ابتلاء الإمام مالك بن أنس
[السُّؤَالُ]
ـ[في أي كتاب وردت قصة فتنة الإمام مالك مع والي المدينة مما اضطره للإسدال في صلاته، ومَن مِن تلامذته روى عنه ذلك، وظلّ ذلك إحدى الأقوال في صفة الصلاة عند المالكيّة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقصة ضرب الإمام مالك قصة مشهورة مذكورة في كتب الرجال والتواريخ، منها كتاب الحلية لأبي نعيم، وسير أعلام النبلاء للذهبي.
قال صاحب الحلية: حدثنا ... قال سمعت أبا داود يقول: ضرب جعفر بن سليمان مالك بن أنس في طلاق المكره، وحكى لي بعض أصحاب ابن وهب عن ابن وهب أن مالكا لما ضرب حلق وحمل على بعير! فقيل له: ناد على نفسك. قال: فقال: ألا من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي، وأنا أقول: طلاق المكره ليس بشي، قال: فبلغ جعفر بن سليمان أنه ينادي على نفسه بذلك، فقال: أدركوه أنزلوه،......عن الفضل بن زياد القطان قال: سألت أحمد بن حنبل من ضرب مالك بن أنس؟ قال: ضربه بعض الولاة، لا أدري من هو؟ إنما ضربه في طلاق المكره كان لا يجيزه فضربه لذلك. انتهى.
وقال الذهبي في تاريخ الإسلام: ... .وعن إسحاق الفروي، وغيره قال: ضرب مالك ونيل منه، وحمل مغشيا عليه. فعن مالك قال: ضربت فيما ضرب فيه سعيد بن المسيب، ومحمد بن المنكدر، وربيعة، ولا خير فيمن لا يؤذى في هذا الأمر.
وعن الليث بن سعد قال: إني لأرجو أن يرفعه الله بكل سوط درجة في الجنة.
قال مصعب بن عبد الله: قال الأصمعي: ضربه جعفر ثم بعد مشيت بينهما حتى جعله في حل ... انتهى.
ولا نعلم أن المالكية استندوا على هذه القصة في قولهم بإسدال اليدين في الصلاة، وإنما استندوا على قول ابن القاسم في المدونة: وكره مالك وضع اليد اليمنى على اليسرى في الفريضة، وقال: لا أعرفه، ولا بأس به في النافلة لطول القيام يعين به نفسه. انتهى.
ولا يمكن - في نظرنا- أن يستندوا على إسدال اليدين بقصة الضرب لو ثبتت لإن إسداله ليديه حينئذ يكون لضرورة المرض وعدم القدرة، وهذه الضرورة لا تلغى بها السنة، وانظر الفتوى رقم: 115584.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1430(22/13)
أبو الفرج الأصبهاني.. الوسخ المفتري
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من فضيلتكم أن تبينوا لي مدى صحة الرواية التالية، مع العلم أنني قرأتها في موقع علماني وشكرا لكم. وأين مبرقعة اليوم من عائشة بنت الصحابي المبشر بالجنة طلحة بن عبيد الله، ومن ثقتها بنفسها، يروي أبو فرج الأصفهاني: كانت عائشة بنت طلحة لا تستر وجهها من أحد، فعاتبها مصعب بن الزبير زوجها فقالت: إن الله تبارك وتعالى وسمني بميسم جمال أحببت أن يراه الناس، ويعرفون فضلي عليهم، فما كنت أستره، والله ما فيَّ وصمة يقدر أن يذكرني بها أحدُ. لا يجرؤ على نقل مثل هذه الصورة الحدث إلا أديب تحرر من قيود المجتمع بعض الشيء، ولم يعد سفور الوجه مثلبة على السافرة، فقد غض صاحب الطبقات الكبرى ابن سعد وغيره من المؤرخين النظر عن مثل هذه الرواية، التي تؤشر إلى تقدم الماضي على الحاضر. وتفصح عائشة عن ثقتها بنفسها حين ردت على نظر شخص يدعى ابن أبي الذئب وهي تطوف حول الكعبة بالقول: مِنَ اللاء لم يحججنَّ يبغينَ حسبةً ولكن ليقتلنَّ البريء المغفلا فرد عليها المغفل ابن أبي الذئب بالقول: صان الله ذلك الوجه من النار.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكتاب الأغاني للأصفهاني فيه من الطامات والخزعبلات، ما يوهّن التقوى في القلوب ويشجع على الهبوط والإسفاف والرذيلة، وقد طالت سهامه المسمومة الكثير من أهل الفضل والشرف والرفعة والحسب، فنسب إليهم ما لا يجوز نسبته إلا لأهل المجون والانحلال، حتى أهل بيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لم يسلموا من طعنه فيهم صراحة بروايات لا تستقيم سنداً ولا متناً، وفي رواتها مجهولون أو كذابون دجاجلة أو أسانيد منقطعة، تتقطع القلوب حسرة وغيرة على الدين وأهله عند سماعها، وليست عائشة بنت طلحة هي الوحيدة التي افترى عليها صاحب هذا الكتاب، بل قد روى عن سُكَيْنَة بنت الحسين سيد شباب أهل الجنة من أخبار اللهو والمجون ما يندى له الجبين.
وصاحب كتاب الأغاني هذا هو أبو الفرج، علي بن الحسين بن محمد القرشي الأموي الأصبهاني قال عنه الذهبي في ترجمته في سير أعلام النبلاء: وكان وسخا زريا، وكانوا يتقون هجاءه.
وقال الذهبي أيضا: رأيت شيخنا تقي الدين ابن تيمية يضعفه ويتهمه في نقله ويستهول ما يأتي به.
ولمعرفة ما قيل حول الأصفهاني هذا وما في كتابه الأغاني من بلايا وطامات، يرجع إلى:
كتاب الأستاذ وليد الأعظمي: "السيف اليماني في نحر الأصفهاني صاحب الأغاني"، وكتاب:"كتب حذر منها العلماء" للشيخ مشهور سلمان. وقد أحالوا فيهما على مراجع أخرى للاستفادة منها.
ثم إننا لم نجد هذه القصة عن عائشة بنت طلحة في الكتاب المذكور، وإنما وجدت مثلها عن امرأة مجهولة، وبلا إسناد. ولو فرضنا جدلا ورود مثل هذه القصة، فالرد عند التنازع يكون لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {النساء:59} .
وننصح السائل بالاطلاع على كتاب:"عودة الحجاب" للشيخ محمد إسماعيل المقدم، فهو موسوعة في الرد على شبهات أعداء الفضيلة من العلمانيين وغيرهم، وقد استفاض في ذكر أدلة الحجاب. وأما عن العلمانيين الذين يشيعون مثل هذه الأكاذيب فهؤلاء لا يؤمنون بالإسلام وقيمه ومبادئه.
وقد تناولنا في فتاوى سابقة العلمانية وحكم العلمانيين وموقفهم من مبادئ الإسلام وكتبا في الرد على شبهاتهم بشيء من التفصيل، وهذه أرقام بعضها فلتراجع: 2453، 5490، 5887، 52755، 58024، وغيرها، كما ننصحك بمراجعة كتاب "العلمانية" للشيخ سفر الحوالي فهو من الكتب المفيدة جدا في هذا الباب، وننصحك كذلك بالابتعاد عن هذه المواقع المشبوهة، واستغلال الوقت في تصفح غيرها من المواقع النافعة وهي كثيرة، ولله الحمد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1430(22/14)
حول شرح شرعة الإسلام تأليف: سيد علي زاده
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في شرح شرعة الإسلام تأليف: سيد علي زاده، وشرعة الإسلام ليعقوب بن السيد علي البروسوي إني قرأت فيهما الأحاديث التي لم أستطع أن أجد مصادرهم وأصولهم، فهل الكتابان المذكوران من الكتب المعتمدة في الفقه والآداب؟ وأيضا ما قولكم في المؤلفين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد طلب الشيخ ابن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية بالسعودية، من الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمهما الله تقريرا عن كتاب (العقيدة والسلوك في ضوء الكتاب والسنة والسيرة) للشيخ أبي الحسن الندوي رحمه الله، وكان للشيخ عبد الرزاق بعض المآخذ على الكتاب على نفعه في الجملة، ومن هذه المآخذ: إفراطه في الثناء على الغزالي وإطراؤه له ولكتابه (إحياء علوم الدين) . وكذلك إطراؤه الشيخ عبد القادر الجيلاني، وقال: في الإفراط في الثناء عليه تغرير بالناس وحث لهم على التزام وقراءة كتبه، وأكثر الناس لا يميز بين الحق والباطل والسنة والبدعة، فيقع بذلك فيما لا تحمد عقباه.
ثم قال: وكذلك الحال في إطرائه الشيخ محمد بن أبي بكر السمرقندي وكتابه (شرعة الإسلام إلى دار السلام) .
ثم قال في نهاية التقرير: وأخيراً أرى أن غير هذا الكتاب مما هو أنفع للناس أولى بالشراء منه؛ تيسيراً لحصول الناس عليه ونشره بين الجمهور. اهـ. من كتابي (إتحاف النبلاء بسيرة العلامة عبد الرزاق عفيفي) وكتاب (صور مضيئة من جهود الإمام عبد العزيز بن باز) .
فحال كتاب (شرعة الإسلام) كحال كتاب (إحياء علوم الدين) للغزالي، فيه نفع كثير، وفيه طامات وبلايا توجب منع قراءته، إلا من الخبير المطلع على عقائد الصوفية، المتحصن بعقيدة السلف الصالح، وما فيه من الخير موجود في غيره من الكتب. وقد سبقت نبذة عن الغزالي، وبيان أقوال العلماء في كتاب (الإحياء) ، في الفتويين: 7667، 6784،. فلا يستغرب وجود أحاديث موضوعة أو لا أصل لها في أي من الكتابين.
ومؤلف كتاب (شرعة الإسلام) ترجمه ابن أبي الوفا في (طبقات الحنفية) فقال: محمد بن أبي بكر المفتي ابن إبراهيم الجرغي الواعظ عرف بإمام زاده، قال السمعاني: مفتي أهل بخارى، أصله من قرية يقال لها جرغ. إمام فاضل فقيه واعظ أديب شاعر ورع حسن السيرة من أهل الخير والدين.. ولادته في شهر ربيع الأول سنة 491 ... رأيت له كتابا نفيسا كثير الفوائد سماه شرعة الإسلام في مجلد. اهـ.
وقال عنه كحالة في (معجم المؤلفين) : فقيه، متكلم. أفتى أهل بخارى. اهـ.
وقال حاجي خليفة في (كشف الظنون) عن كتاب (الشرعة) : كتاب نفيس كثير الفوائد في مجلد ... وشرحه المولى: يعقوب بن سيدي علي شرحا مفيدا اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1430(22/15)
كيف مات الأئمة الاثني عشر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قتل حقاً الأئمة الإثنا عشر من نسل الإمام علي كرم الله وجهه كلهم بالسم أو قتلا بالمعارك؟ هل ماتوا ظلماً؟ ما الحكمة من قتلهم؟ من الذي قتلهم حقاً؟ لماذا نحن أهل السنة لا نتعلم شيئاً عن سيرتهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قدمنا في الفتوى رقم: 6305، بيان القول الصحيح في الأئمة الاثني عشر، وأنهم ليسوا كلهم من نسل علي رضي الله عنه.
وأما الأئمة الاثناعشر الذين يزعم إمامتهم بعض الطوائف فإن الكلام عن سيرتهم مبسوطة في كتب علماء السنة فمن كان من طلاب العلم سيكون مطلعا على سيرهم.
وأما ما يتعلق بموت هؤلاء الاثني عشر، فقد ثبت أن عليا رضي الله عنه استشهد بالعراق حيث قتله ابن ملجم الخارجي.
كما ثبت أن الحسين بن علي رضي الله عنهما قتل شهيدا مظلوما بكربلاء، وقد فصل القول في ذلك الحافظ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية.
وأما الحسن أخوه الأكبر فقد ورد في بعض القصص أنه قتل مسموما؛ ولكن ذكر شيخ الإسلام في المنهاج أن ذلك لم يثبت ببينة شرعية ولا نقل يجزم به.
وقال أيضا بعدم صحة ذلك الذهبي وابن كثير وابن خلدون وابن العربي، وراجع كلامهم في كتاب الدكتور الصلابي: الحسن بن علي رضي الله عنهما شخصيته وعصره.
وأما علي بن الحسين رضي الله عنه فقد كان محببا معظما عند معاصريه وقد تكلم المؤرخون على وفاته بالمدينة ودفنه سنة أربع وتسعين، وقيل سنة خمس وتسعين، وقيل غير ذلك.
وأما أبو جعفر محمد بن علي الباقر فقد تكلم على حياته ابن كثير، وذكر ثناء أئمة السلف عليه. وذكر وفاته سنة خمس عشرة ومائة، ولم يذكر أنه مسموم. وذكر كذلك وفاة ابنه جعفر بن محمد سنة ثمان وأربعين ومائة ولم يذكر أنه توفي مسموما.
وأما موسى الكاظم بن جعفر فقد ذكر الذهبي في الكاشف أنه مات في حبس الرشيد ولم يذكر أنه توفي مقتولا ولا مسموما. وقد بسط الذهبي في السير الكلام على جعفر وموسى وبين فضلهما.
وأما علي الرضى فقد ذكر ابن خلدون أنه عهد إليه المأمون بالخلافة بعده إلا أنه توفي في حياة المأمون، ولم يذكر أنه مات مقتولا. وقد تكلم الذهبي في السير على حياته وبسط فيها، وقال في آخر الكلام عليه: قيل إنه مات مسموما. ذكر ذلك بلفظ قيل الدال على التضعيف ولم يذكر في ذلك سندا يعلم به صحة الأمر.
وأما محمد الجواد فقد ذكر ابن العماد في شذارات الذهب أنه توفي سنة عشرين ومائتين ببغداد، وذكر أنه كان مكرما مبجلا عند المأمون والمعتصم.
وأما علي الهادي فقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية وابن الجوزي في المنتظم أنه توفي في سنة خمس وخمسين ومائتين بسامراء.
وأما حسن العسكري فقد ذكر ابن خلدون في تاريخه أنه توفي سنة ستين ومائتين.
وأما محمد بن حسن العسكري فقد نقل الذهبي عن ابن حزم أن أباه حسن العسكري مات من غير عقب، وذكر أن إحدى جواريه ادعت الحمل بعد وفاته ونازعها في ذلك أخوه جعفر ويحكى مثل ذلك عن الطبراني وجمع من أهل العلم.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 70032، 75439، 6573.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 صفر 1430(22/16)
نبذة عن الشيخين الجزولي ويوسف بن عمر
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤالان أريد أن أعرف تراجم لبعض من العلماء..
الأول: قال صاحب مواهب الجليل في كتابه 433/1-434: وقال الجزولي في شرح الرسالة: وقد استحب بعض أهل العلم أن يؤذن في أذن الصبي ويقيم حين يولد.. انتهى.
والسؤال: من هذا الجزولي؟ وهل هو من علماء المالكية؟
والثاني: وقال في موضع آخر في نفس الكتاب (3/257) :
وقال الشيخ يوسف بن عمر استحب بعض أهل العلم أن يؤذن في أذن الصبي ويقيم حين يولد.
والسؤال هنا من هو المراد من هذا الشيخ يوسف بن عمر؟
أفيدوني جزاكم الله خيرا..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تكرر ذكر هذين الاسمين في مواهب الجليل حتى لا يكاد يخلو من ذكرهما مبحث من مباحثه، ولعل الشيخ أبا عبد الله الحطاب يقصد -والله أعلم- بالجزولي: عبد الرحمن بن عفان الجزولي، أبو زيد، وهو كما قال أهل التراجم: فقيه مالكي معمر من أهل فاس، كان أعلم الناس في عصره بمذهب مالك.
وكان يحضر مجلسه أكثر من ألف فقيه معظمهم يستظهر المدونة، وقيدت عنه على الرسالة ثلاثة تقاييد؛ أحدها في سبع مجلدات، والثاني في ثلاثة، والآخر في اثنين.
وكلها مفيدة انتفع الناس بها بعده، وقد عاش أكثر من مائة وعشرين سنة وما قطع التدريس حتى توفي سنة 741 هجرية.
وأما يوسف بن عمر فلعله يقصد به أبا الحجاج يوسف بن عمر الأنفاسي وهو أحد أئمة المالكية في زمانه، وكان إمام جامع القرويين بفاس. له تقييدات على رسالة ابن أبي زيد القيرواني تداولها الناس وكان صالحا فقيها..
توفي بفاس سنة 761.
ولا يمكننا أن نقطع بأن الشيخين المذكورين هما المقصودان عند المؤلف لأن هذه الأسماء تكررت في المؤلفات المالكية، ولأنه رحمه الله لم يذكر في مقدمة كتابه تراجم الشيوخ الذين اعتمد عليهم ولا أسماءهم كما يفعل بعض المؤلفين.
ولم نطلع لذكر لهما في سنده المتصل إلى الإمام مالك حيث ذكره في مقدمة الكتاب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1430(22/17)
أولاد حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لسيدنا حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه أبناء أو بنات عاشوا من بعده؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان لحمزة رضي الله عنه- أبناء وبنات عاشوا بعده وسمي لنا منهم عمارة ويعلى وأمة الله وأمامة.
قال أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب: ولم يعقب أحد من بني حمزة بن عبد المطلب إلا يعلى وحده فإنه ولد له خمسة رجال لصلبه وماتوا كلهم عن غير عقب فلم يبق لحمزة عقب.
وابنته أمامة هي التي زوجها النبي صلى الله عليه وسلم ربيبه سلمة بن أبي سلمة، وكان قد زوج النبي صلى الله عليه وسلم من أمه أم سلمة، فلما زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامة بنت حمزة أقبل على أصحابه فقال: تروني كافأته. اهـ مختصرا من الاستيعاب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1430(22/18)
إسلام النجاشي ثابت بالأدلة الصحيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت هذه الجملة (موجودة بالأسفل) في أحد المقالات هنا في الموقع. عرض المقالات: في سبب نزول قوله تعالى: {فأينما تولوا فثم وجه} الخميس:04/12/2008 إسلام ويب >> القرآن الكريم >> أسباب النزول
سؤالي:
ورد في الجملة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال صلوا عليه (وهو النجاشي) وهو غير مسلم (كما مكتوب) . فكيف هذا؟؟ أرجو التفسير. أم إنه أسلم فلهذا طلب النبي أن يصلي الصحابة عليه؟
نص الجملة:
وقال آخرون: نزلت هذه الآية بسبب موت النجاشي، وفي ذلك يروي الطبري عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أخاً لكم قد مات - يعني النجاشي - فصلوا عليه، قالوا: نصلي على رجل ليس بمسلم! فنزلت: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله} (آل عمران:199) ، قالوا: فإنه كان لا يصلي إلى القبلة! فأنزل الله: {ولله المشرق والمغرب} ، قال ابن كثير: وهذا غريب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المقال المذكور ليس فيه أنا جزمنا بنفي إسلام النجاشي رحمه الله، وإنما نقلنا ما نقله المفسرون من قول بعض الصحابة: نصلي على رجل ليس بمسلم؟ وأنه نزل ما يفيد كونه مسلما، وذكرنا نقد ابن كثير لهذه الرواية، ثم إن إسلام النجاشي وكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه صلاة الغائب ثابت بالأدلة الصحيحة.
ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر عليه أربع تكبيرات.
وفي رواية أخرى للبخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: مات اليوم رجل صالح فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة. وقد جزم ابن حجر في الإصابة بإسلام النجاشي، وقد ذكر النووي في شرح مسلم أن هذا الحديث حجة للقائلين بمشروعية الصلاة على الغائب.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30687، 39655.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1429(22/19)
الشخص الذي أطلق عليه قتيل القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو قتيل القرآن ولماذا قتل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أطلق بعضهم هذا اللقب على علىّ بن فضيل بن عياض، كما جاء في شعب الإيمان وفيض القدير للعلامة المناوي قال: وسمي علي بن الفضيل قتيل القرآن.
وجاء في شعب الإيمان: أنه سمع قارئا يقرأ قول الله تعالى: ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، فشهق شهقة خر منها مغشيا عليه، فجاء الفضيل فقال: بأبي قتيل القرآن، وقيل غير ذلك.
وذكر ابن قدامة في كتابه التوابين إطلاق هذا اللقب أيضا على فتى من الأزد حضر مجلس وعظ فسمع قارئا يقرأ قول الله تعالى: وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع.. فسقط مغشيا عليه فحمل من بين القوم صريعا..
وعلى هذا فقتيل القرآن يمكن أن تطلق على أكثر من واحد، والذي لا شك فيه أن للقرآن العظيم تأثيرا على قلوب سامعيه، ولكن هذا التأثير يكون أعظم على أصحاب القلوب الرقيقة التي تضعف أمام قوة الوارد عليها، وقصص تأثيره على السامعين معروفة مشاهدة في كل زمان ومكان، وللصحابة والتابعين ومن تبعهم من ذلك النصيب الأكبر والحظ الأوفر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1429(22/20)
لا يوجد ذكر في كتب التراجم لسبب وفاة ابن القيم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف مات الإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله. سمعت أنه مات ميتة شنيعة من آثار التعذيب من بعض فرق المبتدعة، أرجو ذكر قصة وفاة الإمام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المعروف عن ابن القيم رحمه الله أنه وجد كثيرا من الأذى والبلاء والمحن من بعض أهل البدع ومتعصبة المذاهب، ذكر هذا كثير ممن ترجم له، ومن هؤلاء ابن العماد الحنبلي في كتابه شذرات الذهب في أخبار من ذهب، حيث قال في ترجمته وهو يذكر أحداث سنة إحدى وخمسين وسبعمائة: وفيها توفي العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي بل المجتهد المطلق المفسر النحوي، ثم نقل عن ابن رجب أنه قال: وقد امتحن وأوذي مرات وحبس مع الشيخ تقي الدين في المرة الأخيرة بالقلعة منفردا عنه ولم يفرج عنه إلا بعد موت الشيخ.
ثم قال ابن العماد بعد ذلك: توفي رحمه الله وقت العشاء الآخرة ثالث عشر رجب وصلي عليه من الغد بالجامع الأموي عقيب الظهر ثم بجامع جراح ودفن بمقبرة الباب الصغير. انتهى.
فلم يذكر أن سبب وفاته هو التعذيب، ولم نجد فيما بين أيدينا من كتب التراجم من ذكر هذا، ولو كان هذا التعذيب هو السبب لذكر لعظمة مثل هذا الخبر، كما ذكر عن ابن تيمية أنه توفي وهو محبوس في سجن القلعة رحمه الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1429(22/21)
أسلم حمزة قبل عمر رضي الله عنهما وقصة إسلام حمزة
[السُّؤَالُ]
ـ[من أسلم قبل الآخر عمر رضي الله عنه أو حمزة مع القصة مختصرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حمزة أسلم قبل عمر رضي الله عنه بثلاثة أيام، وذلك في أواخر السنة السادسة من النبوة، والأغلب أنه في ذي الحجة منها كما قال أهل السير، وراجع في هذا فتوانا رقم: 31042.
وقصة إسلام حمزة كما ذكرها أهل السير أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفاء فآذاه ونال منه ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل المسجد، وكانت مولاة لعبد الله بن جدعان في مسكن لها على الصفاء تسمع ما يقول أبوجهل، وأقبل حمزة من القنص متوحشا قوسه، وكان يسمى أعز قريش، فأخبرته مولاة ابن جدعان بما سمعت من أبي جهل، فغضب ودخل المسجد وأبوجهل جالس في نادي قومه، فقال له حمزة: يا مصفر استه تشتم ابن أخي وأنا على دينه؟ ثم ضربه بالقوس فشجه شجة موضحة فثار رجل من بنى مخزوم وثار بنو هاشم، فقال أبوجهل: دعو أبا عمارة فإني سببت ابن أخية سبا قبيحا، فعلمت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز، فكفوا عنه بعدما كانوا ينالون منه.
وأما سبب إسلام عمر فانظره في الفتوى المشار إليها سابقا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1429(22/22)
نبذة عن الشقيري صاحب السنن والمبتدعات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لي بطلب ترجمة أو نبذة صغيرة أو حتى فقط إعلامي بسنة وفاة الشيخ محمد عبد السلام الشقيري صاحب كتاب السنن والمبتدعات.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
هو الشيخ العلامة محمد بن أحمد عبد السلام خضر الشقيري الحوامدي مؤسس الجمعية السلفية بالحوامدية بمحافظة الجيزة بمصر.
قال عنه الشيخ محمد حامد الفقي في تقديمه لكتاب السنن والمبتدعات: الصالح المجاهد الصابر المحتسب. انتهى.
وقال الشيخ رشيد رضا في تقريظه لهذا الكتاب: تأليف الداعي إلى السنة والصاد عن البدعة الشيخ محمد عبد السلام خضر الشقيري الحوامدي مؤسس الجمعية السلفية بالحوامدية.
وقال الشيخ الشقيري في خاتمة كتابه السنن والمبتدعات: قد كنت ابتدأت في تأليف هذا الكتاب بعد صلاة العشاء من يوم 29 رجب الحرام سنة 1351، وانتهيت من ترتيبه قبل غروب شمس يوم السبت 29 ذي الحجة سنة 1352هجري.
وأما سنة وفاة الشيخ فلم نقف عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1429(22/23)
الاستفادة من علم الشيخ الشعراوي رحمه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إجابتي بإجابة منفصلة ولا تحيلوني إلى إجابات أو ردود سابقة لضرورة الموقف.
الشيخ الألباني رحمة الله عليه هو عالم جليل أحترمه وأقدره وأعرف قدر علمه وأحتفظ بكتبه ومواقعه في مفضلة جهازي لسهولة الرجوع إليها.
الشيخ الشعراوي رحمه الله أيضا من وجهة نظري هو أيضا شيخ جليل وكذالك أحتفظ بتفسير القرآن بصوته وأقرأ كتبه وأستمع إلى نصائحه.
ولكن انتابني الفزع أمس وأنا أتجول في الشبكة العنكبوتية وجدت تسجيلا للشيخ الألباني يتهم فيه الشيخ الشعراوي بأنه منحرف عن العقيدة ولا يجب أن يؤخذ منه علم فنزل على سمعي هذا التسجيل كالصاعقة أنا أثق في كلام الشيخ الألباني وأثق في كلام الشيخ الشعراوي فما الفيصل في هذا لا أخفيكم أني لم أستطع النوم من الليلة الماضية وأنا أفكر في الأمر إذا كان الشيخ الشعرواي لا يؤخذ منه علم وأنه منحرف عن العقيدة من على العقيدة ومن على المنهج القويم؟ هل عمرو دياب أو نانسي عجرم أفتوني أكرمكم الله علماء المسلمين جعلونا نتخبط ولا نعرف الحق من الباطل أحدهم يأتي بفتوى يقول بإرضاع الكبير زميل العمل وأحدهم يبيح فوائد البنوك الربويه والآخر يقول بجواز تقبيل الخاطب لخطيبته وهذا سلفي وهذا إباضي وهذا وهابي وهذا سني وهذا شيعي وهذا ارحمونا أيها العلماء ماذا نعمل ومن نتبع؟ من نتبع؟ من نتبع؟ وكيف نعرف أن من اتبعته على الجادة وأنه غير منحرف عن العقيدة؟ هل فعلا الشيخ الشعرواي منحرف عن العقيدة؟ هل أرمي بكتبه في صندوق القمامة؟ أرجو إجابتي في أسرع وقت وإن كنتم ترون أن هذا السؤال يثير بلبلة في أوساط الناس ممكن ترسلوا لي الإجابة على بريدي المسجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن ذكرنا أن الشيخ محمد متولي الشعراوي عالم له مكانته وفضله، وقدم الكثير لخدمة الإسلام والمسلمين، ولكنه غير معصوم كغيره من العلماء فهو له شيء من عقيدة التصوف، ولكنه مع هذا لا يصح القول بعدم جواز الاستفادة من علمه، إذ لو جرى الناس على هذا لتركت مؤلفات كثير من العلماء الذين لم يسلموا من الوقوع في مثل هذا، ورحم الله الامام مالك رحمه الله حين قال: كل يؤخذ من قوله ويترك الا صاحب هذا القبر. وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم. وراجع الفتوتين: 19442، 97356.
وينبغي أن يعلم أن الحق واحد ومصدره كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على فهم سلف هذه الامة الصالح، وإنما يعرف الرجال بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال، كما بينا بالفتوى رقم: 23342.
وإذا سار الإنسان على هذا المنهج نعني معرفة الحق كفاه ذلك وسلم من شر التفرق والحزبية والدعوة الى شيء من العصبية، وكان ذلك أدعى لحمله على الإنصاف.
هذا، واعلم أن كلام الأقران من أهل الفضل والعلم بعضهم في بعض لا يعتبر حكما فيصلا، بل إن الكثير منه لا ينبغي تناقلة وإشاعته بين العوام، لما يبعث من الشك والريب في قلوبهم كما قيل: كلام الأقران يطوى ولا يروى. وانظر الفتوى رقم: 69220.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1429(22/24)
هل تنشر مؤلفات الكاتب التركي هارون يحيى
[السُّؤَالُ]
ـ[استفسار عن العالم هارون يحيى هل هو علماني أو مسلم.. وهل يجوز لي نشر كتبه باللغة الإنجليزية فقط في موقعي (الدعوي: الإسلام طريق الجنة) ؟ بارك الله لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق تعريف مفصل للكاتب التركي المدعو هارون يحيى ويمكنك أن تجد ذلك بقسم الاستشارات في موقعنا هذا، ورقم الاستشارة هو (273938) فنرى ضرورة مراجعتها.
وقد ذكرنا هنالك أنه ركز في كثير من كتاباته على محاربة العلمانية، إذن فهو ليس علمانياً، وهو ينتسب إلى الإسلام ولكنه له كثير من الأفكار التي لا تمت إلى الإسلام بصلة كعقيدة الحلول والاتحاد وهما عقيدتان كفريتان، هذا بالإضافة إلى دعوته إلى ما يسمى بوحدة الأديان، وفي الاستشارة المذكورة تفصيل في هذا الأمر.. ومن هنا فإننا نرى أنه لا يجوز نشر مؤلفات هذا الرجل أو الترويج لها، لما قد يترتب على ذلك من نشر الباطل وإشاعته، ولأنه ربما اغتر به بعض عوام المسلمين فيقعون في الفتنة.
ولمعرفة المزيد عن عقيدة الحلول والاتحاد راجع ذلك في الفتوى رقم: 11542، وبخصوص وحدة الأديان راجع الفتوى رقم: 33974.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1429(22/25)
نبذة عن بعض الأعلام ممن تسموا بالطيبي
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيرا أسمع عن حكاية العلامة الطيبى, أريد أن أسأل: من هو الطيبى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نسبة الطيبي ذكرت في كثير من العلماء فلا ندري أيهم يعني السائل، وممن نسب لهذه النسبة ابن علان وقد قال فيه الذهبي في السير:
الشيخ الجليل العدل المعمر سديد الدين أبو محمد مكي بن المسلم ابن مكي بن خلف بن المسلم بن أحمد بن محمد بن حصن بن صقر بن عبد الواحد بن علي بن علان القيسي العلاني الدمشقي المسكي الطيبي، ولد في رجب سنة ثلاث وستين، وسمع من الحافظ ابن عساكر وأبي الفهم بن أبي العجائز وعلي بن خلدون وتفرد بهم ومن المجد ابن البانياسي وأجاز له أبو طاهر السلفي ومحمد بن علي الرحبي، وروى الكثير وطال عمره وبعد صيته، وكان شيخا معتبرا متوددا وافر الحرمة من بيت تقدم ورواية، ورواياته صحيحة وقد سمع أخواه أسعد ومحمد من ابن عساكر أيضا، حدث عنه الدمياطي وابن الظاهري وزين الدين الفارقي والعماد ابن البالسي وأخوه عبد الله وطلحة القرشي ومحيي الدين يحيى بن المقدسي والقاضي شرف الدين ابن الحافظ وإسماعيل وعبد الله ابنا أبي النائب وأمين الدين سالم بن صصرى وأخته أسماء وتاج الدين أحمد بن مزيز وخلق توفي بدمشق في العشرين من صفر سنة اثنتين وخمسين وست مئة رحمه الله وأجاز لجميع من أدرك حياته من المسلمين.انتهى.
ومنهم أحمد بن بدر الطيبي قال فيه ابن العماد في شذرات الذهب: شهاب الدين أحمد بن بدر بن إبراهيم الطيبي الشافعي المقرئ والد الإمام بالجامع الأموي وواعظه شيخ الإسلام الطيبي المشهور تلا بالسبع على العلامة إبراهيم بن محمود القدسي كاتب المصاحب وعلى تمرس الدين خليل، وانتهى إليه علم التجويد في زمانه، وكان يتسبب بحانوت بباب البريد ويقرئ الناس. وتوفى ليلة الخميس سادس جمادى الأولى ودفن بباب الفراديس.انتهى.
ومنهم ابن حمدان الطيبي قال فيه ابن كثير في البداية والنهاية: أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن حمدان الطيبي المعروف بالصائن أحد المعيدين بالنظامية ودرس بالثقفية وكان عارفا بالمذهب والفرائض والحساب صنف شرحا للتنبيه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1429(22/26)
من المقرئين والمفسرين المعاصرين رجالا ونساء
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم أبرز من اشتغل بالقرآن الكريم وتفسيره من النساء والرجال في العصر الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المشتغلين بالقرآن وتفسيره كثيرون في الآمة والحمد لله، وهم متفرقون في العالم، وإن من أبرز القراء المتقنين للقرآن وقراءاته في هذا العصر الشيخ عبد الفتاح القاضي، والقارئة أم السعد فقد كانا يدرسان القراءات العشر ويجيزان بها.
وإن من أبرز علماء التفسير في هذا العصر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي والشيخ الشعراوي، وكان لعائشة عبد الرحمن - بنت الشاطئ- إسهام في التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1429(22/27)
نبذة عن عامر بن عبد الله التميمي
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أدري إن كان هذا مكانا مناسبا لسؤالي: سمعت مرة من داعية إسلامي قصة صغيرة عن أحد التابعين يدعى "عامر بن عبد الله التميمي"، كانت القصة تتحدث عن دعواته الثلاث التي طلبها من الله عز وجل ولم يعطه منها إلا اثنتين،وفي اليوم التالي بحثت على شبكة الانترنت عن سيرة هذا التابعي ولكني لم أجدها سوى في موقعين أو ثلاثة........ولكني لا أعرف مدى موثوقية هذه المواقع وقد رغبت بنشر هذه السيرة في أحد المنتديات التي أشارك بها ولكنني خفت من نشر معلومات غير صحيحة أو مثيرة للفتنة كما قرأت في سيرته بأن الخليفة عثمان بن عفان قد أبعده إلى بلاد الشام خوفا من إثارته للفتنة في البصرة. والذي لفت نظري أن من المواقع التي نشرت معلومات عنه تعود لإخواننا الشيعة وهذا ما أثار خوفي أيضا، فهل بالإمكان تزويدي بمعلومات صحيحة وموثوقة عن سيرة هذا الرجل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسيرة العطرة لهذا العالم المقريء عامر بن عبد الله التميمي متوفرة في كثير من كتب التاريخ، ونلخص لك هنا شيئا مما ذكره عنه الإمام الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام: عامر بن عبد قيس التميمي العنبري البصري الزاهد أبو عبد الله ويقال: أبو عمرو، عابد زمانه روى عن: عمر وسلمان الفارسي، وعنه: الحسن وابن سيرين وأبو عبد الرحمن الحبلي وغيرهم، قال أحمد العجلي: كان ثقة من كبار التابعين.
وقال أبو عبيد في القراءات: كان عامر بن عبد الله الذي يعرف بابن عبد قيس يقرئ الناس، وعن الحسن أن عامرا كان يقول: من أقرئ فيأتيه ناس فيقرئهم القرآن، ثم يقوم يصلي إلى الظهر ثم يصلي إلى العصر ثم يقرئ الناس إلى المغرب ثم يصلي ما بين العشاءين، ثم ينصرف إلى منزله فيأكل رغيفا وينام نومة خفيفة ثم يقوم لصلاته ثم يتسحر رغيفا، وكانت له بغلة فروى بلال بن سعد عمن رآه بأرض الروم يركبها عقبة ويحمل المهاجر عقبة. قال بلال بن سعد: وكان إذا فصل غازيا يتوسم - يعني من يرافقه - فإذا رأى رفقة تعجبه اشترط عليهم أن يخدمهم وأن يؤذن وأن ينفق عليهم طاقته. رواه ابن المبارك بطوله في الزهد.
وقال، وعن أبي الحسين المجاشعي قال: قيل لعامر بن عبد قيس: أتحدث نفسك في الصلاة؟ قال: نعم أحدث نفسي بالوقوف بين يدي الله تعالى ومنصرفي.
قال جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار قال: لما رأى كعب الأحبار عامرا بالشام قال: من ذا؟ قالوا: عامر بن عبد قيس فقال كعب: هذا راهب هذه الأمة. وقال ابن أبي الدنيا: ثنا محمد بن يحيى الأزدي ثنا جعفر بن أبي جعفر الرازي عن أبي جعفر السائح أنبأ أبو وهب وغيره أن عامر بن عبد قيس كان من أفضل العابدين ففرض على نفسه كل يوم ألف ركعة يقوم عند طلوع الشمس فلا يزال قائما إلى العصر، ثم ينصرف وقد انتفخت ساقاه فيقول: يا نفس إنما خلقت للعبادة، يا أمارة بالسوء فوالله لأعملن بك عملا يأخذ الفراش منك نصيبا، وهبط واديا يقال له وادي السباع وفيه عابد حبشي فانفرد يصلي في ناحية والعابد في ناحية أربعين يوما لا يجتمعان إلا في صلاة الفريضة. ... ... ... ... ... ...
وقال محمد بن واسع عن يزيد بن عبد الله بن الشخير: إن عامرا كان يأخذ عطاءه فيجعله في طرف ثوبه فلا يلقاه أحد من المساكين إلا أعطاه، فإذا دخل بيته رمى به إليهم فيعدونها فيجدونها سواء كما أعطيها. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
وقال جعفر بن برقان: ثنا ميمون بن مهران أن عامر بن عبد قيس بعث إليه أمير البصرة: ما لك لا تزوج النساء؟ قال: ما تركتهن وإني لدائب في الخطيئة قال: وما لك لا تأكل الجبن؟ قال: أنا بأرض فيها مجوس فما شهد شاهدان من المسلمين أن ليس فيه ميتة أكلته قال: وما يمنعك أن تأتي الأمراء؟ قال: إن لدى أبوابكم طلاب الحاجات فادعوهم واقضوا حوائجهم ودعوا من لا حاجة له إليكم. ... ... ... ...
وقال مالك بن دينار: حدثني فلان أن عامرا مر في الرحبة وإذا ذمي يظلم فألقى رداءه ثم قال: لا أرى ذمة الله تخفر وأنا حي فاستنقذه. ... ... ... ... ... ... ... ...
وقال هشام عن قتادة: إن عامر بن عبد قيس لما احتضر جعل يبكي فقيل: ما يبكيك قال: والله ما أبكي جزعا من الموت ولا حرصا على الدنيا، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وقيام الليل. ...
روى ضمرة عن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه أن قبر عامر بن عبد قيس ببيت المقدس.
وقيل: إنه توفي في زمان معاوية. ان تهى بتصرف.
وقد ذكرت بعض كتب التاريخ شيئا مما حدث بينه وبين عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولكن مما ينبغي التنبه له أنه ليس كل ما يكتب في كتب التاريخ صحيحا، فإنها تجمع ما يصح وما لا يصح، وإذا تعلق الأمر بأولئك الجهابذة فعلى المرء أن يتوقف كثيرا فلا ينقل كل ما يقرأ عنهم.
وأما قصة دعواته الثلاثة فلم نطلع على ذكر لها في كتب التراجم بين أيدينا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1429(22/28)
والد السامري
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو والد السامري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر البغوي في تفسيره أن السامري اسمه موسى مظفر ونقل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، وننصح السائل الكريم بالسؤال عما تتوقف عليه مصلحة دنيوية أو أخروية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1429(22/29)
هل كان لصلاح الدين ألف جارية
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي استفسار عن معلومة سمعتها من دكتور عندنا بالجامعة أن صلاح الدين الأيوبي الذي حرر القدس كان في قصره 1000 جارية (راقصة) بصراحة لما قص هذه الكلمة كل الطلاب الذين كانوا في القاعة عددهم حوالي 85 طالب سكتوا سكته عجيبة وكان الظاهر على وجوههم الاستغراب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد فيما اطلعنا عليه من المراجع التي بين أيدينا أن صلاح الدين الأيوبي كانت له ألف جارية، فينبغي أن يطالب قائل هذا القول بتحديد المرجع الذي استقى منه هذه المعلومة لا سيما وهو في مؤسسة علمية لا ينبغي أن يلقى فيها الكلام هكذا على عواهنه، فإن هذا قد يترتب عليه التجرؤ والتطاول على رموز الإسلام، ولا سيما من هو في مثل شخصية صلاح الدين الأيوبي الرجل البطل صاحب السيرة العطرة، والذي لم يذكر عنه أهل التاريخ إلا كل خير، فمن أراد أن يعرف قدره ومكانته فليراجع هذه الكتب، وقد ذكرنا طرفاً من سيرته في الفتوى رقم: 73168.
وإننا نخشى أن يكون القائل لهذه العبارة من المغرضين الذين يرمون إلى تشويه التاريخ الإسلامي والنيل من أبطاله، وإلا فلماذا وصف هؤلاء الجواري بأن الواحدة منهن (راقصة) فحق لهؤلاء الطالبات أن يستغربن قوله، ولكن لم يكن للواحدة منهن السكوت دون مطالبته بمصدر معلوماته وليكن هذا ديدنهن في المستقبل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1429(22/30)
عقيدة ابن عطاء الله السكندري
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إلقاء الضوء علي عقيدة ابن عطاء السكندري وكتابه الحكم العطائية, وبعض المصادر والكتب التي تبين ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن ذكرنا نبذة عن ابن عطاء الله وكتابه المذكور وذلك في الفتوى رقم: 57513، والفتوى رقم: 57583.
وبإمكانك الاطلاع على المزيد عند البحث في كتب العقيدة التي تتحدث عن التزكية وعن التصوف وأعلامه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1429(22/31)
القول الفصل في الحجاج بن يوسف الثقفي
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعنا خطبة للشيخ محمد عبد الملك الزغبى يقول فيها (إن الحجاج بن يوسف الثقفي كان يأتي بمن كان يغضب عليهم أو يعصوه، ثم يقول له قل إني كافر، ثم يقول بأنه تطاول على نبي الله سليمان بأنه طماع، وهذا فى خطبة باسم نهاية ظالم، وقال الشيخ مسعد أنور بأنه كان له فضل فى بعض الفتوحات، وفي تشكيل حروف القرآن، والذين قتلهم هم الخوارج، غير الزبير بن أسماء بنت أبي بكر، وقال الله أعلم هو في الجنة أم في النار، السؤال هل هو كافر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحجاج بن يوسف الثقفي كانت له مثالب كثيرة، وكانت له شيء من المناقب، قال ابن كثير في البداية والنهاية: كان ناصبياً يبغض عليا وشيعته في هوى آل مروان بني أمية، وكان جباراً عنيداً، مقداما على سفك الدماء بأدنى شبهة، وقد روي عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرهاً الكفر، كما قدمنا فإن كان قد تاب منها وأقلع عنها وإلا فهو باق في عهدتها، ولكن قد يخشى أنها رويت عنه بنوع من زيادة عليه، فإن الشيعة كانوا يبغضونه جداً لوجوه وربما حرفوا عليه بعض الكلم وزادوا فيما يحكونه عنه بشاعات وشناعات.
وقد روينا عنه أنه كان يتدين بترك المسكر، وكان يكثر تلاوة القرآن، ويتجنب المحارم، ولم يشتهر عنه شيء من التلطخ بالفروج، وإن كان متسرعاً في سفك الدماء، فالله تعالى أعلم بالصواب وحقائق الأمور وسائرها وخفيات الصدور وضمائرها، قلت: الحجاج أعظم ما نقم عليه وصح من أفعاله سفك الدماء وكفى به عقوبة عند الله عز وجل، وقد كان حريصاً على الجهاد وفتح البلاد، وكان فيه سماحة بإعطاء المال لأهل القرآن، فكان يعطي على القرآن كثيراً، ولما مات لم يترك فيما قيل إلا ثلثمائة درهم. والله أعلم. انتهى.
وأما الحكم عليه بالكفر فقد روي ذلك عن بعض السلف، ومنهم من روي عنه خلاف ذلك، ذكر ابن كثير في المصدر السابق نفسه: وقال يحيى بن عيسى الرملي عن الأعمش اختلفوا في الحجاج فسألوا مجاهداً فقال تسألون عن الشيخ الكافر، وروى ابن عساكر عن الشعبي أنه قال: الحجاج مؤمن بالجبت والطاغوت كافر بالله العظيم كذا قال والله أعلم، وقال الثوري عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: عجباً لإخواننا من أهل العراق يسمون الحجاج مؤمناً، وقال الثوري عن ابن عوف سمعت أبا وائل يسأل عن الحجاج أتشهد أنه من أهل النار قال أتأمروني أن أشهد على الله العظيم، وقال الثوري عن منصور سألت إبراهيم عن الحجاج أو بعض الجبابرة فقال أليس الله يقول: ألا لعنة الله على الظالمين.. وبه قال إبراهيم وكفى بالرجل عمى أن يعمى عن أمر الحجاج، وقال سلام بن أبي مطيع: لأنا بالحجاج أرجى مني لعمرو بن عبيد لأن الحجاج قتل الناس على الدنيا، وعمرو بن عبيد أحدث للناس بدعة شنعاء قتل الناس بعضهم بعضاً، وقال الزبير سببت الحجاج يوماً عند أبي وائل فقال لا تسبه لعله قال يوماً اللهم ارحمني فيرحمه، إياك ومجالسة من يقول أرأيت أرأيت، وقال عوف ذكر الحجاج عند محمد بن سيرين فقال مسكين أبو محمد إن يعذبه الله عز وجل فبذنبه وإن يغفر له فهنيئاً له.. وقال أبو قاسم البغوي ثنا أبو سعيد ثنا أبو أسامة قال: قال رجل لسفيان الثوري: أتشهد على الحجاج وعلى أبي مسلم الخراساني أنهما في النار، قال: لا، إن أقرا بالتوحيد. انتهى.
