[صفحة فارغة](2/366)
الفصل الثاني
في شروط الاستجمار(2/367)
[صفحة فارغة](2/368)
الشرط الأول
في اشتراط ثلاثة أحجار
اختلف الفقهاء هل يشترط في الاستجمار ثلاثة أحجار، أم لا؟
فقيل: لا يجب العدد، بل المعتبر الإنقاء، فكيف حصل أجزأ، وهو مذهب الحنفية (1) ، والمالكية (2) .
وقيل: لا بد من ثلاثة أحجار، فأكثر، وهو مذهب الشافعية (3) ، والحنابلة (4) ، واختيار ابن حزم (5) .
دليل الحنفية والمالكية على الاكتفاء بحجر واحد.
الدليل الأول:
(350-194) ما رواه البخاري، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا زهير، عن أبي إسحاق، قال: ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن بن
_________
(1) شرح معاني الآثار (1/121) وما بعدها، بدائع الصنائع (1/19) ، تبيين الحقائق (1/76،77) ، البحر الرائق (1/253) .
(2) المنتقى (1/68) ، شرح الزرقاني على موطأ مالك (1/72) ، التاج والإكليل (1/270) ، التمهيد (11/17) ، الكافي في فقه أهل المدينة (ص: 17) ، مواهب الجليل (1/290) ، بداية المجتهد (1/62) .
(3) الأم (1/22) ، المجموع (2/120) ، المهذب (1/27) ، الإقناع للشربيني (1/54) ، شرح زبد بن رسلان (ص: 52) ، مغني المحتاج (1/45) .
(4) المغني (1/102) ، الفتاوى الكبرى (1/339،340) ، المبدع (1/94) ، مختصر الخرقي (ص: 17) ، منار السبيل (1/23) ، الكافي (1/52) ، كشاف القناع (1/69) ، مجموع فتاوى ابن تيمية (21/211) .
(5) المحلى (1/108) ،(2/369)
الأسود، عن أبيه،
أنه سمع عبد الله يقول: أتى النبي b الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين، وألقى الروثة وقال: هذا ركس (1) .
وجه الاستدلال:
قال الطحاوي: ففي هذا الحديث ما يدل أن النبي b قعد للغائط في مكان ليس فيه أحجار، لقوله لعبد الله: ناولني ثلاثة أحجار، ولو كان بحضرته من ذلك شيء لما احتاج إلى أن يناوله من غير ذلك المكان، فلما أتاه عبد الله بحجرين وروثة، فألقى الروثة، وأخذ الحجرين، دل ذلك على استعماله الحجرين، وعلى أنه قد رأى أن الاستجمار بهما يجزيء، ولو كان لا يجزيء الاستجمار بما دون الثلاث لما اكتفى بالحجرين، ولأمر عبد الله أن يبغيه ثالثاً، ففي تركه ذلك دليل على اكتفائه بالحجرين (2) .
وطريق آخر للاستدلال على جواز الأقل من ثلاثة:
أن الرسول b طلب من ابن مسعود ثلاثة أحجار، فأتاه بحجرين، فإما أن يكون ابن مسعود لم يأته بالثالث، أو أنه أتاه به، وعلى الحالين ففيه دليل على عدم اشتراط ثلاثة أحجار؛ لأنه b اقتصر في الموضعين على ثلاثة، فحصل لكل منهما أقل من ثلاثة.
وأجيب عن هذا الدليل:
قالوا: كون الرسول b لم يطلب حجراً ثالثاً لاحتمال أن يكون اكتفى
_________
(1) صحيح البخاري () .
(2) شرح معاني الآثار (1/122) .(2/370)
بالأمر الأول في طلب ثلاثة أحجار، فلم يجدد الأمر بطلب الثالث، أو اكتفى بطرف أحدهما عن الثالث؛ لأن المقصود بالثلاث أن يمسح بها ثلاث مسحات، وذلك حاصل ولو بواحد.
قال ابن حزم رحمه الله: وليس في الحديث أنه عليه السلام اكتفى بالحجرين، وقد صح أمره b له أن يأتيه بثلاثة أحجار، فالأمر باق لازم، لابد من إبقائه (1) .
أما قولكم: إنه استعمل في الموضعين ثلاثة، فحصل لكل منهما أقل من ثلاثة، فيحتمل أن يكون لم يخرج منه شيء إلا من سبيل واحد، خاصة إذا علمنا أن الرسول b من عادته إذا أراد الغائط أبعد، حتى يستتر عن أعين الناس، بحيث لا يراه أحد، ولم يكن يفعل هذا في البول، فقد بال b قائماً، وحذيفة عند عقبه، فقول ابن مسعود: " أتى الغائط، فأمرني " ظاهره أنه لم يأمره حتى أتى مكان قضاء الحاجة، وهذا يرجح أنه كان للبول فقط.
وقال الحافظ: وعلى تقدير أن يكون خرج منهما، فيحتمل أن يكون اكتفى للقبل بالمسح في الأرض، وللدبر بالثلاثة، أو مسح من كل منهما بطرفين.
وأجاب ابن حزم بجواب آخر، وقصر وجوب ثلاثة أحجار للغائط فقط دون البول.
قال رحمه الله: فإن قيل: أمره عليه السلام بثلاثة أحجار، هو للغائط والبول معاً، فوقع لكل منهما أقل من ثلاثة أحجار.
قلنا: هذا باطل؛ لأن النص ورد بأن لا يستنجي بأقل من ثلاثة أحجار،
_________
(1) المحلى (1/113) .(2/371)
ومسح البول لا يسمى استنجاء (1) .
وقال ابن حزم أيضاً: فإن بدأ بمخرج البول، أجزأت تلك الأحجار بأعيانها لمخرج الغائط، وإن بدأ بمخرج الغائط لم يجزه من تلك الأحجار إلا ما كان لا رجيع عليه فقط، والله أعلم (2) .
(351-195) وقد روى أحمد رحمه الله، قال: ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن أبي إسحاق، عن علقمة بن قيس،
عن ابن مسعود أن النبي b ذهب لحاجته، فأمر ابن مسعود أن يأتيه بثلاثة أحجار، فجاءه بحجرين وبروثه، فألقى الروثة وقال: إنها ركس ائتني بحجر (3) .
[إسناده منقطع] (4) .
_________
(1) المحلى (1/110) .
(2) المرجع السابق (1/108) .
(3) المسند (1/450) .
(4) الحديث أخرجه أحمد كما في حديث الباب، والطبراني (9951) ، والدارقطني (1/55) ، والبيهقي في السنن (1/103) من طريق عبد الرزاق به.
وأخرجه الدارقطني (1/55) من طريق أبي شيبة الواسطي، عن أبي إسحاق به.
قال أبو زرعة وأبو حاتم: أبو إسحاق لم يسمع من علقمة شيئاً. المراسيل (ص: 145) .
وروى ابن أبي حاتم بسند صحيح عن شعبة، قال: كنت عند أبي إسحاق، فقال له رجل: شعبة يقول إنك لم تسمع من علقمة؟ قال: صدق شعبة. المرجع السابق.
وقال يحيى بن معين كما في تاريخه (2/448) : رأى علقمة، ولم يسمع منه. اهـ
وأثبت الكرابيسي سماع أبي إسحاق من علقمة فيما نقله عنه الحافظ في الفتح (1/257) ، والأول أرجح، فقد نص كل من شعبة ويحيى بن معين وأبي حاتم وأبي زرعة أربعة أئمة على عدم سماعه منه، ثم أبو أسحاق نفسه قد صرح بأنه لم يسمع من علقمة شيئاً، ويكفي هذا في غلط الكرابيسي.
وعلى التنزل أن يكون أبو إسحاق سمع من علقمة مع أن هذا افتراض بعيد، فإن هذه الزيادة يحكم بشذوذها، فقد رواه البخاري (156) ، والنسائي (1/39) وابن ماجه (314) ، وأبو يعلى (5127) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/122) ، والطبراني في الكبير (9953) ، والبيهقي في السنن (1/108) من طريق زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود، وليس فيه هذه الزيادة.
ورواه ابن أبي شيبة (1/143) ، وأحمد (1/388) ، والترمذي (17) ، والشاشي في مسنده (921) ، والطبراني في الكبير (9952) من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، وليس فيه زيادة علقمة. وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه.(2/372)
الدليل الثاني:
(352-196) استدلوا بما رواه أحمد، قال: حدثنا سريج بن النعمان، قال: حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا ثور بن يزيد، عن حصين الحبراني، عن أبي سعد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله b:
" من اكتحل فليوتر، من فعل فقد أحسن، ومن لا، فلا حرج عليه. ومن استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن، ومن لا، فلا حرج، ومن أكل فما تخلل فليلفظ، ومن أكل بلسانه فليبتلع، من فعل فقد أحسن، ومن لا، فلا حرج، ومن أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً فليستدبره، فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن، ومن لا، فلا حرج (1) .
[إسناده ضعيف، يرويه مجهول، عن مجهول] (2) .
_________
(1) المسند (2/371) .
(2) سبق تخريجه في حكم الاستنجاء.(2/373)
الدليل الثالث:
من النظر، قالوا: إن المقصود من الاستنجاء: هو الإنقاء، فلا معنى لاشتراط الزيادة بالثلاث بعد حصوله، ولهذا لو لم يحصل الإنقاء بالثلاث يزاد عليها إجماعاً، لكونه هو المقصود.
وأجيب عن هذا:
قولكم: إن المقصود: هو الإنقاء غير صحيح، فلو كان المقصود هو الإنقاء لخلا اشتراط العدد عن فائدة، فلما اشترط العدد لفظا، وعلم الإنقاء به معنى، دل على إيجاب الأمرين، ونظيره العدة بالأقراء، فإن العدد معتبر، ولو تحققت براءة الرحم بقرء.
دليل الشافعية والحنابلة على اشتراط الثلاث.
الدليل الأول:
(352-196) ما رواه مسلم، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية ووكيع، عن الأعمش ح
وحدثنا يحيى بن يحيى، واللفظ له، أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد،
عن سلمان قال: قيل له: قد علمكم نبيكم b كل شيء حتى الخراءة، قال: فقال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم (1) .
_________
(1) مسلم (262) .(2/374)
وجه الاستدلال:
قوله: " نهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار" والأصل في النهي التحريم، ولا صارف له عنه.
الدليل الثاني:
(353-197) ما رواه أحمد، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا محمد بن عجلان، حدثني القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح،
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنا لكم مثل الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الخلاء فلا تستقبلوها ولا تستدبروها، ولا يستنجي بيمينه، وكان يأمر بثلاثة أحجار، وينهى عن الروث والرمة (1) .
[إسناده حسن] (2) .
وجه الاستدلال:
قوله: " وكان يأمر بثلاثة أحجار" والأصل في الأمر الوجوب، ولا صارف له عنه.
الدليل الثالث:
(354-198) ما رواه أحمد، قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، عن مسلم بن قرط، عن عروة بن الزبير،
_________
(1) المسند (2/250) .
(2) رجاله كلهم ثقات إلا ابن عجلان، فإنه صدوق، وسبق تخريجه في حكم الاستنجاء.(2/375)
عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن، فإنهن تجزئ عنه (1) .
[إسناده أرجو أن يكون حسناً] (2) .
وجه الاستدلال:
قوله b: فليذهب معه بثلاثة أحجار. فهذا أمر، والأصل فيه الوجوب.
الدليل الرابع:
(355-199) ما رواه الطبراني، قال: حدثنا بكر، ثنا عمرو بن هاشم، ثنا الهقل بن زياد، عن الأوزاعي، عن عثمان بن أبي سودة، عن أبي شعيب الحضرمي،
عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول الله b: إذا تغوط أحدكم فليتمسح بثلاثة أحجار، فإن ذلك كافيه (3) .
[إسناده فيه لين إلا أنه صالح في الشواهد] (4) .
الدليل الخامس:
(356-200) ما أخرجه الطبراني، كما في مجمع البحرين، قال: حدثنا أحمد، ثنا محمد بن يحيى النيسابوري، ثنا أبو غسان محمد بن يحيى الكناني،
_________
(1) المسند (6/133) .
(2) سبق تخريجه.
(3) مجمع البحرين (354) .
(4) سبق تخريجه.(2/376)
حدثني أبي، عن ابن أخي ابن شهاب، عن عمه، قال: أخبرني ابن خلاد،
أنا أباه سمع من النبي b يقول: إذا تغوط أحدكم فليتمسح ثلاث مرات.
[إسناده حسن لولا أن فيه يحيى بن علي بن عبد الحميد لم أقف له على ترجمة] (1) .
الدليل السادس:
(357-201) ما رواه أحمد، قال: ثنا علي بن بحر، حدثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن أبي سفيان،
عن جابر قال: قال رسول الله b: إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثاً (2) .
[إسناده حسن إن كان أبو سفيان سمعه من جابر، ورواه أبو الزبير عن جابر في مسلم، ولم يقل: ثلاثاً] (3) .
الدليل السابع:
(358-202) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن نمير وعبدة، عن هشام بن عروة، عن عمرو بن خزيمة، عن عمارة بن خزيمة، عن خزيمة بن ثابت، قال: قال رسول الله b: الاستطابة بثلاثة أحجار، ليس فيها رجيع (4) .
_________
(1) سبق تخريجه في المسألة التي قبل هذه.
(2) المسند (3/400) .
(3) سبق تخريجه في المسألة التي قبل هذه.
(4) المصنف (1/142) رقم 1652.(2/377)
[إسناده فيه لين] (1) .
الدليل الثامن:
من النظر، قالوا: ليس الحجر كالماء، إذا أنقى كفى؛ لأن الماء يزيل العين والأثر فدلالته قطعية، فلم يحتج إلى الاستظهار بالعدد، وأما الحجر فلا يزيل الأثر، وإنما يفيد الطهارة ظاهراً لا قطعاً، فاشترط فيه العدد (2) .
جواب الحنفية والمالكية عن أدلة الشافعية والحنابلة:
أجابوا عن الأحاديث السابقة بأن ذكر الأحجار الثلاثة خرجت مخرج الغالب والعادة؛ لأن النقاء يحصل بها غالباً، أو أن الثلاثة تحمل على الكمال والاستحباب (3) .
وقال ابن الهمام: وما رووه من الأحاديث متروك ظاهرها، فإنه لو استنجى بحجر واحد له ثلاثة أحرف جاز بالإجماع (4) .
ويجاب عن هذا:
بأن حمل الأحاديث على الاستحباب خلاف الأصل، لإن الأصل في الأمر الوجوب، وفي النهي التحريم.
كما أن القول بأنها خرجت مخرج الغالب يحتاج إلى دليل، وكما قلنا سابقاً، لما كان الماء يطهر طهارة كاملة، لم يشترط عدد، ولما كانت الحجارة
_________
(1) سبق تخريجه في المسألة التي قبل هذه.
(2) معالم السنن (1/11،12) ، المجموع (2/122) .
(3) انظر شرح معاني الآثار (1/121) ، مواهب الجليل (1/290) .
(4) شرح فتح القدير (1/214) .(2/378)
يبقى منها أثر معفو عنه، اشترط لحصول العفو عن هذا النجاسة عدد معين، وهو ثلاثة أحجار.
أما قولكم: إن الأحاديث التي تنص على ثلاثة أحجار متروك ظاهرها بالإجماع كما لو استنجى بحجر واحد له ثلاث شعب.
فيقال: حكاية الإجماع ليست دقيقة، فإن ابن المنذر وابن حزم يريان وجوب ثلاثة أحجار، ولا يكفي ثلاث مسحات بحجر واحد له شعب.
وعلى التنزل فمن تمسح بثلاث مسحات لا يكون بمنزلة من تمسح بحجر واحد مرة واحدة. فالقول الراجح أنه لا بد من ثلاثة أحجار أو ثلاثة مسحات، والله أعلم.(2/379)
[صفحة فارغة](2/380)
المبحث الأول
في الاكتفاء بحجر واحد له ثلاث شعب
اختلف القائلون باشتراط ثلاثة أحجار، هل المطلوب ثلاث مسحات، بحيث يكفي الحجر الواحد إذا كان ذا ثلاث شعب، أو لا بد من ثلاثة أحجار.
فقيل: يكفي الحجر الواحد إذا كان له ثلاث شعب، وهو مذهب الشافعية (1) ، والحنابلة (2) .
وقيل: لا بد من ثلاثة أحجار مطلقاً، هو رواية عن أحمد (3) ، واختاره ابن المنذر (4) ، ورجحه ابن حزم (5) .
دليل من قال: يكفي حجر واحد له ثلاث شعب.
قالوا: إن الشارع لما نص على ثلاثة الأحجار أراد من المستجمر ألا يتكفي بمسح المحل مرة واحدة، بل يكرر المسح ثلاث مرات، فكان المعنى ثلاثة أحجار: أي ثلاث مسحات، وإذا كان ذلك كذلك كان هذا حاصلاً ولو بحجر واحد، والدليل على صحته أنه لو مسح بطرف واحد وروماه، ثم
_________
(1) الأم (1/22) ، المهذب (1/27) ، تحفة المحتاج (1/182) ، المنهج القويم (1/82) ، الإقناع للشربيني (1/54) ، التنبيه (ص: 18) ، شرح زبد ابن رسلان (ص: 52) .
(2) كشاف القناع (1/69) ، المغني (1/105) ، المبدع (1/94) ، الفروع (1/90) ، المحرر (1/10) ، الإنصاف (1/112) ، مطالب أولي النهى (1/78) .
(3) المغني (1/105) ، المحرر (1/10) .
(4) الأوسط (1/354) .
(5) المحلى (1/108) مسألة: 122.(2/381)
جاء شخص آخر، فمسح بطرفه الآخر لأجزأهما بلا خلاف، واعتبر لكل واحد منهما مسحة. وأيضاً لو استجمر، ثم كسر المتنجس منها، واستجمر به ثانية لعد حجرين، وكذا لو غسله، ثم استنجى به.
دليل من قال: لا بد من ثلاثة أحجار.
الدليل الأول:
حديث سلمان رضي الله عنه: " ونهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار" فمن استنجى بحجر واحد ثلاث مسحات يكون قد استنجى بحجر واحد، وقد وقع في ما نهى عنه رسول الله b، ولو كان المقصود ثلاث مسحات لجاء بها النص، والرسول b أعطي جوامع الكلم، فلما لم يأت نص بالتعبير بالمسح، لزم الأخذ بظاهر النص، وأنه لا بد من ثلاثة أحجار.
الدليل الثاني:
قال ابن المنذر: ليس يخلو الأمر بثلاثة أحجار من أحد أمرين: إما أن يكون أريد بها إزالة نجاسة، فإن كان هكذا فبما أزيلت النجاسة يجزي بحجر وغير حجر ولو أزيلت بحجر واحد.
أو يكون عبادة فلا يجزي أقل من العدد.
أو معنى ثالثاً.
فيقال: أريد بها إزالة نجاسة وعبادة، فلما بطل المعنى الأول لم يبق إلا هذان المعنيان، ولا يجزي في واحد من المعنيين إلا بثلاثة أحجار؛ لأن العبادات لا يجوز أن ينتقص عددها، والخبر يدل على صحة ما قاله هذا القائل، وذلك موجود في حديث سلمان: "لا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار" وكلما أمر الناس بعدد شيء لم يجز أقل منه، ولا يجزي أن أن ترمي الجمرة مع سبع(2/382)
حصيات، مع أن قول رسول الله b مستغنى به عن غيره، ولا تأويل لما قال: " لا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار " لمتأول معه (1) .
وهذا الكلام جيد، إلا أن قياسه على الرمي فيه نظر، فالرمي عبادة غير معقولة المعنى، بخلاف إزالة النجاسة.
فالراجح مذهب الشافعية والحنابلة، وأن المقصود من ثلاثة الأحجار تكرار المسح ثلاث مرات، كما أن المعتبر بقطع الاستنجاء على وتر إنما هو في المسح، وليس في عدد الأحجار، فلو مسح المستنجي ست مرات من ثلاثة أحجار لم يكن قد أتى بسنة الإيتار، لأن الإيتار المقصود به في عدد المسحات، لا عدد الأحجار، والله أعلم.
_________
(1) الأوسط (1/354) .(2/383)
[صفحة فارغة](2/384)
الشرط الثاني
أن تكون الأحجار ونحوها طاهرة
يشترط في ما يستجمر به أن يكون طاهراً، لا نجساً، ولا متنجساً (1) ، وهو مذهب المالكية (2) ، والشافعية (3) ، والحنابلة (4) .
وقيل: يجزئ الاستجمار بكل ما يزيل العين من طاهر ونجس، وهو مذهب الحنفية (5) ، وقول للإمام
_________
(1) النجس: ما كانت عينه نجسة. والمتنجس: ما طرأت عليه النجاسة.
(2) المنتقى (1/68،69) ، التاج والإكليل (1/414) ، مواهب الجليل (1/289) ، حاشية الدسوقي (1/113) ، حاشية الصاوي (1/101) ، القوانين الفقهية (ص: 42) ، الخرشي (1/149) ، منح الجليل (1/106) .
(3) الأم (1/22) ، تحفة المحتاج (1/176) ، المهذب (1/28) ، إعانة الطالبين (1/108) ، حلية العلماء (1/164) ، المجموع (2/132) .
(4) مطالب أولي النهى (1/77) ، المبدع (1/91) ، دليل الطالب (ص: 6) ، الفروع (1/92) ، المحرر (1/10) ، كشاف القناع (1/68) ، الكافي (1/53) .
(5) قال في بدائع الصنائع (1/18) : فإن فعل ذلك -يعني من الاستنجاء بالعظم والروث-فإنه يعتد به عندنا، فيكون مقيماً سنة، ومرتكباً كراهة، ويجوز أن يكون لفعل واحد جهتان مختلفتان، فيكون بجهة كذا، وبجهة كذا. وعند الشافعي لا يعتد به، حتى لا تجوز صلاته إذا لم يستنج بالأحجار بعد ذلك. وجه قوله: إن النص ورد بالأحجار فيراعى عين المنصوص عليه؛ ولأن الروث نجس في نفسه، والنجس كيف يزيل النجاسة؟ (ولنا) : أن النص معلول بمعنى الطهارة، وقد حصلت بهذه الأشياء كما تحصل بالأحجار، إلا أنه كره بالروث لما فيه من استعمال النجس، وإفساد علف دواب الجن، وكره بالعظم لما فيه من إفساد زادهم على ما نطق به الحديث، فكان النهي عن الاستنجاء به لمعنى في غيره لا في عينه، فلا يمنع الاعتداد به وقوله: " الروث نجس في نفسه " مسلم، لكنه يابس لا ينفصل منه شيء إلى البدن فيحصل باستعماله نوع طهارة بتقليل النجاسة. وانظر العناية شرح الهداية (1/216) ، شرح فتح القدير (1/216) ، الجوهرة النيرة (1/40) ، والفتاوى الهندية (1/50) ، مراقي الفلاح (ص: 19) ، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 29،30) ، البحر الرائق (1/255) ، حاشية ابن عابدين (1/339) .(2/385)
الطبري رحمه الله (1) ، واختاره ابن تيمية (2) .
الدليل على اشتراط الطهارة.
الدليل الأول:
(359-203) ما رواه البخاري، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا زهير، عن أبي إسحاق قال: ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه
أنه سمع عبد الله يقول: أتى النبي b الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة، فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: هذا ركس (3) .
وجه الاستدلال:
قوله: هذا ركس. فإن معنى الركس في اللغة يحتمل أمرين:
_________
(1) انظر فتح البر في ترتيب التمهيد لابن عبد البر (3/92) .
كما أجاز الاستجمار بالروث أشهب من المالكية وأبو الحسن القاضي، انظر المنتقى للباجي (1/68) .
(2) قال ابن تيمية كما في الفروع (1/123) : وانفرد شيخنا بجزائه بروث وعظم، وظاهر كلامه وبما نهي عنه، قال: لأنه لم ينه عنه لأنه لا ينقي، بل لإفساده، فإذا قيل: يزول بطعامنا مع التحريم، فهذا أولى.
(3) صحيح البخاري (156) .(2/386)
الأول: الركس بمعنى: الرجيع.
والثاني: الركس بمعنى: النجس. فعلل النبي b تركه بأنه رجس.
وقد قال بعضهم: ليس في الحديث دليل على اشتراط الطهارة، وإنما فيه ترك الاستنجاء بالروث، ولا يلزم من ذلك النجاسة، كما لم يلزم من تركه الاستنجاء بالعظم والمحترمات.
فأجاب النووي بقوله: إن الاعتماد في الاستدلال على قوله b: إنها ركس" وليس على مجرد تركه الاستنجاء بها، قال: ولا يجوز أن يحمل على أنه مجرد إخبار بأنها رجيع، فإن ذلك إخبار بالمعلوم، فيؤدي الحمل عليه إلى خلو الكلام عن فائدة، فوجب حمل الكلام على ما ذكرناه من تفسير الركس بمعنى: النجس (1) .
الدليل الثاني:
(360-204) ما رواه الدارقطني، من طريق يعقوب بن حميد بن كاسب، نا سلمة بن رجاء، عن الحسن بن فرات القزاز، عن أبيه، عن أبي حازم الأشجعي، عن أبي هريرة، قال: إن النبي b نهى أن يستنجى بروث أو عظم، وقال: إنهما لا يطهران (2) .
[إسناده ضعيف] (3) .
_________
(1) المجموع (2/570) .
(2) سنن الدراقطني (1/56) .
(3) وسبق تخريجه في مسألة: حكم الأثر المتبقي بعد الاستجمار.(2/387)
الدليل الثالث:
من جهة النظر، قالوا: إن النجس: نجس في نفسه، فلا يمكن أن يطهر غيره.
الدليل الرابع:
قالوا: إن الاستجمار رخصة عندهم؛ لأن الأصل في إزالة النجاسة هو الماء، والرخصة لا تحصل بحرام، يعني: بملابسة النجاسة.
والصحيح أن الاستجمار على وفق القياس، وليس هو رخصة، لأن إزالة النجاسة إذا أزيلت بأي مزيل زال حكمها، ولا يختص هذا في محل الاستجمار، كما قدمنا في دلك النعل بالتراب (1) ، وفي تطهير ذيل المرأة (2) ، ونحوهما.
دليل من قال: يجزئ الاستجمار بكل مزيل ولو كان نجساً.
قالوا: إن النجاسة عين خبيثة متى زالت زال حكمها، وحديث ابن مسعود غايته عدم الاستنجاء بالنجس، لكن إذا استنجى فقد طهر مع الإثم، لكن لا يمكننا الحكم بنجاسة المحل، وقد ارتفعت النجاسة، فالنهي والصحة غير متلازمين، فقد تجتمع الصحة والتحريم.
وهذا القول فيه قوة، ولا يقال هذا القول ابتداء، لكن لو استنجى أحد بما نهي عن الاستنجاء به، وجاء يسأل هل يجزؤه ذلك؟ قلنا: يجزؤك، ولا تعد.
_________
(1) سبق تخريجه من حديث أبي سعيد، والحديث صحيح.
(2) سبق تخريجه من حديث أمرأة من بني عبد الأشهل، ومن حديث أم سلمة، والحديث صحيح.(2/388)
الشرط الثالث
أن يكون المستنجى به غير عظم وروث
لا يستنجي بعظم، ولا روث، وهو مذهب الشافعية (1) ، والحنابلة (2) ، وابن حزم من الظاهرية (3) .
وقيل: يستنجي بهما، وهو اختيار أشهب من المالكية (4) .
وقيل: لا يستنجي بهما، وإن خالف واستنجى أجزأه، وهو مذهب الحنفية (5) ، والمالكية (6) ، وابن تيمية من الحنابلة (7) .
_________
(1) المهذب (1/28) ، حلية العلماء (1/65) ، الإقناع للشربيني (1/54) ، إعانة الطالبين (1/108) ، التنبيه (ص: 18) .
(2) الفروع (1/92) ، كشاف القناع (1/69) ، المبدع (1/92) ، المحرر (1/10) .
(3) المحلى (1/110) .
(4) قال أشهب كما في المنتقى للباجي (1/68) : ما سمعت في العظم والروث نهياً عاماً، وأما أنا في علمي فما أرى به بأسا. اهـ فواضح أن النهي عن الاستنجاء بالعظم والروثة لم يبلغه.
(5) ذكرنا العزو إلى كتبهم في المسألة المتقدمة في اشتراط طهارة ما يستنجى به، فانظره إن شئت.
(6) قال في الخرشي (1/151) فإن أنقت -يعني: الاستجمار بروث وعظم أجزأت. اهـ وانظر التاج والإكليل (1/289) ، الشرح الكبير (1/114) ، المنتقى للباجي (1/68) ، مواهب الجليل (1/290) ، حاشية الدسوقي (1/114) ، حاشية الصاوي (1/102) ، القوانين الفقهية (ص:42) ، منح الجليل (1/106) ..
(7) الفروع (1/123) ، المبدع (1/92) ، دليل الطالب (ص: 6) ، (1/10) ، منار السبيل (1/23) ، الكافي (1/53) ، كشاف القناع (1/69) .(2/389)
دليل من قال: لا يستنجي بعظم وروث.
الدليل الأول:
(361-205) ما رواه البخاري، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا زهير، عن أبي إسحاق قال: ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه
أنه سمع عبد الله يقول: أتى النبي b الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة، فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: هذا ركس (1) .
الدليل الثاني:
(362-206) ما رواه مسلم، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية ووكيع، عن الأعمش ح
وحدثنا يحيى بن يحيى، واللفظ له، أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد،
عن سلمان قال: قيل له: قد علمكم نبيكم b كل شيء حتى الخراءة، قال: فقال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم (2) .
_________
(1) صحيح البخاري (156) .
(2) مسلم (262) .(2/390)
الدليل الثالث:
(363-207) ما رواه البخاري رحمه الله، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل/ حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد، قال: أخبرني جدي،
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه كان يحمل مع النبي b إداوة لوضوئه وحاجته، فبينما هو يتبعه بها فقال: من هذا؟ فقال: أنا أبو هريرة. فقال: ابغني أحجاراً أستنفض بها، ولا تأتني بعظم ولا بروثة، فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي حتى وضعت إلى جنبه، ثم انصرفت حتى إذا فرغ مشيت، فقلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفد جن نصيبين، ونعم الجن، فسألوني الزاد، فدعوت الله لهم أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعاماً (1) .
الدليل الرابع:
(364-208) ما رواه مسلم، قال: حدثنا زهير بن حرب، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا زكرياء بن إسحق، حدثنا أبو الزبير، أنه سمع جابراً يقول: نهى رسول الله b أن يتمسح بعظم أو ببعر (2) .
الدليل الخامس:
(365-209) ما رواه أحمد، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا محمد بن عجلان، حدثني القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح،
_________
(1) صحيح البخاري (3860) .
(2) صحيح مسلم (263) .(2/391)
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنا لكم مثل الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الخلاء فلا تستقبلوها ولا تستدبروها، ولا يستنجي بيمينه، وكان يأمر بثلاثة أحجار، وينهى عن الروث والرمة (1) .
[إسناده حسن] (2) .
قال الطحاوي: الرمة: العظام.
الدليل السادس:
(366-210) ما رواه أحمد، قال: حدثنا يحيى بن غيلان، قال: حدثنا المفضل، قال: حدثني عياش بن عباس، أن شييم بن بيتان أخبره، أنه سمع شيبان القتباني يقول:
استخلف مسلمة بن مخلد رويفع بن ثابت الأنصاري على أسفل الأرض، قال: فسرنا معه قال: قال لي رسول الله b: يا رويفع لعل الحياة ستطول بك بعدي، فأخبر الناس أنه من عقد لحيته، أو تقلد وتراً، أو استنجى برجيع دابة أو بعظم فإن محمداً b بريء منه (3) .
[إسناده ضعيف] (4) .
_________
(1) المسند (2/250) .
(2) سبق تخريجه في حكم الاستنجاء.
(3) المسند (4/109) .
(4) في إسناده شيبان القتباني، ذكره ابن أبي حاتم، وسكت عليه. الجرح والتعديل (4/355) .
وفي التقريب: مجهول.
وفي إسناده اختلاف على عياش بن عباس، كالتالي:
الحديث رواه أبو داود (36) ومن طريقه البيهقي في السنن (1/101) ، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2196) ، والبزار كما في البحر الزخار (2317) ، والطبراني في الكبير (4491) من طريق المفضل بن فضالة، عن عياش بن عباس، عن شييم، عن شيبان القتباني، عن رويفع.
وقيل: عن شييم، أنه سمع رويفع، بإسقاط شيبان.
أخرجه أحمد (4/108) حدثنا يحيى بن إسحاق.
وأخرجه أيضاً (4/108) حدثنا حسن بن موسى فرقهما، عن ابن لهيعة.
وأخرجه النسائي في السنن الكبرى (9336) وفي المجتبى (5067) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/123) من طريق حيوة بن شريح، كلاهما (ابن لهيعة وحيوة) عن عياش بن عباس، عن شييم، قال: حدثنا رويفع.
وقيل: عن شييم، عن أبي سالم، عن شيبان بن أمية، عن رويفع، فجعل بين شييم، وبين رويفع رجلين.
أخرجه أحمد (4/108) حدثنا يحيى بن إسحاق من كتابه، قال: أخبرنا ابن لهيعة، عن عياش بن عباس، عن شييم به، بذكر بعضه. وهذه الأسانيد كلها على اختلافها فيها شيبان بن أمية، وهو مجهول كما قدمنا، والله أعلم.
فائدة: قال في التطريف في التصحيف (ص: 30) : قال ثابت بن قاسم السرقسطي في كتاب الدلائل غريب الحديث: هكذا في الحديث، من عقد لحيته، وصوابه والله اعلم: من عقد لحاء، من قولك: لحيت الشجر، ولحوته إذا قشرته، وكانوا في الجاهلية يعقدون لحاء الحرم، فيقلدونه أعناقهم، فيأمنون بذلك، وهو قوله تعالى: {لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد} فلما أظهر الله تعالى الاسلام نهى عن ذلك من فعلهم، وروى أسباط، عن السدي في هذه الاية أماشعائر ال: له فحرم الله، وأما الهدي والقلائد، فإن العرب كانوا يقلدون من لحاء الشجر شجر مكة فيقيم الرجل بمكة حتى إذا انقضت الأشهر الحرم، وأراد أن يرجع إلى أهله قلد نفسه وناقته من لحاء الشجر، فيأمن حتى يأتي أهله. قال ابن دقيق العيد في الامام: وما أشبه ما قاله بالصواب، لكن لم نره في رواية مما وقفت عليه. اهـ(2/392)
الدليل السابع:
(367-211) ما رواه عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: أخبرني(2/393)
عبد الكريم بن أبي المخارق، أن الوليد بن مالك بن عبد القيس أخبره، أن محمد بن قيس مولى سهل بن حنيف أخبره،
أن سهل بن حنيف أخبره، أن رسول الله b قال له: أنت رسولي إلى أهل مكة. قل: إن رسول الله b أرسلني يقرأ السلام عليكم، ويأمركم بثلاث لا تحلفوا بغير الله، وإذا تخليتم فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولا تستنجوا بعظم ولا ببعرة (1) .
[إسناده ضعيف جداً] (2) .
والعلة في النهي: إما أن يكون الروث والعظم طاهرين، أو نجسين:
_________
(1) مصنف عبد الرزاق (15920) .
(2) في إسناده عبد الكريم بن أبي المخارق، وهو ضعيف جداً.
كما أن في إسناده الوليد بن مالك ذكره ابن أبي حاتم، وسكت عليه. الجرح والتعديل (9/17) .
وذكره ابن حبان في الثقات (7/552) .
وقال ابن حجر: مجهول غير مشهور. تعجيل المنفعة (1155) .
ومحمد بن قيس، قال علي بن المديني: لا يعرف. لسان الميزان (5/349) . وقال الحافظ في تعجيل المنفعة (969) : ليس بمشهور.
[تخريج الحديث]
الحديث رواه أحمد (3/487) عن عبد الرزاق به.
وأخرجه الدارمي (664) والحاكم (3/412) من طريق أبي عاصم.
وأخرجه الحارث في مسنده كما في بغية الباحث (66) من طريق جرير، كلاهما عن عبد الكريم بن أبي المخارق به.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/205) ، (4/177) : رواه أحمد، وفيه عبد الكريم بن أبي المخارق، وهو ضعيف. اهـ
وقال ابن حجر في التلخيص: رواه أحمد، وإسناده واهـ.(2/394)
(368-212) فإن كانا طاهرين، فالعلة فيهما ما رواه مسلم، قال: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الأعلى، عن داود، عن عامر قال:
سألت علقمة هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله b ليلة الجن، قال: فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود، فقلت: هل شهد أحد منكم مع رسول الله b ليلة الجن؟ قال: لا، ولكنا كنا مع رسول الله b ذات ليلة، ففقدناه، فالتمسناه في الأودية والشعاب، فقلنا: استطير أو اغتيل. قال: فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء. قال: فقلنا: يا رسول الله فقدناك، فطلبناك، فلم نجدك، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فقال: أتاني داعي الجن، فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن قال: فانطلق بنا، فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة علف لدوابكم. فقال رسول الله b: فلا تستنجوا بهما؛ فإنهما طعام إخوانكم (1) .
فإن كان العظم والروث طاهرين، فعلة النهي أنهما طعام إخواننا من الجن وطعام دوابهم.
(369-213) وإن كان العظم والروث نجسين، فالعلة ماروه البخاي ما ورد في حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال: أتى النبي b الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة، فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: هذا
_________
(1) مسلم (450) .(2/395)
ركس (1) .
وسقنا إسناده في أول دليل في مسألتنا هذه. فقوله b: هذا ركس: أي نجس كما بيناه من قبل، ولا ينبغي أن يفسر الركس بمعنى الرجيع،، فإن ذلك إخبار بالمعلوم، فيؤدي الحمل عليه إلى خلو الكلام من فائدة، والله أعلم.
دليل من قال: يجوز الاستنجاء بالعظم والروث.
لا أعلم له دليلاً، وقد صرح أشهب بأنه لا يعلم فيه نهياً، وهذا دليل على أنه لم يبلغه النهي، ولو بلغه لقال به، لأن النهي ثابت في صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة وابن مسعود وغيرهما كما سقناه في أدلة القول الأول.
دليل من قال: لا يستنجي، وإذا استنجى أجزأ.
قالوا: إن كان العظم والروث طعام إخواننا من الجن، فإن هذا لا يمنع من صحة الاستنجاء، كما لو استنجى بثوب غيره، فكون اعتدى على ثوب غيره لم يمنع من الاستنجاء به، وإن كان العظم والروث نجسين فإن هذا أيضاً لا يمنع من صحة الاستنجاء، لإن العظم نجاسته لا تتعدى كما لو كان خالياً من الرطوبة، وكذلك البعر الناشف لا تتعدى نجاسته إلى البدن، فهو يزيل النجاسة، ولا ينجس غيره، وبالتالي فإن النهي عن الاستنجاء منهما منفك عن كونهما ينظفان المحل، وكيف نحكم على المحل بالنجاسة وقد زالت عينها.
_________
(1) صحيح البخاري (156) .(2/396)
فرع
النهي عن العظام والروث للكراهة أو للتحريم
اختلف الفقهاء هل النهي عن الاستجمار بالروث والعظام هل هو للكراهة أم للتحريم؟
فقيل: يكره، اختاره بعض الحنفية (1) .
وقيل: يكره في العظم والروث الطاهرين، وهو مذهب المالكية (2) .
وقيل: يحرم، اختاره بعض الحنفية (3) ، واختاره أيضاً بعض المالكية (4) ، وهو مذهب الشافعية (5) ، والحنابلة (6) .
_________
(1) كتب الحنفية نصت على كراهة الاستنجاء بعظم أو روث كما في بدائع الصنائع (1/18) ، وتبيين الحقائق (1/78) ، والجوهرة النيرة (1/40) ، والبحر الرائق (1/255) وأكثر كتبهم لم تفسر الكراهة هل هي للتحريم أو للتنزيه، إلا أن ابن عابدين قال في حاشيته (1/339) : أما العظم والروث فالنهي ورد فيهما صريحاً في صحيح مسلم لما سأله الجن الزاد، فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان لحماً، وكل بعرة علف لدوابكم، فقال النبي b: فلا تستنجوا بهما؛ فإنهما طعام إخوانكم، وعلل في الهداية للروث بالنجاسة، وإليه يشير قوله في حديث آخر: " إنها ركس " لكن الظاهر أن هذا لا يفيد التحريم. اهـ
(2) مواهب الجليل (1/288) ، الشرح الكبير (1/114) .
(3) مراقي الفلاح (ص: 21) .
(4) الكافي في فقه أهل المدينة (1/17) .
(5) المهذب (1/28) ، حلية العلماء (1/65) ، الإقناع للشربيني (1/54) ، إعانة الطالبين (1/108) ، التنبيه (ص: 18) .
(6) الفروع (1/92) ، كشاف القناع (1/69) ، المبدع (1/92) ، المحرر (1/10) .(2/397)
دليل من قال: يكره.
قالوا: إن الأصل في النهي التحريم، لكن مقتضى التعليل بأنه زاد إخواننا من الجن جعلنا نحمل النهي على أنه مكروه، وليس بمحرم.
دليل من قال: يحرم.
قالوا: الأصل في النهي التحريم، ولا توجد قرينة صارفة للنهي عن هذا الأصل.
بل قالوا: إن مقتضى التعليل يقتضي التحريم؛ لأن العظم والروث لما كان طعام إخواننا من الجن، كان في الاستنجاء به، تعد وإفساد له، أما التعدي فظاهر، فلأن كل عظم وروث جعل من طعامهم وطعام دوابهم، فكانوا أحق به.
وأما الإفساد، فلأن هذا الطعام إذا استنجي به أدى إلى إفساده عليهم، وما جمع بين التعدي والإفساد كيف لا يكون حراماً.
دليل من قال: يكره إن كان العظم والروث طاهرين ويحرم إن كانا نجسين.
لعلهم سبب التفريق عندهم إن العظم والروث إن كانا طاهرين كان في الاستنجاء به ملابسة النجاسة، وهي مكروهة عندهم، بخلاف ما إذا كانا طاهرين.
ولو عكسوا لم يبعدوا، لأن العظم والروث إن كانا نجسين فاستعمال النجاسة على وجه لا يتعدى لا يمنع منه، كما انتفع من شحم الميتة، فإنه يطلى به السفن ويدهن به الجلود ويستصبح به الناس كما في حديث جابر(2/398)
المتفق عليه.
(370-214) فقد روى البخاري، قال: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء بن أبي رباح،
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله b يقول عام الفتح، وهو بمكة: إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام. فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة، فإنها يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا هو حرام، ثم قال رسول الله b عند ذلك: قاتل الله اليهود؛ إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه، ورواه مسلم (1) .
وأما إذا كان العظم والروث طاهرين فإن فيه كما بينا سابقاً تعدياً وإفساداً فينبغي أن يكون حراماً، لو قيل هذا لم يبعد.
الراجح أن النهي للتحريم، لأنه الأصل في نهي رسول الله b، وإذا خالف، واستنجى به، فهل يجزؤه أم لا؟
أما القائلون بالكراهة فظاهر، وأما القائلون بالتحريم فهل يصح أم لا فيه خلاف بيناه في مسألة مستقلة في اشتراط أن يكون المستنجى به طاهراً، وفي ما سبق من الفصول، والله أعلم.
_________
(1) صحيح البخاري (2236) ، ومسلم (1581) .(2/399)
[صفحة فارغة](2/400)
الشرط الرابع
في اشتراط أن يكون المستجمر به من الأحجار
اختلف الفقهاء هل يشترط أن يكون الاستجمار من الأحجار، أو يجوز أن يكون من الخشب والورق ونحوهما؟
فقيل: يجوز الاستجمار بكل طاهر منق من حجر أو ورق أو خشب ونحوها، وهو مذهب الحنفية (1) ، والمالكية (2) ، والشافعية (3) ، والحنابلة (4) .
وقيل: لا يجوز إلا الماء أو الأحجار ونحوها مما هو من جنس الأرض، ولا يجوز بالورق والخشب وغيرها من غير جنس الأحجار، وهو اختيار أصبغ من المالكية (5) ، وابن حزم من الظاهرية (6) .
_________
(1) البحر الرائق (1/253) ، درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/48) ، الفتاوى النهدية (1/48) ، حاشية ابن عابدين (1/337) ، الجوهرة النيرة (1/40) ، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 29) .
(2) المنتقى (1/67،68) ، حاشية الدسوقي (1/113) ، مواهب الجليل (1/286) ، التاج والإكليل (1/286) ، حاشية الصاوي (1/100،101) ، مختصر خليل (ص: 15) .
(3) الأم (1/22) ، المهذب (1/28) ، حلية العلماء (1/164) ، الإقناع للشربيني (1/54) ، أسنى المطالب (1/50) ، حاشيتا قليوبي وعميرة (1/48) ، المجموع (2/130) .
(4) المبدع (1/91) ، الفروع (1/92) ، المحرر (1/10) ، الكافي في فقه أحمد (1/53) ، المغني (1/103) ، كشاف القناع (68) ، الإنصاف (1/109) ، مطالب أولي النهى (1/76) .
(5) مواهب الجليل (1/286) .
(6) المحلى (1/108) .(2/401)
دليل الجمهور على جواز الورق والخشب.
الدليل الأول:
(371-215) ما رواه البخاري رحمه الله، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل/ حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد، قال: أخبرني جدي،
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه كان يحمل مع النبي b إداوة لوضوئه وحاجته، فبينما هو يتبعه بها فقال: من هذا؟ فقال: أنا أبو هريرة. فقال: ابغني أحجاراً أستنفض بها، ولا تأتني بعظم ولا بروثة، فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي حتى وضعت إلى جنبه، ثم انصرفت. الحديث (1) .
فقوله: " ولا تأتني بعظم ولا روثة " لما خص النهي بالعظم والروثة دل على جواز غيرهما، ولو لم يكن حجراً كالورق والخشب.
الدليل الثاني:
(372-216) ما رواه البخاري، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا زهير، عن أبي إسحاق قال: ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه
أنه سمع عبد الله يقول: أتى النبي b الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة، فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: هذا ركس (2) .
_________
(1) صحيح البخاري () .
(2) صحيح البخاري (156) .(2/402)
وجه الاستدلال:
أن النبي b علل منع الاستنجاء بها بكونها ركساً، ولم يعلل بكونها غير حجر. وهذا يعني جواز الاستنجاء بكل طاهر منق لم يكن رجساً.
الدليل الثالث:
(373-217) ما رواه البيهقي، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ببغداد، نا إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا عباس بن عبد الله الترقفي، نا يحيى بن يعلى، نا أبي، عن غيلان، عن أبي إسحاق،
عن مولى عمر يسار بن نمير، قال كان عمر رضي الله عنه إذا بال قال: ناولني شيئا أستنجي به، قال: فأناوله العود والحجر، أو يأتي حائطاً يتمسح به، أو يمس الأرض ولم يكن يغسله.
قال البيهقي: وهذا أصح ما روي في هذا الباب وأعلاه (1) .
[رجاله ثقات إلا أن غيلان بن جامع لم أقف هل سمع من أبي إسحاق قبل أو بعد تغيره] (2) .
الدليل الرابع:
(374-218) ما رواه الدارقطني من طريق مبشر بن عبيد، حدثني الحجاج بن أرطاة، عن هشام بن عروة، عن أبيه،
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ثم مر سراقة بن مالك المدلجي على
_________
(1) سنن البيهقي (1/111) .
(2) غيلان بن جامع من رجال مسلم، ومع ذلك لم يخرج مسلم حديث أبي إسحاق من رواية غيلان، ولا أحد من الكتب الستة إلا النسائي فقد أخرج له حديثاً واحداً قد توبع عليه (5077) بلفظ: " أفضل ما غيرتم به الشمط الحناء والكتم ".(2/403)
رسول الله b فسأله عن التغوط، فأمره أن يتنكب القبلة ولا يستقبلها ولا يستدبرها، ولا يستقبل الريح، وأن يستنجي بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع، أو ثلاثة أعواد، أو ثلاث حثيات من تراب.
قال الدارقطني: لم يروه إلا مبشر بن عبيد، وهو متروك الحديث (1) .
الدليل الخامس:
(375-219) ما رواه الدارقطني، قال: نا عبد الباقي بن قانع، نا أحمد بن الحسن المضري، نا أبو عاصم، نا زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن طاوس،
عن ابن عباس قال: قال رسول الله b: إذا قضى أحدكم حاجته فليستنج بثلاثة أعواد، أو ثلاثة أحجار، أو بثلاث حثيات من التراب. قال زمعة: فحدثت به ابن طاوس، فقال: أخبرني أبي عن ابن عباس بهذا سواء (2) .
[ضعيف جداً أو موضوع] (3) .
_________
(1) سنن الدراقطني (1/56) .
(2) سنن الدارقطني (1/57) .
(3) قال الدارقطني: لم يسنده غير المضري، وهو كذاب متروك، وغيره يرويه عن أبي عاصم، عن زمعة، عن سلمة بن وهرام، عن طاوس مرسلاً، ليس فيه عن ابن عباس، وكذلك رواه عبد الرزاق وابن وهب ووكيع وغيرهم عن زمعة. ورواه ابن عيينة عن سلمة بن وهرام عن طاوس قوله، وقد سألت سلمة (السائل ابن عيينة) عن قول زمعة: أنه عن النبي b فلم يعرفه.
على هذا فالمرفوع ضعيف جداً أو موضوع، والمرسل ضعيف؛ لأن فيه زمعة بن صالح، وهو ضعيف، والمعروف أنه من قول طاوس موقوفاً عليه.
وهو كذلك في مصنف ابن أبي شيبة (1/142) قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن طاووس، قال: الاستنجاء بثلاثة أحجار، قال: قلت: فإن لم أجد ثلاثة أحجار؟ قال: فثلاثة أعواد، قلت: فإن لم أجد ثلاثة أعواد؟ قال: فثلاث حفنات من تراب. وسنده صحيح إلى طاووس.
ورواه البيهقي (1/111) من طريق هشيم به. وقال: هذا هو الصحيح عن طاووس من قوله، وكذلك رواه سفيان بن عيينة، عن سلمة بن وهرام، عن طاووس. ورواه زمعة بن صالح، عن سلمة، فرفعه مرسلاً، ثم ساقه البيهقي بإسناده (1/111) من طريق عبد الرزاق، عن زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، قال: سمعت طاووساً قال: قال رسول الله b فذكره.
قال البيهقي: هكذا رواه ابن وهب ووكيع وغيرهم عن زمعة. حتى قال: ولا يصح وصله ولا رفعه.(2/404)
الدليل السادس:
من النظر، قالوا: إن النجاسة عين خبيثة، متى زالت بأي مزيل زال حكمها، وليس التعبد بالمزيل، ولكن التعبد بالإزالة، فالحجر وما كان مثله أو أنقى منه يحصل به المقصود، وهو طهارة المحل، والله أعلم.
دليل ابن حزم على وجوب الاقتصار على الماء أو الحجارة.
يرى ابن حزم أن الاستنجاء يقتصر على ما رود فيه النص، وقد جاء الاستنجاء بالماء في أحاديث كثيرة سوف نسوق ما وقفنا عليه منها في باب الاستنجاء بالماء، وجاء الاستنجاء بالحجارة، وقد ذكرنا ما وقفت عليه منها في باب الاستجمار بالحجارة، ولم يرد النص في الاستنجاء إلا بالماء أو الحجارة، فطلب الاستنجاء بغيرهما لم يدل عليه الدليل، فلا يجوز الاستنجاء به، ولا يرى ابن حزم القياس حتى يقيس على الحجارة غيرها مما يزيل النجاسة، أو ربما يكون أنقى منها في الإزالة.(2/405)
ويقال لابن حزم: كيف جوزت الاستجمار بالرمل والتراب مع أنه لم يأت به نص، فإن كان الدليل هو الاستجمار بالحجارة، فهذا باب من القياس، وأنت لا ترى القياس، وإن كان اتباعاً للدليل فلا أعلم نصاً في السنة في الاستجمار بالرمل والتراب.
واستدل بعضهم من وجه آخر، فقال: إن الاستجمار رخصة، فيقتصر بها على ما ورد (1) .
وقال ابن المنذر: لا نحفظ عن رسول الله شيئاً من الأخبار أنه أمر بالاستنجاء بغير الحجارة، ومن استنجى بالحجارة كما أمر به رسول الله b فقد أتى بما عليه، وإن استنجى بغير الحجارة، فالذي نحفظ عن جماعة من أهل العلم أنه قالوا: ذلك جائز، والاستنجاء بالحجارة أحوط (2) .
_________
(1) مواهب الجليل (1/286) .
(2) الأوسط (1/353) .(2/406)
الشرط الخامس
أن يكون الحجر ونحوه منقياً
اشترط الفقهاء أن يكون الحجر أو ما يقوم مقامه منقياً (1) .
لأن المقصود من الاستجمار هو الإنقاء، فالذي لا ينقي لا حاجة إلى الاستجمار به.
وعليه فقيل: يكره الاستجمار بزجاج، وهو مذهب الحنفية (2) .
وقيل: لا يجوز الاستجمار بالزجاج، وهو مذهب الجمهور (3) .
_________
(1) البحر الرائق (1/252) نور الإيضاح (ص: 14) ، الدر المختار (1/337) وقال ابن عابدين في حاشيته (1/337) : " لم يرد به حقيقة الإنقاء، بل تقليل النجاسة"
قلت: الذي يقلل النجاسة يحصل به الإنقاء تدريجياً.
وانظر في مذهب المالكية: مواهب الجليل (1/286) ، التاج والإكليل (1/286) ، الشرح الكبير (1/113) ، مختصر خليل (ص: 15) .
وقال النووي من الشافعية في المجموع (2/134) اتفق الأصحاب على أن شرط المستنجى به أن يكون قالعاً لعين النجاسة. اهـ
وانظر في مذهب الحنابلة المبدع (1/93) ، الفروع (1/92) ، المحرر (1/10) .
وقال في كشاف القناع (1/69) : والإنقاء بأحجار ونحوها: إزالة العين الخارجة من السبيلين حتى لا يبقى أثر لا يزيله إلا الماء. الخ وقد بينا في مسألة مستقلة صفة الإنقاء بالحجر، فارجع إليه إن شئت، غير مأمور. اهـ
(2) تبيين الحقائق (1/78) ، الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (1/340) .
(3) انظر في مذهب المالكية: حاشية الدسوقي (1/113) ، الخرشي (1/150) ، التاج والإكليل (1/286) ، مواهب الجليل (1/286) ، مختصر خليل (ص: 15) .
وفي مذهب الشافعية: انظر روضة الطالبين (1/68) . وقال النووي في المجموع (2/134) : واتفقوا - يعني أصحابهم- على أن الزجاج والقصب الأملس وشبهها لا يجزئ.
وانظر في مذهب الحنابلة: كشاف القناع (1/69) ، المغني (1/104) ، المبدع (1/93) ، شرح العمدة (1/159) .(2/407)
علة النهي عن الاستنجاء بالزجاج.
علل الفقهاء النهي عن الاستنجاء بالزجاج بأمرين:
الأول: أنه لا ينقي، والمقصود من الاستجمار هو الإنقاء، فإذا كان الزجاج لا ينقي المحل كان الاستنجاء به عبثاً.
الثاني: أن الزجاج قد يضر بالمقعدة.
والذي يظهر من التعليل أنه لا يوجد نص في النهي عن الاستنجاء بالزجاج أو بالحجر الأملس، وإذا استنجى به فإن تم المقصود، وأزل عين النجاسة فقد طهر المحل، وإن لم ينق فإنه يكون مطالباً بالاستنجاء حتى يطهر المحل، والله أعلم.(2/408)
فرع
إذا استنجى بالزجاج، فهل يجزئه الاستجمار أو يتعين الماء
اختلف الفقهاء في هذه المسألة:
فقيل: إن كان حين استنجى بالزجاج بسط النجاسة بحيث تعدت محلها، فإن الماء يتعين في هذه الحالة، وإلا فتكفيه الحجارة، وهذا مذهب المالكية (1) ، والشافعية (2) .
وفي مذهب الحنابلة ثلاثة أقوال فيما إذا استجمر بمنهي عنه، ثم استجمر بمباح:
فقيل: لا يجزئ مطلقاً، ويتعين الماء.
وقيل: يجزئ مطلقاً الاستجمار بالحجارة.
وقيل: إن أزال شيئاً أجزأ، وإلا تعين الماء (3) .
وأما من يرى أن الاستجمار مجزئ، ولو تعدت النجاسة مخرجها المعتاد، فإنه ليس بحاجة إلى هذا التفصيل، وهو الراجح، وسوف يأتي الكلام في مسألة مستقلة: خلاف الفقهاء فيما إذا تجاوزت النجاسة مخرجها المعتاد، في بحث: متى يتعين الماء، فانظره إن شئت.
_________
(1) الخرشي (1/150) .
(2) المجموع (2/134) .
(3) انظر تصحيح الفروع (1/123) .(2/409)
[صفحة فارغة](2/410)
الشرط السادس
هل يشترط أن يكون جامداً
اختلف الفقهاء فيما يستجمر به هل يشترط أن يكون جامداً، أو يجزئ الاستنجاء بكل رطب أو مائع غير الماء؟
فقيل: يجزئ كل مائع طاهر مزيل للنجاسة، وهذا مذهب الحنفية (1) .
وقيل: لا يجزئ إلا ما كان جامداً، أما الرطب والمائع من غير الماء فلا يجزئ الاستنجاء به، وهو مذهب المالكية (2) ، والشافعية (3) ، والحنابلة (4) .
وقيل: يجزئ كل مزيل، سواء كان مائعاً أو جامداً أو رطباً، وهو اختيار ابن تيمية (5) .
_________
(1) البحر الرائق (1/254) ، حاشية ابن عابدين (1/337) ، الهداية شرح البداية (1/34) .
(2) منح الجليل (1/106) ، حاشية الدسوقي (1/113) ، التاج والإكليل (1/286) ، مواهب الجليل (1/287) ، القوانين الفقهية (ص: 29) .
(3) قال في المهذب (1/28) : أما غير الماء من المائعات فلا يجوز الاستنجاء به؛ لأنه ينجس بملاقاة النجاسة فيزيد في النجاسة. اهـ
وانظر المجموع (2/132) ، تحفة المحتاج (1/176) ، دقائق المنهاج (ص: 33) ، المنهج القويم (ص: 81) . وقال في حلية العلماء (1/146) : ويجوز الاستنجاء بالحجر وما يقوم مقامه: وهو كل جامد طاهر منقي. الخ فنص على اشتراط الجامد. وانظر:
(4) كشاف القناع (1/69) ، الإنصاف (1/111) ، المبدع (1/92) ، المحرر (1/10) ، الكافي في فقه أحمد (1/53) .
(5) قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (21/475) : الراجح في هذه المسألة أن النجاسة متى زالت بأي وجه كان زال حكمها؛ فإن الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها، لكن لا يجوز استعمال الأطعمة والأشربة في إزالة النجاسة لغير حاجة؛ لما في ذلك من فساد الأموال كما لا يجوز الاستنجاء بها. اهـ(2/411)
دليل الحنفية على إزالة الاستجمار بكل مائع ورطب.
قالوا: إن كل مائع مزيل فإنه يطهر النجاسة، قياساً على إزالة النجاسة بالماء بناء على أن الطهارة بالماء معلولة بعلة كونه قالعاً لتلك النجاسة، والمائع قالع فهو محصل ذلك المقصود فتحصل به الطهارة.
وقيدوا المائع بكونه مزيلاً ليخرج الدهن والسمن واللبن وما أشبه ذلك؛ لأن الإزالة إنما تكون بأن يخرج أجزاء النجاسة مع المزيل شيئا فشيئاً، وذلك إنما يتحقق فيما ينعصر بالعصر بخلاف الخل وماء الباقلاء الذي لم يثخن فإنه مزيل، وكذا الريق، وعلى هذا فرعوا طهارة الثدي إذا قاء عليه الولد ثم رضعه حتى أزال أثر القيء (1) ، وكذا إذا لحس أصبعه من نجاسة بها حتى ذهب الأثر، أو شرب خمراً ثم تردد ريقه في فيه مراراً طهر (2) حتى لو صلى صحت صلاته (3) .
دليل الجمهور على اشتراط الماء أو الجامد.
قالوا: جاءت أحاديث كثيرة في الاستنجاء بالماء (4) ، كما جاءت أحاديث كثيرة بجواز الاستجمار بالحجارة (5) ، قالوا: والأصل في النجاسات
_________
(1) هذا بناء على القول بنجاسة القيء، والصحيح طهارته، وسوف يأتي إن شاء الله تعالى في أحكام النجاسات بلغنا الله إياه بلطفه ورحمته.
(2) وهذا بناء على أن الخمر نجسة، والصحيح أن نجاستها معنوية، وأن عينها طاهرة.
(3) البحر الرائق (1/233) مع تصرف يسير.
(4) ذكرت ما وقفت عليه منها في باب الاستنجاء بالماء.
(5) ذكرت ما وقفت عليه منها في باب الاستجمار بالحجارة.(2/412)
كلها أنها لا تزال إلا بالماء، جاء الاستجمار بالأحجار على خلاف الأصل فقبلناه في محله، ولا نتعداه لغيره، فلا نزيل النجاسة بالأحجار إذا كانت النجاسة على غير المخرج، ولا نزيلها بمائع غير الماء لعدم الدليل، بل إن المائع غير الماء قد ينشر النجاسة أكثر؛ لأنه سوف يتنجس المائع بمجرد الملاقاة، فيكون ما يصيب البدن منه يكون نجساً، والنجس لا يطهر.
والدليل على أن النجاسة لا تزال إلا بالماء(2/413)
أدلة كثيرة منها:
قوله تعالى: {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به} (1) .
وجه الاستدلال:
قال النووي: ذكر الله سبحانه امتناناً، فلو حصل -يعني التطهير- بغيره لم يحصل الامتنان (2) .
الدليل الثاني:
(376-220) ما رواه البخاري، قال: حدثنا خالد بن مخلد، قال: وحدثنا سليمان، عن يحيى بن سعيد، قال:
سمعت أنس بن مالك: قال جاء أعرابي، فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس، فنهاهم النبي b، فلما قضى بوله أمر النبي b بذنوب من ماء، فأهريق عليه. ورواه مسلم (3) .
وجه الاستدلال:
أن النبي b حين أراد تطهير المسجد من بول الأعرابي أمر بالماء لقوله
_________
(1) الإنفال: 11.
(2) المجموع (1/143) .
(3) صحيح البخاري (219) ، ومسلم (284) .(2/414)
في الحديث: " أمر النبي b بذنوب من ماء " فهذا الأمر دال على اختصاص الماء بالتطهير.
الدليل الثالث:
(377-221) ما رواه البخاري، قال: حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا يحيى، عن هشام، قال: حدثتني فاطمة،
عن أسماء قالت: جاءت امرأة النبي b فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع؟ قال: تحته، ثم تقرصه بالماء، وتنضحه وتصلي فيه، ورواه مسلم (1) .
وجه الاستدلال:
أن النبي b أرشد في تطهير الثوب من دم الحيض إلى الماء، ولم يرشد إلى غيره، فتعين الماء لإزالة النجاسة من دم الحيض، لكونه منصوصاً عليه، وباقي النجاسات مقيسة عليه.
وأجيب عن هذه الأدلة:
بأن هذه الأدلة تدل على أن الماء يزيل النجاسة، وهذا لا إشكال فيه، وهو محل إجماع، لكن ليس فيها دلالة على أن النجاسة لا تزال إلا بالماء.. وفرق بين المسألتين.
الدليل الرابع:
قالوا: إذا كانت طهارة الحدث لا تكون إلا بالماء مع وجوده، فكذلك إزالة النجاسة لا تكون إلا بالماء.
وأجيب: بأن القياس على طهارة الحدث قياس مع الفارق.
أولا: طهارة الحدث من باب فعل المأمور، وأما طهارة الخبث فمن باب ترك المحضور.
ثانياً: طهارة الحدث تشترط لها النية على الصحيح خلافاً للحنفية، بخلاف طهارة الخبث فهي من باب التروك لا تشترط لها النية كترك الزنا والخمر ونحوها.
ثالثاً: طهارة الحدث طهارة تعبدية محضة غير معقولة المعنى، فبدن المحدث وعرقه وريقه طاهر، وأما طهارة الخبث فإنها طهارة معللة بوجود النجاسة الحسية.
رابعاً: طهارة الحدث الصغرى تختص بأعضاء مخصوصة، ربما ليس لها علاقة بالحدث، فالحدث: الذي هو البول والغائط موجب لغسل الأعضاء الأربعة الطاهرة، بينما طهارة الخبث تتعلق بعين النجاسة أين ما وجدت.
خامساً: طهارة الحدث لا تسقط بالجهل والنسيان على الصحيح بخلاف طهارة الخبث.
دليل من قال: تزال النجاسة بأي مزيل.
الدليل الأول:
الاستجمار ليس رخصة على خلاف القياس، بل إذا صح الاستجمار بالحجارة صح إزالة النجاسة بأي مزيل، فلما سقط تعين الماء في الاستجمار سقط تعين الماء في غير الاستجمار.
الدليل الثاني:
صح تطهير النعلين بالتراب، وهو غير الماء، وليس في محل الاستجمار،
_________
(1) صحيح البخاري (227) ، مسلم (291) .(2/415)
(378-222) فقد روى أحمد، قال: ثنا يزيد، أنا حماد بن سلمة، عن أبي نعامة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري،
أن رسول الله b صلى، فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف قال: لم خلعتم نعالكم؟ فقالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت فخلعنا. قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثاً فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعله فلينظر فيها فإن رأى بها خبثاً فليمسه بالأرض ثم ليصل فيهما (1) .
[الحديث إسناده صحيح] (2) .
وصح تطهير ذيل المرأة بغير الماء، وفي غير محل الاستجمار أيضاً
(379-223) روى أحمد، قال: ثنا أبو كامل، ثنا زهير -يعنى ابن معاوية- ثنا عبد الله بن عيسى، عن موسى بن عبد الله، قال: وكان رجل صدق، عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت: قلت:
يا رسول الله إن لنا طريقاً إلى المسجد منتنة، فكيف نصنع إذا مطرنا؟ قال: أليس بعدها طريق هي أطيب منها؟ قالت: قلت: بلى. قال: فهذه بهذه (3) .
[إسناده صحيح] (4) .
فسقط دعوى أن إزالة النجاسة في الاستجمار بالحجارة على خلاف
_________
(1) المسند (3/20، 92) .
(2) انظر تخريجه في مسألة: الاستنجاء من المذي.
(3) المسند (6/435) .
(4) انظر تخريجه في مسألة الاستنجاء من المذي.(2/416)
القياس، وأنه لا يتعدى فيها محلها، بل تزال النجاسة بأي مزيل كان.
الدليل الرابع:
من النظر، قالوا: إن النجاسة عين خبيثة لها طعم أو لون أو رائحة، والمطلوب ازالة كل ذلك فإذا ذهب طعمها ولونها ورائحتها بأي مزيل زال حكمها وأصبح المحل طاهراً. وهذا هو القول الراجح، والله أعلم.(2/417)
[صفحة فارغة](2/418)
الشرط السابع
ألا يكون المستجمر به حُمَمَة
وقع خلاف بين الفقهاء في حكم الاستنجاء بالحمم، ومثله الرماد (1) .
فقيل: يكره الاستنجاء به، وهو مذهب الحنفية (2) ، وقول في مذهب المالكية (3) .
وقيل: لا يجزئ مطلقاً، اختاره العراقيون من الشافعية (4) .
وقيل: إن كان صلباً لا يتفتت أجزأ الاستنجاء به، وإن كان رخواً يتفتت لم يجزئ، اختاره الخرسانيون من الشافعية (5) .
_________
(1) قال النووي في المجموع (2/135) : الحممة: بضم الحماء، وفتح الميمين مخففتين: وهي الفحم، وكذا قاله أصحابنا في كتب الفقه، وكذا قاله أهل اللغة وغريب الحديث.
وقال الخطابي: الحمم الفحم، وما أحرق من الخشب والعظام ونحوها.
وقال البغوي: المراد به: الفحم الرخو الذي يتناثر إذا غمز، فلا يقلع النجاسة. اهـ
(2) نور الإيضاح (ص: 16) ، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 33) ، مراقي الفلاح (ص: 20) ، حاشية ابن عابدين (1/341) .
(3) قال ابن عبد البر في الكافي (ص: 17) : ويكره الاستنجاء بالحممة. وانظر مواهب الجليل (1/288) .
(4) قال النووي في المجموع (2/134) : وأما الفحم فقطع العراقيون بأنه لا يجزئ. وانظر المهذب (1/28) .
(5) قال النووي في المجموع (2/134) : وقال الخرسانيون: اختلف نص الشافعي فيه -أي في الاستنجاء بالفحم- قالوا: وفيه طريقان: الصحيح منهما أنه على حالتين: فإن كان صلباً لا يتفتت أجزأ الاستنجاء به، وإن كان رخواً يتفتت لم يجزئ. وقيل: فيه قولان مطلقاً. اهـ وانظر روضة الطالبين (1/68) ، مغني المحتاج (1/43) .(2/419)
وقيل: يجزئ الاستنجاء بالحممة، وهو قول في مذهب المالكية (1) .
دليل من قال: بالكراهة أو المنع.
(380-224) ما رواه أبو داود، قال: حدثنا حيوة بن شريح الحمصي، ثنا ابن عياش، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن عبد الله بن الديلمي،
عن عبد الله بن مسعود، قال: قدم وفد الجن على رسول الله b فقالوا: يا محمد إنه أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة؛ فإن الله تعالى جعل لنا فيها رزقاً. قال: فنهى النبي b عن ذلك (2) .
[حديث ابن مسعود في مسلم وليس فيه إلا العظم والروثة] (3) .
_________
(1) قال في مواهب الجليل (1/288) : "لم يذكر المصنف حممة، وتقدم ذكرها في كلام ابن الحاجب. وقال في التوضيح: الحمم: الفحم، ثم قال: وأما الحممة فقال المصنف: الأصح فيها عدم الجواز. وقال التلمساني: إن ظاهر المذهب الجواز، والنقل يؤيده، قال أشهب في العتبية: سئل مالك عن الاستنجاء بالعظم والحممة؟ قال: ما سمعت فيها نهياً، ولا أرى بها بأساً في علمي. انتهى، ثم قال في التوضيح: قيل: وإنما منعت الحممة؛ لأنها تسود المحل، ولا تزيل النجاسة انتهى. قلت (القائل الحطاب) : ما ذكره عن التلمساني هو في شرح الجلاب له، وأصله لصاحب الطراز، ونصه: " أما الفحم فظاهر المذهب جوازه، وقد تردد فيه قول مالك. قال ابن حبيب: استخف مالك ما سوى الروث والعظم، وقد كرهه جماعة لما فيه من التسخيم انتهى. وقال في الإكمال: المشهور عن مالك النهي عن الاستنجاء بالحممة. قال في كتاب الطهارة: فقد رجح كل واحد من القولين، فينبغي أن يكون في ذلك خلاف، وقد جزم في الشامل بالجواز، والله تعالى أعلم. انتهى نقلاً من مواهب الجليل.
(2) سنن أبي داود (39) .
(3) في إسناده إسماعيل بن عياش، وهو وإن كانت روايته عن أهل بلده لا بأس بها، إلا أن حديث ابن مسعود في صحيح مسلم ولم يذكر الحممة، مما يدل على أن ذكرها ليس محفوظاً، وجاء ذكر النهي عن طعام الجن وطعام دوابهم في حديث أبي هريرة، فلم يذكر إلا العظم والروثة، فأخشى أن يكون ذكر الحممة ليس محفوظاً.
وقد توبع فيه إسماعيل بن عياش، تابعه فيه بقية بن الوليد، إلا أنه مدلس، وقد عنعن، فقد أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (2/37) رقم 872 من طريق بقية، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني به. فخرج إسماعيل بن عياش من عهدته. ومع ذلك يبقى الخوف من الشذوذ وارداً.
قال الدراقطني في سننه (1/56) : إسناد شامي ليس بثابت. والذي يظهر أنه لحظ فيه الشذوذ، وإلا فإسناد أبي داود رجاله كلهم ثقات إلا إسماعيل بن عياش، وهو صدوق في ما روى عن أهل الشام، وقد توبع، والله أعلم.
[تخريج الحديث] .
الحديث رواه أبو داود كما في إسناد الباب، ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي في السنن (1/109) ، والبغوي (180) .
ورواه الدارقطني (1/56) من طريق هشام بن عمار، إنا إسماعيل بن عياش به.
ورواه الطبراني في مسند الشاميين من طريق بقية، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني به. وسبق الإشارة إليها.
كما جاء حديث ابن مسعود من طريق آخر، فقد أخرجه أحمد (1/457) عن عتاب وعلي بن إسحاق، عن عبد الله، أخبرنا موسى بن علي بن رباح، قال: سمعت أبي يقول: عن ابن مسعود أن رسول الله b أتاه ليلة الجن، ومعه عظم حائل، وبعرة، وفحمة، فقال: لا تسنجين بشيء من هذا إذا خرجت إلى الخلاء.
ووهم ابن عبد الهادي في التنقيح (1/346) فاعتقد أن عبد الله: هو ابن لهيعة، وإنما هو ابن المبارك، وموسى بن علي بن رباح وإن كان قد روى عنه ابن لهيعة، لكن عتاب وعلي بن إسحاق إنما رويا عن عبد الله بن المبارك، كما في تهذيب المزي، والله أعلم.
رجال إسناد أحمد كلهم ثقات إلا أن عُلي بن رباح قال فيه الدارقطني: لا يثبت سماعه من ابن مسعود، ولا يصح.
وحاول ابن التركماني في الجوهر النقي (1/109) أن يدفع كلام الدارقطني، فقال: إن مسلماً أنكر في ثبوت الاتصال اشتراط السماع، وادعى اتفاق أهل العلم على أنه يكفي إمكان اللقاء والسماع، وعُلي هذا ولد سنة خمس عشرة كذا ذكره أبو سعيد بن يونس، فسماعه من ابن مسعود ممكن بلا شك؛ لأن ابن مسعود توفي سنة 32، وقيل: سنة 33 من الهجرة. اهـ
قلت: كلام الدارقطني الجزم بعدم السماع، حيث قال: لا يثبت سماعه ولا يصح، فقوله: ولا يصح دليل على أنه علم أنه لم يسمع منه، ولا كل من أمكن لقيه جزم بسماعه، فإذا علمنا بأن الرواي لم يسمع قد هذا العلم، فالعلم بعدم السماع، كالعلم بالسماع، لكن عدم العلم هو الذي فيه نقاش.
وحديث أحمد رواه الدراقطني (1/56) ، والبيهقي في السنن (1/109) من طريق ابن وهب، حدثني موسى بن علي بن رباح به. والله أعلم.(2/420)
الدليل الثاني:
(381-225) ما رواه البزار، من طريق أبي الأسود، قال: أنا ابن لهيعة، عن ابن المغيرة -يعني عبيد الله- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن،
عن عبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله عنه قال: نهى رسول الله b أن يستنجي أحد بعظم أو روثة أو حممة (1) .
[إسناده ضعيف] (2) .
الدليل الثالث:
من النظر: قالوا: إن الحممة إن كانت صلبة فقد تسود الجسم، وإن كانت تتفتت فلا يحصل منها الإنقاء المطلوب.
دليل من قال يجزئ الاستنجاء بالحممة.
الدليل الأول:
لم يثبت نهي عن الاستنجاء بالحممة، والأصل الجواز، فقد نقل عن
_________
(1) مسند البزار المسمى بالبحر الزخار (3783) .
(2) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/209) : رواه الطبراني في الكبير والبزار، وهذا لفظه، وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف.(2/422)
مالك أنه قال: ما سمعت فيها نهياً (1) .
الدليل الثاني:
كونها قد تتفتت هذا لا يكفي دليلاً في المنع، فقد ذهب كثير من الفقهاء إلى الاستنجاء بالرمل، وهو أكثر نعومة من الفحم إذا تتفتت، ومع ذلك فالرمل ينقي، وكونها قد تسود الجسم، فإنها عين طاهرة لا تنجس البدن حتى يتقى هذا، وقد يحتاج إلى الاستنجاء بها، ويكفي أن الكلام هذا لا يصح أن يكون دليلاً شرعياً في المنع من الاستنجاء بها.
الراجح: إن ثبت النهي عن الاستنجاء بالحممة قلت به، وإن كان النهي غير محفوظ، فالأصل الجواز، والله أعلم.
_________
(1) مواهب الجليل (1/288) .(2/423)
[صفحة فارغة](2/424)
الشرط الثامن
أن يكون المستجمر به غير محترم(2/425)
[صفحة فارغة](2/426)
المبحث الأول
الاستنجاء بالكتب الشرعية
لا يستنجي بالكتب الشرعية، وهل هو على التحريم أو الكراهة خلاف؟
فقيل: يكره، ويجزئ، وهو مذهب الحنفية (1) .
وقيل: يحرم ويجزئ، وهو مذهب المالكية (2) .
وقيل: يحرم ولا يجزئ، وهو أصح الوجهين في مذهب الشافعية (3) والحنابلة (4) .
تعليل الكراهة أو المنع.
قالوا: إن الكتب الشرعية يجب احترامها، لما فيه من علم محترم، والاستنجاء بها إهانة، وهذا منهي عنه.
ولأن الكتب الشرعية تعتبر من المال، فهي لها قيمة شرعاً، والاستنجاء
_________
(1) حاشية ابن عابدين (1/340) ، نور الإيضاح (ص: 16) .
(2) قال العدوي في حاشيته على الخرشي (1/151) : أما المحترم من مطعوم ومكتوب وذهب وفضة يحرم عليه -يعني الاستنجاء بها- سواء أراد الاقتصار عليه أم لا؟ ولكن إذا أنقى يجزئ. اهـ وانظر مواهب الجليل (1/286) ، التاج والإكليل (1/286) ، مختصر خليل (ص: 15) ، التمهيد (1/347) .
(3) قال النووي في المجموع (2/137) : من الأشياء المحتمة التي يحرم الاستنجاء بها الكتب التي فيها شيء من علوم الشرع، فإن استنجى بشيء عالماً أثم. وفي سقوط الفرض الوجهان: الصحيح لا يجزئه. وانظر الوسيط (1/306) ، المنهج القويم (ص: 79،80) ، شرح زبد ابن رسلان (ص: 55) ، روضة الطالبين (1/68) .
(4) المغني (1/105) ، الإنصاف (1/110،111) ، المبدع (1/93) ، المحرر (1/10) ،(2/427)
بها إفساد لهذا المال، وإفساد الأموال منهي عنه.
ولأن الكتب الشرعية لا تخلو من أسماء الله سبحانه وتعالى ومن أحاديث شريفة يجب توقيرها، ولا يجوز إهانتها.
وقياساً على النهي عن الاستنجاء بالعظم والروث؛ لأنه طعام إخواننا من الجن وطعام دوابهم، فإذا كان زاد الأبدان منهياً عنه، فكذلك زاد الأرواح من العلوم الشرعية.
والكراهة التي عند الحنفية لا يبعد أن تكون كراهة تحريم، لا كراهة تنزيه.
تعليل من قال: إن استنجى بها، فأنقى أجزأ.
قالوا: إن النجاسة قد زالت، فلا يمكن أن نحكم للمحل بالنجاسة وقد زالت عين النجاسة، والتحريم والصحة غير متلازمين، خاصة أن النهي عن الاستنجاء بها لمعنى آخر وهو احترام ما فيها، فكما نصحح الصلاة في الأرض المغصوبة، والصلاة في الثوب المسروق؛ لأن النهي ليس عائداً للصلاة، وإنما لوصف الغصب والسرقة، وهذا لا يختص بالصلاة، فكذلك الا ستنجاء بالكتب الشرعية، والله أعلم.
تعليل من قال: لا يجزئ.
الدليل الأول:
قالوا: إن الاستجمار بغير الماء رخصة؛ لأن الأصل أن الاستنجاء يكون بالماء وحده، والرخصة لا تستباح بمعصية.
الدليل الثاني:
قال: أن هذا مخالف لأمر الله ورسوله، فإذا صححنا الفعل المحرم نكون(2/428)
بذلك قد رتبنا على الفعل المحرم أثراً صحيحاً، وهذا فيه مضادة لله ولرسوله b، ولأن تصحيح الفعل المحرم فيه تشجيع على فعله، بخلاف ما إذا جعل لغواً، فهذا يحمله على تركه.
(382-226) وقد روى مسلم، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد، جميعاً، عن أبي عامر، حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري، عن سعد بن إبراهيم، قال: سألت القاسم بن محمد عن رجل له ثلاثة مساكن، فأوصى بثلث كل مسكن منها، قال يجمع ذلك كله في مسكن واحد، ثم قال: أخبرتني عائشة أن رسول الله b قال: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد (1) .
وروى البخاري القدر المرفوع منه معلقاً (2) ..
وقد سبق أن نقلنا كلام ابن القيم في شرحه لقوله: فهو رد. وأن الرد: فَعْل بمعنى المفعول، أي فهو مردود، وعبر عن المفعول بالمصدر مبالغة، حتى كأنه نفس الرد، وهذا تصريح بإبطال كل عمل على خلاف أمره ورده، وعدم اعتباره في حكم المقبول، ومعلوم أن المردود هو الباطل بعينه، بل كونه رداً أبلغ من كونه باطلاً، إذ الباطل قد يقال لما لا نفع فيه أو منفعته قليلة جداً، وقد يقال لما ينتفع به ثم يبطل نفعه، وأما المردود فهو الذي لم يجعله شيئاً ولم يترتب عليه مقصوده أصلاً (3) .
_________
(1) صحيح مسلم (1718) .
(2) باب (34) البيوع: باب النجش، ومن قال: لا يجوز ذلك البيع.
(3) تهذيب السنن (3/99) .(2/429)
الراجح من الخلاف:
القول بتحريم الاستجمار بالكتب الشرعية، وإذا خالف فعليه التوبة وعدم العود إلى هذا الفعل، مع الإجزاء، وقولهم: إن الاستنجاء بغير الماء رخصة، والرخصة لا تستباح بالمعصية غير مسلم لا في مقدمتها ولا في نتيجتها، أما المقدمة: وهو قولهم: إن الاستجمار رخصة، فنقول: الصحيح أن الاستجمار ليس برخصة، وأن النجاسة إذا زالت بأي مزيل زال حكمها، وقد ناقشنا هذا في مسألة مستقلة، وقدمت أدلة كثيرة على إزالة النجاسة بغير الماء، فإذا لم تصح المقدمة لم تسلم النتيجة، وعلى فرض أن تكون المقدمة صحيحة فلا نسلم النتيجة، وأن الرخصة لا تستباح بمعصية، بل الرخصة إذا حصل سببها إبيحت، فالمسح على الخفين يمسح المسافر مطلقاً سواء كان المسافر في سفر طاعة أم معصية، وكذلك يقصر الصلاة ويفطر في رمضان، لأن النصوص مطلقة غير مقيدة، ولا يقيد النص الشرعي إلا نص مثله، وقد ناقشت هذه المسألة بشيء من التفصيل في كتابي المسح على الحائل، فليراجعه من شاء، والله أعلم.(2/430)
المبحث الثاني
ألا يكون المستنجى به مطعوماً
ذهب الأئمة الأربعة (1) إلى تحريم الاستنجاء بالطعام.
وإذا خالف واستنجى أجزأه إذا حصل الإنقاء عند الحنفية والمالكية.
وقيل: لا يجزئ في مذهب الشافعية والحنابلة.
ومثل طعام الآدمي طعام البهيمة فلا يستنجي به (2) .
_________
(1) أطلق الكراهة في مراقي الفلاح (ص: 20) قال: ويكره الاستنجاء بعظم وطعام لآدمي... الخ. ولعلها كراهة تحريم كالجمهور، فإن الموجود في الدر المختار (1/339) "وكره تحريماً بعظم وطعام وروث.. الخ. وقال في البحر الرائق (1/255) : والظاهر أنها كراهة تحريم.
وقال ابن عبد البر من المالكية في كتابه الكافي (ص: 17) : وما يجوز أكله لا يجوز الاستنجاء به. اهـ وانظر حاشية العدوي على الخرشي (1/151) ، مواهب الجليل (1/286) ، التاج والإكليل (1/286) ، مختصر خليل (ص: 15) .
وفي مذهب الشافعية: قال في المجموع (2/135) : لا يجوز الاستنجاء بعظم ولا خبز ولا غيرهما من المطعوم، فإن خالف واستنجى به عصى، ولا يجزئه هكذا نص عليه الشافعي، وقطع به الجمهور، ثم قال: وإذا لم يجزئه المعطوم كفاه بعده الحجر إن لم ينشر النجاسة. اهـ وانظر إعانة الطالبين (1/108) ، الإقناع للشربيني (1/54) ، شرح زبد بن رسلان (ص:55) .
وفي مذهب الحنابلة انظر: كشاف القناع (1/67،69) ، المغني (1/104) ، الإنصاف (1/110،111) ، المبدع (1/93) ، المحرر (1/10) .
(2) نص على طعام البهيمة الحنفية في نور الإيضاح (ص: 16) ، حاشية ابن عابدين (1/339) .
ومن الحنابلة دليل الطالب (ص: 6) ، ومنار السبيل (1/24) ، المبدع (1/93) ، الإنصاف (1/110) ، كشاف القناع (1/69) .(2/431)
دليل المنع من الاستنجاء بالطعام.
(383-227) ما رواه مسلم، قال: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الأعلى، عن داود، عن عامر قال:
سألت علقمة هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله b ليلة الجن، قال: فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود، فقلت: هل شهد أحد منكم مع رسول الله b ليلة الجن؟ قال: لا، ولكنا كنا مع رسول الله b ذات ليلة، ففقدناه، فالتمسناه في الأودية والشعاب، فقلنا: استطير أو اغتيل. قال: فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء. قال: فقلنا: يا رسول الله فقدناك، فطلبناك، فلم نجدك، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فقال: أتاني داعي الجن، فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن قال: فانطلق بنا، فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة علف لدوابكم. فقال رسول الله b: فلا تستنجوا بهما؛ فإنهما طعام إخوانكم (1) .
وجه الاستدلال:
فإذا نهي عن الاستنجاء بالعظم والروث؛ لأنه طعام الجن وطعام دوابهم، فالنهي عن طعام الإنس وطعام دوابهم من باب أولى.
الدليل الثاني:
أن الاستنجاء بالطعام مناف لشكر النعمة وتعظيمها، وعدم امتهانها،
_________
(1) مسلم (450) .(2/432)
وقد ينتفع بها حيوان أو طير أو غيرهما من دواب الأرض، وعلى هذا ما يفعله بعض الناس من وضع بقايا الطعام مع حفائظ الأطفال المتنجسة، ودفعها على عمال النظافةواختلاطها بها من المنكر الذي يجب الابتعاد عنه شكراً لنعمة الله، وحرصاً على المحافظ عليها.
وأما أدلة الخلاف هل يجزئ فيما لو خالف واستنجى بطعام وأنقى المحل فانظره في المسألة التي قبل هذه، وهي الاستنجاء بالكتب الشرعية؛ فإن الأدلة فيها واحدة، بجامع أن كلا منهما محترم شرعاً.
والراجح في هذه المسألة هو ما رجحته في المسألة التي قبل هذه، من صحته مع الإثم، والله أعلم.(2/433)
[صفحة فارغة](2/434)
المبحث الثالث
أن يكون المستنجى به مباحاً
اشترط الحنابلة إباحة المستجمر به، فلا يجوز الاستجمار بشيء مغصوب كورق وحجر ونحوها، قال المرداوي: وهو من المفرادت (1) .
دليل اشتراط الإباحة.
قالوا: إن الاستجمار يرونه رخصة، والرخصة لا تسباح بمحرم.
والشيء المغصوب كسبه محرم بالاتفاق،
(384-228) فقد روى البخاري، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، قال: حدثنا حماد، عن أيوب، عن محمد، عن ابن أبي بكرة،
عن أبي بكرة ذكر النبي b قال: فإن دماءكم وأموالكم، قال محمد: وأحسبه قال: وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب (2) .
فإذا كان كسبه محرماً وصححنا الوضوء به نكون بذلك قد رتبنا على الفعل المحرم أثراً صحيحاً، وهذا فيه مضادة لله ولرسوله b.
(385-229) وقد روى مسلم، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم
_________
(1) قال في الإنصاف (1/109) ظاهر كلام المصنف جواز الاستجمار بالمغصوب ونحوه، وهو قول في الرعاية، ورواية مخرجة.
واختار الشيخ تقي الدين في قواعده على الصحيح من المذهب ـ وعليه الأصحاب- اشتراط إباحة المستجمر به، وهو من المفردات. اهـ وانظر شرح العمدة (1/160) ، كشاف القناع (1/69) .
(2) البخاري (105) ، ومسلم (1679) .(2/435)
وعبد بن حميد جميعاً عن أبي عامر، قال عبد: حدثنا عبد الملك بن عمرو، حدثنا عبدالله بن جعفر الزهري، عن سعد بن إبراهيم، قال: سألت القاسم بن محمد، عن رجل له ثلاثة مساكن، فأوصى بثلث كل مسكن منها، قال: يجمع ذلك كله في مسكن واحد، ثم قال:
أخبرتني عائشة أن رسول الله b قال: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد (1) .
ومعنى رد: أي مردود عليه، والوضوء بالماء المغصوب خلاف أمر الله ورسوله b.
قال ابن حزم رحمه الله: من توضأ بماء مغصوب، أو أخذ بغير حق، أو اغتسل به، أو من إناء كذلك، فلا خلاف بين أحد من أهل الإسلام أن استعماله ذلك الماء وذلك الإناء في غسله ووضوئه حرام، وبضرورة يدري كل ذي حس سليم أن الحرام المنهي عنه هو غير الواجب المفترض عمله، فإذ لا شك في هذا فلم يتوضأ الوضوء الذي أمره الله تعالى به، والذي لا تجزئ الصلاة إلا به، بل هو وضوء محرم، هو فيه عاص لله تعالى، وكذلك الغسل، والصلاة بغير الوضوء الذي أمر الله تعالى به وبغير الغسل الذي أمر الله تعالى به لا تجزئ، وهذا أمر لا إشكال فيه. ونسأل المخالفين لنا عمن عليه كفارة إطعام مساكين، فأطعمهم مال غيره، أو من عليه صيام أيام، فصام أيام الفطر والنحر والتشريق، ومن عليه عتق رقبة فأعتق أمة غيره، أيجزيه ذلك مما افترض الله تعالى عليه؟ فمن قولهم: لا. فيقال لهم: فمن أين منعتم هذا وأجزتم الوضوء والغسل بماء مغصوب وإناء مغصوب؟ وكل هؤلاء مفترض عليه عمل
_________
(1) صحيح مسلم (1718) .(2/436)
موصوف في مال نفسه، محرم عليه ذلك من مال غيره بإقراركم سواء سواء. وهذا لا سبيل لهم إلى الانفكاك منه. وليس هذا قياساً، بل هو حكم واحد داخل تحت تحريم الأموال، وتحت العمل بخلاف أمر الله تعال، ى وقد قال رسول الله b: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" وكل هؤلاء عمل عملا ليس عليه أمر الله تعالى وأمر رسول الله b فهو مردود بحكم النبي b (1) .
وأجيب:
بأن التحريم والصحة غير متلازمين، فتلقي الجلب منهي عنه، وإذا تُلُقِيَ كان البيع صحيحاً، وللبائع الخيار إذا أتى السوق، فثبوت الخيار فرع عن صحة البيع.
وانظر بقية الأقوال وأدلتها ومناقشتها في باب المياه في الوضوء بالماء المحرم.
_________
(1) المحلى (1/207،208) .(2/437)
[صفحة فارغة](2/438)
المبحث الرابع
ألا يكون المستنجى به حيواناً(2/439)
[صفحة فارغة](2/440)
الفرع الأول
الاستنجاء بشيء من الحيوان متصلا به
اختلف الفقهاء في الاستنجاء بشيء متصل بالحيوان كالذنب والصوف والأذن ونحوها:
فقيل: يكره الاستجمار بشيء متصل بحيوان، وهو مذهب المالكية (1) .
وقيل: لا يجوز الاستنجاء بها، وعليه أكثر الشافعية (2) ، والمشهور من مذهب الحنابلة (3) .
وقيل: يصح الاستجمار بما اتصل بالحيوان، واختاره الماوردي والشاشي من الشافعية (4) ، والأزجي من الحنابلة (5) .
دليل من حرم الاستنجاء بما هو متصل بحيوان.
الدليل الأول:
قالوا: إ الحيوان محترم فأشبه الاستنجاء بالطعام.
_________
(1) الشرح الكبير (1/113) ، مواهب الجليل (1/290) .
(2) قال النووي في المجموع (2/138) : الصحيح عند الأصحاب تحريم الاستنجاء بأجزاء الحيوان في حال اتصاله، كالذنب والأذن، والعقب والصوف والوبر والشعر وغيرها. الخ كلامه. وانظر أسنى المطالب (1/51) ، حاشيتا قليوبي وعميرة (1/48) ، ومغني المحتاج (1/43) ، المنهج القويم (ص: 80) ، وأما الحنفية فلم أجد أحداً نص على هذه المسألة، وقد نقلها ابن عابدين عن الشافعية وأقرها، انظر حاشية ابن عابدين (1/340) .
(3) شرح العمدة (1/160) ، الكافي في فقه أحمد (1/53) ، المغني (1/105) ، مطالب أولي النهي (1/76) ، الإنصاف (1/111) .
(4) المجموع (2/138) .
(5) الإنصاف (1/111) .(2/441)
الدليل الثاني:
القياس على النهي عن الاستنجاء بعلف الدواب، فإذا كان قد نهي عن الاستنجاء بعلف الدواب، فالاستنجاء بها أولى بالنهي.
دليل من قال: بالجواز.
الدليل الأول:
قالوا: الأصل الجواز، ومن منع كلف الدليل، وقد نهي عن الاستنجاء بالروث والعظام، ولم يأت نهي عن الاستنجاء بالحيوان.
الدليل الثاني:
قالوا: إن حرمة الحيوان بمنع إيلامه، لا منع ابتذاله بخلاف المطعوم.
الدليل الثالث:
إذا صححنا الاستنجاء بالشعر والصوف إذا جز من الحيوان، صح الاستنجاء بهما وهما على الحيوان، غاية ما هنالك أن الحيوان قد تنجس، وتنجس بدن الحيوان في مقابلة منفعة الآدمي لا يمنع منها.
دليل من قال: يكره الاستنجاء بالحيوان.
قال: إن في الاستنجاء به تنجيس لبدن الحيوان الطاهر، وتنجيسه بلا حاجة مكروه.
الراجح: جواز الاستنجاء به إذا احتاج إليه الإنسان كما لو لم يجد بقربه إلا ذيل حيوان طاهر، لكن مع الحاجة قد يتجه القول بأنه خلاف الأولى، والله أعلم.(2/442)
الفرع الثاني
الاستنجاء بجلد الحيوان المنفصل
اختلف الفقهاء في الاستنجاء بالجلد.
فقيل: يجوز بالجلد المدبوغ دون غيره، وهو المشهور من مذهب الشافعية (1) .
وقيل: يجوز بالجلد مطلقاً مدبوغاً كان أو غير مدبوغ، وهو قول في مذهب الشافعية (2) ، وقول في مذهب الحنابلة (3) .
وقيل: لا يجوز مطلقاً، وهو قول في مذهب الشافعية (4) .
وقيل: لا يجوز إن كان مذكى، وهو قول في مذهب الحنابلة (5) .
وقيل: لا يجوز إن كان مدبوغاً (6) .
دليل من قال: يجوز بالجلد إن كان مدبوغاً.
قال: إنه بالدباغ خرج الجلد من كونه من اللحوم إلى كونه من الثياب،
_________
(1) قال في الأم (1/22) : فأما الجلد المدبوغ فنظيف طاهر فلا بأس أن يستنجي به. اهـ وقال في المجموع (2/139) : أصحها عند الأصحاب يجوز بالمدبوغ دون غيره، وهو نصه في الأم. اهـ وانظر أسنى المطالب (1/50) ، شرح البهجة (1/125) ، حاشيتا قليوبي وعميرة (1/49) ، مغني المحتاج (1/44) .
(2) المجموع (2/139) .
(3) الإنصاف (1/112) .
(4) المجموع (2/139) .
(5) الفروع (1/123) ، الإنصاف (1/112) .
(6) انظر المراجع السابقة.(2/443)
والاستنجاء بالثياب جائز.
ثم إن الدباغ مطهر له على الراجح، فيكون الاستنجاء بجلد طاهر منق أشبه الاستنجاء بالخزف.
دليل من قال: لا يستنجى به إن كان غير مدبوغ.
إن كان من ميتة فمانع الاستنجاء به هو النجاسة، والاستنجاء بالنجس عنده لا يجوز، وقد ناقشت هذه المسألة في مبحث مستقل، وهو اشتراط طهارة ما يستنجى به، فليراجع.
وإن كان من حيوان مذكى فإنه رطب، فينشر النجاسة، ولا يزيلها، وقد ذكرنا في مبحث مستقل هل يشترط أن يكون جامداً، والجمهور على اشتراطه، والصحيح خلافه.
دليل من قال: يشترط أن يكون مذكى.
من اشترط أن يكون مذكى حتى يخرج من كون الجلد نجساً، لأن النجس عنده لا يطهر، والصحيح أن النجس إن كان منقياً جاز الاستجمار به، إلا العظم والروث.
دليل من قال بالجواز مطلقاً.
قال: إن المقصود هو الإنقاء، فإذا أنقى الجلد وطهر المحل حكمنا بطهارة المحل، سواء كان الجلد مدبوغاً أم غير مدبوغ.
والراجح جوز الاستنجاء به مطلقاً، ولا يوجد دليل يمنع من الاستنجاء به، وعلى فرض أن يكون الاستنجاء به ينجسه، فإن تنظيفه ممكن، كما لو وقع على الثوب نجاسة، والله أعلم.(2/444)
فرع
ما منع الاستنجاء به لحرمته لا يجوز البول عليه
لا يبول على ما منع الاستنجاء به لحرمته: كالروث والعظم والطعام (1) .
التعليل:
لأنه إذا نهي عن الاستنجاء به، فالبول عليه من باب أولى، وهذا ما يسميه الفقهاء بالقياس الجلي.
_________
(1) انظر حاشية ابن عابدين (1/343) ، المجموع (2/109) ، أسنى المطالب (1/48) ، تحفة المحتاج (1/171،172) ،.
وقال ابن قدامة في المغني (1/108) : ولا يبول على ما نهي عن الاستجمار به؛ لأن هذا أبلغ من الاستجمار به، فالنهي ثم تنبيه على تحريم البول عليه. اهـ وانظر الإنصاف (1/99،100) ، كشاف القناع (1/64) ، مطالب أولي النهى (1/71) .(2/445)
[صفحة فارغة](2/446)
الباب الخامس
في ما يستنجى منه(2/447)
[صفحة فارغة](2/448)
الفصل الأول
في الاستنجاء من البول والغائط
أجمع العلماء على مشروعية الاستنجاء من البول والغائط، بالماء أو بالإحجار على خلاف بينهم هل هو واجب أو مستحب -على التفصيل المذكور في حكم الاستنجاء- وذلك للإجماع على نجاسة البول والغائط، وقد نقل الإجماع على نجاستهما خلق كثير من العلماء:
منهم الطحاوي والسرخسي والعيني وعلي القارئ، وابن عبد البر وابن جزي وابن رشد، وابن المنذر والنووي والخطابي وابن تيمية وغيرهم، وإليك النقول عنهم:
قال الطحاوي: لحوم بني آدم قد أجمع أنها لحوم طاهرة، وأن أبوالهم حرام نجسة (1) .
وقال العيني: بول الآدمي الكبير فحكمه أنه نجس مغلظ بإجماع المسلمين من أهل الحل والعقد (2) .
وقال علي القاري: وقد قال أبو حنيفة: لو قلت بالرأي لأوجبت الغسل بالبول؛ أي لأنه نجس متفق عليه، والوضوء بالمني؛ لأنه نجس مختلف فيه (3) .
وقال ابن عبد البر: أجمع المسلمون على أن بول كل آدمي يأكل الطعام نجس (4) .
_________
(1) شرح معاني الآثار (1/109) ، وانظر المبسوط للسرخسي (1/60) .
(2) البناية (1/738) .
(3) شرح مشكاة المصابيح (1/365) .
(4) التمهيد (9/109) .(2/449)
وقال ابن رشد: وأما أنواع النجاسات فإن العلماء اتفقوا من أعيانها على أربع، ثم قال: وعلى بول ابن آدم ورجيعه (1) .
وقال ابن جزي: وأما الأبوال والرجيع فذلك من ابن آدم نجس إجماعاً.
وقال أيضاً: النجاسات المجمع عليها في المذاهب اثنتا عشرة: بول ابن آدم الكبير ورجيعه (2) .
وقال ابن المنذر: وأجمعوا على إثبات نجاسة البول (3) .
وقال النووي: فأما بول الآدمي الكبير فنجس بإجماع المسلمين، نقل الإجماع فيه ابن المنذر وأصحابنا وغيرهم، ودليله الأحاديث السابقة مع الإجماع (4) .
وقال أبو الخطاب: البول مجمع على نجاسته (5) .
وحكى الإجماع الزركشي في شرحه (6) .
وقال ابن تيمية: قد أجمع المسلمون على جواز الاستجمار (7) .
وجاءت أحاديث كثيرة تدل على نجاسة البول، منها:
(386-230) ما وراه البخاري، قال: حدثنا عثمان، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد،
_________
(1) بداية المجتهد (2/175،192) .
(2) القوانين الفقهية (ص: 35،36) .
(3) الإجماع (34) .
(4) .
(5) الإنتصار (1/485) .
(6) شرح الزركشي (1/146) .
(7) مجموع الفتاوى (22/167) .(2/450)
عن ابن عباس قال: مر النبي b بحائط من حيطان المدينة أو مكة، فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال النبي b: يعذبان، وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة. الحديث ورواه مسلم بنحوه (1) .
فظاهر الحديث أن ترك الاستنجاء كبيرة من كبائر الذنوب، كيف والطهارة تتعلق بأعظم أركان الإسلام العملية، ألا وهي الصلاة.
(387-231) وروى البخاري أيضاً، قال: حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود،
أن أبا هريرة قال: قام أعرابي، فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي b: دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء؛ فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين (2) .
وجاء قصة بول الأعرابي من مسند أنس في الصحيحين (3) .
(388-232) وروى البخاري، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه،
عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت أتي رسول الله b بصبي، فبال على ثوبه، فدعا بماء، فأتبعه إياه، ورواه مسلم (4) .
_________
(1) صحيح البخاري (216) ، ومسلم (292) .
(2) صحيح البخاري (220) .
(3) البخاري (6025) ، ومسلم (284) .
(4) صحيح البخاري (222) ، وصحيح مسلم (286) .(2/451)
[صفحة فارغة](2/452)
الفصل الثاني
في الاستنجاء من المذي
ذهب الأئمة الأربعة إلى مشروعية الاستنجاء من المذي على خلاف بينهم هل يجب الماء، أو تكفي الحجارة؟
فقيل: يجب غسل موضع الحشفة فقط، وهو مذهب الحنفية (1) والشافعية (2) ، ونسبه النووي للجمهور (3) ، ورجحه ابن عبد البر (4) .
وقيل: يجب غسل الذكر كله، ولا يجزئ الأحجار في المذي، وعليه أكثر أصحاب مالك (5) .
وقيل: يجب غسل الذكر كله مع الأنثيين، وهو مذهب الحنابلة، وذكروه من المفردات (6) ، وهو مذهب ابن حزم (7) .
وقيل: يجزئ الاستجمار، وهو قول في مذهب الشافعية (8) .
_________
(1) شرح معاني الآثار (1/48) ، شرح فتح القدير (1/72) ، المبسوط (1/67) .
(2) المجموع (2/164) ، روضة الطالبين (1/67) ، مغني المحتاج (1/79) .
(3) المجموع (2/164) .
(4) فتح البر بترتيب التمهيد (3/323) .
(5) مواهب الجليل (1/285) ، الخرشي (1/149) ، حاشية الدسوقي (1/112) ، فتح البر بترتيب التمهيد (3/323) .
(6) الفروع (1/214) ، شرح منتهى الإرادات (1/21) ، الإنصاف (1/330) ، المبدع (1/249) ، الفتح الرباني بمفرادت ابن حنبل الشيباني (1/87) ، الكافي في فقه أحمد (1/56) ، المغني (1/112) .
(7) المحلى (1/118) .
(8) المجموع (2/164) .(2/453)
وقيل: المذي طاهر، وهو رواية عن أحمد (1) .
أما الدليل على مشروعية الاستنجاء من المذي.
حكى الإجماع على نجاسته، وعلى وجوب الوضوء.
قال ابن عبد البر: وأما المذي المعهود المتعارف عليه، وهو الخارج عند ملاعبة الرجل أهله لما يجده من اللذة، أو لطول عزبة، فعلى هذا المعنى خرج السؤال في حديث علي هذا، وعليه وقع الجواب، وهو موضع إجماع لا خلاف بين المسلمين في إيجاب الوضوء منه، وإيجاب غسله لنجاسته (2) .
وقال النووي: أجمعت الأمة على نجاسة المذي والودي (3) .
وسبق لنا أن الإمام أحمد في رواية عنه أن المذي طاهر، فالخلاف محفوظ، لكنه خلاف شاذ.
دليل من قال: يغسل موضع الحشفة.
(389-233) ما رواه مسلم، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع وأبو معاوية وهشيم، عن الأعمش، عن منذر بن يعلى -ويكنى أبا يعلى- عن ابن الحنفية،
عن علي قال كنت رجلا مذاء وكنت أستحيي أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال يغسل ذكره ويتوضأ،
_________
(1) في المبدع شرح المقنع (1/149) : وعن أحمد أن المذي طاهر كالمني، اختاره أبو الخطاب في خلافه؛ لأنه خارج بسبب الشهوة. اهـ وانظر المغني (1/413) ، والإنصاف (1/341) .
(2) الاستذكار (1/199) .
(3) المجموع (2/571) .(2/454)
ورواه البخاري بنحوه (1) .
وجه الاستدلال:
قالوا: إن من غسل مخرج المذي من الذكر، فقد غسل ذكره، فإيجاب غسل الذكر كله لا دليل عليه من الشرع.
الدليل الثاني:
أن ابن عباس تارة يقول: "يغسل ذكره" وتارة يقول: "يغسل حشفته" فدل على أن مراده بقوله: " اغسل ذكرك" أي الحشفة، وفهم الصحابي أولى من فهم غيره؛ لأنه عربي قح لم تدخل لسانه العجمة، وهو ممن روى عن علي حديث غسل الذكر من المذي، فلو كان يقتضي ذلك غسل الذكر كله لكان ابن عباس أولى بفهم ذلك من غيره، كما أن ابن عباس لم يذكر غسل الأنثيين، فلو كان غسل الأنثيين محفوظاً من حديث علي لقال به، خاصة أنه كما قلنا: ممن روى عن علي حديثه في طهارة المذي، وإليك تخريج الروايات التي جاءت عن ابن عباس.
(390-234) روى عبد الرزاق، عن الثوري، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال في المذي والودي والمني: من المني الغسل، ومن المذي والودي الوضوء، يغسل حشفته ويتوضأ (2) .
[إسناده صحيح] .
وهذا يفسر ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد،
_________
(1) صحيح مسلم (303) ، وصحيح البخاري (269) .
(2) المصنف (608) .(2/455)
عن ابن عباس، قال: المني والودي والمذي، فأما المني ففيه الغسل، وأما المذي والودي ففيهما الوضوء، ويغسل ذكره (1) .
[إسناده صحيح] (2) .
فصار مقصود ابن عباس بقوله: يغسل ذكره، أي: يغسل حشفته.
الدليل الثالث:
من النظر، قال الطحاوي في شرح معاني الآثار: رأينا خروج المذي حدثاً، فأردنا أن ننظر في خروج الأحداث ما الذي يجب به؟ فكان خروج
_________
(1) مصنف ابن أبي شيبة (1/89) رقم 984.
(2) ورواه عبد الرزاق في المصنف (610) عن الثوري، عن منصور به.
واختلف على الثوري فيه، فرواه وكيع وعبد الرزاق، عن الثوري، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس.
ورواه الطحاوي (1/47) من طريق مؤمل بن إسماعيل، عن الثوري، عن منصور، عن مجاهد، عن مؤرق العجلي، عن ابن عباس، فزاد مؤرقاً في الإسناد.
ومؤمل سيء الحفظ، وتابع مؤمل بن إسماعيل كل من:
الأول: عبد الله بن الوليد العدني كما في الأوسط لابن المنذر (1/135) والعدني هذا قال عنه في التقريب: صدوق ربما أخطأ.
الثاني: الحسين بن حفص، كما في سنن البيهقي (1/115) ، وهو صدوق.
ورواه الطحاوي (1/47) من طريق هلال بن يحيى بن مسلم، قال: حدثنا أبو عوانة، عن منصور به. بزيادة مؤرق العجلي. وهلال له ترجمة في لسان الميزان، قال ابن حبان: كان يخطئ كثيراً على قلة روايته، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. فالمحفوظ رواية وكيع وعبد الرزاق، وكل من خالف وكيعاً في هذا الإسناد فهو دونه في الحفظ، وعلى فرض أن يكون ذكر مؤرق العجلي محفوظاً، فإنه ثقة، وثقه النسائي وابن سعد، وزاد: عابد. ووثقه الذهبي في الكاشف، والعجلي، وفي التقريب: ثقة عابد.(2/456)
الغائط يجب به غسل ما أصاب البدن منه، ولا يجب غسل ما سوى ذلك إلا التطهر للصلاة، وكذلك خروج الدم في أي موضع خرج -في قول من جعل ذلك حدثاً- فالنظر على ذلك أن يكون كذلك خروج المذي، الذي هو حدث، ولا يجب غسل غير الموضع الذي أصاب من البدن غير التطهر للصلاة، فثبت ذلك أيضاً بما ذكرنا من طريق النظر، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم الله تعالى (1) .
دليل من قال: يجب غسل ذكره كله ولا يكفي الاستجمار.
(391-235) ما رواه البخاري، قال: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا زائدة، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن،
عن علي قال كنت رجلا مذاء فأمرت رجلا أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته فسأل فقال توضأ واغسل ذكرك (2) .
فقوله b: اغسل ذكرك، حقيقة في جميع الذكر، فهو مفرد مضاف، فيعم جميع الذكر.
فيغسل مخرج الذكر من أجل النجاسة، أما بقية الذكر فهل غسله تعبدي غير معقول المعنى، بحيث يحتاج الأمر إلى نية؟ أو غسله من أجل قطع مادة المذي، فهو كغسل النجاسات، لا يفتقر إلى نية، قولان في مذهب مالك (3) .
_________
(1) شرح معاني الآثار (1/48) .
(2) صحيح البخاري (269) ، ومسلم (303) .
(3) قال في حاشية الدسوقي (1/112) : واعلم أن غسل الذكر من المذي وقع فيه خلاف، قيل: إنه معلل بقطع المادة، وإزالة النجاسة.
وقيل: إنه تعبد، والمعتمد الثاني. ثم قال: ويتفرع أيضاً، هل تجب النية في غسله أو لا تجب، فعلى القول بالتعبد تجب، وعلى القول بأنه معلل لا تجب، والمعتمد وجوبها. اهـ(2/457)
وقوله في الحديث: " يغسل ذكره " دليل على أن الاستجمار لا يكفي، قال ابن عبد البر: وليس في أحاديث المذي على كثرتها ذكر الاستجمار (1) .
وقال ابن دقيق العيد: الحديث دليل على تعين الماء فيه دون الأحجار، لأن ظاهره يعين الغسل، والمعين لا يقع الامتثال إلا به (2) .
دليل من قال: يغسل ذكره وأنثييه.
الدليل الأول:
(392-236) ما رواه أحمد، قال: حدثنا وكيع، حدثنا هشام بن عروة،
عن أبيه: قال: قال علي كنت رجلا مذاء، وكنت أستحي أن أسأل النبي b لمكان ابنته، فأمرت المقداد، فسأله، فقال: يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ (3) .
[رجاله ثقات إلا أن إسناده منقطع، وذكر غسل الأنثيين ليس محفوظاً] (4) .
_________
(1) شرح الزرقاني (1/125) ، التمهيد (21/205) .
(2) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/77) .
(3) المسند (1/124) .
(4) جاء الأمر بغسل الأنثيين من حديث علي، ومن حديث رافع بن خديج.
أما حديث علي فورد من ثلاثة طرق، الأول: عن عروة بن الزبير عن علي، وهو منقطع كما سأبين ذلك إن شاء الله تعالى.
ومن طريق شريك، عن الركين بن الربيع، عن حصين بن قبيصة، عن علي، وهو منكر، تفرد به شريك، وخالفه من هو أوثق منه في ركين بن الربيع.
ومن طريق سليمان بن حيان، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن عبيدة السليماني، عن علي بن أبي طالب، وهو طريق شاذ.
وجاء الأمر بغسل الأنثيين من حديث رافع بن خديج، وهو ضعيف، وفي إسناده اختلاف، وإليك بيان هذه الطرق.
الطريق الأول: طريق عروة، عن علي.
فقد نص العلماء على أن عروة لم يسمع من علي بن أبي طالب، وممن صرح بعدم السماع أبو حاتم وأبو زرعة وابن حجر وغيرهم، انظر المراسيل لابن أبي حاتم (ص:149) ، والعلل لابن أبي حاتم (1/54) ، وتلخيص الحبير (1/117) .
والحديث أخرجه عبد الرزاق (602،603) عن معمر وابن جريج.
وأخرجه أحمد (1/126) حدثنا يحيى بن سعيد.
وأخرجه أبو داود (208) من طريق زهير.
وأخرجه النسائي في الكبرى (148) ، وفي المجتبى (153) من طريق جرير، كلهم عن هشام به. وفي لفظ جرير، قال: " يغسل مذاكيره" بدلاً من قوله: " يغسل أنثييه".
وقال أبو داود بعد حديث (208) : ورواه ابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن المقداد، عن النبي b ولم يذكر أنثييه.
قلت: وإن كان عدم ذكر الأنثيين هو الراجح في الحديث، إلا أن ذكر المقداد وهم من ابن إسحاق، وذلك لأن يحيى بن سعيد القطان ووكيعاً وزهيراً ومعمر وابن جريج كما سبق في التخريج، وذكر أبو داود أيضاً: الثوري وابن عيينة والمفضل بن فضالة ثمانيتهم رووه عن هشام، ولم يذكروا المقداد.
أما طريق عبيدة السليماني، عن علي.
فقد رواه أبو عوانة (1/273) من طريق سليمان بن حيان، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة السليماني،
عن علي بن أبي طالب، قال: كنت رجلاً مذاء، فاستحييت أن أسأل النبي b فأرسلت المقداد، فسأل النبي b، فقال النبي b: يغسل أنثييه وذكره، ويتوضأ وضوءه للصلاة.
وسليمان بن حيان الأحمر روى له البخاري متابعة، ووثقه ابن سعد والعجلي وابن المديني.
وقال ابن معين: صدوق، وليس بحجة.
وقال ابن عدي: إنما أتي من سوء حفظه، فيغلط، ويخطئ.
وقال أبو بكر البزار: اتفق أهل العلم بالنقل أنه لم يكن حافظاً، وأنه روى عن الأعمش وغيره أحاديث لم يتابع عليها.
وقال النسائي: ليس به بأس.
وفي التقريب: صدوق يخطئ.
وباقي رجال الإسناد ثقات، فهذا أحسن إسناداً جاء الأمر فيه بغسل الأنثيين، إلا أن أبا خالد الأحمر لا تحتمل مخالفته للجمع الكثير ممن روى الحديث بدون ذكرها كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وأما طريق شريك.
فأخرجه أحمد (1/145) ، قال: حدثنا يزيد، أنبأنا شريك، عن الركين بن الربيع، عن حصين بن قبيصة،
عن علي قال: كنت رجلا مذاء، فاستحييت أن أسأل رسول الله b من أجل أبنته، فأمرت المقداد، فسأل رسول الله b عن الرجل يجد المذي فقال: ذلك ماء الفحل، ولكل فحل ماء، فليغسل ذكره وأنثييه، وليتوضأ وضوءه للصلاة.
وزيادة غسل الأنثيين منكر في هذا الطريق، تفرد بها شريك، عن الركين، وهو سيء الحفظ، وقد رواه من هو أوثق منه عن الركين، ولم يذكروا فيه غسل الأنثيين، منهم:
الأول: زائدة بن قدامة، كما في صحيح البخاري (269) ، ومسند أبي داود الطيالسي (145) ، وابن أبي شيبة (1/89) ، وأحمد (1/125) ، والنسائي (1/111،112) ، والطحاوي (1/46) ، وابن خزيمة (18) .
الثاني: عبيدة بن حميد التيمي، كما في المسند (1/109) ، وابن أبي شيبة (1/89) ، وأبو داود (206) ، والنسائي (193) ، وابن خزيمة (20) .
فلو انفرد شريك بغسل الأنثيين لم يقبل تفرده، فكيف وقد خالف من هو أوثق منه.
وأما حديث رافع بن خديج:.
فأخرجه النسائي (155) أخبرنا عثمان بن عبد الله، قال: أنبأنا أمية، قال: حدثنا يزيد بن زريع، أن روح بن القاسم حدثه، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن إياس بن خليفة، عن رافع بن خديج أن علياً أمر عماراً أن يسأل رسول الله b عن المذي، فقال: يغسل مذاكيره، ويتوضأ.
وقوله: مذاكيره: المراد به الذكر وما يتصل به، وإلا فليس في الجسم إلا ذكر واحد، انظر فتح الباري (1/369) ، شرح معاني الآثار (1/46) .
وهذا إسناد ضعيف، فيه إياس بن خليفة لم يوثقه إلا ابن حبان، ولم يرو عنه أحد غير عطاء.
وقال الذهبي في الميزان: لا يكاد يعرف.
وأما قول الحافظ فيه: صدوق، ففيه تساهل لا يخفى.
وقد اختلف فيه على عطاء:
فقيل: عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن إياس بن خليفة، عن رافع بن خديج، كما سبق.
وقيل: عن ابن جريج وعمرو بن دينار، عن عطاء، عن عائش بن أنس البكري، عن علي. وليس فيه غسل الأنثيين.
وقيل: عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس. وليس فيه أيضاً غسل الأنثيين. وهاك بيانها:
أما طريق عائش بن أنس، عن علي.
فأخرجه أحمد (4/320،321) حدثنا سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن عائش بن أنس سمعه عن علي -يعني على منبر الكوفة- كنت أجد المذي، فاستحييت أن أسأله أن ابنته عندي، فقلت لعمار: سله، فسأله، فقال: يكفي منه الوضوء.
ومن طريق سفيان أخرجه الحميدي (39) ، وأبو يعلى في مسنده (456) ، والنسائي في الكبرى (150) وفي المجتبى (154) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/47) ، وابن عبد البر في التمهيد (21/203) .
وأخرجه عبد الرزاق (601) ، والطبراني في الكبير (20/238) من طريق معمر، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن عائش بن أنس، قال: قال علي للمقداد، فجعله من مسند المقداد، وزاد: ليغسل ذكره، ثم ليتوضأ، ثم لينضح فرجه.
وأخرجه عبد الرزاق (597)
وأحمد (6/5) حدثنا يحيى بن سعيد، كلاهما عن ابن جريج، ثنا عطاء، عن عائش بن أنس البكري، قال: تذاكر علي وعمار والمقداد المذي، فقال علي: إني رجل مذاء، وإني استحييى أن أسأله من أجل أن ابنته تحتي، فذكر نحوه، وفيه: غسل الذكر ونضح الفرج.
وعائش بن أنس لم يرو عنه أحد غير عطاء، ولم يوثقه أحد إلا ابن حبان، وجهله الذهبي في الميزان.
واختلف فيه على ابن جريج، فرواه عنه يحيى بن سعيد القطان وعبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عائش بن أنس، عن علي كما تقدم.
وخالفهما مخلد بن يزيد، فرواه ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، عن علي كما في سنن النسائي (435) ، وليس فيه غسل الأنثيين.
ورواه سعيد بن منصور كما في التمهيد (21/203) عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس، عن علي.
هذا ما وقفت عليه من الروايات في ذكر غسل الأنثيين، فمن حديث علي إما شاذة أو منكرة، فجاء ذكرها من حديث عروة، عن علي، وهو منقطع.
ومن طريق شريك، وهو سيئ الحفظ، وقد خالفه زائدة وعبيدة بن حميد، فروياه عن شيخ شريك، وليس فيه ذكر غسل الأنثيين.
وجاءت من مسند رافع بن خديج، تفرد بها إياس بن خليفة، وهو في حكم المجهول، لم يرو عنه إلا عطاء، ولم يوثقه إلا ابن حبان، وقد اختلف في إسناده.
ومن طريق عائش بن أنس، عن علي، والمعروف أنه ليس فيه غسل الأنثيين على أنه قد اختلف على عائش، وعائش لم يرو عنه إلا عطاء، ولم يوثقه إلا ابن حبان.
وأحسن إسناد جاء فيه غسل الأنثيين هو طريق سليمان بن حيان، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة السليماني، عن علي.
ولا يحتمل مخالفة سليمان بن حيان لجمع من الرواة رووه عن علي، لم يذكروا ما ذكره، وأخشى أن يكون هذا من أخطائه، فقد قال ابن عدي: إنما أتي من سوء حفظه، فيغلط ويخطئ، وفي التقريب: صدوق يخطئ، وهاك ما وقفت عليه من الرواة الذين رووا الحدث عن علي، وليس فيه غسل الأنثيين:
الأول: محمد بن الحنفية، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
كما في صحيح البخاري (132،178) ، ومسلم (303) ، وعبد الرزاق (604) ، ابن أبي شيبة (1/87) رقم 968، وأحمد (1/82) ، والنسائي في الكبرى (149) ، والطحاوي (1/46) .
الثاني: ابن عباس، عن علي.
وهو في صحيح مسلم (303) ، وأخرجه أحمد (1/104) ، والنسائي (438،436) ، وابن خزيمة (22،23) ، والطحاوي (1/46) .
الثالث: أبو عبد الرحمن السلمي، عن علي.
وهو في صحيح البخاري (296) ، وأخرجه الطيالسي (144) ، وأحمد (1/129) ، والنسائي (1/152) ، وابن الجارود في المنتقى (6) ، وابن خزيمة (18) .
الرابع: حصين بن قبيصة، عن علي.
كما في مسند الطيالسي (144) ، وابن أبي شيبة (1/89) ، وأحمد (1/109،125) ، وأبو داود (206) ، والنسائي (193،194) ، وإسناده صحيح.
الخامس: عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي.
كما في مسند أحمد (1/87) ، وابن أبي شيبة (1/87) ، والترمذي (114) ، وابن ماجه (504) ، والبزار (630) ، وأبو يعلى (314،457) ، والطحاوي (1/46) أخرجوه من طرق عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي. وفي الإسناد ضعف من أجل يزيد بن أبي زياد، جاء في التقريب: ضعيف، كبر، فتغير، وصار يتلقن، وكان شيعياً. اهـ لكنه سند صالح في المتابعات إن شاء الله تعالى.
السادس: هانئ بن هانئ، عن علي.
كما في مسند أحمد (1/108) ، والطحاوي (1/46) من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن علي.
السابع: عائش بن أنس، عن علي.
كما في مسند أحمد (6/5) ، و (4/320،321) ، والحميدي (39) ، والنسائي (154) ، والطحاوي (1/47) وغيرهم وقد سبق الكلام على هذا الطريق.
الثامن: سليمان بن يسار، عن المقداد.
كما في الموطأ (1/40) ، وعبد الرزاق (600) ، وأحمد (6/5) ، وابن ماجه (505) ، وابن الجارود (5) ، والبيهقي في السنن (1/115) ، وابن خزيمة (21) ، وابن حبان (1101) ، كلهم رووه من طريق سالم أبي النضر، عن سليمان بن يسار، عن المقداد بن الأسود، أن علي بن أبي طالب أمره أن يسأل رسول الله b عن الرجل إذا دنا من أهله، فخرج منه المذي، فذكر نحو ما تقدم، وفيه: إذا وجد ذلك أحدكم، فلينضح فرجه بالماء، وليتوضأ وضوءه للصلاة.
هذا لفظ مالك في الموطأ، قال ابن عبد البر: هذا إسناد ليس بمتصل؛ لأن سليمان بن يسار لم يسمع من المقداد، ولا من علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. اهـ
قلت: موضع الشاهد منه أنه لم يذكر غسل الأنثيين، وقد رواه بكير بن عبد الله الأشج، عن سليمان بن يسار، عن ابن عباس، عن علي، كما في صحيح مسلم (19-303) ، وهذا سند متصل، وقد خرجت هذه الرواية في ما سبق، وليس فيها ذكر الأنثيين.
فهؤلاء ثمانية رواة رووه عن علي، ليس في روايتهما ذكر الأنثيين، وبعض الطرق جاءت في الصحيحين كطريق محمد بن الحنفية، وبعضها في البخاري وحده كطريق أبي عبد الرحمن السلمي، وبعضها في مسلم وحده كطريق ابن عباس، عن علي، والقصة واحدة لا تحتمل التعدد، ورواية الأكثر السالمة من الضعف أولى من غيرها. والله أعلم.(2/458)
الدليل الثاني:
(393-237) ما رواه أبو داود، قال: حدثنا إبراهيم بن موسى، قال: أخبرنا عبد الله بن وهب، قال: حدثنا معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن حزام بن حكيم،
عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري، قال: سألت النبي b عما يوجب الغسل، وعن الماء يكون بعد الماء؟ فقال: ذلك المذي، وكل فحل يمذي، فتغسل من ذلك فرجك وإنثييك، وتوضأ وضوءك للصلاة (1) .
_________
(1) سنن أبي داود (211) .(2/464)
[إسناده ضعيف] (1) .
دليل من قال: يجزئ الاستجمار بالحجارة.
الدليل الأول:
القياس على البول، بجامع أن كلاً منهما سائل نجس، خرج من مخرج واحد، فإذا ثبتت الطهارة من البول بالحجارة ثبتت الطهارة بالحجارة من المذي، ولا فرق، ولا يجمع الشارع بين متفرقين، ولا يفرق بين متماثلين.
الدليل الثاني:
أن الماء لا يتعين في إزالة النجاسات، فالنجاسة تزال بأي مزيل كان سواء كانت النجاسة مذياً أم بولاً أم غائطاً أم غيرها من النجاسات، وقد دلت أحاديث كثيرة على اعتبار التطهير بغير الماء، أسوق منها:
تطهير ذيل المرأة، وتطهير النعل، وتطهير دم الحيض، وغيرها من النجاسات.
(394-238) فقد روى أحمد، قال: ثنا أبو كامل، ثنا زهير -يعنى ابن معاوية- ثنا عبد الله بن عيسى، عن موسى بن عبد الله، قال: وكان رجل صدق، عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت: قلت:
يا رسول الله إن لنا طريقاً إلى المسجد منتنة، فكيف نصنع إذا مطرنا؟
_________
(1) في إسناده العلاء بن الحارث، قد اختلط، ولم يتميز لي ما سمع منه قبل الاختلاط ممن سمع منه بعد، كما أن معاوية بن صالح صدوق له أوهام، وقد تفرد به عن العلاء، وقد ضعف الحافظ في التلخيص (1/117) .
والحديث أخرجه ابن الجارود (7) ، والخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق (1/111) ، والبيهقي في السنن الكبرى (2/411) ، والمقدسي في الأحاديث المختارة (9/412) من طريق معاوية بن صالح به.(2/465)
قال: أليس بعدها طريق هي أطيب منها؟ قالت: قلت: بلى. قال: فهذه بهذه (1) .
[إسناده صحيح] (2) .
(395-239) ومنها ما رواه أحمد، قال: ثنا يزيد، أنا حماد بن سلمة، عن أبي نعامة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري،
أن رسول الله b صلى، فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف قال: لم خلعتم نعالكم؟ فقالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت فخلعنا. قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثاً فإذا جاء أحدكم
_________
(1) المسند (6/435) .
(2) والجهالة بالصحابية لاتضر. وله شاهد من حديث أم سلمة أخرجه مالك (1/24) ، والشافعي في المسند (ص 50) ، وأحمد (6/290) ، وأبو يعلى (6925،6981) ، وأبو داود (383) ، والترمذي (143) ، وابن ماجه (531) ، والدارمي (742) ، والمنتقى لابن الجارود (142) ، والمعجم الكبير للطبراني (23/359) من طريق محمد بن إبراهيم التيمي، عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة، فقالت: إني امرأة أطيل ذيلي، وأمشي في المكان القذر، فقالت أم سلمة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يطهره ما بعده.
وفي السند جهالة أم ولد إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. لم يرو عنها إلا محمد بن إبراهيم التيمي. فهي مجهولة عيناً.
وقال ابن حجر في التقريب: مقبولة. يعني: حيث توبعت، وإلا فحديثها فيه لين. وذكر أن اسمها حميدة، ولم يجزم بذلك. وكأن ابن حجر اعتبر جهالتها جهالة حال، ولعل السبب في ذلك أنها من التابعين وأن مالكاً قد أخرج الحديث في كتابه الموطأ، وقال الفسوي في المعرفة (1/349) : " ومن كان من أهل العلم، ونصح نفسه علم أن كل من ذكره مالك في موطئه، وأظهر اسمه ثقة تقوم به الحجة ". انتهى
وهذا الكلام قد يكون مقبولاً في الجملة، على أن الحديث له شاهد صحيح قد سقته أولاً. والله أعلم.(2/466)
المسجد فليقلب نعله فلينظر فيها فإن رأى بها خبثاً فليمسه بالأرض ثم ليصل فيهما (1) .
[الحديث إسناده صحيح] (2) .
_________
(1) المسند (3/20، 92) .
(2) أبو نعامة، ثقة. روى له مسلم.
وثقه ابن معين. وقال أبو حاتم: لا بأس به. انظر الجرح والتعديل (6/41) .
وذكره ابن حبان في الثقات (7/155) .
وأبو نضرة العبدي. روى له مسلم.
وقال أحمد: ما علمت إلا خيراً. ووثقه يحيى بن معين، وأبو زرعة. انظر الجرح والتعديل: (10/268) .
ووثقه النسائي كما في لسان الميزان (7/398) .
وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله، كثير الحديث، وليس كل أحد يحتج به. انظر الطبقات الكبرى (7/208) .
وذكره ابن حبان في الثقات (5/420) وقال: كان من فصحاء الناس، فلج في آخر عمره، وكان ممن يخطي.
واعتمد الذهبي كلام ابن حبان، فقال في الكاشف (6532) : " فصيح بليغ مفوه ثقة يخطي. وفي التقريب ثقة. وباقي رجاله مشهورون.
[تخريج الحديث]
الحديث أخرجه الدارمي (1378) ، وأبو يعلى (1194) ، والبيهقي في السنن (2/402) من طرق عن حماد بن سلمة به. وصححه الحاكم (1/260) ووافقه الذهبي. وأخرجه أبو داود (650) من طريق حماد بن زيد، عن أبي نعامة به. ولعله خطأ؛ فإني لم أقف على أبي نعامة من شيوخ حماد بن زيد. والله أعلم.
أما حديث أبي هريرة عند أبي داود (385) : " إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور " فإنه حديث ضعيف قد اضطرب إسناده على الأوزاعي، وعلى سعيد بن أبي سعيد. فالأوزاعي تارة يرويه عن ابن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري.
وتارة يرويه منقطعاً، فيقول: نبئت أن سعيد بن أبي سعيد كما عند أبي داود (386) .
وتارة يرويه متصلاً دون واسطة عن سعيد بن أبي سعيد كما عند ابن حبان (1403) . وتارة يرويه عن محمد بن الوليد، عن سعيد بن أبي سعيد. ويجعله من مسند عائشة. كما عند أبي داود (1403) .
واختلف فيه أيضاً على سعيد بن أبي سعيد، فتارة يرويه عن أبيه، عن أبي هريرة. وتارة يرويه عن القعقاع بن حكيم، عن عائشة. كما في سنن أبي داود (386،387) .
قال ابن عبد البر في التمهيد (13/103) :" حديث مضطرب الإسناد، لا يثبت، اختلف في إسناده على الأوزاعي، وعلى سعيد بن أبي سعيد اختلافاً يسقط الاحتجاج به " اهـ، فيكفي الاحتجاج بحديث أبي سعيد.(2/467)
(396-240) ومنها ما رواه البخاري، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا إبراهيم بن نافع، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال:
قالت عائشة: ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيء من دم، قال بريقها فقصعته بظفرها (1) .
ومن النظر: أن النجاسة عين خبيثة لها طعم، أو لون، أو رائحة. والمطلوب هو إزالة كل ذلك، فإذا ذهب طعمها، ولونها ورائحتها بأي مزيل زال حكمها، وأصبح المحل طاهراً، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
هذا ما وقفت عليه من أدلة كل قول، والحق أن غسل الأنثيين لا يثبت الأمر فيه، وأحاديث الصحيحين ليس فيها غسل الأنثيين، وأما هل تكفي الحجارة أم لا؟ الحديث نص على الماء، فمن عمل به، فهو أسعد بالدليل، ومن طهره بغيره، فالقياس جوازه، والله أعلم.
_________
(1) صحيح البخاري (312) .(2/468)
الفصل الثالث
في الاستنجاء من الودي
الودي نجس، وهو مذهب الأئمة الأربعة (1) .
وقيل: طاهر، وهو رواية عن أحمد (2) .
وعلى القول بنجاسته، فهل يجب الماء في الاستنجاء منه، أم يكفي فيه الحجارة؟ اختلف الفقهاء،
فقيل: يجب منه ما يجب من البول. وهو قول الجمهور (3) .
_________
(1) انظر في مذهب الحنفية: بدائع الصنائع (1/60) ، وحكى الحطاب من المالكية في مواهب الجليل (1/104) أن شاس نقل الإجماع على نجاسة الودي. اهـ وانظر الخرشي (1/92) ، حاشية الدسوقي (1/56) .
وقال الشافعي في الأم (1/72) : كل ما خرج من ذكر من رطوبة بول، أو مذي، أو ودي، أو ما لا يعرف، أو يعرف، فهو نجس كله ما خلا المني. اهـ
بل قال النووي في المجموع (2/571) : أجمعت الأمة على نجاسة المذي والودي. اهـ
وانظر الفروع (1/248) ، الإنصاف (1/341) ، كشاف القناع (1/193) .
(2) المبدع (1/249) ، الإنصاف (1/341) .
(3) قال مالك في المدونة (1/121) : قال مالك: المذي عندنا أشد من الودي؛ لأن الفرج يغسل عندنا من المذي، والودي عندنا بمنزلة البول. اهـ
واختلف أصحاب مالك في فهم عبارة إمامهم:
فقيل: يحتمل قول مالك المذي أشد من الودي، أنه يجب غسل الذكر كله، بخلاف الودي، فيغسل رأس الحشفة منه.
وقال بعضهم: معنى المذي أشد من الودي؛ لأن الودي يستنجى منه بالأحجار، والمذي لا بد من غسله. انظر التمهيد لابن عبد البر (21/205) ، الخرشي (1/149) .
قال في الفواكه الدواني (1/112) : وأما الودي فهو ماء أبيض خاثر يخرج بأثر البول يجب منه ما يجب من البول. قال النفرواي في شرح هذه العبارة: يجب منه ما يجب من البول: أي إنما يغسل منه محل الأذى فقط، ويجزي فيه الاستجمار بالحجر كالبول.
وقال في حاشية العدوي (1/133) في شرح عبارة: " يجب منه ما يجب من البول" قال: غسل محله، أو الاستجمار بالحجر، فلا يتعين الغسل بالماء. اهـ
وفي مذهب الشافعية، قال في المهذب (1/47) : وأما الودي فهو نجس، لما ذكرت من العلة، ولأنه يخرج مع البول فكان حكمه حكمه. اهـ وانظر المجموع (2/571) ، والإقناع للشربيني (1/55) ، تحفة المحتاج (1/181) ، حاشية الجمل (1/97) .
وقال في مغني المحتاج (1/160) : ويجب الاستنجاء: إزالة للنجاسة من كل خارج ملوث، ولو نادراً كدم ومذي وودي، لا على الفور بل عند الحاجة إليه، (بماء) على الأصل في إزالة النجاسة (أو حجر) . اهـ
وانظر في مذهب الحنابلة: قال ابن تيمية في شرح العمدة (1/156) : اذا لم تتعد النجاسة موضع الحاجة فإنه يجزئه الاستجمار اذا انقى واكمل العدد، سواء في ذلك جميع ما يستنجى منه من البول والمذي والودي والدم وغير ذلك. اهـ
وقال ابن قدامة في الكافي (1/86) : والودي: ماء أبيض يخرج عقيب البول، حكمه حكم البول؛ لأنه في معناه. اهـ
وقال في المغني (1/413) : أما الودي: فهو ماء أبيض يخرج عقيب البول خاثر، فحكمه حكم البول سواء؛ لأنه خارج من مخرج البول، وجار مجراه. اهـ(2/469)
وقيل: لا بد من الماء في إزالته، وهو قول في مذهب المالكية (1) ، وقول في
_________
(1) سبق في القول الأول مذهب المالكية، وأن أصحاب مالك اختلفوا في تفسير عبارة إمامهم: المذي أشد من الودي على قولين:
الأول: المذي يجب منه غسل الذكر كله، والودي يجب غسل رأس الحشفة، وعلى هذا التفسير يجب غسل رأس الحشفة بالماء من الودي.
والثاني: قالوا: إن الودي يستنجى منه بالأحجار، والمذي يجب فيه الماء. انظر الخرشي (1/149) ، والتمهيد لابن عبد البر (21/205) .(2/470)
مذهب الشافعية (1) .
دليل من قال: يتعين الماء.
الدليل الأول:
(397-241) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن الركين، عن حصين بن قبيصة الفزاري،
عن علي قال: كنت رجلا مذاء، وكانت تحتي بنت رسول الله b، فكنت أستحي أن أسأله، فأمرت رجلاً فسأله فقال: إذا رأيت المذي فتوضأ، واغسل ذكرك، وإذا رأيت الودي فضخ الماء فاغتسل (2) .
[رجاله ثقات إلا أن ذكر الودي فيه غير محفوظ] (3) .
_________
(1) قال النووي في المجموع (1/144) : إذا كان الخارج نادراً كالدم والقيح والودي والمذي وشبهها فهل يجزئه الحجر؟ فيه طريقان:
الصحيح منهما - وبه قطع العراقيون أنه على قولين: أصحهما يجزئه الحجر، نص عليه في المختصر وحرملة؛ لأن الحاجة تدعو إليه، والاستنجاء رخصة، والرخص تأتي لمعنى ثم لا يلزم وجود ذلك المعنى في جميع صورها كالقصر وأشباهه. وانظر المهذب (1/29) .
القول الثاني: يتعين الماء.
(2) المصنف (1/89) .
(3) وأخشى أن تكون لفظة الودي تحرفت عن المني، فتكون العبارة وإذا رأيت المني فضخ الماء فاغتسل، خاصة أن الودي مجمع على أنه لا يوجب الغسل، ولا يوجب الغسل شيء سوى المني، وقد وقفت على رواية أبي بكر بن أبي شيبة من رواية ابن بشكوال في غوامض الأسماء المبهمة (2/513) فقد روى الحديث من طريق ابن أبي شيبة، وقال: وإذا رأيت نضح الماء فاغتسل. وهذا أرجح.
وقد اختلف فيه على زائدة بن قدامة:
فرواه عنه حسين بن علي بزيادة ذكر الودي أو المني على الخلاف السابق.
ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده (144) .
ورواه البخاري (269) وابن حزم في المحلى (1/106) من طريق أبي الوليد الطيالسي.
ورواه أحمد (1/125) وأبو يعلى الموصلي (352) عن عبد الرحمن بن مهدي.
ورواه الطحاوي (1/46) من طريق عبد الله بن رجاء كلهم رووه عن زائدة به، بذكر الوضوء وغسل الذكر، ولم يتعرضوا للودي ولا للمني.
وتابع أبو بكر بن عياش زائدة كما في صحيح ابن خزيمة (18) ولم يذكر إلا الوضوء(2/471)
الدليل الثاني:
(398-242) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد،
عن ابن عباس، قال: المني والودي والمذي، فأما المني ففيه الغسل، وأما المذي والودي ففيهما الوضوء، ويغسل ذكره (1) .
[إسناده صحيح] (2) .
دليل من قال: يكفي فيه الاستجمار.
ذكرنا أدلتهم في باب الخلاف في الاستنجاء من المذي، فارجع إليها إن شئت، فلا داعي لإعادتها هنا، والله أعلم.
دليل من قال: إن الودي طاهر.
قالوا: لا نعلم في الكتاب، ولا في السنة المرفوعة نصاً بأن الودي نجس، وإذا كان كذلك فالأصل طهارته، ولا يكفي في كونه يخرج من من مخرج البول حتى يعطى حكمه، فهذا المني يخرج من نفس المخرج، ومع ذلك فهو طاهر، وإذا كان يخرج عقب البول، كان الاستنجاء منه بسبب البول، لا
_________
(1) مصنف ابن أبي شيبة (1/89) رقم 984.
(2) وسبق تخريجه.(2/472)
بسببه.
قلت: لا شك أن أكثر الأقوال على أن الودي يخرج عقب البول، لكن قال بعض الفقهاء أن خروج الودي بعد البول غالب لا دائم، فقد يخرج بعد حمل شيء ثقيل، وقد يخرج وحده بلا سبب (1) .
_________
(1) قال في حاشية ابن عابدين (1/165) : الودي ماء ثخين أبيض كدر، يخرج عقب البول.
وقال في الفتاوى الهندية (1/10) : الودي بول غليظ. وقيل: ماء يخرج بعد الاغتسال من الجماع وبعد البول. كذا في التبيين. اهـ
وقال في شرح خليل (1/152) : واعلم أن ودي المرأة يخرج أيضا بأثر البول إلا أنه حينئذ لا حكم له نعم يكون ناقضا فيما إذا خرج بأثر سلس بول، أو خرج عند حمل شيء ثقيل. اهـ
وقال في المهذب (1/29) : الودي يخرج مع البول، فتعقبه النووي في المجموع (2/571) ، وقال: الأجود أن يقال: عقبه. أي عقب البول.
وقال نحوه في مطالب أولي النهى (1/234) .(2/473)
[صفحة فارغة](2/474)
الفصل الرابع
في الاستنجاء من المني
اختلف العلماء في الاستنجاء من المني لاختلافهم في طهارته.
فقيل: يستنجي منه إن كان رطباً بكل مائع مزيل (1) ، ولا يكفي الاستجمار بالحجارة، وإن كان يابساً ففيه قولان في مذهب الحنفية:
فقيل: يكفي فركه، اختاره الكرخي من الحنفية.
وقيل: لا يكفي بل لا بد من غسله، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة (2) .
_________
(1) وإنما قلت المائع، ولم أقل الماء؛ لأن الحنفية يرون أن النجاسة تزال بكل مائع، بخلاف الحدث فيشترط الماء، قال الزيلعي في تبيين الحقائق (1/70) : " وأما الثاني: وهو ما يطهر به النجس، فبكل مائع يمكن إزالته كالخل ونحوه. اهـ
وقال الكاساني في بدائع الصنائع (1/83) : وأما ما سوى الماء من المائعات الطاهرة، فلا خلاف في أنه لا تحصل به الطهارة الحكمية: وهي زوال الحدث. وهل تحصل به الطهارة الحقيقية، وهي إزالة النجاسة عن الثوب والبدن، اختلف فيه، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف تحصل. وقال محمد وزفر والشافعي: لا تحصل. الخ كلامه.
(2) قال في بدائع الصنائع (1/84) : وإن جف -يعني: المني- فهل يطهر بالحت؟ روى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يطهر. وذكر الكرخي أنه يطهر. وجه رواية الحسن أن القياس أن لا يطهر في الثوب إلا بالغسل، وإنما عرفناه بالحديث. وأنه ورد في الثوب بالفرك، فبقي البدن مع أنه لا يحتمل الفرك على أصل القياس.
وجه قول الكرخي: أن النص الوارد في الثوب يكون وارداً في البدن من طريق الأولى؛ لأن البدن أقل تشرباً من الثوب، والحت في البدن يعمل عمل الفرك في الثوب في إزالة العين. انظر المبسوط (1/81) ، الاختيار لتعليل المختار (1/32) ، شرح معاني الآثار (1/53) ، البحر الرائق (1/235،236) .
وقال في الدر المختار (1/312) : ويطهر مني يابس بفرك إن طهر رأس حشفة كأن كان مستنجياً بماء. اهـ
قال ابن عابدين في حاشيته شرحاً لهذا النص: " قوله: إن طهر رأس حشفة. قيل: هو مقيد أيضاً بما إذا لم يسبقه مذي، فإن سبقه فلا يطهر إلا بالغسل. وعن هذا قال شمس الأئمة الحلواني: مسألة المني مشكلة؛ لأن كل فحل يمذي ثم يمني إلا أن يقال: إنه مغلوب بالمني، مستهلك فيه، فيجعل تبعاً. وهذا ظاهر، فإنه إذا كان كل فحل كذلك، وقد طهره الشرع بالفرك يابساً يلزم أنه اعتبر مستهلكاً للضرورة، بخلاف ما إذا بال فلم يستنج حتى أمنى لعدم الملجئ.
ثم قال: وقوله: كأن كان مستنجياً بماء: أي بعد البول، واحترز عن الاستنجاء بالحجر؛ لأنه مقلل للنجاسة لا قالع لها. اهـ
وعليه فمذهب الحنفية يكفي فرك المني من رأس الحشفة بشرط أن يكون قد استنجى بماء، فإن كان استنجاؤه بحجر، فيجب غسل المني. والله أعلم.(2/475)
وقيل: يتعين الماء وحده، ولا يجزئ الفرك، اختاره أبو يوسف من الحنفية (1) ، وهو مذهب المالكية (2) .
_________
(1) قال في تبيين الحقائق (1/70) : وعن أبي يوسف أنه لا يجوز تطهير البدن إلا بالماء؛ لأنها نجاسة يجب إزالتها فلا يجوز بغير الماء كالحدث. اهـ
وقال في بدائع الصنائع (1/83) : وروي عن أبي يوسف أنه فرق بين الثوب والبدن، فقال في الثوب تحصل - يعني: الطهارة بكل مائع مزيل- وقال في البدن: لا تحصل إلا بالماء. اهـ
وفيه قول ثان عن أبي يوسف كقول أبي حنيفة، والله أعلم.
(2) قال ابن عبد البر في الاستذكار (3/113) : ولا يجزئ عند مالك وأصحابه في المني ولا في سائر النجاسات إلا الغسل بالماء، ولا يجزئ فيه عنده الفرك، وأنكره، ولم يعرفه. اهـ
وقال في القوانين الفقهية (ص: 41) : لا يجوز الاستجمار -يعني: بالحجارة- من المني ولا من المذي، ولا إن تعدت النجاسة المخرجين أو ما قرب منهما. اهـ وانظر حاشية الدسوقي (1/111) ، مواهب الجليل (1/284) ، مختصر خليل (ص: 15) ، التاج والإكليل (1/284،285) ، المفهم للقرطبي (1/548) ، والمدونة (1/128) ، المنتقى شرح الموطا (1/103) .(2/476)
وقيل: لا يستنجي منه بناء على أن المني طاهر، وهو مذهب الشافعية (1) ، والحنابلة (2) ، ورجحه ابن حزم (3) .
دليل من قال يستنجى من المني، وأنه نجس.
الدليل الأول:
(399-243) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن
_________
(1) قال النووي في المجموع (1/146) : والمني طاهر لا يجب الاستنجاء منه، وهو محمول على من خرج منه مني، ولم يخرج غيره، وصلى بالتيمم لمرض، أو فقد الماء فإنه تصح صلاته ولا إعادة، كما ذكرنا في دم الحيض، أما إذا اغتسل من الجنابة فلا بد من غسل رأس الذكر، والله أعلم. اهـ
(2) انظر مسائل أحمد رواية أبي داود (1/32) رقم 148،149،150. وقال أحمد في مسائله رواية صالح (3/46) : قلت لأبي الفراش يصيبه المني، يبسط عليه؟ فقال: المني شيء آخر، وسهل في المني جداً، وقال: أين المني من البول، البول شديد، والمني يفرك، وقد جاء أنه بمنزلة المخاط، يقوله ابن عباس. اهـ وانظر مسائل أحمد رواية ابن هانئ (1/25) ، ورواية عبد الله (1/49) رقم 52. ومسائل أحمد وإسحاق (1/157،192،247) .
وعن أحمد ثلاث روايات في المني:
الأولى: أنه طاهر، قال في المغني: وهو المشهور.
الثانية: أنه نجس كالدم، ويعفي عن يسيره.
الثالثة: أنه لا يعفى عن يسيره، ويجزئ فرك يابسه من الرجل والمرأة. وقيل: من الرجل دون المرأة. انظر المغني (1/416) ، الإنصاف (1/340،341) .
(3) قال في المحلى (1/134) مسألة: 131: المني طاهر في الماء كان أو في الجسد أو الثوب لا تجب إزالته، والبصاق مثله ولا فرق. اهـ(2/477)
ابن عباس، عن ميمونة،
أن النبي b اغتسل من الجنابة، فغسل فرجه بيده، ثم دلك بها الحائط، ثم غسلها، ثم توضأ وضوءه للصلاة، فلما فرغ من غسله غسل رجليه. رواه البخاري ومسلم واللفظ للأول (1) .
قال ابن تيمية: الاستنجاء من المني فعل النبي b وأصحابه على الدوام، ولا أعلم إخلالهم به بحال (2) .
الدليل الثاني:
الأدلة الدالة على نجاسة المني، وإذا كان نجساً كان الاستنجاء منه مشروعاً، ومن هذه الأدلة.
(400-244) ما رواه أبو يعلى، قال: حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا ثابت بن حماد أبو زيد، حدثنا علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب،
عن عمار، قال: مر بي رسول الله b، وأنا أسقي ناقة لي فتنخمت،
_________
(1) صحيح البخاري (260) ، ومسلم (317) .
(2) شرح العمدة (1/162) ، وقال أيضاً في مجموع الفتاوى (21/594) : الاستنجاء منه مستحب كما يستحب إماطته من الثوب والبدن، وقد قيل: هو واجب، كما قد قيل: يجب غسل الأنثيين من المذي، وكما يجب غسل أعضاء الوضوء إذا خرج الخارج من الفرج، فهذا كله طهارة وجبت لخارج، وإن لم يكن المقصود بها إماطته وتنجيسه بل سبب آخر، كما يغسل منه سائر البدن، فالحاصل أن سبب الاستنجاء منه ليس هو النجاسة بل سبب آخر، فقولهم: يوجب طهارة الخبث وصف ممنوع في الفرع، فليس غسله من الفرج للخبث، وليست الطهارات منحصرة في ذلك كغسل اليد عن القيام من نوم الليل، وغسل الميت والأغسال المستحبة، وغسل الأنثيين، وغير ذلك فهذه الطهارة إن قيل بوجوبها، فهي من القسم الثالث، فيبطل قياسه على البول؛ لفساد الوصف الجامع. اهـ(2/478)
فأصابت نخامتي ثوبي، فأقبلت أغسل ثوبي من الركوة التي بين يدي، فقال النبي b: يا عمار ما نخامتك ولا دموع عينيك إلا بمنزلة الماء الذي في ركوتك، إنما تغسل ثوبك من البول والغائط والمني من الماء الأعظم والدم والقيء (1) .
[إسناده ضعيف جداً] (2) .
_________
(1) مسند أبي يعلى (1611) .
(2) في إسناده ثابت بن حماد،
قال الدارقطني: ثابت بن حماد ضعيف جداً. سنن الدارقطني (1/127) .
وقال ابن عدي بعد أن ساق له جملة من أحاديثه التي يخالف فيها: وثابت بن حماد له غير هذه الأحاديث أحاديث يخالف فيها وفي أسانيدها الثقات، وأحاديثه مناكير ومقلوبات. الكامل (2/98) .
وقال العقيلي: حديثه غير محفوظ، مجهول بالنقل. الضعفاء الكبير (1/176) .
وقال البيهقي: هذا باطل لا أصل له، وإنما رواه ثابت بن حماد، عن علي بن زيد، عن ابن المسيب، عن عمار، وعلي بن زيد غير محتج به، وثابت بن حماد متهم بالوضع. سنن البيهقي (1/14) .
وقال أبو الخطاب: ذكر هبة الله الطبري أنه يرويه ثابت بن حماد، وأن أهل النقل أجمعوا على ترك حديثه. الانتصار (1/102) .
وأخرج البزار الحديث، فقال كما في كشف الأستار (248) : حدثنا يوسف بن موسى، ثنا إبراهيم بن زكريا، ثنا ثابت بن حماد، وكان ثقة، عن علي بن زيد به.
فقوله: وكان ثقة، يحتمل أن القائل هو البزار، ويحتمل أن القائل هو إبراهيم بن زكريا، فإن كان البزار، فقد خالف في حكمه هذا كلاً من الدارقطني والعقيلي وابن عدي والبيهقي، وابن عبد الهادي في التنقيح (1/314) وهبة الله الطبري اللالكائي، فقولهم مقدم على قول البزار.
وإن كان القائل هو إبراهيم بن زكريا، فإن إبراهيم نفسه ضعيف، ضعفه الدارقطني وغيره.
وقال ابن تيمية: هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة بالحديث، نقله عنه ابن عبد الهادي في التنقيح (1/314) .
وقال أيضاً في مجموع الفتاوى (21/594) : أما حديث عمار بن ياسر، فلا أصل له. اهـ
تخريج الحديث:
الحديث أخرجه أبو يعلى كما في إسناد الباب والطبراني في الأوسط كما في مجمع البحرين (513) ، والعقيلي في الضعفاء (1/176) ، وابن عدي في الكامل (2/98) من طريق محمد بن أبي بكر.
وأخرجه ابن عدي أيضاً (2/98) من طريق إبراهيم بن عرعرة، كلاهما عن ثابت بن حماد أبي زيد به.
ورواه إبراهيم بن زكريا، واختلف عليه:
فرواه الدارقطني (1/127) من طريق محمد بن شوكر بن رافع الطوسي.
والبزار كما في كشف الأستار (248) : حدثنا يوسف بن موسى، كلاهما عن إبراهيم بن زكريا، عن ثابت بن حماد به، كرواية محمد بن أبي بكر وإبراهيم بن عرعرة.
ورواه الطبراني في المعجم الكبير كما في نصب الراية (1/211) ومسند عمار لعله في المفقود من المعجم الكبير رواه من طريق علي بن بحر، ثنا إبراهيم بن زكريا، ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد به سنداً ومتناً.
وهذا الاختلاف من إبراهيم بن زكريا، وهو ضعيف، وزيادة حماد بن سلمة وهم منه، على أن رواية البزار ليس فيها ذكر المني.
وقد حاول الزيلعي في نصب الراية أن يقوي حديث ثابت بن حماد بمتابعة إبراهيم بن زكريا، فقال (1/210) : وجدت له متابعاً عند الطبراني رواه في معجمه الكبير من حديث حماد بن سلمة، عن علي بن زيد به سنداً ومتناً، وبقية الإسناد حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا علي بن بحر، ثنا إبراهيم بن زكريا العجلي، ثنا حماد بن سلمة به. واعلم أني وجدت الحديث في نسختين صحيحتين من مسند البزار من رواية ثابت بن حماد، وليس فيه المني، وإنما قال: إنما يغسل الثوب من الغائط والبول والقيء والدم. انتهى. قال البزار: وثابت بن حماد كان ثقة، ولا يعرف أنه روى غير هذا الحديث. انتهى نقل البزار ذلك عن شيخ شيخه إبراهيم بن زكريا. وقال البيهقي في سننه الكبرى في باب التطهير بالماء دون المائعات: وأما حديث عمار بن ياسر أن النبي b قال له: يا عمار ما نخامتك إلى آخره فهو باطل لا أصل له، إنما رواه ثابت بن حماد، عن علي بن زيد، عن ابن المسيب، عن عمار، وعلي بن زيد غير محتج به، وثابت بن حماد متهم بالوضع. انتهى ثم قال: وقال شيخنا علاء الدين -يعني: ابن التركماني- ما رأيت أحداً بعد الكشف التام جعله متهماً بالوضع غير البيهقي، وقد ذكره في كتاب المعرفة في الحديث، ولم ينسبه إلى الوضع، وانما حكى فيه قول الدارقطني وقول ابن عدي المتقدمين، والله اعلم.
والحق أن الحديث لو لم يختلف فيه على إبراهيم بن زكريا، لكان الحديث ضعيفاً، ولا تنفعه متابعة حماد بن سلمة، لأن علته حينئذٍ تكون من إبراهيم نفسه، ومن علي بن زيد، فكيف وقد اختلف فيه إلى إبراهيم بن زكريا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد ذكر الدراقطني والبيهقي وابن عدي وكلهم من الحفاظ ذوي الاستقراء، نصوا على أن ثابت بن حماد تفرد به، فهذا دليل على أن طريق حماد بن سلمة وهم، والله أعلم.
قال الحافظ في التلخيص (1/44) : رواه البزار والطبراني من طريق إبراهيم بن زكريا، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، ولكن إبراهيم ضعيف، وقد غلط فيه، إنما يرويه ثابت بن حماد. اهـ(2/479)
(401-245) ومنها أيضاً ما رواه مالك في الموطأ، عن هشام بن عروة، عن أبيه،
عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، أنه اعتمر مع عمر بن الخطاب في ركب فيهم عمرو بن العاص، وأن عمر بن الخطاب عرس ببعض الطريق قريباً من بعض المياه، فاحتلم عمر، وقد كاد أن يصبح فلم يجد مع الركب ماء، فركب حتى جاء الماء، فجعل يغسل ما رأى من ذلك الاحتلام حتى أسفر، فقال له عمرو بن العاص: أصبحت ومعنا ثياب، فدع ثوبك يغسل. فقال عمر بن الخطاب: واعجباً لك يا عمرو بن العاصي، لئن كنت تجد(2/481)
ثياباً أفكل الناس يجد ثياباً، والله لو فعلتها لكانت سنة، بل أغسل ما رأيت، وأنضح ما لم أر (1) .
[إسناده منقطع] (2) .
وجه الاستدلال:
قال الباجي: قوله " فجعل يغسل ما رأى من الاحتلام حتى أسفر" يريد أنه تتبع ما كان في ثوبه من المني حتى أسفر الصبح، رأى أن تطهير ثوبه الذي هو فرض، أولى من مبادرة أول الوقت الذي هو أفضل، وهذا يدل على نجاسة المني؛ لأن اشتغاله به وتتبعه له حتى ذهب أكثر الوقت وخيف عليه من ضيقه، وأنكر عليه عمرو بن العاص التأخير، وأمره باستبدال ثوب دليل على نجاسة الثوب عندهم، ولو لم يكن نجساً عندهم لما اشتغل عمر بغسله، ولو اشتغل به لقيل له: تشتغل عن الصلاة بإزالة ما لم تلزم إزالته (3) .
(402-246) ومنها ما استدل به فقهاء الحنفية مما يروى عن النبي b أنه قال لعائشة: إذا وجدت المني رطباً فاغسليه، وإذا وجدته يابساً فحتيه.
[لا أصل له] (4) .
_________
(1) الموطأ (1/50) .
(2) قال النووي في المجموع (1/226) : يحيى وإن كان ثقة فلم يدرك عمر، بل ولد في خلافة عثمان، هذا هو الصواب، قال يحيى بن معين: يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عمر باطل، وكذا قاله غير ابن معين. الخ كلامه رحمه الله.
(3) المنتقى (1/103) .
(4) لم أقف عليه مسنداً في كتب السنة، وقد قال ابن الجوزي في التحقيق (1/107) : هذا الحديث لا يعرف، وإنما المنقول أنها هي كانت تفعل ذلك من غير أن يكون أمرها.
وقال الحافظ في الدراية في تخريج أحاديث الهداية (1/91) : لم أجده بهذه السياقة. اهـ
وقال في التلخيص (1/33) : وأما الأمر بغسله فلا أصله له.(2/482)
(403-247) ومنها ما رواه البخاري، قال: حدثنا عبدان، قال: أخبرنا عبد الله، قال: أخبرنا عمرو بن ميمون الجزري، عن سليمان بن يسار،
عن عائشة قالت: كنت أغسل الجنابة من ثوب النبي b، فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه. ورواه مسلم بنحوه (1) .
وجه الاستدلال:
قالوا: إن غسل المني دليل على نجاسته، لأن الطاهر لا يطهر، ولا يقال: إن غسله للنظافة؛ لأن الأصل في الغسل أنه للنجاسة، إذ هي المأمور بغسلها.
وتعقب هذا:
بأن عائشة رضي الله عنها كانت تفركه يابساً، ولا تغسله، فلو كان نجساً لما اكتفت بفركه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذا مجرد فعل من عائشة، وفعل الرسول b المجرد لا يدل على الوجوب، فكيف بفعل غيره، ثم إن الثوب قد يغسل من المخاط والبصاق وكل ما يستقذر، ولا يكون هذا كافياً في الدلالة على نجاسته.
الدليل الخامس:
(404-248) ما رواه مسلم، قال: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا خالد بن عبد الله، عن خالد، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، أن رجلاً نزل بعائشة، فأصبح يغسل ثوبه، فقالت عائشة: إنما كان يجزئك إن رأيته أن تغسل مكانه، فإن لم تر نضحت حوله، ولقد رأيتني أفركه من
_________
(1) البخاري (229) ، ومسلم (.(2/483)
ثوب رسول الله b فركاً فيصلي فيه.
وجه الاستدلال:
قال القرطبي: وهذا من عائشة يدل على أن المني نجس، وأنه لا يجزئ فيه إلا غسله، فإنها قالت: إنما: وهي من حروف الحصر، ويؤيد هذا ويوضحه قولها: فإن لم تر نضحت حوله، فإن النضح إنما مشروعيته حيث تحققت النجاسة، وشك في الإصابة، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث أصبح يغسل جنابة من ثوبه، فقال: أغسل ما رأيت وأنضح ما لم أر (1) .
فإن قيل: ألم تقل: ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله b فركاً، فيصلي فيه، ألا يدل هذا على طهارته؟
قيل: لا يدل؛ لأن النجاسة تزال بأي مزيل، والفرك في حق النجاسة اليابسة كاف في تطهيرها، كما كانت طهارة النعل بدلكه في الأرض، وسنذكره إن شاء الله مخرجاً في أدلة القول الثاني.
الدليل الثالث:
قالوا: إن المني فضلة مستحيلة عن الغذاء، يخرج من مخرج البول، فكانت نجسة كالبول، ولا يرد علينا البصاق والمخاط والدمع والعرق؛ لأنها لا تخرج من مخرج البول (2) .
وأجيب:
بأن حكمك بالنجاسة إما أن يكون للاستحالة عن الغذاء، أو للخروج من مخرج البول، أو لمجموع الأمرين:
_________
(1) المفهم (1/548) .
(2) بدائع الفوائد (3/640) .(2/484)
فالأول باطل؛ إذ مجرد استحالة الفضله عن الغذاء لا يوجب الحكم بنجاستها، كالدمع والمخاط والبصاق.
وإن كان لخروجه من مخرج البول، فهذا إنما يفيدك أنه متنجس لنجاسة مجراه، لا أنه نجس العين كما هو أحد الأقوال فيه، وهو فاسد؛ فإن المجرى والمقر الباطن لا يحكم عليه بالنجاسة، وإنما يحكم بالنجاسةبعد الخروج والانفصال، ويحكم بنجاسة المنفصل لخبثه وعينه لا لمجراه ومقره، وقد علم بهذا بطلان الاستناد إلى مجموع الأمرين، والذي يوضح هذا أنا رأينا الفضلات المستحلة عن الغذاء تنقسم إلى:
طاهر: كالبصاق والعرق والمخاط.
ونجس: كالبول والغائط، فدل على أن جهة الاستحالة غير مقتضية للنجاسة، ورأينا أن النجاسة دارت مع الخبث وجودا وعدماً فالبول والغائط ذاتان خبيثتان منتنتان مؤذيتان متميزتان عن سائر فضلات الآدمى بزيادة الخبث والنتن والاستقذار، تنفر منهما النفوس، وتنأى عنهما وتباعدهما عنها أقصى ما يمكن، فلا يحلق المني بالبول والغائط بل يحلق بالمخاط والبصاق (1) .
الدليل الرابع:
قالوا: إن الأحداث الموجبة للطهارة نجسة كالبول والغائط والمذي. والمني من الأحدث الموجبة للطهارة، فيكون نجساً.
وأجيب:
لا نسلم أن الأحداث الموجبة للطهارة كلها نجسة، فأكل لحم الإبل حدث على الصحيح يوجب الطهارة، وهو ليس نجساً.
_________
(1) المرجع السابق.(2/485)
ومس الفرج على الصحيح حدث، ولم يكن ثمة نجاسة، بل لو مس بولاً أو غائطاً لم ينتقض وضوؤه، بخلاف ما لو مس ذكره.
والريح طاهرة، ومع ذلك هي حدث إجماعاً، ولم يوجب كونها حدثاً أن يستنجى منها، ولا أن تغسل الثياب والأبدان بسببها.
وهذا الجماع الخالي من الإنزال يتطهر منه، ولم يدل على حصول نجاسة.
قال الشافعي رحمه الله: أرأيت الرجل إذا غيب ذكره في الفرج الحلال، ولم يأت منه ماء، فأوجبت عليه الغسل، وليست في الفرج نجاسة، وإن غيب ذكره في دم خنزير أو خمر أو عذرة، وذلك كله نجس، أيجب عليه الغسل؟ فإن قال: لا.
قيل: فالغسل، إن كان إنما يجب من نجاسة كان هذا أولى أن يجب عليه الغسل مرات ومرات من الذي غيبه في حلال نظيف، ولو كان يكون لقذر ما يخرج منه كان الخلاء والبول أقذر منه، ثم ليس يجب عليه غسل موضعهما الذي خرجا منه، ويكفيه من ذلك المسح بالحجارة، الخ كلامه رحمه الله (1) .
فدل على إن إيجاب الغسل ليس معناه نجاسة المني، وإلا لوجب الغسل من البول والغائط، للإجماع على نجاستهما.
الدليل الخامس:
قالوا: إن المني خارج من أحد السبيلين، فكان نجساً كسائر النجاسات من البول والغائط والمذي والودي.
ألا ترى أن الفضلات الخارجة من أعالي البدن ليست نجسة، وفي أسافله
_________
(1) الأم (1/56) .(2/486)
تكون نجسة.
وأجيب:
بأن قياسه على جميع الخارجات بجامع إشتراكهن في المخرج ليس دليلا شرعياً، وهو منقوض بالدبر، فإنه مخرج الريح الطاهر، ومخرج الغائط النجس، وبالفم فانه مخرج النخامة والبصاق الطاهرين، ومخرج القيء النجس على قول.
الدليل السادس:
قياس المني على المذي، فالمني من جنس المذي؛ وذلك أن المذي يخرج عند مقدمات الشهوة، والمني يخرج عند استكمالها.
قال الباجي: دليلنا من جهة القياس أنه مائع تثيره الشهوة، فوجب أن يكون نجساً كالمذي (1) .
وأجيب:
بأن المني غير المذي، فالأول يتكون منه الولد الذي هو أصل الإنسان، والمذي بخلافه، ألا ترى أن عدم الإمناء عيب، وكثرة الإمذاء ربما كانت مرضاً، وكون الجامع بين المني والمذي هو الشهوة قياس لا يصح؛ وذلك لأن الشهوة ليست هي مناط التنجيس حتى تكون علة في إلحاق الفرع بالأصل.
قال ابن القيم: المني والمذي هما حقيقتان مختلفتان في الماهية والصفات والعوارض والرائحة والطبيعة فدعوى أن المذي مبدأ المني، وأنه مني لم تستحكم طبخه دعوى مجردة عن دليل نقلي وعقلي وحسي فلا تكون
_________
(1) المنتقى (1/103) .(2/487)
مقبولة (1) .
دليل من قال بطهارة المني.
الدليل الأول:
الأصل في الأعيان الطهارة، ولا يقال بنجاسة شيء حتى يأتي دليل صحيح صريح سالم من المعارضة، ولا دليل على نجاسة المني.
الدليل الثاني:
قالوا: لو كان المني نجساً لجاء الأمر من الرسول b بغسله، خاصة أن البلوى فيه شديدة في الأبدان والثياب والفرش وغيرها، فلما لم يأمرهم b بغسل ما أصابهم علم أن المني طاهر، إذ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وقد أمر النبي b الحائض أن تغسل ما أصاب ثوبها من دم الحيض، مع أن البلوى في المني أكثر وأشد، وأمر بغسل المذي أيضاً، ولم يأمر بغسل المني، فعلم أن غسله ليس واجباً، وأن عينه ليست نجسة.
الدليل الثالث:
(405-249) ما رواه مسلم، قال: حدثنا أحمد بن جواس الحنفي أبو عاصم، حدثنا أبو الأحوص، عن شبيب بن غرقدة،
عن عبد الله بن شهاب الخولاني، قال: كنت نازلاً على عائشة، فاحتلمت في ثوبي، فغمستهما في الماء، فرأتني جارية لعائشة، فأخبرتها، فبعثت إلي عائشة، فقالت: ما حملك على ما صنعت بثوبيك. قال: قلت: رأيت ما يرى النائم في منامه. قالت: هل رأيت فيهما شيئاً. قلت: لا.
_________
(1) بدائع الفوائد (3/639) .(2/488)
قالت: فلو رأيت شيئاً غسلته، لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله b يابساً بظفري.
وجه الاستدلال:
أن عائشة كانت تفركه من ثوب رسول الله b فركاً، وهذا دليل على طهارته؛ إذ لو كان نجساً لوجب غسله كسائر النجاسات.
وأجيب بأجوبة منها:
أولاً: ثبت في طهارة النعل الدلك بالتراب، وكان ذلك طهارة له.
(406-250) فقد روى أحمد، قال: يزيد، أنا حماد بن سلمة، عن أبي نعامة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري،
أن رسول الله b صلى، فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف قال: لم خلعتم نعالكم؟ فقالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت فخلعنا. قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثاً فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعله فلينظر فيها فإن رأى بها خبثاً فليمسه بالأرض ثم ليصل فيهما (1) .
[الحديث إسناده صحيح] (2) .
_________
(1) المسند (3/20، 92) .
(2) أبو نعامة، ثقة. روى له مسلم.
وثقه ابن معين. وقال أبو حاتم: لا بأس به. انظر الجرح والتعديل (6/41) .
وذكره ابن حبان في الثقات (7/155) .
وأبو نضرة العبدي. روى له مسلم.
وقال أحمد: ما علمت إلا خيراً. ووثقه يحيى ابن معين، وأبو زرعة. انظر الجرح والتعديل: (10/268) .
ووثقه النسائي كما في لسان الميزان (7/398) .
وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله، كثير الحديث، وليس كل أحد يحتج به. انظر الطبقات الكبرى (7/208) .
وذكره ابن حبان في الثقات (5/420) وقال: كان من فصحاء الناس، فلج في آخر عمره، وكان ممن يخطي.
واعتمد الذهبي كلام ابن حبان، فقال في الكاشف (6532) : " فصيح بليغ مفوه ثقة يخطي. وفي التقريب ثقة. وباقي رجاله مشهورون.
[تخريج الحديث]
الحديث أخرجه الدارمي (1378) ، وأبو يعلى (1194) ، والبيهقي في السنن (2/402) من طرق عن حماد بن سلمة به. وصححه الحاكم (1/260) ووافقه الذهبي. وأخرجه أبو داود (650) من طريق حماد بن زيد، عن أبي نعامة به. ولعله خطأ؛ فإني لم أقف على أبي نعامة من شيوخ حماد ابن زيد. والله أعلم.
أما حديث أبي هريرة عند أبي داود (385) : " إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور " فإنه حديث ضعيف قد اضطرب إسناده على الأوزاعي، وعلى سعيد بن أبي سعيد. فالأوزاعي تارة يرويه عن ابن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري.
وتارة يرويه منقطعاً، فيقول: نبئت أن سعيد بن أبي سعيد كما عند أبي داود (386) .
وتارة يرويه متصلاً دون واسطة عن سعيد بن أبي سعيد كما عند ابن حبان (1403) . وتارة يرويه عن محمد بن الوليد عن سعيد بن أبي سعيد. ويجعله من مسند عائشة. كما عند أبي داود (1403) .
واختلف فيه أيضاً على سعيد بن أبي سعيد، فتارة يرويه عن أبيه، عن أبي هريرة. وتارة يرويه عن القعقاع بن حكيم، عن عائشة. كما في سنن أبي داود (386،387) .
قال ابن عبد البر في التمهيد (13/103) : " حديث مضطرب الإسناد، لا يثبت، اختلف في إسناده على الأوزاعي، وعلى سعيد بن أبي سعيد اختلافاً يسقط الاحتجاج به " اهـ فيكفي الاحتجاج بحديث أبي سعيد.(2/489)
فإذا كان الدلك في النعل لم يدل على طهارة الأذى الذي في النعل، لم(2/490)
يكن دلك المني دليلاً على طهارة المني. نعم يصح الاستدلال على طهارة المني لو أن عائشة تركت المني على ثوب رسول الله b فلم تغسله رطباً، ولم تفركه يابساً، أو اكتفت بفركه، وهو رطب، أما ما دامت تغسله رطباً، وتفركه يابساً فليس فيه دليل على طهارته، والله أعلم.
ثانياً: ذكر بعض الحنفية: أن هذه الآثار إنما جاءت في ذكر ثياب ينام فيها، ولم تأت في ثياب يصلي فيها، وقد رأينا الثياب النجسة بالغائط والبول والدم لا بأس بالنوم فيها، ولا تجوز الصلاة فيها، وأما الثياب الذي يصلي فيها فإن عائشة كانت تغسله من الثوب، فقد قالت رضي الله عنها: كنت أغسل الجنابة من ثوب النبي b، فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه (1) .
(407-251) وقد روى أحمد، قال: ثنا حجاج وشعيب بن حرب قالا: ثنا ليث، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن سويد بن قيس، عن معاوية بن خديج،
عن معاوية بن أبي سفيان، أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبي b هل كان رسول الله b يصلي في الثوب الواحد الذي يجامعها فيه؟ قالت: نعم، إذا لم يكن فيه أذى (2) .
[إسناده صحيح] (3) .
_________
(1) البخاري (229) ، ورواه مسلم بنحوه () .
(2) المسند (6/426) .
(3) الحديث رواه أحمد كما في إسناد الباب عن حجاج وشعيب بن حرب.
وأخرجه ابن أبي شيبة (2/228) رقم 8411 وأبو بكر الشيباني في الآحاد والمثاني (3073) ، والخطيب في تاريخ بغداد (7/407) عن شبابة.
