2 - الغراوان أو العمريتان:
مسألتان يكون فيهما أحد الزوجين مع الأم والأب، فالمسألة الأولى: هي زوج وأب وأم، والمسألة الثانية: هي زوجة وأب وأم، والحكم فيهما أن يأخذ أحد الزوجين فرضه، ويقسم الباقي أثلاثاً: ثلثان للأب، وثلث للأم، ويكون فرض الأم إذن ثلث الباقي بعدالزوج أو الزوجة، وهو الربع في الأولى، والسدس في الثانية، وللأب الثلثان مما بقي بعدهما. وذلك خلافاً للأصل الذي هو أخذ الأم فرضها من رأس المال، وقد سميتا بالعمرتين؛ لأن عمر رضي الله عنه قضى فيهما بهذا القضاء، واتبعه فيه عثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود، وروي الحكم عن علي، وهو رأي الجمهور.
وروي عن ابن عباس أنه قال: تأخذ الأم ثلث أصل التركة في هاتين الصورتين، الذي هو فرضها الأصلي، مستدلاً بأنه تعالى جعل لها أولاً سدس التركة مع الولد بقوله سبحانه: {ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد} [النساء:11/4] ثم ذكر تعالى أن لها مع عدم الولد الثلث بقوله: {فإن لم يكن له ولد، وورثه أبواه فلأمه الثلث} [النساء:11/4] فيفهم منه أن المراد ثلث أصل التركة أيضاً. وأجيب بأن معنى قوله تعالى: {فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث} [النساء:11/4] هو أن لها ثلث ما ورثاه، سواء أكان جميع المال أم بعضه؛ لأنه لو أريد ثلث الأصل، لكفى في البيان: «فإن لم يكن له ولد، فلأمه الثلث» ويلزم منه أن يكون قوله: {وورثه أبواه} [النساء:11/4] خالياً عن الفائدة.(10/457)
3 - الخرقاء:
هي أم وجد وأخت، قال زيد بن ثابت ومالك والشافعي وأحمد: للأم الثلث، وما بقي يقتسمه الجد والأخت، للذكر مثل حظ الأنثيين.
وقال علي: للأم الثلث، وللأخت النصف، وللجد ما بقي وهو السدس.
وقال ابن عباس: لا شيء للأخت، وهو مذهب أبي حنيفة.
سميت بذلك لتخرق أقوال الصحابة فيها، أو لأن الأقوال خرقتها لكثرتها.
4 - الأكدرية أو الغراء:
هي زوج، وأم، وجد، وأخت شقيقة أو لأب:
قال الجمهور غير أبي حنيفة عملاً بمذهب زيد بن ثابت: لا يفرض للأخت النصف مع جد، بل ترث معه البقية إلا في الفريضة الأكدرية، فيكون للزوج النصف، وللأم الثلث، وللجد السدس، وللأخت النصف، فلا تسقط، وتعول المسألة إلى (9) ، وتصح من (27) ، للزوج (9) ، وللأم (6) ، وللأخت (4) ، وللجد (8) ، بأن يضم الواحد الذي أعطي للجد إلى الثلاثة المعطاة للأخت، ويقتسمان جملة الأربعة بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، أي على مبدأ المقاسمة بين الجد والأخت. وسميت بالأكدرية؛ لأنها كدرت على زيد مذهبه من ثلاثة أوجه: أعال بالجد، وفرض للأخت، وجمع سهام الفرض وقسمها على التعصيب.
وذهب عمر وعلي وابن مسعود إلى توريث الأخت النصف أيضاً، لكن بدون ضمّ نصيبها إلى نصيب الجد، فالخلاف بين هذا الرأي ومذهب زيد هو تعيين المقدار الراجع إلى الأخت، مع الاتفاق على عدم إسقاطها.
وأخذ أبو حنيفة بقول ابن عباس وأبي بكر: وهو إسقاط الأخت فلا تأخذ شيئاً.(10/458)
5 - المشرَّكة أو الحجرية أو الحمارية:
وهي زوج وأم (أو جدة) وإخوة أشقاء وإخوة لأم: الأصل فيها أن لا ميراث للأشقاء؛ لأنهم عصبة يأخذون ما أبقت الفروض، وهنا استغرقت الفروض التركة، إذ للزوج النصف، وللأم السدس، وللإخوة لأم الثلث، ويفرغ المال.
ولكن المالكية والشافعية أخذاً برأي عمر وعثمان وزيد ذهبوا إلى التشريك بين الأشقاء والإخوة على السواء: الأشقاء ولأم، ذكوراً وإناثاً، لقول الأشقاء لسيدنا عمر: هب أن أبانا كان حماراً أو حجراً، فنرث بأمنا، فسميت حمارية أو حجرية، كما سميت مشتركة أو مشرَّكة لاشتراك الأشقاء مع الإخوة لأم، فيكون الشقيق وهو عاصب قد ورث مع استغراق الفروض، وهو خلاف الأصل.
وقال علي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل وداود رضي الله تعالى عنهم أجمعين: لا شيء للإخوة الأشقاء؛ لأنهم عصبة، وقد تم المال بالفروض، ويوزع المال على النحو السابق: للزوج النصف، وللأم السدس، وللإخوة لأم الثلث، عملاً بظاهر الآية: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت، فلكل واحد منهما السدس} [النساء:176/4] ولا خلاف في أن المراد بهذه الآية ولد الأم على الخصوص، وعملاً بظاهر آية أخرى هي: {وإن كانوا إخوة رجالاً ونساء، فللذكر مثل حظ الأنثيين} [النساء:176/4] يراد بهذه الآية سائر الإخوة والأخوات، والفريق الأول يسوون بين ذكرهم وأنثاهم.
وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر» ومن شرَّك فلم يلحق الفرائض بأهلها، وولد الأبوين (الأشقاء) عصبة لا فرض لهم، وقد تم المال بالفروض، فوجب أن يسقطوا، كما لو كان مكان ولد الأم ابنتان.
أم الفروخ أوالشريحية: سميت بأم الفروخ؛ لأنها أكثر المسائل عولاً، فشبهت الزوائد الأربعة بالفروخ، وسميت بالشريحية؛ لحدوثها في زمن القاضي شريح: إذا كان مكان الإخوة لأبوين أو لأب أخوات لأبوين أو لأب فأكثر، مع وجود الزوج والأم أو الجدة والإخوة لأم، تعول المسألة إلى عشرة: للزوج النصف ثلاثة، وللأم أو الجدة: السدس واحد، وللإخوة لأم: الثلث اثنان، وللأخوات الشقيقات أو لأب: الثلثان أربعة.(10/459)
6 - الفريضة المالكية:
أن تترك المتوفاة زوجاً وأماً وجداً وأخاً لأب وإخوة لأم: أي أن يكون في الوارثين إخوة لأب مكان الإخوة الأشقاء في المسألة المتقدمة (الحجرية) .
فمذهب زيد والشافعي: أن الجد يأخذ السدس، والباقي للإخوة لأب، ولا شيء للإخوة لأم.
وخالف المالكية مذهب زيد في هذه المسألة، فقالوا: يأخذ الزوج النصف، والأم السدس، ويأخذ الجد وحده كل الباقي، ولا يأخذ الإخوة سواء لأب أو لأم شيئاً؛ لأن الجد يحجب الإخوة لأم، وإذا حجبهم كان أحق بالباقي.
7 - أخت المالكية أو شبه المالكية:
أن يكون في المسألة السابقة مكان الأخ لأب أخ شقيق، فمذهب زيد والشافعي: أن الجد يأخذ السدس من رأس المال، فرضاً، والباقي للعصبة وهم الإخوة الأشقاء.
وخالف مالك في هذه المسألة مذهب زيد وجعلها مستثناة، وقال: يأخذ الجد الباقي كله بعد ذوي السهام، دون الأخ، فلا شيء للإخوة، لا للأشقاء ولا لأب.
8 - اليتيمتان: وهما مسألتان: الأولى ـ أن تترك المتوفاة زوجاً وأختا ً شقيقة، أو تترك زوجاً وأختاً لأب، فتكون المسألة من (2) لكل من الوارثين واحد.
9 - أم الأرامل: أن يترك المتوفى ثلاث زوجات وجدتين وأربع أخوات لأم، وثمان أخوات شقيقات، للزوجات الربع، وللجدتين السدس، وللأخوات لأم الثلث، وللأخوات الشقيقات الثلثان، المسألة من (12) وتعول إلى (17) ، سميت بذلك لأن الورثة كلهن إناث.
10 - المروانية: أن تترك المتوفاة زوجاً وأختين شقيقتين وأختين لأب وأختين لأم، يكون للزوج النصف، وللشقيقتين الثلثان، وتحجب الأختان لأب، وللأختين لأم الثلث، المسألة من (6 وتعول إلى 9) . سميت بذلك لوقوعها في زمن مروان بن الحكم.(10/460)
11 - الحمزية: أن يترك المتوفى ثلاث جدات متحاذيات، وجداً، وأختاً شقيقة، وأختاً لأب، وأختاً لأم، للجدات السدس، والجد والشقيقة ولأب عصبات، والأخت لأم محجوبة بالجد، المسألة من (6، يضرب 3) عدد الجدات بعدد رؤوس الجد والأختين وهو (4) والحاصل (14) يضرب بأصل المسألة وهو (6) فيكون الحاصل (72) . سميت بذلك لأن حمزة الزيات أجاب عنها بهذا الجواب.
12 - الدينارية: أن يترك المتوفى زوجة وجدة وبنتين واثني عشر أخاً لأب وأختاً لأب، للزوجة الثمن، وللجدة السدس، وللبنتين الثلثان، وبقية الورثة عصبة. المسألة من (24) ، وتصح من (600) بضرب (24 في 25) عدد رؤوس الإخوة لأب 24 والأخت لأب (1=25) والحاصل (600) . وسميت بالدينارية؛ لأن المورث خلف ست مئة دينار، وسبعة عشر وارثاً ذكوراً وإناثاً، أصاب أحدَهم وهو الأخت لأب دينار واحد.
13 - الامتحان: أن يترك المتوفى أربع زوجات وخمس جدات وسبع بنات وتسع أخوات لأب، للزوجات الثمن، وللجدات السدس، وللبنات الثلثان، والأخوات لأب عصبة، المسألة من (24) ، نضرب الرؤوس بعضها ببعض بسبب وجود التباين بين عدد كل فريق وسهامه، والحاصل (1260) ، يضرب في (24) ، والحاصل (30240) . وتسمى بذلك لامتحان العامل بها، فيقال: رجل خلّف عدداً من الورثة، كل صنف أقل من عشرة، ولا تصح المسألة إلا بما يزيد على ثلاثين ألفاً.(10/461)
الفَصْلُ الحادي عشر: الحجب:
تعريفه، والفرق بينه وبين الحرمان، وأنواعه وحكم كل نوع، وأحوال الورثة في الحجب (1) .
أولاً ـ تعريف الحجب: الحجب لغة: المنع، وشرعاً: المنع من الميراث كله أو بعضه، وعبارة الفقهاء: منع وارث معين من كل الإرث أو بعضه لوجود شخص آخر، لا يشاركه في سهمه. مثل حجب الجد بالأب، وحجب الزوج من النصف إلى الربع بالولد.
ثانياً ـ الفرق بين الحجب والحرمان:
الحجب غير الحرمان، فالحرمان: هو منع شخص من الإرث، لقيام أحد موانع الإرث، كالقتل، فالولد القاتل لا يرث، لوجود القتل مع بقاء أو قيام سبب الإرث وهو القرابة. والمحروم بالوصف لا يحجب غيره، بل يعتبر كأن لم يكن، فمن مات عن ولد قاتل وزوجة وأب، كان للزوجة الربع، كأنه ليس للميت ولد، وللأب التعصيب.
وأما الحجب: فهو المنع من الميراث لا بسبب مانع منه، بل لوجود شخص أقرب منه إلى الميت. والمحجوب بالشخص يحجب غيره، ويعتبر موجوداً، فمن مات عن أب وأم وأخوين شقيقين، كان للأم السدس لوجود الشقيقين، مع أنهما محجوبان بالأب، وقد يحجب غيره نقصاناً أو حرماناً، كالإخوة مع الأم والأب، وكأم الأب تُحجب به، وتحجب أم أم الأم.
وبناء عليه، المانع في الحجب، ليس لوصف قام بذات الممنوع، فلم تلزم به أهلية الإرث. والمانع في الحرمان لوصف قام بذات الممنوع، ككونه قاتلاً، فزالت به أهلية الإرث.
وليس من الحجب انتقاص حصص أصحاب الفروض بسبب اجتماع من يجانسهم في حالة الانفراد، كالزوجات مثلاً، فإن فرض الزوجة إذا انفردت الربع أو الثمن، وإذا تعددت الزوجات كان لهن نفس الفرض. وليس من الحجب أيضاً انتقاص السهام بالعول، عندما تزيد السهام عن أصل المسألة.
__________
(1) السراجية: ص 84-89، الدر المختار: 550/5-555، تبيين الحقائق: 233/6-239، الكتاب مع اللباب: 195/4 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص 386 وما بعدها، الرحبية: ص 43-46، مغني المحتاج: 11/3-13، كشاف القناع: 469/4 وما بعدها.(10/462)
ثالثاً ـ نوعا الحجب:
الحجب نوعان: حجب نقصان، وحجب حرمان.
1 - حجب النقصان: هو أن ينقص فرض وارد من سهم أعلى إلى أدنى لوجود شخص آخر، كالزوج ينتقل من النصف إلى الربع بالولد، وكالأم مع وجود الابن ينتقل من الثلث إلى السدس.
ويحصل في خمسة من ذوي الفروض، لكل واحد فرضان: أعلى وأدنى: وهم الزوجان، وبنت الابن، والأخت لأب، والأم، بالنص والإجماع.
أما الزوج: فإنه ينتقل من النصف إلى الربع بالفرع الوارث للزوجة، منه أو من غيره.
والزوجة: تنتقل من الربع إلى الثمن بالفرع الوارث للزوج، منها أو من غيرها.
وبنت الابن: تنتقل من النصف إلى السدس بالبنت الصلبية.
والأخت لأب: تنتقل من النصف إلى السدس بالأخت الشقيقة.
والأم: تنتقل من الثلث إلى السدس بالفرع الوارث مطلقاً وبالعدد من الإخوة من أي جهة.
2 - حجب الحرمان: هو أن يمنع وارث من الإرث أصلاً، كالجد يحجب بالأب، وابن الابن يحجب بالابن، والأخ لأ م يحجب بالأب. والورثة بالنسبة لحجب الحرمان نوعان:
الأول ـ من لا يحجب حجب حرمان: وهم ستة: ثلاثة من الذكور وثلاثة من الإناث: الأب، والأم، والابن، والبنت، والزوج والزوجة. فهؤلاء الستة يدلون إلى الميت دون واسطة، فإذا وجد واحد منهم، فلا بد من أن يرث، ويمكن جمعهم بقلنا: الولدان والأبوان والزوجان.
الثاني ـ من يحجب حجب حرمان: وهم سبعة:
الجد، والجدة، والأخوات الشقيقات، والأخوات لأب، وأولاد الأم، وبنات الابن، وابن الابن.
الجد يحجب بالأب، والجدة بالأم، والشقيقات بالابن أو ابن الابن وبالأب إجماعاً، وبالجد عند أبي حنيفة.
والأخوات لأب يحجبن بما تحجب به الشقيقتان، كما يحجبن بالشقيق، وبالأختين الشقيقتين إذا لم يكن معهن معصِّب.
والإخوة لأم يحجبن بالأب والجد والفرع الوارث (الابن والبنت وابن الابن وبنت الابن) .
وبنات الابن يحجبن بما تحجب به البنتان، وبالابن، وبالبنتين فأكثر إذا لم يكن معهن معصب.
وابن الابن بالابن.(10/463)
وحجب الحرمان مبني على قاعدتين:
القاعدة الأولى ـ كل من أدلى إلى الميت بواسطة، حجبته تلك الواسطة، سوء أولاد الأم، فإنهم يدلون بها ويرثون معها، مثل الجد مع الأب، والجدة (أم الأم) مع الأم.
القاعدة الثانية ـ الأقرب يحجب الأبعد كالمذكور في العصبات، وكالجدات مع الأم، فالأم تحجب كل جدة، والقربى تحجب البعدى، وبنات الابن مع الابن أو البنت، وابن الابن مع ابن هو عمه لا أبوه، فإن الابن يحجب ابن أخيه، لقرب درجته. وكل واحد من الابن وابنه والأب إجماعاً، والجد عند أبي حنيفة يحجب الإخوة والأخوات مطلقاً. والفرع الوارث والأصل الذكر كل منهم يحجب ولد الأم.
وحجب العصبات يكون على النحو الذي تبين سابقاً، فالترجيح بينهم يكون أولاً بالجهة، على أن الجد والإخوة في مرتبة واحدة، فإذا تساووا في الجهة، فالترجيح يكون بقرب الدرجة من الميت، فالأب مقدم على الجد، والأخ مقدم على ابن الأخ، وهكذا، فإذا تساووا في الجهة والدرجة فالترجيح بقوة القرابة، فالأخ الشقيق مقدم على الأخ لأب، وهكذا.
خلاصة أنواع الحجب (1) :
أولاً ـ الحجب بالوصف: يمكن أن يتصف به جميع الورثة، إن قام وصف من أحد موانع الإرث: وهي القتل والرق واختلاف الدين، واختلاف الدارين عند الحنفية.
ثانياً ـ الحجب بالشخص: وهو إما حجب نقصان أو حجب حرمان.
وحجب النقصان: هو حجب من سهم إلى سهم أقل منه، وأفراده خمسة:
1 - من فرض إلى فرض أقل منه: كانتقال نصيب الزوج من النصف إلى الربع بالولد، وانتقال نصيب الأم من الثلث إلى السدس بالولد أو العدد من الإخوة والأخوات، وانتقال نصيب بنت الابن من النصف إلى السدس بوجود البنت الواحدة، وانتقال نصيب الزوجة من الربع إلى الثمن بالولد. وانتقال نصيب الأخت لأب من النصف إلى السدس بوجود الأخت الشقيقة الواحدة.
__________
(1) مذكرات العلامة الفرضي المرحوم الشيخ حسن الشطي.(10/464)
2 - من تعصيب إلى تعصيب أقل منه، كالأخت الشقيقة أو لأب مع البنت أو بنت الابن إذا كان معها أخوها، فينتقل نصيبها من تعصيب إلى أقل منه بسبب الأخ.
3 - من فرض إلى تعصيب: كالبنت مع الابن، ينتقل نصيبها من فرض إلى تعصيب أقل منه.
4 - من تعصيب إلى فرض: كالأب أو الجد عند عدم الأب، مع ابن أو ابن الابن.
5 - مزاحمة في الفروض: كمسائل العول، فإنه زيادة في السهام، نقص في الأنصبة.
وحجب الحرمان: هو أن يحجب الشخص عن الميراث أصلاً، فيصير كالمحروم. ولا يدخل على ستة، ويدخل على سبعة.
فلا يدخل على ستة: وهم الولدان والأبوان والزوجان، أي الابن والبنت، والأب والأم، والزوج والزوجة.
ويدخل على سبعة وهم:
1 - الجد مع الأب.
2 - الجدات مع الأم.
3 - ابن الابن مع الابن.
4 - بنات الابن مع البنتين والابن.
5 - الأخوات لأب بالشقيقتين والشقيق.
6 - الإخوة مطلقاً بالابن، وابن الابن، وبالأب اتفاقاً، وبالجد عند أبي حنيفة.
7 - الإخوة والأخوات لأم بالفرع الوارث والأصل الذكر.
موقف القانون من الحجب:
نص القانون المصري (م 23-29) والسوري (م 281-287) على تعريف الحجب وحكمه والفرق بينه وبين الحرمان، وعلى أحوال المحجوبين حجب حرمان.
المحجوبون من أصحاب الفروض: أصحاب الفروض اثنا عشر، منهم اثنان لا يحجبان أصلاً وهما الأب والبنت، والآخرون يحجبون إما نقصاناً أو حرماناً:
1 - الزوج: يحجب حجب نقصان فقط من النصف إلى الربع، عند وجود الفرع الوارث.
2 - الزوجة: تحجب حجب نقصان فقط من الربع إلى الثمن، عند وجود الفرع الوارث.
3 - الأم: تحجب حجب نقصان فقط من الثلث إلى السدس، بالفرع الوارث وبالعدد من الإخوة والأخوات من أي جهة كانوا.
4 - الجدة: تحجب حجب حرمان بالأم، ولا تحجب حجب نقصان، والقربى تحجب البعدى.
5 - الجد: يحجب حجب حرمان بالأب. وبالجد الأقرب منه درجة إلى المتوفى.(10/465)
6 - بنت الابن: تحجب حجب حرمان بالفرع الوارث المذكر، سواء أكان معها معصب أم لا، وتحجب أيضاً بالبنتين فأكثر إلا أن يكون معها معصب في درجتها أو أنزل منها. وإذا حرمت من الميراث كان لها في القانون المصري وصية واجبة.
7 - الأخت الشقيقة: تحجب حجب حرمان بالابن، وابن الابن وإن نزل، وبالأب، سواء أكان معها شقيق أم لا.
8 - الأخت لأب: تحجب حجب حرمان، سواء أكان معها معصب أم لا، بما تحجب به الأخت الشقيقة، وبالأخ الشقيق، وبالأخت الشقيقة إذا صارت عصبة مع البنات أو بنات الابن، وتحجب بالأختين الشقيقتين إلا أن يكون معها معصب.
9، 10 - الإخوة والأخوات لأم: يحجبون حجب حرمان بالفرع الوارث مطلقاً، وبالأصل الوارث المذكر (الأب والجد اتفاقاً) ولا يحجبون حجب نقصان.
أمثلة:
1 - زوجة، شقيقة، أخ لأب، ابن أخ شقيق: للزوجة الربع، وللشقيقة النصف، والأخ عصبة يأخذ الباقي، وابن الأخ محجوب بالأخ، والمسألة من (4) .
2 - زوج، أم، بنت، إخوة لأم، أخت لأب، عم شقيق: للزوج الربع، وللأم السدس، وللبنت النصف، والإخوة لأم محجوبون بالبنت، والأخت لأب عصبة مع البنت تأخذ الباقي، والعم محجوب بالأخت لأب، والمسألة من (12) .
3 - شقيقتان، أختان لأب، أم، أم لأب، ابن أخ شقيق: للشقيقتين الثلثان، والأختان لأب محجوبتان بالشقيقتين، وللأم السدس، وأم الأب محجوبة بالأم، وابن الأخ الشقيق عصبة يأخذ الباقي، والمسألة من (6) .
4 - بنت، بنت ابن، زوجتان، جدة، شقيقتان، أخ لأب: للبنت النصف، ولبنت الابن السدس، وللزوجتين الثمن، وللجدة السدس، والشقيقان عصبة يأخذان الباقي، والأخ لأب محجوب بالشقيقين، والمسألة من (24) .
5 - بنت، بنت ابن، أخت شقيقة، أم أم أم، أم أب: للبنت النصف، ولبنت الابن السدس، والشقيقة عصبة تأخذ الباقي، ولأم الأب السدس، وأم أم الأم محجوبة بالأم القربى، والمسألة من (6) .(10/466)
6 - شقيقة، أختان لأم، أخوان لأم، عم، أخ لأب: للشقيقة النصف، ولأولاد الأم جميعاً الثلث، والأخ لأب عصبة، والعم محجوب، والمسألة من (6) .
7 - بنت، بنتا ابن، ابن ابن ابن، بنت ابن ابن، أب: للبنت النصف، ولبنتي الابن السدس، وللأب السدس، والأخيران عصبة، والمسألة من (6) .
8 - بنت، شقيقة، شقيق، أخت لأب، أخت لأم: للبنت النصف، والشقيق والشقيقة عصبة، والأخيران محجوبان، والمسألة من (6) . 9 - بنت ابن، ابن ابن ابن، أب، زوجة: لبنت الابن النصف، وابن ابن الابن عصبة، وللأب السدس، وللزوجة الثمن، وأصل المسألة من (24) .
10 - بنتان، بنت ابن، أخت شقيقة، أخت لأب، أخت لأم: للبنتين الثلثان، وبنت الابن محجوبة بالبنتين، والشقيقة عصبة مع الغير، والأخيران محجوبان بالبنتين، وأصل المسألة من (3) .
11 - بنت، بنت ابن، ابن ابن (أخوها) بنت ابن ابن: للبنت النصف، وبنت ابن الابن محجوبة بابن الابن، والأخيران عصبة بالغير، والمسألة من (2) .
12 - بنت، بنت ابن، ابن ابن (ابن عمها) ، بنت ابن ابن: للبنت النصف، وبنت ابن الابن محجوبة بابن الابن، والأخيران عصبة بالغير، والمسألة من (2) .(10/467)
الفَصْلُ الثّاني عشر: العَول:
معنى العول ومشروعيته، ما يعول وما لا يعول من أصول المسائل (1) :
أولاً ـ معنى العول: العول لغة: الجور والظلم وتجاوز الحد، يقال: عال الرجل: ظلم، وفي الاصطلاح: زيادة في مجموع السهام، من أصل المسألة، ونقص واقعي في الأنصبة.
ويترتب عليه أن ما زاد يقسم في فرائض جميع الورثة على نسبة واحدة. فإذا ضاق المَخْرَج (أصل المسألة) عن الوفاة بالفروض المجتمعة فيه، مثل (6) ، ترفع التركة إلى عدد أكثر من المخرج، مثل (7) ، ثم تقسم حتى يدخل النقصان في فرائض جميع الورثة على نسبة واحدة. وذلك بأن يضرب رقم العول في أصل المسألة، ويعطى كل واحد حصته من نتيجة الضرب.
وتسمى المسألة التي تكون فيها سهام الفريضة أكثر من أصل المسألة (عائلة) كزوج وشقيقتين، فإن أصل المسألة (6) ومجموع السهام سبعة، وسميت بذلك أخذاً من العدل بمعنى الزيادة والارتفاع، يقال: عال الميزان: إذا ارتفع؛ لأن بهذه الزيادة قد ارتفعت السهام، إلى أكثر من أصل المسألة.
وأما المسألة التي تكون فيها سهام الفريضة مساوية لأصل المسألة؛ فتسمى (عادلة) ؛ لأن كل صاحب فرض أخذ حقه كاملاً غير منقوص. كما في زوجة، وأم، وأخ شقيق: للزوجة الربع فرضاً، وللأم الثلث فرضاً، والباقي للأخ تعصيباً، فهي لا عول فيها ولا رد.
والمسألة التي تكون فيها سهام الفريضة أقل من أصل المسألة، وليس بين الورثة عاصب يستحق الباقي، تسمى (قاصرة) وفيها يرد الباقي على أصحاب الفروض ما عدا الزوجين، مثل أخت شقيقة، وأم، للأخت النصف فرضاً، وللأم الثلث فرضاً، والمسألة من (6) ، ويرد الباقي وهو (واحد) عليهما.
__________
(1) السراجية: ص 97-103، تبيين الحقائق: 244/6 وما بعدها، الدر المختار: 555/5-558، الشرح الصغير: 645/4-648، القوانين الفقهية: ص 395، مغني المحتاج: 32/3-34، المغني: 189/6-192، كشاف القناع: 476/4، الرحبية: ص 58-63.(10/468)
ثانياً ـ مشروعية العول:
أول من حكم بالعول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد وقعت في عهده مسألة ضاق أصلها عن فروضها وهي زوج وأختان، أو زوج وأم وأخت، فشاور الصحابة فيها، فأشار العباس أو زيد بن ثابت إلى العول، وقال: أعيلوا الفرائض، فأقره عمر على ذلك وقضى به، وتابعه الصحابة عليه، ولم ينكره إلا ابن عباس بعد وفاة عمر، فسأله رجل عما يصنع بالفريضة إذا عالت، فقال: أدخل النقص على من هو أسوأ حالاً، وهن البنات والأخوات، فإنهن يُنْقلن من فرض مقدر إلى فرض غير مقدر، وقال: هلا تجتمعون حتى نبتهل، فنجعل لعنة الله على الكاذبين، إن الذي أحصى رَمْل عالج (1) عدداً، لم يجعل في مال نصفين وثلثاً.
والحق ما فعله عمر والصحابة؛ لأن أصحاب الفروض المجتمعة في التركة، قد تساووا في سبب الاستحقاق، فيتساوون في الاستحقاق، فيأخذ كل واحد منهم جميع حقه إذا اتسع المحل لذلك، وإلا دخل النقص عليهم جميعاً بنسبة سهام كل واحد منهم، كالدائنين إذا ضاق المال عن الوفاء بجميع ديونهم، فإنهم يتقاسمونه بالحصص، وكأصحاب الوصايا إذا ضاق الثلث عن الوفاء بها كاملة، فإنهم يتحاصون فيه.
لهذا أخذ القانون في مصر وسورية برأي عمر وجمهور الصحابة والمذاهب الأربعة.
ثالثاً ـ ما يعول وما لا يعول من أصول المسائل:
الفروض المذكورة في كتاب الله تعالى ستة، ومخارجها خمسة أعداد: الاثنان، والثلاثة، والأربعة، والستة، والثمانية، وذلك لاتحاد الثلث والثلثين في المخرج، والاختلاط بين نوعين من هذه المخارج يقتضي وجود مخرجين آخرين هما (12، 24) ، فصار المجموع سبعة أعداد.
ما لا يعول من الأصول: أربعة من تلك السبعة لا تعول أصلاً: وهي الاثنان والثلاثة والأربعة والثمانية (2، 3، 4، 8) لأن الفروض فيها لا تزيد عن أصل المسألة.
فلا عول في الاثنين كزوج وأخت لأب؛ لأن المسألة تكون من اثنين.
ولا عول في الثلاثة كبنتين وأخ لأب؛ لأن المسألة من ثلاثة، والباقي فيها للأخ.
ولاعول في الأربعة كزوج وابن؛ لأن المسألة من أربعة: للزوج الربع والباقي للابن.
ولا عول في الثمانية كزوجة وابن؛ لأن المسألة من ثمانية، للزوجة الثمن والباقي للابن.
__________
(1) عالج: موضع في البادية كثير الرمل.(10/469)
ما يعول من الأصول:
الباقي من الأعداد السابقة قد يعول، وهو الستة والاثنا عشر، والأربعة والعشرون (6، 12، 24) .
1ً - الستة: قد تعول إلى سبعة: مثل زوج، وأختين شقيقتين: للزوج النصف (3) ، وللشقيقتين الثلثان (4) ، المسألة من (6) ، وتعول إلى (7) .
وقد تعول الستة إلى ثمانية، كما في مسألة المباهلة: وهي زوج وشقيقتان، وأم: للزوج النصف (3) ، وللشقيقتين الثلثان (4) ، وللأم السدس (1) ، المسألة من (6، وتعول إلى 8) ، وهي أول مسألة عالت في الإسلام.
وقد تعول الستة إلى (9) ، كما في المسألة المروانية: وهي زوج، وشقيقتان، وأختان لأم: للزوج النصف (3) ، وللشقيقتين الثلثان (4) ، ولأختي الأم الثلث (2) ، والمسألة من (6، وتعول إلى 9) . ومثل: زوج، وأخت شقيقة، وأم، وأخت لأب، وأخت لأم: للزوج النصف (3) ، وللشقيقة النصف (3) ، وللأم السدس (1) ، وللأخت لأب السدس (1) ، وللأخت لأم السدس (1) .
وقد تعول الستة إلى (10) ، كما في المسألة الشريحية (1) ، وتسمى أم الفروخ لكثرة ما فرخت في العول، وهي: زوج، وشقيقتان، وأختان لأم، وأم: للزوج النصف (3) ، وللشقيقتين الثلثان (4) ، وللأختين لأم الثلث (2) ، وللأم السدس (1) ، المسألة من (6، وتعول إلى 10) .
ومثل: زوج وأم، وأختين لأم، وشقيقة، وأخت لأب: للزوج النصف (3) ، وللأم السدس (1) ، وللأختين لأم الثلث (2) ،وللشقيقة النصف (3) ، وللأخت لأب السدس (1) ، المسألة من (6، وتعول إلى 10) .
2 - والاثنا عشر: قد تعول إلى عشر، كما في:
زوجة، وشقيقتين، وأخت لأم: للزوجة الربع (3) ، وللشقيقتين الثلثان (8) ، وللأخت لأم السدس (2) ، والمسألة من (12، وتعول إلى 13) .
__________
(1) لقضاء شريح فيها بأن للزوج 3 من 10، فجعل الزوج يطوف في البلاد، ويسأل عن امرأة تركت زوجاً، ولم تترك ولداً، فيقولون: النصف، فيقول: لم يعطني شريح لا نصفاً ولا ثلثاً، فطلبه شريح وعزره، وقال له: أسأت القول، وكتمت العول، وقد سبقني بهذا الحكم إمام عادل ذو ورع، أي عمر رضي الله عنه.(10/470)
ومثل: زوج، وبنتين، وأم: للزوج الربع (3) ، وللبنتين الثلثان (8) ، وللأم السدس (2، تعول إلى 13) .
وقد تعول الاثنا عشر إلى خمسة عشر، كما في:
زوج، وبنتين، وأب: للزوج الربع (3) ، وللبنتين الثلثان (8) ، وللأم السدس (2) ، وللأب السدس (2) ، والمسألة من (12، وتعول إلى 15) .
ومثل: زوجة، وشقيقتين، وأختين لأم: للزوجة الربع (3) ، وللشقيقتين الثلثان (8) ، وللأختين لأم الثلث (4) ، المسألة من (12، وتعول إلى 15) .
وقد تعول الاثنا عشر إلى سبعة عشر، مثل:
زوجة، وشقيقتين، وأختين لأم، وأم: للزوجة الربع (3) ، وللشقيقتين الثلثان (8) ، وللأختين لأم الثلث (4) ، وللأم السدس (2) ، المسألة من (12، وتعول إلى 17) .
3 - والأربعة وعشرون: تعول عولاً واحداً أو مرة واحدة إلى سبعة وعشرين، مثل المنبرية: زوجة، وبنتين، وأب، وأم: للزوجة الثمن (3) ، وللبنتين الثلثان (16) ، وللأب السدس (4) ، وللأم السدس (4) ، والمسألة من (24) ، وتعول إلى (27) .
وسميت بالمنبرية؛ لأن الإمام علي رضي الله عنه أجاب عنها وهو على منبر الكوفة بديهة، فور سؤال السائل، فقال: «والمرأة صار ثمنها تسعاً» .
موقف القانون: نص القانون المصري (م 15) والسوري (م 23) على العول، ونص المادة هو: «إذا زادت أنصباء الفروض على التركة، قسمت بينهم أنصباؤهم في الإرث» .(10/471)
الفَصْلُ الثّالث عشر: الرَّد:
تعريفه، ومذاهب العلماء فيه، وقاعدة الرد (1) .
أولاً ـ تعريف الرد: الرد ضد العول؛ لأنه زيادة في الأنصبة، نقص في السهام، فيرد ما فضل عن فرض ذوي الفروض النسبية عليهم بقدر سهامهم، ولا يرد على الزوجين.
وأصحاب الفروض النسبية: هم من عدا الزوجين، يرد عليهم بنسبة فروضهم.
الرد عند الفرضيين إذن: هو دفع ما فضل من فروض أصحاب الفروض النسبية إليهم بقدر حقوقهم، عند عدم العصبة. فهو ضد العول، إذ بالعول يزداد أصل المسألة، فيدخل النقص على سهام أصحاب الفروض، وبالرد ينقص أصل المسألة، وتزداد السهام.
ثانياً ـ مذاهب العلماء في الرد:
العلماء في أصل الرد فريقان:
1 - فريق يرى عدم الرد، وإنما يكون الباقي من التركة بعد أخذ أصحاب الفروض فروضهم، ولا عاصب لبيت المال.
وهذا مذهب زيد بن ثابت، وبه أخذ مالك والشافعي، لكن المعتمد عند متأخري المالكية، والمفتى به عند متأخري الشافعية: إذا لم ينتظم بيت المال يرد الباقي على أهل الفروض غير الزوجين، بنسبة فروضهم، فإن لم يكونوا فعلى ذوي الأرحام.
ودليل زيد ومن تابعه: أن الله تعالي قد بيَّن كل وارث بالنص، فلا يجوز الزيادة عليه بغير دليل، وقال الرسول صلّى الله عليه وسلم بعد نزول آية المواريث: «إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا يستحق وارث أكثر من حقه» (2) .
