَإِن كَانَ ذَلِك جَائِزا فِي(4/130)
الْمُسلم الَّذِي لَا يقار على ذَلِك فجوازه فِي الذِّمِّيّ الَّذِي يقر على ذَلِك أَحْرَى وَذَلِكَ فِي السوَاد فَإِذا كَانَ غير مَمْنُوع من ذَلِك فِي بَيته الَّذِي يكرههُ أَبُو حنيفَة وَذَلِكَ لِأَن البَائِع وَالْمُشْتَرِي ممنوعان من ذَلِك للضَّرَر الَّذِي فِي ذَلِك على الْمُسلمين وَقد يمْنَع الْمُسلم مِمَّا هُوَ أيسر من ذَلِك وَهُوَ بيع الدَّرَاهِم الرَّديئَة وَلَا يمْنَع الذِّمِّيّ من بيع الْخمر وَالْخِنْزِير لأَنا قد أعطيناهم الْعَهْد على ذَلِك
1828 - فِي اسْتِئْجَار الدَّار على أَن يتخذها مَسْجِدا
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز أَن يسْتَأْجر الْمُسلم من الْمُسلم بَيْتا يُصَلِّي فِيهِ فرضا وَلَا نفلا وَلَا أُجْرَة لَهُ فِيهِ
وَقَالَ مَالك يجوز أَن يسْتَأْجر دَارا على أَن يتخذها مَسْجِدا عشر سِنِين فَإِذا انْقَضتْ السنون الْعشْر رجعت الدَّار إِلَى صَاحبهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد بَينا بطلَان الْإِجَارَة على الصَّلَاة والاستئجار على ذَلِك غير جَائِز
فَإِن قيل إِنَّمَا يسْتَحق الْأجر فِي هَذَا بِالتَّسْلِيمِ لَا بِالصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَن يجوز
قيل لَهُ لَيْسَ سُكُوته عَن فعل الصَّلَاة فِيهِ كذكره أَلا ترى أَنه لَو اسْتَأْجر بَيْتا كَانَ لَهُ سكناهُ كَمَا يسكن النَّاس وَلَا يقْعد فِيهِ حداد وَلَا قصار وَلَو شَرط ذَلِك ثَبت شَرطه(4/131)
1829 - من اسْتَأْجر دَارا شهرا وَلم يذكر شهرا بِعَيْنِه
قَالَ أَصْحَابنَا هُوَ جَائِز وَهُوَ شهر عقيب العقد وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز حَتَّى يَقُول الشَّهْر الَّذِي عقيب عقد الْإِجَارَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {على أَن تَأْجُرنِي ثَمَانِي حجج} وَلم يقل حجَجًا تالية للْعقد وَقَالَ عز وَجل {تمَتَّعُوا فِي داركم ثَلَاثَة أَيَّام} وَكَانَت تالية لِلْقَوْلِ وَقَالَ {للَّذين يؤلون من نِسَائِهِم تربص أَرْبَعَة أشهر} فَكَانَت الْمدَّة من وَقت القَوْل
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اشْترى شَاة مصراة فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا
1830 - فِي اسْتِئْجَار الْحَائِط لحمل الْخشب عَلَيْهِ
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز اسْتِئْجَار حَائِط يضع عَلَيْهِ جَذَعَة أَو يبْنى عَلَيْهِ سدة
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بذلك إِذا سمى الْمدَّة وَالْأُجْرَة
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ فِي جَوَاز اسْتِئْجَار السَّطْح للنوم عَلَيْهِ وَإِذا جَازَ ذَلِك جَازَ اسْتِئْجَار الْحَائِط لَو ضع الْخشب(4/132)
1831 - فِي الِاسْتِئْجَار على كِتَابَة الْمُصحف وَنَحْوه
قَالَ أَصْحَابنَا لَا بَأْس بالاستئجار على كِتَابَة الْمُصحف وَالْفِقْه وَسَائِر الْعُلُوم وَلَو اسْتَأْجرهُ فَكتب لَهُ نَحوا أَو شعرًا لزمَه ذَلِك
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بالاستئجار على كِتَابَة الْمُصحف
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم وَلَيْسَ يُعجبنِي الشّعْر والنحو لِأَن مَالِكًا كره أَن يُبَاع كتب الْفِقْه وَكتب الشّعْر أَحْرَى
وَعند الشَّافِعِي يجوز الِاسْتِئْجَار على ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْأُجْرَة إِنَّمَا يَصح أَن يسْتَحق بَدَلا من عمل من جِهَة الْأَجِير أَو من شَيْء يَفْعَله الْمُسْتَأْجر بِمَا اسْتَأْجر نَحْو ركُوب الدَّوَابّ وَلبس الثِّيَاب وَالْقِرَاءَة فعل للقارىء لَا فعل لغيره فِيهَا وَإِنَّمَا هُوَ تَأمله لما فِي الْكتاب فَهُوَ كمن اسْتَأْجر النّظر إِلَى دَاره ليتأمل بناءها ليَكُون متعلما لصنعه مثله وَذَلِكَ غير جَائِز
1832 - فِي الْإِجَارَة الْفَاسِدَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا سلمهَا إِلَى الْمُسْتَأْجر وَلم يستعملها فَلَا أجر عَلَيْهِ إِذا كَانَت الْإِجَارَة فَاسِدَة
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ عَلَيْهِ أُجْرَة الْمثل
قَالَ أَبُو جَعْفَر فِي الْإِجَارَة الصَّحِيحَة يسْتَحق ملك الْمَنَافِع عِنْد حدوثها فَإِذا طرأت فِي يَده اسْتحق عَلَيْهِ الْأجر وَإِذا سلم اسْتحق أَيْضا كَالْمَبِيعِ وَأما الْإِجَارَة الْفَاسِدَة فَلم توجب اسْتِحْقَاق الْمَنَافِع عِنْد حدوثها فَلَا يسْتَحق عَلَيْهِ الْأجر بِالتَّسْلِيمِ دون حُصُولهَا لَهُ(4/133)
وَقَالَ أَصْحَابنَا فِي الْإِجَارَة الْفَاسِدَة إِذا استوفي الْمَنَافِع اسْتحق الْأَقَل من الْمُسَمّى وَمن أجر الْمثل
وَقَالَ مَالك وَزفر وَالشَّافِعِيّ لَهُ أجر الْمثل بَالغا مَا بلغ
وَحكى هِشَام عَن مُحَمَّد فِي رجل قَالَ لرجل بِعْ هَذَا الثَّوْب بِعشْرَة فَمَا زَاد هُوَ بيني وَبَيْنك فَبَاعَهُ بِعشْرَة فَلهُ أجر مثله لَا يُجَاوز بِهِ درهما فِي قَول أبي يُوسُف وَإِن لم يَبِعْهُ فَلَا أجر لَهُ
وَقَالَ مُحَمَّد لَهُ أجر مثله بَالغا مَا بلغ بَاعَ أَو لم يبع
1833 - فِي الْعَيْب فِي الشَّيْء الْمُسْتَأْجر
قَالَ أَصْحَابنَا كل مرمة يضر بِالسُّكْنَى تَركهَا فَهِيَ على رب الدَّار فَإِن فعله وَالْمُسْتَأْجر لم يمْنَع مِنْهُ وَلَا يحْتَسب من الْأجر
وَقَالَ مَالك مثل قَوْلنَا فِي الدَّار إِذا انْهَدَمت وَلَيْسَ على رب الدَّار أَن يبنيها وللمستأجر الْخِيَار وَقَالَ فِي الأَرْض يكريها ثَلَاث سِنِين فزرع فِيهَا مَا غورت عينهَا وأبى رب الأَرْض أَن ينْفق عَلَيْهَا فللمستأجر أَن يعْمل فِي الْعين بكرى سنة وَلَيْسَ لَهُ أَن يعْمل فِيهَا بِأَكْثَرَ من كِرَاء سنة وَاحِدَة
1834 - فِيمَن اسْتَأْجر شَيْئَيْنِ صَفْقَة وَاحِدَة
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز أَن يسْتَأْجر دَارا سنة الشَّهْر الأول مِنْهَا بِمِائَة دِرْهَم وَبَقِيَّة السّنة بِعشْرَة
وَقَالَ مَالك هَذَا فَاسد
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي إِذا تكارى الرجل الأَرْض عشر سِنِين لم يجز حَتَّى يُسَمِّي لكل سنة شَيْئا مَعْلُوما(4/134)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقد اخْتلفُوا فِي البيع على مثل ذَلِك
فَقَالَ أَصْحَابنَا يجوز أَن يَشْتَرِي ثيابنا أَو عبيدا صَفْقَة وَاحِدَة ويسمي لكل وَاحِد شَيْئا مَعْلُوما من الثّمن فَيكون ذَلِك ثمنه وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك يقسم الثّمن على قيمَة الثِّيَاب وَالْعَبِيد وَلَا يلْتَفت إِلَى مَا سمي لكل ثوب من الثّمن
وَلَا خلاف أَنه إِذا اشْترى ثيابًا صَفْقَة وَاحِدَة وَلم يسم لكل ثوب ثمنا أَنه جَائِز إِذا كَانَ الثّمن كُله حَالا وَيلْزم الشَّافِعِي إِذا جعل تَسْمِيَة الثّمن لكل وَاحِد مِنْهُمَا صفقات مُخْتَلفَة أَن لَا يُجِيز الْإِجَارَة على هَذَا الْوَجْه لِأَنَّهُ لَا يُجِيز عقد الْإِجَارَة فِي وَقت بَينه وَبَين عقد الْإِجَارَة مُدَّة
1835 - فِي الْإِجَارَة من اثْنَيْنِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اكترى اثْنَان حانوتا أَحدهمَا قصار وَالْآخر حداد فَإِنَّهُمَا يقتسمانه ويعقد كل وَاحِد فِيمَا يَقع لَهُ فَإِن لم يحْتَمل الْقِسْمَة تهايآ فِيهِ على الْأَيَّام
وَقَالَ مَالك أَي إِن لم يحْتَمل الْقِسْمَة أَكْرِي عَلَيْهِمَا يَعْنِي يُؤَاجر من غَيرهمَا وَيكون الْأجر بَينهمَا وَكَذَلِكَ يَقُول فِي المالكين لما لَا يحْتَمل الْقِسْمَة أَنه يُبَاع عَلَيْهِمَا
وَلم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد من أهل الْعلم غَيره
آخر كتاب الْإِجَارَات(4/135)
= كتاب الْهِبَة =
1836 - فِي قبض الْهِبَة
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يَصح إِلَّا مَقْبُوضَة وَهُوَ قَول ابْن شبْرمَة وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك إِذا لم يرد بهَا ثَوابًا ثمَّ مَاتَ الْمُعْطى قبل الْقَبْض فورثته بِمَنْزِلَتِهِ وَإِن مَاتَ الْمُعْطِي قبل الْقَبْض فَلَا شَيْء للمعطى وَإِن مَاتَ الْمُعْطِي فَادّعى الْمُعْطى الْقَبْض وَأقَام بَيِّنَة على إِقْرَار الْمُعْطِي بِالْهبةِ وَالْقَبْض لم يجز حَتَّى يشْهدُوا على مُعَاينَة الْقَبْض
وَقَالَ عُثْمَان البتي فِي الْقَبْض بَين الْمَرْأَة وَزوجهَا إِن كَانَت امْرَأَة مَقْبُوضَة إِلَى زَوجهَا فَلَا قبض بَينهمَا وَإِن كَانَت محتجبة لما لَهَا دونه فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا فِيمَا يُعْطِيهِ صَاحبه الْقَبْض
قَالَ وكل مَا أعطي عنْوَة فَلَا يُسْتَطَاع فِيهِ الْقَبْض فَقَبضهُ الْإِشْهَاد لَو كَانَ لَهُ على رجل دين فَأشْهد لَهُ أَنه قد أعطَاهُ إِيَّاه فَهُوَ جَائِز وَإِن كَانَ مَال حَال دونه سُلْطَان فَأشْهد لَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِز حَتَّى يكون بِمَنْزِلَة من يَسْتَطِيع قَبضه(4/137)
فيفرط وَإِن كَانَ مَالا غَائِبا عَن الْمُعْطِي فَأشْهد لَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِز إِلَّا أَن يكون قدر على قَبضه ففرط فَيكون بِمَنْزِلَة عَطاء لم يقبض
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِيمَن يصدق بِصَدقَة على رجل وَهِي فِي يَده فَإِن شَاءَ رَجَعَ فِيهَا مَا لم يُخرجهَا من مَاله لَا يجْبرهُ السُّلْطَان على إمضائها إِلَّا أَنه يَقع عَلَيْهِ قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي رَجَعَ فِي صدقته مثل الْكَلْب يرجع فِي قيئه فيأكله وَإِن تدصق على رجل بِصَدقَة ثمَّ مَاتَ قبل أَن يمضيها كَانَت فِي ثلثه
وَقَالَ فِي الرجل يهدي للرجل فَيَمُوت المهدى لَهُ قبل أَن يصل إِلَيْهِ قَالَ يرجع إِلَى صَاحبهَا وَإِن مَاتَ الَّذِي أهداها قبل أَن يصل إِلَى صَاحبهَا فَإِنَّهَا تنفذ لِأَنَّهَا قد خرجت من مَال هَذَا الْمَيِّت
وَقَالَ اللَّيْث إِذا تصدق رجل لعبد لَهُ غَائِب فالإشهاد عَلَيْهِ حِيَازَة وَإِذا تصدق على ابْنه الْكَبِير لم يجز حَتَّى يجوزه
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى ابْن شهَاب عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ نحلهَا جدَاد عشْرين وسْقا من مَاله بِالْغَابَةِ فَلَمَّا حَضرته الْوَفَاة قَالَ وَالله يَا بنية مَا أحد من النَّاس أحب إِلَيّ غنى بعدِي مِنْك وَلَا أعز عَليّ فقرا بعدِي مِنْك وَإِنِّي كنت نحلتك جاد عشْرين وسْقا فَلَو كنت جددتيه واحتزتيه كَانَ لَك وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْم من مَال الْوَارِث وَإِنَّمَا هما أَخَوَاك وَأُخْتَاك فاقتسموا على كتاب الله فَدلَّ على أَنَّهَا لَا تصح إِلَّا بحوزة مَقْبُوضَة(4/138)
وروى ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْقَارِي أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ مَا بَال رجال ينحلون أَبْنَاءَهُم نحلا ثمَّ يمسكونها فَإِن مَاتَ ابْن أحدهم قَالَ مَالِي بيَدي لم أعْطه أحدا وَإِن مَاتَ هُوَ قَالَ فَهُوَ لِابْني قد كنت أَعْطيته إِيَّاه من نحل نحلة لم يجزها الَّذِي نحلهَا حَتَّى يكون إِن مَاتَ لوَرثَته فَهِيَ بَاطِل
1837 - فِي هبة الْمشَاع
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تجوز فِيمَا يقسم وجائزة فِيمَا لَا يقسم وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ تجوز فِي الْوَجْهَيْنِ كَالْبيع
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر قَول أبي بكر رَضِي الله عَنهُ لَو كنت جددتيه واحتزتيه يُوجب أَن لَا يكون إِلَّا محوزا
1838 - فِي هبة نصِيبه من الدَّار لشَرِيكه
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تجوز وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى رِوَايَة وَقد رُوِيَ عَنهُ أَنَّهَا جَائِزَة وَقَالَ مَالك هُوَ جَائِزَة
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا وهبه لشَرِيكه أَو لجَماعَة سردابه جَازَ وَإِن لم يقسم وَإِن وهب لبَعْضهِم دون بعض لم يجز حَتَّى يقسم(4/139)
1839 - فِي هبة الْوَاحِد لاثْنَيْنِ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَابْن شبْرمَة وَزفر إِذا وهب دَارا لِرجلَيْنِ أَو تصدق بهَا عَلَيْهِمَا غير مقسومة لم تجز
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هِيَ جَائِزَة وَهَذَا قَول مَالك وَابْن أبي ليلى وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ وَالثَّوْري
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن وَهبهَا لَهما مَعًا لأَحَدهمَا الثُّلُث وَالْآخر الثُّلُثَانِ لم تجز
وَقَالَ مُحَمَّد هِيَ جَائِزَة وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا تصدق على مُحْتَاجين بِعشْرَة دَرَاهِم جَازَت وَإِن تصدق على غَنِيَّيْنِ لم تجز وَإِن وَهبهَا لمسكين على وَجه الصَّدَقَة فَهِيَ جَائِزَة
1840 - فِي الْهِبَة لِابْنِهِ الصَّغِير
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وهب لِابْنِهِ الصَّغِير عبدا جَازَ وَيكون قَابِضا لَهُ وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَابْن حَيّ وَالشَّافِعِيّ وَكَذَلِكَ كل من كَانَ الصَّغِير فِي حجره
وَقَالَ مَالك إِذا نحل ابْنه الصَّغِير نحلا يعرف بِعَيْنِه وَأشْهد عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُ وَإِن تصدق على ابْنه بِمَال عين وَهُوَ صَغِير حَاز لَهُ وَأشْهد عَلَيْهِ فَلَا يجوز وَهُوَ مَرْدُود إِلَّا أَن يتَصَدَّق عَلَيْهِ بِمَا يشْهد عَلَيْهِ من عبد بِعَيْنِه أَو دَار أَو دَابَّة أَو بِشَيْء يعرف بِعَيْنِه وَيشْهد عَلَيْهِ فيحوز لَهُ أَبوهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى مَالك عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب أَن عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ من نحل ولدا لَهُ صَغِيرا لم يبلغ أَن يحوز نحله فأعلن(4/140)
ذَلِك لَهُ وَأشْهد عَلَيْهَا فَهِيَ جَائِزَة وَإِن وَليهَا أَبوهُ
وَقَالَ مَالك إِذا نحله وَهُوَ صَغِير ذَهَبا أَو وَرقا ثمَّ أشهد عَلَيْهِ ثمَّ هلك الْأَب فَلَيْسَ للِابْن مِنْهَا شَيْء إِلَّا أَن يكون عزلها لَهُ بِعَينهَا أَو دَفعهَا إِلَى رجل وَضعهَا لِابْنِهِ عِنْد ذَلِك الرجل فَإِن فعل ذَلِك فَهُوَ جَائِز للِابْن وَإِن كَانَ النَّحْل عبدا أَو دَارا أَو شَيْئا مَعْلُوما بِعَيْنِه ثمَّ أشهد عَلَيْهِ ثمَّ هلك الْأَب فَهِيَ يَلِي ابْنه فَإِن ذَلِك جَائِز لِابْنِهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يفرق عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ بَين الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَبَين سَائِر الْأَشْيَاء
وَفِي الْقيَاس أَن لَا فرق بَينهمَا فِيمَا تصح بِهِ الْهِبَة
1841 - فِي هِبته لِابْنِهِ وَهُوَ مَرِيض ثمَّ يَصح
قَالَ اللَّيْث إِذا وهب لِابْنِهِ فِي مَرضه غُلَاما وَالِابْن صَغِير ثمَّ صَحَّ من مَرضه فجدد ذكره بإعطائه إِيَّاه ذَلِك العَبْد فقد صَار لَهُ بِالصِّحَّةِ وَالشَّهَادَة وَإِن لم يجدد ذَلِك لَهُ فِي الصِّحَّة بَطل وَصَارَ بَين الْوَرَثَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلم نجد ذَلِك عَن أحد غَيره وَسَائِر أهل الْعلم يَقُولُونَ إِن ذَلِك بِمَنْزِلَة هِبته لَهُ فِي صِحَّته وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنه من أعتق عَبده فِي مَرضه ثمَّ برأَ إِن ذَلِك من جَمِيع المَال
1842 - فِي هبة الدّين لمن هُوَ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أَبْرَأ الطَّالِب الْكَفِيل من المَال فَأبى أَن يقبل فَهُوَ(4/141)
بَرِيء وَلَا يشبه الْهِبَة وَلَو أَبْرَأ الَّذِي عَلَيْهِ الأَصْل فَأبى أَن يقبل يطْلب هِبته إِيَّاه وَبرئ مَا لم يرد فَإِذا رد الْبَرَاءَة الْهِبَة عَاد المَال
وَقَالَ زفر فِي رجل تزوج أمْرَأَة على ألف دِرْهَم ثمَّ وهبتها لَهُ ثمَّ بدا لَهَا أَن ترجع فِيهَا فلهَا ذَلِك مَا لم يقل قد قبلت وَلَا تتمّ الْهِبَة إِلَّا بِقبُول وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ الشَّافِعِي الْبَرَاءَة جَائِزَة وَلم يذكر قبولا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما قَالُوا جَمِيعًا إِذا رد صَاحب الأَصْل الْهِبَة والبراءة بطلتا دلّ على أَنَّهُمَا ليستا كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاق اللَّذين لَا يحتاجان إِلَى قبُول وأنهما لَا يصحان إِلَّا بِالْقبُولِ كَمَا قَالَ زفر
1843 - فِي تَخْصِيص بعض الْوَلَد بِالْهبةِ
ذكر الْمُعَلَّى بن مَنْصُور عَن أبي يُوسُف لَا بَأْس بِأَن يُؤثر الرجل بعض وَلَده على بعض إِذا لم يرد الْإِضْرَار وَيَنْبَغِي أَن يُسَوِّي بَينهم إِذا كَانَ يُرِيد الْعدْل فَإِن كَانُوا ذُكُورا وإناثا سوى بَينهم فِي الْعَطِيَّة لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكل ولدك أَعْطَيْت مثل مَا أَعْطَيْت هَذَا قَالَ مُعلى وَقَالَ مُحَمَّد وَيُعْطِي الذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ(4/142)
وَقَالَ مَالك إِنَّمَا الحَدِيث جَاءَ فِيمَن نحل وَلَده مَاله كُله وَقد نحل أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ عَائِشَة دون وَلَده
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا بَأْس أَن يخص الرجل بعض وَلَده بِمَا شَاءَ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَهُ أَن يَخُصُّهُ بِالثُّلثِ
وَقَالَ الشَّافِعِي ترك التَّفْضِيل فِيهِ حسن الْأَدَب وَيجوز ذَلِك فِي الحكم وَله ان يرجع فِيمَا وهبه لِابْنِهِ لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أرجعه
وروى سُفْيَان عَن ابْن أبي نجيح قَالَ كَانَ طَاوس إِذا سَأَلَهُ الرجل أفضل بَين وَلَدي فِي النَّحْل قَرَأَ هَذِه الْآيَة {أَفَحكم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ}
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الزُّهْرِيّ عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن وَمُحَمّد بن النُّعْمَان عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ نَحَلَنِي أبي غُلَاما فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِنِّي نحلت ابْني هَذَا غُلَاما كَانَ لي فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكل ولدك نحلته مثل هَذَا فَقَالَ لَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأرجعه
وَهَذَا يدل على التَّسْوِيَة
وروى دَاوُد بن أبي هِنْد عَن الشّعبِيّ عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ نَحَلَنِي أبي نحلا وَانْطَلق إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليشهد على ذَلِك قَالَ أكل ولدك نحلته مثل هَذَا فَقَالَ لَا فَقَالَ أَيَسُرُّك أَن يَكُونُوا لَك فِي الْبر كلهم سَوَاء قَالَ نعم قَالَ فَأشْهد على هَذَا غَيْرِي(4/143)
فَهَذَا يدل على صِحَة الْهِبَة لِأَنَّهُ لم يَأْمُرهُ بالارتجاع وَإِنَّمَا أمره بتأكيدها بإشهاد غَيره عَلَيْهَا وَإِنَّمَا لم يشْهد هُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتَقْصِيره عَن أولى الْأَشْيَاء بِهِ
وَرَوَاهُ حُصَيْن عَن الشّعبِيّ عَن النُّعْمَان أَنه قَالَ أكل ولدك أَعْطَيْت مثل هَذَا قَالَ لَا قَالَ فَاتَّقُوا الله واعدلوا بَين أَوْلَادكُم فَلم يذكر فِيهِ الارتجاع
رَوَاهُ مجَالد عَن الشّعبِيّ عَن النُّعْمَان أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أكل ولدك أَعْطيته قَالَ لَا قَالَ لَا أشهد إِلَّا على حق
وَهَذَا لَيْسَ بمخالف لرِوَايَة دَاوُد وحصين عَن لشعبي لاحْتِمَاله أَن يكون أَرَادَ الْحق الَّذِي لَا يقصر فِيهِ عَن أَعلَى مَرَاتِب الْحق وَإِن كَانَ مَا دونه حَقًا
وروى زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن أبي الزبير عَن جَابر أَن بشير بن سعد أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن بنت فلَان سَأَلتنِي أَن انحل ابْني غُلَاما وَقَالَت أشهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَله إخْوَة قَالَ نعم قَالَ أوكلهم أَعْطيته قَالَ لَا قَالَ فَإِن هَذَا لَا يصلح فَإِنِّي لَا أشهد إِلَّا على حق
فَفِي حَدِيث جَابر أَنه ذكر ذَلِك لَهُ قبل أَن يهب فَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْأولَى وَحَدِيث جَابر أولى لِأَنَّهُ كَانَ رجلا وَكَانَ النُّعْمَان صَغِيرا أحفظ وَأثبت
فَثَبت بذلك بطلَان قَول مَالك وَالثَّوْري وَصَحَّ مَذْهَب أبي يُوسُف فِي التَّسْوِيَة لِأَنَّهُ قَالَ أَلَك ولد غَيره وَلم يذكر فرقا بَين الذّكر وَالْأُنْثَى وَقَالَ أكل ولدك أَعْطَيْت مثله وَقَالَ اتَّقوا الله وسووا بَين أَوْلَادكُم وَقَوله أَيَسُرُّك أَن يَكُونُوا لَك فِي الْبر سَوَاء يدل على التَّسْوِيَة أَيْضا(4/144)
وَقد روى الْمغرَة عَن الشّعبِيّ قَالَ سَمِعت النُّعْمَان يَقُول على منبري هَذَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول اعدلوا بَين أَوْلَادكُم كَمَا تحبون أَن يعدلُوا بَيْنكُم فِي الْبر
وروى أَبُو حَيَّان عَن الشّعبِيّ عَن النُّعْمَان أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أكلهم وهبت لَهُ مثل الَّذِي وهبت لابنك هَذَا قَالَ لَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا تشهدني قَالَ فَإِنِّي لَا أشهد على جور
وَإِنَّمَا الْمَعْنى ترك الْحق الَّذِي هُوَ أولى الْأَشْيَاء كَمَا يُعْطي الْأَجْنَبِيّ دون ذَوي الْأَرْحَام فَيكون تَارِكًا للأفضل وَيجوز عطيته فَإِن قيل قد أعْطى أَبُو بكر رَضِيا لله عَنهُ عَائِشَة دون سَائِر وَلَده
قيل لَهُ يجوز أَن يكون بِطيب من أنفسهم وَهَذَا يجوز عندنَا
فَإِن قيل ذَا بطن بنت خَارِجَة لم تكن مِمَّا يَصح مِنْهَا
قيل لَهُ يجوز أَن تكون الْهِبَة قبل أَن يعلم أَنَّهَا حَامِل
1844 - فِي هبة الْمِيرَاث فِي مرض الْمَوْرُوث
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا سَأَلَ الرجل امْرَأَته أَن تهب مِيرَاثهَا لبَعض ورثته فِي مَرضه فَقَالَت نعم قد فعلت ثمَّ مَاتَ على ذَلِك فَهُوَ جَائِز لِابْنِهِ وَلها أَن ترجع فِيهِ قبل موت زَوجهَا
وَلَو قَالَ الزَّوْج أعْطه فَإِنَّهُ إِذا أَعْطيته من شِئْت فَلم تحدث شَيْئا حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يرجع إِلَيْهَا
وَقَالَ مَالك إِذا سَأَلَ رجل فِي مَرضه بعض ورثته أَن يهب لَهُ مِيرَاثه(4/145)
فَفعل ثمَّ لم يقبض الْمَيِّت فِيهِ شَيْئا فَإِنَّهُ رد على الَّذِي وهبه وَإِن أنفذ من ذَلِك بعضه وَبَقِي بعضه فَمَا بَقِي فَهُوَ رد على الَّذِي وهب
1845 - فِي الْعُمْرَى
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ دَاري هَذِه لَك عمري حياتك فاقبضها فقبضها فَهَذِهِ هبة فِي حَيَاته وَبعد وَفَاته وَهُوَ قَول ابْن شبْرمَة وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا قَالَ هَذِه الدَّار لفُلَان حَيَاته فَإِذا مَاتَ فَهُوَ رد عَليّ فشرطه جَائِز
وَقَالَ مَالك من أعمر رجلا حَيَاته ثمَّ مَاتَ المعمر رجعت إِلَى الَّذِي اعمرها وَالنَّاس عِنْد شروطهم
قَالَ مَالك والعمرى والسكني شَيْء وَاحِد وَهُوَ قَول اللَّيْث وللمعمر أَن يَبِيعهُ من الَّذِي أعْمرهُ وَلَا يَبِيعهُ من غَيره
وَقَالَ إِذا أسْكنهُ حَيَاته ثمَّ أَرَادَ أَن يكريها وينقد الْكِرَاء فَإِنَّهُ يكريها قَلِيلا قَلِيلا
وَقَالَ أَصْحَابنَا وَابْن شبْرمَة وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ السُّكْنَى عَارِية والعمري هبة
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة(4/146)
ابْن عبد الرَّحْمَن عَن جَابر قَالَ إِنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أجَاز رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِيَ لَك ولعقبك فَإِذا قَالَ هِيَ لَك مَا عِشْت فَإِنَّهَا ترجع إِلَى صَاحبهَا وَكَانَ الزُّهْرِيّ يُفْتِي بذلك
قَالَ أَبُو جَعْفَر تفرد عبد الرَّزَّاق بِهَذَا الحَدِيث على هَذَا اللَّفْظ
وَقد رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى أَنه من أعمر رجلا عمرى فَهِيَ للَّذي أعمرها ولورثته من بعده
وَابْن الْمُبَارك أثبت وأحفظ بِحَدِيث معمر وَيحْتَمل أَن تكون الزِّيَادَة الَّتِي فِي حَدِيث عبد الرَّزَّاق من كَلَام الزُّهْرِيّ
وَقد روى قَتَادَة عَن النَّضر بن أنس عَن بشير بن نهيك عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْعُمْرَى جَائِزَة
فَقَالَ الزُّهْرِيّ لعبادة بِحَضْرَة سُلَيْمَان بن هِشَام بن عبد الْملك أَنَّهَا لَا تكون عمرى حَتَّى تجْعَل لَهُ ولعقبه فَقَالَ لعطاء مَا تَقول فَقَالَ حَدثنِي جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْعُمْرَى جَائِزَة
وَلم يحاجه الزُّهْرِيّ بِمَا فِي حَدِيث عبد الرَّزَّاق عَن جَابر فَدلَّ أَنه من كَلَام الزُّهْرِيّ(4/147)
وَقد روى هِشَام الدستوَائي عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أعمر عمرى حَيَاته فَهِيَ لَهُ فِي حَيَاته ولورثته من بعد مَوته
وروى سُفْيَان عَن أبي الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمْسكُوا عَلَيْكُم أَمْوَالكُم لَا تعمروها أحدا فَمن أعمر شَيْئا فَهُوَ لَهُ
وَابْن جريج عَن أبي الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أعمر شَيْئا فَهُوَ لَهُ حَيَاته ومماته
وَرَوَاهُ سُلَيْمَان بن يسَار عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْعُمْرَى لمن وهبت لَهُ
فَإِن قيل روى مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إيما رجل أعمر عمرى لَهُ ولعقبه فَإِنَّهَا للَّذي يعطاها لَا ترجع إِلَى الَّذِي أَعْطَاهَا لِأَنَّهُ أعْطى عَطاء وَقعت فِيهِ الْمَوَارِيث
قيل لَهُ هَذَا الزِّيَادَة من كَلَام أبي سَلمَة عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قضى فِيمَن أعمر عمرى فَهِيَ لَهُ ولعقبه بته لَا يجوز للمعطي فِيهَا شَرط وَلَا ثنيا(4/148)
قَالَ أَبُو سَلمَة لِأَنَّهُ أعْطى عَطاء وَقعت فِيهِ الْمَوَارِيث فَقطعت الْمَوَارِيث شَرطه
وَقد رَوَاهُ اللَّيْث أَيْضا عَن ابْن شهَاب عَن أبي سَلمَة عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أعمر رجلا عمرى لَهُ ولعقبه فقد قطع قَوْله حَقه فِيهَا وَهِي لمن أعمرها ولعقبه
وعَلى أَنه لَو صَحَّ حَدِيث مَالك وَاللَّيْث مَنعه من أَن يعود شَرط لَو فِيمَا يُوجب رُجُوعهَا إِلَيْهِ فَدلَّ أَن لَا شَرط لَا يعْمل فِيهَا إِذا لم يذكر فِيهَا الْعقب كَمَا لَا يعْمل إِذا ذكر فِيهَا الْعقب
وَقد روى طَاوس عَن حجر المدري عَن زيد بن ثَابت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى الْعُمْرَى للْوَارِث
وَقد روى مُحَمَّد بن عمر عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا عمرى فَمن أعمر شَيْئا فَهُوَ لَهُ
وروى مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة قَالَ قَالَ لي مُعَاوِيَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من أعمر عمرى فَهِيَ لَهُ يَرِثهَا من عقبه من يَرِثهُ
فَإِن احْتَجُّوا بِمَا روى عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم عَن كثير بن زيد عَن الْوَلِيد بن رَبَاح عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْمُسلمُونَ عِنْد شروطهم(4/149)
قيل لَهُ الشُّرُوط الْمُبَاحَة كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كل شَرط لَيْسَ فِي كتاب الله فَهُوَ بَاطِل فَمَا أَبَاحَهُ الرَّسُول فَهُوَ من كتاب الله قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ} وَأما الْعُمْرَى فِي الْمَنَافِع فَهِيَ عَارِية فَلهُ أَن يرجع فِيهَا مَتى شَاءَ
فَإِن قيل فَلَو أوصى بِخِدْمَة عَبده لرجل أَو بسكنى دَار صَحَّ لَهُ ذَلِك بعد الْمَوْت
قيل لَهُ لِأَن سَائِر التمليكات الَّتِي لَا إِبْدَال فِيهَا لَا يَقع الْملك فِيهَا إِلَّا بِالْقَبْضِ وَالْوَصِيَّة تصح بِغَيْر قبض
1846 - فِي الرقبى
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد إِذا قَالَ هَذِه الدَّار لَك رقبى فاقبضها فقبضها على ذَلِك فَهِيَ عَارِية
وَقَالَ أَبُو يُوسُف هِيَ بِمَنْزِلَة الْعُمْرَى
وَذكر الْحسن عَن زفر فِيمَن قَالَ قد أرقبتك دَاري هَذِه وَقَبضهَا على ذَلِك فَهِيَ هبة
وَقَالَ مَالك لَا أعرف الرقبى فَسئلَ عَن الرجلَيْن بَينهمَا عبد فيحبسانه(4/150)
على أَيهمَا مَاتَ فنصيب الْمَيِّت للحي حبس عَلَيْهِ إِلَى موت صَاحبه فَقَالَ لَا خير فِي هَذَا
وَقَالَ الثَّوْريّ الرقبى أَن يَقُول هِيَ لَك فَإِذا مت فَهِيَ لي
وَقَالَ الشَّافِعِي الرقبى مثل الْعُمْرَى
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَكَانَ معنى الرقبى عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد أَن التَّمْلِيك مُتَعَلق بِالْمَوْتِ ان مَاتَ المرقب صَارَت للمرقب وان مَاتَ المرقب فَهِيَ على ملك المرقب فَصَارَ مخاطره
وَهِي عِنْد ابي يُوسُف وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ أَن التَّمْلِيك وَقع فِي الْحَال وَفِيه شَرط الرُّجُوع اليه إِن مَاتَ قبله فِي الْحَال وَفِيه شَرط الرُّجُوع إِلَيْهِ إِن مَاتَ قبله
وَقد روى ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تعمروا وَلَا ترقبوا فَمن أعمر شَيْئا أَو أرقبه فَهُوَ للْوَارِث إِذا مَاتَ
وروى وَكِيع عَن يزِيد بن زِيَاد بن أبي الْجَعْد عَن حبيب بن أبي ثَابت عَن ابْن عمر نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الرقبى وَقَالَ من أرقب شَيْئا فَهُوَ لَهُ
وروى دَاوُد عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعُمْرَى جَائِزَة لأَهْلهَا والرقبى جَائِزَة لأَهْلهَا(4/151)
فَدلَّ على أَن الرقبى مَا دلّ عَلَيْهِ مَذْهَب الثَّوْريّ وَأبي يُوسُف وَالشَّافِعِيّ
1847 - فِي الرُّجُوع فِي الْهِبَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وهب لذِي رحم محرم لم يرجع وَإِن وهب لامْرَأَته لم يرجع وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة لزَوجهَا وَإِن وهب لأَجْنَبِيّ رَجَعَ إِن شَاءَ مَا لم يثب مِنْهَا أَو يُرِيد فِي نَفسه
وَذكر هِشَام عَن مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة إِذا علم الْمَوْهُوب لَهُ الْمَمْلُوك الْقُرْآن أَو الْحر فَلهُ أَن يرجع فِيهِ
وَقَالَ مُحَمَّد لَا يرجع قَالَ مُحَمَّد وَكَذَلِكَ لَو كَانَ كَافِرًا فَأسلم أَو كَانَ عَلَيْهِ دين فَأدى الْمَوْهُوب لَهُ
وَقَالَ الْحسن عَن زفر إِذا علمهَا الْمَوْهُوب لَهُ الْقُرْآن أَو الْكِتَابَة أَو الْمشْط فحذقت فِي ذَلِك فَلهُ أَن يرجع فِيهَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يرجع
وَقَالَ عُثْمَان البتي فِي الرجل يُعْطي الرجل الْعَطِيَّة لَا يبين لَهُ أَنَّهَا عَطِيَّة جَائِزَة وَلَيْسَ لَهُ أَن يرجع فِيهَا
وَقَالَ مَالك من نحل ولدا لَهُ نحلا أَو أعطَاهُ عَطاء لَيْسَ بِصَدقَة فَلهُ أَن يقبضهَا إِن شَاءَ مَا لم يستحدث الْوَارِث دينا من أجل الْعَطاء فَإِذا صَار عَلَيْهِ الدُّيُون لم يكن لِأَبِيهِ أَن يقبض من ذَلِك شَيْئا وَكَذَلِكَ إِذا زوج الفتاة بذلك أَو كَانَت جَارِيَة فزوجت لذَلِك فَلَيْسَ للْأَب أَن يقبض من ذَلِك شَيْئا(4/152)
قَالَ مَالك الْأَمر الْمجمع عَلَيْهِ فِي بلدنا أَن الْهِبَة إِذا تَغَيَّرت عِنْد الْمَوْهُوب لَهُ بالثواب بِزِيَادَة أَو نُقْصَان فَإِن على الْمَوْهُوب لَهُ أَن يُعْطي الْوَاهِب قيمتهَا يَوْم قبضهَا
وَقَالَ مَالك فِي الْوَاهِب يكون لوَرثَته مثل مَا كَانَ لَهُ من الثَّوَاب إِن اتَّبعُوهُ
وروى الثَّوْريّ عَن ابْن أبي ليلى قَالَ للْوَاهِب أَن يرجع فِي هِبته دون القَاضِي
وَعند أَصْحَابنَا لَا يرجع إِلَّا بِقَضَاء وَيرد الْمَوْهُوب لَهُ
وَقَول الثَّوْريّ كَقَوْل أَصْحَابنَا فِي جَمِيع ذَلِك
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا يرجع فِيمَا وهب لمولى وَلَا تَابع لَهُ وَلَا لذِي رحم وَلَا امْرَأَة وَلَا لسلطان لمن دونه وَيرجع فِيمَا سوى ذَلِك فَإِن كَانَت الْهِبَة قد تمت فزادت عِنْد صَاحبهَا فقيمتها يَوْم وَهبهَا وَترجع الْمَرْأَة فِيمَا وهبت لزَوجهَا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا لم يرد بِالْهبةِ ثَوَاب الدُّنْيَا لم يرجع إِذا قبض وَلَا يرجع فِيمَا وهب لذِي رحم محرم وَإِن وهب لغير ذِي رحم محرم يُرِيد بهَا ثَوَاب الدُّنْيَا فَلهُ أَن يرجع
وَقَالَ اللَّيْث إِذا وهبه للْوَارِث رَجَعَ فِيهَا مثل قَول مَالك وَلَا ترجع الْمَرْأَة فِيمَا وهبت لزَوجهَا إِلَّا أَن يكون سَأَلَهَا أَن تهب لَهُ ثمَّ طَلقهَا مَكَانَهُ أَو بعد ذَلِك بِيَوْم أَو نَحوه فَإِنَّهُ يردهَا لِأَن ذَلِك مِنْهُ خدعة