وأخرجه أبو داود (366) والنسائي في السنن الكبرى (287) وفي المجتبى (295) والبغوي في شرح السنة (522) من طريق عيسى بن حماد.
وأخرجه ابن ماجه (540) من طريق محمد بن رمح.
وأخرجه الدارمي (1376) وابن خزيمة (776) وابن حبان (2331) من طريق أبي الوليد الطيالسي.
وأخرجه أبو يعلى في مسنده (7126) من طريق هاشم بن القاسم.
وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/50) والبيهقي (2/410) من طريق ابن وهب،
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (20/220) رقم 405، من طريق عبد الله بن عبد الحكم، كلهم عن الليث بن سعد به.
وأخرجه أحمد (6/325) من طريق محمد بن إسحاق.
والدرامي (1375) من طريق عبد الحميد بن جعفر.
وأخرجه الطحاوي (1/50) ، والطبراني في المعجم الكبير (20/220) رقم 406،408، من طريق عمرو بن الحارث،
وأخرجه الطحاوي (1/50) من طريق ابن لهيعة وجعفر بن ربيعة، كهلم عن يزيد بن أبي حبيب به.
وقال البخاري في الصلاة (1/465) : باب وجوب الصلاة في الثياب... ومن صلى في الثوب الذي يجامع فيه ما لم ير فيه أذى.
قال الحافظ في الفتح (1/466) : يشير إلى ما رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان من طريق معاوية بن أبي سفيان، أنه سأل أخته أم حبيبة، هل كان رسول الله b يصلي في الثوب الذي يجامع فيه. قالت: نعم إذا لم ير فيه أذى، وهذا من الأحاديث التي تضمنتها تراجم هذا الكتاب بغير صيغة رواية حتى ولا التعليق. اهـ(2/491)
وقد روي عن عائشة ما يوافق ذلك،
(408-252) فقد روى أبو داود (1) ، قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا الأشعث، عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن شقيق، عن
_________
(1) سنن أبي داود (367) .(2/492)
عائشة قالت:
" كان رسول الله b لا يصلي في شعرنا أو لحفنا ".
قال عبيد الله: شك أبي.
] إسناده صحيح، والمحفوظ فيه ذكر اللحاف فقط] (1) .
فثبت بما ذكرنا أن رسول الله b لم يكن يصلي في الثوب الذي ينام فيه إذا أصابه شيء من الجنابة، وثبت أن ما ذكرته عائشة، من فرك المني من ثوب رسول الله b إنما هو في ثوب النوم، لا في ثوب الصلاة (2) .
وأن أم حبيبة زوج النبي b أطلقت على المني اسم الأذى، والأذى هو
_________
(1) [تخريج الحديث]
الحديث رواه الترمذي (600) حدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا خالد بن الحارث، عن أشعث ـ هو ابن عبد الملك ـ عن محمد بن سيرين به.
ورواه النسائي (5366) أخبرنا الحسن بن قزعة، عن سفيان بن حبيب ومعتمر بن سليمان، عن أشعث به. وأخرجه الحاكم (1/252) ، والبغوي (520) من طريق معاذ بن معاذ، ثنا الأشعث به. وأخرجه البغوي (521) من طريق خالد بن الحارث عن أشعث به، وأخرجه ابن الجارود في المنتقى (134) من طريق خالد بن الحارث، قال: ثنا الأشعث به.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، والصحيح أنه ليس على شرط واحد منهما، فإن أشعث بن عبد الملك لم يخرج له مسلم. وخرج له البخاري تعليقاً. فصار الحديث مداره على أشعث. ويرويه خالد بن الحارث، وسفيان بن حبيب، ومعتمر بن سليمان عن أشعث بذكر اللحاف فقط دون ذكر الشعار. ويرويه معاذ بن معاذ عن أشعث بالشك، يعني "قال في شعرنا أو لحفنا" وربما جمعهما دون شك. فتبين أن الراجح في الحديث ذكر اللحاف دون الشعار.
(2) انظر شرح معاني الآثار بتصرف يسير (1/50) .(2/493)
النجس، كما قال تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى} (1) .
ورد هذا الجواب:
بأن حديث عائشة لفظه: كان لا يصلي في لحاف نسائه، ولم تقل: لا يصلي في ثوبه، فلا يقال: إن هذا في ثوب ينام فيه، وفرق بين كونه لا يصلي في لحاف نسائه، وبين كونه لا يصلي في ثوبه الذي ينام فيه، على أن ترك لحاف نسائه في الصلاة لا يدل على نجاسة المني، فإن لحاف المرأة قد يصيبه من دم حيضها، وهي لا تشعر، كما أن ترك الصلاة في لحاف المرأة ليس بواجب، فقد ورد أنه كان يصلي وعليه ثوب، وبعضه على بعض نسائه، وهي حائض، مع أن دم الحيض نجس إجماعاً (2) .
_________
(1) البقرة: 222.
(2) روى مسلم في صحيحه (514) ، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب، قال زهير حدثنا وكيع، حدثنا طلحة بن يحيى، عن عبيد الله ابن عبد الله، قال: سمعته عن عائشة قالت:
كان النبي b يصلي من الليل، وأنا إلى جنبه، وأنا حائض وعلي مرط وعليه بعضه إلى جنبه.
قال النووي في شرحه لمسلم:
" وفيه جواز الصلاة بحضرة الحائض، وجواز الصلاة في ثوب بعضه على المصلي وبعضه على حائض أو غيرها ".
وعليه فيكون ترك لحاف النساء مستحباً، وليس بواجب، وقد اختار هذا الشوكاني، ونقله عنه أحمد شاكر في تحقيقه لسنن الترمذي (1/497) فقال: " كل ذلك يدل على عدم وجوب تجنب ثياب النساء، وإنما هو مندوب فقط، عملاً بالاحتياط. وبهذا يجمع بين الأحاديث"
وقيل: إن ذلك مباح، وهو ما اختاره أحمد شاكر، فقال متعقباً لكلام الشوكاني: " لا دليل على الندب، لأنه لم يطلب ذلك في حديث نعلمه، وإنما كان تارة يفعل، وتارة يترك، وهو الجمع الصحيح بين الروايات، فهو أمر مباح ".(2/494)
وقول أم حبيبة: إذا لم يكن فيه أذى لا يدل على أن مرادها بالأذى المني لا بمطابقة ولا تضمن ولا التزام، فإنها إنما أخبرت بأنه يصلي في الثوب الذي يضاجعها فيه ما لم يكن فيه أذى، فلو قال قائل: بأن المراد بالأذى: دم الحيض كان أقرب. وعلى التنزل أن مرادها المني، فالأذى ليس نصاً في النجاسة، فقد قال تعالى: {فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية} (1) ، والأذى في الآية ليس النجس.
الدليل الرابع:
بأنه ورد أن النبي كان يسلت المني من ثوبه، وهو رطب، من غير غسل، وهذا يدل على طهارته؛ لأن سلت الرطب لا يزيل العين بالكلية، بخلاف ما قد يقال في فرك اليابس.
(409-253) فقد روى أحمد، قال: حدثنا معاذ بن معاذ، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، عن عبد الله بن عبيد بن عمير،
عن عائشة، قالت: كان رسول الله b يسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر، ثم يصلي فيه، ويحته من ثوبه يابساً ثم يصلي فيه.
[إسناده حسن إن شاء الله] (2) .
_________
(1) البقرة: 196.
(2) فيه عكرمة بن عمار، تكلم في روايته عن يحيى بن أبي كثير،
قال معاية بن صالح، عن يحيى بن معين: ثقة.
وقال ابن أبى خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول عكرمة بن عمار صدوق ليس به بأس. المرجع السابق.
وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبى يقول: قال يحيى بن معين: كان عكرمة بن عمار أمياً، وكان حافظاً. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم الرازي: كان صدوقاً، وربما وهم في حديثه، وربما دلس، وفى حديثه عن يحيى بن أبى كثير بعض الاغاليط. المرجع السابق.
وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن علي بن المديني: كان عكرمة بن عمار عند أصحابنا ثقة ثبتاً. تهذيب الكمال (20/260) .
وقال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عن عكرمة بن عمار، فقال: ثقة، وفي حديثه عن يحيى بن أبي كثير اضطراب، كان أحمد بن حنبل يقدم عليه ملازم بن عمرو. المرجع السابق.
وقال إسحاق بن أحمد بن خلف البخاري الحافظ: عكرمة بن عمار ثقة، روى عنه سفيان الثوري، وذكره بالفضل، وكان كثير الغلط ينفرد عن إياس بأشياء لا يشاركه فيها أحد. المرجع السابق.
وقال ابن خراش: كان صدوقاً، وفي حديثه نكرة. المرجع السابق.
وقال الدارقطني: ثقة. المرجع السابق.
وقال وكيع: ثقة. الجرح والتعديل (7/10) .
وقال أحمد بن حنبل: عكرمة بن عمار مضطرب الحديث عن غير إياس بن سلمة، وكان حديثه عن إياس بن سلمة صالحاً، وحديثه عن يحيى بن أبى كثير مضطرباً. المرجع السابق.
وفي التقريب: صدوق يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب، ولم يكن له كتاب، وباقي رجال الإسناد ثقات، وقد صحح إسناده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (21/589) .
[تخريج الحديث] .
الحديث أخرجه أحمد كما في حديث الباب، وابن خزيمة (294) وابن الجوزي في التحقيق (1/106) من طريق معاذ بن معاذ العنبري.
وأخرجه إسحاق بن راهوية في مسنده (1185) أخبرنا النضر بن شميل.
وأخرجه ابن خزيمة (294) من طريق أبي الوليد وأبي قتيبة سلم بن قتيبة،
وأخرجه البيهقي (2/418) من طريق يزيد بن عبد الله بن يزيد بن ميمون بن مهران، كلهم عن عكرمة بن عمار به.(2/495)
الدليل الخامس:
ورد أن النبي b ربما صلى، وهو في ثوبه، فتحته عائشة من ثوبه، وهو في الصلاة، وهذا فيه إشارة إلى أن إزالته من باب الاستقذار، لأنه لم يكن يتفقد ثوبه قبل صلاته.
(410-254) فقد روى ابن خزيمة، قال: حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا إسحاق، يعني: الأزرق، قال: حدثنا محمد بن قيس، عن محارب بن دثار،
عن عائشة، أنها كانت تحت المني من ثوب رسول الله b، وهو يصلي (1) .
[رجاله ثقات] .
الدليل السادس:
قالوا: كل ما لا يمكن الاحتراز عن ملابسته معفو عنه، ومعلوم أن المني يصيب أبدان الناس وثيابهم وفرشهم بغير اختيارهم أكثر مما يلغ الهر في آنيتهم، فهو طواف الفضلات، بل قد يتمكن الإنسان من الاحتراز من البصاق والمخاط المصيب ثيابه، ولا يقدر على الاحتراز من مني الاحتلام والجماع، وهذه المشقة الظاهرة توجب طهارته لو كان المقتضي للتنجيس قائماً، ألا ترى أن الشارع خفف في النجاسة المعتادة فاجتزأ فيها بالجامد مع أن إيجاب الاستنجاء عند وجود الماء أهون من إيجاب غسل الثياب من المني لا
_________
(1) صحيح ابن خزيمة (290) .(2/497)
سيما في الشتاء في حق الفقير، ومن ليس له إلا ثوب واحد (1) .
الدليل السابع:
(411-255) ما رواه الشافعي، قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار وابن جريج، كلاهما يخبر عن عطاء،
عن ابن عباس أنه قال في المني يصيب الثوب: أمطه عنك. قال أحدهما: بعود أو إذخرة، وإنما هو بمنزلة البصاق أو المخاط (2) .
[إسناده صحيح، وروي مرفوعاً ولم يصح] (3) .
الدليل الثامن:
قال الشافعي في الأم: بدأ الله جل وعز خلق آدم من ماء وطين،
_________
(1) مجموع الفتاوى (21/592) .
(2) الأم (1/56) ، وأخرجه ابن المنذر في الأوسط (2/159) من طريق عبد الرزاق، أنا ابن جريج، أخبرني عطاء به.
(3) أخرجه الطبراني في الكبير (11/148) رقم 11321، والدارقطني (1/24) من طريق إسحاق الأزرق، نا شريك، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عطاء، عن ابن عباس، عن عن رسول الله b مرفوعاً.
وابن جريج وعمرو بن دينار أثبت من طريق ابن أبي ليلى، فإنه من رواية شريك عن ابن أبي ليلى، وكلاهما في حفظه شيء.
قال البيهقي (2/418) : هذا صحيح عن ابن عباس من قوله، وقد روي مرفوعاً ولا يصح رفعه.
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (21/590) : وأما رفعه إلى النبي b فمنكر باطل لا أصل له.
وقال أيضاً (21/591) : أهل نقد الحديث والمعرفة به ليسوا يشكون في أن هذه الرواية وهم.(2/498)
وجعلهما معاً طهارة، وبدأ خلق ولده من ماء دافق، فكان في ابتدائه خلق آدم من الطهارتين اللتين هما الطهارة دلالة أن لا يبدأ خلق غيره إلا من طاهر لا من نجس.
وأجيب:
بأن قولكم إن المنى مبدأخلق بشر، فكان طاهراً كالتراب غريب، فالتراب وضع طهوراً ومساعداً للطهور في الولوغ، ويرفع الحدث أو حكمه، فأين ما يتطهر به إلى ما يتطهر منه؟ على أن الاستحالات تعمل عملها، فأين الثواني من المبادىء، وهل الخمر إلا ابنة العنب، والمني إلا المتولد من الأغذية في المعدة ذات الإحالة لها إلى النجاسة، ثم إلى الدم، ثم إلى المني (1) .
ورد هذا الجواب:
أما كون المني يتطهر منه، فقد أجبنا على هذا، وأن هذا لا يقتضي تنجيسه.
وأما اعتبار الإحالة، فهذا صحيح، وهو حجة عليكم، فالاستحالة تقلب الطيب إلى خبيث، كالغذاء ينقلب إلى عذرة، وتقلب الخبيث إلى طيب، كاللبن من دم الحيض، فلو اعتبرنا الإحالة لحكمنا بطهارة المني، فإن كان المني قد استحال من الدم، فالدم على الصحيح طاهر، وسوف نذكر الخلاف فيه إن شاء الله في باب النجاسات.
وإن كان قد استحال من البول والغائط، فأين الغائط النتن من المني ذو الرائحة الطيبة، فلو أعطينا الاستحالة حكمها لحكمنا بطهارة المني، والله أعلم.
_________
(1) بدائع الفوائد (3/639) .(2/499)
الدليل التاسع:
قالوا: إن المني مبتدأ خلق الأنبياء والرسل وبني آدم الذين كرمهم الله، فلا يليق أن يكون أصل هؤلاء نجساً.
قال ابن القيم: الله تعالى أحكم من أن يجعل محال وحيه ورسالاته وقربه مبادئهم نجسة، فهو أكرم من ذلك، وأيضا فإن الله تعالى أخبر عن هذا الماء وكرر الخبر عنه في القرآن، ووصفه مرة بعد مرة، وأخبر أنه دافق يخرج من بين الصلب والترائب، وأنه استودعه في قرار مكين، ولم يكن الله تعالى ليكرر ذكر شيء كالعذرة والبول ويعيده ويبديه ويخبر بحفظه في قرار مكين، ويصفه بأحسن صفاته من الدفق وغيره، ولم يصفه بالمهانة إلا لإظهار قدرته البالغة أنه خلق من هذا الماء الضعيف هذا البشر القوي السوي، فالمهين هاهنا الضعيف، وليس هو النجس الخبيث، وأيضا فلو كان المني نجساً، وكل نجس خبيث لما جعله الله تعالى مبدأخلق الطيبين من عبادة والطيبات، ولهذا لا يتكون من البول والغائط طيب، فلقد أبعد النجعة من جعل أصول بني آدم كالبول والغائط في الخبث والنجاسة والناس إذا سبوا الرجل قالوا: أصله خبيث، وهو خبيث الأصل (1) .
وتعقب هذا الاستدلال:
بأنه ليس عيباً أن يكون أصل خلق الإنسان نجساً، ولا يلحقهم عيب من ذلك، كما أن الله يجعل خواص عباده ظروفاً وأوعيةً للنجاسة كالبول والغائظ والدم والمذي ولا يكون ذلك عائداً عليهم بالعيب والذم.
_________
(1) المرجع السابق (3/640) .(2/500)
ورد هذا الجواب:
بأن الإنسان ليس ظرفاً للنجاسة البتة، وإنما تصير الفضلة بولاً وغائطاً إذا فارقت محلها فحينئذ يحكم عليها بالنجاسة، وإلا فما دامت في محلها فهي طعام وشراب طيب غير خبيث، فالمؤمن لا ينجس كما أخبر المصطفى b، ولا يكون وعاء للنجاسة (1) .
الراجح من الخلاف.
القول بطهارة المني قول قوي جداً، والاستنجاء منه ليس بواجب، ويكفي حجة لهذا القول أن الشارع لم يأت منه أمر بغسله، ولو كان نجساً لجاء الأمر بغسله والتوقي منه كما جاء الأمر بالاستتار من البول، وغسل دم الحيض، وغسل المذي، وغيرها من سائر النجاسات، ولا مع من قال بنجاسته إلا مجرد أن عائشة كانت تغسله من ثوب رسول الله b، وتفركه إذا كان يابساً، ولو كان الفاعل هو النبي b لم يكن ذلك حجة على نجاسة المني؛ لأن أفعال النبي b المجردة لا تقتضي الوجوب، والله أعلم.
_________
(1) بدائع الفوائد (3/639) .(2/501)
[صفحة فارغة](2/502)
الفصل الخامس
في الاستنجاء من الحدث الدائم(2/503)
[صفحة فارغة](2/504)
المبحث الأول
هل يعتبر الخروج الدائم للنجاسة حدثاً أم يعفى عنه
اختلف العلماء هل يعتبر خروج دم الاستحاضة، وكذا من به حدث دأئم هل يعتبر حدثاً يوجب الوضوء، وبالتالي يكون الاستنجاء منه مشروعاً أم لا؟
فقيل: يعتبر حدثاً، على خلاف بينهم هل يجب الوضوء منه لوقت كل صلاة كما هو مذهب الحنفية (1) ، والحنابلة (2) ، أو لكل فريضة مؤداة أو مقضية بخلاف النافلة، كما هو مذهب الشافعية (3) ، أو يجب الوضوء لكل صلاة مطلقاً فرضاً كانت أو نفلاً، خرج الوقت أو لم يخرج، وهو اختيار ابن حزم (4) .
وقيل: لا يعتبر خروج دم الاستحاضة حدثاً ناقضاً للوضوء، بل يستحب منه الوضوء ولا يجب، وبالتالي لا يستنجي منه. وهو مذهب المالكية، وهو الراجح (5) .
_________
(1) الاختيار لتعليل المختار (3/508) حاشية ابن عابدين (1/504) البحر الرائق (1/226) مراقي الفلاح (ص60) شرح فتح القدير (1/181) تبيين الحقائق (1/64) بدائع الصنائع (1/28) .
(2) المغني (1/421) شرح منتهى الإرادات (1/120) كشاف القناع (1/215) الإنصاف (1/377) الفروع (1/279) شرح الزركشي (1/437) .
(3) المجموع (1/543، 363) ، مغني المحتاج (1/111) ، روضة الطالبين (1/147، 125) .
(4) المحلى (مسألة: 168) .
(5) قال صاحب مواهب الجليل (1/291) : " طريقة العراقيين من أصحابنا، أن ما خرج على وجه السلس لا ينقض الوضوء مطلقاً وإنما يستحب منه الوضوء ". ثم قال:
" والمشهور من المذهب طريقة المغاربة أن السلس على أربعة أقسام:
الأول: أن يلازم، ولا يفارق، فلايجب الوضوء، ولا يستحب؛ إذ لا فائدة فيه فلا ينتقض وضوء صاحبه بالبول المعتاد.
الثاني: أن تكون ملازمته أكثر من مفارقته، فيستحب الوضوء إلا أن يشق ذلك عليه لبرد أو ضرورة فلا يستحب.
الثالث: أن يتساوى إتيانه ومفارقته، ففي وجوب الوضوء واستحبابه قولان "
ثم قال:
والرابع: أن تكون مفارقته أكثر، فالمشهور وجوب الوضوء خلافاً للعراقيين فإنه عندهم مستحب. اهـ
وانظر حاشية الدسوقي (1/116) وانظر بهامش الصفحة التاج والإكليل.
وانظر الخرشي (1/152) ، فتح البر في ترتيب التمهيد (3/508) ، الاستذكار (3/225 - 226) القوانين الفقهية لابن جزي (ص29) .(2/505)
دليل من اعتبره الخروج الدائم للبول ونحوه حدثاً.
الدليل الأول:
(412-256) ما رواه البخاري، قال: حدثنا محمد، قال: ثنا أبو معاوية، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت:
جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي b، فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله b: لا؛ إنما ذلك عرق، وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي.
قال: وقال أبي: ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت (1) .
_________
(1) صحيح البخاري (228) .(2/506)
[زيادة قال هشام: قال أبي، الراجح أنها موقوفة على عروة، ورفعها غير محفوظ] (1) .
_________
(1) سبب اختلاف العلماء في دم الاستحاضة، هل هو حدث أم لا؟ اختلافهم في قول هشام: " وقال أبي: ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت " هل هذه الزيادة موقوفة أو مرفوعة؟ وهل هي متصلة أو معلقة؟ وعلى تقدير كونها مرفوعة، هل هي محفوظة أو شاذة؟
فالحديث مداره على هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.
ورواه عن هشام جمع كثير على اختلاف يسير في متنه، وبعضهم يذكر هذه الزيادة وبعضهم لا يذكرها.
وقد جاءت الزيادة بالوضوء من طريق أبي معاوية عن هشام به.
واختلف على أبي معاوية فيه، فروى بعضهم الحديث عن أبي معاوية دون ذكر الزيادة، وبعضم رواه عن أبي معاوية مصرحاً برفعها، وبعضهم روى الزيادة عن أبي معاوية موقوفة على عروة.
وممن روى الزيادة أبو حمزة السكري، واختلف عليه أيضاً:
فروي عنه مرفوعاً، وروى عنه مرسلاً.
وروى الزيادة أيضاً حماد بن زيد، وحماد بن سلمة عن هشام، إلا أنهما ذكرا الوضوء ولم ينصا على التكرار لكل صلاة بل قال: " فاغسلي عنك الدم وتوضئي وصلي " فكما أن الاغتسال يكفي فيه الامتثال مرة واحدة، ولا يطلب تكراره عند كل وقت صلاة، فكذلك الوضوء بحسب لفظ الحمادين، على أن حماد بن سلمة قد روى عنه عفان، وهو من أثبت أصحابه ولم يذكر عنه الوضوء.
وممن روى الزيادة أيضاً أبو عوانة (الوضاح بن عبد الله اليشكري) وأبو حنيفة واختلف عليهما فيه كما سيأتي.
هؤلاء هم الذين انفردوا بذكر الزيادة على الخلاف السابق، وخالفهم جمع كثير، وفيهم من هو أحفظ منهم، فقد روى الحديث عن هشام ستة عشر حافظاً ولم يذكروها، منهم مالك، ووكيع، ويحيى بن سعيد القطان، وزهير، وسفيان بن عيينة، وأبو أسامة، والليث ابن سعد، وعمرو بن الحارث، وعبدة، ومحمد بن كناسة، ومعمر، وجعفر بن عون، والداروردي، وعبدالله بن نمير، وسعيد بن عبد الرحمن. هذا بعض من وقفت عليه ممن رواه عن هشام ولم يذكر الزيادة، فلو كان من ذكر هذه الزيادة لم يضطرب فيها لكانت شاذة، لأن الحكم عند أهل الحديث للأحفظ، وللأكثر عدداً على من دونهم، كما فصلت ذلك في بحث زيادة الثقة.
وقد حكم بضعف هذه الزيادة الإمام مسلم والنسائي والبيهقي، وأبو داود كما سيأتي، وضعفه ابن رجب في شرحه لصحيح البخاري قال (2/72) : والصواب أن لفظة الوضوء مدرجة في الحديث من قول عروة: فقد روى مالك، عن هشام، عن أبيه أنه قال: ليس على المستحاضة إلا أن تغتسل غسلاً واحداً، ثم تتوضأ بعد ذلك لكل صلاة " اهـ كلام ابن رجب.
فهنا فصل مالك الحديث المرفوع من الموقوف في روايته عن هشام، فحين روى المرفوع لم يورد قال هشام: قال أبي ثم توضئي لكل صلاة، وحين روى الموقوف لم يذكر المرفوع، والله أعلم. هذا الكلام المجمل حول الحديث، وأما تفصيله فإليك بيانه:
فالحديث كما ذكرت سابقاً مداره على هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وله طرق كثيرة إلى هشام.
الأول: أبو معاوية عن هشام.
وقد سقت لفظه في الباب، وقد أخرجه البخاري (228) : حدثنا محمد - يعني ابن سلام - حدثنا أبو معاوية، حدثنا هشام بن عروة به.
وقال في آخره: قال - يعني هشاماً - قال أبي: " ثم توضئي لكل صلاة ".
ورواه الترمذي (125) : حدثنا هناد، حدثنا أبو معاوية، عن هشام به، قال أبو معاوية في حديثه: " وقال توضئي لكل صلاة حتى يجيىء ذلك الوقت ".
وأخرجه مسلم (333) : حدثنا يحيى، أخبرنا أبو معاوية، عن هشام به، ولم يذكر الأمر بالوضوء.
وأخرجه النسائي (359) : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا أبو معاوية به، بدون ذكر الزيادة.
وأخرجه الدارقطني (1/206) من طريق يعقوب بن إبراهيم، نا أبو معاوية به، وفيه: " فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم اغتسلي " فخالف الجماعة فإن لفظهم " فاغسلي عنك الدم وصلي ".
فصار الحديث يرويه يحيى بن يحيى كما عند مسلم، وإسحاق بن إبراهيم كما عند النسائي، ويعقوب بن إبراهيم كما عند الدارقطني، ثلاثتهم عن أبي معاوية دون ذكر الوضوء لكل صلاة.
ورواه هناد عن أبي معاوية كما في رواية الترمذي، وهي صريحة بالرفع.
ورواه البخاري عن محمد بن سلام عن أبي معاوية بذكر الزيادة موقوفة على عروة بسند ظاهره التعليق؛ لأنه قال بعد ذكر الحديث، وقال هشام قال أبي، ويحتمل أنه موصول بالإسناد نفسه.
وكذلك رواه إسماعيل بن قتيبة، عن يحيى بن يحيى، عن أبي معاوية عند البيهقي (1/344) ، قال هشام: قال أبي: " ثم توضئي لكل صلاة ".
وإسماعيل بن قتيبة ثقة له ترجمة في السير (13/344) .
واختلف العلماء في هذه الزيادة، هل هي معلقة أم لا؟ وهل هي موقوفة أو مرفوعة؟
قال البيهقي في السنن (1/327) : وفيه زيادة الوضوء لكل صلاة، وليست بمحفوظة.
وقال أيضاً (1/344) : " والصحيح أن هذه الكلمة من قول عروة بن الزبير.
وقال الزيلعي في نصب الراية (1/201) : " وهذه اللفظة - أعني: توضئي لكل صلاة- هي معلقة عند البخاري، عن عروة في صحيحه "، ثم قال: " وقد جعل ابن القطان في كتابه مثل هذا تعليقاً ". اهـ
قلت: ذكر مسلم أنه ترك تخريجها في كتابه من طريق حماد، عن هشام، وكذلك أشار النسائي إلى أنها غير محفوظة، وسوف يأتي نقل كلامه عند الحديث على زيادة حماد.
وقال بعضهم: إنها مرفوعة.
قال الحافظ في الفتح (1/441) ح 228 وادعى بعضهم أن هذا معلق، وليس بصواب، بل هو بالإسناد المذكور، عن محمد، عن أبي معاوية، عن هشام، وقد بين ذلك الترمذي، وادعى آخر أن قوله: " ثم توضئي " من كلام عروة موقوفاً عليه، وفيه نظر؛ لأنه لو كان من كلام عروة لقال: " ثم تتوضأ " بصيغة الإخبار، فلما أتى بصيغة الأمر شاكله الأمر الذي في المرفوع وهو قوله: "فاغسلي " اهـ.
قلت: ظاهر نقل البخاري أنها موقوفة عليه، خاصة أن هشاماً لايروي الحديث إلا عن أبيه، ولا يشاركه شيخ آخر، فلماذا إذاً قال، قال هشام: قال أبي، ولو أن هشاماً يروي الحديث عن أكثر من شيخ لأمكن أن يقال: إن هشاماً أراد أن يفصل زيادة أبيه عن لفظ مشايخه الآخرين، فلما لم يكن له شيخ إلا أبوه، علمنا أن هشاماً أضاف إلى أبيه هذا الكلام، ولم يقصد رفعها، وكون هذه الكلمة جاءت صريحة في رواية الترمذي فهذا من الاختلاف على أبي معاوية، ويرجح كونها موقوفة أيضاً أن الإمام مالكاً رحمه الله روى الحديث عن هشام فذكر المرفوع، ولم يذكر الزيادة، وروى الزيادة عن هشام موقوفاً على عروة دون ذكر المرفوع، ففصل المرفوع عن الموقوف كما روى الحديث ابن أبي شيبة (1/119) عن أبي معاوية عن هشام عن عروة قال: " المستحاضة تغتسل وتتوضأ لكل صلاة" موقوفاً عليه.
كما رواه ابن أبي شيبة (1/119) عن حفص عن هشام به قرنه بأبي معاوية موقوفاً على عروة
فصار الحديث عن أبي معاوية، تارة يروى بدون زيادة الوضوء.
وتارة تروى عنه صريحة بالرفع.
وتارة تروى عنه موقوفة على عروة.
وهل السند معلق أو موصول ظاهره التعليق؟ وإن كنت أميل إلى أنه موصول بالإسناد نفسه، إلا أن الأمر بالوضوء لكل صلاة موقوف على عروة.
وأبو معاوية قد قال فيه أحمد: في غير حديث الأعمش مضطرب لايحفظها جيداً.
وقال أبو داود: قلت لأحمد: كيف حديث أبي معاوية عن هشام؟ قال: فيها أحاديث مضطربة، يرفع منها أحاديث إلى النبي b.
وفي التقريب: ثقة، أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في حديث غيره.
وقد جاءت الزيادة في غير طريق أبي معاوية كما في الطريق الآتي:
الطريق الثاني:
أبو حمزة، محمد بن ميمون السكري، عن هشام به.
فقد تابع أبو حمزة أبا معاوية بذكر الزيادة بالأمر بالوضوء لكل صلاة، لكن قد اختلف عليه فيه.
فرواه ابن حبان (1354) من طريق علي بن الحسن بن شقيق، أخبرنا أبو حمزة عن هشام بن عروة به، وفيه: " فإذا أقبل الحيض فدعي الصلاة عدد أيامك التي كنت تحيضين فيها، فإذا أدبرت فاغتسلي وتوضئي لكل صلاة ".
لكن رواه البيهقي (1/544) من طريق عبدالله بن عثمان، ثنا أبو حمزة، قال: سمعت هشاماً يحدث عن أبيه، أن فاطمة بنت أبي حبيش، قالت: " يا رسول الله: إني أستحاض فلا أطهر... " الحديث، وقال فيه: " فاغتسلي عند طهرك وتوضئي لكل صلاة ". فصار الحديث يروى عن أبي حمزة تارة مرسلاً، وتارة موصولاً.
وجاءت الزيادة من طريق الحمادين كما في الطريق التالي.
الطريق الثالث والرابع:
حماد بن سلمة، وحماد بن زيد عن هشام به.
فقد جاء ذكر الزيادة أيضاً من طريق حماد بن سلمة عن هشام، إلا أنه لم يأمرها بالوضوء لكل صلاة، بل أمرها بالوضوء عقب غسل الدم، فكما ذكرت سابقاً: أن غسل الدم يكفي في الامتثال مرة واحدة عند إدبار الحيضة، ولا يطلب تكراره عند كل وقت صلاة، فكذلك الوضوء بحسب لفظ حماد بن سلمة.
فقد أخرج الحديث الدارمي (779) : أخبرنا حجاج بن منهال، ثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت: يا رسول الله، إني امرأة استحاض فلا أطهر، أفأترك الصلاة؟ قال: لا؛ إنما ذلك عرق، وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وتوضئي وصلي ".
قال هشام: فكان أبي يقوله: تغتسل غسل الأول، ثم ما يكون بعد ذلك فإنها تطهر وتصلي.
قلت: في هذا الحديث دليل ظاهر على أن هشاماً يُتْبِع الحديث المرفوع بكلام لأبيه موقوفاً عليه، فلا يبعد أن يكون بعض الرواة أدرج الموقوف في المرفوع، كما ذكر ابن رجب ونقلت كلامه سابقاً.
وقد اختلف على حماد بن سلمة:
فرواه حجاج بن منهال، عن حماد، عن هشام به، كما سبق بذكر الزيادة.
ورواه ابن عبدالبر في التمهيد كما في فتح البر (3/512) من طريق عفان، عن حماد بن سلمة به، وليس فيه " وتوضئي " وعفان من أثبت أصحاب حماد بن سلمة، فهو مقدم على غيره.
ولم ينفرد حماد بن سلمة بلفظ: " وتوضئي " دون قوله: " عند كل صلاة " بل تابعه على هذا حماد بن زيد، فقد أخرجه النسائي (364) أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي، عن حماد، عن هشام به، وفيه " فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم، وتوضئي وصلي؛ فإنما ذلك عرق، وليست بالحيضة. قيل له: فالغسل؟ قال: وذلك لايشك فيه ".
قال أبو عبدالرحمن (النسائي) : وقد روى هذا الحديث غير واحد عن هشام بن عروة ولم يذكر فيه " وتوضئي " غير حماد، والله تعالى أعلم.
وأخرجه مسلم (233) : حدثنا خلف بن هشام، حدثنا حماد بن زيد، عن هشام بن عروة به ثم قال مسلم: وفي حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذكره. اهـ.
يشير إلى زيادة الأمر بالوضوء، ولعله تركها للخلاف فيها. قال البيهقي في السنن (1/344) : وكأنه ـ يعني مسلماً ـ ضعفه لمخالفته سائر الرواة عن هشام. اهـ
فهذا حماد بن سلمة، وحماد بن زيد روياه بلفظ: " فاغسلي عنك الدم، وتوضئي وصلي "، ولم يقل: " عند كل صلاة ". وهذا وجه من المخالفة.
الطريق الخامس:
أبو عوانة عن هشام به.
أخرجه ابن حبان (1355) بلفظ: " سئل رسول الله b عن المستحاضة فقال: تدع الصلاة أيامها، ثم تغتسل غسلاً واحداً، ثم تتوضأ عند كل صلاة "، فيظهر أنه روى الحديث بالمعنى فاختصره.
الطريق السادس:
عن أبي حنيفة عن هشام به.
رواه أبو نعيم الفضل بن دكين، عن أبي حنيفة، واختلف على أبي نعيم به.
فرواه الطحاوي (1/102) عن فهد بن سليمان، قال: حدثنا أبو نعيم، حدثنا أبوحنيفة رحمه الله، عن هشام به، بذكر الوضوء لكل صلاة.
وأخرجه ابن عبدالبر في التمهيد كما في فتح البر (3/510،511) من طريق محمد بن الحسين ابن سماعه، قال: حدثنا أبو نعيم به، ولم يذكر زيادة الوضوء لكل صلاة.
الطريق السابع: يحيى بن سليم، عن هشام.
أخرجها السراج كما في فتح الباري (306) ، والدارقطني معلقاً في العلل (5ـ ورقة 32) .
الطريق السابع: الحجاج بن أرطاة، عن هشام. أخرجها الطبراني في الكبير (24/361) ح 361، 897.
الطريق الثامن: محمد بن عجلان عن هاشم به. كما في سنن البيهقي (1/344) . وعلقه الدارقطني في العلل (5ـورقة 32) .
هذا ما وقفت عليه ممن ذكر الزيادة، ولا يخلو أحد من الرواة ممن ذكر هذه الزيادة إلا وقد خالف واختلف عليه فيها، فأبو معاوية تارة يذكرها، وتارة لايذكرها، وتارة مرفوعة، وتارة موقوفة.
وأبو حمزة السكري، تارة يروي الحديث مرسلاً، وتارة موصولاً.
وأما الحمادان فقد خالفا غيرهما بذكر الأمر بالوضوء، ولم يذكرا بأنه عند كل
صلاة، على أن حماد بن سلمة قد روى عنه عفان وهو من أثبت أصحابه ولم يذكر عنه
هذه الزيادة، وكذا أبوحنيفة تارة يذكرها، وتارة لايذكرها، والذي لم يختلف عليه هو
أبو عوانة فقد ذكرها، وقد روى الحديث بالمعنى، وهو ثقة إلا أن مخالفته لاتحتمل،
فقد روى الحديث عن هشام أئمة ثقات أعلى قدراً، وأكثر عدداً فلم يذكروا هذه الزيادة وإليك بيانهم:
الأول: إمام دار الهجرة مالك بن أنس.
أخرجه في الموطأ (1/61) ، ومن طريق مالك أخرجه البخاري (306) ، والنسائي (366) ، وأبو عوانة (1/319) ، والدارقطني (1/206) ، وابن حبان (1350) ، والبيهقي (1/329،321) ، والبغوي (324) .
الثاني: وكيع.
أخرجه أحمد (6/194) ، ومسلم (332) ، والترمذي (125) ، والنسائي (359) ، وابن ماجه (621) .
الثالث: زهير.
أخرجه البخاري (331) ، وأبو داود (282) .
الرابع: يحيى بن سعيد القطان.
عند أحمد (6/194) ، والدارقطني (1/206) .
الخامس: جعفر بن عون، عند الدارمي (774) ، وأبو عوانة في مسنده (1/319) ، وابن الجارود في المنتقى (112) .
السادس: معمر عند عبدالرزاق في المصنف (1165) .
السابع: عبدالعزيز بن محمد عند مسلم (333) .
الثامن والتاسع: جرير، وابن نمير عند مسلم (333) .
العاشر: عبدة عند الترمذي (125) ، والنسائي (359) .
الحادي عشر: سفيان بن عيينة.
عند البخاري (320) ، والحميدي (193) ، والبيهقي (1/327) .
الثاني عشر: أبو أسامة عند البخاري (325) ، والبيهقي (1/324) .
الثالث عشر: محمد بن كناسة كما عند البيهقي (1/324) .
الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر: سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، والليث ابن سعد، وعمرو بن الحارث كما عند أبي عوانة (1/319) ، والطحاوي (1/102،103) ، فهؤلاء ستة عشر حافظاً رووا الحديث عن هشام ولم يذكروا زيادة الوضوء لكل صلاة، وهو المحفوظ فيما أرى. والله أعلم.
وأما تحرير بعض ألفاظ الحديث والاختلاف بينهم:
فبعضهم يقول: " وإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي ".
وبعضهم يقول: " وإذا أدبرت ".
وبعضهم يقول: " فاغتسلي وصلي "، فقد خرجت هذه الألفاظ في كتابي الحيض والنفاس، وبينت الراجح منها، ولا تعلق له في هذا البحث، فارجع إليه إن شئت.(2/507)
الدليل الثاني:
(413-257) ما رواه أحمد، قال: ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة، عن عائشة،
جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي b فقالت: يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: لا، اجتنبي الصلاة أيام محيضك، ثم اغتسلي، وتوضئي لكل صلاة، ثم صلي وإن قطر الدم على الحصير (1) .
_________
(1) المسند (6/204) .(2/514)
[الحديث ضعيف، وفيه عنعنة حبيب بن أبي ثابت، وعروة مختلف فيه، قيل: عروة المزني، وهو مجهول، وقيل: عروة بن الزبير] (1) .
_________
(1) الحديث ذكر له ثلاث علل:
الأول: عنعنة حبيب بن أبي ثابت،، وهو مدلس مكثر، ذكره في المدلسين الذهبي، والعلائي، والمقدسي، والحلبي، وابن حجر.
وفي التقريب: ثقة فقيه جليل، كان كثير الإرسال والتدليس.
العلة الثانية: اختلافهم في عروة، من هو؟ هل هو عروة المزني فيكون مجهولاً أو هو ابن الزبير فيكون منقطعاً؛ لأن حبيباً لم يسمع من عروة بن الزبير شيئاً.
قال أحمد، ويحيى بن معين: لم يسمع حبيب بن أبي ثابت من عروة شيئاً. المراسيل لابن أبي حاتم (ص 28) .
قال الترمذي في السنن (1/135) : عن البخاري: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة شيئاً.
وقال أبو حاتم: روى عن عروة حديث المستحاضة وحديث القبلة، ولم يسمع ذلك من عروة. الجرح والتعديل (3/107) ، والمراسيل (ص 28) .
وقال يحيى بن معين كما في تهذيب الكمال (5/362) قال أحمد بن سعيد بن أبي مريم قيل ليحيى: حبيب ثبت؟ قال: نعم، إنما روى حديثين. قال: أظن يحيى يريد منكرين: حديث تصلي المستحاضة وإن قطر الدم على الحصير، وحديث القبلة للصائم.
وساق البيهقي بسنده (1/126) عن يحيى بن سعيد قال: أما إن سفيان الثوري كان أعلم الناس بهذا، زعم أن حبيباً لم يسمع من عروة شيئاً.
وروى الدارقطني (1/139) : عن علي بن المديني، قال: سمعت يحيى - يعني: ابن القطان -وذكر عنده حديث الأعمش، عن حبيب عن عروة، عن عائشة: تصلي وإن قطر الدم على الحصير، وفي القبلة. قال يحيى: إحك عني أنهما شبه لاشيئ.
ونقله أبو داود (180) ، والنسائي في السنن (1/104،105) عن ابن القطان.
وهناك من أثبت سماع حبيب من عروة بن الزبير.
قال أبو داود في السنن (180) : قد روى حمزة الزيات، عن حبيب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة حديثاً صحيحاً. اهـ
قلت: حديث حمزة الزيات، ليس من قبيل الصحيح، فإنه في التقريب: صدوق زاهد ربما وهم. اهـ وقد تكلم فيه بعضهم.
وقال ابن عبدالبر في الاستذكار (3/52) : وحبيب بن أبي ثابت لاينكر لقاؤه عروة، لروايته عمن هو أكبر من عروة، وأجل وأقدم موتاً، وهو إمام من أئمة العلماء الأجلة.
قلت: قد جزم الأئمة بعدم سماع حبيب بن أبي ثابت من عروة: كسفيان، وأحمد، وابن القطان، والبخاري، ويحيى بن معين، وأبي حاتم الرازي وغيرهم، وليس عند ابن عبدالبر إلا مجرد إمكان اللقي، وكم من راو عاصر رواة ولم يسمع منهم، فلا يكفي هذا الاحتمال لرد ما جزم به الأئمة، وأبو داود حكى عن حمزة الزيات عن حبيب عن عروة حديثاً صحيحاً، ولم يذكر الحديث حتى ينظر فيه، فإن صح فإن الانقطاع يكون للعنعنة حيث لم يصرح في التحديث في جميع طرقه وهو مدلس مكثر.
وممن صرح في أن عروة هو ابن الزبير، ابن ماجه فقد رواه (624) : حدثنا محمد بن علي وأبو بكر بن أبي شيبة قالا: ثنا وكيع، عن الأعمش به، وصرح بأن عروة هو ابن الزبير.
وقد رواه الدراقطني (1/212) من طريق وكيع وعبدالله بن داود مجتمعين، عن الأعمش به وصرحا بأنه ابن الزبير.
وقد رواه أحمد (6/204) ، وابن أبي شيبة (1/118) عن وكيع به، ولم ينسبا عروة.
ورواه الدارقطني (1/212) من طريق محمد بن ربيعة، عن الأعمش به، ونسب عروة بأنه ابن الزبير إلا أنه أوقفه على عائشة. هذا الذي وقفت عليه ممن نسب عروة.
ورواه جمع كثير كما سيأتي في تخريج الحديث ولم ينسبوا عروة.
قال الزيلعي في نصب الراية (1/200) : واعلم أن أبا داود لم ينسب عروة في هذا الحديث، كما نسبه ابن ماجه، وأصحاب الأطراف لم يذكروه في ترجمة عروة بن الزبير، وإنما ذكروه في ترجمة عروة المزني، معتمدين في ذلك على قول ابن المديني: إن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير، ورواه أحمد، وإسحاق بن راهويه، وابن أبي شيبة، والبزار في مسانيدهم، ولم ينسبوا عروة. ولكن ابن راهويه، والبزار أخرجاه في ترجمة عروة ابن الزبير، عن عائشة " اهـ.
العلة الثالثة: الاختلاف في وقفه ورفعه.
قال الدارقطني في السنن (1/211) بعد أن ساق رواية علي بن هاشم، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة عن، عائشة مرفوعاً.
قال الدارقطني: تابعه وكيع، والحربي، وقرة بن عيسى، ومحمد بن ربيعة، وسعيد بن محمد الوراق، وابن نمير عن الأعمش فرفعوه.
ووقفه حفص بن غياث، وأبو أسامة، وأسباط بن محمد، وهم أثبات.
تخريج الحديث:
بعد استعراض علل الحديث نأتي إلى تخريجه، فالحديث مداره على الأعمش، عن حبيب ابن أبي ثابت، عن عروة، عن عائشة في قصة استحاضة فاطمة بنت أبي حبيش وذكرت القصة مرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وله طرق كثيرة إلى الأعمش..
فقد رواه أحمد كما قدمت في الباب (6/204) ، ورواه ابن أبي شيبة (1/118) 1345 عن وكيع، عن الأعمش به.
ورواه أبو داود (298) : حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا وكيع به، وليس فيه: " وإن قطر الدم على الحصير ".
وأخرجه ابن ماجه (624) : حدثنا علي بن محمد، وأبو بكر بن أبي شيبة، قالا: ثنا وكيع به وصرح بأن عروة هو ابن الزبير.
وأخرجه الدراقطني (1/212) من طريق وكيع، وعبدالله بن داود جمعهما عن الأعمش به ونسبا عروة بأنه ابن الزبير.
وأخرجه الدارقطني (1/212) من طريق يوسف من موسى، ومحمد بن إسماعيل الحساني فرقهما عن وكيع به، ولم ينسبا عروة.
وأخرجه أحمد (6/42) ثنا علي بن هاشم، ثنا الأعمش به، وأخرجه الدراقطني (1/211) من طريق محمد بن معاوية بن مالج، نا علي بن هاشم به.
وأخرجه الطحاوي (1/602) من طريق يحيى بن عيسى، قال: ثنا الأعمش به.
وأخرجه الدراقطني (1/211،212،213،214) من طريق قره بن عيسى، وسعيد بن محمد الوراق الثقفي، ومحمد بن ربيعة، وعبدالله بن نمير فرقهم كلهم عن الأعمش به.
واختلف على الأعمش:
فرواه وكيع، وعبدالله بن داود، وعلي بن هاشم، ويحيى بن عيسى، وقرة بن عيسى، وسعيد بن محمد الوراق، ومحمد بن ربيعة، وابن نمير كلهم رووه عن الأعمش به مرفوعاً كما سبق.
ورواه الدارقطني (1/213) من طريق حفص بن غياث، وأبو أسامة فرقهما، عن الأعمش به موقوفاً على عائشة.
قال الدارقطني بعده: وتابعهما أسباط بن محمد ولم يذكر سنده عن أسباط.(2/515)
الدليل الثالث:
(414-258) ما رواه الدرامي، قال: أخبرنا محمد بن عيسى، ثنا شريك، عن أبي اليقظان، عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده، عن النبي b قال:
المستحاضة تدع الصلاة أيام حيضها في كل شهر، فإذا كان عند انقضائها اغتسلت وصلت، وصامت، وتوضأت عند كل صلاة (1) .
[ضعيف جداً] (2) .
_________
(1) سنن الدارمي (793) .
(2) فيه شريك بن عبد الله النخعي.
قال ابن معين: شريك ثقة، من يسأل عنه؟ كما في رواية إسحاق بن منصور عنه. الجرح والتعديل (4/365) .
وقال أيضاً: صدوق ثقة، إلا أنه إذا خولف فغيره أحب إلي منه. كما في رواية معاوية ابن صالح. تاريخ بغداد (9/279) ، تهذيب التهذيب (4/293) .
وقال أيضاً: شريك ثقة إلا أنه كان لا يتقن ويغلط، ويذهب بنفسه على سفيان وشعبة. تاريخ بغداد (9/279) . تهذيب التهذيب (4/293) .
قيل ليحيى بن سعيد القطان: يقولون: إنما خلط شريك بآخرة. فقال: ما زال مخلطاً. الجرح والتعديل (4/365) .
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن شريك وأبي الأحوص. فقال: شريك أحب إلي، شريك صدوق، وهو أحب إلي من أبي الأحوص، وقد كان له أغاليط. الجرح والتعديل (4/365) .
وقال أبو زرعة: كان كثير الحديث، صاحب وهم، يغلط أحياناً، فقيل له: إن شريكاً حدث بواسط بأحاديث بواطيل، فقال أبو زرعة: لا تقل بواطيل. المرجع السابق.
وذكره العقيلي في الضعفاء. الضعفاء الكبير (2/193) .
وقال ابن المبارك: شريك أعلم بحديث الكوفه من سفيان. الجرح والتعديل (4/365) .
وقال ابن حبان: كان في آخر عمره يخطئ فيما يروي، تغير حفظه، فسماع المتقدمين عنه الذين سمعوا منه بواسط ليس فيه تخليط، مثل يزيد بن هارون، وإسحاق الأزرق، وسماع المتأخرين عنه بالكوفة، فيه أوهام كثيرة. الثقات (6/444) .
وقال ابن عدي: الغالب على حديثه الصحة والاستواء، والذي يقع في حديثه من النكرة إنما أتي فيه من سوء حفظه، لا أنه يتعمد في الحديث شيئاً مما يستحق أن ينسب إلى شيء من الضعف. الكامل (4/6) .
وقال النسائي: ليس به بأس. تهذيب التهذيب (4/293) .
وحدد ابن حبان تاريخ توليه القضاء عام خمسين ومائة.
وفي التقريب: صدوق يخطئ كثيراً، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة. اهـ.
ووصفه عبد الحق الإشبيلي بالتدليس. وقال القطان: كان مشهوراً بالتدليس. تهذيب التهذيب (4/293) .
وفي الإسناد: أبو اليقظان: اسمه عثمان بن عمير.
قال ابن معين: ليس حديثه بشيء في رواية الدوري عنه. الجرح والتعديل (6/161) .الضعفاء الكبير (3/211) .
وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، كان شعبة لا يرضاه. وذكر أنه حضره، فروى عن شيخ. فقال له شعبة: كم سنك؟. فقال كذا. فقال شعبة: فإذاً قد مات الشيخ وهو ابن سنتين. الجرح والتعديل (6/161) ..
وقال عنه البخاري في الأوسط: منكر الحديث. تهذيب الهذيب (7/132) .
وقال في الكبير: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه. التاريخ الكبير (6/245) .
وقال الدارقطني: متروك، كما في سؤالات البرقاني (356) .
وقال أيضاً: زائغ لم يحتج به. كما في سؤالات الحاكم (407) .
وقال ابن حبان: كان ممن اختلط، حتى لا يدري ما يحدث، لا يجوز الاحتجاج بخبره الذي وافق الثقات، ولا الذي انفرد به عن الأثبات، لا ختلاط البعض بالبعض. المجروحين (2/95) .
وقال ابن عدي: ردئ المذهب، غال في التشيع، يؤمن بالرجعة، على أن الثقات قد رووا عنه، ويكتب حديثه مع ضعفه. الكامل (5/166) .
وذكره العقيلي في الضعفاء. الضعفاء الكبير (3/211) .
وقال أحمد: ضعيف الحديث. الجرح والتعديل (6/161) .
وقال أيضاً: ترك ابن مهدي حديث أبي اليقظان. المرجع السابق.
وفي الإسناد أيضاً: جد عدي بن ثابت الأنصاري.
قال الترمذي: سألت محمداً ـ يعني البخاري ـ عن هذا الحديث، فقلت: عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده، جدُّ عدي، ما اسمه؟، فلم يعرف محمد اسمه، وذكرت لمحمد قول يحيى بن معين: أن اسمه دينار، فلم يعبأ به. سنن الترمذي (1/221) ح 126.
وقال الحربي في العلل: ليس لجد عدي بن ثابت صحبة.
وقال أبو علي الطوسي: جدي عدي مجهول، لا يعرف، ويقال: اسمه دينار، ولا يصح. تهذيب التهذيب (2/17) .
وقال البرقي: لم نجد من يعرف جده معرفة صحيحة. تهذيب التهذيب (2/17) .
وساق الحافظ ابن حجر الاختلاف في اسمه على خمسة أقوال، ثم قال: ولم يترجح في اسم جده إلى الآن شيئ من هذه الأقوال، وأقربها للصواب أن جده، هو جد أمه: عبد الله ابن يزيد الخطمي. والله أعلم. تهذيب التهذيب (2/17) .
كما أن والده ثابت الأنصاري.
قال أبو حاتم: مجهول الحال. الجرح والتعديل (2/460) .
وقال الذهبي: والد عدي بن ثابت مجهول الحال؛ لأنه ما روى عنه إلا ولده. الميزان (1/369) . وفي التقريب: مجهول الحال.
تخريج الحديث:
الحديث مداره على شريك، عن أبي اليقظان، عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده، أخرجه الدارمي (793) أخبرنا محمد بن عيسى، ثنا شريك به.
وأخرجه الترمذي (126) حدثنا قتيبة، حدثنا شريك به.، وأخرجه أيضاً (127) حدثنا علي ابن حجر، أخبرنا شريك به.
وأخرجه ابن ماجه (625) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وإسماعيل بن موسى، قالا حدثنا شريك به.
وأخرجه الطحاوي (1/102) حدثنا فهد، قال: ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني، قال: أنا شريك به.
ورواه الطحاوي بالإسناد نفسه، إلا أنه جعله من مسند علي. وأظن الأختلاط فيه من شريك، فإنه قد تغير.(2/518)
الدليل الرابع:
(415-259) ما رواه الطبراني في الأوسط، قال: حدثنا أحمد بن القاسم الطائي، ثنا بشر بن الوليد الكندي، ثنا أبو يوسف القاضي، عن عبد الله بن علي، عن عبدالله بن محمد بن عقيل،
عن جابر: عن رسول الله b أنه مر المستحاضة بالوضوء لكل صلاة.
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أبي أيوب الأفريقي، وهو عبدالله ابن علي، إلا أبو يوسف (1) .
[إسناده ضعيف] (2) .
_________
(1) المعجم الأوسط (1620) .
(2) دراسة الإسناد:
أحمد بن القاسم الطائي البغدادي: ثقة. انظر: تاريخ بغداد (4/350) .
بشر بن الوليد الكندي: صاحب أبي يوسف. ذكره ابن أبي حاتم، وسكت عليه، فلم يذكر فيه شيئاً. الجرح والتعديل (2/369) .
وذكره ابن حبان في الثقات. ثقات ابن حبان (8/143) .
وقال ابن سعد: تكلم بالوقف، فأمسك أصحاب الحديث، وتركوه. الطبقات الكبرى (7/355) .
وقال الآجري: سألت أبا داود: بشر بن الوليد ثقة؟ قال: لا. تاريخ بغداد (7/80) لسان الميزان (2/35) .
وقال صالح جزرة: هو صدوق، لكنه لا يعقل، قد كان خرف. المرجعين السابقين.
وقال الدارقطني: ثقة. تاريخ بغداد (7/80) ، لسان الميزان (2/35) .
وقال مسلمة: ثقة. وكان ممن امتحن، وكان أحمد يثني عليه. اللسان (2/35) .
وقال البرقاني: ليس هو من شرط الصحيح. المرجع السابق.
أبو يوسف القاضي: هو يعقوب بن إبراهيم، صاحب أبي يوسف.
قال ابن كامل: لم يختلف يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني في ثقته في النقل.
قال ابن معين، كما في رواية إبراهيم بن أبي داود البرلسي: ليس في أصحاب الرأي أكثر حديثاً، ولا أثبت من أبي يوسف. الميزان (4/447) ، تذكرة الحفاظ (1/292) ، اللسان (6/300) .
وقال أيضاً: لم يكن يعرف بالحديث، وكان ثقة، كما في رواية الغلابي عنه. تاريخ بغداد (14/242) .
وقال ابن معين في رواية الدوري: أبو يوسف أنبل من أن يكذب. المرجع السابق.
وقال أيضاً في رواية أخرى عن الدوري: كان أبو يوسف يميل إلى أصحاب الحديث كثيراً، وكتبنا عنه، ولم يزل الناس يكتبون عنه. الجرح والتعديل (9/201) .
وقال أيضاً: ثقة إلا أنه ربما غلط، كما في رواية محمد بن سعد العوفي. تاريخ بغداد (14/242) .
وقال يحيى أيضاً: لا يكتب حديثه، كما في رواية ابن أبي مريم عنه. تاريخ بغداد (14/242) ، وهذه الرواية شاذة بالنسبة لما سبق من الروايات عن يحيى بن معين.
وقال عمرو بن علي: أبو يوسف صدوق كثير الغلط. تذكرة الحفاظ (1/292) ، تاريخ بغداد (14/292) .
وكان ابن المبارك سيء الرأي فيه جداً، وقد تركت نقل كلامه عمداً. انظر الكامل (7/144) ، تاريخ بغداد (14/242) .
وقال الإمام البخاري: تركوه. التاريخ الكبير (8/397) .
وقال أحمد: صدوق، ولكنه من أصحاب أبي حنيفة لا ينبغي أن يروى عنه شيئ. الجرح والتعديل (9/201) .
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وهو أحب إلي من الحسن اللؤلؤي. المرجع السابق.
وذكره العقيلي في الضعفاء. الضعفاء الكبير (4/438) .
وقال ابن عدي: ليس من أصحاب الرأي أكثر حديثاً منه، إلا أنه يروي عن الضعفاء الكثير مثل الحسن بن عمارة، وغيره، وهو كثيراً ما يخالف أصحابه، ويتبع أهل الأثر إذا وجد فيه خبراً مسنداً، وإذا روى عنه ثقة، ويروي هو عن ثقة، فلا بأس برواياته. الكامل (7/144) .
وقال ابن حبان: كان شيخاً متقناً، لم يكن يسلك مسلك صاحبيه إلا في الفروع، وكان يباينهما في الإيمان والقرآن. ثم قال: " لسنا من يوهم الرعاع ما لا يستحله، ولا ممن يحيف بالقدح في إنسان وإن كان لنا مخالفاً، بل نعطي كل شيخ حقه مما كان فيه، ونقول في كل إنسان ما يستحقه من العدالة والجرح. أدخلنا زفراً وأبا يوسف في الثقات لما تبين لنا من عدالتهما في الأخبار. الخ كلامه رحمه الله تعالى. الثقات (7/645) .
والذي ترجح لي في أبي يوسف ما قاله الإمام أحمد وأنه صدوق، ولكن كون الإمام أحمد ترك الرواية عنه لكونه صاحب أبي حنيفة هذا لا يقدح في صدقه، والعدالة في الرواية مبنية على الصدق. والله أعلم.
عبدالله بن العلي، أبو أيوب الإفريقي.
تقدمت ترجمته.
عبدالله بن محمد بن عقيل.
سبق تحرير الكلام فيه، وأكثر الأئمة على ضعفه.
وفي التقريب: صدوق، وفي حديثه لين، ويقال: تغير بآخره.
فالإسناد صالح في الشواهد.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/281) فيه عبدالله بن محمد بن عقيل، وهو مختلف في الاحتجاج به.(2/521)
الدليل الخامس:
(416-260) ما رواه الطبراني في الأوسط، قال: حدثنا مورع بن عبدالله، ثنا الحسن بن عيسى، ثنا حفص بن غياث، عن العلاء بن المسيب، عن الحكم بن عتيبة عن جعفر، عن سودة بنت زمعة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تجلس فيها، ثم تغتسل غسلاً واحداً ثم تتوضأ لكل صلاة " (1) .
[إسناده ضعيف] (2) .
فتبين أن الأمر بالوضوء لكل صلاة من حديث عائشة، المحفوظ أنه موقوف على عروة، ورفعه شاذ، والشاذ غير صالح للاعتبار.
ومن حديث غيرها ضعيف، ومن يحسن بالشواهد مطلقاً، فإن الحديث عنده قد يرقى إلى الحسن.
فحمل الحنفية والحنابلة على أن المراد: توضئي لكل صلاة: أي لوقت كل صلاة.
وحمل الشافعية على أن المراد: توضئي لكل صلاة فريضة، بخلاف النافلة، فاعتبروه خروجه حدثاً في صلاة الفرض، ولم يتعبروه حدثاً في صلاة النفل.
وحمله ابن حزم على ظاهره، فقال بوجوب الوضوء لكل صلاة، وقد
_________
(1) الأوسط (1984) ، وسبق الكلام عليه. انظر: حديث رقم (463) .
(2) شيخ الطبراني لم أقف عليه، وجعفر لم ينسب حتى يتبين لي من هو؟. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/281) ، وفيه جعفر عن سودة لم أعرفه.(2/524)
ذكرنا دليل كل قول في كتابي الحيض والنفاس، فليراجعه من شاء، لأن البحث هنا هو في اعتبار الخارج حدثاً، وليس في ما يترتب على ذلك من حيث الصلاة، والله أعلم.
دليل المالكية على أن الخارج الدائم ليس حدثاً، ولا يجب منه الوضوء.
الدليل الأول:
قالوا: إن من كان به حدث دائم لو تطهر فلن يرتفع حدثه، وإذا كان كذلك، كان طهارته استحباباً لا وجوباً.
الدليل الثاني:
إذا كان دم الاستحاضة لايبطل الطهارة بعد الوضوء، وقبل الصلاة، لم يكن حدثاً يوجب الوضوء عند تجدد الصلاة أو خروج الوقت، ولذا حملنا الأمر على الاستحباب.
الدليل الثالث:
دم العرق لاينقض الوضوء، فلو خرج دم من عرق اليد، أو الرجل لم ينتقض وضوءه على الصحيح، فكذلك دم الاستحاضة، فإنه دم عرق كما في أحاديث الصحيحين، ولا يقال: إن خروجه من الفرج جعل حكمه يختلف؛ لأن المني يخرج من الفرج، ومع ذلك هو طاهر.
الدليل الرابع:
الشارع حكيم، لا يؤاخذ الإنسان إلا بما فعل، فإذا كان خروج الدم ليس من فعل الإنسان، ولا من قصده، لم تفسد عبادته، ولهذا لايؤاخذ الإنسان باللغو في اليمين لعدم توفر القصد.(2/525)
قال ابن المنذر في الأوسط: والنظر دال على ما قال ربيعة -يعني: في عدم وجوب الوضوء- إلا أنه قول لا أعلم أحداً سبقه إليه. وإنما قلت: النظر يدل عليه؛ لأنه لافرق بين الدم الذي يخرج من المستحاضة قبل الوضوء، والذي يخرج في أضعاف الوضوء، والدم الخارج بعد الوضوء؛ لأن دم الاستحاضة إن كان يوجب الوضوء فقليل ذلك وكثيره في أي وقت كان يوجب الوضوء، فإذا كان هكذا، وابتدأت المستحاضة في الوضوء، فخرج منها دم بعد غسلها بعض أعضاء الوضوء، وجب أن ينتقض ما غسلت من أعضاء الوضوء، لأن الدم الذي يوجب الطهارة في قول من أوجب على المستحاضة الطهارة قائم.
وإن كان ما يخرج منها بين أضعاف الوضوء، وما خرج منها قبل أن تدخل الصلاة، وما حدث في الصلاة منه لاينقض طهارة، وجب كذلك أن ما خرج منها بعد فراغها من الصلاة لا تنقض طهارة إلا بحدث غير دم الاستحاضة هذا الذي يدل عليه النظر. اهـ (1) .
فالراجح ما ذهب إليه مالك رحمه الله، ولا ينهض عندي تحسين الأحاديث الضعيفة بالشواهد؛ لأن اللفظ في حديث عائشة بالأمر بالوضوء لكل صلاة شاذ، والشاذ لا يصلح للشواهد، وما عداه لا يكفي للتحسين بمثل هذه المسألة التي يحتاج إليها، وقد وقعت في عهد النبي b، وتكرر وقوعه مرات، فلو كان الأمر بها محفوظاً لجاءت الأحاديث الصحيحة التي تبين وجوب الوضوء بصورة تقوم بمثلها الحجة. والله أعلم.
ولو قلنا: بموجب حديث: توضيء لكل صلاة، لكان الوضوء واجباً
_________
(1) الأوسط (1/164) .(2/526)
لكل صلاة، فرضاً كانت أو نفلاً، خرج الوقت أو لم يخرج، وهذا رأي ابن حزم، للأمر بالوضوء لكل صلاة
وأما حمل الأمر بالوضوء لكل صلاة: أي لوقت كل صلاة، كما هو مذهب الحنفية فيحتاج الأمر إلى دليل على أن المراد الوقت، وليس خروج الوقت حدثاً، ويكفي أن حملهم خلاف ظاهر اللفظ بلا مسوغ.
والجواب عما قاله الحنفية رحمهم الله: أن إطلاق الصلاة قد يطلق ويراد بذلك الوقت إذا صح إنما يصح لقرينة تمنع من إرادة الصلاة نفسها، وإلا فالأصل في الكلام عدم الحذف وعدم التقدير، ولا قرينة هنا تمنع من إرادة الصلاة، أي فعلها، فوجب حمل اللفظ على ظاهره، لو قلنا بصحة الحديث.
وأما حمل الشافعية الصلاة بأن المراد بها الفريضة دون النافلة، فهذا من أضعف الأقوال.(2/527)
[صفحة فارغة](2/528)
المبحث الثاني
الكلام في غسل فرج من به حدث دائم عند الوضوء
لم يذكر ذلك الحنفية، ولعل ذلك لأن الاستنجاء ليس بواجب عندهم (1) وغسله إنما هو من قبيل الاستنجاء (2) .
وأوجب غسل الفرج الشافعية (3) ، والحنابلة (4) .
وهل يكفي غسله مرة واحدة؟ أو تغسله لكل صلاة.
المشهور من مذهب الشافعية ما قاله النووي: في شرح صحيح مسلم:
قال: وأما تجديد غسل الفرج وحشوه، وشده لكل فريضة، فينظر فيه: فإن زالت العصابة عن موضعها زوالاً له تأثير، أو ظهر الدم على جوانب
_________
(1) قال في الاختيار (1/36) : " والاستنجاء سنة من كل ما يخرج من السبيلين إلا الريح".اهـ
ولا شك أن دم الاستحاضة خارج من أحد السبيلين، فالاستنجاء منه ليس بواجب عندهم " وانظر بدائع الصنائع (1/18) . وهو رأي مرجوح، وليس هذا موضع بحثه.
(2) الحنفية لم يوجبوا غسله حتى ولو أصاب ثوبها.
قال في البحر الرائق (1/227) : " وينبغي لصاحب الجرح أن يربطه تقليلاً للنجاسة، ولو سال على ثوبه فعليه أن يغسله إذا كان مفيداً بأن لايصيبه مرة أخرى، وإن كان يصيبه المرة بعد الأخرى أجزأه، ولايجب غسله ما دام العذر باقياً، وقيل: لايجب غسله أصلاً، واختار الأول السرخسي، والمختار ما في النوازل: إن كان لو غسله تنجس ثانياً قبل الفراغ من الصلاة جاز أن لايغسله، وإلا فلا ". اهـ وهذا مقيس عليه. ولم أتعرض لمذهب مالك؛ لأننا عرفنا مذهبه أنه لا يوجب الوضوء من الخارج، فإذا كان لا يوجب الوضوء منه، لم يوجب غسل الفرج أيضاً.
(3) مغني المحتاج (1/111) ، روضة الطالبين (1/ 137) ، حاشية البيجوري (1/212) .
(4) الإنصاف (1/377) ، كشاف القناع (1/214) ، المحرر (1/27) ، المغني (1/421) .(2/529)
العصابة وجب التجديد، وإن لم تزل العصابة عن موضعها ولا ظهر الدم، ففيه وجهان لأصحابنا، أصحهما: وجوب التجديد كما يجب تجديد الوضوء. اهـ (1) .
وأما المشهور من المذهب الحنبلي، أنه لا يلزمها غسل الفرج لكل صلاة إذا لم تفرط (2) . وفي مذهب الحنابلة قولان آخران:
قيل: يلزمها ذلك.
وقيل: يلزمها إن خرج شيء، وإلا فلا (3) .
أدلة الشافعية والحنابلة على وجوب غسل الفرج.
استدلوا بأدلة عامة، وخاصة.
أما الدليل الخاص.
(417-261) فاستدلوا بما رواه البخاري، قال: حدثنا محمد، قال: ثنا أبو معاوية، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت:
جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي b، فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله b: لا؛ إنما ذلك عرق، وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا
_________
(1) شرح النووي لصحيح مسلم (4/25) .
(2) قال في الإنصاف (3/377) : " وهو صحيح، وهو المذهب، وعليه جمهور الأصحاب، وقدمه في الفروع وغيره، وجزم به المصنف والشارح، وصححه المجد في شرحه... الخ كلامه رحمه الله. وقال في كشاف القناع (1/214) : " ولا يلزمها إذن إعادة شده، ولا إعادة غسله لكل صلاة إن لم تفرط في الشد للحرج، فإن فرطت في الشد وخرج الدم بعد الوضوء أعادته؛ لأنه حدث أمكن التحرز منه " اهـ.
(3) الفروع (1/279) الإنصاف (1/377،378) .(2/530)
أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي. ورواه مسلم (1) .
وجه الاستدلال:
قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: " فاغسلي عنك الدم وصلي ".
قال ابن رجب في شرحه للبخاري: واختلفوا هل يجب عليها غسل الدم، والتحفظ والتلجم عند كل صلاة؟ فيه قولان: هما روايتان عن أحمد.
وربما يرجع هذا الاختلاف إلى الاختلاف المشهور في أن الأمر المطلق هل يقتضي التكرار أم لا؟ وفيه خلاف مشهور، لكن الأصح هنا أنه لايقتضي التكرار لكل صلاة، فإن الأمر بالاغتسال وغسل الدم إنما هو معلق بانقضاء الحيضة وإدبارها فإذا قيل: إنه يقتضي التكرار، فالجواب أنه لم يقتضيه إلا عند إدبار كل حيضة فقط. اهـ (2) .
وأما الأدلة العامة:
فهي من قبيل القياس، فيقاس غسل الفرج من دم الاستحاضة بأحاديث الاستنجاء والاستجمار، بجامع أن كلاً منها قطع للنجاسة من السبيلين. وأحاديث الاستنجاء كثيرة، ويكفي منها:
(418-262) ما رواه مسلم، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية ووكيع والأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن سلمان، قال:
قيل له: قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة. قال: أجل، لقد
_________
(1) صحيح البخاري (228) ، ومسلم (333) .
(2) شرح ابن رجب للبخاري (2/68) .(2/531)
نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم. رواه مسلم (1) .
ولا يسلم القياس إلا بتحقق أمرين:
أولهما: أن يكون غسل الفرج قاطعاً للخارج، كما أن الاستنجاء يقطع الخارج. وهذا لا يتحقق هنا؛ لأن الاستنجاء هنا لن يقطع دم الاستحاضة.
وثانيهما: أن يكون دم الاستحاضة نجساً، كالحال في الاستنجاء من البول والغائط، وأما من رأى أن دم الاستحاضة طاهر؛ لأنه دم عرق، مثله مثل دم سائر العروق من البدن، فلا يسلم القياس، ولا يوجب غسل الفرج؛ لأنه كالمني لا يجب الاستنجاء منه، والله
أعلم.
دليل الحنفية على أن الاستنجاء ليس بواجب، ومنه غسل الفرج من دم الاستحاضة.
سقت أدلتهم في مسألة مستقلة في حكم الاستنجاء، وأجيب عنها، فانظرها غير مأمور.
_________
(1) صحيح مسلم (262) .(2/532)
المبحث الثالث
شد عصابة الفرج عند الوضوء
ذهب الحنفية (1) والشافعية (2)
والحنابلة (3) إلى أنه يجب على المستحاضة
_________
(1) قال في البحر الرائق (1/227) : " ومتى قدر المعذور على رد السيلان برباط أو حشو، أو كان لو جلس لايسيل، ولو قام سال وجب رده ".
وقال ابن الهمام في شرح فتح القدير (1/185) : " ومتى قدر المعذور على رد السيلان برباط أو حشو، أو كان لو جلس لا يسيل، ولو قام سال وجب رده، فإنه يخرج برده عن أن يكون صاحب عذر ". اهـ وانظر مراقي الفلاح (ص60) .
(2) قال النووي في الروضة (1/137) : " فتغسل المستحاضة فرجها قبل الوضوء أو التيمم، وتحشوه بقطنة أو خرقة دفعاً للنجاسة وتقليلاً، فإن اندفع به الدم، وإلا شدت مع ذلك خرقة في وسطها، وتلجمت بأخرى مشقوقة الطرفين، فكل هذا واجب إلا أن تتأذى بالشد أو تكون صائمة، فتترك الحشو وتقتصر على الشد ".
وقال في مغني المحتاج (1/111) : " تشده - يعني فرجها - بعد غسله بخرقة مشقوقة الطرفين، تخرج أحدهما من أمامها والآخر من خلفها، وتربطهما بخرقة تشدها على وسطها كالتكة، فإن احتاجت في رفع الدم أو تقليله إلى حشو بنحو قطن، وهي مفطرة، ولم تتأذى به وجب عليها أن تحشو قبل الشد والتلجم، وتكتفي به إن لم تحتج إليهما، أما إذا كانت صائمة أو تأذت باجتماعه فلا يجب عليها الحشو".
وقال أيضاً (1/112) : " ويجب تجديد العصابة، وما يتعلق بها من غسل وحشو في الأصح، قياساً على تجديد الوضوء.
والثاني: لايجب تجديدها، لأنه لا معنى للأمر بإزالة النجاسة مع استمرارها، ومحل الخلاف إذا لم يظهر الدم على جوانب العصابة، ولم تزل العصابة عن موضعها زوالاً له وقع، وإلا وجب التجديد بلا خلاف؛ لأن النجاسة قد كثرت مع إمكان تقليلها.
وانظر كلام النووي في شرح صحيح مسلم (4/25) .
(3) قال: ابن قدامة في المغني (1/421) :" والمستحاضة تغسل المحل، ثم تحشوه بقطن أو ما أشبهه ليرد الدم، لقول النبي b لحمنة حين شكت إليه كثرة الدم: " أنعت لك الكرسف؛ فإنه يذهب الدم "، فإن لم يرتد الدم بالقطن استثفرت بخرقة مشقوقة الطرفين تشدها على جنبيها ووسطها على الفرج ".
ثم قال: " فإذا فعلت ذلك، ثم خرج الدم، فإن كان لرخاوة الشد فعليها إعادة الشد والطهارة، وإن كان لغلبة الخارج وقوته، وكونه لايمكن شده أكثر من ذلك لم تبطل الطهارة؛ لأنه لايمكن التحرز منه، فتصلي ولو قطر الدم ".(2/533)
أن تشد فرجها وتعصبها،
وهل يجب عليها ذلك في كل صلاة؟ على الخلاف السابق في غسل الفرج.
الأدلة على وجوب التلجم والتحفظ.
الدليل الأول:
(419-263) ما رواه مالك في الموطأ، قال: عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة زوج النبي b أن امرأة كانت تهراق الدماء في عهد رسول الله b، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله b، فقال:
لتنظر إلى عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر، قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت فلتغتسل، ثم لتستثفر، ثم لتصلي (1) .
[والحديث رجاله ثقات، إلا أنه أعل بالانقطاع، وفي إسناده اضطراب] (2) .
_________
(1) الموطأ (1/62) .
(2) الحديث فيه اختلاف في إسناده.
فقيل: عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة.
وقيل: عن سليمان، عن رجل، عن أم سلمة.
وقيل: عن سليمان، أن فاطمة بنت حبيش استحيضت، فأمرت أم سلمة أن تسأل لها النبي b.
وقيل: عن سليمان، عن مرجانة، عن أم سلمة.
أما رواية سليمان بن يسار، عن أم سلمة مرفوعاً.. فرواها أيوب، عن سليمان به.
ورواه نافع عن سليمان، واختلف على نافع:
فرواه مالك عن نافع، عن سليمان، عن أم سلمة، كرواية أيوب عن سليمان.
وخالف مالك جماعة، منهم الليث، وصخر بن جويرية، وجويرية بن أسماء، وإسماعيل بن إبراهيم ابن عقبة، كل هؤلاء رووه عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن رجل، عن أم سلمة، فجعلوا بين سليمان، وبين أم سلمة رجلاً مبهماً.
ورواه عبيد الله بن عمر عن نافع بالوجهين: تارة يذكر بين سليمان وأم سلمة واسطة كرواية الجماعة، وتارة لا يذكر واسطة كرواية مالك وأيوب.
وقد يقدم مالك على غيره لولا رواية عبيد الله بن عمر العمري، فلا أجد مرجحاً بين الروايتين، وعبيد الله بن عمر مقدم على مالك في نافع عند أكثرهم.
وأما رواية سليمان عن مرجانة، عن أم سلمة.
فرواها البيهقي (1/334) من طريق موسى بن عقبة، عن نافع، عن سليمان بن يسار، به.
وأما رواية سليمان بن يسار، أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت، حتى كان المركن ينقل من تحتها، وأعلاه الدم. قال: فأمرت أم سلمة أن تسأل لها النبي b. فرواه حماد بن زيد عن أيوب، عن سليمان بن يسار به عند الدارقطني (1/208) ، وقد سبق لك رواية مالك عن أيوب.
وأخرجه ابن أبي شيبة (1/118) حدثنا إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن سليمان بن يسار، أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت، فسألت رسول الله b، أو قال: سئل له النبي b، ولم تذكر أم سلمة. ومن طريق إسماعيل أخر جه الدارقطني (1/208) .
فرجح بعض العلماء أن سليمان بن يسار لم يسمعه من أم سلمة.
قال البيهقي (1/333) : هذا حديث مشهور، أودعه مالك بن أنس الموطأ، وأخرجه أبو داود في كتاب السنن، إلا أن سليمان بن يسار لم يسمعه من أم سلمة.
وكذا قال المنذري. وخالفهما ابن التركماني في الجوهر النقي (1/333) ، فقال: " أخرجه أبو داود في سننه من حديث أيوب السختياني، عن سليمان، عن أم سلمة، كرواية مالك، عن نافع،. وقد ذكره البيهقي فيما بعد. قال صاحب الإمام: وكذلك رواه أسيد، عن الليث. وراه أسيد أيضاً عن أبي خالد الأحمر: سليمان بن حيان، عن الحجاج بن أرطاة، كلاهما عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة. وذكر صاحب الكمال أن سليمان سمع من أم سلمة، فيحتمل أنه سمع هذا الحديث منها، ومن رجل عنها " اهـ
قلت: هذا احتمال، والاحتياط للرواية ألا يقبل فيها ما كان من باب الاحتمالات، فالاحتمال غالباً يسقط الدليل لا يقويه.
وقال النووي: إسناده على شرطهما. اهـ والنووي رحمه الله على طريقة الفقهاء يحكم دائماً للزيادة سواء كانت في الاسناد أو في المتن، فإذا أرسله جماعة، ووصله ثقة، أو أوقفه بعضهم ورفعه آخر، أو زاد لفظة لا يذكرها غيره ممن روى هذا الحديث، اعتبر النووي الاتصال، والرفع، والزيادة مقبولة، وهذا لا يتأتى على منهج جمهور أهل الحديث.
هذا فيما يتعلق بالحديث على سبيل الإجمال، وإليك تخريج ما ذكر على سبيل التفصيل:
تخريج الحديث
أما رواية أيوب، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة:
فأخرجها أحمد (6/321، 322) حدثنا، عفان، حدثنا وهيب، قال: ثنا أيوب، عن سليمان ابن يسار، عن أم سلمة بلفظ: أن فاطمة استحيضت، وكانت تغتسل في مركن لها، فتخرج، وهي عالية الصفرة والكدرة، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: تنظر أيام قرئها، أو أيام حيضها، فتدع الصلاة، وتغتسل فيما سوى ذلك، وتستثفر بثوب، وتصلي "
وليس في هذا اللفظ موضع شاهد للباب، وهو قوله:" قبل أن يصيبها الذي أصابها الذي أصابها ".ولم يرد هذا اللفظ إلا في روية مالك عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة.
وأخرجه أبوداود (278) حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب به.
وأخرجه الدارقطني (1/208) من طريق معلى بن أسد، أخبرنا وهيب به.
وقرنه برواية حماد بن زيد، عن أيوب، عن سليمان بن يسار، أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت حتى كان المركن ينقل من تحتها، وأعلاه الدم، فأمرت أم سلمة تسأل لها النبي b... . وذكر الحديث. وأخرجه الدارقطني (1/207) من طريق سفيان، وأخرجه أيضاً (1/208) من طريق عبد الوارث، كلاهما عن أيوب به.
أما رواية نافع، عن سليمان عن رجل عن أم سلمة
فرواه أبو داود (275) حدثنا قتيبة بن سعيد، ويزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب، قالا: حدثنا الليث، عن نافع به. ومن طريق الليث أخرجه البيهقي (1/333) .
وأخرجه أبو داود (277) حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا صخر بن جويرية، عن نافع به. ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي (1/333) . وأخرجه الدارقطني (1/217) من طريق ابن مهدي، عن صخر بن جويرية به.
وأخرجه ابن الجارود في المنتقى (113) حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، ثنا عبد الرحمن بن مهدي. وأخرجه البيهقي (1/333) من طريق جويرية بن أسماء، ومن طريق إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، فرقهما، عن نافع به.
واختلف على نافع:
فرواه الليث، وصخر بن جويرية، وجويرية بن أسماء، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، كلهم رووه عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن رجل، عن أم سلمة.
وخالفهم مالك، فرواه عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة. أخرجها مالك في الموطأ (1/) وأحمد في المسند (6/320) قرأت على عبد الرحمن، مالك به.
وأخرجه أبو داود (274) حدثنا عبد الله بن مسلمة، ثنا مالك به.
وأخرجه النسائي (208،355) ، وفي الكبرى (214) أخبرنا قتيبة، عن مالك به.
ومن طريق مالك أخر جه البغوي (325) .
ورواه عبيد الله بن عمر. واختلف على عبيد الله فيه:
فرواه أبو أسامة، وعبد الله بن نمير، كلاهما، عن عبيدالله، عن نافع، عن سليمان، عن أم سلمة، ولم يذكرا واسطة بين سليمان، وبين أم سلمة.
وخالفهما أنس بن عياض، فرواه عن عبيد الله، عن نافع، عن سليمان، عن رجل، عن أم سلمة. فقد رواه ابن أبي شيبة (1/118) ح1346 حدثنا ابن نمير، وأبو أسامة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة.
وأخرجه أحمد (6/293) حدثنا ابن نمير، ثنا عبيد الله به.
وأخرجه النسائي (354) أنبأنا محمد بن عبد الله بن المبارك، قال: حدثنا أبو أسامة به.
وأخرجه ابن ماجه (623) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد، قالا: ثنا أبو أسامة به. ومن طريق أبي أسامة أخرجه الدارقطني (1/217) .
وخالفهما أنس بن عياض فرواه عن عبيد الله بن عمر بزيادة الرجل المبهم بين سليمان، وبين أم سلمة. فقد أخرجه أبو داود (276) ومن طريقه البيهقي (1/333) حدثنا عبيدالله بن مسلمة، حدثنا أنس بن عياض به.
وأما رواية سليمان بن يسار، أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت، فسألت النبي b أو سئل لها... الحديث. فروا هـ ابن أبي شيبة (1/118) حدثنا أسماعيل بن علية، عن أيوب، عن سليمان به. ومن طريق ابن علية أخرجه الدارقطني (1/208) . والله أعلم(2/534)
وجه الاستدلال:
قوله: " ثم لتستثفر بثوب ".
قال ابن منظور في اللسان: وهو أن تشد فرجها بخرقة عريضة أو قطنة تحتشي بها، وتوثق طرفيها في شيء تشده على وسطها فتمنع سيلان الدم وهو مأخوذ من: ثَفَر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها.
وفي نسخة: " وتوثق طرفيها، ثم تربط فوق ذلك رباطاً، تشد طرفيه إلى حقب تشده كما تشد الثفر تحت ذنب الدابة " (1) .
وقال في تاج العروس: " والاستثفار أن يدخل الإنسان إزاره بين فخذيه ملوياً ثم يخرجه، والرجل يستثفر بإزاره عند الصراع، إذا هو لواه على فخذيه فشد طرفيه في حجزته وزاد ابن ظفر في شرح المقامات: حتى يكون كالتُّبان، وقد تقدم أن التبان هو السراويل الصغير، لا ساقين له.. الخ كلامه (2) .
وورد كذلك التلجم والتحفظ في حديث حمنة بنت جحش،
_________
(1) اللسان (4/105) .
(2) تاج العروس (6/148) .(2/538)
(420-264) فقد رواه أحمد، وفيه: فقلت: يا رسول الله، إني استحاض حيضة كثيرة شديدة، فما ترى فيها، قد منعتني الصلاة والصيام، قال: أنعت لك الكرسف؛ فإنه يذهب الدم، قالت: هو أكثر من ذلك. قال: فتلجمي. قالت: إنما اثج ثجاً... الحديث (1) .
[والحديث ضعيف] (2) .
_________
(1) المسند (6/439) ، وبقية الحديث: قال: سآمرك بأمرين أيهما فعلت فقد أجزأ عنك من الآخر، فإن قويت عليهما، فأنت أعلم. فقال لها: إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان، فتحيضي ستة أيام أو سبعة في علم الله، ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستيقنت، واستنقأت فصلي أربعاً وعشرين ليلة أو ثلاثاً وعشرين ليلة، وأيامها، وصومي، فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي في كل شهر، كما تحيض النساء وكما يطهرن بميقات حيضهن وطهرهن وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين ثم تصلين الظهر والعصر جميعاً، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الفجر وتصلين، وكذلك فافعلي، وصلي وصومي، إن قدرت على ذلك. قال رسول الله b: وهذا أعجب الأمرين إلي.
(2) والحديث ضعيف لما يلي:
أولاً: انفرد فيه ابن عقيل، والأكثر على ضعفه.
قال ابن عيينة: أربعة من قريش يترك حديثهم، فذكر ابن عقيل منهم. وسبق أن حررت القول فيه. ومن أخطائه ما رواه أحمد (1/102) : من طريق حماد بن سلمة، عن ابن عقيل، عن محمد بن علي بن الحنفية عن أبيه أن النبي b كفن في سبعة أثواب. فإن هذا مخالف لما في الصحيحين من أن النبي b كفن في ثلاثة أثواب.
ثانياً: أن أحاديث الصحيحين ترد المستحاضة إلى عادتها، وحديث ابن عقيل يردها إلى غالب النساء لا إلى عادتها ولا إلى التمييز، ولا أعلم له متابعاً، فانفراده بمثل هذا الحكم لايجعل مقدماً على حديث الصحيحين.
فهذه قصة استحاضة فاطمة بنت أبي حبيش صريحة بردها إلى عادتها، فقد روى البخاري (306) : من طريق مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: " قالت فاطمة بنت أبي حبيش: يا رسول الله إني لا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله b: إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي. فقوله: فإذا ذهب قدرها صريح بردها إلى العادة.
ورواه البخاري (325) من طريق أبي أسامة عن هشام به بلفظ: " ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ".
ورواه ابن حبان (1355) بسند صحيح من طريق أبي عوانة عن هشام به بلفظ: "تدع الصلاة أيامها".
ورواه البخاري (320) : من طريق ابن عيينة عن هشام به: " فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي ".
ورواه مسلم (333) من طريق وكيع عن هشام به بنفس اللفظ، إلا أنه قال: " فاغسلي عنك الدم وصلي "، والمقصود بالإقبال والإدبار: إقبال وقت الحيض وإدبار وقته جمعاً بينه وبين ما سبق. كما أن أم حبيبة قد ردها الرسول b إلى عادتها.
فقد روى مسلم (65-434) عن عائشة رضي الله عنها قال: إن أم حبيبة سألت رسول الله b عن الدم؟ فقالت عائشة: رأيت مركنها ملآن دماً، فقال لها رسول الله b: " امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي وصلي ".
فهذه أحاديث الصحيحين ظاهرها ترد المستحاضة إلى عادتها.
وهنا حديث ابن عقيل رحمه الله ردها إلى غالب الحيض، فقال: "تحيضي ستة أيام، أو سبعة أيام"، فلم يردها إلى عادتها، وقد تكون عادتها أكثر أو أقل، ولم يردها إلى التمييز.
وقد قال الخطابي في معالم السنن (1/183) :
" إنما هي امراة مبتدأة لم يتقدم لها أيام، ولا هي مميزة لدمها، وقد استمر بها الدم حتى غلبها، فرد الرسول b أمرها إلى العرف الظاهر، والأمر الغالب من أحوال النساء، كما حمل أمرها في تحيضها كل شهر مرة واحدة على الغالب من عادتهن... الخ ".
قلت: أين الدليل من الحديث على أنها مبتدأة، هذا أولاً.
وثانياً: أنها لاتستطيع أن تميز بين دم الحيض ودم الاستحاضة.
فهذا لاسبيل إليه من الحديث، والرسول b لم يسألها هل أنت مبتدأة؟ وهل لك عادة مستقرة من قبل؟ وهل تميزين بين دم الحيض وبين دم الاستحاضة؟
فلو وقع ذلك لكان له وجه في حمل الحديث على المبتدأة غير المميزة، ولما كانت هناك مخالفة لأحاديث الصحيحين، ولكن لما ترك الرسول b الاستفصال في مقام الاحتمال نزل منزلة العموم في المقال.
فالحديث ظاهره رد المستحاضة مطلقاً إلى عادة النساء.
ثالثاً: أن الحديث أمرها في الجمع بين الصلوات، وأحاديث المستحاضة في الصحيحين من أحاديث عائشة في قصة استحاضة فاطمة بنت أبي حبيش وأم حبيبة لم يرشدها إلى الجمع. كما أن الحديث دليل على من يقول بالجمع الصوري. وقد يستدل بهذا الحديث لو ثبت على من ينكر الجمع في الإقامة والسفر إلا في عرفة، ويحمل الأحاديث على الجمع الصوري، وهو تأخير أولى الصلاتين وتعجيل الثانية، فالأولى في آخر الوقت، والثانية في أول الوقت، وإنما قصد من الجمع لأهل الاعذار التخفيف عليهم، والجمع في هذه الصورة فيه حرج ومشقة، ومن يعلم الوقت ودقته، والناس في ذلك الوقت لم يكن لديهم ساعات كما هي الحال في هذا العصر، حتى يوقع أولى الصلاتين في آخر الوقت، بينما تقع الصلاة الثانية في أول الوقت
كلام أهل العلم في الحديث:
ضعفه أبو حاتم في العلل (1/51) ح123، قال ابنه: سألت أبي عن حديث رواه ابن عقيل، عن إبراهيم بن محمد، عن عمران بن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش في الحيض، فوهنه، ولم يقو إسناده.
وضعفه الدارقطني كما في شرح ابن رجب للبخاري (2/64) ، ولم أجده في السنن له، لكن قال محققوا شرح ابن رجب إنه موجود في كتاب العلل الدارقطني، وأحالوا على (5 ب / ق 101ـأ)
وفي تلخيص الحبير (1/288) : " وقال ابن منده: لايصح بوجه من الوجوه؛ لأنهم أجمعوا على ترك حديث ابن عقيل ".
وحمل الحافظ قول ابن منده بكونهم أجمعوا على ترك حديثه يعني مَنْ خرج الصحيح، فليس له في الصحيحين رواية.
وقال البيهقي: تفرد به ابن عقيل، وهو مختلف في الاحتجاج به.
وأما الإمام أحمد.. فاختلف النقل عنه، والراجح عنه تضعيفه.
قال الترمذي (1/226) : سألت محمداً عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن صحيح، وقال: يعني الترمذي: وهكذا قال أحمد: هو حديث حسن صحيح.
فهذا النقل من الترمذي عن أحمد، لايقدم على نقل أبي داود، فإن أبا داود من تلاميذ أحمد الملازمين له، وله عنه مسائل مشهورة. فقد قال أبو داود بعد روايته لهذا الحديث في السنن (287) قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: حديث ابن عقيل في نفسي منه شيء.
وقال ابن رجب في شرحه للبخاري (2/64) : والمعروف عن الإمام أحمد، أنه ضعفه، ولم يأخذ به، وقال: ليس بشيء.
وقال مرة: ليس عندي بذلك، وحديث فاطمة أصح منه وأقوى إسناداً، يعني: أنه لم يردها إلى غالب النساء بل ردها إلى العادة.
وقال أحمد أيضاً: في نفسي منه شيء.
ولكن ذكر أبو بكر الخلال أن أحمد رجع إلى القول بحديث حمنة، والأخذ به!!. اهـ كلام ابن رجب رحمه الله
قلت: والقول بالحديث، والأخذ به لايعني صحته في نفسه ما لم يصرح المحدث بأنه صحيح، وكم من حديث ضعيف في الترمذي ويصرح الترمذي بأن العمل عليه، ولايعني كون العمل عليه أن يكون صحيحاً في نفسه، وأقربها عندي حديث:"الماء طهور لاينجسه شيء إلا ما غلب على طعمه ولونه وريحه"،فالاستثناء لايثبت من جهة الحديث، والعمل عليه.
فقول أبي بكر الخلال بأن أحمد يقول بحديث حمنة ويأخذ به ليس صريحاً في كونه صحيحاً عنده.
وفي التمهيد لابن عبدالبر (16/61) : " قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: في الحيض حديثان، والآخر في نفسي منه شيء، قال أبو داود: يعني أنه في الحيض ثلاثة أحاديث، هي أصول هذا الباب:
أحدها: حديث مالك، عن نافع، عن سليمان بن يسار.
والآخر: حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.
والثالث: والذي في قلبه منه شيء، وهو حديث حمنة بنت جحش الذي يرويه ابن عقيل".
وقال الخطابي في معالم السنن (1/183) : " وقد ترك بعض العلماء القول بهذا الخبر؛ لأن ابن عقيل راويه ليس بذاك ".
وصححه البخاري، قال الترمذي: سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن صحيح.
لكن البيهقي نقل عبارة البخاري بأتم مما نقل الترمذي إلا أنه ساقها بلاغاً.
قال البيهقي (1/339) : بلغني عن أبي عيسى الترمذي، أنه سمع محمد بن إسماعيل البخاري يقول: حديث حمنة بنت جحش في المستحاضة هو حديث حسن إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة هو قديم، لا أدري سمع منه عبدالله بن محمد بن عقيل أم لا؟ وكان أحمد بن حنبل يقول: هو حديث صحيح.
والبلاغ ضعيف للجهل بالواسطة بين البيهقي والترمذي.
وقد أجاب الشوكاني بجواب واضح فقال في النيل (1/338) : إبراهيم بن طلحة مات سنة 110هـ عشر ومائة فيما قاله أبو عبيد القاسم بن سلام، وعلي بن المديني، وخليفة بن خياط، وهو تابعي سمع عبدالله بن عمرو بن العاص، وأبا هريرة، وعائشة. وابن عقيل سمع عبد الله بن عمر، وجابر بن عبدالله، وأنس بن مالك، والربيع بنت معوذ، فكيف ينكر سماعه من محمد بن إبراهيم بن طلحة لقدمه، وأين ابن طلحة من هؤلاء في القدم، وهم نظراء شيوخه في الصحبة، وقريب منهم في الطبقة، فينظر في صحة هذا عن البخاري "اهـ.
تخريج الحديث:
الحديث كما سبق مداره على ابن عقيل، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، عن عمه عمران ابن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش.
ويرويه عن ابن عقيل زهير بن محمد الخرساني، وشريك بن عبدالله النخعي، وعبيدالله ابن عمر الرقي، وعمرو بن ثابت، وإبراهيم بن أبي يحيى.
أما رواية زهير بن محمد عن ابن عقيل:
فأخرجها أحمد (6/439) : حدثنا عبدالملك بن عمرو، قال: ثنا زهير - يعني ابن محمد الخرساني - عن عبدالله بن محمد - يعني: ابن عقيل بن أبي طالب به.
وأخرجه أبو داود (287) : حدثنا زهير بن حرب وغيره، قالا: حدثنا عبدالملك بن عمرو به.
وأخرجه الترمذي (128) : حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عامر العقدي (عبدالملك ابن عمرو) به.
وأخرجه الدارقطني (1/214) من طريق أبي عامر العقدي. ورواه الحاكم، ومن طريقه البيهقي (1/238) عن زهير بن محمد، وعبيد الله بن عمرو الرقي، عن ابن عقيل به، إلا أنه ليس فيه الاغتسال لصلاة الفجر.
وأما رواية شريك بن عبد الله عن ابن عقيل.
أخرجه أحمد (6/381) : ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا شريك بن عبدالله، عن ابن عقيل به.
وأخرجه ابن أبي شيبة (1/120) ح 1364، ومن طريقه ابن ماجه (627) حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا شريك به، ولم يذكر غسل الفجر.
وأخرجه الدارقطني (1/214) من طريق يزيد بن هارون به.
وأما رواية عبيد الله بن عمرو الرقي عن ابن عقيل.
فأخرجها الدارقطني (1/215) ، والحاكم (1/172) ، والبيهقي (1/238) .
وأما رواية إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن ابن عقيل.
رواه الشافعي في الأم (1/60) ومن طريقه الدارقطني (1/215) .
وأما رواية عمرو بن ثابت عن ابن عقيل.
فرواها الدارقطني (1/215) .(2/539)
وجه الاستدلال:
قوله: "تلجمي"، قال ابن منظور في اللسان: تلجمت المرأة، إذا استثفرت لمحيضها. واللجام: ما تشده الحائض، وفي حديث المستحاضة: "تلجمي " أي شدي لجاماً، وهو شبيه بقوله: " استثفري " أي: ألجمي موضع خروج الدم عصابة تمنع الدم، تشبيهاً بوضع اللجام في فم الدابة. (1)
وقال: نحوه في تاج العروس (2) .
وكانت النساء تستثفر ولو لم تجب عليها الصلاة حرصاً على عدم تلوثها
_________
(1) اللسان (12/534) .
(2) تاج العروس (17/639) .(2/544)
في الدم.
(421-265) فجاء في حديث جابر عند مسلم في صفة حج النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه:
" إن رسول الله b مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله b حاج، فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله b، ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه، حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله b كيف أصنع؟ قال: اغتسلي، واستثفري، وأحرمي (1) ، والله أعلم.
_________
(1) صحيح مسلم (147-1218) .(2/545)
[صفحة فارغة](2/546)
الفصل السادس
في الاستنجاء من البعر الناشف والحصاة والدود
إذا خرج البعر ناشفاً وكذلك الحصاة والدود، فاختلف الفقهاء هل يستنجي منها أم لا؟
فقيل: لا يستنجي، وهو مذهب الحنفية (1) ، والمالكية (2) ، والأظهر عند الشافعية (3) ، ورحجه بعض الحنابلة (4) .
وقيل: يشرع الاستنجاء، وهو قول في مذهب الشافعية (5) ، والمشهور من مذهب الحنابلة (6) .
_________
(1) البحر الرائق (1/252) وقال: إنه صرح به في السراج الوهاج، وانظر حاشية ابن عابدين (1/335) .
(2) حاشية الدسوقي (1/113) ، مواهب الجليل (1/284) ، التاج والإكليل (1/291) ،المنتقى (1/45) .
(3) قال في روضة الطالبين (1/67) : فإن لم يكن ملوثاً، كدود وحصاة بلا رطوبة، لم يجب الاستنجاء على الأظهر. قال النووي: والبعرة اليابسة كالحصاة، وصرح به صاحب الشامل وآخرون. اهـ وانظر شرح زبد ابن رسلان (ص: 52) ، مغني المحتاج (1/46) ،أسنى المطالب (1/49) ، حاشيتا قليوبي وعميرة (1/50) .
(4) كشاف القناع (1/70) ، منار السبيل (1/25) ، وانظر المغني (1/100) ، والإنصاف (1/113) ، تحفة المحتاج (1/185) .
(5) مغني المحتاج (1/46) ، حاشيتا قليوبي وعميرة (1/50) .
(6) عبارة الحنابلة: ويجب الاستنجاء لكل خارج إلا الريح، والاستثناء معيار العموم، فلما لم يستثن إلا الريح دل على وجوبه فيما عداه، ومنها الحصى والدود والبعر الناشف.
وقال في المغني (1/100) : والاستنجاء لما خرج من السبيلين، هذا فيه إضمار، وتقديره: والاستنجاء واجب، فحذف خبر المبتدأ اختصاراً، وسواء كان الخارج معتاداً، كالبول والغائط، أو نادراً، كالحصى والدود والشعر, رطبا أو يابسا. اهـ وقال الإنصاف (1/113) : قوله: (ويجب الاستنجاء من كل خارج إلا الريح) شمل كلامه الملوث وغيره، والطاهر والنجس، أما النجس الملوث فلا نزاع في وجوب الاستنجاء منه.
وأما النجس غير الملوث والطاهر: فالصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب: وجوب الاستنجاء منه، وهو ظاهر كلام الخرقي، والهداية، والمذهب، ومسبوك الذهب، والمستوعب، والتلخيص، والبلغة. قال الزركشي وابن عبيدان وغيرهما: بل هو ظاهر قول أكثر أصحابنا، وقدمه في المغني، والشرح، والفروع، والرعايتين، والحاويين، والزركشي، وغيرهم. قال المرداوي: وهو ضعيف. وانظر المبدع (1/95) .
وقيل: لا يجب الاستنجاء للخارج الطاهر وهو ظاهر المحرر , والمنور , والمنتخب. فإنهم قالوا: وهو واجب لكل نجاسة من السبيل [وكذا قيده المجد في شرح الهداية. قال ابن عبدوس في تذكرته: ويجزئ أحدهما لسبيل] نجس بخارجه. قال في التسهيل: وموجبه خارج من سبيل سوى طاهر , وقيل: لا يجب للخارج الطاهر , ولا للنجس غير الملوث. قال المصنف وتبعه الشارح والقياس لا يجب الاستنجاء من ناشف لا ينجس المحل. وكذلك إذا كان الخارج طاهرا , كالمني إذا حكمنا بطهارته ; لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة. ولا نجاسة هنا. قال في الفروع: وهو أظهر , قال في الرعاية الكبرى: وهو أصح قياسا. قلت: وهو الصواب. وكيف يستنجي أو يستجمر من طاهر؟ أم كيف يحصل الإنقاء بالأحجار في الخارج غير الملوث؟ وهل هذا إلا شبيه بالعبث؟ وهذا من أشكل ما يكون. فعلى المذهب يعايى بها. وأطلق الوجوب وعدمه ابن تميم , والفائق.(2/547)
دليل من قال: لا يستنجي.
الدليل الأول:
الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة، ولا نجاسة هنا. فالاستنجاء والمحل نظيف شبيه بالعبث.
الدليل الثاني:
قالوا: الحصاة طاهرة خاصة إذا خرجت، وهي ناشفة، فهي تشبه الريح،(2/548)
بل هي أولى من الريح بعدم الاستنجاء، لأن الريح لها رائحة منتنة بخلاف الحصاة. وكيف يستنجي أو يستجمر من طاهر؟
فإن قيل: قد يتصور وجود بلة يسيرة.
قيل: إن كان يسيراً فهو معفو عنه، كما يعفى عن أثر الاستجمار، وإن كانت البلة كثيرة خرج البحث عن مسألتنا؛ لأن البحث فيما لو خرجت الحصاة ناشفة، أو البعرة جافة.
دليل من قال: يستنجي منها.
لا أعلم له دليلاً من كتاب أو سنة إلا القياس على البول والغائط، وهو قياس مع الفارق، لأن البول الغائط نجسان ملوثان، فيحتاج المحل إلى الإنقاء منهما، وأما الحصاة والدودة وحتى البعرة الناشفة فهي أشياء غير ملوثة، فالمحل يعتبر طاهراً فلم يحتج إلى تطهير.
وقد يقولون: إن المحل لا يسلم من بلة يسيرة، وهذا غير كاف في مشروعية الاستنجاء، وقد أجبت عنه في ما تقدم.(2/549)
[صفحة فارغة](2/550)
الفصل السابع
في الاستنجاء من الريح
لا يشرع الاستنجاء من الريح، وهو مذهب الحنفية (1) ،
والمالكية (2) ، والشافعية (3) ، والحنابلة (4) .
وقيل: يستنجي، اختاره حنابلة الشام (5) ، وهو خلاف شاذ.
وهل الاستنجاء منها على الكراهة أو التحريم فيه خلاف:
فقيل: للتحريم، وهو ظاهر مذهب الحنفية حيث أطلقوا على الاستنجاء من
_________
(1) قال ابن عابدين في حاشيته (1/335) : الاستنجاء على خمسة أوجه: ثم قال: والخامس: بدعة، وهو الاستنجاء من الريح. اهـ
وقال في مراقي الفلاح (ص: 18) : والاستنجاء سنة من نجس، قال: وإنما قيدنا من نجس؛ لأن الريح طاهر على الصحيح، والاستنجاء منها بدعة. اهـ وانظر بدائع الصنائع (1/19) ، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 56) ، البحر الرائق (1/252) ، الفتاوى النهدية (1/47) .
(2) المدونة (1/117) ، المنتقى للباجي (1/44) ، مواهب الجليل (1/105،286) ، حاشية الدسوقي (1/112) ، التاج والإكليل (1/286) ، الفواكه الدواني (1/132) ، مختصر خليل (ص:15) ، رسالة القيرواني (ص: 14) .
(3) المجموع (2/113) ، حاشيتا قليوبي وعميرة (1/48) ، المهذب (1/27) ، المنهج القويم (ص: 79) ، شرح زبد بن رسلان (ص: 52) ، إعانة الطالبين (1/107) ، تحفة المحتاج (1/185) .
(4) المغني (1/100) ، الإنصاف (1/113،114) ، الفروع (1/119) ..
(5) الإنصاف (1/113،114) ، الفروع (1/119) .(2/551)
الريح بأنه بدعة (1) ، واختاره بعض الشافعية (2) .
وقيل: يكره الاستنجاء من الريح، وهو مذهب المالكية (3) ، والشافعية (4) .
وقيل: لا يكره الاستنجاء من الريح إن خرجت والمحل رطب، قاله بعض الشافعية (5) .
دليل من قال: لا يستنجي.
الدليل الأول:
الإجماع على أن الاستنجاء لا يجب من الريح، حكى الإجماع جماعة منهم النووي في المجموع (6) ، وابن قدامة في المغني (7) وغيرهما.
الدليل الثاني:
الأصل عدم الوجوب حتى يوجد دليل من كتاب أو سنة أو إجماع على مشروعية الاستنجاء، ولم ينقل أن الرسول b استنجى من الريح، ولا
_________
(1) انظر العزو إلى كتبهم في ما تقدم، وخاصة الفتاوى النهدية (1/50) ، حاشية ابن عابدين (1/335) ، ومراقي الفلاح (ص: 18) .
(2) تحفة المحتاج (1/185) .
(3) حاشية الدسوقي (1/112) ، الفواكه الدواني (1/132) .
(4) إعانة الطالبين (1/107) ،.
(5) تحفة المحتاج (1/185) .
(6) قال النووي في المجموع (2/113) : أجمع العلماء على أنه لا يجب الاستنجاء من الريح والنوم ولمس النساء والذكر، وحكي عن قوم من الشيعة أنه يجب، والشيعة لا يعتد بخلافهم. اهـ
(7) قال ابن قدامة في المغني (1/100) : ليس على من نام، أو خرجت منه ريح استنجاء، ولا نعلم في هذا خلافا. اهـ(2/552)
صحابته الكرام، ولا أنه أمر بالاستنجاء منها، وهذا كاف في عدم المشروعية.
الدليل الثالث:
قالوا: إن الريح ليس بنجس، ولو وجب منه الاستنجاء لوجب غسل الثوب؛ لأنه يلقاه. فإن قيل: تصحبه أجزاء نجسة، قيل: هذا لا سبيل إلى علمه، ولو ثبت فقدر ذلك وأكثر منه يبقى بعد مسح الأحجار، ومع ذلك يحكم بطهارة المحل بعده (1) .
الدليل الرابع:
من النظر قالوا: إن الاستنجاء مأخوذ من النجو فإذا لم يكن نجو لم يشرع الاستنجاء، فإذا خرجت الريح لم يكن على السبيل منها شيء من الغائط، فيكون الاستنجاء عبثاً؛ لأن المحل نظيف.
وبعضهم يعلل بقوله: إن الريح عرض بإجماع الأصوليين (2) .
الدليل الخامس:
(422-266) ما رواه ابن عدي (3) ، ومن طريقه أبو القاسم الجرجاني في تاريخ جرجان (4) ، من طريق محمد بن زياد بن زبار، حدثنا شرقي بن قطامي، عن أبي الزبير،
عن جابر أن النبي b قال: من استنجى من الريح فليس منا.
_________
(1) مواهب الجليل (1/286) .
(2) الفروع (1/119) .
(3) الكامل (4/35) .
(4) تاريخ جرجان (ص: 313) رقم 547.(2/553)
[إسناده ضعيف جداً] (1) .
دليل من قال: يشرع الاستنجاء منها.
ذهب إلى أن الريح نجسة، وأنها خرجت وقد لا مست النجاسات.
قالوا: ولأن الفرج ترمص كما ترمص العين!!
والصحيح الأول، وأنها طاهرة، وكون رائحتها خبيثة لا يكفي دليلاً على نجاستها، ولو كانت نجسة لوجب غسل الثياب إذا خرجت الريح ولاقت ثياباً رطبة، والله أعلم.
_________
(1) قال محمد بن زياد بن زبار: رأيت شرقي بن قطامي ولم أسمع منه، نقله عنه أبو حاتم في الجرح والتعديل (7/258) .
وقال أبو حاتم الرازي: أتينا محمد بن زياد بن زبار ببغداد، وكان شيخاً شاعراً، وقعدنا في دهليزه ننتظره، وكان غائباً، فجاءنا فذكر أنه قد ضجر، فلما نظرنا إلى قده علمنا أنه ليس من البابة فذهبنا ولم نرجع إليه. المرجع السابق.
قال يحيى بن معين: لا شيء. تاريخ بغداد (5/281) ، وميزان الاعتدال (3/552) وتحرفت في الجرح والتعديل إلى قوله: لا أحد.
وقال الذهبي: كان شاعرا مشهورا قل ما روى من الحديث. المرجع السابق.
وفي إسناده أيضاً: شرقي بن قطامي، جاء في ترجمته:
قال أبو حاتم الرازي: ليس بقوي الحديث، ليس عنده كثير حديث. الجرح والتعديل (4/376) .
وذكره ابن حبان في الثقات (6/449) .
وضعفه الساجي. المغني في الضعفاء (2757) .
وقال شعبة: حماري وردائي للمساكين إن لم يكن شرقي كذب على عمر. لسان الميزان (3/142) .
وقال اليوسفي: كان كذاباً، ويكنى أبا المثنى. المرجع السابق.(2/554)
الباب السادس
في الاستنجاء بالماء(2/555)
[صفحة فارغة](2/556)
الفصل الأول
خلاف العلماء في الاستنجاء بالماء
يجوز الاستنجاء بالماء، ويجوز تركه إلى الحجارة ولو كان قادراً على الماء، وهو مذهب الجمهور (1) .
وقيل: لا يجوز الاستنجاء بالماء، حكي هذا القول عن بعض السلف، وهو مرجوح (2) .
_________
(1) انظر في مذهب الحنفية:
وانظر في مذهب المالكية:
وانظر في مذهب الشافعية:
وانظر في مذهب الحنابلة:
(2) جاء في المنتقى للباجي (1/46) : كان سعيد بن المسيب وغيره من السلف يكرهون ذلك، ويقول ابن المسيب: إنما ذلك وضوء النساء. اهـ
وقد روى ابن أبي شيبة في المصنف (1/142) : حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام، عن حذيفة، قال: سئل عن الاستنجاء بالماء؟ فقال: إذاً لا تزال في يدي نتن.
وسنده صحيح، وقد صحح إسناده الحافظ بالفتح.
وروى ابن أبي شيبة (1/143) حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن جعفر، عن نافع، قال: كان ابن عمر لا يستنجي بالماء.
وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى.
وروى ابن أبي شيبة (1/142) ، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، قال: كان الأسود وعبد الرحمن بن يزيد يدخلان الخلاء، فيستنجيان بأحجار، ولا يزيدان عليها، ولا يسمان ماء. وإسناده صحيح.
وروى ابن أبي شيبة أيضاً (1/142) : حدثنا وكيع، عن مسعر، عن عبيد الله ببن القطبية، عن ابن الزبير أنه رأى رجلاً يغسل عنه أثر الغائط، فقال: ما كنا نفعله. وهذا إسناد صحيح.
وقال ابن حجر في الفتح (ح 150) تعليقاً على ترجمة البخاري (باب الاستنجاء بالماء) : روى ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه سئل عن الاستنجاء بالماء، فقال: إذا لا يزال في يدي نتن. وعن نافع أن ابن عمر كان لا يستنجي بالماء، وعن ابن الزبير: ما كنا نفعله. ونقل ابن التين عن مالك أنه أنكر أن يكون النبي b استنجى بالماء. وعن ابن حبيب من المالكية أنه منع الاستنجاء بالماء؛ لأنه مطعوم. اهـ
كذا نقل ابن حجر عن ابن حبيب، مع أن الموجود عن ابن حبيب كما في حاشية الخرشي أنه يوجب الاستنجاء بالماء، ولا يجوز الاقتصار على الاستنجاء بالحجارة مع وجود الماء. والنقل هذا عكس ما نقله ابن حجر، وهو مقد على نقل الحافظ؛ لأن هذا من كتب المالكية، وهم أعلم بمذهب أصحابهم، والله أعلم.(2/557)
دليل من قال: يجوز الاستنجاء بالماء.
الدليل الأول:
(423-267) ما رواه البخاري، قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن عطاء بن أبي ميمونة،
سمع أنس بن مالك يقول: كان رسول الله b يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلام إداوة من ماء وعنزة يستنجي بالماء (1) .
_________
(1) صحيح البخاري (152) ، ومسلم (271) .
قال الأصيلي في الفتح (ح 150) متعقباً على البخاري استدلاله بهذا الحديث بأن قوله: فيستنجي به " من قول أنس، وإنما من قول أبي الوليد، أحد الرواة عن شعبة، فقد رواه البخاري عن أبي الوليد، عن شعبة، عن أبي معاذ، واسمه عطاء بن أبي ميمونة، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان النبي b إذا خرج لحاجته، أجيء أنا وغلام معنا إداوة من ماء، يعني: يستنجي به.
والدليل على أنها من قول أبي الوليد بأن الحديث قد رواه البخاري عن سليمان بن حرب، عن شعبة به، كما في رقم (151) بلفظ: كان رسول الله b إذا خرج لحاجته تبعته أنا وغلام معنا إداوة من ماء. فلم يذكر فيستجي به، فتعقبه الحافظ في الفتح، فقال: لكن رواه عقبة من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة به، فقال: يستنجي بالماء.
والاسماعيلي، من طريق ابن مرزوق، عن شعبة به، بلفظ: فأنطلق أنا وغلام من الأنصار معنا إداوة من ماء يستنجي منها النبي b.
وللبخاري من طريق روح بن القاسم، عن عطاء بن أبي ميمونة: " إذا تبرز لحاجته أتيته بماء، فيغتسل به.
قلت: فهذه الطريق غير طريق شعبة. قال الحافظ: ولمسلم من طريق خالد الحذاء، عن عطاء، عن أنس، فخرج علينا، وقد استنجى بالماء. وهذه متابعة ثانية لشعبة.
قال الحافظ: وقد بان بهذه الروايات أن حكاية الاستنجاء من قول أنس رضي الله عنه راوي الحديث، وكذا فيه الرد على من زعم أن قوله: يستنجي بالماء مدرج من قول عطاء، الرواي عن أنس، فيكون مرسلاً، فلا حجة فيه كما حكاه ابن التين عن أبي عبد الملك البوني، فإن رواية خالد الحذاء التي في مسلم، وقد ذكرناها تدل على أنه قول أنس، حيث قال: (وقد خرج علينا، وقد استنجى بالماء) .(2/558)
الدليل الثاني:
(424-268) ما رواه أحمد، قال: حدثنا حجاج، قال: أخبرنا شريك، عن إبراهيم بن جرير، عن أبي زرعة،
عن أبي هريرة قال: كان النبي b إذا دخل الخلاء دعا بماء، فاستنجى، ثم مسح بيده على الأرض ثم توضأ (1) .
_________
(1) المسند (2/454) .(2/559)
[إسناده ضعيف] (1) .
الدليل الثالث:
(425-269) ما رواه أحمد، قال: ما رواه أحمد، قال: حدثنا بهز، قال: حدثنا همام، قال: حدثنا قتادة، عن معاذة،
عن عائشة قالت: مرن أزواجكن يغسلوا عنهم أثر الخلاء والبول، فإنا نستحيي أن ننهاهم عن ذلك، وإن رسول الله b كان يفعله (2) .
[إسناده صحيح] (3) .
_________
(1) سبق تخريجه في مسألة: استحباب غسل اليد بعد غسل دبره، فانظره هناك.
(2) المسند (6/95،120) .
(3) رجاله كلهم ثقات، وقد توبع فيه قتادة، كما سيأتي في تخريجه.
والحديث يرويه ابن سيرين، ومعاذة وأبو عمار البصري، عن عائشة على خلاف بينهم في رفعه ووقفه على النحو التالي:
أما طريق معاذة بنت عبد الله، عن عائشة.
فأخرجه أحمد كما في حديث الباب، وأبو يعلى في مسنده (4859) وابن المنذر في الأوسط (1/356) من طريق همام، عن قتادة، عن معاذة به.
وأخرجه الترمذي (19) ، وابن حبان (1443) والنسائي في السنن الكبرى (46) ، وفي المجتبى (46) والبيهقي (1/105) من طريق أبي عوانة، عن قتادة به.
وأخرجه ابن أبي شيبة (1/140) عن عبد الرحيم بن سليمان.
وأحمد (6/236) عن يزيد بن هارون.
وأخرجه أيضاً (6/171) عن محمد بن جعفر.
وأخرجه إسحاق بن راهوية في مسنده (1379) عن عبدة بن سليمان.
وأبو يعلى (4514) من طريق محمد بن بكر.
وأخرجه البيهقي (1/105) من طريق عبد الوهاب بن عطاء، كلهم عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به، وعبدة بن سليمان وعبد الوهاب بن عطاء ممن سمع من سعيد قبل الاختلاط، وكذلك محمد بن جعفر على الصحيح.
وأخرجه أحمد (6/113،114) حدثنا يونس، ثنا أبان، عن قتادة ويزيد الرشك، عن معاذة به.
وانفرد أبان برواية الحديث من طريق يزيد الرشك مرفوعاً، والمحفوظ أن قتادة وحده يرفعه، ويزيد الرشك يرويه عن معاذة، عن عائشة موقوفاً عليها.
فقد أشار البخاري في التاريخ الكبير (4/300) أنا أبا قلابة ويزيد الرشك روياه عن معاذة، عن عائشة موقوفاً عليها.
وذكر ابن أبي حاتم في العلل (2/42) أن شعبة يرويه عن يزيد الرشك، عن معاذة موقوفاً عليها أيضاً.
وكذلك روى البخاري في التاريخ الكبير (4/300) من طريق الحسن، عن معاذة (أم الصهباء) عن عائشة موقوفاً عليها.
ورجح أبو رزعة كما في العلل لابن أبي حاتم (1/42) رواية قتادة المرفوعة.
وقال البيهقي (1/106) ورواه أبو قلابة وغيره، عن معاذة العدوية، فلم يسنده إلى فعل النبي b، وقتادة أحفظ.
وأما طريق ابن سيرين عن عائشة موقوفاً عليها:
فرواه ابن أبي شيبة (1/140) حدثنا هشيم، قال: نا منصور، عن ابن سيرين، عن عائشة موقوفاً عليها.
ورجاله ثقات، وقد صرح هشيم بالتحديث إلا أن ابن سيرين لم يسمع من عائشة، كما أخبر بذلك أبو حاتم وابن معين وغيرهما.
وأما طريق أبي عمار، عن عائشة مرفوعاً.
فوراه أحمد (6/93) وإسحاق في مسنده (1726) والبيهقي في السنن (1/106) من طريق الأوزاعي، حدثني أبو عمار، عن عائشة مرفوعاً.
قال البيهقي: قال أحمد: هذا مرسل، أبو عمار لا أراه أدرك عائشة.(2/560)
الدليل الرابع:
(426-270) ما رواه ابن ماجه، قال: حدثنا هناد بن السري، ثنا(2/561)
أبو الأحوص، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: ما رأيت رسول الله b خرج من غائط قط إلا مس ماء (1) .
[إسناده صحيح] (2) .
الدليل الخامس:
(427-271) ما رواه إسحاق بن راهوية في مسنده، قال: أخبرنا يحيى بن آدم، نا شريك، عن جابر، عن زيد العمي، عن أبي الصديق الناجي،
عن عائشة، أن رسول الله b غسل مقعدته ثلاثاً. وقال ابن عمر: قد فعلناه فوجدناه دواءً وطهوراً (3) .
[إسناده ضعيف جداً] (4) .
ولا أعلم دليلاً في مشروعية العدد في الاستنجاء بالماء، إنما جاء العدد في الاستجمار بالحجارة في أحاديث صحيحة سوف نعرض لها إن شاء الله تعالى.
_________
(1) سنن ابن ماجه (354) .
(2) ومن طريق أبي الأحوص أخرجه ابن حبان في صحيحه (1441) .
(3) مسند إسحاق (1604) .
(4) فيه جابر الجعفي رافضي، وفيه شريك سيء الحفظ، وزيد العمي ضعيف أيضاً، فهو مسلسل بالضعفاء.
ورواه ابن ماجه (356) من طريق وكيع، عن شريك به.
وقال في مصباح الزجاجة (1/54) : هذا إسناد فيه زيد العمي، وهو ضعيف، وجابر هو الجعفي، وإن وثقه شعبة وسفيان الثوري فقد كذبه أيوب السجستاني وزاده، بل قال أبو حنيفة: ما رأيت أكذب من جابر الجعفي وكذبه غيرهم. انتهى.
ورواه محمد بن يحيى ابن عمر العدني في مسنده عن وكيع بإسناده ومتنه. اهـ(2/562)
دليل من قال: لا يستنجي بالماء.
استدل من منع الاستنجاء بالماء بأدلة منها:
أولاً: قالوا: إن الماء مطعوم، فيجب تكريمه، والاستنجاء به إهانة له.
وثانياً: أن في الاستنجاء بالماء تلفاً للماء.
وثالثاً: أنه يبقى في اليد نتن بعد الاستنجاء.
وللجواب على هذا أن يقال:
أما دعوى أنه يبقى في اليد نتن بعد الاستنجاء، فممكن علاجها بتنظيف اليد بعده بالصابون ونحوه، وغاية ما فيه تفضيل الحجارة على الماء، مع أن الماء أبلغ في التطهير.
وأما دعوى أنه تلف للمال، فقد كان إتلافه في مقابل منفعة، وليس بدون مقابل، وبذل المال في مقابل أمر واجب، وهو طهارة المحل، لا يعتبر إتلافاً.
وأما دعوى أن المال مطعوم، ويجب صونه، فكما ثبت في تطهير دم الحيض بالماء، وهو في الصحيحين، وبول الأعرابي بالماء، وهو في الصحيحين كذلك، فدل على أن ذلك لا يعتبر امتهاناً للماء، وقد أنزل الله الماء مطهراً {وأنزلنا من السماء ماء طهوراً} (1) ، فامتن الله علينا بكونه مطهراً لنا من النجاسات والأحداث، والماء النازل من السماء ماء عذب، فهذا تعليل في مقابل النص، فيطرح.
_________
(1) الفرقان: 48.(2/563)
الفصل الثاني
أيهما أفضل الاستنجاء أم الاستجمار
الاستنجاء بالماء أفضل، وهو مذهب الأئمة الأربعة (1) .
وقيل: الاستجمار أفضل، وهو رواية عن أحمد (2) ، ومنقول عن بعض السلف (3) .
دليل من قال: الماء أفضل.
الدليل الأول:
قالوا: إن الماء قالع للنجاسة، والحجر مخفف لها، وما كان قالعاً للنجاسة فهو أفضل.
_________
(1) انظر مذهب الحنفية: أحكام القرآن للجصاص (2/506) ، تبيين الحقائق (1/77) ، البحر الرائق (1/254) ، الفتاوى الهندية (1/48) ، حاشية ابن عابدين (1/338) .
وانظر في مذهب المالكية: مواهب الجليل (1/284) ، شرح الزرقاني على موطأ مالك (1/74) ، حاشية الدسوقي (1/111) ، الفواكه الدواني (1/133) .
وانظر في مذهب الشافعية: المجموع (2/115) ، الإقناع للشربيني (1/55) ، التنبيه (ص:18) ، روضة الطالبين (1/71) ، شرح زبد الرسلان (ص: 52) ، مغني المحتاج (1/43) .
وأنظر في مذهب الحنابلة: الإنصاف (1/105) ، مجموع فتاوى ابن تيمية (21/610) ، المغني (1/101) ، مواهب الجليل (1/284) .
(2) ذكرها صاحب الفروع () .
(3) قدمت أقوالهم مسندة في مسألة: خلاف العلماء في الاستنجاء بالماء، وفي المغني (1/101) : وحكي عن سعد بن أبي وقاص وابن الزبير أنهما أنكرا الاستنجاء بالماء. وقال سعيد بن المسيب: وهل يفعل ذلك إلا النساء؟ وقال عطاء: غسل الدبر محدث، وكان الحسن لا يستنجي بالماء، وروي عن حذيفة القولان جميعاً، وكان ابن عمر لا يستنجي بالماء ثم فعله.(2/564)
الدليل الثاني:
(428-272) ما رواه أبو داود، قال: حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا، معاوية بن هشام، عن يونس بن الحارث، عن إبراهيم بن أبي ميمونة، عن أبي صالح،
عن أبي هريرة عن النبي b قال: نزلت هذه الآية في أهل قباء {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} قال: كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية (1) .
[إسناده ضعيف] (2) .
الدليل الثالث:
قالوا: إن الماء هو الأصل في تطهير النجاسات، وقد نص عليه في تطهير بول الأعرابي، وفي تطهير الثوب من دم الحيض، وفي تطهير المذي وفي غيرها، بينما يرى كثير من الفقهاء أن الاستجمار على خلاف الأصل، وأنه رخصة تخفيفاً عن الأمة، لأن الماء قد لا يكون موجوداً في كل مكان، والبول والغائط قد يأتي فجأة.
دليل من قال: الحجر أفضل.
عللوا بعلل منها:
أولاً: قالوا: إنه هو المعروف عند أكثر الصحابة.
وثانياً: أن الماء مطعوم، فيجب تكريمه، والاستنجاء به إهانة له.
_________
(1) سنن أبي داود (44) .
(2) انظر تخريجه وافياً في المسألة التي بعد هذه.(2/565)
وثالثاً: أن في الاستنجاء بالماء تلفاً للماء.
ورابعاً: أنه يبقى في اليد نتن بعد الاستنجاء.
وقد أجبت عن هذه الأدلة في ما سبق. والقول الأول هو الراجح.(2/566)
الفصل الثالث
في الجمع بين الحجارة والماء وأيهما يقدم
ذهب الجمهور إلى استحباب الجمع بين الحجارة والماء، فيقدم الحجارة لتخفيف النجاسة، ثم يتبعها الماء (1) .
وقيل: لا تجزئ الحجارة مع القدرة على الماء، اختاره ابن حبيب من المالكية (2) .
وقيل: لا يجوز الاستنجاء بالماء، وهو مذهب قديم مهجور لبعض
_________
(1) انظر في مذهب الحنفية: بدائع الصنائع (1/21) ، تبيين الحقائق (1/77) ، البحر الرائق (1/254) ، حاشية ابن عابدين (1/338) ، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 30) ، شرح فتح القدير (1/214) .
وانظر في مذهب المالكية: الفواكه الدواني (1/133) ، شرح الزرقاني (1/75) ، مواهب الجليل (1/284) ، القوانين الفقهية (ص: 29) ، وقال العدوي في حاشيته (1/224) : حاصل ما في ذلك المقام أن الجمع بين الماء الحجر هو الأفضل على الإطلاق، ثم يلي ذلك الجمع بين الماء وغير الحجر من كل طاهر منق، ثم الماء وحده، ثم الحجر وحده، ثم غير الحجر وحده من كل طاهر منق. فالمراتب خمسة لا ثلاثة كما ذكره بعض الشراح. اهـ
وانظر في مذهب الشافعية: الأم (1/37) ، روضة الطالبين (1/71) ، الإقناع للشربيني (1/53) ، شرح زبد بن رسلان (ص: 52) .
وانظر في مذهب الحنابلة: الفروع (1/122) ، المبدع (1/88) ، الإنصاف (1/104) ، حاشية الروض (1/138) ، شرح العمدة (1/153) ، الكافي (1/52) .
(2) البيان والتحصيل (17/485) ، المفهم للقرطبي (1/520) ، ونقل خلافه عن ابن حبيب، فقد قال الحطاب في مواهب الجليل (1/283) : وعن ابن حبيب من المالكية أنه منع الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم. ثم قال: والمنقول عن ابن حبيب أنه منع الاستجمار مع وجود الماء. اهـ وعليه فيكون هناك قولان متقابلان عن ابن حبيب: الأول: المنع من الاستنجاء بالماء، والمنع من الاستنجاء بالحجارة.(2/567)
السلف، وسبق ذكر دليله والجواب عنه.
ومنع بعض العلماء المعاصرين الجمع بينهما، واعتبر الجمع بين الحجارة والماء من البدع، حيث لم يثبت في السنة الجمع بينهما (1) .
دليل من قال باستحباب الجمع بين الحجارة والماء.
ذكروا دليلين، صريح ضعيف، وصحيح غير صريح.
الدليل الأول:
(429-273) ما رواه البزار، قال: حدثنا عبد الله بن شبيب، حدثنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز، وجدت في كتاب أبي، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله،
عن ابن عباس: لما نزلت هذه الآية في أهل قباء {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} فسألهم رسول الله b، فقالوا: إنا نتبع الحجارة الماء.
قال البزار: لا نعلم أحداً رواه عن الزهري إلا محمد بن عبد العزيز، ولا عنه إلا ابنه. اهـ
[إسناده ضعيف جداً، والمعروف من حديث أهل قباء ذكر الاستنجاء بالماء دون ذكر الحجارة] (2) .
_________
(1) تمام المنة في التعليق على فقه السنة (ص: 65) .
(2) في إسناده محمد بن عبد العزيز بن عمر.
قال ابن أبي حاتم: سألت أبى عنه فقال هم ثلاثة اخوة محمد بن عبد العزيز وعبد الله بن عبد العزيز وعمران عبد العزيز وهم ضعفاء الحديث ليس لهم حديث مستقيم وليس لمحمد عن أبى الزناد والزهري وهشام بن عروة حديث صحيح. الجرح والتعديل (8/7) .
وقال البخاري: منكر الحديث. التاريخ الكبير (1/167) .
وقال النسائي: متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين (528) .
وقال ابن حبان: كان ممن يروي عن الثقات المعضلات، وإذا انفرد أتى بالطامات عن أقوام أثبات حتى سقط الاحتجاج به، وهو الذي جلد بمشورته مالك بن أنس. المجروحين (2/263) .
وقال الدارقطني: ضعيف. لسان الميزان (5/259) .
وفي إسناده أيضاً: عبد الله بن شبيب، ذكر ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل بأنه رفيق أبيه بمدينة الرسول b وقد سمع منه والده، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً (5/83) .
وقال ابن حبان: أخبرنا عن شيوخنا يقلب الأخبار ويسرقها لا يجوز الاحتجاج به لكثرة ما خالف أقرانه في الروايات عن الأثبات. المجروحين (2/47) .
وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث. لسان الميزان (3/299) .
وقال فضلك الرازي: يحل ضرب عنقه. تاريخ بغداد (9/474) .
ومع ضعف إسناده فقد انفرد بذكر الحجارة مع الماء، والمعروف من حديث أهل قباء الاستنجاء بالماء وحده، جاء من عدة أحاديث منها:
الحديث الأول:
ما رواه الحاكم (672) ومن طريقه البيهقي (1/105) من طريق ابن إسحاق، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} قال: لما نزلت هذه الآية بعث رسول الله b إلى عويم بن ساعدة، فقال: ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم به؟ فقالوا: يا نبي الله ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل دبره. -أو قال مقعدته- فقال النبي b: ففي هذا. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وقد حدث به سلمة بن الفضل هكذا عن محمد بن إسحاق. وأقره الذهبي.
قلت: قال أبو حاتم في العلل (2/210) : الأعمش قليل السماع من مجاهد، وعامة ما يروي عن مجاهد مدلس. ومع ضعف إسناده إلا أنه أقوى من طريق البزار، وله شواهد كما سيأتي.
الحديث الثاني:
ما رواه أحمد (3/422) حدثنا حسين بن محمد، ثنا أبو أويس، ثنا شرحبيل، عن عويم بن ساعدة الأنصاري، أنه حدثه أن النبي b أتاهم في مسجد قباء، فقال: إن الله تبارك وتعالى قد أحسن عليكم الثناء والطهور في قصة مسجدكم، فماذا هذا الطهور الذي تطهرون به؟ قالوا: والله يا رسول الله ما نعلم شيئاً إلا أنه كان لنا جيران من اليهود كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط، فغسلنا كما غسلوا.
في إسناده أبو أويس عبد الله بن عبد الله المدني، جاء في ترجمته:
قال النسائي: ليس بالقوي. الضعفاء والمتروكين (674) .
قال الدارقطني: في حفظه شيء. من تكلم فيه (397) .
وفيه شرحبيل بن سعد، جاء في ترجمته:
قال ابن أبى ذئب: حدثنا شرحبيل بن سعد، وكان متهماً. الجرح والتعديل (4/338) .
وقال الدوري، عن يحيى بن معين، قال: شرحبيل بن سعد ليس بشيء، هو ضعيف. المرجع السابق.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبى عن شرحبيل بن سعد، وقيل له: في حديثه لين؟ قال: نعم ضعيف الحديث.
وقال ابن أبي حاتم أيضاً: سئل أبو زرعة عن شرحبيل بن سعد، فقال: مديني، فيه لين. المرجع السابق.
كما أن فيه علة أخرى، وهو سماع شرحبيل من عويم، قال ابن حجر: وفي سماعه من عويم فيه نظر؛ لأن عويماً مات في حياة الرسول b ويقال: في خلافة عمر رضي الله عنه. تهذيب التهذيب (2/158) .
[تخريج الحديث]
الحديث أخرجه أحمد كما تقدم والطبراني في الكبير (17/140) رقم 348 من طريق حسين بن محمد.
وأخرجه الطبري في تفسيره (11/30) والطبراني في الأوسط (5885) وفي الصغير (828) من طريق إسماعيل بن صبيح اليشكري.
وأخرجه ابن خزيمة (83) والحاكم (555) من طريق إسماعيل بن أبي أويس، كلهم عن أبي أويس به.
وقد صححه الحاكم.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/212) : رواه أحمد والطبراني في الثلاثة، وفيه شرحبيل بن سعد، ضعفه مالك وابن معين وأبو زرعة، ووثقه ابن حبان. اهـ
وجاءت متابعة لشرحبيل بن سعد، فقد أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/141) حدثنا هشيم، عن عبد الحميد بن جعفر، عن مجمع بن يعقوب بن مجمع، أن رسول الله b قال لعويم بن ساعدة: ما هذا الطهور الذي أثنى الله به عليكم؟ قالوا: نغسل الأدبار.
ومجمع لم يدرك عويماً؛ لأن عويماً مات في خلافة عمر رضي الله عنه، ومجمع مات سنة ستين ومائة، وقيل: بعدها.
الحديث الثالث:
ما رواه أبو داود (44) قال: حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا، معاوية بن هشام، عن يونس بن الحارث، عن إبراهيم بن أبي ميمونة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة عن النبي b قال: نزلت هذه الآية في أهل قباء {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} قال: كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية.
وإسناده ضعيف، في إسناده يونس بن الحارث، جاء في ترجمته:
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: ذكر أبى يونس بن الحارث، فقال: أحاديثه مضطربة. قال: وسألته مرة أخرى، فضعفه. الجرح والتعديل (9/237) .
وقال يحيى بن معين: يونس بن الحارث ضعيف لا شيء. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم الرازي: ليس بالقوي. المرجع السابق.
وقال النسائي: ضعيف. الضعفاء والمتروكين (620) .
وذكره العقيلي في الضعفاء (4/461) .
إبراهيم بن أبي ميمونة، لم يرو عنه إلا يونس بن الحارث، ولم يوثقه إلا ابن حبان حيث ذكره في الثقات (6/19) ، وفي التقريب: مجهول الحال.
والحديث رواه أبو داود (44) والترمذي (3100) ، وابن ماجه (357) عن محمد بن العلاء به.
وأخرجه البيهقي (1/105) من طريق أبي داود.
الحديث الرابع:
ما رواه ابن ماجه (355) قال: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عتبة بن أبي حكيم، حدثني طلحة بن نافع أبو سفيان قال:
حدثني أبو أيوب الأنصاري وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك، أن هذه الآية نزلت {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} قال رسول الله b: يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم في الطهور، فما طهوركم؟ قالوا: نتوضأ للصلاة ونغتسل، من الجنابة ونستنجي بالماء، قال: فهو ذاك فعليكموه.
في إسناده عتبة بن أبي حكيم، جاء في ترجمته:
قال الجوزجاني: يروي عن أبي سفيان طلحة بن نافع حديثاً يجمع فيه جماعة من أصحاب النبي b لم نجد منها ثم الأعمش ولا ثم غيره مجموعة. يعني: حديثنا هذا. أحوال الرجال (309) .
كان أحمد يلينه. بحر الدم (669) .
وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. الكامل (5/357) .
وقال عباس الدوري والمفضل بن غسان الغلابي، عن يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين: ضعيف الحديث. تهذيب الكمال (19/302) .
وقال الآجري، عن أبي داود: سألت يحيى بن معين عنه، فقال: والله الذي لا إله إلا هو إنه لمنكر الحديث.
وقال أبو حاتم الرازي: كان احمد بن حنبل يوهنه قليلاً. الجرح والتعديل (6/370) .
وقال عثمان بن سعيد الدارمي، عن دحيم: روى عنه الشيوخ، لا أعلمه إلا مستقيم الحديث. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم الرازي: صالح لا بأس به. الجرح والتعديل (6/370) .
وقال النسائي: ضعيف، وقال في موضع آخر: ليس بالقوي. المرجع السابق.
وقال الدراقطني: ليس بالقوي.
وفي التقريب: صدوق يخطئ كثيراً.
كما أن في إسناده هشام بن عمار، قال الحافظ في التقريب: صدوق كبر، فصار يتلقن، فحديثه القديم أصح.
وقال أبو داود: قد حدث هشام بأرجح من أربعمائة حديث ليس لها أصل. تهذيب التهذيب () .
وقال أبو حاتم: هشام صدوق، ولما كبر تغير حفظه، وكل ما دفع إليه قرأه، وكل ما لقن تلقن، وكان قديماً أصح.
ولم يخرج له البخاري في صحيحه سوى حديثين قد توبع عليهما.
كما أن أبا سفيان طلحة بن نافع مختلف فيه، وقال ابن عيينة: أحاديثه عن جابر صحيفة، وقال شعبة: لم يسمع من جابر إلا أربعة أحاديث. اهـ
وليس له في البخاري إلا أربعة أحاديث مقروناً فيها بغيره، فالحديث إسناده ضعيف.
والحديث أخرجه الحاكم (1/155) ومن طريقه البيهقي (1/105) من طريق محمد بن شعيب بن شابور، حدثني عتبة بن أبي حكيم به.
وقد ضعفه الحافظ في التلخيص (1/200) ، وابن التركماني في الجوهر النقي (1/105) ، وحسن إسناده الزيلعي في نصب الراية (1/219) .
الحديث الخامس:
ما رواه أحمد (6/6) قال: ثنا يحيى بن آدم، ثنا مالك -يعني: ابن مغول- قال: سمعت يساراً أبا الحكم غير مرة يحدث عن شهر بن حوشب، عن محمد بن عبد الله بن سلام قال: لما قدم رسول الله b علينا في قباء، قال: إن الله عز وجل قد أثنى عليكم في الطهور خيراً، أفلا تخبروني قال: يعني: قوله: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} قال: فقالوا يا رسول الله: إنا نجده مكتوباً علينا في التوراة الاستنجاء بالماء.
ورواه ابن أبي شيبة (1/141) حدثنا يحيى بن آدم به.
ورواه الطبري في تفسيره (11/31) من طريق ابن المبارك، عن مالك بن مغول به.
وفي إسناده شهر بن حوشب، مختلف فيه، والأكثر على ضعفه. وفي التقريب: صدوق كثير الإرسال والأوهام.
وقد اختلف على شهر بن حوشب، فرواه الطبراني في الكبير (8/121) رقم 7555، وفي الأوسط (3/231) رقم 3007) من طريق يحيى بن العلاء، عن ليث، عن شهر، عن أبي إمامة.
وهذا إسناد ضعيف جداً، أو موضوع.
يحيى بن العلاء، جاء في ترجمته:
قال أحمد: كذاب يضع الحديث. تهذيب التهذيب (11/229) ، الكشف الحثيث (840) .
وقال وكيع: كان يكذب، حدث في خلع النعلين عشرين حديثاً. تهذيب الكمال (31/484) .
وقال النسائي: متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين (627) .
وقال يحيى بن معين: ليس بثقة. ضعفاء العقيلي (4/437) .
وليث بن أبي سليم ضعيف هو الآخر.
ورواه الطبراني في الأوسط كما في مجمع البحرين (358) من طريق سلام الطويل، عن زيد العمي، عن أبي عثمان الأنصاري، عن ابن عمر، عن عبد الله بن سلام نحوه.
وسلام الطويل متروك، وزيد العمي ضعيف، فالإسناد ضعيف جداً.(2/568)
الدليل الثاني:
وأما الدليل الصحيح في الجمع بين الحجارة والماء، إلا أنه ليس صريحاً.
(430-275) ما رواه البخاري، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد، قال: أخبرني جدي،
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه كان يحمل مع النبي b إداوة لوضوئه وحاجته، فبينما هو يتبعه بها، فقال: من هذا؟ فقال: أنا أبو هريرة، فقال: أبغني أحجاراً أستنفض بها، ولا تأتني بعظم ولا بروثة، فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي حتى وضعت إلى جنبه، ثم انصرفت حتى إذا فرغ مشيت. فقلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفد جن نصيبين، ونعم الجن، فسألوني الزاد، فدعوت الله لهم أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعاماً (1) .
وجه الاستدلال:
قوله: "كان يحمل مع النبي b إداوة لوضوئه وحاجته" فالماء كان
_________
(1) .(2/574)
للوضوء والحاجة، أي لطهارة الحدث والخبث، قال: فقال: "أبغني أحجاراً استنفض بها" وقد طلب الرسول b الحجارة، فيبعد أن يسعى أبو هريرة بحمل الماء لحاجة النبي b، ثم لا يستعمله، وهو أولى من الحجارة، وأشد أنقاء، فربما طلب الحجارة ليخفف أثر النجاسة، ثم يزيل عينها بالماء، وهو ليس صريحاً بأنه استعملهما معاً.
الدليل الثالث:
أن الرسول b ربما جمع بين التراب والماء في طهارة غير الاستنجاء، والاستنجاء مقيس عليها.
(431-276) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس،
عن ميمونة، أن النبي b اغتسل من الجنابة فغسل فرجه بيده، ثم دلك بها الحائط، ثم غسلها، ثم توضأ وضوءه للصلاة، فلما فرغ من غسله غسل رجليه. رواه البخاري اللفظ له ومسلم (1) .
ولفظ مسلم: ثم أدخل يده في الإناء، ثم أفرغ به على فرجه، وغسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض، فدلكها دلكاً شديداً، ثم توضأ وضوءه للصلاة. الحديث.
الدليل الرابع:
(432-277) من الآثار، ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا يحيى بن يعلى، عن عبد الملك بن عمير، قال: قال علي: إن من كان قبلكم كانوا
_________
(1) صحيح البخاري (260) ، ومسلم (317) .(2/575)
يبعرون بعراً، وإنكم تثلطون ثلطاً، فأتبعوا الحجارة بالماء (1) .
[إسناده ضعيف] (2) .
_________
(1) المصنف (1/142) .
(2) عبد الملك بن عمير لم يسمع من علي، وقد ذكر المزي أنه رأى علياً، ولم يذكر أنه روى عنه، وإذا كان تاريخ وفاته سنة 136، ومات وله ثلاث ومائة سنة، فيكون مولده على هذا سنة 33، وقد مات علي رضي الله عنه سنة أربعين، فيكون عمره على ذلك سبع سنوات، فلا أرى أنه يصح له سماع، وإن كان أحد قال: إنه سمع منه، فيحتمل على أنه قيل: إن وفاته سنة 102، على ما ذكره خليفة بن خياط في طبقاته (163) ، وعبد الملك بن عمير مدلس، ولم يصرح بالسماع، وانظر حاشية محقق تهذيب الكمال للمزي للاستاذ بشار عواد، والله أعلم.
وقال الزيلعي في نصب الراية (1/219) : إسناده جيد.
وقد رواه عبد الزراق في مصنفه () والدارقطني في العلل (1/55) عن الثوري، عن عبد الملك بن عمير به.
وأخرجه البيهقي في السنن (1/106) من طريق زائدة ومعمر، عن عبد الملك به. وليس في رواية معمر: " فأتبعوا الحجارة بالماء، قال: أليس هذا من قديم حديث عبد الملك، فإن عبد الملك يروي عن الشباب.
وقال الدارقطني في العلل (4/54) : رواه الجماعة عن عبد الملك بن عمير، منهم سفيان الثوري وعلي بن صالح ومسعر وحبان بن علي وزائدة، واختلف عنه: فقال معاوية، عن زائدة والباقون معه عن عبد الملك بن عمير، قال: قال علي.
وخالفهم عمرو بن مرزوق، عن زائدة فقال: عن عبد الملك بن عمير، عن كردوس الثعلبي، عن علي، قاله سعيد، عن عثمان الأهوازي، عنه.
وقال جرير بن عبد الحميد: عن عبد الملك بن عمير، عن رجل، عن علي، ولم يسمعه وكذلك رواه السدي، عن رجل لم يسمه، عن علي.
وقيل: عن السدي، عن عبد خير. ولا يثبت في هذا عبد خير، والله أعلم.(2/576)
دليل من قال: لا يجمع بين الحجارة والماء.
قال بعض العلماء المعاصرين: الجمع بين الحجارة والماء في الاستنجاء لم يصح عنه b، فأخشى أن يكون من الغلو في الدين؛ لأن هديه b الاكتفاء بأحدهما، وخير الهدي هدي محمد b، وشر الأمور محدثاتها (1) .
وأخشى أن يكون المنع منه فيه غلو أيضاً، وإزالة النجاسة ليست كالعبادات التوقيفة التي يطلب منها موافقة الشارع في الجنس والصفة والمقدار، والوقت؛ فمناديل الورق ليست موجودة في ذلك العهد، ولو أزال بها الإنسان ابتداء، ثم أتبع الماء لكان ذلك من النظافة، وباب التروك أخف من باب فعل المأمورات، والله أعلم.
_________
(1) تمام المنة (ص: 65) .(2/577)
[صفحة فارغة](2/578)
الفصل الرابع
متى يتعين الاستنجاء بالماء(2/579)
[صفحة فارغة](2/580)
المبحث الأول
إذا تجاوز الخارج موضع العادة
سبق أن ذكرنا الأدلة الكثيرة على جواز الاستجمار، وهو مذهب السواد الأعظم من الناس، واختلف الفقهاء في بعض الصور، هل يجزئ الاستجمار أو يتعين الماء، فمن هذه الصور التي يتعين فيها الماء عند بعض الفقهاء إذا تجاوز الخارج الموضع المعتاد.
فقيل: لا تجزئ الحجارة، وهو مذهب الحنفية (1) والمالكية (2) ، والشافعية (3) ، والحنابلة (4) ، إلا أن الحنفية قالوا: يكفي أي مائع طاهر مزيل (5) .
وقال الباقي: يتعين الماء الطهور.
واختلفوا في مقدار التجاوز:
فقيل: أن يكون انتشار النجاسة أكثر من قدر الدرهم مع سقوط موضع الاستنجاء، وهو مذهب الحنفية (6) .
_________
(1) البحر الرائق (1/254) ، مراقي الفلاح (ص: 18) ، الفتاوى الهندية (1/48) ، مجمع الأنهر (1/66) ، حاشية ابن عابدين (1/339) .
(2) مواهب الجليل (1/285) ، الخرشي (1/148،149) ، حاشية الدسوقي (1/112) ، منح الجليل (1/105) .
(3) الأم (1/22) ، المجموع (2/142) ، روضة الطالبين (1/68) ، حلية العلماء (1/66) ، المهذب (1/28) ، شرح زبد ابن رسلان (ص: 53) ، مغني المحتاج (1/45) .
(4) المبدع (1/89) ، شرح العمدة (1/157) ، الإنصاف (1/105) ، كشاف القناع (1/66) ، مطالب أولي النهى (1/74) ، الفروع (1/119،120) .
(5) انظر البحر الرائق (1/254) .
(6) البحر الرائق (1/254) ، وهذا رأي أبي حنيفة وأبي يوسف، فلو كان المجاوز للمخرج لايجاوز قدر الدرهم في نفسه، وإنما بضم ما على المخرج إليه، فإنه لا يتعين الماء، ويكفي الحجارة؛ لأن ما على المخرج ساقط شرعاً، ولهذا لا تكره الصلاة معه فبقي المجاوز غير مانع، خلافا لمحمد بناء على أن ما على المخرج في حكم الباطن عندهما، وفي حكم الظاهر عنده.
وقال البحر الرائق (1/255) نقلاً من السراج الوهاج: هذا حكم الغائط إذا تجاوز، وأما البول إذا تجاوز عن رأس الإحليل أكثر من قدر الدرهم، فالظاهر أنه يجزئ فيه الحجر عند أبي حنيفة، وعند محمد لا يجزىء فيه الحجر إلا إذا كان أقل من قدر الدرهم. اهـ(2/581)
وقيل: إذا انتشر انتشاراً كثيراً: وهو ما زاد على ما جرت العادة بتلويثه كأن ينتهي إلى الألية. وهو مذهب المالكية، والشافعية (1) ،
_________
(1) قال النووي في المجموع (2/142) : قال أصحابنا: إذا خرج الغائط فله أربعة أحوال:
أحدها: أن لا يجاوز نفس المخرج فيجزئه الأحجار بلا خلاف.
الثاني: أن يجاوزه، ولا يجاوز القدر المعتاد من أكثر الناس، فيجزئه الحجر أيضا؛ لأنه يتعذر الاحتراز من هذا القدر.
الحال الثالث: أن ينتشر ويخرج عن المعتاد، ولا يجاوز باطن الألية، فهل يتعين الماء أم يجزئه الحجر؟ فيه قولان (أصحهما) يجزئه الحجر، وهو نصه في الأم (والثاني) يتعين الماء نص عليه في المختصر والقديم.
الرابع: أن ينتشر إلى ظاهر الأليتين، فيتعين الماء قولاً واحداً في المذهب. اهـ بتصرف يسير.
وهل يتعين الماء في الجميع، أو يقتصر بالماء على الموضع الذي تعدى به الخارج عن موضعه.
قال العدوي في حاشيته على الخرشي (1/148) : يغسل الكل، ولا يقتصر على غسل ما جاوز المعتاد؛ لأنهم قد يغتفرون اليسير منفرداً، دونه مجتمعاً.
وقال النووي في المجموع (2/143) : إن كان متصلا تعين الماء في جميعه كسائر النجاسات لندوره، وتعذر فصل بعضه عن بعض، وإن انفصل بعضه عن بعض تعين الماء في الذي على ظاهر الألية، وأما الذي لم يظهر ولم يتصل فهو على الخلاف والتفصيل السابق إن لم يجاوز العادة أجزأ الحجر، وإن جاوزه فقولان أصحهما: يجزئه أيضا. اهـ
والمشهور من مذهب الحنابلة: أنه إذا تجاوز الخارج موضع العادة وجب الماء.
وقيل: يستجمر بالصفحتين والحشفة، ولا يجب الماء لغير المتعدي.
قال ابن رجب في قواعده (ص: 39) : لو تعدى الخارج من السبيل موضع العادة فهل يجب غسل الجميع أو القدر المجاوز المطيم العادة ويجزئ الحجر في موضع العادة؟ على وجهين. أشهرهما: أن الواجب غسل المتعدى خاصة، وهو قول القاضي (الكبير) وربما نسبه إلى نص أحمد؛ لأن هذا لا ينسب فيه إلى تفريط وتعد بخلاف الوكيل والمضحي.
والثاني: يلزمه غسل الجميع وبه جزم القاضي أبو يعلى الصغير ولم يحك فيه خلافاً. اهـ وانظر الفروع (1/119،120) ، وكشاف القناع (1/66) ، المحرر (1/10) ، المبدع (1/89) ، الإنصاف (1/105) .(2/582)
وقيل: إلى نصف الألية اختاره بعض الحنابلة.
وقيل: المخرج فقط، وهو قول في مذهب الحنابلة أيضاً (1) .
وقيل: يجزئ الاستجمار مطلقاً، تجاوز الخارج أو لم يتجازو، وهو اختيار ابن تيمية (2) .
وسبب الاختلاف اختلافهم في الاستجمار هل هو رخصة، فلا يستعمل إلا فيما جرت فيه العادة، أو ليس برخصة، فيستعمل مطلقاً سواء تجاوز الحدث الموضع المعتاد أم لا؟
_________
(1) اختلف الحنابلة، فحده ابن تيمية في شرح العمدة () : بأن ينتشر الخارج إلى نصف باطن الألية فأكثر، والبول إلى نصف الحشفة فأكثر، وقال ابن عقيل: وحد المخرج نفس الثقب، وقال الخرقي: وما عدا المخرج فلا يجزئ فيه إلا الماء.
(2) قال في الاختيارات (ص: 90) : ويجزئ الاستجمار ولو تعدى الخارج إلى الصفحتين والحشفة وغير ذلك لعموم الأدلة بجواز الاستجمار، ولم ينقل عنه b في ذلك تقدير. اهـ(2/583)
وعلى القول بأنه رخصة، فلا يستعمل إلا في الموضع المعتاد، فإذا تجاوز الخارج الموضع المعتاد، فهل النجاسة لا تزال إلا بالماء فيتعين كمذهب الجمهور، أو تزال بكل مائع مزيل طاهر كمذهب الحنفية، أو تزال بكل مزيل مائعاً كان أو غير مائع، كما هو اختيار ابن تيمية؟
وهذه مسألة بحثناها في مسألة مستقلة، وذكرنا أدلة كل قول، فلا داعي لإعادتها.
دليل من قال: يتعين الماء إذا انتشر الخارج.
الدليل الأول:
قالوا: الرخصة في استعمال الحجارة ورد في المحل المعتاد؛ للمشقة في غسله، لتكرار النجاسة فيه، فما لا يتكرر لا يجزئ فيه إلا الماء.
الدليل الثاني:
لو كانت النجاسة على سائر البدن تعين الماء، كما لو كان البول أو الغائط على يد الإنسان أو ثوبه، فإذا كانت النجاسة على غير المخرج المعتاد، تعين الماء قياساً عليها.
دليل من قال: يجزئ الاستجمار مطلقاً تجاوز أم لا.
الدليل الأول:
قال: استعمال الحجارة في الاستجمار جاء في النصوص مطلقاً، غير مقيد بأن تكون النجاسة على المخرج المعتاد، وما كان مطلقاً من النصوص لا يجوز تقييده إلا بنص مثله.(2/584)
الدليل الثاني:
أين الدليل على أن استعمال الحجارة في الاستجمار رخصة، حتى يقال: لا تستعمل الرخصة إلا بمقدار ما ورد، بل إن القول في تعين الماء في إزالة النجاسة قول تخالفه النصوص الكثيرة، منها طهارة النعل بدلكه بالتراب (1) ، ومنها طهارة ذيل المرأة (2) ، فليس الاستجمار على خلاف القياس، بل إنه دليل على جواز إزالة النجاسة بكل مزيل.
فإن قيل: إن الاستجمار قد يبقى بعده أثر يسير، قلنا: إن اليسير من النجاسات معفو عنه مطلقاً في مكان الاستجمار وفي غيره.
الراجح: بعد استعراض الأدلة نرى أن قول ابن تيمية قول قوي جداً، وأن النجاسات كل النجاسات تزال بأي مزيل كان، فالحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فمتى زالت النجاسة زال حكمها، والله أعلم.
_________
(1) سبق أن ذكرت حديث أبي سعيد في الباب وخرجته.
(2) سبق أن ذكرنا الأحاديث في الباب وخرجناها.(2/585)
[صفحة فارغة](2/586)
المبحث الثاني
إذا استجمر بمنهي عنه ثم استجمر بعده بمباح فهل يتعين الماء
إذا استجمر بمنهي عنه، ثم استجمر بمباح، فاختلف الفقهاء هل يتعين الماء في مثل هذه الصورة، أم يكفي الأحجار.
فقيل: إن أنقى المنهي عنه أجزأ مع الإثم. وهو مذهب الحنفية والمالكية.
وقيل: لا يجزئ، ولو أنقى، لكن إن انتشرت النجاسة تعين الماء، ويكفيه الحجر إن لم تنتشر. وهو مذهب الشافعية.
وقيل: يتعين الماء، ولو أنقى المنهي عنه، ولا يكفيه الحجارة، وهو المشهور عند متأخري الحنابلة.
وسبق بحث هذه المسألة والإحالة على المراجع في أكثر من مسألة منها لو استنجى بمطعوم وأنقى، أو استنجى بروث أو عظم كذلك، ومنها لو استنجى بزجاج، فارجع إليها غير مأمور.(2/587)
المبحث الثالث
يتعين الماء في الاستنجاء من المذي
اختلف الفقهاء في الطهارة من المذي، هل يتعين الماء، أو تكفي الحجارة؟
فقيل: يتعين الماء وهو مذهب الحنفية (1) ، والمالكية (2) ، والشافعية (3) ، والحنابلة (4) ،
على خلاف بينهم هل يجب غسل موضع الحشفة فقط كما هو مذهب الحنفية والشافعية، ونسبه النووي للجمهور (5) ، ورجحه ابن عبد البر (6) .
أو يجب غسل الذكر كله، وعليه أكثر أصحاب مالك (7) ، وهو رواية عن أحمد (8) .
أو يجب غسل الذكر كله مع الإنثيين، كما هو مذهب الحنابلة، وذكروه
_________
(1) شرح معاني الآثار (1/48) ، شرح فتح القدير (1/72) ، المبسوط (1/67) .
(2) مواهب الجليل (1/285) ، الخرشي (1/149) ، حاشية الدسوقي (1/112) ، فتح البر بترتيب التمهيد (3/323) .
(3) المجموع (2/164) ، روضة الطالبين (1/67) ، مغني المحتاج (1/79) .
(4) الفروع (1/214) ، شرح منتهى الإرادات (1/21) ، الإنصاف (1/330) ، المبدع (1/249) ، الفتح الرباني بمفرادت ابن حنبل الشيباني (1/87) ، الكافي في فقه أحمد (1/56) ، المغني (1/112) .
(5) المجموع (2/164) .
(6) فتح البر بترتيب التمهيد (3/323) .
(7) انظر ما سبق من العزو إلى كتب المذهب.
(8) الكافي في فقه أحمد (1/56) ، الإنصاف (1/330) .(2/588)
من المفردات، وهو مذهب ابن حزم (1) .
وقيل: يجزئ الاستجمار، وهو قول في مذهب الشافعية (2) .
وقيل: المذي طاهر، وهو رواية عن أحمد (3) .
وقد سبق لنا عند ذكر ما يستنجى منه بحث الاستنجاء من المذي، وذكر أدلة كل قول، والراجح، والله أعلم.
_________
(1) المحلى (1/118) .
(2) المجموع (2/164) .
(3) في المبدع شرح المقنع (1/149) : وعن أحمد أن المذي طاهر كالمني، اختاره أبو الخطاب في خلافه؛ لأنه خارج بسبب الشهوة. اهـ وانظر المغني (1/413) ، والإنصاف (1/341) .(2/589)
[صفحة فارغة](2/590)
المبحث الثالث
يتعين الماء في الاستنجاء من الدم والقيح
إذا خرج من مقعد الرجل دم أو قيح وصديد بسبب بواسير أو خرج من فرج المرأة دم لمرض أو حيض (1) ، فهل يجزئ الاستجمار أو يتعين الماء، فيه خلاف.
فقيل: يتعين المائع، ولا تكفي الحجارة، وهو مذهب الحنفية (2) ،
وقيل: يتعين الماء، وهو مذهب المالكية (3) ، وقول في مذهب الشافعية (4) ،
_________
(1) قال النووي في المجموع (2/145) : فإن قيل: لا يمكن الاستنجاء بالحجر من دم الحيض في حق المغتسلة؛ لأنه يلزمها غسل محل الاستنجاء في غسل الحيض، فيقال: صورته فيما إذا انقطع دم الحائض ولم تجد ما تغتسل به. أو كان بها مرض ونحوه مما يبيح لها التيمم؛ فإنها تستنجي بالحجر عن الدم، ثم تتيمم للصلاة بدلا عن غسل الحيض وتصلي، ولا إعادة. اهـ
(2) قال في نور الإيضاح (ص: 14) : ويفترض غسل ما في المخرج عند الاغتسال من الجنابة والحيض والنفاس وإن كان ما في المخرج قليلاً. اهـ
وقال في تبيين الحقائق (1/78) : يجب الاستنجاء بالماء إذا جاوزت النجاسة المخرج؛ لأن ما على المخرج من النجاسة إنما اكتفى فيه بغير الماء للضرورة، ولا ضرورة في المجاوز فيجب غسله، وكذا إذا لم يجاوز وكان جنبا يجب الاستنجاء بالماء لوجوب غسل المقعدة لأجل الجنابة، وكذا الحائض والنفساء لما ذكرنا. اهـ فقوله: وكذا الحائض والنفساء أي يجب الماء، ولا يكفي الحجارة.
وانظر
(3) حاشية الدسوقي (1/111) ، الفواكه الدواني (1/133) ، مواهب الجليل (1/284) .
(4) قال الشافعي في الأم () : وإن كانت برجل بواسير وقروح قرب المقعدة أو في جوفها، فسالت دماً أو قيحاً أو صديداً لم يجزه فيه إلا الاستنجاء بالماء، ولا يجزيه الحجارة، والماء طهارة الأنجاس كلها، والرخصة في الاستنجاء بالحجارة في موضعها لا يعدى بها موضعها، وكذلك الخلاء والبول إذا عدوا موضعهما فأصابوا غيره من الجسد لم يطهرهما إلا الماء. اهـ
وقال في البحر الرائق (1/254) :وأراد بالماء هنا كل مائع طاهر مزيل بقرينة تصريحه أول الباب وهو أولى من حمله على رواية محمد المعينة للماء. اهـ(2/591)
وقيل: يجزئ الحجر، وهو أصح القولين في مذهب الشافعية (1) ، وهو الراجح.
وأدلة هذه المسألة هي أدلة المسائل السابقة من كون الاستجمار رخصة في ما رود من بول أو غائط، وقد أجبت على هذا، وأن الاستجمار على وفق القياس.
لكن الطهارة من دم الحيض والنفاس هي طهارة من الحدث، وليست من الخبث، فلا يجزئ فيها الاستجمار، اللهم ألا أن تكون المرأة عادمة للماء، ويكون التيمم هو المشروع في حقها فإنه تستجمر، ثم تتيمم، والله أعلم.
_________
(1) قال النووي في المجموع (2/144) : إذا كان الخارج نادراً كالدم والقيح والودي والمذي وشبهها فهل يجزئه الحجر؟ فيه طريقان:
الصحيح منهما - وبه قطع العراقيون أنه على قولين، (أصحهما) يجزئه الحجر، نص عليه في المختصر وحرملة؛ لأن الحاجة تدعو إليه، والاستنجاء رخصة، والرخص تأتي لمعنى، ثم لا يلزم وجود ذلك المعنى في جميع صورها كالقصر وأشباهه.
(والقول الثاني) يتعين الماء، قاله في الأم، ويحتج له مع ما ذكره المصنف بالحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: " أمر بغسل الذكر من المذي". اهـ(2/592)
المبحث الرابع
هل يتعين الماء في بول المرأة
يجزئ المرأة الاستجمار من الغائط بالاتفاق، واختلفوا في البول.
فقيل: لا يجزئ الاستجمار مطلقاً بكراً كانت أو ثياباً، بل يتعين الماء، وهو مذهب المالكية (1) .
وقيل: يجزئ البكر، وهو مذهب الشافعية (2) ، والحنابلة (3) ، واختلفوا في الثيب.
فقيل: لا يجزئ الاستجمار بحقها مطلقاً، وهو وجه شاذ في مذهب الشافعية (4) ، وقول في مذهب الحنابلة (5) .
وقيل: يجزئ الاستجمار بحقها مطلقاً، وهو قول في مذهبهما (6) ، وهو الراجح.
وقيل: إن نزل البول إلى ظاهر المهبل، كما هو الغالب لم يكف الا الماء، وإلا كفى، وهو الراجح عند الشافعية (7) والحنابلة (8) .
_________
(1) الفواكه الدواني (1/133) ، مواهب الجليل (1/284) ، مختصر خليل (ص: 15) .
(2) المجموع (2/128) ، حاشية البجيرمي (1/62) ، روضة الطالبين (1/71) .
(3) المبدع (1/90) ، الإنصاف (1/106) ، المغني (1/105) ،.
(4) قال النووي في المجموع (2/128) : قطع الماوردي بأن الثيب لا يجزئها الحجر، حكاه المتولي والشاشي وصاحب «البيان» وجهاً، وهو شاذ.
(5) المغني (1/105) .
(6) المغني (1/105) .
(7) حاشية البجيرمي (1/62) ، روضة الطالبين (1/71) ، المجموع (2/128) .
(8) المغني (1/105) ، الإنصاف (1/106) .(2/593)
دليل من قال يتعين الماء في بول المرأة مطلقاً.
قالوا: إن المرأة لا يجزيها المسح بالحجر من البول لتعديه مخرجه إلى جهة المقعدةوحملوا كلام ابن المسيب قوله عن الاستنجاء بالماء: هذا وضوء النساء، قالوا: يريد أن ذلك إنما يكون في حق النساء، فإن المرأة لا يجزيها المسح بالحجر من البول؛ لأنه يتعدى مخرجه ويجري إلى مقاعدهن وكذلك الخصي (1) .
فرجع الدليل إلى مسألة إذا تجاوز الخارج موضع العادة، وقد ذكرنا بحثه في مسألة مستقلة.
دليل من قال: يتعين الماء إذا نزل إلى ظاهر المهبل.
دليله ما ذكرناه في مسألة مستقلة من أن الخارج إذا تعدى الموضع المعتاد وجب الماء، وأن حقيقة الاستنجاء إنما هو في إزالة الخارج على مخرج البول والغائط، فإذا كانت النجاسة ليست عليهما فلا يسمى استنجاء، وإذا لم يكن استنجاء تعين الماء؛ لأن الاستجمار إنما ورد رخصة في مكانه المعتاد. وقد أجبت عنه هناك، وأنه لا يوجد قيد في الاستجمار أن يكون على الموضع المعتاد.
دليل من قال: يجزئ الاستجمار مطلقاً.
الدليل الأول:
قال: إن الأحاديث في الاستجمار وردت مطلقة، في حق الرجل والمرأة، ولو قدر أنها وردت في الرجال فما ثبت للرجل ثبت للمرأة إلا بدليل، ولا
_________
(1) مواهب الجليل (1/284) بتصرف يسير.(2/594)
يوجد دليل يخص المرأة من الاستجمار بالأحجار، فمن ادعى خروج المرأة فعليه الدليل.
الدليل الثاني:
أن نزول البول إلى ظاهر المهبل معتاد من المرأة، فلم يخرج عن قاعدتكم إن الخارج تجاوز الموضع المعتاد، وما كان معتاداً لم يستثن من الاستجمار، وهذا على وفق ما قعدتوه.
الدليل الثالث:
قدمنا أن الصحيح في إزالة النجاسة إزالتها بأي مزيل، فإذا زالت فقد زال حكمها، واشتراط أن تكون النجاسة على المخرج شرط غير معتبر على الصحيح، بدليل مسألتنا، فالمرأة معتاد أن البول قد ينزل على ظاهر المهبل، ومع ذلك لم تأت نصوص من الشرع تمنع المرأة من الاستجمار، والله أعلم.(2/595)
[صفحة فارغة](2/596)
المبحث الخامس
هل يتعين الماء إذا عرق فسال أثر الاستجمار
إذا عرف فسأل أثر الاستجمار على بدنه أو سراويله، فهل ينجس أم لا؟
فيه خلاف.
فقيل: إنه نجس.
وقيل: طاهر، ولا تتنجس الملابس بذلك.
وهذه المسألة ترجع إلى مسألة سابقة قد تم بحثها، بعد الاتفاق على أن أثر الاستجمار معفو عنه، فهل هو طاهر أم نجس؟
فمن قال: إنه نجس فإنه ينجس الثياب والماء والأبدان إذا سال أثر الاستجمار.
ومن قال: إن الاستجمار مطهر، فإنه لا ينجس الثياب ولا الأبدان ولا المياه فيما لو جلس في ماء قليل فسال أثر الاستجمار، فإن أردت الوقوف على أدلة كل فريق فارجع إليه في مسألة أثر الاستجمار هل هو طاهر أم نجس؟(2/597)
[صفحة فارغة](2/598)
المبحث السادس
هل يتعين الماء إذا خرج الحدث من غير السبيلين
قد يفتح للإنسان فتحة في بدنه يخرج منها البول والغائط تكون بديلة عن السبيلين، فإذا خرج منها الحدث هل يكفي الاستجمار أم يتعين الماء؟
فقيل: إذا انسد المخرج المعتاد، وكانت الفتحة تحت المعدة أجزأ الاستجمار قولاً واحداً في مذهب المالكية (1) ، واختاراه بعض الحنابلة (2) .
وإن كانت الفتحة فوق المعدة، أو لم ينسد المخرجان فقولان في مذهب المالكية أرجحهما وجوب الماء؛ لأنه غير ناقض.
وقيل: يجزئ الاستجمار مطلقاً إذا انسد المخرج سواء كانت الفتحة فوق أو تحت المعدة، وهو وجه في مذهب الحنابلة (3) .
وقيل: لا يجزئ فيه الاستجمار مطلقاً، وهو الصحيح من مذهب الحنابلة (4) .
دليل من قال: يجزئ فيه الاستجمار مطلقا.
قدمنا في مسألة مستقلة أن النجاسة أي نجاسة لا يتعين في إزالتها الماء،
_________
(1) مواهب الجليل (1/285،293) ، الخرشي (1/148) ، حاشية الدسوقي (1/111) .
(2) اختاره ابن عقيل والمجد وجماعة من الحنابلة انظر الإنصاف (1/108) ، المبدع (1/90) .
(3) الإنصاف (1/107) ، المغني (1/106) .
(4) كشاف القناع (1/66) ، المبدع (1/90) ، الإنصاف (1/107) ، المغني (1/106) ، تصحيح الفروع (1/177،178) .(2/599)
بل إذا زالت بأي مزيل زال حكمها، وسقنا الأدلة على ذلك من تطهير النعل بالتراب وكذلك ذيل المرأة وغيرها وقد خرجناها في مكانها، ومثله الاستجمار بالأحجار عزيمة وليس رخصة حتى يقيد ذلك بالسبيلين، والله أعلم.
دليل من قال: يتعين الماء.
رأوا أن الاستجمار رخصة ورد في نجاسة معينة وهي البول والغائط على مخرج معين هما السبيلين، أما إذا خرج من غير السبيلين فإنه مخرج نادر بالنسبة إلى سائر الناس فلم يثبت فيه أحكام الفرج، ولأن لمسه لا ينقض الوضوء، ولا يتعلق بالإيلاج فيه شيء من أحكام الوطء أشبه سائر البدن.
والصحيح أن هذه التعاليل لا علاقة لها في إباحة الاستجمار على المخرجين فما أبيح الاستجمار على السبيلين لكون مسه ناقضاً، ولا لكون الفرج محلاً للوطء، فهذه أوصاف لا علاقة لها بالاستجمار، وبالتالي لا يستدل بها على رد الاستجمار على غير السبيلين، وإنما أبيح الاستجمار نظراً إلى أنه محل تنجس، وأمكن إزالته بحجر أو ورق ونحوها، وهذا لايمنع من إزالته من سائر البدن إما بالقياس الجلي، أو بعموم النص.
دليل من فرق بين ما تحت المعدة وما فوق المعدة.
رأى أن ما تحت المعدة يلحق بالبول والغائط، لأن الجسم يكون قد انتهى من الانتفاع منه وحوله إلى فضلات، وأما ما فوق المعدة فيلحق بالقيء، وهذا له وجه من النظر من حيث الحكم عليه أنه بول أو غائط، لكننا لا نقصر إزالة النجاسة بالاستجمار على البول والغائط، بل إن سائر النجاسات تزال بأي مزيل طاهر، نعم نقول ما كان فوق المعدة ممكن أن نحكم له(2/600)
بالطهارة، فإن الصحيح أن القيء طاهر، وليس بنجس، وبالتالي لا يحتاج إلى استنجاء أو استجمار، والله أعلم.
دليل من اشترط أن ينسد المخرج المعتاد.
لأنه لا يعطى حكمه حتى يقوم مقامه، ولا يقوم مقامه حتى ينسد المخرج الأصلي.
والراجح كما قلنا أن الاستجمار يجزئ مطلقاً، وأن النجاسة تزال بأي مزيل، وأن الاستجمار عزيمة وليس رخصة، وأنه على وفق القياس، والله أعلم.(2/601)
[صفحة فارغة](2/602)
الباب السابع
حكم الترتيب بين الاستنجاء والوضوء
اختلف الفقهاء في الاستنجاء هل يشترط أن يكون قبل الوضوء، أم يجوز تقديم الوضوء عليه؟
فقيل: يصح الوضوء قبل الاستنجاء، ويستحب أن يكون الوضوء بعده، وهو مذهب الحنفية (1) ، والمالكية (2) ،والشافعية (3) ، ورواية في مذهب الحنابلة (4) .