2 - ويرى الجمهور من فقهاء الصحابة والتابعين ومنهم الإمام علي: أن يرد على غير الزوجين من أصحاب الفروض بنسبة فروضهم. وبه أخذ الحنفية والحنابلة ومتأخرو المالكية والشافعية كما أبنت، لفساد بيت المال، قال الغزالي في المستصفى: والفتوى اليوم على الرد على غير الزوجين عند عدم المستحق، لعدم بيت المال، إذ الظلمة لا يصرفونه إلى مصرفه.
وأجاز عثمان رضي الله عنه الرد على جميع أصحاب الفروض حتى الزوجين.
__________
(1) السراجية: ص 128-139، الكتاب مع اللباب: 197/4، الشرح الصغير: 629/4-630، مغني المحتاج: 6/3-7، المغني: 201/6-203، 236، الدر المختار ورد المحتار: 556/5.
(2) المعروف حديث «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث» أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي أمامة (نصب الراية: 403/4) .(10/472)
وقال ابن عباس: لا يرد على ثلاثة: الزوجين والجدة؛ لأن ميراث الجدة ثبت بالسنة طعمة، لحديث «أطعموا الجدات السدس» (1) فلا يزاد عليه، إلا إذا لم يكن وارث نسبي غيرها.
ودليل الجمهور: قوله تعالى: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} [الأحزاب:6/33] فإنه يفيد أن ذوي الأرحام ـ الأقرباء إلى الميت ـ أولى بالتركة ممن عداهم، فيكونون أولى من بيت المال؛ لأنه لسائر المسلمين، وذو الرحم أحق من الأجانب بالنص. ولا شك أن أقرب الناس رحماً بالميت هم أصحاب الفروض. ولما كان الزوجان ليسا من الأقرباء، لم تشملهما الآية، فلا يأخذان بالرد شيئاً، لأن ميراثهما بسبب آخر غير الرحم والقرابة، وهو الزوجية.
وجاء في السنة: أن امرأة أتت النبي صلّى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني تصدقت على أمي بجارية، فماتت وبقيت الجارية، فقال: «وجب أجرك، ورجعت إليك الجارية في الميراث» فجعل حقها في الجارية كلها، ولولا الرد لوجب لها نصفها فقط.
موقف القانون:
فصل القانون المصري (م 30) والسوري (م 288) في شأن الرد على الزوجين، فأجاز الرد على غير الزوجين من أصحاب الفروض بنسبة فروضهم، إذا لم يوجد عصبة. كما أنه أجاز الرد على أحد الزوجين إذا لم يوجد عصبة من النسب، أو أحد أصحاب الفروض النسبية، أوأحد ذوي الأرحام، فيكون الرد على الزوجين مؤخراً في القانون عن ميراث ذوي الأرحام.
وهذا التفصيل لم يقل به الفقهاء، وإنما اعتمد على المصلحة أحياناً، ففي حالة عدم وجود العصبة النسبية أجيز الرد على غير الزوجين، وهذا رأي الجمهور، أما في حالة الرد على أحد الزوجين إذا لم يوجد ذوو الأرحام، فيتفق مع مذهب عثمان بن عفان الذي أجاز الرد على جميع ذوي الفروض.
ويتفق أيضاً مع ما أفتى به متأخرو الحنفية من الرد على الزوجين: «إذا لم يكن من الأقارب سواهما، لفساد الإمام وظلم الحكام في هذه الأيام» (2) .
وسبب الرد على أحد الزوجين بعد توريث ذوي الأرحام: أن صلة الزوجين في الحياة تقضي بأن يكون لأحدهما في هذه الحالة الحق في مال الآخر، بدلاً من المستحقين الآخرين.
ويمكن القول: أخذ القانون برأي الجمهور في الرد على غير الزوجين، واستثنى حالة واحدة أخذ فيها برأي عثمان وهي على أحد الزوجين عند عدم ذوي الأرحام.
__________
(1) المعروف من حديث المغيرة عند مالك وأحمد وأصحاب السنن: «شهدت النبي صلّى الله عليه وسلم أعطاها السدس» (نصب الراية: 428/4) .
(2) حاشية ابن عابدين: 556/5، ط الحلبي.(10/473)
ثالثاً ـ قاعدة الردة:
مسائل الرد أربعة أقسام؛ لأن الموجود في المسألة إما صنف واحد ممن يرد عليه أو أكثر، وعلى كلا التقديرين: إما أن يكون في المسألة أحد ممن لا يرد عليه، أو لا يكون، فكانت الأقسام أربعة:
الأول ـ أن يكون الموجود في المسألة صنفاً واحداً ممن يرد عليه، وليس معهم من لا يرد عليه من أحد الزوجين:
فيجعل أصل المسألة بقدر عدد رؤوسهم؛ لأن جميع المال لهم بالفرض والرد معاً، فيقسم على عدد الرؤوس.
مثل: من مات عن: بنتين أوأختين أو جدتين، فإن أصل المسألة من اثنين (2) فتعطى كل واحد منهما النصف فرضاً ورداً، لتساويهما في الاستحقاق. ومن مات عن بنت فلها كل التركة فرضاً ورداً، ومن مات عن 3 شقيقات، فلهن كل التركة فرضاً ورداً، لكل واحد ثلث.
الثاني ـ أن يكون الموجود في المسألة أكثر من صنف واحد ممن يرد عليه، وليس معهم من لا يرد عليه: فيجعل أصل المسألة هو مجموع سهام الفروض للمجتمعين المأخوذة من مخرج المسألة:(10/474)
ففي جدة وأخت لأم لكل منهما السدس: يجعل أصل المسألة من اثنين؛ لأنهما مجموع سهامهما؛ إذ أصل المسألة من (6) : مخرج السدسين، للجدة السدس وهو سهم، وللأخت لأم السدس، وهو سهم أيضاً، فيكون مجموع سهامهما اثنين، ويهمل أصل المسألة، ويجعل مجموع السهام أصلاً لها.
وفي (3 بنات) وأم: يجعل أصل المسألة خمسة، فتأخذ البنات 5/4، والأم 5/1.
وفي أم وأخوين لأم: يجعل أصل المسألة من ثلاثة (3) ؛ لأنها مجموع السهام؛ إذ الأصل الأساسي هو (6) : للأم السدس: سهم، وللأخوين الثلث: سهمان، فيترك الأصل، ويجعل مجموع السهام أصلاً.
وفي أخت شقيقة وأخت لأب: يجعل أصل المسألة مجموع السهام وهو أربعة؛ لأن الأصل الأول هو (6) للشقيقة النصف وهو ثلاثة أسهم، وللأخت لأب السدس وهو سهم، فيترك الأصل، ويجعل مجموع السهام أصلاً، وهكذا، فجميع مسائل الرد التي ليس فيها أحد الزوجين تكون من ستة، وتنتهي إلى أقل من ذلك، وقد تحتاج إلى تصحيح.
فإذا استقامت القسمة على الورثة، كما في الأمثلة المتقدمة، فذاك، وإن لم تستقم على الورثة، كما إذا ترك الميت: بنتاً وثلاث بنات ابن. فالمسألة من ستة، وترد إلى أربعة: للبنت (3) ثلاثة، ولبنات الابن (1) واحد، وهو غير مقسوم عليهن، فيضرب عدد رؤوسهن وهو (3) في أصل المسألة الردي وهو (4) ، تبلغ (12) ، ومنها تصح.
الثالث ـ أن يكون في المسألة مع الصنف الواحد الذي يرد عليه أحد ممن لا يرد عليه، أي أحد الزوجين:
فيجعل أصل المسألة مخرج نصيب من لا يرد عليه، ويعطى فرضه منه، ثم يقسم الباقي على من يرد عليهم بعدد رؤوسهم. فإن أمكن قسمة السهام الباقية على عدد الرؤوس برقم صحيح غير مكسور، فلا إشكال، وإن لم يمكن، فإنه تصحح السهام، بضرب أصل المسألة في أقل عدد يقبل القسمة على رؤوس من يرد عليهم.(10/475)
ففي زوج وثلاث بنات: يكون أصل المسألة مخرج نصيب الزوج وهو أربعة (4) : للزوج سهم منها، والباقي وهو ثلاثة أسهم يكون للبنات الثلاث فرضاً ورداً. وهنا لا حاجة إلى التصحيح أو الضرب؛ لأن عدد السهام يقبل القسمة على عدد الرؤوس برقم صحيح.
وفي زوجة وثلاث أخوات شقيقات: يكون أصل المسألة من مخرج نصيب الزوجة وهو أربعة، للزوجة الربع، وهو سهم، وللأخوات الباقي فرضاً ورداً، وهوثلاثة أسهم، وعدد السهام يقبل القسمة على عدد الرؤوس برقم صحيح أيضاً.
وفي زوجة وأربع بنات: يكون أصل المسألة من (8) للزوجة الثمن، وهو سهم، وللبنات الباقي فرضاً ورداً، وهو سبعة أسهم. ولكن مجموع السهام لا يقبل القسمة بغير كسر على عدد رؤوس من يرد عليهم، فتصح المسألة بضرب أصل المسألة وهو (8) في أقل عدد يقبل القسمة على رؤوس البنات وهو أربعة (4) فيبلغ الحاصل (32) سهماً، تأخذ الزوجة منها الثمن أربعة أسهم، ويقسم الباقي على البنات، لكل واحدة سبعة سهام. وفي زوج وخمس بنات: مسألة الرد من أربعة، للزوج منها الربع وهو سهم، والباقي لا ينقسم على البنات، لتباين سهامهن وعدد رؤوسهن، فيضرب عدد الرؤوس وهو خمسة في الأصل الردي وهو (4) فيصبح (20) ومنها تصح.
وفي زوج وست بنات: للزوج الربع هو سهم، والباقي ثلاثة للبنات الست، وبينها وبين عدد رؤوس البنات موافقة بالثلث، فيرد عدد البنات إلى (2) ويضرب هذا العدد في أصل المسألة الردي، فيكون المجموع (8) : للزوج (2) وللبنات (6) لكل واحدة سهم.(10/476)
الرابع ـ أن يكون مع الصنفين فأكثر ممن يرد عليه أحد ممن لا يرد عليه:
فيجعل أصل المسألة مخرج فرض من لا يرد عليه، ويعطى نصيبه منه، ثم يقسم الباقي على من يرد عليهم بنسبة أنصبائهم، ويصحح منها ما يحتاج إلى تصحيح.
ففي زوجة، وأم، وأخوين لأم: يكون أصل المسألة من أربعة، للزوجة الربع، وهو سهم، والباقي وهو (3) يقسم بين الأم والأخوين لأم بنسبة سدس إلى ثلث، أي واحد إلى اثنين، وهنا يمكن قسمة السهام من غير كسر، فيكون للأم سهم، وللأخوين لأم سهمان، لكل واحد منهما سهم.
وفي زوجة، وبنتين، وأم: للزوجة الثلثان، وللأم السدس، وأصل المسألة من (8) : للزوجة سهم واحد منها، والباقي وهو (7) يقسم على البنتين والأم، بنسبة ثلثين إلى سدس أي (4 إلى 1) ، فيكون المجموع خمسة، والسبعة لا تنقسم عليها بدون كسر، فيصح أصل المسألة، وذلك بضربه في أقل عدد يقبل القسمة على الخمسة برقم صحيح، فيصبح الحاصل (8 × 5=40) ، ومنه تصح، للزوجة الثمن خمسة سهام، ويقسم الباقي وهو (35) سهماً بين البنتين والأم، بنسبة (4 إلى 1) ، أي يكون للبنتين (28) سهماً، لكل واحدة (14) سهماً، وللأم (7) سهام.
وهذا التقسيم تماماً ينطبق على مثال آخر هو: (4) زوجات، (9) بنات، (6) جدات، للزوجة الثمن وهو أصل المسألة، وللبنات الثلثان، وللجدات السدس. فإذا كانت التركة (1440) ديناراً تقسم على (40) فيكون (36) ، يضرب بسهم الزوجة أو الزوجات وهو (5) فتكون الحصة (180) ، ويضرب بـ (28) نصيب البنات حصتهن (1008) ويضرب بـ (7) نصيب الأم أو الجدات، فتكون الحصة (252) .
وفي زوجة، و (3) جدات، و (5) أخوات لأم: يجعل أصل المسألة (4) ، وهو مخرج فرض الزوجة، فتأخذ (1) والباقي يقسم بنسبة (2 إلى 1) ، أي بنسبة الثلث فرض الأخوات، إلى السدس فرض الجدات، ويحتاج الأمر إلى تصحيح، لوجود التباين بين (1) وعدد الجدات (3) ، وبين (2) وعدد الأخوات (5) ، فنضرب عدد رؤوس الجدات (3) بعدد رؤوس الأخوات وهو (5) ، فيكون الحاصل (15) ، نضربه بأصل المسألة وهو (4) ، فيكون الحاصل (60) ، يعطى للزوجة الربع وهو (15) ، والباقي (45) يقسم أثلاثاً: للجدات ثلثه وهو (15) ، لكل واحدة 5 أسهم، وللأخوات لأم الثلثان وهو (30) ، لكل أخت (6) .(10/477)
الفَصْلُ الرّابع عَشر: الحساب:
مخارج الفروض وأصول المسائل وتصحيحها:
الحساب لغة: مصدر حسَب يحسُب الشيء: إذا عدَّه، وهو اصطلاحاً: علم بأصول يتوصل بها إلى استخراج المجهولات العددية. وهذا العلم شامل لحساب الفرائض وغيرها. ويقصد به هنا: الكلام على شيء من نتيجات المسائل الحسابية وهي تأصيل المسائل وتصحيحها (1) .
ويمهد له ببيان مخارج الفروض:
أولاً ـ مخارج الفروض:
الفروض المقدرة بكتاب الله تعالى ستة وهي نوعان (2) :
1 - النصف والربع والثمن.
2 - الثلثان والثلث والسدس.
على التنصيف والتضعيف.
ومخرج كل فرض منفرد عن سائر الفروض: سميه، إلا النصف، فهو من اثنين، وليس الاثنان سمياً له، أي كلها مشتقة من مادة عددها إلا الأول، فمخرج الثلث ثلاثة، والربع أربعة، وهكذا ما عدا النصف، فإن مخرجه اثنان.
ومجموع مخارج الفروض سبعة أعداد، خمسة أعداد منهاهي مخارج الفروض المذكورة في كتاب الله: وهي الاثنان، والثلاثة، والأربعة، والستة، والثمانية، وذلك لاتحاد مخرج الثلث والثلثين.
ويضاف إليها اثنا عشر: ضعف الستة، وأربعة وعشرون: ضعف الاثني عشر، مثال الأول: زوجة وإخوة لأم وأم، للزوجة الربع، وللأم السدس، وللإخوة لأم الثلث. فمخرج الربع: أربعة، والثلث: ثلاثة، وبين المخرجين تباين، فنضرب أحدهما في الآخر وتكون النتيجة اثني عشر. ومثال الثاني: حالة اجتماع سدس وثمن كزوجة وأم وولد، للزوجة الثمن، وللأم السدس، وللولد الباقي، وبين المخرجين توافق بالنصف، فنضرب نصف أحدهما في كامل الآخر، فتكون النتيجة أربعة وعشرين.
__________
(1) الرحبية: ص 56 وما بعدها.
(2) السراجية: ص 91، 100، 105، 110، 119، تبيين الحقائق: 243/6-250، القوانين الفقهية: ص 385، الشرح الصغير: 641/4، 655، 660، 671، مغني المحتاج: 32/3-37، المغني: 189/6، 204، الدر المختار: 570/5-572، اللباب: 203/4، كشاف القناع: 476/4 وما بعدها.(10/478)
ثانياً ـ أصول المسائل السبعة وتصحيحها:
تصحيح مسائل الفرائض: هو أن تؤخذ السهام من أقل عدد يمكن على وجه لا يقع الكسر على أحد من الورثة، بأن يأتي منه نصيب كل وارث صحيحاً، وهي قاعدة المضاعف البسيط، ويراد به المضاعف البسيط للأعداد التي يراد القسمة عليها.
وأصول المسائل: معناها المخارج التي تخرج منها فروضها.
وأصول المسائل كلها سبعة أعداد أوضحتها فيما سبق: أربعة منها لا تعول: وهي اثنان، وثلاثة، وأربعة وثمانية، وثلاثة منها قد تعول: وهي ستة، واثنا عشر، وأربعة وعشرون، ومجموعها: (2، 3، 4، 6، 8، 12، 24) .
وقد أبنت طريق تقسيم التركة في حالتي العول والرد، ففي العول: يعرف نصيب كل ذي فرض بأن تهمل الأصل الأول، وتعتبر الأصل بعد العول أصلاً، فتنسب السهام إليه، وتقسم التركة بحسبه، ليتأتى إدخال النقص على كل وارث بنسبة نصيبه.
وفي الرد: يأخذ أحد الزوجين فرضه فقط منسوباً إلى أصل المسألة، ويقسم الباقي على أصحاب الفروض بنسبة فروضهم، ويرد عليهم بحسبها، فيكون نصيب كل ذي فرض منهم هو ما يستحقه فرضاً ورداً.(10/479)
وأما في غير حالتي العول والرد فيعرف أصل المسألة على النحو الآتي (1) :
1 ً - إذا كان في المسألة صاحب فرض واحد: فأصلها مخرج ذلك الفرض، كأب وأم، للأم الثلث وللأب الباقي، وأصل المسألة من (3) ، تأخذ الأم (1) ، ويأخذ الأب الباقي وهو (2) .
2 ً - إذا اجتمع في المسألة اثنان من أصحاب الفرائض، وكانا من نوع واحد من النوعين السابقين: (الأول ـ النصف والربع والثمن، والثاني ـ الثلثان والثلث والسدس) فأصل المسألة: هو المخرج الذي يشمل ضعفه وضعف ضعفه، فالثمانية في النوع الأول مخرج الثمن، وضعفه وهو الربع، وضعف ضعفه وهو النصف. والستة في النوع الثاني مخرج السدس، وضعفه وضعف ضعفه وهو الثلث والثلثان، فكل واحد من مخرجي الثلث والثلثين داخل في مخرج السدس.
فإن مات عن زوجة وبنت، فالمسألة من ثمانية، لوجود الثمن والنصف، للزوجة الثمن (1) ، وللبنت النصف (4) ، والباقي (3) رد على البنت.
وإن مات عن زوج وبنت، المسألة من أربعة، لوجود الربع والنصف.
ولو مات عن أم وأختين لأم، المسألة من ستة، لوجود السدس والثلث.
وإن مات عن أم وأختين شقيقتين وأختين لأم، المسألة من ستة، لوجود السدس والثلثين.
ولو مات عن أختين شقيقتين وأختين لأم، المسألة من ثلاثة لوجود الثلث والثلثين.
3 ً - إذا اجتمع في المسألة بعض أفراد النوع الأول، مع كل أو بعض النوع الثاني، ففي الأمر تفصيل:
أـ إذا اجتمع النصف مع الثلثين والثلث، كزوج، وأختين شقيقتين، وأختين لأم، فتكون من ستة (6) .
وإذا اختلط النصف بالثلث فقط كزوج وأختين لأم، أو بالثلثين فقط كزوج وأختين شقيقتين، أو بالسدس فقط كبنت وأم، فتكون من ستة (6) .
وكذلك إذا اختلط النصف بالثلث والسدس معاً، كزوج وأختين لأم وأم، فالمسألة من ستة أيضاً (6) .
ب ـ وإذا اجتمع الربع مع جميع أفراد النوع الثاني، كزوجة، وأم، وشقيقتين، وأختين لأم، فالمسألة من اثني عشر (12) .
وكذلك إذا اختلط الربع من الثلثين فقط، كزوج وبنتين، أو مع الثلث فقط، كزوجة وأم، أو اختلط الثلثان والسدس، كزوجة وأم وأختين شقيقتين، أو اختلط الربع بالثلث والسدس كزوجة وأم وأختين لأم، فالمسألة في جميع هذه الصور من اثني عشر (12) .
جـ ـ وإذا اجتمع الثمن مع الثلثين والسدس، كزوجة وبنتين وأم، أو اجتمع مع الثلثين فقط، كزوجة وابنتين، أو مع السدس فقط، كزوجة وأم وابن، فالمسألة من أربعة وعشرين (24) .
ولا يتصور اجتماع الثمن مع جميع النوع الثاني.
__________
(1) السراجية: ص 110-118، تبيين الحقائق: 245/6 ومابعدها، الدر المختار: 570/5-572، الكتاب مع اللباب: 203/4-211، الشرح الصغير: 641/4-644، 655-671، مغني المحتاج: 32/4-37، الرحبية: ص 65، المغني: 189-196.(10/480)
ثالثاً ـ طريقة تصحيح المسائل:
إذا لم تقبل سهام بعض الورثة الحاصلة من أصل المسألة القسمة على مستحقيها إلا بكسر، فيلجأ إلى جعل السهام قابلة للقسمة على كل الورثة بدون كسر، أي قسمة صحيحة، وهذا ما يسمى بالتصحيح.
وتصحيح المسألة: بأن يضرب أصل المسألة أو عولها في أقل عدد يمكن معه أن ينفرد كل وارث بقدر من السهام برقم صحيح، لا كسر فيه، وحاصل الضرب: هو أصل المسألة بعد التصحيح. ويتم ذلك على وفق القواعد الآتية لتماثل العددين أو توافقهما أو تداخلهما أو تباينهما بين أعداد الرؤوس، أي رؤوس من انكسر عليهم سهامهم إذا كان الانكسار في أكثر من طائفة، أو طائفة واحدة.
ووجه انحصار هذه الأنواع الأربعة: أنك إذا نسبت عدداً إلى آخر، فإما أن يكون مساوياً له، أو لا، الأول ـ التماثل، والثاني ـ إما أن ينقسم الأكثر على الأقل قسمة صحيحة أو لا ينقسم.
الأول ـ التداخل، والثاني ـ إما أن يفنيهما عدد غير الواحد، أو لا.
الأول ـ التوافق، والثاني ـ التباين.(10/481)
النوع الأول ـ حالة الانكسار في أكثر من طائفة:
ينظر في هذه الحالة إلى النسبة بين عدد الرؤوس:
1 ً - تماثل العددين: أي كون أحدهما مساوياً للآخر، كثلاثة وثلاثة، وإذا تماثل العددان، يضرب أحدهما في أصل المسألة، مثل:
(3) زوجات، و (3) بنات، عم، للزوجات الثمن 8/1 = 3، وللبنات الثلثان 3/2 = 16، وللعم الباقي: (5) ؛ لأنه عصبة، والمسألة من (24) ، وتصح من (72) ؛ لأن عدد الزوجات (3) وعدد البنات (3) ، فهما متماثلان، فأخذنا أحد المتماثلين وهو (3) ، وضربناه في أصل المسألة وهو (24) ، فبلغ (72) ومنها تصح، وكل من له شيء من السهام يأخذه مضروباً في المضروب بأصل المسألة، ويسمى هذا المضروب: جزء السهم. فتأخذ الزوجات: (9) ، والبنات: (48) ، والعم: (15) وهذا لمجرد التمثيل.
2 ً - توافق العددين: أن يكون بين أعداد الرؤوس التي انكسرت عليهم سهامهم موافقة بجزء من الأجزاء، بحيث لا يعد أقلهما الأكثر، كالأربعة والستة، فإنهما متوافقان بالنصف، أي ينقسمان على اثنين، وكالثمانية والعشرين، فإنهما متوافقان بالنصف والربع، أي ينقسمان على اثنين وأربعة.
وإذا توافق العددان، فيضرب الوَفْق الأعلى في أصل المسألة، إن كانت عادلة غير عائلة، أو في عولها إن كانت عائلة، ومنها تصح، مثل:
4 زوجات: 8/1، 6 بنات: 3/2، عم الباقي: للزوجات (3) ، وللبنات (16) ، وللعم (5) ، والمسألة من (24) ، وسهام الزوجات في هذه المسألة لا تنقسم عليهن، وسهام البنات (16) لا تنقسم عليهن، وبين عدد الزوجات وبين عدد البنات موافقة بالنصف، فنضرب وفق أحدهما في كامل الآخر (2 × 6 = 12) ، فيبلغ الحاصل اثني عشر، فهذا هو جزء السهم، نضربه في أصل المسألة وهو (24) فتصح من (288) وكل من له شيء من السهام، يأخذه مضروباً في جزء السهم وهو (12) ، فللزوجات (6 3) ، وللبنات (192) ، وللعم (60) .
3 ً - تداخل العددين: هو أن ينقسم على الأقل قسمة صحيحة، بحيث لا يبقى من الأكثر شيء، كثلاثة وستة: (3، 6) . فإذا قسمنا الستة على الثلاثة مرتين، فلا يبقى منها شيء، أو نزيد على الأقل مثله أو أمثاله، فيساوي الأكثر، فإن زدنا على الثلاثة في المثال المذكور ثلاثة أخرى، فيساوي ذلك العدد الأكثر.(10/482)
فيؤخذ الأكبر من العددين المتداخلين وهو ستة؛ لأن الثلاثة داخلة في الستة، فنكتفي بها، ونضربها في أصل المسألة، مثل: (3) زوجات: 8/1، (6) بنات: 3/2، عم: الباقي، للزوجات (3) ، وللبنات (16) ، وللعم (5) ، والمسألة من (24) ، وعدد الزوجات وعدد البنات متداخلان، فيكفي أن نأخذ أكبرهما، ونضربه في أصل المسألة (6 × 24 = 144) ، فتصح من (144) ، وكل من له شيء من السهام يأخذه مضروباً بالستة التي هي جزء السهم، فيكون للزوجات (18) ، وللبنات (96) ، وللعم (30) .وهذا لمجرد التمثيل.
4 ً - تباين العددين: ألا يعد العددين المختلفين معاً عدد ثالث، كالتسعة والعشرة، وإذا تباين العددان، يضرب أحدهما في الآخر، والحاصل في أصل المسألة إن لم تكن عائلة، وفي عولها إن كانت عائلة، مثل:
(2) زوجة: 8/1، (3) بنات: 3/2، وعم: الباقي، والمسألة من (24) وعدد الزوجات وعدد البنات متباينان، فنضرب عدد رؤوس الزوجات وهو (2) في عدد رؤوس البنات وهو (3) يبلغ ستة، فهو جزء السهم، يضرب في أصل المسألة، فتصبح المسألة من (144) ، ومنها تصح، فيعطى للزوجتين (3 × 6 = 18) ، وللبنات الثلاثة: (16 × 6 = 96) ، وللعم (5 × 6 = 30) .
ومثل (2) زوجة 8/1، و (3) أخوات 3/2، 2 عم، الأصل (12) ، للزوجتين (3) ، وللأخوات (8) فرضاً، وللعمين (1) تعصيباً، وبين عدد الزوجات وعدد الأخوات تباين، فيضرب أحدهما في الآخر (2 × 3 = 6) ، وهو جزء السهم، ثم يضرب الحاصل في (12) : (6 × 12 = 72) ، ومنها تصح، ثم نضرب سهام الورثة بـ (6) فيكون للزوجات: (18) ، وللأخوات: (48) ، وللعم: (6) .(10/483)
النوع الثاني ـ حالة الانكسار في طائفة واحدة من الورثة:
ينظر في هذه الحالة إلى النسبة بين السهام المنكسرة وعدد الرؤوس:
1ً - فإن انقسمت السهام بلا كسر مثل: (3) زوجات، وأم، وأختين لأم، المسألة من (12) فلا تصحيح، ويكون للزوجات الربع (3) من (12) ، وللأم السدس (2) ، وللأختين لأم الثلث (4) ، ويعطى لكل زوجة (1) ولكل واحدة من الأختين (2) .
وعلى هذا إن كان سهام كل من الورثة منقسمة عليهم بلا كسر، فلا حاجة إلى الضرب، كأبوين وبنتين، المسألة من ستة، لكل من الأبوين سدسها، وهو واحد، وللبنتين الثلثان، أي أربعة، لكل واحدة منهما اثنان.
2ً - وإن كان بينهما توافق أو تداخل، فيضرب جزء السهم (وهو في حالة التداخل حاصل قسمة عدد الرؤوس على السهام، وفي حالة التوافق وَفْق عدد رؤوسهم في أصل المسألة أو في عولها إن عالت) وتصح المسألة من الناتج، مثال التداخل:
(8) بنات 3/2، وأم 6/1: أصل المسألة من (6) وترد إلى (5) ، والسهام للبنات (4) ، وللأم (1) ، وبين سهام البنات 4 وعددهم 8 تداخل، وجزء السهم (8 ÷ 4= 2) ، ثم يضرب (2 × 5) أصل المسألة: (10) ، ومنه تصح المسألة، ويكون للبنات (4 × 2 = 8) ، وللأم (1× 2 = 2) . ومثال التوافق: (6) بنات 3/2، وأم 6/1: أصل المسألة من (5) ، للبنات (4) ، وللأم (1) ، وجزء السهم هنا (6) ، يضرب في (5) ، فتصح المسألة من (30) ، للبنات (6×4= 24) لكل بنت (4) ، وللأم (1× 6 = 6) .
3ً - وإن كان بينهما تباين: فجزء السهم هو كل عدد الرؤوس: مثل: (5) بنات 3/2 وأب 6/1 والتعصيب، أصل المسألة من (6) ، للبنات (4) ، وللأب (2) ، وجزء السهم (5 × 6 = 30) ، منه تصح، فيعطى للبنات (4 × 5 = 20) ، وللأب (2 × 5= 10) .(10/484)
بيان طريقة التصحيح إجمالاً:
الخلاصة: هناك أصول أربعة بين الرؤوس والرؤوس، في حالة انكسار السهام على أكثر من طائفة، وهي التماثل، والتوافق، والتداخل، والتباين.
وأصول ثلاثة في حالة انكسار السهام على طائفة واحدة فقط: وهي أن تستقيم قسمة السهام على الورثة بلا كسر، وأن يكون بين السهام والرؤوس توافق أو تداخل، وأن يكون بين السهام والرؤوس مباينة.
ويقال في ذلك: يحتاج في تصحيح المسائل لمعرفة سبعة أصول: ثلاثة بين السهام والرؤوس، وأربعة بين الرؤوس والرؤوس.
النوع الأول ـ الانكسار بين السهام والرؤوس:
1ً - إما أن تستقيم السهام على الورثة فتصح من أصلها بلا تصحيح، كأبوين وابنين. وهذا هو الأصل الأول. أو لا تستقيم، وفي هذه الحالة:
إما أن يكون الكسر على طائفة واحدة، أو يكون الكسر على طائفتين فأكثر. فإن كان الكسر على طائفة واحدة:
2ً - فإما أن يكون بين السهام والرؤوس موافقة: فيضرب وَفْق عدد رؤوسهم في أصل المسألة، ومنها تصح، كأم وأب وعشر بنات، المسألة من (6) ، لكل من الأب والأم السدس، وللبنات الثلثان، وبين سهام البنات ورؤوسهن موافقة بالنصف، فضربنا وفق عدد البنات وهو (5) في أصل المسألة (6) ، فيبلغ (30) ، ومنها تصح، وهذا هو الأصل الثاني.
3ً - وإما أن يكون بين السهام والرؤوس مباينة: فيضرب عدد رؤوسهم في أصل المسألة، ومنها تصح، كزوج وجدة و (3) إخوة لأم، المسألة من (6) ، للزوج النصف (3) ، وللجدة السدس (1) ، وللإخوة الثلث (2) ، فيضرب عدد الإخوة (3 × 6 أصل المسألة = 18) ومنها تصح، وهذا هو الأصل الثالث.(10/485)
النوع الثاني ـ أن تنكسر السهام على طائفتين فأكثر:
لا يخلو الحال من أحد أمور:
إما أن يكون بين أعداد رؤوسهم مماثلة، أو مداخلة، أو موافقة، أو مباينة.
4 - ففي الحالة الأولى ـ التماثل: يؤخد أحد المتماثلين، ويضرب في أصل المسألة: كست بنات، و (3) جدات، و (3) أعمام، وهذا هو الأصل الرابع.
فالمسألة من (6) ، للبنات 3/2 = (4) ، وللجدات 6/1 = (1) ، وللأعمام الباقي= (1) . ونصيب البنات لا ينقسم عليهن، وبين سهامهن وعدد رؤوسهن توافق بالنصف، فرددنا عدد رؤوسهن إلى الوفق وهو (3) ، ونظرنا بين هذا العدد وعدد الجدات والأعمام الذين انكسرت عليهم سهامهم، ولم تنقسم، فاجتمع معنا ثلاث فرق متماثلة: فرقة البنات، وفرقة الجدات، وفرقة الأعمام، فاكتفينا بأحد المتماثلات وهو (3) ، وضربناه في أصل المسألة، فصار (18) ، ومنها تصح.
ويكون للبنات (4 × 3 = جزء السهم = 12) ، لكل بنت سهمان.
وللجدات (1 × 3 جزء السهم = 3) ، لكل عم سهم.
وللأعمام (1 × 3 جزء السهم = 3) ، لكل عم سهم.
5 - وفي الحالة الثانية - التداخل: وهي أن يكون بعض أعداد الرؤوس متداخلاً في الآخر، فيضرب ما هو أكثر تلك الأعداد المتداخلة في أصل المسألة، فما بلغ تصح منه المسألة، وهذا هو الأصل الخامس.
كأربع زوجات: 4/1، و (3) جدات: 6/1، (12) عماً: الباقي. فالمسألة من (12) ، للزوجات (3) ، وللجدات (2) ، وللأعمام الباقي (7) . وسهام كل من الزوجات والجدات والأعمام غير منقسم عليهن. ونظرنا بين أعداد الرؤوس، فرأينا أن عدد الزوجات داخل في عدد الأعمام، وعدد الجدات داخل أيضاً في عدد الأعمام، فاكتفينا بالأكبر وهو (12) ، وضربناه في أصل المسألة وهو (12) ، فبلغ (144) ، ومنها تصح.
ويكون للزوجات: (3 × 12 = 36) ، لكل زوجة (9) .
وللجدات (2 × 12 = 24) ، لكل جدة (8) .
وللأعمام (7 × 12 = 84) ، لكل واحد منهم (7) .(10/486)
6 - وفي الحالة الثالثة ـ التوافق: أن تكون بعض أعداد المنكسرة سهامهم موافقة للبعض الآخر، وهذا هو الأصل السادس. مثل (4) زوجات: 8/1، و (18) بنتا: 3/2، و (15) جدة: 6/1، و (6) أعمام: الباقي. وأصل المسألة من (24) ، وبين سهام الزوجات ورؤوسهن تباين، وبين سهام الأعمام ورؤوسهم تباين أيضاً، وبين سهام الجدات وعددهن تباين أيضاً، وبين عدد البنات وسهامهن توافق بالنصف، فرددنا عدد البنات إلى الوَفق وهو (9) فاجتمع معنا (4) عدد الزوجات، (9) عدد البنات، و (15) عدد الجدات، و (6) عدد الأعمام.
وبين الأربعة والتسعة تباين، فضربنا أحدهما بكامل الآخر، فصار ستة وثلاثين (36) .
والـ 6 داخلة فيه، وبين الـ 36 والـ 15 عدد الجدات توافق بالثلث أي (12) ثلث الـ 36، و (5) ثلث الـ 15، فضربنا وَفْق أحدهما بكامل الآخر، أي (5 × 36) ، فبلغ (180) ، ثم ضربناه في أصل المسألة (24) ، فصارت (4320) ومنها تصح، فكل من له شيء من السهام يأخذه مضروباً في جزء السهم (180) ، فللزوجات (540 أي 3 × 180) ، لكل زوجة (135) ، وللبنات (2880) ، لكل بنت (160) ، وللجدات (720) لكل جدة (48) ، وللأعمام (180) لكل عم (30) .
7 - وفي الحالة الرابعة ـ التباين: وهو أن تكون أعداد الرؤوس المنكسرة عليهم سهامهم مباينة للفريق الآخر، فيضرب أحدهما في الثاني، وهكذا، فيضرب المجموع في أصل المسألة، وهذا هو الأصل السابع.
مثل زوجتين 8/1، (6) جدات 6/1، و (10) بنات 3/2، و (7) أعمام: الباقي. وأصل المسألة من (24) ، للزوجتين الثمن وهو ثلاثة لا يقسم عليهما، وبين رؤوسهما وسهامهما مباينة، فأخذنا عدد رؤوسهما وهو اثنان. وللجدات الست السدس وهو أربعة، فلا يستقيم عليهن، وبين عددي رؤوسهن وسهامهن موافقة بالنصف، فأخذنا نصف عدد رؤوسهن وهو ثلاثة.