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يرجع فِي الْهِبَة إِلَّا الْوَالِد فِيمَا يهب لوَلَده
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْعَائِد فِي هِبته كالعائد فِي قيئه
وروى ابْن طَاوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْعَائِد فِي هِبته كَالْكَلْبِ يقيء ثمَّ يعود فِيهِ(4/153)
وروى ابْن الْمُبَارك عَن خَالِد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْسَ لنا الْمثل السوء الرَّاجِع فِي هِبته كَالْكَلْبِ يعود فِي قيئه
وروى عَوْف عَن خلاس بن عَمْرو عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مثل الَّذِي عيود فِي عطائه كَمثل الْكَلْب أكل حَتَّى إِذا شبع قاء ثمَّ عَاد فِي قيئه فَأَكله
فَثَبت أَن المُرَاد بِالْحَدِيثِ الأول الْكَلْب وَلَيْسَ ذَلِك من طَرِيق التَّحْرِيم
وَقد روى عمر بن شُعَيْب عَن طَاوس عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم قَالَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحل لواهب أَن يرجع فِي هِبته إِلَّا الْوَالِد لوَلَده
وروى ابْن جريج عَن الْحسن بن مُسلم عَن طَاوس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يحل لأحد أَن يهب هبة يعود فِيهَا إِلَّا الْوَالِد فَجعله الْحسن بن مُسلم مُرْسلا
وَقد روى حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان عَن سَالم عَن ابْن عمر أَن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ من وهب هبة فَهُوَ أَحَق بهَا حَتَّى يُثَاب مِنْهَا بِمَا يرضى
وَلَو كَانَ عِنْد ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم فِي هَذَا الحَدِيث لما استجاز(4/154)
الرِّوَايَة عَن عمر بِخِلَافِهِ ولأخبر بِمَا عِنْده ليرْجع إِلَيْهِ كَمَا رَجَعَ إِلَى مَا حَدثهُ بِهِ الضَّحَّاك بن سُفْيَان فِي تَوْرِيث الْمَرْأَة من دِيَة زَوجهَا
وَأما حَدِيث النُّعْمَان بن بشير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِأَبِيهِ أرجعه فقد بَينا وَجهه فِيمَا تقدم وَأَنه لم يكن مُعْتَرضًا
وَقَالَ عَليّ وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا وفضالة بن عبيد الْوَاهِب أَحَق بهبته مَا لم يثبت مِنْهَا إِلَّا فِي ذِي رحم محرم
وروى مُعَاوِيَة بن صَالح عَن رَاشد بن سعد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ الْمَوَاهِب ثَلَاثَة رجل وهب من غير أَن يستوهب فَهِيَ كسبيل الصَّدَقَة فَلَا يرجع فِي صدقته وَرجل استوهب فوهب فَلهُ الثَّوَاب فَإِن قبل على موهبته ثَوابًا فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا ذَلِك وَله أَن يرجع فِي هِبته مَا لم يثبت وَرجل وهب وَاشْترط الثَّوَاب فَهُوَ دين على صَاحبهَا فِي حَيَاته وَبعد مَوته
فَفرق أَبُو الدَّرْدَاء بَين الْوَاهِب على مَا ذكرنَا وَلم يفرق عَليّ وَعمر وفضالة رَضِي الله عَنْهُم بَين شَيْء من ذَلِك إِلَّا فِي الثَّوَاب
وَقَول أبي الدراء فِي شَرط الثَّوَاب أَنه دين يدل على قَول زفر إِن الْهِبَة على عوض كَالْبيع
آخر كتاب الْهِبَة(4/155)
= كتاب الصَّدَقَة =
1848 - الْمَوْقُوفَة فِي الْوَقْت
قَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر لَا يخرج عَن ملكه بوقفه إِيَّاه وَهُوَ مِيرَاث بعد الْمَوْت إِلَّا فِي الْوَصِيَّة بعد الْمَوْت
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَعبيد الله بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ يَصح وَاخْتلفُوا فِي شُرُوطه
فَقَالَ مَالك وَالْحسن بن حَيّ وَمُحَمّد وَالْأَوْزَاعِيّ وَابْن أبي ليلى إِن أخرجهَا من يَده صَحَّ الْوَقْف وَإِلَّا لم يَصح
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَصح وَإِن لم يُخرجهَا عَن يَده وَهُوَ قَول اللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
قَالَ مَالك إِن أوقفها فِي الصِّحَّة لم يَصح حَتَّى يُخرجهَا عَن يَده وَإِن أوقفها فِي الْمَرَض صَحَّ من الثُّلُث إِن لم يُخرجهَا عَن يَده لِأَنَّهَا وَصِيَّة
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى أَبُو عَاصِم عَن ابْن عون عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ أَن عمر أصَاب أَرضًا بِخَيْبَر فَقَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي أصبت(4/157)
أَرضًا لم أصب مَالا قطّ أحسن مِنْهُ فَكيف تَأْمُرنِي قَالَ إِن شِئْت حبست أَصْلهَا لَا يُبَاع وَلَا يُوهب
قَالَ أَبُو عَاصِم أرَاهُ قَالَ لَا تورث
وروى ابْن عُيَيْنَة عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن عمر ملك مائَة سهم من خَيْبَر اشْتَرَاهَا فاستجمعها فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي أصبت مَالا لم أصب مثله قطّ وَقد أردْت أَن أَتَقَرَّب بِهِ إِلَى الله تَعَالَى فَقَالَ لَهُ احْبِسْ الأَصْل وسبل الثَّمر
قَالَ أَبُو جَعْفَر حكى عِيسَى بن أبان أَن أَبَا يُوسُف لما قدم بَغْدَاد فَحدث بِحَدِيث ابْن عون عَن نَافِع الَّذِي ذكرنَا فَلم يعرفهُ وَقَالَ كَيفَ لنا بِمن يحدثنا بِهَذَا عَن ابْن عون فحدثه إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن علية فَقَالَ هَذَا لَا يسع أحد خِلَافه وَلَو تناهى هَذَا إِلَى أبي حنيفَة لقَالَ بِهِ وَلما خَالفه
فَمنع حِينَئِذٍ من بيعهَا وَتَابعه النَّاس على ذَلِك حَتَّى صَار كَمَا لَا مُخَالف لَهُ فِيهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول شُرَيْح جَاءَ مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِمَنْع الْحَبْس يحْتَمل وَجْهَيْن أَحدهمَا حبس الْجَاهِلِيَّة من السائبة والوصيلة وَالْآخر مَا سمى لقوم يجوز انقراضهم وَلَا يَجْعَل آخِره للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين(4/158)
وَالْوَجْه الثَّانِي تَأَوَّلَه مُحَمَّد
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلما لم يذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر إخْرَاجهَا عَن يَده دلّ على جَوَازه غير مَقْبُوض
1849 - فِي وقف الْمشَاع
قَالَ أَبُو يُوسُف وَمَالك وَالشَّافِعِيّ يجوز وقف الْمشَاع
وَقَالَ مُحَمَّد لَا يجوز
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَكَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ ملك مائَة سهم من خَيْبَر ثمَّ أمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بحبسها
فَإِن قيل يجوز أَن يكون كَانَت مقسومة
قيل لَهُ كَانَت سِهَام الصَّحَابَة كلهَا مشاعة وَإِنَّمَا جعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل سهم مائَة رجل فِي نَاحيَة وَقسم النّصْف على ثَمَانِيَة عشر سَهْما فَكَانَت السِّهَام مشاعة ثمَّ قسمهَا عمر رَضِي الله عَنهُ بعد ذَلِك فِي خِلَافَته حَتَّى حصل لكل وَاحِد جُزْء مقسوم
وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطى خَيْبَر يهودا على أَن لَهُم الشّطْر من نخل وَزرع مَا بدا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ عبد الله بن رَوَاحه يَأْتِيهم فِي كل عَام فيخرصها عَلَيْهَا ثمَّ يضمنهم الشّطْر فَلَمَّا كَانَ زمَان عمر رَضِي الله عَنهُ غالوا فِي الْمُسلمين وغشوهم ورموا ابْن عمر من فَوق بَيت ففدعوا يَدَيْهِ فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ من كَانَ لَهُ سهم من خَيْبَر فليحضر حَتَّى نقسمها بَينهم فَقَالَ رَئِيس الْيَهُود لَا تخرجنا وَدعنَا(4/159)
نَكُون فِيهَا كَمَا أقرنا مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ لَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ أتراه سقط عني قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ بك إِذا رقصت بك راحلتك نَحْو الشَّام يَوْمًا ثمَّ يَوْمًا وَقسمهَا عمر رَضِي الله عَنهُ بَين من كَانَ شهد خَيْبَر من أهل الْحُدَيْبِيَة
1850 - فِي الْوَقْف على من يجوز انْقِطَاعه
روى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف فِي إمْلَائِهِ فِي رَجَب سنة تسع وَسبعين كل وقف لَا يَنْقَطِع على الْأَبَد فَهُوَ جَائِز
وكل وقف يَنْقَطِع فَلَا يجوز وَإِن وَقفهَا على موَالِيه ونسلهم فَإِن انقرضوا جَازَ لِأَنَّهُ على قوم يعرف أعيانهم وَإِن لم يقل ونسلهم لم يجز لِأَنَّهُ سمى قوما بأعيانهم فَإِن قَالَ ونسلهم فَإِن انقرضوا فَهِيَ للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فَهُوَ أَجود
وأملى عَلَيْهِم مفي سنة ثَمَانِينَ إِذا جعلهَا وَقفا على وَلَده فَهُوَ جَائِز مَا داموا أَحيَاء ينْفق عَلَيْهِم من غَلَّتهَا فَإِذا انقرضوا رجعت إِلَى رب الْوَقْف إِن كَانَ حَيا وَإِن كَانَ مَيتا فَإلَى ورثته
وَإِن قَالَ هِيَ صَدَقَة مَوْقُوفَة ينْفق مِنْهَا على فلَان فقد أوجبهَا للْمَسَاكِين بعد موت فلَان مُؤَبّدَة
وَإِذا قَالَ صَدَقَة على فلَان فَلم يَجْعَلهَا صَدَقَة على غَيره(4/160)
وَقَالَ مُحَمَّد يَنْقَطِع فترجع إِلَى صَاحبه أَو إِلَى الْوَقْف فَذَلِك الْحَبْس الْمنْهِي عَنهُ فَلَا يجوز
وَقَالَ مَالك إِذا أوقفهُ على وَلَده فانقرضوا رجعت على أولى النَّاس بالواقف
وَقَالَ اللَّيْث ترجع إِلَى الْوَاقِف إِن كَانَ حَيا وَإِن كَانَ مَيتا فَإلَى ورثته يَوْم مَاتَ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ تَصَدَّقت بداري هَذِه على قوم أَو على رجل مَعْرُوف حَيّ يَوْم تصدق أَو قَالَ صَدَقَة مُحرمَة أَو قَالَ مَوْقُوفَة أَو مسبلة فقد خرجت عَن ملكه وَلَا تعود مِيرَاثا أبدا وَلَا يجوز أَن يُخرجهَا من ملكه إِلَّا إِلَى مَالك مَنْفَعَة يَوْم يُخرجهَا إِلَيْهِ وَإِن لم يسبلها على من بعدهمْ كَانَت مُحرمَة أبدا فَإِذا انقرض الْمُتَصَدّق بهَا عَلَيْهِ كَانَت بِحَالِهَا ورددناها على أقرب النَّاس بِالَّذِي تصدق بهَا يَوْم ترجع
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم تصح الصَّدَقَة على من لم يُوجد فِيمَا يجوز انقراضه علمنَا أَن شَرطهَا أَن يكون بَاقِيَة لَازِمَة فَإِذا لم يشْتَرط بقاءها لمن لَا ينقرض وَجب أَن تبطل فَلَا يجوز أَن ترجع إِلَى أقرب النَّاس من الْوَاقِف لِأَنَّهُ لَو جَازَ ذَلِك لَكَانَ رُجُوعه إِلَى الْوَاقِف أولى
1851 - فِي وقف الْعقار
قَالَ أَبُو يُوسُف لَا يجوز وقف الْحَيَوَان وَلَا الرَّقِيق وَلَا الْعرُوض مَا خلا الكراع وَالسِّلَاح الْمَحْبُوس للصدقة وَمَا خلا الرَّقِيق وَالْبَقر والآلة فِي الأَرْض الْمَوْقُوفَة للْعَمَل فِيهَا فَإِن ذَلِك يصير وَقفا مَعهَا(4/161)
وروى عَنهُ أَيْضا أَن مَا كَانَ لَهُ غلَّة فَجَائِز أَن يقفه وَيجْعَل غَلَّته للْفُقَرَاء
وَقَالَ مُحَمَّد لَا بَأْس بِحَبْس الْفرس وَالسِّلَاح فِي سَبِيل الله تَعَالَى فَيَقُول هُوَ حبس على من يَغْزُو ويدفعه إِلَى من يقوم بِهِ وَيجوز وقف الْمُصحف يقْرَأ فِيهِ أَو دَار يسكنهَا الْغُزَاة ويؤاجر فَيكون أجرهَا فِي سَبِيل الله إِذا أخرجهَا من يَده
وَقَالَ مَالك لَا بَأْس أَن يحبس الثِّيَاب والسروج وَإِن حبس دَنَانِير على إِنْسَان يتجر فِيهَا فَهِيَ قرض وَلَيْسَ للحابس أَن يرجع فِيهَا إِلَّا أَن لَا يقبلهَا الَّذِي حبست عَلَيْهِ
وَقَالَ اللَّيْث لَا بَأْس بِحَبْس الْفرس فِي سَبِيل الله تَعَالَى وَيجوز أَن يحبس جَارِيَة على إِنْسَان فَإِن هلك ذَلِك الْإِنْسَان فَهِيَ حرَّة عتقت من جَمِيع المَال إِذا قَالَه فِي الصِّحَّة
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز الْحَبْس فِي الرَّقِيق والماشية إِذا كَانَت بِعَينهَا يعرفهَا الشُّهُود وَلَا يجوز وقف الدَّنَانِير لِأَنَّهَا لَا ينْتَفع بهَا إِلَّا باستهلاك عينهَا
وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ يجوز وقف الرَّقِيق وَالدَّوَاب على آل فلَان فيستعمل وَينْفق عَلَيْهَا فَمَا فضل فَهُوَ لآل فلَان وَإِن ولدت الدَّابَّة أَو الْجَارِيَة بيع وَصرف ثمنه إِلَى الْفُقَرَاء من آلا فلَان فَإِن لم يكن فِي آل فلَان فُقَرَاء صرف فِي مَوَاضِع الْبر وَيجوز وقف الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم وَيدْفَع مُضَارَبَة وَيتَصَدَّق بفضلها فِي الْوُجُوه الَّتِي وقفت عَلَيْهَا وَيجوز وقف الأكسية يلبسهَا الْفُقَرَاء لبسهَا ثمَّ ترد إِلَى وَالِي الصَّدَقَة كلما اسْتغنى عَنْهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى الْمُخْتَار بن فلفل عَن طلق بن حبيب عَن أبي طليق أَنه كَانَ لَهُ جمل وناقة يحجّ على النَّاقة ويغزو على الْجمل(4/162)
فَسَأَلته امْرَأَته أَن يُعْطِيهَا الْجمل لتحج عَلَيْهِ فَقَالَ ألم تعلمي أَنِّي حَبسته فِي سَبِيل الله تَعَالَى فَقَالَت إِن الْحَج من سَبِيل الله وَسَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الْحَج فِي سَبِيل الله والغزو فِي سَبِيل الله
وروى الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصَّدَقَةِ فَقيل منع ابْن جميل وخَالِد بن الْوَلِيد وعباس بن عبد الْمطلب فَقَالَ أما خَالِد فَإِنَّكُم تظْلمُونَ خَالِدا فقد احْتبسَ أدراعه وأعتده فِي سَبِيل الله تَعَالَى
وَفِي حَدِيث أم معقل الأشجعية أَن زَوجهَا جعل ناضحة فِي سَبِيل الله تَعَالَى فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الْحَج وَالْعمْرَة فِي سَبِيل الله
وَفِي حَدِيث أبي طليق دلَالَة على صِحَة الْحَبْس فِي الدَّوَابّ وَإِن لم تخرج عَن يَد حابسها
وَأما الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فَلَا يَصح وَقفهَا لِأَنَّهَا تستهلك عينهَا فَتخرج عَن أَن تكون مَوْقُوفَة
وَأَجَازَ مَالك وقف الدَّنَانِير وَجعلهَا مَعَ ذَلِك قرضا على من أوقفت عَلَيْهِ فَلَا معنى لَهُ لِأَنَّهَا إِذا جعلت كَذَلِك فَهِيَ مَمْلُوكَة لمن أوقفت عَلَيْهِ والأوقاف لَا تكون مَمْلُوكَة
1852 - فِي وقف الرجل على نَفسه
قَالَ بشر عَن أبي يُوسُف وَلَو اسْتثْنى أَن ينْفق مِنْهَا على نَفسه من الصَّدَقَة الْمَوْقُوفَة حَيَاته وَهِي لِلْأَبَد فَإِن ذَلِك جَائِز(4/163)
وَقَالَ مَالك من حبس دَارا فَإِنَّهَا لَا ترجع إِلَيْهِ أبدا فَإِذا انقرض من حَبسهَا عَلَيْهِ رجعت حبسا على أقرب النَّاس وَإِن شَرط أَنَّهَا رَاجِعَة إِلَيْهِ بعد انْقِرَاض من حَبسهَا عَلَيْهِ رجعت مِيرَاثا بَين وَرَثَة الحابس يَوْم مَاتَ
وَقَالَ الْأنْصَارِيّ يجوز أَن يَسْتَثْنِي نَفَقَة على نَفسه لقَوْل عمر رَضِي الله عَنهُ فِي وَقفه لَا جنَاح على من وَليهَا أَن يَأْكُل مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ غير مُتَمَوّل
وَقد كَانَ هُوَ وَليهَا لم يُخرجهَا عَن يَده
وَقَالَ مُحَمَّد لَا يجوز إيقافه على أم وَلَده وَلَا مدبره لِأَن ذَلِك يكون للْمولى الْوَاقِف
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ دَاري حبيس على وَلَدي ثمَّ مرجعها إِلَى إِذا انقرضوا فالحبس بَاطِل وَقد قيل هُوَ جَائِز وَيرجع على أقرب النَّاس بالمحبس لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبطل الشَّرْط فِي الْعُمْرَى وأجازها
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِنَّمَا يَصح الْوَقْف فِي مَنَافِع الْأَشْيَاء الَّتِي يملكهَا الْوَاقِف فيجعلها لغيره فَلَا يجوز شَرطهَا لنَفسِهِ لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يملك نَفسه مَا هُوَ مَالِكه
وَأما عمر رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّمَا شَرط ذَلِك لمن يَلِيهِ من غَيره وَالدَّلِيل على أَن مَنَافِع الْوَقْف إِنَّمَا ملكهَا الْمَوْقُوف عَلَيْهِ من جِهَة الْموقف مَا روى إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا مَاتَ العَبْد انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاثَة من صَدَقَة جَارِيَة أَو علم ينْتَفع بِهِ أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ(4/164)
فَدلَّ أَنَّهَا مَمْلُوكَة من قبله لَوْلَا ذَلِك لما اسْتحق ثَوَابهَا
قَالَ أَبُو بكر هَذَا لَا يدل على أَنَّهَا مَمْلُوكَة من قبله لِأَنَّهُ قد اسْتحق الثَّوَاب لأجل أَنه سَببه وأوصل إِلَيْهِ كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدَّال على الْخَيْر كفاعله وكما قَالَ من سنّ سنة حَسَنَة لَهُ اجرها وَأجر من عمل بهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
1853 - فِي وقف الْمَرِيض على الْوَارِث
قَالَ مَالك إِذا حبس دَاره فِي مَرضه على وَلَده وَولد وَلَده وَالثلث يحملهَا فَإِنَّهَا تقسم على عدد الْوَلَد وَولد الْوَلَد فَمَا صَار للْوَلَد الْأَعْيَان دخل مَعَهم بَقِيَّة الْوَرَثَة فَيكون بَينهم على فَرَائض الله تَعَالَى حَتَّى إِذا انقرض ولد الْأَعْيَان رجعت الدَّار كلهَا حبسا على ولد الْوَلَد وَإِن انقرض وَاحِد من ولد الْأَعْيَان قسم نصِيبه على من بَقِي من ولد الْأَعْيَان وعَلى ولد الْوَلَد ثمَّ تدخل الزَّوْجَة وَالأُم وورثة الْمَيِّت مَعَ ولد الْأَعْيَان فَمَا أصَاب ولد الْأَعْيَان من ذَلِك على فَرَائض الله عز وَجل فَإِن هلك بَقِيَّة الْوَرَثَة من غير الْوَلَد كَانَ نصِيبهم دخل ويرثهم فِي حظوظهم مَا دَامَ أحد من ولد الْأَعْيَان حَيا(4/165)
وَذكر الْحسن عَن أبي يُوسُف إِذا وقف دَاره فِي مَرضه على وَلَده وَولد وَلَده أبدا ثمَّ مَاتَ جَازَ ذَلِك من الثُّلُث لمن لَا يَرِثهُ وَمن كَانَ مِنْهُم يَرِثهُ بطلت حِصَّته من ذَلِك
وَقَالَ الْأنْصَارِيّ هِيَ صَدَقَة مَوْقُوفَة وتقسم حِصَّة الْوَارِث بَين أهل الْمِيرَاث على كتاب الله تَعَالَى وَينفذ لمن لم يكن وَارِثا حِصَّته من ذَلِك فَإِن مَاتَ الْوَارِث رجعت حِصَّته على أهل الْوَقْف
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول مَالك والأنصاري لَا معنى لَهُ لِأَن حِصَّة الْوَارِث إِذا لم يجز فِيهِ الْوَقْف فَهُوَ موروث لَا يعود بعد ذَلِك وَقفا أبدا
1854 - فِي اشْتِرَاط بيع الْوَقْف
قَالَ بشر عَن أبي يُوسُف فِي سنة تسع وَسبعين إِن جعل الْوَاقِف نَفسه بِالْخِيَارِ فِي بيع الْوَقْف أَن يَجْعَل ذَلِك فِي وقف أفضل مِنْهُ فَهُوَ جَائِز وَإِن مَاتَ قبل أَن يخْتَار إِبْطَاله مضى الْوَقْف على مَا نَص عَلَيْهِ
قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُف بعد ذَلِك لَا يجوز الِاسْتِثْنَاء فِي إبِْطَال الْوَقْف وَالْوَقْف نَافِذ جَائِز
قَالَ أَبُو بكر لم نجد جَوَاز الْخِيَار فِي بيع الْوَقْف إِلَّا عَن أبي يُوسُف وَهُوَ فَاسد لِأَن الْوَقْف كَالْعِتْقِ وَشرط الْخِيَار فِي الْعتْق بَاطِل
1855 - فِي وقف الرجل على وَلَده الصغار
قَالَ مَالك من حبس دورا لَهُ على ولد لَهُ صغَار فسكن مِنْهَا دَارا فَإِن كَانَت عظم ذَلِك لم يجز وَإِن كَانَت بيعا جَازَ حبس تِلْكَ الدّور كلهَا بِمَنْزِلَة الَّذِي سكن الْبَيْت من الدَّار(4/166)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَفِي قَول أبي يُوسُف وَالشَّافِعِيّ قد جَازَ بالْقَوْل
وَقِيَاس قَول مُحَمَّد إِنَّهَا جَائِزَة وَإِن لم يُخرجهَا من يَده وَإِن كَانَ فيهم كَبِير لم يجز بِحَال إِذا وقفت وَهِي فِي يَد الْأَب كَمَا قَالَ فِي الصَّدَقَة الْمَمْلُوكَة فَإِن ابْن سَمَّاعَة حُكيَ عَنهُ فِيمَن تصدق على اثْنَيْنِ بدار لَهُ أَحدهمَا صَغِير وَالْآخر كَبِير فَإِن لم يقبض الْكَبِير لم يجز لوَاحِد مِنْهُمَا وَإِن قبض الْكَبِير جَازَت لَهما
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا فَاسد على أَصله لِأَن من أَصله من تصدق على رجلَيْنِ صَدَقَة وَاحِدَة لم يجز حَتَّى يقبضاها مِنْهُ قبضا وَاحِدًا وَإِن قبضهَا قبضين مُخْتَلفين لم يجز
وَحكى أَبُو خازم عَن عَليّ الرَّازِيّ فِي تَحْدِيد قَول مُحَمَّد نَحْو ذَلِك قَالَ فَقَالَ لي عَليّ الرَّازِيّ هَل فِي حِيلَة تجوز مَعهَا صدقته على اثْنَيْنِ لَهُ أَحدهمَا كَبِير وَالْآخر صَغِير فَقلت نعم يسلم الدَّار إِلَى ابْنه الْكَبِير ثمَّ يَقُول لَهُ ابْنه الْكَبِير تصدق بدارك هَذِه عَليّ وعَلى ابْنك الصَّغِير فَيَقُول قد فعلت فَيجوز لَهما
1856 - فِي الْأَلْفَاظ الَّتِي يَصح بهَا الْوَقْف
الَّذِي وجدنَا عَن مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث ذكر الْحَبْس وَذكر هِلَال الرَّأْي عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة إِذا قَالَ أرضي هَذِه صَدَقَة أَنه يَنْبَغِي أَن يتَصَدَّق بأصلها على الْمَسَاكِين أَو بيعهَا فَيتَصَدَّق بِثمنِهَا وَلَا فرق بَين قَوْله صَدَقَة وَبَين قَوْله صَدَقَة على الْمَسَاكِين(4/167)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَو قَالَ أرضي هَذِه مَوْقُوفَة وَلم يزدْ على ذَلِك لم تكن صَدَقَة وَلَا وَقفا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَعُثْمَان البتي تكون وَقفا
وَإِن قَالَ أرضي هَذِه وقف أَو قَالَ هِيَ مُحرمَة أَو قَالَ حبس مُحرمَة لم يجز لِأَنَّهُ ذكر حبس الأَصْل وَلم يسم لمن الْغلَّة
وَإِن قَالَ مَوْقُوفَة لله تَعَالَى جَازَ وَهِي كَقَوْلِه صَدَقَة مَوْقُوفَة
وَإِن قَالَ مَوْقُوفَة لله أبدا على نسلي أَو قَرَابَتي فَهَذَا جَائِز وَالْغلَّة لَهُم حياتهم فَإِذا انقرضوا صَارَت للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين
قَالَ هِلَال وَقد قَالَ ثَلَاثُونَ من الْفُقَهَاء لَا يجوز الْوَقْف حَتَّى يَجْعَل آخِره للْمَسَاكِين
وَذكر الْخصاف عَن مَعَاني أبي يُوسُف أَنه إِذا قَالَ هِيَ صَدَقَة مَوْقُوفَة على فلَان أبدا أَو قَالَ صَدَقَة مَوْقُوفَة مَا كَانَ حَيا فَإِذا مَاتَ صَارَت الْغلَّة للْمَسَاكِين قَالَ إِذا قَالَ أبدا فقد أوجبهَا للْمَسَاكِين أَلا ترى أَنه لَو قَالَ أرضي هَذِه مَوْقُوفَة لله أبدا فَإِنَّمَا قصد بغلتها إِلَى الْمَسَاكِين فَإِن لم يقل أبدا فقد قَالَ بعض الْفُقَهَاء إِنَّهَا تكون مَوْقُوفَة للْمَسَاكِين
وَقد قَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء مَا كَانَ من حبس جَارِيا على الْأَبَد فَهُوَ صَدَقَة مَوْقُوفَة لَا يرجع إِلَى الْمِيرَاث وَلَا إِلَى صَاحبه أبدا إِذا دَفعه إِلَى قيم يقوم بِهِ(4/168)
وَقَالَ الشَّافِعِي تتمّ الصَّدقَات الْمُحرمَات أَن يتَصَدَّق بهَا مَالِكهَا على قوم معروفين بأعيانهم وأنسابهم وصفاتهم ويجتمع فِي ذَلِك أَن يَقُول صَدَقَة لَا تبَاع وَلَا توهب وَلَا تورث أَو يَقُول صَدَقَة مُحرمَة أَو مُؤَبّدَة فَإِذا كَانَ وَاحِدًا من هَذَا فقد صحت فَلَا تعود مِيرَاثا أبدا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر احْبِسْ الأَصْل وسبل الثَّمَرَة فَدلَّ على أَنه إِذا ذكر الْحَبْس وتسبيل الثَّمَرَة صحت الصَّدَقَة وَإِن لم يقل صَدَقَة مَوْقُوفَة فَأَما جعله لله تَعَالَى فَإِنَّهُ يحْتَمل صَدَقَة مَمْلُوكَة وَيحْتَمل مَوْقُوفَة وَيدل على الِاحْتِمَال حَدِيث أنس فِي خبر أبي طَلْحَة لما جَاءَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِنِّي جعلت أرضي لله تَعَالَى فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجْعَلْهَا فِي فُقَرَاء قرابتك فَجَعلهَا لحسان وَأبي وَفِي بعض الفاظه أَنه قَالَ قد جعلهَا لله وَلِرَسُولِهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قبلناه مِنْك ورددناه عَلَيْك فاجعله من الْأَقْرَبين فَتصدق بِهِ على ذَوي رَحمَه مِنْهُم أَبى وَحسان فَبَاعَ حسان نصِيبه من مُعَاوِيَة
فَلم يَجْعَلهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدَقَة مَوْقُوفَة بقوله هِيَ لله وَلِرَسُولِهِ
1857 - بَاب شَرط بيع الْوَقْف
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن الْحسن الْمَدِينِيّ قَالَ حَدثنَا أَبُو عبيد الله المَخْزُومِي سعيد بن عبد الرَّحْمَن قَالَ حَدثنَا الْحسن بن زيد عَن عمر بن عَليّ بن حُسَيْن عَن أَبِيه عَليّ بن حُسَيْن عَن حُسَيْن بن عَليّ أَن(4/169)
عليا رَضِي الله عَنهُ تصدق بأمواله حِين توجه إِلَى صفّين جعلهَا حبسا ثلثهَا الْحسن ثمَّ الْحُسَيْن ثمَّ وسع عَلَيْهِمَا إِن نأت بهما دَار عَن دَار الصَّدَقَة أَن يبيعا الأَصْل باعاه ثمَّ قسماه أَثلَاثًا فثلث فِي السَّبِيل الَّتِي سبل فِي الرّقاب وَثلث فِي آل أبي طَالب وَثلث فِي بني هَاشم وَبني الْمطلب وَلم يَجْعَل ذَلِك بعدهمَا لأحد من وَلَده وَلَا لأولادهما وَإِنَّمَا وسع عَلَيْهِمَا تقربا إِلَى الله تَعَالَى وَحُرْمَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتعظيما وتشريفا لمكانهما
قيل لَهُ قد روى أَبُو يُوسُف قَالَ حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ عَن أَبِيه عَن جده عَن عَليّ بن أبي طَالب ذكر فِي وَقفه بينبع وَأَنَّهَا لَا يُبَاع وَلَا يُوهب وَلَا يُورث
فَهَذَا الْأَشْبَه بأصول الصَّدقَات
1858 - فِي حبس سُكْنى دَار هَل يجوز بيعهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ مَالك وَاللَّيْث فِي رجل حبس دَاره على رجل ليسكنها أبدا فَإِن للْوَاقِف أَن يَشْتَرِي سكناهَا مِنْهُ وَلَا يجوز ذَلِك لغيره وعَلى هَذَا أَصلهمَا فِي تجوزيهما الْوَقْف غير مؤبد
وَأَجَازَ أصحابهما الْوَصِيَّة بسكنى دَار لرجل إِذا خرجت من الثُّلُث فَإِن صَالحه الْوَارِث على أَن يتْرك السُّكْنَى على دَرَاهِم جَازَ وَإِن صَالحه غَيره على دِرْهَم على أَن يكون السُّكْنَى لَهُ لم يجز
آخر كتاب الصَّدَقَة الْمَوْقُوفَة(4/170)
= كتاب الْغَصْب =
1859 - فِي الْمَغْصُوب يقدر على مثل مَاله هَل يَأْخُذهُ
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْحسن بن حَيّ إِذا كَانَ لرجل على رجل مَال فَوجدَ مثله فَلهُ أَخذه بِغَيْر إِذْنه وَلَا يَأْخُذ من غير جنسه وَهُوَ قَول الثَّوْريّ رِوَايَة
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا كَانَ لرجل على آخر مَال وَله عَلَيْهِ مثله فَإِنَّهُ لَا يكون قصاصا إِلَّا أَن يتراضيا بِهِ
وَقَالَ مُحَمَّد إِذا جحد وَدِيعَة عِنْده ثمَّ استودع الجاحد الْمُودع لم يكن لَهُ أَن يجحده
وَقَالَ الثَّوْريّ فِي رِوَايَة الْمعَافى لَا يصير قصاصا حَتَّى يتقاضى
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا كَانَ الْغَاصِب أثمن الْمَغْصُوب على مَال دَفعه إِلَيْهِ فَعَلَيهِ أَن يُؤَدِّي إِلَيْهِ وَإِن وجده لَهُ وَلم يثمنه فَلَا بَأْس بِأَن يَأْخُذهُ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حق فَلهُ أَخذه بِغَيْر إِذْنه وَلكُل من علم ذَلِك أَن يَأْخُذهُ من مَال عَلَيْهِ فيعطيه
وَقَالَ إِذا اشْترى لَهُ شَيْئا بأَمْره ثمَّ يجحده الْآمِر فَلهُ أَن يَبِيعهُ ويستوفي حَقه الَّذِي أذن فِي ثمنه وَيُوقف الْفضل وَإِن صدقه يَوْمًا أَخذه(4/171)
وَقَالَ اللَّيْث إِذا باعت الْمَرْأَة خَادِم زَوجهَا فِي النَّفَقَة جَازَ بيعهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا كَانَ عَلَيْهِ حق فَمَنعه إِيَّاه فَلهُ أَن يَأْخُذ من مَاله حَيْثُ وجده بوزنه أَو كَيْله فَإِن لم يجد لَهُ بَاعَ عروضه وَاسْتوْفى من ثمنه حَقه
قَالَ أَبُو جَعْفَر فروى بكر بن خلف قَالَ حَدثنَا بشر بن الْمفضل قَالَ حَدثنَا حميد عَن يُوسُف الْمَكِّيّ قَالَ كنت أكتب لفُلَان نَفَقَة أَيْتَام كَانَ وليهم فغالطوه بِأَلف دِرْهَم فأداها إِلَيْهِم فأدركت لَهُ مثلهَا من مَالهم فَقلت أَقبض الْألف الَّذِي ذَهَبُوا بهَا مِنْك فَقَالَ حَدثنِي أبي أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أد الْأَمَانَة إِلَى من ائتمنك وَلَا تخن من خانك
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهُوَ حَدِيث مُضْطَرب لِأَن بشر بن الْمفضل رَوَاهُ عَن حميد عَن يُوسُف الْمَكِّيّ وَرَوَاهُ مُعْتَمر عَن حميد عَن بكر بن عبد الله وَإِنَّمَا ذكر فِي حَدِيث بشر إِنِّي كنت أكتب لفُلَان وَلم يسمه
وَفِي حَدِيث مُعْتَمر عَن بكر بن عبد الله قَالَ كَانَ هَذَا بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ وَهُوَ خَلِيل وَلَيْسَ يعرف لَهُ سَماع عَن أَبِيه لِأَنَّهُ يُقَال إِنَّه توفّي وَابْنه بكر صَغِير
وَقد روى الْمُبَارك بن فاضلة عَن بكر بن عبد الله قَالَ قَالَ لي عَلْقَمَة بن عبد الله الْمُزنِيّ غسل أَبَاك وَأَنا صَغِير أَرْبَعَة من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلهم بَايع تَحت الشَّجَرَة فَمَا زادوا على أَن حسروا عَن سواعدهم وَجعلُوا عصيهم فِي حجرهم ثمَّ غسلوا وَلم يزِيدُوا على الْوضُوء(4/172)
وَلَو صَحَّ الحَدِيث احْتمل أَن يكون مَعْنَاهُ أد الْأَمَانَة إِلَى من ائتمنك وَلَا تخن من خانك بِأَن تَأْخُذ زِيَادَة على مَالك بِغَيْر حق كَمَا أَخذهم فِي الِابْتِدَاء بِغَيْر حق
وَقد روى هَذَا الحَدِيث من وُجُوه آخر يُنكره أَصْحَاب الحَدِيث وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو كريب قَالَ حَدثنَا طلق بن غَنَّام عَن شريك وَقيس عَن أبي حُصَيْن عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أد الْأَمَانَة إِلَى من ائتمنك وَلَا تخن من خانك
وَهَذَا يحْتَج بِهِ
وروى هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أَن هندا قَالَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أَبَا سُفْيَان رجل شحيح لَا يعطيني مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بني إِلَّا أَن آخذه وَهُوَ لَا يعلم فَهَل عَليّ جنَاح فِي ذَلِك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خذي مَا يَكْفِيك وَيَكْفِي بنيك بِالْمَعْرُوفِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَأما قَول من أجَاز بيع الْعرُوض فَهُوَ فَاسد لِأَن حَقه فِي ذمَّته لَا فِي الْعين أَلا ترى أَنه إِنَّمَا يُطَالِبهُ عِنْد الْحَاكِم بأَدَاء دينه لَا بِبيع عروضه
فَإِن قيل فقد يَبِيع القَاضِي عَلَيْهِ الْعرُوض كَذَلِك الْغَرِيم
قيل لَهُ هَذَا غلط لِأَن القَاضِي إِنَّمَا يَأْمُرهُ أَولا بِبيع عروضه فَإِن لم يفعل حِينَئِذٍ بَاعه الْحَاكِم وَالْقَاضِي قد يَلِي على النَّاس ويتصرف عَلَيْهِم فِي وُجُوه(4/173)
لَا يجوز مثلهَا لغيره وَإِذا كَانَ القَاضِي لَا يَبِيع عَلَيْهِ حَتَّى يمْتَنع هُوَ كَذَلِك الْغَرِيم
1860 - فِي ولد الْمَغْصُوبَة
قَالَ أَصْحَابنَا غير مَضْمُون وَكَذَلِكَ زِيَادَة الْبدن وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ ولد الْمَرْهُونَة إِذا هلك سقط من الدّين بِحِصَّتِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي يضمن الزِّيَادَة وَالْولد جَمِيعًا
قَالَ أَبُو جَعْفَر الزِّيَادَة حدثت فِي يَده بِغَيْر فعله كشاة دخلت دَار رجل أَو ثوب ألقته الرّيح فِيهَا وَالْفرق بَينه وَبَين ولد الصَّيْد أَن ضَمَان الصَّيْد قد يَقع بِالسَّبَبِ لَا يضمن بِهِ الْأَمْوَال كمن نصب شركا فِي دَاره وَهُوَ محرم للصَّيْد فَيضمن وَلَا يضمن بِمثلِهِ الْأَمْوَال
1861 - فِي استهلاكه بعد الزِّيَادَة
قَالَ فِي الأَصْل إِذا غصب جَارِيَة قيمتهَا ألف فزادت حَتَّى صَارَت تَسَاوِي أَلفَيْنِ فَبَاعَهَا الْغَاصِب وَسلمهَا فَهَلَكت فللمغصوب أَن يضمنهُ قيمتهَا يَوْم سلمهَا وَإِن شَاءَ ضمن المُشْتَرِي
وَقَالَ ابْن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة لَا يضمن الْغَاصِب الْألف الدِّرْهَم
وَقَالَ مَالك للْمَغْصُوب أَن يضمن الْغَاصِب قيمتهَا يَوْم الْغَصْب وَلَا يضمن المُشْتَرِي شَيْئا وَإِن شَاءَ أجَاز البيع وَأخذ الثّمن(4/174)
وَقَالَ الشَّافِعِي يضمن الْغَاصِب قيمتهَا زَائِدَة
1862 - فِي نُقْصَان الْحَيَوَان فِي يَد الْغَاصِب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا غصبه عبدا فَذَهَبت عينه فِي يَد الْغَاصِب فللمغصوب أَن يضمنهُ أرش الْعين وَيَأْخُذ العَبْد
وَقَالَ الشَّافِعِي لَو زَاد فِي يَد الْغَاصِب ثمَّ نقص كَانَ لَهُ أَن يضمنهُ النُّقْصَان الَّذِي ذهب بِهِ الزِّيَادَة
وَقَالَ مَالك لَيْسَ للْمَغْصُوب أَن يضمن الْغَاصِب أرش الْعين وَلَكِن يَأْخُذ العَبْد نَاقِصا إِن شَاءَ وَلَا يضمنهُ شَيْئا وَإِن شَاءَ ضمنه الْقيمَة وَيسلم العَبْد للْغَاصِب
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ الْحَيَوَان مَضْمُونا فِي يَده بِقِيمَتِه ضمن أجزاءه وَلَيْسَ كَالْمَبِيعِ لِأَن العقد يَقْتَضِي تَسْلِيم الْمَبِيع صَحِيحا فَإِذا لم يجده كَذَلِك كَانَ لَهُ الْخِيَار من غير ضَمَان كَمَا لَو وجد عَيْبا كَانَ بِهِ قبل البيع وَقد اتَّفقُوا فِي الثَّوْب الْمَغْصُوب إِذا حدث بِهِ خرق وَفِي الدَّار إِذا حدث بهَا هدم أَن الْغَاصِب يضمن النُّقْصَان كَذَلِك الْحَيَوَان
1863 - فِي تخريق الثَّوْب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ خرقا يَسِيرا أَخذ الثَّوْب وَضمن الْغَاصِب النُّقْصَان وَإِن كَانَ خرقا قد أفْسدهُ فَصَاحب الثَّوْب بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ضمن الْغَاصِب قِيمَته كُله وَكَانَ الثَّوْب للْغَاصِب وَإِن شَاءَ أَخذ الثَّوْب وَضَمنَهُ النُّقْصَان