والذي نراه هو التوقف في أمر تكفيره خاصة وأن ما نقل عنه من أقوال مكفرة ربما كان دسيسة من بعض أعدائه كما أشار إلى ذلك ابن كثير، ومن ثبت إسلامه بيقين لا يزول عنه ذلك إلا بيقين مثله، ولا يجوز الحكم عليه بجنة أو نار، فمذهب أهل السنة أنه لا يحكم لأحد بجنة أو نار إلا من شهد له الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 4625.
وأما ما ذكرته من كونه كان يأتي بمن يغضب عليهم ويعصونه ثم يقول له قل إني كافر، أو كونه يتطاول على نبي الله سليمان عليه السلام ويصفه بأنه طماع فلم نجد له أثراً، ولا شك أنه كان من مناقبه اهتمامه بالقرآن والجهاد والفتوحات كما تقدم من قول ابن كثير، وأما حصر من قتل من الأخيار على عبد الله بن الزبير فغير صحيح، فإنه قد قتل كثيراً من الأخيار منهم التابعي الجليل سعيد بن جبير تلميذ ابن عباس رضي الله عنهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1429(22/32)
فصل الكلام في معاوية رضي الله عنه وابنه يزيد
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت مقالا عن يزيد بن معاوية حيث إنه يريد أن يخلع الإسلام من جذوره وقلب مفاهيمه وربما أنه في هذا العصر وجماعة من أتباعه وعلى مر العصور آخذة في هذا الوقت بتنفيذ مآربه التي لم يستطع أن يفعلها ويعتمد الكاتب على هذا المقال أن يزيد وجماعته بقتل حفيد رسول الله وأبنائه في معركة كربلا يوم عاشوراء وأيضا عن حديث شريف: أن الملك جبريل أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن موقعه كربلاء قبل وقوعها وجلب له تراب من نفس الموقع وأيضا أن معاوية وابنه يزيد كانوا مدمنين على شرب الخمر، إنني أستفسر هل هذه الرويات صحيحة أرجو الإيضاح ولكم مني كل شكر واحترام وترسل لي على عنواني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيزيد بن معاوية نكل أمره إلى الله، كما قال الإمام أحمد: يزيد لا نلعنه ولا نحبه. وسأله أبو طالب عن من قال: لعن الله يزيد بن معاوية؟ فقال: لا تكلم في هذا، الإمساك أحب إلي. انتهى
وقد سبق الكلام تفصيلا عن يزيد في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4112، 28064، 36047، 69079.
وأما أبوه معاوية رضي الله عنه، فله حال وحكم آخر، وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكتبة الوحي الشريف، ولا يثبت عنه حاشاه أنه شرب الخمر. وقد سبق بيان حاله وفضله في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3845، 34898، 52235، 62933.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1429(22/33)
لسم قائد جيش الروم في معركة اليرموك
[السُّؤَالُ]
ـ[في معركة اليرموك قاد خالد بن الوليد المسلمين إلى النصر وهزم الروم هزيمة ساحقة، ما اسم ملك الروم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعركة اليرموك وقعت سنة ثلاث عشرة وقيل خمس عشرة من الهجرة، وكان قائد جيش الروم الكلب تدارق أخو هرقل ملك الروم، وكان قائد المسلمين فيها سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه، أمره على الجيش الخليفة الصديق رضي الله عنه، وقال: والله لأشغلن النصارى عن وساوس الشيطان بخالد بن الوليد، وفي أثناء المعركة جاء البريد إلى خالد يخبره بموت أبي بكر واستخلاف عمر وتولية أبي عبيدة على الجيش، فكتم خالد الخبر حتى لا يضعف المسلمون في ذلك الموقف الحرج.. ولما نزل نصر الله تعالى على المسلمين هرب تدارق ثم قتل.
قال ابن كثير: وأكمل خالد ليلته في خيمة تدارق أخي هرقل وهو أمير الروم كلهم يومئذ هرب فيمن هرب وباتت الخيول تجول نحو خيمة خالد يقتلون من مر بهم من الروم حتى أصبحوا وقتل تدارق ... انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1429(22/34)
ترجمة السيدة مريم العذراء عليها السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الفاضل في سورة مريم الآية 28: (يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا) .
من هو هارون المذكور في الآية الكريمة وهل هو أخ سيدنا موسى؟
ما القرابة التي بين السيدة مريم وسيدنا زكريا؟
ما اسم والدي السيدة مريم؟
كم كان عمر السيدة مريم حين ولدت المسيح عيسى عليه السلام؟
وهل عندما رفعه الله هل كانت حية أو ميتة؟ وكم كان عمرها آنذاك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن زكريا عليه السلام زوج أخت مريم أو زوج خالتها، فقد ذكر أهل العلم قولين في ذلك، وأما والد مريم فاسمه عمران كما يدل له القرآن، وأما أمها فيذكر المفسرون أنها تسمى حنة بنت فاقوذا بن قبيل، وأما عمرها عند ولادة المسيح عليه السلام فيذكر المفسرون أنه كان في حدود السنة الثالثة عشرة وأنه عليه السلام رفع في حياة أمه مريم وعمرها إذ ذاك نحو خمس وأربعين سنة.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 16893، 34167، 80139، 17643.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1429(22/35)
مؤلف كتاب العبقريات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما اسم مؤلف العبقريات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مؤلف كتاب العبقريات (عبقرية محمد، الصديق، عمر) هو الكاتب الأديب الناقد عباس محمود العقاد المتوفى سنة: 1383، الموافق: 1964.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1429(22/36)
اليهودي المنافق الذي هبت ريح شديدة لموته
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما هبت الريح في غزوة بني المصطلق قال صلى الله عليه وسلم: إنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار، فمن هو هذا العظيم هل هو -رافعة بن زيد بن التابوت- كعب بن الأشرف- أبو سنان الحقيق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية والبغوي في التفسير أن اسم هذا الرجل رفاعة بن زيد بن التابوت القينقاعي، ذكر البغوي في تفسيره: أن الرسول صلى الله عليه وسلم راح بالناس حتى نزل على ماء بالحجاز.. فهاجت ريح شديدة آذتهم وتخوفوها ... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تخافوا فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار، توفي بالمدينة، قيل: من هو؟ قال: رفاعة بن زيد بن التابوت..فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت قد مات ذلك اليوم وكان من عظماء اليهود وكهفا للمنافقين ... انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1429(22/37)
الأثر رواه ابن سعد
[السُّؤَالُ]
ـ[مطلوب: تخريج وتحقيق هذا الأثر:
[استودع عروة بن الزبير أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام مالاً من مال مصعب، قال: فأصيب المال عند أبي بكر، أو بعضه، فأرسل إليه عروة: أن لا ضمان عليك إنما أنت مؤتمن، فقال أبو بكر: قد علمتُ أن لا ضمان علي، ولكن لم تكن لتحدث قريشًا أن أمانتي قد خربت، ثم باع مالاً له فقضاه) .]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الأثر رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى: في ترجمة أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي من طريق عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد أن عروة استودع أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام مالا من بني مصعب فذكره.
وعبد الله بن جعفر هو المخرمي: ليس به بأس من رجال مسلم، وعثمان بن محمد هو الأخنس: صدوق له أوهام. كما في التقريب.
وفي ترجمة أبي بكر بن عبد الرحمن أورده ابن عساكر وابن الجوزي.
ولم نقف على من صححه أو ضعفه من أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1429(22/38)
حول المناظرة بين ابن تيمية وابن عطاء الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المناظرة الموجودة في كتب التاريخ بين شيخ الإسلام ابن تيمية وابن عطاء الله صحيحة أم لا؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المناظرة تطرح بكثرة في المنتديات الصوفية والشيعية، وينسبونها ـ كذبا وبهتانا ـ إلى ابن كثير وابن الأثير كمصادر تاريخية. مع أن ابن الأثير قد مات قبل أن يولد شيخ الإسلام ابن تيمية بأكثر من ثلاثين سنة, وبين وفاته وبين زمن المناظرة المزعومة نحو قرن من الزمان.
وأما ابن كثير فلم يذكر شيئا من ذلك، وإنما قال ابن كثير في أحداث سنة 707 هـ: استهلت.. والشيخ تقي الدين ابن تيمية معتقل في قلعة الجبل بمصر.. وفي يوم الجمعة رابع عشر صفر اجتمع قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة بالشيخ تقي الدين ابن تيمية في دار الأوحدي من قلعة الجبل وطال بينهما الكلام ثم تفرقا قبل الصلاة والشيخ تقي الدين مصمم على عدم الخروج من السجن، فلما كان يوم الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الأول جاء الأمير حسام الدين مهنا بن عيسى ملك العرب إلى السجن بنفسه وأقسم على الشيخ تقي الدين ليخرجن إليه، فلما خرج أقسم عليه ليأتين معه إلى دار سلار، فاجتمع به بعض الفقهاء بدار سلار وجرت بينهم بحوث كثيرة ثم فرقت بينهم الصلاة، ثم اجتمعوا إلى المغرب، وبات الشيخ تقي الدين عند سلار ثم اجتمعوا يوم الأحد بمرسوم السلطان جميع النهار ولم يحضر أحد من القضاة بل اجتمع من الفقهاء خلق كثير.. وطلبوا القضاة فاعتذروا بأعذار بعضهم بالمرض وبعضهم بغيره لمعرفتهم بما ابن تيمية منطو عليه من العلوم والأدلة وأن أحدا من الحاضرين لا يطيقه.. وبات الشيخ عند نائب السلطنة، وجاء الأمير حسام الدين مهنا يريد أن يستصحب الشيخ تقي الدين معه إلى دمشق فأشار سلار بإقامة الشيخ بمصر عنده ليرى الناس فضله وعلمه وينتفع الناس به ويشتغلوا عليه.. قال البرزالي: وفي شوال منها شكا الصوفية بالقاهرة على الشيخ تقي الدين وكلموه في ابن عربي وغيره إلى الدولة، فردوا الأمر في ذلك إلى القاضي الشافعي فعقد له مجلس وادعى عليه ابن عطاء بأشياء فلم يثبت عليه منها شيء ... ثم إن الدولة خيروه بين أشياء إما أن يسير إلى دمشق أو الإسكندرية بشروط أو الحبس فاختار الحبس. اهـ البداية والنهاية (14، 44،45) وذكر نحو ذلك ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة ص 343، وابن حجر في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة 1 / 173.
وهذه المناظرة المزعومة ذكرتها جريدة المسلم الصادرة عن العشيرة المحمدية بالقاهرة, وذكرها السيد الجميلي في كتابه مناظرات ابن تيمية مع فقهاء عصره كلاهما نقلا عن الكاتب المسرحي اليساري عبد الرحمن الشرقاوي في كتابه ابن تيمية الفقيه المعذب ص 202: 210.
وقد ذكر الشرقاوي ما سبق نقل بعضه عن ابن كثير مع زيادات كثيرة لا أدري من أين أتى بها، دون إحالة لأي مصدر تاريخي، وهذا شأنه في الكتاب كله انظر ابن تيمية الفقيه المعذب ص 193: 200.
وقد سبق ذكر نبذة عن ابن عطاء الله السكندري وعن كتابه الحكم في الفتوى رقم: 57583، والفتوى رقم: 57513.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1429(22/39)
نبذة عن ظالم بن محمد السائح
[السُّؤَالُ]
ـ[فى زيارتي إلى بلاد الشام شاهدت بالصدفة قبر ولي فنزلت من السيارة فوصلت إلى القبر وقرأت الفاتحة وأدهشني أن طول القبر خمسة أمتار واسم الولي محمد السائح، الرجاء الإفادة من هو محمد السائح ومتى مات وفى أي عصر وما أعماله التي قام بها وسبب الطول ولكم الشكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد ترجمة لمحمد السائح إنما وجدنا لـ ظالم بن محمد السائح في طبقات الأولياء فلعله هو والعوام تذكر أباه محمداً، وله ترجمة في طبقات الأولياء مختصره وحكى عنه أنه قال: أصل هذا الأمر ثلاثة أشياء: السكون إلى الله، وقلة الغذاء، والهروب من الخلق. إن كان هو فهو في القرن الرابع، وثم آخر هو أبو بكر أحمدي محمد السائح له ذكر في صفة الصفوة وتاريخ الذهبي وتاريخ دمشق لابن عساكر وذكره إنما هو في طريق الإسناد، وعلى كل حال فاتخاذ قبور الأولياء مزارات ومساجد ومحل اجتماع للناس للتعبد بدعة منكرة لا تجوز، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 4973، وكذلك الفتوى رقم: 2679.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1429(22/40)
نبذة عن ابن خويز منداد
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو ابن خويز منداد؟ وشكراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ابن خُويز منداد فقيه من فقهاء المالكية تكلم عليه القاضي عياض في ترتيب المدارك فذكر أنه كنّاه أبو إسحاق الشيرازي.. بأبي بكر وسماه محمد بن أحمد بن عبد الله. وقال عياض: ورأيت على كتبه تكنيته، بأبي عبد الله، وفي نسبته: محمد بن أحمد بن علي بن إسحاق. وقال الشيرازي أيضاً: تفقه بالأبهري وسمع الحديث. يروي عن أبي داسة، وأبي الحسن التمار، وأبي الحسن المصيصي، وأبي إسحاق التجيبي، وأبي العباس الأصم، وله كتاب كبير في الخلاف، وكتاب في أصول الفقه، وفي أحكام القرآن، وعنده شواذ عن مالك. وله اختيارات وتأويلات على المذهب في الفقه، والأصول، لم يرجع عليها حذاق المذهب ... وكان يجانب الكلام جملة، وينافر أهله، حتى تعدى ذلك إلى منافرته المتكلمين من أهل السنة، وحكم على الكل بأنهم من أهل الأهواء، الذين قال مالك في مناكحتهم وشهادتهم وإمامتهم وعيادتهم وجنائزهم ما قال رحمه الله.. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1429(22/41)
نبذة عن القاضي أبي إسحاق البغدادي
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو القاضي أبو إسحاق البغدادي؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكنية (أبو إسحاق) كثيرة في البغداديين ولكن من أمثل البغداديين المكنين بها سعد بن إبراهيم الزهري قال عنه ابن سعد في الطبقات: سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ويكنى أبا إسحاق وولي قضاء واسط في خلافة هارون ثم ولي قضاء عسكر المهدي في أول خلافة المأمون وهو بخراسان، وكان يروي كتب أبيه وسمع منه بعض البغداديين، ثم عزل عن القضاء ببغداد فلحق بالحسن بن سهل وهو بفم الصلح فولاه قضاء عسكره، وتوفي بالمبارك وهو ابن ثلاث وستين سنة في سنة إحدى ومائتين.. انتهى.
وقال عنه الخطيب في تاريخ بغداد: سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق الزهري سمع أباه وعبيدة بن أبي رائطة روى عنه أحمد بن حنبل وخلف بن سالم وكان صدوقاً ولي قضاء عسكر المهدي ببغداد وهو أخو يعقوب بن إبراهيم بن سعد وكان أسن من يعقوب وثقة ابن معين وقال عنه الإمام أحمد بن حنبل: لم يكن به بأس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1429(22/42)
مظان وجود أسماء الصحابيات
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم. أخبرتني الطبيبة والله أعلم أني حبلى ببنت, استبشرنا خيرا أنا وزوجي وبدأنا بالبحث عن اسم لها من أسامي الصحابات رضوان الله عليهن كي تتأسى بهن عندما تكبر..
فأعجب زوجي وعائلته باسم مسرّة.. فهل حقا هذا الاسم لصحابية جليلة وان كان كذلك فمن تكون وما هي قصتها؟ وإن لم يكن هذا الاسم لصحابية فأرجو مدي بأسامي صحابيات أو اسم موقع أجد فيه ما أريد. جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد هذا الاسم في كتب تراجم الصحابيات الكثيرة والمشهورة لكن معناه حسن فهو من السرور، ويدل اختياره على التفاؤل
ولمعرفة أسماء حسنة لصحابيات وغيرهن راجعي ما كتبه الشيخ بكر أبو زيد في كتابه القيم: تسمية المودود والإمام ابن القيم في كتابه تحفة الودود بأحكام المولود وهما متوفران بالمكتبات الإسلامية، ومن أسماء الصحابيات عائشة وخديجة وفاطمة وأسماء وزينب وصفية وحفصة، ولا نعرف اسم موقع بعينه في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1429(22/43)
شراح الأربعين النووية
[السُّؤَالُ]
ـ[من القائم بتفسير شرح الأربعين النووية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد شرح الأربعين النووية للإمام النووي رحمه الله أكثر من واحد من أهل العلم ومن أشهر هؤلاء من القدماء العلامة ابن رجب الحنبلي في كتابه جامع العلوم والحكم، وقد زاد عدة أحاديث عليه فأوصلها إلى خمسين حديثا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1429(22/44)
ابن الجوزي هل كان صوفيا أو حلوليا
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في كتاب صيد الخاطر لابن الجوزي في الصفحة 20 (نسخة الكترونية) :
•فصل: محبة الخالق ضرورة......وذكر كلاما حتى وصل إلى قوله: فكيف بمن صنع تلك الصور المعنوية وبذلها؟ .
وكيف لا أحب من وهب لي ملذوذات حسي، وعرقي ملذوذات علمي؟ فإن التذاذي بالعلم وإدراك العلوم أولى من جميع اللذات الحسية، فهو الذي علمني وخلق لي إدراكاً، وهداني إلى ما أدركته.
ثم إنه يتجلى لي في كل لحظة في مخلوق جديد، أراه فيه بإتقان ذلك الصنع وحسن ذلك المصنوع.
فكل محبوباتي منه، وعنه، وبه، الحسية والمعنوية، وتسهيل سبل الإدراك به، والمدركات منه، وألذ من كل لذة عرفاني له، فلولا تعليمه ما عرفته.
والسؤال: ماذا يقصد بقوله:
ثم إنه يتجلى لي في كل لحظة في مخلوق جديد، أراه فيه بإتقان ذلك الصنع وحسن ذلك المصنوع.
وهل في هذا مشابهة للصوفية في العقيدة، أم أن ابن الجوزي رحمه الله يقصد شيئا آخر غير ما فهمته (أقصد: عقيدة الحلول) لأني أعلم يقينا أن ابن الجوزي لم يكن صوفيا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
سبق في الفتوى رقم: 68107، الكلام عن عقيدة ابن الجوزي ومآخذ العلماء عليه كابن تيمية وغيره ولم يكن رحمه الله من الصوفية أو الحلولية وحاشاه بل هو نفسه ينقم على هؤلاء ويذم فعالهم وما هم عليه من باطل في مواطن كثيرة من كتبه، منها كتابه المسمى بتلبيس إبليس فقد ذكر فيه جملة من تلبيسات الشيطان على الصوفية. وقصده بعبارته هذه الاعتبار بمخلوقاته سبحانه، وجميل صنعه فيها، ومعرفة صفاته التي تدل عليها هذه المصنوعات بما يؤول إلى زيادة محبته، والاستدلال بذلك على وجوده سبحانه وعظيم منه وإحسانه، إذ قد بين هذا التجلي رحمه الله في العبارة نفسها بقوله: أراه فيه بإتقان ذلك الصنع وحسن ذلك المصنوع. وقريب من ذلك ما يقره العلماء ويتناقلونه من قول الشاعر {ابن المعتز} :
فيا عجبا كيف يعصي الإله ... أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية.... تدل على أنه واحد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1429(22/45)
الإمامان أبو الأسود الدؤلي وسيبويه
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما أقدم أبو الأسود الدؤلي أو سيبويه النحوي؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فإن أبا الأسود أقدم من سيبويه فقد عاش أبو الأسود في القرن الأول وأخذ عن كثير من الصحابة..
وأما سيبويه فقد عاش في القرن الثاني وقد أخذ عن أبي الأسود بواسطة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أقدم الرجلين هو أبو الأسود ... فهو شيخ مشايخ سيبويه؛ فقد أخذ عنه النحو بواسطة طلبته وخاصة الخليل بن أحمد الفراهيدي وغيره.
ف أبو الأسود تابعي جليل.. ولد في حياة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-
قال عنه الذهبي في السير ".. أبو الأسود الدؤلي ... العلامة الفاضل قاضي البصرة واسمه ظالم بن عمرو على الأشهر ولد في أيام النبوة وحدث عن عمر وعلي وأبي بن كعب وأبي ذر وعبد الله بن مسعود والزبير بن العوام وطائفة.
وقال أبو عمرو الداني: قرأ القرآن على عثمان وعلي، قرأ عليه ولده أبو حرب ونصر بن عاصم الليثي وحمران بن أعين ويحيى بن يعمر.
قال يحيى بن معين: مات أبو الأسود في طاعون الجارف سنة تسع وستين، وهذا هو الصحيح. وقيل: مات قبيل ذلك وعاش خمسا وثمانين سنة.اهـ
وأما سيبويه فقال عنه: " هو إمام النحو حجة العرب أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الفارسي ثم البصري، وقد طلب الفقه والحديث مدة، ثم أقبل على العربية فبرع وساد أهل العصر، وألف فيها كتابه الكبير لا يدرك شأوه فيه، ... وكان شابا جميلا نظيفا قد تعلق من كل علم بسبب، وضرب بسهم في كل أدب مع حداثة سنه، وقيل عاش اثنتين وثلاثين سنة، وقيل نحو الأربعين. قيل مات سنة ثمانين ومئة وهو أصح. وقيل سنة ثمان وثمانين ومئة" اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1429(22/46)
روايات محمد بن إسحق كاتب السيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي فى السيرة ... روايات أبي إسحاق ما مدى ثبوتها من ناحية حديثية وتاريخية؟ وما هو الصحيح منها وأين الخطأ إن وجد، يا حبذا لو أخبرتموني مأجورين عن الأئمه المعاصرين من ذوي الشأن في هذا المجال والتركيز على مواطن الخطأ حتى أتبين؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تسأل عن روايات الإمام محمد بن إسحاق صاحب السيرة، فإن هذا الإمام وثقه كثير من المحدثين منهم الإمام أحمد وابن معين والعجلي وابن نمير، وقد روى له مسلم وأحمد وأصحاب السنن وروى له البخاري تعليقاً، ولكنه كان معروفاً بالتدليس فما صرح بالتحديث فيه قبل منه وما لم يصرح فيه بالتحديث لا يقبل، وقد ذكر الذهبي رحمه الله في التهذيب أنه كان صدوقاً من بحور العلم، وأن حديثه حسن، وننصحك بالاطلاع على مواقع بعض العلماء المعاصرين في موقع سلطان للمواقع الإسلامية والعربية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1429(22/47)
تلقيب الأمام مالك بإمام الأئمة وإمام دارالهجرة
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا سمي الإمام مالك إمام الأئمة وعالم دار الهجرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد لقب الإمام مالك بإمام الأئمة لكثرة من أخذ عنه من أعلام هذه الأمة وأئمتها مباشرة أو بواسطة، فممن أخذ عنه مباشرة الإمام الشافعي والإمام محمد بن الحسن والإمام أبو يوسف صاحباً أبي حنيفة، كما أخذ عنه الإمام أحمد والإمام البخاري والإمام مسلم ... بواسطة.
ولقب بإمام دار الهجرة لأنه استمر مدة طويلة كان فيها مرجع أهل المدينة (دار الهجرة النبوية) الوحيد حتى قيل: لا يفتى ومالك بالمدينة. وللمزيد انظري في ذلك الفتوى رقم: 46760 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1429(22/48)
قبر (راحيل)
[السُّؤَالُ]
ـ[يعتقد اليهود بوجود قبر راحيل في منطقة بيت لحم جنوب القدس.
ويعتقد أن راحيل (بالعبرية: ???) الزوجة الثانية ليعقوب ووالدة يوسف وأخيه الأصغر بنيامين.
ويروى أن سيدنا يعقوب عليه السلام قد مر بها-بيت لحم- وهو في طريقه إلى الخليل، وقد توفيت زوجته راحيل في مكان قريب منها يعرف اليوم باسم (قبة راحيل) .
فهل ما ذكر عن راحيل صحيح، واذا لم يكن فمن تكون راحيل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس عندنا في هذا الأمر نص من نصوص الوحي يمكن الجزم به. فأغلب ما يروون في هذا مأخوذ من الإسرائيليات.
وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن راحيل ماتت عقيب ولادة ابنها بنيامين، ودفنها يعقوب في بيت لحم. وصنع يعقوب على قبرها حجرا، وهي الحجارة المعروفة بقبر راحيل اليوم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1429(22/49)
إياس بن معاوية القاضي المشهور بالذكاء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الاسم الثاني للشخص الذي عرف بالذكاء إياس بن ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل الكريم يقصد إياس بن معاوية، فقد ورد في كتاب الإصابة في تمييز الصحابة: إياس بن معاوية المزني ... وقد وهم من جعله صحابيا، وإنما هو تابعي صغير مشهور بذلك، وهو إياس القاضي المشهور بالذكاء.
وجاء في تقريب التهذيب: إياس بن معاوية بن قرة بن إياس المزني أبو واثلة البصري القاضي المشهور بالذكاء، ثقة من الخامسة، مات سنة اثنتين وعشرين ومائة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1429(22/50)
سبب عدم زواج شيخ الإسلام ابن تيمية
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لم يتزوج شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، هل ترك هذه السنة لعذر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ترك الزواج جمع من العلماء ومنهم ابن تيمية والإمام النووي وغيرهم لا رغبة عنه ولا زهداً فيه، فقد كانوا يحثون على الزواج ويأمرون به، والظن أنهم قد تركوه لعذر أو مصلحة اقتضت ذلك، فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى32/5، عن شاب أو رجل أصابه سهم من سهام إبليس المسمومة- في إشارة إلى الوقوع في الشهوة المحرمة- فأجاب: من أصابه جرح مسموم فعليه بما يخرج السهم ويبرئ الجرح بالترياق والمرهم، وذلك بأمور: منها: أن يتزوج..؛ فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا نظر أحدكم إلى محاسن امرأة فليأت أهله؛ فإنما معها مثل ما معها" رواه الترمذي وأصله عند مسلم، من حديث جابر – رضي الله عنه -، وهذا مما ينقص الشهوة، ويضعف العشق. انتهى
وراجع في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية الفتوى رقم: 7022.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1429(22/51)
توضيح حول لقب سيدة الدارين
[السُّؤَالُ]
ـ[من هى سيدة الدارين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم امرأة يطلق عليها هذا اللقب سيدة الدارين، ولكن راجع الفتوى رقم: 18203.
ففيها بيان سيدات نساء العالمين، وهن مريم وفاطمة وخديجة وآسيا امرأة فرعون، وأن مريم عليها السلام هي سيدة نساء العالمين على الإطلاق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1429(22/52)
ترجمة الإمام مسلم صاحب الصحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[أولاً أريد ترجمة ملخصة لمسلم وشكراً.. المرجو الإجابة في أسرع وقت ممكن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإمام مسلم هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري ولد بمدينة نيسابور سنة 206 هـ وتوفي بها سنة 261هـ. رحل إلى الحجاز ومصر والشام والعراق في طلب الحديث، وكان أحد أئمة الحديث وحفاظه، اعترف علماء عصره ومن بعدهم له بالتقدم والإتقان في هذا العلم، من شيوخه الكبار إسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، وسعيد بن منصور وغيرهم.. ومن الذين رووا عنه الترمذي وأبو حاتم الرازي وابن خزيمة.
وكان إماماً جليلاً مهاباً، غيوراً على السنة، تتلمذ على البخاري واستفاد منه ولازمه، وهجر من أجله من خالفه، وكان في غاية الأدب مع إمامه البخاري حتى قال له يوماً: دعني أقبل رجلك يا إمام المحدثين وطبيب الحديث وعلله. أثنى أئمة العلم على الإمام مسلم، وقدمه أبو زرعة وأبو حاتم على أئمة عصره.
وقد صنف الإمام مسلم كتباً كثيرة وأشهرها صحيحه الذي صنفه في خمس عشرة سنة، وقد تأسى في تدوينه بالبخاري رحمه الله فلم يضع فيه إلا ما صح عنده، وقد جمع في صحيحه روايات الحديث الواحد في مكان واحد لإبراز الفوائد الإسنادية في كتابه، ولذلك فإنه يروي الحديث في أنسب المواضع به ويجمع طرقه وأسانيده في ذلك الموضع، بخلاف البخاري فإنه فرق الروايات في مواضع مختلفة، وعدد أحاديثه بدون المكرر نحو 4000 حديث، وبالمكرر نحو 7275 حديثاً، وقد شرح هذا الكتاب شروحاً كثيرة، من أشهرها المنهاج في شرح الجامع الصحيح للحسين بن الحجاج، وهو للإمام النووي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو الحجة 1428(22/53)
نبذة عن القارئ الشيخ عبد الباسط عبد الصمد
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وأين توجد جميع تسجيلاته الداخلية والخارجية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشيخ عبد الباسط عبد الصمد هو أحد القراء المعروفين بتلاوة القرآن الكريم، الذين جمعوا بين جمال الصوت وجودة القراءة، وهو إن لم يكن أشهر قارئ للقرآن في هذا العصر فهو من أشهر القراء، ويمكنك الرجوع إلى هذا الرابط لمعرفة المزيد عن حياة الشيخ وسيرته. http://quran.maktoob.com/vb/quran3337 /
أما عن تسجيلاته فهي متوفرة في كل مكان، وله صفحة على موقعنا (قسم تسجيلات الشبكة- القرآن الكريم) وله بها مصحف كامل برواية حفص عن عاصم، وقراءات متفرقة بروايات أخرى. انظر هذا الرابط http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=allsoura&qid=462
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1428(22/54)
نبذة عن عبد الرحمن بن رستم ويوسف بن تاشفين
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو عبد الرحمن بن رستم وكذلك من هو يوسف بن تاشفين؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ابن رستم هو عبد الرحمن بن رستم المتوفى (171هـ -000- 787م) وهو مؤسس مدينة تاهرت (بالجزائر) وأول من ملك من (الرستميين) وكان من فقهاء الإباضية بإفريقية، معروفاً بالزهد والتواضع، وله كتاب في (التفسير) ولما تغلب أبو الخطاب على أفريقية استخلفه على القيروان، وزحف ابن الأشعث ودخل القيروان وقتل أبا الخطاب سنة 144هـ، ففر عبد الرحمن بأهله وما خلف من ماله إلى الغرب ولحقت به جماعات من الإباضية، فنزل بموضع (تاهرت) وكان غيضة بين ثلاثة أنهار، وفيها آثار عمران قديم، فبنى أصحابه فيها مسجداً من أربع بلاطات وبنوا مساكنهم (سنة 161هـ) وبايعوه بالإمامة، فأقام إلى أن توفي، وهو فارسي الأصل، كان جده بهرام من موالي عثمان بن عفان.
وأما يوسف بن تاشفين فهو أمير المرابطين وهو الذي بنى مراكش وصيرها دار ملكه، وهو الذي أخر الله به احتلال الصليبيين للأندلس مدة أربعة قرون، وقد قال فيه ابن الأثير في الكامل في التاريخ: كان يوسف رجلاً ديناً، خيراً حازماً داهية مجرباً، ولما توفي أبو بكر بن عمر بالصحراء اجتمعت طوائف المرابطين على يوسف بن تاشفين وملكوه عليهم، ولقبوه أمير المسلمين، وكانت الدولة في بلاد المغرب لزناتة الذين ثاروا في أيام الفتن، وهي دولة ردية، مذمومة، سيئة السيرة، لا سياسة ولا ديانة، وكان أمير المسلمين وطائفته على نهج السنة، واتباع الشريعة فاستغاث به أهل المغرب، فسار إليها وافتتحها حصناً حصناً وبلداً بلداً بأيسر سعي فأحبه الرعايا، وصلحت أحوالهم.
ثم إنه قصد موضع مدينة مراكش وهو قاع صفصف لا عمارة فيه، وهو موضع متوسط في بلاد المغرب كالقيروان في إفريقية، ومراكش تحت جبال المصامدة الذين هم أشد أهل المغرب قوة، وآمنهم معقلاً، فاختط هناك مدينة مراكش ليقوى على قمع أهل تلك الجبال إن هموا بفتنة، واتخذها مقراً فلم يتحرك أحد بفتنة ... وخرجت جماعة قبيلة لمتونة وغيرهم، وضيقوا حينئذ لثامهم، وكانوا قبل أن يملكوا يتلثمون في الصحراء من الحر والبرد كما يفعل العرب، والغالب على ألوانهم السمرة، فلما ملكوا البلاد ضيقوا اللثام.
وقيل كان سبب اللثام لهم أن طائفة من لمتونة خرجوا مغيرين على عدو لهم، فخالفهم العدو إلى بيوتهم، ولم يكن بها إلا المشايخ والصبيان والنساء فلما تحقق المشايخ أنه العدو أمروا النساء أن يلبسن ثياب الرجال، ويتلثمن ويضيقنه حتى لا يعرفن، ويلبسن السلاح، ففعلن ذلك وتقدم المشايخ والصبيان أمامهن، واستدار النساء بالبيوت، فلما أشرف العدو رأى جمعاً عظيماً فظنه رجالاً فقال: هؤلاء عند حرمهم يقاتلون عنهن قتال الموت، والرأي أن نسوق النعم ونمضي، فإن اتبعونا قاتلناهم خارجاً عن حريمهم.
فبينما هم في جمع النعم من المراعي إذ قد أقبل رجال الحي، فبقي العدو بينهم وبين النساء، فقتلوا من العدو فأكثروا، وكان من قتل النساء أكثر، فمن ذلك الوقت جعلوا اللثام سنة يلازمونه، فلا يعرف الشيخ من الشاب، فلا يزيلونه ليلاً ولا نهاراً، ومما قيل في اللثام:
قوم لهم درك العلى في حمير * وإن انتموا صنهاجة فهم هم
لما حووا إحراز كل فضيلة * غلب الحياء عليهم فتلثموا
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1428(22/55)
مؤسس دولة العبيديين
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو مؤسس الدولة الفاطمية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مؤسس دولة العبيديين الذين ادعوا أنهم فاطميون هو عبيد الله الذي تلقب بالمهدي، المتوفى سنة 322هجرية، وقد ذكر ابن كثير عن كثير من أهل العلم أنهم كاذبون في دعواهم الانتساب إلى فاطمة رضي الله عنها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1428(22/56)
الشيخ الألباني من بقية السلف الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الألباني من الوهابية، وهل هم أهل ابتداع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوهابية لقب يطلق على أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ولم يكن هذا الشيخ مبتدعاً في يوم من الأيام ولا كان نهجه نهج ابتداع، بل كان من أهل السنة واتخذ منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في العقيدة والعمل سبيلاً لدعوته، وعلى هذا النهج كان الشيخ الألباني رحمه الله، ولم يكن الشيخ الألباني ينسب نفسه لغير السلف، بل إن محمد بن عبد الوهاب نفسه وأتباعه لم يطلقوا على أنفسهم هذا اللقب؛ بل أطلقه عليهم خصومهم.
ولمعرفة المزيد نرجو مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 41710، 38579، 30623، 23432.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1428(22/57)
نبذة عن ابن خلدون وهل كان من أهل السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[السادة المشايخ الفضلاء أود أن أسأل هل ابن خلدون المؤرخ ومؤسس علم الاجتماع هل هو من أهل السنة والجماعة أم أنه من الباطنيين أو الفلاسفة؟
رغبت في السؤال لأن هذا الشخص يوصف بأنه من أهم الشخصيات والعقليات في التاريخ وأنا خلفيتي عنه شبه معدومة فأرجو الافادة وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فابن خلدون واحد من أعظم المفكرين المسلمين ولد بتونس سنة 1332مـ الموافق لسنة 732 هـ، وتوفي بمصر سنة 1406 مـ الموافق لسنة 808 هـ.
وتلقّى ابن خلدون تعليما كاملا كما هي العادة في عصره فأتقن علوما عديدة وبرع في اللغة العربية، ودرس القرآن والعلوم العقلية كالرياضيات والمنطق والفلسفة، كما ألمّ بالفقه.
وقد ألف كتابه الشهير: «كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيّام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» .
قضى المرحلة الأخيرة من حياته في القاهرة عاصمة دولة المماليك التي كانت تضم آنذاك الشام ومصر.
وهناك خصّص جزءا كبيرا من وقته للمطالعة والكتابة إلى جانب شغله لمنصب القضاء وإلقائه دروسا في جامع الأزهر أوّل جامعة أسّست بالقاهرة.
وتفيد آثاره أنه كان رجل دين وفكر وعلم، وأنه كان سنيا في منهجه ومعتقده.
يقول محذرا من الخوض فيما وقع بين الصحابة -رضي الله عنهم-: «فإيّاك أن تعود نفسك أو لسانك التعرض لأحد منهم، ولا يشوِّش قلبك بالريب في شيء مِمّا وقع منهم. والتمِس لهم مذاهب الحق وطرقه ما استطعت، فهم أولى الناس بذلك. وما اختلفوا إلا عن بيّنة، وما قاتلوا أو قتلوا إلا في سبيل جهادٍ أو إظهار حق. واعلم أن اختلاف الصحابة رحمةٌ لمن بعدهم من الأمة ليقتدي كل واحد بمن يختاره منهم ويجعله إمامه وهاديه ودليله. فافهم ذلك وتبيّن حكمة الله في خلقه وأكوانه» .
ومن هذا المقال يتضح أنه لم يكن مجرد فيلسوف أو عالم اجتماع، وأنه إنما كان واحدا من علماء أهل السنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1428(22/58)
من لقب بشيخ الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا سمي ابن تيمية بشيخ الوضوء؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لم نقف على من سمى ابن تيمية بالاسم المذكور.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على من لقب شيخ الإسلام ابن تيمية بشيخ الوضوء، وقد عرف بهذا اللقب بعض مشايخ الشافعية لأنه كان يهتم بتعليم العامة الوضوء، قال صاحب إنباء الغمر: محمد بن إبراهيم ين يعقوب شمس الدين شيخ الوضوء الشافعي كان يقرئ بالسبع ويشارك في الفضائل وقيل له شيخ الوضوء لأنه كان يطوف على المطاهر فيعلم العامة الوضوء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1428(22/59)
زينب بنت علي بن أبي طالب
[السُّؤَالُ]
ـ[أخى الكريم إنني كنت أقصد فى سؤالي عن السيدة زينب بنت بنت رسول الله واسمها بالكامل زينب بنت علي بن أبي طالب، والسؤال مرة أخرى من سمى السيدة زينب بأمشيره/ ورئيسة الدواوين وبأم العواجز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن زينب بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما عدها ابن حجر من الصحابة في كتابه الإصابة، وحكى عن ابن الأثير أنها ولدت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ووصفها ابن حجر فقال فيها: كانت عاقلة لبيبة جزلة وذكر أنها زوجها علي رضى الله عنه من ابن أخيه عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما. وأما المسميات الأخرى التي ذكرت فلم نعثر على من ذكر من سماها به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1428(22/60)
نبذة عن ابن أبي ذئب
[السُّؤَالُ]
ـ[بماذا اشتهر ابن أبي ذئب وأشهر مصنفاته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ابن أبي ذئب لا نعرف له مؤلفاً، وقد قال فيه الذهبي: الإمام الثبت العابد شيخ الوقت أبو الحارث محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب هشام بن شعبة بن عبد الملك بن أبي قيس بن عبد ود القرشي العامري المدني الفقيه، حدث عن عكرمة وشعبة بن دينار مولى ابن عباس وسعيد المقبري وشرحبيل بن سعد والزهري ونافع العمري وصالح مولى التوأمة وخلق.
وعنه ابن المبارك ويحيى القطان وأبو نعيم والقعنبي وأسد بن موسى وأحمد بن يونس وعلي بن الجعد وخلق كثير، قال أحمد بن حنبل: كان ابن أبي ذئب يشبه سعيد بن المسيب، فقيل لأحمد: أخلف مثله؟ قال: لا، وقال: كان أفضل من مالك إلا أن مالكاً أشد تنقية للرجال منه، قال الواقدي: ولد سنة ثمانين وكان من أورع الناس وأفضلهم، ورمي بالقدر وما كان قدرياً، لقد كان يعيبهم، وكان يصلي الليل أجمع، ويجتهد في العبادة، ولو قيل له إن القيامة تقوم غداً ما كان فيه مزيد اجتهاد، وأخبرني أخوه قال: كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ثم سرد الصوم، وكان خشن العيش، يتعشى الخبز بالزيت، وله قميص وطيلسان يشتو فيه ويصيف، وكان من رجال العلم صرامة وقولا بالحق، وكان يحفظ حديثه لم يكن له كتاب، وكان يبكر إلى الجمعة فيصلي حتى يخرج الإمام ...
وقال أحمد: هو أورع وأقوم بالحق من مالك، دخل على المنصور فلم يهبه أن قال له الحق، وقال: الظلم ببابك فاش، وأبو جعفر أبو جعفر. قال مصعب الزبيري: كان ابن أبي ذئب فقيه المدينة. وقال أبو نعيم: حججت عام حج أبو جعفر ومعه ابن أبي ذئب ومالك، فدعا ابن أبي ذئب فاقعده معه على دار الندوة فقال له: ما تقول في الحسن بن زيد؟ قال: إنه ليتحرى العدل، فقال له: ما تقول فيّ وأعاد عليه فقال: ورب هذه البنية إنك لجائر، قال: فأخذ الربيع بلحيته فقال له أبو جعفر: كف يا ابن اللخناء، وأمر له بثلاثمائة دينار، وقيل: إن المهدي حج فدخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فلم يبق إلا من قام إلا ابن أبي ذئب! فقيل له: قم فهذا أمير المؤمنين، قال: إنما يقوم الناس لرب العالمين، فقال المهدي: دعوه فقد قامت كل شعرة في رأسي.. توفي سنة تسع وخمسين ومائة رحمه الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1428(22/61)
ثعلب إمام النحو وبعض مصنفاته
[السُّؤَالُ]
ـ[بماذا اشتهر ثعلب وأشهر مصنفاته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
قال فيه الذهبي: ثعلب العلامة المحدث إمام النحو أبو العباس أحمد بن يحيى بن يزيد الشيباني مولاهم البغدادي صاحب الفصيح والتصانيف. ولد سنة مئتين وكان يقول ابتدأت بالنظر وأنا ابن ثماني عشرة سنة ولما بلغت خمساً وعشرين سنة ما بقي علي مسألة للفراء وسمعت من القواريري مئة ألف حديث، قلت: وسمع من إبراهيم بن المنذر ومحمد بن سلام الجمحي وابن الأعرابي وعلي بن المغيرة وسلمة بن عاصم والزبير بن بكار وعنه نفطويه ومحمد بن العباس اليزيدي والأخفش الصغير وابن الأنباري وأبو عمر الزاهد وأحمد بن كامل وابن مقسم الذي روى عنه أماليه، قال الخطيب: ثقة حجة دين صالح مشهور بالحفظ، وقيل: كان لا يتفاصح في خطابه. قال المبرد: أعلم الكوفيين ثعلب، فذكر له الفراء فقال: لا يعشره. وكان يزري على نفسه ولا يعد نفسه. قال ابن مجاهد: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: أقرئ أبا العباس السلام. وقل له: إنك صاحب العلم المستطيل.
وله كتاب اختلاف النحويين، وكتاب القراءات، وكتاب معاني القرآن وأشياء، وعمر وأصم صدمته دابة فوقع في حفرة ومات منها في جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين ومئتين. اهـ من سير أعلام النبلاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1428(22/62)
نبذة عن محمد بن زياد بن الأعرابي
[السُّؤَالُ]
ـ[بماذا اشتهر ابن الأعرابي وأشهر مصنفاته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ابن الأعرابي قال فيه الأزهري: ابن الأعرابي صالح زاهد ورع صدوق حفظ ما لم يحفظه غيره، ويذكر له من المؤلفات طبقات النساك، وكتاب كرامات الأولياء، وتاريخ القبائل.
وقد تكلم عليه الذهبي في السير فقال فيه: إمام اللغة أبو عبد الله محمد بن زياد بن الأعرابي الهاشمي مولاهم الأحول النسابة، يروي عن أبي معاوية الضرير والقاسم بن معن وأبي الحسن الكسائي. وعنه إبراهيم الحربي وعثمان الدارمي وثعلب وأبو شعيب الحراني وشمر بن حمدويه وآخرون.
ولد بالكوفة سنة خمسين ومئة، ولم يكن في الكوفيين أشبه برواية البصريين منه، وكان يزعم أن أبا عبيدة والأصمعي لا يعرفان شيئاً، قال مرة في لفظة رواها الأصمعي سمعتها من ألف أعرابي بخلاف هذا، قال ثعلب: لزمت ابن الأعرابي تسع عشرة سنة وكان يحضر مجلسه زهاء مئة إنسان، وما رأيت بيده كتاباً قط، انتهى إليه علم اللغة والحفظ.
قلت: له مصنفات كثيرة أدبية وتاريخ القبائل وكان صاحب سنة واتباع، مات بسامرا في سنة إحدى وثلاثين ومئتين، قيل كان ربيب المفضل بن محمد الضبي صاحب المفضليات فأخذ عنه، وكان يقول: جائز في كلام العرب أن يعاقبوا بين الضاد والظاء، يقال: مات في ثالث عشر شعبان. انتهى كلام الذهبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1428(22/63)
أول وزير في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو أول وزير في الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان المقصود هو السؤال عن أول من عرف بهذه التسمية فقد ذكر أهل التاريخ أن أول من تسمى بالوزير في الإسلام هو حفص بن سليمان المعروف بالخلال.
قال صاحب الوافي في الوفيات: حفص بن سليمان أبو سلمة الكوفي المعروف بالخلال ... كان من دعاة بني العباس.. وهو أول من وقع عليه اسم الوزير في الإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شوال 1428(22/64)
أشهر من لقب بحجة الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الملقب بحجة الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أشهر من عرف عنه هذا اللقب (حجة الإسلام) هو الإمام الغزالي، قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: الشيخ الإمام البحر حجة الإسلام أعجوبة الزمان زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي الغزالي صاحب التصانيف والذكاء المفرط.. انظر حياته بالتفصيل في السير للذهبي وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1428(22/65)
صيرفي الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو صيرفي الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصيرفي الحديث كانت تطلق على إبراهيم بن يزيد بن الأسود النخعي، ويكنى أبا عمران ... فعن الأعمش قال كان إبراهيم يتوقى الشهرة، فكان لا يجلس إلى الأسطوان وكان صيرفي الحديث فكنت إذا سمعت الحديث من بعض أصحابنا عرضته عليه، انظر عمدة القاري (1/214) ، تهذيب الكمال (2/238) ، حلية الأولياء (4/220) سير أعلام النبلاء (4/521) صفة الصفوة (2/50) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1428(22/66)
نبذة عن شخصية ابن باديس
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو ابن دابيس فكل ما أعرفه عنه أنه مشهور في علم التربية. ولكن من هو، وما هي سيرته، وما أشهر مؤلفاته؟ وجزاكم الله خيرا على هذا القسم القيم النافع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل الكريم يقصد ابن باديس وليس ابن دابيس، وإذا كان الأمر كذلك، فهو عبد الحميد بن باديس الصنهاجي. ولد بمدينة قسطنطينة عاصمة الشرق الجزائري سنة 1889م، وتوفي سنة1940م، وهو واحد من رجالات الإصلاح في الجزائر.
