صحة الشهادة ومدى حجية الصور الفوتوغرافية
المفتي
أحمد هريدى.
ربيع الأول 1389 هجرية - 22 مايو 1969م
المبادئ
1- قول المدعى أمام القاضى لا بينة لى على الدعوى أو ليس عندى شهود عليها سوى أشخاص عينهم.
ثم أحضر شهودا أو أحضر غير من عينهم لا يسمع القاضى ولا يقبل شهادة واحد منهم إذا سمعها عملا بالمادة 191 من القانون 78 سنة 1931 وهذا هو رأى أبى حنيفة.
ويرى الإمام محمد من الحنفية قبول الشهادة فى الصورتين فى الأصح وهو الأرجح فى المذهب.
2- مذهب المالكية فى ذلك أنه إن عجز المدعى نفسه عن البينة ثم أتى ببينة كنت عنه غائبة غيبة بعيدة، وثبت عذره فى عدم الإتيان بها تقبل بينته، كما يرى المالكية أنه إذا سمع القاضى شهوده ثم أراد إحضار بينة أخرى على الدعوى لا يمنع من ذلك وتقبل منه إلا فى حالة ما إذا استوثق القاضى واستقصى ما عند المدعى بكل الطرق اللهم إلا إذا أثبت عذرا لدى القاضى.
3- إذا قدم المدعى شهودا لم تثبت الدعوى بشهادتهم، فطلب المدعى التأجيل لسماع شهادة امرأة واحدة يجوز للقاضى القضاء برفض الدعوى مادامت شهادتها وحدها لا تكفى فى إثبات الدعوى.
4- الشهادة بحق من حقوق العباد يجب أن تكون مسبوقة بدعوى صحيحة شرعا.
5- يشترط فى صحة الشهادة أن تكون موافقة للدعوى نوعا وكما وكيفا وفعلا وانفعالا ووصفا وملكا ونسبة.
فإن اختل شرط من ذلك لا تقبل ولا يحكم بمقتضاها.
6- الشهادة بأقل مما ادعاه المدعى لايقتضى رفض الدعوى ولكن يستوجب الحكم بما شهد به الشهود فقط، وترفض الدعوى بالنسبة للباقى.
7- الموافقة اللفظية بين الدعوى والشهادة ليست ضرورية بل تكفى الموافقة فى المعنى.
8- لا يلزم فى صحة الشهادة أن يبين الشاهد مصدر علمه بما شهد به.
9- للقاضى سؤال الشاهد عن الأزمنة والأمكنة والألوان والأوصاف والتفاصيل التى تتعلق بوقائع الدعوى وحوادثها، كما أن له أن يسأله عن مصدر علمه بما شهد للتوثيق، ومعرفة أنه شهد عن علم لا عن مجرد سماع من الغير أو ظن بما يشهد.
10- إذا أغفل الشاهد بيان مصدر علمه بما شهد ولم يسأله القاضى عن ذلك فإن هذا وحده لا تأثير له فى صحة شهادته، فإذا رد القاضى شهادته لهذا السبب وحده كان ذلك مخالفا للقانون، لأن الأمر فى هذه الحالة لا يخضع لسلطة القاضى فى تقدير الدليل، وإنما يصبح منطويا على مخالفة للقانون.
11- لا يجوز الأخذ بالصور الفوتوغرافية للأوراق والمستندات الكتابية فى حالة عدم وجود أصلها
السؤال
بالطلب المتضمن أن هناك نزاعا مرددا أمام القضاء بإحدى الدول العربية الشقيقة حول ملكية عقار، وأنه يراد استطلاع الرأى لدى الحنفية والمالكية وما تقتضيه أحكام المجلة العدلية فى المسائل الآتية: أولا - إذا استشهد المدعى بشهود توفرت فيهم شروط الشهادة الشرعية وحضر بعض هؤلاء وأدوا الشهادة أمام القاضى، وطلب المدعى التأجيل لحضور الباقيين وسماع شهادتهم.
فهل يجوز للقاضى أن يحكم فى الدعوى دون انتظار لسماع شهادة الشهود الذين لم يحضروا رغم اصرار المدعى على سماع شهادتهم وفى واقعة النزاع استشهد المدعى بثلاثة رجال وسيدة وسمعت المحكمة شهادة الرجال الثلاثة ولم تحضر السيدة وتمسك المدعى بسماع شهادتها وطلب التأجيل لحضورها.
فهل يجوز للقاضى أن يقضى برفض الدعوى دون انتظار لساع شهادة السيدة بمقولة أن شهادتها لا جدوى منها ثانيا - هل ينبغى لاعتبار الشهادة موافقة للدعوى أن يبين الشاهد مصدر علمه بما شهد به ولو لم يطلب إليه القاضى ذلك، فإذا قال الشاهد الدار المتنازع عليها ملك المدعى أو ملك مورثه، فهل يلزم للأخذ بشهادته بيان مصدر علمه بذلك ولو لم يستوضحه القاضى ويطلب إليه البيان ثالثا - ما هو الحكم فى الشريعة الإسلامية بشأن حجية الصورة الشمسية (الفوتوغرافية) كدليل ومدى إمكان الاعتداد بها فى الإثبات فى حالة عدم وجود الأصل الذى أخذت منه الصورة.
وهل يصح قضاء القاضى برفض الاستدلال بالصورة الشمسية فى هذه الحالة مطلقا بمقولة أنها عاطلة عن الحجية ما لم يقدم أصلها
الجواب
عن النقطة لأولى ذكر الفقهاء أن المدعى إذا قال للقاضى - عند طلب البينة منه على دعواه - لا بينة لى على الدعوى.
أو ليس عندى على ما أدعى به سوى فلان وفلان وعد شهودا وعينهم، ثم أحضر شهودا فى الصورة الأولى، أو أحضر غير الذين عينهم فى الصورة الثانية، لا يقبل القاضى شهادة الذين أحضرهم ولا يسمع شهادتهم، ولا تثبت الدعوى بشهادتهم إذا سمعت.
وعللوا ذلك بأن المدعى حين ذكر أن لا بينة له أو ليس عنده شهود يعتبر مكذبا لهؤلاء الشهود الذين أحضرهم.
والمقرر أن من شروط صحة الشهادة عدم تكذيب المدعى لشهوده.
ومن ثم لم تقبل شهادتهم وهذا عند الإمام أبى حنيفة. وقال الإمام محمد بن الحسن تقبل شهادة هؤلاء الشهود لاحتمال أن المدعى قد نسى أولا ثم تذكر ثانيا، فلا يحمل ما صدر منه على التكذيب ومثل ذلك ما إذا قال الشاهد لا شهادة لى على هذه الدعوى ثم شهد عليها بعد ذلك لا تقبل شهادته عند أبى حنيفة وتقبل عند محمد والأصح قول محمد وهو قبول الشهادة.
غير أن المشرع المصرى قد رأى الأخذ بالقول المخالف للأصح، ونص فى المادة رقم 191 من المرسوم بقانون رقم 78 سنة 1931 بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية على منع القضاة من سماع الشهادة فى الصور المذكور، وعدل بذلك عما هو مقرر أساسا فى المادة رقم 280 من هذا القانون من أن يقضى بأرجح الأقوال من مذهب أبى حنيفة سدا لباب التحايل وإحضار الشهود المأجورين ومنعا للفساد بقدر الإمكان، وطبقا للقول الراجح فى مذهب الحنفية يقبل من المدعى فى حادثة الدعوى أى شهود يحضرهم ممن عينهم ومن غيرهم.
أما فى مذهب المالكية فقد جاء فى الجزء الأول من تبصرة الحكام لابن فرحون المالكى صفحة 41 طبع المطبعة البهية بمصر سنة 1302 هجرية ما يأتى مسألة - قال ابن حبيب قال مطرف فى القاضى يتواضع الخصمان عنده الحجج، فيقول لهما اجتهدا فغنى لسن أقيلكما فيضعان حجتهما ويوقع ذلك فى ديوان القاضى.
ثم يريد أحدهما أن يتحول من حجته إلى حجة أخرى فإنى أرى له أن يقبل الناس من حججهم ولا يظفرها عليهم حججا لا ينتقلون عنها إلى غيرها، لأن الرجل قد يضع حجته فيسقط منها كثيرا نسيانا لها أو عجلا أو حصرا.
إلا أن يستوعب أمر الخصمين بالكشف عن أمرهما ويعجزا أنفسهما ويقولا له ليس عندنا من البينة والحجج إلا الذى وضعناه عندك.
ثم إن القاضى وقف ليستشير فى ذلك فحينئذ إن بدا لأحدهما أن ينتقل عن حجته تلك إلى غيرها تكون أنفع له لم يكن له ذلك إلا أن يرى القاضى لذلك وجها ويثبت عنده عذره، فإن أتى ببينة وكان قد عجز نفسه عنها فإن رأى السلطان أن بينته تلك كانت غائبة عنه غيبة بعيدة أو لم يكن يعرف بها قبل ذلك منه ونظر له ما لم يفصل الحكم بينهما إلى أن قال.
قال فضل بن مسلمة قال ابن عبدوس.
حكى ابن القاسم وغيره من أصحاب مالك رضى الله عنه أنه إذا أتى ببينة لم يكن علم بها أنه يقوم بها.
وهذا النص صريح فى أن المدعى إذا قدم بينة على دعواه وسمع القاضى الشهادة ودونها ثم بدا للمدعى أن يحضر ببينة أخرى على الدعوى فإن المذهب أن تقبل منه البينة ولو كان قد عجز نفسه، أو قال ليس عندى سوى ما قدمت من بينة، لأن الرجل قد يترك شهودا له يعرفون حقه ويشهدون به إما نسيانا أو تعجلا أو حصرا بتأثير الخوف والهيبة، أو عدم معرفة منه بهؤلاء الشهود ثم ينكشف له الأمر ولا يستثنى من ذلك إلا حالة واحدة لا يقبل فيها منه البينة الأخرى وهى ما إذا كان القاضى قد استوثق من أمر المدعى واستقصى ما عنده بكل الطرق وعجز المدعى نفسه وقال ليس عندى من الحجج سوى ما قدمت، وحتى فى هذه الحالة إذا بدا للقاضى أن للمدعى عذرا ووجها فيما قرره وصدر منه وثبت عنده عذره فإن له أن يقبل ببنته فى هذه الحالة، وذلك كله ما لم يكن قد فصل فى الدعوى.
ولكن هل أبدى المدعى فى حادثة الدعوى استعداده لتقديم بينة على دعواه غير التى قدمها وطلب إلى القاضى سماع بينته إذا كان قد فعل فقد طلب حقا مشروعا ومقررا لا يجوز حرمانه منه وإن كان قد اقتصر على من استشهد بهم وتمسك فقط بسماع شهادة السيدة التى لم تحضر، وكان القاضى قد رأى - فى تقديره - أن شهادة الرجال الثلاثة غير كافية للإثبات بقطع النظر عن سلامة التقدير أو قابليته للمناقشة فإنه فى هذه الحالة يجوز للقاضى على أساس تقديره أن يقضى برفض الدعوى دون انتظار لسماع شهادة السيدة، لأن شهادتها وحدها لا تكفى لإثبات الدعوى، إذ أن موضوعها ليس مما يقضى فيه بشهادة امرأة واحدة فلا جدوى من سماع شهادتها إذن.
عن النقطة الثانية نص الفقهاء على أن الشهادة إذا كانت بحق من حقوق العباد وجب أن تسبقها دعوى صحيحة شرعا، ووجب لصحتها أن تكون موافقة للدعوى نوعا وكما وكيفا وفعلا وانفعالا ووصفا وملكا ونسبة، فلو ادعى عشرة جنيهات وشهد الشهود عشرين جنيها، أو ادعى سرقة ثوب وشهدوا بغصبه منه، أو ادعى قتل وليه وشهدوا بالضرب، أو ادعى عقارا محدودا بحدود معينة وشهدوا بعقار محدد بحدود أخرى، أو ادعى زواج ابنته فاطمة وشهدوا بزواج أخته زينب لم تكن الشهادة موافقة للدعوى فى جميع هذه الصور.
وبالتالى لا تقبل ولا يحكم بمقتضاها - العناية وتكملة ابن عابدين من باب الدعوى) وليست الموافقة فى اللفظ بين الشهادة والدعوى ضرورية، بل تكفى الموافقة فى المعنى، وليس كل اختلاف بين الشهادة والدعوى يضر ويمنع من قبول الشهادة، فلوا شهدا بأقل مما ادعاه المدعى تقبل ويقضى بما شهدا به من الدعوى وترفض فى الباقى، وليس من عناصر التوافق بين الشهادة والدعوى بيان الشاهد مصدر علمه بما شهد به، لأنه ليس من عناصر الدعوى ووقائعها شئ يتعلق بذلك حتى تلزم موافقة الشهادة فيه.
والقاضى حين يريد التوثق من الشاهد وشهادته والوقوف على مدى معرفته بما يشهد به وتمكنه منه يسأله عن الأزمنة والأمكنة والألوان والأوصاف والتفاصيل التى تتعلق بوقائع الدعوى وحوادثها، كما يسأله عن مصدر علمه بما شهد به للتوثيق ومعرفة أنه يشهد عن علم لا عن مجرد الظن أو بالسماع من الغير، لأن الشهادة بالسماع لا تقبل إلا فى مواضع معينة وفى المادة رقم 182 من المرسوم بقانون رقم 78 سنة 1931 بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية يسأل القاضى الشاهد عن الأزمنة والأمكنة وغيرها وعن طريق علمه بالمشهود به وكيفية وصوله إليه، وعن مجلس الشهادة وغير ذلك مما تبين به درجة شهادته بدون حاجة إلى التزكية وإذا لم يطلب القاضى إلى الشاهد بيان مصدر علمه بما شهد به، ولم يبين الشاهد ذلك من تلقاء نفسه لا تعتبر شهادته مخالفة للدعوى، ولا يقدح فى سلامة شهادته وصحتها إذا كانت قد سلمت من أوجه النقص الأخرى التى تؤثر فى صحتها شرعا.
وإذا كان إغفال شهود المدعى فى حادثة الدعوى بيان مصدر علمهم بما شهدوا به هو وحده السبب فى رد شهادتهم فإن الأمر لا يبقى راجعا إلى سلطة القاضى فى تقدير الدليل، وإنما يصبح منطويا على مخالفة للقانون لأن ذلك لا يستوجب رد الشهادة شرعا كما ذكرنا - بيد أنه وردت فى الوقائع عبارة - إذا قال الشاهد إن الدار ملك المدعى أو ملك مورثه - وقد يؤخذ من هذه العبارة أن الشاهد ذكر أن طريق ملكية المدعى للعقار المتنازع عليه هو إرثه من مورثه وأشار إلى الوفاة والوراثة، فإن كان ذلك صحيحا فإنه يكون واجبا على الشاهد أن يبين وفاة المورث وورثته وملكيته للعين إلى وقت وفاته وتركها ميراثا لورثته ولو لم يسأله القاضى عن ذلك وإذا لم يبين ذلك ويستوفيه على الوجه الذى ذكره الفقهاء تكون شهادته ناقصة وغير صحيحة ولا يعول عليها.
ولا يعتبر هذا بيانا لمصدر علمه بما شهد به، بل هو من صلب الشهادة وتتمها يجب على الشاهد أن يذكره من تلقاء نفسه - تراجع التبصرة لابن فرحون المالكى جزء أول صفحة 199 وتكملة ابن عابدين فى فقه الحنفية جزء أول صفحة 194 وما بعدها طبع المطبعة الأميرية بمصر 1299 هجرية عن النقطة الثالثة اختلف الفقهاء اختلافا كثيرا فى جواز الاعتماد فى الإثبات على الخط والأوراق والمستندات الكتابية والحكم بالحق على ذلك.
فجوزه بعض منهم ومنعه آخرون.
وقد أخذ المشرع المصرى برأى القائلين بالجواز وضمن القوانين الصادرة للمحاكم الشرعية بلوائح ترتيبها والإجراءات المتعلقة بها فى سنة 1897، سنة 1910، سنة 1931 أحكاما واسعة فى الإثبات بالخط والأوراق والمستندات الكتابية وتنظيم الإثبات بها وطرق الطعن فيها.
ولم يكن تصوير المستندات والأوراق الكتابية معروفا من قبل، ومن ثم لم يبن الفقهاء - القائلون بجواز الاعتماد فى الإثبات على الخط والأوراق الكتابية - حكم الاعتماد على الصور الشمسية للأوراق كدليل على الدعوى، ومدى جواز الأخذ بها فى الإثبات.
وقد جرى القضاء فى المحاكم الشرعية على عدم جواز الأخذ بالصور الشمسية للأوراق والمستندات الكتابية فى حالة عدم وجود الأصل، لاحتمال أن يكون قد وقع فى الأصل تزوير على وجه لا يظهر ولا ينكشف فى الصورة كزيادة كلمة أو عبارة تغير مضمون السند أو تغير معنى فيه.
أى أن مبنى إهدار دلالة هذه الصور هو الاحتياط ومنع الضرر.
والشريعة تقتضى ذلك وتوجبه. ومن ثم يكون قضاء القاضى فى حادثة الدعوى برفض الاستدلال بالصورة الشمسية فى حالة عدم وجود أصلها بمقولة أنها عاطلة عن الحجية ما لم يقدم أصلها قضاء صحيحا.
ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال والله.
أعلم(7/288)
احتراف الموسيقى غير مسقط للشهادة
المفتي
أحمد هريدى.
شوال 1389 هجرية - 17 ديسمبر 1969 م
المبادئ
1- يشترط فى الشاهد العدالة الظاهرة.
2- احتراف الموسيقى لا يسقط عدالة الشاهد ولا يسلبه أهلية الشهادة ما لم يصحب ذلك منكرا، أو لم تؤد إلى منكر أو محرم شرعا
السؤال
بالطلب المقدم من السيد / م ع المتضمن أن موسيقيا يمتهن الموسيقى ويتكسب من الألحان - تقدم للشهادة فى محكمة الأحوال الشخصية.
طلب السائل الإفادة عما إذا كانت شهادته تقبل أو لا تقبل
الجواب
يشترط فى الشاهد أن يكون عدلا - لقوله تعالى {وأشهدوا ذوى عدل منكم} والمقصود بالعدالة - هو العدالة الظاهرة، لأن الأصل فى المسلم أن يكون عدلا.
قال صلى الله عليه وسلم المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدودا فى قذف.
واحتراف المسئول عنه للموسيقى لا يسقط عدالته ولا يسلبه أهلية الشهادة.
إذ أن الموسيقى تعتبر نوعا من الفن والمعرفة، ومن ثم لا يكون لها تأثير على قبول الشهادة، والعرف له أثره فى مثل هذا الاعتبار، إذ لم يرد من الشارع نص خاص يجعل احتراف الموسيقى أو تعلمها أو تعليمها منافيا للعدالة مادام لم يصحبها منكر، أو لم تؤد إلى منكر أو محرم.
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال. والله سبحانه وتعالى أعلم(7/289)
الحلف بأيمان المسلمين ليس بطلاق
المفتي
محمد عبده.
جمادى الآخرة 1317 هجرية
المبادئ
1 - الحلف بأيمان المسلمين لا يقع به طلاق لأنه ليس من صيغ الطلاق.
2 - لا يجوز للزوجة أن تمنه نفسها عن زوجها فى هذه الحالة
السؤال
امرأة تدعى على زوجها أنه حلف لها بأيمان المسلمين بجميع الطلاق والعتاق أن لا يفعل الأمر الفلانى وفعله ولا بينة لها وهو ينكر دعواها فهل على تصديقها يكون اليمين المذكور طلاقا ثلاثا أم طلقة واحدة رجعية أم بائنة أو لا يلزمه شىء، وعلى تصديقها يجوز لها أن تمكنه من نفسها مع عملها بحلفه أولا، ولو مكنته يكون عليها إثم أم لا
الجواب
حلف الشخص بأيمان المسلمين فيه بحث مشهور فى أن يقع به طلاق لو نواه أو صرح بشموله له كما فى واقعة السؤال.
فقد صرح جماعة بأنه يقع به طلقة رجعية إن نوى به الطلاق أو صرح بشموله.
كما فى قوله الحالف وقال آخرون لا يقع به شىء، لأنه ليس من صيغ الأيمان الشرعية والأيمان الشرعية والذى يظهر أنه كذلك فهو من اللغو الذى يريد قائله التغليظ على نفسه ويستحق التأديب عليه لأنه إحداث فى الشريعة لما ليس منها.
وعلى كل حال فليس للزوجة أن تمنع نفسها منه ولو علمت حلفه لأنه إن وقع عليه طلاق فهو رجعى ولا إثم عليها إن سلمت نفسها لزوجها.
هذا والله أعلم(7/290)
شهادة ويمين
المفتي
محمد عبده.
رمضان 1317 هجرية
المبادئ
1 - تحليف الشاهد غير جائز عندنا.
2 - لا يشترط اليمين فى صحة الشهادة وإنما يجب ذكر لفظ أشهد.
إلا إذا اتهم القاضى شاهدا فله تحليفه جوازا إذا ألح الخصم فى طلب ذلك.
3 - الحلف بلا داع ممقوت شرعا ومنهى عنه
السؤال
من الدكتور بشارة يوسف فيما إذا كانت الشريعة الإسلامية توجب على الشاهد تأدية اليمين لتكون شهادته مقبولة شرعا.
وإن كان ذلك غير واجب. فهل هو جائز على الإطلاق أو فى أحوال خاصة
الجواب
أما تحليف الشاهد فليس بجائز عندنا ولا تشترط اليمين فى صحة الشهادة.
وإنما يجب لصحة الشهادة ذكر لفظ أشهد فقط إلا إذا اتهم القاضى شاهدا فهل تحليفه جوازا فى حالة التهمة إذا ألح الخصم فى طلب ذلك.
وأما الحلف لغير داع فهو ممقوت شرعا منهى عنه كما فى قوله تعالى {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} البقرة 224، ومن اليمين ما يكون مثبتا لحق أو دافعا لدعوى فمن وجهت إليه فهو مخير بين أن يحلف وبين أن يدع حقه أو يؤدى ما يطالبه به خصمه والله تعالى أعلم(7/291)
لا يحلف المفتى بأن هذا هو الحكم الشرعى
المفتي
محمد عبده.
محرم 1332 هجرية
المبادئ
لا يتوقف العمل بفتوى المفتى على حلفه بأنها الحكم الشرعى لأن منزلته مع الحلف كمنزلته فى عدم الحلف فى قوته والعمل به
السؤال
من جناب الخواجة قسطندى كادينا فى الفتوى التى أعطيت بتاريخ 3 محرم سنة 1322 هجرية 258 فتاوى المتعلقة ببنوة ولد لآخر بإقراره ببنوته على الوجه المسطور بالسؤال المحررة عليه هذا الفتوى.
هل هذه الفتوى نافذة ويعمل بها شرعا ولا يتوقف العمل بها على تحليف المفتى يمينا عليها وتكون منزلتها فى القوة منزلة ما لو حلف المفتى يمينا عليها.
أفيدوا الجواب
الجواب
فتوى المفتى هى إفادته للحكم الشرعى وهو لا شك يعمل به شرعا ولا يتوقف العمل به على حلف المفتى بأن هذا هو الحكم الشرعى لأن منزلته مع الحلف كمنزلته مع عدم الحلف فى قوته والعمل به - كما لا يخفى(7/292)
الحلف بغير الله لا يكون يمينا
المفتي
بكرى الصدفى.
ربيع الأول 1329 هجرية
المبادئ
الحلف بغير الله لا يعتبر يمينا شرعا
السؤال
من حضرة أحمد أفندى أميرة تغيرت على إحدى السيدات المتصلات بها.
فحلفت يمينا بالصيغة الآتية وحياة النبى والبخارى لا ترى وجهى بعد الآن.
فهل هذه اليمين تمنع الأميرة من أن ترى السيدة المحلوف عليها كما كانت من قبل.
وإذا كانت اليمين تمنع فما كفارتها إن رضيت الأميرة عن المحلوف عليها وتريد التكفير عن يمينها أفيدوا الجواب ولكم الثواب
الجواب
فى رد المحتار عن الهداية ما نصه ومن حلف بغير الله تعالى لم يكن حالفا كالنبى والكعبة لقوله عليه الصلاة والسلام (من كان منكم حالفا فليحلف بالله أو ليذر) .
ومن ذلك يعلم أن ما صدر من هذه الأميرة فى حادثة السؤال لا يمنعها من أن ترى المحلوف عليها كما كانت من قبل الأن ذلك ليس يمينا شرعا.
والله تعالى أعلم(7/293)
يمين وكفارة
المفتي
عبد الرحمن قراعة.
جمادى الآخرة 1342 هجرية - 13 يناير 1924 م
المبادئ
من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها كفر عن يمينه وأتى الذى هو خير
السؤال
فى حالف بالله ليفعلن شيئا من الأشياء ثم ظهر له أن غيره خير منه فهل له أن يفعل الذى هو خير ويكفر عن يمينه أولا.
وأى الأمرين أفضل أفعل ما حلف عليه أم عليه ما هو خير منه أفيدوا الجواب
الجواب
فى صحيح الإمام البخارى ما نصه حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن غيلان بن جرير عن أبى بردة عن أبيه قال أتيت النبى صلى الله عليه وسلم فى رهط من الأشعريين استحمله فقال.
والله لا أحملكم وما عندى ما أحملكم عليه قال ثم لبثنا ما شاء الله أن نلبث أتى بثلاث ذود، غر الذرى (بياض فى الجبهة، والأغر الأبيض من كل شىء) (الذود جمع ذادة.
وهى الراحلة من الابل) فحلمنا عليها فلما انطلقنا قلنا أو قال بعضنا والله لا يبارك لنا.
أتينا النبى صلى الله عليه وسلم نستحمله فحلف أن يحملنا ثم حملنا فارجعوا بنا إلى النبى صلى الله عليه وسلم فنذكره فأتيناه فقال ما أنا حملتكم بل الله حملكم وإنى والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يمينى وأتيت الذى هو خير.
أو أتيت الذى هو خير وكفرت عن يمينى انتهى.
وفى شرح الدر أن المحلوف عليه إما فعل أو ترك وكل منهما إما معصية أو واجب كحلفه ليصلين الظهر.
وبره فرض. أو هو أولى من غيره أو غيره أولى منه كحلفه على ترك وطء زوجته شهرا ونحوه وحنثه أولى، أو يستويان كحلفه لا يأكل هذا الخبز مثلا وبره أولى وآية {واحفظوا أيمانكم} تفيد وجوبه - ومن ذلك يعلم الجواب عن هذه الحادثة والله أعلم(7/294)
الحلف بالقرآن أو بآية منه يمين
المفتي
عبد المجيد سليم.
ربيع الثانى 1358 هجرية 31 مايو 1939 م
السؤال
هل الحلف بالقرآن العظيم كالحلف بالله تعالى بحيث ينعقد به اليمين ويأثم الحانث به وتلزمه الكفارة أم لا
الجواب
إطلعنا على هذا السؤال ونفيد أن الأئمة الثلاثة مالكا والشافعى وأحمد وعامة أهل العلم قد ذهبوا إلى أن الحلف بالقرآن أو بأية منه أو بكلام الله يمين.
وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الحلف بالقرآن ليس بيمين.
قال ابن قدامة - من الحنابلة فى المغنى ما نصه وجملته أن الحلف بالقرآن أو بآية منه أو بكلام الله يمين منعقدة تجب الكفارة به بالحنث فيها.
وبهذا قال ابن مسعود والحسن وقتادة ومالك والشافعى وأبو عبيدة وعامة أهل العلم.
وقال أبو حنيفة وأصحابه. ليس بيمين ولا تجب به كفارة فمنهم من زعم أنه مخلوق ومنهم من قال لا يعهد اليمين به ولنا أن القرآن كلام الله وصفه من صفات ذاته فتنعقد اليمين به كما لو قال.
وجلال الله وعظمته. وقولهم هو مخلوق قلنا هذا كلام المتزلة وإنما الخلاف مع الفقهاء.
وقد روى عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال القرآن كلام الله غير المخلوق وقال ابن عباس فى قوله تعالى {قرآنا عربيا غير ذى عوج} الزمر 28، أى غير مخلوق الخ ما قال وقد علل شمس الأئمة السر خس كون الحلف بالقرآن ليس يمينا بأن الناس لم يتعارفوا الحلف بالقرآن فقد جاء فى المبسوط من الجزء السابع صفحة 24 ما خلاصته أنه إذا قال والقرآن لا أقربك لا يكون موليا لأن الناس لم يتعارفوا الحلف بالقرآن والمعتبر فى الأيمان العرف فكل لفظ لم يكن الحلف به متعارفا لا يكون يمينا.
وقد طعن عليه بعض الناس وقالوا القرآن كلام الله تعالى والكلام صفة المتكلم فلماذا لم يجعل الحلف بهذه الصفة يمينا ولكنا نقول.
كلام الله تعالى صفة ولكن الحلف به غير متعارف.
فكان هذا بمنزلة قوله. وعلم الله. وكذلك اختار صاحب الهداية فى تعليل كون الحلف بالقرآن غير يمين على مذهب متقدمى الحنفية أنه غير متعارف ومن أجل ذلك ذهب صاحب فتح القدير إلى أنه يمين لأن العرف الآن الحلف بالقرآن وبهذا يتبين أن الحلف بالقرآن الآن يمين عند الحنفية أيضا للعرف كما قال صاحب الفتح فلا فرق الآن بين الحلف بالقرآن والحلف باسم من أسمائه تعالى وبهذا علم الجواب عن السؤال والله أعلم(7/295)
الحلف بالقرآن
المفتي
حسنين محمد مخلوف.
جمادى الأولى 1365 هجرية - 15 من أبريل 1944 م
المبادئ
1 - الحلف بالقرآن يمين منعقدة تجب الكفارة بالحنث فيها.
2 - كفارتها إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام
السؤال
أقسم شخص يعمل دكتورا على كتاب الله الكريم ألا يشترى الدخان بهذا النص وقد بطل التدخين فعلا فزاد وزنه حتى خاف على قلبه من السمنة فصار يلهث إذا ما جرى أو سار مسرعا أو تحدث مسرعا وقد خاف إخوانه الأطباء عاقبة ذلك فنصحوه بالعودة إلى التدخين.
فهل من كفارة عن ذلك اليمين يوصى بها الدين الحنيف غير صيام الثلاثة أيام
الجواب
وبعد.
فإن الحلف بالقرآن العظيم قد تعارفه الناس فى أيمانهم مثل الحلف بقوله والله العظيم فيكون يمينا لأن القرآن كلام الله تعالى وممن ذهب إلى ذلك محمد بن مقاتل وقال.
وبه أخذ الجمهور وقال فى التفاوى الهندية وبه نأخذ.
واختاره الكمال بن الهمام الحنفى فى فتح القدير (كما فى الدر وحاشية ابن عابدين وقال الإمام ابن قدامة الحنبلى فى المغنى.
إن الحلف بالقرآن يمين منعقدة تجب الكفارة بالحنث فيها وبهذا قال ابن مسعود والحسن وقتادة ومالك والشافعى وأبو عبيدة وعامة أهل العلم مستدلين بأن القرآن كلام الله وصفة من صفات ذاته فتنعقد اليمين به كما لو قال وجلال الله وعظمته) .
وكذلك تعارف الناس وخاصة فى هذه الأزمان الحلف بالمصحف أو وضع اليد عليه وقولهم وحق هذا وقد قال العلامة العينى من الحنفية إنه يمين وأقره صاحب النهر وقال ابن قدامة وإن حلف بالمصحف انعقدت يمينه.
وكان قتادة يحلف بالمصحف ولم يكره ذلك إمامنا (يعنى أحمد بن حنبل) وإسحق لأن الحالف بالمصحف إنما قصد بالحلف المكتوب فيه وهو القرآن فإنه بين دفتى المصحف بإجماع المسلمين انتهى.
والذى يتجه فى النظر أنه يمين منعقدة فإذا حنث الحالف فيها لزمته كفارة اليمين وهى ما ذكر فى قوله تعالى {إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم} المائدة 89، والآية صريحة فى أنه لا يصار إلى الصوم إلا عند العجز عن الأنواع الثلاثة المذكورة قبله وأن الحانث مخير بين هذه الأنواع الثلاثة وأن مصرف النوعين الأولين هم المساكين وهم كما قال فى المغنى الصنفان اللذان تدفع إليهما الزكاة المذكوران فى أول أصنافهم فى قوله تعالى {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} التوبة 60، والفقراء مساكين وزيادة لكون الفقير أشد حاجة من المسكين ولأن الفقر والمسكنة فى غير الزكاة شىء واحد لأنهما جميعا اسم للحاجة إلى مالا بد منه فى الكفاية انتهى.
فذكر المساكين فى آية الكفارة ليدخل فيهم الفقراء بالأولى وهذا قول عند الحنفية كما ذكر فى الهداية فلا يجوز أن تصرف هذه الكفارة لغير المساكين كما هو صريح الآية فلا تصرف لباقى مصراف الزكاة المذكورين فى آية {إنما الصدقات للفقراء} التوبة 60، كما ذكره صاحب المغنى وهو الذى يبنغى التعويل عليه لصراحة آية الكفارة.
فيه والكفارة بالإطعام أن يطعم عشرة مساكين غداء وعشاء فى يوم واحد أو يطعم مسكينا واحدا غداء وعشاء مدة عشرة أيام.
ويجوز أن تكون بأن يملك عشرة مساكين نصف صاع من بر أو صاعا من نمر أن شعير لكل واحد أو يملك مسكينا واحدا كل يوم من العشرة هذا القدر المذكور.
والكفارة بالكسوة أن يكسو عشرة مساكين لكل مسكين ثوب يستر أكثر بدنه.
وجوز الحنفية إعطاء قيمة الطعام والكسوة للمساكين المذكورين لأن المقصود نفعهم وقد تكون القيمة لهم أنفع كما فى الزكاة وصدقة الفطر.
ومنع إخراج القيمة مالك والشافعى وأحمد فإن لم يجد الحانث شيئا من الإطعام والكسوة وعتق الرقبة صام ثلاثة أيام متتابعة.
وأجاز أحمد فى رواية تفريق الأيام وبه قال مالك والشافعى فى أحد قوليه كما نقله فى المغنى.
أما نصف الصاع فقد نقل ابن عابدين فى باب صدقة الفطر أنه قدح وثلث بالكيل المصرى فالربع المصرى وهو أربعة أقداح يكفى عن ثلاث انتهى.
بتصرف. وعلى ذلك. يعطى العشرة المساكين ثلاثة عشرة قدحا وثلث قدح بالكيل المصرى من التمر والشعير وستة أقداح وثلثى قدح من القمح إذا كان الإطعام بطريق التمليك.
أو قيمة ذلك بحسب السعر الحاضر وقت إخراج الكفارة والله تعالى أعلم(7/296)
الحلف بكتاب الله يمين منعقدة تجب فيها الكفارة
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
ذو الحجة 1400 هجرية - 2 نوفمبر 1980 م
المبادئ
1 - الحلف على كتاب الله الكريم يمين بالله تعالى تعارف الناس الحلف به وألفاظ الأيمان يراعى فيها العرف.
2 - متى حنث فى يمينه وجبت عليه كفارة اليمين الواردة فى قوله تعالى {لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم} الخ الآية.
3 - الكفارة واحدة عند الأئمة أبى حنيفة ومالك والشافعى وإحدى الروايات عن الإمام أحمد.
وفى رواية أخرى عنه أنه تجب بكل آية من المصحف كفارة
السؤال
بالطلب المتضمن أن السائل حلف يمينا على كتاب الله الكريم أنه لن يصلح زوجة ابنه فى أى يوم من الأيام إذا زعلت أو غضبت وراحت بيت أبيها، وكان يقصد بهذا اليمين أنه لن يقوم بصلحها من أبيها فى أى يوم نظرا لما حدث بينهما من مشاكل قبل الزواج وبعد الزواج.
وقال إنه ذهب فعلا لصلح زوجة ابنه ذلك لعدم وجود ابنه فى مصر ولم يتم الصلح بينه وبين أبيها.
وطلب السائل الإفادة عن الحكم الشرعى فى هذا اليمين
الجواب
إن الحلف على كتاب الله الكريم يمين بالله تعالى.
فقد تعارف الناس الحلف به.
وألفاظ الأيمان يراعى فيها العرف، وجرت أقوال الفقهاء بذلك قال صاحب مجمع الأنهر وفى الفتح (ولا يخفى أن الحلف على المصحف الآن متعارف فيكون يمينا) وقال العينى (لو حلف على المصحف أو وضع يده عليه أو قال وحق هذا فهو يمين، ولا سيما فى هذا الزمان الذى كثر فيه الحلف) وهو مذهب الأئمة مالك والشافعى وأحمد.
ومن ثم يكون القسم الذى أقسمه الحالف على كتاب الله الكريم بأنه لن يصلح زوجة ابنه إذا زعلت أو غضبت يمينا منعقدة، وتجب فيها الكفارة إذا حنث الحالف.
ولما كان الحالف قد توجه لصلح زوجة ابنه من أبيها فإنه يكون قد فعل المحلوف عليه وحنث بذلك فى يمينه فتجب عليه كفارة اليمين.
وهى المبينة فى قوله تعالى {لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون} المائدة 89، فكفارة اليمين حسبما جاء فى هذه الآية الكريمة هى إطعام عشرة مساكين.
ويجزىء فى إطعام كل مسكين ما يجزىء فى صدقة الفطر، وذلك بإعطاء كل مسكين نصف صاع من قمح (والصاع بالكيل المصرى قدحان وثلث) ويجوز فى مذهب الإمام أبى حنيفة إخراج القيمة نقدا.
فإن لم يطعم العشرة المساكين فليكسهم الكساء المتعارف الذى تجوز فيه الصلاة.
فإن لم يستطيع الطعام ولا الكسوة فليصم ثلاثة أيام متتاليات.
وهى كفارة واحدة عند الأئمة أبى حنيفة ومالك والشافعى وإحدى الروايات عن الإمام أحمد.
وعنه رواية أخرى أنه تجب على من حلف بالمصحف وحنث فى يمينه بكل آية منه كفارة.
والأخذ بما اتفق عليه الأئمة الثلاثة والرواية الأولى عن الإمام أحمد أولى.
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/297)
اقرار بأخوه فى الرضاع
المفتي
محمد عبده.
جمادى الآخرة 1317 هجرية
المبادئ
الإقرار بالرضاع لا يقبل الرجوع فيه
السؤال
رجل أقر بأن زيدا أخوه من الرضاع وأنه رضع من والدة المقر فى زمن الرضاع الشرعى زيادة عن خمس رضعات متفرقات مشبعات وثبت المقر على ذلك وصدق بصريح التصديق على الوجه المسطور أمام شهود عدول ثم جحد ذلك الرضاع والثبات والتصديق.
فهل ينفعه جحوده بعد ذلك ويحل له تزوج بنت أخيه المذكورة أم كيف الحال
الجواب
حيث أقر هذا الرجل بالرضاع المذكور وأصر على ذلك ودام عليه وأشهد على نفسه بالإقرار، فلا يقبل رجوعه عنه، ولا يجوز له أن يتزوج بنت أخيه رضاعا المذكورة لثبوت الحرمة بذلك والله أعلم(7/298)
اقرار بالنسب من المحجور عليه للسفه
المفتي
محمد بخيت.
ذى القعدة 1337 هجرية 4 أغسطس 1919 م
المبادئ
1 - الحجر بسبب السفه والتبذير لا تأثير له على الإقرار بالنسب مادام المقر له بالنسب طفلا يولد مثله لمثل المقر وكان مجهول النسب معروف الأم.
2 - تجب عليه النفقة شرعا لذوى قرباه.
فإذا طلب مالا من القاضى لذلك أجابه القاضى إليه.
ولكن لا يعطيه المال بل يدفع إلى ذوى قرباه بشرط قيام الدليل على القرابة والإعسار.
3 - لا يصدق المحجور عليه للسفه فى إقراره بالنسب إذا كان رجلا إلا فى أربعة أشياء، فى الولد والوالد والزوجة ومولى العتاقة ولا يصدق فيما عدا ذلك
السؤال
من الشيخ محمد الطاهر فى رجل قد حجر عليه لسفهه وتبذيره الفائق الحدود وسوء تصرفه وسوء سيرته وما هو عليه من الخلل فى قواه العقلية وقد أقر ببنوة ولد له معروف الأم فقط.
هل يؤاخذ بإقراره هذا أم يثبت نسب الولد منه أم لا أفيدوا الجواب
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال وعلى الإعلام الصادر من ديوان البطركخانة المارونية فى 15 يوليو سنة 1912 وتبين أن البطركخانة المذكورة حجرت على الخواجة نجيب خليل دى صعب عن جميع التصرفات الشرعية بأمواله وممتلكاته.
وحيث إنها قالت فى أسباب الحجر (وحيث لدى المذكرة السرية قد أجمع رأى أعضاء ديواننا المشار إليه بوجوب الحكم بالحجر على نجيب المدعى عليه بسبب ما ثبت وما هو مشهور عنه عند العموم من السفه والتبذير وسوء التصرف الغير المنطبق على المعقول واستمراره الظاهر حتى الآن على ذلك محافظة عليه وعلى ثروته الخ) وحينئذ يكون محجورا عليه بسبب السفه وحيث كان كذلك فيكون إقراره ببنوة الولد المذكور صحيحا شرعا متى كان يولد مثله لمثله كما نص على ذلك فى الفتاوى الهندية بصحيفة 59 جزء خامس حيث قال مانصه وإن طلب (أى المحجور عليه للسفه) من القاضى مالا يصل به قرابته الذين يجبر على نفقتهم أجابه إلى ذلك.
ولكن القاضى لا يدفع المال إليه بل يدفعه بنفسه إلى ذوى الرحم المحرم منه ولا ينبغى للقاضى أن يأخذ بقوله فى ذلك حتى تقوم البينة على القرابة وعسرة القريب كذا فى المبسوط قال ولا يصدق السفيه فى إقراره بالنسب إذا كان رجلا إلا فى أربعة أشياء.
فى الولد والزوجة ومولى العتاقة.
فأما فيما عدا ذلك لا يصدق. ومثل ذلك فى تقرير المرحوم العلامة الشيخ الرافعى نقلا عن العناية شرح الهداية بصحيفة 281 جزء ثان(7/299)
ماتدخره الزوجة من مصروف المنزل ملك لها
المفتي
عبد المجيد سليم.
رمضان 1347 هجرية 7 مارس 1929 م
المبادئ
1 - المبالغ التى توفرها الزوجة من مصروف يدها ملك لها خاصة إذا كان تمليك الزوج لهذه المبالغ لها تمليكا صحيحا فى حال صحته وقبضها لذلك.
2 - إذا أقر الزوج لزوجته بأشياء موجودة بالمنزل وقت الإقرار كان إقراره صحيحا، وتكون الأشياء ملكا للزوجة المقر لها بهذه الأشياء، حسب إقراره بذلك
السؤال
تزوج شخص بسيدة ودفع لها معجل صداقها.
ثم ملكها مبلغا من المال بمقتضى إقرار أمام شهود لتجهيز نفسها من ملابس وحليات ومجوهرات وقد أقر الزوج حال صحته بأن جميع أساسات المنزل والمفروشات والفضيات ملك لتلك الزوجة.
وقد اقتصدت الزوجة لنفسها مبلغ من المصاريف الشهرية التى كان يعطيها لها زوجها المذكور.
فهل المال الذى ملكه الزوج لزوجته لتجهز به نفسها وكذلك الفضيات وجميع أثاث المنزل وكذلك المجوهرات.
يكون ملكا للزوجة المذكورة.
وكذلك المبلغ الذى اقتصدته من مصروف منزلها.
أم تكون هذه الأشياء ضمن تركته. وهل للورثة حق الرجوع إليها فى ذلك أم لا
الجواب
نفيد أن المال الذى ملكه الزوج لزوجته المذكورة لتجهز به نفسها من ملابس وحليات ومجوهرات وخلاف ذلك والمبالغ التى اقتصدتها ووفرتها من مصروف يدها كما ذكر بالسؤال ملك لها خاصة، وليس لأحد من ورثته معارضتها فى ذلك إذا كان تمليكه هذه المبالغ لها تمليكا صحيحا فى حال صحته الموجودة بالمنزل وقت الإقرار، فإنها تكون ملكا لزوجته المذكورة المقر لها بهذه الأشياء حسب إقراره بذلك، فليس لأحد من ورثته حق فيها أيضا كما يعلم ذلك من الرجوع غلى باب الإقرار من كتاب تنقيح الحامدية.
وهذا حيث كان الحال كما ذكر فى السؤال.
والله أعلم(7/300)
انكار الزوجية بعد الاقرار بها غير معتبر
المفتي
عبد المجيد سليم.
رجب 1348 هجرية 17 ديسمبر 1929 م
المبادئ
إذا أقر المسلم رسميا بزوجته بامرأة مسلمة وأنه دخل بها ثم أنكر ذلك رسميا فلا عبرة بإنكاره بعد إقراره
السؤال
اعترف رجل مسلم أمام هيئة رسمية بزواجه بامرأة مسلمة أيضا واعترف بالدخول بها ومعاشرتها معاشرة الأزواج.
وقد صادقته هى ووالدها وخالها على ذلك ثم رجع أمام هيئة رسمية أخرى وأنكر كل ذلك وقال إنه كان وعدا بزواج.
لا غير. فهل إنكاره بعد الاعتراف له أثره وقيمته أم لا
الجواب
إذا كان الأمر كما ذكر بالسؤال فلا اعتبار شرعا لإنكار المقر بعد إقراره المذكور والله تعالى أعلم(7/301)
اقرار المورث بدين لبعض الورثة
المفتي
حسنين محمد مخلوف.
ذو الحجة 1372 هجرية - 18 أغسطس 1953م
المبادئ
الإقرار لبعض الورثة بدين لا سبب له بمحرر باطل ما لم يجزه بقية الورثة.
2- القول بتنفيذ الإقرار بالدين للوارث من ثلث المال بلا إجازة الورثة عملا بالمادة 37 من القانون 71 سنة 1946 غير صحيح، لأن الوصية غير الإقرار بالدين.
3- إجازة الورثة له يخرجه من التركة جميعها قبل الوصية الواجبة والميراث
السؤال
توفى شخص فى 17/11/1948 وانحصر ميراثه الشرعى فى أولاده الذكور والإناث، وفى بنت ابنه المتوفى قبله - وقد ترك المتوفى المذكور أطيانا مقدارها 20 فدانا و11 قيراطا ومنقولات وخلافها - استحقت بنت ابنه مقدار الوصية الواجبة وقدره 9ر1 علما بأنه مديون دينا بعضه مضمون ببعض ما تركه من أطيان وديونا أخرى عادية، ومقدار هذه الديون 654 جنيها و 835 مليما وقت الوفاة بما فى ذلك مبلغ 450 جنيها بكمبيالة محررة من المورث فى مرض الوفاة إلى أحد أولاده قابلة للطعن، لأنها وصية اختيارية والقاصرة وصيتها واجبة، كما أن مقدار ثمن الأطيان وخلافها المتروكة 7868 جنيها و 860 مليما - فهل ما تأخذه بنت الابن يتأثر بهذه الديون أم لا
الجواب
اطلعنا على السؤال، والجواب - أنه إذا كان هذا المتوفى قد حرر فى مرض موته السند المنوه عنه بالسؤال (الكمبيالة) لابنه م.
ع بالمبلغ المذكور فيه ولم يكن لهذا الدين سبب سوى هذا الإقرار كان الإقرار باطلا ما لم يجزه بقية الورثة، لكونه إقرارا بدين لوارث وهو لا يجوز لحديث (لاوصية لوارث) قال صاحب التكملة (إن نفى الوصية فى الحديث يدل على نفى الإقرار بالطريق الأولى، لأن بالوصية إنما يذهب ثلث المال وبالإقرار يذهب كله فإبطالها للإقرار بالأولى كما فى المنبع) انتهى - وهذا يدل على أن الإقرار غير الوصية.
إذ هو إخبار وحكاية وهى إنشاء تمليك فلا يصح القول بأن هذا الإقرار ينفذ للوارث من ثلث المال بلا إجازة الورثة عملا بالمادة 37 من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946.
لأن حكم هذه المادة خاص بالوصية وهى غير الإقرار كما أسلفنا، وعلى هذا إذا لم يجز باقى الورثة هذا الإقرار يعتبر كأن لم يكن، ولا تتأثر به الوصية الواجبة ولا أنصباء الورثة، أما إذا أجازوه فيخرج من التركة قبل الوصية الواجبة والميراث.
والله تعالى أعلم(7/302)
الاقرار بالبنوة
المفتي
حسن مأمون.
شعبان 1376 هجرية - 26 مارس 1957 م
المبادئ
1- اشترط الفقهاء فى صحة الإقرار بالبنوة أن يكون المقر له مجهول النسب، وأن يولد مثله لمثل المقر، وأن يصدقه المقر له إن كان من أهل التمييز.
2- يجب أن يراقب الناس ربهم، فلا يلحقون بهم أبناء غير شرعيين يضاربهم ذوو ارحامهم.
3- الفقه الإسلامى الذ1ى قضى بصحة الإقرار ببنوة من كان مجهول النسب راعى فى ذلك حمل حال المسلمين على الصلاح، وأن المقر لم يفعل ذلك إلا وهو مستوثق أن الولد ابنه شرعا.
4- أخذ ولد من ملجأ اللقطاء والإقرار ببنوته بقصد الإضرار بالورثة بعد الوفاة لا يتفق مع روح الإسلام وتعاليمه وإبطاله للتبنى.
5- بناء الأحكام على ما هو الحق والعدل خير من بنائها على قول يقوله الناس ويدعونه زورا وبهتانا.
6- الإقرار بالبنوة متى توفرت شروطه صحيح ويعامل المقر له معاملة الابن من النسب
السؤال
هل الإقرار بالبنوة يقتضى أن تقوم الزوجة برفع دعوى ضد زوجها تطالبه فيها بثبوت نسب ولد مجهول النسب منه، لأنها زوجته رزقت منه بهذا الطفل على فراش الزوجية الصحيحة وأن يصادق الزوج على جميع وقائع الدعوى حتى يمكن الحكم لها بثبوت النسب.
2- هل الإقرار بالبنوة بأية طريقة من الطرق الشرعية تتيح للمقرين بالبنوة والمقر لهم استخراج شهادة بأسمائهم.
3- كيف يكون الإقرار بالبنوة وثبوت النسب
الجواب
إن الفقهاء قد اشترطوا فى صحة الإقرار بالبنوة شروطا ثلاثة وهى: أولا - أن يكون المقر له مجهول النسب، فلا يصح الإقرار ببنوة ولد نسبه معروف.
ثانيا - أن يكون الولد المقر له بحيث يولد مثله لمثل المقر.
ثالثا - أن يصدق المقر له المقر فى إقراره إن كان المقر له أهلا للتمييز فإن كان صغيرا غير أهل للتمييز صح الإقرار بتوفر الشرطين الأولين فقط.
وقد قلنا فى هذه الفتوى أيضا ويجب أن يراقب الناس الله سبحانه وتعالى فلا يلحقون بهم أبناء غير شرعيين حتى لا يدخلوا فى عائلتهم من لا يمت إليها بصلة النسب الصحيح - والفقه الإسلامى الذى قضى بصحة الإقرار بالبنوة لمن كان مجهول النسب قد راعى فى ذلك حمل حالة المسلمين على الصلاح، وأن المقر بالنسب لم يقر به إلا وهو مستوثق من أن الولد الذى اقر ببنوته ابنه شرعا، ولم يقصد من ذلك أن يضار الرجل ذوى رحمه وأقاربه ويكيد لهم ويحرمهم من الإرث عن طريق إقراره بنسب ولد مجهول النسب وهو فى الواقع ليس ابنا له، فما يفعله الناس من أخذ ولد مجهول النسب من ملجأ اللقطاء وإقرارهم ببنوته إقرارا له آثاره من ناحية القضاء للإضرار بمن يستحقون الإرث فيهم بعد وفاتهم لا يتفق مع روح الإسلام وتعاليمه.
فلنتق الله كل من يريد تغيير حكم الله، ومن يعترض على ما قضى به الإسلام من إبطال التبنى بدعوى أن نظام التبنى معمول به عند الأمم الأخرى، فإن بناء الأحكام على ما هو الحق والعدل خير من بنائها على قول يقوله الناس ويدعونه زورا وبهتانا.
وهذا لا يتعارض مع كفالة اليتامى والفقراء ورعايتهم والإنفاق عليهم وتربيتهم من غير أن يترتب عليها ما يترتب من حقوق للأبناء على الآباء وللآباء على الأبناء فإذا كان الطفل المشار إليه فى السؤال.
والموصوف من السائل بأنه مجهول الوالدين ليس ابنا فى الحقيقة والواقع للسائل، ولم تلده زوجته، وإنما قصدا معا أن يتخذاه ولدا لهما ويريدان أن يتبينا طريق ذلك بهذا السؤال كان ذلك منهم منافيا لروح الشريعة الإسلامية، لما فيه من الإضرار بمن يرثانهما بعد وفاتهما ويسعهما أن ينفعاه من طريق الوصية له بما لا يزيد على ثلث التركة، وهذا لا يمنع من أن الإقرار بالبنوة متى توفرت شروطه صحيح، ويعامل المقر له معاملة الابن من النسب من ناحية وجوب النفقة والإرث وغيرهما من الحقوق التى تثبت للابن على أبيه وأمه وللوالدين عليه طبقا للراجح من مذهب الإمام أبى حنيفة، ويكفى فيد صدور إشهاد به من الزوجين أمام الجهة المختصة يعترفان فيه بأنه ابنهما والله أعلم(7/303)
اقرار بطلاق بائن قبل الدخول والخلوة وأنه الثالث
المفتي
حسن مأمون.
رجب 1377 هجرية - 26 يناير 1957 م
المبادئ
1- إقرار الرجل فى إشهاد طلاقه لزوجته قبل الدخول والخلوة أنه الثالث لسبقه باثنتين غير مقيدتين قبل هذا التاريخ تبين به منه بينونة صغرى فقط بإقراره الأول، ولا يقع الثانى والثالث الذى وثقه المأذون، لأن الزوجية انقطعت بالأول البائن، ولم تصبح بعده محلا لإيقاع الطلاق عليها.
2- توثيق المأذون هذا الإشهاد ووصفه بأنه الثالث غير صحيح شرعا، ويجوز له العقد عليها برضاها، ويملك به عليها طلقتين
السؤال
بالطلب أن رجلا ذهب إلى مأذون السيدة زينب، وطلق زوجته البكر قبل الدخول والخلوة الطلاق المكمل للثلاث بعد إقراره فى الإشهاد بأنه طلقها قبل ذلك طلاقين غير مقيدين وأن المأذون أثبت هذا الطلاق، وفهم الرجل المطلق بأنها بانت منه بينونة كبرى، لا تحل له بعد حتى تنكح زوجا غيره.
وسأل هل يجوز لهذا الزوج أن يعيد زوجته هذه إلى عصمته
الجواب
إن المطلقة قبل الدخول بها والخلوة تبين من زوجها بينونة صغرى لا تحل له من بعد إلا بعقد ومهر جديدين بإذنها ورضاها وبإقرار م.
ع بتاريخ 30 ديسمبر سنة 1957 بأنه طلق زوجته م. ط قبل الدخول والخلوة طلاقين غير مقيدين قبل هذا التاريخ، تبين منه زوجته هذه بينونة صغرى بالأول منهما، فلا يلحقها الطلاق الثانى الذى أقر به ولا الطلق الثالث الذى وثقه المأذون، لأن الزوجية انقطعت بالطلاق الأول البائن، ولم تصبح الزوجة محلا لإيقاع الطلاق عليها فلا يلحقها واحد منهما ويلغو كل منهما، ومن ثم يكون توثيق المأذون هذا الطلاق الأخير ووصفه بأنه الطلاق المكمل للثلاث غير صحيح شرعا، ويكون لهذا المطلق شرعا الحق فى إعادتها إلى عصمته بعقد ومهر جديدين فإذنها ورضاها بما تبقى له عليها من الطلاق وهو طلقتان فقط وبهذا علم الجواب عن السؤال والله أعلم(7/304)
اقرار رجل ببنوة ولد من زوجة ونفيها هى لذلك
المفتي
حسن مأمون.
رمضان 1377 هجرية - 29 مارس 1958 م
المبادئ
1- إقرار الرجل بولد من زوجة معينة ومصادقتها له فى ذلك يقتضى ثبوت نسبه منهما وزوجيتها له ولو كانت مصادقتها له بعد وفاته، ويرثان هذا الرجل ويرثهما عند وفاة أى منهما.
2- إذا لم تصادقه الزوجة ولو بعد وفاته يثبت نسبه منه وحده ويتوارثان بهذه العلاقة، ولا توارث بين الرجل والمرأة لعدم وجود سبب يقتضيه.
3- إذا أقامت المرأة حجة على ولادتها للولد ولو شهادة قابلة ثبت نسبه منها ويتوارثان، ولا أثر لثبوت الزوجية بذلك بين الرجل والمرأة لجواز أن يكون ذك من وطء بشبهة.
4- إذا لم تشهد القابلة بذلك صح إقرارها به، لأن الإلزام فيه على نفسها دون غيرها ويجرى التوارث بينهما، ولكن لايقضى بنسبه منها لأنه لا يثبت بلا حجة وأدناها شهادة القابلة
السؤال
من السيد الأستاذ.
المحامى بالسودان بالطلب المتضمن أن امرأة ادعت على رجل أنه أخذ ابنها البالغ عمره خمس سنوات، وطلبت من المحكمة الشرعية الحكم لها عليه برده ومنعه من التعرض لها فيه، وأجاب الرجل عن دعواها بأن الولد ابنه منها من فراش زواج شرعى وأنه طفلهما وأنها غير مستقيمة فلا تستحق حضانته شرعا وأنكرت هى زوجيتها منه، وقررت أن الولد ابنها من الزنا وليس له أب معروف، وإنها لم تكن فى عصمته بزواج شرعى وقت اتصال المدعى عليه بها، فكلفت المحكمة الرجل بإثبات زواجه بها، وقبل أن يحضر شهوده توفى بصدمة كهرباء.
فطالب إخواته لأبيه وإخواته لأمه شركة النور بتعويض عن وفاته، لأنه كان يساعدهم فى نفقات من تلزمهم نفقتهم ولم يذكروا الابن المتنازع عليه، لأنهم لا يعلمون أن المتوفى كان زوجا لأمه، فحكمت المحكمة لهم بتعويض قدره 1250 جنيها.
ويسأل هل هذا الولد ابن شرعى للمتوفى، وهل التعويض المذكور تركة عنه تقسم بين ورثته قسمة الميراث
الجواب
عن هذا الاستفتاء يقتضينا التقديم له بالنصوص الفقهية الكاشفة حكم هذه الحادثة فنقول جاء فى الزيلعى ج 5 ص 27 ما ملخصه وصح إقراره بالولد لأنه إقرار على نفسه وليس فيه حمل النسب على الغير وشرطه أن يكون الولد مجهول النسب يولد مثله لمثله، وأن يصدقه الغلام لأن الحق له فلا يثبت بدون تصديق إذا كان مميزا، فإن كان لا يعبر عن نفسه لا يعتبر تصديقه لأنه فى يد غيره، وذلك لأن النسب من الحوائج الأصلية وهو إقرار على نفسه، وليس فيه ضرر على غيره قصدا فيصح ويثبت النسب، وكما صح إقراره بالولد على الوجه السابق يصح إقراره بالزوجية لأن موجب إقراره يثبت بينهما يتصادقهما على غير إضرار بأحد فينفذا إذا صدقته، وكانت خالية من الأزواج وعدتهم، ولم يكن تحته لأختها أو أربع سواها، كما يصح إقرارها بالولد إن شهدت لها القابلة أو صدقها الزوج، لأن قول القابلة حجة تعيين الولد - والنسب يثبت بالفراش.
لقوله عليه السلام (الولد للفراش وللعاهر الحجر) فإذا صدقها فقد أقر به فلزمهما بالإقرار له - وهذا إذا كانت ذات زوج أو معتدة وادعت أن الولد منه، لأن فيه تحميل النسب عليه فلا يلزمه بقولها، أما إذا لم يكن لها زوج ولا هى معتدة أو كان لها زوج وادعت أن الولد من غيره صح إقرارها، لأن الإلزام فيه على نفسها دون غيرها فينفذ عليها ويتوارثان.
إذا لم يكن لها وراث معروف، لأنه اعتبر إقرارها فى حق نفسها ولا يقضى بالنسب، لأنه لا يثبت بدون الحجة وهى شهادة القابلة فإن شهدت لها وصدقها الولد يثبت نسبه منها، وكذلك إذا لم تشهد لها القابلة وقد صدقها زوجها فيه ثبت النسب منهما، لأنه يثبت بتصادقهما لعدم تعديه إلي غيرهما كذا فى شرح الكافى انتهى.
وجاء فى البحر ج 4 ص 165 ومن قال لغلام هو ابنى ومات فقالت أمه أنا امرأته وهو ابنه يرثان استحسانا، لأن المسألة فيما إذا كانت معروفة بالحرية وبكونها أم الغلام والنكاح الصحيح هو المتعين وضعا وعادة، لأنه الموضوع لحصول الإدلاء دون غيره.
وفى غاية البيان أنه ليس من الإقتضاء فى شئ، لأن المقتضى وهو النسب يصح بلا ثبوت المقتضى وهو النكاح بأن يكون الوطء بشبهة أو تكون أم ولده فلم يفتقر النسب فى ثبوته إلى النكاح لا محالة فمما سبق من النصوص يتضح أن الحكم فى هذه الحالة يختلف فى حالتى مصادقة هذه المرأة على زوجيتها من هذا الرجل وعدم مصادقتها.
ففى الحالة الأولى وهى حالة مصادقتها على زوجيتها منه ورزقها بالولد على فراش هذه الزوجية ولو جاءت هذه المصادقة منها بعد وفاته يكون هذا الولد موضوع النزاع ابنا لهذا الرجل من هذه المرأة ويغتفر تناقضها فى الإقرارين حفظا لكيان الولد واحتياطا لإثبات نسبه.
ويجرى التوارث بينهما وبين هذا الرجل بصفتها زوجة له فى هذه الحالة.
وفى الحالة الثانية وهى حالة عدم مصادقتها على زوجيتها منه بعد وفاته يكون لهذا الولد معهما حكمان مختلفان فبالنسبة للرجل يثبت نسب الولد منه وحده ويرثه الولد ميراث الابن، لأن إقرار الرجل به فى هذه الحالة استوفى شرائطه الشرعية الموجبة لثبوت نسبه منه، ولا توارث بين الرجل والمرأة حينئذ، لعدم وجود سبب الإرث وهو الزوجية الصحيح.
وبالنسبة للمرأة فإن أقامت حجة على ولادتها له ولو كانت شهادة القابلة ثبت نسبه منها أيضا وورثها ميراث الابن، ولا يترتب على ذلك ثبوت الزوجية بين الرجل والمرأة، لجواز أن يكون الوطء شبهة، كما عزاه صاحب البحر إلى غابة البيان - ومن ثم لا ترثه ميراث زوجة فى هذه الحالة وإن ورث الولد كلا منهما بوصفه ابنا، وإن لم تشهد القابلة صح إقرارها به، لأن الإلزام فيه على نفسها دون غيرها فينفذ عليها ويجرى التوارث بينها وبينه إن لم يكن لها وارث معروف ولا يقضى بنسبه منها، لأنه لا يثبت بدون حجة أدناها شهادة القابلة، هذا بالنسبة لنسب الولد.
وأما بالنسبة لمبلغ التعويض فإنه لا يعتبر تركة عنه تقسيم بين ورثته قمسة الميراث، لأن التركة هى المال الذى يكون مملوكا للمتوفى حين وفاته، ومبلغ التعويض المشار إليه لم يتقرر له إلا بعد وفاته بحكم المحكمة المدنية فلا يعتبر شرعا تركة عنه.
وأما ما يخص الولد فى التعويض. فالظاهر أن هذه المسالة لم تثر فى القضية نظرا لأن المدعين لا يعترفون بالولد، ولو أثيرت وعرفت المحكمة أن للمتوفى ابنا لأدخلته فى مبلغ التعويض ولبينت نصيبه فيه ونصيب غيره - ومع ذلك فيمكن الاطلاع على الحكم ومعرفة أسبابه.
فإن ظهر منها أنها عوضت المدعين عما كان ينفقه عليهم أخوهم قبل وفاته، وقدرت أن هذا المورد قد انقطع وقررت التعويض بالمبلغ الذى ذكرته فى حكمها، فإن هذا المبلغ يكون مستحقا لهم كما حكمت المحكمة، أما إذا كان المبلغ الذى حكمت به لتعويض ورثته بصفتهم ورثة فهنا يكون البحث عن الابن وضرورة إدخاله فى النزاع ليأخذ نصيبه فى التعويض بعد إثبات بنوته له وأنه كان معه وكان يقوم بالإنفاق عليه.
والله أعلم(7/305)
اقرار بانقضاء العدة
المفتي
أحمد هريدى.
ربيع الأول 1381 هجرية - 14 أغسطس 1961 م
المبادئ
لا تصدق المرأة المطلقة بائنا بإقرارها فى محضر بوليس بانقضاء عدتها برؤيتها الحيض ثلاث مرات كوامل بعد الطلاق إلا بعد مضى ستين يوما من تاريخ الطلاق
السؤال
طلبت مديرية أمن المنوفية بكتابها رقم 6124 بيان تاريخ انقضاء عدة السيدة /.
وبعد الاطلاع على إشهاد الطلاق المتضمن أنها طلقت من زوجها السيد/.
طلقة أولى بائنة على البراءة بتاريخ 9 يونيه سنة 1961 بمقتضى الإشهاد رقم 7 لدى مأذون مركز شبين الكوم وعلى محضر البوليس المتضمن أن المطلقة المذكورة رأت الحيضة الثالثة يوم 26/6/1961
الجواب
إن عدة المطلقة تنقضى شرعا.
إما برؤيتها الحيض ثلاث مرات كوامل من تاريخ الطلاق إذا كانت من ذوات الحيض وإما بمضى ثلاثة أشهر من تاريخ الطلاق.
إذا لم تكن من ذوات الحيض، وإما بوضع الحمل إذا كانت حاملا وقت الطلاق.
هذا ولا تصدق المطلقة إلا بعد مضى ستين يوما من تاريخ الطلاق، لأن هذه المدة هى أقل مدة يمكن أن ترى الحيض فها ثلاث مرات، واليوم الذى تطهر فيه من الحيضة الثالثة هو تاريخ انقضاء عدتها على وجه التحديد ولا يعرف ذلك إلا من جهتها هى وبإقرارها ولما كانت المطلقة المذكورة قد قررت بمحضر البوليس بتاريخ 13/7/1961 أن الحيضة الثالثة وفق إخبارها هى سبعة عشر يوما، وهذه المدة لا يمكن أن ترى المرأة فيها الحيض ثلاث مرات كوامل.
إذ أن أقل تاريخ يمكن أن تصدق فيه بانقضاء عدتها هو يوم 9/8/1961 لما سبق بيانه وعلى ذلك فلا تصدق المطلقة المذكورة فيما أخبرت به من أنها رأت الحيضة الثالثة فى 26/6/1961.
والله أعلم(7/306)
الاكراه على الاقرار بالطلاق
المفتي
أحمد هريدى.
29 أبريل 1965م
المبادئ
1- من أكره على الطلاق أو الإقرار به بملجئ كان طلاقه وإقراره غير صحيح شرعا ويترتب عليه أى أثر.
2- من أقر بالطلاق كاذبا وقع طلاقه قضاء لا ديانة.
3- مجرد الضغط من الأقارب على المطلق أو المقر بالطلاق غير مانع من وقوع الطلاق وصحة الإقرار
السؤال
من السيدة/.
بالطلب المتضمن إنه كتبت ورقة بتاريخ 8 يونيه سنة 1963 وقد وقع عليها من زوجها، وقد جاء بها أقر وأعترف أنا أف م بأنى قد طلقت زوجتى السيدة س م ق طلاقا ثلاثا لا رجوع فيه كما أقرر أن هذه الطلقة مسبوقة بطلقتين.
وقد أذنت لمن يشهد على والله خير الشاهدين ثم كتب إقرار آخر صدق على التوقيع فيه بتاريخ 20/4/1965 جاء فيه أقر وأعترف أنا اف م بأننى تحت ضغط وإكراه من عائلتى وزوجتى الأولى بأن الإقرار الذى كتبه عمى وقد وقعت عليه، والذى يتضمن أنى طلقت زوجتى س م ق طلاقا ثلاثا، وهذا الإقرار كتب فى 8 يونيه سنة 1963 أقر وأعترف بأنه لم يصدر منى بنية الطلاق، وأننى منذ زواجنا وأنا أعاشرها معاشرة الأزواج ولم يحدث أنى ألقيت عليها يمين طلاق قبل ذلك التاريخ أو بعده، ولم يصدر منى لفظ الطلاق لا أمامها ولا أمام أية جهة رسمية.
وقد تحرر هذا الإقرار منى بذلك. وطلبت السائلة بيان الحكم الشرعى فى ذلك
الجواب
نص فى مذهب الحنفية على أن من أكره على الإقرار بالطلاق وكان الإكراه مستوفيا لشروطه الشرعية كان ذلك الإقرار غير صحيح لا يترتب عليه أثره.
جاء فى الخانة ولو أكره على أن يقر بالطلاق فأقر لا يقع ومثل ذلك فى الدر المختار ومجمع الأنهر وغيرهما، كما نص على أن من أقر بالطلاق كاذبا وقع طلاقه قضاء لا ديانة.
جاء فى تنقيح الفتاوى الحامدة سئل فى رجل سئل عن زوجته قال أنا طلقتها وعديت عنها، والحال أنه لم يطلقها بل أخبر كاذبا فما الحكم.
وأجاب لا يصدق قضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى.
وفى البحر الإقرار بالطلاق كاذبا يقع قضاء لا ديانة وبمثله أفتى الشيخ إسماعيل والعلامة الخير الرملي - وعلى ذلك فإذا كان الإقرار المشار إليه فى السؤال قد صدر من السائل وهو مكره عليه إكراها ملجئا ممن يقدر عليه، فلا يكون ذلك الإقرار صحيحا ولا تطلق به الزوجة، أما إذا كان الإكراه مجرد ضغط من أقاربه فإن إقراره يكون صحيحا ويقع به الطلاق المبين بالإقرار المذكور، وظاهر من السؤال أن الزوج أقر بالطلاق كاذبا إذ أنه لم يقرر أن إقراره صدر منه بنية الطلاق، وأنه لم يسبق منه طلاق أصلا قبل إقراره فيطبق قضاء وعدم وقوعه ديانة.
فيحل له ديانة أن يعاشر زوجته مادام أنه لم يصل الأمر إلى القضاء.
ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال والله أعلم(7/307)
الاقرار بالطلاق ودعوى الخطأ فيه
المفتي
أحمد هريدى.
7 يونيه 1965 م
المبادئ
1- الإقرار بالطلاق ثم ادعاء الخطأ فيه غير مقبول شرعا إلا في حالة واحدة، وهى ما إذا كان إقرار بالطلاق بناء على فتوى من المفتى ثم تبين عدم الوقوع فإنه لا يقع ديانة ويقع قضاء.
2- لا عبرة بالظن البين خطأه
السؤال
بالطلب المتضمن أن رجلا طلق زوجته طلقتين.
أولاهما في 24/11/1960 وثانيتهما في 24/10/1964 وأنه كان حين صدور هاتين الطلقتين في حالة الغضب الشدي المستحكم وبتاريخ 23 من يناير 1965 طلق زوجته المذكورة بإشهاد رسمى وقرر في إشهاد الطلاق المذكور أنه الطلاق الثالث لسبقه بطلقتين غير موثقتين.
ظنا منه أن اليمينين السابقين على الإشهاد واقعان.
وبعد تحيري الإشهاد بالصفة المذكورة أفهم الزوج أن ما تدون بإشهاد المأذون عن وصف الطلاق لا عبرة به، لأنه غير متفق مع الواقع ولا مع الشرع ولذا فلا يقع إلا بطلاق واحد.
هو الصادر في 23 يناير سنة 1965.
وطلب السائل الإفادة عن حكم الشرع فيما تدون بالإشهاد عن وصف الطلاق بأنه الثالث.
وهل يحل مراجعة زوجته أو أنها قد بانت منه بينونة كبرى
الجواب
نص فى مذهب أبى حنيفة على أنه إذا أقر شخص بشئ - طلاقا أو غيره - ثم ادعى الخطأ في إقراره لم يقبل منه ولم يستثن الفقهاء من ذلك إلا حالة واحدة وهى ما إذا أقر بوقوع الطلاق بناء على فتوى المفتى ثم تبين عدم الوقوع فإنه لا يقع ديانة، جاء في الأشباه والنظائر في باب الإقرار (إذا أقر بشئ ثم ادعى الخطأ لم يقبل كما في الخانة إلا إذا أقر بالطلاق بناء على ما أفتى به المفتى ثم تبين عدم الوقوع فإنه لا يقع كما في جامع الفصولين والقنية) وجاء في تنقيح الحامدة (وإذا أقر بشئ ثم ادعى الخطأ لم يقبل كما في الخانة إلا إذا أقر بالطلاق بناء على ما أفتى به المفتى ثم تبين عدم الوقوع فإنه لا يقع كما في جامع الفصولين والقنية اشباه من كتاب الإقرار - يعنى لا يقع ديانة وبه صرح في القنية منح - وجاء في الأشباه والنظائر في مسائل القاعدة السابعة عشر (لا عبرة بالظن البين خطؤه) ولو أقر بطلاق زوجته ظانا الوقوع بإفتاء المفتى ثم تبين عدمه لم يقع ديانة ويقع قضاء.
كما في القنية.
وبما أن حادثة السؤال تندرج تحت النصوص المذكورة فلا يصدق الحالف في ادعائه أن إقراره بالطلاق أمام المأذون كان مبينا على ظن تبين خطؤه وهذا في القضاء وإن كان يصدق في الديانة بينه وبين الله.
وبما أن وثيقة الطلاق ورقة رسمية فيما دون بها بخصوص الطلاق وهى مطابقة في الواقع لما أقر به الحالف أمام المأذون إذ أنه قرر ذلك في طلبه.
وعلى ذلك فتكون المطلقة المذكورة قد بانت من زوجها بينونة كبرى لا تحل لمطلقها بعد ذلك حتى تتزوج بآخر زواجا صحيحا شرعا، ويدخل بها الزوج الثانى دخولا حقيقيا ويطلقها بعد ذلك أو يتوفى عنها وتنقضى عدتها منه شرعا.
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال. والله أعلم(7/308)
التبنى والاقرار بالبنوة
المفتي
أحمد هريدى.
24 يونيه 1986 م
المبادئ
1- الإشهاد بالتبنى ليس إقرارا بالبنوة ولا يترتب عليه أى أثر شرعى.
2- يشترط في صحة الإقرار بالبنوة شروط منها ألا يصرح المقر بأن المقر له ابنه من الزنا أو بالتبنى، فإن صرح بهذا أو ذاك كان إقراره باطلا
السؤال
من السيدة ر س ع أنه بتاريخ 28/11/1945 وبموجب إشهاد شرعى أقر كل من س ع ر وزوجته السيدة س خ م على أنفسهما أنهما تبينا البنت روحية التى تبلغ من العمر خمس سنوات تقريبا، وأنهما ينزلانها منزلة البنت لهما من النسب.
وظل هذا الإشهاد قائما إلى أن توفيت والدتها المذكورة، فتقدم والدها المتبنى بطلب إثبات وراثة زوجته المتوفاة وانحصار إرثها فيه وفى بنتها روحية المذكورة.
وتأجلت المادة أخيرا للحصول على فتوى تفيد إن كانت السائلة تستحق الإرث في والدتها أم لا وطلبت الإفادة عن الحكم الشرعى
الجواب
يشترط لتمام صحة الإقرار بالبنوة أن لا يصرح المقر أن المقر له ولده من الزنا أو بالتبنى، فيصح الإقرار إن ذكر فيه أنه ولده من فراش صحيح أو شبهته.
كما يصح أيضا لو لم يبين السبب أصلا ويحمل على أنه يستند إلى الفراش أو شبهته.
أما لو صرح المقر بأن المقر له ولده من الزنا أو أنه بالتبنى فإن الإقرار يقع باطلا وفى حادثة السؤال أقر كل من س ع ر وزوجته السيدة س خ م أنهما تبنيا البنت روحي وأنهما ينزلانها منزلة البنت من النسب وأسمياها بروحية س ع ر وطبقا لمنصوص عليه يعتبر هذا الإقرار منهما قد صرح فيه بالسبب وهو التبنى فيكون باطلا لا يثبت نسبها منهما شرعا إذ هو إقرار بالتبنى لا بالبنوة.
وعلى ذلك فلا توارث بين السائلة وكل من والدها ووالدتها بالتبنى ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/309)
اقرار بالزوجية
المفتي
محمد خاطر.
ذو القعدة 11390 هجرية - 17 يناير 1971م
المبادئ
1- إقرار الوارث بوارث آخر معه يعامل به في حق نفسه أى في المال فقط.
2- رجوع زوجة المتوفى بعد إقرارها بزوجة أخرى له غير صحيح لأنه لا ينصب إلا على المال فقط، وقد تعلق به حق الغير ولا علاقة له بالزوجية
السؤال
بالطلب المتضمن أن السائلة كانت متزوجة من المرحوم م ح ع بتاريخ 4/12/1964 - ثم توفى زوج السائلة المذكور بتاريخ 26/4/1976 وأن للمتوفى المذكور زوجة أخرى وأنه بعد وفاة المتوفى المذكور اعترفت زوجته الأخرى المذكورة بزوجية السائلة للمتوفى وحقها في الميراث فيه وذلك في إشهاد الوفاة والوارثة الصادر بتاريخ 30/7/1967 - ثم عادت زوجة المتوفى الأخرى المذكورة ورجعت عن هذا الإقرار بعد ذلك.
وطلبت السائلة بيان الحكم الشرعى في ميراثها من زوجها المذكور بعد عدول الزوجة الأخرى عن هذا الإقرار، وهل يصح رجوعها عن هذا الإقرار شرعا أم لا يجوز هذا الرجوع
الجواب
فيما يختص بإقرار س ار زوجة المتوفى الأخرى بزوجية اف ح للمتوفى المذكور في إشهاد الوفاة والوراثة المنوه عنه - فإن نصوص الفقهاء بشأن الوارث حين يقر بوارث آخر معه أنه يعامل بإقرار في حق نفسه فقط أى في المال فقط، إذا ما استوفى الإقرار شروط المقررة شرعا ولم تشبه شائبة.
أما الرجوع عن الإقرار بالزوجية الثابت في إشهاد الوفاة والوارثة سالف الذكر.
فقد جاء في كتاب بدائع الصنائع للكاسانى الحنفى الجزء السابع بالصحيفة رقم 233 فى باب الإقرار ما نصه (فأما المال فحق العبد فلا يصح الرجوع فيه) .
وعلى ذلك فيكون رجوع (سعاد) عن إقرارها بصحة زوجية إجلال للمتوفى المذكور هذا الرجوع لا ينصب إلا على المال فقط، لأن إقرارها كما ذكرنا إنما تعامل به في حق نفسها فقط.
أى في المال ولا علاقة له بالزوجية، والرجوع في المال وقد تعلق به حق العبد لا يصح الرجوع فيه كما قرر الفقهاء.
ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال والله أعلم(7/310)
التزام بما لا يلزم المبدأ
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
جمادى الأولى 1399 هجرية - 5 أبريل 1979 م
المبادئ
الإقرار يدفع تعويض عند أقدام المقر على فعل مباح له باطل
السؤال
بالطلب المقدم من السيدة / ع أن المتضمن أن زوجها حرر على نفسه إقرارا تعهد فيه بدفع 5000 خمسة آلاف جنيه مصرى كتعويض إذا حصل فراق بينه وبين زوجته أو تزوج غيرها وأنه بعد قيام المعاشرة الزوجية بينهما أكثر من عشرين عاما طلقها وتزوج بأخرى، وطلبت السائلة الإفادة عما إذا كان فى تنفيذ الإقرار أو الاستناد إليه مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية
الجواب
إن الفقهاء اختلوا فى لزوم الشروط التى يقرها الزوجان بهذا الوصف لمصلحة أحدهما أو يفرضها الزوج على نفسه لزوجته، كما إذا شرط لها أن لا يتزوج عليها أو أن لا ينقلها من بلدها أو أن لا يطلقها فقال فقهاء مذاهب المالكية والحنفية والشافعية إن هذا الشرط لا يلزم الزوج، وقال فقهاء المذهب الحنبلى بلزوم الشرط إذا كان فيه نفع للزوجة، ورتبوا لها الحق فى طلب فسخ عقد الزواج عند عدم الوفاء بمثل هذا الشرط.
لما كان ذلك وكان الزوج فى هذا السؤال قد شرط لزوجته أن لا يفارقها أن لا يتزوج غيرها، فإن خالف هذا الشرط يكون ملزما بأن يدفع لها مبلغا قدره خمسة آلاف من الجنيهات على سبيل التعويض.
وكان الطلاق موكولا شرعا للزوج، وكان القضاء فى مسائل الأحوال الشخصية يجرى فى نطاق القواعد المقررة فى المادة 280 من القانون رقم 78 سنة 1931 بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية، وعمادها أرجح الأقوال فى فقه مذهب أبى حنيفة.
لما كان ذلك كانت الشروط المسئول عنها باطلة لا يلزم بها الزوج إذا أخل بها، ولا يترتب على مخالفته إياها استحقاق ذلك المبلغ المشروط فى نطاق أحكام فقه المذهب الحنفى ومن وافقه لأن الزوج إذا طلق فقد استعمل حقا منوطا به شرعا.
وبهذا علم جواب السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/311)
اقرار بوصية
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
جمادى الآخرة 1399 هجرية - 17 مايو 1979 م
المبادئ
1 - توقيع أحد الورثة بإمضائه شاهدا على الورقة العرفية بالوصية حال حياة الموصية يعتبر معه على علم بما تضمنته ومقرا إقرارا ضمنيا بالتصرف الذى حملته الورقة.
2 - إنكاره بعد ذلك يعتبر بمثابة رجوع منه عن الإقرار وهو باطل لا يقبل منه لتعلقه بحق العباد
السؤال
بالطلب المتضمن أن سيدة قد توفيت عن غير زوج أو ولد، وانحصر إرثها الشرعى فى أختها الشقيقة وابن أخيها الشقيق فقط - وأن هذه السيدة قد أوصت قبيل وفاتها بثلث تركتها لغير وارثين بمقتضى محرر عرفى مشهد عليه مع شهود آخرين (الوكيل الرسمى للأخت الشقيقة وابن الأخ الشقيق) فهل يقبل من ابن الأخ الشقيق الوارث الذى وقع شاهدا على عقد الوصية أن يعود فينكر واقعة الإيصاء مع العلم بأنه مقر بتوقيعه.
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى هذا الموضوع
الجواب
إن الظاهر من السؤال أن الموصية قد أشهدت أحد ورثتها ابن أخيها الشقيق على وصيتها المكتوبة على ورقة عرفية، وأن هذا الوارث قد أقر بعد وفاتها بتوقيعه على هذه الورقة شاهدا، فإذا كان ذلك فهل يقبل منه بعد هذا أن يعود فينكر واقعة الإيصاء التى حوتها الورقة العرفية التى سبق أن وقع عليها بإمضائه بوصفه شاهدا فى حياة الموصية وأنه لما كان الاعتراف بالإمضاء على الورقة العرفية دليلا على علم الموقع بما تضمنته ويعتبر مقرا إقرارا ضمنيا بالتصرف الذى حملته الورقة وقد اعترف فقهاء المذهب الحنفى بالإقرار الضمنى، وأجروا عليه أحكام الإقرار الصريح سواء كان فى مجلس القضاء أو خارجه، ومن هذه الإحكام بطلان الرجوع عن الإقرار المتعلق بحقوق الآدميين - بمعنى أن المقر إذا عاد فأنكر إقراره السابق الصريح أو الضمنى.
كان هذا الإنكار منه رجوعا عن هذا الإقرار فلا يقبل منه، لأن الرجوع عن الإقرار المتعلق بحقوق الناس باطل.
وعلى ذلك ففى واقعة السؤال إذا ثبت أن هذا الوارث قد وعق بإمضائه شاهدا على الورقة العرفية بالوصية حال حياة الموصية فإنه يكون قد علم بالتصرف الذى حوته ويعتبر مقرا به شمنا، فإذا عاد وأنكره لم يقبل منه هذا الإنكار، حيث يكون إنكاره بمثابة رجوع عن الإقرار الضمنى السابق الثابت المتعلق بحقوق العباد، والرجوع عن الإقرار بهذه الحقوق باطل وهذا إذا كان الحال كما ورد بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/312)
علم الغيب
المفتي
عبد المجيد سليم.
ذى الحجة 1333 هجرية - 28 أكتوبر 1915 م
المبادئ
1 - لا يعلم الغيب بجميع أنواعه بالذات علما حقيقيا إلا الله سبحانه وتعالى لا فرق بين الخمس الواردة فى آية {إن الله عنده علم الساعة} الآية وغيرها.
2 - علم غير الله ليس فى حقيقته علما بالغيب بالذات، وإنما هو علم حادث بتعليم الله تعالى.
3 - لا مانع من أن يطلع الله سبحانه من شاء على ما شاء من الغيب ولا يعد ذلك علما بالغيب
السؤال
من الشيخ على على بما صورته فى مسألة أشكلت على أهل الناحية بلدنا (تزمنت الزوايا مركز ومديرية بنى سويف) وهى هل يجوز لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يطلعه الله على الساعة، وعلى الجواز هل ورد ما يثبت ذلك أفيدوا بالجواب ولفضيلتكم الثواب
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال الموضح أعلاه.
ونفيد أنه فى تفسير الآلوسى بصحيفتى 495، 496 فى آخر سورة لقمان عند قوله تعالى {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث} الآية ما نصه وكون المراد اختصاص علم هذه الخمس به عز وجل هو الذى تدل عليه الأحاديث والآثار، فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة رضى الله عنه.
من حديث طويل أنه صلى الله عليه وسلم سئل متى الساعة فقال للسائل ما المسئول عنها بأعلم من السائل وسأخبرك عن أشراطها.
إذا ولدت الأمة ربها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم فى النبيان فى خمس لا يعلمهن إلا الله تعالى.
ثم تلا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث} الآية أى إلى آخر السورة كما فى بعض الروايات وما وقع عند البخارى فى التفسير من قوله إلى الأرحام تقصير من بعض الرواة.
وأخرجا أيضا هما وغيرهما عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس لا يعلمهن إلا الله إن الله عنده علم الساعة الآية.
وظاهر هذه الأخبار يقتضى أن ماعدا هذه الخمس من المغيبات قد يعلمه غيره عز وجل وإليه ذهب من ذهب.
أخرج حميدين زنجوية عن بعض الصحابة رضى الله تعالى عنهم أنه ذكر العلم بوقت الكسوف قبل الظهور فأنكر عليه، فقال إنما الغيب خمس وتلا هذه الآية، وما عدا ذلك غيب يعلمه قوم ويجهله قوم وفى بعض الأخبار ما يدل على أن علم هذه الخمس لم يؤت للنبى صلى الله عليه وسلم، ويلزمه أنه لم يؤت لغيره عليه الصلاة والسلام من باب أولى أخرج أحمد والطبرانى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال أوتيت مفاتيح كل شى إلا الخمس إن الله عنده علم الساعة الآية وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود قال أوتى نبيكم صلى الله تعالى عليه وسلم مفاتيح كل شىء غير الخمس إن الله عنده علم الساعة الآية.
وأخرج ابن مردويه عن على كرم الله وجهه قال لم يغم على نبيكم صلى الله تعالى عليه وسلم إلا الخمس من سرائر الغيب هذه الآية فى آخر لقمان {إن الله عنده علم الساعة} إلى آخر السورة،وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والبخارى فى الأدب عن ربعى بن حراش قال حدثنى رجل من بنى عامر أنه قال يا رسول الله هل بقى من العلم شىء لا نعلمه فقال عليه الصلاة والسلام لقد علمنى الله تعالى خيرا، وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله تعالى الخمس إن الله عنده علم الساعة الآية.
وصرح بعضهم باستئثار الله تعالى بهن، أخرج بن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة أنه قال فى الآية خمس من الغيب استأثر الله تعالى بهن فلم يطلع عليهن ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا إن الله عنده علم الساعة، ولا يدرى أحد من الناس متى تقوم الساعة فى أى سنة ولا فى أى شهر ليلا أم نهارا وينزل الغيث فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث ليلا أم نهارا، ويعلم ما فى الأرحام فلا يعلم أحد ما فى الأرحام ذكرا أم أنثى أحمد أو أسود، ولا تدرى نفس ماذا تكسب غدا أخيرا أم شرا، وما تدرى بأى أرض تموت، ليس أحد من الناس يدرى أين مضجعه من الأرض أفى بحر أم فى بر فى سهل أم فى جبل، والذى ينبغى أن يعلم أن كل غيب لا يعلمه إلا الله عز وجل.
وليست المغيبات محصورة بهذه الخمس وإنما خصت بالذكر لوقوع السؤال عنها، أو لأنها كثيرا ماتشتاق النفوس إلى العلم بها.
وقال القسطلانى ذكر صلى الله تعالى عليه وسلم خمسا وإن كان الغيب لا يتناهى لأن العدد لاينفى زائدا عليه، ولأن هذه الخمسة هى التى كانوا يدعون علمها انتهى - وفى التعليل الأخير نظر لا يخفى، وأنه يجوز أن يطلع الله تعالى بعض أصفيائه على إحدى هذه الخمس ويرزقه عز وجل العلم بذلك فى الجملة، وعلمهما الخاص به جل وعلا ما كان على وجه الإحاطة والشمول لأحوال كل منها وتفصيله على الوجه الأتم.
وفى شرح المناوى الكبير للجامع الصغير فى الكلام على حديث بريدة السابق خمس لا يعلمهن إلا الله على وجه الإحاطة والشمول كليا وجزئيا، فلا ينافى إطلاع الله تعالى بعض خواصه على بعض المغيبات حتى من هذه الخمس لأنها جزئيات معدودة.
وإنكار المعتزلة لذلك مكابرة انتهى - ويعلم مما ذكرنا وجه الجمع بين الأخبار الدالة على استئثار الله تعالى بعلم ذلك وبين ما يدل على خلافه كبعض إخباراته عليه الصلاة والسلام بالغيبات التى هى من هذا القبيل يعلم ذلك من راجع نحو الشفاء والمواهب اللدنية مما ذكر فيه معجزاته صلى الله تعالى عليه وسلم وإخباره عليه الصلاة والسلام بالمغيبات.
وذكر القسطلانى أنه عز وجل إذا أمر بالغيث وسوقه إلى ما شاء من الأماكن علمته الملائكة الموكلون به ومن شاء سبحانه من خلقه عز وجل وكذا إذا أراد تبارك وتعالى خلق شخص فى رحم يعلم سبحانه الملك الموكل بالرحم بما يريد جل وعلا كما يدل عليه ما أخرجه البخارى عن أنس بن مالك عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قال إن الله تعالى وكل بالرحم ملكا يقول يارب نطفة يارب علقة يارب مضغة، فإذا أراد الله تعالى أن يفصى خلقه قال أذكر أم أنثى شقى أم سعيد فما الرزق والأجل فيكتب فى بطن أمه.
فحينئذ يعلم بذلك الملك ومن شاء الله تعالى من خلقه عز وجل.
وهذا لا ينافى الاختصاص والاستئثار بعلم المذكورات بناء على ما سمعت منا من أن المراد بالعلم الذى استأثر سبحانه به العلم الكامل بأحوال كل على التفصيل فما يعلم به الملك ويطلع عليه بعض الخواص يجوز أن يكون دون ذلك العلم.
بل هو كذلك فى الواقع بلاشبهة) انتهى - وفى تفسير القاضى البيضاوى عند قوله تعالى {فلا يظهر على غيبه أحدا} قال أى على الغيب المخصوص به علمه.
وقال الشهاب عليه قوله على الغيب المخصوص به علمه، لإفادة الإضافة الاختصاص.
واختصاصه به تعالى، لأنه لا يعلم بالذات والكنه علما حقيقيا يقينيا بغير سبب كاطلاع الغير إلا الله وعلم غيره لبعضه ليس علما للغيب إلا بحسب الظاهر، وبالنسبة لبعض البشر كما ذكره بعض المحققين انتهى.
ومن ذلك يعلم.
أنه لا يعلم الغيب بجميع أنواعه بالذات علما حقيقيا إلا الله سبحانه وتعالى لا فرق بين الخمس وغير الخمس، وأما علم غيره تعالى فليس فى الحقيقة علما بالغيب بالذات، وإنما هو علم حادث بتعليم الله سبحانه وتعالى وإطلاعه.
ويعلم مما ذكر أنه لا مانع من أن يطلع الله من شاء على ما شاء من الغيب.
ولا يعد ذلك علما بالغيب، وعلى ذلك يجوز أن الله سبحانه وتعالى يطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على الساعة، كما يعلم مما تقدم عن الأولسى من أن ما ذكر لا ينافى إطلاع الله تعالى بعض خواصه على بعض المغيبات حتى من هذه الخمس.
والله أعلم(7/313)
حلقات الذكر
المفتي
محمد بخيت.
جمادى الآخرة 1334 هجرية - 26 أبريل 1916 م
المبادئ
1 - لا يجوز ذكر الله إلا بأسمائه التى وردت فى القرآن الكريم وفى الأحاديث الصحيحة.
2 - الذكر الملحون ليس ذكرا شرعيا فلا ثواب فيه.
3 - يجوز الذكر بلفظ هو، حى مشددا لأنه هو الاسم الذى ورد بلفظه فى القرآن الكريم
السؤال
قوم يذكرون الله تعالى بلا إله إلا الله بمد هاء إله وأحيانا يثبتون ياء فى إله فيقولون إيلاها مع مد الهاء أيضا.
وتارة يذكرون بأه آه ويسمون ذلك باسم الصدر، ويذكرون بحى حى بتخفيف الياء وبمجرد الحلق من غير أن نعرف ما ينطقون به.
والله بقصر اللام، واستندوا فى ذلك كله لكتاب وضعه بعض من المدعى أنه من الشاذلية أباح فيه جميع ماتقدم وعزا ذلك الجواز لابن حجر، فهل يجوز الذكر بهذه الصيغ المذكورة مع اعمتاد ما فى هذا الكتاب وصحة ما نسبه لابن حجر على زعمه أم هو ذكر باطل
الجواب
اتفق جميع أهل العلم سلفا وخلفا على أن الذكر الملحون ليس ذكرا شرعيا فلا ثواب فيه.
وقد نص على ذلك غير واحد كسيدى مصطفى البكرى وأما ما نسب للعلامة ابن حجر فهو برىء منه.
وبناء على ما ذكر لا يجوز الذكر بشىء من الألفاظ المذكورة بهذا السؤال إلا بلفظ هو، ولفظ حى، بشرط تشديد الياء من حى، لأنه هو الاسم يطلق على الله سبحانه وقد ورد بلفظه فى القرآن كذلك.
وقد نص الإمام الرازى فى تفسير قوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون فى أسمائه} الأعراف 180، إن من الإلحاد أن يسمى الله تعالى باسم غير اسمه وجميع أسمائه سبحانه توقيفية.
فلا يجوز أن يذكر الله بمالم يرد إطلاقه عليه فى القرآن والأحاديث الصحيحة.
وأما جميع الألفاظ المذكورة بهذا السؤال فلم يرد واحد منها فى القرآن ولا فى الأحاديث الصحيحة اسما الله تعالى إلا لفظ هو، حى مشددا، ولفظ الجلالة مع مد لامه الثانية مدا طبيعيا مع عدم مد همزة الوصل فى أوله.
وأما مد هاء إله أو إثبات ياء بعد الهمزة فهو لحن محض فلا يجوز الذكر به.
والله تعالى أعلم(7/314)
طوفان نوح
المفتي
محمد عبده.
شوال 1317 هجرية
المبادئ
لا يجوز لشخص مسلم أن ينكر شيئا مما يدل عليه ظاهر الآيات والأحاديث التى صح سندها إلا بدليل عقلى يقطع بأن الظاهر غير مراد
السؤال
ظهر بعض الطلبة ديدنهم البحث فى العلوم الرياضية والخوض فى توهين الأدلة القرآنية وقد قالوا إن الطوفان لم يكن عاما لأنحاء الأرض بل هو خاص بالأرض التى كان بها قوم نوح عليه السلام وأنه بقى ناس فى أرض الصين لم يصبهم الغرق وإن دعاء نوح عليه السلام بهلاك الكافرين لم يكن عاما بل هو خاص بكفار قومه لأنه لم يكن مرسلا إلا إلى قومه بدليل ما صح (وكان كل بنى يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة) فإذا قيل لهم إن الآيات الكريمة ناطقة بخلاف ذلك لقوله تعالى {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} نوح 26، وقوله تعالى {وجعلنا ذريته هم الباقين} الصافات 77، وقوله تعالى {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} هود 43، قالوا هى قابلة للتأويل ولا حجة فيها، وإذا قيل لهم بأن نوحا عليه السلام أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض ويكون عموم بعثته أمرا اتفاقيا لعدم وجود أحد غير قومه ولو وجد غيره لم يكن مرسلا إليهم سخروا واستندوا إلى حكايات أهل الصين، والمطلوب كشف الغطاء عن سر هذا الحادث العظيم والإفادة بما يطمئن إليه القلب
الجواب
أما القرآن الكريم فلم يرد فيه نص قاطع على عمود الطوفان ولا على عمود رسالة نوح عليه السلام، وما ورد من الأحاديث على فرض صحة سنده فهو أحاد ولا يوجب اليقين، والمطلوب فى تقرير مثل هذه الحقائق هو اليقين لا الظن إذا عد اعتقادها من عقائد الدين، أما المؤرخ ومريد الاطلاع فله أن يحصل من الظن ما ترجحه عنده ثقته بالراوى أو المؤرخ أو صاحب الرأى، وما يذكره المؤرخون والمفسدون فى هذه المسألة لا يخرج عن حد الثقة بالرواية أو عدم الثقة بها ولا تتخذ دليلا قطعيا على معتقد دينى أما مسألة عموم الطوفان فى نفسها موضوع نزاع بين أهل الأديان وأهل النظر فى طبقات الأرض، وموضوع خلاف بين مؤرخى الأمم.
أما أهل الكتاب وعلماء الأمة الإسلامية فعلى أن الطوفان كان عاما لكل الأرض ووافقهم على ذلك كثير من أهل النظر، واحتجوا على رأيهم بوجود بعض الأصداف والأسماك المتحجرة فى أعالى الجبال لأن هذه الأشياء مما لا يتكون إلا فى البحر، فظهورها فى رؤوس الجبال دليل على أن الماء صعد إليها مرة من المرات ولن يكون ذلك حتى يكون قد عم الأرض.
ويزعم غالب أهل النظر من المتأخرين أن الطوفان لم يكن عاما ولهم على ذلك شواهد يطول شرحها غير أنه لا يجوز لشخص مسلم أن ينكر قضية أن الطوفان كان عاما لمجرد حكايات عن أهل الصين أو لمجرد احتمال التأويل فى آيات الكتاب العزيز بل على كل من يعتقد بالدين أن لا ينفى شيئا مما يدل عليه ظاهر الآيات والأحاديث إلى صح سندها وينصرف عنها إلى التأويل إلا بدليل عقلى يقطع بأن الظاهر غير مراد.
والوصول إلى ذلك فى مثل هذه المسألة يحتاج إلى بحث طويل وعناء شديد وعلم غزير فى طبقات الأرض وما تحتوى عليه، وذلك يتوقف على علوم شتى عقلية ونقلية ومن هذى برأيه بدن علم يقينى فهو مجازف لا يسمع له قول ولا يسمح له ببث جهالاته والله أعلم(7/315)
أهل الفترة
المفتي
محمد بخيت.
ربيع الأول 1338 هجرية - 25 نوفمبر 1919 م
المبادئ
أهل الفترة مكلفون بالإيمان والتوحيد بمجرد بعثة آدم.
فمن كان منهم مؤمنا بالله وحده كان كافيا
السؤال
من محمد محمد الجزايرى بما صورته نعوذ بالله من معضلة ليس لها إلا العلماء الراسخون فى العلم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله القائل فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون والصلاة والسلام على رسوله محمد الأمين المأمون وعلى آله وأصحابه مادامت السموات والأرضون أما بعد، فهذا سؤال إلى حضرات العلماء الأعلام جعلهم الله نورا للأنام كاشفين من غوامض العلم اللثام ماقولكم دام فضلكم فى رجلين تنازعا فى مسألة غريبة بالنسبة إلى عوام المسلمين فادعى أحدهما أن أهل الفترة ناجون لعدم وجود الرسول وادعى الثانى بأنهم غير ناجين لمجئ الرسل عامة بالتوحيد من لدم آدم إلى عيسى عليهم السلام وتمادى بينهما النزاع إلى أن تكلما فى أبوى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال الأول هما ناجيان حيث أنهما من أهل الفترة ولقوله صلى الله عليه وسلم (فأنا خيار من خيار من خيار) ولقوله (خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح) وقال الثانى أنهما ماتا مشركين واستدل بالحديث المروى عن ابن عباس ولفظه (أنه لما فتح الله مكة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أى والديه أحدث به عهدا فقيل أمك فذهب إلى قبرها ووقف معتبرا يبكى فقال عمر رضى الله عنه يارسول الله نهيتنا عن الزيارة والبكاء.
وزرت وبكيت فقال قد أذن لى فيه ولما رأيت ما هى فيه من عذاب الله وإنى لا أغنى عنها من الله شيئا فبكيت رحمة لها) وهذا الحديث موجود فى تفسير الفخر الرازى وأبى السعود على هامشه وفى البيضاوى وفى مصابيح السنة للإمام البغوى وكثير من الكتب وعدوه سببا لنزول قوله تعالى {ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى} التوبة 113، الخ واستدل أيضا بالحديث المروى عن الإمام على وهو أنه سمع رجلا يستغفر لأبويه فقال أتستغفر لهما وهما مشركان فقال الرجل قد استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك فحكى ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى {ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الآية - واستدل أيضا بالحديث المروى عنه وهو أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال - كان أبى فى الجاهلية يصل الرحم ويقرى الضيف ويمنح من ماله وأين أبى فقال أمات مشركا فقال نعم، قال فى ضحضاح من نار، فولى الرجل يبكى فدعاه صلى الله عليه وسلم فقال إن أبى وأباك وأبا إبراهيم فى النار، واستدل أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم (استأذنت ربى فى زيارة قبر أمى فأذن لى واستأذنته فى الاستغفار لها فلم يأذن لى) - وهذا الحديث موجود فى مصابيح السنة للامام البغوى وكشف الغمة للشعرانى وأيضا حمل قوله تعالى {وتقلبك فى الساجدين} الشعراء 219، على أنه صلى الله عليه وسلم يتفقد المصلين ويقلب بصره فيهم وينظرهم من خلفه كما ينظرهم من أمامه، وعلى تسليم أنه يتقلب فى أصلاب الساجدين وبطون الساجدات فهذا محمول على ماقبل انتقال النور المحمدى من أحد أصوله إلى من بعده فإذا انتقل منه جاز أن يعبد غير الله كما فى فتح البيان نقلا عن الحفناوى مع أن الجمهور على خلاف ما ادعاه الرجل الأول فى تفسير هذه الآية، وأيضا اتفق الجمهور على أن آزر مات مشركا كما صرح به القرآن وما جاز على أحد والديه يجوز على الباقين بعد اتفاقهم أيضا على أن نسبه صلى الله عليه وسلم ينتهى إلى إسماعيل عليه السلام فأوى الرجلين على الصواب وهل أهل الفترة ناجون مطلقا أو هالكون مطلقا مع أن العلماء قسموهم ثلاثة أقسام كما فى شرح مسلم وهل والدا المصطفى صلى الله عليه وسلم داخلان فى أهل الفترة مع ورود هذه النصوص أم لا ولو اعتقد معتقد أنهما ماتا على الشرك هل يكفر أم لا مع هذا الخلاف وما حكم من يحكم عليه بالكفر وهل هذه المسألة من ضروريات الدين يجب على المكلف تحصيلها أم لا أفتونا مأجورين ولازلتم ملجأ للحائرين ودليلا للمسترشدين
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال - ونفيد أنه قال فى شرح مسلم الثبوث بصحيفة 98 جزء ثان ما نصه (وأما الواقع فالمتوارث من لدن آدم أبى البشر إلى نبينا ومولانا أفضل الرسل وأشرف الخلق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يبعث نبى قط أشرك بالله طرفه عين) وعليه نص الإمام أبو حنيفة فى الفقه الأكبر وفى بعض المعتبرات أن الأنبياء عليهم السلام معصومون عن حقيقة الكفر وعن حكمه بتبعية آبائهم.
وعلى هذا فلا بد من أن يكون تولد الأنبياء بين أبوين مسلمين أو يكون موتهما قبل تولدهم لكن الشق الثانى قلما يوجد فى الآباء ولا يمكن فى الأمهات.
ومن ههنا بطل ما نسبه بعضهم من الكفر فى أم سيد العالم مفخر بنى آدم صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم وذلك لأنه حينئذ يلزم نسبة الكفر بالتبع وهو خلاف الإجماع، بل الحق الراجح هو الأول، وأما الأحاديث الواردة فى أبوى سيد العالم صلوات الله وسلامه عليه وآله وأصحابه فمتعارضة مروية آحادا فلا تعويل عليها فى الاعتقاديات، وأما آزر فالصحيح أنه لم يكن أبا إبراهيم عليه السلام بل أبوه تارح كذا صحح فى بعض التواريخ وإنما كان آزر عم إبراهيم ورباه الله تعالى فى حجره والعرب تسمى العم الذى ولى تربية ابن أخيه أبا لم وعلى هذا التأويل قوله تعالى {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} الأنعام 74، وهو المراد بما روى فى بعض الصحاح أنه نزل فى أب سيد العالم صلى الله عليه وآله واصحابه {ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} فإن المراد بالأب العم.
كيف لا وقد وقع صريحا فى صحيح البخارى أنه نزل فى أبى طالب.
هذا وينبغى أن يعتقد أن آباء سيد العالم صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم من لدن أبيه إلى آدم كلهم مؤمنون وقد بينه السيوطى بوجه أتم - وفى الفتاوى الحامدية بصحيفة 33 جزء ثان طبعة أميرية سنة 1300 أنه قد وردت أحاديث دالة على طهارة نسبه الشريف عليه الصلاة والسلام من دنس الشرك وشين الكفر - ومن ذلك يعلم أنه لا شك ولا شبهة فى موت أبوى النبى صلى الله عليه وسلم على الإيمان، وأنه لا حاجة إلى التمسك بالحديث الضعيف من أن الله سبحانه وتعالى أحيا أبويه وآمنا به وأن محل كون أن الإيمان لا ينفع بعد الموت فى غير الخصوصية لأن ذلك يرجع إلى تخصيص القواعد العقلية القاضية بانتهاء التكليف بالموت، وأنه لا تكليف بعده ولا إلى ما تكلفه بعض العلماء فى ذلك، ومن هذا يعلم أيضا أن أحد الرجلين المتنازعين القائل بأن أبوى النبى صلى الله عليه وسلم ناجيان هو الذى على الصواب لا لما قاله من أن أهل الفترة ناجون، ولا لقوله تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} الإسراء 15، بل نجاتهما لأنهما كانا على الإيمان وماتا عليه وأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون عن حقيقة الكفر وعن حكم تبعية آبائهم إلى آخر ما تقدم.
وأما أهل الفترة فالحق أنهم مكلفون بالإيمان وجميع ما اتفقت عليه الشرائع وكان معلوما مشهورا لما قرره المحققون من الأصوليين من أن لا حكم قبل الشرع أى قبل البعثة لأحد من الرسل فالأحكام موجودة فكل من بلغته الأحكام فيما يتعلق بالإيمان أو غيره كان مكلفا به ولم تختلف الشرائع فى وجوب الإيمان والتوحيد فالخطاب به معلوم لكل من بلغته دعوة أى رسول كان.
فان جميع المكلفين من لدن بعثة آدم الذى هو أول الرسل بعثا إلى أن تنتهى دار التكليف مخاطبين شرعا بوجوب الإيمان والتوحيد وأما بعد البعثة ولو لواحد من الرسل فلا خلاف فى وجود الأحكام ووجوب العمل بها على من بلغته.
وأما أهل الفترة الذين هم قوم كانوا بين رسولين فلم يدركوا الأول ولا أدركوا الثانى، فاختلاف العلماء فيهم إنما هو فيما اندرس من الشرائع وخفيت فيه الأحكام على هؤلاء القوم، فذهب فريق إلى أن الأصل فيما اندرست أحكامه هو الإباحة، وقال فريق هو الحظر، وقال فريق بالوقف وهذا الخلاف بين أثمتنا أهل السنة فى حكم هؤلاء بعد البعثة وكل فريق من هذه الفرق يستند فى قوله إلى الدليل الشرعى وهذا الخلاف غير الخلاف الذى وقع بين المعتزلة أنفسهم فى الأفعال التى خفيت فيها المصلحة والمفسدة أو انتفاؤهما ولم تكن ضرورية للعباد واختلفوا فيها على ثلاثة أقوال أيضا الإباحة والحظر والوقف، فإن هذا الخلاف الذى هو بين المعتزلة موضوعه فيما قبل البعثة لأحد من الرسل وفيمن لم تبلغه دعوة أحد من الرسل أصلا.
وأهل السنة ينفون الحكم أصلا قبل البعثة لأحد من الرسل فليس عند أهل السنة قبل البعثة لأحد من الرسل شىء من الأحكام لاحظ ولا إباحة ولا غيرها.
وأما خلافهم فى أهل الفترة على الأقوال الثلاثة المتقدمة فإنما هو بعد ورود الشرع، وخاص بمن درس فيه الشرائع، وأما ما اتفقت عليه الشرائع كالإيمان والتوحيد والزنا والقتل فلا خلاف فى التكليف به لكل من اجتمعت فيه صفات التكليف بلا فرق بين أهل الفترة وغيرهم، كما فصلنا ذلك على الوجه الحق فى كتاب البدر الساطع على جمع الجوامع.
ومن ذلك يعلم أن أهل الفترة الذين ولدوا بعد عيسى عليه الصلاة والسم وقبل بعثة سيد الحق جميعا ومنهم أبو المصطفى عليه الصلاة والسلام مكلفون بالإيمان والتوحيد بمجرد بعثة آدم خصوصا وأن رسالة سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام كانت عامة ولم تنسخ إلا فيما خالفها مما يتعلق ببنى إسرائيل فى شريعتهم فمن كان منهم مؤمنا بالله وحده كان ناجيا ومن لم يكن مؤمنا أو ارتكب قتل النفس بغير حق كان عاصيا مخلدا فى النار إن كان كافرا وإلا فلا، وأما ما يتعلق بالاعتقاد فقد قال فى الفتاوى الحامدية بصيحفة 331 من الجزء المذكور سئل القاضى أبو بكر بن العربى أحد أئمة المالكية رحمه الله تعالى عن رجل قال إن آباء النبى صلى الله عليه وسلم فى النار فأجاب بأنه ملعون لأن الله تعالى يقول {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله فى الدنيا والآخرة} الأحزاب 57، قال ولا أذى أعظم من أن يقال عن أبيه أنه فى النار وقال الإمام السهيلى رحمه الله تعالى فى الروض الأنف (وليس لنا نحن أن نقول ذلك فى أبويه عليه الصلاة والسلام لقوله عليه الصلاة والسلام لا تؤذوا الأحياء بسبب الأموات والله تعالى يقول {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله فى الدنيا} وقد أمرنا أن نمسك اللسان إذا ذكر أصحابه رضى الله عنهم بشىء يرجع إلى العيب والنقص فيهم.
فلأن نمسك ونكف عن أبويه أحق وأحرى إذا تكرر ذلك فحق المسلم أن يمسك لسانه عما يخل بشرف نسب نبيه عليه الصلاة والسلام بوجه من الوجوه ولا خفاء فى أن إثبات الشرك فى أبويه إخلال ظاهر بشرف نسب نبيه الطاهر، وجملة هذه المسائل ليست من الاعتقاديات فلاحظ للقلب فيها، وأما اللسان فحقه الإمساك عما يتبادر منه النقصان خصوصا عند العامة لأنهم لا يقدرون على دفعه وتداركه) .
ومن ذلك يعلم أن الرجل الثانى الذى قال بموت أبوى النبى صلى الله عليه وسلم على الكفر قد أخطأ خطأ بينا يأثم ويدخل به فيمن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لا يحكم عليه بالكفر لأن المسألة ليست من ضروريات الدين التى يجب على المكلف تفصيلها هذا هو الحق الذى تقتضيه النصوص وعليه المحققون من العلماء والله أعلم(7/316)
رأى الافتاء فى كتاب (الله والانسان)
المفتي
حسن مأمون.
شوال 1376 هجرية - 23 مايو 1957 م
المبادئ
1 - لا ينكر الدين الإسلامى تمجيد العقل والعلم والحرية، وإظهار أثر ذلك فى تقدم الفرد والجماعة.
2 - ما جاء بالكتاب من أن (الطريقة العصرية فى بلوغ الفضيلة ليست الصلاة، وإنما هى الطعام الجيد والكساء الجيد والمسكن الجيد والمدرسة والملعب وصالة الموسيقى) خطأ، لأنه جعلها من العوائق المانعة من بلوغ الفضيلة، وقد حظ المؤلف من قدر الصلاة ونسى أثرها فى تقويم النفوس.
3 - الصلاة لا تتعارض مع مطالب الحياة ولا تنافيها، بل هى رأى الفضائل كلها.
4 - الصلاة شرعت بأمر الله سبحانه وتعالى، وليست من صنع الناس كما يقول المؤلف.
5 - تحريم الخمر إنما جاء ليحفظ على الناس عقولهم.
6 - تحريم الزنا إنما جاء لحمل الناس على الزواج الصحيح، والتناسل بسببه حفظا للولد وللنوع الإنسانى على أكمل وجه.
7 - ليست الأديان سببا من أسباب الخلط فى معنى السعادة، بل هى موضحة لها كل الوضح مقررة أنها ليست تحررا مطلقا من كل قيد وإلا لأوقعت صاحبها فى الهلاك.
8 - ذات الله سبحانه وتعالى منزهة عن صفات الحوادث ومتصفة بجميع صفات الكمال، وليس الله سبحانه وتعالى فكرة متطورة كما يقول المؤلف.
9 - ليست الأديان قصة من القصص التى لا أصل لها، وإنما الأديان السماوية حقيقة أيدها الله سبحانه وتعالى بالمعجزات وآخرها القرآن الكريم.
10 - الحياة الثانية حقيقة اتفقت عليها الأديان السماوية كلها.
11 - ما جاء بالكتاب من أن (الله ليس فوق الجدل وليس فوق العقل وليس فوق الواقع بل هو العقل والواقع إلخ) إن أريد به أن الكون خلق بلا خالق، أو أن العقل هو الذى أوجده، فهذا مردود بتفاوت العقول ذاتها، وإن أريد به التفكير فى الكون فهذا لا يقتضى إنكار ذات الله الذى أوجد الكون وخلق العقل للإنسان للتفكير والتدبير.
12 - معرفة أسرار الكون كافية وحدها للإيمان بوجود الله وقدرته وعظمته
السؤال
من الأستاذ م ح أبطلب يرغب فيه منا أن نطلع على كتاب الله والإنسان ونبدى رأينا فيه
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده.
وبعد فقد اطلعنا على هذا الكتاب الذى ألفه الدكتور م.
م وأخرجه فى مارس سنة 1957 بعد أن نشر بعض فصوله فى مجلة روز اليوسف.
ونظرا لأن هذا الكتاب قد أثار ضجة كبيرة.
وطلب منى الطالب بصفته ممثلا لمجمع البحوث العلمية وجماعة البر والتقوى إبداء رأيى فيما نشر بمجلة روز اليوسف من الكتاب، وفى الكتاب نفسه بعد طبعه وتوزيعه على القراء - وقد قرأت هذا الكتاب من أوله إلى آخره قراءة هادئة غير متأثر بما أثير حوله، لأننى لا أحب أن يصدر حكمى عليه فى جو عدائى له أو جو يسيطر عليه فكرة سيئة عنه.
ولذلك أجد من الإنصاف أن أقول إن الكاتب عنى فى كتابه بتمجيد العقل والعلم والحرية، وإظهار أثرها فى تقدم الفرد والأمة.
ولا جدال فى أن الدين الإسلامى قد سبقه إلى ذلك فقد عرف للعقل قيمته وقدره.
وطالب الناس بالتفكير فى خلق الله وبالنظر والاعتبار ونجد آيات القرآن الكريم حافلة بذلك - كما أنه دعا إلى العلم بكل ما يحتاج إليه الإنسان فى حياته وبعد مماته، وكل ما يرفع شأن البشرية ويحقق على الوجه الأكمل معنى خلافة الإنسان عن الله فى أرضه يعمرها ويستخرج كنوزها ويفيد من كل ما أودع الله فيها - وأيضا فإن الإيمان الذى فرضه الإسلام وسائر الأديان السماوية، وهو الإيمان بأن للعالم إلها واحدا هو الله سبحانه وتعالى، وهو المستحق وحده للعبادة والذى يستعان به، ولا يستعان بغيره فى كل شئون الحياة، يحقق معنى حرية الإنسان فى أسمى صورها وأعلى مراتبها.
فالمؤمن إيمانا صادقا لا يكون عبدا لغيره، ولا عبدا لشهواته، ولا لأى شىء آخر سوى الله سبحانه وتعالى الذى خلقه وخلق كل شىء - فدعوة الكتاب إلى تمجيد العلم والعقل، وإلى أن يفكر الإنسان تفكيرا حرا مستقيما دعوة لا ننكرها عليه، ولا ينكرها عليه الدين الإسلامى.
فما جاء فى آخر الكاتب من الدعوة غلى أن يتكاتف المسلم المفكر الحر والسياسى اليقظ ورجل الدين العصرى إلى أن يكونوا فى توثب دائم ليكسروا الدروع السميكة حول أعدائنا، ويمزقوا عن وجوههم القبيحة النقاب لا شىء فيه وهو مما نوافقه عليه.
غير أن الكتاب لم يخل من أخطاء لا نستطيع أن نمر عليها بدون إبداء رأينا فيها.
وقبل أن نبين هذه الأخطاء نقول إننا قد خرجنا من قراءة الكتاب بحقيقة لمسناها، وهى أن الكاتب قد عاش فى وسطنا المصرى الشرقى وشاهد بعض تصرفات ممن لا يفهمون الدين الإسلامى أو لا يفهمون منه إلا بعض رسومه وأشكاله، والذين يحاولون أن يقتنعوا بهذه الصور الشكلية التى لا روح فيها ولا غناء متناسي روح الدين وتعاليمه التى ترفع من شأن الإنسان وتدفعه غلى العمل الحر الكريم لنفسه ولأسرته ولوطنه بل وللإنسانية.
كلها، ولعل الكاتب قد ظن أن ما يراه بمثل حقيقة الدين الإسلامى فازدرى هؤلاء وكتب ما كتب متأثرا بهم وبأحوالهم، ولو أنصف لعالج هذه العيوب من طريق آخر غير طريق الهجوم على الدين الإسلامى وعلى الأديان كلها هجوما واضحا نلمسه فى كتابه فى كثير من المواطن - وأعتقد أن هذا الكاتب وأمثاله لم يقعوا فيما وقعوا فيه من خطأ إلا لأنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء دراسة الأحكام التى دعا الإسلام الناس إلى اتباعها، بدليل أننى لم أجد فى كتابه شيئا منسوبا إلى الدين يستحق أن ينقد أو أن يزدرى.
وسنذكر بعض أمثلة من خطئه الذى لا نقره عليه.
بل إننا نعتقد أنه لو راجع نفسه لا يقر هذا الخطأ.
من ذلك قوله فى ص 24 (والطريقة العصرية فى بلوغ الفضيلة ليست الصلاة، وإنما هى الطعام الجيد والكساء الجيد والمسكن الجيد والمدرسة والملعب وصالة الموسيقى) فإنه إذ يمجد الطريقة العصرية يخطىء الطريق.
فيظن أن الصلاة من العوائق التى تمنع من بلوغ الفضيلة، ولذلك حط من قدرها، ونسى أو تناسى أثرها فى تقويم الخلق وتهذيب النفس ولا يفهم معنى للربط بين الصلاة وبين ما يتطلبه الجسم والعقل، فقد أمر الله الناس بالصلاة وفرضها عليهم، ونهاهم عن الزهد فى الحياة وأباح لهم الطيبات من الرزق وكل ما يحتاج إليه الجسم ليكون قويا والعقل ليؤدى واجبه فى فائدة صاحبه.
فالصلاة لا تتعارض مع مطالب الحياة ولا تنافيها. فلا وجه لقوله إن الفضيلة ليست الصلاة بل الصلاة تجىء على رأس الفضائل كلها.
وإذا كان هذا هو ما قد يفهمه بعض المتصوفة من الدين، فلا يجوز بحال من الأحوال أن يفهمه كاتب متحرر يحاول أن يحل مشكلته مع نفسه ومشاكل الناس مع أنفسهم بتأليفه هذا الكتاب.
ومن أمثلة خطئه أيضا ما كتبه فى ص 26 (لقد صنعنا الصلاة وحددناها إلى هكسلى وأجداده.
وجربناها على المذاهب الأربعة ولم يبق إلا أن نجرب الطعام الجيد) .
وفى هذه العبارة خطأ فاضح، فليس من الإنصاف أن يقول كاتب إننا صنعنا الصلاة، فالصلاة لم يصنعها الإنسان وإنما أمر بها الله، ولا أدرى ما الذى دعاه إلى مثل هذا التهجم على أوامر الله بإنكار فائدتها أولا، وبنسبة صدورها لا إلى الله بل إلى الناس ثانيا.
ولو قال بدل هذه العبارة إننا امتثلنا أمر الله بالصلاة وذقنا أثرها وحلاوتها فى صدورنا، فلنضف إليها أيضا ما تحتاج إليه أجسامنا ومقومات حياتنا، لنكون أقوياء بإيماننا وبأجسامنا وأرواحنا، حتى نستطيع أن نواجه عدونا بهذه الأسلحة مجتمعة.
ومن ذلك أيضا قوله فى ص 54 (والأديان سبب من أسباب الخلط فى معنى السعادة، لأنها هى التى قالت عن الزنا والخمر لذات وحرمتهما، فتحولت هذه المحرمات إلى أهداف يجرى وراءها البسطاء والسذج على أنها سعادة وهى ليست بسعادة على الإطلاق) ولا أدرى هل ذكر الحقائق أمر معيب فإذا قرر الدين الإسلامى أن الخمر والزنا لذات كما يقول الكاتب، أى مشتهيات تشتهيها النفوس وتميل إليها الحيوانية التى هى جزء من الإنسان ثم حرمها، فهل يكون ذلك دعوة للناس إليها أو يكون إيحاء للناس بأن السعادة فيها الواقع أن الدين وهو يحرم بعض ما يشتهيه الإنسان ويلذ له إنما يحرمه للضرر الذى يعود عليه من الجرى وراء لذاته، فقد حرم الخمر ليحفظ على الناس عقولهم، وحرم الزنا ليحملهم على الزواج والتناسل، فيحفظ بذلك النوع الإنسانى على أكمل الوجوه، ويقيه شر الإنحلال والانهيار والانقراض - هذه هى الحقيقة التى ما أظن أن الكاتب غفل عنها، ولكنه مع هذا يخطىء فى التعبير فيقول إن الأديان سبب من أسباب الخلط فى معنى السعادة، ولو أنصف لقرر أن الأديان واضحة كل والوضوح فى إفهام الناس معنى السعادة، وأن السعادة ليست تحررا بحيث يفعل الإنسان كل ما يريد، وكل ما تشتهيه نفسه ولو كبه ذلك على وجهه وأوقعه فى الهلاك ثم يستمر الكاتب فى خطئه ويتجاوز هذا الخطأ إلى الطعن فى الذات العلية.
فيتحدث عن الله تعالى حديثا ما كان يليق من كاتب مثله أن يتحدث عنه بهذه العبارات التى لا تليق.
ومن ذلك قوله فى ص 111 (إن الله فكرة إنه فكرة فى تطور مستمر كما تدل على ذلك قصة الأديان) ثم ينتهى إلى قوله وشريعة هذا الدين (أى الذى يدعو إليه) بسيطة جميلة إنها الولاء للحياة - لا أيها الكاتب المتعلم تعليما جامعيا.
ليس الله فكرة كما تقول.
وإنما الله سبحانه وتعالى ذات منزهة عن صفات الحوادث ومتصفة بجميع صفات الكمال، وهو الذى خلقك وخلق كل ما تراه حولك فليس الله فكرة متطورة كما تقول.
وليست الأديان قصة كباقى القصص التى لا أصل لها.
وإنما الأديان السماوية حقيقة أيدها الله سبحانه وتعالى بالمعجزات التى أجراها على أيدى رسله ن ومن هذه المعجزات المعجزة الباقية الخالدة التى أعجزت العرب وغير العرب عن أن يأتوا بمثلها وهى القرآن الكريم الذى قلت فى ص 18 إنك فتحت عينيك فى يوم لتجد نفسك وحيدا وإلى جوارك مصحف وحجاب لمنع الفقر.
فالمصحف الذى وجدته والذى لا يمكن أن يكون مثلك بعيدا عنه هو المعجزة التى يكفيك أن تقرأه تمعن النظر فيه، لتعرف الأسس التى تضمنها، والتى لو عمل بها الفرد وعملت بها الأمة لتحقق الفرد الصالح والأمة الصالحة، ولما صار الشرق كما تراه الآن بعيوبه وبضعفه، فإن الإسلام لا يعرف الضعف والضعفاء، ولا يعرف السعادة التى يحققها حجاب أو دعاء، كما تريد أن تلمز به الإسلام بحملك الحجاب مع المصحف - فلا يوجد فى الشريعة الإسلامية حجاب يمنع الفقر أو يجلب السعادة، وإنما يوجد عمل دائب مستمر لتحقيق معنى السعادة الحقيقية - السعادة المؤسسة على قوة المادة وقوة الروح معا، ولعلك لو تحدثت عن الشرق وقد استحال أمره إلى أن يكون له جيوش ومصانع وطيارات وغير ذلك مما يوجد فى الغرب، والذى لا يحول الإسلام بينه وبين أن يبلغه لما كان حديثك عن الإسلام هذا الحديث المتأثر بحالة الشرق الآن تأثر دعا إلى أن تمجد المادة التى وصل إليها الغربيون والتى لم يصل إليها الشرق بعد.
لا لأن الدين قد حال بينه وبين بلوغه، ولكن الاستعمار الذى رزح على صدر الشرق والشرقيين فى القرون الأخيرة هو السبب الأكبر فى ذلك كله.
ثم يتابع بعد أفكاره لله فى صورته الحقيقية إنكار الحياة الثانية التى اتفقت عليها الأديان السماوية كلها، والتى يدعو إليها العقل والعدل فليس من العدل أن يتحارب الناس بعضهم مع بعض، وأن يغلب قويهم ضعيفهم، ويظلم بعضهم البعض من غير أن يكون هناك حياة ثانية يأخذ فيها الله سبحانه وتعالى بيد المظلوم من الظالم.
ومن ذلك قوله عن الحياة الآخرة صفحة رقم 2662 بعبارة فيها سخرية فى ص 119 وما بعدها (فلا محل لافتراض بقاء آخر روحانى لهذا الترابط المادى البحت وإنها لنهاية طبيعية إذن أن يبعث الإنسان حيا بعد الموت هو والدود التى فى بطنه والقملة التى فى رأسه فهكذا تعنى روحية الأديان.
وقوله إن دعوى الخلود الشخصى لا يسندها العلم ولم تعد تسندها الضرورات الاجتماعية القديمة) فإن هذه الدعوى العريضة التى يدعيها الكاتب فى كتابه ويقول عنها إن دعوى الخلود الشخصى لا يسندها العلم.
لم يقل لنا إسم العلم الذى ينكر الحياة الآخرة اللهم إلا أن يكون قولا لبعض العلماء المتطرفين الذين يدعون إلى الوجودية والذين مجدهم الكتاب فى أثناء كتابته.
أما العلماء الذين بحثوا فى أصل الإنسان وعرفوا عظمة الله وقدرته فيما كشفوه عن بعض آثارها فى الأرض أو السماء فما أظن أنهم ينكرون الحياة الثانية - أو ينكرون وجود الله وقدرته وعظمته - ثم يعود الكاتب مرة أخرى إلى إنكار الله فى تعبيرات ضعيفة لا يسندها منطق ولا دليل ولا شبه دليه.
كقوله فى ص 131 (إن الله ليس فوق الجدل، وليس فوق العقل، وليس فوق الواقع.
إن الله هو العقل وهو الواقع وهو مجموع القوى الكونية التى تعمل لخيرنا فى كل وقت، وهى قوى تقبل المراجعة والتفكير والبحث والتطور) ما الذى يريده الكاتب من هذه العبارات هل يريد أن يوحى إلى قارئيه بأن الكون الذى يعيش فيه ويعيش فيه الناس خلق هكذا بدون خالق.
وهل العقل الذى بمجده ويقول إنه هو الله هو الذى أوجد هذه المخلوقات كلها، وإذا كان العقل هو الموجد كما يقول.
فلماذا وجد عند قوم وكان ضعيفا أو معدوما عند آخرين وإذا كان يريد أن يوحى إلى القراء بأن الكون محتاج دائما إلى التفكير والبحث والتطور، فإن هذه الدعوى لا تتطلب بحال من الأحوال إنكار الله سبحانه وتعالى الذى أوجد هذا الخلق، وخلق للإنسان العقل الذى يفكر ويبحث ويتدبر فى كل مخلوقات الله ليصل أولا إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى وبألوهيته وربوبيته وليحقق للناس السعادة.
ولعله قال ما قال ليضفى على نفسه الكاتب المتحرر الذى لا يؤمن بالله ولا يقر بوجوده، ولا بأن لهذا العالم إلها واحدا خلقه ونظمه أبدعه على هذه الصورة التى عجز الإنسان عن فهمها ما فيها من أسرار تدل على عظمة الله وقدرته.
ولو أنصف لمجد الله سبحانه وتعالى مادام قد تعلم وعرف قيمة العلم وآثاره فى نهضة الأمم وقوتها.
وجدير بمن يمجد العقل ويمجد العلم أن ينصف فيمجد من خلق العقل ومن خلق الأرض والسماء، وأودع فيها من الأسرار ما دأب الإنسان على كشفه منذ أزمان طويلة، ولا يزال للآن أمامه شوط بعيد أو شوط لا يعلمه إلا الله ليستكمل معرفة هذه الأسرار الكونية التى تكفى وحدها للإيمان بوجود الله وبقدرته وعظمته هذا ما وصلنا إليه من قراءتنا لهذا الكتاب، ولا يفوتنا أننا قد تجاوزنا عن كثير من العبارات اللاذعة والتى تعرض فيها للأديان كلها وحكم عليها بأن فكرتها صعدت من الأرض ولم تنزل من السماء ك صعدت من احتياجات الإنسان ورغباته وضروراته وأنظر ص 113.
وغير ذلك من العبارات التى لا يراد منها إلا أن ينكر الناس عقائدهم وأديانهم لمجرد فكرة ملأت رأس الكتاب لم يقم عليها دليل ولا برهان.
ولو كانت الأديان تعالج بكتاب يسلك فيه الكاتب مسلك الروائى الخيالى لما بقيت هذه الأديان صامدة آلاف السنين تنادى بجحود كل من ينكرها.
نسأل الله لهذا الكاتب وأمثاله الهداية والرجوع إلى الحق فإن الرجوع إلى الحق فضيلة والله أعلم.
ے(7/317)
متجمد نفقة الزوجة المتوفاة يورث عنها
المفتي
علام نصار.
شوال سنة 1370 هجرية - 12 من يوليو سنة 1951 م
المبادئ
المتجمد من النفقة الزوجية فى ذمة الزوج إذا لم يؤده لها أو تبرئه حتى ماتت فانه يعتبر تركة يرثه ورثتها ومنهم زوجها
السؤال
من محمد كنوز.
قال زوجة فرض لها على زوجها الغائب نفقة وكسوة بحكم وصار الحكم نهائيا وتجمد لها مبلغ من حساب هذه النفقة لم يؤدها الزوج - وقد توفيت الزوجة فى مايو سنة 1950 ولها هذا المتجمد بذمة زوجها فهل ورثة الزوجة لهم حق ميراث هذه المتجمد
الجواب
ان نفقة الزوجة المذكورة التى فرضت لها على زوجها دين فى ذمته لاتسقط إلا بالأداء أو الابراء طبقا للمادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1920 فاذا تجمدت النفقة المذكورة للزوجة على زوجها المذكور ولم يؤدها لها ولم تبرئه منها كان المتجمد تركه لها يرثه ورثتها عند موتها ومنهم زوجها والله أعلم(7/318)
مؤخر الصداق والميراث
المفتي
حسنين محمد مخلوف.
محرم سنة 1369 هجرية - 16 من نوفمبر سنة 1949 م
المبادئ
مؤخر صداق الزوجة المتوفاة تركة يرثه ورثتها ويقسم بينهم قسمة الميراث
السؤال
من حسن خالد قال توفيت سيدة فى سنة 1944 عن ورثتها الشرعيين وهم زوجها وبنتها وأبوها وأمها وتركت ما يورث عنها شرعا مؤخر صداقها فهل يرث أبوها وأمها وبنتها فى مؤخر صداقها أم لا.
وهل للزوج أبى البنت أن يضع ما يخص ابنته فى ميراث أمها من متأخر صداق وخلافه فى احدى البنوك أو احدى الشركات
الجواب
اطلعنا على السؤال والجواب أن مؤخر صداق الزوجة المتوفاة من تركتها يرثه ورثتها فلكل من أبيها وأمها سدسه فرضا ولزوجها ربعه فرضا لوجود الفرع الوارث ولبنتها نصفه فرضا فأصل المسألة من أثنى عشر سهما وتعول إلى ثلاثة عشر لكل من أبيها وأمها سهمان ولزوجها ثلاثة أسهم ولبنتها ستة ولأبى البنت القاصر ولاية قبض نصيب بنته المذكورة ويسوغ له ايداعه للحفظ بأحد المصارف واستثماره بمعاملة جائزة شرعا ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال والله تعالى أعلم(7/319)
توزيع مكافأة المتوفى أثناء الخدمة وباقى مرتبه
المفتي
أحمد إبراهيم مغيث.
ربيع ثان سنة 1374 هجرية - 21 من ديسمبر سنة 1954 م
المبادئ
1 - مكافأة المتوفى أثناء الخدمة لا تعتبر تركة.
2 - باقى المرتب يعتبر تركة ويقسم بين الورثة الشرعيين قسمة الميراث
السؤال
طلب السيد رئيس مجلس بلدى شبين القناطر (تقسيم تركة المرحوم عبد الحليم محمد ربيع)
الجواب
اطلعنا على كتابيكم المؤرخين فى 25/11، 5/12 سنة 1954 1517/1712 والمطلوب بهما بيان التقسيم الشرعى لمبلغ عبارة عن مكافأة لمدة خدمة ومتأخر مرتب المرحوم الأوسطى الكهربائى عبد الحليم محمد ربيع بين ورثته وهم زوجة وابنان وبنتان فقط - وتفيد أنه بوفاة المتوفى المذكور أثناء الخدمة كما هو الظاهر من كتابكم الأخير لا تكون المكافأة التى قدرت له عن مدة خدمته تركة فلا تقسم بين ورثته قسمة الميراث لأنه لم يتملكها قبل الوفاة بل تقسم بين مستحقيها طبقا للقانون الخاص بذلك يتملكونها ابتداء بمقتضى هذا القانون لا بطريق الخلافة عن الميت هذا بالنسبة للمكافأة وأما متأخر المرتب فيعتبر تركة يقسم بين ورثته الشرعيين قسمة الميراث للزوجة منه الثمن فرضا لوجود الفرع الوارث والباقى لأولاده للذكر ضعف الأنثى تعصيبا - وهذا إذا كان الحال كما ذكر ولم يكن للمتوفى المذكور وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة(7/320)
التعويض والميراث
المفتي
حسن مأمون.
شعبان سنة 1306 هجرية - 27 من مارس سنة 1957 م
المبادئ
1 - التعويض المستحق من احدى الشركات يخضع فى تقسيمه لقانون الشركة المختصة بصرفه.
2 - إذا لم يكن لدى الشركة قانونينظم صرف التعويض المستحق أخذ حكم التركات.
وقسم بين الورثة طبقا لأحكام المواريث. 3 - بانحصار الارث فى أم وأب يكون للأم السدس فرضا وللأب الباقى تعصيبا.
4 - إذا اجتمع الاخوة والأخوات مع الأب حجبوا عن الميراث
السؤال
من محمد حسن قال توفى شخص سنة 1956 عن أبيه وأمه واخوته واخواته لأبيه وعن أخواته لأمه فقط وتركته عبارة عن مبلغ قدره 500 جنيه قيمة التعويض المستحق من احدى الشركات
الجواب
هذا المبلغ يخضع فى تقسيمة لقانون الشركة المختصة بصرفه فإذا لم يكن لدى الشركة قانون ينظم صرفه فانه يأخذه حكم التركات ويقسم قسمتها طبقا لأحكام المواريث فى الشريعة الإسلامية وبناء على هذا يكون لأمه السدس فرضا لوجود من يحجبها إلى السدس وهو عدد من الاخوة والاخوات والباقى يستحقه الاب تعصيبا ولا شئ للاخوة لأب والأخوات لأم بحجبهم جميعا بالأب الذى يحجب الاخوة من كل جهة وهذا إذا لم يكن له وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة والله أعلم(7/321)
الزوجة ترث زوجها ولو لم يدخل أو يختل بها
المفتي
حسن مأمون.
رجب سنة 1377 هجرية - 26 من يناير سنة 1957 م
المبادئ
1 - وفاة الزوج قبل الدخول والخلوة بزوجته غير مانع لها من الارث فيه.
2 - بوفاة الزوج قبل الدخول والخلوة يتأكد المهر جميعه فى ذمته ولا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء
السؤال
من السيد محمد لطفى بطلبه المتضمن أن رجلا عقد قرانه على امرأة وتوفى قبل الدخول بها والخلوة فهل ترثه شرعا ام لا وهل تستحق جميع المهر أم لا
الجواب
ان الزوجية التى هى سبب من أسباب الارث تثبت شرعا بمجرد العقد والزوجة ترث زوجها شرعا ولو لم يدخل بها أو يختل بها قبل الوفاة فيكون لها فى تركته الربع فرضا ان لم يكن له فرع وارث والثمن فرضا ان كان له فرع وارث ولم يكن له زوجة سواها أما إذا كان له أكثر من زوجة فانهن يشتركن فى هذا الفرض إلى الحالين ويقسم بينهن بالتساوى وبوفاة الزوج قبل الدخول والخلوة يتأكد المهر جميعه فى ذمته ولا يسقط إلا بالأداء اليها من تركته أو ابرائها زوجها المتوفى منه لأنه من الديون الصحيحة التى تقضى من التركة قبل قسمتها بين الورثة والله أعلم(7/322)
متجمد النفقة حتى تاريخ الوفاة تركة يستحق فيها الزوج
المفتي
حسن مأمون.
ذو الحجة سنة 1376 هجرية - 21 من مايو سنة 1957 م
المبادئ
1 - متجمد النفقة المحكوم بها للزوجة حتى تاريخ وفاتها يعتبر تركة يستحق فيها زوجها وما بعد تاريخ الوفاة من حق زوجها فقط ولا يعتبر تركة.
2 - بانحصار الارث فى زوج وأم وابن يكون للزوج الربع فرضا وللأم السدس فرضا وللابن الباقى تعصيبا
السؤال
طلب السيد مأمور مركز ديرمواس.
تقسيم تركة فوزية عبد الباقى المتوفاة فى 28/8/1952 عن زوجها وأمها وابنها فقط وصدر حكم نفقة لهذه المتوفاة على زوجها المذكور وقد تجمد مبلغ من هذه النفقة قبل وفاتها
الجواب
المبلغ المتجمد للمتوفاة المذكورة قبل وفاتها فى يوم 28/8/1952 فقط يعتبر تركة عنها يرثه ورثتها الشرعيون فيكون لزوجها ربعه فرضا ولأمها سدسه فرضا لوجود الفرع لاوارث ولابنها الباقى تعصيبا أما المبلغ المتجمد بعد تاريخ وفاتها وهو 28/8/1952 فيكون من حق زوجها ولا يورث عنها شرعا وهذا إذا لم يكن لها وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة(7/323)
مكافأة المتوفى ليست تركة ما لم يمتلكها قبل الوفاة
المفتي
حسن مأمون.
محرم سنة 1377 هجرية - 4 من أغسطس سنة 1957 م
المبادئ
1 - توزع المكافأة طبقا للقوانين واللوائح لا عن طريق الميراث ما لم يمتلكها المتوفى قبل وفاته.
2 - بوفاة المتوفى عن زوجته وبنته وقد أعطت المصلحة الزوجة نصف المكافأة فلا مانع من اعطاء بنته النصف الباقى
السؤال
طلب السيد سكرتير مجلس بلدى السويس.
تقسيم تركة حسن اسماعيل المتوفى عن زوجته وبنته فقط
الجواب
طبقا للاحكام الفقهية ان هذه المكافأة لم يمتلكها المتوفى قبل وفاته فلا تكون تركة عنه وانما توزع طبقا للقوانين وللوائح الخاصة بذلك لدى المصلحة التى كان يعمل بها المتوفى ويمتلكها هؤلاء ابتداء لا عن طريق الميراث عن المتوفى فإذا لم يكن هناك قانون وقد أعطيت زوجته نصف المكافأة فنرى ان تعطى بنته النصف الثانى(7/324)
اختلاف الجنسية وأثره فى الميراث
المفتي
حسن مأمون.
صفر سنة 1377 هجرية - 19 من سبتمبر سنة 1957 م
المبادئ
بوفاة المتوفى عن ابن تجنس بالجنسية الفرنسية واختين شقيقتين ان كانت قوانين فرنسا لا تمنع توريث الأجنبى عنها.
فالتركة جميعها للابن تعصيبا والا فهى للشقيقتين فرضا وردا مناصفة بينهما
السؤال
من الاستاذ ماهر حلمى.
قال ان فاهى بربيان المسيحى المذهب والمصرى الجنسية توفى بمصر سنة 1957 وترك ابنا مسيحى المذهب وفرنسى الجنسية ومقيم بفرنسا واختين شقيقتين مسيحيتى المذهب ومصريتى الجنسية وطلب بيان ما إذا كان الابن يستحق تركة والده المتوفى أم لا لاختلاف الدارين
الجواب
إذا لم يكن للمتوفى المذكور وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة يكون لابنه الفرنسى الجنسية جميع تركته إذا كانت شريعة فرنسا لا تمنع من توريث الاجنبى عنها طبقا للمادة السادسة من قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 اما إذا فقدها الشرط فتكون تركته لأختيه الشقيقتين مناصفة بينهما فرضا وردا ولا شئ لابنه المذكور فى هذه الحالة لما بينا والله أعلم(7/325)
مكافاة المدة المستحقة بعد الوفاة والمرتب المستحق قبلها
المفتي
حسن مأمون.
التاريخ 10 من جماد الثانى سنة 1377 هجرية - 3 من ديسمبر سنة 1957 م
المبادئ
1 - المرتب المستحق يكون تركة عن المتوفى ويقسم قستها شرعا.
2 - المكافأة عن مدة الخدمة المستحقة بعد الوفاة ليست تركة ويكون استحقاقها لمن يستحقها من الورثة طبقا للقانون المنظم لها والا كانت تركة وتقسم قسمتها
السؤال
طلب مدير مديرية الفيوم.
تفسيم مبلغ استحقه المرحوم عطيه أحمد قبل وفاته من مرتب شهر مارس سنة 1954 وتقسيم مبلغ مكافأة عن مدة خدمته على ورثته وهم زوجته سعدية عبد الباقى أبو زيد وبنتاه سيدة وحميدة وأخوه الشقيق عبد القادر أحمد فقط
الجواب
المبلغ الذى استحقه من مرتب شهر مارس سنة 1954 يعتبر تركة عنه ويرثه ورثته الشرعيون فتستحق فيه زوجته ثمنه فرضا لوجود الفرع الوارث ولبنتيه ثلثاه مناصفة بينهما فرضا ولأخيه الشقيق الباقى تعصيبا - أما مبلغ مكافأته عن مدة خدمته فانه لا يعتبر تركة عنه لأنه لم يتملكه قبل وفاته وانما يكون ملكا لمستحقه من ورثته طبقا للقانون الخاص بذلك وإذا لم يكن هناك قانون للمصلحة التى يتبعها الشخص المتوفى خاص بذلك فنرى أن تقسم هذه المكافأة لأحكام قانون المواريث وحينئذ يجرى تقسيمها كقسمة مبلغ المرتب المذكور وهذا إذا لم يكن للمتوفى وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة والله أعلم(7/326)
ضرب الوارث مورثه ضربا أفضى إلى موته
المفتي
حسن مأمون.
رجب سنة 1377 هجرية - 22 من يناير سنة 1957 م
المبادئ
1 - ضرب الوارث مورثه ضربا أفضى إلى موته غير مانع من الارث فيه إذا كان قاصدا قلته.
2 - بانحصار الارث فى زوج وأم وبنتين يكون للزوج الربع فرضا وللأم السدس فرضا وللبنتين الثلثان فرضا وفى المسألة عول.
3 - متى استغرقت الفروض التركة فلا شئ للعاصب
السؤال
تضمن سؤال طلبة عبد الدايم أبوشادى المتضمن أن س ع أاعتدى على زوجته ع ع.
أاعتداء أدى إلى وفاتها وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتاريخ 2/2/1957 فى القضية رقم - لسنة 1956 شمال القاهرة وأنها توفيت عن بنتيها الفت والهام ووالدتها ست الدار وأخواتها الأشقاء عبد الوهاب وطلبه ومسلم وأختها لأبيها ستوتة وعن أخيها لأمها محمد فقط - وقدم حكم المحكمة المشار إليه وقد جاء به أنه ثبت للمحكمة ورسخ فى يقينها أن س ع أفى الزمان والمكان سالف الذكر ضرب ع ع أعمدا فاحدث بها الاصابات الموضحة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياتها ولم يكن يقصد من ذلك قتلا ولكن الضرب أفضى إلى متها
الجواب
ان القتل المانع من الارث طبقا للمادة الخامسة من القانون رقم 77 سنة 1943 هو القتل العمد العدوان فقد جاء بها من موانع الارث قتل المورث عمدا سواء كان القاتل فاعلا أصليا أم شريكا أم شاهد زور أدت شهادته إلى الحكم بالإعدام إذا كان القتل بلا حق ولا عذر وكان القاتل عاملا بالغا من العمر خمس عشرة سنة ويعد من الأعذار تجاوز حق الدفاع الشرعى) ولأن القتل العمل لا يتحقق إلا إذا ثبت أن الوارث قصده بما أرتكبه سواء كان فعله مباشرة للقتل أو متسببا فيه وقد ثبت من الحكم المرفق أن س.
ع لم يقصد قتل زوجته ع ع اوإن أدى ضربه إياها إلى قتلها فلا يكون ممنوعا من ارثها طبقا للمادة السابقة.
وبوفاتها عن المذكورين سابقا يكون لزوجها من تركتها الربع فرضا لوجود الفرع الوارث ولبنتيها الثلثان فرضا مناصفة بينهما ولوالدتها السدس فرضا لوجود الفرع الوارث فأصل المسألة من أثنى عشر سهما وتعول إلى ثلاثة عشر سهما تنقسم اليها تركة هذه المتوفاة لزوجها سليمان منها ثلاثة أسهم ولبنتيها ثمانية اسهم مناصفة بينهما ولوالدتها سهمان.
ولا شئ لاخوتها الأشقاء لاستغراق التركة بسهام أصحاب الفروض كما لا شئ لأخيها لأمها لحجبه بالفرع الوارث.
وهذا إذا لم يكن لها وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة. والله أعلم(7/327)
الاقرار بالبنوة يعقب ميراثا
المفتي
حسن مأمون.
جمادى أول سنة 1379 هجرية - 21 من نوفمبر سنة 1959 م
المبادئ
1 - البنوة الحقيقة سبب من أسباب الارث.
2 - اقرار المتوفى بالبنوة قبل وفاته.
وكان الظاهر لا يكذبه فى اقراره اقرار صحيح شرعا تثبت به البنوة ويترتب عليه جميع الحقوق المشروعة.
3 - البنوة لا تثبت الاقرار إذا صرح المقر باتخاذ المقر له ولدا وليس بولد حقيقى له أو صلح بأنه ابنه من الزنا
السؤال
من السيد محمد القبطان المتضمن أن رجلا مسلما تبنى لقيطين وأقر ببنوتهما بمقتضى اشهادين بعد أن تسلمهما من احدى المستشفيات الأميرية وكانا قد سلما للمستشفى بمقتضى محاضر بوليس رسمية بعد أن عثر على اخذهما بتاريخ 17 مايو سنة 1940 والأخر بتاريخ 2 أغسطس سنة 1940 وان سن كل منهما عند الاقرار 3 سنوات وشهور وسأل هل يستحقان شيئا فى تركة المتوفى باعتبارهما ولدين له بالاسناد إلى اقراره بالبنوة الرسمى أمام القاضى شرعا وان كان الواقع المؤيد بالأوراق الرسمية يكذب هذا الاقرار.
وذكر فى الطلب ان البنت تزوجت والولد أصبح قادرا على الكسب وقدم - أولا الاعلام الشرعى رقم 107 متتابعة الصادر لدى محكمة العطارين الشرعية بتاريخ 21/12/1943 من المكلفين حسين أفندى حسن وهبة مقاول أعمال وزوجته نعمات عبد الرحيم قناوى الشهيرة بحكمت بأنهما أقرا بأن الطفل حمدى ابنهما وانهما يقران ببنوته وانهما رزقا به على فراش الزوجية الصحيحة شرعا - الثابتة بمقتضى وثيقة رسمية بتاريخ 28 سبتمبر سنة 1933 رقم 7 عملية مأذون شرعى قسم مينا البصل - ثانيا - صورة رسمية من الاشهار رقم 486 متتابعة الصادر من محكمة الاسكندرية الابتدائية الشرعية بتاريخ 1/7/1943 من حسين حسن وهبة والست نعمات عبد الرحيم قناوى الشهيرة بحكمت زوجته بأنهما اقرا بأن فتحية الصغيرة بنتهما وانها هى المرزوقة لهما على فراش الزوجية الصحيحة الثابت فى التاريخ المذكور - واطلعنا على ملف الفتوى المقيد طلبها برقم 1208 سنة 1959 المقدم من الأستاذ محمود وصيف المحامى بالاسكندرية والمتضمن طلب الافتاء فى نفس الحادثة وقد قدم معه صورة شمسية من الاعلام الأول المبين سابقا
الجواب
انه بالاطلاع على هذا الاستفتاء وما أرفق به تبين أنه نفس الاستفتاء المقيد برقم 1208 سنة 1959 وقد سبق أن أجبنا عليه بفتوانا رقم 341 سجل 88 وهو نفس جوابنا عن هذا الاستفتاء ونصه كالآتى - نفيد بأن المنصوص عليه شرعا أن من أسباب الارث البنوة الحقيقية وهو أن يكون الابن مولودا للمتوفى من فراش صحيح معترف به أو أن يكون المتوفى قد أقر ببنوته قبل وفاته وكان الظاهر لا يكذبه فى اقراره بأن كان المقر له صغيرا ليس من أهل التمييز مجهول النسب ويولد مثله لمثل المقر شرعا.
أما إذا كان المقر له كبيرا فيشترط مع إقرار المتوفى له بالبنوة تصديق المقر له للمقر فى هذا الاقرار.
ولا تثبت البنوة بالاقرار إذا صرح المقر بأنه يتخذه ولدا وليس بولد حقيقى أو صرح بأنه ابنه من الزنا ولما كان الولدان صغيرين ومجهولى النسب ويولد مثلهما لمثل المقر وقت الاقرار فيكون اقرار الرجل المذكور ببنوتهما اقرارا صحيحا شرعا تثبت به بنوتهما الشرعية له ويترتب على هذا الاقرار جميع الحقوق التى للأبناء على الآباء ومنها أنهما يرثانه شرعا عند وفاته باعتبارهما ولدين له(7/328)
أموال صندوق الادخار والميراث
المفتي
حسن مأمون.
ذو الحجة سنة 1377 هجرية - 16 من يولية سنة 1958 م
المبادئ
1 - المال المدخر يقسم مع التركة قسمة الميراث إذا لم يكن هناك قانون ينظم أموال الادخار ويبين كيفية توزيعها.
2 - إذا وجد قانون ينظم توزيع المال المدخر يجب العمل به.
3 - بانحصار الارث فى زوجة وأولاد يكون للزوجة الثمن فرضا والباقى للأولاد ذكورا واناثا للذكر مثل حظ الأنثيين
السؤال
طلب المدير المساعد لمنطقة قنا التعليمية تقسيم مبلغ استحقه المرحوم محمد عبد المتعال فى صندوق الادخار بين ورثته وفد توفى بتاريخ 14 فبراير سنة 1954 عن ورثته وهم زوجته سعاد محمد وأولاده رجاء ونوال وناهد وجمال فقط
الجواب
إذا لم يكن هناك قانون ينظم أموال الادخار وكيفية توزيعها بعد وفاة المدخر فإننا نرى أنه يوزع طبقا لأحكام قانون المواريث وحينئذ يكون لزوجته ثمن تركته ومنها المبلغ المطلوب تقسيمه فرضا لوجود الفرع الوارث والباقى لأولاده للذكر منهم ضعف الأنثى تعصيبا وهذا إذا لم يكن للمتوفى المذكور وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة.
والله أعلم(7/329)
المنحة والميراث
المفتي
حسن مأمون.
ذو الحجة سنة 1377 هجرية - 17 من يوليو سنة 1958 م
المبادئ
1 - المنحة إذا اعتبرت تركة تقسم تقسيم التركات.
2 - فان لم تعتبر تركة يطبق فى توزيعها القوانين الموضوعية الخاصة بالمنح والمكافآت.
3 - بانحصار الارث فى أب وأم وزوجة وبنت يكون للبنت النصف فرضا وللزوجة الثمن فرضا وللأم السدس فرضا وللاب الباقى فرضا وتعصيبا
السؤال
اطلعنا على الطلب المقدم من السيد / عبد الله محمد المتضمن أن نجله كان عاملا ببلدية القاهرة قسم النظافة وتوفى عن والده ووالدته وزوجته وبنته من زوجة أخرى مطلقة ولم يترك تركة قود منحته نقابة عمال البلدية منحة قدرها 40 جنيها منها 10 جنيها خارجة المتوفى.
وطلب السائل الافادة عمن يستحق مبلغ الثلاثين جنيها المذكورة
الجواب
ان كان مبلغ المنحة المذكورة معتبرا تركة ويقسم تقسيم التركات يكون لزوجته ثمنه فرضا لوالدته سدسه فرضا لوجود فرع وارث ولبنته نصفه فرضا ولوالده الباقى بعد الثمن والسدس والنصف فرضا وتعصيبا.
أما إذا كان مبلغ المنحة يتبع فى توزيعه قانونا خاصا ولا يقسم قسمة التركات فيطبق فى تقسيمه القوانين الموضوعية الخاصة بالمنح والمكافآت.
وبهذا علم الجواب على السؤال.
والله أعلم(7/330)
مكافأة نهاية الخدمة واعانة النقابات مع الميراث
المفتي
حسن مأمون.
محرم سنة 1378 هجرية - 22 من يوليو سنة 1958 م
المبادئ
1 - المكافأة والاعانة إذا اعتبرا تركة للمتوفى تقسمان على الورثة تقسيم التركات.
2 - بانحصار الارث فى أب وزوجة وأولاد يكون للأب السدس فرضا للزوجة الثمن فرضا والباقى للأولاد للذكر ضعف الأنثى
السؤال
اطلعنا على الطلب المقدم من السيدة فوزية حسن المتضمن أن زوجها المرحوم محمد محمود قابيل (كاتب حسابات بالمطبعة الأميرية) توفى فى مايو سنة 1958 عن زوجته الطالبة ووالده وأولاده ذكرين وأنثى فقط وأولاده من زوجة أخرى متوفاة وطلبت السائلة الافادة عما يستحقه كل وارث فى المكافأة المستحقة للمتوفى وكذا فى الاعانة التى تمنح لهم من النقابة
الجواب
انه إذا كانت المكافأة والاعانة تعتبر كل منهما تركة تقسم على الورثة تقسيم التركات يكون لزوجته ثمنها فرضا ولوالده سدسها فرضا لوجود فرع وارث ولأولاده الذكرين والأنثى بعد الثمن والسدس تعصيبا للذكر ضعف الأنثى أما إذا كانت لا تعتبر تركة بل تخضع لقانون موضوعى ينظم توزيعها فتقسم طبق القانون الموضوع فى وعلى الوجه الذى نص عليه فيه وبهذا علم الجواب على السؤال.
والله أعلم(7/331)
ميراث المتوفى عنها زوجها
المفتي
حسن مأمون.
التاريخ 2 من جمادى ثان سنة 1378 هجرية - 13 من ديسمبر سنة 1958 م
المبادئ
1 - من المنصوص عليه شرعا أن المعتدة من طلاق أو وفاة تعتد فى البيت الذى وجبت فيه العدة.
2 - معتدة الوفاة لا تجب لها النفقة بأنواعها ومنها أجر المسكن ومن ثم فلا تقيم أثناء العدة إلا فى نصيبها.
3 - ليس للمتوفى عنها زوجها الحق فى البقاء فى نصيب باقى الورثة بدون أجر.
والا فلهم منعها أو اخراجها منه. 4 - بانحصار الارث فى زوجة وأخوين شقيقين ذكر وأنثى يكون للزوجة الربع فرضا وللأخوين الشقيقين الباقى للذكر ضعف الأنثى تعصيبا
السؤال
اطلعنا على السؤال المقدم من السيد / عبد الله محمد المتضمن أن المرحوم الحاج توفيق شعير توفى سنة 1958 عن زوجته واخويه الشقيقين ذكر وانثى فقط - وان هذا المتوفى ترك عوامه بشارع الجبلاية رقم 18 بالزمالك وزوجة هذا المتوفى مقيمة بتلك العوامة جميعها وتمنع باقى الورثة من حقهم فيها مدعية أن لها الحق فى البقاء فيها مدة انقضاء عدتها وهى أربعة أشهر وعشرة أيام وهذا الحق لها شرعا وبدون أجر وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فيما إذا كان يحق لهذه الزوجة البقاء فى العوامة المدة المذكورة جميعها بدون أجر أو لا
الجواب
أنه بقسمة تركة هذا المتوفى ومنها العوامة المسئول عنها يكون لزوجته ربعها فرضا لعدم وجود الفرع الوارث ولأخويه الشقيقين الثلاثة الأرباع الباقية للذكر ضعف الأنثى تعصيبا وتثبت ملكية كل وارث من المذكورين فى نصيبه من يوم وفاة هذا المتوفى وله الحق فى الاستيلاء على ريع نصيبه من هذا التاريخ ومن المنصوص عليه شرعا أن المعتدة سواء كانت معتدة من طلاق أو من وفاة تعتد فى البيت الذى وجبت فيه العدة إلا أن معتدة الوفاة لا تجب لها النفقة بأنواعها ومنها أجر سكناها وحينئذ فالمعتدة المسئول عنها تعتد فى نصيبها من هذه العوامة وقدره الربع وإذا لم يكفيها اشترت أو استأجرت من نصيب باقى الورثة ما يكفيها فى ذلك ان كان ذلك فى مقدرتها وليس لها الحق فى البقاء فى نصيب باقى الورثة بدون أجر لهم والا فلهم منعها أو اخراجها من نصيبهم وهذه الأحكام مستفادة من كتابى فتح القدير والبحر ومنه يعلم الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالىأعلم(7/332)
الاقرار بالبنوة والميراث
المفتي
أحمد هريدى.
شوال سنة 1381 هجرية - 28 من مارس سنة 1962 م
المبادئ
1 - الاقرار بالبنوة يثبت به النسب شرعا متى توافرت فيه شروطه ويكون المقر له ولدا للمقر ولكل منهما حقوق قبل الآخر.
2 - يحجب الاخوة لأب بالأخوين الشقيقين.
3 - بانحصار الارث فى زوجة وبنت وأخوين شقيقين يكون للزوجة الثمن فرضا وللبنت النصف فرضا وللأخوين الباقى تعصيبا للذكر ضعف الأنثى
السؤال
اطلعنا على السؤال المقدم من السيد أحمد عزت المتضمن أن المرحوم أحمد فهمى توفى سنة 1961 عن ورثته وهم زوجته عين الحياة أمين سعد وبنته التى تبناها وقيدها بشهادة ميلاد وسماها نادية وأخوان شقيقان منصور ومشرفة ولدا العزب أحمد وأخوته لأبيه سيد أحمد ومحمد وابراهيم وفاطمة وتفيدة أولاد العزب أحمد فقط - وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى كيفية تقسيم تركة هذا المتوفى ومن يرث ومن لا يرث ونصيب كل وارث وهل بنته المتبناه تستحق فى تركته شيئا أو لا
الجواب
المقرر شرعا أن الاقرار بالبنوة يثبت به النسب شرعا إذا توافرت فيه شروط ثلاثة الأول أن يكون المقر له مجهول النسب والثانى ان يكون المقر له من السن بحيث يولد مثله لمثل المقر والإرث أن يصدق المقر له المقر فى هذا الاقرار إذا كان قد بلغ حد التمييز وأن يكون هذا الاقرار قد جرى على نسق الأوضاع والشروط الواجبة فى الاقرار بصفة عامة - فإذا توفر ذلك فى الاقرار بالبنوة ثبت به النسب وصار المقر له ولدا للمقر وصارت له كل حقوق الولد وعليه واجبات الولد شرعا وبالتالى إذا كان الاقرار فى الحادثة فد توافر فيه ذلك يثبت به النسب شرعا وعلى هذا الاساس تقسم تركة المتوفى على ورثته فيكون لزوجته ثمن تركته فرضا لوجود الفرع الوارث ولبنته نادية النصف فرضا والباقى لأخويه الشقيقين للذكر منهما ضعف الأنثى تعصيبا ولا شئ لأخوته لأبيه لحجبهم بالاخوين الشقيقين وهذا إذا لم يكن للمتوفى المذكور وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة.
والله أعلم(7/333)
التعويض والادخار والمكافأة فى الميراث
المفتي
أحمد هريدى.
ذى القعدة سنة 1381 هجرية - 19 من ابريل سنة 1962 م
المبادئ
1 - التعويض بمنزلة مال الدية يقسم قسمة الميراث.
2 - المال المدخر والمكافأة يخضعان للقانون الخاص بالمصلحة التابع لها المتوفى.
3 - إذا لم يكن هناك قانون منظم لكل من مال الادخار والمكافأة قسما قسمة الميراث.
4 - بانحصار الارث فى زوجة وأم وبنت وأخوين شقيقين يكون للزوجة الثمن فرضا وللأم السدس فرضا وللبنت النصف فرضا وللأخوين الشقيقين الباقى تعصيبا
السؤال
اطلعنا على السؤال المقدم من الإمام عطية المتضمن أن المرحوم السيد عطية الشرقاوى توفى بحادث حال تأدية عمله بشركة الأسمنت القومية بحلوان عن ورثته وهم زوجته مشرقة الشهيرة بفهيمة محمد عبد ربه ووالدته خديجة ابراهيم حجازى وبنته أصيلة واخوته الأشقاء الامام وعبد اللطيف وبهية أولاد عطية الشرقاوى فقط وان لهذا المتوفى تعويضا ومكافأة ومال ادخار وطلب بيان الحكم الشرعى فى كيفية تقسيم هذه الأموال ونصيب كل وارث
الجواب
ان مال التعويض بمنزلة مال الدية ومال الدية يقسم قسمة الميراث - أما مال الادخار والمكافأة فان كلا منهما يخضع للقانون الخاص بالمصلحة التى يتبعها هذا المتوفى فإذا لم يكن هناك قانون منظم لكل من مال الادخار والمكافأة فانهما يقسمان قسمة الميراث أيضا وفى هذه الحالة.
فان هذه الأموال جميعها تقسم بين ورثته المذكورين فيكون لزوجته الثمن فرضا ولوالدته السدس فرضا لوجود الفرع الوارث ولبنته النصف فرضا والباقى لأخوته الأشقاء للذكر منهم ضعف الأنثى تعصيبا وهذا إذا لم يكن للمتوفى المذكور وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة(7/334)
الحق فى الارث وتقادم الزمان
المفتي
أحمد هريدى.
ذى الحجة سنة 1381 هجرية - 22 من مايو سنة 1962 م
المبادئ
1 - المقرر شرعا أن الحق فى الارث لا يسقط بتقادم الزمان.
2 - لا تسمع الدعوى بالارث أمام القضاء بمضى المدة المقررة مع الانكار والتمكن وعدم العذر الشرعى.
3 - يبدأ من التركة بتجهيز الميت إلى قبره ثم سداد ديونه ثم تنفيذ وصاياه والباقى بعد ذلك يكون هو التركة التى توزع شرعا على الورثة
السؤال
من السيد / يوسف سعد المتضمن أن خليفة مروان خطاب توفى بتاريخ 18/11/1982 عن ورثته وهم زوجته حفيظة حسن سلامة أولاده محمد ونظيمة ولطيفة وترك ميراثا شرعيا قسم بعضه على جميع الورثة وترك 3 قراريط و 2 فدان ومنازل لم تقسم للآن، ثم توفيت بعده زوجته حفيظة حسن سلامة بتاريخ 16/9/1940 عن أولادها محمد خليفة ونظيمة خليفة ولطيفة وتركتها هى نصيبها فى تركة زوجها خليفة مروان خطاب، ثم توفى ابنها محمد خليفة بتاريخ 26/1/1952 عن زوجته حبيبة دياب وأولاده محمد ونبوية ومنيرة وبهية وان محمد محمد خليفة ابن ابن المتوفى الأول قد تعرض لباقى ورثة جده خليفة مروان خطاب فى القدر الذى لم يقسم من الأطيان والمنازل وقرر أنه لاحق للورثة فى أطيان جده خليفة مروان بعد مضى 33 سنة، وطلب السائل بيان حكم الشرعى فى ذلك وهل يسقط حق الورثة الأصليين فى ميراثهم عن والدهم بطول المدة
الجواب
المقرر شرعا أن الحق لا يسقط بتقادم الزمان وأن عدم سماع الدعوى فى الارث بمضى ثلاث وثلاثين سنة مع الانكار والتمكن وعدم العذر الشرعى ليس مبنيا على سقوط الحق فى ذاته - وانما هو مجرد منع للقضاة من سماع الدعوى مع بقاء الحق لصاحبه.
حتى لو أقر به الخصم يلزمه، والمنصوص عليه قانونا أن القضاة ممنوعون من سماع الدعوى التى مضى عليها خمس عشرة سنة مع تمكن المدعى من اقامتها وعدم العذر الشرعى فى عدم اقامتها إلا فى الارث والوقف فانه لا يمنع من سماعها إلا بعد مضى ثلاث وثلاثين سنة مع التمكن وعدم العذر الشرعى - وهذا كله مع الانكار للحق فى تلك المدة، والمقرر فقها قانونا أن تركة المتوفى التى تورث عنه بعد وفاته هى الباقى بعد تجهيزة وتكفينه ودفنه ثم سداد ديونه.