_________
(1) نص الحنفية على أن الاستنجاء من سنن الوضوء، وإذا كان كذلك كان تقديمه على الوضوء سنة عندهم، قال في حاشية ابن عابدين (1/123) : عد في المنية الاستنجاء من سنن الوضوء، وفي النهاية: أنه من سنن الوضوء بل أقواها؛ لأنه مشروع لإزالة النجاسة الحقيقية، وسائر السنن لإزالة الحكمية، وجعل في البدائع سنن الوضوء على أنواع: نوعٍ يكون قبله، ونوعٍ في ابتدائه ونوعٍ في أثنائه، وعد من الأول الاستنجاء بالحجر، ومن الثاني الاستنجاء بالماء. وانظر بدائع الصنائع (1/18) .
(2) انظر الفواكه الدواني (1/131) ، كفاية الطالب (1/218) ، الثمر الداني (1/41) ، رسالة القيرواني (ص: 14) ، الخرشي (1/141) .
(3) قال الشيرازي في المهذب (1/27) : ويستنجي قبل أن يتوضأ فإن توضأ ثم ستنجى صح الوضوء. اهـ وأشار النووي في المجموع (2/113،114) أنه لا خلاف بين الأصحاب على صحة الوضوء قبل الاستنجاء، وأن من حكى فيه خلافاً منهم فقد غلط. وقال النووي في الكتاب نفسه (2/127) : السنة أن يستنجي قبل الوضوء ليخرج من الخلاف، وليأمن انتقاض طهره. اهـ وقال في التنبيه (ص: 18) : والاستنجاء واجب من البول والغائط، والأفضل أن يكون قبل الوضوء فإن أخره الى ما بعده أجزأه. اهـ وانظر الإقناع للشربيني (1/53) ، روضة الطالبين (1/71) .
(4) شرح العمدة (1/163) ، المحرر (1/10) ، الإنصاف (1/115) ، الفروع (1/124) .(2/603)
وقيل: لا يصح الوضوء قبل الاستنجاء، وهو المشهور من مذهب الحنابلة (1) .
دليل الجمهور.
الدليل الأول:
لا يوجد دليل يقضي بوجوب تقدم الاستنجاء على الوضوء، وإذا لم يوجد دليل فالأصل عدم التكليف، فمن توضأ قبل أن يستنجي، وكان قد لف على يده خرقة حتى لا يمس فرجه، فإن طهارته صحيحة، ومن حكم ببطلانها فعليه الدليل.
الدليل الثاني:
قياس النجاسة التي على السبيلين بالنجاسة على غير السبيلين، فإذا كان يصح وضوء الرجل مع وجود نجاسة على البدن، فكذلك ينبغي أن نصحح الوضوء مع وجود نجاسة على المخرج؛ إذ لا فرق.
الدليل الثالث:
حقيقة الوضوء هو مرور الماء على أعضاء الوضوء، وقد فعل، فيجب أن يرتفع حدثه.
دليل من قال: يجب تقدم الاستنجاء على الوضوء
(433-278) استدلوا بما رواه مسلم، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع وأبو معاوية وهشيم، عن الأعمش، عن منذر بن يعلى
_________
(1) شرح العمدة (1/163) ، المحرر (1/10) ، الإنصاف (1/114) ، كشاف القناع (1/70) ، الفروع (1/124) .(2/604)
ويكنى أبا يعلى، عن ابن الحنفية،
عن علي قال كنت رجلا مذاء، وكنت أستحيي أن أسأل النبي b لمكان ابنته، فأمرت المقداد بن الأسود، فسأله، فقال: يغسل ذكره ويتوضأ. ورواه البخاري بنحوه (1) .
وأجيب:
أولاً: أن رواية البخاري: توضأ واغسل ذكرك، فقدم ذكر الوضوء.
(434-288) قال البخاري: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا زائدة، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن،
عن علي قال كنت رجلا مذاء فأمرت رجلا أن يسأل النبي b لمكان ابنته فسأل فقال توضأ واغسل ذكرك (2) .
ثانياً: أن الواو لا تقتضي ترتيباً، بل هي لمطلق الجمع قال تعالى: {يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين} (3) ، فعطف الركوع على السجود، فإذا قلت: جاء محمد وصالح، فقد يكون قدوم محمد سابقاً لقدوم صالح، وقد يكون متراخياً عنه، وقد يكون قدومهما معاً.
الراجح: جواز تقدم الاستنجاء على الوضوء، لأن الاستنجاء طهارة خبث لا علاقة لها بطهارة الحدث، إنما يكون الإنسان مطلوباً أن يتخلى عن النجاسة إذا كان يريد أن يؤدي عبادة من شرطها الطهارة من الخبث كالصلاة على قول، وبالتالي فيستطيع أن يمس المصحف قبل الاستنجاء؛
_________
(1) صحيح مسلم (303) ، وصحيح البخاري (269) .
(2) صحيح البخاري (269) .
(3) آل عمران: 43.(2/605)
ويستطيع أن يلبس خفيه قبله؛ لأن الطهارة من الخبث ليست شرطاً في مس المصحف، ولا شرطاً في لبس الخف، قال ابن حجر رحمه الله: يجوز تقديم غسله -أي الذكر- على الوضوء، وهو أولى، ويجوز تقديم الوضوء على غسله، لكن من يقول بمسه، يشترط أن يكون ذلك بحائل (1) .
_________
(1) فتح الباري (ح 269) .(2/606)
[تنبيه: هذا المجلد (3-4) سيظهر في بعض الصفحات المتن ناقص ولكن هو موجود في آخر الصفحة مع الهوامش-جمال]
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى
يوم الدين. أما بعد فإن دين الإسلام دين الفطرة، كما قال سبحانه
وتعالى: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم} (1) .
فإذا كان الدين الإسلامي دين الفطرة، فلا يأمر بشيء إلا كان نفعه عائداً على العبد في الدنيا والآخرة، وما ينهى عن شيء قط إلا كان ضرره عائداً على العبد في الدارين، لا تنفع ربنا طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين.
أخي القارئ الكريم هذا الكتاب عمل فقهي ضمن مشروع صدر منه فيما يخص الطهارة: كتاب الحيض والنفاس في ثلاثة مجلدات، والمسح على الحائل في مجلد كبير، وهذا الكتاب مكمل لما سبق. وقد درست من خلاله سنن الفطرة. حسب ما ورد في حديث عائشة عند مسلم، وهو أكثر حديث اشتمل على سنن الفطرة.
(437-1) قال مسلم رحمه الله: حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب، قالوا: حدثنا وكيع عن زكرياء بن أبي زائدة، عن مصعب بن شيبة، عن طلق بن حبيب، عن عبد الله بن الزبير،
عن عائشة قالت: قال b:عشر من الفطرة قص الشارب، وإعفاء..(3/3)
اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء. قال زكرياء: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة.
زاد قتيبة: قال وكيع: انتقاص الماء يعني الاستنجاء (2) .
وألحقت بها ما كان شبهاً بها، وإن كان لم ينص عليه أنه من سنن الفطرة، لكن جرياً على عادة الفقهاء في ذكر هذه المسائل.
فكان ما اشتمل عليه حديث عائشة:
1 - السواك.
2 ـ قص الشارب.
3 - وإعفاء اللحية.
4 - وقص الأظفار.
5 - وحلق العانة.
6 - ونتف الإبط.
7- وغسل البراجم.
8،9 - المضمضة والاستنشاق.
10 - انتقاص الماء (الاستنجاء) .
__________
(1) الروم، آية: 30.
(2) سيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى.
وسنأتي على شرح سنن الفطرة واحدة واحدة وأجلت الكلام على أحكام الاستنجاء ليخرج في كتاب مستقل؛ نظراً لكثرة أحكامه، وجرياً على عادة الفقهاء بذكره مفرداً عن سنن الفطرة.
وأما المضمضة والاستنشاق، فسوف يأتي التعرض لأحكامها في سنن(3/4)
الوضوء، وهو كتاب مستقل قد فرغت من جمع مادته العلمية، وسيطبع قريباً إن شاء الله تعالى.
وكان منهجي في هذا البحث هو منهجي في الكتب التي قبله من حيث ذكر الأقوال، وعرض المذاهب الأربعة، وأقوال المجتهدين من علماء السلف، مع ذكر حجة كل قول، والترجيح بينها بما يقتضيه الدليل بدون تعصب لقول معين، والكلام على الأحاديث، ونقدها بمقتضى قواعد أهل الحديث، والعناية بالمتون، وبيان المحفوظ من الشاذ بدون تقليد لأحد في هذا، وقد كانت خطة البحث مشتملة على ثمانية أبواب، وكل باب مشتمل على فصول، وبعضها مشتمل على مباحث، والمباحث على فروع، وهي كما يلي.
خطة البحث.
التمهيد: تعريف الفطرة.
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: في تعريف الفطرة.
المبحث الثاني: في ذكر خصال الفطرة.
الباب الأول: في الختان.
وفيه فصول ومباحث.
الفصل الأول: في تعريف الختان.
الفصل الثاني: كيفية الختان.
الفصل الثالث: في ذكر أول من اختتن.
الفصل الرابع: في وقت الختان.
الفصل الخامس: في حكم الختان.(3/5)
وفيه مباحث:
المبحث الأول: في حكم الختان للذكر.
المبحث الثاني: في حكم الختان للأنثى.
فرع: في أنواع الخفاض.
المبحث الثالث: في حكم الختان للخنثى.
فرع: حكم ما لوكان للرجل ذكران.
المبحث الرابع: في حكم ختان الميت.
الفصل السادس: في من يولد، وهو مختون.
الفصل السابع: في موانع الختان.
الفصل الثامن: في عبادات الأقلف.
المبحث الأول: في طهارة الأقلف.
المبحث الثاني: في إمامة الأقلف.
المبحث الثالث: في ذبيحة الأقلف.
المبحث الرابع: في حج الأقلف.
المبحث الخامس: في شهادة الأقلف.
الفصل التاسع: في إجابة الدعوة في وليمة الختان.
الفصل العاشر: في ضمان ما أتلف بالختان.
فرع: في أجرة الخاتن.
الفصل الحادي عشر: في فوائد الختان.
الباب الثاني: في الاستحداد
ويشتمل على تمهيد وفصول.(3/6)
التمهيد: في تعريفه
الفصل الأول: حكم الاستحداد.
فرع: إجبار الزوج زوجه على الاستحداد.
الفصل الثاني: وقت الاستحداد.
الفصل الثالث: في كيفية الاستحداد.
الفصل الرابع: في حلق شعر الدبر.
الفصل الخامس: الاستحداد للميت.
الفرع الأول: إذا قيل بجواز الاستحداد للميت كيف تؤخذ.
الفرع الثاني: في دفن ما أخذ من البشرة.
الفرع الثالث: لا يحلق العانة أجنبي.
الفرع الرابع: في استخدام النورة.
الباب الثالث: في تقليم الأظفار.
تمهيد: وفيه مبحثان.
الأول: تعريف التقليم لغة.
الثاني: الأدلة على أن تقليم الأظفار من السنة.
الفصل الأول: في حكم تقليم الأظفار.
الفرع الأول: هل للزوج إجبار زوجه على تقليم الأظفار.
الفرع الثاني: توفير الأظفار في الحرب.
الفصل الثاني: هل يستحب تقليم الأظفار في يوم معين.
الفصل الثالث: في كيفية تقليم الأظفار.
الفصل الرابع: في إزلة الوسخ الذي تحت الظفر.(3/7)
الفصل الخامس: في دفن الظفر والشعر.
الفصل السادس: في من قلم أظفاره هل يعيد وضوءه.
فرع: غسل رؤوس الأصابع بعد قص الأظفار.
الباب الرابع: في نتف الإبط.
تعريف الإبط.
الفصل الأول: حكم نتف الإبط والتوقيت فيه.
الفصل الثاني: في كيفية نتف الإبط.
الفصل الثالث: الوضوء من نتف الإبط.
الباب الخامس: في الشارب.
تمهيد:
الفصل الأول: حكم قص الشارب.
الفصل الثاني: هل يقص الشارب أو يحلق؟.
فرع: كلام أهل العلم في السبالين.
الفصل الثالث: التوقيت في قص الشارب.
الباب السادس: في اللحية.
تعريف اللحية.
الفصل الأول: ما جاء في أن إعفاء اللحية من الفطرة.
الفصل الثاني: في حكم إعفاء اللحية.
الفصل الثالث: حلق ما تحت الذقن.
الفصل الرابع: في نتف الشيب.
الفصل الخامس: في تغيير الشيب.(3/8)
الباب السابع: في شعر الرأس.
الفصل الأول: في حلق شعر الرأس.
الفصل الثاني: في النهي عن القزع.
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: في تعريف القزع.
المبحث الثاني: في حكم القزع.
الفصل الثالث: في الترجل وصفته.
الباب الثامن: في غسل البراجم.
الكتاب الثاني: في أحكام السواك.
ويشتمل على تهميد، وخمسة أبواب، وستة عشر فائدة فقهية وسلوكية متفرقة، وخاتمة. على النحو التالي.
التمهيد
ويشتمل على خمسة مباحث:
المبحث الأول: في تعريف السواك.
المبحث الثاني: في فضل السواك.
المبحث الثالث: بيان أن السواك من سنن الفطرة.
المبحث الرابع: ما ورد في كون الصلاة بسواك أفضل من سبعين... صلاة بغير سواك.
المبحث الخامس: هل السواك في شريعة من قبلنا.(3/9)
الباب الأول: في ذكر جنس ما يتسوك به.
ويشتمل على خمسة فصول:
الفصل الأول: في التسوك بالعود وبيان الأفضل منه.
الفصل الثاني: لا يتسوك بعود يضر اللثة.
الفصل الثالث: التسوك بما له رائحة ذكية.
الفصل الرابع: التسوك بالأصبع والخرقة.
الفصل الخامس: معجون الأسنان هل يحصل به إصابة السنة.
الباب الثاني: صفة السواك.
ويشتمل على ثلاثة فصول:
الفصل الأول: هل الأفضل اليابس من السواك أو الرطب؟
الفصل الثاني: الكلام في طول السواك وعرضه.
الفصل الثالث: التسوك بعود لا يعرفه.
الباب الثالث: في حكم السواك
ويشتمل على سبعة أبو اب، ومبحث واحد.
الفصل الأول: حكم السواك، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حكم السواك للصائم.
المبحث الثاني: هل خلوف الصائم أطيب عند الله من رائحة في الدنيا والآخرة أم في الآخرة فقط؟
الفصل الثالث: حكم التسوك في المسجد.
الفصل الرابع: حكم السواك بحضرة الناس.(3/10)
الفصل الخامس: التسواك في الخلاء.
الفصل السادس: إمكانية ترتيب الأجر على التسوك بما يضر.
الفصل السابع: في التسمية للسواك.
الباب الرابع: في ذكر المواضع التي يتأكد فيها السواك.
ويشتمل على عشرة فصول، ومبحثين:
الفصل الأول: السواك عند الصلاة.
الفصل الثاني: السواك عند الوضوء.
الفصل الثالث: في مشروعية السواك للغسل والتيمم.
الفصل الرابع: يستحب السواك عند الانتباه من النوم.
الفصل الخامس: يستحب السواك عند تغير الفم.
الفصل السادس: استحباب السواك عند دخول البيت.
الفصل السابع: حكم السواك عند دخول المسجد.
الفصل الثامن: التسوك عند قراءة القرآن.
المبحث الأول: حكم السواك لسجود التلاوة والشكر.
المبحث الثاني: الاستياك للقراءة بعد السجود.
الفصل التاسع: من المواضع التي يتأكد فيها السواك يوم الجمعة.
الفصل العاشر: هل يستحب السواك عند الاحتضار.
الباب الخامس: في صفة التسوك.
ونشتمل على تسعة فصول:
الفصل الأول: كيفية التسوك.(3/11)
الفصل الثاني: هل يبدأ المتسوك بجانب فمه الأيمن أو الأيسر؟
الفصل الثالث: أفضيلة السواك بيده اليمنى أم اليسرى؟
الفصل الرابع: في كيفية أخذ السواك.
الفصل الخامس: الكلام في قبض السواك.
الفصل السادس: في موضع السواك من الرجل.
الفصل السابع: في الاستياك حال الاضطجاع.
الفصل الثامن: أقل ما تحصل به السنة من الاستياك.
الفصل التاسع: هل يحتاج المتسوك إلى نية؟
فوائد متفرقة: متممة لبحوث السواك.
وتشتمل على ستة عشر فائدة:
الفائدة الأولى: استحباب غسل السواك.
الفائدة الثانية: إباحة التسوك بسواك الغير.
الفائدة الثالثة: إذا دفع السواك للغير يبدأ بالأكبر، وليس بالأيمن.
الفائدة الرابعة: في بلع الريق عند ابتداء السواك.
الفائدة الخامسة: في الدعاء عند السواك.
الفائدة السادسة: في منافع السواك.
الفائدة السابعة: ذكر بعض فقهاء الحنفية أن العلك يقوم مقام... السواك بالنسبة للمرأة.
الفائدة الثامنة: التسوك والإمام يصلي.
الفائدة التاسعة: في الوضوء من فضل السواك.
الفائدة العاشرة: استحب فقهاء الحنفية أن يكون السواك من شجر مر.(3/12)
الفائدة الحادية عشرة: نهى بعض الفقهاء أن يتسوك بطرف السواك الآخر.
الفائدة الثانية عشرة: نهى بعض الفقهاء عن التسوك بالقصب.
الفائدة الثالثة عشرة: قال النووي: يستحب أن يعود الصبي السواك... ليألفه كسائر العبادات.
الفائدة الرابعة عشرة: في لقطة السواك.
الفائدة الخامسة عشرة: يتسوك المحرم، كما يتسوك الحلال.
الفائدة السادسة عشرة: بحث طبي في السواك.
الخاتمة.
أسأل الله سبحانه وتعالى بمنه وكرمه أن يجعل العمل خالصاً لوجهه، وأن يتقبله مني بقبول حسن، وأن يعظم به الأجر ويكفر به السئيات لي ولوالدي، ولجميع مشايخي، وأهل بيتي إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(3/13)
[صفحة فارغة](3/14)
التمهيد
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: في تعريف الفطرة.
المبحث الثاني: في ذكر خصال الفطرة.(3/15)
[صفحة فارغة](3/16)
المبحث الأول
في تعريف الفطرة
تعريف الفطرة من حيث اللغة:
جاء في اللسان: فَطَرَ الشيء يَفْطُرُه فَطْراً فانْفَطَر.
وفَطَّره: شقه، وتَفَطَّر الشيء: تشقق، والفَطْر: الشق، وجمعه فُطُور. وفي التنزيل العزيز: {هل ترى من فطور} (1) .
وأصل الفَطْر: الشق، ومنه قوله تعالى: {إذا السماء انفطرت} (2) : أي انشقت. وفي الحديث: " قام رسول الله B حتى تَفَطَّرت قدماه: أي انشقتا. يقال: تَفَطَّرت وانْفَطَرت بمعنى. وفي التنزيل العزيز:
{السماء منفطر به} (3) ، كما قالوا: سيف فطار: فيه صدوع وشقوق. قال عنترة:
وسيفي كالعقيقة وهو كمعي... سلاحي لا أفل ولا فطارا (4) .
وجاء في كتاب العين: الفُطْر: ضرب من الكَمْأة.
والفُطْرُ: شيء قليل من اللبن يحلب ساعتئذ، تقول: ما احتلبناها إلا فُطْراً. قال المرار: عاقر لم يحتلب منها فُطُرْ.(3/17)
وفَطَرْت الناقة: أفْطِرُها فَطْراً: أي حلبتها بأطراف الأصابع.
وقطر ناب البعير: طلع.
وفَطَر الله الخلق: أي خلقهم وابتدأ صنعة الأشياء، وهو فاطر السموات والأرض.
__________
(1) الملك: 3.
(2) الانفطار: 1.
(3) المزمل: 18.
(4) اللسان (5/55) .
والفطرة: التي طبعت عليها الخليقة من الدين، فطرهم الله على معرفته بربوبيته، ومنه حديث: " كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه (1) .
اختلف العلماء في تعريف الفطرة
فقال بعضهم: الفطرة: الخلقة، والفاطر الخالق.
فكأن معنى: كل مولود يولد على الفطرة: أي على خلقة يعرف بها ربه، إذا بلغ مبلغ المعرفة سالماً في الأغلب خلقة وطبعاً، مهيأ لقبول الدين، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات، فما دامت على ذلك القبول، وعلى تلك الأهلية أدركت الحق ودين الإسلام.
وقيل: معنى الفطرة هي الابتداء. وفطر الله الخلق: أي بدأهم. ويقال: أنا فطرت الشيء: أي أول من ابتدأه.(3/18)
فيكون المراد: البداءة التي ابتدأهم عليها: أي على ما فطر الله عليه خلقه من أنه ابتدأهم للحياة، والموت، والشقاء، والسعادة، وإلى ما يصيرون عليه عند البلوغ من ميولهم عن آبائهم واعتقادهم. وذلك ما فطرهم الله عليه مما
لا بد من مصيرهم إليه، فقد يفطر على الكفر وقد يفطر على الإيمان (2) .
وقيل: الفطرة هي السنة (3) .
__________
(1) العين (7/417،418) ، وقال في المغرب (ص: 363) : " (الْفَطْر) إيجاد الشيء ابتداء وابتداعاً. ويقال: فطر الله الخلق فطراً إذا ابتدعهم. و (الفطرة) الخلقة، وهي من الفطر، كالْخِلْقَة من الخلق في أنها اسم للحالة، ثم إنها جعلت اسماً للخلقة القابلة لدين الحق على الخصوص. وعليه الحديث المشهور: " كل مولود يولد على الفطرة " ثم جعلها اسماً لملة الإسلام نفسها؛ لأنها حالة من أحوال صاحبها، وعليه قوله: قص الأظفار من الفطرة.
وقال في المصباح المنير (ص: 477) : (ف ط ر) فطر الله الخلق فطراً: أي خلقهم. والاسم: الفِطْرَة بالكسر. قال تعالى: {فطرت الله التي فطر الناس عليها} الخ ما ذكره..
(2) المنتقى شرح الموطأ (2/33) ، فتاوى السبكي (2/361) ، طرح التثريب (7/226) .
(3) المجموع (1/338) ، نيل الأوطار (2/310) .
وقيل: الفطرة، هي الإسلام. قال ابن عبد البر: وهو المعروف عند عامة السلف من أهل العلم بالتأويل (1) . ونسبه ابن عبد البر والقرطبي إلى أبي هريرة، وابن شهاب وغيرهما (2) .
وقيل: الفطرة المقصود بها ما أخذ الله من ذرية آدم من الميثاق قبل أن يخرجوا إلى الدنيا يوم استخرج ذرية آدم من ظهره، فخاطبهم {ألست بربكم قالوا بلى} (3) ، فأقروا له جميعاً بالربوبية عن معرفة منهم، ثم أخرجهم من أصلاب آبائهم مخلوقين مطبوعين على تلك المعرفة، وذلك الإقرار. قالوا: وليست تلك المعرفة بإيمان، ولا ذلك الإقرار بإيمان، ولكنه إقرار من الطبيعة للرب، فطرة ألزمها قلوبهم، ثم أرسل إليهم الرسل، فدعوهم إلى الاعتراف له بالربوبية، فمنهم من أنكر بعد المعرفة؛ لأنه لم يكن الله عز وجل ليدعو خلقه(3/19)
إلى الإيمان به، وهو لم يعرفهم نفسه (4) .
فتلخص من هذا أن الخلاف في الفطرة على النحو التالي:
قيل: الفطرة: الخلقة، والسلامة، والتهيؤ للقبول.
وقيل: الفطرة: البداءة.
وقيل: الفطرة الإسلام.
وقيل: الفطرة: السنة.
وقيل: الفطرة، الميثاق والعهد المأخوذ على ذرية آدم.
وإليك أدلة كل قول، وما يمكن أن يناقش به.
دليل من قال الفطرة: الخلقة.
استدلوا بقوله تعالى: {قل أغير الله اتخذ ولياً فاطر السموات والأرض} (5) .
وقوله تعالى: {ومالي لا أعبد الذي فطرني} (6) أي خلقني.
__________
(1) التمهيد (18/72) .
(2) التمهيد (18/76) ، والجامع لأحكام القرآن (14/25) .
(3) الأعراف، آية: 172.
(4) طرح التثريب (7/227،228) .
(5) الأنعام، آية 14.
(6) يس، آية: 22.
وأصحاب هذا القول أنكروا أن يفطر المولود على كفر وإيمان، أو معرفة أو إنكار، قالوا: وإنما يولد المولود على السلامة في الأغلب خلقة وطبعاً، وبنية ليس معها إيمان ولا كفر، ولا إنكار ولا معرفة، ثم يعتقدون الكفر أو الإيمان بعد البلوغ إذا ميزوا، واحتجوا بقوله في الحديث كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء يعني: سالمة. هل تحسون فيها من جدعاء - يعني: مقطوعة الأذن،(3/20)
فمثلوا قلوب بني آدم بالبهائم؛ لأنها تولد كاملة الخلق، ليس فيها نقصان، ثم تقطع آذانها بعد، وأنوفها، فيقال: هذه بحائر، وهذه سوائب. فكذلك قلوب الأطفال في حين ولادتهم ليس لهم كفر حينئذٍ ولا إيمان، ولا معرفة
ولا إنكار، كالبهائم السالمة فلما بلغوا استهوتهم الشياطين، فكفر أكثرهم، وعصم الله أقلهم، ولو كان الأطفال قد فطروا على شيء على الكفر أو الإيمان في أولية أمرهم ما انتقلوا عنه أبداً، ومحال أن يعقل الطفل حال ولادته كفراً أو إيماناً. والله سبحانه وتعالى يقول:
{والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً} (1) ، فمن
لا يعلم شيئاً استحال منه كفر وإيمان، أو معرفة أو إنكار.
قال ابن عبد البر: هذا القول أصح ما قيل في معنى الفطرة التي يولد الناس عليها، والله أعلم؛ وذلك أن الفطرة السلامة والاستقامة بدليل حديث عياض بن حمار عن النبي b حاكياً عن ربه عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء. يعني: على استقامة وسلامة. والحنيف في كلام العرب: المستقيم السالم. وإنما قيل للأعرج: أحنف على جهة الفأل. كما قيل للقفر: مفازة.
دليل من قال: الفطرة: البداءة، والفاطر البادئ.
الدليل الأول:
(438-2) استدلوا بما روى الطبري في تفسيره، قال: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان، إبراهيم بن مهاجر،(3/21)
__________
(1) النحل، آية: 78.
عن مجاهد، قال: سمعت ابن عباس يقول: كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر. فقال أحدهما لصاحبه: أنا فطرتها. يقول: أنا ابتدأتها (1) .
[ابن وكيع ضعيف، لكنه قد توبع، وباقي الإسناد رجاله ثقات إلا إبراهيم بن مهاجر فإنه صدوق في حفظه شيء] (2) .(3/22)
الدليل الثاني:
__________
(1) تفسير الطبري (7/158) .
(2) تابع محمد بن بشار ابن وكيع، كما في التمهيد (18/78) ، فقد رواه من طريقه، قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان به.
وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (2/258) من طريق أبي عبيدة، حدثني يحيى بن سعيد القطان به.
وإليك أهم ما قيل في إبراهيم بن مهاجر:
قال أحمد: ليس به بأس. وكذا قال الثوري. الجرح والتعديل (2/132) .
وقال النسائي: ليس بالقوي. الضعفاء والمتروكين (7) .
وقال في موضع آخر: لا بأس به. تهذيب الكمال (2/211) .
وقال ابن عدي: أحاديثه صالحة، ويحمل بعضهاً بعضاً، وهو عندي أصلح من إبراهيم الهجري، وحديثه يكتب في الضعفاء. الكامل (1/213) .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سمعت أبي يقول: إبراهيم بن مهاجر ليس بقوي، هو وحصين بن عبد الرحمن، وعطاء بن السائب قريب بعضهم من بعض، فمحلهم عندنا محل الصدق، يكتب حديثهم، ولا يحتج بحديثهم. قلت لأبي: ما معنى لا يحتج بحديثهم؟.
قال: كانوا أقواماً لا يحفظون، فيحدثون بما لا يحفظون، فيغلطون. ترى في حديثهم اضطراباً ما شئت. الجرح والتعديل (2/132) .
وسأل الحاكم الدارقطني قلت: فإبراهيم بن مهاجر؟. قال: ضعفوه، تكلم فيه يحيى ابن سعيد وغيره. قلت: بحجة؟. قال: بلى، حدث بأحاديث لا يتابع عليها، وقد غمزه شعبة أيضاً. تهذيب التهذيب (1/146) .
وقال يحيى القطان: لم يكن بالقوي. الجرح والتعديل (2/132) .
وقال يحيى بن معين: ضعيف الحديث، كما في رواية عباس الدوري عنه. المرجع السابق.
وفي التقريب: صدوق، لين الحفظ.
(439-3) واحتجوا بما رواه مسلم في صحيحه، قال: حدثنا عبد الله ابن مسلمة بن قعنب، حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن رقبة بن مصقلة، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله B: إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً (1) .
وفي صحيح البخاري: عن ابن عباس أنه كان يقرأ أما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين (2) .
فهنا أطلق على الغلام أنه كافر، وهذا باعتبار أنه فطر أول ما فطر على الكفر. فكان ابتداء خلقه أن يكون كافراً، فهو صائر إليه لا محالة.
الدليل الثالث:
(440-4) ما رواه مسلم، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن طلحة بن يحيى، عن عمته عائشة بنت طلحة،
عن عائشة أم المؤمنين قالت: دعي رسول الله B إلى جنازة صبي(3/23)
من الأنصار، فقلت: يارسول الله طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل السوء ولم يدركه. قال: أو غير ذلك يا عائشة؛ إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم (3) .
ورده ابن عبد البر، فقال: إن أراد هؤلاء أن الله خلق الأطفال، وأخرجهم من بطون أمهاتهم ليعرف منهم العارف، ويعترف فيؤمن، وينكر منهم المنكر، فيكفر، كما سبق له القضاء، وذلك حين يصح منهم الإيمان والكفر، فذلك ما قلنا. وإن أرادوا أن الطفل يولد عارفاً مقراً، مؤمناً، وعارفاً جاحداً كافراً في حين ولادته، فهذا يكذبه العيان والعقل.
__________
(1) صحيح مسلم (2661) .
(2) صحيح البخاري (3401) .
(3) صحيح مسلم (31 ـ 2662)
وقال ابن عبد البر: " وهذا المذهب ـ يعني هذا القول ـ شبيه بما حكاه أبو عبيد، عن عبد الله بن المبارك، أنه سئل عن قول النبي b: " كل مولود يولد على الفطرة " فقال:" يفسره الحديث الآخر حين سئل عن أطفال المشركين، فقال: الله أعلم بما كانوا يعملون " (1) .
(441-5) قال ابن عبد البر: حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن الجهم، قال: حدثنا روح بن عبادة، قال: حدثنا موسى بن عبيدة، قال:
سمعت محمد بن كعب القرظي في قوله عز وجل: {كما بدأكم تعودون فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة} (2) .(3/24)
قال: من ابتدأ الله خلقه للضلالة صيره إلى الضلالة، وإن عمل بأعمال الهدى، ومن ابتدأ الله خلقه على الهدى صيره الله إلى الهدى، وإن عمل بأعمال الضلالة، ابتدأ خلق إبليس على الضلالة، وعمل بعمل السعادة مع الملائكة، ثم رده الله إلى ما ابتدأ عليه خلقه من الضلالة، وكان من الكافرين، وابتدأ خلق السحرة على الهدى، وعملوا بعمل الضلالة، ثم هداهم الله إلى الهدى والسعادة، وتوفاهم عليها مسلمين (3) .
ورده ابن عبد البر، فقال: ليس في قوله: {كما بدأكم تعودون} (4) دليل على أن الطفل يولد حين يولد مؤمناً أو كافراً لما شهدت به العقول أنه في ذلك الوقت ليس ممن يعقل إيماناً ولا كفراً.
ومن الحجة أيضاً قوله تعالى: {إنما تجزون ما كنتم تعملون} (5) .
وقوله تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة} (6) .
ومن لم يبلغ وقت العمل لم يرتهن بشيء.
وقال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} (7) .
ولما أجمعوا على دفع القود والقصاص والحدود والآثام عنهم في دار الدنيا كانت الآخرة أولى بذلك.
__________
(1) التمهيد (18/79) ، ونقله العراقي في طرح التثريب (7/226،227) .
(2) الإعراف، آية: 29، 30.
(3) التمهيد (18/78) .
(4) الأعراف: 29.
(5) الطور، آية: 16.
(6) المدثر، آية: 38.
(7) الإسراء، آية: 15.
وقال القرطبي: قال شيخنا أبو العباس: من قال: هي سابقة السعادة(3/25)
والشقاوة، فهو إنما يليق بالفطرة المذكورة في القرآن؛ لأن الله تعالى قال:
{لا تبديل لخلق الله} (1) ، وأما في الحديث فلا؛ لأنه قد أخبر في بقية الحديث بأنها تبدل وتغير (2) .
دليل من قال: الفطرة السنة.
الدليل الأول:
(442-6) ما رواه البيهقي، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، نا
أبو عبد الله محمد بن يعقوب إملاء، ثنا حامد بن أبي حامد المقري، ثنا إسحاق بن سليمان، ثنا حنظلة بن أبي سفيان، عن نافع،
عن ابن عمر، عن النبي b قال: من السنة قص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار.
قال البيهقي: رواه البخاري في الصحيح، عن أحمد بن أبي رجاء، عن إسحاق بن سليمان اهـ (3) .
أراد البيهقي أصل الحديث وإلا فلفظ البخاري: "من الفطرة " (4) ،
__________
(1) الروم: 30.
(2) تفسير القرطبي (14/27) .
(3) سنن البيهقي (1/149) .
(4) قال البخاري (5890) : حدثنا أحمد ابن أبي رجاء، حدثنا إسحاق بن سليمان، قال: سمعت حنظلة، عن نافع،
عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من الفطرة حلق العانة وتقليم الأظفار وقص الشارب. اهـ هذا لفظ البخاري.
وتبع النووي البيهقي، فقال في المجموع (1/338) : " في صحيح البخاري عن
ابن عمر، عن النبي b قال: من السنة قص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار " اهـ.
هكذا نسب النووي هذا اللفظ إلى البخاري كما نسبه البيهقي، ولم أجده فيه بهذا اللفظ. قال الحافظ في الفتح (10/339) : "وقد تبعه شيخنا ابن الملقن على هذا ـ أي على نسبة هذا اللفظ للبخاري- قال الحافظ: ولم أر الذي قاله في شيء من نسخ البخاري، بل الذي فيه من حديث ابن عمر بلفظ الفطرة. وكذا من حديث أبي هريرة، نعم وقع التعبير بالسنة موضع الفطرة في حديث عائشة عند أبي عوانة في رواية أخرى، وفي رواية أخرى بلفظ الفطرة كما في رواية مسلم والنسائي وغيرهما " هـ ولم يقف الحافظ على لفظ البيهقي.
وهو(3/26)
المحفوظ (1) .(3/27)
الدليل الثاني:
(443-7) ما رواه أبو عوانة في مسنده، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أبي رجاء المصيصي، قال: ثنا وكيع بن الجراح، قال: ثنا زكريا بن أبي زائدة، عن مصعب بن شيبة، عن طلق بن حبيب، عن ابن الزبير،
عن عائشة، قالت: قال رسول الله B عشر من السنة: قص الشارب، وإعفاء اللحى، والسواك، والاستنثار بالماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء ـ يعني الاستنجاء بالماء.
قال زكريا: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة (2) .
__________
(1) انفرد بهذه اللفظة حامد بن أبي حامد المقري، فرواه عن إسحاق بن سليمان، عن حنظلة بن أبي سفيان، عن نافع، عن ابن عمر.
وقد رواه أحمد في مسنده (2/118) . والبخاري في صحيحه (5888) ثنا أحمد بن أبي رجاء، كلاهما روياه، عن إسحاق بن سليمان به، بلفظ: " من الفطرة " وروايتهما أرجح بدون شك.
أولاً: لأن أحمد بن حنبل، لا يعدله من خالفه، ولا يقاربه في الحفظ.
وثانياً: ولكون لفظ: " من الفطرة " هو لفظ البخاري، أعلى الكتب صحة، متناً وإسناداً بلا منازع.
وثالثاً: وجود المتابعات، لأحمد والبخاري، ولم يتابع البيهقي على لفظه، فقد رواه جماعة عن حنظلة بن أبي سفيان، موافقين لرواية أحمد والبخاري، وإليك هم:
الأول: عبد الله بن وهب، كما في سنن النسائي الصغرى (1/15) رقم 12، والكبرى أيضاً (1/66) رقم 12.
الثاني: مكي بن إبراهيم. كما في صحيح البخاري (5888) ، ومسند عبد الله بن عمر ـ للطرسوسي (ص: 44) رقم 80. سنن البيهقي (3/243) ، وشعب الإيمان ـ للبيهقي (5/221) رقم 6441.
الثالث: الوليد بن مسلم، كما في صحيح ابن حبان (5478) .
(2) مسند أبي عوانة (1/190،191) .
[المحفوظ أنه من قول طلق، ورفعه شاذ، كما أن المحفوظ أن الأثر بلفظ: " عشر من الفطرة " وليس عشر من السنة] (1) .(3/28)
قال أبو عمر بن الصلاح: " هذا فيه إشكال لبعد معنى السنة عن معنى الفطرة في اللغة (2) ،
__________
(1) سيأتي تخريجه في كتاب السواك.، كما أن لفظة: " عشر من السنة " انفرد بها أحمد ابن محمد بن أبي رجاء المصيصي عن وكيع.
وتابعه أبو بشر، عن طلق بن حبيب، قال: عشرة من السنة السواك وقص الشارب وذكر الحديث. كما عند النسائي في الصغرى (5042) ، والكبرى (9288) .
وقد رواه جماعة عن وكيع، ولم يذكروا ما ذكره ابن أبي رجاء، وإليك بعض من وقفت عليه منهم:
الأول: إسحاق بن راهوية كما في مسنده (2/97) ، ومسند أبي يعلى (4517) . والنسائي في المجتبى (5040) ، والكبرى (9286) .
الثاني: أبو بكر بن أبي شيبة كما في المصنف (5/227) رقم 25505، وصحيح مسلم (56ـ261) ، وابن ماجه (293) ، والبيهقي في السنن الكبرى (1/36) .
الثالث: قتيبة، كما في مسلم (56 ـ 261) والترمذي (2757) .
الرابع: زهير بن حرب، كما في مسلم (56 ـ 261) .
الخامس: يحيى بن معين، كما في سنن أبي داود (53) ، والبيهقي في السنن الكبرى (1/52) .
السادس: هناد، كما في سنن الترمذي (2757) .
السابع: يوسف بن موسى كما في صحيح ابن خزيمة (88) .
الثامن: محمد بن إسماعيل الحساني، كما في سنن الدارقطني (1/94) .
(2) المعنى اللغوي للفطرة: قال في المغرب (ص: 363) : " (الْفَطْر) إيجاد الشيء ابتداء وابتداعاً. ويقال: فطر الله الخلق فطراً إذا ابتدعهم. و (الفطرة) الخلقة، وهي من الفطر، كالْخِلْقَة من الخلق في أنها اسم للحالة، ثم إنها جعلت اسماً للخلقة القابلة لدين الحق على الخصوص. وعليه الحديث المشهور: " كل مولود يولد على الفطرة " ثم جعلها اسماً لملة الإسلام نفسها؛ لأنها حالة من أحوال صاحبها، وعليه قوله: قص الأظفار من الفطرة.
وقال في المصباح المنير (ص: 477) : (ف ط ر) فطر الله الخلق فطراً: أي خلقهم. والاسم: الفِطْرَة بالكسر. قال تعالى: {فطرت الله التي فطر الناس عليها} الخ ما ذكره.
قال: فلعل وجهه أن أصله سنة الفطرة، أو أدب الفطرة، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه " اهـ.
وإذا قلنا إن المراد بالفطرة: السنة. فإن السنة معناها الطريقة: أي أن معنى ذلك من سنن الأنبياء والمرسلين وطريقتهم.
دليل من قال الفطرة هي الإسلام.
الدليل الأول:
قوله تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس(3/29)
عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس
لا يعلمون} (1) .
قال ابن عبد البر: قد أجمعوا في قول الله عز وجل: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} (2) ، على أن قالوا فطرة الله دين الله الإسلام.
ثم قال: وذكروا عن عكرمة ومجاهد والحسن وإبراهيم والضحاك وقتادة في قوله عز وجل: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} قالوا: دين الله الإسلام. {لا تبديل لخلق الله} قالوا: لدين الله (3) .
الدليل الثاني:
(444-8) ما رواه البخاري، قال: حدثنا عبدان، أخبرنا عبد الله، أخبرنا يونس، عن الزهري، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن،
أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله B: ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أوينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء، ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم (4) .
ولما كان الإسلام هو دين الفطرة، لم يحتج أن يقول: فأبواه يسلمانه.
وتعقبه ابن عبد البر، فقال: يستحيل أن تكون الفطرة المذكورة في قول(3/30)
النبي B: " كل مولود يولد على الفطرة " الإسلام؛ لأن الإسلام والإيمان قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح. وهذا معدوم من الطفل،
لا يجهل بذلك ذو عقل (5) .
الدليل الثالث:
__________
(1) الروم، آية: 30.
(2) الروم، آية: 30.
(3) التمهيد (18/75) .
(4) صحيح البخاري (1359) ، ورواه مسلم بنحوه (2658) .
(5) التمهيد (18/77) .
(445-9) ما رواه البخاري، قال: حدثنا حفص بن عمر، قال: حدثنا شعبة، عن سليمان قال: سمعت زيد بن وهب قال:
رأى حذيفة رجلاً لا يتم الركوع والسجود، قال: ما صليت، ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله محمداً b عليها (1) .
مت على غير الفطرة: أي على غير الدين والملة والإسلام.
قال ابن حجر: قال الخطابي: الفطرة الملة أو الدين. قال: ويحتمل أن يكون المراد بها هنا السنة، كما جاء " خمس من الفطرة " الحديث. ويكون حذيفة قد أراد توبيخ الرجل ليرتدع في المستقبل، ويرجحه وروده من وجه آخر بلفظ " سنة محمد " (2) .
الدليل الرابع:
(446-10) ما رواه مسلم، قال: حدثني أبو غسان المسمعي ومحمد بن(3/31)
المثنى ومحمد بن بشار بن عثمان ـ واللفظ لأبي غسان وابن المثنى ـ قالا: حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير،
عن عياض بن حمار المجاشعي، أن رسول الله B قال ذات يوم في خطبته: ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كل مال نحلته عبداً حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً. الحديث قطعة من حديث طويل (3) .
فقوله: " حنفاء " أي مسلمين.
قال ابن عبد البر: ومما يدل على أن الحنفية الإسلام قوله الله عز وجل: {ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين} (4) .
__________
(1) صحيح البخاري (791) .
(2) فتح الباري (2/275) . وقد أخرجه البخاري بلفظ السنة كما قال الحافظ، في صحيحه (389) ، قال: أخبرنا الصلت بن محمد، أخبرنا مهدي، عن واصل، عن أبي وائل، عن حذيفة رأى رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده، فلما قضى صلاته قال له حذيفة:
ما صليت. قال: وأحسبه قال: لو مت مت على غير سنة محمد صلى الله عليه وسلم.
(3) صحيح مسلم (2865) .
(4) آل عمران، آية: 67.
وقوله سبحانه: {هو سماكم المسلمين} (1) (2) .
وإنما سمي إبراهيم حنيفاً؛ لأنه كان حنف عما كان يعبد أبوه وقومه من الآلهة، إلى عبادة الله وحده: أي عدل عن ذلك ومال. وأصل الحنف ميل من إبهامي القدمين، كل واحدة منهما على صاحبتها.
قال الأوزاعي: سألت الزهري عن رجل عليه رقبة، أيجزئ عنه الصبي أن(3/32)
يعتقه، وهو رضيع؟
قال: نعم؛ لأنه ولد على الفطرة، يعني: الإسلام.
ورده ابن عبد البر، وقال: إنما أجزأ عتقه في الرقاب الواجبة عند من أجازه؛ لأن حكمه حكم أبويه (3) .
الدليل الخامس:
(447-11) ما رواه أحمد، قال: حدثنا يونس، حدثنا أبان، عن قتادة، عن الحسن،
عن الأسود بن سريع، أن رسول الله B بعث سرية يوم حنين، فقاتلوا المشركين فأفضى بهم القتل إلى الذرية، فلما جاءوا قال رسول الله B: ما حملكم على قتل الذرية؟ قالوا: يا رسول الله إنما كانوا أولاد المشركين. قال: أوهل خياركم إلا أولاد المشركين، والذي نفس محمد بيده ما من نسمة تولد إلا على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها (4) .
[رجاله ثقات، وإسناده منقطع، لم يسمع الحسن من الأسود، وقتادة مدلس] (5) .(3/33)
__________
(1) الحج: 78.
(2) التمهيد (18/75) .
(3) التمهيد (18/77) .
(4) مسند أحمد (3/435) .
(5) جاء في كتاب العلل ـ ابن المديني ـ (ص: 55) رقم 63: " وسئل ـ يعني علي بن المديني ـ عن حديث الأسود ـ وهو ابن سريع ـ بعث رسول الله B سرية فأكثروا القتل. أخرجه الإمام أحمد، فقال: إسناد منقطع رواية الحسن عن الأسود بن سريع، والحسن عندنا لم يسمع من الأسود؛ لأن الأسود خرج من البصرة أيام علي، وكان الحسن بالمدينة. فقلت له المبارك يعني ابن فضالة، يقول في حديث الحسن، عن الأسود أخبرني الأسود. فلم يعتمد على المبارك في ذلك. الخ وقد نقله ابن أبي حاتم في المراسيل (ص: 39)
قلت: وافق المبارك بن فضاله يونس بن عبيد، عن الحسن، قال: حدثنا الأسود. أخرجه النسائي في الكبرى (8616) ، والحاكم (2/123) من طريق هشيم، عن يونس به.
وأخرج الطحاوي في مشكل الآثار (1394) والبخاري في التاريخ الكبير (1/445) من طريق يحيى السري بن يحيى، عن الحسن، قال: حدث الأسود بن سريع ـ هذا لفظ الطحاوي، ولفظ البخاري، قال: حدثنا الأسود بن سريع.
وكذلك روى الطحاوي في مشكل الآثار (1396) من طريق الأشعث بن عبد الملك، عن الحسن، أن الأسود بن سريع حدثهم. وذكر نفس الحديث.
فهنا ظاهره أن الحسن قد حدثه الأسود، وقد ذهب إلى ذلك الطحاوي في مشكل الآثار (4/15) .
وجزم البزار أن الحسن لم يسمع من الأسود، فقال كما في نصب الراية (1/90) : "وكذلك قال ـ أي الحسن ـ حدثنا الأسود بن سريع، والأسود قدم يوم الجمل فلم يره، ولكن معناه حدث أهل البصرة " اهـ وممن نص على أن الحسن لم يسمع من الأسود علي بن المديني، كما في ثقات ابن حبان (3/8) ، والمعرفة والتاريخ (2/54)
وابن مندة كما في تهذيب الكمال (3/222) ، ورجحه الحافظ في التهذيب (1/295) .
تخريج الحديث:
الحديث أخرجه الطبراني في الكبير (833) ، والحاكم في المستدرك (1/123) ، والبيهقي في السنن (9/130) من طريق يونس بن محمد المؤدب، عن أبان به.
وأخرجه أحمد (3/435) ثنا إسماعيل، قال: أنا يونس، عن الحسن، عن الأسود به.
وأخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1160) ، والنسائي في الكبرى (8616) والدارمي (2463) ، والطبراني في الكبير (829،832) ، والحاكم (2/123) ، من طرق، عن يونس بن عبيد به.
وأخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1162) ، والطحاوي في مشكل الآثار (1397) من طريق شيبان، عن قتادة به.
وأخرجه أحمد (4/24) حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا السري بن يحيى، حدثنا الحسن به.(3/34)
ومن طريق السري أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/445) ، والصغير (1/89) ، والطحاوي في مشكل الآثار (1394،1395) ، وابن حبان (132) .
وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (20090) عن معمر، عمن سمع الحسن، يحدث عن الأسود بن سريع.
وأخرجه ابن أبي شيبة (6/484) رقم 33131 حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن إسماعيل، عن الحسن به.
وأخرجه أبو يعلى في مسنده (924) والطبراني في الكبير (828) من طريق شيبان بن فروخ، حدثنا أبو حمزة العطار إسحاق بن الربيع، حدثنا الحسن ببعضه.
وأخرجه الطحاوي (1396) والطبراني (830) من طريق الأشعث بن عبد الملك، عن الحسن به.
وأخرجه الطبراني في الكبير (826) من طريق المبارك بن فضالة
وأخرجه الطبراني (831) من طريق عمارة بن أبي حفصة، عن الحسن به.
وأخرجه الطبراني (834) من طريق المعلى بن زياد، عن الحسن به.
دليل من قال الفطرة الميثاق والعهد.
(448-12) دليلهم ما رواه أحمد، قال: ثنا حسين بن محمد، ثنا جرير - يعنى ابن حازم - عن كلثوم بن جبر، عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس، عن النبي b قال: أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان - يعنى عرفة- فاخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلا قال {ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون} (1) (2) .(3/35)
[قال النسائي: الحديث غير محفوظ (3) ، ورجح ابن كثير وقفه] (4) .(3/36)
__________
(1) الأعراف (172،173) .
(2) مسند أحمد (1/272) .
(3) السنن الكبرى (11191) .
(4) تفسير ابن كثير (2/263) .
والحديث فيه كلثوم بن جبر
قال أحمد بن حنبل: كلثوم بن جبر ثقة. الجرح والتعديل (7/164) .
وقال يحيى بن معين أيضاً: ثقة. المرجع السابق.
وقال النسائي: ليس بالقوي. تهذيب التهذيب (8/396) .
وقال ابن سعد: كان معروفا، وله أحاديث. الطبقات الكبرى (7/244) .
ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يروي المراسيل. الثقات (7/356) .
وقال العجلي: ثقة. معرفة الثقات (2/228) .
قلت: وقد روى له مسلم.
وفي التقريب: صدوق يخطئ. وباقي رجال الإسناد ثقات.
تخريج الحديث:
أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة (1/89) رقم 202 ثنا سليمان بن عبدالجبار، ثنا حسين بن محمد المروزي، به. مرفوعاً.
وأخرجه النسائي في التفسير (211) ، وفي الكبرى (11191) ، أنا محمد بن
عبد الرحيم، أنا الحسين بن محمد به. قال النسائي: وكلثوم هذا ليس بالقوي، وحديثه ليس بالمحفوظ. اهـ
وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (9/110) حدثني أحمد بن محمد الطوسي، قال: ثنا الحسين بن محمد به. وأخرجه أيضاً في تاريخه (1/134) بالإسناد نفسه.
وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/544) من طريق جعفر بن محمد الصائغ، حدثنا الحسين بن محمد به. وصححه، وأقره الذهبي.
ورواه الحاكم في المستدرك أيضاً (2/27،28) من طريق وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه. به
وقد أعله الحافظ ابن كثير في الوقف.
فقد رواه عن كلثوم موقوفاً كل من ربيعة بن كلثوم، وحماد بن زيد، وعبد الوارث، وابن علية، كلهم رووه عن كلثوم، عن سعيد، عن ابن عباس.
فقد رواه الطبراني (9/111) من طريق عبد الوارث، ثنا كلثوم بن جبر به موقوفاً.
وأخرجه الطبراني (9/111) من طريقين، عن ابن علية، قال: ثنا كلثوم بن جبر به. موقوفاً.
وقد رواه ابن سعد (1/29) ، من طريق حماد بن زيد، عن كلثوم به موقوفاً.
وأخرجه الطبراني (9/110،111) من طريق ربيعة بن كلثوم، عن أبيه به موقوفاً.
ورواه عن سعيد بن جبير موقوفاً عطاء بن السائب، وعلي بن بذيمة، وحبيب بن
أبي ثابت.
فقد أخرجه الطبراني (9/111) من طريقين، عن عمران بن عيينة، قال: أخبرنا عطاء ابن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس موقوفاً عليه.
ورواه الطبراني أيضاً (9/111) من طريق حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس موقوفاً عليه.
وأخرجه الطبراني أيضاً (9/111) من طريق علي بن بذيمة، عن سعيد به موقوفاً.
وقال ابن كثير: (2/263) ، " روى هذا الحديث النسائي في كتاب التفسير من سننه وابن جرير وابن أبي حاتم من حديث حسين بن محمد به، إلا أن ابن أبي حاتم جعله موقوفاً " حتى قال: " ورواه عبد الوارث، عن كلثوم بن جبر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، فوقفه. وكذا رواه إسماعيل بن علية، ووكيع، عن ربيعة بن كلثوم بن جبر، عن أبيه به. وكذا رواه عطاء بن السائب، وحبيب بن أبي ثابت، وعلي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير، عن
ابن عباس. وكذا رواه العوفي، علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس. فهذا أكثر وأثبت اهـ.
يعني: كونه موقوفاً. وإذا كان الراجح وقفه كما هو ظاهر من البحث، هل مثله مما يقال بالرأي، أو أن له حكم الرفع. فيه تأمل.
وله شواهد:
الأول: ما رواه مالك في الموطأ (2/898) ، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، أنه أخبره، عن مسلم بن يسار الجهني،(3/37)
أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين} ، فقال عمر بن الخطاب: سمعت رسول الله B يُسْأل عنها، فقال رسول الله B: إن الله تبارك وتعالى خلق آدم، ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره، فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون. فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ قال: فقال رسول الله b: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة، فيدخله به الجنة. وإذا خلق العبد للنار، استعمله بعمل أهل النار، حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار.
ومن طريق مالك أخرجه أبو داود (4703) ، والترمذي (3075) وابن أبي عاصم (196) ، والنسائي في الكبرى (11190) ، وابن حبان (6166) ، والبغوي في شرح السنة (77) .
وإسناده ضعيف، وفيه انقطاع.
أما ضعف إسناده ففيه: مسلم بن يسار
قال العجلي: بصري تابعي ثقة. معرفة الثقات (2/279) .
ذكره ابن حبان في الثقات (5/390) .
وحسن الترمذي حديثه هذا كما في سنن الترمذي (3075) . ولكن تحسين الترمذي ذهاب منه إلى ضعف إسناده، لأن الحسن عنده هو الحسن لغيره.
وذكره البخاري، وسكت عليه. التاريخ الكبير (7/276) .
وأخرج له مالك في موطئه، مع شدة مالك، وتنقيته للرجال.
وأخرج ابن حبان حديث سليمان بن يسار في صحيحه (6166) ، فهو ذهاب منه إلى توثيقه.
وقال يحيى بن معين، وابن عبد البر: مجهول، كما في التمهيد (6/4،5) .
وفي التقريب: مقبول. أي حيث توبع، وإلا فلين.
وأما الانقطاع، فإن مسلم بن يسار لم يسمع من عمر.(3/38)
قال الترمذي: هذا حديث حسن، ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر. وقد ذكر بعضهم في هذا الإسناد بين مسلم بن يسار، وبين عمر رجلاً. سنن الترمذي (3075) .
ونقل ابن كثير كلام الترمذي، وقال: كذا قاله أبو حاتم وأبو زرعة. وزاد أبو حاتم: وبينهما نعيم بن ربيعة، وهذا الذي قاله رواه أبو داود، ثم ساق إسناده. اهـ تفسير بن كثير (2/263) .
قلت: قد اختلف في وصله، وإرساله.
فرواه مالك، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن مسلم بن يسار، عن عمر مرسلاً.
ورواه عمر بن جعثم القرشي، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عبد الحميد بن عبدالرحمن ابن زيد بن الخطاب، عن مسلم بن يسار، عن نعيم بن ربيعة، عن عمر، كما في سنن
أبي داود (4704) ، والطبري في تفسيره (9/113،114) ، عن محمد بن مصفى، عن بقية، عن عمر بن جعثم به.
ورواه خالد بن أبي يزيد أبو عبد الرحيم الحراني كما في التمهيد (6/4،5) من طريق أحمد بن عبد الملك بن واقد، ومحمد بن وهب، فرقهما، عن محمد بن سلمة، عن أبي
عبد الرحيم، عن زيد بن أبي أنيسة به موصولاً
وتابعهما على ذكر نعيم، يزيد بن سنان، كما في السنة لابن أبي عاصم (201) ، ومحمد بن نصر، في الرد على ابن محمد بن حنيفة، كما في النكت الظراف (8/113) ، كلاهما من طريق محمد يزيد بن سنان، عن أبيه به.
فأيهما أرجح رواية مالك المنقطعة أم رواية أبي عبد الرحيم، ويزيد بن سنان، وعمر بن جعثم القرشي الموصوله؟
اختلف في ذلك: فرجح الدارقطني الرواية الموصوله.
قال في العلل (2/222) حين سئل عن هذا الحديث: " يرويه زيد بن أبي أنيسة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن مسلم بن يسار، عن نعيم بن ربيعة، عن عمر حدث عنه كذلك يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي، وجود إسناده ووصله. وخالفه مالك بن أنس، فرواه عن زيد بن أبي أنيسة، ولم يذكر في الإسناد نعيم بن ربيعة وأرسله من(3/39)
مسلم بن يسار، عن عمر. وحديث يزيد بن سنان متصل، وهو أولى بالصواب والله أعلم. وقد تابعه عمر بن جعثم، فرواه عن زيد بن أبي أنيسة، كذلك قاله بقية بن الوليد عنه "اهـ.
وقال الحافظ بن كثير (2/264) : " الظاهر أن الإمام مالك إنما أسقط ذكر نعيم بن ربيعة عمداً لما جهل حال نعيم، ولم يعرفه؛ فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث، ولذلك يسقط ذكر جماعة ممن لا يرتضيهم، ولهذا يرسل كثيراً من المرفوعات، ويقطع كثيراً من الموصولات. والله أعلم.
ورجح بعضهم الرواية المنقطعة، رواية مالك.
قال ابن عبد البر في التمهيد (6/5،6) : " زيادة من زاد في هذا الحديث نعيم بن ربيعة ليست حجة؛ لأن الذي لم يذكرها أحفظ، وإنما تقبل الزيادة من الحافظ المتقن، وجملة القول في هذا الحديث أنه حديث ليس إسناده بالقائم؛ لأن مسلم بن يسار، ونعيم بن ربيعة جميعاً غير معروفين بحمل العلم اهـ.
وسواء اعتبرنا زيادة نعيم بن ربيعة من المزيد في متصل الأسانيد أم لا، فالحديث بكل أحواله ضعيف، كما قال ابن عبد البر، ومع ضعفه إلا أنه صالح في الشواهد، فيكون شاهداً لحديث ابن عباس المتقدم.
الشاهد الثاني: حديث أبي هريرة.
رواه الترمذي، قال: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله B: لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً من نور، ثم عرضهم على آدم، فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك. فرأى رجلا منهم، فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي رب من هذا؟ فقال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك، يقال له داود، فقال: رب كم جعلت عمره؟ قال: ستين سنة. قال: أي رب زده من عمري أربعين سنة، فلما قضي عمر آدم جاءه ملك الموت، فقال: أولم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أولم تعطها ابنك داود؟ قال: فجحد آدم، فجحدت ذريته، ونسي آدم، فنسيت ذريته، وخطئ آدم، فخطئت ذريته.(3/40)
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي B.
وليس في الحديث موضع الشاهد، وهو أخذ العهد والميثاق، المذكور بقوله تعالى: {ألست بربكم قالوا بلى} .
تخريج الحديث:
الحديث أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/27) ، والطبري في تاريخه (1/155) ، والحاكم في المستدرك (2/585ـ586) من طريق هشام بن سعد به.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح، على شرط مسلم، ولم يخرجاه. وأقره الذهبي.
وصححه ابن مندة كما في الرد على الجهمية (49) .
وقد اختلف في إسناد هذا الحديث،
فرواه أبو نعيم، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.
كما في إسناد الترمذي.
ورواه ابن وهب، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن
أبي هريرة، فجعل بدلاً من أبي صالح عطاء بن يسار. كما في العلل لابن أبي حاتم (2/88) .
جاء في العلل (2/88) : " قلت لأبي زرعة: أيهما أصح؟ - يعني: حديث ابن وهب أم حديث أبي نعيم - قال: حديث أبي نعيم أصح. وهم ابن وهب في حديثه.
ورواه أبو خالد الأحمر، واختلف عليه فيه.
فرواه الحاكم (1/46) من طريق مخلد بن مالك، عن أبي خالد الأحمر، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن أبي هريرة.
ورواه الطبري في تاريخه (1/155) ، من طريق أبي خالد الأحمر، حدثني محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
ورواه أيضاً، من طريق أبي خالد، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.
فهذه ثلاثة اختلافات في طريق أبي خالد الأحمر.
وجاء الحديث من طريق سعيد المقبري، عن أبي هريرة، ولكن ليس فيه أيضاً موضع(3/41)
الشاهد، وهو مسح ظهر آدم، وإخراج ذريته من ظهره، وأخذ الميثاق عليهم. وفي إسناده الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، صدوق يهم.
فقد أخرج الترمذي في سننه (3368) قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا صفوان بن عيسى، حدثنا الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله b: لما خلق الله آدم، ونفخ فيه الروح عطس، فقال: الحمد لله، فحمد الله بإذنه، فقال له ربه: يرحمك الله يا آدم. اذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملإ منهم جلوس، فقل السلام عليكم. قالوا: وعليك السلام ورحمة الله، ثم رجع إلى ربه، فقال: إن هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم، فقال الله له، ويداه مقبوضتان: اختر أيهما شئت، قال: اخترت يمين ربي، وكلتا يدي ربي يمين مباركة، ثم بسطها، فإذا فيها آدم وذريته. فقال: أي رب ما هؤلاء؟ فقال: هؤلاء ذريتك، فإذا كل إنسان مكتوب عمره بين عينيه، فإذا فيهم رجل أضوؤهم أو من أضوئهم. قال: يا رب من هذا؟ قال: هذا ابنك داود قد كتبت له عمر أربعين سنة. قال: يا رب زده في عمره، قال: ذاك الذي كتبت له. قال: أي رب فإني قد جعلت له من عمري ستين سنة. قال: أنت وذاك. قال: ثم أسكن الجنة ما شاء الله، ثم أهبط منها، فكان آدم يعد لنفسه. قال: فأتاه ملك الموت فقال له آدم: قد عجلت قد كتب لي ألف سنة. قال: بلى، ولكنك جعلت لابنك داود ستين سنة، فجحد، فجحدت ذريته، ونسي فنسيت ذريته. قال: فمن يومئذ أمر بالكتاب والشهود.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روي من غير وجه، عن أبي هريرة، عن النبي B من رواية زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة عن النبي
B اهـ.
وفي هذا الحديث أن عمر داود كان أربعين سنة، ووهب له ستون سنة.
بينما في الحديث السابق، أن عمره كان ستين سنة، ووهب له أربعين.
والحديث أخرجه الطبري في تاريخه (1/155) وابن خزيمة في كتاب التوحيد (ص:67) ، وابن حبان (6167) ، والحاكم في المستدرك (1/64) (4/263) وابن أبي عاصم في السنة(3/42)
(206) من طريق الحارث بن عبد الرحمن به أبي ذباب به.
الشاهد الثالث: حديث أنس بن مالك.
حدثنا قيس بن حفص، حدثنا خالد بن الحارث، حدثنا شعبة، عن أبي عمران الجوني،
عن أنس يرفعه: إن الله يقول لأهون أهل النار عذاباً: لو أن لك ما في الأرض من شيء كنت تفتدي به؟ قال: نعم. قال: فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي، فأبيت إلا الشرك. وهو في صحيح مسلم (2805) .
قال القاضي عياض في شرحه لصحيح مسلم (8/337) : وأنت في صلب آدم، قال "هذا تنبيه على ما جاء في قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى} فهذا الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم فمن وفى به بعد وجوده في الدنيا فهو مؤمن، ومن لم يف به فهو كافر. ومراد الحديث... - والله أعلم ونبيه - قد أردت منك هذا، وأنت في صلب آدم: ألا تشرك بي حين أخذت عليك ذلك الميثاق، فأبيت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا الشرك اهـ.
وقوله: والله أعلم ونبيه إنما يقال هذا في حياته b، أما بعد موته فيقال: الله أعلم وحده.
الشاهد الرابع: حديث أبي الدرداء
فقد روى أحمد، رحمه الله، قال: حدثنا هيثم، وسمعته أنا منه، قال: حدثنا أبوالربيع، عن يونس، عن أبي إدريس،
عن أبي الدرداء، عن النبي b، قال: خلق الله آدم حين خلقه، فضرب كتفه اليمنى، فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر، وضرب كتفه اليسرى، فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم، فقال للذي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي. وقال للذي في كفه اليسرى: إلى النار ولا أبالي.
فيه أبو الربيع: سليمان بن عتبة.
قال صالح بن أحمد بن حنبل: قال أبى: سليمان بن عتبة لا أعرفه. الجرح والتعديل (4/134) .
وقال يحيى بن معين كما في رواية إسحاق بن منصور عنه: سليمان بن عتبة شامي لا(3/43)
شيء. المرجع السابق.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبى عن سليمان بن عتبة الشامي، فقال: ليس به بأس، وهو محمود عند الدمشقيين. المرجع السابق.
وذكره ابن حبان في الثقات. (8/274) .
وقال أيضاً: من خيار الشاميين، وقرائهم. مشاهير علماء الأمصار (1421) .
وقال دحيم: ثقة، وقد روى عنه المشائخ. تهذيب التهذيب (4/184) .
وقال أبو زرعة، عن أبي مسهر: ثقة. قلت: إنه يسند أحاديث، عن أبي الدرداء. قال: هي يسيرة. لم يكن له عيب إلا لصوقه بالسلطان. المرجع السابق.
ودحيم وأبو مسهر من أعلم الناس بأهل الشام.
وقال صالح بن محمد: روى أحاديث مناكير، وكان الهيثم بن خارجة وهشام بن عمار يوثقانه. المرجع السابق.
وفي التقريب: صدوق، له غرائب. وباقي الإسناد رجاله كلهم ثقات إلا الهيثم بن خارجه، فإنه صدوق، فالإسناد حسن إن شاء الله تعالى.
الشاهد الخامس: حديث أبي أمامة
روى الطبراني في المعجم الكبير، قال: حدثنا إبراهيم بن صالح، ثنا عثمان بن الهيثم، ثنا جعفر بن الزبير، عن القاسم،
عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله b: لما خلق الله عز وجل الخلق، وقضى القضية، أخذ أهل اليمين بيمينه، وأهل الشمال بشماله، فقال: يا أصحاب اليمين. قالوا: لبيك وسعديك. قال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى. قال: يا أصحاب الشمال. قالوا: لبيك وسعديك. قال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى. ثم خلط بينهم، فقال: قائل: يا رب لم خلطت بينهم؟ قال: لهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون، أن يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، ثم ردهم في صلب آدم.
إسناده ضعيف جداً. فيه جعفر بن الزبير الحنفي، وهو متروك، ولولا خشية الإطالة لنقلت ما جاء في ترجمته.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/189) رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار،(3/44)
وفيه سلم بن سالم، وهو ضعيف. وفي إسناد الكبير جعفر بن الزبير، وهو ضعيف اهـ.
ولم أقف عليه في الأوسط المطبوع. وقد راجعت جميع مسند أبي أمامة. ثم وجدته في مجمع البحرين. (3217) ، قال: حدثنا محمد بن المرزبان، ثنا أحمد بن إبراهيم النرمقي، ثنا سلم بن سالم، عن عبد الرحمن، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي،
عن أبي أمامة الباهلي، قال: قال رسول الله b: خلق الله الخلق، وقضى القضية، وأخذ ميثاق النبيين، وعرشه على الماء ـ فأخذ أهل اليمين بيمينه، وأخذ أهل الشقاء بيده اليسرى، وكلتا يدي الرحمن يمين، فقال: يا أهل اليمين. قالوا: لبيك وسعديك. قال:
ألست بربكم؟ قالوا: بلى. ثم خلط بينهم. فقال قائل منهم: رب لم خلطت بيننا؟ فقال: لهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون أن تقولوا يوم القيامة إن كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم فخلق الله الخلق وقضى القضية، وأخذ ميثاق النبيين، عرشه على الماء، فأهل الجنة أهلها، وأهل النار أهلها... الحديث.
وفيه سلم بن سالم
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبى يقول: سلم بن سالم البلخي ليس بذاك في الحديث، كأنه ضعفه. الجرح والتعديل (4/266) .
وقال الدوري، عن يحيى بن معين: ليس بشيء. المرجع السابق.
وقال ابن أبي حاتم: قال أبي ضعيف الحديث، وترك حديثه ولم يقرأه علينا. المرجع السابق.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سئل أبو زرعة، عن سلم بن سالم، فقال: أخبرني بعض الخراسانيين، قال: سمعت بن المبارك يقول: اتق حيات سلم بن سالم لا تلسعك. المرجع السابق.
وقال أيضاً عبد الرحمن: سمعت أبا زرعة يقول: ما أعلم أنى حدثت عن سلم بن سالم إلا أظنه مرة. قلت: كيف كان في الحديث؟ قال: لا يكتب حديثه، كان مرجئا وكان لا وأومى بيده إلى فيه ـ يعنى: لا يصدق ـ المرجع السابق.
الشاهد السادس: حديث عبد الرحمن بن قتادة السلمي.(3/45)
رواه أحمد، قال: حدثنا الحسن بن سوار، حدثنا ليث ـ يعني ابن سعد - عن معاوية، عن راشد بن سعد،
عن عبد الرحمن بن قتادة السلمي، أنه قال: سمعت رسول الله B يقول: إن الله عز وجل خلق آدم، ثم أخذ الخلق من ظهره، وقال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي. قال: فقال قائل: يا رسول الله فعلى ماذا نعمل؟ قال: على مواقع القدر.
وأخرجه ابن سعد (1/30) (7/417) ، وابن حبان (338) ، والحاكم (1/31) ،
وابن الأثير في أسد الغابة (3/489) من طريق معاوية بن صالح به.
وإسناد هذا الحديث مضطرب:
فقيل فيه: عن راشد بن سعد، عن عبد الرحمن بن قتادة، أنه قال: سمعت رسول الله B يقول: وذكر الحديث. كما سبق في إسناد أحمد.
وقيل فيه: عن راشد بن سعد، عن عبد الرحمن بن قتادة، عن أبيه، عن هشام بن حكيم.
وقيل: عن راشد بن سعد، عن عبد الرحمن بن قتادة، عن هشام بن حكيم، ليس فيه قتادة والد عبد الرحمن.
وجاء في الإصابة: وأعل البخاري الحديث بأن عبد الرحمن إنما رواه عن هشام بن حكيم، هكذا رواه معاوية بن صالح وغيره، عن راشد.
وقال معاوية مرة: إن عبد الرحمن قال: سمعت، وهو خطأ.
ورواه الزبيدي، عن راشد، عن عبد الرحمن بن قتادة، عن أبيه، وهشام بن حكيم.
وقيل: عن الزبيدي وعبد الرحمن، عن أبيه، عن هشام.
وقال ابن السكن: الحديث مضطرب. اهـ كلام الحافظ.
وقال الحافظ: ويكفي في إثبات صحبته الرواية التي شهد له فيها التابعي بأنه من الصحابة، فلا يضر بعد ذلك إن كان سمع الحديث من النبي B أو بينهما فيه واسطة.
وليست المسألة في إثبات صحبته، ولكن إسناد هذا الحديث مضطرب، فلا يمكن أن نصحح إسناداً فيه مثل هذا الاختلاف اعتماداً على صحة كونه صحابياً.(3/46)
تخريج الحديث:
اما الإسناد الباب: عن راشد بن سعد، عن عبد الرحمن بن قتادة السلمي عن رسول الله B فقد سبق تخريجه.
وأما إسناد: راشد بن سعد، عن عبد الرحمن بن قتادة، عن أبيه، عن هشام بن حكيم.
فأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/314ـ342) ، (8/191،192) . والطبري (9/117) ، والبزار (2140) كما في كشف الأستار، والطبراني في الكبير (5/341) ، وفي الشاميين (1854) .
وأما إسناد الحديث الذي فيه: عن را شد بن سعد، عن عبد الرحمن بن قتادة، عن هشام بن حكيم، ليس فيه قتادة والد عبد الرحمن.
فأخرجه الآجري في الشريعة (ص: 172) ، والطبري (9/118) ، والطبراني في الكبير (22/434) ، وفي الشاميين (1855،2046) .
وفي الباب: حديث أبي بن كعب، موقوفاً عليه، وعبد الله بن عمرو موقوفاُ عليه، ولولا خشية الإطالة لتكلمت عليهما.
قال ابن عبد البر: قد قال هؤلاء: ليست تلك المعرفة بإيمان، ولا ذلك الإقرار بإيمان، ولكنه إقرار من الطبيعة للرب، فطرة ألزمها قلوبهم، فكفونا بهذه المقالة أنفسهم.
الراجح من هذه الأقوال:
أن الفطرة في قوله: " كل مولود يولد على الفطرة " أي على خلقة يعرف بها ربه، إذا بلغ مبلغ المعرفة سالماً في الأغلب خلقة وطبعاً، مهيأ لقبول الدين. وهذا الذي رجحه ابن عبد البر.
قال القرطبي: " وإلى ما اختاره أبو عمر، واحتج له غير واحد من المحققين، منهم ابن عطية في تفسيره في معنى الفطرة، وشيخنا أبو العباس.
قال ابن عطية: والذي يعتمد عليه في تفسير هذه اللفظة أنه الخلقة والهيئة(3/47)
التي في نفس الطفل معدة ومهيأة لأن يميز بها مصنوعات الله تعالى، ويستدل بها على ربه، ويعرف شرائعه، ويؤمن به، فكأنه تعالى قال: أقم وجهك للدين الذي هو الحنيف، وهو فطرة الله الذي على الإعداد له فطر البشر، لكن تعرضهم العوارض، ومنه قول النبي b: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه " فذكر الأبوين إنما هو مثال للعوارض التي هي كثيرة، وقال شيخنا في عبارته: " إن الله تعالى خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات، فما دامت باقية على ذلك القبول، وعلى تلك الأهلية أدركت الحق ودين الإسلام، وهو الدين الحق، وقد دل على صحة هذا المعنى قوله: " كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، يعني: أن البهيمة تلد ولدها كامل الخلقة، سليماً من الآفات، فلو ترك على أصل تلك الخلقة لبقي كاملاً بريئاً من العيوب، لكن يتصرف فيه فيجدع أذنه، ويوسم وجهه، فتطرأ عليه الآفات والنقائض، فيخرج عن الأصل، وكذلك الإنسان، وهو تشبيه واقع، ووجهه واضح (1) .(3/48)
فرع
مناسبة تسمية هذه الخصال خصال الفطرة
__________
(1) تفسير القرطبي (14/29) .
قال القرطبي في المفهم: " في هذه الخصال مجتمعة في أنها محافظة على حسن الهيئة والنظافة، وكلاهما يحصل به البقاء على أصل كمال الخلقة التي خلق الإنسان عليها، وبقاء هذه الأمور وترك إزالتها يشوه الإنسان، ويقبحه بحيث يستقذر، ويجتنب، فيخرج عما تقتضيه الفطرة الأولى، فسميت هذه الخصال فطرة لهذا المعنى. والله أعلم (1) .(3/49)
[صفحة فارغة](3/50)
المبحث الثاني
ذكر خصال الفطرة
ورد فيه حديث ابن عمر رضي الله عنه.
(449-13) فقد روى البخاري رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن
أبي رجاء، حدثنا إسحاق بن سليمان، قال: سمعت حنظلة، عن نافع،
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله B قال: من الفطرة حلق العانة وتقليم الأظفار وقص الشارب (2) .
(450-14) ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري، قال: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا
ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب،
عن أبي هريرة رضي الله عنه سمعت النبي b يقول: الفطرة خمس، الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الآباط (3) .
(451-15) ومنها حديث عائشة، في مسلم، قال رحمه الله: حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب، قالوا: حدثنا وكيع عن زكرياء بن أبي زائدة، عن مصعب بن شيبة، عن طلق بن حبيب، عن عبد الله بن الزبير،
عن عائشة قالت: قال b:عشر من الفطرة قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف(3/51)
الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء. قال زكرياء: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة.
زاد قتيبة: قال وكيع: انتقاص الماء يعني الاستنجاء.
[المحفوظ أنه من قول طلق، وسيأتي تخريجه في كتاب السواك] (4) .
فأكثر ما ورد فيه من خصال الفطرة حديث عائشة.
__________
(1) المفهم (1/511،512) .
(2) صحيح البخاري (5890) .
(3) صحيح البخاري (5891) ، ومسلم (257) .
(4) صحيح مسلم (261) .
وسنأتي على شرحها واحدة واحدة، أما السواك، فعقدت له كتاباً خاصاً لأهميته، وكثرة مباحثه. وكذلك الاستنجاء.
وأما المضمضة والاستنشاق، فسوف يأتي التعرض لأحكامها في سنن الوضوء.
بقي معنا ما ورد في حديث أبي هريرة الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الآباط، فسوف نعرض لها فصلاً فصلاً سائلين المولى سبحانه وتعالى عونه وتوفيقه.(3/52)
الباب الأول
في الختان
وفيه أحد عشر فصلاً:
الفصل الأول: في تعريف الختان.
الفصل الثاني: كيفية الختان.
الفصل الثالث: في ذكر أول من اختتن.
الفصل الرابع: في وقت الختان.
الفصل الخامس: في حكم الختان.
الفصل السادس: في من يولد، وهو مختون.
الفصل السابع: في موانع الختان.
الفصل الثامن: في عبادات الأقلف.
الفصل التاسع: في إجابة الدعوة في وليمة الختان.
الفصل العاشر: في ضمان ما أتلف بالختان.
الفصل الحادي عشر: في فوائد الختان.(3/53)
[صفحة فارغة](3/54)
الفصل الأول
في تعريف الختان
تعريف الختان في اللغة:
جاء في لسان العرب:
ختن: خَتَنَ الغلامَ والجارية يَخْتِنُهما ويَخْتُنُهما خَتْناًِ.
والاسم: الخِتانُ والخِتانَةُِ، وهو مَخْتُونٌ.
وقيل: الخَتْن للرجالِ والخَفْضُ للنساء.
والخَتِين: المَخْتُونُِ الذكر والأُنثى في ذلك سواء.
والخِتانة: صناعة الخاتِنِ.
والخَتْنُ: فِعْل الخاتن الغُلامَ
والخِتان ذلك الأَمْرُ كُلُّه وعِلاجُه.
والخِتانُ: موضع الخَتْنِ من الذكرِ وموضع القطع من نَواة الجارِيةِ.
قال أَبو منصور: هو موضع القطع من الذكر والأُنثى، ومنه الحديث المرويُّ: "إِذا الْتَقَى الخِتانانِ فقد وجب الغسلُ " وهما موضع القطع من ذكر الغلام وفرج الجارية.
ويقال لقَطْعهما: الإِعْذارُ والخَفْضُ.
ومعنى التقائهما: غُيُوبُ الحشفة في فرج المرأَة حتى يصيرِ خِتانه بحِذاء خِتَانِهاِ؛ وذلك أَن مدخل الذكر من المرأَة سافل عن ختانها؛ لأَن ختانها مستعلٍ، وليس معناه أَن يَماسَّ خِتانُه خِتانها، هكذا قال الشافعي في كتابه.
وأَصل الخَتْن: القطعُ ويقال: أُطْحِرَتْ خِتانَتُه: إِذا اسْتُقْصِيَتْ في(3/55)
القَطْعِ وتسمى الدَّعْوَة ُ لذلك خِتاناًِ (1) .
وقال الحافظ: ويسمى ختان الرجل اعذاراً بذال معجمة، وختان المرأة خفضاً بخاء وضاد معجمتين. وقال أبو شامة: كلام أهل اللغة يقتضي تسمية الكل اعذاراً، والخفض يختص بالأنثى.
__________
(1) تاج العروس (18/172)
وهناك معنى آخر، ذكره أصحاب اللغة، قالوا:
وخَتَنُ الرجلِ: المُتزوِّجُ بابنته أَو بأُخته؛ قال الأَصمعي: ابن الأَعرابي: الخَتَنُ
أَبو امرأَة الرجل وأَخو امرأَته وكل من كان من قِبَلِ امرأَتهِ والجمع أَخْتَانٌ والأُنثى خَتَنَة
وخاتَنَ الرجلُ الرجلَ إِذا تَزَوَّجَ إِليه، وفي الحديث: "عليٌّ خَتَنُ رسول الله " أَي زوجُ ابنتهِ والاسم الخُتُونة
وفي التهذيب: الأَحْماءُ من قبل الزوجِ والأَخْتانُ من قبل المرأَة والصِّهْرُ يجمعهما.
والخَتَنَة: أُمُّ المرأَة وعلى هذا الترتيب
وقال غيره: الخَتَنُ كل من كان من قبل المرأَة مثل الأَب والأَخِ وهم الأَخْتانُ، هكذا عند العربِ، وأَما العامَّة ُ فخَتَنُ الرجل زوجُ ابنته.
وأَنشد ابن بري للراجز:
وما عَلَيَّ أَن تكون جارِيهْ... حتى إِذا ما بَلَغَتْ ثَمانيَهْ
زَوَّجْتُها عُتْبَة أَو مُعاوِيهْ... أَخْتانُ صدقٍ ومُهور عالِيَهْ
وسئل سعيد بن جبير: أَيَنْظُر الرجل إِلى شعر خَتَنَتِه ? فقرأَ هذه الآية: {ولا يُبْدِينَ زينتهن إِلا لبعولتهن} حتى قرأَ الآية فقال: لا أَراه فيهم ولا أَراها فيهنَّ. أَراد بخَتَنَتِه: أُمَّ امرأَته.
قال أبو عبيدة: عذرت الجارية والغلام وأعذرتهما ختنتهما وأختنتهما وزنا ومعنى. قال الجوهري: والأكثر خفضت الجارية (1) .(3/56)
ويقال للذي لم يختن: أقلف. والمرأة قلفاء. والفقهاء يخصون أحكام الأقلف بالرجل دون المرأة.
وإزالة القلفة من الأقلف تسمى ختاناً في الرجل، وخفضاً في المرأة.
والحشفة في اللغة: ما فوق الختان من الذكر. ويقال لها: الكمرة أيضاً.
الختان في الاصطلاح:
لا يخرج المعنى اللغوي عن المعنى الاصطلاحي؛ لأن المعنى اللغوي: هو القطع.
وفي الاصطلاح: قال الحافظ: قطع بعض مخصوص، من عضو مخصوص (2) .
وقال النووي: الختان: هو قطع الجلدة التي تغطي الحشفة حتى تنكشف جميع الحشفة (3) .
وقال في شرحه لصحيح مسلم: والختان في المرأة: قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج (4) . اهـ وهي فوق مخرج البول، تشبه عرف الديك.(3/57)
[صفحة فارغة](3/58)
الفصل الثاني
في كيفية الختان
نقل الحافظ عن الماوردي قوله: "ختان الذكر قطع الجلدة التي تغطي الحشفة، والمستحب أن تستوعب من أصلها عند أول الحشفة، وأقل ما يجزئ أن لا يبقى منها ما يتغشى به شيء من الحشفة.
وقال إمام الحرمين: المستحق في الرجال قطع القلفة، وهي الجلدة التي تغطي الحشفة حتى لا يبقى من الجلدة شيء متدل.
وقال ابن الصباغ: حتى تنكشف جميع الحشفة.
وقال ابن كج، فيما نقله الرافعي: يتأدى الواجب بقطع شيء مما فوق الحشفة، وإن قل بشرط أن يستوعب القطع تدوير رأسها.
قال النووي: وهو شاذ، والأول هو المعتمد.
قال الإمام (5) : والمستحق من ختان المرأة ما ينطلق عليه الاسم.
__________
(1) فتح الباري (10/340) .
(2) فتح الباري (10/340) .
(3) روضة الطالبين (10/180) .
(4) روضة الطالبين (3/148) .
(5) أي الشافعي رحمه الله.
قال الماوردي: ختانها قطع جلدة تكون في أعلى فرجها فوق مدخل الذكر كالنواة، أو كعرف الديك، والواجب قطع الجلدة المستعلية منه دون استئصاله، وقد أخرج أبو داود من حديث أم عطية أن امرأة كانت تختن بالمدينة، فقال لها النبي b: لا تنهكي؛ فإن ذلك أحظى للمرأة، وقال: إنه ليس بالقوي. قلت (1) : وله شاهدان من حديث أنس، ومن حديث أم أيمن عند أبي الشيخ في كتاب العقيقة، وآخر عن الضحاك بن قيس عند البيهقي اهـ.(3/59)
وإليك تخريج الأدلة التي أشار إليها الحافظ:
(452-16) أما حديث أم عطية فقد أخرجه أبو داود، قال: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي وعبد الوهاب بن عبد الرحيم الأشجعي، قالا: ثنا مروان، ثنا محمد بن حسان. قال عبد الوهاب الكوفي: عن عبد الملك ابن عمير،
عن أم عطية الأنصارية أن امرأة كانت تختن بالمدينة، فقال لها النبي b: لا تنهكي؛ فإن ذلك أحظى للمرأة، وأحب إلى البعل.
قال أبو داود: روي عن عبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك بمعناه وإسناده. قال أبو داود: ليس هو بالقوي، وقد روي مرسلا. قال أبو داود: ومحمد بن حسان مجهول، وهذا الحديث ضعيف.
[مضطرب الإسناد على ضعفه] .
وله شواهد من حديث أنس، ومن حديث علي، ومن حديث ابن عمر.
(453-17) أما حديث أنس، فقد رواه الطبراني في المعجم الصغير، قال: حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب النحوي، حدثنا محمد بن سلام الجمحي، حدثنا زائدة بن أبي الرقاد، عن ثابت البناني،
عن أنس بن مالك، أن النبي b قال لأم عطية خاتنة كانت بالمدينة: إذا خفضت فأشمي، ولا تنهكي؛ فإنه أسرى للوجه، وأحظى عند الزوج.
قال الطبراني: لم يروه عن ثابت إلا زائدة، تفرد به محمد بن سلام.
ورواه الطبراني في الأوسط بالإسناد نفسه.
[إسناده ضعيف] .
(454-18) وأما حديث علي بن أبي طالب. فرواه الخطيب،(3/60)
من طريق عوف بن محمد أبي غسان، حدثنا أبو تغلب عبد الله بن أحمد
__________
(1) والقائل: هو الحافظ.
ابن عبد الرحمن الأنصاري، حدثنا مسعر، عن عمرو بن مرة، عن
أبي البختري،
عن علي، قال: كانت خفاضة بالمدينة، فأرسل إليها رسول الله
B: إذا خفضت فأشمي، ولا تنهكي، فإنه أحسن للوجه، وأرضى
للزوج.
[إسناده ضعيف] .
(455-19) وأما حديث ابن عمر، فقد رواه البزار في مسنده، قال: حدثنا سهل بن بحر، ثنا علي بن عبد الحميد، ثنا مندل بن علي، عن
ابن جريج، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع،
عن ابن عمر، قال: دخل على النبي b نسوة من الأنصار، فقال:
يا نساء الأنصار اختضبن غمساً، واخفضن، ولا تنهكن؛ فإنه أحضى عند أزواجكن، وإياكن وكفر المنعمين. قال مندل: يعنى الزوج (1) .
[إسناده ضعيف] (2) .(3/61)
__________
(1) مختصر مسند البزار (1227) .
(2) في إسناده مندل، وهو ضعيف.
قال عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل: سألت أبى عن مندل بن على، فقال: ضعيف الحديث. قلت له: حبان أخوه؟ قال: لا هو أصلح منه ـ يعنى: مندل أصلح من أخيه. وقال مرة: ما أقربهما. الجرح والتعديل (8/431) .
وقال أبو بكر بن أبى خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: مندل بن على ليس بشيء. المرجع السابق.
وقال عثمان بن سعيد: سألت يحيى بن معين عن مندل بن على؟ فقال: ليس به بأس. المرجع السابق.
وفي موضع آخر: سئل يحيى عن مندل وحبان، فقال: ضعيفان في الحديث. الكامل (6/455)
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت أبى يقول: سألت يحيى بن معين عن مندل وحبان أيهما أحب إليك؟ قال: ما بهما بأس. قال عبد الرحمن: سمعت أبى يقول كذا أقول، وكان البخاري أدخل مندلاً في كتاب الضعفاء، فقال أبى: يحول من هناك. الجرح والتعديل (8/431) .
وقال ابن نمير: حبان وأخوه مندل أحاديثهما فيها بعض الغلط. المرجع السابق.
وسئل أبو زرعة عن مندل، فقال: لين. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم الرازي: شيخ. المرجع السابق
وقال النسائي: ضعيف. الضعفاء والمتروكين (578) .
وقال ابن سعد: فيه ضعف، ومنهم من يشتهي حديثه ويوثقه، وكان خيراً فاضلاً من أهل السنة. الطبقات الكبرى (6/381) .
وقال ابن عدي: لمندل غير ما ذكرت، وله أحاديث أفراد وغرائب، وهو ممن يكتب حديثه. الكامل (6/455) .
وقال ابن حبان: كان مرجئا من العباد، إلا أنه كان يرفع المراسيل، ويسند الموقوفات، ويخالف الثقات في الروايات من سوء حفظه، فلما سلك غير مسلك المتقنين مما لا ينفعك منه البشر من الخطأ، وفحش ذلك منه عدل به غير مسلك العدول، فاستحق الترك. المجروحين (3/24) .
وذكره العقيلي في الضعفاء. الضعفاء الكبير (4/266) .
وفي التقريب: ضعيف.
ورواه ابن عدي في الكامل (3/901) من طريق خالد بن عمرو القرشي السعيدي، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سالم، عن أبيه.
وخالد هذا متروك.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن خالد بن عمرو القرشي، فقال: ليس(3/62)
بثقة، يروي أحاديث بواطيل. الجرح والتعديل (3/343) .
قال أبو محمد بن أبي حاتم: سألت أبي عن خالد بن عمرو، فقال: هو متروك الحديث ضعيف. المرجع السابق.
وسئل أبو زرعة عنه فقال: منكر الحديث. المرجع السابق.
قال البخاري: منكر الحديث. الكامل (3/29) .
وقال النسائي: ليس بثقة. المرجع السابق.
وقال ابن عدي: له غير ما ذكرت من الحديث عن من يحدث عنهم، وكلها أو عامتها موضوعة، وهو بين الأمر في الضعفاء. المرجع السابق.
وقال الحسين بن حبان، عن يحيى: كان كذاباً يكذب، حدث عن شعبة أحاديث موضوعة. تهذيب التهذيب (3/94) .
وقال أبو داود: ليس بشيء. المرجع السابق.
وقال صالح بن محمد البغدادي: كان يضع الحديث. المرجع السابق.
عن أحمد بن حنبل أنه قال: أحاديثه موضوعة. المرجع السابق.
قال المنذري: ليس في الختان خير يرجع إليه (1) ، ولا سند يتبع (2) .
وقال في عون المعبود: وحديث ختان المرأة روي من أوجه كثيرة، وكلها ضعيفة معلولة مخدوشة، لا يصح الاحتجاج بها (3) .
وقال ابن عبد البر في التمهيد: والذي أجمع المسلمون عليه الختان في الرجال (4) .(3/63)
[صفحة فارغة](3/64)
الفصل الثالث
ذكر أول من اختتن
ذكر بعض الفقهاء: أن أول من ختن من الرجال إبراهيم b ومن الإناث هاجر رضي الله تعالى عنها (5) .
دليلهم على ذلك:
الأول: الإجماع.
قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن إبراهيم أول من اختتن (6) .
وقال القرطبي: أجمع العلماء على أن إبراهيم أول من اختتن (7) .
الدليل الثاني:
(456-20) ما رواه مالك في الموطأ، قال: عن يحيى بن سعيد،
عن سعيد بن المسيب أنه قال: كان إبراهيم b أول الناس ضيَّف الضيف، وأول الناس اختتن، وأول الناس قص الشارب، وأول الناس رأى الشيب فقال: يا رب ما هذا؟ فقال: الله تبارك وتعالى وقار يا إبراهيم. فقال: رب زدني وقاراً (8) .
[رجاله ثقات، إلا أنه موقوف على سعيد] (9) .
__________
(1) يعني: ختان المرأة.
(2) تلخيص الحبير (4/83) .
(3) عون المعبود (14/126) .
(4) التمهيد (21/59) .
(5) تحفة المحتاج (9/199) ، وانظر مغني المحتاج (5/540) ، حاشية الجمل (5/174) .
(6) التمهيد (21/59) .
(7) تفسير القرطبي (2/98) .
(8) الموطأ (2/ 922)
(9) ومن طريق مالك أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (5/211) رقم 6392.
وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص: 428) رقم 1250. حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد به.
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6/331) رقم 31831، و (7/247) رقم 35738 حدثنا ابن نمير، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب به.
وأخرجه ابن أبي شيبة (5/317) رقم 26467 حدثنا عبدة، عن يحيى بن سعيد به قال: كان إبراهيم أول الناس أضاف الضيف، وأول الناس قص شاربه وقلم أظافره واستحد، وأول الناس اختتن، وأول الناس رأى الشيب. فقال: يا رب ما هذا؟ قال: الوقار. قال: رب زدني وقاراً.
وأخرجه معمر بن راشد، في كتابه الجامع (11/175) رقم 20245 عن يحيى بن سعيد به.
فهنا مالك، وحماد بن زيد، وابن نمير، وعبدة، ومعمر بن راشد خمستهم رووه عن يحيى ابن سعيد، عن سعيد بن المسيب من قوله.
ورواه ابن عدي الكامل (4/194) ثنا أبو عروبة، ثنا محمد بن يحيى بن كثير، ثنا
عبد الله بن واقد، عن حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب،
عن أبي هريرة أن النبي b قال: إن إبراهيم أول من أضاف الضيف، وأول من قص الشارب، وأول من رأى الشيب، وأول من قص الأظافر، وأول من اختتن بقدومه ابن عشرين ومائة سنة.
قال ابن عدي: وهذا الحديث بهذا الإسناد يرويه أبو قتادة.
ومن طريق ابن عدي رواه البيهقي في شعب الإيمان (6/395) رقم 6841.
وأبو قتادة، جاء في ترجمته.
قال فيه البخاري: تركوه. الضعفاء الصغير. (ص: 68) رقم 198. وزاد في التاريخ الكبير: منكر الحديث. التاريخ الكبير (5/219) رقم 713.
وقال النسائي: متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين (337) .
وقال أيضاً: ليس بثقة. الإكمال ـ الحسني (489) .
وقال عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل: سئل أبى عن أبى قتادة الحراني، فقال: ما به بأس، رجل صالح يشبه أهل النسك والخير إلا أنه كان ربما أخطأ. قيل له: إن قوماً يتكلمون فيه. قال: لم يكن به بأس. قلت: إنهم يقولون لم يفصل بين سفيان ويحيى بن أبى أنيسة. قال: لعله اختلط أما هو فكان ذكياً. فقلت له: إن يعقوب بن إسماعيل بن صبيح ذكر أن أبا قتادة الحراني كان يكذب، فعظم ذلك عنده جداً، وقال: كان أبو قتادة يتحرى الصدق، وأثنى عليه، وذكره بخير، وقال: قد رأيته يشبه أصحاب الحديث، وأظنه كان يدلس، ولعله كبر واختلط. والله اعلم. اهـ الجرح والتعديل (5/191) .
وقال ابن عدي: أبو قتادة الحراني هذا ليس هو ممن يتعمد الكذب، إلا أنه يحمل على حفظه فيخطيء، وله أحاديث كثيرة غير ما ذكرت، وغرائب غير ما ذكرت عن الثوري وابن جريج وسائر شيوخه، وهو عندي كما قال فيه أحمد بن حنبل. الكامل (4/192) .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبى عن أبى قتادة الحراني، فقال: تكلموا فيه منكر الحديث وذهب حديثه. الجرح والتعديل (5/191) .
وقال عبد الرحمن أيضاً: سألت أبا زرعة عن أبى قتادة الحراني. قلت: ضعيف الحديث. قال: نعم لا يحدث عنه ولم يقرأ علينا حديثه. المرجع السابق.
وقال ابن سعد: كان له فضل وعبادة، ولم يكن في الحديث بذاك. الطبقات الكبرى (7/486) .
وقال ابن حبان: كان أبو قتادة من عباد أهل الجزيرة وقرائهم، ممن غلب عليه الصلاح، حتى غفل عن الإتقان، فكان يحدث على التوهم فيرفع المناكير في أخباره والمقلوبات فيما يروى عن الثقات، حتى لا يجوز الاحتجاج بخبره وإن اعتبر بما وافق الثقات من الأحاديث معتبر فلم أر بذلك بأساً من غير أن يحكم له أو عليه، فيجرح العدل بروايته أو يعدل المجروح بموافقته. المجروحين (2/29) .
وقال صالح جزرة: ضعيف مهين. تهذيب التهذيب (6/60) .
وقال الجريري: غيره أوثق منه. قال الحافظ: وهذه العبارة يقولها الجريري في الذي يكون شديد الضعف. المرجع السابق.
وقال أبو عروبة: كان يتكل على حفظه، فيغلط. المرجع السابق.
وقال الحاكم أبو أحمد: حديثه ليس بالقائم. المرجع السابق.
وقال أبو نعيم الأصبهاني: روى عن هشام وابن جريج منكرات. تهذيب التهذيب (6/60) .
وجاء من طريق آخر، فقد روى ابن أبي عاصم في الأوائل (1/64) : حدثنا يعقوب، ثنا سلمة بن رجاء، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله b: أول من اختتن إبراهيم على رأس ثلاثين ومائة سنة.
وفيه يعقوب بن حميد بن كاسب.
قال النسائي: ليس بشيء مكي. الضعفاء والمتروكين (616) .
وقال في موضع آخر: ليس بثقة. تهذيب التهذيب (11/336) .
قال مضر بن محمد، عن ابن معين: ثقة. تهذيب التهذيب (11/336) .
وقال الدوري، عن ابن معين: ليس بشيء. الكامل (7/151) .
وقال أبو بكر بن أبى خيثمة: سمعت يحيى بن معين، يقول وذكر بن كاسب فقال: ليس بثقة. قلت: من أين قلت ذاك؟ قال: لأنه محدود. قلت: أليس هو في سماعه ثقة. قال: بلى. الجرح والتعديل (9/206) .
وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث. المرجع السابق.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عن يعقوب بن كاسب، فحرك رأسه. قلت: كان صدوقاً في الحديث. قال: هذا شروط. وقال في حديث رواه يعقوب: قلبي لايسكن على بن كاسب. المرجع السابق.
وقال عباس العنبري: يوصل الحديث. تهذيب التهذيب (11/336) .
وقال البخاري: لم يزل خيِّراً، وهو في الأصل صدوق. تهذيب التهذيب (11/336) .
وقال ابن عدي: لا بأس به وبرواياته، وهو كثير الحديث والغرائب وكتبت مسنده عن القاسم بن مهدي؛ لأنه لزمه بوصية أبى مصعب إياه أن يكتب عنه بمكة فكتب عنه المسند، وفيه من الغرائب والنسخ والأحاديث العزيزة وشيوخ من أهل المدينة يروى عنهم ابن كاسب ولا يروى غيره عنهم، ومسند ابن كاسب صنفه على الأبواب، وإذا نظرت إلى مسنده علمت أنه جماع للحديث، صاحب حديث. الكامل (7/151) .
وقال مسلمة: ثقة. تهذيب التهذيب (11/336) .
قال ابن حبان: وكان ممن يحفظ، وممن جمع وصنف، واعتمد على حفظه، فربما أخطأ في الشيء بعد الشيء، وليس خطأ الإنسان في شيء يهم فيه ما لم يفحش ذلك منه بمخرجه عن الثقات إذا تقدمت عدالته. الثقات (9/285) .
وفي التقريب: صدوق ربما وهم.
ـ سلمة بن رجاء
وقال الدوري: سئل يحيى بن معين عن سلمة بن رجاء، فقال: ليس بشيء. الجرح والتعديل (4/160) .
قال أبو حاتم: ما بحديثه بأس. المرجع السابق.
وقال أبو زرعة: كوفى صدوق. المرجع السابق.
وذكره العقيلي في الضعفاء. الضعفاء الكبير (2/149) .
قال النسائي: ضعيف. الضعفاء والمتروكين (242) .
وقال ابن عدي: لسلمة بن رجاء غير ما ذكرت من الحديث وأحاديثه أفراد وغرائب ويحدث عن قوم بأحاديث لا يتابع عليه. الكامل (3/331) .
وذكره ابن حبان في الثقات. الثقات (8/278) .
ورواه الطبراني في الأوائل أيضاً (1/36) حدثنا أحمد بن عمرو الخلال المكي، حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، حدثنا سلمة بن رجاء به.
ورواه ابن عدي في الكامل (1/122) : حدثنا محمد بن أبي علي الخوارزمي، حدثني عبد الله بن أحمد بن سوادة، حدثني هارون بن آدم، حدثنا حجاج، عن ابن جريج عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي b قال: أول من اختتن إبراهيم عليه السلام
وهذا إسناد ضعيف جداً. فيه إبراهيم بن أبي يحيى، وهو متروك.
وجاء من طريق الأعرج، عن أبي هريرة.
فقد رواه ابن عدي في الكامل (4/183) ، ومن طريقه البيهقي في شعب الإيمان (6/395) رقم 8639 ثنا محمد بن يحيى بن سليمان المروزي، ثنا عاصم، ثنا أبو أويس، حدثني أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة عن النبي b قال: كان إبراهيم أول من اختتن، وهو ابن عشرين ومائة سنة، فاختتن بالقدوم ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة.
ـ محمد بن يحيى بن سليمان المروزي.
قال الخطيب: كان ثقة. تاريخ بغداد (3/422) .
وقال الدارقطني: صدوق. المرجع السابق.، وانظر سير أعلام النبلاء (14/48) .
ـ عاصم بن علي.
قال أحمد بن حنبل: ما أقل خطأه، قد عرض على بعض حديثه. الجرح والتعديل (6/348) .
وقال أحمد كما في رواية أبي الحسن الميموني: صحيح الحديث قليل الغلط ما كان أصح حديثه وكان إن شاء الله صدوقاً. تهذيب الكمال (13/508) .
وقال أيضاً كما في رواية أبي داود: حديثه حديث مقارب، حديث أهل الصدق، ما أقل الخطأ فيه، ولكن أبوه كان يهم في الشيء، قام من الإسلام بموضع أرجو أن يثيبه الله به الجنة. المرجع السابق.
وقال أبو بكر المروذي سألته ـ يعني: أحمد بن حنبل ـ عن عاصم بن علي فقلت إن يحيى بن معين قال: كل عاصم في الدنيا ضعيف، قال: ما أعلم منه إلا خيرا كان حديثه صحيحا حديث شعبة والمسعودي ما كان أصحها. المرجع السابق.
قال أبو حاتم الرزاي: عاصم بن على صدوق. الجرح والتعديل (6/348) .
وقال ابن عدي: لا أعرف له شيئاً منكراً في رواياته إلا هذه الأحاديث التي ذكرتها، وقد حدثناه عنه جماعة فلم أر بحديثه بأسا إلا فيما ذكرت، وقد ضعفه بن معين وصدقه أحمد ابن حنبل وصدق أباه وأخاه. الكامل (5/234) .
وقال صالح بن محمد الحافظ: قال يحيى بن معين: كان عاصم بن علي ضعيفاً. تهذيب الكمال (13/508) .
وقال معاوية بن صالح، عن يحيي بن معين: ليس بشيء. وفي رواية: ليس بثقة. المرجع السابق.
قيل ليحيى بن معين: احمد الله يا أبا زكريا، أصبحت سيد الناس قال: اسكت ويحك أصبح سيد الناس عاصم بن علي، في مجلسه ثلاثون ألف رجل. المرجع السابق.
وقال العجلي: شهدت مجلس عاصم فحزروا من شهده ذلك اليوم ستين ومائة ألف، وكان رجلا مسوداً، وكان ثقة في الحديث. معرفة الثقات (2/9) .
وفي التقريب: صدوق ربما وهم.
ـ أبو أويس عبد الله بن عبد الله
قال معاوية بن صالح الدمشقي: سمعت يحيى بن معين يقول أبو أويس المدني ليس بثقة. الجرح والتعديل (5/92) .
وقال الدوري، عن يحيى بن معين: أبو أويس صدوق ليس بحجة. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه، ولا يحتج به، وليس بالقوي. المرجع السابق. وقال أبو زرعة: صالح صدوق كأنه لين. المرجع السابق.
وقال يحيى بن معين: أبو أويس وأبوه يسرقان الحديث. الكامل (4/182) .
وقال ابن عدي: لأبي أويس غير ما ذكرت من الحديث، فمن أحاديثه ما يصح ويوافقه الثقات عليها، ومنها مالا يوافقه عليها أحد، وهو ممن يكتب حديثه. المرجع السابق.
قال ابن المديني: كان عند أصحابنا ضعيفاً. التهذيب (5/245) .
وقال عمرو بن علي: فيه ضعف، وهو عندهم من أهل الصدق. المرجع السابق.
وقال يعقوب بن شيبة: صدوق صالح الحديث، وإلى الضعف ما هو. المرجع السابق.
وقال البخاري: ما روى من أصل كتابه فهو أصح. المرجع السابق.
وقال النسائي: مدني ليس بالقوي. المرجع السابق.
وقال أبو داود: صالح الحديث. المرجع السابق.
وقال الخليلي: منهم من رضي حفظه، ومنهم من يضعفه، وهو مقارب الأمر. المرجع السابق.
وقال ابن حبان: كان ممن يخطىء كثيرا، لم يفحش خطؤه حتى استحق الترك، ولا هو ممن سلك سنن الثقات فيسلك مسلكهم، والذي أرى في أمره تنكب ما خالف الثقات من أخباره، والاحتجاج بما وافق الأثبات منها. المجروحين (2/24) .
وفي التقريب: صدوق يهم. وباقي الإسناد رجاله كلهم ثقات. فهذا إسناد فيه لين. لكن ذكر الحافظ في الفتح (11/90) قال: وقع في الموطأ من رواية أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة موقوفاً على أبي هريرة، أن إبراهيم أول من اختتن، وهو ابن عشرين ومائة، واختتن بالقدوم وعاش بعد ذلك ثمانين سنة. فإن كان موجوداً في الموطأ فهو حديث إسناده على شرط الصحيح. ولم أقف عليه من رواية يحيى. والله أعلم.
ولحديث أبي هريرة شاهدان:
الأول: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
فقد ذكر ابن عبد البر في التمهيد تعليقاً (21/67) ، قال: روى ابن وهب، عن حيي ابن عبد الله المعافري، عن أبي عبد الرحمان الحبلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن إبراهيم أول رجل اختتن، وأول رجل قص شاربه وقلم أظفاره واستن وحلق عانته.
وحيي بن عبد الله
قال أحمد بن حنبل: أحاديثه مناكير. الجرح والتعديل (3/271) .
قال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى بن معين: حيي المصري؟ قال: ليس به بأس. المرجع السابق.
وقال البخاري: فيه نظر. التاريخ الكبير (3/76) .
وقال النسائي: ليس بالقوي. الضعفاء والمتروكين (162) .
وذكره ابن حبان في الثقات (6/235) .
وفي التقريب: صدوق يهم. وباقي الإسناد ثقات. إلا أن الإسناد معلق، ولم أقف عليه موصولاً. والله أعلم.
وأما الشاهد الثاني، فقد روى الحاكم في المستدرك، قال: أخبرنا الحسن بن محمد الإسفرائيني، أنبأ محمد بن أحمد بن البراء، حدثنا المعافى بن سليمان الحراني، حدثنا محمد بن سلمة الحراني، عن أبي عبد الرحيم الحراني، عن أبي عبد الملك، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: طلعت كف من السماء بين أصبعين من أصابعها شعرة بيضاء، فجعلت تدنو من رأس إبراهيم، ثم تدنو، فألقتها في رأسه، وقالت: اشتعل وقاراً، ثم أوحى الله إليه أن تطهر، وكان أول من شاب واختتن. الحديث قطعة من حديث طويل يراجع متنه من الحاكم.
دراسة الإسناد:
ـ الحسن بن محمد الإسفراييني: قال عنه الحاكم: كان محدث عصره، ومن أجود الناس أصولاً. انظر السير (15/535) و (16/50) ، والعبر (2/271) .
ـ محمد بن أحمد بن البراء أبو الحسن العبدي: ثقة. انظر تاريخ بغداد (1/281) .
ـ المعافى بن سليمان الحراني.
قال الحافظ في التقريب: صدوق من العاشرة.
ـ محمد بن سلمة الحراني. ثقة. انظر الجرح والتعديل (7/276) ، تهذيب التهذيب (9/171) .
ـ أبو عبد الرحيم الحراني. اسمه خالد بن أبي يزيد. ثقة من السادسة، كما قال الحافظ في التقريب.
ـ أبو عبد الملك: هو علي بن يزيد الألهاني.
قال البخاري: منكر الحديث، عن القاسم بن عبد الرحمن، روى عنه عبيد الله
ابن زحر، ومطرح. التاريخ الكبير (6/301) ، الضعفاء الصغير (255) .
وقال أيضاً: ذاهب الحديث كما في علل الترمذي الكبير. انظر حاشية تهذيب الكمال
وقال النسائي: ليس بثقة. المرجع السابق. وقال أيضاً: متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين (432) . انظر ترجمته وافية في كتاب السواك من حديث أبي أمامة، في شواهد:
" السواك مطهرة للفم ". والله أعلم.
فالحديث إسناده ضعيف، إن لم يكن ضعيفاً جداً. هذا ما وقفت عليه مما ورد مرفوعاً من حديث " أول من اختتن إبراهيم ". ولا شك أن مالكاً، وحماد بن زيد، وابن نمير، وعبدة، ومعمر بن راشد روياتهم أرجح من غيرهم. فيكون المحفوظ أنه من قول سعيد بن المسيب، إلا إن ثبت قول الحافظ بأن مالكاً رواه عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. إن ثبت هذا، يكون الحديث محفوظاً مسنداً. والله أعلم.(3/65)
إلا أن قوله: " أول من رأى الشيب " مشكل. فقد ذكر الحافظ
ابن رجب عن الحسن أنه ضعف هذا القول، واستحسنه الحافظ. قال: "وقد استدل الحسن على إبطال قول من قال: أول من رأى الشيب إبراهيم عليه السلام، بعموم قوله الله عز وجل: {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل(3/73)
من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة} (1) . قال الحافظ: وهو استدلال ظاهر حسن (2) .
وقال الباجي عن الآية: يحتمل ـ والله أعلم ـ أنه يخاطب بها هذه الأمة، أو من شاب من زمن إبراهيم عليه السلام إلى يوم القيامة. ويحتمل أنه خوطب بها جميع الخلق، من شاب ومن لم يشب، إلا أنه جمع مع الضعف الأخير الشيب؛ لأن من الخلق من لم يشب، ولم يرد أن جميعهم يشيب، كما أنه لم يرد أن جميعهم يضعف، بل منهم من يموت في الضعف الأول، ومنهم من يموت في حال القوة قبل الضعف الثاني. والله أعلم وأحكم (3) .
والأول أقوى، ويؤيده أن الختان من سنن الفطرة التي فطر الله عليها بني آدم، والفطرة ملازمة، وليست مكتسبة، لكن إن صح الإجماع الذي حكاه ابن عبد البر والقرطبي بأن أول من اختتن إبراهيم، فالحجة الإجماع، ولا كلام مع صحته. وإن لم يصح الإجماع، فالنظر له مجال في عدم ثبوت ذلك. والله أعلم.(3/74)
الفصل الرابع
في وقت الختان
لم يقدر الإمام أبو حنيفة وقتاً معلوماً لعدم ورود النص به، ولم يرو عن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله فيه شيء، وقدره المتأخرون واختلفوا:
فقيل: أول وقته من سبع سنين، وآخره اثنتا عشرة سنة.
قال في الفتاوى الهندية، وهو المختار كذا في السراجية (4) .
وقيل: لا يختن حتى يبلغ.
وقيل: تسع سنين.
وقيل: عشر سنين. وهذه كلها أقوال في مذهب الحنفية (5) .
__________
(1) الروم: 54.
(2) شرح ابن رجب للبخاري (2/12) .
(3) المنتقى ـ الباجي (7/233) .
(4) الفتاوى الهندية (5/357) .
(5) البحر الرائق (7/96) ، وتبيين الحقائق (6/227) ، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (2/744) ، حاشية ابن عابدين (6/752) .
وقيل: إذا ثُغِر الصبي: أي القى ثغره، وهو مقدم أسنانه، اختاره مالك.
وفي رواية عن مالك: من سبع إلى عشر (1) ، وهو قول في مذهب الحنابلة (2) .
وقيل: وقت وجوب الختان عند البلوغ، ويستحب ختانه في الصغر(3/75)
هذا هو المشهور من مذهب الشافعية والحنابلة (3) .
إلا أن الشافعية استحبوه في اليوم السابع، إلا أن يكون الصبي ضعيفاً. وهو رواية عن أحمد (4) .
وهل يحسب يوم الولادة من السبعة، فيه وجهان في مذهب الشافعية:
الأول: يحسب. اختاره أبو علي بن أبي هر يرة.
الثاني: لا يحسب. وهو قول الأكثرين.
فإن أخر عن السابع استحب ختانه في الأربعين، فإن أخر استحب في السنة السابعة. (5) .
__________
(1) المنتقى ـ الباجي (7/233) ، مواهب الجليل (3/258) ، التاج والإكليل (4/394) ، الخرشي (3/48) ، الفواكه الدواني (1/394) ، حاشية العدوي (1/595) ، منح الجليل (2/492) .
(2) نسبه في الإنصاف إلى الرعايتين والحاويين انظر (1/124) .
(3) قال في الإنصاف (1/124) : " محل وجوبه عند البلوغ. قال الشيخ تقي الدين: يجب الختان إذا وجبت الطهارة والصلاة. وقال في المنور والمنتخب: ويجب ختان بالغ آمن. ثم قال: " ومنها أن الختان زمن الصغر أفضل على الصحيح من المذهب. زاد جماعة كثيرة من الأصحاب: إلى التمييز. وقال الشيخ تقي الدين: هذا المشهور. وقال في الرعايتين والحاويين: يسن ما بين سبع إلى عشر. قال في التلخيص: ويستحب أن يختن قبل مجاوزة عشر سنين، إذا بلغ سناً يؤمن فيه ضرره.
(4) قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (1/274) : " وأما الختان في السابع، ففيه قولان، هما روايتان عن أحمد. قيل: لا يكره؛ لأن إبراهيم ختن إسحاق في السابع. وقيل: يكره؛ لأنه عمل اليهود فيكره التشبه بهم.
(5) المجموع (1/350) ، أسنى المطالب (4/164) ، تحفة المحتاج (9/200) . وقال العراقي في طرح التثريب: 2/76) : " محل الوجوب بعد البلوغ على الصحيح من مذهبنا.
وقيل: يكره يوم السابع، وهو مذهب المالكية (1) ، والصحيح من مذهب الحنابلة (2) .(3/76)
وقيل: يجب على الولي أن يختن الصغير قبل البلوغ، وهو وجه في مذهب الشافعية (3) .
وقيل: يحرم الختان قبل استكمال عشر سنين، وهو وجه في مذهب الشافعية (4) .
أدلة القائلين من سبع إلى عشر.
قالوا: بأن صاحب السبع سنين، يفهم الأمر ولذلك يؤمر بالصلاة.
(457-21) فقد روى أحمد، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، وعبد الله بن بكر السهمي، المعنى واحد قالا: حدثنا سوار
أبو حمزة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله: مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع. وإذا أنكح أحدكم عبده فلا ينظرن إلى شيء من عورته، فإنما أسفل من سرته إلى ركبته من عورته (5) .
[صحيح لغيره] (6) .
أدلة القائلين بالاستحباب في اليوم السابع.
الدليل الأول:
(458-22) ما رواه الطبراني، قال: حدثنا أحمد بن القاسم، قال:(3/77)
حدثنا أبي وعمي عيسى بن المساور، قالا: حدثنا رواد بن الجراح، عن
عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء،
عن ابن عباس قال: سبعة من السنة في الصبي: يوم السابع يسمى ويختن ويماط عنه الأذى وتثقب أذنه ويعق عنه ويحلق رأسه ويلطخ بدم عقيقته ويتصدق بوزن شعره في رأسه ذهبا أو فضة.
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عبد الملك إلا رواد (7) .
[إسناده ضعيف] (8) .(3/78)
__________
(1) المنتقى ـ الباجي 7/232) ، التاج والإكليل (4/394) ، حاشية العدوي (1/595) .
(2) الإنصاف (1/125) مطالب أولى النهى (1/92) .
(3) طرح التثريب (2/76) ، المجموع (1/350) .
(4) طرح التثريب (2/76) المجموع (1/350) ..
(5) المسند (2/187) .
(6) سبق تخريجه.
(7) المعجم الأوسط (558) .
(8) في إسناده القاسم بن المساور. ذكره الخطيب، وسكت عليه، فلم يذكر فيه شيئاً. تاريخ بغداد (12/427) .
ـ عيسى بن المساور
قال الخطيب: كان ثقة. تاريخ بغداد. (11/161) .
وقال النسائي: لا بأس به. تهذيب التهذيب (8/206) .
وقال السراج: كان محمد بن أشكاب يحسن الثناء عليه. المرجع السابق.
وذكره بن حبان في الثقات، وقال: كان راوياً للوليد بن مسلم وسويد بن عبد العزيز. الثقات (8/495) .
ـ رواد بن الجراح
قال البخاري: كان قد اختلط لا يكاد أن يقوم حديثه، ويقال: يزيد. التاريخ الكبير (3/336) . وعبارة البخاري في التهذيب: كان قد اختلط، لا يكاد يقوم حديثه، ليس له كثير حديث قائم. التهذيب (3/249) .
وقال النسائي: ليس بالقوي روى غير حديث منكر وكان قد اختلط. الضعفاء والمتروكين (194) .
وقال أبو حاتم الرازي: هو مضطرب الحديث، تغير حفظه في آخر عمره، وكان محله الصدق. قال ابن أبي حاتم: أدخله البخاري في كتاب الضعفاء فسمعت أبى يقول: يحول من هناك. الجرح والتعديل (3/524) .
وقال عثمان بن سعيد الدارمي: سألت يحيى بن معين عن رواد بن الجراح العسقلاني فقال: ثقة. المرجع السابق.
وقال أحمد بن حنبل: لا بأس به صاحب سنة الا أنه حدث عن سفيان بأحاديث مناكير. الضعفاء الكبير (2/68) .
وذكره العقيلي في الضعفاء. المرجع السابق.
وفي التقريب: صدوق اختلط بأخرة فترك، وفي حديثه عن الثوري ضعف شديد.
قلت: له ذكر في الكواكب النيرات، وفي الاغتباط، ولم يميز من روى عنه قبل الاختلاط، ومن روى عنه بعد اهـ
وباقي رجال إسناده ثقات. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/59) :رجاله ثقات!!
الدليل الثاني:
(459-23) ما رواه الطبراني في الصغير، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الوليد البغدادي، حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني، حدثنا الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمد، عن محمد بن المنكدر،
عن جابر أن رسول الله B عق عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام.
قال الطبراني: لم يروه عن محمد بن المنكدر إلا زهير بن محمد، ولم يقل أحد ممن روى هذا الحديث: وختنهما لسبعة أيام إلا الوليد بن مسلم (1) .
[إسناده ضعيف] (2) .(3/79)
__________
(1) المعجم الصغير للطبراني (891) ، ورواه في الأوسط (7/12) رقم 6708 وفي مجمع البحرين (1912) .
(2) الحديث له أربع علل:
الأولى: عنعنة الوليد بن مسلم. وهو كثير التدليس والتسوية.
الثانية: فيه محمد بن أبي السري: وهو محمد بن المتوكل، كثير الغلط، انظر ترجمته في كتاب السواك.
العلة الثالثة: أن رواية أهل الشام عن زهير بن محمد ضعيفة.
قال أبو حاتم: محله الصدق، وفي حفظه سوء، وكان حديثه بالشام أنكر من حديثه بالعراق لسوء حفظه، وكان من أهل خرسان، سكن المدينة، وقدم الشام، فما حدث من كتبه فهو صالح، وما حدث من حفظه ففيه أغاليط. الجرح والتعديل (3/589) .
وقال البخاري: ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير. وما روى عن أهل البصرة فإنه صحيح. تهذيب الكمال (9/414) .
العلة الرابعة: المخالفة. فقد رواه أبو الزبير، عن جابر. وليس فيه زيادة محمد بن
أبي السري. كما سيأتي في تخريج الحديث. كما أن الحديث قد رواه ابن عباس، وعائشة، وبريدة، وأنس بن مالك، وليس فيه زيادة ابن المتوكل. فهي زيادة منكرة.
تخريج الحديث:
الحديث رواه الطبراني، كما سبق في المعجم الصغير (891) ، والأوسط كما في مجمع البحرين (1912) . ورواه ابن عدي في الكامل (3/219) ومن طريقه البيهقي في سننه (8/324) عن الحسن بن سفيان، حدثني محمد بن المتوكل به.
قال ابن عدي: لا أعلم رواه عن الوليد غير محمد بن المتوكل، وهو محمد بن أبي السري العسقلاني "اهـ.
وقال الحافظ في الفتح (10/343) : " وأخرج أبو الشيخ من طريق الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمد، عن ابن المنكدر أو غيره، عن جابر أن النبي B ختن حسناً وحسيناً لسبعة أيام. قال الوليد: فسألت مالكاً عنه، فقال: لا أدري، ولكن الختان طهرة فكلما قدمها كان أحب إلي " اهـ.
وقد خالف ابن الزبير محمد بن المتوكل، فروى الحديث عن جابر دون زيادة ذكر الختن.
رواه ابن أبي شيبة في المصنف (5/113) رقم 24232، وفي المسند، كما في المطالب العالية (2304) ، ومن طريقه رواه أبو يعلى في مسنده (1933) قال: حدثنا شبابة، قال:(3/80)
حدثنا مغيرة بن مسلم، عن أبي الزبير،
عن جابر، قال: عق رسول الله B عن الحسن والحسين.
رجاله ثقات، إلا المغيرة بن مسلم فإنه صدوق، ومن يعتبر أبا الزبير مدلساً فقد تابعه محمد بن المنكر في الإسناد السابق. والحديث له شواهد كثيرة، كما سأبينه.
وقد قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/57) : " رواه أبو يعلى، ورجاله ثقات " اهـ.
وروى أبو نعيم في الحلية (3/191) حدثنا محمد بن علي بن عمر بن سلم، حدثني محمد بن جعفر بن زكريا الرملي من حفظه، ثنا قسيم بن منصور، ثنا يحيى بن صالح الوحاضي، ثنا محمد بن عبد الله الكندي، عن بسام الصيرفي، عن أبي جعفر محمد بن علي،
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن النبي B عق عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً.
قال أبو نعيم: هذا حديث غريب من حديث أبي جعفر، عزيز من حديث بسام، وهو أحد من يجمع حديثه من مقلي أهل الكوفة، تفرد به عنه الكندي.
وأما شواهد الحديث:
الشاهد الأول: حديث ابن عباس.
رواه عبد الرزاق (4/330) رقم 7962 عن معمر والثوري، عن أيوب،
عن عكرمة، أن رسول الله B عق عن حسن وحسين كبشاً.
فمعمر والثوري، رواياه عن أيوب، عن عكرمة مرسلاً. وتابعهما على إرساله وهيب وابن علية، كما في العلل لابن أبي حاتم (2/49) .
ورواه عبد الوارث بن سعيد، عن أيوب موصولاً، وإسناده حسن. وصحح إسناده ابن حزم في المحلى (7/530) . وقال ابن حجر في التلخيص (4/147) : " وصححه عبد الحق، وابن دقيق العيد " اهـ.
كما رواه قتادة، ويحيى بن سعيد، عن عكرمة موصولاً، وإسناده حسن. إلا أن يحيى بن سعيد قد اختلف عليه. كما سيأتي بيانه.
ورجح الرواية المرسلة أبو حاتم، كما في العلل (2/49) رقم 1631 قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه عبد الوارث، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي(3/81)
B عق عن الحسن والحسين.
قال أبي: هذا وهم. حدثنا أبو معمر، عن عبد الوارث هكذا.
ورواه وهيب، وابن علية، عن أيوب، عن عكرمة، عن النبي B مرسل. قال أبي: وهذا المرسل أصح اهـ.
فيكون الوصل شاذاً. والمحفوظ كون الأثر مرسلاً.
وإليك بيان رواياتهم.
رواه أبو دواد (2841) ، قال حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو، ثنا عبد الوارث، ثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله B عق عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً. ورجاله ثقات.
ومن طريق أبي معمر أخرجه ابن الجارود في المنتقى (912) والطبراني في الكبير (2567) ، (11856) ، البيهقي في السنن الكبرى (9/299،302)
وأخرجه ابن الجارود في المنتقى (911) من طريق محمد بن عمر العقدي، ثنا عبدالوارث به.
وأخرجه النسائي في الصغرى (4219) وفي الكبرى (4545) قال: أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثني إبراهيم ـ هو ابن طهمان ـ عن الحجاج بن الحجاج، عن قتادة، عن عكرمة،
عن ابن عباس قال: عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين رضي الله عنهما بكبشين كبشين. وهذا إسناد حسن.
ومن طريق أحمد بن حفص أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (2568) ، (11838) ، وفي الأوسط (8/78) رقم 8018.
وأخرجه الطبراني في الكبير (2569) قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا محمد بن عبيد المحاربي، ثنا عبد الله بن الأجلح، عن يحيى بن سعيد، عن عكرمة،
عن ابن عباس، قال: عق عن الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما. وهذا إسناد حسن.
إلا أنه قد اختلف على يحيى بن سعيد، فقد روى عنه موصولاً كما في هذه الرواية.(3/82)
وأخرجه ابن أبي شيبة (5/113) رقم 24233 قال: حدثنا أبو خالد، ويعلى بن عبيد، عن يحيى بن سعيد، عن عكرمة قال: عق عن الحسن والحسين. وهذه الرواية توافق رواية ابن علية، والثوري، ومعمر، ووهيب.
الشاهد الثاني: حديث بريدة
أخرجه أحمد (5/355) ، قال: ثنا زيد بن الحباب، حدثني حسين بن واقد،
حدثني عبد الله بن بريدة، قال: سمعت أبي يقول: إن رسول الله B عق عن الحسن والحسين.
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5/113) رقم 24231 حدثنا زيد بن الحباب به. وهذا إسناد حسن.
وأخرجه أحمد أيضاً (5/361) ، قال: نا على بن الحسن - وهو ابن شقيق -
أنا الحسين بن واقد به.
وأخرجه النسائي في الصغرى (4213) ، وفي الكبرى (4539) قال: أخبرنا الحسين بن حريث، قال: حدثنا الفضل، عن الحسين بن واقد به.
الشاهد الثالث: حديث أنس بن مالك.
أخرجه أبو يعلى في مسنده (2945) وفي كتاب المعجم (152) قال: حدثنا الحارث ابن مسكين، حدثنا ابن وهب، عن جرير بن حازم، عن قتادة،
عن أنس، أن النبي B عق عن الحسن والحسين بكبشين.
ومن طريق الحارث بن مسكين أخرجه ابن عدي في الكامل (2/126) .
وأخرجه ابن حبان في صحيحه (5309) أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، قال: حدثنا ابن وهب به.
وأخرجه البزار في مسنده، كما في كشف الأستار (1235) قال: حدثنا محمد بن المثنى، قال: كتب لي أحمد بن صالح، ثنا عبد الله بن وهب به. ومن طريق أحمد بن صالح أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/299) .
وأخرجه الطبراني في الأوسط (2/246) رقم 1899 حدثنا أحمد بن طاهر، قال: حدثني جدي حرملة، قال: حدثنا عبد الله بن وهب به.(3/83)
وأخرجه الطحاوي في مشكل الأثار (1038) قال: حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب به.
والحديث له ثلاث علل
الأولى: عنعنة قتادة.
الثانية: الحديث من رواية جرير، عن قتادة، وجرير ضعيف في حديثه عن قتادة.
الثالثة: الإرسال.
قال ابن أبي حاتم في العلل (2/49) : " سألت أبي عن حديث رواه ابن وهب، عن جرير بن حازم، عن قتادة، عن أنس. وذكر الحديث.
قال أبي: أخطأ جرير في هذا الحديث، إنما هو قتادة، عن عكرمة، قال: عق رسول الله B مرسل. ولم أقف على الرواية المرسلة.
الشاهد الرابع: حديث عائشة.
رواه أبو يعلى في مسنده (4521) قال رحمه الله: حدثنا إسحاق، حدثنا عبد المجيد ابن عبد العزيز بن أبي رواد، عن ابن جريج، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة،
عن عائشة قالت: يعق عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة. قالت عائشة: فعق رسول الله B عن الحسن والحسين شاتين شاتين يوم السابع، وأمر أن يماط عن رأسه الأذى، وقال: اذبحوا على اسمه، وقولوا: بسم الله، الله أكبر، اللهم منك ولك، هذه عقيقة فلان. قال: وكانوا في الجاهلية تؤخذ قطنة تجعل في دم العقيقة، ثم توضع على رأسه، فأمر رسول الله B أن يجعلوا مكان الدم خلوقاً.
وأخرجه ابن حبان مفرقاً في صحيحه. فأخرجه (5308) قال: أخبرنا محمد بن المنذر ابن سعيد، حدثنا يوسف بن سعيد، حدثنا حجاج، عن ابن جريج أخبرني يحيى بن سعيد،
عن عائشة قالت: كانوا في الجاهلية إذا عقوا عن الصبي خضبوا قطنة بدم العقيقة، فإذا حلقوا رأس الصبي وضعوها على رأسه، فقال النبي B: اجعلوا مكان الدم خلوقاً.
وأخرج بعضه في صحيحه (5311) أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، حدثنا أبو الربيع، حدثنا ابن وهب، أخبرني محمد بن عمرو - قال أبو حاتم: وهو اليافعي شيخ ثقة مصري - عن ابن جريج، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة،(3/84)
عن عائشة قالت: عق رسول الله B عن حسن وحسين يوم السابع، وسماهما، وأمر أن يماط عن رأسه الأذى.
ومن طريق عبد الله بن وهب أخرجه الحاكم في المستدرك (4/237) ، وابن عدي في الكامل (6/226) .
والحديث صحيح، وأما عنعنة ابن جريج فقد صرح بالتحديث في رواية ابن حبان، من طريق حجاج، عن ابن جريج. وهو وإن لم يخرج الحديث كاملاً من هذا الطريق، إلا أنه يتسامح في مثل هذا، لأن الرد بالعنعة هو من قبيل الاحتياط للرواية، وإلا فقد يقال، إن صيغ التحديث قد يتصرف فيها بعض الرواة، فقد يصرح بالتحديث، ولا ينقل. فإذا وقف على التصريح بالتحديث في بعض الطرق، قبلت العنعنة. والله أعلم.
دليل القائلين بكراهة اليوم السابع.
عللوا ذلك بأنه من فعل اليهود. نقله الباجي عن مالك، كما في المنتقى (1) وغيره.
دليل القائلين بأنه يحرم ختانه قبل عشر سنين.
قالوا: لأن الم الختان فوق ألم الضرب، ولا يضرب على الصلاة إلا بعد عشر سنين.
قال النووي: هذا القول ليس بشيء؛ وهو كالمخالف للإجماع (2) .
دليل من قال: لا يجب الختان إلا بالبلوغ.
(460-24) ما رواه البخاري، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، أخبرنا عباد بن موسى، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن إسرائيل، عن أبي(3/85)
إسحاق، عن سعيد بن جبير، قال:
سئل ابن عباس مثل من أنت حين قبض النبي B قال: أنا يومئذ مختون. قال: وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك (3) .
فقوله: " حتى يدرك " أي حتى يبلغ.
قال في تاج العروس: أدرك الشيء إدراكاً بلغ وقته وانتهى (4) .
وقال الشوكاني: الإدراك في أصل اللغة بلوغ الشيء وقته. وأراد به ههنا البلوغ (5) .
الدليل الثاني من النظر:
قالوا: إن الختان يجب إذا وجبت الطهارة والصلاة، وهما لا يجبان إلا بالبلوغ.
دليل من قال: يجب على الولي أن يختن الصغير قبل البلوغ
قالوا: إن هذا من مصلحة الصبي، فيجب على الولي القيام بما فيه مصلحته.
قال ابن القيم: وعندي أنه يجب على الولي أن يختن الصبي قبل البلوغ، بحيث يبلغ مختوناً؛ فإن ذلك مما لا يتم الواجب إلا به. وأما قول ابن عباس: كانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك: أي حتى يقارب البلوغ، كقوله تعالى:
{فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} (6) .(3/86)
__________
(1) المنتقى (7/232) ، وانظر التاج والإكليل (4/394) ، حاشية العدوي (1/595) .
(2) المجموع (1/350) .
(3) صحيح البخاري (6299) .
(4) تاج العروس (13/552) .
(5) نيل الأوطار (1/140) .
(6) الطلاق: 2.
وبعد بلوغ الأجل لا يتأتى الإمساك. وقد صرح ابن عباس أنه كان يوم يموت النبي B مختوناً، وأخبر في حجة الوداع التي عاش بعدها رسول الله B بضعة وثمانين يوماً أنه قد ناهز الاحتلام، وقد أمر النبي B الآباء أن يأمروا أولادهم بالصلاة لسبع، وأن يضربوهم على تركها لعشر، فكيف يسوغ لهم ترك ختانهم حتى يجاوزوا البلوغ (1) .
وقول ابن القيم كان في حجة الوداع قد ناهز الاحتلام.
(461-25) الحديث رواه البخاري، قال: حدثنا إسحاق، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن أخي بن شهاب، عن عمه، أخبرني عبيدالله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود،
أن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: أقبلت، وقد ناهزت الحلم أسير على أتان لي، ورسول الله B قائم يصلي بمنى حتى سرت بين يدي بعض الصف الأول، ثم نزلت عنها فرتعت فصففت مع الناس وراء رسول الله B.
قال البخاري: وقال يونس عن ابن شهاب: بمنى في حجة الوداع (2) .
الراجح:
قال ابن المنذر: ليس في باب الختان نهي يثبت، ولا لوقته حد يرجع إليه، ولا سنة تتبع، والأشياء على الإباحة، ولا يجوز حظر شيء منها إلا بحجة، ولا نعلم مع من منع أن يختن الصبي لسبعة أيام حجة (3) .(3/87)
وقد قال سفيان بن عيينة: قال لي سفيان الثوري: أتحفظ في الختان وقتاً؟ قلت: لا. قلت: وأنت لا تحفظ فيه وقتاً؟ قال: لا (4) .
وقد قال أحمد في وقت الختان: لم أسمع فيه شيئاً (5) .
وقال ابن تيمية: أما الختان فمتى شاء اختتن، لكن إذا راهق البلوغ فينبغي أن يختن كما كانت العرب تفعل، لئلا يبلغ إلا وهو مختون (6) .
وقوله: " ينبغي " لا يدل على الوجوب.
الراجح من الخلاف
__________
(1) تحفة المودود ـ ابن القيم (ص: 182) .
(2) صحيح البخاري (1857) .
(3) المجموع (1/352) .
(4) التمهيد (21/61) .
(5) الإنصاف (1/125) .
(6) الفتاوى الكبرى (1/274) .
الصحيح أن الختان لا يجب إلا بالبلوغ؛ لأنه وقت التكليف. وأما قول ابن القيم رحمه الله: يجب على الصبي الختان قبل البلوغ؛ لأن ذلك مما لا يتم الواجب إلا به. فإن كان يقصد وجوب الصلاة فإن صلاة الأقلف صحيحة، وليس الختان شرطاً في صحة الصلاة.
وأما الاستدلال بحديث: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع" فليس فيه دليل على مسألتنا؛ لأن الصلاة نفسها لا تجب قبل البلوغ على الصحيح، وإنما الأمر للتربية والتعليم. وأما تطهير النجاسة المحتقنة في القلفة فإنه يمكنه تطهيرها بالمبالغة في الاستنجاء، وتتبع أماكن احتقان البول في القلفة لتكون طهارته صحيحة، وبالتالي صحة صلاته. فالختان كسائر التكاليف لا تجب على الصبي إلا بالبلوغ. والله أعلم.(3/88)
الفصل الخامس
في حكم الختان
وفيه مباحث:
المبحث الأول: في حكم الختان للذكر.
المبحث الثاني: في حكم الختان للأنثى.
المبحث الثالث: في حكم الختان للخنثى.
المبحث الرابع: في حكم ختان الميت.(3/89)
[صفحة فارغة](3/90)
المبحث الأول
في ختان الذكر
اختلف الفقهاء في حكم ختان الذكر.
فقيل: الختان سنة
وهو مذهب الحنفية (1) ،
__________
(1) ومع أن الحنفية يرون أنه سنة، إلا أنهم يرون أن الرجل يجبر عليه إذا تركه، بخلاف المرأة. قال في شرح فتح القدير (1/63) : " الختانان: موضع القطع من الذكر والفرج، وهو سنة للرجل، مكرمة لها، إذ جماع المختونة ألذ، وفي نظم الفقه سنة فيهما، غير أنه لو تركه يجبر عليه إلا من خشية الهلاك، ولو تركته هي لا ". وانظر الفتاوى الهندية (6/445) .
وقال في حاشية ابن عابدين (6/371) : " الختان سنة للرجال، من جملة الفطرة،
لا يمكن تركها، وهي مكرمة في حق النساء أيضاً كما في الكفاية " اهـ.
وقال أيضاً (6/751) : " والأصل أن الختان سنة، كما جاء في الخبر، وهو من شعائر الإسلام وخصائصه، فلو اجتمع أهل بلدة على تركه حاربهم الإمام، فلا يترك إلا لعذر " ثم قال: " وختان المرأة ليس سنة، بل مكرمة للرجال، وقيل: سنة.
والمالكية (1) ، واختاره بعض الشافعية (2) .(3/91)
وقيل: بل هو واجب.
وهو المشهور من مذهب الشافعة (3) ، والحنابلة (4) .
دليل القائلين بأن الختان سنة
الدليل الأول:
(462-26) ما رواه أحمد، قال: ثنا سريج، ثنا عباد - يعنى ابن العوام - عن الحجاج، عن أبي المليح بن أسامة،
عن أبيه، أن النبي b قال: الختان سنة للرجال، مكرمة للنساء (1) .
__________
(1) جاء في شرح الخرشي (3/48) : "وحكمه السنية في الذكور: وهو قطع الجلدة الساترة. والاستحباب في النساء " اهـ. وانظر حاشية الدسوقي (2/126) ، الشرح الصغير (2/151) .
وقال في الفواكه الدواني (1/394) : " والختان سنة في الذكور واجبة: أي مؤكدة، من تركها لغير عذر لم تجز إمامته، ولا شهادته، بل قال ابن شهاب: لا يتم الإسلام إلا بالختان"اهـ.
قلت: ومثل هذا الحكم لا يقال في السنة، بل يقال في الواجب، وليس كل واجب، بل ما يعد تركه من الكبائر. لأنه لا يقال في بعض الواجبات لا يتم الإسلام إلا به. على أن العدوي ذكر في حاشيته (1/596) ضعف قول من قال: لا تصح إمامة الأقلف، وقال: إن المذهب كراهة إمامته. وأما بطلان الشهادة، فقد نقل عن الباجي: بأنه تبطل بترك المروءة.
(2) طرح التثريب (2/75) .
(3) المجموع (1/349) وحاشيتا قليوبي وعميرة (4/211) ، وتحفة المحتاج (9/198) ، نهاية المحتاج (8/35) ، فتوحات الوهاب (5/173) .
(4) المحرر (1/11) ، كشاف القناع (1/80) ، المبدع (1/103) الروض المربع (1/237) .
وفي مسائل ابن هانئ (2/151) : " وسئل عن المرأة تدخل على زوجها، ولم تختتن، أيجب عليها الختان؟
فقال: الختان سنة حسنة.
ثم قال له السائل: إنه أتى عليها أربعون سنة، أو أقل أو أكثر؟
فقال: أما الحسن، فكان يقول في الشيخ الكبير: إذا خاف على نفسه؛ فإنه لم ير به بأساً ألا يختتن. ثم قال أبو عبد الله: ذكر معتمر، عن سلم بن أبي الذيال، أن أميراً كان بالبصرة، فختن قوماً، فمات بعضهم، فقال الحسن: يا عجباه!! قد أسلم مع رسول الله b العجمي، والرومي، والأسود، والأبيض، فلم يفتش عنهم.
قيل له: فإن هي قويت على ذلك؟
قال: ما أحسنه اهـ.(3/92)
[الحديث ضعيف] (2) .
__________
(1) مسند أحمد (5/75) .
(2) رواه البيهقي في السنن الكبرى (8/325) من طريق إبراهيم بن الحجاج، ثنا حفص بن غياث، عن الحجاج به.
قال البيهقي: الحجاج بن أرطأة لا يحتج به، وقيل: عنه، عن مكحول، عن أبي أيوب. وهو منقطع.
فالحديث فيه حجاج بن أرطأة. كثير الخطأ والتدليس، وقد عنعن.
كما أنه قد اختلف عليه.
فقيل: عن الحجاج، عن أبي المليح، عن أبيه. كما في إسناد أحمد المتقدم.
وقيل: عن حجاج، عن مكحول، عن أبي أيوب.
وقيل: عن حجاج، عن أبي المليح، عن شداد بن أوس.
أما رواية الحجاج عن مكحول.
فقد أخرجها البيهقي في السنن الكبرى (8/325) من طريق عبد الواحد بن زياد، ثنا الحجاج، عن مكحول،
عن أبي أيوب، قال: قال النبي b: الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء.
وهذا منقطع، مكحول لم يسمع من أبي أيوب.
وأما رواية الحجاج، عن أبي المليح، عن شداد بن أوس. فلم تسلم من الاختلاف:
فقيل: عن حجاج، عن رجل، عن أبي المليح، عن أبيه عن شداد بن أوس.
وقيل: عن حجاج، عن أبي المليح، عن شداد.
وقيل: عن حجاج، عن أبي المليح، عن أبيه، عن شداد. وإليك تخريجها
فقد رواه ابن أبي شيبة (5/317) رقم 26468 حدثنا عباد بن العوام، عن حجاج، عن رجل، عن أبي المليح،
عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله b: الختان سنة للرجال مكرمة للنساء".
ورواه الطبراني في المعجم الكبير (7/273) رقم 7112 قال: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا واصل بن عبد الأعلى، ثنا محمد بن فضيل، عن حجاج، عن أبي مليح، عن أبيه، عن شداد بن أوس به.
ورواه الطبراني في الكبير أيضاً (7/274) رقم 7113 قال: حدثنا محمد بن الحسن بن كيسان المصيصي، ثنا عارم أبو النعمان، ثنا حفص بن غياث، عن حجاج بن أرطاة، عن
أبي المليح، عن أبيه، عن شداد بن أوس به.
قال ابن أبي حاتم في العلل (2/247) : " سألت أبي عن حديث رواه حفص بن غياث، عن حجاج بن أرطأة، عن أبي المليح، عن شداد بن أوس، عن النبي b قال: الختان سنة للرجال، مكرمة للنساء.
ورواه عبد الواحد بن زياد، عن حجاج، عن مكحول، عن أبي أيوب عن النبي b؟
قال أبي: الذي أتوهم أن حديث مكحول خطأ. وإنما أراد حديث حجاج، ما قد رواه مكحول، عن أبي الشمال، عن أبي أيوب، عن النبي b، خمس من سنن المرسلين التعطر والحناء والسواك. فترك أبا الشمال. فلا أدري هذا من الحجاج أو من عبد الواحد. وقد رواه النعمان بن المنذر، عن مكحول، قال: قال رسول الله b: الختان سنة للرجال، ومكرمة للنساء اهـ.
قلت: سيأتي تخريج حديث خمس من سنن المرسلين في كتاب السواك.
وقد جاء الحديث من مسند ابن عباس.
أخرجه الطبراني في الكبير (11590) حدثنا عبدان بن أحمد، ثنا أيوب بن محمد الوزان، ثنا الوليد، ثنا بن ثوبان، عن محمد بن عجلان، عن عكرمة،
عن ابن عباس، عن النبي b، قال: الختان سنة للرجال، مكرمة للنساء.
وأخرجه الطبراني بالإسناد نفسه في مسند الشاميين (146) .
ومن طريق عبدان أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/324) .
قال البيهقي: هذا إسناد ضعيف، والمحفوظ موقوف.
قلت الرواية الموقوفة قد أخرجها الطبراني في المعجم (11/359) رقم 12009 قال: حدثنا الحسن بن علي الفسوي، ثنا خلف بن عبد الحميد، ثنا عبد الغفور، عن أبي هاشم، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: الختان سنة للرجال، ومكرمة للنساء.
وفي إسناده: الحسن بن علي الفسوي
قال الدارقطني: لا بأس به. تاريخ بغداد (7/372) .(3/93)
ولو صح، لم يكن المراد بالسنة خلاف الواجب، بل السنة في اللغة وفي لسان الشارع تطلق على الطريقة، وهي تشمل الواجب والمستحب. بل إن إطلاق السنة على المستحب إصطلاح حادث.
قال ابن دقيق العيد: كون السنة في مقابلة الواجب وضع اصطلاحي لأهل الفقه، والوضع اللغوي غيره، وهو الطريقة (1) .
وتعقب هذا الجواب:
بأنه لما وقع التفرقة بين الرجال والنساء في ذلك دل على أن المراد افتراق الحكم.
ورد: بأنه لم ينحصر في الوجوب، فقد يكون في حق النساء للإباحة، بل
__________
وفيه أيضاً: خلف بن عبد الحميد
قال أحمد: لا أعرفه. تاريخ بغداد (8/321) .
وفيه أيضاً: عبد الغفور بن سعيد الواسطي
قال يحيى: ما حديثه بشيء. الضعفاء الكبير (3/113) .
أبو هاشم لم ينسب فلم يتبين لي من هو. فالحديث ضعيف.
ورواه الطبراني في الكبير (12/182) رقم 12828 قال: حدثنا أحمد بن زهير التستري، ثنا عمرو بن عبد الله الأودي، ثنا وكيع، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن جابر ابن زيد، عن ابن عباس قال: الختان سنة للرجال، مكرمة للنساء.
ورواه البيهقي في السنن الكبرى (8/325) من طريق إبراهيم بن مجشر، ثنا وكيع بن الجراح به.
وفيه سعيد بن بشير، وهو ضعيف. انظر الجرح والتعديل (4/6) ، وتهذيب الكمال (10/348) .(3/95)
إن قوله: " مكرمة " قد يشعر بأن المراد بالسنة الواجب.
لأن المكرمة: المقصود بها: الكرامة، والكرامة بمعنى المستحب، فتكون مقابلة للواجب. على أنهم اختلفوا في معنى مكرمة.
فقيل: معنى ذلك: أي محل لكرمهن، أي بسببه يصرن كرائم عند أزواجهن (2) ، فتكون ذات منزلة وكرامة.
وقيل: مكرمة؛ لأنه يتسبب عنه رونق الوجه وبريقه ولمعانه، ويطيب الجماع للزوج، وقد جاء في الحديث: " اخفضي ولا تنهكي؛ فإنه أنضر للوجه وأحظى عند الزوج " (3) . وقد سبق تخريجه.
وقد فسره الحنفية في كتبهم بأن معنى مكرمة: أي أطيب وألذ في الجماع (4) .
ولو صح الحديث لكان معنى مكرمة والله أعلم: أي أن الشارع أكرمها بهذا التشريع. وإكرامها إما لأنه لم يلزمها فجعل الخيار لها؛ لأنه جعله في مقابل السنة في ختان الرجل أي لا زم له، وإما إن هذا التشريع قصد به إكرامها، ولم يقصد به إهانتها، كما هو سائر الأحكام التي تخص المرأة، إلا أنه يشكل عليه أنه مكرمة للرجل أيضاً، وليس له معنى تخصيص المرأة بهذا. والله أعلم.(3/96)
الدليل الثاني:
أن الرسول b قرنه في المستحبات دون الواجبات فيأخذ حكمهن.
(463-27) فقد روى البخاري رحمه الله قال: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب،
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، سمعت النبي b يقول: الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار، ونتف الآباط. ورواه مسلم (1) .
فإذا كانت هذه الخصال المذكورة مع الختان مستحبة، فكذلك الختان.
وأجيب على ذلك:
أولاً: دلالة الاقتران من أضعف الدلالات. وقد قال سبحانه وتعالى: {كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده} (2) .
وإتيان الحق واجب والأمر مباح، ومثله قوله تعالى: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً وآتوهم} (3) ، والإيتاء واجب، والكتابة سنة، فالأمر المباح أو المندوب حين اقترن بالأمر الواجب لم يعط حكمه. فكذلك الختان (4) .
ثانياً: لا نسلم أن هذه الأمور الخمسة مستحبة، بل واجبة؛ فالأمور التي من الفطرة، وفطر عليها البشر لا يمكن أن تكون مخالفتها مخالفة لأمور مستحبة فقط.
__________
(1) إحكام الإحكام (1/126) .
(2) المغرب (ص: 407) .
(3) حاشية العدوي (1/596) مع بعض التصرف اليسير.
(4) تبيين الحقائق (6/227) ، البحر الرائق (7/96) ، الفتاوى الهندية (6/445) ، حاشية ابن عابدين (6/751) .(3/97)
قال ابن العربي: " والذي عندي أن الخصال الخمس المذكورة في هذا الحديث كلها واجبة؛ فإن المرء لو تركها لم تبق صورته على صورة الآدميين، فكيف من جملة المسلمين " (5) .
(464-28) وقد روى مسلم في صحيحه، قال: حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد كلاهما، عن جعفر - قال يحيى أخبرنا جعفر بن سليمان - عن أبي عمران الجوني،
عن أنس بن مالك قال: قال أنس: وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة (6) .
__________
(1) صحيح البخاري (5891) ومسلم (257) .
(2) الأنعام: 141.
(3) النور: 33.
(4) المجموع (1/338) .
(5) نقله عنه الصنعاني في العدة شرح العمدة (1/351) .
(6) صحيح مسلم (258) .
الحديث أخرجه النسائي في السنن الكبرى (1/66) رقم 15 وفي الصغرى (14) أخبرنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا جعفر به. ومن طريق قتيبة بن سعيد أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1/150) . وأخرجه الترمذي (2759) والدارمي (14) حدثنا قتيبة، حدثنا جعفر به. إلا أنه قال: وقت لنا رسول الله b.
وأخرجه ابن ماجه (295) حدثنا بشر بن هلال الصواف، ثنا جعفر به.
وأخرجه ابن الجعد في مسنده (3294) حدثنا خلف بن هشام البزاز، نا جعفر بن سليمان به.
وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (2768) من طريق يحيى بن يحيى، أنا جعفر بن سليمان به.
قال القرطبي في تفسيره (2/107) : " هذا الحديث يرويه جعفر بن سليمان. قال العقيلي: في حديثه نظر.
وقال أبو عمر ـ يعني ابن عبد البر ـ ليس بحجة لسوء حفظه، وكثرة غلطه. وهذا الحديث ليس بالقوي من جهة النقل " اهـ.
وهذا الكلام بنصه موجود في شرح صحيح مسلم للقاضي عياض (2/62) . ولم أقف على كلام العقيلي في الضعفاء الكبير في ترجمة جعفر بن سليمان، فلعله في كتاب آخر للعقيلي.
والموجود في التمهيد عن ابن عبد البر (21/68) : " هذا حديث ليس بالقوي من جهة النقل " اهـ.
وقد نقل كلام القاضي عياض النووي في شرحه لصحيح مسلم، ورده، فقال (3/150) : " قد وثق كثير من الأئمة المتقدمين جعفر بن سليمان، ويكفي في توثيقه احتجاج مسلم. وقد تابعه غيره " اهـ.
قلت: تابعه صدقة بن موسى الدقيقي.
قال الحافظ في الفتح متعقباً كلام الحافظ ابن عبد البر (10 /346) : " وتعقب بأن
أبا داود والترمذي أخرجاه من رواية صدقة بن موسى، وصدقة بن موسى وإن كان فيه مقال لكن تبين أن جعفر لم ينفرد به، وقد أخرج ابن ماجه نحوه من طريق علي بن زيد بن جدعان عن أنس، وفي علي ضعيف.. الخ كلامه رحمه الله.
فقد أخرجه أحمد (3/122،203) ثنا يزيد بن هارون، أنا صدقة بن موسى، عن
أبي عمران الجوني، عن أنس، قال: وقت لنا رسول الله b في قص الشارب، وتقليم الأظفار وحلق العانة في كل أربعين يوماً مرة.
وأخرجه أحمد أيضاً (3/255) حدثنا محمد بن يزيد، حدثنا صدقة به.
أخرجه أبو يعلى في مسنده (4185) حدثنا أبو خيثمة، حدثنا يزيد، أخبرنا صدقة بن موسى به. وأخرجه ابن الجعد في مسنده (ص: 474) رقم 3293 من طريق يزيد بن هارون. وأخرجه أيضاً (3291) من طريق علي
وأخرجه أيضاً (3292) من طريق هشيم، ثلاثتهم، عن صدقة الدقيقي به.
وأخرجه ابن عدي في الكامل (4/76) من طريق علي بن الجعد، أنا صدقة الدقيقي به. وأخرجه أيضاً (4/76) من طريق هشيم أخبرنا صدقة به.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1/150) من طريق مسلم بن إبراهيم به. وأخرجه الترمذي (2758) حدثنا إسحاق بن منصور، أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا صدقة بن موسى به. بلفظ: وقت لهم في كل أربعين ليلة. الحديث
والحديث انقلب على الترمذي، فجعل صيغة البناء للمجهول (وقت لنا) من لفظ صدقة بن موسى. ولفظ: " وقت لنا رسول الله b " من لفظ جعفر بن سليمان. والصواب العكس.
قال أبو داود (4200) حدثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا صدقة الدقيقي، ثنا أبو عمران الجوني، عن أنس بن مالك، قال: وقت لنا رسول الله b حلق العانة وتقليم الأظفار وقص الشارب ونتف الإبط أربعين يوماً مرة.
قال أبو داود: رواه جعفر بن سليمان، عن أبي عمران، عن أنس لم يذكر النبي b قال: وقت لنا. وهذا أصح
وقال ابن عدي: رواه عن أبي عمران صدقة بن موسى، وجعفر بن سليمان. فقال صدقة: وقت لنا رسول الله b.
وقال جعفر: وقت لنا في حلق العانة، فذكره. وما أعلم رواه عن أبي عمران غيرهما.(3/98)
وقول الصحابي: " وقت لنا " على البناء للمجهول له حكم الرفع، كقول الصحابي: " أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا ".
قال الشوكاني: المختار أنه يضبط بالأربعين التي ضبط بها رسول الله b، فلا يجوز تجاوزها (1) .
(465-29) ومما يدل أيضاً على الوجوب ما رواه أحمد، قال: ثنا يحيى، عن يوسف بن صهيب (ح) ووكيع، ثنا يوسف، عن حبيب بن يسار،
عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه عن النبي b قال: من لم يأخذ من شاربه فليس منا (2) .(3/100)
[إسناده صحيح] (3) .
فهذا الحديث يدل على أن الأخذ من الشارب واجب، بل لو قيل: إن تاركه مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب لم يكن بعيداً لهذا العقاب.
فهذا الحديث، والحديث الذي قبله يدلان أن سنن الفطرة ليست مستحبة، وإنما هي واجبة، فيسقط القول بأن الختان قرن بما هو مستحب،
__________
(1) نيل الأوطار (1/169) .
(2) مسند أحمد (4/366،368) .
(3) رجاله كلهم ثقات.
والحديث أخرجه الترمذي (2761) من طريق يحيى بن سعيد، عن يوسف به. ومن طريق يحيى بن سعيد أخرجه النسائي في الكبرى (14) .
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5/226) رقم 25493 حدثنا عبدة بن سليمان، عن يوسف بن صهيب به.
وأخرجه الترمذي في الأدب (2762) والنسائي (13) من طريق عبيدة بن حميد، حدثني يوسف بن صهيب به. وقال: هذا حديث حسن صحيح.
ومن طريق عبيدة أخرجه ابن حبان (5477) .
وأخرجه النسائي في الكبرى (9293) وفي الصغرى أيضاً (5047) من طريق المعتمر قال: سمعت يوسف بن صهيب به. إلا أنه حذف كلمة (من) في قوله: (من شاربه) في السنن الصغرى. ومن طريق النسائي أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (357) .
وأخرجه عبد بن حميد، كما في المنتخب (264) حدثنا يعلى ومحمد ابنا عبيد، قالا: ثنا يوسف بن صهيب به.
وأخرجه الطبراني في الأوسط (8/37) رقم 7886 من طريق حمزة الزيات، عن يوسف بن صهيب به.
وأخرجه في المعجم الكبير (5033،5034،5036) من طريق أبي نعيم، ومندل بن علي، وحمزة الزيات فرقهم، عن يوسف بن صهيب به.
وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (5/222) رقم 6444،6445 من طريق يعلى بن عبيد وأبي نعيم، كلاهما عن يوسف بن صهيب به.(3/101)
فيكون مستحباً (1) .
الدليل الثالث:
(466-30) ما رواه البخاري في الأدب المفرد، قال: حدثنا محمد، قال: أخبرنا عبد الله، قال: أخبرنا معتمر، قال: حدثني سلم بن أبي الذيال (وكان صاحب حديث) قال:
سمعت الحسن يقول: أما تعجبون لهذا (يعني مالك بن المنذر) عمد إلى شيوخ من أهل كسكر أسلموا ففتشهم، فأمر بهم فختنوا في هذا الشتاء فبلغني أن بعضهم قد مات، ولقد أسلم مع رسول الله b الرومي والحبشي فما فتشوا عن شيء (2) .
[رجاله ثقات]
ورده ابن القيم، فقال: جوابه أنهم استغنوا عن التفتيش بما كانوا عليه من الختان، فإن العرب قاطبة كانوا يختتنون، واليهود قاطبة تختتن، ولم يبق إلا النصارى، وهم فرقتان: فرقة تختتن، وفرقة لا تختتن، وقد علم كل من دخل الإسلام منهم ومن غيرهم أن شعار الإسلام الختان، فكانوا يبادورن إليه بعد الإسلام، كما يبادرون إلى الغسل " (3) .
__________
(1) وقد ذهب الجمهور إلى استحباب سنن الفطرة. وحملوا قوله b: "من لم يأخذ من شاربه فليس منا " كقوله b: " من لم يتغن بالقرآن فليس منا " فالمراد ليس على سنتنا، وليس على طريقنا.
(2) الأدب المفرد (1287) .
(3) تحفة المودود (ص: 191) .
قلت: ومما يؤيد كلام ابن القيم، ان قيصر أطلق على الرسول b ملك(3/102)
الختان كما في البخاري (1) .
دليل القائلين بالوجوب.
الدليل الأول:
اختتن إبراهيم، وكان الختان مما ابتلى الله به إبراهيم، فكان من شريعته، وقد أمرنا باتباع ملته عليه الصلاة والسلام، كما في قوله تعالى: {ثم أو حينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً} (2) .
(467-31) أما الدليل على اختتانه، فقد أخرج البخاري رحمه الله، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن القرشي، عن أبي الزناد، عن الأعرج،
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله b: اختتن إبراهيم عليه السلام، وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم. ورواه مسلم (3) .
وأما الدليل على كون الختان مما ابتلى الله به إبراهيم
(468-32) فقد روى البيهقي، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا(3/103)
أبو زكريا العنبري، ثنا: محمد بن عبد السلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا عبدالرزاق، ثنا: معمر عن عبد الله بن طاووس، عن أبيه،
__________
(1) جاء في البخاري (7) من حديث طويل، وفيه: " كان هرقل حزاء ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه الأمة. قالوا: ليس يختتن إلا اليهود، فلا يهمنك شأنهم، واكتب إلى مداين ملكك فيقتلوا من فيهم من اليهود، فينما هم على أمرهم أتى هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله b، فلما استخبره هرقل، قال: إذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا، فنظروا إليه، فحدثوه أنه مختتن، وسأله عن العرب، فقال: هم يختتنون، فقال: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر. الحديث قطعة من حديث طويل.
(2) النحل: 123.
(3) صحيح البخاري (3356) ، ومسلم (2370) .
عن ابن عباس في قوله عز وجل: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} قال: ابتلاه الله عز وجل بالطهارة، خمس في الرأس وخمس في الجسد: في الرأس قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس. وفي الجسد: تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل مكان الغائط والبول بالماء.
[وإسناده صحيح] (1) .
والابتلاء غالباً إنما يقع بما يكون واجباً
وأما الدليل على كوننا مأمورين باتباع ملته، فقال سبحانه وتعالى: {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً} (2) (3) .
وتعقب هذا الاستدلال:
بأنه لا يلزم ما ذكر إلا إذا كان إبراهيم فعله على سبيل الوجوب، فإن من الجائز أن يكون فعله على سبيل الندب، فيحصل امتثال الأمر باتباعه على وفق ما فعل، وقد قال الله سبحانه وتعالى في حق نبينا محمد b: {واتبعوه لعلكم تهتدون} (4) ، ومع هذا الأمر باتباعه فقد تقرر في الأصول أن أفعاله b بمجردها لا تدل على الوجوب، وأيضاً هناك قرينة من الحديث أنه ليس(3/104)
بواجب، لأن من الخصال العشر ما ليس بواجب علينا كالسواك وفرق الرأس. والله أعلم.
الدليل الثاني:
(469-33) ما رواه أحمد، قال: ثنا عبد الرزاق أنا ابن جريح قال أخبرت، عن عثيم بن كليب، عن أبيه،
عن جده، أنه جاء النبي b، فقال: قد أسلمت. فقال: ألق عنك شعر الكفر. يقول: أحلق. قال: وأخبرني آخر معه أن النبي b قال لآخر: ألق عنك شعر الكفر واختتن (5) .
[إسناده ضعيف جداً] (6) .(3/105)
__________
(1) سنن البيهقي (1/149) . وسبق تخريجه.
(2) النحل: 123.
(3) ذكر هذا الاستدلال البيهقي في السنن (8/325) .
(4) الأعراف: 158.
(5) مسند أحمد (3/415) .
(6) في الحديث ثلاث علل:
الأولى: شيخ ابن جريج الذي لم يسم.
قال ابن عدي في الكامل (1/222) : " وهذا الذي قاله ابن جريج في هذا الإسناد: وأخبرت عن عثيم بن كليب إنما حدثه به إبراهيم بن أبي يحيى، فكنى عن اسمه. ثم أخرجه ابن عدي من طريق الرمادي، عن إيراهيم بن أبي يحيى، عن عثيم به.
وإبراهيم بن أبي يحيى
قال يحيى بن سعيد القطان: سألت مالك بن أنس، عن إبراهيم بن أبى يحيى أكان ثقة؟ قال: لا، ولا ثقة في دينه. الجرح والتعديل (2/125) .
قال فيه العجلي: مدني رافضي جهمى قدرى، لا يكتب حديثه روى عنه الشافعي. ثقات العجلي (1/209) .
وقال أحمد بن حنبل: كان قدريا معتزلياً جهمياً، كل بلاء فيه. تهذيب التهذيب (1/137) .
العلة الثانية: ضعف عثيم بن كثير بن كليب.
لم يوثقه أحد إلا ابن حبان. الثقات (7/303) . وفي التقريب: مجهول.
العلة الثالثة: ضعف كثير بن كليب، والد عثيم.
ذكره ابن أبي حاتم، وسكت عليه. الجرح والتعديل (7/156) .
وقال الحسيني: مجهول. الإكمال (737) .
وقال ابن القطان: مجهول. لسان الميزان (4/483) .
وقال أيضاً: إسناده في غاية الضعف، مع الانقطاع الذي في قول ابن جريج (أخبرت) وذلك أن عثيم بن كليب، وأباه وجده مجهولون.
ونقل الحافظ كلام ابن القطان في التلخيص (1/153) إلا أنه قال: عثيم وأبوه مجهولان، ولم يقل: وجده. وذلك لأن الحافظ يرى أن جده له صحبه، كما ذكر ذلك في تعجيل المنفعة (901) .
تخريج الحديث
الحديث عند عبد الرزاق في المصنف (9835) ، ومن طريقه أخرجه أبو داود (356) وابن أبي عاصم في الأحاد والمثاني (2795) وابن عدي في الكامل (1/223) والبيهقي في السنن الكبرى (1/172) .
وله شاهدان من حديث واثلة بن الأسقع وقتادة الرهاوي إلا أنهما في الاغتسال من الكفر، وليس فيهما الاختتان، ولذلك لن أشتغل بتخريجهما هنا، ولعلي أدرس أسانيدهما في كتاب الاغتسال إن شاء الله تعالى.
ولو صح لم يدل على الوجوب، لأن حلق شعر الكافر ليس بواجب، فكذلك الختان.
الدليل الثالث:
قالوا: إن القلفة تحبس النجاسة، فتتوقف على قطعها صحة الصلاة، كمن أمسك نجاسة في فمه.
وفي هذا نظر: من وجهين:
الوجه الأول: أن الفم في حكم الظاهر، بدليل أن وضع المأكول فيه لا(3/106)
يفطر به الصائم، بخلاف داخل القلفة فإنه في حكم الباطن، وقد صرح أبو الطيب الطبري بأن هذا القدر مغتفر.
الوجه الثاني: أن بإمكانه تطهير القلفة من النجاسة كل ما تبول، والأقلف صلاته صحيحة، وليس الختان شرطاً في صحة الطهارة.
الدليل الرابع:
جواز كشف العوارة من المختون، وجواز نظر الخاتن إليها - وقد ذكرنا أنه يشرع الختان لمن بلغ أو قارب البلوغ - وكشف العورة والنظر إليها حرام، فلو لم يجب لما أبيح ترك واجبين، وارتكاب محظورين.
وتعقب: بأن كشف العورة مباح للحاجة، وليس للضروة، فالحاجة تبيح كشف العورة، ولذلك أبيح النظر إلى العورة بالمداواة، وليس ذلك واجباً إجماعاً، وإذا جاز في المصلحة الدنيوية، كان في المصلحة الشرعية أولى. وقد قال بعضهم: قد يترك الواجب لغير الواجب كترك الإنصات للخطبة يوم الجمعة بالتشاغل بركعتي تحية المسجد، وكشف العورة للمداواة مثلها.
الدليل الخامس:
أن الولي يؤلم فيه الصبي إيلاماً بالغاً، ويخرج من ماله أجرة الخاتن، وثمن الدواء، ولا يضمن سرايته بالتلف، ولو لم يكن واجباً لما جاز ذلك، فإنه لا يجوز له إضاعة ماله، وإيلامه الألم البالغ، وتعريضه للتلف بفعل مالا يجب فعله.
الدليل السادس:
قالوا: بأن الختان واجب؛ لأنه من شعار الدين، وبه يعرف المسلم من(3/107)
الكافر، حتى ولو وجد مختوناً بين جماعة قتلى غير مختونين صلي عليه، ودفن في مقابر المسلمين.
وأجيب:
بأن شعائر الدين ليست كلها واجبة، فمنها ما هو واجب، كالصلوات الخمس والحج والصيام، ومنها ما هو مستحب كالتلبية وسوق الهدي وتقليده، ومنها ما هو مختلف في وجوبه كالأذان والعيدين والأضحية والختان. وما ذكر في المقتول مردود؛ لأن اليهود وكثيراً من النصارى يختتنون، فليقيد ما ذكر بالقرائن.
الدليل السابع:
الختان قطع عضو سليم من البدن، فلو لم يجب لم يجز كقطع الأصبع، فإن قطعها إذا كانت سليمة لا يجوز إلا إذا وجب بالقصاص.
وتعقب: بأن قطع العضو إذا كان فيه مصلحة للبدن، يجوز، ولو لم يكن القطع واجباً، والختان فيه عدة مصالح كمزيد الطهارة والنظافة، فإن القلفة من المستقذارت عند العرب، وقد كثر ذم الأقلف في أشعارهم، وكان للختان عندهم قدر، وله وليمة خاصة به.
الدليل الثامن:
(470-34) ذكر ابن حجر في التلخيص، ما رواه حرب بن إسماعيل في مسائله
عن الزهري، قال: قال رسول الله b: من أسلم فليختتن (1) .(3/108)
وهذا مرسل، ومراسيل الزهري من أضعف المراسيل (2) .
الدليل التاسع:
(471-35) ما رواه البيهقي في السنن الكبرى، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن بندار القزويني بمكة، ثنا أبو محمد بن سهل بن أحمد الديباجي، ثنا أبو علي محمد بن محمد بن الأشعث (ح)
__________
(1) تلخيص الحبير (4/82) ، ونقله ابن القيم في تحفة المودود (ص: 182) .
وقد روى البخاري في الأدب المفرد، ولم يرفعه (1288) حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، قال: حدثني سليمان بن بلال، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: وكان الرجل إذا أسلم أمر بالاختتان، وإن كان كبيراً.
(2) وقال يحيى بن سعيد القطان: مرسل الزهري شر من مرسل غيره؛ لأنه حافظ، كلما قدر أن يسمي سمى، وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه. جامع التحصيل في أحكام المراسيل. (ص: 79) .
قال أحمد بن سنان، قال: كان يحيى بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئاً، ويقول: هو بمنزلة الريح. المرجع السابق.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأ أبو بكر محمد بن داود بن سليمان الصوفي، قال: قرئ على أبي علي محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي، حدثني موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب، ثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين بن علي، عن أبيه،
عن أبيه علي رضي الله تعالى عنه قال: وجدنا في قائم سيف رسول الله b في الصحيفة، إن الأقلف لا يترك في الإسلام حتى يختتن، ولو بلغ ثمانين سنة.
قال البيهقي: وهذا حديث ينفرد به أهل البيت عليهم السلام بهذا(3/109)
الإسناد (1) .
[إسناده ضعيف جداً] (2) .
وهناك أدلة ذكروها في عدم صحة إمامته وذبيحته وحجة، نترك ذكرها لأني أفردتها في بحث مستقل.
هذه أهم الأدلة التي استدل بها من يرى الوجوب.(3/110)
المبحث الثاني
في ختان المرأة
__________
(1) سنن البيهقي الكبرى (8/324) .
(2) فيه محمد بن محمد بن الأشعث متهم.
قال ابن عدي: مقيم بمصر، وكتبت عنه بها، حَمَلَه شدة ميله إلى التشيع أن أخرج لنا نسخة قريباً من ألف حديث، عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده إلى أن ينتهي إلى علي، عن النبي b كتاب كتاب يخرجه إلينا بخط طري، على كاغد جديد، فيها مقاطيع وعامتها مسندة مناكير، كلها أو عامتها، فذكرنا روايته هذه الأحاديث عن موسى هذا لأبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب وكان شيخاً من أهل البيت بمصر، وهو أخ الناصر، وكان أكبر منه، فقال لنا: كان موسى هذا جاري بالمدينة أربعين سنة ما ذكر قط أن عنده شيئاً من الرواية لا عن أبيه ولا عن غيره. الكامل (6/301) . وانظر لسان الميزان (5/362) .
فقيل: الختان سنة في حق الرجل مكرمة في حق المرأة (أي مستحب) ولو تركته لم تجبر عليه. وهو مذهب الحنفية (1) ، والمالكية (2) .
وقيل: ختان المرأة سنة. اختاره بعض الحنفية (3) ، وبعض المالكية (4) ،(3/111)
وبعض الشافعية (5) ، وهو رواية عن أحمد (6) .
__________
(1) قال في شرح فتح القدير (1/63) : " الختانان: موضع القطع من الذكر والفرج، وهو سنة للرجل، مكرمة لها، إذ جماع المختونة ألذ، وفي نظم الفقه سنة فيهما، غير أنه لو تركه يجبر عليه إلا من خشية الهلاك، ولو تركته هي لا ". وانظر المبسوط (10/156) ، المغرب (ص: 406) ، الفتاوى الهندية (6/445) .
وقال في حاشية ابن عابدين (6/371) : " الختان سنة للرجال، من جملة الفطرة، لا يمكن تركها، وهي مكرمة في حق النساء أيضاً كما في الكفاية " اهـ.
وقال أيضاً (6/751) : " والأصل أن الختان سنة، كما جاء في الخبر، وهو من شعائر الإسلام وخصائصه، فلو اجتمع أهل بلدة على تركه حاربهم الإمام، فلا يترك إلا لعذر " ثم قال: " وختان المرأة ليس سنة، بل مكرمة للرجال، وقيل: سنة.
(2) قال في مواهب الجليل (3/259) : " والخفاض في النساء مكرمة " اهـ. وتفسير المكرمة: أي مستحب وليس بسنة. قال صاحب الفواكة الدواني (1/394) : " والخفاض في النساء مكرمة: أي خصلة مستحبة " اهـ. وقال في شرح الخرشي (3/48) : " وحكمه السنية في الذكور: وهو قطع الجلدة الساترة. والاستحباب في النساء " اهـ. وانظر حاشية الدسوقي (2/126) ، الشرح الصغير (2/151) .
وحين قال في كفاية الطالب الرباني (1/596) : " والخفاض في النساء مكرمة، يعني: سنة كسنة ختان الذكور، وإنما قال مكرمة تبعاً للحديث. تعقبه العدوي في حاشيته عليه، فقال (1/596) : هذا القول ضعيف، والمعتمد أنه مستحب اهـ.
(3) شرح فتح القدير (1/63) .
(4) كفاية الطالب الرباني (1/596) .
(5) طرح التثريب (2/75) .
(6) المحرر (1/11) ، المغني (1/63) .
وقيل: يجب ختان المرأة، كما يجب على الرجل، وهو المشهور من مذهب الشافعية (1) ، والحنابلة (2) .
دليل القائلين بأنه سنة.
استدل القائلون بأن الختان سنة في حق المرأة بنفس أدلتهم في قولهم بأن الختان سنة في حق الرجل.
دليل القائلين بأنه واجب في حق المرأة.
ساقوا الأدلة في وجوب الختان، قالوا: وهي مطلقة، فتشمل الرجل والمرأة، انظر أدلتهم في القول بوجوب الختان على الرجل في المسألة التي قبل هذه.
دليل القائلين بأنه مستحب وليس بسنة.
قالوا: إن الختان في حق الرجل يتعلق بالطهارة من النجاسة المحتقنة في القلفة، والطهارة شرط في صحة الصلاة التي هي الركن الثاني من أركان(3/112)
الإسلام، بينما المقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها، فإنها إذا كانت قلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة، وهي طلب كمال لا أكثر فلا ترقى إلى الاستحباب.
والذي تميل له نفسي بعض الميل أن الختان واجب في حق الرجل، سنة في حق المرأة.