وقد نشأ ابن باديس في بيئة علمية، فقد حفظ القرآن وهو ابن ثلاث عشرة سنة، ثم تتلمذ على الشيخ أحمد أبو حمدان الونيسي، فكان من أوائل الشيوخ الذين كان لهم أثر طيب في اتجاهه الديني. ولا ينسى ابن باديس أبداً وصية هذا الشيخ له: "اقرأ العلم للعلم لا للوظيفة"، بل أخذ عليه عهداً ألا يقرب الوظائف الحكومية عند فرنسا. وقد عرف دائماً بدفاعه عن مطالب السكان المسلمين في قسطنطينة.
وشخصية ابن باديس شخصية غنية ثرية، ومن الصعوبة في حيز ضيق من الكتابة الإلمام بكل أبعادها وآثارها؛ فهو مجدد ومصلح يدعو إلى نهضة المسلمين ويعلم كيف تكون النهضة.
وهو عالم مفسر، فسر القرآن كله خلال خمس وعشرين سنة في دروسه اليومية، كما شرح موطأ مالك خلال هذه الفترة، وهو سياسي يكتب في المجلات والجرائد التي أصدرها عن واقع المسلمين وخاصة في الجزائر، ويهاجم فرنسا وأساليبها الاستعمارية، ويشرح أصول السياسة الإسلامية. وقبل كل هذا هو المربي الذي أخذ على عاتقه تربية الأجيال في المدارس والمساجد، فأنشأ المدارس واهتم بها، بل كانت من أهم أعماله، وهو الذي يتولى تسيير شؤون جمعية العلماء، ويسهر على إدارة مجلة الشهاب ويتفقد القاعدة الشعبية باتصالاته المستمرة.
وأما إنتاجه العلمي فهو ما جمع بعد من مقالاته في "الشهاب" وغيرها، ومن دروسه في التفسير والحديث.
ويمكنك أن تراجع للاستزادة: د.عمار الطالبي: ابن باديس.. حياته وآثاره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1428(22/67)
قصة مقتل الإمام النسائي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما قصة قتل الإمام العلم أبو عبد الرحمن النسائي رحمه الله أريد الراجح من أقوال أهل العلم.
جزاكم الله خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقصة قتل الإمام أحمد بن شعيب النسائي رواها الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية حيث قال بعد الثناء الكثير:
وقد قيل عنه إنه كان ينسب إليه شيء من التشيع قالوا ودخل إلى دمشق فسأله أهلها أن يحدثهم بشيء من فضائل معاوية فقال: أما يكفي معاوية أن يذهب رأسا برأس حتى يروى له فضائل، فقاموا إليه فجعلوا يطعنون في خصيتيه حتى أخرج من المسجد الجامع فسار من عندهم إلى مكة فمات بها في هذه السنة وقبره بها هكذا حكاه الحاكم عن محمد بن إسحاق الأصبهاني عن مشايخه. وقال الدارقطني: كان أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعرفهم بالصحيح من السقيم من الآثار، وأعرفهم بالرجال، فلما بلغ هذا المبلغ حسدوه فخرج إلى الرملة فسئل عن فضائل معاوية فأمسك عنه فضربوه في الجامع فقال: أخرجوني إلى مكة فأخرجوه وهو عليل فتوفي بمكة مقتولا شهيدا مع ما رزق من الفضائل رزق الشهادة في آخر عمره مات مكة سنة ثلاث وثلاثمائة. قال الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الغنى بن نقطة في تقييده ومن خطه نقلت ومن خط أبي عامر محمد بن سعدون العبدري الحافظ: مات أبو عبد الرحمن النسائي بالرملة مدينة فلسطين يوم الإثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من صفر سنة ثلاث وثلاثمائة، ودفن ببيت المقدس وحكى ابن خلكان أنه توفي في شعبان من هذه السنة وأنه إنما صنف الخصائص في فضل علي وأهل البيت لأنه رأى أهل دمشق حين قدمها في سنة ثنتين وثلاثمائة عندهم نفرة من على وسألوه عن معاوية فقال ما قال فدققوه في خصيتيه فمات، وهكذا ذكر ابن يونس وأبو جعفر الطحاوي إنه توفي بفلسطين في سفر من هذه السنة، وكان مولده في سنة خمس عشرة أو أربع عشرة ومائتين تقريبا عن قوله فكان عمره ثمانيا وثمانين سنة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(22/68)
نبذة عن مروان بن الحكم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد ترجمة لمروان بن الحكم لو تكرمتم وهل هو صحابي أو ابن صحابي ومن أبوه وأمه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مروان بن الحكم رجل من قريش من بني أمية، ابن عم عثمان رضي الله عنه، ولد بعد الهجرة بسنتين، وقد عزا الباجي للواقدي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد عده ابن حجر في الإصابة من جملة الصحابة، وذكر أنه كان يعد في الفقهاء وقد روى عنه عدة من فقهاء التابعين، وكان والياً على المدينة في خلافة معاوية، وكان مجلسه مجلس علم.
وقد توفي سنة 65 هجرية، وأما أبوه فقد أسلم يوم الفتح، ولقي الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كما في الإصابة، وهاجر بأسرته إلى المدينة ثم نفي منها إلى الطائف، وأم مروان آمنة بنت علقمة بن صفوان الكنائية، وللمزيد من أخباره راجع الإصابة لابن حجر والطبقات لابن سعد والبداية والنهاية لابن كثير وتاريخ مدينة دمشق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1428(22/69)
تعريف بابني آدم قابيل وهابيل
[السُّؤَالُ]
ـ[هابيل وقابيل هل هم أنبياء؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
قابيل ليس نبياً قطعاً، وأما هابيل فلم نقف على من قال بنبوته أو عدمها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هابيل وقابيل من أبناء آدم الأوائل كما قال ابن كثير في قصص الأنبياء، وقد وردت قصتهما إجمالاً في القرآن الكريم في قول الله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ {المائدة:27} ، إلى قوله تعالى: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ {المائدة:30} ، ولذلك فالقاتل (قابيل) ليس نبياً قطعاً، يؤكد ذلك ما جاء في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل. وأما المقتول (هابيل) فلم نقف على من قال بنبوته أو عدمها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1428(22/70)
ترجمة ابن القيم وابن الجوزي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ابن القيم هو نفسه ابن الجوزي أرجو ترجمة مختصره لكل منهما؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فابن القيم ليس هو ابن الجوزي وكل منهما من أكابر العلماء، فابن الجوزي هو عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن حمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر الجوزي نسبة إلى فرضة نهر البصرة، قال عنه ابن كثير في البداية والنهاية: الشيخ الحافظ الواعظ جمال الدين أبو الفرج المشهور بابن الجوزي القرشي التيمي البغدادي الحنبلي أحد أفراد العلماء برز في علوم كثيرة وانفرد بها عن غيره وجمع المصنفات الكبار والصغار نحوا من ثلاثمائة مصنف وكتب بيده نحواً من مائتي مجلدة وتفرد بفن الوعظ الذي لم يسبق إليه ولا يلحق شأوه فيه وفي طريقته وشكله وفي فصاحته وبلاغته وعذوبته وحلاوة ترصيعه ونفوذ وعظه وغوصه على المعاني البديعة وتقريبه الأشياء الغريبة فيما يشاهد من الأمور الحسية بعبارة وجيزة سريعة الفهم والإدراك بحيث يجمع المعاني الكثيرة في الكلمة اليسيرة هذا وله في العلوم كلها اليد الطولى والمشاركات في سائر أنواعها من التفسير والحديث والتاريخ والحساب والنظر في النجوم والطب والفقه وغير ذلك من اللغة والنحو وله من المصنفات في ذلك ما يضيق هذا المكان عن تعدادها وحصر أفرادها منها كتابه في التفسير المشهور بزاد المسير وله تفسير أبسط منه، ولكنه ليس بمشهور وله جامع المسانيد استوعب به غالب مسند أحمد وصحيحي البخاري ومسلم وجامع الترمذي، وله كتاب المنتظم في تواريخ الأمم من العرب والعجم في عشرين مجلداً قد أوردنا في كتابنا هذا كثيراً منه من حوادثه وتراجمه. انتهى.
وأما ابن القيم فهو الشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي إمام الجوزية وابن قيمها، ومن هنا قد يقع الاشتباه بينه وبين ابن الجوزي عند بعض الناس، قال عنه ابن كثير رحمه الله: ولد في سنة إحدى وتسعين وستمائة وسمع الحديث واشتغل بالعلم وبرع في علوم متعددة لا سيما علم التفسير والحديث والأصلين ولما عاد الشيخ تقي الدين ابن تيمية من الديار المصرية في سنة ثنتي عشرة وسبعمائة لازمه إلى أن مات الشيخ فأخذ عنه علماً جما مع ما سلف له من الاشتغال فصار فريداً في بابه في فنون كثيرة مع كثرة الطلب ليلاً ونهاراً وكثرة الابتهال وكان حسن القراءة والخلق كثير التودد لا يحسد أحداً ولا يؤذيه ولا يستعيبه ولا يحقد على أحد وكنت من أصحب الناس له وأحب الناس إليه ولا أعرف في هذا العالم في زماننا أكثر عبادة منه وكانت له طريقة في الصلاة يطيلها جداً ويمد ركوعها وسجودها ويلومه كثير من أصحابه في بعض الأحيان فلا يرجع ولا ينزع عن ذلك رحمه الله وله من التصانيف الكبار والصغار شيء كثير وكتب بخطه الحسن شيئاً كثيراً واقتنى من الكتب ما لا يتهياً لغيره تحصيل عشره من كتب السلف والخلف. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1428(22/71)
هل ضاع من كتب ابن القيم شيء
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعلوم أن الإمام ابن القيم إمام جليل , وعالم كبير, لكن هل صحيح أن ثلثي كتب ابن القيم المخطوطة أُحرقت فلا يوجد منها شيء؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لم نقف على تحديد لما ضاع من كتب العلامة ابن القيم عليه رحمة الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن للعلامة شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية - رحمه الله تعالى- ثروة هائلة من الكتب النافعة في مختلف فروع الثقافة الإسلامية، وقد طبع منها الكثير- بحمد الله- وانتشر في أقطار العالم الإسلامي وفي غيره، وانتفع بها الناس. ولا شك أن بعض كتبه لم تطبع، ويمكن أن يكون ضاع منها شيء، ولكننا لم نقف على تحديد لذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1428(22/72)
بعض الأحاديث والآثار الواردة في فضل بعض الأئمة الأربعة
[السُّؤَالُ]
ـ[مَنْ مِنَ الائمة الأربعة الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم في أحد أحاديثه الشريفة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الإمام مالك وردت فيه بعض الآثار، وكذلك الإمام الشافعي.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى الترمذي وحسنه، والنسائي في السنن، والحاكم وقال على شرط الشيخين، وقال الذهبي على شرط مسلم، وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يوشك الناس أن يضربوا أكباد الإبل فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة. قال الترمذي: وقد روي عن ابن عيينة أنه قال في هذا سئل من عالم المدينة؟ فقال إنه مالك بن أنس.
وقد وردت في فضل الإمام الشافعي أحاديث لا يصح منها شيء، ومن ذلك ما أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة عن علي رضي الله عنه وفيه: وإن علم عالم قريش يسع طباق الأرض.، ولهذا الحديث طرق كثيرة، قال العجلوني في كشف الخفاء: قال البيهقي وابن حجر طرق هذا الحديث إذا ضمت بعضها إلى بعض أفادت قوة وعلم أن للحديث أصلا.
وسبق بيان ذلك بتفصيل أكثر في الفتوىرقم: 39586.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1428(22/73)
ترجمة موجزة للحجاج بن يوسف الثقفي
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد ترجمة قصيرة للحجاج بن يوسف وأرجو التفصيل في الذين قتلهم أو عذبهم أو ظلمهم، من هم وماذا فعل بهم، وهل عبد الله بن الزبير منهم، وفي عهد من كان ذلك والتواريخ، وعلى من تجوز اللعنة، وهل تجوز على المسلمين، فأرجو التوضيح لأن هناك من الناس من يلعن الحجاج، وهل من كفره معه حق؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحجاج بن يوسف عرفه ابن كثير في البداية والنهاية قائلاً: هو الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف..
ويتعذر علينا التفصيل فيمن قتلهم الحجاج أو عذبهم فمن المشهور عنه كثرة سفكه للدماء، قال ابن كثير أيضاً: وكانت فيه شهامة عظيمة، وفي سيفه رهق، وكان كثير قتل النفوس التي حرمها الله بأدنى شبهة. انتهى.
ومن جملة من قتلهم الحجاج الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير سنة 73 للهجرة في خلافة عبد الملك بن مروان.
والحجاج لا يحكم عليه بالكفر، قال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء: أهلكه الله في رمضان سنة خمس وتسعين كهلا وكان ظلوماً جباراً ناصبياً خبيثاً سافكا للدماء، وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء وفصاحة وبلاغة وتعظيم للقرآن، قد سقت من سوء سيرته في تاريخي الكبير وحصاره لابن الزبير بالكعبة ورمية إياها بالمنجنيق وإذلاله لأهل الحرمين، ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة وحروب ابن الأشعث له وتأخيره للصلوات إلى أن استأصله الله، فنسبه ولا نحبه بل نبغضه في الله فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان، وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى الله وله توحيد في الجملة ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء. انتهى.
ولا ينبغي لعن الحجاج أو غيره من كل فاسق معين، كما تقدم في الفتوى رقم: 39213. والأصل حرمة لعن المسلم، كما سبق ذلك في الفتوى رقم: 35538. وإنما يجوز لعن من ثبت لعنه شرعاً من المعينين أو اللعن المطلق، وراجع الفتوى رقم: 56433.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1428(22/74)
ترجمة ابن أبي حاتم الرازي وفخر الدين الرازي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفرق بين ابن أبي حاتم الرازي وفخر الدين الرازي وتفسيريهما؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فابن أبي حاتم هو عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي أحد العلماء الثقات المشهورين بالتبحر في علوم الحديث والتفسير، وتفسيره من أحسن التفاسير لاشتماله على الأسانيد، قال عنه الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء: العلامة الحافظ يكنى أبا محمد ولد سنة أربعين ومائتين أو إحدى وأربعين. قال أبو الحسن علي بن إبراهيم الرازي الخطيب في ترجمة عملها لابن أبي حاتم: كان رحمه الله قد كساه الله نورا وبهاء يسر من نظر إليه، وله تفسير كبير في عدة مجلدات عامته آثار بأسانيده من أحسن التفاسير، توفي ابن أبي حاتم في المحرم سنة سبع وعشرين وثلاث مائة بالري وله بضع وثمانون سنة. انتهى
والفخر الرازي هو محمد بن عمر بن الحسين القرشي وتفسيره يسمى مفاتيح الغيب وهو تفسير ضخم حافل بالفوائد، قال الحافظ ابن كثير متحدثا عن سنة ستمائة وست للهجرة: وفيها توفي الفخر الرازي المتكلم صاحب التيسير والتصانيف يعرف بابن خطيب الري واسمه محمد بن عمر بن الحسين بن علي القرشي التيمي البكري أبو المعالي وأبو عبد الله المعروف بالفخر الرازي ويقال له ابن خطيب الري أحد الفقهاء الشافعية المشاهير بالتصانيف الكبار والصغار نحو من مائتي مصنف منها التفسير الحافل والمطالب العالية والمباحث الشرقية والأربعين وله أصول الفقه والمحصول وغيره. انتهى
وأثنى عليه الذهبي في سير أعلام النبلاء بالذكاء وكثرة التواليف لكن قال فيما قال عنه: وقد بدت منه في تواليفه بلايا وعظائم وسحر وانحرافات عن السنة والله يعفو عنه، فإنه توفي على طريقة حميدة والله يتولى السرائر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1428(22/75)
ترجمة الشيخ كمال الدين الدميري
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد نبذة عن كمال الدين الدميري وكتابه حياة الحيوان الكبرى؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشيخ كمال الدين الدميري أحد علماء الشافعية اشتهر بالتدريس والفتوى مع دراية بالحديث والتفسير والعربية، يقول عنه عبد الحي الحنبلي في شذرات الذهب في أخبار من ذهب متحدثا عن سنة ثمانمائة وثمان للهجرة النبوية: وفيها كمال الدين أبو البقاء محمد بن موسى بن عيسى بن علي الدميري - بالفتح والكسر نسبة إلى دمير قرية بمصر - الشافعي العلامة ولد في أوائل سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة وتفقه على الشيخ بهاء الدين أحمد السبكي والشيخ جمال الدين الأسنوي والقاضي كمال الدين النويري المالكي وأجازه بالفتوى والتدريس وأخذ الأدب عن الشيخ برهان الدين القيراطي وبرع في الفقه والحديث والتفسير والعربية وسمع جامع الترمذي على المظفر العطار المصري وعلى علي ابن أحمد الفرضي الدمشقي مسند أحمد بن حنبل بفوت يسير وسمع بالقاهرة من محمد بن علي الحراوي وغيره ودرس في عدة أماكن وكان ذا حظ من العبادة تلاوة وصياما ومجاورة بالحرمين ويذكر عنه كرامات كان يخفيها وربما أظهرها وأحالها على غيره وصنف شرح المنهاج في أربع مجلدات ونظم في الفقه أرجوزة طويلة وله كتاب حياة الحيوان كبرى وصغرى ووسطى أبان فيها عن طول باعه وكثرة اطلاعه وشرع في شرح ابن ماجة فكتب مسودة وبيض بعضه ودرس بالأزهر وبمكة المشرفة وتزوج بها في بعض مجاوراته ورزق فيها أولادا وتوفي بالقاهرة في ثالث جمادى الأولى. انتهى
وكتابه حياة الحيوان الكبرى لا يخلو من فوائد رتبه على الأحرف الأبجدية حيث يذكر اسم الحيوان وما قد يتعلق به من آيات وأحاديث وحكايات مع ذكر خواص أجزائه لكنه مع ذلك لا يخلو من بعض الطلاسم والجداول وبعض المسائل التي لا دليل عليها وبالتالي فلا ننصح بمطالعته إلا للقارئ المتبصر الذي يستطيع تمييز الحق من الباطل وصحيح المسائل من سقيمها..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1428(22/76)
الحافظ جلال الدين السيوطي؛ عقيدته والاستفادة من مؤلفاته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي عقيدة السيوطي، وهل يجوز قراءة تصانيفه كتفسيره الدر المنثور في التفسير المأثور أو غيره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا بأس بقراءة مؤلفات الحافظ جلال الدين السيوطي والاستفادة منها، فإنه كان عالماً متفنناً في شتى العلوم من تفسير وحديث وغيرهما، وله مؤلفات كثيرة لا يستغنى عنها، أما عقيدته فقد كان أشعرياً، ولكن لا يعني كونه أشعرياً أن كل ما عنده غير صحيح وإلا فلو طبق ذلك لألغي غالبية الكتب الإسلامية، والذي ينبغي هو أن يستفاد من كتب هؤلاء العلماء في مجال الفقه والأصول والتفسير وما أشبه ذلك، أما في مجال العقيدة فيرجع إلى أقوال السلف فيما اختلف فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1428(22/77)
ترجمة الشيخ عبد الرحمن المعلمي وأهم كتبه
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو ترجمة الشيخ عبد الرحمن المعلمي، وما أهم كتبه المؤلفة والمحققة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعلامة عبد الرحمن المعلمي هو عبد الرحمن بن يحيى بن علي بن أبي بكر المعلمي، ينسب إلى بني المعلم من بلاد غنمة باليمن، ولد رحمه الله تعالى سنة 1313هـ في اليمن لأبوين صالحين، تلقى علومه الأولى باليمن فقرأ القرآن على رجل من عشيرته وعلى والده رحمه الله، وتنقل بين المدن اليمنية طالباً للعلم، ثم ارتحل إلى جيزان سنة 1336هـ فولاه محمد الإدريسي أمير عسير آنذاك رئاسة القضاء، ولقبه بشيخ الإسلام لما كان يتحلى به الشيخ من العلم والزهد والورع، وكان إلى جانب القضاء يشتغل بالتدريس، فلما توفي محمد الإدريسي سنة 1341هـ ارتحل الشيخ إلى الهند وعين في دائرة المعارف قرابة ثلاثين سنة ثم عاد إلى مكة سنة 1371هـ فعين أميناً لمكتبة الحرم المكي في ربيع الأول من نفس العام، وقد أثنى عليه عدد كبير من معاصريه من أهل العلم والفضل، ووصفه غير واحد منهم بالعلامة المحقق، ومن هؤلاء العلماء المثنين عليه الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ووصفه بالعالم خادم الأحاديث النبوية، وكذا أثنى عليه الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة ومحمد حامد الفقي والألباني وقال عنه الشيخ بكر أبو زيد ... ذهبي عصره العلامة المحقق.
وأما كتبه ومؤلفاته فمن أشهرها كتاب (التنكيل بما في كتب الكوثري من الأباطيل) ، وكتاب (حقيقة التأويل والرد على المتصوفة القائلين بوحدة الوجود) ، وكتاب (الحكم المشروع في الطلاق المجموع) ، وهذا عدا ما قام بتحقيقه والتعليق عليه ككتاب الرد على الإخنائي لشيخ الإسلام، وقد توفي رحمه الله تعالى صبيحة الخميس السادس من شهر صفر عام 1386 عن ثلاثة وسبعين سنة بعدما أدى صلاة الفجر في الحرم وعاد إلى مكتبة الحرم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1428(22/78)
لا نهمل ترجمة من يستفسر عنه أصحاب الأسئلة
[السُّؤَالُ]
ـ[ملاحظتي أولا هناك أعلام ممن ضحوا بكل غال ونفيس في سبيل نصرة كتاب لله وسنه نبيه محمد عليه الصلاة والسلام وضحوا بأنفسم لأجل ذلك، ونسأل الله أن يكونوا من الشهداء في سبيله من أمثال (الشيخ احسان الهي ظهير) رحمه الله رحمة واسعة, ومع ذلك لم أجد أي ذكر في الموقع عن سيرته العطرة في الدفاع عن الإسلام الصحيح المبني على كتاب الله وسنه نبيه عليه الصلاة والسلام والدفاع عن الصحابة الكرام عليهم رضوان الله أجمعين والتصدي لمنتقصيهم من كل الطوائف، ثانيا عند الفتوى يكون هناك توضيح وتنبية من المفتي (جزاه الله كل خير) عن بعض (كتب - أشخاص) الملاحظات وبخاصة في العقيدة ومع ذلك يكتب عنهم بخير أو تكون تلك الكتب مجالا للبحث على الموقع مثال ذلك بعض أهل التصوف والاعتزال وكتاب تفسير الجلالين، ثالثا قرأت في فتوى في الموقع الحديث عن كتاب رياض الصالحين على أنه من الكتب المعتمدة على نقل الأحاديث الصحيحة مع العلم أن به جملة من الأحاديث الضعيفة. وهذا لا أعتبره نقدا بل ملاحظة الأخ المحب لأخيه.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نشكر الأخ السائل لتواصله معنا وإبداء ملاحظاته، ونحن نسر بمثل هذه الملاحظات التي تسهم في تطور موقعنا نحو الأفضل، وأما عن الملاحظات التي ذكرها فإننا نقول: لا شك أن علماء الامة الذين جاهدوا في سبيل الله تعالى سواء باللسان أو بالحجة والبرهان لا شك أنهم كثر، وليس اقتصارنا على ترجمة بعضهم دون بعض ناتجا عن إهمال أو تقصير في حق من لم نترجم لهم، وإنما الغالب أننا نترجم لمن سئلنا عنهم، ومن المعلوم أننا لا يمكننا أن نحيط بترجمة كل علماء الأمة.
وأما عن بعض الشخصيات والكتب التي ننقل عنها ويكون عند بعضها أخطاء في العقيدة فإننا لا نغفل جانب التنبيه على الأخطاء إذا اقتضى المقام التنبيه عليها كما فعلنا في الفتوى رقم: 6784، حيث نقلنا بعض أقوال العلماء في كتاب الإحياء للغزالي، وإذا كان المقام لا يقتضي التنبيه على تلك ال أخطاء فإنه لا يمكننا أن ننبه على أخطاء كل عالم أو كتاب من غير حاجة إلى ذلك، ولا يكاد يخلو عالم أوكتاب من الخطأ، والعصمة لكتاب الله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما عن كتاب رياض الصالحين فما ذكره الأخ السائل من أن به جملة من الأحاديث الضعيفة هذا لا يخالف ما ذكرناه من أنه يعتمد نقل الأحاديث الصحيحة، لاسيما وأن كثيرا من الأحاديث التي حكم عليها بالضعف هي من قبيل الأحاديث التي تختلف فيها اجتهادات العلماء بين التحسين والتضعيف، وليس في الكتاب فيما نعلم أحاديث شديدة الضعف كالأحاديث المتروكة أو الباطلة والموضوعة، والإمام النووي رحمه الله تعالى من كبار علماء الحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الثانية 1428(22/79)
نبذة عن الشاذلي وتلميذه المرسي
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو أبو الحسن الشاذلي والمرسي أبو العباس لأن البعض يعتقد أنهما من أولياء الله الصالحين.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشاذلي وتلميذه المرسي رجلان من أعلام الطريقة الصوفية الشاذلية، وقد غلا فيهما أتباعهما كثيرا، وقد بينا طرفا من مظاهر الغلو في الطرق الصوفية ومنها طريقة الشاذلية في فتاوى سابقة، فراجع الفتوى رقم: 21245 وما أحيل إليه فيها.
وقد ولد الشاذلي سنة 571 هجرية، وتوفي بصعيد مصر سنة 656 ويذكر أتباعه أنه كان من كبار العلماء ثم اشتغل بالعبادة.
وأما المرسي فقد ولد بمرسية وهي في الأندلس سنة 616، وتوفي بالإسكندرية 680، ويذكر أتباعه أنه كان عالما، وأنه خلف شيخه الشاذلي في الطريقة، وراجع الفتاوى التالية أرقامها للمزيد من الفائدة: 65600، 29243، 21245، 69507، 64723.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1428(22/80)
خامس الخلفاء الراشدين
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو خامس خلفاء الراشدين حيث إن المشهور أنه عمر بن عبد العزيز، ولكني قرأت مؤخراً أنه الحسن بن علي بن أبي طالب ومن خلفه معاوية فمتى تولى عمر بن عبد العزيز الحكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخليفة الراشد الخامس هو الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه، ولا شك أن معاوية رضي الله عنه وعمر بن عبد العزيز كانا عادلين راشدين.
أما خلافة الحسن فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الخلافة في أمتي ثلاثون سنة، ثم يكون بعد ذلك الملك ... رواه أحمد والترمذي.
قال الحافظ في الفتح: والمراد به خلافة النبوة. اهـ، وقال القاضي: المراد بها الخلافة التي لا يشوبها ملك بعده. وقال بن أبي العز في شرح الطحاوية: كانت خلافة أبي بكر سنتين وثلاثة أشهر، وخلافة عمر عشر سنين ونصفاً، وخلافة عثمان اثنتي عشر سنة، وخلافة علي أربع سنين وتسعة أشهر، وخلافة الحسن ستة أشهر، وأول ملوك المسلمين معاوية رضي الله عنه، وهو خير ملوك المسلمين. انتهى.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية: ... وتكميل الثلاثين بخلافة الحسن بن علي نحواً من ستة أشهر حتى نزل عنها لمعاوية عام أربعين. انتهى.
فأما معاوية فهو خير ملوك المسلمين كما مر معنا في كلام أبي العز، حتى قال الأعمش: لو رأيتم معاوية لقلتم إنه المهدي. وقد ذكر عند الأعمش عمر بن عبد العزيز فقال: كيف لو أدركتم معاوية؟! قالوا: في حلمه؟ قال: لا والله؛ بل في عدله.
ومع ذلك فإن حكمه لا يعتبر خلافة نبوية لأنه شابه ملك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى عن خلافة معاوية: ومعاوية قد شابها الملك، وليس هذا قادحاً في خلافته، كما أن ملك سليمان لم يقدح في نبوته ... وهذا يقتضي أن ثوب الخلافة بالملك جائز في شريعتنا، وأن ذلك لا ينافي العدل؛ وإن كانت الخلافة المحضة أفضل. انتهى مختصراً.
وأما عمر بن عبد العزيز رحمه الله فقد تولى الحكم سنة 99 هـ. وقد كان عادلاً عالماً ورعاً زاهداً، وقد سماه كثير من العلماء الخليفة الخامس لأنه جاء في زمن ابتعد الولاة فيه عن الهدي النبوي في الحكم وعن سيرة الخلفاء الراشدين فجدد مسيرتهم، أو لعله لقلة فترة خلافة الحسن رضي الله عنه، ولاضطراب أمر المسلمين في هذه الفترة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1428(22/81)
الشيخ المحدث أحمد شاكر.. حياته.. ومؤلفاته
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو ترجمة للشيخ أحمد محمد شاكر، وما أهم الكتب التي ألفها أو حققها.؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشيخ أحمد شاكر هو الأستاذ العلامة المحدث أبو الأشبال الشيخ أحمد بن محمد شاكر بن أحمد بن عبد القادر، ولد رحمه الله بعد فجر يوم الجمعة في التاسع والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة 1309هـ الموافق 1892م بمنزل والده بالقاهرة، ثم ارتحل مع والده إلى السودان حيث كان قد عُين قاضياً فيها، درس الشيخ أحمد شاكر في السودان بكلية (غوردن) ثم بعد رجوعه إلى مصر درس بالإسكندرية، ثم التحق بالأزهر الذي صار والده وكيلاً لمشيخته سنة 1328هـ، وانتقال الشيخ إلى الأزهر كان بداية عهد جديد من حياته، فقد استطاع أن يتصل بكثير من العلماء وطلبة العلم الموجودين في القاهرة، ثم بدأ ينتقل في مكتبات القاهرة ويستفيد من العلماء ويكثر من المطالعة. وقد حاز على الشهادة العالمية من الأزهر سنة 1917م وعمل في التدريس لمدة أربعة أشهر فقط، ثم عمل في سلك القضاء حتى أحيل على التقاعد سنة 1951م، ولم ينقطع خلال فترة اشتغاله بالقضاء عن المطالعة والتصنيف، بل إنه أثرى المكتبة الإسلامية بأبحاثه القيمة وتحقيقه لأمهات الكتب المفيدة، وكانت وفاته في السادس والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 1377م الموافق 1958م.
جهوده في خدمة السنة: أهم المصنفات التي حققها وعلق عليها:
1- تحقيق كتاب الرسالة للإمام الشافعي تحقيقاً علمياً نافعاً ينم عن غزارة علمه وسعة اطلاعه، وهو أول كتاب عرف به الشيخ أحمد شاكر.
2- تحقيق (الجامع) للترمذي عن عدة نسخ، وصل فيه إلى نهاية الجزء الثالث.
3- تحقيق وشرح مسند الإمام أحمد بن حنبل، وقد شرع بخدمة هذا الكتاب من 1911م حتى بدأ بطباعته سنة 1946م، فهرس أحاديثه حسب الموضوعات وخرجها وشرح مفرداته وعلق عليه تعليقات هامة ومفيدة، ولكنه لم ينته من تخريج كامل أحاديث المسند بل وصل إلى ثلث الكتاب تقريباً، وعدد الأحاديث التي حققها (8099) وقدم للكتاب بنقل كتابين جعلهما كالمقدمة بالنسبة للمسند هما (خصائص المسند) للحافظ أبي موسى المديني، (والمصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد) لابن الجزري.
4- تحقيق مختصر سنن أبي داود للحافظ المنذري، ومعه معالم السنن للخطابي، وتهذيب ابن القيم الجوزية، بالاشتراك مع الشيخ محمد حامد الفقي، وطبع الكتاب في ثمانية مجلدات.
5- تحقيق صحيح ابن حبان، حقق الجزء الأول منه فقط.
6- شرح ألفية السيوطي في علم الحديث، وطبع الكتاب في مجلدين.
7- الباعث الحثيث شرح (اختصار علوم الحديث) للحافظ ابن كثير.
8- تحقيق كتاب (الإحكام في أصول الأحكام) لابن حزم.
9- عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير اختصره وحذف منه الأسانيد، والروايات الإسرائيلية والأحاديث الضعيفة، وتفاصيل المسائل الكلامية، وهو أفضل المختصرات التي طبعت لتفسير ابن كثير.
10- تخريج أحاديث من تفسير الطبري: شارك أخاه محمود شاكر في تخريج أحاديث بعض الأجزاء من هذا التفسير وعلق على بعض الأحاديث إلى الجزء الثالث عشر.
11- تحقيق كتاب (لباب الآداب) للأمير أسامة بن منقذ المتوفى سنة 584هـ.
12- تحقيق كتاب شرح العقيدة الطحاوية.
هذا بالإضافة إلى كتب أخرى قيمة في الأدب واللغة، وبحوث مفيدة في الفقه والقضايا الاجتماعية والسياسية كتبها في مجلة (الهدي النبوي) حينما كان رئيس تحريرها، وقد جمعت بعض هذه المقالات ونشرت في كتاب بعنوان (كلمة الحق) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1428(22/82)
نبذة عن الشيخ عبد القادر الأرناؤوط ومؤلفاته
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو ترجمة الشيخ الأرناؤوط، وما أهم الكتب التي ألفها أو حققها؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشيخ عبد القادر الأرناؤوط توفي في 14 شوال 1425هـ في دمشق، عن نحو ستة وسبعين عاماً قضاها في التعلم والتعليم والتحقيق والدعوة، وكان أحد العلماء الذين اشتغلوا بخدمة الحديث النبوي الشريف، وكان أصله ألبانيا، ونشأ وشب بدمشق وتعلم بها، وكان ذكياً قوي الذاكرة، قال عن نفسه: كنت في فترة الاستراحة بين الحصص المدرسية أحفظ خمسة أحاديث، كنت متمتعاً بذاكرة طيبة، وقدرة على الحفظ كبيرة بحمد الله تعالى وعونه.
تلقى علومه على يد علماء عصره في الشام، فقد درس على بعض الشيوخ الألبان الأجلاء، منهم الشيخ سليمان غاوجي الألباني رحمه الله حيث درس شيئاً من الفقه وعلم الصرف، وقرأ القرآن وجوده على الشيخ صبحي العطار رحمه الله، ثم على الشيخ محمود فايز الديرعطاني رحمه الله، وقرأ على الشيخ محمد صالح الفرفور رحمه الله اللغة العربية والفقه الحنفي والتفسير والمعاني والبيان والبديع ولازمه فترة من الزمن تقارب العشر سنوات مع طلابه، وغيرهم من شيوخ الشام، وقد ظل داعياً وعالماً يدرس في المساجد ويخطب بها ويشارك في المؤتمرات والندوات العلمية، وقد عمل الشيخ مدرساً لعلوم القرآن والحديث النبوي الشريف يبن عامي 1952 و1959م في مدرسة الإسعاف الخيري التي تخرج منها، وفي عام 1960م (1381هـ) انتقل إلى المعهد العربي الإسلامي بدمشق، فدرس القرآن والفقه، وقد كان فترة يدرس في معهد الفرقان بالمزة، ومعهد المحدث الأكبر الشيخ بدر الدين الحسيني.
جهوده العلمية: له رسالة بعنوان (الوجيز في منهج السلف الصالح) ورسالة بعنوان (وصايا نبوية) ، وقد حقق عدة كتب منها (غاية المنتهى) في الفقه الحنبلي، وكتاب (جامع الأصول) لابن الأثير، ومختصر شعب الإيمان للبيهقي، والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية، وكتاب التوابين لابن قدامة المقدسي، وكتاب الأذكار للنووي، وكتاب الشفا في تعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض، وكفاية الأخيار للحصني، وشمائل الرسول لابن كثير، الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة لمحمد صديق حسن خان وغيرها.
وقام بالاشتراك مع الشيخ المحقق شعيب الأرناؤوط بتحقيق وتصحيح العديد من الكتب الإسلامية التي صدرت عن المكتب الإسلامي، وأهمها: زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي (9 مجلدات) ، المبدع في شرح المقنع لابن مفلح (8 مجلدات) ، روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي (12 مجلداً) ، زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم (5 مجلدات) ، جلاء الأفهام في الصلاة على خير الأنام لابن القيم (مجلد) .
يقول الشيخ عن نفسه: إني بعونه تعالى قد حققت أكثر من خمسين كتاباً كبيراً وصغيراً في الفقه والحديث والتفسير والأدب وغيرها، وهي موجودة في العالم الإسلامي.... وقال عن نفسه في مجال تمسكه بالسنة ومنهج السلف والدعوة إليه: كنت خطيباً في جامع اسمه الجامع المحمدي، وهذا عندما استلمته كان جديداً، فتردد علي كثير من الشباب، وكانوا يسمعون الخطب ويسألون، وكنت دائماً عقب خطبة الجمعة أعمل اسئلة وأجوبة، فيأتي الشباب فيسألون ويجابون على هذه الأسئلة، من هنا بدأ بعض الناس وبعض المشايخ يحركون علي: إن الشيخ وهابي، فيطلبونني ويسألون: ما هو الوهابي؟ فأقول: ليس هناك مذهب وهابي جديد، وإنما هناك رجل اسمه محمد بن عبد الوهاب من أهل نجد، ظهر في ذلك الوقت، وهذا توفي عام 1206هـ ولكنه كان يحارب البدع والخرافات وأشياء ويدعو الناس إلى الكتاب وإلى السنة ومذهبه على مذهب الإمام أحمد رحمه الله. بعد ذلك الناس اتهموني بالسلفية! فكنت أبين لهم أن السلف الصالح هم القرون الثلاثة المفضلة التي كانت لم تغير ولم تبدل، وإنما ساروا على النهج الصحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1428(22/83)
حياة الإمام ربيعة بن فروخ
[السُّؤَالُ]
ـ[تابعي أحد أساتذة أحد الأئمة الأربعة له قصة مفادها أنه غاب عن أهله أكثر من عشرين سنة، وكان عندما غادر قد ترك زوجته حاملا، فوضعت في غيابه ولدا فكبر الولد وصار عالما، وعندما عاد الأب وجد ابنه يعلِّم في المسجد والناس يستفتونه، ولكن الأب لم يعرفه إلا عندما ذهب إلى بيته.
هل هذا التابعي هو فروخ؟ ومن الذي تتلمذ عليه من الأئمة الأربعة؟ وما هي قصته مع ابنه بالتفصيل
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القصة المشار إليها ذكرها غير واحد من أهل التاريخ والتراجم في حياة الإمام ربيعة بن فروخ (أبي عبد الرحمن) المدني المعروف بربيعة الرأي شيخ الإمام مالك بن أنس رحمهم الله.
ونحن ننقلها لك كما جاءت في تاريخ دمشق للحافظ ابن عساكر قال رحمه الله:
روي عن مشيخة أهل المدينة أن فروخا أبا عبد الرحمن أبو ربيعة خرج في البعوث إلى خراسان أيام بني أمية غازيا، وربيعة حمل في بطن أمه، وخلف عند زوجته أم ربيعة ثلاثين ألف دينار؛ فقدم المدينة بعد سبع وعشرين سنة وهو راكب فرسا في يده رمح فنزل عن فرسه ثم دفع الباب برمحه فخرج ربيعة فقال له: يا عدو الله! أتهجم على منزلي؟ فقال: لا، وقال فروخ: يا عدو الله! أنت رجل دخلت على حرمتي! فتواثبا وتلبب كل واحد منهما بصاحبه حتى اجتمع الجيران فبلغ مالك بن أنس والمشيخة فأتوا يعينون ربيعة، فجعل ربيعة يقول: والله لا فارقتك إلا عند السلطان وجعل فروخ يقول: والله لا فارقتك إلا بالسلطان وأنت مع امرأتي وكثر الضجيج. فلما بصروا بمالك سكت الناس كلهم، فقال مالك: أيها الشيخ! لك سعة في غير هذه الدار، فقال الشيخ: هذه داري وأنا فروخ مولى بني فلان، فسمعت امرأته كلامه فخرجت فقالت: هذا زوجي وهذا ابني الذي خلفته وأنا حامل به فاعتنقا جميعا وبكيا. فدخل فروخ المنزل وقال: هذا ابني؟ ! قالت: نعم. قال: فأخرجي المال الذي لي عندك وهذه معي أربعة آلاف دينار فقالت: المال قد دفنته وأنا أخرجه بعد أيام. فخرج ربيعة إلى المسجد وجلس في حلقته وأتاه مالك بن أنس والحسن بن زيد وابن أبي علي اللهبي والمساحقي وأشراف أهل المدينة وأحدق الناس به. فقالت امرأته: اخرج صل في مسجد الرسول فخرج فصلى فنظر إلى حلقة وافرة فأتاه فوقف عليه ففرجوا له قليلا ونكس ربيعة رأسه يوهمه أنه لم يره وعليه طويلة فشك فيه أبو عبد الرحمن فقال: من هذا الرجل؟ فقالوا: هذا ربيعة بن أبي عبد الرحمن فقال أبو عبد الرحمن: لقد رفع الله ابني؛ فرجع إلى منزله فقال لوالدته: لقد رأيت ولدك في حالة ما رأيت أحدا من أهل العلم والفقه عليها، فقالت أمه: فأيهما أحب إليك ثلاثون ألف دينار أو هذا الذي هو فيه من الجاه؟ قال: لا والله ألا هذا، قالت: فإني قد أنفقت المال كله عليه قال: فوالله ما ضيعته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1428(22/84)
ما قاله أبو جهل عند موته
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل أن يموت أبوجهل في بدر قال كلمات تدل على إصراره على الكفر مقارنة بما قاله فرعون وهو يغرق، مما يجعل أبوجهل أشد كفرا من فرعون.
ما هي هذه الكلمات التي قالها أبوجهل عند موته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان المقصود أن أبا جهل تكلم بكلمات عند الموت هي في نفسها كفر فلم نعثر على شيء من ذلك، ولكن من العبارات التي نقل عنه أنه تكلم بها قبل موته ما روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: من ينظر ما صنع أبو جهل؟ فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد، فقال: أنت أبا جهل؟ قال ابن علية قال سليمان: هكذا قالها أنس قال: أنت أبا جهل؟ قال: وهل فوق رجل قتلتموه. قال سليمان أو قال: قتله قومه. قال: وقال أبو مجلز: قال أبو جهل: فلو غير أكار قتلني. والأكار الزراع، قالها وهو يسخر من ابن مسعود، وهذا مما يدل على إصراره على ما هو عليه من الكفر، وهو إذا قورن بفرعون من هذه الجهة كان فرعون دونه لأن فرعون قد نطق بكلمة الإيمان عند فراق الدنيا، ولكنها لم تنفعه لأنها لم تقع في الوقت الذي تقبل فيه، وانظر الفتوى رقم: 74868.
وننبه إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر عن أبي جهل أنه فرعون هذه الأمة كما روى ذلك الإمام أحمد في المسند والنسائي في السنن الكبرى، ومن أوجه الشبه بينهما أن كلا منهما قد صد الناس عن دين الله وساق قومه إلى الهلاك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1428(22/85)
مكان قبر عبد القادر الجيلاني
[السُّؤَالُ]
ـ[أين يوجد قبر الصوفي عبد القادر الجيلاني في المغرب أم الجزائر أم العراق، وكيف وصل إلى المغرب وفي أي مرحلة من التاريخ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشيخ عبد القادر الجيلاني توفي ببغداد سنة 560 هـ وقبره في بغداد، ولا نعلم أنه نقل إلى المغرب أو الجزائر، فقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أنه دفن في مدرسته التي كانت ببغداد، وكذا قال الذهبي في السير.
والله اعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1428(22/86)
مكان قبر أويس القرني
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو أويس القرني، وهل قبره موجود في مدينة الرقة السورية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أويس القرني هو أويس بن عامر المرادي القرني اليمني خير التابعين بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم وغيره، وسبق بيان لمحة من حياته في الفتوى رقم: 54286، فنرجو أن تطلع عليها.
وتجد أخباره بالتفصيل في كتب التراجم وخاصة سير أعلام النبلاء للذهبي وغيره، وأما قبره فإنه في أذربيجان كما قال الذهبي في السير: ثم أنه غزا أذربيجان فمات بها فتنافس أصحابه في حفر قبره. وعلى ذلك فليس قبره في الرقة أو سوريا عموماً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1428(22/87)
نبذة عن الشيخ أحمد الشرباصي
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن اسأل عن الشيخ الشربصي وهو ممن لديهم كتب فيها فتاوى فمن هو وأين درس أريد معلومات وافية عنه لو تكرمتم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشيخ أحمد الشرباصي مصري من مواليد بلدة البجلات مركز دكرنس مديرية الدقهلية، تخرج في كلية اللغة العربية ثم نال شهادة التخصص واشتغل مدرساً في وزارة المعارف ثم في معهد الزقازيق فمعهد القاهرة فمعهد سوهاج ثم أميناً للجنة الفتوى بالأزهر، ألف أكثر من عشرين كتاباً في مباحث الدين والتاريخ والأدب والاجتماع، وكان مبعوثاً علمياً للأزهر الشريف في الكويت ثم أسندت إليه أمانة الفتوى في الأزهر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1428(22/88)
قصة أبي محجن الثقفي في القادسية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة قصة أبي محجن الثقفي في واقعة القادسية، وهل يجوز لصحابي أن يقول والله لن أجلدك بعد اليوم في الخمر، فهل يستطيع أن يعفو في حد من حدود الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قصة أبي محجن وبطولته في القادسية ذكرها كثير من المؤرخين، ولم نر من طعن فيها، وأما كلام سعد فقد تكلم عليه ابن حجر في الإصابة، وذكر كلام أهل العلم فيه، ومما ذكره أن ابن فتحون أنكر قول من روى أن سعدا أبطل عنه الحد، وقال: لا يظن هذا بسعد. ثم قال: لكن له وجه حسن.