ثم تنفيذ الوصايا سواء كانت واجبة أو اختيارية، ويتضح مما ذكر أن الحق لا يسقط مهما طالت المدة وانما يسقط حق المطالبة - بمضى المدة المقررة فلا تسمع الدعوى به أمام القضاء، وظاهر من حادثة السؤال أنه ليس هناك نزاع ولا انكار فى صفة الوراثة ولا فى أن المقدار المشار إليه بالسؤال من الأطيان والمنازل من تركة المتوفى الأول خليفة مروان خطاب فيكون من حق ورثته جميعا اقتسام جميع تركته بينهم بمقدار الأنصباء الشرعية طبقا لأحكام قانون المواريث رقم 77 سنة 1943 ولا محل للاعتراض بالنسبة للمقدار 3 قراريط، 2 فدان والمنازل التى لم يقسم من قبل واذن تقسم جميع تركة خليفة مروان خطاب المتوفى فى 28/11/1928 بين ورثته بما فى ذلك الأطيان والمنازل التى لم تقسم إلى الآن ومن ذلك يعلم الجواب عما جاء بالسؤا ل(7/335)
ميراث من أسلم بعد وفاة مورثه
المفتي
أحمد هريدى.
شوال سنة 1380 هجرية - 8 من ابريل سنة 1961 م
المبادئ
1 - اتحاد الدين واختلافه معتبر عند وفاة المورث بالنسبة للوارث.
2 - بانحصار الارث فى زوجة وابن أسلم بعد وفاة والده يكون للزوجة الثمن فرضا وللابن الباقى تعصيبا لاتحاده فى الدين مع أبيه حين وفاته
السؤال
اطلعنا على السؤال المقدم من عبد الله أحمد المتضمن وفاة حكيم ابراهيم سنة 1943 عن ورثته وهم زوجته عديلة حنا وبنتاه أنصاف وجيفيان واخواته الأشقاء حبيب وعبد السيد وباخوم ابناء ابراهيم ملطى فقط ثم وفاة حبيب ابراهيم ملطقى سنة 1952 عن ورثته وهم زوجته اجبة مرقص وابنه رمزى فقط وبعد وفاة هذا المتوفى اعتنق ابنه رمزى المذكور الدين الإسلامى بتاريخ 30/4 سنة 1958 وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى كيفية تقسيم تركة كل متوفى ونصيب كل وارث وهل اعتناق رمزى المذكور للدين الإسلامى بعد وفاة والده يؤثر فى القدر الذى ورثه أولا
الجواب
بوفاة حكيم ابراهيم عن ورثته يكون لزوجته ثمن تركته فرضا لوجود الفرع الوارث ولبنتيه الثلثان مناصفة بينهما فرضا والباقى لأخوته الأشقاء بالتساوى بينهم تعصيبا وبوفاة حبيب ابراهيم ملطى سنة 1956 عن ورثته المذكورين يكون لزوجته ثمن تركته فرضا لوجود الفرع الوارث والباقى لابنه رمزى تعصيبا لأنه كان متحدا فى الدين مع أبيه حين الوفاة وهو الوقت الذى تثبت فيه الوارثة وينتقل الارث فيعتبر اتحاد الدين أو اختلافه فى ذلك الوقت - أما اعتناق ابنه رمزى الإسلام بعد ذلك فلا أثر له مطلقا ولا يمنعه من الميراث شرعا والله أعلم(7/336)
الاتهام بالقتل عند عدم الثبوت لا يمنع من الميراث
المفتي
أحمد هريدى.
شعبان سنة 1381 هجرية - 11 من يناير سنة 1962 م
المبادئ
1 - من شروط التوارث وفاة المورث حقيقة أو حكما وحياة الوارث بعد ذلك.
2 - إذا لم يثبت بطريق يقينى أى المتوفيين مات أولا وأيهما مات ثانيا فلا توارث بينهما ويرث كلا منهما ورثته الآخرون.
3 - اتهام الزوج وأم الزوجة بقتل الزوجة وولدها بغير دليل صحيح لا يحرمهما من الميراث.
4 - استغراق أصحاب الفروض للتركة مانع من ميراث العصبة.
5 - بنت الأخ من ذوى الأرحام المؤخرين فى الميراث عن أصحاب الفروض والعصبات.
6 - بانحصار الارث فى زوج وأم وأخت شقيقة وأختين لأم يكون للزوج النصف فرضا وللام السدس فرضا وللاخت الشقيقة النصف فرضا وللأختين لأم الثلث مناصفة بينهما فرضا وفيما عول.
7 - بانحصار الارث فى أب وجدة لأم يكون للجدة لأم السدس فرضا وللأب الباقى تعصيبا
السؤال
اطلعنا على السؤال المقدم من عبد الحميد أحمد المتضمن أن زوجة السائل ف م د وابنه مسامح واجدا مقتولين بالمساقى وقد قرر الطبيب الشرعى بعد الكشف عليهما أن الزوجة مقتولة من منذ خمسة أيام والابن مقتول من منذ أربعة أو خمسة أيام وذلك وقت العثور عليهما وقد اتهم الزوج فى قتلهما واتهمت أم الزوجة أيضا فى قتلهما ولكن جريمة القتل لم تثبت عليهما وحفظ التحقيق كما جاء بالطلب وقدم السائل صورة عرفية من تقرير الطبيب الشرعى دلت على ما ذكر وان الزوجة ف.
م توفيت عن ورثتها وهم زوجها ع. أر وأمها س م وأختها الشقيقة س م م وأختاها لأمها وابنا أخيها الشقيق وبنت أخيها الشقيق فقط وتوفى مسامح عن ورثته وهما والده ع أر وجدته لأم فقط وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى كيفية تقسيم تركة كل متوفى ومن يرث ومن لا يرث ونصيب كل وارث
الجواب
المقرر شرعا أن شرط التوارث وفاة المورث حقيقة أو حكما وحياة الوارث بعد ذلك فإذا لم يتحقق ذلك لا يجرى التوارث بين الشخصين وفى الحادثة موضوع السؤال لم يثبت بطريق يقينى أى المتوفيين مات أولا وأيهما مات ثانيا فلا يجرى التوارث بينهما شرعا ويرث كلا منهما ورثته الآخرون فإذا كانت المتوفاه ف.
م. د توفيت عن زوجها وأمها وأختها الشقيقة وأختها لأمها وابنى أخيها الشقيق وبنت أخيها الشقيق فقط وإذا كان الزوج والأم قد اتهما بقتل هذه المتوفاة ولم يثبت عليهما أنهما قتلاها بدليل صحيح فانهما لا يحرمان من الارث شرعا غذ الحرمان من الارث انما هو للقاتل ولم يثبت انهما قاتلان.
واذن يكون زوجها النصف من تركتها فرضا لعدم وجود الفرع الوارث ولأمها السدس فرضا لوجود جمع من الأخوات ولأختها الشقيقة النصف فرضا ولأختيها لأمها الثلث فرضا مناصفة بينهما فأصل المسألة من ستة أسهم وتعول إلى تسعة أسهم وبالقسمة يخص الزوج ثلاثة أسهم ويخص الأم سهم واحد ويخص الأخت الشقيقة ثلاثة أسهم ويخص الاختين لأم سهمان لكل منهما سهم ولا شئ لابنى أخيها الشقيق لأنهما من العصبة ولم يبق لهما شئ من التركة بعد أصحاب الفروض ولا شئ أيضا لبنت أخيها الشقيق لأنها من ذوى الأرحام المؤخرين فى الميراث عن أصحاب الفروض والعصبات.
وإذا كان المتوفى مسامح عبد الحميد توفى عن والده وجدته لأمه فقط فيكون لجدته لأمه السدس فرضا ولوالده الباقى تعصيبا وهذا إذا لم يكن لكل متوفى وارث أخر ولا فرع يستحق وصية واجبة ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال والله أعلم(7/337)
التنازل عن الميراث بعد الاستحقاق جائز شرعا
المفتي
أحمد هريدى.
التاريخ 9 من جماد اخر سنة 1382 هجرية - 6 من نوفمبر سنة 1962 م
المبادئ
1 - بانحصار الارث فى زوجة وبنت واخوة أشقاء يكون لزوجته الثمن فرضا وللبنت النصف فرضا والباقى للاخوة الأشقاء تعصيبا بالسوية بينهم.
2 - تنازل الاخوة الأشقاء عن نصيبهم فى التركة بعد استحقاقهم له للبنت جائز شرعا
السؤال
طلبت مديرية أمن الغربية بكتابها رقم 9586 بيان الأنصبة الشرعية لورثة المرحوم حامد عبد الرازق طبيخ المتوفى سنة 1961 عن زوجته الناعسة المرسى طبيخ وبنته جليلة واخوته عبد الرازق ومحمد وبدر (أنثى) أولاد عبد الرازق طبيخ مع أن أخوة المتوفى قد تنازلوا عن نصيبهم فى التركة لبنت أخيهم المتوفى كما جاء بالاقرار المرفق
الجواب
أنه بوفاة هذا المتوفى سنة1961 عن المذكورين فقط يكون لزوجته ثمن تركته فرضا لوجود فرع وارث ولبنته نصفها فرضا ولأخوته الباقى بعد الثمن والنصف للذكر منهم ضعف الأنثى تعصيبا لعدم وجود عاصب أقرب، وبما أن الأخوة قد تنازلوا عن نصيبهم فى التركة بعد استحقاقهم له لبنت أخيهم وهو تنازل جائز شرعا فيؤول نصيبهم اليها طبقا لهذا التنازل وعلى ذلك فبقسمة تركة هذا المتوفى إلى ثمانية أسهم يكون لزوجته منها سهم واحد والسبعة أسهم الباقية لبنته - وهذا إذا لم يكن للمتوفى وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة(7/338)
تصحيح توريث فى اعلام شرعى
المفتي
أحمد هريدى.
التاريخ 18 من مارس سنة 1963 م
المبادئ
1 - ما قضى به الاعلام الشرعى من توريث الجدة لأب مع الأم ومن جعل نصيب الأم هو السدس مع عدم الفرع الوارث ومع عدم الجمع من الاخوة غير صحيح شرعا.
2 - بوفاة المتوفى عن أم وجدة لأب وجد لأب يكون للام الثلث فرضا وللجد لأب الباقى تعصيبا ولا شئ للجدة لأب لحجبها بالأم
السؤال
طلبت ادارة التأمين والمعاشات بالقوات المسلحة بكتابها رقم 5484 ومعه الاعلام الشرعى الصادر من محكمة ميت غمر بتاريخ 18 سبتمبر سنة 1962 والمتضمن وفاة محمود محمد السيد محمد الجندى فى سنة 1957 وانحصار ارثه الشرعى فى والدته أمينة محمود محمد واستحقاقها لسدس تركته فرضا وفى جدته لأبيه زينب سيد أحمد حسنين الجندى تستحق سدس تركته فرضا وفى جده لأبيه السيد محمد الجندى ويستحق باقى التركة فرضا وردا والمطلوب له الافادة عما إذا كانت الجدة تستحق فى هذه الحالة فى الميراث من عدمه
الجواب
أن ما جاء بالاعلام الشرعى غير صحيح بالنسبة لنصيب الأم ولتوريث الجدة والصحيح هو الآتى - للأم ثلث التركة فرضا لعدم وجود فرع وارث ولا اخوة - وللجد الباقى وهو ثلثا التركة تعصيبا لعدم وجود عاصب أقرب - ولا شئ للجدة لأب لحجبها بالأم(7/339)
ميراث للقيط من المورث بعد ثبوت نسبه
المفتي
أحمد هريدى.
رجب سنة 1383 هجرية - 25 من نوفمبر سنة 1963 م
المبادئ
1 - ثبوت نسب الولد اللقيط للمتوفى يحجب الأخ الشقيق وأولاد الأخ الشقيق.
2 - متى ثبت نسب الطفل اللقيط للمورث بحكم يكون ابنه شرعا.
3 - بانحصار الارث فى زوجتين وابن يكون للزوجتين ثمن تركته فرضا مناصفة والباقى للابن تعصيبا
السؤال
اطعلنا على الطلب المقدم من السيد / محمد أحمد المتضمن أن عم السائل كان قد تسلم طفلا من مصدر حكومى واستخرج له شهادة ميلاد لقيط وأنه صدر حكم من محكمة المنصورة الاستئنافية بقيد هذا الطفل باسم أبيه (العم) المذكور واحدى زوجتيه وقد توفى ذلك العم عن زوجتيه وذلك الطفل وأخ شقيق وأولاد أخ شقيق وطلب السائل الافادة عما إذا كان هذا الولد يحمل لقب الأسرة ويكون له حق الميراث على أنه ابنه عصبا ويمنع باقى الورثة أم لا
الجواب
ظاهر من السؤال أنه قد صدر حكم من المحكمة بالحاق نسب ذلك الوالد بالمتوفى وعلى ذلك فيكون ابنة شرعا ويثبت لة جميع الحقوق التى للابناء على الأباء ومنها ارثه إذا توفى.
وعلى ذلك فبوفاة المتوفى عن المذكورين بالسؤال يكون لزوجتيه ثمن تركته مناصفة بينما فرضا لوجود فرع وارث والباقى بعد الثمن يكون لذلك الابن تعصيبا.
ولا شئ لأخيه الشقيق ولا لأولاد أخيه الشقيق لحجبهم بالابن وهذا إذا لم يكن للمتوفى وارث آخر والله أعلم(7/340)
ثبوت النسب بعقد عرفى موجب للميراث
المفتي
أحمد هريدى.
رجب سنة 1383 هجرية - 26 من نوفمبر سنة 1963 م
المبادئ
1 - متى ثبت نسب الأخ لأم بولادته على فراض زوجية صحيحة شرعا بعقد عرفى كان وارثا ولو لم يقيد فى دفتر المواليد.
2 - بانحصار الارث فى أم وأخوين لأم وعم شقيق يكون للأم السدس فرضا وللأخوين لأم الثلث فرضا بالسوية وللعم الشقيق الباقى تعصيبا
السؤال
اطلعنا على الطلب المقدم من السيد / عطا عبد الراضى المتضمن وفاة المرحوم محمود عبد الحليم سنة 1963 عن أمه أنيسة محمود السباعى وأخيه لأمه محمد صابر اسماعيل وعن أخ لأم آخر يدعى سليم أنجبته أمه عن عقد زواج عرفى ولم يقيد دفاتر المواليد وعن عمه الشقيق عبد الحميد أحمد على فقط وطلب السائل بيان نصيب كل وارث
الجواب
بوفاة المرحوم محمود عبد الحليم أحمد على سنة 1963 عن المذكورين فقط يكون لأمه سدس تركته فرضا لوجود اثنين من الاخوة والأخويه لأم الثلث مناصفة بينهما فرضا والباقى لعمة الشقيق تعصيبا لعدم وجود عاصب أقرب.
هذا وعدم قيد سليم بدفتر المواليد لا يمنع من ارثه شرعا مادام نسبه ثابتا بولادته على فراض زوجية صحيحة شرعا بالعقد العرفى المشار إليه.
وهذا إذا لم يكن لهذا المتوفى وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة والله أعلم(7/341)
شبكة الزوجة ميراث عنها
المفتي
أحمد هريدى.
رمضان سنة 1383 هجرية - 18 من يناير سنة 1964 م
المبادئ
1 - الشبكة للزوجة هبة لها من زوجها وتتم بالقبض وتكون ملكا لها وجزءا من تركتها تورث عنها ان كانت باقية.
2 - مؤخر الصداق ملك خالص للزوجة ومن تركتها ويورث عنها.
3 - متى استغرقت الفروض التركة فلا ميراث للعصبة.
4 - بانحصار الارث فى زوج وأخت شقيقة وأخوة لم يكون للزوج النصف فرضا ولأخت الشقيق النصف فرضا وللأخوة لأم الثلث فرضا بالسوية وفيها عول
السؤال
اطلعنا على الطلب المقدم من السيد / سعيد اسماعيل المتضمن وفاة المرحومة زينب اسماعيل عن زوجها وأختها الشقيقة وأخوتها لأمها وأخوتها لأبيها فقط وطلب السائل بيان من يرث ومن لا يرث ونصيب كل وارث وهل من حق زوج هذه المتوفاة رد الشبكة التى قدمها اليها اثناء خطبتها وهل من حق ورثتها مطالبة زوجها بمؤخر صداقها
الجواب
بوفاة المرحومة زينب اسماعيل ابراهيم عنتر عن المذكورين فقط يكون لزوجها نصف تركتها فرضا لعدم وجود الفرع الوارث ولأختها الشقيقة النصف فرضا ولأخوتها لأمها الثلث بالتساوى بينهم (الذكر كالأنثى) فرضا والمسألة من ستة أسهم وتعول إلى ثمانية أسهم لزوجها منها ثلاثة أسهم ولأختها الشقيقة ثلاثة أسهم ولأخوتها لأمها سهمان يقسمان بالسوية بينهم (الذكر كالأنثى) ولا شئ لأخوتها لأبيها (ذكورا واناثا) لأنهم عصبة وقد استغرقت أنصباء ذوى الفروض التركة.
ولا حق لزوج هذه المتوفاة فى رد شبكتها لأنها هبة قد تمت بالقبض وتملكتها الزوجة وتصبح جزءا من تركمتها وتورث عنها ان كانت باقية ومن حق ورثة هذه المتوفاة مطالقة زوجها بمؤخر صداقها لأنه ملك خالص لزوجته المتوفاة ويصبح من تركتها ويورث عنها وهذا إذا لم يكن لهذه المتوفاة وارث آخر والله أعلم(7/342)
القدر المتصرف فيه قبل الوفاة يخرج عن الملك
المفتي
أحمد هريدى.
صفر سنة 1387 هجرية - 15 من مايو سنة 1967 م
المبادئ
1 - المنصوص عليه شرعا أن التركة هى ما يتركه المتوفى باقيا على ملكه إلى حين وفاته.
2 - ما تصرف فيه المتوفى قبل وفاته بأى تصرف يكون خارجا عن ملكه ولا يحتسب من تركته.
3 - بانحصار الارث فى زوج وأم وأخوات شقيقات يكون للزوج النصف فرضا وللأم السدس فرضا وللأخوات الشقيقات الثلثان بالتساوى بينهن فرضا وفى المسألة عول
السؤال
اطلعنا على السؤال المقدم من محمد كمال الدين ابراهيم المتضمن وفاة أحمد ابراهيم بتاريخ 8/8/1959 عن ورثته وهم زوجته أم السعد محمد علام وبناته فتحية ونعيمة وعطيات وهانم وصفية وعلية وفوزية وصباح واعتماد وأخوته الأشقاء خليل ومحمد كمال الدين ونفيسة وفاطمة وزينب وعديله ورقية وأم الرزق أولاد إبراهيم خليل فقط، ثم وفاة علية أحمد ابراهيم عن ورثتها وهم زوجها ابراهيم محمد السرى ووالدتها أم السد محمد علام وأخواتها الشقيقات فتحية ونعمة وعطيات وهانم وصفية فوزية وصباح واعتماد بنات أحمد ابراهيم خليل وعماها الشقيقان خليل ومحمد كمال الدين ابنا ابراهيم خليل وعماتها الشقيقات نفيسة وفاطمة وزينب وعديلة ورقية وأم الرزق بنات ابراهيم خليل فقط وان المتوفى الأول أحمد ابراهيم خليل قد باع ما يملكه من أطيان وعقارات بعقد عرفى لزوجته وبناته وقد صدر حكم من المحكمة المختصة بصحة البيع فى بعضها على اعتبار أنه وصية والبعض الآخر على انه هبة صحيحة وأبطل البيع فيما عدا ما نص عليه بصحته بالحكم المذكور وطلبت بيان الحكم الشرعى فى كيفية تقسيم تركة كل متوفى ونصيب كل وارث
الجواب
المنصوص عليه شرعا ان التركة هى ما يتركه المتوفى باقيا على ملكه إلى حين وفاته وأما ما تصرف فيه بطريق البيع أو الهبة أو أى تصرف آخر قبل الوفاة فيكون خارجا عن ملكه ولا يحتسب من تركته التى تقسم بين ورثته وبناء على ذلك يكون ما نص عليه بصحته مما ورد بالعقد العرفى وصدر به الحكم لا يكون من التركة ويكون ملكا لمن صدر لهم التصرف من المتوفى وحكم به وما بقى بعد ذلك سواء ما أبطلت فيه المحكمة التصرف أو ما بقى على ملكه ولم يتناوله عقد البيع العرفى يكون هو التركة التى تقسم بين ورثته وبوفاة هذا المتوفى أحمد ابراهيم خليل عن ورثته المذكورين يكون لزوجته ثمن تركته فرضا لوجود الفرع الوارث ولبناته الثلثان بالتساوى بينهن فرضا والباقى لأخوته الأشقاء للذكر منهم ضعف الأنثى تعصيبا لعدم وجود عاصب أقرب.
وبوفاة عليه أحمد ابراهيم عن ورثتها المذكورين يكون لزوجها نصف تركتها فرضا لعدم وجود الفرع الوارث ولأمها السدس فرضا لوجود جمع من الأخوات ولأخواتها الشقيقات الثلثان بالتساوى بينهن فرضا.
فأصل المسألة من ستة أسهم وتعول إلى ثمانية أسهم فيكون لزوجها منها ثلاثة أسهم ولأمها سهم واحد ولأخواتها الشقيقات أربعة أسهم تقسم بينهن بالتساوى ولا شئ لعميها الشقيقين لاستغراق التركة بأصحاب الفروض ولا شئ أيضا لعماتها الشقيقات لأنهن من ذوى الأرحام المؤخرين فى الميراث عن أصحاب الفروض والعصبات وهذا إذا لم يكن لكل متوفى وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة والله سبحانه وتعالى أعلم(7/343)
الوصية الواجبة للطبقة الأولى من أولاد البنات فقط
المفتي
أحمد هريدى.
صفر سنة 1387 هجرية - 16 من مايو سنة 1967 م
المبادئ
1 - أولاد ابن البنت المتوفاة قبل أمها لا يستحقون بطريق الوصية الواجبة لأنها خاصة بالطبقة الأولى من أولاد البنات فقط وهم من ذوى الأرحام المؤخرين فى الميراث عن أصحاب الفروض والعصبات.
2 - بانحصار الارث فى بنتين وأخوات لأب يكون للبنتين الثلثان مناصفة بينهما فرضا والثلث الباقى للأخوات لأب بالتساوى بينهن تعصيبا
السؤال
اطلعنا على الطلب المقدم من السيدة / حميدة أحمد المتضمن وفاة المرحومة حبيبة مصطفى سنة 1966 عن بنتيها حميدة ورتيبة بنتى أحمد ابراهيم وعن أخواتها لأبيها نعيمة وزيكة وصلوحة بنات مصطفى أحمد وعن أولاد ابن بنتها حسين وسيد وحسنى وأمال أولاد صالح سيد قطب فقط وطلبت السائلة بيان نصيب كل وارث هل أولاد ابن بنتها المتوفاة قبلها يستحقون شيئا عن طريق الوصية الواجبة أم لا
الجواب
بوفاة المرحومة حبيبة مصطفى أحمد سنة 1966 عن المذكورين فقط يكون لبنتيها حميدة ورتيبة ثلثا تركتها مناصفة بينهما فرضا والثلث الباقى لأخواتها لأبيها بالتساوى بينهن تعصيبا لصيرورتهن مع البنتين عصبة بمنزلة أخ لأب ولا شئ لأولاد ابن بنتها لا عن طريق الميراث لأنهم من ذوى الأرحام المؤخرين فى الميراث عن أصحاب الفرض والعصبات ولا عن طريق الوصية الواجبة - لأن الوصية الواجبة خاصة بأهل الطبقة الأولى من أولاد البنات وذلك تطبيقا للمادة 76 من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 والله أعلم(7/344)
هبة وميراث
المفتي
أحمد هريدى.
رجب سنة 1387 هجرية - 18 من أكتوبر سنة 1967 م
المبادئ
1 - المقرر شرعا أن من موانع الرجوع فى الهبة موت أحد العاقدين الواهب أو الموهوب له.
2 - بوفاة الزوجة عن زوجها الذى وهب لها مبلغا من المال صار المبلغ الموهوب من ضمن تركتها يورث عنها ان كان باقيا
السؤال
اطلعنا على الطلب المقدم من السيد / محمد محمد المتضمن وفاة امرأة عن زوجها وعن ابنها فقط وكان زوجها المذكور قد أعطى زوجته المتوفاة المذكورة مبلغا وقدره خمسمائة جنيه على سبيل الهبة لخدمتها له أثناء مرضه الذى امتد ثمانية عشر عاما.
كما جاء بالسؤال ثم توفى الزوج الواهب وطلب السائل بيان هل من حق ورثة هذا الزوج شرعا استرداد المبلغ المذكور الموهوب أم يصبح هذا المبلغ من ضمن تركة هذه الزوجة ويقسم قسمة الميراث
الجواب
المقرر شرعا أنه من موانع الرجوع فى الهبة موت أحد العاقدين الواهب أو الموهوب له وفى حادثة السؤال يقرر السائل أن الزوجة الموهوب له توفيت كما توفى الزوج الواهب وبهذا لا يحق لورثة الزوج الواهب المطالبة بشئ من المبلغ الموهوب وقدره خمسمائة جنيه ويصبح حقا خالصا للزوجة الموهوب لها ويصير من ضمن تركتها يورث عنها ان كان باقيا ولأن الزوجية والوفاة من موانع الرجوع فى الهبة شرعا وبوفاة هذه الزوجة عن المذكورين فقط يكون لزوجها ربع تركتها فرضا لوجود الفرع الوارث والباقى لابنها تعصيبا وهذا إذا لم يكن لهذه المتوفاة وارث آخر غير من ذكر ولا فرع يستحق وصية واجبة والله أعلم(7/345)
مؤخر صداق الزوجة المتوفاة تركة
المفتي
محمد خاطر.
شعبان سنة 1395 هجرية - 17 من أغسطس سنة 1975 م
المبادئ
مؤخر صداق الزوجة المتوفاة دين فى ذمة زوجها يضاف إلى تركتها ويقسم قسمة الميراث
السؤال
اطلعنا على الطلب المقدم من السيد رقيب أول فتحى أحمد المتضمن وفاة المرحومة هلالية أحمد سنة 1975 عن زوجها صدقى عبيد بدوى وأمها فاطمة عبد الوهاب جمعة وأخوتها الأشقاء فتحى (الطالب) ومحمد وابراهيم وحمادة ورضا (ذكر) فقط.
وطلب السائل الافادة عن نصيب كل وارث فى تركة المتوفاة المذكورة كما طلب الافادة عن الحكم بالنسبة لمؤخر الصداق أم مقدم الصداق فقد قرر السائل أنه قد تم قبضه عند العقد
الجواب
المقرر فقها أن المهر يجب بالعقد ويتأكد جميعه بأمور منها وفاة أحد الزوجين وعلى هذا فبوفاة الزوجة موضوع السؤال تستحق الزوجة المذكورة جميع المهر مقدمه ومؤخره ويعتبر مؤخر الصداق دينا فى ذمة الزوج يضاف إلى تركتها ويقسم مع باقى تركتها على ورثتها الشرعيين وبوفاة الزوجة المذكورة المرحومة هلالية أحمد عبد الفضيل سنة 1975 عن المذكورين فقط يكون لزوجها نصف تركتها فرضا لعدم وجود الفرع الوارث ولأمها سدسها فرضا لوجود جمع من الاخوة ولأخوتها الأشقاء الباقى بعد النصف والسدس - وهو الثلث بالسوية بينهم تعصيبا لعدم وجود عاصب أقرب وهذا إذا لم يكن للمتوفاة المذكورة وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة.
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/346)
ميراث زوجة بعقد عرفى
المفتي
محمد خاطر.
جمادى الأولى سنة 1397 هجرية - 7 من مايو سنة 1977 م
المبادئ
1 - لا تسمع عند الانكار دعوى الزوجية أو الاقرار بها إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية.
2 - إذا صادق ورثة المتوفى على عقد الزواج العرفى سمعت الدعوى وثبتت الزوجية به واستحقت الزوجة به ميراثا فى زوجها المتوفى.
3 - لا تسمع دعوى الزوجية إذا لم يصادق ورثة المتوفى على عقد الزواج العرفى ولا تستحق المدعية به ميراثا
السؤال
اطلعنا على الطلب المقدم من السيد / جليلة عبده المتضمن أن السائلة تزوجت بشخص وأنجبت منه أولادا ثلاثة ثم طلقت منه طلاقا أول على الابراء بوثيقة رسمية - وأثناء وجود السائلة فى عدة هذا الطلاق راجعها الزوج ثانية بعقد عرفى على يد شهود وقد وعدها هذا الزوج باثبات هذا العقد رسميا وانقضى على ذلك عشر سنوات - وقد توفى هذا الزوج قبل أن يثبت هذا العقد رسميا وقصة هذا العقد مشهورة فى البلدة - قود ترك هذا المتوفى تركة وله زوجة أخرى غير سائلة.
وطلبت السائلة بيان الحكم الشرعى فى هذا الموضوع وهل لها الحق شرعا فى ميراث هذا الزوج أم لا
الجواب
تنص الفقرة الأخيرة من المادة 99 من القانون رقم 78 لسنة 1931 بلائحة المحاكم الشرعية على أنه (لا تسمع عند الانكار دعوى الزوجية أو الاقرار بها إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية فى الحوادث الواقفة من أول أغسطس سنة 1931 وعلى هذا فإذا كان عقد الزواج العرقى المسئول عنه قد صدر بعد أول أغسطس سنة 1931 وصادق عليه ورثة المتوفى فان دعوى الزوجية والحالة هذه تكون مسموعة شرعا وتكون الزوجية ثابتة به ويكون للسائلة الحق فى ميراث زوجها المتوفى المذكور فتستحق هى والزوجة الأخرى الثمن بالسوية بينهما فرضا لوجود الفرع الوارث - أما إذا لم يصادق ورثة المتوفى الذكور على هذا العقد وانكروه فإن دعوى الزوجية لا تسمع به حينئذ ومن ثم لا تسمع دعواها الوارثة فى تركته بسبب الزوجية طبقا للمادة المذكورة.
ومن هذا يعلم الجواب إذا كان الحال كما ورد بالسؤال والله سبحانه وتعالى أعلم(7/347)
جميع المهر والشبكة حق للزوجة بوفاة الزوج
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
ربيع الأول سنة 1399 هجرية - 25 من فبراير سنة 1979 م
المبادئ
1 - بوفاة المتوفى عن زوجة لم يدخل ولم يختل بها يكون ما دفعه لها من مهر وشبكة حق لها.
2 - إذا كان المبلغ المدفوع للزوجة قدر المهر المسمى فى العقد كان هو الواجب وصار ملكا لها - وان كان المسمى أكثر منه فان الباقى منه والمؤجل يصير دينا فى ذمة الزوج يستوفى من التركة.
3 - يحجب الاخوة الأشقاء أو لأب بالأب.
4 - بانحصار الارث فى زوجة ووالدين يكون للزوجة الربع فرضا وللأم السدس فرضا لوجود جمع من الأخوة والباقى للأب تعصيبا
السؤال
اطلعنا على الطلب المقدم من السيد / عبد الرحمن عبد اللطيف المتضمن أن للسائل ابنا عقد قرانه على فتاة وأنه قد دفع لها مهرا قدره ألف ومائة جنيه وقدم لها شبكة قيمتها ثلاثمائة وخمسون جنيها وان ابنه قد توفى قبل ان يدخل بزوجته ولم يلتق بها وطلب السائل بيان حق زوجة ابنه التى توفى عنها قبل الدخول بها وحق ورثة ابنه المتوفى وهم والده عبد الرحمن عبد اللطيف، ووالدته وهيبة عبد الجواد وزوجته التى لم يدخل بها ايمان فاروق عبد الحافظ واخوته محمد قاسم وفتحية ووفاء أولاد عبد الرحمن عبد اللطيف فقط
الجواب
أولاد المنصوص عليه شرعا ان المهر يتأكد جميعه بأمور منها موت أحد الزوجين قبل الدخول والخلوة ويتقرر جميعه للزوجة وبموت الزوج المذكور فى حادثة السؤال قبل الدخول الخولة فان المهر يتقرر جميعه للزوجة فان كان المبلغ المدفوع قدر المهر المسمى فى العقد كان هو الواجب الذى صار ملكا لها بمجرد القبض.
وان كان المسمى أكثر من المبلغ المدفوع فان الباقى من المهر والمؤجل منه يصير دينا فى ذمة الزوج تستوفيه الزوجة من تركة زوجها قبل تقسيمها على الورثة.
أما الشبكة فانها بتسليمها للزوجة حال حياة الزوج قد صارت ملكا لها حتى على فرض انها هبة إذ أنه لا يصح الرجوع فيها بوفاته.
ومن ذلك يتبين أن جميع ما قبضته زوجته صار ملكا لها ولا حق لأحد فى الرجوع عليها بشئ من المهر والشبكة لتأكدهما بالموت.
ثانيا بوفاة هذا الزوج عن المذكورين فقط يكون لزوجته ربع تركته فرضا لعدم وجود الفرع الوارث ولوالدته سدسها فرضا لوجود عدد من الاخوة ولوالده الباقى بعد الربع والسدس تعصيبا لعدم وجود عاصب أقرب.
ولا شئ لأخوته سواء كانوا أشقاء أو لأب لحجبهم بالأب الأقرب منهم جهة وهذا إذا كان الحال كما ورد بالسؤال ولم يكن لهذا المتوفى وارث آخر غير من ذكر والله سبحانه وتعالى أعلم(7/348)
زوجة لم يوثق عقد زواجها مع أولاد منها ومن غيرها
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
جماد آخر سنة 1399 هجرية - 24 من مايو سنة 1979 م
المبادئ
1 - بوفاة المتوفى عن زوجة لم يوثق عقد زواجها رسميا وأولاد منها ومن غيرها يكون لها الثمن فرضا إذا أقر لها الورثة جميعا بالزوجية والباقى لأولاده منها ومن غيرها تعصيبا للذكر ضعف الأنثى إذا أقر أولاده من غيرها بنسبهم من أبيهم.
2 - إذا جحد النسب فعلى أولادها منه اثبات نسبهم بكافة طرق الاثبات الشرعية.
3 - إذا ثبت النسب استحقوا نصيبهم فى الميراث مثل الأولاد الأخرين تماما.
4 - إذا انركت زوجتيها فلا ميراث لها فى التركة
السؤال
اطلعنا على الطلب المقدم من السيد / أمين عبد الغنى المتضمن وفاة المرحوم عبد الغنى فراج عن أولاده من زوجته الأولى التى توفيت قبله بعامين وهم أربعة ذكور وأربع اناث.
وعن زوجته الثانية التى توفى وهى على قيد الحياة وكان قد تزوجها بدون وثيقة زواج رسمية وعن أولادها منها وهم أربعة ذكور وثلاث اناث فقط.
وطلب السائل الافادة عمن يرث ومن لا يرث ونصيب كل وارث
الجواب
انه لما كانت المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 تقضى بانه لا تسمع عند الانكار دعوى الزوجية فى الحوادث الواقعة من أول أغسطس سنة 1931 إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية.
وكان المتوفى عبد الغنى فراج محمود قد توفى عن زوجة لم يوثق عقد زواجه بها رسميا فانه إذا أقر ورثته المذكورون بهذه الزوجية.
يكون لهذه الزوجة من تركته الثمن فرضا لوجود الفرع الوارث.
والباقى (بعد الثمن) لأولاده جميعا سواء من الزوجة المتوفاة حال حياته أو ممن بقيت بعده تعصيبا للذكر منهم ضعف الأنثى أما إذا أنكر الورثة أو بعضهم هذه الزوجية فلا تسمع دعواها ولا تنال هذا النصيب من التركة وتكون جميعها لأولاده جميعا للذكر ضعف الانثى تعصيبا إذا لم يجحد أولاد الأولى نسب أولاد الزوجة الأخيرة للمتوفى فإذا جحد أولاد الأولى نسب هؤلاء كان لهم أن يثبتوا النسب بكافة طرق الاثبات الشرعية فإذا ثبت النسب بعد الجحود استحقوا الميراث على وجه ما سبق وهذا إذا كان الحال كما ورد بالسؤال ولم يكن لهذا المتوفى وارث آخر غير من ذكروا ولا فرع يستحق وصية واجبة - والله سبحانه وتعالى أعلم(7/349)
المعاش والتركة
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
جماد أول سنة 1401 هجرية - 7 من مارس سنة 1981 م
المبادئ
1 - المعاش غير التركة ولو كان استحقاقه بسبب المورث.
2 - يرجع فى المعاش إلى الجهة التى تنظمه
السؤال
من السيد / خضر أحمد المتضمن أولاد وفاة المرحوم محمد زكى شعبان الذى ترك زوجته وأولاده القصر واستحقوا بعده معاشا من القوات المسلحة.
ثانيا توفى بعده والده المرحوم زكى شعبان وترك زوجتيه وأولاد ابنه المتوفى قبله واستحق ورثته عنه معاشا فهل يستحق أولاد ابن المتوفى الثانى وزوجة ابنه معاشا من معاش هذا الجد أم لا
الجواب
أن المعاش وإن كان مستحقا بسبب المورث إلا أنه لا يعتبر من التركة ولذلك تنظمه قوانين المعاشات المختلفة وفى شأن الاستحقاق فى المعاش عن المرحوم زكى شعبان يرجع إلى الجهة المختصة والله سبحانه وتعالى أعلم(7/350)
احداث الزاوية الحمراء
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
شعبان 1401 هجرية - 25 يونية 1981 م
المبادئ
1 - لا تفرقة فى الإسلام بسبب الدين أو الجنس أو اللون.
2 - دماء غير المسلمين وأموالهم وأعراضهم حرام كحرمة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم.
3 - الحوادث الفردية بين مختلفى الديانات يجب وأدها فى الحال قبل اتساع نطاقها
السؤال
عن أحداث الزاوية الحمراء فنشر هذا البيان
الجواب
بمناسبة حوادث الزاوية الحمراء يوم الأربعاء 17 يونية 1981 أصدرت دار الإفتاء البيان التالى وقد نشر بجريدة الأهرام يوم 20/6/1982 م.
لمصلحة من هذا الذى حدث قرأت بأسف شديد الباين الذى أذاعته وزارة الداخلية أمس عن وقوع شجار بين اثنين من المواطنين أحدهما مسلم والآخر قطبى امتدت آثاره إلى قتل وجراح لغيرهما ومآسى أخرى.
فتذكرت قول الله سبحانه فى القرآن الكريم {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} الحجرات 13، مساواة تامة فى الإنسانية تتبعها المساواة العادلة فى الحقوق والواجبات، ويؤكد هذا ويشرحة قول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع (أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب وليس لعربى على أعجمى ولا لأعجمى على عربى ولا لأحمر على أبيض ولا لأبيض على أحمر فضل إلى بالتقوى) هذه دعوة الإسلام إلى المساواة تذكيرا لبنى الإنسان أن أصلهم واحد لا تفرقة بسبب الدين أو الجنس أو اللن، بل لقد أوصى الإسلام بغير المسلمين، وأوضح أن لهم ما للمسلمين من حقوق وعليهم ما على المسلمين من واجبات، تسرى على هؤلاء وأولئك قوانين الدولة، إلا أن غير المسلمين تحترم عقائدهم، وما يدينون به.
فدماء غير المسلمين وأموالهم وأعراضهم حرام كحرمة دماء وأموال وأعراض المسلمين، حكم بهذا ووصى به رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم حين قال (من قذف ذميا حد له يوم القيامة بسياط من نار) .
وقال (من آذى ذميا فقد آذانى) وقال (من ظلم معاهدا أو انتقصه حقه أو كلفه فوق كاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا خصمه يوم القيامة) وبهذا العهد كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص، إبان رسول الله خصمك) وقال رضى الله عنه فى عهده لأهل بيت المقدس عقب فتح المسلمين له (هذا ما أعطى عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان أعطاهم أمانا لأنفسهم وأمالهم وكنائسهم) إن الإسلام حين ذكر أخبار الأنبياء السابقين احترمهم جميعا، دفع عنهم الإثم ونفى عنهم العدوان فى سورة الأنبياء، خاطبنا، بل خاطب الإنسانية على امتدادها فقال {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} الأنبياء 92، إن الإسلام دين السلام مع الله، ومع الناس، ومع النفس، هكذا فصل القرآن، وبهذا أمر رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام، وما كان الإسلام باغيا ولا متعديا، إنه يدعو إلى الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، وبالرسل وأنبياء الله السابقين عليه قال تعالى {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله} البقرة 285، وإذا كان لأهل كل دين عقائدهم وأساليبهم الإيمانية فى ظل من حرية العقيدة والعبادة فإن الإسلام قد سبق كل النظم لأنه دين الله، فقرر أن {لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى} البقرة 256، إن أهل مصر اشتهروا فى التاريخ - كل التاريخ - بالأخوة والسماح، ولهذا كانوا غوثا للمظلوم، وموئلا للمطارد يجد عندهم الأمن والأمان.
هذه مريم وابنها عيسى عليهما السلام يفدان إلى مصر تضمهما، وتحميهما، وقد كان أمامهما - حين طوردا - جهات ونواح شتى، ولكن الله سحبانه قد اختار لهذه الأسرة المقدسة هجرتها إلى مصر، ووجدت من المصريين كل رعاية وعون، بل وحماية وتقديسا، وها هى مصر فى ظل الإسلام موئل سلالة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين طاردهم الأمويون.
أيها المصريون - مسلمين وأقباط - هذا شرف لبلادكم العزيزة الكرمية، هذا رضوان من الله عليها وتكريم لها فصونوا هذه البلاد واحفظوها من الفرقة والاختلاف وحافظوا عليها كما كانت دائما واحة الأمن والأمان.
فهكذا كانت مصر وستظل، آمنة بأهلها ويتخطف الناس من حولها، لقد عاش الإسلام والمسيحية هنا هذه القرون، يرتوى المسلمون والمسيحيون من ماء النيل، ويفلحون أرضها، يبذرون الحب ويعتمدون على الرب ويعيشون إخوة متجاورين متحابين.
ليتذكر المواطنون أن مصر قد تحررت من الاستعمار بوحدتها، فلنعد إلى التاريخ أيضا ولنطالع تلك الصحائف الغنية صحائف الرجال، الذين تغاضوا عن كل أسباب الفرقة والتباعد فى ثورة الشعب فى سنة 1919، فدخل القص الزهر خطيبا ودخل عالم الأزهر الكنيسة داعيا للوطن والوطنية، والتقت القلوب قبل الكلمات، وكان رصاص العدو لا يفرق بين المسلم والمسيحى، ولقد استمر جهاد المواطنين، دون تراخ أو تباعد عن ساحة الاستشهاد حتى تحررت مصر واستردت ذاتها.
ولما نكبت فيما كسبت، وولى أمرها الرشيد من أبنائها، احتسب نفسه وجهده لخلاصها واسترداد كرامتها، فماذا كان كان هذا الإخاء الوطنى فى حرب رمضان 1939 - أكتوبر 1973 أن وقف المصريون، بل الوطن العربى - مسلمين ومسيحيين - يقاتلون، لا يفرقهم الدين، فقد ارتوت أرض المعارك بدماء المسلمين والمسيحيين على السواء، هذا الإخاء فى الوطن، ليس وصية للمسلمين فحسب، بل هو كذلك صلب المسيحية، التى ترفع دائما نداء وشعار المحبة والسلام، والسلام الذى ينادى به الإسلام، ويتمثل فى دعاء الرسول محمخد صلى الله عليه وسلم (اللهم أنت السلام، ومنك السلام وإليك السلام، فحينا ربنا بالسلام) ويقرؤه إخواننا الأقباط فى الأنجيل إذ يقول (المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة) إن الدين بأهله، وعلى أهل الدين - أى دين - أن يحفظوا تعاليمه الحقة، فيؤدون واجباتهم، ويأخذون حقوقهم، وبالكلمة الكيبة الهادئة، وليس باستثارة الطائفية وإثارة البغضاء والشحناء التى تستتبع إرقاة الدماء، وقتل الأنفس التى حرم الله فى جميع شرائعه قتلها إلا بالحق.
إنه لا ينبغى أن يتسبب حادث فردى فى هذا الذى رواه بلاغ وزارة الداخلية الذى اهتزت له قلوب المواطنين مسلمين ومسيحيين - فلا أحد فى هذا اولطن يود أن يجرى فيه ما جرى فى غيره.
وإذا كان ما حدث قد تولاه المختصون من رجال الأمن والنيابة العامة فليترك الجميع التحقيقات تأخذ سيرها، لتكشف عن الحقيقة فى هذا الأمر، إذ أنى أستبعد أن يقدم مواطن صالح مختص لوطنه ولدينه على إثارة الفتنة وإشاعة الفرقة، وقد يكون وراء هذا دوافع ليست من أخلاق المواطنين.
إن الشياطين يئسوا من الاستجابة لهم، فيما حاولوا ويحاولون من فتن واضطراب فركبوا موجة اختلاف الدين والطائفية، لانهم يعلمون أن شعب مصر، شعب متدين، جاءوا ليلبسوا عليهم دينهم، ويدفعوهم ليخلطوا عملا صالحا وآخر سيئا.
أيها المواطنون - أقباطا ومسلمين - لا تدعوا لشياطين الإنس سبيلا للتفرقة بينكم تحت أى شعار، إن أعداء الوطن يتربصون به.
{والله من ورائهم محيط} البروج 20، إن الله نصحنا فى القرآن الكريم بقوله سبحانه {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} الأنفال 25، نعم إن الفتن يجب أن توأد فى مهدها، وألا تترك لتزداد اشتعالا بفعل أهل السوء الذين تؤرقهم وحدة هذا الوطن، فهم لا يفترون، يعيثون فى الأرض فسادا وفرقة، والله سبحانه يدعونا بهذه النصيحة إلى أن نأخذ على يد المفسدين بحزم وعزم، وهذا ما نأمل من أولى الأمر لأن معظم النار من المستصغر الشرر.
حفظ الله كنانته فى أرضه وأتم عليها نعمة الوحدة والأمن، والله متم نوره - ولو كره الحاقدون - على مصر، أمنها، وأمانها، ووحدتها.
وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون، وعندئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، وإنا لهذا النصر لمرتقبون.
دعوة قالها نبى وحكاها القرآن {ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين} يوسف 99(7/351)
مهام دار الافتاء بالقاهرة
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
محرم 1401 هجرية - 3 نوفمبر 1981 م
المبادئ
1 - الإفتاء بيان حكم الله تعالى بمقتضى الأدلة الشرعية على وجه اللعموم والشمول.
2 - أول من قام بالإفتاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم فقهاء الصحابة ومن بعدهم.
3 - قديما كان لكل مديرية أو ولاية مفت، ولوزارة الحقانية مفت، ولوزارة الأوقاف مفت، وفوق كل هؤلاء مفتى السادة الحنفية، أو مفتى الديار المصرية الذى حل محل هؤلاء جميعا الآن.
4 - الفتوى فى القضايا كانت ملزمة للقضاة قديما وغير ملزمة الآن.
5 - ضوابط الفتوى فى قضايا الإعدام، هى الالتزام بعرض الواقعة والأدلة حسبما تحملها أوراق الجناية على الأدلة الشرعية بمعاييرها الموضوعية المقررة فى الفقه الإسلامى.
6 - يعاون المفتى عدد من العلماء المتخصصين فى الفقه الإسلامى والإداريين.
7 - تستقبل دار الإفتاء وفودا من قضاة الأحوال الشخصية فى البلاد الآسيوية الإسلامية للتدريب فيها على أعمال الإفتاء فنيا وإداريا
السؤال
من لجنة العدالة - المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية.
بالكتاب المؤرخ 30/6/1981 الذى قيد برقم - 361/1981 بدار الإفتاء وقد جاء به إنه قد نشأت بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية فكرة القيام بمسح اجتماعى شاشمل للمجتمع المصرى، يقوم برصد حركة وتحليل واقع المجتمع المصرى وتغيره فى جميع مجالاته، ونظم رفه وحضره فى المرحلة الزمنية من سنة 1952 إلى سنة 1980 بمراحل ثلاث: 1 - مرحلة بداية الثورة من سنة 1952 إلى سنة 1961.
2 - مرحلة تطبيق النظام الاشتراكى من سنة 1962 إلى سنة 1972.
3 - مرحلة الانفتاح الاقتصادى من سنة 1973 إلى سنة 1980.
وأن يعنى المسح بالتركيز على دراسة النظم المختلفة للمجتمع المصرى لاسيما ما يتخذه المجتمع من إجراءات وجهود رسمية وشعبية لمقابلة احتياجاته.
ومن الموضوعات التى تقوم لجنة العدالة بدارستها ومسحها موضوع الإفتاء من حيث النشأة والتطور، والقوانين المنظمة وعدد القضايا والفتاوى وأنواعها، وضوابط الفتوى فى قضايا الإعدام، والجهاز الفنى والإدارى.
وأن اللجنة قد ارتأت إسناد وضع تقرير شامل حسب تلك العناصر إلى المفتى خدمة للوطن
الجواب
استجابة لهذا الكتاب تحرر التقرير التالى: 1 - تمهيد (أ) الإفتاء فى اللغة العربية أفتاه فى الأمر أبانه له.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى فى عديد من الآيات (سورة النساء 127، 176 وسورة يوسف 43 وسورة الصافات 11) وفى اصطلاح علماء الفقه الإسلامى وأصوله.
أن الإفتاء. بيان حكم الله تعالى بمقتضى الأدلة الشرعية على جهة العموم والشمول.
ومن عباراتهم فى شأن المفتى: المفتى قائم فى الأمة مقام النبى صلى الله عليه وسلم، لأن العلماء ورثة الأنبياء كما يدل عليه الحديث الشريف (ان العلماء ورثة الأنبياء، ان الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم) .
والمفتى نائب فى تبلغ الأحكام.
وهذا معنى كونه قائما مقام النبى (ب) مكانة الإفتاء قال الإمام النووى فى كتابه المجموع شرح المهذب للشيرازى.
اعلم أن الإفتاء عظيم الخطر، كبير الموقع، كثير الفضل، لأن المفتى وارث الأنبياء صولات الله وسلامه عليهم، وقائم بفرض الكفاية، لكنه معرض للخطأ.
ولهذا قالوا المفتى موقع عن الله تعالى (ج) حكم الإفتاء تكاد نصوص الفقهاء تتفق على أن تعليم الطالبين، وإفتاء المستفتين فرض كفاية، فإن لم يكن وقت حدوث الواقعة المسئول عنها إلا واحد تعين عليه فإذا استفتى وليس فى الناحية غيره تعين عليه الجواب، فإن كان فيها غيره وحضر فالجواب فى حفهما فرض كفاية، وإن لم يحضر غيره، وجهان أصحهما لا يتعين والثانى يتعين.
(د) أول من قام بالإفتاء كان هذا مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم من بعده فقهاء أصحابه والتابعين ثم الفقهاء المجتهدون فى الشريعة وعلماء المسلمين بشروط استوجبوا توافرها فيمن يتصدى للافتاء، وقد استنبطوا تلك الشروط من أصول الشريعة.
(الفتاوى الإسلامية من دار الافتاء المصرية طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية المجلد الأول فى التقديم والتصدير ففيها من ص 5 حتى 32 بيان لكل ما يتعلق بالافتاء من أحكام وأسانيدها ومراجعها الفقهية والأصولية) وأهمية الإفتاء فى هذا العصر ان فيها (فقه وتطبيق الواقعات الجديدة، وهى فى ذات الوقت منهل حافل، ينهل منه الدارسون لعلوم الاجتماع والتاريخ والسياسة والاقتصاد، إذ تحمل الاستفتاءات الرسمية، والشعبية صورة لواقع حياة الناس فى مصر، وبل وربما فى العالم الإسلامى) (المرجع السابق ص 5) والإفتاء صنو القضاء فى النشأة، فقد قاما فى حياة المسلمين معا منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه كان المبلغ وحيا عن الله، والمفتى للناس الأحكام، والقاضى يفصل فى الأنزعة وفق ما يسمع من دعاوى وأدلة يبين كل ذك بأصلو قررها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يزال القضاء والفتوى يجريان عليها.
2 - نشأة دار الافتاء المصرية، ولقب مفتى الديار المصرية لم أعثر - بالرغم مما بذل من جهد فى البحث والرجوع إلى المصادر التاريخية بل وسؤال بعض المؤرخين الاسميين المعاصرين - على بدء إنشاء دار الإفتاء بواقعها الحالى فيما قبل - شهر جمادى الآخرة سنة 1313 هجرية نوفمبر سنة 1895 م، وفقط، قد تردد لقب المفتى، أو مفتى الديار المصرية، فى بعض اللوائح والقوانين الصادرة فيما قبل هذا التاريخ على ما سنبينه فيما بعد أما هذا التاريخ.
فهو التاريخ الذى وجدناه مدونا فى افتتاح السجل الأول من مكتبة دار الإفتاء ونص المديون به هو دفتر قيد فتاوى الديار المصرية المحولة على حضرة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر مولانا الشيخ حسونة النواوى بأمر عال صادر لنظارة الحقانية بتاريخ 21 نوفمبر سنة 1895 نمرة 10 وبلغ لحضرته من النظارة المذكورة بتاريخ 7 جمادى الثانية سنة 1313 هجرية نمرة 55 وعلى الله حسن الختام، ثم كان تعيين الإمام الشيخ محمد عبده.
وقد وجد مدونا فى افتتاح فتاويه بالسجل الرقيم 2 من سجلات الفتاوى قرار تعيينه مفتيا بالعبارات التالية صدر أمر عال من المعية السنية بتاريخ 3 يونية سنة 1899 م - 24 محرم سنة 1317 هجرية نمرة 2 سايرة صورته فضيلتلو حضرة الشيخ محمد عبده مفتى الديار المصرية بناء على ماهر معهود فى حضرتكم من العالمية وكمال الدراية قد وجهنا لعهدتكم وظيفة إفتاء الديار المصرية، وأصدرنا أمرنا هذا لفضيلتكم للمعلومية والقيام بهمام هذه الوظيفة.
عطو فتلو الباشا رئيس مجلس النظار بذلك.
الختم عباس حلمى وهكذا تتابع تعيين المفتين باسم مفتى الديار المصرية بقرار من رئيس الدولة، وإن كان منذ قيام الجمهورية يسمى باسم مفتى جمهورية مصر العربية (المرجع السابق ص 34 و 35) .
3 - إفتاء الديار المصرية قبل جمادى الآخرة سنة 1313 هجرية نوفمبر سنة 1985 م يدل استقراء الوثائق التاريخية التى تحت أيدينا على أنه كان لكل مذهب من المذاهب الأربعة مفت، فهناك مفتى الحنفية، ومفتى المالكية، ومفتى الشافعية ومفتى الحنابلة، وكان يطلق على هؤلاء المفتين أيضا شيوخ المذاهب، وكان المفتى الحنفى هو الذى يطلق عليه لقب مفتى الديار المصرية، أو مفتى افندى الديار المصرية.
ففى ولاية محمد على باشا عام 1245 هجرية - 1829 م.
كان تأليف مجلس الشورى، ويضم نقيب الأشراف، والشيخ الأمير مفتى المالكية، والشيخ محمد المهدى مفتى الحنفية.
وفى عام 1258 هجرية - 1842 م كان استفتاء الوالى إلى المفتى فى جواز تصرف الفلاحين فى ممتلكاتهم بالبيع والهبة والوقف.
وفى ولاية عباس باشا الأول عام 1265 هجرية - 1849 م كان تأليف المجلس الخصوصى ويضم مفتى الحنفية، وشيخ الأزهر.
وبالمناوبة الشيخ السادات والشيخ البكرى (وهما نقيبا الأشراف) .
وفى ولاية اسماعيل باشا عام 1280 هجرية - 1863 م كان رفع مرتب فمتى المالكية الشيخ عليش إلى 1500 قرشا.
وفى عام 1281 هجرية - 1864 م كان تحديد مرتبات (كلمة مفاتى جمع تكسي شاذ وغير صحيح، ومفرده مفتى، وجمعه الصحيح جمع مذكر سالم فيجمع على مفتين) مفاتى مجالس مصر والاسكندرية والأقاليم.
وفى عام 1282 هجرية - 1865 م صدر أمر عال إلى ناظر الداخلية يتضمن إشارة صريحة إلى مفتى الديار المصرية ويطالب بوضع تشريع لمعاقبة من يتصدى للإفتاء دون (رخصة) وهذا الأمر صادر من الخديو فى 11 رجب 1281 هجرية.
وفى عام 1288 هجرية - 1781 م كان تعيين الأستاذ الأنور مفتى السادة الحنفية، وشيخ الأزهر عضوين بالمجلس المخصوص.
وفى ولاية عباس باشا الثانى 1313 هجرية - 1895 م كان الأمر العالى بإسناد إفتاء الديار المصرية إلى شيخ الأزهر حسونة النواوى (مرجع هذه البيانات هو المؤرخ الإسلامى الدكتور أحمد عطية الله نقلا عن كتاب تقويم النيل للمرحوم أمين باشا سامى) هذا وقد تردد لقب مفتى الديار المصرية غير ما سلف ذكره فيما يلى (أ) كتابى نظارة الجهادية فى 5، 12 صفر سنة 1298 هجرية إلى مفتى أفندى وإلى شيخ الجامع الأزهر فى شأن الشهادات التى من مشيخة الجامع الأزهر إلى المشتغلين بطلب العلم الشريف.
(ب) قرار نظارة الداخلية فى يولية سنة 1885 م بتشكيل مجالس التأديب للمديريات والمحافظات ولمصلحة بيت المال، ومن بين أعضاء مجلس تأديب هذه المصلحة - المفتى.
(ج) جاء فى الأمر العالى فى 26 مارس سنة 1885 م الخاص بالقرعة العسكرية (التجنيد) فى الاستثناء والمعافاة من الخدمة العسكرية فى المادة - 26 - أن حملة القرآن الشريف يعفون من الخدمة العسكرية إذا خلوا من أى عمل آخر، ويمتحنون فى القرآن بحضور مجلس القرعة، بمعرفة القاضى، والمفتى (والمقصود هنا مفتى الإقليم وليس مفتى الديار المصرية) .
(د) فى الأمر العالى إلى رياسة المجلس الخصوصى فى 5 ربيع الثانى سنة 1290 هجرية نمرة - 275 باختصاص (مفاتى) المجالس والمديريات وديوان الأوقاف بأعضاء الأجوبة الشرعية، وما يسأل عنه من إحدى دهات الحكومة عند اللزوم، كما أن (مفاتى) مصر والاسكندرية منوطون بما يسألون عنه من الحوادث التى فيها سواء كانت من الحكومة أو خلافها، وعدم خروج كل شخص عما هو منوط به، ومنع عن مداهم من التعرض لإعطاء فتاوى.
(هاء) الأمر العالى الصادر فى 9 رجب سنة 1297 هجرية - 17 يونية سنة 1880 م نمرة - 11 باصدرا لائحة المحاكم الشرعية بعد استصوابها بموافقة كل من حضرات شيخ الجامع الأزهر ومفتى السادة الحنفية وقاضى أفندى محكمة مصر الكبرى.
وقد جاء فى المادة الخامسة من هذه اللائحة أن اللجنة المنوط بها النظر فى تعيين القضاة وأعضاء المجالس الشرعية أن من أعضائها مفتى السادة الحنفية.
(و) المادة 22 من هذه اللائحة نصت على أنه إذا اشتبه أمر من الأمر الشرعية على المجلس الشرعى بمحكمة مصر الكبرى، أو من كان له ولاية الحكم بالمحكمة المذكورة، فعليه أن يستفتى من حضرة مفتى أفندى السادة الحنفية بالديار المصرية وبمقتضى ما تصدر به فتواه يكون العمل، وإذا حصل اشتباه من أحد قضاة سائر المحاكم الشرعية ومجلس محكمة اسكندرية والنواب فى أمر من الأمور المذكورة، فعليه أن يستفتى المفتى الموظف من طرف الحكومة الموجود بدائرة محكمته بالولاية التابع لها لإجراء العمل بمقتضى فتواه الشرعية فإن اشبته الأمر مع ذلك على من ذكر، أو على المفتى أيضا، فحين ذاك يتحرر بطلب الإفتاء عما صار إليه الاشتباه فيه من حضرة مفتى أفندى السادة الحنفية المومى غليه، وبمقتضى ما تصدر به فتواه يكون العمل.
(ز) درا الإفتاء (قاموس القضاء والادارة لفيليب جلاد ج - 5 ص 530 ط.
1894 م، وذات المرجع الفقرات الست السابقة عليه ج - 1 ص 151، ج - 2 ص 490 - 499 وج - 3 ص 409 وج - 4 ص 136 و 146) جاء هذا العنوان بمناسبة الأمر العالى الصادر لنظارة الحقانية بتاريخ 17 ربيع الثانى سنة 1311 هجرية - 27 أكتوبر سنة 1893 م بإحالة كل الأعمال التى من خصائص مفتى افندى الديار المصرية لمرضه على مفتى الحقانية، لصالح المصلحة.
4 - التطور والقوانين المنظمة من هذه الإشارات، وبتتبع نصوص تلك الأوامر العالية ولوائح المحاكم الشرعية الصادرة فى سنة 1856 م، وسنة 1880 م، و1897 م وسنة 1909 م وسنة 1910 م وسنة 1914 وسنة 1931 يتبين الآتى (أ) جاء فى المادة - 21 من لائحة 1856 م (وينبغى للقاضى - أيضا - أن يشاور العلماء ويستفتيهم فى الدعاوى المشكلة، ولا يستقل فى ذلك برأيه حذرا من الخطأ فى الأحكام الشرعية.
(ب) ثم نجد الرجوع إلى المفتى فيما يشبته على القاضى صار أمرا حتما بمقتضى المادة 22 من لائحة سنة 1880 م وتدل هذه المادة على أنه كان لكل ولاية مفت يجب الرجوع إليه، فإذا اشتبه الحكم الشرعى فى القضية على مفتى الولاية وعلى القاضى أو اختلفا كان على القاضى الرجوع فى شأنه لزوما إلى مفتى افندى السادة الحنفية بالديار المصرية، ويكون العمل بمقتضى فتواه.
ونجد الرجوع إلى مفتى الديار المصرية، والالتزام قضاء بفتواه فيما يشتبه من الأحكام الشرعية على القضاة وعلى مفتى المديريات نراه واضحا فى الفتاوى التى دونت فى سجلات دار الإتاء، ردا على الاستفتاءات الواردة من هؤلاء، وذلك حتى تاريخ العمل بلائحة 25 من ذى الحجة 1314 هجرية - 27 مايو 1897 م حيث قصرت هذه اللائحة مجال الإفتاء على غير القضايا المنظورة أمام المحاكم الشرعية على ما سيأتى بيانه.
هذا وتدل هذه اللائحة والتى قبلها على أن المحاكم الشرعية كانت هى المحاكم العامة فى البلاد، تفصل فى الدماء والأموال وغيرها من فروع القضاء وفقا وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية.
(ج) اعتبرت نصوص لائحة 1897 م مفتى الولاية أو المديرية عضوا فى محكمة المديرية المكونة من ثلاثة أعضاء، وتكون الرياسة للقاضى (م 6) ومفتى الديار المصرية عضوا فى المحكمة العليا المكونة من خمسة أعضاء يرأسها قاضى مصر (م7) .
ونصت كذلك على اشتراك مفتى الديار المصرية فى لجنة اختيار القضاة ومفتى الميدريات وفى تأديبهم.
(د) نصت المادة / 100 على أن تقتصر أعمال المفتيين على إفتاء المحاكم الأهلية والحكومة والأفراد فى غير القضايا المنظورة أمام المحاكم الشرعية.
(هاء) جاء نص المادة / 18 من لائحة سنة 1910 م بأنه فيما عدا محكمة المحروسة (القاهرة) يؤدى كل نائب أو من يقوم مقامه وظيفة الإفتاء فى دائرة المحكمة المعين فيها.
كما جاءت المادة / 377 من هذه اللائحة مقررة أن أعمال النواب أو من يقوم مقامهم فيما يتعلق بالإفتاء تكون قاصرة على إفتاء المحاكم الهلية والحكومة والأفراد فى غير القضايا المنظورة أمام المحاكم الشرعية، وليست المحاكم مقيدة بفتوى أيا كانت، وذات المعنى قررته المادة 376 من اللائحة الشرعية رقم 78 سنة 1931 م.
(و) اختيار وتعيين مفتى الديار المصرية جرى نص المادة العاشرة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والاجراءات وانتخاب بها الصادرة بأمر عال فى 27 مايو سنة 1897 م بما يلى انتخاب قاضى مصر يكون منوطا بنا وتعيينه يكون حسب القواعد المتبعة وانتخاب وتعيين مفتى الديار المصرية يكون منوطا بنا وبأمر منا بالطرق المتبعة.
وقد ألغيت هذه المادة بمقتضى القانون رقم 12 لسنة 1914 م بإلغاء وتعديل بعض مواد هذه اللائحة.
وجاء فى المذكرة الإيضاحية فى صدد إلغاء المادة العاشرة من لائحة سنة 1897م ما يلى وألغيت المادة - 10 بفقرتيها وكانت الأولى منهما تنص على الإجراءات الخاصة بتعيين قاضى مصر، أما الفقرة الثانية فإنها تنص على ما يتعلق بتعيين مفتى الديار المصرية، وإنه وإن كان مفتى الديار المصرية موظفا تابعا لوزارة الحفانية، إلا أنها ترى أنه لائحة المحاكم الشرعية ليست محلا للنص على إجراءت تعيينه، لأن هذه الوظيفة لا علاقة لها بأعمال المحاكم الشرعية.
وهذا الذى قالته المذكرة الإضاحية سائغ بعد إذ لم يعد مفتى الديار المصرية عضوا فى المحكمة العليا الشريعة بمقتضى تشكيلها الذى نص عليه القانون رقم 12 لسنة 1914 وجرت عليه لائحة المحاكم الشرعية الصادرة فى 1931 م.
وجرى العمل بعد هذا على ما كان مقررا فى المادة الملغاة، فيتعيبن مفتى الديار المصرية بقرار من رئيس الدولة باختياره وبالطرق المتبعة.
على أنه قد نص فى قانون الإجراءات الجنائية على أنه فى حال خلو وظيفة المفتى أو غيابه أو قيام مانع لديه يندب وزير العدل بقرار منه من يقوم مقامه (المادة 381/3 من قانون الاجراءات الجنائية) .
5 - خلاصة تدل نصوص الأوامر واللوائح - على الوجه السابق - على أنه كان لكل مديرية أو ولاية مفت، ولزارة الحقانية مفت، ولوزارة الأوقاف مفت وفوق كل هؤلاء مفتى السادة الحنفية أو مفتى الديار المصرية، وأن الفتوى فى القضايا كانت ملزمة للقضاة حسب لوائح 1856 م، 1880، ثم لم تعد ملزمة للقضاة فى المحاكم الشرعية فى لائحة 1897 م وتعديلاتها بالقوانين أرقام 25 لسنة 1909 م و 31 لسنة 1910 م - و 12 سنة 1914 م ثم الاستعاضة عن كل هذه القوانين باللائحة الأخير بالمرسوم 78 لسنة 1931 م.
هذا وبإلغاء المحاكم الشرعية القانون رقم 462 لسنة 1955 م لم يعد فى المحاكم الابتدائية إفتاء، وصارت أعمال الفتوى سواء للحكومة أو للأفراد وللهيئات مقصورة على مفتى الديار المصرية فى القاهرة.
ومما يجدر التنويه عنه أنه منذ أول يناير 1956 تاريخ العمل بقانون إلغاء المحاكم الشرعية آلت إلى دار الافتاء الاشهادات التى كانت من اختصاص رئيس المحكمة العليا الشرعية، وهى اشهاد خروج المحمل بكسوة الكعبة الشريعة وبكسوة مقام الرسول صلى الله عليه وسلم، وبمقدار المبلغ النقدى المهدى من الأوقاف إلى فقراء الحرمين الشريفين (الصرة) وإشهاد وفاء النيل، الذى بمقتضاه يحق شرعا للدولة جباية ضرائب الأراضى الزراعية.
وقد توقف هذان الاشهادان حيث كان آخر إشهاد بخروج المحمل فى 26 من شهر ذى القعدة سنة 1381 هجرية أول مايو سنة 1962 م بسب خلافات سياسية بين جمهورية مصر والمملكة العربية السعودية فى ذلك الوقت امتنعت السعودية بسببه عن التصريح بدخول الكسوة من مصر، وكان آخر اشهاد بوفاء النيل فى 12 من شهر رجب الفرد سنة 1392 هجرية - 21 أغسطس سنة 1972 م بسبب حجز مياه فيضان النيل بالسد العالى فوق أسوان بعد هذا التاريخ.
كما كان من اختصاص رئيس المحكمة العليا الشرعية استطلاع أهلة الشهور القمرية التى فيها مواسم دينية - وهى أشهر المحرم وربيع أول ورجب وشعبان ورمضان وشوال وذو الحجة وصار هذا من اختصاص دار الإفتاء منذ إلغاء المحاكم الشرعية، تقوم به اللآن.
6 - عدد وأنواع القضايا والفتاوى يحتويها الجدول المرفق (ينظر الجدول المشار اليه فى نهاية الفتوى) ، مع ملاحظة أن من بينها فتاوى إلى أفراد عديدة من العالم الإسلامى أى من خارج جمهورية مصر.
7 - ضوابط الفتوى فى قضايا الإعدام تحيل محاكم الجنايات وجوبا إلى المفتى القضايا التى ترى بالإجماع وبعد إقفال باب المرافعة وبعد المداولة إنزال عقوبة الإعدام بمقترفها، وذلك قبل النطق بالحكم، تنفيذا للمادة 381/2 من قانون الإجراءات الجنائية.
وهذا الإجراء معمول به منذ صدور القانون الجنائى الوضعى ولائحة الإجراءات الجنائية فى مصر فى أواخر القرن التاسع عشر، أى منذ نحو مائة سنة أو تزيد وبمقتضاهما توقف تطبيق العقوبات المقررة فى الشريعة الإسلامية (فى الجنايات أو الحدود والتعازير) كما توقف تطبيق قواعد الإثبات فى فقه هذه الشريعة عند النظر فى الجرائم بوجه عام.
وأصبح على محكمة الجنايات عند النظر فى قضايا القتل العمد أن تسلك فى الإثبات القواعد المبينة فى قانون الإجراءات الجنائية، والذى استقرت قواعده ونصوصه أخيرا تحت هذا العنوان، وعليها أن تستكمل ما لم يرد فيه بما ورد فى قانونى المرافعات المدنية والإثبات.
وكان لزاما أن تفسح أمام المحكمة معايير الإثبات الجنائى على ما تفصح حرتيه، ومع ذلك لا يجوز له أن يبنى حكمه على أى دليل لم يطرح أمامه فى الجلسة.
وكل قول يثبت أنه صدر من أحد المتهمين أو الشهود تحت وطأة الإكراه أو التهديد به، يهدر ولا يعول عليه) .
وفى هذا النص نجد عبارة (يحكم القاضى فى الدعوى حسب العقيدة التى تكونت لديه بكامل حريته) - هذه الحرية غير المحدودة إلا بالقواعد العامة التى أشارت المادة إلى بعضها، تعطى المحكمة معايير واسعة فى الاستدلال بينما طرق الإثبات فى فقه الإسلام جاءت مقننة ذات أبعاد وشروط ينبعى على القاضى التثبت من توافرها، ففى الشهادة يشترط النصاب، أى عدد الشهود وأوصاف أخرى يلزم توافرها فى الشهود، وكذلك فى الإقرار والإنكار واليمين وغير هذا من الطرق مما هو مبين فى موضعه من كتب فقهاء المسلمين وبهذا لا يكون للقاضى تكوين عقيدته فى القضية بكامل حريته، بل فى نطاق الأدلة كل دليل بشروطه، ومن الأدلة التى قال بها الفقهاء ويعمل بها فى الفتوى القرائن التى تنطق بها الوقائع والأوراق، أى القرائن القاطعة.
وبعد هذا التمهيد يمكن القول بأن ضوابط الفتوى فى قضايا الإعدام تتلخص فى أن المفتى حين يفحص القضة المحالة إليه من محكمة الجنايات، أنما يدرس الأوراق منذ بدايتها فإذا وجد فيها دليلا شرعيا ينتهى حتما ودون شك بالمتهم إلى الإعدام أفتى بهذا الذى قامت عليه الأدلة.
فعمل المفتى هو عرض الواقعة والأدلة التى تحملها أوراق الدعوى على أنواع وشروط الأدلة ومعاييرها فى الفقه الإسلامى، دون الالتزام بمذهب معين، بل عند اختلاف الفقهاء يختار الرأى الذى يمثل العدالة وصالح المجتمع ذلك لأن لكل دليل شروطه التى يلزم توافرها حتى يؤخذ به قضاء على ما هو مبين فى موضعه من كتب الفقه، وهذا هو منشأ الاختلاف الذى قد يقع وكثيرا ما يقع، بين الفتوى فى بعض قضايا الإعدام، وبين الرأى الذى انتهت إليه المحكمة، لأن مستقى الدليل وضوابطه تختلف اختلافا بينا فى القوانين الوضعية المعمول بها عنها فى الفقه الإسلامى، المستمد من الأصول الأصلية للاسلام.
كما أن الفعل الذى أدى إلى موت المجنى عليه تتفاوت عناصر تكييفه بأنه قتل عمد فى الفقه الإسلامى عنها فى القوانين السارية وليس ذلك اختلافا فى تقدير الدليل، بل هو اختلاف فى ذات الدليل وضوابطه ومعايره، ففى فقه الإسلام يجرى القاضى فى الاستدلال على قواعد فى كل دليله بحسبه، أما فى هذه القوانين فإن القاضى يحكم فى الدعوى حسب العقيدة التى تكونت لديه بكامل حريته فى نطاق القواعد القانوينة العامة.
وبإيجاز تصبح ضوابط الفتوى فى قضايا الإعدام هى الالتزام بعرض الواقعة والدلة حسبما تحملها أوراق الجناية على الأدلة الشرعية بمعايرها الموضوعية المقررة فى الفقه الإسلامى وتكييف الواقعة ذاتها وتوصيفها قتلا عمدا إذا تحققت فيها الأوصاف التى انتهى الفقه الإسلامى إلى تقريرها لهذا النوع من الجرائم وهى إجمالا القتيل آدمى حى، وموت المجنى عليه نتيجة لفعل الجانى، وأداة القتل ووسيلته وثبوت قصد القتل، إما من الآلة المستعملة أو من الدلة القضائية كالإقرار والشهود، وقصد احداث الوفاة، فإذا توافرت عناصر التكييف وقام عليها الدليل أو الأدلة الشرعية كانت الفتوى بالإعدام، أما إذا خرج ما تحمله الأوارق عن هذا النطاق، كان الإعمال لقول عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه الذى صارقا عدة فقهية فى قضاء الجنايات لدى فقهاء المسلمين (لأن يخطىء الإمام فى العفو خير من أن يخطىء فى العقوبة) لأن القرآن حرم قتل النفس الإنسانية بغير حق، سواء كان هذا القتل عدوانا أو كان جزاء وقاصا.
فوجب التحقق من واقع الجريمة وتكييفها وقيام الدليل الشرعى على اقتراف المتهم اياها حتى يقتص منه.
8 - الجهاز الفنى والإدارى بدار الإفتاء جرى العمل بدار الإفتاء منذ أن ارتبطت بنظارة الحقانية ثم وزارة الحقانية ثم وزارة العدل على أن يعاون المفتى عدد من العلماء بالفقه الإسلامى والاداريين.
وكان من الوظائف الرئيسية فيها وظيفة أمين الفتوى بدرجة - موظف قضائى - وهو المنوط به إعداد الفتوى للعرض على المفتى، والمعاونة فى البحوث الفقهية والقانونية، ولكثرة العمل الفنى كان ينتدب للعمل بدار الإفتاء علماء فنيون بدرجة موظف قضائى من قضاة المحاكم الشرعية.
ودار الإفتاء منذ إلغاء المحاكم الشرعية تعتبر من الإدارات الرئيسية فى ديوان وزارة العدل.
ويتكون الجهاز الذى يعمل فيها الآن من (أ) المكتب الفنى للمفتى وأعضاؤه منتدبون من رجال القضاء ومن النيابة على الوجه التالى ورئيس بالمحكمة من الفئة أ، ثلاثة رؤساء بالمحكمة من الفئة ب.
ثلاثة وكلاء للنائب العام من الفئة الممتازة. وجحميعهم من المتخرجين من كلية الشريعة بالأزهر الشريف، وسبق لهم أن مارسوا العمل القضائى بالمحاكم أو العمل الفنى بدار الإفتاء.
ومن هذا المكتب انبثقت شعبتان إحدهما شعبة تبويب الفتاوى بمبادئها وإعدادها للنشر، ويعمل بهذه الشعبة اثنان من الرؤساء بالمحكمة من الفئة ب ووكلاء النيابة الثلاثة ومهمتها تبويب الفتاوى واستظهار مبادئها، واختيار ما ينشر منها من واقع السجلات الموجودة بمكتبة الدار منذ سنة 1313 هجرية - 1895 م وقد نفذ النشر فعلا وصدر منها للآن اثنا عشر جزءا تحت عنوان الفتاوى الإسلامية من دار الإفتاء المصرية.
وهذه المرحلة من النشر تحوى المختار من فتاوى (المتنوع) أى ماعدا الوقف والمواريث، فإنه سيكون لكل من هذين النوعين مجموعة مستقلة.
وقد أصدر المفتى توجيهات محددة تنظم عمل هذه الشعبة.
الشعبة الأخرى ويعمل بها رئيس بالمحكمة من الفئة (أ) ، ورئيس بالمحكمة من الفئة (ب) ومهمة هذه الشبعة اعداد الأسئلة الواردة لدار الإفتاء للعرض على المفتى ومعاونته فى البحوث الفقهية والعلمية والقانونية، التى تتطلبها المسائل المعروضة للبحث.
(ب) المكتب الإدارى يرأسه سكرتير عام الدار - إدارى بدرجة باحث أول.
ويتكون من قسمين (أ) قسم السجلات والمكتبة ويعمل به باحث ثان خريج كلية الشرعية سنة 1965 ويرأس هذا القسم وهو منتدب من النيابة العامة.
باحث ثالث خريج كلية الشرعية سنة 1976.
ثلاث سيدات إحداهن ليسانس الحقوق سنة 1973 وأخريان ليسانس الآداب فى سنة 1974 وسنة 1980.
باحثان ليسانس الحقوق سنة 1977.
وتقوم السيدات الباحثان بالعمل بالسجلات مع أعمال إدارية أخرى أما البابحثون فالمتخرجان منهم من كلية الشريعة يعملان بالإضافة إلى أعمال هذا القسم فى إعداد وعرض بعض الأسئلة الواردة على الرئيس بالمحكمة من الفئة أالذى يتولى عرضها على المفتى برأيه النهائى، كما يقوم الباحثان المتخرجان من كلية الحقوق فوق العمل فى هذا القسم، بمعاونة المكتب الفنى بشعبتيه فى تحديد المراجع ومواضع البحوث المطلوبة منها، بالإضافة إلى ما يناط بهما من أعمال إدارية أخرى.
(ب) قسم السكرتارية ويعمل به باحث أول إدارى ويرأس القسم.
عدد 8 - كاتب وكاتبة لأعمال السكرتارية والنسخ.
وهذا التنظيم جرى وفقا للقرارات الداخلية التى أصدرها المفتى فى السنوات 1978، 12979، 1980، 1981.
هذا وليس لدار الإفتاء ميزانية مالية مستقلة، ولكنها كما تقدم القول معتبر من إدارات ديوان وزارة العدل، وكل العاملين بها من باحثين وكتاب مقيدون على ميزانية ديوان هذه الوزارة - عدا رئيس قسم السجلات والمكتبة فهو مقيد على ميزانية النيابة العامة.
9 - دار الإفتاء ودورها فى تدريب المفتين للمسلمين وفوق ما تقدم فإن دار الإفتاء تستقبل وفودا من قضاة الأحوال الشخصية فى البلاد الأسيوية الإسلامية، للتدريب فيها على أعمال الإفتاء فنيا وإداريا.
وقد تدرب فيها لمدة عام قاضيان من جزيرة برونى المجاورة لماليزيا والثالث من هذه الجزيرة مازال فى التدريب للآن، حيث ينتهى تدريبه فى آخر عام 1981 م، كما أتمت الدار تدريب سكرتير عام دار الإفتاء فى جمهورية جزر القمر الإسلامية لمدة ثلاثة أشهر، وذلك على الأعمال المكتبية والإدارية وعاد فعلا إلى بلاده.
وفى التدريب الآن أيضا اثنان من القضاة من ماليزيا، وقد سبق أن وافق المفتى على تدريبهما لمدة عامين.
ومنهج هذا التدريب حسب قرار المفتى رقم 4 لسنة 1980 يشمل دراسة الفتوى وأعمالها النفية والإدارية والمكتبية، والعمل على ترتيب زيارتهم للمحاكم بواسطة إدارة التدريب بوزارة العدل، لاشتغالهم فى بلادهم أصلا بقضاء الأحوال الشخصية.
ويشرف على هؤلاء فى التدريب الفنى كل من الرئيسين بالمحكمة من الفئة أوب من أعضاء المكتب الفنى للمفتى، وذلك بالنسبة لدراسة الفتوى وأعمالها ويقوم سكرتير عام دار الإفتاء بتدريب المبعوثين على العمل الإدارى والمكتبى وإطلاعهم على أسسه المعمول بها.
وبهذا البيان يتضح - عملا - المهام المنوطة بدار الإفتاء، والنوعيات التى تواجهها بالبحث والدراسة وبالتدريب، وهذه المهام ليست مفصلة قانونا وإنما استقرت عملا.
والله نسأل أن يوفق العاملين الذين يبتغون الخير للعباد والبلاد، وأن يجزيهم الجزاء الأولى.
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/352)
الروح والنفس
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
محرم 1402 هجرية - 10 نوفمبر 1981 م
المبادئ
1 - الروح جسم نورانى علوى حى يسرى فى الجسد بإذن الله لا يقبل التحلل ولا التبدل ولا خلافهما تعطى للجسمس الحياة وتوابعها.
2 - لا ينبغى الاشتغال بما استأثر الله بعمله.
3 - جمع النقود فى المساجد جائز متى دعت الحاجة إلى ذلك بشروطها.
4 - القاعدة العامة التى تسود حقوق كل من الزوجين قبل الآخر هى الإحسان فى المعاملة وتجنب المضارة.
5 - المباشرة الجنسية بين الزوجين حقهما معا، ولكل منهما الاستجابة للآخر.
وعلى الزوجة حفظ ماله وكتم أسراره. وألا تدخل بيته أحدا دون إذنه.
6 - الحامل إذا ماتت فى الولادة تغسل ويصلى عليها.
ولها حكم الشهداء فى الآخرة
السؤال
بكتاب الهيئة العامة للاستعلامات - قطاع الإعلام الخارجى وحدة تركيا المؤرخ 31 مارس شنة 1981 الموجه إلى السيد مدير تحرير مجلة منبر الإسلام، المحال إلى دار الإفتاء بتاريخ 21 سبتمر سنة 1981 وقيد بها برقم 307 سنة 1981 يحوى أسئلة موجهة من فضيلة الأستاذ على سورمش.
واعظ مدينة ريجانلى بتركيا نصها: 1 - هل الروح هى النفس.
2 - هل الروح هى التى تعذب أم النفس.
3 - هل يجوز جمع النقود فى الجوامع.
4 - ما أقوال العلماء والمفسرين فى حق الزوج.
5 - إذا ماتت المرأة الحامل عند الولادة، ما حكم غسلها، والصلاة عليها.
وقد انتهى الخطاب بطلب نشر الإجابة على هذه الأسئلة بمجلة منبر الإسلام
الجواب
عن السؤال الأول إن كلمتى الروح والنفس ترددتا فى آيات كثيرة فى القرآن الكريم وكثر ورود الكملة الأخيرة منفردة ومجموعة قرابة الثلاثمائة مرة أو تزيد.
وقد اختلف العلماء فى الروح والنفس.
هل هما شىء واحد أو هما شيئان متغايران فقال فريق أنهما يطلقان على شىء واحد، وقد صح فى الاخبار إطلاق كل منهما على الأخرى، من هذا ما أخرجه البزار بسند صحيح عن ابى هريرة (ان المؤمن ينزل به الموت، ويعاين ما يعاين، يود لو خرجت نفسه والله تعالى يحب لقاءه، وان المؤمن تصعد روحه إلى السماء فتأتيه أرواح المؤمنةين فيستخبرونه عن معارفه من أهل الدنيا) .
فهذا الحديث يؤيد إطلاق الروح على النفس، والنفس على الروح وقال القريق الآخر إنهما شيئان، فالروح ما به الحياة، والنفس هذا الجسد مع الروح، فللنفس يدان وعينان ورجلان ورأس يديرها، وهى تلتذ، وتفرح وتتألم وتحزن.
فالروح جسم نوارانى علوى حى يسرى فى الجسد المحسوس بإذن الله وأمره سريان الماء فى الورد، لا يقبل التحلل، ولا التبدل ولا التمزق ولا التفرق، يعطى للجسم المحسوس الحياة وتوابعها ويترقى الانسان باعتباره نفساب النواميس التى سنها الله وأمر بها فهو حين يولد يكون كباقى جنسه الحيوانى، لا يعرف إلا الأكل والشرب، ثم تظهر له باقى الصفات النفسية من الشهوة والغضب، والمرض والحسد والحلم والشجاعة، فإذا غلبت عليه إنابته إلى الله وإخلاصه فى العبادة تغلبت روحه على نفسه فأحب الله وامتثل أوامره وابتعد عما نهى عنه، وإذا تغلبت نفسه على روحه كانت شقوته.
وقد جاءت الروح فى القرآن الكريم وفى السنة بمعان، فهى تارة الوحى كما فى قوله تعالى {يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده} غافر 15، ويسمى القرآن روا باعتباره أحيا الناس من الكفر الشبيه بالموت، وأطلق الروح على جبريل {نزل به الروح الأمين.
على قلبك لتكون من المنذرين} الشعراء 193، 194، وقوله {وأيدناه بروح القدس} البقرة 253، وفى الحديث الشريف (تحابوا بذكر الله وروحه) قيل المراد بالروح هنا أمر النبوة أو القرآن، وهو المعنى عند أكثر العلماء فى قوله تعالى {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} الشورى 52، ولكن الروح المسئول عنها هى ما سأل عنها اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابهم الله فى القرآن بقوله سبحانه {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} الإسراء 85، فهذه الروح التى يحيا بها الإنسان، قد استأثر الله فى علمه بكنهها وحقيقتها، لم يخبر بذلك أحدا من خلقه، ولم يعط علمه بالعباد، وهى التى نفخها فى آدم وفى بنيه من بعده، وهى من خلق الله سر أودعه فى المخلوقات، وكلمة النفس تجرى على لسان العرب فى معان فيقولون خرجت نفسه أى روجه، وفى نفس فلان أن يفعل كذا أى فى روعه وفكره.
كما يقولون قتل فلان نفسه أو أهلك نفسه أى أوقع الإهلاك بذاته كلها وحقيقته، فمعنى النفس فى هذا جملة الإنسان وحقيقته.
كما فى قوله تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم} النساء 29، وتطلب كلمة النفس على الدم فيقال سالت نفسه، ذلك لأن النفس تخريج بخروجه وقد أطلق القرآن هذه الكملة على الله فى قوله {تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسك} والمعنى والله أعلم - تعلم ما عندى ولا أعلم ما عندك أو كما قال ابن الأنبارى ان النفس فى هذه الآية الغيب، ويؤكده ما انتهت به الآية {إنك أنت علام الغيوب} المائدة 116، أى تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم.
فلفظ الروح والنفس من الألفاظ التى تؤدى أكثر من معنى يحددها السباق والسياق واللحاق، وهما فى الواقع متغايرتان فى الدلالة حسبما تقدم وإن حلت إحداهما محل الأخرى فى كثير من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، ولكن على سبيل المجار لا الحقيقة.
وقد اختلف أهل العلم فى الروح.
هل تموت أو لا تموت فذهبت طائفة إلى أنها تموت لقول الله سبحانه {كل شىء هالك إلا وجهه} القصص 88، وقالت طائفة أخرى إنها لا تموت للأحاديث الدالة على نعيمها وعذابها بعد المفارقة إلى أن يرجعها الله تعالى إلى الجسد.
قال القاضى محمود الألوسى فى تفسيره (ج - 15 فى تفسير سورة ص 195 دار الطباعة المنيرية) والصواب أن يقال موت الروح هو مفارقتها للسجد، فان أريد بموتها هذا القدر فهى ذائقة الموت، وإن أريد أنها تنعدم وتضمحل فهى لا تموت، بل تبقى مفارقة ما شاء الله تعالى ثم إلى الجسد وتبقى معه فى نعيم أو عذاب أبد الآبدين وهى مستثناة ممن يصعق عند النفخ فى الصور على أن الصعق لا يلزم منه الموت، والهلاك ليس مختصا بالعدم، بل يتحقق بخروج - الشىء عن حد الانتفاع به ونحو ذلك.
عن السؤال الثانى تقدم اختيار تغاير النفس والروح، بمعنى ما يصدق عليه كل من هذين اللفظين إذ النفس هى مجموع الجسد والروح، أما هذه فذاتية نورانية يقذفها الله من فضله فى الإنسان عند خلقه إياه.
ومتى فارقت الروح البدن بموته كان مستقرها مختلفا، فارواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فى أعلى عليين، فقد صح أن آخر ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم الرفيق الأعلى) ومستقر أرواح الشهداء فى الجنة وأرواح أطفال المؤمنين ما هو قريب من ذلك وأرواح غير المسلمين وغير المؤمنين فى سجين وفى كل هذا تروى أخبار وآثار تطالع فى محلها من كتب الحديث.
وإذا كان هذا المعنى، هو المردد فى المنقول، والثواب والعقاب أمر غيبى مفوض إلى الله سبحانه.
وإذا كانت الروح بعد افتراقها عن الجسد هى التى تذهب إلى الجنة أو إلى سجين، كما جاءت الاخبار، كان العذاب للروح، حتى يبعث الناس يوم القيامة، فيكون الثواب والعقاب للنفس التى هى الانسان - أى الجسد والروح معا.
اقرأ إن شئت قول الله تعالى {ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} آل عمران 25،.
وقوله تعالى {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا} آل عمران 30، وقوله تعالى {يوم يأتى لا تكلم نفس إلا بإذنه} هود 105، وقوله تعالى {وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون} النحل 111، وقوله تعالى {كل نفس بما كسبت رهينة} المدثر 38، وقوله تعالى {يا أيتها النفس المطمئنة.
ارجعى إلى ربك راضية مرضية} الفجر 27، 28، فهذه الآيات وأمثالها مما جاء فى القرآن الكريم وما جاء فى السنة على هذا النسق كل أولئك يدل على أن العذاب للنفس إنما يكون بعد البعث من القبور والنشور يوم القيامة.
أما عذاب الروح وحدها فبعد مفارتقها للجسد بالموت، وبعد السؤال فى القبر تكون فى عليين أو فى سجين، وهذا لا ينافى عذاب القبر للروح والجسد لمن استحقه كما جاء ذكره فى الأحاديث الشريفة ومنها ما رواه ابن عباس رضى الله عنه (البخارى ج - 1 ص 224) (مر النبى صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان فى كبير ثم قال بلى أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله) وهذا ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة خلافا لابن حزم، وابن هبيرة.
هذا وما استأثر الله بعلمه لا ينبغى الاشتغال به، فلا تذهبن إلى ما نقل عن الفلاسفة قديما وحديثا، فإنهم انطلقوا إلى ما لا يعرفون، فتاهوا ولا يزالون.
واقرأ دائما قول الله سبحانه {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} الإسراء 85، وابتعد فى عظاتك للناس عن المتشابهات حتى لا تزيغ عن الجادة وتنحاو عن الطريق المستقيم.
واقرأ قول الله سبحانه وتوجيهه {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} الإسراء 36، فقد قال القاضى ابن العربى قول الناس هل الحوض قبل الميزان والصراط أو الميزان قبلهما أم الحوض، فهذا هو ما لا سبيل إلى علمه، لأن هذا أمر لا يدرك ينظر العقل ولا ينظر السمع وليس فيه خبر صحيح.
(أحكام القرآن لابن العربى ص 1212 القسم الثالث طبع دار المعارف بيروت) ولا ريب أن حقيقة الروح والنفس ومن يعذب ومن يثاب كل أولئك من هذا القبيل.
(يراجع فى السؤالين الأول والثانى تفسير الفخر الرازى ج - 5 ص 434 وما بعدها الطبعة الثانية سنة 1324 هجرية وتفسير ابى السعود ج - 6 ص 458 على هامش الفخر الرازى طبعة ثانية سنة 1324 هجرية، وتفسير الألوسى ج - 15 ص 155 - 164 طبع ادراة الطباعة المنيرية، وتفسير ابن كثير ص 60 و 61 ج - 3 طبعة 1367 هجرية - 1948 م ولسان العرب لابن منظور فى مادتى روح ونفس ومعجم ألفاظ القرآن من عمل مجمع اللغة العربية الطبعة الثانية مادة روح بالمجلد الأول ص 521 - 523 ومادة نفس المجلد الثانى ص 741 - 747) عن السؤال الثالث لا بأس أن يعطى السائل فى المسجد شيئا لحديث عبد الرحمن بن أبى بكر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا.
فقال أبو بكر دخلت المسجد فإذا أنا بسائل فوجدت كسرة خبر فى يد عبد الرحمن فأخذتها فدفتعها إليه - وفى كتاب الكسب لمحمد بن الحسن صاحب أبى حنيفة قال أبو مطيق البلخى لا يحل للرجل أن يعطى سؤال المسجد لما روى فى الآثار.
ينادى يوم القيامة مناد ليقم بغيض الله فيقوم سؤال المسجد.
قال والمختار أنه إن كان السائل لا يتخطى رقاب الناس ولا يمر بين يدى المصلى، ولا يسأل الناس إلحافا فلا بأس بالسؤال والإعطاء، لأن السؤال كانوا يسألون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد حتى يورى أن عليا تصدق بخاتمه وهو فى الركوع، فمدحه الله بقوله {ويؤتون الزكاة وهم راكعون} المائدة 55، أما إذا كان السائل يتخطى رقاب الناس، ويمر بين يدى المصرى فيكره إعطاؤه لأنه إعانة له على أذى الناس.
(كتاب اعلام الساجد بأحكام المساجد للزركشى ص 253 المسألة 51 طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية سنة 1385 هجرية) لما كان ذلك جاز جمع النقود فى الجوامع متى دعت حاجة إلى ذلك بمراعاة تلك الشروط التى أوضحها الفقهاء أخذا من الآثار والأخبار الواردة فى كتب السنة عن إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك، دون تشويش أو تخط أو مرور بين أيدى المصلين.
عن السؤال الرابع ليس من السهل تفصيل حقوق كل من الزوجين قبل الآخر، أو تفصيل حق واحد منهما لكثرة تنوع تلك الحقوق وتجددها، لأنها تشمل كل ملابسات الحياة فى جميع حقائقها ومظاهرها، ولقد فصل القرآن الكريم بعض الحقوق التى لكل منهما على الآخر، وجاءت الأحاديث النبوية الشريفة بذكر شىء منها زائدا على ما ورد فى القرآن.
وجماع هذه الحقوق قول الله سبحانه وتعالى {ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة} البقرة 228، وجاء ذلك فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع (إن لكم من نسائكم حقا وإن لنسائكم عليكم حقا) (نيل الأوطار ج - 5 ص 364) ومع ذلك فقد قرر الله للرجال على النساء درجة، أى منزلة أكدتها الآية {الرجال قوامون على النساء} النساء 34، وهذه القوامة أو تلك الدرجة، لا تخل بالمساواة بين الرجل والمرأة، إذ الدرجة التى هى قيام الرجل على المرأة يقتضيها النظام فى كل عمل مشترك، وإلا صار الأمر فوضى، ومراعاة النساء لهذه الدرجة، يجعل ما لهن من شئون الزوجية قبل أزواجهن مثل ما عليهن لهم تماما وقد جاء هذا القول فيما رواه الطبرى فى تأويل قوله تعالى {وللرجال عليهن درجة} لا أعلم إلا أن لهن مثل الذى عليهن إذا عرفن تلك الدرجة.
(تفسير الطبرى ج - 2 ص 257) والقاعة العامة التى تسود كل حقوق الزوجية وتقيدها هى الإحسان فى المعاملة وتجنب المضارة (الأم للامام الشافعى ج - 5 ص 95 والبدائع للكاسانى الحنفى ج - 2 ص 334) وإذا كان بيان حقوق الزوج على وجه الحصر متعذرا، فإنه يكفى أن نشير فيما يلى إلى أبرزها: أولا - حق تدبير المعيشة وإدارة حياتهما من حيث الاسكان والاستقرار فى بيت الزوجية ومراقبة سلوكها داخل المسكن وخارجه، واتصالها بالغير والنظر فيما يجوز لها أن تزاوله من عمل داخل المنزل وخارجه، والانتقال بها إلى حيث يشاء ويرتزق ما دام مأمونا عليها.
وإعطاء الزوج هذا الحق أو تلك السلطة يقصد به المحافظة على ما منحته الشريعة للزوج من حقوق قبل زوجته بمقتضى عقد الزواج، ودفع الضرر عن نفسه وعنها وحماية حياتهما الزوجية مما قد يضر بها.
وقد تحدث الفقهاء فى تلك الحقوق المفوضة للزوج وقالوا إنها مقيدة بما تتقيد به سائر الحقوق فى شريعة الإسلام وهو ألا يترتب عليها ضرر بالزوجة.
كما تحدثوا فى حقه فى منعها من الاتصال بمحارمها وقالوا إنه ليس له منعها إلا إذا كانوا مفسدين أو يفسدونها عليه.
ثانيا - حق التأديب وأساس هذا الحق التشريعى قول الله سبحانه {واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن فى المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا} النساء 34، وهذا الحق فرغ عن كون الرجال قوامين على النساء، وقد قال الفقهاء فى حدود هذا الحق بأن الرجل حق تعزير زوجته، كما للقاضى حق تعزير الناس كافة، لكنهم قيدوا هذا الحق بقيود، يعتبر بخروجه عنه متعديا لأن شرعية هذا الحق مقصود به إصلاح حال الزوجة، إذا ما بان لزوجها أنها قد تنكبت السبيل المستقيم، فلا حق له فى تعزيرها لمجرد الانتقام والإيذاء ولا فى الخروج عن تلك الوسائل التى قررتها تلك الآية الكريمة.
ثالثا - حق المباشرة الجنسية على خلاف بين الفقهاء فيما إذا كان هذا حقه الخالص أو أن الاستمتاع حق مشترك بينهما، لأنه لا يمكن لأحدهما الانفراد به، بل لابد من المشاركة التى تدعو إليها طبيعة الفعل، وأيا ما كان فان حق الزوج أن تستجيب له زوجته متى بدت رغبته، ولم يكن بها مانع شرعى وفقا لأحكام الله تعالى {فأتوهن من حيث أمركم الله} البقرة 222، وقوله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} البقرة 223، ويتقيد هذا الحق بألا يحدث منه ضرر للزوجة، والأحاديث الشريفة فى هذا الباب كثيرة.
ولعله من المرجحات للقول بأن العمل الجنسى بين الزوجين حقهما معا ولكل منهما الاستجابة الآخر أنه قد أجيز للزوجة طلب الطلاق للهجر فى الفراش وترك المضاجعة، وأن الإيلاء من الزوجة والإصرار عليه سبب للطلاق فى قول الأئمة الفقهاء من غير مذهب أبى حنيفة الذى مذهبه أنه بمجرد مضى مدة الإيلاء المقررة فى القرآن دون أن يفىء إليها تطلق منه طلقة بائنة.
رابعا حفظ مال الزوج وكتم أسراره، وألا تدخل بيته أحدا دون إذنه (فى بيان حقوق كل من الزوجين من غير حصر كتب فقه المذاهب فى باب النفقة وحديث كلكم راع) وفى بيان هذه الحقوق أحاديث كثيرة منها ما جاء فى خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع.
استوصوا (رواه ابن ماجة والترمذى منتقى الأخيار وشرحه نيل الأوطار للشوكانى ج - 6 ص 120 وما بعدها ففيه بيان حقوق أخرى للزوج) بالنساء خيرا، فإنما هن عندكم عوان، ليس تملكون منهم شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فان فعلن فاهجروهن فى المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح، فان أطعنكم، فلا تبغوا عليهن سبيلا، إن لكم من نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم، فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن فى بيوتكم لمن تكرهون وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن فى كسوتهن وطعامهن.
ومنها الحديث الذى رواه البخارى ومسلم كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.
(زاد المسلم فيما اتفق عليه البخارى ومسلم برقم 559 ج - 1 ص 302 و 303) وفيه والمرأة راعية فى بيت زوجها وهى مسئولة عن رعيتها.
عن السؤال الخامس اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على أن المرأة الحامل إذا مات فى الولادة تغسل ويصلى عليها، ولها حكم الشهداء فى الآخرة وثوابهم فضلا من الله ورحمة.
قال ابن قدامة فى المغنى (فأما الشهيد بغير قتل كالمبطون والغريق وصاحب الهدم والنفساء، فإنهم يغسلون ويصلى عليهم، لا نعلم فيه خلافا إلا ما يحكى عن الحسن لا يصلى على النفساء لأنها شهيدة ولنا أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى على امرأة ماتت فى نفاسها فقام فى وسطها.
متفق عليه (ج - 2 ص 405 مع الشرح الكبير مطبعة المنار سنة 1345 هجرية) والله سبحانه وتعالى أعلم(7/353)
دور الشريعة الإسلامية فى تحقيق أهداف المجتمع
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
1 أبريل 1979 م
المبادئ
1 - الأحكام الشرعية التى فصلها المصدران الأساسيان وهما القرآن والسنة، وما أجمع عليه المسلمون، وما ثبت بالقياس الصحيح، كل ذلك ثابت لا نقاش فيه، أما ما لم يرد فيه نص قاطع أو إجماع فهو محل اجتهاد.
2 - تطبيق الشريعة الإسلامية فى المجتع إنما يعنى ربطه بالأسس الشرعية الثابتة دون الجزئيات المتغيرة، على أن الأخلاق الإسلامية لا تدخل فى المتغيرات.
بل هى من الأعمال الثابتة التى يجب أن يلتزم بها المجتمع.
3 - لابد من التفريق بين أخلاقيات وعادات الناس وأعرافهم.
4 - شريعة الإسلام دواء لما أصاب المجتمع من علل وأمراض اجتماعية، تخلق فيه روح الصفاء والتآلف والبذل والعطاء.
5 - الضروريات الخمس وهى حفظ النفس والعقل والنسل والدين والمال اعتبرها الإسلام غاية وأساسا لقيام المجتمع السليم، وذلك لا يختلف فى القرن العشرين عنه فى القرون السابقة.
6 - شريعة الإسلام قامت على اعتبارات من الدين والأخلاق والعدالة المطلقة بين الناس على اختلاف عقائدهم الدينية.
7 - غير المسلمين يلتزمون بالقانون الإسلامى كقانون فقط لا مساس فيه بالقعيدة ولا ما يتبعها من الأمور اللصيقة بها.
8 - الشريعة كقانون مطبقة فعلا على جميع المصريين دون حرج أو اعتراض فى الميراث والوصية والولاية على المال.
9 - طبيعة العقوبات فى الشريعة لا تسمح بالتفريق فى العقوبة بين الأفراد لأى سبب أو وصف من الأوصاف.
10 - تطبيق حد الردة على المسلم الذى يرتد عن الإسلام استقرار للعقائد الدينية السماوية المتآخية فى هذا الوطن.
11 - التريث غير مطلوب لتطبيق الشريعة الإسلامية فى الحكم والقضاء حتى نعد جيلا جديدا على أساس خلق الإسلام.
12 - الإسلام والسياسة متداخلان لا انقصام بينهما، وهو شريعة وعقيدة لا ينفصل عن السياسة ولا تضربه، لأنه صمام الأمن والأمان لها.
13 - يحكم العرف والعادة ما لم يصادما نصا قطعيا فى القرآن والسنة.
أو إجماعا سابقا للأمة فى عصر من العصور
السؤال
فى مجلة المصور بالآتى س 1 يقول السيد محمد رشيد رضا الأحكام المنزلة من الله تعالى.
منها (أ) ما يتعلق بالدين نفسه كأحكام العبادات وما فى معناها كالنكاح والطلاق وهذه لا تحل مخالفتها.
(ب) ومنها ما يتعلق بأمور الدنيا كالعقوبات والحدود والمعاملات المدينة والمنزل من الله تعالى فى هذا قليل وأكثره متروك للاجتهاد.
ويقول الكاتب توفيق الحكيم إن الثابت من أحكام الدين هو الإلهيات بما فى ذلك علاقة الإنسان بالله وإن المتغير هو الانسانيات مثل المعاملات والاخلاقيات.
فما هو رأى فضيلتكم فى نصيب هذين الرأيين من الصواب والخطأ فيما يتصل بالدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية
الجواب
ج - 1 كرم الإسلام الإنسان وسخر الله له ما فى الأرض جميعا وجعله خليفته فيها وعلمه ما لم يكن يعلم ليعمر هذا العالم وشاءت إرادته تعالى ألا يترك الناس تسودهم الأهواء يستقل القوى بكل شىء وتنحصر يد الضعيف صفرا بغير شىء فجاءت رسله تترى فى كل عصر وزمان للهداية والرشاد حتى كانت خاتمة الراسلات الإسلام الذى هدفت شريعته إلى تكوين مجتمع فاضل يضم الأسرة الإنسانية كلها فبدأت بتربية ذات المسلم ليكون عضوا سليما فى هذا المجتمع فهذبت نفسه بالعبادات {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} العنكبوت 45، ومن أجل هذا الهدف كانت الضروريات فى الشريعة الإسلامية خمسا لحفظ النفس الإنسانية سامية تقية نفية آمنة مطمئنة - حفظ النفس والدين والعقل والنسل والمال - ثم كانت أحكام هذه الشرعية بمعناها العام الشامل للعقيدة أى ما يجب الإيمان به فيما يتعلق بالله تعالى وصفاته والدار الآخرة والرسل السابقين والقضاء والقدر وغير هذا مما اصطلح العلماء على تسمية بحوثه بعلم الكلام أو التوحيد، وما يشمل ما نسميه بالعلاقات الاجتماعية وهو المثل الأعلى الذى يجب على الإنسان بلوغه فى التعامل مع مجتمعه.
واصطلح على أنه علم الإخلاق، ثم فقه الشريعة الشامل لأحكام الله تعالى فيما يخص العمل من عبادات ومعاملات وحدود وتعازير، فهذه الشريعة الخاتمة لابد أن تحكم أحوال الإنسان حتى غاية الزمان، ومن أجل هذا جاءت أحكام الله محددة فيما فرضه من عبادات وفيما يتصل بتكوين الأسرة وترتيب نظامها منذ بدء الولادة للطفل الإنسانى وحتى مماته وتوريث تركته كما جاءت الحدود العقابية على بعض الجرائم الماسة بنظام المجتمع محددة كذلك، ومن ثم فإن الأحكام الشرعية التى فصلها المصدران الأساسيان وهما القرآن والسنة وما أجمع عليه المسلمون وما ثبت بالقياس الصحيح كل هذا ثابت لا نقاش فيه، أما ما لم يرد فيه نص قاطع أو إجماع فهو محل الاجتهاد ويدخل فيه العقود المالية وغيرها من طرق الكسب والتجارة وعقوبات التعزير على ما جد من جرائم، واستنباط الأحكام لمثل هذا لابد أن يكون فى نطاق الضوابط العامة للتعامل بين الناس الواردة فى كتاب الله وسنة روسله صلى الله عليه وسلم مثل {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} النساء 29، ففى هذه الآية ضوابط عامة لا يسوغ لأحد مخالفتها وللمجتمع الإسلامى أن يقننها فى قواعد حاكمة لتعاملة، ويجوز أن تتغير أسماء التعرفات والتجارات بتغير العصر والزمن وانحسار العادات والأعراف ولكن يظل التعامل قائما فى هذا النطاق الذى أمرت به هذه الآية الكريمة، وعلى هذا فان تطبيق أحكام الشريعة الاسمية فى المجتمع إنما يعنى ربطه بالأسس الشرعية الثابتة دون الجزئيات المتغيرة، على أن الأخلاق الإسلامية لا تدخل فى المتغيرات بل هى من العمد الثابتة التى يجب أن يلتزم بها المجتمع، فالصدق والأمانة والعفة ليس التحلى بها موضع اجتهاد، على أنه لا يغيب عن البال أن الإسلام قد ربط دائما العمل بالنية وحاسب عليها فقد يتصدق المسلم وينفق أمواله بغية الذكر فى الدنيا أو التقرب من حاكم وهو فى هذا الحال مراء فلا يقبل الله منه هذا العمل، وفى سعى الرجل وكسبه للانفاق على زوجه وولده صدقة مع أنه يؤدى واجبا لزمه بعقد الزواج وبمقتضى الأبوة لطفله.
فالاجتهاد فى الأحكام الشرعية لا يدخل نطاق ما حدده المشرع سبحانه بنص قاطع فى القرآن الكريم أو بقول الرسول أو فعله أو تقريره كما لا يدخل الاجتهاد فى أخلاقيات هذا الدين ولابد أن نفرق بين أخلاقياته وعادات الناس وأعرافهم لأن هذين يكتسبان وقد ينشآن عن أصل فى الدين أو البيئة أو تقليدا للغير ويجب رد كل أوليئك إلى النصوص الأصلية للشريعة احتكاما إليها {قل لا يستوى الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث} المائدة 100، {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول} النساء 59، ص 2 ما هو دور الشريعة الإسلامية فى تحقيق أهداف المجتمع روحيا وماديا ج - عنى الإسلام بتربية الفرد المسلم لأنه عماد الأسرة التى هى الخلية الأولى فى المجتمع الإنسانى فرباه على نقاء السيرة والسريرة وعلى الإخلاص والنصيحة لدينه وعشيرته لم يفرق بين بنى الإنسان بسبب اللون أو الجنس قال تعالى {إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} الحجرات 13، وفرض الصلاة وسن فيها الجماعة خمس مرات فى اليوم والليلة ثم صلاة أسبوعية جامعة ثم مؤتمرا سنويا أشتمل فى الحج كل ذلك لتصفو نفس الجماعة المسلمة بل الأمة الإسلامية وتجتمع على كلمة سواء.
أرأيت كيف حث الله تعالى فى آياته على صدق العقيدة مع الإخلاص له وحده فى العبادة وعلى البر بالوالدين وصلة الرحم وإكرام اليتيم والمسكين والإحسان إلى الجار والرحمة بالفقير والمحتاج ومساعدة الضعفاء، ثم التحذير من البخل والرياء والنهى عن الكفر الجحود ومعصية الرسول إليك واحدة من هذه الآى {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا} النساء 36، ورسول الله صلوات الله عليه يقول حماية للمجتمع (لا ضرر ولا ضرار) أرأيت أجمع وأشمل من هذه العبارة الوجيزة كيف جاءت بقاعدة شاملة تحمى الفرد والأمة.
وقول الله {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} المائدة 2، ثم ما فرضه الإسلام من تكافل بين الأسرة الواحدة ثم بين الأسر المتجاورة ثم الأمة كلها، كل هذا متمثل فى نظام الزكوات والكفارات والصدقات والنذور والوصايا، ثم مع هذا وقبله دعوة هذه الشريعة الإنسان للعمل والكسب والعمارة محاطا بقواعدها فى بيان والحلال والمحرم من الكسوب والأموال قال جل شأنه {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله} الجمعة 10، اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.
وقال تعالى {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} الحديد 7، أليس الإنسان خليفة الله فى الأرض فما فى يده من مال ومتاع ملك لمولاه ومستخلف فيه، ومن هنا كانت شريعة الإسلام دواء لما أصابنا من علل وأمراض اجتماعية وتخلق فيه روح الصفاء والتآلف والبذل والعطاء ومع كل هذا تدفعه للعمل والكسب وعمارة الأرض حتى يكون قوى البناء كالجسد الواحد.
س 3 ما مدى ضرورة الشريعة الإسلامية فى القرن العشرين ج - الإسلام دين ودنيا غير موقوت بعصر وأوان وإنما هو دين الله ما دامت على الأرض حياة، أرأيت إلى شريعة حفظت حياة الإنسان وكرامته أى إنسان منذ تحرك فى بطن أمه جنينا فمنعت الاعتداء على نفس الإناسن أو أى جزء منه بل حافظت على سمعته وبعدت به عن مواطن الاحتقار والإهانة وقدست حريته وجعلت كل هذا ضروريا وشرعت عقوبات التعدى قال تعالى {ولكم فى القصاص حياة} البقرة 179، وعقوبة القذف والزنا ثم حافظت على عقل الإنسان وسلامته، ومن أجل هذا حرمت الخمر وكل ما يضر بعقل الإنسان ثم حافظت على النسل الإنسانى فكان على الوالد كفالة والده.
ومن هنا كان تنظيم الإسلام للزواج ومنع الاعتداء على الأعراض ثم حفظ الدين فكانت حماية العقيدة لأنها رابطة الإخلاص فى المجتمع، ونحن نرى من حولنا المجتمعات المادية منحلة متحللة لا تدعمها رابطة ولا تشدها عاطفة ثم المحافظة على المال، فبعد أن دعت إلى تحصيله بالطرث المشروعة وإنفاقه فى أوجه البر والخير منعت الاعتداء عليه بالسرقة أو الغصب أو أكله بالباطل رشوة أو تغريرا أو نصبا واحتيالا أو ربا.
هذه الضروريا الخمس اعتبرها الإسلام غاية وأساسا لقيام المجتمع السليم، وذلك لا يختلف فى القرن العشرين عنه فى القرون السابقة بل اننا لو رجعنا البصر كرتين فى تاريخ الإسلام لوجدنا أن الأمة الإسلامية سادت نفسها وغيرها حين سادتها أحكام شريعتها وحين غفل المسلمون عن تطبيقها غاض خيرهم وانفض جمعهم وهانوا على أنفسهم وعلى غيرهم حتى تخطفتهم الأمم من حولهم، أليس التاريخ خير شاهد ثم أرايت نظاما قانونيا عاش أربعة عشر قرنا فما وهن لما أصاب أهله وما استكان لانصرافهم، تلكم هى الشريعة الإسلامية بسطت ظلها على الإنسان فى المجتمع المسلم نفسا ومالا وعيالا تدعمه وتنفث فيه من قوتها حتى يستوى عوده على هدى الله قال تعالى {إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا} الإسراء 9، س 4 ما موقف غير المسلمين فى حالة تطبيق الشريعة الإسلامية وهل تضار الوحدة الوطنية ج - يلزم أن يستقر فى الأذهان أن شريعة الإسلام قامت على اعتبارات من الدين والأخلاق والعدالة المطلقة بين الناس على اختلاف عقائدهم الدينية وهى فى تقديسها لهذه العدالة لم ترع المسلمين وحدهم بل كافة المواطنين، وحين حرمت التعدى والظلم وغيرهما من الموبقات لم تفرق بين المسلم وغير المسلم قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله} المائدة 8، أى لا ينبغى أن يحملكم أى خلاف مع آخرين بسبب ما كالمخالفة فى الدين على مجانبة العدل فى الأحكام ن ومن ثم فان الإسلام سوى فى الحكم والأحكام بين طوائف الناس جميعا، ومن هنا فان غير المسلمين إنما يلتزمون بالقانون الإسلامى كقانون فقط لا مساس فيه بالعقيدة ولا ما يتبعها من الأمور اللصيقة بها كمسائل الزواج والطلاق، ففى هذا الخصوص يقرر فقه الإسلام أن غير المسلمين يتركون وما يدينون، فيجب إذا ألا نخلط بين الإسلام كدين وبينه كقانون، وما لنا نذهب بعيدا فالشريعة كقانون مطبقة فعلا على جميع المصريين دون حرج أو اعتراض، فهذه قوانين الميراث والوصية الوقف والولاية على المال جميعها مصدرها الوحيد فقه الشريعة الإسلامية والك راض بها ووحدة الأمة مصونة فى ظلها، وقد كانت البلاد العربية فى إبان حضارتها يحكمها قانون واحد يتمثل فى الشريعة الإسلامية التى ظلت سائدة مطبقة تطبيقا شاملا فى مختلف النواحىة على مدى قرون طويلة دون تفريق بين المسلم وغير المسلم، بل الكل أمام قانونها سواء كما يأمر بذلك النص القرآنى الكريم سالف الذكر، فإذا عادت بلادنا إلى مقوماتها الأصلية تعين علينا الرجوع غلى هذه الثورة الفقهية لنقنن منها أنزة تتسق مع حاجات العصر، وإلا فهل يرضى غير المسلم أن لا يعاقب سارقه بقطع يده إذذا ثبتت السرقة ثبوتا شرعيا بل هل يليق أن يترك من يعتدى على عرض غير المسلم دون عقاب رادع إن نظام التجريم فى فقه الإسلام مقصوده الزجر والردع عن اقتراف تلك الجرائم، بل والعلاج الحاسم للعود، ثم هل هناك مجتمع يشفق أو يرحم من يسرق أمواله ويهتك أعراضه ويروع الأطفال والنساء، ان توفير الأمن فى الأمة وتقويم السلوك أمر متعلق بالنظام العام فى الدولة، وهو فى نفسه لا يمس عقيدة دينية ولا يحد منها، ولقد عاشت وحدة الوطن فى ظل القانون الإسلامى أكثر من ثلاثة عشر قرنا من الزمان أمن فيه غير المسلمين قبل المسلمين على أموالهم وأعراضهم وأنفسهم، فالمسلم يقتص منه عدلا بقتل غير المسلم كما يرجم إذا زنى بغير المسلمة كما تقطع يده إذا سرق المال.
والحال كذلك بالنسبة للجانى إذا كان غير مسلم لأن القصد هو سلامة المجتمع كله ومعاقبة المجرم أيا كان دينه ليصلح المجتمع.
ومن هذا يتضح أن طبيعة العقوبات فى الشريعة لا تسمع بالتفريق فى العقوبة بين الأفراد لأى سبب أو وصف من الأوصاف إذ العقوبة مقررة للجريمة حتى تسرى النصوص الحنائية على الكافة.
س 5 ما هو رأى فضيلتكم فيما يثار حول الردة ج - ان الأساس فى الشريعة فى التجريم هو حماية الأمة، ومن أجل هذا كانت الحدود فى الإسلام حازمة بالقدر الذى يكفى لاستئصال الجريمة وتأديب المجرم على وجه يمنعه من العودة إلى ارتكابها، بل ويزجر غيره عن التفكير فى مثلها، وعقيدة الجماعة فى حاجة إلى هذه الحماية حتى تعيش مستقرة، من أجل هذا كان حد الردة كغيره من الحدود المكافحة للجريمة الماسة بأمن المجتمع، ذلك لأن التساهل يؤدى حتما إلى تحلل الأخلاق وفساد المجتمع، وفى تطبيق حد الردة على المسلم الذى يرتد عن الإسلام استقرار للعقائد الدينية السماوية المتآخية فى هذا الوطن، ولمنع هؤلاء اذين يتنقلون بين الأديان لأهواء فاسدة لا يقرها الدين أى دين، والمحاكم مليئة بالمنازعات التى ثارت بين الأزواج، والتى لجأ بعض الأطراف فيها إلى اعتناق دين غير دينه هربا من الزوج أو من الزوجة.
أو قصدا للزواج بمن لا تدين بدينه، ومن الأمور الثابتة أن رجال القانون المصريين من غير المسلمين قد شاركوا فى تقنين المواريث والوصية ولاوقف والولاية على المال من فقه الإسلام، بل وكثير من أحكام التقنين المدنى من هذا الفقه.
ومن يتصفح محاضر لجان مجلس الشيوخ والنواب فيما قبل يوليه سنة 1952 يجد ذلك واضحا، كما يجد أن هؤلاء القانون لم يتعترضوا على هذا التقنين، وأمر آخر يجب أن يكون فى الحسبان أن آثار الردة مطبقة فعلا فى المواريث وغيرها، فإذا جاءت الدولة الآن لتقنن أمرا قائما تحمى به وحدة الأمة وهذه الوحدة مسألة أمن دولة يقضى بها الدستور فإن على جميع المواطين أن يعوانوا فى هذا السبيل، ثم أين هى حوادث الارتداد الفعلى ان الواقع هو حيل قانونية لا تتصل بالعقيدة وإنما تتخذ وسلة للهروب من التزامات أو الحصول على مكاسب ليست حقا ن ولعل الحقائق التاريخية الثابتة شاهدة على أن غير المسلمين عاشوا بين مواطنيهم المسلمين ثلاثة عشر قرنا من الزمان، وقد كان الجميع شركاء فى السراء والضراء والكل فى الوطن مواطن، وكما سبق أن قلت ان الحدود تطبيق قانونى على الجميع وإن إنفاذ حد الردة يحمى العقائد الدينية ويجعل الثبات عليها والالتزام أمرا مستقرا.
س 6 ما رأى فضيلتكم فى أن التشريع الإسلامى يعتمد اعمادا كبيرا على ضمير الفرد وإحساسه برقابة الله تعالى وأنه بغير هذا المضير وهذا الاحساس لا يمكن أن يستقيم التطبيق، وإنما يقتضى وجودهما إعداد جيل جديد على أساس خلق الإسلام وقيمة ومبادئه.
ج - إننا لا نبدأ من فراغ، فالدين الإسلامى قائم بحمد الله المعبود، ونحن نتلو القرآن الكريم ونسمعه ونعم بشرعه فى الكثير من نواحى الحياة وليست الصلة منقطعة بين الإسلام وواقع الحياة، فان التقنين المدنى فى مصر قد أخذ بالكثير من قواعد الفقه الإسلامى وقانون العقوبات أكثره يدخل تحت باب التعازير، والإسلام حين علم المسلم أن الله مطلع عليه ومراقب له قال تعالى {يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور} غافر 19، وقال جل شأنه {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} المجادلة 7، وحين وضح الرسول صلوات الله وسلامه هذا بقوله (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى) إنما أراد بهذا أن يكون المسلم سليم السيرة والسريرة.
فالأخلاق ترتبط فى الإسلام أشد الارتباط بالقانون المستنبط من القرآن والسنة، ولكنه من الخطأ أن يقال أنه لا تمييز بين السلوك أو الأخلاق وبين القواعد القانونية، لأن الإسلام وإن جعل التربية الخلقية جزءا من العمل يخضع للثواب والعقاب، إلا أن الفقه الإسلامى قد ماز بين قواعد الأخلاق وقواعد القانون.
ففى كتب هذا الفقه على اختلاف مذاهبه يفرقون بين ما هو واجب قانونا ويعبرون عنه بقضاء وما هو واجب ديانة أى خلقيا دون جزاء دنيوى، بل ان القرآن الكريم قد جنب هذه عن تلك فجاءت نصوصه فى الحدود سابغة قاطعة وفى الأخلاق بقوله تعالى {ولا تطع كل حلاف مهين.
هماز مشاء بنميم.
مناع للخير معتد أثيم} القلم 10، 11، 12، {ويل لكل همزة لمزة.
الذى جمع مالا وعدده} الهمزة 1، 2، فهذا من قبيل قواعد الأخلاق التى يحاسب عليها المسلم فى الآخرة، ولم يفرض لها جزاء فى الدنيا، والإسلام حين يسبغ على القاعدة القانونية صفة الأخلاق إنما يريد أن يقرها فى نفس المجتمع ليحاسب كل فرد نفسه.
ومن هذا يتضح أننا لسنا فى حاجة إلى التريث فى تطبيق الشريعة الإسلامية فى الحكم والقضاء حتى نعد جيلا جديدا على أساس خلق الإسلام وقيمه ومبادئه، لأننا أمة مسلمة نقيم أمور الإسلام ولا ينقصنا إلا القليل نبغى استكماله، وبه يعتدل سلوكنا على الجادة.
س 7 هل تنفضل فضيلتكم بتفصيل العلاقة بين السياسة والدين فى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.
ج - لعل الرد على هذا التساؤل فى آيات من القرآن الكريم وعدة من أحاديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه، ففى القرآن قول الله تعالى {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} النساء 58، إلى آخر هذه الآية والتى تليها.
فقد قال العلماء فى شأن هاتين الآيتين ان فيهما جماع السياسة العادلة والولاية الصالحة.
ومن هنا ندرك أن الإسلام نظم أمور الناس فى علاقتهم بربهم وفى علاقاتهم الأسرية وحقوق الجيرة، ثم سياسة الدولة، فجعل الحكم شورى ورسم طريق العدالة المطلقة، والمتتبع لآيات القرآن وأحاديث الرسول يرى صنوف السياسة وقواعدها فى إدارة أمور الناس وحسن اختيار الحكام والقضاة، كما يرى أن الإسلام والسياسة متداخلان لا انفصام بينهما لأنه دين ودنيا يسوس نفس الإنسان ويهذبها بالعبادات وصالح العمل، ويسوس علاقة الإنسان بزوجه وولده ووالديه والناس جميعا، ويضع لكل علاقة حكما وحدا، ولكل عمل مواصفات العامل الذى يقول به، يتمثل هذا فى قول الرسول الأمين إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات.
حتى فى الصلاة وضع معايير لمن يؤم الناس فيها (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى فإن كانوا فى القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فان كانوا فى السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا فى الهجرة سواء فأقدمهم سلما ولا يؤمن الرجل الرجل فى سلطانه ولا يقعد فى بيته على تكرمته إلا بإذنه) رواه مسلم.
وقد حمل إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه مال عظيم من الخمس فقال (ان قوما أدوا الأمانة فى هذا لأمناء فقال له بعض الحاضرين انك أديت الأمانة إلى الله تعالى الأمانة إليك ولو رتعت رتعوا) من هذا وغيره مما تزخر به كتب هذه الشريعة من نصوص وآثار يبدون جليا أن الإسلام لا يفارق السياسة وإنما هو دين وسياسة، ولذلك فالنصوص التشريعية فى القرآن والسنة عامة تعرض لكليات الأمور مقرونة بحكمة تشريعها والمصلحة التى اقتضتها للارشاد إلى استنباط الأحكام لما يجد من أحداث فى العلاقات الخارجية كدولة وفى العلاقات بين الأفراد بل وبينهم وبين أولياء أمورهم على اختلاف صنوفهم.
أرأيت بعد هذه الإشارات كيف أن الإسلام شريعة وعقيدة لا ينفصل عن السياسة ولا تضر به لأنه صمام الأمن والأمان لها.
س 8 كيف يمكن استخلاص أسس التلاحم المنشود بين أصول الشريعة الإسلامية والتشريع العصرى بما يوافق البنيات أو التركيب الحضارى الراهن لعصرنا ومجتمعنا ج - لا جدال فى أن مصدر الأحكام فى الشريعة الإسلامية هو نصوص القرآن والنسة وما يلحق بهما مما أجمعت عليه الأمة ثم ما هدى إليها اجتهاد علمائها على أساس هذه الأصول، وأن النصوص منها العام القطعى مثل قول الله سبحانه {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} المائدة 1، {وما جعل عليكم فى الدين من حرج} الحج 78، {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} النساء 29، وهناك نصوص قطعية خاصة مثل آيات المواريث وتحريم الربا والزنا والخمر والميسر، ومما أجتمعت عليه الأمة بطلان زواج المسلمة بغير المسلم ووجوب نفقه الزوجة على زوجها، ومما قطعت فيه السنة، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
وفى هذا النطاق يدور استنباط الأحكام من هذه المصادر فى باب المعاملا وفى التقنين الإدارى والاقتصادى والتجارى والجنائى ما دامت فى نطاق القواعد العامة لهذه الشريعة، ويضيق الوقت والنطاق عن تلاوة آيات القرآن الكريم التى نصت أو أشارت إلى قواعد قانونية فى شتى فروع القانون، كما اصطلحنا على تسميتها الآن، ففى كتاب الله أهم قواعد القانون الدولة المتعلقة بالسلم والحرب والمعاهدات، ففيه قاعدة المعاملة بالمثل وفيه حكم الأسرى فى الحروب والالتزام بالمبرم من المعاهدات والوفاء بها ووجوب إعلان إلغاء المعاهدات دون عذر، وفى هذا يقول فقيه مسلم (وفاء بعهد من غير غدر خير من غدر بغدر) وفى القرآن الدعوة إلى السلم وفيه العمل على الصلح بين التنازعين وردع المعتدين، وفيه المساواة بين الناس والدعوة إلى تحكيم الحجة والبرهان والمجادلة بالحسنى وصولا للحق، وفيه المساواة بين الرجل والمرأة فى الأهلية حيث حفظ لها رأيها وحريتها لا تذوب ولا تؤول إلىولاية زوجها كما تقرر أكثر قوانين الغرب الذى نسعى إلى تقليده، وفيه القواعد العامة للمعاملات المدينة، وفيه مبادىء قانون الإثبات مدنيا وجنائيا، وفيه أحكام الزواج والطلاق وتنظيم أمور حقوق الزوجين وفاقا وافتراقا، وحقوق الأولاد والوالدين وذوى القربى، وفيه عقوبات محددة للجرائم الماسة بأمن وسلامة المجتمع وثمة جرائم أخرى ناط تقدير العقوبة عليها بأولياء الأمور وهذه موضع الاجتهاد ومحل للتعديل والتبديل تبعا لتطور الأزمان، وكما قيل يحدث للناس أقضية بقدر ما يحدثون وهذا هو مؤدى القول المشهور.
إن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان.
إذ عموم قواعدها ومرونتها تجعلها غير جامدة ولا هامدة، ولا مانع إطلاقا من تحكيم العرف والعادة إذا لم يصادما نصا قطعيا فى القرآن والسنة أو إجماعا سابقا للأمة فى عصر من العصور، وقد جرت نصوص الفقهاء المسلمين بذلك بل ان الدولة الإسلامية حين امتدت أطرافها نقل عمر بن الخطاب نظام الداوين وطرق جباية الموال عن الفرس والروم واستخدمهم فى هذه الأعمال للقيام بها ولتدريب المسلمين عليهيا.
ومن هنا كان لنا أن ننقل عن غيرنا ما لا يناقض أصول الإسلام.
وبعد فان كتب فقه الإسلام على اختلاف مذاهبه تحوى الكثير الوفير من القواعد العادلة التى تعالج مشاكل مجتمعنا بروج العصر دون تضييق أو خروج على أحكام الإسلام العامة والخاصة القطيعة، وأنه ينبغى أن تكون تلك القواعد هى المورد للمقننين والمصلحين بدلا من أن نستورد ما نشأ على غير أرضنا وفى غير بيئتنا وعادانا، وسنجد - ان فعلنا ذلك - أن تشريعنا المستمد من أصول الإسلام عصرى يواكب هذه الحضارات التى نعيشها، ويقول المجتمع إلى بر الأمن والسلام حافظا عليه دينه وتقاليده مشمولا برضى الله الذى رضى لنا هذا الدين وجعلنا خير أمة {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} آل عمران 110.
ے(7/354)
أحوال النبى عيسى عليه السلام
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
جمادى الأولى 1399 هجرية - 24 أبريل 1979 م
المبادئ
1 - رفع الله سبحانه وتعالى عيسى عليه السلام من بين أعدائه فلم يقتلوه ولم يصلبوه كما يزعم من يزعم الآن وقد التبس أمره على خصومه وقت القبض عليه بالاشتباه الذى كان سببا فى نجاته منهم.
2 - ينبغى الوقوف عند حد المسكوت عن بيانه فى آيات القرآن الكريم.
3 - نفى القتل والصلب عن عيسى عليه السلام وإثبات رفعه لا يجوز جحوده ومن جحده كان مرتدا.
4 - جمهور أهل العلم على أن عيسى عليه السلام حى عند الله تعالى حياة لم تثبت كيفيتها ولا طبيعتها.
5 - العقيدة الإسلامية إنما تثبت بالأدلة القطعية الثبوت والدلالة من القرآن والسنة ونزول عيسى عليه السلام لم يثبت بدليل قطعى الثبوت والدلالة من القرآن والسنة فمن حجد ذلك لا يكون به مرتدا.
6 - ما ورد من الأحاديث الدالة على نزول عيسى عليه السلام وأن ذلك من علامات الساعة تقبلها جمهور العلماء بقبول حسن.
7 - القول بموت عيسى عليه السلام فعلا من الاعتقاد برفعه إلى الله سبحانه وتعالى وعدم قتله وصلبه لا يقتضى ردة صاحب هذا القول.
8 - ليس هناك ما يؤكد أن عيسى عليه السلام قد نشر دعوته فى الهند وأفغانستان والسند وإيران، وإنما انتشر ذلك بفعل اتباعه وجهدهم.
9 - الترجمة الحرفية للقرآن الكريم غير جائزة شرعا
السؤال
بالكتاب الوارد من / عميد معهد علوم الشريعة الإسلامية - بجنوب أفريقيا - بتاريخ 10 من ذى القعدة سنة 1398 هجرية الموافق 3/10/78 م والمقيد برقم 284/1978 المطلوب به فتوى عن أحوال النبى عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلوات وأتم التسليم - والمحدد به الأسئلة التالية: 1 - ما هو حال النبى عيسى وفق الكتاب والسنة الشريفة الثابتة.
2 - ما حكم من قال ان عيسى قد مات.
3 - هل توجد أية أدلة تدل على أن عيسى قد نشر دعوته لأناس فى الهند وأفغانستان والسند وإيران.
4 - لماذا لم تطبع ترجمة القرآن الكريم فى دولة إسلامية إذ أن الترجمة التى نشرها أساتذة مسلمون من الهند بينهم من يدعى / محمد أسد - جاء فيها أن النبى عيسى عليه السلام مات وأن اعتقاد المسلمين فى عودته خطأ
الجواب
إن القرآن الكريم قد أخبر بنهاية أمر عيسى السلام مع قومه فلا ثلاث سور على الوجه التالى: 1 - قال الله تعالى فى سورة آل عمران {فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصارى إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون.
ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين.
ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين.
إذ قال الله يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلى مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون} آل عمران 52 - 55.
2 - قال الله تعالى فى سورة النساء {وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفى شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا.
بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما} النساء 157، 158.
3 - قال الله تعالى فى سورة المائدة {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لى أن أقول ما ليس لى بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسك إنك أنت علام الغيوب.
ما قلت لهم إلا ما أمرتنى به أن اعبدوا الله ربى وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شىء شهيد} المائدة 116، 117، صدق الله العظيم.
تأويل قوله تعالى {متوفيك} وأصل مادة توفى فى لغة العرب.
لفظ {إنى متوفيك} فى آيات سورة آل عمران ولفظ {فلما توفيتنى} فى آيات سورة المائدة لامتبادر منهما أن عيسى عليه السلام قد مات لن كلمة (توفى) وردت فى القرآن الكريم بمعنى الموت، حتى صار هذا المعنى هو المتبادر منها عند النطق بها، كما يأتى لفظ (توفيت) فى اللغة بمعنى القبض والأخذ، وعلى هذا يكون معنى {إنى متوفيك} ، {فلما توفيتنى} إنى قابضك من الأرض، كما يقال توفيت من فلان ما لى عليه بمعنى قبضته واستوفيته - ويأتى لفظ (يتوفى) بمعنى النوم كما فى قوله تعالى فى سورة الأنعام فى الآية 60 (وهو الذى يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم غليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم بعملون) .
ففى هذه الآية جاء لفظ (يتوفى) ، مقصودا به النوم، كما استعمل لفظ (يبعث) - الذى يشير عادة إلى البعث فى الحياة الأخرى بعد الموت فى الدنيا - بمعنى الأيقاظ من النوم وعلى هذا فإنه يمكن أن يقصد بلفظ (إنى متوفيك) و (فلما توفيتنى) معنى النوم أيضا بدلا من الوفاة بمعنى الموت السابق ذكره.
تأويل قول الله {ورافعك إلى} {بل رفعه الله إليه} فلفظ {ورافعك إلى} فى آيات آل عمران و {بل رفعه الله إليه} فى آيات سورة النساء فسره جمهور المفسرين على أن الله رفع عيسى عليه السلام إلى السماء - واللفظ الأخير {بل رفعه الله إليه} اخبار عن تحقيق ما وعد الله به فى آيات آل عمران بقوله تعالى {إنى متوفيك ورافعك إلى} وقد جاء لفظ الرفع فى القرآن الكريم بالرفع المادى المعنى الذى يدل على التشريف والتكريم، وإذا كان القول بالرفع المادى هو المقبول لأن به نجاة عيسى عليه السلام من أعدائه فعلا روحا وجسدا لزم عليه أن يسبق هذا الرفع المادى موته حيقيقة أو حكما بالنوم، لأن فى رفعه حيا بحياته العادية فى الدنيا تعذيبا له لما علم الآن بالتجربة العلمية من أن الإنسان كلما صعد فى الجو إلى أعلى ضاق صدره لقلة الاكسوجين فى الهواء كما يقول العلماء التجريبيون الآن.
ولعل الآية الكريمة فى سورة الأنعام تشير إلى صدق هذه التجربة العلمية (يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد فى السماء) من الآية رقم 125.
فجماع ما تقدم يشير إلى أن الله سبحانه وتعالى رفع عيسى عليه السلام وأنجاه من القتل والصلب، يعنى أنه توفاه وأماته إما حقيقة أو حكما بالنوم ليعفيه ويجنبه بهذه التوفية أقسى العذاب الذى يتعرض له الجسد الإنسانى الحى لو صعد بحالته العادية فى الدنيا إلى السماء، أو أنه رفع حيا وما زال كذلك حياة لا تدرى طبيعتها.
تأويل قوله تعالى {ولكن شبه لهم} فلفظ {ولكن شبه لهم} فى آيات سورة النساء السابق تلاوتها اختلف المفسرون فى صفة التشبيه وكيفيته - على ما حكاه الطبرى فى تفسيره - فقال بعضهم إن اليهود حين أحاطوا بعيسى عليه السلام مع أصحابه لم يكونوا يعرفونه بشخصه وأشكل عليهم استخراجه بذاته من بين من كانوا معه لأن الله حولهم جيمعا إلى شبه عيسى وصورته، ولذلك ظنوا أن من قتلوه هو عيسى وليس كذلك.
وقال آخرون ان شبه عيسى ألقى على أحد أصحباه فأخذه اليهود وقتلوه.
ويأتى لفظ (شبه) فى اللغة العربية بمعنى لبس الأمر من قولهم اشتبهت الأمور وتشابهت التبست فلم تتميز ولم تظهر ومنه اشتبهت القبلة ونحوها أى لم تتبين جهتها - ومعنى (ولكن شبه لهم) على هذا أن الأمر بشأن المصلوب لبس على من قبضوا عليه وحاكموه ومن صلبوه، وأن الذى جعل الأمر يلتبس عليهم أن الله قد خلص المسيح عليه السلام ورفعه إليه دون أن يدرك ذلك من حضروا للقبض عليه بعد أن التبس عليهم شخصه وذاته فواقع المر قد لبس عليهم أو التبس واختلط فلم يدركوا ذات المسيح عليه السلام.
ويمكن أن يقال أيضا إن قوله تعالى {ولكن شبه لهم} معناه أى وقعت الشبهة لهم فظنوا أنهم قتلوه مع أنهم قتلوا غيره ظانين أنه هو.
وقد كذب الله سبحانه وتعالى وهمهم بقوله {وما قتلوه وما صلبوه} كما زعموا ولكن وقعت لهم شبهة فى ذاته فقتلوا وصلبوا غيره.
ومن هذا العرض لما تحمله هذه الآيات فى شأن وفاة عيسى عليه السلام وهل كانت وفاة موت أو وفاة نوم أو وفاة قبض ونقل ورفع وما يحتمله قوله تعالى {ورافعك} وقوله {بل رفعه الله إليه} من الرفع المادى بمعنى أنه نقله بذاته وجسمه من بين من أرادوا القبض عليه وقتله فلم يمكنهم منه أو أن الرفع أدبى ومعنوى رفع مكانة وتشريف وما قيل فى قوله تعالى {ولكن شبه لهم} من هذا يظهر اختلاف العلماء فى شأن عيسى عليه السلام.
المختار من هذه التأويلات والذى اختاره أن الله سبحانه وتعالى قد رفع عيسى عليه السلام من بين أعدائه ولم يمكنهم من القبض عليه فلم يقتلوه ولم يصلبوه كما يزعم أتباعه الآن وأن أمره التبس واشتبه على خصومه بأى طريق من طرق التلبس بالاشتباه التى أرادها الله سبحانه وأنجاه الله بها ولم تفصح الآيات المتلوة آنفا عن هذا الطريق بل جاء الفعل (شبه) بالبناء للمجهول الأم الذى كثرت فى بيانه واستبانته الأفهام، ومن الحكمة وحسن التأويل لآيات القرآن الكريم الوقوف عند ما سكتت عن بيانه والكف عن استكشاف مالا طائل وراءه لأنه غير ثابت فطعا - إذ المر الذى تفيده قطعا تلك الآيات أن الله تعالى لم يمكن اليهود من قتل عيسى عليه السلام وصلبه ولكن شبه لهم والتبس أمره عليهم فلم يعرفوا ذاته وقطع القرآن فى رفعه من بين أظهرهم واستخلاصه من أيديهم بقوله تعالى {وما قتلوه يقينا.
بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما} ما يجب الإيمان به وبذلك تكون العقيدة الصحيحة للمسلم فى هذا هو ما قطعت به هذه الآية من نفى قتل عيسى عليه السلام وصلبه ومن إثبات رفعه إلى الله تعالى، فهذا القدر لا يجوز لمسلم جحوده، ويخرج عن الإسلام من اعتقد ما يقول المسيحيون الآن من قتل ذاات هذا النبى وصلبه.
أما رفعه عليه السلام حيا أو ميتا أو نائما إن كان حيا وما مكانه وما كيفية حياته وهيئتها فان هذا مما اختلف فى شأنه العماء إذ لم تفده آيات القرآن الكريم على وجه قطعى الدلالة.
وجمهور أهل العلم على أن عيسى عليه السلام حى عند الله تعالى حياة لم تثبت كيفيتها ولا طبيعتها مستدلين بما سنورده فيما يلى عن واقعة نزوله وعودته إلى الأرض.
نزول عيسى إلى الأرض يدل مجموع الأحاديث المروية فى كتب السنة على أن عيسى عليه السلام سينزل إلى الأرض داعيا بالإسلام وحاكما بشريعته ومتبعا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
من هذا ما أخرجه البخارى فى صحيحه فى كتاب الأنبياء عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذى نفسى بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فليكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية (أى يلغيها ولا يقبلها من أحد من أهل الأديان الأخرى إذ لا يقبل منهم غير الإسلام دينا) ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها) ثم قال أبو هريرة أقرءوا إن شئتم قول الله تعالى {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا} النساء 159، وقد رواه مسلم فى صحيحه هكذا عن أبى هريرة وزاد أنه (يقتل الدجال) ما حكم من جحد نزول عيسى هذا الحديث الشريف وأمثاله ليس من الأدلة القطيعة الثبوت والدلالة لأنه ليس من المتواتر فلا يفيد قطعا نزول عيسى عليه السلام للأرض.
كذلك لم تفد آيات القرآن الكريم نزوله على وجه قاطع، وإن كانت الآيتان 159 من سورة النساء، 61 من سورة الزخرف تحتملان الدلالة على هذا فى أحد التأويلات الكثيرة لكل منهما والتى أوردها الكبرى فى تفسيره.
ولما كانت أسس العقيدة الإسلامية إنما تثبت بالدليل القطعى الثبوت والدلالة من القرآن والسنة.
فإن من جحد نزول عيسى عليه السلام وعودته إلى الأرض لا يخرج عن الإسلام ولا يعتبر كافرا لأن ماحجده غير ثابت بدليل قطعى من القرآن أو السنة.
ومع هذا فقد تقبل جمهور أهل العلم منذ حدث رواة هذا الحديث به وبأمثاله من الصحباه رضوان الله عليهم ومنذ أن دونت السنة الشريفة تقبلوا الأحاديث الشريفة الدلالة على نزول عيسى عليه السلام وعودته إلى الأرض قبولا حسنا وآمنوا بها وعدوا نزوله من أشراط الساعة وعلاماتها الكبرى.
وأختار طريق هؤلاء والاقتداء بهم باعتبار ذلك خبرا عن المعصوم صلوات الله وسلامه عليه وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى مع عدم تكفير من يجحد نزول عيسى عليه السلام ما حكم من قال بموت عيسى ما كانت عبارة القرآن الكريم فى قوله تعالى {إنى متوفيك} فى آيات سورة آل عمران {فلما توفيتنى} فى سورة المائدة تحتمل الموت والنوم والاستيفاء والقبض على ما سبق بيانه فإنه مع هذه الاحتمالات تكون دلالة الآيات على حياته عليه السلام الآن غير قاطعة، فمن قال من المسلمين بموته فعلا يكون متأولا لما يحتمل التأويل فلا يخرج بهذا القول من الإسلام ولا يعتبر كافرا ما دام معتقدا ومقرا بأن الله سبحانه وجلت قدرته قد رفعه إليه من بين أعدائه ولم يمكنهم من قتله وصلبه امتثالا وتصديقا لقوله تعالى {وما قتلوه يقينا.
بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما} هل نشر عيسى دعوته بالهند أما أن عيسى عليه السلام قد نشر دعوته فى الهند وأفغانستان والسند وإيران فليس هناك ما يؤكد هذا الزعم وإنما انتشرت بفعل أتباعه وجهدهم كما هو ملموس الآن من انتشار جماعات التبشير التى تلبس ثوب الإصلاح الاجتماعى والتطبيب العلاجى أو تفتح المدارس للتعليم فى المجتعمات التى تغلب فيها الأمية.
هل تجوز ترجمة القرآن الكريم أما عن ترجمة القرآن الكريم فإن الترجمة الحرفية لآيات القرآن الكريم غير جائزة شرعا، وإنما تجوز ترجمة المعنى والتفسير، فإذا وجدت ترجمة لفظية للقرآن فيجب ألا يعتمد عليها ولا تعتبر قرآنا.
وانا نأمل أن تقوم الجهات المعنية بترجمة تفسير مختار للقرآن الكريم بدلا من الترجمة المشار إليها فى السؤال وغيرها من الترجمات المنتشرة فى الغرب والشرق بيد المستشرقين أو بعض المسلمين الذين لا يحسنون صنعا.
والله الموفق والهادى إلى الصراط المستقيم وهو سبحانه وتعالى أعلم(7/355)
نقل الأعضاء من انسان إلى آخر
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
محرم 1400 هجرية - 5 ديسمبر 1979 م
المبادئ
1 - الإيصاء ببعض أجزاء الجسم لا يدخل فى نطاق الوصية بمعناها الشرعى.
2 - إرادة الإنسان بالنسبة لشخصه مقيدة بعدم إهلاك نفسه.
3 - يجوز نقل عضو أو جزء عضو من إنسان حى متبرع لوضعه فى جسم إنسان حى بشروطه، كما يجوز نقل الدم من إنسان لآخر بذات الشروط متى غلب على ظن الطبيب واتفادة هذا الأخير بهذا النقل.
4 - يكون قطع العضو أو جزئه من الميت إذا أوصى بذلك قبل وفاته، أو بموافقة عصبته.
وهذا إذا كانت شخصيته وأسرته معروفة.
وإلا فبإذن النباية العامة. 5 - يمتنع تعذيب المريض المحتضر باستعمال أى أدوات أو أدوية متى بان للطبيب أن هذا كله لا جدوى منه.
6 - عند تزاحم المرضى على ضرورة نقل عضو أو دم إليهم بينما الموجود عضو واحد أو كمية دم لا تكفى إلا لواحد منهم يكون للطبيب إيثار بعضهم بذلك إذا غلب على ظنه انتفاع ذلك المريض به وإلا تجرى القرعة بينهم فى ذلك
السؤال
1 - هل يجوز الوصية بقطع عضو أو جزئه من الميت إذا أوصى بذلك أو بموافقة عصبته.
2 - هل ينطبق على هذه الوصية المعنى الشرعى أو القانونى أو اللغوى.
3 - هل يجوز تببرع إنسان حى بعضو من أعضاء جسده لشخص آخر مهدد بالموت أو التبرع ببعض دمه، وما معيار ذلك وهل يجوز اقتضاء مقابل مادى فى نظير العضو أو الدم المتبرع به.
4 - هل يمكن نقل عضو من ميت دون وصية منه أو ترخيص من ورثته.
ومن أصحاب الحق فى هذا الترخيص شرعا. 5 - ما هو التعريف الفقهى للموت.
ومتى يعتبر الإنسان ميتا.
6 - ما حكم شق بطن من ماتت حاملا وجنينها حى، وما إذا مات الجنين فى بطن أمه وما حكم شق شطن الميت لاستخراج ما يكون قد بالتلعه من مال قبل وفاته وآراء الفقهاء فى ذلك والرأى المختار للفتوى.
7 - ما حكم المفاضة بين عدد من المرضى تساوت حالتهم المرضية فى وجوب نقل عضو أن نقل دم مع عدم وجود أعضاء أو كمية من الدم أو الدواء كافية لإنقاذ الجميع.
8 - ما حكم الإسلام فى استعمال الأجهزة الطبية التى تساعد على التنفس والنبض مع التأكد من موت الجهاز العصبى.
وقد وردت تلك الأسئلة بالطلب المقدم من السيد / المستشار عبد المجيد أبو طالب - المقيد برقم 149 سنة 1979 المتضمن أنه قد انتشر فى بلاد الغرب التبرع أو الإيصاء ببعض أجزاء الجسم بعد الوفاة خدمة للمرضى المحتاجين إليها كالكلى والقرنية وغيرها - ويطالب بعض الأطباء فى مصر بنشر هذا التقليد النافع.
وأن للسائل رغبة فى مسايرتهم للاعتبارات الإنسانية - إلا أنه يخشى أن يكون فى ذلك مخالفة لتعاليم الدين أو امتهان للجسم البشرى.
وبالطلب المقدم من السيد / ناجى مصطفى كمال - الطالب بنهائى طب الأزهر والمقيد برقم 177/979 الذى جاء به أن لديه رغبة فى كتابة وصية نصها (أتبرع بجسدى بعد الوفاة لمشرحة كلية طب جامعة الأزهر للاستفادة من الأعضاء السليمة إذا لزم الأمر لزراعتها للمحتاجين إليها من المسلمين أو للاستفادة بها بقسم التشريح للدراسة العملية لطلاب الكلية) .
وطلب السائل الأول بيان ما إذا كان يوجد من النصوص الشرعية والفقهية ما يؤيد اتجاهه وطلب السائل الآخر بيان ما إذا كانت وصيته على هذا الوجه مقبولة من الناحية الشرعية، وإذا لم تكن مقبولة شرعا، فهل هناك قانون وضعى يبيح هذه الوصية
الجواب
إن الوصيلة فى اصطلاح فقهاء الشريعة الإسلامية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، وبهذا المعنى تكون الوصية شرعا جارية من الأموال والمنافع والديون وقد عرفها قانون الوصية بأنها.
تصرف فى التركة مضاف لما بعد الموت.
وبهذا فإن الإيصاء ببعض أجزاء الجسم كما جاء فى السؤال لا يدخل فى نطاق الوصية بمعناها الاصطلاحى الشرعى، لأن جسم الإنسان ليس تركة ولكنه يدخل فى المعنى اللغوى للفظ الوصية، إذ هذا للفظ يطلق بمعنى العهد إلى الغير فى القيام بفعل شىء حال حياة الموصى أو بعد وفاته.
كما أن التبرع بجزء من الجسم حال الحياة هل يجوز شرعا باعتبار أن الإنسان صاحب التصرف فى ذاته أو غير جائز باعتبار أن هذه الإرادة ليست مطلقة بدليل النهى شرعا عن قتل الإنسان نفسه.
والذى أختاره أن كل إنسان صاحب إرادة فيما يتعلق بشخصه وإن كانت إراة مقيدة بالنطاق المستفاد من قول الله تعالى فى سورة البقرة {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} البقرة 195، وقوله سبحانه فى سورة النساء {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} النساء 29، يدل لذلك ما ساقه الفقهاء من نصوص فى شأن الجهاد بالنفس وتعريضها بذلك للقتل، وما أوجبه الإسلام فى شأن إنقاذ الغرقى والحرقى والهدمى مع ما قد يترتب على ذلك من هلاك المجاهد أو المنقذ، فإذا جزم طبيب مسلم ذو خبرة أو غير مسلم كما هو مذهب الإمام مالك بأن شق أى جزء من جسم الإنسان الحى بإذنه وأخذ عضو منه أو بعضه لنقله إلى جسم إنسان حى آخر لعلاجه إذا جزم أن هذا لا يضر بالمأخوذ منه أصلا إذ الضرر لايزال بالضرر ويفيد المنقول إليه جاز هذا شرعا بشرط ألا يكون الجزء المنقول على سبيل البيع أو بمقابل، لأن بيع الإنسان الحر أو بعضه باطل شرعا.
وبعد هذا فإن السؤال المطروح هل يجوز شرعا للانسان التبرع أو الإيصاء ببعض أجزاء جسمه بعد الوفاة خدمة للمرضى المحتاجين كالكلى والقرنية وغيرها أو لا يباح ذلك لا جدال فى أن الله سبحانه كرم الإنسان وفضله على كثير من خلقه، ونهى عن ابتذال ذاته ونفسه والتعدى على حرماته حيا وميتا.
وكان من مقاصد التشريع الإسلامى حفظ النفس، كما تدل على ذلك الآيتان الكريمتان المتلوتان آنفا، ويدل على تكريم الإسلام للموتى من بنى الإنسان ما شرع من التكفين والدفن وتحريم نبش القبول الا لضرورة، كما يدل على هذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن كسر عظم الميت بقوله (كسر عظيم الميت ككسره حيا) .
وإذا كان الإسلام قد كرم الإنسان حيا وميتا فهل يجوز شق جسده بعد الوفاة ومتى.
حين نرجع إلى كتب الفقه الإسلامى التى بأيدينا نرى أن الفقهاء قد تحدثوا فى باب الجنائز عن شق بطن من ماتت حاملا وجنينها حى وما إذا مات الجنين فى بطن أمه، وفى هذا يقول فقهاء المذهب الحنفى حامل ماتت وولدها حى يضطرب، شق بطنها من الجانب الأيسر ويخرج ولدها، ولو بالعكس بأن مات الولد فى بطن أمه وهى حية قطع وأخرج، وذلك لأنه متى بانت علامة غالبة على حياة الجنين فى بطن الأم المتوفاة كان فى شق بطنها وإخراجه صيانة لحرمة الحى وحياته، وهذا أولى من صيانة حرمة الميت، ولأن الولد إذا مات فى بطن أمه الحية وخيف على حياتها من بقائه ميتا فى بطنها ولم يمكن إخراجه دوت تقطيع كان للقابلة إدخال يدها بآلة تقطعه بها وتخرجه حفظا لحياة الأم، وفى شأن شق البطن لإخراج ما ابتلعه الميت من مال قالوا إنه إذا ابتلع الإنسان مالا مملوكا له ثم مات فلا يشق بطنه لاستخراجه لن حرمة الآدمى وتكريمه أعلى من حرمة المال، فلا تبطل الحرمة الأعلى للوصول إلى الأدنى، أما إذا كان المال الذى ابتلعه لغيره فإن كان فى تركته ما يفى بقيمته أو ورقع فى جوفه بدون فعله فلا يشق بطنه، لأن فى تركته وفاء به ولأنه إذا وقع فى جوفه بغير فعله لا يكون متعديا، أما إذا ابتلعه قصدا فإنه يشق بطنه لاستخراجه لأن حق الآدمى صاحب المال مقدم فى هذه الحال على حق الله تعالى.
سيما وهذا الإنسان صار متعديا ظالما بابتلاعه مال غيره فزالت حرمته بهذا التعدى.
وفى فقه الشافعية أنه إن ماتت امرأة وفى جوفها جنين حى شق بطنها لأنه استبقاء حى بإتلاف جزء من الميت، فأشبه إذا اضطر إلى أكل جزء من الميت، وهذا إذا رجى حياة الجنين بعد إخراجه، أما إذا لم ترج حياته ففى قول لاتشق بطنها ولا تدفه حتى يموت، وفى قول تشق ويخرج.
وعن ابتلاع الميت المال قالوا وإن بلغ الميت جوهرة لغيره وطالب بها صاحبها شق جوفه وردت الجوهرة، وإن كانت الجوهرة له ففيه وجهان أحدهما يشق لأنها صارت للورثة، فهى كجوهرة الأجنبى، والثانى لا يجب لأنه استهلكها فى حياته فلم يتعلق بها حق الورثة.
وفى فقه الماليكة أنه يشق بطن الميت لاستخراج المال الذى ابتلعه حيا سواء كان المال له أو لغير، ولا يشق لإخراج جنين وإن كانت حياته مرجوة.
ويقول فقه الحنابلة إن المرأة إذا ماتت وفى بطنها ولد يتحرك فلا يشق بطنها، ويخرجه القوابل من المحل المعتاد.
وإن كان الميت قد بلع مالا حال حياته فإن كان مملوكا له لم يشق لأنه استهلكه فى حياته إذا كان يسيرا، وإن كثرت قيمته شق بطنه واستخرج المال حفظا له من الضياع ولنفع الورثة الذين تعلق بهم حقهم بمرضه، وإن كان المال لغيره وابتلعه بإذن مالكه فهو كحكم ماله، لأن صاحبه أذن فى إتلافه، وإن بلعه غصبا ففيه وجهان أحدهما لا يشق بطنه ويغرم من تركته، والثانى يشق إن كان كثيرا لأنه فيه دفع الضرر عن المالك برد ماله إليه، وعن الميت بإبراء ذمته، وعن الورثة بحفظ التركة لهم.
وفى فقه الزيدية أن المرأة إذا ماتت وفى بطنها ولد حى شق بطنها واستخرج الولد لقوله عز وجل {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} المائدة 32، وذلك بشرائط أن يكون الولد قد بلغ وقتا ومدة يعيش إذا خرج حيا، وأن يكون الشاق بصيرا بإخراجه وأن يكون هناك من يكلفه ويقوم به إذا خرج حيا.
وروى صاحب الروض النضير عن الحسن بن زياد قال كنت عند أبى حنيفة فجاءه رجلان على حمارين فسلما عليه ثم مضيا فقال لى أبو حنيفة أتدرى من هذا.
يعنى أحدهما فقلت لا فقال هذا ماتت أمه وهى حامل به فجاؤوا فسألونى عن امرأة ماتت وفى بطنها ولد حى فقلت الحقوا لساعة فشقوا بطنها وأخرجوا الولد.
قال فهذا هو. وينص فقه الشيعة الامامية على أنه إذا مات ولد الحامل قطع وأخرج، ولو ماتت هى دونه يشق جوفها من الجانب الأيسر وأخرج، وفى رواية يخاط بطنها.
وخلاصة ما تقدم.
أن فقه مذهبى الإمامين أبى حنيفة والشافعى يجيزان شق بطن الميت سواء لاستخراج جنين حى أو لاستخراج مال، وأن فقه مذهبى مالك وأحمد بن حنبل الشق فى المال دون الجنين.
والذى أختاره فى هذا الموضع هو ما ذهب إليه فقهاء الحنفية والشافعية من جواز شق بطن الميت لمصلحة راجحة، سواء كانت لاستخراج جنين حى أو مال للميت أو لغيره، إذا كان ذا قيمة معتد بها عرفا ينتفع بها الورثة أو تقضى به ديونه، وأما الحديث الشريف الذى رواه البيهقى فى السنن الكبرى كما ورى فى سسنن أبى دواود وسنن ابن ماجه عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كسر عظم الميت ككسره حيا) فالظاهر أن معناه أن للميت حرمة وكرامة كحرمة الحى، فلا يعتدى على جسمه بكسر عظم أو غير هذا مما فيه ابتذال له لغير ضرورة أو مصلحة راجحة.
وهذا المعنى ظاهر ما ذكره المحدثون فى بيان سبب الحديث من أن الحفار الذى كان يحفر القبر أراد كسر عظم إنسان دون أن تكون هناك مصلحة فى ذلك.
(البيان والتعريف فى أسباب ورود الحديث الشريف ج - 3 ص 64) .
وبهذا المفهوم يتفق الحديث مع مقاصد الإسلام المبينة على رعاية المصالح الراجحة، وتحمل الضرر الأخف لجلب مصلحة تفويتها أشد، وفى استدلال الفقه الزيدى بالآية الكريمة (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) .
إشارة إلى رجحان العمل بهذه الرخصة التى ارتآها فقهاء مذاهب الحنفية والزيدية والشافعية والشيعة الامامية كما تقدم فى النقل عنهم.
وإذ قد انتهينا إلى اختيار جواز شق بطن الميت لاستخراج ما ابتلعه من مال أو لاستخراج جنين حى ترجى حياته.
فهل يجوز هذا شرعا لأخذ جزء من جسم الميت وإضافته إلى جسم الإنسان الحى على سبيل العلاج والجواء أو لا يحل هذا.
أو بعبارة أخرى هل يحل شرعا نقل جزء من جسم إنسان ميت إلى جسم إنسان حى بقصد علاج هذا الخير أو لا يحل.
وتقدمة للإجابة على هذا التساؤل يتعين التعرف على حكم الإسلام على الإنسان بعد الموت، هل جسده ميتة نجس كسائر الميتات، وهل ما ينفصل منه حال حياته يصير ميتة نجسا كذلك يقول الإمام النووى الشافعى فى كتابه المجموع شرح المهذب فى بيان الجلود النجسة ان الصحيح فى المذهب أن الآدمى لا ينجس بالموت لكن لا يجوز استعمال جلده ولا شىء من أجزائه بعد الموت لحرمته وكرامته، وأن قولا ضعيفا فى المذهب قد قال بنجاسة الآدمى بالموت.
وفى الفقه الحنفى ان الآدمى ينجس بالموت ثم اختلف فقهاء المذهب هل هى نجاسة خبث باعتباره حيوانا دمويا فيتنجس الموت كسائر الحيوانات أو هى نجاسة حدث يطهر بالغسل كالجنب والحائض إعمالا لحديث أبى هريرة رضى الله عنه كما جاء فى فتح القدير للكمال بن الهمام (سبحان الله.
المؤمن لا ينجس حياو لا ميتا) وحديث ابن عباس رضى الله عنهما قال (لا تنجسوا موتاكم فإن المؤمن ليس بنجس حيا ولا ميتا) ، أخرجه الحاكم والدار قطنى مرفوعا كل بسنده.
والأظهر فى الفقه المالكى أن الآدمى الميت ولو كافرا طاهر كما جاء فى الشرح الكبيرة وحاشية الدسوقى فى بيان الأعيان الطاهرة والنجسة، وأن ما انفصل منه حيا أو ميتا طاهر كذلك.
والصحيح عند الحنابلة كما جاء فى المغنى لابن قدامة فى بيان ما ينجس به الماء أن الآدمى طاهر حيا وميتا ومقابل الصحيح أنه ينجس بالموت ويطهر بالغسل.
ويرى فقه الزيدية أن جسد الآدمى المسلم طاهر حيا أو ميتا، وأن ما يلحقه هو الحديث الأكبر أو الأصغر، ويقول ابن حزم فى كتابه المحلى إن كل ما قطع من المؤمن حيا أو ميتا طاهر.
ومن هذا العرض الوجيز نرى أن كلمة الفقه الشافعى والمالكى والحنبلى والزيدى والظاهرى متفقة على أن الصحيح أن جسد الإنسان المسلم طاهر حيا أو ميتا، وإذا أخذنا من الفقه الحنفى القول بأن النجاسة بعد الموت إنما هى نجاسة حدث لا خبث ويطهر بالغسل كالجنب والحائض.
فإن رأى هذه المذاهب يكاد يتفق على طهارة جسد المؤمن بعد الموت، وعلى طهارة ما انفصل منه حال الحياة كذلك.
ثم ننتقل بعد هذا للبحث فى أقوال الفقهاء عما إذا كان يحل قطع جزء من جسم إنسان حى أو ميت ونقله إلى جسم إنسان حى لعلاجه أو بديلا لجزء تالف فى جسد هذا الأخير أو لا يحل ذلك يقول الفقه المالكى كما جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى - إذا سقطت السن جاز ردها وربطها بشريط من ذهب أو من فضة وإنما جاز ردها لأن يمتة الآدمى طاهرة، وكذا يجوز أن يرد بدلها سنا من حيوان مذكى وأما من ميتة فقولان الجواز والمنع، وعلى الثانى فيجب قلعها فى كل صلاة ما لم يتعذر عليه قلعها وإلا فلا.
وفى الفقه الحنفى نقل العلامة ابن عابدين فى حاشيته رد المحتار على الدر المختار فى الجزء الأول فى بيان حكم الوشم عن عزانة الفتاوى فى مفسدات الصلاة كسر عظمهن فوصل بعظم كلب ولا ينزع إلا بضرر جازت الصلاة.
وقد بدائع الصنائع للكاسانى فى أواخر كتاب الاستحسان ولو سقط سنه يكره أن يأخذ سن ميت فيشدها مكانها بالإجماع، وكذا يكره أن يعيد تلك السن الساقطة مكانها عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله، ولكن يأخذ سن شاة ذكية فيشدها مكانها وقال أبو يوسف رحمه الله لا بأس بسنه ويكره سن غيره، ونقل صاحب البحر الرائق فى كتاب الحظر والإباحة عن الذخيرة رجل سقط سنه فأخذ سن الكلب فوضعه فى موضع سنه فثبتت لا يجوز ولا يقطع لو أعاد سنه ثانيا وثبت قال ينظر إن كان يمكن قلع سن الكلب بغير ضرر يقلع.
وإن كان لا يمكن إلا بضرر لا يقلع. وفى الفقه الحنبلى قال ابن قدامة فى المغنى فى الجنائز وإن جبر عظمه بعظم فجبر ثم مات لم ينزع إن كان طاهرا وإن كان نجسا فأمكن إزالته من غير مثله أزيل لأنه نجاسة مقدور على إزالتها من غير مضرة.
وفى الفقه الشافعى كما جاء فى المجموع للنووى فى باب طهارة البدن إذا انكسر عظمه فينبغى أن يجبره بعظم طاهر.
قال أصحابنا ولا يجوز أن يجبره بنجس مع قدرته على طاهر يقوم مقامه، فإن جبره بنجس نظر إن كان محتاجا إلى الجبر ولم يجد طاهرا يقوم قمامه فهو معذور.
وان لم يحتج إليه أو وجد طاهرا يقوم مقامه أثم ووجب نزعه إن لم يخف منه تلف نفسه ولا تلف عضو ولم يوجد أحد الأعذار المذكور فى التيمم، فان لم يفعل أجبره السلطان ولا ستصح صلاته معه ولا يعذر بالألم إذا لم يخف منه وسواء اكتسى العظم لحما أم لا هذا هو المذهب، وهناك قول أنه إذا اكتسى العظم لحما لا ينزع وإن لم يخف الهلاك.
حكاه الرافعى ومال إليه الحرمين والغزالى وهو مذهب أبى حنيفة ومالك.
وإن خاف من النزع هلاك النفس أو عضو أو فوات منفعة عضو لم يجب النزع على الصحيح من الوجهين ثم قال فى مداواة الجرحى بدواء نجس وخياطته بخيط نجس كالوصل بعظم نجس ولو انقلعت سنه فردها موضعها.
قال اصحابنا العراقيون لا يجوز لأنها نجسة وهذا بناء على طريقتهم - ان عضو الآدمى المنفصل فى حياته نجس وهو المنصوص عليه فى الم ولكن المذهب طهارته وهو الأصح عند الخراسانيين، فلو تحركت سنه فله أن يربطها بفضة وذهب وهى طاهرة بلا خلاف.
