•ساهم في تقويم العديد من الأعمال العلمية لجامعات مختلفة، وكذا الترقيات العلمية للعديد من الأساتذة.
•شارك في دورة المجلس العلمي في عام 1401هـ -1403هـ (1981 - 1983م).
•شارك في مجلس مكتبات الجامعة الإسلامية منذ عام 1399هـ -1979م.
•تمت ترقيته إلى أستاذ مشارك عام 1405هـ -1985م.
•تمت ترقيته إلى أستاذ عام 1411هـ - 1991م.
•انتقل إلى جامعة أم القرى بتاريخ 16/ 3/1416هـ للتدريس بكلية الدعوة وأصول الدين والإشراف على رسائل الدكتوراه.
مؤلفاته:
1_ دراسة حول قول أبي زرعة في سنن ابن ماجه _ مجلة الجامعة الإسلامية: العددين 47، 48 (1400هـ -1980م)، والعددين 55، 56 (1402هـ -1982م).
2_ دور المؤسسات الدينية في منع الجريمة _ بحث مقدم للمنظمة العربية للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة: أمانة المنظمة في الرباط (1401هـ -1981م).
3_ أبوزرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية مع تحقيق كتابه الضعفاء وأجوبته على أسئلة البردعي (3أجزاء) (1402هـ -1982م).
4_ الرواة الذين كنوا بأبي زرعة _ مجلة الجامعة الإسلامية: العدد 58 (1403هـ - 1986م).
5_ ابن سبأ حقيقة لا خيال _ مكتبة الدار بالمدينة المنورة (1406هـ - 1986م).
6_ نصوص ساقطة من طبعات أسماء الثقات لابن شاهين (ت 385هـ): نشر مكتبة الدار بالمدينة المنورة (1407هـ - 1987م).
7_ شرح ألفاظ التجريح النادرة أو قليلة الاستعمال _ القسم الأول _ المكتبة السلفية بالقاهرة.
8_ شرح ألفاظ التجريح النادرة أو قليلة الاستعمال _ القسم الثاني _ دار الصفا (1408هـ - 1988م).
10_ الرواة الذين تأثروا بابن سبأ - (1409هـ - 1989 م).
11_ اختلاف أقوال النقاد في الرواة المختلف فيهم مع دراسة هذه الظاهرة عند ابن معين: نشر ضمن أبحاث ندوة عناية المملكة بالسنة والسيرة النبوية بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة 1425هـ.
12_ دراسات حول سنن أبي داود _ لم تطبع _.
13_ دراسات حول سنن ابن ماجه _ لم تطبع _.
وغيرها من الدراسات التي لم تتم طباعتها.(14/3)
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد:
فهذه أجوبة الأسئلة التي وجهها من يحسن الظن بالعبد الضعيف، وسأحاول الرد باختصار غير مخل، إذ بعض الأسئلة تحتاج إلى صفحات بل دراسات.
ـ[س 1: حياكم الله شيخنا الجليل الهاشمي، وبارك لكم في المال والأهل والولد، واسمحوا لي بهذه الأسئلة، وأشكر الشيخ هشام الحلاف والملتقى الجميل الذي أتاح لنا هذه الفرصة، فجزاكم الله خيرًا وبارك فيكم جميعًا، ولا حرمنا الله منكم أبدًا:
أولًا: ما رأيكم في طبعة «الثقات» لابن حبان رحمة الله عليه؟ وقد سمعنا أن المعلِّمي اليماني قد عمل فيها فهل هذا صحيح؟ وما هي منزلة ابن حبان بين نُقَّاد الحديث، والمتكلمين في علل الروايات؟
]ـ
طبعة «الثقات» (الهندية / حيدر آباد الركن من 1393هـ - 1403هـ وتقع في 1 - 9 أجزاء) متواضعة وقع فيها الخطأ، والتحريف، والتصحيف، ولم أقف على ما يدل أو يشير إلى أن العلامة المعلِّمي اليماني (ت 1386هـ) قد عمل فيها، فقد صدر المجلد الأول من «الثقات» عام 1393 هـ، أي بعد وفاة الشيخ بسبعة أعوام، إلا أن يكون الشيخ المعلِّمي قد عمل فيه قبل وفاته؟ وهذا سؤال يوجه إلى القائمين على مجلس دائرة المعارف العثمانية. وقد اعتمدوا في طبعتهم على ثلاث نسخ خطية:
1 ـ نسخة المكتبة الآصفية بحيدر آباد الدكن، وهي الأساس لتصحيح الكتاب، وتاريخ نسخها ربيع الآخر سنة اثنين وتسعين ومائتين بعد الألف.
2 ـ نسخة مكتبة السلطان محمود (استانبول)، وتاريخ نسخها شعبان سنة سبع وثمانين وثمان مائة.
3 ـ نسخة المكتبة السعيدية بحيدر آباد، وتاريخ نسخها يوافق تاريخ كتابة النسخة الآصفية.(14/4)
والكتاب بحاجة ماسة إلى إعادة تحقيق، وتصحيح التصحيف، وتحرير التحريف، وإتمام السقط، وذلك من خلال جمع النسخ الأخرى، إضافة إلى النسخ المذكورة آنفا ومن تلك النسخ:
1ـ نسخة المكتبة المحمودية بالمدينة النبوية برقم 85، وهي المجلد الأخير، ويقع بـ 139 ورقة بتاريخ 751هـ، وكذا المجلد الرابع في المحمودية (98) ويقع بـ 126 ورقة.
2ـ نسخة طلعت - دار الكتب المصرية - رقم مصطلح 208 مجلد، يقع بـ 183 ورقة.
3ـ نسخة الحرم المكي، المجلد الأول، ويقع بـ 248 لوحه، والمجلد الثاني ويقع بـ 218 لوحه، 130/ 62، 130/ 63.
4ـ نسخة الظاهرية، تاريخ 710، 711 المجلد الأول، والثاني تاريخ النسخ القرن السابع الهجري، ويقع الأول بـ 138 ورقة، والثاني بـ 164 ورقه.
5ـ مجلد يقع بـ (99) ورقة، بخط قديم، دار الكتب المصرية، وهي محفوظة في جامعة الإمام رقم (7345 ف).
وكذلك الاستفادة من «ترتيب الثقات لابن حبان» للهيثمي (ت807 هـ)، انظر مثلاً جامعة الإمام فلم رقم (7346 ف)، ودار الكتب المصرية 1/ 177 (37).
أما منزلته بين نقاد الحديث، فهو شديد في التجريح، حتى يُقَصّب الثقة، بل كما قال الحافظ ابن حجر: «ابن حبّان ربما جَرَح الثقة، حتى كأنه لا يدري ما يَخرُجُ من رأسه».
وأما في التوثيق فهو متساهل، قال ابن عبد الهادي في «الصارم المنكي» ص 139: لم يعرف حاله، ولهذا كان توثيقه من أدنى درجات التوثيق، وقد جمع ابن حبان في كتابه عدداً كثيراً وخلقاً عظيماً من المجهولين الذين لا يعرف هو ولا غيره أحوالهم، وقد صرَّح بذلك في غير موضع في هذا الكتاب، ولاشك الحكم على الأحاديث يعتمد فيها على الحكم على الرواة أساساً.(14/5)
ـ[س 2: ثانيًا: ما هي أهم المخطوطات التي يتمنى شيخنا لو رآها مطبوعة؟ وما هي أهم المطبوعات التي يتمنى شيخنا لو لم يكن رآها؟ ]ـ
لا شك أن العقود الماضية شهدت حركة قوية في نشر التراث ومع ذلك لازال الكثير بحاجة إلى خدمة وعناية كي يخرج إلى النور ويستفيد منه أهل العلم وهذه طائفة من الكتب التي أتمنى العناية بها وإخراجها:
1 - شرح صحيح البخاري للعلامة مغلطاي (ت 762هـ) واسمه «التلويح في شرح الجامع الصحيح» وهو شرح كبير يقع في عشرين مجلداً - «لحظ الألحاظ» 139 - منه نسخة في مكتبة فيض الله، تحت رقم (477) وتقع بـ (15) مجلداً.
2 - «نخب الأفكار في شرح معاني الآثار» للعيني (ت 855هـ)، ويقع مع مقدمته لـ الرجال «مغاني الأخيار في رجال معاني الآثار» (1 - 8) مجلدات بخط المؤلف القاهرة، ومنه نسخة عنها أيضاً أحمد الثالث.
3 - نسخ منتقاة بعناية ودراسة (للكتب الستة) تصور عن الأصول الخطية كي تكون مراجع لطلاب العلم.
4 - «إكمال تهذيب الكمال» لمغلطاى (ت 762هـ)، نسخة كاملة بعد جمع ما تفرق منه، لأن المطبوع ناقص، وغير محقق التحقيق العلمي.
وأما الكتب التي أتمنى لو لم تطبع فكثيرة، وهي التي تسيء إلى صفاء الإسلام ومعتقد السلف الصالح.(14/6)
ـ[عندي مخطوط لابن الجزري رحمه الله، أخذتُه من بعض المشايخ الكرام، ومكتوب عليه أنه اختصار لتاريخ الإسلام للذهبي، لكن بالمقارنة بينه وبين بعض تراجم كتاب الذهبي وجدتُ فيه زيادات كثيرة على الأصل في مواضع كثيرة جدًا، وفي بعضها اختصار للأصل، والسياق غير مستقيم في مواضع أخرى؟ فهل عندكم خبر حوله؟ وكيف نتصرف في مثله إذا أردنا إخراجه؟ علمًا بأنها نسخة وحيدة؟ ]ـ
يستحسن الوقوف على هذا المخطوط حتى يكون الحكم عليه بصورة صحيحة ودقيقة، والحافظ الذهبي قد ذَيَّل على «تاريخ الإسلام» الذي وصل به إلى سنة 700هـ = إلى غاية سنة 740 هـ، وقد أسقط فيه كثيراً من الأعلام الذين ترجم لهم في «تاريخ الإسلام»، وقد نشر مازن باوزير كتاباً باسم «ذيل تاريخ الإسلام» للذهبي، وكتب على عنوان الغلاف: يضم هذا الذيل تراجم ... (701 - 750هـ)! علماً أن الذهبي توفي 748هـ. إضافة إلى ذلك فقد أشار أ. د بشار عواد العبيدي الحميري إلى أن المطبوع في «دول الإسلام» في حيدر آباد عام 1337هـ يشمل الأصل والذيل وهو ما لم ينتبه إليه ناشرو الكتاب بله طبعة القاهرة (1974) فيها إلى
سنة 744هـ، ولعل هذه السنوات الأربع زيادات من بعض النساخ أو غيرهم، وقد مر بنا أن ـ والكلام لـ أ. بشار ـ أن السخاوي أكمل الذيل ابتداء من سنة 741 هـ، مما يدل على وقوف الذهبي في الذيل عند سنة 740هـ. انتهى، ص 169 - 170 «الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام»، ولم يذكر الجزري، فلعله لم يقف عليه، ولا يبعد أن يكون الجزري قام باختصار «تاريخ الإسلام»، وأضاف إليه تراجم من مصادر أخرى، وهذا شأن المختصرين والمستدركين، والله اعلم.
ـ[رابعًا: ما هو المصدر الوفير لمعرفة روايات الكتب الستة، وبيان اختلافاتها؟ ]ـ
المصدر الأساسي في معرفة روايات الكتب الستة هو كتاب «التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد» للحافظ أبي بكر محمد بن عبد الغني الحنبلي البغدادي (ت629هـ)، وهو ديوان عظيم حافل بروايات الكتب الستة وغيرها، وينص على ما فات من سماع لطائفة في الرواة، ويعتبر هذا الكتاب مفخرة لأهل السنة في حفظ تراث النبوة وطرق وصولها إلى مصنفيها، مع تتبع المختص بنسخ الدواوين الستة وغيرها في بيان النسخة المعتمدة الصالحة.(14/7)
ـ[س 5: ما رأيكم في طبعات السنن؟ وأحسن الطبعات لها؟ خاصة «سنن ابن ماجه»؟ ]ـ
طبعات السنن كثيرة ومتعددة في الوقت الحاضر، ومعظمها لم تحرر التحرير العلمي، بتتبع الأصول، والاعتماد هي النسخة المتقنة، فسنن ابن ماجة (ت 273هـ) على سبيل المثال طبع بتحقيق:
1 - محمد فؤاد عبد الباقي، عام 1373هـ الحلبي القاهرة، معتمداً على الطبعة العلمية عام 1313هـ القاهرة، وعلى ط هندية عام 1847م، وأعتمد في نشر الكتاب بعد على طبعة محمد فؤاد.
2 - كـ ط أ. د الأعظمي، عام 1403هـ.
3 - ط الشيخ خليل مأمون، دار المؤيد عام 1416هـ.
4 - أ. د بشار عواد، عام 1418هـ دار الجيل.
4 - ط علي حسن الحلبي، المعارف عام 1419هـ.
إضافة إلى طبعات أخرى صدرت في لبنان والقاهرة وغيرها، والأربعة السابقة كل واحدة اعتمد محققها على منهج يختلف عن الآخر.
ومن يقرأ مقدمات تلك الطبعات يعلم حقيقة الأعمال؟
والغريب أن الطبعات المذكورة عدد أحاديث سنن ابن ماجه فيها (4241) حديثاً، وفي ط الحلبي (4418) حيث قال في ج 1/ 11 ح1: «ولقد رقَّمنا كل أحاديث ابن ماجه ترقيماً جديداً، مراعين في ذلك ما عطفه من أسانيد خالية عن المتون إحالة على النص السابق، جاعلين لها رقماً مفرداً تابعاً للتسلسل»، وفي ط أ. د- الأعظمي (4397) حديثاً، بما فيها زيادات القطان - أي ابن القطان وجميعاً ينتهي بحديث: «ما منكم من أحد إلا له منزلان ... »، واذكر مثالاً مهماً يدل على ضرورة بل (لزوم) الرجوع إلى النسخ المختلفة إذا ما أردنا تحقيق هذا الديوان (من دواوين السنة النبوية) تحقيقاً علمياً على منهج أهل الحديث.
فالزيادات الواردة في «سنن ابن ماجه» للرواية المشهورة (أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة بن بحر القزويني الحافظ ت345هـ) (44) زيادة والتي قام بتمييزها وإفرادها بجزء الأخ أ. د مسفر بن غرم الله الدميني عام 1410هـ.(14/8)
وفي ط على حسن الحلبي بـ (49) زيادة، بينما بلغت في دراسة خاصة بهذه الزيادات حررتها عام 1410 هـ (66)، زيادة وذلك بالاعتماد على نسخ اجتهدت في جمعها بفضل الله ومنّه، منها نسخة بخط الحافظ ابن النجار البغدادي (ت 643هـ)، ونسخة المقادسة (المحفوظة) في المكتبة التيمورية القاهرة، والتي هي أصل لنسخة (جار الله) التي اعتمد أ. د- الأعظمي، وكذا نسخة فاتح، ونسخة المنذري (ت656هـ) التي اعتمد على نسخة مقابلة عليها علي حسن الحلبي - ذكر هذه النسخة - باريس 706 - بعد- وحسب كلامه ج1/ 7 - مراجعتهم أي الحلبي مع الأخوين الجزائري، وجمال عبد اللطيف- لطبعة الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي على الطبعة المحققة الصادرة سنة (1404هـ) بتحقيق الدكتور الأعظمي، وهي نسخ لم يصرح أحد من المحققين الأفاضل السابقين باطلاعهم عليها.(14/9)
ولا يُعذر أ. د- بشار عواد بقوله: «ولا يمكن ضبط نسخة متقنة منها إلا بجمع جميع النسخ، وهو أمر متعذر علينا لعدة أسباب منها: كثرة النسخ وتبعثرها في أنحاء العالم وصعوبات التصوير وكلفته، وصعوبة تنقلنا في البلدان لظروف خارجة عن إرادتنا والوقت الذي يستلزمه مقابلة كل هذا العدد من النسخ ثم وجود من فعل ذلك قبلنا .... المزي (742هـ) في كتابيه العظيمين «تحفة الأشراف» و «تهذيب الكمال» ... إلى آخر كلامه في ج1/ 15، مقدمة التحقيق لسنن ابن ماجه، لأن من يروم خدمة سنة النبي الكريم رحلوا إلى البلدان، وقطعوا الفيافي والقفار، للتثبت من رواية حديث واحد روي عن الرسول ?، ثم إن الإمام الجليل ـ حافظ عصره المزي رحمه الله وجزاه خير الجزاء على خدمته لسنة نبيه ? ـ أتقن حفظ الأسانيد في كتابه، ولم يذكر إلا طرفاً وربما كلمه في المتون ... ونحو هذا الكلام أو مثله يقال عن تحقيق كتب السنن الأخرى، حيث يعمد بعض المحققين إلى نسخة فرع ويترك الأصل في الاعتماد عليها بالتحقيق، والبعض يعتمد على المطبوع! والنتيجة نفس عدد الأحاديث الواردة في الطبعة الأولى.
ـ[س 6: ما هو الطريق الصحيح لإخراج المخطوطات في عصرنا هذا، خاصة بعد اكتشاف الحاسب؟ من حيث الإطالة في التخريج وعدمه؟ ]ـ
الطريق الصحيح لإخراج المخطوطات هو جمع نسخ الكتاب المراد تحقيقه، وبعد دراسة تلك النسخ من حيث الإتقان والضبط وصحة السماعات ووصف الحفاظ المتقنين لبعض النسخ ترشح النسخة التي تميَّزت بتلك المواصفات، ويشرع بالتحقيق من هو أهل له، وكما قالوا: (التحقيق عمل الشيوخ).
أما الاستفادة من الحاسوب فممكنة في ضبط الفوارق بين النسخ وتدوينها، أما التخريج فلا يعتمد على الحاسوب، ونستفيد منه كاستفادتنا من (الفهارس والمفاتيح)، ولابد بعد ذلك من الرجوع إلى الأصول حيث ضبط النصوص والتثبت من الأسانيد.(14/10)
والأمر المهم في تحقيق السنن هو إخراجها متقنة كما حررها مصنفها، والمحافظة على أمانة النص، وبالله التوفيق.
ـ[سابعًا: ما رأي شيخنا الكريم في المخطوطات مجهولة المصدر؟ وما مدى الوثوق فيها؟ وما رأيكم بنشر المخطوطات على الشبكة في المواقع دون بيان لمصدرها؟ وكذا في الكتب المطبوعة؟ وهل بإمكاننا الاعتماد والاستفادة من الكتب مجهولة المصدر مطبوعة ومخطوطة؟ خاصة وأن الكتب المطبوعة ربما كانت لبعض الشركات أو لبعض الأشخاص ولكنها وصلت إلى الشبكة وتداولها الناس بعد ذلك، فهل يحلها التداول وتصبح مشاعًا للجميع؟ أم علينا التورع في سحبها والاستفادة منها؟ وكذلك الحال بالنسبة للمخطوطات؟ ]ـ
لابد من ذكر مصادر النسخ المخطوطة المعتمدة في التحقيق، والتثبت من صحة نسبتها، والتثبت من صحة رواياتها، وكان السلف رحمهم يخرجون الرجل إذا أضاف أسماء غير صحيحة (طباق السماع) أي أسانيد رواية تلك النسخة. ولا يحق ولا يصح شرعاً نشر كتاب بذل فيه محققه جهداً - الله أعلم به- على الشبكة (الالكترونية)، أما إذا كان أحد أهل العلم يمتلك مخطوطة علمية بالحديث أو غيره وأراد أن ينشرها (بطريقة الاسكنر) محمية محفوظة من الدخيل والعابث فلا بأس به، والله اعلم.
ـ[س 8: هل هناك علاقة بين برامج الحاسب في عصرنا وبين تدوين السنة؟ من حيث هل يعد هذا نوعًا جديدًا من التدوين؟ وما هي أنسب الطرق في هذا المجال؟
وأخيرًا ما هي شروط شيخنا لنيل الإجازة منه، وهل لشيخنا بريد إلكتروني نكتب له عليه؟
وجزاكم الله خير الجزاء وبارك فيكم، وسامحوني للإطالة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ]ـ
لا شك ولا ريب في قدرة ودقة جهاز الحاسوب ولابد من الاستفادة منه في حفظ السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام، ولي جهد متواضع في هذا المضمار لا بأس بنشره على هذا الموقع، وهو مشاركة في (ندوة علمية) عقدتها كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى في مكة المكرمة - حماها الله- بتأريخ 25/ 7/1418هـ.
أكتفي في هذه الأجوبة بذكر (ضوابط مشروع الحاسب الآلي في خدمة السنة وهي:
1 - لا بد من تحقيق النصوص المدخلة، وهذه القضية كثر الكلام عنها وأخذت حيزاً كبيراً في مناقشتها وبحثها، وذلك من خلال مناقشتي لرسالة دكتوراه عام 1407هـ، وكذا في مداولات العلماء والمتخصصين في الحديث والمبرمجين للحاسب الآلي، وذكروا أن الأمر يحتاج إلى سنوات عديدة لاختيار النص المناسب للتحقيق.
2 - وهذه المعضلة تم التغلب عليها وذلك بوجود برنامج (comparative) القادر على اجراء المقارنات بين النصوص.
3 - أو كبديل عنه يتم اختيار نسخة خطية موثقة معززة بسماعات أو منسوخة ومقابلة من أحد أعلام المحدثين الحفاظ لكل كتاب من الكتب المدخلة، وذلك للرجوع إليها والتثبت من صحة النص المحفوظ في البرنامج، ولا شك أن الكثير من المكتبات تزخر بالمخطوطات الأصول لكتب السنة النبوية.
4 - إدخال كتاب «تحفة الأشراف» الذي ضم (19626) من أسانيد الأحاديث المرفوعة، والمرسلة، وكذلك كتاب «إتحاف المهرة في أطراف الكتب العشرة» (حم، عم، ط، ش، مي، جا (جارود)، خز، عه، طح، حب، قط، كم) للحافظ ابن حجر (ت2م)، والذي قامت وزارة الأوقاف بطبعه، وصدر منه لحد الآن (19) مجلداً، ويكمل بـ (20)، والأخير هو فهارس، وبلغ مجموع الأحاديث لحد (19) (25513) حديثاً.
5 - التسجيل الصوتي للأحاديث المدخلة، وهنالك ـ والحمد لله ـ عدد كبير من المؤهلين لهذه المهمة العظيمة الأَثَرْ، ولهذا أمثلة ونماذج مشرفة لعلمائنا الأعلام.
وأذكر في هذا نموذجاً لوعي علمائنا في هذا الشأن ما فعله الإمام الحافظ المتقن شرف الدين علي بن محمد بن أحمد اليونيني الهاشمي (ت701هـ): «وكان السماع بحضرة جماعة من الفضلاء، ناظرين في نسخ معتمد عليها، فكلما مر بهم لفظ ذو إشكال بينت فيه الصواب، وضُبط على ما اقتضاه علمي بالعربية، وما افتقر إلى أبسط عبارة وإقامة دلالة أخرت أمره إلى جزء استوفى فيه الكلام، مما يحتاج إليه من نظير وشاهد ليكون الانتفاع به عامًا، والبيان تاماً إن شاء الله، وكتبه محمد بن عبد الله بن مالك»، بلغت مقابلة وتصحيحاً وإسماعاً بين يدي شيخه الطائي الجيَّاني، أمدّ الله تعالى عمره، في المجلس الحادي والسبعين، وهو يراعي قراءتي، ويلاحظ نطقي، فما اختاره ورجَّحه وأمر بإصلاحه أصلحته وصححتُ عليه، وما ذكر أنه يجُوزُ إعرابان أو ثلاثة فأعلمت ذلك على ما أقترح ورجُّحَ، وأنا أقابل بأصلِ الحافظ أبي ذر والحافظ الأصيلي، والحافظ ابن عساكر.
ومَنَّ الله علىّ بإجازات حديثية لعدد من الشيوخ، نسأل الله عزّ وجل أن يجعلنا من طلاب العلم، وخدمة سنة النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم.(14/11)
ـ[س 9: أرجو المسامحة شيخنا الجليل، فقد أثقلتُ عليكم، ولكنها فرصة العمر أن نراكم هنا ونقدر على سؤالكم والانتفاع بعلومكم، فبارك الله لنا فيكم، وحفظكم.
سؤال: ما رأيكم شيخنا الجليل في الأحاديث المضروب عليها، ولا أقصد التي ضرب عليها النساخ، فهذه قد علمنا أنها خطأ من النساخ، ولكن أقصد تلك الأحاديث التي ضرب عليها أصحاب الكتب أنفسهم، ولم يُحَدِّثوا بها، أو رفضوا التحديث بها؟
ومن أمثلة ذلك (ونرجو من الشيخ الاستفاضة حوله): «المسند» للإمام أحمد، فقد ضرب الإمام أحمد على أحاديث، وأمر ابنَه عبد الله بالضرب عليها، ومع ذلك لا زالت هذه الأحاديث في المسند، فما هو رأي فضيلتكم؟ وما معنى الضرب عليها هنا؟ هل ضرب عليها لعلة وفقط؟ أم ضرب عليها ولم يُحَدِّث بها بمعنى أنه لم يرضها في تصانيفه؟ وهل علينا الآن أن نثبتها في متون الكتب؟ أم نضعها في حواشي الكتب؟ نرجو الإفاضة في هذا الأمر من كافة جوانبه؟ ]ـ
الأحاديث المضروب عليها إما أن تكون سبب الضرب عليها الانحراف العقدي أو ضعف الراوي من حيث الشذوذ والنكارة، وغير ذلك.
أما الانحراف العقدي فهو ما حصل في موقف بعض الأمة النُّقَّاد والحُفَّاظ في فتنة خلق القرآن، حيث قاطع الإمام أحمد كل من أجاب بفتنة خلق القرآن وقال بخلقه، وأمر ولده عبد الله بعدم رواية أحاديثهم.
قال أبو زرعة: «كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن علي بن الجعد، ولا سعيد بن سليمان، ورأيت في كتابه مضروباً عليهما، ولا يرى الكتابة عن أبي نصر التمار، ولا عن أبي معمر، ولا يحيى بن معين، ولا أحد ممن امتحن فأجاب».
والخبر رواه أبو زرعه والخطيب بإسناده إليه، وكذا ابن الجوزي، وغيرهما.