وللبنات العشرة: الثلثان وهو ستة عشر، فلا يستقيم عليهن، وبين رؤوسهن وسهامهن موافقة بالنصف، فأخذنا نصف عدد رؤوسهن وهو خمسة. والأعمام السبعة: الباقي وهو واحد (1) لا يستقيم عليهن، وبينه وبين عدد رؤوسهم مباينة، فأخذنا عدد رؤوسهم وهو سبعة، فصار معنا من الأعداد المأخوذة: اثنان وثلاثة وخمسة وسبعة (2، 3، 5، 7) وهذه أعداد كلها متباينة.
فضربناها ببعضها، فبلغ (210) ، ثم ضربنا هذا المبلغ في أصل المسألة وهو (24) ، فصار المجموع (5040) ومنه تصح.
فللزوجتين (630) لكل زوجة (315) .
وللجدات الستة (840) لكل جدة (140) .
وللبنات العشرة (3360) لكل بنت (336) .
وللأعمام السبعة (210) لكل عم (30) .(10/487)
رابعاً ـ قسمة التركة بين الورثة أو الغرماء (الدائنين) :
لا يخلو أن يكون بين التركة وتصحيح المسائل أحد النسب الأربع السابقة، فإن كانت المماثلة فالأمر ظاهر. وإن لم تكن بينهما مماثلة: فإما أن يكون أحدهما مبايناً للآخر، أو موافقاً له (1) .
ففي حالة التباين: نضرب سهام كل وارث من التصحيح، أي أصل المسألة أو عولها في جميع التركة، ثم نقسم المبلغ على التصحيح، فالخارج نصيب ذلك الوارث. مثل: زوج، وأم، وأختين شقيقتين: والمسألة من (6) للزوج النصف (3) ، وللأم السدس (1) ، وللأختين الثلثان (4) ، تعول إلى (8) وهو التصحيح.
فإذا كانت التركة (25) ديناراً، نضرب نصيب الزوج وهو (3) في جميع التركة = (75) ، ثم نقسم المبلغ على التصحيح وهو (8) ، يخرج 8/3 (9) دينار، وإذا ضربنا نصيب الأم وهو (1) في جميع التركة (25 = 25) ، ثم نقسم المبلغ على التصحيح وهو (8) يخرج 8/1 (3) دينار، وإذا ضربنا نصيب الأختين وهو (4) في جميع التركة (25 = 100) ، ثم نقسم المبلغ على التصحيح وهو (8) ، فيخرج 8/4 (12) ، أي 4/1 (6) دينار لكل أخت من التركة.
__________
(1) السراجية: ص 121-126.(10/488)
وفي حالة التوافق: نضرب سهام كل وارث من التصحيح في وَفْق التركة، ثم نقسم الحاصل على وفق التصحيح، فالخارج: نصيب ذلك الوارث.
ففي المثال السابق إذا كانت التركة 50 ديناراً، إذا ضربنا سهام الزوج وهو (3) في وفق التركة وهو (25) يحصل (75) ، ثم نقسم على وفق التصحيح وهو (4) يخرج نصيب الزوج وهو 8/6 (18) ، ويكون نصيب الأم 8/2 (6) ، ويكون نصيب الأختين (25) .
وإذا كان في التركة كسر: فالقاعدة أن نبسط التركة لتصير من جنس واحد، فنضرب الصحيح من التركة في مخرج الكسر، ونزيد على الحاصل ذلك الكسر، ثم نضرب العدد الذي صحت منه المسألة في مخرج كسر التركة، ثم نعمل بالحاصلين كما سبق، فيكون الخارج نصيب الوارث الواحد.
فلو فرضنا أن التركة في المثال السابق (25) ديناراً وثلث، فنضرب (25) في مخرج الثلث وهو (3) يحصل (75) ، فنزيد عليه الكسر وهو (1) ، فيصير المجموع (76) ، ونضرب (8) التي هي التصحيح في (3) أيضاً يحصل (24) ، فإذا ضربنا نصيب كل وارث من (8) في (76) ، وقسمنا الخارج على (24) ، كان الناتج هو حصة ذلك الوارث، كأن التركة كانت (76) عدداً صحيحاً، وكأن أصل المسألة (24) .
قضاء الديون: أما طريق وفاء الديون إن لم تف بها التركة، مع تعدد الغرماء، فيجعل دين كل واحد بمنزلة سهام كل وارث من تصحيح المسألة، ويجعل مجموع الديون بمنزلة مجموع التصحيح.
فلو مات شخص عن (9) دنانير، وكان عليه (15) ديناراً، لدائن عشرة دنانير، ولآخر خمسة، فالخمسة عشر بمنزلة التصحيح، وبينها وبين التسعة دنانير موافقة بالثلث، فإذا ضربنا دين من له (10) دنانير في وفق التسعة وهو (3) حصل (30) ، فإذا قسمناه على وفق التصحيح وهو خمسة، كان الخارج (6) نصيب من كان له عشرة، وكان من له خمسة دنانير (3) .
ولو فرضنا أن التركة كانت (13) ديناراً، كان بينها وبين التصحيح مباينة، فحينئذ نضرب دين صاحب العشرة في كل التركة، أي (13) فيحصل (130) ، فإذا قسمنا على التصحيح وهو (15) ، كان الخارج وهو 8/2 (8) ، وهكذا الثاني.(10/489)
خامساً ـ طرق قسمة التركة:
لقسمة التركة طرق ثلاث: 1 - الضرب، 2 - القسمة، 3 - النسبة، ويضاف طريقة رابعة (1) .
1 - طريقة الضرب: لو مات عن زوجة وأم وعم، المسألة من (12) ، للزوجة 4/1 = (3) ، وللأم 3/1 = (4) ، وللعم الباقي وكانت التركة (24) ديناراً، فالمسألة من (12) سهماً، فنضرب سهام كل وارث في التركة، ونقسم الحاصل على أصل المسألة، فما خرج فهو نصيب ذلك الوارث، فنصيب الزوجة (3×24= 72÷12= 6) ، وهكذا يعمل في نصيب الأم والعم.
2 - طريقة القسمة: أن نقسم التركة على المسألة، ونضرب الخارج في سهام كل وارث، فيحصل نصيبه.
ففي المثال المذكور: إذا قسمنا التركة على المسألة، يحصل (2) ، فكل من له شيء في المسألة، يأخذه مضروباً بـ (2) فما بلغ هو نصيبه، فنصيب الزوجة: (3×2=6) وهكذا الباقي.
3 - طريقة النسبة: وهي أن تَنسب سهام كل وارث من المسألة إليها، وتأخذ من التركة بتلك النسبة، فيكون المأخوذ حصته. فنسبة سهام الزوجة للمسألة الربع، أي (3 من 12) ، فيؤخذ لها ربع التركة، وهو ستة من (24) ، وهكذا الأم لها الثلث، أي (4 من 12) ، فيؤخذ لها ثمانية من (24) ، ونسبة سهام العم فيها ربع وسدس، فيعطى بتلك النسبة، ويؤخذ من التركة الربع ستة، والسدس أربعة، ويكون المجموع عشرة من (24) .
4 - طريقة الرد إلى الوفق: إذا كان بين السهام والتركة موافقة، فرُدَّ كلاً منهما إلى وَفْقه، فترد السهام إلى وفقها.
ففي المثال السابق: ننظر بين سهام المسألة وهو (12) والتركة وهي (24) ، فنجد بينهما موافقة بنصف السدس، فترد السهام إلى وفقها وهو نصف سدس أي واحد (1) ، وترد التركة إلى نصف سدسها وهو اثنان (2) ، ونضرب سهام كل وارث في وَفْق التركة، فما بلغ فهو نصيبه، فإذا ضربنا سهام الزوجة وهي ثلاثة (3) في وفق التركة وهو اثنان (2) يحصل ستة، هي نصيبها من التركة، وهكذا البقية: وهي تشبه طريقة القسمة.
__________
(1) الرحبية: ص 71-72، المغني: 200/6، كشاف القناع: 496/4 ومابعدها.(10/490)
أمثلة:
1-
..................24 (أصل المسألة) ... 144 (التركة) ،6 (نتيجة قسمة التركة على أصل المسألة)
....... 8/1 زوجتين.......3.................18
.......2/1 بنت.........12................72
.......6/1 3بنات ابن ... 4.................24
.......م أخ لأم.......محجوب...............0
... والباقي (با) أب........4+1..............30
2-
.........................24/60..........1440 (التركة)
.....8/1 4زوجات.......3................180
....3/2 5بنات..........16...............960
....6/1 3جدات.........4.................240
......با أخ شقيق..........1..................60
3-
......................9/12..............108 (التركة)
.........4/1زوج.........3..................27
.........با ابن+3بنات.....5.................ابن30بنات15
.......6/1 أم.............2...................18
.......6/1 أب...........2...................18
4-
......................30/6................180 (التركة)
........6/1 جدتين.......1..................30
.......3/1 3أخوة لأم....2.................60
........با 5أعمام.........3................90
5-
..............................6/3................18 (التركة)
.........با بنت ابن..........////....................1
.......3/2 بنتين..............4...................12
.........م جدة...............0.....................0
.....6/1 أم..................1.....................3
.......با ابن ابن............////.....................2(10/491)
الفَصْلَ الخامس عَشر: توريث ذوي الأرحام:
تعريفهم، مذاهب العلماء في توريثهم، أصنافهم ومراتبهم، قواعد توريثهم (1) .
أولاً ـ تعريف ذوي الأرحام:
ذو الرحم لغة: هو صاحب القرابة مطلقاً، أي سواء أكان صاحب فرض، أم عصبة أم غيرهما.
وفي اصطلاح علماء الميراث (الفرضيين) : هو كل قريب ليس بصاحب فرض ولا عصبة، يحرز جميع المال عند الانفراد، مثل أولاد البنات، وأولاد الأخوات وبنات الإخوة والجد الرحمي (غير الصحيح) والجدة الرحمية (غير الصحيحة) (2) ، والخال والخالة، ونحوهم من كل قريب ليس عصبة ولا صاحب فرض.
ثانياً ـ مذاهب العلماء في توريثهم:
اختلف الفقهاء في توريث ذوي الأرحام على رأيين:
1 ً - فذهب أبو حنيفة وأحمد: إلى توريثهم، وهو رأي عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم، لقوله تعالى:
{وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} [الأحزاب:6/33] ومعنى الآية أن بعضهم أولى ببعض فيما كتب الله تعالى وحكم به، وهو يشمل كل الأقرباء، سواء أكانوا ذوي فروض أم عصبات، أم لا، وقد بينت آية الفرائض ميراث ذوي الفروض والعصبات، فكان الباقون من ذوي الأرحام أولى من غيرهم بالتركة أو بما بقي منها. وهذه الآية نسخت التوارث بالمؤاخاة، كما كان في بدء الهجرة إلى المدينة، وتوارث الناس بعد هذه الآية بالنسب، كما روى الدارقطني عن ابن عباس.
ولقوله صلّى الله عليه وسلم: «ابن أخت القوم منهم» (3) وقوله عليه الصلاة والسلام: «من ترك مالاً فلورثته، وأنا وارث من لا وارث له، أعقل (4) عنه وأرثه، والخال وارث من لا وارث له، يعقل عنه ويرثه» (5) .
__________
(1) المبسوط: 2/30-27، السراجية: ص 163-204، تبيين الحقائق: 241/6-243، اللباب: 200/4، الدر المختار: 559/5-563، الشرح الصغير: 630/4، مغني المحتاج: 7/3-8، كشاف القناع: 474/4، المغني: 229/6-252.
(2) ويسمى ذلك عند الفقهاء الجد الفاسد: وهو من يتصل إلى الميت بأم، والجدة الفاسدة: وهي من يدخل في نسبتها إلى الميت أب بين أمين.
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) العقل هنا: أي دفع دية القتيل خطأ.
(5) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم وابن حبان وصححه، وحسنه أبو زرعة الرازي، وأعله البيهقي بالاضطراب، وذلك عن المقدام بن مَعْدِ يَكْرب (نيل الأوطار: 62/6) .(10/492)
ولما ثبت من الوقائع في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم والصحابة من بعده من توريث ذوي الأرحام.
منها: أن ثابت بن دَحْدَاح مات في حياة النبي صلّى الله عليه وسلم، وكان ثابت غريباً لايعرف من هو؟ فقال صلّى الله عليه وسلم لعاصم بن عدي: «هل تعرفون له فيكم نسباً؟ قال: لا، يا رسول الله، فدعا ابن أخته أبا لبابة بن عبد المنذر، فأعطاه ميراثه» (1) .
ومنها: أن أبا عبيدة بن الجراح كتب إلى عمر، يسأله عمن يرث سهل بن حنيف حين قتل، ولم يكن له من الأقارب إلا خال، فأجابه عمر بأن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له» (2) .
وروي عن عمر في رجل مات وترك عماً لأم، وأخاً، فأعطى العم الثلثين، وأعطى الخال الثلث.
وقضى عبد الله بن مسعود فيمن ترك عمة وخالة: بأن للعمة الثلثين، وللخالة الثلث.
هذا كله يدل على توريث ذوي الأرحام. وهو الذي اعتمده متأخرو المالكية بعد المئتين من الهجرة، وأفتى به متأخرو الشافعية منذ القرن الرابع الهجري إذا لم ينتظم بيت المال، بحيث لم يعد يأخذ المستحقون فيه نصيبهم منه، وتصرف أموالهم في غير مصارفها.
وأخذ به القانون المصري (م 31-38) والسوري (م 289-297) .
فيكون المقرر في المذاهب الأربعة وفي القوانين النافذة هو توريث ذوي الأرحام.
__________
(1) رواه سعيد بن منصور، وأبو عبيد في الأموال، إلا أنه قال: «ولم يخلف إلا ابن أخ له، فقضى النبي صلّى الله عليه وسلم بميراثه لابن أخيه» .
(2) رواه أحمد وابن ماجه، وللترمذي منه المرفوع، وقال حديث حسن، وهو من حديث أبي أمامة بن سهل (نيل الأوطار: 62/6) .(10/493)
2 ً - وذهب مالك والشافعي: إلى أن ذوي الأرحام لا يرثون، فإذا مات شخص من غير ذي فرض ولا عصبة، وله ذو رحم، ردت التركة إلى بيت المال.
وهذا رأي زيد بن ثابت وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير، وأخذ به الأوزاعي وأبو ثور وداود وابن جرير الطبري.
واستدلوا بأن الله تعالى ذكر في آيات المواريث نصيب أصحاب الفروض والعصبات، ولم يذكر لذوي الأرحام شيئاً، ولو كان لهم حق لبينه، قال الله تعالى: {وما كان ربك نسياً} [مريم:64/19] وقال صلّى الله عليه وسلم: «إن الله أعطى لكل ذي حق حقه» (1) .
وأيضاً سئل عليه الصلاة والسلام عن ميراث العمة والخالة، فقال: «أخبرني جبريل أن لا شيء لهما» (2) .
ويلاحظ أن ما تمسك به هؤلاء النافون من الحديث هو مرسل (3) ، لا يحتج به، ولو صح وصله، يكون التوفيق بينه وبين ما رواه المثبتون أن نفي الميراث عن العمة والخالة، كان قبل نزول آية الأنفال: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} [الأحزاب:6/33] أي أن العمة والخالة ليس لهما فرض مقدر، أو لا يرثان مع عصبة ولا مع ذي فرض يرد عليه، فإن الرد على ذوي الفروض مقدم على توريث ذوي الأرحام، ولكنهم يرثون مع من لا يرد عليه وهما الزوجان.
ثالثاً ـ أصناف ذوي الأرحام ومراتبهم:
التصنيف المشهور ذو الطريقة الحسنة لذوي الأرحام يحصرهم في أربعة أصناف، وقد أخذ به القانون المصري (م 31) والسوري (م 290) .
الصنف الأول ـ من كان من فروع الميت الذين يدلون إليه بواسطة الأنثى، وهم نوعان: أولاد البنات وأولاد بنات الابن، وإن نزلوا ذكوراً وإناثاً، مثل بنت البنت، وبنت ابن البنت، وابن بنت الابن، وبنت بنت الابن، وهكذا نزولاً.
الصنف الثاني ـ من كان من أصول الميت الذين يتصلون به بواسطة الأنثى، سواء أكانوا رجالاً وهم الأجداد الرحميون، أم نساء، وهن الجدات الرحميات، مثل أبي أم الميت، وأبي أبي الأم، وأم أبي أم الميت، وأم أم أبي أم الميت، سواء أكان كل من الجد والجدة قريباً أم بعيداً، وهكذا علواً. فهم نوعان أيضاً.
الصنف الثالث ـ من كان من فروع أبوي الميت، وهم الإخوة والأخوات وهم ثلاثة أنواع:
أـ أولاد الأخوات وإن نزلوا مطلقاً، أي سواء كن شقيقات، أو لأب، أو لأم، مثل ابن الأخت، وبنت الأخت، وابن بنت الأخت، وبنت ابن الأخت، وهكذا نزولاً.
ب ـ بنات الإخوة وإن نزلوا مطلقاً، أي سواء أكانوا أشقاء أم لأب، مثل بنت الأخ الشقيق، وبنت الأخ لأب، وابن بنت الأخ الشقيق أو لأب، وهكذا نزولاً. أما أبناء الإخوة الذكور فهم عصبة، كما تقدم.
جـ ـ أولاد الإخوة لأم وإن نزلوا، مثل ابن أخ لأم، وبنت أخ لأم، وبنت ابن أخ لأم، وابن بنت الأخ لأم، وهكذا نزولاً.
__________
(1) رواه الترمذي وغيره.
(2) رواه أبو داود في المراسيل.
(3) المرسل: هو ما رفعه التابعي إلى الرسول الله صلّى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، صغيراً كان التابعي أو كبيراً. أو ما رفعه غير الصحابي.(10/494)
الصنف الرابع ـ من كان من فروع أحد أجداد الميت أو جداته الذين ليسوا بأصحاب فروض ولا عصبة، سواء أكانوا قريبين أم بعيدين، وهم ست طوائف مرتبين في الاستحقاق على النحو التالي:
الأولى ـ الأعمام لأم، والعمات مطلقاً، أي سواء كن شقيقات أو لأب أو لأم، والأخوال والخالات مطلقاً، أي سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لأم، أما الأعمام لأبوين أو لأب فهم من العصبات.
الثانية ـ أولاد الطائفة السابقة وإن نزلوا، وبنات أعمام الميت الأشقاء أو لأب، وبنات أبنائهم وإن نزلوا، وأولاد من ذكرن وإن نزلوا.
الثالثة ـ أعمام أبي الميت لأم، وعماته، وأخواله وخالاته جميعاً، وهؤلاء قرابتهم من جهة الأب. وأعمام أم الميت وعماتها وأخوالها وخالاتها، وهؤلاء قرابتهم من جهة الأم.
الرابعة ـ أولاد من ذكروا في الطائفة السابقة وإن نزلوا، وبنات أعمام أبي الميت الأشقاء أو لأب، وبنات أبنائهم وإن نزلوا، وأولاد هؤلاء جميعاً وإن نزلوا.
الخامسة ـ أعمام أبي أبي الميت لأم، وعماته وأخواله وخالاته، وأعمام أم أبي الميت وعماتها، وأخوالها وخالاتها، وقرابة هؤلاء من جهة الأب. وأعمام أبي أم الميت، وعماته وأخواله وخالاته، وأعمام أم أم الميت وعماتها، وأخوالها وخالاتها، وقرابة هؤلاء من جهة الأم. السادسة ـ أولاد من ذكروا في الطائفة السابقة وإن نزلوا، وبنات أعمام أبي أبي الميت الأشقاء أو لأب، وبنات أبنائهم وإن نزلوا، وأولاد من ذكرن وإن نزلوا وهكذا.(10/495)
ترتيب أصناف ذوي الأرحام:
أصناف ذوي الأرحام مرتبة في الإرث بحسب ترتيب ذكرهم السابق، كترتيب العصبات المحضة أو بالنفس.
تقديم الصنف الأول على الثاني، وهو على الثالث، وهو على الرابع ومن يلحق به، فعمومة نفس الميت وخؤولته مقدمة على عمومة أبيه وجده وخؤولتهما، كما تقدم.
وذلك كترتيب العصبات بالنفس، فكما لا يرث أحد بعصوبة الأب فما بعدها، ما دام أحد من جهة البنوة، فكذلك هنا.
وهذا يسمى عندهم التقديم بالجهة، أي أن جهة الفرع مقدمة على جهة الأصل، وهذه مقدمة على جهة الأخوة، وهذه مقدمة على جهة العمومة والخؤولة، ومتى وجد شخص واحد من أي جهة، استحق جميع المال بعد فرض أحد الزوجين.
وإن وجد شخصان فأكثر، فيحتاج الأمر إلى تفصيل كل صنف على حدة.
أمثلة على ترتيب الأصناف:
-1 بنت بنت وأبو أم المال لبنت البنت؛ لأنها فرع الميت وهو الصنف الأول، وهو مقدم على أب الأم؛ لأنه من الصنف الثاني.
2- أبو أم وبنت أخت المال لأبي الأم؛ لأنه من الصنف الثاني، فقدم على بنت الأخت؛ لأنها من الصنف الثالث.
3 - بنت أخت وعم لأم المال لبنت الأخت؛ لأنها من الصنف الثالث، فقدم على العم لأم؛ لأنه من الصنف الرابع، وهكذا.(10/496)
رابعاً ـ قواعد توريث ذوي الأرحام:
هناك ثلاثة مذاهب أو طرق في توريث ذوي الأرحام:
المذهب الأول ـ طريقة أهل الرحم، ويسمى مذهب التسوية:
وهي أن يسوى بين ذوي الأرحام في اقتسام التركة، لا فرق بين القريب والبعيد والذكر والأنثى في العطاء، فلا يفرق بين من كان من الصنف الأول أو من كان من الصنف الرابع، ولا يفرق بين الذكر والأنثى؛ لأنهم يستحقون الإرث بوصف الرحمية، والجميع في هذا الوصف سواء.
فمن مات عن: ابن بنت، وبنت أخ، وبنت عم، قسم المال بينهم أثلاثاً، ومن مات عن: بنت بنت، وابن بنت ابن عمة، كانت التركة بينهما نصفين، وإن كانت بنت البنت أقرب إلى الميت من ابن بنت ابن العمة.
وقد هجرت هذه الطريقة عند الفقهاء، لبعدها عن المعقول، ومخالفتها لمبادئ الشريعة في الميراث، ولم يقل بها إلا اثنان فقط: وهما حسن بن ميسر، ونوح بن ذراح (1) .
المذهب الثاني ـ طريقة أهل التنزيل:
يورثونهم بتنزيلهم منزلة أصولهم، ممن كانوا أصحاب فروض أو عصبات، فيفرز لهم نصيبهم من التركة، كما لو كانوا هم الورثة الأحياء، ثم نعطي نصيب كل واحد منهم إلى فروعه من ذوي الأرحام، للذكر مثل حظ الأنثيين.
فيجعل ولد البنت كالبنت، وولد الأخ كالأخ، وولد العم كالعم، فمن مات عن بنت بنت، وبنت أخ، وبنت عم، يفرض كأن الميت مات عن بنت وأخ وعم، ويوزع المال بين البنت والأخ فقط، أما العم فلا شيء له مع وجود الأخ، فتعطى بنت البنت نصيب أمها وهو النصف فرضاً، وتعطى بنت الأخ نصيب أبيها وهو النصف تعصيباً.
واستثنوا من هذه القاعدة: الأخوال والخالات، فإنهم يُنَزّلون منزلة الأم، وكذلك الأعمام لأم والعمات، ينزلون منزلة الأب، فمن مات عن خالة وعمة، كان للخالة الثلث بمنزلة الأم، وللعمة الثلثان بمنزلة الأب الذي يأخذ الباقي.
والقائلون بهذه الطريقة علقمة ومسروق والشعبي من التابعين، وغير الحنفية على المعتمد.
غير أن الحنابلة يسوون بين ذوي الأرحام ذكوراً وإناثاً، فيعطون نصيب المدلى به من صاحب الفرض أو العصبة إلى ورثته من ذوي الأرحام، ذكورهم وإناثهم سواء، إن كانوا من جهة واحدة كابن العمة وبنتها، القسمة بينهما بالسوية، لا يفضل ذكر على أنثى.
__________
(1) المبسوط للسرخسي: 4/30.(10/497)
وحجة أهل التنزيل: هي أن نسبة الاستحقاق في الإرث لا يمكن إثباتها بالرأي، وليس عندنا نص أو إجماع في بيان نصيبهم من التركة، فلا سبيل لنا إلا إقامة المدلي مقام المدلى به، فيعطى نصيبه. ويؤيد رأيهم ما روي عن ابن مسعود فيمن مات عن بنت بنت، وبنت أخت: إن المال بينهما نصفان؛ لأن البنت والأخت لو كانتا على قيد الحياة، تقاسمتا المال كذلك، فأعطيت بنت كل منهما نصيب أمها.
مثال: توفي شخص عن:
ابن بنت، وبنت بنت ابن، وبنت أخت شقيقة، وبنت أخت لأب: المسألة من (6) ، لأنا نفرض أن ذلك الشخص مات عن: بنت، وبنت ابن، وأخت شقيقة، وأخت لأب:
فللبنت النصف: ثلاثة (3) ، ولبنت الابن السدس (1) وللشقيقة الباقي: سهمان، ولا شيء للأخت لأب، ويعطى نصيب كل واحدة لأولادها، يقتسمونه بينهم، كأنها ماتت عنهم.
المذهب الثالث ـ طريقة أهل القرابة:
وهي مذهب الحنفية، وبه أخد القانون المصري (م 32-38) والسوري (م 291-297) : يورثون ذوي الأرحام كالعصبات، أي الأقرب فالأقرب إلى الميت.
سموا بذلك؛ لأنهم يقدمون في الإرث الأقرب، فالذي يليه في القرابة، قياساً على العصبات، أي فالتوريث بقرب الدرجة كما في العصبات.
قال العلماء: مذهب أهل التنزيل أقيس من مذهب أهل القرابة، ومذهب أهل القرابة أقوى، لذا كان عليه الفتوى عند الحنفية، واختار القانون المذكور في التوزيع رأي أبي يوسف؛ لأنه المفتى به في المذهب لوضوحه، ولأنه الأيسر، وإن كان قول محمد أصح. ففي المثال السابق على طريقة أهل التنزيل: يكون المال كله على طريقة أهل القرابة لابن البنت.
وطريقة التقديم في العصبات تطبق في ذوي الأرحام، فيكون التقديم بالجهة أولاً، ثم بالدرجة، ثم بالقوة.
غير أنه إذا اختلفت صفة الأصول بالذكورة والأنوثة، فهناك يختلف رأي أبي يوسف، ورأي محمد.(10/498)
وحجتهم: أن ذوي الأرحام عصبات بالنسبة إلى الميت، غير أنه إن كانوا ذكوراً فهم عصبات حقيقيون، وإن توسط بينهم وبين الميت أنثى، فهم عصبات حكماً، وفي ترتيب العصبات اعتبرنا حقيقة قوة القرابة، فقدمنا البنوَّة على الأبوة، ثم هي على الأخوة، فكذلك ينبغي ترتيب العصبات حكماً.
ويؤيدهم أن علياً رضي الله عنه قضى فيمن ترك: بنت بنت، وبنت أخت، بأن المال كله لبنت البنت، فدل على أنه يرى الترجيح بين ذوي الأرحام بقوة القرابة، ولو كان يرى رأي أهل التنزيل لقضى بأن المال يقسم بينهما نصفين، كما أثر عن ابن مسعود.
بيان قاعدة أهل القرابة في التوريث:
يتم توريث ذوي الأرحام بحسب الأصول الآتية (1) :
1ً - إذا ترك الميت واحداً فقط من ذوي الأرحام، حاز المال كله، من أي صنف كان، رجلاً أو امرأة، فمن مات عن زوج وبنت عم، كان للزوج النصف، ولبنت العم الباقي وهو النصف، ولا يرد على الزوج حتى في القانون لوجود ذي رحم. ومن مات عن زوجة وبنت أخ، كان للزوجة الربع، ولا يرد عليها مع وجود أحد من ذوي الأرحام، ولبنت الأخ الباقي وهو 4/3.
2ً - يرث ذوو الأرحام بأن يعطى للذكر مثل حظ الأنثيين، ولو كانوا أولاد أخ لأم.
3ً - إذا وجد من ذوي الأرحام أصناف متعددة، قدم الصنف الأول على الثاني، والثاني على الثالث، والثالث على الرابع، كترتيب العصبات تماماً، وهذا هو التقديم بالجهة.
فمن مات عن بنت بنت وجد رحمي (أب أم) : كان المال كله للأولى؛ لأنها من فروع الميت، وفروع الميت تقدم على أصوله.
ومن مات عن: جد رحمي، وبنت أخ شقيق، كان المال كله للجد؛ لأنه من الصنف الثاني (أصول الميت) فيقدم على فروع أبويه.
__________
(1) أحكام المواريث للدكتور مصطفى السباعي: ص 142-163، نظام المواريث للأستاذ عبد العظيم فياض: ص 194، أحكام المواريث للأستاذ عيسوي: ص 133.(10/499)
ومن مات عن: بنت أخ، وعم لأم، وعمة شقيقة، كان المال كله لبنت الأخت؛ لأنها من الصنف الثالث (فروع أبوي الميت) فتقدم على الصنف الرابع.
ومن مات عن: ابن بنت ابن، وجد هو أبو أب أم، فالمال كله للأول؛ لأنه من الصنف الأول.
4ً - إن كان الوارثون من ذوي الأرحام كلهم صنف واحد، فيورثون بحسب القواعد الآتية: قواعد توريث الصنف الأول:
1 - التقديم بالدرجة: يقدم في الميراث أقربهم درجة إلى الميت: فمن مات عن ابن بنت، وابن بنت ابن، كان المال كله للأول؛ لأنه أقرب درجة من الثاني.
2 - التقديم بالإدلاء بصاحب فرض أو عصبة (التقديم بالوارث) : إن استووا في الدرجة، قدم من يدلي بصاحب فرض أو عصبة، على من يدلي بذي رحم.
فمن مات عن: بنت بنت ابن، وابن بنت بنت، كان المال كله للأولى؛ لأنها بنت صاحبة فرض بالسدس، فتكون أولى.
3 - للذكر ضعف الأنثى: إذا تساووا في الدرجة، وفي الإدلاء بصاحب فرض، أو أدلى كلهم بذي رحم، كان المال بينهم جميعاً للذكر ضعف الأنثى.
وهذا رأي أبي يوسف، وهو المفتى به عند الحنفية، وقد أخذ به القانون، فمن مات عن ابن بنت بنت، وبنت ابن بنت، فالميراث بينهما أثلاثاً، ثلثاه للأول، وثلثه للثانية؛ لأنهما استويا في الدرجة والإدلاء بذي فرض.
ومن مات عن بنت ابن بنت، وبنت بنت بنت، كان المال بينهما مناصفة؛ لأن الوارثين استويا في الدرجة والإدلاء بذي رحم.
وعند محمد: يقسم المال على أول درجة وقع فيها الاختلاف بالذكورة والأنوثة، ويجعل ما أصاب كل أصل لفرعه، إذا لم يحصل بعده اختلاف كما في المثال المذكور، فيعطى للأول وهو ابن بنت البنت سهم واحد نصيب أمه، وللثانية وهي بنت ابن البنت نصيب أبيها وهو سهمان.
فإن وقع اختلاف في أولادهن، فيقسم المال كما ذكر، ثم يجعل الذكور طائفة، والإناث طائفة أخرى، ويأخذ الصفة من الأصل، والعدد من الفرع عند التعدد، مثل:
ابني بنت بنت بنت، وبنت ابن بنت بنت، وبنتي بنت ابن بنت:(10/500)
فعند أبي يوسف: يقسم المال أسباعاً على الفروع، باعتبار الذكورة والأنوثة؛ لأن الابنين كأربع بنات، ومعهما ثلاث بنات أخرى، فالمجموع كسبع بنات، لكل بنت سهم، ولكل ابن سهمان.
وعند محمد: يقسم المال على أول درجة وقع فيها الاختلاف، وهي في المثال المذكور البطن الثاني، فيقسم المال عليهما أسباعاً بحسب عدد الفروع، فالبنت الأولى في الدرجة الثانية كبنتين لتعدد فرعها، والبنت الثانية في الدرجة الثانية على حالتها لعدم تعدد فرعها، والابن في الدرجة الثانية كابنين لتعدد فرعه، فهو كأربع بنات، فله 4، وللبنتين الأولى والثانية ثلاثة. ثم يجعل الذكور طائفة، والإناث طائفة أخرى، فيعطى أربعة أسباع ابن البنت لبنتي بنته، لعدم الاختلاف، وثلاثة أسباع البنتين في الدرجة الثانية لولديهما في الدرجة الثالثة مناصفة؛ لأن البنت كبنتين لتعدد فروعهما، فساوت الابن، ثم يعطى نصيب كل واحد إلى فرعه، وتصح من (28) ؛ لأن أصل المسألة من (7) ، وقد أصاب الابن في البطن الثالث سبعاً ونصف سبع، وأصاب البنت في البطن الثالث التي هي كبنتين لتعدد فرعها سبعاً ونصف سبع، فضربنا مخرج الكسر وهو (2) في أصل المسألة، فبلغ (14) ، ودفعنا نصيب كل واحد إلى فرعه. فأخذت بنت ابن بنت البنت ثلاثة أسباع، ودفعنا نصيب بنت بنت البنت إلى ولديها، وهو لا ينقسم، فضربنا عدد رؤوسهما في (14) ، فبلغ (28) ، ومنها صحت المسألة. فلبنتي بنت ابن البنت الثلث (16) ، ولبنت ابن بنت البنت (6) ، ولولدي بنت بنت البنت (6) ، لكل واحدة ثلاثة.
4 - لا يعتد في رأي أبي يوسف والقانون بالإدلاء بجهتين هنا؛ لأن جهة القرابة وهي البنوة واحدة، فهو يورث بجهة واحدة، ولا يعتبر تعدد الجهات في ذوي الأرحام، أما في غير ذوي الأرحام فيرث الوارث بكل من الجهتين، كما لو ماتت عن أم وزوج هو ابن عمها أيضاً، فإن الأم تأخذ الثلث، والزوج يأخذ النصف بالفرضية، ثم يأخذ السدس بالتعصيب؛ لأنه ابن عم.(10/501)
أما من توفي عن: ابن بنت بنت، وابن ابن بنت، هو أيضاً ابن بنت بنت، فالتركة بينهما مناصفة، ولا عبرة بتعدد جهة قرابة الابن الثاني.
ومحمد يعتبر الجهات المتعددة ويورث بها، وذلك في أعلى جهة وقع فيها الاختلاف بالذكورة والأنوثة، ويجعل الأصل موصوفاً بصفة، متعدداً بتعدد فرعه، فيقسم المال على الدرجة الثانية التي وقع فيها الاختلاف، وفيها ابنان، أحدهما كابنين، واحد من قبل الأب، وواحد من قبل الأم، وبنت كبنتين، واحدة من جهة الأب، وواحدة من جهة الأم، فيقسم المال عليهم من 4، للابن الأول سهم، وللثاني اثنان؛ لأنه كابنين، وللبنت واحد؛ لأنها كبنتين، ويجعل الذكور طائفة، والإناث طائفة، فينتقل نصيب الابن وهو اثنان إلى ابنه، ونصيب البنت وهو واحد إليه أيضاً، فيتم له ثلاثة أرباع، ربعه من جهة أمه، ونصفه من جهة أبيه، ولابن ابن البنت الربع نصيب أبيه.
فالقاعدة عنده جعل الذكور طائفة، والإناث طائفة، ويعطى نصيب كل طائفة إلى فروعها بحسب صفاتهم.
قواعد توريث الصنف الثاني:
هي نفس قواعد توريث الصنف الأول، مع التوريث بتعدد الجهة واختلاف الجانب:
1 - التقديم بالدرجة: إذا تعدد أصحاب هذا الصنف، قدم أقربهم إلى الميت درجة. فمن مات عن أب أم، وأب أم أب، كان المال كله للأول؛ لأنه أقرب إلى الميت درجة.
2 - التقديم بالإدلاء بصاحب فرض أو عصبة (التقديم بالوارث) : إذا استووا في الدرجة، قدم من يدلي إلى الميت بصاحب فرض أو عصبة، على من يدلي إليه بذي رحم.
فمن مات عن أب أم أم أم، وأب أم أب أم: كان المال كله للأول؛ لأنه يدلي بصاحب فرض، وهي الجدة ـ أم أم الأم، أما الثاني فيدلي إلى الميت بذي رحم وهم أم أب الأم.