وفى استبدال جزء من جسم الإنسان بالذهب ورد حديث عرفجة بن أسيد الذى أصيب أنفه يوم الكلاب، فاتخذ أنفا من فضة فأنتن، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفسا من ذهب، وقد أخذ بهذا الحديث فقهاء الحنفية فى باب الحظر والإباحة وفقهاء الحنابلة كما نقله ابن قدامة فى غير موضع من كتابه المغنى.
وفقهاء الشافعية. فقد أورده النووى فى باب الآنية وغيره، ونص الشافعية على أنه يحل لمن ذهبت سنه أو أنملته أن يتخذ بديلا لها من الذهب إمضاء لحديث عرفجة، سواء أمكنه اتخاذ ذلك من فضة أم لا واختلفت كلمتهم فيمن ذهبت أصبعه أو كفه أو قدمه هل له أن يتخذها من فضة أو من ذهب بين محرم ومبيح.
وفى جواز أكل لحم الآدمى عند الضرورة قال فقهاء الحنفية - على ما جاء فى الدر المختار للحصكفى وحاشية رد المحتار لابن عابدين فى الجزء الخامس - إن لحم الإنسان لايباح فى حال الاضطرار ولو كان ميتا لكرامته المقررة بقول الله تعالى {ولقد كرمنا بنى آدم} الإسراء 70، وكذلك لا يجوز للمضطر قتل إنسان حى وأكله ولو كان مباح الدم كالحربى والمرتد والزانى المحصن لأن تكريم الله لبنى آدم متعلق بالانسانية ذاتها فتشمل معصوم الدم وغيره.
وبهذا أيضا يقول الظاهرية بتعليل آخر غير ما قال به الحنفية.
ويقول الفقه المالكى إنه لا يجوز أن يأكل المضطر لحم آدمى وهذا أمر تعبدى، وصحح بعض المالكية أنه يجوز للمضطر أكل الآدمى إذا كان ميتا بناء على أن العلة فى تحريمة ليست تعبدية وإنما لشرفه وهذا لا يمنع الاضطرار على ما أشار إليه فى الشرح الصغير بحاشية الصاوى فى الجزء الأول.
وأجاز الفقه الشافعى والزيدى أن يأكل المضطر لحم إنسان ميت بشروط منها ألا يجد غيره كما أجاز للانسان أن يقتطع جزء نفسه كلحم من فخذه ليأكله استبقاء للكل بزوال البعض كقطع العضو المتآكل الذى يخشى من باقئه على بقية البدن، وهذا بشرط ألا يجد محرما آخر كالميتة مثلا، وأن يكون الضرر الناشىء من قطع الجزء أقل من الضرر الناشىء من تركه الأكل.
فإن كان مثله أو أكثر لم يجز قطع الجزء، ولا يجوز للمضطر قطع جزء من آدمى آخر معصوم الدم، كمما لايجوز للآخر أن يقطع عضوا من جسده ليقدمه للمضطر لأكله.
وفى الفقه الحنبلى إنه لا يباح للمضطر قتل إنسان معصوم الدم ليأكله فى حال الاضطرار ولا إتلاف عضو منه مسلما كان أو غير مسلم، أما الإنسان الميت ففى إباحة الأكل منه فى حال الضرورة قولان أحدهما لا يباح والآخر يباح الأكل منه لأن حرمة الحى أعظم من حرمة الميت، قال ابن قدامة فى المغنى إن هذا القول هو الأولى.
ونخلص مما سلف إلى أن فقهاء الماليكة والشافعية والحنابلة قد صرحوا بأنه إذا كسر عظم الإنسان فينبغى جبره بعظم طاهر - على حد تعبير الشيرازى الشافعى فى المهذب، وأنه لا يجوز جبره بعظم نجس إلا عند الضرورة، كما إذا لم يوجد سواه، وأنه يجوز رد السن الساقطة إلى مكانها وربطها بالفضلة أو بالذهب، كما يجوز استبدالها بسن حيوان مذكى.
ونص الفقه الحنفى على أنه لو وصل عظم إنسان بعظم كلب ولا ينزع إلا بضرر جازت الصلاة معه وهذا النوع وأمثاله من فروع الحنفية يتخرج عليه.
أنه إذا قضت الضرورة بوصل العظم المكسور بعظم نجس فلا حرج فى ذلك ولا إثم، بدليل إجازة الصلاة ما دام يتعذر نزعه إلا بضرر.
كما نخلص إلى أن جسم الإنسان الميت طاهر وما انفصل منه حال حياته كذلك طاهر، وإلى جواز شق بطن الآدمى الميت لاستخراج جنين حى ترجى حياته أو مال ابتلعه قبل وفاته على الاختلاف بين فقهاء المذاهب كما تقدم بيانه، وإلى أنه يجوز اضطرار أكل لحم إنسان ميت فى قول فقهاء الشافعية والزيدية وقول فى مذهب الميالكية ومذهب الحنابلة، ويجوز أيضا عند الشافعية والزيدية أن يقطع الإنسان من جسمه فلذة ليأكلها حال الاضطرار بالشروط السابق الإشارة إليها، ويجوز وصل عظم الإنسان المكسور بعظم طاهر على نحو ما تقدم أيضا فى سنده الفقهى.
وتخريجا على ذلك وبناء عليه يجوز شق بطن الإنسان الميت وأخذ عضو منه أو جزء من عضو لنقله إلى جسم إنسان حى آخر يغلب على ظن الطبيب استفادة هذا الأخير بالجزء المنقول إليه، رعاية للمصلحة الراجحة التى ارتآها الفقهاء القائلون بشق بطن التى ماتت حاملا والجنين يتحرك فى أحشائها وترجى حياته بعد إخراجه، وإعمالا لقاعدة الضرورات تبيج صفحة رقم 3710 المحضورات، وأن الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف، التى سندها الكتاب الكريم والسنة الشريفة، فإن من تطبيقاتها كما تقدم جواز الأكل من لإنسان ميت عند الضرورة صونا لحياة الحى من الموت جوعا، المقدمة على صون كرامة الميت إعمالا لقاعدتى اختيار أهون الشرين وإذا تعارضت مفسدتان روعى أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما، وإذا جاز الأكل من جسم الآدمى الميت ضرورة جاز أخذ بعضه نقلا لإنسان آخر حى صونا لحياته متى رجحت فائدته وحاجته للجزء المنقول إليه.
هذا عن الإنسان الميت، أما عن الإنسان الحى واقتطاع جزء منه فقد تقدمت الإشارة إلى أن فقه كل من الشافعية والزيدية يجيز أن يقطع الإنسان الحى جزء نفسه ليأكله عند الضرورة بشرط ألا يجد مباحا ولا محرما آخر يأكله ويدفع به مخمصته، وأن يكون الضرر الناشىء من قطع جزئه أقل من الضرر الناشىء من تركه الأكل.
ومتى كان الحكم هكذا فإنه يجوز تخريجا عليه القول بجواز تبرع إنسان حى يجزء من جسده لا يترتب على اقتطاعه ضرر به متى كان مفيدا لمن ينقل إليه فى غالب ظن الطبيب.
لأن للمتبرع - كما تقدم - نوع ولاية على ذاته فى نطاق الآيتين الكريمتين {ولا تقتلوا أنفسكم} النساء 29، و {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} البقرة 195، ولا يباح أى جزء.
بل الجزء أو العضو الذى لا يؤدى قطعه من المتبرع إلى عجزه إو إلى تشويهه.
وبهذا المعيار يكون حكم نقل الدم من إنسان لآخر.
وإذ قد انتهى الرأى إلى إجازة شق جسم الميت أو تشريحه لأخذ عضو أو جزء منه وجواز نقله إلى جسم إنسان حى يستفيد به، وإلى جواز تبرع إنسان حى بأخذ عضو منه أو جزء عضو وجواز نقل هذا إلى إنسان آخر حى بالشروط سالفة الإشارة.
فإنه يمكن إيجاز الإجابة على الأسئلة المرددة فى هذا الموضع على الموجه التالى إنه يجوز نقل عضو أو جزء عضو من إنسان حى متبرع لوضعه فى جسم إنسان حى بالشروط الموضحة آنفا.
ومن هذا الباب أيضا نقل الدم من إنسان لآخر بذات الشروط.
ويحرم اقتضاء مقابل للعضو المنقول أو جزئه، كما يحرم اقتضاء مقابل للدم لأن ربيع الآدمى الحر باطل شرعا لكرامته بنص القرآن الكريم وكذلك بيع جزئه ويجوز كذلك أخذ جزء من إنسان ميت ونقله إلى إنسان حى، ما دام قد غلب على ظن الطبيب استفادة هذا الأخير بهذا النقل باعتباره علاجا ومداواة، وذلك بناء على ما تقدم من أسس فقهية ويجوز قطع العضو أو قطع جزئه من الميت إذا أوصى حى بذلك قبل وفاته أو يموافقة عصبته بترتيب الميراث إذا كانت شخصية المتوفى المأخوذ منه معروفة وأسرته وأهله معروفين، أما إذا جهلت شخصيته أوعرفت وجهل أهله فإنه يجوز أخذ جزء من جسده نقلا لإنسان حى آخر يستفيد به فى علاجه أو تركه لتعليم طلاب كليات الطب، لأن فى كل ذلك مصلحة راجحة تعلو على الحفاظ على حرمة الميت، وذلك بإذن من النيابة العامة التى تتحقق من وجود وصية أو إذن من صاحب الحق من الورثة أو إذنها هى فى حالة جهالة شخص المتوفى أو جهالة أسرته.
ولا يقطع عضو من ميت إلا إذا تحققت وفاته.
والموت - كما جرى بيانه فى كتب الفقه - هو زوال الحياة.
وعلامته إشخاص البصر وأن تسترخى القدمان وينعوج الأنف وينخسف الصدغان وتمتد جلدة الوجه لتخلو من الانكماش.
وفى نطاق هذا يجوز اعتبار الإنسان متى زالت مظاهر الحياة منه، وبدت هذه العلاماة الجسدية، وليس ما يمنع من استعمال أدوات طبية للتحقق من موت الجهاز العصبى، لكن ليست هذا وحده آية الموت بمعنى زوال الحياة بل إن استمرار التنفس وعمل القلب والنبض وكل أولئك دليل على الحياة، وإن دلت الأجهزة الطبية على فقدان الجهاز العصبى لخواصه الوظيفية، فإن الإنسان لا يعتبر ميتا بتوقف الحياة فى بعض أجزائه، بل يعتبر كذلك شرعا وتترتب آثار الوفاة من تحقق موته كلية فلا يبقى فيه حياة ما، لأن الموت زوال الحياة، ويمتنع تعذيب المريض المحتضر باستعمال أية أدوات أو أدوية متى بان للطبيب أن هذا كله لا جدوى منه، وأن الحياة فى البدن فى سبيل التوقف، وعلى هذا فلا إثم إذا أوقفت الأجهزة التى تساعد على التنفس وعلى النبض متى بان للمختص القائم بالعلاج أن حالة المحتضر ذاهبة به إلى الموت.
ولعله من التتمة بيان حكم ما قد يثار عن المفاضلة بين عدد من المرضى الذين تساوت حالتهم المرضية فى ضرورة نقل عضو أو نقل دم أو إعطائه دواء، حالة أن الموجود هو عضو واحد أو كمية من الدم أو الدواء لا تكفى لإنقاذ الجميع، فهل تجوز المفاضلة بين المرضى فى هذه الحال المتعلقة بأمور الحياة والموت أم ماذا لامراء فى أن الآجال موقوتة عند الله سبحانه وتعالى، وأمر غيبى لا يصل إليه علم الإنسان.
وأن المرض ليس دائما علامة على قرب الأجل أو على حتمية الموت عقبه، وغلبة الظن أساس شرعى تقوم عليه بعض الأحكام فإذا غلب على ظن الطبيب المختص بحكم التجربة والممارسة، وبشرط إجادته وحذقه مهنة الطب أن أحد هؤلاء المرضى يفيده هذه العضو أو تلك الكمية من الدم أو الدواء كان إيثاره بذلك، باعتبار أن العلامات والقرائن قد أكدت انتفاعه بهذا العضو أو بالدم إذا نقل إليه، أما إذا لم يغلب على ظن الطبيب ذلك بقرائن وعلامات مكتسبة من الخبرة والتجربة، فإن الإسلام قد أرشد إلى اتخاذ القرعة طريقا لاستبانة المستحق عند التساوى فى سبب الاستحقاق وانعدام أوجه المفاضلة الأخرى، وهذه القرعة قد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أمور كثيرة، منها الإقراع لمعرفة من ترافقه من نسائه أمهات المؤمنين فى سفره.
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/356)
الحيل المشروعة وغيرها
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
محرم 1402 هجرية - 14 نوفمبر 1981 م
المبادئ
1 - الحيل المشروعة هى ما لا تهدم أصلا شرعيا ولا تتعارض مع مصلحة شرعية.
2 - مبنى الشريعة على مصالح العباد فى العالج والآجل.
3 - قبض الشخص مبلغا لشراء شىء ثم استقطاعه منه مبلغ باعتبار أنه حقه ورده الباقى لصاحبه من الحيل غير المشروعة
السؤال
بالطلب المقيد وبه أن السائل يشتغل فى شركة قطاع خاص، وقد اتفق معه صاحب العمل على أجر إضافى بواقع 50 من الأجر الأصلى إذا مكث فى العمل من الساعة السابعة صباحا حتى الساعة السادسة مساء، وأنه قبل ونفذ العمل فى هذه المدة طوال أيام الشهر، وأنه فى نهاية الشهر صرف له صاحب العمل المرتب فقط، وامتنع عن صرف ال- 50 المتفق عليها أجرا إضافيا.
وأن السائل بحكم وضعه فى العمل قبض مبلغ 130 جنيها لشراء مستلزمات للورشة، مع أن الورشة فى غير حاجة إلى شراء هذه المستلزمات وبعد أن قبض هذا المبلغ فى يده ذهب إلى الإدارة المالية بالشركة لحساب قيمة الجر الإضافى وهو ال- 50 فبلغ 95 جنيها أخذها من المبلغ الباقى وهو 35 جنيها - إعلاما لصاحب العمل بأنه قد فعل ذلك لهذا الغرض.
والسؤال ما رأى الدين هل طريقة أخذه للمبلغ والحصول عليه حرام أو حلال
الجواب
فى لسان العرب لابن منظور أن الحيلة - بالكسر - الاسم من الاحتيال، ويقال لا حيلة له ولا احتيال ولا محالة ولا محيلة، والاحتيال مطالبتك الشىء بالحيل.
وقال الشاطبى فى كتاب الموافقات فى أصول الشريعة التحيل بوجه سائغ، مشروع فى الظاهر، أو غير سائغ على إسقاط حكم أو قبله إلى حكم آخر، بحيث لا يسقط أو لا ينقلب إلا مع تلك الواسطة، فتفعل، ليتوصل بها إلى الغرض المقصود، مع العلم بكونها لم تشرع له، فكان التحيل مشتملا على أمرين أحدهما قلب أحكام الأفعال بعضها إلى بعض فى ظاهر الأمر.
والآخر جعل الأفعال المقوصد بها فى الشرع معان، وسائل إلى قلب تلك الأحكام.
ثم قال الحيل فى الدين بالمعنى المذكور غير مشورعة فى الجملة والدليل على ذلك ما لا ينحصر من الكتاب والسنة، لكن فى خصوصات يفهم من مجموعاها منعها والنهى عنها على القطع.
وساق الشاطبى الأدلة على هذه القاعدة التى قررها إلى أن قال لما ثبت أن الأحكام شرعت لمصالح العباد كانت الأعمال معتبرة بذلك، لن مقصود الشارع فيها مما يتبين، فإذا كان الأمر فى ظاهره وباطنه على أصل المشروعية فلا إشكال، وإن كان الظاهر موافقا والمصلحة مخالفة فالفعل غير صحيح وغير مشروع، لأن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لأنفسها، وإنما قصد بها أمور أخرى هى معانيها، وهى المصالح التى شرعت لأجلها، فالذى عمل من ذلك على غير هذا الوضع فليس على وضع المشروعات (ج - 2 ص 378، 380 حتى 385 وما بعدها تحقيق المرحوم الشيخ عبد الله دراز طبع المكتبة التجارية) وقد أقام الشاطبى حكمه هذا على الاحتيال والحيلة على جملة من الأصول الشرعية الكلية، والقواعد القطعية موجزها.
أولا الاحيتال ومخالفة قصد الشارع ذلك أن المحتال قد قصد إلى ما ينافى قصد الشارع فبطل عمله لأن قصد المكلف ينبغى أن يكون موافقا لقصد الشارع، ومن ابتغى غير هذا فأولئك هم العادون، لأنه ناقض الشريعة وكل من ناقضها كان عمله النقيض باطلا.
وقد أقام الشاطبى الأدلة على أن مخالفة قصد الشارع مبطلة للعمل.
باعتبار أن هذه المقاصد مشروعة للامتثال (الموافقات ج - 2 ص 231 وما بعدها) ثانيا الاحتيال وقاعدة اعتبال المآل فقد بين الشاطبى أن تقديم عمل ظاهر الجواز لإبطال حكم شرعى أو تحويله فى الظاهر إلى حكم آخر، كان مآل العمل خرم قواعد الشريعة فى الواقع (المرجع السابق ج - 4 ص 201) إذ أن هذا العمل مناقض لقاعدة المصالح مع أنها معتبرة فى الأحكام وهو أيضا مضاد لقصد الشارع من جهة أن السبب لما انعقد سببا وحصل فى الوجود صار مقتضيا شرعا لمسببه لا لغيرة وما كان مضادا لقصد الشارع كان باطلا (ذات المرجع ج - 2 ص 278) ثالثا - فى الاحتيال انعدام الإرادة فى العقد المتحيل به ذلك أن ركن العقد هو الرضا، وإذا كانت الإرادة أمرا خفيا لا يطلع عليه أحد جعل الشارع مظنة الرضا، وهو صيغة العقد قائمة مقام الرضا، وإذا قصد العاقد خلاف معنى لفظ العقد لم يصح القول بأنه قاصد لمدلوله حكما، وترتب الأثر إنما يكون بحكم الشارع لا بإرادة العاقد (المرجع السابق ج - 1 ص 216 ص 330 وأعلام الموقعين لابن القيم ج - 3 ص 95 وما بعدها طبع ادارة الطباعة المنيرية) هذا.
وقد أفاض ابن القيم فى الحديث عن الحيل مبينا منها المحرم والمباح موردا أمثلة شتى بلغت المائة وست عشرة مثالا (المرجع السابق ج - 3 ص 140 وما بعدها حتى نهاية الجزء وج - 4 من افتتاحه حتى ص 101، واغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن القيم ج - 2 ص 69) هذا ولما كان قد تردد فى بعض النقول السابقة أن الحيلة قد تكون مباحة، لا سيما بعد ما سلف من أن ابن القيم قد أورد أمثلة للمباح منها فى كتابيه أعلام الموقعين، وإغاثه اللهفان من مصايد الشيطان - لزم أن نشير إلى ضابط عام للحيل المشروعة ذلك أن اللحيل التى جاء الشرع بذمها والتحذير منها، بل وإبطالها هى ما هدم أصلا شرعيا، أو نقض مصلحة شرعية، فان كانت الحيلة لا تهدم أصلا شرعيا، ولا تناقض مصلحة شهد الشارع باعتبارها، فهى غير داخلة فى النهى وغير باطلة.
وقد وقع اختلاف الفقهاء فى بعض مسائل الحيل من جهة أنه لم يتبين فيها بدليل واضح أنها من النوع المحظور، أو من ذلك النوع المشروع، ومن ثم يلحقها بعضهم بالأول، بينما قد يلحقها بعضهم بالثانى والحيل المشروعة هى ما كان المقصود بها إحياء حق، أو دفع ظلم أو فعل واجب، أو ترك محرم، أو إحقاق حق، أو إبطال باطل، ونحو ذلك مما يحقق مقصود الشارع الحكيم، إذا كان الطريق سائغا مأذونا فيه شرعا.
وبهذا الاعتبار يمكن تعريف الحيلة الجائزة بأنها.
طريق خفى مأذون فيه شرعا، يتوصل به إلى جلب مصلحة أو درء مفسدة لا تتنافى ومقاصد الشرع ولا بد فيها من توافر ثلاثة أمور الأول أن يكون طريقها خفيا، إما لأن ظاهرة خلاف باطنه، أو لأن الذهب لا يلتفت إلى هذا الطريق عادة وإن لم يكن له ظاهر وباطن.
الثانى أن يكون الطريق مأذونا فيه شرعا، بألا يكون فيه تفويت حق الله أو للعباد.
الثالث أن يكون المقصود الذى يراد التوصل إليه مشروعا.
ومع هذه الأمور قد قسموا الحيل الجائزة إلى قسمين الأول أن تكون الطريق التى يسلكها المحتال مفضية إلى المقصود شرعا، ولكن فى إفضائها إليه نوع خفاء.
أما إن كانت مفضية إلى المقوصد إفضاء ظاهرا بوضع الشارع لها فليست من الحيل عند الاطلاق لغة، كالعقود الشرعية التى تترتب عليها أحكامها مثل البيع والإقالة والكفالة والحوالة والإجارة والسلم والخيارات، فإن أحكامها تترتب عليها بحكم الشارع وإذنه، وهى فى الأحكام التشريعية وزان الأسباب الحسية فى الأحكام القدرية كل يفضى إلى المقصود وسالكه سالك للطريق المشروع.
الثانى أن تكون الطريق التى يسلكها المحتال لمقصوده قد وضعت فى الشرع لمقصود آخر، غير أن ما يقصده المحتال منها لا يتنافى مع ما يقصده الشارع، فإن حصلت المنافاة بين المقصودين كانت الحيلة من الفريق المحظور (هذا التقسيم وما قبله من سمات الحيل الجائزة مستخلص من المراجع السابقة) وقد قال ابن القيم فى إغاثة اللهفان بعد إيراده لأمثلة من الحيل الجائزة بلغة ثمانين مثالا، قال والمقصود بهذه الأمثلة وأضعافها مما لم نذكره بيان أن الله سبحانه أغنانا بما شرعه لنا من الحنيفية السمحة، وما يسره من الدين على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وسهله للأمة عن الدخول فى الآصار والأغلال وعن ارتكاب طرق المكر والخداع والاحتيال، كما إغنانا عن كل باطل ومحرم وضار، وبما هو أنفع لنا منه من الحق والمباح النافع.
(ج - 2 ص 69) لما كان ذلك وكان بناء الشريعة على مصالح العباد فى العاجل والآجل وهذا ثابت بالعديد الوفير من آيات القرآن الكريم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت الأعمال متعبرة بذلك، لأن مقصود الشارع فيها.
فإذا كان الأمر فى ظاهره وباطنه أصل المشروعية، كان موافقا لأحكام الشرع دون إشكال، وإن كان الظاهر موافقا والباطن مخالفا فالعمل غير صحيح وغير مشروع لوجوه الأول أن الشارع لما لم يشرع هذا السبب لذلك المسبب المعين دل على أن ذلك التسبب مفسدة لا مصلحة، وأن المصلحة المشروع لها المسبب منتفية بذلك التسبب، فيصبح العمل باطلا لمخالفته لقصد الشارع.
الثانى أن هذا السبب بالنسبة إلى المقصود غير مشروع، فصار كالسبب الذى لم يشرع أصلا، وإذا كان السبب الذى لم يشرع أصلا لا يصح، فكذلك ما شرع إذا أخذ لما لم يشرع له.
الثالث أن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لذاتها وإنما المقصود بها أمور أخر هى معانيها، وهى المصالح التى شرعت لأصلها، فما يفعل على غير وضعه الشرعى لا يكون مشروعا.
من أجل ذلك كانت قاعدة سد الذرائع من قواعد الشريعة الثابتة قطعا بالكتاب والسنة، لأن من الأفعال ما يكون مباحا فى ذاته، ولكنه يؤدى إلى الإضرار بالدين أو بالعباد، فإجازة الحيل بإطلاق فيه عبث ظاهر بالحقوق، فوق ما فيه من مناكير أخرى يأباها الإسلام.
وإذا كانت العقود الشرعية معتبرة، وسد الذرائع قاعدة سديدة ثابتة وفق الأدلة المشروحة فى مواضعها، والمشار إلى بعضها فيما تقدم، كان ما فعله السائل داخلا فى نطاق الحيلة غير المشروعة، لأنه قد اقتضى من صاحب العمل مبلغا من النقود نقدا بقصد شراء مستلزمات للعمل الذى يقوم به لحساب رب العمل، وتكييف هذا أنه صار وكيلا فى هذا الشراء وأمينا على ما أقبضه إياه، وهذا هو القصد المشروع من هذا الفعل، والذى يقره الشرع حين أقبضه المبغل (130 جنيها) فإذا ما اقتضى السائل من هذا المبلغ ما اعتبره دينار له على رب العمل فقد احتال إلى هذا بطريق غير مشروع لاقتضاء الدين الذى قد يكون محل منازعة، وقد انقلب السائل بهذا العمل إلى قاض يقضى لنفسه فى خصومة هو مدعيها، دون رضاء أو استماع لأقوال المدعى عليه رب العمل.
وبذلك فقد ظفر السائر - بغير اختيار من عليه الحق - بما يدعيه حقا له مع أن سبب الحق فى هذه الواقعة ليس ثابتا طقعا، والآخذ بهذا الطريق ظالم فى الظاهر، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الفعال وسمى الآخذ بهذا الطريق خائنا فى الحديث الذى رواه أبو هريرة (الكنز الثمين فى أحاديث النبى الأمين برقم 109 ومراجعة من كتب السنة) (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) ونزولا على هذا الحديث كان على السائل سلوك الطريق القانونى لاقتضاء الحق إن كان.
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/357)
تحية الإسلام
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
صفر 1402 هجرية - 13 ديمسبر 1981 م
المبادئ
إفشاء السلام سنة مشرعة تأليفا لقلوب المؤمنين وما عداه غير مشروع ولا يترتب عليه التحية بغير المشروع الوقوع فى كفر أو شرك
السؤال
بالطلب المتضمن أن أحد الخطباء المصريين بالسعودية قال فى إحدى خطبه ان (صباح الخير) لا يقولها إلا المشرك والكافر ولا يقولها المسلم لأخيه.
ويسأل عن حكم ذلك شرعا
الجواب
عن أبى هريرة رضى الله عنه (صحيح الترمذى ج - 10 ص 160 - 163 باب الاستئذان والآداب) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذى نفسى بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على أمر إذا أنتم فعلتموه تحاببتم.
أفشوا السلام بينكم) .
وعن أبى رجاء (صحيح الترمذى ج - 10 ص 160 - 163 باب الاستئذان والآداب) عن عمران بن حصين (أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليكم قال قال النبى صلى الله عليه وسلم عشر ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله، فقال النبى صلى الله عليه وسلم عشرون.
ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فقال النبى صلى الله عليه وسلم ثلاثون) .
وفى الصحيح (صحيح الترمذى ج - 10 ص 160 - 163 باب الاستئذان والآداب) (خير الإسلام أن تعطم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) .
ومن هذه النصوص الشريفة يتضح لنا أن تحية الإسلام هى السلام عليك ورحمة الله وبركاته.
يحيى بها المسلم أخاه المسلم، إذ أن هذه التحية إذا صدرت دعت القلوب الواعية لها إلى الإقبال عليها وتحصيل ثوابها العظيم وأثرها أعظم وهو شيوع السلم بين المسلمين والمحبة الصادقة فيما بينهم، وهذا من أسس الإيمان الذى هو مفتاح الجنة.
وتحية السلام (المصدر السابق مع شرح الإمام أبى بكر العربى المالكى ط.
أولى 1353 هجرية - 1934 م) هى أول كلمة دار بها الحوار بين آدم والملائكة، فإنه لما خلقه الله قال له اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة فسلم عليهم فاستمع ما يجيبونك به فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال لهم السلام عليكم، فقالت له الملائكة وعليك السلام ورحمة الله.
وكل سلام منه بعشر حسنات. قال تعالى {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} ، فعلينا نحن المسلمين التمسك بسنة الإسلام فى التحية، وهى إفشاء السلام التزاما بما ورد عن نبينا محمد صلى الله عليه ونسلم وامتثالا لقول الله سبحانه {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الحشر 7، أما ألفاظ التحية الشائعة فى عصرنا كصباخ الخير ومساء الخير وأمثالها فغير مشروعة فى الإسلام والأولى بالمسلم أن يتمسك بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا ولا يترتب على التحية بالألفاظ الشائعة بدلا من كلمة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كفر المسلم أو وقوعه فى الشرك، بل إنه من باب ترك الأولى فقط، ولا ينبغى لمسلم أن يكفر مسلما أقام الصلاة، لما جاء فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رواه أبو داود (ثلاث من أصل الإيمان الكف عمن قال لا إله إلا الله لا نكفره بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل والجهاد ماض منذ بعثنى الله إلى أن يقاتل آخر أمتى الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار) .
والدعوة إلى الله وإلى تعاليم الإسلام ينبغى أن تكون فى نطاق قول الله سبحانه {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} النحل 125، والله سبحانه وتعالى أعلم(7/358)
كتيب الفريضة الغائبة والرد عليه
المفتي
جاد الحق على جاد الحق.
ربيع الأول 1402 هجرية - 3 يناير 1982 م
المبادئ
1 - الرجوع إلى لغة العرب فى فهم معانى القرآن واجب.
2 - الإيمان شرعا هو التصديق بما وجب الإيمان به.
والإسلام هو النطق بالشهادتين والعمل بما جاء به الإسلام والبعد عما نهى عنه.
3 - ارتكاب المسلم ذنبا من الذنوب مخالفا بذلك نصا من القرآن أو السنة لا يخرجه عن الإسلام ما دام معتقدا صدق النص ومؤمنا بوجوب التزامه به ولكنه يكون عاصيا فقط.
أما جحوده ما وجب الإيمان به فيكون به كافرا.
4 - من كفر مسلما أو وصفه بالفسوق ارتد عليه ذلك إن لم يكن صاحبه على ما وصف.
5 - النزاع فى شىء من أمور الدين يرد إلى الكتاب والسنة والعالمين بهما.
6 - الجهاد نوعان جهاد فى الحرب وهو مجاهدة المشركين بشروطه ويكون بالقتال وباليد وبالمال وباللسان وبالقلب، وجهاد فى السلم وهو جهاد النفس والشيطان والجهاد فى مواضعه ماض إلى يوم القيامة.
7 - الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة فى حالة احتلال بلاد المسلمين ويكون بكافة الوسائل.
8 - حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (بعثت بالسيف بين يدى الساعة) صحيح ولكنه جاء مبينا لوسيلة حماية الدعوة عند التعدى عليها أو التصدى للمسلمين.
9 - حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (لقد جئتم بالذبح) ليس المراد به المعنى الحقيقى للذبح وإنما المقصود به معنى مجازى هو التهديد.
10 - تكفير الحاكم لمجرد تركه لبعض أحكام الله وحدوده دون تطبيق لا سند له من القرآن أو السنة ولكنه يكون بذلك آثما.
11 - ما جاء فى الكتيب من أن أحكام الكفر تعلو بلادنا وإن كان أهلها مسلمين، مناقض للواقع.
12 - الإسلام لا يبيح الخروج على الحاكم المسلم وقتله، ما دام مقيما على الإسلام يعمل به حتى ولو بإقامة الصلاة فقط.
13 - إذا خالف الحاكم الإسلام، على المسلمين أن يتولوه بالنصح والدعوة السليمة، وإلا فلا طاعة له فيما أمر به من معصية أو منكر.
14 - دعوى أن قوله تعالى {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} الخ الآية ناسخة لكل آية فى القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء، غير صحيحة.
15 - فتوى ابن تيمية الواردة فى الكتيب فى باب الجهاد.
خاصة بالتتار.
وهم عنده كفار. 16 - الشورى أساس الحكم فى الإسلام، والخليفة مجرد وكيل عن الآمة يمضع لسطلانها.
17 - تسمية الحاكم بالخليفة.
أمر تحكمه عوامل السياسة فى الأمة الإسلامية، ولا تتعطل بسببها مصالح الناس خاصة بعد تفرق المسلمين إلى دول ودويلات، وانتخاب الحاكم فى كل عصر قائم مقام البيعة بالخلافة فى صدر الإسلام.
18 - الخلافة والإمارة والولاية ورئاسة الجمهورية وغيرها من الأسماء مجرد اصطلاحات ليست من رسم الدين ولا من حكمه.
19 - العلم فى الإسلام يتناول كل ما وجد فى هذا الكون، فضلا عن العلم بالدين عقيدة وشريعة وآدابا وسلوكا.
20 - العلم جهاد، وجهاد العلماء ثابت تاريخيا ولا مراء فيه.
21 - الأصل فى الإسلام التعامل مع الناس جميعا، المسلم وغير المسلم، فيما لا يخالف نصا صريحا من كتاب أو سنة أو إجماع
السؤال
تقرير عن كتاب الفريضة الغائبة اطلعنا على صورة ضوئية لهذا الكتاب فى أربع وخمسين صفحة وقد احتوى فى جملته على تفسيات لبعض النصوص الشرعية من القرآن والسنة وعنى بالفريضة الغائبة الجهاد داعيا إلى إقامة الدولة الإسلامية، وإلى الحكمبما أنزل الله مدعيا أن حكام المسلمين اليوم فى ردة، وأنهم أشبه بالتتار، يحرم التعامل معهم، أو معاونتهم، ويجب الفرار من الخدمة فى الجيش، لأن الدولة كافرة، ولا سبيل للخلاص منها إلا بالجهاد وبالقتال كأمر الله فى القرآن، وأن أمة الإسلام تختلف فى هذا عن غيرها فى أمر القتال وفى الخروج على الحاكم، وأن القتال، فقد كان المجاهدون فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم ومن بعده وفى عصور التابعين، وحتى عصور قريبة ليسوا علماء، وفتح الله عليهم الأمصار ولم يحتجوا بطلب العلم، أو بمعرفة علم الحديث وأصول الفقه، بل إن الله سبحانه وتعالى جعل على أيديهم نصرا للإسلام، لم يقم به علماء الأزهر يوم أن دخله نابليون وجنوده بالخيل والنعال فماذا فعلوا بعلمهم أمام تلك المهزلة وآية السيف نسخت من القرآن مائة آية وأربعا وعشرين آية.
وهكذا سار الكتاب فى فقراته كلها داعيا إلى القتال والقتل
الجواب
فيما يلى الحكم الصحيح مع النصوص الدالة عليه من القرآن ومن السنة فى أهم ما أثير فى هذا الكتيب تمهيد (أ) القرآن نزل بلسان عربى مبين على رسول عربى، لا يعرف غير لغة العرب.
ففى القرآن الكريم قول الله سبحانه {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} يوسف 2، وقوله تعالى {وكذلك أنزلناه حكما عربيا} الرعد 37، فوجب أن نرجع إلى لغة العرب وأصولها لمعرفة معانى هذا القرآن واستعمالاته فى الحقيقة والمجاز وغيرهما وفقا لأساليب العرب، لأنه جاء معجزا فى عبارته، متحديا لهم أن يأتوا بمثله أو بسورة أو بآية.
ولا شك أنه نزل على رسول عربى قال جل شأنه {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} إبراهيم 4، (ب) الإيمان وحقيقته الإيمان فى لغة العرب، هو التصديق ملطقا، ومن هذا القيل قول الله سبحانه حكاية عن إخوة يوسف عليه السلام قال تعالى {وما أنت بمؤمن لنا} يوسف 17، أى ما أنت بمصدق لنا فيما حدثناك به عن يوسف والذئب.
وقول النبى صلى الله عليه وسلم فى تعريف الإيمان (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خير وشره) ومعناه التصديق القلبى بكل ذلك وبغيره مما وجب الإيمان به.
والإيمان فى الشرع هو التصديق بالله وبرسله وبكتبه وبملائكته وباليوم الآخر وبالقضاء والقدر.
قال تعالى {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله} البقرة 285، وهكذا توالت آيات الله فى كتابه ببيان ما يلزم الإيمان به.
والإيمان بهذا تصديق قلبى بما وجب الإيمان به، وهو عقيدة تملأ النفس بمعرفة الله وطاعته فى دينه.
ويؤيد هذا دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم (اللهم ثبت قلبى على دينك) وقوله لأسامة وقد قتل من قال لا إله إلا الله (هلا شققت قلبه) .
وإذا ثبت أن الإيمان عمل القلب، وجب أن يكون عبارة عن التصديق الذى من ضرورته المعرفة، ذلك لأن الله إنما يخاطب العرب بلغتهم ليفهموا ما هو المقصود بالخطاب، فلو كان لفظ الإيمان فى الشرع مغايرا عن وضع اللغة، لبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما بين أن معنى الزكاة والصلاة غير ما هو معروف فى أصل اللغة، بل كان بيان معنى الإيمان إذا غاير اللغة أولى.
(ج) الإسلام وحقيقته الإسلام يقال فى اللغة أسلم دخل فى دين الإسلام، وفى الشرع كما جاء فى الحديث الشريف (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) .
وبهذا يظهر أن الإسلام هو العمل بالقيام بفرائض الله من النطق بالشهادتين وأداء الفروض والانتهاء عما حرم الله سبحانه ورسوله.
فالإيمان تصديق قلبى، فمن أنكر وجحد شيئا مما وجب الإيمان به فهو كافر، قال الله تعالى {ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا} النساء 136، أما الإسلام فهو العمل والقول، عمل بالجوارح ونطق باللسان، ويدل على المغايرة بينهما قول الله سبحانه {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم} الحجرات 14، والحديث الشريف فى حوار جبريل عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام يوضح مدلول كل منهما شرعا على ما سبق التنويه عنه فى تعريف كل منهما (حديث جبريل من الايمان والإسلام والاحسان وراه الترمذى ج - 10 ص 77 و 78 بشرح القاضى ابن العربى) وهما مع هذا متلازمان، لأن الإسلام مظهر الإيمان.
(د) متى يكون الإنسان مسلما حدد هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بى، وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) رواه البخارى.
وفى قوله (يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه من الخير ما يزن ذرة) .
وراه البخارى. هذا هو المسلم، فمتى يخرج عن إسلامه، وهل ارتكاب معصية بفعل أمر محرم، أو ترك فرض من الفروض ينزع عنه وصف الإسلام وحقوقه قال الله سبحانه {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء 116، وفى حديث طويل لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ذاك جبريل أتانى قال من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت وإن زنى وإن سرق، قال وإن زنى وإن سرق..) رواه البخارى.
هذه النصوص من القرآن والسنة تهدينا صراحة إلى أنه وإن كانت الأعمال مصدقة للإيمان ومظهرا عمليا له، لكن المسلم إذا ارتكب ذنبا من الذنوب بأن خالف نصا فى كتاب الله، أو فى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يخرج بذلك عن الإسلام، ما دام يعتقد صدق هذا النص ويؤمن بلزوم الامتثال له، وفقط يكون عاصيا وآثما لمخالفته فى الفعل أو الترك.
بل إن الخبر الصادق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دال على أن الإيمان بالمعنى السابق منقذ من النار فقد روى أنس رضى الله عنه.
قال (كان غلام يهودى يخدم النبى صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه النبى صلى الله عليه وسلم ويعوده (يعنى يزوره وهو مريض) فقعد عند رأسه، فقال له أسلم.
فنظر الغلام إلى أبيه وهو عنده. فقال له أبوه أطع أبا القاسم.
فأسم. فخرج النبى صلى الله عليه وسلم وهو يقول (الحمد لله الذى أنقذه من النار) رواه البخارى وأبو داود.
(هاء) ما هو الكفر فى اللغة كفر الشىء ستره (أى غطاه) والكفر شرعا أن يجحد الإنسان شيئا مما أوجب الله الإيمان به بعد إبلاعه إليه، وقيام الحجة عليه.
وهو على أربعة أنحاء كفر إنكار، بأن لا يعرف الله أصلا ولا يعترف به، وكفر جحود وكفر معاندة، وكفر نفاق.
ومن لقى الله بأى شىء من هذا الكفر لم يغفر له، قال تعالى {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء 116، وقد شاع الكفر فى مقابلة الإيمان، لأن الكفر فيه ستر الحق، بمعنى إخفائه وطمس معامله، ويأتى هذا اللفظ بمعنى كفر النعمة، وهو بهذا ضد الشكر.
وأعظم الكفر حجود وحدانية الله باتخاذ شريك له، وجحد نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته.
والكافر متعارف بوجه عام فيمن يجحد كل ذلك.
وإذا كان ذلك هو معنى الإيمان والإسلام والكفر مستفادا من نصوص القرآن والسنة، كان المسلم الذى ارتكب ذنبا وهو يعلم أنه مذنب عاصيا لله سبحانه وتعالى معرضا نفسه لغضبه وعقابه، لكنه لم يخرج بما ارتكب عن ربققة الإيمان وحقيقته، ولم يزل عند وصف الإسلام وحقيقته وحقوقه.
وأيا كانت هذه الذنوب التى يقترفها المسلم خطأ وخطيئة، كبائر أو صغائر، لا يخرج بها عن الإسلام ولا من عداد المؤمنين، ذلك مصداقه قول الله سبحانه {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء 116، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبادة بن الصامت (المحلى لابن حزم ج - 11 ومثله رواه مسلم) قال (أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعة ألا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزنى ولا نقتل أولادنا ولا يعضه بعضنا بعضا (أى لا يرم أحدنا الآخر بالكذب والبهتان) فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أتى منكم حدا فأقيم عليه فهو كفارة له، ومن ستر الله عليه، فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له) وبهذا يكون تفسير خلود العصاة فى نار جهنم الوارد فى بعض آيات القرآن الكريم مثل قوله تعالى {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين} النساء 14، يمكن تفسير هذا - والله أعلم - بالخلود الآبد المؤبد إذا كان العصيان بالكفر أما إذا كان العصيان بارتكاب ذنب - كبيرة أو صغير خطأ وخطئية دون إخلال بالتصديق والإيمان.
كان الخلود البقاء فى النار مدة ما حسب مشئية الله وقضائه، يدل على هذا أن الله سبحانه ذكر فى سورة الفرقان عددا من كبائر الأوزار (الآيتان 68، 69 من سورة الفرقان) ثم أتبعها بقوله سبحانه {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما.
ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا} الفرقان 70، 71، وهذا لا يعنى الاستهانة بأوامر الله طمعا فى مغفرته، أو استهتارا بأموامره ونواهيه، فإن الله أغير على حرماته وأوامره من الرجل على أهله وعرضه، كما جاء فى الأحاديث الشريفة.
ذلك هو الكفر، وتلك هى المعصية، ومنهما تحدد الكافر، والعاصى أو الفاسق، وأن هذين غير ذاك فى الحال وفى المال.
(و) هل يجوز تكفير المسلم بذنب ارتكبه.
أو تكفير المؤمن الذى استقر الإيمان فى قلبه ومن له الحكم بذلك إن كان له وجه شرعى قال الله سبحانه {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة} النساء 94، وفى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاث من أصل الإيمان وعد منها الكف عمن قال لا إله إلا الله، لا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل) (رواه أبو داود) وقوله (لا يرمى رجل رجلا بالفسق، أو يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك) .
(رواه الامام أحمد فى مسنده ج - 18) من هذه النصوص نرى أنه لا يحل تكفير مسلم بذنب اقترفه سواء كان الذنب ترك واجب مفروض، أو فعل محرم منهى عنه، وأ، من يكفر مسلما أو صفه بالفسوق، يرتد عليه بهذا الوصف إن لم يكن صاحبه على ما وصف.
من له الحكم بالكفر أو بالفسق قال الله تعالى {فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول} النساء 59، وقال سبحانه {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم} التوبة 122، وقوله {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} الأنبياء 7، وفى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رواه الزهرى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال (أعلام الموقعين لابن القيم ج - 2 ص 126) (سمع النبى صلى الله عليه وسلم قوما يتمارون فى القرآن (يعنى يتجادلون فى بعض آياته) فقال إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضا، ولا يكذب بعضه بعضا، فما علمتم منه فقولوا وما جهلتهم منه، فكلوه إلى عالمه) .
هذا هو القرآن، وهذه هى السنة، كلاهما يأمر بأن النزاع فى أمر من أمور الدين يجيب أن يرد إلى الله وإلى رسوله، أى إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله، وأن من يتولى الفصل وبيان الحكم هم العلماء بالكتاب وبالسنة، فليس لمسلم أن يحكم بالكفر أو بالفسق على مسلم، وهو لا يعلم ما هو الكفر، ولا ما يصير به المسلم مرتدا كافرا بالإسلام، أو عاصيا مفارقا لأوامر الله.
إذ الإسلام عقيدة وشريعة.
له علماؤه الذين تخصصوا فى علومه تنفيذا لأمر الله ورسوله فالتدين للمسلمين جميعا، ولكن الدين وبيان أحكامه وحلاله وحرامه لأهل الاختصاص به وهم العلماء، قضاء من الله ورسوله.
وبعد هذا التمهيد ببيان هذه العناصر، نتابع قراءة ذلك الكتيب على الوجه التالى.
لنرى ما إذا كانت أفكاره فى نطاق القرآن والسنة أو لا.
2 أولا الجهاد جاء فى ص 3 وما بعدها أن الجهاد فى سبيل الله بالرغم من أهميته القصوى، وخطورته العظمى على مستقبيل هذا الدين، قد أهمله علماء العصر وتجاهلوه، بالرغم من علمهم بأنه السبيل الوحيد لعودة ورفع صرح الإسلام من جديد ثم ساق الكتاب حديث (بعثت بالسيف بين يدى الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقى تحت ظل رمحى) الخ الحديث.
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطب قريشا فقال (استمعوا يا معضر قريش أما الذى نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح) وبهذا رسم الطريق القويم الذى لا جدال فيه، ولا مداهنة مع أئمة الكفر وقادة الضلال وهو فى قلب مكة.
والجهاد فى سبيل الله أمر جاء به القرآن، وجرت به السنة، لا يمارى فى هذا أحد.
ولكن ما هو الجهاد الجهاد فى اللغة أصله المشقة، يقال جاهدت جهادا، أى بلغت المشقة.
وفى الشرع جهاد فى الحرب، وجهاد فى السلم.
فالأول هو مجاهدة المشركين بشروطه، والآخر هو جهاد النفس والشيطان - ففى الحديث (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، ألا وهو جهاد النفس) وللحديث روايات أخرى وليس من الأحاديث الموضوعة كما جاء فى هذا الكتيب، فقد رواه البيهقى وخرجه العراقى على الاحياء (أحياء علوم الدين للغزالى وعلى هامشه تخريج الأحاديث للحافظ العراقى فى كتاب شرح عجائب القلب) فالجهاد ليس منحصرا لغة ولا شرعا فى القتال، بل إن مجاهدة الكفار تقع باليد وبالمال وباللسان وبالقلب، وكل أولئك سبيله الدعوة إلى الله بالطريق الذى رسمه الله تعالى فى القرآن، وابتعه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن} النحل 125، هل الجهاد فرض عين على كل مسلم قال أهل العلم بالدين وأحكامه إن الجهاد بالتقال كان فرضا فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم من دعاه الرسول من المسلمين للخروج للقتال، وأما بعده فهو فرض كفاية إذا دعت الحاجة.
ويكون فرض عين على كل مسلم ومسلمة فى كل عهد وعصرنا إذا احتلت بلاد المسلمين ويكون بالقتال وبالمال وباللسان وبالقلب.
لقوله صلى الله عليه وسلم (رواه أحمد وأبو داود والنسائى) (جاهدوا المشركين بأوالكم وأيديكم وألسنتكم) .
وجهاد النفس هو فرض عين على كل مسلم ومسملة دائما وفى كل وقت، وفى هذا أحاديث شريفة كثيرة، منها قول الرسول عليه الصلاة والسلام (ضمن حديث وراه الترمذى وقال حديث حسن صحيح) (المجاهد من جاهد نفسه فى طاعة الله عز وجل) .
حديث (بعثت بالسيف بين يدى الساعة) هو حديث صحيح لكن ما مدلوله وهل تؤخذ ألفاظه هكذا وحدها دون النظر إلى الأحاديث الأخرى وإلى سير الدعوة منذ بدأت.
وإن ما قال به هذا الكتيب هو ما قال به المستشرقون، حيث عابوا على الإسلام فقالوا إنه انتشر بالسيف.
ألا ساء ما قال هؤلاء وأولئك، فإن القرآن قد فصل فى هذه القضية وما كان رسول الله إلا مبلغا ومنفذا للوحى، ولا يصدر منه ما يناقض القرآن الذى يقول {لا إكراه فى الدين} البقرة 256، ويقول {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} النحل 125، ويقول {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} يونس 99، ويقول {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد} آل عمران 20، ويقول {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء} القصص 56، ذلك القرآن أصل الإسلام، والسنة مفسرة له لا تختلف معه، وحديث بعثت بالسيف مع هذه الآيات لا يؤخذ على ظاهره، فقد جاء بيانا لوسيلة حماية الدعوة عند التعدى عليها، أو التصدى للمسلمين، وإلا فهل استعمل الرسول صلى الله عليه وسلم السيف لإكراه أحد على الإسلام اللهم لا وما كان له أن يخالف القرآن الذى نزل على قلبه.
وقوله الشريف (وجعل رزقى فى ظل رمحى) إشارة إلى آية الغنائم (الآية 41 من سورة الأنفال (واعلموا انما غنمتم من شىء فان لله خمسة وللرسول ولذى القربى)) وقسمتها، وأن له رزقا فى بيت مال المسلمين، حتى لا ينشغل عن الدعوة بكسب الرزق وكان هذا مبدأ فى الإسلام، فأصبح لولى أمر المسلمين مرتبا فى بيت مال المسلمين حتى يتفرغ لشئونهم، فأصبح لولى أمر المسلمين مرتبا فى بيت مال المسلمين حتى يتفرغ لشئونهم، وهذا هو ما فهمه أصحاب رسول الله، فإن أبا بكر رضى الله تعالى عنه بعد أنه اختاره المسلمون خليفة توجه إلى السوق كعادته للتجارة، فقابله عمر رضى الله عنه وقال له ماذا تصنع فى السوق.
قال أعمل لرزقى وزرق عيالى، فقال له قد كفيناك ذلك، أو قد كفاك الله ذلك.
مشيرا إلى هذه إلى هذه الآية، فإن فيها قول الله (فأن لله خمسه) فمرتب الخليفة من هذا الخمس هذا هو الحديث الذى يستهدى به الكتيب فى حتمية القتال لنشر الإسلام فهو استدلال فى غير موضعه، إيراد للنص فى غير ما جاء فيه ولا يحتمله وإلا - على زعم هذا الكتيب - كان الحديث مناقضا للقرآن.
وذلك ما لا يقول به مسلم. أما ما نقله الكتاب من قول الرسول صلى الله عليه وسلم لقريش (استمعوا يا معشر قريش، أما والذى نفسه محمد بيده لقد جئتكم بالذبح) .
فإن قصة هذا القول - كما جاءت فى السيرة النبوية (ج - 1 ص 309 و 310 طبعة ثالثة دار احياء التراث العربى بيروت 1391 هجرية - 1971 م) لابن هشام قال ابن اسحاق فحدثنى يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة ابن الزبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال ما أكثر ما رأيت قريشا أصابوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانوا يظهرون من عداوته.
قال حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما فى الحجر، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ما رأينا مثل ما صبرها عليه من أمر هذا الرجل قط سفه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم، أو كمما قالوا فبينما هم فى ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشى حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفا بالبيت، فلما مر بهم غمزوه ببعض القول.
قال فعرفت ذلك فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ثم مضى، فلما رجع مر بهم الثانية غمزوه مثلها، فعرفت ذلك فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها، فوقف.
ثم قال أتسمعون يا معشر قريش أما والذى نفسى بيده، لقد جئتكم بالذبح ثم استطردت الرواية إلى ما كان بين الرسول صلى الله عليه وسلم وهؤلاء الذين غمزوه بالقول ثلاث مرات وهو يطوف حول البيت فى ذات اليوم واليوم التالى.
فما معنى هذه العبارة الأخيرة فى قول الرسول حسبما جاء فى هذه القصة (لقد جئتكم بالذبح) .
تعود إلى اللغة نجدها تقول ذبحت الحيوان دبحا قطعت العروق المعروفة فى موضع الذبح بالسكين، والذبح الهلاك، وهو مجاز، فإنه من أسرع أسبابه، وبه فسر حديث ولاية القضاء (فكأنما ذبح بغير بسكين) ويطلق الذبح للتذكيه، وفى الحديث (كل شىء فى البحر مذبوح) أى ذكى لا يحتاج إلى الذبح، ويستعار الذبح للإحلال، أى لجعل الشىء المحرم حلالا، وفى هذا حديث أبى الدرداء رضى الله عنه (ذبح الخمر، الملح والشمس.
) أى أن وضع الملح فى الخمر مع وضعها فى الشمس يذبحها أى يحولها خلا فتصبح حلالا (تاج العروس فى مادة ذ.
ب.
ح) فأى معنى لغوى للفظ الذبح فى هذه القصة يعتد به لا يجوز أن يكون المراد المعنى الأصلى للذبح، وهو قطع العنق من الموضع المعروف، لأن الله أبلغ الرسول فى القرآن {لا إكراه فى الدين} البقرة 256، {إنك لا تهدى من أحببت} القصص 56، {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين} المائدة 92، {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين} التغابن 12، {فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين} النحل 82، وهو لم يفعل ذلك، يعنى لم يذبح أحدا لا فى مكة ولا فى غيرها، ولم يكره أحدا على اتباعه، فيستبعد المعنى الأصلى لمعارضته للقرآن.
وإذا يكون المعنى المجازى هو المراد بهذا التهديد، فإنهم قد غمزوه وعابوه وشتموه وهو يطوف بالبيت فهددهم بالهلاك، بأن يدعو الله عليهم كما فعل السابقون من النبياء، أو بالتطهير مما هم فيه من الشرك، يعنى أنه جاءهم بالدين الصحيح الذى يتطهرون باتباعه، وهذا المعنى الأخير هو المتفق مع ما أثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو لقومه بالهداية إلى الإسلام.
بهذا البيان - مع واقع القرآن والسنة، ومن لغة العرب التى نزل بها القرآن - يظهر بوجه قاطع الرسول صلى الله عليه وسلم لهم يهدد قومه بالذبح الذى قصده هذا الكتيب وصرف القصة إليه وهو القتل، فالرسول إنما كان يهدد بما يملك إنزاله بهم، لا بما يفوق فدرته الذاتية، فقد كان ومن تبعوه قلة، لا يستطيعون ذبخ مخالف لهم، وهو لم يفعل حتى بعد أن هاجر وصارت له عدة وعدد من المؤمنين بل إن تفسير الذبح فى هذا التهديد بالمعنى المتبادر لهذا اللفظ يتعارض مع ما عرف عن رسول الله من خلق وحكمة ورحمة بالناس، وقد أكد القرآن كل هذه الصناف لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} الأنبياء 107، وقال سبحانه {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنتب فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} آل عمران 159، وقال {وإنك لعلى خلق عظيم} القلم 4.
ثالثا - الحكم بما أنزل الله فى القرآن الكريم قول الله سبحانه {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} النساء 65، وقوله {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا} الإسراء 82، وقوله {وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون} الأنعام 155، وقوله {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} النحل 89.
وفى الحديث الشريف الذى رواه مالك فى الموطأ.
(تركت فيكم أمرين لت تضلوا ما تمسكتم بهما.
كتاب الله وسنة رسوله) . فالقرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، هما المرجع فى التشريع الإسلامى، فقد اشتملا على العقائد والعبادات والمعاملات، وعلى أحكام وحكم وعلوم وفضائل وآداب وأنباء عن اليوم الآخر وغير هذا مما يلزم الإنسان فى حياته وفى آخرته.
وقد أمر القرآن بالأخذ به، وبما جاء به رسول الله (أى سنته) ذلك قول الله سبحانه {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الحشر 7، وقوله تعالى {من يطع الرسول فقد أطاع الله} النساء 80، وقوله جل شأنه {ليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} النور 63، وقوله تعالى {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون} النور 51، وقوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} المائدة 44، وقوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} المائدة 45، وقوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} المائدة 47، ذهب الخوارج إلى أن مرتكب الكبيرة كافر، محتجين بهذه الآيات الثلاث الأخير، وهذا النظر منهم غير صحيح.
ذلك لأننا إذا رجعنا إلى قواعد اللغة ودلالات الحروف والأسماء نجد أن كلمة (من) الواردة فى تلك الآيات من أسماء الموصول، وهذه الأسماء لم توضع - فى اللغة - للعموم، بل هى للجنس، تحتمل العموم، وتحتمل الخصوص.
قال أهل العلم باللغة والتفسير، وعلى هذا يكون المراد، والمعنى (والله أعلم) أما من لم يحكم بشىء مما أنزل الله أصلا فأولئك، أى من ترك أحكام الله نهائيا وهجر شرعه كله، هم الكافرون وهم الظالمون، وهم الفاسقون، وذلك بدليل ما سبق من الأحاديث الدالة على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج بها عن إيمانه وإسلامه وإنما يكون آثما فقط.
أو أن المراد فى هذه الآيات بقول الله (بما أنزل الله) هو التوارة، بقرينة ما قبله وهو قوله {إنا أنزلنا التوراة} وإذا أخذنا هذا المعنى كانت الآيات موجهة للهيود الذين كان كتابهم التوارة، فإذا لم يحكموا بها كانوا كافرين أو ظالمين أو فاسقين، والمسلمون غير متعبدين بما اختص به غيرهم من الأمم السابقة، فقد كانت - مثلا - توبة أحدهم من ذنب ارتكبه قتل نفسه {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم} البقرة 54، وحرم هذا فى الإسلام {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} النساء 29، وشرع بديلا لقتل النفس التوبة بالاستغفار وبالصدقات.
وبهذا البيان يكون مجرد ترك بعض أوامر الله أو مجرد فعل ما حرم الله مع التصديق بصحة هذه الأوامر وضرورة العمل بها، يكون هذا إثما وفسقا، ولا يكون كفرا، ما دام مجرد ترك أو فعل دون جحود أو استباحة.
وعلى ذلك يكون تكفير الحاكم لتركه بعض أحكام الله وحدوده دون تطبيق لا يستند إلى نص فى القرآن أو فى السنة، وإنما نصوصهما تسبغ عليه إثم هذه المخالفة، ولا تخرجه بها من الإسلام، ولعل فيما قاله رسول الله وأوردناه فيما سبق من قوله (ثلاث من أصل الإيمان الكف عمن قال لا إله إلا الله، لا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل) لعل فى هذا الرد القاطع على دعوى تكفير المسلم الذى لم يجحد شيئا من أصول الإسلام وشريعته.
ثالثا بلادنا دار لإسلام جاء فى ص 7 من هذا الكتيب أن أحكام الكفر تعلوا بلادنا، وإن كان أكثر أهلها مسلمين، وهذا قول مناقض للواقع، فهذه الصلاة تؤدى، وهذه المساجد مفتوحة وتبنى، وهذه الزكاة يؤديها المسلمون، ويحجون بيت الله، وحكم الإسلام ماض فى الدولة، إلا فى بعض الأمور كالحدود والتعامل بالربا وغير هذا مما شملته القوانين الوضعية.
وهذا لا يخرج الأمة والدولة عن أنها دولة مسلمة وشعب مسلم، لأننا - حاكما ومحكومين نؤمن بتحريم الربا والزنا والسرقة وغير هذا، ونعتقد صادقين أن حكم الله خير وهو الأحق بالاتباع، فلم نعتقد حل الربا وإن تعاملنا به، ولم نعتقد حل الزنا والسرقة وغير هذا من الكبائر وإن وقع كل ذلك بيننا، بل كلنا - محكومين وحاكمين - نبتغى حكم الله وشرعه ونعمل به فى حدود استطاعتنا، والله يقول {فاتقوا الله ما استطعتم} التغابن 16، وعقيدتنا فيما أمر الله بقدر ما وهبنا من قوة.
رابعا ما السبيل إلى تطبيق أحكام الله غير المنفذة.
وهل يبيح هذا قتل الحاكم والخروج عليه.
نسوق لرسم الطريق والجواب عن هذا.
الحديث الذى رواه الإمام مسلم فى صحيحه عن عوف بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم (تصلون أى تدعون لهم ويدعون لكم، لأن الصلاة فى اللغة الدعاء) ، ويصلون عليكم (تصلون أى تدعون لهم ويدعون لكم، لأن الصلاة فى اللغة الدعاء) ، وشرار أئتمكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم.
قال قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم.
(أى نقاتلهم) قال لا ما أقوموا فيكم الصلاة.
لا ما أقاموا فيكم الصلاة تصلون عليهم (يعنى تدعون لهم)) ومثله الحديث الذى رواه أحمد وأبو يعلى قال (يكون عليكم أمراء تطمئن إليهم القلوب وتلين لهم الجلود، ثم يكون عليكم أمراء تشمئز منهم القلوب وتقشعر منهم الجلود.
فقال رجل أنقاتلهم يا رسول الله، قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة) .
وروى الإمام مسلم فى صحيحه عن أم سلمة (هند بنت أبى حذيفة) رضى الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (انه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برىء، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضى وتابع.
قالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم، قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة) .
ومعناه أن من كره بقلبه، ولم يستطع إنكارا بيد ولا لسان، فقد برىء من الإثم وأدى وظيفته، ومن أنكر بحسب طاقته فقد سلم من هذه المعصية، ومن رضى بفعلهم وتابعهم فهو العاصى.
بهذه الأحاديث الصحيحة وغيرها نهتدى إلى أن الإسلام لا يبيح الخروج على الحاكم المسلم وقتله مادام مقيما على الإسلام يعمل به، حتى ولو بإقامة الصلاة فقط، وأن على المسلمين إذا خالف الحاكم الإسلام أن يتولوه بالنصح والدعوة السليمة المستقيمة كما فى الحديث الصحيح (رواه الترمذى ج - 8 ص 113 و 114 بشرح القاضى ابن العربى) (الدين النصيحة.
قلنا لمن يا رسول الله، قال لله ولرسوله ولأئمة الملسمين وعامتهم) فإذا لم يقم الحاكم حدود الله وينفذ شرعه تاما، فليست له طاعة فيما أمر من معصية أو منكر، ومعنى هذا أن الحكم بما أنزل الله لا يقتصر على الحاكم فى دولته، بل يشمل كل أفراد المسلمين رجالا ونساء، وعليهم الالتزام بأمر الله فيما افتراض من طاعات والانتهاء عما نهى من منكرات.
ذلك أخذا بمجموع نصوص القرآن والسنة، وإلا فإن هذا الاتجاه والفكر الذى ساقه هذا الكتاب من باب من يقرأ قول الله {فويل للمصلين} الماعون 4، 5، ويسكت ولا يتبعها بقوله {الذين هم عن صلاتهم ساهون} الماعون 4، 5، ومن يقرأ قول الله {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة} النساء 43، ويسكت ولا يتبعها بقوله سبحانه {وأنتم سكارى} النساء 43، بل إن هذا الفكر ممن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، ويقول فى دين الله بغير علم، وذلك إثم عظيم يحمله كل من يبث هذا الفكر، وعلى المجتمع مقاومته ونبذه، وعلى الدولة الوقوف ضده.
والسبيل المستقيم مع أصول الإسلام فى القرآن والسنة أن نطالب جميعا بتطبيق أحكام الله دون نقصان بالأسوة الحسنة والحجة الواضحة، لا بالقتل والقتال وتكفير المسلمين وإهدار حرماتهم.
هكذا أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة} الأحزاب 21، وهكذا يجب أن نكون، وأن تكون دعوتنا إلى الله وإلى تطبيق شرع الله وتعميق العمل به فى السوك والحكم.
خامسا - آية السيف (ص 27 - 29) وقد عنى الكتيب المعروض بها.
وهى قول الله سبحانه فى سورة التوبة {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم} التوبة 5، ونقل الكتاب أن هذ الآية نسخت مائة وأربع عشرة آية فى ثمان وأربعين سورة، فهى ناسخة لكل آية فى القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء.
هذه الآية الكريمة، كما هو منطوقها واردة فى مشركى العرب الذين لا عهد لهم، حيث نبذت عودهم، وضرب الله لهم موعد الأربعة الأشهر الحرم، وقد فرق القرآن فى المعاملة بين مشركى العرب، والمشركين وأهل الكتاب من الأمم الخرى.
والأمر بقتال مشركى العرب فى هذه الآية وما قبلها مبنى على كونهم البادئين بقتال المسلمين والناكثين لعهودهم، كما جاء فى آية تالية فى ذات السورة {ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة} التوبة 13، ولقد أطلق بعض الناس القول فى أن آية السيف ناسخة لغيرها من الآيات حسبما نقل هذا الكتيب، ولكن الصواب أنه لا نسخ، وأن كل لآية واردة فى موضعها، كما أن الأصل أن الإعمال مقدم على الإهمال.
بل إن آية السيف جاء فى آخرها ما يوقف حكم أولها {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم} التوبة 5، فمن آمن وأسلم تائبا بذلك عن الشرك وأقام الصلاة وآتى الزكاة امتنع قتالهم وقتلهم.
فالآية موجهة إلى المشركين الكافرين بأصول الدين، وغير موجهة إلى الأمر بقتال المسلمين، فالاستدلال بها على أنها آمرة بقتال المشركين وغيرهم فى غير موضعه، بل يناقض لفظها، وفى صدد المشركين أجاز القرآن التعاهد معهم والوفاء بهذه المعاهدة فى قوله تعالى {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} التوبة 7، وقوله {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} المائدة 1، وقوله {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا} الإسراء 34، فكيف إذن يقال إن آية السيف ناسخة لأمثال هذه الآيات التى نظمت التعاهد مع المشركين وغيرهم من أهل الكتاب، وكيف يمدون حكمها إلى السملم الذى ترك فرضا من الفرائض عن غير جحود أو فعل موبقة منيها عنها تحريما، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (أمرت أن أقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها) وقد فسر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحق بثلاث فى قوله (لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو فتل نفس بنفس) .
فكيف مع هذا يستباح قتل المسلم الذى يصلى ويزكى ويتلو القرآن باسم آية السيف.
فليقرءوا قول الله سبحانه {الذين يجادلون فى آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار} غافر 35، سادسا - السلاجقة والتتار هم أولئك الوثنيون الزاحفون من الشرق، أخضعوا واحتلوا بلاد ما رواء النهر وتقدموا إلى العراق، وظلوا يزحفون حتى وقعت فى أيديهم أكثر الأراضى الإسلامية.
ثم من بعدهم المغول التتار المتوحشون الوثنيون الذين سفكوا دماء المسلمين بالقدر الذى لم يفعله أحمد من قبلهم.. وقد وصف ابن الأثير فظائعهم، وجعلهم مساجد بخارى اصطبلات خيل، وتمزيقهم للقرآن الكريم، وهدم مساجد سمرقند وبلخ فقال (ابن الأثير حوادث سنة 617 هجرية) (لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحادثة، استعظاما لها كارها لذكرها، فأنا أقدم إليها رجلا وأؤخر أخرى، فمن الذى يسهل عليه نعى الإسلام إلى المسلمين ومن الذى يهون عليه ذكر ذلك الخ) .
هؤلاء الذين حاربهم ابن تيمية وأفتى فى شأنهم فتاويه التى ولغ فيها هذا الكتيب اختصارا وابتسارا واستلالا بها فى غير موضعها.
أين هؤلاء من المسلمين فى مصر وأولى الأمر المسلمين فيها، وهل هناك وجه للمقارنة بين أولئك الذين الذين صنعوا بالمسلمين ما حملته كتب التاريخ فى بطونها وبين مصر حكامها وشعبها، أو أن هناك وجها لتشبيه هؤلاء بأولئك.
هذا الكتيب إنما يروج ما قال به المستشرقون من انتشار الإسلام بالسيف، وواقع الإسلام قرآن وسنة، وواقع تاريخه يقول لهم {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا} الكهف 5، سابعا - فتاوى ابن تيمية التى نقل منها الكتيب تقدم القول بأنه لا وجه للمقارنة بين حكام مصر للمسلمين وبين التتار لكن هذا الكتيب قد أشار إلى فتوى لابن تيمية فى المسألة 516 من فتاويه فى باب الجهاد.
وبمطالعة هذه الفتوى نرى أنها قد أوضحت حال التتار، وأ، هم وإن نطق بعضهم بكلمة الإسلام، لكنهم لم يقيموا فروضه حيث يقول وقد شاهدنا عسكر القوم، فرأينا جمهورهم لا يصلون، ولم نر فى عسكرهم مؤذنا، ولا إماما، وقد أخذوا من أموال المسلمين وذراريهم وخربوا من ديارهم ما لا يعلمه إلا الله، ولم يكن معهم فى دولتهم إلا من كان من شر الخلق، وإما زنديق منافق، لا يعتقد دين الإسلام فى الباطن، وإما من هو من شر أهل البدع، كالرافضة والجهمية، والاتحادية ونحوهم، إلى أن قال وهم يقاتلون على ملك حنكسخان إلى أن قال وهو ملك كافر مشرك من أعظم المشركين كفرا وفسادا وعدوانا من جنس بختنصر وأمثاله إن اعتقاد التتار كان فى حنكسخان عظيما، فإنهم يعتقدون أنه ابن الله إلخ.
هذه العبارت وأمثالها مما جاء فى تسبيب الفتوى تفصح عن أن ابن تيمية قد وقف على واقع حال التتار، وأنهم كفار غير مسلمين وإن نطقوا بكلمة الإسلام تضليلا للمسلمين.
فما لهذا الكتيب قد ابتسر الفتوى.
- إن واضع هذا الكتاب وأتباعه تصدق عليهم الآية {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون} ، أين هؤلاء التتار من جيش مصر الذى عبر وانتصر بهتاف الإسلام الله أكبر من شهر رمضان ورجاله صائمون مصلون يؤمهم العلماء، وفى كل معسكر مسجد وإمام يذكرهم بالقرآن، وبأحكام دين الله - إن هذه الأقوال الجائزة التى جاءت فى هذا الكتيب فاسدة مخالفة للكتاب والسنة {ألا ساء ما يحكمون} النحل 59، ثامنا - هذا الكتيب لا ينتسب للاسلام وكل ما فيه أفكار سياسية نرى هذا واضحا فى الكثير من عناوينه (أ) الخلافة والبيعة على القتال إن الشورى هى أساس الحكم فى الإسلام، وبهذا أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم فى قوله {وشاورهم فى الأمر} آل عمران 159، أى فى الأمور التى تتعلق بأمور الحياة والدولة، لا فى شأن الوحى والتشريع، وما يأتى من عند الله.
وقال سبحانه {وأمرهم شورى بينهم} الشورى 38، وقال {لست عليهم بمسيطر} الغاشية 22، وقال {وما أنت عليهم بجبار} ق 45، والحاكم فى الإسلام وكيل عن الأمة، لذلك كان من شأنها أن تختار الحاكم وتعزلهم، وتراقبهم فى كل تصرفاتهم، ويجب أن يكون الحاكم المسلم عادلا قويا فى دينه ومقاومته لأهل البغلا والعدوان.
ويتفق أهل العلم بالإسلام وأحكامه على أن (خليفة المسلمين) هو مجرد وكيل عن الأمة يخضع لسلطانها فى جميع أموره، وهو مثل أى فرد فيها فهو فرد عادى، لا امتيا زله ولا منزلة إلا بقدر عمله وعدله.
فالإسلام أول من سن بتلك الآيات مبدأ الآمة مصدر السلطات.
والإجماع منعقد منذ عصر الصاحبة على وجوب تعيين حاكم للمسلمين، واستنادا إلى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا الموضع.
ولم تحدد نصوص الإسلام كريا لاختيار الحاكم (ولى الأمر) لأن هذا مما يختلف باختلاف الأزمان والأماكن.
ومن ثم كان الاختيار بطريق الانتخاب المباشر أو بغيره من الطرق داخلا فى نطاق الشورى فى الإسلام.
وتسمية خليفقة للمسلمين أمر تحكمه عوامل السياسة فى الأمة الإسلامية على امتداد أطرافها وأقطارها، وليس من الأمور التى تتعطل من أجلها مصالح الناس وإقامة الدين، بعد أن تفرق المسلمون إلى دول ودويلات، لكن المهم أن يكون هناك الحاكم المسلم فى كل دولة إسلامية، ليقيم أمور الناس وأمور الدين، حتى إذا ما اجتمعت كلمة المسلمين كأمة وصاروا فى دولة ذات كيان سياسى واحد بعرف العصر وأساليبه، كما هم فى واقع الدين أمة واحدة مع اختلاف لغاتهم وأوطانهم، إذا اجتمعت الكلمة حق عليهم أن يكون لهم حاكم واحد.
وانتخاب الحاكم بالطرق القررة فى كل عصر، قائم مقام البيعة التى ترددت فى كتب فقهاء الشريعة، فما البيعة إلا إدلاء باالرأى والتزام بالعهد وقد كان المسلمون يبايعون الرسول صلى الله عليه وسلم على الوقوف معه وحمايته مما يحمون منه أنفسهم ونساءهم وأولادهم، فهو عهد والتزام منه بحماية الرسول وحماية دعوته، فقد كان يستوثق منهم لدينه بهذه البيعة.
والقتال فى ذاته ليس هدفا - كما تقدم - وكما يقضى القرآن والسنة، وإنما هو وسيلة لحماية الدين والبلاد، ولم يكن آنذاك تجنيد إجبارى وجيش نظامى متفرغ لهذه المهمة، حتى إذا ما جيش عمر بن الخطاب ومن بعده الجيوش ودون الدواوين، لم يعد هناك مجال هلذه البيعة على القتال خارج صفوف جيش الدولة، وإلا كان هؤلاء الذى يتبايعون على مثل هذا خارجين على جماعة المسلمين، وحل قتالهم، والأخذ على أيديهم.
ذلك ما يقتضيه القرآن والسنة وسيرة السلف الصالح، فمن خرجك على الجماعة كان الجزاء كما قال سبحانه {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض} المائدة 33، ماذا يعنى لفظ الخليفة وتاريخه فى الإسلام.
الخلافة اسم مصدر من استخلف، والمصدر الاستخلاف، وهذا المعنى دخل فى الاصطلاح الشرعى فى اسم الخليفة ومهمته فقط اصطلح علماء الشريعة على أن الخليفة نائب فى القيام فى سياسة الأمة وتنفيذ الأحكام، وقد توقف هذا اللقب بعد وفاة أبى بكر رضى الله عنه، ولم يلقب بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من الخلفاء بعده، وإنما أطلق عليهم اسم أمير المؤمنين، وهذه الإمارة اصطلاح ليس من رسم الدين ولا من حكمه فلنسم الحاكم واليا أو رئيس جمهورية أو غير هذا من الأسماء التى يصطلح عليها، إذ لا مشاحة فى الاصطلاح.
فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا. أيريدون إطلاق اسم خليفة رسول الله على من يحسن القيام بأمر الدين ومن يخالفة، كان أولى بهذا عمر بن الخطاب وأمثاله، وهم قد رأوا أنهم أقل من أن يحملوا هذا اللقب فاستبدلوه بأمير المؤمنين لقبا للحاكم لا غير لا يعطيه امييازا، بل هو من أفراد المسلمين ولكنه ولى أمرهم باختيارهم.
(ب) الإسلام والعلم جاء فى كتيب (الفريضة الغائبة) تحت عنوان الانشغال بطلب العلم ص 22 وما بعدها إننا لم نسمع بقول واحد يبيح ترك أمر شرعى أو فرض من فرائض الإسلام بحجة العلم، خاصة إذا كان هذا الفرض هو الجهاد، نترك فرض عين من أجل فرض كفاية، وحدود العلم أن من علم فرضية الصلاة فعليه أن يصلى.
الخ ومن كتب هذا لم يقرأ القرآن، وإذا كان قد قرأ فإنه لم يفهم ما قرأ، أو أنه ممن آمن ببعض الكتاب وأعرض عن بعض فلنستعرض بعض ما أمر به القرآن الكريم وتوجيهاته إلى العلم والتعليم إن أول نداء فتح الله به على نبيه إيذانا ببدء الوحى قوله سبحانه {اقرأ باسم ربك الذى خلق.
خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم.
الذى علم بالقلم. علم الإسنان ما لم يعلم} العلق 1 - 5، والقراءة طريق العلم والمعرفة، ثم يذكر القرآن خلق الإنسان وتكوينه ويمن الله بنعمة العلم.
وبالعلم أعلى الله قدر آدم على الملائكة المقربين فى قوله سبحانه {وعلم آدم الأسماء كلها} البقرة 31، والعلم فى الإسلام يتاول كل ما وحد فى هذا الكون، فضلا عن العلم بالدين عقيدة وشريعة وآدابا وسلوكا.
والعلم جهاد ففى الحديث الشريف قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من خرج فى طلب العلم فهو فى سبيل الله حتى يرجع) رواه الترمذى عن أنس رضى الله عنه.
ولقد ذكر أمامه صلى الله عليه وسلم رجلان، عالم وعابد فقال (فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم) رواه الترمذى عن أبى أمامه.
والإسلام يدعو إلى دراسة الدين وفقه - قال سبحانه {لولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم} التوبة 122، ويدعوا إلى دراسة نفس الإنسان والكون فى قول الله {سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم} فصلت 53، ويدعو إلى دراسة التاريخ وأحوال السابقين من الأمم والشعوب فى قوله تعالى {أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} محمد 10، ويدعو إلى دراسة علم النبات والزراعة فى قول الله {فلينظر الإنسان إلى طعامه.
أنا صببنا الماء صبا. ثم شققنا الأرض شقا} عبس 24 - 26، وإلى دراسة الحيوان فى قوله الله {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} الغاشية 17، وإلى دراسة الفلك فى قول الله {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون} يس 37، وإلى دراسة الجغرافيا فى قول الله {وفى الأرض آيات للموقنين} الذاريات 20، وإلى دراسة الجيولوجيا فى قول الله {ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها} فاطر 27، وإلى دراسة الكيمياء والفيزياء فى قول الله {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد} الحديد 25، ولو ذهبنا نستقصى أوامر القرآن وحثه على العلم والتعلم وتفضيله العلماء على غيرهم، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا الموطن لاحتجنا إلى كتاب بل إلى كتب.
وكما بدأ القرآن فى النزول بكلمة العلم وتفضيله {اقرأ باسم ربك} كان افتداء الأسارى فى بدر تعليم أولاد المسلمين القراءة والكتابة وهكذا كانت السنة الشريفة مع القرآن تبيانا وهداية إلى العلم.
وهكذا كان شأن العلم فى الإسلام. فهل بعد هذه المنزلة نغض من شأنه، ونقول إنه يكفى منه القليل، والله يقول {قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون} الزمر 9، إن هذه الدعوة الأثيمة إلى التقليل من فضل العلم، هى دعوة إلى الأمية والبدائية باسم الإسلام، وفيها تحريض للشباب بالانصراف وهجر دراستهم فى المدارس والجامعات والامتناع عن استيعاب العلوم، علوم الدين وعلوم الدنيا، وهى الدعوة التى أوى إليها بعض الشباب الذين غرر بهم هؤلاء المفسدون، ونسى أولئك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لعبد الله بن عباسله عنهما بقوله (اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل) وفى هذا الرد على الدعوة للانصراف عن العلوم الشرعية.
وقد روى عن زيد بن ثابت رضى الله عنه قال (أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم السريانية) وهذه دعوة من رسول الله لأحد أصحابه ليتعلم لغة أخرى غير العربية، وقال زيد ابن ثابت أيضا (أمرنى رسول الله أن أتعمل له كلمات من كتاب يهود.
وقال إنى والله لا آمن يهود على كتابى قال زيد فما مر بى نصف شهر حتى تعلمته له، قال فلما تعلمته كان إذا كتب إلى هيود كتبت إليهم وإذا كتبوا له قرأت كتابتهم) (سنن الترمذى ج - 4 ص 167) نابليون والأزهر وعلماؤه جاء فى ص 23 من الكتيب وهناك مجاهدون منذ بداية دعوة النبى صلى الله عليه وسلم، وفى عصور التابعين حتى عصور قريبة، لم يكونوا علماء، وفتح الله على أيديهم أمصارا كثيرة، ولم يحتجوا بطلب العلم بمعرفة علم الحديث وأصول الفقه، بل إن الله سبحانه وتعالى جعل على أيديهم نصرا للإسلام لم يقم به علماء الأزهر يوم أن دخل نابليون وجنوده الأزهر بالخيل والنعال ماذا فعلوا بعلمهم أمام تلك المهزلة.
وبهذا بلغ هذا الكتيب حدا مفرطا فى الحط من شأن العلم وجهاد العلماء.
وإذا أهملنا علوم الحديث والفقه وأصول الفقه والتفسير والعقيدة، وكل هذه العلوم الأصلية فى الشريعة المنبثقة عن القرآن والسنة.
فما هو قوام هذا الدين، وكيف يتعرف المسلمون أحكام الدين.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم مكث بعد الرسالة نحو ثلاث عشرة سنة فى مكة يعلم أتباعه أصول الدين وعلومه، ولم يبدأ جهاده إلا بعد أن استقرت فى قلوب جمهرة من أصحابه، كانوا هم القادة فى العلم والمرجع فى الفتوى.
ثم أليس فى القرآن {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم} التوبة 122، وأليس فيه {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} الأنبياء 7، أفبعد هذا نغض من شأن علم الحديث وأصول الفقه وغيرهما من علوم الدين، ونغض كذلك من شأن علوم الحياة التى حث عليها القرآن حسبما تقدمت الإشارة إلى بعض أوامره فى شأنها.
سبحان الله هذا بهتان عظيم.
إن الكتيب يعيب على الأزهر وعلمائه بادعائه أنهملم يعلموا شيئا حين دخل نابليون وجنوده الأزهر بخيلهم ونعالهم، متجاهلا التاريخ المسطور الأمين بوصف جهاد العلماء وقيادتهم لشعب مصر، ومطاردتهم للاستعمار ومنذ عهد نابليون ومن قبله ومن بعده، وهل خرج نابليون وأتباعه مدحورين إلا بجهاد الشعب بقيادة الأزهر وكان هذا هو الجهاد المشروع الذى أفتى به العلماء وقادوه من الأزهر ومن غير الأزهر، وليس ذلك الجهاد الذى يستعمل فيه السلاح فى غير موضعه، أو يجاهد فى غير عدو، فيقتل المواطنين عدوانا وظلما، ويدعى لنفسه حق تكفير المسلمين واستباحة دمائهم.
(ج) التعامل مع غير المسلمين والاستعانة بهم فى ص 43 نقل الكتيب بعض الأحاديث فى النهى عن الاستعانة بالمشرك والتعامل معه وهذا - كما تقدم - من باب الإيمان ببعض الكتاب والكفر بالبعض، وشرع الإسلام كل لا يتجزأ، فلابد حين نستقى حكما ونستنبطه من القرآن والسنة أن نستوفى كل النصوص المؤدية إلى الحكم صحيحا بمعرفة أهل الاختصاص والعلم بالأحكام.
وإذا رجعنا إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم نجده قد استعان فى هجرته بعبد الله بن أريقط وهو مشرك، وقد اتخذه دليلا لرحلة الهجرة يرشده إلى الطريق، وقد رافقه حتى وصل إلى المدينة، أليس هذا استعانة من الرسول بمشرك لم يتبع دينه بعد.
ولما دخلت بلاد الفرس والروم فى الإسلام ودون عمر بن الخطاب الدواوين ونقل عنهم بعض نظمهم الإدارة استعان فى ذلك ببعض خبرائهم وهم على دينهم، أليس هذا استعانة بغير المسلمين من أمير المؤمنين الذى ملأ الأرض عدلا، وكان القرآن ينزل مؤيدا لما اقترحه ورآه فى كثير من أمور الدين والدنيا.
فالأصل فى الإسلام التعامل مع الناس جميعا، المسلم وغير المسلم فيما لا يخالف نصا صريحا من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو حكما أجمع عليه المسلمون.
وبالإضافة إلى ما سبق من عمل الرسول صلى الله عليه وسلم واتخاذه مشركا دليلا ورائدا لرحلة الهجرة، فقد ثبت فى السنة وفى السيرة الشريفة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل دعوة يهودى لتناول الطعام فى بيته ومعه السيدة عائشة قبل نزول آية الحجاب، وقد قبل هدية امرأة يهودية وكانت الهدية شاة مسمومة.
ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودى، وعمل على بن أبى طالب على بئر ليهودى بتمرات، وعقد الرسول صلى الله عليهوسلم معاهدة مع اليهود بعد هجرته مباشرة، وظل على عهده ومعاهدته لهم حتى نقضوها هم، وجرى تعامل المسلمين فى هذا العهد مع غيرهم من المخالفين فى الدين فى التجارة والزراعة وغيرهما ولم ينعزلوا عن جيرانهم وكيف ينعزلون والقرآن قد نزل وقال الله سبحانه فيه {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} الممتحنة 8، وقال {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذى أخدان} المائدة 5، هل هناك إباحة للتعامل أكثر من تبادل الطعام بين المسلمين وغير المسلمين من أهل الكتاب وحل نسائهم زوجات للرجال من المسلمين كل ذلك ما لم يرد نص صريح فى القرآن والسنة يمنع التعامل فى شأن ما مع غير المسلمين، ومن المأثور وإعمالا لهذه الآية الكريمة (خالط الناس ودينك لاتكلمنه) ويوضح هذا ويؤازره الحديث الشريف الذى رواه الترمذى وابن ماجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - (الذى يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذى يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) (ج - 2 من أحياء علوم الدين للغزالى مع تخريج الحافظ العراقى للأحاديث) (د) الخدمة فى الجيش إن الجيش هو عدة البلاد، وهو المنوط به حماية أمنها الخارجى والداخلى، وهو فى الجملة معهود إليه من الشعب بحماية الأرض والعرض وهو البديل المشروع للبيعة التى كانت تعقد بين أفراد المسلمين وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال، فقد كان عهده معهم أن يمنعوه (أى يدافعون عنه) مما يمنعون منه أولادهم ونساءهم، حتى إذا ما استقرت دولة المسلمين كان لها الجيش المنظم المتفرغ لهذه المهام، وهذا نوع من الجهاد فإن المرابطة فى سبيل الله من الجهاد وحراسة الحدود والثغوب من الجهاد فى سبيل الله، وفى الحديث الشريف (عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس فى سبيل الله.
) .
وراه الترمذى. هل هناك وجه للمقارنة بين جيش مصر، والتتار إن المفارقة ظاهرة حتى من تلك النبذ التى ساقها كتيب (الفريضة الغائبة) نقلا من فتاوى ابن تيمية.
إذ كيف نقارن بين جيش مصر الذى له فى كل معسكر مسجد وإمام يقيم بهم شعائر الإسلام، ويصومون رمضان، ويتلون القرآن، يقدمون أنفسهم فداء لاسترداد الأرض وتطهير العرض هاتفين فى كل موطن وموقع الله أكبر.
وبين التتار الذين وصفهم ابن تيمية بقوله قد شاهدنا عسكرهم، فرأينا جمهور لا يصلون، ولم نر فى عسكرهم مؤذنا ولا إماما، وقد أخذوا من أموال المسلمين وذراريهم وخربوا من ديارهم ما لا يعلمه إلا الله الخ ما سبقت الإشارة إلى بعضه وموضعه من فتاويه، وتاريخهم المظلم على ما تقدمت الإشارة إليه نقلا عن ابن الأثير المؤرخ.
تاسعا أفكار سياسية منحرفة عن الإسلام وخارجه عنه إن مستقى هذا الكتيب ومورده فى جملته أفكار طائفة الخوارج، وهم جماعة من أتباع على بن أبى طالب رضى الله عنه خرجوا عليه بعد قبوله التحكيم فى الحرب التى كانت بينه وبين معاوية بن أبى سفيان فى شأن الخلافة، ثم انقسم هؤلاء الخوراج من بعد ذلك إلى نحو عشرين فرقة، كل واحدة منها تكفر الأخريات، وقد سموا بهذا الاسم إما - على حسب زعمهم وأوهامهم - لخروجهم فى سبيل الله، وإما للخروج على الأمة والجماعة، وهذا هو واقع التسمية، لأنهم فى جملة مذاهبهم قد حكموا بالكفر على سيدنا على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه وعلى ابنيه الحسن والحسين، سبطى الرسول صلى الله عليه وسلم، وابن عباس وأبى أيوب الأنصارى، كما أكفروا أيضا عائشة وعثمان وطلحة والزبير، وأكفروا كل من لم يفارق عليا ومعاوية بعد التحكيم وأكفروا كل مسلم ارتكب ذنبا.
(كتاب الفرق بين الفرق للبغدادى سنة 429 ص 193) وهى فى ذات الوقت أفكار استشراقية، روجها المستشرقون وأتباعهم فى مصر وغيرها من بلاد المسلمين، محرفين الكلم عن مواضعه، مطلقين على بعض آيات القرآن عناوين لا تحملها ولا تصلح لها، متأولين هذه الآيات، بما يطابق أغراضهم وأهواءهم، ابتغاء فتنة فى الدين يثيرونها بين الناس حتى تلتبس عليهم الأمور، فهم كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر، فلما كفر قال إنى برىء منك.
هؤلاء الخوارج - فى تاريخهم القديم وما أشبه الليلة بالبارحة - لما طلبوا من عبد الله بن الزبير حين أرادوا الانضمام إليه فى قتاله مع الأمويين بعد أن أكفروا على بن أبى طالب والزبير وطلحة، لما طلبوا منه البراءة من هؤلاء رد عليهم بقوله إن الله أمر - وله العزة والقدرة - فى مخاطبته أكفر الكافرين وأعتى العاتين بأرق من هذا القول، فقال لموسى وأخيه صلى الله عليهما {اذهبا إلى فرعون إنه طغى.
فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} طه 43، 44، فهم الآن يذيعون هذه الأفكار التى انطمست (كتاب العقد الفريد ج - 2 ص 394) ، ولم تبق إلا فى بطون الكتب يقرؤها الدارسون لتاريخ الفرق.
هذا ولا ينبغى أن يطلق على هؤلاء الذين اتخذوا هذا الكتيب منهجا وصف الجماعة الإسلامية، أو المتطرفين فى الدين أو المتعصبين له، لأن الدين لا ينحرف، وإنما ينحرف عنه، ومن تطرف فى الدين فقد انحرف عنه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لأولئك النفر من أصحابه الذين ذهبوا إلى بيوته يسألون عن عبادته، فلما أخبروا بها عدوها قليلة، وقال أحدهم مالنا وله، لقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأما أنا فإنى أصول ولا أفطر.
وقال آخر وأنا أقوم الليل ولا أنام وقال ثالث وأنا أعتزل النساء ولا أتزوج، فلما قابلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم أأنتم الذين قلتم البارحة كذا وكذا قالوا نعم، فقال لهم أما أنا فأقوم وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى) .
هؤلاء لم ينحرفوا عن الدين، فلم يتركوا العبادة ولكنهم تغالوا فيها فردهم الرسول إلى الصواب، إلى العمل الوسط، الذى يستديمون به طاعة ربهم، والقيام بفرائضه، يحلون الحلال ويحرمون الحرام.
عاشرا هل الجهاد فريضة غائبة إن الجهاد ماض إلى يوم القيامة والجهاد قد يكون قتالا، وقد يكون مجاهدة للنفس والشيطان.
وإذا أمعنا النظر البصير فى آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فى شأن الجهاد بالقتال نجد أوامرهما فى هذا موجهة إلى قتال الكفار الذين تربصوا بالإسلام ونبى الإسلام، وأرادوا إطفاء نور دعوته والقضاء عليه، ولم يكن قتالا لنشر هذه الدعوة وإكراه الناس على الدخول فيها قسرا وجبرا - كما سلف -.
ولذلك لا نجد فى القرآن ولا فى السنة الأمر بالقتال موجها ضد المسملين أو ضد المواطنين من غير المسلمين، إذ قد سمى الإسلام هؤلاء أهل الذمة، لهم مالنا وعليهم ما علينا من حقوق وواجبات، وأمر المسلمين بترك أهل الكتاب وما يدينون، فيما بخص العقيدة والعبادة.
فإذا حدث ما يستدعى القتال دفاعا عن الدين والبلاد، فذلك ما يدعو إليه الإسلام ويحرص عليه، ويقوم به الجيش الذى استعد وأعد وأنيطت به هذه المهام، وهذا هو الجهاد قتالا ويكون الجهاد بمجاهدة النفس والشيطان، وهذا هو نوع الجهاد المستمر الذى ينبغى على كل إنسان، وعلى المسلم بوجه الخصوص أن يجاهد نفسه حتى يصلح من أمرها، وتنطبع على الخير والبر والأمانة والوفاء بالعهد، ومغالبة الشيطان والشر، سعيا إلى طاعة الله ومرضاته، وأداء فرائضه، والانتهاء عما نهى الله ورسوله عنه.
ولا يكون الجهاد بإكفار المسلمين، أو بالخروج على الجماعة والنظام الذى ارتضته فى نطاق أحكام الإسلام.
ولا يكون الجهاد بتأويل آيات القرآن الكريم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما لا تحتمله ألفاظها وتحميلها معانى لا تحتويها مبانيها، إلا كان تحريفا للكلم عن مواضعه، وهو مما نهى الله سبحانه وتعالى عنه.
ولا يكون الجهاد بقتل النفس التى حرم الله قتلها، لأن له نطاقا حدده الله.
وإنما الجهاد فى مواضعه ماض إلى يوم القيامة، جهاد بالقتال إذا لزم الأمر دفاعا عن دين الله عن بلاد المسلمين، وعن النفس وعن المال وعن العرض، وجهاد للنفس حتى تكون فى طاعة الله ومجاهدة للشيطان، فليس الجهاد فريضة غائبة، ولكنه فريضة ماضية إلى يوم القيامة فى حدود أوامر الله وكما فسر رسول الله قوله سبحانه {وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} الأنعام 153، صدق الله العظيم والله سبحانه وتعالى.
أعلم.
(نص كتاب الفريضة الغائبة) (آثرنا أن ننقل نص الكتاب كما ورد فى الأصل، دون التعرض لتصحيح الأخطاء ما عدا ما ورد فى آيات القرآن الكريم) بسم الله الرحمن الرحيم الم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون من سورة الحديد.
قال عبد الله بن المبارك حدثنا صالح المرى عن قتادة عن ابن عباس قال ان الله استبطا قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن فقال الم يأن للذين آمنوا الآية.
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغرفه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ومن يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد فان أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار.
أما بعد فان الجهاد فى سبيل الله بالرغم من أهميته القصوى وخطورته العظمى على مستقبل هذا الدين فقد أهمله علماء العصر وتجاهلوه بالرغم من علمهم بأنه السبيل الوحيد لعودة ورفع صرح الاسم من جديد آثر كل مسلم ما يهوى من أفكاره وفلسفاته على خير طريق رسمه الله سبحانه وتعالى لغزة العباد ... والذى لا شك فيه هو أن طواغيت هذه الأرض لن تزول إلا بقوة السيف ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم بعثت بالسيف بين يدى الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقى تحت ظل رمحى وجعل الذلة والصغار على من خالف أمرى ومن تشبه بقوم فهو منهم.
أخرجه الامام أحمد عن ابن عمر. ويقول ابن رجب قوله صلى الله عليه وسلم بعثت بالسيف يعنى أن الله بعثه داعيا بالسيف إلى توحيد الله بعد دعائه بالحجة فمن لم يستجب إلى التوحيد بالقرآن والحجة والبيان دعى بالسيف.
هديه صلى الله عليه وسلم فى مكة ويخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم طواغيت مكة وهو بها (استمعوا يا معشر قريش، أما والذى نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح) فأخذ القوم كلمته حتى ما فيهم رجل إلا كأنما على رأسه طير واقع وحتى ان أشدهم عليه ذلك ليلقاه بأحسن ما يجد من القول حتى أنه ليقول انطلق يا أبا القاسم راشدا فوالله ما كنت جهولا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (لقد جئتكم بالذبح) قد رسم الطريق القويم الذى لا جدال فيه ولا مداهنة مع أئمة الكفر وقادة الضلال وهو فى قلب مكة.
الإسلام مقبل واقامة الدولة الإسلامية واعادة الخلافة قد بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فضلا عن كونها أمر من أوامر المولى جل وعلا واجب على كل مسلم بذل قصارى جهده لتنفيذه.
(أ) يقول عليه الصلاة والسلام ان الله زوى لى الأرض فرأيت مشرقها ومغربها وان أمتى سيلبغ ملكها مازوى إلى منها رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه والترمذى.
وهذا لم يحدث إلى الآن. حيث ان هناك بلادا لم يفتحها المسلمون فى أى عصر مضى إلى الآن وسوف يحدث ان شاء الله.
(ب) ويقول عليه الصلاة والسلام (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز به الله الإسلام وذلا يذل به الكفر) رواه أحمد والطبرانى قال الهيثمى رجاله رجال الصحيح - المدر أهل القرى والأمصار.
الوبر أهل البوادى والمدن والقرى.
(ج-) وفى الحديث الصحيح يقول أبو قبيل كنا عند عبد الله بن عمرو ابن العاص وسئل أى المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية فدعا عبد الله بصندوق له حلق فأخرج منه كتابا.
قال فقال عبد الله بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب اذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أى المديتنين تفتح أولا يعنى القسطنطينية أو رومية فقال صلى الله عليه وسلم مدينة هرقل تفتح أولا القسطنطينية.
رواه أحمد والدرامى (رومية) هى روما كما فى (معجم البلدان) وهى عاصمة ايطاليا اليوم.
وقد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثمانى وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من اخبار النبى صلى الله عليه وسلم بالفتح وسيحقق الفتح الثانى باذن الله ولابد ولتعلمن نبأه بعد حين.
(د) تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها اذا شاء الله ان يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ماشاء الله أن تكون يكون ثم يرفعها اذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها اذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل فى الناس بسنة النبى ويلقى الإسلام جرانة فى الأرض يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض لا تدع السماء من قطر إلا سبته مدرارا ولا تدع الأرض من نباتها ولا بركاتها شيئا إلا أخردته ذكره حذيفة مرفوعا ورواه الحافظ العراقى من طريق أحمد وقال هذا حسن صحيح.
والملك العارض قد انتهى والملك الجبرى هو عن طريق الانقلابات التى يحصل أصحابها على الحكم رغم ارادة الشعب ... والحديث من المبشرات بعودة الإسلام فى العصر الحالى بعد هذه الصحوة الإسلامية وينبىء أن لهم مستقبلا باهرا من الناحية الاقتصادية والزراعية.
الرد على اليائسين ورد بعض اليائسين على هذا الحديث وهذه المبشرات بحديث النبى صلى الله عليه وسلم عن أنس اصبروا فانه لا يأتى زمان الا والذى بعده شر منه حتى تلقوا ربكم سمعت هذا من نبيكم عليه الصلاة والسلام قال الترمذى حسن صحيح ويقولون لا داعى لاضاعة الجهد والوقت فى أحلام وهنا نذكر قول النبى صلى الله عليه وسلم أمتى أمة مباركة لا تدرى أولها خير أم آخرها رواه ابن عساكر عن عمرو بن عثمان أشار عليه وسلم موجه إلى جبل الصحابة حتى يلقوا ربهم وليس الحديث على عمومه بل هو من العام المخصوص، وأيضا بدليل أحاديث المهدى الذى يظهر.
فى آخر الزمان ويملآ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا.
وبشر الله طائفة من المؤمنين بقوله عز وجل (وعد الله الذين آمنوا منكم وعلموا الصاحلات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم منن بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا) من الآية 55 سورة النور والله لا يخلف الميعاد.
نسأله جل وعلا أن يجعلنا منهم.
اقامة الدولة الإسلامية هو فرض أنكره بعض المسلمين وتغافل عنه البعض مع أن الدليل على فرضية قيام الدولة واضح بين فى كتاب الله تبارك وتعالى فالله سبحانه وتعالى يقول {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} ويقول {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} ويقول جل وعلا فى سورة النور عن فرضية أحكام الاسم {سورة أنزلناها وفرضناها} ومنه فان حكم اقامة حكم الله على هذه الأرض فرض على المسلمين وتكون أحكام الله فرضا على المسلمين فبالتالى قيام الدولة الإسلامية فرض على المسلمين لأن مالم يتم الواجب إلا به فهو واجب وأيضا اذا كانت الدولة لن تقوم الا بقتال فوجب علينا القتال.
ولقد أجمع المسلمون على فرضية اقامة الخلافة الإسلامية.
واعلان الخلافة يعتمد على وجود النواة وهى الدولة الإسلامية.
ومن مات وليس فى عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية.
فعلى كل مسلم السعى لاعادة الخلافة بجد لكيلا يقع تحت طائلة الحديث.
والمقصود بالبيعة بيعة الخلافة.
النار التى نعيش فيها ويبدو هنا تساؤل هل نحن نعيش فى دولة اسلامية من شروط الدولة أن تعلوها أحكام الإسلام وأفتى الامام أبو حنيفة أن دار الاسم تتحول إلى دار كفر اذا توافرت ثلاثة شروط مجتمعة 1 - أن تعلوها أحكام الكفر.
2 - ذهاب الأمان للمسلمين. 3 - المتاخمة أو المجاورة وذلك بأن تكون تلك الدار مجاورة لدار الكفر بحيث تكون مصدر خطر على المسملين وسببا فى ذهاب الأمن.
وأفتى الامام محمد والامام أبو يوسف صاحبا أبى حنيفة بأن حكم الدار تابع للأحكام التى تعلوها فان كانت الأحكام التى تعلوها هى أحكام الإسلام (فهى دار اسلام) وان كانت الأحكام التى تعلوها هى أحكام كفر (فهى دار كفر) .
بائع الصنائع جزء - 1 وأفتى شيخ الإسلام بن تيمية فى كتابه الفتاوى الجزء الرابع (كتاب الجهاد) عندما سئل عن بلد تسمى ماردين كانت تحكم بحكم اسلام ثم تولى أمرها أناس اقاموا فيها حكم الكفر هل هى دار حرب أن سلم فأجاب ان هذه مركب فيها المعنيان فهى ليست بمنزلة دار السلم التى يجرى عليها أحكام الاسم ولا بمنزلة دار الحرب التى أهلها كفار بل هى قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحق ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام ببما يستحقه والحقيقة انه لهذه الأقوال لا نجد تناقضا بين أقوال الأئمة فأبو حنيفة وصاحباه لم يذكروا أن أهلها كفار فالسلم لمن يستحق السلم والحرب لمن يستحق الحرب فالدولة تحكم بأحكام الكفر بالرغم من أن أغلب أهلها مسلمون.
الحاكم بغير ما أنزل الله والاحكام التى تعلو المسلمين اليوم هى أحكام الكفر بل هى قوانين وضعها كفار وسيروا عليها المسلمين ويقول الله سبحانه وتعالى فى سورة المائدة {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} المائدة 44، فبعد ذهاب الخلافة نهائيا عام 1924 واقتلاع أحكام الإسلام كلها واستبدالها بأحكام وضعها كفار.. أصبحت حالتهم هى نفس حالة التتار.
كما ثبت فى تفسير ابن كثير لقوله سبحانه وتعالى فى سورة المائدة {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} المائدة 50، قال ابن كثير ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمر على كل خير الناهى عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء واصطلاحات التى وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يصنعونها بأرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيزخان الذى وضع لهم الياسق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامة وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت شرعا متبعا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه من كثير ولا قيل، ابن كثير الجزء الثانى ص 67.
وحكام العصر قد تعددت أبواب الكفر التى خرجوا بها عن ملة الإسلام بحيث أصبح الأمر لا يشتبه على كل ما تابع سيرتهم.
هذا بالاضافة إلى قضية الحكم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية فى كتاب الفتاوى الكبرى باب الجهاد ص 288 الجزء الرابع ومعلوم بالاضطراد من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين ان من سوغ ابتاع غير دين الاسم أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب.
كما قال تعالى {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا.
أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا} النساء 150، 151، حكام المسلمين اليوم فى ردة عن الإسلام فحكام هذا العصر فى ردة عن الإسلام تربوا على موائد الاستعمار سواء الصليبية أو الشيوعية أو الصهيونية.
فهم لا يحملون من الاسم إلا الاسماء وان صلى وصام وادعى أنه مسلم.
وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلى من وجوه متعددة منها أن المرتد يقتل وان كان عاجزا عن القتال بخلاف الكافر الأصلى الذى ليس هو من أهل القتال فانه لا يقتل عند أكثر العلماء كأبى حنيفة ومالك وأحمد ولهذا كان مذهب الجمهور أن ا2لمرتد يقتل كما هو مذهب مالك والشافعى وأحمد.
ومنها أن المرتد لا يرث ولا يناكح ولا تؤكل ذبيحته بخلاف الكافر الأصلى الى غير ذلك من الأحكام.
واذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر بأصل الدين فالردة عن شرئعه أعظم من الكفر بأصل الدين فالردة عن شرائعه أعظم من خروج الخارج الأصلى عن شرائعه.
ويقول ابن تيمية ص 293.
وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلى من وجوه متعددة منها.
أن المرتد يقتل بكل حال ولا يضرب عليه جزية ولا تعقد له ذمة بخلاف الكافر الأصلى ومنها.
أن المرتد يقتل وان كان عجزا عن القتال بخلاف الكافر الأصلى الذى ليس هو من أهل القتال فانه لا يقتل عند أكثر العلماء كأببى حنيفة ومالك وأحمد ولهذا كان مذهب الجمهور أن المرتد لا يرث ولا يناكح ولا تؤكل ذبيحته بخلاف الكافر الأصلى إلى غير ذلك من الأحكام واذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر بأصل الدين فالردة عن شرائعه أعظم من الكفر وخروج الخارج الأصلى عن شرائعه.
اذا فما موقف المسلمين من هؤلاء يقول بن تيمية أيضا فى نفس الباب ص 281 كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع اسلام الظاهرة المتواترة فانه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين وان تكلمت بالشهادتين فاذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يصلوا وان امتنعوا عن الزكاة وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة كذلك ان امتنعوا عن صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق وكذلك ان امتنعوا عن تحريم الفواحش أو الزنا أو الميسر أو الخمر أو غير ذلك من محرمات الشريعة، وكذلك ان امتنعوا عن الحكم فى الدماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها بحكم الكتاب والسنة، كذلك ان امتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
وجهاد الكفار إلى أن يسلموا ويؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون وكذلك ان اظهروا البدع المخالفة للكتاب والسنة واتباع السلف مثل أن يظهروا الالحاد فى أسماء الله وآياته أو التكذيب بآيات الله وصفاته والتكذيب بقدره وقضائه أو التكذيب بما كان عليه جماعة المسلمين على عهد الخلفاء الراشدين أو الطعن فى السابقين الولين من المهاجرين والأنصار والذين ابتعوهم باحسان أو مقاتلة المسلمين حتى يدخلوا فى طاعتهم التى توجب الخروج عن شريعة الإسلام وأمثال هذه الأمور قال تعالى {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} ولهذا قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين.
فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} وهذه الآيات نزلت فى أهل الطائف لما دخلوا فى الإسلام والتزموا بالصلاة والصيام ولكن امتنعوا عن ترك الربا فبين الله أنهم محاربون له ولرسوله اذا لم يتنهوا عن الربا والربا هو آخر ما حرمه الله وهو ما لا يؤخذ برضا صاحبه فاذا كان هؤلاء محاربين لله ورسوله يجب جهادهم فكيف لمن يترك كثيرا من شعائر الإسلام أو أكثرها كالتتار وقد اتفق علماء المسلمين على أن الطائفة ان امتنعت عن بعض واجبات الإسلام الظاهرة المتواترة فانه يجب فتالها اذا تكلموا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلاة والزكاة وصيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق أو عن الحكمب ينهم بالكتاب والسنة أو عن تحريم الفواحش أو الخمر أو نكاح ذوات المحارم أو عن استحلال النفوس والأموال بغير حق أو الربا أو الميسر أو الجهاد للكفار أو عن ضربهم الجزية على أهل الكتاب، ونحو ذلك من شرائع الإسلام فانهم يقاتلون عليها حتى يكون الدين كله لله.
المقارنة بين التتار وحكام اليوم 1 - واضح من قول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} صفحة 6 بهذا الكتاب أنه لم يفرق ين كل من خرج عن الحكمب ما انزل الله أيا من كان وبين التتار وفى الحقيقة أن كون التتار يحكمون بالياسق الذى اقتبس من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغير وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فلا شك أن الياسق أقل جرما من شرائع وضعها الغرب لا تمت للاسلام بصلة ولا لأى من الشرائع.
2 - وفى سؤال موجه إلى شيخ الإسلام بن تيمية من مسلم غيور.
يقو السائل واصفار حالهم للامام هؤلاء التتار الذين يقدمون الى الشام فى أول الأمر فهل يجب قتالهم وما حكم من قد أخرجوه معهم كرها (أى أنهم يضمون المسلمين إلى صفوف جيشهم كرها التجنيد الاجبارى) وما حكم من يكون مع عسكرهم من المنتسبين إلى العلم والفقه والتصوف ونحو ذلك وما يقال فيمن زعم أنه مسلمون والمقاتلون لهم مسلمون وكلاهما ظالم فلا يقاتل مع أحدهما.. (وهى نفس الشبهة) الموجودة الآن وسوف يتم توضيحها ان الله شاء الله.
الفتاوى الكبرى ص 280، 281 مسألة (516) . 3 - ويقول ابن تيمية فى وصف التتار (ولم يكن معهم فى دولتهم مولى لهم إلا من كان من شر الخلق اما زنديق منافق لا يعتقد دين الإسلام فى الباطن أى أن يظهر الاسلام والا من هؤلاء من هو شر أهل البدع كالرافضة والجهمية والاتحارية ونحوهم (وهم من أصحاب البدع) وأما من أفجر الناس وأفسقهم وهم فى بلادهم مع تمكمنهم لا يحجون البيت العتيق وان كان فيهم من يصلى ويصوم فليس الغالب عليهم اقام الصلاة وإيتاء الزكاة أليس ذلك هو الكائن 4 - وهم يقاتلون على ملك جنكيز خان (اسم ملكهم) فمن دخل فى طاعتهم جعلوه وليهم وأن كان كافرا، ومن خرج عن ذلك جعلوه عدوا لهم وان كان من خيار المسلمين لا يقاتلون على الإسلام ولا يضعون الجزية والصغار بل غاية كثير من المسلمين منهم من أكقر أمرائهم ووزائرهم أن يكون المسلم عندم كمن يعظمونه من المشركين من اليهود والنصارى.
الفتاوى ص 286. ملحوظة أليست هذه الصفات هى الصفات لحكام العصر هم وحاشيتهم الموالية لهم الذين عظموا أمر الحكام أكثر من تعظيمهم لخالقهم.
5 - وفى صفحة 287 يضيف شيخ الإسلام واصفا الموالين لجنكيز خان اظهارهم للاسلام يعظمون أمر جنكير خان كما يقاتلون المسلمين بل أعظم أولئك الكفار يبذلون له الطاعة والانقيادويحملون اليه الأموال ويقرون له بالنيابة ولا يخالفون ما يأمرهم به إلا كما يخالف الخارج عن طاعة الامام للامام وهم يحاربون المسلمين ويعادونهم أعظم معاداة ويطلبون من المسلمين الطاعة لهم وبذل الموال والدخول فى ما وضعه لهم الملك الكافر المشرك المشابه لفرعون أو النمرود ونحوهم بل هو أعظم فسادا فى الأرض منهما.
6 - ويضيف ابن تيمية ويقول (من دخل فى طاعتهم الجاهلية وسنتهم الكفرية كان صديقهم ومن خالفهم كان عدوهم ولو كان من أنبياء الله ورسله وأوليائه) ص 288.
7 - ويضيف شيخ الإسلام متكلما عن القضاء على عصر التتار فيقول (وكذلك وزيرهم السفيه الملقب بالرشيد يحكم على هذه الاصناف ويقدم شرار المسلمين كالرافضة والملاحدة على خيار المسلمين أهل العلم والايمان حتى يتولى قضاء القاضة من كان أقرب إلى الزندقة والالحاد والكفر بالله ورسوله بحيث تكون موافقة للكفار والمنافقين من اليهود والقرامطة والملاحدة والرافضة على ما يريدون أعظم من غيره ويتظاهرون من شريعة الإسلام بما لابد له منه لأجل من هناك من المسلمين حتى ان وزيرهم هذا الخبيث الملحد المنافق صنف مصنا مضمونه ان النبى صلى الله عليه وسلم رضى بدين اليهود والنصارى وأنه لا ينكر عليهم ولا يذمون ولا ينهون عن دينهم ولا يؤمرون بالانتقال إلى الإسلام واستدل الخبيث الجاهل بقول الله تعالى فى سورة الكافرون {قل يا أيها الكافرون.
لا أعبد ما تعبدون.
ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد.
لكم دينكم ولى دين} وزعم أن هذه الآية تقتضى أنه يرضى دينهم قال وهذه الآية محكمة ليست منسوخة ص 288، 289 الفتاوى الكبرى فسبحان الله.
أليس مصنف وزير التتار هو نفس مصنف (الاخاء الدينى) و (مجمع الاديان) بل الأخير أفظع وأجرم.
مجموعة فتاوى لابن تيمية تفيد فى هذا العصر ومن هناك يجدر بنا أن ننقل بعض فتاوى ابن تيمية فى حكم هؤلاء وكنا قد ذكرنا فتواه فى حكم بلدة (ماردين) التى كان يحكمها التتار بقوانين تجمع ما بين شريعة اليهود والنصارى وجزء من الإسلام وجزء من العقل والهوى فقال أما كونها دار حرب أو سلم فهى مركبة فيها المعنيان ليست بمنزلة دار السلم التى تسرى عليها أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين ولا بمنزل دار الحرب التى أهلها كفار بل هى قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه.
ما هو حكم اعانتهم ومساعدتهم يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ردا على هذا السؤال ص 280 (باب الجهاد) واعانة الخارجين عن شرعية دين الإسلام محرمة سواء كانوا أهل (ماردين) أو غيرهم والمقيم بها أن كان عاجزا عن قامة دينه وجبت الهجرة عليه والا استجنبت ولم تجب.
ومساعدتهم لعدو المسلمين بالأنفس تغيب أو ترعيض أو مصانعة فاذا لم يكون الا بالهجرة تعينت ويضيف ان تيمية قاصدا أهالى ماردين الذى يعاونون (التتار السلطة الحاكمة) (ولا يحل سبهم عموما بالنفاق بل السب والرمىب النفاق يقع على الصفات المذكورة فى الكتاب والسنة.
فيدخل فيها بعض أهل ماردين وغيرهم) أى ليس كلهم.
حكم الجنود المسلمين الذين يرفضون الخدمة فى جيش التتار ص 280 مسألة (513) فى رجل جندى وهو يريد ألا يخدم (الجواب) أذا كان للمسلمين به منفعة وهو قادر عليها لا ينبغى له أن يترك ذلك لغير مصلحة راجعة على المسلمين بل كونه مقدما فى الجهاد الذى يجعله الله ورسوله أفضل من التطوع بالعبادة كصلاة التطوع والحج وصيام التطوع والله أعلم.. حكم أموالهم مسألة (514) اذا دخل التتار الشام ونبهوا أموال النصارى والمسلمين ثم نهب المسلمون التتار وسلبوا القتلى منهم فهل المأخوذ من أموالهم وسلبهم حلال أم لا (الجواب) كل ما أخذ من التتار يخمس ويباح الانتفاع به (ومعنى يخمس أى غنيمة) .
حكم قتالهم يقول ابن تيمية فى ص 298 مسألة (217) قتال الذين قدموا الى بلاد الشام واجب بالكتاب والسنة فان الله يقول فى القرآن وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله والدين هو الطاعة فاذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله.
وجب القتال حتى يكون الدين كله لله ولهذا قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين.
فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} وهذه الآية نزلت فى أهل الطائف لما دخلوا فى الإسلام والتزموا الصلاة والصيام ولكن امتنعوا عن ترك الربا بين الله أنهم محاربون له ولرسوله فاذا كان هؤلاء محاربين لله ولرسوله يجب جهادهم فكيف بمن يترك كثيرا مع شرائع الإسلام أو أكثرها كالتتار وقد اتفق علماء المسلمين على ان الطائفة الممتنعة اذا امتنعت عن بعض الواجبات الإسلامية الظاهرة فانه يجب قتالهم اذا تكلموا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلاة والزكاة أو صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق أو عن الحكم بينهم بالكتاب والسنة أو عن تحريم الفواحب أو الخمر أو نكاح ذوات المحارم أو استحلال ذوات النفوس والأموال بغير الحق أو الربا أو الميسر أو الجهاد للكفار أو عن ضربهم الجزية على أهل الكتاب ونحو ذلك من شرائع الإسلام فانهم يقاتلون عليها حتى يكون الدين كله لله.
وقد ثبت فى الصحيحين أن عمر لما ناظر أبا بكر فى مانعى الزكاة.
قال له أبو بكر كيف لا أقاتل من ترك الحقوق التى أوجبها الله ورسوله وان كان قد أسلم كالزكاة وقال له فان الزكاة من حقها والله لو منعونى عقال بعير كانوا يؤدونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها.
قال عمر فما هو إلا أن رأيت قد شرح الله صدر أبى بكر للقتال فعلمت أنه الحق وقد ثبت فى الصحيح غير مرة أن النبى صلى الله عليه وسلم ذكر الخوارج وقال فيهم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قرءتهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية اينما لقيتموهم فاقتلوهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة لئن أدركتهم لأقتلهم قتل عاد.
وقد اتفق السلف والأئمة على قتال هؤلاء وأول من قاتلهم على بن أبى طالب رضى الله عنه ومازال المسلمون فى صدر خلافة بنى أمية وبنى العباس مع الأمراء وان كانوا ظلمة وكان الحجاج ونوابهممن يقاتلونه فكل ائمة المسلمين يأمرون بقتالهم والتتار وأشباههم (أمثال حكام اليوم) أعظم خروجا عن شريعة الإسلام من مانعى الزكاة والخوارج من أهل الطائف الذين امتنعوا عن ترك الربا فمن شك فى قتالهم فهو أجهل الناس بدين الإسلام وحيث وجبت قتالهم قوتلوا وأن كان فيهم المكره.. هل قتالهم قتال بغى يقول ابن تيمية ص 283 باب الجهاد (فقد يتوهم البعض أن هؤلاء التتار من أهل البغى المتأولين ويحكم فيهم بمثل هذه الحكام كما أدخل فى هذا الحكم ما نعى الزكاة والخوارج وسنبين فساد هذا التوهم ان شاء الله ويقول ابن تيمية فى ص 296 كما قال النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون حرمه فهو شهيد، فكيف بقتال هؤلاء الخارجين عن شرائع الإسلام المحاربين لله ولرسوله الذين صولهم وبغيهم أقل ما فيهم فان قتال المعتدين الصائلين ثابت بالسنة والاجماع وهؤلاء صائلون معتدون على المسلمين فى أنفسهم وأموالهم وحرمهم من شر البغاة المتأولين الظاملين ولكن من زعم أنهم يقاتلون كما تقاتل البغاة المتأولون أن يكون لهم تأويل سائغ خرجوا به ولهذا قالوا ان الامام يراسلهم فان ذكروا شبهة بينها وان ذكروا مظلمة ازالها فأى شبهة لهؤلاء المحاربين لله ورسوله الساعين فى الأرض فسادا الخارجين عن شرائع الدين انهم لقولون انهم أقوم بدين الإسلام علما وعملا من هذه الطائفة.
حكم من والاهم ضد المسلمين يقول ابن تيمية فى ص 291 باب الجهاد (وكل من نفر اليهم من أمراء العسكر وغير الأمراء فحكمه حكمهم وفيهم من الردة عن شرائع الإسلام بقدر ما ارتد عنه من شرائع الاسلام واذا كان السلف قد سلموا مانعى الزكاة مرتدين مع كونهم يصومون ويصلون ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين فكيف بمن صار مع أعداء الله ورسوله قاتلا للمسلمين.
ويقول ابن تيمية ص 293 (وبهذا يتبين أن من كان مسلم الأصل هو شر من الترك الذين كانوا كفارا فان المسلم الأصلى اذا ارتد عن بعض شرائعه أسوأ حالا ممن لم يدخل بعد فى تلك الشرائع متفقها أو متصوفا أو تاجرا أو كاتبا أو غير ذلك فهؤلاء شر من الترك الذين لم يدخلوا فى تلك الشرائع وأصروا على الكفر ولهذا يجد المسلمون من ضرر هؤلاء على الدين ما لا يجدونه من ضرر أولئك وينقادون للاسلام وشرائعه وطاعة الله ورسوله أعظم انقياد من هؤلاء الذين ارتدوا عن بعض الدين ونافقوا على بعض وان تظاهروا الانتساب إلى العلم والايمان) .
حكم من يخرج للقتال فى صفهم مكرها يقول ابن تيمية ص 292 ايضا (فانه لا ينضم اليهم طوعا من المظهرين الإسلام إلا منافق أو زنديق أو فاسق فاجر ومن أخرجوه معهم مكرها فانه يثبت على نيته ونحن علينا أن نقاتل العسكر جميعه اذ لا يميز المكره من غيره) .. تحذير للمكره ويقول ابن تيمية محذرا المكره فى ص 295 باب الجهاد (المكره على القتال فى الفتنة ليس له أن يقاتل بل عليه افساد سلاحه وأن يصبر حتى يقتل مظلوما فكيف بالمكره على قتال المسلمين مع الطائفة الخارجة عن شرائع الإسلام كمانعى الزكاة والمرتدين ونحوهم فلا ريب ان هذا يجب عليه اذا أكره على الحضور أن لا يقاتل وان قتله المسلمون وإن أكرهه بالقتل ليس حفظ نفسه ذلك المعصوم أولى من العكس فليس له أن يظلم غيره فيقتله لئلا يقتل هو) .
اراء وأهواء ولكن هناك أراء فى الحقل الإسلامى لازالة هؤلاء الحكام واقامة حكم الله عز وجل فما قدر هذه الآراء من الصحة.
الجمعيات الخيرية هناك من يقول اننا نقيم جميعات تابعة للدولة تدفع الناس الى اقامة الصلاة وايتاء الزكاة وأعمال الخير والصلاة والزكاة وأعمال الخير تلك أوامر من الله عز وجل لا يجب علينا التفريط فيها ولكن اذا تساءلنا هل كل هذه العمال والعبادات هى التى سوف تقيم دولة الإسلام فالاجابة الفورية بدون أدنى تفكير هى.. لا هذا بالاضافة إلى أن هذه الجمعيات خاضعة أصلا للدولة ومفيدة بسجلاتها وتسير بأوامرها.
الطاعة والتربية وكثرة العبادة وهناك من يقول ان علينا أن ننشغل بطاعة الله وبتربية المسلمين وعلينا بالاجتهاد فى العبادة لأن كل هذا الذل الذى نعيش فيه من ذنوبنا ومن أعمالنا سلط علينا ويستدل أحيانا بالحكمة القائلة من مالك بن دينار يقول الله عز وجل (انا الله ملك الملوك قلوب الملوك بيدى فمن أطاعنى جعلتهم عليه رحمه ومن عاصنى جعلتهم عليه نقمة فلا تشغلوا أنفسكم بسبب الملوك ولكن توبوا إلى أعطفهم عليكم) .
والحقيقة من ظن أن هذه الحكمة هى ناسخة لفريضتى الجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فقد أهلك نفسه وأهلك من أطاعه واستمع له ومن يريد حقا أن ينشغل بأعلى درجات الطاعة وأن يكون فى قمة العبادة فعليه بالجهاد فى سبيل الله وذلك مع عدم اهمال بقية اركان الإسلام.
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف الجهاد بأنه ذروة سنام الإسلام ويقول صلى الله عليه وسلم.
(من لم يغز أو تحدثه نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية أو على شعبة من نفاق) ولذلك يقول المجاهد فى سبيل الله عبد الله بن المبارك الذى أبكى الفضيل.
يا عاد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب ويقول البعض ان الانشغال بالسياسة يقسى القلب ويلهى عن ذكر الله وأمثال هؤلاء كأنما يتجاهلون قول النبى صلى الله عليه وسلم أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر والحق يقول من يتكلم بهذه الفلسفات أما أنه لا يهتم بالإسلام أو هو جبان لا يريد أن يقف بصلابة مع حكم الله.
قيام حزب اسلامى وهناك من يقول ان علينا أن نقيم حزبا اسلاميا فى قائمة الأحزاب الموجودة وفى الحقيقة أن هذا يزيد الجمعيات الخيرية بكونه حزبا يتكلم فى السياسة بالاضافة إلى ذلك فان الهدف الذى قام من أجله تحطيم دولة الكفر سوف يكون العمل عن طريق الحزب هو عكسه وهو بناء دولة الكفر فهم يشاركونهم فى الآراء ... ويشتركون فى عضوية المجالس التشريعية التى تشرع من دون الله.
الاجتهاد من أجل الحصول على المناصب وهناك من يقول ان على المسلمين الاجتهاد من أجل الحصول على المناصب فتملأالمراكز بالطبيب المسلم والمهندس المسلم وبذلك يسقط النظام الكافر وحده وبدون مجهود ويتكون الحاكم المسلم.. والذى يسمع هذا الكلام لأول وهلة يظنه خيالا أو مزاحا ولكن الحقيقة أن بالحقل الإسلامى من يفلسف الأمور بهذه الطريقة وهذا الكلام بالرغم من أنه لا دليل له من الكتاب والسنة فان الواقع حائل دون تحقيقه فهمها وصل الأمر إلى تكوين أطباء مسلمين ومهندسين مسلمين فهم أيضا فى بناة الدولة ولن يصل الأمر الى توصيل أى شخصية مسلمة إلى منصب وزارى إلا اذا كان مواليا للنظام موالاة كاملة.
الدعوة فقط وتكوين قاعدة عريضة ومنهم من يقول ان الطريق لاقامة الدولة هو الدعوة فقط واقامة قاعدة عريضة وهذا لا يحق قيام الدولة بالرغم من أن البعض جعل هذه النقطة أساس تراجعه عن الجهاد والحق أن الذى سيقيم الدولة هم القلة المؤمنة والذين يستقيمون على أمر الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دائما قلة بدليل قول الله عز وجل وقليل من عبادى الشكور وقوله سبحانه {وإن تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله} وتلك سنة الله فى أرضه فمن أين سنأتى بهذه الكثرة المأمولة ويقول سبحانه {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} والإسلام لا ينتصر بالكثرة فالله سبحانه وتعالى يقول {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله} ويقول سبحانه {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت} ويقول صلى الله عليه وسلم ولينزعن الله الهيبة من قلوب أعدائكم وليقذفهن فى قلوبكم الوهن وذلك بعد أن سالوه صلى الله عليه وسلم أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله قال بل أنتم يومئذ كثير ولكن عثاء كغثاء السيل.
ثم كيف تنجح الدعوة هذا النجاح العريض وكل الوسائل الاعلامية الآن تحت سيطرة الكفرة والفسقة والمحاربين لدين الله ... فالسعى المفيد حقا هو من أجل تحرير هذه الأجهزة الاعلامية من أيدى هؤلاء ومعلوم أنه بمجرد النصر والتمكين تكون هناك استجابة فيقول سبحانه وتعالى {إذا جاء نصر الله والفتح.
ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا} .
ويجدر بنا فى استعراض هذه النقطة الرد على من يقول انه لابد أن يكون الناس مسلمين حتى نطبق الإسلام عليهم كى يستجيبوا له وكى لا نفشل فى تطبيقه والذى يتشدق بهذا الكلام فهو انما يتهم الإسلام بالنقص والعجز دون أن يشعر فهذا الدين الصالح للتطبيق فى كل زمان ومكان وقادر على تسيير المسلم والكافر والفاسق والصالح والعالم والجاهل وإذا كان الناس يعيشون تحت أحكام الكفر فكيف بهم اذا وجدوا أنفسهم تحت حكم الإسلام الذى هو كله عدل.
وقد أخطأ الفهم من يفهم كلامى هذا بمعنى التوقف عن الدعوة (دعوة الناس إلى الإسلام) فالأساس هو أن يأخذ الاسلام ككل ولكن ذلك رد على من جعل قضيته هى تكوين القاعدة العريضة وانشغل عن الجهاد بل من أجلها أوقفه وعطله.
الهجرة وهناك من يقول ان الطريق لاقامة الدولة الإسلامية هو الهجرة الى بلد أخرى واقامة الدولة هناك ثم العودة مرة أخرى فاتحين، ولتوفير جهد هؤلاء فعليهم أن يقيموا دولة الإسلام ببلدهم ثم يخرجوا منها فاتحين وهل هذه الهجرة شرعية أم لا.
للاجابة على هذا التساؤل ندرس أنواع الهجرة الواردة فى السنة فى تفسير حديث فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله كانت هجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر اليه، يقول ابن حجر والهجرة الى الشىء الانتقال اليه من غيره، وفى الشرع ترك ما نهى الله عنه وقد وقعت فى الإسلام على وجهين الأول الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن كما فى هجرتى الحبشة.
وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة. الثانى الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان وذلك بعد أن استقر النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهاجر اليه من أمكنه ذلك من المسلمين.
ولا عجب فى ذلك فان هناك من يقول انه سوف يهاجر إلى الجبل ثم يعود فيلتقى بفرعون كما فعل موسى وبعد ذلك يخسف الله بفرعون وجنوده الأرض وكل هذه الشطحات ما نتجت إلا من جراء ترك الأسلوب الصحيح والشرعى الوحيد لاقامة الدولة الإسلامية.
اذا فما هو الأسلوب الصحيح يقول الله تعالى {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم} ويقول سبحانه {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} .
الانشغال بطلب العلم وهناك من يقول ان الطريق الآن هو الانشغال بطلب العلم، وكيف نجاهد ولسنا على علم وطلب العلم فريضة ولكننا لم نسمع بقول واحد يبيح ترك أمر شرعى أو فرض من فرائض الإسلام بحجة العلم خاصة اذا كان هذا الفرض هو الجهاد فكيف نترك فرض عين من أجل فرض كفاية ثم كيف يتأتى أن نكون قد تعلمنا أقل السنن والمستحبات وننادى بها ثم نترك فرضا عظمه الرسول صلى الله عليه وسلم ثم الذى تعمق فى العلم إلى درجة أنه عرف الصغيرة والكبيرة كيف يمر عليه قدر الجهاد وعقوبة تأخيره أو التقصير فيه ومن يقول ان العلم جهاد عليه أن يعلم أن الفرض هو القتال لأن الله سبحانه وتعالى يقول {كتب عليكم القتال} ومعلوم أن رجلا شهد الشهادتين بين يدى رسول الله صلى اله عليه وسلم ثم نزل ميدان القتال فقاتل حتى قتل قبل أن يفعل شيئا سواء فى العلم أو فى العبادة فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا العمل القليل بالأجر الكثير.
وحدود العلم أن من علم فرضية الصلاة فعليه أن يصلى، ومن علم فرضية الصيام فعليه أن يصوم كذلك، ومن علم فرضية الجهاد فعليه أن يجاهد ومن يصرح بعدم علمه بأحكام الجهاد فعليه أن يعرف أن أحكام الإسلام سهلة وميسرة لمن اختلص النية لله فعلى هذا أن ينوى الجهاد فى سبيل الله وبعد ذلك فأحكام الجهاد تدرس بسهولة ويسر وفى وقت قصير جدا والأمر لا يحتاج إلى ومن أراد أن يزداد من العلم فوق هذا الحد فليس هناك حكر على العلم فالعلم متاح للجميع أما تأخير الجهاد بحجة طلب العلم فتلك حجة من لا حجة له وهناك مجاهدون منذ بداية دعوة النبى صلى الله عليه وسلم وفى عصور التابعين حتى عصور قريبة لم يكونوا علماء وفتح الله على أيديهم أمصارا كثيرة ولم يحتجوا بطلب العلم أو بمعرفة علم الحديث وأصلو الفقه بل أن الله سبحانه وتعالى جعل على أيديهم نصرا للاسلام لم يقم به علماء الأزهر يوم أن دخل نابليون وجنوده الأزهر بالخيل والنعال ماذا فعلوا بعلمهم أمام تلك المهزلة فالعلم ليس هو السلاح الحاد والقاطع الذى سوف يقطع دابر الكافرين ولكن هذا السلاح الذى ذكره لنا المولى عز وجل فى قوله قالتوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ونحن لا نحقر قدر العلم والعلماء بل ننادى به ولكن لا نحتج به فى التخلى عن فرائض شرعها الله.
بيان أن أمة الإسلام تختلف عن الأمم الأخرى فى أمر القتال يوضح الله تعالى أن هذه الأمة تختلف عن الأمم الأخرى فى أمر القتال ففى الأمم السابقة كان الله سبحانه وتعالى ينزل عذابه على الكفار وأعدائه دينه بالسنن الكونية كالخسف والغرق والصيحة والريح وهذا الوضع يختلف مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم فالله سبحانه وتعالى يخاطبهم قائلا لهم {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين} أى أنه على المسلم أولا أن ينفذ الأمر بالقتال بيده ثم بعد ذلك يتدخل الله سبحانه وتعالى بالسنن الكونية وبذلك يتحقق النصر على أيدى المؤمنين من عند الله سبحانه وتعالى.
الخروج على الحاكم جاء فى صحيح مسلم بشرح النووى عن جنادة بن أبى أمية قال دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض فقلنا حدثنا أصلحك الله بحديث ينفع الله به سمعته عن رسول الله صلى اله عليه وسلم فقال دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة فى منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا وأن لا ننازع المر أهله قال إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان.
بواح أى ظاهر والمراد بالكفر هنا المعاصى.
معنى عندكم من الله فيه برهان أى تعلمونه من دين الله.
ويقول النووى فى شرح الحديث (قال القاضى عياض أجمع العلماء على أن الأمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل قال وكذا لو ترك اقامة الصلوات والدعاء اليها وكذلك قال عند جمهورهم المبدعة قال وقال بعض البصريين تنعقد له وتسند له لأنه متأول قال القاضى لو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب امام عادل ان أمكنهم ذلك إلا لطائفة وجبت عليهم القايم بخلع الكافر (صحيح مسلم - باب الجهاد) وهذا الباب هو أيضا رد على القائلين بأنه لا يجوز القتال إلا تحت خليفة أو أمير.
ويقول ابن تيمية (كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة اللمتواتر فانه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين وان تكلمت بالشهادتين) .
(الفتاوى الكبرى باب الجهاد ص 281) .
العدو القريب والعدو البعيد وهناك قول بأن ميدان الجهاد اليوم هو تحرير القدس كأرض مقدسة والحقيقة أن تحرير الأراضى المقدسة أمر شرعى واجب على كل مسلم ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف المؤمن بأنه كيس فطن أى أنه يعرف ما ينفع وما يضر ويقدم الحلول الحاسمة الجذرية وهذه نقطة تستلزم توضيح الآتى أولا ان قتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد.
ثانيا ان دماء المسلمين التى ستنزف حتى وأن تحقق النصر فالسؤال الآن هل هذا النصر لصالح الدولة الإسلامية القائمة أم أن هذا النصر هو لصالح الحكم الكافر القائم وهو تثبيت لأركان الدولة الخارجة عن شرع الله وهؤلاء الحكام انما ينتهزون فرصة أفكار هؤلاء المسلمين الوطنية فى تحقيق أغراضهم الغير إسلامية وإن كان ظاهرها الإسلام فالقتال يجب أن يكون تحت راسة مسلمة وقيادة مسلمة ولا خلاف فى ذلك.
ثالثا ان أساس وجود الاستعمار فى بلاد الإسلام هم هؤلاء الحكام فالبدء بالقضاء على الاستعمار هو عمل غير مجدد وغير مفيد وما هو إلا مضيعة للوقت.
فعلينا أن نركز على قضيتنا الإسلامية وهى إقامة شرع الله أولا فى بلدنا وجعل كلمة الله هى العليا فلا شك أن ميدان الجهاد الأول هو اقتلاع تلك القيادات الكافرة واستبدالها بالنظام الإسلامى الكامل ومن هنا تكون الانطلاقة.
الرد على من يقول ان الجهاد فى الإسلام للدفاع فقط ويجدر بنا فى هذا الصدد الرد على من قال أن الجهاد فى الإسلام للدفاع وان الإسلام لم ينشر بالسيف وهذا قول باطل ردده عدد كبير ممن يبرز فى مجال الدعوة الإسلامية والصواب يجيب به رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل أى الجهاد فى سبيل الله.
قال من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله فالقتال فى الإسلام هو لرفع كلمة الله فى الأرض سواء هجوما أو دفاعا.. والإسلام انتشر بالسيف ولكن فى وجه ائمة الكفر الذين حجبوه عن البشر، وبعد ذلك لا يكره أحد فواجب على المسلمين أن يرفعوا السيوف فى وجوه القادة الذين يحجبون الحق ويظهرون الباطل والا لن يصل الحق إلى قلوب الناس واقرأ معى رسالة النبى صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عن ابن عباس فى صحيح البخارى ونصها.
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى - أما بعد فانى أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فان توليت فانما عليك اثم ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أرباب من دون الله فان تولوا فقلوا اشهدوا بأنا مسلمون ونضيف نص رسالة النبى صلى الله عليه وسلم إلى كسرى أيضا.
بشم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وأدعوك بدعاء الله فانى أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين اسلم تسلم فان أبيت فان اثم المجوس عليك (أخرجه بن جرير عن طريق ابن اسحاق) .
وأخرج البيهقى نص رسالة الرسول إلى أهل نجران وهى باسم اله ابراهيم واسحاق ويعقوب من محمد النبى رسول الله إلى أسقف نجران وأهل نجران سلام عليكم.
فانى أحمد اليكم اله ابراهيم واسحاق ويعقوب أما بعد فانى أدعوك إلى عبادة الله من عبادة العباد وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد فإن أبيتم فالجزية فان أبيتن فقد آذنتكم بحرب والسلام.
وقد أرسل صلى الله عليه وسلم رسائل مشابهة إلى المقوقس والى ملك اليمامة والى المنذر بن ساوى عظيم البحرين والى الحارث بن أبى شمر الغسانى والى الحارث بن عبد كلال الحميرى والى ملكى عمان وغيرهم.
آية السيف ولقد تكلم أغلب المفسرين فى آية من آيات القرآن وسموها آية السيف وهى قول الله سبحانه وتعالى {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد} .
قال الحافظ بن كثير فى تفسير الآية (قال الضحاك بن مزاحم انها نسخت كل عهد بين النبى صلى الله عليه وسلم وبين أحد المشركين وكل عقد ومدة.
قال العوفى عن ابن عباس فى هذه الآية لم يبق لأحد من المشركين عهد ولا ذمة نزلت براءة.
ويقول الحافظ محمد بن أحمد بن محمد بن جزى الكلبى صاحب تفسير التسهيل لعلوم التنزيل (وتقدم هنا ما جاء من نسخ مسالمة الكفار والعفو عنهم والاعراض والصبر على أذاهم بالأم بقتالهم ليغنى ذلك عن تكراره فى مواضعه فانه وقع منه فى القرآن مائة وأربع عشرة آية من أربع وخمسين سورة نسخ ذلك كله بقوله {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} {كتب عليكم القتال} وقال الحسين بن فضل فيها هى آية السيف نسخت هذه كل آية فى القرآن فيها ذكر الاعراض والصبر على أذى الأعداء فالعجب ممن يستدل بالآيات المنسوخة على ترك القتال والجهاد.
وقال الامام أبو عبد الله محمد بن حزم فى الناسخ والمنسوخ باب الاعراض عن المشركين (فى مائة وأربع عشرة آية فى ثمان وأربعين سورة نسخ الكل بقوله عز وجل {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وسنذكرها فى مواضعها ان شاء الله تعالى) انتهت.
ويقول الامام المحقق أبو القاسم هبة الله بن سلامة اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم (الآية الثالثة هى الآية الثالثة وهى الناسخة ولكن نسخت من القرآن مائة آية وأربعا وعشرين ثم صار آخرها ناسخا لأولها وهى قوله تعالى {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} (كتاب الناسخ والمنسوخ) .
فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب وقال السدى والضحاك ان آية السيف منسوخة بآية فاذا لقيتم الذى كفروا فضرب الرقاب حتى اذا اثخنتموهم فشدوا الوثاق فاما منا بعد واما فداء وهى أشد على المشركين من آية الشيف وقال قتادة بالعكس ولا أعلم أحدا خالف القول بالمنسوخ سوى السيوطى قال فى كتاب الاتفاق (الأمر حين الضعف والقلة بالصبر بالصفح ثم نسخ بايجاب القتال وهذا فى الحقيقة ليس بل هو من قسم المنسأ كما قال تعالى {أو ننسها} فالمنسأ هو الأمر بالتقال إلى أن يقوى المسلمون وفى حال الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى وبهذا يضعف ما لهج به كثيرون من أن الآية فى ذلك منسوخة بآية السيف وليس كذلك بل هو المنسأ وقال ذكر جماعة أن ما ورد من الخطاب والتوقيت والغاية مثل قوله فى البقرة لاعفوا واصفحوا حتى يأتى الله بأمره حكم غير منسوخ لأنه مؤجل بأجل.
انتهى كلام السيوطى.
وبالرغم من مخالفة السيوطى لكل الأقوال السابقة مما لا يدع مجالا للشك بأن الصواب هو الأخذ بالقول الأول.
فبالاضافة إلى ذلك فانه قد أخطأ من فهم أن القول بعدم نسخ آيات العفو واصفح يعنى تعطيل فريضتى الجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أو اسقاط فرض الجهاد فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الجهاد ماض إلى يوم القيامة ويقول الأستاذ عبد الوهاب خلاف فى كتاب علم أصول الفقه ص 227 فان كونه ماضيا إلى يوم القيامة يدل على أنه باق ما بقيت الدنيا.
وتعطيل الجهاد بحجة النسأ ليس ايفاقا للغزو فقط ولكنه ايقاف لينة الغزو أيضا وخطورة ذلك فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يغز أو تحدثه نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية والأمر المتفق عليه أن المسلمين كى يجاهدوا لابد لهم من قوة ولكن كيف تتحقق هذه القوة وأنت معطل لفرض الجهاد والله سبحانه وتعالى يقول {ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم} فكونك لا تريد الخروج يتلوه تركك للعدة فالمسلم الذى أوقف فرض الجهاد انى له أن يأخذ بأسباب القوة ويقول صلى الله عليه وسلم اذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة، وترطوا الجهاد فى سبيل الله، وأخذوا أذناب البقر أنزل الله عليهم من السماء بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم.
مواقف المسلمين فى القتال جيوش المسلمين على مر العصور قليلو العدد والعدة ويواجهون جيوشا أضعافهم ويحتج البعض بأن تلك خصوصية للرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والرد على ذلك هو أن وعد الله بالنصر دائم مادامت السموات والأرض ومن الممكن أن تطلع على ما حدث مع ظهير الدين بابر الذى واجه الملك الهندوكى (دانا سنجى) وجيشه عشرون ألفا وجيش الملك الهندوكى مائتا ألف وانتصر القائد المسلم بعد توبته عن شرب الخمر وغيره كثيرون المجتمع المكى والمجتمع المدنى وهناك من يدعى أننا نعيش فى مجتمع مكى مجتهدا فى ذلك كى يحصل على رخصة بترك الجهاد فى سبيل الله فان من يضع نفسه فى مجتمع مكى لكى يترك فريضة الجهاد فعليه أن يترك الصوم والصلاة وأن يأكل الربا لن الربا لم يحرم إلا فى المدينة والصواب هو أن مكة هى فترة نشأة الدعوة وقول الله سبحانه وتعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} قد نسخ كل هذه الأفكار التثبطية بحجة أننا ميكون فنحن لا نبدأ كما بدأ النبى صلى الله عليه وسلم ولكن نأخذ بما انتهى به الشرع ونحن لسنا فى مجتمع مكى ولسنا أيضا فى مجتمع مدنى ولكى تعرف المجتمع الذى نعيش فيه راجع فصل (الدار التى نعيش فيها) .
القتال الآن فرض على كل مسلم والله سبحانه وتعالى عندما فرض الصيام قال {كتب عليكم الصيام} وفى أمر القتال قال {كتب عليكم القتال} أى أن القتال فرض وذلك رد على من قال أن الفرض هو الجهاد ومن هنا يقول اننى اذا قمت بواجب الدعوة فقد أديت الفرض لأن ذلك جهاد.
واذا خرجت فى طلب العلم فأنا فى سبيل الله حتى أرجع بنص الحديث فبذلك فقد أديت الفرض.
فالفرض واضح بالنص القرآنى أنه القتال أى المواجهة والدم.
والسؤال الآن متى يكون الجهاد فرض عين يتعين الجهاد فى ثلاثة مواضع أولا اذا التقى الزحفان وتقابل الصفان حرم على من حضر الانصارف وتعيين عليهم المقام لقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا} وقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار} ثانيا - اذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم.
ثالثا - اذا استنفر الامام قوما لزمهم لقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل.
إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شىء قدير} وقال صلى الله عليه وسلم إذا استنفرتم فانفروا انتهى.
وبالنسبة للاقطار الإسلامية فان العدو يقيم فى ديارهم بل أصبح العدو يمتلك زمام الأمور وذلك العدو هم هؤلاء الحكام الذين انتزعوا قيادة المسلمين ومن هنا فجهادهم فرض عين هذا بالاضافة الى أن الجهاد الإسلامى اليوم يحتاج إلى قطرة عرق كل مسلم.
وأعلم أنه اذا كان الجهاد فرض عين فليس هناك استئذان للوالدين فى الخروج للجهاد كما قال الفقهاء فمثله كمثل الصلاة والصوم.
مراتب الجهاد وليست مراحل الجهاد الواضح أن الجهاد اليوم فرض عين على كل مسلم وبالرغم من ذلك نجد أن هناك من يحتج بأنه يحتاج إلى تربية نفسه وأن الجهاد مراحل فهو مازال فى مرحلة جهاد النفس ويستدل على ذلك بقول الامام بن القيم الذى قسم الجهاد إلى مراتب 1 - جهاد النفس.
2 - جهاد الشيطان. 3 - جهاد الكافر والمنافقين.
وهذا الاستدلال ينبىء من خلفه أما جهل كامل أو جبن فاحش.
ذلك لأن ابن القيم قسم الجهاد إلى مراتب ولم يقسمه الى مراحل.. والا فعلينا أن نتوقف عن مجاهدة الشيطان حتى ننتهى من مرحلة جهاد النفس والحقيقة أن الثلاثة مراتب تسير سويا فى خط مستقيم ونحن لا ننكر أن أقوانا ايمانا وأكثرنا مجاهدة لنفسه أكثرنا ثباتا ولكن من يدرس السيرة يجد أنه عندما يندى منادى الجهاد كان الجميع ينفر فى سبيل الله حتى مرتكبى الكبيرة وحدينى العهد بالإسلام ويروى أن رجلا أسلم أثناء القتال ونزل فى المعركة فقتل شهيدا فقال صلى الله عليه وسلم عمل قليل وأجر كثير.. وقصة أبو محجن الثقفى الذى كان يدمن الخمر وبلاؤه فى حرب فارس مشهور نذكر بن القيم ان حديث رجعنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر قيل ما الجهاد الأكبر يا رسول الله قال جهاد النفس أنه حديث موضوع (المنار للسيف) وما قصد بوضع هذا الحديث إلا التقليل من شأن القتال بالسيف لشغل المسلمين عن قتال الكفار والمنافقين.
خشية الفشل وهناك قول بأننا نخشى أن نقيم الدولة ثم بعد يوم أو يومين يحدث نرد فعل مضاد يقضى على كل ما أنجزناه.
والرد على ذلك هو ان اقامة الدولة الإسلامية هو تنفيذ لأمر الله ولسنا مطالبين بالنتائج والذى يتشدق بهذا القول الذى لا فائدة من ورائه إلا تثبيط المسلمين عن تأدية واجبهم الشرعى باقامة شرع الله قد نسى أنه بمجرد سقوط الحكم للكافر فكل شىء سوف يصبح بأيدى المسلمين مما يستحيل معه سقوط الدولة المسلمة.
ثم ان قوانين الإسلام ليست قاصرة ولا ضعيفة عن اخضاع كل مفسد فى الأرض خارج عن أمر الله.
وبالاضافة إلى ذلك فان قوانين الله كلها عدل لن تجد سوى كل ترحاب حتى ممن لا يعرف الإسلام ولتوضيح موقف المنافقين فى عدائهم للمسلمين ليطمئن الذين يخشون الفشل بقول المولى فى سورة الحشر {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون.
لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون} وهذا وعد الله فانهم (المنافقين) اذا رأوا أن القوة فى صف الإسلام سوف يعودون مذعنين فلا تنخذع لهذه الأصوات فانها سرعان ما تخمد واتنطفىء وموقف المنافقين سوف يكون موقف كل أعداء الإسلام ويقول الله تعالى {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} .
القيادة وهناك من يحتج بعدم وجود قيادة تقود مسيرة الجهاد وهناك من يعلق أمر الجهاد بوجود أمير أو خليفة والقائلون لهذا القول هم الذين ضيعوا القيادة وأوقفوا مسيرة الجهاد والرسول صلى الله عليه وسلم يحض المسلمين فى أحاديثه على تكوين القيادات يروى أبو داود فى كتاب الجهاد قال صلى الله عليه وسلم اذا خرج ثلاثة فى سفر فليؤمروا أحدهم ومن هنا تدرك أن قيادة المسلمين بأيديهم هم الذين يظهرونها ويقول صلى الله عليه وسلم من استعمل على عصابة وفيهم من هو ارضى لله منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين رواه الحاكم ورمز السيوطى الى صحته.
فينبغى أن تكون للأحسن اسلاما ويقول صلى الله عليه وسلم لأبى ذر انك ضعيف وانها أمانة وينبغى أن تكون للاقوى والأمر نسبى، وما نستنتجه أن قائد المسلمين فليس هناك حجة لمن يدعى فقدان القيادة فانهم يستطيعون أن يخرجوا من أنفسهم القيادة.
واذا كان فى القيادة شىء من القصور فما من شىء إلا ويمكن اكتسابه.. أما أن تفقد بحجة فقدان القيادة فهذا لا يجوز.. وقد نجد فقيها ولكن ليس عالما بأحوال الزمان والقيادة والتنظيم وقد نجد العكس ولكن كل هذا لا يعفينا من ايجاد القيادة وأن نخرج أنسبنا لقيادتنا فى وجود الشورى والنواقص يمكن استكمالها.
والآن لم تعد هناك حجة لمسلم فى ترك فريضة الجهاد الملقاة على عاتقه فلابد من البدء وبكل جد فى تنظيم عملية الجهاد لاعادة الإسلام لهذه الأمة واقامة الدولة واستئصال طواغيت لا يزيدون عن كونهم بشر لم يجدوا أمامهم من يقمعهم بأمر الله سبحانه وتعالى.
البيعة على القتال والموت أخرج البخارى عن سلمة رضى الله عنه قال بايعت النبى صلى الله عليه وسلم ثم عدلت إلى ظل الشجرة فلما حف الناس قال يا ابن الأكوع إلا تبايع.
قلت بايعت يا رسول الله. قال أيضا. فبايعته الثانية فقلت له يا أبا سلمة على أى شىء كنتم تبايعون يومئذ.
قال على الموت وأخرجه أيضا مسلم والترمذى. وأخرج البخارى ص 415 أيضا عن عبد الله بن زيد رضى الله عنه قال لما كان زمن الحرة أتاه آت فقال له ان ابن حنظلة يبايع الناس على الموت فقال لا أابيع على هذا أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه أيضا مسلم فى العين ص 15 والبيهقى.
والرواية السابقة تفيد جواز البيعة على الموت ولسنا بصدد دراسة موقف عبد الله بن زيد.
وهناك فارق بين بيعة الموت والبيعة المطلقة للخليفة فقط وليس معنى ذلك أن أمير الجند لا يطاع فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أطاعنى فقد أطاع الله ومن عصانى فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعنى ومن يعصى الأمير فقد عصانى (متفق عليه) .
وعن ابن عباس فى قوله تعالى {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم} نزلت فى عبد الله بن حذافة بعثه رسول الله فى سرية أى كان أمير جهاد.
التحريض على الجهاد فى سبيل الله ولا يجب على المسلم إلا أن يعد نفسه للجهاد فى سبيل الله فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (انتدب الله لمن خرج فى سبيل الله لا يخرجه إلا الجهاد فى سبيل الله وايمان بى وتصديق برسولى فهو على ضامن أن ادخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذى خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة) متفق عليه.
ويقول صلى الله عليه وسلم من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وأن مات على فراشه.
رواه مسلم والبيهقى عن أبى هريرة وجاء رجل رسول الله فقال دلنى على عمل يعدل الجهاد قال لا أجده.
قال هل تسطتيع اذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر قال من يستطيع ذلك.
قال أبو هريرة ان فرض المجاهد ليستن (يتحرك) فى طوله يكتب له حسنات.
قال أبو هريرة ان فرض المجاهد صلى الله عليه وسلم للشهيد عند الله ست خصال.
يغفر له من أول دفعه دم، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر ويأمن الفزع الأكبر، ويحلى حلية الايمان، ويزوج من الحول العين، ويشفع فى سبعين من أقاربه (الترمذى) .
عقوبة ترك الجهاد ترك الجهاد هو السبب فيما يعيش فيه المسلمون اليوم من ذلك ومهانة وتفرق وتمزق فقد صدق فيهم قول المولى عز وجل {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل.
إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شئ قدير} التوبة 38، 39.
ويقول ابن كثير فى تفسير هذه الآيات (هذا شروع فى عتاب من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك حين طابت الثمار والطلال فى شدة الحر وحمارة القيظ فقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض} أى اذا دعيتم للجهاد فى سبيل الله اثاقلتم الى الأرض أى تكاسلتم وملتم إلى المقام فى الدعة والخفض وطيب الثمار {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة} ما لكم فعلتم رضا منكم بالدنيا بدلا من الآخرة ثم زهد تبارك وتعالى فى الدنيا ورغب فى الآخرة فقال {فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل} ثم توعد الله تعالى من ترك الجهاد فقال {إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما} قال ابن عباس استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا من العرب فتثاقلوا عنه فأمسك الله عنهم القطر فكان عذابهم ويستبدل قوما غيركم أى لنصرة نبيه وإقامة دينه.
كما قال تعالى {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} {ولا تضروه شيئا} أى ولا تضروا الله شيئا بتوليكم عن الجهاد وتثاقلكم عنه.
ويقول صلى الله عليه وسلم اذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة.
تركوا الجهاد فى سبيل الله، وأخذوا أذناب البقر أنزل عليهم من السماء بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم، ولا يجب على مسلم ان يرضى أن يكون الآن فى صفوف النساء كما أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جهادهم فى الحج والعمرة.
شبهات فقهية والرد عليها هناك من خيشى الدخول فى هذا النوع من القتال محتجا بأن الذين يواجهونه هم جنود فيهم المسلم وفيهم الكافر فكيف نقاتل مسلمين ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان القاتل والمقتول فى النار.
ولقد تعرض شيخ الإسلام ابن تيمية لنفس السؤال فكانت مسألة من مسائل الفتاوى الكبرى.
(517) فى أجناد يمتنعون عن قتال التتار ويقولون ان فيهم من يخرج مكرها (والجواب) يقول ابن تيمية (فمن شك فى قتالهم فهو باتفاق المسلمين كما قال العباس لما أسر يوم بدر يا رسول الله انى خرجت مكرها فقال النبى صلى الله عليه وسلم أما ظاهرك فكان علينا وأما سريتك فالى الله وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار اذا تترسوا أى احتموا بمن عندهم من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر اذا لم يقاتلوا فانهم يقاتولن وان أفضى ذلك إلى قتل المسملين الذين تترسوا بهم وان لم يخف على المسملين ففى جواز القتال المفضى إلى قتل هؤلاء المسلمين قولان مشهوران للعلماء وهؤلاء المسلمون اذا قتلوا كانوا شهداء ولا يترك الجهاد الواجب لأجل من يقتل شهيدا فان المسلمين اذا فاتولا الكفار فمن قتل من المسلمين يكون شهيدا ومن قتل شهيدا وهو فى الباطن لا يستحق القتل لاجل مصلحة الإسلام كان شهيدا.
وقد ثبت فى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال يغزو جيش من الناس فبينما هم ببيداء من الأرض اذ خسف بهم فقيل يا رسول الله وفيهم المكره فقال يبعثون على نياتهم فاذا كان العذاب الذى ينزله الله بالجيش الذى يغزو المسلمين ينزله بالمكره وغيره فكيف يالعذاب الذى يعذبهم الله به أو بأيدى المؤمنين كما قال تعالى {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا} ونحن نعلم أننا لا نقدر على التمييز بين المكره وغيره فاذا قتلناهم بأمر الله كنا فى ذلك مأجورين ومعذورين وكانوا هم على نياتهم فمن كان مكرها لا يستطيع الامتناع فانه يحشر على نيته يوم القيامة فاذا قتل لاجل قيام الدين لم يكن ذلك بأعظم من قتل من يقتل من عسر المسلمين وأما اذا هرب أحدهم فان من الناس من يجعل قتالهم بمنزلة قتال البغاة المتأولين وهؤلاء اذا كان لهم طئافة ممتنعة فهل يجوز اتباع مدبرهم وقتل اسيرهم والاجهاز على جريحهم على قولين للعلماء مشهورين فقيل لا يفعل ذلك لأن منادى على بن أبى طالب نادى يوم الجمل لا يتبع مدبر ولا يجهز على جريح ولا يقتل أسير وقيل بل يفعل ذلك لأنه يوم الجمل لم يكن لهم طائفة ممتنعة وكان المقصود من القتال دفعهم فلما اندفعوا لم يكن إلى ذلك حاجة بمنزلة جفع الصائم وقد روى أنه يوم الجمل وصفين كان أمرهم بخلاف ذلك فمن جعلهم بمنزلة البغاة المتأولين جعل فيهم هذين القولين والصواب أن هؤلاء ليسوا من البغة المتأولين فان هؤلاء ليس لهم تأويل سائغ أصلا وانما هم من جنس الخوارج المارقين ومانعى الزكاة وأهل الطائف ونحوهم ممن قوتلوا على ما خرجوا عنه من شرائع الإسلام وهذا موضع اشتبه على كثير من الناس من الفقهاء.
أسلوب القتال المناسب مع تقدم الزمن وتطور البشرية يبدو تساؤل لا شك أن أساليب القتال الحديثة قد تختلف شيئا ما عن أساليب القتال فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم فما هو أسلوب قتال المسلم فى العصر الحديث وهل له أن يعمل عقله ورأيه مخادعة الكفار فن من فنون القتال فى الإسلام يقول (الحرب خدعة) ويقول النووى فى شرح الحديث (أتفق العلماء على جواز خداع الكفارة فى الحرب كيفما أمكن الخداع الا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل) ومعلوم أنه لا عهد بيننا وبينهم حيث أنهم محاربون لدين الله سبحانه وتعالى والمسلمون أحدار فى اختيار أسلوب القتال المناسب على أن تتحقق الخدعة وهى النصر بأقل الخسائر وأيسر السبل.
أسلوب القتال فى غزة الأحزاب بعد أن نجح ساسة اليهود فى تأليب الأحزاب الكافرة على النبى صلى الله عليه وسلم ودعوته.
وأصبح الوضع خطيرا، رسم المسلمون على عجل خطة فريدة لم تسمع العرب عنها من قبل، فهم لا يعرفون إلا قتال الميادين المكشوفة، وتلك الخطة أشار بها الفارسى وهى حفر خندق عميق يحيط بالمدينة من ناحية السهل ويفصل بين المدافعين والمغيرين، فأسلوب القتال ليس وحيا ولا سنة ثابتة ولكن المسلم له أن يعمل عقله ويدبر ويخطط والأمر يعود فيه للمشورة.
الكذب على الأعداء وقد صح فى الحديث جواز الكذب فى ثلاثة أشياء قال الطبرى انما يجوز من الكذب فى الحرب المعارضة دون حقيقة الكذب فانه لا يحل هذا كلامه والظاهر هو اباحة حقيقة نفس الكذب لكن الاقتصار على التعويض أفضل والله أعلم (سلم شرح النووى) .
تخطيطات اسلامية ومن خلال دراسة السرايا يخرج السملم بتخطيطات اسلامية وخدع قتالية تمضى أحكامها على كثير من المسلمين ونذكر على سبيل المثال 1 - سرية مقتل كعب بن الأشرف فى السنة الثالثة من الهجرة فى صحيح البخارى عن جابر بن عبد الله قال صلى الله عليه وسلم من لكعب ابن الأشرف فانه قد آذى الله ورسوله فقام محمد بن مسلمة فقال يا رسول الله أتحب أن أقتله.
قال نعم. قال فاذن لى أن أقول شيئا (وهو استئذان من النبى صلى الله عليه وسلم بأن يتكلم كلاما وحتى لو كان منافيا للايمان وذلك لاظهار الكفر أمام كعب بن الأشرف فأذن له) .
قال صلى الله عليه وسلم قل فأتاه محمد بن مسلمة فقال ان هذا الرجل (يقصد النبى صلى الله عليه وسلم قد سألنا صدقة وقد عنانا وهبذا القول ظاهره انكار الصدقة والتعدى على النبى صلى الله عليه وسلم وهذا كفر) وهذا يفيد بأنه من الممكن للمسلم اظهار موالاته الكاملة للعدو فى الحرب ولو وصل الأمر إلى اظهار الشرك والكفر.
وانى قد أتيتك استسلفك قال وأيضا والله لملته، قال أنا قد ابتعناه فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى شىء يصير شأنه وقد أردنا أن تسلنا وسقا أو وسقين، فقال كعب نعم ارهنونى، قالوا أى شىء تريد قالوا ارهنونى نساءكم قالوا كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب قال أرهنونى أبناءكم قالوا كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم فيقال رهن بوسق أو وسقين هذا عار علينا ولكنا نرهنك الأمة (أى السلاح) فواعداه أن يأتيه فجاءه ليلا ومعه أوب نائلة وهو أخو كعتب من الرضاعة فدعاهم الى الحصن فنزل اليهم فقال له امرأته أين تخرج هذه الساعة فقال له أسمع صوته كأنه يقطر، قال انما هو أخى محمد بن مسلمة ورضيعى أبو نائلة ان الكريم اذا دعى إلى طعنة بليل لأجاب.
قال ويدخل محمد بن مسلمة ومعه رجلان ميل لسفيان سماهم عمرو قال (الحارث بن بشر، وعياد بن بشر) قال عمرو فقال محمد بن مسلمة اذا جاء فانى قائل (أى جاءب بشعره) فأشمه فاذا رأيتمونى استمكت من رأسه فدونكم فاضربوه (وتلك هى طريقة للتمكن من قتله حيث انه كان ضخم الجثة قوى البنية) وفى هذه القصة من الفوائد فى فن القتال الكثير وقد زعم بعض المستشرقين ومن فى قلوبهم مرض أن مقتل كعب بن الأشرف كان غدرا وخيانة له والرد عليهم هو أن ذلك الكافر قد نقض عهده وأمعن فى ايذاء المسملين وقد جاء اليهود إلى النبى صلى الله عليه وسلم بعد مقتل كعب بن الأشرف فقالوا يا محمد قد طرق أى قتل صاحبنا الليلة وهو سيد من ساداتنا قتل غليله بلا جرم ولا حدث علمناه قال صلى الله عليه وسلم أنه لو قر كما تد غيره ممن هو على مثل رأيه ما اغتيل، ولكنه آذانا وهاجانا بالشعر ولم يفعل هذا أحد منكم الا كان للسيف.
(الصارم المسلول على شاتم الرسول ص 71 لابن تيمية) .
2 - سرية عبد الله إلى أبى سفيان، وكانت فى السنة الرابعة وسببها أن النبى بلغه أن شعبان بن خالد الهذلى يقيم بعمرنه وأنه يجمع الجموع لحرب المسلمين فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله ابن أنيس الجهنى بقتله قال عبد الله قلت يا رسول الله انعته (صفه لى) حتى أعرفه فقال صلى الله عليه وسلم انك اذا رأيته اذكرك الشيطان وآية ما بينك وبينه ذلك قال واستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول (هو نفس أذن محمد بن مسلمة) فأذن لى ثم قال لى (انتسب إلى خزاعة) (وهذا كذب ولكنه مباح) .
قال عبد الله فعرفته تبعث (أى بوصف) رسول الله صلى الله عليه وسلم وشعرت بالخوف منه فقلت صدق رسول الله.
قال عبد الله وكان وقت العصر قد دخل حين رأيته فخشيت أن تكون بينى وبينه محادثة تشغلنى عن الصلاة فصليت وأنا أمشى نحوه أومىء أيماء برأسى.
فلما انتهيت إليه قال ممن الرجل قلت من خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك (وفى هذا القول اظهار الموالاة) قال أجل أنى لا جمع له قال عبد الله فمشيت معه وحدثته فاستحلى حديثى وانشدته وقلت عجبا لما أحدث محمد من هذا الدين المحدث فارق الآباء وسفه أحلامهم (وهذا القول كفر) قال (أبى سفيان) أنه لم يلق أحد يشبهنى، وهو يتوكأ على عصا يهد الأرض حتى انتهى إلى خبائه وتفرق عنه أصحابه إلى منازل قريبة منه وهم يطيقون به، فقال هلم يا أخا خزاعة فدنوت منه.
فقال اجلس قال عبد الله فجلست معه حتى إذا هدأ الناس وناموا اغترته فقتلته وأخذته راسه ثم خرجت وتركت ظمأته منكبات عليه.
فلما قدمت المدينة وجدت رسو الله عليه الصلاة والسلام فلما رآنى قال افلح الوجه.
قالت افلح وجهك يا رسول الله، ثم وضعت الرأسى بين يديه وأخبرته خبرى.
3 - قصة نعيم بن مسعود فى غزوة الأحزاب.
لما جاء نعيم ابن مسعود مسلم أوصاه أن يكتم اسلامه ورده على المشركين يوقع بينهم فذهب نعيم الى بنى قريظة وقال لهم على هيئة النصيحة لا تقاتلوا مع القوم (يقصد قريشا وغطفان) حتى تأخذوا رهنا من أشرافهم يكونون ب أيديكم وذلك بعد أن أقنعهم أن قريشا وغطفان بصفتهم ليسوا من أهل المدينة فغن حدث شىء لحقوا ببلادهم وتركهم للنبى صلى الله عليه وسلم فقالوا له لقد اشرت بالرأى.
ثم أتى قريشا وأخبرهم أن يهود بنى قريظة قد ندموا على تحالفهم معكم وأرسلوا إلى محمد يقولون (هل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين رجالا من أشرافهم فتضرب أعناقهم) وأتى غطفان فقال مثل ذلك.
فأرسل أبو سفيان ورءوس غطفان إلى بنى قريظة عكرمة بن أبى جهل فى نفر من قريش وغطفان فقالوا لهم (اغدوا للقتال حتى نناجز محمدا) فأجابوا أن هذا يوم السبت لا نعمل فيه شيئا ولن نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا فانا نخشى ان اشتد عليكم القتال أن تنتشروا إلى بلادكم.
فلما رجعت الرسل قالت قريش وغطفان (والله الذى حدثكم به نعيم بن مسعود لحق) انا والله لا ندفع اليكم رجلا وأحدا من رجالنا.
فقالت بنو قريظة أن الذى ذكر لكم نعيم لحق.
ومن هنا انشب نعيم الفرقة فى صفوف الأحزاب. نقطة هامة جواز انغماس المسلم فى صفوف الكفار ان كان فى ذلك مصلحة للمسلمين يقول بن تيمية فى باب الجهاد صفحة 296 وقد روى مسلم فى صحيحه عن النبى صلى الله عليه وسلم قصة أصحاب الأخدود وفيها ان الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة الدين ولهذا جحوز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم فى صف الكفار وأن غلب على ظنه أنهم يقتلونه اذا كان فى ذلك مصلحة المسلمين.