وَقَالَ ابْن شبْرمَة يضمن نُقْصَان الْخرق(4/175)
وَقَالَ مَالك إِن أفْسدهُ الْخرق غرم قِيمَته وَكَانَ الثَّوْب للْغَاصِب وَإِن لم يكن الْخرق فَاحِشا رقاه الَّذِي خرقه ثمَّ يقوم بعد الَّذِي رقاه فَمَا نقص ذَلِك غرمه
وَقَالَ الشَّافِعِي يضمن النُّقْصَان فِي الْخرق الْيَسِير وَالْكَبِير
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْخرق الْكَبِير الْمُفْسد يبطل عَلَيْهِ مَنَافِعه واليسير لَا يُبْطِلهَا فَلهُ تصمينه فِي الْكَبِير إِلَّا أَنهم قد قَالُوا لَو قطع يَدي عبد لم يضمن جَمِيع الْقيمَة مَعَ بطلَان عَامَّة مَنَافِعه فَبَطل الِاعْتِبَار الَّذِي ذكرنَا
1864 - فِي غصب الْعقار
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف لَا يضمن بِالْغَصْبِ إِلَّا أَن ينهدم من فعله
وَقَالَ مُحَمَّد يضمن بِالْغَصْبِ وَإِن انْهَدم من غير عمله وَهُوَ قَول مَالك قَالَ مَالك وَلَا يضمن الْأُجْرَة
وَقَالَ الشَّافِعِي يضمن مَا انْهَدم والكراء جَمِيعًا
1865 - فِي أُجْرَة الْغَصْب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا غصب دَابَّة وأجرها فالأجرة للْغَاصِب يتَصَدَّق بهَا وَلَا أجر للْمَغْصُوب
وَقَالَ ابْن شبْرمَة على الْغَاصِب أُجْرَة الدَّار وَهُوَ قَول الشَّافِعِي قَالَ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخراج بِالضَّمَانِ(4/176)
يُوجب أَن يكون للْغَاصِب
1866 - فِيمَا انْقَطع فِي أَيدي النَّاس
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا غصبه شَيْئا مِمَّا يُكَال أَو يُوزن فَانْقَطع من أَيدي النَّاس فَعَلَيهِ قِيمَته يَوْم يختصمون
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَوْم غصبه
وَقَالَ زفر وَمُحَمّد آخر مَا انْقَطع من أَيدي النَّاس
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا أقرضت رجلا شَيْئا من الثِّمَار فِي حِينه فَأَخَذته بَعْدَمَا ذهب حِينه فَلَيْسَ لَك أَن تَأْخُذهُ حَتَّى يَجِيء حِينه إِذا لم يقدر على مثله فِي ذَلِك الْموضع
وَذكر هِشَام عَن مُحَمَّد فِي رجل قد غصب جَارِيَة بِالريِّ وَحملهَا إِلَى بَغْدَاد فَلَقِيَهُ بَغْدَاد أَن الْمَغْصُوب بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ قيمتهَا بِالريِّ وَإِن شَاءَ أَخذ الْجَارِيَة بِمَدِينَة السَّلَام
وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه إِذا غصبه كِرَاء بِبَغْدَاد ثمَّ لقِيه بِالْبَصْرَةِ هُوَ أغْلى مِنْهُ بِبَغْدَاد فَلَيْسَ للْمَغْصُوب أَن يُطَالِبهُ بكرَاء مثله وَلكنه إِن شَاءَ أَخذ قِيمَته بِبَغْدَاد يَوْم يختصمون وَإِن شَاءَ أَخّرهُ حَتَّى يَأْخُذ مِنْهُ بِبَغْدَاد كِرَاء مثله إِن كَانَ بِالْبَصْرَةِ أرخص فَلَيْسَ للْغَاصِب أَن يُعْطِيهِ كِرَاء مثله إِلَّا أَن يَشَاء الْمَغْصُوب وللمغصوب أَن يضمنهُ قِيمَته بِبَغْدَاد أَو يُؤَخِّرهُ حَتَّى يَأْخُذ مثله بِبَغْدَاد
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن زفر فِيمَن حكيت عَنهُ فِيمَن اسْتقْرض دَرَاهِم ثمَّ لقِيه بِبَلَد آخر قَالَ كَانَ أَبُو حنيفَة يَقُول يَأْخُذهُ بهَا حَيْثُ لقِيه وَكَانَ يستحسن(4/177)
فِي الطَّعَام أَن يَأْخُذهُ حَيْثُ أقْرضهُ فَلَو أقْرضهُ بِالْكُوفَةِ فَلَقِيَهُ بِمصْر فَقَالَ خُذ طَعَامك هَاهُنَا كَانَ قبيحا وَإِن غصبه إِيَّاه أَخذه حَيْثُ لقِيه
وَقَالَ مَالك إِذا غصبه طَعَاما فاستهلكه ثمَّ لقِيه فِي مَوضِع غَيره فَلَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا لَا طَعَاما وَلَا قيمَة وَإِنَّمَا يَأْخُذ بِالطَّعَامِ فِي الْموضع الَّذِي غصبه
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا أقْرضهُ بِالْكُوفَةِ فَلَقِيَهُ بِمَكَّة أَخذه بطعامه حَيْثُمَا كَانَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس مَا قَالَ الثَّوْريّ لِأَن الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فِي غر بَلَده بِمَنْزِلَة تغير السّعر فِي مَوْضِعه
1867 - فِيمَن غصب خَشَبَة فَأدْخلهَا فِي بنائِهِ
قَالَ أَصْحَابنَا عَلَيْهِ قيمتهَا وَلَيْسَ لصَاحِبهَا أَن يَأْخُذهَا وَعَن زفر فِيمَا حَكَاهُ ابْن أبي عمرَان أَنه يَأْخُذهَا وَيرْفَع الْبناء
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْمُزنِيّ يَأْخُذ الْخَشَبَة
وَقَالَ الشَّافِعِي لَو كَانَ خيطا خاط بِهِ جرح إِنْسَان أَو حَيَوَان ضمن الْخَيط وَلم ينْزع
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْمُحْتَاج إِلَى خيط يخيط بِهِ بَطْنه كَانَ لَهُ أَن يَأْخُذ خيط غَيره بِغَيْر إِذْنه إِذا خَافَ على نَفسه وَلَو خَافَ سُقُوط جِدَاره لم يكن لَهُ أَخذ خَشَبَة غَيره لإصلاحه(4/178)
1868 - إِذا خلط دَرَاهِمه بِدَرَاهِم غَيره
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا خلط دَرَاهِم الْوَدِيعَة بدراهمه ضمنهَا
فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا سَبِيل لَهُ على الْغَيْر
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يشركهُ الْمُودع إِن شَاءَ
وَقَالَ مَالك عَلَيْهِ دَرَاهِم مثلهَا وَلَا يكون شَرِيكا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا خلط زَيْت غَيره بِزَيْت لَهُ مثله أَو خير مِنْهُ فَإِن شَاءَ أعطَاهُ من هَذَا مكيلته وَإِن شَاءَ أعطَاهُ مثل زيته
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما ضمنهَا بالخلط وَجب أَن يسْقط حَقه من الْعين لِاسْتِحَالَة أَن يملكهَا وبدلها مَعًا
1869 - فِيمَن قضى بِقِيمَة مَا غصب ثمَّ قدر عَلَيْهِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ضمنه الْقيمَة بِالْبَيِّنَةِ ثمَّ ظهر العَبْد فَلَا سَبِيل لَهُ عَلَيْهِ وَإِن ضمنهَا بقول الْغَاصِب ثمَّ ظهر العَبْد فالمغصوب بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ رد الْقيمَة وَأخذ العَبْد وَإِن شَاءَ كَانَت لَهُ الْقيمَة وَسلم العَبْد للْغَاصِب
وَقَالَ مَالك إِذا غرم قيمَة الدَّابَّة ثمَّ ظَهرت فَلَا سَبِيل لصَاحِبهَا عَلَيْهَا إِلَّا أَن تكون قيمتهَا أَكثر مِمَّا أَخذ
وَقَالَ الشَّافِعِي مَتى ظهر أَخذ العَبْد ورد الْقيمَة
1870 - فِيمَن غصب ثوبا فصبغه أَحْمَر
قَالَ أَصْحَابنَا الْمَغْصُوب بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذه وَضمن زِيَادَة الصَّبْغ(4/179)
للْغَاصِب وَإِن شَاءَ ضمن الْغَاصِب قِيمَته أَبيض وَسلم الثَّوْب لَهُ وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا غصبه ثوبا فصبغه وَزَاد فِي قِيمَته قيل للْغَاصِب إِن شِئْت استخرجت الصَّبْغ على أَنَّك ضَامِن لما نقص وَإِن شِئْت فَأَنت شريك بِمَا زَاد الصَّبْغ فَإِن تمحق الصَّبْغ فَلم تكن لَهُ قيمَة قيل لَهُ لَيْسَ لَك هَاهُنَا مَال يزِيد وَإِن شِئْت فاستخرجه وَأَنت ضَامِن لنُقْصَان الثَّوْب وَإِن شِئْت فَدَعْهُ فَإِن كَانَ ينقص ضمن النُّقْصَان وَله أَن يخرج الصَّبْغ على أَن يضمن النُّقْصَان وَإِن شَاءَ ترك
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا معنى لإباحة الْغَاصِب اسْتِخْرَاج الصَّبْغ مَعَ نُقْصَان الَّذِي يلْحق الثَّوْب لِأَنَّهُ إِن كَانَ من حق الْغَاصِب أَخذ صبغه فَمن حق الْمَغْصُوب أَن لَا ينقص ثَوْبه وَيَنْبَغِي أَن لَا يكون عَلَيْهِ ضَمَان النُّقْصَان لِأَن ذَلِك من حُقُوقه وَلما أوجب النُّقْصَان بالاستخراج دلّ على أَنه لَيْسَ من حُقُوقه وَأَنه مَمْنُوع مِنْهُ فَلَمَّا بَطل هَذَا صَحَّ أَن للْمَغْصُوب احتباس الثَّوْب لِأَن الصَّبْغ مستهلك فِي الثَّوْب وَلَيْسَ الثَّوْب مُسْتَهْلكا فِي الصَّبْغ
1871 - فِي الْغَاصِب يهب لغيره
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا غصب ثوبا فوهبه لغيره فخرقه ثمَّ جَاءَ الْمَغْصُوب فَإِن شَاءَ ضمن الْغَاصِب وَإِن شَاءَ ضمن الْمَوْهُوب لَهُ فَأَيّهمَا ضمن لم يرجع على الآخر
وَقَالَ مَالك لَا يضمن الْمَوْهُوب لَهُ إِلَّا أَن يكون الْغَاصِب عديما فَإِن ضمنه لم يرجع على الْغَاصِب(4/180)
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن غصب طَعَاما فأطعمه غَيره فَإِن شَاءَ ضمن الْغَاصِب وَإِن شَاءَ الْمَوْهُوب لَهُ وَإِن ضمن الْغَاصِب لم يرجع على الْمَوْهُوب لَهُ وَإِن ضمنه الْمَوْهُوب لَهُ فقد قيل لَهُ أَن يرجع على الْوَاهِب وَقيل لَا يرجع بِهِ
قَالَ الْمُزنِيّ الْأَشْبَه أَن لَا يرجع على الْغَاصِب وَأَن الْغَاصِب يرجع عَلَيْهِ لِأَن الْهِبَة لم تصح
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْغرَر إِنَّمَا يُوجب الرُّجُوع بِالْبَدَلِ الَّذِي هُوَ الثّمن وَلَا يُوجب الرُّجُوع بِالْقيمَةِ
1872 - فِي تَغْيِير الْمَغْصُوب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا غصبه غزلا فنسجه أَو قطنا فغزله أَو حِنْطَة فطحنها فَلَا سَبِيل للْمَغْصُوب عَلَيْهِ وَعَلِيهِ الضَّمَان وَكَذَلِكَ قَول مَالك فِي الْغَزل إِذا نسج والقطن إِذا غزل
وَقَالَ الشَّافِعِي يَأْخُذهُ الْمَغْصُوب وَلَا حق فِيهِ للْغَاصِب
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى زُهَيْر بن مُعَاوِيَة قَالَ حَدثنَا عَاصِم بن كُلَيْب عَن أَبِيه عَن رجل من الْأَنْصَار فِي قصَّة الشَّاة الْمَغْصُوبَة المشوية وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَن تطعم الْأُسَارَى
وَقد رَوَاهُ أَيْضا أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَغَيرهمَا وَهُوَ حَدِيث صَحِيح السَّنَد وَلم يرو شَيْء يُخَالِفهُ فَصَارَ أصلا فِي ذَلِك
وَذكر مُحَمَّد فِي إمْلَائِهِ أَن الْمَغْصُوب أَحَق بِهَذَا اللَّحْم فِي حَيَاة الْغَاصِب وَبعد مَوته حَتَّى شَاءَ لَهُ فيستوفي ثمنه دون سَائِر الْغُرَمَاء(4/181)
قَالَ مُحَمَّد وَلَو كَانَ لَهُ احتباس الشَّاة لما أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن يطعم الأسرى
وَرُوِيَ عَن أبي يُوسُف فِي الْإِمْلَاء أَن لَهُ أَخذ الشَّاة المشوية وَلَا يَأْخُذ اللَّحْم إِذا طبخ بالخل والتوابل
وَلَا فرق عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد بَينهمَا فِي أَنه لَيْسَ للْمَغْصُوب أَخذه
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَجه مَنعهم أكلهَا وإطعامها الأسرى أَنه لَا يطيب للْغَاصِب أكلهَا حَتَّى يقوم لصَاحِبهَا بِقِيمَتِهَا
1873 - فِي الْمَغْصُوب يُجِيز بيع الْغَاصِب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا بَاعَ الْغَاصِب الْجَارِيَة وَقبض الثّمن فَهَلَك فِي يَده ثمَّ أجَاز الْمَغْصُوب البيع جَازَ وَالثمن هَالك من ملك الْمَغْصُوب
وَقَالَ مَالك يضمن الْغَاصِب الثّمن للْمَغْصُوب
وَعند الشَّافِعِي لَا يقف البيع وَلَا يبرأ الْغَاصِب من الضَّمَان بِالْإِجَازَةِ وَهَذَا كَلَام فِي بيع الْمَوْقُوف
وَقد رُوِيَ عَن عمر عَليّ وَابْن عمر وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَعبد الله بن عَمْرو وَأبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُم فِي الْمُلْتَقط يتَصَدَّق باللقطة بعد التَّعْرِيف حولا ثمَّ يَجِيء صَاحبهَا أَنه بِالْخِيَارِ فِي إجَازَة الصَّدَقَة فَيجوز عَنهُ وَيكون لَهُ أجرهَا وَفِي تضمين الْمُلْتَقط
فَثَبت بذلك وقُوف الْعُقُود على من يملك إجازتها(4/182)
1874 - فِي الْغَاصِب يَبِيع ثمَّ يَشْتَرِي من الْمَغْصُوب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا بَاعَ الْغَاصِب الْجَارِيَة ثمَّ اشْترى من الْمَغْصُوب ينْقض بيع الْغَاصِب
وَقَالَ مَالك لَا ينْتَقض بَيْعه وَينفذ
1875 - فِي رجلَيْنِ يغصبان شَيْئا وَاحِدًا
قَالَ مَالك فِي رجلَيْنِ يغصبان شَيْئا وَاحِدًا فللمغصوب أَن يضمن كل وَاحِد مِنْهُمَا الْجَمِيع
وَلم يقل أحد من أهل الْعلم بذلك سواهُ وَهُوَ فَاسد فِي الْقيَاس أَيْضا لِأَن كل وَاحِد غَاصِب لِلنِّصْفِ كَمَا لَو اشتريا عبدا كَانَ كل وَاحِد مُشْتَريا لِلنِّصْفِ يلْزمه ثمن النّصْف دون الْكل زِيَادَة
قَالَ رُوِيَ فِي الْإِمْلَاء عَن أبي يُوسُف أَنه إِذا أَخذ الْقيمَة بقول الْغَاصِب ثمَّ ظهر العَبْد وَقِيمَته كَمَا قَالَ الْغَاصِب فَلَا سَبِيل للْمَغْصُوب عَلَيْهِ وَإِن كَانَت قِيمَته أَكثر فللمغصوب أَخذه ورد الْقيمَة وَلم يشرط ذَلِك فِي الأَصْل بل قَالَ أَخذ الْقيمَة بقول الْغَاصِب ثمَّ ظهر العَبْد أَخذه إِن شَاءَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقد تزيد الْقيمَة وتنقص فَلَا اعْتِبَار بِقِيمَتِه يَوْم ظهر إِذْ لَيْسَ يمْتَنع أَن يكون أَكثر يَوْم الضَّمَان ثمَّ ينقص
آخر الْغَصْب(4/183)
= كتاب الْعَارِية =
1876 - فِي ضَمَان الْعَارِية
قَالَ أَصْحَابنَا الْعَارِية غير مَضْمُونَة وَهُوَ قَول ابْن شبْرمَة وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ عُثْمَان البتي الْمُسْتَعِير ضَامِن بِمَا استعاره إِلَّا الْحَيَوَان وَالْعَبْد فَإِن اشْترط عَلَيْهِ فِي الْحَيَوَان فِي الْعَارِية وَيضمن الْحلِيّ وَالثيَاب وَنَحْوهَا
وَقَالَ اللَّيْث لَا ضَمَان فِي الْعَارِية وَلَكِن أَبَا الْعَبَّاس أَمِير الْمُؤمنِينَ قد كتب بِأَن يضمنهَا وَالْقَضَاء الْيَوْم على الضَّمَان
وَقَالَ الشَّافِعِي كل عَارِية مَضْمُونَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَرُوِيَ عَن عمر وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا أَن لَا ضَمَان فِي(4/185)
الْعَارِية وَعَن ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة أَنَّهَا مَضْمُونَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وروى شريك عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن ابْن أبي مليكَة عَن أُمِّيّه بن صَفْوَان بن أُميَّة عَن أَبِيه قَالَ اسْتعَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَفْوَان بن أُميَّة أدراعا من حَدِيد يَوْم خَيْبَر فَقَالَ لَهُ يَا مُحَمَّد مَضْمُونَة قَالَ مَضْمُونَة فَضَاعَ بَعْضهَا فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن شِئْت غرمناها لَك قَالَ لَا أَنا أَرغب فِي الْإِسْلَام من ذَلِك يَا رَسُول الله
إِسْرَائِيل عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن ابْن أبي مليكَة عَن صَفْوَان بن أُميَّة قَالَ اسْتعَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَفْوَان بن أُميَّة أدراعا فَضَاعَ بَعْضهَا وَقَالَ إِن شِئْت غرمناها لَك قَالَ لَا يَا رَسُول الله
فوصله شريك وَذكر فِيهِ الضَّمَان وقطعه إِسْرَائِيل وَلم يذكر الضَّمَان
وَرَوَاهُ مُسَدّد وَقَالَ حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن نَاس من آل صَفْوَان بن أُميَّة قَالُوا اسْتعَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَفْوَان بن أُميَّة سِلَاحا فَقَالَ لَهُ صَفْوَان أعارية أم غصب فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل عَارِية ففقد أدراعا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِصَفْوَان إِن شِئْت غرمناها لَك فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن فِي قلبِي الْيَوْم من الْإِيمَان مَا لم يكن يَوْمئِذٍ
وَرَوَاهُ مُسَدّد مرّة أُخْرَى قَالَ حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن صَفْوَان بن أُميَّة وَذكر لنا حَدِيثا من غير ذكر ضَمَان(4/186)
وروى قَتَادَة عَن عَطاء أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتعَار من صَفْوَان بن أُميَّة دروعا يَوْم خَيْبَر فَقَالَ لَهُ أمؤداة يَا رَسُول الله للعارية قَالَ نعم
وروى جرير عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن أنَاس من آل عبد الله بن صَفْوَان قَالَ أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَغْزُو جَيْشًا وَذكر الحَدِيث من غير ذكر ضَمَان وَلَيْسَ فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث أحفظ وَلَا أتقن وَلَا أثبت من جرير بن عبد الحميد وَلَو تكافأت الروَاة فِيهِ حصل مضطربا
وَقد رُوِيَ فِي أَخْبَار أخر من طَرِيق أبي أُمَامَة وَغَيره عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَارِية مُؤَدَّاة
والمؤداة أَمَانَة لَيست فِي الذِّمَّة قَالَ الله تَعَالَى {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا}
وَمن جِهَة الْقيَاس أَن الْمَقْبُوض على وَجه الْإِجَارَة لِاسْتِيفَاء الْمَنَافِع غير مَضْمُون كَذَلِك الْعَارِية بل هِيَ أَحْرَى أَن لَا تكون مَضْمُونَة مَعَ عدم الْبَدَل
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقد ذكر لنا مُحَمَّد بن الْعَبَّاس أَن مُحَمَّدًا تَأَول فِي ذَلِك أَن صَفْوَان كَانَ مُشْركًا يَوْمئِذٍ فَشرط الضَّمَان وَقد يجوز ذَلِك بَين الْمُسلمين وَأهل الْحَرْب
1877 - فِي اسْتِعَارَة الأَرْض ليبني فِيهَا مُدَّة أَو غير مُدَّة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أَعَارَهُ أَرضًا ليبني فِيهَا فَبنِي وَلم يشرط لَهُ مُدَّة فَلهُ أَن يُخرجهُ مَتى شَاءَ ويقلع بِنَاء وَلَا يضمن شَيْئا إِن شَرط لَهُ مُدَّة فَلهُ أَن(4/187)
يُخرجهُ قبل مضيها فَإِن أخرجه ضمن قيمَة الْبناء
وَذكر بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف عَن ابْن أبي ليلى أَنه يضمن قيمَة الْبناء للباني وَإِن لم يشرط لَهُ مُدَّة
وَقَالَ أَصْحَابنَا جَمِيعًا الْغَرْس مثل الْبناء وَأما الزَّرْع فَإِنَّهُ يتْرك حَتَّى يستحصد فيحصد
وَقَالَ زفر لَهُ أَن يُخرجهُ قبل الْمدَّة وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي الْبناء
وَقَالَ مَالك إِذا ضرب أَََجَلًا للعارية لم يكن لَهُ أَن يرجع فِيهَا وَإِن لم يبن وَإِن لم يضْرب أَََجَلًا فَلهُ أَن يرجع وَإِن لم يؤقت وَإِن أذن لَهُ فِي الْبناء وَأَرَادَ أَن يُخرجهُ بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ لم يكن لَهُ ذَلِك إِلَّا أَن يدْفع إِلَيْهِ مَا أنْفق وَإِلَّا لم يكن لَهُ ذَلِك حَتَّى يسكن مَا يرى النَّاس أَنه يسكن مثله فِي قدر مَا عمر ثمَّ إِذا أَرَادَ أَن يُخرجهُ أعطَاهُ قيمَة نقضه إِن أحب وَإِن شَاءَ أمره بقلعه
وَقَالَ اللَّيْث من أعَار إِلَى أجل لم يَأْخُذ مِنْهُ قبل الْأَجَل
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أَعَارَهُ نَفعه فَبنى فِيهَا لم يكن أَن يُخرجهُ حَتَّى يُعْطِيهِ قيمَة بنائِهِ قَائِما يَوْم يُخرجهُ وَإِن وَقت وقتا أَو أذن لَهُ مُطلقًا فَهُوَ سَوَاء وَلَكِن لَو قَالَ إِذا انْقَضى الْوَقْت كَانَ عَلَيْك أَن تنقض بناءك كَانَ ذَلِك عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يغره
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا أَن الْعَارِية إِذا لم يُوَقت لَهَا فَلهُ الرُّجُوع فِيهَا وَإِذا وَقت اخْتلفُوا فَلَمَّا صحت الْعَارِية بِغَيْر مُدَّة دلّ على أَنَّهَا لَيست كَالْإِجَارَةِ فَالْقِيَاس أَن يرجع فِيهَا وَإِن كَانَت مُؤَقَّتَة
آخر كتاب الْعَارِية(4/188)
= كتاب الْوَدِيعَة =
1878 - فِي الْمُسْتَوْدع يخلط الْوَدِيعَة بِمَالِه
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ إِذا خلط الْوَدِيعَة بِمَالِه حَتَّى لم يتَمَيَّز ضمن
وروى ابْن وهب عَن مَالك مثل ذَلِك
وروى عَنهُ ابْن الْقَاسِم أَنه إِن كَانَ مثله لم يضمن
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما لم يَخْتَلِفُوا أَنه يضمن إِذا لم يكن مثله وَلم يتَمَيَّز كَذَلِك إِذا كَانَ من جنسه وَمثله
1879 - إِذا استهلكت الْوَدِيعَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اسْتهْلك الْوَدِيعَة ثمَّ وضع مَكَانهَا مثلهَا لم يبرا من الضَّمَان وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ(4/189)
فَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا رد مَكَانهَا مثلهَا وَكَانَت دَرَاهِم أَو حِنْطَة أَو نَحْوهَا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْكَيْل وَالْوَزْن كُله إِن اسْتهْلك بَعْضهَا ثمَّ رد مثل مَا اسْتهْلك
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا أَخذ بَعْضهَا فاستهلكه ثمَّ رد مثله فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ إِلَّا فِيمَا أَخذ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما اسْتَهْلكهُ صَار دينا فَلَا يبرأ مِنْهُ إِلَّا بِمَا يبرأ من سَائِر الدُّيُون
1880 - فِي الْمُودع هَل يودع
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يودع وَإِن أودع ضمن إِلَّا أَن يكون فِي عِيَاله فَإِن هلك ضمن الأول دون الثَّانِي عِنْد أبي حنيفَة
وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد لَهُ أَن يضمن أَيهمَا شَاءَ وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ مَالك إِن أَرَادَ سفرا وَكَانَ بَيته مُفردا وَمَا أشبهه من الْعذر لم يضمن وَإِن لم يكن لَهُ عذر ضمن وَإِن أودعهُ فِي السّفر فَدفعهُ إِلَى غَيره ضمن وَلَيْسَ مثل الْحَاضِر
وَقَالَ اللَّيْث إِن خرج غازيا فِي الْبَحْر أوحاجا أَو خَافَ عَلَيْهَا بعده فَإِن استودعها أَمينا لم يضمن وَمن حول شَيْئا من مَوْضِعه ضمن وَإِن كَانَ لَهُ عذر لم يضمن وَإِن أودع أَهله لم يضمن
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أودع الْمُودع غَيره وصاحبها حَاضر ضمن وَإِن لم يكن حَاضرا فأودعها أَمينا وَهُوَ يُرِيد سفرا لم يضمن(4/190)
1881 - إِذا ادّعى أَنه أذن لَهُ فِي إِيدَاع غَيره
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا دفع الْمُودع الْوَدِيعَة إِلَى غَيره وَادّعى إِذن صَاحبهَا ضمن وَلم يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى القَوْل قَول الْمُسْتَوْدع وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَعَلِيهِ الْيَمين
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا أمره أَن يَدْفَعهَا إِلَى آخر وَزعم أَنه دَفعهَا وَالْآخر يجْحَد فَإِن جَاءَ بِبَيِّنَة أَنه دَفعهَا وَإِلَّا ضمن
1882 - فِي الْمُودع هَل يسْتَعْمل الْوَدِيعَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا بعث العَبْد الْوَدِيعَة فِي حَاجَة لَهُ فَهَلَك ضمن
وَقَالَ اللَّيْث إِن بَعثه فِي سفر أَو أَمر بِعَيْنِه فَعَطب فِي مثله فَهُوَ ضَامِن وَإِن قَالَ اذْهَبْ إِلَى بَاب الدَّار اشْتَرِ بقلا أَو نَحوه لم يضمن لِأَن العَبْد لَو خرج فِي مثل هَذَا لم يمْنَع مِنْهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا بعث الدَّابَّة إِلَى غير دَاره لتسقى وَهُوَ يسقى فِي دَاره ضمن
1883 - فِي النَّفَقَة على الْوَدِيعَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أنْفق عَلَيْهَا الْمُودع بِغَيْر إِذن صَاحبهَا فَهُوَ مُتَطَوّع إِلَّا أَن يكون بِأَمْر حَاكم
وَقَالَ مَالك يرجح بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ إِذْ قَامَت الْبَيِّنَة أَنه كَانَ وَدِيعَة عِنْده(4/191)
وَقَالَ الشَّافِعِي يَنْبَغِي أَن يَأْتِي الْحَاكِم حَتَّى يُوكل من يقبض مِنْهُ النَّفَقَة عَلَيْهَا وَيكون دينا على رَبهَا فَإِن حَبسهَا مُدَّة إِذا أَتَت على مثلهَا لم تَأْكُل وَلم تشرب هَلَكت ضمن وَإِن لم تكن كَذَلِك فَتلفت لم يضمن
1884 - إِذا قَالَ الْمُودع أودعينها أَحَدكُمَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ادَّعَاهَا رجلَانِ فَقَالَ مَا أَدْرِي لأيكما هِيَ فَإِنَّهُ يسْتَحْلف لكل وَاحِد مِنْهُمَا فَإِن أَبى أَن يحلف لَهما دَفعهَا إِلَيْهِمَا وَغرم قيمتهَا بَينهمَا
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا شَيْء عَلَيْهِ وَهُوَ بَينهمَا نِصْفَانِ
وَقَالَ الشَّافِعِي أَحْلف الْمُودع بِاللَّه مَا يدْرِي لأيهما هُوَ ووقف ذَلِك لَهما جَمِيعًا حَتَّى يصطلحا فِيهِ أَو يُقيم أَحدهمَا بَيِّنَة لَهُ وَأيهمَا حلف مَعَ نُكُول صَاحبه كَانَ لَهُ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لكل وَاحِد من المدعيين أَن يستحلفه وَإِذا كَانَ لَهما استحلافه لم يكن أَحدهمَا أولى بالتبدئة بِالْيَمِينِ لَهُ من الآخر لِأَنَّهُمَا حِين تَسَاويا فِي الدَّعْوَى وَجب أَن يتساويا فِي الِاسْتِحْلَاف عَلَيْهَا وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يَصح استحلافه لَهما على نفي ملكهمَا مَعَ إِقْرَاره لأَحَدهمَا
وَقد ذكر مُحَمَّد أَن يستحلفه لَهما يَمِينا وَاحِدَة بِاللَّه مَا هِيَ لوَاحِد مِنْهُمَا وَذكره عَنهُ ابْن سَمَّاعَة(4/192)
وَلَا يجوز ذَلِك لما وَصفنَا من الِاسْتِحْلَاف على نفي مَا أقرّ بِهِ وَقَول الشَّافِعِي أَيْضا فَاسد لِأَنَّهُ استحلفه مَا يدْرِي لأيهما هِيَ وَلَو نكل عَن الْيَمين لم يكن لنكوله حكم وَهُوَ سَاقِط وَإِذا بَطل ذَلِك وَجب أَن يسْتَحْلف لَهما يمينين يبْدَأ القَاضِي بِأَيِّهِمَا شَاءَ أَو يقرع بَينهمَا
1885 - فِي مدعي الْوكَالَة بِقَبض الْوَدِيعَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ادّعى رجل أَن الْمُودع وَكله بِقَبض الْوَدِيعَة فَهُوَ على أَرْبَعَة أوجه
إِن كذبه وَدفعهَا ثمَّ جَاءَ الْمُودع وَأنكر التَّوْكِيل ضمن الْمُودع وَرجع بِهِ على الْوَكِيل
وَكَذَلِكَ إِن لم يصدقهُ وَلم يكذبهُ
وَكَذَلِكَ إِن صدقه وَضَمنَهُ وَإِن صدقه وَلم يضمنهُ لم يرجع بِهِ على مدعي الْوكَالَة
وَكَذَلِكَ مدعي الْوكَالَة بِقَبض الدّين
وَقَالَ أَصْحَابنَا إِذا ادّعى الْوكَالَة بِقَبض الدّين وَصدقه الْغَرِيم فَإِنَّهُ يجْبرهُ على تَسْلِيمه إِلَيْهِ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالشَّافِعِيّ لَا أجْبرهُ على دفع الدّين حَتَّى يُقيم الْبَيِّنَة وَأَقُول لَهُ إِن شِئْت فاعطه وَإِن شِئْت فَاتْرُكْهُ
وَقَالَ مَالك إِذا صدقه فِي الْوكَالَة بِقَبض الْوَدِيعَة وَدفعهَا ثمَّ جَاءَ صَاحبهَا فَلهُ أَن يضمنهُ وَيرجع الْمُودع على الْقَابِض
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَو ادّعى أَن أَبَاهُ مَاتَ وَترك هَذِه الْوَدِيعَة(4/193)
مِيرَاثا لَهُ لاوارث لَهُ غَيره فَصدقهُ أَنه يَوْم دَفعهَا إِلَيْهِ كَذَلِك الْوكَالَة
1886 - فِي السفاتج
قَالَ أَصْحَابنَا تكره السفاتج إِذا كَانَت على شَرط وَلَا بَأْس بهَا على غير شَرط
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا يشْتَرط وَقيل إِلَى من أدفَع
وَقَالَ مَالك أكره السفاتج لِأَنَّهُ قرض جر مَنْفَعَة
وكرهها الشَّافِعِي أَيْضا على شَرط وكرهها مَالك على غير شَرط إِذا كَانَت الْعَادة عِنْده بِمَنْزِلَة الشَّرْط
آخر كتاب الْوَدِيعَة(4/194)
= كتاب الصُّلْح =
1887 - فِي الصُّلْح على الْإِنْكَار
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ الصُّلْح على الْإِنْكَار جَائِز
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا يجوز على الْإِنْكَار وَيجوز على السُّكُوت من غير إِنْكَار وَلَا إِقْرَار
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز إِلَّا على الْإِقْرَار كَالْبيع لَا يجوز إِلَّا أَن يصادقا على الْعِوَض والمعوض
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد حكم للصح بِخِلَاف حكم البيع وَذَلِكَ لأَنهم أَجَازُوا للرجل أَن يُصَالح غَيره بِغَيْر أمره وَعرض فِي يَده يَدعِيهِ لنَفسِهِ وينكر مايدعي عَلَيْهِ فِيهِ وَلم يقبلُوا بعد ذَلِك بَيِّنَة الْمُدعى عَلَيْهِ وَلَو كَانَ ابتاعه من الْمُدَّعِي وَلم يصالحه قبلت بَينته على صِحَة الْملك(4/195)
1888 - فِي الِاسْتِحْقَاق فِي الصُّلْح
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ادّعى جَارِيَة فِي يَده فَصَالحه مِنْهَا على عبد فَاسْتحقَّ فَإِن كَانَ على إِقْرَار أَخذ الْجَارِيَة وَإِن كَانَ على إِنْكَار رَجَعَ فِي الدَّعْوَى
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ عَن إِقْرَار رَجَعَ بِالَّذِي أقرّ لَهُ بِهِ وَإِن كَانَ على إِنْكَار رَجَعَ عَلَيْهِ بِقِيمَة مَا دفع
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي إِذا ادّعى حَقًا فِي دَار فَأقر لَهُ أَجْنَبِي على الْمُدعى عَلَيْهِ وَصَالح على عبد بِعَيْنِه فَهُوَ جَائِز وَإِن وجد عَيْبا فَرده أَو اسْتحق لم يكن لَهُ على الْأَجْنَبِيّ شَيْء وَرجع على دَعْوَاهُ
1889 - فِي الْإِقْرَار بعد الصُّلْح على الْإِنْكَار
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا جَحده حَتَّى صَالحه ثمَّ أقرّ بِهِ فَالصُّلْح مَاض وَكَذَلِكَ لَو أَبرَأَهُ وَهُوَ جَاحد ثمَّ أقرّ فالبراءة مَاضِيَة
وَقَالَ مَالك فِي الرجل يَدعِي قبل الرجل دينا فجحده ثمَّ صَالحه لِأَنَّهُ جَحده فَلهُ أَن يرجع عَلَيْهِ بِبَقِيَّة حَقه إِذا وجد بَيِّنَة فَإِن قَالَ لي بَيِّنَة غَائِبَة وَخَافَ أَن تَمُوت شُهُوده أَو يَمُوت الْمُدعى عَلَيْهِ أَو يطعن فَصَالحه لم يقبل بعد ذَلِك بَينته لِأَنَّهُ لَو شَاءَ لم يعجل(4/196)
1890 - فِي الصُّلْح عَن العَبْد الْمَغْصُوب الْآبِق
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا صَالحه وَالْعَبْد آبق على دَرَاهِم أَو دَنَانِير حَالَة أَو مُؤَجّلَة جَازَ وَإِن صَالحه على شَيْء من الْكَيْل أَو الْمَوْزُون مُؤَجّلا لم يجز ذَلِك إِن كَانَ مُؤَجّلا بِغَيْر عينه لِأَن الْقيمَة دين عَلَيْهِ رَوَاهُ أَسد بن الْفُرَات عَن مُحَمَّد
وَقَالَ مَالك مَا كَانَ يحكم بِهِ دَنَانِير فَصَالحه على دَنَانِير مُؤَجّلَة جَازَ وعَلى غَيره لَا يجوز إِلَّا أَن يتعجله لِأَنَّهُ يصير دينا بدين
وَقَالَ الشَّافِعِي مَا جَازَ فِي البيع جَازَ فِي الصُّلْح وَمَا لم يجز فِي البيع لم يجز فِي الصُّلْح
قَالَ أَبُو جَعْفَر للْقَاضِي أَن يحكم إِن شَاءَ بِالدَّنَانِيرِ وَإِن شَاءَ بِالدَّرَاهِمِ فمهما صَالح عَلَيْهِ من ذَلِك فَهُوَ الْوَاجِب
1891 - فِي الصُّلْح من الْعَيْب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى عبدا ثمَّ صَالحه من كل عيب بِهِ على دَرَاهِم فَهُوَ جَائِز وَهُوَ بَرِيء من كل عيب وَلَو قَالَ اشْترى مثل الْعُيُوب بِدَرَاهِم لم يجز
وَقَالَ مَالك إِن ذكر عَيْبا بِعَيْنِه مثل المشش فِي يَد الدَّابَّة وَنَحْوهَا وَقَالَ أشتريه مِنْك بِكَذَا جَازَ
1892 - فِي صلح بعض الْوَرَثَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ترك ابْنا وَامْرَأَة فصالحها من نصِيبهَا على دَرَاهِم مَعْلُومَة(4/197)
وَفِي الْمِيرَاث غير ذَلِك فَإِن كَانَت الدَّرَاهِم أَكثر من نصِيبهَا جَازَ وَإِلَّا لم يجز وَإِن أَدخل الدّين فِي الصُّلْح لم يجز بِحَال
وَقَالَ مَالك إِن صالحها على مائَة دِرْهَم من دَرَاهِم الْمَيِّت وَهِي مثل مِيرَاثهَا أَو أقل جَازَ وَإِن كَانَت أَكثر لم يجز لِأَنَّهَا باعت عرُوضا حَاضِرَة وغائبة وذهبا بِدَرَاهِم تعجلتها فَإِن صالحوها على مائَة دِرْهَم من أَمْوَالهم على أَن تسلم لَهُم جَمِيع المَال الَّذِي تَركه الْمَيِّت لم يجز وَإِن اشْتَروا ذَلِك مِنْهَا بالعروض جَازَ إِذا عرف مَا ترك الْمَيِّت من عرُوض أَو قرض أَو دين حَاضر إِن كَانَ للْمَيت دين على 2 النَّاس من بيع أَو سلف فاشتروا حظها مِنْهَا لم يجز وَإِن كَانَ قرضا جَازَ إِذا حضر الَّذِي عَلَيْهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي هُوَ كَالْبيع فَمَا جَازَ فِي البيع جَازَ فِيهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الدَّلِيل على جَوَاز الصُّلْح من الْمَجْهُول مَا رَوَاهُ يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الله بن كَعْب بن مَالك عَن أَبِيه أَن جَابر بن عبد الله قتل أَبوهُ يَوْم أحد شَهِيدا وَعَلِيهِ دين فَاشْتَدَّ الْغُرَمَاء فِي حُقُوقهم وَقَالَ جَابر فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكلمته فَسَأَلَهُمْ أَن يقبلُوا ثَمَر حائطي ويحللوا أبي فَأَبَوا فَلم يعطهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حائطي وَلم يكسرهُ لَهُم فَطَافَ فِي النّخل ودعا فِي ثَمَرهَا بِالْبركَةِ فجذذتها فقضيتهم حُقُوقهم وَبَقِي لنا من ثَمَرهَا بَقِيَّة(4/198)
وَرَوَاهُ يزِيد بن زُرَيْع عَن روح بن الْقَاسِم عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر أَنه كَانَ على أَبِيه أوسق من تمر فَقُلْنَا للرجل خُذ من نخلنا بِمَا عَلَيْهِ فَأبى فَأَتَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ عمر فَدَعَا لنا بِالْبركَةِ فِيهَا فذذناها فأعطينا الرجل كل شَيْء كَانَ لَهُ وَبَقِي خرص نخلنا كَمَا هُوَ فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ أخبر بذلك عمر فَأخْبرهُ فَقَالَ قد علمت أَنه يُبَارك فِيهَا حِين دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأجَاز عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الصُّلْح من غير علم بِمِقْدَار مَا كَانَ عَلَيْهِ وَبِغير علم مِقْدَار مَا سَأَلُوا أَخذه عمالهم فَدلَّ على أَن جَهله بِمِقْدَار الْمصَالح عَنهُ وجهله بِمِقْدَار مَا وَقع الصُّلْح عَلَيْهِ عَمَّا صولح عَنهُ لَا يمْنَع صِحَّته