قال ابن قدامة: " فأما الختان فواجب على الرجال، ومكرمة في حق النساء، وليس بواجب عليهن. هذا قول كثير من أهل العلم. قال أحمد: الرجل أشد؛ وذلك أن الرجل إذا لم يختتن فتلك الجلدة مدلاة على الكَمَرَة، ولا يُنَقَّى ما ثَمَّ، والمرأة أهون " (3) .(3/113)
شبهة وردها:
__________
(1) قال النووي في المجموع (1/349) : " الختان واجب على الرجال والنساء عندنا، وبه قال كثيرون من السلف، كذا حكاه الخطابي. ثم قال: " والمذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي رحمه الله، وقطع به الجمهور أنه واجب على الرجال والنساء" اهـ. وانظر حاشيتا قليوبي وعميرة (4/211) ، وتحفة المحتاج (9/198) ، نهاية المحتاج (8/35) ، فتوحات الوهاب (5/173) .
(2) المحرر (1/11) ، كشاف القناع (1/80) ، المبدع (1/103) الروض المربع () .
(3) المغني (1/63) .
في بعض البلاد الإسلامية صدق قرار وزاري بمنع إجراء ختان الإناث بالمستشفيات أو العيادات العامة والخاصة، وقصر إجرائها على الحالات المرضية. وقامت على إثره هجمة شرسة على ختان المرأة.
وقد ألغت محكمة القضاء الإداري في تلك البلاد قرار وزير الصحة.
وجاء في جريدة القبس في تاريخ 14 /11/1989 بأن نحو مائتي مسلم في بلغاريا قتلوا، وهم يقاومون أوامر صدرت بتحريم الختان، سواء بالنسبة للذكور والإناث.
وهناك من يصف خفاض الإناث بأنه وحشية، وهي حملة غربية ودخيلة على الأمة الإسلامية، تدعي أن خفاض الإناث ينجم عنه أضرار سيئة تلحق بالفتاة من الناحية الصحية كالنزيف وإصابة مجرى البول إلى آخر ما هنالك من أضرار تنجم عن سوء إجراء عملية الخفاض.
وأريد أن أثبت أن ختان المرأة مشروع في الإسلام، وليس فيه خلاف في مشروعيته، وإنما الخلاف في وجوبه.
قال ابن حزم في مراتب الإجماع: " واتفقوا على إباحة الختان للنساء" (1) .
وقال ابن القيم: لا خلاف في استحبابه للأنثى، واختلف في وجوبه (2) .
(472-36) وقد روى مسلم في صحيحه، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، ثنا هشام وشعبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع،(3/114)
عن أبي هريرة أن النبي b قال: إذا قعد بين شعبها الأربع، وألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل (3) .
(473-37) وفي مسلم أيضاً، قال: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثنا هشام بن حسان، حدثنا حميد بن هلال، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري (ح)
وحدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الأعلى - وهذا حديثه - حدثنا هشام، عن حميد بن هلال، قال: ولا أعلمه إلا عن أبي بردة،
__________
(1) مراتب الإجماع (ص: 157) .
(2) تحفة المودود (ص: 206) .
(3) صحيح مسلم (216) .
عن أبي موسى، قال: اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار، فقال الأنصاريون: لا يجب الغسل إلا من الدفق أو من الماء، وقال المهاجرون: بل إذا خالط فقد وجب الغسل. قال: قال أبو موسى فأنا أشفيكم من ذلك، فقمت، فاستأذنت على عائشة، فأذن لي. فقلت: لها
يا أماه أو يا أم المؤمنين إني أريد أن أسألك عن شيء، وإني أستحييك. فقالت: لا تستحيي أن تسألني عما كنت سائلاً عنه أمك التي ولدتك، فإنما أنا أمك. قلت: فما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطت، قال رسول الله b: إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان فقد وجب الغسل (1) .
فقوله: " وألزق الختان بالختان " دليل على أن المرأة تختن، وأن هذا معروف في زمن الصحابة، وواضح أن من عادتهم ختان الأنثى.
نعم قد يقوم بالختان من لا يحسن الختان من النساء والرجال، ورأيت(3/115)
كثيراً في مجتمعنا في السابق من يذهب في ختان الأولاد إلى الحلاقين، والعوام الذين لا يحسنون المهنة، فينجم عن ذلك أضرار بالغة، ولا يعنى هذا أن يترك الختان من أجل سوء التصرف، بل ينبغي أن تكون هناك توعية للناس بأن يذهبوا إلى الأطباء المتخصصين. والله الموفق.
قال أحد الأطباء: أن ما يتم في مناطق كثيرة من العالم، ومنه بعض بلاد المسلمين مثل الصومال والسودان وأرياف مصر من أخذ البظر بأكمله، أو أخذ البظر والشفرين الصغيرين، أو أخذ ذلك كله مع إزالة الشفرين الكبيرين، فهو مخالف للسنة، ويؤدي إلى مضاعفات كثيرة، وهو الختان المعروف
باسم الختان الفرعوني، وهو على صفة لا علاقة له بالختان الذي أمر به المصطفىb.
ومضار هذا النوع من الختان المخالف للسنة، كما يلي:
أولاً: المضاعفات الحادة: مثل النزيف والالتهابات الميكروبية نتيجة إجراء عملية الختان في مكان غير معقم، وأدوات غير معقمة، وبواسطة خاتنة لا تعرف من الطب والجراحة إلا ما تعلمته من الخاتنات مثلها.
__________
(1) صحيح مسلم (349) .
ثانياً: مضاعفات متأخرة: مثل البرود الجنسي، والرتق، وهو التصاق فتحة الفرج مما يؤدي إلى صعوبة الجماع، وصعوبة الولادة، وتعسرها عند حدوثها.
وهذا كله ناتج عن مخالفة السنة، واتباع الأهواء، والعادات الفرعونية، ولا بد أن يجري الختان كما أمر المصطفى b، ثم يجب أن يتم بواسطة طبيبة لديها التدريب الكافي لإجراء الختان، وفي مكان معقم، وبأدوات معقمة، مثل أي عملية جراحية.(3/116)
ولذا فإن الضجة المفتعلة ضد ختان البنات لا مبرر لها؛ لأن المضاعفات والمشاكل ناتجة عن شيئين لا ثالث لهما:
مخالفة السنة، والثاني: إجراء العملية بدون تعقيم، ومن قبل غير الأطباء.
ولو تمت أي عملية بدون تعقيم، وكان الذي يجريها لا علاقة له بالطب فإن مضاعفاتها ستكون مروعة (1) .(3/117)
[صفحة فارغة](3/118)
فرع
في أنواع الخفاض
جاء في تقرير الدكتور مأمون الحاج إبراهيم: أستاذ أمراض النساء والولادة بكلية الطب بجامعة الكويت بيان أنواع كيفية ممارسة الخفاض:
النوع الأول:
يقصد به إزالة قطعة الجلد التي تكون في أعلى الفرج - كما سبق- وقد يزاد على ذلك.
النوع الثاني:
خياطة الشفرين الصغيرين، من غير إزالة أجزاء منهما، وذلك لتضييق فتحة المهبل.
وهذا مخالف للشرع.
النوع الثالث:
ويعرف باسم الخفاض الفرعوني، وهو أشدها، والذي بدأت ممارسته في مصر القديمة أيام الفراعنة.
وفي هذا النوع تتم إزالة البظر، والشفرين الصغيرين، ومعضم الشفرين الكبيرين، ثم تتم عملية خياطة الجانبين لقفل فتحة المهبل، وتترك فتحة صغيرة جداً في الجزء الأسفل من المهبل لخروج البول، ودم الحيض.
والشفران الصغيران يقعان بين الشفرين الكبيرين، وفيهما الأنسجة الدموية والأعصاب، ويشكلان مع البظر أكثر الأعضاء الجنسية حساسية.
أما البظر فيقع في مقدمة الأعضاء التناسلية الخارجية، فوق فتحة البول،(3/119)
وهو أكثر الأعضاء حساسية عند المرأة.
ويصاحب هذا النوع كثير من المضاعفات مثل النزيف الحاد، والتهاب مجاري البول، والالتهاب التناسلي، والصدوة أو الموت، خاصة أنه يعمل بواسطة نساء غير مؤهلات طبياً، وليس لهن دراية بالعمليات الجراحية (1) .
__________
(1) الختان. د. البار (ص: 71ـ72) .(3/120)
المبحث الثالث
في ختان الخنثى
اختلف العلماء في ختان الأنثى
فقيل: يختن الخنثى، ولكن لا يختنه أجنبي بعد المراهقة، وهو مذهب الحنفية (2) .
وقيل: لا يجوز ختانه. وهو وجه في مذهب المالكية (1) ، وأصح الوجهين
__________
(1) نقلا من كتاب أحاديث الختان حجيتها وفقهها ـ د: سعد المرصفي (ص:38) .
(2) والذي يقوم بختان الخنثى أمته أو زوجته، وقيل: يجوزه الإمام امرأة تعرف الختان، وهذا في زمن المراهقة وما بعداها، وأما قبل المراهقة فيجوز أن يقوم بختانه الأجنبي رجلاً كان أو امرأة. انظر شرح فتح القدير (10/518،519) ، بدائع الصنائع (7/328) ، تبيين الحقائق (6/215) ، البحر الرائق (8/540) ، العناية شرح الهداية (10/518،519) ، الجوهرة النيرة (1/395) ، وقال: "هذا إذا كان يشتهي، أما إذا كان لا يشتهي جاز للرجال والنساء أن يختنوه "، حاشية ابن عابدين (6/728) .
وقال في الفتاوى الهندية (6/439) : " أرأيت هذا الخنثى هل يختنه رجل أو امرأة؟
قال: هذا على وجهين: إما أن يكون مراهقاً أو غير مراهق. فإن كان غير مراهق فإنه لا بأس أن يختنه رجل أو امرأة. ثم قال: وإن كان مراهقاً فإنه لا يختنه رجل ولا امرأة، أما كونه لا يختنه رجل فلجواز أن يكون صبية، ولا يباح للرجل أن يختنها، وينظر إلى فرجها؛ لأنها مراهقة، والمراهقة ممن تشتهى، فكانت كالبالغة، ولا تختنه امرأة لجواز أن يكون صبياً مراهقاً فلا يحل للمرأة الأجنبية أن تختنه، وتنظر إلى فرجه؛ لأنه كالبالغ. ثم ذكر المخرج من كونه يشترى له من ماله جارية، أو من مال أبيه، أو من بيت المال. اهـ(3/121)
في مذهب الشافعية (2) .
وقيل: يختن نفسه. اختاره بعض المالكية (3) .
وقيل: لا يختن في صغره، فإذا بلغ وجب ختان فرجيه. وهو وجه مرجوح في مذهب الشافعية (4) ، والمشهور من مذهب الحنابلة (5) .
فتلخص من هذه الأقوال أربعة أقوال:
ـ أنه لا يختن بعد البلوغ إلا من أمته أو زوجته، وأما قبل المراهقة فيجوز مطلقاً.
ـ أنه يجب على الإمام أن يزوجه ختانة.
ـ أنه لا يجوز ختانه مطلقاً.
ـ أنه يجب ختان فرجيه بعد البلوغ مطلقاً فإن أمكن أن يختنه من يحل له النظر إلى عورته، وإلا جاز ختانه من أجنبي ضرورة.(3/122)
دليل القائلين بأنه يختن ولكن من أمته أو زوجته.
قالوا: لا يجوز للرجل أن يختنه لاحتمال أنه أنثى، ولا يحل له النظر إلى عورتها، ولا يحل لامرأة أجنبية أن تختنه لاحتمال أنه رجل، فلا يحل لها النظر إلى عورته، فيجب الاحتياط في ذلك، وذلك أن يشترى له من ماله جارية تختنه إن كان له مال؛ لأنه إن كان أنثى فالأنثى تختن الأنثى عند الحاجة. وإن كان ذكراً فتختنه أمته؛ لأنه يباح لها النظر إلى فرج مولاها، وإن لم يكن له مال يشتري له الإمام من مال بيت المال جارية ختانة، فإذا ختنته باعها، ورد ثمنها إلى بيت المال؛ لأن الختان من سنة الإسلام، وهذا من مصالح المسلمين، فيقام من بيت مالهم عند الحاجة والضرورة، ثم تباع ويرد ثمنها إلى بيت المال لاندفاع الحاجة والضرورة (1) .
دليل القائلين بأن على الإمام أن يزوجه امرأة ختانة.
قالوا: لأنه إن كان ذكراً فللمرأة أن تختن زوجها، وإن كان أنثى فالمرأة تختن المرأة عند الحاجة (2) .
وتعقب هذا بقولهم: إن زجناه كان عقد النكاح مشكوكاً فيه، فإن صح كانت المرأة معلقة لا يمكنها الخلاص منه، ولا يتيقن أيضاً وجوب المهر بالعقد، ولا وجوب الميراث إن مات وهو مشكل، ولا يدرى هل تلزمه نفقة أم لا (3) .
__________
(1) حاشية العدوي (1/596) ، وقال في مواهب الجليل (3/259) : " قال الفاكهاني: هل يختتن الخنثى المشكل أم لا. فإذا قلنا يختتن، ففي أي الفرجين، أو فيهما جميعاً. لم أر في ذلك لأصحابنا نقلاً. ثم قال: " والحق أنه لا يختتن لما علمت من قاعدة تغليب الحضر على الإباحة. ومسأله تدل على ذلك، قال ابن حبيب: لا ينكح، ولا ينكح وفي بعض التعاليق، ولا يحج إلا مع ذي محرم، لا مع جماعة رجال فقط، ولا مع جماعة نساء فقط، إلى غير ذلك من مسائله اهـ.
(2) المجموع (2/57) ، تحفة المحتاج (9/200) ، مغني المحتاج (5/540) ، تحفة الحبيب (4/154) .
(3) الفواكه الدواني (1/394) .
(4) مغني المحتاج (5/540) ، وقال في تحفة المحتاج (9/200) : " قيل: يُخْتَن فرجاه بعد بلوغه، ورجحه ابن الرفعة، فعليه يتولاه هو إن أحسنه، أو يشتري أمة تحسنه، فإن عجز تولاه رجل أو امرأة للضرورة اهـ.
(5) قال في شرح منتهى الإرادات (1/44) : ويجب ختان قبلي خنثى مشكل احتياطاً عند بلوغ؛ لأنه قبل ذلك ليس مكلفاً اهـ. وانظر كشاف القناع (1/80) ، مطالب أولى النهى (1/91) .(3/123)
دليل القائلين لا يجوز ختانه مطلقاً.
قال البغوي: لا يختن الخنثى المشكل؛ لأن الجرح على الإشكال لا يجوز. قال النووي: وهذا الذي ذكره البغوي هو الأظهر والمختار. والله أعلم (1) .
دليل من قال يجب ختان فرجيه بعد البلوغ.
قالوا: إن ختن أحد فرجيه واجب، ولا يتوصل للواجب إلا بختنهما جميعاً، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (2) .
الراجح:
يترك الأمر للطبيب الثقة، فلا شك أن الطب تقدم في هذا المجال، وأصبح باستطاعته أن يتحقق من الخنثى، هل هي رجل أو امرأة، وكان بالإمكان إجراء جراحة طبية لتغليب أحد الجنسين، فإذا قال الطبيب: إن هذا الخنثى امرأة، إما لوجود رحم في جوفها، ووجود مبايض، ونحو ذلك من جريان الحيض ونحوه كان الحكم فيها حكم ختان الأنثى.
وإن قال الطبيب: إنه رجل، إما لوجود خصيتين مختفيتين، ولوجود
__________
(1) بدائع الصنائع (7/328) .
(2) المرجع السابق، وانظر تبيين الحقائق (6/215) .
(3) تبيين الحقائق (6/ 215) .(3/124)
هرمون الذكورة فيه، فيكون الخلاف فيه كالخلاف في ختان الرجل.
وإن عجز الطب عن تحديد جنس الرجل، كان ختانه إن كان الأمر يتعلق بالطهارة من النجاسة، فله حكم الرجل، وإلا كان له حكم ختان الأنثى. والله أعلم.(3/125)
[صفحة فارغة](3/126)
فرع
حكم ما لوكان للرجل ذكران
قال النووي: لوكان لرجل ذكران.
قال صاحب البيان: إن عرف الأصلي منهما ختن وحده.
قال صاحب الإبانة: يعرف الأصلي بالبول.
وقال غيره: بالعمل، فإن كانا عاملين أو يبول منهما، وكانا على منبت الذكر على السواء، وجب ختانهما (3) .(3/127)
[صفحة فارغة](3/128)
المبحث الرابع
في حكم ختان الميت
اختلف الفقهاء في المسلم يموت غير مختون هل يختن بعد موته.
فقيل: لا يختن، وهو مذهب المالكية (1) ، والشافعية (2) ، والمشهور من مذهب الحنابلة (3) ، واختيار ابن تيمية (4) .
وقيل: يختن مطلقاً الكبير والصغير، وهو وجه مرجوح في مذهب الشافعية (5) ، واختيار ابن حزم (6) .
وقيل: يختن الكبير دون الصغير، وهو وجه في مذهب الشافعية (7) .
دليل من قال لا يختن مطلقاً.
التعليل الأول:
قالوا: إن الختان كان تكليفاً، وقد زال التكليف بالموت.
__________
(1) المجموع (1/351) ، وعبارة أسنى المطالب (4/164) : " ويحرم ختان الخنثى المشكل مطلقاً: أي سواء أكان قبل البلوغ أم بعده؛ لأن الجرح لا يجوز بالشك، والفرق بين هذه وبين من له كفان في يده، ولم تتميز الأصلية من الزائدة، ثم سرق نصاباً حيث تقطع إحداهما، أن الحق في مسألة السرقة متعلق بالآدمي، وحقوق الآدميين مبنية على المشاحة والمضايقة، والحق في الختان يتعلق بالله تبارك وتعالى، وحقوق الله مبنية على المسامحة والمساهلة.
(2) المجموع (1/350) .
(3) المجموع (1/350) .(3/129)
التعليل الثاني:
قالوا: المقصود من الختان الطهارة من النجاسة، وقد زالت الحاجة بموته.
التعليل الثالث:
قالوا: إن الختان جزء من الميت، فلا يقطع كيده المستحقة في قطع السرقة أو القصاص، وهي لا تقطع من الميت.
ويمكن مناقشة هذا التعليل: بأن هذا قياس مع الفارق؛ لأن عدم قطع جزء من الميت في القصاص لحق الآدمي، وقد فات بالموت، وأما في مسألة الختان فهي عبادة وقربة، كتغسيله بعد الموت، والله أعلم.
دليل من قال يختن مطلقا.
الدليل الأول:
قال: ثبت أن حلق العانة من الفطرة، فلا يجوز أن يجهز إلى ربه تعالى إلا على الفطرة التي مات عليها.
الدليل الثاني:
(474-38) روى عبد الرزاق في مصنفه، قال: عن الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، أن سعد بن مالك حلق عانة ميت (1) .
إسناده صحيح إن كان سمع أبو قلابة من أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
ولا يعلم له مخالف من الصحابة، وإذا جاز هذا في العانة جاز في الختان، لأن محلهما العورة.
__________
(1) التاج والإكليل (3/52) .
(2) قال النووي في المجموع (1/351) : " لو مات غير مختون فثلاثة أوجه: الصحيح الذي قطع به الجمهور لا يختن " اهـ. وقال أيضاً في (5/142) : " وأما ختان من مات قبل أن يختن ففيه ثلاثة طرق. المذهب، وبه قطع المصنف والجمهور: لا يختن " اهـ. وانظر الغرر البهية في شرح البهجة الوردية (2/86) ، مغني المحتاج (5/541) .
(3) المغني (2/211) ، وقال في الإنصاف (2/495) " يحرم ختنه - يعني: الميت - بلا نزاع في المذهب " اهـ. وانظر كشاف القناع (2/97) .
(4) قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (1/417) : " لا يختن أحد بعد الموت " اهـ.
(5) المجموع (1/351) .
(6) المحلى (مسألة 620) .
(7) المجموع (1/351) ، مغني المحتاج (5/541) .(3/130)
الدليل الثالث:
القياس على أخذ شاربه، وتقليم أظفاره، ونتف إبطه.
وأجيب:
بأن أخذ الشارب، وتقليم الظفر، ونتف الإبط من تمام طهارته، وإزالة وسخه ودرنه، بخلاف الختان فهو قطع عضو من أعضائه، والمعنى الذي شرع له في الحياة قد زال بالموت، وقد أخبر النبي b بأنه يبعث يوم القيامة غراً غير مختون، فما الفائدة في قطع عضو منه، سوف يبعث به يوم القيامة، وهو من تمام خلقه في النشأة الأخرى (2) .
(475-39) والدليل على كونه يحشر غير مختون، ما رواه البخاري، قال: حدثني محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس، قال: قام فينا النبي b يخطب، فقال: إنكم تحشرون حفاة عراة غرلا، كما بدأنا أول خلق نعيده. الآية الحديث قطعة من حديث طويل (3) .
دليل من قال يختن إن كان كبيراً.
قالوا: إن الصغير قد مات قبل زمن التكليف، فلا يختن، بخلاف من مات، وهو مكلف، فقد وجب في حقه الختان فيختن(3/131)
[صفحة فارغة](3/132)
الفصل الخامس
في من يولد وهو مختون
اختلف الفقهاء فيمن ولد مختوناً.
فقيل: يستحب إمرار الموسى على موضع الختان. اختاره بعض المالكية (4) .
وقيل: من ولد مختوناً بلا قلفة، فلا ختان عليه لا إيجاباً ولا استحباباً، فإن وجد في القلفة شيء يغطي الحشفة أو بعضها قطع، كما لو ختن ختاناً غير كامل، فإنه يجب تكميله حتى يبين جميع القلفة التي جرت العادة بإزالتها في الختان. رجحه ابن رشد من المالكية (1) ، وهو مذهب الشافعية (2) ، والحنابلة (3) .
دليل من قال يجب إمرار الموسى.
الدليل الأول:
قالوا: قياس على إمرار الموسى على رأس الأقرع في حلق الرأس في الحج. ونظيره أيضاً إمرار السواك على فم من ذهبت أسنانه (4) .
__________
(1) مصنف عبد الرزاق (3/437) رقم 6235.
(2) تحفة المودود (ص: 214) .
(3) صحيح البخاري (6526) مسلم (2860) .
(4) التاج والإكليل (4/395) ، مواهب الجليل (3/258) ، شرح مختصر خليل (3/48) ، الفواكه الدواني (1/394) ، حاشية العدوي (1/596) .(3/133)
والصحيح أنه لا يجب إمرار الموسى على رأس الأقرع، وإذا سقط المقيس، سقط المقيس عليه. وأما إمرار السواك على فم من ذهبت أسنانه فإن السواك لا يختص بالأسنان، فالسواك مشروع للثة واللسان، كما هو مشروع للأسنان، فلا يصح القياس عليه أيضاً.
الدليل الثاني:
(476-40) ما رواه البخاري في صحيحه، قال: حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج،
عن أبي هريرة، عن النبي b، قال: دعوني ما تركتكم، إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. ورواه مسلم (5) .
فقوله b: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " فكان الواجب أمرين: مباشرة الحديدة والقطع، فإذا سقط القطع فلا أقل من استحباب مباشرة الحديدة.
دليل من قال لا يجب.
__________
(1) التاج والإكليل (4/395) .
(2) المجموع (1/351،352) ، أسنى المطالب (4/164) ، حاشيتا قليوبي وعميرة (4/211) ، مغني المحتاج (5/540) .
(3) تحفة المودود (ص: 212) . وفي تفسير القرطبي (2/100) : " قال الميموني: قال لي أحمد: إن هاهنا رجلا ولد له ولد مختون، فاغتم لذلك غماً شديداً. فقلت له: إذا كان الله قد كفاك المؤنة، فما غمك بهذا " اهـ.
(4) الأشباه والنظائر (ص: 407) .
(5) صحيح البخاري (7288) ، ومسلم (1337) .
قالوا: إن مجرد امرار الموسى على ذكره عبث، ولا فائدة منه،
ولا يتقرب إلى الله تعالى بمثله، وتنزه عنه الشريعة، وإمرار الموسى غير مقصود، بل هو وسيلة إلى فعل المقصود، فإذا سقط المقصود لم يبق للوسيلة معنى (1) .
وهذا القول هو الراجح المتعين.(3/134)
فرع
ذكر ابن القيم: أن العرب تزعم أن من ولد في القمر تقلصت قلفته، وتجمعت، ولهذا يقولون: ختنه القمر!! قال ابن القيم: وهذا غير مطرد، ولا هو أمر مستمر، فلم يزل الناس يولدون في القمر، والذي يولد بلا قلفة نادر جداً، ومع هذا فلا يكون زوال القلفة تاماً، بل يظهر رأس الحشفة، بحيث يبين مخرج البول، ولهذا لا بد من ختانه ليظهر تمام الحشفة، وأما الذي يسقط ختانه بإن تكون الحشفة كلها ظاهرة، وأخبرني صاحبنا محمد بن عثمان الخليلي المحدث ببيت المقدس أنه ممن ولد كذلك (2) .
فرع آخر
سئل ابن الصلاح عن صبي شمر غرلته وربطها بخيط، وتركها مدة، فتشمرت، وانقطع الخيط، وصار كالمختون بحيث لا يمكن ختانه؟
فأجاب: بأنه إن صار بحيث لا يمكن قطع غرلته، ولا شيء منها إلا بقطع غيرها، سقط وجوبه. وإن أمكن: فإن كانت الحشفة قد انكشفت كلها سقط أيضاً إلا أن يكون تقلص الغرلة واجتماعها بحيث ينقص عن المقطوع في طهارته وجماعه، فالذي يظهر وجوب قطع ما يمكن قطعه منها حتى يلتحق بالمختون في ذلك، وإن لم تنكشف كلها فيجب من الختان ما يكشف
جميعها (3) .(3/135)
[صفحة فارغة] ..(3/136)
الفصل السابع
في موانع الختان
يسقط وجوب الختان لأمور، منها:
الأول: أن يولد الرجل ولا قلفة له، وقد ذكرت خلاف العلماء فيه، والراجح أنه لا يجب عليه ختان.
الثاني: ضعف المولود عن احتماله، بحيث يخاف عليه من التلف، ويستمر به الضعف كذلك، فهذا يعذر في تركه إذ غايته أنه واجب فيسقط بالعجز عنه كسائر الواجبات
الثالث: أن يسلم الرجل كبيراً، ويخاف على نفسه منه، فهذا يسقط عنه عند الجمهور، ونص عليه أحمد في رواية جماعة من أصحابه، وذكر قول الحسن أنه قد أسلم في زمن الرسول b الرومي والحبشي والفارسي فما فتش عن أحد منهم. وخالف سحنون بن سعيد الجمهور فلم يسقطه عن الكبير الخائف على نفسه. وهو قول في مذهب أحمد حكاه ابن تميم وغيره.
الرابع: الموت. قال ابن القيم: فلا يجب ختان الميت باتفاق الأمة، وهل يستحب؟ فجمهور أهل العلم على أنه لا يستحب، وهو قول الأئمة الأربعة، وذكر بعض الأئمة المتأخرين أنه مستحب. وقد ذكرت أدلة كل قول في مسألة مستقلة (1) .
هذه بعض الموانع التي يذكرها الفقهاء، ويضع بعض الأطباء موانع أخرى نلحقها بهذه الموانع:
__________
(1) تحفة المودود (ص: 212) .
(2) المرجع السابق (ص: 213) .
(3) أسنى المطالب (4/164) ..(3/137)
الخامس: إذا كان الطفل مصاباً بتشوهات خلقية في الأعضاء التناسلية.
السادس: إذا كان الطفل يعاني من أمراض الدم مثل الهيموفيليا (الناعور) ، أو نزف دموي، أو زيادة كبيرة في مادة البيليروبين (Bilirubin) (مادة الصفراء) في الدم، وهذه الأسباب كلها وقتيه، وبالتالي يمكن إجراء الختان بعد استقرار حالة الطفل، وحصوله على المواد المانعة للنزف، فمريض الناعور مثلا يمكن إجراء العمليات الجراحية بعد أخذ حقنة من الجلوبيولين المضاد للناعور، وهكذا في سائر أمراض الدم. أما إذا كان مصاباً بسرطان خلايا الدم البيضاء (اللوكميا) أو غيرها من الأمراض الخطيرة فلا داعي آنذاك لأجراء الختان.
السابعة: أن تكون حالة الوليد غير مستقرة ويحتاج إلى إجراءات إدخاله الحضانة، فيترك حتى تتحسن حالته وتستقر (2) ...(3/138)
الفصل الثامن
في عبادة الأقلف
وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: في طهارة الأقلف.
المبحث الثاني: في إمامة الأقلف.
المبحث الثالث: في ذبيحة الأقلف.
المبحث الرابع: في حج الأقلف.
المبحث الخامس: في شهادة الأقلف...(3/139)
[صفحة فارغة] ......(3/140)
المبحث الأول
في طهارة الأقلف.
اتفق الفقهاء على أنه إذا كان هناك حرج في غسل ما تحت القلفة فلا يطلب تطهيرها دفعاً للحرج.
أما إذا كان تطهيرها ممكناً من غير حرج
فالشافعية (1) ، والحنابلة (2) ومحمد بن الحسن من الحنفية (3) ، يوجبون تطهير ما تحت القلفة في الاستنجاء.
لأنها واجبة الإزالة، وما تحتها له حكم الظاهر.
وذهب الحنفية والمالكية (4) ، إلى استحباب غسلها في الاستنجاء، لأن الاستنجاء عندهم سنة، وليس بواجب.
وأما في الغسل الواجب:
فقال المرداوي من الحنابلة: " لو خرج المني إلى قلفة الأقلف أو فرج.....
__________
(1) تحفة المودود (ص: 212ـ214) .
(2) الختان. د. البار (ص: 68) ...(3/141)
المرأة وجب الغسل رواية واحدة. وجزم به في الرعاية، وحكاه ابن تميم عن بعض الأصحاب " (5) .
وقال الكاساني أيضاً: يجب على الأقلف إيصال الماء إلى القلفة.
وقال بعضهم: لا يجب. وليس بصحيح؛ لإمكان إيصال الماء إليه من غير حرج (6) .
واختلف الحنفية في وجوب غسل القلفة في الغسل الواجب.
__________
(1) أسنى المطالب (1/69) ، تحفة المحتاج (1/276) ، نهاية المحتاج (1/224،225) .
(2) قال ابن قدامة في المغني (1/106) : " والأقلف إن كان مُرْتَتِقاً لا تخرج بشرته من قلفته، فهو كالمختتن، وإن كان يمكنه كشفها كشفها فإذا بال واستجمر أعادها، فإن تنجست بالبول لزمه غسلها كما لو انتشر إلى الحشفة
(3) بدائع الصنائع (1/26) .
(4) قال الباجي في المنتقى (1/69) : " ومن نسي الاستجمار وصلى، فقد روى أشهب عن مالك أرجو أن لا تكون عليه إعادة. قال الشيخ أبو محمد: أراه يريد إذا مسح.
وقال محمد بن مسلمة في المبسوط: من تغوط أو بال، فلم يغسله، ولم يمسح حتى صلى يعيد في الوقت ". قلت: ومفهومه: بعد الوقت لا يعيد؛ لأنه ليس بواجب عندهم.
(5) الإنصاف (1/231) .
(6) المرجع السابق (1/34) .
فقال الزيلعي: لا يجب عليه أن يدخل الماء داخل جلدة الأقلف؛ لأن خِلْقَةً كقصبة الذكر. قال: وهذا مشكل؛ لأنه إذا وصل البول إلى القلفة ينتقض الوضوء، فجعلوه كالخارج في هذا الحكم، وفي حق الغسل كالداخل حتى لا يجب إيصال الماء إليه عند بعض المشايخ.
وقال الكردي: يجب إيصال الماء إليه عند بعض المشايخ، وهو الصحيح، فعلى هذا لا إشكال فيه (1) ...(3/142)
المبحث الثاني
في إمامة الأقلف
اختلف الفقهاء في إمامة الأقلف
فقيل: تصح إمامته بلا كراهة، وهو مذهب الحنفية (2) .
وقيل: تكره مع الصحة، وهو مذهب الجمهور من المالكية (3) ،
__________
(1) تبيين الحقائق (1/14) . وأجاب عن هذا الإشكال صاحب البحر الرائق، فقال (1/48) : " لا يجب إدخال الماء داخل جلدة الأقلف في غسله من الجنابة وغيرها للحرج الحاصل. لا لكونه خلقة كقصبة الذكر، وهذا هو الصحيح المعتمد، وبه يندفع ما ذكره الزيلعي من أنه مشكل؛ لأنه إذا وصل البول إلى القلفة انتقض وضوؤه، فجعلوه كالخارج في هذا الحكم، وفي حق الغسل كالداخل حتى لا يجب إيصال الماء إليه. وقال الكردي: يجب إيصال الماء إليه عند بعض المشايخ، وهو الصحيح، فعلى هذا لا إشكال فيه. اهـ فإن هذا الإشكال إنما نشاء من تعليله لعدم الوجوب بأنه خلقة كقصبة الذكر، وأما على ما عللنا به تبعاً لفتح القدير فلا إشكال فيه أصلاً. الخ كلامه. وانظر الجوهرة النيرة (1/10) .
(2) قال في شرح فتح القدير (7/422) : " وتجوز صلاة الأقلف وإمامته إلا إذا تركه على وجه الرغبة عن السنة، لاخوفاً من الهلاك " اهـ. وقيده في الهداية بأن لا يتركه استخفافاً بالدين. انظر البحر الرائق (7/96) .
(3) قال مالك: لا أرى أن يؤم الأغلف.
قال ابن رشد: فإن أم صحت صلاته، وصلاة مأموميه. انظر التاج والإكليل (4/394) .
وقال الصاوي في حاشيته على الشرح الصغير (1/440) :" وكره أغلف: وهو من لم يختتن، فتكره إمامته مطلقاً راتباً أولا خلافاً لما مشى عليه خليل من تخصيصه بالراتب " اهـ. وانظر حاشية الدسوقي (1/330) ، ومنح الجليل (1/364) .
والشافعية (1) والحنابلة (2) ...(3/143)
وقال بعضهم: هذا إذا كان معذوراً في ترك الختان، فإن أصر على تركه بلا عذر، لم تصح إمامته (3) .
وقيل: تصح إمامته بمثله، وهو رواية عن أحمد (4) .
وقيل: لا تصح مطلقاً، وهي رواية عن أحمد (5) .
وقيل: لا تكره إمامته، وإنما يكره أن يكون إماماً راتباً اختاره بعض المالكية (6) .
هذه ملخص الأقوال في المسألة، وإليك دليل كل قول....
__________
(1) تحفة المحتاج (2 /289) ، مغني المحتاج (1/483،484) ، نهاية المحتاج (1/173،174) .
(2) كشاف القناع (1/482،483) ، مطالب أولي النهى (1/678،679) .
قال البهوتي في كشاف القناع: " وخصه بعضهم بالأقلف المرتفق، وهو الذي لا يقدر على فتق قلفته، وغسل ما تحتها، فأما المفتوق القلفة فإن ترك غسل ما تحت القلفة مما يمكنه غسله لم تصح إمامته ولا صلاته؛ لحمله نجاسة لا يعفى عنها مع القدرة على إزالتها،
قاله بعض الأصحاب، ولعل هذا مراد من أطلق من الأصحاب الخلاف، وهو ظاهر من تعليلهم " اهـ.
(3) قال ابن حبيب من المالكية كما في مواهب الجليل (3/258) : الختان من الفطرة، فلا تجوز إمامة تاركه اختياراً.
وقال في شرح كفاية الطالب الرباني وهو من المالكية (1/596) : " ومن ترك الختان من غير عذر ولا علة لم تجز إمامته، ولا شهادته " اهـ. فتعقبه العدوي في حاشيته، فقال: وهذا القول ضعيف؛ إذ المذهب أن إمامة الأغلف مكروهة اهـ.
وقال البهوتي مثله في كشاف القناع (1/482،483) وانظر مطالب أولي النهى (1/678،679) .
(4) الفروع (1/12) ، وقال في الإنصاف (1/257) : تصح إمامة الأقلف بمثله. قدمه في الرعاية، والحواشي. قال ابن تميم: تصح إمامته بمثله إن لم يجب الختان اهـ.
(5) الإنصاف (2/256) ، الفروع (2/12) .
(6) مواهب الجليل (2/105) . وقال في الخرشي: " وكره ترتب أغلف: وهو من لم يختتن لنقص سنة الختان، وسواء تركه لعذر أم لا، وهو كذلك نص عليه ابن هارون" اهـ.
وقال في حاشية العدوي على الخرشي (2/105) : ويكره أن يكون الأغلف إماماً راتباً في الفرض والعيدين، بخلاف السفر وقيام رمضان اهـ.
وقال الدسوقي في حاشيته (1/330) : والراحج كراهة إمامته مطلقاً. وقال مثله كل من الصاوي في حاشيته على الشرح الصغير (1/440) ، وصاحب منح الجليل (1/364) .(3/144)
دليل من قال تصح إمامته.
قالوا: الأصل الصحة، ولا تبطل العبادة، أو تكره إلا بدليل شرعي، ولا دليل هنا.
ولأن العدالة لا تختل بترك الختان، لأن الختان سنة عندنا.
ولأن صلاته لنفسه صحيحة، فكذلك صلاته لغيره.
دليل من قال تكره إمامته.
الدليل الأول:
وجه الكراهة عند الشافعية: احتمال وجود النجاسة تحت القلفة.
ووجه الكراهة عند الحنابلة، قالوا: أما صحة الصلاة؛ فلأنه ذكر مسلم عدل قارئ، فصحت إمامته كالمختون، والنجاسة تحت القلفة بمحل
لا تمكنه إزالتها منه معفو عنها لعدم إمكان إزالتها، وكل نجاسة معفو عنها
لا تؤثر في بطلان الصلاة.
وأما الكراهة، فلأنه مختلف في صحة إمامته. فكرهنا إمامته خروجاً من الخلاف (1) .
والحقيقة أن الكراهة حكم شرعي، يفتقر إلى دليل شرعي، والخلاف ليس من أدلة الشرع، لا المتفق عليها، ولا المختلف فيها.
دليل من قال لا تصح صلاته.
استدل من قال بعدم صحة إمامة الأقلف: بأن الختان واجب عليه، وأن تركه للختان موجب للفسق، ولا يرى صحة إمامة الفاسق إلا إذا كان ذلك..(3/145)
الإمام الأعظم.
قال في مجمع البحرين: إن كان تاركاً للختان من غير خوف ضرر، وهو يعتقد وجوبه، فسق على الأصح. وفيه الروايتان لفسقه، لا لكونه أقلف، وإن تركه تأولاً أو خائفاً على نفسه التلف لكبر ونحوه: صحت إمامته. انتهى.
قال المرداوي متعقباً: الذي قطع به المصنف، والشارح، وابن منجا وغيرهم: أن المنع لعجزه عن غسل النجاسة (2) .
قال في الإنصاف: هل المنع من صحة إمامته لترك الختان الواجب، أو لعجزه عن غسل النجاسة؟
اختلف الأصحاب في مأخذ المنع:
فقال بعضهم: تركه الختان الواجب، فعلى هذا إن قلنا: بعدم الوجوب، أو سقط القول به لضرر صحت إمامته.
__________
(1) انظر كشاف القناع (1/482،483) .
(2) الإنصاف (2/257) .
وقال جماعة آخرون: هو عجزه عن شرط الصلاة، وهو التطهر من النجاسة فعلى هذا: لا تصح إمامته إلا بمثله (1) .
والصحيح أنه حتى على القول بفسقه، فإن إمامة الفاسق صحيحة،
ولا دليل على البطلان، وكل من صحت صلاته لنفسه صحت صلاته لغيره. ومسألة صحة صلاة الفاسق فيها خلاف بين أهل العلم، وليس هذا مكان بحثها، ولعل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني لإكمال هذا المشروع فأصل إليها إن شاء الله في فقه الصلاة. والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم...(3/146)
المبحث الثالث
في ذبيحة الأقلف
اختلف في ذبيحة الأقلف
فقيل: يجوز، وهو مذهب الجمهور من الحنفية (2) ، والشافعية (3) ، والحنابلة (4) .
وقيل: لا يجوز. وهو مذهب ابن عباس (5) ، ورواية عن أحمد (6) .
وقيل: تكره ذبيحته، وهو مذهب المالكية (7) ، ورواية عن أحمد (8) .
دليل من قال لا تحل ذبيحته.
الدليل الأول:
(477-41) روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا محمد بن بشر، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن جابر بن زيد،..(3/147)
عن ابن عباس، قال: الأقلف لا تجوز شهادته، ولا تقبل له صلاة، ولا تؤكل له ذبيحة. قال: وكان الحسن لا يرى ذلك (9) .
[رجال ثقات، ومحمد بن بشر ممن سمع من سعيد بن أبي عروبة قبل الاختلاط] (1) .
الدليل الثاني:
(478-42) ما رواه البيهقي، قال: أخبرنا أبو طاهر الفقيه، أنبأ
أبو طاهر المحمد آباذي، أنبا أبو قلابة، ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا أبو شهاب عبد ربه، عن حمزة الجزري، عن عبد الكريم، عن إبراهيم، عن علقمة،...
__________
(1) المرجع السابق، الصفحة نفسها.
(2) العناية شرح الهداية (9/488) ، الجوهرة النيرة (2/181) ، شرح فتح القدير (9/488) ، حاشية ابن عابدين (6/298) .
(3) المجموع (9/88) ، نهاية المحتاج (8/113) ، حاشية الجمل (5/237) ،
(4) المغني (9/311) ، شرح منتهى الإرادات (3/418) .
(5) المجموع (9/88) ، المغني (9/311) .
(6) المغني (9/311) ، الفروع (6/311) ، والإنصاف (10/389) .
(7) التاج والإكليل (4/319) ، شرح خليل (3/7) ، الفواكه الدواني (1/385) ، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (2/160) وذكر قولين: الكراهة، وعدمها، ورجح الكراهة.
(8) الإنصاف (10/389) .
(9) المصنف (5/21) رقم 2334.(3/148)
أن علياً رضي الله تعالى عنه كان لا يجيز شهادة الأقلف (2) .
[ضعيف جداً. قال البيهقي: حمزة الجزري تركوه لا يجوز الاحتجاج بخبره] .
دليل من قال يجوز أكل ذبيحته.
الدليل الأول:
عموم قوله سبحانه وتعالى: {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه} (3) .
فلو كان الختان شرطاً لبينه سبحانه وتعالى، ولما أغفل الله سبحانه وتعالى ذكره.
الدليل الثاني:
أن الله سبحانه وتعالى قد أباح ذبائح أهل الكتاب، ومنهم الأقلف، فالمسلم أولى.
__________
(1) قال ابن حجر في الدراية (2/173) : أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح.
ولا يشكل عليه إلا عنعنة قتادة.
وأخرجه عبد الرزق في مصنفه (8562) قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: كان
ابن عباس يكره ذبيحة الأغرل، ويقول: لا تجوز شهادته، ولا تقبل صلاته. قال معمر: فسألت عنه حماداً، فقال: لا بأس بذبيحته، وتجوز شهادته، وتقبل صلاته. قال معمر: وكان الحسن يرخص في الرجل إذا أسلم بعد ما يكبر، فخاف على نفسه العنت إن اختتن أن لا يختتن، وكان لا يرى بأكل ذبيحته بأساً.
ومن طريق عبد الرزاق رواه البيهقي في شعب الإيمان (6/396) رقم 8643. إلا أنه قال: عن معمر، عن قتادة، عن رجل، عن ابن عباس.
وهو كذلك بهذا الإسناد في الجامع، لمعمر بن راشد الأزدي، وسنن البيهقي الكبرى 11/175) . وهذا الرجل المبهم هو جابر بن زيد، كما في المصنف لابن أبي شيبة، وإسقاطه في مصنف عبد الرزاق، وإبهامه في الباقي جاء من معمر، فإن روايته عن قتادة فيها كلام، لأنه سمع منه في الصغر، فلم يحفظ. والله أعلم.
(2) سنن البيهقي (8/325) .
(3) الأنعام: 118.
قال ابن قدامة: إذا أبيحت ذبيحة القاذف والزاني وشارب الخمر، مع تحقيق فسقه، وذبيحة النصراني، وهو كافر أقلف، فالمسلم أولى (1) .
الدليل الثالث:
أن الله سبحانه وتعالى خاطب كل مسلم ومسلمة بقوله سبحانه: {إلا ما ذكيتم} (2) ولم يستثن الأقلف...(3/149)
دليل من قال بالكراهة.
دليلهم على الكراهة قول ابن عباس المتقدم، فلعلهم حين رأوا أن هذا قول صحابي، ولا يعلم له مخالف من الصحابة كرهوا ذلك لقوله.
الراجح حل ذبيحته.
قال ابن حجر: قال ابن عباس في قوله تعالى {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} (3) قال: طعامهم ذبائحهم، رواه البخاري معلقاً (4) ، وهو موصول عند البيهقي من طريق على بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} قال: ذبائحهم (5) .
وقائل هذا يلزمه أن يجيز ذبيحة الأقلف؛ لأن كثيراً من أهل الكتاب
لا يختتنون، وقد خاطب النبي b هرقل وقومه بقوله: {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} (6) وهرقل وقومه ممن لا يختتن وقد سموا أهل الكتاب (7) .....(3/150)
المبحث الرابع
في حج الأقلف
اختلف الفقهاء في حج الأقلف،
فقيل: حجه معتبر. وهو مذهب الجمهور (8) .
وقيل: لا حج له. وهو رواية عن أحمد، نقلها عنه حنبل، وعلل ذلك بأنها من تمام الإسلام (1) .
الراجح:
ما سبق ترجيحه في إمامة الأقلف، وذبيحته، وشهادته هو الراجح هنا. والختان ليس شرطاً في صحة الحج، أو الصلاة أو غيرها، بل ولا شرطاً في صحة الطهارة على الصحيح إذا كان يمكنه تنظيف القلفة، هذا على القول بأنه ليس معفواً عنها، ولا يختلف الحكم هنا سواء كان الختان واجباً أم سنة، وسواء كان ترك الختان لعذر أو لغير عذر....
__________
(1) المغني (9/311) .
(2) المائدة: 3.
(3) المائدة: 5.
(4) رواه البخاري معلقاً في كتاب الأطعمة، باب: ذبائح أهل الكتاب وشحومها من أهل الحرب وغيرهم. قال البخاري: قال ابن عباس: طعامهم ذبائحهم.
(5) رواه البيهقي في سننه (9/282) قال: أخبرنا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أنبأ أبو الحسن أحمد بن محمد الطرائفي، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: طعامهم ذبائحهم.
(6) آل عمران: 64.
(7) فتح الباري شرح صحيح البخاري (9/637) .
(8) الخلاف فيه كالخلاف في ذبيحته وإمامته راجع النقول عن المذاهب هناك...(3/151)
[صفحة فارغة] ..(3/152)
المبحث الخامس
في شهادة الأقلف
اختلف في قبول شهادة الأقلف.
فقيل: تقبل شهادته إذا كان عدلاً لم يترك الختان رغبة عن السنة، وهو مذهب الحنفية (2) ، وقول في مذهب المالكية (3) .
وقيل: لا تقبل شهادته، وهو قول في مذهب المالكية (4) ، والمفهوم من مذهب الشافعية والحنابلة؛ لأنهم يقولون بوجوب الاختتان، وترك الواجب يوجب الفسق، وشهادة الفاسق مردودة (5) .
دليل من قال تقبل شهادته.
قالوا: إن الختان سنة، وتركه لا يخل بالعدالة، ولا يوجب الفسق، إلا إذا كان تاركاً للختان استخفافاً بالدين، فهنا ترد شهادته؛ لأن عدالته مجروحة....
__________
(1) الفروع (6/311) ، الإنصاف (10/389) ، كشاف القناع (6/205) .
(2) بدائع الصنائع (6/269) ، وقيده في تبيين الحقائق (4/226) وفي الهداية (5/93) وفي درر الحكام (2/377) إن تركه استخفافاً بالدين فلا تقبل. وانظر العناية شرح الهداية (7/422) . وانظر البحر الرائق (7/95) .
(3) قال في بلغة السالك (4/257) " والأقلف الذي لا عذر له في ترك الختان لا تجوز شهادته لإخلال ذلك بالمروءة اهـ. وانظر كفاية الطالب الرباني (1/596) .
وقال في تبصرة الحكام في ذكر موانع قبول الشهادة (1/265) :" ومنه شهادة الأغلف أي ترد. قاله ابن حبيب. وقال ابن الماجشون: إن ترك ذلك من عذر فشهادته جائزة، وإن كان من غير عذر فلا شهادة له؛ لأنه ترك فطرة من سنة الإسلام، ولا عذر له " اهـ.
(4) قال ابن حبيب: لا تقبل شهادة الأغلف. انظر تبصرة الحكام (1/265) .
(5) ولم أقف عليها منصوصة في كتبهم.(3/153)
دليل من قال ترد شهادته.
الدليل الأول:
(479-43) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا محمد بن بشر، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن جابر بن زيد،
عن ابن عباس، قال: الأقلف لا تجوز شهادته، ولا تقبل له صلاة،
ولا تؤكل له ذبيحة. قال: وكان الحسن لا يرى ذلك (1) .
الدليل الثاني:
قالوا: إن ترك الختان يوجب الفسق، لأن الختان واجب، وهو من فطرة الإسلام. والفاسق ترد شهادته، هذا دليل من يوجب الختان، وأما دليل المالكية القائلين بأن الختان سنة، قالوا: إن الشهادة ترد بترك المروءة. والله أعلم...(3/154)
الفصل الثامن
إجابة الدعوة في وليمة الختان
فقيل: وليمة الختان سنة، وإجابته كذلك وهو مذهب الحنفية (2) ، وقول في مذهب الشافعية (3) ، وقيل: استحباب وليمة الختان محله في الذكرو دون الإناث، لأنه يخفى ويستحيا من إظهارها، لكن الأوجه استحبابه فيما بينهن خاصة، اختاره...
__________
(1) المصنف (5/21) رقم 2334. وقد سبق تخريجه.
(2) بدائع الصنائع (7/10) ،
(3) قال الشافعي في الأم (6/159) : " وكل دعوة كانت على إملاك أو نفاس أو ختان أو حادث سرور دعي إليها رجل فاسم الوليمة يقع عليها، ولا أرخص لأحد في تركها، ولو تركها لم يبن لي أنه عاص في تركها كما يبين لي في وليمة العرس " اهـ.
قال النووي في روضة الطالبين (7/333) : " وفي وليمة العرس قولان، أو وجهان: أحدهما: أنها واجبة، لقوله b في الحديث الصحيح: " ولو بشاة". وأصحها أنها مستحبة، كالأضحية، وسائر الولائم، والحديث على الاستحباب، وقطع القفال بالاستحباب.
وأما سائر الولائم فمستحبة، وليست بواجبة على المذهب، وبه قطع الجمهور،
ولا تأكد وليمة النكاح. قال المتولي: وخرج بعضهم في وجوب سائر الولائم قولان، لأن الشافعي قال بعد ذكرها، ولا أرخص في تركها. وانظر حاشيتا قليوبي وعميرة (3/296) ، وقال في إعانة الطالبين (3/357) : " الوليمة مستحبة لغير العرس " وقال أيضاً (4/175) :
" وظاهر كلامهم في الولائم أن الإظهار سنة فيهما، إلا أن يقال: لا يلزم من ندب وليمة الختان إظهاره في المرأة " اهـ.
وقول في مذهب الحنابلة (1) .(3/155)
الأذرعي من الشافعية (2) .
وقيل: عمل الوليمة مباح، وإجابة دعوتها مباحة، وهو مذهب المالكية (3) ، والحنابلة (4) .
وقيل: الوليمة مكروهة، وحضورها مكروه، اختاره بعض المالكية (5) ، وهو رواية عن أحمد (6) .
فتلخص لنا أن الأقوال كالتالي:
قيل: سنة.
وقيل: يستحب إظهار وليمة ختان الذكور دون الإناث.
وقيل: مباحة...
__________
(1) قال في الإنصاف (5/320) " هذا قول أبي حفص العكبري، وقطع به في الكافي، والمغني، والشرح، وشرح ابن منجا، وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى، قاله في المستوعب. وقال في المغني (7/218) " حكم دعوة الختان، وسائر الدعوات غير الوليمة أنها مستحبة، لما فيها من إطعام الطعام، والإجابة عليها مستحبة، غير واجبة " اهـ.
(2) مغني المحتاج (4/403) .
(3) قال في مواهب الجليل (4/3) : فيما يؤتى من الولائم:
وهي خمسة أقسام: واجبة الإجابة إليها: وهي وليمة النكاح.
ومستحبة الإجابة: وهي المأدبة، وهي الطعام يعمل للجيران للوداد.
ومباحة الإجابة: وهي التي تعمل من غير قصد مذموم، كالعقيقة للمولود، والنقيعة للقادم من السفر، والوكيرة لبناء الدار والخرس للنفاس، والإعذار للختان، ونحو ذلك.
ومكروه: وهو ما يقصد به الفخر والمحمدة. الخ كلامه.
(4) شرح منتهى الإرادات (3/33) ، كشاف القناع (5/166) ، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (5/234) قال في الإنصاف (8/320) : " وهو الصحيح من المذهب.
(5) جاء في الشامل: ووجوب إجابة الدعوة إنما هو لوليمة العرس، وأما ما عداها فحضوره مكروه إلا العقيقة فمندوب. اهـ نقله الدسوقي في حاشيته (2/337) ، وبلغة السالك (2/499) ، قالا: والذي في ابن رشد في المقدمات أن حضور الكل مباح إلا وليمة العرس فواجب، وإلا العقيقة فمندوب اهـ.
(6) الإنصاف (8/321) .(3/156)
وقيل: مكروهة.
دليل من قال بالسنية.
الدليل الأول:
(480-44) ما رواه البخاري، قال: حدثنا محمد، حدثنا عمرو بن
أبي سلمة، عن الأوزاعي، قال: أخبرني ابن شهاب، قال: أخبرني سعيد بن المسيب،
أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله b يقول حق المسلم على المسلم خمس رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس (1) .
الدليل الثاني:
(481-45) ما رواه البخاري، قال: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، حدثني منصور، عن أبي وائل،
عن أبي موسى، عن النبي b، قال: فكوا العاني، وأجيبوا الداعي (2) .
وهذه الأحاديث في إجابة الداعي، وهي مطلقة، فتشمل كل دعوة، سواء كانت دعوة عرس أم غيرها، أما من حيث مشروعية الوليمة؛ فلما فيها من إطعام الطعام، وهو مشروع في الجملة.....(3/157)
الدليل الثالث:
(482-46) ما رواه البخاري، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن نافع،
عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله b قال إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها (3) .
الدليل الرابع:
(483-47) مار واه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن ابن سيرين، قال: نبئت أن عمر كان إذا سمع صوتاً أنكره، وسأل عنه، فإن قيل: عرس أو ختان أقره (4) .
[إسناده ضعيف] (5) .
الدليل الخامس:
(484-48) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا جرير، عن ليث، عن نافع، قال: كان ابن عمر يطعم على ختان الصبيان (1) ...
__________
(1) صحيح البخاري (1240) ، ومسلم (2162) وفي رواية لمسلم: حق المسلم على المسلم ست، فزاد: وإذا استنصحك فانصح له.
(2) صحيح البخاري (7173) .
(3) صحيح البخاري (5173) ، ومسلم (1429) .
(4) المصنف (3/495) .
(5) فيه انقطاع، ابن سيرين لم يسمع من عمر، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (11/5) رقم 19738 عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، أن عمر بن الخطاب.. وذكر الأثر، ولم يقل: نبئت. ومن طريق عبد الرزاق أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/290) . وأخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه (5/415) من طريق عاصم بن هلال، حدثنا أيوب به...(3/158)
وإسناده ضعيف من أجل ليث.
دليل من قال بالكراهة.
(485-49) ما رواه أحمد، قال: ثنا محمد بن سلمة الحراني، عن
ابن إسحاق يعني محمداً، عن عبيد الله أو عبد الله بن طلحة بن كريز،
عن الحسن قال: دعي عثمان بن أبي العاص إلى ختان، فأبى أن يجيب، فقيل له، فقال: إنا كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله b،
ولا ندعى له (2) .
[إسناده ضعيف] (3) .
وحمله بعضهم على أنه كان دعوة لختان أنثى، والمستحب إخفاؤه.
دليل من قال بالإباحة.
قالوا: قلنا بالإباحة لأن الأصل في الأشياء الإباحة.
(486-50) ولما رواه مسلم، من طريق أيوب، عن نافع،
عن ابن عمر، قال: قال رسول الله b: ائتوا الدعوة إذا دعيتم (4) .
ولم نقل بالاستحباب، لأثر عثمان المتقدم، حيث قال: كنا لا نأتي الختان، ولا ندعو إليه على عهد رسول الله b. وقد سبق تخريجه، وبيان أنه..(3/159)
ضعيف.
الراجح أن إجابة الدعوة مطلقاً واجبة، وهي حق للمسلم على أخيه، ولا دليل في صرفها عن الوجوب، خاصة إذا دعاك بعينك، أما إذا كان أخوك لا يفقدك، وكانت الدعوة عامة للناس، ولم تقصد بالدعوة، ولا يحزن أخوك لفقدك، أو كان يلحقك ضرر بالحضور، إما في مالك أو نفسك، فلا بأس بالتخلف. والله أعلم.(3/160)
الفصل العاشر
في ضمان ما أتلف بالختان
الخاتن إذا أذن له في ذلك، وكان الإذن معتبراً، وكان حاذقاً، ولم تجن يده، ولم يتجاوز ما أذن له فيه، وسرى إليه التلف؛ فإنه لا يضمن لأنه فعل فعلاً مباحاً مأذوناً له فيه، ولم يتعد ولم يفرط.
__________
(1) المصنف (3/561) رقم 17166.
(2) مسند أحمد (4/217) .
(3) فيه عنعنة محمد بن إسحاق، وهو مدلس، وسماع الحسن البصري من عثمان بن
أبي العاص مختلف فيه.
والحديث أخرجه الطبراني في الكبير (8381) عن عبد الله بن أحمد، عن أبيه به.
(4) صحيح مسلم (1429) .
قال غانم البغدادي من الحنفية: والفصاد والبزاغ، والحجام والختان
لا يضمنون بسراية فعلهم إلى الهلاك إذا لم يجاوز الموضع المعتاد المعهود المأذون فيه، هذا إذا فعلوا فعلاً معتاداً، ولم يقصروا في ذلك العمل (1) .
وقال في التبصرة وهو من المالكية: إذا أذن الرجل لحجام يفصده، أو يختن ولده، أو البيطار في دابة، فتولد من ذلك الفعل ذهاب نفس أو عضو أو تلف الدابة أو العبد، فلا ضمان عليه؛ لأجل الإذن (2) .
وقال ابن قدامة من الحنابلة: " وإذا ختن الولي الصبي في وقت معتدل في الحر والبرد، لم يلزمه ضمان إن تلف به؛ لأنه فعل مأمور به في الشرع، فلم يضمن ما تلف به. اهـ (3) .
وقال أيضاً: إذا فعل الحجام والختان والمطبب ما أمروا به، لم يضمنوا بشرطين:
أحدهما: أن يكونوا ذوي حذق في صناعتهم، ولهم بها بصارة ومعرفة؛ لأنه إذا لم يكن كذلك لم يحل له مباشرة القطع، وإذا قطع مع هذا كله كان(3/161)
فعلاً محرماً، فيضمن سرايته.
الثاني: ألا تجني أيديهم، فيتجاوز ما ينبغي أن يقطع، فإن كان حاذقاً، وتجاوز قطع الختان إلى الحشفة، أو قطع في غير محل القطع، أو في وقت
لا يصلح فيه القطع، وأشباه هذا ضمن فيه كله؛ لأنه إتلاف، لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ، فأشبه إتلاف المال، ولأن هذا فعل محرم، فيضمن سرايته كالقطع ابتداء (4)
أما إذا تعدى، بأن فعل ما لا يجوز له فعله، أو فرط: ترك ما يجب فعله فمات، فقد اختلفوا في مقدار ما يجب عليه، وإليك النقول عنهم:
مذهب الحنفية
قالوا: لو قطع الختان حشفة الصبي، فمات منه، يجب عليه نصف الدية، وإن برئ منها يجب عليه الدية كاملة؛ لأنه إذا مات حصل موته بفعلين: أحدهما مأذون فيه: وهو قطع الجلدة. والثاني: غير مأذون فيه، وهو قطع الحشفة، فكان ضامناً نصف الدية.
__________
(1) مجمع الضمانات (ص: 48) .
(2) تبصرة الحكام (2/340) .
(3) المغني (9/151) .
(4) المغني مع تصرف يسير (5/313) .
وأما إذا برئ جعل قطع الجلدة كأنه لم يكن، وقطع الحشفة غير مأذون فيه، فوجب فيه ضمان الحشفة كاملة، وهو الدية كاملة؛ لأنه عضو مقصود، لا ثاني له في النفس، فيقدر ضمانه بالدية كاملة (1) .
مذهب المالكية:
جاء في التبصرة: " إذا كان الخاتن جاهلاً، أو فَعَلَ فعلاً غير ما أذن له(3/162)
فيه خطأ، أو يجاوز الحد فيما أذن له فيه، أو قصر فيه عن المقدار المطلوب ضمن ما تولد عن ذلك.
قال ابن عبد السلام: وينفرد الجاهل بالأدب، ولا يؤدب المخطئ، وهل يؤدب من لم يؤذن له، فيه نظر " (2) .
وجاء في التاج والإكليل: وإذا أخطأ في فعله، مثل أن يسقي الطبيب المريض ما لا يوافق مرضه، أو تزل يد الخاتن أو القاطع فتجاوز في القطع، أو الكاوي فتجاوز في الكي، أو يد الحجام فيقطع غير الضرس التي أمر بها، فإن كان من أهل المعرفة، ولم يَغُرَّ من نفسه فذلك خطأ يكون على العاقلة، إلا أن يكون أقل من الثلث فيكون في ماله، وإن كان مما لا يحسن، وغَرَّ من نفسه، فعليه العقوبة.
واختلف على من تكون الدية، فقال ابن القاسم: على العاقلة، وظاهر قول مالك أنها عليه، ورجحه الدسوقي في حاشيته، وقال: لأن فعله عمد، والعاقلة لا تحمل عمداً (3) .
المذهب الشافعي:
__________
(1) شرح العناية على الهداية (9/120) ، الجوهرة النيرة (1/265) ، حاشية ابن عابدين (6/68،69) .
(2) تبصرة الحكام (2/340) .
(3) التاج والإكليل (7/558) ، حاشية الدسوقي (4/28) ، وقال في بلغة السالك (4/47) : إذا كان الخاتن والطبيب من أهل المعرفة، ولم يخطئ في فعله، فلا ضمان، فإن أخطأ فالدية على عاقلته، فإن لم يكن من أهل المعرفة عوقب، وفي كون الدية على عاقلته أو في ماله قولان: الأول: لابن القاسم، والثاني: لمالك، وهو الراجح؛ لأن فعله عمد، والعاقلة لا تحمل عمداً.
ومن ختنه: أي الصبي من ولي أو غيره في سن لا يحتمله، فمات لزمه القصاص، إن علم أنه لا يحتمله، لتعديه بالجرح المهلك؛ لأنه غير جائز في(3/163)
هذه الحالة قطعاً، فإن ظن احتماله، كأن قال له أهل الخبرة يحتمله، فمات، فلا قصاص، ويجب دية شبه العمد، بحثه الزركشي إلا والداً وإن علا ختنه في سن لا يحتمله، فلا قصاص عليه للبعضية، ويجب عليه دية مغلظة في ماله؛ لأنه عمد محض. والسيد في ختان رقيقه لا ضمان عليه، والمسلم في ختان الكافر لا قصاص عليه، فإن احتمله وختنه ولي، فمات، فلا ضمان عليه في الأصح؛ لأنه لابد منه، والتقديم أسهل من التأخير لما فيه من المصلحة. والثاني: يضمن؛ لأنه غير واجب في الحال، فلم يبح إلا بشرط سلامة العاقبة.
ويشمل قوله: (ولي) الأب والجد والحاكم والقيم والوصي: وهو كذلك، واقتضى كلامه أن من ليس بولي يضمن قطعاً. قال الأذرعي: وبه صرح الماوردي وغيره، ونص عليه في الأم لتعديه، فيقتص منه. قال الزركشي: إلا إذا قصد بذلك إقامة الشعار، فلا يتجه القصاص؛ لأن ذلك يضمن شبهة في التعدي (1) .
المذهب الحنبلي:
وقال البهوتي: وإن أمره بالختان ولي الأمر في حر أو برد أو مرض يخاف من مثله الموت من الختان فتلف بسببه ضمنه؛ لأنه ليس له. أو أمره ولي الأمر به، وزعم الأطباء أنه يتلف، أو ظن تلفه ضمن؛ لأنه ليس له (2) .
وقيل: لا يضمن، وهو رواية عن أحمد (3) .(3/164)
فملخص البحث أنه إن تعدى أو فرط ضمن لأنه جان والحالة هذه، وإن لم يتعد ولم يفرط لم يضمن؛ لأن ما ترتب على المأذون غير مضمون، وهذه قاعدة فقهية. والله أعلم.(3/165)
[صفحة فارغة](3/166)
الفرع الأول
في أجرة الخاتن
__________
(1) مغني المحتاج (5/541) .
(2) كشاف القناع (1/80) . وانظر الفروع، ومع تصحيح الفروع (1/133، 134) ، مطالب أولي النهى، في شرح غاية المنتهى (1/91) .
(3) انظر الفروع، ومع تصحيح الفروع (1/133، 134) .
الاستئجار على الختان جائز. قال ابن قدامة: لا نعلم فيه خلافاً؛ لأنه فعل يحتاج إليه، مأذون فيه شرعاً، فجاز الاستئجار عليه، كسائر الأفعال المباحة (1) .
وأجرة الختان في مال الصبي، فإن لم يكن له مال، فالأجرة تكون على أبيه، أو على من تجب عليه نفقته (2) .
وقال القاضي حسين والبغوي: يجب على السيد أن يختن عبده، أو يخلي بينه وبين كسبه ليختن نفسه. قال القاضي: فإن كان العبد زمناً فأجرة ختانه في بيت المال. قال النووي: وهذا الذي قاله فيه نظر، وينبغي أن يجب على السيد كالنفقة (3) .(3/167)
[صفحة فارغة](3/168)
الفصل الحادي عشر
في فوائد الختان
ذكر الطبيب محمد علي البار في كتابه الختان فصلاً مهماً في ذكر فوائد الختان، وقد نقل بحثه من مقالات، وبحوث غربيه عن أضرار ترك الختان، وسوف أنقل لك هذا الفصل لأهميته.
نقل الطبيب من مقابلة للدكتور البرفيسور Te Wiseewell نشرته المجلة الإمريكية لطبيب الأسرة، وقد استعرض المكاسب الصحية الهامة للختان من أهمها ما يلي:
الأول: الوقاية من الالتهابات الموضعية، في القضيب الناتجة عن وجود القلفة، ويسمى ضيق القلفة (phimosis) ويؤدي إلى حقب البول، والتهابات حشفة القضيب (Glans penis) ويدعى (Balanitis) ، أما التهابات الحشفة والقلفة معاً فيدعى (palani psthitis) وهذه كلها تستدعي إجراء الختان لعلاجها، أما إذا أزمنت فإنها تعرض الطفل المصاب لأمراض عديدة في المستقبل من أخطرها سرطان القضيب.
__________
(1) المغني (5/313) .
(2) قال في العقود الدرية من الحنفية (2/141) : " وأجرة الأديب والختان في مال الصبي إن كان له مال، وإلا فعلى أبيه " اهـ.
وقال ابن عابدين في حاشيته (6/751،752) : " وأجرة ختان الصبي على أبيه، إن لم يكن له مال، والعبد على سيده ".اهـ وانظر الفتاوى الهندية (4/527) .
وقال النووي في المجموع (1/351) : " وأجرة ختان الطفل في ماله، فإن لم يكن له مال فعلى من عليه نفقته. والله أعلم اهـ.
(3) المجموع (1/351) .
الثاني: التهابات المجاري البولية.
وقد أثبتت الأبحاث العديدة أن الأطفال غير المختونين يتعرضون لزيادة كبيرة في التهابات المجاري البوليه، وفي بعض الدراسات بلغت النسبة 39 ضعف ما هي عليه عند الأطفال غير المختونين، وفي دراسات أخرى كانت النسبة عشرة أضعاف، وفي دراسة أخرى تبين أن 95% من الأطفال الذين يعانون من التهابات المجاري البوليه هم من غير المختونين، بينما كانت نسبة الأطفال المختونين لا تتعدى 5%.(3/169)
والتهابات المجاري البوليه عند الأطفال خطيرة في بعض الأحيان، ففي دراسة ويزويل على 88 طفلاً أصيبوا بالتهابات المجاري البوليه كان لدى 36% منهم نفس البكتريا الممرضة في الدم، وعانى ثلاثة من هؤلاء من التهابات السحايا، وأصيب اثنان منهم بالفشل الكلوي، ومات اثنان آخران بسبب انتشار الميكروبات الممرضة في الجسم.
الثالث: الوقاية من سرطان القضيب
قد أجمعت الدراسات على أن سرطان القضيب يكاد يكون معدوماً لدى المختونين، بينما نسبته لدى غير المختونين ليست قليلة، ففي الولايات المتحدة بلغت نسبة الإصابة بسرطان القضيب لدى المختونين صفر، بينما هي 2.2 من كل مائة ألف من السكان غير المختونين، وبما أن أغلبية السكان في الولايات المتحدة هم من المختونين فإن حالات السرطان هناك في حدود 750 إلى ألف حالة في كل سنة، ولو كان السكان غير مختونين لتضاعف العدد إلى ثلاثة آلاف حالة. وفي البلاد التي لا يختن فيها إلا الأقليات المسلمة مثل الصين ويوغندا فإن سرطان القضيب يشكل ما بين 12 إلى 22% من مجموع السرطانات التي تصيب الرجال، وهي نسبة عالية جداً.
الرابع: الأمراض الجنسية.
فقد وجد الباحثون أن الأمراض الجنسية التي تنتقل عبر الاتصال الجنسي (غالباً بسبب الزنا واللواط) تنتشر بصورة أكبر وأخطر لدى غير المختونين، وخاصة الهربس والقرحة الرخوة (Chancroid) والزهري، والكانديدا (فطر المبيضة) والسيلان والثآليل الجنسية.
وهناك أبحاث عدة تؤكد أن الختان يقلل من احتمال الإصابة بالإيدز،(3/170)
وأن غير المختونين يصابون بالإيدز بنسبة أعلى من قرنائهم من غير المختونين، ولكن ذلك لا ينفي أن المختون إذا تعرض للعدوى نتيجة اتصال جنسي بشخص مصاب بالإيدز قد يصاب بهذا المرض الخطير، وليس الختان واقياً منه، وليست هناك وسيلة حقيقية للوقاية من هذه الأمراض الجنسية العديدة سوى الابتعاد عن الزنا والخنا واللواط، وغيرها من القاذورات.
الخامس: وقاية الزوجة من سرطان عنق الرحم.
يرتبط سرطان عنق الرحم بعوامل عديدة أهمها: عدد المخاللين لهذه المرأة، وكلما زاد الزنا، وزاد عدد المخللين والمتصلين بها كلما زادت احتمالات الإصابة بهذا المرض الخبيث.. وهذا هو أهم العوامل. وهناك عامل الزمن، فكلما كان التعرض للاتصال الجنسي مبكراً في حياة المرأة كلما كان احتمال الإصابة بهذا المرض أكثر. وقد لاحظ الباحثون أيضاً أن زوجات المختونين أقل تعرضاً للإصابة بسرطان عنق الرحم من غير المختونين.
وقد تبين أن سرطان القضيب، وسرطان عنق الرحم كلاهما مرتبط بفيروسات الثآليل الإنساني (Human Papilloma Viruses) وخاصة المجموعة رقم 16، ورقم 18.
وبما أن هذه الثآليل الجنسية معدية، وبما أن غير المختونين أكثر تعرضاً لهذا، فإن احتمال إصابة زوجة غير المختون أكبر بكثير مما هي عليه عند المختون.
السادس: إن عملية الختان بسيطة وسهلة، وغير مكلفة إذا تم إجراؤها في الطفل المولود. ففي الولايات المتحدة تتم ولادة 1.8 مليون طفل ذكر سنوياً، وتبلغ كلفة العملية مائة دولار لكل طفل مولود. أما إذا ترك هؤلاء(3/171)
الأطفال دون ختان فإن 10 إلى 15% منهم سيحتاجون للختان في سن متقدمة بسبب ضيق القلفة، وحقب البول، والتهابات الحشفة، والتهابات الحشفة والقلفة، وذلك يحتاج إلى إدخال المريض المستشفى، وإجراء العملية تحت التخدير العام، وتصل كلفة العملية ما بين 2000 إلى 5000 دولار بالإضافة إلى التغيب عن الدراسة أو العمل. ومعنى ذلك ببساطة أن إجراء عملية الختان لليافعين والمراهقين سيكلف مابين 360 و 900 مليون دولار. هذا إذا لم نحسب الأمراض التي يصاب بها غير المختونين، وكلفتها الباهظة.. ولهذا فإن عملية الختان في أثناء الطفولة الباكرة هو عمل اقتصادي كبير.
السابع: إن مضاعفات عملية الختان في الطفولة إذا تم إجراؤها بيد طبيب مجرب ضئيلة جداً، وهي لا تتعدى اثنين من كل ألف طفل، وأغلبها من النوع البسيط مثل النزف الذي يمكن التحكم فيه بسرعة.
وقد أظهرت الدراسات التي شملت أكثر من مليوني طفل مختون حدوث وفاة واحدة بسبب الختان، وكان الطفل مصاباً بالناعور (الهيموفيليا) والذي أجرى عملية الختان غير طبيب.
الثامن: إن عملية تنظيف القلفة لدى غير المختونين التي يدعو لها بعض الأطباء في الغرب غير مجدية كما يقول البرفيسور ويزويل في مقاله الذي نشرته مجلة طبيب الأسرة الأمريكية، وقد أثبتت الأبحاث العديدة التي أجريت على الأطفال غير المختونين في الولايات المتحدة وأوربا صعوبة تنظيف القلفة (الغرلة) وما تحتها بانتظام، ولا يوجد أي دليل على أن عملية التنظيف ستقي من السرطان والمضاعفات الأخرى المرتبطة بعدم الختان، بل إن الأطباء أنفسهم لا يعرفون كيف يتم تنظيف القلفة بالطريقة المثلى، إذ لا توجد هذه(3/172)
الطريقة مما حدى بجمعية الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية إن تنصح بترك قضيب الطفل دون محاولات التنظيف، وشد القلفة التي قد تنتهي بنزف. والحل الصحيح هو إجراء عملية الختان في وقت مبكر (1) .
هذه بعض الفوائد لعملية الختان، والتي ننهي بها بحث الختان، والذي أرجو أن أكون قد أتيت فيه على جل مباحث الختان. والله الموفق والهادي سواء السبيل.(3/173)
[صفحة فارغة](3/174)
الباب الثاني
في الاستحداد
ويشتمل على تمهيد وخمسة فصول.
التمهيد: في تعريفه.
الفصل الأول: حكم الاستحداد.
الفصل الثاني: وقت الاستحداد.
الفصل الثالث: في كيفية الاستحداد.
الفصل الرابع: في حلق شعر الدبر.
الفصل الخامس: الاستحداد للميت.(3/175)
[صفحة فارغة](3/176)
تمهيد
في تعريف الاستحداد
تعريف الاستحداد: لغة واصطلاحاً
الاستحداد لغة:
مأخوذ من الحديدة، يقال: استحد إذا حلق عانته قال أبو عبيدة كما في تاج العروس: الاستحداد استفعال من الحديدة يعني الاحتلاق بالحديد، استعمله على طريق الكناية والتورية (2) .
الاستحداد اصطلاحاً:
لا يفترق المعنى اللغوي عن المعنى الاصطلاحي، حيث عرفه الفقهاء بقولهم: الاستحداد حلق العانة (3) .
__________
(1) الختان. د. محمد البار (ص: 75) .
(2) تاج العروس (4/412) .
(3) نيل الأوطار (1/141) .
وقال النووي: الاستحداد: إزالة شعر العانة: هو الذي حول الفرج، سواء إزالته بنتف أو نورة أو حلق، مأخوذ من الحديدة: وهي الموسى التي يحلق بها (1) .
وعرفه النفراوي من المالكية، فقال: حلق العانة: هي ما فوق العسيب والفرج، وما بين الدبر والأنثيين (2) .
(487-51) وقد روى البخاري في صحيحه، قال: حدثنا محمد بن(3/177)
الوليد، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سيار، عن الشعبي،
عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، أن النبي b قال: إذا دخلت ليلا فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة، قال: قال رسول الله b: فعليك بالكيس الكيس (3) .(3/178)
الفصل الأول
في حكم الاستحداد
الفصل الأول
حكم الاستحداد
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الاستحداد سنة (4) .
وقيل: الاستحداد واجب، اختاره ابن العربي والشوكاني
دليل الجمهورعلى الاستحباب.
(488-52) ما رواه البخاري، قال: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب،
__________
(1) تحرير الفاظ التنبيه (ص: 253) .
(2) الفواكه الدواني (2/306) .
(3) صحيح البخاري (5246) ومسلم (715) .
(4) انظر في المذهب الحنفي كتاب البحر الرائق (1/50) ، معالم القربة في طلب الحسبة (ص: 199) ، وفي المذهب المالكي، قال في التمهيد (21/61) : " قال مالك: وأحب للنساء من قص الأظفار وحلق العانة مثل ما هو على الرجال ". وانظر التمهيد (21/68) ، والثمر الدواني شرح رسالة القيرواني (ص: 682) ، الفواكه الداوني (2/306) ، وحاشية العدوي (2/577) ، كفاية الطالب (2/579) .
وفي المذهب الشافعي انظر المجموع (1/342) ، وأسنى المطالب (1/550) ، وإعانة الطالبين (2/85) . وفي فقه الحنابلة انظر الكافي (1/22) ، المغني (1/64) ، كشاف القناع (1/76) ، شرح منتهى الإرادات (1/45) ، مطالب أولي النهى (1/85) .
عن أبي هريرة رضي الله عنه سمعت النبي b يقول: الفطرة خمس، الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الآباط (1) .
قال ابن قدامة: وهو ـ يعني الاستحداد ـ مستحب؛ لأنه من الفطرة، ويفحش بتركه (2) .
وقال النووي: معظم هذه الخصال ليست بواجبة عند العلماء، وفي(3/179)
بعضها خلاف في وجوبه كالختان، والمضمضة والاستنشاق (3) ، ولا يمتنع قرن الواجب بغيره، كما قال تعالى: {كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده} (4) ، والإيتاء واجب، والأكل ليس بواجب (5) .
دليل القائلين بالوجوب.
قال ابن العربي: " والذي عندي أن الخصال الخمس المذكورة في هذا الحديث كلها واجبة؛ فإن المرء لو تركها لم تبق صورته على صورة الآدميين، فكيف من جملة المسلمين" (6) .
(489-53) ومما يدل على الوجوب ما رواه أحمد، قال: ثنا يحيى، عن يوسف بن صهيب (ح) ووكيع، ثنا يوسف، عن حبيب بن يسار،
عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه عن النبي b قال: من لم يأخذ من شاربه فليس منا (7) .
[إسناده صحيح] (8) .(3/180)
فهذا الحديث يدل على أن الأخذ من الشارب واجب، بل لو قيل: إن تاركه مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب لم يكن بعيداً لهذا العقاب.
فهذا الحديث، والحديث الذي قبله يدلان أن سنن الفطرة ليست مستحبة، وإنما هي واجبة. والاستحداد من سنن الفطرة.(3/181)
[صفحة فارغة](3/182)
فرع
إذا قلنا بأن الاستحداد سنة
فهل له أن يجبر زوجته على الاستحداد
__________
(1) صحيح البخاري (5891) ، ومسلم (257) .
(2) المغني (1/64) .
(3) جاء ذكر المضمضة والاستنشاق في حديث عائشة عند مسلم "عشر من الفطرة.. وقد سبق الكلام عليه.
(4) الأنعام: 141.
(5) شرح النووي على صحيح مسلم (3/148) .
(6) نقله عنه الصنعاني في العدة شرح العمدة (1/351) .
(7) مسند أحمد (4/366،368) .
(8) رجاله كلهم ثقات، وسبق الكلام عليه.
قيل: له أن يجبرها إذا طال، وهو أصح القولين في مذهب الشافعية (1) ، وقولاً واحداً في مذهب الحنابلة (2) .
وقيل: ليس له إجبارها حتى يفحش بحيث ينفر التواق (3)
والراجح أن لكل الزوجين أن يجبر الآخر على التنظف له، وهو من العشرة بالمعروف المأمور بها الزوج بقوله تعالى:
{وعاشروهن بالمعروف} (4) .
وكما أنه يجب للزوج على الزوجه، يجب على الزوج أيضاً
قال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن} (5) .(3/183)
[صفحة فارغة](3/184)
الفصل الثاني
في وقت الاستحداد
الفصل الثاني
في وقت الاستحداد
__________
(1) قال الشافعي في الأم (5/8) : وله - يعني الزوج - أن يجبرها -يعني زوجته الذمية - على النظافة بالاستحداد. اهـ
وإذا كان هذا في حق الزوجة الذمية التي لم تلتزم بالإسلام، فما بالك بالمرأة المسلمة التي قد التزمت أحكامه.
وفي المجموع (1/342) قال النووي: " فيه قولان مشهوران، أصحهما الوجوب، وهذا إذا لم يفحش بحيث ينفر التواق، فإن فحش بحيث نفره وجب قطعاً.
(2) قال ابن قدامة في المغني (7/225) : " وله إجبارها على إزالة شعر العانة إذا خرج عن العادة، رواية واحدة ذكره القاضي. وانظر الإنصاف (8/351) . والمقصود بالتواق: أي الذي يتوق إلى الجماع.
(3) المجموع (1/342) .
(4) النساء: 19.
(5) البقرة: 228.
قيل: يستحب أن يحلق عانته كل جمعة، وبعضهم قال في كل أسبوع مرة. وهو مذهب الحنفية (1) ، والمالكية (2) ، ورواية عن أحمد (3) .
وقيل: لا وقت له، ويقدر بالحاجة، وهو يختلف من شخص إلى آخر، والمعتبر طولها، فمتى طالت حلقها، وهو مذهب الشافعية (4) ،
__________
(1) قال في الفتاوى الهندية (1/357) : " يحلق عانته في كل أسبوع مرة، فإن لم يفعل ففي كل خمسة عشر يوماً، ولا يعذر في تركه وراء الأربعين، فالأسبوع هو الأفضل، والخمسة عشر الأوسط، والأربعون الأبعد، ولا عذر فيما وراء الأربعين، ويستحق الوعيد كذا في القنية".اهـ وقال مثله في مجمع الأنهر (2/556) ، وفي بريقة محمودية (4/90) .
(2) قال القرطبي في المفهم (1/515) : " قوله في حديث أنس: " وقت لنا في قص الشارب... الخ هذا تحديد أكثر المدة، والمستحب تفقد ذلك من الجمعة إلى الجمعة، وإلا فلا تحديد فيه للعلماء إلا أنه إذا كثر ذلك أزيل " اهـ.
(3) قال في الفروع (1/131) : " ويفعله ـ يعني: حلق العانة ـ كل أسبوع، ولا يتركه فوق الأربعين " اهـ. وانظر الإنصاف (1/123) .
(4) وقال النووي في المجموع (1/339) : " وأما التوقيت في تقليم الأظفار فهو معتبر بطولها، فمتى طالت قلمها، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال، وكذا الضابط في قص الشارب، ونتف الإبط وحلق العانة، وقد ثبت عن أنس رضي الله عنه قال: وقت لنا في قص الشارب.. وذكر الحديث. ثم معنى هذا الحديث أنهم لا يؤخرون فعل هذه الأشياء عن وقتها، فإن أخروها فلا يؤخرونها أكثر من أربعين يوماً، وليس معناه الإذن في التأخير أربعين مطلقاً، وقد نص الشافعي والأصحاب ـ رحمهم الله ـ على أنه يستحب تقليم الأظفار، والأخذ من هذه الشعور يوم الجمعة، والله أعلم.
وقال الدمياطي في إعانة الطالبين (2/85) : " والمعتبر في ذلك أنه مؤقت بطولها عادة، ويختلف حينئذ باختلاف الأشخاص والأحوال " اهـ.
وقال(3/185)
ابن عبد البر إنه قول الأكثر (1) .
وأما ترك الاستحداد أكثر من أربعين يوماً
فقيل: يحرم. وهو مذهب الحنفية (2) ، ورجحه الشوكاني (3) .
وقيل: يكره كراهية شديدة، وهو مذهب الشافعية (4) ، والمشهور عند الحنابلة (5) .
دليل من وقت بالأربعين.
(490-54) سلم في صحيحه، قال: حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد كلاهما، عن جعفر - قال يحيى أخبرنا جعفر بن سليمان - عن أبي عمران الجوني،(3/186)
عن أنس بن مالك قال: قال أنس: وقت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة (6) .
وقول الصحابي: " وقت لنا " على البناء للمجهول له حكم الرفع، كقول الصحابي: " أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا ".
__________
(1) قال ابن عبد البر في التمهيد (21/68) : " ومن أهل العلم من وقت في في حلق العانة أربعين يوماً، وأكثرهم على أن لا توقيت في شيء من ذلك ". اهـ
(2) قال ابن عابدين في حاشيته (6/407) : " وكره تركه تحريماً لقول المجتبى، ولا عذر فيما وراء الأربعين، ويستحق الوعيد ". وانظر الفتاوى الهندية (1/357) .
(3) نيل الأوطار (1/169) .
(4) وقال في روضة الطالبين (3/234) : " ولا يؤخرها عن وقت الحاجة، ويكره كراهة شديدة تأخيرها عن أربعين يوماً " اهـ.
وقال الهيتمي في المنهج القويم (2/25) : " وأن يزيل شعر العانة، والأولى للذكر حلقه، وللمرأة نتفه، ولا يؤخر ما ذكر عن وقت الحاجة، ويكره كراهة شديدة تأخيرها عن أربعين يوماً " اهـ. وقال مثله في روض الطالب (1/551) .
(5) قال في كشاف القناع (1/77) : " ويكره تركه فوق أربعين يوماً " اهـ. وقال في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/440) : " نعم إنما يكره تركه فوق أربعين لحديث أنس عند مسلم، قال: " وقت لنا في قص الشارب... وذكر الحديث. وانظر مطالب أولي النهى (1/87) .
(6) صحيح مسلم (258) . وقد سبق تخريجه.
قال الشوكاني: المختار أنه يضبط بالأربعين التي ضبط بها رسول الله b، فلا يجوز تجاوزها (1) .
وأجاب القائلون بعدم التوقيب عن هذا الحديث.
قال النووي: معنى هذا الحديث أنهم لا يؤخرون فعل هذه الأشياء عن وقتها، فإن أخروها فلا يؤخرونها أكثر من أربعين يوماً، وليس معناه الإذن في التأخير أربعين مطلقاً، وقد نص الشافعي والأصحاب ـ رحمهم الله ـ على أنه يستحب تقليم الأظفار، والأخذ من هذه الشعور يوم الجمعة، والله أعلم.
وقال القرطبي: هذا تحديد أكثر المدة، والمستحب تفقد ذلك من الجمعة إلى الجمعة، وإلا فلا تحديد فيه للعلماء إلا أنه إذا كثر ذلك أزيل. اهـ
والراجح أنه لا يجوز تجاوز ما وقت لنا فيه رسول الله b، وأن قبل الأربعين من ترك ذلك لا يعتبر مخالفاً للسنة، والله أعلم.(3/187)
[صفحة فارغة](3/188)
الفصل الثالث
في كيفية الاستحداد
الفصل الثالث
في كيفية الاستحداد
اختلف العلماء في كيفية الاستحداد،
فقيل: السنة في الرجل حلق العانة، فلو نتفها أو قصها أو أزلها جاز، وكان تاركاً للأفضل وهو الحلق، والسنة في المرأة نتف العانة، وهو مذهب الحنفية (2) ، والشافعية (3) .
وقيل: السنة الحلق مطلقاً للجنسين، ويكره إزلة شعر العانة بالنتف للرجال والنساء. وهو مذهب المالكية (4) .
وقيل: إن كانت شابة فالنتف في حقها أولى، وإن كانت كهلة فالأفضل في حقها الحلق، اختاره ابن العربي (5) .
__________
(1) نيل الأوطار (1/169) .
(2) غمز عيون البصائر (3/381) ، حاشية ابن عابدين (6/406) .
(3) تحفة المحتاج (9/375) ، الأشباه والنظائر (ص: 237) . قال في مغني المحتاج (6/144) : " والسنة في الرجل حلق العانة، وفي المرأة نتفها، والخنثى مثلها " اهـ. وانظر أسنى المطالب (1/550) ، تحفة الحبيب (1/256) .
(4) الثمر الدواني (ص: 682) ، كفاية الطالب (2/579) ، حاشية العدوي (2/443) ، تفسير القرطبي (5/392)
(5) تحفة الحبيب (1/256) .
وقيل: بأي شيء أزاله صاحبه فلا بأس، وهو مذهب الحنابلة (1) .(3/189)
دليل من قال السنة الحلق ويكره النتف للجنسين.
الدليل الأول:
(491-55) أخرجه البخاري، قال: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب،
عن أبي هريرة رضي الله عنه سمعت النبي b يقول: الفطرة خمس، الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الآباط (2) .
(492-56) وروى البخاري، قال: حدثنا أحمد بن أبي رجاء، حدثنا إسحاق بن سليمان، قال: سمعت حنظلة، عن نافع،
عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله b قال: من الفطرة حلق العانة وتقليم الأظفار وقص الشارب (3) .
(493-57) ومنها حديث عائشة، في مسلم، قال رحمه الله: حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب، قالوا: حدثنا وكيع عن زكرياء بن أبي زائدة، عن مصعب بن شيبة، عن طلق بن حبيب، عن عبد الله ابن الزبير،
عن عائشة قالت: قال b:عشر من الفطرة قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء. قال زكرياء: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة.(3/190)
زاد قتيبة: قال وكيع: انتقاص الماء يعني الاستنجاء.
[المحفوظ أنه من قول طلق، وسيأتي تخريجه في كتاب السواك] (4) .
وجه الاستدلال:
قوله في حديث أبي هريرة: " الاستحداد " فالمقصود: استعمال الحديدة في حلق العانة.
وأما حديث ابن عمر وعائشة فصريحان في حلق العانة.
الدليل الثاني:
(494-58) روى البخاري في صحيحه، قال: حدثنا محمد بن الوليد، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سيار، عن الشعبي،
__________
(1) المغني (1/64) ، الإنصاف (1/122) ، كشاف القناع (1/76) ، مطالب أولي النهى (1/85) .
(2) صحيح البخاري (5891) ، ومسلم (257) .
(3) صحيح البخاري (5890) .
(4) صحيح مسلم (261) .
عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، أن النبي b قال: إذا دخلت ليلا فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة، قال: قال رسول الله b: فعليك بالكيس الكيس (1) .
فقوله b: " تستحد المغيبة " فالاستحداد، هو استعمال الحديدة بالحلق، كما قدمنا.
الدليل الثالث:
قال العراقي: الحكمة في تخصيص الإبط بالنتف، والعانة بالحلق على وجه الأفضلية أن الإبط محل الرائحة الكريهة، والنتف يضعف الشعر فتخف الرائحة الكريهة،، والحلق يكثف الشعر، فتكثر فيه الرائحة (2) .
وقال ابن دقيق العيد: " والأولى في إزالة الشعر هنا الحلق اتباعاً، ويجوز(3/191)
النتف بخلاف الإبط، فإنه بالعكس؛ لأنه تحتبس تحته الأبخرة بخلاف العانة. والشعر من الإبط بالنتف يضعف، وبالحلق يقوى، فجاء الحكم في كل من الموضعين بالمناسب " (3) .
وأما التعليل على كراهة النتف، فقالوا: إن النتف يرخي المحل بالنسبة للمرأة، ويؤذي الرجل، كما أخبر بذلك بعض الأطباء (4) .
دليل من قال يزيل الشعر بأي شيء.
قالوا: إن المقصود هو إزالة الشعر، فبأي شيء زال فقد حصل المقصود (5) .
دليل من قال الحلق للرجل والنتف للمرأة.
قالوا: الحكمة إن النتف يضعف الشهوة، والحلق يقويها (6) .
ولو قيل: إن النتف يضعف الشعر، والحلق يقويه، والنتف يؤخر نموه، بخلاف الحلق لكان أوجه.
الراجح:
الأحاديث لم تفرق بين المرأة والرجل، وكلاهما الوارد في حقه الحلق، وإزالتها بأي مزيل مباح إذا كان لا ضرر فيه. لكن السنة الحلق؛ لأنه المنصوص عليه، وغيره لم ينه عنه.(3/192)
الفصل الرابع
في حلق شعر الدبر
الفصل الرابع
في حلق شعر الدبر
__________
(1) صحيح البخاري (5246) ومسلم (715) .
(2) طرح التثريب (2/80) .
(3) فتح الباري (10/344) .
(4) حاشية العدوي (2/443) ، تفسير القرطبي (5/392) ، انظر الثمر الدواني (ص: 682) ، كفاية الطالب (2/579) .
(5) تحفة الحبيب (1/256) .
(6) حاشية البجيرمي على الخطيب (2/207،208) .
اختلف العلماء في حلق شعر الدبر.
فقيل: يستحب حلق شعر الدبر، اختاره بعض الحنفية (1) .
وقيل: لا يشرع. اختاره ابن العربي، والفاكهي (2) .
وقيل: يباح. وهو الصواب، وهو مذهب المالكية (3) ، واختاره النووي من الشافعية (4) .(3/193)
دليل من قال بالاستحباب.
__________
(1) حاشية ابن عابدين (2/481) ، حاشية الطحطاوي (2/342) .
(2) جاء في فتح الباري (10/343) : " قال أبو بكر بن العربي: شعر العانة أولى الشعور بالإزالة؛ لأنه يتكثف ويتلبد فيه الوسخ، بخلاف شعر الإبط، قال: وأما حلق ما حول الدبر فلا يشرع، وكذا قال الفاكهي في شرح العمدة: إنه لا يجوز، كذا قال. قال الحافظ: ولم يذكر للمنع مستنداً " اهـ
(3) قال في الثمر الداني شرح رسالة القيرواني: " ولا بأس بحلاق غير العانة من شعر الجسد، كشعر اليدين والرجلين، وشعر حلقة الدبر ". اهـ وقال مثله في الفواكه الدواني (2/306) ، وانظر حاشية العدوي (2/579) .
(4) قال النووي (1/341) : " وأما حقيقة العانة التي يستحب حلقها فالمشهور أنها الشعر النابت حوالي ذكر الرجل وقبل المرأة وفوقهما، ورأيت في كتاب الودائع المنسوب إلى أبي العباس بن سريج، وما أظنه يصح عنه، قال: العانة: الشعر المستدير حول حلقة الدبر، وهذا الذي قاله غريب، ولكن لا مانع من حلق شعر الدبر، وأما استحبابه فلم أر فيه شيئاً لمن يعتمد غير هذا، فإن قصد به التنظف وسهولة الاستنجاء فهو حسن مندوب، والله أعلم.
وقال الخطيب في مغني المحتاج (1/564) : " والعانة الشعر النابت حوالي ذكر الرجل وقبل المرأة. وقيل: ما حول الدبر. قال المصنف: والأولى حلق الجميع. وانظر أسنى المطالب (1/550) ، وحواشي الشرواني على تحفة المنهاج (2/476) .
قال ابن عابدين: " والعانة: الشعر القريب من فرج الرجل والمرأة، ومثلها شعر الدبر، بل هو أولى بالإزالة، لئلا يتعلق به شيء من الخارج عند الاستنجاء بالحجر (1) .
وقال ابن دقيق العيد: كأن الذي ذهب إلى استحباب حلق ما حول الدبر ذكره بطريق القياس (2) .
دليل من قال لا يشرع.
قال: لم نقف في حلق شعر الدبر، لا من قول الرسول b، ولا من فعله، ولا من فعل أصحابه، وعليه فلا يشرع.
قال الشوكاني: الاستحداد إن كان في اللغة حلق العانة كما ذكره النووي، فلا دليل على سنية حلق الشعر النابت حول الدبر، وإن كان المعنى هو الاحتلاق بالحديد كما في القاموس، فلا شك أنه أعم من حلق العانة، ولكنه وقع في مسلم وغيره بدل الاستحداد في حديث: "عشر من الفطرة" حلق العانة، فيكون مبيناً لإطلاق الاستحداد في حديث: "خمس من الفطرة" فلا يتم دعوى سنية حلق شعر الدبر، أو استحبابه إلا بدليل، ولم نقف على حلق شعر الدبر من فعله b، ولا من فعل أحد من أصحابه (3) .
وهذا الكلام وإن سلم للشوكاني رحمه الله إلا أن نفي الاستحباب لا يدل على نفي الإباحة.(3/194)
دليل من قال بالإباحة.
قالوا: إن الشعر ثلاثة أقسام: قسم نهينا عن حلقه، كشعر اللحية، وقسم أمرنا بحلقه، كشعر العانة والإبط، وقسم سكت عنه، فلم نؤمر بحلقه ولم ننه عنه، فهو على العفو والإباحة، كشعر الساق واليدين، وممكن أن ندخل في هذا شعر الدبر.
الراجح أن حلق شعر الدبر على الإباحة، على أنه إن كان بقاؤه يؤثر في طهارة الاستنجاء كما لو كان كثيفاً وطويلاً، ولا يمكن تنظيفه إلا بالماء بحيث لا يطهره الاستجمار، فهنا لا شك أن القول باستحبابه قول قوي، أو الاقتصار على الاستنجاء، والله أعلم.(3/195)
[صفحة فارغة](3/196)
الفصل الخامس
في حلق شعر عانة الميت
الفصل الخامس
في حلق شعر عانة الميت
__________
(1) حاشية ابن عابدين (2/481) ، حاشية الطحطاوي (2/342) .
(2) فتح الباري (10/344) ، وعون المعبود (1/54) .
(3) نيل الأوطار (1/141) .
اختلف الفقهاء في حلق عانة الميت إذا كانت طويلة:
فقيل: يحرم حلق عانته، وهو مذهب الحنفية (1) ، والمشهور من مذهب الحنابلة (2) .
وقيل: يكره، وهو المشهور من مذهب المالكية (3) ،والشافعية (4) . قال مالك: إن ذلك بدعة (5) .
وقيل: لا يكره، ولا يستحب، وهو قول عند الشافعية (6) .(3/197)
وقيل: إن كانت عانته طويلة استحب حلقها، وهو رأي الشافعي في الجديد (7) ،(3/198)
__________
(1) قال في بدائع الصنائع (1/301) : " والسنة أن يدفن الميت بجميع أجزائه، ولهذا لا تقص أظفاره وشاربه ولحيته، ولا يختن، ولا نتف إبطه، ولا تحلق عانته " اهـ. وانظر فتح القدير (2/111) ، والمبسوط (2/59) ، الفتاوى الهندية (1/158) .
(2) قال في كشاف القناع (2/97) : " ويحرم حلق شعر عانته - يعني الميت - لما فيه من لمس عورته " اهـ. ورجحه ابن قدامة في المغني (2/210) وقال في الإنصاف (2/494) : على الصحيح من المذهب. اهـ وانظر شرح منتهى الإرادات (1/349) .
(3) المنتقى ـ الباجي (2/7) ، التاج والإكليل (2/52) ، وعبر الخرشي (2/136) ، وعليش في منح الجليل (1/507) والعدوي في حاشية (1/412) والدسوقي في حاشيته: بالكراهية مع تنصيص بعضهم على أن ذلك بدعة.
(4) المجموع (5/141) ، أسنى المطالب (1/304) ، الغرر البهية في شرح البهجة الوردية (2/86) . وقال في تحفة المحتاج (3/ 113) : الأظهر كراهته، وانظر حاشية الجمل (2/154) ، حاشية البجيرمي على المنهج (1/462) .
(5) المدونة (1/156) .
(6) قال الشافعي في الأم (1/319) : " فإن كان على يديه - يعني الميت - وفي عانته شعر فمن الناس من كره أخذه عنه، ومنهم من رخص فيه، فمن رخص فيه لم ير بأساً أن يحلقه بالنورة أو يجزه بالجلم " اهـ. وانظر المجموع (5/141) ، المنثور في القواعد (3/147) ،
(7) قال النووي في المجموع (5/141) : " في قلم أظفار الميت، وأخذ شعر شاربه، وإبطه، وعانته قولان: الجديد أنها تفعل. والقديم أنها لا تفعل، وللأصحاب طريقان:
أحدهما: أن القولين في الاستحباب والكراهة. أحدهما: يستحب. والثاني: يكره.
وهذه طريقة المصنف هنا، وشيخه القاضي أبي الطيب في تعليقه، وصاحب الحاوي والغزالي في الوسيط والخلاصة، وصاحب التهذيب، والروياني في الحلية، وآخرين من الأصحاب. قال صاحب الحاوي: القول الجديد أنه مستحب، وتركه مكروه، وقطع المصنف في التنبيه، والجرجاني في التحرير باستحابه.
والطريق الثاني: أن القولين في الكراهة وعدمها. أحدهما: يكره. والثاني: لا يكره ولا يستحب قطعاً، وبهذا الطريق قال الشيخ أبو حامد والبندنيجي وابن الصباغ والشاشي وآخرون، وهو ظاهر نص الشافعي في الأم، فإنه قال: من الناس من كره أخذه، ومنهم من رخص فيه. وأما قول الرافعي: لا خلاف أن هذه الأمور لا تستحب، وإنما القولان في الكراهة فمردود بما قدمته من إثبات الخلاف في الاستحباب مع جزم من جزم، وعجب قوله هذا مع شهرة هذه الكتب، لا سيما الوسيط والمهذب والتنبيه.
وأما الأصح من القولين فصحح المحاملي أنه لا يكره، وقطع به في كتابه المقنع، وصحح غيره الكراهة، وهو المختار، ونقله البندنيجي عن نص الشافعي في عامة كتبه، منها الأم، ومختصر الجنائز، والقديم. وقد قال الشافعي في مختصر المزني: من أصحابنا من رأى حلق الشعر وتقليم الأظفار، ومنهم من لم يره. قال الشافعي: وتركه أعجب إلي. هذا نصه، وهو صريح في ترجيح تركه، ولم يصرح الشافعي في شيء من كتبه باستحبابه جزماً، إنما حكى اختلاف شيوخه في استحبابه وتركه، واختار هو تركه، فمذهبه تركه، وما سواه ليس مذهباً له، فيتعين ترجيح تركه، ويؤيده أيضاً أن الشافعي قال في المختصر والأم: ويتتبع الغاسل ما تحت أظافير الميت بعود حتى يخرج الوسخ. قال القاضي أبو الطيب في تعليقه: قال أصحابنا: هذا تفريع من الشافعي على أنه يترك أظافيره، وأما إذا قلنا: تزال، فلا حاجة إلى العود، فحصل أن المذهب أو الصواب ترك هذه الشعور والأظفار؛ لأن أجزاء الميت محترمة، فلا تنتهك بهذا، ولم يصح عن النبي b والصحابة رضي الله عنهم في هذا شيء، فكره فعله، وإذا جمع الطريقان حصل ثلاثة أقوال: المختار: يكره. والثاني: لا يكره، ولا يستحب. والثالث: يستحب. اهـ
وقال في تحفة المحتاج (3/ 112) : " والجديد أنه لا يكره في غير المحرم أخذ ظفره ـ يعني الميت - وشعر إبطه وعانته وشاربه، بل يستحب لما فيه من النظافة " اهـ.
وقول عند الحنابلة (1) ، واختيار ابن حزم (2) .
دليل من قال بالتحريم.
قالوا: لأنه يحتاج في أخذها إلى كشف العورة ولمسها، وهتك الميت، وذلك محرم، ولا يرتكب المحرم لتحقيق سنة،
تعليل آخر: قالوا: إن لم يأت فيه شيء من الشرع، ولذلك اعتبره مالك بدعة. وقال النووي: لم يصح عن النبي b شيء، فكره فعله (3) ، بل ثبت الأمر بالإسراع بالجنازة المنافي لذلك.
تعليل آخر: قالوا بأن العورة مستورة فيستغنى بسترها عن إزالتها
تعليل آخر: قالوا: إذا كان الراجح أنه لا يختن، فكذلك لا تحلق عانته، ولأن شعر العانة جزء من الميت، وأجزاؤه محترمة.
دليل من قال بالكراهة.
استدل القائلون بالكراهة بما استدل به من قال بالتحريم، وقد سبق ذكر أدلة من قال بالتحريم.(3/199)
دليل من قال بالجواز أو الاستحباب.
التعليل الأول:
قالوا: بأن حلق العانة من باب التنظيف، فيشرع حلقها كإزالة الوسخ.
التعليل الثاني:
قالوا: إذا كان حلق العانة من الفطرة، فلا يترك الميت من تحقيقها.
قال ابن حزم: وإن كانت أظفار الميت وافرة، أو شاربه وافياً أو عانته أخذ كل ذلك؛ لأن النص قد ورد وصح بأن كل ذلك من الفطرة، فلا يجوز أن يجهز إلى ربه تعالى إلا على الفطرة التي مات عليها (4) .
الدليل الثالث:
(495-59) روى عبد الرزاق في مصنفه، قال: عن الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، أن سعد بن مالك حلق عانة ميت (5) .
إسناده صحيح إن كان سمع أبو قلابة من أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وهذا لا يعرف له مخالف من الصحابة، فيكون فعله حجة.
الدليل الرابع:
__________
(1) قال ابن قدامة في المغني (2/210) : " وروى عن أحمد أن أخذها مسنون " اهـ. وانظر الفروع (2/207) .
(2) المحلى (مسألة: 620) .
(3) المجموع (5/141) .
(4) المحلى (مسألة: 620) .
(5) مصنف عبد الرزاق (3/437) رقم 6235.
أن كشف العورة يجوز للحاجة، كالتداوي والختان، ونحوهما، فهذا منه، ويقتصر على قدر الحاجة، مع أنه قد يمكنه إزالة عانته بلا نظر إلى العورة، وبدون أن يباشر مسها، كما في النورة. والله أعلم...(3/200)
الراجح من الخلاف:
الذي يظهر لي أن كشف العورة من الميت لا يجوز، لكن إن كان الذي يحلق عانته ممن يجوز له الاطلاع على عورته جاز له أخذه، وإلا حرم، لأن حرمة الميت كحرمة الحي، والله أعلم.(3/201)
[صفحة فارغة](3/202)
الفرع الأول
إذا قيل بجواز أخذ عانة الميت
فيكف تؤخذ؟
الفرع الأول
إذا قيل بجواز حلق عانة الميت فكيف تؤخذ؟
إذا قلنا تزال هذه الشعور، فللغاسل أن يأخذ شعر الإبط والعانة بالمقص أو الموسى أو النورة، وهو مذهب الشافعية قال النووي: هذا هو المذهب والمنصوص في الأم، وبه قطع الجمهور (1) ، وهو مذهب الحنابلة (2) .
وقيل: يتعين إزالتها بالنورة في العانة لئلا ينظر إلى عورته، وهو وجه في مذهب الشافعية، قال النووي: وبهذا قطع البندنيجي والمحاملي في المجموع (3) ، واختاره بعض الحنابلة (4) .
وقيل: يستحب النورة في العانة والإبط جميعاً، وهو وجه في مذهب الشافعية. قال النووي: وبه جزم صاحب الحاوي (5) .
__________
(1) قال النووي في المجموع (5/141) : والمذهب التخيير، لكن لا يمس ولا ينظر من العورة إلا قد الضرورة. اهـ وانظر روضة الطالبين (2/108) .
(2) قال في الإنصاف (2/494،495) : " وقيل: يؤخذ بحلق أو قص، قدمه ابن رزين في شرحه، وحواشي ابن مفلح، وقال: نص عليه. قال المرداوي: وهو المذهب، فإن أحمد نص عليه في رواية حنبل، وعليه المصنف والشارح ". الخ كلامه رحمه الله.
(3) المجموع (5/141) .
(4) الإنصاف (2/494) : " فعلى رواية جواز أخذه - يعني حلق شعر العانة للميت - يكون بنورة، لتحريم النظر. قال في الفصول: لأنها أسهل من الحلق بالحديد، واختاره القاضي.
(5) المجموع (5/141) .
قال المرداوي: وعلى كل قول، لا يباشر ذلك بيده، بل يكون عليها ح(3/203)
ائل (1) .
وعلى كل إذا أمكن إزالتها بدون النظر إلى العورة، وبدون ملامسة البشرة تعين ذلك؛ لأنه المقصود هو إزالة شعر الميت، وهذا حاصل فلا يجوز كشف العورة مع عدم الحاجة. والله أعلم.(3/204)
الفرع الثاني
هل يدفن مع الميت
ما أخذ من شعره وظفره
الفرع الثاني
هل يدفن مع الميت ما أخذ من شعره وظفره
قال النووي: في الشعور المأخوذة من شاربه وإبطه وعانته وأظفاره، وما انْتُتِف من تسريح شعره ولحيته، وجلدة الختان إذا قلنا: يختن، وجهان:
أحدهما: يستحب أن يصر كل ذلك معه في كفنه، ويدفن، وبهذا قطع القاضي حسين، وصاحبه البغوي، والغزالي في الوسيط والخلاصة، وصاحب العدة، والرافعي، وغيرهم. وأشار إليه المصنف في كتابه في الخلاف.
والثاني: يستحب أن لايدفن معه، بل يوارى في الأرض غير القبر، وهذا اختيار صاحبه، فإنه حكى عن الأوزاعي استحباب دفنها معه، ثم قال: والاختيار عندنا أنها لا تدفن معه؛ لأنه لم يرد فيه خبر، ولا أثر، والله أعلم (2) .
قلت: والقول بأنها تدفن معه، هو مذهب الحنابلة،
فقد قال المرداوي: وكل ما أخذ، فإنه يجعل مع الميت، كما لو كان عضو سقط منه (3) .
والذي يظهر لي أنها لا تدفن معه، وليست كالعضو منه، لأنها في حكم المنفصل، ويكفي أنه لم يأت نص من كتاب أو سنة يأمر بذلك، والأصل عدم المشروعية حتى يرد دليل على ذلك.(3/205)
[صفحة فارغة](3/206)
الفرع الثالث
لا يلي حلق العانة أجنبي
الفرع الثالث
لا يلي حلق العانة أجنبي
لا يجوز أن يلي حلق العانة أجنبي، فيطلع على العورة، وهذا مما لا خلاف فيه مع القدرة
قال ابن قدامة في المغني: وإذا طلى بنورة فلا بأس، إلا أنه لا يدع أحداً يلي عورته، إلا من يحل له الاطلاع عليها من زوجة أو أمه (4) .
وقال ابن حجر عن كشف العورة من أجل حلق العانة:
__________
(1) الإنصاف (2/495) .
(2) المجموع (5/142) .
(3) الإنصاف (2/495) .
(4) المغني (1/64) .
" وأما من لا يحسن الحلق، فقد يباح له إن لم تكن له زوجة تحسن الحلق أن يستعين بغيره بقدر الحاجة، لكن محل هذا إذا لم يجد ما يتنور به، فإنه يغني عن الحلق، ويحصل به المقصود، وكذا من لا يقوى على النتف، ولا يتمكن من الحلق إذا استعان بغيره في الحلق لم تهتك المروءة من أجل الضرورة " (1) .
قلت: الحاجة تبيح كشف العورة، كالتداوي ونحوه، والقاعدة: أن كل ما كان محرماً لغيره فإن الحاجة تبيحه، وكل ما كان محرماً لذاته لا تبيحه إلا الضروة. ولذلك أبيحت العرايا، مع أن فيها وقوعاً في ربا الفضل، قالوا: لأن ربا الفضل محرماً لغيره، والله أعلم.(3/207)
[صفحة فارغة](3/208)
الفرع الرابع
في استخدام النورة
الفرع الرابع
في استخدام النورة
التنور: الطلاء بالنورة، يقال: تنور: تطلى بالنورة ليزيل الشعر
ولا أعلم خلافاً في جواز إزالة شعر العانة بالنورة (2) .
ويحصل أصل السنة بأي وجه كان من الحلق والقص والنتف واستعمال النورة؛ إذ المقصود حصول النظافة إلا أن الأفضل الحلق؛ لأنه المنصوص عليه.
وهل ثبت أن رسول الله b تنور؟
(496-60) الجواب، روى أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا كامل بن العلاء، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أم سلمة أن النبي b كان يتنور، ويلى عانته بيده (3) .(3/209)
[إسناده منقطع، ورجح البيهقي إرساله] (1) .
__________
(1) فتح الباري (10/348) .
(2) انظر البحر الرائق (3/11) ، والفتاوى الهندية (5/358) ، وحاشية ابن عابدين (2/481) ، وفي مذهب المالكية انظر حاشية العدوي (2/444) ، الثمر الدواني (ص:682) ، كفاية الطالب (2/579) ، وفي مذهب الشافعية، قال النووي في المجموع (1/342) : "والسنة في العانة الحلق، ولو نتفها أو قصها، أو أزالها بالنورة جاز " اهـ.، طرح التثريب (2/76) . وفي المذهب الحنبلي انظر الفروع (1/130،131) ، الآداب الشرعية (3/331) ،
(3) مسند أبي داود الطيالسي (1610) .(3/210)
__________
(1) رجاله ثقات، إلا أن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من أم سلمة، قاله أبو زرعة كما في المراسيل لابن أبي حاتم (47) .
والحديث رواه البيهقي في السنن الكبرى (1/152) من طريق أبي داود الطيالسي به. ورواه ابن ماجه في سننه (3752) حدثنا علي بن محمد، حدثني إسحاق بن منصور، عن كامل أبي العلاء به.
ورواه أبو نعيم في حلية الأوليا (5/67) من طريق عاصم بن علي، قال: ثنا كامل أبو العلاء به.
ورواه الطبراني في المعجم الكبير (23/326) حدثنا علي بن عبد العزير، ثنا أبو غسان ثنا كامل أبو العلاء، عن حبيب بن أبي ثابت، عن إنسان، عن أم سلمة به.
فهنا واضح أن هناك واسطة بين حبيب، وبين أم سلمة رضي الله عنها، وهو مبهم لا تعلم درجته.
ورواه ابن ماجه (3751) قال: حدثنا علي بن محمد ثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا حماد بن سلمة عن أبي هاشم الرماني عن حبيب بن أبي ثابت عن أم سلمة به.
ورجاله ثقات إلا عبد الرحمن بن عبد الله أبو سعيد لقبه جردقه، صدوق ربما وهم.
والحديث قد اختلف في وصله وإرساله، فرواه أبو العلاء وأبو هاشم الرماني كما سبق موصولاً.
ورواه منصور، عن حبيب بن أبي ثابت مرسلاً
فقد رواه عبد الرزاق (1127) ، عن الثوري، عن منصور، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: كان رسول الله b إذا أطلى ولي عانته بيده.
قال البيهقي: أسنده كامل أبو العلاء وأرسله من هو أوثق منه
قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا هارون بن سليمان أنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن حبيب بن أبي ثابت قال كان النبي b يلي عانته بيده.
ورواه البيهقي أيضاً (1/152) قال: أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا بحر بن نصر، حدثنا ابن وهب أخبرنا سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: كان رسول الله b إذا تنور ولي عانته بيده.
ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/442) من طريق سفيان، أخبرنا منصور، عن حبيب به. ورواه أيضاً من طريقين عن معشر، وحبيب بن أبي ثابت، قالا: كان رسول الله b مرسلاً.
ورواه من طريق حماد بن زيد، أخبرنا أبو هاشم، عن حبيب بن أبي ثابت، أن رسول الله b مرسلاً.
وروى ابن أبي شيبة (1/105) حدثنا هشيم وشريك، عن ليث أبي المشرفي، عن أبي معشر، عن إبراهيم، قال: كان النبي b إذا أطلى ولي عانته.
ورواه بحشل في تاريخ واسط (2/122) من طريق القاسم بن عيسى، ثنا هشيم به.
وهذا سند ضعيف أيضاً أولاً: لكونه مرسلاً
وثانياُ: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في العلل ومعرفة الرجال (2/276) حدثني أبي، قال: حدثنا هشيم، عن ليث أبي المشرفي، عن أبي معشر، أن النبي b كان إذا اطلى ولي عانته بيده. سمعت أبي يقول: لم يسمع هشيم من ليث أبي المشرفي شيئاً.
قلت: وهو مدلس مكثر من التدليس.
ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/442) أخبرنا الفضل بن دكين وموسى بن داود، قالا: أخبرنا شريك، عن ليث أبي المشرفي.
قال الفضل: عن إبراهيم.
وقال موسى: عن أبي معشر، عن إبراهيم، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسم إذا أطلى بالنورة ولي عانته.
وأخرج ابن عدي في الكامل (2/359) قال: حدثنا عبد الله بن خالد بن يزيد المؤذن وكان صالحاً، ثنا عمار بن رجاء، ثنا الحسين بن علوان، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: اطلى رسول الله b بالنورة، فلما فرغ منها، قال: يا معشر المسلمين عليكم بالنورة فإنها طيبة وطهور، وإن الله يذهب بها عنكم أوساخكم وأشعاركم.
وهذا حديث موضوع، فيه الحسين بن علوان. قال فيه ابن عدي: وللحسين بن عدي(3/211)
__________
أحاديث كثيرة، وعامتها موضوعة، وهو في عداد من يضع الحديث. الكامل (2/360) .
ونقل الشوكاني في النيل عن الحافظ ابن كثير في كتابه الذي ألفه في الحمام كلاماً طويلاً منه: " وأخرج أحمد، عن عائشة، قالت: " أطلى رسول الله b بالنورة، فلما فرغ منها قال: يا معشر المسلمين عليكم بالنورة فإنه طلية وطهور، وإن الله يذهب بها عنكم أوساخكم وأشعاركم "
وليس في المسند، ولم أقف عليه إلا في الكامل لابن عدي. والله أعلم.
وأخرج أبو داود في المراسيل (ص: 327) : حدثنا أبو كامل الفضيل بن الحسين الجحدري، حدثنا عبد الواحد، حدثنا صالح بن صالح، حدثنا أبو معشر، أن رجلاً نور رسول الله b، فلما بلغ العانة كف الرجل، ونور رسول الله b نفسه.
وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أن بين أبي معشر وبين رسول الله b مفاوز.
وأخرج يعقوب بن سفيان في تاريخه ومن طريقه أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1/152) وابن عساكر في تاريخ دمشق (11/175) حدثني سليمان بن سلمة الحمصي، حدثنا بقية، حدثنا سليمان بن ناشرة الألهاني، قال: سمعت محمد بن زياد الألهاني يقول: كان ثوبان جاراً لنا، وكان يدخل الحمام، فقلت له، فقال: كان النبي b يدخل الحمام، قال: وكان يتنور.
وهذا إسناد ضعيف جداً
فيه سليمان بن سلمة الحمصي الخبائري.
قال ابن أبي حاتم: سمع منه أبى ولم يحدث عنه، وسألته عنه، فقال: متروك الحديث، لا يشتغل به، فذكرت ذلك لابن الجنيد، فقال: صدق كان يكذب، ولا أحدث عنه بعد هذا. الجرح والتعديل (4/121) رقم 529.
قال النسائي: ليس بشيء. الضعفاء والمتروكين (253) .
وله ترجمة مطولة في لسان الميزان (3/93) فارجع إليها إن شئت.
وسليمان بن ناشرة.
قال ابن حبان: يعتبر حديثه من غير رواية سليمان بن سلمة عنه. الثقات (6/381) .
وذكره ابن أبي حاتم، وسكت عليه. قال: سليمان بن ناشرة الألهاني، روى عن محمد(3/212)
__________
بن زياد الشامي، روى عنه سليمان بن سلمة الخبائري الذي هو متروك الحديث سمعت أبى يقول ذلك. الجرح والتعديل (4/147) .
وأما محمد بن زياد الألهاني، فهو ثقة. وبقية قد صرح في التحديث.
وأخرج الخطيب البغدادي في كتابه الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/374) أنا هلال بن محمد بن جعفر الحفار، أنا إسماعيل بن محمد الصفار، نا محمد بن صالح الأنماطي، نا العباس بن عثمان المعلم، حدثني الوليد، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي b كان يتنور في كل شهر، ويقلم أظفاره في كل خمس عشرة.
هلال بن محمد بن جعفر الحفار، شيخ الخطيب، قال: كتبنا عنه، وكان صدوقًا. تاريخ بغداد (14/75) .
إسماعيل بن محمد الصفار، ثقة. لسان الميزان (1/432) .
محمد بن صالح الأنماطي. قال الخطيب: كان حافظا متقنا ثقة. تاريخ بغداد (5/358) .
العباس بن عثمان المعلم، قال الحافظ في التقريب: صدوق يخطئ.
الوليد هو: الوليد بن مسلم.
قال الهيثم بن خارجة: قلت للوليد: قد أفسدت حديث الأوزاعي. قال: كيف؟ قلت: تروي عن الأوزاعي، عن نافع.
وعن الأوزاعي، عن الزهري ويحيى بن سعيد. وغيرك يدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر، وبينه وبين الزهري إبراهيم بن مرة وقره وغيرهما، فما يحملك على هذا؟ قال: أنبل الأوزاعي عن هؤلاء. قلت: فإذا روى الأوزاعي عن هؤلاء وهؤلاء، وهم ضعفاء أحاديث مناكير، فأسقطتهم أنت، وصيرتها من رواية الأوزاعي عن الثقات، ضعف الأوزاعي. قال: فلم يلتفت إلى قولي. تهذيب التهذيب (11/133) .
وقال الحافظ في التقريب: ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية، وهنا قد عنعن، فهي علة في الإسناد.
عبد العزيز بن أبي رواد.
قال ابن عدي: في بعض رواياته ما لا يتابع عليه. الكامل (5/290) .
وقال النسائي: لا بأس به. تهذيب الكمال (18/136) .
وقال أحمد بن حنبل: جل صالح الحديث، وكان مرجئا وليس هو في التثبت مثل غيره. المرجع السابق.
وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: ثقة. المرجع السابق.
وقال العجلي: ثقة. معرفة الثقات (2/96) .
وقال ابن حبان: كان ممن غلب عليه التقشف حتى كان لا يدري ما يحدث به، فروى عن نافع أشياء لا يشك من الحديث صناعته إذا سمعها أنها موضوعة، كان يحدث بها توهماً لا تعمداً، ومن حدث على الحسبان وروى على التوهم حتى كثر ذلك منه سقط الاحتجاج به وإن كان فاضلا في نفسه، وكيف يكون التقي في نفسه من كان شديد الصلابة في الإرجاء، كثير البغض لمن انتحل السنن، ثم قال ابن حبان: روى عبد العزيز، عن نافع، عن ابن عمر نسخة موضوعة، لا يحل ذكرها إلا على سبيل الاعتبار منها. المجروحين (2/136) .
وذكره العقيلي في الضعفاء. الضعفاء الكبير (3/6) .
وقال الحافظ في التقريب: صدوق عابد ربما وهم، ورمي بالإرجاء.
فالإسناد ضعيف. والمتن منكر، ولو كان هذا من فعل الرسول b كل شهر لتوافرت الدواعي على نقله بالأحاديث الصحيحة، فعنعنة الوليد، وانفراد ابن أبي رواد عن نافع بهذه السنة المتكررة كل شهر يدل على نكارة المتن، مع ضعف الإسناد.(3/213)
وقد روى أن النبي b لم يتنور، وهو ضعيف أيضاً.
(497-61) فقد روى أبو داود في المراسيل، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق، حدثنا عبد الوهاب - يعني ابن عطاء - عن سعيد،
عن قتادة أن النبي b لم يتنور، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان (1) .
__________
وقال أحمد بن حنبل: جل صالح الحديث، وكان مرجئا وليس هو في التثبت مثل غيره. المرجع السابق.
وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: ثقة. المرجع السابق.
وقال العجلي: ثقة. معرفة الثقات (2/96) .
وقال ابن حبان: كان ممن غلب عليه التقشف حتى كان لا يدري ما يحدث به، فروى عن نافع أشياء لا يشك من الحديث صناعته إذا سمعها أنها موضوعة، كان يحدث بها توهماً لا تعمداً، ومن حدث على الحسبان وروى على التوهم حتى كثر ذلك منه سقط الاحتجاج به وإن كان فاضلا في نفسه، وكيف يكون التقي في نفسه من كان شديد الصلابة في الإرجاء، كثير البغض لمن انتحل السنن، ثم قال ابن حبان: روى عبد العزيز، عن نافع، عن ابن عمر نسخة موضوعة، لا يحل ذكرها إلا على سبيل الاعتبار منها. المجروحين (2/136) .
وذكره العقيلي في الضعفاء. الضعفاء الكبير (3/6) .
وقال الحافظ في التقريب: صدوق عابد ربما وهم، ورمي بالإرجاء.
فالإسناد ضعيف. والمتن منكر، ولو كان هذا من فعل الرسول b كل شهر لتوافرت الدواعي على نقله بالأحاديث الصحيحة، فعنعنة الوليد، وانفراد ابن أبي رواد عن نافع بهذه السنة المتكررة كل شهر يدل على نكارة المتن، مع ضعف الإسناد.(3/214)
[إسناده حسن لولا أنه مرسل] (2) .
(498-62) وأخرج ابن أبي شيبة، قال: حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن هشام، عن الحسن، قال: كان رسول الله صلى الله وأبو بكر وعمر لا يطلون (3) .
رجاله ثقات، إلا أنه مرسل، ومرسلات الحسن من أضعف المراسيل.
(499-63) وروى البيهقي، قال: أخبرنا أبو نصر بن قنادة، ثنا أبو علي الرفاء، ثنا أبو العباس أحمد بن عبد الله الطائي ببغداد، ثنا أبو عمار الحسن بن حارث المروزي (4) ، ثنا علي بن الحسن بن شقيق، عن أبي حمزة السكري، عن مسلم الملائي، عن أنس قال: كان النبي b لا يتنور، فإذا كثر شعره حلقه.
قال البيهقي: مسلم الملائي ضعيف في الحديث، فإن كان حفظه فيحتمل أن يكون قتادة أخذه أيضا عن أنس (5) .(3/215)
وأما الصحابة رضي الله عنهم، فقد ورد عن ابن عمر، ويعلى بن مرة الثقفي، وغيرهما.
(500-64) روى البخاري في الأدب المفرد، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا سكين بن عبد العزيز بن قيس، عن أبيه، قال: دخلت على عبد الله بن عمر وجارية تحلق الشعر وقال النورة ترق الجلد (1) .
__________
(1) المراسيل (ص: 328) . ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1/152) .
(2) رجاله ثقات إلا عبد الوهاب بن عطاء فإنه صدوق، وهو من أصحاب سعيد القدماء، وقد روى عنه قبل الاختلاط على الصحيح.
(3) المصنف (1/105) رقم 1186.
(4) صوابه الحسين بن حريث المروزي، ذكره صاحب الجرح والتعديل في ترجمة على بن الحسن بن شقيق (6/180) .
(5) سنن البيهقي الكبرى (1/152) .
دراسة الإسناد:
أبو نصر بن قتادة لم أقف على ترجمته.
وأبو علي الرفاء، ثقة. انظر ترجمته في تاريخ بغداد (8/172-174) ، وسير أعلام النبلاء (16/16،17)
أبو العباس أحمد بن عبد الله الطائي، له ترجمة في تاريخ بغداد 4/220) وسكت عليه، فلم يذكر فيه شيئاً.
الحسين بن حريث، علي بن حسن بن شقيق، وأبو حمزة السكري محمد بن ميمون كلهم ثقات.
أبو مسلم الملائي:
قال البخاري: يتكلمون فيه. التاريخ الكبير (7/271) ، الضعفاء الصغير (343) .
وقال في موضع آخر: ضعيف ذاهب الحديث، لا أروى عنه. تهذيب التهذيب (10/122) .
قال عمرو بن على: كان يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدى لا يحدثان عنه، وشعبة وسفيان يحدثان عنه، وهو منكر الحديث جداً. الجرح والتعديل (8/192) .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبى عن مسلم الأعور، فقال: يتكلمون فيه، وهو ضعيف الحديث، وسألت أبا زرعة عنه، فقال: كوفى ضعيف الحديث. المرجع السابق.
وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: كان وكيع لا يسميه. قلت: لم؟ قال: لضعفه.
وقال أيضا: سئل أبي عنه، فقال: هو دون ثور وليث بن أبي سليم ويزيد بن أبي زياد، وكان يضعف. المرجع السابق.
وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: لا شيء.
وقال بن أبي خيثمة، عن ابن معين: يقال إنه اختلط. المرجع السابق.
وقال ابن حجر في الفتح (10/344) : " حديث أنس أن النبي b كان لا يتنور، وكان إذا كثر شعره حلقه، سنده ضعيف جداً ". اهـ(3/216)
[إسناده ضعيف] (2) .
(501-65) وروى البيهقي في السنن الكبرى، قال: أخبرناه يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا بحر بن نصر، ثنا ابن وهب، أخبرني أسامة بن زيد الليثي،
عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يطلي فيأمرني أطليه حتى إذا بلغ سفلته وليها هو.
وبهذا الإسناد قال: ثنا ابن وهب، قال: حدثني عبد الله بن عمر، عن نافع، أن بن عمر كان لا يدخل الحمام، وكان يتنور في البيت، ويلبس إزاراً، ويأمرني أطلي ما ظهر منه، ثم يأمرني أن أؤخر عنه فيلي فرجه (3) .
[حسن لغيره، أسامة وعبد الله بن عمر فيهما ضعف ويقوي أحدهما الآخر] (4) .(3/217)
__________
(1) الأدب المفرد (1291) .
(2) فيه عبد العزيز بن قيس:
قال أبو حاتم الرازي: مجهول. الجرح والتعديل (5/392) .
وذكره ابن حبان في الثقات (5/124) . وفي التقريب: مقبول: يعني إن توبع.
ورواه الطبراني في الكبير (12/266) رقم 13069، قال: حدثنا محمد بن علي بن شعيب السمسار، ثنا خالد بن خداش، ثنا سكين بن عبد العزيز، عن أبيه قال: دخلت على عبد الله بن عمر، وجارية تحلق عنه الشعر، فقال: إن النورة يرق الجلد.
(3) السنن الكبرى (1/152) .
(4) دراسة الإسناد:
يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى: هو أبو زكريا المزكى. ثقة حافظ. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (17/295) ، وتذكرة الحفاظ (3/1058) .
وأبو العباس: محمد بن يعقوب، هو الأصم، ثقة حافظ، انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (15/452) ، وتذكرة الحفاظ (3/860) .
وبحر بن نصر الخلاني المصري، قال ابن أبي حاتم: كتبنا عنه بمصر، وهو صدوق ثقة. الجرح والتعديل (2/419) .
أسامة بن زيد الليثي:
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبى: روى أسامة بن زيد، عن نافع أحاديث مناكير. قلت له: إن أسامة حسن الحديث. فقال: إن تدبرت حديثه، فستعرف النكرة فيها. الجرح والتعديل (2/284) .
وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يُسْأَل عن أسامة بن زيد، فقال: ليس بشيء. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه، ولا يحتج به. الجرح والتعديل (2/284) .
وقال ابن عدي: أسامة بن زيد كما قال يحيى بن معين: ليس بحديثه، ولا برواياته باس، وهو خير من أسامة بن زيد بن أسلم بكثير. الكامل (1/394) .
وقال عمرو بن علي: حدثنا يحيى بن سعيد بأحاديث أسامة بن زيد، ثم تركه. الضعفاء الكبير للعقيلي (1/17) .
وقال العجلي: ثقة. معرفة الثقات (1/217) .
قال يحيى بن معين: أسامة بن زيد الليثي، هو الذي روى عنه جعفر بن عون وعبيد الله بن موسى، وأبو نعيم، ومعن بن عيسى، وهو ثقة كما في رواية الدوري عنه. الجرح والتعديل (2/284) .
وقال عثمان الدارمي عنه: ليس به بأس. تهذيب التهذيب (1/183) .
وقال النسائي: ليس بالقوي. المرجع السابق.
وقال الآجري، عن أبي داود: صالح إلا أن يحيى يعني ابن سعيد أمسك عنه بآخرة. المرجع السابق.
وذكره ابن المديني في الطبقة الخامسة من أصحاب نافع. المرجع السابق.
وقال الدارقطني: لما سمع يحيى القطان أنه حدث عن عطاء، عن جابر رفعه: أيام مني كلها منحر، قال: اشهدوا أني قد تركت حديثه. قال الدارقطني: فمن أجل هذا تركه البخاري. المرجع السابق.
وقال الحاكم في المدخل: روى له مسلم واستدللت بكثرة روايته له على أنه عنده صحيح الكتاب، على أن أكثر تلك الأحاديث مستشهد بها، أو هو مقرون في الإسناد. المرجع السابق.
وقال ابن القطان الفاسي: لم يحتج به مسلم، إنما أخرج له استشهاداً. المرجع السابق.
وفي التقريب: صدوق يهم.
وأما عبد الله بن عمر:
قال عمرو بن على: كان يحيى لا يحدث عن عبد الله بن عمر وكان عبد الرحمن يحدث عنه. الجرح والتعديل (5/109) .
قال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل، عن العمرى الصغير، فقال: صالح لا بأس به قد روي عنه، ولكن ليس مثل عبيد الله. المرجع السابق.
قال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين، قال: عبد الله بن عمر صويلح. المرجع السابق.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي: سمعت أبى يقول: عبد الله العمرى أحب إلي من عبد الله بن نافع، يكتب حديثه، ولا يحتج به. المرجع السابق.
وقال البخاري: كان يحيى بن سعيد يضعفه. التاريخ الكبير (5/145) ، والضعفاء الصغير (188) .
وقال النسائي: ليس بالقوي. الضعفاء والمتروكين (325) .
وفي التقريب: ضعيف.(3/218)
(502-66) أما ماورد عن يعلى بن مرة، فقد روى الطبراني في المعجم الكبير، قال: حدثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني، ثنا محمد بن المنهال - أخو حجاج - ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا عبد الرحمن بن إسحاق، حدثني عبد الله بن يعلى بن مرة الثقفي،
عن أبيه، قال: أطليت يوماً، ثم تخلقت، فأتيت النبي b، فناولته يدي، فقلت: يا رسول الله صل علي، فقال: ما هذا الذي على يدك؟(3/219)
فقلت: إني تنورت، ثم تخلقت، فقال: ألك امرأة؟ قلت: لا. قال: ألك سرية؟ قلت: لا. قال: فانطلق فاغسله، ثم اغسله ثلاث مرات (1) .
[إسناده ضعيف] (2) .
فالراجح أن الرسول b ما تنور قط، ولكن ابن عمر لا يبعد أن يكون قد تنور بعد وفاة الرسول b...
__________
(1) المعجم الكبير (22/266) رقم 681.
(2) فيه عبد الرحمن بن إسحاق: أبو شيبة الواسطي.
قال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل، عن أبى شيبة الواسطي عبد الرحمن بن إسحاق؟ فقال: ليس بشيء، منكر الحديث. الجرح والتعديل (5/213) .
وقال الدوري، عن يحيى بن معين أنه قال: ضعيف، ليس بشيء. المرجع السابق.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبى، عن أبى شيبة عبد الرحمن بن إسحاق، فقال: هو ضعيف الحديث، منكر الحديث، يكتب حديثه، ولا يحتج به. المرجع السابق.
وقال أيضاً: سئل أبو زرعة عن عبد الرحمن بن إسحاق الذي يروى عنه ابن أبى زائدة وأبو معاوية، فقال: ليس بقوي. المرجع السابق.
وقال البخاري: فيه نظر. التاريخ الكبير (5/259) .
وقال النسائي: ضعيف. الضعفاء والمتروكين (358) .
وفي التقريب: ضعفيف.
وفيه أيضاً: عبد الله بن يعلى بن مرة:
ذكره ابن أبي حاتم، وسكت عليه. الجرح والتعديل (5/204) .
وقال ابن حبان: لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد لكثرة المناكير في روايته، على أن ابنه واه أيضا، فلست أدري البلية فيها منه، أو من ابنه. المجروحين (2/25) .
وقال العقيلي: حدثني آدم بن موسى، قال: سمعت البخاري، قال: عبد الله بن يعلى بن مرة الثقفى فيما روى ابنه عمر عنه فيه نظر، وروى عبد الرحمن بن إسحاق عنه فيه نظر. الضعفاء الكبير (2/318) .(3/220)
والنورة وإن كانت جائزة إلا أنها لا تخلو من مواد كيماوية قد تؤثر على الجلد، وبعض الناس يكون لديه حساسية منها، فلا يستطيع استعماله، وإذا استعمله التهب جلده، وكأنه أصابته نار، فالأفضل في إزالة شعر العانة ما أرشد الرسول b وهو، والله أعلم.(3/221)
[صفحة فارغة](3/222)
الباب الثالث
في تقليم الأظفار(3/223)
[صفحة فارغة](3/224)
المبحث الأول
تعريف تقليم الأظفار
تعريف تقيلم الأظفار
قلم: من باب ضرب. يقال:
قَلَمَ الظفر والحافر والعود: يَقْلِمه قَلْماً، وقَلَّمَه تقليماً.
وقلمت الظفر: إذا أخذت ما طال منه، فالقلم أخذ الظفر.
وقلَّم أظفاره: شدد للكثرة.
والقُلاَمة بالضم: ما سقط منها. وقيل: ما قطع منها.
والأظفار: جاء في لسان العرب جمع: ومفرده: ظُفْر وظُفُر. ويجمع على أظفار وأُظْفور، وأظافير.
ويكون للإنسان وغيره.
وأما قراءة من قرأ: كل ذي ظِفْر بالكسر، فشاذ غير مأنوس به، إذ لا يعرف ظِفر بالكسر.
وقالوا: الظفر لما لا يصيد. والمخلب لما يصيد. وكله مذكر، صرح به اللحياني.(3/225)
[صفحة فارغة](3/226)
المبحث الثاني
الدليل على أن تقليم الأظفار من سنن الفطرة
الدليل على ذلك:
(503-67) ما رواه البخاري، قال: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب،
عن أبي هريرة رضي الله عنه سمعت النبي b يقول: الفطرة خمس، الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الآباط (1) .
الحديث الثاني:
(504-68) ما رواه البخاري، قال: حدثنا أحمد ابن أبي رجاء، حدثنا إسحاق بن سليمان، قال: سمعت حنظلة، عن نافع،
عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله b قال: من الفطرة حلق العانة وتقليم الأظفار وقص الشارب. ورواه مسلم، واللفظ للبخاري (2) .
الدليل الثالث:
__________
(1) صحيح البخاري (5891) ، ومسلم (257) .
(2) صحيح البخاري (5890) ، ومسلم (259) .
(505-69) ما رواه مسلم، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب، قالوا: حدثنا وكيع عن زكرياء بن أبي زائدة، عن مصعب بن شيبة، عن طلق بن حبيب، عن عبد الله بن الزبير،
عن عائشة قالت: قال b:عشر من الفطرة قص الشارب، وإعفاء(3/227)
اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء. قال زكرياء: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة.
زاد قتيبة: قال وكيع: انتقاص الماء يعني الاستنجاء.
[المحفوظ أنه من قول طلق، وقد سبق تخريجه في كتاب السواك] (1) .(3/228)
الفصل الأول
في حكم تقليم الأظفار
الفصل الأول
في حكم تقليم الأظفار
الخلاف فيها كالخلاف في الاستحداد، وقد سقنا الخلاف فيها في ماسبق، والأئمة الأربعة يرون استحباب قص الأظفار (2) .
أما ابن العربي والشوكاني فيريان وجوب إزالتهما.
وقد ذكرنا دليل كل قول في مسألة الخلاف في الاستحداد، فارجع إليها غير مأمور.
قال النووي: " وأما تقليم الأظفار فمجمع على أنه سنة، وسواء فيه الرجل والمرأة، واليدان والرجلان... الخ كلامه رحمه الله (3) .
__________
(1) صحيح مسلم (261) .
(2) وفي مذهب الحنفية الفتاوى الهندية (5/357) ، مجمع الأنهر (2/556) ، وفي مذهب الشافعية انظر المجموع (1/393) ، طرح التثريب (2/77) ، تحفة المحتاج (9/375) ، مغني المحتاج (6/145) ، معالم القربة في طلب الحسبة (ص: 199) ، حاشية الجمل (5/267) ، وفي مذهب الحنابلة انظر المغني (1/64) ، الآداب الشرعية والمنح المرعية (3/330) ، كشاف القناع (1/75) ، غذاء الألباب شرح منظومة الآداب (1/437) ، مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى (1/86) .
(3) المجموع (1/393) .
والصحيح أن الخلاف في وجوب التقليم محفوظ، والقول بأن تقليم الأظفار سنة مطلقاً حتى ولو فحشت، ليس بالقوي، فإن ترك الأظفار حتى تطول فيه من القبح والتوحش وشناعة الصورة، ومخالفة الآدمية ما فيه، كما أنه قد يتعلق بتركها تقصير في تحصيل الطهارة الشرعية.
قال ابن دقيق العيد:(3/229)
وفي ذلك - يعني: تقليم الأظفار - معنيان:
أحدهما: تحسين الهيئة، والزينة، وإزالة القباحة من طول الأظفار.
والثاني: أنه أقرب إلى تحصيل الطهارة الشرعية على أكمل الوجوه، لما عساه قد يحصل تحتها من الوسخ المانع من وصول الماء إلى البشرة، وهذا على قسمين:
أحدهما: أن لا يخرج طولها عن العادة خروجاً بيناً، وهذا الذي أشرنا إلى أنه أقرب إلى تحصيل الطهارة الشرعية على أكمل الوجوه، فإنه إذا لم يخرج طولها على العادة يعفى عما يتعلق بها من يسير الوسخ، وأما إذا زاد على المعتاد فما يتعلق بها من الأوساخ مانع من حصول الطهارة، وقد ورد في بعض الأحاديث الأشارة إلى هذا (1) . اهـ
(506-70) وأما ما رواه أحمد، قال: ثنا حسن، ثنا ابن لهيعة، ثنا يزيد بن عمرو المعافري،
عن رجل من بنى غفار، أن رسول الله b قال: من لم يحلق عانته، ويقلم أظفاره، ويجز شاربه فليس منا (2) .
[إسناده ضعيف] (3) ...(3/230)
قال العراقي بعد أن ساق هذا الحديث: "رواه أحمد في مسنده، وهذا يدل على وجوب ذلك، والجواب عنه من وجهين:
__________
(1) إحكام الأحكام (1/124،125) .
(2) مسند أحمد (5/410) .
(3) في إسناده ابن لهيعة، وهو ضعيف.
يزيد بن عمرو المعافري، قال أبو حاتم الرازي: لا بأس به. الجرح والتعديل (9/281) .
وذكره ابن حبان في الثقات (7/625) .
وقال الذهبي: صدوق. الكاشف (6344) . وفي التقريب: صدوق. وباقي رجاله ثقات.
أحدهما: إن هذا لا يثبت؛ لأن في إسناده ابن لهيعة، والكلام فيه معروف، وإنما يثبت منه الأخذ من الشارب فقط، كما رواه الترمذي وصححه، والنسائي من حديث زيد بن أرقم (1) ، قال: سمعت رسول الله b يقول: " من لم يأخذ من شاربه فليس منا".
والثاني: أن المراد على تقدير ثبوته ليس على سنتنا وطريقتنا، لقوله b: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن " (2) .
والصحيح أنه إذا ثبت في الشارب، ثبت في بقية خصال الفطرة، ولا فرق، وأن قوله: " من لم يأخذ من شاربه فليس منا " مثله كقوله b لصاحب الصبرة من الطعام: " من غش فليس مني " فكما أن الغش حرام، فكذلك ترك الشارب وباقي سنن الفطرة.
(507-71) والحديث رواه مسلم، قال: حدثني يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر جميعا، عن إسماعيل بن جعفر - قال ابن أيوب: حدثنا إسماعيل - قال: أخبرني العلاء، عن أبيه،
عن أبي هريرة أن رسول الله b مر على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام، كي يراه الناس من غش فليس مني (3) .(3/231)
[صفحة فارغة](3/232)
الفرع الأول
هل يجبر الزوج زوجه
على تقليم الأظفار؟
الفرع الأول
هل يجبر الزوج زوجه على تقليم الأظفار
إذا قيل بأن تقليم الأظفار سنة، فهل للزوج إجبار زوجه على تقليم الأظفار إذا طالت:
فيه قولان، هما وجهان في مذهب الحنابلة.
الأول: له إجبارها على ذلك، وهو رأي الشافعي (4) .
والثاني: ليس له إجبارها.
والصحيح الأول:
قال المرداوي في تصحيح الفروع: فيه وجهان:
__________
(1) سبق الكلام على تخريجه، والكلام على دلالته.
(2) طرح التثريب (2/82) .
(3) صحيح مسلم (102) .
(4) قال الشافعي في الأم (5/8) : " وله - أي للزوج - عندي أن يجبرها على الغسل من الجنابة، وعلى النظافة والاستحداد وأخذ الأظفار والتنظف بالماء من غير جنابة " اهـ. وانظر تحفة المحتاج (7/325) .
أحدهما: له إجبارها، وهو الصحيح في التصحيح، وقطع به في الوجيز والحاوي الصغير، وقدمه في الرعايتين.
والوجه الثاني: ليس له إجبارها على أخذ ذلك. وقال في الرعاية الكبرى: وقيل: إن طال الشعر والظفر وجب إزالتهما، وإلا فلا (1) .
والراجح أن تقليم الأظفار من النظافة المأمور بها كل من الزوجين، وكما قلنا في الاستحداد في قوله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن} (2) .(3/233)
[صفحة فارغة](3/234)
الفرع الثاني
توفير الأظفار في الحرب
الفرع الثاني
في توفير الأظفار في الحرب
استحسن الحنفية (3) ، والحنابلة (4) توفير الأظفار في الحرب والسفر
دليلهم على هذا الاستحباب.
الدليل الأول:
(508-72) ما رواه مسدد كما في المطالب العالية، قال: حدثنا عيسى - هو ابن يونس - عن أبي بكر بن أبي مريم،
عن أشياخه، قال: إن عمر رضي الله عنه قال: وفروا أظفاركم في أرض العدو؛ فإنها سلاح (5) .
[إسناده ضعيف] (6) .
الدليل الثاني:
(509-73) قال أبو بكر الجصاص، حدثنا عبد الباقي، قال: حدثنا جعفر بن أبي القتيل، قال: حدثنا يحيى بن جعفر، قال: حدثنا كثير بن هشام،(3/235)
قال: حدثنا عيسى بن إبراهيم،
عن الحكم بن عمير الثمالي، قال: أمرنا رسول الله b أن لا نحفي الأظفار في الجهاد، وقال: إن القوة في الأظفار (7) .
__________
(1) تصحيح الفروع المطبوع من الفروع (5/327) ، الإنصاف (8/ 352) .
(2) البقرة: 228.
(3) البحر الرائق (5/82) ، وانظر الفتاوى الهندية (5/357) . حاشية ابن عابدين (6/405) .
(4) انظر الفروع (1/130) ، كشاف القناع (1/76) .
(5) المطالب العالية (2012) .
(6) فيه علتان:
الأولى: ضعف أبي بكر بن أبي مريم.
والثانية: الإبهام في الإسناد.
تخريج الحديث:
الحديث رواه ابن أبي شيبة كما في مشاريع الأشواق (1/499) عن عيسى بن يونس به. ولم أقف عليه في المطبوع.
(7) أحكام القرآن (3/102) .
[إسناده ضعيف] (1) .(3/236)
__________
(1) فيه عبد الباقي، قال فيه البرقاني: في حديثه نكرة، وأما البغداديون يوثقونه، وهو عندنا ضعيف. فتعقبه الخطيب، فقال: لا أدري لأي شيء ضعفه البرقاني، وقد كان عبد الباقي من أهل العلم والدراية والفهم، ورأيت عامة شيوخنا يوثقونه، وقد كان تغير في آخر عمره، حدثني الأزهري، عن أبي الحسن بن الفرات، قال: كان عبد الباقي بن قانع قد حدث به اختلاط قبل أن يموت بمدة نحو سنتين، فتركنا السماع منه، وسمع منه قوم في اختلاطه. تاريخ بغداد (11/88)
وقال الدارقطني: كان يحفظ، ولكنه يخطئ ويصر. المرجع السابق.
وقال ابن حزم: اختلط ابن قانع قبل موته بسنة، وهو منكر الحديث تركه أصحاب الحديث جملة. فتعقبه الحافظ ابن حجر، فقال: ما أعلم أحداً تركه، وإنما صح أنه اختلط فتجنبوه. وقال ابن حزم أيضاً: ابن سفيان في المالكيين نظير بن قانع في الحنفيين، وجد في حديثهما الكذب البحت، والبلاء المبين، والوضع اللائح، فإما تغييراً وإما حملاً عمن لا خير فيه من كذاب ومغفل يقبل التلقين، وأما الثالثة وهي أن تكون البلاء من قبلهما وهي ثالثة الأثافي نسأل الله السلامة. لسان الميزان (3/383) .
وقال أبو بكر بن عبدان: ابن قانع لا يدخل في الصحيح. المرجع السابق.
وفي إسناده جعفر بن أبي القتيل: لم أقف عليه.
وفيه أيضاً: عيسى بن إبراهيم. لم أقف على روايته عن الحكم بن عمير مباشرة، بل يروي عنه بواسطة على ضعفه. فقد روى ابن عدي في الكامل جملة من أحاديثه، عن الحكم بن عمير، وبينه وبين الحكم راو. انظر الكامل (5/250) . وقد جاء في ترجمته ما يلي:
قال البخاري: عيسى بن إبراهيم الهاشمي، عن جعفر بن برقان، روى عنه كثير بن هشام، منكر الحديث. التاريخ الكبير (6/407) .
وقال النسائي: مثله. الضعفاء والمتروكين (426) .
عباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول عيسى بن إبراهيم الذي يروى عنه بقية وكثير بن هشام ليس بشيء. الجرح والتعديل (6/271) .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبى عن عيسى بن إبراهيم، فقال: متروك الحديث. المرجع السابق.
وقال ابن قدامة في المغني: قال أحمد: قال عمر: وفروا الأظفار في أرض العدو، فإنه سلاح. قال أحمد: يحتاج إليها في أرض العدو، ألا ترى أنه إذا أراد أن يحل الحبل أو الشيء، فإذا لم يكن له أظفار لم يستطع (1) .
وذكر ابن نجيم علة أخرى، فقال: " ويندب للمجاهد في دار الحرب توفير الأظفار، وإن كان قصها من الفطرة؛ لأنه إذا سقط السلاح من يده، ودنا منه العدو، ربما يتمكن من دفعه بأظافيره (2) .
قال في الآداب الشرعية بعد أن ذكر أنه يسن أن لا يحيف على الأظفار في الغزو والسفر، وذكر أثر عمر، وكلام أحمد، قال: وفي معناه السفر. يعني: إذا استحب هذا في الجهاد، فالسفر يستحب له أيضاً، لأنه بمعناه.
قلت: أما استحسان مثل هذا فلا بأس، لكن التعبير بالسنية ينبغي أن يقتصر فيه على ما ورد فيه دليل شرعي، من كتاب أو سنة، أو إجماع، أو قياس صحيح، أو قول صحابي لا يعلم له مخالف، لأن التعبير بالسنية حكم شرعي، يفتقر إلى دليل شرعي. والله أعلم.(3/237)
[صفحة فارغة](3/238)
الفصل الثاني
في استحباب تقليم الأظفار
في يوم معين
الفصل الثاني
هل يستحب تقليم الأظفار يوماً معيناً
قيل: يستحب تقليم الأظفار كل جمعة، وهو مذهب الحنفية (3) ، ومذهب المالكية (4) ،
__________
(1) المغني (9/167) .
(2) البحر الرائق (5/82) .
(3) درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/322) ، الفتاوى الهندية (5/358) ، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (2/556) ، حاشية ابن عابدين (6/406) .
(4) قال في الفواكه الدواني (2/306) : " قص الأظفار سنة للرجل والمرأة إلا في زمن الإحرام، وأقل زمن قصه الجمعة لطلبه كل يوم جمعة ". اهـ
وقال في حاشية العدوي (2/579) : " وليس للقص - يعني: قص الأظفار - ولا لغيره من أنواع الفطرة حد إلا بقدر ما يرى، إلا أنه ينبغي أن يكون من الجمعة إلى مثلها، كما يفيده التحقيق، وظاهره كظاهر تت، حيث قال: وينبغي أن يكون من يوم الجمعة إلى مثله، خصوص يوم الجمعة. قال ابن ناجي: وما يعتقده العوام عندنا من التحرج يوم الأربعاء، فلا يعول عليه ". اهـ
وقال في كفاية الطالب (2/579) : " قص الأظفار للرجال والنساء، وينبغي أن يكون من الجمعة للجمعة، ولا حد في البداءة في قص الأظفار ". اهـ
وقول في مذهب الحنابلة، إلا أن الحنفية استحبوا أن يكون ذلك بعد صلاة الجمعة (1) ، وأما الحنابلة فاستحبوا أن يكون ذلك قبل الزوال: أي قبل الصلاة (2) .
وقيل: كل خميس، وهو قول أيضاً في مذهب الحنابلة (3) .(3/239)
وقيل: يخير، وهو قول في مذهب الحنابلة (4) .
قال النووي: إن التوقيب في تقليم الأظفار معتبر بطولها، فمتى طالت قلمها، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال.
وأخرج عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، أنه كان يقلم أظفاره يوم الخميس، فقيل له غداً يوم الجمعة، فقال: إن السنة لا تؤخر.
دليل من قال يستحب التقليم يوم الجمعة.
الدليل الأول
(510-74) روى الطبراني في الأوسط، قال: حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني، قال: حدثنا عتيق بن يعقوب الزبيري، قال: حدثنا إبراهيم بن قدامة، عن أبي عبد الله الأغر،
عن أبي هريرة أن رسول الله b كان يقلم أظفاره، ويقص شاربه يوم الجمعة، قبل أن يروح إلى الصلاة (5) .
[إسناده ضعيف] (6) .....
__________
(1) حاشية ابن عابدين (6/406) ..
(2) الفروع (1/130) ، الإنصاف (1/122) ، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (1/86، 87)
(3) انظر المصادر السابقة.
(4) الفروع (1/130) الإنصاف (1/122) مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (1/86، 87) .
(5) المعجم الأوسط (846) .
(6) الحديث مداره على عتيق بن يعقوب، عن إبراهيم بن قدامة، عن أبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة.
وعتيق بن يعقوب:
ذكره ابن أبي حاتم، وسكت عليه، وقال: سمعت أبا زرعة يقول: بلغني أن عتيق بن يعقوب حفظ الموطأ في حياة مالك. الجرح والتعديل (6/46) .
وقال ابن سعد: كان ملازماً لمالك بن أنس، قد كتب عنه كتبه الموطأ وغيره، وكان يلزم عبد الله بن عبدالعزيز العمري العابد، ولم يزل عتيق من خيار المسلمين. الطبقات الكبرى (5/439) .
وذكره ابن حبان في الثقات (8/527) .
وثقه الدارقطني. لسان الميزان (4/129) .
وإبراهيم بن قدامة.
ذكره ابن حبان في الثقات. (8/59) .
وقال الذهبي: مدني لا يعرف. الميزان (1/53) .
وقال البزار: ليس بحجة. كشف الأستار (1/299) .
وذكره ابن القطان، فقال: إبراهيم لا يعرف البتة. لسان الميزان (1/92) .
ومع ضعف إسناده، فقد اختلف على عتيق بن يعقوب.
فرواه أحمد بن يحيى الحلواني، كما في الأوسط للطبراني، والعباس بن أبي طالب، كما في كشف الأستار (1/299) ، كلاهما عن عتيق بن يعقوب، عن إبراهيم بن قدامة، عن أبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة مرفوعاً.
ورواه بهلول الأنباري، كما في أخلاق النبي b وآدابه، لأبي الشيخ الأصبهاني (809) عن عتيق، عن إبراهيم بن قدامة، عن أبي عبد الله الأغر أن رسول الله b كان يقص شاربه ويأخذ من أظفاره قبل أن يروح إلى صلاة الجمعة. فأرسله. وأظن أن هذا التخليط من إبراهيم بن قدامة. والله أعلم.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/170) : " رواه البزار والطبراني في الأوسط، وفيه إبراهيم بن قدامة. قال البزار: ليس بحجة إذا تفرد، وقد تفرد بهذا. قال الهيثمي: وذكره ابن حبان في الثقات.
وضعفه الحافظ في الفتح (10/346) قال: " وأقرب ما وقفت عليه في ذلك ما أخرجه البيهقي من مرسل جعفر الباقر، قال: كان رسول الله b يستحب أن يأخذ من أظفاره وشاربه يوم الجمعة وله شاهد موصول من حديث أبي هريرة، لكن سنده ضعيف". اهـ.....(3/240)
الدليل الثاني:
(511-75) روى أبو الشيخ، قال: حدثنا ابن أبي عاصم النبيل، نا الحسن بن علي الحلواني، نا عمرو بن محمد، نا محمد بن القاسم الأسدي، نا محمد بن سليمان المشمولي، نا عبيد الله بن سلمة بن وهرام، عن أبيه،
عن عبد الله بن عمرو، أن النبي b كان يأخذ شاربه وأظفاره كل جمعة (1) .
[ضعيف جداً] (2) .....(3/242)
__________
(1) أخلاق النبي b وآدابه (810) .
(2) فيه ثلاث علل:
العلة الأولى: في إسناده محمد بن القاسم.
قال النسائي: متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين (545) .
وقال أحمد بن حنبل: يكذب أحاديثه أحاديث سوء موضوعة، ليس بشيء. الضعفاء الكبير (4/126) .
وقال ابن حبان: كان ممن يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، ويأتي عن الأثبات بما لم يحدثوا، لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه بحال، وكان بن حنبل يكذبه. المجروحين (2/287) .
وقال ابن عدي بعد أن ساق جملة من أحاديثه: ولمحمد غير ما ذكرت وعامة أحاديثه لا يتابع عليه. الكامل (6/248) .
وقال العجلي: كان شيخاً صدوقاً عثمانياً. ثقات العجلي (2/250) .
وقال يحيى بن معين: ثقة قد كتبت عنه. الجرح والتعديل (8/65) .
وقال أبو حاتم الرازي: ليس بقوي، لا يعجبني حديثه. المرجع السابق.
وقال أبو زرعة: شيخ. المرجع السابق.
وقال الآجري، عن أبي داود: غير ثقة ولا مأمون، أحاديثه موضوعة. تهذيب التهذيب (9/361) .
وقال الدارقطني: كذاب. المرجع السابق.
وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم. المرجع السابق.
العلة الثانية: محمد بن سليمان بن مشمول وقيل: مسمول.
قال أبو حاتم الرازي: ليس بالقوي ضعيف الحديث كان الحميدي يتكلم فيه. الجرح والتعديل (7/267) .
وقال النسائي: ضعيف مكي. الضعفاء والمتروكين (517) .
وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه في إسناده ولا متنه. الكامل (6/207) .
وذكره العقيلي والساجي والدولابي وابن الجارود في الضعفاء، وقال ابن حزم: منكر الحديث. لسان الميزان (5/185) .
وذكره ابن حبان في الثقات (7/439) .
ذكره بن شاهين في الثقات، وزعم أن يحيى بن معين وثقه. المرجع السابق.
وفيه أيضاً عبيد الله بن سلمة بن وهرام.
قال الذهبي: روى الكتاني عن أبي حاتم تليينه. ميزان الاعتدال (3/9) .
وقال ابن المديني لا أعرفه. الجرح والتعديل (5/318) .
وقال الأزدي: منكر الحديث. لسان الميزان (4/105) .
العلة الثالثة: سلمة بن وهرام، مع كونه اختلف فيه. فلم أقف على سماعه من عبد الله بن عمرو. وفي التقريب: صدوق من السادسة، ومعنى ذلك أنه لم يلق أحداً من الصحابة، فيكون الإسناد فيه انقطاع.
الدليل الثالث:
(512-76) روى أبو الشيخ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن داود بن منصور، نا عثمان بن خرزاذ، نا العباس بن عثمان الراهبي، نا الوليد بن مسلم، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع،..(3/243)
عن ابن عمر، أن النبي b كان يقص أظفاره يوم الجمعة (1) .
[إسناده ضعيف] (2) .
الدليل الرابع:
(513-77) روى أبو الشيخ، قال: علي بن الحسين الدوري، نا أبو مصعب، حدثني إبراهيم بن قدامة، عن عبد الله بن محمد بن حاطب،
عن أبيه، أن النبي b كان يأخذ من شاربه، أو ظفره يوم الجمعة (3) .
[ضعيف] (4) .......
__________
(1) أخلاق النبي b وآدابه (4/107) رقم 811.
(2) في إسناده الوليد بن مسلم، وقد عنعن، وهو متهم بتدليس التسوية.
وفيه عبد العزيز بن أبي رواد، مختلف فيه. وقد سبق أن نقلت كلام أهل الجرح والتعديل عنه في مسألة هل ثبت أن النبي b تنور؟ فارجع إليه غير مأمور.
(3) أخلاق النبي b وآدابه (4/109) رقم 812.
(4) إسناده ضعيف فيه علتان:
الأولى: فيه إبراهيم بن قدامة، وقد سبقت ترجمته قبل قليل.
الثاني: الانقطاع، عبد الله بن محمد بن حاطب، من أتباع التابعين، لم يدرك الصحابة.
وعبد الله هذا لم أعرفه. فإن كان هو عبد الله بن الحارث بن محمد بن حاطب، ونسب إلى جده، فإن عبد الله لم يدرك جده (الصحابي) لأن عبد الله من الطبقة الثامنة، أي من طبقة أتباع التابعين. فيكون الإسناد منقطعاً.
ونسبه في تهذيب الكمال: عبد الله بن الحارث بن محمد بن عمر بن محمد بن حاطب، فيكون بينه وبين محمد بن حاطب مفاوز.
والموجود في الجرح والتعديل (5/33) والتاريخ الكبير (5/67) والثقات لابن حبان (8/330) : عبد الله بن الحارث بن محمد بن حاطب.
وقد روى الطبراني في المعجم الكبير (19/239) ، قال: حدثنا بشر بن موسى، ثنا الحميدي، ثنا عبد الله بن الحارث بن محمد بن حاطب الجمحي، عن أبيه، عن جده محمد بن حاطب، قال: لما قدمت بي أمي من أرض الحبشة حين مات حاطب، فجاءت النبي b، وقد أصابت إحدى يدي حريق من نار، فقالت: يا رسول الله هذا محمد بن حاطب، وقد أصابه هذا الحرق من النار. قال محمد بن حاطب: فلا أكذب على رسول الله b فلا أدري أنفث أو مسح على رأسي، ودعا في بالبركة وفي ذريتي.
قال الهميثمي في مجمع الزوائد (9/415) : " الحارث بن محمد بن حاطب لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات"اهـ.
وهذا توثيق من الهيثمي لعبد الله بن الحارث، والإسناد صريح أن أن عبد الله بن الحارث بن محمد بن حاطب الصحابي. وليس فيه محمد بن عمر. وأياً كان، فالإسناد منقطع، سواء كان إسناده عبد الله بن الحارث بن محمد بن حاطب. أو عبد الله بن الحارث بن محمد بن عمر بن محمد بن حاطب.
على أن عمر بن محمد بن حاطب له ذكر في الجرج والتعديل (6/127) ، والتاريخ الكبير (6/183) ، والثقات لابن حبان (5/151) فيتأمل.
وقد قال الحافظ في التهذيب: " لم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم ومن تبعهما في نسبه محمد بن عمر، بل قالوا: عبد الله بن الحارث بن محمد بن حاطب، وفي الطبراني الكبير من طريقه، عن أبيه، عن جده محمد بن حاطب قال: لما قدمت بي أمي... وذكر الحديث الذي سقته قبل قليل. اهـ تهذيب التهذيب (5/157) .
الدليل الخامس:
(514-78) ما رواه الطبراني في الأوسط، قال: حدثنا عبد الرحمن بن سلم، قال: حدثنا أحمد بن ثابت فرخويه الرازي، قال: حدثنا العلاء بن هلال الرقي، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة،
عن عائشة، قال: قال رسول الله b: من قلم أظفاره يوم الجمعة.......(3/244)
وقي من السوء مثلها (1) .
[موضوع] (2) .
الدليل السادس:
(515-79) ما رواه أبو نعيم في أخبار أصبهان، عن أبي داود، ثنا طلحة بن عمرو، عن عطاء،
عن ابن عباس مرفوعاً: من قلم أظافيره يوم الجمعة قبل الصلاة أخرج الله منه كل داء، وأدخل مكانه الشفاء والرحمة (3) .....(3/246)
[ضعيف جداً] (4) .
الدليل السابع:
__________
(1) المعجم الأوسط (5/85) رقم 4746.
(2) فيه أحمد بن ثابت بن عتاب الرازي فرخويه.
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا العباس بن أبي عبد الله الطهراني، يقول: كانوا لا يشكون أن فرخويه كذاب. الجرح والتعديل (2/44) .
وفيه العلاء بن هلال بن عمر الباهلي.
قال أبو حاتم الرازي: منكر الحديث، ضعيف الحديث، عنده عن يزيد بن زريع أحاديث موضوعة. الجرح والتعديل (6/361) .
وقال ابن حبان: كان ممن يقلب الأسانيد، ويغير الأسماء، لا يجوز الاحتجاج به بحال. روى عن يزيد بن زريع، عن أيوب، عن ابن مليكة، عن عائشة، عن النبي b قال: من قلم أظفاره يوم الجمعة عافاه الله من السوء كله إلى يوم الجمعة الأخرى، رواه المنكدر عن هلال بن العلاء عن أبيه. المجروحين (2/184) .
وقال النسائي: هلال بن العلاء روى عن أبيه غير حديث منكر، فلا أدري منه أتى أو من أبيه. تهذيب التهذيب (8/172) .
وقال الخطيب: في بعض حديثه نكرة. المرجع السابق.
(3) أخبار أصبهان (1/247) .
(4) فيه طلحة بن عمرو، وهو متهم.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن طلحة بن عمرو، فقال: لا شيء، متروك الحديث. الجرح والتعديل (4/478) .
وقال النسائي: متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين (316) .
وفي التقريب: متروك.
(516-80) وروى البيهقي في السنن الكبرى، قال: أخبرنا أبو بكر بن الحسن وأبو زكريا بن أبي إسحاق، قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، هو الأصم، ثنا بحر بن نصر، قال: قرئ على ابن وهب، أخبرك حيوة بن شريح، عن بكر بن عمرو، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن نافع،
أن عبد الله بن عمر كان يقلم أظفاره، ويقص شاربه في كل جمعة (1) .
[إسناده صحيح] (2) .
(517-81) وهو أصح مما رواه البخاري في الأدب المفرد، قال: حدثنا محمد بن عبد العزيز قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثني ابن أبي رواد قال أخبرني نافع،
أن ابن عمر كان يقلم أظافيره في كل خمس عشرة ليلة ويستحد في..(3/247)
كل شهر (3) .
دليل من قال: يستحب تقليم الأظفار يوم الخميس.
__________
(1) سنن البيهقي (3/244) .
(2) رجاله ثقات. أبو بكر بن الحسن: هو أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ثقة، غزير العلم أكثر عنه البيهقي. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (17/356،358) .
وأبو زكريا بن أبي إسحاق هو المزكي، والأصم، كلاهما ثقة، وقد سبقت ترجمتهما. وبقية رجال الإسناد ثقات.
(3) الأدب المفرد (1258) .
ففي إسناده شيخ البخاري محمد بن عبد العزيز الرملي الواسطي،
قال الحافظ في مقدمة فتح الباري (ص:441) : وثقه العجلي.
وقال يعقوب بن سفيان: كان حافظاً. وقال أبو حاتم: هو إلى الضعف ما هو.
وقال ابن حبان: ربما خالف. قال الحافظ: روى له البخاري في صحيحه حديثين أحدهما في تفسير سورة النساء، عنه، عن حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، حديث الشفاعة. وأخرجه في التوحيد من وجه آخر، عن زيد بن أسلم. وثانهيما: في الاعتصام: " لتتبعن سنن من كان قبلكم " الحديث وأخرجه في أحاديث الأنبياء من وجه آخر عن زيد بن أسلم. اهـ فالبخاري استشهد به فقط، ولم يحتج به. كما أن في إسناده ابن أبي رواد، مختلف فيه، وقد سبقت ترجمته.
قال الحافظ في الفتح: " لم يثبت في استحباب قص الظفر يوم الخميس حديث، وقد أخرجه جعفر المستغفري بسند مجهول، ورويناه في مسلسلات التيمي من طريقه. اهـ (1) .
(518-82) وأخرج الديلمي في مسند الفردوس، عن أبي هريرة من أراد أن يأمن من الفقر وشكاية العمى والبرص والجنون، فليقلم أظفاره يوم الخميس بعد العصر (2) .
ولا أعلم له أصلاً
(519-83) وروى ابن الجوزي في الموضوعات من من طريق هناد بن..(3/248)
إبراهيم، قال: أنبأنا إسماعيل بن محمد بن علي البخاري، قال: حدثنا محمد بن نصر بن خلف، قال: حدثنا سيف بن حفص السمرقندي، قال: حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثنا الحسن بن شبل، قال: أنبأنا الفضل بن خالد النحوي، عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم، عن عطاء،
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله b: من قلم أظفاره يوم السبت خرج منه الداء ودخل فيه الشفاء، ومن قلم أظفاره يوم الأحد خرجت منه الفاقة، ودخل فيه الغنى، ومن قلمها يوم الأثنين خرجت منه العلة، ودخلت فيه الصحة، ومن قلمها يوم الثلاثاء خرج منه البرص، ودخل فيه العافية، ومن قلمها يوم الأربعاء خرج منه الوسواس والخوف، ودخل فيه الأمن والصحة، ومن قلمها يوم الخميس خرج منه الجذام، ودخلت فيه العافية، ومن قلمها يوم الجمعة دخلت فيه الرحمة، وخرجت منه الذنوب (3) .
وهو حديث موضوع. قال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع على رسول الله b وهو من أقبح الموضوعات وأبردها، وفيه مجهولون وضعفاء، ففي أوله هناد، ولا يوثق به، وفي أخره نوح، قال يحيى: ليس بشيء، ولا يكتب حديثه، وقال السعدي: سقط حديثه، وقال الدارقطني: متروك اهـ (4) .
وما نسب للحافظ ابن حجر من أبيات في تقليم الأظفار مكذوبة عليه. فقد ذكرها العجلوني، وقال السخاوي: وحاشاه من ذلك:......
__________
(1) فتح الباري (10/346) .
(2) الفردوس بمأثور الخطاب (5865) .
(3) الموضوعات لابن الجوزي (1451) ونسبه صاحب كشف الخفاء (2/538) للديلمي في مسند الفردوس.
(4) المرجع السابق.
في قص أظفارك يوم السبت آكلة... تبدو وفيما يليه يذهب البركة
وعالم فاضل يبدو بتلوهما... وإن يكن في الثلاثاء فاحذر الهلكة
ويورث السوء في الأخلاق رابعها... وفي الخميس الغنى يأتي لمن سلكه
والعلم والرزق زيدا في عروبتها... عن النبي روينا فاقتفوا نسكه
دليل من قال لا توقيت في تقليم الأظفار والمعتبر طولها.
قالوا: إن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فبعض الناس يطول ظفره أسرع من بعض، فإذا طال الظفر شرع تقليمه، ولم يأت في الشرع وقت معين في تقليم الأظفار.
(520-84) وأما مارواه مسلم في صحيحه، قال: حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد كلاهما، عن جعفر - قال يحيى أخبرنا جعفر بن سليمان - عن أبي عمران الجوني،
عن أنس بن مالك قال: قال أنس: وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة (1) .
فمعنى هذا الحديث أنهم لا يؤخرون فعل هذه الأشياء عن وقتها، فإن أخروها فلا يؤخرونها أكثر من أربعين يوماً، وليس معناه الأذن في التأخير أربعين مطلقاً، وقد نص الشافعي والأصحاب - رحمهم الله - على أنه يستحب تقليم الأظفار، والأخذ من هذه الشعور يوم الجمعة، والله أعلم.
وقال القرطبي: هذا تحديد أكثر المدة، والمستحب تفقد ذلك من الجمعة إلى الجمعة، وإلا فلا تحديد فيه للعلماء إلا أنه إذا كثر ذلك أزيل"اهـ........(3/249)
وقال العجلوني: قال في المقاصد: لم يثبت عن النبي b شيء، وما يعزى من النظم في ذلك لعلي رضي الله عنه، ثم لشيخنا - يعني الحافظ - فباطل عنهما، وقد أفردت لذلك مع بيان الآثار الواردة فيه جزءا. اهـ
والراجح من هذه الأقوال أنه لا يجوز تجاوز ما وقت لنا فيه رسول الله b، وأن قبل الأربعين من ترك ذلك لا يعتبر مخالفاً للسنة، والكلام في هذه المسألة هو عين الكلام في الاستحداد، والله أعلم.....(3/251)
[صفحة فارغة] ..(3/252)
الفصل الثالث
في كيفية تقليم الأظفار
الفصل الثالث
في كيفية تقليم الأظفار
اختلف العلماء في كيفية تقليم الأظفار:
فقيل: يبدأ بخنصر اليمنى، ثم الوسطى، ثم الإبهام، ثم البنصر، ثم السباحة، ثم إبهام اليسرى، ثم الوسطى، ثم الخنصر، ثم السباحة، ثم البنصر. وهو المشهور عند المتأخرين من الحنابلة (1) .
وقيل: يبدأ فيهما بالوسطى، ثم الخنصر، ثم الإبهام، ثم البنصر، ثم السباحة، وهو قول أيضاً في مذهب الحنابلة (2) .
وقيل: يبدأ بإبهام اليمنى، ثم الوسطى، ثم الخنصر، ثم السباحة، ثم البنصر، ثم كذلك اليسرى، اختاره الأمدي من الحنابلة (3) .
وقيل: يبدأ بسبابة يمناه بلا مخالفة إلى خنصرها، ثم بخنصر اليسرى إلى إبهامها، ويختم بإبهام اليمنى، ويبدأ بخنصر رجله اليمنى، ويختم بخنصر اليسرى، اختاره الغزالي من الشافعية (4) ، وهو وجه في مذهب الحنابلة (5) .
وقيل: أن يبدأ بمسبحة يمينه إلى خنصرها، ثم إبهامها، ثم بخنصر يسراه إلى إبهامها على التوالي، والرجلين أن يبدأ بخنصر اليمين إلى خنصر اليسار على التوالي، والفرق بينه وبين القول الذي قبله هو الختم بإبهام اليمنى،...
__________
(1) صحيح مسلم (258) . وقد سبق تخريجه.(3/253)
وهو مذهب الحنفية (6) ، والراجح في مذهب الشافعية (7) ، وقول في مذهب الحنابلة (8) .