وفيهم أئمة وغيرهم لم يذكروا في هذا النص كالإمام علي بن المديني، ودافع عنهم الحفاظ، وشهدوا لهم بالحفظ والإتقان، فهذا الحافظ الذهبي يقول بعد ذكره موقف الإمام أحمد من أبي نصر التمار: «قلت: أجاب تقية وخوفاً من النكال، وهو ثقة بحاله ولله الحمد» «سير أعلام النبلاء» ج /573.(14/12)
وعدَّ ذلك (تشدد ومبالغة، والقوم معذورون، تركوا الأفضل فكان ماذا)، وقد خَرَّج الإمام البخاري لبعضهم في «الصحيح»، ومع هذا الاعتذار يبقى موقف الإمام أحمد بن حنبل هو الصواب وهو الحق، حيث ثبَّت الله عزَّ وجل بثباته الأمة وعدم التأثر بأفكار المبتدعة ومعتقداتهم المخالفة لمعتقد السلف الصالح، وقد صَرَّح عبد الله بن الإمام أحمد بهذا الأمر في تركه الرواية عمن أجاب بفتنة خلق القرآن، قال الحافظ ابن حجر في ترجمة إبراهيم بن الحسن الباهلي (ت 235 هـ): «قلت: كان عبد الله بن أحمد لا يكتب إلاّ عمن أذن له أبوه في الكتابة عنه، وكان لا يأذن له أن يكتب إلا عن أهل السنة، حتى كان يمنعه أن يكتب عمن أجاب في المحنة، فلذلك فاته علي بن الجعد ونظراؤه من المسندين» [«تعجيل المنفعة» 1/ 258]، والتزم بهذا الأمر بعض خواص الإمام أحمد، فهذا أبو زرعه الرازي (ت 264 هـ) الذي قال عن علي بن المديني وقد سئل عنه «لا نرتاب في صدقه»، نراه ترك الرواية عنه.
قال ابن أبي حاتم في ترجمته: «كتب عنه أبي وأبو زرعة، وترك أبو زرعة الرواية عنه من أجل ما كان منه في المحنه، ووالدي كان يروي عنه لنزوعه عما كان منه» [«الجرح والتعديل» ج3/ ق 1/ 194]، و [«ميزان الاعتدال» 3/ 138]، و [«تهذيب التهذيب» 7/ 356]، وكذا موقف إبراهيم بن إسحاق الحربي [«تاريخ بغداد» 11/ 470]، [«مناقب الإمام أحمد» لابن الجوزي ص 392]، و [«ميزان الاعتدال» 3/ 138] وانظر بتفصيل في «أبو زرعة وجهوده في السنة ... » ج 3/ 975، ورغم هذه النصوص العديدة وغيرها نجد الأحاديث المخرَّجة في 1003. «المسند» عن بعض الرواة الذين امتنع الإمام أحمد عن الكتابة عنهم ومن الذين أوصى ولده بالضرب على أحاديثهم، ففي أفضل طبعة للمسند والتي بلغ مجموع الأحاديث فيها بالمكرر (27646) حديثاً نجد:(14/13)
1 - (خ م د س) إسماعيل بن إبراهيم بن معمر الهذلي أبو معمر (ت 236 هـ) حديثاً واحداً رقم (26876).
2 - (ع) سعيد بن سليمان الضبي أبو عثمان الواسطي (سعدويه) (ت 225 هـ) ثلاثة أحاديث (15320، 26911، 26974).
3 - (خ د ت س فق) علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي أبو الحسن البصري (ت 234 هـ) قرابة (70) حديثاً (1387، 1610، 2248، 3897، 5437، 5871، 5873، 6908، 7073، 8768، 8996، 8998، 9437، 11063، 11761، 11762، 22864، 11765، 13816، 14107، 14108، 14109، 14110، 14111، 14881، 14883، 15288، 15299، 16298، 16301، 16302، 16387، 17625، 17726، 18506، 18962، 18963، 18965، 19327، 19404، 19566، 19567، 19569، 1968، 19682، 19720، 19723، 1992، 19925، 19993، 20118، 20119، 20120، 20192، 20460، 20620، 21382، 21663، 22420، 22708، 23358، 23854، 24009/ 7 24009/ 28، 24009/ 39، 24617.
4 - (ع) يحيى بن معين بن عون بن زياد المرى الغطفاني مولاهم البغدادي (ت 233 هـ) حديثان (51، 21119).(14/14)
ولعل السبب في بقاء هذه الأحاديث في «المسند» هو أن الإمام أحمد كما يقول الحافظ الذهبي: «كان لا يرى التّصْنيف، وهذا كتاب «المسند» له لم يصنِّفه هو، ولا رتَّبه، ولا اعتنى بتهذيبه، بل كان يرويه لولده نُسخاً وأجزاءاً ويأمره: أنْ ضَعْ هذا في مُسْنَد فلان، وهذا في مسند فلان) [«سير أعلام النبلاء» ج 13/ 522]، ثم زاد الحافظ الجزري (ت 833 هـ) حيث وضح الأمر أكثر فقال: «إن الإمام أحمد شرع في جمع هذا «المسند»، فكتبه في أوراق مفردة، وفرقه في أجزاء منفردة على نحو ما تكون المُسَوَّدة، ثم جاء حلول المنيَّة قبل حصول الأُمنية، فبادر بإسماعه لأولاده وأهل بيته، ومات قبل تنقيحه وتهذيبه، فبقى على حاله، ثم إن ابنه عبد الله الحقَ به ما يشاكِلُه، وضمَّ إليه من مسموعاته ما شابهه ويماثله ... » [«المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد» ص 10]، وأول من سمعه في أهل بيته هو عبد الله [«سير أعلام النبلاء» جـ13/ 523].
ومع ذلك لم يُحرِّر عبد الله ترتيب «المسند» كما يقول الذهبي: «ولا سَهَّله فهو محتاج إلى عمل وترتيب، ... ولم يكن القطيعي- الحافظ أحمد بن جعفر ثقة ت 368هـ- من فرسان الحديث ولا مجوِّداً، بل أدَّى ما تحمَّله، إنْ سَلِم من أوهام في بعض الأسانيد والمتون» [«سير أعلام النبلاء» ج13/ 524].
فعدم تحرير «المسند» من حيث الترتيب والعناية ربما بقيت تلك الأحاديث رغم الضرب عليها - والله أعلم- والأمر يحتاج إلى دراسة مفصلة.(14/15)
وهنالك أمر آخر يتعلق بضرب الإمام أحمد على أحاديث كان لا يرى بقائها في «المسند»، وليس رواتها ممن ساهموا أو امتحنوا بفتنة خلق القرآن، فمثلاً حديث: «يُهْلِكُ أُمَّتي هذا الحيُّ من قريش»، قالوا: فماذا تأمرنا به يا رسول الله؟ قال: «لو أنَّ الناس اعتزلوهم»، أخرجه أحمد في «المسند» ج 2/ 288، 299، 301، 304، 485، والحديث صحيح أخرجه البخاري في «صحيحه»، رقم (3064، 3065)، «فتح الباري» ج 6/ 612، ج 13/ 9.
ومع ذلك قال عبد الله: قال لي أبي في مرضه الذي مات فيه: أضرب على هذا الحديث، فإنه خلاف الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. يعني: قوله: «اسمعوا أطيعوا» [«المسند» ج2/ 301].
قال أبو موسى: «وهذا - مع ثقة رجال إسناده- حين شذَّ لفظه عن الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه .... » [«خصائص المسند» ص 24] و [«الفروسية» ص 266 - 267].
قلت - القائل ابن قيم الجوزية ت 751 هـ وهو يرد على أبي موسى المديني الحافظ -: هذا لا يدلُّ على أن كل حديث في «المسند» يكون صحيحاً عنده، وضربُه على هذا الحديث مع أنه صحيح أخرجه أصحاب الصحيح، لكونه عنده خلاف في الأحاديث، والثابت المعلوم من سنته ? في الأمر بالسمع والطاعة، ولزوم الجماعة، وترك الشذوذ والانفراد، كقوله ?: «اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبدٌ حبشيٌّ» [رواه البخاري]، وقوله: «من فارق الجماعة، فمات، فميتته جاهلية» [رواه مسلم]، وقوله: «الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد» [رواه الترمذي]، وقوله: «من فارق الجماعة، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» [رواه أبو داود]، وقوله: «ثلاث لا يُغلُّ عليهن قلب رجل مسلم: إخلاص العمل لله ... » [رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد ... ]، وقوله: «عليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» [رواه أحمد- صحيح -]، إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة المستفيضة المصرِّحة بلزوم الجماعة.(14/16)
فلما رأى أحمد هذا الحديث الواحد يخالف هذه الأحاديث وأمثالها، أمر عبد الله بضربه عليه» [«الفروسية» ص 270].
وتوجد طائفة كبيرة من الأحاديث أمر بالضرب عليها لضعف رواتها.
ومن هؤلاء الرواة:
1 - أبان بن أبي عياش، فيروز البصري، قال عنه الإمام أحمد: (متروك الحديث، ترك الناس حديثه مُذ دهر من الدهر) [«العلل» رقم (872)].
قال عبد الله: قرأت على أبي حديث عباد، فلما انتهى إلى حديث أبان بن أبي عياش قال: اضرب عليها، فضربت عليها وتركتها. [«العلل» (4887)] و [«الضعفاء» للعقيلي (22)]، ومع ذلك يوجد له حديث رقم (12686) في «المسند».
2 - سعيد بن عبد الجبار الزُّبيدي أبو عثمان الحِمصيّ.
قال المرُّوذي: قلت له (يعني لأبي عبد الله) سعيد بن عبد الجبار مكي؟ قال: لا، هذا من أهل الشام، حدثنا أبو بدر عنه بحديثين، وقد ضربتُ عليهما. قلت: وأيش حاله؟ قال: حدَّث بأحاديث مناكير. [«سؤالات المروذي» رقم (148)].
3 - عبد الله بن مور بن عبد الله بن عون بن جعفر بن أبي طالب أبو جعفر القرشي المدائني، قال عبد الله: قال أبي: واسمه عبد الله مور بن عون بن جعفر بن أبي طالب، قال أبي: اضرب على حديثه، أحاديثه موضوعة، أبى أن يُحدثنا عنه. [«العلل» رقم (640)].
4 - (ت ق) فائد بن عبد الرحمن الكوفي، أبو الورقاء العطّار (ت بحدود 160 هـ).
قال عنه أحمد بن حنبل: (متروك الحديث) [«العلل» (4149)] و [«تهذيب التهذيب» 8/ (473)].
وحديثه في «المسند» برقم (19410، 1941)، وقال عبد الله عقب الحديث الثاني: (فلم يحدث أبي بهذين الحديثين، ضرب عليهما في كتابه لأنه لم يرض حديث فائد بن عبد الرحمن، وكان عنده متروك الحديث، واكتفى بهؤلاء الرواة.(14/17)
وعليه وبناء على موقف الإمام أحمد من الرواة الضعفاء والرواة الشيوخ الذين امتنع عن الرواية عنهم بسبب خلق القرآن وبعض البدع كعلي بن الجعد يلزم وضع أحاديثهم الواردة في «المسند» في الحاشية خارج المتن، مع التعليق على كل واحد بما حكم عليه الإمام أحمد، وتقديم دراسة عن موقفه ممن أجاب بفتنة خلق القرآن، وسرد أسماء من وردت له رواية عنه، والله أعلم.
وتوجد حالة أخرى هي نفس حالة الضرب على الحديث، فمثلاً حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «لئن بقيت لنصارى بني تغلب لأقتُلَنَّ المقاتلة، ولأسبِتنَّ الذرية، فإني كتبت الكتاب بينهم وبين النبي ? على أن لا يُنَصروا أبناءهم» [ج1/ 429، رقم (2040)].
قال أبو علي اللؤلؤي الإمام (ت 333 هـ) راوي «سنن أبي دواد»: «ولم يقرأه أبو داود في العرضة الثانية»، والسبب أن أبا داود قال: «هذا حديث منكر، بلغني عن أحمد أنه كان ينكر هذا الحديث إنكاراً شديداً»، ومع هذا نجد الحديث يذكر في طبعات «سنن أبي داود».
ونجد غير الإمام أحمد أيضاً من اتبع نفس الأسلوب والمنهج، فهذا الإمام الرازي (أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم ت 264).
وكان من يقرأ عليه كالبرذعي (ت هـ) مثلاً من كتبه التي دونها وروى فيها عن الشيوخ حينما يمر على حديث ثبت عنده أن راويه من الضعفاء والمتهمين والوضاعين لا يقرأه ويأمره أن يضرب عليه، وتوجد أمثلة غير قليلة، منها قول البرذعي: «فسألت أبا زرعة عنهما - حديثان - فأمرني أن أضرب عليهم، ولم يقرأهما» [«جهود أبي زرعة» ص: 410].
قلت - أي البرذعي - «أبو بكر القرشي؟ قال: ضعيف الحديث، وأمرنا أن نضرب على حديثه» ص: 510.(14/18)
وقال لي أبو زرعة: «محمد بن عيسى الهلالي، لا ينبغي أن يحدث عنه وأمرنا أن نضرب على حديثه» ص: 517 وفي «الجرح والتعديل» 4/ ق 1/ 38 قال عنه: «ضعيف الحديث لا ينبغي أن يحدث عنه، حدث عن محمد بن بن المنكدر بأحاديث مناكير وأمر أن يضرب على حديثه ولم يقرأ علينا حديثه».
وقال ابن أبي حاتم في ترجمة عبيد الله بن تمام البصري: «سئل أبو زرعة عنه فقال: ضعيف الحديث وأمر أن يضرب على حديثه» [ج 2/ ق 2/ 309].
وفي بعض الأحيان يلح البرذعي أو غيره على أبي زرعة بقراءة الحديث الذي أمر بالضرب عليه فلم يقرأه، فقد سئل مرة عن حديثين من رواية (عبد الله بن المبارك العيشي) فأمر بالضرب عليهما، قال البرذعي: فأمرنا أن نضرب عليهما وأنكرهما فجهدت به أن يقرأهما فأبى وقال: «هما شبيهان بالموضوع أو ما قال» [ص: 708].
ـ[س 10: هل ترون أن الموسوعات الإلكترونية المعاصرة ستؤثر على عملية التأليف؟ بمعنى هل ستوقف اختصارات الكتب مثلا؟ أو ستوقف عملية الفهرسة اليدوية؟ ونحو هذا من الأمور التي لم يعد الناس بحاجة إليها الآن نظرًا لوجود الموسوعات الإلكترونية؟ وما مدى تأثير هذا العمل على النتاج الإنساني والعقلي؟ ]ـ
هنالك الكثير من العمل الفكري الذي يحتاج أن ندخله إلى الحاسوب.
كالقواعد الثلاثة التي هي أساس العمل لخدمة السنة النبوية وهي:
1 - قاعدة معلومات للأحاديث سنداً ومتناً.
2 - قاعدة معلومات لتراجم الرواة.
3 - قاعدة معلومات لمصطلح الحديث.
وتفصيل المراد بالقواعد الثلاثة هو التالي:(14/19)
1 - أما قاعدة معلومات للأحاديث سنداً ومتناً، جمع طرق كل حديث من جميع المصنفات المدخلة إلى الحاسب لدراستها والاستفادة منها، ومعرفة المفاريد، والمتواتر، والمشهور، والعزيز، وللتوصل إلى (شجرة الأسانيد) لكل حديث، لأن الطريقة الصحيحة للحكم على هذا الحديث هو جمع كافة المتابعات والشواهد، وكما قال علي بن المديني (ت 234هـ): «الباب إذا لم تُجمع طرقه لم يتبين خطؤه»، ومن جملة تلك الغايات التي نروم الوصول إليها من ذلك تحقيق السند، ويشمل استدراك السقط، وتحرير التحريف، وتصحيح التصحيف، ومواضع البياض في بعض الأصول، وكذلك معرفة اتصال السند، وانقطاعه ومعرفة نوع الانقطاع، من تدليس، أو عضل، أو إرسال، والترجيح بين الوقف والرفع، والوصل والإرسال في حالة التعارض، إضافة إلى الوصول إلى الأحاديث بالوسائل المختلفة، جذر الكلمة (معجم مفهرس)، جملة منه، طرق الحديث، أحد رواته أو أحد الأعلام المذكورين فيه أو المكان، وهذه القاعدة تتألف من عدة دوائر، الأولى: (الكتب الستة(14/20)
ويخدمنا فيها كتاب «تحفة الأشراف» للمزي 742هـ). والثانية: (حم، ط، ش، طح، خز، حب، كم، عوانه، قط، مي، جا) ويخدمنا فيها كتاب «إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة» لابن حجر (ت 852 هـ)، قال الحافظ بن حجر: «وهذه المصنفات قلَّ أن يَشُذَّ عنها شيء من الأحاديث الصحيحة، لا سيما في الأحكام إذا ضُمَّ إليها أطراف المزّي» ج 1/ 160 «إتحاف المهرة» (المزي 19626ـ ابن حجر 513/ 25). والدائرة الثالثة وهي: زوائد المسانيد العشرة (ابن أبي شيبة، الحميدي، عبد بن حميد، العدني، مسدد بن مسرهد، أحمد بن منيع، الحارث، أبو يعلى، إسحاق، الطيالسي)، ويخدمنا فيها («إتحاف الخيرة» للبوصيري 840هـ و «المطالب العالية»). والدائرة الرابعة («مصنف ابن أبي شيبة»، و «سنن سعيد بن منصور»، وعبد الرازق، والبزار، ومعاجم الطبراني الثلاثة، و «معرفة السنن والآثار»).
2 - قاعدة معلومات لتراجم الرواة من «التقريب»، و «التعجيل»، و «تهذيب الكمال»، و «الإكمال»، و «الجرح والتعديل»، و «الثقات» لابن حبان، و «الطبقات» لابن سعد، والعجلي، والتواريخ المحلية كتاريخ بغداد، والمعاجم، والمشيخات، ويتم التدوين في كل ترجمة (النسب، الشيوخ، الرواة عنه، أقوال النُّقَّاد فيه، الرحلات، سنتي الولادة والوفاة، سنة الاختلاط بالنسبة للمختلطين والذين رووا عنهم قبل اختلاطهم، تدليسه وطبقته فيه) وغير ذلك.(14/21)
ومن خلال تراجم الجم الغفير لرواة الحديث نطمع بالوصول إلى غاية لها الأثر الكبير في هذه الموسوعة ألا وهي المساعدة في الحكم على الأحاديث من خلال الحكم على رجال الأسانيد وتمييز الأحاديث الصحيحة من الحسنة، وكذا الضعيفة، ولتذليل المعضلات التي تحول دون ذلك نضع قواعد النُّقَّاد في الجرح والتعديل بعد معالجة كل إمام وما له من مصطلحات والوصول إلى نتائج البحث الاستقرائي وببحوث خاصة للماجستير ودكتوراه، المختلف فيهم عدة ألوف (دار التأصيل) 1987، فمثلاً الرواة الثقات الذين ضعفوا في حالة من الحالات، فمثلا:
(ي 4) إسماعيل بن عَيّاش العَنْسي الحمصي (صدوق في روايته عن أهل بلده، مُخَلِّط في غيرهم ط8 ت ا18هـ. قال أحمد بن حنبل: (ليس أحدٌ أروى لحديث الشاميين منه، وهو الوليد بن مسلم. قال أحمد يحفظ 30. 000.
وقال ابن معين: إذا حدّث عن الشاميين فهو ثقة، وإذا حدّث عن الحجازيين والعراقيين خَلَّطَ ما شئت، فنزود الحاسب بشيوخه الشاميين، وكذلك الحجازيين والعراقيين.
وكذلك نقوم ببحوث جانبية خاصة تعتمد على الاستقراء فيما يتعلق ببعض النُّقَّاد الذين لهم مصطلحات خاصة كا (قط) (يعتبر به) والألفاظ الخاصة بالمتابعات، والعقيلي: (لا يتابع عليه) ومدى متابعته للإمام البخاري في مصطلحه، وتحرير القول في الرواة المختلف فيهم وآخر الأقوال التي توصل إليها النُّقَّاد كالذهبي، وابن حجر، كابن لهيعة والحارث الأعور، وأبان بن أبي عياش وغيرهم.(14/22)
3 - أما قاعدة معلومات الخاصة بمصطلح الحديث.
فهي مهمة جداً من حيث خدمتها للقاعدتين السابقتين، وفيها نستوعب كافة كتب الحديث الخاصة بقوانين الرواية (مصطلح الحديث) ابتداء من المحدث «الفاصل للرامهرمزي» إلى حد الكتب المعاصرة التي توصل فيها أصحابها إلى نتائج مبينة على الاستقراء تتعلق بكافة الألفاظ الخاصة بالمصطلح وأنواع الحديث، وألفاظ الجرح والتعديل وتنظيم كل المواد المتفرقة ابتداء بتلك المروية عن الأئمة من السلف الصالح التي لم يدنوا أقوالهم بكتاب خاص بل رواها عنهم تلامذتهم.
ملاحظة: وهذه القواعد لم تخدم إلا الأولى بإدخال المتون مع أسانيدها وهي غير محققة التحقيق العلمي على منهج المحدثين.
وكل ما يستفيد من الموسوعات عمل الفهارس والبحث عن الأحاديث بطرق مختلفة، الصحابي، طرف الحديث، جذر الكلمة في الحديث، الكتب والأبواب.
إضافة إلى معرفة الرواة وما لكل واحد منهم من حديث. وبالله التوفيق.(14/23)
ـ[سؤال آخر شيخنا الجليل، وهو حول ابن سبأ، وقد قرأت في ترجمتكم الذاتية أنكم كتبتكم فيه قبل ذلك لكن لم ييسر لي الله الاطلاع على كلامكم، ولي استشكال فيه شيخنا الكريم من ناحيتين:
الأولى: قولكم: الرواة الذين تأثروا بابن سبأ، فهل هذا يعني أنه قد أثر في تدوين السنة بشكل ما؟ وما مدى ذلك؟
الثاني: لم نجد في المصادر التي تكلمت عنه ترجمة وافية، فهل وقفتم فيه على ترجمة وافية له؟ وما هو فكره بالتحديد؟ وما مدى علاقة ابن سبإ بالفرق المعاصرة؟ وما مدى تأثر الأجيال المسلمة بفكره؟ وما تأثير ذلك على حركة العلوم عبر الأجيال؟
وجزاكم الله خيرًا، واسمحوا لي أن أضع لكم بعض الأسئلة الأخرى إن شاء الله تعالى، وسامحوني لكثرة أسئلتي، ولكنكم تعلمون شيخنا: أن السؤال نصف العلم، وليس على مثلي لوم إذا سأل مثلكم، وجزاكم الله خير الجزاء. ]ـ
1) المقصود بالرواة الذين تأثروا بابن سبأ أي من اعتقد منهم ببدعة من بدعه وصرح بها أو اشتهر بها، ولم يؤثر أي واحد منهم ولا غيرهم بحمد الله تعالى في تدوين السنة أو الأحاديث التي وضعوها، فقد هيأ الله سبحانه وتعالى لها الأئمة الحفاظ كي يذبوا عنها، وصدق الخليفة هارون الرشيد رحمه الله حينما أخذ زنديقا وأمر بقتله فقال: " أين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله؟، قال: وأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك ينخلاّنها فيخرجانها حرفاً حرفاً".
تاريخ دمشق 2/ 257 وتاريخ الإسلام صفحة 58 ت (8).
2) ترجم له الكثير من أصحاب المصنفات وكتبت فيه بعض الدراسات منها دراسة د. سليمان العودة (ماجسيتر).
ولقد جمعت الكثير من النصوص المتعلقة بشخصيته وبدعه وضلاله في كتب الشيعة (خاصة كتب الرجال)، ولعل أقوى النصوص المتعلقة فيه هي التي رواها أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي - معاصر لابن قولويه ت 369هـ - في كتابه (معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين) وهو من الكتب الموثقة الصحيحة عندهم لماذا؟ لأن إمام الشيعة الثقة الثبت عندهم (الطوسي) الذي يلقبونه بشيخ الطائفة ت460هـ عمد إلى كتاب الكشي فهذبه وجرده من الزيادات والأغلاط وسمّاه (اختيار الرجال)، وأورد فيه روايات عن أئمة أهل البيت في تكذيبه ولعنه، ولا يجوز في معتقدهم تكذيب الإمام ولا يعقل صدور اللعنة من الإمام على مجهول، إذاً هو حقيقة ثابتة عندهم.
وأما الكلام في فكره ومعتقد فيستغرق الكثير. . وخلاصة ذلك:
1) القول بالوصية
2) أول من أظهر البراءة من أعداء على رضي الله عنه بزعمه، وكاشف مخالفيه وحكم بكفرهم
3) أول من ادعى النبوة(14/24)
4) أول من أحدث القول برجعة علي رضي الله عنه إلى الدنيا بعد قوته وبرجعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
5) ادعى أن عليا رضي الله عنه هو دابة الأرض وأنه هو الذي خلق الخلق وبسط الرزق
6) وقال أنهم لا يموتون وإنما يطيرون بعد مماتهم وسموا بـ (الطيارة)، ولقد استخدم أئمة الجرح والتعديل من الشيعة هذه التسمية وهي من ألفاظهم في تجريح بعض الرواة.
يقول الطوسي - وهو شيخ الطائفة عندهم - في ترجمة نصر بن صباح: " يكني أبا القاع من أهل بلخ، لقي جلة من كان في عصره من المشايخ والعلماء وروى عنهم ألا أنه قيل كان (الطيارة) غالٍ". رجال الطوسي صفحة515.
لكن المامقاني - من العلماء المتأخرين ت1351هـ الذين صنفوا في مصرف الرجال عند الشيعة - قال عنه: "من تتبع الرجال يظهر عليه أن المشايخ قد أكثروا من النقل عنه على وجه الاعتماد وقد بلغ إلى حد لا مزيد عليه"
7) قال قوم من السبئية بانتقال روح القدس في الأئمة وقالوا (بتناسخ الأرواح)، ولعل كتاب الحسن بن موسى النوبختي (الرد على أصحاب التناسخ) في الرد عليهم. مقدمة فرق الشيعة للتوبختى ص17.
8) قالوا -أي السبئية-: هدينا لوحي ضلَّ عنه الناس وعلم خفي عنهم، وقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم تسعة أعشار الوحي. ورد عليهم الإمام الحسن بن محمد بن الحنفية في رسالته التي سمّاها بـ (الأرجاء) والتي رواها عنه الرجال الثقات عند الشيعة وانظر شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد 2/ 309.
9) وذكر فيه أيضاً قولهم إن عليا في السحاب.