3 - للذكر ضعف الأنثى: إذا استووا في الدرجة والإدلاء بصاحب فرض، أو بالإدلاء بذي رحم ينظر:
أـ إن كانوا جميعاً من جانب الأب، أو من جانب الأم، اشتركوا في الميراث، للذكر مثل حظ الأنثيين.(10/502)
فمن مات عن أب أم أب أب، وأب أم أم أب، كان المال بينهما نصفين، لاستوائهما في درجة القرب، وفي الإدلاء بصاحبة فرض، وهي الجدة الثابتة (الصحيحة) : أم أب الأب في الأول، وأم أم الأب في الثاني، وهما من حيِّز واحد: وهو جانب الأب. ب ـ وإن كانوا مع استوائهم في الدرجة والإدلاء مختلفين في الحيِّز (أي الجانب) فبعضهم من جهة الأب، وبعضهم من جهة الأم، كان لقرابة الأب الثلثان، ولقرابة الأم الثلث.
فمن مات عن جدة هي أم أب أم أب، وجدة أخرى هي أم أب أب أم، كان المال بين الجدتين أثلاثاً، الثلثان للأولى؛ لأنها جدة الميت من جهة أبيه، والثلث للثانية؛ لأنها جدته من جهة أمه، وكلتاهما جدة غير ثابتة (رحمية) وقد استوتا في الدرجة والإدلاء بذي رحم.
4 - تعدد الجهة: يعتبر تعدد جهة القرابة في رأي أئمة الحنفية الثلاثة وفي القانون عند تعدد جانب (حيز) القرابة، خلافاً للمذكور في الصنف الأول إذا لم يكن فيه تعدد الجانب (الحيِّز) .
أما في هذا الصنف فإن كان تعدد القرابة ناشئاً من جانب الأب، وجانب الأم في وقت واحد، فإن ذا الرحم هنا يرث بجهة قرابة الأب، ويرث بجهة قرابة الأم معاً، كما في المثالين التاليين:
أـ مات عن خال لأب، وهو في الوقت نفسه عمه لأم، وعم آخر لأم، وخال آخر لأب.
فالخال الأول له جهتا قرابة من حيّزين مختلفين، فهو قريب للميت من جهة أمه على أنه خال لأب، وقريب له من جهة أبيه باعتباره عمه لأم، فهل نورثه مع العم الآخر والخال الآخر بجهتين أم بجهة واحدة؟
يقرر القانون المصري (م 37) والسوري (م 3/297) أنه يرث بجهتين لاختلاف جانب القرابة، فتقسم التركة على الوجه التالي، كأن في المسألة عمين لأم، وخالين لأب، للعمومة الثلثان، وللخؤولة الثلث. فالخال الأول يشارك الخال الآخر في الثلث، فله نصفه أي السدس 6/1 وهو يشارك أيضاً العم الآخر في الثلثين، فله نصفهما أي السدسان 6/2.(10/503)
وبذلك يكون له نصف التركة: سدسها باعتبار الخؤولة، وثلثها باعتبار العمومة، والخال الثاني له السدس فقط، والعم الثاني له الثلث فقط.
ب ـ مات عن: ابن عمة هو ابن خال شقيق، وبنت خال شقيق. نلاحظ أن لابن العمة جهتي قرابة للميت من جانبين مختلفين، أحدهما من جانب الأب، والثاني من جانب الأم، فهل يرث بجهتين أم بجهة واحدة؟
يقرر القانونان السابقان أنه يرث بالجهتين معاً، فتقسم التركة في هذه المسألة، كما لو مات الميت عن ابن عمة، وابن خال شقيق، وبنت خال شقيق.
فيأخذ ابن العمة الثلثين باعتباره من قرابة الأب.
ويأخذ ثلثي ثلث الخؤولة؛ لأنها من قرابة الأم، وثلث الثلث الآخر يعطى لبنت الخال الشقيق.
فيكون نصيب العمة هو: 9/6 نصيب العمومة + 9/2 نصيب الخوؤلة = 9/8، ونصيب بنت الخال الشقيق هو: 9/1 باعتبار أن للأنثى حظ الذكر.
والقانونان المذكوران حينما لم يعتبرا تعدد الجهات، كما في أمثلة الصنف الأول إذا لم يختلف الجانب (الحيز) أخذا بالرواية الأولى عن أبي يوسف، وحينما اعتبرا تعدد الجهات إذا اختلف الجانب، كما في أمثلة هذا الصنف، أخذا بالرواية الثانية عن أبي يوسف، وهي رأي باقي أئمة الحنفية (1) .
__________
(1) السراجية: ص 181.(10/504)
قواعد توريث الصنف الثالث:
يشمل هذا الصنف أولاد الإخوة لأم، وأولاد الأخوات مطلقاً، وبنات الإخوة الأشقاء أو لأب. وقواعد توريثهم تشبه في الجملة قواعد الصنفين السابقين.
1 - التقديم بالدرجة: إذا اختلفوا في درجة القرابة، فأولاهم بالميراث أقربهم درجة إلى الميت، فمن توفي عن: بنت أخت، وابن بنت أخ، كان الميراث كله لبنت الأخت؛ لأنها أقرب درجة من الثاني.
2 - التقديم بالوارث: وإن استووا في الدرجة، وكان بعضهم يدلي بعصبة، وبعضهم يدلي بذي رحم، قدم ولد العاصب على ولد ذي الرحم، كما في بنت ابن أخ شقيق أو لأب، وابن بنت أخ شقيق أو لأب، فإن الميراث لبنت ابن الأخ؛ لأنها تدلي بعاصب، دون الثاني؛ لأنه يدلي بذي رحم.
3 - التقديم بقوة القرابة: وإن تساووا في الدرجة والإدلاء: بأن كانوا جميعاً أولاد عصبات، كبنت أخ شقيق وبنت أخ لأب، أو كانوا أولاد أصحاب فرض كبنت أخت لأب، وابن أخ لأم، أو كانوا أولاد ذوي أرحام، كبنت بنت أخ شقيق، وبنت بنت أخ لأب، أوكان بعضهم ولد عاصب، وبعضهم ولد ذي فرض، كبنت أخ شقيق، وبنت أخ لأم.
فحينئذ يقدم أقواهم قرابة، وهو مذهب أبي يوسف، فيقدم من كان أصله لأبوين على من كان أصله لأب، وهذا يقدم على من كان أصله لأم.
فمن مات عن: بنت أخ شقيق، وبنت أخ لأب، كان المال كله للأولى؛ لأنها أقوى قرابة، مع استوائهما في الدرجة والقرب والإدلاء بعاصب. ومن مات عن: بنت أخ لأب، وبنت أخ لأم، كان المال كله للأولى؛ لأنها أقوى قرابة.
4 - للذكر ضعف الأنثى: وإن استووا في القرابة، قسم المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ولو كانوا من فروع أولاد الأم.
فمن مات عن بنتين لأخ لأم، وابن أخ لأم، كان المال مشتركاً بينهم مناصفة، تأخذ البنتان النصف، ويأخذ الابن النصف، لاستوائهم في الصنف والدرجة وقوة القرابة.
ويلاحظ أن أولاد الأم وإن كانوا في ميراث الفريضة متساوين بنص القرآن، لكنهم في توريث ذوي الأرحام تطبق عليهم القاعدة العامة وهي للذكر ضعف الأنثى، وهو رأي أبي يوسف، وبه أخذ القانون السوري والمصري، إذ لا نص في التسوية بينهم.
ويرى محمد أن يطبق على أولاد الإخوة لأم نفس المبدأ الذي يطبق على آبائهم، وهو التسوية بين ذكورهم وإناثهم، فيقسم المال في المثال السابق بينهم أثلاثاً، لكل بنت ثلث، وللابن الثلث.(10/505)
قواعد توريث الصنف الرابع:
وهم الذين ينتمون إلى جدي الميت أو إلى جدتيه، سواء أكانوا قريبين أم بعيدين، فيشمل أب الأب وأب الأم، وأم الأم وأم الأب، والعمات على الإطلاق، والأعمام لأم، والأخوال والخالات مطلقاً.
وقواعد توريثهم ما يأتي (1) :
1 - التقديم بالدرجة أو حجب المرتبة ما فوقها: كل مرتبة من مراتب هذا الصنف بجميع طبقاتها تحجب ما فوقها من المراتب بجميع طبقاتها، فأعمام الميت وعماته، وأخواله وخالاته يحجبون أعمام أب الميت لأم، وعمات أبيه، وأخوال أبيه وخالات أبيه، وهكذا علواً.
وأولاد عم الميت لأم، وأولاد عمته، وأولاد خاله، وأولاد خالته، يحجبون أولاد عم أبيه لأمه، وأولاد عمة أبيه، وأولاد خال أبيه، وأولاد خالة أبيه، وهكذا.
فمن مات عن: عمة وعمة أب، كان المال كله للأولى؛ لأنها أقرب درجة.
ومن مات عن: بنت عمه، وبنت عم أبيه، كان المال للأولى.
2 - التقديم بقوة القرابة في الجهة: إذا تساووا في المرتبة، وتعددوا، وكان كلهم من جانب الأب فقط كالعمات، أو من جانب الأم فقط كالخالات، قدم الأقوى قرابة، ذكراً كان أو أنثى.
فمن مات عن عمة لأبوين، وعمة لأب، كان المال كله للأولى؛ لأنها أقوى قرابة.
ومن مات عن عمة لأب، وعمة لأم، كان المال كله للأولى؛ لأنها أقوى قرابة. وهذا هو المفتى به عند الحنفية.
3 - للذكر ضعف الأنثى: إذا تساووا في قوة القرابة، كان للذكر مثل حظ الأنثيين. فمن مات عن خالين لأب وأم، كان المال بينهما نصفين لاستوائهما في قوة القرابة. ومن مات عن عمتين لأب وأم، أوعمتين لأب، أو عمتين لأم، كان المال بينهما نصفين، لاستوائهما في قوة القرابة.
ومن مات عن: عم لأم، وعمة لأم، كان المال بينهما أثلاثاً، للعم ثلثان، وللعمة ثلث.
__________
(1) أحكام المواريث للسباعي: ص 151-157.(10/506)
4 - لجهة الأب ضعف جهة الأم: إن اختلف أفراد الطبقة الواحدة، فكان بعضهم من جهة الأب، وبعضهم من جهة الأم، أعطي لجهة الأب الثلثان، ولفئة الأم الثلث، ثم يوزع نصيب كل فريق بين أفراده بحسب قوة القرابة، فإن استووا في القرابة قسم المال بينهم للذكر ضعف الأنثى.
فمن مات عن عمة لأب وأم، وعمة لأم، وخال لأبوين، وخال لأب، كان للعمة لأبوين الثلثان، باعتبارها من قرابة الأب، ولا شيء للعمة لأم؛ لأن الأولى أقوى قرابة من الثانية، وللخال لأبوين الثلث؛ لأنه من قرابة الأم، ولا شيء للخال لأب؛ لأن الأول أقوى قرابة من الثاني.
ومن مات عن: عم لأم، وعمة لأم، وخال لأبوين، وخالة لأبوين: كان للعم والعمة الثلثان، للذكر ضعف الأنثى؛ لأنهما من درجة واحدة وحيِّز واحد، هو جانب الأب، وللخال والخالة الثلث، للذكر ضعف الأنثى؛ لأنهما في درجة واحدة وحيز واحد، وهو جانب الأم.
5 - التقديم بقرب الدرجة في الطبقة النازلة: يقدم في جميع الطبقات النازلة لكل مرتبة من مراتب هذا الصنف الأقرب منهم درجة على الأبعد. والطبقة النازلة هم أولاد العم لأم، وأولاد العمات، وأولاد الأخوال، وأولاد الخالات، ثم أولاد أولاد هم نزولاً. وكذلك أولاد عم الأب لأم، وأولاد عمات الأب، وأولاد أخوال الأب، وأولاد خالات الأب، ثم أولاد أولادهم وإن نزلوا.
فمن مات عن بنت عمة، وبنت عمة لأم، كان المال كله لبنت العمة؛ لأنها أقرب درجة إلى الميت.
6 - التقديم بالوارث: إذا استووا في الدرجة، وكانوا جميعاً من جانب واحد، أي من قرابة الأب، أو من قرابة الأم، قدم ولد العصبة على ولد ذي الرحم.
فمن مات عن بنت العم العصبي (الشقيق أو لأب) وابن العم لأم، كان المال كله لبنت العم؛ لأنها تدلي بعاصب، ولا شيء لابن العم لأم؛ لأنه ولد ذي رحم.
7 - التقديم بقوة القرابة بين الأولاد: إذا استووا جميعاً في الدرجة وكانوا أولاد عصبات أو أولاد ذي رحم، قدم الأقوى قرابة.
فمن مات عن بنت عمة لأبوين، وبنت عمة لأب، كان المال كله للأولى؛ لأنها وإن استوت مع الثانية في الصنف ودرجة القرب، والإدلاد بذي رحم؛ إلا أنها أقوى منها قرابة، فتخصص بالمال كله.
وكذلك الحال مع ابن عمة لأب، وابن عمة لأم، المال كله للأول.(10/507)
8 - لجهة الأب ضعف جهة الأم في الأولاد: إذا تساووا في الدرجة، واختلفوا في جانب القرابة، فبعضهم من جهة الأب، وبعضهم من جهة الأم، فثلثا التركة لجهة الأب، والثلث لجهة الأم، ثم يوزع نصيب كل فريق بين أفراده، بحيث يقدم ولد ذي العصبة، على ولد ذي الرحم، ثم يقدم الأقوى قرابة على الأضعف. فمن مات عن ابن عمة، وابن خالة، كان ثلثا المال لابن العمة؛ لأنه من قرابة الأب، وثلث المال لابن الخالة؛ لأنه من قرابة الأم.
ومن مات عن: بنت عمة لأبوين، وابني عمة لأب، وبنت خال لأبوين، وابني خال لأب: يكون لأولاد العمات لأبوين الثلثان، ولا شيء لابني العمة لأب، لأنها أضعف منها قرابة، ولأولاد الأخوال لأبوين الثلث، ولا شيء لابني الخال لأب؛ لأنها أضعف منها قرابة.
والخلاصة:
1 - تورث الطائفة الأولى من الصنف الرابع (وهم العمات مطلقاً والأعمام لأم، والأخوال والخالات مطلقاً) بقوة القرابة إن اتحد حيِّز قرابتهم، بأن كانوا جميعاً من جانب الأب أو من جانب الأم. فإن استووا في قوة القرابة فللذكر ضعف الأنثى. أما إن اختلف حيِّز قرابتهم فلقرابة الأب الثلثان، ولقرابة الأم الثلث، ونصيب كل فريق يوزع للذكر ضعف الأنثى.
2 - تورث الطائفة الثانية من هذا الصنف (وهم أولاد الطائفة الأولى، وبنات أعمام الميت، وبنات أبنائهم، وأولادهم وإن نزلوا) بقرب الدرجة، فأولاهم بالميراث أقربهم درجة إليه، سواء اتحد حيز القرابة أم اختلف.
فإن اتحدت درجة القرب: فإن اتحدوا في حيز القرابة، قدم من يدلي بعاصب على من يدلي بغير عاصب، وإن اختلف حيز القرابة، فلفريق قرابة الأب الثلثان، ولفريق قرابة الأم الثلث.
3 - الطائفة الثالثة والخامسة (الثالثة: هم أعمام أبي الميت لأم، وعماته وأخواله وخالاته ـ وقرابتهم من جهة الأب. وأعمام أم الميت وعماتها وأخوالها وخالاتها ـ وقرابتهم من جهة الأم. والخامسة: هم أعمام أبي أبي الميت، وعماته وأخواله وخالاته، وأعمام أم أبي الميت وعماتها وأخوالها وخالاتها ـ وقرابتهم من جهة الأب. وأعمام أبي أم الميت وعماته وأخواله وخالاته، وأعمام أم أم الميت وعماتها، وأخوالها وخالاتها ـ وقرابتهم من جهة الأم) .تورث هاتان الطائفتان كما تقدم في توريث الطائفة الأولى.
4 - الطائفة الرابعة (وهم أولاد من ذكروا في الطائفة الثالثة وإن نزلوا، وبنات أعمام أبي الميت، وبنات أبنائهم وإن نزلوا، وأولاد هؤلاء جميعاً وإن نزلوا) .
5 - والطائفة السادسة (وهم أولاد من ذكروا في الطائفة الخامسة وإن نزلوا، وبنات أعمام أبي أبي الميت، وبنات أبنائهم وإن نزلوا، وأولاد هؤلاء وإن نزلوا) .
تورث هاتان الطائفتان كالمذكور في الطائفة الثانية.
وقد أخذ القانون المصري والسوري بهذه الأحكام.(10/508)
الفَصْلُ السّادس عَشر: ميراث باقي الورثة:
باقي الورثة بعد ذوي الفروض والعصبات النسبية والسببية وذوي الأرحام: هم مولى الموالاة، والمقر له بالنسب على الغير، والموصى له بأزيد من الثلث، وبيت المال. فإذا مات الميت عن غير وارث كانت التركة لواحد من هؤلاء على وفق الترتيب التالي (1) :
أولاً ـ مولى الموالاة:
هو أن يرث شخص الآخر بناء على تعاقد بينهما، سواء أكان كلاهما مجهولي النسب أم أحدهما مجهول النسب والآخر معلوم النسب.
وصورة ذلك: أن يتعاقد اثنان مجهولا النسب على أن يعقل (يتحمل دية القتل الخطأ) كل واحد منهما عن الآخر جنايته الموجبة للمال، وأن يرث كل منهما الآخر إذا مات قبله.
__________
(1) السراجية: ص 9 -11، الدر المختار: 540/5-541، المغني: 12/6، 278، أحكام المواريث، فياض: ص 196-200.(10/509)
أو يتعاقد اثنان أحدهما مجهول النسب والآخر معلوم النسب على أن يعقل الثاني الأول إذا جنى، ويرثه إذا مات.
ففي الحالة الأولى: كل منهما مولى موالاة للآخر، يثبت له الإرث منه.
وفي الحالة الثانية: قابل الولاء هو المولى الأعلى لمجهول النسب، فيثبت له الإرث من الأدنى، الذي هو طالب الموالاة، دون العكس.
وليس هذا التعاقد بصورتيه دائم اللزوم، بل يجوز الرجوع فيه، ما لم يحصل فيه عقل (تحمل دية) من أحدهما عن الآخر، وإلا فلا.
آراء العلماء فيه: ذهب الحنفية ـ أخذاً برأي عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم ـ إلى أن هذا التعاقد سبب للميراث لما يأتي:
1 - قوله تعالى: {والذين عَقَدَت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} [النساء:33/4] أي أن حلفاءكم الذين عاقدتموهم على النصرة والإرث، آتوهم نصيبهم من الميراث بمقتضى تلك المعاقدة.
2 - سأل تميم الداري رضي الله عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم عمن أسلم على يدي رجل ووالاه؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «هوأحق به محياه ومماته» (1) وأحقيته في الحياة أن يعقل عنه إذا جنى، وأحقيته بالممات أنه يرثه إذا مات، ولم يكن له وارث ذو فرض أو عصبة أو رحم.
وذهب الجمهور ـ أخذاً برأي زيد بن ثابت رضي الله عنه ـ إلى أنه ليس سبباً للميراث، للحديث المتقدم: «الولاء لمن أعتق» (2) فإنه حصر الولاء في ولاء العتق، فيبطل كل ولاء غيره.
أخذ القانون في مصر وسورية بهذا الرأي، لعدم وجود هذا الصنف من زمن بعيد، وعدم توافر شروطه.
شروط الإرث في ولاء الموالاة: اشترط الحنفية للإرث بولاء الموالاة الشروط التالية:
1ً - أن يكون العاقد حراً: فليس للرقيق أن يوالي غير سيده.
2ً - أن يكون العاقد غير عربي: لأنه لو كان عربياً لكان معروف النسب، فولاؤه في نسبه.
3ً - ألا يكون معتقَاً: وإلا كان ولاؤه لمن أعتقه أو لعصبته.
4ً - ألا يكون له وارث نسبي كولد أو أخ: وإلا فميراثه لذي نسبه.
5ً - ألا يكون عقل عنه آخر: فإن عقل عنه مولى آخر أو بيت المال كان هو مولاه.
6ً - أن يكون مجهول النسب.
__________
(1) رواه البخاري وأبو داود والترمذي.
(2) نيل الأوطار: 68/6.(10/510)
ثانياً ـ المقر له بالنسب على الغير:
الإقرار بنسب الغير: هو ما يكون بغير الولد الصلبي والوالدين المباشرين للمقر، كالإقرار بالإخوة والأعمام والأجداد وأولاد الأولاد.
ولا يكون هذا الإقرار عند الجمهور سبباً للإرث أصلاً، فإن ثبت نسب المقر له بإحدى طرق الإثبات الشرعية، ورث بالقرابة النسبية.
ورأى الحنفية أن المقر له بنسب محمول على الغير يرث بالشروط الآتية:
1ً - أن يكون مجهول النسب: إذ لو كان معروف النسب لبطل هذا الإقرار.
2ً - أن يكون محمولاً على الغير: فلا يصح الإقرار على ذلك الغير، ويصح على المقر.
3ً - عدم ثبوت نسب المقر له من ذلك الغير: بأن لم يصدقه المقر عليه أو ورثته.
4ً - موت المقر وهو مصر على إقراره: فلو رجع عنه أو أنكره، ثم مات لايرث المقر له منه.
موقف القانون: أخذ القانون المصري (م 41) والسوري (م 298) برأي الحنفية، وأخر مرتبته عن الرد على أحد الزوجين، وجعله مستحقاً التركة، لا بطريق الإرث، إيثاراً للحقيقة والواقع؛ لأن هذا الإقرار لا يثبت به نسب، والإرث فرع ثبوت النسب.
واشترط القانونان لإرثه نفس الشروط الفقهية، وهي:
1 - ألا يثبت نسب المقر له من المقر عليه.
2 - ألا يرجع المقر عن إقراره.
3 - ألا يقوم به مانع من موانع الإرث.
4 - أن يكون المقر له حياً وقت موت المقر، أو وقت الحكم باعتباره ميتاً.
لكن ينبغي أن يضاف لهذه الشروط: أن يكون المقر له مجهول النسب.(10/511)
ثالثاً ـ الموصى له بأزيد من الثلث:
ذهب الجمهور إلى أن الموصى له بما زاد عن الثلث يرد إلى بيت المال ولا يستحقه الموصى له، إلا بإجازة الورثة إن وجدوا.
وذهب الحنفية: إلى أن الموصى له بالزائد عن الثلث يستحق التركة إذا لم يكن لميت وارث، ولا مقر له بالنسب على الغير؛ لأن منعه من استحقاق الزائد عن الثلث، كان لمصلحة الورثة، ولا ورثة في هذه الحالة، فاستحق ما أوصي له به.
فلو كان مع الموصى له بأكثر من الثلث أحد الزوجين، أخذ الزوج النصف (أي نصف الثلثين) بعد ثلث الموصى له، وأخذت الزوجة الربع، ثم أخذ الموصى له الباقي في حال الوصية بكل المال، أو مقدار الموصى به.
ولو كان وارث غير الزوجين بالقرابة أو الولاء، فلا تنفذ الوصية بأكثر من الثلث إلا بالإجازة.
وأخذ القانون المصري (م 37) والسوري (م 4/238) برأي الحنفية، لا من باب الإرث، وإنما هو تنفيذ لإرادة الميت وتحقيق لرغبته.
رابعاً ـ بيت المال:
اتفقت المذاهب الأربعة على أن المال الذي يتركه الميت، ولم يكن له مستحق بإرث أو وصية، يوضع في بيت المال، غير أنه عند الحنفية والحنابلة (1) ليس بطريق الإرث، وإنما من باب رعاية المصلحة، فيصرف في مصارف المصالح العامة لجميع المسلمين، إذ لا مستحق له، كما يوضع فيه مال الذمي الذي لا وارث له، وبدليل أنه يسوى بين الذكر والأنثى في العطية من ذلك المال، مع أنه لا تسوية بينهما في المواريث.
وأخذ القانون في مصر وسورية بهذا الرأى.
ويرى المالكية والشافعية (2) أن المال لبيت المال إرثاً، وذلك عند الشافعية ومتقدمي المالكية، سواء انتظم أمره بإمام عادل، يصرفه في جهته أم لا؛ لأن الإرث للمسلمين، والإمام ناظر ومستوف لهم، والمسلمون لم يعدموا، فيأخذ بيت المال جميع المال أو ما أبقت الفروض. ويرى متأخرو المالكية: أن بيت المال يكون وارثاً بشرط كونه منتظماً. والقاعدة لدى الفريقين: «بيت المال وارث من لا وارث له» .(10/512)
الفَصْلُ السّابع عَشر: أحكام متنوّعة:
أبحث هنا طائفة من الأحكام التكميلية المتنوعة، وهي إرث غير المسلمين، وميراث الحمل، والمفقود، والأسير، والخنثى، وميراث الغرقى والهدمى والحرقى ونحوهم، وميراث من لا أب شرعياً له من ولد الزنا وولد اللعان، فتلك سبعة موضوعات يثبت فيها الإرث ما عدا الأول بالتقدير والاحتياط.
المبحث الأول ـ إرث غير المسلمين:
أشرت في موانع الإرث إليه، وبينت أن اختلاف الدين إسلاماً وكفراً مانع ـ عند الجمهور خلافاً لبعض الصحابة كمعاذ ومعاوية ـ من موانع الإرث، فلا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر، كما نصت أحاديث السنة.
والمعروف أن المرتد لا يرث غيره أصلاً، ولا يورث عند الجمهور، وإنما يكون ماله فيئاً يوضع في بيت المال. وقال أبو حنيفة: يورث عنه ماله الذي اكتسبه حال إسلامه فيكون توريثاً للمسلم من المسلم، وأما الذي اكتسبه بعد الردة، فيكون فيئاً لبيت المال، إذ لو أخذه ورثته لكان توريثاً للمسلم من غير المسلم، وهو لا يجوز. وأما المرتدة فمالها مطلقاً لورثتها؛ لأنها لا تقتل بسبب ردتها، بل تستتاب وتعزر حتى تعود إلى الإسلام أو تموت، فردتها لاتعتبر موتاً، والإسلام في حقها معتبر، بخلاف المرتد، فإنه يقتل بعد أن يستتاب ثلاثة أيام ولم يتب، فردته تعتبر في حقه موتاً، ولا يمكن اعتبار الإسلام في حقه حينئذ، فلا يكون أهلاً للملك، فلا يثبت حق الورثة فيما اكتسبه في حال الردة، فيصبح ككل الأموال التي لا مالك لها حقاً لبيت المال (3) .
وأوضحت أيضاً أن غير المسلمين ملة واحدة، ولو اختلفت عقائدهم، فيرث عند الجمهور غير المالكية بعضهم من بعض، فاليهودي والنصراني يتوارث، لقوله تعالى: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض} [الأنفال:73/8] من غير تفرقة.
يظهر مما ذكر أن غير المسلمين يتوارثون فيما بينهم بالأسباب التي يتوارثان بها المسلمون من قرابة وزوجية، لكن قد يتوارثون في بعض حالات الزواج والقرابة، التي لا يتوارث بها المسلمون.
ففي الزواج: إن كان من النوع الذي لا يقرون عليه بعد الإسلام فلا يثبت التوارث، كالزواج بالمحارم نسباً ورضاعاً مثل الأم والبنت والأخت، وكزواج الْمُطلّق امرأته المطلقة ثلاثاً قبل أن تتزوج بزوج آخر، وزواج امرأة قبل أن تنقضي عدتها.
وأما إن كان زواجهم مما يقرون عليه بعد الإسلام، فيثبت به التوارث، كالزواج بغير شهود، والزواج من امرأة أثناء عدتها من رجل غير مسلم، على ما هو الراجح من مذهب الحنفية.
وفي النسب: يثبت النسب عند غير المسلمين ولو من الزواج الباطل، فإذا تزوج مجوسي أخته أو بنته، ثبت بالزواج نسب النسل منه، وثبت التوارث بينه وبينه.
__________
(1) السراجية: ص 11، غاية المنتهى: 412/2.
(2) الشرح الصغير: 629/4، مغني المحتاج: 6/3.
(3) السراجية: ص 225، اللباب: 197/4، المغني: 298/6-303، كشاف القناع: 528/4.(10/513)
المبحث الثاني ـ ميراث الحمل:
شروط توريثه، أكثر مدة الحمل، أقل مدة الحمل، هل تقسم التركة عند وجود حمل؟ كم يقدر عدد الحمل؟ مقدار ما يوقف للحمل أو نصيب الحمل في التركة، كيفية توريث الحمل، تصحيح مسائل الحمل (1) .
شروط توريث الحمل:
يرث الحمل (الولد في بطن أمه) بأن يوقف له نصيب معين عند الجمهور غير المالكية بشرطين:
1ً - أن يثبت وجوده حياً عند موت مورثه.
2ً - أن يولد حياً، ولو مات بعد دقائق، كي تثبت أهليته للتملك.
أما ثبوت وجود الحمل حياً: فيعرف بأن يولد في مدة يتيقن فيها أو يغلب على الظن وجوده في بطن أمه وقت وفاة مورثه، وهذه المدة هي مدة الحمل، التي سأوضح أكثرها وأقلها.
__________
(1) السراجية: ص 212-221، اللباب: 199/4، تبيين الحقائق: 241/6، الدر المختار: 565/5، الرحبية: ص 78-79، المغني: 313/6-320، القوانين الفقهية: ص 395.(10/514)
وأما ولادته حياً: فتثبت حياته عند الحنفية بخروج أكثره حياً؛ لأن للأكثر حكم الكل.
وتثبت حياته عند الجمهور بأن يولد حياً؛ لأن أهلية التملك لا تتحقق إلا بالوجود الكامل، وبه أخذ القانون في مصر (م 43) وسورية (م 300) . وتعرف حياته بظهور أمارة من أمارات الحياة، كالصراخ والعطاس ونحوهما، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إذا استهل المولود وَرِث» (1) ، فإن لم يظهر شيء من العلامات، أو حصل اختلاف في شيء منها، فللقاضي أن يستعين بأهل الخبرة من الأطباء أو ممن عاينوا الولادة.
أكثر مدة الحمل:
للفقهاء آراء في أكثر مدة الحمل، تعتمد على الاستقراء وسؤال الحوامل، إذ ليس فيها نص من الكتاب أو السنة، فيرث الحمل ويورث إن ولد لتمام أكثر مدة الحمل.
قال المالكية على المشهور: أكثرها خمس سنين.
وقال الشافعية، والحنابلة في الأصح: أكثرها أربع سنين.
وقال الحنفية: سنتان.
وقال الظاهرية: تسعة أشهر.
وقال محمد بن عبد الحكم من تلاميذ مالك: أكثرها سنة قمرية (354 يوماً) .
وأما القانون المصري (م43) والسوري (م128) فقد أخذا برأي الأطباء وهو سنة شمسية (365 يوماً) وهو قريب من رأي ابن عبد الحكم مع التسامح في الفرق بين السنتين.
أقل مدة الحمل:
رأى جمهور الفقهاء: أن أقل مدة الحمل حتى يولد حياً هي ستة أشهر، لمجموع الآيتين: {وحمله وفصاله ثلاثون شهراً} [الأحقاف:15/46] {وفصاله في عامين} [لقمان:14/31] فإذا ذهب للفصال عامان، لم يبق للحمل إلا ستة أشهر. وهذا ما فهمه علي وابن عباس رضي الله عنهما.
__________
(1) رواه أبو داود عن أبي هريرة، وفي إسناده محمد بن إسحاق، وفيه مقال معروف، وروي عن ابن حبان تصحيح الحديث (نيل الأوطار: 67/6) .(10/515)
وأخذ القانون في مصر (م 2/43) خلافاً للقانون السوري (م 128) برأي ابن تيمية وقول عند الحنابلة: وهو أن أقل مدة الحمل تسعة أشهر، اتباعاً للأعم الأغلب، فإن غالب النساء يضعن حملهن في تسعة أشهر.
وبناء عليه، تعلم حياة الحمل في القانون بالتفصيل الآتي:
أـ إن كان الحمل ولداً للمتوفى نفسه: بأن ترك زوجته حاملاً منه، أو معتدة منه، فيثبت نسب الحمل من الميت وإرثه منه إن وضعته لأكثر مدة الحمل فأقل وهي (365) يوماً. فإن ولدته لأكثر من سنة فلا يرث منه، إذ يكون علوقه حينئذ بعد الوفاة، فلا نسب ولا ميراث. ب ـ وإن كان الحمل من غير المتوفى: بأن ترك امرأة أبيه أو جده أو نحوهما من ورثته حاملاً، فيرث منه إن ولدته أمه لأقل مدة الحمل بعد موت المورث وهي تسعة أشهر (270 يوماً) .
وسبب التفرقة بين الحالتين: أننا نريد في الحالة الأولى إثبات حملها منه، ثم توريثه بعدئذ، فأخذنا بأقصى مدة الحمل. أما في الحالة الثانية (الحامل من غير المتوفى) فإنا لا نريد إثبات نسب الحمل من أمه، فذلك له قواعده العامة، ولكنا نريد التأكد من وجوده عند وفاة المورث، وهو متأكد خلال تسعة أشهر من وفاة المورث، وما زاد عليه فأمر مشكوك فيه، والإرث لا يثبت بالشك.
هل تقسم التركة عند وجود حمل؟
1 - رأى المالكية: أن التركة لا تقسم حال وجود حمل، ويعد الحمل سبباً يُوقف به المال إلى الوضع، فيوقف قسمة التركة حتى الولادة، أو اليأس من الولادة؛ لأن في القسمة تسليطاً للورثة على أخذ المال والتصرف به، وفي استرداد الحمل حقه منهم خطر.
2 - ورأى الجمهور: أن التركة تقسم من غير انتظار الولادة، منعاً من إضرار الورثة، ومنع المالك من الانتفاع بملكه، ويؤخذ كفيل من الورثة، احتياطاً لحق الحمل من الضياع.(10/516)
كم يقدر عدد الحمل؟
قد يكون الحمل واحداً أوأكثر، فكم يقدر عدده؟
المفتى به عند الحنفية وبه أخذ القانون في مصر وسورية: أن يقدر واحداً فقط؛ لأنه الغالب المعتاد في الحمل، وما زاد عن واحد، فهو نادر. ومع هذا نحتاط لتعدد الحمل، فيأخذ القاضي كفيلاً من الورثة الذين يتأثر نصيبهم بتعدد الحمل، لاسترداد ما أخذوه على أن الحمل واحد.
ويقدر عند الحنابلة اثنين؛ لأنه يقع أحياناً، ويعامل بقية الورثة بالأضر بتقدير الذكورة فيهما، أو في أحدهما، أو الأنوثة.
وقال أبو حنيفة: يقدر أربعة؛ لأنه قد يقع، ويعامل بقية الورثة بالأضر، بتقديرهم ذكوراً أو إناثاً.
والأصح عند الشافعية: أنه لا ضابط لعدد الحمل عندهم؛ إذ قد تلد المرأة أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة في بطن واحد.
نصيب الحمل في التركة:
تختلف أحوال الحمل، فقد يكون وارثاً وقد يكون غير وارث، وقد يكون ذكراً وقد يكون أنثى، وربما يولد حياً وربما يولد ميتاً، فما نصيبه الذي يوقف له؟
لا خلاف في أن الورثة إذا رضوا وقف قسمة التركة حتى يولد الحمل، فإن التركة تتجمد قسمتها حينئذ.
أـ فإن أبوا إلا القسمة، فإن كان الحمل محجوباً من الإرث، فلا يوقف له شيء من التركة، مثل: من مات عن: أخ شقيق، وأب، وأم حامل من غير أبيه، فتوزع التركة فوراً على الورثة وهو الأب والأم، والباقي للشقيق، والحمل محجوب بالأب؛ لأنه أخ لأم.
ب ـ وإن كان الحمل وحده هو الوارث، أو وجد معه وارث محجوب به، كما لو مات عن زوجة ابنه الحامل وأخيه لأم، فتوقف التركة كلها إلى الولادة، فإن ولد حياً أخذها، وإن ولد ميتاً أعطيت لغيره.
جـ ـ وإن كان الحمل غير محجوب من الإرث، ومعه ورثة آخرون غير محجوبين به، فاختلف الفقهاء في مقدار ما يوقف له:
في رأي الشافعي الذي يقول: لا ينضبط الحمل، يدفع إلى أصحاب الفروض الذين لا تتغير أنصباؤهم بتعدد الحمل، ويوقف باقي التركة إلى الولادة.(10/517)
وفي رأي أبي حنيفة المشهور عنه: يوقف له نصيب أربعة بنين، أو نصيب أربع بنات، أيهما أكثر، ويعطى بقية الورثة أقل الأنصباء.