وقيل: لم يثبت عن الشارع كيفية معينة، فيقلمها كيف شاء، وهو مذهب المالكية (9) ، وهو الراجح.
دليل الشافعية على تقديم المسبحة ثم الوسطى.
قالوا: قلنا يبدأ بالمسبحة من يده اليمنى؛ لأنها أشرف؛ إذ يشار إليها إلى التوحيد في التشهد، أما اتباعها بالوسطى، فلأن غالب من يقلم أظفاره يقلمها من قبل ظهر الكف، فتكون الوسطى جهة يمينه، فيستمر إلى أن يختم بالخنصر، ثم يكمل اليد بقص الأبهام، وأما في اليسرى فإذا بدأ بالخنصر لزم أن يستمر على جهة اليمين إلى الإبهام وأما دليلهم في تقديم اليدين على الرجلين، فيمكن أن يؤخذ ذلك في القياس على الوضوء، وأما دليلهم في تقديم اليمنى على اليسرى، فلحديث عائشة، كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره في شأنه كله، وسبق تخريجه (1) ....
__________
(1) كشاف القناع (1/75) ، مطالب أولي النهى (1/86) .
(2) الأنصاف (1/122) .
(3) الآداب الشرعية والمنح المرعية (3/330) ، الأنصاف (1/122) .
(4) انظر طرح التثريب (2/78) .
(5) الإنصاف (1/122) .
(6) الفتاوى الهندية (5/358) ، حاشية ابن عابدين (6/405) .
(7) اختاره النووي في الشافعية، انظر المجموع (1/339) ، وانظر حاشية الجمل (2/48) ، وطرح التثريب (2/78) ، والغرر البهية شرح البهجةالوردية (2/28) مغني المحتاج (6/145) ، حاشية البجيرمي على الخطيب (2/207) ، أسنى المطالب (1/550) .
(8) الإنصاف (1/122) .
(9) حاشية العدوي (2/443) .........(3/254)
دليل استحباب المخالفة بتقديم الخنصر ثم الوسطى ثم الإبهام
قال ابن تيمية: وروى عبيد الله بن بطة بإسناده، عن النبي b أنه قال: من قص أظفاره مخالفاً لم ير في عينيه رمداً.
قال ابن تيمية: وفسر أبو عبد الله بن بطة ذلك بأن يقص الخنصر من اليمنى، ثم الوسطى، ثم الإبهام، ثم البنصر، ثم السباحة، ويقص اليسرى الإبهام، ثم الوسطى، ثم الخنصر، ثم السباحة، ثم البنصر، وذكر أن عمر بن رجاء فسره كذلك (2) .
[والصحيح أنه لا يثبت عن النبي b شيئ في ذلك] (3) .
قال العراقي: " قال الغزالي في إحياء علوم الدين: لم أر في الكتب خبراً مروياً في ترتيب قلم الأظفار، ولكن سمعت أنه روي أنه b بدأ بمسبحة اليمنى، وختم بإبهام اليمنى، وابتداء في اليسرى بالخنصر إلى الإبهام، وفي اليمنى من المسحبه إلى الخنصر، ويختم بإبهام اليمنى، ثم ذكر لذلك حكمة، وقد تعقبه الإمام أبو عبد الله المازري المالكي في كتاب وقفت عليه له في الرد عليه، وبالغ في هذا المكان في إنكار هذا عليه، وقال: إنه يريد أن يخلط.......
__________
(1) المجموع (1/339) ، وانظر حاشية الجمل (2/48) ، وطرح التثريب (2/78) ، والغرر البهية شرح البهجةالوردية (2/28) مغني المحتاج (6/145) ، حاشية البجيرمي على الخطيب (2/207) ، أسنى المطالب (1/550) .
(2) شرح العمدة (1/240) .
(3) قال في المقاصد الحسنة (163) : " هو من كلام غير واحد من الأئمة منهم: ابن قدامة، والشيخ عبد القادر في الغنية، ولم أجده " اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (10/345) : " وذكر الدمياطي أنه تلقى عن بعض المشايخ، من قص أظفاره مخالفاً لم يصبه رمد، وأنه جرب ذلك مدة طويلة، وقد نص أحمد على استحباب قصها مخالفاً، وبين ذلك أبو عبد الله بن بطة من أصحابهم، فقال: يبدأ بخنصر اليمنى، ثم الوسطى، وذكر الصفة. اهـ....(3/255)
الشريعة بالفلسفة، هذا حاصل كلامه، وبالغ في تقبيح ذلك (1) .
قال العراقي: لم يثبت في كيفية تقليم الأظفار حديث يعمل به (2) .
وقال ابن حجر: لم يثبت في ترتيب الأصابع عند القص شيء من الأحاديث، ثم قال: وقد أنكر ابن دقيق العيد الهيئة التي ذكرها الغزالي ومن تبعه، وقال: كل ذلك لا أصل له، وإحداث استحباب لا دليل عليه، وهو قبيح عندي بالعالم، ولو تخيل متخيل أن البداءة بمسبحة اليمنى من أجل شرفها فبقية الهيئة لا يتخيل فيه ذلك، نعم البداءة بيمنى اليدين ويمنى الرجلين له أصل، وهو كان يعجبه التيامن. اهـ (3) .
والعجب من النووي رحمه الله، فقد صرح أن الحديث في صفة تقليم الأظفار باطل لا أصل له، ثم يقول مع ذلك عن الصفة التي ذكرها الغزالي بأنه لا بأس بها (4) ، وهذا من غلبة طريقة الفقهاء على المحدث في استحسان ما لا أصل له، والله المستعان.
وأما ما يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في كيفية التقليم فهي موضوعة عليه.
قال العجلوني: ومن هذا القسم الثاني، ما ذكره بعضهم، ونسبه إلى علي كرم الله وجهه، قال السخاوي: وكذب القائل:
أبدأ بيمناك بالخنصر... في قص أظفارك واستبصر(3/256)
وثن بالوسطى وثلث كما قد قيل بالإبهام والبنصر
واختتم الكف بسبابة... في اليد والرجل ولا تمتر
وفي اليد اليسرى بإبهامها والأصبع الوسطى وبالخنصر
وبعد سبابتها بنصر فإنها خاتمة الأيسر
فذاك أمن خذ به يافتى... من رمد العين فلا تزدر
هذا حديث قد روي مسنداً عن الإمام المرتضى حيدر
ونقل السيوطي عن الزركشي في شرح التنبيه أنه قال: وأصل هذا الأثر المشار إليه عند عبيد الله بن بطة: " من قص أظفاره مخالفاً لم ير في عينيه رمداً "
ثم قال السيوطي: قد أنكر ابن دقيق هذه الأبيات، وقال: لا يعتبر هيئة مخصوصة، وما اشتهر من قصها على وجه مخصوص لا أصل له في الشريعة، ثم ذكر الأبيات، وقال: هذا لا يجوز اعتقاد استحبابه؛ لأن الاستحباب حكم شرعي، لا بد له من دليل، وليس استسهال ذلك بصواب. اهـ
الخلاصة:
الراجح أنه يقدم في تقليم الأصابع ما يشاء، ولا سنة في ذلك، حيث إن مثل هذا العمل كان يتكرر في حياة الرسول b ولو قدم اليمنى على اليسرى مستدلاً بعموم حديث عائشة: " كان يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهور، في شأنه كله" فلا حرج إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
__________
(1) طرح التثريب (2/78) .
(2) طرح التثريب (2/78) .
(3) الفتح (10/345) .
(4) المجموع (1/339) .(3/257)
[صفحة فارغة](3/258)
الفصل الرابع
في إزلة الوسخ التي تحت الظفر
الفصل الرابع
في إزلة الوسخ التي تحت الظفر
إذا كان تحت الظفر وسخ يمنع وصول الماء، فهل يصح وضوءه؟
فقيل: تجب إزلته مطلقاً، ولا يصح الوضوء مع وجوده، اختاره المتولي من الشافعية (1) ، وابن عقيل من الحنابلة (2) .
وقيل: لا تجب إزلته مطلقاً، ويعفى عنه، اختاره الغزالي من الشافعية (3) ، ومال إليه ابن قدامة من الحنابلة (1) .
وقيل: إن كان يسيراً عفي عنه، وإن فحش وجبت إزالته، وهو مذهب المالكية (2) ، وأومأ إليه ابن دقيق العيد (3) ، ورجحه
__________
(1) المجموع (1/340) .
(2) قال ابن قدامة في المغني (1/86) : " وإذا كان تحت أظفاره وسخ يمنع وصول الماء إلى ما تحته، فقال ابن عقيل: لا تصح طهارته حتى يزيله " اهـ.
(3) تحفة المحتاج (1/187) ، وقال النووي في المجموع (1/340) : " ولو كان تحت الأظفار وسخ، فإن لم يمنع وصول الماء إلى ما تحته لقلته صح الوضوء.
وإن منع، فقطع المتولي بأنه لا يجزيه، ولا يرتفع حدثه، كما لو كان الوسخ في موضع آخر من البدن.
وقطع الغزالي في الإحياء بالإجزاء وصحة الوضوء والغسل، وأنه يعفى عنه للحاجة. اهـ(3/259)
ابن تيمية (4) .
دليل من قال تجب إزالته ولا يصح الوضوء معه.
الدليل الأول:
قال ابن عقيل: لأنه محل من اليد استتر بما ليس من خلقة الأصل، ستراً منع إيصال الماء إليه، مع إمكان إيصاله، وعدم الضرر به، فأشبه ما لو كان عليه شمع أو غيره (5) .
الدليل الثاني:
ولأن هذا الوسخ لو كان في موضع آخر من البدن لم تصح الطهارة، فكذلك إذا كان تحت الأظفار.
الدليل الثالث:
روي عن النبي b ما يدل على بقاء الجنابة تحت الأظفار،
__________
(1) المغني (1/86) .
(2) قال في الفواكه الدواني (1/140) : " ولا يلزمه إزالة ما تحت أظافره من الأوساخ إلا أن يخرج عن المعتاد، فيجب عليه إزالته، كما يجب عليه قلم ظفره الساتر لمحل الفرض. وانظر حاشية الدسوقي (1/88) .
(3) قال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام (1/125) : " إذا لم يخرج طول الأظفار عن العادة يعفى عن يسير الوسخ، وأما إذا زاد على المعتاد، فما يتعلق بها من الأوساخ مانع من حصول الطهارة، وقد ورد في بعض الأحاديث الإشارة إلى هذا المعنى. اهـ. وقد يعتبر هذا من ابن دقيق العيد قولاً رابعاً، وهو أن الأظفار إذا خرج طولها عن المعتاد أصبح ما يتعلق بها من الوسخ ما نعاً من حصول الطهارة، وإذا كان طولها معتاداً لم يمنع الوسخ. والله أعلم.
(4) يرى ابن تيمية العفو عن كل يسير يمنع وصول الماء، ولم يخصصه في الأظفار، قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (5/303) : " وإن منع يسير وسخ ظفر ونحوه وصول الماء صحت الطهارة، وهو وجه لأصحابنا، ومثله كل يسير منع وصول الماء حيث كان كدم وعجين الخ كلامه. اهـ
(5) المغني (1/86) .
(521-85) فقد روى أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا قريش..(3/260)
بن حيان، عن واصل بن سليم (1) ، قال: أتيت أبا أيوب الأزدي، فصافحته، فرأى أظفاري طوالا، فقال: أتى رجل النبي b يسأله، فقال: يسألني أحدكم عن خبر السماء، ويدع أظافره كأظفار الطير، يجتمع فيها الجنابة والتفث.
قال المسعودي: عن العقدي، عن قريش، عن سليمان بن فروخ، قال: لقيت أبا أيوب الأنصاري، ولم يقل: الأزدي، فذكر نحوه
[رجاله ثقات، إلا أنه مرسل، أبو أيوب هو العتكي وليس الأنصاري] (2) .(3/261)
__________
(1) الصواب: أبو واصل سليمان بن فروخ. قاله أبو حاتم في العلل (2/288) ، وسوف أنقل كلامه تاماً بعد قليل. وانظر ما نقله أبو داود الطيالسي عن المسعودي في آخر الحديث.
(2) مسند أبي داود الطياليس (596) ، وانظر إتحاف الخيرة المهرة ـ البوصيري (1/378) ، والمطالب العالية (69) .
قال الإمام أحمد بعد أن روى الحديث (5/417) : " ولم يقل وكيع مرة: الأنصاري. قال غيره: أبو أيوب العتكي. قال أبو عبد الرحمن (عبد الله بن أحمد) قال أبي: يسبقه لسانه - يعنى وكيعاً - فقال: لقيت أبا أيوب الأنصاري، وإنما هو أبو أيوب العتكي.
وقال ابن أبي حاتم في العلل (2/288) : سألت أبي عن حديث رواه أبو داود الطيالسي، عن قريش بن حبان، عن واصل بن سليم.. الحديث، فسمعت أبي يقول: هذا خطأ، ليس هو واصل بن سليم، إنما هو أبو واصل سليمان بن فروخ، عن أبي أيوب، وليس هو من أصحاب النبي b، هو أبو أيوب: يحيى بن مالك العتكي من التابعين.
قال ابن أبي حاتم: ولم يفهم يونس بن حبيب أن أبا أيوب الأزدي، هو العتكي، فأدخله في مسند أبي أيوب الأنصاري. اهـ.
وقال البخاري: سليمان بن فروخ أبو واصل، قال: لقيني أبو أيوب، هو الأزدي، مرسل.
وقال البيهقي في السنن (1/176) : وهذا مرسل، أبو أيوب الأزدي، غير أبي أيوب الأنصاري. اهـ
[تخريج الحديث]
الحديث أخرجه أحمد (5/417) ، قال: ثنا وكيع، ثنا قريش بن حيان، عن أبي واصل، قال: لقيت أبا أيوب الأنصاري به. ثم بين خطأ وكيع في قوله: " أبا أيوب الأنصاري " وقد نقلته عنه فيما سبق.
وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/128) ، قال: حدثني ابن سلام، نا وكيع به. قال البخاري: أدخله ابن سلام في المسند.
ورواه البيهقي في السنن الكبرى (1 /175) ، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود به.
وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/128) من طريق أبي الوليد الطيالسي، ثنا قريش بن حيان، ثنا سليمان بن فروخ، قال: لقيت أبا أيوب به. ومن طريق أبي الوليد أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (4/220) رقم 4086 والبيهقي في السنن الكبرى (1/175) .
الدليل الرابع:
(522-86) وروى الطبراني في الكبير، قال: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا إبراهيم بن محمد المقدمي، ثنا عبد الله بن عثمان بن عطاء الخراساني، ثنا طلحة بن زيد، عن راشد بن أبي راشد، قال:
سمعت وابصة بن معبد يقول: سألت رسول الله b عن كل شيء، حتى سألته عن الوسخ الذي يكون في الأظفار، فقال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (1) .(3/262)
[إسناده ضعيف جداً] (2) .
الدليل الخامس:
قال ابن حجر: قد يعلق بالظفر إذا طال النجو لمن استنجى بالماء، ولم يمعن غسله فيكون إذا صلى حاملا للنجاسة (3) .(3/263)
__________
(1) المعجم الكبير (22/147) رقم 399.
(2) فيه طلحة بن زيد الرقي
قال أبو حاتم الرازي: منكر الحديث، ضعيف الحديث، لا يكتب حديثه. الجرح والتعديل (4/479) .
وقال البخاري: منكر الحديث. التاريخ الكبير (4/351) ، والضعفاء الصغير (177) .
قال المروذي، عن أحمد: ليس بذاك، قد حدث بأحاديث مناكير. وقال في موضع آخر عنه: ليس بشيء، كان يضع الحديث، وكذا قال بن المديني. تهذيب التهذيب (5/15) .
قال النسائي: منكر الحديث، وقال أيضا: ليس بثقة. المرجع السابق.
وذكره العقيلي في الضعفاء الكبير (2/225) .
وقال ابن حبان: منكر الحديث جداً، يروي عن الثقات المقلوبات، لا يحل الاحتجاج بخبره. المجروحين (1/383) .
وفي التقريب: متروك، قال أحمد وعلي وأبو داود كان يضع.
وفيه عبد الله بن عثمان بن عطاء الخرساني:
قال ابن أبي حاتم: سمعت موسى بن سهل الرملي يقول: وروى عن عبد الله بن عثمان، فقال: هذا أصلح من أبى طاهر المقدسي موسى بن محمد قليلاً، وكان أبو طاهر يكذب. الجرح والتعديل (5/113) .
فإذا كان أصلح قليلاً من الكذاب، فهو قريب منه.
وقال أبو حاتم الرازي: صالح. المرجع السابق.
وقال الذهبي: ليس بذاك. الكاشف (2851) .
وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يعتبر حديثه إذا روى عنه غير الضعفاء. (8/347) . وفي التقريب: لين الحديث.
(3) الفتح (10/345) .
دليل من قال: لا تجب إزالته.
أولاً: لأنه تشق إزالته، ويشق الاحتراز منه.
وثانياً: لو كان غسله واجباً لبينه النبي b؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وثالثاً: غالب الأعراب في وقت الوحي كانوا لا يتعاهدون ذلك، ومع ذلك لم يرد في شيء من الآثار أمرهم بإعادة الصلاة.
رابعاً: أن الرسول b لما أنكر عليهم طول الأظفار، لم يأمرهم بإعادة الصلاة
(523-87) فقد روى البزار، قال: حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، ثنا عبد الملك بن مروان، ثنا الضحاك بن زيد، عن إسماعيل، عن قيس،
عن عبد الله، قال: قال رسول الله b: ما لي لا إيهم (1) ، ورفغ (2) أحدكم بين أنملته وظفره.
قال البزار: لا نعلم أحداً أسنده إلا الضحاك، وروي عن قيس مسنداً(3/264)
ومرفوعاً (3) .
[إسناده ضعيف] (4) .......
__________
(1) قوله b: " لا أيهم " قال في المغرب (ص: 498) : أوهمت: أخطأت أو نسيت، وفي حديث علي قال الشاهدان: أوهمنا، إنما السارق هذا، ويروى: "وهمنا " وأوهم من الحساب مائة: أي أسقط، وأوهم من صلاته ركعة، وفي الحديث أنه b صلى، وأوهم في صلاته، فقيل له: كأنك أوهمت في صلاتك، فقال: وذكر الحديث. أي أخطأ، فأسقط ركعة.
(2) قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث (2/244) : أراد بالرُّفغ ها هنا وَسَخ الظُّفُر كأنَّه قال ووسَخُ رُفْغ أحدِكم، والمعنى أنكم لا تُقَلِّمون أظفاركم ثم تَحُكُّون بها أرْفاغَكم فيعْلَق بها ما فيها من الوَسَخ، وفي حديث عمر رضي الله عنه: " إذا الْتَقى الرُّفْغان وجَبَ الغُسل. يريد الْتِقاء الخِتانَين، فكَنَىعنه بالْتِقاءِ اُصول الفَخِذين؛ لأنه لا يكون إلاَّ بعد الْتِقاء الخِتانَين.
(3) مختصر مسند البزار (170) .
(4) في إسناده الضحاك بن زيد الأهوازي
قال ابن حبان: " كان ممن يرفع المراسيل، ويسند الموقوف، لا يجوز الاحتجاج به لما كثر منها. المجروحين (1/379) .
وقال العقيلي: يخالف في حديثه. الضعفاء الكبير (2/221) ، لسان الميزان (3/200) .
تخريج الحديث:
الحديث أخرجه الطبراني في الكبير (10401) حدثنا أحمد بن سهل الأهوازي، ثنا عبد الملك بن مروان به.
وخالف سفيان بن عيينة الضحاك بن زيد، فرواه مرسلا، وهو الراجح، فقدر رواه العقيلي في الضعفاء الكبير (2/221) ، قال: حدثنا بشر بن موسى، قال: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا إسماعيل، عن قيس، قال: صلى رسول الله b صلاة، فلما قضى صلاته، قالوا: يا رسول الله وهمت. قال النبي b: ومالى لا أيهم، ورفغ أحدكم بين ظفره وأنملته. قال العقيلي: وهذا أولى.
وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3/24،25) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن موسى، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أسيد بن عاصم، ثنا الحسين بن حفص، عن سفيان به.
قال ابن حجر في الفتح (10/345) : " رجاله ثقات، مع إرساله، وقد وصله الطبراني من وجه آخر. والرفغ بضم الراء وبفتحها وسكون الفاء، بعدها غين معجمة يجمع على أرفاغ، وهي مغابن الجسد، كالإبط، وما بين الأنثيين، وكل شيء يجتمع فيه الوسخ، فهو من تسمية الشيء باسم ما جاوره، والتقدير: وسخ رفغ أحدكم، والمعنى: أنكم لا تقلمون أظفاركم، ثم تحكون بها أرفاغكم، فيتعلق بها ما في الأرفاغ من الأوساخ المجتمعة.
قال أبو عبيد: أنكر عليهم طول الأظفار وترك قصها، وفيه إشارة إلى الندب إلى تنظيف المغابن كلها، ويستحب الاستقصاء في إزالتها إلى حد لا يدخل منه ضرر على الأصبع. اهـ
وجه الاستدلال:
قال ابن قدامة: عاب عليهم نتن ريح أظفارهم، لا بطلان طهارتهم، ولو كان مبطلاً للطهارة كان ذلك أهم من نتن الريح، فكان أحق بالبيان (1) .
خامساً: أن التشدد في ذلك ليس من هدي السلف، وقد يدخل المرء في الوسواس.
قال البُرْزُلي: سئل السُّيُورِي هل يلزم زوال وسخ الأظفار في الوضوء؟
فأجاب: لا تُعَلق قلبك بهذا إن أطعتني، واترك الوسواس، واسلك ما عليه جمهور السلف الصالح تسلم (2) .
دليل من قال يعفى عن يسير النجاسة في الظفر وغيره.
(524-88) ما رواه البخاري، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا إبراهيم بن نافع، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال:
قالت عائشة: ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيء من دم، قال بريقها فقصعته بظفرها (3) .
وهذا دليل على أنه معفو عنه لأن الريق لا يطهره،، قال ابن حجر: يحمل حديث الباب على أن المراد: دم يسير يعفى عن مثله. اهـ وفعلها: إخبار عن دوام هذا الفعل منها، وهو في زمن التشريع، ومثل هذا لا يخفى على النبي b، والفعل يتكرر في بيته b، ولو لم يطلع الرسول b فقد اطلع.......(3/265)
الله، ولو لم يكن صواباً لم يقره الله (4) .
الراجح أنه معفو عنه مطلقاً؛ إذ لو كان غسله وجباً لجاء الأمر بغسله، والله أعلم.....(3/267)
[صفحة فارغة] ....(3/268)
الفصل الخامس
في دفن الظفر والشعر
الفصل الخامس
في دفن الظفر والشعر
استحب بعض الفقهاء دفن ما قلم من أظفاره أو أزال من شعره، وهو مذهب الحنفية (1) ، والشافعية (2) ، والحنابلة (3) .
دليلهم على هذا الاستحباب.
(525-89) ما رواه الطبراني في الكبير، قال: حدثنا محمد بن محمد التمار البصري، ثنا يونس بن موسى الشامي (4) وسليمان بن داود الشاذكوني، قالا: ثنا محمد بن سليمان بن مسمول، حدثني عبيد الله بن سلمة بن وهرام،.....
__________
(1) المغني (1/86) .
(2) مواهب الجليل (1/201) .
(3) صحيح البخاري (312) .
(4) قال ابن حجر في الفتح (1/413) : " ليس فيه أنها صلت فيه، فلا يكون فيه حجة لمن أجاز إزالة النجاسة بغير الماء، وإنما أزالت الدم بريقها، ليذهب أثره، ولم تقصد تطهيره، وقد مضى قبل باب عنها ذكر الغسل بعد القرص، قالت: ثم تصلي فيه - يعني حديث أسماء في الصحيحين فلتقرصه ثم لتنضحه بماء ثم لتصلي فيه - قال الحافظ: فدل على أنها عند إرادة الصلاة فيه كانت تغسله، ثم أورد الحافظ معنى آخر للحديث، فقال: وقد يحمل حديث الباب على أن المراد دم يسير يعفى عن مثله، والتوجيه الأول أقوى فائدة. اهـ(3/269)
عن ميل بنت مشرح (1) قالت: رأيت أبي قلم أظفاره، ثم دفنها، وقال: أي بنية هكذا رأيت رسول الله b يفعل (2) .
[إسناده ضعيف] (3) ...
__________
(1) قال في الفتاوى الهندية (5/358) : " ينبغي أن يدفن ذلك الظفر والشعر المجزوز، فإن رمى به فلا بأس، وإن ألقاه في الكنيف أو في المغتسل يكره ذلك؛ لأن ذلك يورث داء كذا في فتاوى قاضي خان. يدفن أربعة: الظفر والشعر وخرقة الحيض والدم، كذا في الفتاوى العتابيه. اهـ وفي بريقة محمودية الغياثية (4/84) .
وانظر مجمع الأنهر (2/556) ، ودرر الحكام شرح غرر الأحكام (1/323) .
(2) قال النووي في المجموع (1/342) : " يستحب دفن ما أخذ من هذه الشعور والأظفار، ومواراته في الأرض، نقل ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما، واتفق عليه أصحابنا ". وانظر حاشية البجيرمي على الخطيب (2/208) .
(3) قال ابن قدامة من الحنابلة في المغني (1/64) : " ويستحب دفن ما قلم من أظفاره أو أزال من شعره. الخ كلامه رحمه الله. وانظر كشاف القناع (1/76) ، ومطالب أولي النهى (1/87) .
(4) في المطبوع (السامي) والتصحيح من الأوسط.(3/270)
الدليل الثاني:
(526-90) روى البيهقي في شعب الإيمان، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الحارث الفقيه، أنا أبو محمد بن حيان الأصبهاني، ثنا علي بن سعيد العسكري، ثنا عمر بن محمد بن الحسن، ثنا أبي، ثنا قيس بن الربيع، عن عبد الجبار بن وائل،
عن أبيه، عن النبي b كان يأمر بدفن الشعر والأظفار.
قال البيهقي: هذا إسناد ضعيف، وروى من أوجه كلها ضعيفة (1) .
[إسناده ضعيف، وفيه انقطاع] (2) .
__________
(1) في الطبراني هكذا: " مشرح "، وفي شعب الإيمان للبيهقي (5/232) رقم 6487: " مسرج " وفي الإمام لابن دقيق العيد: " مسرِّح " بالحاء. والصواب: " مشرح " وقد ضبطه ابن حجر في الإصابة، قال: " 6/122) : مشرح بكسر أوله، وسكون المعجمة، وفتح الراء بعدها مهملة الأشعري. قال البغوي: ذكره البخاري في الصحابة، وأخرج ابن أبي عاصم وابن السكن وغيرهما، من طريق سلمة بن وهرام، حدثتني ميل بنت مشرح به، وذكر الحديث، وقال: وفي سنده محمد بن سليمان بن مسمول، وهو ضعيف جداً. الخ كلامه رحمه الله.
(2) المعجم الكبير (20/322) ورواه في الأوسط (6/150) رقم 5938.
(3) فيه محمد بن سليمان بن مسمول. ضعيف، وسبقت ترجمته.
وفيه أيضاً: عبيد الله بن سلمة بن وهرام، ضعيف، وسبقت ترجمته.
كما أن فيه اختلافاً في إسناده، فقيل: عن عبيد الله بن سلمة، عن ميل بنت بن مشرح، كما في إسناد الطبراني في الكبير (20/322) والأوسط (5938) من طريق يونس بن موسى الشامي، وسليمان الشاذكوني.
بينما في إسناد البيهقي في شعب الإيمان (5/232) رقم 6487من طريق يزيد بن المبارك.
والبزار كما في مختصر مسند البزار (1226) من طريق عمر بن مالك.
وأبو بكر الشيباني في الآحاد والمثاني (4/459) رقم 2513 من طريق محمد بن القاسم، ثلاثتهم، عن محمد بن سليمان بن مسمول، ثنا عبيد الله بن سلمة بن وهرام، عن أبيه، حدثتني ميل ابنة مشرح به. فزادوا في الإسناد (عن أبيه: سلمة بن وهرام) .
كما زاد كلمة أبيه ابن عبد البر في الاستيعاب (8/1473) عند ترجمة مشرح الأشعري، قال: لم يرو عنه غير ابنته، من حديثه، قال: رأيت رسول الله b قص أظفاره، وجمعها، ثم دفنها، حديثه عند محمد بن سليمان بن مسمول المكي، عن عبيد الله بن سلمة بن وهرام، عن أبيه، عن ميل بنت مسرح، عن أبيها، هكذا ذكره الدارقطني مسرح، وقال غيره: مشرح. ويحتمل أن يكون سقطت كلمة أبيه عند الطبراني.
والحديث ضعفه الحافظ في تلخيص الحبير (2/113) .
(1) شعب الأيمان (5/232) .
(2) دراسة الإسناد:
شيخ البيهقي: أبو بكر أحمد بن محمد بن الحارث الفقيه. ثقة. انظر ترجمته في شذرات الذهب (3/245) ، والعبر (3/170) ، المنتخب من السياق (ص: 89،90) .
ـ وأبو محمد بن حيان الأصبهاني، ثقة أيضاً، انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ (3/945) .
ـ علي بن سعيد العسكري ثقة، انظر السير (14/463) ، طبقات المحدثين بأصبهان (3/559) .
ـ عمر بن محمد بن الحسن.
قال أبو حاتم: محله الصدق. الجرح والتعديل (6/132) .
وقال النسائي: صدوق. تهذيب الكمال (21/497) .
وقال الدارقطني: لا بأس به. المرجع السابق.
وقال ابن حبان: يعتبر حديثه ما حدث من كتاب أبيه فان في روايته التي كان يرويها من حفظه بعض المناكير. الثقات (8/447) .
ـ محمد بن الحسن بن التل.
قال عباس بن محمد الدوري: سئل يحيى بن معين عن محمد بن الحسن الأسدي، فقال: ليس بشيء. الجرح والتعديل (7/225) .
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبى، عن محمد بن الحسن المعروف بالتل، فقال: شيخ. المرجع السابق.
وقال ابن عدي: وله غير ما ذكرت إفرادات، وحدث عنه الثقات من الناس، ولم أر بحديثه بأساً. الكامل (6/173) .
وقال أبو عبيد الآجري، عن أبي داود: صالح يكتب حديثه. تهذيب الكمال (25/67) .
وقال يعقوب بن سفيان: محمد بن الحسن الهمداني، ومحمد بن الحسن الأسدي ضعيفان. المرجع السابق.
وقال الحاكم في الكنى: ليس بالقوي. تهذيب التهذيب (9/102) .
وقال الساجي: ضعيف. المرجع السابق.
وقال البزار والدارقطني: ثقة. وفي التقريب: صدوق فيه لين.
وفي الكاشف: ضعف قال ابن عدي: له أفراد ولا أرى بحديثه بأساً. (4795) .
قلت: روى البخاري عن ابنه عمر، عنه حديثين:
أحدهما: في الزكاة عن إبراهيم بن طهمان، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، أن الحسن بن علي أخذ تمرة من تمر الصدقة. الحديث.
وهو عنده بمتابعة شعبة، عن محمد بن زياد.
الحديث الثاني: في المناقب، عن حفص بن غياث، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: قالت: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة.
وهو عنده بمتابعة حميد بن عبد الرحمن والليث وغيرهما، عن هشام.
ـ قيس بن الربيع:
مختلف فيه:(3/271)
(3/272)
قال عمرو بن على: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن قيس بن الربيع، وكان عبد الرحمن حدثنا عنه قبل ذلك، ثم تركه. الجرح والتعديل (7/96) .
وقال حرب بن إسماعيل الكرماني: قلت لأحمد بن حنبل: قيس بن الربيع أى شيء ضعفه؟ قال: روى أحاديث منكره. المرجع السابق.
وقال أحمد بن حنبل: كان له ابن يأخذ حديث مسعر وسفيان الثوري والمتقدمين، فيدخلها في حديث أبيه، وهو لا يعلم. الكامل (6/39) .
قال ابن أبى خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: قيس بن الربيع ليس حديثه بشيء. وقال مرة أخرى: هو ضعيف الحديث لا يساوى شيئاً. الجرح والتعديل (7/96) .
وقال أبو حاتم الرازي: عهدي به، ولا ينشط الناس في الرواية عنه، واما الآن فأراه أحلى، ومحله الصدق، وليس بقوي، يكتب حديثه، ولا يحتج به، وهو أحب الى من محمد بن عبدالرحمن بن أبى ليلى، ولا يحتج بحديثهما. وقال ابنه عبد الرحمن: سألت أبا زرعة عن قيس بن الربيع، فقال: فيه لين. وقال عبد الرحمن أيضاً: حدثني أبى، قال: كان عفان يروى عن قيس، ويتكلم فيه. فقيل له: تتكلم فيه؟ فقال: قدمت عليه، فقال: حدثنا الشيباني، عن الشعبي، فيقول له رجل: ومغيرة؟ فيقول: ومغيرة، فقال له: وأبو حصين؟ فقال: وأبو حصين. المرجع السابق. يشير إلى أنه كان يتلقن.
وقال النسائي: متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين (499) .
وقال ابن عدي: عامة رواياته مستقيمة، وقد حدث عنه شعبة وغيره من الكبار، وهو قد حدث عن شعبة، وعن ابن عيينة وغيرهما، ويدل ذلك على أنه صاحب حديث، والقول فيه ما قاله شعبة، وأنه لا بأس به. الكامل (6/39) .
وقال عفان: كان قيس ثقة، يوثقه الثوري وشعبة. تاريخ بغداد (12/456) .
وقال أبو داود: إنما أتى قيس من قبل ابنه، كان ابنه يأخذ حديث الناس فيدخلها في فرج كتاب قيس، ولا يعرف الشيخ ذلك. المرجع السابق.
وفي التقريب: صدوق، تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه، فحدث به.
ـ عبد الجبار بن وائل: ثقة، لكن روايته عن أبيه مرسلة، فلم يسمع من أبيه شيئاً. الجرح والتعديل (6/30) .(3/273)
الدليل الثالث:
(527-91) روى ابن عدي، قال: ثنا محمد بن الحسن السكوني النابلسي بالرملة، قال: حدث أحمد بن سعيد البغدادي وأنا حاضر، ثنا عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد، حدثني أبي، عن نافع،
عن ابن عمر، قال رسول الله b: ادفنوا الأظفار والشعر والدم؛ فإنها ميتة (1) .
[إسناده ضعيف] (2) .(3/274)
الدليل الخامس:
__________
(1) الكامل (4/201) ، ومن طريق ابن عدي أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1/23) ، وأخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير (2/279) من طريق أحمد بن محمد بن سعيد المروزي، قال: حدثنا نصر بن داود بن طوق، قال: حدثنا عبد الله بن عبد العزيز بن أبى رواد به.
(2) فيه عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد.
قال أبو حاتم: كنا نأتي عفان، وكان بالقرب منه عبد الله بن عبد العزيز بن أبى رواد، فنظرت في بعض حديثه، فرأيت أحاديثه أحاديث منكرة، ولم اكتب عنه، ولم يكن محله عندي الصدق. الجرح والتعديل (5/104) .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سئل على بن الحسين، عن عبد الله بن عبد العزيز بن أبى رواد، فقال: لا يسوى فلساً، يحدث بأحاديث كذب، روى عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي b صلى في نعليه. المرجع السابق.
وقال ابن عدي: وعبد الله بن عبد العزيز له غير ما ذكرت أحاديث لم يتابعه أحد عليه، ولم أر للمتقدمين فيه كلاماً، والمتقدمون قد تكلموا فيمن هو أصدق من عبد الله بن عبد العزيز، وإنما ذكرته لما شرطت في أول كتابي هذا. الكامل (4/201) .
وقال ابن الجنيد: لا يساوي شيئاً، يحدث بأحاديث كذب. لسان الميزان (3/310) .
وقال العقيلي: عبد الله بن عبد العزير بن أبي رواد، عن أبيه أحاديثه مناكير غير محفوظة، ليس ممن يقيم الحديث. الضعفاء الكبير (2/279) .
وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يعتبر حديثه إذا روى عن غير أبيه، وفى روايته عن إبراهيم بن طهمان بعض المناكير. الثقات (8/347) .
وقال العقيلي: ليس له أصل عن ثقة. اهـ
(528-92) قال العراقي في طرح التثريب: روى الترمذي الحكيم في نوادر الأصول من رواية عمر بن بلال، قال: سمعت عبد الله بن بسر يقول: قال رسول الله b: قصوا أظفاركم ودفنوا قلائمكم، وانقوا براجمكم. الحديث.
قال العراقي: وعمر بن بلال ليس بالمعروف، قاله ابن عدي (1) .
قلت: والحكيم الترمذي ليس بالحكيم.
الدليل السادس:
قال مهنا: سألت أحمد، عن الرجل يأخذ من شعره وظفره، أيدفنه أم يلقيه؟
قال: يدفنه. قلت: بلغك فيه شيء؟(3/275)
قال: كان ابن عمر يدفنه (2) .
ولم أقف على إسناد ابن عمر، وراجعت مصنف ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق وقد ذكر الأول جملة من الآثار عن التابعين، ولم يذكر أثر ابن عمر.(3/276)
الفصل السادس
في من قلم أظفاره هل يعيد الوضوء
الفصل السادس
في من قلم أظفاره هل يعيد الوضوء
من توضأ، ثم قلم أظفاره بعد الوضوء أو حلق شعر رأسه، فهل يعيد غسل موضع الأظفار؟ فيه خلاف بين العلماء.
فقيل: لا يعيد.
__________
(1) طرح التثريب (2/84) .
قلت: عمر بن بلال:
ذكره ابن حبان في الثقات (5/148) .
وذكره البخاري وابن أبي حاتم، وسكتا عليه، فلم يذكرا فيه شيئاً. التاريخ الكبير (6/144) ، والجرح التعديل (6/100) .
وقال ابن عدي: عمر بن بلال هذا لا يعرف إلا بهذا الحديث ـ يعني حديث: كيف أنتم إذا جارت عليكم الولاة - عن عبد الله بن بسر، ولم نكتبه بعلو إلا عن أبي عقيل، ومحمد بن جعفر بن رزين، وهذا حديث غير محفوظ؛ لأن عمر بن بلال هذا ينفرد به، وعمر ليس بالمعروف. الكامل (5/56) .
(2) المغني (1/64،65) .
وهو مذهب الحنفية (1) ، والمالكية (2) ، والشافعية (3) ، والحنابلة (4) ، واختاره ابن حزم (5) .
وقيل: عليه الوضوء، اختاره مجاهد (6) ، وابن جرير (7) .
وقيل: يغسلها بالماء، اختاره عطاء (8) ، إبراهيم(3/277)
النخعي (9) ، وحماد (10) ، وعبد العزيز بن أبي سلمة (11)
دليل من قال ليس عليه شيء.
(529-93) روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن التيمي،
عن أبي مجلز، قال: رأيت ابن عمر أخذ من أظفاره. فقلت له: أخذت من أظفارك ولا تتوضأ ؟ قال: ما أكيسك، أنت أكيس ممن سماه أهله كيساً (12) .
الدليل الثاني:
__________
(1) قال السرخسي في المبسوط (1/65) : " ومن توضأ، ومسح رأسه، ثم جز شعره، أو نتف إبطيه، أو قلم أظفاره، أو أخذ من شاربه، لم يكن عليه أن يمس شيئاً من ذلك الماء، ولا أن يجدد وضوءه " اهـ. وانظر حاشية ابن عابدين (1/101) .
(2) المنتقى شرح الموطأ (1/39) ، وقاله مالك في المدونة، انظر مواهب الجليل (1/215) ، والتاج والإكليل (1/310) .
(3) قال الشافعي في الأم (1/36) : فمن توضأ، ثم أخذا من أظفاره ورأسه ولحيته وشاربه، لم يكن عليه إعادة وضوء، وهذا زيادة نظافة وطهارة، وكذلك إن استحد، ولو أمر الماء عليه لم يكن بذلك بأس. اهـ
(4) الفروع (1/186،187) .
(5) المحلى (مسألة 169) .
(6) المصنف (1/56) بسند صحيح عنه.
(7) المبسوط (1/65) .
(8) رواه عبد الرزاق في المصنف (1/126) رقم 462 بسند صحيح عنه.
(9) المبسوط (1/65) .
(10) المصنف لابن أبي شيبة (1/56) رقم 583 حدثنا غندر، عن شعبة، عن الهيثم، عن حماد في الرجل يقلم أظفاره، ويأخذ من لحيته، قال: يمسحه بالماء.
(11) المنتقى شرح الموطأ (1/39)
(12) المصنف (1/55) رقم 576. وإسناده صحيح، وأبو مجلز اسمه لاحق بن حميد.
(530-94) روى مسدد في مسنده، قال: حدثنا ابن داود، عن شيخ يكنى أبا عبد الله، عن عمر بن قيس، قال: إن علياً رضي الله عنه، قال: ما زاده إلا طهارة - يعني: الأخذ من الشعر والظفر - (1) .
[إسناد ضعيف] (2) .
الدليل الثالث:
قالوا: إن من توضأ الوضوء الشرعي فإنه طاهر بالكتاب والسنة،(3/278)
ولا تنتقض طهارته إلا بدليل شرعي، وليس قص الشعر والظفر حدثاً حتى ينتقض وضوءه.
دليل من قال عليه الوضوء أو مسحه بالماء.
لا أعلم له دليلاً من الكتاب أو السنة، أو من قول الصحابة، وقد يكون من رأى الوضوء أن الشعر والظفر إذا حلق، فقد زال الممسوح الذي تعلق به الفرض، وبالتالي فلا بد من إعادة الوضوء أو المسح. والله أعلم.
الراجح أنه لا يشرع الوضوء ولا المسح بعد تقليم الأظفار أو حلق الشعر؛ لأن إيجاب ذلك أو استحبابه يحتاج إلى دليل ولا دليل.(3/279)
[صفحة فارغة](3/280)
فرع
في غسل رؤوس الأصابع بعد القص
استحب الشافعية والحنابلة غسل رؤوس الأصابع بعد قص الأظفار
قال ابن قدامة: قيل إن الحك قبل غسلها يضر بالجسد (3) .
وقال في حاشية الجمل: " إن الحك بها قبل الغسل يورث البرص (4) .
ولا أعلم دليلاً على هذا الاستحباب، ولا يصح الضرر من جهة الطب.(3/281)
[صفحة فارغة](3/282)
الباب الرابع
في نتف الإبط(3/283)
[صفحة فارغة](3/284)
تعريف الإبط.
الإبط: بالكسر باطن المنكب، وقيل: باطن الجناج.
وهو مذكر، وقد يؤنث، قاله اللحياني، والتذكير أعلى. وحكى الفراء عن بعض العرب: فرفع السوط حتى برقت إبطه.
والجمع: آباط.
وتأبطه: وضعه تحت إبطه. ومنه تأبط شراً (5) .
ونتف الإبط: هو إزالة ما عليه من الشعر عن طريق النتف.(3/285)
[صفحة فارغة](3/286)
الفصل الأول
حكم نتف الإبط والتوقيت فيه
الفصل الأول
__________
(1) المطالب العالية (72) ، إتحاف الخيرة المهرة ـ البوصيري (1/379) .
(2) شيخ عبد الله بن داود، وشيخ شيخه لم أعرفهما.
(3) المغني (1/64) ، غذاء الألباب (1/438) ، الآداب الشرعية (3/331) .
(4) حاشية الجمل (2/47) .
(5) تاج العروس (10/183،184) .
حكم نتف الإبط والتوقيت فيه
الخلاف فيه كالخلاف في الاستحداد، وتقليم الأظفار
فالجمهور على أنه سنة، حتى قال النووي: متفق على أنه سنة (1) .
واختار ابن العربي، والشوكاني أنه واجب.
راجع أدلة كل قول في حكم الاستحداد وتقليم الأظفار.
وأما التوقيت فيه، فالقول فيه كالقول في التوقيت في حلق العانة، وقد فصلنا الأقوال فيه والراجح، فارجع إليه غير مأمور.
وملخص الأقوال فيه كالتالي:
قيل: يستحب أن ينتف إبطه كل جمعة، وبعضهم قال في كل أسبوع مرة. وهو مذهب الحنفية (2) ، والمالكية (3) ، ورواية عن أحمد (4) .(3/287)
__________
(1) المجموع (1/341) .
(2) قال في الفتاوى الهندية (1/357) : " يحلق عانته في كل أسبوع مرة، فإن لم يفعل ففي كل خمسة عشر يوماً، ولا يعذر في تركه وراء الأربعين، فالأسبوع هو الأفضل، والخمسة عشر الأوسط، والأربعون الأبعد، ولا عذر فيما وراء الأربعين، ويستحق الوعيد كذا في القنية".اهـ وقال مثله في مجمع الأنهر (2/556) ، وفي بريقة محمودية (4/90) .
(3) قال القرطبي في المفهم (1/515) : " قوله في حديث أنس: " وقت لنا في قص الشارب... الخ هذا تحديد أكثر المدة، والمستحب تفقد ذلك من الجمعة إلى الجمعة، وإلا فلا تحديد فيه للعلماء إلا أنه إذا كثر ذلك أزيل " اهـ.
(4) قال في الفروع (1/131) : " ويفعله ـ يعني: حلق العانة ـ كل أسبوع، ولا يتركه فوق الأربعين " اهـ. وانظر الإنصاف (1/123) .
وقيل: لا وقت له، ويقدر بالحاجة، وهو يختلف من شخص إلى آخر، والمعتبر طولها، فمتى طال الشعر نتفه. وهو مذهب الشافعية (1) ، وقال ابن عبد البر إنه قول الأكثر (2) .
وأما ترك النتف أكثر من أربعين يوماً
فقيل: يحرم. وهو مذهب الحنفية (3) ، ورجحه الشوكاني (4) .
وقيل: يكره كراهية شديدة، وهو مذهب الشافعية (5) ،
__________
(1) وقال النووي في المجموع (1/339) : " وأما التوقيت في تقليم الأظفار فهو معتبر بطولها، فمتى طالت قلمها، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال، وكذا الضابط في قص الشارب، ونتف الإبط وحلق العانة، وقد ثبت عن أنس رضي الله عنه قال: وقت لنا في قص الشارب.. وذكر الحديث. ثم معنى هذا الحديث أنهم لا يؤخرون فعل هذه الأشياء عن وقتها، فإن أخروها فلا يؤخرونها أكثر من أربعين يوماً، وليس معناه الأذن في التأخير أربعين مطلقاً، وقد نص الشافعي والأصحاب ـ رحمهم الله ـ على أنه يستحب تقليم الأظفار، والأخذ من هذه الشعور يوم الجمعة، والله أعلم.
وقال الدمياطي في إعانة الطالبين (2/85) : " والمعتبر في ذلك أنه مؤقت بطولها عادة، ويختلف حينئذ باختلاف الأشخاص والأحوال " اهـ.
(2) قال ابن عبد البر في التمهيد (21/68) : " ومن أهل العلم من وقت في حلق العانة أربعين يوماً، وأكثرهم على أن لا توقيت في شيء من ذلك ". اهـ
(3) قال ابن عابدين في حاشيته (6/407) : " وكره تركه تحريماً لقول المجتبى، ولا عذر فيما وراء الأربعين، ويستحق الوعيد ". وانظر الفتاوى الهندية (1/357) .
(4) نيل الأوطار (1/169) .
(5) وقال في روضة الطالبين (3/234) : " ولا يؤخرها عن وقت الحاجة، ويكره كراهة شديدة تأخيرها عن أربعين يوماً " اهـ.
وقال الهيتمي في المنهج القويم (2/25) : " وأن يزيل شعر العانة، والأولى للذكر حلقه، وللمرأة نتفه، ولا يؤخر ما ذكر عن وقت الحاجة، ويكره كراهة شديدة تأخيرها عن أربعين يوماً " اهـ. وقال مثله في روض الطالب (1/551) .
والمشهور عند(3/288)
الحنابلة (1) .(3/289)
[صفحة فارغة](3/290)
الفصل الثاني
في كيفية نتف الإبط
الفصل الثاني
في كيفية نتف الإبط
تكلم الفقهاء في كيفية نتف الإبط،
فقيل: له إزالة الإبط بما شاء (2) .
وقيل: لا تحصل السنة إلا بالنتف، وإن كان غيره جائزاً، فالنتف أفضل (3) .
تعليل من أجازه بأي شيء، قال: إن المقصود النظافة، وهذا حاصل إذا زال بأي مزيل.
دليل من قال بأن السنة النتف.
(531-95) استدل بالخبر، فقد روى البخاري، قال: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب،
عن أبي هريرة رضي الله عنه سمعت النبي b يقول: الفطرة خمس، الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الآباط (4) .
__________
(1) قال في كشاف القناع (1/77) : " ويكره تركه فوق أربعين يوماً " اهـ. وقال في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/440) : " نعم إنما يكره تركه فوق أربعين لحديث أنس عند مسلم، قال: " وقت لنا في قص الشارب... وذكر الحديث. وانظر مطالب أولي النهى (1/87) .
(2) قال في الإنصاف (1/122) : " وينتف إبطه، ويحلق عانته، وله قصه وإزالته بما شاء ". اهـ
(3) قال النووي في المجموع (1/341) : " ثم السنة النتف، كما صرح به الحديث، فلو حلقه جاز " اهـ وانظر المغني (1/64) .
(4) صحيح البخاري (5891) ، ومسلم (257) .
قال ابن دقيق العيد: نتف الآباط: إزالة ما عليها من الشعر بهذا الوجه: أعني النتف، وقد يقوم مقامه ما يؤدي إلى المقصود، إلا أن استعمال مادلت عليه السنة أولى، وقد فرق لفظ الحديث بين إزالة شعر العانة، وإزالة شعر(3/291)
الإبط، فذكر في الأول (الاستحداد) ، وفي الثاني: (النتف) وذلك مما يدل على رعاية هاتين الهيئتين في محلهما، ولعل السبب فيه أن الشعر بحلقه يقوي أصله، ويغلظ جرمه، ولهذا يصف الأطبار تكرار حلق الشعر في المواضع التي يراد قوته فيها، والإبط إذا قوي فيه الشعر وغلظ جرمه كان أفوح للرائحة الكريهة المؤذية لمن يقاربها، فناسب أن يسن فيه النتف المضعف لأصله، المقلل للرائحة الكريهة، وأما العانة فلا يظهر فيها من الرائحة الكريهة ما يظهر في الإبط، فزال المعنى المقتضي للنتف، فُرِجع إلى الاستحداد؛ لأنه أيسر وأخف على الإنسان من غير معارض (1) .
وقال ابن دقيق العيد أيضاً: " من نظر إلى اللفظ وقف مع النتف، ومن نظر إلى المعنى أجازه بكل مزيل، لكن بين أن النتف مقصود من جهة المعنى، فذكر نحو ما تقدم، ثم قال: وهو معنى ظاهر لا يهمل، فإن مورد النص إذا احتمل معنى مناسباً يحتمل أن يكون مقصوداً في الحكم لا يترك، والذي يقوم مقام النتف في ذلك التنور، لكنه يرق الجلد فقد يتأذى صاحبه به، ولا سيما إن كان جلده رقيقاً (2) .
وقد صرح الشافعي بأن السنة النتف فقط، فقد أخرج ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي، عن يونس بن عبد الأعلى، قال: دخلت على الشافعي، ورجل يحلق إبطه، فقال: إني علمت أن السنة النتف، ولكن لا أقوى على الوجع. قال الغزالي: هو في الابتداء موجع، ولكن يسهل على من اعتاده (3) .(3/292)
الفصل الثالث
الوضوء من نتف الإبط
الفصل الثالث
الوضوء من نتف الإبط
الخلاف في الوضوء من نتف الإبط كالخلاف فيه من تقليم الأظفار وحلق الشعر.
وقد ذكرنا هناك ثلاثة أقوال:
__________
(1) إحكام الإحكام (1/125) .
(2) فتح الباري (10/344) .
(3) المرجع السابق.
الأول: ليس عليه شيء، وهو الراجح.
الثاني: عليه إعادة الوضوء.
الثالث: عليه غسل موضعه فقط أو مسحه إن كان ممسوحاً. وقد نسبنا كل قول إلى قائله، وذكرنا أدلة كل قول، فارجع إليه غير مأمور. ونذكر من الآثار ما لم نذكره هناك، منها:
(532-96) روى ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا ابن علية، عن عبيد الله بن العيزار،
عن طلق بن حبيب، قال: رأى عمر بن الخطاب رجلا حك إبطه أو مسه، فقال: قم فاغسل يديك أو تطهر (1) .
[رجاله ثقات إلا أنه مرسل، طلق لم يدرك عمر] (2) .(3/293)
(533-97) وروى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد،
عن عبد الله بن عمرو أنه كان يغتسل من نتف الإبط (3) .
[إسناده صحيح والأعمش عده الحافظ ممن تقبل عنعنته]
والاغتسال هنا كالاغتسال للتبرد، فلعله فعله طلباً للنظافة من أثر الشعر، كما يغتسل الإنسان بعد حلق شعره، وليس هذا كالاغتسال للجنابة أو للجمعة، إذ لو كان واجباً لبينه الرسول b.
__________
(1) المصنف (1/54) رقم 565.
(2) قال أبو زرعة: طلق بن حبيب عن عمر مرسل، جامع التحصيل في أحكام المراسيل (315) . ورواه ابن أبي شيبة أيضاً (1/126) رقم 1451حدثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد،
قال عمر: من نقَّى أنفه أو حك إبطه توضأ.
وهذا إسناد ضعيف أيضاً، فيه علتان: ضعف ليث، والانقطاع، فإن مجاهداً لم يسمع من عمر، ولعله لو ثبت عن عمر، فإنه يقصد بالوضوء غسل اليد، لا أنه حدث ناقض للوضوء، كما في الأثر الأول، فإنه قال: قم فاغسل يديك أو تطهر. والله أعلم.
ورواه الدارقطني (1/151) قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل، نا الحسن بن يحيى، نا عبد الرزاق، أنا ابن جريج، أخبرني عمرو بن دينار، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة، عن عمر بن الخطاب، قال: إذا مس الرجل إبطه فليتوضأ.
ورواه الدارقطني أيضاً (1/150) من طريق سفيان، عن عمرو بن دينار به.
(3) المصنف (1/55) رقم 570.
(534-98) وروى ابن أبي شيبة أيضاً، قال: حدثنا خلف بن خليفة، عن ليث، عن مجاهد،
عن ابن عباس، قال: ليس عليه وضوء في نتف الإبط (1) .
[إسناده ضعيف] (2) .(3/294)
(535-99) وروى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن إدريس، عن هشام،
عن الحسن أنه سئل عن الرجل يمس إبطه، فلم ير به بأساً إلا أن يدميه (1) .
__________
(1) المصنف (1/55) رقم 567.
(2) خلف بن خليفة
قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبى قال: رأيت خلف بن خليفة، وهو كبير، فوضعه إنسان من يده، فلما وضعه صاح - يعنى: من الكبر - فقال له انسان: يا أبا أحمد حدثكم محارب بن دثار، وقص الحديث، فتكلم بكلام خفي، وجعلت لا أفهم، فتركته، ولم أكتب عنه شيئاً. الضعفاء الكبير (2/22) .
وقال ابن سعد: كان ثقة، ثم أصابه الفالج قبل أن يموت، حتى ضعف، وتغير لونه واختلط. الطبقات الكبرى (7/313) .
قلت: روى له مسلم من حديث ابن أبي شيبة عنه، إلا أن الحاكم ذكر في المدخل أن مسلماً إنما أخرج له في الشواهد، وهو كما قال: فقد أخرج له مسلم ثلاثة أحاديث، وهي:
الأول: حديث عمرو بن حريث، قال: صليت خلف النبي b الفجر، فسمعته يقرأ {فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس} [التكوير: 15، 16] وكان لا يحني رجل منا ظهره حتى يستتم ساجداً.
وقد أخرجه مسلم من حديث البراء من طريق آخر.
الحديث الثاني: رواه مسلم من طريق خلف بن خليفة، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: خرج رسول الله b ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله. قال: وأنا والذي نفسي بيده، لأخرجني الذي أخرجكما. ثم ذكر قصة طويلة.
وقد أخرجه مسلم من طريق عبد الواحد بن زياد، حدثنا يزيد بن كيسان به.
الحديث الثالث: رواه مسلم (2844) من طريق خلف بن خليفة، حدثنا يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: كنا مع رسول الله b إذ سمع وجبة، فقال النبي b تدرون ما هذا؟ قال: قلنا الله ورسوله أعلم. قال: هذا حجر رمى به في النار منذ سبعين خريفاً، فهو يهوى في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها.
ورواه مسلم من طريق مروان، عن يزيد بن كيسان به.
وفي الإسناد أيضاً: ليث بن أبي سليم، ضعيف.(3/295)
[إسناده صحيح]
(536-100) وروى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو أسامة، عن ابن عون،
عن محمد، قال: هؤلاء يقولون: من مس إبطه أعاد الوضوء، وأنا لاأقول ذلك، ولا أدري ما هذا (2) .
[إسناده صحيح]
قال ابن حزم: برهان إسقاطنا الوضوء من كل ما ذكرنا، هو أنه لم يأت قرآن ولا سنة ولا إجماع بإيجاب وضوء في شيء من ذلك، ولا شرع الله تعالى على أحد من الإنس والجن إلا من أحد هذه الوجوه، وما عداها فباطل، ولا شرع إلا ما أوجبه الله تبارك وتعالى، وأتانا به رسوله b (3) .(3/296)
الباب الخامس
في الشارب.(3/297)
[صفحة فارغة](3/298)
تمهيد
المسلم مطلوب منه التميز عن غيره من الكفار، ولهذا نهي أن يلبس لباسهم، وأن يوافقهم في الظاهر، لما في ذلك من التشبه فيهم، والتشبه في الظاهر يقود إلى التشبه بالباطن، وفي الحديث: "من تشبه بقوم فهو منهم" (4) .(3/299)
وفي قص الشارب وإحفاؤه تحقيق لجانب من جوانب التميز من جهة، وفيه أيضاً من النظافة ما فيه.
قال ابن دقيق العيد: " في قص الشارب واحفائها وجهان:
أحدهما: مخالفة زي الأعاجم، وقد وردت هذه العلة منصوصة في الصحيح، حيث قال: " خالفوا المجوس ".
والثاني: أن زوالها عن مدخل الطعام والشراب أبلغ في النظافة وأنزه من وضر الطعام (1) .
وقال الشيخ ولي الدين العراقي في شرح سنن أبي داود: " الحكمة في قص الشوارب أمر ديني، وهو مخالفة شعار المجوس في إعفائه، كما ثبت التعليل....
__________
(1) المصنف (1/55) رقم 568.
(2) المصنف (1/55) 569.
(3) المحلى (مسألة: 169) .
(4) أخرجه أحمد (2/50،92) وابن أبي شيبة (6/471) رقم 33016،وعبد بن حميد (848) ، وأبو داود (4031) والطبراني في مسند الشاميين (216) ، والبيهقي في شعب الإيمان (1199) من طريق عبد الرحمن بن ثابت، عن حسان بن عطية، عن أبي منيب الجرشي، عن ابن عمر.
قال الحافظ في الفتح (6/98) : " أبو منيب لا يعرف اسمه، وعبد الرحمن بن ثابت مختلف في توثيقه ". اهـ
بينما قال الحافظ في موضع آخر من الفتح (10/271) : " أخرجه أبو داود بسند حسن ".
وقال أيضاً (10/274) : " وثبت أنه قال: من تشبه بقوم فهو منهم. كما تقدم معلقاً في كتاب الجهاد، من حديث ابن عمر، وصله أبو داود. اهـ
قلت: عبد الرحمن بن ثابت مع كونه مختلفاً فيه، فقد تغير بآخرة، فإسناد حديثه هذا إلى الضعف أقرب.
وله شاهد مرسل، أخرجه ابن أبي شيبة (6/470) رقم 33015، والقضاعي في مسند الشهاب (1/244) رقم 390 من طريق الأوزاعي، عن سعيد بن جبلة، عن طاووس، عن النبي b. قال الحافظ في الفتح (6/98) وله شاهد مرسل بإسناد حسن.
واختلف على الأوزاعي، فروي عنه مرسلاً كما سبق.
ورواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (231) عن أبي أمية الطرسوسي، عن محمد بن وهب بن عطية، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن أبي منيب الجرشي، عن ابن عمر.
والأول أرجح، لأن الوليد بن مسلم مدلس، وقد عنعنه، وهو يدلس أحاديث الأوزاعي خاصة. كما أن شيخ الطحاوي أبا أمية الطرسوسي له أوهام إذا حدث من حفظه، كما أن فيه اختلافاً آخر على الأوزاعي، فقد قال الزيلعي في نصب الراية (4/347) : "أخرجه البزار أيضاً عن صدقة بن عبد الله، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. قال: ولم يتابع صدقة على روايته هذه، وغيره يرويه عن الأوزاعي مرسلا". اهـ
كما رجح رواية الأوزاعي المرسلة أبو حاتم الرازي، كما في العلل لابنه (1/319) .
ورواه معمر بن راشد في كتاب الجامع (20986) عن قتادة، أن عمر رأى رجلاً قد حلق قفاه، ولبس حريراً، فقال: من تشبه بقوم فهو منهم. وهذا مع كونه موقوفاً على عمر، فإنه من رواية معمر، عن قتادة، وفيها كلام.
كما أن في الباب حديث حذيفة مرفوعاً، رواه البزار في مسنده كما في كشف الأستار (144) والطبراني في الأوسط (8/179) رقم 8327 من طريق علي بن غراب، ثنا هشام، عن محمد بن سيرين، عن أبي عبيدة بن حذيفة، عن أبيه مرفوعاً.
قال البزار: لا نعلمه مسنداً إلا عن حذيفة إلا من هذا الوجه، وقد وقفه بعضهم على حذيفة. اهـ(3/300)
به في الصحيح، وأمر دنيوي: وهو تحسين الهيئة، والتنظف مما يعلق به من الدهن، والأشياء التي تلصق بالمحل كالعسل، والأشربة، ونحوها.
وقد يرجع تحسين الهيئة إلى الدين؛ لأنه يؤدي إلى قبول قول صاحبه، وامتثال أمره من أرباب الأمر كالسلطان، والمفتي والخطيب، ونحوهم، ولعل في قوله تعالى: {وصوركم فأحسن صوركم} (2) إشارة إليها، فإنه يناسب الأمر بما يزيد في هذا، كأنه قال: قد أحسن صوركم فلا تشوهوها بما يقبحها، وكذا قوله تعالى حكاية عن إبليس {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} (3) فإن إبقاء ما يشوه الخلقة تغيير لها، لكونه تغييراً لحسنها، ذكر ذلك كله تقي الدين السبكي (4) .
المقصود بالشارب: الشعر النابت على الشفة العليا، واختلف في جانبيه، وهما السبالان:
فقيل: هما من الشارب، فيشرع قصهما.
وقيل: هما من جملة شعر اللحية. ذكر ذلك الحافظ في الفتح، وسيأتي مزيد بحث إن شاء الله عن ذلك.
وقص الشارب: هو الإطار، وهو طرف الشعر المستدير على الشفة (5) .
وقيل: الشارب: اسم لمحل الشعر، كما ذكره في التحقيق.(3/301)
[صفحة فارغة](3/302)
الفصل الأول
حكم قص الشارب
الفصل الأول
حكم قص الشارب
اختلف الفقهاء في قص الشارب
فقيل: سنة، وهو مذهب جمهور الفقهاء (1) .
وقيل: فرض، وهو اختيار ابن حزم (2) ، وابن العربي (3) والشوكاني
دليل القائلين بالوجوب.
الدليل الأول:
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإحفاء الشوارب، والأصل في الأمر
__________
(1) إحكام الأحكام (1/124) .
(2) غافر: 64.
(3) النساء: 119.
(4) تنقيح الفتاوى الحامدية (2/330) .
(5) الفواكه الدواني (2/305) .(3/303)
الوجوب، قال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم} (4) .
(537-101) فقد روى البخاري، قال: حدثنا محمد بن منهال، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا عمر بن محمد بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي b قال: خالفوا المشركين: وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب. وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر، قبض على لحيته فما فضل أخذه. وهو في مسلم دون الموقوف على ابن عمر (1) .
وفي رواية للبخاري: " أنهكوا الشوارب " (2) .
وفي رواية لمسلم: " أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى " (3) .
(538-102) وروى مسلم، قال: حدثني أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا ابن أبي مريم، أخبرنا محمد بن جعفر، أخبرني العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة، عن أبيه،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله b: جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس (4) .
(539-103) وروى مسلم، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، عن مالك بن أنس، عن أبي بكر بن نافع، عن أبيه،
__________
(1) انظر مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر من الحنفية (2/556) . وحكى الإجماع على أنه سنة ابن عابدين في حاشيته (6/407) وقال النووي الشافعي في المجموع (1/340) : " وأما قص الشارب فمتفق على أنه سنة " اهـ.
وقال العراقي في طرح التثريب (2/76) : " فيه استحباب قص الشارب، وهو مجمع على استحبابه، وذهب بعض الظاهرية إلى وجوبه ".
قلت: إذا كان بعض الظاهرية قد ذهبوا إلى الوجوب فكيف يقال: متفق عل استحبابه، إلا إذا كان على قول من لا يعتد بخلاف الظاهرية، وقد أجبت عن هذا القول، وبينت ضعفه. وانظر حاشية الجمل (5/267) .
وقال الشوكاني في نيل الأوطار (1/142) : قص الشارب سنة بالاتفاق!! وهو ممن يعتد بخلاف الظاهرية، إلا أنه في بعض الأحيان يتابع النووي، عليهما رحمة الله.
وقال ابن مفلح الحنبلي في الفروع (1/130) : " أطلق أصحابنا وغيرهم الاستحباب " أي في قص الشارب. اهـ وانظر كشاف القناع (1/75) ، ومطالب أولي النهى (1/85) .
(2) المحلى (1/423) . وقال ابن مفلح في الفروع (1/130) : وذكر ابن حزم الإجماع أن قص الشارب، وإعفاء اللحية فرض ".
(3) نقله عنه الصنعاني في العدة شرح العمدة (1/351) .
(4) النور: 63(3/304)
عن ابن عمر، عن النبي b أنه أمر بإحفاء الشوارب، وإعفاء اللحية (5) .
وإذا كان إعفاء اللحية واجباً، كان قص الشارب كذلك.
ووجه آخر دليل على الوجوب أن قوله b في الحديث: " خالفوا المشركين " وقوله b: " خالفوا المجوس " هذه الصيغة تقتضي التحريم؛ لأن التشبه بالمشركين لا يجوز، فلما أمر بإحفاء الشارب، وقرن ذلك بمخالفة أهل الشرك والضلال تأكد الوجوب.
الدليل الثاني:
(540-104) ما رواه أحمد، قال: ثنا يحيى، عن يوسف بن صهيب (ح) ووكيع، ثنا يوسف، عن حبيب بن يسار،
عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه عن النبي b قال: من لم يأخذ من شاربه فليس منا (6) .
[إسناده صحيح] (7) .
فهذا الحديث يدل على أن الأخذ من الشارب واجب، بل لو قيل: إن تاركه مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب لم يكن بعيداً لهذا الوعيد.
دليل القائلين بان قص الشارب سنة.
حملوا الأمر في الأحاديث على الاستحباب، ولا أعلم لهم صارفاً مقبولاً.
__________
(1) صحيح البخاري (5892) ، ومسلم (259) .
(2) صحيح البخاري (5893) .
(3) صحيح مسلم (259) .
(4) مسلم (260) .
(5) صحيح مسلم (259) .
(6) مسند أحمد (4/366،368) .
(7) رجاله كلهم ثقات، وسبق الكلام عليه.
وحملوا حديث: " من لم يأخذ من شاربه فليس منا " حملوه على..(3/305)
حديث: " من لم يتغن بالقرآن فليس منا " أي ليس على طريقتنا، وسنتنا. وقد أجبت عن ذلك فيما سبق في باب الاستحداد.(3/306)
الفصل الثاني
هل يقص الشارب أو يحلق؟
الفصل الثاني
هل يقص الشارب أو يحلق
اختلف الفقهاء في قص الشارب وحلقه.
فقيل: يقص، ولا يحلق، وهو مذهب المالكية (1) ، والشافعية (2) ، وقول في مذهب أحمد (3) .
قال مالك: أرى أن يؤدب من حلق شاربه، وقال أيضاً: حلقه من البدع، وكان يرى أن حلقه مثلة (4) .
__________
(1) الفواكه الدواني (2/305) ، وفي المنتقى للباجي (7/232) : " قال مالك: يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف الشفة، وهو الإطار، ولا يجزه فيمثل بنفسه " اهـ، وانظر حاشية العدوي (2/442) .
(2) وانظر طرح التثريب (2/76) ، وتحفة المحتاج (9/375) ، مغني المحتاج (6/144) ، حاشية الجمل (2/48) ، نهاية المحتاج (8/148) .
قال النووي في المجموع (1/340) : " ثم ضابط قص الشارب أن يقص حتى يبدو طرف الشفة، ولا يحفه من أصله. هذا مذهبنا " اهـ.
قال الطحاوي: لم أر عن الشافعي شيئاً منصوصاً، وأصحابه الذين رأيناهم كالمزني والربيع كانوا يحفون، وما أظنهم أخذوا ذلك إلا عنه، وكان أبو حنيفة وأصحابه يقولون الإحفاء أفضل من التقصير، ثم قال الحافظ ابن حجر: وأغرب ابن العربي، فنقل عن الشافعي أنه يستحب حلق الشارب، وليس ذلك معروفاً عند أصحابه. اهـ نقلاً من فتح الباري (10/347) .
(3) الإنصاف (1/121،122) .
(4) المنتقى (7/266) .
وقيل: الحف أولى من القص، قال الطحاوي: وهو مذهب أبي حنيفة،(3/307)
وأبي يوسف (1) ، وهو رواية عن أحمد (2) .
وقيل: يخير بين القص والإحفاء، وهو مذهب الإمام الطبري (3) .
دليل من قال: السنة قص الشارب.
الدليل الأول:
(541-105) ما رواه البخاري، قال: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب،
عن أبي هريرة رضي الله عنه سمعت النبي b يقول: الفطرة خمس، الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الآباط (4) .
الدليل الثاني:
(542-106) روى مسلم في صحيحه، قال: حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد كلاهما، عن جعفر - قال يحيى أخبرنا جعفر بن سليمان - عن أبي عمران الجوني، عن أنس بن مالك قال: وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة (5) .(3/308)
الدليل الثالث:
(543-107) ما رواه أحمد، قال: ثنا يحيى، عن يوسف بن صهيب (ح) ووكيع، ثنا يوسف، عن حبيب بن يسار،
عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه عن النبي b قال: من لم يأخذ من شاربه فليس منا (6) .
[إسناده صحيح] (7) .
الدليل الرابع:
__________
(1) قال الطحاوي بعد أن ذكر الآثار في الموضوع (4/230) : " فثبتت الآثار كلها التي رويناها في هذا الباب، ولا تضاد، ويجب بثبوتها أن الإحفاء أفضل من القص، ثم قال: " حكم الشارب، قصه حسن، وإحفاؤه أحسن وأفضل. وهذا مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف، ومحمد " وانظر الفتاوى الهندية (4/230،231) ، وددر الحكام شرح غرر الأحكام (1/323) .
(2) الإنصاف (1/121،122) ، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (1/85) .
(3) فتح الباري (10/347) .
(4) صحيح البخاري (5891) ، ومسلم (257) .
(5) صحيح مسلم (258) . وقد سبق تخريجه.
(6) مسند أحمد (4/366،368) .
(7) رجاله كلهم ثقات، وسبق الكلام عليه.
(544-108) روى أبو داود الطيالسي، قال: قال حدثنا المسعودي، قال: أخبرني أبو عون الثقفي محمد بن عبد الله (1) ،
عن المغيرة بن شعبة أن النبي b رأى رجلا طويل الشارب، فدعا بسواك وشفرة، فوضع السواك تحت الشارب فقص عليه (2) .
[لم أقف على سماع أبي عون من المغيرة، فإن ثبت فالحديث صحيح، وقد تابع أبا دواد عمرو بن مرزوق، وهو ممن سمع من المسعودي قبل أختلاطه، والله أعلم] (3) .(3/309)
__________
(1) الصواب: محمد بن عبيد الله أبو عون الثقفي..
(2) مسند أبي داود الطيالسي (698) ، ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1/150) .
(3) وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/229) من طريق عبد الرحمن بن زياد، قال: ثنا المسعودي به. والمسعودي قد اختلط، وأبو داود الطيالسي ممن سمع منه بعد الاختلاط، وتابعه هاشم بن القاسم وهو ممن سمع منه بعد الاختلاط، لكن رواه عنه عمرو بن مرزوق البصري، وهو ممن سمع منه قبل الاختلاط.، انظر الكواكب النيرات رقم: 35.
فقد أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (5/222) قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز، ثنا أحمد بن الخليل البرجلاني، ثنا أبو النضر هاشم بن القاسم، ثنا المسعودي.
وأنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المقرئ، أنا الحسن بن محمد بن إسحاق، ثنا يوسف بن يعقوب القاضي، ثنا عمرو بن مرزوق، أنا المسعودي به.
ـ وأبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران
قال الخطيب: كتبنا عنه، وكان صدوقاً حسن الأخلاق، تام المروءة، ظاهر الديانة. تاريخ بغداد (12/98،99) .
ـ أبو جعفر الرزاز، ثقة. انظر تاريخ بغداد (3/132) ، السير (15/385) .
ـ أحمد بن الخليل البرجلاني: قال الخطيب: كان ثقة. تاريخ بغداد (4/133) .
ـ أبو النضر هاشم بن القاسم من رجال الجماعة، ثقة ثبت، فالإسناد الأول إلى المسعودي حسن لذاته. وبقية رجال الإسناد ثقات.
وأما تراجم إسناد الطريق الثاني عند البيهقي، فإليك هو:
ـ أبو الحسن المقري هو علي بن محمد بن علي بن حسين بن السقا الإسفراييني.
قال الذهبي: هو الإمام الحافظ الناقد من أولاد أئمة الحديث، سمع الكتب الكبار، وأملى وصنف. سير أعلام النبلاء (17/305) .
ـ الحسن بن محمد بن إسحاق: ثقة، روى عنه الحاكم، وقال: كان محدث عصره، ومن أجود الناس أصولاً. انظر سير أعلام النبلاء (15/535) و (16/50) .
ـ يوسف بن يعقوب القاضي. قال الذهبي: هو الإمام الحافظ الفقيه الكبير الثقة القاضي، أبو محمد البصري، من أحفاد حماد بن زيد، صاحب التصانيف، ولي قضاء البصرة وواسط. سير أعلام النبلاء (14/85) وتذكرة الحفاظ (2 /660) ، وتاريخ بغداد (4/310) .
ـ عمرو بن مرزوق: قال الحافظ: ثقة، فاضل، له أوهام. قلت: قد تابعه أكثر من واحد. فالإسناد هذا صحيح إلى المسعودي.(3/310)
وروى البيهقي في الشعب أيضاً (5/222) رقم 6447 قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أنا أبو جعفر الرزاز، ثنا يحيى بن جعفر، ثنا إسحاق بن منصور، ثنا غالب بن نجيح، عن جامع بن شداد، عن المغيرة بن عبد الله، عن المغيرة بن شعبة، قال: تسحرت مع النبي b، فكان لحم، وكان يقطعه بالعنزة، فقال: لقد وفي شاربك يا مغيرة فَقَصَ لي منه على سواك.
والحديث رجاله ثقات إلا غالب بن نجيح، لم يوثقه إلا ابن حبان. الثقات (7/309) . وفي التقريب: مقبول. يعني إن توبع، وإلا فلين.
ثم وجدته قد أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/230) من طريقين عن سفيان، عن مسعر، عن أبي صخرة جامع بن شداد المحاربي به. وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات.
الدليل الخامس
(545-109) روى أحمد، قال: ثنا هشيم، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه،
عن أبي هريرة، يعني: عن النبي b قصوا الشوارب واعفوا اللحى (1) .
[إسناده حسن إن شاء الله] (2) .(3/311)
الدليل السادس:
(546-110) روى الطبراني في المعجم الكبير، قال: حدثنا عبدان بن أحمد، ثنا الفضل بن سهل الأعرج، ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا الحسن بن صالح عن سماك بن حرب، عن عكرمة،
عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي b كان يقص شاربه، وأن إبراهيم الخليل كان يقص شاربه (3) .
[إسناده ضعيف، واختلف في رفعه ووقفه] (4) .(3/312)
__________
(1) المسند (2/229) .
(2) فيه عمر بن أبي سلمة، قال الحافظ: صدوق يخطئ. وأخرجه أحمد (2/356) حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة به. بلفظ: أعفوا اللحى، وخذوا من الشوارب، وغيروا شيبكم، ولا تشبهوا باليهود والنصارى.
وقد أخرجه الطحاوي (4/230) وابن عدي في الكامل (5/41) من طريق هشيم به.
وقد توبع عمر بن أبي سلمة، فزال ما يخشى من خطئه، فقد روى مسلم، قال: حدثني أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا ابن أبي مريم، أخبرنا محمد بن جعفر، أخبرني العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله b: جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس.
وأخرجه الطبراني في الصغير (2/75) من طريق سليمان بن داود اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي b قال: أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى.
قال الطبراني: لم يروه عن يحيى بن أبي كثير إلا سليمان. اهـ
قلت: هو إسناد ضعيف جداً، فيه سليمان بن داود اليمامي.
قال البخاري: منكر الحديث. التاريخ الكبير (4/11) .
وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث، منكر الحديث، ما أعلم له حديث صحيحاً. الجرح والتعديل (4/110) .
(3) المعجم الكبير (11725) .
(4) الحديث مداره على يحيى بن أبي بكير، عن الحسن بن صالح، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس.
ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/230) من طريق محمد بن علي بن محرز، عن يحيى بن أبي بكير به، إلا أنه قال: يجز شاربه، بدلا من يقص شاربه.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (21/63) : روى الحسن بن صالح، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقص شاربه، ويذكر أن إبراهيم كان يقص شاربه. وروته طائفة منهم زائدة، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس موقوفاً.
قلت: قد توبع الحسن بن صالح في رفعه، فقد روى الطبراني (11724) في المعجم الكبير، قال: حدثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني، ثنا إسماعيل بن عمرو البجلي، ثنا إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن عكرمة،
عن ابن عباس قال قال رسول الله b: أوفوا اللحى وقصوا الشوارب، قال: وكان إبراهيم خليل الرحمن يوفي لحيته ويقص شاربه.
ولعل التخليط من سماك، فإن روايته عن عكرمة مضطربة. والله أعلم.
وروى عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس بلفظ أخر، فقد قال ابن أبي حاتم في العلل (2/272) : سألت أبي عن حديث رواه بعض أصحاب زائدة، عن زائدة، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي b قال: قص الشارب من الدين.
قال أبي: حدثناه أحمد بن يونس، عن زائدة موقوف بهذا الإسناد، وهو أصح ممن يرفعه.
الدليل السابع:
(547-111) روى البيهقي، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو زكريا العنبري، ثنا: محمد بن عبد السلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا عبدالرزاق، ثنا: معمر عن عبد الله بن طاووس، عن أبيه،
عن ابن عباس في قوله عز وجل: {وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} (1) ، قال: ابتلاه الله عز وجل بالطهارة، خمس في الرأس وخمس في الجسد: في الرأس قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس. وفي الجسد: تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل مكان الغائط والبول بالماء.
[وإسناده صحيح] (2)(3/313)
الدليل الثامن:
(548-112) روى مسلم في صحيحه، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب، قالوا: حدثنا وكيع، عن زكريا بن أبي زائدة، عن مصعب بن شيبة، عن طلق بن حبيب، عن عبد الله بن الزبير،
عن عائشة، قالت: قال رسول الله b: عشر من الفطرة، قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء. قال زكريا: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة، زاد قتيبة: قال وكيع انتقاص الماء يعني الاستنجاء.
[المحفوظ أنه من قول طلق، ورفعه شاذ] (3) .
الدليل التاسع
(549-113) روى ابن أبي شيبة قال: نا ابن نمير، عن عبد الملك، عن عطاء،
عن ابن عباس قال: التفث: الرمي والذبح والحلق والتقصير والأخذ من الشارب والأظفار واللحية.
__________
(1) البقرة: 124.
(2) سنن البيهقي (1/149) . وسبق تخريجه.
(3) مسلم (261) وسبق تخريجه في كتاب السواك.
[رجاله ثقات] (1) .(3/314)
الدليل العاشر
(550-114) روى مالك في الموطأ، قال: عن يحيى بن سعيد،
عن سعيد بن المسيب أنه قال: كان إبراهيم b أول الناس ضيف الضيف، وأول الناس اختتن، وأول الناس قص الشارب، وأول الناس رأى الشيب، فقال: يا رب ما هذا؟ فقال: الله تبارك وتعالى: وقاراً ياإبراهيم فقال: رب زدني وقاراً.
قال يحيى: وسمعت مالكا يقول: يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف الشفة، وهو الإطار، ولا يجزه فيمثل بنفسه (2) .
[رجاله ثقات، إلا أنه موقوف على سعيد] (3) .
الدليل الحادي عشر:
(551-115) روى الطبراني في الأوسط، قال: حدثنا هيثم بن خلف، ثنا الحسن بن حماد الوراق، ثنا أبو يحيى الحماني، عن يوسف بن ميمون، عن عطاء،
عن ابن عباس، قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، قال: إن الله ورسوله حرم عليكم شرب الخمر، وثمنها، وحرم عليكم أكل الميتة، وثمنها، وحرم عليكم الخنازير وأكلها وثمنها، وقال: قصوا الشوارب، وأعفوا اللحى، ولا تمشوا في الأسواق إلا وعليكم الأزر، إنه ليس منا من(3/315)
عمل سنة غيرنا (4) .
[إسناده ضعيف] (5) .
__________
(1) المصنف (3/429) رقم 15673. ورواه المحاملي في الأمالي (ص: 163) رقم 135 ثنا الحسين بن محمود بن خداش، قال: حدثنا هشيم، عن عبد الملك، عن عطاء، عن ابن عباس، أنه قال في قوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم} قال: التفث: حلق الرأس وأخذ الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة وقص الأظفار، والأخذ من العارضين ورمي الجمار، والموقف بعرفة ومزدلفة. وعبد الملك: هو ابن أبي سليمان ثقة، وهشيم وإن كان قد عنعن إلا أنه توبع. والله أعلم.
(2) الموطأ (2/922) .
(3) سبق تخريجه في باب الختان. وقد روى مرفوعاً، ولا أظنه محفوظاً.
(4) الأوسط (9/162) ، ورواه الطبراني في الكبر (11/152) حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا الحسن بن حماد به.
(5) فيه يوسف بن ميمون.
قال البخاري: منكر الحديث جداً. التاريخ الكبير (8/384) .
وقال أبو طالب:: قال أحمد بن حنبل: يوسف بن ميمون الصباغ ضعيف، ليس بشيء. الجرح والتعديل (9/230) .
وقال ابن أبي حاتم: سئل أبي عن يوسف بن ميمون الصباغ، فقال: ليس بالقوي منكر الحديث جدا ضعيف. المرجع السابق.
وقال ابن عدي بعد أن ساق جملة من أحاديثه، قال: وهذه الأحاديث مع ما لم اذكرها ليوسف الصباغ ما أرى بها بأساً. الكامل (7/165) .
وقال أبو زرعة: واهي الحديث. تهذيب الكمال (32/468) .
وقال الدارقطني: ضعيف. المرجع السابق. وفي التقريب: ضعيف.
وفيه أبو يحيى الحماني: مختلف فيه.
وفي التقريب: صدوق يخطئ. قال الهميثمي في مجمع الزوائد (5/91) رواه الطبراني في الأوسط بطوله، وفي الكبير باختصار، وفيه يوسف بن ميمون، وثقه ابن حبان، وضعفه الأئمة أحمد وغيره.
الدليل الثاني عشر:
(552-116) روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا عائد بن حبيب، عن أشعث، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: كنا نؤمر أن نوفي السبال، ونأخذ من الشوارب (1) .(3/316)
[إسناده ضعيف] (2) .
الدليل الثالث عشر:
(553-117) روى البيهقي، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا عبيد بن شريك، ثنا عبد الوهاب بن نجدة، ثنا إسماعيل بن عياش، ثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني، قال: رأيت خمسة من أصحاب رسول الله b يقصون شواربهم، ويعفون لحاهم، ويصفرونها: أبو أمامة الباهلي وعبد الله بن بسر وعتبة بن عبد السلمي والحجاج بن عامر الثمالي والمقدام بن معد يكرب الكندي، كانوا يقصون شواربهم مع طرف الشفة (3) .
[إسناده حسن، وابن عياش روايته عن أهل بلده حسنة] (4) .(3/317)
الدليل الرابع عشر:
__________
(1) المصنف (5/227) رقم 25504.
(2) فيه أشعب بن سوار الكندي، وهو ضعيف، كما أن فيه عنعنة أبي الزبير لمن عده مدلساً.
(3) سنن البيهقي الكبرى (1/151) .
(4) دراسة الإسناد:
ـ أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان ثقة، انظر تاريخ بغداد (11/329) .
ـ أحمد بن عبيد الصفار. ثقة. انظر السير (15/441) ، تاريخ بغداد (4/261) .
ـ عبيد بن شريك، هو عبيد بن عبد الوحد بن شريك: قال الذهبي: كان ثقة صدوقاً. سير أعلام النبلاء (13/358) ، وتاريخ بغداد (11/99،100) .
ـ عبد الوهاب بن نجدة، قال الحافظ في التقريب: ثقة من العاشرة.
ـ إسماعيل بن عياش، صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلط في غيرهم.
قلت: هذا الحديث من روايته عن أهل بلده، فإن شرحبيل بن مسلم شامي. وبناء عليه يكون الإسناد حسناً إن شاء الله تعالى. والله أعلم.
(554-118) روى الطبراني، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا إسحاق بن عيسى الطباع، قال: رأيت مالك بن أنس وافر الشارب، فسألته عن ذلك، فقال: حدثني زيد بن أسلم، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، أن عمر بن الخطاب كان إذا غضب فتل شاربه ونفخ (1) .
[رجاله ثقات إلا إسحاق بن عيسى فإنه صدوق، ولكن إسناده منقطع، عامر بن عبد الله لم يدرك عمر] (2) .
دليل من قال: السنة الحلق.
الدليل الأول:
(555-119) روى البخاري، قال: حدثنا محمد بن منهال، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا عمر بن محمد بن زيد، عن نافع،
عن ابن عمر، عن النبي b قال: خالفوا المشركين: وفروا اللحى، واحفوا الشوارب. وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر، قبض على لحيته فما فضل أخذه، وهو في مسلم دون الموقوف (3) .
وفي رواية للبخاري: " أنهكوا الشوارب " (4) .
وفي رواية لمسلم: " أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى " (5) .(3/318)
الدليل الثاني:
(556-120) وروى مسلم، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، عن مالك بن أنس، عن أبي بكر بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، عن النبي b أنه أمر بإحفاء الشوارب، وإعفاء اللحية (6) .
الدليل الثالث:
(557-121) روى مسلم، قال: حدثني أبو بكر بن إسحاق أخبرنا بن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر أخبرني العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله b: جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس (7) .
قوله: " جزوا " محتمل للحف، وللقص.
__________
(1) المعجم الكبير (1/66) رقم 54.
(2) قال الهيثمي (5/166) : " رجاله رجال الصحيح خلا عبد الله بن أحمد وهو ثقة مأمون إلا أن عامر بن عبد الله بن الزبير لم يدرك عمر. اهـ
(3) صحيح البخاري (5892) .
(4) صحيح البخاري (5893) .
(5) صحيح مسلم (259) .
(6) صحيح مسلم (259) .
(7) صحيح مسلم (260) .
قال الطحاوي: يحتمل أن يكون جزاً معه الإحفاء، ويحتمل أن يكون ما دون ذلك (1) .
الدليل الرابع:
(558-122) سروى ابن حبان في صحيحه، قال: أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا ابن أبي أويس، حدثنا أخي، عن سليمان بن بلال، عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن،
عن أبي هريرة، أن رسول الله b قال: إن فطرة الإسلام الغسل يوم(3/319)
الجمعة، والاستنان، وأخذ الشارب وإعفاء اللحى، فإن المجوس تعفي شواربها وتحفي لحاها، فخالفوهم، حدوا شواربكم واعفوا لحاكم (2) .
[إسناده ضعيف] (3) .
وجه الاستدلال منه قوله: " حدوا شواربكم "
الدليل الخامس:
(559-123) روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا عبدة بن سليمان،
عن عثمان الحاطبي، قال: رأيت ابن عمر يحفي شاربه.
[إسناده فيه لين، وهو ثابت عنه من فعله رضي الله عنه] (4) ...(3/320)
__________
(1) شرح معاني الآثار (4/230) .
(2) صحيح ابن حبان (1221) .
(3) فيه إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس، روى عنه الشيخان
جاء في التهذيب: قال أبو طالب، عن أحمد: لا بأس به، وكذا قال عثمان الدارمي، عن ابن معين.
وقال ابن أبي خيثمة عنه: صدوق، ضعيف العقل، ليس بذاك - يعني أنه لا يحسن الحديث ولا يعرف أن يؤديه أو يقرأ من غير كتابه.
وقال معاوية بن صالح عنه: هو وأبوه ضعيفان.
وقال إبراهيم بن الجنيد، عن يحيى: مخلط يكذب ليس بشيء.
وقال أبو حاتم: محله الصدق، وكان مغفلاً.
وقال النسائي: ضعيف. وقال في موضع آخر: غير ثقة.
وقال اللالكائي: بالغ النسائي في الكلام عليه إلى أن يؤدي إلى تركه، ولعله بان له ما لم يبن لغيره؛ لأن كلام هؤلاء كلهم يؤول إلى أنه ضعيف.
وقال ابن عدي: روى عن خاله أحاديث غرائب لا يتابعه عليها أحد. انظر تهذيب التهذيب (1/271) .
(4) المصنف (5/226) رقم 25494. فيه عثمان بن إبرهيم الحاطبي، لم يرو عنه أحد من أصحاب الكتب الستة.
قال ابن أبي حاتم: سألت أبى عنه، فقال: روى ابنه عبد الرحمن أحاديث منكرة. قلت: فما حاله؟ قال: يكتب حديثه، وهو شيخ. الجرح والتعديل (6/144) .
ذكره ابن حبان في الثقات (5/154) .
روى البخاري معلقا بصيغة الجزم، فهو صحيح عنده: قال: وكان ابن عمر يحفي شاربه حتى ينظر إلى بياض الجلد، ويأخذ هذين: يعني: بين الشارب واللحية.: باب قص الشارب. وانظر إلى الأثر التالي.
الدليل السادس:
(560-124) روى ابن أبي شيبة أيضاً، قال: حدثنا كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن حبيب، قال: رأيت ابن عمر قد جز شاربه كأنه قد حلقه (1) .
[إسناده حسن إن ثبت سماع حبيب بن أبي مرزوق من ابن عمر]
الدليل السابع:
(561-125) روى الطبراني في الكبير، قال: حدثنا يحيى بن أيوب العلاف المصري، ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا إبراهيم بن سويد، حدثني عثمان بن عبيد الله بن رافع، أنه رأى أبا سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وعبدالله بن عمر، وسلمة بن الأكوع، وأبا أسيد البدري، ورافع بن خديج، وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهم يأخذون من الشوارب كأخذ الحلق، ويعفون اللحى وينتفون الآباط (2) .(3/321)
[شيخ الطبراني صدوق، وعثمان بن عبيد الله بن رافع لم يذكر فيه شيء، وبقية رجاله ثقات] (3) .(3/322)
__________
(1) المصنف رقم 25495، وقد قال هنا: رأيت ابن عمر، ولم يذكر المزي في تهذيبه ابن عمر، وإنما ذكر نافعاً فقط، فيتأمل. والله أعلم.
(2) المعجم الكبير (1/241) 668.
(3) دراسة الإسناد:
يحيى بن أيوب العلاف روى عنه النسائي والطبراني والطحاوي، وقال النسائي: صالح. تهذيب الكمال (31/230) .
وقال الذهبي: صدوق. الكاشف (6135) . وكذا قال الحافظ في التقريب.
ـ سعيد بن أبي مريم:
قال حسين بن الحسن الرازي: سألت أحمد بن حنبل عمن اكتب بمصر، فقال: عن ابن أبى مريم. الجرح والتعديل (4/13) .
وقال ابن أبي حاتم: سئل أبى عنه، فقال: ثقة. المرجع السابق.
قال أبو داود: ابن أبي مريم عندي حجة. تهذيب الكمال (4/16) .
ـ إبراهيم بن سويد:
قال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين: ثقة. الجرح والتعديل (2/104) .
وسئل أبو زرعة عن إبراهيم بن سويد، فقال: ليس به بأس. المرجع السابق.
وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أتى بمناكير. الثقات (6/12) .
وفي التقريب: ثقة يغرب.
ـ عثمان بن عبيد الله بن رافع:
ذكره ابن أبي حاتم، وسكت عليه. الجرح والتعديل (6/156) ، وانظر التاريخ الكبير (6/232) .
وذكره ابن حبان في الثقات (7/190) . قال الهيثمي في المجمع (5/166) : " عثمان هذا لم أعرفه، وبقية أحد الأسنادين رجاله رجال الصحيح.
والحديث أخرجه الطبراني أيضاً (6217) قال: حدثنا الحسن بن علي المعمري، ثنا إسحاق بن موسى الأنصاري، ثنا عاصم بن عبد العزيز الأشجعي، ثنا عثمان بن عبد الله بن رافع، أنه رأى عبد الله بن عمر وأبا سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وأبا أسيد الساعدي وأنس بن مالك ورافع بن خديج وسلمة بن الأكوع يحفون الشوارب حفا، وينتفون الآباط ويقصون الأظفار.
فالحديث رواه إبراهيم بن سويد وعاصم بن عبد العزيز الأشجعي عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع، وقيل: عثمان بن عبد الله بن رافع. وخالفهم محمد بن عجلان، فقد رواه البيهقي في السنن الكبرى (1/151) قال: أخبرنا أبو طاهر الفقيه، أخبرنا أبو بكر القطان، ثنا أحمد بن يونس، ثنا الفريابي، ثنا سفيان، عن محمد بن عجلان، عن عبيدالله بن أبي رافع، قال: رأيت أبا سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وابن عمر ورافع بن خديج وأبا أسيد الأنصاري وابن الأكوع وأبا رافع ينهكون شواربهم حتى الحلق.
قال الإمام أحمد: كذا وجدته، وقال غيره: عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع، وقيل: ابن رافع
الدليل الثامن:
(562-126) روى الطبراني في الأوسط، قال: حدثنا محمد بن أبان، نا أحمد بن علي بن شوذب، ثنا أبو المسيب سلام بن مسلم، نا ليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه،
عن جده، أظنه مرفوعاً: " قال: ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وإن تسليم النصارى بالأكف، ولا تقصوا النواصي، وأحفوا الشوارب، ولا تمشوا في المساجد والأسواق، وعليكم القمص إلا وتحتها الأزر (1) .
[سلام بن مسلم إن كان الطويل فهو متروك] (2) .(3/323)
دليل من قال بالتخيير بين الحلق والقص
استدل بأدلة الفريقين، وأعمل أدلة كل قول، فرأى أن الأمر واسع إن شاء قصر، وإن شاء حلق.
جواب القائلين بأن السنة القص.
قال ابن عبد البر: في هذا الباب أصلان:
أحدهما: أحفوا الشوارب، وهو لفظ مجمل، محتمل للتأويل.
__________
(1) الأوسط (7/238) .
(2) لم أقف على كنية سلام بن مسلم حتى أجزم باسمه، وقد وقفت على رجل اسمه سلم بن سلام، وكنيته أبو المسيب كهذا، فإن كان انقلب اسمه فإن سلم بن سلام فيه لين، وهو من رجال التهذيب، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، ولم يذكر فيه شيئاً. الجرح والتعديل (4/268) .
ولا أعلم أحداً وثقه، وفي التقريب: مقبول. فالإسناد ضعيف.
وقال الهيثمي في المجمع (8/39) : رواه الطبراني في الأوسط، وفيه من لم أعرفه.
ـ أحمد بن علي بن شوذب الواسطي، له ذكر في تاريخ واسط ـ بحشل (2/250) . وذكره المزي من تلاميذ الحارث بن منصور. تهذيب الكمال (5/287) . ومن تلاميذ يعقوب بن محمد بن عيسى بن عبد الملك بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي أبو يوسف المدني. تهذيب الكمال (32/367) .
والثاني: قص الشارب، وهو مفسر، والمفسر يقضي على المجمل مع ما روي فيه أن إبراهيم أول من قص شاربه، وقال رسول الله b قص الشارب من الفطرة: يعني: فطرة الإسلام، وهو عمل أهل المدينة، وهو أولى ما قيل به في هذا الباب. والله الموفق للصواب.
وأجابوا عن الإحفاء الوادر في الحديث:
روى ابن القاسم عن مالك، أن تفسير حديث النبي b في إحفاء الشوارب إنما هو أن يبدو الإطار، وهو ما احمر من طرف الشفة والإطار جوانب الفم المحدقة به. اهـ
وقوله b: " انهكوا الشوارب " لا حجة فيه؛ لأن إنهاك الشيء لا(3/324)
يقتضي إزالة جميعه، وإنما يقتضي إزالة بعضه. قال: صاحب الأفعال: نهكته الحمى نهكاً: أثرت فيه، وكذلك العبادة (1) .
جواب القائلين بالحلق.
قال الطحاوي: رأينا الحلق قد أمر به في الإحرام، ورخص في التقصير فكان الحلق أفضل من التقصير، وكان التقصير من شاء فعله ومن شاء زاد عليه، إلا أنه يكون بزيادته عليه أعظم أجرا ممن قص، فالنظر على ذلك أن يكون كذلك حكم الشارب، قصه حسن وإحفاؤه أحسن وأفضل (2) .
وقال أيضاً: وما احتج به مالك أن عمر كان يفتل شاربه إذا غضب أو اهتم، فجائز أن يكون كان يتركه حتى يمكن فتله، ثم يحلقه كما ترى كثيراً من الناس يفعله (3) .
وقال أيضاً: " وأما حديث المغيرة، فليس فيه دليل على شيء؛ لأنه يجوز أن يكون النبي b فعل ذلك، ولم يكن بحضرته مقراض يقدر على إحفاء الشارب.
وقال أيضاً: " فهؤلاء أصحاب رسول الله b قد كانوا يحفون شواربهم، وفيهم أبو هريرة، وهو ممن روينا عنه، عن رسول الله b أنه قال: " من الفطرة قص الشارب ".
__________
(1) المنتقى شرح الموطأ (7/264) .
(2) شرح معاني الآثار (4/231) .
(3) نقله عنه ابن عبد البر في التمهيد (21/66) .
ويحتمل أن حديث: " من الفطرة قص الشارب " يحتمل أن تكون الفطرة هي التي لا بد منها، وهي قص الشارب، وما سوى ذلك فضل(3/325)
حسن، وأن مابعد ذلك من الإحفاء هو أفضل، وفيه من إصابة الخير ما ليس في القص (1) .
الراجح والله أعلم جواز الحلق والتقصير، وإن كان التقصير عندي أولى، لأن أحاديثه أكثر وأصح، ولأنه b فعله كما في حديث المغيرة، وقد كان رسول الله b يستطيع أن ينهكه أكثر مما فعل مما يدل على أن التقصير حتى تظهر الشفة أفضل، والله أعلم.(3/326)
فرع
كلام أهل العلم في السبالين
فرع
كلام أهل العلم في السبالين
اختلف أهل العلم في السبال (2) ،
فقيل: يكره بقاء السبال، وهو الراجح في مذهب الحنفية، واختاره العراقي من الشافعية، والمشهور من مذهب الحنابلة أنه يسن قصهما (3) .
وقيل: لا بأس بترك سباليه، اختاره الغزالي وعليه أكثر الشافعية (4) ،
سبب الخلاف اختلافهم هل السبالان من اللحية أو الشارب.
فمن قال: هما من الشارب استحب قصهما إسوة بالشارب.
ومن قال: هما من اللحية: قال بتركهما.
دليل من قال بقص السبالين.
الدليل الأول:
(563-127) روى أبو داود، قال: حدثنا ابن نفيل، ثنا زهير، قرأت على عبد الملك بن أبي سليمان، وقرأه عبد الملك على أبي الزبير، ورواه أبو الزبير،
عن جابر قال كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة (5) .(3/327)
__________
(1) شرح معاني الآثار (4/233) ببعض التصرف اليسير.
(2) السبالان: تثنية سبال، بكسر السين، بمعنى المسبول: وهما طرفا الشارب، وقيل: السبال: هي اللحية. وقيل: مشترك بينهما، وسيأتي تعريفه مفصلاً في الفصل الخاص بالأخذ من اللحية.
(3) مطالب أولي النهى (1/86) .
(4) مغني المحتاج (1/144) ، تحفة المحتاج (9/375) ، حاشية الجمل (5/267) ، تحفة الحبيب (4/345) .
(5) سنن أبي داود (4201) .
[إسناده حسن] (1) .
الدليل الثاني:
قالوا من النظر: لا بأس بترك السبال؛ لأن ذلك لا يستر الفم، ولا يبقي فيه غمرة الطعام؛ إذ لا يصل إليه.
قال العراقي: اختلفوا في كيفية قص الشارب، هل يقص طرفاه أيضاً، وهما المسميان: بالسبالين، أم يترك السبالان كما يفعله كثير من الناس؟
فقال الغزالي في إحياء علوم الدين: لا بأس بترك سباليه، وهما طرفا الشارب. فعل ذلك عمر رضي الله عنه وغيره؛ لأن ذلك لا يستر الفم، ولا يبقي فيه غمرة الطعام؛ إذ لا يصل إليه. اهـ (2) .
دليل من قال بقص السبالين.
الدليل الأول:
(564-128) روى الطبراني، قال: حدثنا أحمد قال حدثنا النفيلي قال(3/328)
قرأت على معقل بن عبيد الله عن ميمون بن مهران
عن ابن عمر قال ذكر رسول الله المجوس فقال إنهم يوفرون سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم (3) .
[إسناده حسن إن شاء الله تعالى] (4) .(3/329)
الدليل الثاني:
(565-129) روى أحمد في مسنده، قال: ثنا زيد بن يحيى، ثنا عبد الله بن العلاء بن زبر، حدثني القاسم، قال:
سمعت أبا أمامة يقول: خرج رسول الله b على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم، فقال: يا معشر الأنصار حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب، قال: فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون، فقال رسول الله b: تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب. قال: فقلنا يا رسول الله: إن أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون، قال: فقال النبي b: فتخففوا وانتعلوا وخالفوا أهل الكتاب، قال: فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم، ويوفرون سبالهم، قال: فقال النبي b: قصوا سبالكم ووفروا عثانينكم، وخالفوا أهل الكتاب (1) ...
__________
(1) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (10/350) ، إلا أن من يرى أبا الزبير مدلساً قد يعله بالعنعنة. والله أعلم. والحديث رواه ابن أبي شيبة في المصنف (5/227) رقم 25504، قال: حدثنا عائذ بن حبيب، عن أشعث، عن أبي الزبير، عن جابر: قال كنا نؤمر أن نوفي السبال ونأخذ من الشوارب. وهذا إسناد فيه ضعف من أجل أشعث، وقد خالف فيه أشعث عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي في متنه، وعبد الملك أرجح منه.
ورواه البيهقي في السنن (5/33) من طريق محمد بن إسماعيل الأحمسي، عن المحاربي، عن أشعث، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: كنا نؤمر أن نوفر السبال في الحج والعمرة ". ولعله سقطت أداة الاستثناء (إلا) . والمحاربي مدلس، وقد عنعنه، والله أعلم.
(2) طرح التثريب (2/77) .
(3) المعجم الأوسط (2/8) 1055.
(4) رجاله ثقات إلا معقل بن عبد الله الجزري، وهو صدوق، جاء في ترجمته:
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبى عن معقل بن عبيد الله، فقال: صالح الحديث، وقال مرة: ثقة، قال: وسألت يحيى بن معين عنه، فقال: ليس به بأس. الجرح والتعديل (8/286) .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: ذكره أبى، عن إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين أنه قال: معقل بن عبيد الله الجزري ثقة. المرجع السابق.
وقال معاوية: سمعت يحيى قال: معقل بن عبيد الله ضعيف. الضعفاء الكبير (4/221) ، الكامل (6/452) .
وقال ابن عدي: ومعقل هذا هو حسن الحديث، ولم أجد في أحاديثه حديثاً منكراً فأذكره إلا حسب ما وجدت في حديث غيره ممن يصدق في غلط حديث أو حديثين. الكامل (6/452) .
وقال ابن حبان: وكان يخطىء، ولم يفحش خطؤه فيستحق الترك، وإنما كان ذلك منه على حسب ما لا ينفك منه البشر، ولو ترك حديث من أخطأ من غير أن يفحش ذلك منه لوجب ترك حديث كل محدث في الدنيا؛ لأنهم كانوا يخطؤن ولم يكونوا بمعصومين بل يحتج بخبر من يخطىء ما لم يفحش ذلك منه، فإذا فحش حتى غلب على صوابه ترك حينئذ، ومتى ما علم الخطأ بعينه وأنه خالف فيه الثقات ترك ذلك الحديث بعينه، واحتج بما سواه، هذا حكم المحدثين الذين كانوا يخطؤن، ولم يفحش ذلك منهم. الثقات (7/491) .
وفي التقريب: صدوق يخطئ.
[تخريج الحديث]
الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه (12/289،290) رقم 5476 من طريق الحسن بن محمد بن أعين، قال: حدثنا معقل بن عبيد الله به.
ورواه البيهقي في السنن الكبرى (1/151) ، وفي شعب الإيمان (5/222) .6448 من طريق أبي عبدالله محمد بن إبراهيم البوشنجي ثنا النفيلي به.
وأخرجه ابن عدي في الكامل في الضعفاء (6/453) من طريق الفريابي، ثنا أبوجعفر النفيلي به.
وأخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (4/94) من طريق أحمد بن عبدالرحمن بن عقال الحراني، ثنا أبو جعفر النفيلي به....(3/330)
الدليل الثالث:
كره بعضهم بقاء السبال لما فيه من التشبه بالعجم، بل بالمجوس وأهل....
__________
(1) المسند (5/264) ، الحديث أخرجه الطبراني في الكبير (8/236) رقم 7924، والبيهقي في شعب الإيمان (5/214) من طريق زيد بن يحيى بن عبيد الدمشقي به..
وفي الإسناد القاسم بن عبد الرحمن مولى يزيد بن معاوية، مختلف فيه:
قال أبو بكر الأثرم: سمعت أحمد بن حنبل ذكر حديثا عن القاسم الشامي، عن أبى أمامة، عن النبي b في أن الدباغ طهوره، فأنكره، وحمل على القاسم، وقال: يروى على بن يزيد عنه أعاجيب، وتكلم فيهما، وقال: ما أرى هذا إلا من قبل القاسم. الجرح والتعديل (7/113) .
وقال ابن حبان: كان ممن يروي عن أصحاب رسول الله b المعضلات، ويأتي عن الثقات بالأشياء المقلوبات حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها. المجروحين (2/211) .
وقال أيضاً: إذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله بن زحر، وعلي بن يزيد، والقاسم أبو عبد الرحمن لا يكون متن ذلك الخبر إلا مما عملت أيديهم. المجروحين (2/62) .
وهذا كثير من ابن حبان في حق القاسم، فقد وثقه جماعة:
قال إبراهيم بن الجنيد عن ابن معين: القاسم ثقة، والثقات يروون عنه هذه الأحاديث ولا يرفعونها، ثم قال: يجيء من المشائخ الضعفاء ما يدل حديثهم على ضعفه. وقال ابن معين في موضع آخر: إذا روى عنه الثقات أرسلوا ما رفع هؤلاء. تهذيب التهذيب (8/289) .
وقال يعقوب بن سفيان والترمذي: ثقة. المرجع السابق.
وقال الجوزجاني: كان خياراً فاضلاً أدرك أربعين رجلا من المهاجرين والأنصار. المرجع السابق.
وفي التقريب: صدوق يغرب كثيراً. وبقية رجال الإسناد ثقات.
وقال ابن أبي حاتم في العلل (2/239) سألت أبي عن حديث رواه زيد بن يحيى بن عبيد، عن عبدالله بن العلاء بن زبر، قال: حدثنا القاسم مولى يزيد، قال: حدثنا أبو أمامة أن النبي b خرج على شيوخ من الأنصار بيض لحاهم، فقال: يا معشر الانصار حمروا وصفروا وخالفوا اهل الكتاب وذكر الحديث.
قال أبي: سألت شعيب بن شعيب وكان ختن زيد بن يحيى على ابنته، فسألته أن يخرج إلي كتاب عبدالله بن العلا، فأخرج إلي الكتاب، فطلبت هذا الحديث وحديثا آخر عن أبي عبيدالله ومسلم بن مشكم، عن أبي ثعلبة، عن النبي b أنه سأله عن الاثم والبر، فلم أجد لهما أصلاً في كتابه، وليس هما منكرين يحتمل. اهـ(3/331)
الكتاب، قال العراقي: وهذا أولى بالصواب، لما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر، قال: ذكر لرسول الله b المجوس، فقيل: إنهم يوفرون سبالهم، ويحلقون لحاهم، فخالفوهم " فكان ابن عمر يجز سباله كما تجز الشاة أو البعير. اهـ كلام العراقي (1) ، وحديث ابن عمر سبق تخريجه...(3/332)
الفصل الثالث
في التوقيت في قص الشارب
الفصل الثالث
في التوقيت في قص الشارب
لا يترك الشارب أكثر من أربعين يوماً، والخلاف في المسألة كالخلاف في تقليم الأظفار، ونتف الإبط وحلق العانة، وقد سبق ذكر الخلاف في تلك المسائل، والأقول فيها لا تخرج عن ثلاثة أقوال:
قول: يقول بعدم التوقيت مطلقاً، فمتى طال الشارب عن المعتاد قصه.
وقول: يقول لا يجوز تركه أكثر من أربعين يوماً.
وقول: يقول يكره تركه أكثر من أربعين يوماً.
وارجع إلى أدلة كل قول في مسألة التوقيت في الاستحداد إن شئت...(3/333)
[صفحة فارغة] ..(3/334)
الباب السادس
في أحكام اللحية..(3/335)
[صفحة فارغة] ....(3/336)
تمهيد
تعريف اللحية.
اللحية: بالكسر هذا هو المشهور المعروف.
حكى الزمخشري فيه الفتح، وقال: إنه قرئ به قوله تعالى: {لا تأخذ بلحيتي} (2) ، قال: وهو غريب.
وقال الجوهري: اللحية معروف، جمع لِحَي بالكسر، ولُحَى أيضاً بالضم، مثل ذروة، وذرى.
واللحية: اسم يجمع من الشعر ما نبت على الخدين والذقن (3) .
وقال في المصباح: الشعر النازل على الذقن (4) . هذا كلام أهل اللغة، فتبين أن في اللحية عند أهل اللغة قولين:
الأول: قيل: اللحية ما نبت من الشعر على الخدين والذقن.
وقيل: هي الشعر النازل على الذقن.
__________
(1) طرح التثريب (2/77) .
(2) طه: 94.
(3) لسان العرب (15/243) ، مختار الصحاح (ص: 248) .
(4) المصباح المنير (2/551) .
والأول عندي أصح؛ لأن اللحية إنما سميت لحية؛ لأنها والله أعلم تنبت على اللحى، واللحى: هو عظم الحنك، وهو الذي عليه الأسنان، وهو منبت اللحية من الإنسان وغيره، والله أعلم.
هذا فيما يتعلق بتعريف اللحية لغة، وأما تعريفها عند الفقهاء.
قال ابن نجيم من الحنفية: اللحية الشعر النابت بمجتمع اللحيين والعارض....(3/337)
ومابينهما وبين العذار (1) ، وهو القدر المحاذي للأذن يتصل من الأعلى بالصدغ، ومن الأسفل بالعارض (2) .
ونقله ابن عابدين في حاشيته (3) .
وقال الدسوقي من المالكية: لحية بكسر اللام وفتحها: وهي الشعر النابت على اللحيين، تثنية لحى بفتح اللام، وحكي كسرها في المفرد: وهو فك الحنك الأسفل (4) .
وقال في الشرح الصغير من المالكية:
الذقن: بفتح الذال المعجمة والقاف: مجمع اللحيين بفتح اللام: تثنية لحى: وهو فك الحنك الأسفل.
واللحية: بفتح اللام: هي الشعر النابت على ذلك (5) .
وقال الخرشي: اللحية: هي ما ينبت من الشعر على ظاهر اللحى، بفتح اللام، وحكي كسرها في المفرد والتثنية، وهو فك الحنك الأسفل (6) .
وقال في حاشية العدوي: واختار ابن عرفة: جواز إزالة شعر الخد (7) .(3/338)
فظاهره أنه لا يرى أن شعر الخد من اللحية.
وقال النووي: اللحية: هي الشعر النابت على الذقن، قاله المتولي والغزالي في البسيط، وغيرهما، وهو ظاهر معروف لكن يحتاج إلى بيانه بسبب الكلام في العارضين كما سنوضحه إن شاء الله تعالى. ثم وضحه بقوله:
" وأما شعر العارضين: فهو ما تحت العذار، كذا ضبطه المحاملي، وإمام الحرمين، ابن الصباغ والرافعي وغيرهم، وفيه وجهان:
__________
(1) العذار عند أهل اللغة والفقه: هو الشعر النابت المحاذي للأذنين بين الصدغ والعارض، وهو أول ما ينبت للأمرد غالباً.
(2) البحر الرائق (1/16) .
(3) حاشية ابن عابدين (1/100) .
(4) حاشية الدسوقي (1/86) .
(5) الشرح الصغير (1/105) .
(6) شرح مختصر خليل (1/121) .
(7) حاشية العدوي (2/446) .
الصحيح الذي قطع به الجمهور أن له حكم اللحية، فيفرق بين الخفيف والكثيف، كما سبق الخ كلامه (1) .
فقوله: " له حكم اللحية " لو كان عندهم من اللحية لم يقل فيه: له حكم اللحية، وهذا ظاهر
وقال في تحفة المحتاج: " واللحية بكسر اللام أفصح من فتحها: وهي الشعر النابت على الذقن التي هي مجتمع اللحيين، ومثلها العارض (2) .(3/339)
[صفحة فارغة] ..(3/340)
الفصل الأول
ما جاء في أن إعفاء اللحية من الفطرة
الفصل الأول
ما جاء في أن إعفاء اللحية من الفطرة
الدليل على ذلك.
(566-130) روى الإمام أحمد، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا زكريا بن أبي زائدة، عن مصعب بن شيبة، عن طلق بن حبيب، عن ابن الزبير، عن عائشة، قالت: قال رسول الله B:
عشر من الفطرة قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق بالماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء: يعني الاستنجاء.
قال زكريا: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة.
[المحفوظ أنه من قول طلق، ورفعه شاذ] (3) .
ولم أقف على حديث يذكر أن إعفاء اللحية من الفطرة سوى هذا الحديث، والله أعلم.(3/341)
[صفحة فارغة](3/342)
الفصل الثاني
في حكم إعفاء اللحية(3/343)
[صفحة فارغة](3/344)
المبحث الأول
في تحريم حلق اللحية
يحرم حلق اللحية (4) .
__________
(1) المجموع (1/408، 413) .
(2) تحفة المحتاج (1/204) .
(3) وسيأتي تخريجه في كتاب السواك.
(4) قال في مواهب الجليل (1/216) : " وحلق اللحية لا يجوز، وكذلك الشارب، وهو مثلة وبدعة، ويؤدب من حلق لحيته أو شاربه " اهـ. وانظر حاشية الدسوقي (1/90) .
وجاء في غذاء الألباب (1/433) : " والمعتمد في المذهب حرمة حلق اللحية. قال في الإقناع: ويحرم حلقها، وكذا في شرح المنتهى وغيرهما ".
وقال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: " ويحرم حلق اللحية (5/302) .
وقيل: يجوز إزالة شعر الخدين دون الذقن، اختاره ابن عرفة من المالكية (1) .
وقيل: حلق اللحية مكروه، وليس بمحرم، وهو وجه ضعيف عند الشافعية (2) .(3/345)
دليل تحريم حلق اللحية.
الدليل الأول: الإجماع
فقد نقل ابن حزم الإجماع على أن إعفاء اللحية فرض (3) .
قال في مراتب الإجماع: اتفقوا أن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز (4) .
وقال ابن عابدين: الأخذ من اللحية دون القبضة كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال لم يبحه أحد (5) .
الدليل الثاني: من السنة
__________
(1) حاشية العدوي (2/446) ، وهو ظاهر مذهب من يرى أن اللحية: هي شعر الذقن خاصة. قال النووي: اللحية: هي الشعر النابت على الذقن، قاله المتولي، والغزالي في البسيط وغيرهما. المجموع (1/408،413) .
(2) قال الأنصاري في أسنى المطالب (1/551) : قول الحليمي في منهاجه لا يحل لأحد أن يحلق لحيته ولا حاجبيه ضعيف.
وقال في تحفة المحتاج: ذكروا هنا في اللحية ونحوها خصالاً مكروهة، منها نتفها وحلقها، وكذا الحاجبان، ولا ينافيه قول الحليمي لا يحل ذلك لإمكان حمله على أن المراد نفي الحل المستوي الطرفين.
وذكر ابن حجر الهيتمي: أن في شرح العباب فائدة، قال الشيخان: يكره حلق اللحية، ثم قال واعترضه ابن الرفعة في حاشية الكافية بأن الشافعي رضي الله عنه نص في الأم على التحريم. قال الزركشي: وكذا الحليمي في شعب الإيمان، وأستاذه القفال الشاشي في محاسن الشريعة. وقال الأذرعي: الصواب تحريم حلقها لغير علة بها كما يفعله القاندرية. اهـ
(3) انظر الفروع لابن مفلح (1/130) .
(4) مراتب الإجماع (ص: 182) .
(5) تنقيح الفتاوى الحامدية (1/329) ، وابن عابدين لم يقصد أن يقول: إن الذي يأخذ من القبضة هم مخنثة الرجال، وإنما هذا الفعل صدر من صنفين من الناس، بعض المغاربة، وبعض مخنثة الرجال، ولو كان وصفاً لقال: فعله بعض مخنثة الرجال من المغاربة.
فقد ورد عدة أحاديث تأمر بإعفاء اللحية، والأصل في الأمر الوجوب، قال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصبهم عذاب أليم} (1) .
ومن هذه الأحاديث ما يلي:
الحديث الأول: حديث ابن عمر.
(567-131) رواه البخاري، قال: حدثنا محمد بن منهال، حدثنا يزيد(3/346)
بن زريع، حدثنا عمر بن محمد بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي b قال: خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب، وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه (2) .
الحديث الثاني:
(568-132) ما رواه مسلم، قال: حدثني أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا ابن أبي مريم، أخبرنا محمد بن جعفر، أخبرني العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة، عن أبيه،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله b: جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس (3) .
الحديث الثالث:
(569-133) ما رواه أحمد في مسنده، قال: ثنا زيد بن يحيى، ثنا عبد الله بن العلاء بن زبر، حدثني القاسم، قال:
سمعت أبا أمامة يقول: خرج رسول الله b على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم، فقال: يا معشر الأنصار حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب، قال: فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون، فقال رسول الله b: تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب. قال: فقلنا يا رسول الله: إن أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون، قال: فقال النبي b: فتخففوا وانتعلوا وخالفوا أهل الكتاب، قال: فقلنا: يا رسول الله إن أهل(3/347)
الكتاب يقصون عثانينهم، ويوفرون سبالهم، قال: فقال النبي b: قصوا سبالكم ووفروا عثانينكم، وخالفوا أهل الكتاب (4) .
__________
(1) النور: 63.
(2) صحيح البخاري (5892) .
(3) صحيح مسلم (260) .
(4) مسند أحمد (5/264) .
[إسناده فيه لين، وقال الهيمثي في المجمع (1) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح خلا القاسم، وهو ثقة، وفيه كلام لا يضر] (2) .
الحديث الرابع:
(570-134) ما رواه الطبراني في الأوسط، قال: حدثنا هيثم بن خلف، ثنا الحسن بن حماد الوراق، ثنا أبو يحيى الحماني، عن يوسف بن ميمون، عن عطاء،
عن ابن عباس قال: لما افتتح رسول الله b مكة، قال: إن الله ورسوله حرم عليكم شرب الخمر وثمنها، وحرم عليكم أكل الميتة وثمنها، وحرم عليكم الخنازير وأكلها وثمنها، وقال: قصوا الشوارب وأعفوا اللحى، ولا تمشوا في الأسواق إلا وعليكم الأزر، إنه ليس منا من عمل سنة غيرنا (3) .
[إسناده ضعيف] (4) .(3/348)
دليل من قال بجواز حلق شعر الخدين.
الظاهر أن قوله يرجع إلى أن شعر الخد ليس داخلاً في حد اللحية لغة، وقد قدمت في تعريف اللحية أن أهل اللغة ومثلهم الفقهاء قد اختلفوا في حد اللحية:
فقيل: الشعر النابت على الخد والذقن.
وقيل: شعر الذقن خاصة.
__________
(1) مجمع الزوائد (5/160) ، وتعقب بأن زيد بن يحيى إنما هو من رجال أصحاب السنن عدا الترمذي، وليس من رجال الصحيح.
(2) سبق تخريجه في فرع: " كلام أهل العلم في السبالين "
(3) الطبراني في الأوسط (9/162) رقم 9426، ورواه الطبراني في الكبير (11/152) رقم 11335 قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا الحسن بن حماد ثنا به.
(4) فيه يوسف بن ميمون.
قال أبو طالب: قال أحمد بن حنبل يوسف بن ميمون الصباغ ضعيف، ليس بشيء. الجرح والتعديل (9/230) .
وقال ابن أبي حاتم: سئل أبى عن يوسف بن ميمون الصباغ، فقال: ليس بالقوي منكر الحديث جدا ضعيف. المرجع السابق.
قال البخاري: منكر الحديث جداً. التاريخ الكبير (8/384) ، الضعفاء الصغير (408) .
وقال أبو زرعة: واهي الحديث. تهذيب التهذيب (11/375) .
وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال مرة: ليس بثقة. المرجع السابق.
وقال الدارقطني: ضعيف. المرجع السابق.
وفي التقريب: ضعيف.
فمن رأى أن اللحية: شعر الذقن خاصة، لم يمنع من حلق شعر الخد، والله أعلم.
والراجح والله أعلم شمول اللحية للشعر النابت على الذقن وعلى الخدين، وأما من قال: إن اللحية هي شعر الذقن خاصة، فلا يعني هذا والله أعلم أنهم أرادوا أن شعر الخد يجوز حلقه، وإنما أرادوا هل يدخل في مسمى اللحية حقيقة، أو يدخل حكماً، ولم أقف على أحد من السلف كان يحلق شعر خديه، بل لم أقف على فقيه يرى جواز حلق شعر الخدين إلا ما نقلته(3/349)
عن ابن عرفة من المالكية، وهو رأي مرجوح مخالف لما عليه الأكثر، والله أعلم.
دليل من قال: حلق اللحية مكروه.
قالو: إن كل حكم كانت علته: مخالفة المشركين، وعدم التشبه بهم، فإنه لا يصل إلى التحريم، غاية ما يقال فيه: إنه مكروه (1) .
والجواب على هذا:
أولاً: يقال: إن كل حكم كانت علته مخالفة المشركين لو قيل: إنه كبيرة من كبائر الذنوب لم يكن بعيداً؛ لأن التشبه بالكفار لا يكفي فيه التحريم بل يقال فيه: إنه كبيرة من كبائر الذنوب.
ثانياً: لا يعلم القول بالكراهة إلا وجه عند الشافعية، وهو وجه ضعيف عندهم، والله أعلم...(3/350)
المبحث الثاني
حكم الأخذ من اللحية
المبحث الثاني
حكم الأخذ من اللحية
اختلفوا في حكم الأخذ من اللحية من غير حلق،
__________
(1) وابن حجر يعلل دائماً بهذا، ولهذا لما تكلم في العلة في آنية الذهب والفضة، وأن العلة فيها التشبه بالأعاجم، قال في الفتح (10/98) : وفي ذلك نظر؛ لثبوت الوعيد على لفاعله، ومجرد التشبه لا يصل إلى ذلك. اهـ
وكذلك يذهب حرملة إلى أن التشبه لا يصل إلا التحريم في غير مسألتنا، انظر الفتح (10/94) .
فقيل: يكره أن يأخذ منها في غير النسك، وهو مذهب الشافعية (1) .(3/351)
__________
(1) قال النووي في المجموع (1/344) : والصحيح كراهة الأخذ منها مطلقاً، بل يتركها على حالها كيف كانت للحديث الصحيح: " وأعفوا اللحى "، وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، أن النبي b: كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها، فرواه الترمذي بإسناد ضعيف. اهـ
وقال أيضاً في شرحه لصحيح مسلم (3/151) : " والمختار ترك اللحية على حالها، وأن لا يتعرض لها بتقصير شيء أصلاً. اهـ
وقال العراقي في طرح التثريب (2/83) : " واستدل الجمهور على أن الأولى ترك اللحية على حالها، وأن لا يقطع منها شيئاً، وهو قول الشافعي وأصحابه ". فالنووي عبر بالكراهة في غير النسك، والعراقي عبر بقوله: إنه خلاف الأولى، هذا أشد ما نقل من الأقوال في الأخذ من اللحية، وأما أن يقول أحد: إنه يحرم الأخذ منها في غير النسك، فهذا ينبغي أن يعترف صاحبه بأنه قال به تفقهاً دون أن يدعي أنه أخذه عن إمام واحد من السلف، فضلاً أن يزعم صاحبه أنه قول استقرت عليه الشريعة من عصر الصحابة إلى عصرنا هذا، ولو لم يكن في هذا القول إلا اتباع السلف لكان خيراً لي من أن أقلد الخلف في تشدد ليس عليه أثارة من علم، فالله المستعان.
على أن الأخذ منها كونه خلاف الأولى في مذهب الشافعية ينبغي أن يقيد هذا في غير النسك، فإن مذهب الشافعية استحباب الأخذ من اللحية في النسك، وسوف يأتي النقل عن إمامهم رحمه الله بعد قليل.
وقد جاء في المجموع (1/342) كراهيته عن الحسن وقتادة، والمنقول عنهما خلاف هذا، فقد روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، عن أبي هلال، قال: سألت الحسن وابن سيرين فقالا: لا بأس أن تأخذ من طول لحيتك.
وفي إسناده أبو هلال الراسبي صدوق فيه لين إلا أنه هنا يحكي شيئاً وقع له، فالأقرب صحته، ويختلف هذا عن شيء سمعه فرواه لأن هذا قد يدخله الوهم، وقد يعتريه سوء الحفظ، والله أعلم.
وروى ابن أبي شيبة أيضاً (5/225) ، قال: حدثنا عائذ بن حبيب، عن أشعث، عن الحسن، قال: كانوا يرخصون فيما زاد على القبضة من اللحية أن يؤخذ منها.
وهذا إسناد ضعيف فيه أشعث بن سوار الكندي، وهذه المتابعة تقوي الطريق الأول. وانظر مذهب قتادة في التمهيد (24/146) .
وقيل: له الأخذ منها، وهو مذهب كثير من أصحاب النبي b (1) ، والحسن وابن سيرين (2) ، وقتادة (3) ، وعطاء (4) ، والشعبي (5) ، والقاسم بن محمد (6) ، وطاووس (7) ، وإبراهيم النخعي (8) ، ومذهب الحنفية والمالكية(3/352)
والحنابلة (9) ، واستحبه الشافعي في النسك (10) ، واختاره الطبري (11) ، ورجحه ابن عبد البر (12) ،
__________
(1) ذكر ذلك عنهم جابر بن عبد الله بسند حسن، وسيأتي تخريجه، والكلام عليه.
(2) مصنف بن أبي شيبة (5/225) بسند حسن، وسبق أن نقلت إسناده، وفيه أبو هلال الراسبي، صدوق فيه لين، راجع كلامي على الإسناد، وجاء من طريق أشعث، عن الحسن، وفيه ضعف، وانظر التمهيد (24/146) .
(3) التمهيد (24/146) .
(4) مصنف ابن أبي شيبة (5/225) رقم 25482 بسند على شرط الشيخين، وانظر فتح الباري (10/350) .
(5) المجموع (1/342) .
(6) روى ابن أبي شيبة في المصنف (5/225) : حدثنا أبو عامر العقدي، عن أفلح، قال: كان القاسم إذا حلق رأسه أخذ من لحيته وشاربه. وسنده صحيح، وأفلح هو ابن حميد بن نافع، ثقة من رجال الشيخين بل روى له الجماعة سوى الترمذي.
(7) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (5/225) حدثنا أبو خالد، عن ابن جريج، عن ابن طاووس، عن أبيه أنه كان يأخذ من لحيته ولا يوجبه، ورجاله ثقات.
(8) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (5/225) حدثنا غندر، عن شعبة، عن منصور: كان إبراهيم يأخذ من عارض لحيته. وسنده صحيح.
(9) سيأتي العزو إلى كتبهم قريباً إن شاء الله تعالى.
(10) قال في الأم (2/232) : " وأحب إلي لو أخذ من لحيته وشاربه، حتى يضع من شعره شيئاً لله، وإن لم يفعل فلا شيء عليه؛ لأن النسك إنما هو في الرأس لا في اللحية".اهـ
(11) قال الحافظ في الفتح (10/350) : " واختار - يعني الطبري - قول عطاء، وقال: إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به.
(12) التمهيد (24/145) ..
والقاضي عياض (1) ، والغزالي من الشافعية (2) ، والحافظ ابن حجر (3) ، وغيرهم.
والقائلون بالأخذ منها اختلفوا في المقدار على قولين:
الأول: أنه لا حد لمقدار ما يؤخذ منها، إلا أنه لا يتركها لحد الشهرة، وهو مذهب المالكية (4) .(3/353)
__________
(1) إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/64) .
(2) المجموع (1/344) .
(3) فتح الباري (10/350) .
(4) قال الباجي في المنتقى (7/266) :" روى ابن القاسم عن مالك لا بأس أن يؤخذ ما تطاير من اللحية. قيل لمالك: فإذا طالت جداً. قال: أرى أن يؤخذ منها، وتقص ".اهـ
وقول الإمام مالك: " لا بأس " لا يعني التخيير، فقد جاء في الفواكه الدواني (2/307) : "وحكم الأخذ الندب، (فلا بأس) هنا هو خير من غيره، والمعروف لا حد للمأخوذ، وينبغي الاقتصار على ما تحسن به الهيئة "
وقال القرطبي في المفهم (1/512) : " لا يجوز حلق اللحية، ولا نتفها، ولا قص الكثير منها، فأما أخذ ما تطاير منها، وما يشوه ويدعو إلى الشهرة طولاً وعرضاً فحسن عند مالك وغيره من السلف ".
وقال القاضي عياض في شرحه لصحيح مسلم (2/64) : " وأما الأخذ من طولها وعرضها فحسن، ويكره الشهرة في تعظيمها وتحليتها كما تكره في قصها وجزها، وقد اختلف السلف هل لذلك حد، فمنهم من لم يحدد إلا أنه لم يتركها لحد الشهرة، ويأخذ منها، وكره مالك طولها جداً، ومنهم من حدد، فما زاد على القبضة فيزال، ومنهم من كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة ".
وقال ابن عبد البر في التمهيد (24/145) : " اختلف أهل العلم في الأخذ من اللحية، فكره ذلك قوم، وأجازه آخرون. ثم ساق بسنده عن ابن القاسم، قال: سمعت مالكاً يقول: لا بأس أن يؤخذ ما تطايل من اللحية وشذ. قال: فقيل لمالك: فإذا طالت جداً فإن من اللحى ما تطول، قال: أرى أن يؤخذ منها وتقصر. وقد روى سفيان، عن ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة.
وذكر الساجي: حدثنا بندار وابن المثنى، قالا: حدثنا عبد الوهاب، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان إذا قصر من لحيته في حج أوعمرة كان يقبض عليها، ويأخذ من طرفها ما خرج من القبضة.
قال ابن عبد البر: هذا ابن عمر روى " أعفوا اللحى " وفهم المعنى، فكان يفعل ما وصفنا، وقال به جماعة من العلماء في الحج وغير الحج.
وروى ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن محمد بن كعب، في قوله: {ثم ليقضوا تفثهم} قال: رمي الجمار، وذبح الذبيحة، وحلق الرأس، والأخذ من الشارب واللحية والأظفار، والطواف بالبيت، وبالصفا والمروة.
وكان قتادة يكره أن يأخذ من لحيته إلا في حج أو عمرة، وكان يأخذ من عارضيه، وكان الحسن يأخذ من طول لحيته، وكان ابن سيرين لا يرى بذلك بأساً، وروى الثوري، عن منصور، عن عطاء أنه كان يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة. قال منصور: فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال: كانوا يأخذون من جوانب اللحية. اهـ كلام ابن عبد البر نقلته بطوله ليعلم أن من يرى جواز الأخذ من اللحية هم السواد الأعظم من العلماء.(3/354)
والقول الثاني: أنه يؤخذ منها ما زاد على القبضة، وهو فعل ابن عمر (1) .
ثم اختلفوا في حكم أخذ ما زاد على القبضة على خمسة أقوال:
فقيل: يجب أخذ ما زاد على القبضة، وهو قول في مذهب الحنفية (2) ، واختاره الطبري رحمه الله (3) .
وقيل: إنه سنة، وهو المشهور من مذهب الحنفية (4) ، واستحسنه الشعبي وابن سيرين (5) .
وقيل: إنه بالخيار، فله أخذ ما زاد على القبضة وله تركه، نص عليه أحمد (6) ، وظاهر هذا القول أنه يرى أن الأخذ من اللحية وتركها على الإباحة.
وقيل: الترك أولى، وهو قول في مذهب الحنابلة (7) .(3/355)
وقيل: يكره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة (8) .
دليل من كره أن يأخذ من اللحية شيئاً إلا في النسك.
الدليل الأول:
(571-135) روى البخاري، قال: حدثني محمد، أخبرنا عبدة، أخبرنا عبيد الله بن عمر، عن نافع،
عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله b انهكوا الشوارب وأعفوا اللحى (9) .
وفي رواية لمسلم: " أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى " (10) .
__________
(1) سيأتي تخريج الأثر المنسوب إليه إن شاء الله في أدلة الأقوال.
(2) الدر المختار (2/44) .
(3) عمدة القارئ (22/46،47) .
(4) قال في البحر الرائق (3/12) : " قال أصحابنا: الإعفاء تركها حتى تكث وتكثر، والقص سنة فيها، وهو أن يقبض الرجل لحيته فما زاد منها على قبضة قطعها، كذلك ذكر محمد في كتاب الآثار عن أبي حنيفة، قال: وبه نأخذ " اهـ. ونقل نحوه في الفتاوى الهندية (5/358) . وانظر حاشية ابن عابدين (6/407) .
(5) المجموع (1/342) .
(6) الفروع (3/329) ، ويعبر بعض الأصحاب بقوله، ولا يكره أخذ ما زاد على القبضه انظر مطالب أولي النهى (1/85) .
(7) قال في المستوعب (1/260) : " ولا يقص من لحيته إلا ما زاد على القبضة إن أحب، والأولى أن لا يفعله ". وانظر الإنصاف (1/121) .
(8) إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/64) .
(9) صحيح البخاري (5893) .
(10) صحيح مسلم (259) .
(572-136) وروى مسلم، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، عن مالك بن أنس، عن أبي بكر بن نافع، عن أبيه،
عن ابن عمر، عن النبي b أنه أمر بإحفاء الشوارب، وإعفاء اللحية (1) .
(573-137) وروى مسلم، قال: حدثني أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا ابن أبي مريم، أخبرنا محمد بن جعفر، أخبرني العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة، عن أبيه،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله b: جزوا الشوارب، وأرخوا(3/356)
اللحى، خالفوا المجوس (2) .
وجه الاستدلال:
قوله: " أعفوا اللحى "
جاء في المصباح المنير: " عفا الشيء: كثر، وفي التنزيل: {حتى عفوا} (3) : أي حتى كثروا. ومنه عفا بنو فلان إذا كثروا. وعفوت الشعر: أي تركته حتى يكثر ويطول، ومنه: "أحفوا الشوار وأعفوا اللحى" (4) .
وجاء في إكمال المعلم في شرح فوائد مسلم: " قوله: " وأعفوا اللحى " وفي رواية: " أوفوا اللحى "، وهما بمعنى: أي اتركوها حتى تكثر وتطول. ثم قال:
وقال أبو عبيد: في إعفاء اللحى: هو أن توفر، وتكثر، يقال: عفا الشيء: إذا كثر وزاد، وأعفيته أنا.
وعفا: إذا درس، وهو من الأضداد، ومنه الحديث: " فعلى الدنيا العفا"(3/357)
أي الدروس (5) .
وأجيب بأجوابة منها:
الأول: إذا كان لفظ أعفوا: هو التكثير، كما يفهم من قوله تعالى: {حتى عفوا} أي حتى كثروا، فمن أعفى لحيته بمقدار القبضة، فقد كثرت لحيته، وصدق على لحيته أنها قد عفت، وأن صاحبها قد أعفاها، وهذا ما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم.
الثاني: قال: معنى أعفوا اللحى: أي أعفوها من الإحفاء.
__________
(1) صحيح مسلم (259) .
(2) مسلم (260) .
(3) الأعراف: 95.
(4) المصباح المنير (ص: 217) .
(5) إكمال المعلم في شرح فوائد مسلم (2/63) .
قال القاضي أبو الوليد: ويحتمل عندي أنه يريد أن تعفى من الإحفاء؛ لأن كثرتها ليس بمأمور بتركه (1) .
وقال السندي: المنهي قصها كصنع الأعاجم، وشعار كثير من الكفرة، فلا ينافيه ما جاء من أخذها طولاً ولا عرضاً للاصلاح (2) .
وجاء في فتح الباري: ذهب الأكثرون إلى أنه بمعنى وفروا أو كثروا، وهو الصواب.
قال ابن دقيق العيد: لا أعلم أحداً فهم من الأمر في قوله:" أعفوا اللحى " تجويز معالجتها بما يغزرها كما يفعله بعض الناس (3) .
الجواب الثالث: وهذا قوي قال: إن اللفظ المطلق أو العام يقيد ويخصص بعمل الصحابة، أو بعضهم، وهي مسألة خلافية بعد الاتفاق على(3/358)
أن الصحابي إذا وجد من يخالفه فلا يخص به النص العام، ولا يقيد به المطلق (4) .
__________
(1) المنتقى للباجي (7/266) ، وقال ابن حجر في الفتح (10/350) : " حكى الطبري اختلافاً فيما يؤخذ من اللحية، هل له حد أم لا؟ فأسند عن جماعة الاقتصار على أخذ الذي يزيد منها على قدر الكف، وعن الحسن البصري أنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش. وعن عطاء نحوه. قال: وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتخفيفها. قال: وكره آخرون التعرض لها إلا في حج أو عمرة. وأسند عن جماعة، واختار قول عطاء، وقال: إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به.
(2) حاشية السندي على النسائي (1/18) .
(3) فتح الباري (10/351) .
(4) فعل الصحابي الموقوف عليه له حالاتان:
الأولى: أن يكون مما لا مجال للرأي فيه.
الثانية: أن يكون مما له فيه مجال.
فإن كان مما لا مجال للرأي فيه، فهو في حكم المرفوع، كما تقرر في علم الحديث، فيقدم على القياس، ويخص به النص إن لم يعرف الصحابي بالأخذ من الإسرائيليات، وإن كان مما للرأي فيه مجال، فإن انتشر في الصحابة، ولم يظهر له مخالف، فهو الإجماع السكوتي، وهو حجة عند الأكثر، وإن علم له مخالف من الصحابة، فلا يجوز العمل بقول أحدهما إلا بترجيح بالنظر في الأدلة.
وإن لم ينتشر، فقيل: حجة على التابعي ومن بعده؛ لأن الصحابي حضر التنزيل، فعرف التأويل لمشاهدته لقرائن الأحوال.
وقيل: ليس بحجة على المجتهد التابعي مثلاً؛ لأن كليهما مجتهد، يجوز في حقه أن يخطئ وأن يصيب، والأول أظهر... الخ انظر أصول الفقه للشنقيطي (ص: 165،166) .
فإذا تبين هذا، فالمسألة التي معنا قد نقل عن الصحابة عموم الصحابة أنهم كانوا يأخذون من اللحية في النسك، وتعليق الأخذ في النسك دليل على جوازه في غيره؛ لأن اللحية لا تعلق لها بالنسك، وحجة النبي b قد نقلها لنا الصحابة جابر وغيره، ولم يذكروا أن الأخذ من اللحية من المناسك، فيكون قيد النسك قيداً غير مؤثر، كما لو فعل الرسول b فعلاً، وصادف أن ذلك الفعل كان في السفر، لا يقال: لا يفعل إلا في السفر، وإذا كان الأخذ منها في النسك لا ينافي أمر الرسول b بالإعفاء، فكذلك لا ينافيه خارج النسك. ولا يقال: إن الصحابة لا يعفون لحاهم في النسك.
قال بعض العلماء المعاصرين:
إذا كان عمل الصحابة خلاف العام أو خلاف المطلق، يكون العام والمطلق غير مراد، أو بعبارة أخرى، إذا كان فرد من أفراد العموم أو المطلق لم(3/359)
يجر العمل به، كان هذا الفرد غير مراد، وعليه فالمطلق في قوله b: "أعفوا اللحى" غير مراد، لعدم جريان العمل به، فقد ثبت عن السلف الأخذ من اللحية، وكان معروفاً عندهم، وفيهم من روى العموم المذكور، كابن عمر، وحديثه في الصحيحين، وأبي هريرة وحديثه في مسلم وغيرهما. اهـ وسوف أسوق الآثار عن الصحابة في أدلة القول الثاني إن شاء الله تعالى.
ولا يقال: إن فعل الصحابة يعارض النص، نعم يعارض النص لو أن ما جاء عن الصحابة يقتضي حلق اللحية، والنص يأمر بإعفاء اللحية، فحينئذ يقال: بينهما تعارض؛ لأنه يلزم من فعل هذا إبطال ذاك، أما الإعفاء فحقيقته لفظ مجمل، يصدق عليه إذا ترك اللحية حتى تكثر، فإذا أخذ ما زاد على القبضة لا يقال: إن هذا لم يعف لحيته، والله أعلم.
الدليل الثاني على كراهة الأخذ من اللحية خارج النسك:
أن فعل الرسول b مبين لقوله b: " أعفوا اللحى " حيث لم يثبت عن النبي b لا قولاً ولا فعلاً أنه أخذ من لحيته، فيكون فعله مبيناً للمجمل في أمره b بإعفاء اللحية، وقول الشارع لا يقيده إلا نص منه، فالمطلق باق على إطلاقه، وكذا العام، وفعل الراوي ليس بحجة، لأن الحجة فيما روى، لا فيما رأى، خاصة أن فعله لم ينسبه للشرع، وقد يفهم الراوي خلاف المراد، وإن كان هذا نادراً، وقد ينسى، ويبقى الشأن ليس للرواي عصمة، وإنما العصمة للنص، والله أعلم.
أدلة القائلين بالأخذ من اللحية.
الدليل الأول:
(574-138) روى البخاري في صحيحه، قال: قال: حدثنا محمد..(3/360)
بن منهال، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا عمر بن محمد بن زيد، عن نافع،
عن ابن عمر، عن النبي b قال: خالفوا المشركين: وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب. وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر، قبض على لحيته فما فضل أخذه (1) .
__________
(1) صحيح البخاري (5892) . جاء التصريح عن ابن عمر بأنه كان يأخذ من لحيته من ثلاثة طرق، أو أكثر:
الأول: عن نافع، رواه عنه جماعة:
منهم: عمر بن محمد بن زيد، كما في حديث الباب من صحيح البخاري.
ومنهم: مالك، عن نافع. رواه مالك في الموطأ (1 /396) عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه. ورجاله في أعلى درجات الصحة.
وفي رواية لمالك (1/396) عن نافع: أن ابن عمر كان إذا أفطر من رمضان، وهو يريد الحج لم يأخذ من رأسه، ولا من لحيته شيئاً حتى يحج.
وقد يقول قائل: مفهوم هذا الرواية " كان إذا أفطر من رمضان، وهو يريد الحج لم يأخذ من لحيته ولا من رأسه، مفهمومه أنه إذا لم يرد الحج أخذ، ولو كان في غير نسك.
ومنها: طريق ابن أبي ليلى، عن نافع.
رواه ابن أبي شيبة في المصنف (5/225) رقم 25486 قال: حدثنا علي بن هاشم ووكيع، عن ابن أبي ليلى، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يأخذ ما فوق القبضة، وقال وكيع: ما جاوز القبضة.
وابن أبي ليلى ضعيف الحفظ، لكنه قد توبع، كما سبق.
ومنها: طريق محمد بن عجلان، عن نافع.
رواها ابن سعد في الطبقات (4/181) قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي، حدثنا سفيان، عن محمد بن عجلان، عن نافع قال: كان ابن عمر يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات لولا أن محمد بن عبد الله الأسدي، ضعيف في الثوري.
قال حنبل بن إسحاق، عن أحمد بن حنبل: كان كثير الخطأ في حديث سفيان. تهذيب التهذيب (9/227) .
وفي التقريب: ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ في حديث الثوري.
ويغتفر له هذا لموافقته الثقات في روايتهم لهذا الحديث.
ومنها: طريق ابن جريج عن نافع.
أخرجها ابن سعد في الطبقات الكبرى (4/181) قال: أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي، قال: حدثنا ابن جريج، عن نافع، قال: ترك ابن عمر الحلق مرة أو مرتين، فقصر نواحي مؤخرة رأسه، قال: وكان أصلع، قال: قلت: لنافع: أمن لحيته؟
قال: كان يأخذ من أطرافها. وفيه عنعنة ابن جريج، وهو مدلس. وقد تفرد عبدالوهاب بذكر الصلع في الأثر، ولم يذكره غيره.
ومنها: طريق عبد الله بن عمر المكبر، عن نافع.
رواه البيهقي في شعب الإيمان (5/223) ، وسنده ضعيف.
ومنها عيسى بن جعفر وحفص بن غياث، عن نافع، كما في طبقات ابن سعد (4/134) وفيه الواقدي، وهو متروك. ولفظه: كان يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة.
ومنها: عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع. أخرجها البيهقي في شعب الإيمان (5/220) رقم 6435 من طريق حبان، ثنا عبد الله، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع به أنه كان إذا حلق في الحج أو العمرة قبض على لحيته، ثم أمر فسوى بين أطراف لحيته. وعبد العزيز بن أبي رواد متكلم فيه، ولكن حديثه هذا قد وافق فيه الثقات، وستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى.
الطريق الثاني: مروان بن سالم بن المقفع، عن ابن عمر.
رواه أبو داود في سننه (2357) قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى أبو محمد، ثنا علي بن الحسن، أخبرني الحسين بن واقد، ثنا مروان - يعني ابن سالم المقفع - قال: رأيت ابن عمر يقبض على لحيته، فيقطع ما زاد على الكف.
والحديث أخرجه النسائي في السنن الكبرى (3329) ، قال: خبرني قريش بن عبدالرحمن، قال: أنبأ علي بن الحسن، قال: أنبأ الحسين بن واقد به. وأعاده في رقم (10131) .
ومن طريق علي بن الحسن بن شقيق أخرجه كل من الدارقطني (2/185) ، والحاكم (1/422) ، والبيهقي في السنن الكبرى (4/239) .
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، والصحيح أنه ليس على شرط واحد منهما، فإن مروان بن سالم لم يحتج به أحد منهما.
إسناده فيه لين، فيه مروان بن سالم المقفع،
ذكره ابن حبان في الثقات (5/424) .
وحسن الدارقطني حديثه، فقال في سننه (2/185) : تفرد به الحسين بن واقد، وإسناده حسن. اهـ
وقال الحافظ في التقريب: مروان بن سالم مقبول. يعني إن توبع، وقد توبع في كون ابن عمر كان يأخذ من اللحية مطلقاً، في غير الحج.
فقد روى أبو يوسف في كتاب الآثار (2/234) ، قال: حدثنا أبوحنيفة، عن الهيثم، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقبض على لحيته، فيأخذ منها ما جاوز القبضة. والله أعلم.
والهيثم لم ينسب، فإن كان الهيثم بن أبي سنان، فإنه يروى عن ابن عمر، فهو ثقة، وإن كان غيره فالله أعلم، وقد وقفت على نصب الراية (2/458) قال: " الهيثم بن أبي الهيثم " ولم أقف على سماعه من ابن عمر، والله أعلم، وعلى كل فهذا إسناد صالح في المتابعات، وفيه أبو حنيفة، وهو إمام في الفقه والنظر.
ووراه ابن أبي شيبة أيضاً، ولم يذكر حجاً أو عمرة، (5/225) رقم 25486 حدثنا علي بن هاشم ووكيع، عن ابن أبي ليلى، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يأخذ ما فوق القبضة. وقال وكيع: ما جاوز القبضة.
وهذا الأسناد فيه ابن أبي ليلى، وفي حفظه شيء، ولكنه قد توبع كما قرأت، وسبقت الإشارة إليه.
وقد يقال: إن هذه الطرق الثلاث، والتي تذكر عن ابن عمر أنه أخذ من اللحية خارج النسك، مخالفة لرواية الأحفظ من أصحاب نافع كمالك رحمه الله وغيره، فلا تكون محفوظة، والله أعلم.
الطريق الثالث: مجاهد، عن ابن عمر.
رواه ابن عبد البر في الاستذكار (3/117) قال: أخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنى قاسم، قال: حدثنا الخشني، حدثني محمد بن أبي عمر العدني، قال: حدثني سفيان، قال: حدثني ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: رأيت ابن عمر قبض على لحيته يوم النحر، ثم قال للحجام: خذ ما تحت القبضة. وعنعنة ابن أبي نجيح قد زالت بالمتابعة، والله أعلم.
قال الكرماني: لعل ابن عمر أراد الجمع بين الحلق والتقصير في النسك، فحلق رأسه كله، وقصر من لحيته ليدخل في عموم قوله تعالى: {محلقين رؤسكم ومقصرين} (1) وخص ذلك من عموم قوله: " وفروا اللحى " فتعقبه الحافظ، فقال: " والذي يظهر أن ابن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك، بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه (2) .
قلت: هذا محتمل ويؤيده أن المنقول عن أبي هريرة أن كان يأخذ منها مطلقاً، ولم يقيد بحج أو عمرة، ويحتمل أن ابن عمر يراه من قضاء التفث، كما نقل عن ابن عباس وجماعة من التابعين كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
الدليل الثاني:
(575-139) رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو أسامة، عن شعبة، عن عمرو بن أيوب من ولد جرير،
عن أبي زرعة، قال: كان أبو هريرة يقبض على لحيته ثم يأخذ ما فضل منها (3) .(3/361)
[ضعيف] (4) .
__________
(1) الفتح: 27.
(2) فتح الباري (10/350) .
(3) المصنف (5/225) رقم 25481.
(4) فيه عمرو بن أيوب بن أبي زرعة بن عمرو بن جرير البجلي:
ذكره ابن حبان في الثقات. (7/224)
وقال أبو حاتم الرزاي: شيخ كوفي. الجرح والتعديل (6/98) ، وبقية رجاله ثقات.
ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (4/324) ، قال: قال أخبرنا عفان بن مسلم، قال: حدثنا أبو هلال، قال: حدثنا شيخ أظنه من أهل المدينة، قال: رأيت أبا هريرة يحفي عارضيه يأخذ منهما قال ورأيته أصفر اللحية.
وهذا إسناد ضعيف، لإبهام في إسناده، وفيه متابعة لرواية عمرو بن أيوب. فهل يكون الأثر ثابتاً بمجموع الطريقين عن أبي هريرة؟ ويكون ما ثبت عن ابن عباس، وابن عمر وجابر شاهداً له؟
أو يقال: إن عمرو بن أيوب هذا بعد البحث ليس له في الكتب إلا هذا الحديث، ولم يذكره غير ابن حبان، فتفرده بمثل هذا عن أبي زرعة لا يقبل مع جهالته، ولا يتقوى الإسناد بمثل الإسناد الثاني، خصوصاً مثل أبي هريرة رضي الله عنه في كثرة الأصحاب، فقد ذكر أنه أخذ عنه أكثر من ثمانمائة راو من الصحابة والتابعين، فأين روايتهم مثل هذا، وهو يشتهر، ويرى بالعين، كما أن في المتابعة علة أخرى، فإن متنها منكر، وهو كون أبي هريرة يحفي عارضيه، والإحفاء في اللغة: المبالغة في القص كما في غريب الحديث لابن الأثير (1/410) فلا يمكن أن يقال: إن أبا هريرة كان يبالغ في قص عارضيه، خاصة أنه لم يرد عنه إلا في هذا الطريق الضعيف.
الدليل الثالث:
(576-140) ما رواه ابن أبي شيبة قال: نا ابن نمير، عن عبد الملك، عن عطاء،
عن ابن عباس قال: التفث: الرمي والذبح والحلق والتقصير والأخذ من الشارب والأظفار واللحية.(3/362)
[سنده صحيح] (1)
وقد فسر الآية بمثل ما فسرها ابن عباس تابعيان جليلان: مجاهد، ومحمد بن كعب القرضي.
أما تفسير مجاهد، فقد أخرجه الطبري، قال: ثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى (ح)
(577-141) وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح،
عن مجاهد، ثم ليقضوا تفثهم. قال: حلق الرأس وحلق العانة وقص الأظفار وقص الشارب، ورمي الجمار، وقص اللحية (2) .(3/363)
__________
(1) المصنف (3/429) رقم 15673. وسبق تخريجه.
(2) سنده صحيح إن شاء الله تعالى.
ابن أبي نجيح مدلس، ولم يسمع من مجاهد التفسير، لكن قد عرف الواسطة، وهو ثقة، فقد أخذه من كتاب القاسم بن أبي بزة، والقاسم بن أبي بزة قد قال فيه ابن حبان: لم يسمع التفسير أحد من مجاهد غير القاسم بن أبي بزة، وأخذ الحكم وليث بن أبى سليم وابن أبى نجيح وابن جريج وابن عيينة من كتابه، ولم يسمعوا من مجاهد. الثقات (7/330) .
ـ محمد بن عمرو فيه أكثر من راو يروي عنه الطبري اسممه محمد بن عمرو:
فمنهم: محمد بن عمرو الباهلي، وهو من شيوخ الطبري الثقات، أكثر من الرواية عنه، إلا أنه لم يذكر من شيوخه أبو عاصم الضحاك بن مخلد.
وفيه محمد بن عمرو بن تمام الكلبي، مترجم له في الجرح والتعديل، ولم أقف على أنه من تلاميذ أبي عاصم، وهذا أبعد من الأول.
وأغلب ظني أنه محمد بن عمرو بن عباد، فإنه يروي عن أبي عاصم، كما ذكره المزي، وهو في سن شيوخ الطبري إلا أن المزي لم يذكر الطبري من تلاميذه، فأظنه يستدرك عليه فيه.، وباقي رجال الإسناد الأول ثقات.
ـ وأما الحارث شيخ الطبري في الإسناد الثاني، فهو الحارث بن محمد بن أبي أسامة.
قال الحافظ الذهبي: وثقه إبراهيم الحربي مع علمه بأنه يأخذ الدراهم، وأبو حاتم بن حبان.
وقال الدارقطني: صدوق.
قال الذهبي: وأما أخذ الدراهم على الرواية فكان فقيرا كثير البنات.
وقال أبو الفتح الأزدي وابن حزم: ضعيف! تاريخ بغداد (8/218) وتذكرة الحفاظ (2/619) .
والحسن: هو الحسن بن موسى، ثقة. وبقية رجال الإسناد ثقات.
(578-142) وأما تفسير محمد القرظي، فهو عند الطبراني أيضاً: قال: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر،
عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول في هذه الآية: ثم ليقضوا تفثهم: رمي الجمار، وذبح الذبيحة، وأخذ من الشاربين واللحية، والأظفار، والطواف بالبيت وبالصفا والمروة (1) .
الدليل الرابع:
(579-143) روى أبو داود، قال: حدثنا ابن نفيل، ثنا زهير، قرأت على عبدالملك بن أبي سليمان، وقرأه عبد الملك على أبي الزبير، ورواه أبو الزبير عن جابر قال: كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة (2) .
[إسناده حسن] (3) .(3/364)
قال الحافظ في الفتح: قوله: " نعفي " بضم أوله وتشديد الفاء أي نتركه وافراً، وهذا يؤيد ما نقل عن ابن عمر، فإن السبال بكسر المهملة وتخفيف الموحدة: جمع سبلة بفتحتين: وهي ما طال من شعر اللحية، فأشار جابر إلى أنهم يقصرون منها في النسك (4) .
وقوله: " كنا نعفي " حكاية عن الصحابة، كلهم أو أكثرهم، وهذا يؤيد أن الأخذ من اللحية لم يكن من فعل ابن عمر وحده، ولكن من فعل غالب الصحابة، وهذا الاستدلال يسلم إن كان يطلق السبال على اللحية. والحق أن السبال فيه سبعة أقوال، كلها تدور حول الشارب واللحية،
فقيل: السبلة: مقدم اللحية، وما أسبل منها على الصدر، وهذا نص الأزهري.
وقيل: ما على الذقن إلى طرف اللحية كلها أو مقدمها خاصة.
وقيل: السبلة: هي الدائرة في وسط الشفة العليا.
وقيل: ما على الشارب من الشعر.
وقيل: مجتمع الشاربين.
وقيل: طرف الشارب (5) .
__________
(1) تفسير الطبري (17/149) ، ورجاله كلهم ثقات إلا أبا صخر حميد بن زياد، وحديثه حسن إن شاء الله.
(2) سنن أبي داود (4201) .
(3) وحسن إسناده الحافظ في الفتح (10/350) ، إلا أن من يرى أبا الزبير مدلساً قد يعله بالعنعنة. والله أعلم. والحديث سبق تخريجه.
(4) الفتح (10/350) .
(5) تاج العروس (14/327) .
(580-144) وقد روى ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا عائذ بن حبيب، عن أشعث، عن أبي الزبير،
عن جابر، قال: كنا نؤمر أن نوفي السبال، ونأخذ من الشارب (1) .(3/365)
(581-145) وروى الطبراني في المعجم الكبير، قال: حدثنا أحمد بن داود المكي، ثنا قيس بن حفص الدارمي، ثنا سليمان بن الحارث (2) ، ثنا جهضم بن الضحاك، قال:
مررت بالنرجيج، فرأيت به شيخاً، قالوا: هذا العداء بن خالد بن هوذة، فقال: رأيت رسول الله b، فقلت: صفه لي، قال: كان حسن السبلة. وكانت العرب تسمي اللحية السبلة
[إسناده ضعيف] (3) .
(582-146) وجاء إطلاق السبال على الشارب في السنة الصحيحة، فقد روى ابن حبان في صحيحه من طريق معقل بن عبيد الله، عن ميمون(3/366)
بن مهران،
__________
(1) المصنف (5/227) رقم 25504، وسنده ضعيف؛ لأن فيه أشعث، وعنعنة أبي الزبير عند من عده مدلساً. وقد سبق تخريجه، وقد ترجم ابن أبي شيبة في هذا الباب، فقال: باب ما يؤمر به الرجل من إعفاء اللحية، والأخذ من الشارب، فلما أمر بإعفاء السبال، والأخذ من الشارب كان مقتضى ذلك أن السبال ليس من الشارب، لا لفظاً؛ لأنه عطفه عليه، والعطف يقتضي المغايرة، ولا حكماً، فإن السبال لا يؤخذ منها شيء بخلاف الشارب، والله أعلم.
(2) الصواب سليم بن الحارث، انظر التاريخ الكبير (4/123) ، والثقات لابن حبان (6/414) .
(3) المعجم الكبير (18/14) رقم 19، ورواه ابن حبان في الثقات (4/113) ، قال: ثنا قيس بن حفص الدارمي به. وذكره البخاري في التاريخ الكبير (2/246) ، (4/123) .
وجهضم: ذكره ابن حبان في الثقات (4/113) ، ولم أقف على توثيق غيره.
وسليم بن الحارث، ذكره ابن أبي حاتم، وسكت عليه في الجرح والتعديل (4/215) .، ولم أقف على توثيق أحد غير ابن حبان في الثقات (6/414) .
وقيس بن حفص الدارمي أبو محمد ثقة. وهذا الإسناد على ضعفه إلا أن الشاهد منه لغوي، وليس حكماً شرعياً، ومثل هذا قد يستاهل فيه.
عن ابن عمر، قال: ذكر لرسول الله b المجوس، فقال: إنهم يوفون سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم، فكان ابن عمر يجز سباله، كما يجز الشاة والبعير (1) .
والذي يظهر أن السبال على القول بأنه يطلق على اللحية والشارب، فإن المراد منه بحديث جابر: " كنا نعفي السبال " اللحية خاصة، لأن قص الشارب غير موقت بالحج أو العمرة، بل مطلوب أن لا يتركه أكثر من أربعين يوماً، فليس متوقعاً من الصحابة أنهم يعفون شواربهم إلا في الحج أو العمرة، فهذا قرينة أن المراد به شعر اللحية، وعلى هذا التفسير يطابق ما كان يفعله ابن عمر رضي الله عنه، وبه يصح أن الصحابة كلهم أو غالبهم كانوا يأخذون من شعر اللحية في النسك، والله أعلم.
وإذا ثبت أن الصحابة يأخذون من اللحية في النسك، فإن هناك مقدمتين ونتيجة:
المقدمة الأولى: هل كان الصحابة يجهلون الأمر بإعفاء اللحية، هذا الحكم الذي يعرفه آحاد المسلمين في بلادنا؟
المقدمة الثانية: إذا كانوا لا يجهلون الأمر بإعفاء اللحية، فإن السؤال، هل كان الصحابة لا يعرفون لغة مدلول كلمة الإعفاء في الأمر النبوي، وهذا أيضاً لا يمكن أن يقال: إن الصحابة، وهم أهل اللسان، وبلغتهم نزل التشريع، لا يمكن أن يقال: لا يعرفون مدلول كلمة الإعفاء. فبقي أن نقول بعد التسليم بالمقدمتين: وهو كون الأمر بإعفاء اللحية معلوماً لدى الصحابة، ومعنى(3/367)
الإعفاء معلوم أيضاً، فيبقى التسليم لفهم الصحابة أولى من التسليم لفهم من دونهم.
فإن قيل: إن الصحابة لم يأخذوا إلا في النسك.
قيل: ثبوته في النسك دليل على جوازه خارج النسك؛ ولأن النسك قيد غير مؤثر، كما لو قرأ الرسول b سورة في صلاة، وكانت الصلاة في السفر، لايقال: إن ذكر السفر قيد في استحباب قراءة هذه السورة، والدليل على هذا:
__________
(1) صحيح ابن حبان (5476) .
أولاً: اللحية لا تعلق لها بالنسك، وإنما النسك في شعر الرأس خاصة، وقد بين الرسول b النسك من قوله، ومن فعله، وقال: خذوا عني مناسككم، ولم ينقل عن الرسول b في بيان النسك أن اللحية لها تعلق به، فبطل اعتقاد أن الأخذ منها خاص بالنسك.
وثانياً: أن السلف فهموا جواز الأخذ منها ملطقاً، ولم يقيدوه في النسك فيما أعلم إلا الشافعية فإنه كرهوه خارج النسك، ولم يحرموه، وعبر بعضهم بالأولى كما هي عبارة العراقي، وقد سقتها عند عرض الأقوال.
ثالثاً: ولأني لا أعرف أحداً من السلف حرم الأخذ من اللحية مطلقاً، فمن ادعى تحريم أخذ ما زاد من القبضة من فهم السلف فليأت به، ولا أعلم أحداً قال به إلا من بعض المعاصرين في البلاد النجدية، قاله الشيخ تفقهاً، وقلده طلابه من غير بحث، وهو فهم لم يسبق إليه، ولم يوافق عليه من سائر البلاد الإسلامية، ومن ادعى فهماً من النص لم يسبق إليه فهو رد عليه، وإني أدعو القوم إلى ترك أقوالهم إلى أقوال السلف، ومن دعانا إلى تقليده تاركين مذهب السلف فقد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.(3/368)
رابعاً: ولأن أحداً لا يستطيع أن يقول إن الصحابة الذين أخذوا من اللحية في النسك لم يعفوا لحاهم حينئذ، وقد تشبهوا في المشركين في ترك الإعفاء. أو يقول: إن التشبه بالمشركين في ترك إعفاء اللحية داخل النسك مباح، وإذا كان خارج النسك كان محرماً، فلابد من القول بأن الصحابة، وإن أخذوا من لحاهم داخل النسك لم يخرجوا عن حد الإعفاء، وإذا كانوا لم يخرجوا عنه داخل النسك، لم يخرجوا عنه خارج النسك، والعجب أن قوماً من الحنابلة ينقمون علينا اتباع الدليل وتعظيم الآثار في مسائل كثيرة يكون فيها المذهب الحنبلي خلاف القول الراجح، ويدعوننا إلى التقليد واتباع الرجال، وترك الاجتهاد، وفي هذه المسألة التي وافقت مذهب أحمد من قوله وفعله لم تعجبهم، فخالفوا منهجهم في اتباع التقليد، فإن كان التقليد لمذهب الحنابلة هو الراجح عندهم فلما الغضب والمسألة لم تخرج عن مذهب الحنابلة؟ وإن كان التقليد باطلاً والمسألة من باب تعظيم الدليل، فلماذا ينقمون علينا في هذه المسألة وفي غيرها حرصنا على اتباع الدليل ومخالفة المذهب، ولكن كما يقال: لهوى النفوس سريرة لا تعلم.
الدليل الرابع:
(583-147) وقد روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا غندر، عن شعبة، عن منصور، قال: سمعت عطاء بن أبي رباح قال: كانوا يحبون أن يعفوا اللحية إلا في حج أو عمرة (1) .(3/369)
وهذا إسناد صحيح، وظاهره أنه يحكي فعل من شاهد من الصحابة، وعلى أسوأ الأحوال أن يكون هذا فعل غالب التابعين، وإنما أخذوا مثل ذلك من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
الدليل الخامس:
(584-148) وروى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا عائذ بن حبيب، عن أشعث، عن الحسن، قال: كانوا يرخصون فيما زاد على القبضة من اللحية أن يؤخذ منها (2) .
[وسنده ضعيف، ولكن يشهد له ما حكاه عطاء بسند صحيح] .
__________
(1) المصنف (5/225) رقم 25482.
(2) المصنف (5/225) .
وهل هذا خاص في النسك، فيه احتمال، وسبق الإشارة إليه، وقد روي عن ابن عمر الأخذ من اللحية بدون فعل الحج أو العمرة، كما سبق نقاشه، وعلى فرض أن هذا خاص في النسك، فإن فيه دلالة على أن الأخذ منها في النسك لا ينافي الإعفاء المأمور به في حديث ابن عمر وأبي هريرة، وإذا كان لا ينافي الإعفاء جاز أخذه في غير النسك، ولكن يكون أخذه في النسك من العبادة، وأخذه في غيره من الأمور الجائزة، والله أعلم.
الدليل السادس:
(585-149) ما وراه الترمذي، قال: حدثنا هناد، حدثنا عمر بن هارون، عن أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه،
عن جده، أن النبي b كان يأخذ من لحيته، من عرضها وطولها.
[إسناده ضعيف جداً] (1) ...(3/370)
__________
(1) سنن الترمذي (2762) وفي إسناده عمر بن هارون،
قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث غريب، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول عمر بن هارون مقارب الحديث، لا أعرف له حديثاً ليس له أصل، أو قال ينفرد به إلا هذا الحديث، ولا نعرفه إلا من حديث عمر بن هارون، ورأيته حسن الرأي في عمر. قال أبوعيسى: وسمعت قتيبة يقول: عمر بن هارون كان صاحب حديث، وكان يقول الإيمان قول وعمل. سنن الترمذي (2762) .
قال العباس بن محمد الدوري، عن يحيى بن معين: ليس بشيء. الجرح والتعديل (6/140) .
وقال ابن معين كما في رواية ابن الجنيد: كذاب قدم مكة، وقد مات جعفر بن محمد، فحدث عنه. المرجع السابق.
قال ابن أبي حاتم: سألت أبى عن عمر بن هارون، فقال: تكلم ابن المبارك فيه، فذهب حديثه. قلت لأبى: إن أبا سعيد الأشج حدثنا عن عمر بن هارون البلخي، فقال: هو ضعيف الحديث، نخسه ابن المبارك نخسه، فقال: إن عمر بن هارون يروى عن جعفر بن محمد، وقدمت قبل قدومه، وكان قد توفى جعفر بن محمد. المرجع السابق.
وقال إبراهيم بن موسى، وقد قيل له: لم لا تحدث عن عمر بن هارون؟ فقال: الناس تركوا حديثه. المرجع السابق.
وقال النسائي: متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين (475) .
وقال أبو طالب، عن أحمد: لا أروي عنه شيئاً، وقد أكثرت عنه، ولكن كان ابن مهدي يقول: لم يكن له عندي قيمة، وبلغني أنه قال: حدثني بأحاديث فلما قدم مرة أخرى حدث بها عن ابن عباس، عن أولئك فتركت حديثه. تهذيب التهذيب (7/441) .
وقال أبو داود: غير ثقة. المرجع السابق.
وقال ابن المديني: ضعيف جداً. المرجع السابق. وفي التقريب: متروك، وكان حافظاً.
[تخريج الحديث]
الحديث أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/686) من طريق الترمذي.
ورواه العقيلي في الضعفاء (3/194) من طريق هناد السري، قال: حدثنا عمر بن هارون به.(3/371)
وأخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي b (885) قال عبدان، نا أبو كامل، نا عمر بن هارون به.
ومن طريق أبي كامل أخرجه ابن عدي في الكامل (5/30) والبيهقي في شعب الإيمان (5/220) .
الدليل السابع:
(586-150) ما رواه البيهقي في شعب الإيمان، قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي ومحمد بن موسى بن الفضل، ثنا أبو العباس الأصم، ثنا يحيى بن أبي طالب، ثنا شبابة، أنا أبو مالك النخعي، عن محمد بن المنكدر،
عن جابر بن عبد الله، قال: رأى النبي b رجلاً مجفل الرأس واللحية، فقال: على ما شوه أحدكم أمس، قال: وأشار النبي b إلى لحيته ورأسه يقول: خذ من لحيتك ورأسك (1) .
[إسناده ضعيف] (2) .(3/372)
وله شاهدان مرسلان صحيحا الإسناد:
(587-151) فقد روى أبو داود في المراسيل، قال: حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا مروان - يعني ابن معاوية - عن عثمان بن الأسود، سمع مجاهداً يقول: رأى النبي b رجلاً طويل اللحية، فقال: لم يشوه أحدكم نفسه (3) .
__________
(1) شعب الإيمان (5/221) رقم 6440.
(2) فيه عبد الملك بن الحسين النخعي:
قال البيهقي: أبو مالك عبد الملك بن الحسين النخعي: غير قوي.
وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم. التاريخ الكبير (5/411) .
وقال ابن حبان: كان ممن يروي المقلوبات عن الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به فيما وافق الثقات، ولا الاعتبار فيما لم يخالف الأثبات. المجروحين (2/134) .
قال الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: أبو مالك النخعي ليس بشيء. الجرح والتعديل (5/347) .
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبى عن أبى مالك النخعي، فقال: ضعيف الحديث. المرجع السابق.
وقال أيضاً: سألت أبا زرعة عن أبى مالك النخعي، فقال: ضعيف الحديث. المرجع السابق.
وقال النسائي ليس بثقة، ولا يكتب حديثه. تهذيب التهذيب (12/240) .
وقال الأزدي والنسائي أيضا: متروك الحديث. المرجع السابق.
وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم. المرجع السابق.
كما أن في الإسناد يحيى بن أبي طالب مختلف فيه، وقد حررته في كتاب الحيض والنفاس.
(3) المراسيل (448) ، ورجاله ثقات، وما نسب إلى مروان بن معاوية من التدليس وجدته في تدليس الشيوخ، وهذا لا تضر عنعنته، والله أعلم.
وأما الشاهد الثاني:
(588-152) فقد رواه مالك في الموطأ، قال: عن زيد بن أسلم، أن عطاء بن يسار أخبره، قال: كان رسول الله b في المسجد، فدخل رجل ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه رسول الله b بيده أن اخرج، كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته، ففعل الرجل، ثم رجع، فقال رسول الله b: أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس، كأنه شيطان (1) .
[ورجاله ثقات إلا أنه مرسل، وليس صريحاً في الأخذ من اللحية] (2) .(3/373)
الدليل الثامن:
(589-153) ما ررواه الخطيب في تاريخه، قال: أخبرنا علي بن المحسن المعدل، حدثنا أبو غانم محمد بن يوسف الأزرق، حدثنا محمد بن مخلد العطار، حدثنا أحمد بن الوليد وإبراهيم بن الهيثم البلدي، قالا: حدثنا أبو اليمان، حدثنا عفير بن معدان، عن عطاء،
عن أبي سعيد، قال: قال النبي b: لا يأخذ أحدكم من طول لحيته، ولكن من الصدغين.
قال أبو عبد الله: ابن مخلد هذا أحمد بن الوليد المخرمي لا يسوى فلساً (3) .
[ضعيف أو ضعيف جداً] (4) .(3/374)
__________
(1) الموطأ (2/949) .
(2) ورواه البيهقي في شعب الإيمان (2/225) من طريق مالك به.
(3) تاريخ بغداد (5/187) .
(4) قلت: تابع ابن مخلد إبراهيم بن الهيثم، وهو ثقة، لكن علته عفير بن معدان،:
قال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين: عفير بن معدان لا شيء. الجرح والتعديل (7/36) .
وقال عباس: سمعت يحيى، قال: عفير بن معدان ليس بثقة. الضعفاء الكبير (3/430) .
وقال ابن أبي حاتم: حدثني أبى، قال: سمعت دحيماً يقول: عفير بن معدان ليس بشيء، لزم الرواية عن سليم بن عامر وشبهه بجعفر بن الزبير وبشر بن نمير. الجرح والتعديل (7/36) .
وقال عبد الرحمن: سألت أبى عن عفير بن معدان، فقال: هو ضعيف الحديث يكثر الرواية عن سليم بن عامر، عن أبى أمامة عن النبي b بالمناكير ما لا أصل له، لا يشتغل بروايته. المرجع السابق.
وقال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عن عفير بن معدان، فقال: شيخ صالح ضعيف الحديث. تهذيب الكمال (20/176) .
وقال النسائي: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه. المرجع السابق.
وقال أبو أحمد بن عدي: وعامة رواياته غير محفوظة. الكامل (5/379) .