10) ولكن أخطر ما صرح به واعتقد به ادعاءه الربوبية في أمير المؤمنين فقد روى الكشي بسنده إلى أبي عبد الله أنه قال: "لعن الله عبد الله سبأ، إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين وكان والله طائعا، الويل لمن كذب علينا وأن قوما يقولون فينا ما لا نقول في أنفسنا نبرأ إلى الله منهم" رجال الكشي ص100ط الأعلمي.
ولا يتأثر بفكره إلا من هو مثله أو أشرب النفاق قلبه، وفي هذه الحالة
لا مانع لديه من الاعتقاد بما قال حتى لو لم يسمه.(14/25)
ـ[شيخنا الفاضل:
نعلم مدى سعة اطلاعكم بكل ما يختص بالسنة النبوية وما يتعلق بها،،، وتواجهني مشكلة في الرواة الذين قيل عنهم: متشيعون أو فيهم تشيع .... .
- كيف أثبت ذلك أو أنفيه.
- هل أطلع على مصادر الشيعه التي اعتنت بالرجال أو لا، وما هي؟
- هل هناك كتب حررت الألفاظ التي تطلق على بعض من قيل فيه أنه متشيع، مثل أن يقال: فلان شيعي جلد، أو خشبي، وغيرها. ]ـ
الرواة الشيعة لهم تراجم في كتب الرجال المشهورة كتهذيب الكمال والمستدركات عليه والمختصرات، وكذا في ميزان الاعتدال واللسان، وللتحقق من ذلك دراسة أسانيد تلك الروايات إلى قائليها، ولا حاجة للرجوع إلى كتب رجال الشيعة إلا في حالة التثبت من معتقدات بعض الرواة كجابر الجعفي مثلاً، وبرجوعنا إلى كتبهم نجد الروايات الصريحة في معتقده كالرجعة والوصية وانتقال الإمامة والباب وغير ذلك، فنثبت معتقده من كتبهم إضافة إلى ما أتهمه بها أئمة النقد عند أهل السنة والجماعة.
أما كتب الرجال عندهم فهي كثيرة ومتنوعة ومختلفة المناهج، بخلاف كتب الرجال عندنا فمثلاً نجد الرواة المترجم لهم في تهذيب الكمال يذكرون في تهذيب التهذيب وتذهيب التهذيب والتقريب وإكمال تهذيب الكمال، وعلى نسق واحد ومنهج واضح من حيث الترتيب والمصادر المعتمد عليها، والوضوح مع القواعد الثابتة المتقنة.
أما كتب الرجال عندهم والتي ذكرت جميعها في معجم (مصفى المقال في مصنفي علم الرجال) لأغا بزرك الطهراني (ت1389هـ) فهي تختلف تماماً في حيث مراتب التعديل والتجريح وكذا الألفاظ والمصطلحات وكذا بعض القواعد، فمن ألفاظ الجرح والتعديل عندهم: ثقة، حسن، ثقة وإلى ثقة، موثق، لا يبعد حسنه، شيخ لا بأس به، ضعيف في الغاية- قالها في سفيان الثوري -.
صحابي مجهول زنديق - أسيد بن حصين في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - كذا ذكره المامقاني، وكذا بقية الألفاظ منه، صحابي في غاية الضعف - المغيرة بن شعبة -، زندقته أشهر من كفر إبليس - معاوية بن أبي سفيان-، ضعيف دينه الدرهم - عبد الله بن العباس بن عبد المطلب-.(14/26)
عليه لعائن الله -أبو جعفر المنصور-، في اللعناء - عبد الله بن عمر وبن العاصي - الولد على سر أبيه - عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة، متوقف في حقه - صهيب بن سنان الرومي -، صحابي سيء العاقبة - خالد بن يزيد البجلي - وكذا حسان بن ثابت، من أضعف الضعفاء - طلحة عبيد الله رضي الله عنه وكذا الزبير بن العوام، هو العدوى الخبيث - عبد الله بن عمر بن الخطاب البدري -.
ومن ألفاظهم الخاصة بالتوثيق، من الأركان الأربعة، رجال الطوسي (صفحة57، 46، 43، 36)، من (شُرطة الخمس) بحار الأنوار 42/ 151، البرقي ص3، تنقيح المقال 196.
(عددهم ستة آلاف) واستفاد المولى الوحيد وغيره على عدالة الرجل كونه من شرطة الخمس - تنقيح المقال المقدمة صفحة 196 - (مشكور) التحرير الطاوؤسي ترجمة الأصبغ بن نباته.
ومن أمثلة قواعدهم الخطيرة الأثر قولهم في دفاعهم عن جابر الجعفي ((وأما ما رواه النجاشي به من الاختلاط فلا أصل له أصلا، وإنما ذلك ناشئ من روايته لأمور في الأئمة لم صارت اليوم من ضروريات مذهب الشيعة وكانت تعد يومئذ غلّوا، فمن بنوا يومئذ على كونه مخلطا للروايات المشار إليها لا نبني على اختلاطه اليوم بعد كون مفاد تلك الروايات من ضروريات المذهب)) تنقيح المقال ترجمه جابر الجعفي.
ومن أشهر الكتب عندهم:
1 - كتاب الرجال لأبي جعفر أحمد بن أبي عبد الله البرقي ت6، رتبه على نظام الطبقات الصحابة، ثم الرواة عن الأئمة علي، الحسن، والحسين ..... ، ولايتا عبارات الجرح والتعديل ولا يذكر الوفيات ولا يطيل في التراجم.
2 - رجال الكشي لأبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي (من علماء ق4هـ) والذي وصلنا تهذيبه باسم (اختيار الرجال)، والذي هذبه ونقاه في الأغلاط(14/27)
الموضوعات هو الشيخ الطوسي (430هـ) وأصل الكتاب (معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين) وقد فقد منذ فترة مبكرة - انظر مقدمة الكتاب للحسيني - ورتبه أيضا على الطبقات، وتختلف تراجمه ما بين الصفحات إلى السطر والسطرين، ويذكر عقائد بعض الرواة كقوله: (كان واقفيا)، تطلق على ثلاث فرق من فرقهم من وقف الإمامة على موسى الكاظم الممطورة، والموسوية، والرجعية (فرق الشيعة للنوبختي91ـ92، وكذا الواقفة على الحسين ت على ص67.
3 - كتاب الرجال لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت460هـ) وهو مؤلف على نظام الطبقات، أصحاب النبي، أصحاب علي، أصحاب الحسن، إلى أصحاب الحسن العسكري، من لم يرو عن واحد من الأئمة، وذكر في كتابه طائفة من ألفاظ الجرح والتعديل.
ومن الكتب المعاصرة:
4 - (تنقيح المقال في علم الرجال) لعبد الله بن محمد بن الحسن المامقاني (ت1351طبعة النجف 1352هـ وهو كبير الحجم ذكر فيه (4305) صحابي مجهول؟
5 - معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة لأبي القاسم الخوئي (1 - 1323طبعة قم، وهو نقول مجمعة من كتب رجالهم ويذكر فيه مرويات كل راو في كتبهم الأربعة المعتمدة: (الكافي)، (التهذيب) (الاستبصار) (فقيه من لا يحضره الفقيه).
وربما تتوفر فرصة أخرى للاستفاضة في تقديم دراسة موسعة في كتب الرجال عندهم وقواعدهم في الجرح والتعديل مع ألفاظهم المختلفة في ذلك.
ولا أعلم وجود كتاب مفصل يتناول هذه المصطلحات والألفاظ إلا ما ورد في بعض كتب علوم الحديث عندهم ككتاب (قواعد الحديث) لمحي الدين الموسوي الُغريفي طبعة 1968م وكتاب (التحرير الطاووسي) لحسن بن زين الدين الشهيد الثاني (ت1011هـ) وغيرهما.
ولا يوجد عند أهل السنة ما يشرح تلك المصطلحات ومنها:(14/28)
قول يحي بن معين في (بخ س ص) الحارث ين حصيرة الأسدي الكوفي ط 6 (ثقة خشبي ينسبون إلى خشبة زيد بن على لما صلب عليها)، وهذا المصطلح الخشبي يطلق على صنفين أو فريقين في الشيعة، قال الأمير ابن ماكولا (ت475هـ) الخشبي صنف من الرافضة يقال لهم الخشبية يقال للواحد منُهم خشبي، وكذا قال السمعاني (ت652هـ) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت728هـ) في منهاج السنة ((ولما طلب - زيد بن على بن الحسين رضي الله عنه وعن أبائه قتل بالكوفة سنة 122هـ - كانت العباد تأتي إلى خشبته بالليل فيتعبدون عندها، وقال في نفس الصفحة ج1/ 10 وهو يتكلم عن تسمية الشيعة بالرافضة: كما يسمون الخشبية لقولهم إنا لا نقاتل بالسيف إلا مع إمام معصوم فقاتلوا بالخشب - وذلك عام 66هـ - حينما أرسل المختار الثقفي جيشا لإخراج محمد بن الحنفية من حبس ابن الزبير بمكة - ولهذا جاء في بعض الروايات عن الشعبي ما رأيت أحمق من الخشبية.
هذا باختصار من مادة حررتها في ألفاظ الجرح والتعديل النادرة أو قليلة الاستعمال تتعلق بهذا المصطلح أرجو من الله عز وجل التوفيق لإنجازها مع غيرها ونشرها.
وكذا شيعي جلد أو من العتق، كال لك من جراب النُّورة، كان شيعيا متحرق قلت -الحافظ الذهبي - تحرقه على من حارب أو نازع الأمر عليا رضي الله عنه وهو معظم للشيخين. . . .(14/29)
ـ[وهل يقدح ذلك التشيع (غالياً أو غير غالي) في الراوي والمروي؟ وما درجات التشيع؟
هلّا دعمت كل ما سبق بالأمثلة
جزاك الله خيراً، وأدامك ناصراً للسنة!! ]ـ
قد فصل فيه الأئمة والحفاظ منهم الحافظ الذهبي في ترجمة أبان بن تَغْلب وكرره الحافظ ابن حجر في مقدمة اللسان ج1/ 201 ط1423هـ وغيرهما، وخلاصة الأمر ما ذكره الحافظ في هدي الساري وتهذيب التهذيب 1/ 94: "التشيع في عرف المتقدمين هو اعتقاد تفضيل علي على عثمان، وأنّ عليا كان مصيبا في حروبه، وأن مخالفه مخطئ مع تقديم الشيخين وتفضيلهما، وربما اعتقد بعضهم أن عليا أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان معتقد ذلك ورعا دينا صادقاً مجتهدا فلا ترد روايته بهذا، سيما إن كان غير داعية، فمن قدَّمه على أبي بكر وعمر فهو غالٍ في تشيَّعه ويطلق عليه: رافضي، وإلا فشيعي، فإن أنضاف إلى ذلك السبُّ أو التصريحُ بالبغض - وهو التشيُّعُ في عرف المتأخرين - فغال في الرفض، وإن اعتقد الرجعة إلى الدنيا فأشدُّ في الُغلُوّ، ولا تقبل رواية الرافضي الغالي ولا كرامة".
وقال الذهبي في ترجمة إبراهيم بن الحكم بن ظُهير: " اختلف الناس في رواية الرافضة على ثلاثة أقوال
1 - المنع مطلقاً
2 - الترخصُ مطلقا إلا في من يكذبُ ويضع
3 - التفصيل، فتقبلُ رواية الرافضي الصدوق العارف بما يُحدَّث، وَُتردُّ رواية الرافضي الداعي، ولو كان صدوقاً".
ـ[فضيلة الشيخ ... مرحبا بكم، هناك عدة أسئلة:
- عملكم في سنن أبي داود، بالتعاون مع مركز خدمة السنة، أين وصل؟
- ما رأيكم في عمل محمد عوامة على سنن أبي داود؟ ]ـ
بالنسبة لعملي في سنن أبي داود؟ فقد انتهيت من القسم المكلف به بعد انتقالي إلى مكة حماها الله. وأما تقييمي للطبعة التي سألتم عنها فأعتذر عنها في هذه المناسبة وكذلك التحقيقات الأخرى الخاصة بسنن أبي داود، فيحتاج إلى دراسة خاصة وقد ذكرت ملاحظة تتعلق بسنن ابن ماجه تنطبق تقريبا على تحقيقات سنن أبي داود وأن بعض المحققين اعتمد على نسخة فرع من أصل موجود وغير ذلك. وقد قدمت خطة مُفَصّلة لتحقيق هذا الديوان العظيم إلى مركز خدمة السنة والسيرة مراعيا فيها النسخ المختلفة الروايات المتعددة عن أبي داود - واعتقد أن التحقيق إذا ما طبق فيه بنود الخطة يبلغ الغاية والله أعلم.(14/30)
ـ[- ما رأيكم في مسوَّدات كتب العلماء هل تنشر أم لا أم هناك ضوابط يحتكم إليها، مع ذكر أمثلة. ]ـ
مسودات كتب العلماء لا تنشر إذا وصل إلينا أصولها كبعض أجزاء كتاب إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (ت762هـ) حيث وصل إلينا المسودة والمبيضة لبعض الأجزاء وغيرها، أما في حالة عدم وصولها فمن الممكن نشرها بعد تقديم دراسة وصفية للمخطوط (المسودة)، ومن الأمثلة على ذلك كتاب العُجاب في بيان الأسباب للحافظ ابن حجر وقد اعتني بتحقيقه وإخراجه الدكتور عبد الحكيم محمد الأُنيس ط دار ابن الجوزي 1418هـ وأحيل السائل إلى منهج المحقق في إخراجه لهذا الكتاب (المسودة) ولا توجد نسخة أخرى له فيما أعلم، وأما إذا وقفنا على كلام في بعض العلماء يصف تراجع صاحب المسودة عما ورد فيها أو نحو ذلك فلا يجوز نشرها لأننا قد نسيء إلى ذلك العالم، وبعض الأحيان يعمد أحد الباحثين إلى نشر (تعليقة) لعالم جليل لكتاب مشهور بين أيدينا، أو تلخيصا كتبه لنفسه للمراجعة، أو غير ذلك من المقاصد الأخرى التي أرادها والأمر يحتاج إلى تفصيل ولكل حالة حكمها، والله أعلم.
ـ[ألفاظ الجرح النادرة]ـ
ألفاظ الجرح النادرة ربما تتفق في المعنى المراد بها عند علماء النقد الذين صرحوا بها وقد تختلف من ناقد إلى آخر.
ـ[عن تحقيق سنن أبي داود، نسخه ورواياته]ـ
ورد عن بعض الحفاظ نسخة جمع فيها بين بعض الروايات ويثبتها في المتن، وورد عن بعضهم اعتماده على رواية كاللؤلؤي مثلاً ويضع الفوارق واختلافات أو بعض الزيادات في الهوامش والصواب - والله أعلم - هو اعتماد نسخة صحيحة متقنة من رواية اللؤلؤي وتثبيت الألفاظ والروايات الأخرى في الحاشية وقد فصلت في ذلك الأمر في الخطة التي قدمتها إلى مركز خدمة السنة والسيرة وهنالك من الروايات التي أشكلت على الحافظ الإمام المزّي (ت742هـ) رحمه الله حيث تردد فيها أهي من رواية أبي داود أم من زيادات ابن الإعرابي (ت340هـ) أحد رواة سنن أبي داود وكذا الحافظ ابن حجر (ت852هـ) وقد وضعت بحمد الله بعض الضوابط لتمييز روايات ابن الأعرابي (الزيادات) عن روايات أبي داود، هذا، وبالله التوفيق.(14/31)
ـ[أ. د. أكرم ضياء العمري]ـ
أ. د. أكرم ضياء العمري لا زال مقيما في الدوحة وهو أستاذي درس لي مادة التاريخ (السيرة وعصر الراشدين) وقد قدم أعمالاً علمية نافعة في خدمة السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي وأشرف على العشرات من الرسائل (الماجستير والدكتوراة) في السنة النبوية (المتون والرجال) والتاريخ وغير ذلك وأثره على طلابه معروف وملموس ويكفيه أن طبق منهج أهل الحديث في نقد الروايات التأريخية (والسيرة) في تلك الرسائل العلمية التي أشرف عليها، والتي سدت ثغرة كان يلج منها المُشكك والشعوبي والإمعة الذي يردد آراء المسترقين حفظه الله ومتعه بصحة وعافية ونفع به الإسلام والمسلمين رغم جهل بعض الناس به وزهدهم بعلمه.
ـ[التحقيق على نسخ خطية]ـ
يلزم المحقق تجميع النسخ الخطية للكتاب الذي يروم تحقيقه، ودراستها للخروج بالنسخة الأم التي يعتمدها في التحقيق، وهي التي كتبها المصنف أو النسخة المقروءة عليه أو المنقولة عن نسخته، وهذا يختار من النسخ التي تحتوى على أكبر عدد من الشروط التي تميّزها عن غيرها، ويشترط في هذه النسخ أن لا تكون منقولة عن بعضها لأنها تعتبر في هذه الحالة نسخة واحدة ويتوصل إلى كونها واحدة في الاتفاق أو التشابه فيما بينها بالتحريف والتصحيف والسقط، وقد يصرح الناسخ المتأخر بأنه نقل الكتاب عن فلان السابق له، وفي هذه الحالة لا حاجه للمقابلة لمعرفة التشابه، وبعد إجراء هذه التطبيقات والتدقيقات تتوفر عنده بعض النسخ المتقنة التي يستفيد منها في تثبيت الاختلافات إن وجدت ويضبط النص بالصورة التي حررها المصنف، وبالله التوفيق.(14/32)
ـ[جهود المستشرقين في خدمة السنة]ـ
في الحقيقة لا توجد جهود للمستشرقين في خدمة السنة بل العكس، هو الصحيح يسعون في دراساتهم إلى النيل والتشكيك في الكتاب والسنة ويركزوا دائماً على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على دراية بالتعاليم اليهودية وأن القرآن ليس وحيا إلهيا. وكرسوا جهودهم وأفنوا حياتهم في إلقاء الشبهات والشكوك والضلال والريب بكل ما يتعلق بالقرآن والسنة والعقائد والنظم الإسلامية والتاريخ الإسلامي إضافة إلى السيرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام، ومعظمهم من القسس واليهود وأعمالهم ومناهجهم تنتظم ما بين الكنيسة ودوائر المخابرات ووزارات الخارجية إلا أفراداً هوايتهم العلم والبحث وهم قلة قليلة، وما صنيع ا. ج. ونسنك (882 - 1939) (والمعجم المفهرس لألفاظ السنة) و (مفتاح كنز السنة) ألا توفيراً للوقت لمن يأتي بعدهم فيجدوا مادة ميسرة للوقوف عما يحتاجون في دراساتهم وكتاباتهم ضد الإسلام، وهذا العمل الذي قام به أستاذ العبرية في جامعة ليدن وانضم إليه لفيف من المستشرقين العالميين وباشروه عام (1923) فلما قضى نحبه كان قد صدرت منه إحدى عشرة ملزمة واستمر فيه مينسنج خليفته ثم وان لوون ودي هاس بمعاونة الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، وبروخمان ودي بروين فتم نشره في سبعة أجزاء (ليون 1963ـ 1969) وأشرف برنارد لويس - الذي يرى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم (نبي مزيف) - المستشرقون ط جامعة الأمام ص 99 - وشارب بيلا وجوزيف شاخت على الطبعة الجديدة من م ـ 10 (ليدن 1957)، ومن مؤلفات ونسنك (موقف الرسول من يهود المدينة) رسالته للدكتوراه (ليدن 1908) و (محمد واليهود) و (الإسرائيليات في الإسلام) و (الأثر اليهودي في أصل الشعائر الإسلامية) - وللمزيد أنظر - (المستشرقون ج 2/ 319ـ 320) فلا يتوقع من هؤلاء تقديم خدمة للإسلام - الكتاب والسنة -.(14/33)
ـ[نسخ خطية للمنتقى لابن الجارود]ـ
توجد نسخة خطية للمنتقى لابن الجارود عبد الله بن علي النيسابوري (ـ 307هـ في المكتبة السعيدية / الهند برقم (32) / 362 وتقع بـ (263) ورقة بقياس 18×26 وهي نسخة معاصرة بتاريخ 1308هـ. ويوجد (المجتنى) بالنون وهو مستخرج على المنتقى للحافظ قاسم بن أصبغ (ت 340هـ) المجلد الأول منه ويقع في (307) ورقة مبتور البادية بخزانة الجامع الكبير بمكناس بالمغرب - مجل دار الحديث الحسنية - عدد (3) من سنة (1402هـ) ص 103.
ـ[تحقيق إتحاف المهرة لابن حجر]ـ
يعتبر تحقيق كتاب إتحاف المهرة للحافظ ابن حجر تحقيقاً جيداً وقد انتهى الأخوة من تحقيقه وسيصدر المجلد الأخير مع الفهارس قريباً إن شاء الله، وقد بذلوا فيه جهداً مشكوراً ويعتبر من الأعمال المفيدة جداً التي تعين الباحثين وطلاب العلم للوقوف على طرق الأحاديث التي تبلغ (513, 25) تقريباً كما وأن طبعته تعتبر طباعة ممتازة من حيث الإتقان والإخراج.
ـ[ألفاظ الجرح والتعديل النادرة]ـ
إن مشروع ألفاظ التجريح وكذا التعديل النادرة والقليلة الاستعمال لم ينته بعد وقد توفرت لدي طائفة كبيرة من الألفاظ أرجو الله عز وجل أن يعينني على إتمامها من حيث التوثيق وتاريخ الاستعمال ودرجاتها ضمن مراتب الجرح والتعديل.(14/34)
ـ[تحرير التقريب]ـ
(تحرير التقريب) لا يسع المجال في هذه العجالة لتقييم كتاب (تحرير التقريب) واكتفي بذكر بعض الملاحظات ينبغي التوقف عندها.
1 - الحافظ ابن حجر رحمه الله هو خاتمة الحفاظ في وقته (ت852هـ)، وصنف طائفة من الكتب في علم الرجال، وقد تتكرر أسماء الكثير من الرواة فيها وقد تختلف أحكامه عليهم، فينبغي معرفة تواريخ مصنفاته فالتهذيب مثلاً (فرغ منه في يوم الأربعاء (9) جمادى الآخرة سنة 808هـ)، وتعريف أهل التقديس براتب الموصوفين بالتدليس يقول رحمه الله: (علقت هذه النبذة في شهور سنة815هـ وعلقها عني بعض الطلبة سنة 816 ثم زدت فيها بعد ذلك)، (الدينار في معرفة رجال الآثار بدأ به سنة 813هـ وانتهى منه سنة 833هـ)، (فتح الباري شرح صحيح البخاري) بدأ به أوائل سنة 718هـ وفرغ منه في رجب 842هـ لكنه ظل يتعاهده بالتنقيح إلى قبيل وفاته تكلم فيه على 600 راو تقريباً بالتوثيق والتجريح، وأما (تقريب التهذيب) فصنفه عام (827هـ) وظل يتعاهده إلى قبيل وفاته بأكثر من عام، فإذا ما عرفنا تواريخها (هذه وغيرها لا يسع المجال لذكرها) نعرف تغير اجتهاده فيهم.
2 - دراسة منهجه في تقريب التهذيب دراسة علمية ولقد أحسنت بعض الجامعات منها (الإمام محمد بن سعود، وأم القرى في مكة) حيث خصصت رسائل دكتوراه لدراسة من قال فيهم الحافظ رحمه الله (مقبول) وله رواية في الصحيحين والسنن الأربعة، وكذا في أم القرى الرواة الذين اختلفت أقوال الحافظ فيهم (4) رسائل وقد ناقشتُ بعضها في الجامعتين وفي خلال تلك الرسائل نعرف مدى التزام الحافظ بمنهجه الذي وصفه رحمه الله في التقريب، وكذا رسالة عبد العزيز التخيفي (دراسة المتكلم فيهم من رجال التقريب).(14/35)
3 - (تقريب التهذيب) اجتهد فيه الحافظ وضمنه محصلة أقوال أئمة الجرح والتعديل في كل راو، وقد وفقه الله أيما توفيق للخروج بتلك الأحكام الصائبة، والتي سار فيها حسب منهج دقيق، ويلتزم بأحكام أئمة نقاد اختاروا ألفاظا دقيقة في طائفة من الرواة، ولو تتبع أحوالهم أي منصف يجد أحكامهم هي الصواب وقد تقع منه مخالفات للأصل والمنهج الذي اتبعه ولكن نسبتها تكاد تكون قليلة للأصل الصحيح الراجح رحمه الله. وقد تلقاه الحفاظ من بعده بالقبول وانتفعوا به كابن فهد (ت871هـ). وابن المبرد (ت 909هـ) ووضع بعضهم الحواشي المفيدة لعبد الله سالم البصري (ت 1134هـ، ومحمد أمين الميرغني ت (116هـ) في (التقريب).
ورغم تشكيك البعض ممن ينتسب إلى العلم وأهله أو التقليل من شأنه يبقى (تقريب التهذيب) هو ملاذ طلاب العلم في الحكم على الرجال وهو كما لخص الحافظ السخاوي (ت902هـ) فيه العبارة: (هو عجيب الوضع) ولعل الله عز وجل ييسر دراسة معززة بالإحصائيات لإثبات صحة وسلامة منهج الحافظ ابن حجر في التقريب، وبالله التوفيق.
ـ[العناية بإسناد الحديث وفقه المتن]ـ
باختصار في كل عصر على طلاب علم الحديث وأهل أن يعتنوا بشقي الحديث فقه الحديث ورجاله، كما قال على بن المديني (الفقه في معاني الحديث نصف العلم ومعرفة الرجال نصف العلم)، الفقه في معاني الحديث حتى يعرض الناس بأسلوب علمي معزز بقواعد أئمة العلم ومعرفة الأسباب والعلل ......
ومعرفة الرجال كالعناية بالرواة المختلف فيهم ودراستهم مع التوثق والتثبت لأقوال الأئمة النقاد فيهم مع ملاحظة مروياتهم وبالله التوفيق.(14/36)
ـ[
مواضيع مقترحة لرسائل الماجستير]ـ
إذا ما بقيت مناهج الدراسات العليا تشترط كتابة رسائل علمية في مرحلة (الماجستير)، فأرى عناية كل طالب براو أو أكثر ممن تختلف أقوال النقاد فيهم بحيث تجمع أقوالهم في الجرح والتعديل والمتعارضة من قبل بعضهم في نفس الراوي، وتوثق وتدرس أسباب التجريح، والعناية بمروياتهم وتخريجها ومعرفة تطبيق قواعد النقاد فيهم، فيكتسب طالب الدراسات العليا بعض الدراية والخبرة في التعامل مع قواعد النقاد وأقوالهم وحسن تطبيقها حتى يتهيأ لرسالة الدكتوراه التي تعالج مشكلة من المشاكل أو موضوعاً من موضوعات علم الحديث (المصطلح) أو (الجرح والتعديل) أو غير ذلك.