وذكر ابن حجر أنه لم يذكر الوجه ثم قال: وكأنه أراد أن سعدا أراد بقوله لا يجلده في الخمر بشرط أضمره وهو إن ثبتت عليه أنه شربها فوفقه الله أن تاب توبة نصوحا فلم يعد إليها. اهـ
ومهما يكن من الأمر فإن الأصل في إقامة الحدود أنه حق من حقوق الله يجب القيام به، ولا يحق للبشر أن يسامحوا فيه ولا أن يلغوه بعد ثبوته عند الحاكم؛ كما قدمنا في الفتاوى التالية أرقامها: 73478، 7320، 14887.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1428(22/89)
الحافظ الكلاباذي وكتابه بحر الفوائد
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد نبذة عن الكلاباذي وكتابه بحر الفوائد المشهور بمعاني الأخبار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكلاباذي قال فيه الذهبي في تذكرة الحفاظ: الكلاباذي الحافظ الإمام أبو نصر أحمد بن محمد بن الحسين البخاري. وكلاباذ محلة من بخارى، سمع الهيثم بن كليب الشاشي، وعلي بن محتاج، وأبا جعفر محمد بن محمد البغدادي الجمال، وأبا يعلى عبد المؤمن بن خلف، ومحمد بن عنبر النسفيين، وعبد الله بن محمد بن يعقوب الحارثي، وخلقاً كثيراً. روى عنه جعفر بن محمد المستغفري وقال: هو أحفظ من كان بما وراء النهر في زمانه، مات في جمادى الآخرة سنة ثمان وسبعين وثلاث مائة عن خمس وسبعين سنة، قال أبو عبد الله الحاكم: أبو نصر الكلاباذي الكاتب من الحفاظ، حسن الفهم والمعرفة، عارف بصحيح البخاري، كتب بما وراء النهر وبخراسان والعراق، ووجدت شيخنا الدارقطني قد رضي فهمه ومعرفته، وهو متقن ثبت لم يخلف بما وراء النهر مثله، ثم روى عنه الحاكم شيئاً، وحديثه قليل الوقوع لنا، وقد حدث عنه الدارقطني في كتاب المدبج، وله مصنف مشهور في معرفة من أخرج له البخاري في صحيحه. قال الخطيب: ثقة حافظ حدث ببغداد في حياة الدارقطني وكان يثني عليه ... انتهى.
وأما كتابه بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار فهو كتاب جمع فيه كمية من الأحاديث تتعلق بالقلوب والرقاق وتكلم على معانيها، وكان يورد الحديث بسنده ثم يتبعه بالتعليق والشرح والبيان، ولم يلتزم الصحة في الأحاديث التي يوردها، بل أورد الصحيح والحسن والضعيف، ولم يتعقب الأحاديث التي أوردها بالكلام على الأحاديث تصحيحاً وتضعيفاً، بل أوردها وسكت عنها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1428(22/90)
قصة عمر مع نصر بن حجاج هل هي صحيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[يشيع على ألسنة الوعاظ والعامة قصة لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع رجل يقال له نصر بن حجاج، والقصة تقول: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع وهو يعس بليلٍ امرأة تقول:
هل من سبيل إلى الخمر فأشربها..... أو هل من سبيل إلى نصر بن الحجاج.
فلما أصبح سأل عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإذا هو من بني سُليم، فأرسل إليه فأتاه فإذا هو من أحسن الناس شعراً وأحسنهم وجهاً، فأمر عمر أن يحلق شعره، ففعل، فخرجت جبهته فازداد حسناً. ثم سمعها عمر بعد ذلك تقول:
حلقوا رأسه ليكسب قبحاً ... * غيرة منهم عليه وشحا
كان صبحا عليه ليل بهيم ... * فمحوا ليله وأبقوه صبحا
فنفاه عمر رضي الله عنه إلى البصرة وأقسم أنه لا يدخل المدينة أبداً ما دام هو فيها، ورغم شيوع القصة على ألسنة العوام، ولكنني قرأت في أحد المواقع (الغير موثقة) أن القصة باطلة لم يصح لها سند متصل، وفي موقع آخر بطلانها لعلل في متنها، وآخر يؤكد صحتها بل ويبني عليها أحكاما فقهية، لذا أرجو من فضيلتكم التكرم بتوضيح مدى صحة القصة, وإن كان بها علل في سندها ومتنها؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه القصة صحيحة مشهورة , ولا زال العلماء يذكرونها محتجين بها مثبتين لها، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية كما في كتاب الاستقامة ومجموع الفتاوى والإمام ابن القيم في الطرق الحكمية وبدائع الفوائد، ومن المتأخرين الألوسي في روح المعاني حيث قال: كما صح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه غرب نصر بن حجاج إلى البصرة بسبب أنه لجماله افتتن بعض النساء به، ومنهم الشنقيطي في أضواء البيان حيث ذكر طرفا مما ذكرته المرأة التي شببت ب نصر بن حجاج، والقصة صحح إسنادها الحافظ ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة، ولم نطلع على أحد من العلماء ضعفها، ولهذا فالقصة صحيحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1428(22/91)
من العلماء الملقبين بصدر الشريعة
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو العالم الإسلامي الملقب بصدر الشريعة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد عرف عدد من العلماء في بلدان مختلفة وأعصار متفاوتة بلقب صدر الدين، ومن هؤلاء العلامة الأكمل صدر الدين أبو بكر محمد بن عبد اللطيف بن محمد بن ثابت الخجندي ثم الأصبهاني الشافعي، قال السمعاني: ذهب إلى أصبهان فنزل قرية بقرب همذان فنام في عافية وأصبح ميتا في شوال سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة.
ومنهم قاضي الديار المصرية صدر الدين أبو القاسم عبد الملك ولد بأراضي الموصل سنة ست عشرة وخمس مائة، تفقه على أبي الحسن المرادي وسمع بدمشق من أبي القاسم بن البن وبمصر من على ابن بنت أبي سعد الزاهد، وكان صالحا من خيار القضاة، مات سنة خمس وست مائة.
انظر سير أعلام النبلاء للذهبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1428(22/92)
لا حرج من الاستفادة من مؤلفات الشيخ سعيد النورسي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب في تركيا وأرى ما لا تصدقه العين وذلك ليس على جانب المعاصي بل من أدائهم للطاعات أرى صلاتهم فيها اختلافات فهم لا يسدون الفرج فيما بينهم، فماذا أعمل من الناحية أما هنا فيما يسمونه جماعات تقوم على توفير الخدمات من سكن وطعام ومنح مقابل الالتزام بالدين، ولكن ما أراه أنهم يقرؤون لرجل يدعى سعيد النورسي أكثر من قراءتهم للقرآن الكريم، وعندهم كتاب يدعى جوشن الكبير مذكور فيه تسبيحات يقال بأن جبريل أرسلها إلى سيدنا محمد، فما رأيكم وكيف أعاملهم حيث إن لي أصدقاء منهم يدرسون معي؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما عليه الجماعة المذكورة من عدم تسوية الصفوف أثناء الصلاة وسد الفرج ليس بمبرر للتخلف عن صلاة الجماعة معهم، فتسوية الصفوف سنة مؤكدة عند الجمهور لا واجبة، كما تقدم في الفتوى رقم: 24029. لكن ينبغي لك نصحهم بالمحافظة على هذه السنة المأثورة.
وسعيد النورسي داعية إسلامي له جهد كبير في الدعوة إلى الإسلام والدفاع عنه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 75422. فالانشغال بقراءة ما قدمه من الحق لا حرج فيه، ولكن دون غلو ولا إفراط، فالعصمة لرسل الله صلوات الله عليهم وسلامه، والأولى الاقتصار على الأدعية الصحيحة المأثورة والابتعاد عن غيرها، فاجتهد في نصح أصدقائك وغيرهم ممن وجدت فرصة لنصحه ويكون ذلك بحكمة ولطف لأن: الدين النصيحة؛ كما ثبت في الحديث الصحيح، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 5202، والفتوى رقم: 3058.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1428(22/93)
حول محاضرات الدكتور صالح الراشد
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتهرت مؤخراً محاضرات الدكتور صلاح الراشد الذي يحاضر في علم النفس والإدارة ويعطي دورات بذلك من منطلق إسلامي، فهل تنصحونا بسماعها، فأفيدونا؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على ثقتك بموقعنا، ونسأل الله أن يتقبل منا ومنك كل سعي صالح، وأن يوقفنا وإياك إلى خدمة هذا الدين، ونعتذر إليك عما طلبت من إبداء الرأي حول محاضرات الدكتور صالح الراشد، لأن هذا يتطلب الاستماع لهذه المحاضرات والحكم عليها، وليس بوسعنا ذلك، فإننا في مركز الفتوى مشغولون بالرد على الاسئلة المتعلقة بالأحكام الشرعية العملية، فنرجو أن تلتمس لنا العذر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1428(22/94)
نبذة عن الشيخ عمر رضا كحالة وكتابه معجم المؤلفين
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد نبذة عن عمر رضا كحالة وكتابه معجم المؤلفين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشيخ عمر رضا كحالة أحد الكتاب المعاصرين في القرن العشرين، وكان عالماً موسوعياً، وقد ظل قرابة ثلاثة عقود من الزمن مديرا لدار الكتب الظاهرية بدمشق، وعاش بين الكتب، ووضع هذا المعجم الذي هو معجم المؤلفين ليترجم لمصنفي الكتب العربية من عرب وعجم منذ بدء تدوين الكتب العربية حتى العصر الحاضر، وألحق بالمؤلفين الشعراء والرواة.
وكتب ما تيسر له من حياة المؤلفين وتواريخ وفياتهم وبيان مكانتهم العلمية وبعض مؤلفاتهم وآثارهم ومن أخذوا عنه ومناصبهم التي تولوها، وللشيخ عمر رضا كحالة عدة مؤلفات غير هذا المعجم منها: معجم قبائل العرب، وموسوعة أعلام النساء، والمنتخب من مخطوطات المدينة، وسيف الله خالد بن الوليد، وجغرافية شبه جزيرة العرب وغيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1428(22/95)
توبة عابد الحرمين الفضيل بن عياض
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف كيفية توبة العابد الزاهد الفضيل بن عياض؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن كثير في البداية، والذهبي في السير وابن هبة الله في تاريخ مدينة دمشق، والقرطبي في التفسير أن الفضيل كان لصا يقطع الطريق وكان يعشق جارية، فبينما هو يرتقي الجدران إليها في ليلة من الليالي سمع صوت قارئ يقرأ القرآن ويتلو: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ {الحديد:16} ، فلما سمعها قال: بلى قد آن فتاب إلى الله تعالى، ثم أصبح عابد الحرمين، وراجع قصته وحياته في سيرأعلام النبلاء وتهذيب التهذيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1428(22/96)
نبذة عن محمد بن الحنفية
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي لفضيلتكم: من هو محمد بن الحنفية بن الإمام علي بن أبي طالب وكيف حملت به أمه، وهل صحيح ما ورد أن الإمام علي كرم الله وجهه احتلم ومسح ذكره بقطعة قماش وجاءت أمه خولة الحنفية فمسحت فرجها بنفس قطعة القماش وحملت وهي بكر وما هي الفترة الزمنية التي يمكن أن يحدث فيها مثل ذلك وما صلة هذه المرأة بسيدنا علي وكيف وأين حدث ذلك، وهل كان هناك حمامات عامة، فأرجو التوضيح بالتفصيل، سؤالي في هذا الموضوع كان لتجنب أن يحدث هذا لا سمح الله في بيتي أو بيوت أحد المسلمين ممن لهم من الأولاد الذكور والإناث وهل حدث مثل ذلك مرة أخرى في أي زمان وفي أي مكان، أرجو المعذرة ولكن قصة مثل هذه أوقفتني كثيراً وتجنبا لقذف المحصنات ورمي العفيفات بما هن بريئات وحتى يمكن التأكد من عفة المرأة حتى وإن كانت حاملا أنها لم ترتكب جريمة الزنا وخاصة إذا بقيت بكراً؟ جزاكم الله كل خير عنا وعن الأمة الإسلامية جمعاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فابن الحنفية هو محمد بن علي بن أبي طالب، وأمه خولة بنت جعفر، وكانت من سبي اليمامة، وهبها الصديق رضي الله عنه لعلي رضي الله عنه، فولدت له محمداً هذا، ولا يمكننا أن نقول إلا أن ولادته بسبب وطء علي رضي الله عنه لها، وأما كون الأمر المذكور بالسؤال هو السبب فلا نعلم له أصلاً فيما اطلعنا عليه من كتب التاريخ المعتمدة، بل ولا ندري إن كان من الممكن أن يكون ذلك سبباً للحمل، ويمكنك أن تسأل بهذا الخصوص أهل الاختصاص، ولك أن تكتب إلى قسم الاستشارات بالشبكة الإسلامية، ولا شك أنه ينبغي للمسلم إذا أصاب ثوبه شيئاً من المني أن يبادر إلى غسله.
وأما القذف فلا شك أنه جريمة عظيمة، ولا يجوز الإقدام على اتهام المسلم بالزنا من غير بينة، وجمهور أهل العلم على أن الزنا لا يثبت بمجرد ظهور الحمل على المرأة، كما هو مبين في الفتوى رقم: 54129.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1428(22/97)
نبذة عن الإمام الشافعي وحكم الاحتفال بالمولد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الذين يقومون بالمولد النبي صلى الله عليه وسلم، متى ولد الإمام الشافعي رحمة الله عليه ومتى مات وأين ولد ومات وكيف كانت عقيدته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن الشافعي ولد بغزة سنة 150هـ وتوفي بمصر عام 204هـ وكان رحمه الله تعالى إماماً من أئمة أهل السنة والجماعة، المتمسكين بالمعتقد الصحيح والذابين عنه، وحمل عليه الإمام أحمد الحديث: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة من يجدد لها أمر دينها. فجعله مجدد المائة الثانية، وقد نقل ابن كثير السيوطي والبيهقي كثيراً من كلامه في الحض على اتباع السنة، وراجع حياته في حلية الأولياء وتذكرة الحفاظ.
وراجع في شأن الاحتفال بالمولد الفتاوى ذات الأرقام التالية: 76353، 71677، 18372، 1888
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1428(22/98)
محيي الدين عبد الحميد وكتابه في تفسير جزء عم
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسّلام على رسول الله صلى الله عليه وسلّم
وجدت في مكتبة جدّي تفسيرا لجزء عمّ وهو قديم جدا ولا أعرف كاتبه فأوّد من أن تنصحوني بقراءته أو بتركه لأنّني سمعت أنّ بعض التفاسير فيها العديد من الإسرائيليّات وفيها ما يناقض عقيدة أهل السنّة والجماعة فلهذا أردت أن أتأكد منه فحسب:
إسم المؤلّف هو: محمّد محيي الدّين عبد الحميد وهو مدرس بكليّة اللّغة العربيّة بالأزهر
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مؤلف هذا الكتاب رجل إمام من العلماء الأجلاء في هذا العصر.
وكان طويل الباع في العلوم الشرعية، وكان عميدا لكلية اللغة العربية بالأزهر وكان رئيس لجنة السنة في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ورئيس لجنة الفتوى بالأزهر.
وقد حقق كثيرا من كتب السنة وكتب اللغة العربية والفقه والأصول والعقيدة، فمنها كتاب سنن أبي داود والترغيب والترهيب ومقالات الإسلاميين للأشعري وألفية السيوطي في مصطلح الحديث وغيرها.
وأما تفسيره جزء عم فلم نطلع عليه ولكنا نحسن الظن بالمؤلف وبكتبه.
كما ننصح طالب العلم بقراءة ومطالعة الكتب التي قررتها محاضن التربية والمؤسسات العلمية كتفسير الجلالين وأيسر التفاسير للجزائري وتفسير السعدي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1428(22/99)
نبذة عن العلامة محمد جمال الدين القاسمي الدمشقي
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد نبذة عن محمد جمال الدين القاسمي الدمشقي وكتابه (موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين) ؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العلامة جمال الدين القاسمي أحد علماء الشام المجددين لمنهج السلف الأعلام، ولد بدمشق سنة 1283هـ وتوفي 1332هـ، ونشأ في بيت علم وفضل، وقد أخذ العلم عن أبيه وعن كثير من العلماء، ودرس بالمدرسة الظاهرية.
وكان من العلماء المبرزين في التفسير والحديث والفقه واللغة، وكان يدعو لنبذ التعصب والتقليد، وتصفية العقيدة مما شابها من الأفكار الفلسفية الدخيلة، وله قريب من مائة مؤلف من أهمها تفسيره محاسن التأويل، وقواعد التحديث في المصطلح، وشمس الجمال على منتخب كنز العمال.
وأما كتابه موعظة المؤمنين فهو كتاب نفيس جمع فيه زبدة ما في إحياء علوم الدين للغزالي، وهو مقرر في الدراسة في كثير من المعاهد العلمية، ومن المعلوم أن القاسمي كان سلفي المعتقد، وكان بصيراً بكلام أصحاب الفرق والمذاهب، وشديد العناية بالترجيحات في الأمور المختلف فيها، فكان في كتابة زبدة ما في الإحياء وترك ما تعقب على الغزالي فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1428(22/100)
الثعلبي وتفسيره المسمى الكشف والبيان
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد نبذة عن الثعلبي وما رأيكم عن تفسيره (تفسير الثعلبي) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تسأل عن تفسير الثعلبي المسمى الكشف والبيان فإن مؤلفه عرفه الذهبي في السير بقوله: الثعلبي الإمام الحافظ العلامة شيخ التفسير أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري كان أحد أوعية العلم وكان صادقا موثقا بصيرا بالعربية طويل الباع في الوعظ..
وأما تفسيره فهو موسوعة في التفسير تحوي كثيرا من التفسير المأثور، وهو من أقدم كتب التفسير ومرجع مهم لكثير ممن جاءوا بعده من المفسرين والمحدثين والفقهاء. وقد طبعت منه طبعة يرى بعض الباحثين أنها حرفها بعض القائمين عليها، وقد حقق منه مجموعة من الأجزاء في بحوث أكاديمية بجامعة أم القرى، وقد اعتنى بها الباحثون عناية جيدة وقد اختصره البغوي في تفسيره.
وقد ذكر ابن تيمية أنه يحوي كثيرا من الأحاديث الموضوعة والبدع، وإن البغوي في اختصاره حذف ما فيه من الموضوعات والبدع. وبناء على ما يقال من التحريف في طبعته المنشورة وعلى ما قال شيخ الإسلام من وجود الموضوعات فيه فينبغي للباحث أن يستفيد من تفسير البغوي أو يبحث عما طبع من أجزائه المحققة في جامعة أم القرى. وراجع الفتوى رقم: 51949، والفتوى رقم: 19743.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 صفر 1428(22/101)
الحافظ الدمياطي وكتابه المتجر الرابح
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد نبذة عن الحافظ الدمياطي وكتابه المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحافظ الدمياطي رحمه الله أحد الحفاظ الكبار والقراء وفقهاء الشافعية، ولد في العقد الثاني من القرن السابع الهجري ونشأ بدمياط بمصر وتوفى سنة 705هـ، وقد أخذ عن الحافظ المنذري وغيره علم الحديث، وأخذ القراءات عن الكمال بن الضرير، وأخذ عنه النووي وتقي الدين السبكي والمزى وغيرهم، وقد أثنى عليه غير واحد من أهل العلم.
وله كثير من المؤلفات ومن أهمها كتابه المتجر الرابح، وهو كتاب تعهد في مقدمته أن يذكر الآيات وجملا من الحديث في ثواب وفضائل الأعمال ليرغب الناس في الخير، وقد نهج منهجاً يبين فيه المقبول من غيره، فحيث صدر الحديث يذكر الصحابي الراوي فهو عنده مقبول وإذا صدره بذكر من أخرج الحديث فهو عنده معَلٌّ، ولكنه قد يخالفه بعض أهل العلم في حكمه فيحكمون بثبوت بعض ما ضعفه أو بضعف بعض ما أثبته، وقد طبع الكتاب عدة طبعات وحققه بعض المعاصرين فيمكن أن يستفاد من تحقيقهم وبيانهم لبعض كلام من خالفوا المؤلف في الحكم على الأحاديث. والكتاب على العموم من أحسن الكتب التي يستفيد منها من يريد كلاماً في موضوع ما أو إلقاء خطبة أو كتابة بحث، وأصح منه رياض الصالحين للنووي، وأوسع منه كتاب الترغيب للمنذري رحمهم الله جميعاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1428(22/102)
معاجم ابن عساكر
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا رأيكم في كتاب معجم ابن عساكر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فابن عساكر –رحمه الله تعالى- له من المؤلفات ما زاد كثيرا على المائة. ومن بين مؤلفاته معاجم كثيرة، مثل:
· كتاب المعجم لمن سمع منه وأجاز له.
· معجم الصحابة.
· معجم النسوان (كتاب من سمع منه من النسوان) .
· معجم أسماء القرى والأمصار.
· معجم الشيوخ النبلاء.
إلى غير ذلك مما لا نستطيع حصره، فكان عليك أن تحدد أي هذه المعاجم تعني.
مع أننا ننصحك بالسؤال عما يكون لك وللمسلمين فيه نفع من أمور الدين؛ فالمسلم عليه أن لا يشغل نفسه بمثل هذه الأسئلة التي لا تترتب عليها أحكام شرعية، بل الواجب أن يهتم بمعرفة ما أوجبه الله وما حرمه عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 صفر 1428(22/103)
نبذة عن ابن التين
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة نبذة عن ابن التين الذي شرح صحيح البخاري، منزلته في العلم ووفاته واسم شرحه للصحيح
وهل هذا الشرح موجود مطبوع أو مخطوط؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على ترجمة وافية لابن التين شارح البخاري فيما اطلعنا عليه من المراجع رغم كثرة تردد اسم هذا الرجل الكبير في شروح الحديث، وشهرته بين أصحاب هذا الفن.
وإنما يأتي ذكره باقتضاب.. فقد قال عنه الحافظ ابن حجر في الإصابة وسماه محمد بن عبد الواحد فقال: محمد بن عبد الواحد السفاقسي المعروف بابن التين شارح البخاري.
وسماه صاحب هداية العارفين عبد الواحد فقال: عبد الواحد بن التين السفاقسي المغربي المالكي المحدث المتوفى، له شرح الجامع الصحيح للبخاري في عدة مجلدات.
ولا شك أن للرجل مكانة عالية وقدما راسخة في علوم الشريعة، وخاصة علوم الحديث يتجلى ذلك واضحا من خلال النقول التي ينقلها عنه شراح الحديث، وخاصة الحافظ ابن حجر في الفتح وغيره.
وأما شرحه للبخاري فاسمه المحبر الفصيح في شرح البخاري الصحيح، ولم نقف عليه مطبوعا ولا مخطوطا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1428(22/104)
مؤلف جامع الأصول في أحاديث الرسول
[السُّؤَالُ]
ـ[فقد عجزت عن الحصول على ترجمة مجد الدين ابن الأثير صاحب جامع الأصول في أحاديث الرسول من سير أعلام النبلاء فلو كان عندكم مصدر فيه ترجمته فأعينوني بذكرها لكوني أريد التوصية على الكتاب ولا أدري إن لم يكن مجد الدين إماما يؤخذ منه أم جهميا أم رافضيا فالرجاء بعض التعليق على ترجمته؟ جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنرجو الدخول على موقع الشبكة والبحث في المكتبة فستجد ترجمة وافية عندما تنقر على تراجم الأعلام في صفحة المكتبة، وقد كتبنا كذلك مقالاً مطولاً عنه ضمن الحديث عن كتابه جامع الأصول في المقالات التي تتحدث عن مكتبة السنة، فانقر على كلمة الحديث الشريف في يمين الصفحة الرئيسية، ثم انقر على مكتبة السنة، ثم على كتب أخرى، ثم على المجامع الحديثية فسيظهر لك كتاب جامع الأصول والحديث عنه وعن مؤلفه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1428(22/105)
نبذة عن الإمام الزركشي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما قولكم في الإمام الزركشي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإمام الزركشي هو محمد بن عبد الله بن بهادر بن عبد الله الزركشي، أبو عبد الله بدر الدين، مصري المولد والوفاة، ولد سنة 745هـ وأخذ عن الشيخين جمال الدين الأسنوي، وسراج الدين البلقيني، ورحل إلى حلب فأخذ عن الشيخ شهاب الدين الأذرعي، وسمع الحديث بدمشق وغيرها، وكان فقيهاً أصولياً أديباً فاضلاً، ودرس وأفتى، وكان أكثر اشتغاله بالفقه وأصوله وعلوم الحديث والقرآن والتفسير، وقد ترك فيها أكثر من ثلاثين مصنفاً، ومن أشهر مؤلفاته: (البرهان في علوم القرآن، التذكرة في الأحاديث المشتهرة، النكت على ابن الصلاح) ، وغيرها.. توفي بمصر سنة 794هـ.
ويمكنك مراجعة ترجمته في شذرات الذهب (6/335-336) ، كما يمكنك أن تراجع للاستزادة من التعريف به الفتوى رقم: 36232.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1428(22/106)
كتاب طبقات الأولياء لابن الملقن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في كتاب طبقات الأولياء لابن الملقن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كتاب طبقات الأولياء لابن الملقن كتاب جيد في بابه، وقد اعتنى فيه المؤلف بذكر كثير من رسالات السلف الكرام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1428(22/107)
نبذة عن الحافظ العراقي
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد نبذة تاريخية عن العراقي مؤلف تخريج الإحياء من نشأته وتاريخ ولادته إلى وفاته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعراقي المؤلف لتخريج الإحياء هو الإمام عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن المشهور بالحافظ العراقي، وقد ولد سنة: 725هـ.
ولما بلغ من العمر ثلاث سنين توفي والده، لكن شاء الله أن يجعل له من العلم نصيبًا وافراً، فكان يحضر إلى الشيخ تقيّ الدين (شيخ والده) ، فيبرّه ويكرمه، وحفظ القرآن الكريم وعمره ثماني سنين، واشتغل في العلوم، وكان أول اشتغاله في القراءات والعربية، وربما حفظ في اليوم الواحد أربعمائة سطر، وانهمك في ذلك، فقال له قاضي القضاة عز الدين بن جماعة: إنه علم كثير التعب، قليل الجدوى، وأنت متوقّد الذهن، فينبغي صرف الهمة إلى غيره. وأشار عليه بالاشتغال في علم الحديث. فأقبل عليه، وقرأه على جملة من أبرز مشاهير شيوخ الحديث في عصره.
وقد أحبّ عبد الرحيم علم الحديث، فانهمك فيه، وصرف أوقاته إليه، حتى غلب عليه، وصار مشهوراً به، فتقدم فيه، وانتهت إليه رئاسته في البلاد الإسلامية، مع المعرفة والإتقان، والحفظ بلا ريب ولا مرية، حتى إنه لم يكن له فيه نظير في عصره، وشهد له بالتفرد فيه عدة من حفّاظ عصره، منهم السُّبكي، والعلائي، وعِزّ الدين ابن جماعة، وابن كَثِير، والإسنائي، فكانوا يكثرون من الثناء عليه. واشتهر بين الناس باسم (الحافظ العراقي) .
هذا وقد جمع الحافظ العراقي بين العديد من فنون العلم، منها القراءات، والفقه وأصوله، والنحو واللغة والغريب، وكان له ذكاء مفرط، وسرعة حافظة؛ قال القاضي عز الدين ابن جماعة: "كل من يدّعي الحديث في الديار المصرية سواه فهو مدّع". وكان ابن جماعة نفسه يراجعه فيما يهمه ويشكل عليه.
وقال الحافظ تقيّ الدين ابن رافع، وهو بمكة، وقد مرّ به الحافظ العراقي: "ما في القاهرة محدّث إلا هذا والقاضي عز الدين ابن جماعة ". وكان الشيخ جمال الدين الإسنائي يحث الناس على الاشتغال عليه، وعلى كتابة مؤلفاته، وكان ينقل عنه في مصنفاته.
وقد خلف آثارا علمية كثيرة منها:
- إخبار الأحياء بأخبار الإحياء، في أربع مجلدات، (يعني إحياء علوم الدين) لأبي حامد الغزالي.
- الكشف المبين عن تخريج إحياء علوم الدين.
- تقريب الأسانيد في ترتيب المسانيد، وهو في الأحكام.
- الألفية المسماة بـ (التبصرة والتذكرة) في علم الحديث.
- التقييد والإصلاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح.
- النجم الوهّاج في نظم المنهاج، (يعني في الأصول للبيضاوي) .
- الدرر السنيّة في نظم السير الزكيّة (ألف بيت) .
- الإنصاف، وهو في المرسل من الأحاديث.
وتوفي ـ رحمه الله تعالى ـ بالقاهرة سنة (806 هـ) وله إحدى وثمانون سنة، وكانت جنازته مشهورة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1428(22/108)
دفاع عن محمد بن عبد الوهاب وشيخ الإسلام ابن تيمية
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي سؤال لفضيلة الشيخ عن الإمام محمد أبو زهرة بخصوص كلامه عن الإمام محمد بن عبد الوهاب وشيخ الإسلام ابن تيمية وقد وصفهم بالتشدد والعنف مع مخالفيهم وكلام كثير لا يتسع ذكره الآن.. وذلك في كتابه " ابن تيمية حياته وعصره آراؤه وفقهه – دار الفكر العربي
ما موقف أهل العلم من هذا الكلام..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشيخ محمد بن عبد الوهاب هو أحد العلماء المجددين، والقادة المصلحين، شهد له العلماء المنصفون بالعلم والديانة والاستقامة، بل عده كثير منهم مجدد القرن الثاني عشر الهجري. وفي ذلك يقول الشيخ محمد رشيد رضا: كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى مجددا للإسلام في بلاد نجد، بإرجاع أهله عن الشرك والبدع التي فشت فيهم إلى التوحيد والسنة.
وقال: ولقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي من هؤلاء العدول المجددين، قام يدعو إلى تجريد التوحيد، وإخلاص العبادة لله وحده، بما شرعه في كتابه، وعلى لسان رسوله خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، وترك البدع والمعاصي، وإقامة شعائر الإسلام المتروكة، وتعظيم حرماته المنتهكة المنهوكة.
ومن عرف حال نجد والجزيرة، قبل انتشار دعوة الشيخ من انتشار البدع والخرافات وأنواع الجهالات، أدرك ما لهذه الدعوة من الآثار الحميدة، والخصال الفاضلة، والدور العظيم في إحياء السنة، وإماتة البدعة، بل إن آثار هذه الدعوة المباركة قد امتدت خارج الجزيرة العربية، وأخرج الله بها فئاما من الناس من ظلمات الجهل وعبادة القبور؛ بل وعبادة بعض الأحياء من الدجاجلة والسحرة وغيرهم.
ثم إن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- هو واحد من علماء المسلمين، وأئمة أهل السنة والجماعة، وقد اشتهر بالعلم، والديانة، والاستقامة، ولا نزكيه على الله.
قاوم البدع وحارب التقليد والجمود الذي انتشر وساد المسلمين في عصره في القرن السابع الهجري وأوائل القرن الثامن، وتصدى للرد على الفلاسفة والرافضة والباطنية والصوفية المنحرفة، والمتكلمين المبطلين، وتصدى للمقلدة المتعصبين لشيوخهم المعرضين عن الدليل الواضح من الكتاب والسنة. بل حمل سيفه مجاهدا في سبيل الله في وجه التتر الغازين، ووحد صفوف المسلمين لذلك الغرض، وخاض المعركة بنفسه.
وهو في كل ذلك عازف عن الدنيا زاهد فيها لم يكتنز مالا ولا بنى دارا، ولم يتخذ عقارا إلا ابتغاء وجه الله.
وما نسبته للشيخ أنه ذكره عنهما فإنه اجتهاد منه، لا نتهم فيه نيته فقد تكون خيرا، ولكنك خبير بأنه ليس كل مجتهد مصيبا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1428(22/109)
نبذة عن الحافظ ابن عساكر وبيان عقيدته
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو ترجمة الحافظ ابن عساكر صاحب تاريخ دمشق وذكر عقيدته؟
بارك الله بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحافظ ابن عساكر هو: الإمام العلامة الحافظ الكبير المجود محدث الشام ثقة الدين أبو القاسم الدمشقي الشافعي صاحب تاريخ دمشق.... وهو علي بن الشيخ أبي محمد بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين ... ولد في المحرم في أول الشهر سنة تسع وتسعين وأربعمائة..... وتوفي في الحادي عشر من رجب ليلة الاثنين سنة إحدى وسبعين وخمسمائة من الهجرة، وحضر السلطان صلاح الدين جنازته ودفن بباب الصغير في دمشق.
وقد ترجم له الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء ترجمة طويلة حافلة بالمناقب والفضائل.
وأما عقيدته فقد كان ينسب إلى الأشاعرة، وكان بينه وبين المقدسيين الحنابلة خلاف، ونسأل الله أن يرحم علماء المسلمين ويغفر لهم ما أخطأوا فيه، ويجزيهم خير الجزاء على ما قدموه للإسلام والمسلمين، وانظر للأهمية الفتوى رقم: 4118.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 محرم 1428(22/110)
حكم النظر في كتب ابن عربي
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم قراءة كتاب الوصايا لابن عربي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيحرم النظر في كتب أهل الضلال عموما إلا لغرض صحيح كاطلاع أهل العلم الراسخين عليها بقصد الرد على أباطيلها ونحو ذلك، وراجع الفتوى رقم: 14742، وإذا كان هذا بالنسبة لعموم كتب الضلال فكتب ابن عربي أولى بتحريم النظر فيها لما عرف عن هذا الرجل من سيره على نهج باطل في تفسير النصوص وإطلاق عبارات ظاهرها الكفر الصريح حتى أن السيوطي رحمه الله مع أنه كان يحسن الظن به حرم النظر في كتبه، وتراجع الفتويان: 32148، 45820.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1427(22/111)
نبذة عن ابن هشام صاحب السيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد نبذة تاريخية عن ابن هشام ونشأته وتاريخ ولادته إلى وفاته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل الكريم يقصد ابن هشام صاحب السيرة، وابن هشام هذا اسمه: عبد الملك بن هشام بن أيوب وكنيته أبو محمد الذهلي السدوسي وقيل: الحميري المعافري نشأ بالبصرة ثم هاجر منها إلى مصر ولم نقف على تاريخ ميلاده، قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: العلامة النحوي الأخباري. له عدة مؤلفات في السيرة والتاريخ وأشعار العرب، توفي بمصر في ثالث عشر ربيع الآخر سنة ثمان عشرة ومائتين على ما صححه الذهبي في السير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1427(22/112)
نبذة عن محمد بن يوسف الصالحي الشامي
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد نبذة تاريخية عن محمد بن يوسف الصالحي الشامي من نشأته وتاريخ ولادته إلى وفاته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمحمد بن يوسف الصالحي الشامي هو مؤرخ من مؤرخي القرن العاشر الهجري، وقد أتاح له تأخره النسبي الاطلاع على كتب التواريخ والسير، منذ عصر التدوين حتى زمانه، فألف موسوعة ضخمة في السيرة النبوية أطلق عليها "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد".
ولم نقف على تاريخ ميلاده، وقد توفي سنة: 943هـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1427(22/113)
أبو نعيم الأصبهاني
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو أبو نعيم الأصفهاني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأبو نعيم الأصبهاني هو أحمد بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الصوفي سبط الزاهد محمد بن يوسف البنا.
ولد سنة: 336 هـ ببلدة أصبهان، وتوفي سنة: 430هـ
له مؤلفات كثيرة بلغت الخمسين أو زادت.
من أشهر مؤلفاته حلية الأولياء وطبقات الأصفياء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1427(22/114)
نبذة عن عبد الله ناصح
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد نبذة تاريخية عن عبد الله ناصح علوان تاريخ ولادته إلى وفاته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعبد الله ناصح علوان قد ولد -رحمه الله- في حي قاضي عسكر بمدينة حلب سنة 1928م في أسرة متدينة معروفة بالتقى والصلاح ونسبها الطاهر، حيث يرجع نسب عائلته إلى علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
وتربى في ظل والده الصالح الشيخ سعيد علوان -رحمه الله- وكان الناس في حلب وغيرها يقصدون الشيخ سعيدا طلبا للتداوي؛ فقد كان طبيبا وصيدليا يداوي الناس بالأعشاب والمراهم، وكان لسانه لا يهدأ عن ذكر الله وقراءة القرآن، وكان يدعو ربه أن يجعل من أبنائه العالم الحكيم والطبيب المسلم، وقد أجاب الله دعاءه.
عندما انتهى من المرحلة الابتدائية وجهه والده عام 1943م إلى دراسة العلم الشرعي في الثانوية الشرعية وكانت تعرف في ذلك الوقت بـ (الخسروية) نسبة إلى بانيها خسرو باشا، وكان يقوم بالتدريس في تلك المدرسة علماء قل نظيرهم في ذلك الزمن ... علماء وهبوا حياتهم للعلم وأخلصوا في عملهم ومنهم: راغب الطباخ، أحمد الشماع، عبد الرحمن زين العابدين، ناجي أبو صالح، نجيب خياطة، عبد الله حماد، سعيد الإدلبي، أحمد عز الدين البيانوني، عيسى البيانوني، رحمهم الله جميعاً. وكان أساتذة المدرسة يعاملون طلابهم كأبناء وإخوة لهم.
نال شهادة الثانوية الشرعية في سنة 1949، وبتوجيه من والده سافر إلى مصر لاستكمال تحصيله في علوم الشريعة الإسلامية. شارك في الأزهر ونال شهادة كلية أصول الدين سنة 1952، ثم نال الماجستير سنة 1954، وفي مصر كان له نشاط إسلامي واسع وزيارات متبادلة مع كبار رجال الدعوة الإسلامية.
وقد حصل الشيخ -رحمه الله- على شهادة الدكتوراه بعد مدة من جامعة السند في باكستان، وكان موضوع الرسالة: (فقه الدعوة والداعية) .
عمل الشيخ عبد الله منذ عام 1954م مدرساً لمادة التربية الإسلامية في ثانويات حلب؛ إذ لم تكن في مدينته كلية للعلوم الشرعية، فكان خير مرب للأجيال، غرس في طلابه حب الإسلام والعمل على نصرة شريعة الله في الأرض.
عرف منذ نشأته بالكرم فكان بيته موئلا لخلانه ولطلابه وللمحبين. وكان -رحمه الله- جريئًا في الحق، لا يخشى فيه لومة لائم.
توفي -رحمه الله- صباح يوم السبت الخامس من شهر محرم عام 1408&65259; الموافق 29/8/1987م في جدة بمستشفى جامعة الملك عبد العزيز، وقد شيع جثمانه يوم الأحد في السادس من محرم الموافق الثلاثين من آب ونقل من جدة إلى مكة ودفن فيها بعد ما صُلي عليه في المسجد الحرام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1427(22/115)
الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين.
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد نبذة عن شيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لصاحب الفضيلة الشيخ ابن جبرين حفظه الله موقعاً خاصاً على الإنترنت وفيه تعريف بحياته، كما يوجد تعريف به في موقع طريق الإسلام يمكنك الاطلاع عليه عند الدخول على صفحة الشيخ حفظه الله ورعاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1427(22/116)
مظان كلام لقمان الحكيم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أسماء كتب دينية بخصوص كلام لقمان الحكيم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على كتب أو كتاب خاص قد جمع فيه كلام لقمان الحكيم.
ولكنه يوجد في كتاب الله منه شيء، كما في قوله تعالى حكاية عنه عليه السلام: يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ {لقمان: 13}
وفي قوله تعالى: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ {لقمان:17-18}
كما يوجد شيء من كلامه في كتب التفسير عند تفسير هذه الآيات، وفي بعض كتب السنة مثل مصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق وفي شعب الإيمان.
كما يوجد كثير مما ينسب إليه مع وجوب التحري في صحة هذه النسبة، وذلك في كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني، وكتاب إحياء علوم الدين للغزالي وغيرها.
وللمزيد عن لقمان الحكيم انظر الفتوى رقم: 62304.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1427(22/117)
ترجمة الإمام المناوي
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعلم من هو المناوي صاحب كتاب فيض القدير وهل هو من المتأخرين أو من المتقدمين وفي أي سنة ولد وفي أي سنة توفي أرجو إرسال الإجابة على الإيميل؟
وأكون شاكر الأفضال.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمناوي هو عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن نورالدين ع لي بن زين العابدين الحدادي المناوي القاهري الشافعي (زين الدين) ولد سنة: 952هـ وتوفي سنة: 1031 هـ.
من كبار العلماء بالدين والفنون، له أكثر من مائة مصنف، منها الكبير والصغير والتام والناقص.
من كتبه: فيض القدير، كنوز الحقائق، شرح الشمائل للترمذي، شرح التحرير في الفقه، إعلام الحاضر والبادي، مخطوط في مكتبة الشيخ عارف حكمت بالمدينة المنورة برقم (3758) .
وهذه الترجمة مأخوذة من خلاصة الأثر 2/193، البدر الطالع 1/357.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1427(22/118)
الفرق بين ابن رشد الجد وابن رشد الحفيد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في ابن رشد الجد والحفيد, وما هو رأي علماء أهل السنة والجماعة فيهما, وأرجوكم وأناشدكم الله أن تجيبوني على سؤالي هذا دون إحالتي الفتوى رقم: 59267، لأنه كما قرأت لا يوجد فيها إلا ما هو عن سيرتهما الذاتية؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ابن رشد الجد كان من علماء أهل السنة مالكي المذهب قال فيه الذهبي:
الإمام العلامة شيخ المالكية قاضي الجماعة بقرطبة أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي المالكي تفقه بأبي جعفر بن رزق وحدث عنه وعن أبي مروان بن سراج ومحمد بن خيرة ومحمد بن فرج الطلاعي والحافظ أبي علي وأجاز له أبو العباس بن دلهاث.
قال ابن بشكوال كان فقيها عالما حافظا للفقه مقدما فيه على جميع أهل عصره عارفا بالفتوى بصيرا بأقوال أئمة المالكية نافذا في علم الفرائض والأصول من أهل الرياسة في العلم والبراعة والفهم مع الدين والفضل والوقاروالحلم والسمت الحسن والهدي الصالح ومن تصانيفه كتاب المقدمات لأوائل كتب المدونة وكتاب البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل واختصار المبسوطة واختصار مشكل الآثار للطحاوي سمعنا عليه بعضها وسار في القضاء بأحسن سيرة وأقوم طريقة ثم استعفى منه فأعفي ونشر كتبه وكان الناس يعولون عليه ويلجؤون إليه وكان حسن الخلق سهل اللقاء كثير النفع لخاصته جميل العشرة لهم بارا بهم.
عاش سبعين سنة ومات في ذي القعدة سنة عشرين وخمس مائة وصلى عليه أبو القاسم وروى عنه أبو الوليد بن الدباغ فقال: كان أفقه أهل الأندلس صنف شرح العتبية فبلغ فيه الغاية.. اهـ.
وأما ابن رشد الحفيد فقد كان عالما من كبار العلماء، وكتابه بداية المجتهد يدل على غزارة علمه وكونه خبيرا بالأدلة وأقوال القهاء، ولكنه اشتغل بالفلسفة وكان ينافح عن أقوال الفلاسفة وهذا هو ما نقمه عليه أهل العلم، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه كان ينفي بعض الصفات ويميل لمذهب الباطنية.
وقد ترجم له الذهبي في السير فقال:
ابن رشد الحفيد العلامة فيلسوف الوقت أبو الوليد محمد بن أبي القاسم أحمد بن شيخ المالكي أبي الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي، مولده قبل موت جده بشهر سنة عشرين وخمس مائة، عرض الموطأ على أبيه وأخذ عن أبي مروان بن مسرة وجماعة، وبرع في الفقه وأخذ الطب عن أبي مروان بن حزبول ثم أقبل على علوم الأوائل وبلاياهم حتى صار يضرب به المثل في ذلك. قال الأبار لم ينشأ بالأندلس مثله كمالا وعلما وفضلا وكان متواضعا منخفض الجناح يقال عنه إنه ما ترك الاشتغال مذ عقل سوى ليلتين ليلة موت أبيه وليلة عرسه وأنه سود في ما ألف وقيد نحوا من عشرة آلاف ورقة ومال إلى علوم الحكماء فكانت له فيها الإمامة وكان يفزع إلى فتياه في الطب كما يفزع إلى فتياه في الفقه مع وفور العربية وقيل كان يحفظ ديوان أبي تمام والمتنبي. وله من التصانيف بداية المجتهد في الفقه والكليات في الطب ومختصر المستصفى في الأصول ومؤلف في العربية. وولي قضاء قرطبة فحمدت سيرته.
قال ابن أبي أصيبعة في تاريخ الحكماء كان أوحد في الفقه والخلاف وبرع في الطب وكان بينه وبين أبي مروان بن زهر مودة وقيل كان رث البزة قوي النفس لازم في الطب أبا جعفر بن هارون مدة، ولما كان المنصور صاحب المغرب بقرطبة استدعى ابن رشد واحتزمه كثيرا ثم نقم عليه بعد يعني لأجل الفلسفة، وله شرح أرجوزة ابن سينا في الطب والمقدمات في الفقه، كتاب الحيوان، كتاب جوامع كتب أرسطوطاليس، شرح كتاب النفس، كتاب في المنطق، كتاب تلخيص الإلهيات لنيقولاوس، كتاب تلخيص ما بعد الطبيعة لأرسطو، كتاب تلخيص الاستقصات لجالينوس، ولخص له كتاب المزاج وكتاب القوى وكتاب العلل وكتاب التعريف وكتاب الحميات وكتاب حيلة البرء، ولخص كتاب السماع الطبيعي، وله كتاب تهافت التهافت وكتاب مناهج الأدلة في الأصول، وكتاب فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال،كتاب شرح القياس لأرسطو، مقالة في العقل مقالة في القياس، كتاب الفحص في أمر العقل، الفحص عن مسائل في الشفاء، مسألة في الزمان، مقالة فيما يعتقد المشاؤون وما يعتقده المتكلمون في كيفية وجود العالم، مقالة في نظر الفارابي في المنطق ونظر أرسطو، مقالة في اتصال العقل المفارق للإنسان، مقالة في وجود المادة الأولى، مقالة في الرد على ابن سينا، مقالة في المزاج، مسائل حكمية، مقالة في حركة الفلك كتاب ما خالف فيه الفارابي أرسطو.