الدليل التاسع:
(590-154) روى ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن زمعة، عن ابن طاوس،
عن سماك بن يزيد قال كان علي يأخذ من لحيته مما يلي وجهه (1) .
[ضعيف] (2) .
الدليل العاشر:
(591-155) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: ثنا وكيع، عن أبي هلال، عن قتادة، قال: قال جابر: لا نأخذ من طولها إلا في حج أو عمرة (3) .
[حسن لغيره] (4) .
الراجح من الأقوال:
أرى أن القول بأن الأخذ من اللحية بما زاد على القبضة جائز،(3/375)
ولا يجب،
(592-156) فقد روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو خالد، عن ابن جريج، عن ابن طاووس، عن أبيه أنه كان يأخذ من لحيته، ولا يوجبه (5) .
__________
(1) المصنف (5/225) رقم 25480.
(2) سماك بن يزيد، ذكره ابن أبي حاتم، وسكت عليه. الجرح والتعديل (4/280) .
وفيه زمعة بن صالح، قال عنه الحافظ في التقريب: ضعيف، وحديثه عند مسلم مقرون.
(3) المصنف برقم (25478) .
(4) أبو هلال الراسبي تقدمت ترجمته، وهو حسن الحديث إن شاء الله، لكن قد تكلم في روايته عن قتادة، قال ابن عدي: أحاديثه عن قتادة كلها أو عامتها غير محفوظة. الكامل (6/212) ، لكن قد توبع أبو هلال من رواية أبي الزبير عن جابر، وقد تقدمت.
كما أن فيه علة أخرى، وهو أن قتادة لم يسمع من جابر رضي الله عنه.
(5) المصنف (5/225) رقم 25483. ورجاله ثقات.
ولم أقل بوجوبه، لأن الأمر لم يثبت فيه قول أو فعل من رسول الله b، غاية ما فيه النقل عن بعض الصحابة، وأفعال الرسول b لا تدل على الوجوب، فكذلك أفعال غيره من باب أولى، ولو كان مستحباً أو واجباً لجاء الأمر به من الشارع، وما كان ربك نسياً، ولا يقال: إن هذا الفعل بيان للمجمل في قوله b: " أعفوا " فيأخذ حكمه؛ لأن فعل بعض الصحابة لا يعطى حكم فعل الرسول b مع إمكان الفعل من النبي b، فإما أن يقال: إن الرسول b وإن كانت له لحية كبيرة إلا أنها لم تبلغ ما يدعو إلى الأخذ منها، فلم تتجاوز القبضة، وهذا هو المنصوص عليه كما سيأتي.
وإما أن يقال: عدم النقل ليس نقلاً للعدم، وهذا مسلم في ظاهره، لكن يبعد أن يكون الرسول b يفعله، ولا ينقل بالوقت الذي نقل فيه فعل بعض الصحابة رضوان الله عليهم.
والأدلة على أن الرسول b كان كثيف اللحية،
(593-157) ما رواه البخاري رحمه الله، قال: حدثنا موسى، قال: حدثنا عبدالواحد، قال: حدثنا الأعمش، عن عمارة بن عمير،
عن أبي معمر، قال: قلنا لخباب: أكان رسول الله b يقرأ في الظهر والعصر، قال: نعم. قلنا: بم كنتم تعرفون ذاك؟ قال: باضطراب لحيته (1) .(3/376)
(594-158) وروى مسلم في صحيحه، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل،
عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة يقول: كان رسول الله b قد شمط مقدم رأسه ولحيته، وكان إذا أدهن لم يتبين، وإذا شعث رأسه تبين، وكان كثير شعر اللحية. الحديث (2) . والله أعلم.
(595-159) وروى النسائي، قال: أخبرنا علي بن الحسين، عن أمية بن خالد، عن شعبة، عن أبي إسحاق،
عن البراء، قال: كان رسول الله b رجلاً مربوعاً، عريض ما بين المنكبين، كث اللحية، تعلوه حمرة، جمته إلى شحمتي أذنيه، لقد رأيته في حلة حمراء، ما رأيت أحسن منه (3) .
__________
(1) صحيح البخاري (746) .
(2) صحيح مسلم (2344) .
(3) سنن النسائي الصغرى (5232) .
[رجاله ثقات، والحديث في الصحيحين وليس فيه كث اللحية] (1) .(3/377)
وله شاهد من حديث علي عند أحمد، وفيه ابن عقيل (2) ، ومن حديث هند بن أبي هالة وهو ضعيف (3) .
__________
(1) الحديث رواه البخاري (3551) من طريق حفص بن عمر، ورواه البخاري أيضاً (3549) من طريق أبي الوليد، ورواه مسلم (2337) من طريق محمد بن جعفر
ورواه النسائي (5314) من طريق هشيم، أربعتهم، عن شعبة به، بدون ذكر كث اللحية.
ورواه البخاري (5901) من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق به، بدون ذكر كث اللحية.
ورواه مسلم (2337) من طريق سفيان الثوري، عن أبي إسحاق به بدون ذكر قوله: " كث اللحية ". ورواه النسائي (5062) من طريق يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه به، وليس فيه هذه الزيادة، ولم أستقص كل الطرق. المهم أن زيادة كث اللحية تفرد بها أمية بن خالد، وهو صدوق، وقد خالفه من هو أحفظ منه. وله شاهد من حديث علي في المسند
(2) رواه أحمد في المسند (1/89) ، قال: حدثنا يونس، حدثنا حماد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن علي، عن أبيه، قال: كان رسول الله b ضخم الرأس، عظيم العينين، هدب الأشفار، مشرب العين بحمرة، كث اللحية، أزهر اللون، إذا مشى تكفأ كانما يمشي في صعد، وإذا التفت التفت جميعاً، شثن الكفين والقدمين.
وفي الإسناد ابن عقيل، مختلف فيه، والأكثر على ضعفه.
والحديث رواه البخاري في الأدب المفرد (1315) ، والبزار (660) ، والبيهقي في دلائل النبوة (1/210) من طريق حماد بن سلمة به.
(3) رواه الطبراني في المعجم (22/155) من طريق جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي، قال: حدثني رجل بمكة، عن ابن لأبي هالة التميمي، عن الحسن بن علي، قال: سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي - وكان وصافاً - عن حلية النبي b فذكر من صفة الرسول b وفيه " كث اللحية " وفي إسناده مبهم.
وفي إسناده أيضاً: جميع بن عمر
قال أبو نعيم الفضل بن دكين: كان فاسقاً. تهذيب التهذيب (2/95) .
وقال الآجري، عن أبي داود: جميع بن عمر، راوي حديث هند بن أبي هالة، أخشى أن يكون كذاباً. المرجع السابق.
وقال العجلي: جميع لا بأس به، يكتب حديثه، وليس بالقوي. المرجع السابق.
وذكره بن حبان في الثقات (8/166) .
والحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان (2/154) من طريق جيمع بن عمير به.
وكونه b كث اللحية لا يلزم منه أنها طويلة؛ فقد فسر أهل اللغة من اللغويين والفقهاء أن كلمة كث تعني الشعر الكثير غير الطويل.
جاء في تاج العروس: " كث اللحية وكثيثها، أراد كثرة أصولها(3/378)
وشعرها، وأنها ليست بدقيقة، ولا طويلة، ولكن فيها كثافة.
وجاء في النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، وهو من أهل اللغة والفقه، قال: كث اللحية: الكثاثة في اللحية: أن تكون غير رقيقة ولا طويلة، ولكن فيها كثافة (1) .
فهذا تفسير أهل اللغة والفقه: أن لحية الرسول b كثيرة الشعر، ليست بالطويلة، وإذا لم تكن طويلة لم يستدل على كون الرسول b لم يأخذ من لحيته على تحريم الأخذ من اللحية الطويلة.
وكذلك جاء في مسلم: " كان كثير شعر اللحية " لا يلزم منه أن تكون طويلة إلى حد تتجاوز القبضة، والله أعلم.
والأخذ من اللحية ليس واجباً؛ لكون النصوص عن الصحابة مجرد فعل، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، وفي دلالته على الاستحباب نظر، فإن كان من أمور العبادات كان مستحباً، وإن كان من قبيل العادات كان مباحاً.
والقول بتحريم أخذ ما زاد على القبضة قول شاذ، لا أعلم أحداً من السلف قال به، فهؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم، يحكى عن غالبهم كما في أثر جابر وعطاء بن أبي رباح، ومن فعل ابن عمر، ولم ينقل إنكار الصحابة رضوان الله عليهم.
أيظن بالصحابة أنهم يجهلون الأمر بإعفاء اللحية الذي يعرفه عوام المسلمين في بلادنا، خاصة وفيهم ممن روى أحاديث الإعفاء.
أو يظن بهم أنهم لا يعرفون مدلول كلمة (أعفوا) وهم أهل اللسان، وبلسانهم نزل القرآن، أو يظن أننا أشد غيرة من الصحابة، حيث ننكر على(3/379)
من أخذ من لحيته، وقصر في هذا صحابة رسول الله b، وهم أنصح الناس.
وهؤلاء أئمة التابعين، عطاء في مكة، والقاسم في المدينة، وقتادة، والحسن وابن سيرين في البصرة (1) ، والشعبي (2) ، وإبراهيم النخعي في الكوفة (3) ، وطاوس في اليمن، وغيرهم من أئمة الفقه والدين يرون جواز الأخذ من اللحية، فهذه بلاد المسلمين في زمن التابعين لا تكاد ترى بلداً إلا وفيه من العلماء من يذهب إلى جواز الأخذ من اللحية، ولا يعلم لهم مخالف، أيظن بهم أنهم قد ظلوا في هذه المسألة؟ قد ظللت إذاً، وما أنا من المهتدين.
وهؤلاء الأئمة الأربعة يذهبون إلى جواز الأخذ منها وأضيق المذاهب مذهب الشافعي رضي الله عنه فإنه قيد جواز الأخذ في النسك، وإذا كان الأخذ..
__________
(1) النهاية في غريب الحديث (4/152) .(3/380)
منها في النسك لا ينافي الإعفاء، فكذلك الأخذ منها في غير النسك (4) ...(3/381)
__________
(1) سبق لي أن نقلت عنهم نصوصهم فيما سبق.
(2) المجموع (1/342) .
(3) مصنف ابن أبي شيبة (5/225) رقم 25482 قال: حدثنا غندر، عن شعبة، عن منصور، قال: كان إبراهيم يأخذ من عارض لحيته. وسنده على شرط الشيخين.
وروى ابن عبد البر في التمهيد (24/146) قال: وروى الثوري، عن منصور، عن عطاء، أنه كان يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة. قال منصور: فذكرت ذلك لإبرهيم، فقال: كانوا يأخذون من جوانب اللحية. وانظر الفتح (10/350) .
(4) وقولي: إن الأئمة يرون جواز الأخذ هذا في الجملة، بل منهم من استحبه، ومنهم من أوجبه، ومنهم من أباحه، وإليك النقول:
فالحنفية لهم قولان: أحدهما: وجوب الأخذ من اللحية، انظر الدر المختار (2/44) ،
والثاني: أن الأخذ منها من السنة، فليس الأخذ عندهم مباحاً فقط.
قال في البحر الرائق (3/12) : " قال أصحابنا: الإعفاء تركها حتى تكث وتكثر، والقص سنة فيها، وهو أن يقبض الرجل لحيته فما زاد منها على قبضة قطعها، كذلك ذكر محمد في كتاب الآثار عن أبي حنيفة، قال: وبه نأخذ " اهـ. ونقل نحوه في الفتاوى الهندية. (5/358) . وانظر حاشية ابن عابدين (6/407) .
وأما مذهب الإمام مالك، فقد جاء في المدونة (1/430) : " قلت لابن القاسم: هل كان مالك يوجب على المحرم إذا حل من إحرامه أن يأخذ من لحيته وشاربه وأظفاره؟ قال: لم يكن يوجبه، ولكن كان يستحب إذا حلق أن يقلم، وأن يأخذ من شاربه ولحيته، وذكر مالك أن ابن عمر كان يفعله. واستحباب مالك الأخذ منها ليس مقيداً في النسك، ومع أنه يستحب الأخذ منها، فهو يكره أن تطول جداً، وإليك النقول في ذلك:
قال الباجي في المنتقى (7/266) :" روى ابن القاسم عن مالك لا بأس أن يؤخذ ما تطاير من اللحية. قيل لمالك: فإذا طالت جداً. قال: أرى أن يؤخذ منها، وتقص ".اهـ
وقول الإمام مالك: " لا بأس " لا يعني التخيير، فقد جاء في الفواكه الدواني (2/307) : " وحكم الأخذ الندب، (فلا بأس) هنا هو خير من غيره، والمعروف لا حد للمأخوذ، وينبغي الاقتصار على ما تحسن به الهيئة ".
وقال القرطبي في المفهم (1/512) : " لا يجوز حلق اللحية، ولا نتفها، ولا قص الكثير منها، فأما أخذ ما تطاير منها، وما يشوه ويدعو إلى الشهرة طولاً وعرضاً فحسن عند مالك وغيره من السلف ".
وقال القاضي عياض في شرحه لصحيح مسلم (2/64) : " وأما الأخذ من طولها وعرضها فحسن، ويكره الشهرة في تعظيمها وتحليتها كما تكره في قصها وجزها، وقد اختلف السلف هل لذلك حد، فمنهم من لم يحدد إلا أنه لم يتركها لحد الشهرة، ويأخذ منها، وكره مالك طولها جداً، ومنهم من حدد، فما زاد على القبضة فيزال، ومنهم من كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة ". فهنا النص عن مالك أنه كان يكره طولها جداً.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (24/145) : " اختلف أهل العلم في الأخذ من اللحية، فكره ذلك قوم، وأجازه آخرون. ثم ساق بسنده عن ابن القاسم، قال: سمعت مالكاً يقول: لا بأس أن يؤخذ ما تطايل من اللحية وشذ. قال: فقيل لمالك: فإذا طالت جداً فإن من اللحى ما تطول، قال: أرى أن يؤخذ منها وتقصر ". اهـ
وأما النقل عن الشافعي رحمه الله، فقد قال في الأم (2/232) : " وأحب إلي لو أخذ من لحيته وشاربه، حتى يضع من شعره شيئاً لله، وإن لم يفعل فلا شيء عليه؛ لأن النسك إنما هو في الرأس لا في اللحية".اهـ
وأما النقول عن الإمام أحمد رحمه الله، فإليك هي:
جاء في كتاب الوقوف والترجل للخلال (ص: 129) : " أخبرني حرب، قال: سئل أحمد عن الأخذ من اللحية؟
قال: كان ابن عمر يأخذ ما زاد عن القبضة. وكأنه ذهب إليه - قلت له: ما الإعفاء؟ قال: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كأن هذا عنده الإعفاء.
قلت: وعليه فالإمام أحمد يرى أن إعفاء اللحية، والأخذ ما زاد على القبضة لا يتنافيان، فليس المراد بالإعفاء إطالة اللحية إلى حد الشهرة. ثم قال موصولاً بالكلام السابق.
" أخبرني محمد بن هارون أن إسحاق حدثهم، قال: سألت أحمد عن الرجل يأخذ من عارضيه؟ قال: يأخذ من اللحية ما فضل عن القبضة. قلت: فحديث النبي b أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى؟ قال: يأخذ من طولها، ومن تحت حلقه، ورأيت أبا عبد الله يأخذ من طولها، ومن تحت حلقه. وهذا النص في أحكام أهل الملل للخلال (ص: 11) .
وجاء في مسائل أحمد رواية ابن هانئ (2/151) : " سألت أبا عبد الله عن الرجل يأخذ من عارضيه؟؟
قال: يأخذ من اللحية ما فضل عن القبضة.
قلت: فحديث النبي b: " أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى " قال: يأخذ من طولها ومن تحت حلقه، ورأيت أبا عبد الله يأخذ من عارضيه، ومن تحت حلقه...(3/382)
وهذا ابن عبد البر (1) ، والقاضي عياض (2) ، وابن جرير الطبري (3) ،....(3/383)
والطيبي (1) والغزالي من الشافعية (2) ، والحافظ ابن حجر (3) يرون جواز الأخذ من اللحية.
وقال ابن تيمية: وأما إعفاء اللحية فإنه يترك، ولو أخذ ما زاد على القبضة لم يكره، نص عليه (4) . فقل بالله عليك مَنِ العلماء غيرهم؟ أفيكون قول يراه كل هؤلاء من لدن الصحابة حتى عصر الإمام أحمد، أفيكون قولاً شاذاً مخالفاً لسنة النبي b. وقد اعترض على أحمد ابن هانئ بأحاديث الأعفاء، فأخبربأن هذا من الإعفاء والله أعلم...
__________
(1) التمهيد (24/145) : " واختلف أهل العلم في الأخذ من اللحية، فكره ذلك قوم وأجازه آخرون، ثم ساق بسنده عن ابن القاسم قال: سمعت مالكاً يقول: لا بأس أن يؤخذ ما تطاير من اللحية وشذ، قال: فقيل لمالك: فإذا طالت جداً، فإن من اللحى ما تطول؟ قال: أرى أن يؤخذ منها وتقصر
وقد روى سفيان، عن ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة.
وذكر الساجي، حدثنا بندار وابن المثنى، قالا: حدثنا عبد الوهاب، حدثنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان إذا قصر من لحيته في حج أو عمرة كان يقبض عليها، ويأخذ من طرفها ما خرج عن القبضة.
قال ابن عبد البر: هذا ابن عمر روى:" أعفوا اللحى" وفهم المعنى، فكان يفعل ماوصفنا، وقال به جماعة من العلماء في الحج وغير الحج.
وروى ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن محمد بن كعب في قوله: {ثم ليقضوا تفثهم} [الحج: 29] قال: رمي الجمار، وذبح الذبيحة، وحلق الرأس، والأخذ من الشارب واللحية والأظافر، والطواف بالبيت، وبالصفا والمروة ".
وكان قتادة يكره أن يأخذ من لحيته إلا في حج أو عمرة، وكان يأخذ من عارضيه، وكان الحسن يأخذ من طول لحيته، وكان ابن سيرين لا يرى بذلك بأساً.
وروى الثوري، عن منصور، عن عطاء أنه كان يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة. قال منصور: فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال: كانوا يأخذون من جوانب اللحية. اهـ
(2) إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/64) .
(3) نقل العيني في عمدة القاري (22/46،47) : " وقال الطبري: فإن قلت ما وجه قوله: " أعفوا اللحى "، وقد علمت أن الإعفاء الإكثار، وأن من الناس من إذا ترك شعر لحيته اتباعاً منه لظاهر قوله: " أعفوا " فيتفاحش طولاً وعرضاً ويسمج حتى يصير للناس حديثاً ومثلاً؟
قيل: قد ثبتت الحجة عن رسول الله b على خصوص هذا الخبر، وأن اللحية محظور إعفاؤها، وواجب قصها على اختلاف من السلف في قدر ذلك وحده.
فقال بعضهم: حد ذلك أن يزاد على قدر القبضة طولاً، وأن ينتشر عرضاً فيقبح ذلك، وروى عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه رأى رجلاً قد ترك لحيته حتى كبرت، فأخذ يجذبها، ثم قال: ائتوني بجلمتين، ثم أمر رجلاً فجز ما تحت يده، ثم قال: اذهب فأصلح شعرك، أو أفسده، يترك أحدكم نفسه حتى كأنه سبع من السباع، ثم قال:
وقال آخرون: يأخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش أخذه، ولم يحدوا في ذلك حداً. الخ كلامه رحمه الله، فهذا ابن جرير الطبري يرى وجوب الأخذ من اللحية...(3/384)
الفصل الثالث
حلق ما تحت الذقن
الفصل الثالث
حلق ما تحت الذقن
اختلف الفقهاء في حلق ما تحت الذقن.
فقيل: يجوز حلق ما تحت الذقن، وهو مذهب الحنابلة (5) ، واختاره أبو يوسف من الحنفية (6) .
وقيل: يكره، وهو مذهب الحنفية (7) ، ونقل عن مالك كراهة حلق ماتحت الحنك، حتى قال: إنه من فعل المجوس (8) ، وهو مذهب الشافعية (1) .
فإن كان ما تحت الذقن من الشعر يعتبر من اللحية كان حلقه محرماً، وإن لم يكن من اللحية، فلم ينقل عن النبي b أنه حلقه، ولا يدخل هذا في أخذ ما زاد على القبضة حتى يستدل بفعل الصحابة، ولم أقف على نص يبيح..
__________
(1) قال الطيبي في شرح المشكاة (8/ 254) : عن الأخذ من اللحية: " هذا لا ينافي قوله b: " أعفوا اللحى "؛ لأن المنهي هو قصها، كفعل الأعاجم، أو جعلها كذنب الحمام، فالمراد بالإعفاء التوفير منه، كما في الرواية الأخرى، والأخذ من الأطراف قليلاً لا يكون من القص في شيء ". اهـ
(2) المجموع (1/344) .
(3) فتح الباري (10/350) .
(4) شرح العمدة في الفقه (1/236) .
(5) الفروع (1/130) ، الإنصاف (1/121) ، شرح منتهى الإرادات (1/44) ، كشاف القناع (1/75) .
(6) الفتاوى الهندية (4/83) ، وبريقة محمودية (4/83) .
(7) حاشية بن عابدين (2/418) . وجاء في حاشية الطحطاوي (2/342) : " وفي المحيط لا يحلق شعر حلقه ". اهـ
(8) جاء في حاشية العدوي (2/446) : نقل عن مالك كراهة حلق ما تحت الحنك، حتى قال: إنه من فعل المجوس. وانظر القوانين الفقهية (ص:293) .
ونقل عن بعضٍ: أن حلقه من الزينة، فتكون إزالته من الفطرة، قال العدوي: ويجمع كلام الإمام على من لم يلزم على بقائه تضرر الشخص، ولا تشويه خلقته، وكلام غيره على ما يلزم على بقائه واحد من الأمرين، ويحرم. إزالة شعر العنفقة كما يحرم إزالة شعر اللحية.(3/385)
أخذه.
وتعريف اللحية في الفقه واللغة لم يتناوله، فقد سبق لنا في تعريف اللحية قولان:
فقيل: اللحية: شعر الخدين والذقن.
وقيل: الشعر النازل على الذقن.
فليس داخلاً في مسمى اللحية على كلا القولين، وما تحت الذقن من الشعر ليس له حكم شعر الوجه في وجوب غسله في الوضوء.
فهل يعتبر ما تحت الذقن من الشعر من المسكوت عنه، فيكون الأصل جواز حلقه، أو يعتبر من اللحية فيحرم، فيه تأمل، وإن كنت أميل للأول، وأن كل شعر ليس على اللحيين فإنه غير داخلا في شعر اللحية، والله أعلم...(3/386)
الفصل الرابع
في نتف الشيب
الفصل الرابع
في نتف الشيب
فقيل: يكره نتف الشيب، وهو مذهب المالكية (2) ، ومذهب الشافعية (3) ، والحنابلة (4) ، واختاره ابن تيمية (5) .
وقيل: لا بأس بنتف الشيب، اختاره بعض الحنفية (1) .
وقيل: يتوجه احتمال أنه يحرم، قاله ابن مفلح (2) ، ولم يستبعده ا..
__________
(1) الفتاوى الفقهية الكبرى - ابن حجر الهيتمي (4/256)
(2) قال في المنتقى للباجي (7/270) : " سئل مالك عن نتف الشيب، فقال: ما علمته حراماً، وتركه أحب إلي ". اهـ
وقال في الفواكه الدواني (2/307) : " لم يتكلم المصنف على نتف الشيب من اللحية، وقال مالك حين سئل عنه: لا أعلمه حراماً، وتركه أحب إلى، أي إزالته مكروهة على الصواب، كما يكره تخفيف اللحية والشارب بالموسى " اهـ.
وقال في حاشية العدوي (1/446) : " وإزالة الشيب مكروهة "
(3) المجموع (1/344) ، أسنى المطالب (1/173) ، تحفة المحتاج (2/128) ، روضة الطالبين (3/234) .
(4) المغني (1/66) ، الإنصاف (1/123) ، كشاف القناع (1/77) .
(5) الفتاوى الكبرى (1/53) .(3/387)
لنووي (3) ، وحكى ابن الرفعة تحريمه عن نص الأم (4) .
دليل من قال بالكراهة.
(596-160) ما رواه أحمد، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن ابن عجلان، حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه،
عن جده، عن النبي b قال: لا تنتفوا الشيب؛ فإنه ما من عبد يشيب في الإسلام شيبة إلا كتب الله له بها حسنة، وحط عنه بها خطيئة (5) .
[إسناده حسن] (6) .....(3/388)
__________
(1) حاشية ابن عابدين (2/418) وقال أيضاً (6/407) : " ولا بأس بنتف الشيب، قيده في البزازية بأن لا يكون على وجه التزين " اهـ. قلت: فإن كان على وجه التزين كره انظر الفتاوى الهندية (5/359) . وقال في حاشية الطحطاوي (2/342) : " كان أبو حنيفة لا يكره نتف الشيب إلا على وجه التزين " اهـ
(2) الفروع (1/131) .
(3) المجموع (1/344) .
(4) انظر أسنى المطالب (1/173) ، مغني المحتاج (1/407) ، وقد راجعت الأم ولم أجد فيه هذا النص، ولا أظنه فيه، خاصة أن النووي قال: ولو قيل بتحريمه لم يبعد، فعلق التحريم على ما إذا وجد أحد قال به، ولو قال به الشافعي في الأم لم يخف على النووي. والله أعلم.
(5) مسند أحمد (2/179) .
(6) الحديث مداره على عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وهذا الإسناد الراجح فيه أنه حسن لذاته، وقد حررت الاختلاف فيه في كتاب الحيض والنفاس.
وقد رواه عن عمرو بن شعيب جماعة:
الأول: محمد بن عجلان، كما في رواية الباب، وهو حسن الحديث إلا في أحايثه عن سعيد المقبري، فقد اختلطت عليه، وقد توبع في هذا.
رواها أحمد كما في إسناد الباب، وأخرجه أبو داود (4202) ومن طريقه البيهقي في الشعب (5/209) رقم 6386 حدثنا مسدد، حدثنا يحيى به.
وأخرجه البيقهي في السنن (7/311) من طريق أبي المثنى، حدثنا مسدد به.
وأخرجه أبو داود (4202) ، ومن طريقه البيهقي في شعب الإيمان (5/209) رقم 3686 من طريق سفيان، عن محمد بن عجلان به.
وأخرجه ابن عدي (3/204) من طريق زيد بن حبان، عن ابن عجلان به.
الطريق الثاني:
عبد الرحمن بن الحارث، عن عمرو بن شعيب.
أخرجه أحمد (2/212) قال: ثنا إسحاق بن عيسى، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن عمرو بن شعيب إن شاء الله، عن أبيه، عن جده أن رسول الله b نهى عن نتف الشيب، وقال: إنه نور الإسلام.
ورواه البيهقي في شعب الإيمان (5/209) 6386 من طريق إسماعيل بن عياش، عن عبد الرحمن بن الحارث، به
وإسماعيل في روايته عن غير أهل بلده فيها كلام، لكنه قد توبع كما سبق، وأيضاً أخرجه البيقهي في شعب الإيمان (5/209) 6387 من طريق الوليد بن كثير، عن عبد الرحمن بن الحارث به.
وعبد الرحمن بن الحارث فيه كلام يسير، وفي التقريب: صدوق له أوهام. وما يخشى من وهمه قد زال بالمتابعة.
الطريق الثالث: ليث بن أبي سليم، عن عمرو بن شعيب.
رواه أحمد (2/179) حدثنا إسماعيل بن علية، حدثنا ليث، عن عمرو بن شعيب به.
ورواه الطبراني في الأوسط (9/129) رقم 9326 من طريق عبد العزيز بن أبي رواد، عن ليث به.
الطريق الرابع: عمارة بن غزية عن عمرو بن شعيب.
أخرجه النسائي (5068) ، قال: أخبرنا قتيبة، عن عبد العزيز، عن عمارة بن غزية، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله b نهى عن نتف الشيب.
وأخرجه النسائي أيضاً بإسناده في سننه الكبرى (5/414) رقم 9337.
الطريق الخامس: محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب به.
رواه أحمد (2/207) حدثنا يزيد، أخبرنا محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب به، بلفظ " نهى رسول الله b عن نتف الشيب، وقال: هو نور المؤمن، وقال: ما شاب رجل............(3/389)
وله شواهد، منها.
الشاهد الأول: حديث أبي هريرة
(597-161) روى ابن حبان في صحيحه، قال: خبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة،
عن أبي هريرة، أن رسول الله b قال: لا تنتفوا الشيب؛ فإنه نور يوم القيامة، ومن شاب شيبة في الإسلام كتب له بها حسنة، وحط عنه بها.......
__________
في الإسلام شيبة إلا رفعه الله بها درجة، ومحيت عنه بها سيئة، وكتبت له بها حسنة.
رواه ابن أبي شيبة (5/266) رقم 25951 ومن طريقه أخرجه ابن ماجه. وأحمد (2/206) حدثنا عبدة بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال نهى رسول الله b عن نتف الشيب، زاد ابن أبي شيبة: وقال: هو نور المؤمن.
وأخرجه الترمذي (2821) حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني، حدثنا عبدة، عن محمد بن إسحاق به.
الطريق السادس: عبد الحميد بن جعفر، عن عمرو بن شعيب.
أخرجه أحمد (2/110) ، قال: ثنا أبو بكر الحنفي، ثنا عبد الحميد بن جعفر، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله b قال: لا تنتفوا الشيب؛ فإنه نور المسلم. من شاب شيبة في الإسلام كتب الله له بها حسنة، وكفر عنه بها خطيئة، ورفعه بها درجة. وسنده حسن.
وأخرجه البغوي في شرح السنة (3181) من طريق أبي بكر الحنفي به.
الطريق السابع: ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب. أخرجه البيهقي في السنن (7/311) .
الطريق الثامن: الأوزاعي، عن عمرو بن شعيب. أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (4/57) ........(3/390)
خطيئة، ورفع له بها درجة (1) .
[إسناده حسن إن شاء الله] (2) .......(3/391)
__________
(1) صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان (2985) .
(2) في إسناده محمد بن عمرو.
جاء في ترجمته:
قال ابن معين عنه: ما زال الناس يتقون حديثه. قيل له: وما علة ذلك؟
قال: كان يحدث مرة عن أبي سلمة بالشيء من رأيه، ثم يحدث به مرة أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة. الجرح والتعديل (8/30) .
وقال الجوزجاني: ليس بقوي الحديث، ويشتهى حديثه. تهذيب الكمال (26/212) ، وتهذيب التهذيب (9/333) .
وقال أبو حاتم: صالح الحديث، يكتب حديثه، هو شيخ. الجرح والتعديل (8/30) .
وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان يخطيء. الثقات (7/377) .
وقال ابن سعد: كان كثير الحديث، يستضعف. الطبقات الكبرى (5/433) .
وقال يعقوب بن شيبة: هو وسط، وإلى الضعف ما هو. تهذيب التهذيب (9/333) .
وقال ابن عدي: له حديث صالح، وقد حدث عنه جماعة من الثقات، كل واحد منهم ينفرد عنه بنسخة، ويغرب بعضهم على بعض، وروى عنه مالك غير حديث في الموطأ وغيره، وأرجو أنه لابأس به. الكامل ـ ابن عدي (6/224) .
وقال علي: قلت ليحيى - يعني ابن القطان -: محمد بن عمرو كيف هو؟ قال: تريد العفو أو تشدد؟ قلت: لا: بل أشدد. قال: ليس هو ممن تريد، كان يقول حدثنا أشياخنا أبو سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب. قال يحيى: وسألت مالكاً عنه، فقال فيه نحو مما قلت لك. الكامل (6/224) ، تهذيب الكمال (26/212) .
وقال النسائي: ليس به بأس. تهذيب التهذيب (9/333)
وقال في موضع آخر: ثقة. المرجع السابق.
وفي التقريب: صدوق له أوهام.
والحديث أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (457) من طريق عنبسة الحداد، عن مكحول، عن أبي هريرة.
الشاهد الثاني: حديث فضالة بن عبيد.
(598-162) رواه أحمد، قال: ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد العزيز بن أبي الصعبة، عن حنش،
عن فضالة بن عبيد أن النبي b قال: من شاب شيبة في سبيل الله كانت نوراً له يوم القيامة، فقال رجل عند ذلك: فإن رجالا ينتفون الشيب، فقال رسول الله b: من شاء فلينتف نوره.
[فيه ابن لهيعة، لكن الراوي عنه قتيبة بن سعيد، وروايته عنه أعدل من غيرها، وقد توبع فالحديث حسن] (1) ...(3/392)
الشاهد الثالث:
(599-163) ما رواه أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا هشام، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري،
__________
(1) وتابع ابن لهيعة يحيى بن أبي أيوب. فرواه ابن أبي عاصم في الجهاد (168) ، قال: حدثنا أبو موسى، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا أبي، عن يحي بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد العزيز بن أبي الصعبة، عن حنش، عن فضالة بن عبيد، أن رسول الله b قال: من شاب شيباً في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة. فقال رجل: إن رجالا ينتفون الشيب. فقال رسول الله b: من شاء أن ينتف شيبة، أو قال: نوره. قال ابن أبي عاصم: إسناده حسن، وهو كما قال.
ورواه الطبراني في الكبير (18/304) رقم 782، قال: حدثنا معاذ بن المثنى ثنا، علي بن المديني ح. وحدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن معين، قالا ثنا: وهب بن جرير بن حازم به.
ورواه الطبراني في الأوسط (5/341) رقم 5493، قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا يحيى بن معين، قال: حدثنا وهب بن جرير بن حازم به.
ورواه البيهقي في شعب الإيمان بالإسنادين (5/210) رقم 6388، من طريق ابن لهيعة، ومن طريق يحيى بن أيوب الغافقي به.
عن أبي نجيح السلمي، قال: حاصرنا مع رسول الله b حصن الطائف، فسمعت رسول الله b يقول: من بلغ بسهم في سبيل الله فهو له عدل محرر، فبلغت يومئذ بستة عشر سهماً، فسمعت رسول الله b يقول: من رمى بسهم في سبيل الله عز وجل فهو له درجة في الجنة، ومن شاب شيبة في الإسلام كانت به نوراً يوم القيامة، وأيما رجل مسلم أعتق رجلا مسلماً فإن الله عز وجل جاعل وفاء كل عظم من عظامها محرراً من النار، وأيما امرأة مسلمة أعتقت فان الله عز وجل جاعل وفاء كل عظم من عظامها محرراً من النار (1) .
[إسناده صحيح] (2) ...(3/393)
__________
(1) مسند أبي داود الطيالسي (1154) .
(2) ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي في السنن (10/272) ، وفي شعب الإيمان (3/68) رقم 4341.
وأخرجه أحمد (4/304) ، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن هشام به.
وأخرجه أبو داود (3965) ، قال: حدثنا محمد بن المثنى، ثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي به.
وأخرجه الترمذي مختصراً (1638) ، قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا معاذ بن هشام، عن أبيه به. قال الترمذي: هذا حديث صحيح، وأبو نجيح هو عمرو بن عبسة السلمي.
ووراه الحاكم (3/50) من طريق محمد بن منصور، عن معاذ بن هشام به.
وأخرجه البيهقي (6/161) ، من طريق يونس بن محمد، ثنا شيبان، عن قتادة به.
وهذه متابعة من شيبان لهشام.
وررواه أحمد (4/113) ، قال: ثنا الحكم بن نافع ثنا جرير عن سليم - يعني ابن عامر - أن شرحبيل بن السمط، قال: لعمرو بن عبسة حدثنا حديثاً ليس فيه ترديد ولا نسيان، قال: عمرو سمعت رسول الله b يقول: من أعتق رقبة مسلمة كانت فكاكه من النار عضواً بعضو، ومن شاب شيبة في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة، ومن رمى بسهم، فبلغ، فأصاب أو أخطأ كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل.
وررواه عبد بن حميد (299) قال: أخبرنا يزيد بن هارون، أنا حريز بن عثمان، ثنا سليم بن عامر، أن عمرو بن عبسة كان عند شرحبيل بن السمط به.
وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين (1068) من طريق الوليد بن مسلم، عن حريز بن عثمان به. وفيه عنعنة الوليد بن مسلم، لكنه قد توبع.
وأخرجه أبو داود (3966) ، والنسائي (3142) ، والطبراني في مسند الشاميين (958) من طريق بقية بن الوليد، عن صفوان بن عمرو، عن سليم بن عامر، عن شرحبيل، عن عمرو بن عبسة. وبقية مدلس، وقد عنعن.
وأخرجه عبد الرزاق (154،9544) ، ومن طريقه عبد بن حميد كما في المنتخب (302) ، أنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عمرو بن عبسة به بنحوه. وأبو قلابة لم يسمع من عمرو.
ورواه الترمذي (1635) ، قال: حدثنا إسحاق بن منصور المروزي أخبرنا حيوة بن شريح الحمصي عن بقية عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة عن عمرو بن عبسة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من شاب شيبة في سبيل الله كانت له نورا يوم القيامة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب
وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين (1162) ، قال: حدثنا خير بن عرفة المصري، ثنا يزيد بن عبد ربه الجرجسي ح.
وحدثنا محمد بن النضر الأزدي، ثنا أحمد بن عبد الملك بن واقد الحراني، قالا: ثنا بقية بن الوليد به. وهذه الطرق لا تخلو من مقال، لكنها متابعات صالحة.
الشاهد الرابع: عن أنس موقوفاً.(3/394)
(600-164) ما رواه مسلم في صحيحه، قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي، حدثنا أبي، حدثنا المثنى بن سعيد، عن قتادة،
عن أنس بن مالك، قال: يكره أن ينتف الرجل الشعرة البيضاء من رأسه ولحيته (1) .
وفيه شواهد أخرى تركتها اقتصاراً واختصاراً، عن عمر بن الخطاب (2) ، وعن كعب بن مرة (3) ، وعن غيرهما.
دليل من قال بالتحريم.
حمل النهي عن نتف الشيب بأنه للتحريم، وحمله غيره بأنه للكراهة.
دليل من قال بالجواز.
بنى على الأصل، ولعله لم يثبت عنده هذا الحديث، أو لم يبلغه، ولذلك حين سئل الإمام مالك رحمه الله عن نتف الشيب، قال: ما علمته حراماً، وتركه أحب إلي " (4) .
وقال عمر بن بدر الموصلي: لا يصح في هذا الباب شيء عن رسول الله b (5) .(3/395)
[صفحة فارغة](3/396)
الفصل الخامس
في تغيير الشيب(3/397)
[صفحة فارغة](3/398)
المبحث الأول
تغيير الشيب بغير السواد
اختلف العلماء في تغيير الشيب بغير السواد،
فقيل: يسن خضاب الشيب بغير السواد من حمرة أو صفرة.
وهو مذهب الحنفية (1) ، والشافعية (2) ، والحنابلة (3) ،
وقيل: مباح تغيير الشيب، وهو ظاهر مذهب المالكية (4).(3/399)
وقيل: لا يسن تغيير الشيب، وهذا القول مروي عن عمر (5) ،
__________
(1) حاشية ابن عابدين (6/422) .
(2) قاله النووي في المجموع (1/345) .
(3) الآداب الشرعية (3/336) ، الإنصاف (1/123) ، قال ابن قدامة في المغني (1/66) : " قال أحمد: إني لأرى الشيخ المخضوب فأفرح به. وذاكر رجلاً، فقال: لم لا تختضب؟ فقال: أستحي. قال: سبحان الله سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(4) جاء في الموطأ (2/949) قال يحيى: سمعت مالكاً يقول في صبغ الشعر بالسواد: لم أسمع في ذلك شيئاً معلوماً، وغير ذلك من الصبغ أحب إلي قال: وترك الصبغ كله واسع إن شاء الله، ليس على الناس فيه ضيق.
فقوله: ترك الصبغ كله واسع، يعني إن شاء صبغ، وإن شاء ترك، وهذا شأن المباح، والله أعلم.
وعبارة بعض المتون المالكية: " لا بأس به، جائز " ونحوها.
قال في حاشية العدوي (1/446) : " وأما صبغه بغير السواد فلا بأس به بالحناء والكتم، ثم قال شارحه: وكلامه محتمل للندب والإباحة، وهي أقرب.
وقال في الفواكه الدواني (2/307) : " وجوازه - يعني الصبغ - للرجال في شعر الرأس واللحية دون اليدين والرجلين؛ لأن فيهما من زينة النساء.... الخ فعبر بالجواز الدال على الإباحة.
(5) روى الطبراني في الأوسط (1825) قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا الهيثم بن خارجة، قال: حدثنا محمد بن حمير، عن ثابت بن عجلان،
عن سليم بن عامر، قال: رأيت أبا بكر الصديق يخضب بالحناء والكتم، وكان عمر لا يخضب، وقال: سمعت رسول الله b يقول: من شاب شيبة في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة.
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن ثابت إلا محمد.
[إسناده حسن، إلا أنه معلول]
ورواه ابن حبان في صحيحه (2983) من طريق الهيثم بن خارجه به. واقتصر على المرفوع.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/185،159) : " وعن ابن عمر أن عمر كان لايغير شيبه، فقيل له: يا أمير المؤمنين: ألا تغير فقد كان أبو بكر يغير؟ فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من شاب شيبة في الاسلام كأنت له نوراً يوم القيامة
قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه طريف بن زيد قال العقيلي لا يتابع على هذا الحديث.
وقد راجعت الأوسط ولم أجده بهذا اللفظ، وإنما وجدت فيه حديث ابن عمر دون قصة عمر، واقتصر على المرفوع، انظر الأوسط (1024) .
ويعكر على هذين الحديثين: ما رواه مسلم (2341) قال: حدثني أبو الربيع العتكي، حدثنا حماد، حدثنا ثابت، قال: سئل أنس بن مالك عن خضاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لو شئت أن أعد شمطات كن في رأسه فعلت، وقال: لم يختضب، وقد اختضب أبوبكر بالحناء والكتم، واختضب عمر بالحناء بحتاً.
وهذا أرجح من حديث الطبراني. والله أعلم.
وسعيد بن جبير (1) ...(3/400)
وقيل: يجب تغيير الشيب، وهو رواية عن أحمد (2) .
دليل من قال بالسنية.
الدليل الأول
(601-165) ما رواه البخاري، قال رحمه الله: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، قال: حدثني إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب قال: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن:
إن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال: إن رسول الله b قال: إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم. ورواه مسلم (3) .
فأمر بالصبغ مخالفة لليهود والنصارى، كما أمر بإعفاء اللحية مخالفة للمشركين.(3/401)
قال أحمد: ما رأيت أحداً أكثر خضاباً من أهل الشام، ثم قال: الخضاب هو عندي كأنه فرض، وذلك أن النبي b قال: إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم (4) .
الدليل الثاني:
(602-166) حدثنا محمد بن بكار بن الريان، حدثنا إسمعيل بن زكرياء، عن عاصم الأحول، عن ابن سيرين، قال:
__________
(1) روى ابن أبي شيبة في المصنف (5/184) رقم 25032 قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، قال: سمعت سعيد بن جبير، وسئل عن الخضاب بالوسمة؟ فكرهه، فقال: يكسو الله العبد في وجهه النور، ثم يطفئه بالسواد.
وقد يقال: إن هذا بالنسبة للسواد، ولا يكرهه بغير السواد.
(2) وهذا القول مروي عن أحمد، جاء في كتاب الترجل للخلال (ص: 132) : " والخضاب عندي - أي عند أحمد - كأنه فرض، وذلك أن النبي b قال: إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم "
وفيه أيضاً: " ما أحب لأحد إلا أن يغير الشيب، ولا يتشبه بأهل الكتاب، بقول النبي b: " غيروا الشيب، ولا تشبهوا بأهل الكتاب ".
وفيه أيضاً (ص: 133) عن إسحاق، قال: سمعت أبا عبد الله يقول لأبي: يا أبا هاشم أخضب، ولو مرة واحدة أحب لك أن تخضب، ولا تشبه باليهود ".
وانظر مسائل ابن هانئ (1835) .
(3) صحيح البخاري (3462) ، مسلم (2103) .
(4) مسائل ابن هانئ (1835) .
سألت أنس بن مالك هل كان رسول الله b خضب؟ فقال: لم يبلغ الخضاب كان في لحيته شعرات بيض. قال: قلت له: أكان أبو بكر يخضب؟ قال: فقال: نعم بالحناء والكتم (1) .
وأبو بكر له سنة متبعة.
دليل من قال يباح تغيير الشيب وليس بسنة.
قال: إن الرسول b لم يصبغ كما في حديث أنس في الصحيح، وصبغ جمع من الصحابة، وترك جمع من الصحابة أيضاً، فدل على أن الأمر واسع.
قال ابن عبد البر: جاء عن جماعة من السلف من الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين أنهم خضبوا بالحمرة والصفرة، وجاء عن جماعة كثيرة منهم أنهم لم يخضبوا، وكل ذلك واسع كما قال مالك والحمد لله (2) .
وقال الحافظ: " ترك الخضاب علي وأبي بن كعب وسلمة بن الأكوع(3/402)
وأنس وجماعة " (3) .
(603-167) روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، عن إسماعيل، عن الشعبي،
قال: رأيت علياً أبيض الرأس واللحية، وقد ملأت ما بين منكبيه (4) .
[إسناده صحيح] .
(604-168) روى ابن أبي شيبة أيضاً، قال: حدثنا ابن إدريس، عن شعبة، عن يونس، عن الحسن،
عن عيسى التيمي، قال: رأيت أبي أبيض الرأس واللحية (5) .
[إسناده صحيح، وعيسى هو ابن طلحة بن عبيد الله] .
(605-169) ورواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا أبو عامر صالح بن رستم، قال: حدثنا حميد بن هلال، قال: حدثني الأحنف بن قيس، قال:
قدمت المدينة، فدخلت مسجدها، فبينما أنا أصلي إذ دخل رجل طويل آدم، أبيض اللحية، والرأس محلوق يشبه بعضه بعضاً، فخرجت فاتبعته، فقلت: من هذا؟ قال: أبو ذر.
[رجاله ثقات إلا صالح بن رستم صدوق كثير الخطأ] (6) .
__________
(1) صحيح مسلم (2341) .
(2) التمهيد (21/84) .
(3) فتح الباري (10/355) .
(4) المصنف (5/186) رقم 25055.
(5) المصنف (5/186) رقم 25054.
(6) المصنف (5/186) رقم 25056
وجمع الطبري، فقال: بأن من صبغ منهم كان اللائق به كمن يستشنع(3/403)
شيبه، ومن ترك كان اللائق به كمن لا يستشنع شيبه، وعلى ذلك حمل قوله b في حديث جابر الذي أخرجه مسلم في قصة أبي قحافة حيث قال b: لما رأى رأسه كأنها الثغامة بياضاً: غيروا هذا وجنبوه السواد، ومثله حديث أنس الذي تقدمت الإشارة إليه ثم قال: فمن كان في مثل حال أبي قحافة استحب له الخضاب؛ لأنه لا يحصل به الغرور لأحد، ومن كان بخلافه فلا يستحب في حقه، ولكن الخضاب مطلقاً أولى؛ لأنه فيه إمتثال الأمر في مخالفة أهل الكتاب، وفيه صيانة للشعر عن تعلق الغبار وغيره به إلا إن كان من عادة أهل البلد ترك الصبغ، وأن الذي ينفرد بدونهم بذلك يصير في مقام الشهرة فالترك في حقه أولى. الخ كلامه رحمه الله (1) .
دليل من قال لا يسن تغيير الشيب.
الدليل الأول:
(606-170) ما رواه مسلم في صحيحه، قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي، حدثنا أبي، حدثنا المثنى بن سعيد، عن قتادة،
عن أنس بن مالك، قال: يكره أن ينتف الرجل الشعرة البيضاء من رأسه ولحيته (2) .
الدليل الثاني:
(607-171) ما رواه أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا هشام، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري،(3/404)
عن أبي نجيح السلمي، قال: حاصرنا مع رسول الله b حصن الطائف، فسمعت رسول الله b يقول: من بلغ بسهم في سبيل الله فهو له عدل محرر، فبلغت يومئذ بستة عشر سهماً، فسمعت رسول الله b يقول: من رمى بسهم في سبيل الله عز وجل فهو له درجة في الجنة، ومن شاب شيبة في الإسلام كانت به نوراً يوم القيامة، وأيما رجل مسلم أعتق رجلا مسلماً فإن الله عز وجل جاعل وفاء كل عظم من عظامها محرراً من النار، وأيما امرأة مسلمة أعتقت فان الله عز وجل جاعل وفاء كل عظم من عظامها محرراً من النار (3) .
[إسناده صحيح] (4) .
__________
(1) الفتح (10/355) .
(2) صحيح مسلم (2341) .
(3) مسند أبي داود الطيالسي (1154) .
(4) سبق تخريجه.
وجه الاستدلال
قوله: " من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة " والصبغ يذهب الشيب. والله أعلم.
الدليل الثالث:
(608-172) ما رواه أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا قيس، عن الركين بن الربيع، عن القاسم بن حسان، عن عبد الرحمن بن حرملة،
عن عبد الله بن مسعود، قال: كان رسول الله b يكره عشرة: الصفرة - يعني الخلوق -والتختم بالذهب، والرقى إلا بالمعوذات، وعزل الماء عن محله، والتبرج بالزينة لغير محلها، وعقد التمائم، وجر الإزار،(3/405)
وإفساد الصبي غير محرمه، وتغيير الشيب، والضرب بالكعاب (1) .
[انفرد به عبد الرحمن بن حرملة دون سائر أصحاب ابن مسعود، وليس بالقوي، وفسر جرير تغيير الشيب بنتفه عند أحمد] (2) .(3/406)
__________
(1) مسند أبي داود الطيالسي (396) .
(2) عبد الرحمن بن حرملة:
قال ابن المديني: لا أعلم أحداً روى عن عبد الرحمن بن حرملة هذا شيئاً إلا من هذا الطريق، ولا نعرفه في أصحاب عبد الله. العلل لابن المديني (170) .
وقال البخاري: لا يصح حديثه. التاريخ الكبير (5/270) .
وقال ابن عدي: وهذا الذي ذكره البخاري من قوله لم يصح أن عبد الرحمن بن حرملة لم يسمع بن مسعود، وأشار الى حديث واحد. الكامل (4/311) .
وقال العقيلي بعد أن روى هذا الحديث من طريقه: وبعض الألفاظ التي في هذا الحديث يروى بغير هذا الإسناد، وفيه ألفاظ ليس لها أصل. الضعفاء الكبير (2/329) .
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبى عنه، فقال: ليس بحديثه بأس، وإنما روى حديثاً واحداً ما يمكن أن يعتبر به، ولم أسمع أحداً ينكره، ويطعن عليه وأدخله البخاري في كتاب الضعفاء، وقال: أبى يحول منه. الجرح والتعديل (5/222) .
وقال ابن أبي حاتم: وعبد الرحمن بن حرملة رجل من أصحاب بن مسعود، ولا نعلم سمع من عبد الله بن مسعود أم لا. الجرح والتعديل (7/108) .
وفي التقريب: مقبول: أي حيث يتابع، وإلا فلين الحديث. والله أعلم.
وفي إسناده أيضاً: القاسم بن حسان، جاء في ترجمته:
ذكره ابن أبي حاتم، وسكت عليه. الجرح والتعديل (7/108) .
قال أحمد بن صالح: ثقة. تهذيب التهذيب (8/279) .
وقال البخاري: حديثه منكر. ميزان الاعتدال، ولم أقف عليه في غيره.
وقال ابن القطان: لا يعرف حاله. المرجع السابق.
وذكره ابن حبان في الثقات. (7/335) .
وفي التقريب: مقبول.
تخريج الحديث:
الحديث أخرجه أحمد (1/380) حدثنا جرير، عن الركين، عن القاسم بن حسان به. قال جرير: وتغيير الشيب: إنما يعني بذلك نتفه.
وأخرجه أبو يعلى (5151) والبيهقي في السنن (7/232) و (9/350) من طريق جرير بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود (4222) حدثنا مسدد، حدثنا معتمر، قال: سمعت الركين بن الربيع يحدث عن القاسم به. ومن طريق مسدد أخرجه الحاكم في المستدرك (4/216) .
وأخرجه النسائي في الكبرى (9363) وفي الصغرى (5088) قال: أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر، قال: سمعت الركين به.
وأخرجه أبو يعلى (5074) قال: حدثنا عاصم بن النضر بن المنتشر الأحول حدثنا المعتمر بن سليمان به.
وأخرجه ابن حبان (5682) قال: أخبرنا ابن قتيبة، حدثنا بن أبى السري، حدثنا: معتمر بن سليمان به.
وأخرجه البيهقي في الكبرى (7/465) من طريق محمد بن أبي بكر، أنا المعتمر بن سليمان به.
وأجيب:
بأن هناك فرقاً بين تغيير الشيب، وبين نتفه، قال ابن العربي وإنما نهى عن النتف دون الخضب؛ لأن فيه تغيير الخلقة من أصلها بخلاف الخضب فإنه لا يغير الخلقة علىالناظر إليه والله أعلم (1) .(3/407)
[صفحة فارغة](3/408)
المبحث الثاني
تغيير الشيب بالسواد
المبحث الثاني
تغيير الشيب بالسواد
خضاب الشيب بالسواد اتفقوا على جوازه في الحرب (2) ،
واختلفوا في غير الحرب:
فقيل: يحرم.
وهو قول في مذهب الشافعية، اختاره جماعة منهم، ورجحه النووي (3) .
وقيل: يكره بالسواد لغير حرب،
وهو قول في مذهب الحنفية (4) ، ومذهب المالكية (5) ،
__________
(1) فتح الباري (10/355) .
(2) قال الحافظ في الفتح (6/499) : " ويستثنى من ذلك - يعني النهي عن الصبغ بالأسود - المجاهد اتفاقاً ".
(3) أسنى المطالب (1/173) ، وقال النووي في المجموع (1/345) : " اتفقوا على ذم خضاب الرأس واللحية بالسواد، ثم قال الغزالي في الإحياء، والبغوي في التهذيب، وآخرون من الأصحاب: هو مكروه، وظاهر عباراتهم أنه كراهة تنزيه، والصحيح بل الصواب أنه حرام، وممن صرح بتحريمه صاحب الحاوي في باب الصلاة بالنجاسة، قال: إلا أن يكون في الجهاد، وقال في آخر كتابه (الأحكام السلطانية) : يَمْنَع المحتسب الناس من خضاب الشيب بالسواد إلا المجاهد ". اهـ
وانظر معالم القربة في معالم الحسبة (ص: 197،198) ، وفتاوى الرملي (2/27) .
(4) حاشية ابن عابدين (6/422) ، الجوهرة النيرة (2/282) .
(5) المنصوص عن مالك في الموطأ (2/949) : " قال يحيى: سمعت مالكاًيقول في صبغ الشعر بالسواد: لم أسمع في ذلك شيئاً معلوماً، وغير ذلك من الصبغ أحب إلي. قال: وترك الصبغ كله واسع إن شاء الله، ليس على الناس فيه ضيق. " الخ كلامه رحمه الله.
وقال محمد بن رشد في البيان والتحصيل (17/166- 168) : " أما صبغ الشعر بالحنا والكتم والصفرة، فلا اختلاف بين أهل العلم في أن ذلك جائز، ثم قال:
وأما الخضاب بالسواد فكرهه جماعة من العلماء ثم ذكر حديث قصة مجيء أبي قحافة، ثم قال: وقد صبغ بالسواد جماعة منهم: الحسن والحسين ومحمد بنو علي بن أبي طالب، وسرد جماعة من التابعين. وانظر الفواكه الدواني (2/307) ،
وقول في مذهب(3/409)
الشافعية (1) ، والمشهور في مذهب الحنابلة (2) .
وقيل: جائز بلا كراهة، وهو قول في مذهب الحنفية (3) ، واختيار أبي يوسف، (4) ومحمد بن الحسن (5) ، ومذهب بعض الصحابة (6) ، واختاره جماعة من التابعين منهم ابن سيرين (7) ،
__________
(1) اختاره الغزالي والبغوي، انظر المجموع (1/345) .
(2) جاء في كتاب الوقوف والترجل (ص: 138) : " أخبرنا أحمد بن محمد بن حازم، أن إسحاق بن منصور حدثهم، أنه قال لأبي عبد الله: يكره الخضاب بالسواد؟
قال: إي والله مكروه. ونقله ابن قدامة في المغني (1/67) ، وانظر الإنصاف (1/123) ، كشاف القناع (1/77) .
(3) قال ابن عابدين في حاشيته (6/756) : " ومذهبنا أن الصبغ بالحناء والوسمة حسن كما في الخانية، وقال أيضاً: والأصح أنه لا بأس به في الحرب وغيره".
وقال في الفتاوى الهندية: " وعن الإمام - يعني أبا حنيفة - أن الخضاب حسن بالحناء والكتم والوسمة. اهـ والوسمة السواد.
(4) قال في حاشية ابن عابدين (6/ 422) : " وبعضهم جوزه بلا كراهة - يعني الصبغ بالأسود - روي عن أبي يوسف أنه قال: كما يعجبني أن تتزين لي، يعجبها أن أتزين لها.
(5) قال محمد بن الحسن: " لا نرى بالخضاب بالوسمة والحناء والصفرة بأساً، وإن تركه أبيض فلا بأس بذلك، كل ذلك حسن ". الموطأ لمالك رواية محمد بن الحسن (ص:331) .
(6) سيأتي النقول عنهم إن شاء الله تعالى في ثنايا البحث.
(7) روى ابن أبي شيبة (5/183) ، قال: حدثنا ابن علية، عن ابن عون، كانوا يسألون محمداً - يعني ابن سيرين - عن الخضاب بالسواد، فقال: لا أعلم له بأساً.
[وسنده صحيح] .
وأبو سلمة (1) ، ونافع(3/410)
بن جبير (2) ، وموسى بن طلحة (3) ، وإبراهيم النخعي (4) وغيرهم.
وقيل: يجوز للمرأة، ولا يجوز للرجل، وهو قول إسحاق (5) ، واختاره الحليمي (6) .
دليل القائلين بالتحريم.
الدليل الأول
(609-173) ما رواه مسلم في صحيحه، قال: حدثني أبو الطاهر، أخبرنا عبد الله بن وهب، عن ابن جريج، عن أبي الزبير،
عن جابر بن عبد الله، قال: أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة، ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً، فقال رسول الله b: غيروا هذا بشيء، واجتنبوا السواد (7) .(3/411)
[الحديث صحيح، واختلف في قوله: وجنبوه السواد] (8) .(3/412)
__________
(1) روى ابن أبي شيبة (5/183) حدثنا وكيع وابن مهدي، عن سفيان، عن سعد ابن إبراهيم، عن أبي سلمة أنه كان يخضب بالسواد.
(2) روى ابن أبي شيبة (5/183) قال: حدثنا وكيع، عن عبد الله بن عبدالرحمن بن موهب، قال: رأيت نافع بن جبير يختضب بالسواد.
(3) روى ابن أبي شيبة في المصنف (5/183) حدثنا وكيع، عن عمرو بن عثمان، قال: رأيت موسى بن طلحة يختضب بالوسمة.
وإسناده صحيح، وعمرو بن عثمان هو عمرو بن عثمان بن عبد الله بن موهب ثقة.
(4) روى ابن أبي شيبة في المصنف (5/183) حدثنا وكيع، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، قال: لا بأس بالوسمة، إنما هي بقلة.
(5) جاء في كتاب الوقوف والترجل للخلال (ص: 139) : " أخبرنا عبد الله بن العباس، حدثنا إسحاق بن منصور، قال: قلت لإسحاق، قال - يعني ابن راهوية - الخضاب بالسواد للمرأة؟ قال: لا بأس بذلك للزوج أن تتزين له.
(6) فتح الباري (6/499) .
(7) صحيح مسلم (2102) .
(8) هذا الحديث مداره على أبي الزبير، عن جابر.
يرويه عن أبي الزبير زهير بن معاوية، وابن جريج، وليث بن أبي سليم، وعزرة بن ثابت، والأجلح، وأيوب السختياني.
فرواه زهير بن معاوية، وعزرة بن ثابت عن أبي الزبير، عن جابر، ولم يقولوا: وجنبوه السواد، ورواية زهير صريحة أن أبا الزبير لم يذكرها أصلاً في الحديث.
ورواه الباقون بذكرها، والحديث له شواهد سنأتي على ذكرها أثناء تخريج الحديث إن شاء الله تعالى.
والحديث كما سبق مداره على أبي الزبير، عن جابر، ويرويه عنه جماعة كالآتي:
الطريق الأول: زهير بن معاوية عن أبي الزبير.
أخرجه الطيالسي (1753) حدثنا زهير، عن أبي الزبير، قال: قلت له: أحدثك جابر أن رسول الله b قال لأبي قحافة: غيروا، وجنبوه السواد؟ قال: لا.
وهذه الرواية مختصرة، والنفي في الحديث المقصود به أن الرسول b لم يقل: وجنبوه السواد، وأما الأمر بالتغيير فهو ثابت من طريق زهير فقد أخرجه أحمد (3/338) ، قال: ثنا حسن وأحمد بن عبد الملك، قالا: ثنا زهير، عن أبي الزبير، عن جابر، قال أحمد في حديثه: ثنا أبو الزبير،
عن جابر، قال: أتي رسول الله b بأبي قحافة - أو جاء عام الفتح - ورأسه ولحيته مثل الثغام أو مثل الثغامة. قال حسن: فأمر به إلى نسائه، قال: غيروا هذا الشيب. قال حسن: قال زهير: قلت لأبي الزبير: أقال جنبوه السواد؟ قال: لا.
وأخرجه مسلم (2102) حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا أبو خيثمة، عن أبي الزبير،
عن جابر قال: أتي بأبي قحافة أو جاء عام الفتح أو يوم الفتح، ورأسه ولحيته مثل الثغام، أو الثغامة، فأمر أو فأمر به إلى نسائه قال: غيروا هذا بشيء.
وأبو خيثمة: هو زهير بن معاوية.
وأخرجه ابن الجعد في مسنده (2652) من طريق شبابة، نا أبو خيثمة به.
وأخرجه الطبراني في الكبير (9/41) رقم 8327 من طريق عمرو بن خالد الحراني، ثنا زهير به.
واختلف على زهير بن معاوية، فرواه عنه من سبق:
1- يحيى بن يحيى عند مسلم.
2- أبو داود الطياليسي في مسنده.
3 - حسن بن موسى عند أحمد.
4 - أحمد بن عبد الملك عند أحمد.
5 - شبابة كما في مسند ابن الجعد.
6 - عمرو بن خالد كما عند الطبراني، ستتهم رووه عن زهير بن معاوية، عن أبي الزبير عن جابر، وليس فيه ذكر السواد، بل في بعضها التصريح على أنها ليست في الحديث.
وخالفهم إبراهيم بن إسحاق بن مهران، فرواه ابن عبد البر في الاستيعاب (1773) من طريق إبراهيم بن إسحاق بن مهران، عن شيخ مسلم يحيى بن يحيى، عن زهير بن معاوية به بذكر: " وجنبوه السواد "، ولا شك أن هذا وهم في رواية زهير بن معاوية، فلو خالف إبراهيم مسلماً وحده لكان ذلك علة، فكيف وقد خالف ستة رواة ممن رووه عن زهير بدونها.
الطريق الثاني: عزرة بن ثابت، عن أبي الزبير.
أخرجه النسائي في الكبرى (5/416) وفي الصغرى (5242) قال: أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا خالد-وهو ابن الحارث - قال حدثنا عزرة - وهو ابن ثابت - عن أبي الزبير، عن جابر قال: أتي النبي b بأبي قحافة، ورأسه ولحيته كأنه ثغامة، فقال النبي b: غيروا - أو اخضبوا. اهـ هذا لفظ الصغرى، ولفظ الكبرى: " غيروا هذا، خضبوا لحيته "
ولم يقل: وجنبوه السواد. ورجاله إلى أبي الزبير كلهم ثقات أثبات. وأخرجه الحاكم في المستدرك (3/173) من طريق خالد بن الحارث، ثنا عزرة بن ثابت به.
فهنا ثقتان زهير بن معاوية، وعزرة بن ثابت يرويانه عن أبي الزبير، عن جابر بدون وجنبوه السواد. وفي طريق زهير ينقل عن أبي الزبير أنه يصرح أن قوله: " وجنبوه السواد" ليست في الحديث.(3/413)
ويشهد له ما روه أحمد (6/349) وابن حبان (7208) والطبراني في الكبير (24/88) رقم 236 من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن إسحاق، حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جدته أسماء وفيه: " غيروا هذا من شعره " ولم يقل: وجنبوه السواد، وسوف يأتي الكلام على هذا الطريق إن شاء الله تعالى.
الطريق الثالث: ابن جريج، عن أبي الزبير.
أخرجه مسلم (2102) قال: حدثني أبو الطاهر، أخبرنا عبد الله بن وهب، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة، ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً، فقال رسول الله b: غيروا هذا بشيء، واجتنبوا السواد.
وأخرجه أبو داود (4204) ، ومن طريقه أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/310) قال: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح وأحمد بن سعيد الهمداني، قالا: ثنا ابن وهب به.
وأخرجه النسائي (5076) قال: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن وهب به.
وأخرجه ابن حبان (12/285) رقم 5471 من طريق أبي الطاهر بن السرح، قال: حدثنا ابن وهب به.
وأخرجه البيهقي في الكبرى (7/310) وفي شعب الإيمان (5/215) من طريق بحر بن نصر، وأبي الطاهر بن السرح عن ابن وهب به.
وأخرجه أبو عوانة (2/74) من طريق يونس بن عبد الأعلى وبحر بن نصر كلاهما، عن ابن وهب به.
الطريق الرابع: ليث بن أبي سليم، عن جابر.
أخرجه عبد الرزاق (11/154) قال: أخبرنا معمر، عن ليث، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: أتي بأبي قحافه إلى رسول الله b يوم الفتح كأن رأسه ثغامة بيضاء، فقال: غيروه، وجنبوه السواد.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أحمد (3/322) ، وأبو عوانة (5/514) ، والطبراني في الكبير (9/40) رقم 8324.
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5/182) رقم 25000 ومن طريقه أخرجه ابن(3/414)
ماجه (3624) ثنا إسماعيل بن علية، عن ليث به.
وأخرجه أحمد أيضاً (3/316) قال: ثنا إسماعيل - يعني ابن علية - به.
الطريق الخامس: الأجلح، عن أبي الزبير.
أخرجه أبو يعلى في مسنده (1819) قال: حدثنا أبو بكر، حدثنا شريك، عن الأجلح، عن أبي الزبير،
عن جابر قال: لما قدم النبي b مكة أتي بأبي قحافة، ورأسه ولحيته كأنهما ثغامة، فقال: غيروا الشيب، واجتنبوا السواد به. وهذا إسناد فيه ضعف من أجل شريك بن عبد الله.
ومن طريق شريك أخرجه الطبراني في الأوسط (6/14) رقم 5658، وفي الصغير (483) ،
الطريق السادس: أيوب السختياني، عن أبي الزبير.
أخرجه أبو عوانة في مسنده (5/513) حدثنا أحمد بن إبراهيم أبو علي القهستاني، قال: حدثنا عبد الرحمن بن المبارك، قال: ثنا عبد الوارث، عن أيوب، عن أبي الزبير،
عن جابر قال: أتي بأبي قحافة إلى النبي b عام الفتح، وكان رأسه ولحيته مثل الثغامة، فقال رسول الله b ابعثوا به إلى عند نسائه، فليغيرنه، وليجنبنه السواد.
وهذا إسناد صحيح إلى أبي الزبير.
أحمد بن إبراهيم أبو علي له ترجمة في تاريخ بغداد، قال عنه الخطيب: أحاديثه مستقيمة حسان تدل على حفظه وتثبته. تاريخ بغداد (4/9) .
وعبد الرحمن بن المبارك من رجال التهذيب، ثقة روى له البخاري. وبقية الإسناد مشهورون.
وأخرجه الطبراني في الكبير (9/41) رقم 8326 ثنا يحيى بن معاذ التستري، ثنا يحيى بن غيلان، ثنا عبد الله بن بزيغ، عن روح بن القاسم، عن أيوب السختياني به.
الطريق السابع: مطر بن طهمان الوراق، عن أبي الزبير.
أخرجه الطبراني في الكبير (8325) حدثنا الحسن بن علوية القطان، ثنا إسماعيل بن عيسى العطار، ثنا داود بن الزبرقان، عن مطر الوراق وليث بن أبي سليم، عن أبي الزبير به.(3/415)
وهذا إسناد ضعيف جداً، فيه داود بن الزبرقان، وهو متروك، وفيه مطر بن طهمان الوراق كثير الخطأ.
وقد اختلف فيه على مطر بن طهمان.
فرواه داود بن الزبرقان عنه كما سبق.
وأخرجه الطبراني في الكبير (9/41) رقم 8328 قال: حدثنا خلف بن عمرو العكبري، ثنا الحسن بن الربيع البوراني، ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي، عن مطر بن طهمان الوراق يكنى بأبي رجاء، عن أبي رجاء العطاري،
عن جابر بن عبد الله قال: جيء بأبي قحافة إلى رسول الله b، ورأسه ولحيته كأنها ثغامة، فقال رسول الله b: اذهبوا إلى بعض نسائه يغيرنه، قال: فذهبوا به فحمروها.
فقيل: إنها ليست من الحديث، لأن أبا الزبير أنكرها من رواية زهير ابن معاوية عنه، ولم يذكرها عزرة بن ثابت عن أبي الزبير، وإذا اختلف في ثبوتها عن أبي الزبير فإن المرجع هو أبو الزبير، وقد صرح أنها ليست في الحديث.
وثانياً: أن ابن جريج كان يصبغ بالسواد، وهو ممن روى الحديث عن أبي الزبير.
وأجيب:
أولاً: أنه قد رواه جملة من الرواة غير زهير بن معاوية بإثبات: "وجنبوه السواد " منهم ابن جريج وهو في مسلم، وأيوب السختياني عند أبي عوانة بسند صحيح. وليث بن أبي سليم، وأجلح وفي إسناديهما ضعف منجبر، فلا يتصور وقوع إدراج في الحديث؛ لأن الإدراج يحتمل وروده من الواحد، أما من الجماعة فبعيد
وعليه فيكون نفي أبي الزبير محمولاً على نسيانه لها، وهذا قد يحدث(3/416)
لبعض الحفاظ الكبار كما هو معروف.
قلت: ليست العلة في الحديث إدراج لفظة: " وجنبوه السواد " إنما علته تردد أبي الزبير، فتارة يثبتها، وتارة ينفيها، ولو كان أبوالزبير يشك في ثبوتها أو يتردد لقيل: من حفظ مقدم على من لم يحفظ، وإذا اختلف على الراوي فتارة يذكرها، وتارة ينفيها كان هذا سبباً في إضعاف روايته، ولا أحمل على أحد من الرواة عن أبي الزبير، وإنما الحمل عليه هو. وأبو الزبير ليس بالمتقن (1) .(3/417)
__________
(1) قال الخطيب في الكفاية (ص: 138) : " ما قولكم فيمن أنكر شيخه أن يكون حدثه بما رواه عنه؟
قيل: إن كان إنكاره لذلك إنكار شاك متوقف، وهو لا يدرى هل حدثه به أم لا فهو غير جارح لمن روى عنه، ولا مكذب له، ويجب قبول هذا الحديث والعمل به؛ لأنه قد يحدث الرجل بالحديث وينسى أنه حدث به، وهذا غير قاطع على تكذيب من روى عنه، وإن كان جحوده للرواية عنه جحود مصمم على تكذيب الراوي عنه، وقاطع على أنه لم يحدثه، ويقول: كذب على فذلك جرح منه له، فيجب أن لا يعمل بذلك الحديث وحده من حديث الراوي، ولا يكون هذا الإنكار جرحاً يبطل جميع ما يرويه الراوي؛ لأنه جرح غير ثابت بالواحد، ولأن الراوي العدل أيضا يجرح شيخه، ويقول: قد كذب في تكذيبه لي، وهو يعلم أنه قد حدثني، ولو قال: لا أدرى حدثته أولا؟ لوقفت في حاله، فأما قوله: أنا أعلم أنى ما حدثته، فقد كذب وليس جرح شيخه له أولى من قبول جرحه لشيخه، فيجب إيقاف العمل بهذا الخبر، ويرجع في الحكم إلى غيره، ويجعل بمثابة ما لم يرو ".
وقال ابن كثير في مختصر علوم الحديث المطبوع مع الباعث الحثيث (1/310) : " مسألة: وإذا حدث ثقة، عن ثقة بحديث، فأنكر الشيخ سماعه بالكلية:
فاختار ابن الصلاح أنه لا تقبل روايته عنه لجزمه بإنكاره، ولا يقدح ذلك في عدالة الراوي عنه فيما عداه، بخلاف ما إذا قال: لا أعرف هذا الحديث من سماعي، فإنه تقبل روايته عنه، وأما إذا نسيه فإن الجمهور يقبلونه ". اهـ
لكن يعكر عليه قوله في (ص: 283) : " إن أهل العلم كافة اتفقوا على العمل باللفظ الزائد في الحديث إذا قال راويه: لا أحفظ هذه اللفظة، وأحفظ أني رويت ما عداها. الخ
إلا أن يقال: إن قوله: " لا أحفظ ليس بمثابة قوله: أحفظ أني لم أروها، لأن هناك فرقاً بين النفي والإثبات، والله أعلم. وعلى كل حال قد يختلف الحال من راو لأخر، وقد يوجد إنكار لفظة من طريق تثبت من طريق آخر، فكل حالة لها حكم خاص أشبه بزيادة الثقة والشذوذ، ومنه يتبين هل يكون إنكار راويه يبطلها أو لا يبطلها، وقد يعرف من أين أتى الخطأ من الشيخ أو من التلميذ حال تتبع الحكم على الزيادة من جميع الطرق والشواهد، والله أعلم.
قالوا: وأما كون ابن جريج يصبغ، فليس بحجة في قوله ولا في فعله، فالحجة في روايته، فكيف تبطلون ما روي عن الرسول b بفعل تابعي غير معصوم؟!!!
ثانياً: أن الإمام أحمد قد جاء عنه ما يدل على تصحيحه لهذه اللفظة،
(610-174) جاء في كتاب الترجل والوقوف: أخبرني عصمة بن عصام، حدثنا حنبل، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: وأكره السواد؛ لأن النبي b يقول: وجنبوه السواد " (1) .
وجَزْمُ إمام أهل السنة بنسبة الحديث إلى الرسول b يدل على ثبوته عنده، فلو كان الاختلاف على أبي الزبير مؤثراً لأعله إمام أهل السنة، فإنه في العلل سل به خبيراً.
قلت: فأما كراهيته للسواد فهذا ثابت عن أحمد، لا نزاع في ثبوته عنه، ولا يلزم من كراهيته له أن تكون زيادة: " وجنبوه السواد ثابتة "؛ لأن الإمام قد يأخذ به فقهاً لإمور ودواع أخرى مما يوافق أصوله، ولا يراه ثابتاً من(3/418)
ناحية الإسناد، فهذا حديث التسمية في الوضوء يرى الإمام أحمد أنه لا يصح في الباب شيء، ومع ذلك يراه فقهاً، وأمثلة هذا كثيرة.
وأما نسبة الحديث إلى الرسول b فجاء من طريق عصمة بن عصام، عن حنبل بن إسحاق، عن أحمد، فلا أظنها تثبت عنه (2) .
__________
(1) الوقوف والترجل (ص: 138) .
(2) عصمة بن عصام، له ترجمة في تاريخ بغداد وذكر عنه أنه يروى عن حنبل، ولم يذكر راوياً عنه سوى الخلال، ولم يذكر فيه شيئاً من جرج أو تعديل. تاريخ بغداد (12/288) .
وأما حنبل فهو وإن كان ثقة في نفسه، إلا أنه تكلم فيما ينفرد به عن أحمد،
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (16/405) : " وحنبل ينفرد بروايات يغلطه فيها طائفة كالخلال وصاحبه ".
وقال ابن رجب عن رواية حنبل في شرحه للبخاري (2/367) : " وهو ثقة، إلا أنه يهم أحياناً، وقد اختلف متقدموا الأصحاب فيما تفرد به حنبل عن أحمد، هل تثبت به رواية عنه أم لا؟
وقال أيضاً (7/229) : " كان أبو بكر الخلال وصاحبه لا يثبتان بما تفرد به حنبل عن أحمد رواية ". اهـ
ومن أخطائه ما نسبه إلى أحمد، وهو غير معروف عنه من مذهبه: من تأويل قوله تعالى: {وجاء ربك} الفجر، آية: 22، قال: وجاء أمر ربك، وهذا خلاف مذهب السلف.
ونسب أيضاً للإما أحمد أن الإمام يتحمل عن المأموم تكبيرة الإحرام في حال السهو، قال ابن رجب: وهذه رواية غريبة عن أحمد، لم يذكرها الأصحاب، والمذهب عندهم أنها لا تجزئه، كما لا تجزئ عن الإمام والمنفرد، وقد نقله غير واحد عن أحمد. والله أعلم. وانظر زاد المعاد (5/392) .
ثالثاً: أن الإمام مسلماً قد أخرجها في صحيحه، وهو أصح كتاب بعد البخاري، وقد تلقته الأمة بالقبول، وإخراجها في كتابه تصحيح لها، وهذا يدل على أن الحديث ثابت عنده، وكفى بذلك تصحيحاً.(3/419)
وأجيب:
لا يلزم من إيراد مسلم له في صحيحه أن يكون قد صحح هذه الزيادة، فقد قال لي بعض الإخوة في المذاكرة: إذا ساق مسلم الحديث بلفظ، ثم أعقبه بلفظ آخر يخالفه كان ذلك منه تنبيهاً على علته، ولو لم يصرح، وقد أكثر من هذا أبو داود في سننه.
وهذا يمكن أن يقبل لو نص عليه إمام، أوكان نتيجة للدارسة والسبر، فإن كان هذا مسلماً فذاك، وإن كان غير مسلم، فإنه قد انتقدت بعض الأحاديث في البخاري ومسلم، وسُلِّم للدارقطني وغيره بعض الإعتراضات على بعض الأحاديث، وما انتقده العلماء ليس داخلاً في تلقي الأمة له بالقبول، وهذا الحديث منها، والله أعلم.
ثم وجدت من نص على هذه الحقيقة، وقد أثبت ذلك من خلال دراسته لصحيح مسلم (1) .(3/420)
جواب آخر ذكره أبو حفص الموصلي:
قال: والجواب عن حديث وجنبوه السواد من وجهين:
الأول: أن أحاديث مسلم لا تقاوم أحاديث البخاري!!
__________
(1) وقد أجاد الدكتور حمزة بن عبد الله المليباري في كتابه القيم: عبقرية الإمام مسلم في ذكر هذه الخاصية للإمام مسلم، واستنبطها من مقدمة مسلم، فقد قال مسلم في كتابه:
إنه قسم الأحاديث إلى ثلاثة أقسام:
قال مسلم: " فأما القسم الأول فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى من أن يكون ناقلوها أهل استقامة في الحديث، وإتقان لما نقلوا، ولم يوجد في روايتهم اختلاف شديد، ولا تخليط فاحش، كما قد عثر فيه على كثير من المحديثن، وبان ذلك في حديثهم".
فتبين أن مسلم يقدم الحديث الأنقى، ثم يعقبه بالحديث الذي أقل منه درجة، وقد يكون في الحديث الثاني علة، فيكون ذلك كالتنبيه عليها، فجزى الله الشيخ حمزة خيراً، وإني أنصح بقراءة كتب الشيخ لاهتمامه بطريقة المتقدمين من المحدثين، والله أعلم.
يقصد حديث أبي هريرة في الصحيحين: إن اليهود والنصارى لايصبغون فخالفوهم، فأمر بالصبغ وأطلق ولم يقيد بشيء.
والجواب: أحاديث البخاري أقوى من أحاديث مسلم بالجملة هذا مسلم، ولا نحتاج إلى الترجيح إلا حيث يوجد التعارض بحيث لا يمكن العمل بكلا الدليلين، وحديث البخاري لا يعارض هنا حديث مسلم، لأن مطلق حديث أبي هريرة بالأمر بالصبغ مقيد بحديث جابر في تجنيب السواد، والمطلق لا يعارض المقيد، كما أن العام لا يعارض الخاص، وهذا الجواب قوي لو صح الحديثان، فالمقيد يقدم على المطلق إذا كانا صحيحين، وإلا فلايقيد الحديثَ الصحيحَ حديثُ ضعيفُ، والله أعلم.
الوجه الثاني: قال: إن الحسن والحسين وسعد بن أبي وقاص قد صبغوا بالسواد، فلو كان حراماً لما فعلوه، وكذلك كانوا في زمان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فلو كان حراماً لأنكروا عليهم (1) .
وأجيب:
بأن العصمة إنما هي للوحي، وكم من حديث صحيح ثابت خالفه أفراد من الصحابة، فنعتذر للصاحب بأنه لا يتعمد الخطأ، لكن لا نبطل النص الشرعي لمخالفة بعض الصحابة، والله أعلم.(3/421)
الدليل الثاني:
(611-175) فقد روى أحمد بن حنبل، قال: ثنا محمد بن سلمة الحراني، عن هشام، عن محمد بن سيرين، قال:
سئل أنس بن مالك عن خضاب رسول الله b، فقال: إن رسول الله b لم يكن شاب إلا يسيراً، ولكن أبا بكر وعمر بعده خضبا بالحناء والكتم، قال: وجاء أبو بكر بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله b يوم فتح مكة يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله b فقال رسول الله b لأبي بكر: لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه مكرمة لأبي بكر، فأسلم، ولحيته ورأسه كالثغامة بياضاً، فقال رسول الله b: غيروهما، وجنبوه السواد (2) .
__________
(1) جنة المرتاب بنقد المغني عن الحفظ والكتاب (ص: 477،487) .
(2) مسند أحمد (3/160) .
[لم يذكر قصة أبي قحافة في الحديث إلا محمد بن سلمة عن هشام، وقد رواه غيره عن هشام، ولم يذكرها، كما رواه جمع من الرواة عن أنس بدون ذكرها، والحديث في الصحيحين بدون ذكر قصة أبي قحافة فلا أظنها محفوظة من حديث أنس] (1) .(3/422)
__________
(1) تخريج حديث الباب:
الحديث أخرجه أبو يعلى (2831) حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني، حدثنا محمد بن سلمة به. ومن طريق الحسن بن أحمد بن أبي شعيب أخرجه ابن حبان (5472) .
ورواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (3686) حدثنا ابن أبي داود، قال: حدثنا عبد الغفار بن داود الحراني، قال: حدثنا محمد بن سلمة به.
من طريق محمد بن سلمة الحراني وأخرجه الحاكم في المستدرك (3/244) والبزار كما في كشف الأستار (2981) .
والحديث اختلف فيه على هشام بن حسان، فرواه محمد بن سلمة، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أنس بذكر قصة أبي قحافة كما في حديث الباب.
ورواه عبد الله بن إدريس، عن هشام به كما عند مسلم (2341) ولم يذكر قصة أبي قحافة.
فقد أخرجه مسلم، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير وعمرو الناقد جميعاً، عن ابن إدريس، قال عمرو: حدثنا عبد الله بن إدريس الأودي، عن هشام، عن ابن سيرين، قال: سئل أنس بن مالك هل خضب رسول الله b، قال: إنه لم يكن رأى من الشيب إلا، قال ابن إدريس: كأنه يقلله، وقد خضب أبو بكر وعمر بالحناء والكتم.
ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (3685) .
وعبد الله بن إدريس أحفظ من محمد بن سلمة، ولا مقارنة.
ومع هذا فقد توبع عبد الله بن إدريس، تابعه ثقتان: هما روح، ووهب بن جرير. فقد رواه أحمد (3/206) قال: أحمد، ثنا روح، ثنا هشام، عن محمد قال:
سألت أنس بن مالك هل خضب رسول الله b: قال لم يكن رأى من الشيب إلا - يعني يسيراً - وقد خضب أبو بكر وعمر أحسب بالحناء والكتم.
ورواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (3691) عن بكار بن قتيبة، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا هشام بن حسان،
عن محمد بن سيرين، قال: قلت لأنس: هل كان رسول الله b يخضب؟ فقال: إنه لم يكن رأى من الشيب إلا قليلاً، ولم يذكر سوى ذلك، ولكن قد خضب أبو بكر وعمر بالحناء والكتم. اهـ
فهؤلاء ثلاثة حفاظ رووه عن هشام بن حسان، ولم يذكروا ما ذكره محمد بن سلمة. كما رواه غير هشام عن ابن سيرين، ورواه جمع عن أنس من غير طريق ابن سيرين، ولم يذكروا قصة أبي قحافة، وهذا يجعلني أجزم أن ذكر قصة أبي قحافة في حديث أنس ليست محفوظة. والله أعلم.(3/423)
أما من رواه عن ابن سيرين، فقد رواه البخاري من طريق أيوب، عن محمد بن سيرين. أخرجه البخاري (5894) حدثنا معلى بن أسد، حدثنا وهيب، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، قال: سألت أنسا أخضب النبي b؟ قال: لم يبلغ الشيب إلا قليلا.
ومن طريق معلى بن أسد أخرجه مسلم (2341) والبيهقي (7/309) .
وأخرجه أبو داود الطيالسي (2100) قال: حدثنا هارون، قال: حدثنا محمد بن سيرين، قال:
سألنا أنساً هل خضب النبي b؟ فقال: لم يبلغ ذلك - وذكر قلة من شيبة- ولكن أبو بكر رحمه الله خضب بالحناء والكتم.
وأخرجه مسلم (2341) قال: حدثنا محمد بن بكار بن الريان، حدثنا إسماعيل بن زكريا، عن عاصم الأحول،
عن ابن سيرين، قال: سألت أنس بن مالك هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خضب؟ فقال: لم يبلغ الخضاب كان في لحيته شعرات بيض. قال: قلت له: أكان أبو بكر يخضب؟ قال: فقال: نعم بالحناء والكتم.
وأخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده (2729) بإسناد مسلم.
فهؤلاء أيوب وعاصم الأحول، وهارون رووه بما يوافق رواية عبد الله بن إدريس ووهب بن جرير وروح عن هشام عن ابن سيرين أفيكون محمد بن سلمة مقدماً على هؤلاء الستة!! لا شك أن طريقة جمهور المحدثين تأبى قبول زيادة الثقة مطلقاً، وإنما الترجيح للأكثر والأحفظ، وقد اجتمعا في روايتنا هذه.
وأما من رواه عن أنس من غير طريق ابن سيرين، فإليك تخريج رواياتهم:
الطريق الأول: قتادة، عن أنس.
أخرجه أحمد (3/192) قال: ثنا بهز، ثنا همام، عن قتادة، قال:
سألت أنس بن مالك أخضب رسول الله b؟ قال: لم يبلغ ذلك، إنما كان شيء في صدغيه، ولكن أبو بكر رضي الله تعالى عنه خضب بالحناء والكتم.
وأخرجه البخاري (3550) قال: حدثنا أبو نعيم، حدثنا همام به.
وأخرجه الترمذي في الشمائل (36) حدثنا محمد بن بشار، أنا أبو داود، أنا همام به.(3/424)
وأخرجه النسائي في المجتبى (5086) حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا همام به.
وأخرجه مسلم (2341) والنسائي (5087) من طريق المثنى بن سعيد، عن قتادة، عن أنس.
الطريق الثاني: ثابت، عن أنس.
أخرجه أحمد (3/227) حدثنا يونس، حدثنا حماد - يعني ابن زيد - عن ثابت،
أن أنساً سئل: خضب النبي b؟ قال: لم يبلغ شيب رسول الله b ما كان يخضب، ولو شئت أن أعد شمطاتٍ كن في لحيته لفعلت، ولكنَّ أبا بكر كان يخضب بالحناء والكتم، وكان عمر يخضب بالحناء.
ومن طريق حماد بن زيد أخرجه البخاري (5895) ، ومسلم (2341) ، وأبو داود (4209) ، وأبو يعلى في مسنده (3364) .
وأخرجه عبد الرزاق (20178) (20185) من طريق معمر، عن ثابت، عن أنس. ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الترمذي في الشمائل (37) ، والبغوي (3653) .
الطريق الثالث: حميد، عن أنس.
أخرجه أحمد (3/100) من طريق معتمر بسند صحيح.
وأخرجه أيضاً (3/108) وابن ماجه (3629) من طريق ابن أبي عدي بسند صحيح، كلاهما، عن حميد، عن أنس.
وأخرجه أحمد أيضاً (3/178) حدثنا سهل بن يوسف، عن حميد به. وسنده صحيح. وأخرجه أحمد (3/188) حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا حميد به. وسنده صحيح.
وأخرجه أحمد (3/201) وعبد بن حميد (1414) عن يزيد بن هارون، عن حميد، وسنده صحيح.
الطريق الرابع: أبو إياس معاوية بن قرة، عن أنس. أخرجه مسلم (2341) .
هذه بعض الطرق إلى أنس، وأعترف أنني لم أتقصاها كلها، ومع ذلك فقد وقفت على عشرة طرق في الحديث، لا يذكرون ما ذكره محمد بن سلمة.
منها ثلاثة طرق يروونه عن هشام، عن ابن سيرين، عن أنس.
ومنها ثلاثة طرق يروونه عن ابن سيرين، عن أنس.(3/425)
ومنها أربعة طرق عن أنس، فالباحث بهذا يستطيع أن يجزم بوهم محمد بن سلمة.
الدليل الثالث:
(612-176) ما رواه الطحاوي، قال: حدثنا فهد بن سليمان، قال: حدثنا أحمد ابن حميد ختن عبيد الله بن موسى، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه،
عن أسماء قالت: لما كان يوم الفتح أتي رسول الله b بأبي قحافة، وكأنَّ رأسه ولحيته ثغامة، قال: غيروه، وجنبوه السواد (1) .
[إسناده ضعيف فيه المحاربي وقد عنعن، ورواه غيره لم يقل: وجنبوه السواد] (2).(3/426)
__________
(1) شرح مشكل الآثار (3684) .
(2) المحاربي مدلس، وقد ذكره الحافظ في المرتبة الثالثة ممن لا تقبل عنعنته، وقد يقال: إنه من أصحاب المرتبة الرابعة لكونه يدلس عن المجهولين والمتروكين.
قال العقيلي: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: عرضت على أبى حديثاً حدثناه على بن الحسن أبو الشعثاء وأبو كريب، قالا: حدثنا المحاربي، عن معمر، عن الزهرى، عن سعيد بن المسيب، عن أبى سعيد الخدري، قال: سئل رسول الله b عن التشبيه في الصلاة، فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً، فأنكره أبى، واستفظعه، ثم قال لي: المحاربي عن معمر، قلت: نعم، فأنكره جداً. قال أبو عبد الله: ولم نعلم أن المحاربي سمع من معمر شيئاً، وبلغنا أن المحاربي كان يدلس. الضعفاء الكبير (2/347) .
وقال العقيلي أيضاً: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: قيل لأبى إن المحاربي حدث عن عاصم، عن أبى عثمان، عن جرير: تبنى مدينة بين دجلة ودجيل، فقال: كان المحاربي جليساً لسيف بن محمد بن أخت سفيان، وكان سيف كذاباً، وأظن المحاربي سمعه منه. المرجع السابق. فانظر كيف يتهم بالتدليس عن الكذابين.
ومع عنعنته، فقد رواه غيره بدون زيادة: وجنبوه السواد.
أخرجه أحمد (6/349-350) قال: ثنا يعقوب، قال: ثنا أبى، عن ابن إسحاق، قال: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه،
عن جدته أسماء بنت أبى بكر، في حديث طويل، وفيه: قالت: لما دخل رسول الله b مكة، ودخل المسجد أتاه أبو بكر بأبيه يعوده، فلما رآه رسول الله b قال: هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه. قال أبو بكر: يا رسول الله هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه، قال: فأجلسه بين يديه، ثم مسح صدره، ثم قال له: أسلم، فأسلم، ودخل به أبو بكر رضي الله تعالى عنه على رسول الله b، ورأسه كأنه ثغامة، فقال رسول الله b: غيروا هذا من شعره. الحديث. وليس فيه ذكر السواد.
فهذا إبراهيم بن سعد رواه عن ابن إسحاق، ولم يذكر ما ذكره المحاربي، والحديث في صحيح ابن حبان (7208) والطبراني في الكبير (24/88) رقم 236 من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد به، وليس فيه: " وجنبوه السواد "، فهذا الحديث يشهد لحديث زهير ابن معاوية، عن أبي الزبير، عن جابر أن الحديث ليس فيه: " وجنبوه السواد ". والطريق مختلف والقصة واحدة.
كما رواه الطبراني في الكبير (24/89) من طريق جرير بن حازم، عن ابن إسحاق به. وقال: مثله، أي مثل رواية إبراهيم بن سعد. ومعنى ذلك عدم ورودها في رواية جرير بن حازم.
ورواه الحاكم في المستدرك (3/46) والبيهقي في دلائل النبوة (5/95) من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، وليس فيه: " وجنبوه السواد ".
وجاء ذكر السواد من طريق آخر، فقد أخرجه أحمد (3/247) قال: حدثنا قتيبة، قال: أخبرنا ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله b: غيروا الشيب، ولا تقربوه السواد.
ورواه الطبراني في الأوسط (142) من طريق يحيى بن بكير، عن ابن لهيعة به، بنحوه.
وفي هذا الإسناد ابن لهيعة، وقد رأى بعضهم تحسين حديثه إذا كان من طريق من روى(3/427)
عنه قبل أن تحترق كتبه. والراجح أنه ضعيف مطلقاً، لكن رواية العبادلة عنه أعدل من غيرها كما قال الحافظ، وهذه العبارة لا تقتضي تحسين حديثه،
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عن ابن لهيعة سماع القدماء منه؟ فقال: آخره وأوله سواء إلا أن ابن المبارك وابن وهب كانا يتتبعان أصوله فيكتبان منه، وهؤلاء الباقون كانوا يأخذون من الشيخ، وكان ابن لهيعة لا يضبط، وليس ممن يحتج بحديثه. الجرح والتعديل (5/145) .
فهذا نص على أنه ضعيف مطلقاً، وإن كان قد يتفاوت الضعف فرواية ابن المبارك أخف ضعفاً.
وقال عمرو بن علي: عبد الله بن لهيعة احترقت كتبه، فمن كتب عنه قبل ذلك مثل ابن المبارك وعبد الله بن يزيد المقرى أصح من الذين كتبوا بعد ما احترقت الكتب، وهو ضعيف الحديث. المرجع السابق.
وهذا النص ليس فيه أن ما يرويه العبادلة صحيح مطلقاً، إنما كلمة أصح لا تعني الصحة كما هو معلوم، ولذلك قال: وهو ضعيف الحديث، هذا حاله قبل احتراق كتبه وبعدها.
قال ابن أبي حاتم: قلت لأبي إذا كان من يروى عن ابن لهيعة مثل بن المبارك وابن وهب يحتج به؟ قال: لا. الجرح والتعديل (5/145) .
وقال ابن حبان: قد سبرت أخبار ابن لهيعة من رواية المتقدمين والمتأخرين عنه فرأيت التخليط في رواية المتأخرين عنه موجوداً، وما لا أصل له من رواية المتقدمين كثيراً، فرجعت إلى الاعتبار فرأيته كان يدلس عن أقوام ضعفاء، عن أقوام رآهم ابن لهيعة ثقات، فالتزقت تلك الموضوعات به. قال عبد الرحمن بن مهدي: لا أحمل عن ابن لهيعة قليلاً ولا كثيراً كتب إلي ابن لهيعة كتاباً فيه: حدثنا عمرو بن شعيب، قال عبد الرحمن: فقرأته على ابن المبارك، فأخرجه إلي ابن المبارك من كتابه، عن ابن لهيعة قال حدثني: إسحاق بن أبي فروة، عن عمرو بن شعيب.
ثم قال ابن حبان: وأما رواية المتأخرين عنه بعد احتراق كتبه ففيها مناكير كثيرة، وذاك أنه كان لا يبالي ما دفع إليه قراءة، سواء كان ذلك من حديثه أو غير حديثه، فوجب التنكب(3/428)
عن رواية المتقدمين عنه قبل احتراق كتبه لما فيها من الأخبار المدلسة عن الضعفاء والمتروكين، ووجب ترك الاحتجاج برواية المتأخرين عنه بعد احتراق كتبه لما فيه مما ليس من حديثه. المجروحين (2/11) .
وهذا عين التحرير. أن رواية المتقدمين عنه فيها ما يدلسه عن الضعفاء، ورواية المتأخرين عنه فيها ما ليس من حديثه.
وجاء في ضعفاء العقيلي (2/294) : " حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا محمد بن على، قال سمعت: أبا عبد الله، وذكر ابن لهيعة، وقال: كان كتب عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، وكان بعد يحدث بها عن عمرو بن شعيب نفسه.
وهذا صريح بأن ابن لهيعة يدلس عن الضعفاء.
وحديثنا هذا قد عنعنه ابن لهيعة وقد ذكره الحافظ ابن حجر في المرتبة الخامسة، والمرتبة الخامسة قال فيها الحافظ:
الخامسة: من ضعف بأمر آخر سوى التدليس، فحديثهم مردود، إلا بما صرحوا فيه بالسماع إلا إن توبع من كان ضعفه منهم يسيراً كابن لهيعة.
قلت: هذا الطريق بهذا الإسناد لا أعلم أحداً تابع فيه ابن لهيعة، فهو ضعيف، والله أعلم.
وأما رواية قتيبة بن سعيد عن ابن لهيعة، فهل تكون بمنزلة رواية العبادلة فتعتبر أعدل من غيرها أم لا؟ فالراجح فيه أن قتيبة بن سعيد سمع من ابن لهيعة بآخرة.
أولاً: أن قتيبة بن سعيد صغير، فقد ولد كما قال هو سنة 150 هـ
وخرج للرحلة من بغداد سنة 172 هـ، وكان عمره ثلاثاً وعشرين سنة، وكان احتراق كتب ابن لهيعة سنة 169هـ وحضر قتيبة جنارة ابن لهيعة سنة ثلاث وسبعين أو أربع وسبعين ومائة، فمن أين له أن يكون سماعه قديماً، ولذلك قال أبو بكر الأثرم: وسمعت أباعبد الله أحمد بن حنبل وذكر قتيبة، فأثنى عليه، وقال: هو من آخر من سمع من ابن لهيعة. انظر الجرح والتعديل (7/ 140) . وتهذيب الكمال (23/528) .
وأما ما رواه الذهبي في السير (8/17) قال: " قال جعفر الفريابي سمعت بعض أصحابنا يذكر، أنه سمع قتيبة يقول: قال لي أحمد بن حنبل: أحاديثك عن ابن لهيعة صحاح؟ فقلت:(3/429)
لأنا كنا نكتب من كتاب ابن وهب، ثم نسمعه من ابن لهيعة.
فهذه القصة إن لم يكن لها إلا هذا الإسناد فإنه ضعيف، لأن جعفر الفريابي لم يسمعها إنما قال: سمعت بعض أصحابنا يذكر... وذكرها، فلم يذكر لنا من هم بعض أصحابه؟ هل ممن يعتد به في النقل والجرح أم لا؟ فلا تعارض الحقائق التاريخيه التي قدمتها، ولا تعارض ما رواه أبو بكر الأثرم سماعاً عن أحمد من أن قتيبة من آخر من سمع من ابن لهيعة، والله أعلم.
ثم وقفت على إسناد آخر في تهذيب الكمال (15/487) : " قال أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود يقول: سمعت قتيبة يقول: كنا لا نكتب حديث ابن لهيعة إلا من كتب ابن أخيه، أو كتب ابن وهب إلا ما كان من حديث الأعرج ".
وعلى كل حال الذي أراه أن العبادلة روايتهم عن ابن لهيعة ليست صحيحة، إنما هي أعدل من غيرها فحسب، ولا أزيد على هذا. والله أعلم.
الدليل الرابع:
(613-177) ما رواه الطبراني في الأوسط، قال: حدثنا عبدان بن أحمد، قال: حدثنا محبوب بن عبد الله النميري أبو غسان، قال: حدثنا أبو سفيان المديني، عن داود بن فراهيج،
عن أبى هريرة، قال: لما فتح رسول الله b مكة، وأبو بكر قائم على رأسه، قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إن أبا قحافة شيخ كبير، وإنه بناحية مكة فقال رسول الله b: قم بنا إليه. فقال: يا رسول الله هو أحق أن يأتيك، فجيء بأبي قحافة كأن لحيته ورأسه ثغامة بيضاء، فقال رسول الله b: غيروه، وجنبوه السواد (1) .
[إسناده ضعيف] (2) .(3/430)
__________
(1) المعجم الأوسط (5/23) رقم 4568.
(2) في إسناده داود بن فراهيج.
قال النسائي: ضعيف. الضعفاء والمتروكين (183) .
قال يحيى بن سعيد القطان: كان شعبة يضعف حديث داود بن فراهيج. الجرح والتعديل (3/422) .
واختلف قول يحيى بن معين فيه:
فقال: عثمان بن سعيد الدارمي: سألت يحيى بن معين، عن داود بن فراهيج كيف حديثه؟ فقال: ليس به بأس.
وقال ابن أبي حاتم: قرئ على العباس بن محمد الدوري: سئل يحيى بن معين عن داود بن فراهيج، فقال: ضعيف الحديث. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم الرازي: صدوق. المرجع السابق.
وذكره العقيلي في الضعفاء (2/40) .
وقال ابن عدي: لا أرى بمقدار ما يرويه بأساً. الكامل (3/81) .
وقال الساجي: كان أحمد يضعفه. تعجيل المنفعة (ص: 282) .
وقال حنبل بن إسحاق عن أحمد: مديني صالح الحديث. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم: تغير حين كبر، وهو ثقة صدوق. انظر الكواكب النيرات (ص:162) رقم 21.
وفيه أبو غسان محبوب بن عبد الله النميري لم أقف له على ترجمة، وقد ذكره المزي في تهذيب الكمال من تلاميذ محمد بن زياد اليشكري، انظر تهذيب الكمال (25/223) .
وشيخ الطبراني عبدان بن أحمد، جاء في تذكرة الحفاظ: الإمام رحلة الوقت صاحب التصانيف.
وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: رأيت من أئمة الحديث أربعة، فذكر عبدان، وقال: فأما عبدان فكان يحفظ مائة ألف حديث.
وقال الذهبي: لعبدان غلط، ووهم يسير، وهو صدوق. التذكرة (2/688) .
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/161) : رواه الطبراني في الأوسط، وفيه داود بن فراهيج، وثقه يحيى القطان وغيره، وضعفه جماعة، وفيه من لم أعرفهم.
كما جاء حديث أبي هريرة من طرق أخرى، فإليك هي:(3/431)
الطريق الأول: ما رواه ابن عدي في الكامل (5/219) والبيهقي في السنن الكبرى (7/311) من طريق أبي حامد أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ، عن الحسن بن هارون، ثنا مكي بن إبراهيم، أنا عبد العزيز بن أبي رواد، عن محمد بن زياد،
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ذكر النبي b قال: غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود، واجتنبوا السواد.
وهذا إسناد ضعيف: فيه الحسن بن هارون، وهو نيسابوري، وليس هو الحسن بن عفان، ولا ابن سليمان.
قال ابن حبان: الحسن بن هارون من أهل نيسابور، يروى عن مكي بن إبراهيم، ثنا عنه أبو حامد الشرقى. الثقات (5/347) .
قلت: أبو حامد الشرقي: هو الحافظ أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن.
وعليه فالرواي لم يرو عنه إلا أبو حامد الشرقي، ولم يوثقه إلا ابن حبان، فهو ضعيف.
وفيه عبد العزيز بن أبي رواد:
قال أحمد: عبد العزيز بن أبى رواد رجل صالح، وكان مرجئاً، وليس هو في التثبت مثل غيره. الجرح والتعديل (5/349) .
وقال يحيى بن معين: ثقة! المرجع السابق.
وذكره العقيلي في الضعفاء (3/6) .
وقال علي بن الجنيد: كان ضعيفاً، وأحاديثه منكرات. تهذيب التهذيب (6/301) .
وقال الدارقطني: هو متوسط في الحديث، وربما وهم في حديثه. المرجع السابق.
وقال ابن عدي: ولعبد العزيز بن أبي رواد غير حديث وفي بعض رواياته ما لا يتابع عليه. الكامل (5/290) .
وقال ابن حبان: كان ممن غلب عليه التقشف، حتى كان لا يدري ما يحدث به، فروى عن نافع أشياء لا يشك من الحديث صناعته إذا سمعها أنها موضوعة، كان يحدث بها توهماً لا تعمداً، ومن حدث على الحسبان، وروى على التوهم حتى كثر ذلك منه سقط الاحتجاج به، وإن كان فاضلاً في نفسه، وكيف يكون التقي في نفسه من كان شديد الصلابة في الإرجاء، كثير البغض لمن انتحل السنن. المجروحين (2/136) .(3/432)
قلت: ومن أوهامه ما رواه الخطيب في الجامع (1/347) من طريق حدثني الوليد، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع،
عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنور في كل شهر، ويقلم أظفاره في كل خمس عشرة.
إلا أن يكون الحمل فيه على الوليد.
ومنها ما رواه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه (4/107) من طريق الوليد بن مسلم، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع،
عن ابن عمر، أن النبي b كان يقص أظفاره يوم الجمعة. والله أعلم.
طريق آخر لحديث أبي هريرة رواه الحارث في مسنده كما في إتحاف الخيرة المهرة (6/132) رقم 5625 قال: ثنا أبو الوليد خالد بن الوليد الجوهري - والصواب خلف بن الوليد كما في بغية الباحث - ثنا عباد بن عباد، عن معمر،
عن الزهري أن أبا بكر أتى النبي b بأبيه يوم فتح مكة، وهو أبيض الرأس واللحية، كأن رأسه ولحيته ثغامة بيضاء، فقال رسول الله b: ألا تركت الشيخ حتى أكون أنا آتيه، ثم قال: اخضبوه وجنبوه السواد.
وهو في بغية الباحث رقم (581) . والحديث مرسل، والمرسل ضعيف.
وانفرد بهذا عباد عن معمر، وعباد وإن كان ثقة إلا أن له أوهاماً، وأين أصحاب معمر عن هذا الحديث لو كان من حديث معمر.
قال ابن جرير الطبري: وكان عباد بن عباد ثقة غير أنه كان يغلط أحيانا فيما يحدث. تاريخ بغداد (11/101) .
وقال ابن سعد: كان ثقة وربما غلط. الطبقات الكبرى (7/327) .
وقال أيضاً: كان معروفا بالطلب، حسن الهيئة، ولم يكن بالقوي في الحديث. المرجع السابق (7/290) .
ووثقه يعقوب بن شيبة، وأبو داود والنسائي وابن معين وغيرهم. انظر تهذيب التهذيب (5/83) .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبى رحمه الله عن عباد بن عباد المهلبي، فقال:(3/433)
صدوق لا بأس به. قيل له: يحتج بحديثه؟ قال: لا. الجرح والتعديل (6/82) ، وعلى كل حال، فعباد ثقة قد جاوز القنطرة، ولكن حديثه هذا مرسل، والله أعلم.
الدليل الخامس:
(614-178) ٍما رواه أحمد، قال: ثنا حسين وأحمد بن عبد الملك، قالا: ثنا عبيد الله يعنى ابن عمرو، عن عبد الكريم، عن ابن جبير - قال أحمد: عن سعيد بن جبير -
عن ابن عباس عن النبي b قال: يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بهذا السواد. قال حسين: كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة (1) .
[رجاله ثقات إلا أنه اختلف في وقفه ورفعه] (2) .(3/434)
__________
(1) مسند أحمد (1/273) .
(2) قال الحافظ ابن حجر في الفتح (6/499) : " ولأبي داود، وصححه ابن حبان من حديث بن عباس مرفوعاً (يكون قوم في آخر الزمان يخضبون كحواصل الحمام لا يجدون ريح الجنة) وإسناده قوي إلا أنه اختلف في رفعه ووقفه، وعلى تقدير ترجيح وقفه، فمثله لا يقال بالرأي فحكمه الرفع.
قلت: لم أقف على هذا الاختلاف في الحديث من مخرج واحد، فليتأمل.
وهذا الإسناد مداره على عبيد الله بن عمرو الرقي، عن عبد الكريم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
واختلف في عبد الكريم. فورد في أكثر الروايات غير منسوب.
وورد في سنن أبي داود (4212) من طريق توبة
وعند البيهقي في شعب الإيمان (5/215) رقم 6414 من طريق هلال بن العلاء الرقي، عن أبيه وعبد الله بن جعفر، ثلاثتهم عن عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم الجزري مصرحاً بأنه الجزري.
ورأى ابن الجوزي أنه ابن أبي المخارق، فذكره في الموضوعات، قال (1455) : " هذا حديث لا يصح عن رسول الله b، والمتهم به عبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية البصري " اهـ
فتعقبه الحافظ ابن حجر في القول المسدد (ص: 48) فقال: " أخطأ ابن الجوزي فإن عبد الكريم الذي هو في الإسناد هو ابن مالك الجزري، الثقة المخرج له في الصحيح، ثم ذكر من خرج الحديث. اهـ
وقال ابن عراق في التنزيه (2/275) : وسبق الحافظَ ابن حجر إلى تخطئة ابن الجوزي في هذا الحديث الحافظُ العلائي ".
والحق مع الحافظ للأسباب التالية.
أولاً: أنه ذكر منسوباً عند أبي داود، وسنده صحيح، وعند البيهقي في شعب الإيمان، وسنده حسن.
ثانياً: أن عبيد الله بن عمرو الرقي لا يروي عن ابن أبي المخارق فلم يذكر المزي في تهذيب الكمال أنه من تلاميذه، بينما معروف أن عبيد الله الرقي يروي عن الجزري، وهذه قرينة في أن عبد الكريم هو الجزري، بل ذكر الحديث في تحفة الأشراف (4/424) من مسند عبد الكريم الجزري، عن سعيد، عن ابن عباس.
وعبيد الله بن عمرو راوية الجزري، لكن تفرد الجزري عن سعيد بن جبير بهذا الحديث، ولم يروه غيره من أصحاب سعيد بن جبير كأيوب والمنهال بن عمرو وغيرهما.
وقد قال ابن حبان: كان صدوقاً، ولكنه كان ينفرد عن الثقات بالأشياء المناكير، فلا يعجبني الاحتجاج بما انفرد من الأخبار، وإن اعتبر معتبر بما وافق الثقات من حديثه فلا ضير، وهو ممن استخير الله فيه ". المجروحين (2/146) .
وقال يعقوب بن شيبة: هو إلى الضعف ما هو، وهو صدوق، وقد روى عنه مالك، وكان ممن ينقي الرجال. تهذيب التهذيب (6/333) .
والحق أن عبد الكريم ثقة، متفق على ثقته، وتعميم ابن حبان غير مرضي، ولم ينتقد حديث عبد الكريم إلا في روايته عن عطاء، وابن حبان إذا جرح عمَّم، لكن الأئمة قد يعلون الحديث إذا تفرد به ثقة عن أقرانه، وكان أصلاً في الباب، ولم يصححه معتبر، فكيف وقد اختلف في إسناده ومتنه، وإليك بيانه:(3/435)
الحديث رواه عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم الجزري، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس كما سبق.
ورواه الحكيم الترمذي في المنهيات (199) من طريق أبي حمزة السكري، عن عبدالكريم، عن مجاهد، أنه ذكر عن ابن عباس، قال: قال رسول الله b: يكون في آخر الزمان قوم يصبغون بالسواد، لا ينظر الله إليهم يوم القيامة.
وعبد الكريم هذا هو الجزري، لأن أبا حمزة السكري لا يروي إلا عن الجزري، ومجاهد لم يصرح أنه سمعه من ابن عباس.
والأول أقوى إسناداً، والحكيم الترمذي متكلم فيه، لكنه قد توبع على الأقل في ذكر مجاهد.
فقد رواه الخلال في كتاب الترجل (ص:139) أخبرنا يحيى، قال: أخبرنا عبدالوهاب، قال: أخبرنا هشام بن عبدالله، عن عبد الكريم بن أبي أمية، عن مجاهد، قال: يكون قوم في آخر الزمان يسودون شعورهم، لا ينظر الله إليهم يوم القيامة.
وهذا إسناد حسن إلى عبد الكريم بن أبي أمية، رجاله كلهم ثقات إلا عبدالوهاب، فإنه صدوق، وهنا صرح في الإسناد أن عبد الكريم هو ابن أبي أمية المتروك.
كما أن فيه مخالفة أخرى، وهو أن المتن ليس فيه: " لا يريحون رائحة الجنة ".
كما أن هشاماً توبع في كون الحديث من قول مجاهد، فقد روى عبد الرزاق في المصنف (20183) قال: أخبرنا معمر، عن خلاد بن عبد الرحمن، عن مجاهد، قال: يكون في آخر الزمان قوم يصبغون بالسواد لا ينظر الله إليهم، أو قال: لا خلاق لهم.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات.
وأما ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف (5/148) رقم 25031 قال: حدثنا ملازم بن عمرو، عن موسى بن نجدة، عن جده زيد بن عبد الرحمن، قال: سألت أبا هريرة: ما ترى في الخضاب بالوسمة؟ فقال: لا يجد المختضب بها ريح الجنة.
وهذا إسناد ضعيف، فيه موسى بن نجدة لم يرو عنه غير ملازم بن عمرو، ولم يوثقه أحد، ولذلك قال الحافظ: مجهول
ورواه الخلال في الوقوف والترجل (ص: 139) : أخبرنا محمد بن علي، حدثنا مهنا،(3/436)
قال: حدثني أبو عصام داود، حدثنا زهير بن محمد العنبري،
عن الحسن، قال: قال رسول الله b يكون قوم يغيرون البياض بالسواد، قال مرة: يغيرون بياض اللحية والرأس بالسواد يسود الله وجهوهم يوم القيامة.
وهذا مع كون إسناده ضعيفاً، فإنه من مراسيل الحسن، وهي من أضعف المراسيل، والله أعلم.
وأما قول الحافظ ابن حجر في الفتح (6/499) : " ولأبي داود، وصححه ابن حبان من حديث بن عباس مرفوعاً (يكون قوم في آخر الزمان يخضبون كحواصل الحمام لا يجدون ريح الجنة) وإسناده قوي إلا أنه اختلف في رفعه ووقفه، وعلى تقدير ترجيح وقفه، فمثله لا يقال بالرأي فحكمه الرفع.
فإن كان يعني الحافظ أنه موقوف على صحابي فمسلم، ولم أقف عليه موقوفاً على ابن عباس.
وإن كان يقصد الحافظ أنه موقوف على مجاهد
فليس بجيد لأن قول التابعي قولاً لا مجال للرأي فيه كأن يكون من الغيبيات، هل يكون له حكم الرفع؟، بحيث يقال: إنه في حكم المرسل.
أو يقال: إنه موقوف عليه، وفرق بينه وبين الصحابي من وجوه.
الأول: أن الصحابي الغالب منه أنه يروى عن صحابي مثله، أو عن الرسول b، وبالتالي الواسطة ثقة، فيكون له حكم الرفع، بينما التابعي قد يروي عن تابعي آخر، والتابعي الآخر قد يكون حافظاً، وقد لا يكون.
الوجه الثاني: أنه على التسليم بأن له حكم المرسل، فمرسل التابعي ضعيف، بخلاف مرسل الصحابي رضي الله عنه.
الوجه الثالث: إذا كنا نشترط في الصحابي ألا يكون ممن يروى عن الاسرائليات إذا أخبر بأمور غيبية من قوله، فما بالك بالتابعي. وعلى كل حال فهذا البحث من المباحث الأصولية الحديثية التي ينبغي أن تحرر من أقوال المجتهدين، وعمل المحدثين.
فالشاهد هل هذا الاختلاف يؤثر في الحديث أم لا؟
قد يقال: لا يؤثر؛ لأن الإختلاف إذا اختلف مخرج الحديث لا يعل الموقوف المرفوع،(3/437)
بل ربما يقويه. ووجهه:
عندنا رواية مجاهد فيها اختلاف:
فقيل: عن مجاهد يذكر عن ابن عباس.
وقيل: عن مجاهد من قوله. والراجح من رواية مجاهد أنها من قوله؛ لأنها أقوى إسناداً.
أما رواية عبد الكريم الجزري عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، فهي طريق آخر لم يأت من طريق مجاهد، فيكون الحديث من هذا الطريق محفوظاً. وهذا القول وجيه جداً.
وأما حديث أبي هريرة فضعيف جداً؛ لأن في إسناده راوياً مجهولاً عيناً.
وأما مرسل الحسن، فهو ضعيف أيضاً فيه علتان:
كونه مرسلاً، وفي إسناده من تكلم فيه.
وقد يقال: إن هذا الاختلاف مؤثر فيه:
ذلك أن طريق مجاهد وطريق سعيد بن جبير، كلاهما قيل فيه عن ابن عباس.
ومع ذلك ثبت عن مجاهد من قوله.
وعبد الكريم تارة ينسب إلى الجزري الثقة في طريق عبيد الله بن عمرو الرقي.
وتارة ينسب إلى ابن أبي أمية كما في طريق هشام الدستوائي.
وتارة عن الحسن مرسلاً، وتارة من مسند أبي هريرة،
ولا يكفي أن يكون طريق عبيد الله بن عمرو مستقلاً حتى يكون مقبولاً، فالعلماء يعلون الحديث للمخالفة، ولو كان الطريق مستقلاً، فإذا كان الأكثر أو الأحفظ على إرساله أو وقفه رجح على الموصول والمرفوع، وأقرب مثال على هذا ما رواه ابن أبي شيبة (1/171) رقم 1973، وأحمد وغيرهما ثنا وكيع، ثنا سفيان، عن أبي قيس، عن هزيل بن شرحبيل، عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله b توضأ، ومسح على الجوربين والنعلين.
فهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، وهو طريق مستقل كما أفصح عنه ابن دقيق العيد، فقال في نصب الراية (1/180) : " ومن يصححه يعتمد بعد تعديل أبي قيس على كونه ليس مخالفاً لرواية الجمهور مخالفة معارضة، بل هو أمر زائد على ما رووه، ولا يعارضه، ولا سيما وهو طريق مستقل برواية هزيل عن المغيرة، لم يشارك المشهورات في سندها. اهـ
وقال ابن التركماني في الجوهر النقي عن رواية هذيل عن أبي قيس (1/284) : " ثم(3/438)
إنهما لم يخالفا مخالفة معارضة، بل روايا أمراً زائداً على ما رووه بطريق مستقل غير معارض، فيحمل على أنهما حديثان. اهـ
ومع كونه طريقاً مستقلاً فقد أعله الأئمة بالمخالفة، وإليك النقول عنهم:
قال أبو داود في السنن (159) : كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة أن النبي b مسح على الخفين.
وذكر البيهقي بسنده أن عبد الرحمن بن مهدي، قال لسفيان: لو حدثتني بحديث أبي قيس عن هذيل ما قبلته منك. فقال سفيان: الحديث ضعيف، أو واه أو كلمة نحوها.
وساق البيهقي بسنده عن محمد بن يعقوب، قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: حدثت أبي بهذا الحديث، فقال أبي: ليس يروى هذا إلا من حديث أبي قيس، وقال أبي: إن عبد الرحمن بن مهدي أبى أن يحدث به، ويقول: هو منكر.
وساق البيهقي أيضاً بسنده عن علي بن المديني أنه قال: حديث المغيرة بن شعبة في المسح، رواه عن المغيرة أهل المدينة، وأهل الكوفة، وأهل البصرة، ورواه هذيل بن شرحبيل، عن المغيرة إلا أنه قال: ومسح على الجوربين، وخالف الناس.
وروى البيهقي أيضاً من طريق المفضل بن غسان، قال: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث، فقال: الناس كلهم يروونه على الخفين غير أبي قيس.
وقال النسائي في السنن الكبرى (1/83) قال أبو عبد الرحمن: ما نعلم أحداً تابع أبا قيس على هذه الرواية، والصحيح عن المغيرة أن النبي b مسح على الخفين.
فهذا عبد الرحمن بن مهدي وأحمد وابن معين ومسلم وأبو داود والنسائي رجحوا ضعفه للمخالفة مع اختلاف الطريق، ولم يخرجه البخاري مع أنه على شرطه، فيظهر أنه لعلة المخالفة.
قال النووي في المجموع بعد أن نقل عن الأئمة المتقدم ذكرهم تضعيفهم للحديث (1/500) : " هؤلاء هم أعلام أئمة الحديث، وإن كان الترمذي قال: حديث حسن فهؤلاء مقدمون عليه، بل كل واحد لو انفرد قدم على الترمذي باتفاق أهل المعرفة... اهـ
فلم يمنع من إعلال الحديث مع كونه طريقاً مستقلاً، ونرجع لحديثنا فمع هذا الاختلاف لايمكن للباحث أن يجزم بصحة إسناده، مع أن القول بالتحريم يفتقر إلى إسناد(3/439)
صحيح خال من النزاع؛ لأن الأصل الحل، ولا ننتقل عنه إلا بدليل صحيح صريح خال من النزاع، وأما الذين يرون في مثل هذه المسائل أن الاحتياط التحريم فلم يحسنوا؛ لأن الاحتياط أن يتورع المجتهد عن الجزم بتحريم شيء على الناس بمجرد الشك ولكن لا بد في ما يختاره المجتهد لغيره من اليقين أو غلبة الظن بأن مثل هذا حرام، وأما ما يختار الإنسان لنفسه من باب الاحتياط فالباب واسع، وقد يلزم الإنسان نفسه ما لا يلزمه أهله وولده فضلاً عن الناس، والله أعلم.
[تخريج الحديث]
الحديث رواه أبو داود (4212) حدثنا أبو توبة، ثنا عبيد الله، عن عبد الكريم الجزري.
وأخرجه النسائي في السنن الصغرى (5075) وفي الكبرى (9346) قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي، عن عبيد الله، وهو ابن عمرو به.
وأخرجه أبو يعلى في مسنده (2603) حدثنا زهير، حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي، حدثنا عبيد الله، يعني بن عمرو به.
وأخرجه البيهقي في السنن (7/311) من طريق عمرو- يعني ابن خالد- أنا عبيد الله ابن عمرو به.
وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (6414) وأخبرنا أبو عبدالله الحافظ، ثنا عبدالرحمن بن حمدان الجلاب بهمدان، عن هلال بن العلاء الرقي، ثنا أبي وعبدالله بن جعفر، ثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبدالكريم الجزري به.
وأخرجه أبو عمر الداني في السنن الواردة في الفتن (319) من طريق أحمد بن زهير، حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي به.
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12254) حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني، ثنا أبي ح
وحدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا جندل بن والق، قالا: ثنا عبيد الله بن عمرو به. ومن طريق عبيد الله بن عمرو أخرجه البغوي في شرح السنة (3180) .
وأجيب بأجوبة:(3/440)
الأول: ضعف الحديث لأن في إسناده اختلافاً، وقد ناقشت هذا في التخريج.
قال أبو حفص الموصلي: قد ورد: " يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد، لا يريحون رائحة الجنة، ولا يصح في هذا الباب شيء غير قوله في حق أبي قحافة: " وجنبوه السواد " والجواب عنه من وجهين: ثم ذكرهما (1) .
الجواب الثاني:
أن الوعيد الشديد ليس على الصبغ بالسواد، وإنما هو على معصية أخرى لم تذكر، كما قال الحافظ ابن أبي عاصم في كتاب الخضاب له (2) ، وابن الجوزي كما سيأتي عنه، ويدل على ذلك قوله b يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد، وقد عرفت وجود طائفة قد خضبوا بالسواد في أول الزمان وبعده من الصحابة والتابعين وغيرهم رضي الله عنهم، فظهر أن الوعيد المذكور ليس على الخضاب بالسواد؛ إذ لو كان الوعيد على الخضب بالسواد لم يكن لذكر قوله في آخر الزمان فائدة، فالاستدلال بهذا الحديث على كراهة الخضب بالسواد ليس بصحيح.
قلت: قد يكون فائدة ذكر آخر الزمان أنه يكثر فيه، وينتشر، بخلاف ما وجد في العصر الأول، فإن الصبغ من آحادهم، وعلى كل حال هذا تأويل للنص والذي ينبغي على طالب العلم أن يترك تأويل النصوص وحملها على خلاف الظاهر، وإذا كنا نعيب على أهل البدع تأويل نصوص الصفات،(3/441)
فكيف نسمح لأنفسنا أن نقبل به هنا، وما الفائدة من ذكر هذا الخبر إذا كان على معصية لم تعلم، ويكون الخبر لغواً لا فائدة فيه؛ لأننا لا نعلم جرمهم لنتقيه، غاية ما فيه أن في آخر الزمان قوماً لايريحون رائحة الجنة، ثم القاعدة الأصولية: أن الحكم إذا رتب على وصف فإنه يدل على أن الوصف علة في الحكم، فلو قال قائل: إن قوله تعالى: {والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} (3) .
__________
(1) جنة المرتاب بنقد المغني عن الحفظ والكتاب (ص: 477) .
(2) ذكره عنه ابن حجر في الفتح (10/354) .
(3) النور، آية: 2.
لو قال: إن الجلد ليس على الزنا، وإنما هو على معصية أخرى لم تذكر هل يمكن أن يقبل ذلك منه؟
الثالث: أن المراد بالخضب بالسواد في هذا الحديث الخضب به لغرض التلبيس والخداع، لا مطلقا جمعاً بين الأحاديث المختلفة، وهو حرام بالاتفاق (1) .
قال ابن الجوزي: إنما كرهه - يعني الصبغ بالسواد - قوم لما فيه من التدليس، فأما أن يرتقي إلى درجة التحريم إذا لم يدلس، فيجب به هذا الوعيد، فلم يقل بذلك أحد، ثم نقول على تقدير الصحة يحتمل أن يكون المعنى: لا يريحون ريح الجنة لفعل صدر منهم أو اعتقاد، لا لعلة الخضاب، ويكون الخضاب سيماهم، فعرفهم بالسيما، كما قال في الخوارج: سيماهم التحليق، وإن كان تحليق الشعر ليس بحرام (2) .(3/442)
الجواب الرابع عن الحديث:
لقد صبغ جماعة من أصحاب النبي b بالسواد، أيكون الصبغ متوعداً عليه بأنه لا يريح رائحة الجنة، ثم هؤلاء يصبغون؟!!، ولا ينقل إنكار من الصحابة رضوان عليهم، وهم أكمل الأمة في النصح والعلم والقيام بالواجب، لا يخافون في الله لومة لائم.
وأجيب:
بأننا إنما نحتاج إلى الرد إلى أقوال الصحابة وأفعالهم فيما لم يرد فيه نص، أما ما رود فيه نص فلا يحتاج الأمر إلى الرجوع إلى أفعال الصحابة، قال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فروده إلى الله والرسول} (3) ، فإذا كانت السنة واضحة صريحة فلا ترد إلى غيرها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك مسائل كثيرة خالف فيها بعض الصحابة النص المتفق عليه، ومع ذلك لم يقدح هذا في النص، أرأيت إلى لبس خاتم الذهب جاء فيه النص واضحاً بتحريمه، ومع ذلك جاء عن عدد من الصحابة كانوا يلبسون خاتم الذهب، فهل كان ذلك علة في رد النص؟
__________
(1) تحفة الأحوذي (5/359،360) .
(2) الموضوعات (3/230) .
(3) النساء، آية: 59.
وقد يقال: إن الرجوع إلى فهم الصحابة يتعين لفهم النص، وفهمهم أولى من فهم غيرهم، فيحمل على أن النهي للكراهة لمخالفتهم النهي، لكن يشكل عليه قوله في الحديث: " لا يرح رائحة الجنة " لا يقال مثل هذا في المكروه، والله أعلم.(3/443)
الجواب الخامس:
أن العقوبة الواردة في الحديث مبالغ فيها، وقد يكون من أسباب ضعف الحديث أن يرتب على العمل اليسير ثواب عظيم، أو عقاب كبير كما ذكر ذلك العلماء، وهذا يقال هنا لأن الإسناد ليس من القوة (1) ، فالتحريم نحتاج للقول به إلى إسناد صحيح خال من النزاع؛ لأن الأصل الحل، ولا ننتقل عنه إلا بدليل صحيح صريح خال من النزاع.
وأجيب:
بأن الشرع هو الذي يقدر أن الذنب يسير أو عظيم، ولذلك ورد وعيد(3/444)
شديد في المسبل إزاره،
__________
(1) قال ابن القيم في المنار المنيف: سئلت هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابط من غير أن ينظر في سنده؟
فأجاب رحمه الله: هذا سؤال عظيم القدر، وإنما يعلم ذلك من تضلع في معرفة السنن الصحيحة، واختلطت بلحمه ودمه، وصار له فيها ملكة، وصار له اختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار، ومعرفة سيرة رسول الله b وهديه فيما يأمر به وينهى عنه، ويخبر عنه، ويدعو إليه، ويحبه، ويكرهه، ويشرعه للأمة بحيث كأنه مخالط للرسول b كواحد من أصحابه
فمثل هذا يعرف من أحوال الرسول b وهديه وكلامه، وما يجوز أن يخبر به، وما لا يجوز مما لا يعرفه غيره، وهذا شأن كل متبع مع متبوعه؛ فإن للأخص به الحريص على تتبع أقواله وأفعاله من العلم بها والتمييز بين ما يصح أن ينسب إليه وما لا يصح ما ليس لمن لا يكون كذلك، وهذا شأن المقلدين مع أئمتهم يعرفون أقوالهم ونصوصهم ومذاهبهم، والله أعلم. المنار المنيف (ص: 43) فلا يقطع بضعف الحديث لمجرد عظم الثواب أوالعقاب إلا من الجهبذ البصير بالعلل من أئمة علل الحديث كأحمد بن حنبل رحمه الله، ويحيى بن معين، وابن المديني والبخاري ونحوهم.
(615-179) فقد روى مسلم في صحيحه، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار، قالوا: حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن علي بن مدرك، عن أبي زرعة، عن خرشة بن الحر،
عن أبي ذر، عن النبي b قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، قال: فقرأها رسول الله b ثلاث مرار. قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟
قال: المسبل، والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب (1) .
فلا يمكن أن نعل الحديث بأن ذنب الإسبال يسير فكيف يتوعد عليه بمثل هذه العقوبة، والله أعلم.
الدليل السادس:
(616-180) ما رواه ابن عدي في الكامل، قال: حدثنا صدقة بن منصور بحران، قال: ثنا أبو معمر، قال: ثنا عاصم بن سليمان التميمي، عن إسماعيل بن أمية، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه،
عن جده، قال: جيء بأبي قحافة إلى النبي b يوم الفتح، ورأسه ولحيته كأنها ثغامة، فقال: النبي b: غيروا هذا الشيب، وجنبوه السواد (2) .
[موضوع بهذا الإسناد] (3) .(3/445)
الدليل السابع:
__________
(1) صحيح مسلم (106) .
(2) الكامل (5/238) .
(3) فيه عاصم بن سليمان التميمي.
قال عمرو بن على: كان كذاباً يحدث بأحاديث ليس لها أصول كذب عن رسول الله b وأصحابه. الجرح والتعديل (6/344) . وذكر في اللسان أحاديث وضعها على رسول الله b. لسان الميزان (3/338) .
وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال: غلب على حديثه الوهم. الضعفاء الكبير (3/337) .
وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبى يقول: ضعيف الحديث متروك الحديث. الجرح والتعديل (6/344) .
قال ابن عدي: كان يعد ممن يضع الحديث. لسان الميزان (3/218) .
قال النسائي: متروك. المرجع السابق.
وقال الدارقطني: كذاب. المرجع السابق.
(617-181) قال ابن سعد: أخبرنا معن بن عيسى، قال: حدثني عبد الله بن المؤمل، عن عكرمة بن خالد، قال: أتي بأبي قحافة إلى النبي b وكأن رأسه ثغامة، فبايعه رسول الله b ثم قال: غيروا رأس الشيخ بحناء.
[ضعيف وذكر الحناء فيه منكر] (1) .(3/446)
الدليل الثامن:
(618-182) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو أسامة،
عن عبد الملك، قال: سئل عطاء عن الخضاب بالوسمة؟ فقال: هو مما أحدث الناس، وقد رأيت نفراً من أصحاب رسول الله b، فما رأيت أحداً منهم يختضب بالوسمة، ما كانوا يخضبون إلا بالحناء والكتم وهذه الصفرة (2) .
[إسناده صحيح]
وأجيب:
أولاً: لا شك أنه ثبت عن بعض الصحابة الصبغ بالأسود، ثبت عن الحسن من طرق كثيرة وبعضها صحيح، وثبت عن عقبة بن عامر بسند صحيح، وسيأتي النقول عنهم إن شاء الله.
(619-183) ثانياً: قد روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن نمير، عن إسرائيل، عن عبد الأعلى، قال: سألت ابن الحنفية عن الخضاب بالوسمة؟ فقال: هي خضابنا أهل البيت (3) .
[وسنده حسن]
ثالثاً: أن الصبغ بالأسود على فرض أن جميع الصحابة لم يصبغوا به، لم ينقل عن الصحابة أيضاً أنهم كرهوه أو منعوه، ولو نقل لكان صالحاً للحجة.
__________
(1) الطبقات الكبرى (5/451) وفيه ثلاث علل:
الأول: في إسناده عبد الله بن المؤمل.
قال أبو زرعة وأبو حاتم: ليس بقوي. الجرح والتعديل (5/175) .
وقال أحمد: ليس هو بذاك. المرجع السابق.
وقال العقيلي: لا يتابع على كثير من حديثه. الضعفاء الكبير (2/302) .
وفي التقريب: ضعيف الحديث.
الثاني: أن عكرمة تابعي، فهو مرسل.
الثالث: أن قصة أبي قحافة من الأحاديث الصحيحة ليس فيها أن الرسول b قال: غيروه بحناء، وإنما الخلاف هل قال: وجنبوه السواد أم لا.
(2) المصنف (5/148) رقم 25033.
(3) المصنف (5/148) رقم 25023.
وقال بعضهم: إن الوسمة صبغ ليس بالأسود، قيل: إن كان كذلك لم يكن قول عطاء بأن الصبغ به حدث دليل أن الصحابة لم يصبغوا بالأسود،(3/447)
فأما أن تعتبره أسود فالجواب عنه ما علمت، أو ليس بالأسود فلا تستدل به على أن الصحابة لم يصبغوا بالأسود.
الدليل التاسع:
(620-184) ما رواه ابن عدي من طريق رشدين بن سعد، عن أبي صخر حميد بن زياد، عن يزيد بن قسيط،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله b إن الله يبغض الشيخ الغربيب.
قال أحمد: قال رشدين: الذي يخضب بالسواد (1) .
[إسناده ضعيف] (2) .........(3/448)
دليل القائلين بكراهة الخضاب بالسواد.
جمعوا بين النهي عن الخضاب بالسواد، وبين فعل الصحابة على أن النهي ليس للتحريم، ولو كان للتحريم لما خضب جمع من السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
قال ابن القيم: " صح عن الحسن والحسين رضي الله عنهما أنهما كان يخضبان بالسواد، ذكر ذلك عنهما ابن جرير في كتاب تهذيب الآثار، وذكره عن عثمان بن عفان، وعبد الله بن جعفر، وسعد بن أبي وقاص، وعقبة بن عامر، والمغيرة بن شعبة، وجرير بن عبد الله، وعمرو بن العاص، وحكاه عن جماعة من التابعين منهم عمرو بن عثمان، وعلي بن عبد الله بن عباس، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن الأسود، وموسى بن طلحة، والزهري، وأيوب، وإسماعيل بن معدي كرب، وحكاه ابن الجوزي عن محارب بن دثار، ويزيد، وابن جريج، وأبي يوسف، وأبي إسحاق، وابن أبي ليلى، وزياد بن علاقة، وغيلان بن جامع، ونافع بن جبير، وعمرو بن علي..
__________
(1) الكامل (3/156) .
(2) فيه رشدين بن سعد، جاء في ترجمته.
ضعفه أحمد بن حنبل، عن رشدين بن سعد، وقدم ابن لهيعة عليه. الجرح والتعديل (3/513) .
وقال يحيى بن معين، كما في رواية ابن أبي خيثمة عنه: رشدين بن سعد لا يكتب حديثه. المرجع السابق.
وقال على بن الحسين بن الجنيد: سمعت ابن نمير يقول: رشدين بن سعد لا يكتب حديثه. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم الرازي: رشدين بن سعد منكر الحديث، وفيه غفلة، ويحدث بالمناكير عن الثقات، ضعيف الحديث ما أقربه من داود بن المحبر، وابن لهيعة أستر، ورشدين أضعف. المرجع السابق.
وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث. المرجع السابق.
وقال قتيبة: كان لا يبالي ما دفع إليه فيقرأ هـ. التاريخ الكبير (3/337) .
وقال النسائي: متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين (203) .
وقال ابن رشدين: كان ضعيفاً. الطبقات الكبرى (7/517) .
وقال ابن عدي: ورشدين بن سعد له أحاديث كثيرة غير ما ذكرت، وعامة أحاديثه عن من يرويه عنه ما أقل فيها ممن يتابعه أحد عليه، وهو مع ضعفه يكتب حديثه. الكامل (3/149) .
وذكره العقيلي في الضعفاء. (2/66) .
وقال ابن حبان: كان ممن يجيب في كل ما يسأل، ويقرأ كل ما يدفع إليه، سواء كان ذلك حديثه أو من غير حديثه، ويقلب المناكير في أخباره على مستقيم حديثه. المجروحين (1/303) .
وفي إسناده أيضاً أبو حميد صخر بن زياد، مختلف فيه...........(3/449)
المقدمي، والقاسم بن سلام (1) .
فذكر ابن القيم ثمانية من أصحاب النبي b يصبغون بالسواد، أيكون الصبغ متوعداً عليه بأنه لا يريح رائحة الجنة، ثم هؤلاء يصبغون!! ولا ينقل إنكار من الصحابة رضوان عليهم، وهم أكمل الأمة في النصح والعلم والقيام بالواجب، لا يخافون في الله لومة لائم، فإما أن نقول: إن فعل مثل هؤلاء يقدح في المنقول من النهي، وهذا غير جيد، أو نقول: إن فعل هؤلاء يبين أن النهي ليس للتحريم، وإنما هو للكراهة، فيكون من أجازه لم يعارض من كرهه، والجواز لا ينافي الكراهة كما هو معروف، ومن خضب بالسواد فهم أن الأمر على التخيير. والله أعلم.
قال ابن القيم: وأما الخضاب بالسواد، فكرهه جماعة من أهل العلم، وهو الصواب بلا ريب (1) .
وسوف أحاول تخريج بعض الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم، لأن أقوالهم ليست كأقوال غيرهم.
(621-185) فقد روى عبد الرزاق في المصنف، قال: عن معمر، عن الزهري، قال: إن الحسين بن علي يخضب بالسواد. قال معمر: رأيت الزهري يغلف بالسواد وكان قصيراً (2)
__________
(1) زاد المعاد (4/369) ، وذكر نحواً من ذلك القاضي عياض، فقال في شرحه لصحيح مسلم (6/625) : " وكان منهم من يخضب بالسواد، وذكر ذلك عن عمر وعثمان والحسن والحسين وعقبة بن عامر، ومحمد بن علي وعلي بن عبد الله بن عباس، وعروة وابن سيرين، وأبي بردة في آخرين ". اهـ..(3/450)
(622-186) وروى عبد الرزاق أيضاً، قال: عن معمر، عن الزهري قال: كان الحسن بن علي يخضب بالسواد (3) ...(3/451)
__________
(1) تهذيب السنن (6/104) .
(2) المصنف (20184) .
(3) المصنف (20190) .
رجاله ثقات إن كان الزهري سمع من الحسين بن علي، وقد جاء في العلل لابن أبي حاتم (2/302) : " سألت أبي عن حديث رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، قال: رأيت علي بن الحسين يخضب بالسواد، وأخبرني أن أباه كان يخضب به. قال أبي: هذا الحديث منكر " اهـ. فهنا الزهري يروي عن الحسين بن علي بواسطة ابنه علي.
لكن روى الطبراني في المعجم الكبير (3/98) حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني محمد بن عبدالرحيم أبو يحيى، ثنا حسين بن محمد، ثنا جرير بن حازم، عن محمد بن سيرين، عن أنس، أن الحسين بن علي كان يخضب بالوسمة. وسنده صحيح.
والوسمة: جاء في المصباح المنير (ص:) : " الوَسِمة بكسر السين العظلم يختضب به "
والعظلم جاء في لسان العرب: " عن الزهري أَنه ذُكِرَ عنده الخِضابُ الأَسْودُ فقال: وما بأْسٌ بهِ؟ هأَنذا أَخْضِبُ بالعِظْلِمِ "
والعظلم من تَعَظْلَمَ الليلُ: أظْلَمَ , واسْوَدَّ جِدّاً. والعَظْلَمَةُ: الظُّلْمَةُ. والله أعلم.
وقال ابن أبي شيبة في المصنف (5/184) باب من كره الخضاب بالسواد.
ثم ساق بسنده أن عطاء سئل عن الخضاب بالوسمة، فقال: هو مما أحدث الناس، فهذا صريح من ابن أبي شيبة أن الوسمة هي السواد.
فتبين منه أن الوسمة: هو الخضاب بالأسود.
ويؤيد هذا التفسير ما قاله ابن عبد البر في التمهيد (21/86) قال: وذكر أبو بكر قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، قال: سمعت سعيد بن جبير سئل عن الخضاب بالوسمة، فقال: يكسو الله العبد في وجهه النور فيطفئه بالسواد. ورجاله ثقات. فظهر أن الوسمة هو السواد.
وروى الطبراني في الكبير (3/99) ، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا أحمد بن جواس الحنفي ثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث قال رأيت الحسين بن علي يخضب بالسواد.
ورجاله ثقات، وبالنسبة لتغير أبي إسحاق، فالجواب: قد روى الشيخان من رواية أبي الأحوص عن أبي إسحاق في صحيحيهما، والعنعنة قد زالت بالمتابعة، والله أعلم.
وقد توبع أبو الأحوص، فقد رواه الدولابي في الذرية الطيبة (174) حدثنا إبراهيم بن مرزوق حدثنا عبدالله بن داود عن يونس بن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن الحسين أنه كان يخضب بالوسمة.
وروى ابن أبي شيبة في المصنف (5/183) رقم 25017 حدثنا أبو بكر بن عياش عن عبد العزيز بن رفيع عن قيس مولى خباب قال دخلت على الحسن والحسين وهما يخضبان بالسواد. وهذا سند صالح في المتابعات، وأبو بكر بن عياش قد توبع فيه فقد أخرجه الطبراني (3/98) قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، ثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع، عن قيس مولى خباب به.
وقيس مولى خباب، له ترجمة في الجرح والتعديل، قال ابن أبي حاتم: روى عن الحسن والحسين ابنى على وابن عمر، روى عنه عبد العزيز بن رفيع وابن جريج سمعت أبى يقول ذلك. ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً (7/106) . وقد يقوى قيس باعتباره قد توبع فيه، فإذا روى الراوي ما يتابع عليه، ولم نجد جرحاً كان هذا دليلاً على حفظه، والله أعلم.
وأخرج ابن الجعد في مسنده (2126) ، قال: أنا شريك، عن فراس، عن عامر قال: رأيت الحسين بن علي يخضب بالسواد.
روى الطبراني في المعجم الكبير (3/21) رقم 2531 حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا عبادة بن زياد، ثنا شريك، عن عبد الله بن أبي زهير مولى الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه، قال: رأيت الحسن بن علي رضي الله عنه يخضب بالوسمة.
قال الحضرمي: هكذا قال عبادة مولى الحسن، وإنما هو مولى الحسين.
وروى الطبراني في الكبير (2535) ، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا أبو كريب، ثنا معاوية بن هشام، عن محمد بن إسماعيل بن رجاء، عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه كان يخضب بالسواد.
قال الهيثمي في المجمع (5/162) رجاله رجال الصحيح، خلا محمد بن إسماعيل بن رجاء، وهو ثقة.........(3/452)
الأثر الثاني:
(623-187) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ليث بن سعد، قال: حدثنا أبو عشانة المعافري، قال:
رأيت عقبة بن عامر يخضب بالسواد ويقول:
نسود أعلاها وتأبى أصولها... .................................... (1) .
الأثر الثالث:
(624-188) روى ابن أبي الدنيا في العمر والشيب، قال: حدثنا أبو كريب، حدثنا زكريا بن عدي، عن زاجر بن الصلت، عن الحارث بن عمرو،
عن البحتري بن عبد الحميد، أن عمر بن الخطاب قال: نعم الخضاب......
__________
روى الطبراني (3/22) رقم 2536حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، ثنا أبي، ثنا محتسب أبو عائذ، حدثني شجاع بن عبد الرحمن، أنه رأى الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه مخضوبا بالسواد على فرس ذنوب. وسنده ضعيف.
وروى الطبراني في الكبير (2534) ، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن عامر بن إبراهيم الأصبهاني، حدثني أبي، عن جدي عامر، عن يعقوب القمي، عن عنبسة بن سعيد، عن إبراهيم بن مهاجر، عن الشعبي، أن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه كان يخضب بالسواد.
وروى الطبراني في الكبير (3/99) قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا كامل ابن طلحة الجحدري، ثنا ابن لهيعة، عن عبد الرحمن بن بزرج قال: رأيت الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما ابني فاطمة رضي الله تعالى عنها يخضبان بالسواد، وكان الحسين يدع العنفقة. وفيه ابن لهيعة..........
(1) المصنف (5/184) رقم 25025. وسنده صحيح، وقد أخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (3/204) من طريق الليث به.(3/453)
السواد هيبة للعدو ومسكنة للزوجة (2) .
[سنده ضعيف] (3) .
الأثر الرابع:
(625-189) روى الطبراني في الكبير، قال: حدثنا أحمد بن رشدين المصري، ثنا نعيم بن حماد، ثنا رشدين بن سعد، عن يونس، عن ابن شهاب،
عن سعيد بن المسيب، أن سعد بن أبي وقاص كان يخضب بالسواد.
[سنده ضعيف] (4) .........(3/454)
الأثر الخامس:
(626-190) روى الطبراني، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا محمد بن منصور الكلبي قال حدثني سليم أبو الهذيل قال:
رأيت جرير بن عبدالله يخضب رأسه ولحيته بالسواد (1) .
الأثر السادس:
(627-191) قال الهيثمي في المجمع: وعن عبد الله بن عمرو، أن عمر بن الخطاب رأى عمرو بن العاص وقد سود شيبه فهو مثل جناح الغراب، فقال: ما هذا يا أبا عبد الله؟ فقال: يا أمير المؤمنين أحب أن يرى في بقية، فلم ينهه عن ذلك ولم يعبه عليه.
قال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه راو لم يسم، قال سعيد بن أبي مريم: حدثني من أثق به، وعبد الرحمن بن أبي الزناد وبقية رجاله ثقات (2) .
أما الآثار عن التابعين فهي كثيرة جداً، ولكن لما كانت المسألة فيها أحاديث أكتفيت بها، لأن الاستدلال بأقوال التابعين إنما يستأنس به إذا لم يكن في المسألة سنة عن الرسول b ولا عن أصحابه، فإننا نرجع إلى آثار السلف من التابعين رضوان الله عليهم أجمعين
__________
(2) العمر والشيب (4) .
(3) فيه البحتري بن عبد الحميد لم أقف عليه، والحارث بن عمرو لم ينسب فيتبين لي من هو. وأخرجه ابن قتيبة (2/53) من طريق زكريا بن يحيى بن نا فع الأزدي، عن أبيه، عن عمر. ولم أعرفهم.
(4) المعجم الكبير (1/138) رقم 295، وسنده ضعيف، فيه نعيم بن حماد، ورشدين، وكلاهما ضعيف، ورواه الطبراني (1/138) رقم 296 حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا عبد الله بن عمر بن أبان، ثنا سليم بن مسلم، عن معمر، عن الزهري، عن عامر بن سعد أن سعدا كان يخضب بالسواد.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/162) : " سليم بن مسلم لا أعرفه ".
قلت: سليم بن مسلم هو الخشاب معروف، وترجمته في كتب الرجال مشهورة.
قال أحمد بن حنبل: قد رأيته بمكة، ليس يسوى حديثه شيئاً. الجرح والتعديل (4/314) .
وقال يحيى بن معين: ليس بثقة، كما في رواية الدوري عنه. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث، منكر الحديث. المرجع السابق.
وقال أبو زرعة: ليس بقوي. المرجع السابق.
وقال النسائي: متروك. الضعفاء والمتروكين (244) .
وقال يحيى بن معين: كان ينزل مكة وكان جهمياً خبيثاً. الضعفاء الكبير (2/164) .
وقال ابن حبان: يروي عن الثقات الموضوعات، الذي يتخايل إلى المستمع لها وإن لم يكن الحديث صناعته أنها موضوعة. المجروحين (1/354) .
.......(3/455)
دليل من قال يجوز تغيير الشيب بالسواد.
الدليل الأول:
لم يثبت عن الرسول b نهي في التحريم، والأصل في الأشياء الإباحة.
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول في صبغ الشعر بالسواد: لم أسمع في ذلك شيئاً معلوماً، وغير ذلك من الصبغ أحب إلي. قال: وترك الصبغ كله واسع إن شاء الله، ليس على الناس فيه ضيق (3) .
وإمام بمثل مالك، وهو في المدينة قد رأى فقهاء التابعين وأخذ منهم يرى أنه لم يسمع في الصبغ بالسواد شيئاً دليل على أن أحاديث النهي في الباب لاتصح.
الدليل الثاني:
(628-192) ما رواه البخاري، قال رحمه الله: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، قال: حدثني إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب قال: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن،
__________
(1) المعجم الكبير (2/291) رقم 2209، قال الهيثمي في المجمع (5/162) : " سليم والراوي عنه لم أعرفهما ".
(2) مجمع الزوائد (5/162،163) ، ولم أقف عليه في المعاجم الثلاثة.
(3) الموطأ (2/949) .
إن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال: إن رسول الله b قال: إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم. ورواه مسلم (1) .
وجه الاستدلال:
أن الحديث يقتضي الأمر بالصبغ، ولم يقيد صبغاً دون صبغ، فبأي شيء صبغ الرجل فقد امتثل الأمر...(3/456)
الدليل الثالث:
(629-193) ما رواه أحمد، قال: ثنا يزيد وابن نمير قالا ثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله b: غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى (2) .
[إسناده حسن] (3) .
وجه الاستدلال:
أن الرسول b أمر بتغيير الشيب، فله أن يغيره بأي شيء؛ لأن الحديث مطلق لم يقيد بشيء.
الدليل الرابع:
(630-194) ما رواه مسلم، قال: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا أبو خيثمة، عن أبي الزبير،
عن جابر قال: أتي بأبي قحافة - أو جاء عام الفتح أو يوم الفتح- ورأسه ولحيته مثل الثغام أو الثغامة، فأمر أو فأمر به إلى نسائه، قال: غيروا..(3/457)
هذا بشيء (4) .
وجه الاستدلال من الحديث كالاستدلال بالحديثين السابقين.
وأجيب عن هذا:
بأن الأمر المطلق بتغيير الشيب مقيد بالأحاديث الأخرى، وهو النهي عن الأسود، كما في حديث جابر وأنس وغيرهما.
الدليل الخامس:
__________
(1) صحيح البخاري (3462) ، مسلم (2103) .
(2) مسند أحمد (2/261) .
(3) الحديث أخرجه أحمد (2/499) عن يزيد بن هارون وحده به.
وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/439) عن يزيد بن هارون وابن نمير به.
وأخرجه أبو يعلى في مسنده (5977) ، قال: حدثنا وهب أخبرنا خالد عن محمد به.
وأخرجه ابن حبان (5473) قال: أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا بن إدريس، عن محمد به.
وأخرجه أحمد (2/356) والترمذي (1752) ، وأبو يعلى (6021) من طريق عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة. وهذا سند صالح في المتابعات والشواهد.
(4) مسلم (2102) .
(631-195) ما رواه ابن ماجه قال: حدثنا أبو هريرة الصيرفي محمد بن فراس، نا عمر بن الخطاب بن زكريا الراسبي، ثنا دفاع بن دغفل السدوسي، عن عبدالحميد ابن صيفي، عن أبيه،
عن جده صهيب الخير قال قال رسول الله b: إن أحسن ما اختضبتم به لهذا السواد؛ أرغب لنسائكم فيكم، وأهيب لكم في صدور عدوكم.
[إسناده ضعيف] (1) ...(3/458)
الدليل السادس:
أن أبا بكر صبغ بالحناء والكتم، والحناء والكتم يعطي نوعاً من اللون الأسود، وذلك لأن الأسود درجات، منه: الأسود الداكن، ومنه الأسود الفاتح، وبينهما درجات، يسميه بعضهم باللغة المعاصرة البني الغامق، وهي لون من درجات اللون الأسود، فلما أذن في الحناء والكتم دل على إذنه بالأسود، لكن قد يكون الحناء له نفع للبشرة والشعر، فخص بالنص، وهو دليل على جوازه بغير الحناء والكتم مما يعطي لونهما. والله أعلم.
دليل القائلين بأنه يجوز للمرأة دون الرجل.
__________
(1) فيه عمر بن الخطاب بن زكريا
روى عنه اثنان منهم يحيى بن حكيم المقوم، وأثنى عليه خيرا. تهذيب الكمال (21/315) .
ولم أقف له على توثيق، وفي التقريب مقبول: يعني إن توبع.
دفاع بن دغفل السدوسي:
قال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث. الجرح والتعديل (3/445) .
وفي التقريب: مخضرم، ويقال له صحبة ولم يصح، نزل البصرة، غرق بفارس في قتال الخوارج قبل سنة ستين.
وقال في مصباح الزجاجة (4/93) : " هذا إسناد حسن، وقال في الهامش: هذا الحديث معارض لحديث النهي عن السواد، وهو أقوى إسناداً، وأيضا النهي يقدم عند المعارضة. اهـ والصواب أن الحديث ليس بحسن كما عرفت من رجاله. والله أعلم.
قالوا: إن الزينة للمرأة مطلوبة، ولذلك جاز لها خضاب اليدين والرجلين، ولا يجوز ذلك في حق الرجل، وجاز لها لبس الذهب دون الرجل، والأحاديث الواردة إنما ثبتت في حق الرجل، كحديث: "وجنبوه السواد " وحديث يكون قوم آخر الزمان يخضبون بهذا السواد، قد جاء في بعض الفاظه: " يخضبون لحاهم بالسواد. والله أعلم.
هذا بعض ما وقفت عليه من أدلة الفريقين، والقول بالتحريم قول قوي، والقول بالكراهة أقوى، وهو قول السواد الأعظم من الأمة، بل إن التحريم إنما هو وجه عند بعض أصحاب الشافعي فقط، والوجه الآخر مكروه فحسب. وما عداهم من المذاهب الأربعة بين مجيز وكاره،..(3/459)
فهذا أبو يوسف ومحمد بن الحسن يريان الجواز، وقال ابن عابدين: ومذهبنا أن الصبغ بالحناء والوسمة حسن كما في الخانية. وهذا مالك يقول: لا أعلم فيه شيئاً.
وهذا الإمام أحمد يكره الصبغ، ويفسرها أكثر أصحابه بأنها كراهة تنزيه.
والصواب أن كل ما قيل: مكروه في كتب المذاهب الفقهية، ولم نعلم أنهم يريدون به كراهة التحريم، فإنه يحمل على كراهة التنزيه:
أولاً: لأن اصطلاح الكراهة عند الفقهاء يختلف اصطلاحه في نص الشارع، وإنما اشتهر هذا المصطلح أعني إطلاق الكراهة على كراهة التنزيه عند الفقهاء.
ثانياً: أنهم صرحوا بالمقصود به، فلا نتكلف في صرفه (1) ...(3/460)
وقد حاولت قدر الإمكان عرض أدلة الفريقين بكل حياد؛ لأن نصوص المعرفة حق للقارئ، لا يجوز إذا رجحت قولاً أن أغمط أدلة القول الآخر؛ ولأن فهم النص قد اُوافَق عليه وقد أُخَالف، وفرق بين رأي العالم واجتهاده وبين النص؛ لأن لو جعلنا فهم النص بمنزلة النص ألغينا الاجتهاد، والعصمة....
__________
(1) قال في الفتاوى الهندية: " وعن الإمام - يعني أبا حنيفة - أن الخضاب حسن بالحناء والكتم والوسمة. وسبق لنا معنى الوسمة أنها الصبغ بالسواد.
والخلاف بين أصحاب أبي حنيفة دائر بين الجواز، وبين الكراهة كراهة تنزيه فقط. فأبو يوسف ومحمد بن الحسن على الجواز، وصححه ابن عابدين، وهو ظاهر عبارة الإمام في وصفه الصبغ بالوسمة أنه حسن.
وقال مالك عن الصبغ بالأسود: لم أسمع فيه شيئاً معلوماً، وغيره ذلك من الصبغ أحب إلي.
وقال في حاشية العدوي (2/445) : " ويكره صباغ الشعر الأبيض وما في معناه من الشقرة بالسواد من غير تحريم.
وقول مالك: وغيره من الصبغ أحب إلي علله الباجي بقوله: لأنه صبغ لم يصبغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفهم أصحابه من هذه اللفظة كراهة التنزيه، واللفظة لا تقتضيه؛ لأن الكراهة حكم شرعي، وما دام لم يسمع فيه شيئاً فينبغي أن تفسر أن غيره من الصبغ مستحب، وأما هو فلم يصل إلى درجة الاستحباب، وذلك لأنه لم يسمع فيه شيئاً.
وبدليل أن أشهب روى عنه في العتبية: ما علمت أن فيه النهي، وإذا كان لم يعلم فيه نهياً كيف يكون مكروهاً في المذهب، والله أعلم.
وقال في الفواكه الدواني (2/307) : " ويكره صباغ الشعر بالسواد من غير تحريم ".
وقال في الرسالة: ويكره صبغ الشعر بالسواد من غير تحريم، انظر أسهل المدارك (3/364) . وإذا نص على أنه من غير تحريم، كيف تحمل الكراهة عند أصحاب مالك على كراهة التحريم.
وقال ابن مفلح في الفروع (1/131) : " ويكره بسواد، وفاقاً للأئمة، نص عليه، وفي المستوعب والتلخيص والغنية في غير حرب، ولا يحرم ": أي أن هذه الكتب الثلاثة نصت على أنه لا يحرم، ولذلك قال في الإنصاف: وقال في المستوعب والغنية والتلخيص: يكره بسواد في غير حرب، ولا يحرم. انظر الإنصاف (1/123) .
وقال في الآداب الشرعية (3/337) : ويكره بالسواد نص عليه، ثم قال: ويحرم بالسواد على الأصح عند الشافعية. فهنا فرق بين المكروه في مذهب الحنابلة وبين الحرام في مذهب الشافعية.
وقال أيضاً: والكراهة في كلام أحمد هل هي للتحريم أو التنزيه؟ على وجهين.
يقصد أن لفظ الكراهة إذا جاء عند أحمد فأصحابه مختلفون في تفسيرها على وجهين.
وقال في مطالب أولي النهى (1/89) : وكره تغيير الشيب بسواد في غير حرب، وحرم لتدليس. وقال مثله في كشاف القناع (1/77) .
فهنا واضح أن الكراهة كراهة تنزيه لاختلاف الحكم بين فعله من غير تدليس فيكره، أو يفعل للتدليس فيحرم.(3/461)
إنما هي للنص، وليست لفهم النص، فلا يخلط بينهما، فيبقى على طالب العلم أن يذكر النصوص، والقارئ يرجح ما يراه، ولا ينبغي أن نصادر حق القارئ بالترجيح، فأتحامل فأسوق كل دليل أراه يؤيد رأيي، ولو كان بتأويل سائغ أو غير سائغ، وأغض الطرف عن أدلة القول الآخر بسبب أنه لم يترجح لي، وأتكلف التأويل، ورحم الله ابن القيم فإنك حين تقرأ له مسألة خلافيه، يجمع لكل قول ما يمكن أن يكون مؤيداً له، ويسوق له الأدلة من هنا وهناك حتى تظن أنه يرى هذا القول، ثم في آخر الأمر يتبين لك أنه لا يراه، ولكن فرق بين أن أعطي كل قول حقه من الأدلة، وبين أن أغمط أدلته خشية أن يترجح لغيري خلاف ماترجح لي.
وأحكام الإسلام منها ما هو واضح بين، ومنها ما هو خفي، وهو ما عناه الرسول b بقوله: " الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات " فبعض المسائل من الأمور المتشابهة، والذي ينبغي على طالب العلم أن يستفرغ وسعه في فهم النص ودلالته، وليست كل مسألة يكون الفرق بين القولين فيهما كما بين السماء والأرض، ففي أحيان كثيرة يكون الترجيح هو اطمئنان النفس وميلها إلى أحد القولين، وهذا الميل يكفي في ترجيح أحد القولين؛ ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولكن إذا كانت المسألة كذلك ينبغي أن يتورع الإنسان من الطعن في أي من الأقوال المحتملة، والله أعلم.
وإني حين أرجح كراهية تغيير الشيب بالسواد، ذلك لأن ما يختاره الإنسان للناس غير ما يختاره الإنسان لنفسه، فإن على الباحث أن لا يوقِّع بتحريم شيء إلا وقد ظهر له ظهوراً جلياً من نص صريح لا خلاف في ثبوته، وذلك لأنه يخبر عن حكم الشرع، لا عن سلوك يرتضيه لنفسه، والاحتياط....(3/462)
ليس في جانب المنع، بل الاحتياط هو أن لا يتجرأ أحد على التحريم إلا بدليل صريح صحيح، فمن ظهر له هذا، فهو وذاك، ومن لم يظهر له، فمن أين يقوله، والله سبحانه وتعالى يقول:
{ولا تقولوا لما تصفوا ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفحلون} (1) بل إن التحريم أشد من الإباحة، وذلك أن الإباحة لا تحتاج إلى دليل، لأنها الأصل بخلاف التحريم..(3/463)
[صفحة فارغة] ..(3/464)
الباب السابع
في شعر الرأس
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: في حلق شعر الرأس.
الفصل الثاني: في النهي عن القزع.
الفصل الثالث: في الترجل وصفته...(3/465)
[صفحة فارغة] ..(3/466)
الفصل الأول
في حلق شعر الرأس
الفصل الأول
في حلق شعر الرأس
اختلف العلماء في حلق شعر الرأس.
فقيل: سنة، وهو مذهب الحنفية (1) .
وقيل: يكره حلق شعر الرأس لغير نسك ولا حاجة، وهو مذهب المالكية (2) ، ورواية عن أحمد (3) .
_________
(1) قال في حاشية ابن عابدين (6/407) : " السنة في شعر الرأس إما الفرق أو الحلق، وذكر الطحاوي أن الحلق سنة، ونسب ذلك إلى العلماء الثلاثة " اهـ يعني: أبا حنيفة وصاحبيه. وذكر مثله في الفتاوى الهندية (5/357) .
(2) حاشية العدوي (2/444) ، الفواكه الدواني (2/306) وقد نصا على أن حلق الرأس بدعة.
(3) جاء في كتاب الترجل للخلال (ص: 120) : " أخبرنا أبو بكر المروزي، قال: سألت أبا عبد الله عن حلق الرأس؟ فكرهه كراهية شديدة. قلت: تكرهه؟ قال: أشد الكراهة. وأراه ذهب إلى حديث النبي b قال: " سيماهم التحليق "، واحتج بحديث عمر بن الخطاب أنه قال لرجل: لو وجدناك محلوقاً - يعني لصبيغ - لَضُرِبَ الذي فيه عيناك. وغلظ به أبو عبد الله.
وقال: ورأيت رجلاً من أصحابنا قد استأصل شعره، فظن أبو عبد الله أنه محلوق، وكان رآه بالليل، فقال لي: تعرفه؟
قلت: نعم. قال: قد أردت أن أغلظ له في حلق رأسه. وانظر الفروع (1/132) ، والآداب الشرعية (3/334) .
وأخرج ابن هانئ في مسائله (ص: 149،150) : قال: سمعت أبا عبد الله يقول: سمعت عبد الرزاق يقول: كان معمر يكره حلق الرأس، ويقول: هو التسبيت ". اهـ
ونقل نحوه أبو داود في مسائله (ص: 352) رقم 1692.
وجاء أيضاً في كتاب الترجل للخلال (ص: 120) : أخبرنا محمد بن علي السمسار، قال: حدثنا مهنا، قال: سألت أبا عبد الله عن الحلق: حلق الرأس بالموسى في غير الحج قال: مكروه حلق النواصي إلا في حج أو عمرة، وقال: كان سفيان بن عيينة لا يحلق رأسه في غير الحج والعمرة إلا بالمقراض...(3/467)
وقيل: لا يكره حلقه، وتركه أفضل إلا إن شق تعهده فالحلق أفضل، وهو مذهب الشافعية (1) .
وقيل: يباح حلقه، وهو الصحيح من مذهب الحنابلة عند المتأخرين (2) .
دليل من قال: تركه أفضل إذا كان قادراً على تعهده وتنظيفه.
الدليل الأول:
قال النووي: لم يصح أن النبي b حلقه إلا في الحج أو العمرة (3) .
_________
(1) قاله الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى (4/359،360) ، وقال النووي في المجموع (1/347) : " أما حلق جميع الرأس، فقال الغزالي: لا بأس به لمن أراد التنظيف، ولا بأس بتركه لمن أراد دهنه وترجيله، هذا كلام الغزالي، ثم قال: والمختار أن لا كراهة فيه، ولكن السنة تركه، فلم يصح أن النبي b حلقه إلا في الحج والعمرة، ولم يصح تصريح بالنهي عنه ". وانظر أسنى المطالب (1/552) .
(2) الإنصاف (1/122) ، كشاف القناع (1/79) ، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (1/86) ، وجاء في كتاب الترجل للخلال (ص: 119) : " أخبرني عبيد الله بن حنبل، قال: حدثني أبي أنه قال لأبي عبد الله: الحلق في غير حج ولا عمرة؟ قال: لا بأس، وقال: كنت أنا وأبي نحلق في حياة أبي عبد الله فيرانا ونحن نحلق، فلا ينهانا عن ذلك، وكان هو يأخذ شعره بالجملين، ولا يحفيه، ويأخذه وسطاً. اهـ.
ورواية الكراهة عنه أقوى وأشهر، وقد تكلمت في رواية حنبل، ومن قدح فيها من أصحاب أحمد ولا يعتبرون ما انفرد به رواية، فارجع إليه إن شئت.
(3) المجموع (1/347) .....(3/468)
قلت: والتأسي بتركه b كالتأسي بفعله b.
الدليل الثاني:
كان الرسول b والأنبياء عليهم السلام لهم شعر كثير، وهذا دليل على أن تركه أفضل، وإليك النصوص في صفاتهم:
ما ورد في صفة شعر رسول الله b،
(639-203) روى البخاري في صحيحه، قال: حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق،
عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال: كان النبي b مربوعاً بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء، لم أر شيئاً قط أحسن منه. قال يوسف بن أبي إسحاق، عن أبيه إلى منكبيه، هذا لفظ البخاري، وقد رواه مسلم (1) .
وفي رواية لمسلم: " عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه " (2) .
والجمة، جاء في القاموس: الجَمُّ: الكثيرُ من كلِ شيءٍ.
وأما ماورد في صفة شعر الأنبياء عليهم السلام،
فقد جاء في الصحيحين، عن النبي b في حديث الإسراء، قال: "ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه، وأنا أشبه ولده به " (3) . وقد سبق لنا صفة شعر الرسول b.
_________
(1) صحيح البخاري (3358) ، ومسلم (2337) .
(2) صحيح مسلم (2337) .
(3) صحيح البخاري (3254) ، ومسلم (168) ...(3/469)
وأما ما جاء في صفة شعر موسى عليه الصلاة والسلام،
(640-204) فقد روى البخاري في صحيحه، قال: حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا إسرائيل، أخبرنا عثمان بن المغيرة، عن مجاهد،
عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال النبي b رأيت عيسى وموسى وإبراهيم، فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر، وأما موسى فآدم، جسيم، سبط كأنه من رجال الزط (1) .
فقوله: " سبط " قال الحافظ في الفتح: " السبط بفتح المهملة، وكسر الموحدة: أي ليس بجعد، وهذا نعت لشعر رأسه " (2) .
وأما ما جاء في صفة شعر عيسى عليه الصلاة والسلام،
(641-205) فقد روى البخاري، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا أبو ضمرة، حدثنا موسى، عن نافع،
قال عبد الله: ذكر النبي b يوماً بين ظهري الناس المسيح الدجال، فقال: إن الله ليس بأعور ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية، وأراني الليلة عند الكعبة في المنام فإذا رجل آدم كأحسن ما يرى من آدم الرجال تضرب لمته بين منكبيه، رجل الشعر، يقطر رأسه ماء واضعاً يديه على منكبي رجلين، وهو يطوف بالبيت، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا المسيح بن مريم، ثم رأيت رجلاً وراءه جعداً، قططاً، أعور العين اليمنى، كأشبه من رأيت بابن قطن واضعاً يديه على منكبي رجل
_________
(1) صحيح البخاري (3255) .
(2) فتح الباري (6/485) .....(3/470)
يطوف بالبيت، فقلت: من هذا؟ قالوا: المسيح الدجال (1) .
الشاهد منه:
قوله b عن عيسى: " تضرب لمته بين منكبيه ".
فهذا رسول الله b والأنبياء عليهم السلام كان لهم شعر كثير، وهذا يدل على أن تركه أفضل من حلقه، {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} (2) .
دليل من قال حلق الرأس بدعة.
الدليل الأول:
كون الرسول b لم يفعله إلا في النسك، دليل على أنه لا يتعبد بحلقه.
قال ابن القيم: " لم يحفظ عنه حلقه إلا في نسك " (3) .
الدليل الثاني:
(642-206) ما رواه البخاري، قال: حدثنا أبو النعمان، حدثنا مهدي بن ميمون، سمعت محمد بن سيرين، يحدث عن معبد بن سيرين،
عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن النبي b قال: يخرج ناس من قبل المشرق، ويقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه. قيل: ما سيماهم؟ قال: سيماهم التحليق. أو قال
_________
(1) صحيح البخاري (3256) ، مسلم (169) .
(2) الأحزاب: 21.
(3) زاد المعاد (1/174) .....(3/471)
التسبيد (1) .
وإذا كان الحلق سيما أهل البدع كالخوارج وغيرهم كان تركه شعاراً لأهل السنة.
الدليل الثالث:
(643-207) ما رواه الطبراني في الأوسط، قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق، حدثني أبي، ثنا محمد بن سليمان بن مسمول، حدثني عمر بن محمد بن المنكدر، عن أبيه،
عن جابر، عن النبي b قال: لا توضع النواصي إلا في حج أوعمرة (2) .
[إسناده ضعيف] (3) .
الدليل الرابع:
أن الشرع أمرنا بحلق العانة، ونتف الإبط، وجعل ذلك من الفطرة، كما
_________
(1) صحيح البخاري (7123) ، والحديث أخرجه أحمد (3/64) وأبو يعلى (1193) والبغوي في شرح السنة (2558) من طريق مهدي بن ميمون به. ...
(2) الأوسط (9/180) رقم 9475.
(3) فيه محمد بن سليمان بن مسمول، وقيل: مشمول، ضعيف، وقد سبق نقل كلام أهل العلم فيه في باب هل يستحب تقليم الأظفار في يوم معين.
وضعفه الهيثمي في مجمع الزوائد (3/261) .
وقد خالف سفيان محمد بن سليمان، فرواه موقوفاً على ابن المنكدر، فقد رواه ابن الجعد في مسنده (1677) قال: حدثنا ابن عباد، أخبرنا سفيان، عن ابن المنكدر، عن أبيه، قال: لا توضع النواصي إلا لله عز وجل في حج أو عمرة، وهذا أرجح.....(3/472)
سبق من حديث أبي هريرة في الصحيحين، وأما شعر الرأس فلم نؤمر بحلقه، فتكون الفطرة في إبقائه.
دليل من قال يباح الحلق.
الدليل الأول:
(644-208) عبد الرزاق في المصنف، قال: أخبرنا عبدالرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع،
عن ابن عمر، أن رسول الله b رأى غلاماً قد حلق بعض رأسه وترك بعضه، فنهاهم عن ذلك، وقال: احلقوا كله أو ذروا كله (1) .
[تفرد بقوله: " احلقوه كله " معمر، عن أيوب، وقد رواه غيره عن أيوب بدون هذه الزيادة، كما رواه أيضاً غير أيوب عن نافع، وليس فيه هذه الزيادة] (2) .
_________
(1) المصنف (19564) .
(2) الحديث أخرجه عبد الرزاق كما في حديث الباب، ومن طريق عبد الزراق أخرجه أحمد (2/88) ، وأبو داود (4195) ، والنسائي في الكبرى (5/407) ، والصغرى (5048) ، وابن حبان في صحيحه (5508) ، والبيهقي في شعب الإيمان (6480) .
وقد رواه حماد بن سلمة، عن أيوب به، ولم يذكر ما ذكره معمر من قوله: " احلقوا كله... " كما في مسند أحمد (2/101) ، وقد يقال: إن معمر أحفظ من حماد بن سلمة، خاصة أن حماد قد تغير، لكن يقال:
أولاً: الراوي عن حماد عفان، وهو من أثبت أصحابه.
ثانياً: الحديث في الصحيحين من رواية عمر بن نافع، عن نافع به، وليس فيه ما ذكره معمر، فيكون حماد قد توبع.
ثالثاً: الحديث في صحيح مسلم من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب به، وأحال على لفظ سابق، وليس فيه: " احلقوا كله أو اتركوا كله "، وسبق الكلام على بقية طرق الحديث عند تخريج حديث ابن عمر في النهي عن القزع.....(3/473)
الدليل الثاني:
(645-209) ما رواه أبو داود، قال: حدثنا عقبة بن مكرم وابن المثنى، قالا: ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي، قال: سمعت محمد بن أبي يعقوب يحدث عن الحسن بن سعد،
عن عبد الله بن جعفر، أن النبي b أمهل آل جعفر ثلاثا أن يأتيهم، ثم أتاهم، فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ثم قال: ادعوا لي بني أخي، فجيء بنا كأنا أفراخ، فقال: ادعوا لي الحلاق فأمره فحلق رؤوسنا (1)
[إسناده صحيح] (2) .
وقد أجيب عن هذا:
بأن النبي b إنما حلق رؤوسهم، مع أن إبقاء الشعر أفضل إلا في النسك لما رأى من اشتغال أمهم أسماء بنت عميس عن ترجيل شعورهم بما أصابها من قتل زوجها في سبيل الله، فأشفق عليهم من الوسخ والقمل (3) .
_________
(1) سنن أبي داود (4192) .