ـ[نسخ متقنة للكتب الستة]ـ
يوجد العديد من النسخ المتقنة والصحيحة السماع لكتب الستة، وهذا أمر يحتاج إلى تفصيل موسع، وإذا ما أرادت مؤسسة علمية الأقدام على مثل هذا المشروع (تحقيق الكتب الستة) مثلاً، أو انتقاء بعضها لتصويرها والاستفادة منها فانا مستعد لتقديم العون أن شاء الله.
أما المطبوعات فقد سبق وأن ذكرت بعض النماذج.
ـ[تواريخ خراسان]ـ
مع الأسف أن معظم التواريخ المحلية الخاصة بمدن تابعة لإقليم خراسان قد فقدت، ومنها وحسب اعتبار ما وراء النهر:
1 - تاريخ بخارى لأبي بكر محمد بن جعفر النرشخي (ت 348هـ) ط دار المعارف مصر1965.
2 - تاريخ بيهق لعلى بن زيد البيهقي (ابن فندق) ت560هـ. ط بعناية بهمينار طهران (1939هـ).
3 - القند في ذكر علماء سمرقند لعمر بن محمد النسفي (ت 537هـ) تحقيق نظر الفاريابي 1412هـ).
4 - السياق لعبد الغافر بن إسماعيل الفارس (ت529هـ).
5 - وانتخب منه (المنتخب) لإبراهيم الصريفيني (ت641هـ).
6 - سفرنامة لناصرخسرو المروزي (ت438هـ).(14/37)
الشيخ الدكتور محمد بن حسين الجيزاني
[مقدمة الدكتور الجيزاني]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين.
أما بعد فيطيب لي أن أتوجه للإخوة الفضلاء القائمين على هذا الملتقى المبارك بالشكر الجزيل، والله أسأل أن يمدهم بعونه وتوفيقه، وأن يجعل جهودهم صدقة جارية لهم وعلما ينتفع به، كما أشكر الإخوة المشاركين على حسن مشاركتهم، وفقني الله وإياهم للعلم النافع والعمل الصالح.
وقبل الإجابة على أسئلة السائلين واستفساراتهم أود التنبيه على أمرين:
أولا: لقد فوجئت بهذا الحضور العلمي المتميز في ملتقى أهل الحديث، ولم يخطر ببالي من قبل أنه يوجد على الشبكة العالمية نحو من ذلك، بل كنت أظن أن هذه الشبكة قاصرة على مطالعة الأخبار ونشر بعض الأبحاث والمقالات ونحو ذلك.
وقد كانت الأسئلة مفاجأة ثانية لي، من حيث الكم؛ فهي كثيرة، ومن حيث الكيف؛ فإن بعضها يتصف بالدقة العلمية وبعضها يتعلق بقضايا كلية ومسائل منهجية.
ثانيا: أوصي نفسي وإخواني من طلبة العلم، خاصة هؤلاء الذين يرتادون المواقع العلمية على الشبكة العالمية، ومثلهم أولئك الذين يتعاملون مع الحاسب الآلي في تصفح الكتب والمراجع العلمية ويعتمدون في أبحاثهم على الكتاب الإلكتروني: أوصي الجميع بلزوم الكتاب الورقي والرجوع إليه والتعامل معه مباشرة ما أمكن، وعدم الاستغناء أو التخلي عنه، وليكن جهاز الحاسب الآلي بكل إمكاناته وسيلة وسببا إلى الرجوع إلى الكتاب الورقي، وألا يجعل أصلا.
ومما لاحظته في ذلك: وقوع أخطاء علمية وفنية في تلكم الكتب الإلكترونية، مع ما في الركون إليها من الميل إلى الدعة والراحة، مع الحيدة عن الجادة في اختيار المصدر والطبعة، والرضا بالدون، والقناعة باليسير وإن هزل.(15/1)
وربما حصل من وراء ذلك الإسراف في النقل والاقتباس، والاستكثار من المراجع، والتخلي عن الاستنباط وسد باب التفكير والإبداع، والوقوع في التكرار.
وطالب العلم الفطن هو الذي يستثمر هذه التقنية في تعزيز قدراته العلمية والبحثية، ويجعلها خادمة لمبتغاه، وألا يسترسل معها، أو يغتر بما فيها من تسهيلات وإمكانات؛ فإنها ـ عند التحقيق ـ سارقة للأوقات، مخدرة للعقول، مثبطة للهمم، آسرة للعلوم والفهوم.
أسأل الله أن يجعلنا هداة مهتدين، والحمد لله أولا وآخرا.
يتعلق بكتاب الشيخ (فقه النوازل)
ـ[فضيلة الشيخ ما رأيك في اختصار الكتاب وذلك بصياغة جميع النوازل التي صدر فيها فتاوى وقرارات على شكل متن فقهي مرتب على الأبواب
فيقال مثلاً:
(باب الأوراق النقدية
وهي نقد مستقل يختلف جنسه باختلاف جهة إصداره
فيحرم فيه الربا بنوعيه، وتجب فيه الزكاة) أ. هـ.
فما رأيكم في هذه الطريقة من حيث:
1 - الفائدة.
2 - الإمكان
3 - الخطوات التي يمكن اتباعها لتطبيق الطريقة.
4 - هل يمكن أن يكون ذلك وفق مذهب معين (حنبلي، شافعي .. إلخ) أم يكون وفق قرارت المجامع والهيئات من غير ربطها بأي مذهب.
جزاكم الله خير الجزاء. ]ـ
صياغة متن فقهي خاص ينتظم النوازل المعاصرة ما أمكن فكرة رائدة، وهي نافعة لمن أراد التعرف على حكم نازلة معينة؛ حيث إن هذا المتن يعد مرجعا يجمع له النوازل في محل واحد.
لكن هذا الأمر يصعب القيام به؛ لأن هذه النوازل إنما تمثل جزءا يسيرا من الأبواب الفقهية، فيصبح هذا المتن ناقصا، ويتخلله ثغرات كبيرة، ويحصل من ذلك انقطاع يشكل، ومن جهة أخرى فإن هذه النوازل تتعدد فيها الآراء ـ وإن كانت هذه الآراء للمجامع الفقهية ـ فهي بحاجة إلى دراسة وترجيح يقوم به صاحب المتن، وهذا الأمر دونه خرط القتاد.
لكن المفيد في قضية النوازل هو التوجه لها والعناية بها، وإنما يكون ذلك عن طريق التخصص في بعض الأبواب والمسائل من قبل أهل العلم وطلابه في أبحاثهم ودروسهم، وعدم ترك هذه النوازل خلوا لمن هب ودب، وهذه مسؤولية عظمى وأمانة كبرى، ويترتب على التخلي عنها مفاسد واسعة، والله المستعان.(15/2)
ـ[شيخنا الفاضل أحسن الله إليكم
لدي بعضُ أسئلة
- عن الحد المجزئ للمتفقه خصوصاً (في كتب أهل الأصول) من علم المنطق؟ ]ـ
يمكن أن يكتفى من ذلك برؤوس المسائل، ومن ذلك: مدارك اليقين، الحدود والتصورات، تركيب الأقيسة، النسب الأربع.
ومن الكتب المهمة في ذلك: شرح السلم، وآداب البحث والمناظرة للشنقيطي، وتسهيل المنطق للشيخ عبد الكريم مراد، وضوابط المعرفة للميداني.
ـ[- علم المقاصد، هل هناك تعريفٌ دقيقٌ يجمعه؟
- أهمية علم المقاصد لدى طالب العلم المتفقه، وهل من منهجية معينة يسير عليها في ضبطه لعلم المقاصد؟ ]ـ
لقد أحسنت في طرحك لهذا السؤال والسؤال الأول فإن الحديث ـ يا أخي الكريم ـ عن مقاصد الشريعة حديث ذو شجون فأقول والله وحده المعين:
يرد على علم مقاصد الشريعة إشكال علمي عريض، وهو أن جميع من كتب فيه من المعاصرين، ابتداء من الطاهر ابن عاشور فمن بعده إنما قصروا تصور هذا العلم على ما كتبه الشاطبي في القسم الخاص بالمقاصد من كتابه الموافقات، وأحسنهم حالا من رجع إلى سائر كتاب الموافقات فاقتبس منه واستوعب ما فيه، وربما زاد بعضهم على ذلك كتاب الاعتصام للشاطبي.(15/3)
لكن الجميع إنما أخذ تصوره عن هذا العلم من خلال شخصية واحدة، ولذلك تجدهم يتفقون على ذكر التقسيمات التي تعرض الشاطبي لبيانها، ويرددون المسائل والقضايا ذاتها، بل تتكرر لديهم الأمثلة والأدلة والشواهد، اللهم إلا أن البعض ربما يتوسع في الإتيان بأمثلة جديدة لا توجد عند الشاطبي، والبعض الآخر ربما يعيد شيئا من أفكار الشاطبي وفوائده إلا أنه يضعها في قالب جديد ويعرضها بصيغة مختلفة، ويسهب في بعض الجوانب ويفصل فيها.
هذا هو حال من كتب في مقاصد الشريعة من المعاصرين، لا يستثنى منهم في الغالب أحد.
فالشاطبي هو غايتهم وإليه مآلهم، ومنه ابتداء الفكرة وانتهاؤها، وهو عمدتهم في التأصيل والتدليل والتعليل والتمثيل.
وقد استبشرت ببعض الأبحاث التي درست مقاصد الشريعة عند العز أو عند ابن تيمية ونحوها، وانتظرت منها الإتيان بما هو جديد ومفيد، إلا أن المشكلة هي هي؛ حيث كانت هذه الأبحاث إنما تنطلق من الشاطبي وإليه تعود؛ إذ جعلت من كلام الشاطبي متنا محكما، وكانت مهمة الباحث وغايته إنما هي استجلاب الأمثلة والشواهد من كلام أولئك الأئمة لما قرره الشاطبي والمحاكمة إليه، فكان الشاطبي عندهم هو المعيار.
أليس هذا الصنيع وهو تصور علم المقاصد بإجماله وتفصيله من خلال كلام إمام واحد من علماء الشريعة وقصر تصور هذا العلم عليه يعتبر قصورا وتقصيرا، وفيه هضم كبير لأئمة الدين وعلماء الشرع!
وليس المشكل في الأمر الرجوع إلى الشاطبي والإفادة منه والأخذ عنه، فهذا أمر حسن بل مطلوب، ولا إشكال فيه، ولكن الأمر المشكل أن يبقى الباحث أسيرا لفكر الشاطبي ونظره، يدور في فلكه، ولا ينهل إلا من معينه.(15/4)
هل عزب عن علماء الشريعة ـ غير الشاطبي ـ بيان مقاصد الشريعة وضبطها وتقرير الكلام فيها؟
ألا توجد جهود لأئمة الإسلام ومؤلفات ـ قبل الشاطبي وبعده ـ في تأصيل المقاصد وبثها في العالمين!
وبعبارة أخرى: لو افترضنا أن الشاطبي لم يخلق ولم يوجد، ولا يعرف كتاب اسمه الموافقات ألا يمكننا تصور علم مقاصد الشريعة؟
أقول: لا شك أن للشاطبي في مقاصد الشريعة سبقا وفضلا، لا ينكر هذا إلا مكابر أو معاند، ولكن المنهج العلمي والأمانة التاريخية تقتضي أن يجعل الشاطبي حلقة ذهبية في سلسلة مقاصد الشريعة، وأن ينظر إلى علم المقاصد نظرة متكاملة شاملة؛ بحيث تنتظم فيها جهود السابقين واللاحقين.
ومن هذا المنبر فإني أدعو إلى دراسة جادة في تأصيل علم المقاصد، والانطلاق بهذا العلم نحو أفق أرحب، وبنظرة أوسع، بطريقة موضوعية أصيلة، وبمنهج بحثي متين.
ـ[من له الأحقية أن يحكم على مسألة أصولية بأنه لا ثمرة من الخلاف المترتب حولها، وهل هناك ضوابط علمية دقيقة لتجريد علم أصول الفقه من المسائل العارية وتقعيد المسائل المتأصلة؟ ]ـ
كون المسألة الأصولية لا ثمرة لها أو أن لها ثمرة قد يكون أمرا واضحا، وقد يكون محل خلاف، ولا بد عند التنازع من التبين والتثبت من صورة المسألة وصيغتها، وهو ما يعرف بتحرير محل النزاع.
وهنا يظهر ترابط بين ثلاث قضايا: أولها: ثمرة الخلاف أو تخريج الفروع على الأصول، وثانيها: الخلاف اللفظي، وثالثها: تحرير محل النزاع أو تصوير المسألة وصياغتها والأمثلة عليها.(15/5)
أما تجريد أصول الفقه من المسائل العارية عن الفائدة والثمرة فهذا أمر حسن إذا كان خلوها عن الثمرة أمرا جليا متفقا عليه.
وأما تجريد أصول الفقه من المسائل العارية عن موضوعه فهذا أمر حسن ما لم يكن في بحث هذه المسألة وإدراجها في علم أصول الفقه تحقيق مقصد صحيح، فالإدراج ـ عندئذ ـ أحسن وأولى.
ومن الأبحاث المعاصرة في ذلك: الخلاف اللفظي للدكتور عبد الكريم النملة، والسبيل في تصفية علم الأصول من الدخيل للدكتور أسامة عبد العظيم.
وفي المقابل: هنالك كتب تخريج الفروع على الأصول، وهي نافعة لمعرفة الثمرة، إلا أن الإشكال فيها يأتي من جهة التكلف بتخريج فروع افتراضية.
ـ[علم الفروق الفقهية بالنسبة للمذهب الحنبلي، نجد أن المصنفات الفقهية فيه قليلة مقارنة بالمذاهب الأخرى، فهل هذا عائدٌ لأصول الحنابلة الفقهية التي بنوا عليها مذهبهم؟ ]ـ
الفروق الفقهية في الغالب تكون مبثوثة في كتب الفقه وقواعده دون أن تفرد في علم مستقل. والله أعلم.
ـ[تدريب طلبة العلم على تخريج الفروع على الأصول، وكشف علل الأحكام الفقهية، وضم الأشباه إلى بعضها .. برأيكم ما هي أفضل الكتب التي عنت بهذا الأمر .. خصوصاً للمتخرج على مذهب الحنابلة - رحمهم الله - ورحم الله جميع المذاهب الأخرى ..
وفقكم الله وبارك فيكم]ـ
كتاب إعلام الموقعين لابن القيم يعد أنموذجا صالحا في التدريب على تخريج الفروع على الأصول، وفي معرفة علل الأحكام وحِكَم التشريع.(15/6)
ـ[كتاب القواعد الفقهية الكبرى للطوفي الحنبلي - رحمه الله - هل وقفتم على مخطوطٍ له، أفيدونا أفادكم الله؟ ]ـ
للطوفي كتاب القواعد الكبرى وكتاب القواعد الصغرى، كما ذكر ذلك ابن بدران في المدخل، وجمع من المعاصرين الذين حققوا بعض كتب الطوفي، لكن لم يذكر أحد منهم شيئا عن وجود مخطوط لهذين الكتابين، والله أعلم.
ـ[ملكة تخريج الفروع على الأصول، كيف تُنمّى في طالب العلم المتفقه، وخصوصاً في الحلق التعليمية المنتشرة في بلادنا، حيث ربما يكون هناك نوع من الإغفال لها؟ ]ـ
مما يعين على تنمية ملكة تخريج الفروع على الأصول: دراسة القواعد الأصولية بطريقة فقهية تطبيقية، وذلك بالتركيز على الآثار الفقهية، وأيضا بدراسة الفقه بطريقة أصولية تقعيدية، وذلك بالتركيز على تأثير القواعد الأصولية في الأقوال والاستدلال والترجيح.
فالقضية تفتقر إلى عناية بكلا الجانبين: الجانب الأصولي بدراسته دراسة تطبيقية، والجانب الفقهي بدراسته دراسة أصولية.
ومن الكتب النافعة في الجانب الأول: مفتاح الوصول للتلمساني، وفي الجانب الثاني: بداية المجتهد لابن رشد.(15/7)
ـ[استشارة - أحسن الله إليك -، ما رأيكم في موضوع: " الاستثناء من القواعد الفقهية " مثل: مسألة اسُتثنيت من أفرادها لعلة مخصوصة .. هل بُحث هذا الموضوع من قبل بحثاً محكماً أو رسالة علمية من ناحية الجانب النظري لا التطبيقي مثل: أنواع المستثنيات باعتبارات متعددة، القياس على المستثنيات من القواعد الفقهية.
أفيدونا أفادكم الله.
وشكر الله لكم كريم تفضلكم بالمشاركة في ملتقى أهل الحديث. ]ـ
لفضيلة الدكتور عبد الرحمن الشعلان دراستان قيمتان: كتاب بعنوان: الاستثناء من القواعد الفقهية: أسبابه وآثاره، وهو من مطبوعات جامعة الإمام بالرياض وبحث منشور في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد: (69) بعنوان: الاستثناء من القواعد الفقهية: حقيقته والمؤلفات فيه.
وبالنسبة للمستثنى من قاعدة القياس عند الأصوليين فلابن تيمية رسالة نفيسة في بيان أنه ليس في الشريعة ما يخالف قياسًا صحيحًا، انظر مجموع الفتاوى" (20/ 504 - 583) كما عقد ابن القيم في ذلك فصلاً في كتابه القيم "إعلام الموقعين: (2/ 3 - 70) فقال: "فصل في بيان أنه ليس في الشريعة شيء على خلاف القياس ...... " ولفضيلة الدكتور عمر بن عبد العزيز كتاب فريد بعنوان: (المستثنى من القياس).
وفي الختام أشكر الأخ الفاضل على هذه الأسئلة العلمية، وفقنا الله لكل خير.(15/8)
ـ[من استقراء فضيلة الشيخ الدكتور بحكم تخصصه, هل قد نعتبر أن هناك -- تجوزاً- 73 فرقة في الفقه؟؟ ]ـ
لا يصح على أي حال أن يحمل حديث الافتراق على الخلاف الفقهي والمذاهب الفقهية، وإنما المراد به قطعا الخلاف في أصول الدين؛ لأن هذا الافتراق هو المذموم الذي ورد ذمه في الحديث، أما الخلاف الفقهي فلا ذم فيه من هذا الوجه.
وقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم في مسائل وفروع، ورد بعضهم على بعض، وهذا أمر مشهور، لكنهم لم يفترقوا في أصول الدين ولم يقع تنازع بينهم في مسائل الإيمان، والله أعلم.
ـ[أحكام أصول الدين, وأبكار الأفكار, هل العنوان يعبر بدقة عن المضمون وعن شخصية الآمدي؟؟ وهل هو أقرب للأشعرية أم لائمة مذاهب أهل السنة والجماعة أم لغيرهم؟؟ وكيف هي عقيدته في الإستواء واليد ومثل هذا؟؟
وفق الله الشيخ وسدد خطاه]ـ
الجواب: أبكار الأفكار للآمدي من المصادر المعتمدة في تحقيق مذهب الأشاعرة، وله أيضا غاية المرام في علم الكلام، وكلاهما مطبوع، والآمدي من نظَّار هذا المذهب، والله أعلم.(15/9)
ـ[حفظكم الله يذكر بعض أهل العلم أن الاستدلال بالعموم في العبادات لا يصح ما لم يستدل به الصحابة, وأن القول بالاستدلال به مدخل لأهل البدع في إثبات كثير من بدعهم, فما رأيكم؟ وما الضابط في الاستدلال بالعموم؟ ]ـ
العبادة إما أن تكون عامة مطلقة؛ مثل الحث على مطلق صلاة الليل، وفضل الصوم مطلقا، وفضل الإكثار من الذكر بإطلاق. فهذا يكفي في ثبوته النص العام.
وإما أن تكون العبادة خاصة مقيدة؛ مثل: فضل صلاة معينة في زمن معين أو في مكان معين، وفضل صوم يوم معين من الأسبوع، أو من الشهر، أو من السنة، وفضل ذكر معين في زمن معين أو بعدد معين. فهذا لا يكفي في ثبوته مجرد النص العام، بل لابد في ثبوته من دليل خاص معين، وذلك لأمرين:
أولهما: أن العبادة الخاصة المقيدة غير داخلة تحت دلالة النص العام من جهة خصوصها وتعيينها؛ حيث إن هذا التخصيص والتعيين قدر زائد لم يرد به النص العام، وإلا لم يكن عاما، وإنما دلالة النص العام على العبادة الخاصة قاصرة على جهة العموم والإطلاق فحسب.
وثانيهما: أن إثبات العبادة الخاصة المعينة بمجرد النص العام يلزم منه فتح باب الاختراع والإحداث في باب العبادات، مع أن الأصل في العبادات هو المنع والتوقيف، ولا يشرع منها إلا ما ورد به الدليل، وبيان ذلك:(15/10)
أنه قد وردت النصوص العامة بالحث والترغيب في الاستكثار من نوافل الصلاة والصيام والذكر، وورد النص العام بالثناء على أهل هذه العبادات؛ فانظر وتأمل معظم البدع التي في باب العبادات فإنك تجدها ـ في الغالب ـ لا تخرج عن هذه الأنواع الثلاثة: الصلاة والصيام والذكر، فكل من اشتغل بشيء من الصلوات البدعية أو بصيام بدعي أو أتى بأذكار بدعية أمكنه الاحتجاج بالنص العام والتمسك به في خصوص بدعته، فينفتح باب الابتداع على مصراعيه.
مثال ذلك: أن التقرب إلى الله بصيام أول أيام السنة الهجرية وآخرها لا يكفي في ثبوته شرعا ورود النص العام؛ كقوله تعالى: (والصائمين والصائمات) وقوله كما في الصحيحين: (من صام يوما فى سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا) بل لابد من دليل خاص معين.
وحاصل القول: أن النص العام له دلالة على أفراده، لكنها دلالة إجمالية، واقعة على كل فرد من جهة العموم والإطلاق، وهذه دلالة ثابتة، ثم إن هذه الدلالة لا تقتضي ولا يلزم منها ثبوت دلالة أخرى للنص العام، وهي دلالته على أفراده المندرجين تحته على سبيل الخصوص والتعيين؛ حيث إن دلالة اللفظ العام قاصرة عن ذلك.
ومن هنا تظهر لنا أهمية هذه القاعدة وخطورتها في التمييز بين ما هو من البدع في باب العبادات، ومن أجل ذلك فإن تقرير هذه القاعدة وتفصيلها يحصل به كشف وضبط لمسألة الابتداع وحماية وحفظ لأحكام الدين، وتضييق على أهل البدع، ولأجل ذلك أيضا فقد أهدر هذه القاعدة وانصرف عنها وأغفل بيانها من رغب عن اتباع السنة وكان جل همه ومبتغاه تأصيل البدع المحدثة.
ولعل من المناسب في هذا المقام بيان هذه القاعدة بشيء من التفصيل، فأقول:(15/11)
كل عبادة مطلقة ثبتت في الشرع بدليل عام؛ فإن تقييد إطلاق هذه العبادة بزمان أو مكان معين أو نحوهما بحيث يوهم هذا التقييد أنه مقصود شرعًا من غير أن يدلّ الدليل العام على هذا التقييد فهو بدعة.
وبيان ذلك: أن الأمر المطلق لا يمكن امتثاله إلا بتحصيل المعين، كالأمر بعتق الرقبة في قوله تعالى ? فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ? فإن الامتثال للأمر بالإعتاق - وهو مطلق - لا يمكن إلا بإعتاق رقبة معينة هي زيد أو عمرو.
قال ابن تيمية: ( ... فالحقيقة المطلقة هي الواجبة، وأما خصوص العين فليس واجبًا ولا مأمورًا به، وإنما هو أحد الأعيان التي يحصل بها المطلق؛ بمنزلة الطريق إلى مكة، ولا قصد للآمر في خصوص التعيين).
إذا عُلمت هذه القاعدة، وهي أن الأمر المطلق لا يتحقق إلا بتحصيل المعين فإن هنالك قاعدة أخرى مبنية عليها، وهي أن إطلاق الأمر لا يدل على تخصيص ذلك المعين بكونه مشروعًا أو مأمورًا به، بل يُرجع في ذلك إلى الأدلة؛ فإن كان في الأدلة ما يكره تخصيص ذلك المعين كُره، وإن كان فيها ما يقتضي استحبابه استحب، وإلا بقي غير مستحب ولا مكروه.
مثال ذلك: أن الله شرع دعاءه وذكره شرعًا مطلقًا عامًا وأمر به أمرًا مطلقًا، فقال: (اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا)، وقال: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً) فالاجتماع للدعاء والذكر في مكان معين، أو زمان معين، أو الاجتماع لذلك: تقييد للذكر والدعاء، وهذا التقييد لا تدل عليه الدلالة العامة المطلقة بخصوصه وتقييده، لكنها تتناوله لما في هذا التقييد من القدر المشترك.(15/12)
فإن دلت الأدلة الشرعية على استحباب ذلك؛ كالذكر والدعاء يوم عرفة بعرفة، أو الذكر والدعاء المشروعين في الصلوات الخمس والأعياد والجمع وطرفي النهار وعند الطعام والمنام واللباس ودخول المسجد والخروج منه ونحو ذلك: صار ذلك الوصف الخاص مستحبًا مشروعًا استحبابًا زائدًا على الاستحباب العام المطلق.
وفي مثل هذا يعطف الخاص على العام، فإنه مشروع بالعموم والخصوص، وإن لم يكن في الخصوص أمر ولا نهي بقي على وصف الإطلاق، وجاز الإتيان بأي فعل معين يتحقق به امتثال الأمر المطلق
وقد عبَّر ابن تيمية عن القاعدة الأخيرة بقوله: (شرع الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - للعمل بوصف العموم والإطلاق لا يقتضي أن يكون مشروعًا بوصف الخصوص والتقييد).
ثم بين رحمه الله أن هذه القاعدة إذا جُمعت نظائرها نفعت، وتميز بها ما هو من البدع من العبادات التي يشرع جنسها.
مثال ذلك: أن الصوم في الجملة مندوب إليه لم يخصه الشرع بوقت دون وقت، ولا حدَّ فيه زمانًا دون زمان، ما عدا ما نهى عن صيامه على الخصوص كالعيدين، وندب إليه على الخصوص كعرفة وعاشوراء، فإذا خص المكلَّف يومًا بعينه من الأسبوع كيوم الأربعاء، أو أيامًا من الشهر بأعيانها كالسابع والثامن لا من جهة ما عينه الشارع فلا شك أن هذا التخصيص رأي محض بغير دليل، ضاهى به تخصيص الشارع أيامًا بأعيانها دون غيرها، فصار التخصيص من المكلف بدعة؛ إذ هي تشريع بغير مستند.(15/13)
(ومن ذلك: تخصيص الأيام الفاضلة بأنواع من العبادات التي لم تشرع لها تخصيصًا، كتخصيص اليوم الفلاني بكذا وكذ من الركعات، أو بصدقة كذا وكذا، أو الليلة الفلانية بقيام كذا وكذا ركعة، أو بختم القرآن فيها أو ما أشبه ذلك).