ويعنى كلام بن تيمية جواز انغماس المسلم فى صفوف الجيش الكافر وان أدى ذلك إلى قتله حتى قبل أن يرى بعينه الفائدة من انغماسه.
الدعوة قبل القتال جواز الاغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام من غير انذار روى الامام مسلم عن بن عدى قال كتبت إلى نافع أسئلة عن الدعوة قبل القتال قال.
فكتب الى انما كان ذلك فى أول الإسلام قد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنى المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم وأصاب يومئذ قال يحيى احسبه قال جويرية او قال البيته ابنه الحارث.
الشرح قال النووى فى هذا الحديث جواز الاغارة على الكفار الذين بلغتهم الدعوة بغير انذار بالاغارة وفى هذه المسألة ثلاث مذاهب حكاها المازرى القاضى احدهما يجب الانذار مطلقا قال مالك وغيره وهذا ضعيف والثانى لا يجب مطلقا وهذا اضعف منه أو باطل، والثالث يجب ان لم تبلغهم الدعوه ولا يجب ان بلغتهم لكن يستحب، وهذا هو الصحيح وبه قال نافع مولى ابن عمر والحسن البصرى والثورى والليث والشافعى وأبو ثور وابن المنذر والجمهور.. وقال ابن المنذر وهو قول أكثر أهل العلم انتهى (مسلم شرح النووى) .
جواز تبيت الكفارة ورميهم وان أدى إلى قتل ذراريهم الاغارة ليلا عن ابن عباس عن الصعب بن جثمامه قال قلت يا رسول الله أنا نصيب فى البيان من ذرارى المشركين (ذريتهم) قال هم منهم (رواه مسلم) الشرح سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم صبيان المشركين الذين يبيقون فيصاب من نسائهم وصبيانهم بالقتل فقال هم من آبائهم أى لا بأس لأن أحكام آبائهم جارية عليهم فى الميراث وفى النكاح وفى العصاص والديات وغير ذلك والمراد اذا لم يتعدوا من غير ضرورة.
انتهى) مسلم شرح النووى باب الجهاد) الكف عن قصد النساء والرهبان والشيخ بالقتل عن ابن عمر قال وجدت امرأة مقتولة فى بعض مغازى النبى صلى الله عليه وسلم فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان والشيوخ (رواه الجماعة إلا النسائى) .
ويروى أحمد وأبو داود أنه فى احدى الغزوات مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على مقتولة مما أصابت المقدمة فوقفوا ينظرون اليها يعنى وهم يتعجون من خلقها حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما كانت هذه لتقاتل.
فقال لأحدهم الحق خالدا فقل له لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا (أى أجيرا) .. وحديث ابن عباس السابق فى جواز قتل الذرارى لا يتناقض مع هذا الحديث حيث أن لكل منهما حالة تختلف عن الأخرى.
الاستعانة بمشرك عن عائشة رضى الله عنها قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان بجرة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة فرح أصحاب رسول الله صلى الله عليهه وسلم حين رأوه فلما أدركه قال الرسول صلى الله عليه وسلم تؤمن بالله ورسوله قال لا فقال ارجع فلن تستعين بمشرك قال ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة أدركنا الرجل فقال له كما قال أول مرة فقال هل النبى صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة فقال ارجع فلن تستعين بمشرك قالت ثم رجع فأدركنا بالبيداء فقال له كما قال أول مرة تؤمن بالله ورسوله قال نعم.
فقال له صلى الله عليه وسلم فانطلق (رواه مسلم) يقول النووى قد جاء حديث آخر ان النبى صلى الله عليه وسلم استعان بصفوان بن أمية قبل اسلامه فأخذ طائفة من العلماء بالحديث الول على اطلاقه وقال الشافعى وآخرون ان الكافر حسن الرأى فى المسلمين ودعت الحاجة الى الاستعانة به استعين والا فيكره.
وحمل الحديثين هذين الحالتين، واذا حضر الكافر بالاذن رضخ له ولا يسهم له وهذا هم مذهب مالك والشافعى وأبو حنيفة والجمهور وقال الزهرى والأوزعى يسهم له والله أعلم انتهى (مسلم بشرح النووى) باب الجهاد.
ويقول مالك فى الاستعانة بالمشركين والكفرة إلا أن يكونوا خداما للمسلمين فيجوز وقال أبو حنيفة يستعان بهم ويعاونون على الاطلاق متى كان الإسلام هو الغالب الجارى عليهم فان حكم الشرك هو الغالب كره.
وقال الشافعى يجوز وذلك بشرطين أحدهما أن يكون بالمسلمين قلة ويكون المشركون كثرة.
والثانى أن يعلم من المشركين حسن رأى فى الإسلام وميل اليه ومتى استعان بهم رضخ لهم ولم يسهم (أى أعطاهم مكافأة ولم يشركهم فى سهام المسلمين من الغنيمة) .
جواز قطع اشجار الكفار وتحريقها روى الامام مسلم عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بنى النضير وقطع وهى البويرة زاد قتيبة وابن رفح فى حديثهما فأنزل الله عز وجل ما قطعتم من لينة أو تركتموها قامئة على أصولها فباذن الله وليخرى الفاسقين (مسلم شرح النووى الجزء 12) .
قال النووى فى شرح الحديث فى هذا الحديث جواز قطع شجر الكفار واحراقه (مسلم شرح النووى باب الجهاد) .
من خشى الأسر فله أن يستأسر وله ان يقاتل حتى يقتل عن أبى هيرية (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غزة رهطا عينا.
وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصارى، فانطلقوا حتى اذا كانوا بالهدأة وهو بين عسفان ومكة ذكروا لبنى لحيان فنقروا لهم قريبا من مائتى رجل كلهم رام، فاقتصوا أثرهم فلما رآهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى فدفد وأحاط بهم القوم، فقالوا لهم انزلوا وأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق اليوم فى ذمة كافر، اللهم خبر عنا نبيك، فرموهم بالنبل فقلتوا عاصما فى سبعة، فنزل اليهم ثلاثة وهطر بالعيهد والميثاق منهم حبيب الأنصارى، وابن دئنة ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم اطلقوا أوتار فسيسهم فأوثقوهم فقال الرجل الثالث هذا أول القدر والله لا أصحبكم ان لى فى هؤلاء لأسوة يريد القتلى، فجروه وعالجوه على ان يصحبهم فأبى، فقتلوه وانطلقوا.
بخبيب وابن دئنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر، وذكر قصة قتل خبيب، إلى أن قال استجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب.
فأخبر والنبى صلى الله عليه وسلم أصحابه خبرهم وما أصيبوا) مختصر لأحمد والبخارى وأبو داود.
وتنظيم الجيش المسلم عن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستحب للرجل أن يقاتل تحت راية قومه رواه أحمد.
وعن البراء بن عازب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انكم ستلقون العدو غدا وان شعاركم حم لا ينصرون رواه أحمد.
وعن الحسن عن قيس بن عباد قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند القتال رواه أبو داود.
الأوقات التى يستحب الخروج فيها للغزو عن كعب بن مالك (أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج فى يوم الخميس فى غزوة تابوك وكان يحب أن يخرج يوم الخميس) متفق عليه.
وعن النعمان بن مقرن (أن النبى صلى الله عليه وسلم كان اذا لم يقاتل فى أول النهار أخر التقال حتى تزول الشمس وتهب الرياح ونزل النصر) رواه أحمد وأبو داود وصححه البخارى.
وقال انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات.
استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو وادعية القتال من أدعيته صلى الله عليه وسلم فى القتال اللهم منزل الكتاب ومجرى السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم (صحيح مسلم) .
أمر هام يجب التنبيه عليه الاخلاص فى الجهاد فى سبيل الله والاخلاص هو تجريد قصد التقرب الى الله عز وجل من جميع الشوائب وقيل هو نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق.
وفى باب تلبس ابليس على الغزاة يذكر الامام ابن الجوزى قد لبس ابليس على خلق كثير خلجوا إلى الجهاد ونيتهم المباهاة والرياء ليقال فلان غاز وربما كان المقصود ان يقال شجاع أو كان طلب الغنيمة وانما الأعمال بالنيات.
عن أبى موسى قال جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء فأى ذلك فى سبيل الله فقال صلى الله عليه وسلم من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل اللهه.
أخرجاه وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال اياكم ان تقولوا مات فلان شهيدا أو قتل شهيدا فان الرجل ليقاتل ليغنم ويقاتل ليذكر ويقاتل ليرى مكانه.
ويالاسناد عن أبى هريرة رضى الله عنه قال أول الناس يقضى فيه يوم القيامة ثلاثة رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما علمت فيها قال قاتلت فيك حتى قتلت قال كذبت ولكنك قاتلت حتى يقال هو جرىء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه وألقى فى النار.
ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها.
فقال ما عملت فيها فقال تعمت فيك العلم وعلمته وقرأت القرآن فقال كذبت ولكنك تعملت ليقال هو عالم فقد قيل وقرأت القرآن ليقال هو قارىء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار.
ورجل وسع الله عليه فأعطاه من أصناف المال كله فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما علمت فيها فقال ما تركت من سبيل انك جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار (تفرد باخراجه مسلم) .
وباسناد مرفوع عن أبى حاتم الرازى قال سمعت عبده بن سلميان يقول كنا فى سرية مع عبد الله بن المبارك فى بلاد الروم فصادفنا العدو فلما التقى الصفان خرجد رجل من العدو فدعا الى البراز فخرج اليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله ثم آخر فقتله ثم دعا إلى البراز فخرج اليه رجل فطارده ساعة فطعنه الرجل فقتله فازدحم الناس عليه فكنت فيمن ازدحم عليه فاذا هو ملثلم بكمه فأخذت بطرف كمه فمددته فاذا هو عبد الله بن المبارك فقال وأنت يا أبا عمر ومن يمتنع علينا قلت فا، روا حرمكم الله الى هذا السيد المخلص.
كيف خاف على اخلاصه برؤية الناس له ومدحهم اياه فستر نفسه.
وكان ابراهيم بن آدم يقاتل فاذا اغتنموا لم يأخذ شيئا من الغنيمة ليوفر له الأجر وقد ليس ابليس على المجاهد اذا غنم.
فربما أخذ من الغنيمة ما ليس له فاما أن يكون قليل العلم فيرى أن أموال الكفار مباحة لمن أخذها ولا يدرى أن الغلول من الغنائم معصية.
وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ففتح الله علينا.
فلم نغنم ذهبا ولا ورقا غنمنا المتاع والطعام والثياب.
ثم انطلقنا إلى الوادى ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد له فلما نزلنا قام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل رحاله فرمى بسهم فكان فيه حتفه.
فلما قلنا له هنيئا له الشهادة يا رسول الله فقال كلا والذى نفس محمد بيده ان الشملة تلتهب عليه نارا أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم قال ففزغ الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال أصبته يوم خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شراك من نار أو شراكان من نار.
وقد يكون الغازى عالما بالتحريم إلا أنه يرى الشىء فلا يصبر عنه وربما ظن أن جهاده يدفع عنه ما فعل.
وها هنا يتبين أثر الايمان والعلم.
روينا باسناد عن هبيره بن الأشف عن أبى عبيدة العنبرى قال لما هبط المسلمون المداين وجمعوا الأقباض الذين معه.
ما رأينا مثل هذا قط.
أقبل رجل بحق معه فدفعه إلى صاحب الأقباض فقال الذين معه ما رأينا مثل هذا قط ما يعذله ما عندنا ولا ما يقاربه فقال له هل أخذت منه شيئا فقال أما والله لولا ما اتيتكم به.
فعرفوا أن للرجل شأنا فقالوا من أنت فقال والله لا أخبركم لتحمدونى ولا أغريكم لتقرظونى ولكن أحمد الله وأرضى بثوابه فأتبعوه رجلا حتى انتهى إلى اصحابه فسأل عنه فاذا هو عامر بن عبد قيس.
هناك من يتم اسبعادهم عن الطريق فانتهوا ان للشدائد أهلا وذروا ما ترين الأهواء لهو بطلب منهم الانتهاء عن الغى ويدعوهم إلى الافصاح عما ستروه من دافع حب الراحة وتجنب المشقة وهو نفسه الدافع الذى حكاه القرآن عن الخلفين فى سورة التوبة اذ يقول الله تعالى {فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله وقالوا لا تنفروا فى الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون} وان هؤلاء لهم نموذج فى ضعف الهمة واطراوة الارادة وكثيرون هم الذين يشفقون من المتاعب وينفرون من الجهد ويؤثرون الراحة الرخيصة على الكدح الكريم ويفضلون السلامة الذليلة على الخطر العزيز وهم يتساقطون اعياء خلف الصفوف الجادة الزاحفة العارفة بتكاليف الدعوات ولكن هذه الصفوف تظل فى طريقها المملوء بالعقبات والأشواك لأنها تدرك بفطرتها ان كفاح العقابات والأشواك بفطرة فى الانسان وانه ألذ وأجمل من القعود والتخلف والراحة البليدة التى بالرجال، فى ظلال القرآن 10/26 هؤلاء الذين آثروا الراحة على الجهد فى ساعة العسرة وتخلفوا عن الركب فى أول مرة هؤلاء لا يصلحون للكفاح ولا يرجون للجهاد ويجوز أن يؤخذوا بالتقاضى ولا أن يتاح لهم شرف الجهاد الذين تخلفوا عنه وهم راضين، فان رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معى أبدا ولن تقاتلوا معى عدوا انكم رضيتهم بالعقود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين (ان الدعوات فى حاجة الى طبائع صلبة مستقيمة ثابتة مصحة تصمد فى الكفاح الطويل الشاق والصف الذى يتخلله الضعاف والسترخون لا يصمد لأنهم يخذلونهم فى ساعة الشدة فيشيعون فيه الخذلان والضعف والاضطراب فالذين يضعفون ويتخلفون يجب نبذهم بعديا عن الصف وقاية لهم من التخلخل والهزيمة والتسامح مع هؤلاء حناية على الصف كله.
فتاوى الفقهاء فى تنفية الصف كان للسلف أقوال كثيرة فى ذلك.
فمثال كلام السلف الأول من ذلك استعراض الامام الشافعى فى كتاب الأم لحوادث المنافقين المتتالية عن المشاركة فى الغزوات النبوية الكرمية وتنبيه الى من يشتهد فى أجيال المسلمين بعد ذلك يمثل ما وصف به أولئك المنافقون فانه يقاس عليهم ويعاقب بمثل ما عوقبوا به.
يقول الشافعى (غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغزا معه من يعرف نفاقه فانخزل يوم أحد عنه يلثمائة ثم شهدوا معه يوم الخندق فتكلموا بما حكى الله عز وجل من قولهم ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ثم غزا النبى صلى الله عليه وسلم بنى المصطلق فشهد معه عدد فتكلموا بما حكى الله من قولهم ونفاقهم ثم غزا غزوة تبوك قوم منهم نفروا ليلة العقبة ليقتلوه فوقاه الله شرهم وتخلف آخرون منهم فيمن بحضرته ثم انزل الله بغزوة تبوك من أخبارهم فقال ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين.
قال الشافعى فأظهر الله لرسوله أسرارهم وخبر السماعين لهم وايتائهم أن يفتنوا من معه بالكذب والارجاف والتخذيل لهم فأخبره أنه كره انبعاثهم فثبطهم اذا كانوا على هذه النية وكان فيهم ما دل على أن الله أمر أن يمنع من عرف بما عرفوا به من أن يغزوا من المسلمين لأنه ضرر عليهم.
يقول الشافعى أفمن شهر بمثل ما وصفص الله المنافقين لم يحل للامام أن يدعه يغزو معه لطلبه فتنة وتخذيله اياهم وأن فيهم من يستمع له بالغفلة والقرابة والصداقة وأن هذا قد يكون ضررا عليهم من كثير من عددهم الامام الشافعى 4/89.
وأستمر الفقه على هذا حتى استلم رايته بن قدامة المقدسى فقال (ولا يصطحب الأمير معه مخزلا وهو الذى يثبط الناس عن غزو ويزهدهم فى الخروج اليه والقتال والشمقة مثل أن يقول الحر أو البرد الشديد والمشقة شديدة ولا تؤمن هزيمة هذا الجيش وأشباه هذا ولا مرجفا وهو الذى يقول قد هلكت سرية المسلمين ومالهم من مدة ولا طاقة لهم بالكفار والكفار لهم قوة ومدد وصبر ولا يثبت لهم أحد ونحو هذا ولا من يعين على المسلمين بالتجسس للكفار واطلاعهم على عورات المسلمين ومكاتبتهم بأخبارهم ودلالتهم على عوارتهم أو ايواء جواسيسهم، ولا من يوقع العداوة بين المسلمين ويسعى بالفساد لقوله تعالى {ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين.
لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة} ولأن هؤلاء مضرة على المسلمين فيلزمه منعهم المغنى لابن قدامة 8/351.
غرور الفقيه يمنع تأميره اننا نجد فى فقه عمر بن عبد العزيز رحمه الله ما يسوغ ابعاد الصادق صاحب الخير عن المسئولية اذا كان فيه نوع من حب الظهور والخيلاء سدا للذريعة وصيانة له من احتمالات الافتتان والجناية على نفسه وعلى الدعوة.
فقد روى أن الراشد الخامس لما ولى الخلافة أرسل إلى أبى عبيد المزجى وكان فقيها ثقة فى الحديث من شيوخ الأوزاعى ومالك وممن يستعين به الخليفة سليمان بن عبد الملك فقال عمر هذا الطريق الى فلسطين وأنت من أهلها فألحق بها فقيل له يا أمير المؤمنين لو رأيت أبا عبيد وتشيره للخير فقال ذاك أحق إلا فتنة كان أبهة للعامة، تهذيب التهذيب 12/158.
ولقادة جماعات المسلمين هذا اليوم أن يقولوا لكل داعية يتطلع للمسعة والجاه والمكانة الاجتماعية المرموقة مثل الذى قاله عمر لأبى عبيد.
ويفهموه أنه قد أخطأت بداية الطريق إلى مرادك فمررت بديار دعوة التواضع والبذر والالتزام الخططى هذه الطريق إلى ديار أشكالك فالحق بهم.
فالحق بهم.. بسم الله الرحمن الرحيم تقديم للمرحلة الرابعة من الفتاوى اسلامية فى أحكام الوقف بقلم صاحب الفضيلة الامام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر أحمدك اللهم عرفانا بفضلك، وشكرا لواسع كرمك، وأسألك قريب هدايتك، واستتمام نعمتك، بنصرة شريعتك واستسلام لعزتك، والاستعانة بقدرتك والتوكل عليك، بيدك ناصيتى وناصية كل شىء، واصلى وأسلم على سيدنا محمد الذى كانت بعثته رحمه للعالمين، جاء بالكتاب المبين، وبالسنة المطهرة، والشريعة السمحة المحكمة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى من اتبعهم، وعلى من نقلوا الينا علومهم وفقههم الذى استنار به المسلمون من بعدهم، فكان منهم الأئمة الهداة، الذين وقفوا انفسهم على استظهار أحكام الله من قرآنه وسنة رسوله، فاختصروا وأوضحوا، وأصلوا وفرعوا ن وحبسوا أنفسهم لجلاء الأحكام للناس فى كل فروع الحياة فأبانوا أن شرع الله جاء شاملا للدين والدنيا فما ترك شيئا إلا والله فيه بيان فى القرآن أو سنة رسول الله.
ولقد تصدى أولئك الأعلام من فقهاء الصحابة ومن بعدهم ممن حملوا عنهم هذا الدين، تصدى كل هؤلاء لافتاء الناس وأعلامهم بهذا الشرع القيم.
واذا كان الإسلام دين الله الخاتم إلى بنى الانسان فقد جاء شاملا بقواعده واصوله وتفصيلاته، وافيا موفيا بحاجة البشرة فى نظم حياتهم وتعاملهم.
وكان من العقود التى تعامل بها أهل الإسلام نظام الوقف، واختلف فى شأنه فقهاؤهم اختلافا بينا واتسع مداه فيما عدا وقف المسجد الذى اتفقوا على أنه صحيح نافذ لازم متى توافرت شروطه، وأن اختلفوا فى بعض هذه الشروط.
وكان هذا الاختلاف من الفقهاء فى شأن الوقف على غير المسجد لأن الفقه الإسلامى كان قد نضج وأكتمل، وأرسيت قواعده وأصوله، قبل انتشار نظام الأوقاف وذيوع مشكلاته فى العالم الإسلامى.
ولقد تصدى الفقهاء للافتاء فى مشاكله، باعتبار أن أحكام الوقف كلها اجتهادية كما أن هذه الأحكام تتغير بتغير العرف والزمان، ومن ثم كانت الفتوى والقضاء بما هو أنفع للوقف ومستحقيه إلى غير هذا من القواعد التى اصلها الفقهاء فتكونت مجموعة فقهية للوقف تتسم بالمرونة والصلاحية مسايرة للازمان والاحوال، ومجاراة للنافع والاصلح.
ولقد ظل الافتاء فى الوقف والقضاء فى منازعاته زمنا مديدا غير محصور فى مذهب امام معين، سواء فى عصور القضاة والفتيين المجتهدين، أو فى أزمان من جاءوا بعدهم من المقلدين المتبعين، حتى كان حكم محمد على باشا لمصر فاوجب أن تكون الفتوى والقضاء فى هذهذ البلاد طبقا لمذهب الامام أبى حنيفة فى كل الأمور التى تعرض للفتيا أو على القضاء.
وكان مما يعرض على المفتين فى مصر فى الحقبة التى توالى نشرها تحت عنوان (الفتاوى الإسلامية عن دار الافتاء المصرية) موضوعات تتعلق بالاوقاف، تصدى المفتون لها فجعلوا غامضها، وخرجوا أحكامها وردوها إلى أصولها فى الفقه الحنفى فى الفترة التى أنفرد فيها بالاعمال، ثم باعمال القوانين المتعاقبة مع أحكام هذا الفقه فيما جد من واقعات بعد العمل بتلك القوانين.
ولقد قامت صيحات فى أزمان متتالية ضد نظام الاوقاف، غذاها جمود بعض الحكام القضائية، وقعودها دون حل لبعض المشاكل التى تكاثرت وتراكمت فى شأن نظارة الاوقاف، وبعض الشروط التى كان يضعها بعض الواقفين، وفى شأن التصرف فى الاعيان التى تخربت وانعدم ريعها أو قل، وكان ذلك وقوفا عند لفظ قيل (شرط الواقف كنص الشارع) ثم كان الاصلاح التشريعى فى مصر الذى كان من بين ثماره القانون رقم 48 لسنة 1946 باحكام الوقف.
ولم يكن هذا القانون شاملا لأحكام الوقف جميعها، بل اقتصر على اختيار الأحكام التى رؤى ان فى تطبيقها علاجا لمواضع الشكوى التى تكاثرت على مدى حقة من الزمان.
وبصدور هذا القانون والعمل به بدأت فترة حديدة فى التطبيق القضائى فى منازعات الوقف، فقد كانت قبله وحتى تاريخ العمل به محكومة بأرجح الأقوال فى فقه مذهب الامام أبى حنيفة فقط، ومنذ العمل بهذا القانون أصحبت المنازعات فى المسائل المتعلقة بالوقف خاضعة لنوعين من الأحكام أحدهما أحكام هذا القانون، والآخر أرجح الأقوال فى فقه مذهب أبى حنيفة فيما لم ينص عليه فى هذا القانون (48 لسنة 1946) على ما هو مفصل فى أحكامه الختامية.
وسنرى فى فقه فتاوى الوقف التى تبدأ بهذه المقدمة اجتهادات فقهية قيمة سواء فى فترة التطبيق الخالص لفقه الإمام أبى حنيفة أو فى الفترة التى بدأت العمل بالقانون المرقوم بالاضافة إلى الفقه الحنفى فيما لم يرد فيه نص فى القانون.
وسرنى أيضا من سير الفتاوى بعد ما تعاقب من قوانين بدأت بالقانون رقم 180 لسنة 1952 م بالغاء الوقف على غير الخيرات أن هذه المرحلة التى أعقبت هذا القانون وتوابعه أدت إلى انهاء وجه من أوجه التعاون على البر، والتحصين للثروات العقارية، وما اعتور سبل البر من فتور ضنا بالأموال عن التبديد والضياع، فقد انكمشت هذه السبل أو توقفت، فلم نعد نسمع أن أحدا قد أوقف وقوفا على المساجد أو المستشفيات، أو الملاجىء، أو المدارس أو تحفيظ القرآن كما كان متداولا فى أغراض الواقفين فى الأزمان الخالية، بل لقد تبددت وقوف كثيرة وكبيرة كانت مدادا وسندا للدعوة الإسلامية، وفيها ومنها كان العون لطلاب العلم وللعلماء فى الأزهر ومعاهده.
وغير هذا من جهات البر والعلم. نعم ستقص علينا هذه الفتاوى انباء هذا المجتمع واتجاهاته الاجتماعية والاقتصادية فى فترة قاربت المائة من السنين، وتعرض علينا فقه المفتين فيما عرض عليهم من مشكلات اجتهدوا لاسباغ الحكم الشرعى عليها، والعلم يحيا بنشره ودرسه وقد قيل قديما حياة العلم مذاكرته.
اللهم أنا نسألك علما نافعا ينفعنا فى ديننا ودنيانا.
اللهم افتح لنا أبواب فضلك ورحمتك، واجز اللهم كل من شاركوا فى هذا العمل من عطائك الذى لا ينفد، فانا قصدنا العمل خالصا لوجهك وتوطيدا لأحكام شريعتك.
ونحمد الله أولا وآخرا ونصلى ونسلم على رسول الله، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
شيخ الأزهر القاهرة 20 من شوال سنة 1403 هجرية 30 من يوليو سنة 1983 م جاد الحق على جاد الحق.
ے(7/359)
رؤية الهلال
المفتي
محمد عبده.
ربيع الأول سنة 1320 هجرية
المبادئ
ثبوت رؤية الهلال فى معرفة أوائل الشهور العربية إنما يكون بالشهادة شرعا ولا يعول على الحساب فى ذلك
السؤال
بافادة من جناب مدير عموم المساحة مؤرخة فى 17 يونية سنة 902 6808 مضمونها أن هذه المصلحة أخذت من عهد قريب فى حساب النتيجة الميرية السنوية ويهمها أن تكون هذه النتيجة غاية فى الضبط ليصح التعويل عليها فى الأعمال الدينية وترغب المصلحة الإفادة عما إذا كان المعول عليه فى تعيين أوائل الشهور العربية بحسب الشرع الإسلامى هو الرؤيا كما فى رمضان أو الحساب وتنفرد بعض الشهور بالرؤيا ويتحتم فيها ذلك كما يتحتم فى تعيين أول شهر الصوم وعما إذا كانت والحالة هذه النتيجة الدينية المبنية على الرؤيا تنطبق على النتيجة المدنية المبنية على الحساب أو بينهما فرق وما هو هذا الفرق مع الإشارة غلى المؤلفات العربية التى تفى المقام ويمكن التعويل عليها فى هذا الموضوع
الجواب
المقرر شرعا أن أول الشهر إنما يعرف برؤية الهلال ويثبت ذلك بالشهادة المعروفة عند أهل الشرع، لا فرق فى ذلك بين رمضان وشوال وغيرهما.
أما العمل بالحساب ففيه خلاف بين علماء بعض المذاهب والمعول عليه أن لا يلتفت إلى الحساب لأن أحكام الدين الإسلامى مبنية على الأسهل والأيسر للناس فى أى قطر كانوا وأى بقعة وجدوا.
وأما مظان وجود هذا الحكم فهى أبواب الصوم فى جميع كتب الفقه المعتبرة والله أعلم(7/360)
الوصية بقراءة القرآن الكريم
المفتي
محمد عبده.
محرم سنة 1324 هجرية
المبادئ
الوصية بقراءة القرآن الكريم باطلة لما فيها من شبهة الاستئجار على قراءة القرآن
السؤال
من حضرة حامد أفندى فى امرأة تملك منزلا لا غير أوصت فى حالة صحتها وكمال عقلها بثلث منزلها الكائن بجهة كذا ليصرف ثمنه فى خرجتها وأعمال رحمات وقراءة قرآن شريف، وبثلثه الثانى لمن أقامته وكيلا عنها فى قبض مالها واستلامه وفى دفع ما عليها، وبثلثه الثالث لتدفع قيمته للديون المطلوبة منها، وقد أقامت الوكيل المذكور وصيا مختارا من قبلها لتنفيذ ما أوصت به على الوجه المذكور، ثم من بعد مدة ماتت مصرة على ذلك وتركت وارثا شرعيا لم يجز ما أوصت به مورثته على وجه ما ذكر فماذا يكون الحكم فى الوصية المذكورة والحالة هذه، وما يصح منها ويجب تنفيذه على الوصى وما لا يصح منها أفيدوا الجواب
الجواب
نص العلماء على أنه يبدأ من تركة المتوفى الخالية غن تعلق حق الغير بعين من أعيانها كالرهن بتكفينه وتجهيزه من غير إسراف ولا تقتير بما يناسب حال أمثاله، ثم تقضى ديونه الثابتة التى لها مطالب من جهة العباد، ثم تنفذ وصيته الشرعية من ثلث الباقى، يقسم الباقى بين ورثته الشرعيين، وعلى أن الوصية لقراءة القرآن الشريف باطلة لما فيها من شبهة الاستئجار على قراءة القرآن.
إذا تقرر هذا ولم يجز الوارث المذكور فى هذا الحادثة تلك الوصية وكان الأمر كما ذكر فى السؤال فالذى يقتضيه الحكم الشرعى فى ذلك أن تقدم خرجة المتوفاة المذكورة الشرعية من جميع تركتها المذكورة، ثم تقضى ديونها الثابتة التى لها مطالب من جهة العباد من الباقى بعد ذلك، ثم يقسم ثلث هذا الباقى بين الرحمات المذكورة من أعمال البر كالصدقة والوكيل المذكور بالسوية بينهما.
هذا ما ظهر لى أخذا مما نص عليه العلماء.
والله تعالى أعلم(7/361)
زكاة الوقف
المفتي
محمد بخيت.
شوال سنة 1933 هجرية
المبادئ
1- لا تجب الزكاة فى ريع الوقف الخيرى عند الشافعية والحنفية.
2- تجب الزكاة فى الريع إن كان الوقف على معين أو جماعة معينين لأنهم يملكون الريع ملكا تاما متى بلغ نصابا لكل منهم وتحققت شروط الوجوب شرعا.
3- إذا كان الوقف على معينين ونقص نصيب كل منهم عن النصاب ولكن بلغ مجموع نصيبهم نصابا وتحققت شروط الوجوب وجبت الزكاة فى الريع كله متى وجدت شروط الخلطة له.
4- الأعيان الموقوفة ذاتها لا زكاة فيها ولو كانت زكوية
السؤال
من السيد عبد الرحمن ناظر بماصورته التمس من مكارم أخلاق مولاى الغراء إرشادى إلى ما يجب عمله فى المسألتين الآتيتين على مذهب الإمام الشافعى رضى الله عنه جعلكم الله نورا يستضاء به وموردا عذبا يغترف منه.
المسألة الأولى أوقف رجل ثلث أملاكه على الأعمال الخيرية واشترط أن يحجز فى آخر كل عام عند توزيع ريعها جزءا صغيرا لما يحدث من الطوارئ، وقد يكون عند ناظر الوقف مبلغ يزيد عن النصاب وحال عليه الحول - فهل تجب فيه الزكاة أم لا المسالة الثانية نظرا للحالة اضطر ناظر الوقف أن يضع ما عنده من الاحتياطى وما تحصل من إيراد هذا العام فى أحد المصارف بدون شرط خوف الضياع، وفى آخر العام الميلادى أضاف المصرف ربحا على المبالغ المودعة عنده، فهل يجوز للناظر استلام هذا الريح أم لا وإن كان يجوز له ذلك فهل يوزعه على المستحقين باعتبار أنه إيراد جديد أم يضيفه إلى الاحتياطي هذا ما نرجو من فضيلة الأستاذ الأكبر إرشادنا إليه والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
وتقبلوا بقبول احترام المسلمين هنا
الجواب
اطلعنا على خطاب حضرتكم المسطر أعلاه.
ونفيد أنه مرسل لحضرتكم طى هذه الإجابة عن المسألتين المذكورتين به على مذهب الإمام الشافعى رضى الله عنه المسطرة من حضرة صاحب الفضيلة الشيخ سليمان العبد شيخ السادة الشافعية بالجامع الأزهر الشريف، ومن حضرة الأستاذ الشيخ محمد الحلبى من كبار علماء الشافعية بالجامع المذكور.
وملخص الجواب عن المسألة الأولى أن ريع الوقف إن كان الوقف على جهة عامة كالمساجد والفقراء ونحو ذلك من سبل الخير فلا زكاة فى الريع، وإن كان الوقف على إنسان معين أو جماعة معينين وجبت الزكاة فى الريع، وإن كان الوقف على إنسان معين أو جماعة معينين وجبت الزكاة فى الريع لأنهم يملكونه ملكا تاما يتصرفون فيه جميع أنواع التصرف، فإن بلغ نصيب كل منهم نصابا وجبت الزكاة فيه إن حصلت شروط الوجوب، وإن نقص نصيب كل منهم وبلغ نصيب جميعهم نصابا ووجدت شروط الخلطة مع وجود شروط الوجوب وجبت الزكاة فى الريع، وأما الأعيان الموقوفة إن كانت زكوية فلا زكاة فيها - وملخص الجواب عن المسألة الثانية أنه ليس للناظر أخذ شىء من مال الوقف على وجه الضمان، فإن فعله ضمنه، ولا يجوز له إدخال ما ضمنه فى مال الوقف.
وإقراض الناظر مال الوقف كإقراض مال الصبى، فلا يجوز لغير القاضى إقراض مال الوقف إلا لضرورة كسفر أو نهب، فيقرضه مليا أمينا خاليا ماله عن الشبهة، ويأخذ رهنا إن رأى فى أخذه مصلحة.
وحينئذ فما فعله الناظر من الوضع فهو إما قرض بالقول فلابد من الشروط المعتبرة فيه، ولم يوجد جميعها فى هذا القرض فهو فاسد وغير جائز له.
وإما قرض وضعى بالمعاطاة مع الاتفاق المعلوم بين المصارف والمقرض فلا يجوز أيضا - وحينئذ فلا يجوز للناظر استلام هذا الربح بل هو لصاحبه الأصلى من المصارف، وإذا كان لا يجوز استلامه له لبقائه على ملك صاحبه، فلا يجوز للناظر رده على مال المستحقين، ولا على الاحتياطى، ولا يجوز للناظر الانتفاع به بل يجب رده، وهو ضامن للمال الموضوع فى أحد المصارف، فإذا استلمه منه فلا يبرأ من ضمانه بالاستلام بل لابد من تسليمه للقاضى ثم يدفعه له القاضى فيبرأ - وليس وضع الناظر مال الوقف المذكور بأحد المصارف من قبيل الإيداع الشرعى - لأن من شرط الوديعة أن لا تستهلك وأن ترد بعينها، وعادة المصارف جرت على استهلاك كل ما يودع فيها إلا إذا كان مودعا بخزينة خاصة لصاحب المال توضع هى فى المصرف، على أن الناظر ليس له إيداع مال الوقف أيضا إلا عند القاضى الشرعى بشروطه هذا ما تفيده نصوص مذهب الإمام الشافعى رضى الله عنه التى يفتى بها وأما الجواب على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان رضى الله عنه فأما عن المسألة الأولى فهو أن ريع الأوقاف الموقوفة على الأعمال الخيرية لا زكاة فيه ولا فيما تكون عند الناظر وزاد عن النصاب كما هو مذهب الإمام الشافعى رضى الله عنه - وأما عن المسألة الثانية فوضع الناظر ما عنده من الاحتياطى وما تحصل من إيراد هذا العام كما ذكر فى أحد المصارف ليس من الإيداع فى شىء، لأن المصارف جرت عادتها على استهلاك ما يودع فيها وشرط الوديعة أن لا تستهلك وأن ترد بعينها كما هو مذهب الإمام الشافعى رضى الله عنه بل هو من باب القرض وليس للناظر أن يقرض مال الوقف، وإنما ذلك للقاضى الشرعى.
وحينئذ يكون الناظر المذكور ضامنا لما وضعه بأحد المصارف.
وأما الربح الذى نتج عن ذلك فهو باق على ملك صاحبه، ولا يجوز للناظر قبضه من المصرف متى كان ذلك فى دار الإسلام، فإن قبضه وكان ذلك فى دار الإسلام كما ذكرنا ملكه الناظر ملكا خبيثا فيجب عليه رده لمن قبضه منه فإن لم يرده كان الواجب عليه أن يتصدق به على الفقراء.
والله أعلم(7/362)
بناء المساكن على أرض الجبانة
المفتي
محمد إسماعيل البرديسى.
شوال سنة 1338 هجرية - 14 يولية سنة 1920 م
المبادئ
أرض الجبانة لا يجوز شرعا بناء مساكن عليها ولا غرس أشجار فيها أو نباتات، كما لا يجوز بيعها ولو نقلت منها عظام الموتى إلى مكان آخر لأن لها حكم المقبرة
السؤال
بافادة واردة من وزارة الداخلية رقم 29 سنة 1920 نمرة 277 صورتها فى مدينة بورسعيد جبانة قديمة منع الدفن فيها منذ زمان بعيد ثم نقلت منها العظام والرفات إلى موضع آخر من عهد قريب، وقد حصل الشروع فى هذه الأيام فى تقسيم أرض تلك الجبانة القديمة إلى ثلاثة أقسام يكون أحدهما مخصصا لإقامة ورشة عليه لأجل إصلاح عربات البلدية، والثانى لإنشاء مشتل لتربية النباتات والأشجار وأما القسم الثالث فسيباع بالمزاد العلنى للأفراد لاستخدام ثمنه فى الوفاء بالنفقات التى أوجبها نقل تلك العظام والرفات، ولكن بلدية بورسعيد صاحبة المشروع قد رأت فيما بعد أن أرض الجبانات ولو نقلت منها العظام والرفات يجب أن تبقى مقدسة ولا يليق أن يبنى عليها مساكن وغيرها.
فبناء عليه نرجو فضيلتكم إصدار الفتوى الشرعية فى هذه المسألة وتفضلوا يا صاحب الفضيلة بقبول وافر احترامنا
الجواب
اطلعنا على خطاب دولتكم رقم 29 يونية سنة 1920 نمرة 277 الذى يتضمن أن فى مدينة بورسعيد جبانة قديمة منع الدفن فيها منذ زمن بعيد، ثم نقلت منها العظام والرفات إلى موضع آخر من عهد قريب وقد حصل الشروع فى هذه الأيام فى تقسيم أرض تلك الجبانة القديمة إلى ثلاثة أقسام - أحدها يكون مخصصا لإقامة ورشة عليه - وثانيها لإنشاء مشتل لتربية النباتات والأشجار وثالثها سيباع بالمزاد العلنى للأفراد وأن بلدية بورسعيد قد رأت فيما بعد أن أرض الجبانات ولو نقلت منها العظام والرفات يجب أن تبقى مقدسة ولا يليق أن يبنى عليها مساكن وغيرها ويراد إصدار فتوى شرعية منا فى هذه المسألة.
ونفيد إنه قال فى الفتاوى الهندية بصحيفة 470 جزء ثان ما نصه (وسئل هو (أى القاضى الإمام شمس الأئمة محمود الأزوجندى) أيضا عن المقبرة فى القرى إذا اندرست ولم يبق فيها أثر الموتى لا العظم ولا غيره هل يجوز زرعها واستغلالها قال لا، ولها حكيم المقبرة كذا فى المحيط) .
ومن ذلك يعلم أن أرض الجبانة المذكورة لا يجوز شرعا أن يبنى عليها مساكن، ولا أن تغرس فيها أشجار ولا نباتات ولا يجوز شرعا بيعها، ولو نقلت منها عظام الموتى إلى محل آخر، لأن لها حكم المقبرة.
وللإحاطة تحرر هذا والخطاب المذكور عائد من طيه كما ورد.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام(7/363)
عقد بيع بشرط المنفعة للبائع مدى الحياة
المفتي
محمد إسماعيل البرديسى.
شوال 1339 هجرية - 25 من يونية 1921 م
المبادئ
1- اشتمال عقد البيع على شرط المنفعة للبائع مدى حياته مفسد للعقد شرعا.
2- لا يعتبر هذا العقد وصية، لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع وهذا ليس كذلك.
3- يبقى المبيع على ملك البائع ويورث عنه شرعا
السؤال
بخطاب وزارة المالية رقم 29 سنة 1921 نمرة 244-17-88 بما صورته مرفق ضمن الأوراق طيه الواردة لهذا بمكاتبة مديرية الشرقية الرقيم 17 الجارى نمرة 134 صورة عقد بيع مقول بصدوره من عبد النبى موسى عسكر ببيع 4 سهم 7 قيراط أرض زراعية ومعطى له بمقتضاه حق الانتفاع أيام حياته على أن يكون بعد وفاته الأرض المذكورة وجميع ما يمتلكه ملكا وأثرا واستحقاقا لزوجته الست نفيسة بالأمل بعد الاطلاع على صورة العقد المذكور التكرم بالإفادة عما يقتضيه الحكم الشرعى فيما إذا كان العقد المذكور يعتبر وصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت أو يعتبر بيعا صحيحا شرعيا نافذا بعد وفاته أم لا هذا ولا ذاك أو يعتبر مالا موروثا عن المتوفى.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام
الجواب
اطلعنا على خطاب الوزارة رقم 29 مايو سنة 1921نمة 244-17-88 بخصوص العقد المقول بصدوره من عبد النبى موسى عسكر ونفيد أن البيع الذى اشتمل عليه العقد لم يكن بيعا صحيحا شرعا لاشتمال على شرط مفسد للبيع وهو اشتراطه أن يكون الانتفاع له طول حياته وليس وصية أيضا لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع وتمليكه هنا لم يكن بهذا الطريق - وحينئذ يكون القدر المبيع مما يجرى فيه التوارث لأنه باق على ملك البائع.
وللإحاطة تحرر هذا، والأوراق عائدة من طيه كما وردت(7/364)
الانتقال من مذهب اسلامى إلى آخر
المفتي
عبد الرحمن قراعة.
ذو الحجة سنة 1340 هجرية - 22 أغسطس 1922م
المبادئ
يجوز انتقال الشخص من مذهب إسلامى إلى آخر سوءا كان لغرض دينى أولا، متى كان الانتقال إلى مذهب من مذاهب الأئمة الأربعة
السؤال
من عبد الصمد عيس فى رجل عاص قد تعبد منذ ثلاثين عاما على مذهب الإمام مالك من كل الوجوه من غي تلفيق، ثم انتقل إلى مذهب الإمام أبى حنيفة من غير تلفيق من كل الوجوه من منذ شهرين.
هل ذلك جائز أم لا
الجواب
متى كان المنتقل عاميا وكان انتقاله لغرض دينى أو لكم يكن لغرض أصلا فإنه يجوز له الانتقال من مذهب إلى مذهب آخر من مذاهب الأئمة الأربعة المعروفة فى بلاد الإسلام، وهذا حيث كان الحال كما ذكر فى السؤال(7/365)
حكم وقف المسلم بعد ردته
المفتي
عبد المجيد سليم.
ذو القعدة سنة 1351 هجرية 18 مارس سنة 1933 م
المبادئ
وقف المسلم لا يبطل بردته عند أبى يوسف (من الحنفية) وعليه الفتوى
السؤال
من جان أبو طاقية بالآتى سيدة تدعى روجينا جيولتى بنت يوسف تاملو إسرائيلية أيطالية لا تعرف اللغة العربية.
ثم بتاريخ 14 أبريل لسنة 1932 أسلمت. ثم بعد إسلامها وقفت وقفا أهليا على نفسها أيام حياتها، ثم من بعدها على أشخاص عينتهم عنها.
ثم رجعت عن دين الإسلام بتاريخ 8 مارس سنة 1933 فهل والحال ما ذكر يبقى وقفها كما هو أو يبطل وتتصرف فيه تصرف الملاك فى أملاكهم
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال ونفيد بأنه قد ذهب الخصاف إلى أن السلم إذا وقف وقفا فى حال إسلامه ثم ارتد والعياذ بالله عن الإسلام بطل وقفه بالارتداد.
وقد تبعه فى ذلك كثير ممن جاء بعده، وقد اعترضه شارح الوهبانية حيث قال على ما جاء بتقرير المرحوم الشيخ الرافعى على رد المحتار ما نصه (ولى فى هذه المسألة نظر، فإن حبوط عمله ينبغى أن يكون فى إبطال ثوابه لا فى إبطال ما يتعلق به من حق الفقراء، وصار إليه فإنه ينبغى أن لا يبطل حقهم بفعله) .
وهو اعتراض وجيه وأصله لصاحب المحيط حيث قال على ما جاء فى حاشية عبد الحليم على الدرر مانصه (وعندى فى هذه المسألة نظر، فإن حبوط علمه ينبغى أن يكون فى إبطال ثوابه لا إبطال ما يتعلق به حق الفقراء وصار إليهم فإنه ينبغى أن لا يبطل حقهم بفعله، قال عبد الحليم بعد هذا ما نصه (أقول ومن الله الإعانة والتوفيق إن هذا النظر مدفوع عن آخره لما أن هذه المسألة مبنية على قول أبى حنيفة والوقف عنده حبس العين على ملك الواقف، ومن ذلك صح تمليكه وإرثه والرجوع عنه يعد كونه وقفا صحيحا، فإذا بقى الموقوف فى ملكه لم يبق فرق بين الوقف قبل الارتداد وبعده، وقد سبق فى باب المرتد أن تصرفاته موقوفة.
إن أسلم نفذت وإن هلك حقيقة أو حكما بطلت.
إذا عرفت هذا ظهر أن وقفه باطل على كلتا الحالتين من غير فرق عنده خلافا لهما فيهما.
فإنه إن وقف حال الإسلام فعند أبى يوسف خرج عن ملكه بمجرد قوله وقفت هذا لهذا، وعند محمد خرج عنه به وبالتسليم والقبض فلم يبق فى ملكه عندهما، فلا يبطل بالردة إلى آخر ماقاله) .
وهذا تحقيق للمسألة جديد بالاعتبار والتعويل عليه، وبه يزول إشكال صاحب المحيط الذى تبعه فيه شارح الوهبانية وعلى ذلك فبارتداد الواقفة المذكورة عن الإسلام لا يبطل وقفها على قول أبى يوسف المفتى به والذى جرى عليه العمل هذا ما ظهر لنا.
والله تعالى أعلم(7/366)
هبة المرأة نفسها لمطلقها ثلاثا
المفتي
عبد المجيد سليم.
رمضان سنة 1357 هجرية - 30 أكتوبر سنة 1938 م
المبادئ
هبة المرأة نفسها لمن طلقها ثلاثا غير جائزة شرعا.
إلا إذا تزوجت بآخر ودخل بها دخولا حقيقيا ثم طلقها أو مات عنها وانقضت عدتها منه شرعا
السؤال
من أحمد مختار قال رجل طلق زوجته ثلاث مرات فحرمت عليه شرعا.
ولرغبتهما فى المعاشرة محافظة على أولادهما وهم ثلاثة أطفال.
هل يجوز أن تهب الزوجة نفسها بأى حال إلى زوجها فتعاشره معاشرة شرعية شبيهة بالمعاشرة الزوجية وإذا كان الجواب بالإيجاب نرجو الإفادة عن كيفية وصيغة الهبة ثم ما حكمها شرعا
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال ونفيد أنه متى كان الحال كما جاء بالسؤال بانت المرأة المذكورة من مطلقها بينونة كبرى فلا تحل له حتى تتزوج بغيره ويدخل بها دخولا حقيقيا ثم يطلقها أو يموت عنها وتنقضى عدتها منه.
فإن كانت الهبة المذكورة بالسؤال يقصد بها تزوج المرأة لمطلقها بطريق عقد الزواج الشرعى المستوفى لشروطه فلا بد أن يكون هذا العقد بعد ما ذكرنا من تزوجها بزوج آخر إلخ.
وإن كان المقصود غير ذلك فليس هذا بسبب مشروع لحلها له وبهذا علم الجواب والله أعلم(7/367)
حقيقة الخمر وحكمها
المفتي
عبد المجيد سليم.
صفر سنة 1358 هجرية - 12 أبريل سنة 1939 م
المبادئ
1- كل ما خامر العقل وستره فهو خمر ومحرم شرعا.
2- حد شارب الخمر الجلد مع اختلاف فى مقداره، والزيادة عليه تعزيز مفوض للامام، وهو الذى يقيم الحد أو نائبه.
3- لا يجوز لغير المسلمين بيع الخمر علنا.
4- النهى عن المنكر يكون إذا لم يترتب على هذا النهى منكر أعظم من هذا المنكر ومفسدة أشد من مفسدة فعل المنكر
السؤال
من الأستاذ مصطفى أفندى قال ما حكم الإسلام فى الخمر، وما هو حد شارب الخمر، وإلى أى حد يجوز لغير المسلمين الاتجار فيها وبيعها للمسلمين على رؤوس الأشهاد، وما هو حد الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
وما قول فضيلتكم فى مسلم أساءه الاستهتار بالدين إذ رأى الحانات تفتح أمام المساجد فدعا المسلمين إلى العمل على إغلاقها وقصر بيعها على أهل الذمة فى أحيائهم ولفضيلتكم أكرم الثواب
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال ونفيد بما يأتى عن المسألة الأولى أن حكم الخمر فى الشريعة الإسلامية هو الحرمة.
وذلك ثابت بالكتاب والسنة، أما الكتاب فقول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون.
إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} المائدة 90، 91، وأما السنة فقوله عليه الصلاة والسلام وروى عبد الله بن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه رواه أبو داود.
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الواردة فى تحريم الخمر.
قال ابن قدامة فى المغنى (وثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم تحريم الخمر بأخبار تبلغ بمجموعها رتبة التواتر) .
هذا والخمر - كل مسكر خامر العقل وستره - فاسم الخمر يتناول كل شراب مسكر - سواء أكان من العنب أو من غيره، وهذا ماعليه جمهور الفقهاء وأهل الحديث جميعا، ويدل على ذلك ما جاء فى البخارى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال (خطب عمر رضى الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه قد نزل تحريم الخمر وهى من خمسة أشياء العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل.
والخمر ما خامر العقل) وما رواه البخارى عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال (كنت أسقى أبا عبيدة وأبا طلحة وأبى ابن كعب من فضيخ زهو وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة قم يا أنس فأهرقها فأهرقتها) والفضيخ بوزن عظيم اسم للبسر إذا شدخ ونبذ.
والزهو بفتح الزاى وسكون الهاء بعدهما واو هو البسر الذى يحمر أو يصفر قبل أن يترطب.
وفى البخارى عن أنس أيضا قال (كنت قائما على الحى أسقيهم - عمومتى وأنا أصغرهم سنا - الفضيخ فقيل حرمت الخمر فقالوا أكفئها فكفأتها) وعن بكر بن عبد الله أن أنس بن مالك حدثهم (أن الخمر حرمت والخمر يومئذ البسر والتمر) غلى آخر ما جاء فى البخارى.
وما أحسن ما نقله الحافظ بن حجر عن القرطبى من قوله (الأحاديث الواردة عن أنس وغيره على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب وما كان من غيره لا يسمى خمرا ولا يتناول اسم الخمر، وهو قول مخالف للغة العرب وللسنة الصحيحة وللصحابة.
لأنهم لما نزل تحريم الخمر فهموا من الأمر باجتناب الخمر تحريم كل مسكر ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب وما يتخذ من غيره بل سووا بينهما وحرموا كل ما يسكر نوعه ولم بتوقفوا ولا استفصلوا ولم يشكل عليهم شىء من ذلك بل بادروا إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب وهم أهل اللسان وبلغتهم نزل القرآن، فلو كان من غير عصير العنب وهم أهل اللسان وبلغتهم نزل القرآن، فلو كان عندهم فيه تردد لتوقفوا عن الإراقة حتى يستكشفوا ويستفصلوا ويتحققوا التحريم لما كان تقرر عندهم من النهى عن إضاعة المال، فلما لم يفعلوا وبادروا إلى الإتلاف علمنا أنهم فهموا التحريم نصا فصار القائل بالتفريق سالكا غير سبيلهم، ثم انضاف إلى ذلك خطبة عمر بما يوافق ذلك (وهو ممن جعل الله الحق على لسانه وقلبه) وسمعه الصحابة وغيرهم فلم ينقل عن أحد منهم إنكار ذلك.
وإذا ثبت أن كل ذلك يسمى خمرا لزم تحريم قليله وكثيره، وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة فى ذلك ثم ذكرها.
قال وأما الأحاديث عن الصحابة التى تمسك بها المخالف فلا يصح منها شىء على ما قال عبد الله بن المبارك وأحمد وغيرهم وعلى تقدير ثبوت شىء منها فهو محمول على نقيع الزبيب أو التمر من قبل أن يدخل حد الإسكار جمعا بين الأحاديث.
وقد قال أبو بكر بن العربى فى كتابه أحكام القرآن عند قوله تعالى {يسألونك عن الخمر والميسر} إن الخمر كل شراب ملذ مطرب قاله أهل المدينة وأهل مكة وتعلق أبو حنيفة بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة ذكرناها فى شرح الأحاديث ومسائل الخلاف فلا يلتفت إليها والصحيح ما روى الأئمة أن أنسا قال حرمت الخمر يوم حرمت وما بالمدينة خمر الأعناب إلا قليل وعامة خمرها البسر والنمر خرجه البخارى.
واتفق الأئمة على رواية أن الصحابة إذ حرمت الخمر لم يكن عندهم يومئذ خمر عنب، وإنما كانوا يشربون خمر النبيذ فكسروا دنانهم وبادروا بالامتثال لاعتقادهم بأن ذلك كل خمر إلى آخر ما قال.
وجملة القول أن اسم الخمر المحرمة فى الشريعة الإسلامية يتناول كل مسكر، إما على سبيل الحقيقة اللغوية أو على سبيل الحقيقة الشرعية، بأن يكون الشارع نقلها من نوع خاص من الشراب المسكر إلى مفهوم يتناول جميع أنواع الشراب المسكر.
وعلى فرض أن اسم الخمر لا يطلق حقيقة على كل شراب مسكر.
فالنصوص المستفيضة عن النبى صلى الله عليه وسلم فى الصحاح والسنن والمسانيد قاطعة بأنه صلى الله عليه وسلم حرم كل مسكر ولولا خشية الإطالة لذكرنا هذه النصوص.
ومن شاء الاطلاع عليها فليرجع إلى كتب الأحاديث أو باب الأشربة وحد الشراب الجزء الرابع من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية فقد ذكر رحمه الله كثيرا من هذه الأحاديث، ثم قال (فمن اعتقد من العلماء أن النبيذ الذى رخص فيه يكون مسكرا يعنى من نبيذ العسل والقمح ونحو ذلك فقال يباح أن يتناول منه ما لم يسكر فقد أخطأ.
وأما جماهير العلماء فعرفوا أن الذى أباحه هو الذى لا يسكر، وهذا القول هو الصحيح فى النص والقياس أما النص فالأحاديث كثيرة فيه.
وأما القياس فلأن جميع الأشربة المسكرة متساوية فى كونها تسكر، والمفسدة الموجودة فى هذا موجودة فى هذا، والله تعالى لا يفرق بين المتماثلين، والتسوية بين هذا وهذا من العدل والقياس الجلى، فتبين أن كل مسكر خمر حرام.
والحشيشة المسكرة حرام، ومن استحل المسكر منها فقد كفر) .
وجاء فى تفسير الألوسى عند قوله تعالى {يسألونك عن الخمر والميسر} .
الآية بعد كلام ما نصه (وعندى أن الحق الذى لا ينبغى العدول عنه أن الشراب المتخذ مما عدا العنب كيف كان وبأى اسم سمى متى كان بحيث يسكر من لم يتعوده حرام، وقليله ككثيرة، ويحد شاربه ويقع طلاقه ونجاسته غليظة.
وفى الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن النقيع وهو نبيذ العسل فقال - كل شراب أسكر فهو حرام - وروى أبو داود - نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر - وصح - ما أسكر كثيره فقليله حرام - وفى حديث آخر - ما أسكر الفرق (مكيال يسع ستة عشر رطلا) منه فملء الكف منه حرام - والأحاديث متضافرة على ذلك) إلى آخر ما قال الألوسى (والفرق مكيال مخصوص بالمدينة) ومما ذكرنا كله يتبين جليا أن الحق أن كل مسكر حرام قليله وكثيره فى ذلك سواء.
ومن هذا كانت الفتوى فى مذهب أبى حنيفة على رأى محمد القائل بذلك عن المسألة الثانية أن حد شارب الخمر، هو الجلد، ولكن الفقهاء اختلفوا فى مقداره فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه ثمانون جلدة.
وذهب الإمام الشافعى إلى أنه أربعون جلدة. وعن الإمام أحمد روايتان قال ابن قدامة فى المغنى وبهذا قال مالك والثورى وأبو حنيفة ومن تبعهم لإجماع الصحابة فإنه روى أن عمر استشار الناس فى حد الخمر فقال عبد الرحمن بن عوف اجعله كأخف الحدود ثمانين فضرب عمر ثمانين،وكتب به إلى خالد وأبى عبيدة بالشام.
وروى أن عليا قال فى المشورة إنه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى فحدوه حد المفترى - روى ذلك الجرجانى والدار قطنى وغيرهما.
والرواية الثانية أن الحد أربعون وهو اختيار أبى بكر - من الحنابلة ومذهب الشافعى لأن عليا جلد الوليد بن عطية أربعين ثم قال جلد النبى صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلى - رواه مسلم.
وعن أنس قال - أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب الخمر فضربه بالنعال نحوا من أربعين، ثم أتى به أبو بكر فصنع مثل ذلك، ثم أتى به عمر فاستشار الناس فى الحدود.
فقال ابن عوف أقل الحدود ثمانون فضربه عمر - متفق عليه - وفعل النبى صلى الله عليه وسلم حجة لا يجوز تركه بفعل غيره ولا ينعقد الإجماع على ما خالف فعل النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعلى رضى الله عنهما، فتحمل الزيادة من عمر على أنها تعزير يجوز فعلها إذا رآه الإمام) انتهت عبارة المغنى - والظاهر لنا وجاهة القول بأن الحد أربعون وللإمام أن يعزر مع إقامة الحد بما يراه أصلح هذا ومن يقيم الحد إنما هو الإمام أو من ولاه الإمام ذلك.
عن المسألة الثالثة لايجوز تمكين غير المسلمين من بيع الخمور ظاهرا فى أمصار المسلمين، لان إظهار بيع الخمر إظهار للفسق فيمنعون من ذلك.
نعم لهم أن يبيعوا الخمر بعضهم لبعض سرا.
وعلى الجملة لا يجوز الاتجار بالخمر فى أمصار المسلمين على رؤوس الأشهاد.
كما يؤخذ هذا من البدائع صفحة 113 من الجزء السابع ومن فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية فى باب الأشربة من الجزء الرابع.
عن المسألة الرابعة إن من أوجب الواجبات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وذلك ثابت بالكتاب الكريم والسنة، قال الله تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} آل عمران 104، وقال تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} المائدة 2، ومعنى التعاون على البر والتقوى الحث عليهما وتسهيل طرق الخير وسد سبل الشر والعدوان بحسب الإمكان.
وقد روى مسلم عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.
من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) وروى الترمذى عن حذيفة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (والذى نفسى بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر.
أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه) إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث المتضافرة على وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقد فصل العلماء شروط الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وبينوا حدود ذلك.
وأحسن من كتب فى هذا الموضوع على ما رأينا هو حجة الإسلام الغزالى فى الجزء الثانى من كتاب إحياء علوم الدين، فقد أطال رحمه الله تعالى القول فى ذلك وشرح هذا الموضوع شرحا وافيا والذى يهمنا فى الإجابة عن هذا السؤال هو ما ذكره من أنه إذا كانت المعصية راهنة وصاحبها مباشر لها كلبسه الحرير وإمساكه العود والخمر فإبطال هذه المعصية واجب بكل ما يمكن مالم يؤد إلى معصية أفحش منها أو مثلها وذلك يثبت للآحاد والرعية) فهذا صريح فى أن النهى عن المنكر إنما يكون إذا لم يترتب على هذا النهى منكر أعظم من هذا المنكر ومفسدة أشد من مفسدة فعل المنكر.
وهذا هو الذى ينبغى ألا يكون فيه خلاف.
وقد قال المحقق ابن القيم فى أعلام الموقعين من الجزء الثالث فى مبحث تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد - بعد كلام مانصه (فإنكار المنكر أربع درجات الأولى أن يزول ويخلفه ضده.
الثانية أن يقل وإن لم يزل بجملته.
الثالث أن يخلفه ماهو مثله.
الرابعة أن يخلفه ماهو شر منه. وحينئذ لا يجوز الأمر بالمعروف ولا النهى عن المنكر إذا ترتب على ذلك مفسدة أشد وشر أعظم من ترك المعروف وفعل المنكر.
ومن هذا يعلم أنه إذا كان المسلم الذى ساءه الاستهتار بالدين إذ رأى الحانات تفتح أمام المساجد إلى آخره دعا المسلمين إلى العمل على إغلاق هذه الحانات بطريقة لا يترتب عليها شر أعظم ولا فتنة أكبر بأن دعاهم إلى مطالبة أولى الأمر بمنع فتح هذه الحانات والانجار بالخمر ومنع سائر المنكرات التى فشت فى الأمة فأماتت القلوب وأفسدت على العقول إدراكها فأصبح كثير من الناس يستحسنون القبيح ويستقبحون الحسن، وفقدت منهم قوة التمييز بين الخير والشر والنافع والضار والحسن والقبيح كان هذا المسلم ومن يقوم معه قد أدوا ماهو واجب على حسب استطاعتهم.
أما إذا قاموا بأنفسهم بإزالة هذا المنكر وتغييره بأيديهم وكان هذا مما يترتب عليه فتنة وشر للأمة أعظم من الاتجار بالخمر فذلك مما لا يجوز فعله، بل هو محظور لما يترتب عليه من المفاسد والمضار كما قدمنا.
هذا وقد ذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن تغيير المنكر باليد إنما هو على الأمراء والحكام، والتغيير باللسان على العلماء، والتغيير بالقلب على العوام ذهابا منه إلى أن التغيير باليد يعتمد القدرة وأنه لا قدرة لغير الأمراء والحكام.
ولكن حديث (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده.
إلى آخره) نص كما قال العلامة البركوى فى كون الوجوب على هذا الترتيب على كل شخص، وهو قول أكثر العلماء وهو المختار للفتوى.
غير أن الأمر مقيد كما قلنا سابقا بما إذا لم يترتب على ذلك شر أعظم ومفسدة أكبر وخلاصة القول أن الشريعة الإسلامية كما قال المحقق ابن القيم - مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد فى المعاش والمعاد، وهى عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها.
فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة.
فإذا أمرت بشىء فإنما تأمر به لما فيه من المصلحة الراجحة، وإذا نهت عنه فإنما تنهى عنه لما به من المفسدة الراجحة.
فعلى المسلم حينئذ أن يتبع قواعد دينه، فيكون حكيما فى دعوته إلى الله، وفى أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
هذا ما ظهر لنا والله سبحانه وتعالى أعلم(7/368)
ميراث المرتد
المفتي
حسنين محمد مخلوف.
جمادى الأولى 1366 هجرية 26 مارس سنة 1947م
المبادئ
1- مال المرتد الذى مات على ردته يكون فيئا فى بيت مال المسلمين وهذا عند الإمام أحمد بن حنبل، وقيل يكون لورثته المسلمين.
وهو مروى عن أبى بكر الصديق وآخرين. 2- فى مذهب الحنفية الجارى عليه العمل اتفق الإمام وصاحباه على توريث المسلم من المرتد فيما تملكه قبل درته.
واختلفوا فيما تملكه وهو مرتد الصاحبان على أنه يكون ميراثا لورثنه المسلمين، والإمام على أنه يكون فيئا فى بيت مال المسلمين
السؤال
من عبد الحميد حسن قال ما مصر مال المرتد الذى كسبه قبل اعتناقه الإسلام هل يرثه فيه ورثته الذين من دينه الأصلى أو المسلمين منهم أو أنه يعود إلى بيت المال وذلك بالنسبة لشخص كان مسيحيا ثم اعتنق الإسلام ثم ارتد إلى المسيحية وبقى عليها حتى مات
الجواب
إن المرتد إذا مات على ردته فعند الإمام أحمد بن حنبل كما فى المغنى لابن قدامة يكون ماله فيئا فى بيت مال المسلمين، وهو قول ابن عباس وربيعة ومالك وابن أبى ليلى والشافعى وأبى ثور وابن المنذر وهو المشهور عنه.
لقول النبى عليه السلام (لا يرث المسلم الكافر ولا الكفر المسلم) وقوله (لا يتوارث أهل ملتين شتى) ولأنه كافر فلا يرث المسلم كالكافر الأصلى، ولأن ماله مال مرتد فأشبه الذى كسبه فى ردته، ولا يمكن جعله لأهل دينه لأنه لا يرثهم فلا يرثونه كغيرهم من أهل الأديان ولأنه يخالفهم فى حكمهم، فإنه لا يقر على ما انتقل إليه ولا يؤكل له ذبيحة ولا يحل نكاحه إن كان امرأة، فأشبه الحربى مع الذمى.
وقيل إنه يكون لورثته المسلمين.
وهو مروى عن أبى بكر الصديق وعلى وابن مسعود وبه قال بن المسيب وجابر بن زيد والحسن وعمر بن عبد العزيز وعطاء والشعبى والأوزاعى والثورى وابن شبرمة وأهل العراق وإسحق.
وعلة هذا القول أن ردته ينتقل بها ماله فوجب أن ينتقل لورثته المسلمين، كما لو انتقل بالموت، والمشهور هو القول الأول أما مذهب الحنفية الجارى عليه العمل فى الديار المصرية فقد اتفق الإمام وصاحباه على توريث المسلم من المرتد فيما تملكه قبل ردته غير أنهم اختلفوا فيما تملكه وهو مرتد - فذهب الصاحبان إلى أنه يكون ميراثا لورثته المسلمين أيضا، وذهب الإمام إلى أنهم لا يرثونه فيه بل يكون هذا المال فيئا فى بيت مال المسلمين.
وعلى هذا يكون جميع ماتملكه هذا المرتد قبل ردته لورثة المسلمين.
والله أعلم(7/369)
الشريعة الإسلامية بها ما يحقق العدالة الاجتماعية
المفتي
حسنين محمد مخلوف.
جمادى الأولى سنة 1367 هجرية - 3 ابريل سنة 1948 م
المبادئ
1- فى الشريعة الإسلامية ما يكفل تحقيق العدالة الاجتماعية بأوسع معانيها للأفراد والجماعات.
2- الفرد فى الشريعة الإسلامية قوام الجماعة، والجماعة فيها عضد للفرد وظهير له فى أداء رسالته والتمتع بحقوقه.
3- فى كتاب الله ما يهدى إلى الحق وإلى الطريق المستقيم فى كل ما يمس شئون الحياة.
4- الإسلام يبيح الملكية المطلقة للأفراد ويوجب بجانب ذلك على الأغنياء حقوقا للفقراء يؤدونها إليهم، كما يوجب على الفرد العمل كى لا يكون عالة على غيره، ولتقوى الأمة بالعمل والإنتاج.
5- لا يسوغ لمسلم الأخذ بغير هدى الإسلام فيما شرعه من الأحكام كما لا يسوغ له دعوة الناس إلى غير ما دعا إليه الإسلام من الحق ونوره.
6- لا يوجد فى الشريعة الإسلامية ما يحول بين المرء والتملك، وليس فيها ما يسوغ تسمية الملاك بالمحتكرين مهما اتسعت ثورتهم.
7- العمل على هدم الثروات باعتبارها ضرب من الاحتكار يأباه الإسلام الذى يحترم حق الملكية ويحميها.
8- لم تحدد الشريعة الإسلامية حدا لا يتجاوزه المالك، ولم تلزم أحدا بالنزول عن ملكه مجانا أو بثمن.
9- استغلال الأراضي الزراعية بالتأجير فقط أو مزارعة مشروع متى خلا العقد من الجهالة والغرر والشروط المبطلة له
السؤال
طلبت منا وزارة الداخلية بكتابها المؤرخ فى 9 مارس سنة 1948 بيان الحكم الشرعى فيما تضمنه المنشور الذى وضعته إحدى الهيئات بالمملكة المصرية بعنوان مشاكلنا الداخلية فى ضوء النظام الإسلامى من أن الإسلام يرفض أن توجد طبقة تحتكر الثروة وفى مقدمة ما عنى به من الناحية الاقتصادية توزيع الملكيات الزراعية، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد وضع العلاج الناجع لما تعانيه مصر الآن من التباين الشاسع فى توزيع هذه الملكيات.
فقال من كان له أرض واسعة فيزرعها أو يمنحها أخاه ولا يؤاجرها إياه ولا يكريها وأن مؤدى ذلك أن الملكية الفردية يجب أن تكون محدودة بطاقة الإنسان على زرع أرضه، وما زاد عن ذلك يجب أن يوزع على المعدمين، فلا استغلال بالايجار بل لا تأجير مطلقا، وكذلك عمر بن الخطاب حينما فتح المسلمون أرض سواد العراق وأرادوا قسمة أربعة أخماسها بين الفاتحين أبى عليهم ذلك وقال ما يفتح بلد فيكون فيه كبير نيل حتى يأتى المسلمون من بعدهم فيجدوا الأرض قد قسمت وحيزت وورثت عن الآباء وتضيع الذرية والأرامل.
وانتهى المنشور إلى القول بأن الإسلام يحارب الإقطاعات الشائعة اليوم فى النظام الرأسمالى الذى يبيح الملكية المطلقة، كما يحارب الشيوعية اللادينية التى تنادى بأن تكون الأرض ملكا للدولة فينهار بذلك ركن من أركان الاقتصاد السليم فضلا عن تجاهل المبدأ الغريزى فى الإنسان وهو حب التملك، وأن الحل الوسط بين الرأسمالية والشيوعية هو أن يتملك الإنسان بقدر طاقته الزراعية وما زاد عن ذلك يجب أن يعطيه ليغيره من المعدمين مجانا.
ذلك ما زعموا أنه حل لهذه المعضلة فى ضوء النظام الإسلامى
الجواب
والحق الذى لا مرية فيه أن فى الشريعة الإسلامية ما يكفل تحقيق العدالة الاجتماعية بأوسع معانيها بالنسبة للأفراد والجماعات، فقد اعتبرت الفرد قواما للجماعة وسنت له النظم الصالحة لحياته فى نفسه وباعتباره عضوا فى أسرته وفى عشيرته وفى أمته وفى المجتمع الإنسانى عامة ليكون لبنة متينة فى بنائه وعضوا قويا فى كيانه.
كما اعتبرت الجماعة عضدا للفرد وظهيرا له فى أداء رسالته والتمتع بحقوقه والقيام بواجباته.
ووثقت الصلة بين الفرد والجماعة بالتكافل فى كثير من الحقوق والواجبات، ولم تدع شأنا من شئون الفرد والجماعة إلا أنارت فيه السبيل وأوضحت النهج وكشفت عما فيه من صلاح وفساد وخير وشر، فكانت لذلك خاتمة الشرائع وأبقاها على الدهر وأصلحها لكل أمة وزمان، قررت أسمى المبادئ وأعدل النظم فى الاجتماع والسياسة الثقافة والاقتصاد وما إلى ذلك مما يكفل للأمة إذا هى استمسكت بها واعتصمت بهديها القوة والسلطان والحياة المشرقة الرافهة التى يسودها التعاون على البر والخير ويظلها الأمن والسلام.
وهذا كتاب الله الذى أنزله على صفوة خلقه بين أيدينا نطالع فيه ما يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم فى كل ما يمس شئون الحياة.
ونجد فيه العلاج الشافى لكل نازلة والحل الموفق لكل معضلة مما فيه كل الغنى عما سواه من مذاهب وآراء استحدثها الغرباء عنه وأولع بها بعض الدخلاء فيه أو الجهلاء بمقاصده ومراميه.
وهل يستوى تشريع إلهى حكيم أنزل الله على رسوله لمصالح عباده وهو العليم الخبير بما يصلح لهم ويسعد حالهم ومذاهب وآراء يصنعها آحاد الناس كتشريع ونظام عام على مايظنون ويتخيلون.
وهل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون. وما هذه الثورات الفكرية والاضطرابات الدولية والدماء المراقة والأموال المستنزفة والمدن المهدمة والمدنيات المنهارة والحضارات المحتضرة والوشائج المقطعة إلا نتائج لتلك المذاهب والآراء المستحدثة التى لا يقرها الإسلام فى سياسة الشعوب ونظام الاجتماع والعمران ويقرر فى ضوء الحق والواقع ما فيها من هدم وإفساد ولسنا نطمع فى أن يكون الناس أمة واحدة ولكنا ندعو أم الأرض على اختلاف العقائد والنحل وفيهم الفلاسفة والعباقرة ودعاة الأمن والإصلاح أن يدرسوا مبادئ الإسلام وتعاليمه فى القرآن الكريم والسنة الصحيحة دراسة العالم المدقق والمفكر الحر ليعلموا أنها وحدها هى النظام المثالى للاجتماع والحضارة والعدل والسلام وأنه لا منجى للعالم مما حاق به إلا بالأخذ بها العيش فى ظلالها.
اندفعت أمم من الغرب بدافع الجشع والطمع وعبادة المال إلى استعمار البلاد الشاسعة واستعباد الأمم الضعيفة واستغلال مواردها واحتكار مرافقها ولبست لذلك مسوح الرهبان خداعا للشعوب وتغريرا بالعقول، فمرة تزعم أنها إنما أقدمت على ذلك لترقيها وترفع مستواها وتسعد أهلها اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، ومرة تزعم أنها إنما تبسط يدها عليها وتتحكم فى مواردها وخيراتها لتنقذ الطبقة الدنيا من مخالب الرأسمالية وهى فى كل هذه المظاهر الكاذبة مخادعة مرائية لا تبغى إلا السيادة والغلب واحتكار الأمم الضعيفة والشعوب المفككة كما تحتكر الأمتعة والسلع.
وأى فرق بين ما تنعاه على الأثرياء من احتكار الثروات العقارية وبين ما تهالكت عليه وبذلك فى سبيله المهج والأموال من إخضاع الشعوب لسلطانها وبسط يدها فى جميع مرافقها قهرا عنها وإرغاما لها.
أليس ذلك احتكارا لملكية الشعوب بأسرها نفوسا وأموالا بل هو أبشع صور الاحتكار وأفحش أساليبه.
ليس لنا وراية الإسلام تظلنا وتعاليمه ترشدنا أن ننخدع بهذه البروق الخالية ونذعن لتلك الدعايات الهادمة وندع ماشرعه الله لنا من النظم الحكمية المالية والاجتماعية بل ذلك حقيق أن يوقظ دول الإسلام وينبه منها الشعور لما يراد بها ويدبر لها من كيد وإذلال، وأن يحفزها لجمع الكلمة والتئام الصفوف وتضافر القوى للدفع فى صدور هذه الدول الطامعة التى لا تبغى من وراء دعايتها إلا الهدم والتدمير.
ومما احتالوا به لاذكاء نار الفتنة فى نفوس طبقات العمال وأشباههم من الشعوب وهم الكثرة الغالبة إظهار التحنن لهم والحدب عليهم بدعوى وجوب محو الملكيات العقارية بتاتا أو وجوب تقصير مداها إلى حد الكفاف (على النحو الذى عالج به المنشور توزيع الثروة العقارية بين الأفراد) بزعم أنه علاج إسلامى.
أما الإسلام الحنيف فقد ساير سنن الوجود وطبيعة العمران وقرر أسمى المبادئ فى نظام الملكية فأباح الملكية المطلقة للأفراد وأوجب بجانب ذلك على الأغنياء فى أموالهم حقوقا يؤدونها للفقراء والمساكين وذوى الحاجة سدا لخلتهم وينفقون منها فى المصالح العامة التى تعود بالخير على المجتمع وفى آيات القرآن والأحاديث النبوية من الحث على أداء هذه الحقوق والترهيب من الإخلال بها، والترغيب فى التصدق والإنفاق والبر والمواساة ما لو ابتعه المسلمون كانوا أسعد الأمم حالا وأهناها بالا وأبعدها عما نراه من المآثم والشرور أوجب الزكاة فى الأموال تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء وهى الركن المالى فى دعائم الإسلام، وأمر بالبر والاحسان لذى القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل.
وقال تعالى {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} آل عمران 92، وضاعف مثوبة الصدقات فقال تعالى {مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم} البقرة 261، وحث على صدقة السر فقال تعالى {إن تبدوا الصدقات فنعما هى وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير} البقرة 271، إلى غير ذلك من الآيات التى عدلت الأغنياء بالفقراء وأسعدت الفقير بحظ من ثمرات ملكية الغنى يسد خلته ويكفى حاجته، وبجانب ذلك حث القرآن فى كثير من الآيات على العمل والكسب، ونهت السنة عن البطالة وإراقة ماء الوجه بالسؤال والاستجداء كيلا يتكل الفقراء على الأغنياء ويعيشوا عليهم عالة يتكففونهم وفى ظلال هذه التعاليم التى يكمل بعضها بعضا يعيش العامل والفقير والغنى عيشة راضية مطمئنة لا يشوبها كدر ولا ينغصها ألم.
احترم الإسلام حق الملكية فأباح لكل فرد أن يتملك بالأسباب المشروعة مايشاء من المنقولات والعقارات وأباح له استثمارها والانتفاع بها فى نطاق الحدود التى رسمها وخوله حق الدفاع عنها كالدفاع عن النفس والعرض ولو بقتل الصائل عليها وأوجب عليه صيانتها ونهاه عن إضاعتها وصرفها فى غير المشروع من وجوهما استكمالا لوسائل العمران.
وفى الحديث (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) وفى حديث آخر.
(من قتل دون ماله فهو شهيد) وقد أضاف القرآن الأموال إلى أصحابها إضافة التملك فقال تعالى {وفى أموالهم حق للسائل والمحروم} الذاريات 19، وقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما.
ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا} النساء 29، 30، وشرع الإسلام أسباب ملكية الأعيان والمنافع وطرائق انتقالها من مالك إلى آخر، أقام للتعامل بين الناس نظما وحدودا تكفل صيانة حق الملكية، وتمكن المالك من استيفاء حقه والانتفاع بثمرة ملكه، وتخول المستأجر الانتفاع بملك غيره، وحرم من وسائل التعامل ما يقضى إلى التهارج والتقاتل كالربا فى صورة المختلفة والعقود التى فيها جهالة وغرر ومخاطرة، وحرم الغصب والسرقة وأكل أموال الناس بالباطل وسن الحدود والعقوبات جزاء لمن ينتهك حرمة الملكية ويتعدى حدودها المشروعة قال تعالى {ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون} البقرة 229، بل نهى سبحانه عن أدنى أنواع التعرض للأموال، وهو تنمى زوالها عن الغير فقال تعالى {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شىء عليما} النساء 32، للارشاد إلى أن التفاضل فى المال لا يسوغ العدوان عليه ولو بالتمنى المذموم، فإن ذلك قسمة صادرة من الحكيم الخبير، وعلى العبد أن يرضى بما قسم الله له ولا يتمنى حظ المفضل حسدا وحقدا بل يسأل الله من واسع فضله وجزيل إنعامه، فإن خزائن ملكه لا تنفد قال تعالى {أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن فى ذلك لآيات لقوم يؤمنون} الزمر 52، وقال تعالى {ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون} الأحقاف 19، أقام الشارع هذه النظم الحكيمة الآخذ بعضها برقاب بعض صيانة للمجتمع من الفوضى والفساد ورعاية لمصالح العباد وهو أعلم بها، ولم يترك الأمر سدى تعبث به الأهواء ويضل الناس فيه السبيل، فانزل القرآن الكريم هدى ونورا، وجاءت السنة النبوية بيانا له وتنويرا، وجاء فيهما من التعاليم ما إن تمسك به المسلمون كانوا على بينة من دينهم وعلى هدى من أمرهم، وكانت السعادة ملاك إيمانهم، وليس بعد الحق إلا الضلال، فليس لمسلم أن يأخذ بغير هدى الإسلام فيما شرعه من الأحكام، ولا أن يدعو الناس إلى غير ما دعا إليه من الحق والنور.
هذه كلمة الإسلام فى احترام حق الملكية الفردية للعقار وصيانته من العدوان وهو حق تقتضيه سنة العمران وغريزة الإنسان، غير أن بعض العقول قد غشيها فى هذا العصر غواش من الظلم حجبت عنها نور الحق فارتطمت فى عميائها بالصخور وتردت فى المهاوى.
وتلقفها فى إبان هذه العمايا وغمرة هاتيك الحيرة شياطين من الإنس يوحون إليهم زخرف القول غرورا ويمنونهم بباطل الأماني وكاذب الأحلام فذهب دعاة هدامون إلى إهدار ملكية العقار الفردية، وأقاموا نظامهم الاقتصادى والاجتماعى على هذا المبدأ - وسيعلمون بعد حين أنه غير صالح للبقاء وأنه وأن امتد به الزمن حينا فسيقضى عليه بالفناء وقال آخرون إن الإسلام يرفض وجود طبقة تحتكر الثروة، وإنه حق لو كان هناك احتكار، ولكنه فى الواقع حديث عن وهم وخيال، فليس هناك طبقة تحول بقوتها بين الناس وأسباب الغنى والثراء وتمنعهم بحولها من التملك والشراء وليس هناك احتكار من أحد للثروة بالمعنى المفهوم من الاحتكار، بل هناك نواميس طبيعية وسنن اجتماعية قضت بتفاوت الناس فى القوى والمدارك والعمل والإنتاج فكن منهم طوائف العمال والصناع والزراع وفيهم الجهال والعلماء والإنتاج، فكان منهم طوائف العمال والصناع والزراع وفيهم الجهال والعلماء والأغبياء والأذكياء والكسالى والمجدون، والله فضل بعضكم على بعض فى الرزق يبسط لمن يشاء ويقدر، ولهذا التفاوت آثاره الطبيعية فى الكسب والتملك، كما قضت هذه السنن بخضوع التعامل بين الناس لقاعدة العرض والطلب والحاجة والاستغناء، ولم يشذ عنها التعامل فى العقار فلا يزال فى ظلها حرا فى الأسواق يتبادله من الأفراد من يشاء بالبيع والشراء لا حظر من أحد على أحد، وليس وجود طبقة عاجزة عن التملك بطريق الشراء مما يسوغ حسبان القادرين عليه محتكرين مادام مرد الأمر فيه إلى عوامل أخرى ليس بينها حجر فريق على حرية فريق.
وقد ترك الإسلام الحنيف الناس أحرارا فى التعامل بالبيع والشراء ولم يقيدهم فى ذلك إلا بما يكفل صحة العقود ويدفع التنازع والتخاصم وأكل الأموال بالباطل.
وليس فى أحكامه ما يحول بين المرء والتملك، وما يسوغ تسمية الملاك محتكرين مهما اتسعت ثروتهم بل العمل على هدم هذه الثروات بزعم أنها ضرب من الاحتكار مما يأباه الإسلام الذى يقدس حق الملكية ويحرم العدوان عليه.
قالوا إن الإسلام يوجب أن تكون الملكية الفردية محدودة بطاقة الإنسان، ومازاد عن طاقته الزراعية يجب أن يعطى منحة للمعدمين بالمجان، ولا يجوز أن يستغل المالك أرضه بالتأجير بصوره المختلفة، والعجب أن يشرعوا للناس مالم يشرعه الله ويوجبوا عليهم مالم يوجبه، فمن البدهى أن الشريعة الإسلامية لم تحدد للملكية الفردية حدا لا يتجاوزه المالك، ولم توجب عليه أن ينزل عما زاد عن طاقته الزراعية للمعدمين بالمجان ولا لغير المعدمين بالثمن وقد كن من الصحابة رضوان الله عليهم من يملك الثروات الطائلة كعبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد أصحاب الشورى فى الخلافة وكان بجانب هؤلاء الجم الغفير ممن لا يملك شروى نقير كأهل الصفة وأشباههم وكان فى الأنصار كثير من أهل المزارع الواسعة ولم يوجب الرسول على أحد ممن تضخمت ثرواتهم بجهودهم أن يوزع ما زاد عن طاقته الزراعية على المعدمين لا من العقار ولا من المنقول.
نعم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى صدر الإسلام حين قدم المدينة بين المهاجرين والأنصار فى دار أنس بن مالك وكانوا تسعين رجلا نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار.
آخى بينهم على المواساة والبر والتوارث بعد الموت دون ذوى الأرحام إلى أن نزل قوله تعالى {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله} الأحزاب 6، فنسخ التوارث بعقد الأخوة وبقى التوارث بالقرابة.
أما المواساة والترافق بين المؤمنين عامة فأمر مندوب إليه مرغوب فيه، وفيما تلونا من آيات القرآن من الحث عليه وعلى معونة الفقراء والمحتاجين بلاغ للناس، ولكن هذا شىء ووجوب التنازل عن الملك شىء آخر.
ولا واجب فى الدين إلا ما أوجبه الشارع الحكيم وقد أجازت الشريعة لمالك الأرض أن يتصرف فيها كيف يشاء فله أن يزرعها كلها أو بعضها بنفسه وله أن يؤجرها لغيره بطريق المزارعة أو بالنقد بلا تحديد بالطاقة وعيش الكفاف وله أن يمنحها أو يمنح منها للغير غنيا أو فقيرا.
الاستغلال بطريق المزارعة فأما الاستغلال بالمزارعة وهى نوع نم التأجير مشروع فأصله أن أهل المدينة كانوا أكثر الناس حقولا ومزارع، وكانوا فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغلون الأرض بطريق المزارعة وتسمى أيضا المخابرة (مشتقة من الخبير وهو الفلاح وهى عقد بين المالك والعامل على كراء الأرض ببعض ما يخرج منها فتارة كانوا يحددون نصيب المالك بالشطر أو الثلث أو الربع، وتارة يحددونه بما ينبت على حافة الأنهر أو الجداول أو أن له ثمرة قطعة معينة من الأرض وللعامل ثمرة قطعة أخرى ونحو ذلك مما من شأنه أن يفضى إلى التنازع والتشاحن وأكل الأموال بالباطل لما فيه من الجهالة والغرر.
وتارة يجمعون بين التحديدين. فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النوعين الأخيرين من الكراء لما فيهما من المخاطرة المفضية إلى النزاع.
وعن حنظلة بن قيس الأنصارى قال سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والفضة فقال لابأس به إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بما على الماذيانات (لفظة معربة معناها حافة النهر ومسايل الماء) وإقبال الجداول (رءوس - الأنهر الصغيرة) وأشياء من الزرع فيلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا، ويهلك هذا.
ولم يكن للناس كراء إلا هذا فلذلك زجر عنه.
فأما شىء معلوم مضمون فلا بأس به رواه مسلم وأبو داود والنسائى.
وفى رواية عن رافع قال حدثنى عماى أنهما كانا يكتريان الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ينبت على الأربعاء (جمع ربيع وهو النهر الصغير) وبشىء يستثنيه صاحب الأرض فنهى النبى عن ذلك (رواه البخارى وأحمد والنسائى) وفى رواية عنه.
كنا أكثر أهل المدينة مزدرعا كنا نكرى الأرض بالناحية منها تسمى لسيد الأرض فمما يصاب ذلك وتسلم الأرض ومما تصاب ويسلم ذلك فنهينا.
فأما الذهب والورق (الفضة) فلم يكن يومئذ (رواه البخارى) وفى رواية عنه.
كنا أكثر الأنصار حقلا فكنا نكترى الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك فأما الورق فلم ينهنا (أخرجه البخارى ومسلم) وعن أسيد بن ظهير كان أحدنا إذا استغنى عن أرضه أو افتقر إليه أعطاها بالنصف والثلث والربع، ويشترط ثلاث جداول والقصارة (بضم القاف وهى الحب فى السنبل بعد ما يداس) وما يسقى الربيع، وكان يعمل فيها عملا شديدا ويصيب منها منفعة.
فأتانا رافع بن خديج فقال نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن أمر كان بكم رافقا وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لكم نهاكم عن الحقل (الزرع) رواه أحمد وابن ماجة.
فهذه الروايات صريحة فى أنه عليه السلام إنما نهى عن كراء الأرض ببعض ما يخرج منها إذا اشتملت على ما يؤدى إلى المخاطرة والغرر من مثل هذه الشروط الفاسدة، فأما إذا خلت منها فيجوز كراؤها به مثل كرائها على النصف أو الربع مما يخرج منها، وهذا هو الذى فهمه ابن عمر حيث رد على رافع فى قوله (نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن كراء المزارع، بقوله (قد علمت أنا كنا نكرى مزارع، بقوله (قد علمت أنا كنا نكرى مزارعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما على الأربعاء وشىء من التبن) أخرجه فى الصحيح.
وحاصل رده كما ذكره القسطلانى.
أنه ينكر على رافع إطلاقه فى النهى عن كراء الأرض ويقول إن الذى نهى عنه النبى صلى الله عليه وسلم هو الذى كانوا يدخلون فيه الشرط الفاسد، وهو أنهم يشترطون ما على الأربعاء وطائفة من التبن وهو مجهول وقد يسلم هذا ويصيب غيره آفة أو بالعكس فتقع المزارعة ويبقى الزارع أو رب الأرض بلا شىء.
وهو ما فهمه أيضا ابن عباس رضى الله عنهما حيث قال كما فى الصحيح أنه عليه السلام لم ينه عنه.
أى عن كراء الأرض بشطر ما يخرج منها ولكن قال (لأن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ شيئا معلوما) .
قال الخطابى وقد عقل ابن عباس المعنى من الخبر وأن ليس المراد به تحريم المزارعة بشطر ما يخرج من الأرض وإنما أراد بذلك أن يتمانحوا أراضيهم وأن يرفق بعضهم ببعض - وقد ذكر رافع فى رواية عنه فى هذا الباب (باب المزارعة) النوع الذى حرم منه والعلة التى من أجلها نهى عنها.
وذلك قوله كان الناس يؤاجرون الخ.
فأفاد أن المنهى عه هو المجهول منه دون المعلوم، وأنه كان من عاداتهم أن يشترطوا فيها الشروط الفاسدة، وأن يستثنوا من الزرع لرب الأرض ما على السواقى والجداول والمزارعة، وحصة الشريك لا يجوز أن تكون مجهولة، وقد يسلم ما فى السواقى والجداول ويهلك سائر الزرع فيبقى العامل لاشىء له وهذا خطر - ملخصا -.
وقال الليث ابن سعد وكان الذى نهى عنه من ذلك مالو نظر فيه ذوو الفهم بالحلال والحرام لم يجيزوه لما ففيه من المخاطرة.
وهو ما وافق عليه الجمهور من حمل النهى عن كراء الأرض بما يخرج منها على الوجه المفضى إلى الغرر والجهالة - قال فى الفتح ونيل الأوطار - وعليه تحمل الأحاديث المطلقة الواردة فى النهى عن المزارعة والمخابرة كما هو الشأن حمل المطلق على المقيد.
وفى منتقى الأخبار.
أن حديث حنظلة بن قيس بيان لما أجمل فى المتفق عليه من إطلاق النهى عن كراء الأرض.
وممن حمل النهى على ذلك وأجاز كراء الأرض يجزء مما يخرج منها كالنصف والثلث والربع دون أن يقارنه شرط مفسد للعقد الخلفاء الراشدون وابن عمر وابن عباس وابن مسعود وسعد بن مالك وحذيفة ومعاذ بن جبل وأسامة وخباب وعمار بن ياسر.
وهو قول ابن المسيب وطاووس وابن أبى ليلى والأوزاعى والثورى والقاضى أبى يوسف ومحمد بن الحسن وابن المنذر واحم بن حنبل استنادا لما ثبت فى الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم عامل يهود خيبر بعد أن ظهر عليهم على أن يزرعوا له أرضها ولهم نصف ما تخره من ثمر أو زرع، واستمر اليهود على ذلك إلى صدر من خلافة عمر حتى أجلاه عنها إلى تيماء وأريحاء - وعن أبى جعفر قال بالمدينة أهل بيت هجرة ألا يزرعون على الثلث والربع - وزارع عمر وعلى وسعد بن مالك وابن مسعود ومعاذ وعمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وكثير غيرهم- وقال ابن القيم فى زاد المعاد فى قصة خيبر دليل على جواز المساقاة والمزارعة بجزء من الغلة من ثمر أو زرع فإن النبى صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على ذلك واستمر إلى حين وفاته ولم ينسخ البتة ودرج عليه الخلفاء الراشدون.
وجملة القول أنه يجوز استغلال الأرض بكرائها يجزء من الخارج منها على الوجه الذى لا يفضى إلى المنازعة والتخاصم، وهو قول الجمهور، والقول المفتى به عند الحنفية، والمختار عند الشافعية كما ذكره النووى خلافا لما ذهب إليه أبو حنيفة ومالك والشافعى من عدم جواز كرائها به استنادا إلى أحاديث النهى المطلقة، وقد علمت أنها محمولة على ما فيه شروط مفسدة.
على أنه قد روى عن زيد بن ثابت أنه قال يغفر الله لرافع أنا والله أعلم بالحديث منه إنما أتى النبى عليه السلام رجلان من الأنصار قد اقتتلا فقال إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع.
ومقصوده كما فى سبل السلام أن رافعا اقتطع الحديث فروى النهى ولم يروا أوله فأخل بالمقصود.
استغلال الأرض بالايجار ونعنى به تأجيرها بالذهب أو الفضة أو بما جرى به التعامل من النقود والأوراق المالية ولا شك فى جوازه، ويقاس على ما ذكر التأجير بغيره من سائر الأشياء المعلومة المتقومة كما (فى سبل السلام ونيل الأوطار) ويدل عليه حديث حنظلة بن قيس السابق.
قال ابن عباس إن أمثل ما انتم صانعون أن تستأجروا الأرض البيضاء من السنة إلى السنة (رواه البخارى) وعن سعد بن أبى وقاص إن أصحاب المزارع فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم كانوا يكرون مزارعهم بما يكون على السواقى وما سعد بالماء (ما جاء من الماء من غير طلب) مما حول النبت فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختصموا فى بعض ذلك فنهاهم أن يكروا بذلك، وقال اكروا بالذهب والفضة (رواه أحمد وأبو داود والنسائى) وقال ابن المنذر إن الصحابة أجمعوا على جواز كراء الأرض بالذهب والفضة.
ونقل ابن بطال اتفاق فقهاء الأمصار عليه.
وقد تبين من ذلك أنه يجوز استغلال الأرض المملوكة بطريق المزراعة المستوفية شرائط الصحة وهى نوع من التأجير، وبطريق التأجير بالنقد وما يقاس عليه، ولا شك أن هذا رفقا عظيما بالناس.
فإن الملاك قد يعجزون عن العمل بأنفسهم فلا يستطيعون الانتفاع بأرضهم إلا بتأجيرها للغير، والمستأجرون قد لا يملكون الأرض مع استطاعة الزراعة فلا يتيسر عيشهم إلا بالاستئجار من الملاك فرعاية للمصلحتين أجازت الشريعة استغلال الأرض بهاتين الطريقتين وكثيرا ما كن حظ المستأجر أوفر من حظ المالك، وخاصة إذا اتقى الله فى عمله وعزم على وفاء دينه وإعطاء المالك حقه فإن الله يعينه ويريحه ويبارك له فى رزقه فالقول بأنه لا استغلال بالإيجار للأرض المملوكة بل لا تأجير مطلقا قول زائف لا يعول عليه، ولا يلتفت إليه من الوجهة الشرعية والعملية الحديث الذى رووه رواياته ومعناه عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له أرض فليزرعها أو ليحرثها أخاه فان أبى فليمسك أرضه.
أخرجه البخارى ومسلم وأصل هذا الحديث ما رواه جابر رضى الله عنه قال كنا نخابر على عهد رسول الله فنصيب من القصرى (القصرى كبشرى بقية الحب فى السنبل بعد الدياس) ومن كذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له أرض فليزرعها أو فليحرثها أخاه وإلا فليدعها.
رواه مسلم وأحمد وفى رواية عنه كنا فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم نأخذ الأرض بالثلث أو الربع بالماذيانات فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك فقال.
من كانت له أرض فليزرعها فان لم يزرعها فليمنحها أخاه، فإن لم يمنحها أخاه فليمسكها وما رواه رافع بن خديج عن عمه ظهير بن رافع قال ظهير لقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان بنا رافقا.
قلت ما قال رسول الله فهو حق قال دعانى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما تصنعون بمحافلكم قلت نؤاجرها على الربيع (يشترطون لأنفسهم ما ينبت على النهر وعلى الأوثق من الثمر والشعير قال عليه السلام لا تفعلوا ازرعوها أو امسكوها.
قال رافع قلت سمعا وطاعة رواه مسلم. وهذه الروايات يفسر بعضها بعضا وتدل على أنه عليه السلام لما وجدهم فى المدينة يكرون الأرض بعقود مزارعة تشتمل على شروط فاسدة نهاهم عنها فضائها إلى التنازع والتقاتل كما صرح به فى حديث سعد بن أبى وقاص، وحديث زيد ابن ثابت، وأرشدهم إلى ما ينبغى أن يفعلوه فى استغلال مزارعهم فقال مرة كما فى رواية سعد اكروا بالذهب والفضة، وهو جائز بالإجماع لأن الكراء بهما وبما فى معناهما لا مخاطرة فيه.
وقال مرة كما فى رواية ابن عباس لأن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليها أجرا معلوما.
وفى رواية من كانت له أرض فانه إن يمنحها أخاه خير له.
وهو صريح فى عدم إيجاب منح الأرض يدون أجر، وفى جواز أخذ الأجرة، لأن الخيرية والأولوية ظاهرة فى الجواز فيكون المراد مجرد استحباب المنح والترغيب فيه مواساة ورفقا كما صرح به ابن عباس، وخيرهم مرة ثالثة بين هذا الأمر المستحب وهو إعطاء الأرض منحة بدون أجر، وبين أن يزر عوها بأنفسهم أو يتركوها بدون زرع.
والأمر فى الثلاثة للندب لا للوجوب.
بقرينة جواز تأجير الأرض بالذهب أو الفضة بالإجماع.
وجواز تأخيرها بالنصف أو الثلث أو الربع على طريق المزارعة كما فعل الرسول فى أرض خيبر مستمرا على ذلك إلى وفاته، وكما فعل أصحابه فى حياته وبعد وفاته كما سبق.
وقد انعقد الإجماع على عدم وجوب الإعارة بلا فرق بين المزارعة وغيرها فوجب حمل هذا الحديث على الاستحباب والندب، كما أوضحه صاب منتقى الأخبار على أن الإمام الصنعانى قال فى سبل السلام بعد رواية حديث النهى فى المزارعة أنه كان فى أول الأمر لحاجة الناس وكون المهاجرين ليس لهم أرض فأمر الأنصار بالتكرم والمواساة، ويدل عليه ما أخرجه مسلم من حديث جابر قال كان لرجال من الأنصار فضول أرض، وكانوا يكرونها بالثلث والربع فقال النبى صلى الله عليه وسلم من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه فإن أبى فليمسكها.
وهذا كما نهوا أول الأمر عن ادخار لحوم الأضاحى ليتصدقوا بها، ثم بعد أن اتسع حال المسلمين زاد الاحتياج، فأبيح لهم المزارعة وتصرف المالك فى ملكه بما يشاء من إجارة وغيرها، ويدل على ذلك ماوقع من المزارعة فى عهده صلى صلى الله عليه وسلم وفى عهد الخلفاء من بعده، ومن البعيد غفلتهم عن النهى وترك إشاعة رافع له فى هذه المدة وذكره فى آخر خلافة معاوية.
سواء أقلنا إن أحاديث النهى عن المزارعة إنما وردت فى المزارعة الفاسدة أم أن النهى عنها كان عاما أول الأمر للحاجة ثم زال بزوال سببه فان الذى استقر عليه الأمر فى حكم الشريعة الإسلامية أن المالك حر يتصرف فى مالكه بما يشاء من زرع ومزارعة وتأجير لا حجر عليه فى شىء من ذلك ولا إيجاب (ما فعله عمر فى سواد العراق) لما فتح المسلمون سواد العراق فى خلافة عمر بن الخطاب، رأى الفاتحون أن يقسم بينهم قسمة تمالك كقسمة الغنائم فأبى عمر عليهم ذلك، وقال كما فى كتاب الخراج لأبى يوسف والله لا يفت بعدى بلد فيكون فيه كبير نيل بل عسى أن يكون كلا على المسلمين فاذا قسمت أرض العراق بعلوجها وأرض الشام بعلوجها فما يسد به الثغور وما يكون للذرية والأرامل بهذا البلد وبغيره من أهل الشام والعراق.
فترك.
الأرض مملوكة لأهلها يجوز بيعهم لها وتصرفهم فيها، وضرب على رءوسهم الجزية وعلى الأرض الخراج ليكون ما يجبى من ذلك سدا لحاجة المسلمين عامة، ينفق منه على الجيوش المقاتلة وسد الثغور وبناء القناطر والجسور وأرزاق العمال والموظفين وما إلى ذلك مما يتوقف عليه صيانة البيضة وبقاء الدولة.
وقد أسلم كثير من أهل السواد، فوضعت عنهم الجزية، وتداولت الأيدى أرضه، وأصبحت ملكا للمسلمين وغيرهم يتصرف كل مالك فى ملكه بما يريد من أنواع التصرف.
ومن هؤلاء الملاك التابعون وتابعوهم وأئمة المسلمين والفقهاء والمحدثون ومن بعدهم على تتابع القرون إلى وقتنا هذا.
فأى صلة بين هذا وبين ما يدعون إليه من قصر ملكية الفرد على قدر عيش الكفاف، ووجوب تنازله عما زاد عن ذلك منحة للمعدمين.
الرأسمالية ولقد أسرف الكاتبون فى الطعن على الرأسمالية مجاراة لتلك الدعايات الهادمة وصوروها للعامة بأبشع الصور فإن عنوا احتكار الملكية بمعناه بمعناه الحقيقي فنحن أول من ينكره وينعى عليه، وإن أرادوا مجرد الملكية كان طعنهم مراغمة للشرائع ومكابرة للعقول.
وقد تبين مما أسلفنا أن النظام المالى فى الإسلام يحترم حق الملكية، ويعاقب على العدوان عليه ويبيح للمالك حق التصرف فى ملكه بما يشاء من بيع ورهن وإجارة ومزارعة وإعارة ووقف ونحو ذلك ولا يوجب عليه، يمنح ملكه لغيره، ولا أن يكتفى من زراعة أرضه بما يحصل له عيش الكفاف كما تبين من سياق الحديث الذى استندوا إليه ومما ذكره أئمة الحديث فى بيانه.
أنه لا يمت بصلة إلى مازعموه وكذلك فعل عمر فى سواد لا يؤيد ما ذهبوا إليه.
ولسنا ننكر أن أمر الطبقات الفقيرة فى بلادنا يحتاج إلى علاج حاسم، ونرى بالإجمال أنه لا علاج له إلا باتباع تعاليم الإسلام الحقة فى النظم المالية والاجتماعية، ولبيان ذلك تفصيلا مجال آخر والله أعلم(7/370)
زواج الرجل بزوجة الغير من علمه بذلك باطل
المفتي
حسنين محمد مخلوف.
28 أبريل سنة 1949 م
المبادئ
1- تزوج الرجل زوجة آخر مع علمه بذلك باطل، ولا عدة عليها عند المتاركة ولو دخل بها.
2- تزوج الرجل زوجة آخر مع عدم علمه بذلك فاسد، وتجب المتاركة عليهما، وعليها العدة من حين المتاركة إن كان قد دخل بها
السؤال
طلب وكيل نيابة الدرب الأحمر الجواب عن سؤال تضمنته الإجابة التالية
الجواب
اطلعنا على السؤال الوارد إلينا بتاريخ 2-3-1949 - 1882 المطلوب معرفة الحكم الشرعى فيمن تزوجت بزوج وهى على عصمة زوج آخر هل تلزمها العدة بعد طلاقها من الزوج الثانى أم لا وذلك للتصرف فى القضية رقم 11 سنة 1949 حصر تحقيقات الدرب الأحمر.
والجواب أنه إذا كان زواج الثانى بهذه المرأة مع علمه بأنها زوجة للأول كان زواجه بها باطلا،ولا عدة عليها ولو دخل بها.
لأن وطأه لها زنا. والزنا لاحرمة له. وإن كان زواج الثانى بها مع عدم علمه بأنها زوجة للأول كان زواجه بها فاسدا تجب المتاركة فيه شرعا، وعليها العدة إذا كان قد دخل بها محافظة على حقه فى نسب ولده لعذره بعدم علمه بنكاح الأول.
والله سبحانه وتعالى أعلم(7/371)
تصرف الزوجة فى مالها
المفتي
حسنين محمد مخلوف.
جمادى الثانية 1365 هجرية - 14 مايو 1946 م
المبادئ
للمرأة الرشيدة التصرف فى مالها كله ولا حقق لزوجها فيه.
وفى رواية عن أحمد أنه ليس لها التصرف فى مالها بزيادة عن الثلث بغير عوض إلا بإذن زوجها
السؤال
من محمد أسعد قال: 1- هل أموال الزوجة حسب الشريعة الإسلامية مستقلة عن أموال الزوج.
2- وهل للزوج الحق فى أى إشراف أو مراقبة على أموال زوجته.
3- وهل فى حالة وفاة الزوجة للزوج أكثر من نصيبه الشرعى المحدد فى القانون من عدمه حسب الشريعة الإسلامية
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال وإليك الجو اب ذهب أبو حنيفة والشافعى وابن المنذر وأحمد فى إحدى الروايتين إلى أن للمرأة الرشيدة التصرف فى مالها كله بالتبرع والمعاوضة ولا حق لزوجها فيه، ولا يملك الحجر عليها فى تصرفها فيه كلا أو بعضا.
فلا فرق فى ذلك بينها وبين الرجل الرشيد وذهب أحمد فى الرواية الأخرى إلى أنه ليس لها التصرف فى مالها بزيادة عن الثلث بغير عوض إلا بإذن زوجها لما رواه ابن ماجه أن امرأة كعب ابن مالك أتت النبى صلى الله عليه وسلم بحلى تريد التصدق به فقال لها لا يجوز للمرأة عطية حتى يأذن زوجها، فهل استأذنت كعبا فقالت نعم فبعث إليه فقال هل أذنت لها أن تتصدق بحليها.
قال نعم فقبله النبى صلى الله عليه وسلم.
ولما رواه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى خطبة خطبها لا يجوز لا مرأة عطية إلا بإذن زوجها إذ هو مالك عصمتها ولأن حق الزوج متعلق بمالها والعادة أن الزوج يزيد فى المهر من أجل مالها ويبسط فيه وينتفع به - وقد استدل الجمهور بقوله تعالى {فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم} النساء 6، وهو ظاهر فى فك الحجر عن اليتامى وإطلاق أيديهم فى التصرف ذكورا كانوا أو إناثا متى أنس رشدهم.
ومتى وجب دفع ماله إليه لرشده جاز له التصرف فيه من غير إذن وأجابوا عن حديث ابن ماجه بأنه ضعيف وعن حديث أبى داود بأنه مرسل.
ومع ذلك فهو محمول على النهى عن تبرعها من مال زوجها وأما تبرعها من مالها فليس محمل النهى بدليل أنه يجوز لها التبرع بالثلث فأقل من مالها بدون إذن للزوج، وليس هناك ما يدل على التحديد بالثلث بل هو تحكم ليس فيه توقيف ولا عليه دليل انتهى من المغنى للامام ابن قدامه الحنبلى بتصرف وزيارة.
وما ذكر من أن للزوج حقا فى مالها غير مسلم، وما جرت به العادة من تبسطه فى مالها فهو من تسامح الزوجات فى حقوقهن مبالغة فى إرضاء الأزواج وسبيل إلى حسن المعاشرة لا تقرير لحقهم فى أموالهن.
وقد أفاد فى المغنى أن مذهب الإمام مالك يتفق مع الرواية الأخرى عن أحمد وبيانه كما فى الشرح الكبير لأبى البركات الدردير وحاشية الدسوقى عليه أن الزوجية من أسباب الحجر على الزوجة الحرة الرشيدة فى تبرعها لغير زوجها بأزيد من ثلث مالها فإذا تبرعت به لغيره كان لزوجها رد الجميع لحمله على قصدها إضرار زوجها فعوملت بنقيض قصدها وله إمضاؤه وله رد الزائد على الثلث وهذا بخلاف المريض إذا تبرع بزائد على الثلث فليس للوارث رد الجميع بل رد الزائد عن الثلث فقط أو إجازة الجميع.
والفرق بين الزوجة والمريض من جهة أخرى أن الزوجة قادرة على إنشاء ما أبطله الزوج بعد مدة وهى نصف عام على.
قول أصبغ وابن عرفة بخلاف المريض وما لم يحصل من الزوج رد فتبرعها جائز ماض.
وأما تبر عها بالثلث فأقل محجور عليها فيه إذ قصدت به ضرر زوجها على ما اختاره ابن حبيب.
وغير محجور عليها فيه ولو قصدت به إضراره عند ابن القاسم.
وإنما كانت الزوجية موجبة للحجر فيها ذكر لأن المقصود من ما لها تجمل الزوجة به فحجر الشارع عليها لأجله وبذلك جاز لها التبرع لزوجها بما شاءته ولو بكل مالها انتهى بتصرف وإيضاح وظاهر أن هذه العلة تقتضى الحجر مطلقا فكيف ساغ جواز التبرع بالثلث فأقل بدون إذن عند ابن القاسم مطلقا وعند ابن حبيب إذا لم تقصد إضرار الزوج على أن جعل الزوجية من أسباب الحجر على الزوجة وسليها حريتها فى التصرف فى مالها والذهاب إلى أن المقصود من مالها تجمل الزوجة به وبسطه يده فى إنفاقه من شأنه أن يبغض الأبيات من الزوجات فى الزواج والأزواج ويبت حبل المودة بينهما ويفتح أبوابا من الشر والنزاع بين الزوجين لحرص الزوجة بطبيعة كونها مالكه على إطلاق يدها فى مالها الذى تملكه وحرص الزوج بدافع غريزة حب المال على حجرها ليبسط يده فيه فى حياتها ويدخره ميراثا له بعد وفاتها كما أن من شأنه أن يجعل الزوج هو المتصرف فى مالها وذلك يغرى راغبى الزواج بالكلف بذوات الأموال للانتفاع العاجل بها والإعراض عمن عداهن وإن كن ذوات حسب ودين.
وفى ذلك ما لا يخفى من الفساد الاجتماعى والبعد عن المقاصد الأصلية للنكاح.
وصفوة القول أن مذهب الجمهور أقوى، دليلا وأوضح سبيلا وهو الذى جرى عليه القضاء الشرعى منذ قرون ولا تزال المحاكم الشرعية مقيدة به طبقا للمادة 280 من المرسوم بقانون رقم 78 سنة 1931 وهو أعدل وأقوم وخاصة فى هذه الأزمنة الأخيرة ومن هذا يتضح الجواب عن السؤالين الأول والثانى - وأما الجواب عن السؤال الثالث فهو أن للزوج من تركة زوجته المتوفاة النصف فرضا عند عدم الولد وولد الابن وإن نزل والربع فرضا مع الولد وولد الابن وإن نزل والله أعلم.
ے(7/372)
الحلف بغير الله
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل يجوز الحلف بغير الله؟
الجواب
روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال حين سمع عمر يحلف بأبيه " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " وروى أبو داود والترمذى وقال: حسن، قوله صلى الله عليه وسلم " من حلف بغير الله فقد كفر" وفى بعض الروايات " فقد أشرك " وفى بعضها " فقد كفر وأشرك ".
قال العلماء: إن الحلف الذى يجوز وتترتب عليه آثاره هو ما كان بالله أو بصفة من صفاته، أما الحلف بغير ذلك فهو غير ملزم ولا تترتب آثار على عدم البر به، ومع ذلك فهو ممنوع كما نص عليه الحديث، وجاء التغليظ بأنه خروج عن الإسلام عن طريق الكفر بالله وعدم الإيمان به، أو عن طريق الشرك، أى ضم غير الله إليه فى الألوهية وما يتبعها، ودرجة المنع من الحلف بغير الله مختلف فيها بين الحرمة والكراهة، يقول الشوكانى فى " نيل الأوطار ج 8 ص 236 ": للمالكية والحنابلة قولان -أى قول بالحرمة وقول بالكراهة التنزيهية - وجمهور الشافعية على أنه مكروه تنزيها، وجزم ابن حزم بالتحريم، وقال إمام الحرمين: المذهب القطع بالكراهة، وجزم غيره بالتفصيل: فإن اعتقد فى المحلوف به ما يعتقد فى الله تعالى كان بذلك الاعتقاد كافرا.
ويثار هنا سؤالان، الأول لماذا يحلف الله بالمخلوقات كالشمس والقمر والليل، والثانى كيف يحلف الرسول صلى الله عليه وسلم بغير الله وقد نهى عنه؟ .
أثار ذلك الحافظ ابن حجر فى فتح البارى " وخلاصة ما جاء فيه: أن لله أن يحلف بما شاء من خلقه لا يسأل عما يفعل " وذلك لتعظيم المحلوف به وهو سبحانه صاحب الأمر فى خلقه، وفيه لفت لأنظارنا أن نتدبر وجه العظمة فى هذا المحلوف به.
أما حلف الرسول بغير الله فقد جاء فى الصحيح أنه قال للأعرابى الذى أقسم ألا يزيد ولا ينقص عما تعلمه من الرسول من الواجبات (أفلح وأبيه إن صدق " وأجيب عنه بأجوبة:
أ-الطعن فى صحة هذه اللفظة-وأبيه -كما قال ابن عبد البر: إنها غير محفوظة، وزعم أن اصل الرواية " أفلح والله " فصحفها بعضهم.
ب - أن ذلك كان يقع من العرب ويجرى على ألسنتهم من دون قصد للقسم أى الحلف، والنهى أنتا ورد في حق من قصد حقيقة الحلف، قاله البيهقى، وقال النووى: إنه الجواب المرضى.
ج -أنه كان يقع فى كلامهم على وجهين للتعظيم وللتأكيد، والنهى إنما ورد عن الأول وهو التعظيم.
د-أن الحلف بغير الله كان جائزا، وما صدر من النبى كان على الجواز، ثم نسخ، قاله الماوردى، وقال السهيلى: أكثر الشراح عليه، قال المنذرى:
دعوى النسخ ضعيفة، لإمكان الجمع بين الأمرين المختلفين، ولعدم تحقق التاريخ حتى يعرف السابق من اللاحق.
هـ - أنه كان فى ذلك حذف، والتقدير " أفلح ورب أبيه " قاله البيهقى.
و أنه للتعجيب، وليس قسما، قاله السهيلى.
ز-أنه خاص بالنبى صلى الله عليه وسلم، لكن يرد على هذا بأن الخصوصيات لا تثبت بالاحتمال، بل لا بد لها من دليل، فيبقى الأمر عاما للرسول وغيره.
ثم يقول الشوكانى: وأحاديث الباب تدل على أن الحلف بغير الله لا ينعقد- أى لا تترتب عليه آثاره - لأن النهى يدل على فساد المنهى عنه، وإليه ذهب الجمهور.
وقال بعض الحنابلة: إن الحلف بنبينا صلى الله عليه وسلم ينعقد وتجب الكفارة.
بعد هذا العرض نرجو ممن لم يطلعوا على ما قاله العلماء فى الحلف بغير الله ألا يسرعوا فى تجريم من حلف بالنبى أو بغير الله بوجه عام، فقد قال بعض الفقهاء بعدم الحرمة وبأنه مكروه كراهة تنزيه بمعنى عدم العقوبة فيه، وأخطر ما يكون التجريم هو الحكم بالكفر أو الشرك على من حلف بغير الله وهو لا يريد تعظيمه كتعظيم الله، فإن من كفر مسلما بدون وجه حق كان كافرا، والحديث معروف فى ذلك وهو " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه " رواه البخارى ومسلم.
وفى رواية لأبى داود والنسائى والترمذى وصححه " ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقاتله " والحاكم على الحالف بغير الله بالكفر لم يطلع على نيته، وقد أمر الله بالتبيُّن، وقال فى ذلك {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} النساء: 94، وسبب نزولها معروف فى سرية كان قائدها أسامة بن زيد(7/373)
علم الغيب
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل أطلع الله أحدا على علم الغيب؟
الجواب
مما يتصل بالعقيدة الإيمان بالغيب، كما قال تعالى فى وصف المتقين {الذين يؤمنون بالغيب} البقرة: 3، وقد وردت نصوص تتحدث عن الغيب منها: قوله تعالى {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} الأنعام: 59، وصح فى الحديث الذى رواه البخارى أنها خمس، وهى التى جاءت فى قوله تعالى {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير} لقمان: 34، وقوله تعالى {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا. إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} الجن: 26، 27، وقوله تعالى {قل لا أملك لنفسى نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} الأعراف: 188، والغيب ما قابل الشفاعة، أى ما يغيب على الإنسان العلم به ومنه ما يمكن التوصل إليه بالوسائل المختلفة، كالمسروق يعرف بالبحث عنه، والمجهول يعرف بالتعلم، كالكهرباء والفيروسات وما إليها، ومنه ما لا يمكن التوصل إلى معرفته بالوسائل العادية بل لا بد فيه من خبر صادق، كأحوال الآخرة، التى يجب أن نؤمن بها لورودها فى القرآن والسنة.
ومن الغيب قيام الساعة وما ذكر فى مفاتح الغيب، وقد يعرف شئ ع منها بإطلاع الله سبحانه عليها من يرتضيه من الرسل، كما نصت على ذلك الآية.
والإيمان باختصاص الله بعلم مفاتح العيب واجب بدليل الحصر فى قوله:
{لا يعلمها إلا هو. ومن ادعى عَدم اختصاصه بذلك كفر، لأنه كذب القرآن الكريم الصريح فى الدلالة عليه، ومن حاول معرفة هذه المفاتح ليشارك الله فيها كفر أيضا، أما من يحوم حولها مؤمنا بأنه لن يصل إلى العلم اليقينى به فلا يكفر، ومعلوماته التى يصل إليها من وراء هذه المحاولة معلومات ظنية لا يقينية، والفرق بين علم الله تعالى ومعارف البشر يتركز فى نقطتين أساسيتين، أولاهما أن علم الله عن أى شىء شامل لجميع ما يتصل بهذا الشىء، والثانية أن علمه سبحانه يقينى لا ظنى. أما علم غيره من البشر فلن يجمع الأمرين معا، لا فى الكم ولا فى الكيف، قال تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} الإسراء:
85، وقال: {وما لهم به من علم. إن يتبعون إلا الظن. وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا} النجم: 28، ولئن حصل علم بشىء عن شىء فهو علم قاصر.
وقد حاول الإنسان أن يبحث عن المجهول المستقبل منذ خلق وفيه غريزة حب الاستطلاع، وبذل فى ذلك جهودا كبيرة، واتخذ وسائل متعددة، وكان من هذه الوسائل ما عرف باسم الكهانة والتنجيم والعرافة والطيرة والطرق وضرب الرمل وقراءة الفنجان وقياس الأثر وما يبتكر غير ذلك.
وفيما يلى تعريف بكل منها:
1 - الكهانة، هى ادعاء علم الغيب، بالإخبار عن المضمرات، أو عن المغيبات فى مستقبل الزمان بأية وسيلة من الوسائل، وقد تختص بما كان فيه اتصال بالجن (يراجع شرح النووى على صحيح مسلم ج 5 ص 22) .
2 -التنجيم: وهو الاستدلال بالنجوم فى مواقعها وتحركاتها على ما سيكون فى المستقبل من مطر أو حر أو برد أو مرض أو موت وغير ذلك، وقيل هو الكهانة (يراجع شرح النووى على صحيح مسلم ج 5 ص 22) ..
3 -العرافة: هى ادعاء معرفة الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها علَّى مواقعها كالمسروق من الذى سرقه، والضالة أين مكانها، وقيل هى السحر " (يراجع شرح النووى على صحيح مسلم ج 5 ص 22) .
4- الطيرة: بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن -وهى مصدر تطير، مثل تخير خيرة، ولم يجئ من المصادر هكذا غيرهما-ومعناها التشاؤم بالشىء، أو الاستدلال من طيران الطائر، أو من رؤية شئ أو سماع صوت على ما سيحصل للإنسان، وقد كان العرب يزجرون الطير من أماكنها. فإن طارت يمينا استبشرت، وإن طارت شمالا تشاءمت، ويقال لها أيضا " العيافة" من عاف عيفا، وسيجىء حديث عن الفرق بين الطيرة والفأل.
5 - الطرق: وهو الضرب بالحصا أو الودع، وقيل: هو الطيرة وقيل:
ضرب الرمل.
6-ضرب الرمل: وهو وضع خطوط وعلامات على الرمل، لمعرفة ما يخبأ للإنسان ويعرف أيضا بالخط، روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عنه فقال: " كان نبى من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك " وكذب ابن القيم نسبة الخط إلى إدريس عليه السلام، وجاء فى تفسيره: أن "الحازى " أى المحترف لذلك يأتيه الرجل ليعرف حظه، فيخط على أرض رخوة خطوطا كثيرة بالعجلة، ومعه غلام، ثم يمحو منها على مهل خطين خطين والعلام يقول: ابنى عيان، أسرعا البيان، فإن بقى خطان فهما علامة النجح، وإن بقى خط واحد فهو علامة الخيبة، ويقول ابن الأثير فى " النهاية ": إنه علم معروف فيه تصانيف، ويعمل به الآن، ولهم فيه اصطلاحات، يستخرجون به الضمير وغيره، وكثيرا ما يصيبون فيه (هكذا يقول) ويرجع فيه إلى شرح النووى على صحيح مسلم ج 5 ص 23، 7 -قراءة الفنجان: وهى الاستدلال بآثار القهوة على الفنجان على ما يفكر فيه شاربه، ويزعم بعض المعاصرين أن أثر الزفير على القهوة يعطى مؤشرات صادقة، لكن إذا كان ذلك من الناحية الطبية أو العضوية فهل تمكن معرفة المستقبل؟ فيه كلام.
8 - قياس الأثر: وهو أخذ قطعة من ثياب الإنسان أو متعلقاته وقياسها بالشبر والأصابع، والاستدلال بذلك على ما يكون لصاحبه.
وهذه الأشياء وأمثالها نهى الإسلام عنها، لأنة تتنافى مع اختصاص علم الله بالغيب يقول النبى صلى الله عليه وسلم " ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " (رواه البزار بإسناد جيد والطبرانى بإسناد حسن دون قوله " ومن أتى كاهنا ") ويقول " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برىء مما أنزله الله على محمد، ومن أتاه غير مصدق له لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " (رواه الطبرانى) ، ويقول " من أتى عرافا فسأله عن شىء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما" (رواه مسلم) ويقول " من أتى عرافا أو كاهنا فصدق بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " (رواه أصحاب السنن الأربعة والحاكم وصححه) ويقول " من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من للسحر زاد ما زاد " (رواه أبو داود وابن ماجه) ويقول: " العيافة والطير والطرق من الجبت " (رواه أبو داود والنسائى وابن حبان فى صحيحه) والجبت ما عبد من دون الله 0 وقد ذكر الله تعالى فى القرآن الكريم أن الجن لا يعلمون الغيب، فكيف يصدقها من يعتمد على أخبارها؟ قال تعالى {فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته، فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين} سبأ: 14، والاتصال بالجن ممكن، وكذلك استخدامهم فى بعض الأغراض، فقد سخرهم الله لسليمان كمعجزة، فلا مانع من تسخيرهم لغيره، ولم يرد نص يمنع ذلك، وقد حدث لبعض الناس بطرق يعرفونها، ووضح ذلك المحدث الشبلى فى كتابه " آكام المرجان ".
يتبين من هذه النصوص أن الاعتقاد بان غير الله يعلم الغيب علما يقينيا شاملا كفر بما جاء فى القرآن الكريم خاصا بذلك، ومن مارس هذه الأعمال ينسحب حكمه على من يلجأون إليه لمعرفة الغيب، فمن صدقه فقد كفر، ومن لم يصدقه فقد ارتكب إثما عظيما ينقص من إيمانه، ولا يقبل الله صلاته أربعين يوما.
روى الشيخان أن ناسا سألوا النبى صلى الله عليه وسلم عن الكاهن أو الكهان فقال " لا ليسوا بشىء " فقالوا: يا رسول الله انهم يحدثونا أحيانا بشىء أو بالشىء فيكون حقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تلك الكلمة من الوحى يخطفها الجنى فيقرها - أى يلقيها - فى أذن وليه، فيخلط معها مائة كذبة " وجاء فى البخارى " إن الملائكة تنزل فى العنان، وهو السحاب، فتذكر الأمر قضى فى السماء، فيسترق الشيطان السمع فيسمعه، فيوجه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم ".
هذا وقد أبدلنا بهذه الأمور وسيلة يمكن بها أن نطمئن لما نقدم عليه من عمل، وهى صلاة الاستخارة مع دعائها المعروف الذى جاء به الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ولنسمع قول الله تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} الإسراء: 36.
تنبيهات التنبيه الأول عن علم الساعة:
سبق بيان أن علم الساعة من مفاتح الغيب التى استأثر الله بعلمها، والآيات القرآنية كثيرة فى ذلك، وكذلك الأحاديث النبوية الصحيحة، التى من أقواها حديث جبريل حين سأل النبى صلى الله عليه وسلم عنها، فقال " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " ثم ذكر له بعض علاماتها.
ومع ذلك حاول بعض الناس قديما وحديثا معرفة موعدها، وأثبت الواقع خطأهم، ثم جاءت نحلة البهائية أخيرا وزعمت أنها تعرف موعد قيام الساعة بناء على أمرين، أولهما سر العدد 19 والثانى بعض آيات من القرآن الكريم، وفيما يلى تفصيل ذلك والرد عليه.
أولا: العدد 19 المذكور فى قوله تعالى فى وصف جهنم: {عليها تسعة عشر} المدثر: 30، زعموا أن له سرا حاولوا أن يثبتوه بحصر الحروف الموجودة فى بعض السور، أو فى فواتحها من الحروف المقطعة أو فى بعض الكلمات، وبطريق التعويض عن الحروف بأرقام على النظام اليهودى فى الأبجدية حددوا وقت قيام الساعة.
ويرد على هذا بأن القرآن فيه أعداد أخرى كالعشرة والمائة والألف وغيرها، فلماذا اختاروا هذا العدد بالذات؟ وبأنهم لم يتبعوا المنهج العلمى عند حصر الحروف، فأسقطوا بعضها ليتم لهم ما يريدون، كما كشف عن ذلك المتبعون للحصر الذى أعلنوه، وبأن أية مجموعة كبيرة من الأعداد يمكن التوصل منها إلى مجموعات تقبل القسمة على أى عدد من الأعداد، وليس شرطا أن يكون العدد 19، وذلك من البدهيات عند علماء الرياضة (بحث الدكتور على موسى أستاذ الفيزياء الرياضية بكلية العلوم جامعة عين شمس، المنشور بجريدة اللواء الإسلامى: عدد 116، فى 7 رجب 1405 هجريه 28/3/1985 م) كما زعموا أن اليهود أخبروا النبى صلى الله عليه وسلم بأن حروف " الم " تدل على. عدد السنوات التى تعيشها دعوته ولم ينكر عليهم ذلك.
وهذا خبر مدسوس ليس له سند يعتمد عليه.
ثانيا: استدلوا من القرآن الكريم بآيتين، أولهما قول الله تعالى {يسألونك عن الساعة أيان مرساها، قل إنما علمها عند ربى لا يجليها لوقتها إلا هو، ثقلت فى السموات والأرض، لا تأتيكم إلا بغتة، يسألونك كأنك حفى عنها، قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون} الأعراف: 187، قالوا: إن قوله {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} يفيد أن بعضا قليلا من الناس يعلمون موعد الساعة، وهم من هذا القليل. ويرد عليهم بان نفى العلم عن أكثر الناس منصب على الإيمان بما سبق فى الآية، من اختصاص علم الله بها، وبأنها ثقيلة ولا تأتى إلا بغتة، فأكثر الناس وهم الكافرون يجهلون هذه الحقيقة المقررة فى الآية، ولا معنى لما فهموه من أن أكثر الناس جاهلون بموعد الساعة والقليل بعلمه، ففى فهمهم لأول الآية وآخرها تضارب، والقرآن الكريم منزه عن ذلك.
ومع احتمال فهمهم هذا فالاستدلال به ساقط، لأنه ليس هو الفهم الوحيد المتعين لها، ومعلوم أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.
والآية تدل بصراحة على نفى علم أحد بالساعة، أى بوقت حدوثها، فَذلك من اختصاص الله وحده، وذلك واضح فى قصر علمها عليه سبحانه بأكثر من أسلوب، وفى أنها تأتى بغتة، وفى عدم علم النبى صلى الله عليه وسلم بذلك. فلا بد من توافق آخر الآية مع هذه المقررات الصريحة فيها. ونفى علم أحد بموعدها يستوى فيه القليل والكثير من الناس.
والآية الثانية التى استدلوا بها هى قوله تعالى {إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى} طه: 15، قالوا إن فعل " كاد " إذا كان مثبتا يدل على نفى ما بعده، فمن يقول: كدت أقع يدل على أنه لم يقع؟ وعلى هذا فمعنى " أكاد أخفيها " أنه لم يخفها، فتمكن معرفتها بطريق أو بآخر، وليس حتما أن يكون ذلك عن طريق الوحى فقط كما قال تعالى {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا. إلا من ارتض من رسول} الجن: 26، 27، بل يمكن أن يكون بطريق الحساب أو بغيره.
ويرد على ذلك بأن الفعل " خفى " يستعمل فى اللغة للستر وللإظهار، فهو من الأضداد، يقال: خفاه يخفيه خفيا، من باب رمى.
وخفيا أيضا-بضم الخاء وكسر الفاء-وفى بعض القراءات " أخفيها " بفتح الهمزة، وكما أن الخفى الثلاثى يفيد الستر والإظهار كذلك يفيدهما الإخفاء وهو مصدر الفعل الرباعى أخفاه. وعلى هذا فالآية ليست دليلا قاطعا على مدعاهم، فقد يكون معناها: أكاد أظهرها، بل يجب المصير إلى هذا المعنى لتتوافق الآيات بعضها مع بعض، والمتشابه يرد إلى المحكم كما قال تعالى {هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب} آل عمران: 7، وهؤلاء فى قلوبهم زيغ يبتغون الفتنة، حيث تمسكوا بالمتشابه ولم يأبهوا بالمحكم الذى يجب رده إليه، وليسوا من الراسخين فى العلم على أى وجه يكون الوقف فى الآية " مذهب السلف ومذهب الخلف " لأنهم فى محاولتهم لتقديس العدد 19 خالفوا المنهج العلمى وزيفوا، وفى عدم رد المتشابه إلى المحكم ظهر جهلهم بأصول البحث، ولم يؤمنوا بما جاء فى القرآن الكريم نصا فى عدم علم أحد بالساعة إلا الله سبحانه.
وبهذا يظهر أن استدلال هؤلاء استدلال واه ضعيف أو فاسد لا يثبت مدعاهم، ولم يعتبروا بمن سبقهم ممن زعموا علم الساعة وحددوا موعدها فافتضح أمرهم، وليس المهم هو معرفة وقت قيامها بل المهم هو الاستعداد لها، وقيامة كل إنسان موته أو عقب موته، فمن مات فقد قامت قيامته، لأنه لا عمل بعد الموت، بل جزاء وحساب، كما فى القيامة الكبرى. وقد نبه النبى صلى الله عليه وسلم من سأله عنها إلى الاستعداد لها، فكل من الموت والقيامة يأتى بغتة، روى البخارى ومسلم عن أنس رضى الله عنه أن إعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم متى الساعة؟ فقال " ما أعددت لها "؟ قال: حب الله ورسوله، قال " أنت مع من أحببت ".
التنبيه الثانى عن العلم بما فى الأرحام:
مما اختص الله بعلمه: ما فى الأرحام، كما سبق فى الآية، وكما قال تعالى أيضا: {الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد، وكل شىء عنده بمقدار} الرعد: 8، ولا ينافى ذلك ما يقال:
إن بعض الناس توصلوا إلى معرفة نوع الجنين قبل أن يولد من بطن أمه، وهو ما يزال فى الرحم حتى أيامه الأولى، ذلك أن علم الله بما فى الأرحام علم شامل، وفى الوقت نفسه علم يقينى لا ظنى، فالله يعلم المولود قبل أن يولد، بل قبل أن يتكون أصلا، يعلمه علما شاملا، ويخبر الملائكة ببعض ما يعلمه عنه، وهم لا يعلمون عنه شيئا قبل أن يخبرهم الله به، كما قال سبحانه عنهم: {قالوا سبحانك لا علم لنا آلا ما علمتنا} البقرة: 32، جاء فى الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم " إن أحدكم يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقه مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقى أو سعيد، فوالذى لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" (رواه البخارى) ، وفى بعض الروايات " ذكر أم أنثى " بدل "عمله ".
فلو فرضنا أن الإنسان عرف نوع الجنين فهل يعرف ما بقى من رزقه وأجله وما تنتهى إليه حياته من سعادة أو شقاء، على أن معرفة نوع الجنين لا تتيسر فى كل الحالات، بل فى فترة معينة، أما الله سبحانه وتعالى فيعلم ذلك كل وقت، بل قبل أن يتكون الجنين كما قلنا، وعلم الله بذلك علم يقينى لا يتطرق إليه الشك، وعلم الإنسان ظن وأحيانا يتخلف، ولبعض الناس شواهد لمعرفة نوع الجنين لا تعدو أني تكون ظنونا (انظر كتاب منهج الإسلام فى تربية الأولاد) .
التنبيه الثالث عن التنجيم:
ينبغى الفرق بين التنجيم وعلم النجوم أو الفلك، فالتنجيم حدس واستنباط لا يقوم على أسس علمية صحيحة لا تخطئ، أما علم النجوم فهو علم يدعو إليه الدين لمعرفة أسرار الكون والإيمان بالله أو تعميق الإيمان به، وقد جاءت الآيات الكثيرة تدعو إلى التفكر فى خلق - السموات والأرض، والإفادة من مسخرات الكون ماديا وأدبيا.
يقول ابن حجر الهيتمى (الزواجر: ج 2 ص 110) : والمنهى عنه من علم النجوم ما يدعيه أهلها من معرفة الحوادث الآتية فى مستقبل الزمان، لمجىء المطر ووقوع الثلج وهبوب الريح وتغير الأسعار ونحو ذلك، يزعمون أنهم يدركون ذلك بسير الكواكب لاقترانها وافتراقها وظهورها فى بعض الأزمان، وهذا علم استأثر الله به لا يعلمه أحد غيره، فمن ادعى علمه بذلك فهو فاسق، بل ربما يؤدى به إلى الكفر.
أما من يقول: إن الاقتران والافتراق الذى هو كذا جعله الله علامة، بمقتضى ما اطردت به عادته الإلهية، على وقوع كذا وقد يتخلف فإنه لا إثم عليه بذلك، وكذا الأخبار عما يدرك بطريق المشاهدة من علم النجوم الذى يعرف بها الزوال وجهة القبلة، وكم مضى وكم بقى من الوقت، فإنه لا إثم فيه، بل هو فرض كفاية.
وفى حديث الصحيحين عن زيد بن خالد الجهنى رضى الله عنه قال:
صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فى أثر سماء - أى مطر- كانت فى الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: " أتدرون ماذا قال ربكم "؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: " قال:
أصبح من عبادى مؤمن بى وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بى، كافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا- أى وقت النجم الفلانى - فذلك كافر بى، مؤمن بالكوكب ".
قال العلماء: من قال ذلك مريدا أن النوء هو المحدث والموجد فهو كافر، أو أنه علامة على نزول المطر، والذى ينزله هو الله وحده، لم يكفر، ويكره قول ذلك، لأنه من ألفاظ الكفرة، والمهم أن يكون الاعتقاد صحيحا فى أن الله هو فاعل كل شىء، وأنه وراء الأسباب جميعا، ولا يقع فى ملكه إلا ما يريد، وما يصل إليه الباحثون ويستنتجونه هو ظن قد يصدق بعضه ويتخلف البعض الآخر.
التنبيه الرابع عن الطيرة والفأل:
سبق القول بأن الطيرة أو التطير يقوم على الربط بين ما يحصل للإنسان فى المستقبل وبين رؤية شىء أو سماع صوت، والتشاؤم نوع من التطير إذا كان رد الفعل مكروها، ويقابله التفاؤل والفأل إذا كان رد الفعل مقبولا، وقد تستعمل هذه الألفاظ بعضها مكان البعض الآخر. وللباعث عليه هو رغبة الإنسان فى معرفة ما يغيب له، وهو قديم تحدث عنه القرآن الكريم، فقال عن ثمود قوم صالح عليه السلام {قالوا اطيرنا بك وبمن معك. قال طائركم عند الله} النمل: 47، وعن قوم موسى عليه السلام {وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه. ألا إنما طائرهم عند الله} الأعراف: 131، وعن أصحاب القرية التى بعث إليها أصحاب عيسى عليه السلام {قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمساكم منا عذاب أليم. قالوا طائركم معكم} يس: 18، 19.
وكان معروفا عند العرب فى الجاهلية، وبخاصة فى طيران الطير أو زجره أو زجر الوحوش وإثارتها، فما تيامن منها سموه " السانح " وما تياسر سموه " البارح " وما استقبلهم سموه " الناطح " وما جاءهم من الخلف سموه " القعيد أو القاعد ". ومن اشتهر عندهم بمعرفة ذلك يسمونه " العائف أو العراف " ومنهم عراف اليمامة والأبلق الأسيدى وعروة بن زيد.
ومنهم من كان يقدح فيه ولا يعترف به، كالمرقش السدوسى وجهم الهذلى، وجاء فى ذلك قول المرقش:
ولقد غدوت وكنت لا لم أغدو على واق وحائم * فإذا الأشائم كالأيامن والأيامن كالأشائم * وكذاك لا خير ولا شر على أحد بدائم * لا ينعنك من بغاء الخير تعقاد التمائم* قد خط ذلك فى السطور الأوليات القدائم * والواقى هو الصرد - نوع من الطيور - والحائم هو الغراب.
يقول ابن القيم: من اهتم بذلك أسرع إليه التأثر، وكثر وساوسه فيما يسمعه ويراه ويعطاه، فإذا أهدى إليه سفرجل أو سمع اسمه تشاءم وقال:
سفر وجلاء، وهكذا، وذكر عدة حوادث فى ذلك.
وقد ذم الله التطير وحكاه عن قوم هم أعداء الرسل، ومعنى طائركم وطائرهم ما قض وقدره عليهم بسبب كفرهم وتكذيبهم، وهو راجع عليهم، وذمه النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث الصحيحين عن الذين يدخلون الجنة بغير حساب بقوله " ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون " وفى غير ذلك من الأحاديث التى سبق ذكرها. وجاء فى مسلم أن معاوية بن الحكم السلمى قال: يا رسول الله، ومنا أناس يتطيرون، فقال " ذلك شىء يجده أحدكم فى نفسه فلا يصدنه ".
فبين أن تأثيرها ليس من ذاتها، بل من الإنسان نفسه الذى يعتقد فيها.
ومع نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الطيرة كان يحب الفأل الحسن، ففى الصحيحين " لا عدوى ولا طيرة، وأحب الفأل الصالح " وفى لفظ "وخيرها الفأل " وفى لفت " وأصدقها الفأل " ومنه قوله عليه الصلاة والسلام " إذا أبردتم إلى بريدا فاجعلوه حسن الاسم حسن الوجه " وله فى الفأل حوادث، منها اختيار من اسمه "يعيش " ليحلب الناقة ورفض من اسمه " حرب "، وأخبر عمر عن سبب ذلك ونفى أنه تطير فقال " ظننت يا عمر أنها طيرة، ولا طير إلا طيره، ولا خير إلا خيره، ولكن أحب الفال " وكره المرور يوم بدر بطريق فيه جبلان لم يعجبه اسمهما ولا اسم الساكنين فيه. وفى الصحيحين أنه قال " الشؤم فى ثلاث، فى المرأة والدار والدابة " وفى الموطأ أنه أمر امرأة بالتحول من دارها لما أصابهم فيها من مكروه.
وقد علق ابن القيم على ذلك بأن الفال ليس فيه شرك بل فيه تقرير لطبيعة الإنسان فى حب الخير وكراهية الشر، كما يحب الصوت الحسن والرائحة الطيبة والأخبار السارة عن الخصب والصحة والانتصار، مع اعتقاد أن هذه الأمور لا تؤثر أبدا إلا بإذن الله كما فى التشاوم بالدار، والتشاؤم قد يؤدى الى الشرك وترك التوكل على الله.
أما الفأل فيفضى إلى الأمل والطاعة وتوحيد الله. وقال بعضهم فى الفرق بين التطير والفأل: إن الفأل فيه إبانة عن شىء حاصل فى النفس وهو الارتياح الذى ظهر بسماع الاسم الحسن مثلا، أما التطير ففيه استدلال على شىء غير حاصل.
وحديث الشؤم روى بوجهين، أحدهما بالجزم والثانى بالشرط. فالأول " الشؤم فى الدار والمرأة والفرس " والثانى " إن يكن من الشؤم شىء حقا ففى الفرس والمسكن والمرأة " فقالت طائفة: لم يجزم النبى صلى الله عليه وسلم بالشؤم فى هذه الثلاثة، بل علقه على الشرط ولا يلزم من صدق الشرطية صدق كل واحد من طرفيها. وقالت طائفة أخرى: إضافة الشؤم إليها مجاز واتساع، أى قد يحصل مقارنا لها لأنها هى نفسها مما يوجب الشؤم، فقد تكون الدار قد قض الله أن يميت فيها بعضا من خلقه، فمن كتب الله عليه الموت فى تلك الدار حسن إليه سكناها حتى يقبض فيها. سئل مالك رضى الله عنه عن الشؤم فى الدار فقال: إن ذلك كذب فيما نرى، كم من دار سكنها ناس فهلكوا، ثم سكنها آخرون فملكوا.
وقال آخرون: إنما يلحق الشؤم من تشاءم منها، أما من توكل على الله فلا يلحقه ضرر منها، ولذلك نصح النبى صلى الله عليه وسلم المرأة أن تتحول عن هذه الدار ما دامت تتشاءم منها، وهو من باب الرحمة والتيسير، بدل أن يرغمها على سكناها ونفسها لم تتهيا لترك الشؤم وللاتكال على الله بعد، فقد يزيدها ذلك أعتقادا فى التطير وهو شرك، أو يسلمها إلى الحزن بكراهة الدار، ولو أرغم من ضاق رزقه فى بلد على عدم مفارقتها لكان ذلك هو الحرج الذى لا يرضاه الله لعباده.
ثم يجيب ابن القيم إجابة جامعة عن كل ما نسب إلى الرسول وغيره من الفال بقوله: إن بين الأسماء والمسميات ارتباطا بقدرة الله. وألهمه الله للعباد، وليس ارتباط العلة بمعلولها، بل ارتباط تناسب وتشاكل، ولكل شىء من اسمه نصيب بقدر ما، ووقوع حوادث مرتبطة بأشياء أخرى هو مصادفة واتفاق وليس على سبيل التسبب والتأثير.
ثم يقول: تعطيل الأسباب تعطيل للشرع ومصالح الدنيا، والاعتماد عليها كلية شرك بالله تعالى، فالمقامات ثلاثة: أحدها تجريد التوحيد وإثبات الأسباب، وهو ما جاء به الشرع، والثانى الشرك فى الأسباب بالمعبود، والثالث إنكار الأسباب بالكلية محافظة من منكرها على التوحيد.
فالمنحرفون طرفان مذمومان، إما قادح فى التوحيد بالأسباب، وإما منكر للأسباب بالتوحيد، والحق غير ذلك، وهو إثبات التوحيد والأسباب وربط أحدهما بالآخر، فالأسباب محل حكمه الدينى والكونى، والحكمان عليها يجريان بل عليها يترتب الأمر والنهى والثواب والعقاب، والتوحيد تجريد الربوبية والإلهية عن كل شرك. وذكر فى التوفيق بين النهى عن الاقتراب من المجذوم وبين أكل النبى معه، أن النبى صلى الله عليه وسلم أثبت السبب وأمر بالفرار، وأثبت المانع وهو التوكل فأجاز المؤاكلة، لكن لا يقدر كل أحد على المانع وهو التوكل، فأرشد إلى مجانبة المجذوم تشريعا للفرار من أسباب الأذى، ووضع يده معه تعليم للأمة بدفع الأسباب بما هو أقوى منها، وإعلام بأن الضرر والنفع بيد الله عز وجل. فالمؤمن إذا وثق بالله لا يضره السبب، كما قيل عند الطيرة (اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك، اللهم لا يأتى بالحسنات إلا أنت، ولا يذهب بالسيئات آلا أنت، ولا حول ولا قوة آلا بك " ثم يمض لحاجته.
هذا الأثر ذكره ابن القيم فى بحثه عن الطيرة والتشاؤم، روى أبو عمرو فى " التمهيد" بسند فيه ابن لهيعة عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من أرجعته الطيرة من حاجته فقد أشرك " قال: وما كفارة ذلك؟ قال " أن يقول أحدهم. . . " وذكر الحديث، وأورد عن كعب الأحبار مثل ذلك وأنه فى التوراة(7/374)
قراءة الكف
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما حكم الدين فى قراءة الكف؟
الجواب
الإسلام أمرنا بالعلم والبحث والنظر، ووجهنا إلى عدم الظن فى كل الأحوال، وإلى أن تكون معلوماتنا مبنية على الحقائق ما أمكننا ذلك، والآيات والأحاديث فى ذلك كثيرة.
والناس من قديم الزمان لهم طرق فى الاستنتاج قد تصح نتائجها وقد تبطل، ولكنهم مع ذلك مغرمون بحب الاستطلاع، والوصول إلى معلومات تهمهم عن طريق شواهد ومقدمات، وسمعنا فى ذلك عما يسمى بالكهانة والعرافة والتنجيم وضرب الحصا. . . وشاع فى أيامنا ما يعرف بقراءة الفنجان وقراءة الكف.
وقد عكف جماعة على دراسة خطوط الكف عندما رأوا صدق دلالتها فى بعض الأحوال فنرى مثلا الدكتورة إكرام عبد السلام أحمد أستاذ طب الأطفال بقصر العينى تقول: هناك نوعان من خطوط اليد، خطوط ثنايا الكف، وهى واضحة عند النظر إليها وأساسها ثلاثة خطوط، اثنان عرضيان تحت الأصابع الأربع، والثالث بحد منطفة الإبهام وهو منحن وهى متشابهة فى جميع الناس، وإذا تغيرت يكون هناك شذوذ، أما خطوط الأصابع فهى عكس ذلك لا تكاد تتشابه أو لا تتشابه مطلقا من شخص لآخر، وعليها الاعتماد فى البصمات، وهى ترى إما بالعدسة المكبرة وإما بالطبع بالحبر.
واكتشفت أن تغير الخطوط الثلاثة فى الكف يدل على تأخر عقلى أو اختلاف فى الكروموسومات التى تنشا عنها تشوهات خلقية. وسبب ارتباط ذلك باليد أن اليد يبدأ تكوينها فى الأشهر الثلاثة الأولى مع تكوين أعضاء الجسم، فأى اختلال فى التكوين يظهر فيها.
وقد بحثت ارتباط الخطوط ببعض الأمراض كالتأخر العقلى وروماتيزم القلب وأمراض الجهاز العصبى، كما يمكن دراسة بعض الإمراض أو التكهن بها من خلال بصمات الأصابع " الأهرام 26 / 8 ".
وواضح من هذا الكلام أن هذه الخطوط لها ارتباط بالتكوين العضوى لجسم الإنسان وما ينشأ عنه من تأثير فى القوى العقلية، لكن التنبؤ بالمستقبل من النظر فى هذه الخطوط هو الذى ما يزال رجما بالغيب لم تقم له قواعد ثابتة يقينية.
هذا، وقارئ الكف العالمى (دافيد براندون جونز) حاول أن يربط بين خطوط الكف وبين المستقبل بوجه عام، وله فى ذلك بحوث واطلاعات واستنتاجات كثيرة (القبس 4 / 6 / 979 1) ولكن كل ذلك لا يتعدى مرحلة الظن، ولا ينبغى الاعتماد على أقوال هؤلاء فى رسم الخطوط لحياتنا المستقبلة، فإن المقدمات غير اليقينية لا تلزم عنها نتائج يقينية.
وقد علمنا النبى صلى الله عليه وسلم دعاء الاستخارة فى كل ما يهمنا من الأمور، والأولى الالتجاء إلى الله بها، فهو وحده مالك الأمر كله، وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو.
ويثار هنا سؤال: هل أطلع الله رسوله على ما يكون فى غد؟ والجواب ما جاء فى قوله تعالى {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السؤ} الأعراف: 188، وصح فى مسلم أن عائشة رضى الله عنها قالت: من زعم أن رسول الله يخبر بما يكون فى غد فقد أعظم الفرية على الله. وتلت قوله تعالى {قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله} النمل: 65(7/375)
الرقى
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما حكم الدين فى الرقى؟
الجواب
الرقى جمع رقية، وهى كلمات يقولها الناس لدفع شر أو رفعه، أى يحصنون بها أنفسهم حتى لا يصيبهم مكروه، أو يعالجون بها مريضا حتى يبرأ من مرضه، وكان العرب قبل الإسلام يعتقدون أنها مؤثرة بنفسها دون تدخل لقدرة أخرى غيرها، واختيار- كلماتها مبنى على اعتقادات قد يرفضها الدين، ولذلك كان موقف الإسلام منها هو تصحيح الخطأ فى الاعتقاد، وتقرير أنه لا تأثير لها إلا بإرادة اللَّه تعالى، وكذلك رفض الكلمات التى تتنافى مع العقيدة الإسلامية الصحيحة. فإن كانت كلماتها مقبولة مع اعتقاد أن أثرها هو بإرادة اللَّه سبحانه كان مسموحا بها، مثلها مثل الدعاء أو الدواء، وبهذا يمكن أن نفهم ما جاء من نصوص رافضة أو مجيزة لها.
فمما ورد فى رفضها حديث البخارى ومسلم عن الذين يدخلون الجنة بغير حساب الذى جاء فيه " هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون " وفى رواية لمسلم زيادة " ولا يرقون ". فالراقى وطالب الرقية مذمومان، وعن ابن مسعود رضى اللَّه عنه أنه دخل على امرأته وفى عنقها شىء معقود، فجذبه فقطعه ثم قال: لقد أصبح آل عبد الله أغنياء أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " قالوا: يا أبا عبد الرحمن هذه الرقى والتمائم قد عرفناها.. فما التولة؟ قال: شىء تصنعه النساء يتحببن إلى أزواجهن " (رواه ابن حبان فى صحيحه، والحاكم وصححه) . والتولة بكسر التاء وفتح الواو. ومما ورد فى إجازتها:
(أ) حديث الصحيحين من رقية بعض الصحابة بفاتحة الكتاب لسيد الحى الذى لدغ فشفاه اللَّه، ثم أقرهم النبى صلى الله عليه وسلمِ " على فعلهم وما أعطاه إياهم هذا السيد، وبين أن العلاج بكتاب اللَّه أحق أن يؤخذ عليه الأجر.
(ب) حديث الصحيحين عن عائشة رضى اللَّه عنها: أمر النبى صلى الله عليه وسلم أن نسترقى من العين.
(جما حديث الصحيحين: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نفث فى كفيه بقل هو اللَّه أحد والمعوذتين، ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يده من جسده.
(د) حديث الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله، يمسح عليه بيده اليمنى ويقول " اللهم رب الناس أذهب البأس، واشف أنت الشافى لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما ".
(هـ) ما رواه مسلم أن جبريل عليه السلام أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد اشتكيت؟ قال " نعم " فقال جبريل: باسم اللَّه أرقيك من كل داء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، اللَّه يشفيك، باسم اللَّه أرقيك.
(و) ما رواه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: " من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات اللَّه التامة من شر ما خلق لم يضره شىء حتى يرتحل من منزله ذلك ".
(ز) ما رواه مسلم عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم رخص فى الرقية من الحمة والعين والنملة.
(ج) ما رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لعثمان بن أبى العاص لما اشتكى إليه وجعا يجده فى جسده منذ أسلم " ضع يدك على الذى تألم من جسدك وقل: بسم الله " ثلاثا " وقل سبع مرات: أعوذ بعزة اللَّه وقدرته من شر ما أجد وأحاذر".
(د) ما رواه أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم أذن للشفاء بنت عبد اللَّه أن ترقى من النملة بعد أن عرضت عليه، وقال " لا باس بها " النملة بكسر الميم بثور فى الجنبين، اللحمة ضرر ذوات السموم.
(ى) ما رواه ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم أذن لعمارة بن حزم فى الرقية من الحية بعد أن عرضت عليه، وقال " لا بأس بها ".
قال النووي فى شرح صحيح مسلم فى الجمع بين الأحاديث الناهية عن الرقى والمجيزة لها: أن المنهى عنه هو الرقية بكلام الكفار، والرقى المجهولة والتى بغير العربية وما لا يعرف معناها، فهى مذمومة لاحتمال أن معناها كفر أو قريب منه أو مكروه، وأما الرقى بآيات القرآن والأذكار المعروفة فلا نهى عنها بل هى سنة (ج 14 ص 196) وقد روى مسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم "اعرضوا علىَّ رقاكم، لا باس بالرقى ما لم يكن فيه شرك ". وقال ابن حجر فى فتح البارى: أجمع العلماء على جواز الرقية عند اجتماع ثلاثة شروط: أن تكون بكلام اللَّه أو بأسمائه أو صفاته، وباللسان العربى أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بتقدير اللَّه (نفثات صدر المكمد لسفارينى: ج 2 ص 642)(7/376)
التمائم
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما حكم الدين فى التمائم؟
الجواب
التمائم جمع تميمة، قال الحافظ المنذرى: يقال إنها خرزة كانوا يعلقونها، يرون أنها تدفع عنهم الآفات. واعتقاد هذا الرأى جهل وضلالة، إذ لا مانع إلا اللَّه، ولا دافع غيره. ذكره الخطابى (الترغيب والترهيب: ج 4 ص 96) .
فالنهى عنها عند اعتقاد أنها تؤثر بنفسها، فذلك شرك وبدون هذا الاعتقاد جهالة، جاء فى الحديث " من علق تميمة فلا أتم اللَّه له، ومن علق ودعة فلا أودع اللَّه له " (رواه أحمد وأبو يعلى بإسناد جيد والحاكم وصححه) . وفى حديث آخر (من علق فقد أشرك " (رواه أحمد برواة ثقات) وعن عائشة رضى الله عنها قالت:
ليست التميمة ما يعلق به بعد البلاء، إنما التميمة ما يعلق به قبل البلاء (رواه الحاكم وصححه) .
ويؤخذ من كلام المنذرى أن التميمة خرزة، وفى الحديث ذكر التميمة والودعة، فهل هما شىء واحد؟ وإذا كان ذلك فلملذا التكرار والعطف يقتضى المغايرة؟ وقد يجاب على ذلك بان الودعة هى الخرزة الصدفية المعروفة التى تتكون فى البحار، والتميمة كل شىء يعلق من أية مادة تكون، كقطعة خشب أو خرقة أو غيرهما، مما يعتقد الجهلة منفعته. وتفسير عائشة يدل على أنها كانت للحفظ من الإصابة ودفع الشر، وليست للاستشفاء من مرض واقع.
ومهما يكن من شىء فإن أعتقاد أن هذه الأشياء تؤثر بنفسها دون توقف على إرادة الله تعالى يتنافى مع الإيمان.
ومثل التمائم ما يعرف بالأحجبة، وهى كتابات تعلق بقصد دفع الشر أو رفعه، فإن كانت كلمات من القرآن الكريم أو ذكر اللَّه تعالى، مع اعتقاد أنها لا تؤثر إلا بإرادته سبحانه فلا يؤثر ذلك على الإيمان، مع التنبيه على صيانة كلام اللَّه تعالى من كل ما يخل بتوقيره، ومع التوصية بطلب العلاج عند المختصين.
وجاء فى زاد المعاد لابن القيم (ج 4 ص 119) أن جماعة من السلف أجازوا كتابة شىء من القرآن ثم إذابته بالماء والتداوى به سقيا أو غسلا، روى ذلكُ عن مجاهد ومثله عن أبى قلابة، ويذكر عن ابن عباس أنه أمر أن يكتب لامرأة يعسر عليها ولادها أثر من القرآن ثم يغسل ويسقى.
وجاء فى " الفتاوى الإسلامية " (ج 10 ص 3567) : اختلف العلماء فى جواز كتابة بعض آيات من القراَن أو أسماء لتكون تمائم، فقالت طائفة بجوازه، ونسبوا هذا إلى عمرو بن العاص وأبى جعفر الباقر، رواية عن الإمام أحمد، وقالت طائفة بمنعه لحديث أحمد " من علق تميمة. . . " وجزم كثير من العلماء بقول الطائفة الأخيرة، لعموم هذا النص، وسدا للذريعة حتى لا يكبر الصغار وهم يعتقدون أن التمائم هى التى تشفى وتحفظ دون إرادة اللَّه. ولا يحل لمسلم أن يأخذ أجرا على كتابة هذه الآيات، وليس هناك حديث يقول " خذ من القرآن ما شئت لما شئت ".
ويراجع فى ذلك تفسير القرطبى (ج 10 ص 318)(7/377)
العدوى
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما حكم الدين فى العدوى؟
الجواب
العدوى انتقال المرض من المصاب به إلى آخر، بطريق مباشر أو غير مباشر، وكان العرب يعتقدون أن الجسم المريض يؤثر حتما فى الجسم السليم عند وجود الفرصة، وذلك دون حساب أو تقدير لإرادة اللَّه تعالى.
ولما كانت العدوى حقيقة واقعة لم ينكرها الإسلام، وإنما أنكر الاعتقاد الشائع حولها، ولهذا جاءت نصوص تثبتها كحقيقة طبية، ونصوص تنفيها كمؤثر حتمى بعيد عن إرادة الله.
فمما جاء فى إثباتها حديث " إذا سمعتم بالطاعون فى أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه " ولما سمعه عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه رجع من الشام. ولما قيل له: أفرارا من قدر اللَّه قال؟ : أفر من قدر اللَّه إلى قدر اللَّه (رواه البخارى) .
وحديث (لا يورد ممرض على مصح " (رواه مسلم) . وحديث " فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد" (رواه البخارى تعليقا) . وعدم مبايعة النبى صلى الله عليه وسلم لرجل مجدوم كان فى وفد ثقيف (رواه مسلم) .
ومما جاء فى نفى العدوى حديث " لا عدوى ولاطيرة ولا هامة ولا صفر " (رواه البخارى) . وحديث " فمن أعدى الأول "؟ (رواه أحمد والبيهقى والطبرانى) وذلك فى معرض الحديث عن الإبل يدخل فى وسطها بعير أجرب. وحديث: وضع النبى صلى الله عليه وسلم يد مجذوم معه فى الطعام وقوله: " كل باسم اللَّه توكلا على اللَّه وثقة باللَّه " (رواه الترمذى) .
وقد وضح ابن القيم هذا الموضوع فى كتابه " زاد المعاد " وذكر أنه لا تعارض بين الأحاديث القوية، فالإثبات على أنها سبب عادى، والنفى يحمل على أنها لا تؤثر بنفسها.
والهامة: طائر يزعم العرب أن عظام الميت تصير طائرا يطير من قبره ينادى بأخذ الثأر له وتقول: اسقونى اسقونى، فإذا اخذ بثأره سكتت.
والصفر: حية فى البطن تصيب الإنسان إذا جاع وتؤذيه كما كان يزعم العرب. وقيل: أراد بالصفر الشهر الذى كانوا يؤخرون به حرمة المحرم إلى صفر(7/378)
الحسد بالعين
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما حكم الدين فى الحسد بالعين؟
الجواب
الحسد بالعين حقيقة ملموسة لا ينكرها أحد. وهى طاهرة موجودة من قديم الزمان. وأن عجز بعض الناس عن تفسيرها تفسيرا علميا، وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: " العين حق، ولو كان شىء سابق القدر لسبقته العين " رواه مسلم. وقد اتخذ النبى صلى الله عليه وسلم لها إجراء وقائيا وإجراء علاجيا، فقد ورد عن أبى سعيد أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الجان وعين الإنسان. كما روى الترمذى وصححه أن أسماء بنت عميس قالت: يا رسول اللَّه، إن بنى جعفر تصيبهم العين، فأسترقى لهم؟ فقال: " نعم، ولو كان شىء يسبق الفضاء لسبقته العين ".
وجاء فى مسند أبى داود عن عائشة قالت: كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين، وروى مالك أن عامر بن ربيعة رأى سهل بن حنيف يغتسل، فقال: واللَّه ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة.
قال: فلَبِط سهل، فأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عامرا فتغيظ عليه وقال " علام يقتل أحدكم أخاه، إلا بركت، اغتسل له " فغسل له عامر وجهه ويده ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه داخلة إزاره فى قدح، ثم صب عليه، فراح مع الناس، وقد ذكر ابن القيم فى كتابه " زاد المعاد ج 3 ص 116 " عدة أحاديث فى هذا الموضوع، وعلق عليها بقوله: أبطلت طائفة ممن قل نصيبهم من السمع والعقل أمر العين، وقالوا: إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها. وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل، ومن أغلظهم حجابا، وأكثفهم طباعا، وأبعدهم معرفة عن الأرواح والنفوس وصفاتها وأفعالها وتأثيراتها.
وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين ولا تنكره وإن اختلفوا فى سببه ووجهة تأثير العين. ثم ذكر ابن القيم وجهات نظر مختلفة وتفسيرات لكيفية الإصابة بالعين، منها قوله:
أن العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة انبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين، فيتضرر. قالوا: ولا يستنكر هذا، كما لا يستنكر انبعاث قوة سمية من الأفعى تتصل بالإنسان فيهلك. وهذا أمر قد اشتهر عن نوع من الأفاعى أنها إذا وقع بصرها على الإنسان هلك، فكذلك العائن. ثم قال: وهو يلتقى مع قول النبى صلى الله عليه وسلم فى الأبتروذى الطفيتين من الحيات أنهم ليلتمسان البصر ويسقطان الحبل ويؤمن ابن القيم بذلك حتى قال: إن نفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية، بل قد يكون أعمى فيوصف له شىء فتؤثر نفسه فيه وإن لم يره.
وذكر ابن القيم علاج الإصابة بالعين مستوحى من الأحاديث النبوية، مع أدعية واردة تفيد فى هذا الموضوع، وأفاض فى بيان تأثير العلاج النبوى بالاغتسال بالماء الذى اغتسل به العائن بما لا يدع مجالا للشك فى أهميته، فارجع إليه إن شئت.
هذا، والأبحاث النفسية الحديثة لا تنكر أثر العين، بل أثر القوى الأخرى، وهى تثبت صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فى قوله، وأثر الاستعاذة والتحصن فى تقوية الروح لتدفع خطر العين(7/379)
معنى نزول الله إلى السماء الدنيا
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
وردت أحاديث تقول إن الله ينزل إلى السماء الدنيا ليسمع دعاء التائبين والمسترزقين، فكيف يكون هذا النزول، وهل الله فى مكان ينزل منه؟
الجواب
روى البخاري ومسلم وغيرهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعونى فأستجيب له، من يسألنى فأعطيه من يستغفرنى فأغفر له ".
هذا الحديث من المتشابه الذى يوجد فى القرآن الكريم وفى السنة النبوية، والمسلمون حياله فريقان، فريق يطلق عليهم اسم السلف، وفريق يطلق عليهم اسم الخلف، فالأولون يؤمنون بأن الله سبحانه ينزل من عرشه إلى سماء الدنيا نزولا يليق بجلاله وكماله، بعيدا عن المشابهة للحوادث كما قال سبحانه {ليس كمثله شىء} الشورى: 11، والآخرون يصرفونها عن ظاهرها ويريدون بها لازمها، بمعنى القرب والرحمة وسرعة الاستجابة كما يجىء فى كلام العرب تعبيرا عن الرجل الكريم بأنه لا تطفأ له نار.
وعلى شاكلة ذلك كان تفسيرهم لليد والعين فى قوله تعالى {يد الله فوق أيديهم} الفتح:10، وقوله {ولتصنع على عينى} طه: 39.
ومن موقف السلف والخلف من الإيمان بالظاهر ومن التأويل كان الوقف فى قوله تعالى {فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا} آل عمران: 7، فالأولون يقفون عند قوله تعالى {وما يعلم تأويله إلا الله} ويكون قوله: " والراسخون " كلاما مستأنفا، أو مبتدأ خبره " يقولون آمنا به " والآخرون لا يقفون عند قوله {الله} وأنما يصلون به على العطف " والراسخون فى العلم " فالذى يعلم التأويل عند الأولين هو الله فقط، والذى يعلمه عند الآخرين الله والراسخون فى العلم. " راجع موضوع:
الرحمن على العرش استوى "(7/380)
القضاء والدعاء وعمل البر
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
وردت نصوص يؤخذ منها أن الدعاء يرد القضاء وأن صلة الرحم تزيد فى العمر، فكيف يكون ذلك مع أن قضاء الله واحد وعلمه لا يتغير؟
الجواب
روى الحاكم وصححه وابن حبان فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم فى قال " لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد فى العمر إلا البر. . . " ورواه الترمذى وقال: حسن غريب، أى رواه راو واحد فقط - وجاء فى حديث البزار والطبرانى والحاكم " لا يغنى حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء ينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة " ومعنى يعتلجان:
يتصارعان ويتدافعان.
قال العلماء فى هذا: إن القضاء نوع من علم الله تعالى بما سيكون عليه حال العبد قبل خلقه، ومنه قضاء مبرم لابد من وقوعه لا يدفعه ولا يرفعه شىء، ومنه قضاء معلق فى وقوعه أو رفعه على شىء، فالموت مثلا قضاء مبرم لابد منه ولا يدفعه شىء " وطول العمر قضاء معلق على فعل، مثل صلة الرحم وعمل خير آخر، كما فى حديث " من سره أن يبسط له فى رزقه وينسأ له فى أثره فليصل رحمه " رواه أحمد وغيره.
ومن هذا النوع المعلق أن يعلم الله سبحانه أن شيئا سيحصل للعبد عند دعائه، وأن مرضا سيصيبه لا يبرأ منه إلا بالدعاء والعلاج، فكل حركات العبد والكون معلومة مكشوفة لله تعالى، ولكنها مغيبة عنا، ولذلك أمرنا بطاعته، ومن الطاعة الدعاء الذى يؤكد الإنسان شيه إيمانه بضعفه وحاجته إلى الله، وقد عبر عن هذا فى الحديث بأنه العبادة أو مخ العبادة، فإذا حصل الدعاء وتم ما أراد الله كانت إرادته مرتبطة بدعاء العبد كما علمها من قبل، وما دام القضاء مغيبا علينا فعلينا امتثال أمر الله فى الدعاء وغيره، ولو علمنا ما قدر لنا ما كان هناك معنى للتكليف ولركدت حركة الحياة(7/381)
سجود الشمس تحت العرش
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يقال إن الشمس عند الغروب تسجد تحت العرش،فهل هذا صحيح؟
الجواب
قال تعالى {حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب فى عين حمئة ووجد عندها قوما} الكهف: 86، المعروف أن الأرض كروية، ولها دورتان، دورة حول نفسها ينتج عنها الليل والنهار ودورة حول الشمس ينتج عنها الفصول الأربعة، والشمس هى أيضا لها دوران حول نفسها، على ما يفيده قوله تعالى {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، فى أحد التفاسير، وكانت هذه الحقيقة مجهولة إلى وقت قريب، سبق بها القرآن المنزل من عند اللَّه.