1893 - فِيمَن قَالَ قد صالحتك على كَذَا على أَن تَدْفَعهُ إِلَى
أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد أَرَادَ إِذا كَانَ عَلَيْهِ ألف دِرْهَم حَاله فَقَالَ لَهُ ادْفَعْ إِلَيّ مِنْهَا خَمْسمِائَة دِرْهَم غَدا على أَنَّك بَرِيء من الْفضل فَهُوَ بَرِيء من الْفضل إِن دفع إِلَيْهِ وَإِن لم يدْفع إِلَيْهِ الْخَمْسمِائَةِ غَدا عَادَتْ عَلَيْهِ فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يعود عَلَيْهِ وَإِن اشْترط عَلَيْهِ إِن لم يوافه الْيَوْم بالخمسمائة فَعَلَيهِ الْألف بِمُضِيِّ الْيَوْم قبل أَن يُعْطِيهِ فَإِن عَلَيْهِ ألفا فِي قَوْلهم جَمِيعًا(4/199)
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ اشْهَدُوا أَنه إِن أَعْطَانِي مائَة دِرْهَم عِنْد رَأس الشَّهْر فالتسعمائة لَهُ وَإِن لم يُعْطِنِي فالألف كُله عَلَيْهِ فَلَا بَأْس بذلك وَهُوَ كَمَا قَالَ
وَعند الشَّافِعِي الصُّلْح كَالْبيع وَهَذَا مخاطرة فَلَا يجوز
1894 - فِي الصُّلْح عَن الْغَيْر
إِذا صَالح عَن الْغَيْر فِيمَا يدعى عَلَيْهِ وَالْمَطْلُوب مقرّ ومنكر وَإِن ضمن لزمَه وَإِن لم يضمن فَهُوَ مَوْقُوف على الْمَطْلُوب إِن أجَاز جَازَ وَلَزِمَه وَكَذَلِكَ لَو صولح عَنهُ بأَمْره لم يلْزم الْمصَالح وَلزِمَ الْمَطْلُوب
وَذكر أَبُو جَعْفَر عَن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس عَن عَليّ عَن مُحَمَّد لَو قَالَ أصالحك على مائَة من مَالِي كَانَ ضَامِنا لما صَالح عَلَيْهِ قَالَ وَهُوَ قَوْلهم جَمِيعًا
وَذكر عِيسَى بن أبان عَن إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد وَعَن مُحَمَّد بن الْحسن أَنه لَو صَالحه على هَذِه الْمِائَة دِرْهَم وَهِي قَائِمَة فِي يَده كَانَ لصلحه على مائَة من مَاله أَو على مائَة هُوَ لَهَا ضَامِن
وَقَالَ مَالك إِذا صَالحه من حَقه الَّذِي لَهُ على فلَان على كَذَا وَلم يقل أَنا ضَامِن فَهُوَ ضَامِن سَوَاء قَالَ هُوَ ضَامِن أَو لم يقل
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُزنِيّ إِذا صَالح رجل عَن رجل بِشَيْء جَازَ عَنهُ(4/200)
الصُّلْح وَلَيْسَ للَّذي أعْطى عَنهُ أَن يرجع عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تطوع بِهِ وَذكر الرّبيع عَنهُ أَنه إِذا صَالحه على عبد بِعَيْنِه ثمَّ اسْتحق لم يكن لَهُ على الْمصَالح الْأَجْنَبِيّ شَيْء
1895 - فِي الصُّلْح عَن الْوَصِيَّة بالغلة وَنَحْوهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أوصى لَهُ بِخِدْمَة عبد أَو سُكْنى دَار أَو غلَّة عَبده أَو بِمَا فِي بطن أمته فَصَالحه الْوَرَثَة على دَرَاهِم مُسَمَّاة فِي ذَلِك فَهُوَ جَائِز وَلَو بَاعَ ذَلِك مِنْهُم مَعًا لم يجز
وَقَالَ مَالك يجوز صلحهم على ذَلِك على الْغلَّة وَالسُّكْنَى والخدمة وغلة النّخل وَلَا يجوز عَمَّا فِي الْبَطن لِأَن مرجع النّخل وَالدَّار وَالْعَبْد إِلَى الْوَرَثَة وَفِي الْحمل لَا يرجع إِلَى الْوَرَثَة مِنْهُ شَيْء
وَقِيَاس قَول الشَّافِعِي أَنه لَا يجوز شَيْء من ذَلِك لِأَن الصُّلْح كَالْبيع وَمَعَ ذَلِك لَا يجوز
1896 - فِي الصُّلْح من دم الْعمد
قَالَ أَصْحَابنَا فِي دم عمد بَين رجلَيْنِ صَالح أَحدهمَا من نصِيبه على دَرَاهِم فَهُوَ جَائِز وَلَيْسَ لِأَخِيهِ فِيهَا شَيْء
وَقِيَاس قَول مَالك وَقَول الشَّافِعِي أَنه يُشَارِكهُ(4/201)
1897 - فِي الصُّلْح وَقتل الْخَطَأ
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا صَالحه من دم الْخَطَأ على مائَة بعير أَو ألف دِينَار فَهُوَ جَائِز
وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد يجوز أَيْضا على ألفي شَاة أَو مِائَتي بقرة أَو مِائَتي حلَّة وَإِن صَالح على أَكثر مِمَّا قدر فِي الدِّيَة من ذَلِك لم يجز فَإِن قضى القَاضِي بِالْإِبِلِ ثمَّ صَالحه على دَرَاهِم مثل قيمتهَا أَو أَكثر مِمَّا يتَغَابَن النَّاس فِيهِ فَهُوَ جَائِز لِأَنَّهُ لَو جَاءَ بِقِيمَتِهَا قبلت مِنْهُ وَإِن صَالحه على أَكثر من قيمَة بِمَا لَا يتَغَابَن فِيهِ لم يجز وَإِن صَالحه من الْإِبِل على بقر أَو غنم فَإِن كَانَت بِعَينهَا جَازَ وَإِلَّا لم يجز
وَقَالَ مَالك إِن جنى رجل من أهل الْإِبِل فَصَالح عَاقِلَته أَوْلِيَاء الْجِنَايَة على أَكثر من ألف دِينَار جَازَ وَإِن عجلها
1898 - فِي الْحَط عَن المتغيب
قَالَ بشر عَن أبي يُوسُف إِذا تغيب الْمَطْلُوب حَتَّى حط بعض المَال ثمَّ ظهر بعد فالحط جَائِز فِي قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَهُ أَن يرجع فِيمَا حط عَنهُ لِأَنَّهُ تغيب عَنهُ
قَالَ أَبُو يُوسُف وَبِه نَأْخُذ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لم نجد هَذِه الرِّوَايَة عَن أبي يُوسُف إِلَّا فِي هَذَا(4/202)
الْموضع وَقَول الْمَشْهُور أَنه جَائِز كَقَوْل أبي حنيفَة وَمُحَمّد
وَقَالَ مَالك إِذا تغيب شُهُود الطَّالِب وجحده الْمَطْلُوب فَصَالحه على بعض الدّين وَأشْهد فِي السَّرَايَة صَالحه لِأَنَّهُ جَحده فالحط جَائِز
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا تغيب الْمَطْلُوب فحط بعض دينه وَأخذ الْبَاقِي ثمَّ قَالَ إِنَّمَا حططت المتغيب فَلَيْسَ لَهُ أَن يرجع فِيمَا حط لِأَن هَذَا لَيْسَ فِي معنى الْإِكْرَاه
قَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا أَنه لَو ماطله فَصَالحه لأجل المطل كَانَ الْحَط جَائِزا كَذَلِك التغيب
1899 - فِي التَّحْكِيم
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا حكما رجلَانِ بَينهمَا رجلا لكل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يرجع فِي ذَلِك مالم يمض الْحُكُومَة فَإِذا أمضاها بَينهمَا فَلَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا أَن يرجع فِيهَا وَيَنْبَغِي للْقَاضِي حِين يرفع ذَلِك إِلَيْهِ إِن كَانَ يُوَافق الْحق عِنْده أَن يمضيه وَإِن كَانَ لَا يُوَافق رَأْيه وَرَأى الْحق غَيره رده وحملهما على رَأْيه دون رَأْي الحكم
وَقَالَ ابْن أبي ليلى حكم الحكم جَائِز عَلَيْهِمَا
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا حكم الحكم بَينهمَا فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يُبطلهُ مَا لم يرضيا بعد الحكم
وَقَالَ مَالك إِذا حكما بَينهمَا رجلا جَازَ حكمه عَلَيْهِمَا فَإِن رفع إِلَى قَاض لم يُبطلهُ إِلَّا أَن يكون خطأ بَينا وَإِن حكماه وَأقَام الْبَيِّنَة عِنْده ثمَّ بدا لوَاحِد مِنْهُمَا أَن يحكم فَقَالَ لَا يحكم شَيْئا فَإِنِّي أرى أَن يقْضِي بَينهمَا وَيجوز حكمه(4/203)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا جعلا بَينهمَا حكما وَأقر أَن مَا قضى بِهِ فَهُوَ جَائِز عَلَيْهِمَا فَلَيْسَ لَهما أَن يرجعا فِي حكمه هُوَ بِمَنْزِلَة القَاضِي
وَقَالَ اللَّيْث إِذا حكم بَينهمَا لم يرد حكمه إِلَّا الإِمَام
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا حكم بَينهمَا ثمَّ ارتفعا إِلَى قَاض فَرَأى خلاف حكمه فَلَا يجوز فِي ذَلِك إِلَّا بِوَاحِد من قَوْلَيْنِ إِمَّا أَن يكون فِي معنى القَاضِي فَلَا يفْسخ مِنْهُ إِلَّا مَا يفْسخ على قَاض غَيره أَو أَن يكون حكمه كالفتيا فَلَا يلْزم وَاحِد مِنْهُمَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه لَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا أَن يرجع بعد إِمْضَاء الحكم دون القَاضِي فَدلَّ أَن الحكم قد لزمهما فالحاكم عَلَيْهِ أَن يمْضِي عَلَيْهِمَا مَا كَانَ لَازِما لَهما قبل ذَلِك فَدلَّ على أَنه لَا يفسخه بِوَجْه كقضاء القَاضِي
1900 - فِي تحكيم الْمَرْأَة
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز تحكيم الْمَرْأَة وَقَالُوا لَو استقضت جَازَ قَضَاؤُهَا فِيمَا يجوز فِيهِ شهادتها
وَذكر ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه لَا يجوز تحكيم من لَا تجوز شَهَادَته كَالْعَبْدِ والمحدود فِي الْقَذْف وَالصَّبِيّ وَالذِّمِّيّ وَالْمَرْأَة
وَرُوِيَ أَيْضا عَن ابْن سَمَّاعَة عَنهُ أَنه لَا يجوز تحكيم الْمَرْأَة
وَقَالَ مَالك يجوز تحكيم الْمَرْأَة وَينفذ حكمهَا مَا لم تأت جورا أَو خطأ قَالَ مَالك وَكَانَت الشِّفَاء أم سُلَيْمَان بن حتمة على السُّوق فِي زمن(4/204)
عمر رَضِي الله عَنهُ كَانَ ولاها إِيَّاه وَصَاحب السُّوق فَلَا بُد أَن يقْضِي بَين النَّاس
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يؤم أَمِير فِي إمارته فَدلَّ على أَن الْإِمَامَة فِي الصَّلَاة للولاة دون غَيرهم فَلَمَّا لم تكن الْمَرْأَة إِمَامًا للرِّجَال دلّ على خُرُوجهَا مِمَّن يصلح أَن تكون أَمِيرا فَلَا يجوز أَن تكون قَاضِيا وَمن لم يصلح أَن يكون قَاضِيا لم يَصح أَن يكون حكما
آخر كتاب الصُّلْح(4/205)
= كتاب الْإِقْرَار =
1901 - فِي الْمَجْهُول يقر بِالرّقِّ
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز إِقْرَاره بِالرّقِّ وَيكون عبدا لمن أقرّ بِهِ لَهُ فِي سَائِر أَحْكَامه فَقَالُوا إِذا تزوجت الْمَرْأَة المجهولة رجلا ثمَّ أقرَّت بِالرّقِّ صدقت على نَفسهَا وَلَا تصدق على أَوْلَادهَا الَّذين ولدتهم قبل ذَلِك فِي أَن يجعلهم رَقِيقا فهم أَحْرَار وَمَا تحملهم بعد ذَلِك فهم رَقِيق فِي قَول أبي يُوسُف وَفِي قَول مُحَمَّد أَحْرَار
وَقَالَ مَالك لَو أقرّ اللَّقِيط بِالرّقِّ لم يصدق وَكَذَلِكَ فِي ظَاهره ظَاهر الْحُرِّيَّة وَلَو قذفه رجل حد قَاذفه
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا أقرّ الْحر لرجل يملك جعل عَبده وَمَاله للَّذي أقرّ لَهُ وَجعل فِي مَال العَبْد بِمَنْزِلَة الْمَمْلُوك وَفِيمَا عَلَيْهِ بِمَنْزِلَة الْحر إِن قذفه جلد ثَمَانِينَ وَإِن قذفه رجل لم يحد ويقتص مِنْهُ فِيمَا دون النَّفس وَلَا يقْتَصّ لَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا بلغ اللَّقِيط وَاشْترى وَبَاعَ ونكح وأصدق ثمَّ أقرّ أَنه عبد لرجل ألزمته مِمَّا لزمَه قبل إِقْرَاره وَفِي إِقْرَاره بِالرّقِّ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يلْزمه فِي نَفسه وَلَا يصدق فِي حق غَيره(4/207)
وَمن قَالَ أصدقه لِأَنَّهُ مَجْهُول
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول الْحسن بن حَيّ فَاسد لِأَنَّهُ بعد إِقْرَاره بِالرّقِّ لَا يَخْلُو من أَن يكون فِي حكم العبيد أَو الْأَحْرَار فَإِن عمل إِقْرَاره فَهُوَ عبد فِي أَحْكَامه كلهَا وَإِن لم يعْمل إِقْرَاره فه حر فِي أَحْكَامه
1902 - إِذا أقرّ بِولد مَجْهُول هَل يصير أمه زَوْجَة لَهُ
إِذا قَالَ لغلام هَذَا ابْني ثمَّ مَاتَ الرجل فَجَاءَت أم الْغُلَام وَهِي حرَّة تَدعِي الزَّوْجِيَّة فَإِن لَهَا الْمِيرَاث مِنْهُ
وروى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنَّهَا إِذا كَانَت مَجْهُولَة لم يكن لَهَا مِيرَاث إِذا لم تعرف بِالْحُرِّيَّةِ وَالْولد وَلَده مِنْهَا وَإِن كَانَت مَعْرُوفَة الأَصْل فَالْقِيَاس أَن لَا يكون
وَوجه الِاسْتِحْسَان أَنِّي لَا أَدْرِي لَعَلَّه وَطئهَا بشبه وَلَكِنِّي أستحسن إِذا كَانَت مَعْرُوفَة أَنَّهَا حرَّة أَن أجعلها أمْرَأَته
1903 - فِي إِقْرَار بعض الْوَرَثَة بدين
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْحسن بن حَيّ إِذا أقرّ وَارِث بدين وَجحد الْبَاقُونَ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي كُله من نصِيبه
وَقَالَ ابْن أبي ليلى يدْخل عَلَيْهِ من الدّين بِقدر نصِيبه من الْمِيرَاث وَهُوَ قَول ابْن شبْرمَة وَمَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ قَالَه الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي
وَفِي الْبُوَيْطِيّ مثل قَوْلنَا وَقَول الشّعبِيّ مثل قَول أَصَابَنَا
وَقَول الْحسن الْبَصْرِيّ وَإِبْرَاهِيم مثل قَول ابْن أبي ليلى(4/208)
1904 - شَهَادَة بعض الْوَرَثَة بدين على الْمَيِّت
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا شهد رجلَانِ من الْوَرَثَة بدين على الْمَيِّت جَازَ وَلم يلْزمه الْحَاكِم من نصِيبه خَاصَّة
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ شَهَادَتهمَا جَائِزَة على أَنفسهمَا وَيُؤْخَذ من حصتهما
وَقَالَ الشّعبِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ شَهَادَتهمَا جَائِزَة على جَمِيع الْوَرَثَة وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا كَانَت شَهَادَتهمَا تحيط بِالْمَالِ جَازَت وَإِذا بَقِي من المَال شَيْء لم يجز لِأَنَّهُمَا يجران إِلَى أَنفسهمَا
وَقَالَ الشَّافِعِي تجوز شَهَادَتهمَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر تجوز شَهَادَة الوراث على الْوَارِث كَمَا تجوز على غَيره فَإِذا ألزمهما القَاضِي بإقرارهما لم ينفذ بعد ذَلِك فِي إِسْقَاط مَا لزمهما قَالَ وَنَظِيره رجل شهد على رجل بِالزِّنَا فَإِن قضى عَلَيْهِ بِالْحَدِّ ثمَّ جَاءَ بِثَلَاثَة يشْهدُونَ مَعَه لم يجز وَلَو لم يقْض عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَ بِثَلَاثَة يشْهدُونَ مَعَه جَازَ
قَالَ أَبُو بكر لَا يعْتَبر أَصْحَابنَا ذَلِك وَإِنَّمَا يعتبرون مجيئهم وَلَعَلَّ ذَلِك قَول الْمُخَالف فألزمهم إِيَّاه(4/209)
1905 - فِي إِقْرَار الْمَرِيض وَعَلِيهِ دين فِي الصِّحَّة
قَالَ أَصْحَابنَا يبْدَأ بدين الصِّحَّة ثمَّ يقْضِي دين الْمَرَض
وَقَالَ مَالك إِن أقرّ بِهِ لوَارث أَو ذِي قرَابَة أَو صديق ملاطف لم يقبل إِقْرَاره إِلَّا بِبَيِّنَة وَإِن اقر لغَيرهم فَإِنَّهُ يحاص غُرَمَاء الصِّحَّة وَإِنَّمَا يرد مَا أَمر بِهِ فِي الْمَرَض للتُّهمَةِ فَإِذا لم تقع التُّهْمَة جَازَ
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أقرّ بدين فِي الْمَرَض وَله ولد صدق فِي جَمِيع مَاله وَإِن كَانَ إِنَّمَا يُورث كَلَالَة أَو لَهُ عصبَة يرثونه قَالَ ذَلِك فِيمَا يتهم عَلَيْهِ النَّاس فَيثبت فِيهِ فَرُبمَا أَرَادَ أَن يحرم عصبته بالتوليج إِلَى غَيرهم
وَقَالَ الشَّافِعِي الْإِقْرَار فِي الصِّحَّة وَالْمَرَض سَوَاء يتحاصون فِيهِ
1906 - إِقْرَار الْمَرِيض للْوَارِث
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز إِذا مَاتَ فِي مَرضه إِلَّا أَن يصدقهُ بَقِيَّتهمْ وَهُوَ قَول مَالك
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يجوز وَالْآخر أَنه لَا يجوز
قَالَ أَبُو جَعْفَر رُوِيَ عَن ابْن عمر أَن الرجل إِذا توفّي وَعَلِيهِ صدَاق لامْرَأَته فَهُوَ أُسْوَة الْغُرَمَاء وَإِن كَانَ فِي بَيته قَمح اَوْ زَيْت أَو غَيره فَهُوَ للْوَرَثَة إِلَّا أَن يكون سَمَّاهُ للَّتِي دخل بهَا وَهُوَ صَحِيح رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن أُسَامَة بن زيد عَن نَافِع عَن ابْن عمر(4/210)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا يحْتَمل أَن يُرِيد أَن يكون ملكهَا وَلَا يُرِيد الْإِقْرَار
1907 - فِي الْإِقْرَار لوَارث ولأجنبي
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف لَا يَصح بِحَال
وَقَالَ مُحَمَّد إِن جحد الْأَجْنَبِيّ وَالْوَارِث الشّركَة جَازَ للْأَجْنَبِيّ
وَقَالَ مَالك يتحاص الابْن وَالْأَجْنَبِيّ فِي حِصَّة الْأَجْنَبِيّ ثمَّ مَا يُصِيب الابْن يكون بَينه وَبَين الْوَرَثَة مِيرَاثا
1908 - فِي إِقْرَار الْمَرِيض بِاسْتِيفَاء الدّين
قَالَ أَصْحَابنَا يصدق فِي اسْتِيفَاء دين الصِّحَّة وَلَا يصدق فِي اسْتِيفَاء مَا أدانه فِي الْمَرَض إِلَّا بِبَيِّنَة وَلَو كَاتب عَبده فِي الصِّحَّة ثمَّ أقرّ فِي الْمَرَض باستيفائها صدق وَعتق وَلَو كَاتبه فِي الْمَرَض لم يصدق إِلَّا من الثُّلُث
وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة إِذا بَاعَ دَاره فِي الْمَرَض وَأقر بِقَبض الثّمن صدق
وَذكر الْحسن بن أبي مَالك عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَنه يصدق من الثُّلُث وَإِن كَانَ البيع فِي الصِّحَّة صدق فِي جَمِيع المَال
وَقَالَ مَالك إِذا أقرّ فِي الْمَرَض بِقَبض دينه الَّذِي على فلَان فَإِن كَانَ وَارِثا مِمَّن يتهم لم يقبل قَوْله وَإِن كَانَ أَجْنَبِيّا لَا يتهم جَازَ
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز إِقْرَاره(4/211)
1909 - فِي إِقْرَار الْمَرِيض بدين ثمَّ بوديعة
قَالَ أَصْحَابنَا 4 إِذا أقرّ الْمَرِيض بدين ثمَّ بوديعة بِعَينهَا أَو بِغَيْر عينهَا تحاصا وَلَو بَدَأَ بالوديعة بِعَينهَا ثمَّ أقرّ بدين كَانَ صَاحب الْوَدِيعَة أولى
وَقَالَ مَالك كل شَيْء أقربه من ذَلِك بِعَيْنِه فصاحبه أولى بِهِ سَوَاء كَانَ أقرّ بِهِ قبل إِقْرَاره بِالدّينِ أَو بعده وَمَا أقرّ بِهِ بِغَيْر عينه فَهُوَ وَالدّين سَوَاء
1910 - فِي إِقْرَار بعض الْوَرَثَة بِعِتْق عبد من الْمِيرَاث
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أقرّ بعض الْوَرَثَة أَن الْمَيِّت كَانَ أعتق عَبده هَذَا فِي صِحَّته وَكذبه الْبَاقُونَ فَإِنَّهُ يعْتق نصيب الْمقر وَيسْعَى للْمُنكر فِي حِصَّته وَلَو قَالَ أعْتقهُ فِي مَرضه وَلم يتْرك مَالا غَيره وهما ابْنَانِ فَإِنَّهُ يسْعَى للْمُنكر فِي نصف قِيمَته وللمقر فِي سدس قِيمَته
وَقَالَ مَالك فِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم لَا يجوز إِقْرَاره وَلَا يعْتق نصِيبه وَفِي رِوَايَة ابْن وهب يجوز على الْمقر مَا اقر بِهِ فِي نصِيبه
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز على الْمقر فِي نصِيبه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف أَن رجلا إِذا اشْترى مَمْلُوكا ثمَّ أقرّ أَن البَائِع أعْتقهُ قبل البيع وَأنكر البَائِع أَنه أعْتقهُ أَنه يعْتق على الْمقر كَذَلِك الْوَارِث
1911 - فِي إِقْرَار الْمَرِيض بِعَبْد فِي يَده أَنه ابْنه
إِذا قَالَ فِي مَرضه لجارية لَهَا ولد هَذَا ابْني فَإِن كَانَ ولد فِي ملكه فَهُوَ حر بِلَا سِعَايَة وتعتق الْأُم من جَمِيع المَال وَإِن لم يُولد فِي ملكه سعى الْغُلَام(4/212)
فِي ثُلثي قِيمَته إِن لم يكن لَهُ مَال غَيرهمَا وَلَا يَرث فِي قَول أبي حنيفَة وَفِي قَوْلهمَا إِن لم يكن لَهُ ولد غَيره فَهُوَ حر وَلَا سَبِيل عَلَيْهِ وَإِن كَانَ لَهُ ابْن غَيره فعلى الْمُدَّعِي نصف قِيمَته لِأَخِيهِ وَذَلِكَ إِذا ملكهمَا فِي مَرضه ثَبت النّسَب وعتقا وَلَا سِعَايَة على وَاحِد مِنْهُمَا فِي قَوْلهم جَمِيعًا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا أقرّ رجل فِي مَرضه أَن هَذَا حملهَا مِنْهُ وَأقر بِولد أمة أُخْرَى فَقَالَ وَلَدهَا مني وَقَالَ فِي أمة أُخْرَى قد وطئتها وَلم يذكر الِاسْتِبْرَاء بعد الْوَطْء فَإِنَّهُ يلْزمه ولد هَؤُلَاءِ كُلهنَّ وَهن أُمَّهَات أَوْلَاد لَهُ يعتقن من جَمِيع المَال
وَقَالَ عَنهُ ابْن الْقَاسِم أَيْضا إِذا قَالَ عِنْد مَوته لجارية أَنَّهَا ولدت مِنْهُ وَلَا يعلم إِلَّا بقوله أَنه كَانَ يَرِثهُ كَلَالَة وَإِنَّمَا هم عصبَة لم يقبل قَوْله إِلَّا بِبَيِّنَة تثبت على مَال فَإِن كَانَ لَهُ ولد رَأَيْت أَن يعْتق من جَمِيع المَال وَفِي الَّذِي وَرثهُ كَلَالَة لَا يعْتق وَهِي أمة وَتلك إِذا لم يكن مَعهَا ولد يَدعِيهِ السَّيِّد جَازَ قَوْله فِي ذَلِك وَكَانَت أم ولد لَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أقرّ أَن ابْن هَذِه الْأمة وَلَده مِنْهَا وَلَا مَال لَهُ غَيرهَا ثمَّ مَاتَ فَهُوَ ابْنه وهما حران بِمَوْتِهِ لَا يبطل ذَلِك لحق الْغُرَمَاء
1912 - فِي الْإِقْرَار بِمَال فِي موطنين
قَالَ فِي الأَصْل عَن أبي حنيفَة إِن أقرّ بِأَلف فِي موطن وبألف فِي موطن فهما أَلفَانِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هما ألف وَاحِد وَكَذَلِكَ إِن كَانَ أَحدهمَا أَكثر لزم المالان فِي قَوْله وَفِي قَوْلهمَا الْأَكْثَر
وروى بشر عَن أبي يُوسُف إِذا أقرّ عِنْد القَاضِي بِأَلف فأثبتها فِي ديوانه(4/213)
وَادّعى عَلَيْهِ ألف دِرْهَم فِي يَوْم آخر فَأقر بهَا فَهِيَ ألف وَاحِد فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف
وَالْإِقْرَار عِنْد الشُّهُود كَالْإِقْرَارِ عِنْد القَاضِي وَلَو شهد على نَفسه فِي صك بِأَلف دِرْهَم وأشهدهم أَو غَيرهم على نَفسه فِي موطن آخر بِأَلف دِرْهَم فَإِن الْمَالَيْنِ يلزمانه وَإِن جَاءَ بِشَاهِدين على ألف لَا يعلم فِي موطن أَو موطنين فَهُوَ مالان إِلَّا أَن يعرف أَنه فِي موطن فَيكون مَالا وَاحِدًا
وَقَالَ الْحسن عَن زفر إِذا أقرّ بِأَلف فِي موطنين فهما ألف وَاحِد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف هِيَ أَلفَانِ وَإِن كَانَ فِي موطن وَاحِد فَهُوَ ألف وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَسَوَاء شهد على جَمِيع ذَلِك شَاهِدَانِ أَو شهد شَاهِدَانِ غير الْأَوليين
وَقَالَ ابْن شبْرمَة هِيَ ألف وَاحِد وَهُوَ قَول مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف بَين أَصْحَابنَا أَنه لَو شهد عَلَيْهِ شَاهد أَنه أقرّ بِأَلف يَوْم الْجُمُعَة وَشهد آخر أَنه أقرّ لَهُ يَوْم الْخَمِيس أَن القَاضِي يقْضِي عَلَيْهِ بِأَلف وَلَو كَانَ ذَلِك مالين لما ثَبت كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَّا بِشَاهِدين
1913 - فِي الِاسْتِثْنَاء من الْإِقْرَار
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف يَصح اسْتثِْنَاء مَا يُكَال أَو يُوزن أَو يعد من الْإِقْرَار من جنسه وَغير جنسه
وَإِن اسْتثْنى غير ذَلِك لم يَصح(4/214)
وَقَالَ مُحَمَّد وَزفر لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء من غير جنسه وَمَالك يُجِيز البيع بِدِينَار إِلَّا دِرْهَم فالإقرار على أَصله أجوز
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ لَهُ عَليّ ألف إِلَّا كرّ حِنْطَة قيل لَهُ أقرّ بِمَا شِئْت من ألف وَالْكر يسْتَثْنى بعد أَن يبْقى بعد الِاسْتِثْنَاء شَيْء قل أَو كثر
1914 - فِي الْإِقْرَار بدرهم فَوق دِرْهَم
قَالَ ابْن أبي عمرَان مَذْهَب أَصْحَابنَا فِيمَن قَالَ عَليّ دِرْهَم فَوق دِرْهَم أَن عَلَيْهِ دِرْهَمَيْنِ وَلَو قَالَ عَليّ دِرْهَم تَحت دِرْهَم قضى لَهُ بدرهم وَاحِد
وَقَالَ الشَّافِعِي فيهمَا جَمِيعًا دِرْهَم وَاحِد أَنه يجوز أَن يَقُول فَوْقه فِي الْجَوْدَة أَو تَحْتَهُ فِي الرداءة رِوَايَة الْمُزنِيّ
وَقَالَ الرّبيع عَنهُ عَلَيْهِ دِرْهَمَانِ فِي الْوَجْهَيْنِ
1915 - فِي إِقْرَار العبيد بِجِنَايَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أقرّ العَبْد الماذون لَهُ أَو الْمَحْجُور عَلَيْهِ بقتل رجل خطأ أَو بِجِنَايَة دون النَّفس وَكذبه مَوْلَاهُ لم يصدق وَإِن عتق بعد ذَلِك لم يلْزمه وَلَو أقرّ بِغَصب أَو نَحوه وَهُوَ مَأْذُون جَازَ وَإِن كَانَ مَحْجُورا عَلَيْهِ لم يلْزمه إِلَّا بعد الْعتْق فَإِن أقرّ بِوَطْء بِشُبْهَة لم يلْزمه مهر(4/215)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا أقرّ العَبْد أَنه جَامع هَذِه الْمَرْأَة غصبهَا نَفسهَا لم يصدق إِلَّا أَن يُؤْتى وَهِي مستغيثة أَو مُتَعَلقَة بِهِ وَهِي تدمى إِن كَانَت بكرا فَإِنَّهُ يصدق وَإِن زعم أَنه اغتصبها وَكَذَلِكَ إِذا أقرّ أَنه وطئ صَبيا فَقطع إصبعه وَهِي تدمى وَالصَّبِيّ مُتَعَلق بِهِ فَإِنَّهُ يصدق إِذا أدْرك بحدثان مَا قطع إصبعه وَهُوَ مُتَعَلق بِهِ وَفِي غير هَذَا الْوَجْه لَا يصدق
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز إِقْرَاره وَإِن عتق لزمَه وَيجوز إِقْرَاره بِالْقصاصِ وَالْحَد
1916 - فِي إِقْرَار الْمكَاتب بِالْجِنَايَةِ
قَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء إِذا أقرّ الْمكَاتب بِجِنَايَة خطأ لَزِمته فِي الْكِتَابَة يسْعَى فِيهَا فَإِن عجز بطلت سَوَاء حكم قضى بهَا وَلم يقْض
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن لم يقْض بهَا بطلت وَإِن قضى بهَا لَزِمته بعد الْعَجز
وَقَالَ مَالك لَا يجوز إِقْرَاره بِجِنَايَة الْخَطَأ إِلَّا بعد الْأَدَاء فَإِن عجز ثمَّ عتق لم تلْزمهُ الْجِنَايَة
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا إِن إِقْرَاره مَوْقُوف إِن أدّى الْكِتَابَة لزمَه وَإِن عجز بَطل حَتَّى يعْتق وَالْقَوْل الثَّانِي إِن ذَلِك لَازم للْمكَاتب لِأَنَّهُ يلْزمه فِي مَاله وَإِن عجز بيع فِيهِ إِن لم يؤده الْمولى(4/216)
1917 - فِي الْمَمْلُوك يستغله مَوْلَاهُ ثمَّ يبين عتقه
قَالَ مَالك فِي الْمَمْلُوك يستغله سَيّده وَتقوم الْبَيِّنَة على عتقه إِيَّاه قبل ذَلِك أَن الْغلَّة للسَّيِّد وَلَو كَانَت أمة فَوَطِئَهَا أَو جرحها فَقَامَتْ بَيِّنَة على عتقه إِيَّاهَا قبل ذَلِك وَهُوَ جَاحد لِلْعِتْقِ فَلَا حد عَلَيْهِ وَلَا أرش فِي جراحته وَلَا حد فِي قذفه قبل ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم نجد ذَلِك عَن أحد من أهل الْعلم غَيره وَهُوَ فَاسد أَيْضا لِأَن الْعتْق إِذا ثَبت قبل ذَلِك فَإِنَّمَا أَخذ مَال حر ووطئ حرَّة وقذفها
1918 - إِذا دعى أَن مَا اقْتَضَاهُ زيوف
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ ألف دِرْهَم فَقَالَ قضيتها ثمَّ ادّعى أَنَّهَا كَانَت زُيُوفًا فَالْقَوْل قَوْله إِلَّا أَن يقر بِالِاسْتِيفَاءِ فَلَا يصدق أَنَّهَا كَانَت زُيُوفًا
وَقَالَ مَالك الْحسن بن حَيّ القَوْل قَول الدَّافِع أَنه قَضَاهُ الْجِيَاد وَإِن هَذَا لَيْسَ من دَرَاهِمه
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَقع العقد على دَرَاهِم بِعَينهَا فَيكون إِقْرَاره باقتضائها إِقْرَارا بِقَبض الْجَوْدَة فَالْقَوْل قَوْله حى يقر بِالِاسْتِيفَاءِ وَلَيْسَ هَذَا كَعبد اشْتَرَاهُ ثمَّ جَاءَ يردهُ بِعَيْب فَقَالَ البَائِع لم أبعك هَذَا فَيكون القَوْل قَوْله لِأَنَّهُ معترف بِقَبض مَا اشْتَرَاهُ بِعَيْنِه فَهُوَ على السَّلامَة حَتَّى يعلم غَيرهَا(4/217)
1919 - فِي رَاكب الدَّابَّة يَدعِي الْعَارِية
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ رَاكب الدَّابَّة أعرتني وَقَالَ صَاحبهَا آجرتك فَالْقَوْل قَول الْمُسْتَعِير وَهُوَ قَول الشَّافِعِي ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ القَوْل قَول رب الدَّابَّة
وَقَالَ مَالك القَوْل قَول رب الدَّابَّة إِلَّا أَن يكون مثل هَؤُلَاءِ الْمَمْلُوك مِمَّن لَا يكون يُؤَاجر فَيكون القَوْل قَول الْمُسْتَعِير
1920 - فِي اخْتِلَاف الصّباغ وَرب الثَّوْب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ صبغته بِأَمْرك أَو باستئجارك إيَّايَ وَرب الثَّوْب يَقُول صبغته بِغَيْر أَمْرِي فَالْقَوْل قَول رب الثَّوْب فَيكون كمن صبغ ثوب رجل بِغَيْر أمره
وعَلى مَذْهَب مَالك يَتَحَالَفَانِ ثمَّ يُقَال لصَاحب الثَّوْب إِن أَحْبَبْت فادفع إِلَيْهِ أجر عمله وَخذ ثَوْبك فَإِن أَبى كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الثَّوْب هَذَا بِقِيمَة عمله وَهَذَا بِقِيمَة مَتَاعه غير مَعْمُول
وَقَالَ الشَّافِعِي يَتَحَالَفَانِ وعل الصابغ مَا نقص الثَّوْب وَلَا أجب لَهُ وَإِن زَاد الصَّبْغ فِيهِ كَانَ شَرِيكا بِمَا زَاد الصَّبْغ وَإِن نقصت قِيمَته فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَا أجر لَهُ
1921 - فِيمَن يقر بِمَال من ثمن بيع لم يقبض
قَالَ مُحَمَّد فِي الْإِمْلَاء إِذا قَالَ لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم من ثمن بيع لم أقبضهُ مِنْك وَقَالَ البَائِع قد قضته فَالْقَوْل قَول البَائِع وصل أَو قطع(4/218)
وَفِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد إِن وصل فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي مَعَ يمنه وَإِن قطع فَقَالَ لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم ثمَّ قَالَ بَعْدَمَا سكت هِيَ من ثمن عبد لم أقبضهُ مِنْك سُئِلَ البَائِع أَهِي لَك عَلَيْهِ من ثمن عبد فَإِن قَالَ نعم إِلَّا أَنِّي قد دَفعته فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي وَإِن قَالَ هِيَ من دين أَو غصب فَالْقَوْل قَوْله
وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة وَزفر إِذا قَالَ لَك عَليّ ألف دِرْهَم ثمن مَتَاع أشتريته مِنْك ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك لم أَقبض الْمَتَاع وَقَالَ الْمقر لَهُ قبضت فَالْقَوْل قَول الْمقر وَقَالَ أَبُو يُوسُف القَوْل قَول الْمقر
وَذكر بشر عَن أبي يُوسُف إِذا أقرّ بِمَال فِي ذكر حق من بيع ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك لم أَقبض الْمَبِيع لم يصدق
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا يلْزمه شَيْء حَتَّى يبين الطَّالِب أَنه قبض الْمَتَاع وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَفِي غير رِوَايَة بشر فِي الْإِمْلَاء عَن أبي يُوسُف أسأَل الْمقر لَهُ أبعت هَذَا الْمَتَاع فَإِن قَالَ نعم قُلْنَا أقِم الْبَيِّنَة إِنَّك أوفيته الْمَتَاع وَإِن قَالَ الطَّالِب لم أبعه شَيْئا لزمَه المَال
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أقرّ لَهُ بِذكر الْحق من بيع ثمَّ قَالَ لم أَقبض أحلفته مَا قبض وَلَا يلْزمه الثّمن إِلَّا بِالْقَبْضِ
1922 - فِي الْإِقْرَار للْحَمْل
إِذا أقرّ لما فِي بطن فُلَانَة بِأَلف دِرْهَم لم يَصح فِي قَول أبي يُوسُف وَالشَّافِعِيّ(4/219)
وَقَالَ مُحَمَّد يَصح فَإِن كَانَ اثْنَيْنِ فَهُوَ لَهما نِصْفَانِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما توقف صِحَة الْإِقْرَار على الْولادَة صَار معقودا على المخاطرة وَالْإِقْرَار على الْخطر لَا يَصح وَلَيْسَ كَذَلِك الْوَصَايَا
1923 - فِيمَن قَالَ عَليّ كَذَا لَا بل كَذَا
إِذا قَالَ عَليّ ألف لَا بل أَلفَانِ فَعَلَيهِ أَلفَانِ وَالْقِيَاس ثَلَاثَة آلَاف وَلَو قَالَ عَليّ ألف دِرْهَم لَا بل مائَة دِينَار فَعَلَيهِ المالان وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ زفر عَلَيْهِ ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم
1924 - فِيمَن قَالَ لَهُ عَليّ مَال عَظِيم أَو نَحوه
إِذا قَالَ لَهُ عَليّ مَال عَظِيم كَانَ مِائَتي دِرْهَم فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَلَو قَالَ لَهُ عَليّ مَال فَالْقَوْل فِيهِ قَوْله وَإِذا قَالَ دَرَاهِم كَثِيرَة فَهِيَ عشرَة دَرَاهِم فِي قَول أبي حنيفَة وَفِي يقولهما مِائَتَا دِرْهَم
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ لَهُ عَليّ مَال قيل لَهُ أقرّ بِمَا شِئْت وَكَذَلِكَ لَو قَالَ مَال عَظِيم أَو كثير وإ قَالَ عَليّ دَرَاهِم كَثِيرَة أَو عَظِيمَة فَعَلَيهِ ثَلَاثَة دَرَاهِم(4/220)
1925 - فِيمَن قَالَ لَهُ عَليّ كَذَا وَكَذَا درهما
إِذا قَالَ لَهُ عَليّ كَذَا كَذَا فَعَلَيهِ أحد عشر درهما
وَإِن قَالَ كَذَا وَكَذَا درهما فَعَلَيهِ أحد وَعِشْرُونَ درهما
وَقَالَ ابْن أبي عمرَان قَالَ زفر إِذا قَالَ لَهُ عَليّ كَذَا وَكَذَا درهما فَعَلَيهِ أحد وَعِشْرُونَ درهما وَهُوَ قَول مُحَمَّد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِ أحد عشر درهما
وَقَالَ ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد إِذا قَالَ لَهُ عَليّ كَذَا وَكَذَا درهما فَعَلَيهِ عشرُون درهما وَلَو قَالَ عَليّ كَذَا درهما لزمَه مائَة دِرْهَم
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا قَالَ كَذَا كَذَا أقرّ بِمَا شَاءَ اثْنَيْنِ وَلَو قَالَ كَذَا وَكَذَا أعطَاهُ دِرْهَمَيْنِ ثمَّ قَالَ فِي مَوضِع آخر فِي كَذَا وَكَذَا اعطه درهما أَو أَكثر
وَقَالَ عَنهُ الرّبيع إِذا قَالَ كَذَا كَذَا أقرّ بِمَا شَاءَ وَإِن قَالَ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ دِرْهَمَانِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله كَذَا درهما يَقْتَضِي عددا مَا فَإِذا قَالَ كَذَا كَذَا درهما فهما عددان يتناولهما هَذَا الِاسْم وَأقله أحد عشر وَأَكْثَره تِسْعَة(4/221)
عشر فألزمناه الْأَقَل وَإِن قَالَ كَذَا وَكَذَا فقد أَدخل بَين الْكَلِمَتَيْنِ وَاو الْعَطف فَيكون أقل أحد وَعشْرين
1926 - فِي إخلافه إِيَّاه فِي الْجِهَة
إِذا قَالَ لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم قرض فَقَالَ الْمقر لَهُ مَالِي عَلَيْك قرض وَإِنَّمَا هِيَ من ثمن بيع قد قضبته فَالْمَال لَازم
وَقَالَ زفر لَا يلْزمه
آخر كتاب الْإِقْرَار(4/222)
= كتاب الدَّعْوَى =