وفي رأي محمد بن الحسن: يوقف نصيب ثلاثة بنين أو ثلاث بنات، أيهما أكثر.
والمفتى به عند الحنفية رأي أبي يوسف، وبه أخذ القانون المصري (م42) والسوري (م299) : وهو أن يوقف له نصيب ابن واحد، أو بنت واحدة، أيهما أكثر. ونص القانون السوري: «يوقف للحمل من تركة المتوفى أكبر النصيبين على تقدير أنه ذكر ذكر أو أنثى» .
وعلى القاضي أن يأخذ كفيلاً من الورثة الذين يرثون مع الحمل، وتتغير أنصباؤهم بتعدد الحمل، احتياطاً له، كيلا يضيع عليه بعض نصيبه حين يكون الرجوع على الوارث متعذراً.
كيفية توريث الحمل:
تقسم التركة على فرض أنه ذكر، ثم يقسم مرة أخرى على فرض أنه أنثى، فإن كان الحمل يرث على أحد الفرضين دون الآخر، اعتبر وارثاً مؤقتاً، واحتفظ له بنصيبه. وإن كان وارثاً على كلا التقديرين، ولكن نصيبه يختلف بالذكورة والأنوثة، احتفظ له بالنصيب الأكبر.
وإن لم يختلف نصيبه على كلا التقديرين، حفظ له ذلك النصيب.
أما الورثة الآخرون: فمن كان وارثاً على أحد التقديرين دون الآخر، اعتبر غير وارث موقتاً ولا يعطى شيئاً.
ومن كان وارثاً على التقديرين، ولكن نصيبه يختلف، يعطى النصيب الأقل.
ومن كان وارثاً على التقديرين، ولكن نصيبه لا يختلف، أعطي هذا النصيب.
والخلاصة: أن الحمل يعامل بأحسن حاليه، والوارث الآخر معه يعامل بأسوأ حاليه، وما بقي من الفروق يحفظ حتى الولادة.
فإن كان الحمل متوهماً أو ولد ميتاً بغير جناية، رد الموقوف على الورثة. وإن ولد حياً وكان واحداً، أعطي الموقوف له الذي يستحقه، ويرد الباقي على المستحقين.
وإن جاء متعدداً، يطالب الورثة والكفيل أيضاً برد الزائد على حقهم.(10/518)
تصحيح مسائل الحمل:
الأصل في تصحيح مسائل الحمل: أن تصحح المسألة على تقديرين، أي على تقدير أن الحمل ذكر، وعلى تقدير أنه أنثى، ثم تنظر بين تصحيحي المسألتين:
أـ فإن توافقتا بجزء، فاضرب وَفْق أحدهما في جميع الآخر. ـ وإن تباينتا، فاضرب كل أحدهما في جميع الآخر. فالحاصل تصحيح المسألة، ثم اضرب في حال التباين نصيب من كان له شيء من مسألة ذكورته، في مسألة أنوثته. وفي حال التوافق اضرب وَفْق أحدهما في الآخر. واضرب أيضاً نصيب من كان له شيء من مسألة أنوثته في مسألة ذكورته حال التباين، أو في وَفْقها، كما هو المقرر في ميراث الخنثى.
ثم انظر في الحاصل من الضربين لكل واحد من الورثة، أيهما أقل، يعطى لذلك الوارث؛ لأن استحقاقه للأقل متيقن، والفرق بين الحاصلين موقوف من نصيب الوارث إلى أن يزول الاشتباه.
ففي بنت وأبوين وامرأة حامل: المسألة من (24) على تقدير أن الحمل ذكر، لأنه اجتمع فيها حينئذ سدسان وثمن والباقي، فللزوجة الثمن وهو (3) ، ولكل واحد من الأبوين السدس وهو (4) ، وللبنت مع الحمل الذكر الباقي وهو (13) .
والمسألة من (27) على تقدير أن الحمل أنثى؛ لأنه اجتمع فيها على هذا التقدير ثمن وسدسان وثلثان، فهي منبرية، وتعول من (24) إلى (27) ، فللأبوين (8) ، وللمرأة (3) ، وللبنت مع الحمل الأنثى (16) . وبين عددي تصحيحي المسألتين أي (24 و 27) توافق بالثلث؛ لأن مخرجه وهو ثلاثة يعدهما معاً، فإذا ضرب وفق أحدهما أي ثلثه، وهو (8) من الأول، و (9) من الثاني، في جميع الآخر، صار الحاصل (216) سهماً ومنها تصح المسألة، فللزوجة في تقدير الذكورة (3 × 9) وفق مسألة الأنوثة = (27) ، ولكل من الأبوين: (4 × 9 = 36) وهكذا ... وعلى تقدير الأنوثة للزوجة 3×8 = 24، ولكل من الأبوين (4×8= 32) ، ويعطى الأبوان والزوجة الأقل.(10/519)
أمثلة:
1ً - مات شخص عن: أخ شقيق، وأب، وأم حامل من غير أبيه: الحمل هنا غير وارث، لأن الأخ أو الأخت لأم محجوبان عن الميراث بالأب.
2ً - مات شخص عن: زوجة ابنه الحامل فقط، أو عن زوجة أبيه الحامل فقط: الحمل هنا هو الوارث الوحيد، لأنه في الحالة الأولى إما ابن ابن أو بنت ابن، الأول عاصب يحوز كل التركة، والثانية تحوز التركة فرضاً ورداً. وفي الحالة الثانية إما أخ لأب وهو عاصب يحوز كل التركة، أو أخت لأب تحوز كل التركة فرضاً ورداً.
وفي الحالتين يوقف كل التركة لحين الولادة.
3ً - مات شخص عن: زوجة، أب، أم، زوجة ابن حبلى: تقسم التركة على فرض الذكورة، أي أن الحمل ابن ابن، فيكون للزوجة الثمن 24/3، ولكل من الأب والأم السدس وهو (4) أسهم لكل منهما، والباقي (13) سهماً لابن الابن؛ لأنه عاصب.
ثم تقسم التركة على فرض الأنوثة، أي على أن الحمل بنت ابن، فيكون للزوجة الثمن 24/3، ولكل من الأب والأم السدس وهو (4) أسهم لكل منهما، ولبنت الابن النصف 24/12، ويرد السهم الباقي وهو (واحد) إلى الأب، فيكون له (5) أسهم.
فالأفضل للحمل أن يفرض كونه ذكراً، ويوقف له (13) سهماً من (24) .
4ً - توفي شخص عن: زوجة، وأم حامل من أبي المتوفى، تقسم التركة أولاً على فرض الذكورة، أي على أن الحمل أخ شقيق، فيكون للزوجة الربع 12/3، وللأم الثلث 12/4، وللشقيق الباقي تعصيباً وهو 12/5. ثم تقسم التركة على فرض الأنوثة، أي على أن الحمل أخت شقيقة، فيكون لها النصف 12/6، فتعول المسألة إلى 13.
وبتصحيح المسألة (1) ، نجد أن نصيب الأخ الشقيق (65) سهماً من (156) ، ونصيب الأخت الشقيقة (72) سهماً من (156) ، فيفرض كون الحمل أنثى؛ لأنه الأفضل له، ويوقف له 156/72.
5ً - توفيت امرأة عن: زوج، وأخت شقيقة، وزوجة أب حامل: إن فرض كون الحمل ذكراً، فللزوج النصف، وللشقيقة النصف، ولا شيء للأخ لأب؛ لأنه عاصب يأخذ الباقي بعد الفروض.
وإن فرض كون الحمل أنثى، كان للزوج النصف، وللشقيقة النصف، وللأخت لأب السدس تكملة الثلثين، فتعول المسألة إلى (7) .(10/520)
وحينئذ فالأفضل أن يفرض الحمل أنثى، ويوقف له سهم من سبعة.
6ً - توفي شخص عن: أب، أم، زوجة حامل، وبنت: تقسم التركة أولاً على فرض أن الحمل ذكر، أي ابن، فيكون للأب السدس 24/4، وللأم السدس 24/4، وللزوجة الثمن 24/3، والباقي (13) سهماً للبنت والابن تعصيباً، فيكون نصيب الابن بعد التصحيح (26) سهماً من (72) .
ثم تقسم التركة على فرض أنه أنثى، فيكون للأب السدس، وللزوجة الثمن، وللبنتين الثلثان، لكل بنت ثلث، وأصل المسألة من (24) ، وتعول إلى 27) ، فيكون نصيب الحمل (8) من (27) .
وبالتصحيح نجد أن نصيب الحمل على فرض أنه ذكر: (78) من (216) ، ونصيبه على أنه أنثى (64 من 216) ، فالأفضل للحمل أن يفرض ذكراً، ويؤخذ كفيل على البنت فقط؛ لأن نصيبها يقل بالتعدد.
7ً - ماتت امرأة عن: زوج، وأم حامل من أبي المتوفاة، وأختين شقيقتين، وأخوين لأم: تقسم التركة أولاً على فرض أنه ذكر، أي أنه أخ شقيق، فيكون للزوج النصف 6/3، وللأم السدس وهو سهم واحد، والثلث الباقي يشترك فيه الأخوان لأم والأختان الشقيقتان والأخ الشقيق، وتصح المسألة من (30) ، فيكون للشقيق 30/3.
ثم تقسم التركة ثانياً على أنه أنثى أي أنه أخت شقيقة، فيكون للزوج النصف 6/3، وللأم السدس سهم واحد، وللشقيقات الثلاث الثلثان وهو 6/4، وللإخوة للأم الثلث وهو 6/2، فتعول المسألة إلى (10) ، وتصح من (30) ، فيكون للشقيقة 30/4.
فالأفضل للحمل أن يفرض أنثى، ويحفظ له 30/4، أما فرق الأنصبة وهو (6) أسهم، فيحفظ مع الأسهم الأربعة المحفوظة للحمل حين الولادة.
__________
(1) عرفنا أن قاعدة التصحيح أن يضرب أصل المسألة أو عولها في أقل عدد يمكن معه أن يستحق كل وارث بانفراد قدراً من السهام برقم صحيح، وحاصل الضرب هو أصل المسألة بعد التصحيح.(10/521)
المبحث الثالث ـ ميراث المفقود:
تعريفه، أحكامه بعد تحديد مدة موته بالنسبة لزوجته وماله وإرثه، كيفية توريث المفقود، هل تتقدر مدة لوفاته، متى يبدأ اعتباره مفقوداً (1) ؟
تعريف المفقود: المفقود: هو الغائب الذي انقطع خبره، فلم تعرف حياته أوموته. ولا عبرة بمعرفة المكان أو الجهل به إذا كان مجهول الحياة أو الممات، فلو كان معلوم المكان، ولكنه لا تعرف حياته أو مماته فهو مفقود.
أحكامه: للمفقود أحكام ثلاثة تتعلق بتحديد المدة التي يحكم فيها بموته بعد مضيها، بالنسبة لزوجته، وماله، وإرثه من غيره.
أما بالنسبة لزوجته:
فالمفتى به عند الحنفية: تفويض الأمر إلى رأي الحاكم، ينظر ويجتهد، ويفعل ما يغلب على ظنه أنه المصلحة، لإطلاق قول علي رضي الله عنه: «امرأة المفقود امرأة ابتليت فلتصبر، لا تنكح حتى يأتيها يقين موته» .
وفصل الحنابلة: فأخذوا بالرأي السابق في الغيبة التي يظن معها بقاؤه حياً، كأن خرج لسياحة أو تجارة أو طلب علم أو أداء حج في حالة الأمن، فيحكم القاضي بموته حين يغلب على ظنه أنه قد مات، وتقدير المدة متروك للقاضي.
أما إن غاب المفقود غيبة يغلب عليه فيها الهلاك، كالغيبة في أثناء حرب أو غارة أو في ميدان قتال، أو لقضاء مصلحة قريبة، فلم يعد، فيحكم القاضي بموته بعد أربع سنين من تاريخ فقده (2) .
__________
(1) السراجية: ص 221-225، الرحبية: ص 76، المغني: 321/6-325، مغني المحتاج: 26/3، القوانين الفقهية: ص 216.
(2) أخذ القانون المصري رقم 15 لسنة 1929 في حالة الغيبة التي يغلب فيها الهلاك بمذهب أحمد، وفي الحالة التي لا يغلب فيها الهلاك بقول صحيح عند الحنفية والحنابلة، فنصت المادة 21 على كلتا الحالتين:
«يحكم بموت المفقود الذي يغلب عليه الهلاك بعد أربع سنين من تاريخ فقده، وأما في جميع الأحوال الأخرى فيفوض أمر المدة التي يحكم بموت المفقود بعدها إلى القاضي، وذلك كله بعد التحري عنه بجميع الطرق الممكنة الموصلة إلى معرفة إن كان المفقود حياً أو ميتاً» .(10/522)
والراجح عند المالكية: أنه يحكم بموت المفقود بعد أربعة أعوام من يوم رفع المرأة أمرها للقضاء، فإذا انقضى الأجل اعتدت عدة الوفاة، ثم تزوجت إن شاءت.
وفي قول لدى المالكية: يفرق القاضي بين الزوجين بمضي سنة فأكثر على الغياب.
وقال الشافعية: من فقد أو أسر، وانقطع خبره، لا يحكم بموته حتى تقوم بينة بموته، أو تمضي مدة يعلم أو يغلب على الظن أنه لا يعيش فوقها، كما هو حال أقرانه.
وأما بالنسبة لأمواله:
فقد اتفق أئمة المذاهب على أن المفقود يعتبر حياً بالنسبة إلى أمواله الثابتة ملكيتها له، وفي حقوقه الأخرى، حتى تقوم البينة على وفاته، أو يحكم القاضي بوفاته، وهذا هو الجانب السلبي للمفقود، ويترتب عليه ما يأتي:
لا يقسم ماله بين الورثة، وينفق القاضي من ماله على زوجته وأصوله وفروعه فقط؛ لأن هؤلاء تجب نفقتهم عليه في حضوره وغيابه. ولا تفسخ عقوده كالإجارة التي تنفسخ بموت أحد العاقدين عند الحنفية، وينصب القاضي وكيلاً عنه بقبض ديونه وحفظ ماله.
وتحفظ أمواله إلى أن ينكشف حاله، فإن ظهر حياً، أخذ أمواله، وإن ثبت موته بالبينة الشرعية، اعتبر ميتاً من الوقت الذي يثبت أنه مات فيه، ويرثه ورثته من ذلك الوقت، وإن حكم القاضي بموته، اعتبر ميتاً من حين الحكم، ويرثه ورثته من تاريخ الحكم فقط. والسبب في اعتباره حياً بالنسبة لماله هو استصحاب حال حياته التي كان عليها قبل الفقد، والأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يظهر خلافه بالدليل، فلا يورث؛ لأن شرط استحقاق الإرث تحقق موت المورث، وموته غير محقق.(10/523)
وأما بالنسبة لإرثه من غيره:
فللفقهاء رأيان تبعاً لاختلافهم في حجية الاستصحاب:
فيرى جمهور الحنفية (1) : أن المفقود لا تثبت له حقوق إيجابية من غيره، كالإرث والوصية من الآخرين، لا يرث من غيره ولا تثبت له الوصية من غيره؛ لأن الاستصحاب عندهم حجة للدفع لا للإثبات، أي أنه يصلح لأن يدفع به من ادعى تغير الحال، لا بقاء الأمر على ما كان، فاستصحاب حياته يفيده فقط في دفع ما يترتب على وفاته من اقتسام ماله بين الورثة، ومن فراق زوجته، وهذا هو الحق السلبي، ولا يفيده في انتقال ملكية الغير له، وهذا هو الحق الإيجابي، وبإيجاز يصلح الاستصحاب لدفع ملكية غيره لأمواله، لا لإثبات ملكيته من غيره. وعلى هذا فإنه لا يرث ولا وصية له؛ لأن شرط استحقاق الإرث والوصية ثبوت حياة الوارث والموصى له عند موت المورث والموصي، وحياة المفقود غير محققة، بل هناك احتمال أن يكون ميتاً، فهو لا يرث ولا يورث.
ويرى جمهور المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية والشيعة الإمامية (2) : أن المفقود يرث من غيره، وإن لم يورث؛ لأن استصحاب الحال حجة مطلقاً للدفع والإثبات، ما دام لم يقم دليل ما نع من الاستمرار، فحياة المفقود هي الأصل الثابت، فيرث من غيره، ولا يورث عنه ماله، أي أن الاستصحاب يثبت كلا الحقين الإيجاب والسلبي، إلا أن الحنابلة أضافوا أنه يورث ولا يرث بعد مضي أربع سنين على فقده.
وأخذ القانون المصري (م 45) والسوري (م 302) بهذا الرأي، ونص المادة: «يوقف للمفقود من تركة مورثه نصيبه فيها، فإن ظهر حياً، أخذه، وإن حكم بموته، رد نصيبه إلى من يستحقه من الورثة وقت موت مورثه. فإن ظهر حياً بعد الحكم بموته، أخذ ما بقي من نصيبه في أيدي الورثة» .
__________
(1) أصول السرخسي: 225/2، مرآة الأصول: 367/2، كشف الأسرار: ص 1098.
(2) مختصر ابن الحاجب: ص 217، مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول للتلمساني المالكي: ص 189، الإبهاج للسبكي: 111/3، شرح المحلي على جمع الجوامع: 285/2، المدخل إلى مذهب أحمد: ص 133، شرح روضة الناظر: 389/1، الإحكام لابن حزم: 590/5، محمد تقي الحكيم: ص 454.(10/524)
كيفية توريث المفقود:
أـ إن كان المفقود هو الوارث الوحيد، وقفت له التركة كلها.
ب ـ وإن كان معه ورثة وارثون، قسمت التركة على افتراضين: افتراض أنه حي، وافتراض أنه ميت، ثم يوحد أصل المسألة في الحالتين، ويوقف له أفضل النصيبين، ويعطى كل وارث أسوأ النصيبين، ويحفظ ما قد يكون من فروق الأنصباء مع ما وقف للمفقود.
فإن ظهر المفقود حياً، أخذ ما وقف له.
وإن ثبت موته بعد موت مورثه بالبينة، رد نصيبه الموقوف له إلى ورثته الشرعيين.
وإن ثبت موته قبل موت مورثه، أو لم يثبت موته إلا بحكم القاضي، كان ما وقف له حقاً لورثة مورثه.
أمثلة:
1 - توفي شخص عن ابن مفقود فقط، أو عن ابن مفقود وأخوين لأم: كان المفقود هنا هو الوارث الوحيد، لأن الأخوين لأم محجوبان به، فإن ظهر حياً أخذ التركة كلها، وإلا أخذها بيت المال في الحالة الأولى، أو الأخوان لأم في الحالة الثانية.
2 - توفي رجل عن: زوجة، وأب، وأم، وبنت، وابن مفقود:
أولاً ـ على فرض حياة المفقود تكون الورثة هكذا:
زوجة 8/1، أب 6/1، أم 6/1، بنت وابن هما عصبة، وأصل المسألة 24.
والسهام 3 4 4 (13)
وتصحح المسألة بضرب 3 عدد رؤوس العصبة في 24 أصل المسألة = (72) .
فتكون السهام بعد التصحيح 9 12 12 39 للابن (26) .
ثانياً ـ على فرض وفاة المفقود تكون الورثة هكذا:
زوجة 8/1، وأب 6/1، وأم 6/1، وبنت 2/1: الأصل 24.
والسهام 3، 4+1 4 12، الواحد المضاف للأب هو الباقي تعصيباً.(10/525)
يحفظ للمفقود نصيبه على فرض كونه حياً وهو (26 من 72) ، ويعطى لكل من الزوجة والأم نصيبهما، لعدم تغيره في الحالين، ويعطى لكل من الأب والبنت أبخس النصيبين، ويوقف الباقي. فإن ظهر المفقود حياً أخذ الموقوف له، وإن حكم بموته، كمل نصيب الأب والبنت.
3 - توفيت امرأة عن: زوج، وشقيقتين، وشقيق مفقود: تقسم التركة أولاً على فرض أن الشقيق حي، فيكون للزوج 2/1 أي (1) والشقيق مع أختيه عصبة يأخذون الباقي وهو (1) ، وأصل المسألة (2) ، وتصح من (8) بضرب (4) عدد الرؤوس في أصل المسألة (2) .
ثم تقسم التركة على فرض أنه ميت، فيكون للزوج 2/1 وهو (3) وللشقيقتين الثلثان، وهما (4) ، فتعول المسألة إلى (7) .
ثم يوحد الأصل في المسألتين بضرب أصلي المسألتين (7 × 8 = 56) فيعطى للشقيق (7 × 2 = 14) توقف له، وذلك بضرب من له شيء في الحالة الأولى بـ (7) ومن له شيء في الحالة الثانية (الوفاة) يضرب في (8) .
ويعطى للشقيقتين على فرض الحياة (7 × 2 = 14) وعلى فرض الموت (4 × 8 = 32) فيعطيان (14) أسوأ النصيبين.
ويعطى للزوج على فرض الحياة (4 × 7 = 28) وعلى فرض الموت (3 × 8=24) ، فيعطى (24) أسوأ النصيبين، وتوقف فروق الأنصباء، وتحفظ مع نصيب المفقود. فإن ظهر أن المفقود حي فله 14، وللزوج 4، وإن ظهر أنه ميت أخذ الأختان فرق النصيب.
4 - مات رجل عن: زوجة، وأب، وأم، وابن مفقود: تقسم التركة أولاً على فرض أنه حي، فيكون للزوجة الثمن وهو (3 من 24) ، وللأب السدس وهو (4) ، وللأم السدس وهو (4) ، وللابن الباقي وهو (13) . ثم تقسم التركة على فرض أنه ميت، فيكون للزوجة الربع وهو (6) من (24) ، وللأم ثلث الباقي وهو (6) ، وللأب الباقي وهو (12) سهماً، ويوقف للابن (13) سهماً. ويوجد فروق بين المسألتين في حصة الزوجة والأب والأم، ويعطى للورثة أسوأ الأنصبة، فتعطى الزوجة (3) أسهم، ولكل من الأب والأم 4 أسهم.(10/526)
هل تتقدر مدة لوفاة المفقود؟
قيل: تتقدر مدة لوفاة المفقود، وقيل: لا تتقدر، وإنما يجتهد القاضي.
أما المالكية والحنابلة: فقالوا: تقدر مدة، والراجح عند المالكية أن يمضي عليه سبعون سنة، والمعتمد عند الحنابلة: أن يمضي عليه تسعون سنة، واختار القانون السوري (م 205) التحديد ببلوغ المفقود ثمانين سنة.
وأما الحنفية في ظاهر الرواية والصحيح عند الشافعية: فقالوا: لا تتقدر، ويحكم بوفاته عند الحنفية حين يموت أقرانه الذين في بلده، فلا يبقى منهم أحد.
ويجتهد القاضي بحسب تقديره عند الشافعية، بأن تمضي مدة يعلم أو يغلب على الظن أنه لا يعيش فوقها.
متى يبدأ اعتباره مفقوداً؟
إذا ثبتت وفاة الغائب بالبينة، فإن حكم القاضي بالوفاة يستند إلى التاريخ الذي حددت البينة وفاته.
وإن اعتمد الحكم على الاجتهاد وغلبة الظن، فهناك قولان: قال أبو حنيفة ومالك: إن الحكم بموته يرجع إلى تاريخ فقدانه، فيعتبر ميتاً من تاريخ الفقد، فلا يرث ممن مات قبل الحكم، ويرث مال المفقود من كان موجوداً عند تاريخ فقدانه.
وقال الشافعي وأحمد: يعتبر ميتاً من تاريخ الحكم بوفاته، فيرث المفقود ممن مات قبل الحكم بوفاته، ويورث عنه ماله ممن كان موجوداً من ورثته عند الحكم بوفاته.(10/527)
المبحث الرابع ـ ميراث الأسير:
الأسير إما حي أو مجهول الحياة (1) :
أـ فإن كان الأسير معلوم الحياة، فيرث من غيره، ولا يورث عنه ماله؛ لأنه حي، فيعامل معاملة الأحياء، والمسلم من أهل دار الإسلام أينما كان، والأسر لا يؤثر شيئاً، فحكم الأسير كحكم سائر المسلمين في الميراث مالم يفارق دينه، فإن علم أنه فارق دينه، فحكمه حكم المرتد؛ إذ فرق بين من يرتد في دار الإسلام أو في دار الحرب.
ب ـ وإن كان مجهول الحال، فلا تعلم حياته ولا موته ولا ردته: فحكمه حكم المفقود فيما ذكر، فلا يقسم ماله، ولا تتزوج امرأته حتى ينكشف خبره.
المبحث الخامس ـ ميراث الخنثى:
الخنثى: من اجتمع فيه العضوان التناسليان: عضو الذكورة، وعضو الأنوثة، أو من لم يوجد فيه شيء منهما أصلاً. وهو نوعان: مشكل وغير مشكل (2) .
أما الخنثى غير المشكل أو الواضح: فهو الذي ترجحت فيه صفة الذكورة أو الأنوثة، كأن تزوج فولد له ولد، فهذا رجل، أو تزوج فحملت، فهي أنثى، ويطبق عليه حكم كل منهما. وإن بال من آلة الرجال فهو رجل، والآلة الأخرى زيادة خَرْق في البدن، وإن بال من آلة النساء فهوأنثى، والآلة الأخرى زيادة نتوء في البدن. وعليه فإنه يختبر بالتبول، وظهور اللحية، والحيض، فإن لحق بالرجال ورث ميراث الرجل، إن لحق بالنساء ورث ميراثهن.
وأما المشكل: فهو من أشكل أمره، فلم تعرف ذكورته من أنوثته، كأن يبول مما يبول منه الرجال والنساء معاً، أو يظهر له لحية وثديان في آن واحد. والغالب مع تقدم الطب الحديث إنهاء إشكاله بإجراء عملية له، تؤدي إلى إيضاح أمره.
حكم ميراث المشكل:
لا يتصور كون المشكل زوجاً ولا زوجة؛ لأنه لا يصح زواجه ما دام مشكلاً، ولا يتصور بالتالي أن يكون أباً أوأماً أو جداً أو جدة؛ لأنه يصبح حينئذ غير مشكل.
وإنما يمكن أن يكون من فرع البنوة أو الأخوة أو العمومة، فيحصل الخلاف في إرثه، هل هو ذكر أو أنثى؟
لكن إن لم يختلف نصيبه بين الذكورة والأنوثة، فتوزع التركة بدون إشكال.
وإن كان يرث على فرض الذكورة أو الأنوثة، ولا يرث على فرض آخر، فلا يعطى من التركة شيئاً عند الحنفية، وعند الشافعية: يعطى الورثة الأقل، ويحفظ حقه حتى يتبين أمره، خلافاً للمالكية والحنابلة.
__________
(1) السراجية: ص 228، مغني المحتاج: 26/3، المغني: 326/6.
(2) السراجية: ص 205-212، القوانين الفقهية: ص 395، الرحبية: ص 73-75، المغني: 253/6-258.(10/528)
وإن اختلف نصيبه بين الذكورة والأنوثة، ففيه أربعة أقوال:
1 - مذهب الحنفية المفتى به: يعطى أقل النصيبين أو أسوأ الحالين من فرض ذكورته أو أنوثته، ويعطى الورثة أحسن النصيبين، أي على عكس الحمل تماماً. وهذا ما أخذ به القانون المصري (م 46) ، ولم ينص القانون السوري عليه لندرته، وإذا وجد يطبق هذا الرأي عملاً بالمادة (305) (1) .
فمن توفي عن: زوجة، وأب، وأم، وولد خنثى: المسألة من (24) ، تقسم التركة أولاً على فرض الذكورة، فيكون للزوجة 8/1 = (3) ، وللأب 6/1 = (4) ، وللأم 6/1 = (4) ، وللابن الخنثى الباقي وهو (13) .
ثم تقسم على فرض الأنوثة، فيكون للزوجة 8/1 = (3) ، وللأب 6/1 + الباقي = (5) ، وللأم 6/1 = (4) ، وللخنثى البنت: 2/1 = (12) ، فيعطى الخنثى (12) ؛ لأنه أدنى النصيبين، والذي يتأثر نصيبه هو الأب، فيعطى (5) أحسن الحالين.
2 - مذهب المالكية: يعطى الخنثى المشكل أمره نصف نصيب أنثى، ونصف نصيب ذكر. وإن كان يرث على فرض، ولا يرث على فرض آخر، فيعطى نصف نصيبه على فرض إرثه.
3 - مذهب الشافعية: يعطى أقل النصيبين لكل من الخنثى وبقية الورثة، ويوقف الباقي إلى أن يتبين أمره، أو يتصالح الورثة معه. ففي المثال السابق يعطى الخنثى (12) ، والأب (4) فقط، ويوقف الباقي وهو (1) إلى أن تتضح حقيقته أو يتصالح الأب معه.
. ولو مات رجل عن: ابن، وولد خنثى مشكل:
فبتقدير ذكورة الخنثى، يكون المال بينه وبين الابن بالسوية، لكل واحد منهما نصف المال، والمسألة من (2) .
وبتقدير أنوثته، يكون للخنثى 3/1، وللابن 3/2، والمسألة من (3) ، فيعطى الخنثى الثلث فقط، ويأخذ الابن النصف؛ لأنه متيقن، ويوقف السدس الباقي بينهما، حتى يتضح حال المشكل، أو يصطلحا.
__________
(1) ونصها: «كل مالم يرد عليه نص في هذا القانون يرجع فيه إلى القول الأرجح في المذهب الحنفي»(10/529)
وكيفية التصحيح: أن ينظر بين المسألتين: المسألة بتقدير ذكورته فقط، ومسألة تقدير أنوثته فقط، وذلك بالنسب الأربعة السابقة (من تماثل وتوافق وتداخل وتباين) ويحصل أقل عدد ينقسم على كل من المسألتين بالتقديرين، فما كان فهو الجامع بين المسألتين، ففي المسألة السابقة بين الثلاثة والاثنين تباين، فيضرب أحد الأصلين في الآخر، فيكون الحاصل ستة، فإن قسم الحاصل على مسألة الذكورة، كان للخنثى ثلاثة، وإن قسم على مسألة الأنوثة، كان للخنثى اثنان، وللذكر أربعة، فالأضر بالخنثى أنوثته، فيعطى سهمين، والأضر في حق الابن ذكورة الخنثى فيعطى ثلاثة، ويبقى السدس وهو واحد، فيوقف، فإن اتضحت الذكورة أخذه، وإن اتضحت الأنوثة، أخذه الابن. وإن لم يتضح يوقف إلى أن يصطلحا.
4 - مذهب الحنابلة:
أـ إن كان يرجى اتضاح حال الخنثى في المستقبل، فهم كالشافعية، يعامل مع بقية الورثة بأدنى النصيبين.
ب ـ وإن لم يرج اتضاح الحال، فهم كالمالكية يعطى نصف ميراث ذكر على فرض ذكورته، ونصف ميراث أنثى على فرض أنوثته، إن ورث في الحالين. وإن كان يرث على فرض دون فرض، فيعطى نصف نصيبه في حال الإرث.(10/530)
المبحث السادس ـ ميراث الغَرْقى والهَدْمى والحَرْقى ونحوهم ممن جهل تاريخ وفاتهم:
إذا جهلت وفاة المورث، بأن مات جماعة بينهم قرابة، ولا يُدْرى أيهم مات أولاً، كمن غرقوا في السفينة معاً، أو وقعوا في النار دَفْعة، أو سقط عليهم جدار أو سقف بيت، أو قتلوا في المعركة، ولم يعلم التقدم والتأخر في موتهم، أو جهل تاريخ الوفاة ولو لم يكونوا في حادث واحد.
فما الحكم في التوارث بينهم (1) ؟
1 - قال الجمهور غير الحنابلة: لا توارث بينهم، ومال كلٍ لباقي ورثته الأحياء؛ لأن شرط الإرث أن تثبت وفاة المورث قبل وفاة الوارث، وحياة الوارث عند وفاة المورث. وهنا انتفى التيقن من حياة الوارث بعد موت مورثه بحسب الواقع والعلم، ويمتنع الترجيح بلا مرجح.
واستدلوا بما روى خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه قال: أمرني أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ بتوريث أهل اليمامة، فورثت الأحياء من الأموات، ولم أورث الأموات بعضهم عن بعض. وأمرني عمر ـ رضي الله عنه ـ بتوريث أهل طاعون عَمْوَاس، وكانت القبيلة تموت بأسرها، فورَّثت الأحياء من الأموات، ولم أورِّث الأموات بعضَهم من بعض. وهكذا نقل عن علي كرم الله تعالى وجهه في قتلى الجَمَل وصِفِّين.
2 - وقال الحنابلة: إذا مات المتوارثان، فجهل أولهما موتاً، ورث بعضهم من بعض، فيجعل أحدهما أولهما موتاً، ولكن لا يرث كل واحد منهما ما ورثه من مال صاحبه، وإلا لزم أن يرث كل واحد من مال نفسه.
واستدلوا برواية أخرى عن عمر وعلي وابن مسعود وشريح وإبراهيم النخعي والشعبي، أنهم قالوا: يرث بعضهم من بعض، يعني من ماله، دون ما ورثه من ميت معه.
وعليه، لو مات أخوان شقيقان في وقت واحد، وترك كل منهما: أماً وبنتاً وعماً، وتركة كل منهما (90) درهماً، يقسم عند الجمهور تركة كل واحد منهما، فيعطى لأم كل منهما السدس وهو (15) ، وللبنت النصف وهو (45) ، والباقي هو (30) للعم.
وعند الحنابلة: يفرض موت أحدهما أولاً، وتقسم تركته على ورثته، وفيهم أخوه، ثم يفرض موت الثاني كذلك، وما ورثه كل من الأخوين من أخيه، يقسم على الأحىاء فقط من ورثته.
وأخذ القانون المصري (م 3) والسوري (م 261) برأي الجمهور، ونص المادة: «إذا مات اثنان ولم يعلم أيهما مات أولاً، فلا استحقاق لأحدهما في تركة الآخر، سواء أكان موتهما في حادث واحد، أم لا» .
__________
(1) السراجية: ص 229-231، الدر المختار: 543/5، 563، المبسوط: 27/30-28، بداية المجتهد: 348/2، القوانين الفقهية: ص 395، مغني المحتاج: 26/3، الرحبية: ص79، المغني: 308/6.(10/531)
المبحث السابع ـ ميراث ولد الزنا واللعان واللقيط ممن لا أب له شرعياً:
قد لا يعرف نسب الولد من أبيه الشرعي، مثل هؤلاء، فكيف يرثون (1) ؟
أما ولد الزنا: فهو الولد الذي أتت به أمه من طريق غير شرعي، أو هو ثمرة العلاقة المحرمة.
وأما ولد اللعان: فهو الولد الذي ولد على فراش زوجية صحيحة، وحكم القاضي بنفي نسبه من الزوج بعد الملاعنة الحاصلة بينه وبين زوجته. ويكون حكم القاضي عند الحنفية بمجرد الملاعنة، ويشترط الجمهور طلب الزوج نفي الولد.
وكل من ولد الزنا وولد اللعان: لا توارث بينه وبين أبيه وقرابة أبيه بالإجماع، وإنما يرث بجهة الأم فقط؛ لأن نسبه من جهة الأب منقطع، فلا يرث به، ومن جهة الأم ثابت، فنسبه لأمه قطعاً؛ لأن الشرع لم يعتبر الزنا طريقاً مشروعاً لإثبات النسب، ولأن ولد اللعان لم يثبت نسبه من أبيه.
فيرث كل منهما عند الأئمة الأربعة من أمه وقرابتها، وهم الإخوة لأم بالفرض لا غير، وترث منه أمه وإخوته من أمه فرضاً لا غير؛ لأن صلته بأمه مؤكدة لا شك فيها، ولا يتصور أن يرث هو أو يورث بالعصوبة، إلا بالولاء أو الولاد، فيرثه من أعتقه أوأعتق أمه، أو ولده بالعصوبة، وكذلك يرث معتقه أو معتق معتقه، أو ولده بالعصوبة أيضاً.
ورأي الشيعة الإمامية أنه لا توارث أيضاً بين ولد الزنا وبين أمه وقرابتها، كما هو الحال بالنسبة إلى أبيه الزاني وقرابته؛ لأن الميراث نعمة أنعم الله بها على الوارث، فلا يجوز أن يكون سببها الجريمة أي الزنا. أما ولد اللعان فيرث عندهم من أمه، إذ قد يكون أحد الأبوين المتلاعنين كاذباً في ادعائه، فلم تكن الجريمة هي السبب في نفي النسب.