إذا عُلمت هاتان القاعدتان فالواجب - كما سبق - إتباع الشارع في إطلاقه وتعيينه.
ذلك أن الشارع إذا أطلق الأمر بعبادة من العبادات فينبغي أن يفهم من هذا الإطلاق: التوسعة، ولهذا فإن من خصص عبادة مطلقة بوقت معين أو بمكان معين فقد قيَّد ما أطلقه الشارع، وهذا التقييد مخالفة واضحة لمعنى التوسعة المستفاد من أمر الشارع المطلق.
قال أبو شامة: (ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع، بل يكون جميع أفعال البر مرسلة في جميع الأزمان، ليس لبعضها على بعض فضل إلا ما فضَّله الشرع وخصَّه بنوع من العبادة، فإن كان ذلك؛ اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها، كصوم يوم عرفة، وعاشوراء، والصلاة في جوف الليل، والعمرة في رمضان).
وقد بيَّن ابن تيمية المفسدة المترتبة على مثل هذا التخصيص فقال: ( ... من أحدث عملاً في يوم؛ كإحداث صوم أول خميس من رجب ... ... فلا بد أن يتبع هذا العمل اعتقاد في القلب.
وذلك لأنه لا بد أن يعتقد أن هذا اليوم أفضل من أمثاله، وأن الصوم فيه مستحب استحبابًا زائدًا على الخميس الذي قبله وبعده مثلاً ... ... إذ لولا قيام هذا الاعتقاد في قلبه، أو في قلب متبوعه لما انبعث القلب لتخصيص هذا اليوم والليلة؛ فإن الترجيح من غير مرجع ممتنع).(15/14)
من هنا يُعلم أن هذا التخصيص يسوغ متى خلا من هذه المفسدة، وذلك بأن يستند التخصيص إلى سبب معقول يقصد مثله أهل العقل والفراغ والنشاط، كتخصيص يوم الخميس لصلاة الاستسقاء لكونه يومًا يفرغ الناس فيه من أعمالهم، فهو أيسر لاجتماع الناس، وكقصر المرء نفسه على ورد محدد من العبادة يلتزمه في أوقات مخصوصة، كل ليلة أو كل أسبوع، لكون ذلك أدعى لديمومة العمل وأقرب إلى الرفق، فمثل هذا التخصيص موافق لمقصد الشارع.
أما إذا صار التخصيص ذريعة إلى أن يعتقد فيه ما ليس مشروعًا فيمنع منه لأمرين:
أولاً: لأجل الذريعة، وثانيًا: لكونه مخالفًا لمعنى التوسعة.
قال الشاطبي: (ثم إذا فهمنا التوسعة فلابد من اعتبار أمر آخر، وهو أن يكون العمل بحيث لا يوهم التخصيص زمانًا دون غيره، أو مكانًا دون غيره، أو كيفية دون غيرها، أو يوهم انتقال الحكم من الاستحباب - مثلاً - إلى السنة أو الفرض).
وبهذا يتبين أن تخصيص العبادة المطلقة يسوغ بشرطين:
الأول: ألا يكون في هذا التخصيص مخالفة لمقصود الشارع في التوسعة والإطلاق.
والثاني: ألا يوهم هذا التخصيص أنه مقصود شرعًا.
وفي هذا المقام تنبيهات:
1 - أن في تخصيص العبادة المطلقة مخالفة لإطلاق الدليل وعمومه.
2 - أن في هذا التخصيص فتحًا للذرائع حيث يوهم ما ليس مشروعًا.(15/15)
3 - أن في هذا التخصيص معارضة لسنة الترك، وذلك من جهة دلالة السنة التركية على المنع من هذا التخصيص، وقد تقرر أن سنة الترك دليل خاص مقدم على الأدلة العامة المطلقة.
4 - أن في هذا التخصيص مخالفة لعمل السلف الصالح حيث كانوا يتركون السنة لئلا يعتقد أنها فريضة؛ كتركهم للأضحية مع قدرتهم عليها.
5 - أن في هذه القاعدة ردًا على الذين يتمسكون في الأخذ ببعض البدع بعمومات الأدلة وإطلاقاتها.
6 - وبذلك يظهر أن هذه القاعدة خاصة بالبدع الإضافية، التي لها متعلق بالدليل العام من جهة، لكنها مخالفة لمعنى التوسعة - المستفاد من العموم - من جهة أخرى.
7 - وبذلك أيضًا يُعلم أن الابتداع الواقع من جهة هذه القاعدة دقيق المأخذ، يندر التفطن له.
قال ابن تيمية: (واعلم أنه ليس كل أحد، بل ولا أكثر الناس يدرك فساد هذا النوع من البدع، لا سيما إذا كان من جنس العبادات المشروعة، بل أولو الألباب هم يدركون بعض ما فيه من الفساد).
!(15/16)
ـ[المشهور عند الأصوليين أن الأمر المجرد من القرائن يكون للوجوب
ومع هذا يكثر في كتب الفقه الاحتجاج على الاستحباب بنص فيه أمر مع عدم ذكر القرينة الصارفة عن الوجوب.
ولهذا فقد شرعتُ في جمع هذه المسائل والبحث عن القرائن الصارفة لها في كتاب
فهل أكمل عملي هذا أو أنه قد بُحِثَ من قبلُ؟! ]ـ
هذا النوع من البحوث نافع من جهة كونه يجمع متفرقات متناثرة، وهذا الجمع معين على استنباط ضوابط كلية وقواعد جامعة، ومن وجهة نظري الخاصة فإن هذا الموضوع يُشجَع على الاستمرار فيه من يحسن الجمع ويميل إليه، وعلى كل فأرى أنه موضوع جدير بالبحث.
وأرجو أيضا النظر في الجواب على آخر سؤال من هذه الأسئلة، مع الشكر.
ـ[السلام عليكم
أحسن الله إليكم.
ما هي الكتب العمدة في كل مذهب بالنسبة لأصول الفقه والقواعد الفقهية؟
ومن أبرز المشايخ في هذا الفن الذين يتلقى عنهم هذا العلم في هذا العصر؟ ]ـ
يمكن مراجعة ما نشر لي في منتدى أصول الفقه من ملتقى أهل الحديث بعنوان: سلسلة المصادر الأصولية.
ـ[حفظ الله الشيخ وبارك فيه سؤالي هو ما الفرق بين العام والمطلق والخاص والمقيد مع ضرب المثال للتقريب جزاكم الله خير. ]ـ
إذا كان اللفظ مطلقا، وكان في الوقت نفسه من صيغ العموم فإن وصف اللفظ بالعموم أو الإطلاق حينئذ يكون من الأمور النسبية، ومعنى ذلك: أنه يسمى عاما باعتبار، ويسمى مطلقا باعتبار آخر، مثال ذلك: قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم) فلفظ: (أولادكم) عام بالنظر إلى شموله جميع الأفراد الذين تحته، لكنه بالنظر إلى تناوله جنس الأولاد دون قيد زائد هو مطلق.(15/17)
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بالنسبة لطالب العلم المبتدئ الذي يدرس كتب الحنابلة حصراً في الفقه , أيّ الكتب في أصول الفقه تنصحونهُ بقراءتها وجزاكم الله خيراً]ـ
وردت إجابة مقاربة في موضع آخر، والمهم في هذا الشأن العناية بالمنهجية في طلب العلم والتعلم.
ـ[ما أفضل شرح لمتن الورقات؟
وهل هناك كتاب من الكتب المعاصرة في القواعد الفقهية تنصح طالب العلم بقراءته
وما أفضل شرح لمنظومة ابن سعدي في القواعد الفقهية]ـ
أفضل شرح للورقات ـ من وجهة نظري ـ هو شرح الجلال المحلي، ولهذا الإمام شروح نافعة تمتاز بالإيجاز والفائدة على متون بارزة؛ كمنهاج النووي وجمع الجوامع، ومن أحسن كتب المعاصرين في القواعد الفقهية: كتاب الوجيز للدكتور محمد صدقي البورنو؛ حيث تميز بحسن الترتيب والعرض مع التوثيق وحسن الجمع.
أما منظومة ابن سعدي فلا بد أن يعلم أنها ليست خاصة بالقواعد الفقهية، بل فيها شذرات متفرقة من القواعد الشرعية والفقهية والأصولية، وهي نافعة في المسائل الواردة فيها.(15/18)
ـ[ما هي الخطوة التالية لطالب العلم الذي درس ((الأصول من علم الأصول)) للشيخ ابن العثيمين رحمه الله؟ ]ـ
وردت إجابة مقاربة في موضع آخر، والمهم في هذا الشأن العناية بالمنهجية في طلب العلم والتعلم.
ـ[ما هي درجة حجية الإجماع السكوتي؟ خاصة وأنه في باب العقيدة كثيرا ما يستخدم هذا النوع من الإجماع حيث يقال: ولم ينقل عن السلف خلاف هذا، بل يقرر شيخ الإسلام أن عامة الإجماع في العقيدة هو من هذا الباب؟ ]ـ
قاعدة ترك السلف قاعدة متينة، خاصة في أمور الاعتقاد، وهي أصل في معرفة البدع وتمييزها، ولهذه القاعدة أهمية بالغة في إبطال البدع والرد على أهلها، حيث اعتمد أئمة السلف - كثيرًا - على هذه القاعدة في مناظراتهم للمبتدعة والرد عليهم.
فمن ذلك: أن الإمام الشافعي قال لبشر المريسي: (أخبرني عما تدعو إليه؟ أكتاب ناطق وفرض مفترض وسنة قائمة ووجدت عن السلف البحث فيه والسؤال) فقال بشر: (لا إنه لا يسعنا خلافه) فقال الشافعي: (أقررت بنفسك على الخطأ. . . ).
وقال الإمام أحمد لابن أبي دؤاد يسأله: (خبِّرني عن هذا الأمر الذي تدعو الناس إليه: أشيء دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (لا ... ) قال: (ليس يخلو أن تقول: علموه أو جهلوه؛ فإن قلتَ علموه وسكتوا عنه وسعنا وإياك من السكوت ما وسع القوم، وإن قلتَ: جهلوه وعلمتَه أنت فيا لكع بن لكع يجهل النبي صلى الله عليه وسلموالخلفاء الراشدون رضي الله عنهم شيئًا وتعلمه أنت وأصحابك).
وإليك فيما يأتي ما يقرر هذه القاعدة من كلام أهل العلم:(15/19)
1 - قال سعيد بن جبير: (ما لم يعرفه البدريون فليس من الدين).
2 - قال مالك بن أنس: (إياكم والبدع، فقيل: يا أبا عبد الله وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان).
3 - قال الشافعي: (كل من تكلم بكلام في الدين أو في شيء من هذه الأهواء ليس له فيه إمام متقدم من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقد أحدث في الإسلام حدثًا).
4 - قال بعض السلف: (ما تكلم فيه السلف فالسكوت عنه جفاء، وما سكت عنه السلف فالكلام فيه بدعة).
5 - قال البربهاري: (واعلم أن الناس لو وقفوا عند محدثات الأمور، ولم يجاوزوها بشيء، ولم يولدوا كلامًا مما لم يجئ فيه أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه لم تكن بدعة).
ـ[جزى الله الشيخ عنا خير الجزاء وأسأل الله أن يجعل هذا اللقاء فى ميزان حسناته
السؤال الأول يا شيخنا:
عن قاعدة ابحث عن شرحها وأدلتها وتطبيقاتها منذ زمن (إذا أختلفت الأيدى اختلف الحكم)]ـ
الجواب: لعل المراد بذلك يتضح بما ذكره ابن رجب في القواعد بقوله: (القاعدة التسعون: الأيدي المستولية على مال الغير بغير إذنه ثلاثة: يد يمكن أن يثبت باستيلائها الملك فينتفي الضمان عما يستولي عليه سواء حصل الملك به أو لم يحصل، ويد لا يثبت لها الملك وينتفي عنها الضمان، ويد لا يثبت لها الملك ويثبت عليها الضمان).
فلعلك تراجع هذه القاعدة، والله أعلم.(15/20)
ـ[البعض يجعل الأوامر والنواهى المجردة فيما يتعلق بالآداب (كالأكل باليمين مثلا) من باب الندب لا الوجوب فهل هناك دليل على أن الأمر إذا كان فيما يتعلق بالآداب كان على الإستحباب وكذا النهى ينزل من التحريم للكراهة؟
]ـ
كون الأمر أو النهي واردا في باب الآداب يصلح قرينة تصرفه إلى الاستحباب أو الكراهة ما لم يظهر ويقوى جانب التعبد.
ـ[ما هى أهمية كتاب (الفقيه والمتفقه) لطالب الفقه؟
نسأل الله أن يزيدكم علما وأن يثقل موازينكم. ]ـ
يمكن أن يسمى كتاب "الفقيه والمتفقه" بأصول فقه المحدثين، خاصة وأن المؤلف أراد بتأليف هذا الكتاب التقريب بين المحدثين والفقهاء، والرفع من قيمة الفقه وشأن الفقهاء، وفي الوقت نفسه الإرشاد إلى أهمية معرفة الحديث وشرف أهله، لكن مما ينبغي ذكره أن المؤلف من أئمة علم الحديث، وهو حافظ بغداد، ولم يشتهر كأصولي فقيه، وإنما هو فقيه محدث.
ويمكن بيان أهم مزايا الكتاب في الآتي:
1 - خصص المؤلف ما يقارب ثلث الكتاب للكلام على فضل الفقه والتفقه في الدين، وأخلاق الفقيه وآدابه.
2 - نقل المؤلف في كثير من المسائل الأصولية أقوال الإمام الشافعي واقتفى آراءه، واستفاد كثيرا من معاصره الشيرازي.(15/21)
3 - استشهد المؤلف بالكثير من الآيات والأحاديث والآثار المروية بالإسناد عن الصحابة والتابعين والأئمة في تثبيت القواعد الأصولية، والاحتجاج للأدلة الشرعية، وهذه المزية عزيزة الوجود في الكتب الأصولية.
4 - ساق المؤلف بأسانيده ما استشهد به من أحاديث وآثار -في الغالب- وهذا الصنيع يسهل مهمة التحري لمن أراد ذلك.
5 - حرر المؤلف كثيرًا من المسائل الأصولية وأدلى فيها برأيه، وكثيرًا ما يذكر الرأي المخالف وأدلته ويجيب عنها.
6 - اعتنى المؤلف بالتعريفات والتقاسيم في بداية كل باب.
7 - يلاحظ أن هذا الكتاب قد أُلف في زمن متقدم، وذلك قبل اكتمال ونضج هذا العلم؛ فإن علم الأصول إنما اتضحت مسائله وتحررت قواعده على يد الإمام الغزالي.
ـ[من درس الورقات ثم المدخل لابن بدران
فهل المناسب له الآن الكوكب المنير أو شرح مختصر الروضة للطوفي أو أن هناك كتاب أنسب
من هذين الكتابين مع العلم أنه سيقرأ هذا الكتاب على أستاذ جامعة متخصص في لأصول]ـ
شرح الكوكب أو شرح الطوفي أو الروضة كلها كتب مناسبة، ويمكنك استشارة أستاذك في ذلك.(15/22)
إلا أن الأهم من ذلك هو اقتفاء المنهجية الصحيحة في التعلم، ويحسن في هذا المقام أن أشير إشارة سريعة إلى ضوابط دراسة الفقه، وهي التاءات الخمس للتفقه والتعلم، وهي: (التدرج والتركيز والتكامل والتوالي والتكرار) وبيان ذلك على النحو الآتي:
1. لابد من التتابع والتدرج؛ إذ العلم درجات ومراحل، ولكل مرحلة متن يناسبها، ولا يصلح لطالب العلم الشروع في مرحلة قبل الانتهاء من المرحلة التي قبلها، ومن الأمثلة على قضية التدرج تلك الكتب الأربعة التي صنفها ابن قدامة في الفقه، ويراعى في المتن الذي يقرأ: أن يكون متداولا، وسهلا ميسورا، وفيه عناية بالدليل، وأن يكون مؤلفه من المحققين.
2. التركيز دون استطراد مشغل عن الأصل، ولا زيادات تشوش على الذهن؛ لئلا ينتقل وهو لا يشعر إلى المرحلة التي تليها، فالعلم بحر واسع، والإحاطة به متعذرة، ولابد من الاقتصار على قدر مناسب من المعلومات، يتيسر ضبطها ثم الانتقال إلى ما بعدها.
3. التكامل، بحيث يضم إلى هذا العلم القدر الضروري من العلوم المساعدة، وهي تلك العلوم المحيطة بالعلم المقصود، الخادمة له، ذات الصلة به؛ فيدرس مثلا مع دراسة الفقه: أصول الفقه وقواعده، ويعنى مع ذلك بالحديث والأثر.
4. التوالي لا التواني، فلابد أن يؤخذ المتن في مدة مناسبة متقاربة، أما أن يكون ذلك خلال سنوات تنسي آخرها أولها فلا.
5. التكرار والمدارسة والبحث؛ فلا يقتصر على الدرس أو القراءة، بل لابد من المطارحة والبحث والحوار والمناظرة.
وهذه الضوابط ليست خاصة بدراسة الفقه بل هي عامة لدراسة جميع العلوم؛ كالأصول والنحو، فهي قضية منهجية وقعت الغفلة عنها: إما من قبل المدرسين وإما من قبل الدارسين وإما من الجميع.
ولابد لهذه الضوابط الخمسة أن يتقدمها وأن يقارنها وأن يلحقها ضابط أهم وأجل، ذلكم هو: تقوى الله والصدق والإخلاص.
فهي إذن تاءات ست، لُبُّها تقوى الله. أسأل الله أن يصلح نياتنا وأعمالنا.(15/23)
ـ[بارك الله في القائمين على هذا الموضوع وأدام توفيقهم لكل الخير، وسعدنا بحضور ضيفنا الكريم والسلام على الجميع ورحمة الله وبركاته.
ضيفنا الكريم، وأستاذنا الفاضل أدام الله توفيقكم لكل الخير وبارك خطواتكم.
تعلمون قيمة العُرْف في بناء كثيرٍ من الأحكام، وقد تفرّعت عليه عدة قضايا أخذ بها فقهاء الإسلام، بل أخذ القانون الوضعي بكثير منها أيضًا.
فنرجو منكم التفضل بإلقاء الضوء على مسألة العرف المعتبر من غير المعتبر، وهل العرف المعتبر قبل فساد الأذواق هو ما كان عليه أئمة الإسلام؟ أم هو ما وافق أصول الشريعة في عصرنا قبل فساد الناس؟ في وقت دون وقت؟ وما هو ضابط فساد الأذواق؟ إلى آخر هذه المسألة.
كما نود التكرم بالإفاضة القصوى في قاعدة ((العادة مُحَكَّمة)) وعلاقتها بكثير من أحكام العرف، ومن هو أجود من كتب فيها من المتقدمين؟ وهل لكم أية ملاحظات على ما ذكره السيوطي في الأشباه والنظائر عن هذه القاعدة؟ وما هو دليلها من الشريعة خلاف ما ذكروه من حديث ابن مسعود: (ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن) فقد تكلم فيه غير واحد من أهل العلم؟
]ـ
المراد بالعرف: العادات المعمول بها بين الناس في أمورهم الدنيوية مما لم يرد في الشرع تعرض له؛ كأجور العمال، وقيم الأشياء، والعبرة إنما هي بالعرف المقارن دون العرف السابق أو اللاحق، والمراد بذلك: العرف الذي يجري عليه العمل وقت العقد.
أما فساد الأذواق فهذا لا يدخل تحت العرف المعتبر طالما كان مخالفا للشرع.
أما دليله من الشريعة فهو أن الناس إنما تحمل عقودهم وتصرفاتهم وكلامهم على عاداتهم وأعرافهم السائدة في زمانهم وبلادهم، وهذا أمر قرره الشرع، وهو مقتضى العقل والنظر الصحيح والعدل، لأن الناس إن تُركوا وأهواءهم حصل لهم فساد واضطراب ووقع بينهم ظلم عظيم.
ومسألة العرف أُلفت فيها دراسات معاصرة، منها ما كتبه السيد صالح عوض وأحمد فهمي أبو سنة رحمهما الله ود. أحمد سير مباركي.(15/24)
ـ[حول إطلاق السنة على الواجب لدى متقدمي الأئمة، فهل وقفتم في هذا على ضابط زمني؟ ومن في نظركم أول من استخدم السنة بمعنى المستحب؟ وهل توافقون على هذا التقسيم؟ فقد أنكره بعض الأئمة كما تعلمون، فما رأيكم دام توفيقكم؟
دام توفيقكم لكل الخير، وسعدنا بوجودكم بيننا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ]ـ
تأتي السنة بمعنى: الطريقة المسلوكة في الدين وهي ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وإن كان الغالب تخصيص اسم السنة بما يتعلق بالاعتقادات لأنها أصل الدين، والمخالف فيها على خطر عظيم.
ومن ذلك ما كتبه أئمة السلف من مؤلفات أو أبواب باسم السنة، ولذلك أُطلق لقب أهل السنة على من كان على ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وتطلق السنة عند الأصوليين والمحدثين على الدليل الثاني بعد القرآن الكريم وهو ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
واصطلح الفقهاء والأصوليون على إطلاق السنة على المستحبات دون الواجبات يعني على المندوبات.
ومن أقدم من ذكر ذلك أبو الحسين البصري في المعتمد وحكاه عن بعض الفقهاء، حيث يقول:
(إلا أن قولنا مندوب إليه في العرف أنه قد بعث عليه من غير إيجاب وقولنا مرغب فيه أنه قد بعث المكلف على فعله بالثواب ويفيد في العرف ما هذه سبيله مما ليس بواجب ويوصف أنه مستحب ومعناه في العرف أن الله سبحانه قد أحبه وليس بواجب وقولنا نفل يفيد أنه طاعة غير واجبة وأن للإنسان فعله من غير لزوم وحتم وكذلك وصفنا له بأنه تطوع يفيد أن المكلف انقاد إليه مع قربة من غير لزوم وحتم ويوصف بأنه سنة ويفيد في العرف أنه طاعة غير واجبة ولذلك نجعل ذلك في مقابلة الواجب لو قال أهذا الفعل سنة أو واجب.(15/25)
وذكر قاضي القضاة أن قولنا سنة لا يختص بالمندوب إليه دون الواجب وإنما يتناول كل ما علم وجوبه أو كونه ندبا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وبإدامة فعله لأن السنة مأخوذة من الإدامة ولذلك يقال إن الختان من السنة ولا يراد أنه غير واجب.
وحكي عن بعض الفقهاء أن قولنا سنة يختص بالنفل دون الواجب وهذا أشبهه من جهة العرف.
ويوصف بأنه إحسان إذا كان نفعا موصلا إلى الغير قصدا إلى نفعه، ويوصف بأنه مأمور به لأن أمر الله تعالى قد تناوله.
فهذه هي الأوصاف التي تختص الندب).
ومن هذا النقل نستخرج ثلاثة أمور:
1. أن للمندوب ستة ألقاب: مرغب فيه ومستحب ونفل وتطوع وسنة وإحسان.
2. أن القاضي عبد الجبار يذهب إلى أن لفظ (السنة) يتناول الواجب والمندوب، ولا يختص بالمندوب وحده.
3. أن مستند إطلاق لفظ (السنة) على النفل دون الواجب هو العرف، ومن ذلك: السنن الرواتب.(15/26)
ـ[موضوع مشكل جدا عندى والحمد لله أن أكرمنا الله بلقائكم لأنه يتعلق بالبدع وتحديدها ومعرفتها، عنوانه: تسويغ الخلاف فى التصحيح والتضعيف وما يترتب عليه من التبديع والإنكار.
كيف يكون الخلاف فى الحكم على حديث معين خلافا سائغا ويكون الخلاف فيما يترتب عليه من العمل سائغا وفى نفس الوقت يبدع أحد الفريقين فعل الأخر؟
مثاله:
حديث صلاة التسابيح
البعض يصححه والبعض يضعفه فعند من قال بصحته الصلاة مشروعة
وعند من قال بضعفه الصلاة لا تجوز ويقول ببدعيتها وفى نفس الوقت يقول أن الحديث يحتمل التصحيح لذلك لن ينكر على من يصليها!!
كيف يعتقد أنها بدعة ولكن لا يجوز إنكارها؟
أنا لا أريده أن ينكر ولكن أريده من الأصل ألا يدخلها فى باب البدع وأن نفرق بين ما جاء فيه دليل ضعيف ويحتمل التصحيح عند البعض وبين ما جاء فيه دليل تالف أو لم يرد عليه دليل أصلا.
فيكون الأول من باب الخلاف السائغ ولا ندخله فى باب البدع من الأصل.
ويكون الثانى من باب البدع التى تستوجب الإنكار.
أما أن نقول (فعله بدعه ولكن لا إنكار فيها) فهذا لا أهضمه.
نرجوا التوضيح من شيخنا الكريم]ـ
الأمر في ذلك واضح، ولله الحمد.
وهو أنه متى أمكن رد قول ما من الأقوال إلى دليل شرعي فإن هذا القول لا يعد بدعة.
قال الشاطبي في مسألة من مسائل الفروع: "فمثل هذا لا بدعة فيه لرجوعه إلى أصل شرعي".
والمقصود أن البدعة لا تدخل في المسائل الاجتهادية؛ إذ لا ابتداع في مسائل الاجتهاد، كما قال بعضهم: "وليس من شأن العلماء إطلاق لفظ البدعة على الفروع".
والحاصل أن الاجتهاد يرفع البدعة، فمتى ثبت كون المسألة اجتهادية فلا يصح إطلاق البدعة على من خالف فيها، ومتى ثبت كون القول أو الفعل بدعة في مسألة من المسائل كان هذا دليلا على أن هذه المسألة لا مدخل فيها للاجتهاد.
والدليل على أن المخالفة في المسائل الاجتهادية لا تكون بدعة أمور ثلاثة:
1. أن المسائل الاجتهادية ليست محل افتراق، فقد وقع اختلاف بين الصحابة والتابعين، ولم ينسب المخالف منهم إلى البدعة والضلالة.