ومشرق الشمس ومغربها هو فى حقيقته ظهور جزء من الأرض فى مقابلها واختفاؤه عنها، فحركه الشروق والغروب حركة ظاهرية فى رأى العين للشمس، وهى فى الحقيقة لنا، وعندما تغيب الشمس عنا أو نغيب عنها يراها الناظر إليها وهو على شاطئ البحر أو المحيط أنها تغوص فى الماء كأن عينا ابتلعتها أو سقطت هى فيها.
ووصف العين فى الآية بأنها حمئة، قال بعض المفسرين: إنها ذات حمأة وطين، وفى قراءة ... حامية أى حارة ساخنة، وذلك كله تخيل وتصور للناظر يعطيه لون الماء فى زرقته التى تميل،من بعد إلى السواد، أو توهج الشمس عن طريق تفرق أشعتها عند الغروب كأن نارا توقد فى هذا الماء، فالتصوير كله بحسب ما يراه الناظر بصرف النظر عن الحقيقة.
ذلك ما يعطيه لنا العلم الحديث، الذى يقول إن نصف الكرة الأرضية يكون نهارا حين يقابل الشمس، والنصف المقابل يكون ليلا حين تغيب عنه.
لكن ورد فى البخارى حديث عن أبى ذر يقول فيه: كنت مع النبى صلى الله عليه وسلم فى المسجد عند غروب الشمس، فقال " يا أبا ذر تدرى أين تغرب الشمس "؟ قلت: اللَّه ورسوله أعلم. قال " فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش "، فذلك قوله تعالى {والشمس تجرى لمستقر لها} .
وأخرجه النسائى بلفظ فإنها تذهب حتى تنتهى تحت العرش عند ربها ثم تستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها، وتطلب، فإذا كان ذلك قيل لها: اطلعى من مكانك، فذلك قول اللَّه {والشمس تجرى لمستقر لها} .
فكيف يستقيم الإخبار عن سجودها تحت العرش عند مغيبها، ومع قول القرآن إنها تغرب فى عين حمئة؟ ولم يفت شراح الحديث القدامى هذا السؤال، فقد قال الحافظ ابن حجر فى شرح البخارى " فتح البارى " لا تخالف بين الحديث والقرآن، فإن المراد بالآية نهاية مدرك البصر إليها حال الغروب، وسجودها تحت العرش إنما هو بعد الغروب.
وقال الخطابى: يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش أنها تستقر استقرارا لا نحيط به نحن، وليس فى سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعوقها عن دورانها فى سيرها، وهناك أقوال أخرى لا يوجد لها سند صحيح.
وقال بعض العلماء: إن المراد بسجودها تحت العرش خضوعها لله وانقيادها للنظام الذى وضعه لها.
وهذا أمر يجرى على كل كائن فى الوجود مهما تصور الإنسان عظمته وفتن بقوته وأثره، فهو تحت حكم الله يتصرف فيه كيف يشاء، وكل حركة فى الكون فهى بأمره سبحانه.
وعند نهاية العالم سيغير اللَّه نظام الكون المشاهد لنا، فتشرق الشمس من حيث غربت. والله على كل شىء قدير.
وبهذا لا يوجد تعارض بين مقررات العلم وبين القرآن والحديث، فالكل من اللَّه سبحانه واللَّه حكيم خبير(7/382)
الشرك الخفى
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هو الشرك الخفى؟
الجواب
عن أبي سعيد الخدرى رضي اللَّه عَنه قال: خرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ونحن نتذكر المسيخ الدجال فقال "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيخ الدجال "؟ فقلنا: بلى يا رسول اللَّه فقال "الشرك الخفي، أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل " رواه ابن ماجه والبيهقى. وجاءت فيه روايات بألفاظ متقاربة كلها تفيد أن الرياء مذموم، كأن الإنسان يشرك مع اللَّه غيره في أداء العبادة، قال تعالى في ذم المرائين {إن المنافقين يخادعون اللَّه وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون اللَّه إلا قليلا} النساء: 142، وقال تعالى {فويل للمصلين. الذين هم عن صلاتهم ساهون. الذين هم يراءون ويمنعون الماعون} الماعون: 4 - 7.
والأحاديث في ذم الرياء كثيرة، منها حديث مسلم في الثلاثة الذين يكونون أول من تسعَّر بهم النار يوم القيامة، المجاهد والعالم والجواد، كانوا يحرصون على ثناء الناس عليهم.، وحديث البخاري ومسلم "من سمَّع سمَّع اللَّه به، ومن يراء يراء اللَّه به " أي من أظهر عمله للناس رياء أظهر الله نيته الفاسدة يوم القيامة وفضحه على رءوس الأشهاد.
وحديث ابن خزيمة في صحيحه "يا أيها الناس إياكم وشرك السرائر" قالوا وما هو؟ . قال "يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهدا، لما يرى من نظر الناس إليه، فذلك شرك السرائر" وجاء في حديث أحمد والطبرانى أن النبي حذَرهم من هذا الشرك الخفي فسألوه كيف يتقونه؟ فقال "قولوا اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه " وفي بعض الروايات: يقال ذلك ثلاث مرات كل يوم(7/383)
أهل الفطرة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما حساب الذين ماتوا قبل الإسلام، هل يدخلون الجنة أم يدخلون النار؟
الجواب
أهل الفطرة هم الذين لم يروا نبيًّا سابقًا ولا نبيًّا لاحقًا، عاشوا وماتوا في فترة ليس فيها نبي، ومنهم العرب الذين ماتوا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يأتهم نبي بعد إسماعيل فمن أمن من هؤلاء بالرسل الذين أرسلوا إليهم فهم في الجنة، ومن لم يؤمن فهو في النار، وهناك جماعة لم تبلغهم دعوة أي نبي من الأنبياء، وقد اختلف فيهم العلماء، فقال أى بعضهم، كان الواجب عليهم أن يعرفوا ربهم بعقولهم عن طريق النظر في مخلوقاته ليؤمنوا به، فمن توصل منهم إلى معرفته وآمن به نجا، ومن لم يفعل ذلك فهو في النار.
وقال آخرون: لا يكلف هؤلاء بالإيمان إلا بحسب شرع يأتى إليهم،فإذا لم يجئ فلا مسئولية عليهم، قال تعالى {وما كنا معذِّبين حتى نبعث رسولاً} الإسراء: 15.
وحجة كل فريق مبسوطة فى الكتب المتخصصة، راجع كتاب:
الملل والنحل للشهرستاني، المواهب للقسطلانى مع شرح الزرقانى، وسترى الحديث عن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم له نصيب كبير من البحث.
ومهما يكن من شيء فإن معرفة ذلك ليست فرضًا علينا، وليست عقيدة نسأل عنها، والبحث شهوة عقلية لا تغير من واقع هؤلاء الناس شيئًا، فربهم أعلم بهم وقد أفضوا إليه بما قدموا(7/384)
الرب والإله
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما الفرق بين الرب والإله؟
الجواب
الرب فى اللغة هو المالك للشيء، ويطلق على السيد المالك للعبد، وعلى المربى، ولا يقال "الرب " مطلقا بغير إضافة لشيء إلا لله تعالى، المتكفل بمصالح الخلق، أما بالإضافة فيطلق على غير الله، كرب الدار ورب الفرس، ذكره الأصفهانى فى " المفردات ".
والإله بالتعريف اسم للمعبود بحق، وهو اللَّه سبحانه، وإذا ذكر بدون التعريف " إله " كان اسما لكل معبود ولو باطلا.
ويقول الراغب الأصفهانى فى " المفردات " الإله حقه ألا يجمع، إذ لا معبود سواه، لكن العرب - لاعتقادهم أن ههنا معبودات -جمعوه فقالوا: الآلهة.
قال اللَّه تعالى {أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا} الأنبياء: 43، وقال {أجعل الآلهة إلها واحدا} ص: 5(7/385)
اقتران صفات الله بلفظ "كان"
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
تأنى فى بعض الآيات صفات الله تعالا فيها عبارة " كان " مثل " كان الله غفورًا " فهل هذه الصفات، كانت فى الماضى وزالت عنه وتغيرت أم باقية؟
الجواب
إذا وصف اللَّه نفسه فى القرآن الكريم لم يأت هذا الوصف دائما مقرونا بلفظ " كان " فكثيرا ما يأتى الوصف بدون ذلك قال تعالى {إن اللَّه على كل شيء قدير} البقرة: 109، {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} البقرة: 222، {واستغفروا اللَّه إن الله غفور رحيم} المزمل: 20.
وفى بعض الآيات يأتى الوصف مع لفظ " كان " كقوله تعالى {وكان الله غفورا رحيما} الأحزاب: 59، وقوله {وكان الله بكل شىء عليما} الفتح: 26، وقوله تعالى {وكان اللَّه سميعا بصيرا} النساء:
134.
وليس المراد بذلك أن اللَّه سبحانه كان متصفا بالمغفرة والرحمة والعلم والسمع والبصر فى زمن مضى، ثم زالت عنه هذه الصفات فى الزمن الحاضر ولا يتصف بها فى المستقبل، ذلك لأن تقسيم الزمن إلى ماض وحاضر ومستقبل هو بالنسبة لنا نحن، حين نتحدث ونحدد ما يقع من أحداث قبل زمن الحديث عنها أو فى أثناء الحديث أو بعده، أما اللَّه سبحانه فهو منزه عن الزمان. وما كان مخلوقا لا يتحكم فيمن خلقه.
وكأن اللَّه سبحانه حين يقرن صفاته بلفظ " كان " يبين لنا أنه موصوف بذلك قبل أن يخبرنا، بل قبل أن يخلقنا، فهى صفات أصيلة فيه وجبت له لذاته لا لعلة أوجدتها فيه. فقد كان اللَّه بصفاته ولا شيء معه وقد نبه المفسرون على ذلك، فجاء مثلا فى تفسير الجلالين لقوله تعالى فى أول سورة النساء {إن اللَّه كان عليكم رقيبا} قوله: أى لم يزل متصفا بذلك. وقال الجمل فى الحاشية: نبه به على أن " كان " قد استعملت هنا فى الدوام، لقيام الدليل القاطع على ذلك(7/386)
تخلقوا بأخلاق الله
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل هناك حديث يقول: تخلقوا بأخلاق الله، وكيف يقال عن صفات الله أنها أخلاق؟
الجواب
لا يوجد حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ، ذلك أن الخُلق كما عبر عنه العلماء ملكة راسخة فى النفس تصدر عنها الأفعال بيسر وسهولة من غير فكر ولا روية، ولا يمكن أن يعبر عن صفات اللَّه مثل الرحمة والعدل بأنها آثار لملكة راسخة فى النفس.
والذى ورد أن السيدة عائشة رضى الله عنها سئلت عن أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن رواه مسلم وغيره، وجاء فى زيادة: يغضب لغضبه ويرضى لرضاه.
وقد علق العارف باللَّه عمر شهاب الدين بن محمد بن عمر السهروردى المتوفى ببغداد فى المحرم سنة 632 هجريه - فى كتابة عوارف المعارف على قول السيدة عائشة بقوله: ولا يبعد أن قول عائشة رضي اللَّه عنها: كان خلقه القراَن فيه رمز غامض وإيماء إلى الأخلاق الربانية، فاحتشمت الحضرة الإلهية أن تقول: كان متخلقا بأخلاق اللَّه تعالى، فعبرت عن المعنى بقولها:
كان خلقه القرآن، استحياء من سُبُحات الجلال، وسترًا للحال بلطيف المقال، وهذا من وفرة عقلها وكمال أدبها. " الزرقانى على المواهب اللدنية ج 4 ص 246 ".
فإذا جاء التعبير على لسان بعض رجال التصوف بلفظ " أخلاق الله " فلم يجىء هذا التعبير عن النبى صلى الله عليه وسلم. وإن كانت صفات اللَّه سبحانه معروفة(7/387)
الوجودية
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هى الوجودية وما موقف الإسلام منها؟
الجواب
الوجودية مذهب أو اتجاه فكرى يعنى بالبحث فى الوجود الإنسانى، ويصورها "ريجيس جوليفييه " فى كتابه "مذاهب الوجودية" بأنها اعتقاد أن أساس وجود الإنسان هو ما يفعله بمعنى أن أفعاله هى التى تحدد وجوده، كما قال سارتر: أنا موجود فأنا أفكر، على عكس ما قال ديكارت: أنا أفكر فأنا موجود.
إن هذا المذهب ليس جديدا، فقد اهتم به كثيرون من الفلاسفة والأدباء والمتصوفين وغيرهم من قديم الزمان، وإن كان أبرزهم حديثا هو "كير كجارد" الدانمركى المتوفى سنة 1855 م وآخرهم "جان بول ساتر" الفرنسى المولود فى 21 من يونيو سنة 1905 م والمتوفى فى يوم الثلاثاء 15 من إبريل 1980 م.
وبعض المعتنقين لهذا المذهب يؤمنون بوجود اللَّه الذى خلق الإنسان، لكن يرون أنه مى به فى تيه يعيش فيه بين الألم والخوف والقلق، ومن هؤلاء: كير كجارد، جبرييل مارسيل، وبعضهم لا يؤمنون بأن الله خلق الإنسان، بل هو الذى خلق نفسه بنفسه، وذلك لعدم اليقين بمصدر وجوده الحقيقى، ومنهم: هيدجر، سارتر.
والذين درسوا تاريخ هؤلاء تبين له أن ظروف حياتهم هى التى أملت عليهم هذا الاتجاه فى التفكير، فقد كان "كير كجارد" منطويا على نفسه منعزلا، ولذلك حلل الوجود البشرى تحليلا يعيش فى جو الحصر النفسى والتمزق الداخلى والشعور بالخطيئة، وكذلك "سارتر" حيث اهتم اهتماما كبيرا بفكرة العدم باعتباره داخلا فى نسيج الوجود، فالفرد عنده يعيش فى مواقف تتصف بالتميع، ويحاول أن يتخطى حدود نفسه ويخدعها، ومن أجل أن وجوده مرتبط بوجود الآخرين يرى تصارع إرادتهم مع إرادته فى جو كله غثيان، والفرد يسعى جاهدا إلى تحقيق رغباته لكن ذلك غير ممكن، لأن إمكاناته لا تسعفه.
ويمكن أن نحدد أهم الصفات المميزة للوجوديين فيما يلى:
1- الإيمان بأن التجربة الفردية هى أساس المعرفة، وليس العقل أو غيره موصلا إلى معرفة الحقيقة.
2- الإغراق فى تقديس الحرية الشخصية فكرا وسلوكا، وعدم الاهتمام بالآخرين بقدر الاهتمام بالنفس، ولذلك كثر فيهم الشذوذ والتطرف والآراء الغريبة والإنسان هو صانع وجوده بنفسه، لأنه رب أفعاله.
3- التشاؤم والقلق والتمزق، فالوجودى يحاول أن يخلع نفسه من نفسه ليعيش نفسا أخرى، لأنه إما أن يكون قد قذف به فى الكون وترك مع الطوفان بلا مدد أو وقاية، كما يقول الملحدون، وإما أن يكون اللَّه قد ترك له حرية الاختيار، وإن كان الاختيار نفسه محدودا بحواجز خارجة عن إرادته وهو يشعر بها عند الفشل والمقاومة، فالوجود عندهم يتأرجح دائما بين الوجود والعدم أو بين الاختيار والجبر.
وهى تجرد الإنسان من كل ثقة فى الحياة، وتهدم كل أساس ينطلق منه العمل. يقول "هيدجر" إننا قد ألقى بنا إلى هذا العالم ولست أعرف لماذا ولا كيف، والشيء الوحيد الذى أعرفه حق المعرفة هو أننى سأموت يوما من الأيام، فالإنسان مستقبله محدود ومتناه، وأنا أعرف ذلك.
إن لهم تعبيرات غريبة عن التجربة الفردية التى يعيشونها، يقول عنها "كارل ياسبرز" إنها الإحساس بمدى هشاشة الوجود الإنسانى، ويقول عنها "هيدجر" هى المضى نحو الموت، ويقول عنها "سارتر": الإحساس بالغثيان والتقزز بل إن كثيرا منهم لا يرضى أن يقال عنه: إنه فيلسوف، وإنما يقال: كاتب أو أديب، لأن الفيلسوف الوجودى يقصر بحثه على الوجود الخاص به، وهو يرى أن فلسفة البحث عن الوجود هى العدم، وذلك ما قاله هيدجر. ومن هنا اعتبر كبار النقاد أن سارتر أديب أولا، ثم فيلسوف ثانيا.
3- تقوم الوجودية على إنكار وجود الله، وبالتالى إنكار حياة بعد الموت،أو على عدم الرضا بقضاء الله وحكمته فى هذا الوجود، وأنه بقدرته يمكن أن يغير أى حال إلى حال آخر، الأمر الذى جعلهم يعيشون حياة القلق والتشاؤم والاهتمام بالذات وانتهاز الفرص التى ربما لا تتاح بعد.
إن الناظر إلى هذا الفكر يراه مخالفا للإسلام، وذلك لما يأتى:
(ا) أن الإسلام يقوم على الإيمان بوجود اللَّه وبالحياة الآخرة، فالوجود الزمنى فى الدنيا معه وجود آخر دائم بعد الموت، فالعدم ليس نهاية الوجود كله، بل إن الحياة الآخرة خير لمن اتقى واستقام أمره.
(ب) ليست وسائل المعرفة الصحيحة قاصرة على إحساس الفرد نفسه بما يعانيه من تجربة، فهناك العقل وميدان التفكير واسع غير محدود، وهناك الوحى المنزل من عند اللَّه على رسله.
(ج) ليست الحرية الشخصية فى الإسلام أو فى أى دين آخر، بل فى أى تشريع أو عرف، حرية مطلقة بغير حدود، فهناك ضوابط موضوعة لاستقامة السلوك وللمحافظة على حقوق الآخرين، ضرورة أن الإنسان مدنى بطبعه، لابد أن يعيش فى مجتمع له حقوقه، ومعلوم أن الأهواء الشخصية مختلفة، وفى بعضها تضارب كبير، والإنسان ليس كالحيوانات التى تسيرها غرائزها فى أكثر أحوالها.
(د) الإسلام لا يرضى عن التشاؤم المطلق، أو اليأس المقنط بل فتح باب الأمل ودعا إلى النشاط والعمل، ووعد بالعفو عن المسيء إذا أناب إليه، وباليسر والفرج لمن توكل عليه، وآمن برحمته وحكمته وهو يباشر نشاطه المأمور به.
وكل ذلك له أدلته من الكتاب والسنة وآثار السلف وواقع التاريخ الذى أثبت أن المسلمين انطلقوا بإيمانهم العميق بالله وبالحياة الآخرة، وبالأمل الواسع فى نصره وتأييده وبالتزامهم الصادق للحدود التى وضعها اللَّه للسلوك - انطلقوا إلى الآفاق الواسعة، ينشرون كلمة الحق ويعمرون الدنيا بالخير.
ولا حاجة بالمسلمين اليوم إلى استيراد أفكار وفلسفات وأنماط سلوك وضيعة هى نتاج عقول تخطىء وتصيب، وهى نضح لمعاناة شخصية فى ظروف خاصة {ومن أحسن من اللَّه حكما لقوم يوقنون} المائدة: 50، يقول "بول فولكييه "فى كتابه "هذه هى الوجودية" إن غموض شخصيات من اعتنقوا هذا المذهب جعل تعبيراتهم غامضة وليس من السهل فهمها أو تحديد المعانى المرادة منها، ولذلك لما اعترض على سارتر بهذا الغموض قال "لا عجب فى عدم فهم ما أكتب، لأن الواقع محال ولا يدركه الفهم " أمثل هؤلاء يتخذون زعماء؟ يمكن الرجوع إلى ما يأتى:
1 - دائرة معارف الشعب، المجلد 3 ص 569.
2 -دراسات قى الوجودية، للدكتور عبد الرحمن بدوى.
3 - الفلسفة الوجودية، للدكتور زكريا إبراهيم.
4 - المذاهب الهدامة، لعباس العقاد.
5 - الوجودية، للدكتور محمد الفيومى.
6 - قضايا العصر، من مطبوعات مجمع البحوث الإسلامية.
7 - الأهرام 1 / 0 1 / 1983، 26/ 4 / 1985.
8 -اللواء الإسلامى 11/ 4/ 1985.
9 - الوجودية فى الميزان، للدكتور مصطفى غلوش.
10 - الوجودية فى الميزان، للشيخ محمد أبو المكارم(7/388)
رؤية الله يوم القيامة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
سمعنا حديثا يقول "إنكم ترون ربكم يوم القيامة " فهل هذا حديث صحيح؟
الجواب
ذكرنا فى إجابة سابقة خلاف الناس فى رؤية الله فى الدنيا، وأشرنا إلى أن هناك أخبارا تؤكد جواز رؤيته فى الآخرة، وزيادة فى التأكيد نقول: جاءت فى ذلك أحاديث متفق عليها، منها حديث رواه البخارى ومسلم عن أكثر من عشرين من أكابر الصحابة منهم أبو سعيد الخدرى الذى سأل النبى صلى الله عليه وسلم " هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال "هل تضارون فى رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا" قلنا لا، قال "فإنكم لا تضارون فى رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون فى رؤيتهما، ثم ينادى مناد: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أهل الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر وغبرات -بقايا - من أهل الكتاب، وبعد إلقاء اليهود والنصارى فى جهنم يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر ينتظرون رؤية الله، فيأتيهم على غير الصورة التى رأوه أول مرة. . . . . . وعند رؤيته يسجد له كل مؤمن،ولا يستطيع من كان يسجد له رياء وسمعة. . . إلى آخر الحديث. وفى حديث آخر للبخارى ومسلم "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ".
يؤخذ من هذا أن أهل الموقف جميعا يرون الله، وتكون الرؤية للمؤمنين نعيما ولغيرهم شقاء، يوضحه قوله تعالى {وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة. ووجوه يومئذ باسرة. تظن أن يفعل بها فاقرة} القيامة: 22 - 25، فإذا فرغ من الكافرين وألقى بهم فى جهنم يرى المؤمنون ربهم مرة ثانية، فقد ورد فى صحيح مسلم "إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله عز وجل: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم " ثم تلا هذه الآية {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} يونس: 26، فرؤية الله فى الآخرة واقعة ولا ينبغى الجدال فيها، وعلينا أن نستعد للقائه فى جنة النعيم فذلك أولى(7/389)
السجود لغير الله
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
إذا كان السجود لله وحده فلماذا أمر الله الملائكة بالسجود لآدم، وكيف سجد أخوة يوسف له؟
الجواب
أولا: سجود الملائكة لآدم ليس سجود عبادة، بل سجود تحية، ثانيا الذى أمر بذلك هو الله، ولابد من امتثال أمره، لكن لو أمر أحد غير الله بالسجود لغير الله حرم الأمر وحرم الامتثال، جاء فى الحديث النبوى "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" رواه الترمذى وصححه.
وقال المفسرون بعد اتفاقهم على أن سجود الملائكة لآدم لم يكن سجود عبادة: إن الله أمرهم أن يضعوا جباههم على الأرض، وذلك تكريما لآدم، أو كان السجود لله ولكن القبلة هى آدم، كما يقال:
صلى الإنسان للقبلة، أى إليها، وقيل: إن السجود لم يكن سجودا ماديا بأية هيئة ولكنه سجود معنوى وهو الإقرار والاعتراف بفضل آدم. ومهما يكن من شىء فإن السجود للتحية- لا للعبادة-ظل معروفا من قديم الزمان حتى زمن يعقوب عليه السلام قال تعالى عن يوسف {ورفع أبويه على العرش وخروا له سجَّدا} يوسف: 100، بل بقى إلى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولما رأى الصحابة سجود الشجر والجمل له قالوا: نحن أولى بالسجود لك فقال: "لا ينبغى أن يُسجد إلا لله رب العالمين " وروى ابن ماجه فى سننه والبستى فى صحيحه أن معاذ بن جبل لما قدم من الشام سجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " ما هذا"؟ قال: يا رسول الله قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لأباطرتهم وأساقفتهم، أردت أن أفعل ذلك بك، فقال "فلا تفعل فإنى لو أمرت شيئا أن يسجد لشىء لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، لا تؤدى المرأة حق ربها حتى تؤدى حق زوجها، حتى لو سألها نفسها وهى على قتب لم تمنعه "والقتب رحل صغير على قدر سنام الجمل.
من هذا يعرف أن سجود العبادة ممنوع، وأن سجود التحية لآدم كان بأمر من الله، وسجود إخوة يوسف كان للتحية أيضا، ونهى عنه الإسلام مطلقا، حتى لو كان للتحية(7/390)
التنبؤات الفلكية
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما موقف الإسلام من أقوال الفلكيين فى أول كل سنة عن الأحداث التى ستحصل فى الكون؟
الجواب
من المعروف فى العقائد أن المستقبل غيب لا يعلمه إلا الله تعالى، كما قال سبحانه {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} الأنعام: 59، وقال {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير} لقمان: 34، وقال {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا. إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} الجن: 26، 27،.
وعلم الله يتميز بأمرين، أولهما الصدق واليقين بحيث لا يعتريه شك، والثانى الإحاطة والشمول فلا يغيب عن علمه شيء، وكل ما ينشر عن الفلكيين أو غيرهم أكثره استنتاج وفراسة وظن وتخمين وبراعة فى الربط بين حركات النجوم وتأثيرها على الجو حرارة وبرودة ورطوبة وجفافا وعواصف وأمطارا، وما ينتج عن ذلك من رخاء أو قحط أو قلاقل وفتن نتيجة للحالة الاقتصادية وما تؤثر فيه من الناحية السياسية والحربية والاجتماعية وما إلى ذلك.
ولا شك أن الآثار والنتائج هى محصلة عدة عوامل يتفاعل بعضها مع بعض، وتنتج بشكل طبيعى نتائج مختلفة يمكن إدراكها قبل وقوعها لمن عندهم فراسة وحسن تقدير وربط بين الأسباب والمسببات.
ومع ذلك فكله من باب الظنون التى لا يقطع بها، فقدرة الله وإرادته فى تصريف هذه الأسباب وفى إنتاجها للمسببات فوق كل تدبير وتقدير وحساب من البشر، قال تعالى {ألم تر أن الله يزجى سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء} النور: 43،.
وقال تعالى {الله الذى أرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه فى السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون. وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين} الروم: 48، 49.
فالخلاصة أن هذه التنبؤات ظنية وليست قطيعة، ومن ادعى أنها قطعية فقد خالف قول الله فى علمه للغيب، وتعيين أشخاص يموتون أو يتولون مناصب أو يعزلون، كل ذلك إفراط فى التخمين يكذبه الواقع كثيرًا، ويبقى الأمر كله لله وحده، والأمثلة على ذلك كثيرة فى التاريخ "انظر: مفتاح دار السعادة لابن القيم، تاريخ الخلفاء للسيوطى ص 282 -300" يقول الدميرى "742-808 هـ " فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى": روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكر النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر أصحابى فأمسكوا" رواه الطبرانى وأبو نعيم فى الحلية، وحسنه بعض أصحاب الأمالى عن ابن مسعود، وقال "أخاف على أمتى بعدى ثلاثا، حيف الأئمة والإيمان بالنجوم والتكذيب بالقدر" رواه ابن عبد البر وابن عساكر وهو ضعيف وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: تعلموا من النجوم ما تهتدوا به فى البحر والبر ثم أمسكوا.
ويبين الدميرى سر النهى عن ذلك بعدم فتنة الناس بالنجوم، حتى لا يربطوا بينها وبين الأحداث فينسوا ربهم الذى خلق كل شيء، وبأن نتائجها ظنية لا يجوز الحكم بالظن، وبأن الاشتغال بالنجوم من هذه الناحية فضول ليست فيه فائدة تذكر، وهناك ما هو أهم منه. هكذا يقول الدميرى، وقال كثيرا غير ذلك "ج اص 15، 16 مادة الأسد " وجاء فى ذلك قول محمد بن عبد الله بن محمود الحسينى:
لا شىء أجهل ممن يدعى ثقة * بحدسه ويرى فيما يرى ريبا قد يجهل المرء ما فى بيته نظرا * فكيف عنه بما فى عينه احتجبا وقول سيدنا على، أو يوسف بن عبد البر:
أمنتحلى النجوم أحلتمونا * على علم أرق من الهباء علوم الأرض ما أحكمتموها * فكيف بكم إلى علم السماء وأنا أقول: إذا كان الاشتغال بعلم النجوم من أجل معرفة أسرار الكون وحسن استخدامها كما يحصل الآن من الجهود فى غزو الفضاء -كما يعبرون -فلا بأس به، بل الدين يشجعه ما دام ذلك من أجل الخير، أما سوء استخدام هذا العلم أو ادعاء معرفة الغيب على وجه اليقين فذلك ضلال لا يوافق عليه الدين(7/391)
القضاء والقدر
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
قرأنا فى الكتب أن محاجة حدثت بين آدم وموسى وأن آدم غلبه لأنه اعترض على قضاء الله فكيف يصح ذلك؟
الجواب
روى البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "احتج آدم وموسى فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده، أتلومنى على أمر قدر الله على قبل أن يخلقنى بأربعين سنة؟ فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى" وجاء هذا الحديث بروايات أخرى.
المراد بقوله: خط لك بيده، ألواح التوراة، والأربعون سنة هى ما بين قوله تعالى: {أنى جاعل فى الأرض خليفة} إلى نفخ الروح فيه، أو هى مدة لبثه طينا إلى أن نفخت فيه الروح. وقد تحدث شراح الحديث وكثرت أقوالهم لتوضيح الصلة بين قدر الله ومسئولية العبد وخلاصة أقوالهم ما يأتى:
أنكر القدرية هذا الحديث لأنه يثبت القدر وهم لا يقولون به، إذ لو صح لاحتج كل مخالف بالقدر السابق، ولو ساغ ذلك لانسدَّ باب القصاص والحدود ولاحتج به كل أحد على ما يرتكب من الفواحش، والمثبتون للحديث ردوا عليهم، ووضحوا كيف كانت الغلبة لآدم على موسى بقولهم:
(ا) إن موسى كان له مثل حال آدم حيث قتل نفسا لم يؤمر بقتلها وتاب الله عليه كما تاب على آدم، قال تعالى {وعصى آدم ربه فغوى.
ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى} وقال فى شأن موسى: {قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له} وليس من اللائق أن يلوم أحد غيره على حال وقع مثلها له.
(ب) إن اللوم على المخالفة يكون مشروعا إذا كان قبل التوبة، أما بعدها فلا فائدة تذكر منه.
(ي) إن لوم موسى لآدم كان بعد موته وانتقاله من دار التكليف إلى دار الجزاء، حيث كان لقاؤهما على أرجح الأقوال فى البرزخ بعد موت موسى، فالتقت أرواحهما فى السماء كما جزم بذلك ابن عبد البر والقابسى، وإذا كان الله قد لام آدم فى الدنيا بقوله: {ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} وهو أكرم من أن يثنى العقوبة على عبده كما ورد، فلا يسوغ لموسى أن يؤنب آدم، والله سبحانه بكرمه لا يؤنبه بعد موته، وقد ورد أيضا النهى عن التثريب على الأَمة التى زنت وأقيم عليها الحد.
هذا، ولا يجوز أن يكون هذا الحديث متكأ لمن يقترف معصية، فإذا وجه إليه اللوم يقول: هذا قدر الله، كما قال آدم، وذلك لأن من كان باقيا فى الدنيا دار التكليف تجرى عليه الأحكام من لوم وعقوبة ونحوهما.
قال النووى: فى ضمن كلامه على هذا الحديث (شرح صحيح مسلم ج 16 ص 202) : ولأن اللوم على الذنب شرعى لا عقلى، وإذا تاب الله تعالى على آدم وغفر له زال عنه اللوم، فمن لامه كان محجوجا بالشرع، فإن قيل: فالعاصى منا لو قال: هذه المعصية قدرها الله عليَّ لم يسقط عنه اللوم والعقوبة بذلك وإن كان صادقا فيما قاله، فالجواب أن هذا العاصى باق فى دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين من العقوبة واللوم والتوبيخ وغيرها، وفى لومه وعقوبته زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل، وهو محتاج إلى الزجر ما لم يمت، فأما آدم فميت خارج عن دار التكليف وعن الحاجة إلى الزجر، فلم يكن فى القول المذكور له فائدة، بل فيه إيذاء وتخجيل. والله أعلم(7/392)
من لم تبلغه الدعوة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
1- ما حكم الذى ينشأ فى مجتمع كافر ولم تبلغه الدعوة الإسلامية، ولم يسمع عن شىء اسمه الإسلام،أو بلغه الإسلام ولكن بصورة مشوهة ثم مات ولم يسلم؟ .
2- ما حكم الذى يعيش فى مجتمع مسلم، ولكنه لا يعمل بالإسلام، أو يعمل بخلاف ما يريده الإسلام من الاعتقادات، وذلك عن جهل ولم يجد من يعرفه الإسلام الصحيح، وما حكم إرثه؟
الجواب
لقد تحدث العلماء عمن لم تبلغهم الدعوة وعن الذين لم يدركوا نبيا سابقا أو لاحقا وهم أهل الفترة، وأطنب فى بيان حكمهم كثيرون من العلماء كإمام الحرمين فى البرهان والغزالى فى المستصفى والمنخول والرازى فى المحصول والباقلانى فى التقريب وغيرهم.
وتناول حكمهم رجال الفقه والأصول والكلام، بناء على القاعدة الأساسية فى الحسن والقبح هل هما عقليان أم شرعيان، كما تحدثوا عن المؤاخذة وعدمها هل هى فى الدنيا فقط أم الدنيا والآخرة إلى آخر ما تحدثوا فيه. ومما استشهدوا به قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} الإسراء:15، أى أن الله لا يهلك أمة بعذاب إلا بعد الرسالة إليهم، كما قال الجمهور، وقالت فرقة: هذا عامٌّ فى الدنيا والآخرة لقوله تعالى: {كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير. قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا} الملك: 8، 9.
وورد فى أهل الفترة أحاديث فى أنهم موقوفون إلى أن يمتحنوا يوم القيامة، والصحيح من هذه الأحاديث ثلاثة.
إن الذى لم تبلغه الدعوة فى عصرنا هذا أمثال سكان الكهوف والأدغال والجزر النائية الذين لا يعرفون وسائل الاتصال بالعالم من حولهم، وهم قلة فى هذا الزمان الذى كثرت فيه وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية وغيرها، وكثرت الرحلات وتنافس الاستعمار فى استغلال مناطق الأرض.
ومن سمع بأن هناك رسولا جاء بدين اسمه الإسلام وجب عليه أن يبحث عنه إن استطاع، فإن لم يسمع أو سمع ولم يستطع البحث كان معذورا، كما قال العلماء.
وقد اشترط العلماء فى لزوم الدعوة لمن بلغتهم أن تبلغهم صحيحة غير مشوهة، فإذا وصلت مشوهة كانوا معذورين فى عدم الإيمان بها، وقد نص على ذلك الإمام الغزالى فى كتابه "فيصل التفرقة" فبعد أن ذكر أن أكثر النصارى من الروم والترك فى زمانه ناجون لعدم بلوغ الدعوة إليهم، قال: بل أقول: حتى الذين بلغتهم دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم مشوهة فعلمهم أهلوهم منذ الصبا أن كذابا مدلسا اسمه محمد ادعى النبوة كذبا فهؤلاء عندى كالصنف الأول، أى ناجون، وأما سائر الأمم الذين كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم بعد علمهم بالتواتر ظهوره وصفاته ومعجزاته الخارقة، وعلى رأسها القرآن، وأعرضوا عنه ولم ينظروا فيما جاء فيه فهم كفار. اهـ ملخصا.
وعلى هذا نقول: إن من لم تبلغه الدعوة أصلا، أو بلغته مشوهة أو بلغته صحيحة ولم يقصر فى البحث والتحرى فهو معذور، أى يرجى له عدم الخلود فى النار.
أما المسلم الذى يعيش بين المسلمين ولا يعمل بالإسلام لجهله فله حالتان:
الأولى: جهله بالعقيدة كوحدانية الله والبعث، أو جهله بما يعلم من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة والصوم وحرمة القتل والخمر، وهذا لا يعذر فى جهله، فلو ترك شيئا مما وجب عليه أو ارتكب محرما إن كان منكرا جاحدا فهو كافر، وإن كان غير منكر ولكنه متكاسل مثلا فهو غير كافر، بل مؤمن عاص.
ومن حكم بكفره انقطع التوارث بينه وبين غيره من المسلمين إذا مات على ذلك، أما العاصى فإن تاب ترجى له المغفرة، وإن مات ولم يتب فأمره مفوض إلى ربه {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء: 48.
أما من قصر فى غير ما علم من الدين بالضرورة لجهله به، وذلك كالمسائل الفرعية فى الفقه وبخاصة الدقيقة منها فهو معذور، وعليه أن يسعى ليتعلم.
والحاصل أن الجهل نوعان: جهل لا يعذر به المسلم الذى نشأ فى مجتمع مسلم، وجهل يعذر به، الأول كالجهل بالأركان الأساسية للدين، والثانى كالجهل بالفروع التى تكون محلا لاختلاف الآراء، ومنكر الأمور الأساسية كافر، والمقصر فيها دون إنكار مؤمن عاص، ومنكر الأمور الثانية أو المقصر فيها معذور. والله أعلم(7/393)
مولانا وسيدنا
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما رأى الدين فى قول بعض الناس للعالم يا مولانا، أو لحامل القرآن يا سيدنا؟
الجواب
1 -تحدث النووى فى كتابه "الأذكار ص 360" عن لقب المولى، فقال:
يكره أن يقول المملوك لمالكه: ربى، بل يقول: سيدى. وإن شاء قال:
مولاى ففى صحيحى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وَضِّئْ ربك اسق ربك، وليقل: سيدى ومولاى. .. " وفى رواية لمسلم "لا يقل أحدكم: ربى، وليقل: سيدى ومولاى".
ثم قال فى ص " 361": قال الإمام أبو جعفر النحاس فى كتابه "صناعة الكتاب ": أما المولى فلا نعلم اختلافا بين العلماء أنه لا ينبغى لأحد أن يقول لأحد من المخلوقين: مولاى. قلت: وقد تقدم جواز إطلاق مولاى، ولا مخالفة بينه وبين هذا، فإن النحاس تكلم فى المولى- بالألف واللام - وكذا قال النحاس: يقال سيد لغير الفاسق، ولا يقال السيد - بالألف واللام - لغير الله تعالى - والأظهر أنه لا بأس بقوله: المولى والسيد: لغير الفاسق.
2 - وقال النووى فى الكتاب المذكور "ص 359" اعلم أن "السيد يطلق على الذى يفوق قومه ويرتفع قدره عليهم، يطلق على الزعيم والفاضل ويطلق على الحليم الذى لا يستفزه غضبه، ويطلق على الكريم، وعلى المالك، وعلى الزوج.
وقد جاءت أحاديث كثيرة بإطلاق "سيد" على أهل الفضل، فمن ذلك ما رويناه فى صحيح البخارى عن أبى بكر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم صعد بالحسن بن على رضى الله عنهما المنبر فقال "إن ابنى هذا سيد، ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين من المسلمين " وروينا فى صحيحى البخارى ومسلم عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار لما أقبل سعد بن معاذ رضى الله عنه "قوموا إلى سيدكم أو خيركم " كذا فى-بعض الروايات "سيدكم أو خيركم " وفى بعضها "سيدكم " بغير شك وروينا فى صحيح مسلم أن سعد بن عبادة رضى الله عنه قال: يا رسول الله، أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلا أيقتله. . . الحديث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انظروا إلى ما يقول سيدكم ".
وأما ما ورد فى النهى فما رويناه بالإسناد الصحيح فى سنن أبى داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تقولوا للمنافق سيد، فإنه إن يك سيدا فقد أسخطتم ربكم عز وجل " قال النووى: والجمع بين هذه الأحاديث:
أنه لا بأس بالإطلاق: فلان سيد ويا سيدى وشبه ذلك إذا كان المسوَّد فاضلا خيِّرا، إما بعلم وإما بصلاح وإما بغير ذلك، وإن كان فاسقا أو متهما فى دينه أو نحو ذلك كره أن يقال سيد، وجمع بين الأحاديث أبو سليمان الخطابى "فى معالم السنن " بنحو ذلك.
والخلاصة أنه لا مانع أن يطلق الإنسان لقب مولاى أو سيدى، أو المولى أو السيد على من يستحق ذلك دينا، كالعالم والصالح ومعلم القرآن وزعيم الجماعة وغيرهم ممن ذكروا فى إطلاقات السيد. أما وصف الفاسق بذلك فمكروه، إلا إن خيف شر، أو حصول فتنة فيجوز بمعنى من المعانى البعيدة عن الدين قياسا على ما قيل فى كراهة السلام - التحية - على المبتدعين والعصاة الفاسقين، الذين روى البخارى فيهم عن عبد الله بن عمرو قوله: لا تسلموا على شربة الخمر، وقال النووى فى الأذكار ص " 354": إن اضطر إلى السلام على الظَّلمة بأن دخل عليهم، وخاف ترتب مفسدة فى دينه أو دنياه أو غيرهما إن لم يسلم -سلَّم عليهم، قال الإمام أبو بكر بن العربى: قال العلماء: يسلم وينوى أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، المعنى الله عليكم رقيب(7/394)
الوصول إلى القمر
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح أن الناس وصلوا إلى القمر، أرجو الاستدلال بآية من القرآن على أن فى مقدور الإنسان الوصول إلى القمر وإن كانت الإجابة " لا " أرجو كذلك الاستدلال بآية من القرآن، لأن القرآن به كل شيء موضح فيه؟
الجواب
أقول للسيد السائل: إن الوصول إلى القمر تم بالفعل ولا مجال للشك فيه، وعلى المسلم أن يكون على صلة بالأحداث التى تجرى حوله، وألا يعيش بعقله وفكره منزويا عن العالم باستكشافاته الحديثة وإنجازاته العلمية الواسعة.
والوصول إلى القمر أو إلى أى كوكب آخر من الكواكب التى يحاولون اختبار ظروفها ليس فيه ما يعارض الدين أو يكذب القرآن، فإن الله سبحانه أمر بالبحث والنظر فى ملكوت السماوات والأرض، قال تعالى: {أولم ينظروا فى ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شىء} الأعراف:
185.
والبحث العميق يوصل إلى الإيمان القوى بالله إذا كان بحثا منصفا بعيدا عن التعصب والأهواء، ولا توجد آية ولا حديث يمنع محاولة الوصول إلى القمر.
وليس فى الوصول إليه خرق للسماوات، فهو وغيره من النجوم والكواكب موجود فى السماء الأولى قال تعالى {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} الصافات: 6، ولو قرأت أقوال المختصين عن سعة الكون لعرفت أن القمر، كما عبر بعض المحدثين، ضاحية من ضواحى الأرض ليس بعيدا عنها كما يظن الناس.
وقد حاول بعض الناس أن يستدل بقوله تعالى: {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء} الأعراف: 40، على أنه لا يمكن اختراق السموات، وقد علمت أن القمر وما سواه موجود فى السماء الدنيا ولا يحتاج إلى اختراق، على أن المراد بعدم فتح الأبواب عدم قبول الدعاء والأعمال وعدم رفع أرواحهم إلى عليين.
والقرآن يكتفى فى النواحى العلمية بتوسيع المجال للنظر والتشجيع على البحث فى الكون كله أرضه وسمائه، ولا حاجة بعد ذلك للنص على جزئيات معينة، فهى كثيرة، والقرآن دستور فقط للباحثين والعاملين فى مختلف المجالات(7/395)
اسم الله الأعظم
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هو اسم الله الأعظم الذى إذا دعى به أجاب؟
الجواب
يقول الله سبحانه {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} الأعراف: 180 ويقول {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} الإسراء: 110.
الإنسان مخير فى أن يدعو ربه بأى اسم من أسمائه التى ذكرت فى القرآن الكريم، ويزيد عددها على التسعة والتسعين التى ذكرت فى الحديث الذى رواه الترمذى، وجاء فى فضلها حديث البخارى ومسلم " من أحصاها دخل الجنة" أى من حفظها وعمل بما فيها.
وهناك من الأسماء ما هو أقرب للاستجابة عند الدعاء به، وهو اسم الله الأعظم، الذى إذا دُعى به أجاب، وإذا سُئل به أعطى، والراجح من أقوال العلماء أنه مؤلف من عدة أسماء، بناء على الأحاديث الواردة فيه، فقد روى أصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو ويقول:
اللهم إنى أسألك بأنى أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. فقال والذى نفسى بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذى إذا دُعِىَ به أجاب، وإذا سُئل به أعطى، كما رووا أيضا أنه سمع رجلا يدعو بقوله: اللهم لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام. فقال النبى صلى الله عليه وسلم لقد دعا الله باسمه الأعظم " وفى بعض الروايات أن اسم الله الأعظم موجود فى آية {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} وفى فاتحة سورة آل عمران {الله لا إله إلا هو الحى القيوم} رواه أبو داود والترمذى وقال: حسن صحيح والظاهر من تعدد الروايات أن القاسم المشترك بينها هو توحيد الله سبحانه، والدعاء بالتوحيد فيه إخلاص وثقة بالله، ونفى للشريك عنه، وتقرير أنه لا يستحق أحد سواه أن يُلجأ إليه فلابد لكل دعاء أن يصحبه هذا الشعور حتى يكون فى موضع الرجاء للقبول.
من هذا نرى أن اسم الله الأعظم موجود فى القرآن الكريم. على أن هناك أسماء لله لم ينزل بها قرآن ولم يثبت بها حديث، فقد جاء فى بعض أدعية النبى صلى الله عليه وسلم " أسألك بكل اسم سميت به نفسك، أو أنزلته فى كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به فى علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبى ونور صدرى وجلاء حزنى وذهاب غمى " رواه ابن السنى عن أبى موسى الأشعرى، وذكره النووى فى كتابه " الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار"(7/396)
وضع قدم الله فى جهنم
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح أن الله سبحانه يضع قدمه فى جهنم، وكيف يفهم هذا؟
الجواب
يقول الله سبحانه {يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد} ق: 30 المفسرون فريقان فى قول جهنم " هل من مزيد " ففريق يقول:
المعنى ليس هناك مكان لزيادة أحد على من هم فيها، فقد امتلأت، كقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه " هل ترك لنا عقيل من ربع أو منزل "يعنى ما ترك. فمعنى الكلام النفى. وفريق يقول: المعنى هل هناك أحد يزاد على من فيها، ففيها متسع لمن يلقى فيها؟ وعلى كلا المعنيين يصح أن يُنطق الله النار فتقول هذا الكلام، ويصح أن يراد بذلك التشبيه فقط، يعنى كأنها تقول ذلك. والمعنى الأول أصح.
ثم جاء فى صحيحى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا تزال جهنم يُلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فينزوى بعضها إلى بعض وتقول: قَطْ قَطْ، بعزتك وكرمك، ولا يزال فى الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة " وفى رواية " وأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله عليها رجله يقول لها، قَطْ قَطْ، فهناك تمتلئ وينزوى بعضها إلى بعض، فلا يظلم الله من خلقه أحدا، وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا ".
فقول" قط قط " فى الرواية الأولى من جهنم، وفى الرواية الثانية من الله.
يقول القرطبى: القدم هنا قوم يقدمهم الله إلى النار، وقد سبق فى علمه أنهم من أهل النار، وكذلك الرِّجل وهو العدد الكبير من الناس وغيرهم، ويبين هذا المعنى ما روى عن ابن مسعود أنه قال: ما فى النار بيت ولا سلسلة ولا مِقْمَعٌ ولا تابوت - وهى أدوات التعذيب -إلا وعليه اسم صاحبه، فكل واحد من الخزنة ينتظر صاحبه الذى قد عرف اسمه وصفته، فإذا استوفى كل واحد منهم ما أمر به وما ينتظره ولم يبق منهم أحد قال الخزنة: قط قط، حسبنا حسبنا. أى اكتفينا اكتفينا. وحينئذ تنزوى جهنم على من فيها وتنطبق، إذ لم يبق أحد ينْتظر، فعبَّر عن ذلك الجمع المنتظر بالرِّجل والقدم.
لكن قال بعض العلماء: إن معنى وضع الله رجله أو قدمه فى النار إخضاعها وإسكاتها، حتى لا تطلب زيادة على من فيها، كمن يريد أن يعبر عن قهره وانتصاره على عدوه فيقول: وضعته تحت قدمى، وليس لله سبحانه قدم ولا رجل كما هو معهود للمخلوقات، فليس كمثله شىء، وإذا سكتت النار عن طلب المزيد بعث الله بخلف ليسكنهم المنازل فى الجنة، وهذا دليل على سعة رحمة الله تعالى. وخلاصة الكلام فى القدم أنه من المتشابه الذى يؤمن به السلف، فالله له قدم ورجل ويد وعين وإصبع كما ورد فى القرآن والسنة، لكن هذه الأشياء ليست كالمعهودة فى المخلوقات، أما الخلف فينفون أن لله أعضاء بالمعنى الحقيقى، والمراد منها لازمها، فالتعبير مجازى والمراد القوة والعناية والرعاية والعلم(7/397)
أبراج المواليد
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما حكم الدين فيما ينشر فى الصحف عن أبراج المواليد وتوقعات الأحداث لهم؟
الجواب
هذه التوقعات ظنون تتخلف كثيرا، والله وحده له العلم الشامل الكامل والصادق الدقيق، كما قال سبحانه {وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير} لقمان: 34.
وقد حذر النبى صلى الله عليه وسلم من التصديق والتشجيع لهذه الوسائل الكاذبة لمعرفة المستقبل، وتقدم الكلام كثيرا عن ذلك فى عنوان "علم الغيب ".
وفى الحديث الذى رواه مسلم " من أتى عرافا فسأله عن شىء فصدقه لم تُقبل له صلاة أربعين يوما " والعراف كما قال البغوى: هو الذى يدَّعى معرفة الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها، وقيل: هو الكاهن الذى يخبر عن بعض المضمرات فيصيب بعضها ويخطئ أكثرها ويزعم أن الجن تخبره بذلك، وقد جاء فى الكاهن حديث "من أتى كاهنا فصدقه بما قال فقد كفر بما أُنزل على محمد " رواه البزار بإسناد جيد قوى، والذى أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو حصر علم الغيب فى الله تعالى.
وما ينشر فى الصحف من الطوالع وحظوظ أصحابها يطلق عليه اسم التنجيم، وجاء فيه حديث أبى داود وابن ماجه وغيرهما " من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد" قال الحافظ:
والمنهى عنه من علم النجوم ما يدعيه أهلها من معرفة الحوادث الآتية فى مستقبل الزمن كمجىء المطر وهبوب الريح وتغير الأسعار ونحو ذلك، ويزعمون أنهم يدركون ذلك بسير الكواكب واقترانها وافتراقها وظهورها فى بعض الأزمان، وهذا علم استأثر الله به، لا يعلمه أحد غيره، فأما ما يدرك من طريق المشاهدة من علم النجوم والذى يعرف به الزوال وجهة القبلة وكم مضى من الليل والنهار وكم بقى فإنه غير داخل فى النهى.
قال العلماء: من صدَّق هذه الطوالع واعتقد أنها تضر وتنفع بدون إذن الله، أو أن غير الله يعلم الغيب فهو كافر. ومن آمن بأنها ظنية ولم يعتقد أنها تضر وتنفع فهو مؤمن عاص ينقص ذلك من حسناته.
وفى ذلك يقول الحديث الذى رواه الطبرانى " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أُنزل على محمد، ومن أتاه غير مصدق له لم تُقبل نه صلاه أربعين ليلة" والمداومة على قراءه هذه الطوالع قد تجر إلى أنها اطلاع حقيقى على الغيب الخاص بالله تعالى، وهو حرام(7/398)
داروين وأصل الإنسان
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما حكم الدين فى قول بعض الناس: إن أصل الإنسان قرد؟
الجواب
جاء " شارل داروين" الإنجليزى المتوفى سنة 1882 م بعد "لامارك " الفرنسى المتوفى سنة 1829 م بمذهبه فى أصل الخليقة الذى أثار ضجة فى الأوساط العلمية عندما ظهر كتابه " أصل الأنواع " سنة 1859م وكتابه " تسلسل الأنواع " سنة 1871م وهو يشتمل على ثلاث مسائل، خلاصتها أن العالم نشأ بالترقى والتطور، والإنسان كذلك حدث بهذه الطريقة، وأنه لمشابهته للقرد لا يمنع أن يكون قد اشتق هو والإنسان من أصل واحد، وكذلك قال: إن العقل والحياة ظاهرتان ترجعان إلى المادة.
إن " داروين " لم يقم دليلا كافيا على كلامه، وإنما هو مجرد افتراض واحتمال، واعتمد فى افتراضه على تطوير نوع من الزهور والنباتات، غير شكلها ولم يغير جوهرها، ولم ينجح فى شىء من عالم الحيوان.
يقول " س. فان هو فنسفيلت " فى تفنيد هذه النظرية: إن النتائج التى وصل إليها الباحثون فى الأحياء المتحجرة لم تساعد على إقامة أى دليل على التسلسل أو التطور التدريجى، بل ثبت على عكس ذلك أن الفروق الدقيقة بين صفوف الأجناس التى نعرفها بقيت على الدوام فاغرة ولم تتلاش أو تقرب من ذلك.
إن الأجدر بالإنسان ألا يجهد نفسه كثيرا فى محاولة الوصول إلى معرفة خلق الإنسان، إذ أن الصانع وحده هو الذى يعرف حقيقة ما صنع، وأما المصنوع فلا يصل ولن يصل إلى إدراك كيفية وجوده وخلقه، وما يعرفه من ذلك قليل.
إن الكلام فى هذا الموضوع طويل، وما قاله " داروين " مجرد احتمال، فإن أنكر أن الله هو الخالق الحقيقى فهو ملحد من ملاحدة الماديين، وقد رد عليه كثيرون من علماء الطبيعة، ونحن كمسلمين نؤمن بأن الله خلق آدم من طين ومن حمأ مسنون ومن صلصال كالفخار ومن ماء. وورد أن الله خلق الإنسان نوعا مستقلا، لا بطريق النشوء والاشتقاق من نوع آخر، وإن كان كلا الأمرين من الجائز العقلى الذى يدخل تحت قدرة الله تعالى، قال بعض العلماء: إنه لا يوجد فى النصوص أن الله خلق الإنسان الأول من تراب دفعة واحدة، أو بتكوين متمهل على انفراده، فسبيل ذلك التوقف وعدم الجزم بأحد الأمرين، حتى يقوم الدليل القاطع عليه، فنعتقده ما دام أن الذى فعل ذلك كله هو الله تعالى، ثم إن النواميس المذكورة فى مذهب " داروين " ظواهر واضحة فى الكون، ولا حرج فى اعتقادها ما دام أن الله هو الذى خلقها ووجهها، فهى لا تحقق وجودها من نفسها {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شىء} الأنعام:
102، فهو خالق المادة والنواميس.
هذا، وقد سبق شرح الحديث الشريف: "إن الله خلق آدم على صورته" رواه البخارى ومسلم، وذكرنا أن بعض الأقوال تفسره بأن الله خلق آدم على صورته التى هو عليها لم ينتقل فى النشأة أحوالا، ولا تردد فى الأرحام أطوارا كذريته، بل خلقه رجلا كاملا سويا من أول ما نفخ فيه الروح، وكان على أحسن صورة كما قال سبحانه: {لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم} التين: 4، فيرجع إليه لتكتمل الصورة فى فهم هذا الحديث (المجلد الأول صفحة 650) ويمكن الرجوع إلى " مجلة الأزهر- المجلد الثانى - صفحة 749، وكتابى دراسات إسلامية لأهم القضايا المعاصرة، وكتاب الجواب الإلهى أو الإسلام أمام العلم والفلسفة للشيخ نديم الجسر "(7/399)
إله واحد
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
قال الله تعالى {وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله} الزخرف: 84، فهل يفيد ظاهر الآية تعدد الآلهة؟
الجواب
ليس المعنى أن هناك إلهين، واحدا فى السماء وواحدا فى الأرض، لأن تعدد الآلهة ممنوع، والإسلام دين التوحيد الخالص، والنصوص فى ذلك كثيرة، وهو سبحانه القائل {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} المؤمنون: 91، والقائل {قل هو الله أحد} الإخلاص: اوإنما المعنى فى الآية الواردة فى السؤال أن الألوهية ثابتة لله فى السماوات وفى الأرض، أى فى الكون كله.
ونفى التعدد مصحوب بالدليل وهو فساد الكون، بسبب تنازع الآلهة، كلٌّ يزعم أنه الأحق بالألوهية، وحتى لو اتفقا فما هو الداعى إلى الإله الثانى المعطل عن مجال تصرف الإله الأول، والاستدلال المنطقى موجود فى كتب التوحيد(7/400)
ليس كمثله شىء
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
وردت بعض النصوص التى تثبت أن لله يدا ورجلا، نريد بيانا للمراد منها؟
الجواب
وردت نصوص فى الكتاب والسنة تثبت أن لله عينا ويدا ورجلا، مثل قوله تعالى {ولتصنع على عينى} طه: 39، وقوله {يد الله فوق أيديهم} الفتح: 10، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم " لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول: هل من مزيد. حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوى بعضها إلى بعض وتقول: قط قط ".
وقوله " الحجر الأسود يمين الله تعالى فى الأرض يصافح بها من شاء من خلقه " رواه الطبرانى وابن خزيمة فى صحيحه، وقوله " رأيت ربى فى أحسن صورة ووضع يده بين كتفى حتى وجدت برد أنامله بين ثندوتى" أى ثديى رواه الطبرانى والترمذى وقال: حسن غريب.
وقوله فى الحديث القدسى عن الله سبحانه "ومن أتانى يمشى أتيته هرولة" رواه البخارى.
والعلماء إزاء هذه النصوص فريقان مع اتفاقهم على أن الله سبحانه ليس كمثله شىء، فريق يطلق عليه اسم السلف وفريق يطلق عليه اسم الخلف، والسلف يؤمنون بدلالة هذه الألفاظ على معانيها الحقيقية الموضوعة لها فى اللغة العربية، فيثبتون لله عينا ويدا ورجلا ولكنها ليست كأعيننا وأيدينا وأرجلنا لاستحالة التشابه بينه وبين المخلوقات، والخلف يؤولون هذه الألفاظ التى جاءت على أصول اللغة العربية بما فيها من حقيقة ومجاز، فيريدون بالعيون لازمها وهو العناية والعلم، وباليد لازمها وهو القدرة والإنعام، وبالرجل والقدم القدرة والسرعة وزيادة الفضل والكرم.
وهذه الألفاظ من المتشابه الذى نزل به القرآن وقال عنه {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا} آل عمران:
7، فالسلف يقفون على {الله} والخلف يصلون ولا يقفون: أى يعطفون {الراسخون} على لفظ {الله} أما السلف فيجعلون الواو للاستئتاف لا للعطف. وفى هذين الموقفين جاءت العبارة: مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أحكم(7/401)
المشيئة الربانية والعقل والهدى
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما معنى قوله تعالى: {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول منى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} السجدة: 13؟
الجواب
أبسط تفسير لهذه الآية أن الله سبحانه وتعالى قادر مريد لو شاء أن يجعل كل الأنفس الحية من إنس وجن وغيرهما مؤمنة مطيعة لفعل.
وذلك بأن يخلقهم من مادة أو عنصر لا يكون منه الكفر والعصيان،كالملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون لأنهم خلقوا من نور، ولكنه سبحانه وتعالى قدر أن تكون هناك مخلوقات قابلة للإيمان والكفر، يصدر منها الطاعة والعصيان وذلك بمحض إرادتها واختيارها، دون تدخل من الله سبحانه، إلا بمجرد الأمر والنهى وبيان الخير والشر. فمن آمن وأطاع أدخله الجنة، ومن كفر وعصى أدخله النار، وذلك بعد الحساب الدقيق على ما قدموا فى دنياهم، وهذه المخلوقات الحرة المختارة لما تفعل هى الإنس والجن.
ولا يجوز أن نفهم من هذه الآية أن الله هو الذى تحكم فينا فجعل منا المؤمن والكافر وقد أراد لنا ذلك فكيف يعذبنا على ما اقترفنا.
نعم إن الله هو الذى خلقنا على هذا الطراز وبالاستعداد للإيمان والكفر، ولكن بمحض إرادتنا نحن واختيارنا لما وقع منا:
{هو الذى خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن} التغابن: 2، {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} الإنسان: 2، {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} الكهف: 29.
ولو فرض أن الله هدى كل نفس للإيمان ما كان هناك معنى لاستحقاق الجنة حيث لا يكون عمل من هذه النفس بل هو عمل الله وما كان هناك معنى لإرسال الرسل لهداية الناس إلى الخير، فنظام الحياة الدنيا لا يصلح له إلا من يتأتى منه أن يقول: نعم وأن يقول: لا، وذلك هو الإنس والجن بما منحوا من عقل وحرية واختيار، وبما جاءهم من وحى يرشد إلى الصواب.
والموضوع فيه كلام طويل للعلماء عن مذهب الجبرية والقدرية، فيرجع إليه فى كتب التوحيد(7/402)
سب الديك
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما حكم الدين فيمن يسبون الديك أو أى شىء آخر بدل أن يسبوا الدين؟
الجواب
يجرى على ألسنة بعض الفساق عبارة سب الدين، وذلك رِدة وكفر لها حكمها، وأحيانا يقول الشخص "يلعن ديك أمك " وحكمه أنه إذا كانت نيتة سب الدين ولكن يتستر بلفظ الديك حتى لا يؤاخذه أحد عليه فهو مرتد عند الله سبحانه، لأن الإنسان يحاسب عند ربه بحسب نيته، أما بالنسبة لنا فلا نحكم عليه بالردة، لأننا مأمورون بالحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر.
وأحذر هؤلاء من هذه العبارة التى لو تعودوها فقد يصرحون بسب الدين وهنا يكون الكفر، مع أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن سب الديك فقال: "لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة" وفى لفظ "فإنه يدعو إلى الصلاة" رواه أحمد وابو داود وابن ماجه باسناد جيد(7/403)
ويعلم ما فى الأرحام
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
استطاع العلم الحديث أن يعرف نوع الجنين إن كان ذكرا أو أنثى، فهل يتعارض ذلك مع قول الله تعالى {ويعلم ما فى الأرحام}
الجواب
يقول الله تعالى {الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شىء عنده بمقدار، الرعد: 8، ويقول {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام} لقمان: 34.
لا يتنافى علم البشر بنوع الجنين فى بطن أمه مع علم الله بما فى الأرحام، وذلك لأربعة أمور، أولها أن الله يعلم ذلك قبل أن يتخلق الجنين، أى قبل أن تتلقح بويضة الأنثى بماء الذكر، إلى أن يولد، بل قبل أن يكون هناك الزواج بين الرجل والمرأة، والطب لا يعرف ذلك إلا بعد إخصاب البويضة بزمن يمكنهم فيه الفحص والاستدلال، وما يقال: انهم يعرفون ذلك قبل الإخصاب بفحص ماء الرجل ومعرفة الكروموسومات الغالبة فيه، فإن هناك عوامل أخرى لا يستطيع العلم التحكم فيها، وكلها تحت إرادة الله سبحانه، وما يستنبطونه مقدما فهو لا يعدو مرحلة الظن والتخمين.
ثانيها: أن علم الله بنوع الجنين علم حقيقى لا يتخلف، وعلم العلماء بذلك علم ظنى قد يتخلف، وبخاصة فى الأيام الأولى للحمل.
ثالثها: أن علم الله بالجنين علم شامل لنوعه ورزقه وأجله وسعادته وشقائه، وذلك غير مستطاع إلا لله سبحانه تعالى، الذى قدر كل شىء قبل أن يخلقه.
رابعها: أن علم الله لا يسبقه جهل، وعلم غيره مسبوق بالجهل.
وبهذه الأمور وغيرها يظل علم الله سبحانه فى قدسيته وشموله وصدقه لا يدانيه فيه مخلوق من مخلوقاته.
قال تعالى {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} الأنعام: 59 وقد بين الحديث هذه المفاتح بقوله تعالى {إن الله عنده علم الساعة ... } كما رواه البخارى فعلمها قاصر عليه وحده "لا يعلمها إلا هو وذلك على الوجه الميين فيما تقدم(7/404)
إنزال المطر الصناعى
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
توصل بعض العلماء إلى إنزال مطر صناعى، فهل يتنافى ذلك مع قول الله تعالى "وينزل الغيث "؟
الجواب
كلنا يعلم أن تكاثف بخار الماء الموجود فى السحاب أو فى الجو عامة يحدث لعوامل، فينزل المطر أو الندى، وليس فى ذلك مشاركة لقوله تعالى:
{وينزل الغيث} لقمان: 34، لأن تكوُّن السحاب وامتلاء الجو ببخار الماء على هذا النطاق الواسع هو صنع الله بالوسائط الذى خلقها، فهو الخالق للبخار ولحرارة الشمس والمتحكم فى برودة الجو، وكذلك فى الرياح وسوقها للسحاب وبقدرته أن يتحكم فيها فلا تنتج أثرا، كما قال سبحانه {ألم تر أن الله يزجى سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من بَرَد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء} النور: 43.
إن العمليات التى يحاول بها بعض الناس إسقاط المطر من السحاب لها نظائر فى نطاق ضيق، فى عمليات فصل الملح عن الماء ليصير عذبا، فهى تدور على التبخير والتكثيف، كما يحدث فى الأنبيق الذى تستخرج به العطور، وليس عملهم هذا تدخلا فى صنع الله، بل هو تصرف واستخدام للمادة التى خلقها الله، ولا يمكن لأحد أن يخلق الحرارة أو البرودة أو الماء بوسائط أو مواد غير ما أوجده الله فى الكون.
ومع ذلك فالمحاولات لا تغنى، لأن كثيرا من بلاد هؤلاء العلماء تشكو الجفاف وقلة الماء وهلاك الزرع والحيوان، فلو أمكنهم التحكم فى المطر والماء والريح كما يتحكم الله ليغاثوا من القحط ما سكتوا، فقدرة الله فوق قدرتهم، وإرادة الله فوق إرادتهم، كما أن مداواة المريض بمواد خلقها الله لا تبرر إسناد الشفاء الحقيقى إلى غير الله.
وإلى جانب عجزهم عن الإغاثة من القحط، عجزوا عن دفع ما يقع من العواصف والصواعق والسيول والزلازل والبراكين على بلاد المتحضرين المزهوين بعلومهم واختراعاتهم، كل ذلك يزيدنا إيمانا بقوله تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد. إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد.وما ذلك على الله بعزيز} فاطر: 15 -17(7/405)
من أيام الله
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل هناك تعارض بين الآيتين الكريمتين قال تعالى {ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} الحج: 47 وقال تعالى {تعرج الملائكة والروح إليه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} المعارج: 4؟
الجواب
أما الآية الأولى ففى تفسير اليوم رأيان:
1 - أنه من الأيام التى خلق الله فيها السموات والأرض، كما روى عن ابن عباس ومجاهد.
2 -أنه من أيام الآخرة، بمعنى أن يوما من الخوف والشدة فى الآخرة أو فى النعيم كألف سنة عن سنى الدنيا.
وأما الآية الثانية ففى تفسير المعارج ثلاثة أقوال:
1 - المعارج هى الرتب الخاصة بعظمة الله وعلوه ومراتب نعمه كما قال ابن عباس وقتادة.
2 -معارج السماء هى درجاتها أو مصاعدها، لأن الملائكة تعرج إلى السماء كما قال مجاهد.
3-المعارج هى الغرف التى جعلها الله لأوليائه فى الجنة.
والملائكة تعرج إلى أمكنتها فى السماء، أو إلى عرش الله فى وقت كان مقداره على غيرهم لو صعد خمسين ألف سنة قال وهب: ما بين أسفل الأرض إلى العرش مسيرة خمسين ألف سنة وهو قول مجاهد، وجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى {فى يوم كان مقداره ألف سنة} السجدة: 5، فقال: قوله فى سورة المعارج هو من منتهى أمره من أسفل الأرض إلى منتهى أمره من فوق السموات خمسون ألف سنة، وقوله فى سورة السجدة، يعنى بذلك نزول الأمر من السماء الدنيا إلى الأرض، ومن الأرض إلى السماء فى يوم واحد، فذلك مقدار ألف سنة، لأن ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، فالصعود والهبوط يساوى ألف سنة.
وقيل المراد يوم القيامة، أى مقدار الحكم فيه لو تولاه مخلوق خمسون ألف سنة، قال عكرمة. وقيل يوم القيامة جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة ثم يدخلون النار للاستقرار كما قال ابن عباس.
يقول القرطبى: وهذا القول أحسن ما قيل فى الآية، واستدل بحديث قال فيه النبى صلى الله عليه وسلم عنه "والذي نفسى بيده إنه ليخفف عن المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة المكتوبة يصليها فى الدنيا" رواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان فى صحيحه كما استدل بحديث "ما من رجل لم يؤد زكاة ماله إلا جعل الله شجاعا من نار تكوى به جبهته وظهره وجنباه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقض الله بين الناس " رواه البخارى ومسلم ويؤيده ما قيل -وروى مرفوعا -أن زمن حساب المؤمن ما بين الظهر والعصر ليكون فى الجنة مستقرا وأحسن مقيلا.
وعن ابن عباس: هى أيام سماها الله وهو أعلم بها كيف تكون. وأكره أن أقول فيها ما لا أعلم.
وقيل: المراد بالخمسين التمثيل لبيان طول المدة فى الموقف، كعادة العرب فى وصف أيام الشدة بالطول وأيام الفرح بالقصر.
هذا، وقد جاء فى تعليق اللجنة العلمية بالمنتخب فى تفسير القراَن الكريم الذى أصدره المجلس الأعلى للشئون الإسلامية "ص 495 " ما نصه.
يسبق القرآن بهذه الآية الكريمة -كألف سنة - ركب العلم بتقرير أن الزمن نسبى، وأن فكرة الزمن العالمى المطلق الذى كان يسلم به الأقدمون قبل ظهور النسبية هى فكرة خاطئة.
وبعد فهذا بعض ما قيل فى التوفيق بين المدد المختلفة لليوم الذى عند الله، والآراء مختلفة، وما نسب إلى ابن عباس، من أنه يكل علمها إلى الله هو فى رأيى أحسن، لأنه ترف ذهنى وانشغال بما لا طائل تحته في حياتنا الحاضرة وإن كنا نعمل الحساب ليوم القيامة لما فيه من الشدة والهول(7/406)
الإيمان كسبى أو وهبى
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل الإيمان كسبى للإنسان دخل فيه أم وهبى لا دخل للإنسان فيه؟
الجواب
الإيمان هو التصديق بالقلب بما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم وهذا التصديق أو الاعتقاد إن صدق دفع الإنسان إلى العمل واستقام سلوكه، وكل عمل بدون إيمان لا قيمة له عند الله، كعمل المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم، وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا.
والإيمان المجرد من العمل إيمان ناقص، كجذر الشجرة التى ليس لها فروع ولا ثمار، أما الإيمان الذى يتبعه عمل فهو إيمان كامل مع التفاوت فى الكمال، كالشجرة المورقة المثمرة {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم} الأنفال: 2-4.
والإسلام يحب من المؤمن أن يكون إيمانه كاملا بالطاعات ليسعد فى دنياه وأخراه ولا يحب منه أن يكون ناقص الإيمان لتعرضه لعقاب الله على المعاصى إن لم يتب عليه ويغفر له.
والهداية إلى الإيمان التصديقى والإيمان العملى القائم عليه هى توفيق من الله سبحانه، لكن لكل شىء سبب، فعلى الإنسان أن يسعى إليه ويجتهد فى تحصيله، والله يهديه إلى ما يريد، أما بدون سعى ورغبة فلا يستحق من الله هداية، فإذا قال الله تعالى {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء} القصص: 56 فالمعنى أن التوفيق للإيمان والطاعة لا يملكه إلا الله، يعطيه لمن سلك السبيل إليه، والرسول لا يعطى هذا التوفيق، فما عليه إلا الدلالة عليه، وهى المرادة بالهدى إذا نسب إليه فى مثل قوله تعالى {ولكل قوم هاد} الرعد:
7 والله يهدى الناس السبيل ببيان طريق الخير وطريق الشر، ومن أخذ الأسباب لسلوك طريق الخير هداه الله أى وفقه، ومن أخذ الأسباب لسلوك طريق الشر أضله الله، كما قال سبحانه {وما يضل به إلا الفاسقين} البقرة: 26.
فالإيمان كسبى ووهبى، كسبى بسلوك السبيل إليه، ووهبي بتوفيق الله له،إن صدقت نيته، وقانون الحياة قائم على الأسباب والمسببات، تحت مشيئة الله سبحانه {وما تشاءون إلا أن يشاء الله} التكوير: 29 {قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل} يونس: 108(7/407)
أسماء الله الحسنى
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح أن من حفظ أسماء الله الحسنى دخل الجنة حتى لو كان عاصيا وكم عددها، وما الفرق بينها وبين الصفات؟
الجواب
جاء فى كتاب "الأذكار" للإمام النووى "ص 104 " أن الله سبحانه قال {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} الأعراف: 180 وأن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن لله تسعة وتسعين اسما "مائة إلا واحدا" من أحصاها دخل الجنة، إنه وتر يحب الوتر" ثم ذكر الأسماء.
وقال إن الحديث رواه البخارى ومسلم، أما الأسماء فرواها الترمذى وغيره بسند حسن. ومعنى أحصاها حفظها كما فسره البخارى والأكثرون، ويؤيده أن فى رواية فى الصحيح "من حفظها دخل الجنة" وقيل: معناه من عرف معانيها وآمن بها، وقيل معناه: من أطاقها بحسن الرعاية لها، وتخلق بما يمكنه من العمل بمعانيها.
وجاء فى شرحه لصحيح مسلم "ج 17 ص 5" أن العلماء اتفقواعلى أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بأحصائها، لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء فى الحديث الآخر:
"أسألك بكل اسم سميت به نفسك، أو استأثرت به فى علم الغيب عندك " وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن العربى المالكى عن بعضهم أنه قال: لله تعالى ألف اسم. قال ابن العربى، وهذا قليل فيها.
وجاء فى تفسير القرطبى للآية المذكورة الإشارة إلى العلاقة بين الاسم والمسمى والفرق بين الاسم والصفة، وأحال توضيح ذلك إلى تأليفه الخاص عن شرح أسماء الله الحسنى ثم قال: الذى يذهب إليه أهل الحق أن الاسم هو المسمى أو صفة له تتعلق به، وذكر أن الأسماء فى الآية تعنى التسميات، لأن الله واحد والأسماء جمع، وقال القاضى أبو بكر فى كتاب التمهيد عن أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين: إنها عبارات عن كون الله تعالى على أوصاف شتى، منها ما يستحقه لنفسه، ومنها ما يستحقه لصفة تتعلق به، وأسماؤه العائدة إلى نفسه هى هو، وما تعلق بصفة له فهى أسماء له، ومنها صفات لذاته، ومنها صفات أفعال، وهذا تأويل قوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} أى التسميات الحسنى.
هذا، وعلماء الكلام قالوا: تسمية الله بالأسماء توقيفية، أى يتوقف إطلاقها على الإذن فيه، وذلك للاحتياط،احترازا عما يوهم باطلا، لعظم الخطر فى ذلك، جاء ذلك فى كتاب "المواقف" للإيجى وشرح معانى هذه الأسماء، فيرجع إليه. لعل فى هذه الكلمة الموجزة ما يكفى للإجابة على السؤال، وكتب التوحيد والتفسير فيها متسع لمن أراد الاستزادة والمهم هو العمل بمقتضى الإيمان بهذه الأسماء وليس الاكتفاء بحفظها أو حصر عددها، فالعلم للعمل وليس لمجرد الحفظ(7/408)
كلام الله للبشر
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل كلَّم الله تعالى عبد الله بن حرام بدون حجاب، وهل يتناقض ذلك مع قوله تعالى {وما كان لبشر أن يكلِّمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب} الشورى: 51؟
الجواب
عبد الله هذا هو عبد الله بن عمرو بن حرام، استشهد يوم أحد.
وروى البخارى أن ابنه جابرا بكاه شديدا، ونهاه الصحابة ولكن النبى صلى الله عليه وسلم لم ينهه عن البكاء، ولكن قال "ما تبكيه وما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع".
وروى أبو بكر بن مردويه البيهقى أن النبى صلى الله عليه وسلم لما استشهد عبد الله قال لابنه جابر "مالى أراك مهتما"؟ قال: يا رسول الله استشهد أبى وترك دَيْنا وعيالا، فقال "ألا أخبرك؟ ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب وإنه كلم أباك كِفاحا -قال عليُّ: الكفاح:
المواجهة- فقال: سلنى أعطك، قال: أسألك أن أرد إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، فقال الرب عز وجل: إنه سبق القول منى أنهم إليها لا يرجعون. قال: أى رب فأبلغ من ورائى، فأنزل الله {ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} آل عمران:
169.
وفى رواية للبيهقى قال النبى صلى الله عليه وسلم لجابر "شعرت أن الله أحيا أباك فقال: تمن علىَّ عبدى أعطكه " "أسد الغابة مجلد 3 ص 347، تفسير ابن كثير مجلد 2 ص 140، 141 ".
وآية {وما كان لبشر أن يكلِّمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء} سبب نزولها أن اليهود قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى ونظر إليه؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم "إن موسى لم ينظر إليه ".
ومعنى "وحيا" نفثا فى القلب فيكون إلهاما، ومنه حديث "إن روح القدس نفث فى رُوعى أنه لن تموت نفس حتى تستوفى رزقها فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب " جاء بعبارات متقاربة رواها الحاكم وغيره، ومن وراء حجاب كما كلم موسى، وإرسال الرسول هو جبريل يكلم الأنبياء.
وحصر كلام الله لغيره فى هذه الأحوال الثلاثة هو فى كلامه فى الدنيا للبشر، أما فى الآخرة فلا مانع أن يكون كلامه لهم مباشرة وكفاحا أى مواجهة، كما حصل مع عبد الله بن عمرو بن حرام، وكما يحصل من كلام الله سبحانه لأهل الجنة حين يقول لهم: "أرضيتم عنى"؟ فليس هناك تناقض بين الآية وكلام ابن حرام(7/409)
الأجل محدود
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
إذا قتل الإنسان فهل يعتبر موته قبل استيفاء العمر الذى قدره الله له؟
الجواب
فى كتب التوحيد هذه العبارة "والمقتول ميت بأجله" فالله سبحانه قدَّر له هذا الأجل وعلم أن سبب موته هو القتل، فالعمر محدود غير متغير فى علم الله تعالى، وما يظهر للملائكة هو أن الإنسان لو وصل رحمه مثلا طال عمره كما جاء فى الحديث، ولا يعلمون إن كان سيصل رحمه أو لا، والذى يعلم ذلك يقينا هو الله وحده(7/410)
أحسن الخالقين
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يقول الله تعالى {فتبارك الله أحسن الخالقين} المؤمنون: 14 فهل هناك خالقون غير الله وهو أحسنهم؟
الجواب
كان المشركون يزعمون أن الأصنام شركاء لله فى الخلق وفى كل شىء، فتحداهم الله بآيات كثيرة بينت أنهم عاجزون لا يضرون ولا ينفعون، وعبر عنهم بصيغة العقلاء على زعمهم.
ومع اعترافهم بأنه لا يقدر على خلق السماوات والأرض وعلى خلق الإنسان إلا الله كما قال سبحانه {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} الزمر: 38.
وكما قال: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم} الزخرف: 9 وكما قال {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون} الزخرف: 87 مع اعترافهم بهذا كانوا ينسبون إلى الأصنام بعض الأعمال ويتقربون إليها بالقرابين لتستجيب لما يطلبون.
وذكر الله الآية التى فى السؤال بعد ذكر خلق الإنسان فى الأطوار المعروفة، وعبر بأحسن الخالقين، وهذه الصيغة المفيدة للتفضيل تبدو منها مشاركة الأصنام لله فى الخلق وهو سبحانه يزيد عليهم ويفضلهم، لكن صيغة التفضيل تأتى أحيانا من غير أن تفيد مشاركة بين المفضل والمفضل عليه، وقد مثَّل علماء النحو لذلك بقولهم:
العسل أحلى من البصل، فهما لا يشتركان أصلا فى الحلاوة حتى يكون العسل أحلى، وإنما المعنى: العسل فى بابه ونوعه أحلى من البصل فى بابه ونوعه.
وتفيد صيغة أحسن الخالقين أيضا أنه يوجد خالق غير الله، أى فاعل أى شىء ومبتكر لأى شىء ليس له مثال سابق، لكن خلق الله وإبداع صنعته وانفراده بأشياء لا يقدر عليها غيره تجعله أفضل الخالقين.
وبعد، فإن فى مرونة اللغة العربية من حيث معانى الألفاظ ودلالة الأساليب ما يجعل هذا التعبير مستساغا ومقبولا بالمعنى اللائق لكل من يوصف به، فكما يقال مثلا: الله رب العالمين، يقال للمالك للعبد رب العبد، وللمالك لأى شىء ربه، كما يطلق الرب على المربى(7/411)
دارون وأصل الإنسان
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما رأى الدين فى النظرية التى تقول: إن الإنسان أصله قرد ترقَّى وتطور حتى صار على الشكل الذى نعرفه الآن؟
الجواب
فى القرن التاسع عشر الميلادى، الذى ظهرت فيه نزعة الثورة على الكنيسة والأفكار والآراء الدينية السائدة، برز جماعة منهم "لا مارك" الفرنسى المتوفى سنة 1829 م "واغوست ايرينوس" المتوفى سنة 1927 م و "تشارلس دارون" الإنجليزى المتوفى سنة 1882 م والذى أثار ضجة فى العالم عندما ظهر كتابه "أصل الأنواع" سنة 1859 م وكتابه "تسلسل الأنواع" سنة 1871 م، وهو يشتمل على ثلاث مسائل:
أ- أن طريق حدوث تنوعات العالم هو النشوء، أى أن أجزاء الأثير تكون منها السديم ثم الشمس، ثم انفصلت عنها الكواكب، ومنه أرضنا، ثم تكونت العناصر ثم المعادن ثم المكون الأول الحى "البروتوبلازم" الذى أخذ فى التوالد والترقى حتى بلغ أدنى نبات أو حيوان، ولم يزل هذان يترقيان بالنواميس الأربعة "التباينات، الوراثة، تنازع البقاء، الانتخاب الطبيعى" ويشتق من الأنواع أنواع حتى تكونت جميع الأنواع التى نراها اليوم.
ب- أن الإنسان ما هو إلا حيوان من جملة الحيوانات، حادث بطريق النشوء والارتقاء،وأنه لمشابهته القرد لا يمنع أن يكون قد اشتق هو وإياه من أصل واحد.
ج- أن الحياة وعقل الإنسان ما هما إلا ظاهرتان من ظواهر تفاعل أجزاء المادة، وإن يكن أصل المادة خاليا من الحياة والإدراك، وأن عقل الإنسان لا يختلف عن عقول الحيوانات إلا بالكم، ولا يخالفها فى الذات والحقيقة.
إن هذه الدعاوى لم يستطع "دارون" ومن ساروا فى ركابه أن يبرهنوا عليها بالأدلة الكافية، فهى ما تزال افتراضات قابلة للصدق والكذب، وأكثر اعتمادهم فى ذلك على تطوير نوع من الزهور والنباتات، غيَّروا شكلها ولم يغيروا جوهرها، ولم ينجحوا فى شىء من عالم الحيوان، ولكنهم قالوا: يجوز أن يكون الإنسان متطورا عن حيوان قبله وهو القرد.
ويشرح "لا مارك" ذلك بقوله: إن الكائن الحى يشعر من تغير الأحوال عليه بضرورة حدوث عضو جديد له، فيفعل للحصول على ذلك، فيحدث فى آحاده يسيرا يسيرا، كالزرافة، فقد كانت فى زعمه كسائر الحيوانات - ذات عنق قصير، ولكنها لما احتاجت إلى أكل الأشجار العالية صارت تتفعل لذلك وتشرئب لتنال الورق العالى، فطالت عنقها يسيرا يسيرا، حتى وصلت إلى ما هى عليه الآن، فالحاجة هى التى تنشىء الأعضاء الجديدة عند لا مارك ولكن دارون يقول: إن الصدفة أو الاتفاق هو الذى ينشئها.
لقد قام جماعة من المفكرين بالرد على نظرية دارون فقال "س. فان هو فنسفيلت" إن النتائج التى وصل إليها الباحثون فى الأحياء المتحجرة لم تساعد على إقامة أى دليل على التسلسل أو التطور التدريجى بل ثبت على عكس ذلك أن الفروق الدقيقة بين صفوف الأجناس. التى نعرفها بقيت على الدوام فاغرة ولم تتلاش أو تقرب من ذلك.
وقال "جوستاف جوليه" الأستاذ فى السوربون: إن العقبات التى يرتطم بها مذهب النشوء والارتقاء تنحصر فى خمسة أمور:
ا- أن العوامل التى يقوم عليها هذا المذهب قد ظهر عجزها فى تعليل أصل الأنواع.
ب- تبين عدم كفايتها لتعليل وجود الحشرات.
ج- تبين عدم غنائها فى تفسير التحولات الفجائية المولدة لأنواع جديدة.
د- اتضح قصورها عن تعليل تولد طبائع الأنواع الجديدة وثبوتها نهائيا، وقد ثبت أنها متى تولدت فيها بسرعة تبقى ثابتة لا تتغير.
هـ- ثبت عجزها عن تفسير عوامل التطور الذى تدخل فيه الكائنات فتحولها من حالة ساذجة إلى حالة مركبة، وتدفعها من النقص إلى الكمال.
هذه هى نظرية دارون الافتراضية، وذلك بعض ما ردَّها به علماؤهم، أما رأى الدين فيها فيتضح مما يلى:
1- قولهم إن المخلوقات خلقت عشوائيا بغير تدبير سابق وعلم محكم يرده قول الله سبحانه: {إنا كل شىء خلقناه بقدر} القمر: 49 وقوله {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسى وأنبتنا فيها من كل شىء موزون} الحجر: 19.
2 - قولهم إن الإنسان ليس له خالق، يرده قول الله تعالى: {خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين} النحل: 4 وقوله {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه} ق: 16 وقوله: {هذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه} لقمان: 11 وغير ذلك من الآيات الكثيرة.
3- قولهم إن البقاء للأقوى والكوارث هى سبب هلاك المخلوقات الضيفة، مردود بأن الله يهلك الأقوياء كما يهلك الضعفاء {إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا} آل عمران:
10 {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد} آل عمران: 12.
4- ادِّعاؤهم معرفة كيف نشأت الأحياء على الأرض، يرده قول الله تعالى: {ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم} الكهف: 51.
5- ادعاؤهم أن الطيور والحشرات لا تفهم يرده قول الله سبحانه {وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علِّمنا منطق الطير} النمل:
16.
6- ادعاؤهم أن الطير أقل تطورا من الثدييات والإنسان يرده قول الله تعالى {فبعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوأة أخيه} الأنعام: 38.
7-زعمهم أن الإنسان متطور عن كائنات حية سابقة يرده قول الله تعالى {الرحمن. علم القرآن. خلق الإنسان. علَّمه البيان} الرحمن:
1 - 4 وقوله {خلق الإنسان من صلصال كالفخار} الرحمن: 14 وحديث "إن الله خلق آدم على صورته" رواه البخارى ومسلم.
8 - ادعاوهم أن القرآن يقر نظرية التطور، كقوله تعالى {وقد خلقكم أطوارا} نوح: 14 مردود بأن الأطوار فى الآية ليست التطور الذى يزعمون فالمعنى أن الإنسان خلق على النحو الذى قال فيه رب العزة {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين. ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} المؤمنون: 12 - 14.
9- قولهم إن الموت يأتى صدفة للضعيف ويترك القوى ليتطور، يرده قول الله تعالى {خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} الملك: 2 وقوله {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون} البقرة: 28 هذا بعض ما تفند به نظرية دارون، ويمكن الرجوع إلى مجلة الأزهر "المجلد الثانى ص 749" ودراسات إسلامية لأهم القضايا المعاصرة ومجلة الهداية التى تصدر فى البحرين عدد مارس 1993، ومراجع أخرى(7/412)
ابن الله
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يقول بعض المؤرخين إن إطلاق لفظ ابن الله على بعض الناس موجود قبل ميلاد المسيح عليه السلام فهل هذا صحيح؟
الجواب
جاء فى كتاب "التثليث فى المرآة" تأليف: كوثر نيازى وزير الإعلام والحج فى باكستان سنة 1974 م أن قسطنطين هو الذى روَّج أن عيسى عليه السلام "ابن الله" عندما اعتنق المسيحية وهو حاكم لليونان واليونان يعتقدون أن أفلاطون هو ابن الإله "أبولو" لأن خطيب أمه "باركشين" وجدها حبلى فناداه "أبولو" لا تقربها فهى حبلى بولد منى، فصاروا يطلقون على أفلاطون "ابن الله" وقد ولد سنة 29 قبل الميلاد "من كتاب التناقض بين الدين والعلم. تأليف: درابر".
وكثير فى اليونان من أشيع أنهم ولدوا من غير أب، ومنهم فيثاغورس المولود سنة 575 قبل الميلاد، وسموه ابن الله، ويقول: أبوة الله أطلقت بالمعنى المجازى على كثيرين منهم، أى العباد المخلصون(7/413)
ما شاء الله
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح أنه لا يجوز أن يقول الإنسان: ما شاء الله وما شاء فلان؟
الجواب
روى أبو داود بإسناد صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا تقولوا: ما شاء الله وما شاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان ".
قال الخطابى وغيره: هذا إرشاد إلى الأدب، وذلك أن الواو للجمع والتشريك، وثم للعطف مع الترتيب والتراخى، فأرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى تقديم مشيئة الله تعالى على مشيئة من سواه.
وجاء عن إبراهيم النخعى أنه كان يكره أن يقول الرجل: أعوذ بالله وبك. ويجوز أن يقول: أعوذ بالله ثم بك. قالوا: ويقول: لولا الله ثم فلان لفعلت كذا، ولا نقل: لولا الله وفلان.
هذا وقد جاءت روايات أخرى أخرجها النسائي وابن ماجه وأحمد فى هذا الموضوع، تحدث عنها ابن حجر، فيمكن الرجوع إليها فى "فتح البارى ج 11 ص 548 "(7/414)
من ألفاظ الكفر
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما حكم من يحلف ويقول: أكون على غير دين الإسلام إن فعلت كذا؟
الجواب
قال النووى فى كتابه "الأذكار" ص 356: يحرم أن يقول الإنسان: إن فعلت كذا فأنا يهودى أو نصرانى أو برئ من الإسلام ونحو ذلك.
فإن قاله وأراد حقيقة تعليق خروجه عن الإسلام بذلك صار كافرا فى الحال، وجرت عليه أحكام المرتدين. وإن لم يرد ذلك لم يكفر، لكن ارتكب محرما، فيجب عليه التوبة، بأن يقلع فى الحال عن معصيته، ويندم على ما فعل، ويعزم على ألا يعود إليه أبدا، ويستغفر الله تعالى ويقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله(7/415)
تكفير المسلم
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما حكم من قال لمسلم يا كافر؟
الجواب
روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه " وفى رواية لهما "من دعا رجلا بالكفر، أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه" ومعنى حار رجع(7/416)
الرحمن الرحيم
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل هناك فرق بين الرحمن والرحيم؟
الجواب
الصفتان مشتقتان من الرحمة، والرحمن هو البالغ الذروة فى الرحمة، والرحيم هو صاحب الرحمة الكثيرة، فالرحمن أبلغ منه، والرحمن خاص بالله تعالى، لأنه لا يمكن لأحد سواه أن يبلغ الذروة فيها، أما الرحيم فيمكن أن يوصف به غير الله سبحانه، ومن هنا قال الأكثرون: إن الرحمن علم على الله وليس صفة، لا يطلق على أحد سوى الله، وما جاء عن البعض من وصف مسيلمة بأنه رحمن اليمامة، وقول بعض الشعراء:
* وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا * فمن المبالغة فى الكفر والضلال، وقيل: إن ما كان فيه أل "الرحمن والرحيم " فهو خاص بالله تعالى، وما ليس فيه " أل " بأن كان نكرة مثل " رحمن ورحيم " أو مضافا مثل " رحمن اليمامة ورحيم بنى فلان " فليس خاصا بالله.
ورحمة الله صفة قديمة قائمة بذاته تعالى تقتضى التفضل والإِنعام، وأما الرحمة بالنسبة لما سوى الله فمعناها رقة فى القلب تقتضى الإِنعام(7/417)
حمد الله
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يقول بعض الناس: إن أحسن صيغة لحمد الله هى: الحمد لله حمدا يوافى نعمه ويكافىء مزيده، فهل هذا صحيح؟
الجواب
الحمد فى اللغة هو الثناء باللسان على الجميل الاختيارى على جهة التعظيم والتبجيل، وهو فى العرف يدل على تعظيم المنعم من حيث إنه منعم على الحامد وغيره، والشكر فى اللغة هو الحمد العرفى، وفى العرف هو صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله، فبين الحمد اللغوى والعرفى عموم وخصوص من وجه، فيجتمعان فيما إذا كان باللسان فى مقابل نعمة، وينفرد اللغوى فيما إذا كان باللسان لا فى مقابل نعمة، وينفرد العرفى بصدقه بغير اللسان فى مقابل نعمة، فمورد الحمد العرفى أعم وهو اللسان والأركان أى الجوارح، ومتعلقه أخص وهو كونه فى مقابلة نعمة - والحمد اللغوى عكسه، والحمد اللغوى مع الشكر اللغوى كذلك، إذ الشكر اللغوى هو الحمد العرفى كما علم.
إن حمد الله وشكره باللسان يحصل بأية صيغة، وهو مندوب إليه، وجاءت فى فضله أحاديث منها: ما رواه أصحاب السنن عن رفاعة بن رافع رضى الله عنه قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" من المتكلم فى الصلاة"؟ فلم يجبه أحد، ثم قالها الثانية " من المتكلم فى الصلاة"؟ فقال رفاعة بن رافع: أنا يا رسول الله، قال " كيف قلت "؟ قال: قلت: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، فقال " والذى نفسى بيده لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكا أيهم يصعدها" قال الترمذى: حديث حسن. وفى رواية أبى داود أن الرسول قال له " ما تناهت دون عرش الرحمن جل ذكره " وفى مسند أحمد أن الرسول قال له " لقد فتحت لها أبواب السماء فلم ينهها شىء دون العرش".
يقول السفارينى فى غذاء الألباب "ج 1 ص 11 " إن بعض الناس ذكر أن أفضل صيغ الحمد: الحمد لله رب العالمين حمدا يوافى نعمه، ويكافئ مزيده. وأن ابن القيم أنكر على قائله غاية الإِنكار لأنه لم يرد فى الصحاح ولا السنن ولا يعرف فى شىء من كتب الحديث المعتمدة ولا له إسناد معروف، وإنما يروى عن أبى نصر التمار عن سيدنا آدم أبى البشر عليه الصلاة والسلام، قال: ولا يدرى كم بين آدم وأبى نصر إلا الله تعالى. قال أبو نصر: قال آدم: يا رب شغلتنى بكسب يدى، فعلمنى شيئا من مجامع الحمد والتسبيح، فأوحى الله إليه: يا آدم، إذا أصبحت فقل ثلاثا، وإذا أمسيت فقل ثلاثا "الحمد لله رب العالمين حمدا يوافى نعمه ويكافىء مزيده " فذلك مجامع الحمد والتسبيح. قال ابن القيم: فهذا لو رواه أبو نصر التمار عن سيدنا آدم صلى الله عليه وسلم لما قبلت روايته، لانقطاع الحديث فيما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف بروايته له عن آدم.
قال: وبنى على هذا بعض الناس مسألة فقهية فقال: لو حلف إنسان ليحمدن الله تعالى بمجامع الحمد وأجل المحامد فطريقه فى بر يمينه أن يقول: الحمد لله حمدا يوافى نعمه ويكافىء مزيده.
وردَّ هذا بما يطول، والحاصل أن العبد لا يحصى ثناء على ربه ولو اجتهد فى الثناء طول عمره.
ثم ذكر أن الإِمام أحمد بن حنبل روى فى الزهد عن الحسن قال: قال داود: إلهى لو أن لكل شعرة منى لسانين يسبحانك الليل والنهار والدهر كله ما قضيت حق نعمة واحدة. وروى فيه أيضا عن المغيرة بن عتبة قال: لما أنزل الله على داود {اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادى الشكور} سبأ: 13 قال: يارب كيف أطيق شكرك وأنت الذى تنعم علىَّ ترزقنى على النعمة الشكر ثم تزيدنى نعمة بعد نعمة، فالنعمة منك يا رب فكيف أطيق شكرك؟ قال: الآن عرفتنى يا داود(7/418)
الخوارج
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
نسمع عن فرقة دينية تسمى بالخوارج، فكيف ظهرت وما هى مبادئها، وحكم الدين فيها؟
الجواب
الخوارج فرقة دينية ظهرت على أثر الخلاف بين على ومعاوية، حيث انفصلت عن شيعة على رضى الله عنه جماعة خرجوا عليه بعد أن رضى بالتحكيم، حين اختار أبا موسى حَكما، واختار معاوية عمرو ابن العاص حكما، وأطلق عليهم اسم الخوارج أو الحرورية باسم المكان الذى انحازوا إليه، فكانوا أول فرقة منظمة شذت بفكرها القائم على تكفير مرتكب الكبيرة ومن يرفض حكم الله من أجل حكم البشر، رافعين شعار" لا حكم إلا لله " ونبه على رضى الله عنه على زيف هذا الشعار الذى اتخذوه ستارًا لأغراض ليست فى مصلحة الدين فقال "كلمة حق أريد بها باطل " وحدث أن أرسل إليهم عبد الله بن عباس رضى الله عنهما لمناظرتهم فرجع كثير معه، ثم تمردوا وراسلهم، وفى النهاية قاتلهم بعد قتلهم عامله عليهم عبد الله بن خباب بن الأرت، وأوقع بهم فى " النهروان " سنة 38 هـ، ولم ينج منهم إلا قليل، ثم ظهروا بعد ذلك بمعتقداتهم وتوسعوا فيها وكثرت فرقهم، وما زالت منهم بقية إلى الآن فى بلاد المغرب، يقول عنهم ابن حزم: إنهم أعدل هذه الفرق، وهى الإِباضية " نيل الأوطار للشوكانى ج 7 ص 168 ".
امتد شذوذ الخوارج فى فكرهم إلى شذوذهم فى السلوك، فدبروا المؤامرات التى راح ضحيتها على رضى الله عنه حيث طعنه عبد الرحمن بن مُلجم وهو يصلى الصبح، يقول الشيخ محمد أبو زهرة فى كتابه "تاريخ المذاهب الفلسفية" لعل موقفهم المتشدد نحو الحكم والمجتمع يرجع إلى أن أكثرهم كانوا من قبائل ربيعة التى تنافس قبائل مُضر منذ زمن بعيد، فهم ينفسون على قريش المضرية التى تريد أن تحصر الخلافة فيهم، ونادوا بأن تكون حقا لكل من عنده أهلية لها من أية قبيلة، ليسهل عزل الخليفة حيث لا تكون له عصبية تحميه. . . ثم يقول:
كما أن من أسباب سخطهم على المجتمع أن أكثرهم كان يعيش فى البادية بخشونتها وصلابة رأيها، ولما جاء الإِسلام لم يغير من حالهم كثيرا، لأنهم لزموا عيشة البدو ولم يتأثروا بعيشة الحضر، فاعتنقوا المذهب بقوة امتزجت بما ورثوه من سذاجة فكر وضيق صدر، فكان لذلك أثره فى الحكم على المجتمع الذى انصرفوا عنه إلى العبادة التى تؤهلهم إلى الحياة الطيبة فى الآخرة. انتهى ما قاله وإن حدث تغير فى الفكر والسلوك عند بعضهم.
يقول صاحب كتاب المواقف فى علم التوحيد " الإيجى" إن الخوارج سبع فرق لكن اندثر أكثرها، وما يعرف منها الآن فرقة الإِباضية التى تنسب إلى زعيمهم "عبد الله بن إباض ".
وهم فى عقيدتهم على رأى الخوارج الأصليين الذين يكفِّرون مرتكب الكبيرة، لكنهم ينفون عن أنفسهم هذه التهمة ويقولون: إن المراد بالكفر كفر النعمة، ويعترفون بالقرآن والحديث مصدرين للعلم، ويصرون على أن القدوة الحسنة بعد النبى صلى الله عليه وسلم فى أبى بكر وعمر رضى الله عنهما، ويكفِّرون عليا وأكثر الصحابة، ويوجبون على المسلمين إقامة الإمامة عند القدرة والعلم، ويرون أن العزلة أفضل من الاختلاط بالمجتمع، وهم أعدل فرق الخوارج كالزيدية فى الشيعة، وقد ألف أحد الكتاب من ليبيا كتابا فى ثلاثة أجزاء بعنوان " الإِباضية فى موكب التاريخ " حاول أن يقطع صلتهم بالخوارج، ويجعل لهم مذهبا مستقلا أساسه حرية الرأى.
وقال " الإيجى " صاحب كتاب المواقف: إن الإِباضية من الخوارج افترقوا أربع فرق، وعدَّ منها " اليزيدية " أصحاب " يزيد بن أنيسة " الذين قالوا: سيبعث نبى من العجم بكتاب يكتب فى السماء، ويترك شريعة محمد إلى ملة الصابئة، وكل ذنب عندهم شرك.
هذا، وقد سبق فى بعض الإِجابات شرح قول الله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} والنهى عن تكفير من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله إلا بارتكاب ما يوجب الحكم عليه بذلك. والواجب هو محاورتهم لتصحيح أفكارهم، فإن لم يستجيبوا وجب اتخاذ موقف منهم.
وقد وضح الماوردى فى كتابه " الأحكام السلطانية" ص 58ما يتخذ من الإِجراءات نحوهم، ويمكن الرجوع فيها إلى المصدر المذكور أو إلى الجزء الأول من كتاب " بيان للناس من الأزهر الشريف " ويمكن تلخيصه فيما يلى:
إذا كان هناك أهل فكر معين ينشقون به عن فكر الجماعة، إن تستروا بفكرهم ولم يدعوا إليه ولم ينحرفوا فى سلوكهم فليس للسلطة يد عليهم، فإن دعوا إلى فكرهم وجب على المسئولين أن يصححوا أفكارهم بالحوار أو بالتوعية أو أية وسيلة أخرى، وفى الوقت نفسه يجوز للسلطة أن تعاقب من يروجون لأفكارهم بما تراه من عقوبة لاتصل إلى القتل أو إلى حد من حدود الجرائم المعروفة.
ولو انفصلت هذه الجماعة وتميزت بدار أو محلة وكانت ملتزمة بالقوانين الجارية دون عدوان ولا فساد فلا شأن للسلطة بهم إلا ما يكون من توعية لتصحيح الفكر، فإن تمردت على القوانين وكونت لنفسها دولة داخل الدولة كان للسلطة أن تحاربهم لينزعوا عن المباينة ويفيئوا إلى الطاعة(7/419)
التوكل على الله
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
إنسان تواكل على الله فى أمر ما ولم يأخذ بما يكفى من الأسباب لكنه دعا الله بكل ما يعرف من أدعية مستجابة ليقضى الله له أمره، لكن الله لم يوفقه فى ذلك على الرغم من دعائه فلماذا؟
الجواب
التوكل على الله لا يفيد إلا بعد اتخاذ الأسباب، وبدون ذلك يكون تواكلا وهو مذموم، ويشير إليه قول عمر: لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقنى، فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة.
والذى لا يتخذ الأسباب لا يقبل دعاؤه، والرسول نفسه نبه بعض الصحابة إلى ذلك حيث طلب واحد منهم مرافقته فى الجنة، فقال له: " فأعنِّى على ذلك بكثرة السجود " أى الصلاة.
مع العلم بأن الدعاء لا يقبل إلا بشروط، منها طاعة الداعى لله وعدم عصيانه، والتعفف عن أكل الحرام، وكون الدعاء بخشوع وحضور الذهن والقلب، على نسق ما جاء فى قبول الله دعاء أيوب وذى النون وزكريا، حيث قال الله تعالى: {إنهم كانوا يسارعون فى الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} الأنبياء: 90 وعدم الاستعجال حيث يقول: دعوت فلم يستجب لى.
وعلى فرض أن الداعى فيه هذه المواصفات، فإن الاستجابة تكون بصور مختلفة، إعطاء الداعى ما سأله أو صرف سوء عنه يكون أحسن من نيل المطلوب أو ادخار الإجابة إلى الآخرة فهى أفضل من الدنيا، والله يختار ما هو خير للداعى المؤمن المطيع الخاشع، فقد يكون منع الإجابة أفضل، قال تعالى {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا فى الأرض ولكن ينزِّل بقدر ما يشاء} الشورى: 27 وفى المأثور: "إن من عبادى من لا يصلحه إلا الفقر".
وقد يكون عدم الاستجابة امتحانا لإيمان الإنسان، هل يرضى بقضاء الله ويصبر على البلاء الذى يشكو منه، أو يجزع ويعترض، {ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} البقرة: 155 - 157(7/420)
الحسد بالعين حقيقة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
إنسان أصابته عين نظرًا لتفوقه بين أقرانه وبخاصة الكبير فى حياته الدراسية.
وكعادته دعا الله كثيرا أن ينجح ويتفوق ولكن عند ظهور النتيجة كان أقل زملائه نجاحًا.
فهل يتغلب الحسد على دعاء الإنسان الخالص إلى ربه؟ وما التفسير الصحيح؟
الجواب
الحسد بالعين حقيقة واقعة وجاء فيها الحديث "العين حق، ولو كان شىء سابق القدر لسبقته العين".
وكذلك الحسد وهو تمنى زوال نعمة الغير موجود بين الناس، وهو مذموم.
والذى يحسد غيره بمعنى من المعنيين السابقين إنسان ارتكب محرما، وعليه أن يعوِّد نفسه الدعاء بالبركة لمن رأى فيه شيئا طيبا، وأن يحب للناس ما يحب لنفسه والمؤمن معرض لأن يحسده إنسان آخر، وما عليه إلا أن يتحصن بقوة الإيمان والثقة بالله وقراءة القرآن، وبخاصة آية الكرسى وأواخر سورة البقرة وسورة يس، ويدعو الله أن يقيه شر الحاسدين "قل هو الله أحد، قل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس" مهمة فى هذا المجال.
عليك أيها السائل أن تستمر فى نشاطك ولا تبال بما يقول أو يفعله أو يضمره لك غيرك، وأن تقوى إيمانك بالله، والرضا بقضائه، وألا تيأس عند حلول نقمة أو فشل فى مشروع، فذلك امتحان من الله، والله تعالى يقول:
{أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب} البقرة: 214.
لا تيأس من رحمة الله أبدا، فكم فى السابقين من توالت عليه المحن فصبر وصابر فكان النجاح الباهر، ولك فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وقد قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم} الأحقاف:35.
وقد قال الرسول لخَبَّاب بن الأرَتِّ حينما شكا له اضطهاد قريش له وللضعفاء من المؤمنين وطلب الدعاء بالنصر "والذى نفس محمد بيده ليتمَّن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون"(7/421)
أول خلق الله
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هو أول ما خلق الله سبحانه وتعالى في الوجود؟
الجواب
سبق فى ص 31 من المجلد الأول من هذه الفتاوى الكلام على أول خلق الله، وأن بعض الناس يقولون إنه نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الأحاديث الواردة فى ذلك أحاديث آحاد ولم يتفق على صحتها، فلا تصلح لبناء عقيدة عليها.
وإضافة لما ذكر هناك أقول: روى عبد الرزاق بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصارى قال: قلت: يا رسول الله بأبى أنت وأمى أخبرنى عن أول شىء خلقه الله تعالى قبل الأشياء، قال " يا جابر فإن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره -فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى، ولم يكن فى ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار، ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جن ولا إنس فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول القلم، ومن الثانى اللوح، ومن الثالث العرش. ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول حملة العرش، ومن الثانى الكرسى، ومن الثالث الملائكة. ثم قسم الجز الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الأول السماوات ومن الثانى الأرضين ومن الثالث الجنة والنار. ثم قسم الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الأول نور أبصار المؤمنين ومن الثانى نور قلوبهم، وهى المعرفة بالله، ومن الثالث نور أنسهم وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله ... إلى آخر الحديث.
وقد اختلف: هل القلم أول المخلوقات بعد النور المحمدى؟ فقال الحافظ أبو يعلى الهمدانى: الأصح أن العرش قبل القلم لما ثبت فى الصحيح عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء" فهذا صريح فى أن التقدير وقع بعد خلق العرش، ووقع عند أول خلق القلم، لحديث عبادة بن الصامت مرفوعا "أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: رب وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شىء" رواه أحمد والترمذى وصححه. ورويا أيضا من حديث أبى رزين العقيلى مرفوعا "إن الماء خلق قبل العرش" وروى السُّدِّى بأسانيد متعددة أن الله لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء، فيجمع بينه وبين ما قبله بأن أولية القلم بالنسبة إلى ما عدا النور المحمدى والماء والعرش. انتهى.
هذا ما ذكره القسطلانى فى كتاب " المواهب اللدنية "ج 1 ص 9، 10 ولم يعلق هو ولا شارحه الزرقانى على هذه الأحاديث، إلا حديث عبد الله بن عمرو، فقد رواه مسلم، وحديث عبادة الذى رواه أحمد، بل ذكر الزرقانى بسند واهٍ أن القلم طوله خمسمائة عام، وعرضه كذلك، وسنُّه مشقوقة ينبع منه المداد. وفى خبر مرسل أنه من لؤلؤ، وطوله سبعمائة عام.
إن كل هذه الأخبار لا تثبت بها عقيدة ولا يضرنا الجهل بها، ولا نسأل عنها أمام الله إلا بمقدار ما أفدنا من هذه المخلوقات لتحقيق الخلافة فى الأرض. فلنترك ما وراء ذلك لعلم الله تعالى، ونضع أمام أعيننا قوله سبحانه {ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم} الكهف: 51 وقوله {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهِدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون} الزخرف: 19(7/422)
الله تعالى جميل
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل من أسماء الله تعالى الجميل؟
الجواب
روى مسلم فى صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر " فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة فقال " إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس " ورواه الترمذى وقال: حسن غريب.
معنى قوله " إن الله جميل " أن كل أمره سبحانه حسن وجميل، فله الأسماء الحسنى وصفات الجمال والكمال، قال أبو القاسم القشيرى:
معناه جليل، وقيل معناه: جميل الأفعال بكم والنظر إليكم، يكلفكم اليسير ويعين عليه ويثيب عليه الجزيل. يقول النووى: هذا الاسم ورد فى الحديث الصحيح، وورد فى الأسماء الحسنى وفى إسناده مقال، والمختار جواز إطلاقه على الله تعالى. ومن العلماء من منعه وقال إمام الحرمين أبو المعالى: ما ورد به الشرع جوزنا إطلاقه، وما لم يرد فيه إذن ولا منع لم نقض فيه بتجويز ولا منع، فإن الأحكام الشرعية تتلقى من موارد الشرع، ولو قضينا بتحريم أو تحليل لكنا مثبتين حكما بغير الشرع. ثم لا يشترط فى جواز الإِطلاق ورود ما نقطع به فى الشرع، ولكن ما يقتضى العمل وإن لم يوجب العمل فإنه كاف، إلا أن الأقيسة الشرعية من مقتضيات العمل، ولا يجوز التمسك بها فى تسمية الله تعالى وصفته، قال النووى: وقد اختلف أهل السنة فى تسميته تعالى ووصفه من أوصاف الكمال والجلال والمدح بما لم يرد به الشرع ولا منعه، فأجازه طائفة ومنعه آخرون إلا أن يرد به شرع مقطوع به من نص كتاب أو سنة متواترة أو إجماع على إطلاقه، فإن ورد به خبر واحد فقد اختلفوا فيه، فأجازه طائفة، وقالوا: الدعاء به والثناء من باب العمل، وذلك جائز بخبر الواحد، ومنعه آخرون لكونه راجعا إلى اعتقاد ما يجوز أن يستحيل على الله تعالى، وطريق هذا القطع، قال القاضى: والصواب جوازه، لاشتماله على العمل ولقوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} وهو كما قال.
هذا ما ورد عن كمال الدين الدميرى المتوفى سنة 808 هـ فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى "ج 1 ص 457 عند كلامه عن الذر.
وخلاصته أن إطلاق اسم " الجميل " على الله فيه خلاف، وفى اختلاف الآراء سعة(7/423)
كتاب داود
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
إذا كان الزبور هو كتاب سيدنا داود، والذكر هو القرآن، فما المقصود بقوله تعالى {ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون} الأنبياء: 105؟
الجواب
الزبور ليس هو فقط الكتاب الذى نزل على داود عليه السلام، وإنما يطلق على كل ما أنزله الله تعالى من الكتب حتى القرآن الكريم، والذكر قيل: هو توراة موسى عليه السلام، وقيل: هو كتب الأنبياء، وقيل: هو أم الكتاب الذى عند الله فى السماء.
والمعنى أن الله سبحانه قرر فى اللوح المحفوظ وفى الكتب المنزلة على الأنبياء أن الجنة لعباده الصالحين، كميراث أتاهم من غير جهد، لأن طاعتهم لا تتساوى مع عظمتها وقيمتها، وقال بعض المفسرين المحدثين: المعنى أن البقاء هو للأصلح فى الدنيا، فمن انحرف من الملوك أو الدول أو الأمم عن الصراط المستقيم سلب الله منهم سلطانهم وأعطاه للصالحين الذين يستحقونه، وكل ذلك تتحمله الآية(7/424)
خلق الإنسان من علق
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هى المناسبة بين خلق الإِنسان من علق والتعليم بالقلم فى قوله تعالى: {خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم.الذى علَّم بالقلم} ؟
الجواب
سورة {اقرأ باسم ربك} هى أول ما نزل من القرآن الكريم كما ثبت فى الصحيحين من حديث عائشة رضى الله عنها، ووجه المناسبة بين الخلق من علق والتعليم بالقلم وتعليم العلم أن أدنى مراتب خلق الإِنسان كونه علقة، وأعلاها كونه عالما، فهو سبحانه امتن على الإِنسان بنقله من أدنى المراتب وهى العلقة إلى أعلاها وهى العلم، قال الزمخشرى: فإن قلت: لم قال " من علق " وإنما خلق من علقة واحدة كقوله تعالى {من نطفة ثم من علقة} قلت: لأن الإِنسان فى معنى الجمع كقوله تعالى {إن الإِنسان لفى خسر} أى الناس والأكرم هو الذى له الكمال فى زيادة تكرمه على كل كريم، ينعم على عباده النعم التى لا تحصى، ويحلم عليهم فلا يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وجحودهم لنعمه وركوبهم المناهى وإطراحهم الأوامر، ويقبل توبتهم ويتجاوز عنهم بعد اقترافهم العظام، فما لكرمه غاية ولا أمد، وكأنه ليس وراء التكريم بإفادة الفوائد العظيمة تكرُّم، حيث قال {الأكرم الذى علَّم بالقلم علم الإِنسان ما لم يعلم} فدل على كمال كرمه بأنه علَّم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم. ونبه على فضل الكتابة لما فيها من المنافع العظيمة التى لا يحيط بها إلا هو، وما دونت العلوم الأول، ولا قيدت الحكم، ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم، ولا كتب الله المنزَّلة إلا بالكتابة، ولولا هى ما استقامت أمور الدين والدنيا، ولو لم يكن على دقيق حكمة الله ولطيف تدبيره دليل إلا أمر القلم والخط لكفى به.
ويتصل بهذا سؤال عن العلقة السوداء التى أخرجت من قلب النبى صلى الله عليه وسلم فى صغره حين شق فؤاده، وعن قول الملك:
هذا حظ الشيطان منك، وقد أجاب الشيخ تقى الدين السبكى بقوله: تلك العلقة التى خلقها الله تعالى فى قلوب البشر قابلة لما يلقيه الشيطان فيها، فأزيلت من قلبه عليه الصلاة والسلام، فلم يبق فيه مكان قابل لأن يلقى الشيطان فيه شيئا. هذا معنى الحديث، ولم يكن للشيطان فيه صلى الله عليه وسلم حظ قط، وإنما الذى نفاه الملك أمر هو فى الجبلات البشرية، فأزيل القابل الذى لم يكن يلزم من حصوله حصول القذف فى قلبه عليه الصلاة والسلام.
فقيل له: لمَ خلق الله هذا القابل فى هذه الذات الشريفة وكان يمكنه ألا يخلقه فيها؟ فقال: لأنه من جملة الأجزاء الإِنسانية، فخلقه تكملة للخلق الإِنسانى فلا بد منه، ونزعه كرامة ربانية طرأت بعده. انتهى "الدميرى - العلق - حياة الحيوان الكبرى"(7/425)
عرض الأعمال على الله
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح أن أعمال الناس ترفع إلى السماء يوم الإثنين والخميس؟
الجواب
روى الترمذى حديثا قال: إنه حسن، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
"تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملى وأنا صائم " وفى هذا دليل على ندب الصوم فى هذين اليومين، وكان صلى الله عليه وسلم يصومهما، كما جاء التصريح بذلك فى رواية ابن ماجه عن أبى هريرة.
وعرض الملائكة أعمال العباد على الله فى هذين اليومين أمر تنظيمى وضعه الله سبحانه لحكمة يعلمها هو، وإن كان هو يعلم كل ما فى الكون دون حاجة إلى كتابة الملائكة ورفع ذلك إليه سبحانه، وهناك حديث رواه النسائى يدل على أن الأعمال ترفع فى شهر شعبان، وكان الرسول يحرص على صيامه كله أو صيام أكثره لأنه يحب أن يرفع عمله وهو صائم، فما هى الصلة بين رفع الأعمال فى شعبان ورفعها فى كل أسبوع مرتين فى يومى الاثنين والخميس؟ إن رفع الأعمال مرتين كل أسبوع ربما لا يقصد به إخبار الله بها فهو كما قلت -غنى عن هذه الوسائل ولعل القصد منه حث العباد على الطاعة وتحذيرهم من المعصية، فالمتابعة مستمرة حاضرة غير غائبة، وقد يوضح ذلك عمل امتحانات للمتعلمين فى أثناء السنة الدراسية، حتى لا يتكاسلوا عن المذاكرة إلى أن يقرب امتحان اَخر العام فهناك يكون الجد والتعب، لأن نتيجته هى المهمة.
وعلى هذا الضوء يمكن فهم المقصود من عرض الأعمال فى الأسبوع مرتين، تمهيدًا للعرض العام فى كل سنة فى شهر شعبان، ثم العرض الأكبر يوم القيامة ليقرأ كل إنسان ما كتب عليه، ويعرف النتيجة النهائية للنشاط الذى باشره طول حياته فى الدنيا.
الزرقانى فى شرحه للمواهب اللدنية عن الصيام فى شهر شعبان ورفع الأعمال أشار إلى أن هذا الرفع هو رفع خاص ولم يوضح الخصوصية التى فيه، فلنترك الأمر لله ولنقبل على الطاعة ولنبادر بالتوبة من المعصية، حتى تبيض وجوهنا يوم العرض على الله سبحانه(7/426)
الكفر والشرك
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل هناك فرق بين الكفر والشرك؟
الجواب
الكفر فيه معنى الستر، وقد يكون سترا ماديا وسترا معنويا، ومن الستر المعنوى جحود النعمة وعدم الاعتراف بالجميل، يقول الراغب الأصفهانى فى "المفردات " وأعظم الكفر جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة، والكفران فى جحود النعمة أكثر استعمالا، ثم يقول: والكافر على الإطلاق متعارف فيمن يجحد الوحدانية أو النبوة أو الشريعة أو ثلاثتها.
وقد يقال: كفر، لمن أخل بالشريعة وترك ما لزمه من شكر الله عليه.
قال تعالى {من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون} الروم: 44، والشرك يقول عنه الراغب الأصفهانى فيه معنى الاشتراك فى شىء مادى أو معنوى، وهو فى الدين ضربان، أحدهما الشرك العظيم، وهو إثبات شريك لله تعالى، وهو أعظم كفر لأنه جحد الوحدانية، والثانى الشرك الصغير، وهو مراعاة غير الله معه فى بعض الأمور وهو الرياء والنفاق، ومنه قوله تعالى {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} يوسف: 106، وقوله تعالى {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} الكهف: 110، محمول على الشركين. وأما قوله تعالى {فاقتلوا المشركين} التوبة:5، فأكثر الفقهاء يحملونه على الكفار جميعا، وقيل هم غير أهل الكتاب.
والخلاصة: أن الشرك كفر بوحدانية الله وعدم إخلاص العبادة لله، والكفر يطلق على الشرك لأنه جحود بالوحدانية، ويطلق على من يكذب بالنبوة وعلى من يكذب الشريعة فالكافر أعم من المشرك والكفار والمشركون مصيرهم النار خالدين فيها أبدا.
ومن أراد الاستزادة من المعرفة فليرجع إلى الجزء الأول من كتاب "بيان للناس من الأزهر الشريف " ص 138 ففيه بيان الفروق بين الكفر والفسوق والعصيان والنفاق(7/427)
من مظاهر فضل الله
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح أن من صلَّى الصبح ثم جلس حتى تطلع الشمس يكون له ثواب عمرة؟
الجواب
عن أنس رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى الصبح فى جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة" قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تامة تامة تامة " رواه الترمذى وقال: حديث حسن غريب أى رواه راوٍ واحد فقط، وجاءت رواية أخرى عن أبى أمامة بإسناد جيد للطبرانى بهذا الثواب، كما جاءت روايات فيها مقال لكن تقبل فى فضائل الأعمال بهذا الثواب وبغيره، والثابت كما رواه مسلم وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الصبح جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس.
من هنا نعلم فضل صلاة الصبح جماعة فى المسجد والمكث فيه مع الاشتغال بذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلاة الضحى التى أقلها ركعتان. ولا يستبعد أحد أن يكون ثواب ذلك كثواب حجة وعمرة، ففضل الله واسع، يقبل القليل ويعطى الجزيل ولذلك نظائر كثيرة منها:
1- فضل ليلة القدر، فإن قيامها خير من ألف شهر كما نص عليه القرآن الكريم.
2- فضل أداء الفرض فى رمضان.، فثوابه كثواب سبعين فرضا فى غيره، كما جاء فى حديث سلمان الذى رواه ابن خزيمة فى صحيحه.
3- قراءة {قل هو الله أحد.} تعدل قراءة ثلث القرآن كما رواه مسلم وغيره.
4- النفقة فى سبيل الله يضاعفها الله {كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم} البقرة: 216.
5- روى البخارى ومسلم وغيرهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ".
6- روى البخارى ومسلم وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان إلى الرحمن:
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم " وغير ذلك كثير فى الشريعة الإسلامية، يكون العمل قليلا ويكون ثوابه كبيرا ما دام مستكملا لأركانه وشروطه مع الإخلاص لله سبحانه. وهذا تشجيع على الإقبال على طاعة الله بالفعل أو العزم عليه كما جاء فى الصحيح أن من همَّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشر حسنات.
وإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن العمرة فى رمضان تعدل حجة معه كما رواه مسلم فليس معنى ذلك أنها تكفئ عن الحج إذا كان قادرا عليه، بل لابد من أدائه، وكذلك إذا كانت صلاة الفريضة فى رمضان تعدل سبعين فريضة فيما سواه فليس معنى ذلك أن من ترك سبعين صلاة تكفى عنها صلاة واحدة فى رمضان، بل لا بد من قضاء كل ما فات، وكذلك إذا صح الحديث كما رواه مسلم أن الصلاة فى مسجد المدينة أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، فليس المراد أن الصلاة الواحدة تكفى عن ألف صلاة تركها، ومثل ذلك ما رواه أحمد وابن ماجه بإسنادين صحيحين أن الصلاة فى المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه - لا يعنى أن يهمل الإنسان فى الصلاة سنوات طويلة ثم يعوض كل ما فات بصلاة واحدة أو اكثر قليلا فى المسجد الحرام(7/428)
التوكل والتواكل
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما الفرق بين التوكل والتواكل؟
الجواب
حقيقة التوكل من الصعب تعريفها كما تُعرَّف الأمور الأخرى بماهياتها، وإنما يعرف التوكل بآثاره. كما قال العلماء فى التيار الكهربائى، وقد قال الإمام الغزالى - وهو الفيلسوف الصوفى الفقيه الأصولى فى حديث التوكل: إنه غامض من حيث العلم. ثم هو شاهد من حيث العمل، ووجه غموضه من حيث الفهم أن ملاحظة الأسباب والاعتماد عليها شرك فى التوحيد، والتثاقل عنها بالكلية طعن فى السنة وقدح فى الشرع، والاعتماد على الأسباب من غير أن ترى أسباب تغيير فى وجه العقل وانغماس فى غمرة الجهل، وتحقيق معنى التوكل على وجه يتوافق مع مقتضى التوحيد والنقل والشرع فى غاية الغموض والعسر، ولا يقوى على كشف هذا الغطاء مع شدة الخفاء إلا سماسرة العلماء.
وقد أطال الغزالى فى توضيح ذلك، ولكن بعبارة بسيطة يمكن أن أقول: إن التوكل هو الإيمان بأن الله سبحانه هو الواحد المتفرد بالخلق، ومنه كل النعم، وإليه المرجع والمصير، مع إظهار مسحة هذا الإيمان على السلوك فى القول والعمل، وامتثال أمر الله والسير على منهجه الذى أوحى به إلى الرسل.
ولو طبقنا هذا المعنى فى طلب الرزق مثلا فلابد فى التوكل من الإيمان بأن السعى والجد فى العمل وحده لا يمكن أن يوصل إلى النتيجة إلا بإرادة الله سبحانه، فقد يكون هناك سعى وجد وعمل ولا يكون من وراء ذلك تحقيق ما يريده الإنسان، فلا بد من الأمرين:
الأخذ فى الأسباب ثم تفويض الأمر إلى الله سبحانه وانفراد واحد منهما عن الأخر خطأ. فالأخذ بالأسباب دون التفويض لله يناقض الإيمان، وربما لا يوصل إلى المطلوب، والتفويض لله فقط دون الأخذ بالأسباب تعطيل لقانون الله وعدم امتثال لأمره بالسعى والعمل، وهذا ما يعرف بالتواكل.
وعلى ضوء ذلك من يقتصر على الإيمان بقوله تعالى {وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها} هود: 6، دون تنفيذ لقوله تعالى {هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه} الملك:15، يكون مخطئا ويطلق عليه اسم المتواكل، يوضح ذلك ما حدث أن رجلا ترك ناقته على باب المسجد النبوى وقال للرسول صلى الله عليه وسلم هل أتركها بدون عقل -قيد- وأتوكل على الله ليحفظها أو أعقلها - أقيدها بالعقال؟ فقال له "قيدها وتوكل " رواه ابن خزيمة والطبرانى بإسناد جيد.
وقد يوضح هذا أيضا قول النبى صلى الله عليه وسلم " لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا " رواه الترمذى وقال: حسن صحيح فالطير تبارح الأعشاش لتطلب رزقها ولا تنتظر وتفتح أفواهها لينزل لها الرزق من السماء وهى راقدة فى الأغشاش.
يقول أبو الفتوح الرازى الواعظ المفسر الفارسى المولود بالرى فى أواخر القرن الخامس الهجرى:
توكل على الرحمن فى كل حاجة * ولا تتركن الجد فى شدة الطلب ألم تر أن الله قال لمريم * وهزى إليك الجذع يسَّاقط الرطب ولو شاء أن تجنيه من غير هزه * جنته ولكن كل شىء له سبب [مجلة الإخاء العدد 193 فى إبريل 1971 م بقلم محمد على رزم آشين] والموضوع طويل يراجع فى "إحياء علوم الدين " للأمام الغزالى ج 4 ص 210(7/429)
لماذا خلق الله الدنيا
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
لماذا خلق الله الدنيا؟
الجواب
الدنيا جزء من العالم الذى خلقه الله، والعالم كل ما سوى الله من حيوان ونبات وجماد، وملائكة وأرواح وجنة ونار، وغير ذلك وهذا الخلق أثر من آثار صفاته التى تحقق له الألوهية، خلقه بقدرته وبإرادته وأبدعه بعلمه وبحكمته، وبسط سلطانه عليه بالأمر والنهى والثواب والعقاب. {لا يُسئل عما يفعل وهم يسئلون} الأنبياء: 23، والدنيا هى الحياة الأولى قبل الحياة الآخرة، وهى حياة فانية كما قال سبحانه عندما أهبط آدم إلى الأرض: {قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين} الأعراف: 24، وهى دنيا فى المكانة والمنزلة بالنسبة للأخرى التى فيها النعيم الدائم الخالد للمؤمنين، والعذاب الدائم الخالد للكافرين. {قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا} النساء:
77، والدنيا مزرعة للآخرة، وهى دار تكليف يجازى على العمل فيها بالثواب والعقاب، وهى ليست مذمومة على كل حال إلا فيما نهى الله عنه كما فى الحديث "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم " رواه الترمذى وغيره وقال حسن صحيح.
وفى كلام الإمام على: "الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار عافية لمن فهم عنها ودار غنى لمن تزود منها، مسجد أنبياء الله ومهبط وحيه ومصلَّى ملائكته ومتجر أوليائه، اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة" 000 (انظر المحاسن والمساوى للبيهقى ج 2 ص 44) هذا بعض تفسير للسر فى خلق الله للدنيا، وهو سبحانه أعلم بالحقيقة ولا معنى للانشغال بذلك فالمهم هو العمل الصالح فيها لنسعد به فى حياتنا الآخرة التى هى المصير الحتمى لكل من يعيش فى هذا العالم(7/430)
نزول جبريل بعد النبى صلى الله عليه وسلم
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل نزل جبريل إلى الأرض بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
جاء فى " الحاوى للفتاوى " للسيوطى أن إنكار الناس لنزول جبريل بعد موت النبى صلى الله عليه وسلم لا أصل له، ثم استدل على ذلك بما أخرجه الطبرانى فى معجمه الكبير عن ميمونة بنت سعد قالت: قلت: يا رسول اللَّه هل يرقد الجنب؟ قال " ما أحب أن يرقد حتى يتوضأ، فأنى أخاف أن يتوفى فلا يحضره جبريل ".
فدل هذا على أن جبريل يحضر موتة المؤمن المتطهر. وكذا استدل بما أخرجه الطبرانى عن ابن مسعود مرفوعا فى وصف الدجال الذى جاء فيه: ويمر بالمدينة فإذا هو بخلق عظيم، فيقول: من أنت؟ فيقول:
أنا جبريل، بعثنى اللَّه لأمنعه من حرمه.
كما استدل بقوله تعالى في ليلة القدر {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم} القدر: 4، حيث قال الضحاك: إن الروح هنا جبريل، وأنه ينزل هو والملائكة فى ليلة القدر ويسلمون على المسلمين وذلك فى كل سنة أنتهى.
والذى جر إلى الاعتقاد بعدم نزوله حديث " لا وحى بعدى " فالذى ينزل بالوحى جبريل، والجواب أن الحديث موضوع، ولو فرضت صحته فالمنفى نزوله للوحى إلى الأنبياء بشرع، لكن قد ينزل لغير ذلك كتبليغ خبر لا يتعلق بتشريع، ففى مسلم " أوحى اللَّه تعالى إلى عيسى أنى أخرجت عبادا لى لا يد لأحد بقتالهم فحول عبادى إلى الطور- وهم يأجوج ومأجوج، (مذكرات التوحيد ج 3 ص 150) .
ومهما كانت قيمة الاستدلال بهذه الأدلة على نزول جبريل فإن ذلك أمر ليس من أصول العقيدة الإسلامية، والبحث فيه ينبغى أن يحملنا على ما احتوته هذه الأدلة من الحرص على الطهارة، ومن إحياء ليلة القدر(7/431)
التفاضل بين الملائكة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
عرفنا أن الله سبحانه قال " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض " فهل هناك تفضيل لبعض الملائكة على بعض؟
الجواب
ذكر القسطلانى فى المواهب اللدنية " ج 2 ص 46 " أن الملائكة بعضهم أفضل من بعض وأن أفضلهم جبريل الروح الأمين المزكى من رب العالمين، المقول فيه من ذى العزة {إنه لقول رسول كريم. ذى قوة عند ذى العرش مكين. مطاع ثَمَّ أمين} التكوير: 19 - 21، فوصفه بسبع صفات، فهو أفضل الملائكة الثلاثة الذين هم أفضل الملائكة على الإطلاق، وهم ميكائيل وإسرافيل وعزرائيل. انتهى.
وجاء فى شرح المواهب للزرقانى (ج 6 ص 44 ا) أن أعلى الملائكة درجة: حملة العرش الحافون حوله، فأكابرهم أربعة، فملائكة الجنة والنار فالموكلون ببنى آدم، فالموكلون بأطراف هذا العالم، كذا ذكره الرازى. انتهى.
وإذا كان جبريل أفضل الملائكة الموكلين ببنى آدم، لما سبق من وصف الله له فى القرآن، فإن هناك خلافا فى التفاضل بينه وبين إسرافيل، ولم يصح فى ذلك شىء كما قال السيوطى فى " الحبائك " والآثار متعارضة، وذكر الزرقانى روايات متعددة رأيت الإعراض عنها لعدم جدواها فى حياتنا العملية، ولسنا مكلفين باعتقاد ذلك، ومن كان عنده نهم للمعرفة فليرجع إليه(7/432)
التفاضل بين الملائكة والبشر
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل الملائكة أفضل من البشر، أم البشر أفضل منهم لأنهم أمروا بالسجود لأبيهم آدم؟
الجواب
يقول الله سبحانه {الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس} الحج:
75.
تدل الآية على أن الملائكة والناس يصطفى الله منهم رسلا، لكن هل الاصطفاء بصورة واحدة وعلى مستوى واحد، أم أن هناك امتيازًا لنوع منهما على نوع آخر؟ ليس فى ذلك نص من قرآن أو سنة صحيحة، والخوض فى ذلك قد يؤدى إلى تنقيص بعضهم أو الغَضَ منه، ولا توجد له أهمية بالنسبة لحياتنا العملية، لكن العلماء القدامى أثاروا هذه المسألة وهذا طرف من ذلك:
ذكر القسطلانى فى المواهب اللدنية " ج 2 ص 45 " أن هناك اختلافا فى التفاضل بين الملائكة والبشر، فقال جمهور أهل السنة والجماعة:
خواص بنى آدم وهم الأنبياء أفضل من خواص الملائكة وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وحملة العرش والمقربون والكروبيون والروحانيون [الكروبيون ملائكة العذاب والروحانيون ملائكة الرحمة فى بعض الأقوال] .
وخواص الملائكة أفضل من عوام بنى آدم وهم من عدا الأنبياء من الصالحين.
وذلك بالإجماع كما قال التفتازانى بل بالضرورة، وعوام بنى آدم أفضل من عوام الملائكة، ولذلك عدة مبررات: منها، أن مجموع الملائكة أمروا بالسجود لمجموع البشر الممثلين فى آدم، والمسجود له أفضل من الساجد، فإذا ثبت تفضيل الخواص من البشر وهم الأنبياء على الخواص من الملائكة بالسجود لآدم ثبت تفضيل العوام على العوام.
فعوام الملائكة خدم عمال الخير وهم صلحاء المؤمنين، والمخدوم له فضل على الخادم، ومنها أن المؤمنين ركب فيهم الهوى والعقل مع تسليط الشيطان عليهم بوسوسته، والملائكة ركب فيهم العقل دون الهوى أى الشهوة ولا سبيل للشيطان عليهم، فالإنسان - كما قاله التفتازانى فى شرح العقائد النسفية -يحصل الفوائد والكمالات العلمية والعملية مع وجود العوائق والموانع من الشهوة وشواغل الأمور الضرورية عن اكتساب الكمالات. ولا شك أن العبادة واكتساب الكمال مع الشواغل والصوارف أشق وأدخل فى الإخلاص فيكون الإنسان أفضل.
وذهب المعتزلة والفلاسفة وبعض الأشاعرة من أهل السنة إلى تفضيل الملائكة، وتمسكوا بنحو عشرين وجها، ذكر القسطلانى منها أربعة لا داعى لذكرهما، فهى ترف عقلى لمن أراد، فليرجع إليه، وقد وضح هذه النقطة أيضا القرطبى فى تفسير "ج 1 ص 289 " وكذلك فى الجزء العاشر " ص 294 " قائلا: وعلى الجملة فالكلام لا ينتهى فى هذه المسألة إلى القطع، وقد تحاشى قوم من الكلام فى هذا، كما تحاشوا من الكلام فى تفضيل بعض الأنبياء على بعض، إذ فى الخبر "لا تخايروا بين الأنبياء، ولا تفضلونى على يونس بن متى " وهذا ليس بشىء لوجود النص فى القرآن فى التفضيل بين الأنبياء.
ولعل النهى عن التفضيل يقصد به ما يثير فتنة وتعصبا، فالمقطوع به تفضيل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. حتى على الملائكة كما قاله المحققون(7/433)
قتال الملائكة يوم بدر
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يشكك بعض الناس فى قتال الملائكة يوم بدر، قائلين إن المسلمين انتصروا بجهودهم، ولو كان الانتصار بسبب قتال الملائكة ما كان لهم فضل، فما مدى صحة هذا الكلام؟
الجواب
تحدَّث القرطبى فى تفسير قولة تعالى {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون. إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين. بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مُسوِّمين} آل عمران: 123 - 125، وقال: إن الله أمَدَّ بملائكته نبيه والمؤمنين فى قول جماعة العلماء. وتظاهرت الروايات بأن الملائكة حضرت يوم بدر وقاتلت. ومن ذلك قول أبى أسيد مالك بن ربيعة وكان شهيد بدر: لو كنت معكم الآن ببدر ومعى بصرى لأرينكم الشعب الذى خرجت منه الملائكة، لا أشك ولا أمترى - وأبو أسيد يقال إنه اَخر من مات من أهل بدر.
ثم ذكر القرطبى حديثا رواه مسلم عن عمر بن الخطاب جاء فيه دعاء النبى صلى الله عليه وسلم ربه لما رأى كثرة المشركين قائلا " اللهم أنجز لى ما وعدتنى، اللهم آت ما وعدتنى، اللهم إن تهلك هذه العصابة - الجماعة - من أهل الإسلام لا تعبد فى الأرض " وما زال يهتف وأبو بكر يقول له:كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين " فأمده الله تعالى بالملائكة. ثم قال القرطبى: فتظاهرت السنة والقرآن على ما قاله الجمهور والحمد لله.
ولم تكن مهمة الملائكة هى التثبيت فقط لقلوب المؤمنين بل باشروا القتال بالفعل كما قال رب العزة {إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا، سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان " الأنفال: 12، وكان منهم ملكان عن يمين الرسول ويساره وعليهما ثياب بيض يقاتلان عنه أشد القتال، يقول سعد بن أبى وقاص: ما رأيتهما قبل ولا بعد " القرطبى ج 4 ص 190 ".
وفى حديث مسلم عن غزوة بدر قول ابن عباس: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد فى أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول: أقدِمْ حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه فخرَّ مستلقيا، فنظر إليه فإذا هو قد حطم أنفه وشق وجهه فاخضرَّ ذلك أجمع.
فجاء الأنصارى فحدَث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة" فقتلوا يؤمئذ سبعين وأسروا سبعين "القرطبى ج 4 ص 193 "وفى ص 194 عن سهل بن حنيف قال: لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا يشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه، وعن الربيع بن أنس قال: كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة ممن قتلوهم بضرب فوق الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق به ذكره البيهقى.
يؤخذ من هذا ومن غيره أن الملائكة باشرت القتال بالفعل ولم يكن دورهم هو التثبيت فقط، وهذا ما يدل عليه ظاهر النصوص ولا حاجة لتأويلها، كما زعم بعض الناس أنهم حضروا فى بدر للدعاء بالتثبيت لا غير.
والمهم أن نأخذ العبرة من ذلك بأن الله سبحانه يمد المؤمنين الصادقين بوسائل النصر إن استغاثوه ولم يعتمدوا على أنفسهم وقوتهم ناسين ربهم، فالله سبحانه بيده كل شىء {وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} آل عمران: 126، {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} محمد: 7، {وكان حقا علينا نصر المؤمنين} الروم:
47(7/434)
قياس سرعة الملائكة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
قرأنا فى الصحف أن هناك محاولة لقياس سرعة الملائكة بسرعة الضوء والسرعات المعروفة لنا، فهل يصح هذا أم لا يصح؟
الجواب
الإسلام حث على النظر والتفكر فى ملكوت السموات والأرض، وشجع على ذلك تشجيعا ورد فى كثير من آيات القرآن الكريم، وذكر الحكمة منه بأن فيه اَيات وعلامات لذوى العقول النيرة يدركون بها من أسرار الكون ما يحملهم على الإيمان بخالقه، أو تعميق الإيمان به لمن سبق له الإيمان كما أن من أهداف الحث على النظر الشامل: الانتفاع بما سخر اللَّه فى الكون انتفاعا يساعد على أداء رسالة الإنسان فى الحياة وتحقيق الخلافة فى الأرض. غير أن عقل الإنسان له حدود لا يستطيع معها أن يدرك كل الأسرار، وحواسه التى تقدم له التصورات مجالاتها محدودة كما ثبت علميا، وبالتالى تكون النتائج والمعطيات العقلية محدودة أيضًا، وهناك من الأمور الغيبية التى يتوقف العلم بها على الخبر الصادق من الرسل المبلغين عن الله ما لا مجال للعقل فيه، ضرورة أنه لا يدرك بالحواس، والخبر إذا صدق كان مجال العقل فيه بعيدا عن النفى والإثبات، وإن كانت، له صولات وجولات فى ببان حكمته مثلا. وعلى فرض عدم وصوله إلى إدراك الحكمة فإن ذلك لا يؤثر على وجوده، فلا تلازم بينهما. والملائكة من عالم الغيب الذى يجب الإِيمان به كما ورد وفى هذا النطاق فحسب، وللملائكة خواص ليست للبشر ولا للعالم المادى المعروف، {جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع} فاطر: ا، {عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون اللَّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} التحريم: 9، {ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون} الأنبياء: 19، 25، {تعرج الملائكة والروح إليه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} المعارج: 4، إلى غير ذلك من النصوص الواردة فى القرآن والسنة. وما دامت لهم خواص غير خواص سائر المخلوقات، فإن محاولة قياس أحوالهم فى السرعة وغيرها على السرعة المعروفة لنا محاولة غير كافية للوصول إلى نتيحة صحيحة، ذلك لأن القياس، كما هو معروف، قياس مع الفارق. وما تصل إليه هذه الأبحاث لا يلزمنا تصديقها فهى لم تصل بعد إلى درجة الحقائق العلمية المسلمة، والفروض والظنون لا يجوز أبدا أن نحمل عليها آيات القرآن، أو نفسرها على ضوئها.
ونحث الباحثين - مع تسليمنا بموقف الإسلام من النطر فى الكون وهو التشجيع - على أن يكون نشاطهم فى النطاق الذى يمس مشاكلنا مسًّا قويا فى المجال الفكرى والاجتماعى والأخلاقى الذى نصل به إلى المستوى اللائق بنا، وإذا صدقت النية فى البحث كانت معونة الله بالتوفيق(7/435)
هاروت وماروت
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح أن هاروت وماروت كانا من الملائكة وعاقبهما الله على معصيته؟
الجواب
قال تعالى {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله. . .} البقرة: 102،. جاء فى كتب التفسير أنهما ملكان هبطا إلى الأرض وفتنا، فعاقبهما الله بتعليقهما من أرجلهما، وكلام المفسرين - على جلالة قدرهم - ليس حجة فى هذا المقام، فهو منقول عن تراث البابليين وشروح اليهود وكتب النصارى، وأقرب الأقوال عنهما أن الناس كانوا قد فتنوا بالسحرة حتى رفعوهم إلى مقام الأنبياء، فأنزل الله ملكين يعلمان الناس السحر، ليفرقوا بينه وبين النبوة، ويحذروهم من الفتنة به وبهما.
أو أنهما شخصان كانا يتمتعان بمنزلة كبيرة فى العلم والسلوك، فتن الناس بهما، فأطلقوا عليهما اسم الملكين، من باب التشبيه والمجاز، وهو إطلاق معروف قديما وحديثا، حيث يطلق الآن على الشخص الممتاز اسم "ملاك ".
وفى الأساطير البابلية شخصان باسمين مقاربين لهاروت وماروت، أعجب الناس بهما فأطلقوا عليهما اسم ملكين، بل زاد الإعجاب بهما فاعتقدوا أنهما من الألهة. وقد أقبل اليهود على تعلم ما تركاه من حكمة وسحر، وشغلوا به عن كتاب الله الذى نبذوه وراء ظهورهم. هذا، ولا يجوز أن نلتفت إلى ما يقال عن الملائكة مما يتنافى مع عصمتهم، فهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، قال تعالى {بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} الأنبياء: 26، 127، وقال {لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون} الأنبياء: 19، 20(7/436)
سؤال الملائكة عن خلق آدم
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
سئل: عندما أخبر الله سبحانه الملائكة بأنه سيخلق بشرا قالوا له: إنه سيكون مفسدا، فكيف عرفوا ذلك؟
الجواب
قال الله تعالى {وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال إنى أعلم ما لا تعلمون} البقرة:35، جاء في كتب التفسير: أن الأرض كانت مسكونة بخلق لم يصلحوا لعمارتها كما أراد اللَّه سبحانه فأهلكهم، ثم قال سبحانه للملائكة: إنى سأجعل بعد هؤلاء خليفة لإدارة الأرض إدارة صالحة، فخافوا أن يكون كمن سبقوه من الذين ارتكبوا الجرائم وأفسدوا بالقتل وغيره، وقالوا: نحن خلق جُبلنا على الطاعة لك، نحمدك بكل كمال هو فيك، وننزهك عن كل نقص لا يليق بجلالك، فأخبرهم اللَّه أنه يعلم أن الخليفة الجديد سيصلح ولا يفسد.
فالملائكة ظنت بالقياس على الخلق السابق على آدم أنه سيقتل ويسفك الدماء، ولم يعلموا أنه سيكون من لحم ودم، وأن الملائكة لم تكن تعلم الغيب المستقبل لآدم. وليس في هذا الظن علم بالغيب، ولذلك قال اللَّه {إنى أعلم ما لا تعلمون} وقال {ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} البقرة: 33، فعلمهم ظن أساسه القياس، وعلم الله حق أساسه الكشف واليقين.
وقيل: إن الملائكة تعرف أن الخليفة لن يكون له من علم اللَّه وإرادته المطلقة ما يستطيع أن يحيط بكل شيء علما، أو يعلم علما يقينيا كاملا مرة واحدة بل على التدريج، وعلى هذا يكون تصرفه غير حكيم، وبالتالى يكثر الفساد وقيل غير ذلك(7/437)
هل إبليس من الملائكة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل إبليس من الملائكة لأن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم فلم يسجد، أو هو من الجن؟
الجواب
معرفة جنس إبليس متوقفة على الخلاف في كونه من الملائكة أولا، وهو قبل معصيته لأمر الله لا يعرف حاله بطريق ثابت، وكل ما قيل في ذلك منسوب إلى بعض الصحابة. أما بعد الإخبار عن معصيته ففي معرفة جنسه رأيان.
الرأي الأول: أنه من الملائكة، واستدل أصحاب هذا الرأي بأدلة منها:
أ-ظاهر الاستثناء فى قوله تعالى {فسجدوا إلا إبليس} وهو استثناء مفصل يدل على أنه من الملائكة.
ب -أنه لو لم يكن من الملائكة ما كان أمر الله لهم بالسجود متناولاً له، ولو لم يكن متناولا له استحال أن يكون تركه للسجود إباء معصية، ولما استحق العذاب، وحيث حصل ذلك علمنا أن الخطاب بالسجود يتناوله، فهو من الملائكة.
والرأي الثاني أنه ليس من الملائكة، واستدل أصحاب هذا الرأي بأدلة مها:
ا - قوله تعالى {فسجدوا إلا إبليس كان من الجن} الكهف: 50.
ب -أن الملائكة معصومون من العصيان لقوله تعالى {عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون اللَّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} التحريم: 6، وإبليس عصى واستكبر عن السجود فهو ليس من الملائكة 0 وأدلة الطرفين محتملة، ومناقشة وبيان ذلك باختصار:
1 -أن الاستثناء قد يكون منقطعًا فالمستثنى إبليس وليس من جنس المستثنى منه وهم الملائكة.
21 - أن الأمر بالسجود أصلا هو للملائكة، وإبليس ملصق بهم لكثرة عبادته، فلا يوجه إليه أمر خاص، لأن الأمر العام يكون للكثرة الغالبة.
31-كون إبليس من الجن قد يراد به أنه من العالم المستتر، والملائكة من العالم المستتر أيضًا، قال تعالى {وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا} الصافات:
158، حيث قال الكفار: الملائكة بنات الله.
والدليل الذي جىء له لإثبات أنه ليس من الملائكة بأنهم معصومون، وإبليس أخطأ دليل قوى، فإن الثابت أن الجن منهم مؤمنون ومنهم كافرون، والآيات في ذلك كثيرة وليس في الملائكة كافرون.
ومن أجل أن أغلب أدلة الطرفين مناقشة فلا يمكن القطع برأى في الموضوع، ولهذا قيل: إن إبليس ليس من الملائكة-ولا من الجن بل هو خلق مفرد من نار، وإبليس يطلق عليه شيطان، لأن الشياطين هم شرار الجن. فإن منهم أخيارا، كما يطلق لفظ الشيطان على من تمرد من الإنس والجن والدواب.
ومن أراد تفصيلاً أوضح فليرجع إلى كتاب " آكام المرجان " للمحدث الشبلى، وإلى مجلة الأزهر- المجلد الثامن، صفحة 566 وما بعدها، وإلى بحث الجن في هذه الفتاوى(7/438)
رؤية الحيوانات للملائكة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح أن بعض الحيوانات ترى ملك الموت عند نزوله إلى الأرض؟
الجواب
الثابت فى الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا اللَّه من فضله، فإنها رأت ملكا، وإذا سمعتم نهاق الحمير فتعوذوا باللَّه من الشيطان، فإنها رأت شيطانا". والثابت أيضا أن فرس أسيد بن حضير أحست بالملائكة التى نزلت تستمع إلى القراَن، فاضطربت وكادت تؤذى الولد النائم، كما رواه البخارى ومسلم. وروى النسائى والحاكم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمير فى الليل فتعوذوا باللَّه من الشيطان الرجيم، فإنها ترى ما لا ترون، وأقلوا الخروج إذا هدأت الرِّجل، فان اللَّه يبث فى الليل من خلقه ما شاء " وقال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط مسلم.
يؤخذ من هذا أن الحيوانات ترى من مخلوقات الله المغيبة عنا ما لا يراه الإنسان، لكن الربط بين حيوان بعينه وما يراه إن كان ملكا أو شيطانا يقتصر فيه على ما أخبرنا به النبى صلى الله عليه وسلم بطريق صحيح، ولم أعثر.
على حديث يعتمد عليه فى الاعتقاد بأن الكلب يرى ملك الموت كما هو شائع بين العامة(7/439)
مصير الملكين بعد موت الإنسان
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل من الحديث ما يقال: عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله عز وجل وكّل بعبده المؤمن ملكين يكتبان عمله فإذا مات قالا: أتأذن لنا أن نصعد إلى السماء؟ قال:
فيقول الله تعالى: إن سمائى مملوءة بملائكتى يسبحونى. فيقولان فتأذن لنا فنقيم فى الأرض؟ فيقول الله تعالى: إن أرضى مملوءة من خلقى يسبحونى، فيقولان: فأين نقيم؟ فيقول: قوما على قبر عبدى، فسبحانى واحمدانى وكبرانى وهللانى، واكتبا ذلك لعبدى إلى يوم القيامة"
الجواب
يقول الله سبحانه {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللَّه} الرعد: 11، ويقول {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد. إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد. ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ق: 16 -18، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار".
إن ملائكة اللَّه من عالم الغيب، لا يعلم عددهم إلا اللَّه، ولهم أعمال كلفهم اللَّه بها {لا يعصون اللَّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} التحريم: 6، تفاصيل أحوالهم وأعمالهم لا تقبل إلا عن طريق صحيح، والاعتقاد لا يقوم إلا على الدليل القاطع فى ثبوته ودلالته.
وقد أخبرت الآية أن لله ملائكة مكلفين بحفظ غيرهم من البشر، مع اختلاف المفسرين فيمن يحفظه المعقبات: هل هو محمد صلى الله عليه وسلم لتقدم ذكره فى آية سابقة " إنما أنت منذر ولكل قوم هاد" أو كل الرسل كما قي دل عليه "ولكل قوم هاد" أو الناس عامة تحفظهم من الوحوش والهوام لطفا من اللَّه، حتى إذا جاء القدر خلوا بينه وبينهم، كما قاله ابن عباس وعلى رضى اللَّه عنهما، وقيل الحفظ هو كتابة الأقوال والأفعال، ونقل القرطبى عن الثعلبى كلاما أن الملائكة الموكلة بكل عبد يبلغون عشرين ومعهم إبليس وولده، وليس لهذا الكلام دليل يعتمد عليه فى العقائد "ج 9 ص 292- 294 ".
وذكر فى سورة (ق) رقيبا وعتيدا، وهما الموكلان بكتابة الأعمال، اثنان بالنهار واثنان بالليل وأن لكاتب الحسنات سلطانا على كاتب السيئات، يأمره بعدم الإسراع فى الكتابة لعل الإنسان يستغفر فى ظرف سبع ساعات، كما ذكر الحديث المذكور فى السؤال، ولم يسنده إلى ثقات المحدثين، بل رواه بصيغة التمريض التى تدل على عدم الصحة فى اصطلاح المحدثين، وهى (روى) فالأولى أن نكل العلم إلى اللَّه فيما تقوم به الملائكة مادام لم ينص عليه فى القرآن والسنة الصحيحة(7/440)
ملك الموت
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هو اسم ملك الموت، وكيف يقبض أرواح الكثيرين فى وقت واحد، ومن الذى يقبض روحه هو، وهل صحيح أنه كان يظهر للناس، وأنه استأذن النبى ليقبض روحه وأن موسى لطمه؟
الجواب
نحن مكلفون بالإيمان بالملائكة إجمالا، ولا نكلف بمعرفة أسمائهم إلا ما نص عليه القراَن أو الحديث الصحيح لأن عددهم كبير كما قال اللَّه سبحانه {وما يعلم جنود ربك إلا هو} المدثر: 31، والنص إما على الإسم الشخصى مثل جبريل وميكائيل وإسرافيل، ومنكر ونكير، ورضوان خازن الجنة ومالك خازن النار.
وعزرائيل مشهور بأنه هو ملك الموت وإن كان اسمه لم يرد فى القراَن الكريم.
وإما أن يكون النص على النوع مثل حملة العرش والكتبة الذين يحصون أعمال العباد. والحفظة وغيرهم.
وعزرائيل هو الملك الموكل بقبض الأرواح، قال تعالى {قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون} السجدة: 11، ويقال إن اللَّه اختاره لذلك لأنه هو الذى تجرأ وأخذ من تراب الأرض ليخلق الله منه آدم على الرغم من أنها استعاذت من الملائكة الذين حاولوا قبله أن يأخذوا منها التراب، وهذا كلام وهب بن منبه والزهرى وليس له سند صحيح " مشارق الأنوار للعدوى ص 16" وملك الموت ككل نفس سيموت والذى يقبض روحه هو اللَّه سبحانه.
وجاء فى مشارق الأنوار أيضا "ص 13 " أن له أعوانا بعدد من يموتون، وأخرج ابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما عن نفسين اتفق موتهما فى طرفة عين، واحد بالمشرق والآخر بالمغرب كيف قدرة الملك عليهما؟ قال: ما قدرة ملك الموت على أهل المشارق والمغارب والظلمات والهواء والبحور إلا كرجل بين يديه مائدة يتناول من أيها شاء. وأخرج ابن أبى حاتم عن زهير بن محمد قال: قيل: يا رسول الله، ملك الموت واحد والزحفان يجتمعان بين المشرق والمغرب وما بين ذلك من السخط والهلاك، فقال "إن اللَّه حوى الدنيا لملك الموت حتى جعلها كالطست بين يدى أحدكم، فهل يفوته منها شىء ".
وأخرج أحمد والبزار وصححه عن أبي هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: كان ملك الموت يأتى الناس عيانا، فأتى موسى عليه السلام فلطمه ففقأ عينه، فأتى ربه فقال: يا رب عبدك موسى فقأ عينى ولولا كرامته عليك لشققت عينه، قال له: اذهب إلى عبدى موسى فقل له: فليضع يده على جلد ثور فله بكل شعرة وارت يده سنة، فأتاه فقال له: ما بعد هذا؟ قال: الموت. قال: فالآن. قال: فشمه شمة فقبض روحه ورد اللَّه عليه عينه، فكان بعد يأتى الناس خفية.
وذكر الشعرانى بعد أن حكى رواية للإمام الترمذى بمثل هذا - أن موسى فقأ عين ملك الموت بإذن من ربه عز وجل، لأنه معصوم.
ولذلك لم يعاتبه الله على ذلك "مشارق الأنوار ص 15 ".
كما أورد حديثا عن أحمد عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم وفيه دخول ملك الموت بيت داود عليه السلام - وكانت فيه غيرة - فقبض روحه.
كما نقل أن الطبرانى أخرج عن الحسين أن جبريل هبط على النبى صلى الله عليه وسلم "يوم موته وأخبره أن ملك الموت استأذن على الباب، وما استأذن على أحد قبلك، وأن الملك قال: إن الله أرسلنى إليك وأمرنى أن أطيعك، إن أمرتنى أن أقبض نفسك قبضتها وإن كرهت تركتها، وقد أذن له النبى صلى الله عليه وسلم فى قبضها "المرجع السابق ".
وجاء فى المواهب اللدنية للقسطلانى وشرح الزرقانى "ج 8 ص 285" أن جعفر الصادق بن محمد الباقر أخبر عن أبيه محمد بن على ابن الحسين أنه قال: لما بقى من أجل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثلاث نزل عليه جبريل وساق الكلام المذكور، وجاء فيه أن جبريل قال للنبى: يا رسول الله هذا آخر موطئ من الأرض، إنما كنت "حاجتى من الدنيا. وذكر الزرقانى أن عدم نزول جبريل بعد ذلك إنما هو النزول بالوحى المتجدد، فلا ينافى ما ورد فى أحاديث أنه ينزل ليلة القدر ويحضر قتال المسلمين مع الكفار، ويحضر من مات على طهارة من المسلمين، ويأتى مكة بعد خروج الدجال ليمنعه من دخولها وفى زمن عيسى عليه السلام ليس بشرع جديد.
وخلاصة الإجابة على السؤال: أن ملك الموت اسمه عزرائيل ولم يرد ذكر اسمه فى القراَن، وأنه رئيس الملائكة المكلفة بقبض الأرواح فله أعوان فى هذه المهمة وأن الذى يقبض روحه هو الله بحكم أن كل نفس ذائقة الموت. وأنه كان يظهر للناس. وحادثته مع موسى عليه السلام وردت فى حديث غير متواتر. كما أن حديث استئذانه الرسول فى قبض روحه فيه كلام.
-وليس ذلك عقيدة يجب اعتقادها، وللاجتهاد فيه نصيب(7/441)
تصوير الملائكة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما رأى الدين فى بعض الرسوم الكاريكاتيرية التى تظهر فى الصحف ويسخر فيها أصحابها من عالم الآخرة، حيث يصورون ملائكة الرحمة أو زبانية الجحيم فى صورة مهرجين أو مستهترين؟
الجواب
الملائكة أجسام نورانية قادرون على التشكل بالأشكال الحسنة المختلفة، وصفهم الله سبحانه وتعالى فى القران الكريم بأنهم مطهرون كرام بررة، عباد مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون، أى لا يتعبون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. وناط بهم أعمالا فى مملكته الواسعة، يؤدونها بأمانة وصدق كما أمرهم الله سبحانه، وكما تقض به طبيعتهم الخيرة التى لا تعرف الشر، ولا العصيان. وقد أمرنا الله سبحانه أن نؤمن بهم على هذه الصورة الكريمة كما أمرنا أن نؤمن برسله وكتبه، وحرم الاستهزاء والاستخفاف بهم أو تحقيرهم بأية صورة من الصور كما حرم ذلك بالنسبة للرسل، قال تعالى {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين} البقرة: 98 وقد كان اليهود يَعُدُّون جبريل عليه السلام عدوا لأنه ينزل بالوحى الذى يفضح أحوالهم، وبما يتعارض مع مصالحهم كما يتصورون.
ومن هنا يحرم أى شىء لا يصور الملائكة بصورتهم التى صورها القران الكريم، سواء أكان ذلك قولا أم فعلا: برسم أو ت! مثيل أو كلام أو غيره، فذلك كذب لأنه لا يمثل الحقيقة، والكذب حرام، كما حرم الكذب على الرسل الذى جاء فيه الحديث المتفق عليه " من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " وهو وإن كان فى شأن النبى صلى الله عليه وسلم فهو يشمل كل الرسل {لا نفرق بين أحد من رسله} البقرة: 285 بل الكذب حرام حتى على غيرهم ممن ليست لهم مكانتهم العالية ومنزلتهم الرفيعة. كما يحرم الاستهزاء والاستخفاف بالملائكة وكل من لهم قداسة وتقدير، فإن ذلك يؤدى إلى الكفر، لمنافاته لتشريف الله لهم بأنهم عباد مكرمون، ويقول سبحانه {الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس} الحج: 75.
وإذا فقدنا ثقتنا بهذه الصفوة الممتازة من خلق الله فبمن نثق بعد ذلك وهم ليسوا فى درجتهم، إن مثل هذه الاستهانة بالملائكة والرسل وكرام الناس من الأولياء والعلماء الذين جعل الله لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة، وقال فيهم {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} المجادلة: 11.
إن هذه الاستهانة مدرجة إلى التحلل من كل القيم الرفيعة، والواجب علينا جميعا أن نقف بحزم وشدة أمام هذا التسيب فى العقيدة والأخلاق، {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} الأنفال:
25(7/442)
التلمود
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
نسمع أن لليهود كتابا يسمى التلمود، فهل هو من الكتب المنزلة من عند الله كالتوراة؟
الجواب
كلمة التلمود عبرية معناها العلم أو الثقافة، وعرف بهذا الاسم كتابان:
التلمود الفلسطينى والتلمود البابلى. وموضوعهما واحد، الأول جمعه اليهود الذين بقوا فى فلسطين بعد أن دمر الملك البابلى أورشليم سنة 586 قبل الميلاد، والثانى جمعه اليهود الذين أسرهم هذا الملك فى بابل.
ولما وجد اليهود أنفسهم منعزلين عن المجتمع لتعصبهم: حاولوا التوفيق بين يهودية التوراة والمجتمع، فوضعوا شروحا للتوراة مزجت بالثقافات المختلفة وجمعت فى كتاب اسمه "المشنا" ثم قام زعيم لهم بنشره فى المدارس والمجامع التى عرفت باسم "الكنيست " واعتبروا هذا الزعيم نبيا كموسى.
وطغت الشروح على أصل التوراة، منذ القرن الخامس قبل الميلاد حتى جاء سيدنا عيسى عليه السلام، وبعده انقسم الكتبة إلى فئات تحاول كسب ود الحاكم الرومانى على حساب الدين. وحوالى سنة 70 ميلادية غزا "تيطوس" الرومانى فلسطين وخرَّب أورشليم، وجاء كاتب يهودى اسمه "يهوذا بن سمعان " فى أواخر القرن الثانى وأوائل القرن الثالث، فجمع كل هذه الأعمال وقسمها ستة أجزاء، تشمل قواعد العبادة والأعياد والنساء والمعاملات والقرابين والطهارة ثم أضيفت شروح مكملة، ولما كبرت الشروح جمعها اثنان من الكتبة هما "آشى ورابين" فى القرن الخامس الميلادى، وسمياها "التلمود" وطبع بأصليه: الفلسطينى والبابلى فى البندقية.
هذا، وقد جاء الإسلام وقرر أن اليهود حرفوا التوراة وكتبوا كتبا من عندهم يشترون بها ثمنا قليلا، وبسبب تقديسهم لما كتبوه وتركهم ما أنزل الله وقفوا من الدعوة الإسلامية مواقفهم المعروفة، بل وقفوا من العالم مواقف لتحقيق ما سطره قدماؤهم فى التلمود وما وضعوه من بروتوكولات، وتنصح بعدم قراءة هذه الكتب إلا للمتمكن فى دينه القادر على تمييز الحق من الباطل(7/443)
القرآن: {سيماهم فى وجوههم}
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما معنى قوله تعالى {سيماهم فى وجوههم من أثر السجود} ؟
الجواب
السيما هى العلامة وقد جاء فى المراد منها أقوال عدة، بعضها يجعلها فى الدنيا وبعضها يجعلها فى الآخرة، ومن الأولى قول ابن عباس: هى السمت الحسن، وقال بعض السلف: " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار " روى هذا على أنه حديث مرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم، والصحيح أنه موقوف على جابر. وقد رواه ابن ماجه، وقال ابن العربى: إنه غير مرفوع. وقال بعضهم عن السيما: إن للحسنة نورا فى القلب وضياء فى الوجه وسعة فى الرزق ومحبة فى قلوب الناس. ومنه قول عثمان: ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه.
وقال عمر: من أصلح سريرته أصلح الله علانيته ونقل عن مالك أن السيما هى ما يعلق بجباههم من الأرض عند السجود. وأما ما يقال أنها هى الأثر الطاهر فى الوجه على الجبين فقد سئل عنه مجاهد، وهو من كبار التابعين المفسرين، فقال منكرا لذلك: ربما يكون بين عينى الرجل مثل ركبة العنز، وهى أقسى قلبا من الحجارة، ولكنه نور فى وجوههم من الخشوع.
ومن الثانى: أى كون السيما فى الآخرة، ما قاله الحسن: إنها بياض يكون فى الوجه يوم القيامة. ففى الصحيح " أن الله يأمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا، فمن أراد الله أن يرحمه ممن يقول: لا إله إلا الله، فيعرفونهم فى النار بأثر السجود، تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود، حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود ".
ذكر هذه الأقوال ابن كثير والقرطبى فى التفسير(7/444)
مكر الله
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما معنى قوله تعالى {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين} مع أننا نعرف أن المكر صفة مذمومة لا تليق بالله سبحانه؟
الجواب
فى مفردات الراغب الأصفهانى أن المكر هو صرف الغير عما يقصده بحيلة، وذلك ضربان، مكر محمود، وذلك أن يتحرى بذلك فعل جميل، وعلى ذلك قال {والله خير الماكرين} ومذموم، وهو أن يتحرى به فعل قبيح، قال تعالى {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} فاطر: 43، وقال تعالى {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} الأنفال: 30، وقال تعالى {فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين} النمل: 51، وقال فى المحمود والمذموم {ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون} النمل:
50، وقال تعالى {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين} آل عمران:
54، ومن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم " اللهم امكر لى ولا تمكر على " يعنى أن كفار بنى إسرائيل دبروا حيلة لقتل سيدنا عيسى عليه السلام، ودبر الله أمرا آخر لحمايته فألقى شبه عيسى على غيره، ورفع عيسى إليه، والله خير من يدبر الأمور ولا يغلبه أحد.