قال شيخ الشيوخ ابن حمويه لما دخلت البلاد سألت عن ابن رشد فقيل إنه مهجور في بيته من جهة الخليفة يعقوب لا يدخل إليه أحد لأنه رفعت عنه أقوال ردية ونسبت إليه العلوم المهجورة ومات محبوسا بداره بمراكش في أواخر سنة أربع. وقال غيره مات في صفر وقيل ربيع الأول سنة خمس. ومات السلطان بعده بشهر.
وراجع المزيد في الفتوى التي ذكرت أنك اطلعت عليها، وراجع كلام شيخ الإسلام في منهاج السنة ودرء تعارض العقل والنقل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1427(22/119)
أول من عدا به فرسه في سبيل الله
[السُّؤَالُ]
ـ[من أول من عدا بفرسه في سبيل الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر ابن سعد في الطبقات الكبرى، وابن الجوزي في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، والمزي في تهذيب الكمال أن أول من عدا به فرسه في سبيل الله من المسلمين المقداد بن الأسود رضي الله عنه وكان ذلك في غزوة بدر الكبرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1427(22/120)
من علماء التربية القدامى
[السُّؤَالُ]
ـ[اذكر ستة من أسماء علماء التربية الإسلامية القدامى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن علماء الصحابة كلهم مربون تلقو تربيتهم عن المربي الأكبر لهذه الأمة سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي رباه رب العالمين وأدبه أحسن تأديبه ... ثم من علماء التربية القدامى بعد الصحابة رضي الله عنهم أئمة التابعين وأتباع التابعين كالحسن البصري وعبد الله بن المبارك وابن دينار وأئمة المذاهب الأربعة وغيرهم كثير ومن العصور التي بعد ذلك ظهر جمع غفير منهم الإمام النووي وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وابن رجب ومنهم أبو حامد الغزالي والشوكاني، وقد ألفت بحوث في مناهجهم التربوية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شعبان 1427(22/121)
عمر بن الخطاب وأبو جهل وأبو لؤلؤة المجوسي
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
كنت أريد منكم أن تفيدوني في أحد الموضوعين التاليين:
1- مقارنة بين عمر بن الخطاب وعمر بن هشام (أبو جهل) في حدود صفحتين.
2- موضوع عن أبي لؤلؤة المجوسي في حدود صفحتين؟ ولكم الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبه السائل الكريم إلى أن هذا الموقع يهدف إلى إجابة الأسئلة التي تشكل على أصحابها بالفعل وينتفعون بها عملياً.
أما أسئلة المسابقات الثقافية أو الامتحانات المدرسية أو غيرها فليست من اختصاصنا، والظاهر أن سؤالك هذا من هذا القبيل، وعلى أية حال، فإن سيرة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه نحيلك فيها إلى الفتوى رقم: 44234، والفتوى رقم: 40659.
وأما أبو جهل عمرو بن هشام عدو الله وعدو رسوله فهو الذي نزل فيه قول الله تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى* عَبْدًا إِذَا صَلَّى {العلق:9-10} ، وهو الذي لما نزل فيه قول الله تعالى: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعَامُ الْأَثِيمِ {الدخان:43-44} ، قال استهزاء: هذا محمد يتوعدكم بنار تحرق الحجارة، ثم يزعم أنها تنبت الشجر، والنار تأكل الشجر، وما شجرة الزقوم إلا التمر والزبد. ثم أمر أبو جهل جارية وأحضرت تمرا وزبدا، وقال لأصحابه: تزقموا. ونحيلك في المزيد عنه إلى الفتوى رقم: 34705.
وأما أبو لؤلؤة فيروز الفارسي غلام المغيرة بن شعبة فهو الذي قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يؤم الناس في صلاة الفجر، وقد حمله الحنق والحقد على ذلك، لأن عمر هو الذي أزال دولة الفرس المجوسية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1427(22/122)
ترجمة الإمام السبكي
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الإمام السبكي عن شيخ الاسلام ابن تيمية ''أما بعد، فإنه لما أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد، ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد، بعد أن كان مستترا بتبعية الكتاب والسنة، مظهرا أنه داع إلى الحق هاد إلى الجنة، فخرج عن الاتباع إلى الابتداع، وشذ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع، وقال بما يقتضي الجسمية والتركيب في الذات المقدس، وأن الافتقار إلى الجزء- أي افتقار الله إلى الجزء- ليس بمحال [2] ، وقال بحلول الحوادث بذات الله تعالى، وأن القرآن محدث تكلم الله به بعد أن لم يكن، وأنه يتكلم ويسكت ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات، وتعدى في ذلك إلى استلزام قدم العالم، والتزامه بالقول بأنه لا أول للمخلوقات فقال بحوادث لا أول لها، فأثبت الصفة القديمة حادثة والمخلوق الحادث قديما، ولم يجمع أحد هذين القولين في ملة من الملل ولا نحلة من النحل، فلم يدخل في فرقة من الفرق الثلاث والسبعين التي افترقت عليها الأمة، ولا وقفت به مع أمة من الأمم همة، وكل ذلك وإن كان كفرا شنيعا مما تقل جملته بالنسبة لما أحدث في الفروع ". ا. هـ. فهل كلامه صحيح؟ وما ترجمة السبكي وما هي عقيدته؟
بارك الله بكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى غير صحيح، وكنا قد بينا ذلك من قبل، فلك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 53961.
وكاتب هذا الكلام هو علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسوار بن سوار بن سليم السبكي. يقول عنه ابنه تاج الدين في ترجمته: هو الشيخ الإمام الفقيه المحدث الحافظ المفسر المقرئ الأصولي المتكلم النحوي اللغوي الأديب الحكيم المنطقي ...
ولد في ثالث صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة وتفقه في صغره على والده وكان من الاشتغال على جانب عظيم بحيث يستغرق غالب ليله وجميع نهاره. ثم لما دخل القاهرة بعد أن صار فاضلا تفقه على شافعي الزمان الفقيه نجم الدين ابن الرفعة، وقرأ الأصلين وسائر المعقولات على الإمام النظار علاء الدين الباجي، والمنطق والخلاف على سيف الدين البغدادي، والتفسير على الشيخ علم الدين العراقي، والقراءات على الشيخ تقي الدين ابن الصائغ، والفرائض على الشيخ عبد الله الغماري المالكي، وأخذ الحديث عن الحافظ شرف الدين الدمياطي ولازمه كثيرا، ثم لازم بعده وهو كبير إمام الفن الحافظ سعد الدين الحارثي، وأخذ النحو عن الشيخ ابن حيان، وصحب في التصوف الشيخ تاج الدين ابن عطاء الله، وسمع بالإسكندرية من أبي الحسين يحيى بن أحمد بن عبد العزيز بن الصواب وعبد الرحمن بن مخلوف بن جماعة ويحيى بن محمد بن عبد السلام، وبالقاهرة من علي بن نصر بن الصواف وعلي بن عيسى بن القيم وعلي بن محمد بن هارون الثعلبي والحافظ أبي محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي ...
وأجاز له من بغداد الرشيد بن أبي القاسم وإسماعيل بن الطبال وغيرهما، وجمع معجمه الجم الغفير والعدد الكثير، وكتب بخطه وقرأ الكثير بنفسه وحصل الأجزاء الأصول والفروع، وسمع الكتب والمسانيد وخرج وانتقى على كثير من شيوخه، وحدث بالقاهرة ودمشق سمع منه الحفاظ أبو الحجاج المزي وأبو عبد الله الذهبي وأبو محمد البرزالي وغيرهم. ذكره الذهبي في المعجم المختص فقال: القاضي الإمام العلامة الفقيه المحدث الحافظ فخر العلماء تقي الدين أبو الحسن السبكي ثم المصري الشافعي. اهـ
وكان السبكي رحمه الله أشعريا في اعتقاده. ويمكنك أن تراجع المزيد عن ترجمته في كتاب: طبقات الشافعية الكبرى. كما يمكنك أن تراجع عن العقيدة الأشعرية فتاوى سابقة تحت الأرقام التالية: 27552، 5719، 4118، 10400.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1427(22/123)
نبذة عن (يحيى بن سعيد بن حيان التيمي)
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلتكم أود أن أسألكم عن من هو أبو حيان في الرواية؟ أفيدوني: 2408: حديث رقم: حدثني زهير بن حرب وشجاع بن مخلد جميعا عن بن علية قال زهير حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثني أبو حيان حدثني يزيد بن حيان قال: (انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال له حصين لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا بن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفونيه ثم قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي فقال له حصين ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته قال نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال ومن هم قال هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس قال كل هؤلاء حرم الصدقة قال نعم. رواه مسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أبا حيان هو يحيى بن سعيد بن حيان التيمي من أتباع التابعين, كان يسكن الكوفة وتوفي سنة 145، وقد روى له الشيخان في صحيحيهما, ووثقه عدة من الأئمة منهم ابن معين والنسائي وأبو حاتم والعجلي وغيرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1427(22/124)
الإمام البخاري وكتابه الجامع الصحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[الإمام البخاري لم يكن في حياة النبي عليه الصلاة والسلام حيث يعتبر المصدر هو الذي أرخه صاحبه في العصر الذي يعيشه ومع ذلك أصبح يعتمد عليه في رواية الحديث أريد من فضلكم معلومات في هذا الباب؟
لكم مني أفضل التحية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في جواب هذا السؤال الفتوى رقم: 18830، والفتوى رقم: 13678، والفتوى رقم: 6956، والفتوى رقم: 70192.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1427(22/125)
صاحبا أبي حنيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[من هما صاحبا أبي حنيفة المذكوران في كتب الفقه؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصاحبا أبي حنفية رحمه الله تعالى هما: أبو يوسف وهو يعقوب بن إبراهيم الأنصاري الكوفي، وانظر الفتوى رقم: 66586، ومحمد بن الحسن الشيباني، فهذان هما صاحبا أبي حنيفة، وللاستزادة انظر الفتوى رقم: 46759.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1427(22/126)
اسم زوجة (إسماعيل) عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما اسم زوجة سيدنا إسماعيل ومن أي القبائل تزوج....
أرجو الإفادة وشكرا ً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلفت الراوايات في اسم زوجة إسماعيل عليه السلام مع الاتفاق أنها من قبيلة جرهم العربية، وجرهم يتصل نسبه بـ (سام بن نوح) عليه السلام.
وزوجة إسماعيل الأولى التي طلقها بإشارة من أبيه إبراهيم عليه السلام قيل اسمها عمارة بنت سعد بن أسامة، وقيل اسمها: جداء سعد، وقيل اسمها حبى بنت أسعد بن عملق وقيل غير ذلك.
وأما زو جته الثانية فهي التي أمره أبوه بتثبيتها عندما قال لها: قولي له يثبت عتبة بابه فهي سامة بنت سعد، وقيل عاتكة، وقيل بشامة بنت مهلهل بن سعد بن عوف، وقيل اسمها جدة بنت الحارث ابن مضاض، وقال ابن إسحاق اسمها: رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمية، وقال: الكلبي: رعلة بنت يشجب بن يعرب بن لودان بن جرهم.
وقال الدارقطني في المختلف اسهما: السيدة بنت مضاض، وقيل اسمها هالة بنت الحارث، وقيل الحنفاء وقيل سلمى.. إلى غير ذلك من الأقوال التي تجدها في السيرة لابن هشام، وأخبار مكة للأزرفي، وفي الفتح للحافظ ابن حجر.
وقد عقب الحافظ بن حجر على هذه الأقوال بقوله: فحصلنا من اسمها على ثمانية أقوال، ومن اسم أبيها على أربعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1427(22/127)
الحسن البصري ومقولته إن الإيمان ليس بالتحلي..
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف نبذة عن حياة الحسن البصري, هل كان صحابيا أم تابعيا, هل هو حسن بن على بن أبى طالب أم هو شخص آخر, هل هو روى أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, كما أريد خمسة من آثار الحسن البصري, وهل المقولة ليس الإيمان بالتمني إلى آخره أثر للحسن البصري؟
جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا نبذة عن الحسن البصري رحمه الله بينا فيها نسبه وتاريخ ولادته ووفاته وغير ذلك مما يتعلق بسيرته، وذلك في الفتوى رقم: 54996، وأما الأثر الذي ذكرته ونصه: كما عند ابن أبي شيبة في المصنف من حديث جعفر بن سليمان، قال: سمعت عبد ربه أبا كعب يقول سمعت الحسن يقول إن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني إن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، فهو من أقواله على الصحيح، وقد ذكر أنه حديث مرفوع، ولكن تعقب ذلك أهل العلم وقالوا ليس بحديث إنما هو من كلام الحسن البصري رحمه الله، كما ذكر المناوي في فيض القدير عن العلائي
وللوقوف على جملة من آثاره ونتف من أخباره انظر كتاب صفوة الصفوة لابن الجوزي، وسير أعلام النبلاء للذهبي، والزخرف القصري في ترجمة الحسن البصري له أيضا، وغيرها من كتب التراجم. ونعتذر عن عدم استفاضتنا في خبره لانشغال الموقع عن ذلك بالفتاوى الفقهية والنوازل الشرعية ونحوها مما يعرض للمسلم في دينه ودنياه.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1427(22/128)
البطل الناصر صلاح الدين الأيوبي
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف تفصيليّا تاريخ القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ولد القائد الإسلامي الكبير صلاح الدين الأيوبي سنة اثنين وثلاثين وخمس مائة، ونشأ في بيت إمارة وقيادة, فقد كان أبوه متولي نيابة تكريت بالعراق ولهذا ينسب إليها؛ لأنه ولد بها عند ما كان أبوه متوليا عليها وكان أبوه ذا صلاح.
يقول الذهبي في السير: وهو يعرف بصلاح الدين هو السلطان الكبير الملك الناصر صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن الأمير نجم الدين أيوب بن شادين بن مروان بن يعقوب الدويني ثم التكريتي.
سمع من أبي طاهر السلفي والفقيه على بن بنت أبي سعد وغيرهما وكان خليقا بالإمارة مهيبا شجاعا حازما مجاهدا كثير الغزو عالي الهمة..
كانت دولته نيفا وعشرين سنة وتملك بعد نور الدين واتسعت بلاده..
قال الموفق عبد اللطيف أتيت صلاح الدين بالقدس فرأيت ملكا يملأ العيون روعة والقلوب محبة, قريبا بعيدا سهلا محببا, وأصحابه يتشبهون به يتسابقون إلى المعروف كما قال تعالى وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً.
وأول ليلة حضرته وجدت مجلسه حافلا بأهل العلم يتذاكرون وهو يحسن الاستماع والمشاركة, ويأخذ في كيفية بناء الأسوار وحفر الخنادق ويأتي بكل معنى بديع, وكان يشارك الناس في العمل وينقل الحجارة على عاتقه, ويتأسى به الخلق حتى القاضي الفاضل والعماد.
وقد نذر صلاح الدين أن يقتل أرناط صاحب الموصل لأنه مر به قوم في مصر في حال الهدنة فغدر بهم فناشدوه الصلح فقال ما فيه استخفاف بالنبي صلى الله عليه وسلم وقتلهم..
فلما أسره صلاح الدين قال له: أنا أنتصر لمحمد صلى الله عليه وسلم منك, ثم عرض عليه الإسلام فأبى فقتله, وطار صيته في الدنيا وهابته الملوك وحدث عنه يونس الفارقي والقاضي العماد والكاتب.
توفي بقلعة دمشق يوم الأربعاء السابع والعشرين من صفر سنة تسع وثمانين وخمس مائة. وخلف سبعة عشر ولدا وبنتا واحدة. اهـ
ملخصا من السير, وأخباره ومناقبه كثيرة في السير والوفيات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1427(22/129)
خولة بنت الأزور.. المرأة المجاهدة الفذة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن شخصية خولة بنت الأزور وهمية ولا وجود لها في الواقع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فخولة بنت الأزور ليست خيالاً بل هي شخصية واقعية لها بطولاتها وأعمالها الجليلة، وذلك هو ما حدا بالبعض إلى التشكيك فيها لكثرة ما حكي عنها وأغلبه صحيح، كما ذكرت كتب التاريخ والسير، قال الزركلي في كتابه الأعلام: خولة بنت الأزور الأسدي: شاعرة, كانت من أشجع النساء في عصرها، وتشبه بخالد بن الوليد في حملاتها. وهي أخت ضرار بن الأزور. لها أخبار كثيرة. من فتوح الشام ج1ص21 وفي شعرها جزالة وفخر, توفيت في أواخر عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه.
وذكر ابن كثير في البداية والنهاية أنها ممن قاتل يوم اليرموك مع نساء كثيرات حيث يقول: وقد قاتل نساء المسلمين في هذا اليوم وقتلوا خلقا كثيراً من الروم، منهن: خولة بنت الأزور, وخولة بنت ثعلبة الأنصارية وكعوب بنت مالك بن عاصم, وسلمى بنت هاشم, ونعم بنت فياض, وهند بنت عتبة بن ربيعة, ولبنى بنت جرير الحميرية, وعفيرة بنت غفار, وسعيدة بنت عاصم الخولاني.
وللاستزادة عنها انظر طرفة الأصحاب 56, ونهاية الأرب للقلقشندي 208، وتاريخ ابن خلدون 2:256، وتاريخ العرب لجواد علي 2:203-211، وفي جمهرة الأنساب 392، ومعجم قبائل العرب 1:365، وغيرها من كتب التاريخ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1427(22/130)
أبو مالك الأشعري
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تعريفا كاملا عن أبي مالك الأشعري؟
وشكرا لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الكنية كثيرة يحملها أكثر من واحد، قال ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة: أبو مالك الأشعري الحارث بن الحارث مشهور باسمه وكنيته معا، وأبو مالك الأشعري كعب بن عاصم مشهور باسمه وربما كني تقدما في الأسماء، قال البغوي: يقال له أبو مالك. وأبو مالك الأشعري آخر مشهور بكنيته مختلف في اسمه قيل اسمه عمرو، وقيل عبيد ... وقال في تقريب التهذيب: وفي الصحابة أبو مالك الأشعري اثنان غير الحارث بن الحارث الأشعري الشامي المكنى أبا مالك
إذن فأبو مالك الأشعري كثير ولم تحدد واحدا بعينه أو الرواية التي وقفت عليها عن طريقه فنرجو تعيين المسؤول عنه أو ذكر روايته أو قصته لتحديده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1427(22/131)
الإمام الشوكاني وكتاباه نيل الأوطار وفتح القدير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن التعريف بالإمام الشوكاني ومذهبه، ومذهب الزيدية عامة، ولماذا تقبل أهل السنة كتبه، وما رأيكم في كتابي فتح القدير ونيل الأوطار، وهل هناك تنبيهات يجب الانتباه لها عند قراءتهما؟
وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا تعريف الزيدية والشوكاني وذكر بعض الملاحظات على تفسيره في فتاوى سابقة سنحيلك على بعضها.
وننبه هنا إلى أن الشوكاني كان زيديا في البداية ثم تمهر في العلم وتبحر فيه وأصبح محققا من المحققين في العلم ويتحرى الدليل ويحرص على اتباعه دائما، وكانت عنده ملكة وتبحر واسع في علوم الآلة كاللغة والأصول والمصطلح إضافة إلى تبحره في علم التفسير والحديث والفقه وأقوال السلف، وقد استفاد في تفسيره من تفسيري القرطبي والسيوطي وغيرهما حتى أن بعض الباحثين يرى أنه لخصهما في تفسيره، كما استفاد في نيل الأوطار من فتح الباري لابن حجر، ومن التلخيص ولسان الميزان له أيضا، وكتب شيخ الإسلام وابن القيم وابن حزم، وهذان الكتابان على العموم لا يمثلان مذهب الزيدية، وإنما يعلم من طالعهما أن مؤلفهما دائما مع الدليل ومع مذاهب أهل السنة، ثم إنه لا عصمة لأحد بعد الرسل، ولكن بحور حسنات العالم تغمر أخطاءه. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 6871 // 7540 // 49968.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1427(22/132)
ترجمة أبي داود السجستاني
[السُّؤَالُ]
ـ[التعريف الكامل بأبي داود؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعلك تقصد أبا داود سليمان بن الأشعث صاحب السنن، وإن كان كذلك فقد ترجم له عبد الحي بن أحمد بن محمد العماد الحنبلي في كتابه شذرات الذهب في أخبار من ذهب فقال: هو أبو داود السجستاني سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزدي صاحب السنن والتصانيف المشهورة ... سمع مسلم بن إبراهيم والقعنبي وطبقتهما، وطوف الشام والعراق ومصر والحجاز والجزيرة وخراسان، وكان رأسا في الحديث رأسا في الفقه ذا جلالة وحرمة وصلاح وورع حتى أنه كان يشبه بشيخه أحمد بن حنبل قاله في العبر. وقال ابن خلكان: أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو بن عمران الأزدي السجستاني أحد حفاظ الحديث وعلمه وعلله، وكان في الدرجة العالية من النسك والصلاح، طوف البلاد وكتب عن العراقيين والخراسانيين والشاميين والمصريين والحرميين، وجمع كتاب السنن قديماً وعرضه على الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه فاستحسنه واستجاده وعده الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء من جملة أصحاب الإمام أحمد بن حنبل. وقال إبراهيم الحربي لما صنف أبو داود كتاب السنن: ألين لأبي داود الحديث كما ألين لداود الحديد، وكان يقول: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب -يعني السنن- جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث، ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه. ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث؛ أحدها: قوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات. والثاني: قوله: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. والثالث: قوله: لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه. الرابع: قوله: الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمور مشتبهات...... الحديث بكماله. وجاءه سهل بن عبد الله التستري رحمه الله تعالى فقال له: يا أبا داود لي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قال: حتى تقول قضيتها مع الإمكان، قال: قد قضيتها مع الإمكان، قال: أخرج لسانك الذي حدثت به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبله، قال: فأخرج لسانه فقبله. وكانت ولادته في سنة اثنتين ومائتين، وقدم بغداد مراراً ثم نزل إلى البصرة وسكنها وتوفي بها يوم الجمعة منتصف شوال سنة خمس وسبعين ومائتين، رحمه الله تعالى. انتهى منه، وللاستزداة انظر كتب التراجم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1427(22/133)
ترجمة عبد الرحمن بن أبي بكرة الثقفي
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو عبد الرحمن بن بكرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف فيما اطلعنا عليه من كتب التاريخ والتراجم على عبد الرحمن بن بكرة. ولعلك تقصد ابن أبي بكرة فإن كان كذلك فهو عبد الرحمن بن أبي بكرة الثقفي ويكنى بأبي بحر: تابعي ولد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أول مولود ولد بالبصرة بعد أن مصرت، فطعم أبوه أهل البصرة جزورا فكفتهم -يعني لقلتهم- وكان ذلك سنة أربع عشرة، وإنما روي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن سمرة، وكنية عبد الرحمن بن أبي بكرة أبو بحر، ويقال أبو حاتم، له رواية عن أبيه وعلي وعبد الله بن عمرو والأشج العصري وغيرهم، روى عنه ابن أخيه ثابت بن عبد الله بن أبي بكرة وابن سيرين وقتادة وإسحاق بن سويد العدوي وغيرهم. قال العجلي: بصري تابعي ثقة ومات سنة ست وتسعين. انتهى من كتاب الإصابة في تمييز الصحابة لأحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي , وقال المزي في تهذيب الكمال: روى عن الأسود بن سريع (بخ) والأشج العصري (بخ س) وعبد الله بن عمرو بن العاص وعلي بن أبي طالب وأبيه أبي بكرة. "وروى عنه خلق كثير. منهم" إسحاق بن سويد العدوي (خ م) وابن ابنه بحر بن مرار بن عبد الرحمن بن أبي بكرة، وابن أخيه ثابت بن عبيد الله بن أبي بكرة، وجعفر بن ميمون، بياع الأنماط (بخ د سي) وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية (م س) . وغيرهم. انتهى. وللاستزادة يمكنك مراجعة كتب التراجم والتاريخ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1427(22/134)
نبذة عن مريم المجدلية
[السُّؤَالُ]
ـ[من هي مريم المجدلية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد ذكر مريم المجدلية ضمن من آمن بعيسى عليه السلام، والذي يظهر أن ذلك منقول من كتب أهل الكتاب، قال الشيخ الطاهر بن عاشور في تفسيره ((التحرير والتنوير)) عند قوله تعالى: فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمِْ {مريم: 37} (أي فمنهم من صدق عيسى وهم: يحيى بن زكريا، ومريم أم عيسى، والحواريون الاثنا عشر، وبعض نساء مثل مريم المجدلية، ونفر قليل، وكفر به جمهور اليهود) وقال ابن القيم في ((هداية الحيارى)) : والنصارى تقر أنه ــ أي عيسى عليه السلام ـ رقى مريم المجدلية فأخرج منها سبعة شياطين. ولمعرفة ما يجب على المسلم نحو أخبار أهل الكتاب وضوابط النقل من كتبهم، راجع الفتوى رقم: 9067، والفتوى رقم: 20030.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1426(22/135)
نبذة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما
[السُّؤَالُ]
ـ[تعريف عبد الله بن عمرو بن العاص؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعبد الله هو ابن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب كنيته أبو محمد وقد قيل أبو نصر كان بينه وبين أبيه ثلاث عشرة سنة وكان قد أسلم قبل أبيه وشهد مع أبيه صفين وكان يسكن مكة ثم خرج إلى الشام وأقام بها.... وكانت تحته عمرة بنت عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب. انتهى من كتاب الثقات لابن حبان.
ومن فضائله ما ذكره ابن سعد في الطبقات عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم أنبأ أنك تقوم الليل وتصوم النهار، قال: قلت: أني أقوى، قال: فإنك إذا فعلت ذلك هجمت العين وتنفه النفس صم من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صوم الدهر أو كصوم الدهر، قال: قلت: إني أجد قوة، قال: فصم صوم داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ولا يفر إذا لاقى.... وقال:.... أسلم عبد الله بن عمرو قبل أبيه وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وكان خيراً فاضلاً.
وفي تهذيب التهذيب لابن حجر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه وفي أهل بيته: نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله، قال: وقيل: كان اسمه العاص فلما أسلم سمي عبد الله ولم يكن بينه وبين أبيه في السن سوى إحدى عشرة سنة وأسلم قبل أبيه وكان مجتهداً في العبادة غزير العلم، قال أبو هريرة: ما كان أحد أكثر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب وكنت لا أكتب. قال أحمد بن حنبل: مات ليالي الحرة وكانت في ذي الحجة سنة 63 هـ، وقال في موضع آخر: مات سنة 65هـ وكذا قال بن بكير، وقال في رواية مات سنة 68هـ وكذا قال الليث وقيل مات سنة 73هـ وقيل سنة 77هـ وقيل غير ذلك وكان موته بمكة وقيل بالطائف وقيل بمصر وقيل بفلسطين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1426(22/136)
الفرق بين ابن عربي وابن العربي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد فرق بين ابن العربي وابن عربي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما ابن عربي بالتنكير فهو الصوفي المعروف محيي الدين محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطائي الأندلسي ويقال له أيضاً ابن العربي ولد سنة 560 ومات سنة 638 هـ، وقد بينا شيئاً من ضلالاته في الفتوى رقم: 32148، فراجعها، وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 11542.
وأما ابن العربي بالتعريف فهو الفقيه المالكي المعروف، ونلخص لك بعض ما ورد في ترجمته من سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي رحمه الله: " الإمام العلامة الحافظ القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله ابن العربي الأندلسي الإشبيلي المالكي صاحب التصانيف ... صنف كتاب عارضة الأحوذي في شرح جامع أبي عيسى الترمذي، وفسر القرآن المجيد فأتى بكل بديع، وله كتاب كوكب الحديث والمسلسلات, وكتاب الأصناف في الفقه, وكتاب أمهات المسائل, وكتاب نزهة الناظر, وكتاب ستر العورة, والمحمول في الأصول, وحسم الداء في الكلام على حديث السوداء, كتاب في الرسائل وغوامض النحويين, وكتاب ترتيب الرحلة للترغيب في الملة, والفقه الأصغر المعلب الأصغر, وأشياء سوى ذلك لم نشاهدها.. وكان ثاقب الذهن عذب المنطق كريم الشمائل كامل السؤدد, ولي قضاء إشبيلية فحمدت سياسته وكان ذا شدة وسطوة فعزل وأقبل على نشر العلم وتدوينه، توفي ابن العربي بفاس في شهر ربيع الآخر سنة 543 هـ ".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو الحجة 1426(22/137)
نبذة مختصرة عن (ابن حبان)
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة جامعية طلب منا عمل بحث عن (ابن حبان) راوي الأحاديث النبوية الشريفة أمثال الترمذي وأبي هريرة والبخاري) وتحديد اسمه الكامل وتاريخ ولادته ووفاته، وقد قمت بالبحث المضني بموقعكم الموقر ولكن للأسف لم أجد أي معلومات عن هذه الشخصية.
فهل من فضلكم يمكن إرسال معلومات عنه لي حتى يتسنى لي القيام ببحثي على أكمل وجه.
الشكر الجزيل لكم على هذا الموقع المفيد والقيم وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ابن حبان اسمه محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي، وقد نسبه الذهبي في السير حتى وصل به لتميم، وذكر أنه ولد سنة بضع وسبعين ومائتين. وأما وفاته فقد توفي عام: 354 كما قال ابن هبة الله في تاريخ مدينة دمشق، والذهبي في سير أعلام النبلاء. وبإمكانك الاطلاع على المزيد من المعلومات عن هذا العلامة في كتب التراجم وكتب الرجال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1426(22/138)
ترجمة الإمام الطبراني رحمه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي ترجمة الطبراني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرت ترجمة الطبراني رحمه الله تعالى في كثير من كتب التاريخ كالبداية والنهاية وسير أعلام النبلاء وغيرها وقد جمع الذهبي رحمه الله تعالى في ترجمته فأوعى على عادته فقال في 16/119: هو الإمام الحافظ الثقة الرحال الجوال محدث الإسلام علم المعمرين أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي الطبراني صاحب المعاجم الثلاثة (المعجم الصغير والمعجم الأوسط والمعجم الكبير) .
وكان مولده بمدينة عكاف شهر صفر سنة ستين ومئتين وأول سماعه في سنة ثلاث وسبعين وارتحل به أبوه وحرص عليه ... ولقي الرجال ستة عشر عاما وكتب عمن أقبل وأدبر وبرع في هذا الشأن وجمع وصنف وعمر دهرا ولم يزل يكتب حتى كتب عن أقرانه وسمع بالحرمين واليمن ومدائن الشام ومصر وبغداد والكوفة والبصرة وأصبهان وخوزستان وغير ذلك ثم استوطن أصبهان وأقام بها نحوا من ستين سنة ينشر العلم ويؤلفه.
قال فيه الحافظ ابن منده أبو القاسم الطبراني أحد الحفاظ المذكورين.
وقال أبو بكر بن أبي علي المعدل: الطبراني أشهر من أن يدل على فضله وعلمه، وكان واسع العلم كثير التصانيف وقيل ذهبت عيناه في آخر أيامه، ولأبي القاسم من التصانيف كتاب السنة وكتاب الدعاء وكتاب الطوالات وكتاب مسند شعبة كبير ومسند سفيان وكتاب مسانيد الشاميين وكتاب التفسير كبير جداً وكتاب الأوائل وكتاب الرمي وكتاب المناسك وكتاب النوادر وكتاب دلائل النبوة وكتاب عشرة النساء وأشياء سوى ذلك لم نقف عليها منها مسند عائشة ومسند أبي هريرة وغير ذلك وأكثرها مسانيد حفاظ وأعيان ولم نرها، ولم يزل حديث الطبراني رائجاً نافقا مرغوبا فيه وقد عاش الطبراني مائة وعشرة أشهر، قال أبو نعيم الحافظ توفي الطبراني لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة ستين وثلاث مئة بأصبهان. انتهى منه بتصرف يسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1426(22/139)
أم أيمن ليست من مرضعاته صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما اسم أم أو (مرضعة) الرسول الله صلي الله عليه وسلم (الخامسة) الأولى آمنة بنت وهب، الثانية ثويبة، الثالثة حليمة السعدية، الرابعة أم أيمن، من هي الأم الخامسة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا أن مرضعاته صلى الله عليه وسلم أربعة على ما ذكره أصحاب السير وهن: أمه آمنة، وثويبة مولاة أبي لهب، وحليمة السعدية، ورابعة من بني سعد أيضاً كانت مرضعة لحمزة فأرضعته معه، وانظر الفتوى رقم: 62806.
وليست منهن أم أيمن وإنما هي مولاته وحاضنته ولم ترضعه، وقد أعتقها لما تزوج خديجة رضي الله عنها وزوجها لحبه زيد رضي الله عنه بعد النبوة كما ذكر الحاكم في مستدركه، فولدت له أسامة بن زيد رضي الله عنه حب النبي صلى الله عليه وسلم وابن حبه. وذلك قبل زواجه بزينب بنت جحش رضي الله عنها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1426(22/140)
تعقيب على استفسار بشأن يزيد بن معاوية
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أفتيتم حضرتكم في يزيد بن معاوية ما خالف قراءتي عن ذلك الخليفة في كتاب: \"العواصم من القواصم\" أريد أن أنوركم بما جاء فيه بتصرف:
1- من منا أفضل من محمد بن الحنفية - رضوان الله عليهم-؟! أظن لا أحد.
2- من منا يملك المروءة والشجاعة والإقدام أكثر منه في هذا العصر؟! أظن لا أحد.
3- من منا أحق بالثأر لأخيه- الحسين - من يزيد؟! أظن لا أحد. عندما قيل له من بعض أتباع ابن الزبير المروجين له في المدينة المنورة إن يزيد يشرب المسكر، بماذا أجابهم؟! أحد الأمرين أما تسامرتم معه أو تقولتم عليه.
2) من منا أفضل من الإمام أحمد- رحمه الله -؟!
إنه أثنى على يزيد في كتابه الزهد أو الزهاد هذا كان رأي الإمام
دعني أضيئ نقطا لكم:
المعروف إن الإمام أحمد يقف في وجه الباطل فتعذب ونكل في زمن الدولة العباسية حتى يقر بأن القرآن مخلوق، وبما أنه عاش في تلك الفترة فإنه لم يحاب الدولة الأموية -حاشا لله أن يفعل- كما أنه عرف عن يزيد حسنه ورديئه.
3) أختم بالهادي البشير رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم له حديث معناه: \"إن أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له\". بالله عليكم من كان قائد هذا الجيش؟! أليس يزيد كما نعرف، فقول الرسول صلى الله عليه وسلم حق وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
أنا لا أزكي يزيد على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حاشا لله أن أفعل، وإنما أطلب منكم عندما قرأت على موقعكم الجانب المعتم ولم تقولوا الجانب المضيء.
في النهاية أقول: أفتوني في أمري.
أعدكم بأنها ستكون المسألة الأخيرة في هذا السياق، وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنرجو أن تراجع بعض ما كتبناه عن يزيد بن معاوية في فتوانا رقم: 36047 والذي ذكرناه فيها من الإمساك عنه، وتفويض أمره إلى الله تعالى هو الذي في سائر فتاوانا.
وإذا كنت قد قرأت في موقعنا الجانب المعتم من سيرة يزيد، ولم تقرأ فيه الجانب المضيء؛ فاعلم أن جميع ما ذكرته أنت ونسبته إلى كتاب "العواصم من القواصم" لا يتنافى مع ما في فتاوانا. فجواب محمد بن الحنفية من أخبروه عن سكر يزيد بأنهم إما تسامروا معه أو تقولوا عليه، لا يدل على نفي ما نسب إليه، ولكنه ورع من محمد بن الحنفية رضي الله عنه، فلم يقبل التهمة المذكورة من غير بينة.
والحديث الذي فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له، وأن أول جيش غزاها كان أميره يزيد، لا ينافي أيضًا أن ليزيد مآخذ كثيرة، ولكن الله قد يغفرها له، وقد لا يغفرها له، ويكون للحديث من المخصصات ما يخرج به يزيد وغيره من عموم لفظ الحديث.
واعلم أن أهل العلم قد اختلفوا في أمر يزيد بن معاوية، بين المجيزين للعنه والمجيزين لمحبته.
وننقل لك كلام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في كتابه مجموع الفتاوى في هذا الموضوع، حيث قال: والتحقيق أن هذين القولين يسوغ فيهما الاجتهاد، فإن اللعنة لمن يعمل المعاصي مما يسوغ فيها الاجتهاد، وكذلك محبة من يعمل حسنات وسيئات، بل لا يتنافى عندنا أن يجتمع في الرجل الحمد والذم والثواب والعقاب. كذلك لا يتنافى أن يصلى عليه ويدعى له وأن يلعن ويشتم أيضًا باعتبار وجهين. فإن أهل السنة متفقون على أن فساق أهل الملة وإن دخلوا النار أو استحقوا دخولها فإنهم لا بد أن يدخلوا الجنة فيجتمع فيهم الثواب والعقاب ... إلى آخر كلامه.
وعلى أية حال، فإنا نشكرك على هذه الملاحظات التي لا شك فيها إثراء للموقع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1426(22/141)
تعريف بالقارئين: خلف بن هشام، وحمزة بن حبيب الزيات
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي بخصوص قراءة القرآن بقراءة خلف عن حمزة, هل يجوز قراءة القرآن بهذه الرواية أو القراءة، هل تجوز الصلاة بهذه القراءة، ما تاريخ هذه الرواية، وأود قراءة نبذة عنها؟ وبارك الله لكم في أموالكم وولدكم،
ولكم جزيل الشكر والامتنان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإمام خلف بن هشام البغدادي أحد أعلام القراء المشهورين، فهو الراوي الأول لقراءة حمزة عن شيخه سليم بن عيسى، قال عنه صاحب السير: كان مولده سنة خمس وخمسين ومائة، وحفظ القرآن وهو ابن عشر سنين.... وكان ثقة كبيراً زاهداً عابداً عالماً.... سمع مالك بن أنس وحماد بن زيد.. وتلا على سليم وعلى أبي يوسف الأعشى وغيرهما ... وتصدر للإقراء والرواية.... وروى عنه خلق كثير ... وحدث عنه مسلم في صحيحه وأبو داود في سننه وأبو زرعة وأبو حاتم ... وعدد كثير، قال عنه يحيى بن معين والنسائي وغيرهما: ثقة. وقال الدارقطني: كان عابداً فاضلاً ... توفي سابع شهر جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين ومائتين رحمه الله.
وأما صاحب القراءة فهو الإمام حمزة بن حبيب الزيات الكوفي وهو أحد أعلام هذه الأمة الكبار، ولد سنة ثمانين وأدرك الصحابة بالسن ... وأخذ القراءة عن عدد من الأئمة منهم الأعمش وحمران بن أعين ... وتصدر للإقراء، وقرأ عليه خلق كثير منهم سليم بن عيسى والكسائي ...
قال عنه صاحب السير: وكان إماماً قيما لكتاب الله قانتا لله.. عالما بالحديث والفرائض، عارفاً بالعربية، حافظاً للحديث. وقراءته ينتهي سندها إلى علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، توفي رحمه الله سنة ست وخمسين ومائة، ولذلك فرواية خلف عن حمزة قراءة متواترة، فهي من القراءات العشر المتواترة، ومن السبع التي أجمع على تواترها، ويجوز للمسلم القراءة بها في الصلاة وفي غيرها، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 11163.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1426(22/142)
الافتخار بالشخصيات الكافرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أصحاب الفضيلة ...
أعرف شابا في حينا رغم محافظته على صلاة الجماعة وحسن أدبه مع الناس إلا أنه شديد الإعجاب ب ((هتلر)) ويبرر حبه له ((لأنه أحرق اليهود)) وأخيرا صار هذا الشاب يرتدي قمصانا عليها الصليب المعقوف (شعار النازية) ومكتوب عليها عبارات مثل ((جيش الرايخ الثالث)) فماذا تقولون له ... علما بأنكم محل ثقة عند هذا الشاب وكثيرا من الناس، وسيكون جوابكم له فيصلا في هذا الأمر ...
بارك الله فيكم
أبنكم عماد الدين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله جل وعلا أن يهدي الشاب المذكور ويوفقه إلى ما يحبه ويرضاه، ونقول له: إنه لا يجوز للمسلم أن يعتز بشخصية كافرة كهتلر وأن يفخر بها، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة، قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ {الأحزاب: 21} وقد كان عليه الصلاة والسلام أشجع الناس وسيد رجال التاريخ، وإليك هذا الموقف الذي كان يقفه عند اشتداد الأمر، فعن أبي إسحاق قال: جاء رجل إلى البراء فقال أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة فقال: أشهد على نبي الله صلى الله عليه وسلم ما ولى ولكنه انطلق أخفاء من الناس وحسر إلى هذا الحي من هوازن وهم قوم رماة فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد فانكشفوا فأقبل القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث يقود به بغلته فنزل ودعا واستنصر وهو يقول أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب، اللهم نزل نصرك قال البراء كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به يعني النبي صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم
وفي المسلمين الرجال الأبطال الذين قاتلوا أعداء الله من المشركين واليهود ونشروا دين الله في بقاع الأرض ما يكفي المسلم أن يعتز بهم ويفخر كعلي بن أبي طالب الذي بارز العلج اليهودي مرحب وقضى عليه، ففي صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله أو يحبه الله ورسوله قال فأتيت علياً فجئت به أقوده وهو أرمد حتى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسق في عينيه فبرأ وأعطاه الراية. وخرج مرحب ـــ اليهودي ــ فقال:
قد علمت خيبر أني مرحب ... ... ... ... ... ... ... ... شاكي السلاح بطل مجرب
... ... ... ... ... ... ... ... إذا الحروب أقبلت تلهب
فقال علي رضي الله عنه:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة ... ... ... ... ... ... كليث غابات كريه المنظرة
... ... ... ... ... ... ... ... أوفيهم بالصاع كيل السندرة
فضرب رأس مرحب فقتله ثم كان الفتح على يديه.
ويفتخر بمثل خالد بن الوليد الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيف الله، ومثل صلاح الدين ومحمد الفاتح وغيرهم من الذين قاتلوا أعداء الله لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى لا غيرهم ممن قاتلوا لأغراضهم وأهوائهم كما صنع هتلر وغيره.
ونقول للأخ الفاضل كيف يليق بشاب مسلم يعظم الله ورسوله ويملك أعظم ما في هذه الدنيا وهو الإيمان الذي به سعادته في الدنيا والآخرة يعظم أمثال هتلر ويعلق الصليب والعبارات التي تدعو إلى تعظيم الكفر.
فاتق الله وتب إليه واقرأ سيرة العظماء من أهل الإسلام واقتد بهم فإنك إذا فعلت ذلك رأيت أنهم كما قال القائل:
كن كالصحابة في زهد وفي ورع ... ... ... ... ... ... القوم هم ما لهم في الناس أشباه
عباد ليل إذا جن الظلام بهم ... ... ... ... ... ... ... ... كم عابد دمعه في الخد أجراه
وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم ... ... ... ... ... ... ... هبوا إلى الموت يبغون لقياه.
ولا تبغي بهم بدلا فقد ظفرت ورب اللوح والقلم. وننبه الأخ إلى أن الظلم محرم ولو كان لليهود فلا يحرقون بالنار ولا يقتل غير المحاربين منهم ولا يمثل بقتلاهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يعذب بالنار إلا رب النار. رواه أبو داود وأحمد وقال صلى الله عليه وسلم: اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً. رواه مسلم، فالإسلام دين الرحمة والعدل، وما قام به هتلر ينافي ذلك. وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رمضان 1426(22/143)
موقف شيخ الإسلام من علي بن أبي طالب
[السُّؤَالُ]
ـ[استفسارنا بارك الله فيكم هو عن كتاب منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو بالنسبة لما قيل عنه مؤخرا بأن كاتبه يكره سيدنا عليا رضي الله عنه وأنه ينصب العداء له بأسلوب مبطن، وبعد مطالعتنا للنصوص التي يتهم بها ابن تيمية رحمه الله وتمحيصها وغربلتها تبين لنا أن القضية فعلا موجودة ولو بشكل من الدبلوماسية العلمية ولكن في نفس الوقت لا نستطيع الجزم في هذا الموضوع فرأينا أن نأخذ برأيكم المبارك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يزل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – منذ أن جهر بدعوة الحق يتلقى التهم والافتراءات التي يلفقها عليه خصومه في حياته وبعد مماته.
وهذه التهم والافتراءات يوصي بها سلف المبتدعة إلى خلفهم، ويوحون بها إلى أوليائهم، لتكون سلاحاً بيدهم أمام دعوة الشيخ التي عشت بنورها أبصارهم الكليلة.
فهم قد اتهموا الشيخ - رحمه الله - بتهم كثيرة تفوق الحصر، منها ما هو مكذوب من أصله، ومنها ما هو مساء فهمه.
فقيل في الشيخ – مثلاً – بأنه يقول بقدم العالم، وأنه مجسم، وأنه مشبه، وأنه يبغض الرسول صلى الله عليه وسلم ويمنع من زيارته، وأنه يفتي بمسائل شنيعة لم يقل بها أحد قبله، وأنه، وأنه ... ومن هؤلاء من احترق غيظاً من كتاب شيخ الإسلام: " منهاج السنة النبوية"؛ حيث بين في هذا الكتاب افتراءات المخالفين لأهل السنة، وفضح كيدهم وذب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين أن أشد الناس حبًا لعلي رضي الله عنه وآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ هم أهل السنة والجماعة.
وإن المتتبع لكتب شيخ الإسلام ابن تيمية يجد أنه رحمه الله تعالى كان يدافع عن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن صحابته الكرام وآل بيته الأطهار، ومن ذلك ما جاء في إجابته لأسئلة مقدم المغل (وزير المغول) ـ كما في مجموع فتاويه ـ ((قال: فما تحبون أهل البيت؟ قلت: محبتهم عندنا فرض واجب، يؤجر عليه، فإنه قد ثبت عندنا في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير يدعي خماً، بين مكة والمدينة فقال "أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله " فذكر كتاب الله وحض عليه، ثم قال: " وعترتي أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي " قلت لمقدم: ونحن نقول في صلاتنا كل يوم: " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد".
قال مقدم: فمن يبغض أهل البيت؟ قلت: من أبغضهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً. اهـ.