2. أن الاختلاف المشروع في مسائل الاجتهاد كله سعة ورحمة، وأما البدعة فإنها لا تكون إلا باب شر وضلالة.
3. أن المسائل الاجتهادية لها حظ معتبر من الدليل الشرعي، بخلاف مسائل الابتداع؛ فإنها ـ عند التحقيق ـ ليس لها حظ معتبر من الدليل الشرعي.
وبناء على ذلك فإن قولك في السؤال صحيح لا غبار عليه:
( ... أن نفرق بين ما جاء فيه دليل ضعيف ويحتمل التصحيح عند البعض وبين ما جاء فيه دليل تالف أو لم يرد عليه دليل أصلا.
فيكون الأول من باب الخلاف السائغ ولا ندخله فى باب البدع من الأصل.
ويكون الثانى من باب البدع التى تستوجب الإنكار).
وإني أشكر الأخ السائل على عنايته بهذه المسألة، وأرى أن لها أهمية عظمى، فبها تزول إشكالات، وبها تتضح أمور معضلات. وفقني الله وإياكم إلى الفقه في الدين، واتباع السنة.(15/27)
ـ[ألا ترى في عد روضة الناظر لابن قدامة من المصادر التي يستقى منها ((معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة))؛ نوعا من التجوز.
وتوضيحا للسؤال: ظهر من ترجمتكم أن لكم بحث في بناء الأصول على الأصول ألم يتضح لكم أن الروضة مليئة بالمسائل المتأثرة بطرائق أهل الكلام من الأشاعرة والمعتزلة فكيف والحال كما ترون تصبح الروضة مصدر من مصادر ((معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة))]ـ
انظر الإجابة في موضع آخر، ولك الشكر.
ـ[السلام عليكم:
- كيف يفرق طالب علم الفقه بين الخلاف السائغ وغير السائغ؟ ]ـ
الخلاف السائغ يحصل في المسائل الاجتهادية، والخلاف غير السائغ يحصل في المسائل غير الاجتهادية، ويشترط في المسائل الاجتهادية أمران:
أولاً: ألا يوجد في المسألة نص قاطع ولا إجماع.(15/28)
والدليل على هذا الشرط حديث معاذ رضي الله عنه المشهور (بم تقضي)؛ إذ جعل الاجتهاد مرتبة متأخرة إذا لم يوجد كتاب ولا سنة.
وقد كان منهج الصحابة رضي الله عنهم النظر في الكتاب ثم السنة ثم الإجماع ثم الاجتهاد.
ومعلوم أن الاجتهاد يكون ساقطًا مع وجود النص.
ثانيًا: أن يكون النص الوارد في هذه المسألة -إن ورد فيها نص- محتملاً، قابلاً للتأويل، كقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة» فقد فهم بعض الصحابة من هذا النص ظاهره من الأمر بصلاة العصر في بني قريظة ولو بعد وقتها، وفهم البعض من النص الحث على المسارعة في السير مع تأدية الصلاة في وقتها ولم ينكر - صلى الله عليه وسلم - على الفريقين ما فهم، ولم يعنف الطرفين على ما فعل.
قال الشافعي: «قال: فما الاختلاف المحرم؟ قلت: كل ما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصًا بينًا لم يحل الاختلافُ فيه لمن علمه، وما كان من ذلك يحتمل التأويل ويدرك قياسًا، فذهب المتأول أو القايس إلى معنى يحتمله الخبر أو القياس، وإن خالفه فيه غيره، لم أقل: إنه يضيق عليه ضيق الخلاف في المنصوص» (الرسالة: 560).
وقد استدل الشافعي على أن الاختلاف مذموم فيما كان نصه بينًا بقوله تعالى: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) وقوله تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
إذا علم ذلك لزم التفريق بين المسائل الاجتهادية والمسائل الخلافية.(15/29)
إذ يجب الإنكار على المخالف في المسائل الخلافية غير الاجتهادية، كمن خالف في قولٍ يخالف سنة ثابتة، أو إجماعًا شائعًا.
وكذلك يجب الإنكار على العمل المخالف للسنة أو الإجماع بحسب درجات إنكار المنكر.
أما المسائل الاجتهادية فلا يصح فيها الإنكار؛ إذ لا إنكار في مسائل الاجتهاد، وإنما سبيل الإنكار فيها بيانها بالحجة والدليل، والله أعلم.
ـ[هل يمكن للإجماع أن ينقعد في هذا العصر؟ ]ـ
يمكن وقوعه ـ من وجهة نظري ـ لكن ذلك عسير ونادر، والله أعلم.
ـ[هل من موضوعات يقترحها فضيلتكم تصلح أن تكون رسائل ماجستير في علم أصول الفقه؟ ]ـ
آمل أن تجدي في ثنايا هذه الإجابات بعض ما تسألين عنه.(15/30)
ـ[مَن هُم أهم وأبرز من تلقيتم عنه علم الأصول (مع ترجمة موجزة لكل ممن تذكرونه)؟ ]ـ
1 - د. جلال الدين عبد الرحمن جلال رحمه الله توفي سنة 1427 هـ، وهو مصري، يمتاز بأمرين: أولهما: أن له قدرة على صنع مخططات للبحوث والرسائل العلمية بطريقة حسنة، وثانيهما: اطلاعه الواسع ومعرفته التامة بأعلام أصول الفقه وأخبارهم ومؤلفاتهم قديما وحديثا، ومن كتبه ـ وهو أجلها ـ غاية الوصول إلى دقائق علم الأصول: (القسم الأول في المبادئ والمقدمات) وقد ذكر لنا عن نفسه أنه من نسل الإمام السيوطي وأن اسمه أيضا وافق اسمه، وكان رحمه الله من تلاميذ الشيخ عبد الغني عبد الخالق القريبين منه، ومن العجائب أن الشيخ عبد الغني كان يشرف حينذاك على خمسين رسالة تقريبا في وقت واحد، وكان الدكتور جلال رحمه الله قد أوقف مكتبته كاملة في حياته لمكتبة كلية الشريعة بجامعة الأزهر.(15/31)
2 - د. عمر بن عبد العزيز بن محمد الشيلخاني، وهو عراقي، من مواليد عام 1944م حصل على الدكتوراه من الأزهر، ومن شيوخه والده الذي شرح جمع الجوامع نحو أربعين مرة، ومنهم الشيخ مصطفى عبد الخالق، وهو أقرب شيوخه إليه وأجلهم عنده، وأخوه عبد الغني عبد الخالق، والدكتور عمر له عناية بالغة وشغف كبير بطريقة شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومؤلفاتهما، بل بمنهج السلف وأئمتهم عامة، وله في ذلك محاضرة مطبوعة بعنوان: مقتضى النواهي عند السلف، ويتصف هذا الشيخ بدقته العلمية وعمقه في البحث والنظر، وغوصه في دقائق المسائل الأصولية، وله طريقة حسنة في التدريس، وقدرة عجيبة على تقريب المتون الأصولية وفك رموزها، وهو متقن للمنطق وعلوم اللغة، وصاحب قلم رصين ومنهجية دقيقة في البحث العلمي، والشيخ معروف بتواضعه الجم وأخلاقه الكريمة العالية، وله مؤلفات تدل على مكانته وفضله، فمن ذلك: الزيادة على النص والنقص من النص والمعدول به عن سنن القياس، وقليله كثير، وللشيخ فضل سابق وأثر مشهود على جميع منسوبي قسم أصول الفقه ـ أو أكثرهم ـ في الجامعة الإسلامية بالمدينة، وكان من أوائل أساتذة قسم الدراسات العليا المؤسسين له، حيث كان أول رئيس له الدكتور محمد أمين المصري رحمه الله وكان الشيخ عمر وكيلا للقسم مدة ثمان سنوات، كما أن للشيخ أثرا آخر في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، وهو الآن مقيم في قطر، في وزارة الشؤون الإسلامية، أمده الله بعونه وأعطاه مبتغاه.
3 - د. أحمد بن محمود بن عبد الوهاب الشنقيطي، وهو تلميذ الشيخ محمد الأمين صاحب أضواء البيان وابن عمه، ولهذا الشيخ معرفة تامة بالفقه وأصوله، خاصة باب القياس، ورسالته في الدكتوراه كانت في أدق موضوعاته، وهو الوصف المناسب، والشيخ معروف بسعة خلقه وتواضعه، ويقضي الشيخ جل وقته في تدريس الطلاب ونفعهم.(15/32)
ـ[السؤال كالتالي هل من المناسب لمن أراد دراسة الأصول أن يلم بشيء من علم المنطق؟ وهل هو جائز أصلا دراسته؟ ]ـ
دراسة شيء من المنطق أمر ضروري لمن أراد التخصص في أصول الفقه، وانظر أيضا إجابة مقاربة في موضع آخر، ولك الشكر.
ـ[ما المنهاج الصحيح لضبط الأصول من مبدئه حتى الإلمام به جملة لغير المتخصص؟
(أرجو ذكر الكتب بالتدرج)]ـ
الجواب: انظر الإجابة في موضع آخر، ولك الشكر.
ـ[فضيلة الشيخ: تعجبني كثيراً كتبكم، ولها مكانة عندي؛ فأسأل الله أن يبارك فيكم، وينفع بكم.
سؤالي: ألن يكون هناك تكملة لكتاب (فقه النوازل)؟ وتضاف له الرسائل العلمية في بعض النوازل. ]ـ
النية معقودة بعون الله تعالى على استكمال كتاب فقه النوازل بحسب الجهد والطاقة، لكن لابد من التريث والانتظار، وذلك لأجل أن يخرج المستدرك بصورة مناسبة مع ملاحظة أن يكون متمما للجهد السابق ومبنيا عليه.
وأرجو ممن لديه ملاحظة أو اقتراح ألا يبخل به، وله مني الشكر والتقدير.(15/33)
ـ[درست كتاب في الأصول والآن أدرس كتاب مفتاح الوصول للتلمساني كتطبيق للاصول على احد طلاب الشيخ عمر عبد العزيز وأحمد عبد الوهاب الشنقيطي لكن في رأيك ما هو الكتاب التالي؟ ]ـ
انظر الإجابة في موضع آخر أو أكثر من هذه الأسئلة، ولك الشكر.
ـ[عندي فكرة بحث وهي جمع علم البخاري في علم الأصول من خلال تراجم الأبواب؟ ]ـ
هنالك كتاب توجيه القاري فيه شيء من ذلك، وبحث آخر للدكتور الكريم سعد الشثري، وهو منشور في إحدى المجلات العلمية.
ـ[من هو أفضل من ينقل الإجماع هل هو ابن المنذر أم ابن حزم أم ابن القطان الفاسي؟ ]ـ
لا أدري، الله أعلم.
ـ[ما رأيكم في الدعوات المعاصرة التي تنادي بتجديد أصول الفقه، ككُتَيب الترابي مثلا]ـ
الدعوات كثيرة، وهي بحاجة إلى دراسة بعد دراسة، وهنالك أبحاث في تجديد أصول الفقه لبعض المعاصرين، فمن ذلك:
التجديد والمجددون في أصول الفقه للشيخ أبي الفضل عبد السلام عبد الكريم، وقضية تجديد أصول الفقه د. علي جمعة، ومفهوم التجديد د. محمود الطحان، وهو رد على كتيب الترابي، وللباحث الكريم الحوالي رسالة علمية حول دعوات التجديد المعاصرة في علم أصول الفقه.
وأوصي بالنظر والإفادة من كتاب قيم للدكتور الفاضل: عدنان أمامة، وهو بعنوان: التجديد في الفكر الإسلامي، نشرته دار ابن الجوزي.
ولعل من المناسب في هذا المقام اقتراح جوانب من علم أصول الفقه، جديرة ببحثها وتجديد النظر فيها:
1 - الناحية الببلوغرافية، وذلك بالنظر في التسلسل العلمي والفكري للمؤلفات الأصولية، ومدى استفادة بعضهم من بعض، ومعرفة حلقات الوصل بين هذه المؤلفات.(15/34)
2 - الناحية التاريخية والمسيرة التأليفية لهذا العلم، فمن ذلك: النظر في الكتب المعاصرة في أصول الفقه، وتقييم الرسائل الجامعية في الجامعات، ودراسة الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات المحكمة ومحاولة حصرها والتنبيه على مضامينها وأساليبها وبيان النافع منها والنفيس.
3 - دراسة تطبيقية موسعة لتخريج الفروع الفقهية على القواعد الأصولية، ومن خلالها يظهر بيان نوع الخلاف في المسائل الأصولية ودرجته، ويمكن التعرف على المسائل العقيمة في أصول الفقه، وهي التي لا ثمرة لها، وتلك المسائل الدخيلة، وهي الخارجة عن موضوعه.
4 - عصرنة أصول الفقه، ذلك أن الكتب الأصولية مليئة من الرد على الأقوال الشاذة والمذاهب المنكرة؛ كالجاحظ والنظام والسمنية، وقد آن في عصرنا هذا أن ينظر في خلف هؤلاء وأشباههم، وأن تستقصى مقالات ودعاوى بعض المتعالمين من العلمانيين ومن نحا نحوهم، وأن تكشف طرائقهم في التلاعب والجناية على القواعد الأصولية.
وقد سلك هؤلاء القوم للوصول إلى أغراضهم مسلكين:
المسلك الأول: اقتداؤهم بأسلافهم من أصحاب الأقوال الشاذة المنكرة، وذلك بإحياء وبعث تلك المقالات، والانتصار لها واستجلاب المسوغات العقلية والحضارية لقبولها وترويجها من جديد، ويحصل في أثناء ذلك شيء عظيم من الزخرفة والتمليح والتلميع.
المسلك الثاني: التعلق بالقواعد الأصولية المقررة وركوب متنها في تحقيق مآربهم، ولا يتحقق لهم ذلك ـ يقينا ـ إلا مع التأويل الفاسد لمعاني هذه القواعد والإهدار لمقاصدها وضوابطها، مع سوء التطبيق وتحريف الكلم عن مواضعه، ومن أقرب القواعد الأصولية التي جعلوها مطايا: مقاصد الشريعة والمصالح المرسلة والقياس وتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان.
وممن جاهد بقلمه في تتبع مسالك هؤلاء القوم: الدكتور محمد محمد حسين رحمه الله، خاصة في كتابيه: الإسلام والحضارة الغربية، وحصوننا مهددة من داخلها، والدكتور محمد الناصر، خاصة في كتابيه: بدع الاعتقاد، والعصرانيون.(15/35)
ـ[أغلب كتب الأصول المؤلفة في الأصول ألفها أشاعرة, خاصة في المذهب الشافعي. ونحن هنا في مصر ابتلينا بشيوع هذه العقيدة وهي ما يدين بها المفتي وأكثر الأزاهرة. فما السبيل لدراسة علم الأصول على المذهب الشافعي منقحاً من شوائب الأشاعرة وخاصة أن فيه من الأمور التي قد تخفى على المتدئين ونحن نخشى على أنفسنا من الضلال؟ وكيف نفرق بين أصول الأشاعرة وأصول أهل السنة بغض النظر عن المذهب الفقهي؟
جزاكم الله خيراً]ـ
أشكرك على حرصك على عقيدة أهل السنة والله أسأل أن يثبتنا على دينه وسنته، وأنصحك يا أخي الفاضل بالرجوع في ذلك إلى كتب أهل السنة في أصول الفقه؛ ومن ذلك: الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي، وجامع بيان العلم لابن عبد البر، وقواطع الأدلة للسمعاني، وروضة الناظر لابن قدامة، ومجموع الفتاوى لابن تيمية في المجلد (19 - 20)، وإعلام الموقعين لابن القيم، وشرح الكوكب للفتوحي، وهذا الكتاب أجمعها وأيسرها، ومذكرة الشنقيطي.
وأوصي طلاب العلم أن يشرعوا في مستهل دراستهم الشرعية في نوعين من العلوم، هما: العقيدة، والفقه.
وقبل ذلك ومعه وبعده: حفظ القرآن الكريم وضبطه، وحفظ ما تيسر من السنة الشريفة، فهما أصل العلوم والفهوم ومفاتيح البركة والخير، وأسباب التوفيق والفلاح، مع القدر المناسب من علوم اللغة العربية.(15/36)
ولا بد عند دراسة العقيدة من العناية بفهم مذهب السلف والرسوخ في منهجهم والتشبع من طريقة خير القرون من الصحابة والتابعين؛ فإن هذا التشبع والرسوخ إن حصل كان بعون الله حصنا حصينا وسدا منيعا من التأثر بالطرق الكلامية والمناهج البدعية.
وقد كانت هذه وصية أئمة السلف لحماية صغار الطلبة من الانزلاق في متاهات الباطل وتلبيسات المبطلين، فمن ذلك قول يوسف بن أسباط رحمه الله: (من نعمة الله على الشاب أن يوافق رجل سنة يحمله عليها) وقال أيوب: (إن من سعادة الحدث والأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة) ذلك أن النشأة الأولى لها أعظم الأثر في معتقد المرء وفي منهجه، وانظر إن شئت في سير العلماء وأحوالهم ألا ترى أن بعضهم لما كانت نشأته الأولى في تعلم علوم الأوائل والتشرب من العلوم العقلية لم ينتفع كثيرا في آخر عمره من رجوعه ومطالعته لآثار السلف، بل بقي في نفسه شيء من تلك التركة المظلمة، أما من كان في أول عمره مقبلا على علوم الكتاب والسنة متعلقا بآثار السلف لم يضره فيما بعد مطالعته للعلوم العقلية وتعمقه فيها، وهذا ما حصل لشيخ الإسلام ابن تيمية؛ فإنه تمكن من الرد على الفلاسفة وأهل المنطق دون أن يتأثر بهم.
إن العناية بالنشء أمر في غاية الأهمية، وذلك إنما يكون بتربيتهم على المتون النافعة، الخالصة من الشوائب، وقصرهم عليها في نشأتهم الأولى، ونظير هذا تلكم الجرعات الوقائية التي تعطى للرضع والأطفال لكي تصبح أجسامهم قادرة على مدافعة الجراثيم والفيروسات الحاملة للأوبئة والأمراض ومقاومتها بإذن الله، وقد صار هذا الصنيع في وقتنا الحالي عرفا متبعا وعادة ملزمة.
ولاشك أن حماية الدين وحفظه أهم وأوجب من حفظ النفوس، ومن هنا كانت وسائل حفظ الدين أعلى رتبة من وسائل حفظ النفس.
أسأل الله أن يشرح صدورنا لمنهج خير القرون ولنصرة هذا الدين. اللهم آمين.
وراجع أيضا: إجابة مقاربة في موضع آخر، ولك الشكر.(15/37)
ـ[كيف تجمعون بين ما يحكم عليه الإمام أحمد من الحديث بالضعف أو النكارة بينما نجد أنه رواية في مذهبه وأخذ به وعمل بمقتضاه]ـ
سبب ذلك فيما يبدو الاختلاف الواقع في المراد بالحديث الضعيف؛ حيث يطلق أحيانا ويدخل فيه الحديث الحسن، والحديث الضعيف الذي يعتضد بالشواهد، ويطلق أحيانا أخرى ويراد به ما اشتد ضعفه.
ومن جهة أخرى فروايات الإمام أحمد المتعددة محمولة على ورودها في أوقات مختلفة، وذلك بحسب ما يظهر له، وهذا دليل على سعة علمه وزيادة اطلاعه، وعلى تورعه وتجرده لاتباع الدليل، والله أعلم.
ـ[السلام عيكم ورحمة الله وبركاته سؤالي لفضيلة الشيخ حفظه الله ما رأي فضيلتكم في كتاب التأسيس في أصول الفقه لمصطفى سلامة]ـ
انظر الإجابة في موضع آخر، ولك الشكر.
ـ[هل للامام الشوكاني مسائل أصوليه خالف فيها مذهب أهل الحديث؟. جزاكم الله خيرا. ]ـ
انظر الإجابة في موضع آخر، ولك الشكر.
ـ[ما تقييمكم لمباحث الأصول التي عقدها الزحيلي في كتابه أصول الفقه الاسلامي]ـ؟
انظر الإجابة في موضع آخر، ولك الشكر.
ـ[هل وقفتم شيخنا على كتاب المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين للدكتور العروسي وهل جهدكم في معالم أصول الفقه هو نفس الجهد أم لا؟ ]ـ
نعم لقد اطلعت على كتاب المسائل المشتركة، وهو كتاب فريد في بابه، وله فضل السبق، وأما موضوعه فهو المسائل العقدية المبحوثة في علم أصول الفقه، وبيان وجه الاشتراك الحاصل بينهما.
فهذا الكتاب فيه تركيز على جهة الاشتراك بين أصول الفقه وأصول الدين.
أما كتابي (المعالم) فموضوعه تحرير موقف أهل السنة في مسائل أصول الفقه عموما وجمع كلامهم عليها مع التنبيه على المزالق العقدية التي فيها مخالفة لمذهب أهل السنة.(15/38)
ـ[هل تعتقدون أن الشيخ عطية سالم له منهج أصولي خاص أم لا؟ ]ـ
كل فقيه لابد أن يكون له منهج أصولي مناسب لمذهبه الفقهي.
ـ[ما أفضل طريقة لتعلم أصول الفقه أرجو التفصيل؟؟؟
وأنا الآن دخلت كلية الشريعة كيف تنصحنا بدراسة الأصول فيها هل ثمة طريقة معينة تراها مفيدة؟؟؟ وجزاك الله خيرا. ]ـ
ينظر ذلك في موضع آخر أو أكثر من هذه الأسئلة، ولك الشكر.
ـ[سؤالى يتعلق بكيفية التعامل مع الأحاديث النبوية عند التعارض
ومتى يستعمل العلماء قواعد الترجيح مثل قاعدة الحاظر مقدم على المبيح
وقاعدة القول مقدم على الفعل
بارك الله فيكم وجزاكم خير الجزاء]ـ
أشكرك على مشاركتك، وأعتذر عن الإجابة؛ فإن كل فقرة تحتاج إلى بحث، ومن الكتب النافعة في قضية التعارض بين الأحاديث: كتاب اختلاف الحديث للإمام الشافعي، وكتاب تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة.
ـ[المؤلفات الأصولية للقاضي عبد الوهاب المالكي؛ هل ما زالت مفقودة , أم طُبع منها شيء؟ ]ـ
قام أحد الأساتذة الجزائريين بجمع شيء من تراث القاضي عبد الوهاب، وذلك على النحو الآتي:
1 - المقدمة في أصول الفقه.
2 - مسائل مستخرجة أصول الفقه من كتاب المعونة على مذهب عالم المدينة.
3 - إجماع أهل المدينة من كتاب الملخص.
4 - الإجماع من شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني.
5 - فصول مختارة في أصول الفقه من كتاب الرد على من أخلد إلى الأرض للسيوطي.
جميع ذلك منشور في ملاحق لكتاب (المقدمة في الأصول) لابن القصار المالكي بتعليق الأستاذ محمد بن الحسين السليماني، وهو من مطبوعات دار الغرب الإسلامي 1996 م.
وهناك رسالة علمية نوقشت منذ سنوات في جامعة الإمام بالرياض بعنوان: (آراء القاضي عبد الوهاب جمع ودراسة) أو نحو ذلك.(15/39)
ـ[(رفع الحاجب شرح مختصر ابن الحاجب) للسبكي أبحث عنه منذ ما يقرب من عام ولم أجده , كانت تطبعه عالم الكتب وتوزعه دار الجيل , ولا توجد عندهم أي نسخة فهل وقفتم فضيلتكم على مصدر آخر له؟ ]ـ
هذا الكتاب هو لتاج الدين السبكي (الابن) وقد طبع في أربع مجلدات سنة 1419 هـ بتحقيق تجاري وهو كما ذكرت في السؤال من منشورات عالم الكتب ببيروت.
والمشكلة يا أخي الكريم أن كتب الأصول في الغالب يعاني منها الناشر (البائع) وطالب العلم (المشتري) والمؤلف أو المحقق، وذلك لصعوبة تسويقها وندرة الطلب عليها وقلة الكمية المطبوعة، أقول هذا عن تجربة ومعاناة تزيد على عقدين.
وأرى أن تقوم بتصويره وتجليده إن كنت مضطرا إليه.
ـ[بخصوص مذهب الإمام الشافعي في سد الذرائع , فكما تعلمون اختلف علماء الشافعية في إثبات ونفي قول الإمام الشافعي بها
ففي إحدى رسائل الدكتوراة المطبوعة جزم صاحبها بالإثبات , بينما في رسالة دكتوراة أخرى جزم صاحبها بالنفي (لم تُطبع الرسالة ولكن دارت مناقشة طويلة بيني وبين الدكتور الفاضل صاحبها)
فهل وقفتم على نص صريح (غير محتمل للتأويل) للإمام الشافعي يحسم هذه القضية؟ ]ـ
يمكنك مراجعة كتاب سد الذرائع عند شيخ الإسلام ابن تيمية للباحث إبراهيم المهنا دار الفضيلة بالرياض ففيه تفصيل حول موقف الإمام الشافعي رحمه الله.(15/40)
ـ[كما تعلمون أن لابن برهان عدة كتب أصولية , طُبع منها " الوصول إلى علم الأصول فهل طُبعت كتبه الأصولية الأخرى وهي: البسيط والوسيط والأوسط والوجيز والتعجيز (كذا ذكرهم محقق الوصول)
وأخص بالذكر كتابه " الأوسط " لأن الإمام الزركشي ينقل عنه في " البحر المحيط "]ـ
ليس لابن برهان ـ فيما أعلم ـ كتب مطبوعة في أصول الفقه سوى كتاب (الوصول)، وقد نُقل إلي أن محقق كتاب الوصول بصدد إعادة نشر الكتاب بصورة أكمل.
ـ[جاء في خاتمة كتاب " تأسيس النظر" عدة أصول للإمام الكرخي وذكر أمثلتها للإمام النسفي , وهي في أقل من 8 صفحات
ولكن ذكر البعض أن له كتاب " أصول الكرخي " طبعتة مكتبة الخانجي , ولم أجده بها فهل هذا الكتاب موجود؟ وأين؟
وجزاكم الله خير الجزاء وبارك الله فيكم ونفع الله المسلمين بعلمكم]ـ
في غالب الطبعات يطبع أصول الكرخي وأمثلتها للنسفي نظرا لصغر حجمه مع تأسيس النظر للدبوسي فلعلك تبحث عنه باسم تأسيس النظر.
وعندي له طبعتان، كلتاهما باسم تأسيس النظر: إحداهما بتحقيق مصطفى القباني دار ابن زيدون بيروت ـ مكتبة الكليات الأزهرية القاهرة.