(2) رجاله كلهم ثقات، والحديث أخرجه أحمد (2/104) وابن سعد في الطبقات (4/36،37) والنسائي في الكبرى (8604) بأطول من هذا وفيه قصة اسشهاد زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، رووها من طرق وهب بن جرير به بهذا الإسناد.
ورواه مختصراً كرواية أبي داود ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (434) ، والنسائي في الكبرى (8160،9295) ، وفي الصغرى (5227) من طريق وهب بن جرير به.
(3) المرقاة (8/242) .....(3/474)
وإذا كان هناك حاجة للحلق فلا مانع منه، لكن إذا لم يكن هناك حاجة فلا شك أن الأفضل ما كان عليه الأنبياء عليهم الصلاة والتسليم من إبقاء الشعر، وقد سئل الإمام أحمد عن الرجل يتخذ شعراً؟ فقال: سنة حسنة، ثم قال أبو عبد الله: لو أمكنا اتخذناه.
وفي لفظ آخر عنه: لو كنا نقوى عليه، له كلفة ومؤنة.
فيؤخذ من هذا أن من يستطيع أن يقوم بغسله وترجيله فالأفضل في حقه أن يتخذه، والله أعلم.
دليل من قال السنة حلق الشعر.
لا أعلم لهذا القول دليلاً من الأثر، ولا من النظر، ولقد قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: " لا نزاع بين علماء المسلمين وأئمة الدين أن ذلك لا يشرع، ولا يستحب، ولا هو من سبيل الله وطريقه، ولا من الزهد المشروع للمسلمين، ولا مما أثنى الله به على أحد من الفقراء، ومع هذا فقد اتخذه طوائف من النساك الفقراء والصوفية ديناً حتى جعلوه شعاراً وعلامة على أهل الدين والنسك والخير والتوبة والسلوك إلى الله المشير إلى الفقر والصوفية، حتى إن من لم يفعل ذلك يكون منقوصاً عندهم، خارجاً عن الطريقة المفضلة المحمودة عندهم، ومن فعل ذلك دخل في هديهم وطريقتهم، وهذا ضلال عن طريق الله وسبيله باتفاق المسلمين، واتخاذ ذلك ديناً وشعاراً لأهل الدين من أسباب تبديل الدين، بل جعله علامة على المروق من الدين أقرب (1) .
وما تكلم عليه ابن تيمية يقرب مما يراه بعض الزهاد والوعاظ وبعض
_________
(1) الاستقامة (1/256) .....(3/475)
الصالحين عندنا من اعتبار إطالة الشعر يدخل في الشهرة، ولا ينكر على من حلق رأسه دون أن يكون هناك حاجة من نسك وغيره، بل قد يرى حلق الرأس علامة على الصلاح.
وممكن أن يستدل لمن يرى الحلق بالأدلة التالية:
الدليل الأول:
(646-210) حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا معاوية بن هشام وسفيان بن عقبة السوائي، هو أخو قبيصة، وحميد بن خوار، عن سفيان الثوري، عن عاصم بن كليب، عن أبيه،
عن وائل بن حجر، قال: أتيت النبي b ولي شعر طويل، فلما رآني رسول الله b قال: ذباب ذباب، قال: فرجعت فجززته، ثم أتيته من الغد، فقال: إني لم أعنك، وهذا أحسن (1) .
[وإسناده حسن] (2) .
_________
(1) سنن أبي داود (4190) .
(2) الحديث مداره على سفيان، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، وعاصم وأبوه صدوقان.
[تخريج الحديث]
الحديث رواه النسائي أيضاً (5052) أخبرنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا سفيان أخو قبيصة، ومعاوية بن هشام، قالا: حدثنا سفيان به.
ورواه ابن ماجه (3636) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا معاوية بن هشام، وسفيان بن عقبة، عن سفيان به.
وأخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (3367) والبيهقي في شعب الإيمان (6474) من طريق أبي حذيفة موسى بن مسعود، قال: حدثنا سفيان الثوري به.
وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان أيضاً (6475) من طريق أبي عقبة الأزرق، عن سفيان به.......(3/476)
قال الطحاوي: فكان في هذا الحديث عن رسول الله b ما قد دل على أن جز الشعر أحسن من تربيته، وما جعله رسول الله b الأحسن، كان لا شيء أحسن منه، ووجب لزوم ذلك الأحسن، وترك ما يخالفه، ومقبول منه b إذا كان هذا عنه، وإذا كان أولى بالمحاسن كلها من جميع الناس سواه، أنه قد كان صار بعد هذا القول إلى هذا الأحسن، وترك ما كان عليه قبل ذلك مما يخالفه، والله نسأله التوفيق (1) .
وهذا الكلام مدخول من وجهين:
الأول: القطع بأن هذه القصة متأخرة عن إعفاء الشعر، وإكرامه، وأن الرسول b صار إليه بعد أن كان له شعر كثير، وأن الرسول ترك إعفاء الشعر لإجل هذه القصة لا شك أن هذا من الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً، وقد عقدت فصلاً مستقلاً في إكرام الشعر وتسريحه ودهنه، مما يجعل الباحث يقطع أن السنة إعفاء شعر الرأس وإكرامه.
الثاني: الاعتقاد بأن هذا القصة تعارض الأحاديث الكثيرة في إكرام الشعر غير صحيح، والجواب عن هذا، أن يقال:
إن هذا الرجل كان شعره طويلاً كثيراً إلى حد الشهرة، فكان الأحسن تخفيفه عن حد الشهرة، ولذا ليس في الحديث أنه حلقه، وإنما جزه، ولا يصلح دليلاً للحلق إلا لو جاء في الحديث أن الرجل حلق رأسه، وربما حسن له رسول الله b جز شعره وتخفيفه نظراً لأنه لم يقم بحقه من تعهده وتنظيفه،
_________
(1) شرح مشكل الآثار (8/436،437) .........(3/477)
وقد سبق أن قلت: إن ترك الشعر سنة لمن كان قادراً على القيام بمؤنته من تسريحه وتنظيفه، أما من لا يقدر على ذلك فالأفضل في حقه تخفيف الشعر وجزه بدون حلق إلا في نسك، والحامل على هذا التأويل الأحاديث الكثيرة في صفة شعر الرسول b بل والأنبياء قبله عليهم الصلاة والسلام، والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، والله أعلم.
الدليل الثاني:
(647-211) روى أحمد، قال: ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن أبي إسحاق، عن شمر، عن خريم رجل من بنى أسد، قال: قال رسول الله b: لولا أن فيك اثنتين كنت أنت، قال: إن واحدة تكفيني. قال: تسبل إزارك وتوفر شعرك. قال: لا جرم والله لا أفعل (1) .
[إسناده منقطع شمر لم يدرك خريم، والحديث محتمل للتحسين بالمتابعات] (2) .
_________
(1) مسند أحمد (4/321) .
(2) في إسناده أبو إسحاق السبيعي، وقد تغير في آخرة، ولم أقف على معمر هل روى عن أبي إسحاق بآخرة أم لا، ولكن يغلب على ظني أن معمراً كان صغيراً، فإذا كان سماعه من قتادة كان صغيراً حين ذاك فما بالك بأبي إسحاق، فالراجح عندي أن معمر ممن سمع من أبي إسحاق بآخرة، وإن كان لم ينص عليه في الرواة عن أبي إسحاق، ولذا تجنب البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي أحاديث أبي إسحاق من طريق معمر، ولم يرو له النسائي إلا حديثاً واحداً حديث سعد: " قتال المسلم كفر وسبابه فسوق " وقد توبع عليه.
ومع ذلك فقد تابعه جماعة:
الأول: أبو بكر بن عياش، كما عند أحمد (4/322) قال: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا أبو بكر، عن أبي إسحاق به.
وأبو بكر بن عياش، قد صرح أبو حاتم كما في العلل لابنه (1/35) : أن سماع أبي بكر بن عياش من أبي إسحاق ليس بالقوي.
قلت: لكن لعله يتقوى بالمتابعة.
الثاني: عمار بن زريق، كما في شعب الإيمان للبيهقي (5/228) رقم 6473 أخبرناه أبو الحسين بن بشران، أنا أبو عمرو بن السماك وأبو الحسن المقرئ، ثنا محمد بن أحمد بن أبي العوام الرياحي ثنا أبو الجواب ثنا عمار بن زريق عن أبي إسحاق به.
وأبو الحسين بن بشران، قال عنه الخطيب: " كتبنا عنه، وكان صدوقاً حسن الأخلاق، تام المروءة ظاهر الديانة " تاريخ بغداد (12/98) السير (17/311) ..
- أبو عمر بن السماك، ثقة حافظ، انظر تاريخ بغداد (11/302) ، والأنساب (7/127) .
- تابعه أبو الحسن المقرئ: وهو الإمام الحافظ الناقد، علي بن محمد بن علي السقاء الإسفراييني من أولاد أئمة الحديث سمع الكتب الكبار، وأملى وصنف، انظر سير أعلام النبلاء (17/305) .
- محمد بن أحمد بن أبي العوام الرياحي.
قال الدارقطني: صدوق. تاريخ بغداد (1/372) .
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: صدوق ما علمت إلا خيراً. المرجع السابق.
وذ... كره ابن حبان في الثقات (3/134) . وانظر سير أعلام النبلاء (13/7) .
- أبو الجواب:
قال ابن أبى خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: أبو الجواب: الأحوص بن جواب ثقة، قال: وسئل يحيى مرة أخرى، فقال: ليس بذلك القوى. الجرح والتعديل (2/328) .
وقال يعقوب بن شيبة عن يحيى: ثقة. تهذيب الكمال (2/288) .
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبى يقول: أبو الجواب صدوق. المرجع السابق.
وقال ابن حبان: كان متقنا وربما وهم. الثقات (6/89) .
وفي التقريب: صدوق ربما وهم.
عمار بن زريق:
قال أبو حاتم: لا بأس به. الجرح والتعديل (6/392) .
وقال عثمان بن سعيد: سألت يحيى بن معين عن عمار بن زريق، فقال: ثقة. المرجع السابق.
وقال أبو زرعة: ثقة. المرجع السابق.
وقال النسائي: ليس به بأس. تهذيب التهذيب (7/350) .
وقال الإمام أحمد: كان من الأثبات. المرجع السابق.
وقال ابن شاهين في الثقات: قال ابن المديني ثقة. المرجع السابق.
وقال أبو بكر البزار: ليس به بأس. المرجع السابق.
وذكره ابن حبان في الثقات (7/286) .
وفي التقريب: لا بأس به.
فالإسناد حسن إلى أبي إسحاق لولا أن عمار بن رزيق روى عن أبي إسحاق بآخرة كما أفاده أبو حاتم الرازي في العلل لابنه (2/166) .
وقد روى مسلم لأبي إسحاق السبيعي من رواية عمار بن زريق ثلاثة أحاديث:
حديث عائشة: كان رسول الله b يصلي من الليل حتى يكون آخر صلاته الوتر.
وحديث فاطمة بنت قيس في قصة طلاقها، وقد توبع عليه في نفس الصحيح.
وحديث البراء: إن آخر سورة أنزلت تامة سورة التوبة. وقد توبع فيه داخل الصحيح.
الثالث: إسرائيل، عن أبي إسحاق.
رواه أحمد بن عمرو بن الضحاك كما في الآحاد والمثاني (1044) حدثني عبد الرحيم بن مطرف نا عمرو بن محمد العنقزي عن إسرائيل عن أبي إسحاق به.
وهذا إسناد إلى إسرائيل إسناد صحيح، إلا أن سماع إسرائيل من أبي إسحاق بآخرة، انظر الكواكب النيرات (ص: 350) .
ورواه الطبراني كما في المعجم الكبير (4/207) رقم 4156 قال: حدثنا محمد بن العباس المؤدب، ثنا عبد الله بن صالح العجلي، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق به.
فصار أربعة يروونه عن أبي إسحاق: معمر، وأبو بكر بن عياش، وعمار بن رزيق، وإسرائيل، فتبقى علة الحديث الانقطاع بين شمر بن عطية، وبين خريم، إلا أن الحديث ورد له متابع،
منها ما رواه الطبراني في المعجم الكبير (4/208) رقم 4161. حدثنا حاجب بن أركين الفرغاني، ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن مفضل الحراني، ثنا يونس بن بكير، عن المسعودي، عن عبد الملك بن عمير، عن أيمن بن خريم بن فاتك، عن أبيه قال قال النبي b: نعم الفتى خريم لو قصر من شعره ورفع من إزاره، قال: فقال خريم: لا يجاوز شعري أذني، ولا إزاري عقبي. والله أعلم.
في إسناده عبد الملك بن عمير، وقد روى له الجماعة.
وعن أحمد: أنه ضعيف جداً، كما في رواية إسحاق بن منصور. الجرح والتعديل (5/360) .
وقال أيضاً: مضطرب الحديث جداً مع قلة روايته، ما أرى له خمسمائة حديث. تهذيب الكمال (18/370) .
وقال ابن معين: مخلط. كما في رواية إسحاق بن منصور عنه، يشير إلى أنه اختلط في آخر عمره، وإلا فقد قال: ثقة، إلا أنه أخطأ في حديث أو حديثين. كما في رواية ابن البرقي عنه. تهذيب التهذيب (6/364) .
وقال أبو حاتم: ليس بحافظ، وهو صالح الحديث. تغير حفظه قبل موته. الجرح والتعديل (5/360) .
وقال مرة: لم يوصف بالحفظ. المرجع السابق.
وقال النسائي: ليس به بأس. تهذيب الكمال (18/370) .
وقال ابن نمير: كان ثقة ثبتاً. التهذيب (6/364) .
وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة. ثقات العجلي (2/104) .
وذكره ابن حبان في الثقات (5/116) .
وفي التقريب: ثقة فصيح، عالم تغير حفظه، وربما دلس.
قلت: لعل من ضعفه إنما ضعفه بسبب تغيره، ولذلك قال الحافظ في هدي الساري (ص592) أخرج له الشيخان من رواية القدماء عنه في الاحتجاج، ومن رواية بعض المتأخرين عنه في المتابعات، وإنما عيب عليه أنه تغير حفظه لكبر سنه، لأنه عاش 103 سنين، ولم يذكره ابن عدي في الكامل، ولا ابن حبان. اهـ.
قلت: لم أجعله ثقة، بل هو أدنى مرتبة، إعمالاً لجرح الإمام أحمد، وقول أبي حاتم: ليس بالحافظ ".اهـ. لكنه ليس ضعيفاً، وقد احتجا به في الصحيح، فتوسطت وجعلته في مرتبة الحسن.
كما أن في إسناده المسعودي قد اختلط قبل موته، ولكن الراوي عنه يونس بن بكير كوفي، فلعله ممن سمع منه قبل اختلاطه، وقد قال الإمام أحمد: ذكر أنه اختلط ببغداد وأن سماع من سمع منه هناك ليس بشيء، قال: ومن سمع منه بالكوفة فسماعه جيد.
وقال أحمد أيضاً: سماع وكيع من المسعودي بالكوفة قديم، وأبو نعيم أيضا: قال أنه اختلط ببغداد، وعلى هذا تقبل رواية كل من سمع منه بالكوفة والبصرة قبل أن يقدم بغداد، والله أعلم. انظر الكواكب النيرات (ص: 286 وما بعدها) ، وعلى كل حال فإنه سند صالح في المتابعات، وهو يقوي طريق شمر، عن خريم.
كما أن له شاهداً آخر، رواه ابن عمرو في الآحاد والمثاني (1045) حدثنا يعقوب بن حميد، نا إسماعيل بن داود، عن هشام بن سعد، عن قيس بن بشر، عن أبيه أنه سمع بن الحنظلية يقول: إنه سمع رسول الله b يقول: نعم الرجل خريم الأسدي لولا طول جمته وإسبال إزاره، فبلغ ذلك خريماً رضي الله تعالى عنه، فأخذ شفرة وقطع بها شعره إلى أذنيه، وإزاره إلى أنصاف ساقيه. قال بشر: رأيت خريماً عند معاوية رضي الله تعالى عنهما وشعره جمة إلى أذنيه.
وفيه إسماعيل بن داود بن مخراق.
قال البخاري: منكر الحديث. التاريخ الكبير (1/374) .
وذكره العقيلي في الضعفاء. الضعفاء الكبير (1/93) .
وقال أبو حاتم الرازي: هو ضعيف الحديث جداً. الجرح والتعديل (2/167) .
وقال الخليلي: ينفرد عن مالك بأحاديث، وقد روى عن الأكابر ولا يرضى حفظه. الإرشاد في معرفة علماء الحديث (1/234) .
وقال الدارقطني في غرائب مالك: ليس بالقوي. لسان الميزان (1/403) .
وقال الآجري: عن أبي داود لا يساوي شيئاً. المرجع السابق.
[تخريج الحديث] ..................(3/478)
والجواب عن هذا الدليل كالجواب عما سبق، إضافة إلى أن هذا الحديث صريح بأنه ليس فيه حلق، حيث ورد في بعض الروايات أن شعره إلى أذنيه.
الراجح من الأقوال:
الأصل أن ترك الشعر أفضل من حلقه إذا كان قادراً على القيام بمؤنته وتعهده وتنظيفه كما بينا من فعل الرسول b، بل ومن فعل الأنبياء، وقد يختلف حكم حلق الرأس من حال إلى آخر،
فأما حلقه في النسك فإنه أفضل من التقصير، وهو مشروع في الكتاب والسنة، أما الكتاب، فقال تعالى {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين} (1) .
(648-212) وأما السنة فقد روى البخاري، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن نافع،
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم ارحم المحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: اللهم ارحم المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: والمقصرين. وقال الليث: حدثني نافع: رحم الله المحلقين مرة أو مرتين. قال: وقال عبيد الله: حدثني نافع، وقال في الرابعة: والمقصرين (2) .
(649-213) وأما حلقه للتداوي، فهذا أيضاً جائز، فقد روى البخاري قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن حميد بن قيس،
_________
(1) سورة الفتح آية (27) .
(2) صحيح البخاري (1727) ، ورواه مسلم (1301) .....................(3/483)
عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى،
عن كعب بن عجرة رضي الله عنه، عن رسول الله b أنه قال: لعلك آذاك هوامك. قال: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله b: احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك بشاة (1) .
وأما حلقه على وجه التعبد، فقد قال ابن تيمية: وأما حلقه على وجه التعبد والتدين والزهد من غير حج ولا عمرة، مثل ما يأمر بعض الناس التائب إذا تاب يحلق رأسه، ومثل أن يجعل حلق الرأس شعار أهل النسك والدين، أو من تمام الزهد والعبادة، أو من يجعل من يحلق رأسه أفضل ممن لم يحلقه أو أدين أو أزهد، أو من يقصر من شعر التائب، كما يفعل بعض المنتسبين إلى المشيخة إذا توب أحداً أن يقص بعض شعره، ويعين الشيخ صاحب مقص وسجادة، فيجعل صلاته على السجادة، وقصه رؤوس الناس من تمام المشيخة التي يصلح بها أن يكون قدوة يتوب التائبين فهذا بدعة لم يأمر الله بها، ولا رسوله، وليست واجبة، ولا مستحبة عند أحد من أئمة الدين، ولا فعلها أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا شيوخ المسلمين المشهورين بالزهد والعبادة، لا من الصحابة ولا من التابعين، ولا تابعيهم، ومن يعدهم مثل الفضيل بن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، وأحمد بن أبي الحواري، والسري السقطي، والجنيد بن محمد، وسهل بن عبد الله التستري، وأمثال هؤلاء لم يكن هؤلاء يقصون شعر أحد إذا تاب، ولا يأمرون التائب أن يحلق رأسه (2) .
_________
(1) صحيح البخاري (1814) ، مسلم (1201) .
(2) الفتاوى (21/118) ...........(3/484)
وبقي أن يحلق رأسه لا على وجه التعبد، ولا من باب التداوي، وفي غير النسك، فإن كان قادراً على القيام بمؤنته وتنظيفه، وتعهده بالترجل والدهن ونحوه فإن الأفضل تركه، وإلا كان ممكناً قصه برقم واحد، وهو قريب جداً من الحلق، ويخرج به عن الحلق، فإن أصر إلا الحلق فأرجو أنه لا بأس به، والله أعلم.
وقد نقل عن بعض الصحابة أن لهم شعراً كثيراً،
(650-214) فقد أخرج ابن أبي شيبة، قال: حدثنا، وكيع،
عن هشام قال: رأيت ابن عمر وجابراً ولكل واحد منهما جمة (1) .
(651-215) وروى أيضاً، قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، قال: رأيت لابن عمر جمة مفروقة تضرب منكبيه (2) .
(652-216) وروى ابن أبي شيبة أيضاً، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن هبيرة قال: كان لعبد الله شعر يصفه على أذنيه (3) .
(653-217) وروى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا الفضل، عن عبد الواحد بن أيمن، قال: رأيت ابن الزبير، وله جمة إلى العنق، وكان يفرق (4) .
(654-218) وروى أيضاً قال: حدثنا وكيع، عن عبد الواحد بن أيمن قال: رأيت عبيد بن عمير وابن الحنفية لكل واحد منهما جمة (5) .
_________
(1) مصنف ابن أبي شيبة (5/187) رقم 25067 وسنده صحيح.
(2) المصنف (5/189) رقم 25086، وسنده صحيح.
(3) المصنف (5/187) رقم 25068، وسنده لا بأس به.
(4) المصنف (5/188) ، وسنده لا بأس به.
(5) المرجع السابق، ونفس الصفحة، وسنده حسن.........(3/485)
وقال أحمد بن حنبل: أحصيت على ثلاثة عشر من أصحاب النبي b كان لهم شعر، فذكر أبا عبيدة بن الجرح، وعمار بن ياسر، والحسن والحسين.
وقال أحمد أيضاً حين سئل عن تطويل الشعر: تدبرت مرة، فإذا هو عن بضعة عشر رجلاً من أصحاب النبي b (1) .
_________
(1) كتاب الوقوف والترجل من الجامع لمسائل الإمام أحمد - أبو بكر الخلال (ص:117،118) ...........(3/486)
الفصل الثاني
في النهي عن القزع
ويشتمل على مبحثان:
المبحث الأول: في تعريف القزع.
المبحث الثاني: في حكم القزع...........(3/487)
[صفحة فارغة] ............(3/488)
المبحث الأول
في تعريف القزع
تعريف القزع:
قال في تاج العروس: القزع، محركة قطع من السحاب رقاق، كأنها ظل، إذا مرت من تحت السحابة الكبيرة. الواحدة: قزعة، ومنه حديث الاستسقاء: "وما في السماء قزعة " أي قطعة من الغيم.
وقيل: القزع، السحاب المتفرق، وما في السماء قزعة: أي لطخة غيم.
ثم قال: ومن المجاز: القزع: أن يحلق رأس الصبي، ويترك مواضع منه غير محلوقة، تشبيهاً بقزع السحاب، ومنه الحديث: " نهى عن القزع " يعني: أخذ بعض الشعر وترك بعضه (1) .
واختلف في القزع:
فقيل: أن يحلق رأس الصبي في مواضع، ويترك الشعر متفرقاً. وهذا يؤيده معنى القزع في اللغة، وعليه فلا يشمل ما إذا حلق جميع الرأس وترك موضعاً واحداً كشعر الناصية (2) .
وقيل: القزع حلق بعض الرأس مطلقاً، قال الطيبي: وهو الأصح؛ لأنه
_________
(1) تاج العروس (11/379،380) .
(2) قال القرطبي في المفهم (5/441) : " لا خلاف أنه إذا حلق من الرأس مواضع، وأبقيت مواضع أنه القزع المنهي عنه، لما عرف من اللغة كما نقلناه، ولتفسير نافع له بذلك، واختلف فيما إذا حلق جميع الرأس، وترك منه مواضع كشعر الناصية، أو فيما إذا حُلِق موضع وحده، وبقي أكثر الرأس، فمنع من ذلك مالك، ورآه من القزع المنهي عنه "...........(3/489)
تفسير الراوي، وهو غير مخالف للظاهر، فوجب العمل به (1) .
ولعل قوله b في الحديث: " اتركوه كله أو احلقوه كله " (2) يشمل ما إذا حلق موضعاً وترك الباقي، والله أعلم (3) .
وقد ورد تفسير القزع من بعض الرواة.
(636-200) فروى البخاري في صحيحه، قال: حدثني محمد، قال: أخبرني مخلد، قال: أخبرني ابن جريج، قال: أخبرني عبيد الله بن حفص، أن عمر بن نافع أخبره، عن نافع مولى عبد الله،
أنه سمع ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يقول: سمعت رسول الله b ينهى عن القزع. قال عبيد الله: قلت: وما القزع؟ فأشار لنا عبيد الله، قال: إذا حلق الصبي، وترك ها هنا شعرة، وها هنا وها هنا، فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيته، وجانبي رأسه. قيل لعبيد الله: فالجارية والغلام؟ قال: لا أدري هكذا قال الصبي. قال عبيد الله: وعاودته، فقال: أما القصة والقفا للغلام فلا بأس بهما، ولكن القزع أن يترك بناصيته شعراً، وليس في
_________
(1) شرح الطيبي (8/249) .
(2) سوف يأتي الكلام على هذه اللفظة في باب حلق الرأس.
(3) قال القرطبي في المفهم (5/441) : " اختلف في المعنى الذي لأجله كره، فقيل: لأنه من زي أهل الدعارة والفساد، وفي سنن أبي داود أنه زي اليهود.
وقيل: لأنه تشويه، وكأن هذه العلة أشبه؛ بدليل ما رواه النسائي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله b رأى صبياً حلق بعض شعره، وترك بعضه، فنهى عن ذلك، وقال: " اتركوه كله، أو احلقوه كله " اهـ. وقد سبق الكلام على هذه الزيادة قبل قليل.....(3/490)
رأسه غيره، وكذلك شق رأسه هذا وهذا (1) .
(637-201) وروى مسلم، قال: حدثني زهير بن حرب، حدثني يحيى - يعني ابن سعيد- عن عبيد الله، أخبرني عمر بن نافع، عن أبيه،
عن ابن عمر، أن رسول الله b نهى عن القزع. قال: قلت لنافع: وما القزع؟ قال: يحلق بعض رأس الصبي، ويترك بعض (2) .
قال المازري في المعلم: إذا كان ذلك - يعني القزع - في مواضع كثيرة فمنهي عنه بلا خلاف، وإن لم يكن كذلك كالناصية وشبهها فاختلف في جوازه (3) . وكذا نقله الطيبي في شرح المشكاة (4) .
_________
(1) صحيح البخاري (5920) .
(2) صحيح مسلم (2120) .
(3) المعلم بفوائد مسلم (3/81) .
(4) شرح الطيبي (8/249،250) ...(3/491)
[صفحة فارغة] ..(3/492)
الفرع الثاني
في حكم القزع
الفرع الثاني
حكم القزع
يكره القزع، وهو مذهب الحنفية (1) ،
والمالكية (2) ، والشافعية (3) ، والحنابلة (4) .
دليل الكراهة.
الدليل الأول:
(638-202) ما رواه البخاري، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا
_________
(1) حاشية ابن عابدين (6/407) ، وقال في الفتاوى الهندية (5/357) : " يكره القزع: وهو أن يحلق البعض، ويترك البعض قطعاً مقدار ثلاثة أصابع. كذا في الغرائب.
وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى: يكره أن يحلق قفاه إلا عند الحجامة، كذا في الينابيع". اهـ
(2) قال الباجي في المنتقى (7/267) : " ونهي عن القزع، وهو أن يحلق بعض الرأس، ويبقى مواضع، ثم قال: ومن ذلك القصة والقفا، وهو أن يحلق رأس الصبي، فيترك منه مقدمه، وشعر القفا. قال مالك: لا يعجبي ذلك في الجواري ولا الغلمان، ووجه ذلك أنه من ناحية القزع. قال مالك: وليحلقوا جميعه أو يتركوا جميعه. اهـ وانظر المفهم للقرطبي (5/441) ، والفواكه الدواني (2/306) .
(3) المجموع (1/346) ، أسنى المطالب (1/551) ، الفتاوى الفقهية الكبرى - الهيتمي (4/360) ، تحفة المحتاج (9/375) .
(4) المغني (1/66) ، الفروع (1/132) ، الآداب الشرعية (3/334) ، الإنصاف، (1/127) ، كشاف القناع (1/75،79) ، مطالب أولي النهى (1/88) ، شرح العمدة - ابن تيمية (1/231) ، أحكام أهل الذمة - ابن القيم (1/751) ، تحفة المودود (1/64) ، فتاوى ورسائل ابن إبراهيم (2/42) ...(3/493)
عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك، حدثنا عبد الله بن دينار،
عن ابن عمر أن رسول الله b نهى عن القزع (1) .
_________
(1) صحيح البخاري (5921) . والحديث يرويه عبد الله بن دينار، ونافع.
أما طريق عبد الله بن دينار، فقد أخرجه أحمد (2/82،154) قال: ثنا عبد الصمد وأبو سعيد، قالا: ثنا عبد الله بن المثنى، ثنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله b عن القزع. قال عبد الصمد: وهو الرقعة في الرأس.
وأخرجه البخاري كما في حديث الباب، وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (6479) ، والبغوي في شرح السنة (3185) من طريق عبد الله بن المثنى به.
وأخرجه أحمد أيضاً (2/67) حدثنا علي بن حفص، أخبرنا ورقاء، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر به. وهذا إسناد حسن، وورقاء إنما ضعف في منصور، وأخرجه ابن أبي شيبة (8/501) ومن طريقه ابن ماجه (3638) قال أخبرنا شبابة، حدثنا شعبة، عن عبد الله بن دينار به. وهذا إسناد صحيح.
وروى أحمد في مسنده (2/118) قال: حدثنا أبو جعفر المدائني، أخبرنا مبارك بن فضالة، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر حدثه به.
واختلف فيه على مبارك بن فضالة، فروي عنه كما سبق.
وروى عبد الله بن أحمد في المسند (2/118) قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده: حدثني حسين، قال: حدثنا المبارك، عن عبيد الله بن عمر، أن عبد الله بن دينار حدثه، أن عبد الله بن عمر حدثه، قال: نهى رسول الله b عن القزع.
فجعل بينه وبين ابن دينار عبيد الله بن عمر، وقد انفرد مبارك بذكر رواية عبيد الله بن عمر عن عبد الله بن دينار، والمحفوظ أن عبيد الله يرويه عن عمر بن نافع، عن نافع، عن ابن عمر. كما أن المبارك مدلس، وقد عنعن في الطريقين. والله أعلم.
وأما رواية نافع، عن ابن عمر، فيرويه عن نافع جماعة منهم:
الأول: عمر بن نافع، عن نافع.
أخرجه أحمد (2/39) قال: حدثنا محمد بن بشر، عن عبيد الله، عن عمر بن نافع، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، قال: نهى رسول الله b عن القزع. قال عبيد الله: والقزع الترقيع في الرأس.
وأخرجه النسائي (8/182) من طريق محمد بن بشر به. ولم يذكر تفسير عبيد الله.
وأخرجه البخاري (5920) قال: قال: حدثني محمد، قال: أخبرني مخلد، قال: أخبرني ابن جريج، قال: أخبرني عبيد الله بن حفص، أن عمر بن نافع أخبره، عن نافع مولى عبد الله، أنه سمع ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يقول: سمعت رسول الله b ينهى عن القزع. قال عبيد الله: قلت: وما القزع؟ فأشار لنا عبيد الله، قال: إذا حلق الصبي، وترك ها هنا شعرة، وها هنا وها هنا، فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيته، وجانبي رأسه. قيل لعبيد الله: فالجارية والغلام؟ قال: لا أدري هكذا قال الصبي. قال عبيد الله: وعاودته، فقال: أما القصة والقفا للغلام فلا بأس بهما، ولكن القزع أن يترك بناصيته شعر، وليس في رأسه غيره، وكذلك شق رأسه هذا وهذا.
ومن طريق ابن جريج أخرجه ابن حبان في صحيحه (5506) .
وأخرجه أحمد (2/55) حدثنا يحيى، عن عبيد الله، قال أخبرني عمر بن نافع، به. ومن طريق يحيى أخرجه مسلم (2120) قال: حدثني زهير بن حرب، حدثني يحيى -يعني ابن سعيد- عن عبيد الله، أخبرني عمر بن نافع به، بلفظ: أن رسول الله b نهى عن القزع. قال: قلت لنافع: وما القزع؟ قال يحلق بعض رأس الصبي، ويترك بعض.
وأخرجه النسائي في الصغرى (8/182،183) ، والبيهقي في السنن (9/305) من طريق يحيى بن سعيد به.
وأخرجه مسلم أيضاً (2120) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة ح
وحدثنا ابن نمير، حدثنا أبي، قالا: حدثنا عبيد الله بهذا الإسناد، وجعل التفسير في حديث أبي أسامة من قول عبيد الله.
وأخرجه البيهقي (9/305) من طريق شجاع بن الوليد، عن عبيد الله بن عمر به.
واختلف على عبيد الله، فرواه عنه محمد بن بشر، وابن جريج، ويحيى بن سعيد، وأبو أسامة، وعبد الله بن نمير كما سبق، عن عبيد الله بن عمر، عن عمر بن نافع، عن نافع، عن ابن عمر.
وخالفهم سفيان، فرواه عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، فأسقط عمر بن نافع، كما عند النسائي (5051) أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا أبو داود، عن سفيان، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: نهى رسول b عن القزع. قال النسائي رحمه الله: حديث يحيى بن سعيد ومحمد بن بشر أولى بالصواب.
وقال الحافظ في الفتح (10/364) : " قد أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه وابن حبان وغيرهم، من طرق متعددة، عن عبيد الله بن عمر بإثبات عمر بن نافع، ورواه سفيان بن عيينة، ومعتمر بن سليمان، ومحمد بن عبيد، عن عبيد الله بن عمر، بإسقاطه، وكأنهم سلكوا الجادة؛ لأن عبيد الله بن عمر معروف بالرواية عن نافع، مكثر عنه، والعمدة على من زاد عمر بن نافع بينهما؛ لأنهم حفاظ، ولا سيما أن فيهم من سمع من نافع نفسه كابن جريج، والله أعلم. اهـ
قلت: أيضاً مما يرجح زيادة عمر بن نافع أن جماعة غير عبيد الله، ذكروا نافعاً.
الأول: رواية عثمان بن عثمان، عن عمر بن نافع، أخرجه أحمد (2/4) حدثنا عثمان بن عثمان - يعني الغطفاني - أخبرنا عمر بن نافع به. ومن طريق أحمد أخرجه أبو داود (4193) . وأبو نعيم في الحلية (9/231) .
وأخرجه مسلم (2120) حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عثمان بن عثمان به.
الثاني: روح بن القاسم. أخرجه مسلم (2120) حدثني أمية بن بسطام، حدثنا يزيد - يعني ابن زريع - حدثنا روح، عن عمر بن نافع به.
ومن طريق روح أخرجه ابن حبان (5507)
الثالث: ابن أبي الرجال، عن عمر بن نافع. أخرجه النسائي في الكبرى (9298) وفي الصغرى (8/130) من طريق ابن أبي الرجال، عن عمر بن نافع به، بلفظ: " نهاني الله عز وجل عن القزع " وهذا سند مقبول في المتابعات، إلا أن انفراده بهذا اللفظ يجعله منكراً ".
الرابع: زهير، عن عمر بن نافع.
أخرجه أحمد (2/137) حدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا زهير، حدثنا عمر بن نافع، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر به. وفيه تفسير القزع. وإسناده صحيح.
هذا فيما يتعلق بطريق عمر بن نافع، عن نافع.
الطريق الثاني: أيوب، عن نافع.
وهذا الطريق سيأتي الكلام عليه عند الكلام على قوله b: " احلقوه كله، أو اتركوه كله " مسألة حلق الرأس.
الطريق الثالث: عبد الله بن عمر العمري، عن نافع.
أخرجه أحمد (2/156) حدثنا حماد، قال: عبد الله: حدثنا نافع به. هذا بعض ما وقفت عليه من طرق حديث نافع، عن ابن عمر، وربما لو تقصيت لوقفت على أكثر من ذلك.
وروى الحديث من طريق صفية بنت أبي عبيد، عن ابن عمر، وفيه عبد الله بن نافع، وهو ضعيف، أخرجه أحمد (2/106) حدثنا وكيع، حدثني عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن صفية ابنة أبي عبيد، قالت: رأى ابن عمر صبياً في رأسه قنازع، فقال: أما علمت أن رسول الله b نهى أن تحلق الصبيان القزع.
وذكر صفية في الحديث منكر، انفرد به عبد الله بن نافع، وليس بالقوي.....(3/494)
الدليل الثاني على الكراهة:
الإجماع، فقد نقله أكثر من واحد.
قال النووي: " أجمع العلماء على كراهية القزع إذا كان في مواضع متفرقة إلا أن يكون لمداواة ونحوها، وهي كراهة تنزيه (1) . وكذا نقله الطيبي في شرح المشكاة (2) .
_________
(1) شرح النووي لصحيح مسلم (14/100) .
(2) شرح الطيبي (8/249،250) .....(3/497)
[صفحة فارغة] ..(3/498)
الفصل الثالث
في الترجل وصفته
الفصل الثالث
في الترجل وصفته
يستحب الترجل في الشعر،
وأما صفته، فقيل: يستحب أن يكون غباً.
وهو مذهب الحنفية (1) ، والشافعية (2) ، والحنابلة (3)
وقيل: يرجله ما شاء، ولو في اليوم مرتين (4) .
الأدلة على ترجيل الشعر.
الحديث الأول:
(655-219) ما رواه البخاري، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا هشام بن يوسف، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة،
عن عائشة رضي الله عنها، أنها كانت ترجل النبي b، وهي حائض، وهو معتكف في المسجد، وهي في حجرتها يناولها رأسه (5) .
الحديث الثاني:
(656-220) ما رواه البخاري، قال: حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا بن أبي ذئب، عن الزهري،
_________
(1) بريقة محمودية (4/202) .
(2) المجموع (1/344) ، نهاية المحتاج (8/148) .
(3) كشاف القناع (1/74) ، مطالب أولي النهى (1/86) .
(4) مختصر المنذري (6/86) والمنتقى - الباجي (7/269) .
(5) صحيح البخاري (2046) ، وهو في مسلم بنحوه (316) ...(3/499)
عن سهل بن سعد، أن رجلا اطلع من جحر في دار النبي b والنبي b يحك رأسه بالمدري، فقال: لو علمت أنك تنظر لطعنت بها في عينك؛ إنما جعل الإذن من قبل الأبصار (1) .
وفي رواية لمسلم:" ومع رسول الله b مدرى يرجل به رأسه" (2) .
الحديث الثالث:
(657-221) ما رواه البخاري، قال: حدثنا حفص بن عمر، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني أشعث بن سليم، قال: سمعت أبي، عن مسروق،
_________
(1) صحيح البخاري (5924) ، ورواه مسلم (2156) .
(2) قال الحافظ ابن حجر: المدرى بكسر الميم، وسكون المهملة: عود تدخل المرأة في رأسها، لتضم بعض شعرها إلى بعض، وهو يشبه المسلة، يقال: مدرت المرأة رأسها: سرحت شعرها.
وقيل: مشط له أسنان يسيرة.
وقال الأصمعي وأبو عبيد: هو المشط.
وقال الجوهري: أصل المدرى القرن، وكذلك المدراة، وقيل: هو عود أو حديدة كالخلال لها رأس محدد، وقيل: خشبة على شكل شيء من أسنان المشط، ولها ساعد، جرت عادة الكبير أن يحك بها ما لا تصل إليه يده من جسده، ويسرح بها الشعر الملبد من لا يحضره المشط.
وقرأت بخط الحافظ اليعمري عن علماء الحجاز: المدري تطلق على نوعين:
أحدهما صغير يتخذ من آبنوس أو عاج أو حديد يكون طول المسلة يتخذ لفرق الشعر فقط، وهو مستدير الرأس على هيئة نصل السيف بقبضة، وهذه صفته:
ثانيهما: كبير، وهو عود مخروط من أبنوس أو غيره، وفي رأسه قطعة منحوتة في قدر الكف، ولها مثل الأصابع، أولاهن معوجة، مثل حلقة الإبهام المستعمل للتسريح، ويحك بها الرأس والجسد، وهذه صفته، قال الحافظ: اهـ ملخصاً...(3/500)
عن عائشة، قالت: كان النبي b يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره، في شأنه كله (1) .
فكل هذه الأحاديث تدل أن النبي b كان يرجل شعره، وأنه كان يحرص على ذلك حتى وهو في معتكفه عليه الصلاة والسلام.
دليل من قال الترجل غباً.
الدليل الأول:
(658-222) روى الإمام أحمد في مسنده، قال: حدثنا يونس وعفان، قالا: ثنا أبو عوانة، عن داود بن عبد الله الأودي،
عن حميد الحميري، قال: لقيت رجلاً صحب النبي b أربع سنين، كما صحبه أبوهريرة أربع سنين قال: نهانا رسول الله b "أن يمتشط أحدنا كل يوم، وأن يبول في مغتسله، وأن تغتسل المرأة بفضل الرجل، وأن يغتسل الرجل بفضل المرأة وليغترفا جميعاً (2) .
[إسناده صحيح] (3) .
الدليل الثاني:
(659-223) ما رواه أحمد، قال: قال حدثنا يحيى، عن هشام قال: سمعت الحسن، عن عبد الله بن مغفل المزني، أن النبي b نهى عن الترجل
_________
(1) صحيح البخاري (168) ، هذا لفظ البخاري، ورواه مسلم بنحوه، وانظر حديث 181 من كتاب الحيض والنفاس رواية ودراية، فقد تكلمت على ألفاظه ومعانيه.
(2) مسند أحمد (4/111) .
(3) وسبق الكلام عليه في باب المياه...(3/501)
إلا غباً (1) .
[فيه هشام بن حسان، وروايته عن الحسن فيها كلام، وانفرد برفعه، وقد روي موقوفاً على الحسن، ومرسلاً، كما أن الحسن البصري قد عنعن، فمن كان يعد تدليس الحسن من قبيل الإرسال، فإنه متصل؛ لأن الحسن قد سمع من عبد الله بن مغفل، ومن كان يعده من قبيل التدليس فقد عنعن، وعلى كل حال فالحديث ضعيف الإسناد] (2) .
_________
(1) مسند أحمد (4/86) .
(2) الحديث له ثلاث علل،
الأولى: تكلم في رواية هشام بن حسان عن الحسن البصري،
فقال علي بن المديني: أما أحاديث هشام عن محمد - يعني ابن سيرين - فصحاح وحديثه عن الحسن عامتها يدور على حوشب. الجرح والتعديل (9/54) .
وقال ابن عيينة: أتى هشام بن حسان عظيماً بروايته عن الحسن، قيل لنعيم: لم؟ قال: لأنه كان صغيراً. المرجع السابق.
وقال إسماعيل بن علية: كنا لانعد هشام بن حسان في الحسن شيئا. المرجع السابق.
وقد قال عباد بن منصور وجرير بن حازم وعمرو بن عبيد لم نره عند الحسن قط. الضعفاء الكبير (4/334) .
وقال معاذ بن معاذ: كان شعبة يتقي حديث هشام عن الحسن وعطاء. تهذيب التهذيب (11/32) .
وقال أبو داود: إنما تكلموا في حديثه عن الحسن وعطاء؛ لأنه كان يرسل، وكانوا يرون أنه أخذ كتب حوشب. المرجع السابق.
قلت: أخرج له البخاري ثلاثة أحاديث قد توبع عليها، فأخرج الشيخان له حديث عبد الرحمن بن سمرة: " لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها ".
وقد روياه من طريق جرير بن حازم ويونس بن عبيد، عن الحسن.
وأخرجه البخاري من طريق عبد الله بن عون، ومنصور بن المعتمر، والربيع بن صبيح، وسماك بن حرب، عن الحسن.
وأخرجه مسلم من طريق سماك بن عطية ومنصور بن زاذان وحميد بن أبي حميد، وقتادة بن دعامة، وسليمان بن طرخان، عن الحسن.
الحديث الثاني: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار.
رواه البخاري ومسلم، من طريق أيوب بن تميمة، عن الحسن.
ورواه مسلم من طريق معلى بن زياد، ويونس بن عبيد، عن الحسن.
الحديث الثالث: ما من عبد استرعاه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته الحديث.
رواه الشيخان من طريق جعفر بن حيان، عن الحسن.
ورواه مسلم من طريق يونس بن عبيد، عن الحسن. وتابع عامر بن أسامة الحسن البصري، عن معقل بن يسار عند مسلم. هذه أحاديثه بالبخاري.
وأما ما انفرد مسلم من أحاديثه، فروى له حديث: إنه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون... الحديث.
رواه مسلم أيضاً من طريق قتادة بن دعامة، ومعلى بن زياد، عن الحسن.
وروى له مسلم أيضاً: حديث لا تحلفوا بالطواغي، ولا بآبائكم. ولم أقف له على متابع، لا في الصحيح، ولا في غيره، ولكن النهي عن الحلف بالآباء له شواهد كثيرة، منها حديث ابن عمر في الصحيحين، ومنها حديث أبي هريرة في غيرهما، وهو حديث صحيح. وعلى هذا لا يمكن أن نحتج بتخريج حديث هشام، عن الحسن في الصحيحين، لأن الشيخين قد حرصا على أن لا يخرجا له حديثاً إلا حديثاً له متابع في الصحيح، أو قد صح من حديث آخر، والله أعلم. هذا فيما يتعلق بالعلة الأولى.
العلة الثانية: عنعنة الحسن البصري، وهو مدلس، لكني سمعت من يقول: إن عنعنة الحسن البصري من قبيل الإرسال، والعلماء قد يطلقون التدليس على الإرسال، فإن كان ذلك كذلك، لم تعتبر العنعة علة؛ لأن الحسن قد سمع من عبد الله بن مغفل.
العلة الثالثة: الاختلاف في وصله وإرساله.
فقد رواه يونس بن عبيد، موقوفاً على الحسن البصري ومحمد بن سيرين، من قولهما. ويونس بن عبيد في الحسن أرجح من هشام بن حسان، فقد أخرجه النسائي في السنن الكبرى (9317) ، والصغرى (5057) قال: أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا بشر بن المفضل، عن يونس بن عبيد، عن الحسن ومحمد قالا: الترجل غب
ورواه قتادة بن دعامة وأبو خزيمة، عن الحسن مرسلاً، عن النبي b.
فقد رواه ابن أبي شيبة (5/231) حدثنا وكيع، عن أبي خزيمة، عن الحسن قال: نهى رسول الله b عن الترجل إلا غباً.
ورواه أيضاً (5/231) حدثنا ابن نمير، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن قال: نهى رسول الله b عن الترجل إلا غباً.
ورواه النسائي (5056) أخبرنا محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن أن النبي b نهى عن الترجل إلا غباً.
ولهذا الاختلاف حكم الشوكاني عليه بالاضطراب كما في نيل الأوطار (1/152) .
[تخريج الحديث]
الحديث أخرجه أبو داود (4159) حدثنا مسدد، ثنا يحيى، عن هشام بن حسان به.
وأخرجه الترمذي (1756) ، قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد به.
وأخرجه ابن حبان (5484) ، قال: أخبرنا الحسين بن عبد الله القطان، قال: حدثنا سهل بن صالح قال: حدثنا يحيى بن القطان به. ومن طريق يحيى بن سعيد القطان أخرجه الترمذي في الشمائل (34) ، والحربي في غريب الحديث (ص: 415) ، والبغوي في شرح السنة (3165) .
وأخرجه الترمذي (1756) قال: حدثنا علي بن خشرم، أخبرنا عيسى بن يونس، عن هشام به.
وأخرجه النسائي (5055) ، قال: أخبرنا علي بن حجر قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن هشام به.
وأخرجه الطبراني في الأوسط (2436) قال: حدثنا أبو مسلم قال حدثنا محمد قال حدثنا هشام بن حسان به.
وأخرجه الطبراني في الأوسط (7557) قال: حدثنا محمد بن عاصم، ثنا حماد بن الحسن بن عنبسة الوراق، نا حبان بن هلال، ثنا مجاعة بن الزبير، عن الحسن، عن عبد الله ابن مغفل، أن النبي b قال: لا يترجل الرجل إلا غباً أربعاً، أو خمساً.......(3/502)
الدليل الثالث:
(660-224) ما أخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير، قال: حدثناه إبراهيم بن محمد، حدثنا محمد بن موسى الجريري، حدثنا ابن أسماء، عن نافع،
عن ابن عمر قال: نهى رسول الله b عن الترجل إلا غباً (1) .
الدليل الرابع:
(661-225) ما رواه النسائي، قال: أخبرنا إسمعيل بن مسعود، قال: حدثنا خالد بن الحارث، عن كهمس،
عن عبد الله بن شقيق، قال: كان رجل من أصحاب النبي b عاملاً بمصر، فأتاه رجل من أصحابه، فإذا هو شعث الرأس مشعان، قال: ما لي أراك مشعانا، وأنت أمير؟ قال: كان نبي الله b ينهانا عن الإرفاه، قلنا: وما الإرفاه؟ قال: الترجل كل يوم (2) .
[إسناده صحيح] (3) .
_________
(1) ضعفاء العقيلي (4/137) ، وقال عن محمد بن موسى: لا يتابع عليه، ثم قال: وقد روى هذا من غير هذا الوجه بإسناد أصلح من هذا.
(2) سنن النسائي (5058) .
(3) رجاله ثقات، والصحابي العامل بمصر هو فضالة بن عبيد، كما عند أحمد (6/22) قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرني الجريري، عن عبد الله بن بريدة، أن رجلا من أصحاب النبي b رحل إلى فضالة بن عبيد، وهو بمصر، فقدم عليه وهو يمد ناقة له، فقال: إني لم آتك زائراً، إنما أتيتك لحديث بلغني عن رسول الله b رجوت أن يكون عندك منه علم، فرآه شعثاً، فقال: ما لي أراك شعثا، وأنت أمير البلد؟ قال: إن رسول الله b كان ينهانا عن كثير من الإرفاه، ورآه حافيا، فقال: ما لي أراك حافياً؟ قال: إن رسول الله b أمرنا أن نحتفي أحيانا.
وهذا إسناد صحيح، والجريري، هو سعيد بن إياس، كان قد تغير قبل موته،
قال أحمد: سألت ابن عليه عن الجريري كان اختلط؟ قال: لا، كبر الشيخ فرق. الجرح والتعديل (4/1) .
وفي التقريب: ثقة من الخامسة، اختلط قبل موته بثلاث سنين.
والراوي عنه يزيد بن هارون، وقد سمع منه بعد تغيره، قال يزيد: سمعت منه سنة 142، وهي أول سنة دخلت البصرة، ولم ننكر منه شيئاً، وكان قيل لنا: إنه اختلط. تهذيب التهذيب (4/6) .
وهذا يدل على أن وقت سماع يزيد بن هارون كان اختلاطه يسيراً، وقد أخرج مسلم حديث سعيد بن إياس، من طريق يزيد بن هارون، لكنه قد توبع، وعلى كل فقد روى هذا الحديث عنه إسماعيل بن عليه، وهو ممن روى عنه قبل اختلاطه، انظر الكواكب النيرات (ص: 43) ، فيكون الحديث صحيحاً.
والحديث أخرجه الدارمي (571) أخبرنا يزيد بن هارون به، وأخرجه أبو داود (4160) حدثنا الحسن بن علي، ثنا يزيد المازني به. والمازني هو ابن هارون.
وأخرجه النسائي في الكبرى (9319) والصغرى (5239) أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن الجريري، عن عبد الله بن بريدة، أن رجلاً من أصحاب النبي b يقال له عبيد، قال: إن رسول الله b كان ينهى عن كثير من الإرفاه. وسئل ابن بريدة عن الإرفاه، قال: منه الترجل.
الإرفاه: قال في النهاية: كثرة التدهن والتنعم.
وقيل: التوسع في المشرب والمطعم، أراد ترك التنعم والدعة ولين العيش؛ لأنه من زي العجم، وأرباب الدنيا.
قال بعض العلماء الأفاضل: " والحديث يرد ذلك التفسير، ولهذا قال أبو الحسن السندي: في حاشيته على النسائي: " وتفسير الصحابي يغني عما ذكروا، فهو أعلم بالمراد".
وترجيحه هذا حمله عليه تعظيمه لتفسير السلف على الخلف وفقه الله، ولكن عندي أن التفسير من التفسير بالمثال، ولذلك قال عبد الله بن بريدة في رواية النسائي: " منه الترجل " وكلمة (منه) للتبعيض، ولا شك أن دخول ما ذكره السلف في الإرفاه يكون أولى من غيره، لكن مدلول الكلمة أعم من مثال واحد، والله أعلم.......(3/505)
دليل من قال له أن يترجل ما شاء.
الدليل الأول:
(662-226) ما رواه النسائي، قال: أخبرنا عمرو بن علي، قال حدثنا عمر بن علي بن مقدم، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن محمد بن المنكدر،
عن أبي قتادة قال: كانت له جمة ضخمة، فسأل النبي b فأمره أن يحسن إليها، وأن يترجل كل يوم (1) .
[ضعيف سنداً ومتناً، والمعروف أنه مرسل] (2) .
_________
(1) سنن النسائي (5237) .
(2) ورواه مالك في الموطأ (2/949) عن يحيى بن سعيد، أن أبا قتادة الأنصاري قال لرسول الله b إن لي جمة أفأرجلها، فقال رسول الله b: نعم وأكرمها، فكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين لما قال له رسول الله b: وأكرمها.
الحديث له أكثر من علة، وفيه اختلاف في إسناده ومتنه، ومنها:
أولاً: الانقطاع، فمحمد بن المنكدر لم يسمع من أبي قتادة، قال الحافظ: قال البخاري، عن هارون بن محمد الفروي: مات سنة إحدى وثلاثين ومائة، وقال ابن المديني، عن أبيه، بلغ ستا وسبعين سنة، قال الحافظ: فيكون روايته عن عائشة وأبي هريرة وعن أبي أيوب الأنصاري وأبي قتادة وسفينة ونحوهم مرسلة. تهذيب التهذيب (9/417) .
وبهذا التحقيق من الحافظ يتبين أن ابن عبد البر رحمه الله تعالى لم يصب حين قال في التمهيد (24/ 9) : لا أعلم بين رواة الموطأ اختلاف في إسناد هذا الحديث، وهو عند جميعهم هكذا مرسل منقطع، وقد روي عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن المنكدر، عن أبي قتادة وهذا لا يدفع أن يكون مسنداً، ولا ينكر سماع ابن المنكدر من أبي قتادة والله أعلم.
العلة الثانية: أنه اختلف في وصله وإرساله، فرواه عمر بن علي بن مقدم، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المنكدر، عن أبي قتادة، موصولاً.
وخالفه حماد بن زيد، فرواه مرسلاً، كما عند البيهقي في شعب الإيمان (5/225) رقم 6458، قال: أخبرنا أبو الحسن المقرئ، أنا الحسن بن محمد بن إسحاق، ثنا يوسف بن يعقوب، ثنا محمد بن أبي بكر، ثنا حماد بن زيد، ثنا يحيى بن سعيد، عن محمد بن المنكدر، أن أبا قتادة اتخذ شعراً، فقال له النبي b: أكرمه أكرمه، أو افعل به، قال: فكان يترجل كل يوم. كذا قال. اهـ
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، إلا أنه مرسل.
أبو الحسن المقري: هو الإمام الحافظ الناقد، علي بن محمد بن علي السقاء الإسفراييني من أولاد أئمة الحديث سمع الكتب الكبار، وأملى وصنف، انظر سير أعلام النبلاء (17/305) .
الحسن بن محمد بن إسحاق ثقة، انظر السير (15/535) (16/50) .
يوسف بن يعقوب، هو أبو محمد البصري، من أحفاد حماد بن زيد، ثقة، انظر السير (14/85) تاريخ بغداد (4/310) .
محمد بن أبي المقدمي، ثقة، من رجال الشيخين. وبقية رجاله ثقات مشهورون.
وتابع سفيان حماداً عند البيهقي في الشعب، فرواه عن محمد بن المنكدر مرسلاً، ورجاله ثقات، وسيأتي ذكره قريباً عند ذكر الاختلاف في المتن.
ورواه البيهقي أيضاً (5/225) من طريق إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المنكدر، عن جابر موصولاً،
ورواه أيضاً عن إسماعيل بن عياش، عن هشام بن عروة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، وهذان الاسنادان ضعيفان، إسماعيل بن عياش روايته عن غير أهل بلده فيها تخليط، وهذان منها.
قال البيهقي: إرساله أصح، ووصله ضعيف. هذا من ناحية الاختلاف في سنده.
العلة الثالثة: الاختلاف في متنه،
فقد روي كما سبق أنه كان يرجله كل يوم مرة أو مرتين،
وروى أنه كان يرجله يوماً بعد يوم، فقد رواه البيقهي مرسلا في شعب الإيمان (5/225) قال: أخبرنا أبو الحسن بن عبدان، أنا أبو القاسم الطبراني، ثنا معاذ هو ابن المثنى، ثنا محمد بن كثير، ثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر، قال: كان لأبي قتادة شعر فقال النبي b: أحسن إليه، فكان يدهنه يوماً ويدعه يوماً. اهـ
وهذا يوافق حديث النهي عن الترجل إلا غباً، ورجاله ثقات إلا أنه مرسل، وهو المعروف في هذا الحديث.
وقد روى ابن أبي شيبة في المصنف في موضعين منه (6/198) قال: حدثنا ابن إدريس، عن يحيى، عن عبد الله بن أبي قتادة، قال: مازح النبي b أبا قتادة، فقال: لأجزن جمتك، فقال له: ولك مكانها أسر، فقال له بعد ذلك: أكرمها فكان يتخذ لها السُّد. ورجاله ثقات إلا أنه مرسل.
ورواه في موضع سابق (5/187) بنفس الإسناد إلا أنه قال: عن يحيى بن عبد الله، عن أبي قتادة، والأول أصح.........(3/507)
الدليل الثاني:
(663-227) ما رواه أبو داود، قال: حدثنا سليمان بن داود المهري، أخبرنا ابن وهب، حدثني ابن أبي الزناد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه،
عن أبي هريرة، أن رسول الله b قال: من كان له شعر فليكرمه (1) .
[إسناده حسن] (2) .
_________
(1) سنن أبي داود (4163) .
(2) رجاله كلهم ثقات إلا عبد الرحمن بن أبي الزناد،
قال ابن المديني: ما حدث بالمدينة فهو صحيح، وما حدث ببغداد أفسده البغداديون ورأيت عبد الرحمن بن مهدي يخط على أحاديثه، وكان يقول في حديثه عن مشيختهم فلان وفلان وفلان، قال: ولقنه البغداديون عن فقهائهم. تهذيب التهذيب (6/155) .
وقال ابن المديني: كان عند أصحابنا ضعيفاً. تاريخ بغداد (10/228) .
وقال النسائي: ضعيف. الضعفاء والمتروكين (367) .
وقال ابن عدي: وبعض ما يرويه لا يتابع عليه، وهو ممن يكتب حديثه. الكامل (4/274) .
وقال عمرو بن على: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن عبد الرحمن بن أبى الزناد. الضعفاء الكبير (2/340) .
وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبى عن ابن أبى الزناد، فقال: كذا وكذا - يعنى ضعيف - المرجع السابق.
وقال ابن حبان: كان ممن ينفرد بالمقلوبات عن الأثبات، وكان ذلك من سوء حفظه وكثرة خطئه، فلا يجوزالاحتجاج بخبره إذا انفرد، فأما فيما وافق الثقات فهو صادق في الروايات يحتج به. المجروحين (2/56) .
وقال ابن سعد: كان كثير الحديث وكان يضعف لروايته عن أبيه. الطبقات الكبرى (7/324) .
وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق، وفي حديثه ضعف. تهذيب التهذيب (6/155) .
ولخص حاله الذهبي، فقال: من أوعية العلم، لكنه ليس بالثبت جداً مع أنه حجة في هشام بن عروة. تذكرة الحفاظ (1/247) .
وفي التقريب: صدوق، تغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيهاً من السابعة، ولي خراج المدينة فحمد.
وقد توبع ابن أبي الزناد، فقد رواه أبو نعيم في كتابه " تسمية ما انتهى إلينا من الرواة (2/58) رقم 22 قال: حدثنا عبدالله بن جعفر، حدثنا إسماعيل بن عبدالله، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا ابن أبي ذئب، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي b قال: من كان له شعر فليكرمه. وهذا سند صحيح.
تخريج الحديث:
الحديث أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (3365) حدثنا محمد بن الورد البغدادي، قال: حدثنا داود بن عمرو الضبي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد به.
وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (5/224) رقم 6455 والطبراني في الأوسط (8/299) رقم 8485 من طريق سعيد بن منصور وداود بن عمر، عن ابن أبي الزناد به.
وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد (24/10) من طريق سحنون، حدثنا ابن وهب به.
وحسن إسناده الحافظ في الفتح (10/368) .
وللحديث شواهد منها:
الأول: حديث عائشة.
رواه الطحاوي في مشكل الآثار (3360) حدثنا ابن أبي داود، حدثنا عياش بن الوليد الرقام، قال: حدثنا محمد بن يزيد الواسطي، قال: حدثنا ابن إسحاق، عن عمارة بن غزية، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، أن رسول الله b قال: إذا كان لأحدكم شعر فليكرمه.
ورواه البيهقي في شعب الإيمان (5/224) رقم 6456 أخبرنا أبو الحسن بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد، ثنا ابن أبي قماش، عن عياش الرقام به. وسنده حسن في الشواهد، فيه ابن إسحاق، وقد عنعن، وباقي رجاله ثقات. وحسن الحافظ إسناده في الفتح (10/368) .
الشاهد الثاني: حديث ابن عباس.
رواه الخطيب في الموضح (2/67) عن سليمان بن أرقم، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس.
وفيه سليمان بن أرقم.........(3/509)
(664-228) ما رواه أحمد، قال: حدثنا مسكين بن بكير، حدثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن محمد بن المنكدر،
عن جابر قال أتانا رسول الله b زائرا في منزلنا فرأى رجلا شعثا فقال أما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه ورأى رجلا عليه ثياب وسخة فقال أما كان يجد هذا ما يغسل به ثيابه (1) .
_________
(1) مسند أحمد (3/357) .....(3/511)
[إسناده حسن والحديث صحيح] (1) .
_________
(1) رجاله ثقات إلا مسكين بن بكير،
قال ابن معين: لا بأس به. الجرح والتعديل (8/329)
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبى عن مسكين بن بكير، فقال: لا بأس به كان صحيح الحديث يحفظ الحديث. المرجع السابق.
قال الحافظ: قال أبو أحمد الحاكم: له مناكير كثيرة، كذا نقلته من خط الذهبي، والذي في الكنى لأبي أحمد، كان كثير الوهم والخطأ. تهذيب التهذيب (10/109) .
قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: لا بأس به، ولكن في حديثه خطأ. المرجع السابق.
وذكره ابن حبان في الثقات (9/194) .
وفي التقريب: صدوق يخطىء، وكان صاحب حديث.
قلت: وجدت في أطراف المسند بدلاً من مسكين بن بكير، محمد بن كثير، وهو من شيوخ أحمد، وأشار المحقق إلى أن اسمه كتب مقطعاً في نسخة (م) هكذا (ك ث ي ر) خشية التصحيف، وكتب في حاشية (هـ) وفي نسخة من المسند (مسكين بن بكير) ، ومحمد بن كثير ثقة.
فالحديث إن كان في إسناده مسكين بن بكير فهو إسناد حسن إن شاء الله تعالى، وقد توبع، تابعه وكيع وغيره كما سيأتي في تخريجه، فالحديث صحيح.
[تخريج الحديث]
الحديث رواه أبو يعلى في مسنده (2026) حدثنا إسحاق وزهير، قالا: حدثنا وكيع، عن الأوزاعي به.
وأخرجه ابو داود (2062) قال: حدثنا النفيلي، ثنا مسكين، عن الأوزاعي ح، وثنا عثمان بن أبي شيبة، عن وكيع، عن الأوزاعي به.
وأخرجه النسائي في الكبرى (9312) وفي الصغرى (5236) أخبرنا علي بن خشرم، قال: أنا عيسى، عن الأوزاعي به.
وأخرجه ابن حبان كما في الموارد (1438) من طريق الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني حسان بن عطية به.
وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/206) من طريق بشر بن بكر، ثنا الأوزاعي به.
وأخرجه البغوي في شرح السنة (3119) من طريق عمرو بن أبي سلمة، عن الأوزعي به...(3/512)
جاء في عون المعبود: من كان له شعر فليكرمه: أي فليزينه ولينظفه بالغسل والتدهين والترجيل، ولا يتركه متفرقاً؛ فإن النظافة وحسن المنظر محبوب.
قال المنذري: يعارضه ظاهر حديث الترجل إلا غباً، وحديث البذاذة على تقدير صحتهما، فجمع بينهما بأنه يحتمل أن يكون النهي عن الترجل إلا غباً محمولا على
من يتأذى بإدمان ذلك لمرض، أو شدة برد، فنهاه عن تكلف ما يضره.
ويحتمل أنه نهى عن أن يعتقد أن ما كان يفعله أبو قتادة من دهنه مرتين أنه لازم، فأعلمه أن السنة من ذلك الإغباب به لا سيما لمن يمنعه ذلك من تصرفه وشغله، وأن ما زاد على ذلك ليس بلازم، وإنما يعتقد أنه مباح من شاء فعله ومن شاء تركه، انتهى كلام المنذري
قال ابن القيم في تهذيب السنن: وهذا لا نحتاج إليه، والصواب أنه لا تعارض بينهما بحال؛ فإن العبد مأمور بإكرام شعره، ومنهى عن المبالغة والزيادة في الرفاهية والتنعم، فيكرم شعره ولا يتخذ الرفاهية والتنعم ديدنه بل يترجل غباً (1) .
_________
(1) عون المعبود (11/147) ...(3/513)
[صفحة فارغة] ..(3/514)
الفصل السادس
في غسل البراجم
تعريف البراجم:
البراجم لغة: جمع برجمة، وهي المفاصل والعقد التي تكون في ظهور الأصابع، ويجتمع فيها الوسخ (1) .
وقال بعضهم: ويلحق بالبراجم ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن وقعر الصماخ.
وأما حكم غسل البراجم، فهو مستحب، وحكي الاتفاق على استحبابه (2) .
قال النووي: وهي سنة مستقلة، ليست مختصة في الوضوء (3) .
وقيل: المراد تنظيفها بالوضوء (4) .
_________
(1) البحر الرائق (1/50) ، حاشية ابن عابدين (5/258) ، مواهب الجليل (1/196) ، أسنى المطالب (1/155) ، المجموع (1/337،338) .
وقال في المصباح المنير (ص: 42) : " والبراجم: رؤوس السلاميات من ظهر الكف إذا قبض الشخص كفه نشزت وارتفعت. وقال في الكفاية: البراجم رؤوس السلاميات، والرواجم: بطونها وظهورها الواحدة برجمة. مثل بندقة.
(2) قال النووي في المجموع (1/341) : " وأما غسل البراجم فمتفق على استحبابه ".
(3) المجموع (1/341) .
(4) طرح التثريب (2/84) ، وقال السندي في حاشيته على النسائي (8 /127) : " وغسل البراجم تنظيف المواضع التي يجتمع فيها الوسخ والمراد الاعتناء بها في الاغتسال".اهـ....(3/515)
الدليل على استحباب غسل البراجم.
(632-196) ما رواه مسلم، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب، قالوا: حدثنا وكيع، عن زكريا بن أبي زائدة، عن مصعب بن شيبة، عن طلق بن حبيب، عن عبد الله بن الزبير،
عن عائشة قالت: قال رسول الله b: عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء. قال زكريا: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة. زاد قتيبة: قال وكيع: انتقاص الماء يعني الاستنجاء (1) .
وسبق الحكم عليه، وأن الراجح فيه وقفه على طلق (2) .
الدليل الثاني:
(633-197) رواه أحمد، قال: ثنا عفان، ثنا: حماد، ثنا علي بن زيد، عن سلمة بن محمد بن عمار بن ياسر،
عن عمار بن ياسر، أن رسول الله b قال: إن من الفطرة - أو الفطرة - المضمضة والاستنشاق وقص الشارب والسواك وتقليم الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط والاستحداد والاختتان والانتضاح.
[ضعيف] (3) .
_________
(1) مسلم (261) .
(2) انظره في كتاب السواك.
(3) المسند (4/264) وسيأتي تخريجه في كتاب السواك.....(3/516)
الدليل الثالث:
(634-198) ما رواه أحمد، قال: ثنا أبو اليمان، ثنا إسماعيل بن عياش، عن ثعلبة بن مسلم الخثعمي، عن أبي بن كعب مولى بن عباس،
عن ابن عباس عن النبي b أنه قيل له: يا رسول الله لقد أبطأ عنك جبريل عليه السلام؟ فقال: ولم لا يبطئ عنى، وأنتم حولي لا تستنون، ولا تقلمون أظافركم ولا تقصون شواربكم ولا تنقون رواجبكم (1) .
[إسناده ضعيف] (2) .
_________
(1) مسند أحمد (1/243) ، والراوجب قال الحافظ في الفتح: الرواجب جمع راجبة بجيم موحدة.
قال أبو عبيد: البراجم والرواجب مفاصل الأصابع كلها.
وقال ابن سيده: البرجمة المفصل الباطن عند بعضهم، والرواجب بواطن مفاصل أصول الأصابع.
وقيل: قصب الأصابع.
وقيل: هي ظهور السلاميات.
وقيل: ما بين البراجم من السلامات.
وقال ابن الأعرابي: الراجبة البقعة الملساء التي بين البراجم، والبراجم المسبحات من مفاصل الأصابع، وفي كل إصبع ثلاث برجمات إلا الإبهام فلها برجمتان.
وقال الجوهري: الرواجب مفاصل الأصابع اللاتي تلي الأنامل، ثم البراجم، ثم الأشاجع اللاتي على الكف، وقال أيضا: الرواجب رؤوس السلاميات من ظهر الكف إذا قبض القابض كفه نشزت وارتفعت، والأشاجع أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف، واحدها أشجع. وقيل: هي عروق ظاهر الكف. اهـ نقلاً من الفتح (10/338) .
(2) دراسة الإسناد:
ـ الحكم بن نافع. من رجال الجماعة، ثقة ثبت، وهو كاتب إسماعيل بن عياش، كما كان يسمى عبد الله بن صالح كاتب الليث.
ـ إسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن أهل بلده، وثعلبة بن مسلم شامي، فرواية إسماعيل عنه حسنة.
ـ ثعلبة بن مسلم. ذكره ابن أبي حاتم، وسكت عليه. الجرح والتعديل (2/464) .
وذكره ابن حبان في الثقات (8/157) ، ولم يوثقه أحد غيره.
وفي التقريب: مستور.
ـ أبو كعب مولى ابن عباس:
قال أبو زرعة: لا يسمى ولا يعرف إلا في هذا الحديث. تعجيل المنفعة (1384) .
وقال الحافظ: فيه جهالة. المرجع السابق.
والحديث أخرجه الطبراني في الشاميين (1525) حدثنا أبو زرعة الدمشقي، ثنا أبو اليمان به.
وأخرجه أيضاً في المعجم الكبير (11/431) رقم 12224 قال: حدثنا أبو عامر النحوي محمد بن إبراهيم الصوري، ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، ثنا إسماعيل بن عياش به.
وقال الهيثمي في المجمع (5/167) رواه أحمد والطبراني، وفيه أبو كعب مولى ابن عباس، قال أبو حاتم: لا يعرف إلا في هذا الحديث. اهـ..(3/517)
الدليل الرابع:
قال الحافظ: وللترمذي الحكيم من حديث عبد الله بن بشر رفعه:
قصوا أظفاركم، وادفنوا قلاماتكم، ونقوا براجمكم.
وفي سنده راو مجهول (1) .
وظاهر الأحاديث أن غسل البراجم غير مختص بالوضوء، فتغسل في الوضوء وفي الغسل وفي التنظيف.
_________
(1) فتح الباري (10/338) ...(3/518)
وأما دليل من استدل على كون غسل البراجم في الوضوء،
(635-199) ما رواه ابن عدي، قال: حدثنا الحسين بن حسن بن سفيان الفارسي ببخارى، أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله، حدثنا أبو خالد إبراهيم بن سالم، حدثنا عبد الله بن عمران، عن أبي عمران الجوني،
عن أنس بن مالك قال: وقت رسول الله b أن يحلق الرجل عانته كل أربعين يوماً، وأن ينتف إبطه كلما طلع، ولا يدع شاربيه يطولان، وأن يقلم أظفاره من الجمعة إلى الجمعة، وأن يتعاهد البراجم إذا توضأ؛ فإن الوسخ إليها سريع، واعلم أن لنفسك عليك حقاً، وأن لرأسك عليك حقاً، وأن لجسدك عليك حقاً، وأن لزوجك عليك حقاً، وأما النساء فليس ينبغي إلا أن يتعاهدن أنفسهن ولأزواجهن، وأن الله عز وجل جميل يحب الجمال وأن لكم حفظة يحبون الريح الطيب كما تحبونها، ويكرهون الريح المنتنة كما تكرهونها (1) .
[إسناده ضعيف، ومتنه منكر] (2) .
خلصت من البحث أن غسل البراجم ليس فيه حديث صحيح، وأصح ما ورد فيه حديث عائشة عند مسلم، وقد أعله الإمام أحمد والنسائي
_________
(1) الكامل (1/261) .
(2) فيه إبراهيم بن سالم بن خالد، وعبد الله بن عمران.
قال ابن عدي: إبراهيم بن سالم بن خالد نيسابوري يروي عن عبد الله بن عمران بأحاديث مسنده عداد مناكير، وعبد الله بن عمران بصري لا أعرف له عند البصريين الا حديثاً واحداً يحدثه عنه نوح بن قيس. الكامل (1/261) .
وقال الحافظ: هذا حديث منكر، وسئل أبو حاتم عن عبد الله بن عمران، فقال: شيخ. اللسان (1/62) . .....(3/519)
وغيرهما. ومع ذلك فنحن مأمورن بالنظافة، وديننا دين الطهارة، وإذا كان هناك وسخ في البراجم كان المسلم مأموراً بالنظافة في أحاديث أخرى، وإذا كان الوسخ يسيراً لا يمنع وصول الماء صحت الطهارة، وإذا كان مانعاً من وصول الماء، فهل يعفى عنه؟ أو لا يصح الوضوء معه، فإن كان كثيراً عرفاً لم تصح الطهارة، وإلا صحت. والله أعلم...(3/520)
كتاب السواك
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آلة وصحبه أجمعين.
أما بعد فإن دين الإسلام دين الطهارة والنظافة، والطهور من الإسلام شطر الإيمان،
(665-1) فقد روى مسلم في صحيحه، قال: حدثنا إسحق بن منصور، حدثنا حبان بن هلال، حدثنا أبان، حدثنا يحيى، أن زيدا حدثه، أن أبا سلام حدثه،
عن أبي مالك الأشعري، قال: قال رسول الله B: الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها (1) .
والعناية بالسواك، هي عناية بنظافة جزء من البدن، ولقد جاءت الأحاديث الكثيرة بالعناية بالبدن، كالعناية بالشعر، والأظفار، والإبط، وشعر العانة، والاغتسال للجمعة، ومن الجنابة، ونحوها، وقد تعرضنا لأكثرها في بحث سنن الفطرة.
_________
(1) صحيح مسلم (223) ...(3/521)
ولقد كان اهتمام الرسول B في السواك اهتماماً عظيماً في سائر أحواله من ليل أو نهار، حتى أنه كان يرأى في منامه أنه يتسوك، كما في صحيح البخاري، وسوف يأتي تخريجه في ثنايا البحث، ويكفي أن السواك كان آخر فعل فعله الرسول B في حياته، فقد رَغِبَ في السواك، وهو في سكرات الموت B، كما في صحيح البخاري، وسوف يأتي تخريجه إن شاء الله.
ويكفي أن تعرف أن الإسلام جعل تطهير الفم -وهي منفعة دنيوية خالصة- سبباً في مرضاة الله سبحانه وتعالى، فهل بعد هذا الترغيب في النظافة من ترغيب؟ وما اجتهد المجتهدون، وما تقرب الصالحون، بشيء إلا طلباً لمرضاة الله سبحانه وتعالى، ونيل رضاه.
وجاء في حديث عائشة عند مسلم ذكر السواك من سنن الفطرة، وهو كذلك من سنن الوضوء، ويتعلق به عبادات مختلفة في أوقات مختلفة، ولكثرة أحكامه أفردته في خطة مستقلة حتى نستوفي أكثر أبوابه، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم...(3/522)
التمهيد
ويشتمل على خمسة مباحث
المبحث الأول: في تعريف السواك.
المبحث الثاني: في فضل السواك.
المبحث الثالث: بيان أن السواك من سنن الفطرة.
المبحث الرابع: ما ورد في كون الصلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك.
المبحث الخامس: هل السواك في شريعة من قبلنا...(3/523)
[صفحة فارغة] ..(3/524)
المبحث الأول
تعريف السواك
تعريف السواك.
جاء في اللسان: " سوك السَّوْكُ فِعْلُك بالسِّواك المِسْواكِ.
ساك الشيء َ سَوْكاً: دَلَكه.
ساك فَمَه بالعُود يَسُوكه سَوْكاً.
قال عدِيُّ بن الرِّقاع:
وكأَنَّ طَعْمَ الزَّنْجَبيلِ وَلَذَّة ً... صَهْباءَ ساكَ بها المُسَحِّرُ فاها
سَاكَ سَوَّكَ واحدٌ والمُسَحِّرُ الذي يَأْتيها بسَحُورها
اسْتاكَ: مشتق من ساكَ.
وإِذا قلت: اسْتاك أَو تَسَوَّك فلا تذكر الفَم.
واسمُ العُود المِسْواكُ يذكر ويؤَنث.
وقيل: السِّواك تؤَنثه العرب. وفي الحديث " السِّواكُ مَطْهَرَة... " للفم بالكسر أَي يُطَهِّرُ الفمَ.
قال أَبو منصور: ما سمعت أَن السواك يؤَنث، قال: وهو عندي من غُدَدِ الليث، السواك مذكر، وقوله مَطْهَرة كقولهم: " الولدُ مَجْبَنة مَجْهَلَة مَبْخَلة " وقوله الكفر مَخْبَثَة
قال: السِّواك ما يُدْلَكُ به الفَمُ من العيدان السِّواكُ كالمِسْواك والجمع سُوُكٌ. وأَخرجه الشاعر على الأَصل فقال عبد الرحمن بن حسان:
أَغَرُّ الثَّنايا أَحَمُّ اللِّثا... تِ تَمْنَحُه سُوُك الإِسْحِلِ..(3/525)
وقال أَبو حنيفة: ربما همز فقيل سُؤُك.
وقال أَبو زيد: يجمع السِّواكَ سُوُكٌ على فُعُلٍ مثل كتاب وكتب.
وسَوَّك فاه تَسْويكاً.
السِّواكُ: التَّسَاوُكُ السير الضعيف. وقيل: رَداءة المشيء من إِبطاء أَو عَجَفٍ
قال عبيد اللَّه بن الحُرِّ الجُعْفِي:
إِلى اللَّه أَشْكُو ما أَرَى بجيادِنا... تَسَاوَكُ هَزْلَى مُخُّهُنَّ قلِيلُ.
قال الأَزهري: تقول العرب: جاءَت الغنم هَزْلَى تَساوَكُ: أَي تَتمايل من الهزال والضعف في مشيها. قال: وهكذا رواه ابن جَبَلة عن أَبي عبيد، وفي حديث أُم معبد أَن النبي لما ارتحل عنها جاء زوجها أَبو معبد يَسُوق أَعْنُزاً عِجافاً ما تَساوَكُ هُزالاً. اهـ
ويقال تَساوكَت الإِبل: إِذا اضطربت أَعناقها من الهُزال ; أَراد أَنها تتمايل من ضعفها
السواك اصطلاحاً: لا يخرج السواك في الاصطلاح، عن معناه اللغوي.
قال النووي: وهو في اصطلاح الفقهاء استعمال عود أو نحوه في الأسنان لإذهاب التغير ونحوه والله أعلم (1) .
_________
(1) المجموع (1/326) ...(3/526)
المبحث الثاني
في فضل السواك
المبحث الثاني
في فضل السواك
ورد في فضل السواك أحاديث كثيرة، نذكر منها:
الدليل الأول:
(666-2) ما رواه أحمد، قال: حدثنا عفان، ثنا يزيد بن زريع، ثنا عبدالرحمن بن أبي عتيق، عن أبيه، أنه سمع عائشة تحدثه عن النبي B، قال: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب.
[إسناده حسن إن شاء الله] في الإسناد: عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عتيق.
ذكره البخاري في التاريخ الكبير، وسكت عليه. (5/302) .
وقال أحمد بن حنبل: لا أعلم إلا خيراً. الجرح والتعديل (5/255) ، ثقات ابن شاهين (809) ، تهذيب الكمال (17/227) ، تهذيب التهذيب (6/192) .
وقال الأزدي: كان صاحب نوادر وسمر، ليس من أهل الحديث. المرجع السابق.
قال الحافظ: كذا قال، والموصوف بالنوادر والده عبد الله بن أبي عتيق.
وقال ابن حبان: كان ثبتاً إلا أنه ربما وهم في الأحايين. مشاهير علماء الأمصار. (1/144) . وذكر ابن حبان أيضاً في الثقات (7/65) .
وقال الذهبي: وثق. الكاشف (3404) .
وفي التقريب: مقبول. وفي هذا تليين لحديثه إذا انفرد، مع أنه أكبر من ذلك فحديثه حسن إن شاء الله مع كلام الإمام أحمد، وتوثيق ابن حبان وابن شاهين له.
وأما والده عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.
ذكره ابن حبان في الثقات. (5/41) .
وقال العجلي: مدني ثقة. ثقات العجلي (2/57) .
وذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه شيئاً. الجرح والتعديل (5/154) .
وقال مصعب الزبيري: كان امرؤاً. تهذيب التهذيب (6/10) .
وفي التقريب: صدوق فيه مزاح. اهـ روى له البخاري ومسلم وغيرهما. وقد تجنبت عمداً ما يروى من مزاحه. فالإسناد حسن إن شاء الله.
[تخريج الحديث]
الحديث أخرجه النسائي (5) أخبرنا حميد بن مسعدة ومحمد بن عبد الأعلى، عن يزيد بن زريع به. وأخرجه النسائي في الكبرى (1/64) بالإسناد نفسه.
وأخرجه ابن حبان (1607) من طريق روح بن عبد المؤمن المقرئ، حدثنا يزيد بن زريع به. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1/34) من طريق محمد بن أبي بكر، ثنا يزيد بن زريع به.
وتابع ابن زريع الدراوردي عند أبي يعلى (8/315) ح 4916، قال: حدثنا عبدالأعلى، حدثنا الدراوردي عبد العزيز بن محمد، عن ابن أبي عتيق، عن أبيه به.
وأخرجه الطبراني في الأوسط (278) من طريق سعيد بن أبي أيوب، عن محمد بن عبد الله بن أبي عتيق، عن أبيه، عن عائشة. وقوله: محمد خطأ، والصواب: عبد الرحمن.
واختلف على عبد الرحمن بن أبي عتيق. فقيل: عنه، عن أبيه، عن عائشة، كما في رواية الباب.
وقيل: عنه عن القاسم بن محمد عن عائشة.
وقيل: عنه، عن أبيه، عن أبي بكر الصديق.
أما روايته عن أبيه، عن عائشة فقد خرجتها كما سبق.
وأما روايته عن القاسم، عن عائشة، فأخرجها البيهقي (1/34) حدثنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا الربيع بن سليمان، ثنا عبد الله بن وهب، عن سليمان بن بلال، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عتيق، عن القاسم بن محمد،
عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب.
وهذا إسناد صحيح إلى عبد الرحمن بن أبي عتيق. فشيخ البيهقي هو الإمام الحافظ الحاكم صاحب المستدرك، غني عن التعريف.
وشيخه أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ثقة. انظر سير أعلام النبلاء (15/452) ، وتذكرة الحفاظ (3/860) .
والربيع بن سليمان هو المؤذن. ذكره ابن حبان في الثقات (8/240) .
وقال ابن أبي حاتم: سمعنا منه، وهو صدوق ثقة، سئل أبي عنه، فقال: صدوق. الجرح والتعديل (3/464) .
وقال النسائي: لا بأس به. تهذيب التهذيب (3/213) .
وقال ابن يونس: كان ثقة. المرجع السابق.
وقال الخطيب: كان ثقة. تهذيب الكمال (9/87) .
وقال مسلمة: كان من كبار أصحاب الشافعي، وكان يوصف بغفلة شديدة، وهو ثقة. تهذيب التهذيب (3/213) . وتعقب ذلك التاج السبكي، فقال: إلا أنها لم تنته به إلى التوقف في قبول روايته، بل هو ثقة ثبت خرج له إمام الأئمة ابن خزيمة في صحيحه، وكذلك ابن حبان والحاكم. انظر حاشية تهذيب الكمال (9/89) .
وعبد الله بن وهب، وسليمان بن بلال ثقتان من رجال الجماعة، وباقي الإسناد سبقت ترجمته. فعلى هذا يكون الإسناد إلى عبد الرحمن بن أبي عتيق إسناداً صحيحاً.
فالذي يظهر لي أن عبد الرحمن قد سمعه من أبيه، ومن القاسم؛ لأنه قد توبع في كل منهما.
فأما في الرواية عن أبيه فقد تابعه محمد بن إسحاق، رواه الشافعي في مسنده (ص:14) أخبرنا ابن عيينة، عن محمد بن إسحاق، عن ابن أبي عتيق،
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال السواك: مطهرة للفم مرضاة للرب.
وأخرجه الحميدي (162) ثنا سفيان به.
وأخرجه أحمد (6/47) ثنا إسماعيل، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن عائشة به. وهنا صرح ابن إسحاق بالتحديث.
وأخرجه أحمد أيضاً (6/238) ثنا يزيد، ثنا محمد بن إسحاق به. وأخرجه أحمد أيضاً (6/62) ثنا عبدة بن سليمان الكلابي، ثنا محمد بن إسحاق به.
وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده (2/533) ح 1116 أخبرنا عيسى بن يونس، عن محمد بن إسحاق به.
وأخرجه أبو يعلى في مسنده (8/73) ح 4598 حدثنا محمد بن صباح، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن محمد بن أبي عتيق به.
وأخرجه البيهقي في السنن (1/34) ، والبغوي في شرح السنة (199،200) من طريق محمد بن إسحاق به.
وأخرجه أبو نعيم في الحلية (7/159) من طريق شعبة، عن محمد بن إسحاق به.
وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (2/382) من طريق شعبة، عن محمد بن إسحاق به.
وأما المتابعة لابن أبي عتيق في روايته عن القاسم، وهي وإن كانت ضعيفة إلا أنها صالحة إن شاء الله في المتابعات.
فقد أخرجه أحمد (6/146) ثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك الديلي، أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي، عن داود بن الحصين، عن القاسم بن محمد،
عن عائشة أن رسول الله قال: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب، وفي الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السّام. قالوا يا رسول الله: وما السام؟ قال: الموت.
وأخرجه ابن أبي شيبة (1/156) حدثنا خالد بن مخلد، قال: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة به. وليس فيه ذكر للحبة السوداء. ومن طريق خالد بن مخلد أخرجه الدارمي (684) .
وأخرجه إسحاق بن راهوية (2/385) ح 936 أخبرنا أبو عامر العقدي، نا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة به.
وأخرجه أبو يعلى في مسنده (8/51) ح 4569 حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن إبراهيم بن إسماعيل به.
وفيه إبراهيم بن إسماعيل:
قال البخاري: منكر الحديث. التاريخ الكبير (1/271) ، الضعفاء الصغير (2) .
وقال النسائي: ضعيف مدني. الضعفاء والمتروكين (2) .
وقال الدارقطني: متروك. تهذيب التهذيب (1/90) .
وقال أبو طالب عن أحمد بن حنبل: ثقة. الجرح والتعديل (2/83) ، تهذيب الكمال (2/42) .
وقال ابن سعد: كان مصلياً عابداً صام ستين سنة، وكان قليل الحديث. الطبقات الكبرى (5/412) .
وقال يحيى بن معين: صالح كما في رواية الدارمي عنه. الجرح والتعديل. زاد في تهذيب الكمال: يكتب حديثه، ولا يحتج به. تهذيب الكمال (2/42) .
وذكره العقيلي في الضعفاء (1/43) .
وقال أبو حاتم الرازي: شيخ، ليس بقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به، منكر الحديث دون إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، وأحب إلي من إبراهيم بن الفضل.
فهذا الإسناد ضعيف، لأن مداره على إبراهيم بن إسماعيل إلا أنه صالح في المتابعات إن شاء الله، وقد رواه عبد الرحمن بن أبي عتيق عن القاسم، والسند إليه صحيح، فلعل عبدالرحمن بن أبي عتيق سمعه منهما. قال البيهقي في السنن (1/34) فكأنه سمعه منهما.
وأما رواية ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر.
فأخرجه الإمام أحمد (1/3) ثنا أبو كامل، ثنا حماد ـ يعني ابن سلمة ـ عن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر الصديق، أن النبي b قال: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب.
ورواه أيضاً (1/10) حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، به.
وأخرجه أبو يعلى (104) حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي، حدثنا: قال: وسألت عنه فقال: هذا خطأ، ثم حدثني به، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر الصديق، قال: قال رسول الله b وذكره.
ورواه أبو يعلى (105) حدثنا أبو خيثمة، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا حماد بن سلمة به.
ورواه المروزي في مسند أبي بكر الصديق (ص: 174) من طريق عبد الأعلى النرسي وأخرجه (ص: 176) من طريق يونس بن محمد كلاهما عن حماد بن سلمة به.
ورواه تمام الرازي في الفوائد (1/59) من طريق محمد بن عبيد الغساني، ثنا حماد بن سلمة به.
وانفرد حماد بن سلمة بجعله من مسند أبي بكر، وكل من رواه عن ابن عتيق جعله من مسند عائشة، ولذلك جزم بخطأ حماد كل من أبي زرعة وأبي حاتم، والدارقطني.
قال أبو زرعة وأبو حاتم كما في العلل لابن أبي حاتم (1/12) : " وهذا خطأ إنما هو ابن أبي عتيق، عن أبيه عن عائشة. قال أبو زرعة: أخطأ فيه حماد. قال أبي ـ يعني أبا حاتم ـ الخطأ من حماد، أو من ابن أبي عتيق.
وقال الدارقطني في العلل (1/277) عن هذا الحديث: " هو حديث يرويه حماد بن سلمة، عن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر. وخالفه جماعة من أهل الحجاز وغيرهم، فرووه عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الصواب ". اهـ
ورواه ابن عدي في الكامل (2/261) من طريقين عن حماد بن سلمة به. وقال: يقال إن هذا الحديث أخطأ فيه حماد بن سلمة حيث قال: عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن أبي بكر الصديق، وإنما رواه غيره عن ابن أبي عتيق، عن أبيه، عن عائشة.
ورواه ابن عدي في الكامل (1/299) من طريق إسماعيل بن عياش، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب.
وهذا حديث ضعيف، فيه ابن عياش، وروايته عن الحجازيين فيها كلام.
ورواه ابن حبان (1070) من طريق حماد بن سلمة، عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، مرفوعاً: عليكم بالسواك فإنه مطهرة للفم مرضاة للرب. وسوف يأتي الكلام عليه وبيان أنه شاذ، فقد رواه ثمانية حفاظ عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة بلفظ: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء.
ورواه ابن خزيمة في صحيحه (135) قال: أخرنا الحسن بن قزعة بن عبيد الهاشمي، نا سفيان ابن حبيب، عن ابن جريج، عن عثمان بن أبي سليمان، عن عبيد بن عمير، عن عائشة به.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات إلا الحسن بن قزعة فإنه صدوق.
قال فيه أبو حاتم الرازي: صدوق. الجرح والتعديل (3/34) .
وكذا قال يعقوب بن شيبة. تهذيب الكمال (6/303) .
وقال النسائي: لا بأس به. تهذيب التهذيب (2/273) .
وذكره ابن حبان في الثقات (8/176) .
ورواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم، قال البخاري في صحيحه، في كتاب الصوم، باب: السواك الرطب واليابس للصائم: وقالت عائشة، عن النبي b: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب. اهـ
والحديث له شواهد.
الشاهد الأول: حديث ابن عمر
أخرجه أحمد (2/108) حدثنا قتيبة بن سعيد، ثنا ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي b قال: عليكم بالسواك؛ فإنه مطهرة للفم ومرضاة للرب.
وهذا الإسناد إسناد صالح في المتابعات.
وهناك طريق آخر عن ابن عمر إلا أن ضعفه شديد، فقد روى ابن عدي في الكامل (6/277) من طريق محمد بن معاوية النيسابوري، ثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن نعيم المجمر مولى عمر بن الخطاب، عن ابن عمر أن رسول الله b قال: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب.
قال ابن عدي: وهذا لا أعرفه إلا من رواية محمد بن معاوية عن الليث. اهـ
وفيه: محمد بن معاوية.
قال فيه أحمد بن حنبل: رأيت أحاديثه أحاديث موضوعة. الجرح والتعديل (8/103) .
قال فيه البخاري: روى أحاديث لا يتابع عليها. التاريخ الكبير (1/245) .
وقال: يحيى بن معين: كذاب. الجرح والتعديل (8/103) .
وقال أبو زرعة: كان شيخاً صالحاً إلا أنه كلما لقن يلقن، وكلما قيل: إن هذا من حديثك حدث به، يجيئه الرجل فيقول: هذا من حديث معلى الرازي وكنت أنت معه فيحدث بها على التوهم. قال ابن أبي حاتم: وترك أبو زرعة الرواية عنه ولم يقرأ علينا حديثه. المرجع السابق.
وقال مسلم: متروك الحديث. تهذيب التهذيب (9/409) .
وقال أبو داود: ليس بشيء، كتبت عنه. المرجع السابق.
وقال النسائي: ليس بثقة، متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين (539) .
وقال فيه ابن حبان: كان ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير، ويأتي عن الثقات بما لا يتابع عليه، فاستحق الترك إلا عند الاعتبار فيما وافق الثقات؛ لأنه كان صاحب حفظ وإتقان قبل أن يظهر منه ما ظهر. المجروحين (2/298) .
وقال ابن عدي: بين الضعف، يتبين على رواياته. الكامل (6/277) .
الشاهد الثاني: حديث أنس.
رواه أبو نعيم كما في البدر المنير (3/71) من طريق هشام بن سلميان، ثنا يزيد الرقاشي، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله b كان يستاك وهو صائم، ويقول: هو مرضاة للرب، مطهرة للفم. اهـ
وفيه: يزيد الرقاشي.
قال فيه النسائي: متروك. الضعفاء والمتروكين (642) .
وقال ابن سعد: كان ضعيفاً قدرياً. الطبقات الكبرى (7/245) .
قال ابن حبان: غفل عن صناعة الحديث وحفظها، واشتغل بالعبادة وأسبابها حتى كان يقلب كلام الحسن فيجعله عن أنس عن النبي، وهو لا يعلم، فلما كثر في روايته ما ليس من حديث أنس وغيره من الثقات بطل الاحتجاج به، فلا تحل الرواية عنه إلا على سبيل التعجب، وكان قاصاً يقص بالبصرة، ويبكي الناس. المجروحين (3/98) .
وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة عن أنس وغيره ونرجو أنه لا بأس به برواية الثقات عنه من البصريين والكوفيين وغيرهم. الكامل (7/257) .
وقال أبو حاتم الرازي: كان واعظاً، بكاءً، كثيرَ الرواية عن أنس بما فيه نظر، صاحب عبادة، وفي حديثه صنعة. الجرح والتعديل (9/251) .
الشاهد الثالث: حديث أبي أمامة.
فقد روى ابن ماجه (289) ، حدثنا هشام بن عمار، ثنا محمد بن شعيب، ثنا عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم،
عن أبي أمامة، أن رسول الله b قال: "تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب، ما جاءني جبريل إلا وأوصاني بالسواك حتى لقد خشيت أن يفرض علي وعلى أمتي، ولولا أني أخاف أن أشق على أمتي لفرضته لهم، وإني لأستاك حتى خشيت أن أحفي مقادم فمي ".
في الإسناد: عثمان بن أبي العاتكة.
قال يحيى بن معين: ليس بشيء. الجرح والتعديل (6/163) .
وقال دحيم: لا بأس به، كان قاص الجند يعنى البلد، فلم ينكر حديثه من غير علىبن يزيد، والأمر من علي بن يزيد. المرجع السابق.
وقال النسائي: ضعيف. الضعفاء والمتروكين (416) .
وذكره ابن حبان في الثقات. (7/202) .
وقال ابن عدي: عامة ما يرويه بهذا الإسناد عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، وهو مع ضعفه يكتب حديثه. الكامل (5/164) .
وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي. المرجع السابق.
وقال ميمون الأصبغ: سألت أبا مسهر عنه، فقال: كان قاصاً، فإن كان وهم فهو منه. الضعفاء الكبير (3/221) .
وقال يعقوب بن سفيان: ضعيف الحديث. تهذيب الكمال (19/397) .
وفي التقريب: صدوق، ضعفوه في روايته عن علي بن يزيد الألهاني.
بينما قال الحافظ في التلخيص: رواه ابن ماجه، وفيه عثمان بن أبي العاتكة، وهو متروك، ولم يذكر فيه علي بن يزيد الألهاني، وهو أولى بالضعف من عثمان. والله أعلم. وإليك ترجمة علي بن يزيد الألهاني.
قال البخاري: منكر الحديث، عن القاسم بن عبد الرحمن، روى عنه عبيد الله بن زحر، ومطرح. التاريخ الكبير (6/301) ، الضعفاء الصغير (255) .
وقال أيضاً: ذاهب الحديث كما في علل الترمذي الكبير. انظر حاشية تهذيب الكمال (21/182) .
وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث، حديثه منكر، فإن كان ما روى علي بن يزيد، عن القاسم على الصحة فيحتاج أن ننظر في أمر علي بن يزيد. الجرح والتعديل (6/208) .
وقال أبو زرعة: ليس بالقوي. المرجع السابق.
وقال يعقوب: علي بن يزيد واهي الحديث، كثير المنكرات. تهذيب التهذيب (7/346) .
وقال الجوزجاني: رأيت غير واحد من الأئمة ينكر أحاديثه. المرجع السابق.
وقال النسائي: ليس بثقة. المرجع السابق. وقال أيضاً: متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين (432) .
وقال ابن عدي: هو في نفسه صالح إلا أن يروي عنه ضعيف فيؤتى من قبل ذلك الضعيف. الكامل (5/178) .
وقال الدارقطني: متروك. تهذيب التهذيب (7/346) .
وقال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث. المرجع السابق.
وقال الساجي: اتفق أهل العلم على ضعفه. المرجع السابق.
وذكره العقيلي في الضعفاء (3/254) .
وقال ابن حبان: منكر الحديث جداً فلا أدري التخليط في روايته ممن؟ في إسناده ثلاثة ضعفاء، وأكثر روايته عن القاسم أبي عبد الرحمن، وهو ضعيف في الحديث جداً، وأكثر من روى عنه عبيد الله بن زحر، ومطرح بن يزيد، وهما ضعيفان واهيان، فلا يتهيأ إلزاق الجرح من علي بن يزيد وحده. الخ كلامه رحمه الله. المجروحين (2/110) .
وأخرجه الطبراني في الكبير أيضاً (8/262) ح 7876 من طريق عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد به. وهذا إسناد ضعيف جداً، فيه عبيد الله بن زحر.
قال يحيى بن معين: ليس بشيء. كما في رواية أبي بكر بن أبي خيثمة. الجرح والتعديل (5/315) .
وقال أيضاً كل حديثه عندي ضعيف، كما في رواية عثمان بن سعيد. الضعفاء الكبير (3/120) .
وقال علي بن المديني: منكر الحديث. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم الرازي: لين الحديث. المرجع السابق.
وقال العجلي: يكتب حديثه، وليس بالقوي. ثقات العجلي (2/110) .
وذكره العقيلي في الضعفاء (3/120) .
وقال النسائي: ليس به بأس. تهذيب الكمال (19/36) .
وقال أبو زرعة:: لا بأس به صدوق. الجرح والتعديل (5/315) .
وقال الحاكم: لين الحديث. تهذيب التهذيب (7/12) .
قال ابن حبان: منكر الحديث جداً، يروي الموضوعات عن الأثبات، وإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات، وإذا اجتمع في الإسناد خبر عبيد الله بن زحر، وعلي بن يزيد، والقاسم أبو عبد الرحمن لا يكون متن ذلك الخبر إلا مما عملت أيديهم.. الخ كلامه. المجروحين (2/62) .
وهذا خسف من ابن حبان، وعبيد الله بن زحر وثقه البخاري، وقال مرة مقارب الحديث، وقال النسائي ليس به بأس، وقال نحوه أبو زرعة، فكيف يتهم، وهذا كلام الأئمة فيه من أهل العدل والإنصاف. وقد تعقبه الحافظ، فقال: ليس في الثلاثة من اتهم إلا علي بن يزيد، وأما الآخران فهما في الأصل صدوقان، وإن كانا يخطئان. تهذيب التهذيب (7/12) .
وفي إسناده أيضاً القاسم أبو عبد الرحمن مختلف فيه:
قال أحمد بن حنبل: يروى عنه يعلى بن زيد أعاجيب، وتكلم فيها، وقال: ما أرى هذا إلا من القاسم. تهذيب التهذيب (8/289) .
وقال الغلابي: منكر الحديث. المرجع السابق.
وذكره العقيلي في الضعفاء (3/476) .
وقال يحيى بن معين: القاسم ثقة، والثقات يروون عنه هذه الأحاديث ولا يرفعونها، ثم قال: يجيء من المشايخ الضعفاء ما يدل حديثهم على ضعفه. وقال أيضاً: إذا روى عنه الثقات أرسلوا ما رفع هؤلاء. تهذيب التهذيب (8/289) .
وقال العجلي: شامي تابعي ثقة، يكتب حديثه، وليس بالقوي. معرفة الثقات (2/213) .
وأخرجه الطبراني في الكبير (7744) ، وفي مسند الشاميين (888) ، قال: حدثنا واثلة بن الحسين العرقي، ثنا كثير بن عبيد الحذاء، ثنا بقية عن إسحاق بن مالك الحضرمي، عن يحيى بن الحارث، عن القاسم، عن أبي أمامة أن النبي b قال: السواك مطيبة للفم مرضاة للرب.
وفي إسناده إسحاق بن مالك الحضرمي، تجنبه أصحاب الكتب الستة.
قال الأزدي: ضعيف. وذكر حديثه هذا، وقال: لا يصح. قال الحافظ: يعني بهذا الإسناد. لسان الميزان (1/370) .
وفيه عنعنة بقية، وهو مدلس، بل تدليسه من شر التدليس.
الشاهد الرابع: حديث ابن عباس.
أخرجه البخاري في تاريخه الكبير (8/396) من طريق يعقوب بن إبراهيم بن حنين، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: السواك يطيب الفم، ويرضي الرب.
في الإسناد يعقوب بن إبراهيم بن عبد الله بن حنين روى عنه اثنان كما في الجرح والتعديل (9/201) . وسكت عليه، فلم يذكر فيه شيئاً.
وذكره ابن حبان في الثقات. (7/643) .
وأما أبوه وجده فهما ثقتان. فهذا إسناد صالح في الشواهد.
ورواه الطبراني في الكبير (11/428) ح 12215 من طريق يعقوب بن إبراهيم به.
ورواه الطبراني في الأوسط (7496) من طريق بحر السقاء، عن جويبر، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس أن رسول الله b قال: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب، ومجلاة للبصر.
وهذا إسناد ضعيف جداً، فيه بحر السقاء.
قال ابن سعد: كان ضعيفاً. الطبقات الكبرى (7/284) .
وقال ابن حبان: كان ممن فحش خطؤه، وكثر وهمه حتى استحق الترك، وكان الثوري إذا روى عنه يقول: حدثني أبو الفضل حتى لا يعرف. المجروحين (1/192) رقم 140.
وقال ابن عدي: كل ما يحدث به، وما يروون أصحاب النسخ عنه فعامة أسانيدها ومتونها لا يتابعه عليه أحد، وهو إلى الضعف أقرب منه إلى غيره. الكامل (2/50) .
وقال يزيد بن زريع: بحر السقاء كان لا شيء. الجرح والتعديل (2/418) .
وقال يحيى بن معين: لا يكتب حديثه. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف. المرجع السابق.
وروى البيهقي في شعب الإيمان (6/71) رقم 2521 من طريق إسحاق بن إبراهيم..(3/527)
ومعناه، قال: عمر بن محمد النسفي: أي سبب للطهر، وسبب للرضاء، كما روي: " الولد مبخلة مجبنة مجهلة " أي سبب للبخل والجبن والجهل (1) .اهـ
الدليل الثاني:
(667-3) ما رواه البخاري في صحيحه، قال: حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا شعيب بن الحبحاب،
حدثنا أنس، قال: قال رسول الله B: أكثرت عليكم في السواك (2) .
الدليل الثالث:
(668-4) ما رواه أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن التميمي، قال سألت ابن عباس عن السواك، فقال: ما زال النبي
_________
(1) طلبة الطلبة (ص: 26) .
(2) صحيح البخاري (888) .....(3/540)
يأمرنا به حتى خشينا أن ينزل عليه فيه.
[الحديث حسن] (1) .
_________
(1) مسند الطيالسي (2739) والحديث مداره على أبي إسحاق السبيعي، عن التميمي، عن ابن عباس.
أما عنعنة أبي إسحاق فقد رواه عنه شعبة، وهو لا يحمل عنه إلا ما صرح فيه بالتحديث. وأما تغيره، فإن شعبة وسفيان ممن روى عنه قبل تغيره.
وفي الإسناد: التميمي أربدة.
قال ابن البرقي: مجهول. تهذيب التهذيب (1/173) .
وذكره أبو العرب الصقلي القيرواني في الضعفاء. المرجع السابق.
وذكره ابن حبان في الثقات (4/52) .
وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة. معرفة الثقات (2/446) .
وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وقال: روى عنه أبو إسحاق السبيعي، ولم يذكر فيه شيئاً. الجرح والتعديل (2/345) . وكذلك ابن حبان لم يذكر راوياً عنه إلا أبا إسحاق كما في الثقات (4/52) . وذكر الحافظ في التهذيب راوياً آخر، وهو المنهال بن عمرو، قال الحافظ: روى السندي بن عبدويه، عن عمرو بن أبي قيس، عن مطرف بن طريف، عن المنهال بن عمرو، عن التميمي، عن ابن عباس، قال: كنا نتحدث أن النبي b عهد إلى عليِّ سبعين عهداً لم يعهدها إلى غيره. قال الحافظ رواه الطبراني في معجمه ونقل عن الذهبي أنه قال: هذا حديث منكر. اهـ
والحديث قد وقفت عليه في المعجم الصغير (956) حدثنا محمد بن سهل بن الصباح الصفار الأصبهاني، حدثنا أحمد بن الفرات الرازي، حدثنا سهل بن عبد ربه السندي الرازي به.
قال الطبراني: لم يروه عن مطرف إلا عمرو بن قيس، ولا عن عمرو بن سهل، تفرد به أحمد بن الفرات، واسم التميمي أربدة. اهـ
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/113) : " فيه من لم أعرفهم "
ورجال الإسناد معروفون:
فشيخ الطبراني محمد بن سهل بن الصباح الصفار الأصبهاني له ترجمة في طبقات المحدثين بأصبهان، قال: كان معدلاً، أروى الناس عن أبي مسعود (أحمد بن الفرات) عنده المسند والمصنفات (3/603) .
وأحمد بن الفرات الرازي قال الذهبي: الحافظ الحجة، محدث أصبهان وصاحب التصانيف. تذكرة الحفاظ (2/544) .
وقال ابن خراش: أحلف بالله أن أبا مسعود يكذب متعمداً. قال ابن عدي: هذا تحامل ولا أعرف لأبي مسعود رواية منكرة، وهو من أهل الصدق. الكامل (1/190) .
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: أحفظ ما في الدنيا ثلاثة، فذكر أبا مسعود أحمد بن الفرات منهم. ثقات ابن حبان (8/36) .
ومطرف بن طريف. قال أحمد: ثقة. الجرح والتعديل (8/313) .
وقال علي بن المديني: حدثنا سفيان، قال: حدثنا مطرف، وكان ثقة. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم الرازي: ثقة. المرجع السابق.
وذكره ابن حبان في الثقات (7/493) .
ومع أن رجاله معروفون إلا أن متنه منكر، وأظن أن الذهبي عندما قال: هذا حديث منكر، كما نقلت عنه قبل قليل، قصد نكارة المتن، ولم يقصد نكارة الإسناد. والله أعلم.
[تخريج حديث الباب]
الحديث أخرجه البيهقي (1/35) من طريق الطيالسي، وأخرجه أحمد (1/339،340) حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة به.
وأخرجه أحمد (1/285) حدثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن أبي إسحاق به، بلفظ: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر السواك حتى ظننا ـ أو رأينا ـ أنه سينزل عليه.
وأخرجه أبو يعلى في مسنده (2693) حدثنا موسى، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن مهدي- به.
وأخرجه أحمد (1/237) حدثنا يزيد ـ يعني ابن هارون ـ أخبرنا شريك بن عبد الله، عن أبي إسحاق به.
وشريك وإن كان سيئ الحفظ إلا أنه قد توبع، ولفظه: أمرت بالسواك حتى ظننت أو حسبت أنه سينزل عليّ فيه قرآن.
وأخرجه أحمد (1/307) حدثنا أسود بن عامر ـ
وأخرجه (1/315) حدثنا يحيى بن آدم ـ
وأخرجه أيضاً (1/337) حدثنا حجاج ـ ثلاثتهم، عن شريك به.
وأخرجه أبو يعلى (2326) حدثنا بشر بن الوليد، حدثنا شريك به.
ورواه ابن أبي شيبة (1809) حدثنا وكيع، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق به.
ورواه ابن أبي شيبة (1793) ، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس، قال: كنا نؤمر بالسواك حتى ظننا أنه سينزل فيه.
وروى الطبراني في المعجم الأوسط (7/95) ح 6960 وفي الكبير (11/453) ح 12286، قال: حدثنا محمد بن علي المروزي، ثنا الحسين بن سعد بن علي بن الحسين بن واقد، حدثني جدي، عن علي بن الحسين، حدثني أبي، ثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرت بالسواك حتى خفت على أسناني.
محمد بن علي المروزي، شيخ الطبراني:
قال الخطيب البغدادي: كان ثقة. تاريخ بغداد (3/68) .
وأما الحسين بن سعد بن علي بن الحسين بن واقد، فقد ذكره المزي وغيره ممن روى عن جده علي بن الحسين، ولم أقف له على ترجمة.
وأما جده علي بن الحسين بن واقد
قال فيه أبو حاتم: ضعيف الحديث. الجرح والتعديل (6/179) .
وقال النسائي: ليس به بأس. تهذيب التهذيب (7/271) .
وقال البخاري: كان أبو يعقوب ـ يعني إسحاق بن راهوية ـ سيئ الرأي فيه في حياته لعلة الإرجاء، فتركناه، ثم كتبت عن إسحاق عنه. الضعفاء الكبير (3/226) .
وذكره ابن حبان في الثقات (8/160) . وفي التقريب: صدوق يهم.
وأما الحسين بن واقد:
فقال يحيى بن معين: ثقة. الجرح والتعديل (3/66) .
وقال أبو زرعة: ليس به بأس. المرجع السابق.
وقال أحمد: لا بأس به، وأثنى عليه خيراً كما في رواية الأثرم عنه. المرجع السابق.
وروى الأثرم عن أحمد أنه قال: في أحاديثه زيادة، ما أدري أي شيء هي؟ ونفض يده. تهذيب التهذيب (2/321) .
وقال الساجي: فيه نظر، وهو صدوق يهم. قال أحمد: أحاديثه ما أدري إيش هي. المرجع السابق.
وقيل لابن المبارك: من الجماعة؟ قال: محمد بن ثابت، والحسين بن واقد، وأبو حمزة السكري. تهذيب التهذيب (2/321) .
وقال النسائي: ليس به بأس. المرجع السابق.
وقال ابن حبان كلاماً فيه، منه: " كان من خيار الناس، وربما أخطأ. الثقات (6/209) .
وقال ابن سعد: كان حسن الحديث. الطبقات الكبرى (7/371) .
وذكره العقيلي في الضعفاء. الضعفاء الكبير (1/251) رقم 300.
وفي التقريب: ثقة له أوهام.
عطاء بن السائب. قال الحافظ في التقريب: صدوق اختلط.
وقد اتفقوا على أن شعبة، وسفيان ممن سمع منه قديماً.
قال يحيى بن سعيد القطان: ما حدث سفيان وشعبة عن عطاء بن السائب صحيح إلا حديثين، كان شعبة يقول: سمعتهما منه بآخرة عن زاذان. الجرح والتعديل (6/332) ، الضعفاء الصغير (276) ، والتاريخ الكبير (6/465) .
واستثنى بعض العلماء حماد بن زيد، وقال: إنه سمع منه قديماً، منهم يحيى بن سعيد القطان، والنسائي، وأبو حاتم. الضعفاء الكبير (3/398) ، الكاشف ـ الذهبي (3798) ، الكواكب النيرات (ص: 61) .
واختلفوا في سماع حماد بن سلمة:
فقال ابن معين، وأبو داود، والطحاوي، وحمزة الكتاني، وابن الجارود، ويعقوب ابن سفيان وغيرهم: حماد بن سلمة قديم السماع عن عطاء. الكامل (5/361) ، الكواكب النيرات (ص: 61) .
وخالفهم عبدالحق في الأحكام، فقال: سمع منه بعد الاختلاط، واعتمد كلام العقيلي.
ورجح الحافظ في التهذيب (7/183) أن حماداً سمع من عطاء قبل الاختلاط وبعده، إلا أنه في التلخيص (1/248) ح 190 رجح أن سماع حماد بن سلمة كان قبل الاختلاط.
فالإسناد ضعيف، له علتان:
الأولى: الحسين بن سعد، لم أقف له على ترجمة.
الثاني: اختلاط عطاء بن السائب، ومع ضعفه إلا أنه صالح في المتابعات.
والحديث له شواهد منها:
الشاهد الأول: سهل بن سعد
رواه الطبراني في الكبير (6/252) ح 6018 حدثنا عبدان بن أحمد، ثنا محمد بن مرزوق والجراح بن مخلد، قالا: ثنا عبيد بن واقد أبو عباد القيسي، ثنا أبو عبد الله الغفاري، قال:
سمعت سهل بن سعد يقول: قال رسول الله B: أمرني جبريل بالسواك حتى ظننت أني سَأدْرَد.
وهذا سند ضعيف من أجل عبيد بن واقد
قال فيه أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث، يكتب حديثه. الجرح والتعديل (6/5) .
وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. الكامل (5/352) .
وفي التقريب: ضعيف.
وفيه أبو عبد الله الغفاري، ذكره ابن حجر من شيوخ عبيد بن واقد، وقال: صاحب سهل بن سعد. تهذيب التهذيب (7/71) رقم 116. ولم أقف على ترجمة له. والله أعلم.
الشاهد الثاني: حديث أم سلمة.
رواه البيهقي في السنن (7/49) من طريق خالد بن عبيد، حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه، عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها، قالت: قال رسول الله B: ما زال جبريل يوصيني بالسواك حتى خشيت على أضراسي.
وفيه: خالد بن عبيد
ذكره ابن أبي حاتم، وسكت عليه. الجرح والتعديل (3/342) .
وقال ابن حبان: يروى عن أنس بن مالك نسخة موضوعة، لا تحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب. المجروحين (1/279) .
قال البخاري: فيه نظر. التاريخ الكبير (3/161) رقم 554.
وذكره العقيلي في الضعفاء. الضعفاء الكبير (2/10) رقم 412.
وقال أبو أحمد الحاكم: حديثه ليس بالقائم. تهذيب التهذيب (3/91) .
واختلف على أبي تميلة، فرواه البيهقي كما سبق من طريق أحمد بن عمر القاضي، ثنا أبو تميلة، ثنا خالد بن عبيد، حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه، عن أم سلمة،
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (23/251) ح 510 من طريق محمد بن حميد، ثنا أبو تميلة، ثنا عبد المؤمن بن خالد، عن ابن بريدة، عن أبيه عن أم سلمة.
فجعل بدلاً من خالد بن عبيد عبد المؤمن بن خالد وهذا إسناد ضعيف، فيه محمد بن حميد الرازي، قال البخاري: فيه نظر. التاريخ الكبير (1/69) رقم 167.
وقال ابن معين: ثقة، ليس به بأس، رازي كيس. الجرح والتعديل (7/232) رقم 1275
وقال ابن حبان: كان ممن ينفرد عن الثقات بالأشياء المقلوبات، ولا سيما إذا حدث عن شيوخ بلده. المجروحين (2/303) رقم 1009.
وقال ابن وارة: يا أبا عبد الله ـ يعني أحمد بن حنبل ـ رأيت محمد بن حميد؟ قال: نعم. قال: كيف رأيت حديثه؟ قال: إذا حدث عن العراقيين يأتي بأشياء مستقيمة، وإذا حدث عن أهل بلده مثل إبراهيم بن المختار وغيره أتى بأشياء لا تعرف، لا تدري ما هي. قال أبو زرعة وابن وارة: صح عندنا أنه يكذب. قال: فرأيت أحمد بن حنبل إذا ذكر ابن حميد نفض يده. المرجع السابق.
فالطريق الأول أصح منه، وقد نقل البيهقي عن البخاري أنه قال عن الطريق الأول: هذا حديث حسن. السنن الكبرى (7/49) .
الشاهد الثالث:
ما رواه أحمد (5/263) ثنا هارون بن معروف، ثنا عبد الله بن وهب، عن يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن أبي أمامة أن رسول الله قال: ما جاءني جبريل عليه السلام قط إلا أمرني بالسواك، لقد خشيت أن أحفي مقدم فمي.
والحديث ضعيف جداً، وسبق الكلام عليه.
الشاهد الرابع:
رواه الطبراني في الأوسط (6/323) رقم 6526، قال: حدثنا محمد بن رزيق، ثنا أبو الطاهر، ثنا ابن وهب، نا يحيى بن عبد الله بن سالم، عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن عائشة قالت قال رسول الله B: لزمت السواك حتى خشيت أن يدردني.
قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن عائشة إلا بهذا الإسناد تفرد به أبن وهب.
ترجمة الإسناد:
ـ محمد بن رزيق، ذكره المزي ممن روى عن أبي طاهر، وسماه محمد بن رزيق بن جامع المصري. تهذيب الكمال (1/416) .
وذكره ابن زبر الربعي فيمن مات سنة ثمان وتسعين، ومائتين، ولم يذكره فيه شيئاً. مولد العلماء ووفياتهم. (2/628) . ولم أقف له على ترجمة تبين حاله.
ـ أبو طاهر: هو أحمد بن عمرو المصري:
قال فيه أبو حاتم الرازي: لا بأس به. الجرح والتعديل (2/65) .
وقال النسائي: ثقة. تهذي الكمال (1/415) رقم 86.
وقال أبو زرعة: لا بأس به. تهذيب التهذيب (1/55) رقم 112.
وذكره ابن حبان في الثقات. الثقات (8/29) رقم 12110.
وقد أخرج له مسلم في صحيحه، وأصحاب السنن إلا الترمذي. وفي التقريب: ثقة.
ـ يحيى بن عبد الله بن سالم:
ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وذكر جماعة ممن رووا عنه، ولم يذكر فيه شيئاً. الجرح والتعديل (9/162) رقم674.
وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أغرب. الثقات (9/249) رقم 16259.
وقال النسائي: مستقيم الحديث. تهذيب التهذيب (11/210) رقم 391.
وقال ابن معين: صدوق ضعيف الحديث. المرجع السابق.
وقال الدارقطني: ثقة، حدث بمصر، ولا أعلم لأبيه حديثاً. المرجع السابق.
ـ عمرو بن أبي عمرو، مولى المطلب.
قال أحمد بن حنبل: ليس به بأس. الجرح والتعديل (6/252) رقم 1398.
وقال ابن معين كما في رواية الدوري عنه: في حديثه ضعف، ليس بقوي، وليس بحجة، لم يرو عنه مالك، وكان يضعفه، وعلقمة بن أبي علقمة أوثق منه. المرج السابق.
وقال أبو حاتم الرازي: لا بأس به روى عنه مالك. المرجع السابق.
وقال أبو زرعة: مدني ثقة. المرجع السابق.
وذكره العقيلي في الضعفاء. الضعفاء الكبير (3/288) رقم 1289.
وقال الآجري: سألت عنه أبا دواد، فقال: ليس هو بذاك، حدث عنه مالك بحديثين، روى عن عكرمة عن بن عباس: من أتى بهيمة فاقتلوه.
وقال النسائي: ليس بالقوي. تهذيب التهذيب (8/72) رقم 122.
وقال ابن عدي: هو عندي لا بأس به؛ لأن مالكاً لا يروي إلا عن ثقة أو صدوق. الكامل (5/116) الرقم 1282. قلت: وهو مدني، وحسبك بمالك في معرفته لأهل المدينة.
وقال ابن حبان: ثقة، ينكر عليه حديث البهيمة. الثقات (2/181) رقم 1389.
وفي التقريب: ثقة، ربما وهم.
وعمرو بن أبي عمرو لم يسمع من عائشة، ولم يذكر المزي في تهذيبه أنه روى عنها، وقال الحافظ في التقريب: إن وفاته بعد الخمسين. اهـ وعائشة رضي الله عنها ماتت سنة سبع وخمسين، فلم يكن من أهل الرواية حينئذ. والله أعلم. فالحديث إسناده ضعيف للانقطاع.
وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد (2/99) . وهذا لا ينفي انقطاعه كما هو معلوم. وعلى كل فهو صالح في الشواهد.
الشاهد الخامس:
رواه أحمد (3/490) ثنا إسماعيل، قال: حدثنا ليث، عن أبي بردة، عن أبي مليح بن أسامة، عن واثلة بن الأسقع، قال: قال رسول الله B: أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب علي.
ورواه الطبراني في المعجم الكبير (22/76) ح 189، 190 من طريق إسماعيل بن عليه وجرير، عن ليث به.
والحديث مداره على ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف.
قال عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل: سمعت أبى يقول: ليث بن أبى سليم مضطرب الحديث، ولكن حدث الناس عنه. الجرح والتعديل (7/177) .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت أبى وأبا زرعة يقولان: ليث لا يشتغل به، وهو مضطرب الحديث. وقال أيضاً: سمعت أبا زرعة يقول: ليث بن أبى سليم لين الحديث لا تقوم به الحجة عند أهل العلم بالحديث. المرجع السابق.
قال معمر: قلت لأيوب: كيف لم تكثر عن طاوس؟ قال: وجدته بين ثقيلين عبدالكريم بن أمية وليث بن أبي سليم. الضعفاء الكبير (4/14) .
وقال ابن سعد: كان ليث رجلاً صالحاً عابداً، وكان ضعيفاً في الحديث، يقال: كان يسأل عطاء وطاووساً ومجاهداً عن الشيء فيختلفون فيه، فيروي أنهم اتفقوا من غير تعمد لذلك. الطبقات الكبرى (6/349) .
قال فيه النسائي: ضعيف كوفي. الضعفاء والمتروكين (511) .
قال ابن حبان: كان من العباد، ولكن اختلط في آخر عمره حتى كان لا يدري ما يحدث به، فكان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل، ويأتي عن الثقات بما ليس من أحاديثهم، كل ذلك كان منه في اختلاطه، تركه يحيى القطان وابن مهدي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين. المجروحين (2/231) .
وقال ابن عدي: له من الحديث أحاديث صالحة غير ما ذكرت، وقد روى عنه شعبة والثوري وغيرهما من ثقات الناس، ومع الضعف الذي فيه يكتب حديثه. الكامل (6/87) .
وقال يعقوب بن شيبة: هو صدوق ضعيف الحديث. تهذيب التهذيب (8/417) .
وقال ابن شاهين في الثقات، قال عثمان بن أبي شيبة: ليث صدوق ولكن ليس بحجة. المرجع السابق.
وفي التقريب: صدوق اختلط جداً، ولم يتميز حديثه فترك.....(3/541)
الدليل الرابع: الإجماع.
أجمعت الأمة على فضل السواك، لمن فعله بنية القربة.
قال ابن عبد البر: وفضل السواك مجتمع عليه لا اختلاف فيه (1) .
_________
(1) التمهيد (7/200) ...(3/550)
المبحث الثالث
هل الصلاة بسواك أفضل
من سبعين صلاة بغير سواك
المبحث الثالث
هل الصلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك
وردت أحاديث في فضل الصلاة بالسواك عن الصلاة بغيره، وهي أحاديث كثيرة، وقد اختلف العلماء فيها،
فقال بعضهم بها، وأن الركعة بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك (1) .
وقال آخرون: السواك سنة للصلاة، ولكن لا تثبت المضاعفة لضعف الأدلة (2) .
أدلة القائلين بالمضاعفة.
(669-5) ما رواه أحمد، قال: حدثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: وذكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي b عن النبي b أنه قال:
فضل الصلاة بسواك على الصلاة بغير سواك سبعين ضعفاً.
[إسناده ضعيف] (3) .
_________
(1) شرح فتح القدير (1/25) ، البحر الرائق (1/21) ، مغني المحتاج (1/184) ، نهاية المحتاج (1/181) .
(2) المجموع (1/326) ، وطرح التثريب (2/66) .
(3) فيه عنعنة محمد بن إسحاق، وهو مدلس.
تخريج الحديث
الحديث أخرجه البزار (1/244) رقم 501 وابن خزيمة في صحيحه (1/71) والحاكم في المستدرك (1/146) والبيهقي في السنن الكبرى (1/38) ، وفي شعب الإيمان (2518) كلهم من طريق يعقوب بن إبراهيم به.
قال أبو بكر ابن خزيمة: أنا استثنيت صحة هذا الخبر؛ لأني خائف أن يكون محمد بن إسحاق لم يسمع من محمد بن مسلم، وإنما دلسه عنه.
وقال الحاكم (1/146) : صحيح على شرط مسلم!! وأقره الذهبي.
قلت: قوله على شرط مسلم فيه نظر، لأن مسلماً لم يرو لابن إسحاق شيئاً محتجاً به، وإنما روى له متابعة، هذا مع ما في الإسناد من عنعنة ابن إسحاق.
وقال الدارقطني في علله: هذا الحديث رواه معاوية بن يحيى الصدفي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، ورواه محمد بن إسحاق، قال: قال الزهري، عن عروة، عن عائشة. قال الدارقطني، ويقال: إن محمد بن إسحاق أخذه من معاوية بن يحيى الصدفي؛ لأنه كان رسيله إلى الري في صحابة المهدي، ومعاوية ضعيف. اهـ
وقال أبو زرعة عن علة هذا الحديث: إن محمد بن إسحاق اصطحب مع معاوية بن يحيى الصدفي من العراق، إلى الري، فسمع منه هذا الحديث في طريقه. الجرح والتعديل (1/330) . وسيأتي الآن الكلام على طريق معاوية بن يحيى الصدفي.
وقال يحيى بن معين: لا يصح حديث الصلاة بأثر السواك أفضل من الصلاة بغير سواك، وهو باطل. التمهيد ـ ابن عبد البر (7/200) .
وله طرق إلى عائشة:
الطريق الأول: ما رواه أبو يعلى في مسنده (8/182) ح 4738 حدثنا أبو هشام الرفاعي، حدثنا إسحاق: قال: حدثنا معاوية ـ يعني ابن يحيى الصدفي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: كان رسول الله B يفضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك سبعين ضعفاً.
ورواه ابن عدي في الكامل (6/399) ، من طريق محمد بن أسد، والبيهقي في شعب الإيمان (2519) من طريق إسحاق بن سليمان، كلاهما عن معاوية بن يحيى الصدفي به..
ورواه تمام في فوائده (1/106) رقم 248 من طريق مسلمة بن علي عن معاوية بن يحيى الصدفي عن ابن شهاب به. ومسلمة بن علي متروك.
وقد رواه ابن حبان في المجروحين (3/34) عن مسلمة بن علي، عن الأوزاعي عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة عن النبي B قال: ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك.
ورواه أسلم بن سهل الواسطي، في تاريخ واسط (2/179،180) من طريق محمد بن الحسن، قال: حدثنا معاوية بن يحيى به.
ورواه أبو نعيم كما في البدر المنير (3/152) وتلخيص الحبير (1/111) ، وذكره ابن حبان في المجروحين (2/309) ، والدارقطني في علله، كما في حاشية البدر المنير (3/152) ، من طريق معاوية بن يحيى الصدفي به.
وفي الإسناد معاوية بن يحيى الصدفي:
قال البخاري: كان على بيت مال بالري، عن الزهري، روى عنه هقل بن زياد أحاديث مستقيمة كأنها من كتاب، روى عنه عيسى بن يونس وإسحاق بن سليمان أحاديث مناكير، كأنها من حفظه. التاريخ الكبير (7/336) الرقم 1447، الضعفاء الصغير (ص: 108) رقم 350.
وقال أبو حاتم الرازي مثله، وزاد: هو ضعيف الحديث، في حديثه إنكار. الجرح والتعديل (8/383) .
وقال يحيى بن معين: لا شيء، كما في رواية إسحاق بن منصور عنه. المرجع السابق.
وقال أيضاً: هالك، ليس بشيء. كما في رواية معاوية بن صالح. الضعفاء الكبير (4/182) رقم 1758.
وقال: أبو داود: ضعيف. تهذيب التهذيب (10/197) الرقم 404.
وقال النسائي: متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين (ص: 97) رقم 561.
وقال أيضاً: ليس بثقة. وقال أيضاً: ضعيف. وقال في موضع آخر: ليس بشيء. تهذيب التهذيب (10/197) رقم 404.
وقال ابن حبان: منكر الحديث جداً، كان يشتري الكتب، ويحدث بها، ثم تغير حفظه، فكان يحدث بالوهم، فيما سمع من الزهري وغيره، فجاء رواية الراوين عنه إسحاق بن سليمان، وذويه كأنها مقلوبة، وفي رواية الشاميين عند الهقل بن زياد وغيره أشياء مستقيمة، تشبه حديث الثقات. المجروحين (3/3) الرقم 1025.
وقال ابن عدي: له عن الزهري وغيره، وعامة رواياتها فيها نظر. الكامل (6/399) .
وفي التقريب: ضعيف، وما حدث بالشام أحسن مما حدث بالري.
الطريق الثاني:
ما رواه أبو نعيم كما في البدر المنير (3/153) عن أبي بكر الطلحي، ثنا سهل بن المرزبان، عن محمد التميمي الفارسي،
عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي b قال: ركعتان بالسواك أفضل من سبعين ركعة بلا سواك.
قال ابن الملقن: وهذا الطريق أجود الطرق، فمن الحميدي إلى عائشة أئمة ثقات. اهـ
وقال في تحفة المحتاج (1/176) : " رواه أبو نعيم من حديث الحميدي، عن سفيان عن، منصور، عن الزهري، عن عروة عنها. وهذا إسناد كل رجاله ثقات ". اهـ
وسكت ابن الملقن والحافظ على من دون الحميدي، بل قال الحافظ: فينظر في إسناده. اهـ
ولم أقف على تراجم من دون الحميدي، إلا أن شيخ أبي نعيم أبا بكر الطلحي أكثر عنه أبو نعيم في الحلية وفي غيره، وقد روى عنه في كتابه المستخرج على صحيح البخاري كما في تغليق التعليق (2/383) ، فهو ثقة عنده. وبناء عليه لا يمكن الجزم بأن هذا الطريق أقوى من طريق ابن إسحاق حتى نقف على تراجم هؤلاء.
الطريق الثالث:
ما رواه الحافظ أبو بكر الخطيب، في كتابه المتفق والمفترق، كما في البدر المنير (3/154) ، وتلخيص الحبير (1/112) من طريق سعيد بن عفير، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة، عن النبي B: ركعتان على أثر السواك أفضل من سبعين ركعة.
وهذا إسناد ضعيف، فيه ابن لهيعة.
رواه الحارث في مسنده، كما في بغية الباحث (1/277) حدثنا محمد بن عمر، ثنا عبد الله بن أبي يحيى، عن أبي الأسود به. وهذا إسناد ضعيف جداً، فيه محمد بن عمر الواقدي، وهو متروك.
الطريق الرابع:
ما رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده كما في البدر المنير (3/155) والبيهقي في سننه (1/38) من طريق الواقدي، ثنا عبد الله بن أبي يحيى الأسلمي، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة، عن النبي B: الركعتان بعد السواك أحب إلي من سبعين ركعة قبل السواك.
قال البيهقي: الواقدي لا يحتج به، وروي عن عائشة من غير هذا الطريق. اهـ
والواقدي: يقبل منه التاريخ، أما الحديث فلا، وقد وثقه جماعة، وكذبه آخرون منهم أحمد والشافعي وبندار، وفي التقريب: متروك. فالإسناد ضعيف جداً.
الطريق الخامس:
ما رواه البيهقي (1/38) ، قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي، أنا أبوالفضل العباسي بن محمد بن وهبان، ثنا محمد بن يزيد السلمي، ثنا حماد بن قيراط، ثنا فرج بن فضالة، عن عروة بن رويم، عن عمرة،
عن عائشة قالت: قال رسول الله B: صلاة سواك خير من سبعين صلاة بغير سواك.
قال البيهقي: فهذا إسناد غير قوي. اهـ
وقد اختلف على فرج بن فضالة، فرواه حماد بن قيراط، كما سبق.
ورواه عيسى بن يونس، عن فرج بن فضالة، عن عروة بن رويم، عن عائشة، ولم يذكر بينهما عمرة، وعروة بن رويم لم يسمع من عائشة. وعيسى بن يونس أرجح من حمادبن قيراط. فقد جاء في ترجمة حماد ما يلي:
ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ. الثقات (8/206) .
ثم ذكره في المجروحين، وقال: يقلب الأخبار على الثقات، ويجئ عن الأثبات بالطامات، لا يجوز الاحتجاج به، ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار. المجروحين (1/254) .
وقال ابن عدي: عامة ما يرويه فيه نظر. الكامل (2/250) رقم 426.
وقال أبو حاتم الرازي: مضطرب الحديث، يكتب حديثه، ولا يحتج به. الجرح والتعديل (3/145) .
وقال أبو زرعة: كان صدوقاً. المرجع السابق.
وجاء في اللسان: كان أبو زرعة يمرض القول فيه. اللسان (2/352) رقم 1423.
هذه الطرق التي وقفت عليها من حديث عائشة، وقد تبين أن أكثر هذه الطرق ضعفها ليس شديداً، فالذين يحسنون بالمتابعات والشواهد مطلقاً، ينبغي أن يحسنوا مثل هذا الحديث، فطريق ابن إسحاق ضعيف، ولا يمكن أن نجعله ضعيفاً جداً؛ لأن غاية ما فيه عنعنة مدلس، وعلى فرض أن يكون سمعه من معاوية بن يحيى الصدفي، فهو ضعيف أيضاً، وطريق ابن لهيعة ضعيف أيضاً، وطريق الحميدي قد حكم ابن الملقن أن رجاله كلهم ثقات، وعلى فرض أنه ضعيف، فضعفه غير شديد، وطريق عمرة عن عائشة ضعيف أيضاً. فمثل هذه الطرق على قواعد من يحسِّن بالمتابعات والشواهد مطلقاً ينبغي أن يكون الحديث حسناً. وحديث عائشة له شواهد:
الشاهد الأول: حديث ابن عباس
رواه أبو نعيم كما في البدر المنير (3/158) عن محمد بن حبان، عن أبي بكر بن أبي عاصم، عن محمد بن أبي بكر المقدمي، عن يزيد بن عبد الله، ثنا عبد الله بن أبي الحوراء، أنه سمع سعيد بن جبير،
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله B قال: لأن أصلي ركعتين بسواك أحب إلي من أن أصلي سبعين ركعة بغير سواك.
وفي رواية زاد: إن العبد إذا تسوك، ثم قام إلى الصلاة أتاه الملك حتى يضع فاه على فيه.
ففي الإسناد: محمد بن حبان
قال ابن مندة: ليس بذاك. اللسان (5/115) .
وقال عبد الغني بن سعيد الحافظ: يحدث بمناكير. تاريخ بغداد (5/231) رقم 2715، وانظر ميزان الاعتدال (3/508) .
وقال البرقاني: سمعت أبا القاسم الأسدوقي يقول: كان لا بأس به إن شاء الله. اللسان (5/115) .
أبو بكر بن أبي عاصم:
قال ابن أبي حاتم: سمعت منه وكان صدوقا. الجرح والتعديل (2/67) .
وقال الذهبي: الحافظ الكبير، له الرحلة الواسعة والتصانيف النافعة. تذكرة الحفاظ (2/640) رقم 663.
جاء في طبقات المحدثين بأصبهان: قال أبو عبد الله: سمعت ابن أبي عاصم يقول: لما كان من أمر العلوي بالبصرة ما كان، ذهبت كتبي فلم يبق منها شيء، فأعدت من ظهر قلبي خمسين ألف حديث، كنت أمر إلى دكان بقال، فكنت أكتب بضوء سراجه فتذكرت بعد ذلك في نفسي أني لم أستأذن صاحب السراج، فذهبت إلى البحر فغسلته ثم أعدته ثانياً. طبقات المحدثين بأصبهان (3/380) رقم 420.
وفيه أبو خالد البصري:
قال ابن عدي: ليس هو بمنكر الحديث. الكامل (7/280) رقم 2176.
وذكره ابن أبي حاتم، وسكت عليه، فلم يذكر فيه شيئاً. الجرح والتعديل (9/276) رقم 1161.
وقال ابن حبان: يروى عن سفيان الثوري روى عنه محمد بن أبى بكر المقدمي مستقيم الحديث أصله من السند. الثقات (9/274) رقم 16405.
قال الذهبي: أورده ابن عدي، ومشاه، وقال: ليس هو بمنكر الحديث. الميزان (4/432) . ومعنى مشاه: فيه إشعار بتوثيق خفيف يسير، وقد تقال الكلمة في مقابلة تضعيف الغير.
وفي الإسناد: عبد الله بن أبي الحوراء. لم أقف على ترجمته. فهذا الإسناد ضعيف.
قال في كشف الخفاء (2/34) : " وعند أبي نعيم بسند جيد!! عن ابن عباس: " لأن أصلى ركعتين أحب إلى من أن أصلي سبعين ركعة بغير سواك ".
الشاهد الثاني: حديث جابر
رواه أبو نعيم أيضاً كما في البدر المنير (3/159) ، عن أحمد بن بندار، عن عبد الله بن محمد بن زكريا، عن جعفر بن أحمد، عن أحمد بن صالح، عن طارق بن عبد الرحمن، عن محمد بن عجلان، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله B: ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك.
دراسة الإسناد:
أحمد بن بندار، ذكره ابن نقطة في تكملة الإكمال، وقال: أحمد بن بندار بن إسحاق أبو عبد لله الشعار، ظاهري المذهب. (4/84) .
وأورده ضياء الدين المقدسي في الأحاديث المختارة حديثاً من طريق أبي نعيم، عن أحمد بن بندار، وقال: إسناده صحيح. الأحاديث المختارة (2/267) .
وأطلق الحافظ أبو نعيم عليه في إسناد حديث رواه عنه، لقب الفقيه. تاريخ بغداد (8/244) ، وتهذيب الكمال (24/373) .
ـ عبد الله بن محمد بن زكريا:
له ترجمة في طبقات المحدثين بأصبهان، وقال: كان مقبولاً ثقة. طبقات المحدثين (3/373) رقم 417.
وكذلك جعفر بن أحمد لم ينسب فلم أعرفه. وفيه عنعنة أبي الزبير لمن عده مدلساً.
الشاهد الثالث: حديث ابن عمر.
قال ابن الملقن، كما في البدر المنير (3/157) رواه أبو نعيم بإسناده، قال: قال رسول الله B: صلاة بسواك أفضل من خمس وسبعين صلاة بغير سواك.
وفيه سعيد بن سنان أبو مهدي الحمصي:
قال أحمد: كان رجلاً صالحاً، ولم يكن يقيم الحديث. الميزان (2/143) .
وقال صدقة بن خالد: حدثني أبو مهدي سعيد بن سنان مؤذن أهل حمص، وكان ثقة مرضياً. الجرح والتعديل (4/28) رقم 114
وقال أبو حاتم الرازي: سمعت دحيماً يقول: أبو المهدي ليس بشيء لزم أبا الزاهرية، وشبهه دحيم بجعفر بن الزبير وبشر بن نمير، وقال: بشر بن نمير أحسن حالا منه. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم أيضاً: سعيد بن سنان الحمصي ضعيف الحديث منكر الحديث، يروى عن أبى الزاهرية، عن كثير بن مرة، عن ابن عمر، عن النبي B بنحو من ثلاثين حديثاً أحاديث منكرة. المرجع السابق.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عن سعيد بن سنان أبى مهدي، فأومأ بيده أنه ضعيف. المرجع السابق.
وقال يحيى بن معين، كما في رواية عثمان بن سعيد: ليس بشيء. المرجع السابق.
وقال البخاري: منكر الحديث. التاريخ الكبير (3/477) رقم 1598.
وقال ابن حبان: منكر الحديث، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد. المجروحين (1/322) رقم 397.
وقال ابن المديني: لا أعرفه. تهذيب الكمال (10/495) رقم 2295.
وقال ابن عدي: كان من صالحي أهل الشام وأفضلهم، إلا أن في بعض رواياته ما فيه. الكامل (3/359) رقم 801.
وذكره العقيلي في الضعفاء. الضعفاء الكبير (2/107) رقم 578.
وقال النسائي: متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين (268) .
وفي التقريب: متروك، ورماه الدارقطني وغيره بالوضع.
الشاهد الرابع: حديث أم الدرداء.
جاء في كشف الخفاء ومزيل الإلباس (1/524) : روى الدارقطني في الأفراد، عن أم الدرداء، بلفظ: ركعتان بسواك خير من سبعين ركعة بغير سواك " قال العجلوني: ورجاله موثوقون. اهـ ولم أقف على سنده لأنظر فيه. .....(3/551)
قالوا: إن كان ضعفه من قبل الإسناد، فإن الحديث له طرق كثيرة، يرقى بها إلى الحسن، وإن كان ضعفه لأنه رتب عليه أجر عظيم فإن السواك وإن كان عمله يسيراً فإن فيه مرضاة للرب، والتفضيل والمفاضلة تارة ترجع إلى الزمان كالعمل في عشر ذي الحجة أفضل من الجهاد في سبيل الله، مع أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، وقد تكون المضاعفة راجعة إلى المكان، كصلاة في المسجد الحرام عن مائة ألف صلاة فيما سواه. وتارة ترجع المفاضلة إلى الإخلاص والمتابعة، ولذلك قد تصل مضاعفة الحسنة بدلاً من عشر أمثالها، قد....(3/559)
تصل إلى سبعمائة ضعف، وقد تصل إلى أكثر من ذلك.
فلا يمنع أن تكون المضاعفة من أجل السواك لما في ذلك من تطييب الفم لمناجاة الله سبحانه وتعالى، كما أن الرائحة الكريهة من أكل الكراث والبصل قد تكون عذراً في إسقاط واجب عن المكلف، كإسقاط حضور صلاة الجماعة في المسجد، مع أن الأدلة الصحيحة على وجوبها.
أدلة القائلين لا تثبت المضاعفة.
قالوا: إن السواك سنة للصلاة كما سيأتي في فصل خاص، ولا تثبت المضاعفة، ولا يرون تحسين هذا الحديث الضعيف بشواهده.
وقد ضعف يحيى بن معين هذا الحديث، وقال: إنه باطل (1) .
وقال النووي: " وأما حديث عائشة: " صلاة بسواك خير من سبعين بغير سواك فضعيف، رواه البيهقي من طرق، وضعفها كلها، وكذا ضعفه غيره " (2) .
وقد ذكره أكثر من صنف في الأحاديث الضعيفة (3) .
_________
(1) طرح التثريب (2/66) .
(2) النووي في المجموع (1/326) .
(3) انظر أسنى المطالب ـ الحوت (1/819) ، والأسرار المرفوعة ـ ملا علي القاري (1/267) ، تمييز الطيب من الخبيث ـ عبد الرحمن الزبيدي (1/97) ، التنزيه ـ الكناني (2/115) الشذرة في الأحاديث المشتهرة ـ محمد بن علي الدمشقي (1/544) ، الغماز ـ السمهودي (1/141) ، الفوائد المجموعة ـ الشوكاني (1/22) ، الكشف الإلهي ـ الطرابلسي (1/613) ، المقاصد الحسنة (1/625) ، النوافح العطرة ـ محمد بن أحمد الصنعاني (1/820) ، تحذير المسلمين (1/145) تذكرة الموضوعات (1/31) ، ذيل اللآلي المصنوعة ـ السيوطي (1/102) ، السلسلة الضعيفة الألباني (1503) .....(3/560)
والسواك أمر مندوب لا إشكال فيه، ولكن ترتيب هذا الفضل الكبير على أمر مندوب، وليس على أمر واجب أو ركن يجعل في النفس شيئاً من قبوله، إذ كيف يكون المندوب أفضل من الواجب، فأفعال الصلاة الواجبة لا تكون سبباً بالمضاعفة، والسواك المندوب يجعل للصلاة مثل هذا الثواب، فمثل هذا يجعل الباحث لا يجزم بصحة الأحاديث الواردة، خاصة أن أسانيدها ليست قوية. والله أعلم....(3/561)
[صفحة فارغة] ....(3/562)
المبحث الرابع
في كون السواك من سنن الفطرة
المبحث الرابع
في كون السواك من سنن الفطرة
(670-6) روى الإمام أحمد، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا زكريا بن أبي زائدة، عن مصعب بن شيبة، عن طلق بن حبيب، عن ابن الزبير، عن عائشة، قالت: قال رسول الله B:
عشر من الفطرة قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق بالماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء: يعني الاستنجاء.
قال زكريا: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة.
[المحفوظ أنه من قول طلق، ورفعه شاذ] (1) .
_________
(1) سبق تخريجه في أول الكتاب.....(3/563)
المبحث الخامس
هل السواك في شريعة من قبلنا
سبق لنا بحث، هل السواك من سنن الفطرة، في الكلام على حديث عائشة في مسلم، وذكرت اختلاف العلماء، ولو ثبت الحديث، لكان دليلاً على كونه في جميع الشرائع، ولكن الحديث لا يثبت.
ولكن ثبت أيضاً من قول ابن عباس، بسند صحيح أن السواك كان في شريعة أبينا إبراهيم عليه السلام.
(671-7) فقد روى البيهقي، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو زكريا العنبري، ثنا: محمد بن عبد السلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا عبدالرزاق، ثنا: معمر عن عبد الله بن طاووس، عن أبيه،
عن ابن عباس في قوله عز وجل: {وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} قال: ابتلاه الله عز وجل بالطهارة، خمس في الرأس وخمس في الجسد: في الرأس قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس. وفي الجسد: تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل مكان الغائط والبول بالماء.
[وإسناده صحيح] (1) .
_________
(1) سنن البيهقي (1/149) . وسبق تخريجه.
ورواه ابن جرير الطبري في تفسيره (1/524) قال: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه،
عن ابن عباس وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات قال ابتلاه الله بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد، في الرأس قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس، وفي الجسد تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء.
ولم أقف عليه في مصنف عبد الرزاق.
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره (1/166) : قال عبد الرزاق أيضا: أخبرنا معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات} قال: ابتلاه بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد، وذكر الأثر. ثم قال ابن كثير: قال ابن أبي حاتم: وروي عن سعيد بن المسيب، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، وأبي صالح، وأبي الجلد نحو ذلك.(3/569)
وقد قيل في تفسير الآية غير ذلك.
(672-8) وأما ما رواه أحمد، قال: ثنا يزيد، ومحمد بن يزيد، أنا الحجاج بن أرطاة، عن مكحول، قال: قال أبو أيوب: قال رسول الله B: أربع من سنن المرسلين التعطر والنكاح والسواك والحياء.
[إسناده ضعيف] (1) .
_________
(1) وفيه علل:
الأولى: حجاج بن أرطاة، ضعيف، ومدلس، وقد عنعن.
الثاني: الاختلاف على حجاج.
الثالث: مكحول مدلس، ولم يلق أبا أيوب.
أما ضعف حجاج، فإليك ترجمته.
قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: الحجاج بن أرطأة كوفي، صدوق، ليس بالقوي يدلس عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن عمرو بن شعيب. الجرح والتعديل (3/154) رقم 673.
وقال ابن معين أيضاً كما في رواية إسحاق بن منصور عنه: الحجاج بن أرطأة ليس بذاك القوي، وهو مثل ابن أبي ليلى ومجالد. المرجع السابق.
وقال أيضاً في رواية العباس بن محمد الدوري: لا يحتج بحديثه. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم: صدوق يدلس عن الضعفاء، يكتب حديثه، وإذا قال: حدثنا فهو صالح لا يرتاب في صدقه وحفظه إذا بين السماع، ولا يحتج بحديثه لم يسمع من الزهري ولا من هشام بن عروة ولا من عكرمة. المرجع السابق.
وقال أبو زرعة: صدوق مدلس. المرجع السابق.
وقال عبد الله بن المبارك: كان حجاج بن أرطاة يدلس، وكان يحدثنا بالحديث عن عمرو بن شعيب مما يحدثه محمد العرزمي، والعرزمي متروك لا نقربه. الضعفاء الصغير (ص:75) ، ضعفاء العقيلي (1/277) رقم 342.
وقال الثوري: عليكم به فإنه ما بقي أحد أعرف بما يخرج من رأسه منه. تهذيب التهذيب (2/172) .
وقال أبو طالب، عن أحمد: كان من الحفاظ. قيل: فلم ليس هو عند الناس بذاك؟ قال: لأن في حديثه زيادة على حديث الناس، ليس يكاد له حديث إلا فيه زيادة. المرجع السابق.
وقال النسائي: ليس بالقوي. المرجع السابق.
وقال يعقوب بن شيبة: واهي الحديث في حديثه اضطراب كثير، وهو صدوق، وكان أحد الفقهاء تهذيب الكمال (5/420) .
وقال عيسى بن يونس: كان لا يحضر الجماعة. فقيل له في ذلك، فقال: احضر مسجدكم حتى يزاحمني فيه الحمالون والبقالون!! تهذيب التهذيب (2/172) .
وقال ابن عدي: إنما عاب الناس عليه تدليسه عن الزهري وعن غيره، وربما أخطأ في بعض الروايات، فأما أن يتعمد الكذب فلا، وهو ممن يكتب حديثه. الكامل (2/223) .
وقال ابن سعد: كان ضعيفاً في الحديث. الطبقات الكبرى (6/359) .
وقال ابن حبان: تركه بن المبارك ويحيى القطان وابن مهدي ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل رحمهم الله أجمعين. المجروحين (1/225) .
وتعقبه الذهبي، فقال: هذا القول فيه مجازفة، وأكثر ما نقم عليه التدليس، وكان فيه تيه لا يليق بأهل العلم. الميزان (1/460) .
وفي التقريب: صدوق كثير الخطأ والتدليس.
وأما الاختلاف على حجاج،
فقد رواه يزيد بن هارون، كما عند أحمد، وابن أبي شيبة (1/156) ، ومحمد بن يزيد كما عند أحمد، كما في إسناد الباب، وعبد بن حميد كما في المنتخب من مسنده (ص: 103) رقم 220.
وأبو معاوية كما في كتاب الزهد ـ هناد بن السري (2/625) رقم 1348، عن حجاج، عن مكحول، عن أبي أيوب مرفوعاً. إلا أن أبا معاوية وقفه على أبي أيوب.
ورواه الترمذي (1080) حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا حفص بن غياث، عن الحجاج، عن مكحول، عن أبي الشمال، عن أبي أيوب به. والطبراني في المعجم الكبير (3/183) 4085. فزاد حفص أبا الشمال.
وأخرجه الترمذي أيضاً، والمحاملي أيضاً في أماليه (ص: 385) رقم 444، قالا: حدثنا محمود بن خداش البغدادي، حدثنا ابن العوام، عن مكحول، عن أبي الشمال به. إلا أن المحاملي قال: الختان بدلاً من الحياء.
ورواه الطبراني في المعجم الكبير (4/183) رقم 4085 من طريق عباد بن العوام فزاد عباد أيضاً في الإسناد أبا الشمال.
قال أبو زرعة عن أبي الشمال: لا أعرفه إلا في هذا الحديث، ولا أعرف اسمه. الجرح والتعديل (9/390) .
وقال الذهبي: مجهول. الكاشف (6677) .
وقال الحافظ في التقريب: مجهول.
قال أبو عيسى الترمذي: وروى هذا الحديث هشيم ومحمد بن يزيد الواسطي وأبومعاوية وغير واحد، عن الحجاج، عن مكحول، عن أبي أيوب ولم يذكروا فيه عن أبي الشمال. وحديث حفص بن غياث وعباد بن العوام أصح.
وقال الدارقطني في علله (6/123) يرويه حجاج بن أرطاة، عن مكحول، عن أبي الشمال. واختلف عنه:
فرواه عباد بن العوام، وحفص بن غياث، عن حجاج هكذا.
وخالفهم عبد الله بن نمير، وأبو معاوية الضرير، ويزيد بن هارون، فرووه عن حجاج، عن مكحول، عن أبي أيوب، لم يذكروا بينهما أحداً إلا أن أبا معاوية من بينهم وقفه. والاختلاف فيه من حجاج بن أرطاة؛ لأنه كثير الوهم. اهـ
وورد بلفظ: " الحياء " وقيل بدلاً منها: " الحناء " وقيل بدلاً منها: " الختان ".
قال ابن القيم في تحفة المودود (ص: 111) : واختلف في ضبطه، فقال بعضهم: الحياء بالياء والمد. وقال بعضهم: الحناء بالنون. وسمعت شيخنا أبا الحجاج المزي يقول: وكلاهما غلط، وإنما هو الختان، فوقعت النون في الهامش فذهبت، فاختلف في اللفظة، وكذلك رواه المحاملي عن الشيخ الذي روى عنه الترمذي بعينه، فقال: الختان. قال: وهذا أولى من الحياء والحناء؛ فإن الحياء خلق، والحناء ليست من السنن، ولا ذكره النبي B من خصال الفطرة، ولا ندب إليه بخلاف الختان." اهـ
ونقل مثله في المنار المنيف (ص: 131) ، وفي نقد المنقول (ص: 121) .
وقد رواه الدارقطني في العلل (6/123) بلفظ: " الحناء ".
ورواه الطبراني في المعجم الكبير (4/183) رقم 4085 بلفظ الحياء.
وله شواهد:
الشاهد الأول: حديث ابن عباس
رواه الطبراني في المعجم الكبير (11/186) رقم 11445 حدثنا علي بن المبارك، ثنا زيد بن المبارك، ثنا قدامة بن محمد، ثنا إسماعيل بن شيبة، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله B: خمس من سنن المرسلين، الحياء والحلم، والحجامة والتعطر، والنكاح.
ورواه ابن عدي في الكامل (6/51) ، حدثنا أحمد بن علي المدائني، ثنا سعد بن عبدالله، ثنا قدامة به.
وفي الإسناد: إسماعيل بن شبيب، وقيل شيبة:
قال ابن حبان: يتقى حديثه من رواية قدامة عنه. الثقات (8/93) رقم 12395. قلت: وهذا منها.
وقال النسائي: منكر الحديث. الضعفاء والمتروكين (38) .
وقال العقيلي: أحاديثه مناكير، ليس منها شيء محفوظ. الضعفاء الكبير (1/83) رقم 93.
وله ترجمة مطولة في لسان الميزان (1/410) .
وقال ابن عدي: ولقدامة بن محمد، عن إسماعيل، عن ابن جريج غير ما ذكرت من الحديث، وكل هذه الأحاديث في هذا الإسناد غير محفوظة. الكامل
قال أبو زرعة: كما في العلل لابن أبي حاتم (2/338) : " منكر "
الشاهد الثاني: حديث مليح بن عبد الله الخطمي، عن أبيه عن جده:
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/10) 1955، قال: نا ابن أبي الفديك، قال: حدثني عمر بن محمد الأسلمي، عن مليح بن عبد الله الخطمي، عن أبيه، عن جده، عن النبي B، قال: خمس من سنن المرسلين الحياء، والحلم والحجامة والسواك، والتعطر.
ورواه أحمد بن عمرو الضحاك، في الآحاد والمثاني (4/223) 2208 حدثنا الحوطي ودحيم، قالا: حدثنا ابن أبي فديك به.
ورواه الطبراني (22/293) رقم 749 حدثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف المصري، ثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن أبي فديك، به.
وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (6/137) رقم 7717 من طريق محمد بن إسماعيل (ابن أبي فديك) عن عمرو بن محمد السلمي، عن فليح به.
قال ابن حجر في النكت الظراف (3/107) : " رواه البزار في مسنده، وأبو القاسم البغوي في معجمه، وابن أبي خيثمة في تاريخه، وابن مندة في المعرفة، والبخاري في تاريخه الكبير، من طريق ابن أبي فديك، عن عمرو بن محمد الأسلمي، وذكر إسناده ". اهـ
وفيه عمرو بن محمد الأسلمي.
جاء في الجرح والتعديل: روى عن مليح بن عبد الله الخطمي، وروى عنه ابن أبي فديك، سمعت أبي يقول ذلك، وسمعته يقول: هو مجهول. الجرح والتعديل (6/132) .
ومليح بن عبد الله الخطمي، له ترجمة في الجرح والتعديل، ولم يذكر راوياً عنه سوى عمرو بن محمد الأسلمي، وسكت عليه هو والبخاري فلم يذكرا فيه شيئاً.
عن أبيه: عبد الله الخطمي، لم أقف على من ترجم له. فالإسناد ضعيف جداً.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/99) : رواه البزار، ومليح، وأبوه، وجده لم أجد من ترجمهم. اهـ
قلت: أما جده فله ترجمة في الإصابة (1/171) .
الشاهد الثالث: حديث جابر
رواه ابن عدي في الكامل (4/191) أخبرنا أحمد بن الحسين الصوفي، ثنا زياد بن يحيى، ثنا عبد الله بن إبراهيم، ثنا المنكدر، عن أبي، عن جابر، قال: قال رسول الله B: إن من سنن المرسلين الحياء والتعطر والنكاح.
وهذا إسناد ضعيف جداً، فيه عبد الله بن إبراهيم بن أبي عمرو الغفاري.
قال عنه الحافظ في التقريب: متروك، ونسبه ابن حبان إلى الوضع.(3/570)
وقد ذكره جملة ممن صنف في الأحاديث الضعيفة (1) .
فالدليل الصحيح على أن السواك في شرع من قبلنا ما ثبت عن ابن عباس أن السواك كان مما أمر به إبراهيم الخليل عليه السلام.
وأما كون السواك من سنن الفطرة فسبق أن حديث عائشة غير محفوظ.
وأما حديث السواك من سنن المرسلين فأحسنها حديث أبي أيوب، وهو ضعيف، وشواهده ضعيفة جداً لا ترقى إلى الاعتبار. والله أعلم.
_________
(1) الأسرار المرفوعة - ملا علي قاري (1/464) . والمنار المنيف - ابن القيم (1/295) ، النوافح العطرة - الصنعاني (1935) ، تحذير المسلمين - المدني (1/145) .(3/575)
[صفحة فارغة](3/576)
الباب الأول
في ذكر جنس ما يتوسك به
ويشتمل على خمسة فصول:
الفصل الأول: في التسوك بالعود وبيان الأفضل منه.
الفصل الثاني: لا يتسوك بعود يضر اللثة.
الفصل الثالث: التسوك بما له رائحة ذكية.
الفصل الرابع: التسوك بالأصبع والخرقة.
الفصل الخامس: معجون الأسنان هل يحصل به إصابة السنة.(3/577)
[صفحة فارغة](3/578)
الفصل الأول
في التسوك بالعود وأي السواك به أفضل
لا يختلف الفقهاء بأن المستحب أن يكون السواك عوداً ليناً ينقي الفم، ولا يجرحه، ولا يضره، ولا يتفتت فيه، واختلفوا في أي الأعواد أفضل.
فقيل: أفضل السواك الأراك. وهو مذهب الجمهور (1) .
_________
(1) جاء في الفتاوى الهندية (1/8) : " السواك، ينبغي أن يكون من أشجار مرة؛ لأنه يطيب نكهة الفم، ويشد الأسنان، ويقوي المعدة، وليكن رطباً في غلظ الخنصر، وطول الشبر ". اهـ وانظر بريقة محمودية (4/188) قال: " وأما نفسه، فأي شجر كان، أراكاً أو غيره، وإن كان الأولى الأراك " اهـ.
وفي المذهب المالكي، قال الخرشي (1/139) : " وأفضل السواك الأراك، أخضر أو يابساً".اهـ وانظر حاشية العدوي (1/232) .
وقال في التاج ولإكليل (1/380) : " قال السواك فضيلة، بقضيب الشجر، وأفضلها الأراك".
وقال في مواهب الجليل (1/265) : " وأما آلته فهي عيدان الأشجار؛ لأنه سنة النبي B، وسنة الصالحين ". اهـ وانظر حاشية الدسوقي (1/102) ، والشرح الصغير (1/124) . وقال في التمهيد (7/201) : " والسواك المندوب إليه هو المعروف عند العرب، وفي عصر النبي B، وكذلك الأراك، والبشام، وكل ما يجلو الأسنان إذا لم يكن فيه صبغ ولون فهو مثل ذلك ". اهـ وقال أيضاً (11/213) : " سواك القوم كان من الأراك والبشام. قال ابن عبد البر: وكل ما جلا الأسنان ولم يؤذها، ولا كان من زينة النساء فجائز الاستنان به ".
وفي المذهب الشافعي، قال النووي في المجموع (1/336) : " قال أصحابنا: يستحب أن يكون السواك بعود، وأن يكون العود من أراك. قال الشيخ نصر المقدسي: الأراك أولى من غيره، ثم بعده النخيل أولى من غيره ". اهـ
وقال الرملي من الشافعية (1/179) : " ويحصل السواك بكل خشن مزيل، لكن العود أولى، والأراك منه أولى ". حاشية البيجرمي على الخطيب (1/123) .
وقال الشوكاني: ويستحب أن يستاك بعود من أراك. اهـ نيل الأوطار (1/133) . ...(3/579)
(673-9) واستدلوا بما رواه أحمد، قال: ثنا عبد الصمد وحسن بن موسى، قالا: ثنا حماد، عن عاصم، عن زر بن حبيش،
عن ابن مسعود أنه كان يجتني سواكاً من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله B: مم تضحكون؟ قالوا: يا نبي الله من دقة ساقيه، فقال: والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد.
[إسناده حسن، والحديث صحيح] (1) .
_________
(1) فيه عاصم بن أبي النجود، حسن الحديث، إلا أن رواية أحمد كما ذكر الحافظ في التلخيص (1/120) : موقوفة على ابن مسعود أنه كان يجتني سواكاً من أراك، ولم يقل: إنه كان يجتنيه للرسول B، بخلاف رواية غيره.
والحديث أخرجه الطيالسي (355) حدثنا حماد بن سلمة به.
ورواه أبو يعلى الموصلي (5310) من طريق روح بن عبادة. ورواه أيضاً (5365) من طريق عفان، كلاهما عن حماد به. وعفان من أثبت أصحاب حماد.
ورواه الشاشي (661) من طريق موسى بن إسماعيل، عن حماد به.
وأخرجه أبو نعيم في الحلية (1/127) من طريق الحجاج بن منهال وعفان، كلاهما، عن حماد به.
وأخرجه الطبراني في الكبير (9/78) ح 8452 من طريق حجاج بن منهال به.
وأخرجه ابن حبان (7069) من طريق عفان به.
وتابع زائدة حماد بن سلمة، وأخرجه ابن أبي شيبة (6/384) رقم 32229 حدثنا أبو أسامة، قال: حدثني زائدة، عن عاصم به.
وللحديث شواهد:
الشاهد الأول: حديث قرة بن إياس.
أخرجه الطبراني في الكبير (19/28) رقم 59، قال: حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي، ثنا علي بن المديني، ثنا سهل بن حماد أبو عتاب الدلال، ثنا شعبة، عن معاوية بن قرة، عن أبيه قال: كان بن مسعود على شجرة يجني لهم منها، فهبت الريح، فكشفت عن ساقيه، فضحكوا من دقة ساقيه، فقال رسول الله B: والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد.
وأخرجه الصيداوي في معجم الشيوخ (ص: 135) حدثنا أبو عتاب، حدثنا شعبة به.
وأخرجه ابن الجعد في مسنده (ص: 168) رقم 1092 حدثنا عباس بن محمد، نا أبوعتاب الدلال به. وأخرجه الدوري في تاريخ ابن معين من روايته (3/59) رقم 225 نا أبو عتاب الدلال سهل بن حماد به. وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات إلا أبا عتاب، وهو صدوق.
وأخرجه الحاكم (3/317) والخطيب في تاريخ بغداد (1/148) من طريق عبد الملك بن محمد الرقاشي، ثنا أبو عتاب به. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.
وقال الهيثمي في المجمع (9/289) " رواه البزار والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح".اهـ
الشاهد الثاني: حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه
رواه أحمد في مسنده (1/114) ، قال: ثنا محمد بن فضيل، ثنا مغيرة، عن أم موسى، قالت: سمعت علياً رضي الله تعالى عنه يقول: أمر النبي B ابن مسعود، فصعد علي شجرة، أمره أن يأتيه منها بشيء، فنظر أصحابه إلى ساق عبد الله بن مسعود حين صعد الشجرة فضحكوا من حموشة ساقيه، فقال رسول الله B: ما تضحكون؟ لَرجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، إلا أم موسى لم يرو عنها إلا مغيرة بن مقسم الضبي، قال: الدارقطني حديثها مستقيم يخرج حديثها اعتباراً. اهـ روى لها البخاري في الأدب وأبو داود والنسائي وابن ماجه. تهذيب الكمال (35/388) .
وذكرها ابن سعد في الطبقات الكبرى، ولم يذكر فيها شيئاً. الطبقات (8/485) .
وقال الهيثمي: رجالهم رجال الصحيح، غير أم موسى، وهي ثقة. اهـ مجمع الزوائد (9/288،289) .
تخريج رواية أم موسى
أخرجه ابن أبي شيبة (6/384) رقم 32232 حدثنا محمد بن فضيل به، ومن طريق محمد بن فضيل أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/155) ، والبخاري في الأدب المفرد (237) وأبو يعلى (539) .
وأخرجه أبو يعلى الموصلي (595) والطبراني (9/95) رقم 8516 من طريق جرير، عن مغيرة به.
وأظن أن مغيرة لم يسمعه من أم موسى، وإنما سمعه من إبراهيم النخعي، فقد أخرج الخطيب البغدادي (7/191) من طريق هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن أم موسى، عن علي. وعلى كل سواء كان سمعه من مغيرة، أو من أم موسى، فالساقط مقبول. ...(3/580)
الدليل الثاني:
(674-10) روى أحمد بن عمرو بن الضحاك، قال: حدثنا خليفة بن خياط، ثنا عون بن كهمس بن الحسن، عن داود بن المساور، ثنا مقاتل بن همام، عن أبي خيرة الصنابحي، قال:
كنا في الوفد الذين أتينا رسول الله B، من عبدالقيس، فزودنا الأراك نستاك به. فقلنا يا رسول الله عندنا الجريد، ولكن نقبل كرامتك وعطيتك. فقال رسول الله B: اللهم غفر لعبد القيس إذ أسلموا طائعين غير خزايا ولا موتورين (1) .
وفي رواية للطبراني، وفيه: " ثم أمر لنا بأراك فقال: استاكوا بهذا ".
[إسناده ضعيف جداً، ومتنه منكر، وقصة وفد عبد القيس في
_________
(1) الآحاد والمثاني (3/258) رقم 1625.(3/582)
الصحيحين، وليس فيها ذكر السواك] (1) .
_________
(1) في الإسناد عون بن كهمس.
ذكره البخاري وابن أبي حاتم، وسكتا عليه، فلم يذكرا فيه شيئاً. التاريخ الكبير (7/18) ، والجرح والتعديل (6/388) .
وذكره ابن حبان في الثقات (8/515) .
وقال الذهبي: ثقة. الكاشف (2/102) ، ولا أعلم أحداً سبق الذهبي غير ابن حبان، ومذهب ابن حبان معروف.
وقال الحافظ في التقريب: مقبول: أي في المتابعات، وإلا فلين، ولا أعلم أحداً تابعه على هذا الحديث، بل متنه مخالف لما في الصحيحين من قصة وفد عبد القيس. والله أعلم.
وفيه أيضاً داود بن المساور:
ذكره البخاري في التاريخ الكبير (3/237) ، وسكت عليه.
وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، ولم يذكر فيه شيئاً، ولم يذكر راوياً عنه إلا عون بن كهمس.
وذكره ابن حبان في الثقات. (8/234) ، ولا أعلم أحداً وثقه غيره، فهو مجهول.
ومقاتل بن همام:
ذكره البخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه شيئاً، وما ذكرا راوياً عنه إلا داود بن المساور. التاريخ الكبير (8/13) ، الجرح والتعديل (8/353) . ولم يوثقه أحد.
وقال الهيثمي: إسناده حسن!! مجمع الزوائد (2/100) .
تخريج الحديث:
ذكره البخاري في الكنى (1/28) ، قال خليفة بن خياط، حدثنا عون به.
ورواه الطبراني في المعجم الكبير (22/368) رقم 924. من طريق شباب العصفري، ثنا عون بن كهمس به. ورواه أيضاً (22/368) رقم 923، من طريق محمد بن حمران بن عبد العزيز القيسي، ثنا داود بن المساور به. وذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى (7/87) أخبرت عن خليفة بن خياط، قال: حدثنا عون بن كهمس به. وذكر الحديث ابن عبد البر في الاستيعاب (8/1643) .
وقال الحافظ في الإصابة (7/111) أخرج البخاري في التاريخ مختصراً، وخليفة الدولابي، والطبراني، وأبو أحمد الحاكم من طريق داود بن المساور، عن مقاتل بن همام، عن أبي خيرة الصنابحي، وذكر الحديث. وسكت عليه الحافظ هنا، كما سكت عليه في التلخيص (1/71) .(3/583)
القول الثاني:
قالوا: لا فرق بين الأراك، والعرجون والزيتون، وهو مذهب الحنابلة.
قال في الإنصاف: " التساوي بين جميع ما يستاك به، وهو المذهب وعليه الأصحاب (1) .
وقال البهوتي: " السواك من أراك أو عرجون أو زيتون أو غيرها، واقتصر كثير من الأصحاب على الثلاثة، وذكر الأزجي لا يعدل عن الأراك والزيتون والعرجون إلا لتعذره " (2) .
هذا الاختلاف فيما يتعلق بتقديم الأراك على غيره.
وأما غير الأراك كالنخيل والزيتون، ونحوهما، فأيهما أفضل؟
اختلف في ذلك على قولين:
القول الأول:
قيل: يأتي بعد الأراك في الأفضلية جريد النخل، ثم الزيتون، وبه قالت
_________
(1) الإنصاف (1/119) .
(2) قال في المحرر (1/10) : ويستاك عرضا بعود أراك أو زيتون أو عرجون لا يجرح الفم ولا يتفتت ". اهـ وانظر كشاف القناع (1/73) ، والإنصاف (1/119) ، إلا أن ابن مفلح قال في الفروع (1/126) :" ويتوجه احتمال أن الأراك أولى لفعله عليه السلام ". اهـ وانظر الكافي (1/22) .(3/584)
المالكية (1) .، والشافعية (2) .
(675-11) واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري، قال: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت:
توفي النبي B في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وكانت إحدانا تعوذه بدعاء إذا مرض، فذهبت أعوذه فرفع رأسه إلى السماء وقال: في الرفيق الأعلى، في الرفيق الأعلى، ومر عبد الرحمن بن أبي بكر، وفي يده جريدة رطبة، فنظر إليه النبي B فظننت أن له بها حاجة، فأخذتها، فمضغت رأسها، ونفضتها، فدفعتها إليه فاستن بها كأحسن ما كان مستنا، ثم ناولنيها، فسقطت يده، أو سقطت من يده فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة (3) .
الشاهد من الحديث:
قولها رضي الله عنها، وفي يده جريدة رطبة، ثم قالت: " فاستن بها تعني النبي B ".
_________
(1) قال الخرشي بعد أن ساق مذهب الشافعية (1/139) : " والظاهر أن مذهبنا لا يخالف في ذلك ". وانظر الشرح الصغير (1/124) .
(2) قال النووي في المجموع (1/336) : " قال أصحابنا يستحب أن يكون السواك بعود، وأن يكون بعود أراك، قال الشيخ نصر المقدسي: الأراك أولى من غيره، ثم بعده النخل أولى من غيره ". اهـ وقال في أسنى المطالب (1/37) : " وأولاه ـ يعني السواك ـ الأراك اتباعاً، ثم بعده النخل من غير الأراك ". اهـ الغرر البهية شرح البهجة الوردية ـ زكريا الأنصاري (1/108) ، تحفة المحتاج ـ الهيتمي (1/215) ، مغني المحتاج (1/55) .
(3) صحيح البخاري (4296) .(3/585)
قال في تحفة المحتاج: " ثم بعده ـ أي بعد الأراك ـ النخل؛ لأنه آخر سواك استاك به رسول الله B " (1) .
القول الثاني:
قيل: يأتي بعد الأراك الزيتون، وما ذكروا جريد النخل. وهو مذهب الحنفية (2) .
وأما الحنابلة فتقدم مذهبهم، وأن الأراك والزيتون والعرجون سواء عندهم في المشهور من مذهبهم.
الدليل على كون السواك من الزيتون.
(676-12) روى الطبراني، قال: حدثنا أحمد بن علي الأبار ثنا معلل ابن نفيل ثنا محمد بن محصن عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عبد الله بن الديلمي، عن عبد الرحمن بن غنم،
عن معاذ بن جبل، قال: سمعت رسول الله B يقول: نعم السواك الزيتون من شجرة مباركة يطيب الفم ويذهب بالحفر، وهو سواكي
_________
(1) تحفة المحتاج (1/215) .
(2) قال ابن عابدين في حاشيته (1/115) : " وأفضله الأراك، ثم الزيتون ". اهـ
وأما الحنابلة فقد تقدم أنهم يسوون بين الأراك والنخيل والعرجون. قال في الإنصاف (1/119) : " التساوي بين جميع ما يستاك به، وهو المذهب وعليه الأصحاب.
وقال في الفروع: ويتوجه احتمال أن الأراك أولى. انتهى قال المرداوي: ويتوجه أن أراك البر. وذكر الأزجي: أنه لا يعدل عن الأراك والزيتون والعرجون إلا لتعذره. قال في الرعاية الكبرى: من أراك وزيتون أو عرجون. وقيل: أو قتاد، واقتصر كثير من الأصحاب على هذه الثلاثة.(3/586)
وسواك الأنبياء قبلي.