وقال شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية: فضل علي وولايته لله وعلو منزلته عند الله معلوم ولله الحمد، ومن طرق ثابتة أفادتنا العلم اليقيني، لا يحتاج معها إلى كذب ولا إلى ما لا يعلم صدقه. اهـ. وقال فيه أيضًا: وأما كون علي وغيره مولى كل مؤمن، فهو وصف ثابت لعلي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، وبعد ممات علي، فعلي اليوم مولى كل مؤمن، وليس اليوم متولياً على الناس، وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياء وأمواتاً.اهـ.
وقد سئل شيخ الإسلام رحمه الله ـ كما في مجموع فتاويه ـ عن رجل قال عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – إنه ليس من أهل البيت، ولا تجوز الصلاة عليه، والصلاة عليه بدعة؟
فأجاب: أما كون علي بن أبي طالب من أهل البيت فهذا مما لا خلاف فيه بين المسلمين، وهو أظهر عند المسلمين من أن يحتاج إلى دليل، بل هو أفضل أهل البيت، وأفضل بني هاشم بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عن النبي أنه أدار كساءه على علي، وفاطمة، وحسن، وحسين، فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنه الرجس وطهرهم تطهيراً.
وأما الصلاة عليه منفرداً فهذا ينبني على أنه هل يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم منفرداً؟ مثل أن يقول: اللهم صل على عمر أو علي. وقد تنازع العلماء في ذلك.
فذهب مالك، والشافعي، وطائفة من الحنابلة: إلى أنه لا يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم منفرداً، كما روي عن ابن عباس أنه قال: لا أعلم الصلاة تنبغي على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم.
وذهب الإمام أحمد وأكثر أصحابه إلى أنه لا بأس بذلك، لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لعمر بن الخطاب: صلى الله عليك. وهذا القول أصح وأولى.
ولكن إفراد واحد من الصحابة والقرابة كعلي أو غيره بالصلاة عليه دون غيره مضاهاة للنبي صلى الله عليه وسلم، بحيث يجعل ذلك شعاراً معروفاً باسمه: هذا هو البدعة. اهـ. إلى غير ذلك من المواضع التي يذم فيها شيخ الإسلام النواصب ويمدح فيها عليًا وآل البيت الأطهار، وقد أفرد شيخ الإسلام رحمه الله رسالة في حقوق أهل بيت رسول الله، بعنوان: " حقوق آل البيت بين السنة والبدعة"، وهذه الرسالة موجودة على الإنترنت في صورة كتاب إلكتروني، فارجع إليها.
ولمزيد بيان حول حقيقة موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من علي بن أبي طالب وسائر آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم راجع كتابًا بعنوان: "ابن تيمية لم يكن ناصبيًا" لسليمان بن صالح الخراشي. فقد نقل فيه مقاطع من كلام شيخ الإسلام تدحض فرية بغضه لعلي وانتقاصه لآل البيت، وتخرس مروجها – ولله الحمد. وهو أيضا مطبوع في صورة كتاب إلكتروني، وتجده على الإنترنت.
ولذلك فإن أغلب الظن أنك لم تقرأ الكتاب ولم تغربل نصوصه كما زعمت، وإنما أنت ناقل لكلام غيرك، ولكن نذكرك بقول الله تعالى: سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ {الزخرف: 19} فاتق الله فيما تنسبه للعلماء، فإنهم أولياء الله، ومن عاداهم فقد آذنه الله بالحرب، والله يدافع عنهم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا وانظر كتاب (حرمة أهل العلم) للشيخ محمد إسماعيل المقدم.
والذي ننصحك به أن تطلب العلم النافع على أعلامه، وأن تستفيد من أشرطة العلماء الموثوقين مثل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، وغيره من العلماء ممن يسلك سبيل السلف من أهل السنة والجماعة.
وانظر برنامجا مختصرًا للمبتدئين في طلب العلم في الفتوى رقم: 56544
وننصحك بأن لا تصغي للشائعات والشبهات، وأن تحذر من مجالسة أهل البدع وآكلي لحوم العلماء، فإن صحبتهم مردية ولا خير فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1426(22/144)
قاتل الأسود العنسي
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الصحابي الذي قتل الأسود العنسي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصحابي الذي قتل الأسود العنسي فهو فيروز كما في صحيح البخاري وغيره، مع التنبيه إلى أن هذا الموقع خاص بالفتاوى الشرعية والنوازل الفقهية والاستشارات الدعوية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1426(22/145)
إمام أهل السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو إمام أهل السنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلقب إمام أهل السنة يطلق على الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وقد أطلق عليه بعد محنته وإدخاله السجن لما رفض القول بخلق القرآن فصبر حتى أظهر الله الحق على يديه، فلقب بإمام أهل السنة لذلك، وبعضهم يطلق هذا اللقب على غيره كالشيرازي فقد أطلق هذا اللقب على أبي الحسن الأشعري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1426(22/146)
عابد الحرمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك نشيد بعنوان يا عابد الحرمين. من هو عابد الحرمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عابد الحرمين المذكور في أبيات ابن المبارك
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا *لعلمت أنك بالعبادة تلعب
هو الإمام الفضيل بن عياض رحمه الله، فقد كان يسكن فترة بمكة وفترة بالمدينة، وقد أرسل إليه ابن المبارك رحمه الله رسالة تحوي هذه الأبيات الشعرية يحضه على الرباط في الثغور ويبين له فضل ذلك. والقصة مذكورة في سير أعلام النبلاء، وتاريخ مدينة ودمشق، فراجعها.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1426(22/147)
تاريخ ولادة الشيخ الشعراوي ووفاته
[السُّؤَالُ]
ـ[متى توفي الشيخ محمد متولي الشعراوي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ولد الشيخ محمد متولي الشعراوي في الخامس عشر من إبريل سنة 1911م، وتوفي في السابع عشر من إبريل سنة 1998م.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1426(22/148)
روايات ختم الإمام الشافعي للقرآن ستين مرة في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة ما ورد عن الشافعي أنه كان يختم القرأن 60 مرة في رمضان؟
وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اشتهر في كتب التراجم وغيرها عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أنه كان يختم القرآن في رمضان ستين ختمة وفي غيره ثلاثين وقيل ستين، فقد روى أبو نعيم في الحلية والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد عن الربيع بن سليمان قال كان محمد بن إدريس الشافعي يختم في شهر رمضان ستين ختمة ما منها شيء إلا في صلاة.
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: قال الربيع بن سليمان من طريقين عنه، بل أكثر كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة، ورواها ابن أبي حاتم عنه فزاد كل ذلك في صلاة، ومثله في تهذيب الكمال للمزي.
ونقل النووي في المجموع عن الحميدي أنه قال: كان الشافعي يختم في كل شهر ستين ختمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1426(22/149)
مظان وجود ترجمة بشر الحافي
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد عنوان كتاب أجد فيه قصة التابعي بشر بن الحارث الحافي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم كتاباً أفرد ترجمة للإمام بشر بن الحارث الحافي، ولكن ترجمته موجودة في الكتب التي عنيت بالترجمة لأعلام الأمة وأئتمتها، مثل:
- (سير أعلام النبلاء) للحافظ الذهبي، انظر الترجمة رقم: 153 (10/469) طبعة مؤسسة الرسالة - بيروت.
- (البداية والنهاية) للحافظ ابن كثير، (10/297) طبعة مكتبة المعارف - بيروت.
- (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) لابن الجوزي، الترجمة رقم: 1295 (11/122) طبعة دار الكتب العلمية.
- (صفة الصفوة) لابن الجوزي (1/529) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1426(22/150)
مظان وجود خطب الحجاج
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سمعت كثيراً عن خطب الحجاج بن يوسف الثقفي في أهل العراق، أرجو أن تمدوني بأسماء بعض المراجع التي أستطيع من خلالها أن أقرأها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على كتاب جامع لخطب الحجاج بن يوسف الثقفي، ولكن لا يكاد يخلو كتاب من كتب التاريخ والأخبار من بعضها، ويوجد بعضها في كتب الأدب واللغة، بل وفي بعض كتب التفسير، وتجد أكثرها في البداية والنهاية، وفي تاريخ دمشق وتاريخ الطبري، وفي كتاب جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب، وفي كتاب جمهرة خطب العرب ... وغيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1426(22/151)
التعريف بالشيخ الألباني
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت بعض الفتاوى في هذا الموقع المحترم, لكن الشيء الذي أثار استغرابي هو كثرة الكلمات التالية (صححه الألباني- ضعفه الألباني) ، وسؤالي هو: هل الشيخ الألباني أعلم أم الجيل القريب من النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشيخ الألباني هو أحد علماء العصر المشهود لهم بالعلم والتحري والإتقان، وقد ساهم في تنقية السنة المشرفة مما علق بها من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وقد شهد له بذلك علماء العصر المنصفون.
ولد الشيخ الألباني رحمه الله في أشقودرة عاصمة ألبانيا سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة وألف للهجرة 1332 هـ الموافق لسنة أربعة عشرة وتسعمائة وألف للميلاد 1914م.
وكان رحمه الله رجل سنة، قضى حياته في خدمة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، تحقيقاً وتأليفاً وتدريساً، وقد اشتهر بعلم الحديث -رحمه الله- وإن كانت له مشاركات في علوم أخرى، وقد ألف سلسلة في الأحاديث الصحيحة، وأخرى في الأحاديث الضعيفة، والموضوعة، وله كتاب تمام المنة في تخريج أحاديث فقه السنة، وصحيح وضعيف الجامع ... وغيرها من الكتب القيمة التي تدل على سعة علمه، ومن أراد المزيد عن الشيخ وحياته ومؤلفاته، فيمكنه ذلك عن طريق موقعه على الإنترنت، أو قراءة بعض الكتب التي اعتنت بالترجمة له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1426(22/152)
قارون ابن عم موسى عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عم النبي موسى هو قارون وإن لم يكن فمن هو؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري على صحيح البخاري عند قوله: باب: إن قارون كان من قوم موسى.. الآية. قال: هو قارون بن يصفد بن يصهر ابن عم موسى، وقيل: كان عم موسى، والأول أصح فقد روى ابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه كان ابن عم موسى. قال: وكذا قال قتادة وإبراهيم النخعي وعبد الله بن الحارث وسماك بن حرب.
وقال العيني في عمدة القارئ عن قارون: وفي نسبه إلى موسى ثلاثة أقوال، أحدها: أنه كان ابن عمه قاله سعيد بن جبير عن ابن عباس وبه قال ابن جريج وعبد الله بن الحارث، والثاني: ابن خالته رواه عطاء عن ابن عباس، والثالث: أنه عم موسى صلى الله عليه وسلم قاله ابن إسحاق.
وعلى أنه ابن عمه، فيكون عم موسى هو يصفد والد قارون كما رجح ابن حجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1426(22/153)
بشر الحافي.. منزلته.. وثناء العلماء عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أين أجد قصة التابعي الجليل بشر بن الحارث الحافي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبشر بن الحارث الحافي ليس تابعياً، وإنما هو في الطبقات التي جاءت بعد التابعين، وقد وردت ترجمته في كتب التراجم والرجال، وننقل لك منها ما أورده ابن كثير في البداية والنهاية، حيث قال: هو بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال بن ماهان بن عبد الله المروزي أبو نصر الزاهد المعروف بالحافي. نزل بغداد. قال ابن خلكان: وكان اسم جده عبد الله الغيور، أسلم على يدي علي بن أبي طالب قلت: وكان مولده ببغداد سنة خمسين ومائة، وسمع بها شيئاً كثيراً من حماد بن زيد وعبد الله بن المبارك وابن مهدي وأبي بكر بن عياش وغيرهم، وعنه جماعة منهم: أبو خيثمة وزهير بن حرب وسري السقطي والعباس بن عبد العظيم ومحمد بن حاتم. قال محمد بن سعيد: سمع بشر كثيراً ثم اشتغل بالعبادة واعتزل الناس ولم يحدث، وقد أثنى عليه غير واحد من الأئمة في عبادته وزهادته وورعه ونسكه وتقشفه.
قال إلإمام أحمد يوم بلغه موته: لم يكن له نظير إلا عامر بن عبد قيس ولو تزوج لتم أمره، وفي رواية عنه أنه قال: ما ترك بعده مثله، وقال إبراهيم الحربي: ما أخرجت بغداد أتم عقلاً منه، ولا أحفظ للسانه منه، ما عرف له غيبة مسلم، وكان في كل شعرة منه عقل ولو قسم عقله على أهل بغداد لصاروا عقلاء وما نقص من عقله شيء، وذكر غير واحد أن بشرا كان شاطراً في بدء أمره، وأن سبب توبته أنه وجد رقعة فيها اسم الله عز وجل في أتون حمام فرفعها ورفع طرفه إلى السماء وقال: سيدي اسمك ههنا ملقى يداس ثم ذهب إلى عطار فاشترى بدرهم غالية وضمخ تلك الرقعة منها ووضعها حيث لا تنال، فأحيا الله قلبه وألهمه رشده وصار إلى ما صار إليه من العبادة والزهادة.
من كلامه: من أحب الدنيا فليتهيأ للذل، وكان بشر يأكل الخبز وحده فقيل له: أما لك أدم؟ فقال: بلى أذكر العافية فأجعلها أدماً. وكان لا يلبس نعلا بل يمشي حافياً فجاء يوماً إلى باب فطرقه فقيل من ذا؟ فقال: بشر الحافي، فقالت له جارية صغيرة: لو اشترى نعلاً بدرهم لذهب عنه اسم الحافي. قالوا: وكان سبب تركه النعل أنه جاء مرة إلى حذاء فطلب منه شراكاً لنعله فقال: ما أكثر كلفتكم يا فقراء على الناس فطرح النعل من يده وخلع الأخرى من رجله وحلف لا يلبس نعلا أبداً.
قال ابن خلكان: وكانت وفاته يوم عاشوراء وقيل في رمضان ببغداد وقيل بمرو سنة سبع وعشرين ومائتين. قلت: الصحيح ببغداد في هذه السنة وقيل في سنة ست وعشرين، والأول أصح والله أعلم.
وحين مات اجتمع في جنازته أهل بغداد عن بكرة أبيهم فأخرج بعد صلاة الفجر فلم يستقر في قبره إلا بعد العتمة، وكان علي المدائني وغيره من أئمة الحديث يصيح بأعلى صوته في الجنازة هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة، وقد روي أن الجن كانت تنوح عليه في بيته الذي كان يسكنه، وقد رآه بعضهم في المنام فقال: ما فعل الله بك، فقال: غفر لي ولكل من أحبني إلى يوم القيامة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1426 / 04-07-2005(22/154)
الذي يطلق عليه لقب (الإمام) و (شيخ الإسلام)
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 15 عاما من سوريا، هذه السنة أنا في الصف التاسع أي لدي شهادة وسأنتهي من فحصي في آخر شهر حزيران، لقد كنت داخل السنة لا أدرس ولا ألتفت للمدرسة بل كان كل وقتي لهو ولعب، وقبل بداية الامتحانات بحوالي شهرين بدأت الدراسة وعوضت ما فاتني من العلم في المدرسة وأنا الآن والحمد لله علاماتي جيدة، وعندما رأيت أن لدي إرادة قوية وعزيمة وبطبعي أنا أحب الإسلام وملتزم بالسنة والحمد لله فقد بدأت بتغيير نفسي جذرياً، قال الله تعالى {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} ، لذلك بدأت مشوار التغيير الذي كانت بدايته تغييرا نفسيا ثم البدء بإخوتي ووالدي وأهلي ثم أصدقائي وجيراني وسائر المسلمين إن شاء الله، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة} ، فقد قرأت جزءًا من كتاب الشيخ عائض القرني \"لا تحزن\" وقد أحسست أنه يجب عليّ التغيير لكي أصنع جزءًا من الحضارة أو التقدم الذي سيساهم به جميع أفراد وطبقات المجتمع رجالاً ونساءً وشيوخاً وأطفالاً عموماً والشباب خصوصاً، لذلك عندما أنتهي من الامتحانات سوف أتفرغ لتعلم الدين الإسلامي الصحيح الخالي من البدع فكما تعلمون سوريا بلد مليء بالبدع، ولكن ليس لدي أستاذ أو معلم يعلمني أحكام هذا الدين فأنا أستمدها من الكتب غالباً ولكن إن كان مرجعي شيخاً فهو أفضل!!! وأنا والحمد لله ألتزم ببعض الأمور: كأداء الصلوات الخمس في المسجد وبر الوالدين وصلة الرحم والتسامح وعدم الغضب والاعتداء على الناس ونصرة الضعفاء وحب الله ورسوله وطلب الجنة.
فأنا ملتزم بالأساسيات وهي أركان الإسلام والإيمان وبعض الأشياء غيرها وببعض الثانويات والتي تعتبر النية وغيرها، وإن شاء الله أن يهدينا إلى الطريق الصحيح، سؤال: على من تطلق تسمية شيخ الإسلام، وعلى من تطلق تسمية الإمام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أبا المعالي الجويني يطلق عليه اسم الإمام أو إمام الحرمين، وقد تطلق كلمة الإمام على غيره، وهذا يختلف باختلاف حال الكتب الذي تذكر هذه العبارة، فبعض كتب المذاهب الفقهية تطلق الإمام على إمام المذهب، وقد تطلقها على من دونه.
وأما شيخ الإسلام فقد كثر إطلاقها على شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، وقد تطلق على الشيخ زكريا الأنصاري، وهنيئاً لك ببداية طريق الصلاح، وعليك بصدق النية في أمورك كلها، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية لما فيها من النصائح المهمة لطالب العلم: 7677، 8563، 20215، 23381، 58231، 56544، 56062، 51291.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1426(22/155)
نبذة عن العبادلة
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله عنا خير الجزاء، من هم السبع عبادلة، نبذة عن تاريخهم؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلفظ العبادلة يطلق على أربعة من صغار الصحابة جمعوا علما واسعاً، وكان مدار العلم والفتيا والرواية عنهم لتأخر وفاتهم وهم:
1- عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم وأمه لبانة الصغرى أخت ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين، وأم ميمونة هند بنت عوف أكرم عجوز في العرب أصهاراً، فقد صاهرها نفر من أشراف قريش على رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعماه حمزة والعباس والوليد بن المغيرة.
2- عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد ابن أسد بن عبد العزى بن قصي، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي بن كلاب وأمه أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة واسمه عثمان بن عامر بن عمرو بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي، وجدته صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد الشجعان من الصحابة، وأحد من ولي الخلافة منهم، يكنى أبا بكر ثم قيل أبو خبيب كني بولده....
3- عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن علي بن كعب بن لؤي، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي، وأمه زينب بنت مظعون القرشية من بني جمح.
4- عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي.
وليس عبد الله بن مسعود من العبادلة لكبر سنه وتقدم وفاته، ولكنا إذا كنا نريد إيصال عددهم إلى سبعة فلا مناص من عده منهم.
- ويمكن أن نعد منهم عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول الأنصاري الخزرجي، وقد كان من سادات الصحابة وفضلائهم، شهد بدراً وما بعدها، وكان أبوه رأس المنافقين وكان أشد الناس على أبيه، ولو أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه لضرب عنقه، وكان اسمه الحباب فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، وقد استشهد يوم اليمامة رضي الله عنه.
- ويمكن أن نعد منهم أيضاً عبد الله بن واقد قال أبو موسى: ذكره أبو القاسم الرفاعي في عبادلة الصحابة وأورد له من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه سمعت عبد الملك بن سارية الكعبي يقول: سمعت عبد الله بن واقد يقول: إن اليمين في الدم كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: عبد الله بن واقد أظنه بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وصنيع البخاري في تاريخه يقتضي ذلك، فإنه لم يذكر من يقال له عبد الله بن واقد إلا هذا وهو تابعي وآخر دونه في الطبقة، وقال في ترجمة عبد الملك بن سارية: يروي عن عبد الله بن واقد ولم ينسبه وذكر المزني في ترجمة عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً مرسلاً. وراجع الإصابة في تمييز الصحابة وغيره من كتب التراجم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1426(22/156)
مؤلفات شيخ الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[تردد مؤخرا على ألسنة البعض أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم يكتب في حياته ولو كتابا واحدا وإنما تنسب كتبه إلى ابنه عبد الله بعد وفاة الشيخ وذلك بإيعاز من بعض الأمراء. ما مدى صحة هذا القول؟ السؤال: هل مات الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أمي أم تعلم الكتابة والقراءة قبل وفاته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المعروف عند أهل العلم عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لم يتزوج ولا يعرف له ولد اسمه عبد الله، وهذه الكتب المعروفة هي من تأليفه رحمه الله، وبعضها من فتاوى سئل عنها فكتب فيها رسائل وجمعت مؤخرا وطبعت مجتمعة، وراجع في حياته وفي الجواب عن السؤال الثاني الفتوى رقم: 28870 والفتوى رقم: 7022 والفتوى رقم: 32029 والفتوى رقم: 45282.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1426(22/157)
الشاعر الذي نظم الاعتذاريات
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الشاعر الذي نظم الاعتذاريات]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشاعر الذي نظم الاعتذاريات هو النابغة الذبياني، وكان في أثناء نزوله عند الغساسنة، يمدح النعمان بن المنذر، ويعتذر إليه، مبرئاً نفسه مما رماه به أبناء عوف بن قريع. وهذه القصائد، التي مدح بها النعمان واعتذر إليه فيها، هي التي تسمى الاعتذاريات، وهي من أجمل شعر النابغة. وقد اشتهر فيها بلياليه التي صور فيها خشيته النعمان، حتى ضرب المثل فيها فقيل: ليلة نابغية.
ولك أن تراجع للمزيد ما كتبه الأدباء عن حياة النابغة الذبياني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1426(22/158)
نبذة عن (الزهري- سفيان الثوري)
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تعريفا عن سيرة بعض المحدثين: (الزهري- سفيان الثوري) ؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري القرشي المدني التابعي الجليل، إمام المحدثين، وهو أول من جمع الحديث، وكان آية في الحفظ والضبط والكرم.
وأما سفيان الثوري فهو سفيان بن سعيد بن مسروق الإمام الورع الزاهد، قال فيه ابن حبان: كان من الحفاظ المتقنين والفقهاء في الدين، ممن لزم الحديث والفقه، وواظب على الورع والعبادة.
وراجع للزيادة في سيرتهما سير أعلام النبلاء، والبداية والنهاية، وتاريخ ابن عساكر، وتذكرة الحفاظ، ومشاهير علماء الأمصار، وتهذيب التهذيب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1426(22/159)
فلاسفة في ميزان الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[لا يخفى علينا مدى إعجاب الغرب بالفلاسفة المسلمين في العهد الذهبي للحضارة الإسلامية كالفارابي والبيروني والكندي والرازي وابن سينا وابن رشد، سؤالي هو: ما رأي علمائنا الموثوق بهم كشيخ الإسلام في هؤلاء الفلاسفة خاصة الخمسة الذين ذكرت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الفارابي من الذين اشتغلوا بالفلسفة والمنطق الأرسطي فَضَلُّوا وأضلوا من بعدهم، ولقد ذكره الإمام ابن القيم في كتابه (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان) بعد أن ذكر أرسطو وكفره بالله وتعظيم أتباعه له وتلقيبهم إياه المعلم الأول، قال: والمقصود أن الملاحدة درجت على إثر هذا المعلم الأول، حتى انتهت نوبتهم إلى معلمهم الثاني أبي نصر الفارابي ... وكان على طريقة سلفه في الكفر بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. انتهى ملخصاً.
وأما الكندي، فقد كانت له مصنفات في المنطق والنجوم والفلسفة، قال عنه الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء: كان يقال له فيلسوف العرب، وكان متهماً في دينه بخيلاً ساقط المروءة. انتهى.
وأما ابن سينا فقد كفره بعض العلماء منهم الإمام الغزالي وشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم، وراجع الفتوى رقم: 53754، ولكن نقل الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء عن ابن خلكان أنه تاب في آخر حياته، فقال: ثم اغتسل وتاب وتصدق بما معه على الفقراء، ورد المظالم، وأعتق مماليكه، وجعل يختم القرآن في كل ثلاث، ثم مات يوم الجمعة في رمضان ... انتهى، فالله أعلم بحاله.
أما البيروني (أبو الريحان محمد) فلم يعرف عنه أنه اشتغل بالفلسفة ولم ينقل لنا أي قادح في عقيدته، بل المذكور عنه في تراجمه أنه كان مشغولاً بعلم الفلك والجغرافيا وغيرهما من العلوم التجريبية كالفيزياء والجيولوجيا والتعدين والصيدلة والرياضيات، والأصل في المسلم السلامة.
وأما ابن رشد الحفيد الفيلسوف، فقد أوسعنا الكلام عنه في الفتوى رقم: 59267.
وكذلك انظر الكلام عن الرازي في الفتوى رقم: 60851، ولمزيد من الفائدة انظر الكلام عن نشأة الفلسفة وماهيتها وموقف الإسلام منها في الفتوى رقم: 15514، والفتوى رقم: 16115.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1426(22/160)
الذي قتله النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة
[السُّؤَالُ]
ـ[نأمل منكم إفادتنا كم عدد الأشخاص الذين قتلهم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام
وما هي أسماء هذه المعارك]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باشر قتل أحد بيده سوى أبي بن خلف الجمحي لكفره وشدة عداوته للإسلام والمسلمين، وقد قتله يوم أحد بعد أن أقبل أبي يبحث عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: لا نجوت إن نجا، وهذا معروف عند علماء السيرة كابن سعد في الطبقات الكبرى وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1426(22/161)
الشيخ عائض القرني.. جهوده.. وكتبه
[السُّؤَالُ]
ـ[هنالك مجموعة من الناس يسألون عن الشيخ الدكتور عائض القرني وكتبه، أرجو توضيح ذلك
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشيخ عائض القرني من الدعاة المبرزين الذين كان لهم الأثر الطيب في ترشيد الصحوة الإسلامية المعاصرة، وله إنتاج وافر متميز من الكتب وأشرطة المحاضرات والخطب النافعة، وقد زكاه بعض كبار أهل العلم.
ومن كتب الشيخ عائض المطبوعة. 1ـ لا تحزن. 2ـ أسعد امرأة في العالم. 3ـ قل هذه سبيلي. 4ـ كيف تطلب العلم؟. هذا، وإن للشيخ عائض موقعاً على شبكة الإنترنت به كثير من إنتاجه المكتوب والمسموع، وهو: www.algarne.com
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1426(22/162)
نبذة عن ابن جرير الطبري
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الطبري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الطبري إذا أطلق يقصد به غالبا الإمام الشهير والعلامة الكبير أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري المولود بطبرستان سنة أربع وعشرين ومائتين المتوفى ببغداد سنة عشر وثلاثمائة.
قال عنه الذهبي في السير: أكثر الترحال، ولقي نبلاء الرجال، وكان من أفراد الدهر علما وذكاء وكثرة تصانيف، قل أن ترى العيون مثله.
ونقل عن الخطيب قوله في الطبري.. كان أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، فكان حافظا لكتاب الله بالقراءات، بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسنن وطرقها، صحيحها وسقمها، ناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين، عارفا بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في أخبارهم وتاريخهم، وله كتاب التفسير لم يصنف مثله، وكتاب سماه تهذيب الآثار ولم أر سواه في معناه لكن لم يتمه، وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة من أقاويل الفقه اء..
ثم عقب على ذلك بقوله: قلت: كان ثقة صادقا حافظا رأسا في التفسير، إماما في الفقه، عارفا بالقراءات وباللغة، وغير ذلك، قرأ القرآن ببيروت، على العباس بن الوليد.
هذا هو العلامة أبو جعفر محمد بن جرير الطبري رحمه الله، وله من المناقب والمواقف ما لا يتسع المقام لذكره، نرجو الرجوع إليه في كتب الرجال والأخبار والتاريخ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1426(22/163)
أبو الحسن الندوي شخصيته.. ملامح دعوته.. ومصنفاته
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو أبو الحسن علي الندوي رحمه الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشيخ أبا الحسن الندوي هو الداعية الرباني والعلامة المتميز، العربي الأرومة، الحسني النسب، الهندي الجنسية، العالمي العطاء، شيخ الأمة ولسانها الناطق بالحق الداعي إلى الخير، وأعظم من أن يؤدى حقه بكلمات، فقد كان الرجل -فيما نحسبه- يعيش للإسلام، وله يعمل، وبه يعتصم، ومن أجله يكتب ويصنف، ويدرس ويحاضر، ويسافر ويقيم، فهو شغله في نهاره، وحلمه في ليله، وزاده في سفره، وأنيسه في إقامته.
وكان صاحب قلب حي وعاطفة جياشة بالحب لله ورسوله، وكانت عقيدته صافية على منهج أهل السنة والجماعة، وكان عاقلاً حكيماً واسع الثقافة، أديباً رقيقاً ذا بيان ناصع وأسلوب رفيع راق.
وكان الذي يشغل عقله وقلبه باستمرار هو قضايا الأمة ومحاولة إحياء رسالة الإسلام الحضارية، وتصفيته مما شابه به أهل البدع والانحراف، وكان رحمه الله يبذل الوسع في صد هجمة أعداء الإسلام ويكشف مخططاتهم ويجليها للناس.
وكان أعظم ما يهمه هو تقوية الجبهة الداخلية في مواجهة الغزوة الخارجية، فكان تكوين الفرد المسلم وتصحيح مفاهيمه وتقويم سلوكه هو اللبنة الأساسية في منهجه في تغيير واقع الأمة استناداً لقول الله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ {الرعد:11} .
هذا.. وإن أهم جوانب المشروع الفكري والدعوي للعلامة الندوي تتلخص في التالي:
* تعميق الإيمان في مواجهة المادية.
* إعلاء الوحي على العقل.
* توثيق الصلة بالقرآن الكريم باعتباره كتاب الخلود، ودستور الإسلام، وعمدة الملة، وينبوع العقيدة، وأساس الشريعة.
* توثيق الصلة بالسنة والسيرة النبوية.
* إشعال الجذوة الروحية (الربانية الإيجابية) .
* البناء لا الهدم، والجمع لا التفريق.
* إحياء روح الجهاد في سبيل الله.
* استيحاء التاريخ لاستنهاض الأمة من كبوتها.
* نقد الفكرة الغربية والحضارة المادية أو الجاهلية الحديثة.
* نقد الفكرة القومية والعصبيات الجاهلية.
* تأكيد عقيدة ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم، والرد على القاديانيين وغيرهم.
* مقاومة الردة الفكرية.
* تأكيد دور الأمة المسلمة واستمرارها في التاريخ نبراس هداية للبشرية.
* بيان فضل الصحابة ومنزلتهم في الدين.
* التنويه بقضية فلسطين وتحريرها.
* العناية بالتربية الإسلامية الحرة التي لا تستمد فلسفتها من الغرب ولا من الشرق.
* العناية بالطفولة والنشء والكتابة للأطفال والناشئين بوصفهم رجال الغد.
* إعداد العلماء والدعاة الربانيين.
* ترشيد الصحوة والحركات الإسلامية التي يشهدها العالم الإسلامي.
* الحرص على دعوة غير المسلمين للإسلام.
هذا.. وإن من أهم مصنفاته:
- ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين.
- الأركان الأربعة.
- السيرة النبوية.
- الطريق إلى المدينة.
- الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية.
وغير ذلك، ولمزيد بيان راجع ترجمة العلامة الندوي التي كتبها الدكتور اجتباء الندوي ضمن سلسلة علماء المسلمين التي تصدرها دار القلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1426(22/164)
مقتل محمد بن أبي بكر الصديق
[السُّؤَالُ]
ـ[من قتل محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما ,هل مثل ما قال لي أستاذي في الدين أنه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وابنه يزيد حيث قتلاه حرقا مع علمي أن معاوية رضي الله عنه من صحابة الرسول الكرام, حيث لم يكن لي علم بمن قتل محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما,
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان محمد بن أبي بكر الصديق، من رجال علي رضي الله عنهم وأمرائه.. فسيره إلى إمرة مصر في رمضان سنة سبع وثلاثين فالتقى بعسكر معاوية وكان عليه معاوية بن حديج الكندي فقاتلهم محمد بمن معه حتى قتل، وتقول بعض الروايات أن محمد بن أبي بكر اختفى في بيت مصرية فأخذه معاوية بن حديج فقتله، وقيل دسه في بطن حمار ميت وأحرقه عليه. وقيل أرسله إلى عمرو بن العاص أمير مصر من قبل معاوية فقتله. ذكر هذه الروايات الذهبي في السير. كما ذكرت في غيره من كتب الأخيار والتاريخ ولم نقف فيها على ذكر ليزيد بن معاوية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1426(22/165)
المختار الثقفي
[السُّؤَالُ]
ـ[الاستفسار عن سيرة حياة المختار الثقفي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا طرفا من سيرة هذا الرجل ضمن الفتوى رقم: 7466، والفتوى رقم: 21570.
وللمزيد من سيرة حياته راجع كتب التراجم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1426(22/166)
نبذة عن رابعة العدوية
[السُّؤَالُ]
ـ[نريد أن نعرف نبذة عن حياة رابعة العدوية وهل كانت صوفية أم ماذا.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رابعة العدوية امرأة من أتباع التابعين، وقد توفيت سنة ثمانين ومائة، وكانت مشهورة بالعبادة والزهد، ولم يكن التصوف معروفا في ذلك العصر باسمه ولا ميزاته المعروفة الآن، وإنما كان هناك عباد تميزوا بزهدهم وورعهم، وكان أئمة السلف يثنون على رابعة منهم: سفيان الثوري وغيره، وقد أثنى عليها ابن الجوزي في صفة الصفوة، وألف في سيرتها جزءا خاصا، وقد اتهمها بعضهم بالحلول، وأنكر ذلك الذهبي في السير، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء عند ترجمتها: رابعة العدوية البصرية الزاهدة العابدة الخاشعة، رابعة بنت إسماعيل أم عمر ولاؤها للعتكيين، ولها سيرة في جزء لابن الجوزي، وذكر أنه قال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن الحسين حدثني عبيس بن ميمون العطار حدثتني عبدة بنت أبي شوال وكانت تخدم رابعة العدوية قالت: كانت رابعة تصلي الليل كله، فإذا طلع الفجر هجعت هجعة حتى يسفر الفجر، فكنت أسمعها تقول: يا نفس كم تنامين, وإلى كم تقومين، يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا ليوم النشور ... وقال أبو سعيد بن الأعرابي: أما رابعة فقد حمل الناس عنها حكمة كثيرة، وحكى عنها سفيان وشعبة وغيرهما ما يدل على بطلان ما قيل عنها وقد تمثلته بهذا.
ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي * وأبحت جسمي من أراد جلوسي.
فنسبها بعضهم إلى الحلول بنصف البيت، وإلى الإباحة بتمامه. قلت ـ والقول للذهبي ـ فهذا غلو وجهل، ولعل من نسبها إلى ذلك مباحي حلولي ليحتج بها على كفره كاحتجاجهم بخبر: كنت سمعه الذي يسمع به. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ربيع الأول 1426(22/167)
هل تولت الشفاء بنت عبد الله السوق في زمن عمر
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الكريم بارك الله فيكم. هلا أفدتمونا إن كان ابن منده في كتابه عن الصحابة ذكر سندا عن تولي الشفاء بنت عبد الله السوق في زمن عمر رضي الله عنهما؟ فليس عندي كتابه وكذلك أرجو إفادتي عنها إن كانت ذكرت هذه القصة عند النسائي في الفضائل.
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كتاب ابن منده عن الصحابة لم يكن ضمن المراجع التي بين أيدينا ولذلك لا يمكننا الحديث عنه. وأما كتاب السنن للنسائي فلم نقف على ذكر للأثر المذكور فيه، ولكن الأثر قد تناقله كثير من العلماء الكبار وأصحاب التراجم في كتبهم مما يؤيد احتمال أن له أصلا. وقد ذكر أحمد بن عمرو بن الضحاك الشيباني (206 ـ 287) في كتابه الآحاد والمثاني سندا له فقال: حدثنا دحيم عن رجل سماه عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر رضي الله عنه ـ استعمل الشفاء على السوق، قال: ولا نعلم امرأة استعملها غير هذه. وفي هذا السند من العلل ما يجعله ضعيفا. وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع في الفتوى رقم: 55562.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1426(22/168)
ابن طفيل مؤلف رسالة \"حي بن يقظان\"
[السُّؤَالُ]
ـ[أنوي إن شاء الله قراءة كتاب \"حي بن يقظان\" لابن طفيل. أعرف أن هذا الكتاب فلسفي فهل ورد فيه كلام من علمائنا الموثوق بهم؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ابن طفيل مؤلف رسالة "حي بن يقظان" وصفه شيخ الإسلام ابن تيمية بالإلحاد ـ كما في "درء تعارض العقل والنقل" 6/56. وذكر أن ابن طفيل هذا يذم أبا حامد لاعتصامه بدين الإسلام وموافقته الكتاب والسنة. وعلى هذا؛ فلا ننصحك بقراءة هذا الكتاب ولا غيره من الكتب التي صنفها الفلاسفة فإنها مزلة قدم ولا تؤمن عاقبتها، وكم من لبيب ضل لما سلك تلك المسالك وكان يظن نفسه عاقلاً. وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 15514، 16115. فانشغل بطلب العلم النافع الذي تؤجر عليه ويزكي نفسك ويقربك لمولاك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1426(22/169)
جهود ابن تيمية في قمع المبتدعة ونصر السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك البعض ممن يدعون أنهم طلبة علم ينشرون عقيدة التعطيل في أسماء الله وصفاته ويزعمون أن الله لا ينزل في الثلث الأخير من الليل بل رحمته تنزل وأن استواءه على العرش لا يعني العلو بل الاستيلاء وهلم جرا عدا عن كونهم يشتمون شيخ الاسلام ابن تيمية بل ويكفرونه فهل من كلمة تنصرون بها عقيدة السلف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن أصدرنا فتاوى بينا فيها مذهب السلف الصالح في مسألة الأسماء والصفات، وزيفنا مذاهب أهل الباطل فيمكنك الرجوع إليها وهي ذوات الأرقام: 46017، 6707، 19332، 50216، 55619، 45674، 15695.
واعلم -رحمك الله- أن طعنهم في شيخ الإسلام ليس المقصود منه الطعن في شخصه وإنما ليتوصلوا به إلى الطعن في عقيدة السلف الصالح؛ لأنه صار عَلَماً عليها، وبث عقائدهم الباطلة بين المسلمين، وراجع الفتوى رقم: 59815.
أما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبلل ثراه فقد كان بحق ناصرا للسنة، قامعاً للبدعة، خاذلاً لأهل الباطل، فقد جرد حسام قلمه لمحاربة كافة أنواع البدع لا سيما ما يتعلق بالعقائد وأصول الدين، قال أبو حيان إمام اللغة في عصره:
... قام ابن تيمية في نصر شرعتنا * مقام سيد تيم إذ عصت مضر
فأظهر الحق إذ آثاره اندرست * وأخمد الشر إذ طارت له شرر
يا من يحدث عن علم الكتاب أصخ * هذا الإمام الذي قد كان ينتظر
ففي عصره كادت معالم أهل السنة تختفي، فنظر بعد الإحاطة بعلوم السنة والنقول المروية والمدونة في الكلام والفلسفة والمنطق، فأظهر فساد أصول المبتدعة، وأظهر صحة مذهب السلف بالمنقول والمعقول، وترك للأمة ترياقاً واقياً من سموم المبتدعة الضالين، فأورث جهاده لأعداء السنة عداوة له في نفوسهم، فضللوه وبدعوه بل وكفره بعضهم، ونحن نعتقد أن كثيراً ممن يطعن فيه لم يطلع على كتبه، وإنما قال فيه ما قال اعتماداً على ما أشاعه عنه خصومه من المبتدعة. وقد قيض الله له المدافعين عنه وعن دعوته. وللوقوف على أقوال العلماء فيه وثنائهم عليه راجع الفتاوى ذوات الأرقام: 7022، 32029، 32476، 11129.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1426(22/170)
الغلامان اللذان اشترى النبي منهما أرض المسجد النبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[من هما الغلامان اللذان كانت لهما أرض المسجد النبوي واشتراها النبي عليه الصلاة والسلام، وما اسماهما.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغلامان اللذان اشترى منهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض المسجد النبوي هما سهيل وسهل، غلامان يتيمان من الأنصار. روى البخاري وغيره في المكان الذي بني فيه مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ... وكان مربدا لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة. قال ابن حجر العسقلاني: وكانا من الأنصار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1426(22/171)
فخر الدين الرازي في تفسيره
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد ما أحذر منه أثناء قراءتي لتفسير فخر الدين الرازي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرازي رحمه الله تعالى من أئمة الأشاعرة وعلماء الكلام الذين جانبوا منهج أهل السنة والجماعة في كثير من أبواب الاعتقاد، ولقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الرازي وأمثاله: أوتوا ذكاء ولم يؤتوا زكاة. ولقد تصدى له رحمه الله في كتابه" بيان تلبيس الجهمية" وبين أحواله وتناقضه وقواعده التي أسس عليها بنيانه ـ وهي أوهن من بيت العنكبوت، كما خصص له جزءاً كبيراً من كتابه " درء تعارض العقل والنقل"وأما تفسير الرازي فإنه يعتبر مرجعاً كبيراً في علم الكلام عموماً وفي العقيدة الأشعرية خصوصاً، ثم إنه انشغل بذكر أقوال المعتزلة المذمومة والرد عليها، إلا أن رده لم يكن كافياً ولا شافياً، فقد قال الحافظ ابن حجر ـ كما في " لسان الميزان": وكان يعاب بإيراد الشبهة الشديدة، ويقصر في حلها، حتى قال بعض المغاربة: يورد الشبهة نقداً ويحلها نسيئة. اهـ. وأورد ابن حجر في: لسان الميزان" أيضاً عن الرازي في تفسيره أنه: يورد شبهات المخالفين في المذهب والدين على غاية ما يكون من التحقيق، ثم يورد مذهب أهل السنة على غاية من الوهاء. اهـ. ثم إن الرازي في تفسيره أكثر من الاستطراد في الفلسفة والعلوم الرياضية والطبيعية وغيرها من العلوم الحادثة في الملة، وعرض كثيراً لأقوال الفلاسفة بالرد والتفنيد، ولكنه كان يصوغ أدلته على نمط استدلالاتهم العقلية لا على الطريقة السلفية المرضية. والرجل لم يكن عالماً بعقيدة السلف الصالح تخبط في باب الأسماء والصفات تخبطاً شديداً ولقب القائلين بمذهب السلف بلقب "المجسمة" وفي الجملة فإن تفسير الرازي لا ينصح به طالب العلم الذي لم يتضلع من علم العقيدة وفهم منهج السلف الصالح الذي قرره أئمة أهل السنة والجماعة ومن أعظمهم الإمام شيخ اللإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. وهناك من التفاسير الموافقة لمعتقد السلف الصالح ما يغني عن تفسير الرازي وأمثاله مثل تفسير الحافظ ابن كثير أو مختصره: "تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير " لمحمد نسيب الرفاعي، ومن كتب المعاصرين" أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" لمحمد الأمين الشنقيطي. ومن التفاسير المختصرة: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" للسعدي. هذا، وليعلم أن الرازي في خواتيم حياته قد من الله تعالى عليه بالتوبة من اعتقاده الفاسد وبالرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح من أئمتنا، قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره" أضواء البيان" ما نصه: واعلم أيضا أن الفخر الرازي الذي كان في زمانه أعظم أئمة التأويل ورجع عن ذلك المذهب إلى مذهب السلف معترفا بأن طريق الحق هي اتباع القرآن في صفات الله. وقد قال ذلك في كتابه: أقسام اللذات: لقد اختبرت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فلم أجدها تروي غليلا، ولا تشفي عليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن أقرأ في الإثبات:
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} ، والنفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} ، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي. اهـ. وقد بين هذا المعنى في أبياته المشهورة التي يقول فيها:
... ... نهاية إقدام العقول عقال * وغاية سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا * وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا * سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
إلى أخر الأبيات. اهـ. من " أضواء البيان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1426(22/172)
عبد الله بن أبي سرح الصحابي الجليل
[السُّؤَالُ]
ـ[من قراءتي لكتاب البداية والنهاية لابن كثير لاحظت اسم عبد الله بن أبي سرح، من القراءة تبينت أنه كان أحد الأشخاص الذين احتج فيه عند سيدنا عثمان بن عفان لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أحل دمه لكفره بالقرآن، سؤالي هو: هل هناك قول لسيدنا عثمان عن استخدام عبد الله بن سرح، كيف ومتى توفي عبد الله بن أبي سرح؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عبد الله بن أبي سرح رضي الله عنه أحد الصحابة، وقد بايعه النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما أحل دمه يوم فتح مكة، وقد ولاه عثمان رضي الله مصر، وقد فتح بلاد أفريقية (ليبيا وتونس) ، كما قال ابن حجر في الإصابة، وقد شكاه أهل مصر بعد ذلك إلى عثمان وسألوه عزله عنهم فأجابهم إلى ذلك.
وقد ذكر ابن حجر في الإصابة أنه مات بعسقلان، وذكر أيضاً قولا آخر أنه مات بالرملة، فذكر أنه روى البغوي بإسناد صحيح عن يزيد بن أبي حبيب، قال: خرج ابن أبي سرح إلى الرملة، فلما كان عند الصبح قال: اللهم اجعل آخر عملي الصبح، فتوضأ ثم صلى فسلم عن يمينه، ثم ذهب يسلم عن يساره فقبض الله روحه يرحمه الله. وراجع الفتوى رقم: 29447.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1426(22/173)
البرعي في ميزان الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يحتاج لبحث ظاهرة موجودة عندنا في السودان وهو شخصية توفيت قبل أيام يدعى البرعي أطلق البعض عليه الإمام والآخر أنه رجل منقطع الصلاح وهو أحد ظواهر التصوف الموجود في السودان، فما رأي فضيلتكم في هذه الشخصية بكل صراحة هل يؤخذ بما قال من الفتاوى والمدائح التي تنسب له؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من اطلع على شعر البرعي وجده قد اشتمل على عقائد كفرية بينة، ولقد تتبعه بعض الغيورين ورد على انحرافاته تلك، وهو الشيخ عمر بن التهامي بن عبد الرحمن في كتاب له سماه شعر البرعي في ميزان الكتاب والسنة، وقد قدم لهذا الكتاب الشيخ عبد العزيز السدحان المحاضر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وتجد هذا الكتاب في مكتبة موقع صيد الفوائد على الإنترنت، والكتاب على الرابط التالي: http://saaid.net/book/open.php?cat=88&book=1298
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1426(22/174)
موقف الإمام الذهبي من شيخ الإسلام ابن تيمية
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال:هل صحيح ما قرأته في بعض المواقع من أن علماء من أهل السنة مثل البخاري يقولون إن ابن مسعود ينكر المعوذتين ويقول إنهما ليستا من القرآن ... خصوصا أن معظم تلك المواقع شيعية ويستشهدون من كتب السنة ويستدلون بذلك على أننا \\\"السنة\\\"ننكر من القرآن ما هو ثابت
وأيضا قرأت أن ابن تيمية يخالف أهل السنة في عقيدة التوحيد وأنه غير وبدل في عقيدة الطحاوي وفسرها على هواه وأن الإمام الذهبي كان معجبا به في البداية ثم هاجمه في رسالة موجودة في كتاب للسخاوي
الرجاء توضيح هذه الأمور بشكل واضح ومستفيض لأن المصيبة الكبرى أن بعض النصارى يستدلون بما يقولون لمهاجمة القرآن ومهاجمة ابن تيمية.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب على ما جاء عن ابن مسعود في المعوذتين في الفتوى رقم: 33429.