1927 - فِي الشَّيْء يَدعِيهِ رجلَانِ
قَالَ أَصْحَابنَا فِي دَار فِي يَدي رجل ادَّعَاهَا رجلَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَة فَهِيَ بَينهمَا نِصْفَانِ وَهُوَ قَول عبيد الله بن الْحسن
وَقَالَ مَالك لَا يقْضى بهَا لوَاحِد مِنْهُمَا وَتُؤْخَذ الدَّار من يَد من هِيَ فِي يَدَيْهِ وَيُقَال لَهما احضرا بَيِّنَة أعدل من بينتكما فَإِن قَالَا اقسمها بَيْننَا قسمتهَا بَينهمَا
وَللشَّافِعِيّ أقاويل فِي هَذِه مِنْهَا الْقرعَة وَمِنْهَا بطلَان الْبَيِّنَتَيْنِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى اللَّيْث بن سعد عَن بكير بن عبد الله الْأَشَج عَن سعيد بن الْمسيب اخْتصم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلَانِ فِي أَمر فجَاء كل وَاحِد مِنْهُمَا بشهداء عدُول على عدَّة وَاحِدَة فَأَسْهم بَينهمَا وَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْت تقضي بَينهمَا وَهَذَا منطقع(4/223)
وَقد روى سماك بن حَرْب عَن تَمِيم بن طرفَة أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا فِي بعير فَأتى هَذَا بِبَيِّنَة أَنه بعيره وَهَذَا أَنه بعيره فَقَسمهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا وَهَذَا أَيْضا منطقع
وروى عَن زيد بن أَرقم أَن عليا عَلَيْهِ السَّلَام اسْتعْمل الْقرعَة فِي دَعْوَة الْوَلَد بَين جمَاعَة وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما بلغه ضحك وَلم يُنكره
ثمَّ روى سماك عَن حَنش بن الْمُعْتَمِر أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قضى فِي بغله أَقَامَ أحد الْخَصْمَيْنِ خَمْسَة شُهَدَاء أَنَّهَا لَهُ نتجت عِنْده وَأقَام الآخر شَاهِدين فَقَسمهَا بَينهمَا على عدد الشُّهُود
فَلم يسْتَعْمل الْقرعَة بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وروى عَلْقَمَة بن مرْثَد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى أَن أَبَا الدَّرْدَاء قضى فِي رجلَيْنِ أَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا الْبَيِّنَة على فرس أَنه نتجه أَنه بَينهمَا وَقَالَ مَا أحوجنا إِلَى سلسلة بني إِسْرَائِيل كَانَت تنزل فتأخذ بعنق الظَّالِم
وَزعم الشَّافِعِي أَنه لَو قضى بَينهمَا لَكَانَ قد قضى بِخِلَاف الْبَيِّنَتَيْنِ وَهَذَا خطأ لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ اسْتِعْمَال القَوْل حكما بِخِلَاف التَّسْمِيَة الْمَذْكُورَة فِي الْكتاب
وَقد روى همام عَن قَتَادَة عَن سعيد بن أبي بردة عَن أَبِيه عَن(4/224)
أبي مُوسَى أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا فِي بعير فَبعث كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاهِدين فَقضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالبعير بَينهمَا
وروى سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ فِيهِ لم يكن لوَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة
وَقد روى حَمَّاد بن سَلمَة عَن سماك بن حَرْب عَن تَمِيم بن طرفَة أَن رجلَيْنِ ادّعَيَا بَعِيرًا فَأَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا شَاهِدين فَقضى بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا نِصْفَيْنِ قَالَ فَأخْبرت بذلك أَبَا بردة فَكتب بِهِ إِلَى الْحجَّاج فَكتب أَن أقضى بِهِ
فَدلَّ على أَنه أَخذه عَن تَمِيم لَا عَن أَبِيه عَن أبي مُوسَى لِأَنَّهُ لَو كَانَ عِنْده عَن أَبِيه عَن أبي مُوسَى لما احْتَاجَ إِلَى أَخذه عَن سماك بن حَرْب عَن تَمِيم بن طرفَة
1928 - فِي بَيِّنَة الْخَارِج وَالَّذِي فِي يَده
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أَقَامَ الرجل وَالَّذِي فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَة فَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الْخَارِج إِلَّا فِي النِّتَاج وَمَا فِي مَعْنَاهُ
وَقَالَ مَالك وَعبيد الله بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ بَيِّنَة الَّذِي فِي يَده أولى
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي(4/225)
أوجب بذلك أَنه يسْتَحق بهَا وَلما كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ المسؤول الْبَيِّنَة على الْمُدعى عَلَيْهِ دلّ على أَن بَينته هِيَ المقبولة دون الْمُدعى عَلَيْهِ أَلا ترى أَنه لَو لم يكن للْمُدَّعِي بَيِّنَة فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ أَنا أقيم الْبَيِّنَة أَنه لي لأسقط الْيَمين عَن نَفسِي لم يلْتَفت إِلَيْهِ واستحلف وَالْفرق بَينه وَبَين النِّتَاج أَن النِّتَاج لَا يكون إِلَّا مرّة وَاحِدَة فثبتت بَيِّنَة الْمُدَّعِي عَلَيْهِ فِي كذب بَيِّنَة الْمُدَّعِي
1929 - إِذا دعى كل وَاحِد من الَّذِي فِي يَده وَالْخَارِج الشِّرَاء من صَاحبه
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف تتهاتر الْبَيِّنَتَانِ وَيتْرك فِي يَد من هُوَ فِي يَده
وَقَالَ مُحَمَّد وَزفر وَمَالك وَالشَّافِعِيّ يقْضى بِهِ للَّذي فِي يَدَيْهِ
1930 - فِي بَيِّنَة الْملك هَل يَحْتَاجُونَ أَن يَقُولُوا لَا نعلمهُ خرج من ملكه
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا شَهدا بِالْملكِ لم يحتاجا أَن يَقُولَا لَا نعلمهُ خرج من ملكه وَلَا يسْتَحْلف الْمُدَّعِي أَيْضا على ذَلِك
وروى بشر عَن أبي يُوسُف أَن القَاضِي يسْتَحْلف المُشْتَرِي فِي الْعَيْب مَا بَاعه وَلَا عرضه على بيع وَلَا رَضِي ذَلِك الْعَيْب مُنْذُ رَآهُ وَإِن لم يسْأَله البَائِع اسْتِحْسَانًا
وَقَالَ مَالك على الْمُدَّعِي إِن أَتَى بَيِّنَة تشهد أَنه لَهُ لَا يعلمُونَ أَنه بَاعَ وَلَا وهب وَيحلف الْمُدَّعِي مَا بَاعَ وَلَا وهب وَلَا أخرجه عَن يَده بِوَجْه(4/226)
من الْوُجُوه وَإِن شهِدت الْبَيِّنَة بِالْملكِ ول يَقُولُوا لَا نعلمهُ بَاعَ وَلَا وهب استحلفه الْمُدَّعِي بِاللَّه مَا بَاعَ وَلَا وهب على مَا وَصفنَا
وَقَالَ الشَّافِعِي وَلَا أعطي الْمَشْهُود لَهَا بِالزَّوْجِيَّةِ من مِيرَاث الزَّوْج إِلَّا بِأَن يشْهدُوا بِأَن زَوجهَا قد مَاتَ وَهِي لَهُ زَوْجَة لَا يَعْمَلُونَهُ فَارقهَا وَهَذَا يدل من قَوْله على أَن شُهُود الْملك يشْهدُونَ لَهُ أَنهم لَا يعلمُونَ أَنه بَاعَ وَلَا وهب
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما جَازَ للشُّهُود أَن يشْهدُوا بِملك علموه مَعَ جَوَاز زَوَاله وَلم يكلفوا علم الْغَيْب وَجب على الْحَاكِم قبُول شَهَادَتهم بِالْملكِ وَإِن لم يشْهدُوا أَنهم لَا يعلمونه بَاعَ وَلَا وهب
1931 - فِي اخْتِلَاف الشَّفِيع وَالْمُشْتَرِي فِي الثّمن
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد وَزفر إِذا اخْتلف الشَّفِيع وَالْمُشْتَرِي فِي الثّمن فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي فِيهِ وَإِن أَقَامَا بَيِّنَة فَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الشَّفِيع
وَقَالَ أَبُو يُوسُف الْبَيِّنَة بَيِّنَة المُشْتَرِي وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك القَوْل قَول المُشْتَرِي إِلَّا أَن يَأْتِي بِمَا لَا يشبه فَلَا يصدق إِلَّا أَن يكون مثل هَؤُلَاءِ الْمُلُوك يزِيد فِي الثّمن لرغبته فِي دَار لصيقة وَإِن أَقَامَا بَيِّنَة سقطتا وَصَارَ كم لَا بَيِّنَة لَهما فَيكون القَوْل قَول المُشْتَرِي
1932 - فِي دَعْوَى الْأَجَل فِي الثّمن
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ادّعى المُشْتَرِي أَََجَلًا فِي الثّمن وَأنْكرهُ البَائِع فَالْقَوْل(4/227)
قَول البَائِع وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ لَك عَليّ ألف إِلَى شهر وَقَالَ الآخر حَال فَالْقَوْل قَول الْمقر لَهُ
وَلَو قَالَ ضمنت لَك ألفا إِلَى شهر فَالْقَوْل قَول الْمقر وَهُوَ قَول زفر
وروى ابْن سَمَّاعَة وَالْحسن عَن أبي يُوسُف أَنه لَا يصدق على الْأَجَل فِي الْكفَالَة أَيْضا
وَقَالَ مَالك إِذا ادّعى المُشْتَرِي أَََجَلًا قَرِيبا لَا يتهم فِي مثله فَالْقَوْل قَوْله وَإِلَّا فَالْقَوْل قَول البَائِع أَنه حَال إِلَّا أَن يكون الْمَعْرُوف فِي تِلْكَ السّلْعَة مَا قَالَ المُشْتَرِي وَفِي الْقَرْض القَوْل قَول الْمقْرض
1933 - فِي دَعْوَى الْغُلَام أَنه عَبده
قَالَ أَصْحَابنَا فِي صبي لَا يعبر عَن نَفسه فِي يَدي رجل ادّعى الرجل أَنه عَبده فشب الْغُلَام وَقَالَ أَنا حر فَالْقَوْل قَول الَّذِي فِي يَده وَإِن كَانَ يعبر عَن نَفسه فَقَالَ أَنا حر فَالْقَوْل قَول الصَّبِي
وعَلى قَول مَالك القَوْل قَول الرجل فِي الْوَجْهَيْنِ وَلَا يقبل قَول الصَّبِي إِذا علم أَنه فِي يَدَيْهِ يَخْدمه وَإِذا كَانَ مُتَعَلقا بِهِ لَا يعلم أَنه يَخْدمه فَالْقَوْل قَول الصَّبِي
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا كَانَ لَا يتَكَلَّم فَالْقَوْل قَول الرجل بِمَنْزِلَة الدَّابَّة
1934 - فِي دَعْوَة اللَّقِيط
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ادّعى لَقِيط نَفسه أَو لَقِيط غَيره فَهُوَ مُصدق(4/228)
وَقَالَ مَالك فِي اللَّقِيط يَدعِيهِ رجل أَنه لَا يقبل مِنْهُ إِلَّا بِبَيِّنَة إِلَّا أَن يكون قد عرف أَنه لَا يعِيش لَهُ ولد وَيَزْعُم أَنه فعله وَلذَلِك فَيقبل قَوْله وَالَّذِي التقطه وَغَيره سَوَاء وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة وَإِن بلغ اللَّقِيط فاقر بِالرّقِّ لرجل لم يصدق لِأَنَّهُ حر
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا ادَّعَاهُ الَّذِي وجده صدق وَإِن ادَّعَاهُ آخر أرى الْقَافة
1935 - فِي الْبَيِّنَة على النّسَب
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ادّعى أَنه أَبوهُ أَو هَذِه أمه قبلت بِبَيِّنَة وَإِن لم يدع حَقًا وَإِن ادّعى أَنه أَخُوهُ أَو جده لم تقبل إِلَّا أَن يَدعِي حَقًا
وَقَالَ مَالك تقبل بَينته إِذا ادّعى أَنه ابْنه أَو أَبوهُ أَو أَخُوهُ أَو أمه
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَت ولدت هَذَا الْوَلَد من أَخِيك الْمُتَوفَّى قبلت بينتها وَلم يذكر دَعْوَى حق
1936 - فِي الْمَرْأَة تَدعِي ولدا
قَالَ أَصْحَابنَا لَا تقبل دَعْوَاهَا إِلَّا أَن تشهد امْرَأَة على الْولادَة
وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري لَا يقبل قَوْلهَا إِلَّا بِبَيِّنَة
وَقَالَ الشَّافِعِي مثل ذَلِك(4/229)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقَالَ بعض الْبَصرِيين تقبل دَعْوَة الْمَرْأَة بِغَيْر بَيِّنَة كدعوة الرجل
1937 - فِي اخْتِلَاف الِابْنَيْنِ فِي دين الْأَب الْمَيِّت
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أقرّ الابنان أَن أباهما ترك هَذِه الدَّار مِيرَاثا فَقَالَ الْمُسلم مَاتَ أبي مُسلما وَقَالَ الْكَافِر مَاتَ أبي كَافِرًا فَالْقَوْل قَول الْمُسلم وَإِن أَقَامَا الْبَيِّنَة فَالْبَيِّنَة بَيِّنَة الْمُسلم أَيْضا
وَقَالَ مَالك الدَّار بَينهمَا نِصْفَانِ وَكَذَلِكَ إِن أَقَامَا الْبَيِّنَة
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا لم يقم الْبَيِّنَة وقف الْأَمر حَتَّى يصطلحا أَو يعلم وَإِن أَقَامَا بَيِّنَة فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْقرعَة وَالْآخر الْوَقْف
1938 - فِيمَن قَالَ لعبدين لَهُ أَحدهمَا ابْني
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لعبدين لَهُ أَحدهمَا ابْني ثمَّ مَاتَ لم يثبت نسب وَاحِد مِنْهُمَا وَعتق من كل وَاحِد نصفه وَيسْعَى فِي نصف قِيمَته وَكَذَلِكَ أمهاتهما(4/230)
وَقَالَ ابْن أبي ليلى يثبت نسب أَحدهمَا ويرثان مِيرَاث ابْن وَيسْعَى كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي نصف قِيمَته
وَقَالَ عُثْمَان البتي يُوقف المَال حَتَّى تثبت أنسابهما
وَقَالَ سوار يقسم المَال بَينهمَا وَأنْفق عَلَيْهِمَا حَتَّى يثبتا
وَقَالَ مَالك لَا يثبت النّسَب وَتثبت حريَّة أَحدهمَا بقوله أَحَدكُمَا حر وَذَلِكَ إِذا كَانَ فِي الصِّحَّة وَيعتق بِالسَّهْمِ
قَالَ الشَّافِعِي يرى الْقَافة وَإِن لم تكن قافة أَقرع بَينهمَا فَأَيّهمَا خرج سَهْمه عتق وَأمه
1939 - إِذا ولدت فِي ملكه ثَلَاثَة أَوْلَاد فِي بطُون مُخْتَلفَة فَادّعى أكبرهم
قَالَ زفر يثبت نسبهم جَمِيعًا
وَقَالَ سَائِر أَصْحَابنَا يثبت نسب الْأَكْبَر دون الآخرين وَالأُم أم ولد والآخران بمنزلتها
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ فِي ذَلِك أحد هَؤُلَاءِ وَلَدي أَقرع بَينهم
وَقَالَ الْمُزنِيّ إِن أَرَادَ الْأَكْبَر فَهُوَ حر والآخران بِمَنْزِلَة أم الْوَلَد
قَالَ أَبُو جَعْفَر وروى سُلَيْمَان عَن أَبِيه فِي إملاء مُحَمَّد قَالَ مُحَمَّد إِذا قَالَ لجاريته إِن ولدت غُلَاما أول مَا تلدين فَأَنت حرَّة فَولدت غُلَاما وَجَارِيَة لَا يدْرِي أَيهمَا أول أَنه لَا يعْتق مِنْهُ أحد وَترك(4/231)
وَقَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَإِن الْجَارِيَة وابنتها تعْتق من كل وَاحِدَة نصفهَا وَيسْعَى فينصف قيمتهَا والغلام مَمْلُوك
قَالَ ابْن أبي عمرَان وَهُوَ الْقيَاس لأَنا لَا نعلم وُقُوع الْعتْق وَإِنَّمَا نستعمل الْأَحْوَال فِي عتق قد تَيَقّن وُقُوعه وَجَهل مُسْتَحقّه
1940 - فِي دَعْوَى الرّجْعَة بعد الْعدة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لَهَا بعد انْقِضَاء الْعدة قد كنت رَاجَعتك فصدقته ثبتَتْ الرّجْعَة وَلَو قَالَ لَهَا رَاجَعتك فَقَالَت مجيبة لَهُ قد انْقَضتْ عدتي لم تثبت الرّجْعَة فِي قَول أبي حنيفَة وَتثبت فِي قَوْلهمَا
وَقَول مَالك فِي هَذَا كَقَوْل أبي حنيفَة
قَالَ مَالك إِذا قَالَ بعد انْقِضَاء الْعدة قد كنت راجعتها لم يصدق إِلَّا أَن يعلم أَنه قد كَانَ يدْخل عَلَيْهَا وَيخرج فِي الْعدة
1941 - فِي رجلَيْنِ تنَازعا امْرَأَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أَقَامَا الْبَيِّنَة وَكَانَت فِي يَد أَحدهمَا فَهُوَ أولى كَذَلِك إِن دخل بهَا وَكَذَلِكَ إِن أقرَّت بِهِ لأَحَدهمَا(4/232)
وَقِيَاس قَول مَالك على مَا قَالَ ابْن الْقَاسِم إِن إِقْرَارهَا وإنكارها سَوَاء فَإِذا عدلت الْبَيِّنَتَانِ فسخت النِّكَاح بَينهَا وَبَينهمَا وَكَانَت فرقتهما تَطْلِيقَة
وَقَالَ الشَّافِعِي يرجع إِلَى قَوْلهَا فِي ذَلِك فَإِن جحدت لم يلْزمهَا نِكَاح وَاحِد مِنْهُمَا وَلَا يلْتَفت إِلَى الدُّخُول فِي شَيْء من ذَلِك
قَالَ وَإِن أقرَّت لأَحَدهمَا ألزمته النِّكَاح بعد أَن أحلفها للثَّانِي فَإِن أَبَت أَن تحلف ردَّتْ الْيَمين على الآخر فَإِن حلف أبطلت نِكَاحه وَنِكَاح الآخر لِأَنَّهَا أقرَّت لأَحَدهمَا ونكلت عَن الْيَمين للْآخر فَإِن أَبى أَن يحلف كَانَ النِّكَاح للْأولِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا لم تقر لأَحَدهمَا بَطل النكاحان جَمِيعًا إِذْ لَيْسَ أَحدهمَا بِأولى من الآخر وَلَا يجوز أَن يثبتا فَإِذا أقرَّت بِهِ لأَحَدهمَا صَار كإقرارها بِهِ لَو لم يكن لَهما بَيِّنَة فَيقبل إِقْرَارهَا
وَقَول الشَّافِعِي إِنَّهَا تستحلف للثَّانِي بعد إِقْرَارهَا للْأولِ فَاسد لِأَنَّهَا لَو أقرَّت بِهِ للثَّانِي لم تصدق فَكيف تستحلف
1942 - فِيمَن خلا بامرأته وَهِي حَائِض
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا خلا بهَا وَهِي حَائِض أَو مُحرمَة أَو نَحْو ذَلِك أَو الرجل محرم أَو صَائِم فِي رَمَضَان ثمَّ طَلقهَا فَعَلَيهِ نصف الْمهْر
وَقَالَ مَالك إِذا خلا بهَا وَهِي حَائِض وَادعت الْجِمَاع وَقد طَلقهَا فلهَا جَمِيع الْمهْر وَالْقَوْل قَوْلهَا
قَالَ وَكَذَلِكَ الرجل يغتصب الْمَرْأَة نَفسهَا ويدخلها بَيْتا وَالشُّهُود(4/233)
ينظرُونَ ثمَّ خرجت فَقَالَت قد وطئني فَعَلَيهِ الصَدَاق وَلَا حد عَلَيْهِ
وَالشَّافِعِيّ لَا يعْتَبر الْخلْوَة فِي ذَلِك وَلَا يُوجب كَمَال الصَدَاق إِلَّا بِالدُّخُولِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْخلْوَة على الْوَجْه الَّذِي ذكرنَا لَا تبيح الْوَطْء فوجودها كعدمها
1943 - فِي الْخلْوَة الصَّحِيحَة الْمُوجبَة للمهر هَل توجب الرّجْعَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا خلا بهَا وَقَالَ لم أجامعها فَلَا رَجْعَة وَعَلِيهِ الْمهْر
وَقَالَ مَالك إِذا قَالَ قد جامعتها فَلَا رَجْعَة لَهُ وَعَلَيْهَا الْعدة
وَقَالَ اللَّيْث إِذا أَتَاهَا فِيمَا دون الْفرج فلهَا الصَدَاق وَله الرّجْعَة إِذا علم أَنه كَانَ يَأْتِيهَا فِي أَهلهَا
1944 - فِيمَن بَاعَ حُبْلَى وَادّعى وَلَدهَا
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا حبلت الْجَارِيَة فِي ملكه فَبَاعَهَا وَولدت عِنْد المُشْتَرِي وَادّعى البَائِع وَلَدهَا صدق وَفسخ البيع وَإِن كَانَ اشْتَرَاهَا وَهِي حُبْلَى فَولدت ثمَّ بَاعَ الْأُم أَو بَاعهَا وَهِي حُبْلَى فَولدت عِنْد المُشْتَرِي(4/234)
الثَّانِي ثمَّ ادّعى المُشْتَرِي الأول الْوَلَد لم صدق إِذا كَانَ قد بَاعَ الْوَلَد وَإِن بَاعَ الْأُم وَحدهَا صدق فِي الْوَلَد وَلم يفْسخ البيع فِي الْأُم
ثمَّ قَالَ زفر إِذا اشْترى جَارِيَة وَوَلدهَا ثمَّ بَاعَ الْجَارِيَة ثمَّ ادّعى الْوَلَد وَهُوَ فِي ملكه وَقد ولد فِي غير ملكه فَهُوَ مُصدق وَترد الْأُم إِلَيْهِ وَتَكون أم ولد لَهُ
وَقَالَ مَالك إِذا بَاعَ صَبيا صَغِيرا ثمَّ ادَّعَاهُ فَهُوَ مُصدق سَوَاء ولد عِنْده أَو لم يود إِلَّا أَن يَأْتِي بِأَمْر يسْتَدلّ بِهِ على كذبه
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا ولد عِنْده ثمَّ بَاعه صدق ورد عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون المُشْتَرِي أعْتقهُ
وروى الثَّوْريّ عَن ربيعَة عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه إِذا بَاعَ ثمَّ ادّعى أَنه ابْنه ثَبت نسبه وَلَا يرد عَلَيْهِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِيمَن بَاعَ جَارِيَة وَمَعَهَا ابْن لَهَا فاستولدها المُشْتَرِي ثمَّ ادّعى الَّذِي بَاعهَا أَن وَلَدهَا كَانَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يحلف أَنه وَلَده ثمَّ ألحق بِهِ وَأمه وَيلْحق بالمشتري وَلَده مِنْهَا وَيرد البَائِع الثّمن على المُشْتَرِي وَلَو بَاعَ عبدا ثمَّ ادّعى أَنه كَانَ أعْتقهُ وَقد كَانَ المُشْتَرِي أعْتقهُ أَو لم يكن أعْتقهُ فَإِنَّهُ حر وَيرد ثمنه إِلَى المُشْتَرِي
وَلم يقل بذلك أحد غير الْأَوْزَاعِيّ فِي الْعتْق
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا بَاعَ أمة ثمَّ قَالَ قد كَانَت ولد مني فسخ البيع فِيهَا وَكَانَت أم ولد لَهُ سَوَاء كَانَ لَهَا ولد أَو لم يكن وَلم يقل بذلك غَيره أحد
وَقَالَ اللَّيْث إِذا بَاعَ غُلَاما وَلدته جَارِيَة لَهُ ثمَّ قَالَ هُوَ ابْني فَإِنَّهُ يرد إِلَيْهِ وَيفْسخ البيع(4/235)
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ إِذا ادّعى البَائِع أَن الْحمل مِنْهُ وَقد كَانَ أقرّ بِوَطْئِهَا قبل بيعهَا ولمي طَأْهَا المُشْتَرِي صدق وَفسخ البيع إِذا أمكن أَن يكون الْحمل مِنْهُ وَإِن كَانَ لَا يُمكن أَن يكون مِنْهُ لم يصدق
وَإِن ادّعى الِاسْتِبْرَاء بعد الْوَطْء فَجَاءَت بِولد عِنْد الْمُبْتَاع لأَقل من سِتَّة أشهر لحق بِهِ لِأَن الحبلى تحيض وَإِن كَانَت لأكْثر من سِتَّة أشهر لم أفسخ البيع وألحقت بِهِ الْوَلَد إِن ادَّعَاهُ وَجَعَلته ابْنه عبدا للْآخر
وَقَالَ الْمُزنِيّ فِي مُخْتَصره عَنهُ لَو رَهنه جَارِيَة فَوَطِئَهَا قبل الْقَبْض وَظهر بهَا حمل فأقرت بِهِ كَانَت خَارِجَة من الرَّهْن
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ فِي جَارِيَة بَين رجلَيْنِ جَاءَت بِولد فَادَّعَاهُ أَحدهمَا أَنه يثبت نسبه وَعَلِيهِ نصف قيمَة الْجَارِيَة وَنصف الْعقر وَأَنه لَيْسَ عَلَيْهِ من قيمَة الْوَلَد شَيْء فَلَمَّا كَانَ الْعلُوق فِي ملكه استندت الدعْوَة إِلَى حَال الْعلُوق فَكَانَ مُصدقا كَذَلِك الحبلى إِذا بِيعَتْ
1945 - إِذا ادّعى الْوَلَد بعد الْعتْق
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا بَاعَ أمة حَامِلا فَولدت عِنْد المُشْتَرِي فَأعْتقهَا ثمَّ ادّعى البَائِع الْوَلَد صدق وَكَانَ الْوَلَد حرا يرد إِلَيْهِ بِحِصَّتِهِ من الثّمن وَلَا يصدق على الْأُم
وَعَن مَالك نَحْو ذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ يَأْخُذ البَائِع الْوَلَد بِالْقيمَةِ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا لم يعلم وَطئه لَهَا قبل بَيْعه لم تقبل دَعوته وَإِن لم يعْتق(4/236)
1946 - إِذا قَالَ مَا كَانَ لَك عَليّ شَيْء قطّ ثمَّ يُقيم الْبَيِّنَة أَنه قَضَاهُ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ادّعى على رجل مَالا فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ مَا كَانَ لَك عَليّ شَيْء قطّ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة بِأَلف وَأقَام الْمُدعى عَلَيْهِ الْبَيِّنَة أَنه قَضَاهَا فَإِنَّهُ تقبل مِنْهُ
وَلَو كَانَ قَالَ ماكان لَك عَليّ شَيْء قطّ وَلَا أعرفك لم تقبل بَينته على الْقَضَاء
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا قَالَ مَا كَانَ لَك عَليّ شَيْء قطّ وَأقَام على الْإِنْكَار لم تقبل بَينته على الْقَضَاء وَإِذا قَالَ مَا لَهُ عَليّ شَيْء قبلت بعد ذَلِك بَينته على الْقَضَاء
وَفرق بَين هَذَا وَبَين قَوْله مَا كَانَ لَهُ عَليّ شَيْء قطّ أَو مَا أَقْرضنِي أَو مَا غصبني إِذا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا قَالَ مَا كَانَ لَهُ عَليّ شَيْء قطّ لم أقبل بعد ذَلِك دَعْوَاهُ للمخرج وَلَا أسأَل الْمُدَّعِي عَن دَعْوَاهُ وَلَو أقرّ ثمَّ ادّعى أَنه كَانَ أدّى سَأَلَ خَصمه فَإِن أقرّ ألزمهُ وَإِن أنكر استحلفه
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا أنكر الْخصم الدَّعْوَى ثمَّ جَاءَ بِشَهَادَة شُهُود على الْمخْرج مِنْهُمَا لم أقبل مِنْهُ بعد الْإِنْكَار وَذَلِكَ أَن يَقُول مَا لَهُ قلبِي شَيْء فيقيم الطَّالِب الْبَيِّنَة على مَاله وَيُقِيم الآخر بَينته أَنه قد أوفاه إِيَّاه
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِن ادّعى قبل رجل دَعْوَى فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ عِنْدِي مِنْهَا الْمخْرج إِن هَذَا إِقْرَار مِنْهُ بهَا فَإِن جَاءَ بمخرج وَإِلَّا ألزم الدَّعْوَى(4/237)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَيْسَ هَذَا بِإِقْرَار مِنْهُ لما ادّعى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قد يكون عِنْده أبراه من الْحق وَمن الْبَاطِل وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ مَا لَهُ عَليّ شَيْء قبلت مِنْهُ الْبَيِّنَة على الْمخْرج
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله مَا كَانَ لَهُ عَليّ شَيْء قطّ لَا يَنْفِي بَينته على الْقَضَاء لِأَن المقضى يصير قصاصا بِمَا حكم بِهِ عَلَيْهِ فبينته مَقْبُولَة
وَقَالَ ابْن أبي عمرَان الْقيَاس أَن تقبل بَينته وَإِن قَالَ مَا أعرفك إِذا جَازَ أَن يكون وَجب عَلَيْهِ بمراسلة بَينه وَبَينه من غير رُؤْيَة ثمَّ قَضَاهُ بِمثل ذَلِك
وَقَالَ ابْن أبي عمرَان وَقد كَانَ غير وَاحِد من أهل النّظر من متأخري أَصْحَابنَا يذهبون إِلَى هَذَا
آخر كتاب الدَّعْوَى(4/238)
= كتاب الشُّفْعَة =
1947 - فِي الشُّفْعَة بالجوار
قَالَ أَصْحَابنَا الشَّرِيك فِي الْمَبِيع أَحَق من الشَّرِيك فِي الطَّرِيق ثمَّ الشَّرِيك فِي الطَّرِيق ثمَّ الْجَار الملاصق وَهُوَ 4 قَول ابْن شبْرمَة وَالثَّوْري وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا شُفْعَة إِلَّا فِي مشَاع وَلَا شُفْعَة فِي بِئْر لَا بَيَاض لَهَا لَا يحْتَمل الْقِسْمَة
وروى أَبُو عَاصِم عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد وَأبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالشُّفْعَة فِيمَا لم يقسم فَإِذا وَقعت الْحُدُود فَلَا شُفْعَة
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَن مَالك عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز الْمَاجشون(4/239)
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا أَصله عَن ابْن الْمسيب بِغَيْر ذكر لأبي هُرَيْرَة كَذَلِك هُوَ فِي الْمُوَطَّأ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَنهُ الْأَثْبَات القعْنبِي وَابْن وهب
وَقد روى معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن جَابر قَالَ قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالشُّفْعَة فِي كل مَا لم يقسم فَإِذا وَقعت الْحُدُود وصرفت الطّرق فَلَا شُفْعَة
فَشرط صرف الطّرق وَنفى الشُّفْعَة
1948 - إِذن الشَّفِيع فِي البيع هَل يبطل الشُّفْعَة
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث وَابْن شبْرمَة وَالشَّافِعِيّ إِذا أذن لَهُ الشَّفِيع فِي البيع فَبَاعَهُ فَلهُ الشُّفْعَة وَإِن قَالَ لَا حَاجَة لي فِي الشُّفْعَة
وَعَن الثَّوْريّ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا لَهُ الشُّفْعَة وَالْأُخْرَى لَا شُفْعَة
وَقَالَ عُثْمَان البتي لَا شُفْعَة لَهُ
وروى أَبُو الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشُّفْعَة فِي كل شرك بِأَرْض أَو ربع أَو حَائِط لَا يصلح أَن يَبِيع حَتَّى يعرض على شَرِيكه فَيَأْخُذ أَو يدع
فَإِن قَالَ قَائِل هَذَا يدل على ثُبُوت حق الشَّفِيع قبل البيع فَإِذا سلمه جَازَ تَسْلِيمه(4/240)
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا دلَالَة فِيهِ على مَا ذكر لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ تَخْفيف المؤونة فِي اسْتِئْنَاف أَخذ الشَّفِيع بعد بَيْعه من المُشْتَرِي
1949 - فِي الشَّفِيع يعلم بِالْبيعِ
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْحسن بن حَيّ إِن لم يطْلب مَكَانَهُ بطلت شفعته وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد إِذا أشهد أَنه على شفعته وَلم يقم بهَا فِيمَا بَينه وَبَين أَن يصل إِلَى القَاضِي فقد أبطل شفعته
وَقَالَ الْحسن وَأما أَبُو حنيفَة فَقَالَ ثَلَاثَة أَيَّام
وروى مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه على شفعته أبدا
وَقَالَ مُحَمَّد إِنَّه إِذا تَركهَا بعد الطّلب شهرا بطلت
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا أمكنه أَن يطْلب عِنْد القَاضِي وَيَأْخُذهُ فَلم يفعل بطلت
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا علم بِالْبيعِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا
قَالَ الشّعبِيّ يَوْمًا
وَقَالَ عُثْمَان البتي ثَلَاثًا
وَقَالَ مَالك إِذا علم بِالشِّرَاءِ فَلم يطْلب حَتَّى طَال بطلت وَالسّنة لَيست بِكَثِير وَله أَن يَأْخُذ وَهَذَا فِي الْحَاضِر فَأَما الْغَائِب فَلَا تبطل شفعته
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا لم يطْلبهَا أَيَّامًا بطلت شفعته وَذكر الْمعَافى عَنهُ ثَلَاثَة أَيَّام(4/241)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث وَعبيد الله بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ إِذا لم يطْلب حِين علم بطلت
وَقَالَ شريك إِذا علم فَلم يطْلب فَهُوَ على شفعته أَو سكت حَتَّى يطْلب أَو يَقُول قد تركت
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول شريك خَارج من أقاويل الْفُقَهَاء وَقَالَ الشّعبِيّ من بِيعَتْ شفعته وَهُوَ شَاهد لَا يُنكر فَلَا شُفْعَة لَهُ وَكَانَ قَول شريك شاذا وَثَبت قَول الآخرين فَيَنْبَغِي أَن يَسْتَوِي قَلِيل الْوَقْت وَكَثِيره فِي بطلَان الشُّفْعَة بِهِ إِذا ترك الطّلب فِيهِ
1950 - فِي عُهْدَة الشَّفِيع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أَخذ الدَّار من البَائِع فعهدته عَلَيْهِ وَإِن أَخذهَا من المُشْتَرِي فعهدته على المُشْتَرِي
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَعُثْمَان البتي عهدته على البَائِع لِأَن الشُّفْعَة وَجَبت يَوْم اشْترى الشَّفِيع
وَقَالَ مَالك عدته على المُشْتَرِي قبض أَو لم يقبض فِي رِوَايَة أَسد
وَقَالَ ابْن عبد الحكم عَنهُ وعهدته على الَّذِي يُؤْخَذ مِنْهُ
وَقَالَ الثَّوْريّ عدته على المُشْتَرِي وَهُوَ قَول اللَّيْث(4/242)
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ عهدته على من أَخذ مِنْهُ الدَّار
وَقَالَ الشَّافِعِي عهدته المُشْتَرِي على البَائِع وعهدة الشَّفِيع على المُشْتَرِي
1951 - فِي الصَّفْقَة تجمع مَا فِيهِ شُفْعَة وَمَا لَا شُفْعَة فِيهِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى بَيْتا ورحى ومتاعا فَإِن الشَّفِيع يَأْخُذ الْبَيْت وَمَا فِي الْبناء وَلَا يَأْخُذ مَا لم يكن فِي الْبناء
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة قَول شَاذ إِن الشُّفْعَة وَاجِبَة فِي جَمِيع مَا ضمته الصَّفْقَة سَوَاء كَانَ مِمَّا لَو أفرد وَجَبت فِيهِ الشُّفْعَة أَو لم تجب إِذا كَانَ فِي الصَّفْقَة مَا تجب فِيهِ الشُّفْعَة وَذكر رِوَايَة عَنهُ أَنه رَجَعَ عَن ذَلِك القَوْل الأول الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ سوار بن عبد الله وَعبيد الله بن الْحسن فِيمَن بَاعَ دارين صَفْقَة ثمَّ جَاءَ شَفِيع إِحْدَاهمَا فَإِن شَاءَ أخذهما جَمِيعًا
1952 - فِي الْأَجَل يثبت للشَّفِيع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى دَارا بِثمن مُؤَجل فَإِن شَاءَ الشَّفِيع صَبر حَتَّى يحل الْأَجَل ثمَّ يَأْخُذ وَإِن شَاءَ أَخذهَا بِالثّمن حَالا وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك والبتي إِذا كَانَ مليئا أَخذهَا بِالثّمن إِلَى أَجله وَإِن كَانَ مخوفا فَإِن جَاءَ على ثِقَة مثل الَّذِي اشْترى مِنْهُ فَذَلِك لَهُ(4/243)
1953 - فِي بيع الْخِيَار
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ خِيَار الشَّرْط للْبَائِع فَلَا شُفْعَة وَإِن كَانَ للْمُشْتَرِي فَفِيهِ الشُّفْعَة وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك فِي خِيَار المُشْتَرِي لَا شُفْعَة حَتَّى يتم البيع
1954 - فِي التَّزْوِيج وَالْخلْع
قَالَ أَصْحَابنَا لَا شُفْعَة فِي الْمهْر والجعل فِي الْخلْع وَالصُّلْح من دم الْعمد وَالْإِجَارَة
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَابْن شبْرمَة وَمَالك إِذا تزَوجهَا على نصف الدَّار أَخذهَا الشَّفِيع بِقِيمَة الشّقص
وَقَالَ الشَّافِعِي يَأْخُذهَا بِمهْر مثلهَا
1955 - فِي شُفْعَة الصَّبِي
قَالَ سَائِر الْفُقَهَاء للصَّبِيّ الشُّفْعَة يَأْخُذهَا وليه وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا شُفْعَة للصَّغِير
1956 - فِي الشُّفْعَة لِلنَّصْرَانِيِّ
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ الْمُسلم وَالذِّمِّيّ فِي الشُّفْعَة سَوَاء(4/244)
وَقَالَ الْحسن بن صَالح لَا شُفْعَة لَهُم فِي أَمْصَار الْمُسلمين الَّتِي ابتدأها الْمُسلمُونَ لأَنهم لَا يجوز لَهُم سكناهَا وَلَا ملكهَا وَلَهُم الشُّفْعَة فِي الْقرى
1957 - فِي الشُّفْعَة فِي الْهِبَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وهب لَهُ دَارا على غير شَرط عوض ثمَّ عوضه لم يجب فِيهَا شُفْعَة
وَقَالَ ابْن أبي ليلى فِيهَا الشُّفْعَة
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ إِذا وَهبهَا رَجَاء الثَّوَاب ثمَّ عوضه فَللشَّفِيع الشُّفْعَة وَهُوَ قَول الْحسن بن حَيّ
وَذكر ابْن الْقَاسِم على مَذْهَب مَالك أَنه إِن وهبه لصلة رحم أَو صَدَقَة فَلَا شُفْعَة فِيهِ وَإِن أثابه الْمَوْهُوب لَهُ
1958 - فِي الْهِبَة على شَرط الْعِوَض
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وهب على شَرط عوض فَلَا شُفْعَة حَتَّى يتقابضا فَإِذا تقابضا كَانَ بِمَنْزِلَة البيع
وَقَالَ زفر هُوَ بيع تقابضا أَو لم يتقابضا وَفِيه الشُّفْعَة وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
1959 - فِي الشَّرِيك الْأَدْنَى
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا ورث جمَاعَة دَارا بَينهم ثمَّ مَاتَ بَعضهم وَترك وَرَثَة فَبَاعَ بَعضهم نصِيبه فالشركاء فِي الدرا إسوة فِي الشُّفْعَة وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك الشُّرَكَاء فِي مِيرَاث الْمَيِّت الآخر أَحَق بِالشُّفْعَة(4/245)
1960 - فِي الصَّفْقَة تضم الدَّاريْنِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى دارين صَفْقَة وَاحِدَة لَهما شَفِيع فَإِن شَاءَ أخذهما جَمِيعًا وَإِن شَاءَ ترك
وَذكر ابْن سَمَّاعَة أَيْضا عَن مُحَمَّد قَالَ وَهُوَ قَوْلهم وَقَول مَالك