هذا ما نقلته عن مفردات الأصفهانى بتصرف بسيط فى تكميل بعض الآيات، وما يوضح معنى الآية الواردة فى السؤال، أما التفسير الوافى فيرجع فيه إلى كتب التفسير، ومن هنا نعرف أن المكر هو التدبير، فإن كان فى شر فهو مذموم، وإن كان فى خير فهو محمود(7/445)
عدية يس
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل هناك فضل لسورة يس، وما رأى الدين فيما يسمى " عدية يس " لقراءتها على الظالم؟
الجواب
جاء فى فضل سورة يس قول النبى صلى الله عليه وسلم " قلب القرآن يس، لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر الله له، أقرءوها على موتاكم " رواه أحمد والنسائى وأبو داود والحاكم وصححه. وقولة " من قرأ يس كتب الله بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات دون يس " رواه الترمذى وقال: حديث غريب، أى رواه راو واحد فقط، وقوله " من قرأ يس فى ليلة ابتغاء وجه الله غفر له " رواه مالك وابن السنى وابن حبان فى صحيحه 0 وجاء فى تفسير القرطبى نقلا عن مسند الدارمى عن ابن عباس وليس مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم هذا الحديث " من قرأ يس حين يصبح أعطى يُسْرَ يومه حتى يمسى، ومن قرأها فى صدر ليلة أعطى يسر ليلته حتى يصبح " وقال القرطبى: رفع الماوردى هذا الخبر إلى النبى صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس بلفظ: " إن لكل شىء قلبا وإن قلب القرآن يس، ومن قرأها فى ليلة أعطى يسر تلك الليلة، ومن قرأها فى يوم أعطى يسر ذلك اليوم " ولم يبين درجة هذا الحديث.
من مجموع ما ورد فى شأنها نعلم أن لها فضلا كما أن لبعض سور القرآن فضلا يزيد على الفضل العام للقرآن وذلك من أجل الترغيب فى قراءتها، ويمكن الأخذ بهذه الأحاديث فى فضائل الأعمال.
هذا، وما يقال عن " عدية يس" فلا أعرف له أصلا فى الدين، فإن لها نظاما فى القراءة - كما يقال - لا يوافق عليه الدين، مع التسليم بأن قراءة يس أو شىء من القرآن عمل صالح يمكن التقرب به إلى الله عند الدعاء، فيقال بعد القراءة: " اللهم إنى أسألك بحق ما قرأت من القرآن الكريم أن تحفظنى من السوء، وترفع عنى ظلم الظالمين " فيرجى أن يستجيب الله الدعاء كما دعا من انطبق عليهم الغار بصالح أعمالهم فنجاهم الله. مع العلم بأن الله سينتصف من الظالم للمظلوم، فدعوته - كما صح فى الحديث -يرفعها الله فوق الغمام ويقول: وعزتى وجلالى لانصرنك ولو بعد حين. ولكننا نوصى بالصبر والعفو، قال تعالى {وجزاء سيئة سيئة مثلها، فمن عفا وأصلح فأجره على الله} الشورى:
40(7/446)
إحراق أوراق المصحف
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
بعض أوراق المصحف تآكلت فهل يجوز أن أتخلص منها بإحراقها أو برميها فى مكان غير نظيف؟
الجواب
لا مانع من إحراق أوراق المصحف للمحافظة عليها من التعرض للإهانة، وقد أمر عثمان بن عفان رضى الله عنه بإحراق ما عدا مصحفه، من المصاحف التى كانت عند بعض الصحابة، وذلك من أجل المحافظة على القرآن ولم ينكر عليه.
ولا يجوز أن تلقى أية ورقة من المصحف على الأرض أو فى مكان قذر ما دام فيها حرف من كلام الله تعالى، ولو حدث ذلك على سبيل الإهانة والاحتقار كان كفرا.
جاء فى " الاتقان " للسيوطى "ج 2 ص 172 " ما نصه: إذا احتيج إلى تعطيل بعض أوراق المصحف لبلاء ونحوه فلا يجوز وضعها فى شق أو غيره، لأنه قد يسقط ويوطأ، ولا يجوز تمزيقها، لما فيه من تقطيع الحروف وتفرقة الكلم، وفى ذلك إزراء بالمكتوب، كذا قاله الحليمى. قال: وله غسلها بالماء، وإن أحرقها بالنار فلا بأس. أحرق عثمان مصاحف كان فيها آيات وقراءات منسوخة ولم ينكر عليه.
وذكر غيره أن الإحراق أولى من الغسل، لأن الغسالة قد تقع على الأرض. وجزم القاضى حسين فى تعليقه بامتناع الإحراق، لأنه خلاف الاحترام، والنووى جزم بالكراهة، وفى بعض كتب الحنفية أن المصحف إذا بلى لا يحرق، بل يحفر له فى الأرض ويدفن، وفيه وقفه، لتعرضه للوطء بالأقدام.
هذا ما قالة العلماء فى التخلص من أوراق المصحف التى تمزقت أو تآكلت، وقد يكون الإحراق أخف طريقة لذلك مع توفر النية الصالحة فى أن ذلك لصيانة القرآن وعدم احتقاره وتعريضه للإهانة، والأعمال بالنيات(7/447)
الاستماع إلى القرآن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل الاستماع إلى القرآن واجب يأثم من ينشغل عنه، مع أن الإنسان قد يكون فى عمل هام يحتاج إلى التركيز فى التفكير كالمذاكرة والامتحان؟
الجواب
قال الله تعالى {وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} الأعراف: 204. حكى ابن المنذر الإجماع على أن استماع القرآن والإنصات إليه واجب فى الصلاة وخطبة الجمعة، وليس واجبا فى غير هاتين الحالتين، بل هو سنة، وذلك لأن وجوب الاستماع فيه حرج كبير على القائمين بأعمال ضرورية تحتاج إلى يقظة وعدم انشغال، وبخاصة أن القرآن يتلى ويذاع من جهات متعددة، إن لم يكن من البيت أو محل العمل فمن البيوت أو المحال الأخرى.
ولكن إذا كان الإنسان فى مجلس قرآن ولا يوجد عمل يشغله ينبغى أو يجب أن يتأدب فى المجلس ولا ينشغل عن الاستماع إليه بحديث أو غيره، وبخاصة مع رفع الصوت بالحديث، وتعظم المسئولية إذا كان قاصدا برفع الصوت التشويش على القرآن وإذا كان الله تعالى قال {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} الحجرات: 2، فإن النهى عن رفع الصوت على صوت القرآن أولى، والأدب مع الله وكلامه فوق الأدب مع الرسول وكلامه. " الفتاوى الإسلامية. ج 5 ص 1666 ".
والمراد بسماع القران فى الصلاة هو سماع المأموم لقراءة الإمام، فلا يجوز أن يشغل المأموم عن قراءة الإمام بأن يقرأ هو، وقد مر حكم ذلك، والإنصات إلى خطبة الجمعة واجب لأن فيها قرانا، والنصوص ثابتة فى الأمر بالإنصات للخطبة، وأن من لغا أو انصرف عنها فلا جمعة له.
والخلاصة أن الاستماع إلى القرآن واجب فى الصلاة عند قراءة الإمام وفى خطبة الجمعة، ومندوب فى غير ذلك، فقد روى أحمد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلا آية من كتاب الله كانت له نورا يوم القيامة " ذكره ابن كثير عند تفسير الآية المذكورة " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له "(7/448)
الظلمات الثلاث
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هى الظلمات الواردة فى قوله تعالى {يخلقكم فى بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق فى ظلمات ثلاث} الزمر: 6؟
الجواب
الكلام فى تفسير هذه الظلمات كثير، وأحسن ما قيل فيها أنها ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة. وهو المنقول عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة والضحاك. وقيل: ظلمة صلب الرجل وظلمة بطن المرأة وظلمة الرحم، وهذا مذهب أبى عبيدة، يقول القرطبى: أى لا تمنعه الظلمة كما تمنع المخلوقين، أى أن الله سبحانه يخلق الإنسان فى بطن أمه طورا بعد طور، من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى عظام إلى لحم، وقيل فى معنى " خلقا من بعد خلق " خلقا فى بطون أمهاتكم من بعد خلقكم فى ظهور آبائكم، ثم خلقا بعد الوضع، كما ذكره الماوردى(7/449)
الدخان المبين
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
أرجو تفسير الآيتين 10، 11 من سورة الدخان؟
الجواب
الآيتان هما قوله تعالى {فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين. يغشى الناس هذا عذاب أليم} .
الدخان هنا فيه ثلاثة أقوال:
الأول: أنه من علامات الساعة، ولم يجىء بعد، وفى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم " ذكر من علامات الساعة الدخان. وهذا الدخان يمكث أربعين يوما، أما المؤمن فيصيبه منه شبه الزكام، وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران، يخرج الدخان من فمه ومنخره وعينيه وأذنيه ودبره ".
والقول الثانى: أنه ما أصاب قريشا من الجوع بسبب دعاء النبى صلى الله عليه وسلم، حتى كان الرجل يرى السماء والأرض دخانا.
ذكره البخارى ومسلم.
والقول الثالث: أنه يوم فتح مكة، لما حجبت الغبرة السماء.
وكتب التفسير فيها توضيح لذلك فيرجع إليها من أراد(7/450)
موسى والآيات التسع
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هى الآيات التسع التى آتاها الله سبحانه وتعالى لموسى عليه السلام؟
الجواب
قال تعالى {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بنى إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إنى لأظنك يا موسى مسحورا} الإسراء:
101، اختلف المفسرون فى المراد بهذه الآيات، فقيل: هى بمعنى آيات الكتاب كما روى الترمذى والنسائى أن يهوديين سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال " لا تشركوا بالله شيئا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق، ولا تسرقوا، ولا تسخروا، ولا تمشو ببرىء إلى السلطان فيقتله، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تفروا من الزحف ".
وقيل: إن الآيات بمعنى المعجزات والدلالات، وهى:
1 -العصا: قال تعالى {فألقى عصاه فإذا هى ثعبان مبين} الشعراء: 32.
2-اليد: قال تعالى {ونزع يده فإذا هى بيضاء للناظرين} الشعراء: 33.
3- اللسان: قال تعالى {واحلل عقدة من لسانى يفقهوا قولى} طه: 27، 28.
4 - البحر: قال تعالى {فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم} الشعراء: 63.
5 - الطوفان. 6- الجراد. 7 - القمل. 8 - الضفادع.
9 - الدم: قال تعالى {فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات} الأعراف: 133.
وقيل غير ذلك " انظر تفسير القرطبى ج 10 ص 335 "(7/451)
أصحاب الرس
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
من هم أصحاب الرس، ومن هو النبى الذى أرسل إليهم؟
الجواب
قال تعالى {كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود} ق: 12، جاء فى تفسير القرطبى لسورة الفرقان: أن الرس فى كلام العرب هو البئر التى تكون غير مطوية أى غير مبنية، والكلام كثير فى بيان أصحاب الرس، ولا يوجد مستند صحيح لهذه الأقوال، فقيل: هم أهل أنطاكية الذين قتلوا حبيبا النجار مؤمن آل يس وطرحوه فى البئر، وقيل قوم من ولد يهوذا كانوا يعبدون شجرة صنوبر قتلوا نبيهم ورسُّوه فى البئر. وقال وهب بن منبه: أرسل الله شعيبا إلى قوم حول بئر فكذبوه، وقال قتادة: أصحاب الرس وأصحاب الأيكة أمتان أرسل الله إليهما شعيبا، وقيل أصحابها قوم باليمامة، وقيل هم أصحاب الأخدود، وقد يكون رسولهم ممن لم يقصهم الله على نبيه، وقيل هم قوم حنظلة بن صفوان.
وعلى كل حال لا يضر الجهل بهم فليس فيهم خبر صحيح(7/452)
يا أيها النبى اتق الله
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
كيف يأمر الله نبيه بقوله تعالى {اتق الله} فهل وقع منه خطأ أو تقصير حتى يقول الله ذلك؟
الجواب
قال تعالى {يا أيها النبى اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما} الأحزاب: 1.
المراد بالأمر هنا هو المداومة على التقوى، ولا يقصد بها أن الرسول كان غير متق لله فأمره الله بالتقوى. ومثل ذلك كثير فى القرآن الكريم(7/453)
السبع المثانى
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هى السبع المثانى؟
الجواب
يقول اللَّه تعالى {ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم} الحجر: 87، اختلف العلماء فى المراد بالسبع المثانى، فقيل هى: الفاتحة، وهو أصح الآراء، لورود الحديث بذلك، فقد روى البخارى عن أبى سعيد الخدرى قال: مَرَّ بى النبى صلى الله عليه وسلم وأنا أصلى، فدعانى فلم آته حتى صليت، ثم أتيته فقال: " ما منعك أن تاتينى"؟ فقلت: كنت أصلى، فقال ألم يقل الله: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا للَّه وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} ؟ الأنفال: 24، ألا أعلمك أعظم سورة فى القرآن قبل أن أخرج من المسجد؟ فذهب النبى صلى الله عليه وسلم ليخرج فذكرته فقال: "الحمد لله رب العالمين، هى السبع المثانى والقرآن العظيم الذى أوتيته " وجاء فى البخارى أيضا عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "أم القرآن هى السبع المثانى والقراَن العظيم " وأم القرآن هى الفاتحة كما جاء فى الحديث " الحمد لله أم القران وأم الكتاب والسبع المثانى " رواه الترمذى وقال: حديث حسن صحيح، وهذا نص يغنى عن الأقوال الأخرى فى المراد بالسبع المثانى، ومن هذه الأقوال أنها السور السبعة الطُول أى الطويلة: وهى البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال مع التوبة لعدم وجود التسمية بينهما، وهذا هو رأى ابن عباس كما رواه النسائى عن سعيد بن جبير عنه، وقيل: المراد بالسبع المثانى أقسام القرآن من الأمر والنهى والتبشير والإنذار وضرب الأمثال وتعديد النعم وأنباء القرون، وهناك أقوال أخرى لا تستند إلى نص، فالصحيح هو الأول. ووصف الفاتحة بأنها المثانى لأنها تثنى وتكرر فى ركعات الصلاة والقرآن كذلك يوصف بالمثانى كما قال سبحانه {اللَّه نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللَّه} الزمر: 22، لأبها تثنى وتتكرر على مر الزمان، كذلك تتثنى فوائدها وتتضاعف، على ما يفيده قول النبى صلى الله عليه وسلم " ولا تنقضى عجائبه " رواه الترمذى، وهى أيضا مأخوذة من الثناء والمدح والشرف، لأن القرآن مجلبة لذلك كله، فى نظمه وهدايته وقراءته وتعلمه ونشره وتعليمه والتخلق بأخلاقه وتطبيق أحكامه، والقرآن كذلك مثانى لما يلاحظ فيه من الثنائية، بمعنى الاقتران، أى اقتران آية الرحمة بآية العذاب، والوعد بالوعيد والجنة بالنار، والهدى بالضلال، وهكذا(7/454)
المشرق والمغرب والمشارق والمغارب
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما معنى قوله تعالى {ولله المشرق والمغرب} وكيف نوفق بينه وبين الآيات التى فيها مشرقان ومغربان ومشارق ومغارب؟
الجواب
قال تعالى {رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا} المزمل: 9، وقال تعالى {رب المشرقين ورب المغربين} الرحمن: 17، وقال {فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون} المعارج: 40، خلاصة كلام المفسرين أن المقصود بالمشرق والمغرب فى الآية الأولى مشرق الشمس ومغربها، أى الجهة التى تشرق منها والجهة التى تغرب فيها، والمراد الجهات كلها، فليس هناك فى الوجود كله إله يستحق العبادة إلا الله سبحانه، ويلتقى هذا مع قوله تعالى {وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله} الزخرف: 84، أى مالك الكون كله. والمقصود بالمشرقين والمغربين فى الآية الثانية مشرق الشمس ومشرق القمر، ومغرب الشمس ومغرب القمر، فلكل منهما مشرق ومغرب، وقيل:
المراد من المشرقين والمغربين مشرقا الشمس ومغرباها، وذلك صيفا وشتاء، حيث يكون شروقها من أقص منزلة فى الشمال ومن أقصى منزلة فى الجنوب، وكذلك غروبها فى أقصى منزلة فى الشمال وفى الجنوب، وهذا مشاهد لكل عين، حيث يختلف مطلع الشمس ومغربها صيفا وشتاء. والله سبحانه هو الذى يقدر حركات الكون، فتأخذ أجزاء الأرض أوضاعا من الشمس يكون منها الصيف والشتاء وبقية الفصول، وتتراءى لنا الشمس كأنها هى التى تعلو وتنخفض عند الشروق والغروب، وتجرى فى مسارات مختلفة باختلاف الفصول، ولا يقدر على ذلك إلا الله سبحانه. والمقصود بالمشارق والمغارب فى الآية الثالثة، إما مشارق الشمس ومغاربها، وإما مشارق جميع النجوم ومغاربها، فإن كان المقصود الأول فإن الشمس - فى المسافة التى بين أقصى ارتفاع وأقصى انخفاض لها بحسب رؤية العين صيفا وشتاء - تشرق كل يوم من منزلة وتغرب فى منزلة، أى مشرق جديد ومغرب جديد. ولا تتكرر المنزلة فى الشروق والغروب إلا مرتين فى السنة الشمسية حين تمر عليها الشمس شمالا وجنوبا وإن كان المراد الثانى وهو مشارق جميع النجوم ومغاربها فالأمر واضح فى الكثرة، لأن لكل منها مشرقا ومغربا، بل مشارق ومغارب. هذا ولا تتنافى كثرة المشارق والمغارب للشمس مثلا كما تدل عليه الآية الثالثة - مع الإخبار بمشرقين ومغارب كثيرة بتعدد المنازل كما ذكرنا، كما لا تتنافى الآيتان الأخيرتان مع الآية الأولى التى ذكر فيها مشرق واحد ومغرب واحد، لأن المراد - كما قال المفسرون - جهة الشروق وجهة الغروب وفى كل من الجهتين منزلة لشروق الشمس وغروبها إجمالا ومنازل تفصيلا. وقال بعض المفسرين. المراد بالمشرق والمغرب فى هذه الآية الجنس لا الوحدة والجنس يصدق بالواحد والاثنين والثلاثة وما بعدها، فلا تنافى بين الاَية والآيتين الأخريين. والمراد بالمشرقين والمغربين فى الآية الثانية جنس المشرقين للشمس والقمر وجنس المغربين لهما، وهو يصدق بالواحد والمتعدد.
وبهذا يعلم أنه لا تضارب بين آيات القران الكريم مطلقا، لأن القرآن كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. ولو كان من عند غير اللَّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. وإذا كان هناك تضارب فهو بحسب الظاهر لا بحسب الحقيقة. فلا يجوز أن يوجه الطعن إليه قبل التدبر والفهم فكم من عائب قولا صحيحا * وآفته من الفهم السقيم(7/455)
الأرضون السبع
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل الأرض سبع كما أن السموات سبع؟
الجواب
روى الحاكم فى المستدرك وقال صحيح الإسناد، وروى البيهقى فى شعب الإيمان وقال: إسناد صحيح عن أبى الضحى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال فى قوله تعالى {اللَّه الذى خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن} الطلاق: 12، قال: سبع أرضين. فى كل أرض نبى كنبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوحكم وإبراهيم كإبراهيمكم وعيسى كعيساكم. قال البيهقى: إسناد هذا الحديث إلى ابن عباس صحيح، إلا أنى لا أعلم لأبى الضحى متابعا، فهو شاذ، لأنه لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن كما تقرر فى علوم الحديث، لاحتمال أن يكون فى المتن شذوذ أو علة تمنع صحته. وما دام الحديث ضعيفًا فلا داعى للقول بأن سكان هذه الأرضين من البشر أم من غيرهم، وهل الرسل فيها كانوا مقارنين لرسل هذه الأرض التى يسكنها بنو آدم. هذا، ومثلية الأرضين للسموات قد تكون مثلية كم أو كيف، أى مثلية فى العدد، أو مثلية فى إبداع الخلق ودقة الصنع والاحتواء على الآيات والدلائل الشاهدة على عظمة الخلق والخالق.
وندع العقل يجول فى الكشف.وفى الاستنتاج، وإذا وصل إلى حقيقة مقررة ثابتة فإنها لا تتعارض أبدا مع كلام الله سبحانه، وكلام اللَّه هو الأصل، وغيره يقاس عليه ويحاكم إليه،.إذا اتضح معنى النص ولم يحتمل عدة معان وتأويلات. والاحتياط واجب فى عدم حمل آيات القرآن على ما يقال من كشوف لم تتعد حدود النظريات والافتراضات. وقد تكون من الأراضى المريخ وزهرة وعطارد لتشابه العناصر المكونة لها مع عناصر الأرض(7/456)
الصلب والترائب
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هو الصلب والترائب التى خلق منها الإنسان؟
الجواب
هذه الآية من الآيات العلمية التي ما كان العرب يعرفون عنها شيئا، وبالتالى لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم ليعلم عنها شيئا لولا نزول القرآن عليه من اللَّه " واللَّه يعلم وأنتم لا تعلمون " وذلك من أدلة صدق النبي صلى الله عليه وسلم فى دعواه الرسالة. وقد ظل الناس قرونا طويلة يجهلون كيف يتخلق الجنين فى بطن أمه حتى نزل القرآن فبين ذلك بدقة في سورة " المؤمنون " ووضحه النبى صلى الله عليه وسلم فى حديثه وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى، وبين أن الإنسان يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم أربعين يوما علقة ثم أربعين يوما مضغة. . . والمفسرون للقرآن والشارحون للأحاديث كانوا يوضحون ذلك حسب المعلومات التى كانت عندهم مع استعانتهم بمعانى الألفاط العربية التى نزل بها القرآن. والترائب هى عظام الصدر، وهل المراد صدر الرجل، أو صدر المرأة الذى يقابله الصلب فى الرجل؟ رأيان.
وإليك نموذجا من التفاسير:
(أ) جاء فى تفسير القرطبى أن الانسان يخلق من ماء الرجل الذى يخرج من صلبه العظم والعصب، ومن ماء المرأة الذى يخرج من ترائبها اللحم والدم، وقيل من صلب الرجل وترائبه، ومن صلب المرأة وترائبها. ولم يوضح كيف تم الخلق بهذه الصورة.
(ب) جاء فى تفسير الجواهر للشيخ طنطاوى جوهرى معتمدا فيه على ما فى تفسير الفخر الرازى: أن الدماغ مركز الأدراك وخليفته فى الجسم النخاع الشوكى المخزون فى الصلب، والنخاع له شعب كثيرة تصل إلى جميع أجزاء الجسم. . . ولن يتم اجتماع الرجل بالمرأة إلا بقوة الحس عن طريق الدماغ والنخاع الذى فى الصلب، وكذلك بوجود زينة المرأة التى يغلب أن تكون على ترائبها، أى على صدرها، ولذا عبر عن الرجل بالصلب وعن المرأة بالترائب وهذا فحوى كلام الرازى وجوهرى، وهو تفسير سطحى لعملية تكوين الجنين.
(ج) .وجاء فى تفسير القاسمى: أن المنى باعتبار أصله وهو الدم يخرج من شىء ممتد بين الصلب - فقرات الظهر فى الرجل - والترائب أى عظام صدره، وذلك الشىء الممتد بينهما هو الأبهر " الأورطى " وهو أكبر شريان فى الجسم يخرج من القلب خلف الترائب ويمتد إلى آخر الصلب تقريبا، ومنه تخرج عدة شرايين عظيمة، ومنها شريانان طويلان يخرجان منه بعد شريانى الكليتين وينزلان إلى أسفل البطن حتى يصلا إلى الخصيتين فيغذياهما، ومن دمهما يتكون المنى فى الخصيتين ويسميان بشريانى الخصيتين أو الشريانين المنويين، فلذا قال تعالى عن المنى {يخرج من بين الصلب والترائب} لأنه يخرج من مكان بينهما وهو الأورطى أو الأبهر.
(د) هذا بعض ما جاء فى كتب التفسير، وهى محاولات لتقريب المعنى المعهود الآن مما وصل إليه العلم، ولا شك أن الكشوف العلمية تتقدم يوما بعد يوم، ثم قرأنا للمختصين أن الغدد التناسلية فى الجنين تكون أصلا فى المنطقة الواقعة بين عظام الظهر " الصلب " وعظام الصدر " الترائب " وهذا ما يدل عليه قوله تعالى {يخرح من بين الصلب والترائب} سواء منه الذكر والأنثى، فهى تخلق فى نفس المكان، ولعل مما يؤكد ذلك قوله تعالى {وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم فريتهم} فكلمة: " بنى آدم " تشمل الذكر والأنثى. وتفصيل ذلك يرجع فيه إلى المختصين، وبخاصة فى علم الأجنة.
هذه صور من محاولات تفسير ما ورد فى القراَن من الأمور العلمية. ولعل فى الكشوف المستقبلة ما يوضح ذلك أكثر وأكثر، مصداقا لقوله تعالى {سنريهم آياتنا فى الاَفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}(7/457)
أخذ الأجر على قراءة القرآن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل تجوز قراءة القرآن بأجر؟
الجواب
قارىء القرآن لا خلو من حالات أربعة:
الأولى: أن يقرأه تقربا إلى اللَّه كما يتقرب بالذكر والتسبيح وسائر أنواع القرب.
الثانية: أن يقرأه من أجل إفادة غيره بتعليمه إياه حفظا أو تجويدا، أو بوعظه وإرشاده به.
الثالثة: أن يقرأه من أجل إفادة غيره بحسن صوته وتطريبه وتلحينه، أو من أجل العلاج به.
الرابعة: أن يقرأه ليهب ثوابه إلى الميت.
والأجر على هذه القراءة إما أخروى وإما دنيوى، ولكل حالة حكمها.
1 -أما القراءة تقربا إلى الله سبحانه فلها ثواب أخروى إذا خلت من الرياء، وقد جاءت نصوص كثيرة ترغب فى قراءته، فالحرف الواحد بعشر حسنات، ويرقى القارئ فى درجات الجنة بمقدار ما يقرأ، والقرآن شافع مشفع، ويلبسه اللَّه تاج الكرامة وحلة الكًرامة ويرضى اللَّه عنه، ويأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة، إلى غير ذلك من أنواع الثواب الذى جعله لقراءته بوجه عام إلى جانب ما جعله لسور واَيات مخصوصة. ولا يجوز مطلقا أن يتعاقد على أجر فى مقابل هذه القراءة، كالصلاة، وإلا حُرِمَ ثواب الله، حيث قصد بالقراءة غير وجه الله. لكن لو قدمت له هدية من أجل تكريمه وتشجيعه على الطاعة فلا مانع من قبول الهدية، للترغيب فى قبولها، على شرط ألا يكون متطلَّعا لها عند قراءته.
وفى مثل هؤلاء المتاجرين بالقراءة والمرائين والمتسولين به يقول الحديث الذى رواه أحمد " اقرءوا القراَن ولا تغْلُوا فيه ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به " والغلُوُّ فيه والجفوة عنه هو فى التطبيق، مغالاة فى التمسك أو تقصيرا وجفوة له، والأكل به هو أخذ المقابل له كسلعة تباع، والاستكثار به يكون بالرياء والتفاخر والتعالى، وذلك على بعض ما شرح به الحديث، وكذلك فى مثل هؤلاء يقول الحديث الذى رواه أحمد والترمذى " اقرءوا القراَن واسألوا اللَّه به، فإن من بعدكم قوما يقرءون القراَن يسألون به الناس " وكذلك أحاديث أخرى تقبل فى فضائل الأعمال، هذا وقد جاء فى كتاب " الحاوى للفتاوى" للسيوطى:
لو قال شخص لاَخر: اقرأ لى كل يوم ما تيسر من القراَن واجعل ثوابه لى أو لفلان الميت، وجعل له على ذلك مالا معلوما ففعل، فهل يكون ثواب القراءة لهذا الشخص أو يكون له مثل الثواب، وهل يبقى للقارىء ثواب أم لا، وما الحكم لو كانت القراءة بدون مقابل، بل كانت تبرعا؟ جاء فى الجواب: أن هذه القراءة جائزة إذا شرط الدعاء بعدها والمال الذى أخذه القارى هو من باب الجعالة، والجعالة هنا على الدعاء لا على القراءة، فإن ثواب القراءة للقارئ ولا يمكن نقله للمدعو له، وإنما يقال: له مثل ثوابه فيدعو بذلك ويحصل له إن استجاب اللَّه الدعاء، وكذلك حكم القارئ بدون مقابل. ثم قال السيوطى:
من يقرأ ختمات من القران بأجرة هل يحل له ذلك؟ وهل يكون ما يأخذه من الأجرة من باب التكسب أو الصدقة؟ وأجاب بقوله: نعم يحل له أخذ المال على القراءة والدعاء بعدها، وليس ذلك من باب الأجرة ولا الصدقة، بل من باب الجعالة، فإن القراءة لا يجوز الاستئجار عليها، لأن منفعتها لا تعود إلى المستأجر.
لما تقرر فى مذهبنا - الشافعية - من أن ثواب القراءة للقارىء لا للمقروء له، وتجوز الجعالة عليها إن شرط الدعاء بعدها، وإلا فلا، وتكون الجعالة على الدعاء لا على القراءة، هذا مقتضى قواعد الفقه. انتهى.
2 - أما الذى يعلِّم القرآن للحفظ والتجويد أو للوعظ والتعليم للدين، فله أجر من اللَّه إن قصد به وجهه دون رياء أو طلب مقابل دنيوى، والنصوص كثيرة فى الترغيب فى التعليم، منها حديث "خيركم من تعلم القرآن وعلمه " رواه البخارى ومسلم وحديث " يا أبا ذر، لأن تغدو فتعلم آية من كتاب اللَّه خير لك من أن تصلى مائة ركعة، ولأن تغدو فتعلِّم بابا من العلم، عمل به أو لم يعمل خير لك من أن تصلى ألف ركعة" رواه ابن ماجه بإسناد حسن.
وحديث الثلاثة الذين هم أول من تُسَعَر بهم النار يوم القيامة، ومنهم رجل تعلم العلم وقرأ القرآن من أجل أن يقال إنه عالم وقارئ، وقد استوفى بذلك ما أراد فى الدنيا ولم يَعُدْ له ثواب عند الله، فيؤمر به ويسحب على وجهه ويلقى فى النار رواه مسلم وغيره، وينظبق عليهم قول اللَّه تعالى {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نُوَفِّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم فى الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} هود:
15، 16،. أما أجر الدنيا على تعليم القرآن والوعظ به، فينظر فيه، فإن كان واجبا على القائم به لحاجة المتعلم إليه لمعرفة ما يجب عليه ولا يوجد غير هذا المعلم فأختار ألا يستحق عليه أجرا وألا يساوم على هنا الأجر، لأن الواجب الدينى ثوابه وأجره عند الله فقط، والتقصير فيه يستوجب العقوبة، أما إن كان التعليم غير واجب فلا مانع من أخذ الأجر عليه، لأنه أمر اختيارى لا عقوبة فى التقصير فيه. وفى كلتا الحالتين - وجوب التعليم وعدم وجوبه - لو أعطيت للمعلم هدية غير مشروطة وغير مساوم عليها فلا مانع من قبولها، بل يُسنُّ قبولها كأية هدية أخرى وكذلك لو خصص بيت المال أو جهة ما مبلغا من المال يدفع للقائمين بذلك تشجيعا لهم على التفرغ لهذا العمل وعدم انشغالهم عنه بواجب كسب عيشهم بزراعة أو تجارة مثلا، وعملهم هذا جهاد فى سبيل الله بمعناه الواسع غير القاصر على حمل السلاح لمواجهة العدو. وقد ورد فى ذلك حديث أُبَىَّ بن كعب قال: علَّمت رجلا القرآن فأهدى لى قوسا، فذكرت ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال " إن أخذتها أخذت قوسا من نار " فرددتها. رواه ابن ماجه، ورواه غيره بألفاظ أخرى جاء فيها أنه كان يأكل أيضا من طعام من علَّمه، وأن الرسول أجازه إن كان طعاما عاديا لأهل هذا الرجل وليس خاصا به. وفى هذا الحديث كلام يضعف الاحتجاج به، وبخاصة على الحرمة، وتوضيح ذلك يرجع، إليه فى نيل الأوطار للشوكانى " ج 5 ص 303".
ويستدل على جواز أخذ مقابل لتعليم القرآن فى حالة عدم وجوبه بما أخرجه البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم أجاز أن يكون الصداق فى الزواج تعليم الزوجة شيئا من القرآن. يقول الشوكانى بعد ذكر أحاديث النهى عن الأكل بالقرآن والسؤال به وعن أخذ القوس وتناول الطعام عند صاحبه: إنه قد استدل بها من قال: لا تحل الأجرة على تعليم القرآن وهو أحمد بن حنبل وأصحابه وأبو حنيفة والهادوية، وظاهره عدم الفرق بين أخذها على تعليم من كان صغيرا أو كبيرا، وقالت الهادوية: إنما يحرم أخذها على تعليم الكبير، لأجل وجوب تعليمه القدر الواجب وهو غير متعين، ولا يحرم على تعليم الصغير لعدم الوجوب عليه. وقال: وذهب الجمهور إلى أنها تحل الأجرة على تعليم القرآن، وأجابوا كل عن أحاديث المنع بأجوبة منها -إلى جانب الضعف - أن الرسول علم من أُبي بن كعب أنه فعل ذلك خالصا لوجه اللَّه فكره أخذ العوض عليه، وأما من علَّم القرآن على أنه لله وأن يأخذ من المتعلم ما دفعه إليه بغير سؤال ولا استشراف نفس فلا بأس به، وأن حديث تحريم السؤال به غير أخذ الأجر على تعليمه، وحديث منع الأكل بالقرآن لا يستلزم المنع من قبول ما يدفعه المتعلم بطيب نفس. وحاول الشوكانى ردَّ هذه الأجوبة بأسلوب يدل عل تحمسه لمذهب من حرم أخذ الأجرة، كما حاول الرد على حديث البخارى فى جواز أن يكون تعليم القرآن صداقا فى الزواج وهو أجر، بعدة ردود منها أنه خاص بهذين الزوجين وليس عاما، بناء على حديث سعيد بن منصور الذى جاء فيه " لا يكون لأحد بعدك مهرا ".
هذا، وما دام الجمهور قد أجاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وبخاصة إذا كانت بسخاء نفس تشبه الهدية فلا مانع من أخذ هذا المقابل، مع الوصية بعدم الحرص الشديد عليه وإيثار ثواب الله على أجر الدنيا، هذا وقد جاء فى تفسير القرطبى "ج 1 ص 334 " لقوله تعالى {ولا تشتروا باَياتى ثمنا قليلا} البقرة:
41، أن الأحبار كانوا يعلمون دينهم بالأجرة فنهوا عن ذلك. ثم قال: وهذه الآية وإن كانت خاصة ببنى إسرائيل فهى تتناول من فعل فعلهم، فمن أخذ رشوة على تغيير حق أو إبطاله أو امتنع من تعليم ما وجب عليه أو أداء ما علمه وقد تعين عليه حتى يأخذ عليه أجرا فقد دخل فى مقتضى الاَية. وقد روى أبو داود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عَرْفَ الجنة يوم القيامة " يعنى ريحها. ثم قال القرطبى: وقد اختلف العلماء فى أخذ الأجرة على تعليم القرآن والعلم لهذه الآية وما كان فى معناها، فمنع ذلك الزهرى وأصحاب الرأى فقالوا: لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، لأن تعليمه واجب من الواجبات التى يحتاج فيها إلى نية التقرب والإِخلاص، فلا يؤخذ عليها أجرة كالصلاة والصيام، وقد قال تعالى {ولا تشتروا بآياتى ثمنا قليلا} وروى ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " معلمو صبيانكم شراركم، أقلهم رحمة باليتيم وأغلظهم على المسكين (1) " وعن أبى هريرة فى المعلمين " درهمهم حرام وثوبهم سحت وكلامهم رياء" وروى عبادة بن الصامت أنه علَّم ناسا من أهل الصفة القرآن والكتابة، فأهدى إليه رجل منهم قوسا رأى أنها ليست بمال وأنه يرمى بها فى سبيل اللَّه، فسأل الرسول عن ذلك فقال " إن سرك أن تطوق بها طوقا من نار فاقبلها". وأجاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن مالك والشافعى وأحمد وأبو ثور وأكثر العلماء، لحديث البخارى " إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب اللَّه " وهو نص يرفع الخلاف فينبغى أن يعول عليه. ثم قال القرطبى:
وأما ما احتج به المخالف، من القياس على الصلاة والصيام ففاسد لأنه فى مقابل النص، ثم إن بينهما فرقانا، وهو أن الصلاة والصيام عبادات مختصة بالفاعل، وتعليم القرآن عبادة متعدية لغير المعلم، فتجوز الأجرة على محاولته النقل، كتعليم كتابة القرآن. قان ابن المنذر: وأبو حنيفة يكره تعليم القرآن بأجرة، ويجوِّز أن يستأجر الرجل يكتب له لوحا أو شعرا أو غناء معلوما بأجر معلوم، فيجوز الإِجارة فيما هو معصية ويبطلها فيما هو طاعة. وأما الجواب عن الآية فالمراد بها بنو إسرائيل، وشرع من قبلنا هل هو شرع لنا؟ فيه خلاف، وهو لا يقول به. وجواب ثان وهو أن تكون الآية فيمن تعيَّن عليه التعليم فأبى حتى يأخذ عليه أجرا، فأما إذا لم يتعين فيجوز له أخذ الأجرة بدليل السنة فى ذلك، وقد يتعين عليه إلا أنه ليس عنده ما ينفقه على نفسه ولا على عياله فلا يجب عليه التعليم وله أن يقبل على صنعته وحرفته، ويجب على الإِمام أن يعين لإِقامة الدين إعانته، وإلا فعلى المسلمين، لأن الصدِّيق رضى الله عنه لما ولى الخلافة وعُيِّن لها لم يكن عنده ما يقيم به أهله فأخذ ثيابا وخرج إلى السوق، فقيل له فى ذلك، فقال: ومن أين أنفق على عيالى؟ فردوه وفرضوا له كفايته. وأما الأحاديث فليس شىء منها يقوم على ساق، ولا يصح منها شىء عند أهل العلم بالنقل، أما حديث ابن عباس فرواه سعد بن طريف عن عكرمة عنه، وسعيد متروك. وأما حديث أبى هريرة فرواه على بن عاصم عن حماد بن سلمة عن أبى جرهم عنه، وأبو جرهم مجهول لا يعرف، ولم يرو حماد بن سلمة عن أحد يقال له أبو جرهم. وإنما رواه عن أبى المهزِّم وهو متروك الحديث أيضا، وهو حديث لا أصل له، وأما حديث عبادة بن الصامت فرواه أبو داود من حديث المغيرة بن زياد الموصلى عن عبادة بن نُسىِّ عن الأسود بن ثعلبة عنه، والمغيرة معروف عند أهل العلم ولكن له مناكير، هذا منها، قاله أبو عمر. ثم قال: وأما حديث القوس فمعروف عند أهل العلم، لأنه روى عن عبادة من وجهين، وروى عن أُبى بن كعب من حديث موسى بن على عن أبيه عن أبى، وهو منقطع. وليس في الباب حديث يجب العمل به من جهة النقل، وحديث عبادة وأبى يحتمل التأويل لأنه جائز أن يكون علَّمه لله ثم أخذ عليه أجرا، وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " خير الناس وخير من يمشى على جديد الأرض المعلمون، كلما خلق الدين - صار قديما - جددوه، أعطوهم ولا تستأجروهم فتحرجوهم، فإن المعلم إذا قال للصبى: قل بسم الله الرحمن الرحيم، فقال الصبى بسم الله الرحمن الرحيم كتب اللَّه براءه للصبى وبراءة للمعلم وبراءة لأبويه من النار". انتهى ما قاله القرطبى، لكنه لم يذكر درجة هذا الحديث، وهو إن كان ضعيفا يعمل به فى فضائل، الأعمال. يتلخص من هذا، أن الأجر على تعليم القرآن جائز إن لم يتعين عليه، وكذلك إن تعين عليه لكنه مشغول بتحصيل قوته فيجعل له بيت المال أو المسلمون ما يجعله متفرغا للتعليم، ثم قال القرطبى " ص 337": واختلف العلماء فى حكم المصلى بأجرة، فروى أشهب عن مالك أنه سئل عن الصلاة خلف من استؤجر فى رمضان يقوم للناس - صلاة التراويح وقيام الليل - فقال: أرجو ألا يكون به بأس، وهو أشد كراهة له فى الفريضة. وقال الشافعى وأصحابه وأبو ثور: لا بأس بذلك ولا بالصلاة خلفه. وقال الأوزاعى: لا صلاة له، وكرهه أبو حنيفة وأصحابه.
3- أما أصحاب الأصوات الحسنة الذين يقصدون من قراءتهم إدخال السرور على السامعين، سواء كانت المناسبة أفراحا وأعيادا أم عزاء مثلا، مع التزام كل الآداب المطلوبة من القراء والسامعين، إن كانت هناك مساومة على الأجر يمكن أن ينطبق عليه حديث النهى عن الأكل والتسول به، وعن الاستكثار والتفاخر بالصوت الجميل، لأن العمل ليس تعليما للقرآن ولا تعليما للدين به، بل مجرد قراءة لا يقصد بها وجه اللَّه عند بعضهم، فهى قربة كالصلاة لا تطلب بها الدنيا ماديا ولا أدبيا، أما إذا لم تكن مساومة وأعطيت كهدية فلا مانع من قبولها، وقد يثاب دافعها إن قصد بها تكريم القرآن وحامله إن كان غنيا، أو مساعدته إن كان محتاجا للمساعدة. وإن قصد بقراءة القرآن علاج مريض، كالرقى التى أجازها النبى صلى الله عليه وسلم، فلا مانع من اشتراط الأجر وقبوله. وقد جاء النص على هذه الحالة فى حديث رواه البخارى عن ابن عباس أن نفرا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم، فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال: هل فيكم من راق فإن فى الماء رجلا لديغا أو سليما؟ فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شياه - أى في مقابل شياه - فجاء بالشاه إلى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا: أخذت على كتاب اللَّه أجرا؟ حتى قدموا المدينة فقالوا: يا رسول اللَّه أخذ على كتاب الله أجرا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب اللَّه " وجاء فى رواية اخرى أن الراقى طلب أجرا لأن القوم أبوا أن يضيفوهم وكانوا فى حاجة إلى الضيافة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه " قد أصبتم، اقتسموا واضربوا لى معكم سهما، وضحك، وذلك مبالغة فى تأنيسهم، واللديغ يطلق عليه أيضا السليم من باب التفاؤل، وحاول المانعون من أخذ الأجرة الرد على هذا الحديث بأنه منسوخ، لكن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال، بل لابد له من دليل، كما ردوا بأن الأجر فيه هو على الرقية لا على التلاوة والتعليم، أما الأجر على التعليم فهو ممنوع. ولا يخفى ما فى هذا من تعسف لا داعى له، فكل منفعة تقدم للغير يجوز أخذ مقابل لها ما دامت مشروعة وغير تمتعينه أما أتمتعينه كالزكاة فليس لها مقابل مادى ممن أخذها، لأنها حقه كما قال سبحانه {وفى أموالهم حق للسائل والمحروم} الذاريات: 19،. هذا هو خلاصة ما أخذته من الأحاديث الواردة فى أخذ الأجر على القرآن، تلاوة أو تعليما أو إفادة بطريق مشروع، وقد رأينا خلاف الفقهاء فى جواز الأخذ ومنعه، وما دام الأمر خلافيا فلا يجوز التعصب لرأى، مع التوصية بالمحافظة على جلال القرآن والاهتمام بثواب الله سبحانه. ويعجبنى ما ختم به صاحب " منتقى الأخبار " الذى شرحه الشوكانى، الأحاديث الواردة فى الموضوع، وهو يميل إلى المنع، فقال بعد ذكر حديث رقية الرجل اللديغ، وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم زوج امرأة رجلا على أن يعلمها سورا من القرآن. ومن ذهب إلى الرخصة لهذه الأحاديث حمل حديث أبى وعبادة - المانعين - على أن التعليم كان قد تعين عليهما، وحمل فيما سواهما من الأمر والنهى على الندب والكراهة، يعنى على عدم الوجوب والحرمة. هذا، وأما قراءة القرآن من أجل نفع الميت بها، ففيها خلاف للعلماء بين المنع من استفادته بها بناء على أنها عبادة بدنية لا تقبل النيابة، وبين الجواز بناء على رجاء رحمة اللَّه وما ورد من بعض النصوص، ومن تتبع أقوال الكثيرين يمكن استنتاج ما يلى:
4- 1 -إذا قرى القرآن بحضرة الميت فانتفاعه بالقراءة مرجو، سواء أكان معها إهداء أم لم يكن، وذلك بحكم المجاورة، فإن القرآن إذا تلى، وبخاصة إذا كان فى اجتماع، حفت القارئين الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، روى مسلم قول النبى صلى الله عليه وسلم: " ما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللَّه يقرءون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة " والقرآن ذكر بل أفضل الذكر، وقد روى مسلم وغيره حديث " لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده " بل لا يشترط لنزول الملائكة وغيرهم أن تكون القراءة أو الذكر فى جماعة، فيحصل ذلك للشخص الواحد. روى البخارى ومسلم حديث أسيد بن حضير الذى كان يقرأ القرآن فى مربده وبجواره ولده وفرسه، وجاء فيه:
فإذا مثل الظلة فوق رأسى، فيها أمثال السرج عرجت فى الجو حتى ما أراها، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (تلك الملائكة تستمع لك، ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم) . على أن النص قد جاء بقراءة " يسو~ " عند الميت، روى أحمد وأبو داود والنسائى، واللفظ له، وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " قلب القرآن يس، ولا يقرؤها رجل يريد اللَّه والدار الآخرة إلا غفر الله له، اقرأوها على موتاكم ". وقد أعل الدارقطنى وابن القطان هذا الحديث، لكن صححه ابن حبان والحاكم، وحمله المصححون له على القراءة على الميت حال الاحتضار، بناء على حديث فى مسند الفردوس " ما من ميت يموت فتقرأ عنده يس إلا هون الله عليه ". لكن بعض العلماء قال: إن لفظ الميت عام لا يختص بالمحتضر، فلا مانع من استفادته بالقراءة عنده إذا انتهت حياته، سواء دفن أم لم يدفن، روى البيهقى بسند حسن أن ابن عمر استحب قراءة أول سورة البقرة وخاتمتها على القبر بعد الدفن. فابن حبان الذى قال فى صحيحه معلقا على حديث " اقرءوا على موتاكم يس " أراد به من حضرته المنية لا أن الميت يقرأ عليه، رد عليه المحب الطبرى بأن ذلك غير مسلم له وإن سلم أن يكون التلقين حال الاحتضار.
قال الشوكانى: واللفظ نص فى الأموات، وتناوله للحى المحتضر مجاز فلا يصار إليه إلا لقرينة " نيل الأوطار ج 4 ص 52 ".
والنووى ذكر فى رياض الصالحين تحت عنوان: الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره ساعة للدعاء له والاستغفار والقراءة " الباب الحادى والستون بعد المائة " ذكر أن الشافعى قال: يستحب أن يقرأ عنده شىء من القرآن، وإن ختموا القرآن كان حسنا. وجاء فى المغنى لابن قدامة " ص 758": تسن قراءة القرآن عند القبر وهبة ثوابها، وروى أحمد أنه بدعة، ثم رجع عنه. وكره مالك وأبو حنيفة القراءة عند القبر حيث لم ترد بها السنة. لكن القرافى المالكى قال: الذى يتجه أن يحصل للموتى بركة القراءة، كما يحصل لهم بركة الرجل الصالح يدفن عندهم أو يدفنون عنده.
2 -إذا قرىء القرآن بعيدا عن الميت أو عن القبر وامتنع انتفاعه به بحكم المجاورة وحضور الملائكة، اختلف الفقهاء فى جواز انتفاع الميت به، وهناك ثلاث حالات دار الخلاف حولها بين الجواز وعدمه: الحالة الأولى: إذا قرأ القارئ ثم دعا الله بما قرأ أن يرحم الميت أو يغفر له، فقد توسل القارئ إلى اللَّه بعمله الصالح وهو القراءة، ودعا للميت بالرحمة، والدعاء له متفق على جوازه وعلى رجاء انتفاعه به إن قبله اللَّه، كمن توسلوا إلى الله بصالح أعمالهم فانفرجت عنهم الصخرة التى سدت فم الغار. وفى هذه الحالة لا ينبغى أن يكون هناك خلاف يذكر فى عدم نفع الميت بالدعاء بعد القراءة.
الحالة الثانية: إذا قرأ القارىء ثم دعا الله أن يهدى مثل ثواب قراءته إلى الميت.
قال ابن الصلاح: وينبغى الجزم بنفع: اللهم أوصل ثواب ما قرأناه، أى مثله، فهو المراد، وأن يصرح به لفلان، لأنه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعى فما له أولى، ويجرى ذلك فى سائر الأعمال. ومعنى كلام ابن الصلاح أن الداعى يدعو الله أن يرحم الميت: والرحمة ليست ملكا له بل للَّه، فإذا جاز الدعاء بالرحمة وهى ليست له فأولى أن يجوز الدعاء بما له هو وهو ثواب القراءة أو مثلها.
وكذلك يجوز فى كل قربة يفعلها الحى من صلاة وصيام وصدقة، ثم يدعو بعدها أن يوصل اللَّه مثل ثوابها إلى الميت. وقد تقدم كلام ابن قدامة في المغنى عن ذلك. والدعاء بإهداء مثل ثواب القارئ إلى الميت هو المراد من قول المجيزين: اللهم أوصل ثواب ما قرأته لفلان. الحالة الثالثة: إذا نوى القارئ أن يكون الثواب، أى مثله، للميت ابتداء أي قبل قراءته أو فى أثنائها يصل ذلك إن شاء الله، قال أبو عبد اللَّه الأبى: إن قرأ ابتداء بنية الميت وصل إليه ثوابه كالصدقة والدعاء، وإن قرأ ثم وهبه لم يصل، لأن ثواب القراءة للقارىء لا ينتقل عنه إلى غيره.
وقال الإِمام ابن رشد فى نوازله: إن قرأ ووهب ثواب قراءته لميت جاز وحصل للميت أجره، ووصل إليه نفعه، ولم يفصل بين كون الهبة قبل القراءة أو معها أو بعدها، ولعله يريد ما قاله الأبى. هذا، وانتفاع الميت بالقراءة مع الإِهداء أو النية هو ما رآه المحققون من متأخرى مذهب الشافعى، وأولوا المنع على معنى وصول عين الثواب الذى للقارىء أو على قراءته لا بحضرة الميت ولا بنية ثواب قراءته له، أو نيته ولم يدع له، وفد رجح الانتفاع به أحمد وابن تيمية وابن القيم. وقد مر كلامهم فى ذلك. قال الشوكانى " نيل الأوطار ج 4 ص 142 ": المشهور من مذهب الشافعى وجماعة من أصحابه أنه لا يصل إلى الميت ثواب قراءة القرآن وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعى إلى أنه يصل، كذا ذكره النووى فى الأذكار. وفى شرح المنهاج: لا يصل إلى الميت عندنا ثواب القراءة على المشهور، والمختار الوصول إذا سأل الله إيصال ثواب قراءته، وينبغى الجزم به لأنه دعاء، فإذا جاز الدعاء للميت بما ليس للداعى فلأن يجوز بما هو له أولى، ويبقى الأمر فيه موقوفا على استجابة الدعاء. وهذا المعنى لا يختص بالقراءة، بل يجرى فى سائر الأعمال. والظاهر أن الدعاء متفق عليه أن ينفع الميت والحى، والقريب والبعيد، بوصية وغيرها، وعلى ذلك أحاديث كثيرة، بل كان أفضل الدعاء أن يدعو لأخيه بظهر الغيب.
انتهى. هذا، وقد قال الأبى: والقراءة للميت، وإن حصل الخلاف فيها فلا ينبغى إهمالها، فلعل الحق الوصول، فإن هذه الأمور مغيبة عنا، وليس الخلاف فى حكم شرعى إنما هو فى أمر هل يقع كذلك أم لا. وأنا مع الأبى فى هذا الكلام، فإن القراءة للميت إن لم تنفع الميت فهى للقارئ، فالمستفيد منها واحد منهما، ولا ضرر منها على أحد. مع تغليب الرجاء فى رحمة الله وفضله أن يفيد بها الميت كالشفاعة والدعاء وغيرهما. وهذا الخلاف محله إذا قرئ القرآن بغير أجر، أما إن قرى بأجر الجمهور على عدم انتفاع الميت به، لأن القارئ أخذ ثوابه الدنيوى عليها فلم يبق لديه ما يهديه أو يهدى مثل ثوابه إلى الميت، ولم تكن قراءته لوجه اللَّه حتى يدعوه بصالح عمله أن ينفع بها الميت، بل كانت القراءة للدنيا. ويتأكد ذلك إذا كانت هناك مساومة أو اتفاق سابق على الأجر أو معلوم متعارف عليه، أما الهدية بعد القراءة إذا لم تكن نفس القارئ متعلقة بها فقد يرجى من القراءة النفع للميت والأعمال بالنيات، وأحذر قارئ القرآن من هذا الحديث الذى رواه أحمد والطبرانى والبيهقى عن عبد الرحمن بن شبل (اقرأوا القرآن واعملوا به، ولا تجفوا عنه، ولا تغلوا فيه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به) قال الهيثمى: رجال أحمد ثقات، وقال ابن حجر فى الفتح:
سنده قوى. وفسر الأكل به بأخذ الاجرة عليه، كما فسره بالاستجداء به والتسول. وقد قال الشيخ حسنين محمد مخلوف فى أخذ الأجرة على قراءة القرآن: مذهب الحنفية لا يجوز أخذها على فعل القرب والطاعات كالصلاة والصوم وتعليم القرآن وقراءته، ولكن المتأخرين من فقهاء الحنفية استثنوا من ذلك أمورا، منها تعليم القرآن، فقالوا بجواز أخذ الأجرة عليه استحسانا، خشية ضياعه، ولكن بقى حكم أخذ الأجرة على قراءة القرآن على ما تقرر فى أصل المذهب من عدم الجواز. ومذهب الحنابلة لا يجوز أخد الأجرة على تعليم القرآن ولا على قراءته، استنادا إلى حديث " اقرءوا القرآن. . . " الذى تقدم..
ومذهب المالكية لا يجوز أخذ الأجرة على ما لا يقبل النيابة من المطلوب شرعا كالصلاة والصيام، ولكن يجوز أخذ الأجرة على ما يقبل النيابة، ومنه تعليم القرآن وقراءته، ومذهب الشافعية يجوز أخذ الأجرة على قراءة القرآن وتعليمه، سواء أكانت القراءة عند القبر أو بعيدة عنه، مع الدعاء بوصول الثواب إلى الميت. انتهى "الزرقانى ج 5 ص 406 "(7/458)
اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
قال تعالى عن أهل الكتاب {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} فهل كانوا يعبدونهم ويتقربون إليهم؟
الجواب
قال تعالى {وقالت اليهود عزير ابن اللَّه وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم اللَّه أنى يؤفكون. اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} التوبة: 30، 31.
فى هاتين الآيتين نعى على اليهود والنصارى الذين نسبوا إلى الله ولدا كما قال الكفار: الملائكة بنات اللَّه، ونعى عليهم أنهم اتخذوا رؤساءهم الروحيين أربابا من دون اللَّه، فما معنى اتخاذهم أربابا؟ جاء فى تفسير القرطبى "ج 8 ص 120 " قال أهل المعانى: جعلوا أحبارهم ورهبانهم كالأرباب حيث أطاعوهم فى كل شىء، ومنه قوله تعالى {قال انفخوا حتى إذا جعله نارا} أى كالنار. وقد سئل حذيفة عن معنى هذه الآية هل عبدوهم؟ فقال: لا، ولكن أحلوا لهم الحرام فاستحلوه، وحرموا عليهم الحلال فحرموه، وروى الترمذى عن عدى ابن حاتم قال: أتيت النبى صلى الله عليه وسلم وفى عنقى صليب من ذهب، فقال " ما هذا يا عدى اطرح عنك هذا الوثن " وسمعته يقرأ فى سورة براءة {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اللَّه والمسيح ابن مريم} ثم قال " أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه " قال: هذا حديث غريب لا يعرف إلا من حديث عبد السلام بن حرب، وغطيف بن أعْيَن ليس بمعروف فى الحديث. .
يؤخذ من هذا أن تفسير اتخاذهم أربابا بطاعتهم فى التحليل والتحريم ليس فيه نص صحيح يعتمد عليه، وإنما هو اجتهاد غير ملزم، فغاية ما يمكن أخذه من الآية أن طاعة الأحبار والرهبان طاعة مطلقة كطاعة الله خطأ، لأن هؤلاء الرؤساء غير معصومين، فقد تجر طاعتهم إلى العصيان أو الكفر. والإِسلام إذا كان يأمر بطاعة أولى الأمر فذلك محله فى غير المعصية، فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، وقد صح فى حديث المبايعة الذى رواه البخارى ومسلم أن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فى منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وألا ننازعَ الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان.
والبواح -بضم الباء هو الصراح - بضم الصاد - الذى جاء فى رواية الطبرانى، وهو أيضا البراح - بضم الباء وبالراء بدل الواو - الذى جاء فى بعض الروايات، والوراد به الظاهر البيِّن الذى تشهد له النصوص ولا يقبل التأويل. ومع عدم الطاعة فى المعصية هل يجوز الخروج على ولى الأمر وعزله؟ إن حديث عبادة يدل على أنه لا تجوز المنابذة إلا عند ظهور الكفر الواضح الذى ليس فيه شبهة، ومنه الطعن فى صلاحية حكم الله، واعتقاد ما أجمع على حرمته كالزنى والربا أنه حلال، أما ارتكاب المحرمات بغير اعتقاد حلها فهو عصيان لا يخرج به إلى الكفر ولا يجيز الخروج عليه، لكن النووى حمل الكفر فى الحديث على المعصية، وابن حجر فصل فى الموضوع فقال: والذى يظهر حمل رواية الكفر على ما إذا كانت المنازعة فى الولاية فلا ينازعه بما يقدح فى الولاية إلا إذا ارتكب الكفر، وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية، فإذا لم يقدح فى الولاية نازعه فى المعصية، بأن ينكر عليه برفق، ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنف، ومحل ذلك إذا كان قادرا.
وعلى ضوء ما قاله ابن حجر: إن فسق الإِمام ولم يكفر وجب نصحه بالأسلوب الذى يرجى منه الخير ولا يؤدى إلى فتنة.
ووضع قوانين تحليل الحرام كالربا والخمر حرام دون شك، لكن لا يحكم بالكفر على واضعها والحاكم بها بناء على قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل اللَّه فأولئك هم الكافرون} إلا إذا كان هناك اعتقاد بأن حكم اللَّه غير صحيح، وأن القانون الوضعى هو الصحيح، والطاعة لهذه القوانين غير جائزة، سواء كانت من منطلق كفر من وضعوها أو عصيانهم وفسقهم، لأن طاعتها تدخل تحت الاية {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} ولابد من تغيير هذا المنكر، لكن بالطرق المشروعة التى لا تؤدى إلى فتنة، ويمكن الرجوع إلى كتابنا " نعم، الإِسلام هو الحل ولكن أين الطريق " الذى أعيد نشره بعنوان " المنهج السليم إلى صراط اللَّه المستقيم " أو إلى كتابنا: الإِسلام ومشاكل الحياة أو إلى الجزء الأول من كتاب " بيان للناس من الأزهر الشريف "(7/459)
كل يوم هو فى شأن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما تفسير قوله تعالى فى سورة الرحمن {كل يوم هو فى شأن} ؟
الجواب
يقول الله تعالى {يسأله من فى السموات والأرض كل يوم هو فى شأن} الرحمن: 29،هذه الآية فيها جملتان، الأولى " يسأله من فى السموات والأرض " ومعناها أن كل المخلوقات محتاجة إليه، تطلب منه بلسان حالها أو مقالها كل ما تريده من رزق ورحمة ومغفرة وما إلى ذلك، والجملة الثانية هى {كل يوم هو فى شأن} والكلام فى تفسيرها كثير، ولكن يجب أن نعلم أن الله سبحانه علم كل شيء قبل أن يخلقه، وكتب فى اللوح المحفوظ ما سيكون عليه كل مخلوق وما يجرى على العالم كله، فعلمه سبحانه لا يتغير فى أى يوم من الأيام، أى مطلقا، سواء أردنا بالأيام أيام الدنيا، أو أردنا أنها يومان، يوم للدنيا ويوم للآخرة، وهو بقدرته سبحانه ينفذ مضمون علمه، وذلك يقتضى إشرافه الدائم على شئون خلقه، لا يشغله شأن عن شأن، فهو ليس مثلنا إذا شغلنا بشيء شغلنا عن الآخر فى اللحظة الواحدة، على حد قوله تعالى {ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه} الأحزاب: 4،وهو بوجوده الدائم وألوهيته المستمرة حاضر لا يغيب، مسيطر على الكون كله، ومنصرف فيه بقدرته حسب علمه وإرادته، يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل، ويخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى ويشفى سقيما ويسقم سليما، ويبتلى معافى ويعافى مبتلى ويعز ذليلا ويذل عزيزا، ويفقر غنيا ويغنى فقيرا إلى غير ذلك من سائر التصرفات، وهى كلها -كما عبر بعض الكاتبين - أمور يبديها ولا يبتديها، أى يظهرها للناس وهى معلومة له من قبل، فلا يبدأ عملها عند وجودها.
والإله الذى بهذا الوصف لا يمكن حصر أفعاله ولا أوامره التى ينفذ بها مقاديره، قال تعالى {ولو أنما فى الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم} لقمان: 27،وقال {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا} الكهف: 109،وهو وحده القادر على السيطرة على العالم كله، كما قال سبحانه: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعد5} فاطر: 41.
وبعد، فإن قوله تعالى {يسأله من فى السموات والأرض كل يوم هو فى شأن} يقوى فينا الإيمان بالحاجة الدائمة إليه، فلا نرجو أحدا سواه، لأنه حاضر لا يغيب، يجيب المضطر إذا دعاه، ويستجيب لمن ناداه {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد} فاطر:15، {فسبحان الذى بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون} يس 83(7/460)
تكرار الآيات
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
نرى فى القرآن الكريم تكرارا لبعض الآيات بمعنى واحد، فما هى حكمة ذلك؟
الجواب
ذكر الله سبحانه قوله تعالى فى سورة الرحمن {فبأى آلاء ربكما تكذبان} إحدى وثلاثين مرة والآلاء هى النعم، ومفرد الآلاء إلى مثل معى وأمعاء على بعض الأقوال اللغوية، والخطاب هنا للأنس والجن. وهما المرادان بالأنام فى قوله تعالى فى السورة نفسها، {والأرض وضعها للأنام} كما أنهما المرادان بالثقلين فى قوله تعالى {سنفرغ لكم أيها الثقلان} وقد صرح بذلك فى قوله تعالى {يا معشر الجن والإنس} وفى قوله تعالى {خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار} والله سبحانه عَدَّد فى هذه السورة نعما كثيرة، وهذه النعم أثر من آثار قدرة الله ورحمته، وحق من له هذه القدرة ومنه هذه الرحمة أن يُعْبَد وحده ولا يُشْرَك به سواه من خلقه.
وبعض هذه النعم لا يظهر لأول وهلة وجه النعمة فيها مثل {كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} ولكن بالإمعان فى النظر نجد أن فناء الخلق عند نهاية الدنيا وبقاء الله وحده من أكبر النعم، حيث يكون بعد المموت بعث وحساب وجزاء وينال أجره العادل من حرم منه فى الدنيا، ويقع العقاب على من أفلت منه فى الدنيا، قال تعالى {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا} الأنبياء: 47،والمؤمن بهذه الحقيقة لا تضيق نفسه إن ظلم من العباد فى الدنيا فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ولا يتحسر إن وجد العاصين الظالمين ينعمون فى الدنيا أكثر مما يتنعم به المؤمنون الصالحون، لأن الله سيقول لهم يوم القيامة {أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون فى الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون} الأحقاف: 20.
وتكرار هذه الجملة بعد كل نعمة، وعدم الاكتفاء بها مرة واحدة أسلوب من الأساليب البلاغية فى لغة العرب، وهو دليل على أن كل نعمة بذاتها كافية للإيمان بالله وتوكيد للحجة، وذلك كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو ينكره ويكفره، ألم تكن فقيرا فأغنيتك، أفتنكر هذا؟ ألم تكن خاملا فعززتك، أفتنكر هذا؟ ألم تكن ماشيا فأركبتكُ، أفتنكر هذا؟ ذكره القرطبى فى تفسيره، وروى الحاكم عن جابر قال:
قرأ علينا رسول الله سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال "ما لى أراكم سكوتا، للجن كانوا أحسن منكم ردا، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة {فبأى آلاء ربكما تكذبان} إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد(7/461)
حكمة تكرار القصة فى القرآن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ذكرت قصة سيدنا موسى فى القرآن أكثر من مرة وموضوعها واحد، مع تشابه النصوص فى كل موضع، والتكرار فى النص الأدبى يضعفه فكيف يتناسب ذلك مع إعجاز القرآن وبلاغته؟
الجواب
قص القرآن الكريم هو أحسن القصص صدقا وبلاغة، قال تعالى {نحن نقص عليك نبأهم بالحق} الكهف: 13،وقال {تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا} هود: 49، وتتضح حكمة هذا القصص من قوله تعالى {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك فى هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} هود:125.
وإذا كان هناك تكرار فى القرآن للقصة الواحدة فلا ينبغى أن يغيب عن أذهاننا أن القراَن لم ينزل مرة واحدة حتى يعاب التكرار، ولكنه نزل منجما مفرقا على مدى ثلاث وعشرين سنة، تنزل الجملة منه بحسب الظروف الطارئة، والقصة الواحدة قد تصلح لكل هذه الظروف، متسقة معها مراعاة لمقتضى الحال، وذلك هو سر البلاغة التى نزل بها القرآن فى أعلى درجاتها.
والنظرة العابرة إلى القصة التى نزلت عدة مرات قد يفهم منها أنها متشابهة متماثلة تماما، لكن النظرة الدقيقة ترينا أن الحكمة فى موضع يركز فيها على جانب منها وتكون الجوانب الأخرى تابعة ومكملة، لأن المقام يقتضى إبراز هذا الجانب، بينما تراها هى فى موضع آخر يركَّز فيها على جانب معين منها كان فى غيرها من التوابع المكملة، وذلك لاقتضاء المقام له أيضا، ولذلك قد يهمل فى بعضها لفظ أو يترك تعيين اسم يوجد له داع للذكر، أو التعيين فى مقام آخر، ومن هنا كانت متغايرة وليست متشابهة، بالنظر إلى الجانب الذى كان عليه التركيز فى كل منها.
وليست قصة موسى هى وحدها التى تكررت فى القرآن، فإلى نجانبها قصص لرسل آخرين، تحمل هذه الحكمة التى فى قصة موسى، وقد يرشح للاهتمام بها تشابه ظروف الدعوة أكثر بين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وبخاصة أن عددا كبيرا من اليهود كانت موجودا فى المدينة وكان لهم دور كبير فى مقاومة الدعوة على أن قضية ضعف النص الأدبى بتكراره ليست دائمة مسلَّمة، فقد يكون لتكراره ما يجعله بليغا حتى لو كان متشابها تمام التشابه فى تركيبه، سواء منه المفردات والجمل، وكان من البلاغة العربية تكرار اسم الحبيب فى البيت الواحد من الشعر تعميقا لحبه وإيذانا بشرفه.
ألا حبذا هند وأرض بها هند * وهند أتى من دونها النأى والبعد وتكرار قوله تعالى فى سورة الرحمن {فبأى آلاء ربكما تكذبان} إحدى وثلاثين مرة تنبيه على أن كل نعمة من النعم التى احتوتها تستحق أن يذكر بها حتى لا تنسى وحتى يعرف فضل المنعم بها وتكرار قوله تعالى فى سورهَ المرسلات {ويل يومئذ للمكذبين} عشر مرات، وهى قصيرة أيضا كسورة الرحمن، دليل على أن المقام يقتضى التنبيه والتحذير عند كل ما يذكر من موجبات هذا التحذير.
وبهذا لا مجال للطعن فى بلاغة القرآن الكريم، الذى تحدى الله به الجن والإنس وما يزال يتحدى، ومن تعمق فى المعوقة والتدبر أدرك أنه ما يزال على الشاطئ ولم ينزل بَعْدُ إلى البحر بأعماقه المليئة بالأسرار، فهو صنع الله الذى أتقن كل شىء {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} فصلت: 42(7/462)
أخذ الفأل من المصحف
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل يجوز أخذ الفأل من المصحف؟
الجواب
الفأل -كما يقول الماوردى فى كتابه " أدب الدنيا والدين " فيه تقوية للعزم وباعث على الخير، ومعونة على الظفر. وقد جاء فى السنن والآثار أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل الحسن، ويسأل عن اسم الرجل والبلد، فإن كان حسنا استبشر وفرح، وإلا رؤيت الكراهة فى وجهه. وحوادثه فى ذلك كثيرة، فقد تفاءل عندما جاءه سهيل بن عمرو فى الحديبية وقال " سهل لكم من أمركم " وتفاءل يوم خيبر لما رأى مكاتلهم فى مساحيهم، كما ذكره ابن القيم فى " زاد المعاد " وحسَّنه، ويمكن الاطلاع على كتاب " مفتاح دار السعادة " لابن القيم ففيه معلومات كثيرة 0 وإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم يرتاح للاسم الحسن فليس معنى ذلك أنه يربط هذا السبب بنتيجة محققة دون تدخل لإرادة الله سبحانه، فقد نهى عن ذلك فيما كان عليه العرب من التطير والرقى والتمائم والعدوى وغيرها ولهذا روى عنه أن الذى يتطير أو يتشاءم يُسَنُّ له أن يقول: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك، اللهم لا يأتى بالحسنات إلا أنت، ولا يذهب بالسيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك. ثم يذهب لحاجته فلن يضره شىء.
وذلك تذكير للإنسان بوحدانية الله سبحانه، وأنه هو وحده الذى يملك الخير والشر، ولا تأثير لهذه الأمور بذاتها. ومن هنا حرم الإسلام محاولة معرفة المستقبل عن طريق الكهانة والعرافة والتنجيم وضرب الرمل والورق وغيرها.
ووردت فى ذلك أحاديث كثيرة وقال العلماء: لا يجوز أخذ الفأل من المصحف مع هذا الاعتقاد، وجاء فى كتاب "أدب الدنيا والدين " للماوردى أن الوليد ابن يزيد بن عبد الملك تفاءل يوما فى المصحف، فخرج قوله تعالى {واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد} إبراهيم: 51، فمزق المصحف وأنشأ يقول:
أتوعدنى بجبار عنيد * فها أنذاك جبار عنيد.
إذا ما جئت ربك يوم حشر * فقل: يا رب مزقنى الوليد.
فلم يلبث أياما حتى قتل شر قتلة، وصلب رأسه على قصره ثم على سور بلده.
هذا، وقد يحدث أن بعض الناس يعملون استخارة بالمصحف، بأن يربطوه على مسمار، ثم يحمله المسمار على أحدى الأصابع، ويقولوا كلاما فيتحرك المصحف ويدور يمينا أو يسارا، ومن هنا يعرفون إن كان الموضوع الذىَ عملت له الاستخارة خيرا أو شرا.
وهذا كله لم يأت خبر صحيح بجوازه، والاستخارة الشرعية معروفة وهى صلاة ركعتين، ثم الدعاء بعدهما بالدعاء المعروف الوارد عن النبى صلى الله عليه وسلم وسنفصلها فى موضع آخر إن شاء الله(7/463)
الطهارة لحمل المصحف
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
نريد تفسير قوله تعللى {إنه لقرآن كريم. فى كتاب مكنون.لا يمسه إلا المطهرون} ؟
الجواب
اتفق الأئمة على حرمة حمل المصحف ومسه للحائض والنفساء والجنب، ولم يخالف فى ذلك واحد من الصحابة، لكن جوزه داود وابن حزم الظاهرى.
ومما استدل به الأئمة قول الله تعالى {إنه لقرآن كريم * فى كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون} الواقعة: 77-79، بناء على أن المراد بالكتاب هو المصحف، وأن المس هو اللمس الحسى المعروف.
وقد نوقش هذا الدليل بأن الكتاب المكنون فسره بعضهم باللوح المحفوظ، والمطهرون هم الملائكة. أو أن الكتاب لو أريد به المصحف فالمطهرون هم المطهرون من الشرك، لأن المشركين نجس وصحح ابن القيم فى كتابه " التبيان فى أقسام القرآن ص 141 " أن المراد بالكتاب هو الذى بأيدى الملائكة، وأورد فى ذلك عشرة وجوه ذكرتها فى الجزء الثانى من موسوعة الأسرة.
كما استدل الأئمة بحديث عمرو بن حزم فى الكتاب الذى أرسله النبى معه إلى اليمن وفيه " لا يمس القرآن إلا طاهر " رواه النسائى والدارقطنى، وقال ابن عبد البر: إنه أشبه بالمتواتر، لتلقى الناس له بالقبول، وقال بعض العلماء: إن إسناده حسن، لكن النووى حكم بضعفه، لأن فى إسناده راويا ضعيفا.
واستدلوا أيضا بحديث ابن عمر مرفوعا " لا تمسَّ القرآن إلا وأنت طاهر " ذكره الهيثمى فى " مجمع الزوائد " وقال: رجاله موثقون.
وقال الحافظ: إسناده لا بأس به لكن فيه راو مختلف فيه. ودليل داود وابن حزم على عدم حرمة حمله ومسه ما ثبت فى الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث كتابا إلى هرقل فيه آية {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء ... } وهو وغيره ممن أرسلت إليهم الكتب لا يتطهرون من الجنابة، وأجاب الأئمة على ذلك بأن الرسالة لا تسمى مصحفا ولا مانع من ذلك مثل حمل كتب الدين التى فيها قرآن. من هنا نرى أن حمل المصحف أو مسه للحائض والجنب أدلة تحريمه لم تسلم من المناقشة، واحتراما للمصحف يكون حمله أو مسه لغير المتطهر مكروها على الأقل، هذا فى حال الجنابة، أما إذا كان هناك حدث أصغر فالحكم كما يلى:
1 - جمهور العلماء على حرمة مس المصحف وحمله، وذهب إليه مالك والشافعى وأبو حنيفة فى إحدى الروايتين عنه، وأدلتهم هى الأدلة السابقة بالنسبة للجنب.
2 - جوز بعض العلماء ذلك، وذهب إليه أبو حنيفة فى إحدى الروايتين عنه، كما جوزه داود بن على.
وقد استشنى بعض المحرمين لحمل المصحف ومسه مع الحدث الأصغر- الصبيان الذين لم يبلغوا الحلم، لحاجتهم إلى حفظ القرآن وتيسيره عليهم، على أن الصبى لو تطهر فطهارته ناقضة لعدم صحة النية منه، ويقاس عليهم الكبار المحتاجون لحفظ القرآن، أما من أجل التعبد فلا بد من الطهارة.
هذا، وقراءة القرآن بدون مس للمصحف أو حمله جائزة لمن عليه حدث أصغر، وذلك باتفاق الفقهاء، وإن كان الأفضل الطهارة، وبخاصة إذا كان يقصد التعبد، فالعبادة مع الطهارة أكمل وأرجى للقبول. "راجع الجز الثانى من كتابى: موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام " ففيها توضيح أكبر(7/464)
البكاء عند تلاوة القرآن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
رأت حديثا يقول "إذا قرأتم القرآن فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، فإن لم تتباكوا فتغنوا به، فمن لم يتغن به فليس منا "فهل هذا حديث صحيح؟
الجواب
هذا الحديث في سنن ابن ماجه، وهو مروى عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره الحافظ المنذرى في كتابه "الترغيب والترهيب " بصيغة "رُوى" مما يدل على أنه غير صحيح، وإن كان بعض أجزائه صحيحًا، فقد روى مسلم "من لم يتغن بالقرآن فليس منا" والمراد بالتغنى والتحزن والخشوع، لا التطريب المعروف الذى يخرج اللفظ عن قواعد النطق الصحيح، قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث " الإحياء" حديث "اقرءوا القرآن فابكوا فان لم تبكوا فتباكوا" إسناده جيد.
والخلاصة أنه إن لم يكن صحيحًا فهو حسن يقبل في فضائل الأعمال(7/465)
الإسرائيليات فى الكتب الدينية
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هى الإسرائيات التي وضعت في الكتب الدينية، وهل يجوز الاستشهاد بها، وهل هناك كتب مليئة بها يجب تجنب الاطلاع عليها؟
الجواب
الإسرائيليات منسوبة إلى بني إسرائيل، وهم اليهود. وكانت لهم مكائدهم وطرقهم في معارضة الإسلام، ولبس بعضهم مسوح المسلمين ومارسوا نشاطهم الكيدي كعبد اللَّه بن سبأ. وانخدع بهم بعض المسلمين فساروا في هذا الطريق، ومنهم أبو عصمه نوح ابن مريم الذي وضع أحاديث في فضل سور القرآن لا أصل لها بالمرة، وبرر عمله هذا بأنه رأى الناس أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازى ابن إسحاق، فوضع الأحاديث حسبة لترغيب الناس في القرآن.
واقترح مجمع البحوث الإسلامية في يناير 1968 م تقديم بحوث تسهم في إحياء ذكرى مرور أربعة عشر قرنًا على القراَن، فوضع المرحوم الشيخ محمد الذهبي كتابًا عن الإسرائيليات في التفسير والحديث. وذكر حكم روايتها وأشهر رواتها، وذكر أن لليهود ضلعًا كبيرًا فيها، لأنهم حرفوا التوراة وحاولوا أن يحرفوا القراَن في لفظه أو معناه، وأن العرب تأثروا بثقافة أهل الكتاب، ودخلت الإسرائيليات إلى التفسير والحديث عند ما بدئ تدوينهما، فملئت الكتب بالغرائب والأكاذيب.
وقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من الاعتماد على أكاذيبهم، ففي البخاري حديث " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ... " وأخرج أحمد وغيره أن عمر رضي اللَّه عنه أتى الرسول صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فغضب الرسول وقال " أمتهوكون - شاكون متحيرون - فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتسقوه، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعنى" وروى البخاري نهى ابن عباس عن سؤال أهل الكتاب فالقرآن فيه الكفاية، ولا يجوز أخذ شيء عنهم إلا ما كان موافقا للدين، كما تدل عليه النصوص بالآخذ عنهم مثل، {فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك} يونس: 94، ومثل " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخاري.
والوصية قوية بالحذر عند الرواية عن كعب الأحبار ووهب بن منبه ومحمد بن السائب الكلبي ومقاتل بن سليمان وغيرهم، وكذلك الكتب التى تنقل الإسرائيليات ولا تبين صدقها أو كذبها، كتفسير الثعلبي، وكتابه "العرائس " وتفسير الخازن(7/466)
زينة السماء
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما تفسير قوله تعالى: {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين} الملك: 5، وبأى شكل ثبت الله الكواكب في السماء وهي جرم غير قابل للخرق والالتئام، وكيف أمكن وصول الإنسان إلى القمر وهو في السماء ذات الجرم الصلب كما وصفها حكماء اليونان؟
الجواب
ورد هذا السؤال من طالب من البلاد الإسلامية مقيم في مدينة البعوث بالأزهر سنة 1972 م وكانت الإجابة: إن الآية واضحة المعنى، فاللَّه سبحانه قد جعل في السماء الدنيا نجومًا مضيئة وكواكب سيارة تزينها، وجعلها رجوما للشياطين إذا حاولوا أن يسترقوا السمع، على ما جاء في قوله تعالى {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدًا وشهبا. وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدًا} الجن: 8، 9،.
والسماء الدنيا إحدى السموات السبع التي قال الله فيها {ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات} البقرة: 29، وقال تعالى {اللَّه الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن} الطلاق: 12، وإذا كانت السماء سقفًا للأرض كما قال تعالى {وجعلنا السماء سقفا محفوظا} الأنبياء: 32، وإذا كانت الأرض كروية فالسموات أيضًا كروية والسماء الدنيا أي القريبة من الأرض أصغرها، وما بعدها أكبر منها وهكذا.
وكل هذه المصابيح الإلهية في السماء الدنيا أي الأولى، ووجودها محفوظ بقدرة اللَّه كما رفع السماء بغير عمد، فلله تعالى قوانين، بها وضع كلا في موضعه، وجعل له مدارا معينا لا يتعداه: {كل في فلك يسبحون} الأنبياء: 33، وتثبيت هذه المصابيح في أماكنها لا يلزم أن يكون بحبل أو سلاسل مادية، فقدرة اللَّه أكبر من ذلك، فلا تتصور تثبيتها كما تتصور ثريات المنازل وهي معلقة في السقف، ولا تنزل عمل الله وقدرته على ما تعهده في عالمك الناقص العاجز، وحقيقة السموات ومادتها لا يعلمها إلا الله سبحانه، وكل ما قاله الباحثون ظنون لا تعتمد على دليل صحيح، وقد آمن كثير من الباحثين المتعمقين بوجود اللَّه عندما عجزوا عن متابعة الكشف عن هذا الكون الواسع ذي الأبعاد التي تعجز عن تحديدها أساليب العلم البشري الحديث.
ومهما يكن من شيء أيها الطالب العزيز فإن اللَّه لم يكلفنا بمعرفة كيفية تثبيت الكواكب والنجوم ولا بمادة السماء، وهي ليست من العقائد التي تسأل عنها. والبحث فيها متروك لكل إنسان حسب طاقته واستعداده وسيصل عند تعميق النظر إلى الإيمان الراسخ بوجود الله وقدرته، وكل حقيقة ثابتة فالقرآن متفق معها، ولا يجوز أن نقارن بين ما في القرآن وبين الظنون والافتراضات والنظريات التي لم يثبتها الدليل الصحيح(7/467)
الأمانة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما معنى قوله {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض} الأحزاب:
72، وهل كان العرضى تخييرًا أو إلزامًا وكيف كان الإنسان ظلومًا جهولاً؟
الجواب
في تفسير الأمانة في هذه الآية أقوال كثيرة، وأرجح منها أنها هي التكاليف الإلهية التي لا تؤدي إلا عن إيمان بالله الذي أمر بها ويجازي عليها ثوابًا وعقابًا، ويقرب من هذا أنها هي الإيمان الذي يدفع إلى أداء التكاليف الإلهية. ولعل مما يؤيد هذا القول حديث حذيفة بن اليمان، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر ... حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القراَن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة" رواه البخاري ومسلم وكما يؤيده حديث "الصلاة أمانة والوضوء أمانة والوزن أمانة" رواه أحمد والبيهقى موقوفًا على ابن مسعود.
وعرض الله الأمانة على السموات والأرض والجبال: إن أدوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم، فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيمًا لدين الله عز وجل ألا يقوموا به. ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها، قال النحاس: وهذا القول هو الذي عليه أهل التفسير.
ولعل إباء السموات والأرض والجبال للأمانة أساسه - كما قال ابن عباس - خشية التقصير فيها، لأنها مفطورة على الطاعة، راضية بما هيئت له من رسالة في الحياة ويوضحه قوله تعالى {ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين} فصلت: 11، وهذا يلتقى مع الرأى القائل بأن العرض معناه مقايسة التكاليف بجهد السموات والأرض والجبال وطبيعتها، فلم يكن هناك تناسب. أما الإنسان ففي طبيعته تناسب لحمل الأمانة مع ما بلزمها من ثواب على الطاعة وعتاب على المعصية.
وقد قبل الإنسان هذه الأمانة دون أن تعرض عليه، فلم يصرح القرآن بذلك كما قاله بعض المفسرين، ولعل مبادرته للقبول كانت تفاؤلا بالتوفيق لأدائها وأملا في عدم التقصير فيها، ولأن طبيعته التي خلقه اللَّه عليها تتناسب مع قبول هذه التكاليف.
ثم قال العلماء: إن عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال كان عرض تخيير أما عرضها على الإنسان فكان عرض إلزام، وعبرت الآية عن الإنسان الذي حمل الأمانة بأنه ظلوم جهول، لأنه كان ظلومًا لنفسه بالتقصير الذي آل إليه أمر الكثيرين، وجهول حين خاطر بحمل الأمانة ولم يدر ما سيكون عليه مستقبل حاله من التقصير الذي يعرض له كل إنسان بدافع من الغرائز التي فطر عليها(7/468)
تنزلات القرآن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
كيف ينزل القرآن فى رمضان وفى ليلة القدر، مع أنه نزل على فترات طوال حياة النبى صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
للعلماء فى كيفية نزول القرآن الكريم من اللوح المحفوظ أقوال:
1 -أنه نزل إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة، ثم نزل بعد ذلك منجما طوال حياة النبى صلى الله عليه وسلم بعد بعثته فى مكة والمدينة، وقال الكثيرون إن هذا القول هو أصح الأقوال، واستندوا فى ذلك إلى ما ورد بسند صحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما، فقد أخرج عنه الحاكم والبيهقى وغيرهما أنه قال: أنزل القرآن فى ليلة القدر جملة واحدة إلى سماء الدنيا، وكان بمواقع النجوم، وكان الله ينزله على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه فى إثربعض. وأخرجا عنه أيضا وكذلك النسائى أنه قال: أنزل القرآن فى ليلة واحدة إلى السماء الدنيا ليلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك فى عشرين سنة ثم قرأ: {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا} الفرقان: 33، {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا} الإسراء: 106.
وأخرج الحاكم وابن أبي شيبة عنه أيضا: قال فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا، فجعل جبريل ينزل به على النبى صلى الله عليه وسلم.
كما جاءت رايات أخرى عن ابن عباس بأسانيد لا بأس بها تؤكد هذا المعنى ومعنى: " مواقع النجوم " أنه نزل على مثل مساقطها، مفرقا يتلو بعضه بعضا على تؤدة ورفق.
2 -أنه نزل إلى السماء الدنيا فى عشرين ليلة قدر، أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين -حسب الاختلاف فى مدة مكث النبى صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة-فى كل ليلة قدر ينزل ما يقدر الله إنزاله فى كل السنة، ثم نزل بعد ذلك منجما فى جميع السنة، وقد حكى الفخر الرازى هذا القول، وتوقف فى الأخذ به، هل هو أولى أو القول الأول.
3-أنه ابتدئ نزوله فى ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك منجما فى أوقات مختلفة.
وهذا القول مروى عن الشعبى.
4 - حكى الماوردى قولا مؤداه: أنه أنزل من اللوح المحفوظ جمله واحدة، وأن الحفظة نجمته على جبريل فى عشرين ليلة، وأن جبريل نجمه على النبى صلى الله عليه وسلم فى عشرين سنة. وهذا القول غريب، والمعتمد أن جبريل كان يعارضه فى رمضان بما ينزل به عليه طوال السنة، وهو مروى عن ابن عباس.
هذه جملة من الأقوال صحح ابن حجر فى " فتح البارى " أولها وقال: إنه المعتمد، ثم قال ابن حجر: أخرج أحمد والبيهقى فى الشعب عن واثلة بن الأسقع أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (أنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت منه، والزبور لثمان عشرة خلت منه، والقرآن لأربع وعشرين خلت منه) وفى رواية "وصحف إبراهيم لأول ليلة " قال: وهذا الحديث مطابق لقوله تعالى: {شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن} وقوله: {إنا أنزلناه فى ليلة القدر} فيحتمل أن تكون ليلة القدر فى تلك السنة كانت تلك الليلة، فأنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا: ثم أنزل فى اليوم الرابع والعشرين إلى الأرض أول: {اقرأ باسم ربك الذى خلق} .
بعد سرد هذه الأقوال التى روى أكثرها عن ابن عباس يمكن فهم الآيات التى تتحدث عن نزول القرآن أو عن تنزيله، ويهمنا من كل ذلك أن نقبل على القرآن حفظا وتدبرا، ثم عملا وتطبيقا. وأن يطل متوارثا بيننا بأخذه جيل عن جيل تحقيقا لقوله تعالى ع: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} الحجر: 9(7/469)
سر نزول القرآن منجما
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
لما أنزل القرآن مجزأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل جملة واحدة؟
الجواب
نزل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم منجما أى مجزأ أو مفرقا على مدى ثلاث وعشرين سنة لحكمة جاءت فى قوله تعالى {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القراَن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا} الفرقان: 32، وفى قوله {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا} الإسراء: 106.
فالحكمة فى نزوله منجما هى تثبيت قلب النبى صلى الله عليه وسلم على المضى في تبليغ الدعوة وعدم اليأس من تأييد الله له ونصره عندما يواجهه المشركون بأنواع العنف. وفى كل وقت كان يتعرض لمثل هذه الأزمة فيفرج اللَّه عنه بجرعة من القرآن الكريم، فيها التأسى بأولى العزم من الرسل والوعد بالمثوبة والنصر المؤزر، وكذلك لقاؤه مع جبريل يعطيه قوة وطمأنينة.
ومن الحكمة تيسير حفظ القراَن على الرسول والمؤمنين، لأنهم أميون لا يقرءون ولا يكتبون، وكل اعتمادهم أو أكثره على الحفظ والرواية، فإذا نزل على فترات كان ذلك أيسر عليهم فى حفظه واستيعابه، وفى تدبره أيضا.
وفى تفريقه إعطاء فرصة للكفار أن يتدبروا كل جملة تنزل من آياته، لعلهم يؤمنون بأنه معجزة، ومن عند اللَّه وحده. فكل مجموعة تنزل بمثابة دليل جديد على صدق الرسالة.
ومن الحكم ملاحقة الأحداث الجارية والإجابة على الأسئلة المتنوعة والطارئة.
وكذلك من الحكم التدرج فى التشريع والتربية، صح فى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنما أنزل أول ما أنزل من القرآن سور من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول ما نزل {لا تشربوا الخمر} لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل " لا تزنوا " لقالوا: لا ندع الزنا أبدا(7/470)
أحاديث فى فضل سور القرآن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل من الحديث ما يقال: من قرأ سورة الواقعة فى كل ليلة، لم تصبه فاقة أبدا؟
الجواب
ذكر القرطبى هذا الحديث فى أول تفسير سورة الواقعة، نقلا عن الثعلبى وغيره، ولم يحكم عليه بصحة ولا حسن ولا ضعف، ولم أجده فى الكتب التى تعنى بتخريج الأحاديث.
ومهما يكن من شيء فقراءة سورة الواقعة أو أية سورة لها ثواب عظيم نترك تقديره للَّه سبحانه وتعالى، وقد جاء التصريح ببعض ذلك فى فضل آية الكرسى وأواخر البقرة، وسورة الكهف وقل هو اللَّه أحد وغيرها، وتقدير الثواب على القراءة من أى موضع من القراَن جاء فى حديث رواه الترمذى عن عبد الله بن مسعود " من قرأ حرفا من كتاب اللَّه فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: " ألم " حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " قال الترمذى: حديث حسن صحيح غريب، أى رواه راو واحد فقط.
غير أن هناك أخبارا ليست صحيحة النسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها ما هو ضعيف ومنها ما هو موضوع مكذوب، على الرغم من قول الرسول صلى الله عليه وسلم " من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " رواه البخاري ومسلم.
وقام بوضع هذه الأحاديث جماعة منهم أبو عصمة نوح بن أبى مريم المروزى ومحمد بن عكاشة الكرمانى وأحمد بن عبد اللَّه الجو يبارى.
قيل لأبى عصمة: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس فى فضل سور القراَن سورة سورة؟ فقال: إنى رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبى حنيفة ومغازى محمد بن إسحاق، فوضعت الحديث حسبة، أى أرجو بذلك الثواب من الله على سبيل التطوع.
يقول ابن الصلاح فى كتابه " علوم الحديث ": إن من ذلك الحديث الطويل الذى يروى عن كعب عن النبى صلى الله عليه وسلم فى فضل سور القرآن سورة سورة. وقد أخطأ الواحدى المفسر ومن ذكره من المفسرين فى إيداعهم تفاسيرهم(7/471)
قراءة القرآن بدون تجويد
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
لم أتعلم أحكام قراءة القرآن، فأنا أقرأ مع مراعاة ضبط الحروف كما هى فى المصحف، ولكنى لا أعرف القواعد الأخرى لقراءته فما حكم ذلك؟
الجواب
قال علماء التجويد، تجويد القرآن الكريم واجب وجوبا شرعيا يثاب القارئ على فعله ويعاقب على تركه، وهو فرض عين على من يريد قراءة القراَن، لأنه نزل على نبينا صلى الله عليه وسلم مجودا، ووصل إلينا كذلك بالتواتر. وقد أخرج ابن خزيمة فى صحيحه عن زيد بن ثابت قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " إن اللَّه يحب أن يقرأ القرآن كما أنزل ".
قال تعالى {ورتل القرآن ترتيلا} المزمل: 4، وقال {ورتلناه ترتيلا} الفرقان: 32، والترتيل مأخوذ من قولهم: رتل فلان كلامه إذا أتبع بعضه بعضا على مكث وتفهم من غير عجلة، وقد سئل الإمام على رضى الله عنه عن معنى الترتيل فقال: هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف. وقال ابن عباس فى تفسير الآية الأولى: معنى (رتل القرآن) بينه. وقال مجاهد تأن فيه.
وقال الضحاك: انبذه حرفا حرفا وتلبث فى قراءته وتمهل فيها وافصل الحرف من الحرف الذى بعده. وقال الإمام الغزالى فى كتابه " الإحياء ": تلاوة القرآن حق تلاوته هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب. فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظ العقل تفسير المعانى، وحظ القلب الاتعاظ والتأثر. وقال ابن الجزرى:
والأخذ بالتجويد حتم لازم * من لم يجود القرآن آثم لأنه به الإله أنزلا * وهكذا منه إلينا وصلا قال صاحب النشر فى تفسير ما قاله الإمام على فى معنى الترتيل: التجويد هو حلية القراءة، ويكون بإعطاء كل حرف من حروف الهجاء حقه ومستحقه، أى أنه يجب أن تكون حروفه مرتبة، ويرد كل حرف إلى مخرجه وأصله، ويلطف النطق على كمال هيئته من غير إسراف ولا تعسف، ولا إفراط ولا تكلف. والوقف: هو قطع الصوت على آخر كلمة زمنا يتنفس فيه القارئ أنتهى.
وهذا التجويد يتنافى مع اللحن، الذى هو الميل عن الصواب، وهو قسمان:
لحن جلى واضح إذا كان فيه إبدال، حرف بحرف أو حركة بحركة بحيث يكون هناك إخلال بالمعنى، كالذى ينطق التاء فى (يقنت) طاء (يقنط) وكالذى يضم تاء (أنعمت عليهم) .
والقسم الثانى من اللحن لحن خفى لا يدركه إلا المختصون من العارفين بأحكام القراءة، وهو يخل بالأداء ولا يخل بالمعنى، كقصر الممدود وإظهار المدغم وتفخيم المرقق وهكذا.
والتجويد الذى يحفظ من هذا اللحن الخفى مستحب، ولا يأثم تاركه، وقيل يأثم عند تعمد هذا اللحن.
والتجويد وبخاصة ما يراعى فيه إعطاء المدود والغنات حقها وما يماثل ذلك يصعب أو يتعذر الاستقلال بمعرفته من الكتب، بل لابد له من التلقى والمشافهة عن العارفين به(7/472)
مد الظل
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
قال تعالى {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا. ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا} الفرقان: 45، 46، نريد توضيحا لذلك على ضوء العلم الحديث؟
الجواب
المراد بالظل هو الجزء من الليل من طلوع الفجر إلى شروق الشمس على أصح الأقوال عند المفسرين كما قال القرطبى، وذلك نعمة من اللَّه سبحانه، لأنها ساعة طيبة كما قالوا.
ولو شاء اللَّه لأبقى هذه المدة ومنع الشمس من الطلوع، لكنه سبحانه أذن للشمس أن تنسخ هذا الظل، ونستدل بها على أنها نعمة، فبضدها تتميز الأشياء، ثم قبض اللَّه هذا الظل بسهولة، لأن كل أمر سهل ويسير على الله.
يقول القرطبى: فإذا طلعت الشمس صار الظل مقبوضا وخلفه فى هذا الجو شعاع الشمس فأشرق على الأرض وعلى الأشياء إلى وقت غروبها.
واتجاه المفسرين فى ذلك اتجاه امتنان من اللَّه بالنعمة على عباده، واتجه بعض المحدثين من العلماء فى ذلك اتجاها يبين قدرة اللَّه سبحانه وسيطرته على الوجود كله يخلق الليل والنهار، ويسير الكواكب والشموس والأقمار بنظام بديع لا يقدر عليه غيره سبحانه وتعالى.
والآيتان تحتملان كل ذلك، فكل ما فى الكون دليل على قدرة اللَّه، وكل ما نتمتع به هو نعمة منه سبحانه، يشدنا هذا كله إلى الإيمان به وإلى شكره وطاعته.
يقول الخبراء المشرفون على " منتخب التفسير" الذى نشره المجلس الأعلى للشئون الإسلامية: هذه الآية تظهر عناية الخالق وقدرته. فمد الظل يدل على دوران الأرض وعلى ميل محور دورانها، ولو أن الأرض سكنت بحيث إنها ظلت غير متحركة حول الشمس وكذلك انعدم دورانها حول محورها لسكن الظل ولظلت أشعة الشمس مسلطة على نصف الأرض، بينما يظل النصف الآخر ليلا، مما يحدث اختلاف التوازن الحرارى، ويؤدى إلى انعدام الحياة على الأرض، وكذلك إذا كان هذا هو حال الأرض فإن الظل يظل ساكنا. وهذا يحدث إذا كانت فترة دورن الأرض حول محورها هى نفسها فترة دورانها من حول الشمس، أى أن اليوم يصبح سنة كاملة ولكن لا يمكن أن يفعل ذلك غير الله. هذا فضلا عن أن الظل ذاته نعمة من نعم اللَّه، ولو أن الله خلق الأشياء كلها شفافة لما وجد الظل ولا نعدمت فرص الحياة أمام الكائنات التى تحتاج إليه انتهى(7/473)
نقصان أطراف الأرض
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
أرجو تفسير قوله تعالا: {أولم يروا أنا نأتى الأرض ننقصها من أطرافها} وكيف يكون هذا النقص؟
الجواب
هذه الآية من سورة الرعد: 41 وقيل فى تفسيرها: إن المراد بالنقص من أطرافها هو موت العلماء والصالحين، فالأطراف هم الأشراف، كما قال ابن عباس والقشيرى.
وقيل المراد ما يغلب عليه المسلمون مما فى أيدى المشركين كما فى رواية عن ابن عباس، وعنه أيضا هو خراب الأرض حتى يكون العمران فى ناحية منها.
وقال عطاء بن أبى رباح: المراد ذهاب الفقهاء وخيار أهلها، وهو موافق لرأى لابن عباس. وارتضاه كثير من المفسرين.
ومعنى الآية: أو لم تر قريش هلاك من قبلهم وخراب أرضهم بعدهم، أفلا يخافون أن يحل بهم مثل ذلك. وقيل المراد نقص بركات الأرض وثمارها، وذلك بجور أهلها، والقرطبى صحح هذا القول، لأن الظلم يخرب البلاد بقتل أهلها وانجلائهم عنها ورفع البركة من الأرض.
وما يقال الآن: إنه دليل على أن كروية الأرض لست تامة، بل هى مفرطحة من الجانبين فهو غير قطعى. وليس مناسبا للمقام حيث تتحدث الآيات عن وعيد الله للكافرين، وعما حدث للماكرين الكافرين من قبلهم فأولى أن يفسر النقص من أطراف الأرض بإهلاك الكفار والجبابرة فى أية بقعة من بقاع الأرض(7/474)
الصلب والترائب
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يقول الله تعالى فى سورة الطارق {فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب} فكيف يتفق هذا مع ما هو معروف إن الماء الدافق هو ذا الخصية؟
الجواب
هذه الآية من الآيات العلمية التى ما كان العرب يعرفون عنها شيئا، وبالتالى لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم " ليعلم عنها شيئا لولا نزول القراَن عليه من الله " واللَّه يعلم وأنتم لا تعلمون " وذلك من أدلة صدق النبى صلى الله عليه وسلم فى دعواه الرسالة.
وقد ظل الناس قرونا طويلة يجهلون كيف يتخلق الجنين فى بطن أمه حتى نزل القرآن فبين ذلك بدقة فى سورة " المؤمنون " ووضحه النبى صلى الله عليه وسلم فى حديثه، وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى.
وبين أن الإنسان يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم أربعين يوما علقة ثم أربعين يوما مضغة.
والمفسرون للقرآن والشارحون للأحاديث كانوا يوضحون ذلك حسب المعلومات التى كانت عندهم مع استعانتهم بمعانى الألفاظ العربية التى نزل بها القرآن والترائب هى عظام الصدر، وهل المراد صدر الرجل، أو صدر المرأة الذى يقابله الصلب فى الرجل؟ رأيان وإليك نموذجا من التفاسير:
(أ) جاء فى تفسير القرطبى أن الإنسان يخلق من ماء الرجل الذى يخرج من صلبه العظم والعصب، ومن ماء المرأة الذى يخرج من ترائبها اللحم والدم، وقيل من صلب الرجل وترائبه، ومن صلب المرأة وترائبها. ولم يوضح كيف تم الخلق بهذه الصورة.
(ب) جاء فى تفسير الجواهر للشيخ طنطاوى جوهرى معتمدا فيه على ما فى تفسير الفخر الرازى: أن الدماغ مركز الإدراك وخليفته فى الجسم النخاع الشوكى المخزون فى الصلب، والنخاع له شعب كثيرة تصل إلى جميع أجزاء الجسم. ولن يتم اجتماع الرجل بالمرأة إلا بقوة الحس عن طريق الدماغ والنخاع الذى فى الصلب، وكذلك بوجود زينة المرأة التى يغلب أن تكون على ترائبها، أى على صدرها، ولذا عبر عن الرجل بالصلب وعن المرأة بالترائب وهذا فحوى كلام الرازى وجوهرى، وهو تفسير سطحى لعملية تكوين الجنين.
(ج) وجاء فى تفسير القاسمى: أن المنى باعتبار أصله وهو الدم يخرج من شىء ممتد بين الصلب -فقرات الظهر فى الرجل -والترائب أى عظام صدره، وذلك الشىء الممتد بينهما هو الأبهر " الأورطى " وهو أكبر شريان فى الجسم يخرج من القلب خلف الترائب ويمتد إلى آخر الصلب تقريبا. ومنه تخرج عدة شرايين عظيمة، ومنها شريانان طويلان يخرجان منه بعد شريانى الكليتين وينزلان إلى أسفل البطن حتى يصلا إلى الخصيتين فيغذيانهما، ومن دمهما يتكون المنى فى الخصيتين ويسميان بشريانى الخصيتين أو الشريانين المنويين، فلذا قال تعالى عن المنى {يخرج من بين الصلب والترائب} لأنه يخرج من مكان بينهما وهو الأورطى أو الأبهر.
(د) هذا بعض ما جاء فى كتب التفسير، وهى محاولات لتقريب المعنى إلى المعهود الآن مما وصل إليه العلم، ولا شك أن الكشوف العلمية تتقدم يوما بعد يوم، ثم رأينا فى أبحاث للمتخصصين أن الغدد التناسلية فى الجنين تكون أصلا فى المنطقة الواقعة بين عصام الظهر "الصلب " وعظام الصدر " الترائب " وهذا ما يدل عليه قوله تعالى {يخرج من بين الصلب والترائب} سواء منه الذكر والأنثى، فهى تخلق فى نفس المكان، ولعل مما يؤكد ذلك قوله تعالى {واذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم} فكلمة " بنى آدم " تشمل الذكر والأنثى، وتفصيل ذلك يرجع فيه إلى المختصين، وبخاصة فى علم الأجنة(7/475)
رسم المصحف
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
نجد فى القرآن الكريم كلمات مكتوبة على خلاف الرسم الإملائى ويصعب علينا قراءتها بالرسم الحالى، فهل تجوز كتابته بالرسم الإملائى لتيسير قراءتها وفهمها؟ وهل تجوز كتابة القرآن بغير الحروف العربية؟
الجواب
عقد الإمام السيوطى فصلا فى الجزء الثانى "ص 166 " من كتابه "الإتقان " خاصا برسم الخط وآداب كتابته، وذكر بعض من أفردوا ذلك بالتصنيف، منهم أبو عمرو لدانى وأبو عباس المراكشى واستطرد فذكر أول من وضع الكتاب العربى ثم قال:
القاعدة العربية أن اللفظ يكتب بحروف هجائية مع مراعاة الابتداء به والوقف عليه.
وقد مهد النحاة له أصولا وقواعد، وخالفها فى بعض الحروف خط المصحف الإمام، وقال أشهب: سئل مالك: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى، رواه الدانى فى المقنع، ثم قال: ولا مخالف له من علماء الأمة وقال أبو عمرو الدانى موضحا ذلك: يعنى الواو والألف المزيدتين، فى الرسم المعدومتين فى اللفظ نحو أولوا وقال الإمام أحمد: تحرم مخالفة خط مصحف عثمان فى واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك، ورأى البيهقى فى " شعب الإيمان " هذا الرأى لأن الذين كتبوا المصحف كانوا أكثر علما وأصدق قلبا ولسانا وأعظم أمانة منا، فلا ينبغى أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم.
ثم ذكر السيوطى أن أمر الرسم ينحصر فى ست قواعد، الحذف والزيادة والهمز والبدل والوصل والفصل وما فيه قراءات، ومثل لذلك باستفاضة، وذكر السر فى حذف الحرف الأخير من بعض الكلمات مثل "يوم يدع الداع " "سندع الزبانية " أن المراكشى قال: السر فى حذفها: التنبيه على سرعة وقوع الفعل وسهولته على الفاعل وشدة قبول المتأثر به فى الوجود. وهكذا ذكر مبررات لكل قواعد الرسم وقد سئلت لجنة الفتوى بالأزهر سنة 1355 و (1936 م) فأجابت بما ملخصه، أن عثمان بن عفان رضى الله عنه أمر بأن تنسخ عدة نسخ من المصحف الذى كان موجودا عند السيدة حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضى الله عنها وعن أبيها. وكان هذا المصحف عند عمر ومن قبله كان عند أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنهما. وكان المصحف مأخوذا من القطع المتعددة التى كان مكتوبا عليها قى زمن النبى @ ووزع عثمان هذه النسخ على الأمصار واستبقى واحدة منها بالمدينة. وكل مصحف من هذه المصاحف يسمى "المصحف الإمام " وقد رسمت بعض الكلمات فيها رسما يخالف قواعد الإملاء المعروفة الآن. وجرى المسلمون من عهد عثمان إلى الآن على اتباع العثمانى.
ثم قالت اللجنة: إن الجمهور من العلماء على التزام. الرسم العثمانى وحرمة مخالفته واستدلوا على ذلك بإجماع الصحابة على الصفة التى كتب عليها عثمان ولم يرو عن واحد منهم أنه كتب القرآن على غير هذه الصفة. وذكرت اللجنة ما نقل عن مالك وأحمد والبيهقى مما سبق ذكره هنا نقلا عن السيوطى فى "الإتقان ".
ثم قالت اللجنة: إن بعض العلماء ذهبوا إلى جواز كتابته بأى رسم كان ولو خالف الرسم العثمانى، فكل رسم حصلت به الدلالة فهو جائز،، ولم يتعرض للكيفية التى كتب بها، وإجماع الصحابة لا يدل على أكثر من جواز رسمه على نحو ما كتب الصحابة، أما رسمه على غير هذه الطريقة فلم تتعرض له الصحابة لا بحظر ولا بإباحة وذكرت ما قاله القاضى أبو بكر الباقلانى فى كتابه "الانتصار" موضحا لهذا الرأى الذى لا يحتم التزام الرسم العثمانى. ولكن اللجنة اختارت بقاء المصحف على الرسم الذى كان عليه فى عهد عثمان رضى الله عنه.
وعدم كتابته على الرسم الإملائى الحديث، فإن الرسم الحديث ما يزال موضع الشكوى لعدم تيسر القراءة به، حيث توجد به أحرف لا تنطق، وتنقص منه حروف تنطق، ولا تتيسر القراءة والفهم إلا بعد التمرن الطويل والإتقان لمعرفة قواعد الإملاء. ثم من قواعد الإملاء عرضة للتعديل، فهل يكتب القرآن على القواعد الإملائية المعدلة أو القديمة؟ وقد توجد عدة نسخ مختلفة الرسم، وهنا تكون البلبلة والتعرض لتحريف القرآن وضعف الثقة فيه.
ثم قالت اللجنة: إن تلاوة القرآن لا تؤخذ أبدا من الرسم، بل من التلقى لأن هناك أحكاما لتجويد القرآن وإخراج الحروف من مخارجها الحقيقية لا يمكن للشكل الإملائى أن يدل عليها، ولذلك أرسل عثمان مع المصاحف قراء، فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدينة، والمغيرة بن شهاب أن يقرئ بالشام، وعامر بن عبد قيس أن يقرئ بالبصرة، وأبا عبد الرحمن السلمى أن يقرئ بالكوفة فاللائق بقدسية القرآن بقاء كتابته على الرسم العثمانى. انتهى تلخيص الفتوى.
وعلى ضوء ما جاء عن السيوطى فى "الإتقان " وما اختارته لجنة الفتوى عملت بحوث ونشرت مقالات وصدرت فتوى من دار الإفتاء المصرية سنة 1956 م وقرر مجمع البحوث الإسلامية فى دور انعقاده الرابع 1968 م الالتزام بالرسم العثمانى ومنها البحث الذى قدمه الدكتور محمد محمد أبو شهبة، مشيرا إلى بعض التآليف فى ذلك.
كالمقنع لأبى عمرو الدانى، عنوان الدليل فى مرسوم خط التنزيل لأبى العباس المراكشى المتوفى سنة 721هـ والمعروف بابن البناء والأرجوزة للشيخ محمد بن أحمد المتولى، وشرحها للشيخ محمد على خلف الحسينى شيخ المقارئ المصرية فى عهده، مع تذيل الشرح بكتاب سماه "مرشد الحيران إلى معرفة ما يجب اتباعه فى رسم القرآن " وإيقاظ الأعلام إلى اتباع رسم المصحف الإمام للشيخ محمد حبيب اللَّه بن عبد الله بن أحمد بن مايابى الجكنى الشنقيطى ومناهل العرفان للشيخ الزرقانى، المدخل لدراسة القرآن الكريم لأبى شهبة، وهذا الحكم موجود فى كتب الأئمة وعلماء التفسير، وجاء فى الشفا للقاضى عياض: من غير حرفا بزيادة أو نقص أو بدَّله بحرف غيره فهو كافر، ووافقه على ذلك شارحه الخفاجى وشارحه ملاَّ على القارى. "منبر الإسلام - ذو الحجة 1402 هـ ".
2- وأما كتابة المصحف بغير الحروف العربية. فقد ذكر السيوطى فى " الإتقان "ج 2 ص 171 ما نصه: وهل تجوز كتابته بقلم غير العربى؟ قال الزركشى: لم لأجد فيه كلاما لأحد من العلماء. قال:
ويحتمل الجواز لأنه قد يحسنه من يقرؤه بالعربية والأقرب المنع كما تحرم قراءته بغير لسان العرب، ولقولهم: القلم أحد اللسانين، والعرب لا تعرف قلما غير العربى، وقد قال الله تعالى {بلسان عربى مبين} الشعراء:195،.
وقال الشيخ محمود أبو دقيقة من كبار علماء الأزهر: أجمع الأئمة الأربعة على أنه لا يجوز كتابة القرن بغير اللغة العربية، لأن كتابته بغيرها تخرجه عن الرسم الوارد الذى قام الإجماع على أنه يجب التزامه، بل قد تؤدى كتابته بغير العربية إلى التغيير فى اللفظ لأن بعض الحروف العربية لا نظير له فى بعض اللغات الأخرى، والتغيير فى اللفظ يؤدى إلى التغيير فى المعنى، وحيث كانت الكتابة بغير العربية تؤدى إلى هذا فلا يجوز. وقال بعض علماء الحنفية: إن من تعمد كتابة القرآن بغير العربية يكون مجنونا أو زنديقا، فالمجنون يداوى والزنديق يقتل "مجلة الأزهر-المجلد الثالث ص 31 -34 "(7/476)
وضع المصحف تحت الوسادة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
عندما أنام أضع المصحف تحت الوسادة لمنع الشياطين والأحلام المفزعة، فما رأى الدين فى ذلك؟
الجواب
قال الله تعالى {إنه لقرآن كريم. فى كتاب مكنون. لا يمسه إلا المطهرون} الواقعة: 77 - 79.
تحدث العلماء عن مظاهر تكريم القرآن والمصحف الذى يحويه فأمروا بالطهارة عند مسه وحمله، وذلك له موضع لتفصيله، ومن مظاهر التكريم عدم وضعه تحت الوسادة عند النوم، أو وضع أمتعة أو كتب فوقه، أو عمل أى شيء يعتبر عرفا إهانة له، بل جاء فى كتاب "المصاحف " لابن أبى داود أن وضع المصحف على الأرض غير لائق، وأورد فى ذلك أثرًا لم يبين درجته من القبول والرفض، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال فيمن وضع كتابا من ذكر اللَّه فى الأرض "لعن اللَّه من فعل هذا، لا تضعوا ذكر اللَّه فى غير موضعه ".
وهذا فى وضع المصحف بغير نية الاحتقار والإهانة، أما عند هذه النية فهو محرم بالإجماع بل قال أكثر العلماء:: إن من احتقر أو استهزأ بكتاب اللَّه فهو كافر.
وقد تكون لغير ذلك، ولا نستطيع أن نجزم برأى فيه.
جاء فى "الإتقان " للسيوطى ج 2 ص 172 ما نصه: يستحب تطييب المصحف وجعله على كرسى، ويحرم توسده، لأن فيه إذلالاً له وامتهانا، كذا مد الرجلين إليه.
وقد يصور التوسد بالاتكاء عليه كالوسادة وبجعله وسادة للنوم كالمخدة، وكلاهما ممنوع(7/477)
القرآن كتاب علمى
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل القرآن كتاب علمى، أو كتاب يقوم على العلم ولا يتناقض معه عبر العصور؟
الجواب
التعبير بكتاب علمى أو كتاب يقوم على العلم من التعبيرات الاصطلاحية التى يفسرها واضعوها حسب ما يتفقون عليه، وبعيدا عن ذلك أقول:
القرآن كتاب علمى بمعنى أنه يعلم الناس ما يهمهم من أمور دينهم ودنياهم، وذلك معنى الهداية التى جاءت فى قوله تعالى {إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم} الإسراء: 9، وقوله {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين! يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم} المائدة: 15، 16،.
أما أن يكون القرآن كتابا علميا بمعنى أنه يعلم الناس العلوم كالطب والهندسة والرياضة والجغرافيا والطبيعة والكيمياء، فليس ذلك من مهمته، وإنما مهمته فى هذه الناحية أن يأمر بالتعلم والتعليم لكل ما يمكن أن يستفيد منه الناس فى أمور الدين والدنيا، وأن يضع الآداب، التى تجعل العلم يستخدم فى المصلحة. والقرآن ملىء بالآيات التى تدعو إلى العلم وترفع شأن العلماء الذين يبتغون الخير من علمهم، بصرف النظر عن مادة العلم ما دام الهدف خيرا.
ومن الآيات التى تبين ذلك قوله تعالى {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود. ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ} فاطر: 27، 28،.
فهذا رفع لقدر العلماء فى كل المجالات المتقدمة فى الآيتين، علماء الفلك والطبيعة الكيمياء والنبات وطبقات الأرض والحيوان والطب والهندسة والاجتماع والتاريخ. .. . . . لأنهم عند إنصافهم وتعمقهم فى هذه العلوم سيدركون أن وراء هذا الخلق البديع سرا كبيرا، وأن قوة أخرى فوق المادة هى التى صنعت هذا الكون وسيَّرته حسب النواميس الثابتة. وتلك هى قوة الله تعالى، وكم من علماء فى هذه المجالات آمنوا بوجود الله بعد كفرهم به [اقرأ كتاب: (الله يتجلى فى عصر العلم) ، الذى ألفه الباحث الدينى الاجتماعى "جون كلوفر مونسما"] .
وأما كون القرآن يقوم على العلم ولا يتناقض معه فى كل العصور والأزمان فتلك حقيقة لا شك فيها، بمعنى أن كل ما جاء فيه من أمور يقال عنها إنها علمية فهى صادقة، لأنها من صنع الله، والحقائق العلمية من صنع الله، أما النظريات التى لا ترتقى إلى درجة الحقيقة فهى من صنع البشر، قد تصدق فتكون مطابقة لما عند الله، وقد تكذب فتخالفه، وهنا لا يجوز مطلقا أن نفسر القرآن بالنظريات، وإنما نفسره بالحقائق لتوضيح ما فيه، والموضوع طويل لا يتسع المجال لشرحه، يمكن الرجوع إليه فى كتابنا "دراسات إسلامية لأهم القضايا المعاصرة "(7/478)
الحروف المقطعة فى أوائل السور
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هو سر الحروف المقطعة فى أوائل بعض السور، وهل هناك علاقة بينها وبين عددها فى السور؟
الجواب
الحروف المقطعة فى أوائل بعض السور للعلماء فيها موقفان، الموقف الأول أنها من المتشابه الذى يجب أن يوكل علمه إلى الله تعالى، والثانى أن لها معانى، واختلفوا فى هذه المعانى، وكلها آراء اجتهادية. ولكنها على كل حال تبين للكفار-وهم أرباب الفصاحة والبلاغة - أن القرآن كلام مركب من الحروف التى يتركب منها كلامهم ومع ذلك عجزوا عن الإتيان بمثله.
وقد قام بعض الناس بحصر الحروف الموجودة فى آيات السورة التى بدئت بالحروف المقطعة فوجدوا أنها أكثر من الحروف الأخرى.
وهذا يزيد التأكيد أن حروف القرآن هى حروف كلام العرب، ومع ذلك عجزوا عن الإتيان بمثله، وأوجه الإعجاز غير اللغوى كثيرة، أفردت لها مؤلفات خاصة(7/479)
نطق الضاد
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل يجوز تبديل حرف الضاد بحرف الظاء فى القرآن الكريم، وهل يجوز إقتداء المصلى بمن يقرأ فى الفاتحة " ولا الظالين " بدل من " الضالين "؟
الجواب
النطق الصحيح للضاد غير النطق الصحيح للظاء، وإن اشتركا فى أكثر الصفات، إلا أن الضاد تمتاز عن الظاء مخرجا واستطالة.
فمخرج الضاد إحدى حافتى اللسان مع ما يليها من الأضراس حتى تجد بينها منفذا لا ينضغط فيها الصوت ضغط الطاء فيظهر معها صوت خروج الريح. وحينئذ تكون مشتبهة فى السمع بالظاء كما هو المنصوص عليه فى جميع كتب القراءة والتجويد.
وهذا الوصف للنطق بالكتابة لا يعرف إلا بالتلفظ وسماع نطقها الصحيح من العالم بها والمتمرن عليها، وقد يتهاون بعض الناس فينطقها كالدال، أو ينطقها كالظاء، فهى وسط بينهما ولها نطقها الخاص بها.
وأما حكم من بدَّل حرفا بحرف فى القرآن وهو يصلى، فقد قال العلماء: إذا كان متعمدا لهذا الإبدال وهو يعرف الفرق بينهما حرم عليه ذلك، بل قال بعضهم بكفره، لأنه تغيير للقرآن الكريم، وبالتالى تكون صلاته باطلة ولا تصح إمامته. أما إن كان غير متعمد فيجب عليه أن يجتهد لمعرفة النطق الصحيح للحرف، فإن قصر مع قدرته على ذلك بطلت صلاته وإمامته. فإن عجز ولم يستطع إصلاح نطقه صحت صلاته وإمامته كما قال جمهور الفقهاء.
والمالكية قالوا: الألثغ - وهو من يبدل السين ثاء، أو الزاى ذالا - وكذلك التمتام الذى يكرر التاء فى كلامه، والفأفاء الذى يكرر الفاء، والأرت الذى يأتى بإدغام فى غير موضعه، كأن يقول "المتقيم" بدل "المستقيم " ونحوهم من كل من لا يستطيع النطق ببعض الحروف أو يدغم حرفا فى غيره إمامته وصلاته صحيحتان حتى لو كان المقتدى به سالما من هذا النقص ولو وجد من يعلمه وقبل التعليم ولم يستعص عليه واتسع الوقت له، ولا يجب عليه الاجتهاد فى إصلاح لسانه على الراجح "كتاب الفقه على المذاهب الأربعة نشر أوقاف مصر"(7/480)
الرحمن علم القرآن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
لماذا جاء تعليم القرآن قبل خلق الإنسان فى سورة الرحمن؟
الجواب
قال بعض المفسرين: لما ذكر الله "الرحمن " ذكر صفة من صفاته لها فضل كبير على المسلمين وهى القرآن، ثم ذكر بعد ذلك مظاهر قدرته العامة للمسلمين وغيرهم، فبدأ بخلق الإنسان وتعليمه النطق والإفصاح عما يريد، ونصب الدلائل التى يستدل بها على وجود الله ووجوب عبادته وحده. وعند معرفة سبب النزول نعرف لماذا قرن الله تعليم القرآن باسمه الرحمن، فالسورة نزلت جوابا لأهل مكة حين قالوا: وما الرحمن؟ وحكى القرآن ذلك فى قوله تعالى {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا} الفرقان: 60، وحين قالوا: إنما يعلمه بشر، وكانوا يؤمنون برحمن اليمامة وهو مسيلمة الكذاب، فذكر أن الذى أنزل القرآن على محمد هو الرحمن المعبود بحق "راجع تفسير القرطبى"(7/481)
فصل لربك وانحر
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما المراد بالصلاة والنحر فى قوله تعالى {فصل لربك وانحر} الكوثر: 2؟
الجواب
اختلف العلماء فى نزول سورة الكوثر، هل كان بمكة أو بالمدينة. فعلى القول الأول بنزولها فى مكة يكون المراد بالصلاة الصلاة المفروضة، سواء منها ما كان قبل ليلة الإسراء حيث قيل:
إن الصلاة كانت ركعتين أول النهار وركعتين آخره، وما كان بعد ليلة الإسراء، وهى الصلوات الخمس. والمراد بالنحر هو الذبح، بذكر اسم الله أو التقرب إليه. والمعنى: اجعل صلاتك ونحرك يا محمد لله لا لغيره كما يفعل المشركون ولا يصح أن يراد بالصلاة هنا صلاة العيد ولا بالنحر تقديم الأضاحى أو الهدى، فذلك لم يشرع إلا فى المدينة بالإجماع كما حكاه ابن عمر.
وعلى القول الثانى بنزولها فى المدينة، يحتمل رأى غير الرأى الذى سبق، وهو أن المراد بالصلاة صلاة العيد وبالنحر ذبح الأضحية، كما رآه قتادة وعطاء وعكرمة.
قال أنس: كان النبى صلى الله عليه وسلم ينحر ثم يصلى، فأمره الله أن يصلى ثم ينحر، وقال سعيد بن جبير: المراد بالصلاة صلاة الصبح المفروضة بالمزدلفة والنحر يكون بمنى، وجاء عنه أنها نزلت فى الحديبية للتحلل من الإحصار.
والقول الأول هو الراجح، لأن أقوى الروايات فى سبب النزول تدل على أنها نزلت بمكة، حين عاب المشركون موت ولد النبى صلى الله عليه وسلم وقالوا: صار أبتر، على ما كان من عادتهم فيمن يموت وليس له ولد-وما قيل من أن ذلك كان بالمدينة عند موت ولده إبراهيم ضعيف - فالله سبحانه يسلِّى نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه أعطاه الكوثر، أى الخير الكثير، وهذا الخير الكثير على أرجح الأقوال هو نهر فى الجنة كما جاء فى رواية البخارى، أو الحوض الذى يكون فى الموقف قبل دخول الجنة كما جاء فى رواية مسلم، أو هو النبوة.
وفى مقابل هذا الخير الكثير يجب أن يشكر النبى صلى الله عليه وسلم ربه عليه بأن تكون صلاته كلها ونحره كله لله وحده وليس لغيره، والمراد أن يستمر فى دعوته ويثبت على عقيدته وسلوكه غير عابئ بما يقوله المشركون، فالأبتر فى الحقيقة هم هؤلاء الذين قطع الله عنهم الخير بسبب كفرهم.
ومن البعيد أن يكون الشكر على الكوثر صلاة العيد ونحر الأضحية أو الهدْى. قال ابن العربى: والذى عندى أنه أراد: اعبد ربك وانحر له، فلا يكن عملك إلا لمن خصك بالكوثر. وبالحرى أن يكون جميع العمل يوازى هذه الخصوصية من الكوثر وهو الخير الكثير الذى أعطاكه الله، أو النهر الذى طينه من مسك، وعدد آنيته نجوم السماء، أما أن يوازى هذا صلاة يوم النحر وذبح كبش أو بقرة أو بدنة فذلك يبعد فى التقدير والتدبير وموازنة الثواب للعبادة "تفسير القرطبى ج 20 ص 220"..،(7/482)
قاب قوسين
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما معنى قوله تعالى {فكان قاب قوسين أو أدنى} النجم: 9؟
الجواب
معنى "قاب " قدر أو مقدار، والقوس قيل: هو آلة الصيد والحرب المعروفة عند العرب، وقيل: المراد به الذراع التى يقاس بها، وهى لغة بعض الحجازيين وقيل: هى لغة أزد شنوءة أيضا، والمراد بالقوسين الاثنان، وقيل المراد، قوس واحد كما قال الكسائى، يقال بين الشيئين قاب قوس أى قدره، وفى الحديث الصحيح "ولقاب قوس أحدكم فى الجنة خير من الدنيا وما فيها".
والآية تتحدث إما عن قرب الله سبحانه من النبى صلى الله عليه وسلم والمراد قرب المكانة لا المكان، فهو قرب عطف ولطف وإيناس، وإما عن قرب جبريل من الله، وهو قرب منزلة أيضا كما روى فى الحديث "إن أقرب الملائكة من الله جبريل عليه السلام " وإما عن قرب جبريل من النبى صلى الله عليه وسلم عند نزوله بالوحى عليه.
والسورة فى أولها تؤكد صدق النبى صلى الله عليه وسلم فى نزول الوحى عليه من الله.
فهو ما ينطق عن الهوى، نزل به جبريل شديد القوى، من الأفق الأعلى، ودنا وتدلى فكان قريبا جدا من الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى بلغه ما أوحى به، فما يقوله من عند الله حق {ما كذب الفؤاد ما رأى} ثم تتحدث الآية عن رؤية النبى صلى الله عليه وسلم لجبريل مرة أخرى، غير التى جاءه فيها فى الغار، وعلى أثرها كذب المشركون ما ادعاه من رؤيته. وهذه المرة عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى. ويقول المفسرون: إن ذلك كان ليلة المعراج وكلامهم هناك كثير يمكن الرجوع إليه، وفيما ذكرته كفاية(7/483)
غلام الخضر عليه السلام
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح أن الله عوض والد الغلام الذي قتله الخضر فتاة تزوجت نبيا وولدت نبيا ومن هما هذان النبيان؟
الجواب
جاء فى تفسير القرطبى ما نصه: وعن ابن جبير وابن جريج أنهما بدِّلا جارية. قال الكلبى: فتزوجها نبى من الأنبياء، فولدت له نبيا، فهدى الله على يديه أمة من الأمم.
وقال قتادة: ولدت اثنى عشر نبيا، وعن ابن جريج أيضا أن أم الغلام يوم قتل كانت حاملا بغلام مسلم وكان المقتول كافرا.
وعن ابن عباس: فولدت جارية ولدت نبيا، وفى رواية: أبدلهما الله به جارية ولدت سبعين نبيا، وقال جعفر بن محمد عن أبيه، قال علماؤنا: وهذا بعيد جدا، ولا تعرف كثرة الأنبياء إلا فى بنى إسرائيل، وهذه المرأة لم تكن منهم. انتهى.
يؤخذ من هذا الكلام أن هناك رأيين فى بدل الغلام المقتول، رأيا يقول بأنه غلام مسلم كما قال ابن جريج، ورأيا يقول بأنه جارية أى بنت، وهذه البنت قيل: إنها ولدت نبيا كما قال الكلبى وابن عباس وقيل: ولدت اثنى عشر نبيا كما قال قتادة، وقيل: سبعين كما فى رواية عن ابن عباس. وذكر الخازن فى تفسيره ذلك أيضا. وتضارب هذه الأقوال فى نوع البدل وفى عدد الأنبياء المولودين منه يدل على أنه ليس هناك دليل صحيح يعتمد عليه القائلون بذلك، وبصرف النظر عن صحة هذه الأقوال وعدم صحتها فإن الجدل فى ترجيح أحدها جدل عقيم لا يجوز فيه التعصب، مع العلم بأن الجهل بذلك لا يضر، والعلم به لا يفيد فائدة تذكر، وينبغى الاهتمام بغير هذه المسائل التى لا تعدو أن تكون ترفا ذهنيا. وأحداث الحياة بإيقاعها الشديد أولى بالاهتمام(7/484)
أية الشعراء
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يقول الله تعالى {والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم فى كل واد يهيمون. وأنهم يقولون ما لا يفعلون} الشعراء: 224 - 226، نريد شرح الآية مع ملاحظة أن الرسول كان له شاعر يمدحه هو حسان بن ثابت؟
الجواب
هذه الآية نزلت كما يقول المفسرون فى عبد الله بن الزِّبعرَى ونافع بن عبد مناف وأمية بن أبى الصلت، وقيل نزلت فى أبى عزة الجمحى. والذين استثناهم الله بعد هاتين الآيتين فى قوله {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون} هم حسان بن ثابت وعبد الله ابن رواحة وكعب بن مالك وكعب بن زهير ومن على شاكلتهم ممن يقولون الحق، وجاء فى كتب التفسير أن حسان بن ثابت لما نزلت هذه الآية أذن له النبى صلى الله عليه وسلم بالرد على المشركين فقال " انتصروا ولا تقولوا إلا حقا، ولا تذكروا الآباء والأمهات " كما أذن لكعب فيه وقال "إن المؤمن يجاهد بنفسه وسيفه ولسانه، والذى نفسى بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل ".
إن الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، والحسن والقبح يتبعان الغرض من إنشاده، والمعانى التى يحتويها، والملابسات التى تحوطه والآثار التى تترتب عليه. فالآيات ذمت عدم ثبات الشعراء على مبدأ واحد، وتكسُّبهم بالشعر دون اهتمام بصدق ما يقولون وكذبه، ومدحت الآية الأخيرة من يتقون الله فى أقوالهم واستهدفوا الدفاع عن الحق والتبرئة مما ينسب إليهم من باطل.
وثبت فى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم سمع أبياتا كثيرة من شعر أمية ابن أبى الصلت، وقال "كاد أمية بن أبى الصلت أن يسلم " وروى البغوى فى معجم الصحابة وابن عبد البر فى الاستيعاب بإسناد ضعيف من حديث النابغة، واسمه قيس بن عبد الله. أنه أنشد الرسول صلى الله عليه وسلم شعرا فدعا له بقوله "لا يفضض الله فاك " وروى الحاكم أنه قال ذلك للعباس عندما استأذنه فى مدحه.
وكان الرسول إلى جانب سماع الشعر والثناء على قائله يثيب عليه ويجازى عند الاقتضاء. فقد روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم لما قسم الغنائم يوم حنين، ولم يعط العباس بن مرداس مثل ما أعطى أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن -قال شعرا يمدح به نفسه ويبين استحقاقه كغيره، أتم له الرسول مائة من الإبل، وقال العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء: إن زيادة "اقطعوا عنى لسانه " ليست فى شىء من الكتب المشهورة. وذكر السفارينى فى كتابه "غذاء الألباب "ج اص ا15 هدية الرسول إلى كعب بن زهير على قصيدته "بانت سعاد" عندما سمع قوله:
إن الرسول لسيف يستضاء به * مهند من سيوف الهند مسلول وهى بردة لم يستطع معاوية أن يشتريها منه، فاشتراها من ورثته، ثم قال: وأما خبر "الشعر مزامير الشيطان " وخبر "إنه جعل له كالقرآن " فواهيان. وعلى فرض ثبوت ذلك فالمراد به الشعر المحرم. . . وأن عائشة رضى الله عنها كانت أعلم بالشعر والفريضة من غيرها، وأن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى حسان "والله لشعرك عليهم أشد من وقع السهام فى غلس الظلام وتحفظ بيتى فيهم " فقال: والذى بعثك بالحق نبيا لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين، ثم أخرج لسانه فضرب به أرنبة أنفه وقال والله يا رسول الله إنه ليتخيل لى أنه لو وضعته على حجر لفلقته، أو على شعر لحلقته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيد الله حسانا بروح القدس "سمع النبى صلى الله عليه وسلم الشعر من وفد بنى تميم ورد حسان عليهم.
ويمكن الرجوع إلى إجابتين سابقتين عن الشعر وعن شعر الغزل لتكمل الصورة عن الشعر(7/485)
سورة التوبة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما سبب عدم بدء سورة التوبة بالبسملة؟
الجواب
السبب فى ذلك مختلف فيه، فقيل لأنها سورة نزلت بالحرب والقتال وفضح أحوال المنافقين، ولا يناسبها البدء بالبسملة التى تشتمل على الرحمة، كعادة العرب عندما يوجهون كلاما إلى الغير تكون مقدمته مناسبة لموضوعه وقيل لأن عثمان رضى الله عنه لما أمر الكتَّاب بنسخ صور من القرآن، وترتيب سوره التى لم يثبت فى ترتيبها نص من النبى صلى الله عليه وسلم حيث جعل السور الطوال بجوار بعضها - رأى أن سورة الأنفال متناسبة مع سورة التوبة فى الموضوع، فأمر بجعلهما بجوار بعضهما بدون البسملة، مع أن سورة الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وسورة براءة من أواخر ما نزل، لكنهما متناسبتان من جهة الموضوع، وقيل غير ذلك، وفى كتب التفسير متسع لمن أراد الاستزادة(7/486)
الأرضون السبع
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل يوجد سبع أرضين كما توجد سبع سماوات، وما الدليل على ذلك؟
الجواب
قال الله تعالى {الله الذى خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن} الطلاق: 12، وجاء فى الأحاديث " اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن ... " كما جاءت أحاديث أخرى تذكر أن الأرض سبع أرضين، وللمفسرين فى ذلك أقوال ثلاثة:
ا - أن الأرض سبع طبقات بعضها فوق بعض، وبين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والسماء. وفى كل أرض سكان من خلق الله، وهذا قول الجمهور كما ذكر القرطبى "ج 18 ص 174 ".
2-أنها سبع طبقات بعضها فوق بعض، من غير فتوق ومسافات، بخلاف السماوات، وهذا قول الضحاك.
3-أنها سبع أرضين منبسطة، يعنى ليس بعضها فوق بعض، وإنما تفرق بينها البحار وتظلها سماء واحدة، وقد تكون هى الأرض التى نعيش عليها مقسمة إلى قارات، أى كتل منفصلة بالبحار والمحيطات، يعرف منها آسيا وأوروبا "أوراسيا" وأفريقيا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، واستراليا والقارة القطبية الشمالية، والقارة القطبية الجنوبية.
هذا، وقد روى الحاكم فى المستدرك وقال صحيح الإسناد، وروى البيهقى فى شعب الإيمان وقال: إسناده صحيح عن أبى الضحى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال فى معنى الآية:هناك سبع أرضين، فى كل أرض نبى كنبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوحكم، وإبراهيم كإبراهيمكم وعيسى كعيساكم، قال البيهقى: إسناد هذا الحديث إلى ابن عباس صحيح، إلا أنى لا أعلم لأبى الضحى متابعا، فهو شاذ، وقد تكون مثلية الأرضين للسماوات مثلية كمٍّ أو كيف، أى مثلية فى العدد، أو مثلية فى إبداع الخلق ودقة الصنع والاحتواء على الآيات والدلائل الشاهدة على عظمة الخلق والخالق.
وكل الأقوال اجتهادات فى التفسير ليس على أحدها دليل قاطع، وذلك إذا أردنا بالرقم "7" حقيقته العددية، بخلاف ما لو أردنا التعبير عن الكثرة بصرف النظر عن حدودها. ولعلماء اليوم اجتهادات قائمة على ظنون وافتراضات، والقدر الواجب علينا معرفته هو أن الأرض سبع لا يعلم حقيقتها إلا الله سبحانه، وقد ذكر القرآن عددها كما ذكر عدد السماوات لبيان قدرة الله وسعة كونه، وإحاطة علمه بكل شيء، وهذا القدر كاف فى صحة الإيمان بما فى القرآن مع تشجيع العلم على مواصلة البحث للوصول إلى حقائق تؤكد أن القرآن حق كما قال سبحانه {سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} فصلت: 53،(7/487)
قراءات القرآن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
كم قراءة وردت لقراءة القرآن الكريم بها؟ وهل هناك قراءات شاذة؟ وما أهمية تعدد القراءات؟
الجواب
ثبت فى الأحاديث أن القرآن أنزل على سبعة أحرف واختلف العلماء فى بيان المراد بالأحرف السبعة على أقوال كثيرة بلغت أربعين قولا من أحسنها أنها الأوجه السبعة التى تختلف بها القراءة، باختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وغيرهما وباختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر، وباختلاف التقديم والتأخير، وباختلاف الإبدال وباختلاف اللهجات. .
والصحابة اختلف أخذهم عن الرسول فى هذه الوجوه، واشتهر منها ما يعرف بالقراءات السبع والقراءات العشر والقراءات الأربع عشرة، وأقواها هى السبع المنسوبة إلى الأئمة السبعة وهم: نافع وعاصم وحمزة وعبد الله بن عامر وعبد الله بن كثير وأبو عمرو بن العلاء، وعلى الكسائى. والقراءات العشر تزيد على ما سبق قراءه أبى جعفر ويعقوب وخلف والقراءات الأربع عشرة تزيد قراءة الحسن البصرى، وابن مُحَيْصِن، ويحيى اليزيدى، والشنبوذى.
والقراءات السبع متواترة، والمكملة للعشر قيل بتواترها وقيل بغير التواتر، وما بعدها فهى شاذة.
وضابط القراءات المقبولة: كل قراءة وافقت أحد المصاحف العثمانية ولو تقديرا ووافقت اللغة العربية ولو بوجه وصح إسنادها ولو كان عمن فوق العشرة من القراء-فهى القراءة الصحيحة التى لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها.
وفائدة تعدد القراءات تظهر فى التيسير من أجل القراءة والحفظ وذلك لاختلاف لهجات العرب وجاء ذلك مصرحا به فى الأحاديث مثل "أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتى لا تطيق ذلك " ومثل "إنى أرسلت إلى أمة أمية فيهم الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ الفانى الذى لم يقرأ كتابا قط. . . ".
ومن الفوائد جمع الأمة على لسان واحد هو لسان قريش، وقد يكون فيها بيان حكم من الأحكام مثل {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس} النساء: 12، فجاء فى قراءة زيادة (من أم) بعد "أخ أو أخت " ومثل الكفارة بتحرير رقبة جاء فى قراءة تقييدها بمؤمنة ومنها بيان لفظ مبهم مثل {كالعهن المنفوش} قرئت كالصوف المنفوش.
إلى غير ذلك من وجوه التيسير والإفادة، والموضوع ألفت فيه كتب كثيرة، وعولج فى مؤلفات "علوم القرآن " للسيوطى وغيره فليرجع إليها لمن أراد الاستزادة(7/488)
القراءة والسماع
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
أيهما أكثر ثوابا للمرء قراءة القرآن أم الاستماع إليه؟
الجواب
أكثر الأحاديث جاءت ترغب فى القراءة، وتجعل ثواب الحرف الواحد عشر حسنات، والماهر بالقراءة مع السفرة الكرام البررة والذى يتتعتع فيه له أجران، ويأتى القرآن شفيعا لأصحابه، ويلبسه الله تاج الكرامة وحلة الكرامة، ويرتقى فى درجات الجنة بقدر ما يقرأ، والملائكة تتنزل لسماعه من القارئ، وكل ذلك وغيره وردت به النصوص الصحيحة والحسنة.
أما استماع القرآن فالنصوص فى الترغيب فيه قليلة جدا، قال تعالى {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} الأعراف: 254.
وفى الحديث "من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة" رواه أحمد عن عبادة بن ميسرة، واختلف فى توثيقه عن الحسن عن أبى هريرة، والجمهور على أن الحسن لم يسمع من أبى هريرة.
وقد حمل بعض المفسرين الآية على خطبة الجمعة فأوجبوا الإنصات إليها لاشتمالها على القرآن، ومع ذلك فالحديث المروى فى الاستماع ذكر فيه ثواب التلاوة بأكثر من ثواب الاستماع، والحديث على كل حال ضعيف.
ومن هنا يمكن أن نقول: إن قراءة القرآن أكثر ثوابا من الاستماع إليه، وهى وسيلة لتعليم الكتابة ليستطيع القراءة، فالذى يسمعه ربما لا يكون قارئا أو عارفا بالكتابة، والقراءة أقرب من الاستماع لحفظ القرآن.
ومهما يكن من شيء فالانشغال بالقرآن بأية كيفية من الكيفيات فضيلة من كبريات الفضائل. والله أعلم(7/489)
أوجه الإعجاز القرآنى
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما أوجه الإعجاز فى القرآن الكريم؟
الجواب
أوجه الإعجاز فى القرآن كثيرة، وقد ألفت فيها كتب قديمة وحديثة، وأشار إليها السيوطى فى "الإتقان " وابن القيم فى "الفوائد المشوقة إلى علوم القرآن " والبيضاوى فى "إعجاز القرآن " وأخيرا الرافعى فى كتابه " إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ".
وأحسن الأوجه بأن الإعجاز فى بلاغته التى تحدى بها العرب والإنس والجن، ودائما تكون المعجزة من جنس ما برع فيه القوم، كعصا موسى بالنسبة للسحر، وزعم النَّظَّام من المعتزلة أن الإعجاز هو صرف الناس وعجزهم بقدرة الله عن محاكاته، ورد عليه كثيرون ومنهم الجاحظ المعتزلى فى كتابه "نظم القرآن " وأبو الحسن على بن عيسى الرمانى المعتزلى المتوفى. سنة 384 هـ أو 386 هـ، فى كتابه "النُّكت فى إعجاز القرآن " ومنهم أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابى المتوفى سنة 388 هـ فى كتابه " البيان فى إعجاز القرآن " والباقلانى المتوفى سنة 403 هـ فى كتابه "إعجاز القرآن " كما رد عليه السيوطى فى كتابه " الإتقان ".
ومن وجوه الإعجاز-لأنه كتاب ليس للعرب فقط ولا لعصر النبوة بل للعالم ولجميع العصور-إخباره بالغيب عن الأمور المستقبلة بوجه خاص، وإن كان أخبر عن الماضين دون الرجوع إلى كتب كما قال الله تعالى عن نوح وقومه:
{تلك من أنباء الغيب نوحيها إِليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين} هود: 49.
ومن الغيوب المستقبلة ما تدل عليه الآيات: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلى} المجادلة: 21.
{لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} الفتح: 27.
{غلبت الروم. فى أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون. فى بضع سنين} الروم: 2-4.
{وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض} النور: 55.
ومن وجوه الإعجاز احتواؤه على علوم لم تكن معروفة للبشر ثم عرفت بعد.
{سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} فصلت: 153.
وألفت فى ذلك كتب حديثة مثل "رسالة عن مقارنة بعض العلل بالوارد فى النصوص الشرعية" لعبد الله فكرى باشا، و "دروس سنن الكائنات " للدكتور محمد توفيق صدقى و "الجواهر" للشيخ طنطاوى جوهرى و "الإعجاز العلمى للقرآن " للدكتور محمد الغمراوى، و "التوراة والإنجيل والقرآن والعلم " للكاتب الفرنسى المسلم "موريس بوكاى" و "الإسلام يتحدى" لوحيد الدين خان.
ومن وجوه الإعجاز: التشريع الحكيم الذى عنى ببيانه الشيخ محمد أبو زهرة والمستشار على منصور وغيرهما.
هذه نبذة بسيطة، والكتب كثيرة لمن أراد المزيد(7/490)
خواتيم سورة الحشر
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هى خواتيم الحشر وما ثواب قراءتها؟
الجواب
خواتيم الحشر الواردة فى الحديث "من قرأ خواتيم الحشر فى ليل أو نهار فمات فى ذلك اليوم أو الليلة فقد ضمن الله له الجنة" والمراد بها الآيات التى فى آخر سورة الحشر المبدوءة بقوله تعالى {هو الله الذى لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم. . .} الآية: 22.
وقد ذكر القرطبى فى تفسيره هذا الحديث ولم يذكر درجته. وجاء فى حاشية الجمل على الجلالين حديث أخرجه الترمذى وقال: إنه حسن غريب "من قال حين يصبح ثلاث مرات: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكَّل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يُمسى، وإن مات من يومه مات شهيدا، ومن قرأها حتى يمسى فكذلك ".
ومهما يكن من شيء فإن هذه الآيات فيها بعض أسماء الله الحسنى التى أمرنا أن ندعوه بها فى قوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} الأعراف: 180، وقراءتها لها ثوابها إن شاء الله، بكل حرف عشر حسنات كما صحت بذلك الأحاديث(7/491)
بلعام بن عوراء
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يقول الله سبحانه {واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين. ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث} الأعراف:
175، 176، فيمن نزلت، وما كيفية الانسلاخ، ولماذا شبه بالكلب دون غيره، وفى أى عصر كان يعيش هذا الرجل؟
الجواب
اختلف فى تعيين الرجل المذكور، فقال ابن مسعود وابن عباس: هو بلعام بن باعوراء، وقيل تاعم، وهو من بنى إسرائيل، عاش فى زمن موسى عليه السلام وكان بحيث إذا نظر رأى العرش، وهو المعنىُّ بقوله تعالى {واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا} ولم يقل آية، وكان فى مجلسه اثنتا عشرة ألف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه ثم صار بحيث إنه كان أول من صنف كتابا فى أنه ليس للعالم صانع.
معنى هذا أنه كان صالحا ثم ضل، وهو معنى الانسلاخ، أى نزع الله منه العلم الذى كان يعلمه والإيمان الذى كان يلبس ثوبه.
وقيل: نزلت فى أمية بن أبى الصلت الثقفى، وكان قد قرأ الكتب وعلم أن الله مرسل رسولا فى ذلك الوقت، وتمنى أن يكون هو ذلك الرسول، فلما أرسل الله النبى صلى الله عليه وسلم حسده وكفر به، وهو الذى قال فيه الرسول "آمن شعره وكفر قلبه " وهناك أقوال أخرى ذكرها القرطبى فى تفسيره، وليس لواحد منها سند صحيح يوثق به، وقال: إن القول الأول أشهر وعليه أكثر المفسرين.
ولو أن هذا الرجل بقى على الهدى لأماته الله مؤمنا ورفع شأنه، ولكنه اتبع هواه وسار مع الشيطان ورغب فى الدنيا فكانت خاتمته سيئة، وقد شبه الرجل بالكلب يلهث دائما على كل حال، إن طردته أو لم تطرده، يقول ابن جريج: الكلب منقطع الفؤاد، لا فؤاد له (كذا) إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، كذلك الذى يترك الهدى لا فؤاد له، وإنما فؤاده منقطع، وقال القتيبى: كل شيء يلهث فإنما يلهث عن إعياء أو عطش، إلا الكلب فانه يلهث فى حال الكلال وحال الراحة وحال المرض وحال الصحة، وحال الرى وحال العطش، فضربه الله مثلا لمن كذب بآياته، فقال: إن وعظته ضل وإن تركته ضل، كقوله تعالى {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون} الأعراف: 193.
وهذا المثل فى قول كثير من أهل العلم بالتأويل عام فى كل من أوتى القرآن فلم يعمل به. هذا من أحسن ما قيل فى تفسير هذه الآية، والأقوال كثيرة فى كتب التفسير وهى اجتهادية ليست قاطعة، وتكفينا العبرة من المثل(7/492)
كتابة المصحف بالرسم الإملائى
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
قراءة القرآن فى رمضان مستحبة، ولكننا نجد صعوبة فى القراءة فى المصاحف الموجودة الآن، لأن رسمها مخالف لقواعد الإملاء التى تعلمناها فهل تدلونا على مصحف يسهل علينا القراءة؟
الجواب
هذا السؤال يجرنا إلى بيان الحكم فى كتابة المصحف بالرسم الإملائى، وقد عرض هذا السؤال قديما على لجنة الفتوى بالأزهر الشريف فأجابت بما ملخصه:
إن عثمان رضى الله عنه أمر بأن تنسخ عدة نسخ من المصحف الذى كان موجودا عند السيدة حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضى الله عنها وعن أبيها، وكان هذا المصحف عند عمر ومن قبله أبو بكر الصديق رضى الله عنهما.
وكان المصحف مأخوذا من القطع المتعددة التى كان مكتوبا عليها فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم.
ووزع عثمان هذه النسخ على الأمصار واستبقى واحدة منها بالمدينة وكل مصحف من هذه المصاحف يسمى "المصحف الإمام " وقد رسمت بعض الكلمات فى هذه المصاحف رسما يخالف قواعد الإملاء المعروفة الآن. وجرى المسلمون من عهد عثمان إلى الآن على اتباع الرسم العثمانى.
فهل يلتزم هذا الرسم أو يجوز العدول عنه إلى رسم آخر يلائم العصر الحديث؟ ذهب جمهور الأئمة إلى التزام الرسم - العثمانى وحرمة مخالفته، واستدلوا على ذلك بإجماع الصحابة على الصفة التى كتب بها عثمان المصاحف، ولم يُرْوَ عن واحد منهم أنه كتب القرآن على غير هذه الصفة.
وذهب بعض العلماء إلى جواز كتابته بأى رسم كان. فكل رسم حصلت به الدلالة فهو جائز، ولم يثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بهذا الرسم، بل الثابت أنه كان يأمر بكتابة ما نزل ولم يتعرض للكيفية التى كتب بها.
وإجماع الصحابة لا يدل على أكثر من جواز رسمه على نحو ما كتب الصحابة بحظر ولا إباحة، وقد وضح ذلك أبو بكر الباقلانى فى كتابه " الانتصار".
ولكن لجنة الفتوى بالأزهر الشريف اختارت بقاء المصحف على الرسم الذى كان عليه فى عهد عثمان رضى الله عنه. وعدم كتابته على الرسم الإملائى الحديث، فإن الرسم الحديث ما يزال موضع الشكوى لعدم تيسير القراءة به، حيث توجد به أحرف لا تنطق وتنقص منه حروف تنطق، ولا تتيسر القراءة والفهم إلا بعد التمرن الطويل والإتقان لمعرفة قواعد الإملاء.
ثم إن قواعد الإملاء عرضة للتعديل، فهل يكتب القرآن على القواعد الإملائية أو المعدلة أو القديمة، وقد توجد عدة نسخ مختلفة الرسم، وهنا تكون البلبلة والتعرض لتحريف القرآن وضعف الثقة فيه ثم أن تلاوة القرآن لا تؤخذ أبدا من الرسم، بل من التلقى، لأن هناك أحكاما لتجويد القرآن وإخراج الحروف من مخارجها الحقيقية لا يمكن للشكل الإملائى أن يدل عليها ولذلك أرسل عثمان مع المصاحف قراءً، فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدينة والمغيرة بن شهاب أن يقرئ بالشام وعامر بن عبد قيس أن يقرئ بالبصرة وأبا عبد الرحمن السُّلَمى أن يقرئ بالكوفة فاللائق بقدسية القرآن بقاء كتابته على الرسم العثمانى اهـ.
بناء على هذه الفتوى لا تطبع المصاحف الآن على القواعد الإملائية المعروفة، فإذا أردت أن تقرأ القرآن. فليكن أولا على عالم به مجيد له، والقليل المجوَّد أفضل من الكثير الملحون أو غير السليم(7/493)
قراءة القرآن فى المواصلات العامة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما حكم الدين فى قراءة القرآن فى المواصلات العامة؟
الجواب
قراءة القرآن فى أى مكان طاهر محترم لا حرج فيها مطلقا، إذا قصد بها ذكر الله والتعبد ورجاء الثواب من الله سبحانه، أو التعليم للغير كيفية التلاوة أو أحكام القرآن وهدايته، ويدل على ذلك إطلاق قوله تعالى:
{الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم} آل عمران: 191.
وإطلاق قوله: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرًا كثيرًا "وسبحوه بُكرة وأصيلاً} الأحزاب: 41، 42.
والقرآن أشرف الذكر، وذلك إلى جانب ما ورد من الحث على قراءة القرآن.
وإنما الممنوع أن يُتخذ القرآن وسيلة للاستجداء واستدرار عطف الناس، وبخاصة ما يكون عليه المستجدى من هيئة مبتذلة كأنها عنوان للقراء أو المشتغلين بالدين عامة.
وعلى هذا يحمل قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد " اقرؤوا القرآن واعملوا به ولا تجفوا عنه ولا تغلوا فيه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به " قال الهيثمى: رجاله ثقات، وقال ابن حجر فى الفتح: سنده قوى. كما رواه الطبرانى والبيهقى أيضا، وفسر الأكل به بأخذ الأجرة عليه، كما فُسر بالاستجداء به والتسول.
ويجب العمل على إزالة هذه المظاهر وغيرها من مظاهر التسول، فهى صورة سيئة للإسلام، وإغراء بالكسل وعدم البحث عن العمل الجاد الشريف.
أما العاجزون فتجب رعايتهم بما يكفل لهم العيش الكريم، وتلك مسئولية المجتمع كله والأجهزة المخصصة لذلك(7/494)
التغنى بالقرآن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل من الحديث ما يقال " اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق والكبائر، فانه سيجىء أقوام من بعدى يرجعون القرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم "
الجواب
هذا الحديث موجود فى مقدمة تفسير القرطبى "ج 1 ص 17 " ذكره الحافظ أبو الحسن رزين وأبو عبد الله الترمذى الحكيم فى " نوادر الأصول " ولم يذكر درجته من الصحة وغيرها، وهو على كل حال ينهى عن التغنى بالقرآن بما يخرجه عن أصول التلاوة الصحيحة، ويجعله كالأغانى التى يرددها المغنون والتى فيها ترجيع وتطريب يهمز فيه ما لا يهمز، ويمد ما لا يمد، وتصير الألف الواحدة ألفات، والواو الواحدة واوات، كما وضحه القرطبى، ونعى على كثير من قراء اليوم الذين يخرجون بالقرآن عن أصول القراءة العربية المتلقاة عن النبى صلى الله عليه وسلم(7/495)
حمل المصحف المسجل
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
عندى شرائط مسجلة عليها سور من القرآن الكريم، هل يجوز لى أن أحملها أو أمسها وأنا غير متطهر؟
الجواب
اتفق جمهور الفقهاء على عدم جواز حمل المصحف ومسه بدون طهارة من الحدثين الأكبر والأصغر، استنادا إلى قوله تعالى {لا يمسه إلا المطهرون} الواقعة: 79، وقول النبى صلى الله عليه وسلم " لا يمس القرآن إلا طاهر " رواه النسائى وغيره، وقال ابن عبد البر: إنه أشبه بالمتواتر لتلقى الناس له بالقبول.
وهذا فى القرآن المكتوب، أما المسجل على أشرطة أو أسطوانات فإنه مكتوب بطريقة حديثة لم تكن معروفة من قبل، فهو يسمع ولا يقرأ، لأنه ليس بحروف يمكن أن ترى ويفطن لها ليعلم ما تدل عليه إلا بإعادة سماعها، وإذا كان القرآن الذى يسمع من الأشرطة له الحكم فى الإنصات له وتدبره، غير أن الشريط نفسه لا يطلق عليه عرفا أنه كتاب ولم يكن العرب يعرفونه حتى يدخلوه تحت اسم الكتاب، ولهذا أرجح أنه لا يحرم مسه ولا حمله بدون طهارة، وإن كانت الطهارة أكمل، واحترام الشريط فى حد ذاته راجع إلى نية الإنسان وتحديد موقفه منه وعلى كل حال فالاحتياط أفضل(7/496)
النظر فى المصحف
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح أن النظر فى المصحف عبادة؟
الجواب
روى أبو داود فى ضمن حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم " النظر فى المصحف عبادة، والنظر إلى الكعبة عبادة، والنظر إلى وجه الوالدين عبادة " وروى الطبرانى والبيهقى حديثا فيه " قراءة الرجل فى غير المصحف ألف درجة، وقراءته فى المصحف تضاعف ذلك إلى ألفى درجة" وروى أبو عبيد القاسم بن سلام فى كتابه فضائل القرآن " فضل القرآن نظرا على من قرأه ظاهرا كفضل الفريضة على النافلة".
وعن ابن عباس: كان عمر إذا دخل البيت نشر المصحف يقرأ فيه.
وعن الشعبى أنه كان يصلى العتمة-العشاء-ويضع المصحف فى يديه فما يطبقه حتى الصبح. وقال أحمد بن حنبل، كان أبى يقرأ فى كل يوم شيئا من القرآن فى المصحف لا يتركه نظرا.
هذه أحاديث وآثار لا أعرف لها سندا صحيحا، وكيف نفهم أن عمر كان ينشر المصحف يقرأ فيه، هل له مصحف خاص، وكيف كتبه؟ مع أن المصحف المعتمد الوحيد كان عند حفصة بنته، ومنه عملت نسخ فى عهد عثمان.
المهم أن هذه الآثار ترغب فى تلاوة القرآن، وتبين فضل النظر فى المصحف، ولكن الفضل ليس لمجرد النظر، بل للقراءة. ومن هنا اختلف العلماء: هل القراءة من الحفظ أفضل أم من النظر فى المصحف؟ قال النووى فى كتابه " الأذكار ص 111 ": قراءة القرآن فى المصحف أفضل من حفظه، هكذا قال أصحابنا، وهو مشهور عن السلف رضى الله عنهم. وهذا ليس على إطلاقه، بل إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبر والتفكر وجمع القلب والبصر أكثر مما يحصل من المصحف فالقراءة من الحفظ أفضل، وإن استويا فمن المصحف أفضل، وهذا مراد السلف، انتهى.
ولم يستند النووى إلى حديث مروى عن النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك، وهذا يدل على أن الوارد لا يعتمد عليه فى حكم النظر إلى المصحف(7/497)
تبديل الأرض والسماء
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
أرجو تفسير قوله تعالى {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار} إبراهيم: 48
الجواب
تبديل الأرض والسماوات يكون يوم القيامة، وقيل: إن المراد تبديل الصفات لا تبديل الذوات، بمعنى أن تبديل الأرض يكون بمدها أو بسطها كالأديم. وتبديل السماوات يكون بتكوير شمسها وقمرها وتناثر نجومها.
وقيل: يكون التبديل بتبديل ذواتها أى إزالتها، وصححه القرطبى فى تفسيره، حيث يخلق الله أرضا أخرى ليحشر عليها الناس. ففى صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النَّقِىِّ، ليس فيها عَلَم لأحد" والنقى هو الدقيق الأبيض كما فى نهاية ابن الأثير.
وقال ابن مسعود: تبدل بأرض غيرها بيضاء كالفضة لم يعمل عليها خطيئة، وقال على رضى الله عنه: تبدل الأرض فضة والسماء ذهبا.
هذه بعض أقوال المفسرين، وفى الكتب متسع لمن أراد، وما جاء فى الأحاديث الصحيحة أفضل فى التفسير(7/498)
تفسير " إنا عرضنا الأمانة "
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
نرجو تفسير قوله تعالى {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} الأحزاب: 72
الجواب
فى تفسير هذه الآية كلام كثير، وبخاصة فى بيان المقصود من الأمانة، لكن الجمهور على أن الأمانة تعم جميع التكاليف الشرعية، عرضها الله على السماوات والأرض والجبال: إن أدوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم، فكرهوا ذلك وأشفقوا، ليس معصية لله ولكن تعظيما لدين الله ألا يقوموا به.
ويروى فى ذلك أثر عن الترمذى الحكيم عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تعالى لآدم: يا آدم إنى عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فلم تطقها، فهل أنت حاملها بما فيها؟ فقال: وما فيها يا رب العالمين؟ قال: إن حملتها أُجرت، وإن ضيعتها عُذِّبت. فاحتملها بما فيها، فلم يلبث فى الجنة إلا قدر ما بين صلاة الأولى إلى العصر حتى أخرجه الشيطان منها".
فالأمانة هى التكاليف، وترتب الثواب على أدائها والعقاب على تضييعها لا بد له من حرية واختيار والمخلوقات غير الإنسان ليست لها هذه الحرية، فهى مسيرة بقوانين ثابتة لا تملك الخروج عليها، ولا تتحقق بها الطاعة والمعصية. ومن هنا كان الإنسان أصلح المخلوقات للعيش على الأرض، ومتناسبا مع ما فيها من ماديات ومعنويات متقابلة بالتضاد أو التناقض. وهذا تكريم من الله للإنسان حيث اختاره لحمل هذه الأمانة.
وليس قوله {إنه كان ظلوما جهولا} نقضا لهذا التكريم، فإن مجرد استعداده لتلقى التكاليف دون غيره من المخلوقات هو مناط التكريم، وكونه يفى بالعهد أو ينقض هو مظهر من مظاهر الاستعداد الذى ليس لغيره. فهو ظلوم إن تعدى حدود التكليف وهو يعلم بها، وجهول إن كان لا يعلمها وعنده أمانة العقل الذى يهديه إلى علمها، وليس هناك كائن غير الإنسان يوصف بالظلم والجهل، لأنه لا يعرف حدا يقف عنده. وما وصف الإنسان بالظلم والجهل إلا لأنه يصح أن يوصف بضدهما من العدل والعلم كما قال المحققون. هذا بعض ما قيل فى تفسير الآية، ولعل فيه الكفاية.
"انظر صفحة 539 من المجلد"(7/499)
يا أخت هارون
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما المقصود بقوله تعالى {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيَّا} مريم: 28
الجواب
السيدة مريم عليها السلام لما حملت بأمر ربها بعيسى عليه السلام وولدت اتهمها الناس بالفاحشة، وتعجبوا كيف تقع فيها وهى من نسل طاهر من جهة الأب والأم، وقولهم لها " يا أخت هارون " معناه يا شبيهة الرجل الصالح المعروف فى زمانهم بالطهر والعفاف، واسمه هارون.
وكانوا يسمون بأسماء الأنبياء والصالحين.
والأقوال فى ذلك كثيرة ذكرها المفسرون، ولكن أقربها إلى الصحة هو ما ذكرته. فقد روى مسلم عن المغيرة بن شعبة قال: لما قدمت نجران سألونى، فقالوا: إنكم تقرؤون {يا أخت هارون} وموسى قبل عيسى بكذا وكذا، فلما قدمت على النبى صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك فقال: "إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم "(7/500)
تفسير " ما منعك ألا تسجد "
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يقول الله تعالى لإبليس حين امتنع عن السجود لآدم {قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} المعنى الظاهر من هذا التعبير أن إبليس سجد، والله يسأله عن السبب فى عدم السجود. نريد توضيح المعنى؟
الجواب
قال المفسرون إن لفظ "لا" زائد، والمعنى ما منعك أن تسجد، كما جاء فى موضع آخر {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى} ص:75، واستشهد القرطبى على زيادة "لا" بقول الشاعر:
أبَى جوده لا البخل فاستعجلت به نَعَمْ من فتى لا يمنع الجود نائله والمعنى أبى جوده البخل. فزاد "لا". وقيل: ليست زائدة، فإن المنع فيه طرف من القول والدعاء، فكأنه قال: من قال لك ألا تسجد؟ أو من دعاك إلى ألا تسجد؟ كما تقول: قد قلت لك ألا تفعل كذا. وقيل:
فى الكلام حذف، والتقدير: ما منعك من الطاعة وأحوجك إلى ألا تسجد. انتهى.
هكذا خرجوا اللفظ على المعنى الصحيح، ولو حذفت "لا" لكان المعنى واضحا كما حذفت فى سورة "ص "لكن تواتر القرآن بالتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه "لا" فى هذه الآية. ولو كان القرآن عرضة لحذف شىء من نص ليلتئم ويتفق مع نص آخر لحذفوا هذا الحرف الزائد، ولكن أبقوا عليه كما أُنزل وحاولوا -على قواعد اللغة العربية التى نزل بها - أن يوفقوا بينه -. وبين النصوص الأخرى، وهو دليل على حرص الصحابة والتابعين ومن بعدهم على نقل القرآن الكريم كما تلقوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم(8/1)
ومن لم يحكم بما أنزل الله
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يقول الله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} المائدة: 44، وفى الآية التى بعدها {فأولئك هم الظالمون} وفى الآية رقم 47 {فأولئك هم الفاسقون} فهل تصدق هذه الآيات على الذين يحكمون بقوانين وضعية؟
الجواب
هذا الموضوع مستوفى فى الجزء الأول من كتاب " بيان للناس من الأزهر الشريف " والحكم بغير ما أنزل الله ليس قاصرا على الحكام والقضاة، وإنما هو شامل لكل إنسان يعطى حكما لأى شىء غير حكم الله، سواء فى فتوى أو قضاء أو غير ذلك، كالذى يشرب الخمر ويقول إنها حلال، ويتعامل بالربا ويقول إنه حلال وهكذا.
وإذا كان الحكم على من لم يحكم بما أنزل الله بأنه كافر أو ظالم أو فاسق، فهو حكم صادق، لأن الفسق خروج عن المشروع، وكذلك الظلم تجاوز للحد المشروع، والكفر تجاوز الإيمان إلى غير الإيمان. وإن رأى بعض المفسرين أن الحكم بالكفر يكون على من أنكر حكم الله أو استهزأ به، وهو مناسب فى الآية الأولى لرفض اليهود حكم الله فى التوراة، وأن الحكم بالظلم يكون على من تجاوز القصاص فى الأمور التى ذكرتها الآية {النفس بالنفس والعين بالعين} إلى آخره، والظلم واضح فى ذلك. وأن الحكم بالفسق على أهل الإنجيل يشمل الكفر عند إنكار حكم الله ويشمل الظلم عند تجاوز الحد.
ومهما يكن من شىء فإن كلام المفسرين فى هذه الآيات كثير، ويلتقى كله على أن إنكار حكم الله أو الاستهزاء به كفر، وأن عدم الإنكار وعدم الاستهزاء مع تجاوز الحد فى التطبيق أو التقصير ليس كفرا وإنما يكون ظلما ويكون فسقا.
وعليه فإنه لا يصح أن يتعجل بالحكم بالكفر على من لم يحكم بشريعة الله فردا أو جماعة أو دولة إلا بعد التأكد من أن ترك حكم الله كان عن إنكار له أو استهزاء به، وذلك أمر باطنى لا يصرح به غالبا، فإن صرح به دون تأويل جاز الحكم بالكفر، وإن لم يعلم ذلك على وجه اليقين فالواجب هو عدم الحكم بالكفر، والحديث يقول: " من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه " رواه مسلم بعبارات متقاربة.