أما شيخ الإسلام ابن تيمية فهو علم الأمة وعالمها ومن أئمتها العاملين المشهود له بالعلم والاستقامة وسلامة المعتقد، وقد أفنى حياته العامرة في الدفاع عن عقيدة أهل السنة ونقد الفرق المنحرفة بأداة قوية وبيان ناصع، ورد على النصارى في الجواب الصحيح وغيرهم من أهل الزيغ والكفران، وراجع الفتويين: 59815، 7022، وهو ما دفع أعداء الدين وأعداء السنة للنيل منه بالباطل والبهتان. وكل ما يحكى عنه من تغيير العقيدة أو القول بأقوال باطل فلا أصل له من الصحة، وراجع الفتوى رقم: 53961.
أما الإمام الذهبي فقد بالغ في الثناء عليه وترجم له في تاريخ الإسلام ترجمة منيرة، وقال في معجم شيوخه: هو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلي، فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني ما رأيت مثله، وأنه ما رأى مثل نفسه. اهـ.
وقال أيضا: كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث أهـ.
أما الرسالة المنسوبة للإمام الذهبي والتي تسمى بيان زغل العلم والطلب أو الرسالة الذهبية فلا تصح نسبتها إليه، وراجع الفتوى رقم: 30511.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1426(22/175)
الأفغاني ومحمد عبده والماسونية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده من الماسون فعلاً؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أفضل من ترجم لجمال الدين الأفغاني هو الدكتور فهد الرومي في كتابه الرائع (منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير) ص 75-123، وبين حقيقة الرجل، وأصله، ونقل بعضاً من رسائله، ولقد ذكر العلامة محمد رشيد رضا في (تاريخ الأستاذ) 1/49 أن الأفغاني كان له نشاط ماسوني.
أما محمد عبده فقد ترجم له الدكتور الرومي في الكتاب المذكور (ص124-169) وذكر ترجمة مستفيضة له، وأورد ضمن الترجمة علاقة محمد عبده بكتاب (تحرير المرأة) لقاسم أمين، وانظر الفتوى رقم: 31557، والفتوى رقم: 16414.
هذا وننبه إلى أن المدرسة العقلية الحديثة هي في الحقيقة امتداد لمدرسة المعتزلة التي لم تستضئ بنور الوحي، وأصحابها يعظمون العقل ويقدمونه على نصوص الكتاب والسنة، وذلك بخلاف أهل السنة والجماعة الذين يجعلون العقل غير المعصوم تابعا للوحي المعصوم، بل يعتقدون أن العقل الصريح لا يمكن أن يتعارض أبداً مع النقل الصحيح، وانظر تفصيل ذلك فيما كتبه الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول) أو (درء تعارض العقل والنقل) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1426(22/176)
نبذة عن الإمام أحمد الفاروقي
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في مجلة موضوعا يتحدث عن الإمام الرباني أحمد الفاروقي، ويصفه الكاتب بالمجدد الألفي، ولكني لم أسمع عنه قبل ذلك، هل يمكن أن تعرفونا به؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإمام الرباني أحمد الفاروقي هو الإمام أحمد بن عبد الواحد السرهندي، والذي تنتهي سلسلة نسبه إلى أمير المؤمنين عمر الفاروق، وينسب إليه أحياناً فيقال: الإمام أحمد الفاروقي.
والإمام السرهندي من أئمة القرن العاشر الهجري، ولد في مدينة (سرهند) بالهند سنة 971هـ، وتوفي سنة 1034هـ، وكانت له جهود دؤوبة في نشر السنة وقمع البدعة، وفي توجيه الدولة إلى الإسلام من جديد.
هذا.. وللوقوف على تفصيل أوسع لسيرة ذلك الإمام، ولبيان جهوده في الدعوة وملامح تجديده للدين، راجع ما كتبه عنه العلامة أبو الحسن الندوي في مؤلفه الحافل (رجال الفكر والدعوة في الإسلام) ، حيث خصص الجزء الثالث بكامله للترجمة لذلك الإمام رحمه الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 صفر 1426(22/177)
نبذة عن الجاحظ
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إمام مسجد وأود تفسيرا لهذه الفقرة فعلى وضوحها فيها غبش وهي من كتاب للجاحظ: وقال علي بن الحسين بن علي رحمه الله: لو كان الناس يعرفون جملة الحال في فضل الاستبانة, وجملة الحال في صواب التبيين, لأعربوا عن كل ما تخلج في صدورهم, ولوجدوا من برد اليقين ما يغنيهم عن المنازعة إلى كل حال سوى حالهم، وعلى أن درك ذلك كان لا يعدمهم في الأيام القليلة العدة, والفكرة القصيرة المدة, ولكنهم من بين مغمور بالجهل, ومفتون بالعجب ومعدول بالهوى عن باب التثبت, ومصروف بسوء العادة عن فضل التعلم) من كتاب (البيان والتبيين) الجزء الاول، طبعة دار الفكر1968؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنعتذر للسائل الكريم عن الإجابة على هذا السؤال وأمثاله، لأن في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقوال العلماء الثقات والأئمة الكبار ما يغني ويشغل عن نقول الجاحظ وشرحها وتوضيحها ...
فالجاحظ -عفا الله عنا وعنه- مع وفور علمه وكثرة تصانيفه وحفظه وذكائه.. لا يعدو أن يكون إخباريا أديباً ... فليس مجاله مجال الشريعة وآدابها والتثبت في النقل وصحته، فهو من متكلمي المعتزلة، أخذ عن كبارهم مثل النظام وغيره، وقد رماه بعضهم بالزندقة وترك الصلاة، ورماه أهل العلم بالكذب والاختلاق، قال ابن الجوزي في المنتظم: قال ثعلب: ما هو بثقة. كما نقل ابن الجوزي عن أبي العيناء قوله:.. أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك، وأدخلناه على الشيوخ ببغداد فقبلوه إلا ابن شيبة العلوي.. إلى أن قال: وكان أبو العيناء يحدث بهذا بعد ما تاب.
وقد ذكر الذهبي هذه القصة بسنده في السير، وقال عنه: كان ماجنا، قليل الدين، له نوادر.. ومع علمه وكثرة تصانيفه ... ففي النفس من حكاياته ولهجته، فربما جازف ... وتلطخه بغير بدعة أمر واضح، ولكنه إخباري صاحب فنون وأدب وذكاء، عفا الله عنه.
فمثل هذا لا يؤمَن على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضلا عن أن يؤمَن على غيره، فلا يستبعد أن يكون ما نقل عن علي بن الحسين رضي الله عنه غير صحيح، ولو صح لكان في غيره من نصوص الوحي ما يغني.
ولا شك أن له مؤلفات مفيدة وخاصة البيان والتبيين، ولكن لا ينبغي أن يشتغل به عن المهم والأهم، أو يعطى من العناية ما لا يستحق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1426(22/178)
أحمد عبد الحميد الحارثي، والإمام الذهبي
[السُّؤَالُ]
ـ[أحمد بن عبد الحميد الحارثي من شيوخ أبي عوانة في مستخرجه ويصحح حديثه البيهقي دائما وكذلك الحاكم وذكره الذهبي فقال المحدث الصدوق روى عن أبي أسامة وعدة وعنه ابن الأعرابي والأصم وأبو عوانة. أرجو الإفادة بتوثيق من وثقه. (أقوال العلماء غير الذهبي فيه)
بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أحمد عبد الحميد الحارثي وثقه الدراقطني كما في سؤالات الحاكم، ووثقه ابن حبان، وتصحيح الحاكم والبيهقي لحديثه توثيق ضمني؛ إذ التصحيح فرع التوثيق كما هو معلوم في علم الحديث قال السخاوي: رواية إمام ناقل للشريعة لرجل لم يروعنه إلا واحد في مقام الاحتجاج كافية في تعريفه وتعديله. اهـ.
وننبه السائل الكريم إلى أن الإمام الذهبي يُعتمد عليه في هذا الباب فهو من الأئمة الكبار في هذا الشأن، مهر في علم الحديث والرجال وفاق أهل عصره، وكان أكثرهم تصنيفا، وساعده على ذلك العدد الضخم من الشيوخ الذين تتلمذ عليهم، وكان من المجتهدين في هذا الباب، قال تلميذه الصفدي: فقيه النظر، له دربة بأقوال الناس ومذاهب الأئمة من السلف، وأعجبني منه ما يعانيه في تصانيفه من أنه لا يتعدى حديثا يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن، أو ظلام إسناد، أو طعن رواته. اهـ. إن هذه البراعة جعلت الإمام الذهبي يصحح، ويعلل، ويستدرك على كبار العلماء. قال تاج الدين السبكي: دخل في كل باب، وأطلق عليه علماء عصره محدث العصر. وقال أيضا في طبقات الشافعية: كان شيخ الجرح والتعديل، وكأنما جمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يعبر عنها إخبار من حضرها. اهـ. وقال السيوطي في طبقات الحفاظ: إن المحدثين في عصره عيال في الرجال وغيرها من فنون الحديث على أربعة أحدها الذهبي. أما الحافظ ابن حجر العسقلاني فقال: شربت ماء زمزم سائلا الله أن أصل إلى مرتبة الحافظ الذهبي في الحفظ والفطنة. ويشهد لبراعة الإمام الذهبي كتبه التي خلفها وما أكثرها، ويكفيه: تاريخ الإسلام، وسير أعلام النبلاء. وراجع ترجمته للدكتور بشار عواد معروف في مقدمة سير أعلام النبلاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1426(22/179)
ابن رشد الجد والحفيد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في كتابات ابن رشد؟ وهل هو من أهل السنة والجماعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هناك رجلين من أصحاب المصنفات كل واحد منهماعرف بابن رشد، الأول هو: القاضي العلامة شيخ المالكية محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد أبو الوليد القرطبي المالكي أثنى عليه الذهبي في (السيرة) وذكر بعض مصنفاته، وكلها في الفقه والحديث.
وأما الرجل الثاني فهو حفيد الأول المذكور آنفاً، وهو محمد بن أحمد بن محمد أبو الوليد القرطبي، قال عنه الذهبي في (السير) : العلامة فيلسوف الوقت أبو الوليد محمد بن أبي القاسم أحمد ابن شيخ المالكية أبي الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي. مولده قبل موت جده بشهر سنة عشرين وخمس مائة. عرض الموطأ على أبيه. وأخذ عن أبي مروان بن مسرة وجماعة وبرع في الفقه وأخذ الطب عن أبي مروان بن حزبول ثم أقبل على علوم الأوائل وبلاياهم حتى صار يضرب به المثل في ذلك، ولما كان المنصور صاحب المغرب بقرطبة استدعى ابن رشد واحترمه كثيراً، ثم نقم عليه بعد يعني لأجل الفلسفة، وله شرح أرجوزة ابن سينا في الطب والمقدمات في الفقه كتاب الحيوان كتاب جوامع كتب أرسطوطاليس شرح كتاب النفس كتاب في المنطق كتاب تلخيص الإلاهيات لنيقولاوس كتاب تلخيص ما بعد الطبيعة لأرسطو كتاب تلخيص التعريف وكتاب الحميات وكتاب حيلة البرء ولخص كتاب السماع الطبيعي وله كتاب تهافت التهافت وكتاب مناهج الأدلة أصول وكتاب فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال كتاب شرح القياس لأرسطو مقالة في العقل مقالة في القياس كتاب الفحص في أمر العقل الفحص عن مسائل في الشفاء مسألة في الزمان مقالة فيما يعتقده المشاؤون وما يعتقده المتكلمون في كيفية وجود العالم مقالة في نظر الفارابي في المنطق ونظر أرسطو مقالة في اتصال العقل المفارق للإنسان مقالة في وجود المادة الأولى مقالة في الرد على ابن سينا مقالة في المزاج مسائل حكمية مقالة في حركة الفلك كتاب ما خالف في الفارابي أرسطو.
قال شيخ الشيوخ ابن حمويه لما دخلت البلاد سألت عن ابن رشد فقيل إنه مهجور في بيته من جهة الخليفة يعقوب لا يدخل إليه أحد لأنه رفعت عنه أقوال ردية ونسبت إليه العلوم المهجورة ومات محبوساً بداره بمراكش. اهـ باختصار.
وابن رشد الحفيد ذكر عنه ابن تيمية أنه كان معظماً للفلاسفة ومغاليا في تعظيمهم، وهو معدود في أتباع أرسطو الفيلسوف فقال عنه في (درء التعارض) : وأما كلامه وكلام اتباعه كالإسكندر الأفروديسي وبرقلس وثامسطيوس والفارابي وابن سينا والسهروردي المقتول وابن رشد الحفيد وأمثالهم في الإلهيات فما فيه من الخطأ الكثير والتقصير العظيم ظاهر لجمهور عقلاء بني آدم، بل في كلامهم من التناقض ما لا يكاد يستقصى. اهـ
وفي (درء التعارض) أيضاً ذكر ابن تيمية الأقوال في المقارنة بين النبي والفيلسوف أيهما أفضل، ثم ذكر قولاً قال بعده: وهذا في الجملة قول المتفلسفة والباطنية كالملاحدة الإسماعيلية وأصحاب رسائل إخوان الصفاء والفارابي والسهروروي المقتول وابن رشد الحفيد وملاحدة الصوفية الخارجين عن طريقة المشايخ المتقدمين من أهل الكتاب والسنة. اهـ
ولقد ترك الإمام الغزالي طرق الفلاسفة بعد أن عرف كلامهم وأيس من نيل مطلوبه من طريقتهم، ووضع كتاباً سماه: (تهافت الفلاسفة) ، فلم يعجب ذلك ابن رشد، فرد عليه بكتاب سماه (تهافت التهافت) . قال شيخ الإسلام في (درء التعارض) : بل وهذا هو المنقول عن أكثر الفلاسفة أيضاً كما ذكر أبو الوليد ابن رشد الحفيد وهو من أتبع الناس لمقالات المشائين أرسطو وأتباعه ومن أكثر الناس عناية بها وموافقة لها وبياناً لما خالف فيه ابن سينا وأمثاله لها حتى صنف كتاب (تهافت التهافت) وانتصر فيه لإخوانه الفلاسفة ورد فيه على أبي حامد في كتابه الذي صنفه في تهافت الفلاسفة. اهـ
ومما سبق يتضح أن ابن رشد الحفيد كان ذا فقه وعلم بفروع المالكية وغيرهم كما هو ظاهر في كتابه النافع (بداية المجتهد) إلا إنه لم تكن طريقته مرضية في العقيدة وأصول الدين، وكان مجانباً لمنهج أهل السنة والجماعة، ميمماً وجهه شطر الفلاسفة يتلقى منهم، معرضاً عن نصوص الوحيين وطريقة السلف المتقدمين في العقيدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1426(22/180)
لم يكن صهيب روميا
[السُّؤَالُ]
ـ[يا إخوتي الكرام. لماذا سمي صهيب بن سنان بصهيب الرومي هل كان رومبا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن صهيبا رضي الله عنه لم يكن روميا، بل كان عربيا من النمر بن قاسط كما نقله ابن عبد البر والذهبي وابن كثي ر، وأما سبب تسميته بالرومي فقد ذكر ابن عبد البر أنه سباه الروم وهو صغير فتعلم لغتهم. وراجع قصته في الاستيعاب لابن عبد البر، والبداية والنهاية لابن كثير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1426(22/181)
نبذة عن \"فاطمة بنت عبد الملك بن مروان\"
[السُّؤَالُ]
ـ[فاطمة بنت عبد الملك بن مروان معلومات عنها. شكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن فاطمة رحمها الله تعالى هي: فاطمة بنت عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص القرشي الأموية، كان أبوها أحد أمراء بني أمية، وأمها أم المغيرة بنت خالد بن العاص المخزومية، وقد تزوجها عمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد رحمه الله تعالى، وهي أم بعض بنيه. وكانت عونا له على حياة الورع والزهد، وصبرت معه على تقشفه وزهده، وروت عنه كثيرا من العلم، وقد رد حليها لبيت مال المسلمين، ولما توفي عرض عليها أخوها يزيد بن عبد الملك أن يرده إليها أو يرد لها ثمنه فأبت رحمها الله تعالى، وقالت: إنها أعطته لله فلن ترجع إليه، وهي التي يقول فيها الشاعر:
بنت الخليفة والخليفة جدها *أخت الخلائف والخليفة زوجها.
فقد كان أبوها وجدها خليفتين من خلفاء بني أمية، وقد ولي الخلافة زوجها عمر بن عبد العزيز، ووليها أربعة من إخوتها وهم: الوليد وسليمان ويزيد وهشام. وقد ذكر الزبير بن بكار والسيوطي أنه لم يحصل هذا لغيرها من النساء.
وقد تزوجت بعد عمر أحد أبناء عمومتها اسمه: داود بن بشر كما في تاريخ دمشق. وقد توفيت رحمها الله في خلافة هشام بن عبد الملك. رحمها الله رحمة واسعة. وراجع في ترجمتها أعلام النساء لعمر رضا كحالة، وتاريخ دمشق. ويمكنك الاطلاع على المزيد عند البحث عن البيت السابق في الإنترنت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1425(22/182)
موقف المسلم من يزيد بن معاوية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن اسم يزيد غير مرغوب فيه لقتله الحسن والحسين ويوجد لا أعرف إن كان قولا صحيحا أم لا وهو: كفر يزيد ولا تزيد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجعي في جواب هذا السؤال الفتويين التاليتين: 48959 و 36047.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1425(22/183)
من الذي وضع حدود مكة؟ ومن الذي حج سرا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من الذي وضع حدود مكة؟ ومن الذي حج سرا؟
أفيدونا أثابكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 11588.بيان أن الذي وضع حدود الحرم إبر اهيم عليه الصلاة والسلام، وأما الذي حج سرا فلعله يعني به ما يذكر أن خالد بن الوليد انسل عن المجاهدين في العراق وحج ورجع، ولم يعلم به من الناس إلا قليل منهم. والقصة مبسوطة في البداية والنهاية لابن كثير وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1425(22/184)
نبذة عن ابن عطاء الله الإسكندراني
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة المحترمون: أريد السؤال عن ابن عطاء الله السكندراني من هو، هل كتبه موافقة لرأي جمهور السلف الصالح
هل ينتمي إلى علماء السلف الموحدين أم هو من علماء الصوفية؟
دلوني جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ابن عطاء الله السكندري من علماء الصوفية، وانظر الفتوى رقم: 17649، فإن فيها نسبته إلى الطريقة الشاذلية الصوفية.
هذا، وقال الحافظ ابن حجر في ترجمته له في (الدرر الكامنة) : أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله تاج الدين أبو الفضل الإسكندراني الشاذلي صحب الشيخ أبا العباس المرسي صاحب الشاذلي وصنف مناقبه ومناقب شيخه، وكان المتكلم على لسان الصوفية في زمانه وهو ممن قام على الشيخ تقي الدين ابن تيمية فبالغ في ذلك، وكان يتكلم على الناس وله في ذلك تصانيف عديدة ومات في نصف جمادى الآخرة سنة 709 بالمدرسة المنصورية كهلاً، وكانت جنازته حافلة رحمه الله تعالى.
قال الذهبي: كان له جلالة عجيبة ووقع في النفوس ومشاركة في الفضائل، ورأيت الشيخ تاج الدين الفارقي لما رجع من مصر معظماً لوعظه وإشارته، وكان يتكلم بالجامع الأزهر فوق كرسي بكلام يروح النفوس، ومزج كلام القوم بآثار السلف وفنون العلم فكثر أتباعه وكانت عليه سيما الخير ... اهـ المراد.
وقال عنه الزركلي في الأعلام: أحمد بن محمد بن عبد الكريم، أبو الفضل تاج الدين، ابن عطاء الله الإسكندري متصوف شاذلي، من العلماء.
كان من أشد خصوم شيخ الإسلام ابن تيمية له تصانيف منها: الحكم العطائية في التصوف، وتاج العروس في الوصايا والعظات، ولطائف المنن في مناقب المرسي وأبي الحسن. توفي بالقاهرة، وينسب إليه كتاب: مفتاح الفلاح، وليس من تأليفه. اهـ بتمامه.
وأما كتبه، فلم نطلع منها إلا على (الحكم العطائية) فوجدنا فيها إجمالا يحتاج إلى تبيين، وفي بعض ألفاظها احتمالاً يحتاج إلى تعيين، ووجدنا في بعض كلماتها غموضاً، وفي بعض عباراتها اختصاراً يصل إلى حد الألغاز أحياناً!! ومن ثم فهي تحتاج إلى شرح ليتم الانتفاع بها، ولكن للأسف قام بشرحها بعض من انتسب إلى الطرق الصوفية من أصحاب البدع، ومثلهم لا يؤتمنون، وقد يّحملون العبارات أكثر مما تحتمل وفقاً لأذواقهم ومواجيدهم.
والسلامة لا يعد لها شيء، فانصرف عن هذه الكتب المدخولة إلى غيرها مما كتبه علماء السلف موافقاً لأصول منهج أهل السنة والجماعة، ومن أهم هذه الكتب ما صنفه الإمامان شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1425(22/185)
ترجمة محمد بن عمرو، ومحمود بن غيلان
[السُّؤَالُ]
ـ[في حديث سجود المرأة لزوجها عند الترمذي وقع حدثنا النضر بن شميل (ثقة حافظ) حدثنامحمد بن عمرو. والسؤال من هو محمد بن عمرو هذا وهل هو ثقة أم لا؟ وهل له سماع من أبي سلمة؟ وأرجو الإفادة أيضا عن شيخ الترمذي محمود بن غيلان. بارك الله لكم وأنعم عليكم من نعمه بغير حساب.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمحمد بن عمرو هو "ابن علقمة الليثي المدني" فيه ضعف يسير من قبل حفظه، قال الذهبي: شيخ مشهور حسن الحديث مكثر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وقد أخرج له الشيخان متابعة. وقال في الكاشف: قال أبو حاتم: يكتب حديثه. وقال النسائي وغيره: ليس به بأس. اهـ. قال الألباني في الإرواء: وقال الهيثمي: المقرر فيه أنه حسن الحديث، ويحسن حديثه الحافظ ابن حجر. اهـ. وثقه النسائي وقال مرة: ليس به بأس. وقال الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام. اهـ. قال الذهبي في الميزان: سألت يحيى بن سعيد عن محمد بن عمرو كيف هو؟ قال: تريد العفو؟ أو تريد التشدد، قال: لا؛ بل اشدد. قال: ليس هو ممن تريد.. قال: يحيى: وسألت مالكا عنه، فقال: نحو ما قلت لك.. وقال أبو حاتم: صالح الحديث يكتب حديثه وهو شيخ. اهـ. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال: وكان يخطئ. اهـ. أما سماعه من أبي سلمة فثابت بل هو مكثر عنه.
أما محمود بن غيلان: فثقة، وثقه أبو حاتم الرازي وغيره، قال الذهبي في تذكرة الحفاظ: أحد أئمة الأثر. اهـ. وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: ثقة من العاشرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1425(22/186)
نبذة عن الإمام البغوي
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو البغوي صاحب تفسير البغوي؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالبغوي هو الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفداء البغوي ركن الدين الملقب بمحيي السنة.
وقد دعي البغوي نسبة إلى بلدة من بلاد خراسان ومرو وهراة يقال لها بغشور.
ولد البغوي في جمادى الأولى سنة 433هـ، وقد انتقل من موطن رأسه بغا إلى مرو الروذ بعد 460هـ حيث كان عمره سبعة وعشرين عاماً، فأقام بها وتلقى العلم على شيوخها واتخذها وطنا ثانياً له.
ولم يغادرها حتى توفي بها في شوال سنة 510هـ وقيل سنة 516هـ وهو المرجح.
ويعد البغوي إماماً من أئمة أهل السنة والجماعة ورجلاً من رجالات الحق والهدى، فبعقيدة السلف يؤمن وعلى مذهبهم يسير.
وقد ترك كتباً متنوعة في التفسير والقراءات والحديث والفقه، فمن مؤلفاته:
1 - أربعون حديثاً.
2- الأنوار في شمائل النبي المختار.
3- ترجمة الأحكام في الفروع (وهو باللغة الفارسية) .
4- التهذيب في الفقه (شافعي) .
5- الجمع بين الصحيحين.
6- شرح الجامع للترمذي.
7- شرح السنة.
8- فتاوى البغوي.
9- فتاوى المروالروزي.
10- الكفاية في الفروع.
11- الكفاية في القراءة.
12- المدخل إلى مصابيح السنة.
13- مصابيح السنة.
14- معالم التنزيل (وهو التفسير الذي اشتهر به) .
15- معجم الشيوخ.
ولا شك أن هذا التراث يدل على ثقافة واسعة، وثروة علمية كبيرة، يقول عنه الحافظ الذهبي: بورك له في تصانيفه، ورزق فيها القبول التام لحسن قصده وصدق نيته....
ويمكن للسائل أن يراجع لمزيد الفائدة مقدمة كتبها المحققان الشيخ علي محمد معوض والشيخ عادل أحمد عبد الموجود عندما أرادا التحقيق والتعليق على كتابه شرح السنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1425(22/187)
دفاع عن أبي بكر الباقلاني
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعروف يقينا أن الأنبياء من الرجال ولكني وقعت على ما أدهشني جداً عندما وجدت أن بعض كبار العلماء شذوا فأثبتوا النبوة لبعض النساء فابن حزم ادعى أن هناك ستة منهن زعم منهن مريم، سارة، أم موسى، آسية!!! وقلت في نفسي لا بد أنها سقطة عظيمة، فما مثل هذا ما يغفل عنه المسلمون طيلة قرونهم ولا يبلغنا من الصحابة والتابعين حتى يأتي ابن حزم فيكتشفه وبالفعل ابن حزم قال ما قال، وهو يعلم يقينا إنه لم يقل أحد قبله ذلك (في حدود علمه) فقد قال: إن هذا الموضوع لم يتكلم فيه أحد حتى وقع الجدال حوله عندنا في هذه الأيام في قرطبة وعلى الرغم من ذلك تجرأ فأفتى فيه! وما لم يدركه ابن حزم أن الأشعري قال بما قال من قبل بل زاد فجعلهن تسعة! وعلق النووي قائلا قول منكر ضعيف. ووقع لي تعليق لابن تيمية في فتاويه في مجلد مجمل ومفصل الاعتقاد عندما أثبت أن العشرة المبشرين بالجنة أفضل من أزواج النبي وأنه لم يخالف أحد في ذلك خلا ابن حزم كعادته! ورد عليه شيخ الإسلام ثم قال: وأبو محمد مع تبحره في العلم والسنن إلا أن له من الأقوال الشاذة المنكرة ما يستنكره أي أحد كقوله إن مريم نبية وأم موسى نبية وآسية نبية! ثم قال ابن تيمية: إنه فصل لذلك فصلا في الرد عليه ولم أجده ولكنه قبل أن يختم تعليقه السابق قال إن الله قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً} ولكنه رحمه الله كأنه لم يقع له ما كتبه ابن حزم بتمامه أو لعله كان سيفصل القول أكثر في فصل آخر كما قال، لأن ابن حزم جنح للتفرقة بين الرسالة والنبوة، فقال إن الرسالة لا خلاف أنها للرجال وفصل بينها وبين والنبوة. قلت: إذن يكون هناك من هو يطلق عليه لقب نبي ويجلس في بيته لا يأمر الناس ولا ينهاهم، نبي لنفسه، فقلت لا أسلم بهذه التفرقة الغريبة بين مدلول نبي ورسول، فغاية ما هناك أن يكون الرسول من جاء بشرع كموسى ومحمد عليهما السلام وأنبياء يبعثون ليرجعوا الناس لشرع الرسول الذي سبقهم كأنبياء بني إسرائيل فكلهم دعا لتوارة موسى، وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ} ، دل على ما ذهبت إليه فنبي غير رسول وكلاهما يذهب للناس ولو كانا بمعنى واحد لما جاز على القرآن التكرار بدون معنى ولو كان قول ابن حزم صحيحا في فهمه لمعنى النبي بأنه قد يكون نبي في بيته لما قال الله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى} ، ولقال رسول فقط فقد قام به المعنى، وما علمنا أبدأ أن هناك نبياً لنفسه، ولما ذكر الله غاية مريم والمسيح قال: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} ، فهذه غايتهما وما وصلا إليه فإن احتجوا بأن يوسف كان نبياً وأن الرجل قال له (يوسف أيها الصديق) قلنا إن الآية التي تذكر مريم بالصديقة هي كلام الله نفسه وتقرير لغاية ما وصلت إليه وحجة على أهل الكتاب فلو كان لها منزلة أعلى من الصديقية لذكرها الله لها، ومن خاطب يوسف بالصديق ليس الله ولا يعلم هل أصبح نبياً قبل السجن أم بعده وفيه خلاف، وإن قالوا حديث (كمل من الرجال كثير ... ولم يكمل من النساء وعد فيهم مريم وآسية) ، قلنا رد عليكم شراح الحديث وأفاضوا ولنا أن نقول بأن كمال الرجال إن عنى النبوة فلا نسلم لكم بأن كماله عند النساء نبوة أيضاً، هذا إن عنى بالحديث أصلا النبوة سواء الرجال أو النساء، فالرسول يكلم قومه، والنبوة اصطفاء، وعليكم الحديث في الصحيح (خير نسائها مريم وخير نسائها خديجة) فهلا قلتم بنبوة خديجة؟!
وأما القرطبي فقد ذهب لنبوة مريم في تفسيره في سورة مريم وقال بخلافه في سورة الأنبياء، وأما ابن حجر فقط سقط وقلد ابن حزم وقول ابن حجر في ذلك غريب ويدحض بسهولة، وحجة هؤلاء سورة مريم حيث ابتدئت السورة بزكريا عليه السلام ثم يحيى ثم قال تعالى واذكر في الكتاب مريم ثم عيسى ثم تابع سبحانه لكل نبي بقوله اذكر كقوله اذكر في الكتاب إبراهيم واذكر في الكتاب إسماعيل واذكر في الكتاب إدريس ولما فرغ سبحانه قال أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين. فقال ابن حزم فذكر مريم بينهم فهي نبية! فقلت وكيف غفل أن كل نبي ذكر بعد قوله اذكر فلان تبعه قول تعالى إبراهيم (صديقا نبيا) إسحاق ويعقوب كلا جعلنا نبيا، موسى (مخلصا وكان رسولا نبيا) إسماعيل (صادق الوعد وكان رسولا نبياً) إدريس (صديقا نبيا) ، فلم لم يقل عن مريم كذلك؟ ويحيى (آتيناه الحكم صبيا) (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) وزكريا قال (يرثني ويرث من آل يعقوب) فدل كل هذا على أن ذكر مريم جاء اعتراضيا لبيان أصل قصة عيسى عليه السلام ومحاجاة أهل الكتاب فلما انتهى سبحانه من قصة مريم وحملها بعيسى قال (ذلك عيسى ابن مريم) أي ذلك كل أمر عيسى وولادته المعجزة هذه أصلها مع أمه فلا تعودوا للقول بألوهيته كونه وجد بدون أب، والصحابة التابعون قرأوا ذلك مراراً فما قالوا بمثل هذا قط ولو اعتقدوه لسرى إلينا بلا خفاء فهي المرأة الوحيدة التي ذكرت بالاسم في القرآن ولها سورة وحدها وليس لها في النساء نظير إجماعاً، أرجو إفادتنا وأفيضوا فلقد ذكر بعضهم إجماعاً نقله إمام الحرمين والباقلاني ولكن تضعيف ابن حجر لأبي المعالي من حيث اطلاعه على كتب الحديث يرده والباقلاني أسقطه بعضهم لا أعرف لماذا فقد قرأت ولا أثق بمصدري أن بن حزم كفره لقوله إنه يجوز أنه في وقت الرسول من هو أفضل منه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تضمن هذا السؤال الأمور التالية:
- كون النبوة في الرجال خاصة دون النساء.
- الفرق بين الرسالة والنبوة.
- كون العشرة المبشرين بالجنة أفضل من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
* فأما كون النبوة مختصة بالرجال فهو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم، وهو الصحيح لما ورد من الحصر في قول الله عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً {النحل:43} ، ورأى طائفة من أهل العلم جواز كون النبوة في النساء، لأدلة لا تنهض إزاء الحصر الوارد في الآية الكريمة، وراجع في هذا فتوانا رقم: 16614، والفتوى رقم: 31788.
ولك أن تراجع في الفرق بين الرسالة والنبوة كلاً من الفتوى رقم: 4046، والفتوى رقم: 53449.
وما نسبته لشيخ الإسلام من أن العشرة المبشرين بالجنة أفضل من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم هو الصحيح، ولك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 51056.
وما ذكرته عن تكفير ابن حزم للباقلاني هو ما أورده في كتابه (الفصل في الملل) ، بعد الحديث عمن يقول إن في الناس من هو أفضل من الأنبياء، حيث قال ابن حزم: وما قدرنا أن أحداً ممن ينتمي إلى أهل الإسلام ولا إلى أهل الكتاب ينطلق لسانه بهذا، حتى رأينا المعروف بابن الباقلاني فيما ذكر عنه صاحبه أبو جعفر السمنائي قاضي الموصل أنه قد يكون في الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم من هو أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم من حيث يبعث إلى حين يموت، فاستعظمنا ذلك. وهذا شرك مجرد، وقدح في النبوة لا خفاء به.
ولنا للتعقيب على كلام ابن حزم هنا وقفة وهي: أنه إذا كان المقصود هو القاضي أبا بكر بن الباقلاني المتوفى سنة ثلاث وأربعمائة فمن الصعب جدا أن يصدر عنه هذا الكلام وهو معروف بسعة علمه وورعه ومبالغته في الذب عن السنة، فقد قال عنه الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء: الإمام العلامة أوحد المتكلمين مقدم الأصوليين: القاضي أبو بكر محمد بن الطيب..... بن الباقلاني صاحب التصانيف، وكان يضرب المثل بفهمه وذكائه ... وكان ثقة إماما بارعا، صنف في الرد على الرافضة والمعتزلة والخوارج والجهمية والكرامية، وانتصر لطريقة أبي الحسن الأشعري، وقد يخالفه في مضائق فإنه من نظرائه، وقد أخذ علم النظر عن أصحابه.. وقد ذكره القاضي عياض في طبقات المالكية فقال: هو الملقب بسيف السنة ولسان الأمة المتكلم على لسان أهل الحديث وطريق أبي الحسن، وإليه انتهت رئاسة المالكية في وقته....
ثم ذكر الذهبي ما كان عليه من الاشتغال بالعبادة والعلم تحصيلاً وتصنيفا وتدريسا وأطال في ذلك الذهبي جداً، وختم كلامه الطويل بأنه عندما مات أمر شيخ الحنابلة أبو الفضل التميمي منادياً يقول بين يدي جنازته هذا ناصر السنة والدين والذاب عن الشريعة.... ثم كان يزور قبره كل جمعة.
فمن الصعب جدا أن يصدر عنه مثل ما ذكره ابن حزم، ولو صدر عنه لما أثنى عليه الذهبي وعياض وإمام الحنابلة في زمانه أبو الفضل التميمي بما تقدم من ثناء.
ومن المعلوم عن أبي محمد بن حزم -عليه رحمة الله- أنه كان قليل التريث والأناة، مسرفا في العبارات، جسوراً على الأكابر خصوصاً إذا كانوا من رموز المذاهب الأربعة، فليس من المستغرب ألا يكون الباقلاني استثناء من هذه القاعدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1425(22/188)
رابعة العدوية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الاسم الحقيقي لرابعة العدوية]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تحدث كثير من أهل العلم عن رابعة العدوية، وجاءت ترجمتها في كثير من كتب التراجم.
فقال عنها الذهبي في السير: رابعة العدوية الزاهدة العابدة الخاشعة.. أم عمرو رابعة بنت إسماعيل.
ثم ذكر بعض أخبارها وحكاياتها.
وذكر أنها عاشت ثمانين سنة وتوفيت سنة ثمانين ومائة، ولم نقف فيما اطلعنا عليه على اسم لها غير رابعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1425(22/189)
نبذة عن مسيلمة الكذاب
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت مرة عن مسيلمة الكذاب وكيف أنه ادعى النبوة فهل لكم أن توضحوا لنا من هو مسيلمة الكذاب؟ ومتى كان ذلك؟ وتمدونا بالتفاصيل عن حكايته؟.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مسيلمة الكذاب رجل من بني حنيفة اسمه مسيلمة بن ثمامة، كان قد تسمى بالرحمان فكان يقال له رحمان اليمامة، وكان يعمل كثيراً من أعمال الدجل، وادعى النبوة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد له أحد أتباعه أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: أنه أشرك معه مسيلمة في الأمر، وتابعه كثير من أهل اليمامة، وخاصة من بني حنيفة، وكان يدعي الكرامات، فأظهر الله كذبه ولصق به لقب الكذاب، وأراد إظهار كرامات تشبه معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، فأظهر الله كذبه فيها، فقد ذكر ابن كثير في البداية أنه بصق في بئر فغاض ماؤها، وفي أخرى فصار ماؤها أجاجاً، وسقى بوضوئه نخلا فيبست، وأتى بولدان يبرك عليهم فمسح على رؤسهم فمنهم من قرع رأسه ومنهم من لثغ لسانه، ودعا لرجل أصابه وجع في عينيه فمسحهما فعمي، وقد قتل لعنه الله في حديقة الموت بمعركة اليمامة أيام خلافة أبي بكر الصديق، وقيل: إن عمره حينئذ كان يناهز مائة وخمسين سنة، وقيل: إن الذي قتله وحشي بن حرب قاتل حمزة رضي الله عنه يوم أحد، وراجع للتوسع في حياته البداية والنهاية، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1425(22/190)
نبذة عن الشيخ شعيب الأرناؤوط
[السُّؤَالُ]
ـ[عفوا أريد نبذة عن الشيخ شعيب الأرناؤوط وهل هو أخ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا لم نعثر على ترجمة مفصلة للشيخ شعيب الأرناؤوط، والحي لا يترجم له عادة، والشيخ حفظه الله تعالى ليس شقيقا للشيخ عبد القادر الأرناؤوط رحمه الله تعالى وإن كان قد جمع بينهما أمران: الأول: أن لقبيهما واحد، وذلك لأن الأتراك كانوا يطلقون على أهل البلقان المنحدرين من أصل ألباني لقب (أرناؤوط) ولقد ولد الشيخ عبد القادر في إقليم كوسوفا، بينما ولد شعيب الأرناؤوط في دولة ألبانيا.
والأمر الثاني الذي جمع بينهما: أنهما عملا معا في قسم تحقيق التراث بالمكتب الإسلامي وأخرجا معا كتبا بالاشتراك، منها: زاد المعاد لابن القيم.
ثم إن انشغال الشيخ عبد القادر بالدعوة عن طريق الخطابة والتدريس أكبر من انشغال شعيب الأرناؤوط الذي كرس أغلب وقته لإخراج كتب التراث محققة في حلل قشيبة ومن أهمها سير أعلام النبلاء للذهبي، حيث اشترك في إخراجه وأشرف على فريق العمل الذي قام بتحقيقه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1425(22/191)
عمر سلمان الفارسي حين توفي
[السُّؤَالُ]
ـ[كم كان عمر سلمان الفارسي حين توفي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سلمان الفارسي رضي الله عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضلاء وأعلام هذه الأمة الكبار.
جاء في كتاب سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي: سلمان ابن الإسلام الفارسي سابق الفرس إلى الإسلام، صحب النبي صلى الله عليه وسلم وخدمه وحدث عنه، وكان لبيبا حازما ومن عقلاء الرجال ونبلائهم وعبادهم.
ثم قال الذهبي: قال الواقدي: مات سلمان في خلافة عثمان بالمدائن سنة ست وثلاثين وقيل سبع وثلاثين. وفي رواية أخرى أنه مات سنة ثلاث وثلاثين.
ثم نقل عن العباس بن يزيد البحراني أن سلمان عاش ثلاث مائة وخمسين سنة، فأما مائتان وخمسون فلا يشكون فيها ...
وعلى هذا، فإن عمر سلمان رضي الله عنه حين توفي ثلاث مائة وخمسون سنة أو مائتان وخمسون أو بين هذا وذاك ولكن هذا أمر مستبعد جدا، فإن الإمام الذهبي رحمه الله تعالى شكك في أنه بلغ هذا العمر، ورجح أن عمره كان بضعا وسبعين أو فوق ذلك ولم يبلغ مائة سنة.
فقال معقبا على الرواية المذكورة، وقد فتشت فما ظفرت في سنه بشيء سوى قول البحراني، وذلك منقطع لا إسناد له، ومجموع أمره وأحواله وغزوه وهمته وتصرفه وسفه الجريد وأشياء مما تقدم ينبئ بأنه ليس بمعمر ولا هرم، فقد فارق وطنه وهو حدث، ولعله قدم الحجاز وله أربعون سنة أو أقل، فلم ينشب أن سمع بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم ثم هاجر، فلعله عاش بضعا وسبعين، وما أراه بلغ المائة.. وقد نقل طول عمره ابن الجوزي وغيره وما علمت في ذلك شيئا يركن إليه.
ثم عزز ما ذهب إليه بحديث رواه ابن أبي حاتم في العلل فقال: لما مرض سلمان خرج سعد من الكوفة يعوده فقدم فوافقه وهو يبكي فسلم وجلس وقال: ما يبكيك يا أخي؟ ألا تذكر صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا تذكر المشاهد الصالحة؟ قال: والله ما يبكيني واحدة من اثنتين، ما أبكي حبا للدنيا، ولا كراهية للقاء الله، قال سعد: ما يبكيك بعد ثمانين؟ قال: يبكيني أن خليلي عهد إلي عهدا قال: ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب، وإنا خشينا أنا قد تعدينا. قال أبو حاتم: وهذا يوضح لك أنه من أبناء الثمانين.
والحاصل أن رواية أنه عاش ثلاثمائة وخمسين غير صحيحة، والراجح أنه عاش حوالي ثمانين سنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1425(22/192)
الذي كفل مريم عليها السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[من الذي كفل مريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذي كفل مريم عليها السلام هو نبي الله زكريا عليه السلام، قال الله عز وجل: وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ إنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ {آل عمران:37} ، وقد سبقت الإجابة عن حياة مريم ونشأتها ... نرجو أن تطلع عليها في الفتوى رقم: 13940.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1425(22/193)
نبذة عن أبي النضر محمد بن محمد وصالح بن محمد البغدادي
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدونا بجرح أو تعديل في هذين الراويين بارك الله فيكم، أبو النضر محمد بن محمد بن يوسف الفقيه (يروى عنه أبو عبد الله الحافظ.الحاكم) ، والثاني أبو علي صالح بن محمد البغدادي الحافظ) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أبا النضر زكاه وأثنى عليه الذهبي في السير فقال فيه: أبو النضر الطوسي الإمام الحافظ الفقيه العلامة القدوة شيخ الإسلام أبو النضر محمد بن محمد بن يوسف، وذكر أنه جمع وصنف وعمل مستخرجاً على صحيح مسلم، وكان من أئمة خراسان بلا مدافعة.
ونقل عن الحاكم أنه قال فيه: كان إماماً عابداً بارع الأدب ما رأيت في مشايخي أحسن صلاة منه، وكان يصوم الدهر ويقوم ويتصدق بما فضل من قوته، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، سمعت أحمد بن منصور يقول: أبو النضر يفتي من سبعين سنة أو نحوها ما أخذ عليه في فتوى قط.
وأما أبو علي صالح بن محمد، فقد قال عنه الذهبي في تذكرة الحفاظ: الحافظ العلامة الثبت شيخ ما وراء النهر، ونقل عن الدارقطني أنه قال فيه: كان ثقة حافظاً عارفاً، وقال أبو سعيد الإدريسي: ما أعلم بعصر صالح بالعراق ولا بخراسان في الحفظ مثله، دخل ما وراء النهر فحدث مدة من حفظ وما أعلم أخذ عليه خطأ فيما حدث.
وقال الخطيب: حدث دهراً من حفظه ولم يكن استصحب معه كتاباً، وكان ثبتا صدوقاً. وترجم له في السير ترجمة واسعة، وكان يعتمد كلامه في الجرح والتعديل في كتابه ميزان الاعتدال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1425(22/194)
قائد المسلمين وحامل لواء المهاجرين والأنصار في معركة اليمامة
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو قائد معركة اليمامة ومن هو حامل لواء الأنصار ومن هو حامل لواء المهاجرين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قائد المسلمين في معركة اليمامة هو خالد بن الوليد بن المغيرة القرشي المخزومي، وحامل لواء المهاجرين سالم مولى أبي حذيفة، وحامل لواء الأنصار ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنهم أجمعين وجمعنا بهم بمنه وكرمه في جنات النعيم، اللهم آمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1425(22/195)
من مناقب أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو أبو قتادة الأنصارى، وما هو لقبه وكنيته وهل هو من رواة الحديث وسيرته أن أمكن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأبو قتادة الأنصاري هو الصحابي الجليل فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن ربعي الأنصاري السلمي رضي الله عنه وأرضاه، وكنيته أبو قتادة، وهو من مشاهير الصحابة وفرسانهم ومناقبه مشهورة ومبثوثه في دواوين السنة، روى علماً كثيراً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومناقبه كثيرة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المغازي: خير فرساننا اليوم أبو قتادة. رواه مسلم.