__________
(1) الدر المختار: 565/5، اللباب: 198/4، تبيين الحقائق: 214/6، المغني: 259/6-266، القوانين الفقهية: ص 394.(10/532)
لكن الرأي الأول في ولد الزنا أولى تخفيفاً على الولد، إذ الجريمة جريمة الأم، فلا يعاقب الولد بجريمة أمه؛ أما الأب فالنسب منه غير مؤكد. لذا أخذ به القانون المصري (م 47) والسوري (م 303) ونص المادة فيهما: «يرث ولد الزنى وولد اللعان من الأم وقرابتها، وترثهما الأم وقرابتها» .
وجاء في السنة: «أيُّما رجل عاهر بحرة أو أمة، فالولد ولد الزنا، لا يرث ولايورث» (1) وعن النبي صلّى الله عليه وسلم: «أنه جعل ميراث ابن الملاعَنَة لأمه، ولورثتها من بعدها» (2) . وفي حديث المتلاعنين الذي يرويه سهل بن سعد قال: «وكانت حاملاً، وكان ابنها ينسب إلى أمه، فجرت السنة أنه يرثها، وترث منه، ما فرض الله لها» (3) .
وعلى ذلك لو مات شخص عن: أم وابن غير شرعي، فالتركة كلها للأم فرضاً ورداً، ولا شيء للابن.
ولو مات شخص عن: أم وأخ لأم، وأخ لأب غير شرعي، كان للأم الثلثان فرضاً ورداً، وللأخ لأم الثلث فرضاً ورداً، ولا شيء للأخ لأب؛ لأنه غير شرعي.
وإذا توفي ولد الزنا أو اللعان عن أمه، وأبيها، وأخيها: كانت تركته كلها لأمه: الثلث فرضاً، والباقي رداً، ولا شيء لأبيها (جده لأمه) وأخيها (خاله) ؛ لأنهما من ذوي الأرحام.
ولو توفي أحد هذين الولدين عن أم، وأخ لأم، كان للأم الثلثان فرضاً ورداً، وللأخ لأم الثلث فرضاً ورداً.
وأما اللقيط: فهو الطفل المفقود المطروح على الأرض عادة، خوفاً من مسؤولية إعالته، أوفراراً من تهمة الريبة.
وإذا مات اللقيط عن غير وارث، فماله عند الجمهور ما عدا رواية عن أحمد لبيت المال، بناء على قاعدة (الغرم بالغنم) فإن بيت المال هو المسؤول عن الإنفاق عليه، وتربيته وتعليمه، فتكون تركته له كالأموال الضائعة التي لا يعرف أصحابها.
ويروى عن أحمد وهو رأي ابن تيمية: أن إرثه لمن التقطه.
__________
(1) رواه الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وفي إسناده أبو محمد عيسى بن موسى القرشي الدمشقي وهو ليس بمشهور (نيل الأوطار: 66/6) .
(2) رواه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وفيه ابن لهيعة، وفيه مقال معروف (المرجع السابق) .
(3) أخرجه البخاري ومسلم (المرجع السابق) .(10/533)
الفَصْل الثّامن عَشر: المناسخة:
تعريفها، تصحيح المسائل، اختصار مسائل المناسخات (1) :
أولاً ـ تعريف المناسخة: المناسخة مفاعلة من النسخ بمعنى النقل والتحويل. والمراد بها هنا: انتقال نصيب بعض الورثة بموته قبل القسمة إلى من يرث منه.
فهي أن يموت من ورثة الميت الأول واحد أو أكثر قبل قسمة التركة.
فتارة يموت من ورثة الميت الأول واحد فقط، وتارة يموت أكثر، وفي الحالتين تارة يمكن الاختصار قبل العمل، وتارة لا يمكن. فهذه أربعة أحوال.
ثانياً ـ تصحيح المسائل:
إذا مات إنسان، وخلف تركة وورثة، ولم تقسم التركة حتى مات بعض ورثته وخلف ورثة، فاختلف وضع الوارث أو حظوظ الورثة، فطريق العمل: أن تصحح مسألة الميت الأول بالقواعد السابقة، وتحفظ سهام الميت الثاني منها، وتعمل له مسألة أخرى، ثم تصحح مسألة الميت الثاني بتلك القواعد أيضاً.
ثم تنظر بين سهام الميت الثاني من التصحيح الأول؛ وبين التصحيح الثاني، فلا يخلو الأمر من ثلاثة أحوال: هي المماثلة، والموافقة، والمباينة.
أما المماثلة: فهي أن تنقسم سهام الميت الثاني على مسألته: فتصح المسألتان مما تصح منه المسألة الأولى، مثل:
__________
(1) السراجية: ص 157-163، الدر المختار: 566/5 وما بعدها، اللباب: 210/4-212، القوانين الفقهية: ص 400، الرحبية: ص 69، مغني المحتاج: 36/3، المغني: 197/6.(10/534)
مات عن زوج، وأم، وعم: المسألة من (6) ، للزوج النصف (3) ، وللأم الثلث (2) ، وللعم الباقي (1) ، ثم مات الزوج عن ثلاثة بنين، فننظر فنجد سهامه وهي (3) منقسمة على ورثته، فتصح المسألتان من (6) ، للأم (2) ، وللعم (1) ، وللأبناء الثلاثة (3) .
وأما المباينة: فهي ألا تنقسم سهام الميت الثاني على مسألته، كما إذا مات الزوج في المثال الأول عن (5) بنين، فسهامه الثلاثة لا تنقسم عليهم، وتباين مسألته، فاضرب جميع مسألته وهي (5) في المسألة الأولى وهي (6) ، فالحاصل (30) ، ومنه تصح المسألتان، للأم (5×2=10) ، وللعم (5×1=5) ، وللأبناء الخمسة (15) ، أي فمن له شيء من المسألة الأولى أخذه مضروباً في المسألة الثانية، ومن له شيء من المسألة الثانية أخذه مضروباً في سهام مورثه.
وأما الموافقة: فهي أن توافق سهام الميت الثاني مسألته بجزء من الأجزاء، كالنصف أو الثلث، كما إذا مات الزوج في المثال الأول عن ستة بنين، فسهامه الثلاثة لاتنقسم على مسألته، ولكنها توافق مسألته بالنصف، فيؤخذ وَفْق مسألته وهو (2) ويضرب في مسألة الميت الأول وهي (6) فيحصل (12) ، ومنها تصح المسألتان، فمن له شيء من المسألة الأولى أخذه مضروباً في وَفْق المسألة الثانية، ومن له شيء من المسألة الثانية أخذه مضروباً في وَفْق المسألة الأولى.
موت شخص ثالث: فإذا مات شخص ثالث، فخذ سهامه من الجامعة لمسألتي الميت الأول والثاني، فإن انقسمت على مسألته، صحت الثالثة مما صحت منه المسألتان الأوليان.
وإن باينتها، فاضربها فيما صحت منه الجامعة بين المسألتين.
وإن وافقتها، فاضرب وَفْقها فيما صحت منه أيضاً.
فما بلغ فمنه تصح المسائل الثلاث، ثم اعتبر ذلك كمسألة واحدة أولى.
ومسألة الميت الرابع كالثانية، وهكذا.
فلو فرضنا مثال المباينة على حاله، وماتت الأم عن أربعة إخوة لأب، ثم مات العم عن عشرة بنين وهكذا.
ففي حال موت الأم عن أربعة إخوة: يكون بين حاصل المسألة (30) وبين الأربعة عدد الإخوة موافقة، فيقسم كل منهما على (2) ، ثم يضرب (30×2=60) ومنه تصح، فيعطى للإخوة (2×10=20) ، وللأبناء الخمسة (2×15=30) ، وللعم (2×5=10) . وفي حال موت العم عن عشرة بنين: يمكن قسمة نصيبه وهو (20) على الأبناء بدون كسر، فيعطى لكل ابن (2) .(10/535)
ثالثاً ـ اختصار مسائل المناسخات:
اختصار مسائل المناسخات نوعان: اختصار المسائل، واختصار السهام.
1 - أما اختصار المسائل: فهي أن تكون السهام في المسألة الثانية، مثل ما بقي من سهام الأولى، والورثة هم أولئك، بأن يكونوا عصبة.
2 - وأما اختصار السهام: فيكون بعد تصحيح المسائل وقسمتها، بأن تعتبر سهام الورثة، فربما توافقت بجزء من الأجزاء، فتردها إليه، وترد المسألة إلى مثل ذلك.
وتبدأ في الاستقراء: بأن تنظر النصف: فإن لم تجده، لم تطلب ما يتركب منه كالربع والثمن، وجزء الـ (16) وما أشبه ذلك. وإن وجدته طلبت ما يتركب منه.
ثم تطلب الثلث، فإن لم تجده، لم تطلب ما يتركب منه كالسدس والتسع وجزء الـ (12) والـ (18) .
ثم تنظر إلى الخمس: فإن لم تجده، لم تطلب العشر، ولا جزء الـ (15) ونحوه.
ثم تطلب السبع، ثم أجزاء الـ (11) ، والـ (13) ونحوها.
وإن وجدت للسهام مخرجين، أخذت ما يتولد منهما، مثل أن تجد النصف والثلث، فتأخذ السدس، أو النصف والخمس فتأخذ العشر، أو السبع والثلث، فتأخذ جزء الـ (21) ، وقس على مثل هذا. وإذا كان في سهام الورثة عدد فرد واحد، لم تطلب النصف، ولا ما يتركب منه، بل تطلب الثلث، أو السبع أو التسع، فإن كان خمسة فاطلب الخمس وما يتركب منه من مخرج فرد.
وإن شئت طلبت الموافقة عند الفراغ من كل مسألة، وإن شئت تركتها إلى آخره.
وفي طريق الموافقة طريق آخر: وهو أن توافق بين أقل الأنصباء، وبين ما يليه، فإن لم يتوافقا علمت أنه لا اختصار في المسألة. وإن توافقا طلبت الموافقة بين مخرج ذلك الجزء وبين سهام من بقي.(10/536)
أمثلة اختصار المسائل:
1 - زوجة، وأم، وعشرة إخوة، وعشر أخوات لأب، مات منهم ثمانية إخوة، وسبع أخوات: للزوجة 4/1، وللأم 6/1، والباقي بين من بقي على سبعة، وتصح من (12) .
2 - زوجة، وأم، وأب، وخمسة بنين، وثلاث بنات، مات ابن منهم، ثم ماتت بنت، ثم الزوجة، ثم ابن، ثم الأب، ثم ابن، ثم الأم، ثم بنت، صار الميراث لمن بقي وهم ابنان وبنت، فيقسم المال بينهم على خمسة. وهذا إذا كانت الزوجة هي أم البنين والبنات، ولا وارث لها غيرهم.
3 - زوجة، وابنان، وثلاث بنات، مات أحد الابنين، فالأولى من (8) ، إذا أسقطت منها سهمي الابن بقي (6) ، والسهمان أيضاً بينهم على (6) ؛ لأن الابن الذي مات ترك: أماً، وأخاً، وثلاث أخوات، فقد استوت سهام الثانية وما بقي من سهام الأولى، فاقسم المال بينهم على (6) . 4 - مات عن خمسة بنين، وخمس بنات، ثم مات منهم ابنان وابنتان، فلا تصحح، بل تقسم المال بين من بقي على (9) ، ولو صححتها على عمل المناسخات، لوجدت سهامهم ترجع بالموافقة إلى (9) .
5 - ثلاث أخوات، وابن عم هو زوج إحداهن: تصح المسألة من (7) ، لأن أصلها من (3) للأخوات الثلثان (2) ، ولابن العم (1) ، فيضرب عدد الرؤوس (3) أخوات في أصل المسألة (3=9) ، ثم ماتت الأخت التي هي زوجة ابن العم عن سهمين، فورثها زوجها وأختاها، فتعول من (6) إلى (7) ، وسهامهن الأولى (7) ، فتقسم المال بينهم على ذلك، ولو عملتها بالمناسخة لصحت من (63) بضرب أصلي المسألتين: (7×9) فتأخذ الأخت الأولى (2×9=18) ، ومثلها الثانية، ويأخذ الزوج (27) .
6 - ماتت عن زوج، وأبوين، وخمسة بنين، وخمس بنات، وثلاثة إخوة، وثلاث أخوات.
ثم مات الزوج، ثم الأم، ثم الأب، ثم ماتت بنت، ثم ابن، فبموت الزوج يرثه أولاده، وبموت الأم يرثها زوجها الأب، وأولادها الذين هم الإخوة والأخوات، فإذا مات الأب، عاد ماله إليهم، فصار لهم الثلث، وللأولاد الثلثان. وبموت الابن، ثم البنت، يعود نصيبهما إلى إخوتهما، وأخواتهما، فاقسم الثلثين بين من بقي منهم، وهم أربعة ذكور، وأربع إناث، على (12) ، والثلث على (9) ، وسهمان على (12) توافق بالنصف إلى (6) ، والستة توافق التسعة بالثلث، فاضرب ثلث أحدهما في الآخر، يكون (18) ، ثم في ثلثه، يكون (54) ، ومنها تصح.(10/537)
أمثلة اختصار السهام:
1 - زوجة، وابن، وبنت، ثم ماتت البنت، تصح المسألتان من (12) للزوجة التي هي أم البنت الميتة (4) ، وللابن الذي هو أخ البنت الباقي تعصيباً وهو (8) ؛ لأن أصل المسألة الأولى (4) ، وأصل المسألة الثانية (3) ، فيضربان ببعضهما، فيكون للأم (3+1) ، وللابن (6+2) .
2 - زوجة، أبوان، ابنتان، ابن ابن، بنت ابن، ثم ماتت الزوجة والأبوان، تصح من (243) ، وتوافق بالتسع، لأن تقسيم (243÷9=27) ، فترجع إلى (27) ، للبنتين (24) ، ولابن الابن سهمان، ولبنت الابن سهم.
3 - زوجة، وابنان، وبنت: مات ابن، ثم بنت، تصح من (1080) ، للزوجة (26) ، وللابن (784) ، وبينهما توافق بالثمن، فترجع إلى (135) للزوجة منها (37) ، وللابن (98) .
4 - زوجة، وأبوان، وابن ابن، وبنت ابن: ماتت الزوجة، ثم الأم، ثم الأب، تصح من (144) ، وتختصر إلى (12) ، للبنت (9) ، ولابن الابن سهمان، ولبنت الابن سهم.
5 - زوجة، أم، ثلاثة بنين، وبنت: ماتت الزوجة، ثم الأم، وخلفت زوجاً وبنتاً. فللزوجة 8/1 وهو (3) ، وللأم 6/1 وهو (4) ، والباقي وهو (17) للبنين والبنات.(10/538)
يقال: المسألة من (24) ، وتصح من (168) بضرب (7 × 24) ، وسهام الزوجة ترجع إلى أولادها، فصار لهم (20) ، ثم ماتت الأم عن أربعة أسهم، لهم منها سهم، فصار لهم (21) ، وهي منقسمة عليهم، ولزوجها سهم ولبنتها سهمان، وبتصحيحها من (168) ، توافق السهام بالأسباع، لأن تقسيم (168÷7=24) ، فترجع إلى (24) .
أمثلة تتطلب الاستيضاح عن صفة الميت والورثة:
هناك مسائل يستفهم فيها عن صفة الميت أهو ذكر أم أنثى، وعن الورثة أهم من أم واحدة، أم من أمهات؛ لأن الحكم يختلف فيما ذكر، والأنساب تتغير، والميراث يقل ويكثر.
1 - أخوان من أب، وأختان من أم وأب، مات أحد الأخوين، فيسأل: هل هو وأخوه من أم واحدة أو من أمين، فإنهما إن كانا من أم واحدة، كان الآخر أخاه من أمه وأبيه، فميراثه كله له، وإن كانا من أمين ورثوا كلهم.
2 - أختان من أم، وأختان من أب وأم، ثم ماتت إحدى الأختين من الأم، يسأل هل هما من أب واحد أو لا، فإن كانا من أب واحد، كانت الأخت الباقية من أب وأم، والأختان الأخريان من أم، وإن كانا من أبوين فهن جميعاً أخوات لأم.
3 - خمس أخوات، وعم، يسأل: هل الميت رجل أو امرأة، وهل الأخوات من أم الميت، أو من أب، أو منهما، أوبعضهن من أم، وبعضهن من أب؛ لأن الحكم يختلف بذلك.
4 - أربع بنات وعم، ماتت إحداهن، يسأل عنهن، هل هن من أم واحدة أو من أمهات شتى.
5 - مات شخص عن أبوين وابنتين، ثم ماتت إحدى الابنتين، وتركت زوجاً، يسأل، هل الميت رجل أو امرأة، فإن كان الميت امرأة، فهل ابنتاها من زوج أو من زوجين، وهذه هي المسألة المأمونة التي امتحن بها يحيى بن أكثم.
6 - زوج وأربع بنات وعم، ماتت إحدى البنات، يسأل عن الزوج: هل هو أبو الميتة أو لا، وهل الباقيات من زوج واحد أو من أزواج.
7 - ترك أخوين وجدتين، ثم مات أحد الأخوين، يسأل عن الأخوين هل هما من أب وأم، أو لا، فإن كانا من أب ورثته أم الأب وحدها، وإن كانا من أم ورثته أم الأم وحدها، وإن كانا من أب وأم، ورثته الجدتان.
8 - عشرة أبناء عم، مات أحدهم، يسأل عن أمهم، أواحدة هي أم لا؟
9 - أبوان وثلاثة إخوة، ماتت الأم، يسأل هل الأب زوجها، أو هي مطلقة منه.(10/539)
الفَصْلُ التّاسع عَشر: التّخارج أو المخارجة:
تعريفه، وكيفية قسمة التركة عند التخارج (1) .
أولاً ـ تعريف التخارج: هو أن يتصالح الورثة على إخراج بعضهم من الميراث، في مقابل شيء معلوم من التركة أو من غيرها.
وهو عقد معاوضة، أحد بدليه نصيب الوارث في التركة، والبدل الآخر هو المال المعلوم الذي يدفع للوارث المخرج.
وهذا العقد جائز عند التراضي، فإذا تم تملك الوارث العوض المعلوم الذي أعطيه، وزال ملكه عن نصيبه في التركة إلى بقية الورثة الذي اصطلح معهم.
وقد حدث في عهد الراشدين، إذ طلَّق عبد الرحمن بن عوف امرأته تُمَاضر بنت الأصبغ الكلبية في مرض موته، ثم مات وهي في العدة، فورّثها عثمان رضي الله عنه مع ثلاث نسوة أخر، فصالحوها عن رُبُع ثُمنها على ثلاثة وثمانين ألفاً (قيل: دنانير، وقيل: دراهم) .
ثانياً ـ كيفية قسمة التركة عند التخارج:
تختلف قسمة التركة عند التخارج باختلاف صوره على النحو التالي:
1ً - أن يخرج أحد الورثة عن نصيبه لآخر، في مقابل شيء يأخذه من مال الوارث الخاص: فيحل الثاني محل الأول في نصيبه من التركة، وتضم سهامه إلى سهامه. كأن يكون الورثة زوجاً وأخوين شقيقين، فأخرج أحد الشقيقين الزوج من نصيبه، بمال دفعه إليه من ماله الخاص، فيضم نصيب الزوج وهو سهمان من أربعة إلى نصيبه وهو سهم واحد، فيصبح له ثلاثة أسهم ولشقيقه الآخر سهم واحد.
__________
(1) السراجية: ص 127 ومابعدها، أحكام المواريث للأستاذ عيسوي: ص 169-172.(10/540)
2ً - أن يخرج أحد الورثة عن نصيبه لبقية الورثة، في مقابل مال يدفعونه إلىه من غير التركة بنسبة أنصبائهم: فتكون كل التركة لبقية الورثة بنسبة أنصبائهم ويجعل المُخْرَج غير وارث. كأن تموت امرأة عن زوج وابن وبنت، ثم يخرج الابن والبنت والزوج في مقابل مبلغ معين من مالهما الخاص، بنسبة نصيبهما، فإن التركة تقسم بين الابن والبنت، للأول الثلثان وللأخرى الثلث.
3ً - أن يخرج أحد الورثة عن نصيبه لبقية الورثة في مقابل مال يدفعونه إليه من غيرالتركة بالتساوي: فتقسم الحصة المصالح عليها بين بقية الورثة بالتساوي. ففي المثال السابق إذا دفع الابن والبنت المبلغ مناصفة، استحقا نصيب الزوج وهو الربع مناصفة.
4ً - أن يخرج أحد الورثة عن نصيبه لبقية الورثة في مقابل مال يدفعونه إليه من التركة: فتقسم حصة الخارج على سائر الورثة بنسبة أنصبائهم.
وطريق ذلك أن تقسم التركة أولاً على فرض عدم التخارج، ثم يطرح سهم الخارج من أصل المسألة أو عولها في نظير طرح بدل التخارج من التركة.
ونص القانون المصري (م 48) والسوري (م 31/304) على تعريف التخارج وكيفية قسمة التركة بالأوجه السابقة.
أمثلة:
1 - لو توفيت امرأة عن زوج، وبنتين، وبنت ابن، وابن ابن، ثم صالح الورثة الزوج على منزل من التركة، كان للزوج الربع وهو (3 من 12) ، وللبنتين الثلثان وهو (8) والباقي لبنت الابن وابن الابن للذكر ضعف الأنثى، ثم تصحح المسألة بضرب عدد رؤوس العصبة (3×12=36) ، فيكون للزوج (3×3=9 من 36) ، وللبنتين (8 × 3= 24) ، والباقي للعصبة. ثم تطرح سهام الزوج (9) من (36) ، فيكون الباقي (27) ، يقسم عليها الباقي من التركة بعد طرح مقابل المنزل منها.(10/541)
2 - توفيت زوجة عن زوج، وأم، وعم شقيق، ثم صولح الزوج على ما في ذمته من المهر، المسألة من (6) ، للزوج 3/1 وهو (3) ، وللأم 2/1 وهو (2) ، وللعم الباقي وهو (1) ، ثم تطرح سهام الزوج وهي (3) من (6) ، فيكون الباقي وهو (3) أصل المسألة يقسم عليه باقي التركة، وهو ما عدا المهر، فيكون للأم سهمان، وللعم سهم واحد.
3 - توفيت امرأة عن: أخت شقيقة، وأخت لأب، وأخت لأم، وزوج، ثم أخرجت الشقيقة في مقابل قطعة أرض من التركة. المسألة من (6) ، وتعول إلى (8) ، للشقيقة النصف وهو (3) ، وللأخت لأب السدس وهو (1) ، وللأخت لأم السدس وهو (1) ، وللزوج النصف وهو (3) ، ثم يطرح نصيب الشقيقة وهو (3) من أصل المسألة وهو (8) ، ثم يقسم الباقي من التركة ما عدا قيمة الأرض على الباقي من أصل المسألة وهو (5) ، فيكون للزوج (3) من (5) ، وللأخت لأم (1) ، وللأخت لأب (1) .
4 - توفي رجل عن: زوجة، وأختين شقيقتين، وأخت لأم، فصالحت الورثة الزوجة على منزل من التركة.
المسألة من (12) ، وتعول إلى (13) ، للزوجة (3) أسهم، وللشقيقتين (8) أسهم، وللأخت لأم سهمان، ثم يطرح نصيب الزوجة وهو ثلاثة أسهم من أصل المسألة وهو (13) ، فيبقى (10) ، يقسم عليها الباقي من التركة بعد طرح قيمة المنزل، فيكون للشقيقة ثمانية أسهم، وللأخت لأم سهمان.(10/542)
ملحق: فتاوى وتوصيات مؤتمر الزكاة الأول
........................................التّوصيات......................................
1 - يؤكد المؤتمر على ضرورة أن يعمل المسلمون جميعاً - حكاماً ومحكومين على ترسيخ العقيدة الإسلامية الخالصة وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية الغراء في بلادهم.
2 - يناشد المؤتمر ولاة الأمور في الدول الإسلامية وغيرها التي لم تنشأ فيها مؤسسات الزكاة ضرورة إنشاء وتشجيع قيام مؤسسات مستقلة للزكاة، وذلك لما للزكاة من آثار طيبة على المجتمعات والأفراد.
3 - إنشاء أمانة عامة أو اتحاد لمؤسسات الزكاة لتنظيم جميع شؤون الزكاة، وعقد المؤتمرات المتخصصات واختيار أحد البلدان مقراً لها.
4 - تشكيل لجنة علمية من الفقهاء والمتخصصين لمعالجة الأمور المعاصرة المتعلقة بالزكاة، ورفع توصياتها للجهات المعنية. ويتولى بيت الزكاة الكويتي متابعة الجهات المختصة في العالم الإسلامي لتنفيذ ذلك، على أن تُعطى اللجنة أولوية لإعداد صياغة شرعية موحدة لأحكام الزكاة تعالج جمعها وصرفها وجميع المسائل المتعلقة بها.
5 - تكوين صندوق أو منظمة باسم صندوق الزكاة تشترك فيه الدول الإسلامية يكون تابعاً لمنظمة المؤتمر الإسلامي، للتنسيق بين مؤسسات الزكاة في الدول الإسلامية وحل مشاكلها عن طريق البحوث والدراسات اللازمة وتنظيم جمع الزكاة وتوزيعها على مستوى العالم الإسلامي. على أن يتولى بيت الزكاة في الكويت متابعة تنفيذ هذه التوصية مع منظمة المؤتمر الإسلامي وإعداد الدراسات اللازمة في هذا الشأن.
6 - يوصي المؤتمر بأن يكون انعقاد مؤتمر الزكاة كل سنة مرة في أحد الأقطار الإسلامية تأكيداً لأهمية هذه اللقاءات لمعالجة قضايا تخصصية على أن يتولى بيت الزكاة في الكويت متابعة تنفيذ هذه التوصية.
7 - دعوة وزارات التربية والتعليم والجامعات في الدول الإسلامية بالاهتمام بتدريس مقررات الزكاة وجوانبها المختلفة ضمن مناهجها وتشجيع البحث العلمي في نواحيها المتعددة.
8 - يوصي المؤتمر كافة الوسائل الإعلامية بتوضيح وتبسيط أحكام فريضة الزكاة وإعداد البرامج الموضحة لمدى الحاجة إليها في المجتمعات الإسلامية، وآثارها في النهوض بهذه المجتمعات.
9 - يوصي المؤتمر بأهمية اختيار الموظفين ذوي الكفاءة والصلاح والاهتمام بالعمل الإسلامي العام لإدارة مؤسسات الزكاة والعمل على تنظيم الدورات التدريبية والحلقات التخصصية لتطوير قدراتهم.
10 - يوصي المؤتمر بدراسة التطبيقات الحالية والمتقدمة في تطبيق فريضة الزكاة للاستفادة من خبراتها وأنشطتها المختلفة مثل المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية وغيرها من الدول الإسلامية.
11 - يوصي المؤتمر صناديق وبيوتات الزكاة الاهتمام بالمجاهدين وتقديم كل عون لهم.
12 - يوصي المؤتمر مؤسسات الزكاة في العالم الإسلامي بضرورة التنسيق المستمر فيما بينهم والعمل على تبادل الخبرات والرأي في مختلف قضايا الزكاة.(10/543)
...........................................الفتاوى.....................................
(أولاً) زكاة أموال الشركات والأسهم
زكاة أموال الشركات:
1 - تربط الزكاة على الشركات المساهمة نفسها لكونها شخصاً اعتبارياً، وذلك في كل من الحالات الآتية:
1) صدور نص قانوني ملزم بتزكية أموالها.
2) أن يتضمن النظام الأساسي ذلك.
3) صدور قرار الجمعية العمومية للشركة بذلك.
4) رضا المساهمين شخصياً.
ومستند هذا الاتجاه الأخذ بمبدأ (الخلطة) الوارد في السنة النبوية بشأن زكاة الأنعام، والذي رأت تعميمه في غيرها بعض المذاهب الفقهية المعتبرة. والطريق الأفضل وخروجاً من الخلاف: أن تقوم الشركة بإخراج الزكاة، فإن لم تفعل فاللجنة توصي الشركات بأن تحسب زكاة أموالها وتُلحق بميزانيتها السنوية بياناً بحصة السهم الواحد من الزكاة. زكاة الأسهم:
2 - إذا قامت الشركة بتزكية أموالها فلا يجب على المساهم إخراج زكاة أخرى عن أسهمه منعاً للازدواج.
- أما إذا لم تقم الشركة بإخراج الزكاة فإنه يجب على مالك السهم تزكية أسهمه وفقاً لما هو مبين في البند التالي.
كيفية تقدير زكاة الشركات والأسهم:
3 - إذا كانت الشركة ستخرج زكاتها فإنها تعتبر بمثابة الشخص الطبيعي وتخرج زكاتها بمقاديرها الشرعية بحسب طبيعة أموالها ونوعيتها، أما إذا لم تخرج الشركة الزكاة فعلى مالك الأسهم أن يزكي أسهمه تبعاً لإحدى الحالتين التاليتين:
4 - (الحالة الأولى) أن يكون قد اتخذ أسهمه للمتاجرة بها بيعاً وشراء فالزكاة الواجبة فيها هي إخراج ربع العشر (2.5%) من القيمة السوقية بسعر يوم وجوب الزكاة، كسائر عروض التجارة.
5 - (الحالة الثانية) أن يكون قد اتخذ الأسهم للاستفادة من ريعها السنوي فزكاتها كما يلي:(10/544)
أ) إن أمكنه أن يعرف عن طريق الشركة أو غيرها - مقدار ما يخص السهم من الموجودات الزكوية للشركة فإنه يخرج زكاة أسهمه بنسبة ربع العشر (2.5%) . ب) وإن لم يعرف فقد تعددت الآراء في ذلك:
- فيرى الأكثرية أن مالك السهم يضم ريعه إلى سائر أمواله من حيث الحول والنصاب ويخرج منها ربع العشر (2.5%) وتبرأ ذمته بذلك.
- ويرى آخرون إخراج العشر من الربح 10% فور قبضه، قياساً على غلة الأرض الزراعية.
(ثانياً) زكاة المستغلات
6 - يقصد بالمستغلات المصانع الإنتاجية والعقارات والسيارات والآلات ونحوها من كل ما هو معد للإيجار وليس معداً للتجارة في أعيانه.
وهذه المستغلات اتفقت اللجنة على أنه لا زكاة في أعيانها وإنما تزكى غلتها، وقد تعددت الآراء في كيفية زكاة هذه الغلة:
فرأى الأكثرية أن الغلة تضم (في النصاب والحول) إلى ما لدى مالكي المستغلات من نقود وعروض التجارة، وتزكى بنسبة ربع العشر (2.5%) وتبرأ الذمة بذلك.
ورأى البعض أن الزكاة تجب في صافي غلتها الزائدة عن الحاجات الأصلية لمالكيها بعد طرح التكاليف ومقابل نسبة الاستهلاك وتزكى فور قبضها بنسبة العشر (10%) قياساً على زكاة الزروع والثمار.
(ثالثاً) زكاة الأجور والرواتب وأرباح المهن الحرة وسائر المكاسب
7 - هذا النوع من الأموال يعتبر ريعاً للقوى البشرية، للإنسان أن يوظفها في عمل نافع وذلك كأجور العمال ورواتب الموظفين وحصيلة عمل الطبيب والمهندس ونحوهم، ومثلها سائر المكاسب من مكافآت وغيرها وهي مالم تنشأ من مستغل معين.
وهذا النوع من المكاسب ذهب أغلب الأعضاء إلى أنه ليس فيه زكاة حين قبضه ولكن يضمه الذي كسبه إلى سائر ما عنده من الأموال الزكوية في النصاب والحول فيزكيه جميعاً عند تمام الحول منذ تمام النصاب، وما جاء من هذه المكاسب أثناء الحول يزكى في آخر الحول ولو لم يتم حول كامل على كل جزء منها.(10/545)
وما جاء منها ولم يكن عند كاسبه قبل ذلك نصاب يبدأ حوله من حين تمام النصاب عنده، وتلزمه الزكاة عند تمام الحول من ذلك الوقت. ونسبة الزكاة في ذلك ربع العشر (2.5%) لكل عام.
وذهب بعض الأعضاء إلى أنه يزكي هذه الأموال المستفادة عند قبض كل منها بمقدار ربع العشر (2.5%) إذا بلغ المقبوض نصاباً وكان زائداً عن حاجاته الأصلية وسالماً من الدين.
فإذا أخرج هذا المقدار فليس عليه أن يعيد تزكيته عند تمام الحول على سائر أمواله الأخرى، ويجوز للمزكي هنا أن يحسب ما عليه ويخرجه فيما بعد مع أمواله الحولية الأخرى.
(رابعاً) السندات والودائع الربوية والأموال المحرمة ونحوها
8 - السندات ذات الفوائد الربوية وكذلك الودائع الربوية يجب فيها تزكية الأصل زكاة النقود ربع العشر (2.5%) أما الفوائد الربوية المترتبة على الأصل فالحكم الشرعي أنها لا تزكى وإنما هي مال خبيث على المسلم أن لا ينتفع به وسبيلها الإنفاق في وجوه الخير والمصلحة العامة ماعدا بناء المساجد وطبع المصاحف.
أما أموال المظالم المغصوبة والمسروقة، فلا يزكي عليها غاصبها، لأنها ليست ملكه، ولكن عليه أن يردها كلها إلى أصحابها.
(خامساً) الحول القمري
9 - الأصل في اعتبار حولان الحول مراعاة السنة القمرية، وذلك في كل مال زكوي اشترط له الحول.
واللجنة توصي الأفراد والشركات والمؤسسات المالية باتخاذ السنة القمرية أساساً لمحاسبة الميزانيات. أو على الأقل أن تعد ميزانية لها خاصة بالزكاة وفقاً للسنة القمرية.
فإن كان هناك مشقة فإن اللجنة ترى أنه يجوز تيسيراً على الناس - إذا ظلت الميزانيات على أساس السنة الشمسية - إن يستدرك زيادة أيامها عن أيام السنة القمرية بأن تحسب النسبة (2.575%) تقريباً.(10/546)
(سادساً) الدين الاستثماري والزكاة
10 - الدين إذا استعمله المستدين في التجارة يسقط مقابله من الموجودات الزكوية أما إذا استخدم في تملك المستغل من عقار أو آليات أو غير ذلك فنظراً إلى أنه على الرأي المعمول به من أن الدين يمنع من الزكاة بقدره من الموجودات الزكوية وأن ذلك يؤدي إلى إسقاط الزكاة في أموال كثير من الأفراد والشركات والمؤسسات مع ضخامة ما تحصله من أرباح. لذلك فإن اللجنة تلفت النظر إلى وجوب دراسة هذا الموضوع وتركيز البحث حوله.
وترى اللجنة مبدئياً الأخذ في هذا بخصوصه بمذهب من قال من الفقهاء: إنه إذا كان الدين مؤجلاً فلا يمنع من وجوب الزكاة، على أن الأمر بحاجة إلى مزيد من البحث والتثبت والعناية.
هذا ما وصلت إليه اللجنة ولا يزال بعض هذه الموضوعات محتاجاً إلى مزيد من البحث والتمحيص الفقهي في ضوء واقع الحال.
كما توصي اللجنة المؤتمرات القادمة باستكمال دراسة القضايا الأخرى المستجدة مما لم يتسع له وقت هذا المؤتمر.
وأخيراً تدعو اللجنة إلى الاهتمام بالتوعية بالزكاة ودراسة أحكامها ومراعاة شأنها في كل مجال يتطلب ذلك في التطبيقات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
الندوة الأولى: الفتاوى والتوصيات
1 - مقدار الزكاة الواجب في عروض التجارة:
لا يختلف النصاب والمقدار الواجب إخراجه بين زكاة النقود وزكاة عروض التجارة، وعلى ذلك استقر إجماع الفقهاء المعتبرين. وما قد يظن من أن في هذه التسوية تخفيفاً على المكتنز وتشديداً على المستثمر بسبب أخذ نفس النسبة ممن استثمر ماله بحيث يختفي الحافز على الاستثمار هو غير صحيح، لأن الاستثمار يهدف إلى زيادة أصل المال وبذلك يمكن أداء الزكاة من الريع والحفاظ على الأصول. أما من لا يجد فرصة للاستثمار فإنه يؤدي زكاته من رأس المال دائماً، ولذا حثت السنة ولي اليتيم على الاتجار بمال اليتيم حتى لا تأكله الزكاة.(10/547)
هذا من جهة، ومن جهة أخرى ليس كل مال يحول عليه الحول من النقد يعتبر مكتنزاً، كما أن المستثمر يُخفف عنه بعدم فرض الزكاة على المال الذي يتحول إلى أصول ثابتة، والنقود في معظم الأحوال رؤوس أموال لمشاريع استثمارية أو للحصول على توابعها.