وإليك نماذج من أقوال المفسرين القدامى والمحدثين، وتتفق كلها مع ما تقدم، ومع ما هو مسطر فى " بيان للناس ".
ذكر الفخر الرازى المتوفى سنة 606 خمسة أجوبة ارتضى منها ما قاله عكرمة من أن الحكم بالكفر يكون عند الجحد والإنكار، أما المؤمن بحكم الله لكنه خالفه فهو عاص، وقال: إن الكفر يكون بالتقصير فى حق الله، أما الظلم فهو تقصير فى حق النفس. وذكر البيضاوى المتوفى سنة685 هـ ما نصه: فكفرهم لإنكاره، وظلمهم بالحكم على خلافه، وفسقهم بالخروج عنه.
وقال الزمخشرى المتوفى سنة 528 هـ: من جحد حكم الله كفر، ومن لم يحكم به وهو مقر-يعنى به -فهو ظالم فاسق.
وقال الآلوسى المتوفى سنة 1270 هـ: ولعل وصفهم بالأوصاف الثلاثة باعتبارات مختلفة، فلإنكارهم ذلك وُصِفُوا بالكافرين، ولوضعهم الحكم فى غير موضعه وُصِفوا بالظالمين، ولخروجهم عن الحق وصفوا بالفاسقين(8/2)
ضلال الآخرين
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
أرجو تفسير قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} ؟ .
وهل من الحديث ما يقال: " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم " وهل تناقض بين الآية والحديث؟
الجواب
هذه الآية تنص على أن الإنسان لا يتحمل وزر غيره إذا كان هو مهتديا لكن الاهتداء لا يكون إلا بالقيام بالواجبات ومنها الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فالسكوت على المنكر ممنوع ولابد من تغييره بإحدى الوسائل الممكنة، ففى الحديث الشريف " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " فمن لم ينكر المنكر لا يكون مهتديا، والإنكار يتفق مع الحديث " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ". فلا يوجد تناقض بين الآية والحديث، ويوضح هذا ما رواه أبو داود والترمذى وغيرهما عن قيس قال: خطبنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه فقال: إنكم تقرؤون هذه الآية وتتأولونها على غير تأويلها:
{يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفُسكُم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} المائدة: 155 وإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده " وهو حديث حسن صحيح.
وروى أبو داود والترمذى وغيرهما عن أبى أمية الشعبانى قال: أتيت أبا ثعلبة الخشنى فقلت له: كيف تصنع بهذه الآية؟ فقال: أية آية؟ قلت:
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذى رأى برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة، فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم ".
والكلام كثير فى هذا الموضوع.
وخلاصته: أنه لابد من الاهتمام بأمر المسلمين، ومنه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فإذا فعل ذلك فقد اهتدى، وبالتالى لا يقع عليه وزر من ضلوا الطريق(8/3)
الفتح والذنب
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
أرجو تفسير قوله تعالى {إنا فتحنا لك فتحا مبينا. ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} الفتح: 1.
وماذا كان هذا الفتح، والذنب الذى تأخر وتقدم للرسول صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
الفتح المذكور فى الآية هو صلح الحديبية فى السنة السادسة من الهجرة لأنه كان مقدمة لفتح مكة فى السنة الثامنة من الهجرة، وهو قول كثير من المفسرين.
والذنب الذى غفره الله للرسول مختلف فيه كثيرا، فالمتقدم منه ما كان قبل الرسالة، والمتأخر ما كان بعدها، أو المتقدم ما كان قبل الفتح والمتأخر ما كان بعده.
والكلام كثير فى وقوع الذنب من الرسول.
فالإجماع على أن الكبائر لم تقع منه أو من الرسل الآخرين بعد تشريفهم بالرسالة، أما الصغائر فقيل تقع منهم بشرط ألا تكون فيها خسة لا تليق بمقامهم.
وقيل: إن ما يقع منهم هو صورة الذنب وليس ذنبا، بل هو من باب:
حسنات الأبرار سيئات المقربين.
والمهم هو بيان الربط بين الفتح والمغفرة للذنوب وأثرها فى نفس الرسول.
وقد ثبت أن الرسول فرح بنزول هذه الآية، كما رواه الترمذى بسند حسن صحيح عن أنس قال: أنزلت على النبى-صلى الله عليه وسلم- {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} . مرجعه من الحديبية فقال: " لقد أُنزلت علىَّ آية أحب إلىَّ مما على وجه الأرض " ثم قرأها.
وفى الربط بين الفتح والمغفرة قال الزمخشرى: لم يجعل الفتح علة للمغفرة، ولكن لاجتماع ما عدَّد من الأمور الأربعة وهى: المغفرة، وإتمام النعمة، وهداية الصراط المستقيم، والنصر العزيز، كأنه قال:
يَسَّرنا لك فتح مكة ونصرناك على عدوك ليجمع لك عز الدارين وأعراض العاجل والآجل.
ويجوز أن يكون فتح مكة من حيث إنه جهاد للعدو سببًا للغفران والثواب.
ويكفى هذا القدر، ومن أراد الزيادة فعليه بكتب التفسير(8/4)
حياة أهل الكهف
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل كان أصحاب الكهف فى حالة نوم أو حالة موت؟
الجواب
أصحاب الكهف كانوا فى حالة نوم، وليسوا فى حالة موت، بدليل قوله تعالى {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} الكهف: 18 والتقليب لا يكون للميت بل للحى. وقوله تعالى: {لو اطَّلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولَمُلئت منهم رُعبا} الكهف: 18 والعادة أن الإنسان لا يخاف ولا يفر إذا رأى أمواتا، بل ذلك يكون عند تغير هيئتهم المعتادة، بمثل طول شعورهم وأظفارهم، وهذا من علامات الحياة لا الموت.
وقد قال الله تعالى فى أول قصتهم {فضربنا على آذانهم فى الكهف سنين عددا} الكهف: 11.
يقول القرطبى: عبارة عن إلقاء الله تعالى النوم عليهم، وهذه من فصيحات القرآن التى أقرَّ العرب بالقصور عن الإتيان بمثله. قال الزجاج: أى منعناهم من أن يسمعوا، فإن، النائم إذا سمع انتبه، وقوله تعالى {ثم بعثناهم} لا يلزم منه أن يكون البعث بعد موت، فقد يكون من نوم، وهو أشبه بالموت، وجاء ذلك فى مثل قوله تعالى: {وهو الذى يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليُقْضَى أجلٌ مسمى} الأنعام: 60(8/5)
وضع المصحف مع الميت فى القبر
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يرى بعض الناس أن وضع المصحف مع الميت فى القبر يشفع له، فهل هذا صحيح؟
الجواب
ليس صحيحا أن مجرد وضع المصحف مع الميت يشفع له، فإن وضعه ليس من عمله وإنما هو من عمل غيره، والميت ينفعه عمله هو ويشفع له عند الله، وكذلك ينفعه عمل غيره مما نص عليه الدين، وهو الدعاء له، والصدقة عليه، وهبة القربات من الصلاة النافلة والصيام وقراءة القرآن والحج والعمرة.
وأما وضع المصحف معه فلن يشفع له، وهو غير جائز، لأن المصحف متعرض للتلوث، وذلك لا يجوز(8/6)
الباقيات الصالحات
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هى الباقيات الصالحات الواردة فى قوله تعالى {والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} الكهف: 46؟
الجواب
الباقيات الصالحات هى الأعمال الصالحة التى يكون لها ثواب فى الآخرة، فهى كالشجرة المثمرة التى تبقى ثمرتها بعد انتهاء هذه الدنيا.
جاء فى تفسير القرطبى أن العلماء اختلفوا فى المراد بهذه الأعمال الصالحة على أقوال كثيرة، فقيل هى الصلوات الخمس، وقيل: كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة، وهو الصحيح. وقال الجمهور: هى سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، كما أخرجه مالك فى الموطأ، ووردت فى هذا الذكر آثار كثيرة تؤكد أنها المراد من الباقيات الصالحات منها حديث "استكثروا من الباقيات الصالحات " قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال "التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله " رواه أحمد وأبو يعلى والنسائى واللفظ له، وابن حبان فى صحيحه، والحاكم وصححه. وحديث "خذوا جُنَّتكم " قالوا: يا رسول الله: عَدوٌّ حضر؟ قال " لا، ولكن جُنتكم من النار، قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة مجنَّبات ومعقبات، وهن الباقيات الصالحات " رواه النسائى والحاكم والبيهقى، والجُنَّة ما يستر ويقى، ومعنى المجنَّبات: المتقدمات أمامكم، وفى رواية منْجيات، وفى رواية للطبرانى بإسناد جيد الجمع بين اللفظين "مجنبات ومنجيات" ومعنى معقبات تأتى من ورائكم. والمراد أن هذه الكلمات تكون حارسة يوم القيامة للإنسان من خلفه ومن أمامه.
وجاءت أحاديث كثيرة فى فضل هذا الذكر أو بعضه يرجع إليه فى "الترغيب والترهيب " للحافظ المنذرى ج 2 ص 165 وما بعدها(8/7)
الطيبات للطيبين
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما المراد بقوله تعالى {الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات} النور: 26؟
الجواب
هذه الآية مختلف فى تفسيرها، فقيل: المعنى أن الكلمات الخبيثة تكون للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال يستحقون الخبيثات من الكلام.
وكذلك يقال فى الطيبين والطيبات.
وقيل فى معناها أن النساء الخبيثات لائقات للخبيثين من الرجال، أى يملن إلى الزواج منهم أو مصاحبتهم، وكذلك الخبيثون من الرجال لائقون للخبيثات من النساء أى يميلون إلى الزواج منهن أو مصاحبتهن، وكذلك يقال فى الطيبين والطيبات.
على حد المثل القائل: إن الطيور على أشكالها تقع.
وهذه الآية جاءت إثر الحديث عن اتهام بعض الناس للسيدة عائشة رضى الله عنها بالإفك، فهى طيبة لا يليق وصفها إلا بالطيب من الأوصاف، وكذلك لا يبحث عنها ويتزوجها إلا الطيبون من الرجال.
فالآية إما حديث عن طبائع الناس، وإما تشريع فى صيانة الألسنة عن الاتهامات الكاذبة، والبحث فى الزواج عن الدين والخلق(8/8)
حياتان وموتتان
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
أرجو تفسير قوله تعالى {قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحببتنا اثنتين} غافر: 11؟
الجواب
قال المفسرون: الموتتان هما:
الأولى: ما قبل خلقهم وتكوينهم فى بطون أمهاتهم.
والثانية: خروج الروح بعد الحياة.
أما الحياتان:
فالأولى: بنفخ الروح فى الجنين.
والثانية: بالبعث يوم القيامة، وقيل غير ذلك. وكله اجتهاد.
وفى كتب التفسير متسع لمن أراد أن يستزيد(8/9)
كتابة القرآن للشفاء
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل يجوز أن تكتب بعض آيات القرآن يعلقها المريض أو يمحوها بالماء من أجل الشفاء؟
الجواب
أما أن القرآن شفاء فذلك أمر لا شك فيه، قال تعالى {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} الإسراء: 82، وقال {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما فى الصدور} يونس: 57.
وقد حمل كثير من العلماء الشفاء على ما يعم الشفاء من الأمراض العقلية والنفسية والخلقية والجسمية، حيث لا يوجد ما يمنع ذلك.
فهو يصحح الفكر والعقيدة، ويهذب النفس ويمنحها الأمن والطمأنينة، ويقوم السلوك بالأخلاق الحميدة، ويزيل العلل والأمراض التى تعترى الأجساد.
وقد روى البخارى ومسلم حكاية سيد الحى الذى لُدغ، ورقاه المسلمون بفاتحة الكتاب فشفاه الله، وأخذوا على ذلك أجرا أقرهم عليه النبى صلى الله عليه وسلم وقال "إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله تعالى " والحديث بطوله موجود فى زاد المعاد لابن القيم "ج 3 ص 121 " وذكر أن ابن ماجه روى فى سننه من حديث على قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خير الدواء القرآن " ووضح تأثير العلاج بالقرآن توضيحا كبيرا يمكن الرجوع إليه.
وقال بعض العلماء: إن المراد بشفاء القرآن هو ما عدا شفاء الأجسام، بدليل أن النبى صلى الله عليه وسلم أخبر أن لكل داء دواء إلا الموت أو إلا الهرم، وأمر بالتداوى، عند المختصين كالحارث بن كلدة، وعالج بالفصد والحجامة وشرب العسل وبغير ذلك مما وضحه ابن القيم فى كتاب الطب النبوى.
والحق أن علاج الأمراض البدنية مطلوب عند المختصين، والقرآن هو الذى أرشد إلى ذلك بسؤال أهل الذكر، وبالأمر بالتعلم والإفادة. مع الإيمان بفاعليته فى العلاج الفكرى والنفسى، وقد ذكر السيوطى فى "الإتقان "ج 2 ص 163 طرفا من خواص القرآن فى العلاج العام، وأورد حديث ابن ماجه عن ابن مسعود "عليكم بالشفاءين العسل والقرآن " وحديث اللديغ سيد الحى وعلاجه بفاتحة الكتاب الذى رواه البخارى ومسلم، وذكر حديث الطبرانى عن على قال: لَدَغَتْ النبىَّ صلى الله عليه وسلم عقربٌ، فدعا بماء وملح وجعل يمسح عليها ويقرأ: قل يا أيها الكافرون والمعوذتين.
ثم ذكر السيوطى أن النووى قال فى شرح المهذب: لو كتب القرآن فى إناء ثم غسله وسقاه المريض فقال الحسن البصرى ومجاهد وأبو قلابة والأوزاعى:
لا بأس به، وكرهه النخعى، قال: ومقتضى مذهبنا - الشافعية - أنه لا بأس به. قال الزركشى: وممن صرح بالجواز فى مسألة الإناء العماد النيهى، مع تصريحه بأنه لا يجوز ابتلاع ورقة فيها آية، لكن أفتى ابن عبد السلام بالمنع من الشرب أيضا، لأنه يلاقى نجاسة الباطن. وفيه نظر.
هذا ما نقل عن العلماء فى جواز العلاج بالقرآن قراءة من الجواز، فهو نافع إن شاء الله وبخاصة إذا كان القارئ صالحا ترجى بركته، أو دعا الله بعد قراءة القرآن فقد يستجيب الله الدعاء، وقد رأينا أن النبى صلى الله عليه وسلم فى علاج لدغة العقرب أخذ بالوسائل المادية مع قراءة القرآن.
ورأينا اختلاف العلماء فى كتابة القرآن ومحوه بالماء وشربه للاستشفاء ما بين مجيز ومانع، مع تحرزهم من تعرض القرآن للنجاسة أو الإهانة(8/10)
الشيعة والقرآن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
قرأنا أن من فرق الشيعة من تدعى أن القرآن الموجود الآن فى المصاحف ناقص، حذف منه ما يخص عليّا وذريته، نريد توضيحا لذلك؟
الجواب
نزل القرآن على النبى صلى الله عليه وسلم، وكان يأمر كتَّابه بتدوين ما ينزل، على مدى ثلاثة وعشرين عاما، وحُفظ هذا المكتوب ونسخت منه عدة نسخ فى أيام عثمان بن عفان، رضى الله عنه، ثم طبعت المصاحف المنتشرة فى العالم كله طبق المصحف الإمام الذى كان عند عثمان والنسخ التى أخذت منه.
والشيعة يزعمون أن أبا بكر وعمر بالذات حذفا من المصحف آيات كثيرة، منها عدد كبير يتصل بخلافة على رضى الله عنه، ويزعمون أن المصحف الكامل كتبه على بعد انتقال النبى صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى.
جاء فى كتاب "الأنوار النعمانية " لمحدثهم وفقيههم الكبير "نعمة الله الموسوى الجزائرى "ما نصه: إنه قد استفاض فى الأخبار أن القرآن كما أنزل لم يؤلفه إلا أمير المؤمنين عليه السلام، بوصية من النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فبقى بعد موته ستة أشهر مشتغلا بجمعه، فلما جمعه كما أنزل أتى به إلى المتخلفين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله فقال: هذا كتاب الله كما أنزل. فقال له عمر بن الخطاب: لا حاجة بنا إليك ولا إلى قرآنك.
فقال لهم على عليه السلام: لن تروه بعد هذا اليوم، ولا يراه أحد حتى يظهر ولدى المهدى عليه السلام ... وفى ذلك القرآن زيادات كثيرة، وهو خال من التحريف.
ولكثير من علمائهم تآليف تثبت أن القرآن الموجود بيننا ناقص ومحرف، وأن المصحف الصحيح الكامل سيظهر آخر الزمان مع المهدى المنتظر، ولم يتح لنا الاطلاع على هذا المصحف، وينقلون هم أشياء يدَّعون أنها فيه. وأكثرها خاص بآل البيت وإمامة على.
ومن أمثلة التحريف فى زعمهم أن آية {وإن كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله} البقرة: 23، نزل بها جبريل على محمد هكذا "وإن كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فى على فأتوا بسورة من مثله ".
ونقل فى "أصول الكافى" عن إمامهم جعفر الصادق أنه أقسم بالله أن آية {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما} طه: 115، نزلت هكذا "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فى محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم فنسى ".
وجاء فى كتاب "أصول الكافى" وهو أصح الكتب عند الشيعة أن القرآن الذى جاء به جبريل سبعة عشر ألف آية. وقال القزوينى شارح كتاب أصول الكافى الذى نسب هذا الكلام لجعفر الصادق: إن الغرض بيان أنه حذف من أصل القرآن شىء كثير، الذى لا يوجد فى نسخ القرآن المشهورة.
وفى كتاب "الاحتجاج " المعتمد عند الشيعة، لفقيههم أحمد بن على بن أبى طالب الطبرسى فى القرن الخامس: أن آية سورة النساء "رقم 3" {وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ... } لا يوجد الربط فيها بين الشرط والجزاء، فقد أسقط المنافقون "هكذا" أكثر من ثلث القرآن.
هذا، وقد رأيت فى رسالة للسيد/ محب الدين الخطيب، عنوانها "الخطوط العريضة للأسس التى قام عليها دين الشيعة الإمامية الاثنى عشرية" التى طبعت أكثر من مرة منذ سنة 1380 هـ: أن الأستاذ محمد على سعودى الذى كان كبير خبراء وزارة العدل بمصر، ومن خواص الشيخ محمد عبده -اطلع على مصحف إيرانى مخطوط عند المستشرق "برامين" فنقل منه سورة بعنوان "سورة الولاية " مذكور فيها ولاية على، ونص صفحتها الأولى "يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنبى وبالولى اللذين بعثناهم يهديانكما إلى صراط مستقيم. نبى وولى بعضهما من بعض وأنا العليم الخبير. إن الذين يوفون بعهد الله لهم جنات النعيم ... والذين إذا تليت عليهم آياتنا كانوا بآياتنا مكذبين. فإن لهم فى جهنم مقاما عظيما إذا نودى لهم يوم القيامة: أين الظالمون المكذبون للمرسلين. ما خالفتم المرسلين إلا بالحق وما كان الله ليظهرهم إلى أجل قريب وسبح بحمد ربك، وعلىٌّ من الشاهدين ".
وهذه السورة أثبتها الطبرسى فى كتابه "فصل الخطاب فى إثبات تحريف كتاب رب الأرباب " وثابتة أيضا فى كتابهم "دبستان مذاهب" باللغة الإيرانية، لمؤلفه "محسن فانى الكشميرى " ونقل عنه هذه السورة المكذوبة المستشرق "نولدكه " فى كتابه "تاريخ المصاحف " ج 2 ص 102، ونشرتها الجريدة الأسيوية الفرنسية سنة 1842 م "ص 431 - 439 ".
وبعد، فالموضوع واسع يحتاج إلى الاطلاع على كتبهم، وحسبنا أن نقرر أن علماء السنة ردوا على مزاعمهم، والمقام لا يتسع لأكثر من هذا، ويمكن الرجوع إلى كتاب "الوشيعة فى نقد عقائد الشيعة" ورسالة رئيس أهل السنة بباكستان "محمد عبد الستار التونسى " المطبوعة بالقاهرة بمطبعة دار العلوم، شارع حسين حجازى " قصر العينى" على نفقة مجلس علماء باكستان بلاهور، ونشرة بعنوان: موقف العلماء المسلمين من الخمينى والاثنى عشرية.
تأليف الشيخ محمد منظور النعمانى، من "لكهنو" بالهند(8/11)
إهلاك القرى
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
نرجو تفسير قوله تعالى {وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك فى الكتاب مسطورا} الإسراء:
58؟ وهل المقصود فى الآية قرية معينة؟
الجواب
ليس المراد فى هذه الآية قرية بعينها، فإنها-كما يقول العلماء - نكرة فى سياق النفى فتعمّ -أى لا توجد قرية إلا والله سيهلكها قبل يوم القيامة، جاء فى تفسير القرطبى عن مقاتل: أن هلاك القرية الصالحة يكون بالموت، والقرية الطالحة يكون بالعذاب.
وقيل: المراد بالقرية هى الظالمة، ويقوى ذلك قوله تعالى {وما كنا مهلكى القرى إلا وأهلها ظالمون} القصص: 59 أى فليتق المشركون ربهم فإنه ما من قرية كافرة إلا سيحل بها العذاب، والعذاب إما إبادة كاملة وإما مصائب ومتاعب شديدة، كان ذلك مسطورا أى مكتوبا فى اللوح المحفوظ، قال تعالى {وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين. وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث فى أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكى القرى إلا وأهلها ظالمون} القصص: 58،59(8/12)
القرية حاضرة البحر
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هى القرية التى قال الله عنها: إنها حاضرة البحر؟
الجواب
قال الله تعالى {واسألهم عن القرية التى كانت حاضرة البحر إذ يعدون فى السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرَّعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون} الأعراف: 163.
هذه الآية من ضمن الآيات التى تحدثت عن بنى إسرائيل وتمردهم على أوامر الله وعصيانهم لتوجيه أنبيائهم، تأمر هذه الآية رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسأل اليهود الموجودين معه فى المدينة سؤال تذكير لهم بما حدث لآبائهم الذين ورثوا عنهم الصفات والأساليب التى يعاملونه بها.
فقد حدث أن سكان قرية ساحلية اختلف فى تعيينها على أقوال كثيرة، منها أنها أيلة أو مدين أو طبرية أو غيرها - خالفوا أمر الله بتحريم اصطياد السمك يوم السبت، ومن أجل اختبارهم لإظهار مدى امتثالهم لأمر الله جعل الله الحيتان كثيرة فى هذا اليوم وفى متناول أيديهم، ليسهل عليهم صيدها {شرَّعًا} ظاهرة رافعة رءوسها، بخلاف الأيام الأخرى غير يوم السبت، وهو معنى قوله {لا يسبتون} حيث تكون قليلة تحتاج إلى جهد لصيدها، فلم تطاوعهم أنفسهم أن يتركوها، فاصطادوها غير مبالين بنهى الله عن صيدها.
وقيل: تحايلوا على صيدها فى اليوم التالى، وذلك بحبسها فى حياض عند تكاثرها يوم السبت، حتى إذا جاء يوم الأحد أخذوها.
وهذه صورة من صور كثيرة تحايلوا بها على تحقيق أغراضهم بشىء حرمه الله عليهم، كما حرم عليهم شحوم الذبائح -وهى عادة تكون متماسكة جامدة كاللحم - فأذابوها لتصير سائلا وتتحول عن حالتها الأولى، وقد ابتلاهم الله بمثل هذه التكاليف لأنهم قوم فاسقون عاصون لله(8/13)
الجمع بين القراءات فى آن واحد
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل يجوز قراءة آية أو سورة بقراءات مختلفة فى آن واحد؟
الجواب
جاء فى كتاب "منجد المقرئين "لابن الجزرى "ص 14"قال الإمام محيى الدين النووى: إذا ابتدأ-يعنى القارئ -بقراءة أحد القراء فينبغى ألا يزال على القراءة بها ما دام الكلام مرتبطا، فإذا انقض ارتباطه فله أن يقرأ بقراءة أخرى من السبعة، والأولى دوامه على الأولى فى هذا المجلس. وقال أبو عمرو بن الصلاح فى آخر جوابه عن السؤال الذى ورد من العجم: وإذا شرع القارئ بقراءة ينبغى ألا يزال يقرأ بها ما بقى للكلام تعلق بما ابتدأ به، وما خالف هذا ففيه جائز وممتنع.
يؤخذ من هذا أن جمع القراءات فى مجلس واحد مكروه فى الكلام المرتبط بعضه ببعض، فإذا لم يكن ارتباط جازت قراءة آية تامة المعنى بقراءة، وقراءة غيرها بقراءة أخرى، ولا يستحسن العلماء جمع أكثر من قراءة فى كلمة واحدة يرددها بحسب القراءة الواردة فيها، وأكثر ما يحمل على ذلك إظهار القارئ براعته طلبا لاستحسان السامعين لما يريد أن يحققه من وراء ذلك، وبخاصة إذا كان حسن الصوت، أو يريد أن يغطى على عدم حلاوة صوته بمعرفته لكل القراءات، والأعمال بالنيات(8/14)
قراءة غير مشروعة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
قرأ بعض الناس قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} برفع لفظ الجلالة، وقال إن المعنى صحيح، فما رأى الدين فى ذلك؟
الجواب
قال تعالى فى سورة فاطر: 28 {ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء} والمعنى الصحيح أن العلماء بما خلق الله فى الكون من المطر والنبات والجبال والناس والحيوانات وغيرها، يصلون بعلمهم المتعمق والمنصف إلى الإيمان بالله ويخشون الكفر به وعصيانه فيما أمر به ونهى عنه.
فالعلماء يخشون الله. وإعراب الجملة المذكورة فى السؤال هو أن لفظ الجلالة "الله " فى موقع المفعول به فينصب، ولفظ "العلماءُ" فى موقع الفاعل فيرفع، والمعتاد أن يتقدم الفاعل على المفعول، والتأخير فى هذا الموضع له ما يبرره، وتحدث العلماء فى بيانه، وليس محل ذلك هنا.
أما القراءة برفع لفظ الجلالة على أنه الفاعل للخشية، ونصب لفظ "العلماء" على أن الله يخشاهم فقد وجهه بعض المفسرين بأن الخشية هنا ليست على حقيقتها، جاء فى تفسير القرطبى أن المعنى إنما يجلهم الله ويعظمهم، كما يجل المهيب المخشى من الرجال بين الناس من بين جميع عباده.
ومع إمكان فهم المعنى برفع لفظ الجلالة، فإن القراءة نفسها غير معترف بها كما يقول علماء القراءات، على الرغم من أن عمر بن عبد العزيز كان يقرأ بها وحكيت عن أبى حنيفة، كما يقول القرطبى، فلم ترد فى القراءات السبع المشهورة عن الإمام الشاطبى فى "الشاطبية" ولم ترد فى القراءات الثلاث المكملة للسبع المشهورة من طريق "الدرة" لابن الجزرى، كما لم ترد فى القراءات الأربع الشواذ المنسوبة لابن مُحَيْصِن والحسن البصرى والأعشى والمطوى من طريق كتاب "الفوائد المعتبرة فى القراءات الأربع الشواذ " للشيخ المتولى الشهير بالشمس المتولى صاحب كتاب "التحريرات " على "الطيبة" لابن الجزرى(8/15)
رفع القرآن آخر الزمان
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح ما يقال: إن القرآن ينزع من الصدور آخر الزمان، وكيف ذلك والله يقول {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} الحجر: 9؟
الجواب
أخرج ابن ماجه فى سننه عن عبد الله بن عمرو بن العاص وحذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يدرس الإسلام كما يدرس وَشْى الثوب حتى لا يُدْرَى: ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، فَيسْرَى على كتاب الله تعالى فى ليلة فلا يبقى منه فى الأرض آية وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير العجوز، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة".
وجاء عن عبد الله بن مسعود أنه قال: إن هذا القراَن الذى بين أظهركم يوشك أن ينزع منكم، فسئل: كيف ينزع منا وقد أثبته الله فى قلوبنا وثبتناه فى مصاحفنا؟ فقال: يسرى عليه فى ليلة واحدة فينزع ما فى القلوب ويذهب ما فى المصاحف ويصبح الناس منه فقراء. ثم قرأ {ولئن شئنا لنذهبن بالذى أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا} الإسراء: 86، أخرجه أبو بكر بن أبى شيبة وإسناده صحيح "تفسير القرطبى ج 10 ص 325".
هذه بعض المرويات منها ما هو مرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم، ومنها ما هو موقوف على ابن مسعود رضى الله عنه، وطريق الرواية ليس قطعى الثبوت، وهو على كل حال يدل على أهمية القرآن الكريم، وعلى العناية بحفظه ومدارسته ويلتقى مع الحديث الصحيح "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء" رواه مسلم(8/16)
سورة الأنعام
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هو فضل قراءة سورة الأنعام،وهل صحيح أنها نزلت كلها مرة واحدة؟
الجواب
فى تفسير ابن كثير حديث رواه الحاكم فى مستدركه وقال صحيح على شرط مسلم، أن جابرا رضى الله عنه قال: لما نزلت سورة الأنعام سبَّح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال "لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سَدَّ الأفق " وروى مثله ابن مردويه عن أنس، وروى ابن مردويه عن الطبرانى عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "نزلت علىَّ سورة الأنعام جملة واحدة، وتبعها سبعون ألفا من الملائكة، لهم زجل بالتسبيح والتحميد ". وجاءت روايات عن ابن عباس أنها نزلت بمكة ليلا جملة واحدة.
وفى تفسير القرطبى مثل ذلك وأنها ليست كلها مكية، فقد نزلت آيتان أو ست آيات بالمدينة، وأن البخارى روى عن ابن عباس قوله:
إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام {قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم} إلى قوله {وما كانوا مهتدين} ورجح القرطبى أنها نزلت مرة واحدة لأنها كانت فى محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين والمكذبين بالبعث والنشور.
ولم يذكر فى فضل قراءتها أو قراءة شىء منها إلا حديثا ذكره الثعلبى عن جابر مرفوعا "من قرأ ثلاث آيات من أول سورة الأنعام وكَّل الله به أربعين ألف ملك يكتبون له مثل عبادتهم إلى يوم القيامة، وينزل ملك من السماء السابعة ومعه مِرْزَبَّة من حديد، فإذا أراد الشيطان أن يوسوس له أو يوحى فى قلبه شيئا ضربه فيكون بينه وبينه سبعون حجابا " فإذا كان يوم القيامة قال الله تعالى "أمْشِ فى ظلى يوم لا ظل إلا ظلى، وكُلْ من ثمار جنتى واشرب من ماء الكوثر، واغتسل من ماء السلسبيل، فأنت عبدى وأنا ربك ".
ومن أجل فضل قراءتها بهذا الحديث الذى لم تعرف درجته، ومن أجل نزولها فى كوكبة من الملائكة مرة واحدة-حرص بعض الناس على قراءتها على الموتى عدة ليال، بل حرصوا على قراءتها فى الركعة الأخيرة من التراويح فى الليلة السابعة من شهر رمضان أو غير السابعة، وسئل الإمام النووى عن ذلك، فقال: لم يثبت نزول الأنعام دفعة واحدة، ولو ثبت فلا دلالة فيه لهذا الفعل - قراءتها فى التراويح - لأن فيها تطويلا على المأمومين، وفيها إيهام بأنها سنة، وينبغى الإنكار على ذلك، لصحة الأحاديث فى النهى عن محدثات الأمور وفى أن كل بدعة ضلالة، ولم ينقل هذا الفعل عن أحد من السلف وحاشاهم، والله أعلم " المسائل المنثورة للنووى-المسألة رقم 50 ".
بعد هذه النقول عن سورة الأنعام نرى الأحاديث فى فضلها وفى كونها نزلت مرة واحدة لم رد بطريق صحيح، ومع ذلك لا ننكر فضل قراءة القرآن من أية سورة وبأى قدر، فإن الأحاديث فى ذلك كثيرة، أما التزامها بالذات على القبر ولأيام معدودة، فليس عليه دليل معتبر، إلى جانب خلاف الفقهاء فى انتفاع الميت بهذه القراءة أو عدم انتفاعه وقد بينا ذلك فى موضعه(8/17)
الليالى العشر
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
قال تعالى {والفجر. وليال عشر} ما هى هذه الليالى وما هو الفضل الذى امتازت به حتى يقسم الله بها؟
الجواب
قال الله تعالى فى سورة الفجر {والفجر. وليال عشر} الليالى العشر اختلف فى تعيينها، فقيل هى العشر الأواخر من رمضان كما فى رواية عن ابن عباس، وقيل العشر الأول من المحرم كما فى رواية أخرى عنه، وقيل هى العشر الأول من شهر ذى الحجة، وهو القول الراجح، وقد ذكر القرطبى حديثا عن جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ذلك.
وقد ورد فى فضلها حديث رواه البخارى يقول صلى الله عليه وسلم " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام " يعنى العشر الأوائل من ذى الحجة قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد فى سبيل الله؟ قال " ولا الجهاد فى سبيل الله، إلا رجل خرج بماله ونفسه ثم لم يرجع من ذلك بشىء" وحديث رواه الترمذى، وقال عنه: غريب، وفيه كلام: "صيام يوم يعدل صيام سنة، والعمل يضاعف بسبعمائة ضعف " وحديث قال أنس غير مرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم كان يقال فى أيام العشر بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم. وكلام قاله الأوزاعى-كما رواه البيهقى-: بلغنى أن العمل فى اليوم كقدر غزوة فى سبيل الله، يصام نهارها ويحرس ليلها، إلا أن يختص امرؤ بشهادة.
وإذا كان العمل فيها بهذه المنزلة العالية، فما هو نوع العمل؟ ليس هناك نص يخصص عملا معينا لنيل هذه المنزلة، فكل الطاعات تدخل فى هذا المعنى، والصيام - وإن كان حديث السيدة عائشة فى صحيح مسلم يقول إنها لم تر النبى صلى الله عليه وسلم صام هذه العشر- فعدم رؤيتها لا ينافى صيامه، والإجماع على سنية الصيام فيها، وورد فى فضل الذكر بصيغة "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" حديث رواه الطبرانى بإسناد جيد، بل جاء فيمن يريد أن يضحى أنه يسن له عدم قص الشعر والظفر، تشبها إلى حدّ ما بالمحرمين بالنسك، وأن كل جزء من بدنه يعتق بالأضحية.
ثم يقال: لماذا كان لهذه الأيام هذا الفضل العظيم؟ قال العلماء: لأنها متصلة بالحج، وفى نهايتها يوم عرفة، وفضل هذا اليوم عظيم، وكذلك فضل يوم العيد فهو أعظم حرمة عند الله، لأن فيه الحج الأكبر، وكذلك من دواعى التفضيل العمل على إشاعة الأمن فى البلاد عامة، لتهيئة الجو للمسافرين والحجاج، وكذلك لمن خلفوهم وراءهم، وذلك بالانشغال بالعبادة والذكر، وكذلك هذه الأيام فرصة لأداء كل العبادات من صلاة وصيام وصدقة وحج(8/18)
الأعراب
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
نريد تفسير قوله تعالى {الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله} التوبة: 17؟
الجواب
يقول القرطبى فى تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: أن العرب جيل من الناس، والنسبة إليهم عربى، وهم أهل الأمصار، والأعراب منهم سكان البادية خاصة، وجاء فى الشعر الفصيح " أعاريب " والنسبة إلى الأعراب أعرابى، لأنه لا واحد له، وليس الأعراب جمعا للعرب، كما كان الأنباط جمعا لنبط، وإنما العرب اسم جنس، والعرب العاربة هم الخُلَّص منهم، والمستعربة هم الذين ليسوا بخُلَّص، وكذلك المتعربة. والأعرابى إذا قيل له:
يا عربى فرح، والعربى إذا قيل له يا أعرابى غضب. والمهاجرون والأنصار عرب لا أعراب. وسميت العرب عربا لأن ولد إسماعيل نشأ من عربة وهى من تهامة فنسبوا إليها، وأقامت قريش بعربة، وهى مكة، وانتشر سائر العرب فى جزيرتها.
وقد وصفت الآية الأعراب بأن كفرهم ونفاقهم أشد من كفر العرب ونفاقهم، لأنهم أبعد عن معرفة السنن، ولأنهم أقسى قلبا وأجفى قولا وأغلظ طبعا.
ورتب القرطبى على ذلك أحكاما منها: أن شهادة أهل البادية على أهل الحضر تسقط ولا تقبل، وأجازها أبو حنيفة، كما أجازها الشافعى إذا كان الأعرابى عدلا مرضيا، وهو الصحيح، ومنها أن إمامة البدوى لأهل الحضر ممنوعة، يعنى لا يصح أن يكون البدوى إماما فى الصلاة للمأمومين من أهل الحضر، لجهله بالسنة، وقال مالك: لا يؤم وإن كان أقرأهم، وقال سفيان الثورى والشافعى وإسحاق وأصحاب الرأى - الحنفية - الصلاة خلف الأعرابى جائزة، واختاره ابن المنذر إذا أقام حدود الصلاة.
يعرف من هذا أن البيئة لها أثر على الإنسان فى عقله وفى سلوكه، وأن الجامدين على بيئة واحدة يتأخر تطورهم وتغيُّر أحوالهم، وأن الاختلاط بالبيئات الأخرى يؤثر على الفكر والسلوك ويساعد على التطور، وكلما كان التطور نحو الأفضل وهو هدى الله لعباده كان ممدوحا(8/19)
القرآن كله عربى
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يقول بعض الناس: أن القرآن فيه كلمات غير عربية، وهذا يتنافى مع كونه قرآنا عربيا، فما رأى الدين فى ذلك؟
الجواب
قال تعالى {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} إبراهيم: 4، وقال {وانه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربى مبين} الشعراء: 192 - 195 وقال {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} يوسف:2.
تدل هذه الآيات وغيرها على أن القرآن الكريم نزل باللغة العربية، لأنها لسان القوم الذين أرسل إليهم النبى صلى الله عليه وسلم، وذلك ليستطيع أن يبلغ وليستطيعوا أن يفهموا ويتدبروا.
ومعروف أن اللغات تتلاقح فى بعض الألفاظ، أى يأخذ بعضها من بعض، بحكم الاتصالات بين الأفراد والجماعات والشعوب، التى هى ضرورة من ضرورات الحيلة الاجتماعية للبشر، فما يوجد فيها من ألفاظ متحدة قد يكون لانتساب لغتين إلى أصل واحد أو لشئ آخر، وقد يكون نقلا من لغة إلى لغة، وإذا نقل لفظ واستعمله الناقلون مدة طويلة صار من لغتهم.
فإذا كان فى القرآن الكريم ولغة العرب ألفاظ أصلها غير عربى مثل أباريق وأرائك وإستبرق فقد استعملها العرب وصارت مألوفة لهم، وأجروا عليها قواعد لغتهم فى الإعراب والاشتقاق والإفراد والتثنية والجمع وغيرها.
جاء فى تفسير القرطبى "ج 1 ص 68" أنه لا خلاف بين الأئمة فى أنه ليس فى القرآن كلام مركب على أساليب غير العرب، وأن فيه أسماءً أعلاما لمن لسانه غير لسان العرب كإسرائيل وجبريل وعمران ونوح ولوط.
واختلفوا: هل وقع فيه ألفاظ غير أعلام مفردة من غير كلام العرب؟ فذهب القاضى أبو بكر بن الطيب والطبرى وغيرهما إلى أن ذلك لا يوجد فيه، وأن القرآن عربى صريح، وما وجد فيه من الألفاظ التى تنسب إلى سائر اللغات إنما اتفق فيها أن تواردت اللغات عليها فتكلمت بها العرب والفرس والحبشة وغيرهم.
وذهب بعضهم إلى وجودها فيه، وأن تلك الألفاظ لقلتها لا تُخرج القرآن عن كونه عربيا مبينا، ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كونه متكلما بلسان قومه، فالمشكلة هى الكوة، ونشأ معناها قام من الليل، ومنه {إن ناشئة الليل} {يؤتكم كفلين} أى ضعفين، {فرت من قسورة} أى الأسد، كله بلسان الحبشة. والغساق أى البارد المنتن هو بلسان الترك، والقسطاس أى الميزان هو بلغة الروم، والسجيل أى الحجارة والطين هى بلسان الفرس، والطور أى الجبل، واليَم أى البحر هما بالسريانية، والتنور أى وجه الأرض هو بالعجمية.
قال ابن عطية: فحقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنها فى الأصل أعجمية، لكن استعملتها العرب وعرَّبتها فهى عربية بهذا الوجه.
وقد كان للعرب العاربة التى نزل القرآن بلسانها بعض مخالطة لسائر الألسنة بتجارات وبرحلتى قريش، وسفر بعض الأشخاص إلى بلاد أخرى، فعلقت العرب بهذا كله ألفاظا أعجمية غيرت بعضها بالنقص من حروفها، وجرت إلى تخفيف ثقل العجمة واستعملتها فى أشعارها ومحاوراتها حتى جرت مجرى العربى الصحيح، ووقع بها البيان.
وعلى هذا الحد نزل بها القرآن. فإن جهلها عربى ما فكجهله الصريح بما فى لغة غيره، كما لم يعرف ابن عباس معنى "فاطر" إلى غير ذلك.
قال ابن عطية: وما ذهب إليه الطبرى رحمه الله من أن اللغتين اتفقتا فى لفظة لفظة فذلك بعيد، بل إحداهما أصل والأخرى فرع من الأكثر، لأنَّا لا ندفع أيضا جواز الاتفاق قليلا شاذا.
قال غيره: والأول أصح -أى أن القرآن فيه كلمات أجنبية صارت بعد ذلك عربية - وقوله: هى أصل فى كلام غيرهم دخيلة فى كلامهم ليس بأولى من العكس، فإن العرب لا يخلو أن تكون تخاطب بها أولا، فإن كان الأول فهى من كلامهم، إذ لا معنى للغتهم وكلامهم إلا ما كان كذلك عندهم، ولا يبعد أن يكون غيرهم قد وافقهم على بعض كلماتهم، وقد قال ذلك الإمام الكبير أبو عبيدة، فإن. قيل: ليست هذه الكلمات على أوزان كلام العرب فلا تكون منه، قلنا: ومن سلم لكم أنكم حصرتم أوزانهم حتى تخرجوا هذه منها؟ فقد بحث القاضى عن أصول أوزان كلام العرب، ورد هذه الأسماء إليها على الطريقة النحوية.
وأما إن لم تكن العرب تخاطبت بها ولا عرفتها استحال أن يخاطبهم الله بما لا يعرفون: وحينئذ لا يكون القرآن عربيا مبينا، ولا يكون الرسول مخاطبا لقومه بلسانهم. والله أعلم(8/20)
القراءة بالقراءات الشاذة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما حكم الدين فيمن يقرا القرآن فى الصلاة بالقراءات الشاذة غير المتعارف عليها؟
الجواب
ذكر السيوطى فى الإتقان (ج 1 ص 80) قول الزركشى أن هناك فرقا بين القرآن والقراءات، فالقرآن وحى الله المنزل على الرسول للبيان والإعجاز، والقراءات اختلاف ألفاظ الوحى المذكور فى الحروف وكيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما. وذكر أن القراءات السبع متواترة عن الأئمة، أما تواترها عن النبى صلى الله عليه وسلم ففيه نظر.
ثم ذكر قول أبى شامة عن ظن البعض أن القراءات السبع الموجودة الآن هى التى أريدت فى الحديث "أنزل القران على سبعة أحرف " وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة، وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل.
ثم ذكر ما يفيد أن القراءات المدونة فى الكتب يوجد غيرها.
فقال القراب فى " الشافى" التمسك بقراءة سبعة من القراء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سنة، وإنما هو من جمع بعض المتأخرين فانتشر، وأوهم أنه لا يجوز الزيادة على ذلك، وذلك لم يقل به أحد.
وقال الكواشى: كل ما صح سنده واستقام وجهه فى العربية ووافق خط المصحف الإمام فهو من السبعة المنصوصة، ومتى فُقد شرط من الثلاثة فهو من الشاذ.
وقد اشتد إنكار أئمة هذا الشأن على من ظن انحصار القراءات المشهورة فى مثل ما فى التيسير والشاطبية.
قال البغوى: اعلم أن الخارج عن السبع المشهورة على قسمين، منه ما يخالف رسم المصحف فهذا لا شك فى أنه لا تجوز قراءته لا فى الصلاة ولا فى غيرها، ومنه ما لا يخالف رسم المصحف ولم تشتهر القراءة به وإنما ورد من طريق غريبة لا يعول عليها وهذا يظهر المنع من القراءة به أيضا.
وقال الشوكانى فى نيل الأوطار "ج 2 ص 245) : إذا تقرر لك إجماع أئمة السلف والخلف على عدم تواتر كل حرف من حروف القراءات السبع، وعلى أنه لا فرق بينها وبين غيرها إذا وافق وجها عربيا وصح إسناده، ووافق الرسم ولو احتمالا بما نقلناه عن أئمة القراءتبين لك صحة القراءة فى الصلاة بكل قراءة متصفة بتلك الصفة سواء كانت من قراءة الصحابة المذكورين فى الحديث أو من قراءة غيرهم، ثم ذكر الشوكانى مخالفة النويرى لهذا الرأى ورد عليه.
والحديث المشار إليه هو ما رواه البخارى وغيره " خذوا القرآن من أربعة" من ابن أم عبد -أى عبد الله بن مسعود وقد بدا به، ومعاذ بن جبل، وأبى بن كعب، وسالم مولى أبى حذيفة.
هذا ما نقلته عن الإتقان ونيل الأوطار، ولعلماء القراءات آراؤهم، والأمر الخلافى لا يجوز التعصب لأى رأى فيه(8/21)
السائق والشهيد
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
أرجو تفسير الآية الكريمة {وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد} ق:
21؟
الجواب
هذا مشهد من مشاهد يوم القيامة حيث يقوم الناس من القبور ويساقون إلى المحشر ويحاسبون.
والقرطبى يقول فى التفسير اختلف فى السائق والشهيد، فقال ابن عباس:
السائق من الملائكة والشهيد من أنفسهم هو الأيدى والأرجل.
وقال أبو هريرة: السائق الملك والشهيد العمل.
وقال الحسن وقتادة: المعنى سائق يسوقها وشاهد يشهد عليها بعملها.
وقال ابن مسلم: السائق قرينها من الشياطين، سمى سائقا لأنه يتبعها وإن لم يحثها.
وقال مجاهد: السائق والشهيد ملكان.
وعن عثمان بن عفان: ملك يسوقها إلى أمر الله وشهيد يشهد عليها بعملها.
ورجح القرطبى هذا الرأى، وساق عليه حديثا لا يعتمد عليه فى العقائد، فهما ملكا الحسنات والسيئات، واحد يسوقها وواحد يشهد، والآراء الاجتهاية غير ملزمة(8/22)
خطاب الاثنين لواحد
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
أرجو توضيح الخطاب فى قوله الله تعالى {ألقيا فى جهنم كل كفار عنيد} ق: 24؟
الجواب
فى هذه الآية الكريمة خطاب للواحد بلفظ الأثنين، قال القرطبى فى تفسيرها: إن الخليل والأخفش، وهما من كبار علماء اللغة قالا: هذا كلام العرب الفصيح، أن تخاطب الواحد بلفظ الاثنين فتقول: ويلك، ارحلاها وازجراها، وخذاه وأطلقاه، للواحد. قال الفراء:
تقول للواحد: قوما عنا. وأصل ذلك أن أدنى أعوان الرجل فى إبله وغنمة ورفقته فى سفره اثنان، فجرى كلام الرجل على صاحبيه، ومنه قول امرىء القيس:
* خليلى مُرَّا بى على أم جندب * وقوله:
* قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل *.
وقال المازنى: ألقيا يدل على: ألق ألق.
وقال المبرد: هى تثنية على التوكيد، ويجوز أن يكون الخطاب من الله للملكين، وهما السائق والحافظ كما قال: {وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد} ق:
21(8/23)
الطاغوت
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هو الطاغوت الذى تكرر ذكره فى آيات القرآن الكريم؟
الجواب
ورد لفظ الطاغوت فى القرآن ثمانى مرات: فى سورة البقرة:
الآيتان: 256، 257، وفى سورة النساء: الآيات: 51، 60، 76، وفى سورة المائدة: الآية: 60، وفى سورة النحل: الآية: 36، وفى سورة الزمر: الآية: 17.
قال الراغب الأصفهانى فى مفردات القرآن: الطاغوت عبارة عن كل متعد وكل معبود من دون الله، ويستعمل فى الواحد والجمع، ولما تقدم سمى الساحر والكاهن والمارد والجن والصارف عن طريق الخير طاغوتا. انتهى.
ولو تتبعنا تفسير الآيات المشار إليها فى مواضعها ما رأيناها تخرج عن ذلك، جاء فى تفسير الجلالين فى الآية الأولى {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله} والثانية {والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت} أن الطاغوت هو الأصنام أو الشيطان، وفى الآية الثالثة {يؤمنون بالجبت والطاغوت} أن الجبت والطاغوت صنمان لقريش. وفى الآية الرابعة {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت} أنه كثير الطغيان وهو كعب بن الأشرف.
وفى الخامسة {يقاتلون فى سبيل الطاغوت} أنه الشيطان، وفى السادسة {وعبد الطاغوت} أنه الشيطان، وفى السابعة {واجتنبوا الطاغوت} أنه الأوثان، وفى الثامنة {والذين اجتنبوا الطاغوت} أنه الأوثان أيضا.
ويظهر معنى الطاغوت فيما يُعبد من دون الله من أصنام ومخلوقات أخرى إذا ذكر معه الإيمان وعبادة الله والكفر بالطاغوت. وهو يطلق على الباطل مطلقا ممن يعقل وما لا يعقل، فإذا عُبد من دون الله أو مع الله فذلك كفر أو شرك، وإذا فتن به دون عبادة له كان عصيانا وفسوقا، كالذى يفتنه الشيطان أو السلطان أو المال أو الذهب أو المرأة أو غير ذلك، فتنة تلهيه عن الواجب وتغريه بالسوء، وقد يطلق عليه أنه يعبده أى يحبه حبا شديدا ويطيعه طاعة العبد لسيده، ومنه حديث "تعس عبد الدينار والدرهم " رواه البخارى "يراجع كتاب بيان للناس من الأزهر الشريف - ج 1 ص 176"(8/24)
حديث: لا يجتمع فى جزيرة العرب دينان
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح انه لا يجوز لغير المسلم أن يدخل أرض الحجاز؟
الجواب
أرض الحجاز هى الفاصلة بين نجد وتهامة، وأشهر مدنها مكة والمدينة، وفيها الحرم والمسجد الحرام.
ودخول المسجد الحرام تقدم حكمه، أما الحرم المكى بحدوده التى ذكرها الماوردى فى كتابه "الأحكام السلطانية ص 164 " بأنها ثلاثة أميال من طريق المدينة دون التنعيم، وسبعة أميال من طريق العراق، وتسعة أميال من طريق الجعرانة، وسبعة أميال من طريق الطائف على عرفة، وعشرة أميال من طريق جدة - هذا الحرم المكى بحدوده، قال جمهور الفقهاء: لا يجوز دخوله لجميع من خالف دين الإسلام، من ذمى أو معاهد، لا مقيما فيه ولا مارا به، وجوز أبو حنيفة دخولهم إذا لم يستوطنوه. ولو دخله المشرك بدون إذن عزر وأخرج، وإن كان بإذن لم يعزر وأنكر على الإذن وأخرج، ولو أراد دخول الحرم ليسلم فيه منع منه حتى يسلم قبل دخوله، وإذا مات فيه مشرك حرم دفنه، فإن دفن فيه نقل إلى الحل، إلا أن يكون قد بلى، كما تركت أموات الجاهلية.
وأما دخول غير الحرم بحدوده المعروفة. فالجمهور على عدم استيطان الذمى والمعاهد، وجوزه أبو حنيفة، ودليل الجمهور حديث عائشة: كان آخر ما عهد به رسول الله أن قال " لا يجتمع فى جزيرة العرب دينان " رواه البيهقى.
وتطبيقا لذلك أجلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه أهل الذمة عن الحجاز.
وضرب لمن قدم منهم تاجرا أو صانعا مقام ثلاثة أيام يخرجون بعد انقضائها، واستقر الحكم على منعهم من الاستيطان، وجواز دخولهم بصفة مؤقتة لمدة ثلاثة أيام فى موضع ويمكن أن ينتقل منه إلى غيره لمدة ثلاثة أيام أيضا فإن زاد عليها عزر إن لم يكن معذورا "الأحكام السلطانية من 167 "(8/25)
البكاء عند سماع القرآن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل من الحديث ما يقال "اقرءوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا"؟
الجواب
هذا الحديث فى سنن ابن ماجه، وهو مروى عن سعد بن أبى وقاص عن النبى صلى الله عليه وسلم، وقد ذكره الحافظ المنذرى فى كتابه "الترغيب والترهيب " بصيغة "روى" مما يدل على أنه لم يرق إلى درجة الحديث الصحيح الذى هو أعلى من الحسن.
وقال العراقى فى تخريجه لأحاديث "إحياء علوم الدين " للإمام الغزالى: حديث "اتلوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا" إسناده جيد، يعنى مقبول يعمل به وبخاصة فى فضائل الأعمال، ولكن لا يصل الأمر فيه إلى درجة الوجوب الذى يعاقب تاركه، فهو أمر مندوب إليه(8/26)
أعوذ بالرحمن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
اوجو تفسير قوله تعالى: {قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} مريم: 8ا؟
الجواب
قالت مريم ذلك لجبريل عليه السلام، وبيان المعنى مرتبط بالمراد من كلمة "إن " فإن كانت للشرط فالمعنى: إذا كنت تقيا تخشى الله وتجله فأنا ألتجئ إلى الله وأستعيذ به منك حتى لا تمسنى بسوء وبالتالى من لم يكن متقيا لله لا يأبه لاستعاذتها.
وإن كانت "إن" للنفى كان المعنى: أنت شخص غير تقى، حيث جئتنى وأنا وحيدة ليس معى أحد، وليس لى إلا الله سبحانه أستعيذ به وألتجىء إليه.
واختيارها لاسم الرحمن بدلا من اسم آخر لأن المقام يقتضى الرحمة، فهى ضعيفة بشخصها وبوحدتها أمام رجل قوى بشخصه ولا تعرفه(8/27)
كتب الأديان السابقة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
إذا كان الإسلام يعترف بالرسالات السماوية فهل هناك ما يمنع المسلم من أن يأخذ ويتبع ما جاء من تعاليم ونصائح كل هذه الرسالات؟
الجواب
ليكن معلوما أن الإسلام جاء دينا وافيا كاملا، فيه كل ما يحتاجه المسلم فى دنياه وآخرته كما قال سبحانه {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة: 3، وقال {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} النحل: 89.
ومع ذلك لا مانع من الاستفادة بما يوجد فى الكتب السماوية الصحيحة، لأن ما فيها حق وإن كانت فروع الشريعة تختلف من دين لآخر، فشرع من قبلنا ليس شرعا لنا إلا إذا وجد فى شرعنا ما يقرره، أو هو شرع لنا إن لم يوجد فى شرعنا ما يخالفه، على خلاف للعلماء فى ذلك.
ولكن أين هى الكتب السماوية الصحيحة التى يستفاد منها وقد أقر القرآن بأنها حُرِّفت؟ وبتحريفها كفر اليهود والنصارى برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل، قال تعالى {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون} البقرة: 146، فلا حاجة بنا إلى الأخذ من كتبهم، ولو قرأناها فليكن القارئ على معرفة تامة بدينه هو، حتى لا يزل ويتبع بعض ما فيها، وحتى لا يقول: إن فيها ما لا يوجد فى كتب الإسلام فيميل إليها ويطمئن إلى قراءتها والعمل بما فيها، وقد حدث أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قراءة كتب أهل الكتاب -اليهود والنصارى- خشية الفتنة بما فيها وقال لعمر "أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذى نفسى بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية " إلى أن قال " والذى نفسى بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا اتباعى" رواه أحمد فى مسنده، ومع ذلك جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أخرجه البخارى، قوله " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا: آمنا بالله وما أنزل إلينا " وقوله " بلغوا عنى ولو آية، وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ".
وهو يشير إلى مصادر المعرفة الثلاثة وهى القرآن الذى يجب تبليغه، والحديث النبوى الذى يجب الدقة عند تلقيه وروايته، وما جاء عن بنى إسرائيل من السماح بروايته، وذلك فى نطاق ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم، كما رواه أحمد وأبو داود: إن كان حديثهم حقا فلا تكذبهم فيه، وإن كان باطلا فلا تصدقهم فيه، وما لا نجزم بصدقه أو كذبه فنحن فى حل من الأخذ به أو رفضه.
وفى ضوء هذا المقياس أصاب عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما يوم اليرموك زاملتين -أى حمل بعيرين- من كتب أهل الكتاب فكان يحدث منهما، وابن مسعود رضى الله عنه قال -كما رواه أحمد وغيره -: لا تسألوا أهل الكتاب عن شىء فإنهم لن يهدوكم وقد أضلوا أنفسهم، إما أن يحدثوكم بصدق فتكذبونهم أو بباطل فتصدقونهم.
والخلاصة أن الأخذ من كتب الأديان الأخرى لا حاجة إليه، أما قراءتها للاطلاع على ما فيها ومقارنته بما جاء فى الإسلام فلا مانع منه لمن هو متمكن فى العلم الدينى(8/28)
والليل إذا عسعس
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما معنى قوله تعالى {والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس. إنه لقول رسول كريم} الشمس: 17 - 19
الجواب
هذا قسم من الله سبحانه بالليل والصبح، كما أقسم بأشياء كثيرة، على أن القرآن الكريم مُوحى به من الله سبحانه بوساطة جبريل الأمين، إلى النبى صلى الله عليه وسلم.
ومعنى عسعس الليل أقبل من أوله وأظلم، أو أدبر من أخره وولَّى، فهو من الأضداد التى تستعمل فى الإقبال والإدبار، ومعنى تنفس الصبح امتد حتى صار نهارا واضحا فالله يقسم بالليل فى ظلامه وبالصبح فى نوره على أن القرآن حق من عنده سبحانه، فكأنه يقول:
كما أن هناك فرقا واضحا بين الظلام والنور هناك فرق واضح بين كلام الله وكلام غيره، فكلامه هو الحق، وكلام غيره هو الباطل الذى زعموه، وكلامه نور يهدى وكلام غيره ظلام يضل.
أو كأنه يقول: إن الذى قدر على أن يمحو النهار بالليل، ويمحو الليل بالنهار، قدر على أن يجعل من محمد الأمى العادى رسولا يتلقى الوحى ويبلغه، ويصير به معلما للإنسانية ما لم يكن تعلمَّه من قبل، كما قال تعالى:
{وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلَّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما} النساء: 113(8/29)
لا يموت فيها ولا يحيا
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما معنى قوله سبحانه عن الذى يدخل النار " ثم لا يموت فيها ولا يحيا "؟
الجواب
يقول الله سبحانه {فذكر إن نفعت الذكرى. سيذكر من يخشى. ويتجنبها الأشقى. الذى يصلى النار الكبرى. ثم لا يموت فيها ولا يحيا} الأعلى: 9 -13.
المراد بالأشقى فى هذه الآية هو الكافر الذى لا يستفيد من الدعوة وسيدخله الله نارا كبرى يستمر عذابه فيها ولا ينقطع أبدا. وعلى الرغم من شدة النار التى وقودها الناس والحجارة لن يموت، كما قال سبحانه: {فأما الذين شقوا ففى النار لهم فيها زفير وشهيق. خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد} هود: 106،107.
وكما قال فى كيفية العذاب لهم {إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدَّلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب} النساء:
56.
ويتمنى الكافرون أن يخرجوا من النار، ولكن لا يجابون لما يتمنون. قال تعالى {إن المجرمين فى عذاب جهنم خالدون. لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون. وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين. ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال أنكم ماكثون} الزخرف: 74 -77، ومالك هو خازن النار.
وإذا كان الكافر لا يموت فى النار فلابد أن يحيا، لكن الآية تنفى عنه الحياة حيث تقول {لا يموت فيها ولا يحيا} فكيف يكون الكافر غير ميت وغير حى فى وقت واحد؟ .
قال العلماء: المراد بقوله تعالى {ولا يحيا} لا يحيا حياة طيبة، فالثابت له عدم الموت، والمنفى عنه هو الحياة الطيبة، فهو حى معذَّب شقى وذلك على مثال قول الشاعر:
ألا ما لنفس لا تموت فينقضى * عناها ولا تحيا حياة لها طعم.
وإذا كانت دقائق العذاب لا تعرف إلا بالنص الصحيح فإن لعصاة المؤمنين أملا فى أن يكون عذاب النار هينا عليهم فى درجة خاصة بهم، يأخذون قسطهم من العذاب فى شبه موت حتى يأذن الله بخروجهم من النار.، كما جاء فى صحيح مسلم أن الموحدين من المؤمنين إذا دخلوا جهنم احترقوا وماتوا إلى أن يشفع فيهم. وبعد إخراج عصاة المؤمنين من النار يكتب الخلود لأهل النار فلا يموتون، كما يكتب الخلود لأهل الجنة فلا يموتون. جاء تصوير ذلك فى رواية للبخارى ومسلم تمثل قضاء الله على الموت بصورة كبش يذبح ثم ينادى (يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت) .
وإذا كنا ندعو الله أن يجيرنا من النار ويدخلنا الجنة فليكن مع الدعاء عمل صالح كما قاله سبحانه فى المتخاصمين المتجادلين:
أيهم تكون لهم الجنة {ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا. ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا} النساء:
123،124.
وحتى ننشط لعمل الخير نذكر ما رواه مسلم عن ثواب أدنى أهل الجنة منزلة، وهو آخر من يدخلها وآخر من يخرج من النار، أن الله سبحانه يقول له "أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت يا رب فيقول له: لك مثله وعشرة أمثاله " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم(8/30)
ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمين
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما معنى قوله تعالى: {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} القصص: 78؟
الجواب
مما يجب أن يعتقده كل مسلم أن الحساب بعد الموت حق، وذلك لترتب الجزاء عليه، قال تعالى {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين} الأعراف: 6، وقال {فوربك لنسألنهم أجمعين. عما كانوا يعملون} الحجر: 92، 93، وهذا الحساب على مرحلتين الأولى فى القبر بعد الموت؟ والثانية بعد البعث والعرض على الله، وسؤال القبر بمعرفة الملكين كما هو ثابت بالقرآن والسنة ويكون عن الاعتقادات، أما السؤال الثانى فيكون على كل شيء من واقع الكتاب المسطر فيه أعمال الإنسان، {وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} الإسراء: 13، 14.
قال العلماء: يستثنى من سؤال القبر الشهداء والصديقون والمرابطون فى سبيل الله والأطفال، والحساب بعد البعث عام، يسأل فيه الرسل عن التبليغ كما يسأل الناس عن موقفهم من الرسالة، قال تعالى {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لى أن أقول ما ليس لى بحق} المائدة: 116، وقد ورد ما يفيد ظاهره عدم سؤال النبى صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} البقرة: 119، لكن المراد أنك غير مسئول عن كفرهم فما عليك إلا البلاغ، {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء} القصص: 156، كما ورد ما يفيد ظاهره أن الكافرين المجرمين لا يسألون، كما فى قوله تعالى {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} لكن المراد أن المجرمين الكافرين لا يسألون عن المعاصى التى اقترفوها لأنها كثيرة، ويكفى عنها الذنب الأكبر وهو الكفر، فليس بعد الكفر ذنب يستحق أن يسأل عنه. لأن مصيرهم النار خالدين فيها أبدا. أو المعنى لا يكلفون يوم القيامة أن يرضوا ربهم بالإيمان لأن الآخرة ليست دار تكليف، كما يفيده قوله تعالى {ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون} النحل: 84، وقوله {ولا يؤذن لهم فيعتذرون} المرسلات: 36.
فالسؤال يوم القيامة لتقدير الجزاء، وهو يسير على الطائعين من المؤمنين، عسير على الكافرين والعاصين، ويكفى أن يسأل الكافر عن كفره دون حاجة إلى التفاصيل، فالمصير معروف قال تعالى {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} الفرقان: 23(8/31)
أعمى الدنيا والآخرة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
نريد توضيحا لقوله تعالى {ومن كان فى هذه أعمى فهو فى الآخرة أعمى وأضل سبيلا} الإسراء: 72؟
الجواب
من أحسن ما قيل فى تفسير هذه الآية ما جاء عن عكرمة أنه قال: جاء نفر من أهل اليمن إلى ابن عباس رضى الله عنهما فسألوه عن هذه الآية فقال:
اقرءوا ما قبلها من قوله تعالى {ربكم الذى يزجى لكم الفلك فى البحر لتبتغوا من فضله} إلى قوله تعالى {وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} الإسراء: 66- 70، قال ابن عباس من كان أعمى عن هذه النعم والآيات التى رآها فهو عن الآخرة التى لم يعاينها أعمى وأضل سبيلا.
إن الذين لا يشكرون هذه النعم المحسوسة التى لا تحتاج إلى نظر دقيق أو عقل واسع قد عميت بصائرهم عن الحق، وغفلت عنه قلوبهم كالذين فقدوا أبصارهم فلا يرون شيئا من المحسوسات، بل هم أضل من الأنعام التى تسيرها الغرائز، لأنها معذورة حيث لا يوجد لها عقل كعقل بنى آدم. أما من له عقل وعطله فهو متعمد للضلال فكان أضل من الأنعام.
ولقد عبر الله سبحانه عن الذين لم يستجيبوا له عقيدة وسلوكا بأنهم عمى فقال: {ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى. قال رب لم حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرًا. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى. وكذلك نجزى من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه} طه: 124 -127، فالذين عميت بصائرهم هم فى الحقيقة عمى عن الهدى، ولا مانع أن يحشرهم الله يوم القيامة عُمىَ الأبصار، جزاء وفاقا بما كانوا عليه فى الدنيا من عمى البصائر.
أما من فتح الله بصائرهم فاتبعوا الحق فإنهم يحشرون يوم القيامة بيض الوجوه، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم حتى لو كانوا فى الدنيا ممن امتحنهم الله فى أبصارهم لكنهم رأوا قدرته وأحسوا نعمه بقلوبهم وبصائرهم، وكم فى الحياة من مكفوفى الأبصار هداهم الله إلى الحق وأعلى منزلتهم، وفى التاريخ قديمه وحديثه علماء وصالحون من هذا النوع(8/32)
سبب الحسنة والسيئة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هناك آية تنسب الحسنة إلى الله، والسيئة إلى الإنسان وآية أخرى تقول إن السيئة من الله، فكيف نوفق بينهما؟
الجواب
قال الله تعالى {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} النساء: 79، وقال {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله} التغابن: 111، الموضوع فى الآيتين مختلف، ففى الآية الأولى بيان الجزاء على ما يعمله الإنسان، وفى الثانية بيان علم الله وإرادته، فالله يجازينا على الحسنة فضلا منه وكرما وعلى السيئة رحمة منه وعدلا، إذا أعطى الله إنسانا ثوابا على حسنة فالثواب منه تفضل، لأننا عباد مفروض أن نطيعه ولا نطلب على طاعتنا أجرا شأن العبد مع سيده، يؤمر فيطيع ولا يطلب من سيده جزاء لأنه مملوك له، فإذا أعطاه سيده أجرا كان تفضلا منه، وهو وإن قل يعد كثيرا، ومع ذلك ففضل الله واسع يعطى الحسنة ثوابا هو عشر أمثالها وإذا عصى العبد ربه وعاقبه على سيئته كان المفروض أن يأخذه ربه بالشدة كالعبد العاصى لسيده، ولكن عدل الله تشوبه الرحمة أيضا فيعطى سيئة على سيئة.
ولا يجوز أن ينسب العبد إلى ربه ظلما على عقابه، فهو المتسبب فيه، ولم يبدأ الله معاقبته بدون سبب، فذلك فى عرف الناس ظلم والله أولى بالبعد عنه "يا عبادى أنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" رواه مسلم {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد} فصلت: 46، {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} الشورى: 35.
أما قوله تعالى {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله} فيفسره قوله في آلة أخرى {ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها} الحديد: 22، فكل ما يحدث فى الكون معلوم له قبل أن يحدث. وهذا معنى {من قبل أن نبرأها} أى نخلقها، فالإيمان بأن كل شيء فى علم الله يعطى النفس توجيها طيبا، فما يحدث من خير يشكره عليه، وما كان من سوء يصبر عليه ويرضى، وفى الحديث "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " رواه مسلم. ويلتقى هذا مع قوله بعد الآية السابقة {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم} أى فلا تجزعوا على المصيبة ولا تطغينكم النعمة. . "(8/33)
حكم نسيان القرآن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح أن نسيان القرآن حرام، وما هى الوسيلة التى تساعد على عدم نسيانه؟
الجواب
معروف أن فضل قراءة القرآن وحفظه فضل عظيم، يكفى فى بيان ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى "خيركم من تعلم القرآن وعلمه " وقوله فيما رواه مسلم "اقروا القرآن فإنه يأتى يوم القيامة شفيعا لأصحابه " وقوله فيما رواه الترمذى وأبو داود بسند صحيح "يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقروها" وقد بين النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث رواه البخارى ومسلم أن ما يحفظ من القرآن معرض للنسيان فقال "تعاهدوا القرآن فو الذى نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل فى عقلها" يعنى إذا لم يحكم حفظه تفلت كالبعير الذى لم يحكم ربطه بالعقال، ولذلك حذَر من نسيان ما حفظ منه فقال فيما رواه الترمذى وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه "وعرضت علىَّ ذنوب أمتى فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن - أو أية - أوتيها رجل ثم نسيها".
لكن حمل بعض العلماء النسيان هنا على ترك العمل لأن الإنسان بطبيعته معرض لنسيان ما يحفظ، سواء أكان من القرآن أم من غيره، ولأن التحذير لو كان من مجرد نسيان ما يحفظ لقال الشخص: الأسلم ألا احفظ شيئا حتى لا أتعرض للعقاب إن نسيت، وهذا فيه صرف للناس عن القرآن.
ومهما يكن من شىء فإن الواجب هو المجاهدة للإبقاء على ما يحفظ وذلك بمداومة التلاوة ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلا ففى التلاوة ثواب على الحرف بعشر حسنات، وفيها تقويم للسان بالعربية، وتفقه فى الدين، وقد جاء فى المأثور أن النبى صلى الله عليه وسلم أوصى من شكا إليه نسيان ما يحفظه من القرآن بأن يصلى أربع ركعات ليلة الجمعة ببعض سور من القرآن ثم يدعو بدعاء مخصوص ففعل ذلك، فثبت الله فى قلبه ما كان يحفظه، وهو حديث طويل رواه الترمذى وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم، ورواه لحاكم وقال: صحيح على شرطهما. قال الحافظ المنذرى "الترغيب ج 2 ص 139 ": طرق أسانيد هذا الحديث جيدة ومتنه غريب جدا(8/34)
دعاء وصلاة لحفظ القرآن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح أن هناك حديثا فيه طريقة حفظ بها الإمام على القرآن الكريم؟
الجواب
ذكر الحافظ المنذرى فى كتابه "الترغيب والترهيب " حديثا مؤداه أن النبى صلى الله عليه وسلم علَّمه صلاة أربع ركعات ليلة الجمعة فى كل ركعة سور مخصوصة وبعدها يدعو بدعاء مخصوص. ويفعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا، فنفذ علىّ الوصية فوهبه الله الحفظ.
وقال المنذرى بعد ذلك: رواه الترمذى وقال حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم، ورواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما - أى البخارى ومسلم. ثم قال: طرق أسانيد هذا الحديث جيدة ومتنه غريب جدا. والله أعلم.
فالحديث لم يصل إلى درجة الصحة فى السند، وما جاء فيه هو صلاة وذكر وقراءة قرآن ودعاء، ولا مانع من ذلك، أما النتيجة فموكولة إلى الله سبحانه، وإن صحت عند على رضى الله عنه فربما لا تصح عند غيره، والطاعة على كل حال طيبة ويرجى قبولها وقبول الدعاء(8/35)
سورة الواقعة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما فضل قراءة سورة الواقعة كل ليلة، وهل ذلك يحفظ الإنسان من الفقر؟
الجواب
سورة الواقعة لم يرد فى فضل قراءتها حديث خاص صحيح، وقد ذكر ابن عبد البر والثعلبي أن عثمان دخل على ابن مسعود يعوده فى مرضه الذى مات فيه. وعرف أنه يشكو ذنوبه ويتمنى رحمة الله ولم يوافق على استدعاء طبيب له ولا تقرير عطاء له ولا لبناته من بعده، فقد أمرهن أن يقرأن سورة الواقعة كل ليلة لأنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
"من قرأها كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا" ذكر ذلك القرطبى فى تفسيره ولم يحكم عليه.
وذكره ابن كثير فى تفسيره من رواية ابن عساكر في تاريخ دمشق ورواه أبو يعلى. وخرجه ابن حجر فى تفسير الكشاف بما لم يرفعه إلى درجة الصحة(8/36)
السامرى
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
من هو السامرى الذى أضل قوم موسى؟
الجواب
جاء الكلام عن السامرى فى قصة سيدنا موسى عليه السلام فى القرآن الكريم فى ثلاثة مواضع فى سورة طه، تفيد أنه أضل بنى إسرائيل بعد أن وصلوا إلى سيناء وذهب موسى لميقات ربه ليناجيه، حيث صنع لهم عجلا جسدا له خوار، فقال "هذا إلهكم وإله موسى" ولما سأله عما فعله قال {بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لى نفسى} طه: 96 فرد عليه موسى كما حكاه القرآن الكريم فى الآيات التالية {قال فاذهب فإن لك فى الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذى ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه فى اليم نسفا} طه: 97.
هذا هو القدر الذى جاءنا من المصدر الموثوق به فيما يتصل بشخصية السامرى وهو كاف فى أخذ العبرة والموعظة منه، دون حاجة إلى تفاصيل بقية القصة، فإن كثيرا من التفاصيل الموجودة فى الكتب ليس لها سند صحيح يعتمد عليه.
فمثلا جاء فى هذه الكتب أن السامرى من إحدى قبائل بنى إسرائيل يقال لها: سامرة لكنه نافق بعدما قطع البحر مع موسى. وقيل كان من قوم يعبدون البقر فى الهند، فوقع بأرض مصر، ودخل دين بنى إسرائيل بظاهره، وفى قلبه عبادة البقر، وقيل: كان من أهل كرمان، وقيل غير ذلك.
وقد صنع العجل من الذهب الذى حمله بنو إسرائيل معهم حين خروجهم من مصر وجعل فيه خروقا إذا مر خلالها الهواء حدث صوت يشبه خوار البقر، وقيل إنه أخذ أثرا من حافر فرس جبريل الذى كان يخضر ما يمسه من الأرض، فرماه فى التمثال الجامد فصار حيوانا، وقيل غير ذلك كثير مما نكل علم حقيقته لله سبحانه(8/37)
تفسير: والليل وما وسق
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
نرجو تفسير قوله تعالى {فلا اقسم بالشفق. والليل وما وسق. والقمر إذا اتسق. لتركبن طبقا عن طبق} الانشقاق: 16-19
الجواب
فى هذه الآيات مقسم به وهو الشفق والليل والقمر، ومقسم عليه وهو تغير الأحوال للإنسان فى دنياه وفى أخراه، وبيان ذلك أن الشفق هو الحمرة التى تكون فى الجو عند مغيب الشمس على المختار من الأقوال فى المراد به، ومعنى وسق جمع وضم وحمل، فإذا جاء الليل جمع الظلام تحت سلطانه كل كائن غابت عنه الشمس، وأوى إلى حيث يبيت ويستريح ومعنى اتسق كمل واستوى، وذلك حين يكون القمر بدرا.
إن هذه الأمور تبدو فيها ظاهرة التغير والتحول، فبعد ضوء النهار وما يبعث فيه من حركة ونشاط تحت سلطان الشمس بقوتها، تغيب تلك الشمس وتتوارى، ويجىء الليل بظلامه فيحد من الحركة ويقلل من النشاط، وتصير الكائنات فى حالة أشبه بالموت بعد الحياة.
والقمر كان فى المحاق ثم صار هلالا ازداد نوره حتى تمَّ بدرا، ثم يعود فى دورته إلى المحاق والظلمة مرة أخرى. وكما هو معهود من التناسب بين المقسم به والمقسم عليه نرى ظاهرة التغير والتحول واضحة فى قوله: {لتركبن طبقا عن طبق} .
فى بعض القراءات "لتركبَن "بفتح الباء خطاب للمفرد، والمخاطب بذلك قيل: هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والمعنى لتكونن لك حال بعد حال فى دعوتك ومكانتك فإن كذبتك قريش اليوم فسيصدقونك غدا، ولئن علا سلطانهم يوما فسيعلو سلطانك عليهم أياما {فاصبر إن وعد الله حق} واستمر فى دعوتك حتى يأتيك اليقين، وقيل: إن المخاطب بذلك أى إنسان، والمراد بيان أنه ستتقلب به الأحوال من قوة إلى ضعف ومن غنى إلى فقر ومن صحة إلى مرض، وبالعكس، وتنتهى الحياة بالموت، فشأن الحياة هو التغير والتحول حسًّا ومعنى، وصاحب السلطان فى كل ذلك هو رب العزة الذى يجب أن يؤمن به كل مخلوق.
وفى القراءات الأخرى "لتركبُن " بضم الباء خطاب للجميع، والمعنى لتتغيرن أحوالكم فى مستقبل حياتكم كما تغيرت من قبل، حين خلقكم الله فى بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق، وطورا بعد طور، وستنتهون من حياتكم بما فيها من تفاوت وتقلب إلى الموت، ومن قدر على ذلك فهو قادر على أن يبعثكم من القبور ويحشركم إليه ويحاسبكم على ما قدمتم، فمنكم من يعطى كتابه بيمينه، ومن يعطى كتابه بشماله، بعد أن ظن أنه لن يحور، أى يعود إلى الحياة مرة أخرى، ثم بعد ذلك يسوقكم إلى الجنة أو النار زمرا، لكل فيها طبقة ومنزلة تتناسب مع عمله، فما لهؤلاء القوم لا يؤمنون بعد هذه الأدلة القوية وما لهم لا يسجدون للقرآن الذى يدل بإعجازه على صدق محمد الأمى فى أنه منزَّل من عند الله، وفى أنه صادق فى دعوته ورسالته؟ {بل الذين كفروا يكذبون. والله أعلم بما يوعون}(8/38)
تفسير: يخرج الحى من الميت
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
أرجو تفسير قوله تعالى: {يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى} الأنعام:95؟
الجواب
تكرر هذا القول فى القرآن أكثر من مرة، واختلف المفسرون فى معناه، فقال بعضهم: المراد ولادة المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، على تشبيه الإيمان بالحياة وتشبيه الكفر بالموت، ذلك أن المؤمن يفعل الخير ليسعد به ويُسعد مجتمعه، كالجسد إذا كان فيه الروح التى تبعثه على الحركة والنشاط، والكافر لا يفعل خيرا يسعد به نفسه ويسعد مجتمعه، كالجسد الذى سلبت منه الروح، فلا تبقى معه حركة ولا نشاط، وما يفعله الكافر إن سعد به فى دنياه فلا يسعد به فى أخراه، وهي الدار الباقية، كما قال سبحانه {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} الفرقان: 23.
ويشهد لهذا المعنى ما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل على نسائه فوجد معهن إحدى خالاته، وهى خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث، وكانت مؤمنة وكان أبوها كافرا فقال "سبحان الله الذى يخرج الحى من الميت ".
وقال بعض المفسرين إن المراد بالحياة والموت حقيقتهما، فالله ينى الإنسان وهو حى من النطفة وهى ميتة، ويخرج النطفة وهى ميتة من الإنسان وهو حى، كما أنه يخرج الدجاجة وهى حية من البيضة وهى ميتة، ويخرج البيضة وهى ميتة من الدجاجة وهى حية.
وإذا قيل: إن النطفة فيها حياة مستكنة أى فى أطوارها الأولى بسبب تلقيح البويضة بالحيوان المنوى، كما يقال ذلك فى بيضة الدجاجة الملقحة - فإن هذه الحياة كالموت بالنسبة للحياة بعد نفخ الروح فى الجنين، حيث تكون الحركة والنشاط.
وعلى كل حال فالآية تدل على أمرين هامين، أحدهما أن العالم ليس مخلوقا بطبيعته، بل له خالق هو الله سبحانه، لأن مطبوع الطبيعة لا يختلف، كالآلة الصماء التى تخرج أفرادا متفقة لا تغاير فيها، والله سبحانه يغير ويبدل بقدرته، كما قال {قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير. تولج الليل فى النهار وتولج النهار فى الليل وتخرج الحى من الميت وتخرج الميت من الحى وترزق من تشاء بغير حساب} آل عمران: 26، 27.
والأمر الثانى الذى تدل عليه الآية أن الذى خلق العالم إله واحد لا شريك له، لأنه هو القادر على ذلك، أما ما يعبده الكافرون فلا يستطيع أن يخلق كخلق الله، قال تعالى {أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكَّرون} النحل: 17 وقال {إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب} الحج: 73(8/39)
القرآن وعالمية الإسلام
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
لماذا أنزل الله القرآن باللغة العربية، وكيف يكون الدين للعالم أجمع واللغات متعددة؟
الجواب
أنزل الله القرآن باللغة العربية، لأنها وسيلة التفاهم مع من أرسل إليه الرسول أولا، وبدأت الدعوة فى محيطهم قبل أن تبلغ لغيرهم، قال تعالى {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} إبراهيم: 4.
والإسلام دين عالمى يجب تبليغه لكل الناس، وذلك باللسان الذى يعرفه من بُلِّغ إليهم، فالقرآن نزل باللغة العربية لأمرين أساسيين:
أولهما الإعجاز؛ لإثبات صدق الرسالة، وذلك للقوم الذين نزل القرآن فى بيئتهم التى نشأ فيها الرسول وبدأ الدعوة، ولغيرهم من الناس بما يحويه من معلومات وتشريعات هى أصدق المعلومات وأحكم التشريعات، والأمر الثانى الهداية، والهداية لكل الناس يحملها من تلقوه باللغة العربية، ثم يترجمون هذه الهداية إلى غيرهم.
وهذا ما حدث فى القرون الأولى، عرضت الدعوة على الناس كافة فآمن الكثيرون، ثم تفقهوا فى الدين بلغاتهم، ثم أتقن كثيرون منهم اللغة العربية، ففهموا ما تعلموا وترجموا ما يريدون أن يعلِّموه الناس، وهذه الترجمة تعتبر تفسيرا بوجه من الوجوه لهداية القرآن ولا يحكم بها على كل ما فى القرآن من معان.
والمهم أن نعرف أن نزول القرآن الكريم باللغة العربية لا يتنافى مع عالمية الدعوة الإسلامية، وقد أشبعت الكلام فى هذا الموضوع فى كتابى "الدعوة الإسلامية دعوة عالمية" ومختصره "الدين العالمى ومنهج الدعوة إليه " وبينت أن أصل الدعوة وسجله الأساسى لابد أن يكون بلغة واحدة يرجع إليها عند الاختلاف فى الترجمات التى نعرف ما بينها من تفاوت لأسباب عدة، قد يؤدى إلى التضارب الذى يصرف الناس عن الدين بدل أن يجذبهم إليه، وهذا أمر له أهميته قديما وحديثا حرصت عليه الدول فى العهود والمواثيق والاتفاقيات وغيرها من الأمور الهامة(8/40)
النسىء
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما معنى النسىء الذى قال الله عنه أنه زيادة فى الكفر؟
الجواب
يقول الله تعالى {إنما النسىء زيادة فى الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدى القوم الكافرين} التوبة: 37.
النسىء على وزن فَعِيل بمعنى مفعول، مأخوذ من نسأت الشىء إذا أخرته، فهو منسوء ونسىء كمقتول وقتيل، أو مأخوذ من نسأ إذا زاد، وكان العرب فى الجاهلية وهم أصحاب حروب يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية بدون إغارة وهى أشهر الحج: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، فكانوا يُحلُّون المحرم ويؤخرون تحريم القتال إلى صفر، ويجعلونه بدله من الأشهر الحرم وهكذا كانوا يفعلون كل عام بتأخير شهر عن موعده، وكان يقوم بذلك واحد منهم لا يرد له قضاء اسمه "القَلَمَّس ".
ولما جاء الإسلام رجع شهر المحرم. إلى موضعه الذى وضعه الله، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم " وصادف حج رسول الله صلى الله عليه وسلم موضعه الحقيقى من الشهور التى غيروها، فكان تحريم الشهور وتحليلها بحسب حاجتهم، وذلك كله ضلال،ومظهر من مظاهر كفرهم، يضم إلى ما سبق أن ارتكبوه من مخالفات لدين الله.
ولو كان للناس الحرية فى تنظيم أمورهم وتوقيتها فإنها حرية مقيدة بما حدده الله سبحانه، فللصلوات وللصيام وللحج وغير ذلك أوقات محددة اختارها بعلمه وحكمته، لتدور مع الظروف، ولينسجم المسلمون مع سنن الله الكونية، وليظهر إيمانهم المطلق بشريعة الله مهما كان فيها من امتحانات(8/41)
وضع المصحف فوق التليفزيون
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما حكم الدين فى وضع المصحف فوق التليفزيون؟
الجواب
لا حرمة فى وضع المصحف فوق التليفزيون ما دام محفوظا من الإهانة، وإن كان من الذوق عدم وضعه عليه أثناء إذاعة برنامج يتنافى مع الأدب وحرمة المصحف، فإن لم تكن هناك إذاعة، أو كان الذى يذاع لا حرمة فيه فلا مانع من وضع المصحف عليه(8/42)
وبشر الصابرين
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما المراد بالصابرين فى قوله تعالى {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"؟
الجواب
الصبر فى اللغة إمساك فى ضيق، أى امتناع عن شىء مع معاناة، والصبر المحمود شرعا هو حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، أو عما يقتضيان حبسها عنه، وهو لفظ عام يُفسر معناه بحسب اختلاف مواقعه من الآيات والسور، وقد ورد بمشتقاته فى القرآن أكثر من مائة مرة، وتدور معانيه حول ثلاثة أمور:
أولها: الصبر على المصيبة، وهو المشار إليه فى قوله تعالى: {وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} البقرة: 155، 156.
وثانيها: الصبر على الطاعة، بمعنى تحمل ما يكون فيها من تعب يقصد به تهذيب النفس وترويضها على تخطى العقبات، كالصبر على الجوع والعطش فى الصيام، وقد جاء فيه "الصوم نصف الصبر" كما رواه ابن ماجه، وجاء أيضا عن شهر رمضان "وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة" رواه ابن خزيمة فى صحيحه، ومنه الصبر على مشاق الحج وعلى أداء الصلوات فى أوقاتها، وعلى الجهاد فى سبيل الله، وعلى قضاء مصالح المسلمين وعلى طلب العلم وكسب العيش، يقول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} آل عمران: 200.
وثالثها: الصبر عن المعصية أى عن المحرمات، ذلك أن النفس لها مطالب ونزعات، وقد حرَّم الله بعضها لأن فى التحريم خيرا لها ولغيرها، كالتعدى على الحرمات وتناول المسكرات والاختلاس وغيرها، فالذى يمنع نفسه عنها يسمى صابرا عن المعصية، وفى هذا الصبر معاناة شديدة، لأنها معركة مع أعدى الأعداء وأخطر الخصماء، وهى النفس التى بين الجنبين، مع الشيطان الذى قرر الله أنه عدو مبين.
والامتناع عن هوى النفس وإغواء الشيطان فى ظاهرة عمل سلبى لكنه فى الحقيقة عمل إيجابى كبير، وهو ليس استسلاما للواقع ولو كان مرًّا، إنما هو نقطة انطلاق إلى الأمام من أجل العمل الطيب. وعلى الصبر بأنواعه الثلاثة يمكن حمل النصوص من القرآن والسنة عليها، وهى كثيرة {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا} الفرقان:75(8/43)
تحية الإسلام
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
نري كثيرا من الناس يحيى بعضهم بعضا بعبارات غريبة بعضها عربى وبعضها غير عربى، فهل يثابون على هذه التحية كما يثاب من تكون تحيته: السلام عليكم؟
الجواب
التحايا بين الناس أمر مألوف منذ القدم ولكل جماعة طريقتها الخاصة فى ذلك، وقد يكون بعضها موضع نقد ونفور عند جماعة أخرى، لكن لها دلالتها الطيبة فى عرفهم.
ولما كان الإسلام دين الحب والسلام كان من السنة إفشاء السلام ودعم أركانه فى كل المجالات، ومن مظاهر ذلك "التحية" وهى أدنى ما يعمل فى هذا السبيل، لعدم الكلفة البدنية أو المالية، ولأثرها الطيب فى النفوس، ولهذا رغب الإسلام فيها، ففى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم فى إجابة السائل عن أى خصال الإسلام خير "تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف " أى من المسلمين كما قال شراح الحديث توفيقا بين الأحاديث.
وكان السلام مفتاح الصلة بين الملائكة والمخلوق الجديد وهو آدم فعندما نفخ الله فيه الروح قال له: اذهب فسلِّم على أولئك، نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله رواه البخارى ومسلم.
وفى بيان أثره يقول الحديث الذى رواه مسلم "ألا أدلكم على شىء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم".
والتحية بالسلام بديل عن تحية الجاهلية: عِم صباحا، عم مساء، وهى تشبه ما تعارف الناس عليه اليوم من مثل: صباح الخير، ومساء الخير، بون جور، جود مورنينج، بون سوار، جود نايت.
وإلقاء السلام سنة لها ثوابها، والرد واجب يعاقب من تركه ويجزئ عن الجماعة واحد، أما العبارات الأخرى فليس لها هذا الثواب، وإن كان لها ثواب الدعاء بالخير، ولا يجب الرد عليها، فلو رد بمثل هذه العبارات كان مجرد دعاء، وهو حر يقوله أو لا يقوله.
ويرى النووى: أن الأفضل عدم الرد بهذه العبارات زجرًا لمن بدأ بها فى تخلفه وإهماله تحية الإسلام، وتأديبا له ولغيره فى الاعتناء بالابتداء بالسلام " الأذكار ص 261 "(8/44)
تحية العاصى
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
رجل لا يصلى وهو يزاملنى فى العمل، هل ألقى عليه السلام؟
الجواب
إذا كان الإسلام قد دعا إلى إفشاء السلام لتقوية أواصر المحبة بين المسلمين وجعل إلقاءه سنة والرد عليه واجبا، لما فيه من احترام وإكرام للطرفين -فإن هذا التكريم والاحترام لا يكون إلا لمن هو أهل له من عباد الله الصالحين الملتزمين الواقفين عند حدود الدين.
ولذلك قال العلماء: إن المبتدع ومن اقترف ذنبا عظيما كترك الصلاة وعدم شكر الله على نعمته وإضمار الحقد للناس - ينبغى ألا يلقى عليه السلام كما قاله الإمام البخارى وغيره من العلماء، محتجين بحديث رواه البخارى فى قصة كعب بن مالك حين تخلف عن غزوة تبوك هو وصاحباه من غير عذر، حيث نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن كلامهم.
يقول كعب: وكنت آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه فأقول: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا؟ قال البخارى: وقال عبد الله بن عمرو: لا تسلِّموا على شاربى الخمر، ذلك أن مقاطعتهم من أساليب تغيير المنكر.
ومن هذا يعلم أن الفسقة لا يستحقون أن يلقى عليهم السلام، فإن بدءوا هم بالتحية وجب الرد عليهم، مع إظهار الامتعاض منهم وعدم البشاشة فى وجوههم أو الترحيب بهم.
وذلك كله إذا لم يخف الإنسان مفسدة تلحقه فى بدنه أو ماله، أو تضره فى دينه ودنياه، عند عدم إلقاء السلام عليه، كرئيس فى عمل يتحكم فيمن تحت رئاسته ويخشى بأسه، أو كفاجر ظالم يعتمد على قوته أو منصبه ولا تمكن مقاومته، فإن السلام عليه يكون اضطرارا.
يقول الإمام أبو بكر بن العربى: قال العلماء: يسلم وينوى أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، بمعنى: الله عليكم رقيب. "الأذكار للنووى ص 254 "(8/45)
التحنيط
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما رأى الدين فى تحنيط الموتى؟
الجواب
التحنيط فى أصل اللغة العربية هو استعمال الحَنُوط - بفتح الحاء - وأكثر ما كان يوضع فى أكفان الموتى، والحنوط والحناط بكسر الحاء-ما يخلط من الطيب لهذا الغرض.
والتحنيط المعروف الآن بطريق المواد الكيماوية لمنع التعفن أو تأخيره إذا كان بهذا القدر ولهذا الغرض فلا مانع منه، وكان معروفا عند العرب حتى بعد الإسلام، ولم ينكر عليه أحد، وروى أحمد فى مسنده أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا" وفى رواية البيهقى والحاكم وابن حبان وصححاه "إفا أجمرتم الميت فأوتروا" وقال أبو وائل: كان عند على رضى الله عنه مسك، فأوصى أن يحنط به، وقال هو فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الغرض منه منع رائحة التعفن للجثة حتى يصلَّى عليها وتدفن.
أما التحنيط القائم على انتزاع أجزاء من الجثة كما كان متبعا عند الفراعنة فإنه لا يجوز لأن فيه تمثيلا بجثة الميت دون ضرورة تقضى به، فقد روى مالك وابن ماجه وأبو داود بإسناد صحيح - ما عدا رجلا واحدا وثقه الأكثرون وروى له مسلم، وإن كان أحمد بن حنبل قد ضعفه -روى هؤلاء عن جابر رضى الله عنه. قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جنازة، فجلس عليه الصلاة والسلام على شفير القبر وجلسنا معه، فأخرج الحفَّار عظما فذهب ليكسره فقال النبى صلى الله عليه وسلم "لا تكسر، فإن كسرك إياه ميتا ككسرك إياه حيًّا، ولكن دُسَّه فى جانب القبر". فهذا الحديث يدل على حرمة إيذاء الميت، ولا شك أن عملية التحنيط على هذا الوجه فيها إيذاء كبير، وبصرف النظر عن كون هذا الإيذاء حسيًّا أو معنويًّا فإن الواجب احترام جثة الآدمى، حيث لا توجد ضرورة لاتخاذ مثل هذا الإجراء.
وإذا كان التحنيط بهذه الصورة فى انتهاك حرمة الميت وإيذائه فإن إحراق جثته لنقل الرماد ودفنه فى مكان بعيد لتقليل تكاليف النقل -كما يفعل بعض المغتربين -يكون أولى بالمنع(8/46)
الشواطئ
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما حكم الدين فى ذهاب الناس إلى الشواطئ وظهورهم بما لا يتفق مع الدين؟
الجواب
التمتع بالحلال الطيب من نعم الله جائز، ومنه مشاهد الطبيعة والنسيم العليل والحدائق والزهور قال تعالى {قل من حرَّم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق} الأعراف:32 وقال {أو لم ينظروا فى ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شىء} الأعراف:135 وكل ذلك فى نطاق قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} المائدة: 87 وقوله {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} الأعراف: 31 فالتمتع بالطيبات يكون فى اعتدال وبقدر، ولا يتعدى حدود المشروع.
وشواطئ البحار يقصدها الكثيرون فى الصيف لطيب الهواء والاستحمام بالماء وهدوء الأعصاب ولغير ذلك من الأغراض التى لها علاقة بالحكم لأن الأعمال بالنيات.
ولو التزم الإنسان، وخاصة النساء، بالحشمة المطلوبة والأدب فى السلوك عامة ما كان هناك مانع من ارتيادها.
والحفاظ على الآداب من هذه الناحية تقع مهمته الأولى على أولياء الأمور، من الأزواج والآباء، إلى جانب الجهات المسئولة عن الأمن والآداب، فلابد من تعاون الجميع شعبا وحكومة على ذلك.
مع العلم بأن "التصييف" ليس أمرا ضروريا حتميا حتى يسمح فيه ببعض التجاوزات، على قاعدة: الضرورات تبيح المحظورات، وإنما هو أمر ترفيهى كمالى، لابد فيه من مراعاة كل الاحتياطات حتى لا تكون نتيجته إفساد الأخلاق والإسراف والتبذير وبالتالى غضب الله سبحانه قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} الشورى: 30(8/47)
الشرب قائما
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يشرب الإنسان وهو واقف؟
الجواب
روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا يشربن أحدكم قائما، فمن نسى فليستقئ " وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يشرب وهو قاعد. لكن جاء فى الصحيحين أنه جىء له بدلو من ماء زمزم فشرب وهو قائم.
إن الجمع بين الحديثين ممكن، وليس أحدهما بناسخ للآخر، فالشرب قاعدا مستحب ومندوب إليه وليس واجبا، ولذلك شرب النبى صلى الله عليه وسلم فى بعض الأحيان قائما ليبين أنه جائز، وإن كان الأفضل الشرب قاعدا، وثبت أن بعض الصحابة وبخاصة الخلفاء الراشدون شربوا وهم قيام.
والحكمة من كراهة الشرب قائما لم ينص عليها النبى صلى الله عليه وسلم وقد كانت فيها اجتهادات ذكر ابن القيم كثيرا منها فى كتابه "زاد المعاد" وذلك من واقع المعلومات الطبية التى كانت موجودة فى عصره والأمر يحتاج إلى توضيح جديد من ذوى الخبرة والاختصاص.
والإرشاد النبوى فى هذه المسألة إرشاد فى أمر قيل إنه من الأمور الدنيوية المحضة التى جاء فيها الحديث الصحيح "أنتم أعلم بأمور دنياكم " رواه مسلم، ولكن مع ذلك لا يخلو من مسحة دينية هى اتباع النبى صلى الله عليه وسلم فيما أرشد إليه، ولعل فيه حكمة يكشف عنها العلم فيما بعد، فما دام لا يوجد فيه ضرر ينبغى أن نحترمه ونتأسى به فيه، وليس ذلك على سبيل الإلزام، بل على سبيل الندب والاستحباب، والخروج عنه يكون لحاجة وبأقل قدر ممكن، حتى يقوى فينا احترام ما أثر عنه صلى الله عليه وسلم ولو فيما ليس فيه قربة لله تعالى، فالاقتداء نفسه وتنفيذ أمره قربة(8/48)
أولو الأمر
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم} النساء: 59 فمن هم أولوا الأمر الذين تجب طاعتهم؟
الجواب
كما تجب طاعة الله ورسوله فيما جاء فى القرآن والسنة تجب طاعة أولى الأمر فيما لم يرد فيه نص من الكتاب والسنة، وللمفسرين أقوال فى المراد بهم، فقيل: هم الحكام والولاة والأمراء، وقيل: هم العلماء وأهل القرآن، وقيل هم أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم عامة وقيل: هم أبو بكر وعمر، وقيل: هم أولو الرأى والعقل الذين يدبرون أمور الناس. وهذه الأقوال فى قوتها على هذا الترتيب، فأقواها أنهم الحكام والولاة والأمراء، لأن نظام الجماعة منوط بهم، وتجب طاعتهم فيما فيه مصلحة وليس معصية لله. وإذا كان من قواعد الحكم فى الإسلام الشورى فيما لم يرد فيه نص فإن الحاكم أو الوالى أو الأمير إذا عرض له أمر يستشير أهل العلم أو الرأى والخبرة، فإذا اختلفوا يعرض الأمر على القرآن وعلى الرسول فى حياته، وعلى سنته، بعد مماته، فهما الحكم عند التنازع.
ومما يقوى هذا الرأى ما رواه البخارى ومسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما أن هذه الآية نزلت فى عبد الله بن حذافة السهمى حين بعثه الرسول فى سرية رئيسا وقائدا على جماعة فى الغزو، وكانت له دعابات معروفة، ومن دعابته أنه أمر من معه أن يوقدوا نارا ثم أمرهم بالتقحُّم فيها، قائلا: ألم يأمركم الرسول بطاعتى؟ فأبوا وقالوا: ما آمنا بالله واتبعنا رسوله إلا لننجو من النار، فصوَّب الرسول فعلهم وقال: لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، قال تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم} النساء: 29.
فأولو الأمر من يَلُون أمور الناس فى أى منصب ما دامت لهم سلطة الأمر والنهى، وكان منهم أيام الرسول صلى الله عليه وسلم عماله على القبائل والبلاد وأمراء الجيش وولاته على القضاء وجباية الأموال.
وطاعتهم واجبة فى الدين فى غير ما يتصادم مع القرآن والسنة وأصول الدين، وفى الدنيا فيما فيه مصلحة، والتنازع فى الرأى وهو مظهر الشورى يكون فى غير المنصوص عليه والمفروغ من حكمه.
والاحتكام عند النقاش يكون للأصل الثابت عن الله ورسوله، لا إلى مواضعات أو أعراف أو قوانين تضاد الشريعة، ذلك خير وأحسن تأويلا(8/49)
النذر والدين
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
مات رجل وعليه نذر مال ودين فأيهما يفضل سداده أولا من تركته؟
الجواب
الحقوق الواجب على الإنسان أن يؤديها لغيره نوعان، حقوق لله وحقوق للعباد وقد تكون الحقوق متداخلة، فيها نصيب لله ونصيب للعباد، وقد تكون خالصة لطرف دون طرف ولو على نحو من الأنحاء، غير أن أساس هذا التقسيم هو الغالب فيما يبدو للناس.
ومهما يكن من شىء فإن الحق الخالص لله كالصلاة مثلا يكون التقصير فيه تقصيرا ليس للعباد دخل فيه. ويعتبر دينا يجب قضاؤه إن كان له مثل أو عوض، أو يطلب المغفرة من الله، والله سبحانه واسع الرحمة عظيم المغفرة {قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} الزمر:
53 {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء: 48.
أما الحقوق الخالصة للعباد أو يكون ظاهرها أنها خالصة وإن كان فيها حق لله لأنه هو الذى شرعها، فإن الله سبحانه لا يتجاوز عن التقصير فيها، بل لابد من أدائها للطرف الآخر أو طلب العفو عنها منه، وذلك كالمال المسروق والأمانة التى خانها وكالسب والضرب، فلابد من إبراء الذمة بدفع الحقوق أو العفو عنها، ومع ذلك لا بد من التوبة إلى الله والاستغفار، لأنه خالف أمره بالتقصير، والتوبة إلى الله بدون أداء الحقوق إلى أصحابها أو مسامحتهم غير مقبولة، وقد بيَّن الحديث الذى رواه مسلم أن المفلس يوم القيامة من يأتى بالصلاة وغيرها من العبادات لكنه ضرب هذا وشتم هذا وسفك دم هذا، فيعطى كل مظلوم من حسنات الظالم فإذا لم توفِّ طرح عليه من سيئاتهم ثم ألقى فى النار، وهذا يدل على أن حقوق العباد فى الحرمة مقدمة على حقوق الله واسع الفضل والرحمة.
وبناء على ما تقدم لو تعلق بذمة الإنسان حقَّان ماديان، أحدهما لله والثانى للعباد ولا يملك إلا ما يوفى واحدا منهما قدِّم حق العباد على حق الله، فمن كان عليه دين لإنسان، وقبل أن يؤديه نذر بناء مسجد أو التصدق على الفقراء، والمال الذى عنده لا يكفى لقضاء الدين والوفاء بالنذر فالواجب أن يؤدى الدين أولا، وأما النذر فيكون الوفاء به عند القدرة التى لا توجد إلا بعد قضاء الدين والالتزامات الأخرى، والقدرة وقتها متسع وعند نية الوفاء يرجى عفو الله عند التعذر، فهو سبحانه واسع الرحمة والمغفرة(8/50)
المجاهرة بالمعصية
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما رأى الدين فيمن يجاهرون بشرب المسكرات أو بالفطر فى رمضان من غير عذر؟
الجواب
روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "كل أمتى معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل عملا بالليل فيستره ربه، ثم يصبح فيكشف ستر الله عنه " وروى الحاكم وصححه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "الحياء والإيمان قرناء جميعا، فإذا رفع أحدهما رُفع الأخر" ولما رجم النبى صلى الله عليه وسلم ماعزًا الأسلمى قال "اجتنبوا هذه القاذورات التى نهى الله عنها، فمن ألم بشىء منها فليستتر بستر الله، فإن من أبدى لما صفحته نقم عليه كتاب الله " صححه الحاكم وابن السكن، وقال الذهبى فى المهذب: إسناده جيد وقال إمام الحرمين: صحيح متفق عليه، قال ابن الصلاح: عجيب أوقعه فيه عدم إلمامه بصناعة الحديث "الزرقانى على المواهب ج 4 ص 261 " وروى أبو داود والنسائى أن هزالا لما ذهب إلى النبى صلى الله عليه وسلم يخبره عن زنا ماعز، فحضر ماعز وأقر ورجم، قال النبى لهزال "لو سترته بثوبك كان خيرا لك" وروى مسلم وغيره أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: إنى عالجت امرأة من أقصى المدينة وأصبت منها ما دون أن أمسها، فأنا هذا، فأقم على ما شئت، فقال عمر: لقد ستر الله عليك لو سترت على نفسك، فلم يرد النبى صلى الله عليه وسلم شيئا "نيل الأوطار ج 7 ص 106 ".
يؤخذ من هذا أن ستر الإنسان على نفسه وستر الغير عليه مطلوب،ولو استغفر العاصى ربه وتاب إليه عافاه الله، والمجاهرون بالمعصية قوم غاض ماء الحياء من نفوسهم، وتبلَّد حسهم، وماتت ضمائرهم، فقَلما يفكرون فى العوده إلى الصواب وبهذا يموتون على عصيانهم وفسوقهم.
فالمطلوب ممن يرتكبون المعصية أيَّا ما كانت أن يستتروا بها ولا يفشوها، وأن يندموا ويتوبوا، وألا يفشوها للناس فقد يقام عليهم الحد أو التعزير، ثم يندمون ولات ساعة مندم، وفى الإفشاء إغراء للبسطاء بالعصيان، ووضع لأنفسهم موضع التهمة والاحتقار، ورحم الله امرأ ذبَّ الغيبة عن نفسه، والله يقول: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والآخرة} النور: 19(8/51)
تقبيل النقود
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يلاحظ أن بعض الناس إذا أعطوا نقودا أو التقطوها من الأرض يقبلونها فما رأى الدين فى ذلك؟
الجواب
يقول الله سبحانه: {وإذ تأذَّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم. ولئن كفرتم إن عذابى لشديد} إبراهيم: 7 ويقول {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} إبراهيم: 34.
يؤخذ من ذلك أن نعم الله من الكثرة بحيث لا يمكن عدها، والواجب علينا أن نشكرها وذلك بشكر المنعم بها وهو الله سبحانه، فالشكر يزيدها أو على الأقل يحفظها ويبارك فيها، والكفر يعرضها للزوال والحرمان من التمتع بها.
والشكر يكون بالإيمان بالله المنعم وبطاعته فيما أمر به ونهى عنه وتوجيه النعمة إلى ما خلقت له، بمعنى أن تستعمل فى الخير لا فى الشر، ولا يكتفى بترديد عبارة "الحمد لله" عند حصول النعمة وما قد يحصل من تقبيل اليد ظهرا وبطنا.
ومما لا شك فيه أن النقود نعمة من نعم الله الكبرى التى يستطيع بها استيفاء مطالبه والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، فلا بد للشكر عليها من صيانتها أولا من الضياع كما صح فى حديث مسلم "ويكره لكم قيل وقال -الحديث فيما لا يعنى- وكثرة السؤال -عما لا يحتاج إليه على وجه التعنت - وإضاعة المال" ولابد من تزكيتها بإخراج الحق الواجب فيها {وفى أموالهم حق للسائل والمحروم} الذاريات: 19 كما لا بد من الحكمة فى إنفاقها، ليكون فى وجوهه المشروعة دون إسراف ولنتذكر قول سليمان عليه السلام {هذا من فضل ربى ليبلونى أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربى غنى كريم} النمل: 40.
هذا ولم يرد نهى عن تقبيل النقود أو أية نعمة أخرى فهو إحساس بقيمتها، ولعل ذلك يكون دفعا للشكر عليها بما تقدم توضيحه(8/52)
الأرانب
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
بعض الناس يشككوننا فى أكل لحم الأرانب، فما هو الرأى الصحيح فى ذلك؟
الجواب
قال كمال الدين محمد بن موسى الدميرى"742 - 808 هـ " فى كتابه "حياة الحيوان الكبرى" يحل أكل الأرانب عند العلماء كافة، إلا ما حكى عن عبد الله بن عمرو بن العاص وابن أبى ليلى رضى الله عنهم أنهما كرها أكلها. وحجتنا ما روى الجماعة عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: أنفجنا أى أثرنا، أرنبا بِمرِّ الظهران فسعى القوم عليها فغلبوا فأدركتها فأخذتها وأتيت بها أبا طلحة، فذبحها وبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذها فقبله: وفى البخارى فى كتاب الهبة أن النبى صلى الله عليه وسلم قبله وأكل منه. ولفظ أبى داود: كنت غلاما حزوَّرًا فصدت أرنبا فشويتها، فبعث معى أبو طلحة رضى الله عنه بعجزها إلى النبى صلى الله عليه وسلم والحزور - بتشديد الواو وتخفيفها - المراهق.
وقد سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هى حلال" وروى أحمد والنسائى وابن ماجه والحاكم وابن حبان عن محمد بن صفوان أنه صاد أرنبين فذبحهما بمروتين -حجرين براقين- وأتى النبى صلى الله عليه وسلم فأمره بأكلهما.
واحتج ابن أبى ليلى ومن وافقه بما روى الترمذى عن حبان بن جزء عن أخيه خزيمة بن جزء رضى الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ما تقول فى الأرنب؟ قال صلى الله عليه وسلم "لا آكله ولا أحرمه " قال: فقلت: ولم يا رسول الله؟ قال "إنى أحسب أنها تدمى" أى تحيض قال:
فقلت: يا رسول الله ما تقول فى الضبع؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ومن يأكل الضبع"؟! قال الترمذى إسناده ليس بالقوى، ورواه ابن ماجه عن أبى بكر بن أبى شيبة، وذكر فيه الثعلب والضبع أيضا.
وفى بعض الروايات: وسألته عن الذئب فقال "لا يأكل الذئب أحد فيه خير" وليس فى شىء من الأحاديث وإن ضعفت ما يدل على تحريم الأرنب وغاية ما فى هذين الخبرين استقذارها مع جواز أكلها.
ثم ذكر الدميرى "الأرنب البحرى" وهو -كما قال القزوينى- حيوان رأسه كرأس الأرنب وبدنه كبدن السمك، وقال الرئيس ابن سينا: إنه حيوان صغير صدفى، وهو من ذوات السموم إذا شرب منه قتل. ثم قال الدميرى: يحرم أكله لسميته، ويستثنى من قولهم: ما أكل شبهه فى البر أكل شبهه فى البحر، لأنه ليس يشبهه فى الشكل، وإنما هو موافق له فى الاسم(8/53)
حمام الأجران
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يسقط الحمام على الأجران التى يدرس فيها القمح لتأكل منه، فهل يجوز اصطيادها أو طردها حفاظا على المحصول؟
الجواب
معلوم أن الحمام من الطيور التى تسبح فى الفضاء ابتغاء رزق الله، حتى لو وفر لها أصحابها الغذاء فى البيوت أو فى أماكن خاصة، فقد خلق الطير ليطير لا ليحبس، ومن المتعارف عليه فى القرى أن الحمام الذى يربى فى البيوت أو الأبراج ينزل على الأجران التى تدرس فيها الحبوب من القمح والشعير وغيرهما، ولا يكاد بيت من البيوت يخلو من حمامة تنزل على جرن من الأجران، والكل يأكل من مال الكل، فمن أكل طير غيره من قمحه أكل طيره هو أيضا من قمح غيره، وذلك فى الغالب، ومن هنا تجب المحافظة على الحمام أن يمس بسوء، ويكتفى بطرده، ولا يجوز اصطياد شىء منه للتملك ولا للأكل، فالحمام نفسه لا يتحمل نتيجة عمله، لأنه غير مكلف، وإنما الذى يتحمل النتيجة هو صاحبه، ولكن من الذى يستطيع أن يميز الحمام ليعرف أصحابه حتى يرجع عليهم؟ إن الأمر جد عسير، والتسامح فيه من وسائل التواد والتراحم والتعاون على الخير، فلنحرص على هذه الروح السمحة، ولا نتورط فى شىء قد يكون من ورائه ما لا تحمد عقباه، وأنبه أصحاب القمح المأكول منه إلى أن كل حبة أكلها طير له ثوابها، لقول النبى صلى الله عليه وسلم "ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له صدقة" رواه مسلم.
وطرد الحمام غير طرد العصافير التى سبق حكمها، فهى غير مملوكة وقد تضر المحصول ضررا واضحا، ومنفعة الإنسان مقدمة على منفعة الطير الذى سخره الله له(8/54)
العودة للذنب بعد التوبة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما حكم الدين فيمن يرتكب الذنوب ثم يتوب عن فعلها، ثم يكرر ذلك باستمرار؟
الجواب
من يرتكب ذنبا ثم يتوب يقبل الله توبته إذا كانت نصوحا، أى خالصة لوجه الله صادرة من القلب، يصحبها ندم على ما فات وعزم أكيد على عدم العود إلى المعصية، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفِّر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار} التحريم: 8 وقال {وإنى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} طه: 82.
أما التوبة باللسان مع عزم القلب على العود إلى المعصية فهى مرفوضة، بل تعتبر هى نفسها معصية، فإن صدقت التوبة النصوح ثم لعب الشيطان بالإنسان فأوقعه فى هذه المعصية أو فى غيرها، دون أن يكون هو ناويًا لها ومخططا وعازما عليها، ثم تاب قبل الله توبته، ودليله قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم "إن عبدا أصاب ذنبا فقال: يا رب أذنبت ذنبا فاغفره، فقال له ربه: علم عبدى أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، فغفر له، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا آخر -وربما قال ثم أذنب آخر- فقال: يا رب إنى أذنبت ذنبا آخر فاغفره لى، قال له ربه: علم عبدى أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، فغفر له، ثم أصاب ذنبا آخر ... وفى هذه المرة قال له "فليعمل عبدى ما شاء" ومعناه: ما دام يتوب إلى الله توبة نصوحا بعد كل ذنب فإن الله يغفر له، وأحذر مرة ثانية من أن تكون التوبة باللسان فقط، غير صادرة من القلب النادم على ما حدث والمصمم على ألا يعود، فالله يعلم الشر وأخفى، والأعمال بالنيات.
وليس هذا الحديث إغراء بالمعصية ولكنه حث على المبادرة بالتوبة الصادقة، فالله سبحانه يعلم أننا غير معصومين من الخطأ ولذلك فتح لنا باب التوبة فى كل وقت حتى تطلع الشمس من مغربها وحتى تبلغ الروح الحلقوم كما صح فى الحديث، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" رواه الترمذى وابن ماجه والحاكم ويقول "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" رواه الترمذى وقال: حديث حسن(8/55)
النفقة من المال الحرام
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما حكم الدين فى إنفاق شخص على أمه أو أخته من مال حرام، علما بأنهما ليس لهما مصدر للكسب يغنيهما عنه؟
الجواب
إذا كان مال الشخص كله من حرام فلا يجوز لأمه أو أخته أن تأخذ منه إن كان لهما كسب حلال يغنيهما، أما إن كان مخلوطا بحلال فيجوز الأخذ منه.
وإذا لم تجد الأم أو الأخت مصدرا حلالا جاز لهما الأخذ من هذا المال الحرام بقدر الضرورة، لأن المفروض أن من اكتسبه لابد أن يعيده إلى أصحابه إن عرفهم، وإلا أنفقه فى وجوه الخير، ومن هذه الوجوه أمه وأخته الفقيرتان اللتان لا تجدان مصدرا حلالا للكسب وذلك بقدر الضرورة فقط(8/56)
أما بعد
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
نريد توضيحا لتعبير "أما بعد" من جهة المعنى والإعراب؟
الجواب
جاء فى حاشية الصاوى على شرح الدردير على منظومته "الخريدة" أن "أما بعد" يتعلق بها تسعة مباحث، على النحو الآتى:
1 - "أما" حرف يفيد التأكيد نائب عن "مهما يكن".
2 -موضعها - يؤتى بها للانتقال من أسلوب الى آخر، أى من غرض إلى آخر، فلا تقع بين كلامين متحدين، ولا أول الكلام ولا آخره.
3-معنى بعد ضد قيل، وتكون ظرف زمان كثيرا، وظرف مكان قليلا.
4 -إعرابها - لها أربع حالات، تعرب فى ثلاث وتبنى فى واحدة كما هو مشهور.
5 - العامل فيها - هو "أما" على أنها من متعلقات الشرط، أو الجزاء على أنها من متعلقاته فالتقدير على الأول: مهما يكن من شىء بعدما تقدم، وعلى الثانى مهما يكن من شىء فأقول بعدما تقدم، وجعلها من متعلقات الجزاء أولى.
6 - حكم الإتيان بها - الاستحباب، اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم لأنه كان يأتى بها فى خطبه ومكاتباته وفى البخارى ستة مواضع أتى بها فى كلامه "الزرقانى على المواهب ج 7 ص 386".
7-أول من تكلم بها، فيه خلاف نظمه بعضهم فى قوله:
جرى الخلف أما بعد كان بادئا * بها خمس أقوال وداود أقرب وكانت له فصل الخطاب وبعده * فَقُسٌّ فسحبان فكعب فيعرُب 8- الفاء بعدها رابطة للجواب.
9- أصلها مهما يكن من شىء(8/57)
التعريض والتورية
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
قدم لى بعض الزملاء مشروبا لا أريده، واستحييت أن أرفضه، فقلت له: أنا صائم أو أنا ناو، وأريد بذلك نية عدم تناول شىء عنده، أو أنا صائم عن قبول أى شىء أى ممتنع عنه، فهل يكون هذا كذبا محرما؟
الجواب
تحدث العلماء عما يسمى بالتعريض والتورية، ومعناهما أن يطلق الإنسان لفظا يحتمل معنيين، يكون ظاهرا فى واحد منهما ويريد هو المعنى الآخر، وهو نوع من الكذب فيه تغرير وخداع، يقول النووى فى كتابه "الأذكار" ص 380 فى بيان حكمه:
قال العلماء: فإن دعت إلى ذلك مصلحة شرعية راجحة على خداع المخاطب. أو دعت إليه حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب فلا بأس بالتعريض. فإن لم تدع إليه مصلحة ولا حاجة فهو مكروه وليس بحرام، فإن توصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق فيصير حينئذ حراما، وهذا ضابط الباب. ثم ذكر للتنفير منه حديثا رواه أبو داود بإسناد فيه ضعف. لكن سكت عنه أبو داود فلم يحكم بضعفه فيقتضى أن يكون حسنا عنده، وهذا الحديث عن سفيان بن أسيد-بفتح الهمزة - رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "كبرت خيانة أن تحدِّث أخاك حديثا هو لك به مصدِّق وأنت به كاذب".
ثم ذكر مثالا للتعريض المباح قاله النخعى رحمه الله، وهو إذا بلغ الرجل عنك شىء قلته فقل: الله يعلم ما قلت من ذلك من شىء فيتوهم السامع النفى المأخوذ من قوله: ما قلت من ذلك من شىء ومقصودك أن الله يعلم ما قلته وقال النخعى أيضا: لا تقل لابنك: أشترى لك سكرا، بل قل. أرأيت لو اشتريت لك سكرا؟ وكان النخعى إذا طلبه رجل قال للجارية: قولى له: اطلبه فى المسجد، وكان الشعبى يخط دائرة ويقول للجارية: إذا طلبنى أحد فضعى إصبعك فى الدائرة وقولى: ليس هو هاهنا، ومثل هذا قول الناس فى العادة لمن دعاه إلى الطعام: أنا على نية، موهما أنه صائم، ومقصوده على نية ترك الأكل. يقول النووى:
لو حلف على شىء من هذا وورَّى فى يمينه لم يحنث، سواء حلف بالله تعالى أو حلف بالطلاق أو غيره، فلا يقع عليه طلاق ولا غيره، وهذا إذا لم يحلِّفه القاضى فى دعوى، فإن حلفه القاضى فى دعوى فالاعتبار بنية القاضى إذا حلفه بالله تعالى، فإن حلفه بالطلاق فالاعتبار بنية الحالف، لأنه لا يجوز للقاضى تحليفه بالطلاق، فهو كغيره من الناس.
والإمام الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين "ج 3 ص 117 تحدث عن الكذب والأحوال التى يرخص فيها بالكذب الذى قد يكون واجبا إذا ترتب عليه نجاة مسلم من قتل عدو له، مقررا هذه القاعدة: الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق وبالكذب جميعا فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك القصد مباحا وواجب إن كان المقصود واجبا.
بعد ذلك حذر الغزالى من الكذب بالمعاريض، فنقل عن السلف قولهم:
إن فى المعارض مندوجة عن الكذب، ونقل عن عمر رضى الله عنه قوله: أما فى المعاريض ما يكفى الرجل عن الكذب؟ وروى ذلك عن ابن عباس وغيره، وأجازه فقط عند الضرورة، فإذا لم تكن حاجة أو ضرورة فلا يجوز التعريض ولا التصريح جميعا، ولكن التعريض أهون. .
وذكر الغزالى أمثلة على جواز التعريض منها ما نقله النووى فيما سبق، ثم ذكر من الأمثلة قول النبى لامرأة عجوز "لا يدخل الجنة عجوز" فبكت فبين لها لا تكون عند دخول الجنة عجوزا، وتلا قوله تعالى {إنا أنشأناهن إنشاء. فجعلناهن أبكارا. عربا أترابا} : الواقعة 35-37. وهذا الحديث مرسل ذكره الترمذى فى الشمائل وأسنده ابن الجوزى بسند ضعيف ومثله قول امرأة له: احملنى على بعير، فقال "بل نحملك على ابن البعير" فقالت: ما أصنع به؟ إنه لا يحملنى، فقال،ما من بعير إلا وهو ابن بعير" رواه أبو داود والترمذى وصححه عن أنس بلفظ "أنا حاملك على ولد الناقة".
والقرطبى فى تفسيره "ج 10 ص 190 " ذكر ما نقله النووى عن الغزالى، وذكر ابن عبد ربه فى كتابه "العقد الفريد"ج 1 ص 254 طبعة 1316 هـ أن الله كنى عن الجماع بالملامسة وعن الحدث بالغائط، وعن البرص بقوله لموسى {واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء} القصص: 32.
ومما يتصل بهذا الموضع ما روته كتب الأدب أن الحجاج بن يوسف الثقفى مَرَّ مع حاجبه فى وقت متأخر من الليل: وكان قد نهى عن الخروج فى هذا الوقت، فوجد ثلاثة فتيان سكارى، فأمر حاجبه أن يسألهم: من أنتم حتى خرجتم فى هذا الوقت؟ فقال أولهم:
أنا ابن من دانت الرقاب له * ما بين مخزومها وهاشمها تأتيه بالرغم وهى صاغرة * يأخذ من مالها ومن دمها فقال: لعله من أشراف بنى هاشم أو مخزوم، ثم سأل الثانى فقال:
أنا ابنٌ لمن لا تنزل الدهر قدره * وإن نزلت يوما فسوف تعود ترى الناس أفواجا إلى ضوء ناره * فمنهم قيام حولها وقعود فقال: لعله من أجواد العرب، ثم سأل الثالث فقال:
أنا ابن لمن خاض الصعاب بعزمة * وقوَّمها بالسيف حتى تولت ركاباه لا ينفك رجلاه فيهما * إذا الخيل فى يوم الكريهة ولت فقال: لعله ابن فارس من العرب، فتركهم، ثم سأل عنهم بعد ذلك فعرف أن الأول ابن حجام، والثانى ابن فوال بائع فول، والثالث ابن حائك أى نساج، فقال: لولا فصاحتهم لقتلتهم(8/58)
من مظاهر الغرور
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
نرى بعضا ممن يتظاهرون بالتدين ينظرون إلى غيرهم نظرة احتقار، ويكثر أن يقولوا: الناس كلهم هالكون فما رأى الدين فى ذلك؟
الجواب
أحسن رد على هذا السؤال هو قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم "إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم" يقول النووى: روى "أهلكهم" برفع الكاف وفتحها والمشهور الرفع، ويؤيده أنه جاء فى رواية رويناها فى "حلية الأولياء" فى ترجمة سفيان الثورى "فهو من أهلكهم" قال الإمام الحافظ أبو عبد الله الحميدى -فى الجمع بين الصحيحين-:
فى الرواية الأولى قال بعض الرواة: لا أدرى هو بالنصب أم بالرفع. قال الحميدى: والأشهر الرفع، أى أشدهم هلاكا، قال وذلك إذا قال ذلك على سبيل الإزراء عليهم والاحتقار لهم وتفضيل نفسه عليهم، لأنه لا يدرى سِرَّ الله تعالى فى خلقه.
هكذا كان بعض علمائنا يقول. هذا كلام الحميدى. وقال الخطابى:
معناه لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول: فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك، فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم، أى أسوأ حالا فيما يلحقه من الإثم فى عيبهم والوقيعة فيهم، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أن له فضلا عليهم وأنه خير منهم فيهلك، هذا كلام الخطابى فيما رويناه عنه فى كتابه "معالم السنن".
هذا ما جاء فى كتاب الأذكار للنووى، ثم ذكر رواية لهذا الحديث فى سنن أبى داود وشرح الإمام "مالك " أحد رجال السند للمقصود منه، وهو: إذا قال ذلك تحزنا لما يرى فى الناس من أمر دينهم فلا أرى به بأسا، وإذا قال ذلك عجبا بنفسه وتصاغرا للناس فهو المكروه الذى ينهى عنه.
وارتضى النووى هذا التفسير فقال: إنه تفسير فى نهاية من الصحة وهو أحسن ما قيل فى معناه وأوجز، ولا سيما إذا كان عن الإمام مالك رضى الله عنه(8/59)
الكتب السماوية
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما عدد الكتب السماوية التى نزلت على الأنبياء وما أسماؤها وكيف نزلت؟
الجواب
الكتب السماوية التى نزلت على الأنبياء كثيرة، والواجب علينا هو الإيمان بذلك إجمالا، أما تفصيلا فالواجب هو الإيمان بما ورد ذكره فى القرآن الكريم، وهى: صحف إبراهيم، والتوراة التى نزلت على موسى والزبور الذى نزل على داود، والإنجيل الذى نزل على عيسى، والقرآن الذى نزل على محمد عليهم جميعا صلاة الله وسلامه.
يقول الشيخ محمود أبو دقيقة فى مذكرات التوحيد: أما الصحف فقد ورد فى شأنها آثار كثيرة وأرجحها أنها مائة صحيفة، خمسون نزلت على شيث عليه السلام، وثلاثون نزلت على إدريس عليه السلام، وعشرة نزلت على إبراهيم عليه السلام،وعشرة على موسى عليه السلام.
والظاهر أن هذه الصحف كانت مشتملة على مواعظ وإرشادات إلى التحلى بمكارم الأخلاق والتخلى عن مساوئها، ولم يعرف عنها شىء يقينا، لعدم وجود ما يفيد يقينا بشأنها "ج 3 ص 54".
أما نزولها فالظاهر أن جبريل عليه السلام هو أمين الوحى الذى بلغه إلى الرسل كافة فهو الذى حمل التوراة والإنجيل وأنزلهما مرة واحدة على موسى وعيسى، وحمل القرآن وأنزله على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم منجَّما أى مفرقا كما نص عليه القرآن الكريم، وكلام الله سبحانه للبشر حاء بعدة طرق ذكرها فى قوله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء} الشورى: 51.
جاء في تفسير القرطبى "ج 7 ص 281" عند قوله تعالى {وكتبنا له فى الألواح من كل شىء} الأعراف: 145 قال ربيع بن أنس:
نزلت التوراة وهى سبعون وقر بعير، وأضاف الكتابة إلى نفسه "كتبنا" على جهة التشريف، إذ هى مكتوبة بأمره كتبها جبريل بالقلم الذى كتب به الذكر.
والأفضل ترك علم ذلك لله سبحانه، فلا فائدة هامة من البحث(8/60)
كتاب يحيى
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
جاء فى القرآن الكريم قوله تعالى {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} مريم:
112 فما هو الكتاب الذى نزل عليه؟
الجواب
قال القرطبى فى تفسيره "ج 11 ص 86" الكتاب هو التوراة بلا خلاف وأخذُ يحيى له بقوة معناه: بِجدٍّ واجتهاد وقيل: المراد العلم به وحفظه والعمل به.
والتوراة كانت كتاب الأحكام الذى أخذ به كل من جاء بعد موسى من الأنبياء حتى جاء عيسى فنزل عليه الإنجيل(8/61)
هل نزل بعض القرآن بغير جبريل
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
نحن نعلم أن القرآن الكريم أنزله الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بوساطة الأمين جبريل، وقد قرأنا أن بعض السور أو الآيات لم ينزل عن طريقه، فهل هذا صحيح؟
الجواب
صحيح أن القرآن نزل به جبريل على النبى صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين} الشعراء: 192- 194 لكن روى مسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: بينما جبريل قاعد عند النبى صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه، فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبى قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته ".
يقول القرطبى فى تفسيره "ج 1 ص 116": قال ابن عطية: ظن بعض العلماء أن جبريل لم ينزل بسورة الحمد -وساق الحديث المذكور- وليس كما ظن، فإن هذا الحديث يدل على أن جبريل عليه السلام تقدم الملك إلى النبى صلى الله عليه وسلم مُعْلِما به وبما ينزل معه، وعلى هذا يكون جبريل شارك فى نزولها.
قال القرطبى: قلت: الظاهر من الحديث يدل على أن جبريل عليه السلام لم يعلم النبى بشىء من ذلك، وقد بينا أن نزولها كان بمكة، نزل بها جبريل عليه السلام لقوله تعالى {نزل به الروح الأمين} وهذا يقتضى جميع القرآن، فيكون جبريل نزل بتلاوتها بمكة، ونزل الملك بثوابها بالمدينة، والله أعلم وقد قيل: إنها مكية مدنية، نزل بها جبريل مرتين، حكاه الثعلبى، وما ذكرناه أولى، فإنه جمع بين القرآن والسنة، ولله الحمد والمنة(8/62)
قرين النبى صلى الله عليه وسلم
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما الحكمة فى أن يكون للنبى صلى الله عليه وسلم قرين مع أن الله عصمه؟
الجواب
روى مسلم وأحمد من حديث ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ما منكم من أحد إلا وقد وكِّل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة" قالوا وإياك؟ قال "وإياى إلا أن الله أعاننى عليه فأسلم فلا يأمرنى إلا بخير" يقول الزرقانى فى شرح المواهب "ج 5 ص 280" معلوم عصمة الملائكة وإيمانهم، فإنما المراد الإخبار بمصاحبة الملك والجنى لكل أحد، فالجن يغوى بخلاف الملائكة، فقول بعض: إسلام قرينه من الملائكة والشياطين لا معنى له بالنسبة للملائكة، ولا دلالة فى الحديث عليه، اللهم إلا أن يريد بالإسلام ملكه انقياده التام له، وفيه ما فيه.
وجاء فى رواية البزار عن ابن عباس أن الشيطان كان كافرا فأسلم، أى أسلم الشيطان الكافر، وحديث ابن مسعود روى بفتح الميم وضمها، أى فأسلم أنا من فتنته وكيده، وصحح الخطابى رواية الرفع، ورجح عياض والنووى الفتح. لقوله "فلا يأمرنى إلا بخير" قال الدميرى: وهو المختار.
والإجماع على عصمة النبى صلى الله عليه وسلم من الشيطان، وإنما المراد تحذير غيره من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه، فأعلمنا أنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان. انتهى وقال غيره: اعترضت رواية الضم -فأسلم - بأنه تعوذ منه بقوله "أعوذ بك أن يتخبطنى الشيطان عند الموت" أى يصرعنى ويلعب بى ويفسد دينى أو عقلى عند الموت بنزغاته التى تزل بها الأقدام وتصرع العقول، وقد يستولى على الإنسان حينئذ، فيضله أو يمنعه التوبة أو يعوقه عن الخروج عن مظلمة أو يؤيسه من الرحمة، أو يكره الموت فيختم له بسوء والعياذ بالله تعالى.
وأجيب بأنه إنما قاله تعليما لأمته صلى الله عليه وسلم فإن شيطانه أسلم ولا تسلط له ولا لغيره عليه بحال، بل سائر الأنبياء لا تسلط لشياطينهم عليهم وإن لم يسلموا. انتهى ما جاء فى الزرقانى على المواهب.
وخلاصته:
1 - أن كل إنسان معه قرين من الجن وقرين من الملائكة، وقرين الملائكة إما لحفظ الإنسان كما قال الله سبحانه {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} الرعد: 11 وإما لمساعدته على الخير وإما لغير ذلك، وقرين الجن مهمته الإغواء فقد أقسم إبليس بعزة الله أن يغوى الناس أجمعين، إلا عباد الله المخلصين.
2 -أن النبى صلى الله عليه وسلم كسائر الناس له قرين من الجن وقرين من الملائكة، وقرينه من الجن مختلف فى أنه أسلم بدليل قوله "فلا يأمرنى إلا بخير" أو لم يسلم، بدليل الاستعاذة منه، وأن الله قوَّى رسوله عليه فأبطل محاولة إغوائه، كما حدث من تفلُّته عليه فى الصلاة ليفسدها فخنقه عليه الصلاة والسلام ثم أطلقه كما ثبت فى الحديث.
وعلى كلا الأمرين فالرسول معصوم من تسلط الشيطان عليه وإيقاعه فى المعصية وهو صلى الله عليه وسلم ينبهنا إلى وجوب الحذر من الشيطان المقارن لنا، وإلى أنه بشر مثلنا يجاهد مع توفيق من الله حتى لا يعصى. ونحن أولى بالمجاهدة(8/63)
اجتهاد النبى صلى الله عليه وسلم
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل كان كل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم بوحى من الله سبحانه، أم كان يجتهد فى بعض الأحيان فيما لم ينزل عليه فيه وحى، وإذا اجتهد هل كان اجتهاده كله صوابا أم كان بعضه خطأ؟
الجواب
الكلام فى هذا الموضوع قد عنيت به كتب الحديث والأصول، ولا يتسع له المقام هنا، وخلاصته أن للعلماء فى جواز الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم ثلاثة آراء:
1 - رأى يقول بامتناع الاجتهاد عليه، لإمكانه الوصول إلى ما يريد عن طريق الوحى، ولكن رد عليه بأن إنزال الوحى ليس فى قدرته، وقد يكون فى حاجة ماسة إلى الإجابة على سؤال أو التصرف فى أمر عاجل، وعندما انتظر نزول جبريل عليه فتر الوحى مدة، وعندما جاء سأله الرسول، فقال {وما نتنزل إلا بأمر ربك} مريم: 64.
2 -ورأى يقول بجواز الاجتهاد وبوقوعه بالفعل منه، كما حدث فى التشاور فى أسرى بدر، وفى إذنه لبعض الناس فى التخلف عن الغزوة، وقد جاء فى ذلك قوله تعالى {ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض} الأنفال: 67 وقوله {عفا الله عنك لمَ أذنت لهم} التوبة: 43 حيث عاتبه الله سبحانه، والعتاب لا يكون فيما صدر عن وحى.
3 - ورأى يقول بجواز اجتهاده فى الأمور السريعة الضاغطة كالحروب، وبعدم جوازه فى غير ذلك، وهذا الرأى فيه جمع بين الأعلة، وهو رأى حسن. والذين قالوا بجواز اجتهاده قال بعضهم: لا يجوز عليه الخطأ فكلُّ اجتهاده صحيح.، كما ذكره ابن أبى هريرة والماوردى، وذلك لأنه لا نبى بعده يستدرك خطأه فلذا عصم من بينهم، وقال ابن السبكى: الصواب أن اجتهاده لا يخطئ تنزيها لمنصب النبوة عن الخطأ فى الاجتهاد، وقال آخرون: يجوز عليه الخطأ ولكن لا يُقَرُّ عليه، بل ينزل الوحى بتصحيحه، ومع جواز الخطأ هو مأجور، وعتاب الله له فى مثل الأسرى ليس عقابا، "راجع الزرقانى على المواهب ج 8 ص 281 والسياسة الشرعية للشيخ عبد الرحمن تاج"(8/64)
تحسين الصوت بالقرآن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل ما نسمعه من قراءة القرآن فى المآتم والاحتفالات تجويد شرعى أو تطريب تراعى فيه مقامات الموسيقى لإعجاب المستمعين؟
الجواب
التجويد، هو ضبط القراءة بإخراج الحروف من مخارجها وإعطائها حقها ومستحقها كما حدده المشتغلون بعلم التجويد أما تحسين الصوت بالقرآن فشىء وراء التجويد اللازم لصحة القراءة، والأمر بتحسين الصوت بالقرآن موجود فى نصوص كثيرة منها حديث "ليس منا من لم يتغن بالقرآن " رواه مسلم وحديث "زينوا القرآن بأصواتكم " رواه أبو داود والنسائى، وحديث "ما أذن الله لشىء ما أذن لنبى حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به " رواه مسلم.
وقد توسع القرطبى فى شرح هذه الأحاديث فى مقدمة تفسيره نقتطف منه ما يلى:
العلماء فريقان فى التطريب وقراءة القرآن بالألحان، فكرهه جماعة منهم الإمام مالك، وقال: لا يعجبنى،إنما هو غناء يتغنون به ليأخذوا عليه الدراهم، وأجازته جماعة، لأنه أوقع فى القلوب، واحتجوا بالأحاديث السابقة.
ومما ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم استمع إلى قراءة أبى موسى الأشعرى وأعجب بها دون أن يعلم، فلما علم قال: لو أعلم أنك تستمع لقراءتى لحبَّرته لك تحبيرا، وعلى هذا أبو حنيفة وأصحابه والشافعى وغيرهم. واختار القرطبى رأى مالك وأجاب عن الأحاديث بأن القرآن لا يُزيَّن بالصوت، وإنما الصوت هو الذى يزين بالقرآن فالتعبير فى الحديث مقلوب، وكذلك فسره غير واحد.
وذكر رواية لأبى هريرة "زينوا أصواتكم بالقرآن" كما روى عن عمر:
حسنوا أصواتكم بالقرآن.
وحديث التغنى بالقرآن معناه تحسين الصوت به، وهو معنى التحبير الوارد فى كلام أبى موسى الأشعرى. وقيل: المراد بالتغنى الاستغناء بالقرآن عن علم أخبار الأمم وقيل: معناه يتحزن به وقيل: إن العرب كانت تولع بالغناء والنشيد فى أكثر أقوالها فلما نزل القرآن أحبوا أن يكون القرآن هِجِّيَراهُمْ، أى دأبهم وعادتهم.
ونفى الشافعى ومن معه أن يكون المراد بالتغنى الاستغناء، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لو أراده لقال "من لم يستغن" بدل "يتغن" قال الطبرى: المعروف عندنا فى كلام العرب أن التغنى إنما هو الغناء الذى هو حسن الصوت بالترجيع: ورد القرطبى كلام الطبرى، وذكر أن الترجيع والتطريب فيه همز ما ليس بمهموز، ومد ما ليس بممدود، ويؤدى ذلك إلى زيادة فى القرآن وهو ممنوع.
ثم ذكر القرطبى أن الخلاف فى التطريب محله إذا لم يترتب عليه عدم فهم القرآن، وإلا كان حراما بالاتفاق، وحمل بشدة على قراء مصر لذلك. ثم ذكر حديثا رواه الترمذى الحكيم فى "نوادر الأصول" وهو "اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل العشق ولحون أهل الكتاب، وسيجئ بعدى قوم يرجِّعون بالقرآن ترجيع الغناء والنوح، لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم " وقال: اللحون جمع لحن وهو التطريب وترجيع الصوت وتحسينه بالقراءة والشعر والغناء، انتهى.
غير أن ما يرويه الترمذى الحكيم فيه كلام كثير، وهو غير الترمذى صاحب السنن، والواجب فى قراءة القرآن الخشوع والأدب فى الأداء، والمحافظة على إخراج الحروف من مخارجها، وإعطاء المد حقه وعدم التمطيط الزائد، أو الانتقال المفاجئ من رفع الصوت العالى إلى الانخفاض الشديد، وما يشبه ذلك مما لا يفرق بين قراءة القرآن والغناء، والعلماء المختصون بالتجويد والقراءات هم أهل الذكر فى ذلك(8/65)
إنجيل برنابا
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح أن إنجيل برنابا يتفق مع القرآن الكريم فيما جاء عن سيدنا عيسى؟
الجواب
جاء فى كتاب "التثليث فى المرآة" لكوثر نيازى ص 108 أن برنابا كان مصاحبا للمسيح عليه السلام مدة طويلة، وكتب عن معلومات توافق ما جاء فى القرآن كثيرا، وكان هذا الإنجيل يقرأ ويدرس إلى أواسط القرن الخامس الميلادى. وفى القرن الخامس حرَّم البطريق "جليسيوس" قراءته وأمر بإعدام نسخه، ثم عثر على نسخة منه فى القرن السادس عشر الميلادى القسيس الكبير "فرامرينو" الذى وجده فى مكتبة البطريق "سكنس " بطريق روما، فظهر له بعد مطالعته أن فيه أخبارا واضحة عن خاتم الأنبياء وذكر اسمه "أحمد" فأخرج "فرامرنيو" هذا الإنجيل من مكتبة البابا وأعلن إسلامه، ونقله إلى العربية "رشيد رضا" فى مصر(8/66)
الاستعاذة عند القراءة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل يجب على الإنسان إذا أراد أن يقرأ شيئا من القرآن الكريم أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟
الجواب
قال تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} النحل: 98 يقول القرطبى "ج 1 ص 86" هذا الأمر على الندب فى قول الجمهور، وذلك فى كل قراءة فى غير الصلاة، أما فى الصلاة فقد اختلفوا، وحكي عن عطاء أن الاستعاذة واجبة، وأبو حنيفة والشافعى يتعوذان فى الركعة الأولى من الصلاة، ويريان قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة، وما لك لا يرى التعوذ فى الصلاة المفروضة، ويراه فى قيام رمضان.
يؤخذ من هذا أن الاستعاذة قبل قراءة القرآن سنة عند الجمهور، وذلك فى غير الصلاة،أما فى الصلاة فهى سنة قبل قراءة الفاتحة عند الحنفية والشافعية، يستوى فى ذلك صلاة الفرض والنفل، والمالكية لا يستحبونها فى الفرض.
وجاء فى كفاية الأخبار "ص 104 " فى فقه الشافعية أن الاستعاذة مستحبة لكل ركعة، لوقوع الفصل بين القراءتين بالركوع وغيره، وقيل: يختص بالركعة الأولى، فما ذكره القرطبى هو أحد قولين عند الشافعية(8/67)
طه ويس
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يقول بعض الناس إن "طه ويس" ليس من أسماء النبى صلى الله عليه وسلم وورودهما فى القرآن جاء على أنهما من الحروف المقطعة فى أوائل السور، مثل: حم، طس، فهل هذا صحيح؟
الجواب
أولا: طه: جاء فى تفسير القرطبى "ج 11 ص 165" أن هناك خلافا فى معناها، فقال أبو بكر: هو من الأسرار، وقال ابن عباس: معناه يا رجل، وهى لغة معروفة فى "عُكْل " وقال عبد الله بن عمر: معناها بلغة "عك" يا حبيبى، وقيل هى اسم من أسماء الله تعالى وقسم أقسم به وهو مروى أيضا عن ابن عباس وقيل: هو اسم للنبى صلى الله عليه وسلم سماه الله به كما سماه محمدا، وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "لى عند ربى عشرة أسماء" فذكر أن فيها طه ويس، وقيل إنها حروف مقطعة كالتى فى أوائل بعض السور، وقيل: إن معناها: طَأِ الأرض، وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتحمل من مشقة الصلاة حتى كادت قدماه تتورمان ويحتاج إلى الترويح، فقيل له: لا تتعب حتى تحتاج إلى الترويح، ويناسب ذلك قوله تعالى بعد ذلك مباشرة "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" أى ما أنزلناه لترهق نفسك بالقيام به فى الصلاة.
هذا مختصر مما جاء فى تفسير القرطبى من كلام طويل فيه من أراد الاستزادة فليرجع إليه.
ثانيا: يس. جاء أيضا فى تفسير القرطبى "ج 15 ص 3" أن هناك خلافا فى معناها فقيل: معناها يا إنسان أو يا رجل، وقيل: اسم من أسماء النبى صلى الله عليه وسلم أو من أسماء الله تعالى، وكما طال الكلام فى طه طال فى يس فيرجع إلى القرطبى، وذكر الزرقانى فى شرح المواهب "ج 3 ص 137" أن الحديث الذى ذكره ابن مردويه فى أن طه من أسماء النبى صلى الله عليه وسلم ضعيف واعتمد أنه من الحروف المقطعة، أيضا "ج 3ص 175 "(8/68)
التهلكة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هى التهلكة الواردة فى قوله تعالى {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} ؟
الجواب
هذا جزء من الآية {وأنفقوا فى سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} البقرة:195 جاءت هذه الآية بعد آيات تتحدث عن الجهاد فى سبيل الله، وفيها أمور ثلاثة، أولها الأمر بالإنفاق فى سبيل الله، وثانيها النهى عن الإلقاء بالأيدى إلى التهلكة، وثالثها الأمر بالإحسان، أما الإنفاق فى سبيل الله فمعناه واضح وإن كان سبيل الله واسع الميدان فمن أهمه الجهاد وكذلك الإحسان واضح المعنى فهو يلتقى مع الإنفاق فى سبيل الله فى أكثر مظاهره وإن كان من معانيه الإجادة والإتقان والإخلاص فى أى عمل. على ما جاء فى الحديث "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".
وأما الإلقاء بالأيدى إلى التهلكة ففى تفسيره عدة أقوال: لا تتركوا النفقة ولا تخرجوا إلى الجهاد بغير زاد ولا تتركوا الجهاد، ولا تدخلوا على العدو الذى لا طاقة لكم به ولا تيأسوا من المغفرة وقد قال الطبرى: هو عام فى جميعها، كما ذكره ابن العربى فى أحكام القرآن.
ومن الوارد فى ذلك ما رواه البخارى عن حذيفة أن الآية نزلت فى النفقة وكذلك قال ابن عباس وعكرمة وعطاء ومجاهد وجمهور الناس كما ذكره القرطبى، وقال المعنى لا تلقوا بأيديكم بأن تتركوا النفقة، فى سبيل الله وتخافوا العيلة فيقول الرجل: ليس عندى ما أنفقه وذكر القرطبى خمسة أقوال فى تفسير هذه الآية. وقال: روى الترمذى عن يزيد بن أبى حبيب عن أسلم أبى عمران أنهم فى غزو القسطنطينية حمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس: إنه يلقى بيديه إلى التهلكة، فصحح لهم أبو أيوب الأنصارى معنى الآية بأنها نزلت فى الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر دينه قالوا: هلمَّ نقيم فى أموالنا ونصلحها لأنها ضاعت فالتهلكة هى الإقامة على الأموال وإصلاحها وترك الغزو.
ثم تحدث القرطبى عن حكم اقتحام الرجل فى الحرب وحمله على العدو وحده. وقال: إن بعض العلماء المالكية أجازوا أن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم إذا كان فيه قوة وكان لله بنية خالصة، فإن لم تكن فيه قوة فذلك من التهلكة، وقيل: إذا طلب الشهادة وخلصت النية فليحمل، لأن مقصوده واحد منهم كما قال تعالى: {ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله} وقال ابن خويز منداد: فأما أن يحمل الرجل على مائة أو على جملة العسكر أو جماعة اللصوص والمحاربين والخوارج فلذلك حالتان: إن علم وغلب على ظنه أنه سيقتل من حمل عليه وينجو هو فحسن، وكذلك لو علم وغلب على ظنه أن يقتل ولكن سينكى نكاية أو سيبلى أو يؤثر أثرا ينتفع به المسلمون فجائز أيضا، وقد بلغنى أن عسكر المسلمين لما لقى الفُرسْ نفرت خيل المسلمين من الفيلة، فعمد رجل منهم فصنع فيلا من طين وأنَّس به فرسه حتى ألفه، فلما أصبح لم ينفر فرسه من الفيل، فحمل على الفيل الذى كان يقدمها فقيل له: إنه قاتلك، فقال لا ضير أن أقتل ويفتح للمسلمين، وفعل البراء بن مالك حيلة فى حرب بنى حنيفة حتى دخل حصنهم وفتح الباب فدخل المسلمون.
وذكر القرطبى ما رواه مسلم فى دفاع رجل من الأنصار عن النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقاتل العدو حتى قتل، وفعل مثله العدد القليل الذين أحاطوا بالرسول، وهذا دليل على أن المخاطرة التى فيها منفعة للمسلمين لا بأس بها ولا تعد من الإلقاء باليد إلى التهلكة، كما ذكر القرطبى عن محمد بن الحسن أن المخاطرة بالنفس إذا كان فيها طمع فى النجاة أو النكاية فى العدو لا بأس بها، وإلا كانت مكروهة لأنه عرض نفسه للتلف فى غير منفعة للمسلمين إلا إذا قصد تشجيع المسلمين حتى يصنعوا مثله فلا بأس بها لأن فيها منفعة لهم على بعض الوجوه. ثم تطرق القرطبى من حكم المخاطرة فى الجهاد إلى المخاطرة فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فقال: إنه متى رجا نفعا فى الدين فبذل نفسه حتى قتل كان فى أعلى درجات الشهداء قال تعالى {وأْمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} لقمان: 17 وفى حديث النسائى وابن ماجه بسند صحيح "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" وجاء مثل ذلك فى أحكام القرآن لابن العربى(8/69)
عاهد عليه الله
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ضمير الغائب إذا دخل عليه حرف الجر وهو "عَلَى" كان مكسورا مثل "فلما قضينا عليه الموت" ومثل "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس" ولكن جاء فى سورة الفتح مضموما فى قوله تعالى {ومن أوفى بما عاهد عليهُ الله} فما السر فى هذا؟
الجواب
ضمير الغائب كسائر الضمائر مبنى وقد يكون فى محل الرفع أو النصب أو الجر، وهو إما منفصل مثل "هو الله" "وهم بأمره يعملون" وإما متصل مثل "قوله الحق" "موعدهم الصبح".
والمتصل إذا كان فى محل نصب كان مضموما فى المفرد المذكر والمثنى والجمع بنوعيهما، ومفتوحا فى المفردة المؤنثة مثل:
إنه، إنها، إنهما، إنهن. وإذا كان فى موضع جر فإما أن يكون الجر بالإضافة وإما أن يكون بدخول حرف الجر عليه، فإن كان بالإضافة يكون مضموما فى المفرد المذكر والمثنى والجمع بنوعيهما، ومفتوحا فى المفردة المؤنثة. إذا كان آخر المضاف مرفوعا، مثل: هذا كتابهُ، كتابُهَا، كتابهُم، كتابهن وكذلك إذا كان آخر المضاف منصوبا مثل إن كتابه، كتابها، كتابهما، كتابَهُم، كتابَهن. أما إذا كان آخر المضاف مجرورا كان الضمير مكسورا فى كل أحواله مفتوحا فى المفردة المؤنثة. مثل فى بيته، بيتها، بيتهما، بيتهم بيتهن.
وإن كان الجر بدخول حرف الجر عليه فحركة الضمير تختلف باختلاف آخر الحرف، فهو مضموم فيما عدا المفردة المؤنثة، مع من، عن. ومكسور فيما عدا المفردة المؤنثة، مع الباء وإلى وعلى. والأمثلة مع على {وسلام عليه} مريم: 15 {أنعم الله عليهم} النساء: 69.
أما قوله تعالى فى سورة الفتح {ومن أوفى بما عاهد عليهُ الله} بضم الهاء، ففال بعض العلماء إنه استثناء من الأصل، لأن اسم الجلالة وهو "الله " إذا سبق بمجرور أو مكسور كان النطق به مرققا وليس مفخما كما هو الحال فيما إذا كان قبله فتح أو ضم، وفى مقام العهد مع الله الذى يقتضى إظهار قوة الله وعظمته.فى النطق بأسمائه كان ضم الضمير فى "عليه " ليكون النطق بلفظ الجلالة مفخما لا مرققا.
وقال آخرون: هناك لغتان فى "عليهم" لغة بكسر الهاء ولغة بضمها، وضمير المفرد المذكر يجئ على مثال الجمع، فما كسرت فيه الهاء فى المفرد فهو على لغة، وما ضمت فيه فهو على لغة أخرى، واللغتان عربيتان، والقرآن كله عربى(8/70)
الجفر
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
سمعنا أن من الكتب المقدسة عند الشيعة ما يسمى بالجفر ومصحف فاطمة، فهل يمكن أن نعرف شيئا عنهما؟
الجواب
سبق فى ص 641 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى أن تعرضنا لموقف الشيعة من القرآن وادعاء أنه ناقص. وإن كان بعضهم -من باب التقية-يقسم أنهم لا يعرفون إلا القرآن الذى بين دفتى المصحف المتداول بين المسلمين. لكن عند الكثيرين أن هناك مصحف فاطمة كما نصت عليه كتبهم مثل كتاب " الكافى" الذى هو أوثق كتاب عندهم بعد القرآن الكريم، جمعه أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُلَيْنى الرازى " 328-329 هـ" وفيه من عدة أحاديث بأرقام 635 / 1 - 642/ 8 ما خلاصته أن فاطمة عليها السلام حزنت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم خمسة وسبعين يوما، وكان الملك يأتيها ويسليها ويخبرها بحال النبى صلى الله عليه وسلم، وأخبرها بما سيكون لذريتها، ولما عرف علىٌّ ذلك قال لها: إذا حضر فأعلمينى، فكان إذا حضر كتب عنه علىٌّ كل ما قال، وتلك هى مصحف فاطمة، وليس فيه من الحلال والحرام شىء، ولكن فيه علم ما سيكون، وجاء فى الحديث رقم 653 ما نصه: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام، وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام قال: قلت: وما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال:
مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، قال: قلت: هذا والله أعلم،قال: إنه لعلم وما هو بذاك.. .
أما الجفر، فقد جاء فى الأحاديث المذكورة أنه وعاء من أدَم -جلد ثور-فيه علم النبيين والوصيين،، وعلم العلماء الذين مضوا من بنى إسرائيل، وفيها -أى هذه الأحاديث- أن عندهم: الجفر الأبيض الذى فيه زبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى وصحف إبراهيم عليهم السلام، والحلال والحرام ومصحف فاطمة، ما أزعم أن فيه قرآنا، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد، حتى فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة وأرْش الخدش.
والجفر الأحمر وفيه السلاح، وذلك إنما يفتح للدم، يفتحه صاحب السيف للقتل، وفيه: أن بنى الحسن يعرفون هذا الجفر كما يعرفون الليل والنهار، ولكن الحسد وطلب الدنيا حملهم على الجحود والإِنكار. وفى الحديث رقم 638/4 أن فى الجفر الذى يذكرونه ما يسوءهم، لأنهم لا يقولون الحق، والحق فيه، فليخرجوا قضايا علىٍّ وفرائضه إن كانوا صادقين، وسلوهم عن الخالات والعمات، وليخرجوا مصحف فاطمة عليها السلام، فإن فيه وصية فاطمة عليها السلام ومعه سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يقول {فأتوا بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين} الأحقاف: 46 " ايتونى".
وفى الحديث رقم 639/5 أن عندهم الجامعة، وهى صحيفة طولها سبعون ذراعا فى عرض الأديم، مثل فخذ الفالج، فيها كل ما يحتاج الناس إليه، وليس من قضية إلا وهى فيها حتى أرش الخدش.
وجاء فى الحديث رقم 645/ 6: إن عندنا كتابا أملاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتبه علىٌّ عليه السلام، صحيفة فيها كل حلال وحرام. [هذا الكلام منقول من صحف مصورة من كتاب الكافى مع الترجمة الإِنجليزية، طبع المؤسسة العالمية للخدمات الإِسلامية طهران إيران فى 18/6/1981 - ص 40 بعنوان: باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام، الجزء الأول: الأصول القسم الثانى (4) كتاب الحجة (3) المؤسسة العالمية للخدمات الإِسلامية] .
وربما تعرضنا لذلك فى وقت آخر(8/71)
أخلاق اليهود من القرآن الكريم
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
لليهود دور كبير فى التاريخ من قبل الإسلام ومن بعد الإسلام، وتحدث القرآن عنهم بأنهم أفسدوا وسيفسدون، وقال "وإن عدتم عدنا" فما هى الصفات المتأصلة فيهم من وجهة نظر الدين؟
الجواب
القرآن الكريم حدَّد الشخصية الأخلاقية لليهود، وتحدَّث عنهم فى إنصاف، فمدحهم حين يستحقون المدح، وذمهم حين يمارسون ما يذمون عليه، وكان ذمهم طاغيا على مدحهم لما جبلوا عليه من أخلاق وما قاموا به من تصرفات منكرة، فمما ورد فى مدحهم قوله تعالى {ولقد آتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين} الجاثية: 16 أى على عالمى زمانهم.
ومن أخلاقهم المذمومة ما يأتى:
1 -الكذب على الله، قال تعالى: {ذلك بأنهم قالوا ليس علينا فى الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون} آل عمران:
75 {وقالت اليهود يد الله مغلولة} المائدة: 64 {قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء} آل عمران: 181 {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلمَ يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق} المائدة: 18.
2 - حبهم لسماع الكذب، قال تعالى {ومن الذين هادوا سمَّاعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك} المائدة: 41 {سماعون للكذب أكالون للسحت} المائدة: 42.
3-التمرد على الله. قال تعالى {فبما نقضهم ميثاقهم لعنَّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية} المائدة: 13 وهو ميثاق مع الله بالصلاة والزكاه والإِيمان بالرسل ومساعدتهم والقرض الحسن.
4 - التمرد على الرسل، قال تعالى {وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} البقره:55 {كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذَّبوا وفريقا يقتلون} المائدة: 70 {قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب انت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} المائدة: 24.
5 -الجدال والمراء. قال تعالى {وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنىَّ يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال} البقرة: 247 {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى إن البقر تشابه علينا} البقرة: 70.
6 -كتمان الحق والتضليل، قال تعالى {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون} البقرة: 42 {يَلْوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب} آل عمران:
78.
7 - النفاق، قال تعالى {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون} البقرة: 14 {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب} البقرة:
44.
8 -إيثار المنفعة الشخصية والأنانية الطاغية، قال تعالى: {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم} البقرة: 87 {ليس علينا فى الأميين سبيل} آل عمران:75.
9 -حب الشر للناس والسعى فى إفسادهم. قال تعالى: {ودَّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} البقرة: 109.
10 -كراهية الخير لغيرهم. قال تعالى: {إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها} آل عمران:125 {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} النساء: 54.
11 - الكبر والتعالى على الناس: قال تعالى: {نحن أبناء الله وأحباؤه} المائدة: 18 {ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم} النساء: 49 {ليس علينا فى الأميين سبيل} آل عمران: 75.
12 - الاستغلال والانتهازية، قال تعالى {وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل} النساء: 161 {أكَّالون للسحت} النساء: 42.
13 - عدم الأدب فى الخطاب. قال تعالى {من الذين هادوا يحرِّفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليًّا بألسنتهم وطعنا فى الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرًا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً} النساء: 46.
14 - سهولة الاغتيال، قال تعالى {ويقتلون النبيين بغير الحق} البقرة: 61.
15 - قسوة القلب وجمود العاطفة. قال تعالى {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة} البقرة: 74.
16 - عدم الوفاء بالعهود. قال تعالى: {أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم} البقرة: 100.
17 -تبلد حسهم وموت ضميرهم الأدبى، قال تعالى {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} المائدة: 79 {ترى كثيرا منهم يسارعون فى الإِثم والعدوان وأكلهم السحت} المائدة: 80.
18 - التحايل على المخالفة، قال تعالى {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم فى السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين} البقرة: 65 ويفسر ذلك قوله تعالى: {إذ يعدون فى السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شُرَّعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم} الأعراف: 163.
19 - الجبن، قال تعالى {لأنتم أشد رهبة فى صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون. لا يقاتلونكم جميعا إلا فى قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى} الحشر: 13، 14 {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} البقرة:
249 {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة} البقرة: 96.
20 - البخل، قال تعالى {أم لهم نصيب من الملك فإذًا لا يؤتون الناس نقيرا} النساء: 53 {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} التوبة: 34.
21 - تحريف الكتب المقدسة قال تعالى {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا} البقرة: 79 {من الذين هادوا يحرِّفون الكلم عن مواضعه} النساء:
46.
22 - استباحة الكفر فى سبيل تحقيق أغراضهم. قال تعالى {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا} النساء:
51 {ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا} المائدة: 80.
هذه صورة من أخلاق اليهود كما وصفها القرآن الكريم. تمردوا على تعاليم اليهودية السماوية واستبدلوا بها تعاليم أخرى زعموا أنها أفضل من التوراة " التلمود" ومن أجل هذا لفظتهم كل الدول التى يحلون بها وتاريخ طردهم من بلاد أوروبا مسطر فى الكتب، ويؤكد خبث نيتهم ما تركز أخيرا فى صورة بشعة هى الصهيونية بأساليبها الوحشية المعروفة، وإذا كان الله سبحانه قد ضرب عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله فما ظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، وإذا كان الله قد تأذن ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب فذلك يعطينا الأمل فى نصر الله لنا عليهم إن نصرناه بالإِيمان القوى والتسلح بكل سلاح مادى ومعنوى، مع وحدة تجمع الكلمة وتعمل للصالح العام. " انظر كتابنا: دراسات إسلامية لأهم القضايا المعاصرة"(8/72)
من بلاغة القرآن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
فى سورة القصص جاء قوله تعالى {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى} الآية: 20 وفى سورة يس جاء قوله {وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى} الآية: 19 فما هو السر فى تقديم {رجل} فى الآية الأولى وتأخيره فى الآية الثانية؟
الجواب
القرآن كله فى أعلى درجات البلاغة العربية كما هو معروف، وقد اجتهد العلماء فى بيان أسرار بلاغته، فأدركوا بعضها وخفى عليهم البعض الآخر، ووُضعت فى ذلك كتب خاصة، مثل: غرائب آى التنزيل لزين الدين الرازى الخلفى المتوفى سنة 666 هـ، البرهان فى توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان، لمحمود بن حمزة الكرمانى المتوفى سنة505 هـ، فتح الرحمن بكشف ما يلتبس فى القرآن، للشيخ زكريا الأنصارى، متشابه القرآن للقاضى عبد الجبار، وغير ذلك.
وبخصوص ما جاء فى السؤال قال الكرمانى: خصت سورة القصص بالتقديم لقوله قبله {فوجد فيها رجلين يقتتلان} الآية: 15 ثم قال {وجاء رجل} وخصت سورة يس بقوله {وجاء من أقصى المدينة} لما جاء فى التفسير أنه كان يعبد الله فى جبل، فلما سمع بخبر الرسول سعى مستعجلا، أى أن الإِخبار هنا هو عن سعيه وليس عنه، والتقديم هنا للاهتمام والاعتناء بالفعل لا بالفاعل(8/73)
أصحاب السبت
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
من هم أصحاب السبت وما قصتهم؟
الجواب
قال تعالى فى حق اليهود {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم فى السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين} البقرة:65. حرَّم الله عليهم صيد السمك يوم السبت عقابا وامتحانا لهم، فكثر السمك يوم السبت فلم يطيقوا الصبر على الامتحان، فتحايلوا وحبسوه إلى أن ينتهى اليوم فيصطادوه بعد ذلك. قال تعالى {واسألهم عن القرية التى كانت حاضرة البحر إذ يعدون فى السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرَّعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون} الأعراف:
163 فمسخ الله المعتدين قردة وخنازير، أى جعل أخلاقهم كأخلاقها، وقيل: بل مسخهم الله شكلا وموضوعا، فكانوا قردة وخنازير، ثم قيل: إن الله أهلكهم بعد ذلك حتى لا يتناسلوا، وقيل: بل بقوا وتناسلوا، وتوضيح ذلك فى مكان آخر من هذه الفتاوى.
والقرية قيل: هى " أيلة " أو هى " مدين " بين أيلة والطور، وقيل "طبرية " وقيل: هى من سواحل الشام. وذلك لا يهم.
وذكر المفسرون أن هذه القصة كانت فى زمن داود عليه السلام، وأن إبليس أوحى إليهم فقال: إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت، فاتخذوا الحياض، فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم الجمعة فتبقى فيها فلا يمكنها الخروج منها لقلة الماء، فيأخذونها يوم الأحد. وبهذه الحيلة كثر صيد الحيتان، ورأى الناس أن من صنع هذا لا يبتلى، فعمرت الأسواق بها، وأعلن الفسقة بصيدها، فقامت فرقة من بنى إسرائيل ونهت وجاهرت بالنهى واعتزلت، وقيل: إن بنى إسرائيل افترقت ثلاث فرق، فرقة عصت وصادت، وكانوا نحوًا من سبعين ألفا، وفرقة نهت واعتزلت، وكانوا اثنى عشر ألفا، وفرقة اعتزلت ولم تنه ولم تعص، وأن هذه الفرقة قالت للناهية كما قال الله تعالى {وإذ قالت أمة منهم لمَ تعظون قوما الله مهلكهم أو معذِّبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون} الأعراف: 164.
ويكفى هذا القدر للإجابة على السؤال، وفى كتب التفسير متسع لمن أراد أن يستزيد. والمهم أن نأخذ العبرة فلا نعصى أوامر الله، ولا نسكت عن النهى عن المنكر حتى لا نجازى بما يجازى به العاصون. قال تعالى عن هذه القصة {فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين} البقرة: 66 وقال {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون. فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين} الأعراف: 165، 166(8/74)
أول وآخر ما نزل من القرآن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما هى أول وآخر آية نزلت من القرآن الكريم؟
الجواب
لا شك أن معرفة تاريخ نزول السور والآيات لها فائدتها العظيمة فى التشريع، من أهمها معرفة الناسخ والمنسوخ، حينما يكون هناك نصان مختلفان فى الحكم، ولا يمكن التوفيق بينهما بمثل التقييد والتخصيص، وكذلك معرفة تدرج التشريع، وبيان اهتمام المسلمين بالقرآن والبحث عن تواريخ نزول الآيات والسور.
وأصح ما قيل فى أول ما نزل من القرآن أنه صدر سورة {اقرأ باسم ربك الذى خلق} فى غار حراء كما رواه البخارى ومسلم عن عائشة فى حديث أول ما بدئ به الرسول من الوحى. وقيل: إن أول ما نزل إطلاقا {يا أيها المدثر} وذلك لحديث رواه البخارى ومسلم أيضا عن جابر بن عبد الله، ولكن ردَّ عليه بأن ذلك أول ما نزل بعد فترة الوحى. للنص عليه فى رواية أخرى التى جاء فيها "فإذا الملك الذى جاءنى بحراء قاعد على كرسى بين السماء والأرض فرجعت إلى بيتى وقلت زمِّلونى، فأنزل الله {يا أيها المدثر} وقيل: إن أول ما نزل هو سورة الفاتحة، بناء على حديث رواه البيهقى. وردَّ بأنه حديث مرسل سقط منه الصحابى فلا يقوى على معارضة حديث عائشة السابق وقيل: إن أول ما نزل هو البسملة {بسم الله الرحمن الرحيم} بناء على حديث أخرجه الواحدى عن عكرمة والحسن، ورُدَّ بأنه حديث مرسل كسابقه، فهذه أربعة أقوال أصحها وأقواها الأول أما آخر ما نزل من القرآن ففيه عشرة أقوال:
1 - قوله تعالى: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} البقرة: 281 بناء على حديث رواه النسائى عن ابن عباس، حيث عاش النبى صلى الله عليه وسلم بعد نزولها تسع ليال ثم توفى لليلتين خلتا من ربيع الأول.