والثانية: طبعة باكستانية بمطبعة ايجو كيشنل كراتشي.(15/41)
ـ[فضيلة الشيخ: ما ردُّكم العلمي للاعتراضات التي أثارها الباحث مشهور حسن - في مقدمة تحقيقه للمرافق لماء العينين - على تهذيبكم كتاب الموافقات للإمام الشاطبي رحمه الله.
وجزاكم الله خير الجزاء. ]ـ
القد اطلعت على ما كتبه الشيخ مشهور في مقدمته لتحقيق المرافق، وجميع ما ذكره من ملاحظات يرجع إلى أمرين:
أولهما: أخطاء مطبعية ونحوها. وثانيهما: اعتراض على مبدأ التهذيب من حيث الأصل، وعلى منهج التهذيب من جهة أخرى.
ـ[احسن الله اليكم وبارك فيكم وبارك في علمكم:
ما رأيكم في طرح موضوع أكاديمي (جامعي) ماجستير او دكتوراه في الاستدراكات على ما عده ابن المنذر او ابن حزم في كتاب {الإجماع} إجماعاً وهو ليس كذلك كما فعل ابن تيمية رحمه الله مع كتاب ابن حزم
وكذلك محاولة جمع الإجماعات التي نقلها النووي سواء في المجموع أو شرح مسلم وغيرها من الكتب وعرضها ودراستها؟؟ ]ـ
لا شك أن دراسة إجماعات ابن المنذر من خلال كلام أهل العلم عمل جليل ونافع، لكن يجدر بمن عزم على الكتابة في هذا الموضوع ـ أو في غيره ـ الإفادة من الدراسات السابقة له والاطلاع عليها، فربما تكون ثمرة ذلك الانصراف إلى موضوع آخر، أو التحول في معالجة هذا الموضوع إلى ثغرات مفتوحة.
ـ[أيهما أفضل اختصاراً للروضة في رأيكم ((مختصر الطوفي)) ام ((مختصر البعلي))؟؟ وما الفرق بينهما؟؟
]ـ
اختصار الطوفي للروضة فيه تصرف في الألفاظ وفي الأسلوب وفي الترجيح، وقد كتبه الطوفي بلغة علمية راقية، جمع له دقيق فهمه وعميق فقهه، وكتبه على طريقة ابن الحاجب في مختصره، وفيه تظهر براعته الأصولية وشخصيته الاجتهادية ونظرته الواسعة الرحبة، ثم هو اختصار شديد، يعسر فهمه دون مراجعة شرحه.
أما اختصار البعلي فهو نسخة أخرى (مكررة) لكتاب الروضة بألفاظه وأسلوبه وترجيحه، لكن البعلي قام بحذف بعض من الاعتراضات والتطويلات.(15/42)
ـ[أرغب من فضيلتِه أن يوضحَ لنا بإسهابٍ ما يرجُحُ عنده في مسألةِ اقتضاءِ النهيِ الفسادَ وجزاكم الله خيرًا]ـ
الذي عليه سلف الأمة أن النهي يقتضي الفساد، لا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات والعقود، ولا بين ما نُهي عنه لذاته أو لغيره، إذ كل نهيٍ للفساد، وهذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين.
ومن الأدلة على ذلك:
أولاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»؛ يعني: مردود كأنه لم يوجد.
ثانيًا: أن الصحابة استدلوا على فساد العقود بالنهي عنها، وهذا أمر مشتهر بينهم من غير نكير فكان إجماعًا.
ثالثًا: أن المنهي عنه مفسدته راجحة، وإن كان فيه مصلحة فمصلحته مرجوحة بمفسدته، فما نَهَى الله عنه وحرمه إنما أراد منع وقوع الفساد ودفعه؛ لأن الله إنما ينهى عما لا يحبه، والله لا يحب الفساد، فعُلم أن المنهي عنه فاسد ليس بصالح.
وكون النهي يقتضي الفساد مشروط بأن يتجرد النهي عن القرائن، أما مع وجود القرائن فيختلف الحال؛ إذ يقتضي النهي هاهنا ما دلت عليه القرينة، لذا فإن النهي إذا تجرد عن القرائن أفاد التحريم والفساد معًا في آن واحد
ـ[يقول الأصوليون: الحكم يدور مع علته، ثم يقولون في موضع آخر: الأحكام معلقة بأسبابها لا بالحكمة منها، فما وجه الجمع بينهما؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا]ـ
يطلق السبب عند الأصوليين على العلة؛ فإن السبب اسم من أسماء العلة.
ـ[تكلم بعض العلماء عن مبطلات الصلاة فقال: ترك ركن أو شرط عمداً، والسؤال ما صحة وضع هذا القيد " عمداً " أي: هل ترك الركن والشرط جهلاً أو نسياناً لا يبطل الصلاة؟ ]ـ
العمد لا يتحقق مع الجهل أو النسيان.(15/43)
ـ[إن أحد المشايخ المختصين باصول الفقه عندما كان يشرح في العقود ذكر أن العقود نوعان لازمة وجائزة وعندما تطرق الى الشروط الفاسدة قال إن الشرط الفاسد في العقد اللازم مفسد للعقد بالكلية وفي العقد الجائز فالشرط فاسد غير مفسد للعقد. فهل هذا صحيح أرجو منك شيخي التفصيل فيها ذاكرا أمثلة توضح لنا هذه العقود. أسال الباري ان ينفع بكم. ]ـ
بيان هذه القضية يحتاج مني إلى مراجعة، والله الموفق.
ـ[بعض الأحيان نرى أن بعض العلماء يردون بعض الإجماعات في الاستدلال فما السبب وهل هناك اختلاف اومراتب للاجماع بحيث بعضها يمكن الاستدلال بها والاخرى لا. ]ـ
أصعب شيء في الإجماع التحقق من وقوعه، لأن الإجماع إذا لم يثبت وقوعه فالاستدلال به يكون من قبيل الأدلة الموهومة، ولله أعلم.
ـ[السلام عليكم اخي الكريم لقد احل الله البيع وحرم البيع فما رأيك اخي الكريم في من يحرم بيع المخطوطات والسلام. ]ـ
هذه المخطوطات متى كانت وقفية لم يجز بيعها، لكن ربما جاز شراؤها لمن يريد نشر ما فيها من الخير والعلم.
ـ[ألا يمكن أن يتحول كتاب "فقه النوازل" إلى موقع على الإنترنت يتم تحديثه باستمرار، ليستوعب ما كتب في النوازل من بحوث وقرارات وفتاوى ودراسات؟
أرجو أن تكون الفكرة محل اهتمام لديكم فأحسب أنه سيكون لها نفع عظيم
جزاكم الله خير الجزاء. ]ـ
أسأل الله أن يهيأ من يقوم بذلك، والمسألة تحتاج إلى جهد ووقت ومال، وكل ميسر لما خلق له، والله الموفق.(15/44)
ـ[ما هو الفرق بين تقسيم الأصوليين للدلالات إلى دلالة تضمن ومطابقة والتزام وتقسيمهم لها تارة أخرى إلى دلالة نص وظاهر وإشارة واقتضاء وجزاكم الله خيرا]ـ
هذه تقسيمات ثلاثة باعتبارات متعددة:
فالأول تقسيم لدلالة اللفظ على مسماه؛ إذ الدلالة إما مطابقة أو تضمن أو التزام.
والتقسيم الثاني للفظ من جهة دلالته على المعنى بالنظر إلى الوضوح وعدمه؛ إذ هو ينقسم إلى: نص، وظاهر، ومجمل.
وذلك أن اللفظ لا يخلو من أمرين:
إما أن يدل على معنى واحد لا يحتمل غيره. فهذا هو النص.
وإما أن يحتمل غيره، وهذا له حالتان.
الأولى: أن يكون أحد الاحتمالين أظهر. فهذا هو الظاهر.
والثانية: أن يتساوى الاحتمالان بألا يكون أحدهما أظهر من الآخر. فهذا هو المجمل.
والتقسيم الثالث: بالنظر إلى دلالة اللفظ المنطوق على معناه؛ إذ هو ينقسم إلى دلالة إشارة واقتضاء وإيماء، وهذا التقسيم بأقسامه الثلاثة هذه يدخل تحت دلالة الالتزام.
وهناك تقسيمات أخرى؛ كتقسيم اللفظ إلى عام وخاص، وإلى مطلق ومقيد، وإلى أمر ونهي، وإلى منطوق ومفهوم.
والمقصود عدم الخلط بين هذه التقسيمات؛ إذ كل تقسيم له اعتبار خاص به.(15/45)
ـ[ما رأي فضيلتكم في مسألة الإسبال:
وخاصة أنها مسألة الفتوى فيها مستندة لعلم أصول الفقه
مع اتفاق الأدلة لدى الفريقين مع الاختلاف في تطبيق قاعدة:
حمل المطلق على المقيد
وصريح المعنى مقدم على المؤول
فقد علمنا أن جمهور أهل العلم من المذاهب الأربعة وخاصة ابن تيمية وابن حجر والنووي
على خلاف الفتوى المشهورة لنا عن كل من العلامة ابن عثيمين وسماحة الشيخ ابن باز رحمهما الله
وقد ذكر هذا الخلاف كل من:
الشيخين خالد عبد الله مصلح، وصالح الأسمري]ـ
الجواب: مسألة الإسبال تفتقر إلى نظر خاص، وذلك من جهة معرفة النصوص الواردة فيها وكيفية إعمال القواعد الأصولية فيها، ومن جهة عمل السلف الصالح من الصحابة والتابعين.
وليس هذا الكلام خاصا بمسألة الإسبال على وجه الخصوص، بل هو عام لكل مسألة؛ إذ لا يصلح أن يحكم على المسألة الفقهية من خلال قاعدة أصولية معينة، أو نصوص محدودة، بل لا بد من استكمال النظر وجمع الأدلة الممكنة كيما يكون الحكم سليما. أسأل الله أن يرزقنا الفقه في دينه.(15/46)
ـ[هناك قاعدة فقهية هي أن المحرم لغيره يجوز عند الحاجة فهل تفسر لنا هذه القاعدة يا شيخنا الغالي؟ وما هي الحاجة؟ وهل الخمر محرم لغيره فهل يمكن التطبب به وكيف نوفق بين هذا وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الله لم يجعل دواء هذه الأمة في ما حرم عليها) أو كما قال؟ جزاكم الله خير وأسأل الله ان يوفقكم. ]ـ
أحسنت، لابد أولا من معرفة: هل هذا المحرم منهي عنه لذاته أو لغيره حتى لا يحصل خلط وخلل.
ذلك أن المنهي عنه لذاته يُنهى عنه أبدا ودائما، وذلك على سبيل القصد والأصالة؛ كتحريم الظلم والزنا.
والمنهي عنه لغيره هو الذي لا يُنهى عنه أبدا ودائما، وإنما وقع النهي عنه لأجل أمر خارجي، وذلك النهي على سبيل التبع لا الأصالة؛ كتحريم البيع بعد النداء من يوم الجمعة.
أما قاعدة: أن المحرم لغيره يجوز عند الحاجة فتظهر إذا عرفنا أن الحاجة لما كانت من قبيل المصالح الراجحة فقد اختصت بارتكاب المحرم لغيره، وهو ما نهي عنه سدا للذريعة، بخلاف الضرورة فإنها تبيح ارتكاب المحرم لغيره، وتبيح أيضا ارتكاب المحرم لذاته، وهو ما نهي عنه على وجه القصد والأصالة.
ومعلوم أن ما حرم سدا للذريعة أخف مما حرم تحريم المقاصد.
قال ابن القيم: "وما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة:
كما أبيحت العرايا من ربا الفضل، وكما أبيحت ذوات الأسباب من الصلاة بعد الفجر والعصر، وكما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب والمعامل من جملة النظر المحرم.
وكذلك تحريم الذهب والحرير على الرجال لسد ذريعة التشبه بالنساء الملعون فاعله وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة".
أما بالنسبة للتداوي بالخمر فقد ذهب الجمهور إلى حرمة ذلك، وذلك أخذا بقوله تعالى: (فاجتنبوه) فإنه عام في جميع أنواع الانتفاع والاستعمال.(15/47)
وقد سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمرة فنهاه أو كره له أن يصنعها فقال: إنما أصنعها للدواء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس بدواء ولكنه داء) رواه مسلم.
بل قد ألحق العلماء بالخمر في حرمة التداوي به سائر النجاسات والمحرمات، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق الداء والدواء، فتداووا، ولا تداووا بحرام) الحديث صححه الألباني، والله أعلم.
ـ[العبادة المكونة من عدة أجزاء هل فساد أو بطلان جزء من أجزائه يبطل جميع العبادة مثاله:
الصلاة مكونة من عدة ركعات هل إذا بطلت إحدى ركعاتها تبطل جميع الصلاة؟ وليقس ما لم يقل سؤال محير لي. ]ـ
الشيء لا يتحقق وجوده مع تخلف بعض أركانه، وهنا ينبغي التمييز في العبادة بين ما هو ركن فيها وما ليس ركنا. والله أعلم.
ـ[ما رأيكم فى كتاب مزالق الأصوليين للصنعانى فإنه قد أنكر فيه الإجماع والقياس وأنواع الدلالات دلالة المطابقة والتضمن والإلتزام وقال هل كان أبو ذر يعلمها؟ وفيه غير ذلك حتى أصبح بعض الناس يحذر من علم أصول الفقه ويستدل بكلام الصنعانى]ـ
لقد اطلعت على هذا الكتاب، وألفيته نافعا لعلم أصول الفقه من جهة أنه لفت الأنظار إلى شيء من المآخذ والأخطاء الواقعة لدى كثير من الأصوليين.(15/48)
وتوجيه النقد أمر مطلوب لا غبار عليه.
لكن الأمر المشكل هو مخالفة مذهب السلف الصالح لدى الصنعاني في هذا الكتاب، وهذا الإشكال موجود أيضا ـ من حيث الجملة ـ عند الشوكاني من بعده في إرشاد الفحول.
وهذا يظهر في مسائل عدة، فمن ذلك:
إنكار حجية الإجماع، وإنكار حجية القياس، وإنكار حجية قول الصحابي، وإيجاب الاجتهاد، وتحريم التقليد.
ولهذين الإمامين كتب نافعة، ومصنفات مسددة، لها قبول حسن ومكانة معروفة، أسأل الله أن يرحمهما رحمة واسعة، وأن يجزيهما خير الجزاء.
والذي أنصح به نفسي وعامة أهل العلم وطلابه في هذا العصر أن يقصر كل أحد نفسه ما أمكن على كتب المتقدمين من أهل العلم، وذلك في الدراسة والتدريس والبحث والتوثيق، خاصة في تلك العلوم التي نضجت مصادرها وتقررت مسائلها وضبطت أطرافها.
وأن يكون فرحه بالظفر بكلام المتقدمين وتقريراتهم أعظم من الظفر بكلام لبعض المعاصرين أو من قاربهم.
وألا يستكثر مما كتبه المتأخرون، فضلا عن أن يجعله أصلا ومعيارا للعلم.
وبهذا تكون الحاجة إلى ما كتبه المتأخرون محدودة، والرجوع إلى سابقيهم محتومة.
وهذا هو الموقف الصحيح من كتب المعاصرين:
فإن الأصل المطرد إنما هو النهل من كتب أهل العلم المتقدمين والاعتماد عليها في الاقتناء والبحث والدرس والاستغناء بها عما كتبه المعاصرون.(15/49)
وهذا الأصل عام لجميع العلوم التي نضجت مسائلها وضبطت قواعدها واستقرت مادتها؛ كعلوم الشريعة وعلوم اللغة.
ويبقى جانب التجديد مفتوحا في هذا النوع من العلوم، وذلك بتصحيح الأخطاء وبيان وجوه الخلل الطارئة عليها، وإعادة تقريبه والسعي في تيسيره.
ولذلك فالذي أنصح به طلبة العلم فيما يخص الكتب المعاصرة في أصول الفقه، والتي يكثر السؤال عنها أن يصيروا إلى كتب القدامى قدر الطاقة والإمكان.
ومن تعسَّر عليه ذلك وصار إلى كتاب معاصر؛ لأنه قد وجد فيه ضالته واطمأن لطريقته فهو في ذلك فقيه نفسه.
إلا أن هذه تبقى حالة ضرورة لا يحكم بعمومها لكل أحد، وإنما تكون قضية استثنائية مؤقتة لمن عجز عن الائتمام بكتب الأقدمين.
نعم قد توجد كتب لبعض المتأخرين، تتصف بحسن الجمع والضبط، ويوفق مؤلفها لسد ثغرات وبيان مهمات، إلا أن هذا النوع من الكتب يحتاج للتعرف عليه ونعته باسمه والتوصي به إلى تزكية مستفيضة وقبول مشهود من فضلاء العصر ونبلائه.
ومن حسن التوفيق للمعاصرين أن تكون مؤلفاتهم محفزة على مراجعة كتب المتقدمين، مبينة لها، مبنية عليها.
إن كتب علمائنا السالفين تعطي ممارسها متانة في العلم وقوة في اللغة وقدرة عالية على الفهم، وهي نور وخير وبركة،(15/50)
وهنا أتوجه للقائمين على الدروس العلمية من المشايخ والأساتذة الكرام بأن يوجهوا الطلبة ويحثوهم على ملازمة كتب المتقدمين وأن يغروهم بها وييسروا لهم قراءتها وضبطها والرجوع إليها واقتناءها، وحملهم على معالي الأمور.
وحذار حذار من وضع العوائق والصعوبات حول هذه الكتب، أو قصر الطلبة على كتاب معاصر.
إنها مسؤولية عظيمة وأمانة كبرى، وكم هي الجناية في حق طلاب هذا العصر أن يحرموا من خير أسلافهم وأن يضرب بينهم وبين كتب المتقدمين بسور لا باب له، ومتى حصل ذلك فإن حاضر هذه الأمة ينقطع عن ماضيها، وإنما يسعى لذلك ويفرح به أعداء الملة والدين.
اللهم وفقنا لحسن الاتباع.
ـ[ما هو موقف ابن القيم من القياس، اعنى ما قرره فى الإعلام
أحيانا يكاد أن يصنف مع النفاة. . . وأحيانا يكاد أن يصنف مع المتوسعين فى القياس
أحيانا يضيق باب القياس عندما يقرر أن النصوص محيطة بجميع الجزئيات
وأحيانا يوسع باب القياس عندما يقرر أن جميع الأحكام معللة
لا أقصد أنه متناقض، ولكن الخلل فى فهمى أنا
فأحيانا يظهر لى أن الخلاف بينه وبين الجمهور (القياسيين) لفظى إلا فى بعضه _وهو تضييق باب القياس
فمن يشرح لى موقفه من القياس ويفهمنى ذلك وله منى الشكر والدعاء]ـ
إذا جمعنا كلام ابن القيم بعضه مع بعض ظهر لنا مراده بجلاء، وهو أنه يقول بصحة العمل بالقياس وفق ضوابط، ويقول بنفي القياس وبطلانه متى خلا من هذه الضوابط.
وهذه الضوابط هي:
1. أن يستعمل القياس في محله، وذلك فيما لا نص فيه.
2. أن يصدر هذا القياس من إمام مجتهد.
3. أن يكون القياس في نفسه صحيحا.(15/51)
ـ[ما رأيكم بتحقيق التعليقة فى أصول الفقه للسبكى كرسالة علمية]ـ
لم أطلع على هذا الكتاب ولا أعرف عنه شيئا سوى قول مؤلفه: (وقد أطلنا في التعليقة الرد على المصنف [أي ابن الحاجب] وألجأناه إلى دعوى القطع في الآية، فلينظره من أراده) رفع الحاجب: 2/ 154.
ومؤلفات التاج السبكي عموما وفي أصول الفقه خصوصا تمتاز بحسن الصناعة والسبك، وتتصف بالتدقيق والتحقيق، وجدير بأي كتاب نافع لهذا الإمام أن يسعى لإظهاره ليعم الانتفاع به، رحمه الله رحمة واسعة.(15/52)
ـ[هل هذه القاعدة التى ذكرها ابن تيمية والشاطبى وهى " الفرد من أفراد العموم إذا لم يعمل به أحد من السلف أو إذا لم نعلم أن أحدا عمل به من السلف فالعمل به بدعة " صحيحة
وهل هى معارضة لقول العلماء أن العموم بتناول جميع أفراده فى الدلالة
وجزاكم الله خيرا]ـ
توجد إجابة على ذلك في موضع آخر، فراجعه مشكورا.
ـ[هل أُصول الفقه أو بعضها ظني؟ ]ـ
القواعد الأصولية منها ما هو مقطوع به؛ كحجية الكتاب والسنة وأخبار الآحاد والإجماع والقياس، ومنها ما هو ظني؛ كحجية مفهوم المخالفة.
والأمر الخطير: أن يقال إن جميع القواعد الأصولية ظنية، ولا يوجد فيها ما هو قطعي، فهذا قول مقطوع بفساده وبطلانه، والعلم عند الله.
وجدير بالبحث والضبط: جمع المسائل القطعية في أصول الفقه، أو القطعيات في أصول الفقه، أو القواعد الأصولية المقطوع بها، ومظان هذا النوع من المسائل الكتب المصنفة في القرنين: الرابع والخامس في العقيدة وأصول الفقه لأئمة أهل السنة على وجه الخصوص، فمن ذلك:
كتب الشافعي، وابن قتيبة، وكتب العقيدة المسندة؛ كابن بطة والآجري واللالكائي، وابن عبد البر والخطيب البغدادي والسمعاني.(15/53)
ـ[هناك قاعدة - ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب - فهل يقال في تفاوت درجات هذا الإتمام يعني هل من الممكن أن تصاغ العبارة كالتالي [ما تم الواجب بأدناه فهو واجب] وما زاد يكون له درجة معينه من حيث الاحتياط.
نفع الله بكم،،،، ]ـ
الجواب: قولهم: (ما لا يتم الواجب إلا به) معناه: ما تم الواجب بأدناه؛ فإن هذا الأدنى هو ما لا يتم الواجب إلا به، أما ما زاد فهذا يتم الواجب بدونه فلا يوصف بالوجوب.
أما الاحتياط فإنه يدخل مع الواجب إذا كان الواجب لا يتم إلا به؛ كغسل جزء من الرأس مع الوجه في الوضوء. والله أعلم.
ـ[هل اعتراض البقلاني على تعريف الفقه - اصطلاحا - أنه العلم بالأحكام الشرعية. . . مقبول
أم نقول أنه معرفة الأحكام الشرعية. . . كما قاله الشيخ العثيمين رحمه الله]ـ
الأمر في ذلك سهل، والمقصود أن يكون المعنى صحيحا.(15/54)
ـ[ما الفرق بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية مع ذكر الأمثلة]ـ
الفرق بينهما هو الفرق بين أصول الفقه والفقه، فالقواعد الأصولية تتعلق بالدليل الشرعي إجمالا والقواعد الفقهية تتعلق بفعل المكلف.
مثال ذلك: قاعدة الاستصحاب: هي دليل على الإباحة وحجة في إثبات الأحكام، فهذا من جهة كونها قاعدة أصولية، وهي قاعدة فقهية، وذلك بالنظر إلى الحكم على طهارة هذا الثوب ونحوه.
ـ[ما رأي فضيلتكم في كتابان (المهذب للشيخ النملة) والآخر (اتحاف ذوى البصائر بشرح روضة الناظر) للمؤلف نفسه؛ وما هي تعليقات فضيلتكم أو الاستدراكات عليهما.
وجزاكم الله خيرا. ]ـ
ينظر ذلك في موضع آخر من هذه الأجوبة، مع جزيل الشكر.
ـ[قلتم حفظكم الله في كتابكم معالم أصول الفقه صـ182"المسألة الثانية إذا اختلف الصحابة في مسألة على قولين لم يجز للتابعين الإجماع على أحدهما لأن في انعقاد هذا الإجماع نسبة الأمة إلى تضييع الحق والغفلة عن الدليل الذي أوجب الإجماع"
سؤالي: ما المقصود "تضييع الحق ... والدليل الذي أوجب الإجماع" أقول المخالف من أقوال الصحابة أم ماذا؟ ]ـ
السر في ذلك: أن الإجماع لا ينعقد عن هوى بل لابد له من دليل يستند إليه، وصفة هذا الدليل أنه واضح موجب للاتفاق، فانعقاد الإجماع بعد الاختلاف يلزم منه أن أهل الإجماع اطلعوا على دليل واضح لم يطلع عليه السابقون الذين اختلفوا.(15/55)
فسبب اختلاف السابقين أنهم لم يطلعوا على دليل واضح يوجب إجماعهم، وسبب إجماع من بعدهم أنهم اطلعوا على دليل واضح يوجب إجماعهم.
هذا إذا اختلف أهل العصر فيما بينهم على قولين أو أكثر ثم وقع بعدهم إجماع في عصر لاحق على أحد هذين القولين أو الأقوال.
أما وقوع الإجماع بعد الاختلاف من أهل العصر الواحد فيما بينهم فهذا ممكن وهو واقع، كما حصل عند الصحابة في مسائل؛ كاختلافهم في الغسل من الجماع دون إنزال ثم إنهم أجمعوا على وجوب الغسل، فهذا جائز؛ وذلك لأنه لا يترتب عليه بالنسبة لأهل العصر الواحد المفسدة السابقة، وهي خفاء الدليل. والله أعلم.(15/56)
ـ[ما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه أمر في خطبته بقتل الكلاب ووذبح الحمام
حيث جاء في سبب أمره بذلك ما ظهر بالمدينة من اللعب بالحمام والمهارشة بين الكلاب ذكر ذلك الخطابي في غريب الحديث (2/ 142) وابن عبد البر في التمهيد (23/ 131، 132)
مع العلم أن الأثر روي من عدة طرق إلا أنه مخالف لآخر الأمرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو النهي عن قتل الكلاب ونظيره ماروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخرجه البخاري في الأدب المفرد باب قمار الديك ح (1261)
كيف يمكن الاستدلال به وفق القواعد الفقهية في تحريم المهارشة بين الكلاب أو التحريش بين الحيوانات عموما مصارعة الديكة ومناطحة الكباش وغيرها؟
تخريج الأثر الوادر عن عثمان رضي الله عنه بشكل مختصر:
روي من عدة طرق وهي كما يلي:
1_ من طريق يونس عن الحسن به
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ح (19733) (11/ 3) باب الكلاب والحمام، وابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 406) باب ما قالوا في قتل الكلاب، والبيهقي في السنن الكبرى كتاب البيوع باب النهي عن ثمن الكلب (6/ 7)، وفي معرفة السنن والآثار كتاب البيوع، باب النهي عن بيع الكلاب ح (11540) (8/ 175)
2_ من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن به
أخرجه أحمد في مسنده ح (521) (1/ 543) واللفظ له، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه (39/ 229)
وأخرجه البيهقي في الجامع لشعب الإيمان ح (6115) (11/ 496، 497)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (10/ 317)
قال الهيثمي: (رواه أحمد وإسناده حسن إلا أن مبارك بن فضالة مدلس) مجمع الزوائد (باب ذبح حمام القمار (4/ 42)
3_ من طريق يوسف بن عبده عن الحسن به
أخرجه البخاري في الأدب المفرد باب ذبح الحمام ح (1301) ص 474
قال الألباني: (ضعيف الإسناد موقوف منقطع الحسن هو البصري مدلس ويوسف لين الحديث) ذكره في تخريجه لأحاديث الأدب المفرد ص 474
4_ من طريق سليمان بن أرقم عن الحسن به
أخرجه الطبري في تفسيره (10/ 127)
قال ابن كثير: (هكذا رواه ابن جرير من رواية سليمان بن أرقم وفيه ضعف) تفسير القرآن العظيم (3/ 401) وجزيتم خيرا]ـ
الجواب: لا يحضرني جواب في هذه المسألة، والعلم عند الله.(15/57)
ـ[سؤال للشيخ لماذا لم تورد مسائل العلة فى كتابك معالم أصول الفقه وهذا السؤال يحيرنى]ـ
يوجد في كتاب المعالم مسألة خاصة باسم أبحاث العلة، وهي المسألة الخامسة من مبحث القياس، وتحت هذه المسألة ثلاثة أبحاث:
1. تعريف العلة وبيان أقسامها.