وَقَالَ زفر للشَّفِيع أَن يَأْخُذ إِحْدَاهمَا دون الْأُخْرَى إِن شَاءَ
1961 - فِي الْجَمَاعَة يشْتَرونَ الدَّار
قَالَ أَصْحَابنَا للشَّفِيع أَن يَأْخُذ نصيب أحدهم دون الآخر ين وَلَو كَانَ البَائِع اثْنَيْنِ وَالْمُشْتَرِي وَاحِدًا لم يكن لَهُ أَن يَأْخُذ نصيب أَحدهمَا دون الآخر
وَقَالَ مَالك لَيْسَ للشَّفِيع أَن يَأْخُذ نصيب أَحدهمَا دون الآخر فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا
وَقَالَ الشَّافِعِي لَهُ أَن يَأْخُذ نصيب أَحدهمَا دون الآخر فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا
1962 - فِي الشُّفْعَة بِالدَّار الَّتِي فِيهَا الْخِيَار
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى دَارا على أَنه بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فبيعت دَار إِلَى جنبها فَأَخذهَا بِالشُّفْعَة كَانَ رضَا بِالْبيعِ وَلَو كَانَ الْخِيَار للْبَائِع فَأَخذهَا بِالشُّفْعَة كَانَ نقضا للْبيع(4/246)
وَقَالَ مَالك الشُّفْعَة لمن يصير لَهُ الشّقص الَّذِي فِيهِ الْخِيَار وَإِن نقض البيع للْبَائِع وَإِن تمّ فَلِلْمُشْتَرِي
1963 - فِي المُشْتَرِي يَبْنِي أَو يغْرس
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا بنى المُشْتَرِي أَو غرس فَللشَّفِيع أَن يَأْمُرهُ بقلع ذَلِك وَيَأْخُذهُ بالزرع يَدعه حَتَّى يستحصد ثمَّ يَأْخُذ
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِن شَاءَ الشَّفِيع أَخذهَا بِالثّمن وَقِيمَة الْبناء وَالْغَرْس وَإِن شَاءَ ترك لَا شَيْء لَهُ غير ذَلِك وَهُوَ قَول مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ مَالك وَالزَّرْع للزارع
وَقَول الْحسن بن حَيّ وَاللَّيْث وَعبيد الله بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ كَقَوْل ابْن أبي ليلى
1964 - فِي إِحْضَار الشَّفِيع الثّمن
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الْأُصُول لَيْسَ للشَّفِيع أَن يَأْخُذ الدَّار حَتَّى ينقده الثّمن فَإِن قضى لَهُ بِالشُّفْعَة ثمَّ مَاتَ كَانَ للْمُشْتَرِي حَبسهَا بِالثّمن فَهَذَا يدل على أَن القَاضِي يقْضِي بِالشُّفْعَة قبل إِحْضَار الثّمن
وَذكر هِشَام عَن مُحَمَّد إِن المُشْتَرِي إِذا قَالَ أحضر المَال وَخذ شفعتك فَإِن القَاضِي يؤجله يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة فَإِن أحضر مَاله وَإِلَّا بطلت شفعته
وَذكر هِشَام أَيْضا عَن مُحَمَّد أَن القَاضِي يَأْمُرهُ بإحضار المَال قبل أَن يقْضِي لَهُ بِالشُّفْعَة وَلَا يقْضِي لَهُ بهَا حَتَّى يحضر المَال وَكَذَلِكَ روى ابْن سَمَّاعَة عَنهُ
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا اسْتحق الشُّفْعَة أحل فِي ثمنهَا ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن جَاءَ(4/247)
بِالثّمن وَإِلَّا فَلَا شُفْعَة لَهُ وَنَحْوه عَن عُثْمَان البتي وَمَالك وَالْحسن بن حَيّ وَقَالَ اللَّيْث لَا يُؤَخر سَاعَة إِن جَاءَ بِالثّمن فَلهُ الشُّفْعَة وَإِن لم يَأْتِ بِهِ حِين يَأْخُذ الشُّفْعَة فَلَا شُفْعَة لَهُ
وَكَانَ بكار بن قُتَيْبَة لَا يسمع بَيِّنَة على مُطَالبَة بشفعة إِلَّا أَن يحضر مَعَه مِقْدَار الثّمن وَحكى ذَلِك عَن جمَاعَة من الْبَصرِيين
قَالَ أَبُو جَعْفَر يَنْبَغِي أَن لَا يقْضِي لَهُ بِالشُّفْعَة إِلَّا بعد إِحْضَار الثّمن لِأَنَّهُ إِن لم يكن كَذَلِك يحصل الثّمن دينا وَقد ملك هُوَ الْعين فَلَا يجوز لِأَن المُشْتَرِي لم يرض بِذِمَّتِهِ
1965 - فِي الشُّفْعَة على عدد الرؤوس
قَالَ أَصْحَابنَا الشُّفْعَة على عدد الرؤوس وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَشريك وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك وَعبيد الله بن الْحسن وسوار على قدر الْأَنْصِبَاء
وروى الْحسن وَعَطَاء على الْأَنْصِبَاء
وَعَن الشّعبِيّ على عدد الرؤوس
1966 - فِي الشُّفْعَة تورث
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا مَاتَ الشَّفِيع بطلت الشُّفْعَة وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَعبيد الله بن الْحسن(4/248)
وَقَالَ مَالك وَالْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ تورث
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الشُّفْعَة رَأْي فِي الْأَخْذ فَلَا تورث كَمَا لَا تدخل فِي الْوَصِيَّة
قَالَ أَبُو بكر وَأَيْضًا أَنَّهَا حق يملك بِهِ كَخِيَار الْقبُول
1967 - فِي ثَمَر النّخل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى أَرضًا فِيهَا نخل وفيهَا ثَمَر وَاشْترى جَمِيع ذَلِك فَفِي ذَلِك كُله الشفع فَإِن جذها المُشْتَرِي أَخذ الأَرْض وَالنَّخْل بحصتها دون الثَّمَرَة
وَقَالَ مَالك يَأْخُذ الثَّمَرَة بعد الْجذاذ
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَأْخُذ الثَّمَرَة قبل الْجذاذ وَيَأْخُذ الأَرْض وَالنَّخْل بحصتهما من الثّمن
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن لَا شُفْعَة للشَّفِيع فِيهَا كَمَا لَا شُفْعَة فِيهَا لَو كَانَت مصرومة وروى عَنهُ أَنه يَأْخُذ الْجَمِيع
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن لَا يَأْخُذ الثَّمَرَة لِأَنَّهَا لَا تدخل فِي البيع إِلَّا بِالشّرطِ وَيلْزم عَلَيْهِ الطَّرِيق وَالشرب إِلَّا أَن الطَّرِيق قد يجوز بَيْعه على الِانْفِرَاد وَتجب فِيهِ الشُّفْعَة وَالشرب والمسيل لَا حِصَّة لَهما من الثّمن إِن استحقا فيخالفان الثَّمَرَة
1968 - فِي الْعَيْب يحدث بِالدَّار بعد الْقَضَاء بِالشُّفْعَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قضى للشَّفِيع بِالشُّفْعَة فَهِيَ لَازِمَة لَهُ وَإِن حدث عيب قبل الْقَبْض فَلهُ أَن يَدعهَا(4/249)
وَقَالَ مَالك لَيْسَ لَهُ أَن يَدعهَا وَكَذَلِكَ يَقُول مَالك فِي الشِّرَاء إِن مَا حدث من عيب قبل الْقَبْض فَهُوَ من مَال المُشْتَرِي
1969 - فِي قسْمَة المُشْتَرِي
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى نصف دَار مشَاع ثمَّ قَاسم البَائِع فَإِن الشَّفِيع يَأْخُذ النّصْف الَّذِي صَار للْمُشْتَرِي وَلَا يفْسخ الْقِسْمَة سَوَاء قسمهَا بِقَضَاء أَو بِغَيْر قَضَاء وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك يفْسخ الْقِسْمَة كَمَا لَو بَاعه فسخ البيع
1970 - فِي تصرف المُشْتَرِي
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا وَهبهَا المُشْتَرِي أَو تزوج عَلَيْهَا فَللشَّفِيع أَن يبطل ذَلِك وَالثمن للْمُشْتَرِي
وَقَالَ مَالك الثّمن للْمَوْهُوب لَهُ
1971 - فِي غيبَة الشَّفِيع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ الشَّفِيع غَائِبا فَعلم بِالشِّرَاءِ فَلهُ من الْأَجَل بعد أَن علم قدر الْمسير وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يشْهد فِي الْموضع الَّذِي فِيهِ المُشْتَرِي فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَن يشْهد فِي مَوضِع الدَّار وعَلى المُشْتَرِي أَو البَائِع
وَقَالَ مَالك لَا تقطع الشُّفْعَة عَن غَائِب لغيبته وَإِن طَالَتْ لَيْسَ لذَلِك عندنَا حد تقطع إِلَيْهِ الشُّفْعَة(4/250)
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا ترك الطّلب لعذر لم تبطل وَإِن ترك لغير عذر بطلت وَلَا تقطعها طول الْغَيْبَة
وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ والْحَارث العكلي لَا شُفْعَة لغَائِب
وَرُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم أَن لَهُ الشُّفْعَة
وَقَالَ الْحسن وَعَطَاء للْغَائِب الشُّفْعَة وَهُوَ قَول عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ وَقد روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجَار أَحَق بشفعة جَاره ينْتَظر بهَا وَإِن كَانَ غَائِبا إِذا كَانَ طريقهما وَاحِدًا
1972 - فِي هدم المُشْتَرِي الْبناء أَو أكل الثَّمَرَة
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا انْهَدَمت أَو احترقت الثَّمَرَة من غير فعلة أخد الشَّفِيع بِجَمِيعِ الثّمن وَإِن كَانَ من فعلة أَخذهَا بحصتها من الثّمن
وَقَالَ مَالك يَأْخُذهَا الشَّفِيع بِجَمِيعِ الثّمن وَإِن هدم المُشْتَرِي
وَأما الثَّمَرَة فَإِن كَانَت مشتراة مَعَ النّخل فَأكلهَا المُشْتَرِي سقط عَن الشَّفِيع حصَّتهَا
وَقَول الْحسن بن حَيّ وَالثَّوْري مثل قَول أَصْحَابنَا
1973 - فِي إِقْرَار المُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أقرّ رجل فِي يَده دَار أَنه اشْتَرَاهَا فَللشَّفِيع أَخذهَا مَعَ(4/251)
غيبَة البَائِع وَإِن حضر البَائِع فَجحد البيع أَخذهَا وَبَطلَت الشُّفْعَة إِذا لم تكن بَيِّنَة وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَول مَالك إِنَّه لَا يَأْخُذهَا من المُشْتَرِي حَتَّى يحضر البَائِع فَيقر
1974 - فِي شِرَاء أحد الشفيعين
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا اشْترى دَارا هُوَ شفيعها وَلها شَفِيع آخر فَإِنَّهُ يَأْخُذ نصفهَا وَهُوَ قَول مَالك
وَذكر الزَّعْفَرَانِي عَن الشَّافِعِي أَن الشَّفِيع الَّذِي لم يشترها يَأْخُذ الْجَمِيع وَغَيره يذكر عَنهُ أَنه يَأْخُذ النّصْف
آخر كتاب الشُّفْعَة(4/252)
= كتاب الْحِوَالَة وَالْكَفَالَة =
1975 - فِي الْكفَالَة بِالنَّفسِ
قَالَ أَصْحَابنَا الْكفَالَة بِالنَّفسِ جَائِزَة وَإِن مَاتَ الْمَطْلُوب برىء الْكَفِيل وَلم يلْزمه الْحق الَّذِي على الْمَطْلُوب
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا كفل بِنَفس رجل قبله قصاص فِي نفس أَو مَا دونهَا ففات أَن يَجِيء بِهِ فَعَلَيهِ أرش تِلْكَ الْجراحَة أَو النَّفس وَهِي للْكَفِيل فِي مَالك الْجَانِي وَلَا قصاص على الْكَفِيل
وَقَالَ مَالك إِذا كفل بِنَفسِهِ إِلَى أجل وَعَلِيهِ مَال أَنه إِن لم يَأْتِ بِهِ غرم المَال وَيرجع بِهِ على الْمَطْلُوب فَإِن اشْترط ضَمَان نَفسه وَقَالَ لَا أضمن المَال فَهُوَ كَمَا قَالَ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ من المَال(4/253)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث مثل قَول مَالك
وَضعف الشَّافِعِي الْكفَالَة بِالْوَجْهِ فِي مَوضِع وأجازها فِي مَوضِع
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد قَالَ حَدثنِي أبي عَن مُحَمَّد بن حَمْزَة بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ عَن أَبِيه أَن عمر بَعثه مُصدقا على سعد بن هزيم فَأتى حَمْزَة بِمَال ليصدقه فَإِذا رجل يَقُول لَا مرأته أُدي صَدَقَة مَوْلَاك وَإِذا الْمَرْأَة تَقول بل أَنْت أد صَدَقَة مَال ابْنك فَسَأَلَ حَمْزَة عَن أَمرهمَا وقولهما فَأخْبر أَن ذَلِك الرجل زوج تِلْكَ الْمَرْأَة وَأَنه وَقع على جَارِيَة لَهَا فَولدت ولدا فأعتقته امْرَأَته قَالُوا فَهَذَا المَال لِابْنِهِ من جاريتها فَقَالَ حَمْزَة لأرجمنك بأحجارك فَقيل لَهُ أصلحك الله إِن أمره قد رفع إِلَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فجلده عمر مائَة وَلم ير عَلَيْهِ الرَّجْم فَأخذ حَمْزَة بِالرجلِ كَفِيلا حَتَّى قدم على عمر فَسَأَلَهُ عَمَّا ذكر من جلد عمر إِيَّاه وَلم ير عَلَيْهِ رجما فَصَدَّقَهُمْ عمر بذلك من قَوْلهم وَقَالَ إِنَّمَا دَرأ عَنهُ الرَّجْم أَنه عذره بالجهالة
وروى يحيى بن آدم عَن إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن حَارِثَة بن مضرب قَالَ صليت الْغَدَاة مَعَ عبد الله بن مَسْعُود فِي الْمَسْجِد فَلَمَّا سلم قَامَ رجل فَقَالَ وَالله لقد بت اللَّيْلَة وَمَا فِي نَفسِي على أحد من النَّاس أحنة وَإِنِّي كنت قد استطرقت رجلا من بني حنيفَة بفرسي فَأمرنِي أَن آتيه بِغَلَس وَإِنِّي أَتَيْته فَلَمَّا انْتَهَيْت إِلَى مَسْجِد بني حنيفَة مَسْجِد عبد الله بن النواحة سَمِعت مؤذنهم يُؤذن يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مسليمة رَسُول الله فاتهمت سَمْعِي وكففت الْفرس حَتَّى سَمِعت أهل الْمَسْجِد توطؤا على ذَلِك فَمَا كذبه عبد الله وَقَالَ من هَاهُنَا فَقَامَ رجل فَقَالَ عَليّ بِعَبْد الله بن النواحة(4/254)
وَأَصْحَابه قَالَ حَارِثَة فجيء بهم وَأَنا جَالس فَقَالَ عبد الله بن النواحة وَيلك أَيْن مَا كنت تقرا من الْقُرْآن قَالَ كنت أتقيكم بِهِ قَالَ لَهُ تب فَأبى فَأمر بِهِ عبد الله قرظة بن كَعْب الْأنْصَارِيّ فَأخْرجهُ إِلَى السُّوق فحز رَأسه قَالَ حَارِثَة سَمِعت عبد الله يَقُول من سره أَن ينظر إِلَى عبد الله بن النواحة قَتِيلا بِالسوقِ فَليخْرجْ فَلْينْظر إِلَيْهِ قَالَ حَارِثَة فَكنت فِيمَن خرج ينظر إِلَيْهِ ثمَّ إِن عبد الله اسْتَشَارَ أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَقِيَّة النَّفر فَقَامَ عدي بن حَاتِم الطَّائِي فَحَمدَ الله تَعَالَى وَأُنْثَى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أما بعد فثؤول الْكفْر اطلع رَأسه فاحسمه فَلَا يكون بعده شَيْء وَقَامَ الْأَشْعَث بن قيس وَجَرِير بن عبد الله فَقَالَا بل استتبهم وكفلهم عَشَائِرهمْ فاستتابهم فتابوا وكفلهم عَشَائِرهمْ ونفاهم إِلَى الشَّام
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَثَبت عَن ابْن مَسْعُود وَحَمْزَة بن عَمْرو وَجَرِير بن عبد الله والأشعث إِثْبَات الْكفَالَة بِالنَّفسِ وَذَلِكَ بِمحضر من قرظة بن كَعْب وعدي بن حَاتِم وَغَيرهمَا من الصحابه فَلم يخالفوهم فَلَا يسمع أحد الْخُرُوج عَنهُ إِلَى غَيره إِذا لم يروه عَن غَيرهم من الصَّحَابَة خِلَافه وَأما ضَمَان الْأَمْوَال بِمَوْت الْمَكْفُول عَنهُ فَلَا معنى لَهُ إِذا لم يشرطه لِأَنَّهُ إِنَّمَا كفل بِالنَّفسِ وَقد فَاتَت وَلَا قيمَة لَهَا يرجع إِلَيْهَا بعد عدمهَا
1976 - فِي الْكفَالَة بِالْمَالِ
قَالَ أَصْحَابنَا وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ إِذا كفل عَن رجل بِمَال فللطالب أَن يَأْخُذ أَيهمَا شَاءَ من الْمَطْلُوب وَمن الْكَفِيل
قَالَ أَبُو يُوسُف وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذ الَّذِي عَلَيْهِ الأَصْل(4/255)
وَحَيْثُ قبل مِنْهُ الْكَفِيل فقد أَبرَأَهُ من المَال إِلَّا أَن يتوى المَال قبل الْكَفِيل فَيرجع على الَّذِي عَلَيْهِ الأَصْل وَإِن كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا كَفِيلا عَن صَاحبه كَانَ لَهُ أَن يَأْخُذ أَيهمَا شَاءَ
قَالَ أَبُو يُوسُف وَابْن شبْرمَة فِي الْكفَالَة إِن اشْترط أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا كَفِيل عَن صَاحبه فَأَيّهمَا اخْتَار أبرأت الآخر إِلَّا أَن يشْتَرط أَن يأخذهما إِن شَاءَ جَمِيعًا وَإِن شَاءَ شَتَّى
وروى شُعَيْب بن صَفْوَان عَن ابْن شبْرمَة فِيمَن ضمن عَن رجل مَالا أَنه يبرأ الْمَضْمُون عَنهُ وَالْمَال على الْكَفِيل
وَقَالَ فِي رجل أقْرض رجلَيْنِ ألف دِرْهَم على أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا كَفِيل عَن صَاحبه فلس لَهُ أَن يَأْخُذ أَحدهمَا بِجَمِيعِ المَال إِنَّمَا لَهُ أَن يَأْخُذهُ بِمَا كفل بِهِ عَن صَاحبه وَهَذَا خلاف رِوَايَة أبي يُوسُف
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ الْمَطْلُوب مليئا بِالْحَقِّ لم يَأْخُذ الكفل الَّذِي كفل بِهِ عَنهُ وَلكنه يَأْخُذ حَقه من الْمَطْلُوب فَإِن نقص شَيْء من حَقه أَخذه من مَال الْحميل إِلَّا أَن يكون للَّذي عَلَيْهِ الدّين قد تأبى فيخاف صَاحب الْحق أَن يحاصه الْغُرَمَاء أَو كَانَ غَائِبا فَلهُ أَن يَأْخُذ الْحميل ويدعه
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَقد كَانَ مَالك يَقُول لَهُ أَن يَأْخُذ أَيهمَا شَاءَ ثمَّ رَجَعَ إِلَى هَذَا القَوْل
وَقَالَ اللَّيْث إِذا كفل بِالْمَالِ وَعرف مبلغه جَازَ وَأخذ بِهِ وَإِن قَالَ كفلت لَك بحقك وَلم يعرف الْحق لم يجز لِأَنَّهُ مَجْهُول
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن هَارُون بن رِئَاب عَن كنَانَة بن نعيم عَن قبيصَة بن الْمخَارِق أَنه تحمل حمالَة فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ فِيهَا فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نخرجها عَنْك من إبل الصَّدَقَة يَا قبيصَة إِن الْمَسْأَلَة حرمت إِلَّا فِي ثَلَاث رجل تحمل حمالَة فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى يُؤَدِّيهَا ثمَّ يمسك وَرجل(4/256)
أَصَابَته جَائِحَة فاجتاحت مَاله فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى يُصِيب قواما من عَيْش أَو سدادا من عَيْش وَذكر الحَدِيث
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَكَانَ فِي إحلاله الْمَسْأَلَة لمن تحمل عَن قوم بِمَا ذكر دَلِيل على فَسَاد قَول من قَالَ إِن الْمَكْفُول لَهُ لَيْسَ لَهُ مُطَالبَة الْكَفِيل إِذا قدر على مُطَالبَة الْمَكْفُول عَنهُ لِأَنَّهُ أَبَاحَ لَهُ الْمَسْأَلَة بِنَفس الْحمالَة وَلم يعْتَبر حَال الْمُحْتَمل عَنهُ من كَونه مليئا أَو غير مَلِيء
قَالَ أَبُو بكر وَهَذَا الْخَبَر يدل على جَوَاز الْكفَالَة بِمَال مَجْهُول لِأَنَّهُ أطلق القَوْل فِيمَن تحمل حمالَة بِإِبَاحَة الْمَسْأَلَة وَلم يفرق بَين الْمَجْهُول مِنْهَا والمعلوم وَيدل أَيْضا على أَن الدّين يمْنَع الزَّكَاة بِقَدرِهِ لَوْلَا ذَلِك لما حلت لَهُ الصَّدَقَة لِأَنَّهُ لم يفرق بَين من تحمل حمالَة وَله مَال أَو لَا مَال لَهُ
وَأما قَول من قَالَ إِن الْمَطْلُوب يبرأ بِنَفس الْحمالَة فالدليل على فَسَاده مَا رَوَاهُ شريك عَن عبد الله من مُحَمَّد بن عقيل عَن جَابر بن عبد الله أَن رجلا مَاتَ وَعَلِيهِ دين فَلم يصل عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قَالَ أَبُو الْبشر أَو غَيره هُوَ عَليّ فصلى عَلَيْهِ فجَاء من الْغَد يتقاضاه فَقَالَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِك أمس ثمَّ أَتَاهُ من بعد الْغَد فَأعْطَاهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْآن بردت عَلَيْهِ جلده(4/257)
فَدلَّ ذَلِك على أَن الْمَطْلُوب لَا يبرأ بكفالة الْكَفِيل عَنهُ وَإِن للطَّالِب أَن يَأْخُذ بِهِ بعد الْكفَالَة أَيهمَا شَاءَ
قَالَ أَبُو بكر وَهَذَا الحَدِيث أَيْضا يدل على أَن الْكَفِيل لَا يرجع على الْمَكْفُول عَنهُ إِذا كَانَت لكفالة بِغَيْر أَمر لِأَنَّهُ لَو كَانَ لَهُ الرُّجُوع لقام الْكَفِيل فِيهِ مقَام الطَّالِب فَلم يكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليُصَلِّي عَلَيْهِ
فَإِن قيل فقد روى عبد الله بن أبي قَتَادَة عَن أَبِيه قَالَ مَاتَ رجل منا فَأتوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليُصَلِّي عَلَيْهِ فَقَالَ هَل ترك عَلَيْهِ دينا فَقَالُوا نعم ثَمَانِيَة وَعشْرين درهما قَالَ هَل ترك وفآء قَالُوا لَا وَالله مَا ترك من شَيْء قَالَ فصلوا أَنْتُم عَلَيْهِ قَالَ فَقَالَ أَبُو قَتَادَة يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن قضيت عَنهُ أَتُصَلِّي عَلَيْهِ قَالَ نعم إِن قضيت عَنهُ بِالْوَفَاءِ قَالَ فَانْطَلق أَبُو قَتَادَة فَقضى عَنهُ فَقَالَ رَسُول الله قد قضينا عَنهُ فَدَعَا لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصلى عَلَيْهِ
فَفِي هَذَا الحَدِيث أَنه إِنَّمَا صلى عَلَيْهِ وَبعد الْقَضَاء عَنهُ
قيل لَهُ يحْتَمل أَن يكون هَذَا الْمَيِّت غير الَّذِي فِي الحَدِيث الأول وَكَانَ لَهُ أَن لَا يُصَلِّي حَتَّى يقْضِي وَكَانَ لَهُ أَن يُصَلِّي بِنَفس الضَّمَان لِأَنَّهُ يصير بِمَنْزِلَة من ترك وَفَاء
وَقد روى الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا توفّي الْمُؤمن وَعَلِيهِ دين يسْأَل مَا ترك لدينِهِ من قَضَاء فَإِن قَالُوا نعم صلى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن قَالُوا لَا قَالَ صلوا على صَاحبكُم فَلَمَّا فتح الله تَعَالَى على رَسُوله الْفتُوح قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من(4/258)
أنفسهم فَمن توفّي وَعَلِيهِ دين فعلي قَضَاؤُهُ وَمن ترك مَالا فَهُوَ لوَرثَته
وعَلى أَن حَدِيث عبد الله بن أبي قَتَادَة عَن أَبِيه لَيْسَ بِسَمَاع مِنْهُ لِأَن بكير بن عبد الله بن الْأَشَج روى عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة قَالَ سَمِعت من أَهلِي من لَا أتهم أَن رجلا توفّي على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلي دِينَارَانِ فَأبى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ حَتَّى تحمل بهَا أَو قَتَادَة
فَحَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل أحسن مِنْهُ وَإِن كَانَ إِنَّمَا يَدُور عَلَيْهِ فقد احْتج بِهِ غَيرنَا علينا فِي مِفْتَاح الصَّلَاة وتحليلها
وَفِي حَدِيثه عَن عمرَان بن طَلْحَة فِي الْحيض
فَحَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد مَقْبُول فِي ذَلِك كَمَا قبله غَيرنَا فِيمَا وَصفنَا
1977 - فِي الْكفَالَة من غير قبُول الطَّالِب
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا تصح الْكفَالَة بِغَيْر قبُول الطَّالِب إِلَّا فِي خصْلَة وَاحِد أَن يَقُول الْمَرِيض لبَعض ورثته اضمن عني ديني فَيضمنهُ والغرماء غيب فَيجوز وَإِن لم يسم الدّين وَلَو كَانَ هَذَا فِي الصِّحَّة لم يلْزم الْكَفِيل شَيْء
قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الْكفَالَة جَائِزَة كَانَ لَهُ مُخَاطب أَو لم يكن
قَالَ أَبُو جَعْفَر وى بعض الروَاة هَذَا الْخلاف عَن أبي يُوسُف وَحده
قَالَ أَبُو بكر الصَّحِيح أَن مُحَمَّدًا مَعَ أبي حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَحده
وَابْن الْقَاسِم لم يحفظ عَن مَالك شَيْئا فِي ذَلِك قَالَ وَأرَاهُ لَازِما(4/259)
وروى الرّبيع عَن الشَّافِعِي أَن الضَّمَان إِنَّمَا يلْزم الضَّامِن لما قد عرفه وَأما مَا لم يعرفهُ فَهُوَ من المخاطرة أَي فَلَا يلْزمه
قَالَ أَبُو جَعْفَر هَذَا يدل على أَنَّهَا كَانَت تلْزم عِنْده بِغَيْر قبُول
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقد أجَاز النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضَمَان من ضمن عَن الْمَيِّت من غير قبُول الْمَضْمُون لَهُ فَدلَّ على صِحَة قَول أبي يُوسُف
1978 - فِي الْكفَالَة بِالْمَالِ عَن الْمَيِّت
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا مَاتَ الرجل وَعَلِيهِ دين وَلم يتْرك شَيْئا وكفل ابْنه للْغَرِيم بِمَا لَهُ على الْمَيِّت فَإِن ذَلِك لَا يجوز وَإِن ترك الْمَيِّت شَيْئا جَازَت الْكفَالَة بِقدر مَا ترك
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ الْكفَالَة جَائِزَة عَنهُ وَإِن لم يتْرك الْمَيِّت شَيْئا
وَقَالَ مَالك إِذا ضمن عَن ميته لزمَه وَرجع بِهِ من مَال الْمَيِّت فَإِن لم يكن الْمَيِّت لَهُ مَال قَالَ فالكفالة جَائِزَة وَلَا يرجع فِي مَال الْمَيِّت إِن بَان للْمَيت مَال بعد ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر قد أجَاز النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الضَّمَان عَن الْمَيِّت الَّذِي لم يتْرك شَيْئا(4/260)
1979 - فِيمَن ضمن عَن رجل مَالا بِغَيْر أمره هَل يرجع بِهِ
قَالَ أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ وَالْحسن بن حَيّ لَا يرجع بِهِ عَلَيْهِ إِذا أَدَّاهُ
قَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَو أدّى عَن رجل مَالا بِغَيْر أمره فَلهُ أَن يرجع بذلك على الْمَطْلُوب
قَالَ وَسُئِلَ مَالك عَن رجل ابْتَاعَ دينا على رجل وَقد كَانَ بَين المُشْتَرِي وَبَين الَّذِي عَلَيْهِ الدّين عَدَاوَة قَالَ إِن علم أَنه إِنَّمَا أَرَادَ بذلك ضَرَره وتعنته فِي ذَلِك فَلَا أرى أَن يُمكن من ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر بني مَالك مذْهبه فِي ذَلِك على تَجْوِيز ابتياع الدُّيُون الَّتِي فِي ذمَّة الْغَيْر بالعروض فَإِن أجَاز ابتياع الدُّيُون بديون مثلهَا فَفِي ذَلِك ابتياع ذهب بِذَهَب أَو فضَّة بِفِضَّة آجله وَهَذَا غير جَائِز
فَإِن قيل فقد قَالَ أَصْحَابنَا فِي العَبْد الْمَغْصُوب إِذا ضمنه رجل لمَوْلَاهُ بِغَيْر أَمر الْغَاصِب فَأدى قِيمَته إِلَى مَوْلَاهُ أَن العَبْد الْمَغْصُوب يكون للضامن فجعلوه مَالِكًا للْعَبد بأَدَاء ضَمَان قيمَة العَبْد وَكَذَلِكَ الدّين الَّذِي يضمنهُ عَن غَيره
قيل لَهُ الْفرق بَينهمَا أَن مؤدي الدّين هُوَ مود لنَفس مَا على الْمَطْلُوب فَسقط عَنهُ وَلم يكن أَدَاؤُهُ بَدَلا عَنهُ فَيملك الْمُبدل مِنْهُ وَالْعَبْد غير مَا أَدَّاهُ الضَّامِن فَملك العَبْد بَدَلا مِمَّا أدّى لِاسْتِحَالَة بَقَاء العَبْد وبدله فِي ملكه
1980 - فِيمَن كفل بِنَفس رجل ثمَّ كفل بِهِ كَفِيل آخر
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كفل رجل بِنَفس رجل ثمَّ كفل آخر بِنَفسِهِ فهما جَمِيعًا كفيلان وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ(4/261)
وَقَالَ ابْن أبي ليلى قد برىء الْكَفِيل الأول حِين أَخذ الثَّانِي
1981 - فِي موت الْكَفِيل وَالْمَال مُؤَجل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ المَال مُؤَجّلا على الْكَفِيل وعَلى صَاحب الأَصْل فَمَاتَ الْكَفِيل قبل حُلُول الْأَجَل أَخذ من مَاله حَالا وَلَا يرجع ورثته على الْمَكْفُول عَنهُ إِلَّا بعد حُلُول الْأَجَل وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ زفر يرجع ورثته على الْمَكْفُول عَنهُ حَالا لِأَنَّهُ أدخلهُ فِيهِ وَقد علم أَنه يحل عَلَيْهِ المَال بِمَوْتِهِ
1982 - فِي رُجُوع الْكَفِيل بِالْمَالِ قبل الْأَدَاء
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أَخذ الطَّالِب الْكَفِيل كَانَ للْكَفِيل أَن يَأْخُذ الْمَكْفُول عَنهُ وَيلْزمهُ ويحبسه حَتَّى يخلصه مِمَّا أدخلهُ فِيهِ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَمَالك
قَالَ مَالك وَلَكِن يتبعهُ الْكَفِيل حَتَّى يُؤَدِّيه إِلَى الطَّالِب وَيبرأ من حمالته
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ للْكَفِيل أَن يَأْخُذ الْحق وَإِن لم يتْرك شَيْئا فَلَيْسَ لصَاحبه أَن يَأْخُذهُ من الْمَطْلُوب
1983 - فِي ضَمَان تَسْلِيم الْمَبِيع
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا أَخذ مِنْهُ كَفِيلا بِالْعَبدِ الْمَبِيع حَتَّى يَدْفَعهُ إِلَيْهِ فَالضَّمَان جَائِز فَإِن مَاتَ العَبْد فِي يَد البَائِع فَلَا ضَمَان على الْكَفِيل
وَقَالَ مَالك لَا يَصح ضَمَان الْمَبِيع لِأَنَّهُ بِعَيْنِه وَلَو هلك لم يضمن البَائِع شَيْئا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا ضمن عُهْدَة الدَّار أَو خلاصها فاستحقت الدَّار رَجَعَ المُشْتَرِي على الضَّامِن إِن شَاءَ(4/262)
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا ضمن الْمَبِيع أَن يكون عَلَيْهِ من ضَمَانه على البَائِع وَيحل فِيهِ مَحَله
1984 - فِي تَأْخِير الْكَفِيل أَو الْمَكْفُول عَنهُ
قَالَ أَصْحَابنَا يجوز تَأْخِير الْمَطْلُوب بالديون من غير قرض ويكن تَأْخِيرا على الْكَفِيل وَإِن أخر الْكَفِيل لم يكن تَأْخِيرا عَن الْمَكْفُول عَنهُ
وَقَالَ مَالك تَأْخِير الَّذِي عَلَيْهِ الأَصْل تَأْخِير عَن الْكَفِيل فَإِن قَالَ الْكَفِيل لَا أرْضى لِأَنِّي أَخَاف أَن يفلس وَيذْهب مَاله كَانَ ذَلِك لَهُ وَيكون صَاحب الْحق بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَن يُبرئ الْحميل فَذَلِك لَهُ إِلَّا أَن يرضى الْحميل وَإِن سكت الْحميل وَقد علم بذلك فالحمالة لَازِمَة وَإِن أخر الْكَفِيل فَإِنِّي أرَاهُ تَأْخِيرا عَن الَّذِي عَلَيْهِ الأَصْل إِلَّا أَن يحلف صَاحب الْحق بِاللَّه مَا كَانَ ذَلِك مني تَأْخِيرا للحق عَن صَاحبه وَلَا كَانَ ذَلِك مني إِلَّا للحميل
وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز تَأْخِير الدّين بِحَال
1985 - فِي الرجل يكفل بِمَا بَايع بِهِ فلَانا أَو قضى بِهِ لَهُ عَلَيْهِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ للرجل مَا بَايَعت بِهِ فلَانا أَو مَا قضى بِهِ لَك على فلَان فَهُوَ عَليّ فَهَذَا جَائِز وَإِن لم يؤقت لذَلِك وقتا وَهُوَ قَول عُثْمَان البتي وَمَالك
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالشَّافِعِيّ لَا يَصح ذَلِك لِأَنَّهُ مَجْهُول ومخاطرة(4/263)
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى عبد لله بن جَعْفَر وَأَبُو قَتَادَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث جَيش الْأُمَرَاء وَأمر عَلَيْهِم زيد بن حَارِثَة وَقَالَ إِن أُصِيب زيد فأميركم جَعْفَر فَإِن أُصِيب فعبد الله بن رَوَاحَة فَهَذَا يُوجب ثُبُوت الولايات بالمخاطرات فَدلَّ على جَوَاز الوكالات بالمخاطرات لِأَنَّهَا ضرب من الْولَايَة وَفِي تثبيت الْوكَالَة على هَذَا الْوَجْه إِلْزَام الْمُوكل ضَمَان مَا يبتاعه أَو يستأجره وتخليصهم مِمَّا أدخلولهم فِيهِ
1986 - فِيمَن كفل بِنَفس رجل على أَنه إِن لم يواف بِهِ غَدا فَعَلَيهِ المَال الَّذِي يَدعِيهِ
قَالَ أَصْحَابنَا هَذَا جَائِز على شَرط وَإِن لم يقل المَال الَّذِي يَدعِيهِ وَلَو قَالَ إِن لم أوافك بِهِ غَدا فَعَلَيهِ مائَة دِينَار جَازَ أَيْضا عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف
وَقَالَ مُحَمَّد لَا يلْزمه شَيْء إِن لم يواف بِهِ غَدا
وَقَالَ عُثْمَان البتي يُقَال للطَّالِب أقِم الْبَيِّنَة على المَال فَإِن أَقَامَ الْبَيِّنَة لزم الْكَفِيل إِذا لم يواف بِهِ
وَذكر ابْن الْقَاسِم مثل ذَلِك وَلم يحفظ عَن مَالك
وَعند الشَّافِعِي لَا تصح الْكفَالَة على الْخطر(4/264)
وَقَالَ أَصْحَابنَا إِذا لم يواف بِهِ غَدا ألزمهُ المَال وَلم يَنْفَعهُ أَن يوافي بِهِ بعد ذَلِك
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا جَاءَ بِهِ ذَلِك لم يلْزمه المَال إِذا لم يكن قد تغير بإعدام أَو انْقِطَاع وَجه وَإِن تَغَيَّرت حَاله فِي الْأَجَل فَلَا سَبِيل على الْكَفِيل إِلَّا نَفسه وَإِن تَغَيَّرت حَاله بعد انْقِضَاء الْأَجَل وَقد دَعَاهُ بِهِ فَهُوَ ضَامِن للدراهم
وَذكر ابْن الْقَاسِم أَنه إِن وافاه بعد ذَلِك بِهِ قبل أَن يحكم السُّلْطَان عَلَيْهِ فَذَلِك جَائِز لَهُ وَيبرأ من المَال وَلَا غرم عَلَيْهِ قَالَ وَهَذَا رَأْي لم أحفظه عَن مَالك
وعَلى قَول الشَّافِعِي إِن الْكفَالَة لَا تجوز على الأخطار
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْلُو هَذَا الشريطة من أَن تكون جَائِزَة فَيلْزم حكمهَا أَو غير جَائِزَة فَيكون كلا كَفَالَة فَلَمَّا جعلوها جائزه غير الشَّافِعِي وألزموا بهَا المَال فِي حَال مَا وَجب أَن يكون لَازِما فِي حَال مَا اشْترط فِيهِ لُزُوم المَال وَلَا يبرأ مِنْهُ إِلَّا بِمثل مَا يبرأ بِهِ من سَائِر الدُّيُون
1987 - فِي كَفَالَة رجلَيْنِ عَن رجل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كفل رجلَانِ عَن رجل بِمَال وَلم يقل كل وَاحِد مِنْهُمَا كَفِيل عَن صَاحبه فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا يُؤَدِّي النّصْف وَلَا يرجع على صَاحبه بِشَيْء فَإِن كَانَا كفلا بِهِ ثمَّ قَالَا للطَّالِب أَيّنَا شِئْت أخذت بِهَذَا المَال أَو كل وَاحِد منا كَفِيل ضَامِن لَهَا فَهُوَ جَائِز وَيَأْخُذ أَيهمَا شَاءَ بِالْمَالِ كُله وَأيهمَا أدّى المَال رَجَعَ على الْكَفِيل مَعَه بِالنِّصْفِ
وَقَالَ عُثْمَان البتي إِذا شَرط أَن يَأْخُذ أَيهمَا شَاءَ أَو قَالَا كل وَاحِد منا(4/265)
كَفِيل عَن صَاحبه ثمَّ أدّى أَحدهمَا جَمِيع المَال لم يرجع على الْكَفِيل الآخر بِشَيْء لِأَن أصل الْحق كَانَ على غَيرهمَا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا كفل ثَلَاثَة عَن رجل بِمَال فأعدم الرجل لم يَأْخُذ مِمَّن قدر عَلَيْهِ مِنْهُم إِلَّا الثُّلُث
قَالَ وَلَو قَالَ حن تكفلوا بِهِ بَعْضكُم كَفِيل عَن بعض أَخذ من قدر عَلَيْهِ مِنْهُم بِجَمِيعِ المَال فَإِن لَقِي الَّذِي أدّى أحد الكفيلين رَجَعَ عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ
قَالَ وَلَو أَنهم حِين تكفلوا لَهُ شَرط عَلَيْهِم أَيهمْ شِئْت أخذت بحقي أَخَذته وَلم يجعلهم كفلاء بَعضهم عَن بعض فَأخذ من وَاحِد مِنْهُم لم يكن لمن أَخذ مِنْهُ أَن يرجع على صَاحبه
قَالَ أَبُو جَعْفَر إِذا شَرط أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا كَفِيل ضَامِن عَن صَاحبه فقد صَار ضَامِنا عَن صَاحبه مَا عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَن يرجع بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ النّصْف فَبَطل قَول عُثْمَان البتي وَأما خلاف مَالك فَهُوَ أَيهمَا لَو كفلا بِالْمَالِ على أَن يَأْخُذ أَيهمَا شَاءَ أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا إِذا أدّى لَا يرجع على صَاحبه بِشَيْء وَإِنَّمَا يرجع بِهِ على صَاحب الأَصْل لِأَنَّهُ لم يكفل عَن صَاحبه بِشَيْء