2 - قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين} البقرة: 278 بناء على رواية للبخارى عن ابن عباس.
3 - قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمًّى فاكتبوه} البقرة: 282.
وجمع السيوطى بين هذه الأقوال بأن الظاهر نزولها دفعة واحدة كترتيبها فى المصحف، لأنها فى قصة واحدة. لكن الرأى الأول أقوى لما فى الآية من إشارة إلى ختام الدين ووجوب الاستعداد ليوم القيامة، وللنص فى الحديث على وفاة النبى صلى الله عليه وسلم بعد نزولها بتسع ليال فقط.
4 - قوله تعالى: {فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم} آل عمران: 195 والدليل حديث أخرجه ابن مردويه عن أم سلمة أنها قالت للرسول صلى الله عليه وسلم أرى الله يذكر الرجال ولا يذكر النساء، فنزلت {ولا تتمنوا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض} النساء: 32 ونزلت {إن المسلمين والمسلمات} الأحزاب:35 ونزلت آية {فاستجاب لهم ربهم} فهى آخر ما نزل من الآيات الثلاث، وليست آخر ما نزل من القرآن.
5 -قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} النساء:
93 والدليل ما أخرجه البخارى وغيره عن ابن عباس حيث قال:
هى آخر ما نزل ولم ينسخها شىء، ويجاب على ذلك بأنها آخر ما نزل فى حكم قتل المؤمن عمدا، وليست آخر ما نزل من القرآن.
6 - قوله تعالى: {يستفتونك قل الله يفتيكم فى الكلالة} النساء:
176 والدليل ما رواه البخارى ومسلم عن البراء بن عازب، ورد بأنها آخر ما نزل فى المواريث، كما قال عن سورة براءة بأنها آخر ما نزلت، فيحمل القول على أن ذلك بالنسبة لتشريع الجهاد والقتال، فالآخرية نسبية إضافية لا حقيقية مطلقة.
7-سورة المائدة، بناء على رواية للترمذى والحاكم عن عائشة، وردَّ بأنها آخر سورة نزلت فى الحلال والحرام فلم تنسخ فيها أحكام، فالآخرية مقيدة بذلك وليست مطلقة.
8-قوله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} التوبة: 128 بناء على ما رواه الحاكم وابن مردويه عن أُبى بن كعب، ويرد عليه بأن الآخرية معناها أنها آخر آية نزلت من سورة براءة ويؤيده ما قيل:
إن هذه الآية وما بعدها نزلت بمكة مع أن السورة مدنية، فالسورة تحدثت عن الجهاد، والآيتان ليس فيهما أمر به، لأن الجهاد لم يفرض بمكة.
9- آخر سورة الكهف {فمن كان يرجو لقاء ربه} بناء على ما أخرجه ابن جرير عن معاوية بن أبى سفيان، ويرد عليه بأن الآخرية بحسب عدم نزول ما ينسخها بعدها.
10 - {إذا جاء نصر الله والفتح} لما رواه مسلم عن ابن عباس، وردَّ بأنها آخر ما نزل مشعرا بوفاة النبى صلى الله عليه وسلم ويؤيده ما روى عن أنه قال حين نزلت " نُعيتْ إلىَّ نفسى " وفهم ذلك بعض كبار الصحابة، فقد ورد أن عمر بكى عند سماعها وقال: الكمال دليل الزوال.
ويحتمل أنها آخر ما نزل من السور فقط كما تدل عليه رواية ابن عباس.
هذا ما لخصته من الإِتقان فى علوم القرآن للسيوطى. ومن مناهل العرفان للزرقانى، ومن أراد الزيادة فليرجع إليهما(8/75)
الكون يسبح الله
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
فى الآيات القرآنية أن كل شىء يسبِّح الله، فبأى لغة يكون هذا التسبيح؟
الجواب
التسبيح معناه تنزيه الله تعالى عما لا يليق به، وقد يكون ذلك بالقول وبالفعل، وبأية صورة تنبئ عن ذلك كالصلاة وذكر الله تعالى، وهذا التسبيح يلزمه الإِيمان بوجود الله وبألوهيته، ومثله السجود بمعناه العام وهو الخضوع واللجوء إليه، والكون كله ساجد لله ومسبح له بهذا المعنى، والنصوص فى ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: {سبَّح لله ما فى السماوات وما فى الأرض} وقوله تعالى: {ألم تر أن الله يسبح له من فى السماوات والأرض والطير صافات كلٌّ قد علم صلاته وتسبيحه} النور: 41 وقوله: {ألم تر أن الله يسجد له من فى السماوات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ... } الحج: 18 وقوله تعالى: {وإن من شىء إلا يسبِّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} الإِسراء: 44 والتسبيح الذى يعتمد على اللغة ليس كل إنسان قادرا على فهمه، فلكل من المخلوقات لغته، ولا يفهمها إلا من خصه الله من عباده المقربين كداود وسليمان عليهما السلام {وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علِّمنا منطق الطير وأوتينا من كل شىء} النمل: 16.
وبعض العلماء يقول: إن التسبيح باللغة يكون من الأحياء النامية كالحيوان والنبات، وأما تسبيح غيرها كالجماد فهو بمعنى الدلالة على وجود الله ووجوب عبادته، وقال بعض آخر: قد يكون تسبيح الجمادات بلغة خاصة كما جاء فى إكرام الله لداود بقوله تعالى: {إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإِشراق. والطير محشورة كل له أوَّاب} ص: 18، 19.
والمهم أن كل الكائنات تسبح وتسجد وتخضع لقدرة الله، ولكلٍّ لغتها وطريقتها فى ذلك، ومما جاء من النصوص والأخبار فى هذاالموضوع إلى جانب ما ذكر:
1 -روى البخارى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال " لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل " وفى غير هذه الرواية عنه رضى الله عنه: كنا نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيحه. وهناك عدة روايات فى تسبيح الطعام مذكورة فى الزرقانى على المواهب "ج 5 ص 121".
2-روى مسلم عن جابر بن سمرة رضى الله عنه قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنى لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علىَّ قبل أن أبعث، إنى لأعرفه الآن " قيل هو الحجر الأسود. وهناك عدة حوادث فى تسبيح الحصا فى يد الرسول وأبى بكر وعمر "المرجع السابق ص 120 ".
3- حنين الجذع الذى كان يخطب إليه، رواه البخارى وغيره، وقيل إنه متواتر، وسمع لحنينه صوت كصوت الناقة العشراء، والكلام طويل عنه فى " الزرقانى على المواهب ج 5ص 133".
4 -أخرج النسائى فى سننه عن عبد الله بن عمر وأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الضفدع وقال " نقيقها تسبيح ". وأخرجه ابن سبيع فى " شفاء الصدور " كما ذكره الدميرى.
5-روى ابن ماجه فى سننه ومالك فى موطئه قول النبى صلى الله عليه وسلم " لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شجر ولا حجر ولا مدر ولا شىء إلا شهد له يوم القيامة ".
6 -ذكر القرطبى فى تفسير قوله تعالى: {وإن من شىء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} بعض أقوال منقولة عن عبد الله ابن مسعود وأنس بن مالك أن الجبال يكلم بعضها بعضا، كما ذكر فى "ج 13 ص 165 " ما تقوله بعض الطيور، وليس لذلك سند صحيح يعتمد عليه، ثم قال: الصحيح أن الكل يسبح، للأخبار الدالة على ذلك، ولو كان التسبيح تسبيح دلالة فأى تخصيص لداود؟ وإنما ذلك تسبيح المقال، بخلق الحياة والإنطاق بالتسبيح، وقد نصت السنة على ما دل عليه ظاهر القرآن من تسبيح كل شىء، فالقول به أولى.
وأقول: لقد أثبت العلم أن للحيوانات والطيور لغات تتفاهم بها، فلا استحالة فى كون كل المخلوقات تسبح بحمد الله بلغة خاصة بها، وإن كنا لا نفهمها، كما أنه لا مانع من تفسير التسبيح بأنه بلسان الحال ليعتبر الإِنسان ويؤمن ويسجد لله ويسبِّحه {قل انظروا ماذا فى السماوات والأرض وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون} يونس: 101(8/76)
الهداية
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يقول الله تعالى: {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} القصص: 56 ذكرت الهداية ثلاث مرات فى هذه الآية، فهل معناها واحد أم مختلف؟
الجواب
جاء فى القاموس: يقال: هداه هُدًى وهدْيًا وهِدَاية وهِدْية - بكسرهما - أرشده فتهدَّى واهتدى. وهداه الله الطريق دَلَّه، والهُدَى بضم الهاء وفتح الدال -الرشاد.
قال ابن القيم فى كتابه "بدائع الفوائد ": الهداية أربعة أنواع:
أحدها: الهداية العامة المشتركة بين الخلق، المذكورة فى قوله تعالى {الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى} طه: 50 أى أعطى كل شىء صورته التى لا يشتبه فيها بغيره، وأعطى كل عضو شكله وهيئته، وأعطى كل موجود خلقه المختص به، ثم هداه ما خلقه له من الأعمال، قال: وللجماد أيضا هداية تليق به، كما أن لكل نوع من الحيوان هداية تليق به وإن اختلفت أنواعها وصورها، وكذلك لكل عضو هداية تليق به، فهدى الرجلين للمشى، واللسان للكلام، والعين لكشف المرئيات وهلمَّ جرا، وكذا هدى الزوجين من كل حيوان إلى الازدواج والتناسل وتربية الولد، والولد إلى التقام الثدى عند وضعه، ومراتب هدايته سبحانه لا يحصيها إلا هو.
الثانى: هداية البيان والدلالة والتعريف لِنَجْدَى الخير والشر وطريقى النجاة والهلاك، وهذه الهداية لا تستلزم الهدى التام، فإنها سبب وشرط لا موجب، ولهذا ينتفى الهدى معها، كقوله تعالى {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} فصلت: 17 أى بينا لهم وأرشدناهم ودللناهم فلم يهتدوا، ومنها قوله تعالى {وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم} الشورى: 52.
الثالث: هداية التوفيق والإلهام، وهى الهداية المستلزمة للاهتداء، فلا تتخلف عنها، وهى المذكورة فى قوله تعالى {يضل من يشاء ويهدى من يشاء} المدثر: 31 وفى قوله تعالى: {إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدى من يضل} النحل: 37 وفى قوله صلى الله عليه وسلم: " من يهدى الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له " وفى قوله تعالى: {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء} القصص: 56 فنفى عنه هذه الهداية وأثبت له هداية الدعوة والبيان فى قوله تعالى: {وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم} الشورى: 52.
الرابع: غاية هذه الهداية، وهى الهداية إلى الجنة أو النار إذا سيق أهلهما إليهما، قال تعالى {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجرى من تحتهم الأنهار فى جنات النعيم} يونس: 9 وقال أهل الجنة فيها {الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله} الأعراف: 43 وقال فى حق أهل النار: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم} الصافات: 22، 23 انتهى ما قاله ابن القيم.
والبيضاوى ذكر أن الهداية دلالة بلطف، ولذلك تستعمل فى الخير، وقوله {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} على التهكم. ثم قال: وهداية الله تتنوع أنواعا لا يحصيها عدٌّ، لكنها تنحصر فى أجناس مترتبة.
الأول: إفاضة القوى التى بها يتمكن المؤمن من الاهتداء إلى مصالحه، كالقوة العقلية والحواس الباطنة والمشاعر الظاهرة. والثانى: نصب الدلائل الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد، وإليه أشار حيث قال {وهديناه النجدين} البلد: 10 وقال {فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} .
والثالث: الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وإياها عنى بقوله: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا} الأنبياء: 7 وقوله {إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم} الإسراء: 9.
والرابع: أن يكشف على قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء كما هى بالوحى أو الإلهام والمنامات الصادقة، وهذا قسم يختص بنيله الأنبياء والأولياء، وإياه عنى بقوله {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} الأنعام: 90 وقوله {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} العنكبوت: 69(8/77)
الفاتحة للنبى
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما حكم الدين فى قراءة الفاتحة للنبى؟
الجواب
الفاتحة كما ورد فى حديث البخارى هى أعظم سورة فى القراَن وهى السبع المثانى والقران العظيم. ومن قرأها أعطاه الله ما سأل من الهداية إلى الصراط المستقيم كما رواه مسلم، وكما جاء فى رواية أخرى له " لن يقرأ بحرف منها إلا أعطيه ".
وإذا قرأها الإنسان للنبى صلى الله عليه وسلم، فالظاهر أنه يهب ثوابها إليه، مع غنى الرسول عن هذا الثواب فقد شرفه الله وكرمه أعظم تشريف وتكريم، لأن هذه الهبة علامة على حب من قرأها للنبى عليه الصلاة والسلام، تماما كالصلاة على النبى، فإن معناها طلب الرحمة من الله له، وهو عليه الصلاة والسلام مرحوم، والمحب يحرص ويسرُّ بتقديم هدية إلى المحبرب رمزا وعلامة على حبه.
وكثيرا ما يقول قارى الفاتحة للنبى " زيادة فى شرف النبى " فالنبى مشرف وهو يطلب من الله أن يزيده شرفا، وكل ذلك دليل على الحب، وحبه عليه الصلاة والسلام فرض على المؤمن لا يتم إيمانه إلا به، كما رودت بذلك الأحاديث. وإذا كان حبه يتمثل فى اتباع سنته أى طريقته التى تركها لنا ممثلة فى القراَن والسنة، فليس هناك ما يمنع أن نبرهن على حبنا بإهداء ثواب الفاتحة له والصلاة عليه أى طلب الرحمة من الله له " انظر ص 408 ج 5من الزرقانى على المواهب "(8/78)
حول نظم القرآن الكريم
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
لماذا قال الله فى بعض السور {آمنا برب العالمين رب موسى وهرون} وفى بعضها {آمنا برب هارون وموسى} فما هو السر فى تقديم موسى مرة وتأخيره مرة أخرى؟
الجواب
جاء التعبير عن إيمان سحرة فرعون بالله الذى أرسل إليهم موسى وهارون جاء فى ثلاث سور هى الأعراف وطه والشعراء، وفى بعضها قدم ذكر موسى على هارون وفى بعضها الآخر قدم هارون على موسى.
وليست لذلك حكمة منصوصة، بل هى استنتاجات قد تصادف الحقيقة وقد تنبو عنها، وقد قال علماء النحو: إن العطف بالواو يفيد مطلق الجمع دون ترتيب ولا تعقيب، فالله ربُّ موسى وهارون جميعا، وإيمان السحرة بهما واحد لا ميزة فيه لأحد على الآخر.
غير أن من مظاهر البلاغة العربية، التناسب بين رءوس الفقرات، والقران الكريم فى أعلى درجات البلاغة. فناسب بين رءوس الآيات حتى يكون وقف القارئ عليها فيه مسحة من جمال الأداء.
والناظر إلى سورة الأعراف يجد آياتها تنتهى بنون قبلها مَدُّ بالواو أو الياء، ونادرا ما يوجد بدل النون ميم أو لام، فالصوت عند الوقف يَسْكن دون انطلاق نَفَسِ مع الإحساس بنغمة مؤثرة، ولذلك كان لفظ "هارون " مؤخرا على لفظ " موسى" لتناسب رءوس الآيات، ونجد مثل ذلك فى سورة الشعراء {رب موسى وهارون} ومن أجل مراعاة التناسب فى سورة الشعراء حذفت ياء المتكلم من آخر الكلمة وبقيت النون التى هى للوقاية وليست للرفع لأن الفعل قد يكون منصوبا مثل "أخاف أن يكذِّبون " ومثل " فأخاف أن يقتلون " ليتناسب مع {آمنا برب العالمين. رب موسى وهارون} أما فى سورة طه فنهاية الآيات صوت مطلق بالمد المفتوح فى أغلبها، وقليل منها بالمد المكسور، وذلك يتناسب مع لفظ " موسى" فقدم عليه لفظ هارون لتنتهى الآية بما يتناسب مع نهايات الآيات الأخرى، مثل {طه ما أنزلنا عليك القران لتشقى.إلا تذكرة لمن يخشى. تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العُلى. الرحمن على العرش استوى} فيتناسب معه {آمنا برب هارون وموسى} .
هذا ما ظهر لى من الحكمة، ولا أجزم بأنها المراد لله سبحانه(8/79)
عظمة القرآن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
نريد توضيح قوله تعالى: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله} ؟
الجواب
تجىء هذه الآية فى نهاية سورة الحشر التى تتحدث عن إجلاء بنى النضير عن المدينة المنورة، وهم إحدى أسر من أهل الكتاب الذين كان يؤمل فيهم أن يكونوا من أول المصدَّقين بالقران الذى نزل على الرسول الذى كانوا ينتظرونه ويقرءون أوصافه فى كتبهم، لكنهم حسدًا وبغيا كفروا كما قال سبحانه: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عوفوا كفروا به} [البقرة: 89] ومع تكذيبهم للقرآن والرسول تعاونوا مع كفار مكة على مقاومة الدعوة، وقد أذاق الله كفار مكة وبال أمرهم فى بدر كما أذاق بنى النضير عاقبة أمرهم {كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم} [الحشر:
15] وهكذا لا يدفع شخص عن آخر فكل يتحمل تبعة عمله {كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إنى برئ منك إنى أخاف الله رب العالمين. فكان عاقبتهما أنهما فى النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين} [الحشر: 16، 17] والواجب على كل إنسان أن يسيطر على نزغات الشيطان وهوى النفس ولا يعمل للدنيا فقط بل يعمل حساب المسئولية يوم القيامة {يا أيها الذين آمنوا اتقو الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد} {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم} {لايستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة} [الحشر: 18، 9 1، 0 2] .
كان الواجب على الناس جميعا، وقد جاءتهم الرسالة العامة، أن ينظروا فى الكتاب المنزَّل على هذا الرسول نظرة منصفة موضوعية بعيدة عن التعصب والهوى، ومن خلال هذه النظرة سيكون لكل منهم رأى فيه، وسيقتنع تماما بصدقه ويسارع إلى العمل بما فيه، لكن اكثر الناس تتغلب عليهم أهواؤهم، ويضف عقلهم امام شهواتهم، فيعارضون الحق لذات المعارضة دون سبب معقول، مع أن هذا القرآن، وهو من عند الله، لو نزل على جبل أعطاه الله عقلا، لتأثر كل التأثر ولم يملك إلا الإيمان بالله الذى أنزله، وبالرسول الذى بلغه، إن هذه القوة الجبارة لا بد أن تخشع وتذل وتضف، بل لا بد أن تتمزق وتتصدع ويتلاشى كبرياؤها عند سماع القرآن، كما يقول سبحانه {ولو أن قرآنا سيرِّت به الجبال أو قطِّعت به الأرضى أو كلِّم به الموتى بل لله الأمر جميعا} [الرعد: 31] ولكن الإنسان بعناده وتسلط شيطانه لم يتأثر بروعة القرآن وعظمة من انزله، ومن قبل القرآن لم يتأثر أسلاف بنى النضير، والحديث عنهم موضوع السورة، من الآيات المنزلة على الأنبياء قبل كما قال سبحانه فيهم: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله} [البقرة: 74] .
إن الآية تدعو الجميع إلى أن يستقل كل إنسان بالنظر إلى القرآن بعيدا عن إغواء داخلى أو خارجى، وبالنظر المنصف سيخشع العقل ويخشع القلب وتخشع الجوارح، سيخشع العقل عندما يعرف الإعجاز الذى نزل به القرآن فيؤمن عن صدق بأنه ليس من عند محمد بل من عند الله، وسيؤمن بالله من خلال ما فيه من آيات وأخبار صادقة وهداية حكيمة، كما يقول سبحانه {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} [محمد:24] وكما قال {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء: 82] وقد أوشك بعض كبار قريش أن يؤمن عندما أخذ بروعة ما تلى عليه،فقال:
إن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وما هو بقول بشر. ولكن المؤثرات القوية التى تحيط به ضيعت ما تأثر به عند سماع القرآن، وقد كان بعضهم، وقد تعاهدوا على معارضة الدعوة، يتسرب خفية لسماع القرآن فيعود متأثرا، ولكن التعصب جعلهم كما يقول القرآن الكريم {كالأنعام بل هم أضل} وبالإقبال على القرآن يخشع العقل أيضا وهو يستخرج كنوزه ويجلَّى هدايته، فيرى فيه دستورا كاملا للحياة الطيبة، ويحس فيه روعة التشريع وإحكامه، كما يحس تقديره لكرامة الإنسان وإعداده لطور جديد من حياته البشرية يحقق به الخلافة فى الأرض، ومن هنا كان حث الرسول عليه الصلاة والسلام على تعلم القرآن ونشر هدايته فيقول " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " رواه البخارى ومسلم ويقول فى حديث رواه الترمذى وغيره وحسَّنه " يا أبا ذر لأن تغدو فتتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلى مائة ركعة، ولأن تغدو فتعلم بابا من العلم عمل به أو لم يعمل به خير لك من أن تصلى ألف ركعة ".
وكما يخشع العقل يخشع القلب والوجدان، فيستقر الإيمان بالله ويقوى كلما قرئ القرآن، ويرق الوجدان والعواطف كلما كثرت قراءته أو سمعت آياته تتلى، كما يقول سبحانه {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى تقشعر منه جلو الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} [الزمر: 23] إن أول أثر يروع الإنسان هو الدهشة والقشعريرة، وعند التأمل والانتقال بين فقراته من وعيد إلى وعد، ومن آية إلى آية يطمئن القلب ويألف هذا الجو الجديد كما يقول سبحانه {إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا} [الأنفال: 2] وليس الإنسان وحده هو الذى يتأثر لكلام الله تلاوة واستماعا فقد تأثرت به الملائكة ونزلت تستمع إليه من أُسيد بن حضير وهو يقرؤه ليلا، حتى إن فرسه التى كانت بجواره اضطربت لما أحست بما فى الجو من نور ومواكب غريبة عليه، وقد قال عنها الرسول الكريم كما ثبت فى الحديث الشريف: إنها الملائكة نزلت تستمع القرآن، ولو قرأ حتى يأتى الصباح لأمكن رويتها، وهو ترغيب للمؤمنين فى كثرة تلاوته، وبالإنصات له عند سماعه وعدم الانشغال عنه بلهو الحديث، فتلاوته تجارة لن تبور، وبكل حرف منه عشر حسنات، والمنزلة فى الجنة بقدر ما يقرأ منه كما صح فى الحديث:" يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق كما كنت تقرأ فى الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقروها " رواه الترمذى وأبو داود وابن ماجه، وقال الترمذى: حسن صحيح.
وكما يخشع العقل المفكر والقلب المتأثر تخشع الجوارح بالعمل، وخشوعها بالعمل يكون من منطلق الإيمان بالله وبالقرآن المعجز وبما فيه من هداية هى المثالية فى كل مجال من مجالات النشاط البشرى، كما يقول سبحانه: {إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم} [الإسراء: 9] وكما كان النبى صلى الله عليه وسلم يعمل، فقد كان خلقه القراَن، تلقيا وتعليما وتبليغا وعملا وتطبيقا، وبهدايته المثالية والحرص على تطبيقها تكونت أمة كانت خير أمة أخرجت للناس، قوة وتماسكا وحضارة ومدنية، ولم يفارق رسول الله الدنيا إلا بعد أن أوصانا بالتمسك به حتى لا نضل " إنى تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدى أبدا، كتاب الله وسنتى" رواه الحاكم وصححه،فهو حبل الله المتين، ومن يعتصم به فقد هُدى إلى صراط مستقيم.
والغاية من تدبر القرآن والخشوع له تقوية إيماننا بالله، وإسعاد الإنسان فى دنياه وأخراه، والله الذى أنزل القرآن هو الموصوف بعد هذه الآية بالوحدانية والرحمة والملك والتقديس والسلامة من كل نقص والمصدق لرسله بآياته، والمسيطر على الكون كله بقدرته وعلمه، والعزيز الذى لا يذل، والمتعالى عن كل نقص، والخالق للعالم والمبدع له على غير مثال سبق والمصور له كيف يشاء ويختار، والموصوف بكل كمال، فكيف يشرك المشركون به آلهة ليس لها هذا الكمال؟ إن الكون كله يسبح لله بالتوحيد والطاعة، وما أظلم لإنسان وأجهله إذ وقع تحت تأثير غرائزه وشهواته، فيا أمة محمد أناديكم بما نادانا به رب العزة {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون} [الحديد: 16](8/80)
التفسير العلمى للقرآن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل العلوم التى اكتشفت حديثا توجد فى القرآن، وهل هناك حاجة إلى تفسير القرآن تفسيرا علميا على ضوء الاكتشافات الحديثة؟
الجواب
سبق فى ص 116 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى بيان أن مهمة القرآن هى الإعجاز والهداية، وأن ما فيه من حقائق علمية تدعو إلى النظر والتأمل، وزيادة فى الإيضاح وإجابة على السؤال نقول:
هذه القضية ثار حولها الجدل والنقاش، وانقسم الناس فيها فريقين:
(أ) فريق يقول: نعم فى القرآن توجد العلوم والمكتشفات الحديثة.
ونحن فى حاجة إلى تفسير علمى، بمعنى استخلاص هذه المحدثات من ألفاظ القرآن، وحمل الألفاظ عليها. واستند هذا الفريق فى رأيه إلى ما يأتى:
1ـ أن الله تعالى قال {ما فرطنا فى الكتاب من شىء} [الأنعا م: 38] .
أى ليس فى الحياة شىء إلا وهو موجود فى القرآن. فذكرت فيه الميكروبات والكهرباء والذرة والصواريخ والطائرات وغيرها.
ونوقش هذا الدليل بأن المراد بالكتاب هو اللوح المحفوظ الذى أثبت الله فيه مقادير الخلق، ما كان منها وما يكون، حسب النظام المعبَّر عنه بالسنن الإلهية. أو هو علم الله المحيط بكل شىء الثابت فيه كل معلوم، وإذا أريد بالكتاب القرآن فليس لفظ الشىء على عمومه، بل المراد به الشىء الذى هو موضوع الدين، وهو الهداية التى من أجلها نزل القرآن، فالعموم فى كل شئ بحسبه.
2ـ كما استند إلى أن نشر الإسلام فى هذه الأيام يحتاج إلى التحدث عنه بأسلوب العصر وطرائق فهمه، لبيان تجاوب الدين والقرآن مع الحياة فى كل أطوارها.
ونوقش بأن نشر الإسلام لا يتوقف على ذلك، فأصول الهداية فيه، والنصوص الدالة على النظر والبحث وتقديس العقل كافية فى بيان تجاوبه مع أرقى الحضارات وأزهى العصور.
وبهذا نرى أن حجة هذا الفريق واهية أو فيها مناقشة تضعف الاستدلال بها على المقصود.
(ب) والفريق الآخر يقول ليس القرآن كتاب تعليم وتسجيل لمكتشفات العصور بأشخاصها، ولا يحتاج إلى أن نحمل ألفاظه على أسلوب العصر ونضمنها نظرياته وعلومه. وحجتهم فى ذلك:
1ـ عدم حاجة الشريعة فى فهم كتابها وتعرف مبادئها، إلى العلوم الكونية والرياضيات وما إليها. وحمل ألفاظ القرآن عليها فيه تعسف وتحميل لها لما لا تطيق.
2ـ أن القرآن موجَّه أولا إلى من نزل فيهم وهم العرب، وليس لهم عهد بهذه العلوم التى لم تعرفها الدنيا إلا بعد قرون، فإذا قصد القرآن إليها وآياته لا تفهم إلا بالوقوف عليها، كان كلاما غير مطابق لمقتض الحال، وحاشاه أن يكون كذلك، فوجب أن نقف بعباراته عند فهم العرب الخلص، ولا نتجاوز ما ألفوه من علومهم، يقول الشاطبى فى كتابه " الموافقات ج 2 ص 52 ": ما تقرر من أمية الشريعة وأنها جارية على مذاهب أهلها وهم العرب ينبنى عليه قواعد، منها: أن كثيرا من الناس تجاوزوا فى الدعوى على القرآن الحد، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين، من علوم الطبيعيات والتعاليم والمنطق وعلم الحروف وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها. وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح، ولهذا فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم كانوا أعرف بالقرآن وعلومه وما أودع فيه، ولم يبلغنا أنه تكلم أحد منهم فى شىء من هذا المدعى سوى ما تقدم من أحكام ... وما يلى ذلك. ولو كان لهم فى ذلك خوض ونظر لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة، إلا أن ذلك لم يكن، فدل على أنه غير موجود عندهم، وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه تقرير لشىء مما زعموا.
3ـ أن النظريات العلمية عرضة للتبديل والتغيير، فإذا حملنا عليها ألفاظ القرآن كان فهم آياته عرضة للتغيير والتبديل مما يبعث على الشك ويؤدى إلى البلبلة والاضطراب.
وقد يناقش الدليل الأول بأن عدم احتياج فهم الشريعة وتبليغها إلى العلوم لا ينافى أنها موجودة فى القرآن،، ويكون الغرض منها الشرح والبيان والإيضاح، ويناقش الدليل الثانى بأن القرآن ليس للعرب فقط ولا لعصرهم السابق، بل هو لكل الناس ولجميع العصور، فلا مانع أن يكون فيه من المعلومات ما لا يعرفه العصر الأول، وسيعرف فيما بعد، ولعل مما يشير إلى ذلك قوله تعالى {سنريهم آياتنا فى الأفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} [فصلت: 53] وعموم رسالة الإسلام لا يجوز معها قصر فهم القرآن على المألوف عند العرب، فليكن فيه قدر يتضح سره بما ينكشف بعد من علوم كونية ونفسية، وذلك لزيادة الإيضاح لأصل الدليل على صدقه فهو صادق بإعجازه وكفى بالله شهيدًا على ذلك {أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد} .
ويناقش الدليل الثالث، بأن حمل الألفاظ القرآنية على النظريات التى لم تثبت بعدُ لا يجوز أبدا، وإذا حملت فإنما يكون على الحقائق العلمية الثابتة، ذلك لأن كلام الله حق لا يفسَّر بغير الحق، وهو ثابت لا يفسر بغير الثابت، فاللائق هو توضيح الثابت بما ثبت وليس ذلك إلا فى الحقائق العلمية المقررة وهذا كله بشريطة عدم التعسف فى التأويل، بل يترك لفظ القرآن على طبيعته القابلة لكل فهم دفعًا للعقل إلى التفكير والبحث.
7ـ والرأى الذى أميل إليه يتلخص فيما يلى:ـ (أ) أن القرآن فيه بعض الحقائق العلمية، وقد ذكرت للعبرة والموعظة والتأمل، لا على أنها معلومات للاعتقاد والتكليف والتعليم، وقد عبر الله عنها بالألفاظ العربية والأسلوب المعجز.
وما جاء فيه من المقررات العلمية حق لأنه كلام الله، سواء عرفها الناس عند نزولها أم لم يعرفوها، وعدم علمهم بها لا يغض من شأن القرآن، فهو ميسر للذكر يستطيع كل إنسان أن يأخذ منه القدر الكافى لهدايته، مهما كان مستواه العلمى.
(ب) أن ألفاظ القرآن دقيقة محكمة لأنها صنع الله الذى أتقن كل شىء وأن هناك لونًا من ألوان إعجازه هو الحديث عن بعض المسائل العلمية التى لا عهد لمحمد صلى الله عليه وسلم بالذات بعلمها، ولا عهد للعرب الذين ووجهوا بالقرآن بها، ثم ثبت بعد ذلك صدق هذه المسائل، وذلك للدلالة على أن القرآن ليس من عند محمد، بل هو من عند لله العليم الخبير. وبالتأمل فى بعض هذه التعبيرات نجد أنها محايدة فى الأمور التى يختلف الناس عليها ولم يصلوا بعد إلى معرفة أسرارها، وذلك ليدع مجال الفكر مفتوحا للباحثين، ليصلوا إلى آخر شوط ممكن، وكلما جد البحث بشخص نظر إلى الآية فرآها كأنها معه فى كل خطواته تشجعه ولا تصرح على الأقل بكذبه أو إخفاقه، فيغريه ذلك على متابعة البحث إرضاء لشهوة العقل وحب الاستطلاع. حتى إذا وصل إلى الحقيقة العلمية الثابتة وجد الآية معه أيضًا لم يصبها أى تغب فى موقفها المحايد الذى لا ينحاز إلى باحث معين فى أولى خطوات النظر وفى وسطها حتى يبلغ النهاية. وهو بوصوله إلى الحقيقة سيزداد إيمانًا بصدق القرآن وأنه حق من عند الله، لا من عند محمد الذى لم يتعلم أساليب البحث ليصل إلى هذه النتيجة، وإن لم يصل إلى الحقيقة العلمية بعد طول البحث لا يجوز له أن يشك فى القرآن، بل الأجدر أن يتهم نفسه ويعيد النظر فى أسلوب بحثه عل فيه حلقة مفقودة، أو مقدمة لم تثبت لتستطيع أن تنتج نتيجة صادقة.
وحياد الألفاظ القرآنية فى كثير من مواضعها هو الذى أوجد النشاط الفكرى عند علماء الكلام فى بعض المسائل الكلامية، حيث تكون الآية الواحدة كل يدعى أنها تشهد لرأيه، وكذلك كان هذا الحياد سببًا فى نشاط علماء الشريعة فى استنباط الأحكام الفقهية.
(ج) أن أسلوب القرآن مطابق لمقتضى الحال فى خطابه للعلماء والعامة على السواء، على خلاف الكلام العادى للناس، فهو إما أن يخاطب به المستويات العالية باشتماله على الرمز والإشارة والكناية والاستعارة، وإما أن يخاطب به العامة الذين لا يفهمون إلا الواضح المبسط من الكلام، ولو خوطبت إحدى الطائفتين بغير ما يليق بها لم يكن الكلام بليغًا، أما القرآن الكريم فهو وحده الذى يراه البلغاء أوفى كلام بلطائف التعبير، ويراه العامة أحسن كلام وأقربه إلى عقولهم، فهو متعة الخاصة والعامة على السواء. كما قال سبحانه {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدَّكر} [القمر: 17، 22، 32، 40] .
يقول الراغب الأصفهانى فى مقدمة تفسيره: أخرج تعالى مخاطباته فى محاجة خلقه فى أجل صورة تشتمل على أدق دقيق؛ لتفهم العامة من جلتها ما يقنعهم ويلزمهم الحجة؛ ويفهم الخواص من أثنائها ما يوفى على ما أدركه فهم الحكماء، ومن هذا الوجه كل من كان حظه فى العلوم أوفر كان نصيبه من علم القرآن أكثر، ولذلك إذا ذكر تعالى حجة إلى ربوبيته ووحدانيته أتبعها مرة بإضافتها إلى أولى العقل، ومرة إلى أولى العلم؛ ومرة إلى السامعين، ومرة إلى المتذكرين تنبيها على أن بكل قوة من هذه القوى يمكن إدراك حقيقة منها.
(د) أننا فى حاجة إلى من يفسر لنا القرآن على ضوء المقررات العلمية لتتضح معانيه. ويؤمن بها الذين لا يرضون بغير هذا الأسلوب بديلا، فبمقررات علم الحياة والأجنة يمكن توضيح قوله تعالى {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين. ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} [المؤمنون: 12 -13] وبمقررات علم الطب يتضح لنا معنى الأذى فى قوله تعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} [البقرة: 222] ويتضح سر التحريم لأكل الميتة والدم ولحم الخنزير والموقوذة والمتردية والنطيحة. .
الوارد فى الآية الثالثة من سورة المائدة فكل ما يساعد على كشف أسرار التشريع من العلوم لا بأس به، بل كل ما يوصل إلى الإيمان بالله وإدراك سر الوجود لا بأس به بل هو مطلوب.
وهذا كله على شريطة أن يكون التفسير بالمقررات الثابتة، لا بالنظريات التى ما زالت قيد البحث ومحل اختلاف العلماء. وعلى ألا يكون هناك تعسف فى التأويل وتحميل الألفاظ معانى لم توضع لها، كما سيتضح من عرض الأمثلة آلاتية بعد.
8 ـ إن تفسير القرآن بالنظريات التى لم تثبت يعد تفسيرا بالرأى المحض، وقصره على رأى بالذات افتراء للكذب على الله. وفى ذلك خطورة كبيرة، لأنها تخضع آيات القرآن للآراء الخاصة، الأمر الذى ضل به كثير من الفرق التى ظهرت فى الإسلام، ولأنها تمنع صلاحية الإسلام العامة أن تكون لكل البيئات والأجيال وأن تكون مناراً هاديا لكل المفكرين، كما أنها تعرض القرآن للطعن فيه بالتكذيب إن جاء ما يثبت خطأ الرأى الأول الذى فسر به.
والإنسان إذا لم يكن متمكنا مما يقول ويرى لا ينبغى أن يحمل القرآن على جهلة وسفهه، فهو حرم مقدَّس لا يقربه إلا العالمون الموقنون. قال إبراهيم التيمى: سئل أبو بكر الصديق رضى الله عنه عن تفسير الفاكهة والأبِّ فقال: أى سماء تظلنى، وأى أرض تقلنى إذا قلت فى كتاب الله ما لا أعلم. وقال أنس. سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه قرأ هذه الآية ثم قال: كل هذا قد عرفناه، فما الأبُّ؟ ثم رفع عصا كانت بيده وقال: هذا لعمرو الله التكلف، وما عليك يا بن أم عمر ألا تدرى ما الأبُّ. ثم قال: اتبعوا ما بيِّن لكم من هذا الكتاب، وما لا فدعوه "القرطبى ج 9 1 ص 223 " وذلك كطه من وحى قوله صلى الله عليه وسلم " اتقوا الحديث علىَّ إلا ما علمتم، فمن كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ومن قال فى القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار" رواه الترمذى عن ابن عباس. قال ابن عطية: ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى فى كتاب الله عز وجل فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء، واقتضته قوانين العلم كالنحو والأصول،، وليس يدخل فى هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته والنحويون نحوه، الفقهاء معانيه، ويقول كل واحد باجتهاده المبنى على قوانين علم ونظر، فإن القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه " القرطبى ج 1 ص 32 " وعلى هذا من يفسر القرآن بنظرية غير ثابته فهو يفسر برأيه على غير قوانين العلم والنظر، بخلاف من يفسره بهذه القوانين الثابتة، فهو يعمل عملا مشروعا يوضح ما فى القرآن فقط لا يقصد به إثبات صدقه، فكفى بالله شهيدًا على صدقه.
9 ـ إن من قواعد المنهج السليم لتفسير القرآن أن تستقصى آياته فى الموضوع الواحد فهى تفسر بعضها بعضا، وخير ما فسرته بالوارد، فقد يكون العام أو المطلق أو المبهم فى آية مخصصا أو مقيدا أو مبينا فى آية آخرى، وهكذا، على أن يراعى السباق والسياق فى فهم المراد من الآية. والخطأ الذى يقع فيه كثير من الباحثين الآن - وكثير منهم غير أهل للتفسير- أساسه عدم مراعاة هذا المنهج، فهم يبترون الآية بترا ويقطعونها عن سابقتها ولاحقتها ويفسرونها كما يريدون، وهم لا ينظرون إلى مثل هذه الآية فى موضع آخر من القرآن حتى يستعينوا بها على تفسيرها، فلهذا يخطئون كثيرا فيما يزعمون. روى البخارى ومسلم أنه لما نزل قول الله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} [الأنعام: 82] قال بعض الصحابة:
يا رسول الله وأينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس بذلك، ألا تسمع إلى قول لقمان {إن الشرك لظلم عظيم} . فالظلم الذى نزلت به هذه الآية عرف المراد منه بما نزل فى الآية الأخرى، وهو الشرك.
ومن مظاهر الخطأ فى التفسير لعدم اتباع هذا المنهج أن بعض الباحثين - ولا أقول المفسرين - أراد أن يبرهن على أن الأرض تتحرك وتسير وليست ثابته، فأورد قوله تعالى: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب} [النمل: 88] فمرور الجبال كالسحاب دليل على أن الأرض تتحرك، هكذا يقول. وقد نسى أن الآيات التى اكتنفت هذه الآية تتحدث عن النفخ فى الصور وعن محاسبة الناس على حسناتهم وسيئاتهم، فالجو كله فى يوم القيامة سباقا وسياقا. وليس ذلك فى عالم الدنيا. ونسى أيضًا أن الحديث عن ظاهرة مرور الجبال يوم القيامة ورد فى آيات أخرى من سور القرآن قال تعالى: {يوم تمور السماء مورا.
وتسير الجبال سيرا. فويل يومئذ للمكذبين} [الطور: 9 - 11] وقال {إذا الشمس كوِّرت. وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيِّرت..} [التكوير: 1 ـ 3] والمقام كله فى يوم القيامة.
10 ـ وهذه بعض الكشوف العلمية التى حاول الكاتبون أن يستدلوا عليها بالقرآن:
1 ـ فى غزو الفضاء قالوا: يدل عليه قوله تعالى: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان} [الرحمن: 33] فالسلطان هو العلم وبواسطته نفذ الإنس من الأقطار. ويرد عليه بأن هذه الآية تتحدث عن يوم القيامة، وتبين قدرة الله على محاسبة كل من الإنس والجن ومجازاته لا يستطيع أحد أن ينجو منه إلا بسلطان، أى قدرة عظيمة أو ملك قوى، وليس ذلك لأحد إلا لله. أو تتحدث عن القضاء بالموت على كل حى لا يهرب منه أحد فكل من عليها فان، لا ينجو منه إلا بالسلطان المذكور وهو لا يملكه.
وقال ابن عباس فى تفسيرها: إن استطعتم أن تعلموا ما فى السموات وما فى الأرض فاعلموه ولن تعلموه إلا بسلطان أى ببينة من الله، ومعنى هذا أن الغيب لا يعلمه إلا الله، الذى يطلع عليه من يشاء من عباده. فلو فرض أن المراد بالسلطان هو العلم كما يشير إليه قول ابن عباس، فإن هذه الآية ليست نصًّا فى الزعم الذى يقوله المتحدثون. وعلى ذلك لا تصح دليلا لهم، على أنه لو كان ذلك صحيحًا فما المانع أن يطلع الله بعض الناس على علوم الكون بسلطان العلم، ولكن هل نفذ الإنس بعلمهم من أقطار السموات أيضا، أو نفذوا فقط - إلى الآن - من أقطار الأرض وجاذبيتها، وبقيت السموات حجرًا محجوراً؟ إن كل ما أمكن الوصول إليه من معلومات عن طريق الآلات الحديثة لا يعدو أن يكون فى سماء الدنيا، فإن الكشوف الفلكية والكواكب وأبعادها وسرعة ضوئها ودورانها ما زالت فى إحدى السموات وهى الدنيا، الشمس تبعد عن الأرض 93 مليون ميل كما قال تعالى: {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} [الصافات: 6] فهل يستطيعون أن ينفذوا من أقطار السماء الدنيا كلها ثم يتطلعون إلى بقية السموا ت؟ على أن المقام، كما ذكرت، هو مقام الحساب والجزاء بدليل السباق والسياق، فأولى أن يحمل اللفظ على ما يليق به، ولا داعى للتعسف وطلب دليل من القرآن، فكم من حقائق علمية ثبتت بغير الاستدلال عليها من الكتاب الكريم، ولا ضير فى ذلك أبدًا، على ما علمت من مهمة القرآن فى الهداية والإعجاز.
(ب) استدل بعض العامة من الناس على كروية الأرض بالآية السابقة قائلا إن التعبير بالأقطار يثبت كروية الأرض وكروية السموات، لأن القطر هو الخط الموصل بين نقطتين على المحيط ماراًّ بمركز الدائرة، والأقطار لا تكون إلا للدوائر وهذا بالتالى يثبت الكروية. ويرد عليه بأن القطر الذى يتحدث عنه هذا الشخص اصطلاح هندسى لم تعرفه العرب فهم يعرفون القطر بأنه الجهة والناحية لا الخط المذكور، والنفاذ من الأقطار يكون بالخروج من الجهات والمنافذ لا من الخطوط التى يتصورها المهندسون.
إن كروية الأرض حقيقة ثابتة، وحياة الناس وتطورها مبنى عليها، والدليل على ذلك ليس من القرآن، ولا داعى لالتماسه منه أبدًا، على ما علمت من مهمته فى الإعجاز وهداية الناس.
(ج) دور الرياح فى تلقيح النبات بحمل مادة الذكورة إلى مكانها الذى تلتقى فيه بمادة الأنوثة فيكون الإخصاب، على ما هو مقرر فى علم النبات. استدل عليه البعض بقوله تعالى: {وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقينا كموه} [الحجر: 22] فاللواقح جمع لاقح بمعنى حاملة للقاح، أو ملقحة لغيرها بما تحمله، إن دور الرياح فى نقل اللقاح معروف، ولكن فى أخذه من هذه الآية تعسف وتكلف؛ ذلك أنه لو كان المراد تلقيح النبات لجاء عقبها ما يتحدث عن النبات فيقال مثلا: فزكا الزرع وخرج الثمر ولكن الذى حدث أن الذى جاء بعدها قوله تعالى: {فأنزلنا من السماء ماء فأسقينا كموه} وهذا يشير إلى أن المعنى أن الرياح المحمَّلة ببخار الماء؛ يرسلها الله فتتجمع السحب ويتكاثف البخار ويبرد فى الطبقات الجوية الملائمة فينزل الماء، وهذا هو التنسيق المعقول بين إرسال الرياح اللواقح وإنزال الماء من السماء لسقى الناس. فأولى أن تحمل الآية عليه، ولا يتعسف بحملها على ما يثبت دورها فى تلقيح النبات، فذلك مشاهد بالملاحظة والنظر لا حاجة إلى الدليل النقلى عليه.
(د) قالوا: إن حدود الكون تتسع وتمتد؛ واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} [الذاريات: 47] ؛ لكن العلماء قالوا: إن لفظ {موسعون} مأخوذ من أوسع الرجل إذا صار ذا سعة وغنى؛ ومنه قوله تعالى {ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} [البقرة: 236] فالآية تدل على قدرة الله، وقدرته تتجلى فى أشياء كثيرة، ولا مانع أن يكون منها توسيع حدود الكون، فهو الذى خلقه بقدرته وعلمه. فلا ينبغى قصر معنى السعة على هذا الذى يريده علماء الفلك والطبيعة.
(هـ) قالوا: إن كل شىء فى السماء يعتريه ازدياد مفاجئ فى حرارته وحجمه وإشعاعه بدرجة لا تتصورها العقول، وعند ذلك يتمدد السطح بما حوى من لهب ودخان، حتى يحصل على توازنه الدائم، والشمس لم تمر بهذا الدور بعد، فإذا مرت به وتمدد سطحها الخارجى حتى وصل القمر يختل توازن المجموعة الشمسية كلها، وذلك يوم القيامة، ويدل عليه قوله تعالى {فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين} [الدخان: 10] قال المفسرون: إن هذا الدخان من علامات الساعة كما فى صحيح مسلم، وقيل إن الدخان هو ما أصاب قريشًا من الجوع بسبب دعاء النبى صلى الله عليه وسلم عليهم؛ كما رواه البخارى فى حديث يصور هذا الجوع جاء فيه: فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فأنزل الله {فارتقب ... } وجاء فيه: أن النبى استقى لهم فسقوا ولكن استمروا على عنادهم فقال الله تعالى: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون} يعنى يوم بدر، وقيل إنه غبار الجيش يوم فتح مكة.
(و) قالوا أيضًا مما يشير إلى قلة الأوكسجين فى الطبقات الجوية العليا قوله تعالى: {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجا كأنما يصَّعَّد فى السماء} [الأنعام: 125] وظاهرة ضيق الصدر تحصل عند الارتفاعات العليا، ومثل هذا واضح لا شك فيه، ويفيد فى تصور المعنى المراد دون أن يمس قدسية القرآن.
كما قالوا: إن الأبعاد والمسافات الشاسعة بين النجوم والتى لا يمكن حساب بعضها يشير إليه قوله تعالى {فلا أقسم بمواقع النجوم} [الواقعة: 75] فإن مجموعات النجوم التى تكون أقرب مجرات السماء منا تبعد عنا بنحو 700 ألف سنة ضوئية، والسنة الضوئية تعادل عشرة ملايين الملايين من الكيلو مترات للضوء يقطع فى العام نحو 88، 5 مليون ميل أى نحو 6 مليون ميل (مجلة العربى يوليو 1970 م) (الضوء يقطع فى الثانية186000 ميل) 000، 300 ك م فهذه الأبعاد الشاسعة جديرة بأن يقسم الله بها لعظمها، وهذا وجه من وجوه العظمة وقد يكون منها دقة مساراتها وعدم تصادمها وتحديد الجاذبية فى كل منها، فالآية شاملة وعامة.
وقالوا أيضًا: مما يدل على قوة الاستدلال ببصمات الأصابع على شخصية صاحبها قوله تعالى: {بلى قادرين على أن نسوِّى بنانه} [القيامة: 4] لأن دقة الخطوط واتجاهاتها وعددها لا يكاد يتفق فيها شخصان، فتسويتها يوم القيامة على ما كانت عليه بعد أن كانت ترابًا منثوراً موزعا فى أماكن قاصية دليل قدرة الله تعالى، وهذا وجه من وجوه قدرة الله على بعث الناس يوم القيامة بأجسامهم المشخصة لهم بعد فنائها.
مثل هذه الأمثلة الأخيرة لا يضر توضيح آيات القرآن به أبدا، ولكن الممنوع قصرها على هذه المكتشفات، أو التعسف فى التأويل الذى يخرج به اللفظ عن أصل وضعه اللغوى واستعماله العرفى عند العرب الذين نزل القرآن بلغتهم.
وبعد، فهذا عرض موجز لموقف القرآن من الكشوف العلمية الحديثة رأينا فيه تشجيعه للبحث والنظرة ورأينا دقته حين يعرض لشىء علمى كشف عنه البحث أخيرا، وهذا دليل صدقه وأنه من عند الله وحده أيَّد به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم. والمقررات العلمية الثابتة ستزيد معانى القران وضوحًا، وهذه صورة من صور التعانق بين العلم والدين، أى العلم الثابت الأكيد ودين الله الذى أنزله هداية للناس جميعًا {سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أوَ لم يكف بربك أنه على كل شىء شهيد} فليكن فهمنا له على ضوء لحقائق الثابتة لا النظريات الفجه، ولنحفظ له قدسيته فلا نقول على الله بغير علم، ولا نجعله حمى مستباحا لكل كاتب يجيل فيه قلمه بما ترمى به الأفكار الشاردة،، فليس كل مجال تباح فيه الحرية للجائلين {ألا إنهم فى مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شىء محيط} [فصلت: 54] .
تتمة:
وردت بعض الأحاديث فى مسائل علمية لم يوافق عليها العلم إلى الآن كحديث الذباب إذا وقع فى الإناء والأمر بغمسه كله لأن فى أحد جناحية داء والآخر دواء، وأحاديث أخرى واردة فى الطب.
ويرى ابن خلدون أن الطب المنقول فى الشرعيات ليس من الوحى فى شىء فإن النبى صلى الله عليه وسلم لم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات وقد وقع له فى شأن تلقيح النخل ما وقع فقال أنتم أعلم بأمور دنياكم. وعلى هذا يجوز أن يكون رأى النبى صلى الله عليه وسلم فى مثل هذه الأمور محتملا للخطأ لأنه من أمور الدنيا. لكن لا ينبغى الحكم بذلك إلا بعد البحث الصحيح لمعرفة الرأى الحق العلمى اليقينى فى مثل هذه الأمور " منبر الإسلام مجلد 1 2 عدد جمادى الآخر 1383 ص آ 1، 17 "(8/81)
تفسير: (لا تسألوا عن أشياء)
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل معنى قوله تعالى: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤ كم} أننا لا نسأل عن أمور ديننا ما دمنا لا ن
الجواب
روى البخارى ومسلم أن رجلا اسمه عبد الله بن حافة هاجر إلى الحبشة وشهد بدرا وكانت فيه دعابة سأل النبى سلم عن أبيه، فقال له: " أبوك فلان " ولما علمت أمه بسؤاله عن أبيه قالت: ما سمعت بابن أعق منك، آمن أمك قارفت ما يفارق النساء فى الجاهلية فتفضحها على أعين الناس؟ فقال: والله لو ألحقن بعبد أسود للحقت هذه الآية تنهى عن مثل هذه الأسئلة.
وروى الترمذى انه لما نزل قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} قالوا: يا رسول الله أفى كل عام؟ فسكت ولما كرروا السؤال قال " لا، ولو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت ما أطقتموها، ولو لم تطيقوها لكفرتم " فأنزل الله هذه الآية للنهى عن تكلف الأسئلة ما دام القرآن لم يبين اكثر مما نزل، وذلك كله فى أيام نزول الوحى، حتى لا يكون المسلمون كبنى إسرائيل حينما أمرهم الله أن يذبحوا بقرة، فأخذوا يسألون عن سنِّها وأوصافها حتى شدد الله عليهم فاشتروها بثمن كبير.
أما اليوم ـ وقد انتهى الوحى ـ فيجوز بل يجب أن نسأل عما نجهله لأنه من باب التفقه فى الدين، وقد كان النهى رحمة بالمسلمين فقد صح فى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شىء لم يحرم على المس فحرم عليهم من أجل مسألته ".
فعلى كل مسلم يجهل أمرا من أمور الدين ـ لم يستطع أن يعرفه من مصادره ـ أن يسأل عنه العلماء المختصين كما قال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} وأنصح كل طالب علم أياًّ كان نوعه أن يسأل عن حكم الدين فى كل ما يعِنُّ فذلك دليل على اليقظة حتى لا يزل، ولا يعدُّ ذلك جبنًا منه، بل هو الحكمة عين الحكمة، فليس التفلت من بل هو تهور يؤدى إلى التهلكة(8/82)
نسخ القرآن بالسنة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل يجوز للسنة الشريفة أن تنسخ الأحكام الثابتة بالقرآن مثل قوله صلى الله عليه وسلم "لا وصية لوارث " الذى نسخ الوصية للوارث الموجودة فى القرآن، مع العلم بان القرآن كلام الله تعالى، والسنة من عند الرسول والرسول بشر؟
الجواب
يقول الله سبحانه {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} البقرة: 106، ويقول {وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل} النحل: 151، تفيد هاتان الآيتان وغيرهما أن النسخ وهو انتهاء حكم شرعى بطريق شرعى موجود فى القرآن الكريم، وقد يكون النسخ للتلاوة والحكم أو أحدهما، وذلك بنزول آية أخرى فيها حكم مغاير. وأمثلته كثيرة فى القرآن الكريم أفردت بتآليف خاصة منها كتاب الناسخ والمنسوخ لأبى جعفر النحاس المتوفى سنة 338 س.
ونسخ القرآن بالقرآن متفق عليه بدليل الآيتين السابقتين، وأما نسخ القرآن بالسنة فمنعه جماعة، لأن الله يقول {قل ما يكون لى أن أبدِّله من تلقاء نفسى إن أتبع إلا ما يوحى إلىَّ} يونس: 15، ولأن السنة لا تكون مثل القرآن ولا خيرا منها كما تقول الآية {نأت بخير منها أو مثلها} وقال آخرون بجواز نسخ القرآن بالسنة وبوقوعه بناء على أن السنة أيضا من عند الله كما قال تعالى {وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحى يوحى} النجم: 3، 4، وقال {وأنزلنا إليك الذكر لتبيِّن للناس ما نزَل إليهم} النحل:
44،على أن المراد بالذكر هو السنة، وقال جماعة: بنسخ القراَن بالسنة إذا كانت بأمر الله عن طريق الوحى، أما إن كانت باجتهاد فلا.
والرأى القائل بنسخ القرآن بالسنة هو الأقوى، لقول الله تعالى. إلى جانب النصين السابقين - {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الحشر: 7.
وقوله: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم} النساء:
65، إلى غير ذلك من النصوص، وقد أجمع المسلمون على أن القرآن إذا نزل بلفظ مجمل ففسره الرسول وبيَّنه كان بمنزلة القرآن المتلوَّ فى الأخذ به، فكذلك النسخ. وتطبيقا لذلك فى حكم الوصية للوارث.
قال تعالى {كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف} البقرة: 180.
يقول أبو جعفر النحاس: فى هذه الآية خمسة أقوال، منها أنها منسوخة بقوله " لا وصية لوارث " وذلك على رأى من يجيز نسخ القراَن بالسنة- وقيل: هى منسوخة بآية المواريث {يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثين} النساء: 11، وذلك على رأى من ينسخ القراَن بالقرآن فقط وقيل: نسخت الوصية للوالدين وثبتت للأقربين الذين لا يرثون.
وقيل: نسخ وجوب الوصية وبقى ندبها، وقيل: إن الوصية واجبة للوالدين والأقربين إذا كانوا لا يرثون، كأن كانوا كفارا.
هذا ملخص ما قيل فى آية الوصية، وعلى قول من الأقوال فى تفسيرها كان تشريع الوصية الواجبة لولد الولد المحروم من الميراث، كما فى القانون المصرى للأحوال الشخصية(8/83)
معنى: لا يمسه إلا المطهرون
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
أرجو تفسير قوله تعالى {لا يمسه إلا المطهرون} الواقعة: 79؟
الجواب
يقول الله تعالى {إنه لقرآن كريم. فى كتاب مكنون. لا يمسه إلا المطهرون} الواقعة: 77 - 79. اتفقت الأئمة على حرمة مسهم المصحف أو حمله فى حال الجنابة ولم يخالف فى ذلك واحد من الصحابة، لكن جوزه داود وابن حزم.
واستند الجمهور القائل بالحرمة إلى هذه الآية، بناء على أن المراد بالكتاب هو المصحف وأن المس هو اللمس الحسى المعروف. وقد نوقش هذا الدليل بأن الكتاب المكنون فسره بعضهم باللوح المحفوظ ولا يمسه إلا المطهرون مقصود بهم الملائكة وفسره بعضهم بالكتب السابقة على معنى أن فيها ذكرا للقرآن ومن ينزل عليه، كما نوقش بأن الكتاب لو أريد به المصحف فإن معنى {لا يمسه إلا المطهرون} : لا يمسه إلا المطهرون من الشرك، لأن المشركين نجس فالذين يجوز لهم مسه هم المؤمنون سواء أكانوا على طهارة أم لا.
وقد صحح ابن القيم فى كتابه "التبيان فى أقسام القرآن " أن المراد بالكتاب هو الذى بيد الملائكة، وأريد ذلك بقوله تعالى: {فى صحف مكرَّمة.
مرفوعة مطهرة. بأيدى سفرة. كرام بررة} عبس: 13 -16.
ورجَّح ذلك بعشرة وجوه يمكن الاطلاع عليها فى الجزء الثانى من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام (ص 213) .
كما استدل المحرمون لحمل المصحف أو مسه بدون طهارة بحديث " لا يمس القرآن إلا طاهر) رواه النسائى والدارقطنى والأثرم.
وهو حديث قوى قيل إنه أشبه بالمتواتر وقيل إنه حسن. وكذلك استدلوا بحديث "لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر) ذكره الهيثمى فى "مجمع الزوائد" برجال موثقين. كما استدلوا بمنع أخت عمر بن الخطاب من مسه للصحيفة التى كانت تقروها لأنه رجس، رواه الدارقطنى.
ونوقشت أدلة المحرِّمين وأدلة المجيزين.
هذا فى حال الجنابة، أما فى الحدث الأصغر فجمهور العلماء على حرمة مس المصحف وحمله، وهو مروى عن كثير من الصحابة والتابعين، وذهب إليه من أئمة الفقة مالك والشافعى وأبو حنيفة فى إحدى الروايتين عنه. وأجاز بعض العلماء ذلك ونقل عن جماعة من السلف، وذهب إليه أبو حنيفة فى رواية عنه، كما جوزه داود بن على.
واستثنى بعض من حرم مس المصحف وحمله من الحدث الأصغر - الصبيان الذين لم يبلغوا الحلم لحاجتهم إلى حفظ القراَن، ويقاس عليهم الكبار المحتاجون لحفظ القرآن فرخص لهم مسه وحمله مع الحدث الأصغر من أجل تيسير الحفظ وليس من أجل التعبد بالتلاوة، فتشترط للمسه وحمله الطهارة "راجع ص 413 من المجلد الأول من هذه الفتاوى"(8/84)
كتابة القرآن بغير الحروف العربية
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل تجوز كتابة القرآن بغير الحروف العربية ليستطيع قراءته أهل اللغات الأخرى؟
الجواب
أثير هذا الموضوع عندما أثير موضوع ترجمة القراَن الكريم، وحاول بعض المجددين أن يجيز كتابة القرآن بحروف غير الحروف العربية، ولكن عارضه أهل الذكر من علماء الدين، وصدرت بذلك فتوى رسمية من لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، ونشرت بمجلة الأزهر "المجلد السابع ص 45 " بتوقيع الشيخ حسين والى رئيس اللجنة وهذا نصها:
لا شك أن الحروف اللاتينية المعروفة خالية من عدة حروف توافق العربية، فلا تؤدى جميع ما تؤديه الحروف العربية، فلو كتب القرآن الكريم بها على طريقة النظم العربى. -كما يفهم من الاستفتاء -لوقع الإخلال والتحريف فى لفظه، وتبعهما تغير المعنى وفساده. وقد قضت نصوص الشريعة بأن يُصان القرآن الكريم من كل ما يعرضه للتبديل أو التحريف، وأجمع علماء الإسلام سلفا وخلفا على أن كل تصرف فى القرآن الكريم يؤدى إلى تحريف فى لفظه أو تغيير فى معناه ممنوع منعا باتا، ومحرم تحريما قاطعا.
وقد التزم الصحابة رضى الله عنهم ومن بعدهم إلى يومنا هذا، كتابة القرآن الكريم بالحروف العربية ومن هذا يتبين أن كتابة القرآن العظيم بالحروف اللاتينية المعروفة لا تجوز. انتهى.
هذا ويقاس على تحريم كتابة القراَن الكريم بالحروف اللاتينية التى صدرت بها الفتوى تحريم كتابته بأية حروف أخرى غير عربية، للاتحاد فى العلة كما هو الشرط فى القياس وقد سبق الكلام على ذلك فى ص 3 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى(8/85)
قول صدق الله العظيم
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
بعض الناس يقولون: إن قول القارئ بعد الانتهاء من القراءة "صدق الله العظيم " بدعة، لا يجوز قولها فهل هذا صحيح؟
الجواب
حذرت كثيرا من التعجل فى إطلاق وصف البدعة على أى عمل لم يكن فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم ولا فى عهد التشريع، ومن التمادى فى وصف كل بدعة بأنها ضلالة وكل ضلالة فى النار، ويمكن الرجوع إلى ص 352 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى لمعرفة ذلك.
وقول "صدق الله العظيم " من القارى أو من السامع بعد الانتهاء من القراءة، أو عند سماع آية من القراَن ليس بدعة مذمومة، أولا لأنه لم يرد نهى عنها بخصوصها، وثانيا لأنها ذكر لله والذكر مأمور به كثيرا، وثالثا أن العلماء تحدثوا عن ذلك داعين إليه كأدب من آداب قراءة القرآن، وقرروا أن قول ذلك فى الصلاة لا يبطلها، ورابعا أن هذه الصيغة أو قريبا منها ورد الأمر بها فى القرآن، وقرر أنها من قول المؤمنين عند القتال.
قال تعالى: {قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا} آل عمران:95، وقال {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله} الأحزاب: 22، وذكر القرطبى في مقدمة تفسيره أن الحكيم الترمذى تحدث عن آداب تلاوة القراَن الكريم وجعل منها أن يقول عند الانتهاء من القراءة: صدق الله العظيم أو أية عبارة تؤدى هذا المعنى. ونص عبارته "ج 1 ص 27 ": ومن حرمته إذا انتهت قراءته أن يصدق ربه، ويشهد بالبلاغ لرسوله صلى الله عليه وسلم [مثل أن يقول: صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم] ويشهد على ذلك أنه حق، فيقول: صدقت ربنا وبلَّغت رسلك ونحن على ذلك من الشاهدين.
اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط، ثم يدعو بدعوات.
وجاء فى فقه المذاهب الأربعة، نشر أوقاف مصر، أن الحنفية قالوا: لو تكلَّم المصلى بتسبيح مثل. صدق الله العظيم عند فراغ القارئ من القراءة لا تبطل صلاته إذا قصد مجرد الثناء والذكر أو التلاوة، وأن الشافعية قالوا: لا تبطل مطلقا بهذا القول، فكيف يجرؤ أحد فى هذه الأيام على أن يقول: إن قول:
صدق الله العظيم، بعد الانتهاء من قراءة القرآن بدعة؟ أكرر التحذير من التعجل فى إصدار أحكام فقهية قبل التأكد من صحتها، والله سبحانه وتعالى يقول: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون} النخل:
116(8/86)
ختم القرآن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل هناك دعاء مخصوص لختم القرآن وهل ورد حديث فى فضل الاجتماع على ختم القرآن؟
الجواب
لم يرد حديث مقبول عن النبى صلى الله عليه وسلم بخصوص ختم القرآن كما لم يرد بخصوص الاجتماع على الختم، وإنما هو كلام وآثار وردت عن السلف، وذكر النووى شيئا من ذلك فى كتابه "الأذكار" ص 158 وقال:
صح عن بعض التابعين الكوفيين أنهم كانوا يصبحون صياما اليوم الذي يختمون فيه. وقال: يستحب حضور مجلس الختم لمن يقرأ ولمن لا يحس القراءة، كما شهد النساء الحُيَّض الخير ودعوه المسلمين يوم العيد. وذكر أن أنس بن مالك كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا، وأن الدعاء يستجاب عند ختم القرآن وتنزل الرحمة. وروى فى مسند الدارمى عن حُميد الأعرج أنه قال: من قرأ القرآن ثم دعا أمَّن على دعائه أربعة آلاف ملك.
إن قراءة القراَن لها فضلها العظيم. ومجالس الذكر والقرآن تشهدها الملائكة كما صحت بذلك الأحاديث، والصوم مستحب سواء كان من أجل ختم القرآن أو من غيره، والدعاء لا بأس به بعد قراءة القرآن وهو مرجو القبول، لأن القراءة وسيلة لثواب الله، والدعاء بصالح الأعمال بوجه عام يرجى قبوله كدعاء الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار ففرَّج الله عنهم وكون أربعة آلاف ملك يؤمنون على الدعاء بعد القرآن لا يعلمه إلا الله سبحانه ولم يصح فيه حديث فالخلاصة أن كل عمل صالح يدعو تحت العنوان العام للصالحات لا بأس به، لكن ورود حديث بذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم يجب التحرى فيه(8/87)
قراءة القرآن للجنب
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
سيدة تدرس الدين فى المدارس، وتضطر إلى قراءة آيات من القرآن الكريم وهى فى عادتها الشهرية فهل هذا جائز؟
الجواب
قراءة القرآن من غير مس المصحف أو حمله بالنسبة للحائض والنفساء والجنب فيها رأيان: رأى بالمنع وهو لجمهور العلماء، ورأى بالجواز. واستدل الجمهور على المنع بأدلة منها:
1 -ما رواه أصحاب السنن عن على رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يحجبه عن القراءة شىء إلا الجنابة، وصحح الترمذى هذا الحديث. وقال ابن حجر: إن بعضهم ضعَّف بعض رواته فهو من قبيل الحسن، ويصلح للاحتجاج به.
2 -ما رواه أحمد وأبو يعلى عن على أيضا قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم قرأ شيئا من القرآن ثم قال "هكذا لمن ليس بجنب فأما الجنب فلا ولا آية" قال الهيثم: رجاله موثقون، قال الشوكانى: فإن صح هذا الحديث صلح للاستدلال على التحريم، أما الحديث الأول عن على فليس فيه ما يدل على التحريم، لأن غايته أن النبى صلى الله عليه وسلم ترك القراءة حال الجنابة. ومثله لا يصح متمسكا للكراهة فكيف يستدل به على التحريم؟ .
3- ما رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم "لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن " وقد ضُعِّف هذا الحديث.
والذين أجازوا القراءة للجنب، ومنهم داود، وابن حزم الظاهريان، استندوا إلى كتاب هرقل الذى؟ أرسله إليه النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه البخارى ومسلم -وكانت فيه آية {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم. . .} وهو وغيره ممن أرسلت إليهم الكتب لا يتطهرون من الجنابة. وذهب البخارى والطبرى إلى ذلك. قال البخارى: لا بأس أن تقرأ الحائض، الآية ولم ير ابن عباس بالقراءة للجنب بأسا، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل حال.
قال الحافظ ابن حجر تعليقا على هذا. لم يصح عند المصنف - البخارى- شىء من الأحاديث الواردة فى ذلك. أى فى منع الجنب والحائض من القراءة، وإن كان مجموع ما ورد فى ذلك تقوم به الحجة عند غيره، لكن أكثرها قابل للتأويل. وذهب أبو حنيفة إلى قراءة ما دون الآية. وبعه عرض الرأيين أقول: إن أدلة المنع من القراءة للجنب قوية، ولا أرى جوازها إلا للضرورة القصوى، كالاستدلال من القرآن على رأى فى مجال النقاش مثلا، وكقراءته لتأدية امتحان يترتب على عدم القراءة فيه ضرر، وبالنسبة لما جاء فى السؤال أرى أن تعتذر المدرسة عن عدم القراءة وتؤجلها حتى تطهر أو تكلف غيرها بالقراءة.
هذا وقد جاء فى شقه المذاهب الأربعة-نشر أوقاف مصر-ما يأتى:
1 -المالكية قالوا: لا يجوز للجنب قراءة القراَن إلا إذا كان يسيرا وقرأه بقصد التحصن أو الاستدلال، أما الحائض والنفساء فإنه يجوز لها قراءه القرآن حال نزول الدم. سواء كانت عليها جنابة من قبل أم لا، أما بعد انقطاع الدم فإنه لا يجوز القراءة قبل الاغتسال سواء كانت عليها جنابة أو لا على المعتمد، وذلك لأنها صارت متمكنة من الاغتسال فلا تحل لها القرءاة قبله. أما مس المصحف أو كتابته فإنه يجوز لها للتعلم أو التعليم فقط.
وكذلك لا يجوز للجنب دخول المسجد لا لمكث فيه ولا المرور من باب إلى باب آخر.
2 - والحنفية قالوا: يحرم على الجنب تلاوة القراَن إلا إذا كان معلما، فإنه يجوز له أن يلقن المتعلم كلمة كلمة، بحيث يفصل بينهما، وأن يفتتح أمْرًا ذا. بال بالتسمية، وأن يقرأ الآية القصيرة بقصد الدعاء أو الثناء، ومثل الجنب فى ذلك الحائض والنفساء، أما دخول المسجد فيحرم إلا للضرورة.
3-والشافعية قالوا: يحرم على الجنب قراءة القرن ولو حرفا واحدا إن كان قاصدا تلاوته، أما إذ قصد الذكر فلا يحرم مثل "بسم الله الرحمن الرحيم " عند الأكل، أما المرور بالمسجد فيجوز للجنب والحائض والنفساء من غير مكث فيه ولا تردد بشرط أمن عدم تلوث المسجد. ولا يجوز المكث فيه إلا للضرورة.
4 - والحنابلة قالوا: يباح للجنب أن يقرأ ما دون الآية القصيرة دون ما زاد على ذلك وله الذكر به، أِما المكث فى المسجد فيجوز بالوضوء ولو بدون ضرورة. أما الحائض أو النفساء فلا يجوز لها المكث بالوضوء إلا إذا انقطع الدم(8/88)
تفسير: المال والبنون
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل المال مفضَّل على البنين حيث جاء الأول فى قوله تعالى {المال والبنون زينة الحياة الدنيا} ؟
الجواب
هذه الآية من سورة الكهف: 46، ومبدئيا أقول: إن العطف بالواو لا يقتضى ترتيبا ولا تعقيبا كما قال علماء اللغة العربية التى نزل بها القرآن الكريم المعجز، فالمال والبنون يشتركان فى حكم واحد فى الآية هو زينة الحياة الدنيا، سواء قدِّم المال على البنين فى الذكر أو أخر، فالواو لمطلق الجمع بينهما.
ثم أقول: لعلَّ - والله اعلم -تقديم المال على البنين هو مشاكلة لما حدث فى قصة الرجل صاحب الجنتين الذى افتخر بهما على صاحبه.
وقدم فى فخره المال على الولد، حيث قال القرآن {فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا} الكهف: 34، وردَّ على صاحبه بعد ذلك بقوله {إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربى أن يؤتين خيرا من جنتك} الكهف: 39-40، واستمر الحديث بعد ذلك عن المال وهو الجنة التى أحرقها الله، وجاءت الآية التى تضرب المثل بعد ذلك متحدثة عن المال، فالتركيز أكثر على المال. فناسب أن يخبر الله عن زينة الحياة الدنيا مقدما المال الذى كان الاهتمام به كبيرا، ثم أقول إن المال هو الذى يساعد على الزواج الذى يأتى منه البنون المحتاجون فى تربيتهم أولا إلى المال، هذا ما بدا لى ولعله يكون مقبولا وأسرار القرآن المعجز يعلمها الله سبحانه وتعالى(8/89)
الترتيب بين الإنس والجن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
لماذا نرى فى القرآن الكريم تقديم الجن على الإنس. هل هم أفضل من الإنس؟
الجواب
كما قرر العلماء: العطف بالواو لا يقتض ترتيبا ولا تعقيبا، فالكل مخلوقون لله ومخاطبون بالشريعة وسيحاسبون أمام الله، وهم مشتركون فى هذه الأمور وفى غيرها، ولعل تقديم الجن على الإنس راجع إلى أن الجن كانوا موجودين قبل خلق آدم. فلما خلقه الله أمر الملائكة بالسجود له، وكان معهم إبليس وقال بعض العلماء: لعل التقديم بسبب أن الجن تشمل الملائكة بجامع الاستتار فى كل، وفى ذلك يقول الله تعالى عن الكفار {وجعلوا بينه وبين الجِنة نسبا} الصافات: 158، حيث قالوا: إن الملائكة بنات الله قال الأعشى:
وسخر من جن الملائك سبعة * قياما لديه يعملون بلا أجر فأما قوله تعالى {لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} الرحمن: 74، وقوله: {لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان} الرحمن: 36، وقوله {وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا} الجن: 5، فإن لفظ الجن ها هنا لا يتناول الملائكة بحال، وذلك لنزاهتهم عن العيوب، وأنه لا يتوهم عليهم الكذب ولا سائر الذنوب، فلما لم يتناولهم عموم اللفظ لهذه القرينة بدأ لفظ الإنس لفضلهم وكمالهم "آكام المرجان للشبلى ص 7"(8/90)
المعوذتان هل هما من القرآن
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح ما يقال: إن المعوذتين ليستا من القرآن الكريم؟
الجواب
هذا الكلام قديم وذكرته بعض كتب التفسير ونسب إلى عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه، يقول القرطبى فى تفسيره "ج 25 ص 251" زعم ابن مسعود أنه ما - قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس - دعاء تعوذ به النبى صلى الله عليه وسلم -حين سحرته اليهود، وليستا من القرآن. خالف به الإجماع من الصحابة وأهل البيت.
وهذا الكلام يعنى أن المعوذتين من القرآن، والدليل عليه هو الإجماع من الصحابة وأهل البيت، ثم ذكر القرطبى مبررات لقول ابن مسعود، فذكر أن ابن قتيبة قال: لم يكتب عبد الله بن مسعود فى مصحفه المعوذتين لأنه كان يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين -رضى الله عنهما-بهما، فقدَر أنهما بمنزلة: أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة.
ومن المعلوم أن المصحف الرسمى المعوَّل عليه هو ما كان يمليه النبى صلى الله عليه وسلم على كتَّاب الوحى، وكان بعض الصحابة يكتب لنفسه ما نزل من القرآن فى مصحف خاص كابن مسعود، وقد تكتب فيه تعليقات وتوضيحات وهوامش يراها صاحب المصحف هامة عنده، وعلى فرض أن ابن مسعود لم يكتبهما فى مصحفه فليس ذلك دليلا على أنهما ليستا من القرآن الكريم، ومن المعلوم أن عثمان بن عفان،رضى الله عنه عندما جمع المصحف تحت إشراف لجنة مختصة، ونسخ منه عدة نسخ وأرسل بعضها إلى الأمصار لتكون إماما للناس -أمر بإحراق كل ما عدا المصحف الذى جمعه حتى يكون المصحف الرسمى واحدا لا خلاف فيه.
وأبو بكر الأنبارى لا يرضى قول ابن قتيبة فيما نسب إلى ابن مسعود ويؤكد: أن المعوذتين من كلام رب العالمين المعجز لجميع المخلوقين، وأن "أعيذكما بكلمات الله التامة" واضح أنه من قول البشر، وكلام الله الخالق الذى هو معجزة لخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وحُجة باقية على الكافرين - لا يلتبس بكلام الآدميين على مثل عبد الله ابن مسعود العالم باللغة وأفانين الكلام.
ثم يذكر القرطبى أن ترك عبد الله بن مسعود لكتابتهما سببه كما قال. البعض أنه آمن عليهما من النسيان، كما أسقط فاتحة الكتاب من مصحفه لذلك. مع أنه حافظ متقن، ولكن هذا التعليل غير مسلَّم، لأنه كتب: إذا جاء نصر الله والفتح، إنا أعطيناك الكوثر، وقل هو الله أحد، وهن كالمعوذتين فى عدم الطول وفى سرعة الحفظ، ونسيانهن مأمون.
وذكر ابن كثير فى تفسيره عدة روايات تثبت أن المعوذتين من القرآن وان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهما فى الصلاة ويرغب فى قراءتهما لما لهما من الثواب العظيم، وأكثر هذه الروايات فى مسند أحمد وفى سنن النسائى وروى مسلم فى صحيحه عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ألم تر آيات أُنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط، قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ".
كما جاء فى تفسير ابن كثير أن البخارى روى عن زرِّ بن حُبيش أنه سأل أُبى بن كعب: يا أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا تقال: إنى سألت النبى صلى الله عليه وسلم فقال "قيل لى فقلت " فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والحافظ ابن حجر ذكر كثيرا مما تقدم يؤكد الإجماع على أن المعوذتين من كلام الله تعالى وقرآنه الكريم "ج 8 ص 615 ".
يؤخذ من هذا الكلام أن المعوذتين من كلام الله ومن سور المصحف. الشريف، وعدم كتابة ابن مسعود لهما لا يلزم منه أنهما ليستا من القرآن، بصرف النظر عما جاء من تعليل لذلك، فالإجماع منعقد من أيام الصحابة على أنهما من القرآن الكريم، ومصحف عثمان هو الإمام لكل المصاحف لإجماع الصحابة عليه(8/91)
كتاب الإمام على ومعرفة الغيب
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
سمعنا أن هناك كتبا منسوبة إلى الإمام على رضى الله عنه. يعرف فيها ما يحدث فى العالم إلى يوم القيامة - فهل هذا صحيح؟
الجواب
من المعلوم أن الله سبحانه لا يُطلع على غيبه أحدا إلا من ارتضاه، كما قال تعالى {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتض من رسول فإِنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} الجن: 26، 27، ومن المعلوم أيضا أن المغالاة فى كل شىء مذمومة وأن الشيعة الذين يحبون آل البيت تغالوا فى ذلك حتى وضع بعضهم عليا رضى الله عنه فى منزلة ادعى بعضهم فيها أنه إله، والبعض الآخر أنه نبى، وكل ذلك تحدثت عنه كتب التوحيد.
وبخصوص علم سيدنا على كرم الله وجهه بالغيب سبق أن تحدَّثنا فى صفحة 411 من المجلد الخامس من هذه الفتاوى عن مصحف فاطمة رضى الله عنها وعن الجفر والجامعة المنسوبين للإمام على رضى الله عنه. وإضافة إلى ذلك قرأت فى مجلة الإسلام فى سنتها الثالثة وفى العدد الثامن ما يأتى: قال السيد الشريف فى شرح المواقف: الجفر والجامعة كتابان لعلى رضى الله عنه. وقد ذكر فيهما- على طريقة علم الحروف - الحوادث التى تحدث إلى انقراض العالم، وكان الأئمة المعروفون من أولاده رضى الله عنه يعرفونهما ويحكمون بهما.
وفى كتاب قبول العهد الذى كتبه على بن موسى-رضى الله عنهما- إلى المأمون: إنك قد عرفت من حقوقنا ما لم يعرفه آباؤنا، فقبلت منك العهد، لأن الجفر والجامعة يدلان على أنه لا يتم، ولمشايخ المغاربة نصيب من علم الحروف ينتسبون فيه إلى أهل البيت، ورأيت أنا بالشام نظما أشير فيه بالرموز إلى أحوال ملوك مصر، وسمعت أنه مستخرج من ذينك الكتابين.
هذا كلام السيد. قالوا: فعلم من هذا أن عليا كرم الله وجهه كان عالما بالحوادث المستقبلة التى تحدث إلى انقراض العالم، إذ كتابة هذه الحوادث فى معنى القول بها. ولا شك فى أن علمه بذلك لم يكن اطلاعيا ولا استدلاليا. فتعين أن يكون بطريق التعليم الإلهى اللدنى، أو بتعليم النبى صلى الله عليه وسلم إياه بطريق الإفاضة الروحانية. قال حجة الإسلام الغزالى فى الرسالة اللدنية: قال على رضى الله عنه: أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم لسانه فى فمى فانفتح فى قلبى ألف باب من العلم، مع كل باب ألف باب.
هذا، وقد أنكر ابن تيمية نسبة ذلك إلى على فقال: ومن الناس من ينسب إليه الكلام فى الحوادث كالجفر وغيره، وآخرون ينسبون إليه أمورا أُخر يعلم الله تعالى أن عليا كرم الله وجهه منها برى ويؤيد كلام ابن تيمية ما رواه البخارى أن عامة ما يروى عن على كذب(8/92)
صحف إبراهيم
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
قالى تعالى {إن هذا لفى الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى} الأعلى: 18،19، عرفنا صحف موسى وهى التوراة المطبوعة فأين نجد صحف إبراهيم؟
الجواب
من المعلوم أن الكتب التى نزلت على الأنبياء السابقين كانت فى تشريعاتها متناسبة مع الأقوام الذين أرسل إليهم الرسل، ولا يكلف قوم بغير ما جاء به رسولهم، فهى تشريعات خاصة وتاريخية أى قاصرة على زمانها تنسخها الشريعة التى تأتى بعدها، وكان خاتمة الكتب القرآن الكريم الذى نزل على خاتم الرسل، فليس بعدهما كتاب ولا رسول، والأمة الإسلامية ليست مكلفة بما جاء فى الكتب السابقة لأمرين أولهما أنها خاصة بأقوامهم. وثانيهما أنها ليست مقطوعة الصحة، وقد أخبر القرآن الكريم عن تحريفها فى أكثر من آية، بل عن اختلاق جماعة لكلام وادعاء نسبته إلى رسولهم ليكون وحيًا له القداسة عندهم.
مع العلم بأن أصول العقائد والأخلاق التى لا تتغير بتغير الأزمان والأقوام واحدة فى كل ما جاء به الرسل السابقون، والمخالفة هى فى التشريعات العملية التى تتناسب مع هؤلاء الأقوام، والقرآن جاء مقررا للصواب ومصححا لما دخله التحريف منها، تاركا التشريعات لمن نزلت عليهم، قال تعالى {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} المائدة: 48.
وقد تقدم فى صفحة 363 من المجلد الرابع النهى عن قراءة هذه الكتب خشية الفتنة بما فيها، إلا لمن كان على بينة من دينه ليميز الخبيث من الطيب، والخطأ من الصواب.
وبخصوص صحف إبراهيم لا يوجد خبر صحيح عما فيها، ولا عن وجودها الآن، وقد أمر الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم باتباع ملة إبراهيم كما قال تعالى {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين} النحل: 123، والظاهر أن الاتباع هو فى عقيدة التوحيد والعقائد الأساسية كما يفهم من وصفه بقوله {حنيفا وما كان من المشركين} ومع ذلك إذا كان الاتباع فى بعض ما جاء من التشريع فهو صحيح ما دام لم يأت فى الإسلام ما يخالفه على رأى من قال بذلك من علماء الأصول. ومما أخذناه من شريعة إبراهيم الختان. ولا حاجة إلى معرفة ما نزل على إبراهيم من صحف. ففى قرآننا كل خير {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة: 3.
ومع ذلك ذكر المفسرون بعض ما فى هذه الصحف، ففى القرطبى ج 2 ص 24: روى الآجُرِّى من حديث أبى ذر قال: قلت: يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم؟ قال "كانت أمثالا كلها، أيها الملك المتسلط المبتلى المغرور، إنى لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكن بعثتك لترد عنى دعوة المظلوم، فإنى لا أردها ولو كانت من فم كافر. وكان فيها أمثال: وعلى العاقل أن يكون له ثلاث ساعات: ساعة يناجى فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، يفكر فيها فى صنع الله عز وجل إليه، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب. وعلى العاقل ألا يكون ظاعنا إلا فى ثلاث: تزود لمعاد، ومرمَّة لمعاش، ولذه فى غير محرم. وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه.
مقبلا على شانه، حافظا للسانه. ومن عدَّ كلامه من عمله قلَّ كلامه إلا فيما يعنيه ".
قال: قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى؟ قال كانت عِبرا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف ينصب. وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم هو لا يعمل.
قال: قلت يا رسول الله فهل فى أيدينا شىء مما كان فى يدى إبراهيم وموسى مما أنزل الله عليك؟ قال "نعم، اقرأ يا أبا ذر {قد فلح من تزكى. وذكر اسم ربه فصلَّى. بل تؤثرون الحياة الدنيا. والآخرة خير وأبقى. إن هذا لفى الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى} وابن جرير الطبرى اختار أن الذى فى صحف إبراهيم وموسى هو {قد أفلح من تزكى..} ووافقه ابن كثير فى هذا الاختيار، وأورد عن النسائى عن ابن عباس أن سورة {سبح اسم ربك الأعلى} كلها فى صحف إبراهيم وموسى.
وكلها روايات لا يلزمنا اعتقاد ما فيها، وقراننا هو خير كتاب نأخذ منه هدايتنا، فهو يهدى للتى هى أقوم(8/93)
مستقر الشمس وعلم العلماء
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يقول الله تبارك وتعالى: {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، مما يدل على أن الشمس تتحرك وليست ثابتة، ويقول بعض العلماء أن الشمس ثابتة والأرض هى التى تدور حول نفسها مرة فى اليوم، وحول الشمس مرة كل سنة فما مدى صحة كلامها؟
الجواب
الظاهر من كلمة (تجرى) التحرك والانتقال من مكان إلى آخر. كما أن الظاهر من كلمة (تدور) اللف حول شىء معين، وهذا الشىء المعين قد يكون هو المحور مع عدم الانتقال منه، وقد يكون فيه انتقال من مكان إلى آخر مع الالتزام بمركز يحدث حوله هذا الانتقال.
وكلمة (الفلك) معناها المسار أو المدار الذى يتحرك فيه الشىء، وقد يكون التحرك فى خط مستقيم أو خط دائرى يكون محيطا له مركز قال تعالى {وهو الذى خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل فى فلك يسبحون} الأنبياء: 33، والظاهر أن كلمة (كل) تعنى مجموع الليل والنهار والشمس والقمر بدليل الجمع فى قوله (يسبحون) فكيف نتصور الفلك الذى يسبح فيه الليل والنهار؟ إن معرفتنا لا تزال محدودة، وكلما اكتشف علماء اليوم جديدا عرفوا أنهم كانوا يجهلون كثيرا، وألفاظ اللغة العربية فيها من المرونة والصلاحية ما لا يستطيع الإنسان معه أن يجزم بمعنى ينطبق على شىء نجهل من حقيقته كثيرا.
إن "المستقر" الذى تجرى له الشمس فى قوله تعالى: {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، هل المراد به المحور الذى تدور حوله الشمس كما تدور الأرض حول محورها، أو المراد به المدار والمسار الذى تلتزمه وهى تتحرك من مكان إلى آخر، وإلى أين هذا التحرك، هل هو محيط أو فى خط مستقيم. كل ذلك قال به المفسرون والعلماء.
دون جزم بأحد هذه المعانى. وقد يقال: إن المستقر هو نهاية الحركة والجرى فالشمس سيأتى عليها وقت تقف فيه عن الجرى وهو يوم القيامة، فاللام فى (لمستقر) بمعنى "إلى" التى تفيد الغاية. . . قال تعالى {لا الشمس ينبغى لها أن تدرك. القمر ولا الليل سابق النهار وكل فى فلك يسبحون} يس: 40، وهذا يدل على أن لكل من الشمس والقمر سَبحا وجريانا فى مدار ومسار وانتقال من مكان إلى مكان: ثم قال بعد ذلك: {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، فالظاهر أنها تلتزم مسارها وهو الفلك بحيث لا نتجاوزه إلى مسار آخر حتى لا تصطدم بالكوكب أو النجم الذى يجرى فى هذا المسار، وحتى لا تدرك القمر إن جرت فى مداره، فالكل يتحرك بنظام ثابت دقيق.
وقد يراد أن الشمس على الرغم من كبر حجمها والجد فى جريانها بحيث لا تدرك القمر سيأتى عليها وقت تكف فيه عن الحركة بأمر الله الذى يقع كل شىء تحت سلطانه وقهره.
هذا تفسير بالمعقول، أما التفسير بالمنقول فقد جاء فى صحيح مسلم عن أبى ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل: {والشمس تجرى لمستقر لها} يس: 38، فقال: "مستقرها تحت العرش " وفى رواية لمسلم عن أبى ذر أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون أين تذهب هذه الشمس "؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "إن هذه الشمس تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعى، ارجعى من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجرى حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعى، ارجعى من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجرى لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهى إلى مستقرها ذاك تحت العرش، فيقال لها:
ارتفعى أصبحى طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتدرون متى ذلكم "؟ "ذاك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيرا " وجاءت هذه الرواية فى صحيح البخارى عن أبى ذر أيضا بما يفيد أن مستقر الشمس كل يوم هو تحت العرش حيث تسجد وتستأذن ربها بالجرى فيأذن لها حتى يكون آخر إذن بها بالشروق من المغرب.
إن الإنسان لا يستطيع بسهولة أن يفهم معنى الاستقرار تحت العرش، فالشمس دائما فى حركة إن غابت عن بعض أجزاء الأرض فهى ظاهرة للبعض الآخر، ولم يشاهد أحد من الدنيا أنها توقفت عن الحركة. . . أو لا يجوز أن نفسر استقرارها تحت العرش، بأنها فى كل أوقاتها خاضعة لأمر الله، لا تتحرك إلا بإذنه، وتستمر حركتها إلى أن تستقر نهائيا فى آخر الدنيا؟(8/94)
من أى شىء خلقت حواء
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح أن المرأة خلقت من ضلع آدم؟
الجواب
قال الله تعالى {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها} النساء: 1، وقال {هو الذى خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها} الأعراف: 189، وقال تعالى {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها} الروم: 21، وقال صلى الله عليه وسلم " إن المرأة كالضلع، فإذا ذهبت تقيمها كسرتها، وإن تركتها استمتعت بها وفيها عوج " رواه مسلم، وقال " واستوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما فى الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيرا " رواه مسلم وقال فى رواية لمسلم " وكسرها طلاقها".
يقول الفخر الرازى فى تفسيره لأول النساء: وفى كون حواء مخلوقة من آدم قولان: الأول -وهو الذى عليه الأكثرون -أنه لما خلق الله آدم ألقى عليه النوم، ثم خلق حواء من ضلع من أضلاعه اليسرى. واحتجوا بحديث مسلم " إن المرأة خلقت من ضلع أعوج " والثانى- وهو اختيار أبى مسلم الأصفهانى- أن المراد من قوله " وخلق منها زوجها" أى فى جنسها وهو كقوله {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} وقوله تعالى {بعثت فيهم رسولا من أنفسهم} قال القاضى: والقول الأول أقوى وذكر وجه قوته.
والطبرى فى تفسيره وكذلك القرطبى ذكرا أن القول الأول هو لابن عباس وابن مسعود، لكن ليس لهذا النقل سند صحيح، بل هو منقول عن أهل الكتاب كما فى سفر التكوين " الإصحاح الثانى: 21 - ومن هذا نرى أن خلق حواء من آدم ليس أمرا متفقا عليه، فقد يكون خلقها من نفسه يعنى أنها خلقت من جنسه وهو الطين وليس من النور أو النار حتى يمكن أن يسكن إليها، وما جاء فى الأحاديث أنها خلقت من ضلع قد يراد به التشبيه كما فى الرواية الأولى فليس هناك نص قاطع فى الثبوت والدلالة على خلقها من ضلع آدم، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.
ولا يضر الأخذ بأى الرأيين.
وقد علق النووى على الأحاديث بقوله: وفيه دليل لما يقوله الفقهاء أو بعضهم أن حواء خلقت من ضلع آدم، قال الله تعالى {خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها} وبيَّن النبى صلى الله عليه وسلم أنها خلقت من ضلع. وفى هذا الحديث ملاطفة النساء والإحسان إليهن والصبر على عوج أخلاقهن واحتمال ضعف عقولهن وكراهة طلاقهن بلا سبب، وأنه لا يطمع باستقامتها والله أعلم " شرح صحيح مسلم ج 10 - ص 57 " والموضوع مستوفى فى الجزء الثانى من موسوعة (الأسرة تحت رعاية الإسلام "، س، ج للمرأة المسلمة(8/95)
كيف وسوس إبليس لآدم
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
بعد أن طرد الله إبليس من الجنة كيف استطاع أن يوسوس لآدم وهو فى الجنة؟
الجواب
قال تعالى {فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ما ورى عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكم ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين. وقاسمهما إنى لكما لمن الناصحين} الأعراف: 20، 21.
يستفاد من ذلك أن إبليس تحدث مع آدم وحواء بعد أن طرده اللَّه من الجنة، وسمى اللَّه هذا الحديث وسوسة، فكيف تمت وهو خارج الجنة وهما فى داخلها؟ .
يفيد ظاهر الآية أن الحديث معهما كان عاديا بالنطق والمشافهة، وليس حديث نفس ألقى فى قلبهما منه، والحديث الشفوى قد يسمى وسوسة، وبخاصة إذا كانت فيه سرية، إن الكلام كثير فى كيفية هذه الوسوسة، وليس له سند صحيح يعتمد عليه، ولا يبعد أبدا أن يكون إبليس قد وقف على باب الجنة ولم يدخلها وتحدث مع آدم وحواء، ويعلم من هذا أنه لم يدخل الجنة بعد أن طرده اللَّه منها.
وما يقال من أن إبليس دخلها فى جوف حية، وكان منظرها جميلا، ولما أبت كل الحيوانات إدخاله قبلت هى ذلك، فحولها اللَّه إلى هيئتها المعروفة لنا وصارت من أعدى الحيوانات لبنى آدم، ليس عليه دليل معتبر(8/96)
بعثة الرسول فى الشرق الأوسط
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما الحكمة فى بعثه الرسل كلهم فى الشرق الأوسط من الأرض؟
الجواب
ليكن معلوما أن الله سبحانه أرسل رسلا كثيرين كما قال تعالى {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} غافر: 78، وقال تعالى {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} فاطر:
24، وقال تعالى {ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا} النحل: 36، نعلم من هذه النصوص أنه يجوز أن يكون الله سبحانه قد أرسل رسلا فى غير منطقة الشرق الأوسط، على أن المختصين قالوا: إن العمران البشرى بدأ أول ما بدأ فى هذه المنطقة، وذلك لاعتدال جوها وكثرة خيراتها المتاحة من المياه والنبات وغيرها، ووجود عوامل ساعدت على تجمع الناس وتكوين وحدات مستقرة، أو على الأقل متعاونة متحدة، والغالب أن يكون لهذه العلاقات الاجتماعية أثر كبير على الفكر والسلوك، الذى قد يشيع ويعم الوحدة الاجتماعية كلها، ومن هنا كانت الحاجة أمس لإرسال رسول يهدى الضالين فى العقيدة والسلوك، فالرسول لا يأتى لأفراد متناثرة ولكن لوحدات مترابطة، حتى لا يكون للناس على الله حجة {رسلا مبسرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} النساء:
165(8/97)
إدريس عليه السلام
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
قال تعالى: {واذكر فى الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا} مريم: 56، 57، فما هو الأمر الذى بسببه رفعه الله إليه، وأين مكانه، ولماذا لم يرفع غيره من الأنبياء؟
الجواب
قال المفسرون: إن الرفع فى الآية إما رفع مكان وإما رفع مكانة، وقد رفع الله إدريس عليه السلام إلى السماء الرابعة كما قال كثير منهم، وقيل إن الرفع هنا هو رفع منزلة وقدر وشرف. وكل الأنبياء مرفوعة منزلتهم.
وسبب الرفع لم يرد به خبر صحيح، وهى أقوال منسوبة لابن عباس وكعب الأحبار ووهب بن منبه وغيرهم، منها أنه لما أصابه وهج الشمس تعجب كيف يتحمله الملك الذى يحمل الشمس وسأل ربه أن يخفف عنه، فلما علم الملك بذلك أراد أن يكافىء إدريس، فجمع الله بينه وبينه، وطلب إدريس منه أن يشفع له عند ملك الموت ليؤخر أخله.
وقيل طلب منه أن يريه الجنة فرفعه إلى السماء الرابعة فقبض ملك الموت فيها روحه ورفعها إلى الجنة ودفنت جثته فى السماء الرابعة، وقيل غير ذلك.
وفى حديث الإسراء جاء فى رواية مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم وجد إدريس فى السماء الرابعة.
تحدث القرطبى فى تفسيره "ج 11 ص 119 " عن كلام ابن وهب فى مقابلة ملك الموت لإدريس وإدخاله الجنة وأمر الله له أن يخرج منها، وقال: إنه حى هناك تارة يرتع فى الجنة، وتارة يعبد الله مع الملائكة فى السماء. كما ذكر القرطبى أنه أول من خط بالقلم وأول من خاط الثياب ولبس المخيط، وأول من نظر فى علم النجوم والحساب وسيرها، قال بعض المحققين: إنه نشأ ودعا إلى التوحيد فى منطقة أسوان جنوبى مصر.
وذكر القسطلانى فى المواهب اللدنية والزرقانى فى شرحها "ج 6 ص 71 " ما نقل عن كعب الأخبار أن إدريس توفى فى السماء الرابعة ولم تكن له تربة فى الأرض، وقاك ابن المنير، اختلف فى إدريس هل رفع إلى السماء بعد موته كغيره من الأنبياء، أو إنما رفع حيا وهو إلى الآن حى كعيسى، وكل ذلك من الإسرائيليات والله أعلم بصحتها ولم يثبت رفعه وهو حى من طريق مرفوعة قوية.
وجاء فى " مشارق الأنوار للعدوى " ص 14 أن العلماء اختلفوا فى أنه حى فى السماء أم ميت فقال قوم هو ميت، وقال قوم: هو حى، وقالوا: أربعة من الأنبياء أحياء، منهم فى الأرض اثنان وهما الخضر وإلياس عليهما السلام، واثنان فى السماء وهما عيسى وإدريس، كما ذكره الخازن فى تفسيره.
وكل هذه أخبار غير موثقة من قرآن أو حديث صحيح، ولا يجب علينا أن نومن إلا بأن إدريس عليه السلام من الرسل وأن الله رفع منزلته، وما وراء ذلك من كونه فى السماء الرابعة حيا أو ميتا لا نلزم باعتقاده(8/98)
الذبيح إسماعيل
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
من الذى أمر الله إبراهيم بذبحه من أولاده، هل هو إسحاق أم إسماعيل؟
الجواب
قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام {فبشرناه بغلام حليم. فما بلغ معه السعى قال يا بنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين. فلما أسلما وتله للجبين. وناديناه أن يا إبراهيم. قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين. إن هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم. وتركنا عليه فى الآخرين. سلام على إبراهيم. كذلك نجزى المحسنين. إنه من عبادنا المؤمنين. وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين. وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين} الصافات: 101 -113، وقال عند الكلام عن الملائكة لما جاءت إبراهيم بالبشرى {وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} هود: 71، وقال فى موضع آخر {وبشروه بغلام عليم} الذاريات: 28.
وروى الحاكم فى المستدرك عن معاوية بن أبى سفيان قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه أعرابى فقال: يا رسول الله، خلفت البلاد يابسة والماء يابسا، هلك المال وضاع العيال، فعد على مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين. قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه.
وقد ذكره الزمخشرى فى الكشاف، وقال الزيلعى فى تخريج أحاديثه: غريب.
وجاء فى كتب السيرة أن عبد المطلب نذر إن رزقه الله عشرة بنين ليذبحن أحدهم قربانا لله، وذلك عندما منعته قريش من حفر زمزم ولم يكن معه إذ ذاك إلا ولده الحارث، وعندما رزق بالبنين وأراد أن يوفى بنذره جاءت القرعة على عبد الله " والد النبىصلى الله عليه وسلم بعد " حتى افتدى أخيرا بمائة من الإبل، ولهذا روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " أنا ابن الذبيحين " أى إسماعيل الذى أمر الله أباه إبراهيم بذبحه، وعبد الله والده، الذى كان سيذبح.
إزاء هذه المرويات اختلف العلماء فى الذبيح الأول هل هو إسحاق أم إسماعيل؟ .
الجمهور على أن الذبيح إسماعيل، ومما يؤيد رأيهم ما يأتى:
1 - أن إبراهيم عليه السلام لما أنجاه الله من النار وهاجر من أرض العراق إلى الشام {وقال إنى ذاهب إلى ربى سيهدين} الصافات: 99، وبما تقدمت به السن ولم ينجب طلب من ربه أن يهب له ولدا فاستجاب الله له {رب هب لى من الصالحين. فبشرناه بغلام حليم} الصافات: 100، 101، وكان هذا الغلام من هاجر المصرية وهو بالشام، وهو إسماعيل، ولما لم تنجب زوجته الأولى دخلت الغيرة قلبها فأمره الله أن يبعد عنها هاجر وولدها، فأسكنهما فى موضع مكة، وامتحنه بذبحه لما بلغ معه السعى وكان ذلك الامتحان فى مكة.
أما ابنه إسحاق فجاءت البشارة به بعد أن بشره الله بإسماعيل، كما تدل عليه الآيات التى ذكرت الرؤيا والبدء فى الذبح ثم افتداء الله إسماعيل بذبح عظيم، وانتهت بمدح إبراهيم ثم ذكرت البشارة بإسحاق.
والامتحان يكون بذبح الابن البكر الذى جاء بعد شوق طويل، لا بالولد الثانى الذى لا يصل حبه إلى ما وصل إليه حب الأول.
2 - وأن إبراهيم عاش سلسلة من الامتحانات أكثرها يتصل بهاجر وولدها إسماعيل، حيث أسكنهما بواد غير ذى زرع، مسلما أمرهما إلى الله، يعيش بعيدا عنهما فى الشام، ويزورهما على فترات، ثم يتصاعد الامتحان بأن يرى فى المنام أنه يذبح فلذة كبده، وما ذلك إلا إسماعيل، ولنتصور حال إبراهيم لو تم الذبح كيف يترك هاجر وحيدة فى مكان ليس فيه من الأنس ما فى الشام حيث يستقر به المقام، إن سلسلة هذه الامتحانات المترابطة تؤكد أن الذبيح هو إسماعيل.
3- وأن هناك اختلافا فى الظروف التى بشر بها إبراهيم بكلا ولديه إسماعيل وإسحاق فالبشارة بإسماعيل كانت عند هجرته من أرض العراق وبطلب من الله أما البشارة بإسحاق فكانت عندما جاءته الملائكة فى طريق مرورها إلى قوم لوط، وهى فترة كان فيها إسماعيل مع أمه هاجر بعيدين عن البيت، الذى لم يكن فيه إلا سارة التى عجبت أن يولد لها وهى عجوز عقيم وبعلها شيخ كبير، ولم يكن هناك طلب منهما لهذا الولد والامتحان بذبح من طلبه وتشوق إليه امتحان أشد.
4 - أن الشروع فى ذبح إسماعيل صاحبته أحداث تدل على أنه هو المقصود بالذبح وليس إسحاق، ذلك أن الروايات تقول: إن إبراهيم أخذ ولده وخرج به من البيت ليذبحه بعيدا عن أمه فلقيهما الشيطان فى الطريق وسول لهما عدم الاستجابة، فرجمه إبراهيم فى أكثر من مكان، ومنه كانت شعيرة رمى الجمار من شعائر الحج، وذلك فى مكة وليس فى الشام.
5 - عندما بشر الله إبراهيم وسارة بإسحاق عن طريق الملائكة، جاء فى البشارة {ومن وراء إسحاق يعقوب} هود: 71، يعنى أن إسحاق سيولد ويكبر ويتزوج ويولد له يعقوب، فهل يعقل بعد الاطمئنان على حياة إسحاق أن يذبحه أبوه؟ إنه لو ذبحه فمن أين يكون يعقوب؟ هذا دليل قوى على أن الذبيح هو إسماعيل.
6 - أن البشارة بإسماعيل وصفته بأنه غلام حليم، أما البشارة بإسحاق فوصفته بأنه علام عليم، وصفة الحلم تتناسب مع من أطاع أمر ربه وصدق رؤيا أبيه فلم يغضب ولم يعص، وهو إسماعيل. وصفة العلم غالبة فى نسل إسحاق ويعقوب وبنى إسرائيل.
7 -أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الأضاحى فقال " سنة أبيكم إبراهيم " رواه أحمد وابن ماجه وأبو العرب هو إسماعيل بن إبراهيم، وليس إسحاق ابن إبراهيم، كما هو معروف والقرابين كانت تذبح فى مكة وليس فى الشام استجابة لدعوة إبراهيم ربه {فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} إبراهيم: 37، {وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق. ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير. ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق} الحج: 27 - 29.
8 -أن أهل الكتاب يقولون: إن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده، وما كان له ابن وحيد إلا إسماعيل، فإن إسحاق لا يقال له وحيد حيث كانت ولادته بعد ولادة إسماعيل، فقد نصت كتبهم على أن إسماعيل ولد ولإبراهيم ست وثمانون سنة، وأن إسحاق ولد ولإبراهيم تسع وتسعون سنة. فأول ولد بشر به هو إسماعيل والوحيد الذى أمر بذبحه هو أيضا إسماعيل. وهو البكر كما عبر عنه فى بعض نسخهم، فأقحموا ها هنا كذبا وبهتانا اسم إسحاق لانه أبوهم، وإسماعيل أبو العرب فحسدوهم، ذكر هذا ابن كثير فى تفسيره لقوله تعالى:
{فبشرناه بغلام حليم} .
9 -أن كبار العلماء من السلف قالوا: إن الذبيح هو إسماعيل كما روى ذلك عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس، ومجاهد عن ابن عمر، والشعبى يقول: رأيت قرنى الكبش فى الكعبة (كذا) وعمر بن عبد العزيز استدعى يهوديا بالشام أسلم وحسن إسلامه فشهد بأن الذبيح إسماعيل. وأبو عمرو بن العلاء سأله الأصمعى عن الذبيح فقال له: أين ذهب عقلك، متى كان إسحاق بمكة؟ إنما كان إسماعيل بمكة وهو الذى بنى البيت مع أبيه والمنحر بمكة.
يقول الآلوسى بعد أن ساق أقوال العلماء فى ذلك: والذى أميل إليه أن الذبيح إسماعيل لأنه المروى عن كثير من أئمة أهل البيت ولم أتيقن صحة حديث مرفوع يقتضى خلاف ذلك، وحال أهل الكتاب لا يخفى على ذوى الألباب.
هذا هو ما أثير حول هذا الموضوع لخصته من كتب السيرة، ومن زاد المعاد لابن القيم وغيره من المصادر، ينتهى إلى أن الذبيح هو إسماعيل، وما سبق فى ذلك هو اجتهادات واستنباطات يؤيدها حديث الحاكم عن معاوية بعدم إنكار الرسول صلى الله عليه وسلم على من ناداه بابن الذبيحين، كما يؤيدها ما روى عنه صلى الله عليه وسلم من قوله " أنا ابن الذبيحين "(8/99)
آزر وإبراهيم ونسب النبى
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل آزر هو أبو إبراهيم عليه السلام أو عمه، وكيف يكون كافرا ونسب النبى صلى الله عليه وسلم كله طاهر لقوله تعالى {وتقلبك فى الساجدين}
الجواب
نص القرآن الكريم على أن أبا سيدنا إبراهيم عليه السلام اسمه آزر، قال تعالى {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما اَلهة إنى أراك وقومك فى ضلال مبين} الأنعام: 74، ونص على أنه مات كافرا على الرغم من وعد إبراهيم أن يستغفر له ربه قال تعالى {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو للَّه تبرأ منه} التوبة: 114،. وقيل: إن آزر عم إبراهيم وليس والدا له، والعم يطلق عليه اسم الأب، كما فى قوله تعالى عن يعقوب {إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلفك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} البقرة: 133، مع أن إسماعيل ليس والدًا ليعقوب ولكنه عمه، والذى حمل هؤلاء على القول بأن آزر عم إبراهيم وليس والده هو شريف مقام النبوة أن يكون أحد اَباء الأنبياء كافرا، مستندين فى ذلك إلى قول اللَّه للنبى صلى الله عليه وسلم {وتقلبك فى الساجدين} الشعراء: 219، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم " لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات " رواه أبو نعيم عن ابن عباس، وقال ابن عباس فى المراد بالساجدين " من نبى الى نبى " كما رواه أبو نعيم فى الدلائل بسند صحيح والطبرانى برجال ثقات. فقال هؤلاء: إن الكفر نجس لقوله تعالى {إنما المشركون نجس} التوبة: 28، فكيف ينقل الرسول من أصلاب الطاهرين واَزر أبو إبراهيم نجس؟ وكيف يكون تقلبه فى الساجدين وآزر ليس منهم؟ وردَّ على ذلك: بأن إرادة العم من الأب عدول عن الظاهر بلا مقتض، والنصوص المذكورة فى الطهارة والسجود لا تقتضى هذا العدول، لأن آية {وتقلبك فى الساجدين} ليست نصا فيما فسرها به ابن عباس، فقد فسرت بغير ذلك، فقد جاء عنه أيضا أن المعنى: يراك قائما وراكعا وساجدا، لأن قبل ذلك " الذي يراك حين تقوم " وبأن حديث النقل من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة أوَّلاً لم يصل إلى الدرجة التى يعتمد عليها فى العقائد، وثانيا فسرت الطهارة فيه بعدم السفاح كما رواه أبو نعيم عن ابن عباس مرفوعا " لم يلتق أبواى قط على سفاح، لم يزل ينقلنى من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مُصَفّى مهذبا" وكما رواه الطبرانى عن على مرفوعا " خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدنى أبى وأمى لم يصبنى من نكاح الجاهلية شىء".
هذا، ولا يضير أن يكون فى أنساب الأنبياء كافرون، فكل امرىء بما كسب رهين، وقصة آزر ونسب النبى ليست عقيدة نحاسب عليها، وهى متصلة بقوم مضوا إلى ربهم وهو أعلم بهم، فَلْنَهْتم بحاضرنا لنصلحه، وبمستقبلنا لنستعد له(8/100)
الأنبياء والرسل
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل هناك فرق بين الأنبياء والرسل،وكم عددهم وكيف نعرف تواريخهم؟
الجواب
النبى إنسان أوحى إليه بشرع يعمل به ولم يؤمر بتبليغه.
والرسول إنسان أوحى إليه بشرع يعمل به وأمر بتبليغه. فكل رسول نبى، وليس كل نبى رسولا، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبى ورسول، قال تعالى {يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ولذيرا} الأحزاب:
45، وقال تعالى {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول اللَّه وخاتم النبيين} الأحزاب: 40، فجمعت الآيتان بين وصفه بالنبوة والرسالة.
وقد يحل كل لفظ محل الآخر، كما قال تعالى {وكم أرسلنا من نبى فى الأولين * وما يأتيهم من نبى إلا كانوا به يستهزئون} الزخرف: 6، 7،.
هذا أحسن ما قيل فى الفرق بين النبى والرسول، أما عدد الأنبياء والمرسلين فكثير. قال تعالى {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} فاطر: 24، وقال تعالى {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} غافر: 78.
وقد ورد حديث رواه ابن حبان في صحيحه عن أبى ذر الغفارى أنه قال:
قلت لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كم عدد الأنبياء؟ فقال "مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا (124000) فقلت: وكم عدد الرسل؟ فقال "ثلثمائة وثلاثة عشر جمًّا غفيرا" (313) " ولكن الحديث ليس متواترا حتى على فرض صحته، فلا يفيد إلا الظن والعقائد لا تؤخذ إلا باليقين.
وهناك أقوال كثيرة لا داعى لذكرها ونحن لا نكلف إلا بمعرفة الرسل الذين ذكروا فى القرآن الكريم، وهم خمسة وعشرون، وأكثرهم فى الآيات: من 83 - 86 من سورة الأنعام، وأولها {وتلك حجتنا ... } وهم فيها ثمانية عشر، يضاف إليهم سبعة ذكروا في مواضع أخرى، نظمها بعضهم في قوله:
في تلك حجتنا منهم ثمانية من بعد عشرويبقى سبعة وهم إدريس هود شعيب صالح وكذا ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا وجاء فى كتاب "الحاوى للفتاوى" للسيوطى ص 249 "، أخرج الطبرانى عن أبى أمامة أن رجلا قال: يا رسول اللَّه، أنبى كان آدم؟ قال "نعم "قال: كم بينه وبين نوح؟ قال "عشرة قرون "قال: كم بين نوح وإبراهيم؟ قال "عشرة قرون " قال: يا رسول اللَّه كم كانت الرسل؟ قال: " ثلثمائة وخمسة عشر "ورجاله رجال الصحيح.
وجاء في الكتاب أن بين موسى وعيسى ألفا وتسعمائة ونيفا، وبين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم نحو ستمائة.
وترتيب الرسل هكذا: آدم، إدريس، نوح، هود، صالح، إبرا هيم، لوط، إسماعيل، إسحاق، يعقوب، يوسف، أيوب، شعيب، موسى، هارون، ذو الكفل، داود، سليمان، إلياس، اليسع، يونس، زكريا، يحيى، عيسى، محمد عليهم الصلاة والسلام.
هذا وحديث أبى ذر الذى صححه ابن حبان ذكره ابن مردويه فى تفسيره وقال: إن ابن الجوزى خالف ابن حبان فى تصحيح الحديث وذكره فى الموضوعات واتهم به إبراهيم بن هشام، قال الحافظ ابن كثير: ولا شك أنه قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل من أجل هذا الحديث "المواهب اللدنية للقسطلانى"ج 2 ص 46.
أما تواريخ الرسل فقد ألفت فيهم عدة كتب، والقرآن الكريم اقتصر على ما يهم من هذه التواريخ، وهو صادق فيما قاله، فقصصه أحسن القصص، ما كان حديثا يفترى، وما عدا ذلك من الأخبار فهو محل نظر، وكتب التفسيرمحشوة بكثيرمنها، ونحن لا نكلف إلا بمعرفة الصادق الذى لا يتعارض مع ما أخبر به القرآن والحديث الصحيح، والمرحوم الشيخ عبد الوهاب النجار حاول فى كتابه عن الأنبياء أن يستخلص ما هو أقرب إلى الصحة إن لم يكن مقطوعا بها، والحذر من قراءة الكتب القديمة المحشوة بالإسرائيليات وبما لا يتناسب مع مقام الأنبياء من التكريم والتشريف(8/101)
التفاضل بين الأنبياء والرسل
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
من هم أفضل الأنبياء والمرسلين، وما هى درجاتهم في الفضل؟
الجواب
مبدئيا نقول: إن التفاضل بين مخلوقات اللَّه موجود، سواء فى الأشخاص وفى الأزمان والأمكنة وغيرها. وهذا التفاضل أو الاختلاف من أقوى الأدلة على أن للعالم خالقا حكيما مريدا عالما قادرا على كل شىء، وليس العالم -كما يقول الفلاسفة والملحدون -مخلوقا بالطبيعة أو بالعلة، فمعلوم أن معلول العلة لا يتخلف ومطبوع الطبيعة لا يختلف. ومن مظاهر التفاضل في العالم في المكان فضل الكعبة والحرم، وفضل المساجد، وفى الزمان فضل رمضان ويوم الجمعة وليلة القدر، وفى الأشخاص فضل الرسل، وفضل العلماء.والنصوص في ذلك مشهورة.
وبخصوص المرسلين قال اللَّه تعالى {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات} البقرة: 253.
وإن كانوا جميعا متساوين وفى درجة واحدة من وجوب الإيمان بهم جميعا، كما قال سبحانه {لا نفرق بين أحد من رسله} البقرة: 258، وأفضلهم على الإطلاق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وذلك بالنص والإجماع، وقد رفع اللَّه درجته من عدة وجوه لخصها بعضهم بأنها فى ذاته وذلك بالمعراج حيث وصل إلى مقام لم يصل إليه ملك مقرب ولا نبى مرسل، وفى شرفه بالسيادة على جميع البشر فهو القائل "أنا سيد الناس يوم القيامة" رواه البخارى ومسلم، وفى معجزاته حيث أوتى القرآن الذى لم يؤته نبى قبله، وبعموم رسالته وغير ذلك.
أما التفاضل بين الأنبياء بعضهم مع بعض فهو موجود كما تنص عليه الآية {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض} الإسراء: 55، والمعتمد أن الرسل أفضل من الأنبياء. .
والتفاصيل فيما بينهم موجود لكن الأفضل ألا نبحث عن وجوه الفضل بين نبى وآخر أو رسول وآخر، فقد يؤدى ذلك إلى اختلاف يمكن أن يكون نتيجة غير طيبة، ولذلك ورد النهى من النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك على الرغم من فضله عليهم. فقال "لا تفضلوا بين الأنبياء" وذلك فى حادث نزاع يهودى مع مسلم وحلف اليهودى أن موسى أفضل العالمين.
رواه البخارى ومسلم. وقال "ما ينبغى لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى" قال العلماء: إنه قال ذلك من باب التواضع، وقال القاضى عياض: لا نفضل بعضا على بعض تفضيلا يؤدى إلى تنقيص بعضهم أو الغَضَّ منه، قال ابن حجر: قال العلماء: إنما نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك من يقوله برأيه، لا من يقوله بدليل، أو من يقوله بحيث يؤدى إلى تنقيص المفضول، أو يؤدى إلى الخصومة والتنازع، وللمزيد يمكن الرجوع إلى شرح الزرقانى على المواهب اللدنية "ج 6 ص 130 -140"(8/102)
حياة الأنبياء فى قبورهم
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح أن الأنبياء أحياء في قبورهم،وكيف نوفق بين حياتهم فيهما وقوله تعالى {إنك ميت وإنهم ميتون} ؟
الجواب
معلوم أن كل كائن حى لابد أن يموت، قال تعالى {كل نفس ذائقة الموت} آل عمران:185، وقال تعالى {كل من عليها فان} سوة الرحمن:26، وقال تعالى {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون} سوررة الأنبياء: 34، ويقول تعالى {إنك ميت وإنهم ميتون} الزمر: 30،.
وبعد موت الإنسان ستكون هناك حياة له من نوع آخر، فإذا فنى الجسد وصار ترابا فالروح باقية، ولها اتصال إلى حد ما بالجسد تختلف درجات هذا الاتصال من شخص لاَخر، وقد قال الله سبحانه فى الشهداء {ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل اللَّه أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} آل عمران: 169،.
وبخصوص الأنبياء روى أبو داود والبيهقى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علىَّ من الصلاة فيه، وإن صلاتكم تعرض علىَّ" قالوا: يا رسول الله وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت -بفتح الراء -يعنى بليت؟ فقال: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " وروى أبو داود أيضًا حديث "ما من أحد يسلم علىَّ إلا رد اللَّه علىَّ روحى حتى أرد عليه السلام " وروى أحمد والنسائى والحاكم وصححه وغيرهم حديث "إن لله ملائكة سياحين فى الأرض يبلغونى عن أمتى السلام ".يقول السيوطى فى كتابه "إنباء الأذكياء بحياة الأنبياء": حياة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره وحياة سائر الأنبياء معلومة عندنا علما قطعيا، لكثرة الأدلة وتواتر الأخبار، وقد ألف البيهقى جزءا في حياتهم، ومن الأخبار ما رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به مر على موسى وهو قائم يصلى في قبره، وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفى السماء.
جاء فى وصف موسى عندما مر به "فإذا هو رجل ضرب جعد كأنه رجل من شنوءة"ومعنى ضرب متوسط الحجم أو ضعيف اللحم، ومعنى جعد شعره غير سبط، وشنوءة قوم من الزط سمراللون وهذا يؤكد رؤيته البصرية.
وجاء في هذا الحديث أيضا "وإذا عيسى ابن مريم قائم يصلى أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفى، وإذا إبراهيم قائم يصلى أشبه الناس به صاحبكم ... " فهل رآهما في قبريهما كما رأى موسى في قبره، أو رآهم يصلون فى المسجد الأقصى حيث جاء فى الحديث: فحانت الصلاة فأممتهم.
بعد الأخبار المذكورة وبعد كلام السيوطى في تواتر الأخبار وكثرة الأدلة على حياة الأنبياء في قبورهم يمكننا أن نطمئن إلى ذلك ولا نكذب، بالإضافة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الشهداء، وقد قال اللَّه فيهم: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون} آل عمران: 169، ولا يقال: قد يكون فى المفضول ما ليس فى الفاضل، لأن محل ذلك ما لم يرد نص، وقد ورد.
وحياتهم فى القبور مختلف في كيفيتها، وجمهور المسلمين على أنها حياة حقيقية لا مجازية، وقد وضح الفخر الرازي ذلك فى تفسيره لهذه الاَية.
أما قوله تعالى {إنك ميت وإنهم ميتون} الزمر: 30، فمعناه أن روحك ستفارق بدنك وتدخل فى عالم آخر كسائر الناس، قال تعالى {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون * كل نفس ذائقة الموت} الأنبياء: 34، 35،.
وحديث رد روح النبى صلى الله عليه وسلم ليجيب من يسلم عليه إن كان ظاهره يفيد أن روحه الشريفة تفارق جسده الشريف فقد أجاب على ذلك العلماء بأجوبة أوصلها السيوطى إلى سبعة وعشرين وجها، أحسنها أنه صلى الله عليه وسلم يكون مستغرقا بمشاهدة حضرة القدس فيفنى عن إحساسه الشريف، فإذا سلم المسلم عليه ترد روحه من هذا الاستغراق إلى الاحساس لأجل الرد، كما ترى في الدنيا من يكون مشغول البال قد لا يحس بمن يتكلم بجواره (المنحة الوهبية ص 6) هذا، وعدم أكل الأرض أجساد الأنبياء ثابت بالحديث السابق، وهو حديث صحيح عند كثير من العلماء كابن خزيمة وابن حبان والحاكم وأقره الذهبى كما صححه النووى في كتابه " الأذكار". والعقائد وأخبار الغيب تؤخذ من الأدلة القطعية فى الثبوت والدلالة والخلاف موجود فى كفاية حديث الآحاد فى ذلك، وما دام الأمر داخلا فى قدرة اللَّه سبحانه، مع اختلاف قوانين عالم الغيب والشهادة، ومع عدم مصادمة ذلك لأمر مقطوع به فالقلب يطمئن إلى قبوله(8/103)
الشفاعة
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
نعلم أن هناك شفاعة عظمى للنبى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة فهل له شفاعات أخرى وهل لغيره من الناس شفاعة وما حكم شفاعة أحد لغيره من الناس فى الدنيا؟
الجواب
الشفاعة هى التوسط لنيل مرغوب أو دفع مكروه، وهى مأخوذة من الشفع وهو الزوج فى العدد، ومنه الشفيع، لأنه يصير مع صاحب الحاجة شفعا، ويقال: ناقة شفيع إذا اجتمع بها حمل وولد يتبعها، والشفيع من الناس من يتوسط لغيره، والشفيع من العمل ما يوصل إلى المطلوب، والمستشفع - بكسر الفاء-هو الطالب للشيء عن طريق الشفيع، والمستشفع لديه هو من يملك تحقيق المطلوب، والمشفع - بفتح الفاء-من قبلت شفاعته ووساطته.
والإنسان قد يتشفع بعمله الصالح إلى الشخص ليحقق له غرضه المشروع، ولا مانع من ذلك فى الطلب والإجابة، ففى الحديث "من أتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافيتموه " رواه أبو داود والنسائى واللفظ له، وفى رواية للطبرانى "من اصطنع إليكم معروفا فجازوه، فإن عجزتم عن مجازاته فادعوا له حتى تعلموا أن قد شكرتم فإن الله شاكر يحب الشاكرين " ومنه قوله تعالى فى بر الوالدين {وقل ربِّ ارحمهما كما ربيانى صغيرا} الإسراء: 24.
وقد يتشفع بعمله الصالح إلى الله تعالى، وهو فى الفرائض واجب، وفى المندوب سنة، ومنه قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا فى سبيله لعلكم تفلحون} المائدة:35، وفى الحديث الصحيح دعاء الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار أن يكشف الله عنهم بالأعمال الصالحة التى قبلها منهم وهى:
بر الوالدين والعفة عن الفاحشة وعدم أكل حق الغير.
وقد يتشفع بإنسان له منزلة عند من يملك تحقيق غرضه ولا مانع من ذلك ما دام الغرض مشروعا، بل قيام الشفيع بذلك مندوب إليه، فهو من باب التعاون على البر والتقوى، والنصوص فى ذلك كثيرة، منها قوله تعالى {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها} النساء: 85وقوله صلى الله عليه وسلم "ومن كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته "رواه البخارى ومسلم، وقوله:
"اشفعوا تؤجروا ويقضى الله على لسان نبيه ما أحب، أو ما شاء" رواه البخارى ومسلم، ومن النهى عن الشفاعة غير المشروعية عدم قبول الرسول صلى الله عليه وسلم شفاعة أسامة بن زيد فى عدم إقامة حد السرقة على المرأة المخزومية كما رواه البخارى ومسلم، يقول الحسن البصرى فى تفسير الآية السابقة: الحسنة ما يجوز فى الدين، والسيئة ما لا يجوز فيه، ومما جاء فى ثواب الشفاعة الحسنة قوله صلى الله عليه وسلم "من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل " رواه مسلم.
والكِفْل يستعمل فى النصيب من الخير والشر، قال تعالى {يؤتكم كفلين من رحمته} الحديد: 28،والشافع يؤجر فيما يجوز وإن لم يشفَّع -يعنى لم تقبل شفاعته -لأن الله قال {من يَشْفَع} ولم يقل: يُشَفَّع.
هذه هى الشفاعة فى الدنيا، أما الشفاعة فى الآخرة فهى ثابتة بالقرآن والسنة والإجماع وقبولها تكريم لمن قام بها، ولا يقوم بها أحد إلا بإذنه سبحانه، قال تعالى {من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه} البقرة:255، وقال تعالى: {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا} طه: 109،وقال فى شأن الملائكة {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} الأنبياء: 28،والأحاديث فى ذلك كثيرة سيأتى بعضها.
ومن يأذن الله لهم بالشفاعة كثيرون، ورب العزة سبحانه له شفاعته، ففى صحيح مسلم أن الشافعين يدخلون النار ليخرجوا منها أناسا استوجبوا العذاب، وأن الله يقول: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما، أى فحما، الواحدة حممة-بفتح الحاء -وذكر القرطبى فى تفسيره "ج 10 ص 310" أحاديث أخرى توضح كيف تكون الشفاعة.
ولا يقال فى هذا الحديث: كيف يدخل الشافعون النار ليخرجوا منها أناسا، فذلك دخول ليس للعذاب، فيسلب الله منها خاصية الإحراق لهم كما قال للنار التى أعدها الكفار لإحراق إبراهيم عليه السلام {يا نار كونى بردا وسلاما على إبراهيم} الأنبياء:28،مع العلم بأن قوانين الآخرة غير قوانين الدنيا، والله على كل شيء قدير.
وممن يأذن الله لهم بالشفاعة من يأتى:
1 -الملائكة، بدليل الآية السابقة من سورة الأنبياء وحديث مسلم السابق، وحديث ابن مسعود الآتى.
2 - الأنبياء: بدليل حديث مسلم السابق، وحديث ابن مسعود الآتى، وعلى رأسهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. .
3-الصديقون والشهداء، لحديث البيهقى عن ابن مسعود مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم "يشفع نبيكم رابع أربعة، جبريل ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم نبيكم، ولا يشفع أحد فى أكثر مما يشفع فيه نبيكم، ثم الملائكة ثم الشهداء " وأخرج الترمذى والحاكم وصححه البيهقى حديث "ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتى أكثر من بنى تميم " قالوا: سواك يا رسول الله قال "سواى " وأخرج البيهقى أيضا هذا الحديث "يقال للرجل: يا فلان قم فاشفع، فيقوم الرجل فيشفع للقبيلة ولأهل البيت والرجل والرجلين على قدر عمله ".
4 - الصالحون الذين يصنعون المعروف للناس، فقد أخرج مسلم حديثا طويلاً عن شفاعة المؤمنين لإخوانهم الذين استوجبوا النار، وجاء فى شرح ذلك أن شفاعة المؤمنين هى لمن دخل النار، فيأمر الله الشفعاء بإخراجهم، أو لمن استوجب النار ولم يدخلها بعد حيث يكون فى الصف المستعد لدخولها، كما جاء فى حديث ابن ماجه من شفاعة رجل فى الصف الطيب لآخر فى الصف الثانى سقاه أو قضى له حاجة فى الدنيا، كما ذكره القرطبى فى تفسير آية الكرسى.
5 - حفاظ القرآن العاملون به، فقد أخرج الترمذى وابن ماجه عن على رضى الله عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم "من قرأ القرآن فاستظهره وأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله الجنة وشفعه فى عشرة من أهل بيته كلهم وجبت له النار".
6 - الأطفال الذين ماتوا ولم يبلغوا الحنث يعنى حد التكليف، فقد روى النسائى بإسناد جيد "أن الأطفال يقفون يوم القيامة فيقال لهم ادخلوا الجنة، فيقولون: حتى يدخل آباؤنا فيقال: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم " وتؤيده أحاديث صحيحة رواها مسلم وغيره فيمن دفنت ثلاثة أنها احتظرت بحظار شديد من النار.
هذا والشفاعة حق كما ذهب إليه أهل السنة، وأنكرها المعتزلة الذين يقولون بخلود المؤمنين العاصين فى النار، وأما قوله تعالى {ما للظالمين من حميم ولاشفيع يطاع} غافر:18،فالمراد بهم الكافرون، وأجمع المفسرون على أن آية {لا تجزى نفس عن نفس شيئا} البقرة:48، 23 1،هى فى النفس الكافرة.
شفاعات النبى صلى الله عليه وسلم:
لا شك أن النبى شفيع الخلائق يوم القيامة بشفاعة كبرى وهى المقام المحمود الذى يغبطه به الأولون والأخرون، فهو أعظم الشفعاء قدرا وأعظمهم جاها عند الله سبحانه، وقد قال تعالى فى موسى عليه السلام {وكان عند الله وجيها} الأحزاب: 69، وعن المسيح عليه السلام {وجيها فى الدنيا والاَخرة} آل عمران: 45.
وهذه الشفاعة ينتفع بها كل أهل الموقف من المسلمين ومن غيرهم، كما ورد فى الحديث المتفق عليه، وذلك لتخفيف هول الموقف وبدء الحساب بعد أن يطلب أهل الموقف الشفاعة من آدم ونوح وإبراهيم وعيسى فلا يجابون، ويقبلها الرسول صلى الله عليه وسلم ويسجد تحت العرش ثم يناديه ربه: ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع، فيقول:
يا رب أمتى، فيستجيب الله ويخف الهول ويبدأ الحساب، وفى الحديث المتفق عليه "لكل نبى دعوة مستجابة، وقد ادخرت دعوتى لأمتى يوم القيامة ".
وهناك شفاعات أخرى له صلى الله عليه وسلم لا يستفيد منها الكافرون والمنافقون إذا ماتوا على كفرهم ونفاقهم، لأن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن شاء، ومغفرته لمن يشاء إما بدون شفاعة أحد تفضلا منه ورحمة، وإما بشفاعة غيره ممن أذن الله لهم بها.
ومن الأدلة على حرمان الكافرين والمنافقين من شفاعته صلى الله عليه وسلم:
1 - قوله تعالى قى الكفار {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} المدثر: 48.
2 - قوله تعالى فى أبى طالب عم النبى صلى الله عليه وسلم {ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} التوبة: 113.
3- قوله صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالى {وأنذر عشيرتك الأقربين} الشعراء: 214،حيث نادى قومه أن ينقذوا أنفسهم من النار، فإنه لا يغنى عنهم من الله شيئا رواه مسلم.
4 - حديثه فى أن الله لم يأذن له أن يستغفر لأمه، وأذن له فى زيارة قبرها فقط كما رواه مسلم.
5 - حديثه فى عتاب إبراهيم عليه السلام لأبيه يوم القيامة على عصيانه وأن الله لم يحقق له دعاءه كما رواه البخارى، وهو {ولا تخزنى يوم يبعثون} الشعراء: 87،.
والكفار درجات متفاوتة فى الكفر، وبالتالى متفاوتون فى نوع العذاب فى النار، وإن كانوا مخلدين فيها، وإذا كانت للأنبياء شفاعة فيهم فهى للتخفيف من العذاب لا من النجاة منه.
فإذا كان فى الكفار من خف كفره بسيب من الأسباب كنصرته للرسول ومعونته فإن شفاعته تنفعه فى تخفيف العذاب عنه كما جاء فى البخارى ومسلم عن العباس بن عبد المطلب أنه قال قلت: يا رسول الله، فهل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ .
قال: " نعم هو فى ضحضاح من نار لولا أنا لكان فى الدرك الأسفل من النار" وفى لفظ "نعم وجدته فى غمرات من نار فأخرجته إلى ضحضاح " وفى رواية "إن أهون أهل النار عذابا أبو طالب، وهو منتعل بنعلين من نار ".
أما شفاعة النبى صلى الله عليه وسلم للمؤمنين أو دعاؤه لهم فهو نافع باتفاق المسلمين،سواء فى ذلك شفاعته لأهل الذنوب حتى لا يعاقبهم الله عليها أو حتى يخفف العقوبة عنهم، وكذلك شفاعته لغير المذنبين بزيادة الحسنات ورفع الدرجات.
يقول القاضى عياض: شفاعات النبى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة خمس الأولى العامة، وهى المقام المحمود، والثانية فى إدخال الجنة بغير حساب، والثالثة فى قوم استوجبوا النار بذنوبهم، فيشفع لهم حتى لا يدخلوها، وقد أنكرها الخوارج والمعتزلة. والرابعة فيمن دخل النار من المذنبين، فيخرجون بشفاعته وشفاعة غيره من الأنبياء والملائكة والمؤمنين كالشفاعة السابقة، والخامسة فى زيادة الدرجات فى الجنة لأهلها، وهذه لا تنكرها المعتزلة، كما لا تنكر الشفاعة العظمى "تفسير القرطبى ج 10 ص 310".
هذا وهناك شفاعات كثيرة للنبى صلى الله عليه وسلم أوصلها بعضهم إلى ثلاث عشرة بعضها مؤيد بأحاديث صحيحة، وهذا القدر كله يؤيد ثبوت الشفاعة له عليه الصلاة والسلام ويمكن الرجوع فى ذلك إلى شرح الزرقانى للمواهب اللدنية "ج 8 ص365 وما بعدها"(8/104)
المقام المحمود
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
قال تعالى {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} وفى بعض الأحاديث "وابعثه اللهم المقام المحمود الذى وعدته " فهل التعبير فى الحديث مخالف من جهة اللغة لتعبير القرآن بقوله "مقاما"؟
الجواب
قال تعالى {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} الإسراء: 79،وجاء فى حديث البخارى وأصحاب السنن "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذى وعدته حلت له شفاعتى يوم القيامة " فتعبير الحديث هنا متفق مع تعبير القرآن فى أن كلمة "مقاما" منكَّرة وليست معرَّفة.
لكن جاء فى رواية النسائى بلفظ " المقام المحمود" فالحديث يروى بالوجهين: التنكير والتعريف.
قال العلماء فى رواية "مقاما" إنه نصب على الظرفية، أى: وابعثه يوم القيامة فأقمه فى مقام محمود، أو على أنه مفعول به ضُمِّن معنى ابعثه أقِمْه، والأولى أنه مفعول مطلق ويجوز أن يكون حالا بعد حال، أى ابعثه ذا مقام عظيم، قال الطيبى: وإنما نكره لأنه أفخم وأجزل كأنه قيل: مقاما وأى مقام. أى مقاما محمودًا بكل لسان تكلُ عن أوصافه ألسنة الحامدين، وقال النووى: إن الرواية ثبتت بالتنكير، كأنها حكاية للفظ القرآن. "فتح البارى ج 2 ص 113 ".
ومن هنا لا يجوز لأحد أن يقول: إن رواية "مقاما" خطأ 0(8/105)
زيارة قبر الرسول
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل يحرم السفر لزيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
زيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم، أو على الأصح زيارته فى قبره، على رأس زيارة القبور استحبابا. وقد عقد القسطلانى فى المواهب اللدنية فصلا خاصا بها، كما عقد الشيخ السمهودى فى كتابه " وفاء الوفا " فصلا خاصا بها أيضا، أورد فيه أحاديث كثيرة قال الذهبى عنها: طرقها لينة يقوى بعضها بعضا، وليس فى رواتها متهم بالكذب.
نقل القاضى عياض أن السفر بقصد الزيارة غايته مسجد المدينة لمجاورته القبر الشريف، وقصد الزائر الحلول فيه لتعظيم من حل بتلك البقعة، كما لو كان حيا، وليس القصد تعظيم بقعة القبر لعينها بل من حل فيها.
إن زيارته صلى الله عليه وسلم زيارة لمسجده الذى ورد فى فضله قوله: " صلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " وزيارة قبور الأنبياء والصالحين بما فيها من التبرك إلى جانب ما ذكر، مستحبة كما قال الإمام الغزالى فى كتابه " الإحياء " والتبرك فى حد ذاته غير ممنوع، ولكن قد تكون له مظاهر لا يوافق عليها الدين، منها:
1 - الطواف حول القبر، وهو مكروه لما فيه من التشبه بالطواف حول البيت الحرام.
2 - التمسح بالقبر وتقبيله للتبرك، فقد قال فيه الإمام الغزالى:
وليس من السنة أن يمس الجدار ولا أن يقبله، بل الوقوف من بعد أقرب إلى الاحترام. وعن أحمد بن حنبل فى ذلك روايتان. ففى " خلاصة الوفا " ما نصه:
وفى كتاب العلل والسؤالات لعبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبى عن الرجل يمس قبر النبى صلى الله عليه وسلم يتبرك به ويقبله ويفعل بالمنبر مثل ذلك، رجاء ثواب الله تعالى، فقال: لا بأس به. قال أبو بكر الأثرم: قلت لأبى عبد الله -يعنى أحمد بن حبل -: قبر النبى صلى الله عليه وسلم يمس ويتمسح به؟ فقال: ما أعرف هذا. ولعل رواية الجواز خاصة بالتبرك بالمنبر لا بالقبر، فقد جاء فى " الإحياء " للغزالى عن التبرك بالآثار النبوية:
ويستحب أن يضع يده على الرمانة السفلى التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده عليها عند الخطبة. وجاء عن أحمد بن حنبل منقولا عن ابن عمر قال ابن تيمية فى كتابه "الصراط المستقيم ":
ورخص أحمد وغيره فى التمسح بالمنبر والرمانة التى هى موضع مقعد النبى صلى الله عليه وسلم ويده ولم يرخص فى التمسح بقبره، وقد حكى بعض أصحابنا رواية عنه فى مسح قبره، لأن أحمد شيع بعض الموتى فوضع يده على قبر يدعو له، والفرق بين الموضعين ظاهر. وصح فى البخارى أن عبد الله بن سلام كان يتبرك بالقدح الذى شرب منه النبى @ وبالمكان الذى صلى فيه.
3 - الدعاء عند القبر، وهذا الدعاء يجب أن يكون الاتجاه فيه إلى الله تعالى، لأنه هو وحده الذى يملك النفع والضر، ولا يجوز الاتجاه به إلى صاحب القبر مهما كانت منزلته، أما التوسل والاستشفاع به عند الله فقد مر بيان حكمه.
ودعاء الله عند زيارة هذه الأضرحة قال جماعة: إنه أرجى للقبول، لما يصاحبه من روحانية يحس بها الداعى وهو بجوار رجل صالح يحبه ويحترمه، وقال آخرون: ليس للدعاء عنده ميزة على الدعاء فى غير هذا المكان. ومن هولاء ابن تيمية حيث قال: إن قصد القبور للدعاء عندها ورجاء الإجابة بالدعاء هناك رجاء أكثر من رجائها فى غير هذا الموطن أمر لم يشرعه الله ولا رسوله، ولا فعله أحد من الصحاب ولا التابعين، ولا من أئمة المسلمين، ولا ذكره أحد من العلماء الصالحين المتقدمين انتهى. لكن ليس هذا الكلام دليلا على منعه، وقد تكون هناك وجهة للمنع وهى الاحتياط وسد الذريعة لدعاء صاحب القبر بدل دعاء الله أو معه.
هذا، وفى الدعاء عند زيارة النبى صلى الله عليه وسلم فى قبره أثيرت مسألة الجهة التى يتجه إليها الداعى، هل هى قبلة الصلاة أو هى القبر الشريف؟ روى القاضى عياض فى كتابه "الشفا فى التعرف بحقوق المصطفى " ما جاء عن الإمام مالك بن أنس لما ناظره أبو جعفر المنصور فى المسجد النبوى، فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك فى هذا المسجد، فإن الله تعالى أدب قوما فقال {لا ترفعوا أصواتكم فون صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} الحجرات: 2، ومدح قوما فقال {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم} الحجرات: 3،. وذم قوما فقال {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون} الحجرات: 4. وإن حرمته ميتا كحرمته حيا. فاستكان لها أبو جعفر، وقال: يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال:
ولمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله، قال الله تعالى {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللَّه واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} النساء: 64.
وابن تيمية يكذب هذه الرواية. ورد الزرقانى فى شرحه للمواهب اللدنية للقسطلانى على ابن تيمية بأنها مروية عن ثقات ليس فيهم وضَّاع ولا كذاب، ثم يرد عليه ما ادعاه من كراهية مالك لاستقبال قبر النبى صلى الله عليه وسلم عند الدعاء بأن كتب المالكية طافحة باستحباب الدعاء عند القبر واستقباله، مع مس القبر بيده. ويقول: وإلى هذا ذهب الشافعى والجمهور، ونقل عن أبى حنيفة. قال ابن الهمام: وما نقل عنه أنه يستقبل القبلة مردود بما روى عن ابن عمر: من السنة أن يستقبل القبر المكرم، ويجعل ظهره للقبلة، وهو الصحيح من مذهب أبى حنيفة، وقول الكرمانى: مذهبه خلافه ليس بشىء، لأنه حى، ومن بأتى الحى إنما يتوجه إليه. وصرح النووى فى كتابه "الأذكار " بذلك. وقد أشير إلى شىء من ذلك فى موضع التوسل، من هذا البيان.
هذا، ومع استحباب زيارة قبور الأنبياء والصالحين يجب التنبه إلى ما جاء من النهى عن اتخاذها مساجد وعيدا، فقد وردت فى ذلك نصوص كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ". وقوله " اللهم لا تجعل قبرى وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " وقوله " لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تتخذوا قبرى عيدا، وصلوا علىَّ، فإن صلاتكم تبلغنى حيث كنتم ".
واتخاذ القبور مساجد يعنى التوجه بالعبادة اليها وإلى من فيها، وذلك شي لي، فالعبادة لله وحده، وهو معنى جعل القبر وثنا يعبد.
والمراد بالمسجد هنا موضع العبادة بالصلاة وغيرها، واتخاذها عيدا يقصد به التقرب إلى الله عندها فى المواسم وفى مواعيد معينة شأن الأعياد فى ذلك.
وقال جماعة: إن هذا الحديث ينهى عن التقصير فى قبره وهجره وعدم زيارته إلا فى مواسم كالأعياد، فهو يحث على مداومة زيارتها. هذه وجهات نظر مختلفة فى فهم الحديث.
جاء فى " خلاصة الوفا للسمهودى ": أن هذا الحديث قيل عندما رأى رواية الحسن بن الحسن أو على بن الحسين -رجلا يحرص كل يوم على زيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم ويبالغ فى الدنو منه، وقد كره مالك ذلك ممن لم يقدم من سفر، وجاء فيه أيضا: قال الحافظ المنذرى فى حديث " لا تجعلوا قبرى عيدا " يحتمل أن يكون حثا على كثرة الزيارة وألا يهمل حتى لا يزار إلا فى بعض الأوقات كالعيد ويؤيده قوله " لا تجعلوا بيوتكم قبورا " أى لا تتركوا الصلاة فيها. قال السبكى: ويحتمل أن يكون المراد: لا تتخذوا له وقتا مخصوصا لا تكون الزيارة إلا فيه، أو لا يتخذ كالعيد فى العكوف عليه وإظهار الزينة والاجتماع وغيره مما يعمل فى الأعياد، بل لا يؤتى إلا للزيارة والسلام، ثم ينصرف عنه.
ومهما يكن من شىء فإن اتخاذ قبور الأنبياء ومثلهم الصالحون للتقرب هو لصلتها بمن فيها والتبرك بهم -كما قدمنا-وإن كانت العبادة لله وحده، وكان بعض الصحابة كعبد الله ابن أم مكتوم يحرص أن يصلى النبى @ فى بيته ليتخذه مسجدا، وابن عمر كان يتتبع مواضعه عليه الصلاة والسلام وآثاره، جاء فى صحيح البخارى عن موسى بن عقبة قال: رأيت سالم بن عبد الله يتحرى أماكن من الطريق ويصلى فيها، ويحدث أن أباه - عبد الله بن عمر- كان يصلى فيها، وأنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فى تلك الأمكنة. قال موسى: وحدثنى نافع أن ابن عمر كان يصلى فى تلك الأمكنة. وقد رخص أحمد ابن حنبل فى ذلك -كما قال ابن تيمية-ولكن كره أن يتخذ ذلك عيدا للناس يعتادونه، استنادا إلى ما روى أن عمر رأى جماعة ابتدروا مكانا يصلون فيه لأن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فيه، فقال: هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم، اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا، من عرضت له الصلاة فيه فليصل، ومن لم تعرض له الصلاة فليمض. فقد نهى عن التزام ذلك واتخاذه موسما يعتادونه، أما القليل العارض غير المقصود فلا بأس والتبرك فى حدوده المعقولة-كما قلنا -لا مانع منه، فقد كان الصحابة يتبركون بآثار النبى صلى الله عليه وسلم، جاء فى صحيح البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما فى يده من الورِق - الفضة-ثم كان فى يد أبى بكر بعده، ثم كان فى يد عمر، ثم كان فى يد عثمان حتى وقع فى بئر "أريس "، وكان نقشه " محمد رسول الله " وفى بعض الروايات أنه مكث فى يد عثمان ست سنوات، واجتهدوا فى العثور عليه فى البئر فلم يفلحوا. وبئر " أريس " بجوار مسجد قباء ويعرف باسم "بئر الخاتم ".
وجاء فى البخارى أيضا أن الزبير بن العوام كانت له عنزة طعن بها عبيدة بن سعيد بن العاص يوم بدر، فسأله النبى صلى الله عليه وسلم إياها، فأعطاها له، ولما قبض أخذها، ثم سألها إياه أبو بكر ومن بعده عمر وعثمان وعلى.
والعنزه كالحربة.
وكذلك جاء فى البخارى أن عمر رضى الله عنه لم يقطع الشجرة التى كانت عندها بيعة الرضوان إلا لاختلاف الناس بعدها فيها وفى مكانها.
تكمله: -جاء فى فتوى الشيخ عبد المجيد سليم بتاريخ 22 من يونية سنة 1940 ما ملخصه: أن ابن تيمية منع دفن الميت فى المسجد وقال فى إحدى فتاويه: إنه لا يجوز دفن ميت فى مسجد، فإن كان المسجد قبل الدفن غير، إما بتسوية القبر وإما بنبشه إن كان جديدا، والعلة فى المنع هى عدم اتخاذه ذريعة للصلاة إلى القبر.
وجاء عن ابن القيم فى "زاد المعاد ": أن الإمام أحمد وغيره نص على أنه إذا دفن الميت فى المسجد نبش، وقال ابن تيمية: لا يجتمع فى دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه وكان الحكم للسابق.
وقال النووى فى شرح المهذب: اتفقت نصوص الشافعى والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر، سواء كان الميت مشهورا بالصلاح أو غيره، لعموم الأحاديث، قال الشافعى والأصحاب: وتكره الصلاة إلى القبور، سواء كان الميت صالحا أو غيره قال الحافظ أبو موسى: قال الإمام الزعفرانى رحمه الله: ولا يصلى إلى قبر ولا عنده تبركا به ولا إعظاما له، للأحاديث انتهى.
وأعدل الأقوال أن الصلاة إذا كانت تعظيما للقبر فهى حرام وباطلة لأن ذلك شرك، أما إذا خلت من التعظيم فهى صحيحة مع الكراهة إن كان القبر أمام المصلى، أما إن كان خلفه أو عن يمينه أو عن يساره فلا كراهة(8/106)
صلاة النبى بالأنبياء فى المسجد الأقصى
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
فى قصة الإسراء والمعراج أن النبى صلى الله عليه وسلم، صلى جماعة بالأنبياء فى المسجد الأقصى قبل العروج إلى السماء، فما هى هذه الصلاة مع أنها لم تكن قد فرضت بعد؟
الجواب
ثبت فى صحيح مسلم من طريق ثابت البنانى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى ليلة الإسراء ببيت المقدس ركعتين، كما ثبت أنه صلى بالأنبياء إماما، أى بعد صلاة الركعتين، وأنكر حذيفة بن اليمان صلاته عليه الصلاة والسلام ببيت المقدس، محتجا بأنه لو صلى فيه لكتب عليكم الصلاة فيه كما كتب عليكم الصلاة فى البيت العتيق، ولكن تعقبه البيهقى وابن كثير بأن المثبت - وهم جمهور الصحابة - مقدم على النافى.
يقول القسطلانى فى كتابه " المواهب اللدنية " وشرحه للزرقانى:
وقد اختلف فى هذه الصلاة، هل هى فرض أو نفل قال بعض العلماء إنها فرض، بناء على ما قاله النعمانى، وقال بعض: إنها نفل، وإذا قلنا: إنها فرض، فأى صلاة هى؟ قال بعضهم الأقرب أنها الصبح، ويحتمل أن تكون العشاء، وإنما يتأتى على قول من قال إنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم قبل عروجه إلى السماء، وفى النعمانى: إنما يتأتى على أن الإسراء من أول الليل، لكن قال بعض رواة حديث الإسراء: إنه بعد صلاة العشاء، وأما على قول من قال: صلى بهم بعد العروج فتكون الصبح. والاحتمالان، كما قال الشامى، ليسا بشىء، سواء قلنا صلى بهم قبل العروج أم بعده. لأن أول صلاة صلاها النبى صلى الله عليه وسلم من الخمس مطلقا الظهر بمكة باتفاق، ومن حمل الأولية على مكة فعليه الدليل، قال: والذى يظهر أنها كانت من النفل المطلق، أو كانت من الصلاة المفروضة عليه قبل ليلة الإسراء، وفى فتاوى النووى ما يؤيد الثانى. انتهى.
بعد هذا أقول: إن الصلاة كانت مفروضة قبل ليلة الإسراء، وكانت ركعتين أول النهار وركعتين آخره، وأما التى فرضت ليلة الإسراء فهى كونها خمسة فروض بركعاتها المعروفة، وعليه: فيجوز أن تكون صلاة الرسول ببيت المقدس ركعتين تحية للمسجد، صلاهما وحده والتى صلاها إماما بالأنبياء يجوز أن تكون نافلة من صلاة الليل وقد كانت مشروعة له صلى الله عليه وسلم، وجاء فى بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام وجد الأنبياء يصلون عند دخوله المسجد، ولما حان وقت الصلاة أذن مؤذن ثم أقيمت وقدمه جبريل عليهم بعد أن تبين فضله من واقع ما أثنى به كل على نفسه، ولكن مثل هذه الروايات لا ينبغى التعويل عليها فى صورتها الجزئية، بعد أن كرم اللَّه رسوله وأخذ على الأنبياء الميثاق إن أدركوه أن يؤمنوا به وينصروه، ومهما يكن من شىء فالخلاف فى هذا الموضوع ليست له نتيجة عملية(8/107)
آدم وحواء
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ورد سؤال من عميد كلية التربية بالجامعة الإسلامية الحكومية في سومطرة الشمالية بإندونسيا سنة 1972 م يقول: ظهر كتاب حديث في إندونسيا بعنوان "القرآن وتاريخ الإنسانية " قرر فيه مؤلفه بإسهاب أن أول الإنسان هو أنثى لا رجل وأن أهل الأديان جميعا أخطأوا فى قولههم: إن أول البشر آدم، واستدل بأدلة عقلية وعملية، مستأنسا بقوله {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملاً خفيفًا فمرت به} ويسأل:
1 - هل يجب الاعتقاد بأن أول البشر هو آدم عليه السلام، وما حكم من قال: إن أول البشر على الإطلاق أنثى لا رجل؟ .
2-هل يوجد من علماء المسلمين سلفا وخلفا من يقول بأن أول البشر على الإطلاق أنثى لا رجل؟
الجواب
اعلم أن القرآن لم ينزل ليعلم الناس حقائق علمية في المجالات المختلفة، ولكنه نزل للإعجاز والهداية، يحدد ما يجب تحديده كالعقائد والعبادات، ويضع أصولا كلية وأوامر عامة فيما يختلف باختلاف البيئات والعصور، غير أنه إذا وردت فيه مسائل علمية بقصد الإعجاز والهداية فإنها حق لا شك فيه حتى لو لم يفهمهما الناس، فإن جهلها لا يضر، أو أن الزمن كفيل ببيان المراد منها عندما تكتمل أدوات المعرفة.
وقد نصح العلماء بعدم الإسراع لربط المكتشفات الحديثة بالقرآن، فقد تكون هذه المكتشفات ما تزال في طور النظرية القابلة للتغيير، فلا ينبغي أن تحمل عليها آيات القران حملا قد يكون فيه تعسف -، وقد يضر بتقدير الناس للقرآن عندما يتبين أن هذه النظريات خطأ.
وتاريخ الإنسانية الذي يشير إليه عنوان الكتاب ومحاولة معرفته عن طريق القرآن ليس من المسائل الجوهرية في الدين، فلم يكلفنا الله بمعرفته ولم يوجب علينا اعتقاد ما ليس فيه نص عنه في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.
ومهما يكن من شيء فإليك ما يأتي خاصا بهذا الموضوع.
1 - سيدنا آدم هو الخليفة في الأرض قال تعالى {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} البقرة: 30، فالملائكة لم تكن تعرفه من قبل، وكانوا يظنون أنه سيفسد كما أفسد من قبله، ولن يكون على مثالهم هم من الطهر ودوام الطاعة للَّه، فهو خلق جديد عليهم.
2 - خلق آدم من تراب مبلل بالماء فصار طينا، ولحث أمر اللَّه الملائكة بالسجود له امتنع إبليس، قال تعالى {إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرًا من طين. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. فسجد الملائكة كلهم أجمعون. إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين} ص: 71- 74، وقد برر إبليس امتناعه عن السجود بقوله {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} ص: 76، فآدم خلق غير معروف من قبل للملائكة ولإبليس، فهو جديد عليهم ليس له مثال سابق.
3- إن البشر جميعًا منسوبون لأصلهم الأول وهو آدم، قال تعالى {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة} الأعراف: 27، فآدم أول المخلوقات البشرية.
4 -إن اللَّه خلق من نفس آدم - أي مادته وهي التراب، أو من جسده بعد أن سواه ونفخ فيه الروح وهذا لم يدل عليه دليل قاطع -خلق من نفس آدم زوجها ليسكن إليها ويأنس بها وهي حواء، قال تعالى {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها} الأعراف: 189.
والنفس المذكورة هي آدم، ولفظ النفس مؤنث وإن كان معناه قد يكون مذكرًا، فهو يطلق على الذكر والأنثى، مثل لفظ شخص يصلح لإطلاقه على كلا النوعين، ولفظ الزوج يطلق على الرجل والمرأة فيقال: علي زوج فاطمة، وفاطمة زوج علي، وهما زوجان، والمراد بالزوج في هذه الآية حواء الأنثى قال تعالى {واللَّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة} النحل: 72، فالخطاب لبني آدم الذكور، والمنة عليهم بأن جعل اللَّه لهم من أنفسهم زوجات نساء، ومن هؤلاء الزوجات يأتي البنون والحفدة، فالرجال هم الأصل والنساء تبع لهم.
5 -خلق اللَّه آدم أولا ثم خلق حواء، قال تعالى {خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها} الزمر: 6، فالتعبير بلفظ "ثم " يفيد الترتيب في الزمن أو الرتبة، وهو على كل حال يفيد سبق آدم لحواء، ووجه اللَّه الخطاب في القرآن لآدم وجعل حواء زوجه تبعًا له، وهو يشعر بتقدم آدم عليها. قال تعالى {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} البقرة: 35، وكما تشير إليه آية سورة النحل السابقة "بند 4 ".
6 - ضمير الخطاب والغيبة في الآيات المذكورة كلها مذكر وليس مؤنثًا فآدم ذكر وليس أنثى {اسكن أنت وزوجك الجنة} في ذا سوَّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} .
نخلص من هذا إلى حقيقتين أولاهما أن آدم هو أول البشر على الإطلاق وثانيهما أنه ذكر لا أنثى، واللغة العربية التى نزل بها القرآن هى التي أوصلتنا إلى هذا الاستنتاج ولم نجد فيما اطلعنا عليه أن أحدا من العلماء المسلمين قال غير ذلك، فصار إجماعًا مستندًا إلى ما ذكر من الأدلة.
وفي الختام أقول: إن محاولة التشكيك في أن أول البشر ذكر هو آدم ممهدة للقول بنظرية "داروين " في أصل الأنواع وفي النشوء والارتقاء التي تجوز أن آدم جاء نتيجة لتطورات خلقية سابقة، قد يكون مبدؤها أصلاً أنثويًا وجدت فيه الروح، فكان الكائن الحي الذي تطور إلى آدم البشر السوي، ومعروف أن نظرية "داروين " لم تسلم من النقد، ورفضها أكثر العلماء المحققين، لأنها تقوم على افتراضات غير ثابتة يقينًا.
ومع ذلك فقد قلت فيما سبق:إن المسألة ليست اعتقادية ولا تتوقف صحة الإيمان عليها، غير أن من خالف مواضعات اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم كان معرضا للانزلاق إلى استنباطات واهية ونتائج غير صحيحة قد تمس حقائق الدين المتفق عليها فيضل ويشقى. وهذا إلحاد في التفكير يخشى أن يندرج تحت قوله تعالى {إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا} فصلت: 40(8/108)
نوح وأرضه وعمره وزوجته
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
جاء قوله تعالى على لسان النبي نوح {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا} نوج:26، فلماذا قال نوح "الأرض " ولم يخص قومه الذين عصوه، وهل نوح هو الأب الثانى للبشر؟ وكم كان عمره، وكيف خانته زوجته؟
الجواب
كان العمران محدودًا في أيام نوح عليه السلاَم، ولعل الذين أرسل إليهم كانوا هم الذين يعيشون على الأرض في هذه المنطقة، فلما دعا عليهم ظن أو اعتقد أنه لا يوجد غيرهم على الأرض. وهم أيضًا قومه كما قال سبحانه {كذبت قوم نوح المرسلين} الشعراء: 105.
وقال بعض العلماء: إن الأرض المذكورة في دعاء سيدنا نوح قد يراد بها المنطقة التي أرسل فيها دون غيرها، فكلمة "ال " للعهد كما يقول علماء اللغة، وقالوا: إن الطوفان أهلك كل إنسان كافر، وعمرت الأرض بعد ذلك من سلالة المؤمنين الذين ركبوا السفبنة معه ونجوا من الغرق، وبهذا يقال:
إنه الأب الثاني للبشر بعد آدم عليه السلام وذلك ما نقل، عن ابن عباس من أن نوحًا هو آدم الأصغر، وأن جميع الخلائق الآن من نسله "تفسير القرطبي ج 9 ص 48 ".
أما عمر سيدنا نوح، فقد اختلفت فيه الأقوال عند تفسير قوله تعالى {ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون} العنكبوت: 14، فمن المؤكد أنه عاش ألف سنة إلا خمسين عاما، فهل هذه المدة هي كل عمره الذي عاشه من يوم ولادته إلى وفاته، أو هي التي عاشها في الدعوة ويضاف إليها السنوات التي قبلها، وهي حوالي أربعين سنة، حيث كان الرسل يبعثون في هذه السن، ثم يضاف إليها أيضًا المدة التي عاشها بعد الطوفان ولا يعلم كم هي؟ ليس هناك دليل قاطع على عمره، ولا داعي للانشغال به، فقد مات كما يموت كل حي، ولم يخلد في الدنيا على الرغم من عمره الطويل.
وفي تفسير القرطبي في سورة العنكبوت معرض لآراء كثيرة في عمر نوح ليس على أي واحد منها دليل صحيح، وأورد حديثًا بصيغة التمريض أي التضعيف أن عمره كان عند البعثة مائتين وخمسين سنة، وعاش بعد الطوفان مثلها، يضم إلى ذلك ما نص عليه القرآن وهو تسعمائة وخمسون سنة، فيكون المجموع ألف سنة وأربعمائة وخمسين سنة وكل ذلك -استنتاج لا دليل عليه.
أما زوجته فقد قال اللَّه فيها {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من اللَّه شيئًا وقيل ادخلا النار مع الداخلين} التحريم: 10.
فما هي الخيانة التي صدرت من كل منهما مع أن كلا منهما زوجة نبي؟ .
أحسن ما قيل في خيانتهما أنها الكفر بالرسالة والتواطؤ مع الكفرة، وحاشا أن تكون الخيانة في العرض والشرف كما قال ابن عباس رضي الله عنهما. والمستبعد أن تكون (عجوز) كما وصفها الله تخون لوطا بالفاحشة.
هذا، وكون زوجة نبي كافرة لا يقدح في عصمته هو ولا يمس شرفه، فكل امرئ بما كسب رهين، كما لا يضر المسلم أن تكون زوجته كتابية لا تؤمن بدينه(8/109)
رفع عيسى عليه السلام
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل رفع عيسى عليه السلام حيا أو ميتا، وأين مدفنه؟
الجواب
جاء الحديث عن وفاة سيدنا عيسى ورفعه في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم: {إذ قال اللَّه يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إلىَّ ومطهرك من الذين كفروا} آل عمران:55، {وما قتلوه يقينا بل رفعه اللَّه إليه} النساء: 157 -158، {فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم} المائدة: 117.
والآية الأخيرة في معرض كلام الله تعالى لعيسى يوم القيامة، ولا شك أن كل حي سيموت ويبعث بعد الموت، والآيتان الأخريان تؤكدان رفع عيسى إلى الله وأن اليهود لم يقتلوه ولم يصلبوه، وفي الآية الأولى منها أن الله متوفيه ورافعه، فالقدر المتفق عليه أن عيسى لم يقتل ولم يصلب وأن الله قد رفعه إليه وتوفاه، والخلاف هنا في نقطتين في معنى الرفع ومعنى الوفاة، وفي سبق أحدهما على الآخر.
أما النقطة الأولى:
فقيل في معنى الرفع: رفع مكانة ومنزلة بالنصر على الأعداء، وذلك قدر مشترك بين الأنبياء جميعًا لا يختص به عيسى، وقيل إنه رفع مكان، والمكان هو السماء، لأنه هو الذي يرفع إليه من الأرض التي كان يعيش عليها عيسى، لعل هذا المعنى يكون أرجح، لأن رفعه من الأرض إبطال لكيد من دبروا قتله فلا يمكنهم أن يخالوه.
وقيل في معنى الوفاة الموت الحقيقي لأنه هو الذي يتبادر إليه لفظ الموت، وقيل معناها النوم لأنه يسمى وفاة كما قال تعالى {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} الزمر: 42، وقال تعالى {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل مسمى} الأنعم:
60.
وقيل معناها توفية الأجل وإتمام المدة المقررة به في الدنيا.
وأما في النقطة الثانية:
فالعطف بين الوفاة والرفع هو بالواو، والعطف بها يفيد مطلق الجمع بينهما في الحصول دون ترتيب ولا تعقيب، فيا ترى أيهما كان السابق؟ قال بعض المفسرين: الرفع هو السابق والوفاة تكون بعد ذلك إما فى السماء وإما في آخر الحياة الدنيا فكل نفس ذائقة الموت.
وقيل: الوفاة هي السابقة على الرفع، بمعنى أن الله ألق عليه النوم ثم رفعه حتى لا يحصل له رعب وهو يرى نفسه محلقا في الأجواء العالية، أو بمعنى أن الله قبض روحه ثم رفعه ميتا، وقد يكون هذا المعنى بعيدًا لأمرين: أن الله نجاه من القتل فلماذا يميته وكلاهما ألم بإزهاق الروح وأنه سينزل آخر الزمان كما صح ذلك في الحديث المتفق عليه بين البخاري ومسلم "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا مقسطا، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد" والقريب إلى التصور أن يكون في السماء حيا ثم ينزل إلى الأرض، لا أن يكون ميتا ثم يبعثه اللَّه بعد موته لينزل إلى الأرض [هناك كلام كثير في عمر عيسى عندما بعث، وعندما رفع، وكم يمكث بعد نزوله من السماء ويراجع في شرح الزرقاني على المواهب اللدنية "ج 1 ص 34، 35، وفى كتاب "التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح " للشوكاني.
ومهما يكن من شيء فكلها احتمالات لا تتقرر بها عقيدة، فمن اختار أي رأي فلا حرج عليه، مع الاتفاق على أنه عليه السلام لم يقتل ولم يصلب وأن الله رفعه.
وكتب التفسير مملوءة بالمناقشات لترجيح بعض الآراء على بعض، وأرى أن نكتفى بالقدر المتفق عليه، ونوجه اهتمامنا إلى واقع حياتنا الذي يحتاج إلى بحث عميق وتفكير طويل.
هذا، وقد جاء في كتاب خلاصة الوفا للسمهودى ص 206 حديث رواه الترمذي عن عبد اللَّه بن سلام عن أبيه عن جده قال:
مكتوب في التوراة صفة محمد وعيسى بن مريم يدفن معه، وقال الترمذي:
حديث غريب. وفي بعض النسخ: حسن غريب. وروى الطبرانى أن عيسى يدفن مع الرسول وأبى بكر وعمر، وفي سنده عثمان ابن الضحاك بن عثمان، وثقه ابن حبان وضعفه أبو داود.
وجا في المشكاة عن كنز العمال عن عمرو بن العاص حديث إن عيسى بن مريم ينزل إلى الأرض فيتزوج ويولد له ويمكث خمسًا وأربعين سنة ثم يموت ويدفن معي في قبري أنا وعيسى بن مريم بين أبي بكر وعمر. وكلها أخبار لا تثبت بها عقيدة، وأرى عدم الاهتمام بها انظر بحث الشيخ جاد الحق فى كتابه "قضايا عصرية ج 5ص 329 "(8/110)