2 - المشروعات الصناعية:
بعد الاطلاع على ما جاء عن هذا الموضوع في فتاوى مؤتمر الزكاة الأول (فقرة 6) تبين أن المشروعات الصناعية يمكن قياسها على الأراضي الزراعية باعتبار كل منهما أصلاً ثابتاً يدر دخلاً بالعمل فيه والنفقة عليه، ومن ثم تجب الزكاة في المنتوج بنسبة 5% كما يمكن معاملة رأس المال العامل (الأصول المتداولة) من المشروع الصناعي معاملة عروض التجارة ومن ثَمَّ تجب الزكاة في الأصل والناتج بنسبة 2.5% مع عدم خضوع الأصول الثابتة فيه للزكاة.
ويحتاج هذا الموضوع إلى مزيد من الدراسة والتداول في ندوة قادمة إن شاء الله.
3 - نقل الزكاة خارج منطقة جمعها:
مع مراعاة ما ورد في القرار (5هـ) للمؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية من أن الزكاة تعتبر أساساً للتكافل الاجتماعي في البلاد الإسلامية كلها، فإن الأصل الذي ثبت بالسنة وعمل الخلفاء هو البدء في صرف الزكاة للمستحقين من أهل المنطقة التي جمعت منها، ثم ينقل ما فاض عن الكفاية إلى مدينة أخرى باستثناء حالات المجاعة والكوارث والعوز الشديد فتنقل الزكاة إلى من هم أحوج، وهذا على النطاق الفردي والجماعي. كما يجوز على النطاق الفردي نقلها إلى المستحقين من قرابة المزكي في غير منطقته.
4 - الإبراء من الدين على مستحق الزكاة منها:
إسقاط الدائن العاجز عن استيفاء دينه على المدين المعسر لهذا الدين لا يحتسب من الزكاة ولو كان المدين مستحقاً للزكاة. وهذا ما ذهب إليه أكثر الفقهاء.
ومن الصور المتصلة بهذا الموضوع:
أ - لو دفع المزكي الدائن الزكاة للمدين، ثم ردها إلى الدائن وفاء لدينه من غير تواطؤ ولا اشتراط، فإن يصح ويجزئ عن الزكاة.(10/548)
ب - لو دفع الدائن الزكاة إلى المدين بشرط أن يردها إليه عن دينه، أو تواطأ الاثنان على الرد، فلا يصح الدفع ولا تسقط الزكاة، وهذا رأي أكثر الفقهاء.
جـ - لو قال المدين للدائن المزكي: ادفع الزكاة إليّ حتى أقضيك دينك، ففعل، أجزأه المدفوع عن الزكاة، وملكه القابض، ولكن لا يلزم المدين القابض دفع ذلك المال إلى الدائن عن دينه.
د - لو قال رب المال للمدين: اقض يا فلان مما عليك من الدين على أن أرده عليك من زكاتي فقضاه صح القضاء ولا يلزم الدائن رد ذلك المال إلى المدين بالاتفاق.
5 - اعتبار ما أخرج على ظن الوجوب زكاة معجلة:
يجوز اعتبار المدفوع على ظن الوجوب زكاة معجلة إذا تحققت شروط التعجيل مثل ملك المزكي النصاب، وبقاء المدفوع إليه بصفة الاستحقاق، ووجوب الزكاة على المزكي.
وهذا ما ذهب إليه الفقهاء غير المالكية.
فإذا اختل شرط من هذه الشروط، كان المدفوع صدقة تطوعية، ولا يجوز استردادها إذا قبضها المستحق من المزكي، أما إذا كان القبض من ولي الأمر أو من مؤسسة للزكاة فلا مانع من الاسترداد بعد ثبوت كون المدفوع زيادة عن الواجب إذا لم يوزع على المستحقين. 6 - إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر:
أ - دعوة الحكومات في البلاد الإسلامية إلى العمل الجاد لتطبيق الشريعة الإسلامية في مجالات الحياة كافة، ومن ذلك إنشاء مؤسسات خاصة لجمع الزكاة وصرفها في مصارفها الشرعية على أن تكون لهذه المؤسسات ميزانية مستقلة في مواردها ومصارفها عن الميزانية العامة للدولة. أما في البلاد غير الإسلامية فالبديل هو الجمعيات التي تُعنى بشؤون الزكاة.
ب - دعوة الحكومات الإسلامية لإصدار التشريعات الكفيلة بإقامة مؤسسات الزكاة التي يشرف عليها أهل الدين والأمانة والكفاية والعلم.
جـ - دعوة الحكومات إلى تضمين تشريعاتها الضريبية نصوصاً تقتضي بحسم مقدار الزكاة مهما بلغ من الضرائب المقررة قانوناً.
د - دعوة الحكومات الإسلامية التي تطبق فريضة الزكاة إلى الأخذ برأي القائلين من الفقهاء المعاصرين بفرض ضريبة تكافل اجتماعي على مواطنيها من غير المسلمين بمقدار الزكاة وأن تكون هذه الضرائب الموازية للزكاة مورداً لتحقيق التكافل الاجتماعي العام الذي يشمل جميع المواطنين ممن يعيش في ظل دولة الإسلام.(10/549)
7 - مصرف (في سبيل الله) :
إن مصرف (في سبيل الله) يراد به الجهاد بمعناه الواسع الذي قرره الفقهاء بما مفاده حفظ الدين وإعلاء كلمة الله ويشمل مع القتال الدعوة إلى الإسلام والعمل على تحكيم شريعته ودفع الشبهات التي يثيرها خصومه عليه وصد التيارات المعادية له. وبهذا لا يقتصر الجهاد على النشاط العسكري وحده.
ويدخل تحت الجهاد بهذا المعنى الشامل ما يلي:
أ - تمويل الحركات العسكرية الجهادية التي ترفع راية الإسلام وتصد العدوان على المسلمين في شتى ديارهم مثل حركات الجهاد في فلسطين وأفغانستان والفلبين.
ب - دعم الجهود الفردية والجماعية الهادفة لإعادة حكم الإسلام وإقامة شريعة الله في ديار المسلمين ومقاومة خطط الإسلام لإزاحة عقيدته وتنحية شريعته عن الحكم.
جـ - تمويل مراكز الدعوة إلى الإسلام التي يقوم عليها رجال صادقون في البلاد غير الإسلامية بهدف نشر الإسلام بمختلف الطرق الصحيحة التي تلائم العصر وينطبق هذا على كل مسجد يقام في بلد غير إسلامي يكون مقراً للدعوة الإسلامية.
د - تمويل الجهود الجادة التي تثبِّت الإسلام بين الأقليات الإسلامية في الديار التي تسلط فيها غير المسلمين على رقاب المسلمين، والتي تتعرض لخطط تذويب البقية الباقية من المسلمين في تلك الديار.(10/550)
8 - الزكاة ورعاية الحاجات الأساسية الخاصة:
أ - يرتبط مفهوم الحاجات الأساسية التي تراعيها الزكاة بجميع عناصر مقاصد الشريعة الإسلامية من ضروريات وحاجيات لتحقيق الكفاية بما يتلاءم مع الأعراف السائدة زماناً ومكاناً، وتوفير التكافل الاجتماعي بين المسلمين. ب - معيار الحاجات الأساسية التي توفرها الزكاة للفقير المسلم هو أن تكون كافية لما يحتاج إليه من مطعم وملبس ومسكن وسائر مالا بُد له منه على ما يليق بحاله بغير إسراف ولا تقتير، للفقير نفسه ولمن يقوم بنفقته.
جـ - على من يصرف الزكاة من الأفراد والمؤسسات أن يتحروا عمن تصرف له الزكاة بالوسائل المتاحة التي لا تمس كرامته أو تجرح شعوره بحيث تحصل الطمأنينة بأنه من أهل الاستحقاق، ولا يلزم تكليفهم بأزيد من ذلك كالبينة واليمين إلا في حالات الاشتباه وكثرة ادعاء الاستحقاق الذي تدل القرائن على عدمه.
9 - زكاة القروض الإسكانية والاستثمارية المؤجلة:
مع مراعاة ما ورد في مؤتمر الزكاة الأول البند (10) بشأن الدين الاستثماري والزكاة وما رأته اللجنة في ذلك المؤتمر من الأخذ مبدئياً في هذا بخصوصه بمذهب من قال من الفقهاء (أنه إذا كان الدين مؤجلاً فلا يمنع من وجوب الزكاة. على أن الأمر بحاجة إلى مزيد من البحث والتثبت والعناية) استقر الرأي في هذه الندوة على ما يأتي:
الديون الإسكانية وما شابهها من الديون التي تمول أصلاً ثابتاً لا يخضع للزكاة ويسدد على أقساط طويلة الأجل يسقط من وعاء الزكاة ما يقابل القسط السنوي المطلوب دفعه فقط إذا لم تكن له أموال أخرى يسدده منها. أما القروض التي تمول رأس المال المتداول (العامل) فإنها تحسم كلها من وعاء الزكاة والحاجة قائمة لمزيد من البحث في تفاصيل جوانب هذا الموضوع.
10 - محاسبة الزكاة للشركات بأنواعها:
أ - التوصية بتكوين لجنة فرعية بمعرفة الهيئة الشرعية العالمية للزكاة بالكويت وذلك لبحث موضوع محاسبة الزكاة للشركات بأنواعها ويكون أعضاؤها:(10/551)
- من المحاسبين الذين يمارسون المحاسبة كمهنة ومن الأكاديميين المتخصصين بعلم وفن المحاسبة.
- ومن الفقهاء والباحثين المتخصصين بشؤون الزكاة والاقتصاد الإسلامي.
وتكون مهمة اللجنة دراسة الأمور الفعلية الخاصة بحساب الوعاء الزكوي ودراسة المبادئ والقواعد والأعراف المحاسبية المعتمدة في إعداد البيانات المالية للشركات على اختلاف أنواعها وأعمالها وتقديم البحوث المناسبة لدراستها من قبل ندوات تعقد في المستقبل.
ب - أكدت الندوة بشأن الحول أن السنة المالية للزكاة هي السنة القمرية وليست السنة الشمسية وعليه فإنه من الضروري أخذ هذه المسألة عند احتساب الزكاة على الشركات التي تعد بياناتها المالية على أساس السنة الشمسية طبقاً لما انتهى إليه مؤتمر الزكاة الأول (الفقرة 9) .
11 - زكاة عروض التجارة من أعيانها:
الأصل إخراج زكاة عروض التجارة نقداً بعد تقويمها وحساب المقدار الواجب فيها، لأنها أصلح للفقير حيث يسد بها حاجاته مهما تنوعت. ومع ذلك، يجوز إخراج زكاة عروض التجارة من أعيانها إذا كان ذلك يدفع الحرج عن المزكي في حالة الكساد وضعف السيولة لدى التاجر، ويحقق مصلحة الفقير في أخذ الزكاة أعياناً، يمكنه الانتفاع بها. وهذا ما اختارته الندوة في ضوء الاجتهادات الفقهية وظروف الأحوال.
ويتم تقويم عروض التجارة بحسب قيمتها السوقية يوم وجوب الزكاة وتقوم السلع المباعة جملة أو تجزئة بسعر الجملة.
توصيات عامة:
12 - ضرورة معالجة ما يتصل بزكاة المال الحرام من خلال دراسات تراعى فيها مقاصد الزكاة ومبدأ سد الذرائع.
13 - أن يكون الصرف على العاملين على الزكاة من ميزانية الدولة لا من الزكاة كلما أمكن ذلك ولا سيما بالنسبة للدول الغنية.(10/552)
14 - قيام الباحثين في الدراسات التي فيها تراث فقهي من المذاهب - بالدور الأساسي في البحث من حيث الترجيح والاختيار عن طريق الأدلة وربط الاتجاهات الفقهية المختلفة بمقاصد الشريعة وتحقيق المصالح المعتبرة شرعاً وكذلك مراعاة اختلاف الاصطلاحات بين المذاهب.
15 - عدم الالتزام بمذهب واحد في القضايا التي تهم جميع المسلمين كقضية الزكاة بصفتها فريضة إسلامية تمثل التكافل الاجتماعي لجميع البلاد الإسلامية مثل قضية التمليك.
الندوة الثانية: الفتاوى والتوصيات
1 - دفع الديات من مال الزكاة (مصرف الغارمين)
أولاً: يعان من الزكاة المدين بدية قتل خطأ إذا ثبت عجز العاقلة عن تحملها وعدم قدرة بيت المال على تحملها، ويجوز دفع هذه المعونة من أموال الزكاة مباشرة إلى أولياء المقتول.
أما دية قتل العمد فلا يجوز دفعها من مال الزكاة.
ثانياً: وتوصي الندوة في هذا المجال بما يلي:
- مراعاة لقاعدة (الضروريات) ينبغي عدم التساهل في دفع الديات من أموال الزكاة ولاسيما مع كثرة الحوادث ووجود الحاجة الماسة بالنسبة للمصارف الأخرى.
- إنشاء صناديق تعاونية في البلاد الإسلامية بمعرفة المؤسسات الزكوية فيها، تمول من اشتراكات، وتبرعات، ورسوم (إضافية) على تراخيص السيارات والقيادة، لتكون ضماناً اجتماعياً للإسهام في تخفيف الأعباء عمن لزمتهم الديات بسبب حوادث المرور وغيرها.
- تشجيع إقامة الصناديق التعاونية العائلية والمهنية للاستفادة من نظام (العواقل) المعروف في الفقه الإسلامي والقائم على التعاون والتناصر بين ذوي القرابة وبين أهل الحرف وذلك بصورة ملائمة لمعطيات العصر.
2 - زكاة المال الحرام
بعد استعراض الندوة للبحوث المقدمة في هذا الموضوع ومناقشتها رأت أن هناك بيانات وتفصيلات يتطلب إعطاء هذا الموضوع حقه، لذا ارجأت إصدار فتوى فيه إلى حين استكماله بالبحث والدراسة.(10/553)
3 - زكاة الديون الاستثمارية والإسكانية
تنفيذاً للتوصية العاشرة لمؤتمر الزكاة الأول، والتوصية التاسعة للندوة الأولى لقضايا الزكاة المعاصرة المتضمنة حسم القروض الممولة لرأس المال المتداول، وعدم حسم الديون الإسكانية أو الديون الممولة لأصول ثابتة باستثناء القسط السنوي المطلوب دفعه فقط، والتي ختمت ببيان الحاجة إلى دراسة جوانب تفاصيل هذا الموضوع، فقد انتهت الندوة إلى ما يلي:
أولاً: يحسم من الموجودات الزكوية جميع الديون التي تمول عملاً تجارياً إذا لم يكن عند المدين عروض قنْية «أصول ثابتة» زائدة عن حاجاته الأساسية.
ثانياً: يحسم من الموجودات الزكوية الديون الاستثمارية التي تمول مشروعات صناعية «مستغلات» إذا لم توجد لدى المدين عروض قنية «أصول ثابتة» زائدة عن حاجاته الأصلية بحيث يمكن جعلها في مقابل تلك الديون، وفي حالة كون هذه الديون الاستثمارية مؤجلة يحسم من الموجودات الزكوية القسط السنوي المطالب به «الحال» فإذا وجدت تلك العروض تجعل في مقابل الدين إذا كانت تفي به، وحينئذ لا تحسم الديون من الموجودات الزكوية. فإن لم تف تلك القروض بالدين يحسم من الموجودات الزكوية ما تبقى منه. ثالثاً: القروض الإسكانية المؤجلة والتي تسدد عادة على أقساط طويل أجلها يزكي المدين ماتبقى مما بيده من أموال بعد حسم القسط السنوي المطلوب منه إذا كان الباقي نصاباً فأكثر.
4 - مصرف (في الرقاب)
نظراً إلى أن مصرف (في الرقاب) ليس موجوداً في الوقت الحاضر فإنه ينقل سهمهم إلى بقية مصارف الزكاة.
5 - نقل الزكاة إلى غير موضعها وضوابطه
بعد الاطلاع على التوصية الثالثة للندوة الأولى لقضايا الزكاة المعاصرة من أن الأصل صرف الزكاة للمستحقين من أهل المنطقة التي جمعت منها ثم ينقل ما فاض عن الكفاية إلى مدينة أخرى مع جواز النقل - استثناء لمن هو أحوج، أو للقرابة، انتهت الندوة إلى تفصيل المبدأ الشرعي في نقل الزكاة على النحو التالي:(10/554)
أولاً: الأصل في صرف الزكاة أن توزع في موضع الأموال المزكاة - لا موضع المزكي، ويجوز نقل الزكاة من موضعها لمصلحة شرعية راجحة.
ومن وجوه المصلحة للنقل:
أ - نقلها إلى مواطن الجهاد في سبيل الله.
ب - نقلها إلى المؤسسات الدعوية أو التعليمية أو الصحية التي تستحق الصرف عليها من أحد المصارف الثمانية للزكاة.
ج - نقلها إلى مناطق المجاعات والكوارث التي تصيب بعض المسلمين في العالم.
د - نقلها إلى أقرباء المزكي المستحقين للزكاة.
ثانياً: نقل الزكاة إلى غير موضعها في غير الحالات السابقة لا يمنع إجزاءها عنه ولكن مع الكراهة بشرط أن تعطى إلى من يستحق الزكاة من أحد المصارف الثمانية.
ثالثاً: موطن الزكاة هو البلد وما بقربه من القرى وما يتبعه من مناطق مما هو دون مسافة القصر (82 كم تقريباً) لأنه في حكم بلد واحد.
رابعاً: موضع الزكاة بالنسبة لزكاة الفطر هو موضع من يؤديها لأنها زكاة الأبدان.
خامساً: مما يسوغ من التصرفات في حالات النقل:
أ - تعجيل إخراج زكاة المال عن نهاية الحول بمدة يمكن فيها وصولها إلى مستحقيها عند تمام الحول إذا توافرت شروط وجوب الزكاة، ولا تقدم زكاة الفطر على أول رمضان.
ب - تأخير إخراج الزكاة للمدة التي يقتضيها النقل.
الندوة الثالثة: الفتاوى والتوصيات
استثمار أموال الزكاة
ناقش المشاركون في الندوة البحوث المقدمة في موضوع استثمار أموال الزكاة وانتهوا إلى القرارات التالية:
تؤكد الندوة قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم (3) د86/7/3 بشأن توظيف أموال الزكاة في مشاريع ذات ريع، وأنه جائز من حيث المبدأ بضوابط أشار القرار إلى بعضها.
وبعد مناقشة البحوث المقدمة إلى الندوة في هذا الموضوع بشأن المبدأ والضوابط انتهت إلى مايلي:
1 - أن لا تتوافر وجوه صرف عاجلة تقتضي التوزيع الفوري لأموال الزكاة.
2 - أن يتم استثمار أموال الزكاة - كغيرها - بالطرق المشروعة.(10/555)
3 - أن تتخذ الإجراءات الكفيلة ببقاء الأصول المستثمرة على أصل حكم الزكاة وكذلك ريع تلك الأصول.
4 -المبادرة إلى تنضيض «تسييل» الأصول المستثمرة إذا اقتضت حاجة مستحقي الزكاة صرفها عليهم.
5 - بذل الجهد للتحقق من كون الاستثمارات التي ستوضع فيها أموال الزكاة مجدية ومأمونة وقابلة للتنضيض عند الحاجة.
6 - أن يتخذ قرار استثمار أموال الزكاة ممن عهد إليهم ولي الأمر بجمع الزكاة وتوزيعها لمراعاة مبدأ النيابة الشرعية، وأن يسند الإشراف على الاستثمار إلى ذوي الكفاية والخبرة والأمانة.
التمليك والمصلحة فيه ونتائجه
ناقش المشاركون في الندوة البحوث المقدمة في موضوع التمليك والمصلحة فيه ونتائجه وانتهوا إلي القرارات التالية:
1 - التمليك في الأصناف الأربعة الأولى المذكورة في آية مصارف الزكاة «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم» شرط في إجزاء الزكاة، والتمليك يعني دفع مبلغ من النقود أو شراء وسيلة النتاج، كآلات الحرفة وأدوات الصنعة، وتمليكها للمستحق القادر على العمل.
2 - يجوز إقامة مشروعات إنتاجية من مال الزكاة وتمليك أسهمها لمستحقي الزكاة بحيث يكون المشروع مملوكاً يديرونه بأنفسهم أو من ينوب عنه ويقتمسون أرباحه.
3 - يجوز إقامة مشروعات خدمية من مال الزكاة كالمدارس والمستشفيات والملاجئ والمكتبات بالشروط التالية:
أ - يفيد من خدمات هذه المشروعات مستحقو الزكاة دون غيرهم إلا بأجر مقابل لتلك الخدمات يعود نفعه على المستحقين.
ب - يبقى الأصل على ملك مستحقي الزكاة ويديره ولي الأمر، أو الهيئة التي تنوب عنه.
ج - إذا بيع المشروع أو صفي كان ناتج التصفية مال زكاة.(10/556)
مصرف المؤلفة قلوبهم
ناقش الحاضرون في الندوة البحوث المقدمة في موضوع: «المؤلفة قلوبهم» وبعد المداولة انتهوا إلى مايلي:
أولاً: مصرف المؤلفة قلوبهم «الذي هو أحد مصارف الزكاة الثمانية» وهو من التشريع المحكَم الذي لم يطرأ عليه نسخ كما هو رأي الجمهور.
ثانياً: من أهم المجالات التي يصرف عليها من هذا السهم ما يأتي:
أ - تأليف من يرجى إسلامه وبخاصة أهل الرأي والنفوذ ممن يظن أن له دوراً كبيراً في تحقيق ما فيه صلاح المسلمين.
ب - إستمالة أصحاب النفوذ من الحكام والرؤساء ونحوهم للإسهام في تحسين ظروف الجاليات والأقليات الإسلامية ومساندة قضاياهم.
ج - تأليف أصحاب القدرات الفكرية والإسلامية لكسب تأييدهم ومناصرتهم لقضايا المسلمين.
د - إيجاد المؤسسات العلمية والاجتماعية لرعاية من دخل في دين الله وتثبيت قلبه على الإسلام وكل ما يمكنه من إيجاد المناخ المناسب معنوياً ومادياً لحياته الجديدة.
ثالثاً: يراعى في الصرف من هذا السهم الضوابط التالية:
أ - أن يراعى في الصرف المقاصد ووجوه السياسة الشرعية بحيث يتوصل به إلى الغاية المنشودة شرعاً.
ب - أن يكون الإنفاق بقدر لا يضرّ بالمصارف الأخرى وألا يتوسع فيه إلا بمقتضى الحاجة.
ج - توخي الدقة والحذر في أوجه الصرف لتفادي الآثار غير المقبولة شرعاً، أو ما قد يكون له ردود فعل سيئة في نفوس المؤلفة قلوبهم وما قد يعود بالضرر على الإسلام والمسلمين.
رابعاً: تستخدم الوسائل والأسباب المتقدمة الحديثة والمشاريع ذات التأثير الأجدى واختيار الأنفع والأقرب لتحقيق المقاصد الشرعية من هذا المصرف.(10/557)
مناشدة
تناشد الندوة حكومات الدول الإسلامية تطبيق الشريعة الإسلامية من جميع جوانبها الاجتماعية والسياسية.. والأخذ بجميع الوسائل الشرعية للوصول إلى مجتمع إسلامي متكافل.
وتستحث الندوة حكومات الدول الإسلامية وشعوبها أن تقوم بواجباتها نحو إخواننا المضطهدين في البوسنة والهرسك ودعمهم مادياً ومعنوياً للحفاظ على كيانهم وهويتهم الإسلامية.
وكذلك مساعدة إخواننا المسلمين المضطهدين والمحتاجين في شتى أنحاء العالم.
وتناشد الندوة حكومات الدول الإسلامية بذل المزيد من الجهد من أجل تحرير الأسرى والمحتجزين الكويتيين وغيرهم من أيدي العدو الظالم.
الندوة الرابعة: الفتاوى والتوصيات
مصرف العاملين على الزكاة
1 - العاملون على الزكاة: هم كل من يعينهم أولياء الأمور في الدول الإسلامية أو يرخصون لهم أو تختارهم الهيئات المعترف بها من السلطة أو من المجتمعات الإسلامية للقيام بجمع الزكاة وتوزيعها وما يتعلق بذلك من توعية بأحكام الزكاة وتعريف بأرباب الأموال وبالمستحقين ونقل وتخزين وحفظ وتنمية واستثمار ضمن الضوابط والقيود التي أقرت في التوصية الأولى من الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة.
كما تعتبر هذه المؤسسات واللجان القائمة في العصر الحديث صورة عصرية من ولاية الصدقات المقررة في النظم الإسلامية ولذا يجب أن يراعى فيها الشروط المطلوبة في العاملين على الزكاة.
2 - المهام المنوطة بالعاملين على الزكاة منها ماله صفة ولاية التفويض (لتعلقها بمهام أساسية وقيادية) ويشترط فيمن يشغل هذه المهام شروط معروفة عند الفقهاء منها: الإسلام، والذكورة، والأمانة، والعلم بأحكام الزكاة في مجال العمل.
وهناك مهام أخرى مساعدة يمكن أن يعهد بها إلى من لا تتوافر فيه بعض تلك الشروط.
3 - أ) يستحق العاملون على الزكاة عن عملهم من سهم العاملين ما يفرض لهم من الجهة التي تعينهم على أن لا يزيد عن أجر المثل ولو لم يكونوا فقراء، مع الحرص على أن لا يزيد مجموع ما يدفع إلى جميع العاملين والتجهيزات والمصاريف الإدارية عن ثُمن الزكاة.
ب) لا يجوز للعاملين على الزكاة أن يقبلوا شيئاً من الرشاوى أو الهدايا أو الهبات العينية أو النقدية.(10/558)
4 - تزويد مقار مؤسسات الزكاة وإدارتها بما تحتاج إليه من تجهيزات وأثاث وأدوات إذا لم يكن توفيرها من مصادر أخرى كخزينة الدولة والهبات والتبرعات يجوز توفيرها من سهم العاملين عليها بقدر الحاجة شريطة أن تكون هذه التجهيزات ذات صلة مباشرة بجمع الزكاة وصرفها أو أثر في زيادة موارد الزكاة.
5 - تجب متابعة ومراقبة لجان الزكاة من الجهات التي عينتها أو رخصتها تأسياً بفعل النبي صلّى الله عليه وسلم في محاسبته للعاملين على الزكاة.
والعامل على الزكاة أمين على ما في يده من أموال ويكون مسؤولاً عن ضمان تلفها في حالات التعدي والتفريط والإهمال والتقصير.
6 - ينبغي أن يتحلى العاملون على الزكاة بالآداب الإسلامية العامة كالرفق بالمزكين والمستحقين والتبصر بأحكام الزكاة وأهميتها في المجتمع الإسلامي لتحقيق التكافل الاجتماعي والإسراع بتوزيع الصدقات عند وجود المستحقين والدعاء لهم.
زكاة المال الحرام
1 - المال الحرام: هو كل مال حظر الشارع اقتناءه أو الانتفاع به سواء كان لحرمته لذاته، بما فيه من ضرر أو خبث كالميتة والخمر، أم لحرمته لغيره، لوقوع خلل في طريق اكتسابه، لأخذه من مالكه بغير إذنه كالغصب، أو لأخذه منه بأسلوب لا يقره الشرع ولو بالرضا كالربا والرشوة.
2 - أ) حائز المال الحرام لخلل في طريقة اكتسابه لا يملكه مهما طال الزمن، ويجب عليه رده إلى مالكه أو وارثه إن عرفه، فإن يئس من معرفته وجب عليه صرفه في وجوه الخير للتخلص منه وبقصد الصدقة عن صاحبه.
ب) إذا أخذ المال أجرة عن عمل محرم فإن الآخذ يصرفه في وجوه الخير ولا يرده إلى من أخذه منه.
ج) لا يرد المال الحرام إلى من أخذ منه إن كان مصراً على التعامل غير المشروع الذي أدى إلى حرمة المال كالفوائد الربوية بل يصرف في وجوه الخير أيضاً.(10/559)
د) إذا تعذر رد المال الحرام بعينه وجب على حائزه رد مثله أو قيمته إلى صاحبه إن عرفه وإلا صرف المثل أو القيمة في وجوه الخير وبقصد الصدقة عن صاحبه.
3 - المال الحرام لذاته ليس محلاً للزكاة، لأنه ليس مالاً متقوماً في نظر الشرع، ويجب التخلص منه بالطريقة المقررة شرعاً بالنسبة لذلك المال.
4 - المال الحرام لغيره الذي وقع خلل شرعي في كسبه، لا تجب الزكاة فيه على حائزه، لانتفاء تمام الملك المشترط لوجوب الزكاة، فإذا عاد مالكه وجب عليه أن يزكيه لعام واحد ولو مضى عليه سنين على الرأي المختار.
5 - حائز المال الحرام إذا لم يرده إلى صاحبه وأخرج قدر الزكاة منه بقي الإثم بالنسبة لما بيده منه، ويكون ذلك إخراجاً لجزء من الواجب عليه شرعاً ولا يعتبر ما أخرجه زكاة، ولا تبرأ ذمته إلا برده كله لصاحبه إن عرفه أو التصدق به عنه إن يئس من معرفته.
الزكاة والضريبة
1 - تناشد الندوة حكومات الدول الإسلامية إصدار القوانين القاضية بتطبيق نظام الزكاة جباية وتوزيعاً، على أساس الالتزام، وإقامة هيئات مختصة لذلك تكون مواردها ومصاريفها في حسابات خاصة.
كما تناشدها إعادة النظر في جميع النظم المالية وغيرها، لتوجيهها الوجهة الإسلامية.
2 - أ) الأصل أن يكون تمويل ميزانية الدولة من إيرادات الأملاك العامة وغيرها من الموارد المالية المشروعة، فإذا لم تكف هذه الموارد جاز لولي الأمر أن يوظف الضرائب بصورة عادلة لمقابلة نفقات الدولة التي لا يجوز الصرف عليها من الزكاة، أو لسد العجز في إيرادات الزكاة عن كفاية مستحقيها.
ب) بما أن سند جواز التوظيف الضريبي هو قاعدة المصالح، فيجب مراعاة المصلحة المعتبرة عند فرض الضرائب في ضوء النظام المالي الإسلامي والاهتداء بالقواعد الشرعية العامة ومقاصد الشريعة.
ج) يشترط لتوظيف الضرائب أن تكون الحاجة إلى فرضها حقيقة.(10/560)
د) يجب أن تراعى العدالة بمعيارها الشرعي في توزيع أعبائها، وفي استعمال حصيلتها وأن يخضع فرضها وصرفها لجهة رقابية موثوقة متخصصة.
3 - أ) إن أداء الضريبة المفروضة من الدولة لا يجزئ عن إيتاء الزكاة، نظراً لاختلافهما من حيث مصدر التكليف والغاية منه، فضلاً عن الوعاء والقدر الواجب والمصارف، ولا تحسم مبالغ الضريبة من مقدار الزكاة الواجبة.
ب) ما استحق دفعة من الضرائب المفروضة من الدولة خلال الحول ولم يؤد قبل حولانه فإنه يحسم من وعاء الزكاة، باعتباره حقاً واجب الأداء.
4 - توصي الندوة حكومات الدول الإسلامية بتعديل قوانين الضرائب بما يسمح بحسم الزكاة من مبالغ الضريبة، تيسيراً على من يؤدون الزكاة.
الندوة الخامسة: الفتاوى والتوصيات
أولاً: زكاة المكافأة في نهاية الخدمة والراتب التقاعدي
1 - مكافأة نهاية الخدمة: هي مبلغ مالي مقطوع يستحقه العامل على رب العمل في نهاية خدمته بمقتضى القوانين والأنظمة إذا توافرت الشروط المحددة فيها.
2 - مكافأة التقاعد: هي مبلغ مالي مقطوع تؤديه الدولة أو المؤسسات المختصة إلى الموظف أو العامل المشمول بقانون التأمينات الاجتماعية إذا لم تتوافر جميع الشروط المطلوبة لاستحقاق الراتب التقاعدي.
3 - الراتب التقاعدي مبلغ مالي، يستحقه شهرياً الموظف أو العامل على الدولة أو المؤسسة المختصة بعد انتهاء خدمته بمقتضى القوانين والأنظمة إذا توافرت الشروط المحددة فيها.
4 - لا تجب الزكاة على العامل أو الموظف في هذه الاستحقاقات طيلة مدة الخدمة لعدم تحقق الملك التام الذي يشترط لوجوب الزكاة.(10/561)
5 - هذه الاستحقاقات إذا صدر القرار بتحديدها وتسليمها للموظف أو العامل دفعة واحدة أو على فترات دورية أصبح ملكه لها تاماً، ويزكي ما قبضه منها زكاة المال المستفاد وقد سبق في مؤتمر الزكاة الأول أن المال المستفاد يزكى بضمه إلى ما عند المزكي من الأموال من حيث النصاب والحول.
6 - أما التكييف الشرعي لأموال مكافأة نهاية الخدمة والراتب التقاعدي في ميزانيات الشركات قبل صدور قرار صرفها، هل هي ديون على الشركة أم لا؟ وأثر ذلك في زكاة أموال الشركة، فقد أرجىء البت فيها لمزيد من البحث بالتعاون مع هيئة المحاسبة والمراجعة للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية من خلال لجنتها الشرعية.
ثانياً: مصرف «الغارمين»
1 - الغارمون قسمان: الأول: المدينون المسلمون الفقراء لمصلحة أنفسهم في المباح، وكذا بسبب الكوارث والمصائب التي أصابتهم.
والثاني: المدينون المسلمون لإصلاح ذات البين لتسكين الفتن التي قد تثور بين المسلمين، أو للإنفاق في المصائب والكوارث التي تحل بالمسلمين، ولا يشترط الفقر في هذا القسم.
2 - الضامن مالاً عن رجل معسر يجوز إعطاؤه ما ضمنه إن كان الضامن معسراً.
3 - لا يجوز إعطاء الغارم لمصلحة نفسه من الزكاة إذا كان دينه في معصية، كالخمر، والميسر، والربا، إلا إذا تحقق صدق توبته.
4 - يجوز قضاء دين الميت من مال الزكاة إذا لم يكن في ميراثه ما يفي به، ولم يسدد ورثته دينه، ففي تسديد دينه من الزكاة إبراء لذمته، وحفظ لأموال الدائنين.
5 - الغارم لمصلحة نفسه القوي المكتسب لا يجوز له أن يأخذ من مال الزكاة إذا أمكنه سداد دينه من كسبه، أو أنظره صاحب المال إلى ميسرة، وكذلك من كان له مال سواء كان نقداً أو عقاراً أو غيرهما يمكنه السداد منه.
6 - إذا أخذ الغارم من الزكاة بوصف الغرم، فلا يجوز له أن ينفق هذا المال في سداد غرمه، أما إذا أخذه بوصف الفقر فيجوز له إنفاقه في حاجاته.(10/562)
7 - الغارم الفقير أو الغارم المسكين أولى بالزكاة من الفقير أو المسكين الذي ليس بغارم، لأن الأولين اجتمع فيهم وصفان: الغرم والفقر أو المسكنة والآخرين ليس فيهما إلا وصف الفقر.
8 - يجوز إعطاء الغارم من الزكاة بمقدار ما عليه من ديون قلّت أو كثرت، إذا كان في مال الزكاة وفاء لتلك الديون، وإن استغنى الغارم قبل سداد ما عليه من ديون وجب عليه إرجاع تلك الأموال لولي الأمر، أو لمن أخذها منه فإن لم يستطع، فإنه يدفعها في مصارف الزكاة.
9 - يجوز إعطاء الغارم من مال الزكاة للعام الذي يحل دينه فيه ولو بقي من ذلك العام أشهر على موعد السداد، ولا يعطى لسداد دين العام التالي، إلا أن يصالح المدين صاحب الدين على السداد في الحال مع الحط من الدين.
10 - لا ينبغي لمن يجد دخلاً يكفيه أن يستدين لإنشاء مصنع أو مزرعة أو مسكن اعتماداً منه على السداد من مال الزكاة، فمال الزكاة يعطى لسد حاجة الفقراء، أو إيجاد دخل لهم يسد حاجتهم، ولا يعطى لمن لديه ما يكفيه ليزداد ثراء.