فَأَما إِذا كفلا بِالْمَالِ عَن صَاحب الأَصْل فَكل وَاحِد مِنْهُمَا ضَامِن لِلنِّصْفِ فَإِذا قَالَا بعد ذَلِك على أَن لَك أَن تَأْخُذ أَيّنَا شِئْت بِجَمِيعِ المَال فقد صَار كل وَاحِد كَفِيلا عَن صَاحبه بِالنِّصْفِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَيرجع بِهِ عَلَيْهِ(4/266)
1988 - فِي صلح الْكَفِيل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا صَالح الْكَفِيل الطَّالِب من الْألف دِرْهَم على مائَة دِرْهَم على أَن يبرأ فِيهِ وَالْمَطْلُوب فَهُوَ جَائِز وَيرجع الْكَفِيل على الْمَطْلُوب بِالْمِائَةِ إِذا كَانَت الْكفَالَة بأَمْره وَلَو شَرط بَرَاءَة الكفل خَاصَّة فَمَا بَقِي عَلَيْهِ كَانَ للطَّالِب أَن يرجع على الْمَطْلُوب بتسعمائة وَلَو صَالح الطَّالِب على عشرَة دَنَانِير من الْألف رَجَعَ على الْمَطْلُوب بِأَلف تَامّ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا تكفل بِأَلف دِينَار هاشمية فَرضِي صَاحب الْألف بِأَلف دمشقية فَإِنَّهُ يرجع على الْمَطْلُوب بِأَلف دمشقية قَالَ وَلَو تكفلت عَن رجل بِأَلف دِرْهَم فأعطيته بِالْألف عرُوضا فَالَّذِي عَلَيْهِ الأَصْل بِالْخِيَارِ إِن أحب أَن يدْفع قيمَة مَا دفع عَنهُ الْكَفِيل إِلَيْهِ إِن كَانَ عرُوضا أَو حَيَوَانا وَإِن كَانَ طَعَاما فمكيلته وَإِن أحب الْألف الَّتِي كَانَت عَلَيْهِ فَإِن هُوَ دفع الذَّهَب من الْوَرق الَّذِي تحمل بهَا فَلَا يحل ذَلِك وَلَا يجوز وَيفْسخ ذَلِك وَيرجع الكفل إِلَى صَاحب الدّين فَيَأْخُذ مِنْهُ ذهبه وَيكون الْوَرق على الَّذِي عَلَيْهِ الأَصْل وعَلى الْحميل كَمَا هِيَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَول مَالك فِي أَنه إِذا أدّى الدمشقية عَن الهاشمية أَنه يرجع بِمَا أدّى يدل على أَنه لَو أدّى الزُّيُوف عَن الْجِيَاد رَجَعَ بالزيوف وأصحابنا يَقُولُونَ يرجع بالجياد وَأما الَّذِي أدّى عرُوضا أَو ذَهَبا عَن الْوَرق(4/267)
فَإِنَّهُ يرجع بِالدّينِ لِأَنَّهُ قد ملك مَا عَلَيْهِ بإعطائه الْبَدَل عَنهُ فَهُوَ كأدائه المَال بِعَيْنِه وَيجوز أَدَاء الذَّهَب عَن الْوَرق كأداء غَيره من الْأَشْيَاء لِأَن ذَلِك دين عَلَيْهِ يجوز التَّصَرُّف فِيهِ قبل الْقَبْض
قَالَ وَقَالَ أَصْحَابنَا إِذا أبهم الصُّلْح فَقَالَ صالحتك عَن الْألف على مائَة برءا جَمِيعًا من الْفضل إِلَّا أَن يشْتَرط بَرَاءَة الْكَفِيل خَاصَّة
1989 - فِي الرجل يَقُول أَحْلف وَأَنا ضَامِن لَك الْحق
قَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي رجل قَالَ لرجل أَحْلف وَأَنا ضَامِن للحق الَّذِي تدعيه على أخي ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك لَا تحلف فَإِنِّي لَا أضمن قَالَ مَالك لَا يَنْفَعهُ وَهَذَا حق قد لزمَه
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد من أهل الْعلم غير مَالك وَلَا معنى لَهُ فِي الْقيَاس لِأَن حلف الْمُدَّعِي لَا يسْتَحق بِهِ شَيْء فَكَذَلِك لَا يسْتَحقّهُ عَلَيْهِ على غَيره
1990 - فِي أَخذ الْكفَالَة بِالدَّعْوَى
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا ادّعى الْمُدَّعِي بَيِّنَة حَاضِرَة أَخذ من الْمُدَّعِي عَلَيْهِ كَفِيلا بِنَفسِهِ ثَلَاثَة أَيَّام وَإِن قَالَ بينتي غيب لم يَأْخُذ مِنْهُ كفلا بِنَفسِهِ
وَقَالَ مُحَمَّد فِي إمْلَائِهِ قَالَ أَبُو يُوسُف نَأْخُذ لَهُ مِنْهُ كَفِيلا بِنَفسِهِ إِلَى أول مجْلِس يجلسه القَاضِي إِذا ادّعى بَيِّنَة حَاضِرَة وَهُوَ قَول مُحَمَّد
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا يَأْخُذ مِنْهُ كَفِيلا وَإِن ادّعى بَيِّنَة لِأَنِّي أَقْْضِي عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِب وَإِن أَقَامَ شَاهدا وَطلب مِنْهُ كَفِيلا فَذَلِك لَهُ إِلَّا أَن يكون الْمُدَّعِي يَدعِي بَيِّنَة حَاضِرَة يرفعها من السُّوق أَو بعض الْقَبَائِل فَأرى(4/268)
للسُّلْطَان أَن يقف الْمَطْلُوب عِنْده وَيَقُول للطَّالِب مَكَانك اذْهَبْ ائْتِ بينتك فَإِن أَتَى بهَا وَإِلَّا خلى سَبيله
وَقَالَ اللَّيْث إِذا ادّعى قبله سلْعَة طلب إِلَى القَاضِي أَن يحول تِلْكَ السّلْعَة وَيضْرب لَهُ أَََجَلًا إِلَى أَن يَأْتِي بِبَيِّنَة فَإِن كَانَ مِمَّن يتهم بالجحود أَخذ عَلَيْهِ حميلا وَإِن كَانَ مِمَّن لَا يتهم بالجحود وَهُوَ مِمَّن يرضى حَاله لم ير ذَلِك عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ وَاجِبا على الْمُدعى عَلَيْهِ الْحُضُور مَعَ الْمُدَّعِي وَجب عَلَيْهِ أَن يُعْطي كَفِيلا بِنَفسِهِ بذلك ليخرج إِلَيْهِ من الْحُضُور الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ إِلَى القَاضِي كَمَا يجب عَلَيْهِ الْخُرُوج إِلَيْهِ من الدّين وَيُعْطِيه كَفِيلا إِن شَاءَ ذَلِك
1991 - فِي أَخذ الْكَفِيل من الْوَارِث والغريم
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي مِيرَاث رجل قسم بَين غُرَمَائه أَو ورثته لَا آخذ من أَحْمد مِنْهُم كَفِيلا هَذَا شَيْء احتاطت بِهِ الْقُضَاة وَهُوَ ظلم وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ الْمعَافى عَن الثَّوْريّ قَالَ كَانَ ابْن أبي ليلى لَا يقْضِي الدّين وَلَا يُعْطي الْمَوَارِيث إِلَّا بكفيل وَلَا يقبض لأحد إِلَّا بكفيل إِن مَاتَ لزم الْكَفِيل بِالذِّمةِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَن الْوَارِث لَو كَانَ ابْنا أَو أَبَا قَامَت بِهِ الْبَيِّنَة وَلم يشْهدُوا أَنهم لَا يعلمُونَ لَهُ وَارِثا غَيره أَنه يَأْخُذ مِنْهُ كَفِيلا وَكَذَلِكَ إِذا(4/269)
قَالُوا لَا نعلم لَهُ وَارِثا غَيره لِأَن قَوْلهم لَا نعلم لَهُ وَارِثا غَيره لَيْسَ بِشَهَادَة وَلَا هُوَ مَحْكُومًا بِهِ فَوَجَبَ أَن يَأْخُذ مِنْهُ كَفِيلا وَكَذَلِكَ الْغَرِيم وَالْمُوصى لَهُ لجَوَاز أَن يكون هُنَاكَ دين أَو وَصِيَّة أُخْرَى
1992 - فِيمَن شَرط كَفَالَة الكفيلين أَن مليئهم على معدمهم
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كفل ثَلَاثَة عَن رجل بِمَال فعلى كل وَاحِد مِنْهُم الثُّلُث وَإِن قَالَ ملئهم على معدمهم أَو حيهم على ميتهم فَإِن هَذَا لَيْسَ بِشَيْء
وروى الرّبيع عَن الشَّافِعِي عَن عبد الله بن الْحَارِث عَن ابْن جريج قَالَ قلت لعطاء فِي رجل كبت على رجلَيْنِ فِي بيع أَن حيكما على ميتكما ومليئكما على معدمكما قَالَ يجوز وَقَالَهَا عَمْرو بن دِينَار وَسليمَان بن مُوسَى
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَإِن كَانَ الشَّافِعِي قد وافقهم فَهَذَا ترك لقَوْله إِن الْكفَالَة لَا تصح على المخاطرة وَالْقِيَاس أَن يجوز ذَلِك كَمَا يجوز عِنْد أَصْحَابنَا إِن قَالَ إِن مَاتَ فلَان فَأَنا ضَامِن لما عَلَيْهِ وَقد كَانَ المتقدمون يَكْتُبُونَ فِي شروطهم فِي التَّضْمِين عَن الباعة حيهم عَن ميتهم ومليئهم عَن معدمهم فَهَذَا هُوَ الْقيَاس فِي مَسْأَلَتنَا
1993 - فِي أَحْكَام الْحِوَالَة
قَالَ أَصْحَابنَا يبرا الْمُحِيل بالحوالة وَلَا يرجع عَلَيْهِ إِلَّا بعد التوى(4/270)
والتوى عِنْد أبي حنيفَة أَن يكون الْمحَال عَلَيْهِ مُفلسًا أَو يحلف مَاله عَلَيْهِ من شَيْء وَلم يكن للمحال عَلَيْهِ بَيِّنَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هَذَا توى وإفلاس الْمحَال عَلَيْهِ أَيْضا توى
قَالَ عُثْمَان البتي الْحِوَالَة لَا يُبرئ الْمُحِيل إِلَّا أَن يشْتَرط برائته فَإِن اشْترط الْبَرَاءَة برِئ الْمُحِيل إِذا أَحَالهُ على مَلِيء وَإِن أَحَالهُ على مُفلس وَلم يعلم أَنه مُفلس فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهِ وَإِن أَبرَأَهُ وَإِن أعلمهُ أَنه مُفلس وأبرأه لم يرجع على الْمُحِيل
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا أُحِيل بدين عَلَيْهِ فقد برِئ الْحميل وَلَا يرع عَلَيْهِ بإفلاس وَلَا موت
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِن أَحَالهُ وَلم يغره من فلس عمله من غَرِيمه فَلَا يرجع عَلَيْهِ إِذا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دين وَإِن غره أَو لم يكن لَهُ عَلَيْهِ شَيْء فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهِ إِذا أَحَالهُ وَهَذِه حمالَة
وَقَالَ ابْن الْمُبَارك عَن الثَّوْريّ إِذا أحالة على رجل فأفلس فَلَيْسَ لَهُ أَن يرجع على الآخر إِلَّا بمحضرهما وَإِن مَاتَ وَله وَرَثَة وَلم يتْرك شَيْئا رَجَعَ حَضَرُوا أَو لم يحضروا
وَقَالَ الْمعَافى عَن الثَّوْريّ إِذا كفل عَنهُ رجل بِمَال وأبرأه برِئ وَلَا يرجع إِلَّا أَن يفلس الْكَفِيل أَو يَمُوت فَيرجع حِينَئِذٍ على صَاحبه
وَقَالَ اللَّيْث فِي الْحِوَالَة لَا يرجع إِذا أفلس الْمُحْتَال عَلَيْهِ
وَقَالَ زفر وَالقَاسِم بن معن فِي الْحِوَالَة لَهُ أَن يَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِمَنْزِلَة الْكفَالَة(4/271)
وَقَالَ ابْن أبي ليلى يبرأ صَاحب الأَصْل بالحوالة
وَقَالَ الشَّافِعِي يبرأ الْمُحِيل بالحوالة وَلَا يرجع عَلَيْهِ بِمَوْت وَلَا إفلاس
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى يُونُس بن عبيد عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مطل الْغَنِيّ ظلم وَإِذا أحلّت على مَلِيء فَاتبعهُ
وروى مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مطل الْغَنِيّ ظلم وَإِذا اتبع أحدكُم على مَلِيء فَليتبعْ وَهَذَا مَعْنَاهُ معنى الْحِوَالَة لِأَنَّهُ قد بَينه فِي الْخَبَر الأول وَهَذَا يدل على بَرَاءَة الْمُحِيل لَوْلَا ذَلِك لَكَانَ المليء والمعدوم سَوَاء وَهَذَا يدل أَيْضا على جَوَاز الْحِوَالَة على من لَا دين لَهُ عَلَيْهِ للْمُحِيل لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يفرق بَين من عَلَيْهِ دين وَبَين من لَا دين عَلَيْهِ للْمُحِيل وَكَانَ معنى ذَلِك اتِّبَاع ذمَّة بِذِمَّة كابتياع عبد بِعَبْد فَإِذا مَاتَ العَبْد قبل الْقَبْض بَطل البيع كَذَلِك موت الْمحَال عَلَيْهِ مُفلسًا وإفلاس الْمحَال عَلَيْهِ مثل إباق العَبْد من يَد البَائِع فَيكون للْمُشْتَرِي الْخِيَار فِي فسخ البيع وَإِن كَانَ قد يُرْجَى رُجُوعه وتسليمه كَذَلِك إفلاس الْمحَال عَلَيْهِ
وَأَيْضًا لما شَرط الْمَلأ فِي الْحِوَالَة دلّ على زَوَال ذَلِك فَوَجَبَ عود المَال إِلَيْهِ كَذَلِك إفلاس الْمحَال عَلَيْهِ وَهَذَا يدل أَيْضا على أَنه إِذا غره مِنْهُ الْمُحِيل فَزعم أَنه ملئ ثمَّ علم أَنه غير ملئ أَن لَهُ أَن يرجع(4/272)
1994 - فِي تَأْجِيل الدّين الْحَال
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز تَأْجِيل الْقَرْض وَيجوز فِي الغصوب وَسَائِر الدُّيُون
وروى ابْن سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف أَنه إِذا اسْتهْلك لَهُ شَيْئا مِمَّا يُكَال أَو يُوزن ثمَّ أَخّرهُ بِهِ فَلهُ أَن يرجع فِي التَّأْخِير وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْقَرْض وَلَو اسْتهْلك لَهُ ثوبا أَو شَاة فضمن قِيمَته جَازَ تَأْخِيره فِيهِ
وَقَالَ الْحسن بن زِيَاد عَن زفر لَا يَصح التَّأْجِيل فِي الْقَرْض وَلَا فِي الْغَصْب
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَصح فِي الْغَصْب وَلَا يَصح فِي الْقَرْض
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا بَأْس بِأَن يسلفه دَنَانِير بِبَلَد على أَن يُعْطِيهِ إِيَّاهَا بِبَلَد آخر إِذا كَانَ على وَجه الْمَعْرُوف وَالرِّبْح وَلم يكن على أَن يضمنهَا للمقترض مِنْهُ كَمَا يفعل أهل الْعرَاق بالسفاتج فَلَا أرى بِهِ بَأْسا إِذا ضرب لذَلِك أَََجَلًا وَإِذا حل الْأَجَل أَخذه مِنْهُ حَيْثُمَا لقِيه
وَإِن قَالَ أقرضتك إِيَّاهَا على أَن تُعْطِينِي بأفريقية وَلم يضْرب لَهُ أَََجَلًا لم يُعجبنِي ذَلِك وَإِن اسْتقْرض مِنْهُ طَعَاما وَضرب لَهُ أَََجَلًا على أَن يُعْطِيهِ بإفريقية فَهُوَ فَاسد وَإِن ضرب لَهُ أَََجَلًا لِأَن لَهُ حملانا وَأُجْرَة ومؤونة وَالدَّنَانِير لَا حمل لَهَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ عشرُون دِينَارا حَالَة فاستعدى عَلَيْهِ فَلم يجد لَهُ شَيْئا فنجمها عَلَيْهِ فَلَمَّا حل أول نجم قَالَ أُعْطِيك نصفهَا وتضع عني النّصْف الآخر وَلَا بَأْس بذلك لِأَن أصل الْحق كَانَ حَالا فَإِن أيسر بَعْدَمَا نجمت عَلَيْهِ أَخذه بجميعها(4/273)
وَقَالَ اللَّيْث إِذا كَانَ إِلَيّ أجل لم يكن لَهُ أَن يتقاضاه قبل الْأَجَل
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن إِذا أسلفه دَرَاهِم ثمَّ أَجله فِيهَا ثمَّ طلبَهَا قبل الْأَجَل فَإِن تيسرت من وَجه أَدَّاهَا إِلَيْهِ وَإِن لم يَتَيَسَّر إِلَّا أَن يُبَاع لَهُ فِيهِ شَيْء من مَاله لم يبع وَقَالَ فِي ثمن الْمَبِيع إِذا أَجله وَكَانَ حَالا فَلهُ أَن يُطَالِبهُ بِهِ قيل الْأَجَل
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أَخّرهُ بدين حَال فَلهُ أَن يرجع مَتى شَاءَ
قَالَ أَبُو جَعْفَر تَأْجِيل المَال الْحَال بِمَنْزِلَة الزِّيَادَة فِي ثمن الْمَبِيع وَقد ثَبت عندنَا ذَلِك فَوَجَبَ أَن يكون التَّأْجِيل مثله كَأَنَّهُ كَانَ من أصل العقد وَلَا يجوز أَن يَصح التَّأْجِيل فِي الْقَرْض لِأَنَّهُ فِي الِابْتِدَاء لَا يَصح
وَأما قيم المستهلكات فَيَنْبَغِي أَن لَا يَصح التَّأْجِيل فِيهَا لِأَنَّهَا لَيْسَ بِمَنْزِلَة الزِّيَادَة فِي العقد إِلَّا أَنه قد روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يَقْتَضِي جَوَاز تَأْخِيرهَا وَهُوَ مَا روى عبد الْوَارِث بن سعيد عَن مُحَمَّد بن جحادة عَن سلميان بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أنظر مُعسرا كَانَ لَهُ بِكُل يَوْم صَدَقَة ثمَّ قلت الْآن فَلهُ كل يَوْم مثله صَدَقَة قَالَ فَقَالَ بِكُل يَوْم صَدَقَة مَا لم يحل الدّين فَإِن أنظرهُ بعد الْحل فَلهُ بِكُل يَوْم مثله صَدَقَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا يدل على جَوَاز الْأَجَل فِي الْقَرْض لِأَنَّهُ لَا يسْتَحق الثَّوَاب على تَأْجِيل ثمن الْمَبِيع لِأَن بإزائه بَدَلا(4/274)
قَالَ أَبُو بكر يسْتَحق الثَّوَاب بِتَأْخِير ثمن الْمَبِيع كَمَا يسْتَحقّهُ بإبرائه وَلَيْسَ الثّمن بِإِزَاءِ الْأَجَل وَلَا حِصَّة لَهُ مِنْهُ وَقد دلّ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على جَوَاز تَأْخِير الدّين الْحَال
1995 - فِي الدّين الْمُؤَجل هَل يحل بِالْمَوْتِ أم لَا
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ من كَانَ عَلَيْهِ ين إِلَى أجل فَمَاتَ حل عَلَيْهِ الدّين وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ
وَقَالَ الْحسن وَإِبْرَاهِيم إِذا مَاتَ أَو أفلس حل عَلَيْهِ الدّين
وَقَالَ طَاوُوس وَابْن سِيرِين إِذا مَاتَ فدينه إِلَى أَجله وَهُوَ قَول عمر بن عبد الْعَزِيز وَأَبَان بن عُثْمَان وَسعد بن إِبْرَاهِيم وَأبي بكر مُحَمَّد بن عَمْرو ابْن حزم وَأَبِيهِ
وروى خَالِد بن الْحَارِث عَن عبيد الله بن الْحسن أَن الدّين إِلَى أَجله إِذا ترك عينا أَو أَرضًا تغل
وروى عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي أَنه إِن ترك عينا حل دينه وَإِن ترك أَرضًا لم يحل وَهُوَ إِلَى أَجله
وروى عَنهُ خَالِد بن الْحَارِث فِي مَوضِع آخر إِنَّه وَإِن ترك عينا وَاحِدَة حل دينه وَإِن ترك أَرضًا وعينا لم يحل إِلَّا أَن تكون الْعين وَحدهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْلُو الْمِيرَاث فِي هَذِه الْمَسْأَلَة من أَن يعطاه الْوَرَثَة أَو يمنعوه أَو يُوقف مِنْهُ بِمِقْدَار الدّين ويعطون الْبَاقِي فَإِن أعطيناه الْوَرَثَة مَعَ(4/275)
الدّين كَانَ خلاف الْآيَة لقَوْله تَعَالَى {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين} وَإِن وقفناه أوقفنا مِنْهُ بِمِقْدَار الدّين لم يكن فِيمَا وقف نفع لأحد لَا للْوَرَثَة وَلَا للغرباء وَإِنَّمَا يَصح معنى الْأَجَل فِيمَا ينْتَفع بِهِ لأجل التَّأْجِيل فَلَمَّا لم يكن فِي التَّأْجِيل حق لأحد بَطل وَجل الدّين
1996 - فِي صلح الْوَارِث الْغَرِيم
قَالَ أَصْحَابنَا وَسَائِر الْفُقَهَاء يجوز للْوَارِث أَنِّي صَالح الْغُرَمَاء على بعض الدّين وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا يَسعهُ ذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد من أهل الْعلم غير الْأَوْزَاعِيّ
وَقد روى جرير بن عبد الحميد عَن مُغيرَة عَن الشّعبِيّ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ اسْتشْهد أبي يَوْم أحد وَعَلِيهِ دين فاستعنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على غُرَمَائه أَن يضعوا من دينه فَطلب إِلَيْهِم فَلم يَفْعَلُوا فَقَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذْهَبْ وصنف تمرك أصنافا الْعَجْوَة على حِدة وغدق ابْن زيد على حِدة ثمَّ أرسل إِلَيّ فَفعلت ذَلِك ثمَّ أرْسلت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء فَجَلَسَ على أَعْلَاهُ أَو فِي وَسطه ثمَّ قَالَ كل للْقَوْم قَالَ فكلت للْقَوْم حَتَّى أوفيتهم الَّذِي لَهُم ثمَّ بَقِي تمري كَأَنَّهُ لم ينقص مِنْهُ شَيْء
فَدلَّ هَذَا على فَسَاد قَول الْأَوْزَاعِيّ
1997 - فِيمَن عَلَيْهِ دين فَدفع خلاف جنسه
قَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي رجل بَاعَ رجلا سلما بِنصْف دِينَار فَأَتَاهُ بِنصْف دِينَار دَرَاهِم أَن البَائِع يجْبر على أَخذهَا(4/276)
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَالْقَرْض عِنْدِي كَذَلِك
وَلم نجد هَذَا القَوْل عَن أحد من أهل الْعلم غير مَالك وأصحابنا وَغَيرهم على خِلَافه
وَأخذ الدَّرَاهِم بِالدَّنَانِيرِ بيع لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَوَابه لِابْنِ عمر رَضِي الله عَنْهُمَا حِين سَأَلَهُ عَن أَخذ الدَّرَاهِم عَن الدَّنَانِير لَا بَأْس بِهِ مَا لم تفترقا وبينكما شَيْء
والتبايع لَا يكون إِلَّا عَن ترَاض
1198 - فِي أكل هَدِيَّة الْغَرِيم
قَالَ أَصْحَابنَا كل قرض جر مَنْفَعَة فَلَا خير فِيهِ وروى مثله عَن إِبْرَاهِيم
وَهَذَا عِنْدهم إِذا كَانَت الْمَنْفَعَة مَشْرُوطَة فِيهِ فَأَما إِذا أهْدى إِلَيْهِ من غير شَرط أَو أكل عِنْده فَلَا بَأْس بِهِ عِنْدهم
وَقَالَ مَالك لَا يصلح لَهُ أَن يقبل هديته إِلَّا أَن يكون ذَلِك بَينهمَا مَعْرُوفا وَهُوَ يعلم أَن لَيْسَ هديته إِلَيْهِ لمَكَان دينه
وَقَالَ الثَّوْريّ مثل ذَلِك
وَقَالَ اللَّيْث أكره لَهُ أَن يقبل هديته أَو يَأْكُل عِنْده
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن لَا بَأْس بِأَن يَأْكُل الرجل عِنْد غَرِيمه(4/277)
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا بَأْس بِأَن يَقْضِيه أَجود من دينه أَو دونه إِذا تَرَاضيا بذلك
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى نَافِع أَنه كَانَ لعبد الله بن عمر صديق يسلفه وَكَانَ عبد الله بن عمر يهدي لَهُ
وروى شُعْبَة عَن يحيى بن سعيد عَن أنس قَالَ إِذا أقرضت رجلا قرضا فَلَا تركب دَابَّته وَلَا تَأْكُل هديته إِلَّا أَن يكون قد جرت بَيْنك وَبَينه قبل ذَلِك مُخَالطَة
وروى سُفْيَان عَن عمار الدهني عَن سَالم بن أبي الْجَعْد أَن رجلا أقْرض سماكا عشْرين درهما فأهدى إِلَيْهِ بِثَلَاثَة عشر درهما فَسَأَلَ ابْن عَبَّاس فَقَالَ خُذ مِنْهُ سَبْعَة
وروى كَرَاهَة قبُول الْهِدَايَة من الْغَرِيم عَن أبي بن كَعْب وَعبد الله بن سَلام
وَقد روى فِي حَدِيث أبي رَافع وَأبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى الَّذِي كَانَ استسلف مِنْهُ فَوق حَقه(4/278)
فَدلَّ على إِبَاحَة مثل ذَلِك الْمَعْنى
وَقد روى أَبُو بكر بن أبي شيبَة قَالَ حَدثنَا عبد الله بن نمير قَالَ حَدثنَا يزِيد بن زِيَاد بن أبي الْجَعْد قَالَ حَدثنَا أَبُو صَخْرَة جَامع بن شَدَّاد عَن طَارق الْمحَاربي قَالَ لما ظهر الْإِسْلَام خرجنَا فِي ركب ومعنا ظَعِينَة لنا حَتَّى نزلنَا قَرِيبا من الْمَدِينَة فَبينا نَحن قعُود إِذْ أَتَانَا رجل عَلَيْهِ ثَوْبَان أبيضان فَسلم ثمَّ قَالَ من أَيْن أقبل الْقَوْم فَقُلْنَا من الربده ومعنا جمل أَحْمَر فَقَالَ أتبيعوني الْجمل قَالَ قُلْنَا نعم قَالَ بكم قَالَ قُلْنَا بِكَذَا وَكَذَا صَاعا من تمر قَالَ فَأَخذه وَلم يستنقصنا شَيْئا قَالَ قد أَخَذته فَأخذ براس الْجمل حَتَّى توارى بحيطان الْمَدِينَة قَالَ فتلاومنا فِيمَا بَيْننَا قُلْنَا أعطيتم جملكم رجلا لَا تعرفونه فَقَالَ الظعينة لَا تلوموا لقد رَأَيْت وَجه رجل مَا كَانَ ليخفركم مَا رَأَيْت شَيْئا أشبه بالقمر لَيْلَة الْبَدْر من وَجه رجل مَا كَانَ الْعشي أَتَانَا رجل فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم أَنا رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَأْمُركُمْ أَن تَأْكُلُوا حَتَّى تشبعوا وَإِن تكتالوا حَتَّى تستوفوا فأكلنا حَتَّى شبعنا واكتلنا حَتَّى اسْتَوْفَيْنَا
فَكَانَ فِي هَذَا إِبَاحَة من لَهُ دين أكل طَعَام من عَلَيْهِ ذَلِك الدّين مَعَ مَا فِي حَدِيث أبي رَافع وَأبي هُرَيْرَة فَدلَّ على أَن ذَلِك لَيْسَ من الرِّبَا وَالْعَادَة وَغير الْعَادة فِي ذَلِك سَوَاء لِأَن الْأَحْكَام إِنَّمَا تتبع الْحَقَائِق لَا الظنون
1999 - فِيمَن عَلَيْهِ دين مُؤَجل فَأَرَادَ سفرا
قَالَ هِشَام عَن مُحَمَّد فِي رجل ضمن عَن رجل مَالا بأَمْره فَأَرَادَ الْمَضْمُون عَنهُ أَن يخرج وَقَالَ الْكَفِيل لَا تخرج حَتَّى تصحح لي(4/279)
وَقَالَ مُحَمَّد إِن كَانَ ضَمَان النَّفس وَالْمَال إِلَى أجل فَلَا سَبِيل للْكَفِيل عَلَيْهِ وَإِن لم يكن إِلَى أجل فَلهُ أَن يَأْخُذ حَتَّى يخلصه مِنْهُ إِمَّا بأَدَاء المَال وَإِمَّا بِبَرَاءَة مِنْهُ وَأما فِي كَفَالَة النَّفس فَيرد النَّفس وَلم يحك خلافًا
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِيمَن عَلَيْهِ دين مُؤَجل فَأَرَادَ سفرا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا أَن يَأْتِي بجميل أوثقة من حَقه إِلَّا أَن يكون سفرا قَرِيبا يَأْتِي فِي مثله إِلَى ذَلِك الْأَجَل فَأرى لَهُ أَن يخرج
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا بَقِي من الْأَجَل ثَلَاثَة أَيَّام فَأَرَادَ أَن يُسَافر مسيرَة سنة أَو نَحْو ذَلِك قَالَ يركب مَعَه وَإِذا حل حَقه فليلزمه
وَقَالَ اللَّيْث لَا يتْركهُ يخرج حَتَّى يُعْطِيهِ ثِقَة حَقه حميلا أَو غير ذَلِك وَإِن كَانَ قد بقى من حُلُول الْأَجَل شَيْء كثير وَكَانَ مَأْمُونا فِي رجعته وَكَانَ قدومه عِنْد حُلُول الْأَجَل خلى بَينه وَبَين الْخُرُوج وَإِن كَانَ مِمَّا يخَاف طول الْغَيْبَة بعد الْأَجَل لم يتْرك أَن يخرج حَتَّى يُقيم حميلا أَو ثِقَة من حق الرجل إِن لم يقدم بحلول الْأَجَل
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا أَرَادَ الَّذِي عَلَيْهِ الدّين إِلَى أجل السّفر وَأَرَادَ غَرِيمه مَنعه لبعد سَفَره وَقرب أَجله أَو يَأْخُذ مِنْهُ كَفِيلا بِهِ منع مِنْهُ وَقيل لَهُ حَقك حَيْثُ وَضعته ورضيته
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ لَهُ مُطَالبَته بِالدّينِ الْحَال ولزومه وحبسه وَلم يكن لَهُ ذَلِك فِي الدّين الْمُؤَجل وَجب أَن لَا يمنعهُ فِي السّفر إِذْ لَا مُطَالبَة لَهُ فِي الْحَال(4/280)
2000 - فِي لُزُوم الْمُفلس
قَالَ أَصْحَابنَا فِي الرجل يفلسه القَاضِي فيخرجه من السجْن أَنه لَا يحول بَينه وَبَين ملازمته وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وسوار بن عبد الله وَعبيد الله بن الْحسن
وَقَالَ سوار وَعبيد الله للْغُرَمَاء أَن يَدْفَعُوهُ فِي ضَيْعَة فَيكون لغرمائه فضل كَسبه عَن نَفَقَته
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي يمْنَع غرماؤه من لُزُومه
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي وَلَو كَانَت لَهُ حِرْفَة تفضل عَن نَفَقَة بدنه شَيْء أَخذ فِي دينه وَلَا ينْفق على أَهله وَلَا وَلَده وَالدّين أولى وَإِذا أَرَادَ الْغُرَمَاء أَخذ المَال حبس لصَاحب المَال قوت عِيَاله الْيَوْم
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَوْله تَعَالَى {فنظرة إِلَى ميسرَة} يُوجب تَأْخِيره فَصَارَ كَالدّين الْمُؤَجل فَيمْنَع لُزُومه
وَقد روى عَمْرو بن الشريد عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لي الْوَاجِد يحل عرضه وعقوبته فَكَانَت الْعقُوبَة على الْوَاجِد فَدلَّ على أَنه إِذا كَانَ غير وَاجِد فَلَا عُقُوبَة عَلَيْهِ وَلَا يحل عرضه وَقد روى أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ مطل الْغَنِيّ ظلم وَرَوَاهُ أَيْضا يُونُس بن عبيد عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا كَانَ مطل الْغَنِيّ ظلما(4/281)
فمطل الَّذِي لَيْسَ بغني لَيْسَ بظُلْم وَلَا مُطَالبَة عَلَيْهِ إِذا وَإِذا سَقَطت الْمُطَالبَة زَالَت الْمُلَازمَة
2001 - فِي حبس الْأَب بدين الابْن
قَالَ أَصْحَابنَا وَمَالك وَابْن شبْرمَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز للْأَب أَن يتَصَرَّف فِي مَال الابْن الْكَبِير الْعَاقِل من غير عذر وَلَا حَاجَة وَإِن اسْتهْلك شَيْئا من مَاله فَعَلَيهِ ضَمَانه
وَقَالَ ابْن أبي ليلى لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا اسْتَهْلكهُ الْأَب من مَال الابْن وَيجوز بَيْعه لمَال ابْنه الْكَبِير
وَقَالَ أَصْحَابنَا لَا يحبس الْأَب لوَلَده بدين عَلَيْهِ إِلَّا أَن أَبَا يُوسُف قَالَ إِن أَلد وتمرد حَبسته
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك لَا يحلف الْأَب للِابْن
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَقِيَاس قَوْله لَا يحبس لَهُ فِي الدّين
وَقَالَ اللَّيْث يقْضِي بينهماكما يقْضِي بَين الأجنبيين فِي الْأَمْوَال إِلَّا أَنه يُؤمر الابْن بِحسن الصيانة لَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا اسْتهْلك مَالا لِابْنِهِ من غير حَاجَة رَجَعَ عَلَيْهِ الابْن كَمَا يرجع على الْأَجْنَبِيّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر قَالَ الله تَعَالَى {وَالَّذين هم لفروجهم حافظون إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم} فأباح للِابْن ملك يَمِينه فَدلَّ على أَن أَبَاهُ لَا يملكهَا وَأَنَّهَا مُحرمَة(4/282)
وَلما أخرج للْأَب سِهَام الْمَوَارِيث فِي مَال الابْن الْمَيِّت مَعَ سَائِر ذَوي السِّهَام بقول {ولأبويه لكل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس} فَدلَّ على أَنه لَا يملك مَال ابْنه لِأَنَّهُ لَو كَانَ يملك لما دخل مَعَه غَيره بعد الْمَوْت
وَأَيْضًا قَالَ تَعَالَى {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين} فاستحال أَن يقْضِي دين من مَال الْأَب وَكَذَلِكَ وَصَايَاهُ إِنَّمَا ينفذ فِي مَاله لِأَن أَبَاهُ لَا يملكهُ وَإِن ملكه مَا صحت وَصِيَّة الابْن فِيهِ
فَإِن قيل روى عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قَالَ رجل يَا رَسُول الله إِن لي مَالا ولي وَالِد يُرِيد أَن يجتاح مَالِي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْت وَمَالك لأَبِيك إِن أَوْلَادكُم من أطيب كسبكم وكلوا من كسب أَوْلَادكُم
وروى عِيسَى بن يُونُس قَالَ حَدثنَا يُوسُف بن إِسْحَاق عَن ابْن الْمُنْكَدر عَن جَابر بن عبدا لله أَن رجلا جَاءَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن لي مَالا وعيالا وَإِن لأبي مَالا وعيالا وَإنَّهُ يُرِيد أَن يَأْخُذ مَالِي إِلَى مَاله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْت وَمَالك لأَبِيك
قيل لَهُ معنى إِنَّه فِي مَال ابْنه كَهُوَ فِي الابْن نَفسه فَلَمَّا لم يكن إِضَافَة الابْن إِلَيْهِ مُوجبَة لملكه للِابْن كَذَلِك إِضَافَة مَاله إِلَيْهِ لَا على وَجه الْملك وَلكنه(4/283)
أَنه لَا يَنْبَغِي لِابْنِهِ أَن يُخَالف أَبَاهُ فِيمَا يَأْمُرهُ بِهِ فِي نَفسه وَمَاله مِمَّا أَبَاحَهُ الله تَعَالَى لَهُ
وَذَلِكَ نَحْو مَا روى الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا نَفَعَنِي مَال قطّ مَا نَفَعَنِي مَال أبي بكر فَقَالَ أَبُو بكر إِنَّمَا أَنا وَمَالِي لَك يَا رَسُول الله فَلم يرد بذلك الْملك وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن أمره مُطلق فيهمَا كانطلاقة فِي مَال نَفسه كَذَلِك مَا وَصفنَا
2002 - فِيمَن أَرَادَ قَضَاء دينه وَأبي الَّذِي لَهُ قبُوله
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ إِذا أدّيت إِلَيّ ألف دِرْهَم فَأَنت حر فجَاء بِأَلف أجبر الْمولى على قبُولهَا
قَالَ مُحَمَّد وَقَالَ بعض فقهائنا لَا يجْبر على قبُوله
قَالَ مُحَمَّد وَأَنا أرى أَنه إِذا وَضعهَا فِي مَوضِع يُمكن الْمولى أَخذهَا عتق
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين مُؤَجل من عين فَجَاءَهُ بِهِ قبل الْأَجَل أجبر على قبُوله وَإِن كَانَ الدّين من عرض أَو قرض أَو طَعَام أَو حَيَوَان أجبر على أَخذه قبل الْأَجَل وَإِن كَانَ من بيع ابتاعه هُوَ أَو عرض أَو طَعَام أَو حَيَوَان لم يجْبر الَّذِي لَهُ الدّين أَن يَأْخُذهُ قبل مَجِيء الْأَجَل رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم عَنهُ(4/284)
وَقَالَ اللَّيْث إِذا كَانَ الدّين عينا من ذهب أَو ورق فجَاء بِهِ قبل مَحل الْأَجَل أجبر على قبُوله وَلَا يجْبر على قبُول الْعرُوض وَالْحَيَوَان قبل الْأَجَل
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِن كَانَ نُحَاسا أَو تبرا أَو عرضا خير مَأْكُول وَلَا مشروب وَلَا ذِي روح أجبر على أَخذه قبل مَحَله وَإِن كَانَ مَأْكُولا أَو مشروبا أَو حَيَوَانا لم يجْبر على أَخذه قبل مَحَله لِأَنَّهُ قد يُرِيد أكله وشربه جَدِيدا وَيلْزمهُ فِي الْحَيَوَان مؤونة
قَالَ أَبُو جَعْفَر أَخْبرنِي سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه قَالَ اشترتني امْرَأَة بسوق ذِي الْمجَاز بسبعمائة دِرْهَم ثمَّ قدمت الْمَدِينَة وكاتبتني على أَرْبَعِينَ ألفا فأديت إِلَيْهَا عَامَّة المَال ثمَّ حملت مَا بقى إِلَيْهَا فَقلت هَذَا مَالك أقبضيه قَالَت لَا وَالله حَتَّى آخذه مِنْك شهرا بِشَهْر وَسنة بِسنة قَالَ فرحت بِهِ إِلَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ عمر ادفعه إِلَى بَيت المَال ثمَّ بعث إِلَيْهَا فَقَالَ لَهَا هَذَا مَالك فِي بَيت المَال وَقد عتق أَبُو سعيد فَإِن شِئْت فَخذيهِ شهرا بِشَهْر وَسنة بِسنة وَإِن شِئْت فَخذيهِ
فَدلَّ ذَلِك أَنه قد برِئ مِنْهَا بإحضاره إِيَّاه ثمَّ رأى الإِمَام قَبضه ليحفظه عَلَيْهَا
وَقد روى الزُّهْرِيّ عَن نَبهَان مولى أم سَلمَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ لإحداكن مكَاتب وَكَانَ عِنْده مَا يُؤَدِّي فلتحتجب مِنْهُ فَأمرهَا بالاحتجاب إِذا كَانَ عِنْده مَا يُؤَدِّي وَكَانَ مُخَالفا لحاله قبل ذَلِك(4/285)
كَذَلِك إِذا قدر الْمولى على قبض الْكِتَابَة يَجعله فِي حكم الْقَابِض فَدلَّ على أَنه لَا معنى لإجبار الَّذِي لَهُ الدّين على قَبضه أَنه مَتى خلى بَينه وَبَينه برِئ مِنْهُ
آخر الْكفَالَة وَالْحوالَة(4/286)
= كتاب الرَّهْن =
2003 - فِي رهن الْمشَاع
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا يجوز رهن الْمشَاع لَا فِيمَا يقسم وَلَا فِيمَا لَا يقسم
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك يجوز الرَّهْن غير مقسوم إِذا قَبضه صَاحبه وحازه مَعَ من لَهُ فِيهِ شرك
قَالَ وَلَو رَهنه سدس دَار أَو سدس حمام أَو نصف ثوب فَقَبضهُ أَن يحوزه دون صَاحبه وَلَو رَهنه نصف دَابَّة فَإِنَّهُ يقبض جَمِيعهَا وَلَو كَانَت بَين الرَّاهِن وَبَين آخر قبض حِصَّة الرَّاهِن فَإِن شَاءَ جعلهَا على يَدي شريك الرَّاهِن فَذَلِك جَائِز وَإِن ارْتهن نصف هَذَا الطَّعَام وَهُوَ بَينه وَبَين غَيره قَالَ إِذا ارتهنه(4/287)
فحزته فَهُوَ جَائِز يقاسم الشَّرِيك الرَّاهِن إِن كَانَ حَاضرا فَيكون نصفه فِي يَد الْمُرْتَهن وَإِن لم يكن الرَّاهِن حَاضرا قاسمه السُّلْطَان أَو يَأْمُرهُ بذلك
وَقَالَ ابْن الْمُبَارك عَن الثَّوْريّ فِي الرجل يرتهن الرَّهْن فَيسْتَحق بعضه قَالَ يخرج من الرَّهْن وَلَكِن لَهُ أَن يجْبر الرَّاهِن على أَن يَجعله رهنا فَإِن مَاتَ قبل أَن يَجعله رهنا كَانَ بَينه وَبَين الْغُرَمَاء