[موضوع] (1) .
_________
(1) مسند الشاميين (1/50) رقم 46، وفي الأوسط بالإسناد نفسه (1/210) رقم 682.
فيه محمد بن محصن: اسمه محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن عكاشة.
قال ابن معين: كذاب. الضعفاء الكبير (4/29) .
وقال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه. المجروحين (2/277) .
وقال الدارقطني: يضع الحديث. الكشف الحثيث (621) .
وقال الذهبي: تالف. سير أعلام النبلاء (4/27) ، وفي الكاشف (2/214) : ساقط.
وفي التقريب: كذبوه.
وقال الحافظ في التلخيص: وروى أبو نعيم في معرفة الصحابة، في ترجمة أبي زيد الغافقي رفعه، الأسوكة ثلاثة: أراك فإن لم يكن أراك فعنم أو بطم. قال راويه العنم الزيتون. ولم أقف على إسناده لأنظر في رجاله. اهـ(3/587)
[صفحة فارغة](3/588)
مبحث
هل يتعين السواك بالثلاثة الأراك والجريد والزيتون؟
قال النووي: "وبأي شيء استاك مما يزيل التغير والقلح أجزأه. كذا قال أصحابنا واتفقوا عليه. قال القاضي أبو الطيب، وآخرون: فيجوز الاستياك بالسُّعْد (1) ،
والأشنان (2) ،
_________
(1) وصف ابن سينا في القانون نبات السعد، وقال: " إن فيه منفعة عجيبة في القروح التي عسر اندمالها. والسعد: من الطيب نبت له أصل تحت الأرض (وهو الدرنة) أسود طيب الريح، وله ساق طولها ذراع أو أكثر، وعلى طرفه أوراق صغار نابية وبزر، وأصوله كأنها زيتون... منه طوال، ومنه مرور مشبك بعضه مع بعض.. طيب الرائحة فيه مرارة، وأجوده الكثيف الوزن العطر الذي حشيشته قصيرة، وحرافته شديدة، يدخل في المراهم، يحسن اللون، ويطيب النكهة، وينفع من عفن الفم، والأنف والقلاع، واسترخاء اللثة، ويزيد في الحفظ جداً، وينفع من قروح الفم المتآكلة، ويخرج الحصاة، ويدرها، وينفع من تقطير البول، وضعف المثانة جداً... وينفع من البواسير، والاستسقاء ولحميات العتيقة.. وهو نافع من لسعة العقرب، والحشرات جداً.. الخ كلامه. نقله الدكتور محمد البار من كتاب القانون في الطب لابن سينا (الأدوية المفردة والنباتات) شرح جبران جبور، وتعليق أحمد الشطي، مؤسسة المعارف، بيروت 1986 (ص: 217) .
وذكر عبد الرحمن العقيل وزملاؤه في كتاب النباتات السعودية المستعملة في الطب الشعبي: أن موطنه جنوبي الحجاز، وشماليه.
(2) قال أبو القاسم الغساني المعروف بالوزير في كتابه حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار (ص: 32) ، قال في وصف الأشنان: " أنواعه كثيرة، وكلها يطلق عليها الحمضي: وهو نبات أشهب اللون أغبر ما ئل إلى الحمرة، رقيق الساق، دقيق الورق، وزهره أبيض مائل إلى الحمرة، يعلو من الأرض نحو الشبر، وأغصانه كثيرة، وهو مشهور معروف عندنا بالمغرب، كثيراً ما ينبت بناحية مراكش، ويسمى عندهم بالغاسول، وعندنا بفاس يقولون: الغاسول العشبي، وإنما سمي بالغاسول؛ لأنه يغسل به الثياب، فينقيها من درنها، ويبيضها، وله رغوة كرغوة الصابون، ويسمى بالعربية الفصيحة (الحمض) ، ويقال له: أشنان القصارين، لتبييضه الثياب، ويعرف أيضاً بخرد العصافير " اهـ تعليق وتحقيق محمد العربي الخطابي. إصدار دار الغرب الإسلامي.(3/589)
وشبههما (1) .
وقال العراقي: " أصل السنة تتأدى بكل خشن يصلح لإزالة القلح كالخرقة، والخشبة، ونحوها.. " اهـ (2) .
_________
(1) المجموع (1/335) . وقول النووي: " وشبههما " يدخل فيه أشياء كثيرة، منها شجرة النيم.
قال الدكتور البار، في كتابه السواك: " تستخدم أعواد النيم في بعض المناطق، مثل باكستان، والهند لتنظيف الأسنان، وتتخذ منها المساويك، وهي شجرة واسعة الانتشار في المناطق الحارة، وشبه الحارة، وأوراقها مرة، وتستخدم لعلاج القروح والالتهابات، ولعلاج اللثة، وقد قام (راثجي rathje) في الولايات المتحدة باستخدام النيم لعلاج اللثة الملتهبة، ونشر بحثه في ذلك، في المجلة المعروفة باسم (Quintessence) الخلاصة الجوهر) عام 1971.
وفي الهند قامت شركة في كالكتا باستخراج معجون الأسنان من شجرة النيم، واسمته معجون نيم (neem) وقد لاقى نجاحاً طبياً. واسم الشركة المنتجة (M/s Calcutta chemical) . الخ كلامه وفقه الله.
(2) طرح التثريب (2/68) .(3/590)
الفصل الثاني
لا يتسوك بعود يضر اللثة
الفصل الثاني
لا يتسوك بعود يضر اللثة
اتفقت عبارات الفقهاء في النهي عن التسوك بعود يضر اللثة. كالريحان والرمان، واختلفوا في النهي.
فقيل: يكره، وهو المشهور من مذهب الجمهور (1) .
وقيل: يحرم، وهو قول عند الحنابلة (2) .
دليل الكراهة أو التحريم.
الدليل الأول:
(677-13) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن
_________
(1) قال في حاشية ابن عابدين (1/115) : " ويكره بمؤذ. قال في الحلية: وقال غير واحد: من العلماء: كراهته بقضبان الرمان والريحان. وفي شرح الهداية للعيني: روى الحارث في مسنده عن ضمير بن حبيب، قال: نهى رسول الله B عن السواك بعود الريحان، وقال: إنه يحرك عرق الجذام، وفي النهر: ويستاك بكل عود إلا الرمان والقصب".اهـ
وفي المذهب المالكي جاء في مواهب الجليل (1/265) : " ويتجنب من السواك ما فيه أذى للفم، كالقصب؛ فإنه يجرح اللثة ويفسدها، وكالريحان ونحوه مما يقول الأطباء فيه فساد، وقد نص على ذلك جماعة من العلماء ". اهـ وانظر التاج والأكليل (1/380) ، والخرشي (1/139) ، والفواكة الدواني (1/136) ، حاشية الدسوقي (1/102) ، والشرح الصغير (1/125) .
وفي المذهب الشافعي تحفة المحتاج بشرح المنهاج (1/215) ، مغني المحتاج (1/183) ، حاشية البجيرمي على المنهج (1/73) .
وفي المذهب الحنبلي انظر كشاف القناع (1/74) ، الفروع (1/128) ، المغني (1/118) ، والإنصاف (1/119) ، مطالب أولى النهى (1/80) .
(2) الفروع (128) . طرح التثريب (2/66) .(3/591)
أبي بكر الشيباني، عن ضمرة بن حبيب، قال:
نهى رسول الله B عن السواك بعود الريحان والرمان، وقال: يحرك عرق الجذام.
[إسناده ضعيف لإرساله، وضعف أبي بكر] (1) .
_________
(1) المصنف (6/244) ، وفيه أبو بكر بن أبي مريم
قال عباس ومعاوية، عن يحيى يعني ابن معين: قال: أبو بكر بن أبي مريم الغساني شامي، ضعيف الحديث، ليس بشيء، وهذا مثل الأحوص بن حكيم ليس بشيء. الكامل (2/36) رقم 277.
وقال حرب بن إسماعيل، عن أحمد: ضعيف، كان عيسى لا يرضاه.
وقال الآجري، عن أبي داود: قال أحمد ليس بشيء. قال أبو داود: سرق له حلى فأنكر عقله. تهذيب التهذيب (12/33)
وقال إسحاق بن راهويه: يذكر عن عيسى بن يونس، قال: لو أردت أبا بكر بن أبي مريم على أن يجمع لي فلاناً وفلاناً وفلاناً لفعل، يعني: راشد بن سعد، وضمرة بن حبيب، وحبيب بن عبيد. المرجع السابق.
وقال ابن عدي: الغالب على حديثه الغرائب، وقل ما يوافقه عليه الثقات، وأحاديثه صالحة، وهو ممن لا يحتج بحديثه، ولكن يكتب حديثه. المرجع السابق.
قال الجوزجاني: ليس بالقوي في الحديث، وهو متماسك. أحوال الرجال (ص:172) .
وقال الذهبي: ضعفوه، له علم وديانة. الكاشف (2/411)
وفي التقريب: ضعيف، وكان قد سرق بيته، فاختلط من السابعة.
وقد ترجم له الذهبي في السير (7/65) .
كما أن ضمرة بن حبيب، تابعي، وقد رفع الحديث.
تخريج الحديث:
رواه الحارث في مسنده، كما في المطالب العالية (68) ، قال: حدثنا الحكم بن موسى، ثنا عيسى بن يونس به.
وعزاه ابن الملقن في البدر المنير (3/220) ، والمناوي في الفيض القدير (6/315) إلى أبي نعيم في كتاب الطب. ...(3/592)
الدليل الثاني:
من النظر، إن تعاطي ما فيه ضرر لا يجوز، بل ولو كان فيه نفع، وكان ضرره أكثر من نفعه، فهو محرم، قال تعالى:
{ويسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير، ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما} (1) .
فما كان ضرره أكثر من نفعه غلب جانب التحريم، وهذه قاعدة شرعية. ومنها نستدل على تحريم الدخان؛ حيث لا نفع فيه البتة، بل لو قال أحد: إنه أولى بالتحريم من الخمر لم يكن بعيداً؛ لأن الخمر فيه نفع، ولو مطلق النفع، بخلاف الدخان. والله أعلم.
_________
(1) البقرة: 219.(3/593)
[صفحة فارغة](3/594)
الفصل الثالث
التسوك بما له رائحة ذكية
قيل: يستاك بقضبان الأشجار الناعمة التي لا تضر , ولها رائحة طيبة تزيل القلح (1) ،
كالقتادة والسعد. وهو مذهب
_________
(1) يقول الدكتور البار، في كتابه السواك (ص: 88) : " يتكون القلح نتيجة عدم تنظيف السن، مثل اللويحة السنية من ترسب الأملاح في اللعاب فوق حافة اللثة، وفي اللثم اللثوي، وعلى الجذور، وأعناق الأسنان.
والقلح (calculus) عبارة عن رواسب مواد عضوية، وغير عضوية، مثل كربونات، وفوسفات الكالسيوم، وفوسفات الماغنيسيوم والمخاط اللعابي، وفضلات الأكل والبكتريا.. وبمرور الزمن تتصلب، وخاصة إذا أهمل الشخص تنظيف أسنانه.
ومن المعلوم أن الأسنان واللثة والميزاب (الثلم) اللثوي تكون مغطاة باللعاب الخفيف اللزج الذي سرعان ما يرسب المواد الكلسية عند تشبعه، وتوضح المعادلة التالية أن كربونات الكالسيوم المذابة تتشبع في الميزاب اللثوي فترسب كربونات الكالسيوم، وغاز ثاني أكسيد الكربون والماء. ثم قال:
وينقسم القلح إلى نوعين:
الأول: القلح اللعابي: وهو ماسبق شرحه من القلح، ويترسب على الأسنان الطبيعية، وعلى الأطعمة الصناعية، ويوجد بغزارة مقابل فتحات الغدد اللعابية بالفم، ويترسب القلح بغزارة إذا كانت الأسنان غير منتظمة ومعوجة لصعوبة تنظيفها، ويكون القلح طرياً أول الأمر، تسهل إزالته بالسواك، ولونه ضارب إلى الصفرة. ومع مرور الزمن يصلب، ويغدو بنياً داكناً، وخاصة لدى المدخنين.
الثاني: القلح المصلي. ويتكون في الميزاب اللثوية، وعلى جذور الأسنان، وبخاصة إذا كان الشخص يعاني من التهاب محيط الأسنان (البيوريا، النساع، الرعال) وتصعب رؤيته لأنه يوجد عادة تحت حافة اللثة، ويتكون ببطء، وهو صلب جداً، وملتصق بالأسنان، ولونه بني مخضر، وذلك لوجود أصباغ الدم المتغيرة فيه، ولذا يضرب إلى اللون الأخضر الداكن. ويتشرب القلح المواد الصديدية الناتجة عن التهاب اللثة، والتهاب ما حول السن (الحفر، البيوريا، النَّساع، الرعال) .
وأهم العوامل التي تؤدي إلى القلح هي:
1 ـ عدم تنظيف الأسنان بانتظام عدة مرات في اليوم والليلة.
2 ـ عدم مضغ الطعام جيداً.
3 ـ التدخين.
4 ـ خشونة أسطح بعض الأسنان.
5 ـ اعوجاج الأسنان، وعدم انتظامها.
6 ـ زيادة لزوجة اللعاب، وقلة مائيته عند بعض المرضى.
7 ـ ضمور وتراجع اللثة هن أعناق الأسنان.
8 ـ الاستعمال الخاطئ للسواك (فرشاة الأسنان) .
9 ـ الطعام الرخو، والسكريات.
ويؤدي القلح إلى (1) نخر الأسنان. (2) التهاب اللثة. (3) التهاب ما حول الأسنان المعروف بالحفر (البيوريا، الرعال، النساع) .(3/595)
المالكية (1) ، والشافعية (2) .
وقال الحنابلة: يكره بكل ذي رائحة ذكية (3) .
وتعليل المالكية والشافعية بأنه أقوى في إزالة القلح.
_________
(1) قال الصاوي في الشرح الصغير (1/124) : " الأفضل الأراك، ثم جريد النخل، ثم عود الزيتون، ثم ما له رائحة ذكية " فنص على الرائحة الذكية.
(2) قال في شرح البهجة الدرية (1/108) : " وأولى السواك ذو الريح الطيب "، وانظر حاشيتا قليوبي وعميرة (1/158) ، حاشية البجيرمي (1/73) .. اهـ
(3) قال في كشاف القناع (1/74) : " ويكره السواك بريحان، وهو الآس، قيل: إنه يضر بلحم الفم، وبرمان، وبعود ذكي الرائحة... " الخ. وانظر الإنصاف (1/119) ، ومطالب أولى النهى (1/80) .(3/596)
وتعليل الحنابلة بأنه يضر باللثة.
والمرجع في ذلك إلى الطب فإن ثبت الضرر بها طبياً، كان منهياً عنها. وإن لم يثبت فالأصل الإباحة. والله أعلم.(3/597)
[صفحة فارغة](3/598)
الفصل الرابع
التسوك بالأصبع والخرقة
اختلف الفقهاء في الرجل يشوص فاه بأصبعه، هل يصيب السنة في ذلك أم لا؟
فقيل: إذا تسوك بالأصبع والخرقة لا يصيب السنة مطلقاً، وهو المشهور من مذهب الشافعية (1) ، والحنابلة (2) .
وقيل: يصيب السنة مطلقاً. اختاره بعض المالكية (3) ، ووجه في مذهب الشافعية (4) ، وقول في مذهب الحنابلة (5) .
وقيل: إن لم يقدر على عود أصاب السنة، وإلا فلا، وهو مذهب
_________
(1) قال النووي في المجموع (2/335) : " وأما الأصبع فإن كانت لينة لم يحصل بها السواك بلا خلاف، وإن كانت خشنة ففيها أوجه: الصحيح المشهور لا يحصل؛ لأنها لا تسمى سواكاً. اهـ وانظر حاشيتا قليوبي وعميرة (1/58) ، تحفة المحتاج (1/216) ، مغني المحتاج (1/183) ، وطرح التثريب (2/66) .
(2) قال في كشاف القناع (1/74) :" وإن استاك بغير عود، كأصبع وخرقة لم يصب السنة".اهـ
(3) قال في أقرب المسالك (1/124) ويكفي الأصبع عند عدمه. وقيل: يكفي ولو وجد العود. اهـ وقال في الفواكه الدواني (1/136) : " وإن استاك بأصبعه فحسن مرغب فيه، أي مستحب، وإنما قلنا مع عدم وجود شيء... الخ إشارة إلى أن الأفضل الاستياك بغير الأصبع عند وجود الغير ".
(4) المجموع (2/335) .
(5) كشاف القناع (1/74) ، المغني (1/118) .(3/599)
الحنفية (1) ، وعليه أكثر المالكية (2) .
وقيل: يجزئ إن كان خشناً، وكان الأصبع من يد غيره، وإن كان أصبعه هو لم يحصِّل بها السنة. اختاره النووي (3) .
دليل من قال: لا يتسوك بالأصبع.
التعليل الأول: أن الأصبع لا تسمى سواكاً، ولا هي في معناه.
التعليل الثاني: أن الشرع لم يرد بالتسوك بالأصبع.
التعليل الثالث: أن التسوك تارة يكون للنظافة، وتارة لتحصيل السنة ولو كان الفم نظيفاً، كالتسوك للصلاة، وعند الوضوء، فلا تحصل السنة بأمر لم يرد به الشرع.
دليل من قال السواك بأصبع الغير يصيب السنة دون أصبعه.
قال النووي بعد أن ذكر أوجه الخلاف في السواك بالأصبع، قال: "ثم الخلاف إنما هو في إصبعه، أما أصبع غيره الخشنة فتجزئ قطعاً؛ لأنها ليست جزءاً منه، فهي كالأشنان ". اهـ (4) .
_________
(1) فتح القدير (1/24،25) ، الجوهرة النيرة (1/6) ، الفتاوى الهندية (1/7) .
(2) قدمه في الشرح الصغير (1/124) ، قال الخرشي (1/139) : " ومن لم يجد سواكاً فأصبعه تجزئه " وعلق علي ذلك العدوي في حاشيته قائلاً: " وظاهر كلام المؤلف سواء كانت أصبعه لينة أو خشنة ". اهـ، وقال في حاشية الدسوقي (1/102) : يكفي في الاستياك الأصبع عند عدم غيره. وقال في مواهب الجليل (1/265) : " وأما آلته ـ يعني السواك ـ فهي عيدان الأشجار، ثم قال: أو بأصبعه إن لم يجد ". اهـ وانظر التاج والإكليل (1/380) .
(3) المجموع (1/335) .
(4) المجموع (1/335) .(3/600)
قلت: هذه ظاهرية واضحة، ودليل على ضعف منع التسوك بالأصبع.
قال العراقي في طرح التثريب: " لا أدري ما وجه التفريق بين أصبعه وأصبع غيره، وكونه جزءاً منه لا يظهر منه ما يقتضي منعه، بل كونها أصبعه أبلغ في الإزالة؛ لأنه يتمكن بها أكثر من تمكن غيره أن يسوكه بأصبعه". ثم قال: والحديث الذي ورد في السواك بالأصبع أعم من أصبعه وأصبع غيره، بل في بعضها التصريح بأصبع المستاك، كما رواه البيهقي في سننه من حديث أنس، أن رجلاً من الأنصار من بني عمرو بن عوف، قال: يا رسول الله إنك رغبتنا في السواك، فهل دون ذلك من شيء؟ قال: إصبعاك سواك عند وضوئك، تمرهما على أسنانك.. الحديث، ورجاله ثقات (1) إلا أن الراوي عن أنس بعض أهله غير مسمى، وقد ورد في بعض طرقه بأنه النضر بن أنس، وهو ثقة، ولفظه: " يجزئ من السواك الأصابع " وفيه عيسى بن شعيب البصري. قال فيه عمرو بن علي الفلاس: إنه صدوق. وقال ابن حبان: كان ممن يخطئ حتى فحش خطؤه، فاستحق الترك. وبالجملة فلا يظهر معنى التفرقة بين أصبعه وأصبع غيره، فالمختار كما قال النووي: تؤدى به السنة مطلقاً ما لم تكن ناعمة لا تزيل القلح. والله أعلم. (2) .
أدلة القائلين بجواز التسوك بالأصبع.
الدليل الأول:
(678-14) ما رواه أحمد، قال ثنا محمد بن عبيد، ثنا مختار،
_________
(1) إسناده ضعيف، وفيه اختلاف كثير، وسيأتي بحثه إن شاء الله في أدلة القول التالي لهذا القول. والله أعلم.
(2) طرح التثريب (2/67،68) .(3/601)
عن أبي مطر، قال: بينا نحن جلوس مع أمير المؤمنين على في المسجد على باب الرحبة، جاء رجل فقال: أرني وضوء رسول الله B، وهو عند الزوال فدعا قنبر، فقال: ائتني بكوز من ماء فغسل كفيه ووجهه ثلاثا، وتمضمض ثلاثا فأدخل بعض أصابعه في فيه، واستنشق ثلاثاً، وغسل ذراعية ثلاثا، ومسح رأسه واحدة، فقال: داخلهما من الوجه وخارجهما من الرأس، ورجليه إلى الكعبين ثلاثا، ولحيته تهطل على صدره، ثم حسا حسوة بعد الوضوء، ثم قال: أين السائل عن وضوء رسول الله B؟ كذا كان وضوء نبي الله B (1) .
[إسناده ضعيف جداً، وذكر إدخال الأصبعين في فيه منكر] (2) .
_________
(1) المسند (1/158) .
(2) في الإسناد: مختار بن نافع التيمي.
قال أبو حاتم الرازي: شيخ منكر الحديث. الجرح والتعديل (8/311) رقم 1440.
وقال البخاري: مختار بن نافع التيمي، عن ابن مطر، منكر الحديث. الضعفاء الصغير (ص:110) رقم 357.
وذكره العقيلي في الضعفاء. الضعفاء الكبير (4/210) رقم 1797.
وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا كان يأتي بالمناكير عن المشاهير حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لذلك. المجروحين (3/9) 1038.
وقال أبو زرعة واهي الحديث. تهذيب الكمال (27/321) .
وقال النسائي: منكر الحديث، وقال في موضع آخر: ليس بثقة. المرجع السابق.
وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي عندهم. المرجع السابق.
وفي الإسناد أيضاً أبو مطر
قال أبو زرعة: ما أعرف اسمه. الجرح والتعديل (9/455) الرقم 2251.
وقال عمر بن حفص بن غياث: ترك أبى حديث أبى مطر. المرجع السابق.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبى عن أبى مطر، فقال: مجهول لا يعرف. وقد نقل ما تقدم الحسيني في الإكمال (1172) ، وابن حجر في تعجيل المنفعة (ص: 520) 1398.
وقال الحافظ في اللسان: مجهول. لسان الميزان (7/107) 1150.
والحديث أخرجه عبد بن حميد، كما في المنتخب (95) عن محمد بن عبيد به.
والحديث قد رواه محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، عن عبيد الله الخولاني، عن ابن عباس، عن علي كما في المسند (1/82، 83) ، وسنن أبي داود (117) ، والبزار (464، 463) ، وأبو يعلى (600) ، وابن خزيمة (153) ، وابن حبان (1080) ، والبيهقي (1/53،54) ، من طرق كثيرة، عن ابن إسحاق به، ولم يذكر ما ذكره مختار بن نافع، وسوف يأتي الكلام على حديث ابن عباس عن علي في المسح على الخفين إن شاء الله بمزيد من التفصيل عن متنه. والله أعلم.(3/602)
الدليل الثاني:
(679-15) ما رواه ابن عدي، قال: حدثنا الساجي، قال: حدثني محمد بن موسى، ثنا عيسى بن شعيب، عن عبد الحكم، عن أنس عن النبي B: قال: يجزئ من السواك الأصابع.
[إسناده ضعيف جداً] (1) .
_________
(1) الكامل (5/334) ، ومن طريق ابن عدي رواه البيهقي (1/40) .
وفي الإسناد: عبد الحكم القسملي،
قال البخاري: منكر الحديث. التاريخ الكبير (6/129) رقم 1928، الضعفاء الصغير (ص: 79) رقم 242.
وقال أبو نعيم الأصبهاني: روى عن أنس نسخة منكرة لا شيء. ضعفاء الأصبهاني (134) .
وقال ابن حبان: كان ممن يروي عن أنس ما ليس من حديثه، ولا أعلم له معه مشافهة، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب. المجروحين (2/143) رقم 750.
وقال ابن عدي: عامة أحاديثه مما لا يتابع عليه، وبعض متون ما يرويه مشاهير إلا أنه بالإسناد الذي يذكره عبد الحكم لعله لا يروى ذاك. الكامل (5/334) 1489. والعبارة التي نقلها الحافظ في التهذيب: إلا أنه بإسناد لا يذكره غيره.
وقال أبو حاتم الرازي: هو منكر الحديث ضعيف الحديث. قلت: يكتب حديثه قال زحفاً. الجرح والتعديل (6/35) رقم 189.
وفي الإسناد أيضاً محمد بن موسى بن نفيع الخرشي.
قال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عنه فوهاه وضعفه. تهذيب الكمال (26/528) .
وقال أبو حاتم: شيخ. الجرح والتعديل (8/84) رقم 354.
وقال النسائي في مشيخته: صالح، أرجو أن يكون صدوقاً. تهذيب التهذيب (9/425) .
وفي التقريب: لين.
وأما عيسى بن شعيب النحوي:
قال ابن حبان: كان ممن يخطئ حتى فحش خطؤه، فلما غلب الأوهام على حديثه استحق الترك. المجروحين (2/120) رقم 707.
قال في لسان الميزان: لين (7/331) رقم 4327.
وقال عمرو بن علي: بصري صدوق. تهذيب التهذيب (8/191) رقم 396.
وذكره ابن الجوزي في الضعفاء.
ومع ضعف إسناده، فقد اختلف فيه:
فرواه الساجي، كما سبق، عن محمد بن موسى، عن عيسى بن شعيب، عن عبدالحكم، عن أنس.
ورواه البيهقي (1/ 40) من طريق أبي عاصم النبيل، عن محمد بن موسى، عن عيسى بن شعيب، ثنا عبد الله بن المثنى، عن النضر بن أنس، عن أبيه.
وتابع عبد الرحمن بن صادر المدايني أبا عاصم النبيل في هذا الطريق
فرواه البيهقي (1/41) من طريق عبد الرحمن، ثنا عيسى بن شعيب، ثنا عبد الله بن المثنى، عن النضر بن أنس، عن أنس.
وأخرجه الضياء المقدسي في المختارة، من طريق أبي محمد الدقيقي: هو عبد الله بن محمد بن يزيد، ثنا محمد بن المثنى ـ أبو موسى الزمن ـ ثنا عيسى بن شعيب، عن عبد الله بن المثنى الأنصاري، عن النضر بن أنس، عن أنس قال: قال رسول الله B: يجزئ من السواك الأصابع. قال المقدسي: إسناد حسن.
ورواه خالد بن خداش، فخالف فيه عيسى بن شعيب. فرواه البيهقي (1/41) أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أنا أبو جعفر الرزاز، ثنا أحمد بن إسحاق بن صالح، ثنا خالد بن خداش، ثنا عبد الله بن المثنى الأنصاري، حدثني بعض أهل بيتي، عن أنس بن مالك أن رجلاً من الأنصار ومن بني عمرو بن عوف، قال: يا رسول الله إنك رغبتنا في السواك، فهل دون ذلك من شيء. قال: أصبعاك سواك عند وضوئك، تمرهما على أسنانك. إنه لا عمل لمن لا نية له، ولا أجر لمن لا حسبة له.
قال البيهقي: وهذا هو المحفوظ من حديث ابن المثنى.
دارسة الإسناد: أبو الحسين بن بشران، هو علي بن محمد بن عبد الله بن بشران العدل، قال الخطيب في تاريخ بغداد (12/98) : " كتبنا عنه، وكان صدوقاً حسن الأخلاق، تام المرؤة، ظاهر الديانة ". اهـ
أبو جعفر الرزاز، واسم أبي جعفر محمد بن عمرو الرزاز.
قال الخطيب: كان ثقة ثبتاً. تاريخ بغداد (3/132) .
وقال الحاكم: كان ثقة مأموناً. سير أعلام النبلاء (15/385) .
ـ أحمد بن إسحاق بن صالح بن عطاء الوزان.
قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي، وهو صدوق. الجرح والتعديل (2/41) .
وقال الدارقطني: لا بأس به. تاريخ بغداد (4/28) .
ـ خالد بن خداش.
قال محمد بن سعد: كان ثقة. الطبقات الكبرى (7/347) .
وقال يعقوب بن شيبة: كان ثقة صدوقاً. تهذيب التهذيب (3/74) رقم 162.
وقال سليمان بن حرب: صدوق لا بأس به، وكان يختلف معنا إلى حماد بن زيد، وأثنى عليه خيراً، وقال: كان كثير الاختلاف إلى حماد بن زيد، أو كثير اللزوم له. الجرح والتعديل (3/327) رقم 1468.
وذكره ابن حبان في الثقات (8/225) رقم 13135. وقال الدارقطني: ثقة، ربما وهم. العلل (11/204) .
وقال أبو حاتم الرازي: صدوق. الجرح والتعديل (3/327) رقم 1468.
وقال يحيى بن معين، وصالح بن محمد البغدادي: صدوق. تهذيب الكمال (8/45) رقم 1602.
وقال الساجي: فيه ضعف.
وقال ابن المديني: ضعيف. تهذيب التهذيب (3/74) رقم 162.
وفي التقريب: صدوق يخطئ.
قلت: لو قال: صدوق ربما وهم لكان أقرب لأنه قد وثقه جماعة، وأنكروا عليه حديث الغار، وأن النبي صلى على قبر. قال الخطيب: هذه الأحاديث لها أصول عمن رواها عنه. فحديث الغار رواه صالح بن كيسان، وموسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، وحديث أبي قتادة رواه جرير بن حازم، عن أيوب السختياني، وحديث الصلاة على القبر، قد رواه حبيب بن الشهيد، وأبو عامر الخراز، عن ثابت، عن أنس.
وقال أيضاً: لم يورد زكريا الساجي في تضعيفه حجة سوى الحكاية عن ابن معين أنه تفرد بأحاديث، ومثل ذلك موجود في حديث مالك والثوري وشعبة وغيرهم، ومع هذا فإن يحيى بن معين وجماعة قد وصفوه بالصدق، وغير واحد من الأئمة قد احتج بحديثه. اهـ تاريخ بغداد (8/304) رقم 4405.
ـ عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري:
قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عبد الله بن المثنى، فقال: صالح، ثم نظر إلي وقال: شيخ. وسئل أبو زرعة عنه، فقال: صالح. الجرح والتعديل (5/177) رقم 830.
وقال يحيى بن معين كما في رواية إسحاق بن منصور: صالح. المرجع السابق.
وقال أيضاً في رواية ابن أبي خيثمة: ليس بشيء. تهذيب التهذيب (5/338) رقم 659.
وقال النسائي: ليس بالقوي. المرجع السابق.
وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أخطأ. المرجع السابق.
وقال أبو داود: لا أخرج حديثه. تهذيب التهذيب (5/338) رقم 659.
ووثقه الترمذي في السنن (46) .
وقال العجلي: ثقه. معرفة الثقات (2/57) رقم 960.
وقال الدارقطني: ثقة، وقال مرة: ضعيف. تهذيب التهذيب (5/338) رقم 659.
وفي التقريب: صدوق كثير الغلط.
وقال ابن حجر: رواه ابن عدي والبيهقي والدارقطني، من حديث عبد الله بن المثنى، عن النضر بن أنس، عن أنس، وفي إسناده نظر.
وقال في تخريج الهداية: ذكره البيهقي من طرق، أوهاها، وقد صحح بعض طرقه. اهـ
قلت: إن كان فهم من قوله: " وهذا المحفوظ من حديث ابن المثنى " يعني: عن بعض أهل بيته، عن أنس أنه صحيح من هذا الطريق. فقد لا يسلم له هذا الفهم، لأنه قد يقصد بالمحفوظ الراجح من الاختلاف، ولا يعني كون الراجح صحيحاً في نفسه، خاصة أن في الإسناد ضعف على كل وجه. والله أعلم.
ورواه البيهقي أيضاً (1/ 41) حدثنا إسماعيل بن أبي نصر الصابوني، ثنا أبو محمد الحسن بن محمد المخلدي، ثنا محمد بن حمدون بن خالد، ثنا أبو أمية الطرسوسي، ثنا عبد الله ابن عمر الحمال، ثنا عبد الله بن المثنى، عن ثمامة،
عن أنس قال: قال رسول الله B: الإصبع تجزي من السواك.
قال البيهقي: حديث ضعيف.
قال ابن نقطة: الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن مخلد بن شيبان أبومحمد المخلدي العدل، ذكره أبو عبد الله في تاريخ نيسابور، وقال: هو شيخ العدالة، وبقية أهل البيوتات، صحيح الكتب والسماع، متقن في الرواية. التقييد (ص: 230) .
ـ محمد بن حمدون بن خالد
قال الحاكم: كان من الثقات الأثبات، والجوالين في الأقطار.
وقال الخليلي: الحافظ الكبير. انظر السير (15/60،61) ، تذكرة الحفاظ (3/807،808) .
ـ أبو أمية الطرسوسي. في التقريب: صدوق صاحب حديث يهم.
قال ابن حبان: كان من الثقات، دَخَلَ مصر، فحدثهم من حفظه من غير كتاب بأشياء أخطأ فيها، فلا يعجبني الاحتجاج بخبره إلا ما حدث من كتابه. الثقات (9/173) 15624.
قال الآجري عن أبي داود ثقة.
وقال أبو بكر الخلال: أبو أمية رفيع القدر جداً، كان إماماً في الحديث مقدماً في زمانه. تاريخ بغداد (1/394) رقم 365.
وقال الحاكم: صدوق كثير الوهم. تهذيب الكمال (24/327) .
وقال ابن يونس: كان من أهل الرحلة فهماً بالحديث، وكان حسن الحديث. تهذيب التهذيب (9/14) .
وقال بن أبي حاتم: كُتِب إلى ببعض فوائده، وأدركته، ولم أكتب عنه. الجرح والتعديل (7/187) رقم 1061.
وقال مسلمة بن قاسم: أنكرت عليه أحاديث ولج فيها وحدث، فتكلم الناس فيه وقال في موضوع آخر: روى عنه غير واحد وهو ثقة. تهذيب التهذيب (9/14) .
ـ عن عبد الله بن عمر الحمال
لعله خطأ في الاسم، واسمه عبد لله بن عمرو الحمال. جاء في تاريخ بغداد (10/23) : عبد الله بن عمرو الحمال أحسبه من أهل المعرفة، قدم بغداد سنة 213... الخ وسكت عليه فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
ـ عبد الله بن المثنى سبقت ترجمته، وأنه كثير الغلط.
عن ثمامة. قال الحافظ: وثقه أحمد والنسائي، والعجلي. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وروى عن أبي يعلى أن ابن معين أشار إلى لينه. قال الحافظ: قد بين غيره السبب في ذلك، وهو من أجل حديث أنس في الصدقات، وقد قيل: إنه لم يأخذه عن أنس سماعاً. وقد بينا أن ذلك لا يقدح في صحته، احتج به الجماعة. انظر هدي الساري (ص:394) وفي التقريب: صدوق. فالإسناد هذا ضعيف أيضاً: فيه الحمال لم أقف على من وثقه، وفيه عبد الله بن المثنى كثير الغلط، فحديث أنس فيه اختلاف كثير في إسناده، وفي كل طرقه لا تخلو من ضعف.(3/603)
الدليل الثالث:
(680-16) ما رواه الطبراني في الأوسط، قال: حدثنا محمد بن عبدالله بن عرس، ثنا هارون بن موسى الفروي، ثنا أبو غزية محمد بن موسى، حدثني كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، عن أبيه،
عن جده، قال: قال رسول الله B: الأصابع تجري مجرى السواك إذا لم يكن سواك.
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن كثير بن عبد الله المزني إلا أبو غزية تفرد به هارون الفروي.
[الحديث ضعيف جداً] (1) .
_________
(1) معجم الأوسط للطبراني (6437) .
فيه أبو غزية: محمد بن موسى ضعفه أبو حاتم، وغيره، ووثقه الحاكم، واتهمه الدارقطني بالوضع. انظر الميزان (4/49) ، واللسان (5/398) .
وفيه: كثير بن عبد الله عمرو بن عوف المزني: في التقريب ضعيف أفرط من نسبه إلى الكذب. قلت
قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: حسين بن عبد الله بن ضميرة، وكثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، لا يساويان شيئا، جميعاً متقاربين ليس بشيء. وضرب أبي على أحاديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف فلم يحدثنا بها. ضعفاء العقيلي (4/4) رقم 1555.
قال أحمد: منكر الحديث، ليس بشيء. الجرح والتعديل (7/154) رقم 858.
وقال أبو زرعة: واهي الحديث، ليس بقوي. المرجع السابق.
وقال أبو داود: كان أحد الكذابين. تهذيب التهذيب (8/377) .
وقال النسائي: متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين (ص: 89) رقم 504
وقال ابن حبان: منكر الحديث جداً، يروي عن أبيه عن جده نسخة موضوعة، لا يحل ذكرها في الكتب ولا الرواية عنه إلا على جهة التعجب، وكان الشافعي رحمه الله، يقول: كثير بن عبد الله المزني ركن من أركان الكذب. المجروحين (2/221) رقم 893.
فاقتصار الحافظ على قوله: ضعيف قول ضعيف، ولو قال: متروك، وتوسط كعادته في أقوال الرجال، لكان أقرب من قوله: ضعيف.
ـ عبد الله بن عمرو بن عوف المزني لم يرو عنه إلا كثير بن عبد الله، ولم يوثقه أحد سوى ابن حبان، وفي التقريب: مقبول. يعني: إن توبع.(3/609)
الدليل الرابع:
قال الحافظ في التلخيص: روى أبو نعيم (1) ،وابن عدي (2) والطبراني (3) من حديث عائشة يعنى ـ نحو حديث أنس المتقدم.
قال الحافظ: وفيه المثنى بن الصباح. اهـ (4) .
_________
(1) لم أقف عليه في الكتب المطبوعة لأبي نعيم.
(2) لم أقف عليه في الكامل في الضعفاء، ولعله في كتاب آخر غير مطبوع.
(3) لم أقف عليه في المعاجم الثلاثة. والله أعلم.
(4) تلخيص الحبير (1/118) .
قال العلماء في ترجمة المثنى بن الصباح.
كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن المثنى بن الصباح. الجرح والتعديل (8/324) 1494.
قال أحمد بن محمد بن حنبل: مثنى بن الصباح لا يساوى حديثه شيئاً، مضطرب الحديث. المرجع السابق.
قال يحيى بن معين كما في رواية إسحاق بن منصور: ضعيف. المرجع السابق.
وقال أيضاً: ضعيف، ليس بشيء، كما في رواية ابن أبي مريم. الكامل (6/423) .
وقال ابن عدي: له حديث صالح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ويروي عن عطاء بن أبي رباح عداد، وقد ضعفه الأئمة المتقدمون، والضعف على حديثه بين. المرجع السابق.
وقال النسائي: متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين (576) .
وذكره البخاري في الضعفاء الصغير، ونقل عن يحيى بن سعيد القطان قوله: لم نتركه من أجل عمرو بن شعيب، ولكن كان منه اختلاط في عقله. الضعفاء الصغير (ص: 367) .
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبى وأبا زرعة عن المثنى بن الصباح، فقالا: لين الحديث. قال أبى: يروى عن عطاء ما لم يرو عنه أحد، وهو ضعيف. الجرح والتعديل (8/324) 1494.(3/610)
الدليل الخامس:
(681-17) ما رواه الطبراني في الأوسط، قال: حدثنا محمد بن الحسن ثنا محمد بن أبي السري، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا عيسى بن عبد الله الأنصاري، عن عطاء بن أبي رباح،
عن عائشة، قالت: قلت: يارسول الله الرجل يذهب فوه يستاك؟ قال: نعم. قلت: كيف يصنع؟ قال: يدخل إصبعه في فيه.
قال الطبراني لم يرو هذا الحديث عن عطاء إلا عيسى بن عبد الله تفرد به الوليد، ولا يروى عن عائشة إلا بهذا الإسناد.
[إسناده ضعيف] (1) .
_________
(1) الأوسط (6/381) رقم 6678.
في الإسناد: محمد بن أبي السري: وهو محمد بن المتوكل، كثير الغلط، وسبقت ترجمته، في تخريج الحديث الثاني.
كما أن في الإسناد: عيسى بن عبد الله بن عبد الحكم الأنصاري:
ورواه ابن عدي في الكامل (5/253) قال: ثنا أحمد بن محمد بن زنجويه، قال: ثنا محمد بن أبي السري به.
قال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. الكامل (5/253) 1397. اهـ
وقال ابن حبان: شيخ يروي عن نافع ما لا يتابع عليه، لا ينبغي أن يحتج بما انفرد لمخالفته الأثبات في الروايات. المجروحين (2/122) 709. وانظر الميزان (3/316) .
كما أن فيه الوليد بن مسلم مدلس، وهو وإن كان صرح بالتحديث من شيخه، فلا يكفي؛ لأنه متهم بتدليس التسوية.(3/611)
الدليل السادس:
(682-18) ما رواه أبو عبيد في كتاب الطهور، قال: حدثنا حماد بن خالد، عن الزبير بن عبد الله مولى آل عمر،
عن جدته رهيمة خادم عثمان، قالت: كان عثمان إذا توضأ يسوك فاه بأصبعه.
[ضعيف] (1) .
وأحاديث الوضوء المرفوعة عن رسول الله B لم يأت في شيء منها التسوك بالأصابع. والذي يظهر لي أن المسألة ليس فيها سنة عن الرسول B، وهل مثل هذا يدخل التسوك بالأصبع في حد البدعة؟
الجواب: لا، فالسواك مطهرة للفم مرضاة للرب، فيه جانب تعبدي،
_________
(1) كتاب الطهور (298) ، وفي الإسناد الزبير بن عبد الله.
قال ابن عدي: أحاديث زبير هذا منكرة المتن والإسناد. الكامل (3/227) رقم 721.
وقال أبو حاتم الرازي: صالح. الجرح والتعديل (3/581) رقم 2642.
وقال ابن معين: يكتب حديثه. الكامل (3/227) .
وقال الذهبي: ليس بحجة. المغني (1/237) . وفي التقريب: مقبول: أي إن توبع. ولا أعلم أنه توبع في هذا الإسناد. والله أعلم.
وذكره ابن حبان في الثقات. الثقات (6/332) رقم 7979.
كما أن رهيمة لم يوثقها أحد سوى ابن حبان، ولم يذكر راوياً عنها إلا ابنها عبد الله. الثقات (4/245) رقم 2731. فالإسناد ضعيف.(3/612)
وفيه جانب معقول المعنى، وهو كونه شرع لتطهير الفم، وتنظيفة، والذي ينظف فاه بأصبعه خير من الذي لا ينظف فاه أبداً، ولكن لا يحصل له الثواب المترتب على السواك ؛ لأنه دونه في التطهير، لكن يحصل له من الأجر بقدر ما يحصل له من الإنقاء، والتسوك بالأصبع يناسب إذا كان مع المضمضة ؛ فإنه لا شك أنه مع الماء يحصل به قدر من نظافة الفم وتطهيره، واعتبره بعض المالكية من الدلك المشروع في الوضوء. والله أعلم.(3/613)
[صفحة فارغة](3/614)
الفصل الخامس
هل يحصل بالمعجون إصابة السنة
الفصل الخامس
هل يحصل بالمعجون إصابة السنة
لا شك أن السواك أفضل من معجون الأسنان بكل حال.
أولاً: خفيف الحمل.
وثانياً: يفعل في كل وقت، وفي كل مكان.
وثالثاً: المعجون يحتاج إلى الماء، كما يحتاج إلى فرشة خاصة، بخلاف السواك.
ورابعاً: لا يمكن تحقيق السنة بها عند كل صلاة، وفي كل مرة يدخل الرجل بيته بخلاف السواك.
وخامساً: بعض الناس يكون عنده حساسية من المعجون، أو من الفرشة، وقد يكون عنده نفس الشيء من السواك.
سادساً: لا بد أن يتعلم الإنسان كيف يستعمل الفرشة، وإلا تسببت له بضرر في اللثة.
كل هذا وغيره يجعل السواك أفضل من المعجون،
ولكن، هل يصيب السنة لو فعل ذلك بالمعجون ؟
وللجواب على ذلك، سبق أن ذكرت في آخر الفصل السابق أن السواك فيه مرضاة للرب، وفيه مطهرة للفم.
فالجانب الثاني، وهو جانب تطهير الفم لا شك أن المعجون يقوم بذلك، فتحصل به السنة من هذا الوجه،ولكن فعله تعبداً عند الصلاة مثلاً ولو كان الفم نظيفاً لا يحصل إلا بالسواك؛ لأنه المنصوص عليه، والله أعلم.
وقد وقفت على كلام لبعض الأطباء في تفضيل السواك على المعجون(3/615)
من الناحية الطبية، أنقل لك ما جاء فيه.
قال الطبيب: " إن المسواك يفوق جميع الوسائل والطرق المستعملة لتنظيف الأسنان، فالمسواك منظف آلي يقوم مقام الفرشاة لاحتوائه على ألياف سيليولوزية طبيعية خير من ألياف الفرشاة، ويقوم مقام معجون الأسنان، أو المسحوق المنظف، بل أفضل منه، لما يحتويه من مواد مطهرة مثل: العفص، والسنجرين، وبيكربونات الصوديوم، ومواد تشبه البنسلين، بتأثيرها اكتشفها الدكتور: "رودات " وهي مواد مبيدة للجراثيم، مجهولة التركيب، كذلك يوجد بالسواك مواد زالقة منظفة فتدعك وتدلك الأسنان، وتجعلها بيضاء لامعة، ولا تخدش أنسجة السن، وهي خير من المواد الرغوية التجارية التي توجد بالمعاجين، فقد أعلنت مجلة أطباء الأسنان الأمريكية (1) . أن أغلبية المعاجين المستعملة في الولايات المتحدة غير صحية أو طبية، وبالمسواك كميات من بلورات السيليس الصلبة التي تفيد كمادة منظفة تحك القلح عن الأسنان، وموجودة بالمسواك بنسبة عالية، تبلغ حوالي 4% وكذلك أملاح أخرى لها فعاليتها في البوتاسيوم، وأكسالات الجير، وبالمسواك مواد عطرية زيتية، وهذه هي عوامل التطيب، والتنكه والشذا؛ لأنها تكسب الفم رائحة طيبة، وبه مادة قابضة كالعفص، التي توقف النزيف، وتقوي اللثة، وتساعد على تقرنها، وجريان الدم فيها، ويساعد العفص على تكوين الليفين من مولد الليفين، الذي له أهمية في عملية تكوين الجلطة، وأما النشاء والصموغ فتساعد على جعل قوام اللعاب لزجاً، فيساعد على التنظيف. ثم قال بعد ذلك:
" مما تقدم نرى أن المسواك يحتوي على مواد عديدة مفيدة لا توجد بأي
_________
(1) the journal of american dental association ougust 1960(3/616)
معجون أو منظف أسنان. والمواد التي ثبت وجودها بالسواك وهي: 1 - العفص، 2- السنجرين، 3 - مادة مبيدة للجراثيم اكتشفها الدكتور رودات تشبه البنسلين بتأثيرها على الجراثيم،4- ألياف سيليولوزية،5 - كلوريد الصوديوم، 6 - بيكربونات الصوديوم، 7-كلوريد البوتاسيوم، 8 - أكسالات الكالسيوم، 9 - زيوت عطرية 10- أملاح معدنية، 11 - بلورات السيليس، 12 - مواد سكرية مختلفة مثل الجالاكتوز، والنشاء، والمواد الصمغية، 13 - مواد غير معروفة، 14 - شاردة الكالسيوم، 15- شاردة الحديد، 16- شاردة الفحمات، 19- شاردة الكلور، 20- شاردة الكبريتات، 21- أملاح نشادرية، 22 - أعلن الدكتور كينيث كيوديل أن السواك يحتوي على مادة تمنع النخر السني، وقد أعلن ذلك أمام المؤتمر الثاني والخمسين للجمعية الدولية لأبحاث الأسنان في اتلانتا بأمريكا.
أما ألياف السواك فهي أفضل من شعيرات الفرشاة، وتعتبر مثالية للأسباب التالية:
1- إن ألياف المسواك قوية، لينة، متينة، سيليولوزية غير قاسية، كألياف الفرشاة التي تخدش، وتسحل أنسجة السن بفعالية أكثر من ألياف السواك الطبيعية.
2 - ألياف المسواك تحتوي على مواد كيماوية ذات فائدة عظيمة للأسنان تفوق جميع المنظفات السنية، سواء كانت محاليل، أو مساحيق، أو معاجين، وأما ألياف وشعيرات الفرشاة لا تحتوي شيئاً من ذلك. فالمسواك بمفرده يقوم مقام الفرشاة والمعجون معاً
3 - ألياف السواك دقيقة، ورقيقة، وطبيعية لا تؤذي أنسجة اللثة، بل(3/617)
تزيد من تقرنها، وذلك بتدليكها تدليكاً لطيفاً، فيزداد وارد الدم لأنسجتها، فترتفع مقاومتها للأمراض، ولقد ثبت بالتجارب التي أجرتها جمعية أطباء أسنان الجيش الأمريكي أن ألياف الأعواد الخشبية لها فائدة للثة أعظم من شعيرات الفرشاة، وأن الإصابات والتغيرات اللثوية عند استعمال النكشات الخشبية ـ التي مضغ أحد أطرافها فأصبح كالفرشاة بعد أن تفرقت أليافه الخشبية، لتنظيف الأسطح السنية، وظل الطرف الآخر للنكشات الخشبية مدبباً لتنظيف المسافات التي بين الأسنان_ أثبتت تلك النكشات الخشبية بأنها تنقص نسبة الإصابات اللثوية بينما ازدادت عند الذين يستعملون الفرشاة، والمسواك أفضل بكثير من الأعواد الخشبية، لذلك فإن المسواك بأليافه الطبيعية يزيد من تقرن الأنسجة اللثوية، ويدلكها فيزداد من واردها الدموي، فتزداد حيويتها، ومقاومتها للأمراض.وخصوصاً لاحتوائه على مواد مطهرة، وقابضة ومفيدة للأنسجة والأسنان .
4 ـ وفي نفس التجارب السابقة وجد أن النكشات الخشبية ذات فعالية بتقليل كميات الترسبات القلحية على الأسنان إذا قورنت عندما تستعمل الفرشاة، فالمسواك ذو فعالية أفضل بتقليل الترسبات القلحية على الأسنان.
5 ـ إن ألياف المسواك بتغير مستمر وتقطع عادة بعد أن تصبح طرية، وطعمها الحراق اللاذع يصبح معدوماً،فتظهر ألياف جديدة غير ملوثة بالجراثيم وغبار الجو، وبإزالة وبتر الجزء المستعمل يزول أي احتمال للتلوث بعكس الفرشاة فشعيراتها لا تتغير، ومعرضة للتلوث، وتكون سبباً في نقل أمراض عدة إن لم نعتن بها جيداً بعد التنظيف.
6 ـ الألياف الظاهرة بالمسواك غير قابلة للتلوث لوجود مطهرات فيها(3/618)
مثل السنجرين، والعفص، وبيكربونات الصوديوم، والمادة المبيدة للجراثيم، التي اكتشفها الدكتور رودات، أما شعيرات الفرشاة فلا يوجد فيها مطهرات.
7 ـ الألياف الغير مستعملة في المسواك مغطاة بطبقة فلينية، وتحتها طبقة قشرية، وهاتان الطبقتان والمواد المطهرة الموجودة بألياف المسواك تحميها من التلوث بالجراثيم، بعكس الفرشاة التي لا يحميها أي شيء.
8 ـ ألياف ا لمسواك ملأى بالنسيج المتخشب، بينما الفرشاة المصنوعة من الشعر الطبيعي الحيواني تكون مجمعاً للأوساخ والجراثيم ؛ لأن شعرة الحيوانات جوفاء من الداخل، فتمتلئ القناة الداخلية للشعرة بالجراثيم والأوساخ، وتكون سبباً لنقل الأمراض.
9 ـ ألياف المسواك نستطيع أن نتحكم في صلابتها وطراوتها، وذلك بتقليل عدد أليافها، أو دقها فتتناثر منها بعض البلورات الصلبة فتقل صلابتها، ولذلك فألياف المسواك تناسب جميع حالات اللثة الطرية والقوية بعكس الفرشاة فإنها ثابتة الصلابة والطراوة.
10ـ إن ألياف المسواك لا يستطيع أحد أن يغشها، فهي مواد طبيعية، أما شعيرات الفرشاة ومواد المنظفات السنية فمن السهل أن تغش، وعود المسواك معروف لدى الذين يستعملونه (1) .
_________
(1) السواك، والعناية بالأسنان ـ الدكتور عبد الله عبد الرزاق السعيد ـ الدار السعودية للنشر والتوزيع ـ (ص: 208ـ 215). ط ـ ا ـ 1402هـ(3/619)
[صفحة فارغة](3/620)
الباب الثاني
في صفة السواك
ويشتمل على ثلاثة فصول:
الفصل الأول: هل الأفض اليابس من السواك أو الرطب؟
الفصل الثاني: الكلام في طول السواك وعرضه.
الفصل الثالث: التسوك بعود لا يعرفه.(3/621)
[صفحة فارغة](3/622)
الباب الثاني
صفة السواك
علمنا في بحث سابق مادة السواك، وأن الأفضل عند الفقهاء أن يكون من الأراك، ثم النخيل، ثم الزيتون، ثم بكل عود ينظف الفم، ويزيل القلح، ولا يضر باللثة. ونريد أن نبحث في هذا الفصل في صفة السواك.
الفصل الأول
هل الأفضل اليابس من السواك أو الرطب ؟
فقيل: يستحب أن يكون السواك رطباً (1) .
وقيل: يستحب أن يكون يابساً ندي بالماء (2) ؛ لأن اليابس يجرح اللثة، والرطب لا يزيل ما يراد إزالته (3) .
دليل من استحب أن يكون السواك رطباً.
(683-19) ما رواه البخاري، قال: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا
_________
(1) إحكام الأحكام (2/110)، وقال الخرشي (1/139): " الأخضر الذي يجد له طعماً أفضل للمفطر ".
وقال: في حاشيتا قليوبي وعميرة (1/58): " ورطب كل نوع أولى من يابسه ". ...
(2) وقال العراقي: والأحب أن يكون يابساً لين بالماء. طرح التثريب (2/67).
وقال في تحفة المحتاج: واليابس المندى أولى من الرطب. تحفة المحتاج (1/216).
وقال في مغني المحتاج: " واليابس المندى أولى من الرطب، ومن اليابس الذي لم يند (1/183). وانظر نهاية المحتاج (1/181). ...
(3) قال في حاشية العدوي (1/184): " والمستحب أن يستاك بعود متوسط، لا شديد اليبس فيجرح، ولا رطب لا يزيل ".(3/623)
حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة،
عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: توفي النبي B في بيتي، وفي يومي، وبين سحري ونحري، وكانت إحدانا تعوذه بدعاء إذا مرض، فذهبت أعوذه فرفع رأسه إلى السماء وقال: في الرفيق الأعلى في الرفيق الأعلى. ومر عبد الرحمن بن أبي بكر وفي يده جريدة رطبة، فنظر إليه النبي B فظننت أن له بها حاجة، فأخذتها فمضغت رأسها، ونفضتها، فدفعتها إليه، فاستن بها كأحسن ما كان مستناً، ثم ناولنيها فسقطت يده أو سقطت من يده، فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة.
دليل من استحب كون السواك يابساً قد ندي بالماء.
قال: إن اليابس المندى بالماء أقوى في طهارة الفم، وإزالة القلح.
والراجح أن كل ما كان أقوى في نظافة الفم وتطهيره، كل ما كان مطلوباً ؛ لأن السواك شرع من أجل طهارة الفم، وحتى نجمع بين قوة التطهير، وسلامة الفم واللثة ينبغي أن يكون السواك متوسطاً، لا رطباً جداً فلا ينظف، ولا يابساً فيضر بالفم. والله أعلم.(3/624)
الفصل الثاني
الكلام في طول السواك وعرضه
الفصل الثاني
الكلام في طول السواك وعرضه
استحب الحنفية (1) والمالكية (2) ، وبعض الشافعية (3) ..أن يكون السواك طوله شبر. واستحب الحنفية أن يكون عرضه بمقدار الأصبع (4) .
وهذا الاستحسان من الرأي المحض، والكلام في هذا ليس فيه نص من كتاب أو سنة، وإنما أمر يستحسنه الفقهاء، ويلتمسون له تعليلات، قد تصيب، وقد تخطئ. والاستحباب حكم شرعي لابد فيه من دليل شرعي، ولا دليل، ولا أظن الأئمة يستحبون ذلك، ولكن أتباعهم قد يستحسنون شيئاً لا أصل له، وكثير ما يقلد بعض الفقهاء بعضاً، ولا يكون هناك نص من إمامهم.
ورحم الله الشوكاني حين قال: وللفقهاء في السواك آداب وهيئات لا ينبغي للفطن الاغترار بشيء منها، إلا أن يكون موافقاً لما ورد عن الشارع، ولقد كرهوه في أوقات وعلى حالات حتى يكاد يفضي ذلك إلى ترك هذه
_________
(1) حاشية ابن عابدين (1/114) ، فتح القدير (1/25) ، درر الحكام شرح غرر الأحكام، البحر الرائق (1/21) .
(2) قال في حاشية الدسوقي: ولا ينبغي أن يزيد على شبر (1/102) ، وفي الشرح الصغير، ولا ينبغي أن يزيد في طوله على شبر. (1/125) ،
(3) حاشيتا قليوبي وعميرة (1/59) مغني المحتاج (1/185) ، حاشية الجمل (1/117) ، تحفة الحبيب على شرح الخطيب (1/122) .
(4) حاشية ابن عابدين (1/114) ، فتح القدير (1/25) ، درر الحكام شرح غرر الأحكام، البحر الرائق (1/21) .(3/625)
السنة الجليلة وإطراحها، وهي أمر من أمور الشريعة ظهر ظهور النهار، وقبله من سكان البسيطة من أهل الأنجاد والأغوار (1) .
_________
(1) نيل الأوطار (1/134).(3/626)
الفصل الثالث
التسوك بعود لا يعرفه
الفصل الثالث
التسوك بعود لا يعرفه
كره بعض الفقهاء التسوك بعود يجهله، وعللوا ذلك بأنه يخشى أن يكون من الأعواد الضارة باللثة كريحان ورمان ونحوهما (1) .
والراجح أن المسألة معلقة بغلبة الظن، فإن كان يغلب على ظنه أنه ضار لم يتسوك به، وإلا فله التسوك به.
وغلبة الظن طريق شرعي كل ما تعذر اليقين ، في جميع أمور الشريعة كالصلاة، والإمساك والإفطار بالصيام، ودخول وقت الصلاة، ونحوهم.
_________
(1) قال: قال في الفروع (1/128): "ولا يستاك بما يجهله "، وانظر كشاف القناع (1/74)، ودقائق أولي النهى (1/42).(3/627)
[صفحة فارغة](3/628)
الباب الثالث
في حكم السواك
ويشتمل على سبعة فصول ومبحث واحد
الفصل الأول: حكم السوك وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حكم السواك للصائم.
المبحث الثاني: هل خلوف الصائم أطيب عند الله من رائحة المسح في الدنيا والآخرة أم في الآخرة فقط؟
الفصل الثالث: حكم التسوك في المسجد.
الفصل الرابع: حكم السواك بحضرة الناس.
الفصل الخامس: التسواك في الخلاء.
الفصل السادس: إمكانية ترتيب الأجر على التسوك بما يضر.
الفصل السابع: في التسمية للسواك.(3/629)
[صفحة فارغة](3/630)
الفصل الأول
في حكم السواك
قيل: السواك ليس بواجب على خلاف بينهم هل يكون سنة أو مستحباً عند من يفرق بين اللفظين،
وهو مذهب جمهور الفقهاء والمحدثين (1) .
_________
(1) وفي مذهب الحنفية قولان. قال ابن عابدين: قيل: إنه مستحب؛ لأنه ليس من خصائص الوضوء، وصححه الزيلعي وغيره. وقال في فتح القدير: إنه الحق. قال ابن عابدين: لكن في شرح المنية الصغير: وقد عده القدوري والأكثرون من السنن. وهو الأصح. قال ابن عابدين: وعليه المتون. حاشية ابن عابدين (1/113)، و انظر البحر الرائق (1/1/21)، وتبيين الحقائق (1/4)، العناية شرح الهداية (1/25)، الجوهرة النيرة (1/6)، شرح فتح القدير (1/24،25).
وفي مذهب المالكي أيضاً قولان: المشهور أنه مستحب. واختار ابن عرفة أنه سنة. انظر: التاج والإكليل (1/380)، وعده فضيلة ( أي من المستحبات )، وكذلك اعتبره الخرشي (1/138) من الفضائل. وقال في مواهب الجليل (1/264): " أما حكمه فالمعروف في المذهب أنه مستحب. قال ابن عرفة: والأظهر أنه سنة لدلالة الأحاديث على مثابرته B عليه ".
وقال الصاوي في الشرح الصغير ( 1/125): " استحباب السواك هو المشهور. وقال ابن عرفة: إنه سنة لحثه عليه السلام بقوله... إلى أن قال: وأجاب الجمهور: بأن المراد بالسنة الطريقة المندوبة ". وقال ابن العربي في أحكام القرآن (2/79 ): " السواك مندوب إليه، ومن سنن الوضوء لا من فضائله ". وانظر الفواكه الدواني (1/265). وقال العدوي في حاشيته (1/183 ): " حكم الاستياك في الأصل الندب.... الخ كلامه ".
وانظر في مذهب الشافعية: الأم (1/37)، المجموع (1/327)، أسنى المطالب (1/35)، حاشيتا قليوبي وعميرة (1/57)، تحفة المحتاج (1/213،214)، مغني المحتاج (1/182)، نهاية المحتاج (1/187)، حاشية الجمل (1/117)، حاشية البجيرمي على الخطيب (1/120)، التجريد لنفع العبيد (1/1/72).
وانظر في مذهب الحنابلة: الإنصاف (1/117)، كشاف القناع (1/71)، مطالب أولى النهى (1/80)، المغني ـ ابن قدامة (1/69).(3/631)
وقيل: يجب، ولا تبطل الصلاة بتركه، وهو مذهب داود الظاهري (1) .
وقيل: يجب، وإن تركه عمداً بطلت صلاته. وهذا القول منسوب إلى إسحاق بن راهوية (2) .
وقيل: إن السواك واجب في حق النبي B، سنة في حق أمته.
الأدلة على استحباب السواك.
الدليل الأول:
(684-20) ما رواه مالك في الموطأ، قال: عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله B، قال:
لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك.
_________
(1) المنتقى شرح الموطأ (1/130)، مواهب الجليل (1/264)، المغني ـ ابن قدامة (1/69) قال: ولا نعلم أحداً قال بوجوبه إلا إسحاق وداود ".وقال النووي في المجموع (1/327): " السواك سنة، وليس بواجب. هذا مذهبنا، ومذهب العلماء كافة إلا ما حكى الشيخ أبو حامد، وأكثر أصحابنا عن داود أنه أوجبه. وحكى صاحب الحاوي أن داود أوجبه، ولم يبطل الصلاة بتركه،. قال: وقال إسحاق بن راهوية: هو واجب، فإن تركه عمداً بطلت صلاته. وهذا النقل عن إسحاق غير معروف، ولا يصح عنه، وقال القاضي أبو الطيب والعبدري: غلط الشيخ أبو حامد في حكايته وجوبه عن داود، بل مذهب داود أنه سنة ؛ لأن أصحابنا نصوا أنه سنة، وأنكروا وجوبه، ولا يلزم من هذا الرد على أبي حامد ".اهـ
(2) المجموع (1/327)، المغني ـ ابن قدامة (1/69).(3/632)
[وهذا إسناد في غاية الصحة] (1) .
_________
(1) مدار هذا الإسناد على أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.
وله طرق كثيرة إلى أبي الزناد.
الأول: منها طريق مالك هذا، أخرجه البخاري (887) حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك به. وزاد: " مع كل صلاة ".
وأخرجه النسائي (7) أخبرنا قتيبة بن سعيد، عن مالك به. وأخرجه في الكبرى أيضاً (1/64) بالإسناد واللفظ موافقاً للفظ البخاري. وأخرجه البيهقي في السنن (1/37) من طريق يحيى بن بكير، حدثنا مالك به. وأخرجه ابن حبان (1068) من طريق أحمد بن أبي بكر، عن مالك به.
الطريق الثاني: عن سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد به.
أخرجه أحمد (2/245) حدثنا سفيان، عن أبي الزناد به، وزاد في آخره: " وتأخير العشاء". ثم أعاد الحديث بنفس الإسناد (2/245) بلفظ: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء، والسواك مع الصلاة ".
وأخرجه مسلم (42) حدثنا قتيبة بن سعيد، وعمرو الناقد، وزهير بن حرب، قالوا: حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، به بلفظ: لولا أن أشق على المؤمنين ـ وفي زهير: على أمتي ـ لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ".
وأخرجه أبو داود (46) حدثنا قتيبة بن سعيد، عن سفيان به. وزاد في أوله: "لأمرتهم بتأخير العشاء ".
وأخرجه الطحاوي (1/44) من طريق الفريابي، عن سفيان بن عيينة، به. وأخرجه الدارمي (683) أخبرنا محمد بن أحمد، ثنا سفيان به. وأخرجه البيهقي (1/35) والبغوي (197) من طريق الشافعي، أنا سفيان به.
الطريق الثالث: عن ورقاء، عن أبي الزناد به.
أخرجه أحمد (2/530،531) حدثنا علي، أنا ورقاء، عن أبي الزناد به.
وعلي: هو ابن حفص المدائني، قال محمد بن عبيد الله بن المنادى حدثنا علي بن حفص وكان أحمد يحبه حباً شديداً. تهذيب الكمال (20/408) .
قال ابن المديني: ثقة. الجرح والتعديل (6/182) رقم 998.
وقال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى بن معين، على بن حفص؟ فقال المدائني ليس به بأس. المرجع السابق.
وذكره بن حبان في الثقات، وقال: ربما أخطأ. الثقات (8/465) رقم 14452
وقال الآجري: سئل أبو داود عن علي بن حفص، فقال: ثقة. تاريخ بغداد (11/415) رقم 6292.
وقال النسائي: ليس به بأس. المرجع السابق.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثقة. تهذيب التهذيب (7/272) . وفي التقريب: صدوق.
وورقاء: صدوق، وإنما ضعف حديثه عن منصور.
وتابع أبا الزناد جعفر بن ربيعة، عند البخاري (7240) قال حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن ـ يعنى الأعرج به، بلفظ الموطأ قال لولا أن أشق على أمتي ـ أو على الناس ـ لأمرتهم بالسواك. ولم يقل: مع كل صلاة.
ورواه عن أبي هريرة غير الأعرج، منهم أبو سلمة، عن أبي هريرة، أخرجه أحمد (2/287) حدثنا عبدة، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله B: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة.
دراسة الإسناد:
عبدة بن سليمان: ثقة.. قلت: وقد توبع، تابعه زائدة بن قدامة عند أحمد (3/399) حدثنا معاوية، قال: حدثنا زائدة، عن محمد ـ يعني ابن عمرو ـ عن أبي سلمة به. وهذا السند إلى محمد بن عمرو صحيح. وتابعه يحيى بن سعيد القطان. أخرجه أحمد (3/429) حدثنا يحيى، ثنا محمد بن عمرو به. ومن طريق يحيى أخرجه البيهقي (1/37) .
تابعه أيضاً: أبو عبيدة الحداد عند أحمد (2/258) ، قال: ثنا أبو عبيدة الحداد كوفي ثقة، عن محمد بن عمرو به. إلا أنه خالف في لفظه، فقال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء، أو مع كل وضوء سواك، ولأخرت عشاء الآخرة إلى ثلث الليل.
ومحمد بن عمرو: قدمه القطان ويحيى بن معين على سهيل بن أبي صالح.
ووثقه يحيى بن معين
وقال مرة: ما زال الناس يتقون حديثه. قيل: وما علة ذلك؟ قال: كان يحدث الناس مرة عن أبي سلمة بالشيء من رأيه، ثم يحدث به مرة أخرى عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
وقال النسائي: ليس به بأس.
وقال في موضع آخر: ثقة.
وقال الذهبي في الميزان: شيخ مشهور، حسن الحديث، وفي التقريب: صدوق له أوهام.
ـ أبو سلمة روى له الجماعة، وفي التقريب: ثقة مكثر. فالحديث إسناده حسن.
وأخرجه الترمذي (22) حدثنا أبو كريب، حدثنا عبدة بن سليمان، عن محمد بن عمرو به. وأخرجه النسائي في الكبرى (3042) ، قال أنبأ علي بن حجر: قال أنبأ إسماعيل، عن محمد به. وأخرجه الطحاوي (1/44) من طريق أنس بن عياض، عن محمد بن عمرو به.
واختلف على أبي سلمة، فرواه محمد بن عمرو عنه، عن أبي هريرة، كما سبق.
ورواه جماعة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي سلمة، عن زيد بن خالد الجهني. فجعله من مسند زيد بن خالد. أخرجه أحمد (4/114) حدثنا يعلى، ومحمد ابنا عبيد، قال: حدثنا محمد بن إسحاق به. بلفظ: " لولا أن أشق ـ وقال محمد: " لولا أن يشق على أمتي لأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل، ولأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ".
ومن طريق يعلى بن عبيد أخرجه البغوي في شرح السنة (198) ، والطبراني في المعجم الكبير (5/244) رقم 5224.
وأخرجه أحمد (4/116) والطبراني في المعجم الكبير (5/244) رقم 5224 عن محمد بن فضيل. وأخرجه أحمد أيضاً (5/193) عن علي بن ثابت كلاهما، عن محمد بن إسحاق به. بنحوه. وأخرجه أبو داود (47) ، ومن طريقه البيهقي (1/37) حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا عيسى بن يونس، حدثنا محمد بن إسحاق به. وزاد في آخره: " قال أبو سلمة: رأيت زيداً يجلس في المسجد، وإن السواك في أذنه موضع القلم من أذن الكاتب. فكلما قام إلى الصلاة استاك.
وأخرجه الترمذي (23) حدثنا هناد، حدثنا عبدة بن سليمان، عن محمد بن إسحاق به.
وأخرجه النسائي (2/197) رقم 3041 أخبرني عمرو بن هشام الحراني، عن محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة.
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (5/243) رقم 5223 من طريق أحمد بن خالد الوهبي ثنا محمد بن إسحاق به.
وقد توبع محمد بن إسحاق فذهب ما يخشى من عنعنته، فقد أخرجه أحمد (4/116) حدثنا عبد الصمد، حدثنا حرب _ يعني ابن شداد _، عن يحيى، ثنا أبو سلمة به.
إلا أني أخشى أن يكون اللفظ لفظ محمد بن إسحاق لأن أحمد رواه مقروناً بحديث محمد بن فضيل، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة به. فتكون زيادة: وضع السواك موضع القلم، تفرد بها محمد بن إسحاق، وقد عنعن. وتكون المتابعة تقوي حديث: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسوك عند كل صلاة " فحسب.
وإذا تبين الاختلاف على أبي سلمة، فأيهما أرجح رواية محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؟
أو رواية محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن زيد بن خالد؟
أما النسائي فقد رجح رواية محمد بن عمرو، فقال كما في تحفة الأشراف (3/244) : " محمد بن عمرو أصح من رواية ابن إسحاق في الحديث. رواه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة ".
ورجح البخاري حديث محمد بن إسحاق. انظر تحفة الأشراف (11/12) .
ورجح الترمذي كلا الحديثين (1/34) ، فقال: حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة، وزيد بن خالد كلاهما عندي صحيح؛ لأنه قد روي من غير وجه، عن أبي هريرة، عن النبي B ". اهـ
قلت: إن كان هناك ترجيح فرواية محمد بن عمرو عندي أرجح؛ لأنه قد اختلف على محمد بن إسحاق، فرواه أحمد (1/120) والطحاوي (1/43) من طريق إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق، عن عمه عبد الرحمن بن يسار، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن علي.
ورواه أحمد (2/509) عن ابن أبي عدي،
وأخرجه الدارمي (1484) ، والدارقطني (ص: 126) من طريق أحمد بن خالد الوهبي،
وأخرجه النسائي في الكبرى (3040) من طريق محمد بن مسلمة،
وأخرجه الطحاوي (1/43) من طريق إبراهيم بن سعد كلهم، عن ابن إسحاق، عن سعيد المقبري، عن عطاء مولى أم صبية، عن أبي هريرة. وقد خالف ابن إسحاق جماعة من الحفاظ، منهم: ابن المبارك، ويحيى بن سعيد، والحمادان، وإسامة، وعبد الله بن نمير، وهشام بن حسان، وخالد بن الحارث، كلهم يروونه عن عبيد لله بن عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة. لا يذكرون عطاء في الإسناد، ولفظه: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء. وسوف يأتي تخريج هذه الرواية إن شاء الله. فهذه ثلاث اختلافات على محمد بن إسحاق، تجعل روايته ضعيفة.
فتارة ابن إسحاق يجعل الحديث من رواية زيد بن خالد. وتارة يجعله من حديث أبي هريرة.
وحديث أبي هريرة تارة يرويه ابن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. وتارة. يرويه عن سعيد المقبري، عن عطاء مولى أم صبية، عن أبي هريرة.
وقد يقول قائل: بأن الاختلاف على ابن إسحاق لا شك أنه يضعف روايته، لكن روايته عن زيد بن خالد لا سبيل إلى تضعيفها، وقد توبع: تابعه يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن زيد، فيكون رأي الترمذي له وجه. والله أعلم. والرأي الأول أرجح عندي. ورأي النسائي أقوى.(3/633)
وجه الاستدلال:
قال البيضاوي: كلمة " لولا " تدل على انتفاء الشيء لثبوت غيره، والحق أنها مركبة من " لو " الدالة على انتفاء الشيء، لا انتفاء غيره، ومن " لا " النافية، فدل الحديث على انتفاء الأمر، لثبوت المشقة، وفيه دليل على أن الأمر للوجوب من وجهين:
أحدهما: أنه نفى الأمر مع ثبوت الندبية، ولو كان للندب، لما جاء النفي.
ثانيهما: أنه جعل الأمر مشقة عليهم، وذلك إنما يتحقق إذا كان الأمر(3/637)
للوجوب؛ إذ الندب لا مشقة فيه. اهـ (1) .
قال الشافعي: لو كان واجباً لأمرهم، شق أو لم يشق.
الدليل الثاني:
(685-21) ما رواه مالك في الموطأ، قال:، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف،
عن أبي هريرة أنه قال: لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك مع كل وضوء.
[إسناده صحيح، ورفعه محفوظ] (2) .
_________
(1) شرح السيوطي على سنن النسائي (1/12) .
(2) الموطأ (1/66) . الحديث في الموطأ من قول أبي هريرة.
وقد أخرجه أحمد (2/460) قرأت على عبد الرحمن، مالك، عن ابن شهاب به. إلا أنه قال: قال رسول الله B: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء. وأخرجه أحمد أيضاً مرفوعاً (2/517) حدثنا روح، حدثنا مالك به.
وأخرجه النسائي في الكبرى (3043) نبأ محمد بن يحيى، قال: حدثنا بشر بن عمر، قال: حدثنا مالك به.
وأخرجه البيهقي (1/35) من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك به.
ورواه ابن خزيمة (140) من طريق روح بن عبادة، عن مالك به.
وأخرجه الطحاوي (1/43) من طريق بشر بن عمر، قال: حدثنا مالك به.
وأخرجه البخاري تعليقاً في كتاب الصيام، باب السواك الرطب واليابس للصائم (4/158) .
واختلف على مالك فيه:
فرواه عنه من سبق: عبد الرحمن بن مهدي، وروح بن عبادة، وإسحاق بن عيسى الطباع، كما في أطراف المسند (7/160) ، وإسماعيل بن أبي أويس، وبشر بن عمر، خمستهم رووه عن مالك مرفوعاً بلفظ: (مع كل وضوء) .
وخالفهم ابن وهب عند الطحاوي (1/43) فرواه، عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة بلفظ: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة"
فاختلط عليه هذا الحديث بحديث مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة المتقدم.
وأخرجه النسائي في الكبرى (3045) بالشك، قال: أنبأ محمد بن سلمة، قال: حدثنا ابن القاسم، عن مالك: قال: حدثني ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أنه كان يقول: لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك مع كل صلاة أو كل وضوء.
ورواه النسائي أيضاً في السنن الكبرى (3037) من طريق خالد بن الحارث.
ورواه النسائي أيضاً (3034) من طريق عبد الله بن المبارك.
ورواه (3035) من طريق يحيى بن سعيد.
ورواه النسائي أيضاً (3036) من طريق هشام بن حسان. ورواه النسائي (3032) من طريق عبد الرحمن السراج. خمستهم، رووه، عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة بلفظ: " مع كل وضوء ".
ورواه ابن أبي شيبة (1/155) رقم 1787، ومن طريقه ابن ماجه (287) عن أبي أسامة وعبد الله بن نمير، كلاهما، عن عبيد الله بن عمر به. إلا أنهما خالفا في لفظه الجماعة، فقالا: " عند كل صلاة " بدلاً من قوله: " مع كل وضوء " ورواية الجماعة أولى.
ورواه النسائي في الكبرى (3038) ، قال: أنبأ عمرو بن عثمان، قال: حدثنا بقية، عن عبيد الله، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله B: لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك مع الضوء.
وتابع أبو معشر بقية بذكر أبي سعيد المقبري إلا أنه جمع بين ذكر السواك مع الوضوء والصلاة، رواه النسائي (3039) ، نبأ قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا الليث، عن أبي معشر، عن سعيد المقبري عن أبيه،
عن أبي هريرة أن رسول الله B قال: لولا أن أشق على الناس لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء، ومع الوضوء بالسواك.
فخالف بقية وأبو معشر سبعة حفاظ رووه كلهم، عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد، عن أبي هريرة، ولم يقولوا: عن أبيه. وكثير منهم لو انفرد لقدم على بقية وأبي معشر، فكيف وقد اتفقوا.
ورواه حجاج بن منهال، واختلف عليه فيه.
فرواه الطحاوي (1/44) حدثنا محمد بن خزيمة، حدثنا حجاج، حدثنا حماد بن سلمة، عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة بلفظ: " عند كل صلاة ".
وتابع أسد بن موسى حجاجاً، فرواه عن حماد به.
ورواه عبد القدوس بن محمد بن عبد الكبير، عند ابن حبان (1070) ، قال: حدثنا حجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة به. بلفظ: " عليكم بالسواك فإنه مطهرة للفم، مرضاة للرب " وهذه الرواية شاذة، وحكم بشذوذها الحافظ ابن حجر كما في التلخيص (1/100) ، ولم يتابع أحد حماداً بذكر هذا الحديث بهذا الإسناد. والله أعلم.(3/638)
دليل من قال بوجوب السواك.
الدليل الأول:
(686-22) ما رواه مسلم، قال: حدثنا عمرو بن سواد العامري، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرنا عمرو بن الحارث، أن سعيد بن أبي هلال وبكير بن الأشج حدثاه، عن أبي بكر بن المنكدر، عن عمرو بن سليم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه أن رسول الله B قال:
غسل يوم الجمعة على كل محتلم، وسواك، ويمس من الطيب ما قدر عليه.
قال مسلم: إلا أن بكيراً لم يذكر عبد الرحمن وقال في الطيب ولو من طيب المرأة (1) .
_________
(1) صحيح مسلم (846) ، وهو في البخاري (880) بغير هذا اللفظ.(3/640)
وجه الاستدلال:
قوله: " على كل محتلم " ظاهرة في الوجوب.
وأجيب:
بأن الدليل أخص من المدلول، فأنتم تقولون بوجوبه لكل صلاة، والحديث إن سلم الاستدلال به فهو خاص في يوم الجمعة، إن حملنا اليوم على أن المراد به قبل الصلاة. ثم إذا سلمنا أن الحديث ظاهره الوجوب في الغسل والسواك، فهذا الظاهر ليس صريحاً، فلا يقدم على الصريح، وهو حديث ثابت في الصحيحين: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ".
أما قول الزيلعي رحمه الله: أن غسل الجمعة ليس بواجب؛ لأنه قرنه بما لا يجب اتفاقاً ـ يعني السواك والطيب ـ وكأنه لم يعتمد خلاف داود وإسحاق في وجوب السواك خلافاً معتبراً؛ لأنه حكى الاتفاق بأنه لا يجب في السواك (1) .
وقال النووي، كما في نيل الأوطار: " لو صح إيجابه عن داود لم يضر مخالفه في انعقاد الإجماع، على المختار الذي عليه المحققون، والأكثرون، قال: أما إسحاق فلم يصح هذا المحكي عنه" (2) .اهـ
وقال الشوكاني رحمه الله متعقباً كلام النووي في عدم الاعتداد بخلاف داود مع علمه وورعه، وأخذ جماعة من الأئمة الأكابر بمذهبه من التعصبات التي لا مستدل لها إلا مجرد الهوى والعصبية، وقد كثر هذا الجنس في أهل
_________
(1) نصب الراية (1/88) .
(2) نيل الأوطار (1/134) .(3/641)
المذاهب، وما أدري ما هو البرهان الذي قام لهؤلاء المحققين حتى أخرجوه من دائرة علماء المسلمين. فإن كان لما وقع منه من المقالات المستبعدة، فهي بالنسبة لمقالات غيره المؤسسة على محض الرأي المضادة لصريح الرواية في حيز القلة المتبادلة؛ فإن التعويل على الرأي، وعدم الاعتناء بعلم الأدلة، قد أفضى بقوم إلى التمذهب بمذاهب لا يوافق الشريعة منها إلا القليل النادر. وأما داود فما في مذهبه من البدع التي أوقعه فيها تمسكه بالظاهر، وجموده عليه في غاية الندرة، ولكن: لهوى النفوس سريرة لا تعلم (1) .
قال الذهبي في السير: " للعلماء قولان في الاعتداء بخلاف داود وأتباعه
ـ فمن اعتد بخلافهم، قال: ما اعتدادنا بخلافهم؛ لأن مفرداتهم حجة، بل لتحكى في الجملة. وبعضها سائغ، وبعضها قوي، وبعضها ساقط. ثم ما تفردوا به هو شيء من قبيل مخالفة الإجماع الظني، وتندر مخالفتهم لإجماع قطعي.
ـ ومن اهدرهم، ولم يعتد بهم لم يعدهم في مسائلهم المفردة خارجين بها من الدين، ولا كفرهم بها، بل يقول هؤلاء في حيز العوام، أو هم كالشيعة في الفروع، ولا نلتفت إلى أقوالهم، ولا ننصب معهم الخلاف، ولا يعتنى بتحصيل كتبهم، ولا ندل مستفتياً من العامة عليهم، وإذا تظاهروا بمسالة معلومة البطلان، كمسح الرجلين، أدبناهم وعزرناهم وألزمناهم بالغسل جزماً.
قال الأستاذ أبو إسحاق الاسفراييني: قال الجمهور إنهم _ يعني نفاة القياس _ لا يبلغون رتبة الاجتهاد ولا يجوز تقليدهم القضاء!!
_________
(1) المرجع السابق.(3/642)
ونقل الأستاذ أبو منصور البغدادي، عن أبي علي بن أبي هريرة، وطائفة من الشافعية أنه لا اعتبار بخلاف داود، وسائر نفاة القياس في الفروع دون الأصول.
وقال إمام الحرمين أبو المعالي: الذي ذهب إليه أهل التحقيق أن منكري القياس لا يعدون من علماء الأمة، ولا من حملة الشريعة؛ لأنهم معاندون مباهتون فيما ثبت استفاضةً وتواتراً؛ لأن معظم الشريعة صادر عن الاجتهاد، ولا تفي النصوص بعشر معشارها، وهؤلاء ملتحقون بالعوام.
قال الذهبي: هذا القول من أبي المعالي أداه إليه اجتهاده، وهم أداهم اجتهادهم إلى نفي القول بالقياس، فكيف يرد الاجتهاد بمثله. وندري بالضرورة أن داود كان يقرئ مذهبه ويناظر عليه، ويفتي به في مثل بغداد وكثرة الأئمة بها وبغيرها، فلم نرهم قاموا عليه، ولا أنكروا فتاويه، ولا تدريسه ولا سعوا في منعه من بثه، وبالحضرة مثل إسماعيل القاضي، شيخ المالكية، وعثمان بن بشار الأنماطي، شيخ الشافعية، والمروذي شيخ الحنبلية، وابني الإمام أحمد، وأبي العباس أحمد بن محمد البرتي شيخ الحنفية، وأحمد بن أبي عمران القاضي، ومثل عالم بغداد إبراهيم الحربي. بل سكتوا له حتى لقد قال قاسم بن أصبغ: ذاكرت الطبري ـ يعني ابن جرير ـ وابن سريج، فقلت لهما: كتاب ابن قتيبة في الفقه أين هو عندكما؟ قالا: ليس بشيء، ولا كتاب أبي عبيد. فإذا أردت الفقه فكتب الشافعي وداود ونظرائهما.
ثم كان بعده ابنه أبو بكر وابن المغلس، وعدة من تلامذة داود، وعلى أكتافهم مثل ابن سريج شيخ الشافعية، وأبي بكر الخلال شيخ الحنبلية، وأبي الحسن الكرخي شيخ الحنفية، وكان أبو جعفر الطحاوي بمصر. بل كانوا(3/643)
يتجالسون ويتناظرون ويبرز كل منهم بحججه، ولا يسعون بالداودية إلى السلطان. بل أبلغ من ذلك ينصبون معهم الخلاف في تصانيفهم قديماً وحديثاً، وبكل حال فلهم أشياء أحسنوا فيها، ولهم مسائل مستهجنة يشغب عليهم بها، وإلى ذلك يشير الإمام أبو عمرو بن الصلاح، حيث يقول: الذي اختاره الأستاذ أبو منصور، وذكر أنه الصحيح من المذهب أنه يعتبر خلاف داود، ثم قال ابن الصلاح: وهذا الذي استقر عليه الأمر آخراً، كما هو الأغلب الأعرف من صفو الأئمة المتاخرين الذين أوردوا مذهب داود في مصنفاتهم المشهورة، كالشيخ أبي حامد الاسفراييني، والماوردي، والقاضي أبي الطيب فلولا اعتدادهم به لما ذكروا مذهبه في مصنفاتهم المشهورة. ... قال وأرى أن يعتبر قوله إلا فيما خالف فيه القياس الجلي، وما أجمع عليه القياسيون من أنواعه، أو بناه على أصوله التي قام الدليل القاطع على بطلانها، فاتفاق من سواه إجماع منعقد، كقوله في التغوط في الماء الراكد وتلك المسائل الشنيعة، وقوله: لا ربا إلا في الستة المنصوص عليها، فخلافه في هذا أو نحوه غير معتد به؛ لأنه مبني على ما يقطع ببطلانه.
قلت - القائل الذهبي -: لا ريب أن كل مسالة انفرد بها، وقطع ببطلان قوله فيها، فإنها هدر، وإنما نحكيها للتعجب، وكل مسألة له عضدها نص، وسبقه إليها صاحب، أو تابع فهي من مسائل الخلاف فلا تهدر.
وفي الجملة، فداود بن علي بصير بالفقه، عالم بالقرآن، حافظ للأثر، رأس في معرفة الخلاف من أوعية العلم، له ذكاء خارق، وفيه دين متين، وكذلك في فقهاء الظاهرية جماعة لهم علم باهر، وذكاء قوي، فالكمال عزيز والله الموفق.(3/644)
ونحن نحكي قول ابن عباس في المتعة، وفي الصرف، وفي إنكار العول، وقول طائفة من الصحابة في ترك الغسل من الإيلاج، وأشباه ذلك، ولا نجوز لأحد تقليدهم في ذلك " اهـ كلام الذهبي رحمه الله (1) .
وقد نقلت كلامه رغم طوله لفائدته، فينبغي احترام المخالف، إذا كان من أهل الاجتهاد، وقد قال سبحانه وتعالى:
{ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين} (2) ، وداود وابن حزم وغيرهما من علماء المسلمين من المؤمنين الذي يعتبر إتباعهما بالدليل إتباعاً لسبيل المؤمنين. والله أعلم.
الدليل الثاني:
(687-23) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا غندر، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: سمعت محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان يحدث عن رجل من الأنصار،
عن رجل من أصحاب النبي B، عن النبي B، أنه قال: ثلاث حق على كل مسلم، الغسل يوم الجمعة، والسواك، ويمس من طيب إن كان (3) .
[إسناده ضعيف؛ لإبهام راويه] (4) .
_________
(1) السير (13/104-108) .
(2) النساء: 115.
(3) المصنف (1/434) رقم 4997.
(4) رجاله ثقات، لولا أن فيه راوياً مبهماً. ومداره على سعد بن إبراهيم، واختلف عليه.
فرواه شعبة، فجعل بين محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، وبين الصحابي راوياً مبهماً. أخرجه أحمد (4/34) ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن، سعد بن إبراهيم به. بإسناد ابن أبي شيبة.
وأخرجه أبو يعلى في مسنده (13/110) رقم 7168، من طريق الجدي، أخبرنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم به.
وخالف سفيان شعبة، فرواه عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن رجل من الأنصار من أصحاب النبي B، فجعل المبهم فقط هو الصحابي، وصار الإسناد ظاهره رجاله كلهم ثقات. ورواية شعبة عندي هي المحفوظة.
وقد أخرج رواية سفيان أحمد رحمه الله (4/34) ، قال: حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن رجل من الأنصار من أصحاب النبي B، عن النبي B قال: حق على كل مسلم يغتسل يوم الجمعة، يتسوك ويمس من طيب إن كان لأهله.
وأخرجه أحمد (5/363) ، قال: ثنا وكيع عن سفيان به. وأخرجه الطحاوي (1/116) من طريق أبي نعيم، عن سفيان به. ...(3/645)
وجه الاستدلال من الحديث كالاستدلال بالحديث السابق، والجواب عنه كالجواب عن الحديث السابق.
الدليل الثالث:
(688-24) ما رواه البيهقي، قال: أخبرنا أبو الحسن العلوي، وأبو علي الحسين بن محمد الروذباري، قالا: أنا أبو طاهر محمد بن الحسين المجد أباذي، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا عمرو بن عون الواسطي، ثنا خالد بن عبدالله، عن الحسن بن عبيد الله، عن سعد بن عبيده، عن أبي عبد الرحمن السلمي،
عن علي رضي الله تعالى عنه، قال: أمرنا بالسواك، وقال: إن العبد(3/646)
إذا قام يصلي أتاه الملك، فقام خلفه يستمع القرآن، ويدنو فلا يزال يستمع ويدنو، حتى يضع فاه على فيه فلا يقرأ آية إلا كانت في جوف الملك.
[إسناده صحيح] (1) .
_________
(1) دراسة الإسناد:
أبو الحسن العلوي، هو السيد الإمام، المحدث الصدوق، مسند خرسان، محمد بن الحسين بن داود بن الحسيني، النيسابوري. سير أعلام النبلاء (17/98) .
تابعه أبو علي الحسين بن محمد الروذباري، وهو حافظ مسند، روى سنن أبي داود عن أبي بكر بن داسة، وقد أكثر عنه البيهقي. سير أعلام النبلاء (17/219) ، وتذكرة الحفاظ (3/1078) . وقد تابع بعضهما البعض.
أبو طاهر هو محمد بن الحسن بن محمد النيسابوري المحمد أباذي. وقوله ابن الحسين المجد خطأ. وهو ثقة، وإمام في النحو، كان ابن خزيمة إذا شك في اللغة لا يرجع فيها إلا إلى أبي طاهر، وكان من أعيان الثقات العالمين بمعاني التنزيل. له ترجمة في سير أعلام النبلاء (15/304،329) .
ـ عثمان بن سعيد الدارمي:
هو الإمام الحافظ، صاحب المسند الكبير، والرد على بشر المريسي والجهمية. انظر السير (13/319) ، وتذكرة الحفاظ (2/621) .
ـ عمرو بن عون الواسطي
قال عباس بن محمد الدوري: سمعت يزيد بن هارون يقول: كان عمرو بن عون ممن يزداد كل يوم خيراً. الجرح والتعديل (6/252) رقم 1393.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سئل أبى عن عمرو بن عون فقال ثقة حجة وكان يحفظ حديثه. المرجع السابق.
وذكره ابن حبان في الثقات. الثقات (8/485)
وقال يزيد بن هارون: عليكم بعمرو بن عون. الجرح والتعديل. (6/252) رقم 1393.
وقال أبو زرعة: قل من رأيت أثبت من عمرو بن عون. المرجع السابق.
قال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد سمعت يحيى بن معين يقول حدثنا عمرو بن عون وأطنب في الثناء. تهذيب الكمال (22/177) .
ـ خالد بن عبد الله الواسطي
قال أحمد: كان ثقة صالحاً في دينه، بلغني انه اشترى نفسه من الله عز وجل ثلاث مرات وخالد أحب إلينا من هشيم. الجرح والتعديل (3/340) 1536.
وقال أبو حاتم الرازي: خالد بن عبد الله الواسطي ثقة صحيح الحديث. المرجع السابق
وقال أبو زرعة: ثقة. المرجع السابق.
ـ عن الحسن بن عبيد الله، وفي المطبوع عبد الله، وهو خطأ.
قال يحيى بن معين كما في رواية إسحاق بن منصور: ثقة صالح. الجرح والتعديل (3/23)
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن الحسن بن عبيد الله النخعي، فقال: ثقة. المرجع السابق. وهو من رجال مسلم، وفي التقريب: ثقة، فاضل.
ـ سعد بن عبيدة السلمي:
قال يحيى بن معين: ثقة. الجرح والتعديل (4/89) .
وقال النسائي: ثقة. تهذيب الكمال (10/290) .
قال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث. الطبقات الكبرى (6/298) .
وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه وكان يرى رأى الخوارج ثم تركه. الجرح والتعديل (4/89) .
ـ أبو عبد الرحمن السلمي.
اختلف في سماعه من علي: فقال شعبة: لم يسمع أبو عبد الرحمن السلمي من عثمان، ولا من عبد الله بن مسعود، ولكنه قد سمع من علي رضي الله عنهم.
وقال أبو حاتم الرازي: ليس تثبت روايته عن علي. المراسيل (ص: 107) رقم 382.
ولم يذكر هذا في الجرح والتعديل، بل قال (5/37) : روى عن عثمان وعلى وابن مسعود، وروى عن عمر مرسلا. ولم ينص على الإرسال إلا عن عمر، ففهم أنه يراه متصلاً عن غير عمر. والله أعلم.
وقال البخاري رحمه الله: سمع عليا وعثمان وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم. التاريخ الكبير (5/72) .
وأبو عبد الرحمن السلمي من رجال الجماعة، قال الحافظ في التقريب: ثقة، ثبت.
تخريج الحديث:
ورواه البيهقي في شعب الإيمان (2/381) قال: أخبرنا أبو علي الروذباري أنا أبو طاهر المحمد أبادي به.
ورواه المقدسي في الأحاديث المختارة (2/197) رقم 580 من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم المزكي، أنا أبو طاهر محمد بن الحسن المحمد أباذي به، وقال: إسناده صحيح.(3/647)
وجه الاستدلال:
قوله أمرنا بالسواك، والأصل في الأمر الوجوب.
ويجاب عن هذا: بأن الأمر صحيح أن الأصل فيه للوجوب، ولكن يستعمل الأمر، ويقصد به الاستحباب، وهذا كثير لقرينة تصرفه عن الوجوب، والقرينة الصارفة، قوله B في الحديث الصحيح المتفق عليه: "لولا أن أشق على آمتي لأمرتهم بالسواك ".
وحديث علي، ظاهره أنه موقوف، لكن مثله لا يمكن أن يقال بالرأي، فيكون له حكم الرفع؛ لأنه أمر غيبي لا بد فيه من توقيف.
ويحتمل أن يكون مرفوعاً؛ لأن قول علي: " أمرنا بالسواك " وقال: إن العبد... الخ كأنه بيان علة الأمر بالسواك؛ فكأنهم أمروا، ثم بين لهم العلة في الأمر.
(689-25) وقد روي مرفوعاً صريحا عند البزار، قال: حدثنا أحمد، قال: سمعت محمد بن زياد يحدث، عن فضيل بن سليمان، عن الحسن بن عبيد الله، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن،
عن علي رضي الله عنه، أنه أمر بالسواك، وقال: قال النبي B: إن(3/649)
العبد إذا تسوك، ثم قام يصلي قام الملك خلفه، فتسمع لقراءته، فيدنو منه أو كلمة نحوها حتى يضع فاه على فيه، فما يخرج من فيه شيء من القرآن إلا صار في جوف الملك، فطهروا أفواهكم للقرآن.
[إسناده ضعيف، وله شاهد من حديث جابر] (1) .
_________
(1) مسند البزار (2/214) رقم 603.
قال الهيثمي في المجمع (2/99) رجاله ثقات.
وقال المنذري في الترغيب والترهيب (1/67) : " إسناده جيد لا بأس به ".
وقال العراقي: رجاله رجال الصحيح إلا أن فيه فضيل بن سليمان النمري، وهو وإن أخرج له البخاري، ووثقه ابن حبان، فقد ضعفه الجمهور " اهـ
قلت: أخرج له البخاري ستة أو سبعة أحاديث كلها قد توبع عليها.
قال ابن حجر في هدي الساري (ص: 435) : فضيل بن سليمان النميري أبو سليمان البصري. قال الساجي: كان صدوقا، وعنده مناكير. وقال عباس الدوري، عن ابن معين: ليس بثقة. وقال أبو زرعة: لين الحديث. روى عنه علي بن المديني وكان من المتشددين. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه وليس بالقوي. وقال النسائي ليس بالقوي ". اهـ
وله شاهد من حديث جابر أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (2/381) رقم 2117، قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن الحسين بن محمد لفظا، ثنا أبو القاسم سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبي، ثنا شريك، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله B:
إذا قام أحدكم يصلي من الليل فليستك؛ فإن أحدكم إذا قرأ في صلاته وضع ملك فاه على فيه، ولا يخرج من فيه شيء إلا دخل فم الملك.
ورواه أبو نعيم، كما في البدر المنير (3/163) . قال الشيخ تقي الدين في الإمام: إسناد رواية جابر كلهم موثوقون.
ـ أبو عمر محمد بن الحسين بن محمد
قال الخطيب: الواعظ، الفقيه على مذهب الشافعي، ولى قضاء نيسابور وقدم بغداد وحدث بها، حدثني عنه الحسن بن محمد الخلال، وذكر لي أنه قدم بغداد في حياة أبىحامد الإسفرائيني، قال: وكان إماما نظاراً، وكان أبو حامد يعظمه ويجله. تاريخ بغداد (2/247) رقم 716.
أبو القاسم سليمان بن أحمد، وهو الطبراني، حافظ، مشهور، غني عن التعريف.
ـ محمد بن عثمان بن أبي شيبة:
قال فيه ابن عدي: كان محمد بن عبد الله الحضرمي مطين يسيء الرأي فيه، ويقول عصا موسى تلقف ما يأفكون. وسألت عبدان عنه، فقال: كان يخرج إلينا كتب أبيه المسند بخطه في أيام أبيه وعمه، فيسمعه من أبيه. قلت له: وكان إذ ذاك رجلا؟ قال: نعم. قال ابن عدي: ومحمد بن عثمان هذا على ما وصفه عبدان لا بأس به، وابتلى مطين بالبلدية؛ لأنهما كوفيان جميعاً قال فيه ما قال، وتحول محمد بن عثمان بن أبي شيبة إلى بغداد، وترك الكوفة ولم أر له حديثاً منكراً فأذكره. الكامل (6/295) 1782.
وذكره ابن حبان في الثقات. الثقات (9/155) .
وقال الخطيب: كان كثير الحديث واسع الرواية ذا معرفة وفهم وله تاريخ كبير. تاريخ بغداد (3/42) رقم 979.
سئل عبدان عن بن عثمان بن أبى شيبة، فقال: ما علمنا إلا خيراً، كتبنا عن أبيه المسند، بخط ابنه الكتاب الذي يقرأ علينا. المرجع السابق.
قال أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدى بعد أن اختبر ما بين مطين وابن أبي شيبة: ظهر أن الصواب الإمساك عن القبول عن كل واحد منهما في صاحبه. المرجع السابق.
ذكر ابن المنادى وفاته، ثم قال: كنا نسمع شيوخ أهل الحديث وكهولهم يقولون: مات حديث الكوفة بموت موسى بن إسحاق، ومحمد بن عثمان، وأبى جعفر الحضرمي، وعبيد بن غنام. قال الخطيب: وكانت وفاة هؤلاء الأربعة في سنة واحدة. المرجع السابق.
وقال صالح جزرة ثقة. تذكرة الحفاظ (2/661) رقم 681
وقال عبد الله بن أحمد: كذاب. المرجع السابق.
وقال البرقاني: لم أزل أسمع أنه مقدوح فيه. المرجع السابق.
قال الذهبي: الحافظ البارع محدث الكوفة. المرجع السابق.
من الطائفة التي حكى بن عقدة عنهم أنهم كذبوا محمد بن أبي شيبة: جعفر الطيالسي وعبد الله بن إبراهيم بن قتيبة، وجعفر بن هذيل، ومحمد بن أحمد العدوي. اللسان (5/280) .
وقال مسلمة بن قاسم: لا بأس به كتب الناس عنه، ولا أعلم أحداً تركه. المرجع السابق.
ـ أبو سفيان: هو طلحة بن نافع.
قال سفيان ابن عيينة: حديث أبى سفيان عن جابر إنما هي صحيفة. الجرح والتعديل (4/475) .
وقال شعبة: مثله. الضعفاء الكبير (2/224) .
وقال أحمد بن حنبل: ليس به بأس. المرجع السابق.
قال ابن أبى خيثمة: سئل يحيى بن معين عن أبى سفيان فقال لا شيء. المرجع السابق.
وفي التقريب: صدوق.
قلت: قد عنعن، وقد قال شعبة: أبو سفيان لم يسمع من جابر إلا أربعة أحاديث.
وقال: علي بن المديني: مثله.
وقال ابن حجر: لم يخرج البخاري له سوى أربعة أحاديث، وأظنها التي عناها شيخه علي بن المديني. وعده ابن حجر في المرتبة الثالثة، أي من المكثرين.
وعلى كل حال فالحديث شاهد صالح لحديث فضيل بن سليمان، عن الحسن بن عبيد الله، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن علي مرفوعاً.(3/650)
الدليل الرابع:
(690-26) ما رواه أحمد، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، ثنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن نافع،
عن ابن عمر أن النبي B قال: عليكم بالسواك فإنه مطيبة للفم، ومرضاة للرب (1) .
_________
(1) مسند أحمد (2/108) ، وسبق أن خرجت الحديث، من طرق، كثيرة، وكلها لم تذكر ما ذكره ابن لهيعة رحمه الله.
ورواه ابن حبان (1070) من طريق حماد بن سلمة، عن عبيد الله بن عمر، عن المقبري، عن أبي هريرة، قال رسول الله B: عليكم بالسواك؛ فإنه مطهرة للفم مرضاة للرب عز وجل. وهذا أيضاً شاذ، وقد رواه جمع من الحفاظ، عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة بلفظ: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك " وقد تكلمت على طرقه في أدلة القول الأول، فلا داعي لإعادته.
ولو كانت الزيادة محفوظة، لكان الجواب عنها ظاهراً، وإن الأمر فيها للاستحباب، والصارف عن الوجوب الأحاديث الصحيحة التي خرجناها في أدلة الجمهور على الاستحباب. والله أعلم.(3/652)
وجه الاستدلال:
قوله: " عليكم بالسواك ": أي إلزموا، والتعبير بها ظاهر بالوجوب.
وأجيب:
بأن زيادة عليكم بالسواك غير محفوظة، تفرد بها ابن لهيعة.
دليل من قال السواك واجب على النبي B خاصة.
الدليل الأول
(691-27) استدلوا بما رواه أبو داود أحمد، قال: ثنا يعقوب، ثنا أبى، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري ثم المازني مازن بنى النجار، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، قال: قلت له: أرأيت وضوء عبد الله بن عمر لكل صلاة طاهراً كان أو غير طاهر عم هو؟ فقال: حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة بن أبى عامر ابن الغسيل حدثها
أن رسول الله B كان أمر بالوضوء لكل صلاة طاهراً كان أو غير طاهر، فلما شق ذلك على رسول الله B أمر بالسواك عند كل صلاة، ووضع عنه الوضوء إلا من حدث. قال: فكان عبد الله يرى أن به قوة(3/653)
على ذلك فكان يفعله حتى مات (1) .
[في إسناده اختلاف وحسن إسناده الحافظ] (2) .
_________
(1) مسند أحمد (5/225)
(2) اختلف في إسناده:
فقيل: عن أحمد بن خالد الوهبي، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر. صحيح البخاري (888) .
ورواه إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق به، إلا أنه قال: عن عبيد الله بدلاً من عبد الله.
وهنا الاختلاف لا يضر إن شاء الله؛ لأن مداره على ثقة. لكن قال الحافظ ابن عساكر، كما في تحفة الأشراف (4/315) : " رواه علي بن المجاهد، وسلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، عن محمد بن يحيى بن حبان.
ولولا أن ابن إسحاق قد صرح في التحديث في رواية إبراهيم بن سعد لقلنا: إنه عنعن، فيحتمل وجود واسطة بين محمد بن إسحاق، وبين محمد بن يحيى بن حبان.
وعلي بن مجاهد متروك، وسلمة بن الفضل كثير الخطأ. فالراجح أن الاختلاف إما بذكر عبد الله أو بذكر عبيد الله. وكلاهما ثقة.
وهناك اختلاف رابع على محمد بن إسحاق، فقد رواه الترمذي (58) ، قال: حدثنا محمد بن حميد الرازي، حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن حميد،
عن أنس أن النبي B كان يتوضأ لكل صلاة طاهراً أو غير طاهر. قال: قلت لأنس فكيف كنتم تصنعون أنتم؟ قال: كنا نتوضأ وضوءاً واحداً.
قال أبو عيسى: وحديث حميد عن أنس حديث حسن غريب من هذا الوجه، والمشهور عند أهل الحديث حديث عمرو بن عامر الأنصاري عن أنس.
وسلمة بن الفضل كما قلت: كثير الخطأ، فهو بهذا الإسناد منكر.
هذا ملخص الاختلاف فيه على ابن إسحاق.
قال العلائي: في إسناده اختلاف. جامع التحصيل (ص: 209) .
وقال ابن حجر في التخليص (3/120) : إسناده حسن.
وأخرجه المقدسي في الأحاديث المختارة (9/265) .
وقال ابن كثير بعد أن ساق الاختلاف في إسناده على عبد الله وعبيد الله، قال (2/23) : وأياً ما كان فهو إسناد صحيح، وقد صرح ابن إسحاق فيه بالتحديث والسماع من محمد بن يحيى بن حبان، فزال محذور التدليس. لكن قال الحافظ ابن عساكر رواه سلمة بن الفضل وعلي بن مجاهد، عن ابن إسحاق، عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن محمد بن يحيى بن حبان به. والله أعلم. اهـ
وكون مدار هذا الإسناد على محمد بن إسحاق، وقد تفرد بمثل هذا، ولم يسلم من الاختلاف عليه في إسناده، فأخشى ألا يكون محفوظاً.
تخريج الحديث:
الحديث مداره على ابن إسحاق، وله ثلاثة طرق:
الطريق الأول: إبراهيم ين سعد، عن ابن إسحاق بذكر عبيد الله.
الحديث رواه أحمد، كما في متن الباب، ومن طريق أحمد أخرجه ضياء الدين المقدسي في الأحاديث المختارة (9/266) .
وأخرجه ابن خزيمة (1/11) 15 من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد به.
وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/285) من طريق إبراهيم بن سعد به.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.
الطريق الثاني: أحمد بن خالد الوهبي، عن ابن إسحاق بذكر عبد الله.
رواه أبو داود (48) قال: حدثنا محمد بن عوف الطائي، ثنا أحمد بن خالد، ثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، قال: قلت: أرأيت توضؤ ابن عمر لكل صلاة طاهراً أو غير طاهر، عم ذاك؟ فقال: حدثتنيه أسماء بنت زيد بن الخطاب،
أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر حدثها، أن رسول الله B أمر بالوضوء لكل صلاة طاهراً وغير طاهر، فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك لكل صلاة، فكان ابن عمر يرى أن به قوة، فكان لا يدع الوضوء لكل صلاة.
قال أبو داود إبراهيم بن سعد رواه عن محمد بن إسحاق قال: عبيد الله بن عبد الله.
ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي (1/37) .
وتابع أحمد بن عمرو بن الضحاك أبا دواد، فأخرجه في الآحاد والمثاني (4/244) ، قال: حدثنا محمد بن عوف ثنا أحمد بن خالد به.
ومن طريق أحمد بن خالد الوهبي أخرجه كل من الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/42) وضياء الدين المقدسي في المختارة (9/265) رقم 227. وتهذيب الكمال (14/438) .
ورواه الدارمي، عن أحمد بن خالد الوهبي، إلا أنه خالف غيره، فقال: عبيد الله بدلاً من عبد الله، والمحفوظ أن عبيد الله لم يُذْكر إلا في طريق إبراهيم بن سعد، أما أحمد بن خالد الوهبي فقال: عبد الله، فلعله اشتبه عليه رواية إبراهيم بن سعد، برواية أحمد بن خالد. والله أعلم، فقد أخرجه الدارمي (658) ، قال: أخبرنا أحمد بن خالد، ثنا محمد هو بن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، قال: قلت: أرأيت توضأ بن عمر لكل صلاة طاهرا أو غير طاهر عم ذلك؟ وذكر الحديث.(3/654)
الدليل الثاني:
(692-28) ما رواه الطبراني، قال: حدثنا بكر، قال: نا عبد الغني بن سعيد الثقفي، قال: نا موسى بن عبد الرحمن الصنعاني، عن هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله B:
ثلاث هن علي فريضة وهو لكم سنة: الوتر، والسواك،، وقيام الليل.
[إسناده ضعيف جداً] (1) .
_________
(1) المعجم الأوسط للطبراني (3/315) رقم 3266.
ورواه البيهقي (7/39) ، قال: وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قراءة عليه وعبد الله بن يوسف الأصبهاني إملاء، قالا: ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، ثنا بكر بن سهل ثنا عبد الغني بن سعيد الثقفي، ثنا موسى بن عبد الرحمن الصنعاني به.
قال البيهقي: موسى بن عبد الرحمن هذا ضعيف جداً، ولم يثبت في هذا إسناد والله أعلم.
وقال ابن حبان في موسى بن عبد الرحمن: شيخ دجال، يضع الحديث، روى عنه عبد الغني بن سعيد الثقفي، وضع على ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس كتاباً في التفسير، جمعه من كلام الكلبي، ومقاتل بن سليمان وألزقه بابن جريج، عن عطاء عن ابن عباس، ولم يحدث به ابن عباس، ولا عطاء سمعه، ولا ابن جريج سمع من عطاء، وإنما سمع ابن جريج من عطاء الخراساني، عن ابن عباس في التفسير أحرفاً شبيهاً بجزء. وعطاء الخراساني لم يسمع من ابن عباس شيئاً، ولا رآه. لا تحل الرواية عن هذا الشيخ، ولا النظر في كتابه إلا على سبيل الاعتبار. المجروحين (2/242) رقم 918.
قال ابن عدي: منكر الحديث، ثم ذكر له أحاديث وقال في آخرها: هذه الأحاديث بواطيل. الكامل (6/349) .
وقال سبط بن العجمي: معروف، وليس بثقة. الكشف الحثيث. (794) .(3/656)
الدليل الثالث:
(693-29) وروى الطبراني في المعجم الأوسط (1) وفي الكبير (2) ، قال: حدثنا محمد بن علي المروزي، ثنا الحسين بن سعد بن علي بن الحسين بن واقد، حدثني جدي، عن علي بن الحسين، حدثني أبي، ثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس، عن النبيB، قال: أمرت بالسواك حتى خفت على أسناني.
[حسن بالمجموع، وقد سبق بحثه]
والجواب عنه كالجواب عما سبقه من الأحاديث.
_________
(1) المعجم الأوسط (7/95) ح 6960.
(2) (11/453) ح 12286.(3/657)
[صفحة فارغة](3/658)
الفصل الثاني
حكم السواك للصائم
الفصل الثاني
حكم السواك للصائم
اختلف العلماء في هذه المسألة:
فقيل: لا يكره مطلقاً قبل الزوال، وبعده. وهو مذهب الحنفية (1) .
وقيل: يكره بعد الزوال، وهو المشهور من مذهب الشافعية (2) ، والحنابلة (3) .
وقيل: يكره السواك الرطب مطلقاً، قبل الزوال وبعده، ويجوز باليابس مطلقاً، قبل الزوال، وبعده، وهو مذهب مالك (4) ، ورواية عن أحمد (5) .
دليل القائلين بالكراهة.
الدليل الأول:
(694-30) ما رواه البخاري، قال: حدثني عبد الله بن محمد، حدثنا هشام، أخبرنا، معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب،
_________
(1) الأصل (2/244).
(2) الأم (2/101)، المجموع (1/332)، حاشيتا قليوبي وعميرة (1/58)، مغني المحتاج (1/185)، حاشية الجمل (1/119)، حاشية البجيرمي على الخطيب (1/121)، مطالب أولي النهى (1/81).
(3) الفروع (1/125)، أسنى المطالب (1/35).
(4) قال ابن عبد البر في التمهيد (19/58): " وأما السواك الرطب فيكرهه مالك وأصحابه وبه قال أحمد وإسحاق وهو قول زياد بن حدير وأبي ميسرة والشعبي والحكم بن عتيبة وقتادة.
(5) الإنصاف (1/117)، الفروع (1/125).(3/659)
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي B، قال: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. والحديث في مسلم (1) .
_________
(1) وهذا لفظ البخاري.
وأخرجه البخاري (1904) ومسلم (1151) ، من طريق ابن جريج، قال: أخبرني عطاء، عن أبي صالح الزيات، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله B: قال الله كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله ـ زاد مسلم: يوم القيامة ـ من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه.
وحديث خلوف فم الصائم جاء من حديث أبي هريرة كما سبق.
ومن حديث أبي سعيد، وابن مسعود، والحارث الأشعري، وعلي بن أبي طالب، وجابر. وإليك بيانها.
أما حديث أبي سعيد، فأخرجه مسلم (1151ـ 165) ، قال: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن فضيل، عن أبي سنان، عن أبي صالح،
عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما، قالا: قال رسول الله B: إن الله عز وجل يقول: إن الصوم لي وأنا أجزي به، إن للصائم فرحتين إذا أفطر فرح وإذا لقي الله فرح والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
وأما حديث ابن مسعود، فقد رواه أحمد (1/446) قال عبد الله بن أحمد بن حنبل قرأت على أبي، حدثكم عمرو بن مجمع أبو المنذر الكندي، قال: أخبرنا إبراهيم الهجري، عن أبي الأحوص،
عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله B: إن الله عز وجل جعل حسنة ابن آدم بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف إلا الصوم، والصوم لي وأنا أجزي به، وللصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره وفرحة يوم القيامة، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
[وإسناده ضعيف]
فيه: عمرو بن مجمع.
قال الحافظ: قال ابن معين، وآخرون منهم الدارقطني: ضعيف. تعجيل المنفعة (804) .
وقال ابن معين أيضاً: ليس حديثه بشيء. تاريخ بغداد (12/194) رقم6657.
وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث. الجرح والتعديل (6/265) رقم 1461.
وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، إما إسناداً، وإما متناً. الكامل (5/131) .
وصحح ابن خزيمة حديثه لكن في المتابعات. تعجيل المنفعة (804) .
وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ. الثقات (7/230) .
وفيه أيضاً إبراهيم الهجري:
قال النسائي: ضعيف. الضعفاء والمتروكين (6) .
وقال البخاري: كان ابن عيينة يضعفه. الضعفاء الصغير (10) .
وقال ابن سعد: كان ضعيفاً في الحديث. الطبقات الكبرى (6/341) .
قال ابن حبان: كان ممن يخطئ. المجروحين (1/99) .
قال سفيان بن عيينة: أتيت إبراهيم الهجري فدفع إلي عامة حديثه، فرحمت الشيخ، فأصلحت له كتابه، فقلت: هذا عن عبد الله، وهذا عن النبي B، وهذا عن عمر. الكامل (1/211) . وعلى هذا فيكون حديث سفيان بن عيينة، عن إبراهيم الهجري مقبولاً.
قال يحيى بن معين: إبراهيم الهجري، ليس بشيء. الجرح والتعديل (2/131) .
وقال ابن عدي: إبراهيم الهجري هذا حدث عنه شعبة والثوري وغيرهما، وأحاديثه عامتها مستقيمة المتن، وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبي الأحوص عن عبد الله، وهو عندي ممن يكتب حديثه. المرجع السابق.
قال أبو حاتم الرازي: إبراهيم الهجري ليس بقوي لين الحديث. الجرح والتعديل (2/131) رقم 417.
وقال الحميدي: قال سفيان: كان الهجري رفاعاً، وكان يرفع عامة هذه الأحاديث. الضعفاء الكبير (1/65) . فالحديث ضعيف، ولكنه صالح في الشواهد.
ورواه شعبة عن أبي الأحوص، واختلف عليه فيه.
فرواه الطيالسي، عن شعبة مرفوعاً.
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (10/98) رقم: 10078، من طريق الطيالسي ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن بن مسعود يرفعه قال الله عز وجل الصوم لي وأنا أجزي به وللصائم فرحتان فرحة حين يفطر وفرحة حين يلقى ربه ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك
وأخرجه أبو نعيم في الحلية (7/173) من طريق أبي الوليد الطيالسي ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله رفعه، قال: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
وخالف غندر أبا الوليد الطيالسي، فرواه عن شعبة موقوفاً.
أخرجه النسائي (2212) وفي الكبرى (2/90) رقم 2522: أخبرنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد قال حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص،
قال عبد الله: قال الله عز وجل الصوم لي وأنا أجزي به، وللصائم فرحتان: فرحة حين يلقى ربه، وفرحة عند إفطاره ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
وغندر من أثبت أصحاب شعبة. ولذا قال النسائي في التحفة (7/398) : " هذا هو الصواب عندنا ". اهـ فصوب وقفه.
ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن أبي إسحاق به مرفوعاً وموقوفاً.
أما المرفوع فأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (10/97) رقم 10077، قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود بلغ به النبي B قال للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة حين يلقى ربه وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
وأما الموقوف، فأخرجه عبد الرزاق في مصنفه (4/308) رقم 7898 عن معمر به.
قلت: الموقوف له حكم الرفع؛ لأن مثل هذا لا يقال بالرأي، وقد روي مرفوعاً من غير طريق أبي إسحاق، أخرجه الطبراني في الكبير (10198) من طريق عبد الحميد بن الحسن الهلالي، عن الأعمش، عن الأسود، عن ابن مسعود ببعضه.
وعبد الحميد روى له الترمذي، وفي التقريب: صدوق يخطئ.
وكما اختلف على شعبة في وقفه ورفعه، اختلف عليه في إسناده.
فرواه أبو الوليد الطيالسي كما عند الطبراني، وغندر كما عند النسائي، وروح كما في النكت الظراف (7/398) ، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود. على خلاف بينهم في وقفه ورفعه، كما سبق بيانه.
وتابع معمر بن راشد شعبة، فرواه عن أبي إسحاق به مرفوعاً، وموقوفاً.
ورواه البزار، كما في كشف الأستار (964) من طريق عمر بن عبد المجيد، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن هبيرة، عن عبد الله رفعه، قال: الصوم جنة، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
وعمر بن عبد المجيد لم أقف عليه.
وأما أبو هبيرة، فقد قال أحمد: أبو هبيرة بن يريم أحب إلينا من الحارث الأعور ولا أعلم حدث عنه غير أبى إسحاق. الجرح والتعديل (9/109) .
وقال أيضاً: لا بأس بحديثه، هو أحسن استقامة من غيره، يعنى الذين روى عنهم أبو إسحاق وتفرد بالرواية عنهم. المرجع السابق.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبى عن هبيرة بن يريم، قلت: يحتج بحديثه؟ قال: لا هو شبيه بالمجهولين. المرجع السابق.
وقال ابن عدي: يحدث عنه أبو إسحاق بأحاديث، وهذه الأحاديث التي ذكرتها هي مستقيمة، ورواه عن أبى إسحاق الثوري وشعبة ونظرائهما، وأرجو أنه لا بأس به. الكامل (7/133) رقم 2049.
وقال ابن سعد: كان معروفاً، وليس بذاك. الطبقات الكبرى (6/170) .
وقال الساجي: قال يحيى بن معين: هو مجهول. تهذيب التهذيب (11/23) .
وقال النسائي في الجرح والتعديل: أرجو أن لا يكون به بأس، ويحيى وعبد الرحمن لم يتركا حديثه، وقد روى غير حديث منكر. المرجع السابق. وفي التقريب: لا بأس به. وقد عيب في التشيع.
ورواية الجماعة عن شعبة هي المحفوظة، والله أعلم.
وأما حديث الحارث الأشعري:
فقد أخرجه أحمد (4/130) ، 202) ، قال: ثنا عفان، ثنا أبو خلف موسى بن خلف ـ كان يعد في البدلاء ـ ثنا يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن جده ممطور،
عن الحارث الأشعري أن نبي الله B، قال إن الله عز وجل أمر يحيى بن زكريا عليهما السلام بخمس كلمات أن يعمل بهن، وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، وكاد أن يبطئ، فقال له عيسى: إنك قد أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن، وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، فإما أن تبلغهن، وإما أن أبلغهن. فقال: يا أخي إني أخشى إن سبقتني أن أعذب، أو يخسف بي. قال: فجمع يحيى بني إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد، فقعد على الشرف، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إن الله عز وجل أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن، وآمركم أن تعملوا بهن: أولهن أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئاً، فإن مثل ذلك، مثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بورق أو ذهب، فجعل يعمل ويؤدي غلته إلى غير سيده، فأيكم سره أن يكون عبده كذلك، وان الله عز وجل خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئا. وآمركم بالصلاة؛ فإن الله عز وجل ينصب وجهه لوجه عبده، ما لم يلتفت، فإذا صليتم فلا تلتفتوا. وآمركم بالصيام؛ فإن مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك، في عصابة كلهم يجد ريح المسك وإن خلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك. وآمركم بالصدقة؛ فان مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو، فشدوا يده إلى عنقه وقدموه ليضربوه. فقال: هل لكم أن أفتدي نفسي منكم، فجعل يفتدي نفسه منهم بالقليل والكثير حتى فك نفسه. وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، وأن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعاً في أثره، فأتي حصناً حصيناً، فتحصن فيه وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. قال: فقال رسول الله B: وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن: بالجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله؛ فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثاء جهنم. قالوا: يا رسول الله وإن صام وإن صلى. قال: وإن صام وإن صلى وزعم أنه مسلم، فادعوا المسلمين بأسمائهم بما سماهم الله عز وجل المسلمين المؤمنين عباد الله عز وجل.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات إلا أبا خلف موسى بن خلف، فإنه صدوق، وقد تابعه ثقة، والحديث صحيح.
قال بن معين: لم يلق يحيى بن أبي كثير زيد بن سلام، وقدم معاوية بن سلام عليهم فأخذ كتابه عن أخيه، ولم يسمعه، فدلسه عنه. تاريخ ابن معين (4/207) .
وقال أبو حاتم قد سمع منه. المراسيل لابنه (ص: 241) ، تهذيب التهذيب (11/235) .
وقال أبو بكر الأثرم: قلت: لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: يحيى بن أبي كثير سمع من زيد بن سلام؟ فقال: ما أشبهه. قلت له: إنهم يقولون سمعها من معاوية بن سلام. فقال لو سمعها من معاوية لذكر معاوية، هو يبين في أبي سلام، يقول: حدث أبو سلام. ويقول: عن زيد، أما أبو سلام فلم يسمع منه، ثم أثنى أبو عبد الله على يحيى بن أبي كثير. تهذيب الكمال (10/77) .
قلت: رواية أبي يعلى صريحة في أنه حدثه، فيكون الحق ما ذكره أحمد، وقد أخرج مسلم من رواية يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام.
تخريج الحديث:
الحديث أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (3/285) رقم 3427، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز نا خلف بن موسى به. ومن طريق خلف بن موسى أخرجه المروزي في تعظيم قدر الصلاة (1/179) ، وابن قانع في معجم الصحابة (1/167)
وأخرجه أبو داود الطيالسي بسند صحيح (1161،1162) ومن طريق أبي داود أخرجه المروزي في تعظيم قدر الصلاة (1/177) ، وابن خزيمة (3/195) ، والحاكم (1/421) حدثنا أبان بن يزيد، عن يحيى بن أبي كثير به. وقال: الحديث على شرط الأئمة صحيح محفوظ.
وأخرجه أبو يعلى في مسنده (1568) حدثنا هدبة بن خالد، ومن طريق هدبة أخرجه الحاكم (1/204) حدثنا أبان بن يزيد به. وهذا سند صحيح. وأخرجه الترمذي (2863) حدثنا محمد بن إسماعيل ـ يعني البخاري ـ حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبان بن يزيد به.
وأخرجه الطبراني في الكبير (3/285) رقم 3428، قال: أحمد بن داود المكي، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا أبان بن يزيد به.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه كما في الموارد (ص: 298،372) من طريق أبان بن يزيد به.
وتابع يحيى بن أبي كثير معاوية بن سلام، ببعضه " من دعا بدعوة الجاهلية..الخ.
أخرجه النسائي في الكبرى (5/272) (6/412) ، قال: أخبرنا هشام بن عمار قال حدثنا محمد بن شعيب قال أخبرني معاوية بن سلام، أن أخاه زيد بن سلام أخبره عن جده أبي سلام أنه أخبره، قال:
أخبرني الحارث الأشعري، عن رسول الله B قال: من دعا بدعوى جاهلية، فإنه من جثي جهنم، فقال رجل: يا رسول الله وإن صام وصلى. قال: نعم، وإن صام وصلى، فادعوا بدعوة الله التي سماكم الله بها المسلمين المؤمنين عباد الله.
وأخرجه ابن خزيمة (1/244) ، قال: نا أبو محمد فهد بن سليمان المصري، نا أبو توبة يعني الربيع بن نافع، نا معاوية بن سلام به بلفظ: إن الله عز وجل أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات يفعل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يفعلوا بهن. وذكر الحديث مختصراً.
ومن طريق أبي توبة أخرجه الطبراني في الكبير (3/287) وذكره بطوله. كما أخرجه من طريق الطبراني المزي في تهذيب الكمال (5/217،218) .
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (2/282) من طريق مروان بن محمد ثنا معاوية بن سلام به.
وأما حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقد أخرجه النسائي (2211) ، قال: أخبرني هلال بن العلاء، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عبيد الله، عن زيد، عن أبي إسحق، عن عبد الله بن الحارث،
عن علي بن أبي طالب، عن رسول الله B، قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: الصوم لي، وأنا أجزي به، وللصائم فرحتان حين يفطر وحين يلقى ربه، والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
في إسناده العلاء بن هلال بن عمر: والد هلال.
قال النسائي: العلاء بن هلال يروي عنه ابنه هلال بن العلاء غير حديث منكر، فلا أدري منه أتي، أو من أبيه. الكامل (5/223) .
وقال أبو حاتم الرازي: منكر الحديث، ضعيف الحديث، عنده عن يزيد بن زريع أحاديث موضوعة. الجرح والتعديل (6/361) .
وقال ابن حبان: كان ممن يقلب الأسانيد، ويغير الأسماء، لا يجوز الاحتجاج به بحال، روى عن يزيد بن زريع، عن أيوب، عن ابن مليكة،
عن عائشة عن النبي B: قال من قلم أظفاره يوم الجمعة عافاه الله من السوء كله إلى يوم الجمعة الأخرى، رواه المنكدر، عن هلال بن العلاء، عن أبيه. المجروحين (2/184) . وفي التقريب: فيه لين.
ورواه البزار في مسنده (3/129) رقم 915 حدثنا هلال بن العلاء، نا أبي به.
ثم قال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن علي، عن النبي B إلا من هذا الوجه. تفرد به علي.
وأما حديث جابر، فرواه البيهقي في شعب الإيمان (3/303) رقم 3603، قال: أخبرنا أبو محمد بن يوسف الأصبهاني، ثنا أبو سعيد بن الأعرابي، ثنا محمد بن إسماعيل الصائغ، ثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاق، ثنا الهيثم بن الحواري، عن زيد العمي،
عن أبي نضرة قال سمعت جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله B: أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسا لم يعطهن نبي قبلي، قال: وأما الثانية: فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك. وذكر الباقي.
وهذا إسناد ضعيف. الهيثم بن الحواري لم أقف على ترجمته، وقد ذكره المزي في تلاميذ زيد العمي.
وزيد العمي: ضعيف.
وقد عزاه ابن الملقن في البدر المنير (1/83) والحافظ في تلخيص الحبير (1/101) إلى مسند الحسن بن سفيان، ونسبه النووي في المجموع (1/330) إلى مسند الحسن بن سفيان، وقال أيضاً: رواه أبو بكر الإسماعيلي في أماليه، وقال: هو حديث حسن. والله أعلم.(3/660)
وجه الاستدلال:
أن الخلوف، وهو الرائحة الكريهة، التي تكون بالفم عند خلو المعدة من الطعام، والخلوف لايظهر غالباً إلا في آخر النهار، ولذا حدوه بالزوال، وإذا كان ناشئاً عن طاعة وعبادة، فلا ينبغي إزالته قياساً على دم الشهيد، فإنه لما كان أثر عبادة أمر رسول الله B بأن لا يغسل، وأن يدفن الشهيد بدمه،
(695-31) كما رواه البخاري، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف،(3/667)
حدثنا الليث، قال: حدثني ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال:
كان النبي B يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة، وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا، ولم يصل عليهم (1) .
أدلة القول الثاني.
استدل القائلون بأن السواك مشروع مطلقاً للصائم وغيره، قبل الزوال وبعده بأدلة منها:
الدليل الأول:
(696-32) ما رواه أحمد، قال: حدثنا وكيع وعبد الرحمن، عن سفيان، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة،
عن أبيه، قال: رأيت رسول الله B ما لا أعد وما لا أحصى يستاك وهو صائم.
وقال عبد الرحمن: ما لا أحصى يتسوك وهو صائم.
[إسناده ضعيف] (2) .
_________
(1) صحيح البخاري (1343) .
(2) في الإسناد: عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب.
كان ابن عيينة لا يحمد حفظ عاصم بن عبيد الله. الجرح والتعديل (6/347) .
قال عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل: سئل أبى عن عاصم بن عبيد الله وعبد الله بن محمد بن عقيل؟ فقال: ما أقربهما كان ابن عيينة يقول: كان الأشياخ يتقون حديث عاصم بن عبيد الله. قال: وسمعته يعنى أحمد أباه يقول: عاصم بن عبيد الله ليس بذاك. الجرح والتعديل (6/347) .
قرئ على العباس بن محمد الدوري، قال: سئل يحيى بن معين عن عاصم بن عبيد الله فقال ضعيف لا يحتج بحديثه، وهو أضعف من سهيل والعلاء بن عبد الرحمن. الجرح والتعديل (6/347) .
وقال ابن حبان: كان سيء الحفظ كثير الوهم فاحش الخطأ فترك من أجل كثرة خطئه. المجروحين (2/127) .
وكان عبد الرحمن بن مهدي ينكر حديث عاصم بن عبيد الله أشد الإنكار. الكامل (5/225) .
وقال ابن عدي: روى عنه سفيان الثوري وابن عيينة وشعبة وغيرهم من ثقات الناس وقد احتمله الناس وهو مع ضعفه يكتب حديثه. الكامل (5/225) .
وسئل أبو زرعة عن عاصم بن عبيد الله، فقال: قال لي محمد بن عبد الله بن نمير عاصم بن عبيد الله أحب إليك أم بن عقيل؟ فقلت: ابن عقيل يختلف عليه في الأسانيد، وعاصم منكر الحديث في الأصل، وهو مضطرب الحديث. الجرح والتعديل (6/347) .
وقال أبو حاتم الرازي: منكر الحديث مضطرب الحديث ليس له حديث يعتمد عليه وما أقربه من ابن عقيل. الجرح والتعديل (6/347) .
وقال ابن خزيمة: كنت لا أخرج حديث عاصم بن عبيد الله في هذا الكتاب، ثم نظرت فإذا شعبة والثوري قد رويا عنه، ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي، وهما إماما أهل زمانهما قد رويا عن الثوري عنه، وقد روى عنه مالك خبرا في غير الموطأ.
قلت: رواية شعبة ومالك ليست تعديلاً.
أما شعبة فقد قال عنه: عاصم بن عبيد الله لو قلت له: من بنى مسجد النبي؟ لقال: حدثني فلان، عن فلان أن النبي B بناه. الضعفاء الكبير (3/333) .
وأما مالك فقد قال علي بن المديني: حدثني شيخ لنا، قال: قال لي مالك: شعبتكم هذا يشدد في الرجال ويروي عن عاصم بن عبيد الله!! الكامل (5/225) .
الحديث مداره على عاصم بن عبيد الله، ويرويه عن عاصم اثنان:
الطريق الأول: سفيان، عن عاصم.
أخرجه أحمد كما في الباب، وأخرجه أبو داود الطيالسي (1144) حدثنا سفيان الثوري به. وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (7479، 7484) ، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه عبد بن حميد كما في المنتخب (318) عن الثوري به.
ورواه أحمد (3/446) حدثنا يحيى، ومن طريق يحيى بن سعيد القطان أخرجه أبو داود (2364) ، عن سفيان به.
ورواه أبو يعلى (7139) من طريق ابن المبارك، عن سفيان به.
وأخرجه أحمد كما في الباب عن ابن مهدي، ومن طريق ابن مهدي أخرجه الترمذي (725) ، والدارقطني (2/202) ، عن الثوري به. قال الدارقطني: عاصم بن عبيد الله غيره أثبت منه ". اهـ
وأخرجه الحميدي (141) حدثنا سفيان ـ يعني ابن عيينة ـ ومن طريق ابن عيينة أخرجه ابن خزيمة (2007) ، عن الثوري به.
وأخرجه المقدسي في الأحاديث المختارة (8/183) ، والعقيلي في الضعفاء (3/333) من طريق أبي نعيم، عن سفيان به.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (4/272) من طريق ابن وهب، عن الثوري به.
ورواه البخاري معلقاً بصيغة التمريض، باب الصيام، باب السواك الرطب واليابس للصائم.
الطريق الثاني: شريك بن عبد الله، عن عاصم بن عبيد الله.
رواه ابن أبي شيبة (2/294) رقم: ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه الدارقطني (2/202) ، والمقدسي في الأحاديث المختارة (8/183) ، قال: حدثنا شريك عن عاصم به. والحديث بالجملة ضعيف، لضعف عاصم. والله أعلم.(3/668)
الدليل الثاني:
(697-33) ما رواه ابن ماجه، قال: حدثنا عثمان بن محمد بن أبي شيبة، ثنا أبو إسماعيل المؤدب، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق،
عن عائشة، قالت: قال رسول الله B: من خير خصال الصائم(3/670)
السواك.
[إسناده ضعيف] (1) .
_________
(1) سنن ابن ماجه (1677) . هذا إسناد حسن لولا مجالد بن سعيد.
قال النسائي: كوفي ضعيف. الضعفاء والمتروكين (552) .
وقال ابن سعد: كان ضعيفاً في الحديث. الطبقات الكبرى (6/349) .
وقال يحيى بن سعيد القطان: ما كنت أشاء أن يقول لي مجالد من حديث من رأى الشعبي عن مسروق إلا فعل. المرجع السابق.
وقال أيضاً لعبد الله أين تذهب؟ قال: أذهب إلى وهب بن جرير اكتب السيرة _ يعنى عن مجالد _ قال: تكتب كذباً كثيراً، لو شئت أن يجعلها لي مجالد كلها، عن الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله فعل. الجرح والتعديل (8/361) .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سئل أبى عن مجالد بن سعيد يحتج بحديثه؟ قال: لا، وهو أحب إلي من بشر بن حرب وأبى هارون العبدي وشهر بن حوشب، وأحب إلي من داود الأودي وعيسى الحناط، وليس مجالد بقوي الحديث. المرجع السابق.
قال أحمد: مجاهد ليس بشيء. الضعفاء الصغير (ص: 112) رقم 368.
قال يعقوب بن سفيان: تكلم الناس فيه، وهو صدوق. تهذيب التهذيب (10/36) .
وقال الدارقطني: يزيد بن أبي زياد أرجح منه ومجالد لا يعتبر به. المرجع السابق.
وقال البخاري صدوق. المرجع السابق. ولم أقف على كلام البخاري، بل ذكره البخاري في الضعفاء الصغير، وذكر في التاريخ الكبير (8/9) 1950 تضعيف ابن مهدي وابن القطان، ولم يتعقبه.
قال ابن أبي حاتم: قال عبد الرحمن بن مهدي: حديث مجالد عند الأحداث يحيى بن سعيد، وأبى أسامة ليس بشيء، ولكن حديث شعبة وحماد بن زيد وهشيم وهؤلاء القدماء. قال أبو محمد: يعنى: إنه تغير حفظه في آخر عمره. الجرح والتعديل (8/361) .
قلت: روى مسلم من رواية أصحابه القدماء كهشيم بن بشير عنه. وأبو إسماعيل المؤدب يعتبر من صغار أصحابه؛ لأن شعبة وهشيماً من الطبقة السابعة، بينما إسماعيل من الطبقة التاسعة، وعليه تكون رواية مجالد بعد ما تغير.
تخريج الحديث:
الحديث رواه الطبراني في الأوسط (8/244) رقم 8626 حدثنا معاذ، ومن طريق معاذ أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (4/272) نا يحيى بن معين، ثنا إسماعيل المؤدب، عن مجالد به.
وأخرجه الدارقطني (2/203) من طريق الحسن بن عرفة، حدثنا أبو إسماعيل المؤدب، عن مجالد به. قال الدارقطني: مجالد غيره أثبت منه.
وضعف الحديث البيهقي في السنن (4/272) ، والبوصيري في الزوائد (2/66) والحافظ بن حجر في التلخيص (1/114) .
ورواه الطبراني في الأوسط (8/209) رقم 8420 حدثنا موسى بن عيسى الجزري، قال: أخبرنا صهيب بن محمد بن عباد بن صهيب، قال: أخبرنا عباد بن صهيب، عن السري، عن إسماعيل، عن الشعبي به.
ورواه أبو نعيم كما في البدر المنير (3/179) ، وتلخيص الحبير (1/114) من طريق السري بن إسماعيل به.
وفيه السري بن إسماعيل:
قال البخاري: قال يحيى بن القطان استبان له كذبه في مجلس. التاريخ الكبير (4/176) ، الضعفاء الصغير (ص:56) رقم 156.
وقال النسائي: متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين (262) .
وقال في موضع آخر ليس بثقة. تهذيب التهذيب (3/399) .
وقال ابن عدي: أحاديثه التي يرويها لا يتابعه أحد عليها وخاصة عن الشعبي فإن أحاديثه عنه منكرات لا يرويها عن الشعبي غيره، وهو إلى الضعف أقرب. الكامل (3/456) .
وقال ابن حبان: كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل. المجروحين (1/355) .
وقال أبو طالب عن أحمد: ترك الناس حديثه. تهذيب التهذيب (3/399) .
وقال الدوري: عن ابن معين ليس بشيء. المرجع السابق.
وقال الآجري عن أبي داود: ضعيف متروك الحديث يجيء عن الشعبي بأوابد. المرجع السابق.
وقال في البدر المنير (3/180) : " وفي رواية لأبي نعيم، عن عائشة، قالت: يا رسول الله إنك تديم السواك. قال: يا عائشة لو استطعت أن أستاك مع كل شفع لفعلت. فإن خير خصال الصائم السواك.
وسكت عليه ابن الملقن، والحافظ في تلخيص الحبير (1/114) . ولم أقف على إسناده.
وقال الحافظ: " رواه أبو نعيم من طريقين عنها.
وصنيع ابن الملقن لا يوهم أنهما طريقان مختلفان عند أبي نعيم، بل قال: " وفي رواية لأبي نعيم. وذكر الحديث.
ثم تبين لي أنه طريق واحد إلا أنه بلفظين فقد أخرجه أبو يعلى (4883) حدثنا سري بن إسماعيل، عن الشعبي، عن مسروق،
عن عائشة، قالت: كنا نضع سواك رسول الله B مع طهوره. قالت: قلت يا رسول الله ما تدع السواك؟ قال: أجل لو أن أقدر على أن يكون ذلك مني عند كل شفع من صلاتي لفعلت. ولم يذكر فإن خير خصال الصائم السواك. ومداره على السري بن إسماعيل، وهو متروك.(3/671)
الدليل الثالث:
(698-34) ما رواه الدارقطني، قال حدثني أبو بكر محمد بن عثمان بن ثابت الصيدلاني، ثنا أبو محمد حامد بن الشاذي الكجي، ثنا إبراهيم بن يوسف البلخي أخو عصام بن يوسف، ثنا أبو إسحاق الخوارزمي، قال:
سألت عاصم الأحول أيستاك الصائم؟ قال نعم: قلت: برطب السواك ويابسه؟ قال: نعم. قلت: أول النهار وآخره. قال: نعم. قلت: عن من؟ قال: عن أنس بن مالك، عن النبي B.
قال الدارقطني: أبو إسحاق الخوارزمي ضعيف.
ورواه ابن عدي (1) ، وابن حبان (2) ، والعقيلي (3) ، والبيهقي (4) ، في السنن
_________
(1) الكامل (1/260) .
(2) المجروحين (1/102،103) .
(3) الضعفاء الكبير (1/56) .
(4) السنن الكبرى (4/272) .(3/673)
من طريق إبراهيم بن بيطار الخوارزمي (أبو إسحاق) ، عن عاصم الأحول به.
[إسناده ضعيف] (1) .
الدليل الرابع:
(699-35) ما رواه الطبراني، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي، ثنا هارون بن معروف، ثنا محمد بن سلمة الحراني، انبأ بكر بن خنيس، عن أبي عبد الرحمن، عن عبادة بن نسي،
عن عبد الرحمن بن غنم، قال: سألت معاذ بن جبل، أتتسوك وأنت صائم؟ قال: نعم. قلت: أي النهار أتسوك؟ قال: أي النهار شئت، إن شئت غدوة، وإن شئت عشية. قلت: فإن الناس يكرهونه عشية. قال: ولم؟ قلت: يقولون: إن رسول الله B قال: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، فقال: سبحان الله، لقد أمرهم رسول الله B
_________
(1) فيه إبراهيم بن عبد الرحمن الخوارزمي.
قال ابن عدي: ليس بمعروف وأحاديثه عن كل من روى ليست بمستقيمة. وقال أيضاً: وعامة أحاديثه غير محفوظة. الكامل (1/260) 93.
وقال البيهقي (4/272) : هذا ينفرد بها أبو إسحاق إبراهيم بن بيطار، ويقال إبراهيم بن عبد الرحمن، قاضي خوارزم، حدث ببلخ، عن عاصم الأحول بالمناكير. لا يحتج به.
قال ابن حبان: يروى عن عاصم الأحول المناكير التي لا يجوز الاحتجاج بما يرويها على قلة شهرته بالعدالة وكتابة الحديث. المجروحين (1/102) .
وقد ضعف الحديث ابن حبان، قال: لا أصل له من حديث رسول الله B ولا من حديث أنس. المجروحين (1/102) .
وقال العقيلي: ليس بمعروف في النقل، والحديث غير محفوظ. الضعفاء الكبير (1/56،57) .
وقال الذهبي: وهذا لا أصل له من حديث رسول الله B. الميزان (1/25) .(3/674)
بالسواك حين أمرهم وهو يعلم أنه لا بد أن يكون بفم الصائم خلوف، وإن استاك، وما كان بالذي يأمرهم أن ينتنوا أفواههم عمداً، ما في ذلك من الخير شيء، بل فيه شر إلا من ابتلى ببلاء لا يجد منه بداً. قلت: والغبار في سبيل الله أيضا كذلك إنما يؤجر فيه من اضطر إليه ولم يجد عنه محيصا؟ قال: نعم وأما من ألقى نفسه في البلاء عمداً فما له من ذلك من أجر (1) .
[إسناده ضعيف] (2) .
الدليل الرابع:
(700-36) ما رواه ابن منيع في مسنده، قال: حدثنا الهيثم
_________
(1) المعجم الكبير (20/70) رقم 133.
(2) فيه بكر بن خنيس:
قال فيه ابن معين: صالح لا بأس به، إلا أنه يروي عن ضعفاء، يكتب من حديثه الرقاق.
وقال أيضاً: ليس بشيء.
وقال أبو حاتم: سألت علي بن المديني، فقال: للحديث رجال.
وقال ابن عمار الموصلي: ليس بمتروك، وهو شيخ صاحب غزو.
وقال الدارقطني: متروك.
وقال عمرو بن علي، ويعقوب بن شيبة، والنسائي: ضعيف.
وقال النسائي في موضع آخر: ليس بالقوي.
وقال أبو داود: ليس بشيء.
وقال أبو حاتم: كان رجلاً صالحاً غزاء، وليس بقوي في الحديث. قيل: هو متروك الحديث؟. قال: لا يبلغ به الترك.
وقال أبو زرعة: ذاهب الحديث.
وقال الذهبي: واهـ. وفي التقريب: صدوق له أغلاط. أفرط فيه ابن حبان.
قلت: لم يبلغ مرتبة الصدق، ولم يصل مرحلة الترك، فالتوسط فيه: أنه ضعيف.(3/675)
بن خارجة، ثنا يحيى بن حمزة، عن النعمان بن المنذر، عن عطاء وطاووس، ومجاهد،
عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: إن النبي B تسوك، وهو صائم (1) .
[إسناده حسن] (2) .
_________
(1) المطالب العالية (1089) .
(2) دراسة الإسناد:
الهيثم بن خارجة.
قال عبد الله بن أحمد: كان أبي إذا رضي عن إنسان، وكان عنده ثقة حدث عنه، وهو حي، فحدثنا عن الهيثم بن خارجة.
ووثقه يحيى بن معين، والخليلي، وابن قانع، وروى له البخاري.
وقال أبو حاتم الرازي: صدوق.
وقال النسائي: ليس به بأس.
وفي التقريب: صدوق. قلت: أكثر العلماء على توثيقه، ومنهم ابن معين، وأحمد والخليلي والذهبي وابن قانع، وأما أبو حاتم فقال: صدوق إلا أنه يقول هذا في كثير من الثقات المتفق على توثيقهم، ومثله النسائي.
يحيى بن حمزة الحضرمي:
قال صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل: قال أبى: يحيى بن حمزة ليس به بأس. الجرح والتعديل (9/136) .
وقال ابن سعد: كان كثير الحديث صالحه. الطبقات الكبرى (7/469) .
وذكره ابن حبان في الثقات (9/249) .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبى عنه، فقال: صدوق. الجرح والتعديل (9/136) .
وقال عبد الله بن شعيب الصابوني والغلاني عن يحيى بن معين ثقة. تهذيب الكمال (31/278) .
وقال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: كان قدرياً، وكان صدقة أحب إليهم من يحيى بن حمزة. المرجع السابق.
وقال عثمان بن سعيد الدارمي، عن دحيم: ثقة لا أشك. المرجع السابق.
وقال أبو عبيد الآجري، عن أبي داود: ثقة. قلت: كان قدرياً؟ قال: نعم
وقال النسائي: ثقة. تهذيب التهذيب (11/176) .
وقال عمرو بن دحيم: أعلم أهل دمشق بحديث مكحول وأجمعه لأصحابه الهيثم بن حميد ويحيى بن حمزة. المرجع السابق.
وقال يعقوب بن شيبة: ثقة مشهور. المرجع السابق.
النعمان بن المنذر:
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عن النعمان بن المنذر فقال: دمشقي ثقة. الجرح والتعديل (8/447) .
وقال دحيم: ثقة إلا أنه يرمي بالقدر. كما في تهذيب التهذيب.
وقال الآجري، عن أبي داود: ضرب أبو مسهر على حديث النعمان بن المنذر فقال له يحيى بن معين: وفقك الله تعالى. قال أبو داود: كان داعية في القدر وضع كتاباً يدعو فيه إلى القدر.
وقال النسائي عقب حديثه في الحيض: ليس بذاك القوي.
وقال الذهبي والحافظ: صدوق. زاد الحافظ: رمي بالقدر. فهذا إسناد حسن.(3/676)
الدليل الخامس والسادس:
حديثا أبي هريرة مرفوعاً: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ".
والحديث الآخر: " مع كل وضوء "
[والحديثان صحيحان، وسبق تخريجهما] .(3/677)
وجه الاستدلال:
ترجم النسائي في السنن الصغرى للحديث الأول، فقال: " باب الرخصة في السواك بالعشي للصائم ".
فقال السندي: " وجه الاستدلال: أنه لا مانع من إيجاب السواك عند كل صلاة إلا خوف لزوم المشقة، ويلزم منه كون الصوم غير مانع منه، وهذا استنباط دقيق، وتيقظ عجيب، فلله دره ما أدق وأحد فهمه ". اهـ
قلت: ويمكن أن يستدل به على المسألة من وجه آخر، فإن قوله: ((عند كل صلاة)) وقوله: ((مع كل وضوء)) فالصلاة تشرع في كل الأوقات.. بالعشي، والهجير، والغدو، والوضوء يشرع للإنسان أن يكون على طهارة دائماً، ولم يستثن الشرع شيئاً في استحبابه، فهو مطلق للصائم والمفطر، بالحضر والسفر، وبالليل والنهار، وبالغدو والعشي.
الدليل السادس:
(701-37) ما رواه أحمد، قال: حدثنا عفان، ثنا يزيد بن زريع، ثنا عبد الرحمن ابن أبي عتيق، عن أبيه، أنه سمع عائشة تحدثه،
عن النبي قال: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب.
[إسناده حسن، وسبق تخريجه]
وجه الاستدلال:
إذا كان السواك مرضاة للرب، فمرضاة الله مطلوبة دائماً، وفي كل وقت دون استثناء، وإذا كان السواك مطهرة للفم، فإنه يتأكد في حق الصائم(3/678)
أكثر من غيره، لحاجته إلى تطهير الفم، وتخفيف أثر الخلوف؛ لأن من أسباب مشروعية السواك تطهير الفم.
الدليل السابع: من الآثار
(702-38) روى ابن أبي شيبة حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن نافع،
عن ابن عمر أنه لم يكن يرى به باساً بالسواك للصائم.
[إسناده صحيح] (1) .
(703-39) ومن الآثار ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، عن مسعر وسفيان، عن أبي نهيك، عن زياد بن حدير، قال:
ما رأيت أحدا أدوم سواكاً، وهو صائم من عمر بن الخطاب.
[فيه أبو نهيك، لم يتبين لي اسمه] (2) .
_________
(1) المصنف (2/295) . رجاله كلهم ثقات، وقد رواه البخاري تعليقاً جازماً به، في كتاب الصيام: باب السواك الرطب واليابس للصائم.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/213) قال: خبرنا أبو الحسين بن بشران، أنا إسماعيل الصفار، ثنا سعدان بن نصر، ثنا وكيع، عن عبد الله بن نافع مولى ابن عمر، عن أبيه، عن ابن عمر أنه كان يستاك، وهو صائم، وينظر في المرآة، وهو محرم. قال: وقال: يحك المحرم رأسه ما لم يقتل دابة أو جلدة رأسه أن يدميه.
ورواه عبد الرزاق في المصنف (4/202) 7488 عن عبد الله بن عمر، عن نافع، أن ابن عمر كان يستاك وهو صائم، إذا راح إلى صلاة الظهر.
(2) مدار الإسناد على أبي نهيك.
وثقه ابن حبان. الثقات (6/107) ، وسماه بكير
ورواه أحمد كما في العلل لابنه عبد الله (2/171) رقم 1903، حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا شعبة عن أبي بكير، عن زياد بن حدير، قال: ما رأيت أحداً أكثر يستاك وهو صائم من عمر. قال أبي: وإنما هو أبو نهيك فأخطأ شعبة فيه فقال أبو بكير.
وقال يحيى بن معين: أبو نهيك الكوفي روى عنه سفيان الثوري، وشريك، ومنصور بن المعتمر، وجرير، وهو ثقة. واسم أبي نهيك القاسم بن محمد. تاريخ بن معين رواية الدوري. (3/510) .
وفات الحافظ أن يذكر توثيق يحيى بن معين في ترجمة أبي نهيك في التهذيب.
واختلف في اسم أبي نهيك:
فقيل: هو القاسم بن محمد، كما ذكر ذلك يحيى بن معين.
وكذلك ابن حزم في المحلى، فقد روى من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي نهيك قال سألت طاووسا عن امرأة ماتت وقد بقي عليها من نسكها فقال يقضي عنها وليها. قال ابن حزم: أبو نهيك: هو القاسم بن محمد الأسدي، روى عنه سفيان ومنصور وجرير بن عبد الحميد. المحلى (7/64) .
وكذلك سماه عبد لله بن أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة. (1/297) .
وذكر ابن حبان اثنين كنيتهما أبو نهيك:
الأول: وسماه ابن حبان بكير، فقال: بكير أبو نهيك، يروى عن زياد بن حدير، عن ابن عمر، روى عنه منصور بن المعتمر وشعبة بن الحجاج. الثقات (6/107) .
ولعل هذا هو الذي جعل شعبة يخطئ باسمه، يقول: أبو بكير. فجعله كنية بدلاً من قوله بكير.
والثاني، وسماه ابن حبان القاسم بن محمد أبو نهيك الأسدي، قال: يروي عن أنس بن مالك روى عنه منصور والثوري. الثقات (5/305) .
وكلاهما يروي عن زياد بن حدير. فابن حبان نص على أن بكيراً يروى عن زياد بن حدير. والحافظ في التهذيب نص على أن القاسم بن محمد أبا نهيك يروى عن زياد بن حدير. فإن كانا شخصين، فإن ابن معين لم يوثق إلا أبا نهيك المسمى القاسم بن محمد.
ويبقى الثاني بكير لم يوثقه إلا ابن حبان، وقد ذكر ابن حبان أن الثوري يروي عن أبي نهيك: القاسم بن محمد، فيكون هو الثقة الذي في إسناد أثر عمر بن الخطاب، إضافة إلى ما سبق ذكره عن الأئمة.
وإن كانا شخصاً واحداً، وإنما الاختلاف في اسمه، فهو ثقة.(3/679)
الجواب عن أدلة القول الأول:(3/680)
أولاً: القياس على دم الشهيد فإن العلة في ترك دم الشهيد ليس لأنه أثر عن عبادة، وإنما لأنه يبعث يوم القيامة، وجرحه يثعب دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك.
(704-40) فقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج،
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله B، قال: والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم والريح ريح المسك. هذا لفظ البخاري ورواه مسلم (1) .
ولذلك لا يكره لو قام بتنشيف بلل الوضوء، ولا يكره غسل ما يصيب ثوب العالم من الحبر، وإن كان أثراً ناشئاً عن عبادة (2) .
ثانياً: ربط الحكم بالزوال منتقض؛ لأن هذه الرائحة قد تحصل قبله، وقد تحصل بعده، وقد لا تحصل، فلو أن الإنسان تسحر مبكراً، أو لم يتسحر، فإن معدته ستخلو مبكرة. ومن الناس من لا تحصل عنده هذه الرائحة، إما لصفاء معدته، أو لأن معدته لا تهضم الطعام بسرعة، وإذا انتقضت العلة انتقض المعلول.
ثالثاً: الأحاديث التي تنهى الصائم عن السواك بعد العشي لا تقوم بها
_________
(1) صحيح البخاري (2803) ، ومسلم (1876) .
(2) حاول النووي في المجموع الجواب عن هذا، فقال: " السوك أثر عبادة مشهود له بالطيب، فكره إزالته فقوله: " مشهود له بالطيب احتراز مما يصيب ثوب العالم من الحبر، فإنه وإن كان أثر عبادة، لكنه مشهود له بالفضل، لا بالطيب. ودم الشهداء مشهود له بالطيب لقوله في الحديث: " اللون لون الدم، والريح ريح المسك ".(3/681)
حجة، كحديث خباب وعلي بن أبي طالب. والكراهة حكم شرعي، مفتقر إلى دليل شرعي.
رابعاً: لو سلم أن فضيلة الخلوف تزاحمت مع فضيلة السواك، ولا يمكن الجمع بينهما، فلا شك أن فضيلة السواك تربو على فضيلة الخلوف، وكون الخلوف أطيب عند الله من ريح المسك لا يكفي في تقديم مصلحة الخلوف على مصلحة السواك.، قال الشوكاني: السواك نوع من التطهير المشروع لأجل مخاطبة الرب سبحانه وتعالى؛ لأن مخاطبة العظماء مع تطهير الأفواه تعظيم لا شك فيه، ولأجله شرع السواك، وليس في الخلوف تعظيم ولا إجلال، فكيف يقال: إن فضيلة الخلوف تربو على تعظيم ذي الجلال بتطييب الأفواه له ".
خامساً: ذكر بعضهم: أن السواك لا يزيل الخلوف؛ لأن الخلوف من المعدة والحلق، لا من محل السواك، (1) ، ولذلك إذا أكل الإنسان ثوماً أو بصلاً لم تذهب الرائحة بتطهير الفم بالسواك؛ لأن مبعث ذلك المعدة.
فالراجح عندي والله أعلم أن السواك مشروع مطلقاً، وفي كل وقت.
_________
(1) طرح التثريب (4/101) .(3/682)
المبحث الأول
هل طيب الخلوف في الدنيا والآخرة
أم في الآخرة فقط؟
المبحث الأول
هل طيب الخلوف في الدنيا والآخرة
أم في الآخرة فقط؟
قال بعضهم: إن ذلك عام في الدنيا والآخرة.
وقال بعضهم: إن ذلك خاص بالآخرة (1) .
دليل من قال: ذلك خاص في الآخرة.
(705-41) استدل بما رواه مسلم، قال: حدثني محمد بن رافع، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرني عطاء، عن أبي صالح الزيات، أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول:
قال رسول الله B: قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث يومئذ، ولا يسخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه (2) .
_________
(1) قال النووي في المجموع: " وقع نزاع بين الشيخ أبي عمرو بن الصلاح، والشيخ أبي محمد بن عبد السلام رضي الله عنهما في أن هذا الطيب في الدنيا والآخرة أم في الآخرة؟ فقال أبو محمد: في الآخرة خاصة لقوله B في رواية مسلم: ((والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يوم القيامة. وقال أبو عمرو: هو عام في الدنيا والآخرة، واستدل بأشياء كثيرة " اهـ ثم ذكر أدلته على ذلك
(2) حديث أبي هريرة، رواه عنه جماعة، ولم يذكروا: يوم القيامة. منهم
الأول: الأعرج، كما في موطأ مالك (1/310) ، والبخاري (1894) ، والبيهقي (4/304) ، والبغوي (1712) .
الثاني: سعيد بن المسيب كما عند عبد الرزاق (7891) ، وأحمد (2/281) ، والبخاري (5927) ، ومسلم (161ـ1151) ، والترمذي (764) ، والنسائي في الصغرى (2218) ، وفي الكبرى (3261) ، والبيهقي (4/304) .
الثالث: همام بن منبه، كما عند عبد الرزاق (4/306) رقم 7892، وأحمد (2/313) .
الرابع: محمد بن زياد، كما في مسند أبي داود الطيالسي (2485) ، وأحمد (2/457،467،504) ، والبخاري في الصحيح (7538) وفي خلق أفعال العباد (1/95) ، والمعجم الأوسط للطبراني (9040) ، وابن الجعد في مسنده (ص: 174) .
الخامس: محمد بن سيرين، كما عند أحمد (2/234،395،410،516) .
السادس: أبو سلمة كما عند أحمد (2/475،501) والدارمي (2/39) 1769، ومسند الحارث كما في بغية الباحث (1/410) من طريقين، عن أبي سلمة عن أبي هريرة به.
السابع: جابر بن زيد، كما في مسند الربيع بن حبيب (ص: 133) رقم 327
الثامن: قيس بن أبي حازم، كما في الفوائد لابن منده (ص: 69) رقم 46، ومسند إسحاق بن راهوية (1/266) .
التاسع: موسى بن يسار. كما عند أحمد (2/257) من طريق محمد بن إسحاق، وأخرجه أيضاً (2/485) ثنا عبد الرحمن، عن داود بن قيس، عن موسى به. واختلف عليه. وسيأتي بيانه إن شاء الله.
العاشر: سلمان الأشجعي: أبو حازم. كما عند أحمد (2/347) . إلا أنه موقوف.
الحادي عشر: داود بن فراهيج. كما عند أحمد (2/458) وسنده صحيح.
الثاني عشر: عجلان مولى المشمعل، وقيل: مولى حكيم. وقيل: مولى حماس. كما في مسند أبي داود الطيالسي (2367) ، والمسند لأحمد (2/505) وسنده حسن. ومسند ابن الجعد (ص: 410) .
الثالث عشر: مجاهد، كما في معجم الأوسط للطبراني (4869) من طريق ليث، عنه. وفيه ضعف.
فهؤلاء اثنا عشر راوياً رووه عن أبي هريرة، مرفوعاً، ولم يذكروا: " يوم القيامة ".
ورواه أبو صالح الزيات، عن أبي هريرة، واختلف على أبي صالح.
فرواه الأعمش، وروايته في الصحيحين، وسيأتي بيان من رواه في تحقيق لفظة: "حين يخلف" في أدلة القول الثاني إن شاء الله، فراجعها مشكوراً.
وأبو سنان، كما في مصنف ابن أبي شيبة (2/272) رقم 8893، ومسند أبي يعلى (1005) ، ومسند أحمد (2/232) (3/5) ، وصحيح مسلم (1151) وسنن النسائي الصغرى (2213) ، وفي الكبرى (2/90) رقم 2523، والمنتخب من مسند عبد بن حميد (ص: 288) ، والمعجم الأوسط للطبراني (4892) ، وابن خزيمة (1900) .
وسهيل بن أبي صالح، كما عند ابن خزيمة (1897) مطولاً. ورواه أحمد (2/419) ، والترمذي (766) ، إلا أنهما اختصراه.
والمنذر بن عبيد، كما في سنن النسائي الصغرى (2214) ، والكبرى (2524) أربعتهم رووه عن أبي صالح، عن أبي هريرة، بدون قوله: " يوم القيامة " موافقين لرواية الجماعة، عن أبي هريرة.
ورواه ابن جريج، عن أبي صالح، واختلف على ابن جريج.
فرواه هشام بن يوسف، كما في صحيح البخاري (1904) ، عن ابن جريج، عن أبي صالح، عن أبي هريرة بدون ذكر: " يوم القيامة ".
ورواه عبد الرزاق كما في مسند أحمد (2/273) ، وصحيح مسلم (1151) .
ومحمد بن حجاج المصيصي، كما في سنن النسائي الصغرى (2216) ، والكبرى (2526) .
وروح بن عبادة، كما عند أحمد (2/516) ، وسنن البيهقي (4/170) .
ومحمد بن بكر البرساني، كما في صحيح ابن خزيمة (1896) وابن حبان (3423) ، وفي مسند أحمد مقروناً بعبد الرزاق (2/273) . أربعتهم رووه عن ابن جريج، عن أبي صالح، عن أبي هريرة بذكر يوم القيامة.
ورواه عنه ابن المبارك، كما في سنن النسائي الصغرى (2217) ، والكبرى (2527) ، عن ابن جريج ولم يذكر يوم القيامة إلا أنه خالف في إسناده، فقال، عن ابن جريج قراءة عن عطاء الزيات أنه سمع أبا هريرة. فجعل بدلاً من أبي صالح عطاء الزيات.
ورواه سعيد بن ميناء، كما في مسند أحمد بسند صحيح واختلف عليه فيه:
فرواه أحمد (2/461) قال: ثنا عبد الرحمن ـ يعني ابن مهدي ـ قال: ثني سليم بن حيان، عن سعيد، قال: سمعت أبا هريرة قال: قال رسول الله B: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وليس فيه يوم القيامة.
ورواه بهز، كما في مسند أحمد (2/306) وعفان في المسند أيضاً (2/407) كلاهما، عن سليم بن حيان به. بذكر يوم القيامة.
ورواه موسى بن يسار، عن أبي هريرة، واختلف على موسى أيضاً:
فرواه أحمد (2/532) ، وإسحاق بن راهوية في مسنده (1/455) قالا: ثنا عبد الله بن الحرث ثنا داود بن قيس عن موسى بن يسار عن أبي هريرة أن النبي B قال خلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك
وخالفه عبد الرحمن بن مهدي فأخرجه أحمد (2/485) عنه، عن داود بن قيس به بدون ذكر يوم القيامة.
وتابعه محمد بن إسحاق، فأخرجه أحمد (2/257) حدثنا يزيد، أخبرنا محمد بن إسحاق، عن موسى بن يسار به بدون ذكر يوم القيامة.
ورواه بشير بن نهيك، رواه أحمد (2/306) قال: ثنا بهز، ثنا، همام، ثنا قتادة، عن بشير بن نهيك، ولا أظنه إلا عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك،
عن أبي هريرة أن رسول الله B، قال: خلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك.
هذا ما وقفت عليه ممن ذكر يوم القيامة، وممن لم يذكرها، فتبين لي أن أكثر الرواة على عدم ذكرها، وقد وقفت على اثني عشر راوياً روى الحديث عن أبي هريرة بدون ذكرها. منهم أخص أصحاب أبي هريرة كالأعرج، وسعيد بن المسيب وغيرهما.
وأما أبو صالح السمان، فاختلف عليه، فرواه أربعة عنه بدون ذكرها، ورغم أنه لم يخالفهم إلا ابن جريج فقد اختلف على ابن جريج، وحديثه في البخاري بدونها.
وما عداهم، فهناك ثلاثة، موسى بن يسار، واختلف عليه. وسعيد بن ميناء، واختلف عليه أيضاً. وبشير بن نهيك. ولذا أرى أن الراجح أن قوله: " يوم القيامة " ليست محفوظة. والله أعلم.(3/683)
الشاهد قوله: " أطيب عند الله يوم القيامة " فجعل ذلك يوم القيامة.
وتعليل آخر:
أن يوم القيامة هو يوم الجزاء، وفيه يظهر رجحان الخلوف في الميزان على المسك.
الدليل الثاني:
(706-42) استدلوا بما رواه البخاري، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج،
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله B، قال: والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم والريح ريح المسك. هذا لفظ البخاري، ورواه مسلم (1) .
فأخبر b عن رائحة المكلوم في سبيل الله عز وجل بأنه كريح المسك يوم القيامة، وهو نظير إخباره عن خلوف فم الصائم؛ فإن الحس يدل على أن هذا دم في الدنيا، وهذا خلوف له، ولكن يجعل الله رائحة هذا وهذا مسكاً في يوم القيامة (2) .
والذين قالوا بأنه عام في الدنيا والآخرة لا يعارضون هذا الاستدلال، بل يقولون به، ولكنهم لا يخصون هذا في الآخرة، بل يجعلونه عاماً.
_________
(1) صحيح البخاري (2803) ، ومسلم (1876) .
(2) الوابل الصيب (ص: 58) .(3/687)
دليل من قال: ذلك عام في الدنيا والآخرة.
الدليل الأول:
(707-43) ما رواه أحمد، قال: ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن سليمان، عن ذكوان،
عن أبي هريرة، عن النبي B قال: كل حسنة يعملها بن آدم عشر حسنات إلى سبعمائة حسنة، يقول الله عز وجل: إلا الصوم هو لي وأنا أجزي به، يدع الطعام من أجلي والشراب من أجلي وشهوته من أجلي، فهو لي، وأنا أجزي به. والصوم جنة. وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر وفرحة حين يلقى ربه، ولخلوف فم الصائم حين يخلف من الطعام أطيب عند الله من ريح المسك (1) .
_________
(1) مسند أحمد (2/480) . وقوله: " حين يخلف ". انفرد بذلك شعبة، وقد رواه جمع عن الأعمش، ولم يقولوا: " حين يخلف ". وإليك بيانهم:
الأول: أبو معاوية، وهو أثبت أصحاب الأعمش على الإطلاق. وروايته في مسلم رقم (1151) ، وابن ماجه (1638) .
الثاني: سفيان الثوري، كما في مصنف عبد الرزاق (4/306) رقم 7893، ومسند أحمد (2/266،477) .
الثالث: وكيع كما في مصنف ابن أبي شيبة (2/273) رقم 8894، ومسند أحمد (2/443،477) ، وصحيح مسلم (1151) ، سنن ابن ماجه (1638) ، سنن البيهقي (4/273،304) .
الرابع: أبو نعيم الفضل بن دكين، كما في مسند أحمد (2/393) ، وصحيح البخاري (7492) ، وسنن البيهقي (4/235،273) .
الخامس: جرير كما في صحيح مسلم (1151) ، وسنن النسائي الصغرى (2215) ، والكبرى (2525) ، وصحيح ابن حبان (8/210) رقم 3422،
السادس: ابن نمير، كما في مسند أحمد (2/477) .
كما أن شعبة خالف جميع من رواه عن أبي هريرة، وهم جمع كثير، كلهم لم يذكروا هذه اللفظة، منهم:
الأعرج، وسعيد بن المسيب، وهمام بن منبه، ومحمد بن زياد، ومحمد بن سيرين، وأبو سلمة، وأبو صالح السمان، وجابر بن زيد، وقيس بن أبي حازم، وموسى بن يسار. وسلمان الأشجعي: أبو حازم. وداود بن فراهيج. وعجلان مولى المشمعل، ومجاهد. وغيرهم. راجع تخريج هذه الطرق في أدلة القول الأول. فهذا العدد الكثير يجعل الباحث يجزم بشذوذ لفظة: " حين يخلف ".
كما اختلف على شعبة، فرواه أبو داود الطيالسي (2413) عن شعبة، عن الأعمش بدون قوله: " حين يخلف ". كما هي رواية الجمهور. والله أعلم.(3/688)
وجه الاستدلال:
قوله: " حين يخلف " وقد ترجم ابن حبان في صحيحه لهذا الحديث بقوله: " ذكر البيان بأن خلوف فم الصائم قد يكون أيضا أطيب من ريح المسك في الدنيا" (1) .
الدليل الثاني:
(708-44) ما رواه النسوي في كتاب الأربعين، قال: أخبرنا الحسن، ثنا محمد بن عبد الله الأرزي ببغداد، ثقة مأمون، ثنا عبد الوهاب بن عطاء، ثنا الهيثم بن أبي الحواري، عن زيد العمي، عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد الله عن النبي B، قال:
أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسا لم يعطهن نبي قبلي أما واحدة فإذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله إليهم ومن نظر الله إليه لم يعذبه
_________
(1) صحيح ابن حبان (8/211).(3/689)
أبدا وأما الثانية فإنهم يمسون وخلوف أفواههم أطيب عند الله من ريح المسك.
[الحديث ضعيف] (1) .
الراجح: المحفوظ أن حديث الخلوف مطلق، " ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " وإذا كان مطلقاً فتقييده بالآخرة يحتاج إلى دليل، وما دام أن لفظة: " يوم القيامة " غير محفوظة بموجب القواعد الحديثية، وكذلك لفظة: " حين يخلف " فالذي يترجح عندي أن ذلك عام في الدنيا والآخرة.
وقد رجح أن ذلك عام ابن القيم في الوابل الصيب، حيث قال: " وفصل النزاع في المسألة أن يقال:
حيث أخبر النبي B بأن ذلك الطيب يكون يوم القيامة؛ فلأنه الوقت الذي يظهر فيه ثواب الأعمال من الخير والشر، فيظهر للخلق طيب ذلك الخلوف على المسك، كما يظهر فيه رائحة دم المكلوم في سبيله كرائحة المسك، وكما تظهر فيه السرائر، وتبدو على الوجه، وتصير علانية، ويظهر فيه قبح رائحة الكفار، وسواد وجوههم.
وحيث أخبر بأن ذلك حين يخلف، وحين يمسون؛ فلأنه وقت ظهور أثر العبادة، ويكون حينئذ طيبها على ريح المسك عند الله تعالى وعند ملائكته، وإن كانت تلك الرائحة كريهة للعباد، فرب مكروه عند الناس محبوب عند الله تعالى، وبالعكس، فإن الناس يكرهونه لمنافرته طباعهم، والله تعالى يستطيبه ويحبه لموافقته أمره ورضاه ومحبته، فيكون عنده أطيب من ريح المسك
_________
(1) كتاب الأربعين ـ النسوي (ص: 77) . وسبق الكلام فيه.(3/690)
عندنا، فإذا كان يوم القيامة ظهر هذا الطيب للعباد، وصار علانية.
وهكذا سائر الأعمال من الخير والشر، وإنما يكمل ظهورها علانية في الآخرة، وقد يقوى العمل ويتزايد حتى يستلزم ظهور بعض أثره على العبد في الدنيا في الخير والشر، كما هو مشاهد بالبصر والبصيرة"اهـ (1) .
_________
(1) الوابل الصيب (ص: 61ـ62).(3/691)
[صفحة فارغة](3/692)
الفصل الثالث
حكم التسوك في المسجد
الفصل الثالث
حكم التسوك في المسجد
قيل: يكره السواك في المسجد، وهو قول بعض الحنفية (1) ، ومذهب المالكية (2) .
وقيل: لا يكره، وهو مذهب الجمهور (3) .
دليل الكراهة.
(709-45) ما رواه مسلم، قال: حدثنا زهير بن حرب، حدثنا عمر بن يونس الحنفي، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثنا إسحاق بن أبي طلحة، حدثني أنس بن مالك، وهو عم إسحق، قال:
بينما نحن في المسجد مع رسول الله B إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله B: مه مه. قال: قال رسول الله
_________
(1) بريقة محمودية (1/188)،
(2) جاء في المفهم للقرطبي (1/544) تعليقاً على حديث: " إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول..... وفي الفواكة الدواني (1/265): " ولا يستاك في المسجد، ولا بحضرة الناس "، وانظر التاج والإكليل (1/618). وقال في مواهب الجليل (1/ ) تعليقاً على حديث عائشة وأن الرسول B كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك " قال: وخص بذلك دخوله بيته ؛ لأنه مما لا يفعله ذوو المروءة بحضرة الجماعة، ولا يجب عمله في المسجد، ولا في المجالس الحافلة ".
وقال في منح الجليل ( 8/89): " يكره السواك في المسجد ".
(3) تحفة المحتاج (1/219)، كشاف القناع (1/74،374)، مطالب أولى النهى (2/263)، غذاء الألباب (2/323).(3/693)