11 - يعطى ذوو قرابة الرسول صلّى الله عليه وسلم الغارمون من هذا المصرف، إذا انقطعت حقوقهم المقررة شرعاً.
ثالثاً: مشمولات الأمور الظاهرة والباطنة في العصر الحديث
1 - تقسيم الأموال الزكوية إلى ظاهرة وباطنة محل اتفاق بين العلماء وتبنى عليه أحكام فقهية مختلفة.
2 - الأموال الظاهرة: يجوز لولي الأمر أن يجبي زكاتها جبراً ولا يقبل من صاحبها ادعاؤه بأنه قد أدى زكاتها بنفسه إلى المستحقين مباشرة، هذا إذا كان ولي الأمر يأخذ الزكاة من أرباب الأموال بحقها ويصرفها في مصارفها الشرعية.
3 - الأموال الباطنة: زكاتها موكولة لأمانة أصحابها، فلهم أن يؤدوها إلى مستحقيها مباشرة أو يأتوا بها طواعية إلى الجهة المختصة التي تصرفها في مصارفها الشرعية. وليس لولي الأمر سلطة التفتيش عن هذه الأموال وتتبعها لدى الأفراد.
4 - السوائم والزروع والثمار أموال ظاهرة بالاتفاق.(10/563)
5 - النقود والذهب والفضة والقروض والاعتمادات المستندية والأرصدة المصرفية الخاصة بالأفراد تعد أموالاً باطنة.
6 - أموال شركات المساهمة تعتبر أموالاً ظاهرة.
7 - تداول المشاركون في الندوة أصنافاً أخرى من الأموال ورأوا تأجيل البت فيها إلى ندوات قادمة وهي:
أ) عروض التجارة.
ب) السندات الخاصة والحكومية.
جـ) أموال الشركات الأخرى غير شركات المساهمة. د) هل لولي الأمر أن يترك نسبة من الأموال الظاهرة لأرباب الأموال ليصرفها بمعرفتهم إلى مستحقيها؟
رابعاً: زكاة الأصول الثابتة
1 - الأصول الثابتة: هي الموجودات المادية والمعنوية للمشروعات الاقتصادية مما يتخذ بقصد الانتفاع به في أنشطة تلك المشروعات أو لدرّ الغلة، ولا يقصد به البيع، ويطلق على الموجودات المادية الدارّة للغلة منها (المستغلات) .
2 - تشمل الأصول الثابتة:
أ) الموجودات التي تتخذ للانتفاع بها في المشاريع الإنتاجية، مثل وسائل النقل وأجهزة الحاسوب، وهذا النوع لا زكاة له.
ب) الموجودات المادية التي تدر غلة للمشروع، مثل آلات الصناعة والبيوت المؤجرة، وهذا النوع لا تجب الزكاة في أصله، إنما تجب في صافي غلته بنسبة 2.5%، بعد مرور حول من بداية النتاج، وضم ذلك إلى سائر أموال المزكي.
ج) الحقوق المعنوية الممتلكة للمشروع إذا أثمرت غلته تعامل معاملة النوع الثاني في وجوب الزكاة.
ويتفق هذا مع قرارات المجامع الفقهية التي تناولت هذا الموضوع بالبحث، مثل مجمع البحوث الإسلامية بمصر في مؤتمره الثاني عام 1385 هـ - 1965 م. ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية بجدة عام 1406 هـ - 1985 م. ومؤتمره الزكاة الأول بالكويت عام 1404 هـ - 1984 م. بأغلبية الأعضاء. د) لا يحسم من الموجودات الزكوية مخصص الاستهلاك للأصول الثابتة، لأن تلك الأصول لم تدخل في الموجودات الزكوية.(10/564)
خامساً: الموضوعات المعدة فيها أوراق
بعد عرض أوراق العمل عن الموضوعات الأربعة:
1 - زكاة الحلي.
2 - الجهات التي لا يجوز للمزكي دفع الزكاة إليها.
3 - زكاة المدخرات الثمينة.
4 - صرف زكاة الفطر بالمبالغ المتوقعة قبل قبضها.
تقرر التوصية بإعداد أبحاث فيها تشتمل على التصورات الفنية والاتجاهات الفقهية وذلك لمناقشتها في الندوات القادمة بإذن الله.
سادساً: التوصيات العامة
1 - التأكيد على التوصية السابقة بأن تهتم الدول الإسلامية بجمع الزكاة وتوزيعها في مصارفها الشرعية.
2 - التأكيد على التوصية السابقة بإصدار تشريعات تنظيمية للزكاة، تراعي الظروف والمستجدات المعاصرة.
3 - التنسيق والتعاون بين مؤسسات الزكاة والمؤسسات الأخرى ذات الصلة.
4 - دعم الحكومات لميزانيات مؤسسات الزكاة.
5 - دعوة الدول الإسلامية إلى تعديل تشريعات العمل لتكون موافقة لأحكام الشريعة الإسلامية.
6 - دعوة المنظمات الإسلامية العالمية إلى إنشاء منظمة إسلامية للعمل والتأمينات الاجتماعية تقوم على أسس مستمدة من الشريعة الإسلامية.
7 - يهيب المشاركون في «الندوة الخامسة لقضايا الزكاة المعاصرة» بالمجتمع المسلم والدول الإسلامية أن يبذلوا بسخاء لإنقاذ إخوانهم المسلمين في البلاد الإسلامية التي أضرت بها الحروب أو تخوض غمار حرب البقاء مع المعتدين.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(10/565)
الندوة السادسة: الفتاوى والتوصيات
فتاوى وتوصيات موضوع (تطبيقات عملية على الالتزام بدفع الزكاة) :
1 - تؤكد الندوة ما سبق في توصية الندوة الأولى بند 6 أمن دعوة الحكومات في البلاد الإسلامية إلى العمل الجاد لتطبيق الشريعة الإسلامية في مجالات الحياة كافة، ومن ذلك جمع الزكاة وصرفها في مصارفها الشرعية.
2 - تؤكد الندوة ما جاء في فتاوى الندوة الأولى للزكاة (6-د) والمتعلق بفرض ضريبة تكافل اجتماعي على غير المسلمين بما يحقق المساواة مع المسلمين عند إلزامهم بدفع الزكاة.
3 - عند جمع الزكاة من الشركات على وجه الإلزام يشمل الإلزام أموال الشركة الزكوية جميعها؛ ولا يعد ما يؤخذ من غير المسلمين زكاة.
4 - عند الالتزام بجمع الزكاة يفرض على المال الحرام ما يعادل مقدار الزكاة ويصرف في مصارف الزكاة، وفي وجوه البر العام، ما عدا المساجد والمصاحف، ويوضح في حساب خاص ولا يخلط مع أموال الزكاة.
5 - في حالة الإلزام بدفع الزكاة يجوز لولي الأمر، أو من ينوب عنه أن يفوض أصحاب الأموال الظاهرة القيام بصرف بعض زكاة أموالهم في مصارف الزكاة بمعرفتهم. أما الأموال الباطنة فهي موكولة لتصرف أصحابها مع مراعاة ماورد في التوصيات الخاصة بمشمولات الأموال الظاهرة والباطنة في العصر الحديث في الندوة الخامسة.
6 - يجب أن يخصص لمال الزكاة صندوق خاص يكون بمثابة بيت مال الزكاة تودع فيه أموال الزكاة لتصرف في مصارفها الشرعية ولا تضم إلى الخزانة العامة للدولة، مع مراعاة ما ورد في التوصيات الخاصة بالعاملين عليها في الندوة الرابعة.
توصيات الموضوع الثاني «زكاة عروض التجارة»
ترى الندوة إرجاء إصدار التوصيات والفتاوى الخاصة بموضوع (زكاة عروض التجارة) إلى أن يتم إضافة محاور جديدة إلى موضوع البحث زيادة عما تم بحثه على أن يعرض في ندوة لاحقة.
فتاوى وتوصيات الموضوع الثالث «زكاة الفطر»
1 - زكاة الفطر واجبة على كل مسلم يملك قوت نفسه ومن تلزمه نفقته يوم العيد وليلته فاضلاً عن حوائجه الأصلية. ويلزمه إخراج صدقة زوجته وأولاده الصغار الذين لا مال لهم، لا يلزمه صدقة الفطر عن أولاده الذين لا تجب نفقتهم عليه أو خدمه أو من تبرع بمؤنته أو كفله، يتيماً كان أو طالب علم أو فقيراً أو غير ذلك.
2 - الواجب في صدقة الفطر: صاع من تمر أو شعير أو زبيب، أو صاعٌ من بر «قمح» والصاع مكيال يتسع لما يزن بالأوزان الحالية كيلوين وربع تقريباً من القمح.(10/566)
3 - الأصل إخراج زكاة الفطر من الأجناس المنصوص عليها في الحديث، كما يجوز إخراجها من غالب قوت أهل البلد مثل الأرز واللحم والحليب. ويعتبر في الأجناس غير المنصوص عليها قيمتها باعتبار المنصوص عليه، فيقدر في اللحم مثلاً ما قيمته صاع من بر، وهكذا في سائر الأجناس المنصوص عليها.
ويجوز إخراج زكاة الفطر نقداً بقيمة الواجب. ويمكن للجهات المعنية تقدير هذه القيمة سنوياً.
4 - الأصل إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد، ويحرم تأخيرها عن يوم العيد ويجب قضاؤها، كما ويجوز عند الحاجة إخراجها من أول شهر رمضان.
5 - يجوز التوكيل في إخراج صدقة الفطر.
6 - يجوز للمؤسسات الزكوية تحويل زكاة الفطر من عين إلى نقد وعكسه بما تقتضيه الحاجة أو المصلحة.
7 - يجوز نقل زكاة الفطر إلى خارج البلاد الذي وجبت فيه على المزكي إلى من هو أقرب أو أحوج. كما يجوز نقل زكاة الفطر عند عدم وجود محتاجين في البلد الذي وجبت فيه الزكاة.
8 - لابد من النية لإخراج صدقة الفطر، ويقوم مقام النية الإذن الثابت ولو عادة.
9 - إذا اقتضت المصلحة أو الحاجة يجوز للمؤسسات الزكوية تأخير صرف ما اجتمع لديها من زكاة الفطر إلى ما بعد يوم العيد.
10 - الأولى صرف زكاة الفطر للفقراء والمساكين، ويجوز صرفها في مصارف الزكاة العامة. الموضوع الرابع (توصيات زكاة الحلي)
1 - عرضت الندوة موضوع حكم الزكاة في حلي النساء المعد للاستعمال. وبعد دراسة هذا الموضوع من جوانبه المختلفة، والاستماع إلى النقاش المستفيض حول الأبحاث المقدمة، تبين أن هناك اتجاهين في الفقه الإسلامي: أحدهما يرى وجوب الزكاة في حلي النساء، والثاني يرى عدم الوجوب فيها.
ويرى المشاركون في الندوة أن لكل من الاتجاهين حجته ودليله، فيسع أهل العلم الأخذ والإفتاء بأحد الرأيين بما يترجح عندهم.
2 - عند الأخذ بعدم وجوب الزكاة في حلي النساء تراعى الضوابط التالية:(10/567)
أ - أن يكون الاستعمال مباحاً، فتجب الزكاة فيما يستعمل استعمالاً محرماً كالتزين بحلي على صورة تمثال.
ب - أن يقصد بالحلي التزين، فإذا قصد به الادخار أو الاتجار، فتجب فيه الزكاة.
جـ - أن يكون الاستعمال في حاجة آنية غير مستقبلية بعيدة الأجل كمن يدخره لتحلية زوجته في المستقبل.
د - أن يبقى الحلي صالحاً للتزين به، ولذا تجب الزكاة في الحلي المتهشم الذي لا يستعمل إلا بعد صياغة وسبك، ويستأنف له حولاً من وقت تهشمه.
هـ - أن تكون الكمية المستعملة من الحلي في حدود القصد والاعتدال عرفاً، أما إذا بلغت حد الإسراف والتبذير فتجب الزكاة فيما زاد عن حد الاعتدال. 3 - نصاب الذهب عشرون ديناراً (85 جراماً تقريباً) من الذهب الخالص ونصاب الفضة مئتا درهم (595 جراماً تقريباً) من الفضة الخالصة، ويراعى في تقدير نصاب الحلي الذي تجب فيه الزكاة الوزن لا القيمة الحاصلة من الوزن والصياغة.
4 - الحلي من غير الذهب والفضة كالياقوت واللآلئ ليس فيها زكاة مالم تكن معدة للتجارة. كما رأى المشاركون في الندوة تقديم التوصية التالية:
يجوز للمؤسسات الزكوية عند الحاجة أن تقترض من مواردها للصرف في مصارف الزكاة مالم يمنع من ذلك مانع شرعي أو شرط المعطي.
الندوة السابعة لقضايا الزكاة المعاصرة في دولة الكويت
في 22-24 من ذي الحجة 1417هـ الموافق 4/29-1997/5/1م
التوصيات والفتاوى
توصيات عامة:
1 - تناشد الندوة حكومات الدول الإسلامية تطبيق الشريعة الإسلامية في شتى مناحي الحياة من ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية ولا سيما العناية بفريضة الزكاة جمعاً وصرفاً بتوفير الوسائل اللازمة لذلك من التوعية بها والترشيد للطرق القائمة وإيجاد المؤسسات الخاصة بها ومراكز البحث التي تعمل على رصد آثارها والتوجيه إلى أنجع الطرق لتحقيق أهدافها في المجال الاجتماعي والاقتصادي.(10/568)
2 - التوسع في تدريس فقه ومحاسبة الزكاة في الجامعات العربية والإسلامية حتى يمكن تخريج أجيال لديهم المعرفة الفقهية والمحاسبية عن الزكاة.
3 - على مكاتب المحاسبة في الدول العربية والإسلامية أن تهتم بمحاسبة زكاة المال وأسس تدقيقها ليواكب ذلك الاهتمام المعاصر للعديد من البلاد العربية والإسلامية والشركات والمنشآت في تطبيق الزكاة.
4 - أن تقوم الهيئة الشرعية العالمية للزكاة بتنظيم دورات وحلقات نقاشية لأصحاب الشأن حول الزكاة، لما لذلك من فوائد طيبة في تطبيق تلك الفريضة.
5 - التوسع في التعاون بين رجال الفقه ورجال الاقتصاد والمحاسبة في الدراسات المعاصرة في مجال الزكاة وتيسير المصطلحات الفقهية مع المحافظة على المضمون.
الموضوع الأول: زكاة الحقوق المعنوية
1 - الحقوق المعنوية (كالاسم التجاري، والترخيص التجاري، والتأليف والاختراع) أصبح لها في العرف قيمة مالية معتبرة شرعاً، فيجوز التصرف فيها حسب الضوابط الشرعية، وهي مصونة لا يجوز الاعتداء عليها.
وهذا يتفق مع قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن المؤتمر الإسلامي في دورته الخامسة بالكويت عام 1409 هـ.
2 - لا تجب الزكاة في حقوق التأليف والابتكار في ذاتها لعدم توافر شروط الزكاة فيها، ولكنها إذا استغلت يطبق على غلتها حكم المال المستفاد.
3 - تجب الزكاة في الاسم التجاري والترخيص التجاري والعلامة التجارية إذا اشتريت بنية المتاجرة بها، متصلة كانت أو منفصلة، مع توافر بقية شروط عروض التجارة.
4 - تجب الزكاة ابتداء (1) في البرامج الابتكارية (مثل برامج الحاسوب) وما في حكمها مما ينتجه الأفراد أو الشركات بجهود الآخرين بنية تملكها للتجارة.
__________
(1) أي لا ينتظر بها الاستغلال.(10/569)
الموضوع الثاني: الأصول المحاسبية لتقويم عروض التجارة
أولاً:
يقصد بتقويم عروض التجارة: تقديرها بقيمتها النقدية، وذلك لمعرفة بلوغ النصاب، وتحديد الوعاء الزكوي من أجل معرفة القدر الواجب إخراجه.
ثانياً:
محل التقويم: ما توافرت فيه الشروط الخاصة بالاتجار، دون عروض القنية (الأصول الثابتة) وهذه الشروط هي:
1 - أن تتوافر نية التجارة عند تملك العروض.
2 - أن لا تتحول نية المالك من التجارة إلى الاقتناء قبل تمام الحول دون قصد التحايل.
ثالثاً:
توضيحاً وتتميماً لما جاء في الفتوى رقم (11) للندوة الأولى:
يكون التقويم لكل تاجر بحسبه، سواء أكان تاجر جملة أم تاجر تجزئة، بالسعر الذي يمكنه الشراء به عادة عند الحول (القيمة الاستبدالية) وهو يختلف عن كلٍ من سعر البيع (القيمة السوقية) وعن التكلفة التاريخية أو الدفترية. رابعاً:
إذا تغيرت الأسعار بين يوم وجوب الزكاة ويوم أدائها، فالعبرة بأسعار يوم الوجوب، سواء زادت القيمة أو نقصت.
خامساً:
زكاة البضائع المنقولة قبل قبضها على مالكها، ويحصل الملك في البضاعة المعينة بمجرد العقد، ويحصل في البضاعة المشتراة على الوصف: بالقبض، فالبضاعة الموصوفة التي على الطريق إن كانت مشتراة على أساس التسليم في مكان الإرسال (.O.) تدخل في الملك بمجرد التسليم إلى الشاحن، والمشتراة على أساس التسليم في مكان الوصول (C. .) تدخل في الملك عند بلوغها ميناء الوصول، ويكون التقويم لعروض التجارة على أساس سعرها في مكان وجودها بعد حصول الملك.
سادساً:
إذا اشتملت أموال التجارة على عملات مختلفة، أو ذهب أو فضة، فتقوَّم لمعرفة المقدار الواجب إخراجه بالعملة التي يتخذها التاجر لتقويم عروض تجارته، وذلك بالسعر السائد يوم الوجوب.
سابعاً:
الديون التي للتاجر (الذمم المدينة، وأوراق القبض التجارية) Cتقوَّم بكامل مبلغها إذا كانت مرجوة السداد، فإن كانت غير مرجوة السداد فيحسم منها هذا القدر، فيزكى ما يرجى منه حالاً، وما يقبضه منها مآلاً.(10/570)
ثامناً:
أ - المعادلة الميَّسَرة لحساب الزكاة ومنها عروض التجارة حسب مقولة ميمون ابن مهران التي نصها (إذا حلّت عليك الزكاة فانظر ما عندك من نقد أو عَرْض للبيع فقومه قيمة النقد، وما كان من دين في ملاءة فاحسبه، ثم اطرح منه ما كان من دين ثم زكّ ما بقي) والمعادلة هي:
الزكاة الواجبة = (عروض التجارة + النقود + الديون المرجوة على الغير - الديون التي على التاجر) × نسبة الزكاة حسب الحول القمري 2.5% أو حسب الحول الشمسي 2,577%.
ب - لحساب زكاة التجارة ينظر إلى الموجودات الزكوية بَجرْدها وتقويمها يوم وجوب الزكاة. وذلك بالاستعانة بقائمة المركز المالي (الميزانية) بصرف النظر عن وجود ربح أو خسارة في حساب الأرباح والخسائر.
ج - لابد من مراعاة الشروط العامة لوجوب الزكاة وأدائها، بالإضافة للشروط الخاصة بعروض التجارة.
تاسعاً:
أ - تقوَّم عروض التجارة لمعرفة بلوغها النصاب على أساس نصاب الذهب وهو ما يعادل 85 جراماً من الذهب الخالص.
ب - المواد المعدَّة للتغليف والتعبئة لا تقوَّم على حدة، إذا لم تشترَ بقصد البيع مفردة، أما إذا كانت تستخدم في بيع عروض التجارة. فتقوَّم إن كانت تزيد في قيمة تلك العروض كالأكياس الخاصة، وإن كانت لا تزيد كورق التغليف، فلا تدخل في التقويم.
الموضوع الثالث: أحكام زكاة صور من عروض التجارة المعاصرة
أولاً: زكاة صكوك المقارضة
تزكَّى أموال صكوك المقارضة المستوفية لضوابطها الشرعية زكاة عروض التجارة مع توافر شروط الزكاة فيها.
ثانياً: زكاة الأراضي
الأرض إما أن تكون زراعية فيزكى نتاجها زكاة الزروع والثمار، أو تكون معدة للتجارة فتزكى زكاة عروض التجارة، وإن كانت للإيجار فالزكاة فيما يحول عليه الحول من إيرادها، مع توافر شروط الزكاة، وإن كانت للانتفاع الشخصي كالمشتراة لبناء سكن فيها فلا زكاة فيها.(10/571)
ثالثاً: زكاة المواد الخام (الداخلة في الصناعة) والمواد المساعدة
1 - المواد الخام (المواد الأولية) المعدَّة للدخول في تركيب المادة المصنوعة، كالحديد في صناعة السيارات. والزيوت في صناعة الصابون، تجب الزكاة فيها بحسب قيمتها التي يمكن الشراء بها في نهاية الحول. وينطبق هذا أيضاً على الحيوانات (المعدة للتعليب) والنباتات المعدَّة للتصنيع.
2 - المواد المساعدة التي لا تدخل في تركيب المادة المصنوعة، كالوقود في الصناعات، لا زكاة فيها كالأصول الثابتة.
رابعاً: زكاة السلع غير المنتهية الصنع والسلع المصنَّعة
تجب الزكاة في السلع المصنَّعة، وفي السلع غير المنتهية الصنع، زكاة عروض التجارة، بحسب قيمتها في حالتها الراهنة في نهاية الحول.
خامساً: اجتماع سبب آخر للزكاة مع عروض التجارة
إذا اجتمع مع عروض التجارة سبب آخر للزكاة كالسوائم أو الزروع تزكى زكاة عروض التجارة.
سادساً: زكاة المبيع في مدة الخيار
زكاة المبيع في مدة الخيار على مالكه.
سابعاً: زكاة السَّلَم
زكاة الثمن في السَّلَم على البائع (المسلم إليه) ويعتبر الحول من تاريخ قبضه الثمن، وأما المبيع (المسلم فيه) فزكاته قبل قبضه زكاة الديون، وبعد القبض يزكى زكاة عروض تجارة إذا كان للتجارة.
ثامناً: زكاة الاستصناع
يجري في زكاة الاستصناع ما يجري في زكاة السلم.(10/572)
........................................الخَاتمِةُ..........................................
على الرغم مما كتبت وحققت ودققت النظر، أقف مبهوراً مشدوهاً أمام عظمة الفقه الإسلامي وخصوبته وشموله، وعمق فكر رجاله وسعة أفقهم وإحاطتهم، وتتبعهم المسائل وحرصهم الشديد على استقصاء الفروع والجزئيات، ولكن على منهجهم السائد وهو أن الفقه فروعي لا يعتمد في التفريع على بيان نظرية معينة أولاً، ثم يبحث كل ما يتعلق بها.
وأصرح بأني لم أُحص جميع ما أبانه فقهاء المذاهب من تفريعات وجزئيات، فلم يكن همي جمع الفروع الفقهية من فقه المذاهب، وإنما وضع التصور لبناء هيكل البحث وأصول الموضوع الفقهي بما يمهد لوضع نظرية عامة، بالإضافة لإيراد نظريات كثيرة في الكتاب.
ثم وجهت جهدي فيما عدا وضع الهيكل الأساسي لكل بحث، إلى التحقيق، والتنظيم، والموازنة، والتأصيل، أي تحقيق المذهب ومعرفة الرأي الراجح أو المعتمد فيه، وتنظيم البحث والعرض والبيان تنظيماً يلم بشتات كل موضوع ومعرفة جوانبه المتعددة، والموازنة بين الآراء المذهبية لمعرفة أوجه التقابل واللقاء بينها أو أوجه الافتراق والاختلاف فيها، إما مع الترجيح لرأي أو بدون ترجيح، إبقاء على الثروة الفقهية الموجودة، ليتسنى للناس جميعاً إمكان الاستفادة منها مع اختلاف الزمان والمكان.
وأما التأصيل فهو رد كل حكم مذهبي إلى مراجعه المعتمدة بقدر المستطاع.
وقد تأكد لدي من الحرص على بيان دليل كل مذهب أن الاختلافات الفقهية ضرورة، ويعذر فيها الفقهاء بسبب الخلاف في فهم النص، أو ثبوت الحديث النبوي، أو وصول الخبر إلى الفقيه من طريق موثوق مقبول، أو عدم وصوله، أو مراعاة المصالح والأعراف ونحوها من المسوغات والاعتبارات.
أما عن الأسلوب: فقد حرصت على أن يكون مبسطاً سهلاً واضحاً، فلا أعدل عن عبارات الفقهاء لدقتها وإيجازها إن كانت واضحة لا غموض ولا إشكال فيها، وإن وجد شيء من التعقيد فيها، ذللت المراد بعبارة أخرى لا لبس فيها ولا صعوبة في فهمها.
وقد حاولت إبراز وحدة الآراء بين المذاهب كلما أمكن عن طريق إيراد الشروط المتفق عليها، ثم التنبيه على ما اختص به مذهب ما بإضافة شرط، أو الانفراد بقيد، أو المخالفة في مفهوم شرط ما.
ويستطيع المسلم أن يطمئن إلى ما أوردته من آراء المذاهب، وأن يقلد ما شاء منها، بشرط ألا يؤدي فعله إلى التخلص من ربقة التكليف الشرعي، أو الوقوع في محظور أو معصية، أو التلاعب في التقليد، أو تتبع الرخص عبثاً لا لحاجة أو ضرورة أو عذر.(10/573)
ولم أتدخل غالباً في الترجيح بين المذاهب ليتمكن القارئ من الأخذ بما يطمئن إلى صحته دون تعصب لمذهب معين، وقد أرجح أحياناً، ويمكن جعل رأي الجمهور هو الراجح غالباً، مالم تظهر مصلحة معاصرة تقتضي الأخذ بالرأي المقابل.
ولم أعتن أصلاً بالآراء الشاذة التي أهملها أئمة الاجتهاد الأعلام، وأحياها بعض الكاتبين الجدد، بزعم أنها فقه السنة النبوية، مما يوقع العوام في لبس، دون التفات إلى مستند الرأي الشائع الأرجح لدى الجماهير ونسخ مثل هذا الرأي الشاذ.
ولم أعتمد في نقل حكم مذهبي عن كتاب لمذهب آخر إلا ما ندر، حيث لم أعثر عليه بسهولة في كتاب المذهب المخصص له.
وربما عثر امرؤ على ترجيح رأي مذهبي في حاشية من الحواشي أو كتاب غير ما اطلعت عليه، إذ قد لا يتيسر لي الاطلاع على كل حواشي الكتب، ولكني اعتمدت في الواقع على أكثر من مصدر من الأمهات المعتمدة ورجعت إليه.
فإن وفيت بالغاية المنشودة للقارئ أو الباحث، فهو المراد، وإن قصرت أو لم أصب الحقيقة أو المطلب، فهو خطأ غير مقصود، يثاب القارئ عليه إن نبهني إلى موضع الخطأ، قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: «كل إنسان يؤخذ من كلامه ويترك إلا صاحب هذه السارية صلّى الله عليه وسلم» . وقال العماد الأصفهاني الكاتب المشهور: «إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يوم إلا قال في غده أو بعد غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا، لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العِبَر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر» .
هذا.. ويلاحظ أمران بعد صدور الكتاب وتوزيعه في العالم الإسلامي وترجمته للغات أخرى، وطبعه اثنتي عشر طبعة في تسع سنوات، لكونه الأكثر رواجاً في معارض الكتب الدولية وغيرها مثل قرينه (التفسير المنير) :(10/574)
1 - ظن بعض الناس من خلال تقديمي الكلام عن المذهب الحنفي على غيره من المذاهب أني حنفي، ولكني شافعي، وإنما قدمت المذهب الحنفي، وبعده المالكي، ثم الشافعي، ثم الحنبلي، مراعاة لترتيب سبقها الزمني وتقدم أئمتها، ولأن مذهب الحنفية الذي جعلته قاعدة البحث هو أخصب المذاهب وأكثرها تفريعاً، وإن كان المذهب الشافعي أكثرها انتشاراً في العالم، كما يدل عليه واقع أندونيسيا وماليزيا وجنوب شرقي آسيا الذي يضم مئات الملايين، والأكراد، ومصر وبلاد الشام وعُمان وغيرها، مثل مقاطعة كيرالا - كاليكوت جنوب الهند.
2 - إن الترجيح أو الاختيار بالمعنى الأدق الذي فعلته أحياناً لم يكن ناشئاً عن هوى أو تعصب لمذهب، ولا فوقية على المذاهب، وإنما بسبب ضعف دليل أو حديث الرأي الآخر الذي اعتمد عليه الفقيه، أو لكون الراجح في تقديري محققاً لمصلحة معاصرة، وهو لايخرج عن كونه رأياً لمذهب، فلا وجه بعدئذ للاستغراب أو النقد، أو مجافاة الحقيقية العلمية، علماً بأني أدرِّس الفقه في الجامعات مدة تزيد عن أكثر من خمسة وثلاثين عاماً.
وعلى كلٍ فإني أعتز بهذا العمل الذي يسَّر الفقه للمتعلم والمتفقه والباحث، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
........................................................الدّكتور وهبة الزُّحيلي
..............................................أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلاميّ وأصوله
.....................................................بجامعة دمشق - كلّيّة الشَّريعة(10/575)
....................................أَهَمُّ المَرَاجِع..........................................
الفقه الحنفي:
الخراج لأبي يوسف، المطبعة السلفية بمصر، (1352) هـ.
المبسوط للسرخسي، الطبعة الأولى، مطبعة السعادة.
الأموال لأبي عبيد، طبع القاهرة، (1353) هـ.
مختصر الطحاوي، مطبعة دار الكتاب العربي بمصر.
تحفة الفقهاء للسمرقندي، دار الفكر بدمشق.
البدائع للكاساني، الطبعة الأولى.
فتح القدير شرح الهداية لكمال الدين محمد بن عبد الواحد المعرف بابن الهمام، مطبعة مصطفى محمد بالقاهرة.
تبيين الحقائق للزيلعي، المطبعة الأميرية.
الفتاوى الهندية لجماعة من علماء الهند، المطبعة الأميرية.
حاشية رد المحتار لابن عابدين على الدر المختار للحصفكي، مطبعة البابي الحلبي بمصر.
اللباب شرح الكتاب للشيخ عبد الغني الميداني، والكتاب للقدوري، مطبعة صبيح بالقاهرة. مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح للشيخ حسن بن عمار الشرنبلالي، المطبعة العلمية بمصر، (1315) هـ.
درر الحكام في شرح غرر الأحكام، لمنلا خسرو، المطبعة الشرفية، (1304) هـ.
الأشباه والنظائر لابن نجيم المصري، دار الطباعة العامرة بمصر، (1290) هـ.
البحر الرائق لابن نجيم، مطبعة البابي الحلبي بمصر، (1334) هـ.
حجة الله البالغة للدهلوي، الطبعة الأولى بمصر، (1322) هـ.
الفقه المالكي:
المدونة الكبرى للإمام مالك، رواية سحنون، مطبعة السعادة، (1323) هـ.
المنتقى شرح الموطأ للباجي الأندلسي، الطبعة الأولى.
المقدمات الممهدات لابن رشد القرطبي، مطبعة السعادة.
بداية المجتهد لابن رشد الحفيد، مطبعة الاستقامة بمصر.
القوانين الفقهية لابن جُزَي، مطبعة النهضة بفاس.
مواهب الجليل للحطاب، وبهامشه التاج والإكليل للمَّواق، الطبعة الأولى.
الشرح الكبير للدردير بحاشية الدسوقي، مطبعة البابي الحلبي بمصر.
الفروق للقرافي، مطبعة البابي الحلبي.
الشرح الصغير للدردير بحاشية الصاوي، دار المعارف بمصر.
فتح الجليل على مختصر العلامة خليل للخِرْشي، الطبعة الأولى، والثانية ببولاق، (1317) هـ. شرح منح الجليل على مختصر خليل للشيخ محمد عليش، المطبعة الكبرى، 1294 هـ.
فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك للشيخ عليش، مطبعة التقدم بمصر.
الفقه الشافعي:
الأم للإمام الشافعي، المطبعة الأميرية بمصر.
المهذب لأبي إسحاق الشيرازي، مطبعة البابي الحلبي.
المجموع للإمام النووي وتكملته للعلامة علي بن عبد الكافي السبكي، والشيخ محمد نجيب المطيعي، مطبعة الإمام بمصر.
مغني المحتاج شرح المنهاج للشربيني الخطيب، مطبعة البابي الحلبي بمصر.
نهاية المحتاج للرملي، المطبعة البهية المصرية.(10/576)
شرح الجلال المحلي للمنهاج، بحاشية القليوبي وعميرة، مطبعة صبيح بالقاهرة.
حاشية البجيرمي على شرح الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، للشربيني الخطيب مطبعة البابي الحلبي بمصر، (1370) هـ.
تحفة الطلاب بحاشية الشرقاوي، مطبعة البابي الحلبي بمصر.
حاشية البيجوري على شرح ابن قاسم الغزي على متن أبي شجاع، الطبعة الخامسة بالمطبعة الأميرية ببولاق مصر.
الأشباه والنظائر للسيوطي، مطبعة مصطفى محمد. الأحكام السلطانية للماوردي، المطبعة المحمودية التجارية بمصر.
الميزان الكبرى للشعراني، وبهامشه رحمة الأمة في اختلاف الأئمة لأبي عبد الله الدمشقي من علماء القرن الثامن، مطبعة البابي الحلبي.
كفاية الأخيار لأبي بكر الحصني، طبع قطر، ط رابعة.
الفقه الحنبلي:
المغني لابن قدامة الحنبلي، الطبعة الثالثة بدار المنارة بالقاهرة.
كشاف القناع عن متن الإقناع للبُهوتي، مطبعة السنة المحمدية (في بحث الجهاد) ومطبعة الحكومة بمكة (في البحوث الأخرى) .
غاية المنتهى للشيخ مرعي بن يوسف، الطبعة الأولى بدمشق، وشرحه مطالب أولي النهى، طبع المكتب الإسلامي بدمشق.
الأحكام السلطانية لأبي يعلى، مطبعة البابي الحلبي.
المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل لأبي البركات، مطبعة السنة المحمدية.
فتاوى ابن تيمية، مطبعة كردستان العلمية.
السياسة الشرعية لابن تيمية، الطبعة الثالثة.
الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن قيم الجوزية، مطبعة الآداب بمصر.
أعلام الموقعين عن رب العالمين، طبع القاهرة، تحقيق محي الدين عبد الحميد.
القواعد لابن رجب الحنبلي، الطبعة الأولى. الإفصاح عن معاني الصحاح لابن هبيرة الحنبلي، المكتبة الحلبية.
الفقه الظاهري:
المحلى لابن حزم، مطبعة الإمام بمصر.
فقه الشيعة الإمامية:
الكافي للكليني، طبع حجر.
المختصر النافع في فقه الإمامية، دار الكتاب العربي بمصر.
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية، دار الكتاب العربي بمصر.(10/577)
مفتاح الكرامة للحسيني العاملي، مطبعة الشورى.
فقه الشيعة الزيدية:
مجموع الفقه للإمام زيد، طبع ميلانو.
البحر الزخار لابن المرتضى، الطبعة الأولى.
الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير للحسين الصنعاني، الطبعة الأولى.
فقه الإباضية:
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد أطَّفَيِّش، المطبعة السلفية.
الحديث الشريف:
جامع الأصول لابن الأثير الجزري، مطبعة السنة المحمدية بمصر. المنتقى على الموطأ، مطبعة السعادة بمصر.
تنوير الحوالك شرح موطأ مالك، مطبعة الحلبي بالقاهرة.
نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للحافظ الزيلعي غير صاحب «تبيين الحقائق» ، الطبعة الأولى.
التلخيص الحبير لابن حجر، طبع مصر.
مجمع الزوائد للهيثمي، مكتبة القدسي بمصر.
المقاصد الحسنة للسخاوي، مكتبة الخانجي بمصر.
الجامع الصغير، والفتح الكبير للسيوطي. طبع البابي الحلبي بمصر.
كشف الخفا ومزيل الالتباس للعجلوني، مكتبة القدسي.
أسنى المطالب للحوت البيروتي.
المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، للفيف من المستشرقين، مطبعة بريل في ليدن.
سبل السلام للصنعاني، الطبعة الثانية.
نيل الأوطار للشوكاني، المطبعة العثمانية المصرية.
الإلمام في أحاديث الأحكام لابن دقيق العيد، دار الفكر بدمشق.(10/578)