وروى حميد عَن الْحسن بن حَيّ أَنه كَانَ يرى الرَّهْن فِيمَا يقسم جَائِز حَتَّى يقسم
وروى الْمُخْتَار عَنهُ قَالَ وَمَا كَانَ من نصيب لَا يُسْتَطَاع أَن يقسم نَحْو الْحمام والسفينة فَهُوَ يكون رهنا وَمَا يقسم لَا يكون النَّصِيب مِنْهُ رهنا
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز رهن الْمشَاع فِيمَا يقسم وَمَا لَا يقسم
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر اتَّفقُوا على أَن الرَّهْن فِي الْمَقْسُوم لَا يَصح بِنَفس العقد حَتَّى يكون مَعَه تَسْلِيم من الرَّاهِن وَقبض من الْمُرْتَهن وَيكون الْمُرْتَهن بعد الْمَوْت أَحَق بِهِ من سَائِر الْغُرَمَاء بِثُبُوت حَقه فِي جنسه
فَدلَّ على أَنه يحْتَاج إِلَى دوَام الْقَبْض والمشاع يسْتَحق فِيهِ الْيَد بالمهايأة وَذَلِكَ معنى مَوْجُود مَعَ العقد وَفِي ارْتِفَاع الْيَد ارْتِفَاع الرَّهْن وفساده فَدلَّ أَنه لَا يَصح(4/288)
2004 - فِي الرَّهْن يوضع على يَدي عدل
قَالَ أَصْحَابنَا وَالثَّوْري يَصح الرَّهْن إِذا جعلاه على يَدي عدل وَيكون مَضْمُونا على الْمُرْتَهن
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَابْن شبْرمَة وَالْأَوْزَاعِيّ لَا يجوز حَتَّى يقبضهُ الْمُرْتَهن
وَقَالَ مَالك إِذا جعلاه على يَدي عدل فضياعه من الرَّاهِن
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي رهن شقص السَّيْف إِن قَبضه أَن يحول حَتَّى يَضَعهُ الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن على يَدي عدل أَو على يَدي الشَّرِيك
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن لَا يَصح الرَّهْن بِوَضْعِهِ على يَدي عدل لِأَن يَد الْعدْل بِمَنْزِلَة يَد هما جَمِيعًا وَلَو كَانَ شرطا أَن يكون فِي أَيْدِيهِمَا لم يَصح كَذَلِك إِذا جعلاه على يَدي عدل لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحدهمَا بِهَذِهِ الْيَد أولى من الآخر بهَا وكما لَو تراضى الْمُتَبَايعَانِ على جعل الْمَبِيع على يَدي عدل لم يكن ذَلِك قبضا للْمُشْتَرِي وَلَو هلك هلك من مَال البَائِع كَذَلِك الرَّهْن
2005 - فِي رهن الدّين
قَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي قِيَاس قَوْله إِذا كَانَ لرجل عَليّ دين فَبِعْته بيعا وارتهنت مِنْهُ الدّين الَّذِي لَهُ عَليّ فَهُوَ جَائِز وَهُوَ أقوى من أَن يرتهن دينا على غَيره لِأَنَّهُ جَائِز لما عَلَيْهِ(4/289)
وَيجوز فِي قَول مَالك أَن يرتهن الرجل الدّين يكون لَهُ على رجل فيبتاع من رجل بيعا فيرهن مِنْهُ الدّين الَّذِي لَهُ على ذَلِك الرجل وَيقبض ذَلِك الْحق وَيشْهد لَهُ
قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَا نعلم أحدا من أهل الْعلم أجَاز أَن يكون الدّين رهنا بدين سواهُ غير مَالك وَهُوَ فِي الْقيَاس أَيْضا فَاسد لِأَن من كَانَ فِي يَده شَيْء فارتهنه فَلَيْسَ يَخْلُو من أَن يكون مَضْمُونا بِنَفسِهِ فَينْتَقل ضَمَانه إِلَى ضَمَان الرَّهْن وَيكون أَمَانَة فتنتقل الْأَمَانَة إِلَى الضَّمَان وَالدّين بَاقٍ بعد الرَّهْن وَقَبله على مَا كَانَ عَلَيْهِ إِلَى الضَّمَان فَلم يَصح رهنا بِبَقَائِهِ على حكمه قبل أَن يرْهن
2006 - فِي ولد الْمَرْهُونَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وأصحابنا إِذا ولدت الْمَرْهُونَة بعد الرَّهْن دخل وَلَدهَا فِي الرَّهْن وَكَذَلِكَ اللَّبن وَالصُّوف وثمر النّخل وَالشَّجر وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ
وَقَالَ مَالك مَا حدث من ولد فَهُوَ رهن وَلَيْسَت الثَّمَرَة الْحَادِثَة بِهِ رهنا مَعَ الأَصْل
وَقَالَ اللَّيْث إِذا كَانَ الدّين حَالا دخلت الثَّمَرَة فِي الرَّهْن وَإِن كَانَ إِلَى أجل فالثمرة لصَاحب الأَصْل
وروى عَنهُ أَنَّهَا لَا تدخل فِيهِ إِلَّا أَن تكون مَوْجُودَة يَوْم الرَّهْن(4/290)
قَالَ الشَّافِعِي لَا يدْخل الْوَلَد وَلَا الثَّمَرَة الْحَادِثَة فِي الرَّهْن
قَالَ أَبُو جَعْفَر الدّين حق ثَابت فِي رَقَبَة الرَّهْن بِدلَالَة أَن الْمُرْتَهن بعد الْمَوْت أَحَق بِهِ من سَائِر الْغُرَمَاء حَتَّى يسْتَوْفى دينه وَكَانَ كحق الْكِتَابَة فِي رَقَبَة الْأُم فَيُوجب دُخُول الْوَلَد فِيهَا وَلَا فرق بَين الثَّمَرَة وَبَين الْوَلَد لِأَن ذَلِك نَمَاء حَادث من الأَصْل وَقد أجَاز مَالك أَن يشْتَرط الثَّمَرَة الْحَادِثَة فِي الْمُسْتَقْبل فِي الرَّهْن فَتكون دَاخِلَة فِيهِ وَقد جعل الشَّافِعِي ولد الْمَغْصُوبَة مَضْمُونا مَعَ الأَصْل فالرهن بذلك أولى
2007 - فِي رهن الثَّمَرَة الْقَائِمَة فِي رُؤُوس النّخل
قَالَ أَو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا يجوز رهن الثَّمَرَة الْقَائِمَة فِي رُؤُوس النّخل دون النّخل
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك يجوز إِذا أجَازه وَقَبضه وَكَانَ هُوَ يسْقِيه أَو جعله على يَدي رجل بِإِذن الرَّاهِن يسْقِيه ويليه وَكَذَلِكَ الزَّرْع الَّذِي لم يبد صَلَاحه وَإِذا ارْتهن ثَمَرَة قبل أَن يَبْدُو صَلَاحهَا فَإِنَّهُ يحْتَاج أَن يقبض النّخل مَعهَا لِأَنَّهُ لَا يقدر على قبض الثَّمَرَة إِلَّا بِقَبض النّخل وَالنَّخْل مَعَ ذَلِك لَيْسَ برهن مَعهَا وَكَذَلِكَ لَا يَصح قبض الزَّرْع إِلَّا بِقَبض الأَرْض وَإِن لم تكن الأَرْض رهنا مَعَه وَإِذا أفلس وَقد حازها الْمُرْتَهن فالثمرة لَهُ دون الْغُرَمَاء وَالنَّخْل للْغُرَمَاء
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَصح رهن الثَّمَرَة دون النّخل طلعا مؤبرا أَو قبل بَدو(4/291)
صَلَاحهَا إِلَّا أَن يتشارطا أَن للْمُرْتَهن إِذا حل حَقه قطعهَا وَبَيْعهَا فَيجوز الرَّهْن لِأَن الْمَعْرُوف من الثَّمر أَنه يتْرك إِلَى أَن يصلح
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا خلاف فِي جَوَاز بيع الثَّمَرَة الْقَائِمَة وَقد روى عَن أبي بكر فِي بطلَان هَذِه الثَّمَرَة الْقَائِمَة حَتَّى يحوزها بقوله لعَائِشَة إِنَّك لم تَكُونِي حُزْتِيهِ وَلَا قبضتيه وَإِنَّمَا هُوَ مَال الْوَارِث
وَالرَّهْن بِمَنْزِلَة الْهِبَة لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا لَا يصحان إِلَّا بِالْقَبْضِ وَالْبيع يَصح بِغَيْر قبض وتملك
2008 - فِي رهن الموزونات
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه يَصح رهن الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَسَائِر الموزونات وَغَيرهَا إِذا قبضت وَلَا يشترطون فِيهَا الْخَتْم
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِنَّمَا لم يَصح الرَّهْن فِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير والفلوس وَالطَّعَام إِذا طبع عَلَيْهَا والحلي يَصح رَهنه من غير طبع وَكَذَلِكَ الثِّيَاب
وروى أَشهب عَن مَالك أَنه لَا يطبع فِي الرَّهْن إِلَّا الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير خَاصَّة
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ لَا يَصح الرَّهْن إِلَّا مَقْبُوضا والقبوض من وَجْهَيْن مَا يُكَال أَو يُوزن أَو ينْقل فسبيله الْكَيْل وَالْوَزْن وَالنَّقْل وَمَا لاينقل فالتخلية(4/292)
فَدلَّ ذَلِك من قَوْله أَنه لَا يعْتَبر الْخَتْم
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْلُو الرَّهْن من أَن يكون مَضْمُونا أَو أَمَانَة فَإِن كَانَ مَضْمُونا فَالْقَوْل فِي الْأَشْيَاء المضونة قَول ضامنها فَلَا معنى للختم فِيهَا وَإِن كَانَ أَمَانَة فَالْقَوْل قَول الْأمين أَيْضا فَلَا وَجه للختم وَقد اعتبروا فِي الثِّيَاب أَيْضا أَنَّهَا لَا تعْتَبر فِيهَا الْخَتْم وَكَذَلِكَ مَا سواهَا وَكَذَلِكَ روى عَن ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَأنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفى وَدِرْعه مَرْهُونَة عِنْد يَهُودِيّ بِطَعَام أَخذه لأَهله وَلم يذكر فِيهِ الْخَتْم
2009 - فِي الرَّهْن بِمَا يحدث
قَالَ أَبُو حنيفَة الرَّهْن بالدرك بَاطِل
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَهَذَا يدل على أَنه لَا يجوز الرَّهْن بدين غير ثَابت فِي الْحَال وَأَنه لَا يجوز بِمَا يجوز أَن يكون وَيجوز أَن لَا يكون
قَالَ ابْن الْقَاسِم فِي قِيَاس قَول مَالك إِذا دفعت إِلَى رجل رهنا فَقلت هَذَا لَك رهن بِكُل مَا أقرضت فلَانا من شَيْء فَهَذَا جَائِز
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي لَو قَالَ أرهنك دَاري على أَن تداينني فداينه لم يكن رهنا حَتَّى يعْقد الرَّهْن مَعَ الْحق أَو بعده
قَالَ أَبُو جَعْفَر الرَّهْن إِنَّمَا يكون مَحْبُوسًا بِالدّينِ فَإِذا لم يكن دين لم يَصح لِأَنَّهُ لَا يكون مَحْبُوسًا بِشَيْء(4/293)
2010 - فِي زِيَادَة الدّين فِي الرَّهْن
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد لَا تجوز زِيَادَة الدّين فِي الرَّهْن وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف تجوز الزِّيَادَة فِي الدّين وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
قَالَ أَبُو جَعْفَر لما كَانَ الرَّهْن مَشْغُولًا بِالدّينِ الأول لم يجز أَن يصير شَيْئا مِنْهُ رهنا بِالدّينِ الثَّانِي لِأَن الرَّهْن إِنَّمَا يَصح فِي الفارغ دون المشغول
فَإِن قيل قد أجزت الزِّيَادَة فِي الرَّهْن
قيل لَهُ لِأَن هَذِه الزِّيَادَة غير مَشْغُولَة فصح رَهنه
2011 - فِي ارتهان الرجلَيْن
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا ارْتهن رجلَانِ بدين لَهما على رجل هما فِيهِ شريكان اَوْ غير شَرِيكَيْنِ فَهُوَ جَائِز إِن أقبضاه وَلَا يَأْخُذ شَيْئا مِنْهُ حَتَّى يؤفيهما جَمِيع الدّين
وَقَالَ مَالك مثل ذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ إِذا لم يَكُونَا شَرِيكَيْنِ فَإِنَّهُ إِذا قضى أَحدهمَا قبض حِصَّته وَإِن كَانَ شَرِيكَيْنِ لم يَصح قَضَاء أَحدهمَا دون الآخر
وَقَالَ الشَّافِعِي يَصح الرَّهْن وَلكُل وَاحِد نصف رهن بِنصْف حَقه وَإِذا قضى أَحدهمَا نصِيبه أَخذ نصِيبه من الرَّهْن
2012 - فِي رهن الْمكَاتب
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه يجوز رهن الْمكَاتب وارتهانه وَكَذَلِكَ الْمَأْذُون لَهُ فِي التجاره(4/294)
وَقَالَ مَالك فِيمَا ذكر عَنهُ ابْن الْقَاسِم يجوز ذَلِك لَهما إِذا أصابا وَجه الرَّهْن لِأَنَّهُ جَائِز البيع وَالشِّرَاء
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز رهن الْمكَاتب وَالْعَبْد وَلَا وَالِي الطِّفْل لِأَن الدّين لَازم وَالرَّهْن أَمَانَة فالرهن نقص عَلَيْهِم فَلَا يجوز أَن يرهنوا إِلَّا حَيْثُ يجوز أَن يودعوا أَمْوَالهم من الضَّرُورَة
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن يكون الرَّهْن بِمَنْزِلَة البيع فَيجوز على مَا يجوز عَلَيْهِ البيع فَإِذا بَاعَ الْمكَاتب أَو الْمَأْذُون بِأَقَلّ من الْقيمَة جَازَ فِي قَول أبي حنيفَة
فَقِيَاس قَوْله فِي الرَّهْن أَن يجوز بِالْقَلِيلِ وَالْكثير
وَقِيَاس قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد يَنْبَغِي أَن لَا يجوز إِلَّا بِمثل الْقيمَة وَلَا يجوز أَن يرْهن مَا يُسَاوِي ألفا بِمِائَة كَمَا لَا يجوز البيع وَلَا يكون الْفضل الَّذِي هُوَ أَمِين فِيهِ بِمَنْزِلَة الْوَدِيعَة لِأَنَّهُ قد أثبت فِيهِ حَقًا لَا يُمكنهُ مَعَه أَخذه إِلَّا بعد قَضَاء الدّين
وعَلى قَول الشَّافِعِي إِن الرَّهْن أَمَانَة فَهُوَ مُسْتَمر على أَصله لِأَنَّهُ أوجب للْمُرْتَهن حَقًا وَلَا يَقع للرَّاهِن فِيهِ إِلَّا أَنه أجَازه فِي الْموضع الَّذِي يجوز أَن يودع وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لِأَن الْمُودع يَأْخُذ الْوَدِيعَة مَتى شَاءَ والراهن لَا يُمكنهُ أَخذه إِلَّا بعد قَضَاء الدّين فَيحصل أَمَانَة يُوجب فِيهِ حَقًا لمرتهن فَلَا يَقع للرَّاهِن فِيهِ وَأما مَالك فَإِنَّهُ يَجْعَل الرَّهْن مَضْمُونا بِالْقيمَةِ فِيمَا يعاب عَلَيْهِ إِلَّا أَنه قد أجَازه فِي سَائِر الْأَحْوَال وَهُوَ لَا يَجعله مَضْمُونا إِذا كَانَ مِمَّا لَا يعاب عَلَيْهِ(4/295)
2013 - فِي الرَّهْن على يَدي عَدْلَيْنِ
قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا وضع الرَّهْن على يَدي عَدْلَيْنِ وَهُوَ فِيمَا يقسم اقتسماه فَكَانَ عِنْد كل وَاحِد مِنْهُمَا نصفه وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يقسم فوضعاه عِنْد أَحدهمَا ضمن الَّذِي وضع حِصَّته عِنْد صَاحبه
وَفِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد لَا يضمنَانِ
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن رَأْيه وَقِيَاس قَول مَالك إِن رَضِي الرَّاهِن مَعَهُمَا أَن يكون على يَد أَحدهمَا جَازَ وَلَيْسَ على الَّذِي لَيْسَ فِي يَده شَيْء من الضّيَاع فِي حِصَّته فَإِن ارتهنا الثَّوْب وَلم يَجْعَل الرَّاهِن على يَد أَحدهمَا فَإِنَّهُمَا يجعلانه بِحَيْثُ شَاءَ أَو ضمناه لَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا ذكره الرّبيع عَنهُ لَا يكون الرَّهْن مَقْبُوضا إِلَّا أَن يقبضهُ الْمُرْتَهن أَو أحد غير الرَّاهِن بِأَمْر الْمُرْتَهن فَيكون وَكيله فِي قَبضه وَأما رهن اللؤلؤة وَنَحْوهَا بِأَن يَضَعهَا الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن على يَدي عدل أَو على يَد الشَّرِيك فِيهَا الَّذِي لَيْسَ براهن أَو يَدي الْمُرْتَهن
قَالَ أَبُو جَعْفَر فَدلَّ ذَلِك من قَوْله على أَنه إِنَّمَا يَصح قَبضه بِإِذن الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن إِذا جعلاه برضاهما على يَدي الْعدْل
قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا أَحْمد بن حَمَّاد التجِيبِي قَالَ حَدثنَا يحيى بن عبد الله بن بكير قَالَ حَدثنَا يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد أَن امْرَأَة جَاءَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت يَا رَسُول الله جِئْت لأهب لَك نَفسِي فَنظر إِلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَعدَ النّظر إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ثمَّ طأطأ رَأسه فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَة أَنه لم يقْض فِيهَا شَيْئا جَلَست فَقَامَ رجل من أَصْحَابه فَقَالَ إِن لم يكن لَك بهَا حَاجَة فزوجنيها فَقَالَ هَل عنْدك من شَيْء فَقَالَ لَا وَالله قَالَ اذْهَبْ إِلَى أهلك فَانْظُر هَل تَجِد شَيْئا فَذهب ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ مَا(4/296)
وجدت شَيْئا قَالَ انْظُر وَلَو خَاتمًا من حَدِيد فَقَالَ وَلَا خَاتم من حَدِيد وَلَكِن هَذَا إزَارِي فلهَا نصفه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يصنع بإزارك إِن لبسته لم يكن عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْء وَإِن لبسته لم يكن عَلَيْك مِنْهُ شَيْء فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا مَعَك من الْقُرْآن قَالَ معي سُورَة كَذَا وَكَذَا عَددهَا قَالَ أَتَقْرَأُ عَن ظهر قَلْبك قَالَ نعم قَالَ فَاذْهَبْ فقد ملكتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن
فَدلَّ ذَلِك على أَن حكم الْإِزَار إِذا كَانَ بَين اثْنَيْنِ أَن يلْبسهُ كل وَاحِد مِنْهُمَا مُدَّة وَلَوْلَا ذَلِك مَا خاطبه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك فَإِذا كَانَا يستحقان ذَلِك لحق الْملك كَذَلِك المرتهنان يستحقانه بِحَق الْيَد
فَإِن قيل لَا يجوز إِخْرَاجه عَن يَد أَحدهمَا إِلَى الآخر بِغَيْر إِذن الرَّاهِن
قيل لَهُ إِن الرَّاهِن قد أوجب ذَلِك لكل وَاحِد مِنْهُمَا بِحَق الْيَد الَّذِي أوجبتهما كَمَا يجب ذَلِك بِحَق الْملك
2014 - فِي إِجَارَة الرَّهْن
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا أجر الْمُرْتَهن الرَّهْن بِإِذن الرَّاهِن أَو أجره الرَّاهِن بِإِذن الْمُرْتَهن فقد خرج من الرَّهْن وَلَا يعود
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا أجره الْمُرْتَهن بِإِذن الرَّاهِن فَهُوَ رهن على حَاله وَالْغلَّة للْمُرْتَهن قَضَاء من حَقه(4/297)
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك إِذا خلى الْمُرْتَهن بَين الرَّاهِن وَبَين الرَّهْن يكريه أَو يسكنهُ أَو يعيره لم يكن رهنا وَإِذا أجره الْمُرْتَهن بِإِذن الرَّاهِن لم يخرج من الرَّهْن وَكَذَلِكَ إِذا ادَّعَاهُ الْمُرْتَهن بِإِذن الرَّاهِن فَهُوَ رهن على حَاله وَإِذا أجره الْمُرْتَهن بِإِذن الرَّاهِن فالأجر لرب المَال وَلَا يكون الْكِرَاء رهنا بِحقِّهِ إِلَّا أَن يَشْتَرِطه الْمُرْتَهن فَإِن اشْترط فِي البيع أَن يرتهن وَيَأْخُذ حَقه من الْكِرَاء فَإِن مَالِكًا كره ذَلِك وَلم يشْتَرط ذَلِك فِي البيع وَإِن تبرع بِهِ الرَّاهِن بعد البيع فَلَا بَأْس بذلك وَإِن كَانَ البيع وَقع بِهَذَا الشَّرْط إِلَى أجل مَعْلُوم وَاشْترط فِيهِ البَائِع بِبيعِهِ الرَّهْن ليأخذها من حَقه فَإِن ذَلِك جَائِز عِنْد مَالك فِي الدّور وَالْأَرضين وَكَرِهَهُ فِي الْحَيَوَان
وَقَالَ الْمعَافى كره الثَّوْريّ أَن ينْتَفع من الرَّهْن بِشَيْء وَلَا يقْرَأ فِي الْمُصحف الْمَرْهُون
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ غلَّة الرَّهْن لصَاحبه ينْفق عَلَيْهِ مِنْهَا وَالْفضل لَهُ فَإِن لم تكن لَهُ غلَّة وَكَانَ يستخدمه فطعامه بخدمته وَإِن لم يكن يستخدمه فنفقته على صَاحبه
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَا يستغل الرَّهْن وَلَا ينْتَفع بِهِ إِلَّا أَن يكون دَارا يخَاف خرابها فيسكنها الْمُرْتَهن لَا يُرِيد الِانْتِفَاع بهَا وَإِنَّمَا يُرِيد إصلاحها
وَقَالَ ابْن أبي ليلى إِذا لبس الْمُرْتَهن الْخَاتم للتجمل بِهِ ضمن وَإِن لبسه ليحرزه فَلَا شَيْء
قَالَ اللَّيْث لَا بَأْس بِأَن يسْتَعْمل العَبْد الرَّهْن بطعامه إِذا كَانَت النَّفَقَة بِقدر الْعَمَل فَإِن كَانَ الْعَمَل أَكثر أَخذ فضل ذَلِك من الْمُرْتَهن(4/298)
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي فِيمَا روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّهْن محلوب ومركوب إِن من رهن ذَات ظهر ودر لم يمْنَع الرَّاهِن فِي ظهرهَا ودرها وللراهن أَن يستخدم العَبْد ويركب الدَّابَّة ويحلب الدّرّ ويجز الصُّوف وتأوي بِاللَّيْلِ إِلَى الْمُرْتَهن أَو إِلَى يَدي الْمَوْضُوعَة على يَدَيْهِ
قَالَ أَبُو جَعْفَر روى يزِيد بن هَارُون أخبرنَا ابْن أبي زَائِدَة عَن الشّعبِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الظّهْر يركب بِنَفَقَتِهِ إِذا كَانَ مَرْهُونا وَلبن الدّرّ يشرب بِنَفَقَتِهِ إِذا كَانَ مَرْهُونا فَفِي هَذَا الحَدِيث أَن النَّفَقَة تجب لركوب ظَهره وَشرب لبنه وَمَعْلُوم أَن الرَّاهِن إِنَّمَا تلْزمهُ نَفَقَته لملكه لَا لِمَعْنى سواهُ أَلا ترى أَنه لَو لم يكن لَهُ در وَلَا ظهر يركب لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَته فَهَذَا يدل على أَنه جعل اللَّبن وَالظّهْر للْمُرْتَهن بِالنَّفَقَةِ الَّتِي ينفقها وَقد بَين ذَلِك حَدِيث آخر وَهُوَ مَا رَوَاهُ هشيم عَن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن الشّعبِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا كَانَ الدَّابَّة مَرْهُونَة فعلى الْمُرْتَهن عَلفهَا وَلبن الدّرّ يشرب وعَلى الَّذِي يشرب نَفَقَتهَا ويركب(4/299)
وَالشَّافِعِيّ يَقُول إِن نَفَقَته على الرَّاهِن لَا على الْمُرْتَهن وَهَذَا الحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ لَا لَهُ
وَقد روى الْحسن بن حَيّ عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن الشّعبِيّ قَالَ لَا ينْتَفع من الرَّهْن بِشَيْء
فقد ترك الشّعبِيّ ذَلِك وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي هُرَيْرَة فَدلَّ ذَلِك على أَنه قد علم نسخه وَإِنَّمَا صَار مَنْسُوخا عندنَا لتَحْرِيم الرِّبَا لما ردَّتْ الْأَشْيَاء إِلَى مقاديرها لِأَنَّهُ جعل عِلّة النَّفَقَة بَدَلا من اللَّبن قل أَو كثر لما لم يَصح الرَّهْن بدءا وَهُوَ فِي يَد الرَّهْن كَذَلِك إِذا اسْتحق الرَّهْن الْمُرْتَهن بالركوب والحلب يُوجب ذَلِك بطلَان الرَّهْن فَدلَّ على أَنه لَا يسْتَحقّهُ وَقد اتَّفقُوا أَيْضا أَن الرَّاهِن لَا يطَأ الْأمة الْمَرْهُونَة لِأَن الْمُرْتَهن يسْتَحق ثُبُوت يَده عَلَيْهَا كَذَلِك الِاسْتِخْدَام
2015 - فِي الرَّاهِن يعْتق العَبْد الرَّهْن
قَالَ ابو حنيفه وَأَصْحَابه عتق الرَّاهِن للْعَبد الرَّهْن جَائِز مُوسِرًا كَانَ أَو مُعسرا أَلا أَنه إِن كَانَ مُوسِرًا ضمن قيمَة وَلَا سَبِيل على العَبْد وَإِن كَانَ مُعسرا سعى العَبْد فِي قِيمَته إِن كَانَ أقل من الدّين وَيرجع بِهِ على الرَّهْن وَإِن دبره جَازَ تَدْبيره وَضمن القيمه إِن كَانَ مُوسِرًا وَإِن كَانَ مُعسرا سعى الْمُدبر فِي جَمِيع الدّين وَهُوَ قَول الثَّوْريّ(4/300)
وَقَالَ عُثْمَان البتي لَا يجوز عتق الرَّاهِن فِيهِ
وَقَالَ ابْن شبْرمَة إِذا كَانَت أمة فَأعْتقهَا أَو اسْتَوْلدهَا فَعَلَيهِ مَا ذهبت بِهِ وَلَا تسْتَرق فَإِن أَدَّاهُ كُله خلى سَبِيلهَا وَإِن مَاتَ قبل أَن يُؤَدِّيه سعت فِيمَا بقى للْمُرْتَهن
وَقَالَ مَالك إِن أعْتقهُ وَهُوَ مُوسر جَازَ عتقه وَأدّى المَال فَإِن كَانَ المَال مُؤَجّلا عتقت وَحل عَلَيْهِ وَإِن دبره كَانَ رهنا بِحَالهِ لِأَن رهن الْمُدبر جَائِز عِنْد مَالك وَإِن أعْتقهُ وَهُوَ مُعسر فَالْعَبْد رهن بِحَالهِ وَالْمَال إِلَى أَجله فَإِن ورث مَالا أَخذ مِنْهُ الدّين وَيصير العَبْد حرا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا رهن جَارِيَة ثمَّ أعْتقهَا جَازَ عتقه وَيتبع بِحقِّهِ عَلَيْهَا
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ إِذا رهن عبدا ثمَّ أعْتقهُ الْمولى فَعَلَيهِ الْقيمَة رهنا مَكَانَهُ
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن يسْعَى الْمَمْلُوك للْمُرْتَهن
وَقَالَ الشَّافِعِي يبطل عتقه إِذا كَانَ مُعسرا
قَالَ أَبُو جَعْفَر حق الْمُرْتَهن لَا يمْنَع عتق الرَّاهِن وَبطلَان الرَّهْن بِهِ كَمَا أَن الزَّوْج لَا يمْنَع عتق الْأمة وَإِيجَاب الْخِيَار لَهَا فِي إبِْطَال النِّكَاح قَالَ وَلَا يَنْبَغِي أَن يخْتَلف حكم الْمُوسر والمعسر وَإِلَّا تجب عَلَيْهِ السّعَايَة فِي(4/301)
الْحَالين وَأما الْكِتَابَة فللمرتهن إِبْطَالهَا لِأَنَّهَا يلْحقهَا الْفَسْخ أَلا ترى أَن عبدا بَين رجلَيْنِ لَو كَاتبه أَحدهمَا كَانَ للْآخر أَن يُبْطِلهَا وَلَو أعْتقهُ لم يكن للشَّرِيك إِبْطَاله وَالتَّدْبِير كَالْعِتْقِ على قَول من يُجِيز بيع الْمُدبر
2016 - فِي الرَّاهِن يَدعِي ولد الْأمة الْمَرْهُونَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن ادّعى وَلَدهَا قبل أَن تَلد ضمن قيمتهَا وَإِن كَانَ مُعسرا سعت فِي الدّين وَلَا يسْعَى الْوَلَد فِي شَيْء وَلَو ادّعى بعد الْولادَة فَإِن كَانَ مُوسِرًا فَلَا سِعَايَة عَلَيْهَا وَيضمن هُوَ الدّين وَإِن كَانَ مُعسرا قسم الدّين على قيمتهَا وَقِيمَة الْوَلَد فَمَا أصَاب الْوَلَد سعى فِي الْأَقَل من قِيمَته وَمِمَّا أَصَابَهُ بِالْحِصَّةِ وسعت الْأُم فِي جَمِيع الْحصَّة
وَقَالَ مَالك إِذا وطئ الْأمة الرَّهْن بِإِذن الْمُرْتَهن فَهِيَ أم ولد للرَّاهِن وَلَا رهن للْمُرْتَهن فِيهَا وَإِن وَطئهَا بِغَيْر إِذْنه فَإِن كَانَ لَهُ مَال أَخذ مِنْهُ المَال فَدفع إِلَى الْمُرْتَهن وَكَانَت الْجَارِيَة أم ولد للرَّاهِن وَإِن لم يكن لَهُ مَال بِيعَتْ الْجَارِيَة بعد أَن تضع وَلم يبع وَلَدهَا وَلَا شَيْء على الْوَلَد
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا وَطئهَا الرَّاهِن فحمت فَإِن شَاءَ الْمُرْتَهن استسعاها فِي جَمِيع الدّين وَإِن شَاءَ اتبع الرَّاهِن
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ على الرَّاهِن قيمتهَا وَقِيمَة وَلَدهَا وَقد خرجت من الرَّهْن هِيَ وَوَلدهَا
وَقَالَ اللَّيْث تبَاع حِين تحمل وَيكون الْوَلَد للرَّاهِن لِأَنَّهُ لَا يسترق ولد الْحر من جَارِيَته وَلكنهَا تبَاع فَإِذا وضعت مَا فِي بَطنهَا ألحق نسبه بِأَبِيهِ وَإِن وَطئهَا بِإِذن الْمُرْتَهن فقد خرجت من الرَّهْن وَكَانَ فِيهِ أُسْوَة الْغُرَمَاء إِن لم(4/302)
تحمل وَإِن حملت لم يكن فِيهَا شَيْء وَكَانَ أُسْوَة الْغُرَمَاء فِيمَا بَقِي من مَاله وَلَا تبَاع وَهِي حَامِل مِنْهُ حَتَّى تضع
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا اسْتَوْلدهَا وَلم يكن لَهُ مَال غَيرهَا لم تبع مَا كَانَت حَامِلا فَإِذا ولدت بِيعَتْ دون وَلَدهَا
2017 - فِي بيع الرَّهْن
قَالَ مُحَمَّد وَلم يحك خلافًا إِذا بَاعَ الرَّاهِن لم يجز إِلَّا أَن يُجِيزهُ الْمُرْتَهن فَإِن أجَازه كَانَ الثّمن رهنا
وروى بشر عَن أبي يُوسُف أَن الثّمن لَا يكون رهنا إِذا أجَاز إِلَّا أَن يكون أمره بِالْبيعِ على أَن يكون الثّمن رهنا فَيكون رهنا كَمَا يكون رهنا إِذا شَرط فِي أصل الرَّهْن أَن يَبِيع وَيكون الثّمن رهنا وَقَالَ مَالك لَا يجوز بيع الرَّاهِن للرَّهْن إِلَّا أَن يُجِيزهُ الْمُرْتَهن فَإِن أجَازه جَازَ ووقف الثّمن وَلَا يعجل الْمُرْتَهن حَقه إِذا كَانَ الدّين إِلَى أجل حَتَّى يَأْتِي الرَّاهِن بِبَقِيَّة من حَقه مَأْمُونا فَيدْفَع الثّمن إِلَى الرَّاهِن البَائِع وَيجْعَل ذَلِك الرَّهْن مَكَان العَبْد الرَّهْن وَلَيْسَ للرَّاهِن إِذا بَاعَ الرَّهْن بِغَيْر إِذن المترهن أَن يَقُول أَنا أُعْطِيك رهنا مَكَانَهُ وَلَا أعجل لَك حَقك وَلَكِن يعجل الثّمن للْمُرْتَهن إِذا أجَاز البيع
وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي إِذا كَانَ الدّين إِلَى أجل فَأذن الْمُرْتَهن للرَّاهِن فِي بيع الرَّهْن فَبَاعَهُ جَازَ وَلَا يَأْخُذ الْمُرْتَهن من ثمنه شَيْئا وَلَا مَكَانَهُ رهنا وَلَو أذن لَهُ أَن يَبِيعهُ على أَن يُعْطِيهِ ثمنه لم يكن لَهُ بَيْعه لِأَنَّهُ لم يَأْذَن لَهُ إِلَّا على أَن يعجل لَهُ حَقه قبل مَحَله وَالْبيع مَنْسُوخ(4/303)
قَالَ الْمُزنِيّ أشبه بقول الشَّافِعِي هَذَا أَن لَا يفسح الشَّرْط للْبيع أَلا ترى أَن من قَوْله إِنِّي لَو أمرت رجلا بِبيع ثوبي على أَن لَهُ عشر ثمنه فَبَاعَهُ أَن البيع جَائِز لَا يفسخه فَسَاد الشَّرْط فِي الثّمن
قَالَ أَبُو جَعْفَر لَا يَخْتَلِفُونَ أَنه إِذا بَاعه بِإِذن الْمُرْتَهن وَالدّين حَال أَنه جَائِز وَأَن الثّمن يكون للْمُرْتَهن قَضَاء من دينه إِلَّا أَن يكون فِيهِ فضل عَن دينه فَيكون ذَلِك الْفضل للرَّاهِن فَدلَّ على أَن بيع الرَّاهِن الرَّهْن إِنَّمَا هُوَ للْمُرْتَهن لَا لنَفسِهِ فَوَجَبَ أَن يكون فِي الدّين الْمُؤَجل مثله فَيكون الثّمن رهنا مَكَانَهُ
2018 - فِي تَزْوِيج الْأمة الرَّهْن
روى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف فِي الْإِمْلَاء أَن الرَّاهِن إِذا زوج الْأمة الرَّهْن بِغَيْر رضَا الْمُرْتَهن جَازَ وللمرتهن أَن يمْنَع الزَّوْج من وَطئهَا فَإِن فعل فغشيها فالمهر يكون رهنا مَعهَا وَإِن لم يغشها لم يكن الْمهْر رهنا مَعهَا وَلم يحك خلافًا بَينه وَبَين أبي حنيفَة وَحكى ابْن أبي عمرَان أَن لأبي يُوسُف فِي الْإِمْلَاء قولا آخر أَن للمترهن أَن يفْسخ تَزْوِيج الرَّاهِن الْأمة الرَّهْن
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز للرَّاهِن أَن يُزَوّج الْأمة لِأَنَّهُ عيب يلْحقهَا
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْقيَاس أَن لَا يجوز التَّزْوِيج لِأَنَّهُ عيب وَلما قَالَ من يُجِيز أَن الْمهْر لَا يسْتَحقّهُ الْمُرْتَهن بِالْعقدِ دلّ على أَنه لَا يجوز التَّزْوِيج لِأَن التَّزْوِيج للرَّاهِن لَا للْمُرْتَهن
وَأما قَول أبي يُوسُف فِي أَنه إِذا دخل بهَا فالمهر رهن وَإِن لم يدْخل(4/304)
بهَا فَلَيْسَ برهن فمحال لِأَن الْمهْر مُسْتَحقّ بِالْعقدِ لَا بِالدُّخُولِ وَإِن لم يصر رهنا بِالْعقدِ وَكَانَ للرَّاهِن لم يتَحَوَّل وُجُوبه إِلَى الْمُرْتَهن
2019 - فِي رهن الْغَرِيم بعض غُرَمَائه دون بعض
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين فرهن بعض الْغُرَمَاء فِي الصِّحَّة فَهُوَ جَائِز وَهُوَ أولى بِالرَّهْنِ من سَائِر الْغُرَمَاء
قَالَ ابْن الْقَاسِم هُوَ جَائِز مَا لم يفلس وَالْمُرْتَهن أَحَق بِهِ من سَائِر الْغُرَمَاء كَمَا لَو قَضَاهُ جَازَ مَا لم يفلس
قَالَ ابْن الْقَاسِم وَقد كَانَ يروي مرّة عَن مَالك أَنهم يدْخلُونَ وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز رَهنه وَالْمُرْتَهن أَحَق بِهِ من سَائِر الْغُرَمَاء
2020 - فِيمَن شَرط الرَّهْن للْمُرْتَهن عِنْد حُلُول الْأَجَل
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَالَ إِن جئْتُك بِالْمَالِ إِلَى شهر وَإِلَّا فَهُوَ بيع فالرهن جَائِز وَالشّرط بَاطِل
وَقَالَ مَالك الرَّهْن فَاسد وَينْقص فَإِن لم ينقص حَتَّى حل الْأَجَل فَإِنَّهُ لَا يكون للْمُرْتَهن بذلك الشَّرْط وللمرتهن أَن يحْبسهُ بِحقِّهِ وَهُوَ أَحَق بِهِ من سَائِر الْغُرَمَاء فَإِن تغير فِي يَده لم يرد وَلَزِمتهُ الْقيمَة فِي ذَلِك يَوْم حل الْأَجَل وَهَذَا فِي السّلع وَالْحَيَوَان فَأَما فِي الدّور وَالْأَرضين فَإِنَّهُ يردهَا إِلَى الرَّاهِن وَإِن تطاول إِلَّا أَن تنهدم الدَّار أَو يَبْنِي فِيهَا أَو يغْرس فِي الأَرْض فَهَذَا فَوت وَيغرم 4 القيمه مثل البيع الْفَاسِد(4/305)
وَقَالَ الْمعَافي عَن الثَّوْريّ فِي الرجل يرْهن صَاحبه الْمَتَاع وَيَقُول إِن لم آتِك فَهُوَ لَك قَالَ لَا يغلق ذَلِك الرَّهْن
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ لَيْسَ هَذَا بِشَيْء
وَقَالَ الرّبيع عَن الشَّافِعِي لَو رَهنه وَشرط لَهُ إِن لم يَأْته بِالْحَقِّ إِلَى كَذَا فالرهن بيع فالرهن فَاسد وَهُوَ للَّذي رَهنه
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر لم يَخْتَلِفُوا أَنه لَا يملكهُ الْمُرْتَهن بِهَذَا الشَّرْط وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي جَوَاز الرَّهْن وفساده وَالرَّهْن مشبه للهبة من حَيْثُ كَانَ من شَرط صِحَة كل وَاحِد مِنْهُمَا الْقَبْض فَلَمَّا لم يفْسد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعمريّ بِالشّرطِ وأجازها وأبطل الشَّرْط كَذَلِك الرَّهْن إِذْ من شَرط صِحَّته الْقَبْض
2021 - فِي إِقْرَار متعاقدي الرَّهْن بِالْقَبْضِ
قَالَ أَصْحَابنَا إِذا قَامَت الْبَيِّنَة على إِقْرَار الرَّاهِن بِالْقَبْضِ وَالْمُرْتَهن يَدعِيهِ جَازَت الشَّهَادَة وَحكم بِصِحَّة الرَّهْن وَهُوَ قَول الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك فِي الشَّهَادَة على إِقْرَار الْمُصدق بِالْقَبْضِ أَنه لَا يجوز حَتَّى يشْهدُوا على مُعَاينَة بِالْقَبْضِ فَقِيَاس قَوْله فِي الرَّهْن أَن يكون كَذَلِك
قَالَ أَبُو جَعْفَر كَمَا جَازَ الْإِقْرَار بِالْبيعِ وَنَحْوه من الْعُقُود جَازَ بِقَبض الرَّاهِن(4/306)
2022 - فِي اخْتِلَافهمَا فِي مِقْدَار الدّين
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا هلك الرَّهْن وَاخْتلف الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن فِي مِقْدَار الدّين فَالْقَوْل قَول الرَّاهِن فِي الدّين مَعَ يَمِينه
وَقَالَ ابْن وهب عَن مَالك إِذا اخْتلفَا فِي الدّين وَالرَّهْن قَائِم فَإِن كَانَ الرَّهْن قدر حق الْمُرْتَهن أَخذه الْمُرْتَهن بِحقِّهِ وَهُوَ أولى بِهِ وَيحلف إِلَّا أَن يَشَاء رب الرَّهْن أَن يُعْطِيهِ حَقه الَّذِي حلف عَلَيْهِ وَيَأْخُذ رَهنه
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك القَوْل قَول الْمُرْتَهن فِيمَا بَينه وَبَين قيمَة الرَّهْن وَلَا يصدق على أَكثر من ذَلِك
وَقَالَ الْحسن بن حَيّ وَالشَّافِعِيّ مثل قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه
قَالَ أَبُو جَعْفَر الْمُرْتَهن مدعي والراهن مدعى عَلَيْهِ فَالْقَوْل قَوْله وَالْبَيِّنَة على الْمُرْتَهن
2023 - فِي النَّفَقَة على الرَّهْن
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد نَفَقَة الرَّهْن على الرَّاهِن وَكَذَلِكَ سقِِي النّخل وَالشَّجر فَإِن أنْفق عَلَيْهِ الْمُرْتَهن فَهُوَ مُتَطَوّع إِلَّا أَن يكون بِأَمْر القَاضِي
وَقَالَ زفر مثل ذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ إِذا أنْفق بِأَمْر القَاضِي كَانَ الرَّهْن مَحْبُوسًا بِالنَّفَقَةِ فَإِن ضَاعَ الرَّهْن بطلت النَّفَقَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف النَّفَقَة دين على الرَّاهِن ضَاعَ الرَّهْن أَو لم يضع وَلَا يحبس الرَّهْن بِالنَّفَقَةِ(4/307)