2. مذهب أهل السنة في التعليل.
3. مسالك العلة.(15/58)
ـ[من درس الورقات وحفظ نظمها، ودرس الأصول من علم الأصول للشيخ ابن عثيمين، وبعض الكتب المختصرة في الأصول، هل يناسبه بعد ذلك مراقي السعود، أو أنها في مرحلة متأخرة، خاصة إذا رأى من نفسه النشاط على الحفظ. ]ـ
ينظر ذلك في موضع آخر من هذه الأجوبة، مع الشكر.
ـ[هل مسألة المشي إلى السترة، مبنية على مسألة " هل الأمر يفيد التكرار "؟ ]ـ
لا يحضرني شيء في هذه المسألة، والله أعلم.
ـ[ما هو أحسن كتاب يستعين به الطالب المبتدئ في تخريج الفروع على الأصول؟ ]ـ
أهم الكتب في علم تخريج الفروع على الأصول: كتاب تخريج الفروع على الأصول للزنجاني الشافعي، والتمهيد في بناء الفروع على الأصول للأسنوي والقواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام الحنبلي، ومفتاح الوصول للتلمساني المالكي وهو أحسنها، والوصول إلى قواعد الأصول للتمرتاشي الحنفي، وللمعاصرين جهود مشكورة من أحسنها كتاب تخريج الفروع على الأصول لعثمان شوشان ولا يزال هذا العلم ـ بالرغم من أهميته والحاجة إليه ـ بحاجة إلى نوعين من الدراسة: دراسة تأصيلية ودراسة تطبيقية تجمع شتاته وهي أجدر وأجدى.(15/59)
ـ[فضيلة الشيخ .. هل هناك أنواع للإجماعات؟؟ .. بعض العلماء كابن المنذر ينقل الاجماع على شي ما ولكنا نجد مثلا ان الامام النووي نقل الاجماع على أمر مخالف فكيف نوفق بينهما؟؟ ]ـ
للوقوف على سبب ذلك ووجهه لابد من النظر في المسألة التي نُقل فيها ذلك نظرا خاصا، والله أعلم.
ـ[فضيلة الشيخ .. ما هي الشروط للتحديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمعنى؟؟ .. أخبروني ان هذه المسألة من أقسام أصول الفقه .. ]ـ
اشترط الأصوليون للرواية بالمعنى ألا يكون ذلك في الألفاظ التعبدية ونحوها؛ كألفاظ الأذكار وجوامع الكلم، مع كون الراوي عالما بلغة العرب.
ـ[فضيلة الشيخ .. بماذا تنصح طالب العلم المبتدأ لكي يصبح أصوليا متمكنا؟؟ وما هي افضل الكتب والشروحات مع بيان مستوياتها .. ]ـ
ينظر ذلك في موضع آخر من هذه الأجوبة، مع الشكر.
ـ[فضيلة الشيخ .. هل هناك تعارض بين قاعدة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) وبين قاعدة (التخصيص بقضايا الأعيان)؟؟ ]ـ
ليس هناك تعارض، وذلك أن قاعدة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) معناها: أن الحكم إذا ذُكر بلفظ عام؛ فيحمل على العموم؛ سواء كان له سبب خاص؛ كقصة الظهار، أو ليس له سبب خاص؛ كسائر الأحكام.(15/60)
أما قضايا الأعيان فهي السبب الخاص ذاته، الذي ورد حكمه بلفظ خاص؛ كقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بردة {تجزيك، ولا تجزي أحدا بعدك} أي في الأضحية، فهذا من قضايا الأعيان.
والأصل في قضايا الأعيان أن تحمل على الخصوص ما لم يكن المعنى عاما، وهذا له أثر في كثير من الفروع؛ فإن حكمه صلى الله عليه وسلم على واحد من أمته يعد حكما عاما لجميع الأمة متى كان المعنى عاما في هذا الواحد وفي غيره، لكن متى ثبت لدينا أن هذا الحكم خاص لكون المعنى خاصا بصاحب القصة فهذا يسمى قضية عين، لا يصح تعميم حكمها، كتخصيصه صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة، وأضحية أبي بردة.
وبناء على ذلك فيمكن فيما يأتي الإشارة إجمالا إلى بعض القواعد المتعلقة بمسألة قضايا الأعيان:
• أن الأصل في جميع أحكام الشريعة عمومها لجميع المكلفين، ولو كان سبب هذا الحكم خاصا؛ إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
• أن تخصيص شيء من الأحكام الشرعية وجعله قضية عين لا عموم لها يفتقر ولابد إلى دليل، والأصل عدمه.
• أن سبب الحكم (سبب النزول) يتعين حمله على الخصوص؛ فيكون قضية عين لا عموم له بشرطين: ألا يرد الحكم بلفظ عام، وأن يقوم دليل على الخصوصية.
• أن الأصل وجوب حمل الألفاظ العامة وإجرائها على العموم، ولا يجوز تخصيصها ـ على الصحيح ـ بخصوص سببها بأن يقال: هذه من قضايا الأعيان.(15/61)
• أن الأصل في أمر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ونهيه له العموم، فإن الأمة تشاركه ما لم يثبت الاختصاص، ولا يقال: إن هذا الأمر خاص به صلى الله عليه وسلم أو هو قضية عين لا عموم لها
• أن الأصل في أفعاله صلى الله عليه وسلم العموم؛ فإن الأمة تتأسى بأفعاله إلا ما خصه الدليل، ولا يقال: إن فعله صلى الله عليه وسلم قضية عين لا عموم لها.
• أن الأصل في أمره صلى الله عليه وسلم أو إقراره أو نهيه لواحد من أمته عموم هذا الحكم لجميع الأمة، ولا يصح أن يقال: إن هذا الحكم مختص بصاحب الواقعة دون غيره؛ بناء على أن ذلك من قضايا الأعيان، وذلك لما عُلم من عموم هذه الشريعة لعامة المكلفين وأنهم يدخلون تحت أحكامها على السواء.
• أن قضايا الأعيان قد تستثنى من قاعدة القياس فلا يقاس غيرها عليها، وذلك متى ثبت كون المعنى خاصا والعلة قاصرة على محلها.
• أن قضايا الأعيان قد ترد بلفظ عام ظاهره العموم، فيتعين حينئذ حمله على الخصوص ويبطل به العموم.
وبعد فإن مسألة قضايا الأعيان جديرة ببحث يستجمع أحوالها ويكشف ضوابطها، ويجلي حقيقتها وأثرها. والله المستعان.(15/62)
ـ[هل يجوز شرعا لطالب العلم الذي لم تكتمل عنده الآلة أن يرجح بين كلام المجتهدين في مسائل الفقه على أساس الدليل؟ أي أنه سيقلد أحد المجتهدين على أساس أنه أقربهم للدليل؟؟ وهل على المرء جناح أن يتنقل بين أقوال المجتهدين بما لديه من علم متواضع طالما كانت عينيه على الدليل الشرعي الصحيح؟
أرجو التوضيح وجزاكم الله خيرا]ـ
من كانت لديه القدرة على فهم الدليل ووجوه الاستدلال واتسع لديه الوقت فعليه أن ينظر في الأدلة بحسب قدرته ويختار أقرب الأقوال مع الحذر في ذلك من اتباع الهوى عند الاختيار والترجيح؛ فإن الهوى له مداخل خفية، والمطلوب: تقوى الله على كل حال.
والضابط في مسألة حكم الاجتهاد والتقليد: القدرة والاستطاعة:
فمن كان من أهل الاجتهاد وقادرا عليه تعين عليه الاجتهاد لا يسعه إلا ذلك؛ إذ ليس له أن يقلد مجتهدا غيره إلا في حالة الضرورة.
وأما من لم يكن من أهل الاجتهاد وليست لديه قدرة على فهم الدليل ووجه الاستدلال، بل هو من الجهال العوام تعين عليه التقليد وسؤال أهل العلم، لا يسعه إلا ذلك، ولا يجوز لمثل هذا أن يجتهد.
وأما من لم يكن من أهل الاجتهاد إلا أنه كان قادرا على فهم الدليل وإدراك وجه الاستدلال طولب بما يقدر عليه من الفهم والإدراك، وسقط عنه ما لا يقدر عليه من الترجيح والاستنباط.(15/63)
وهذا هو ـ في الغالب ـ شأن طلبة العلم الذين ليسوا من أهل الاجتهاد ولم تتوفر فيهم شروط المجتهد، فلا يلتحقوا بالمجتهدين، كما أنهم ليسوا كالعوام الجهال، فلا يلتحقوا بهم، بل لديهم قدرة على فهم الدليل ووجوه الاستدلال، فهذه مرتبة متوسطة بين مرتبة المجتهد ومرتبة المقلد، وهي مرتبة المتبع، وأهل هذه المرتبة يطالبون بما يقدرون عليه دون ما لا يقدرون عليه؛ لعموم قوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) (فاتقوا الله ما استطعتم). والله الموفق.
ـ[هل صحيح أنه لا تسلم قاعدة أصولية من الاستثناءات؛ كالنهي يقتضي الفساد , والأصل في الأوامر الوجوب إن لم تكن ثمة قرينة]ـ
الأقرب أنه لا تسلم قاعدة أصولية من قرائن، أما بالنسبة للاستثناء من القواعد الأصولية فهذا ليس على إطلاقه؛ فإن بعض القواعد تطرد ولا استثناء فيها؛ مثل كون دلالة النص قطعية، وبعضها يرد عليه الاستثناء والقرائن؛ كالأمثلة المذكورة في السؤال.
ـ[رأيكم في كتاب (أصول الفقه) لعياض السلمي]ـ
ينظر ذلك في موضع آخر من هذه الأجوبة، مع الشكر.(15/64)
ـ[شيخنا الكريم، في كتابكم (معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة)، التزمتم الرجوع في المسائل إلى كتب أهل السنة مما ظهر لكم أنه خال من المزالق العقدية، ولكن ألا ترون - رعاكم الله - أن كل من كتب في هذه الصنعة الشريفة هو عالة على الأئمة من الأشاعرة كالرازي والغزالي وابن الحاجب والآمدي والزركشي والقرافي والبزدوي ... ، بما في ذلك (روضة الناظر)، فهو يكاد يكون اختصارا للمستصفى.
فقد طالعت كتابكم فألفيتكم لا تنقلون إلا من الحنابلة في أغلب الأحيان، وهذا آخذكم عليه كثير من المشايخ والأساتذة عندنا - ولو أنه التزام منكم لشرطكم في العنوان - فهذا قد جعل بعض طلبة العلم لا ينظرون في كتب الأصوليين من الأشاعرة - وهم أغلب من كتب في الفن - بدعوى أنهم مبتدعة والعياذ بالله - ويمكن أن يقاس عليه صنعة الحديث رواية ودراية لأن سواد من صنف فيه هم الأشاعرة -.
ثم هل كل المباحث الأصولية يُخاف فيها على طالب العلم المبتدئ حتى تنزهون كتابكم مما ألفه الأشاعرة؟
ثم ألا ترون فضيلتكم في إخراجكم لهؤلاء القوم - ولست أشعريا - من زمرة أهل السنة والجماعة نوعا من التجوز الذي رآه الكثيرون تجنيا؟
وحبذا لو أحلتمونا على سلفكم في إخراج الأشاعرة من (أهل السنة والجماعة) من الأئمة الأولين.
أدام الله عليكم موفور الصحة والعافية وتمام التوفيق. ]ـ
هناك تنبيهات مهمة حول تقسيم وتصنيف المؤلفات الأصولية، إلى ثلاث طرق:
طريقة المتكلمين (وهي الطريقة النظرية)، وهي التي سلكها في الغالب الشافعية، وتبعهم فيها المالكية والحنابلة.
وطريقة الفقهاء (وهي الطريقة التطبيقية)، وهي التي سلكها الحنفية في الغالب.
وهناك ما يسمى بطريقة المتأخرين أو الجمع بين الطريقتين.
وحول هذا التقسيم التنبيهات الآتية:
1. أن أول من ذكر هذا التقسيم هو ابن خلدون في مقدمته.
2. أن هذا التقسيم إنما على سبيل الإجمال وبحسب الغالب.
3. أن الطريقة الثالثة، وهي طريقة المتأخرين راجعة ـ عند التمحيص والتأمل ـ ولابد إلى إحدى الطريقتين الأوليين.
4. أنه قد وجدت بعض المؤلفات الأصولية خرجت عن هذه الطرق الثلاث ولا يمكن نسبتها إلى شيء منها، وهذا قليل جدا، وهو أيضا نسبي، وذلك مثل كتاب الموافقات للشاطبي؛ فإنه يصعب نسبته إلى طريقة المتكلمين، إلا أنه يمكن نسبة هذا الكتاب إلى طريقة المتكلمين، نظرا لكون الشاطبي اعتمد كثيرا في كتابه على كتب المتكلمين الأصولية؛ مثل كتب القرافي، والغزالي والرازي، فهو بهذا النظر يدور في فلكهم، ثم إنه مالكي وقد استفاد أيضا من كتب المالكية، والمالكية عموما ينسبون إلى طريقة المتكلمين.(15/65)
5. أن هذا التقسيم إنما هو بالنظر إلى منهج الكتابة وطريقة التأليف، ولا يمثل اتجاها عقديا أو مذهبا فقهيا معينا، اللهم إلا أن الغالب على الشافعية ومن معهم سلوك طريقة المتكلمين، وأن معظمهم من المعتزلة والأشاعرة، وأن الغالب على الحنفية سلوك طريقة الفقهاء، وأن معظمهم من الماتريدية.
6. أن هنالك تقسيمات أخرى باعتبارات أخرى لم يلتفت إليها في هذا التقسيم، كاعتبار العقيدة والمذهب الفقهي والاختصار والإسهاب.
أثر المتكلمين في أصول الفقه:
قد يقول قائل: إن علم أصول الفقه ـ في معظم مسائله ـ من قبيل علوم الآلة، وهي لا تختلف في بيانها وتقريرها باختلاف العقائد والمذاهب، كما هو الحال في علوم الآلة؛ كقواعد علم النحو والصرف والبلاغة.
لكن هذا القول يعكر عليه ذلكم الواقع المشهود؛ فإن كثيرا من المؤلفين بثوا طرفا من عقائدهم ضمن مؤلفاتهم، وأدخلوا طائفة من معتقداتهم في ثنايا كلامهم، حيث إن للعقيدة تأثيرا ظاهرا لا يجحد خاصة في مؤلفات الأصوليين، بل قد كان الباعث لدى بعض الأصوليين من تأليفه في أصول الفقه إنما هو نصرة عقيدته والدعوة إليها وتكثير سوادها، وتأسيس القواعد الناصرة لها، وإبطال قواعد المخالفين لها، وكل مؤلف لابد أن ينطلق من عقيدته في مؤلفاته ويبني عليها ويتأثر بها ويدعو إليها.
ويتضح ذلك التأثير من خلال الوجوه التالية:
1. تأسيس طائفة من القواعد الأصولية على أصول عقدية؛ كالتحسين والتقبيح عند المعتزلة، ونفي العلة والحكمة عند الأشاعرة، وعصمة الأئمة عند الشيعة.(15/66)
2. تركيب الأدلة، سواء في ذلك النقلية منها أم العقلية.
3. منهج الاعتراض والإبطال لأدلة الآخرين.
4. إنشاء مسائل وبحثها ضمن علم أصول الفقه، وإنما الباعث على ذلك ترسيخ المذهب العقدي وتجليته.
5. إيراد الأمثلة، كالتمثيل للتأويل والمجاز بنفي الصفات وتعطيلها، وهذا أهون الوجوه على الرغم من خطورته.
6. بث طائفة من التصورات المبنية على مناهج كلامية مجافية لمنهج السلف الصالح، وهذا الوجه أخطر الوجوه وأدقها؛ لشدة خفائه وصعوبة حصره، وسعة انتشاره، ومن الأمثلة على ذلك: توهين هيبة نصوص الوحي.
وقد عمت هذه الوجوه وطمت، وتأثر بها ووجد غبارها وسيء آثارها في عامة كتب الأصول، بل حتى في بعض كتب أهل السنة في أصول الفقه، والسبب في ذلك كثرة مؤلفات أهل الكلام الأصولية واتساع انتشارها وما هي عليه من حسن عرض وإتقان ترتيب وتبويب.
وقد انبنى على هذه الوجوه وحصل معها وبها ومنها مفاسد عظيمة، فمن ذلك:
• اتساع باب الجدل، بذكر مسائل لا ثمرة لها، وفرض احتمالات عقلية لا وقوع لها، فضاعت بذلك الأوقات وكلت الأذهان.
• الإغراق في نقد الحدود ونحوها والانشغال بذلك عن كثير من المقاصد.
• تنكب منهج السلف في التعامل مع الحديث والأثر، وهذا يظهر من خلال: الاستكثار من الأدلة العقلية واللغوية، وقلة الاستشهاد بالأحاديث، ومجافاة الآثار، وإيراد الضعيف منها بل الموضوع، وعدم ضبط اللفظ النبوي.(15/67)
• انصراف عامة الطلاب وتنفيرهم عن دراسة علم أصول الفقه؛ حيث صار عسر المأخذ، بعيد الثمرة، صعب المنال.
فهل بعد هذه المفاسد والبلايا العظام نجد من يقول: ليس لأهل السنة منهج وطريقة خاصة بهم في أصول الفقه؟
وقد كان ـ بفضل الله ـ للإمامين ابن تيمية وابن القيم سبق عظيم في التنبيه على هذه المفاسد وأمثالها، وتحرير منهج السلف الصالح والرد على مخالفيهم، وهذا من حفظ الله لدينه، ونصرته لأهل السنة والجماعة.
ومن الاعتبارات التي تنقسم بها المصنفات الأصولية:
اعتبار العقيدة؛ فإن هناك كتبا للأشاعرة، وأخرى للمعتزلة، وأخرى للماتريدية، وأخرى للشيعة، كما أن هناك كتبا لأهل السنة والجماعة، وهذه النسبة إنما جرت نسبة إلى المذهب العقدي لمؤلفيه.
واعتبار المذاهب الفقهية: فهناك كتب أصولية على المذهب الحنفي، وعلى المذهب المالكي، وعلى المذهب الشافعي، وعلى المذهب الحنبلي، وعلى المذهب الظاهري.
ومثل اعتبار التوسع والاختصار: فهناك متون مختصرة، وهناك شروح وحواشٍ، وهناك كتب مطولة.
ومثل اعتبار شمول هذه المؤلفات لمباحث هذا العلم أو الاقتصار على بعضها: فهناك مؤلفات أصولية شاملة لجملة مباحث علم الأصول، وهناك مؤلفات خاصة ببعض المباحث، مثل كتاب: «تنقيح الفهوم في تنقيح صيغ العموم» للعلائي.
وبناء على ما مضى فإن كتاب روضة الناظر يعد:(15/68)
من كتب المتكلمين بالنظر إلى طريقة التأليف ومنهج الكتابة، وهذا واضح في ترتيبه لمسائل الكتاب وفي تقريره للقواعد الأصولية بطريقة كلامية مجردة خالية عن التطبيق الفقهي.
ثم هو من كتب أهل السنة؛ لأن مؤلفه من أهل السنة والجماعة، وقد قرر في كتابه هذا عقيدتهم في أكثر من موضع، كما فعل في الرد على القائلين بالكلام النفسي.
ثم هو من كتب الحنابلة بالنظر إلى المذهب الفقهي، وهذا واضح في عنايته بأقوال الإمام وأحمد وأقوال الحنابلة.
ثم هذا الكتاب يعد من الكتب المتوسطة في هذا الفن؛ فليس هو بالمبسوط كإحكام الآمدي ولا بالمختصر كابن الحاجب، بل هو وسط بينهما.
ثم هو كتاب شامل لجملة مسائل هذا العلم، وليس خاصا ببعضها.
والمقصود ألا نخلط بين هذه الاعتبارات والتقاسيم، أو ندخل بعضها في بعض، وهذا النظر الذي طبقناه على كتاب الروضة يجري على جميع الكتب الأصولية، لا يستثنى منها كتاب.
ختاما: أقول إن تاريخ أصول الفقه ومناهج التأليف فيه لا يزال أرضا خصبة بكرا لمن أراد السير في طريق الحق والبحث عن الحقيقة، والله المستعان.(15/69)
ـ[سؤال حول عذر التأويل .. نرى أن هناك من يقع في بدعة وأحياناً تكون مكفرة ونرى أن العلماء يعذرونه بالتأويل .. وأحياناً لا يعذرونه .. كيف نفرق بين التأويل المقبول والمردود؟ وهل يُعذر المتلبس بالشرك الأكبر بالتأويل؟ ]ـ
لابد عند الحكم على الشخص المعين الذي صدر منه خطأ من مراعاة ضابطين:
الضابط الأول: أن الإثم الواقع على المخالف ليس على رتبة واحدة، بل هو يختلف حسب مرتبة المخالفة، ودرجة دليلها، وأثرها، وحال المخالف.
والواجب حينئذ: النظر في المخالفة بحسب هذه الاعتبارات ثم الحكم على صاحبها على قدر المخالفة.
الضابط الثاني: أن الحكم على الشخص المعين يتوقف على توفر شروط وانتفاء موانع، وهي ثلاثة:
المانع الأول: الإكراه، فيشترط ـ في الحكم على المعين ـ أن يقع الفعل عن إرادة واختيار.
والدليل على ذلك: قوله تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} وقوله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).
المانع الثاني: الجهل، فيشترط ـ في الحكم على المعين ـ إقامة الحجة عليه حتى يعرف أن فعله هذا مخالف للدليل الصحيح.
والدليل على ذلك: قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}.(15/70)
وقيام الحجة "يختلف؛ باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص؛ فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان، وفي بقعة وناحية دون أخرى، كما أنها تقوم على شخص دون آخر؛ إما لعدم عقله وتمييزه، كالصغير والمجنون، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له، فهذا بمنزلة الأصم الذي لا يسمع شيئا ولا يتمكن من الفهم".
المانع الثالث: الخطأ في الاجتهاد وهو التأويل، فيشترط ـ في الحكم على المعين ـ أن تقع منه المخالفة على وجه مذموم.
قال ابن تيمية: "فلا يلزم إذا كان القول كفرا أن يكفر كل من قاله مع الجهل والتأويل".
والدليل على ذلك: قوله تعالى: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم} وقوله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان).
والمتأول المعذور هو الذي توفرت فيه الشروط الآتية:
1. أن يكون من أهل النظر والاجتهاد.
2. أن يكون معه أصل الإيمان بالله سبحانه.
3. أن يكون ذا نية صادقة في طلب الحق وابتغاء الصواب.
4. أن يبذل جهده ووسعه في البحث والنظر.
فهذا وأمثاله لا يقع منه الخطأ إلا فلتة، وهذه تسمى زلة، وهو معذور ـ مهما بلغ خطؤه ـ ثم إن هؤلاء يرجعون إلى الحق متى تبين لهم.
أسأل الله أن يرشدنا إلى أحسن الأقوال والأفعال.(15/71)
ـ[فيعجب المطالع لكتب الفقه من كثرة النواهي الشرعية التي يجد أن جمهور الفقهاء صرفوها عن التحريم إلى الكراهة وكثرة الأوامر الشرعية التي صرفت إلى الإستحباب بحيث يقف طالب العلم حائرا متى يصرف الأمر والنهي عن ظاهره ومتى لا يصرف؟
نرجو من فضيلتكم أن يعطينا ضابطاً جلياً فاصلاً للحالات التي يبقى فيها الأمر والنهي على أصلهما والحالات التي تصرف عن الأصل. ]ـ
أشكرك أخي الكريم على هذا السؤال المهم. وأقول:
الأصل في الأمر والنهي أن يحمل كل منهما على ظاهره، ولا يترك هذا الظاهر إلا بقرينة توجب الصرف عنه.
إلا أن القرائن كثيرة منتشرة.
وهي متفاوتة: تختلف بحسب المسائل، وبحسب الناظرين، ويعتري بعضها الاختلاف ويرد عليه الاجتهاد.
ثم هذه القرائن منها ما هو دليل آخر مستقل، ومنها النقلي والعقلي، ومنها دليل تابع متصل باللفظ.
ومنها: ما يؤخذ من السياق، ومنها ما يعرف من مقصود الشارع وعادته، ومنها ما يدرك بعد جمع النظائر والأشباه.
والتعرف على القرائن يحتاج ولابد إلى معرفة واسعة بالنصوص وما يحيط بها وإلى علم باللغة وبالقواعد الأصولية وقواعد الشريعة الكلية.
فالقرائن إذن بحاجة إلى أصول تُرد إليها وتحكمها، وقواعد كلية تجمعها.
ومسألة القرائن لا تزال بحاجة ماسة إلى دراسة تأصيلية تطبيقية، فهل من مشمر؟
هذا آخر ما يسَّر الله تدوينه إجابة على أسئلة الإخوة المشاركين في ملتقى أهل الحديث نفع الله به وبهم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(15/72)