ومن مناقبه ما رواه الحاكم في مستدركه عن أبي قتادة قال: أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذي قرد فنظر إلي فقال: اللهم بارك له في شعره وبشره، وقال: أفلح وجهك. قلت: ووجهك يا رسول الله. قال: أقتلت مسعدة (أحد المشركين) قلت: نعم، قال: فما هذا الذي بوجهك، قلت: سهم رميت به يا رسول الله، قال: فأدن فدنوت منه فبصق عليه فما ضرب علي قط ولا قاح. انتهى.
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم أعطى أبا قتادة فرس مسعدة وسلاحه، مات أبو قتادة وهو ابن سبعين سنة وكأنه ابن خمس عشرة سنة ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم له، ومات سنة أربع وخمسين للهجرة، وله من الأولاد عبد الله وعبد الرحمن وثابت وعبيد وأم البنين وأم أبان، رضي الله عنه وأرضاه وجمعنا به في دار كرامته. اللهم آمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1425(22/196)
مكان قبر (هاشم بن عبد مناف)
[السُّؤَالُ]
ـ[أين يوجد قبر (هاشم بن عبد مناف) جد والد الرسول صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهاشم بن عبد مناف هو جد والد النبي صلى الله عليه وسلم واسمه عمرو، وقد ذكر ابن سعد في الطبقات وغيره أن هاشماً خرج إلى الشام في أصحابه فاشتكى فأقاموا عليه حتى مات فدفنوه بغزة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شوال 1425(22/197)
العالم الموريتاني باب ولد الشيخ سيديا
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم إعطائي نبذة عن العالم الموريتاني باب ولد الشيخ سيديا. وما صلته باالسلفية. وكيف كانت علاقته بالصوفية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا العالم كان عالما سنيا وكان يدعو الناس للعمل بما صح في السنة ونبذ ما أحدث المحدثون مما يخالف السنة. ومن طالع كتبه وقصائده يتجلى له ذلك، فطالع كتبه وأشعاره فبعضها مطبوع ومنتشر وبعضها موجود في مكتبة المخطوطات الموجودة بدار الثقافة أو في مكتبة أهل الشيخ سيديا الموجودة في بو تلميت. وطالع كذلك كتاب السلفية وأعلامها في موريتانيا للدكتور الطيب بن عمر بن الحسين، وهو مطبوع أيضاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1425(22/198)
نسب الأنبياء ومنزلة أبي بكر الصديق
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة نسب الأنبياء وعلى رأسهم أبوبكر الصديق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المقام لا يتسع لذكر نسب الأنبياء، وننصح السائل الكريم بالرجوع لمعرفة ذلك إلى كتاب قصص الأنبياء لابن كثير. كما ننبه إلى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ليس من الأنبياء أصلا حتى يكون على رأسهم، ولكنه أفضل أتباعهم، فهو رضي الله عنه في الدرجة التي تليهم كما جاء ترتيب الصديقين في القرآن الكريم بعد الأنبياء، حيث يقول الله تبارك وتعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً {النساء:69} . فأبو بكر الصديق رضي الله عنه من الصديقين وهم بعد الأنبياء مباشرة وهو رضي الله عنه قرشي تيمي، يجتمع نسبه مع نسب النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب وهو الجد السابع للنبي صلى الله عليه وسلم. وهو رضي الله عنه: عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سند بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب.. وهو أفضل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، صاحبه في الغار، ورفيقه في الهجرة وأول خلفائه وأجل أصحابه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1425(22/199)
زينب بنت خزيمة أم المساكين
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لقبت زينب بنت خزيمة الهلالية بأم المساكين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سبب إطلاق هذا اللقب (أم المساكين) على أم المؤمنين زينب بنت خزيمة رضي الله عنها، هو أنها كانت تحسن إلى المساكين في الجاهلية والإسلام وهي معروفة بذلك، فاشتهرت به فكنيت أم المساكين، جاء في مصنف عبد الرزاق: كانت خير نسائه صلى الله عليه وسلم للمساكين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1425(22/200)
الإمام القرطبي صاحب كتاب التفسير الجامع
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي السيرة الذاتيه للقرطبي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكلمة السيرة الذاتية من المصطلحات الحديثة التي لم تكن معروفة في عصر الإمام القرطبي ولا في العصور القريبة من عهده. ونعطيك بدل سيرته الذاتية ترجمة له كتبها الدكتور محمد إبراهيم الحفناوي أستاذ أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، قال: هو إلامام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي المفسر، ولد بقرطبة من بلاد الأندلس وتعلم فيها العربية والشعر إلى جانب تعلمه القرآن الكريم، وتلقى بها ثقافته الواسعة في الفقه والنحو والقراءات، كما درس البلاغة وعلوم القرآن وغيرها، ثم قدم إلى مصر واستقر بها، وكانت وفاته، بصعيدها ليلة الإثنين التاسع من شهر شوال سنة 671هـ. وقبره يزار الآن بالمنيا بشرق النيل. وكان من عباد الله الصالحين والعلماء العارفين، زاهدا في الدنيا مشغولا بما يعنيه من أمور الآخرة، قضى عمره مشغولا بين عبادة وتأليف، قال عنه الشيخ الذهبي: إمام متقن متبحر في العلم، له تصانيف مفيدة تدل على كثرة اطلاعه وو فور علمه. وراجع في مؤلفاته وشيوخه وتأثره بما قبله، وتأثيره فيمن بعده التراجم والمقدمات التي وضعت على تفسيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1425(22/201)
نيذة عن الحسن البصري
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة حياة ووفاة هذه الشخصية (الحسن البصري) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحسن البصري هو الحسن بن يسار أبي الحسن البصري التابعي وهو رجل من الأنصار كان أبوه مولى لزيد بن ثابت وقد ولد الحسن في خلافة عمر، ويروى أن عمر حنكه بيده، وأن أمه كانت تخدم أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، فكانت أمه تغيب عنه فتعطيه أم سلمة ثديها تعلله به، وقد روى عن عدة من الصحابة، وذكر الذهبي أنه كان كبير الشأن رفيع الذكر رأسا في العلم والعمل، وأنه روى له الجماعة، وذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة كثيراً من مواعظه وخوفه من الله تعالى، وروى بعضهم أنه كان لا يأمر الناس إلا بما عمل به، وقد توفي رحمه الله كما قال ابن الجوزي في المنتظم في أول رجب سنة عشر ومائة من الهجرة، وللمزيد عن حياته ومواعظه راجع المنتظم وصفة الصفوة لابن الجوزي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1425(22/202)
تهافت اتهام الشيخ محمد عبد الوهاب بشبهة التكفير
[السُّؤَالُ]
ـ[ينصحنا بعض المشايخ بعدم قراءة كتابي التوحيد للشيخ محمد عبد الوهاب والدرر السنية لأنها تدعو إلى تكفير المجتمع ما رأي فضيلتكم في ذلك؟ ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- من أعلام الهدى، ومن الدعاة إلى الحق، وقد عرف عنه سلامة المعتقد، والدعوة إلى منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والعمل، وقد سبق ذكر شيء من ترجمته بالفتوى رقم: 5408، والفتوى رقم: 7070. ومن منطلق ما كان عليه الشيخ من منهج صحيح، كان مستنده في كتبه الاستدلال بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأقوال أئمة الخير ومصابيح الدجى من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وانظر إليه وهو يقول كما في كتاب الدرر السنية: وبالجملة فالذي أنكره الاعتقاد في غير الله مما لا يجوز لغيره، فإن كنت قلته من عندي فارم به، أو من كتاب لقيته ليس عليه عمل فارم به كذلك، أو نقلته عن أهل مذهبي فارم به، وإن كنت قلته عن أمر الله ورسوله وعما أجمع عليه العلماء في كل مذهب فلا ينبغي لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يُعرض عنه. انتهى. وأما التكفير فشبهة يطلقها عليه أعداؤه لينفروا الناس منه ومن قراءة كتبه، والمعلوم عن الشيخ أنه كان يراعي أصول التكفير، فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله، ولا يكفر إلا إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، ففي الكتاب السابق يقول: وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول، ثم بعد ما عرفه سبه ونهى الناس عنه، وعادى من فعله، فهذا الذي أكفر، وأكثر الأمة ليسوا كذلك. انتهى. وحاصل الأمر أنه لا يوجد في كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما يبرر تحذير الناس من قراءتها، وليتق الله من يفعل ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1425(22/203)
دفاع عن شيخ الإسلام أحمد بن تيمية
[السُّؤَالُ]
ـ[ليعلم أن أحمد بن تيمية هذا الذي هو حفيد الفقيه المجد بن تيمية الحنبلي المشهور، ولد بحرّان ببيت علم من الحنابلة، وقد أتى به والده الشيخ عبد الحليم مع ذويه من هناك إلى الشام خوفا من المغول، وكان أبوه رجلا هادئا أكرمه علماء الشام ورجال الحكومة حتى ولّوه عدة وظائف علميّة مساعدة له، وبعد أن مات والده ولوا ابن تيمية هذا وظائف والده بل حضروا درسه تشجيعا له على المضي في وظائف والده وأثنوا عليه خيرا كما هو شأنهم مع كل ناشئ حقيق بالرعاية. وعطفهم هذا كان ناشئا من مهاجرة ذويه من وجه المغول يصحبهم أحد بني العباس، وهو الذي تولى الخلافة بمصر فيما بعد، ومن وفاة والده بدون مال ولا تراث بحيث لو عين الآخرون في وظائفه للقي عياله البؤس والشقاء. وكان في جملة المثنين عليه التاج الفزاري المعروف بالفركاح وابنه البرهان والجلال القزويني والكمال الزملكاني ومحمد بن الحريري الأنصاري والعلاء القونوي وغيرهم، لكن ثناء هؤلاء غرّ ابن تيمية ولم ينتبه إلى الباعث على ثنائهم، فبدأ يذيع بدعا بين حين وآخر، وأهل العلم يتسامحون معه في الأوائل باعتبار أن تلك الكلمات ربما تكون فلتات لا ينطوي هو عليها، لكن خاب ظنهم وعلموا أنه فاتن بالمعنى الصحيح، فتخلّوا عنه واحدا إثر واحد على توالي فتنه.
ثم إن ابن تيمية وإن كان ذاع صيته وكثرت مؤلفاته وأتباعه، هو كما قال فيه المحدث الحافظ الفقيه ولي الدين العراقي ابن شيخ الحفّاظ زين الدين العراقي في كتابه الأجوبة المرضية على الأسئلة المكية: ((علمه أكبر من عقله)) ، وقال أيضا: إنه خرق الإجماع في مسائل كثيرة قيل تبلغ ستين مسألة بعضها في الأصول وبعضها في الفروع خالف فيها بعد انعقاد الإجماع عليها اهـ.
وتبعه على ذلك خلقٌ من العوام وغيرهم، فأسرع علماء عصره في الردّ عليه وتبديعه، منهم الإمام الحافظ تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي قال في الدرّة المضية ما نصّه: ((أما بعد، فإنه لمّا أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد، ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد، بعد أن كان مستترا بتبعية الكتاب والسُّنّة، مظهرا أنه داعٍ إلى الحقّ هادٍ إلى الجنّة، فخرج عن الاتّباع إلى الابتداع، وشذّ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع، وقال بما يقتضي الجسميّة والتركيب في الذات المقدّس، وأن الافتقار إلى الجزء ـ أي افتقار الله إلى الجزء ـ ليس بمحال، وقال بحلول الحوادث بذات الله تعالى، وأن القرآن محدَث تكلم الله به بعد أن لم يكن، وأنه يتكلم ويسكت ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات، وتعدّى في ذلك إلى استلزام قِدم العالم، والتزامه بالقول بأنه لا أوّل للمخلوقات فقال بحوادث لا أوّل لها، فأثبت الصفة القديمة حادثة والمخلوق الحادث قديماً، ولم يجمع أحد هذين القولين في ملّة من الملل ولا نِحل من النّحَل، فلم يدخل في فرقة من الفِرق الثلاث والسبعين التي افترقت عليها الأُمّة، ولا وَقفت به مع أمة من الأمم هِمَّةٌ، وكل ذلك وإن كان كفراً شنيعاً مما تَقِلّ جملته بالنسبة لما أحدث في الفروع)) . أ. هـ.
وقد أورد كثيراً من هذه المسائل الحافظ أبو سعيد العلائي شيخ الحافظ العراقي، نقل ذلك المحدّث الحافظ المؤرخ شمس الدين بن طولون في ذخائر القصر، قال ما نصه: ((ذكر المسائل التي خالف فيها ابن تيمية الناس في الأصول والفروع، فمنها ما خالف فيها الإِجماع، ومنها ما خالف فيها الراجح من المذاهب، فمن ذلك: يمين الطلاق، قال بأنه لا يقع عند وقوع المحلوف عليه بل عليه فيها كفَّارة يمين، ولم يقل قبله بالكفارة أحد من المسلمين البتة، ودام إفتاؤه بذلك زماناً طويلاً وعظم الخطب، ووقع في تقليده جمّ غفير من العوامّ وعمَّ البلاء
وأنَّ طلاق الحائض لا يقع وكذلك الطلاق في طهر جامع فيه زوجته، وأنَّ الطلاق الثلاث يردّ إلى واحدة، وكان قبل ذلك قد نقل إجماع المسلمين في هذه المسألة على خلاف ذلك وأنَّ من خالفه فقد كفر، ثم إنه أفتى بخلافه وأوقع خلقاً كثيراً من الناس فيه. وأن الحائض تطوف في البيت من غير كفارة وهو مُباح لها. وأنَّ المكوس حلال لمن أقطعها، وإذا أخذت من التجار أجزأتهم عن الزكاة وإن لم تكن باسم الزكاة ولا على رسمها. وأنَّ المائعات لا تنجس بموت الفأرة ونحوها فيها وأن الصلاة إذا تركت عمداً لا يشرع قضاؤها. وأنَّ الجنب يصلي تطوعه بالليل بالتيمم ولا يؤخره إلى أن يغتسل عند الفجر وإن كان بالبلد، وقد رأيت من يفعل ذلك ممَّن قلّده فمنعته منه.
وسئل عن رجل قدّم فراشاً لأمير فتجنب بالليل في السفر، ويخاف إن اغتسل عند الفجر أن يتهمه أستاذه بغلمانه فأفتاه بصلاة الصبح بالتيمم وهو قادر على الغسل. وسئل عن شرط الواقف فقال: غير معتبر بالكلية بل الوقف على الشافعية يصرف إلى الحنفية وعلى الفقهاء يصرف إلى الصوفية وبالعكس، وكان يفعل هكذا في مدرسته فيعطي منها الجند والعوام، ولا يحضر درساً على اصطلاح الفقهاء وشرط الواقف بل يحضر فيه ميعاداً يوم الثلاثاء ويحضره العوام ويستغني بذلك عن الدرس. وسئل عن جواز بيع أمهات الأولاد فرجحه وأفتى به. ومن المسائل المنفرد بها في الأصول مسألة الحسن والقبيح التي يقول بها المعتزلة، فقال بها ونصرها وصنف فيها وجعلها دين الله بل ألزم كل مايبنى عليه كالموازنة في الأعمال. وأمامقالاته في أصول الدين فمنها قوله: إنَّ الله سبحانه محل الحوادث، تعالى الله عمَّا يقول علوّاً كبيراً. وإنه مركب مفتقر إلى ذاته افتقار الكل إلى الجزء. وإنَّ القرآن محدث في ذاته تعالى. وإنَّ العالم قديم بالنوع ولم يزل مع الله مخلوق دائماً، فجعله موجباً بالذات لا فاعلاً بالاختيار، سبحانه ماأحْلَمَهُ. ومنها قوله بالجسمية والجهة والانتقال وهو مردود. وصرَّح في بعض تصانيفه بأنَّ الله تعالى بقدر العرش لا أكبر منه ولا أصغر، تعالى الله عن ذلك، وصنَّف جزءاً في أنَّ علم الله لا يتعلَّق بما لا يتناهى كنعيم أهل الجنَّة، وأنه لا يحيط بالمتناهي، وهي التي زلق فيها بعضهم، ومنهاأنَّ الأنبياء غيرمعصومين، وأنَّ نبينا عليه وعليهم الصلاة والسلام ليس له جاه ولا يتوسل به أحد إلاَّ ويكون مخطئا، وصنف في ذلك عدة أوراق وأنَّ إنشاء السفر لزيارة نبينا معصية لاتقصر فيها الصلاة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما ذكرته عن شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمي ة -رحمه الله- من المغالطات والأكاذيب التي روجها أعداؤه وأعداء السنة، فقد سبق عهد شيخ الإسلام عهود من الخرافات والبدع والشركيات، فأتى شيخ الإسلام فجدد معالم الدين ونفى عنه ما علق به من البدع، وسبب له دفاعه عن السنة عداوة مع بعض علماء عصره القائلين بغير أقواله، وافترى بعضهم عليه أشياء مما ذكرتها، واستعدوا عليه السلاطين في ذلك الزمان، فصبر على ذلك كله، ولم يصده عن دعوته السنية الإصلاحية حتى توفاه الله تعالى، ثم قيض الله بعد ذلك من دافع عنه وعن دعوته فتبين بذلك الحق الذي لا مرية فيه، وكثر ثناء العلماء عليه حتى أثنى عليه المنصفون من خصومه بعد ما تبين لهم الحق، وللوقوف على حقيقة أقوال شيخ الإسلام وثناء العلماء عليه وتجديده للدين راجعي الكتب التالية: العقود الدرية - الدر الوافر- الأعلام العلية - الكواكب الدررية - ابن تيمية خلال سبعة قرون.
وراجعي كذلك الفتاوى التالية أرقامها: 7022 / 32029 / 32476.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1425(22/204)
تاريخ ولادة ووفاة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد
[السُّؤَالُ]
ـ[نود أن نعرف تاريخ وفاة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد توفي الشيخ عبد الباسط عبد الصمد في 21 ربيع الآخر سنة 1409هـ الموافق 30 ديسمبر سنة 1988 ميلادية. هذا، وقد ولد الشيخ عبد الباسط في بلدة أرمنت التابعة لمحافظة قنا بصعيد مصر سنة 1346 هـ ـ 1927 ميلادية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1425(22/205)
ابن سينا في الميزان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أقوال العلماء في ابن سينا وهل صحيح أن هناك عددا منهم قد كفروه]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ابن سينا اتهم بأنه كان من القرامطة الباطنية، وكانت عنده أفكار فلسفية إلحادية، وقد كفره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان: وكان ابن سينا كما أخبر عن نفسه، قال: أنا وأبي من أهل دعوة الحاكم، فكان من القرامطة الباطنية الذين لا يؤمنون بمبدأ ولا معاد، ولا رب ولا خالق، ولا رسول مبعوث جاء من عند الله تعالى.
وكان هؤلاء زنادقة يتسترون بالرفض، ويبطنون الإلحاد المحض، وينتسبون إلى أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهو وأهل بيته براء منهم نسبا ودينا، وكانوا يقتلون أهل العلم والإيمان، ويدعون أهل الإلحاد والشرك والكفران، لا يحرمون حراما، ولا يحلون حلالا، وفي زمنهم ولخواصهم وضعت رسائل إخوان الصفا.
وقد صرح ابن تيمية بتكفيره في عدد من كتبه، وقد نقل ابن كثير في البداية، وابن الأثير في الكامل، وابن العماد في شذرات الذهب تكفيره عن عدد من العلماء.
هذا، وننبه إلى أن من آكد الواجبات علينا في هذا العصر أن نسعى في هدايتنا وهداية المعاصرين لنا ونبذل في ذلك قصارى جهدنا وطاقتنا، ولا مانع أن نبين ضلال من انحرفوا في العصور الأولى إذا خفنا من تأثر المعاصرين بأفكارهم، ولكن الأهم والأولى من ذلك هو دعوة الناس إلى الإيمان وربطهم بالسنة والقرآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1425(22/206)
القائد الشهيد: نور الدين محمود زنكي
[السُّؤَالُ]
ـ[استاذنا الجليل: أريد معرفة سيرة القائد نور الدين محمود وما هي السمات التي كانت تميزه، وما هو الهدف الذي كان يسعى لتحقيقه في حياته؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الحافظ الذهبي عن القائد نور الدين محمود زنكي الكردي الشهيد -كما في السير-: صاحب الشام الملك العادل نور الدين ناصر، أمير المؤمنين، تقي الملوك، ليث الإسلام أبو القاسم محمد. انتهى
ولد في شوال سنة 511هـ. قال ابن الأثير: طالعت السير، فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن من سيرته ولا أكثر تحرياً منه للعدل. انتهى
ومن سيرته أنه:
- أظهر السنة بحلب وقمع الرافضة.
- بنى المدارس والجوامع والمساجد بحلب وحمص ودمشق وبعلبك ودار الحديث وأنشأ المارستان.
- وأبطل المكوس.
- وبنى دار العدل وأنصف الرعية، وكان يعقد في دار العدل في الجمعة أربعة أيام، ويأمر بإزالة الحاجب والبوابين.
- وجاهد الكفار والأرمن وكسر الفرنج مرات ودوخهم وأذلهم، وكسرهم يوم حارم وكانوا ثلاثين ألفاً، فقل من نجا، وانتزع من الكفار نيفاً وخمسين مدينة وحصناً.
- وجهز جيشاً مع نائبه أسد الدين شيركوه، فافتتح مصر، وقهر دولتهم الرافضية، وصفت الديار المصرية لشيركوه نائب نور الدين، ثم لصلاح الدين، فأباد العبيديين واستأصلهم.
- وكان يتعرض للشهادة، وسمعه كاتبه يسأل الله أن يحشره من بطون السباع وحواصل الطير، وكان يقول: طالما تعرضت للشهادة فلم أدركها. قال الحافظ الذهبي معقباً: قلت: قد أدركها على فراشه!! وعلى ألسنة الناس: نور الدين الشهيد. اهـ
- ووقف على الضعفاء والأيتام والمجاورين، ووقف كتباً كثيرة مثمنة.
- وأمر بتكميل سور المدينة النبوية، واستخراج عين بأحد كان قد دفنها السيل.
- وكان زاهداً عابداً متمسكاً بالشرع، وكان حنفياً يراعي مذهب الشافعي ومالك، وكان يلازم السجادة والمصحف.
- وكان لا يرى بذل الأموال إلا في نفع، وما للشعراء عنده نفاق.
- وكان يميل إلى التواضع وحب العلماء والصلحاء، ويتجنب الكبر، ويتشبه بالأخيار.
- وكان كثير المطالعة، وروى الحديث وأسمعه بالإجازة، وراسل بعض العلماء كابن الجوزي.
- وكان لا يأكل ولا يلبس إلا من عمل يده!! ينسخ تارة، ويعمل أغلافاً تارة، وكان له عجائز، فكان يخيط الكوافي، ويعمل السكاكر، فيبعنها له سراً ويفطر على ثمنها، وكان له ملك قد اشتراه من سهمه من الغنيمة يتصرف منه، ولقد طلبت زوجته منه فأعطاها ثلاثة دكاكين فاستقلتها، فقال: ليس لي إلا هذا، وجميع ما بيدي أنا فيه خازن للمسلمين.
- وكان يتهجد كثيراً، وله أوراد في الليل والنهار، وكان كثير الصوم، وكان ذا خوف وورع، ويصلي في جماعة ويتلو ويسبح.
هذا، وسيرة نور الدين عظيمة وواسعة، وهي جديرة بالاطلاع عليها، وتجدها مبسوطة في كتب التواريخ مثل: (سير أعلام النبلاء) للحافظ الذهبي، و (البداية والنهاية) للحافظ ابن كثير، و (الكامل) لابن الأثير، وغير ذلك.
ومما سبق من سيرته نستخلص بعض سماته التي كانت تميزه، ومنها:
لزوم السنة، وهجر البدع والمبتدعة، والعدل مع الرعية، وحب الجهاد والتعرض للشهادة، الورع الشديد والأكل من عمل يده، وكثرة التعبد والتهجد والصوم.
وأما سماته الشخصية:
فقد كان حسن الصورة مليح الوجه، أسمر، واسع الجبهة، له لحية في حنكه، ولا شعر في وجهه سواه، حلو العينين، وكان طويلاً، وكان مهيباً وافر الهيبة، مع تواضعه ولطافته، وما تبسم إلا نادراً، وكان من أقوى الناس قلباً وبدناً، لم ير على ظهر فرس أحد أشد منه، كأنما خلق عليه، وكان حسن الرمي، وكان مليح الخط.
وأما الهدف الذي كان يسعى لتحقيقه في حياته فهو: حفظ الدين، وسياسة الدنيا به، وتعبيد الناس لله، وأطرهم على الحق أطرأ، ودفع الكفار عن بلاد المسلمين، وقمع أهل البدع من الرافضة وغيرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1425(22/207)
مكان وفاة سعد بن أبي وقاص
[السُّؤَالُ]
ـ[أين مات سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سعداً رضي الله عنه توفي بالعقيق، بالمدينة النبوية ودفن في البقيع، كما قال ابن حجر في الإصابة، وراجع الفتوى رقم: 17049.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1425(22/208)
نبذة عن الشيخ الألباني رحمه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال بسيط وأتمنى أن أجد عندكم الجواب، وهو أن أحد أصدقائي من المتعصبين للتوسل بالأولياء -هداه الله- يكره بعض أئمة وعلماء السلف كشيخ الإسلام ابن تيمية والألباني رحمهما الله، وقال يوما إن الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ضعف حوالي 300 حديث للبخاري، فما صحة ما يدعيه؟؟ والمعروف أن الألباني رحمه الله حريص على العمل بالأحاديث التي ثبتت صحتها لكن أن يضعف صحيح البخاري هذا ما لم أسمعه قط وأود معرفة الحقيقة من فضيلتكم.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من علامة أهل البدع الوقيعة في أهل العلم. فالألباني رحمه الله وطيب ثراه أفنى أوقاتا طويلة في خدمة حديث رسول الله جمعا وتخريجا ودراسة وتصحيحاً وتضعيفاً، وهو من مجودي هذا العصر. وكتبه مما يستعين به طالب العلم في هذا الوقت الذي ضعفت فيه الهمم عن البحث، وثناء العلماء عليه معلوم ومشهور.
وما ذكره صديقك من تضعيف الألباني لثلاثمائة حديث في البخاري من الإفك فأين هذه الأحاديث فطالبه أن يبرزها. وقد ذكر الألباني أن في الصحيحين أحاديث منتقدة ولكن قليلة جداً، وهذا ما ذكره قبله الأئمة الكبار أمثال الدارقطني وابن الصلاح والنووي والحافظ وأجابوا عن بعضها. وراجع فتوى الشبكة: 35370.
أما شيخ الإسلام ابن تيمية فقد سبقت ترجمته في الفتوى رقم: 7022، وللمزيد راجع الفتوتين: 4402، 19536.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1425(22/209)
اسم ابن عم خديجة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو اسم ابن عم خديجة بنت خويلد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لخديجة بنت خويلد ابن عم يسمى ورقة بن نوفل، وقد سبق الحديث عنه في الفتوى رقم: 19604، والفتوى رقم: 27865.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1425(22/210)
أسس فلسفة ابن الراوندي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أسس فلسفة ابن الراوندي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ابن الرِّيوَندي أو ابن الراوندي هو أحد الفلاسفة الذين رموا بالإلحاد. قال ابن الجوزي: زنادقة الإسلام ثلاثة: ابن الراوندي، وأبو حيان التوحيدي، وأبو العلاء المعري. ونص شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى على أنه زنديق. وقال الذهبي في السير: ابن الراوندي الملحد. وقد ذكر إلحاده الغزالي في الإحياء (1/ 101) ، ونقض عليه ابن تيمية في مواضع من نقض التأسيس. ولقد وافق الدهرية في قولهم بقدم العالم، وألف كتابا سماه: التاج في قدم العالم.
وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: كان ابن الراوندي يزعم أن الكفر هو الجحد والإنكار والستر والتغطية، وليس يجوز أن يكون الكفر إلا ما كان في اللغة كفرا، ولا يجوز إيمان إلا ما كان في اللغة إيمانا، وكان يزعم أن السجود للشمس ليس بكفر، ولا السجود لغير الله كفر، ولكنه علم على الكفر، لأن الله بين أنه لا يسجد للشمس إلا كافر.
ومذهب ابن الراوندي في الإيمان هو مذهب المرجئة الذين يجعلون الإيمان هو مجرد التصديق، ويخرجون العمل عن مسمى الإيمان، وهذا ظاهر في النقل السابق عن ابن تيمية، وطريقة ابن الراوندي الإرجائية هي طريقة بشر المريسي، وهؤلاء يقولون: إن الإيمان هو التصديق، لأن الإيمان في اللغة هو التصديق، وما ليس بتصديق فليس بإيمان، ويزعمون أن التصديق يكون بالقلب واللسان جميعا.
ويقال إن ابن الراوندي افترى على موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام أنه قال: تمسكوا بالسبت.
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن الراوندي أنه قال: اختلف الفقهاء في الغناء هل هو حرام أو حلال؟ وأنا أقول إنه واجب. ومعلوم أن هذا ليس من أقوال علماء المسلمين.
ولابن الراوندي ترجمة مظلمة في سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي، فراجعها في صفحة 59 الجزء 14.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1425(22/211)
الإمام الشوكاني
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كان الشوكاني من الفرقة اليزيدية، وما الفرق بين اليزيدية والزيدية وهل هم خلاف أهل السنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشوكاني لم يكن من اليزيدية وإنما كان زيدياً، ونظراً لكثرة وغزارة علمه وسعته في التفسير والحديث أصبح يتبع ما ترجح عنده في كثير من الأمور.
وأما الفرق بين الزيدية واليزيدية وبيان خلافهما لأهل السنة فيرجع إليه في الفتوى رقم: 32065، والفتوى رقم: 7540.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1425(22/212)
فضل سعيد بن المسيب
[السُّؤَالُ]
ـ[سعيد بن المسيب بفتح الياء أم بالكسر?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سعيد بن المسيب هو شيخ الإسلام وفقيه المدينة أبو محمد المخرومي القرشي أجلِّ التابعين، ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر رضي الله عنه.
سمع من عمر رضي الله عنه شيئا وهو يخطب، كما سمع من عثمان وزيد بن ثابت وعائشة وأبي هريرة وخلق من الصحابة رضوان الله عليهم.
وكان واسع العلم قوي الديانة قوالا بالحق شديد الورع.
شهد له الصحابة والتابعون بالعلم والدين، قال عنه ابن عمر رضي الله عنهما: سعيد بن المسيب: هو والله أحد المفتين.. وقال قتادة: ما رأيت أحدا أعلم من سعيد، وكذا قال الزهري ومكحول وغير واحد وصدقوا.
توفي رحمه الله تعالى سنة أربع وتسعين على الراجح من الأقوال في وفاته.
وأما ضبط الياء من اسم أبيه فتارة يضبطونها بفتح الياء بصيغة المفعول، وتارة يضبطونها بالكسر بصيغة الفاعل كما في السير اللذهبي.
وعلى كل حال لا يترتب على ذلك شيء ولا ينبني عليه فعل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1425(22/213)
نبذة عن السمرقندي مؤلف كتاب (تنبيه الغافلين)
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: ورد في كتاب (تنبيه الغافلين للسمرقندي) باب صفة النار وأهلها حديث شريف بكى بسببه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما هذا الحديث أثابكم الله من فضله؟ وجزاكم الله عنا وعن أمة الإسلام خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يحضرنا هذا الحديث، والكتاب المذكور لا يوجد في مكتبتنا، ولكن من الجدير التنبيه عليه أن مؤلف الكتاب على عظم مكانته العلمية يستدل بالأحاديث الموضوعة، قال عنه الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء: الإمام الفقيه المحدث الزاهد أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي الحنفي صاحب كتاب تنبيه الغافلين، وله كتاب الفتاوى، يروي عن محمد بن الفضل بن أنيف البخاري وجماعة وتروج عليه الأحاديث الموضوعة. كما أن الكتاب المذكور مشتمل على كثير من الأحاديث الموضوعة، كما في الفتوى رقم: 18330.
فينبغي إذاً الأقتصار على مطالعة الكتب الصحيحة المتعلقة بالرقائق كرياض الصالحين والترغيب والترهيب، إلا إذا كان المطالع يميز بين الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة من غيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1425(22/214)
الدارقطني.. سيرته وفضله ومؤلفاته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن إعطاؤنا نبذة عن الدارقطني، وأهم مؤلفاته والعصر الذي عاش فيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدارقطني: هو الإمام المجود شيخ الإسلام وعلم الجهابذة أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي المقرئ المحدث من أهل محلة دارالقطن ببغداد وإليها ينسب، ولد سنة ثلاث مائة وست هجرياً.
قال عنه الذهبي في السير: كان من بحور العلم وأئمة الدنيا، انتهى إليه الحفظ ومعرفة علل الحديث ورجاله مع التقدم في القراءات وطرقها وقوة المشاركة في الفقه والاختلاف والمغازي وأيام الناس.. وغير ذلك.
سمع منذ أيام صباه من أهل بلده، وارتحل في كهولته إلى الشام ومصر ... وسمع من أهل العلم في تلك البلاد وأخذ عنهم، وهو أول من صنف في القراءات على النحو الذي بين أيدينا حيث عقد الأبواب قبل فرش الحروف وجعل القواعد.. وأخذ عنه خلق كثير من بغداد ودمشق ومصر ومن الرحالين، منهم: الحافظ أبو عبد الله الحاكم....
وقال عنه ابن كثير في البداية والنهاية: وله مؤلفات يطول ذكرها منها كتاب "السنن" المشهور، ومختصر في القراءات.... ومنها كتاب "العلل" الذي لا يفهمه فضلا عن أن ينتظمه إلا من هو من الحفاظ الأفراد، والأئمة النقاد والجهابذة الجياد ... وله غير ذلك من المصنفات التي هي كالعقود في الأجياد.
عاش رحمه الله تعالى في القرن الرابع الهجري في فترة دولة بني بويه في عهد الخلافة العباسية ببغداد، وتوفي في سبع من ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاث مائة وله من العمر تسع وسبعون سنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1425(22/215)
قصة مقتل عمرو بن عبد ود العامري
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الشخص الذي قتل ابن ود العامري]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشخص الذي قتل عمرو بن عبد ود العامري القرشي هو أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وكان ذلك في غزوة الخندق سنة خمس من الهجرة.
فقد ذكر أصحاب السير والمغازي أن فوارس من قريش منهم: عمرو بن عبد ود العامري وعكرمة بن أبي جهل المخزومي وهبيرة بن أبي وهب المخزومي وغيرهم أتوا مكانا ضيقا من الخندق فاقتحموه بخيولهم.. فلما رآهم المسلمون خرج إليهم علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذ عليهم الموضع الذي اقتحموا منه.
وكان عمرو بن عبد ود فارس قريش.. وقد كان قاتل يوم بدر ولم يشهد أحدا فخرج عام الخندق معلما ليرى مشهده، فلما وقف هو وخيله قال له علي رضي الله عنه: يا عمرو إني أدعوك إلى البراز، قال: ولم يا ابن أخي؟ فو الله ما أحب أن أقتلك، قال علي: لكنني والله أحب أن أقتلك، فحمي عمرو عند ذلك واقتحم عن فرسه وعقر، هـ ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولا إلى أن قتله علي رضي الله عنه، وخرجت خيله منهزمة من الخندق.
ذكر هذه القصة غير واحد من أصحاب السير بألفاظ متقاربة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1425(22/216)
ترجمة الإمام مالك
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء أريد نبذه صغيرة عن الإمام مالك.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ف الإمام مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله الفقيه المحدث إمام دار الهجرة، ولد بالمدينة سنة 95 أهم تلامذته: يحيى بن يحيى الليثي - ابن القاسم - عبد الله بن وهب توفي في المدينة سنة 179 هـ. عن ست وثمانين سنة، ومن أشهر مؤلفاته: الموطأ، المدونة.
وللتوسع يراجع الفتوى رقم: 17320 و"تذكرة الحفاظ" (1/207-213) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(22/217)
نبذة عن أبي حنيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء أريد نبذه صغيرة عن الإمام أبي حنيفة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ف الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى التميمي، مولاهم الكوفي، ولد سنة 80 هـ، وقيل إنه رأى أنس بن مالك، وقيل رأى سبعة من الصحابة.
أهم شيوخه عطاء ونافع وعبد الرحمن بن هرمز وحماد بن سليمان وعليه تفقه.
أهم تلامذته: زفر بن الهذيل، وصاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني.
توفي ببغداد سنة 150 هـ. من أشهر مؤلفاته: الفقه الأكبر.
كان ثقة زاهدا ورعا، أراده المنصور على القضاء وضربه عليه فأبى ورعا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(22/218)
تاريخ وفاة الشيخ الشعراوي رحمه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[متى توفي الشيخ متولي الشعراوي رحمه الله تعالى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد توفي الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله في يوم الجمعة 20 من ذي الحجة 1418هـ الموافق 17 من أبريل عام 1998م.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1425(22/219)
أبدلني الله بالشعر سورة البقرة وآل عمران
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الشاعر الذي طلب منه سيدنا عمر قراءة شيء من الشعر فقرأ الشاعر عليه سور البقرة وقال والله لا أقول شعرا بعد أن علمني الله هذه]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشاعر الذي تسأل عنه هو لبيد بن ربيعة.
والقصة كما وردت في كتاب "الإصابة في تمييز الصحابة" (5/675) أن عمر لما كتب إلى عامله بالكوفة سل لبيدا والأغلب ما أحدثا من الشعر في الإسلام، فقال لبيد: أبدلني الله بالشعر سورة البقرة وآل عمران، فزاد عمر في عطائه، قال: ويقال إنه ما قال في الإسلام إلا بيتا واحدا:
ما عاتب المرء اللبيب كنفسه ... والمرء يصلحه الجليس الصالح
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 محرم 1425(22/220)
رأس المنافقين
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤلي هوأريد عن حياة المنافق عبد الله بن أبي بن سلول
ساعدوني الله يخليكم وجزاكم الله خير اً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعبد الله بن أبي بن سلول هو رأس المنافقين، وإليه يجتمعون، وهو الذي قال: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ (المنافقون: من الآية8) ، في غزوة بني المصطلق، وفي قوله هذا نزلت سورة المنافقين.
وقد كان مهيأ لزعامة الأوس والخزرج قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وسيداً معظماً عندهم لا يختلف عليه في شرفه من قومه اثنان، لم يجتمع الأوس والخزرج قبله ولا بعده على رجل من أحد الفريقين غيره، حتى جاء الإسلام وكان قومه قد نظموا له الخرز قبله ليتوجوه ثم يملكوه عليهم، فجاءهم الله عز وجل برسوله صلى الله عليه وسلم وهم على ذلك، فلما انصرف قومه عنه إلى الإسلام ضغن، ورأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استلبه ملكاً، فلما رأى قومه قد أبوا إلا الإسلام دخل فيه كارها مصراً على نفاق وضغن.
وفي الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قيل: يا نبي الله لو أتيت عبد الله بن أبي، فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم فركب حماراً وانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة، فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إليك عني، فوالله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك، فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتمه، وغضب لكل واحد منهما أصحابه، فكان بينهم ضرب بالجريد، وفي لفظ بالحديد والأيدي والنعال، فبلغنا أنه أنزل فيهم: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا (الحجرات: من الآية9) ، واستمر على نفاقه وحقده على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ينتهز أن تتاح له الفرص التي يستطيع من خلالها تشويه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومن ذلك: إشاعة تهمة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالزنا، وفيه نزلت الآية الكريمة: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (النور:11) .
وكانت نهايته على النفاق، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه، واستغفر له، فأعطاه قميصه، وقال: إذا فرغت منه فآذنّا، فلما فرغ منه آذنه به فجاء ليصلي عليه، فجذبه عمر فقال: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين فقال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (التوبة: من الآية80) ، فنزلت: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ (التوبة: من الآية84) ، فترك الصلاة عليهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1425(22/221)
نبذة عن محمود بن سبكتكين الغزنوي
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إرسال معلومات كاملة عن المجاهد الكبير محمود الغزنوي.
ولكم جزيل الشكر والامتنان]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكلام عن السلطان محمود بن سبكتكين الغزنوي طويل يطلب في مظانه من كتب التراجم والتاريخ، ولكن لا بأس من إيراد نبذة مختصرة عنه: فهو السلطان الملك يمين الدولة فاتح الهند أبو القاسم محمود بن ناصر الدولة سبكتكين التركي صاحب خراسان، كان أبوه والياً على غزنة، ثم تولى الأمر من بعده ولده إسماعيل ثم ولده محمود، وبلغ سلطانه إلى الهند والسند وخراسان والغور وخوارزم وبلخ وجرجان وطبرستان والري وأصبهان وأذربيجان وهمدان وأرمينية.
وكان مشهوراً بالشجاعة والكرم والأخلاق، وتوفي سنة إحدى وعشرين وأربعمائة رحمه الله.
ومن أراد الاستزادة عنه فليرجع إلى البداية والنهاية (12/29) والسير للذهبي (17/463) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1425(22/222)
شيخ الإسلام /ابن تيمية/ من الميلاد إلى الممات
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد نبذة تاريخية عن شيخ الإسلام ابن تيمية من نشأته وتاريخ ولادته إلى وفاته رحمه الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشيخ الإسلام هو تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني، ولد رحمه الله بحران يوم الاثنين عاشر أو ثاني عشر ربيع الأول عام 661هـ ثم سافر به والده إلى دمشق واستوطنها عام 667هـ، وتلقى العلم على والده وآخرين من مشيخة زمانه كشرف الدين المقدسي الشافعي خطيب دمشق ومفتيها، وتقي الدين الواسطي إبراهيم بن علي الصالحي الحنبلي، والمنجا بن عثمان التنوخي الدمشقي وغيرهم، وقد كان يمتاز بأمور أهمها:
1- قوة حافظته وسرعة إدراكه لما يسمع أو يقرأ.
2- محافظته على الوقت منذ صغره.
3- قوة تأثيره وحجته.
4- تبحره في علم المنقول والمعقول أصولاً وفروعاً في المسائل العلمية والعملية.
5- جهاده بالسيف والحجة، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فجهاده للتتار وأهل البدع والضلال معروف لا يخفى.
6- انفراده بمسائل علمية وعملية سببت له محناً وعداوات ومناظرات، وسجن أكثر من مرة ومات في السجن -رحمه الله ورضي عنه- بسببها.
ومن تلك المسائل: تحريمه لشد الرحل لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم وقوع الطلاق ثلاثاً لمن قال لزوجته: أنت طالق ثلاثاً ... إلى غير ذلك.
وكان في هذه المسائل مجتهداً نسأل الله جل وعلا أن يغفر لنا وله ولجميع علماء المسلمين، ويجمعنا بهم في جنات ونهر في مقعد صدق عن مليك مقتدر.
وقد توفي -رحمه الله- في القلعة في يوم الاثنين تاسع جمادى الأخرى عام: 728هـ، فهذه نبذة مختصرة مجملة عن شيخ الإسلام، ومن أراد الوقوف على سيرته الحافلة فليراجع كتب التراجم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1425(22/223)
الإمام أبوحنيفة النعمان
[السُّؤَالُ]
ـ[أما بعد أنا الطالب سامر من الأردن اجتذبني الموقع منذ فترة وأتاني موضوع لأسال عنه::::::
وهو أنني أريد موضوعا عن سيرة أبي حنيفة النعمان لا يقل عن 10 صفحات
مع العلم الكامل بأنني أزعجتكم ولكنني مضطر وأرجو أن يكون بسرعة
والله هو المعين والسلام.......]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يجزيك خيراً على متابعة موقعنا، ونأمل أن تكون قد استفدت منه.
أما بالنسبة لسيرة وترجمة الإمام أبي حنيفة -رحمه الله- فقد ذكرنا طرفاً منها في الفتوى رقم: 17320، ولمزيد من الفائدة عن سيرته -رحمه الله- نحيلك على كتب التاريخ والتراجم، ككتاب صفة الصفوة لابن الجوزي، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ونحو ذلك من الكتب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1425(22/224)
قصة الحب المنسوبة للقسيس فالنتين
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي قصة الحب المنسوبة للقسيس فالنتين وما أثرها على الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ارتبط اسم هذا الرجل بالاحتفال بما يسمى بـ"عيد الحب"، وهنالك روايتان في وجه ارتباط اسمه بذلك:
الأولى: تقول بأنه قام بتحدي إمبراطور الرومان كلاوديس الثاني في القرن الثالث الميلادي، والذي كان يمنع جنوده من الزواج، فكان فالنتين يقوم بتزويجهم سراً، وقام الإمبراطور بإعدامه.
والرواية الأخرى: تقول إنه كان من المحبين الولهين، واشتهر بمغامراته العاطفية، وأنه مات بسبب عشقه، فأصبح رمزاً للمحبين.
ولا يهمنا إن كان هذا هو السبب أو ذاك، ولا صحة الرواية من عدمها، ولكن الواجب الوقوف عندما يفعله بعض المسلمين من الاحتفال بهذا العيد، وقد سبق لنا الحديث عنه بالتفصيل، وذلك في الفتوى رقم: 6735.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1424(22/225)
طارق بن زياد
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو طارق بن زياد، وهل يوجد كتاب عنه، وما اسم الكتاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فطارق بن زياد الليثي بالولاء، كان من عظماء قادة المسلمين الذين أعز الله بهم الإسلام، فقد كان فتح الأندلس على يديه، أسلم على يد موسى بن نصير وكان أشد رجالاته وكان أهله من البربر، ولد سنة 50 ومات سنة 102هـ، وانظر ترجمته في سير أعلام النبلاء، والبداية والنهاية لابن كثير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1424(22/226)
نبذة عن زياد بن أبيه
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو زياد بن أبيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن زياد بن أبيه رجل من أهل الطائف ولد عام الهجرة، وقد ذكر الذهبي في لسان الميزان، وابن حجر في الإصابة نقلا عن ابن عساكر أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر ابن حجر في الفتح أن أمه سمية كانت مولاة تحت رجل من ثقيف اسمه عبيد، فلما ولد على فراشه كان يدعى زياد بن عبيد، ثم استلحقه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه لما شهد له شهود بأن أبا سفيان رضي الله عنه استلحقه، ثم إنه لما انقرض عصر بني أمية كان زياد يسمى زياد بن أبيه، وقد ذكر الشوكاني أن أهل العلم أجمعوا على تحريم نسبته إلى أبي سفيان عملا بحديث الصحيحين: الولد للفراش وللعاهر الحجر.
وقد كان زياد هذا رجلا وافر العقل قوي المعرفة جيد السياسة، وكان والياً في عهد علي ثم في عهد معاوية رضي الله عنهما، كما قال الذهبي في لسان الميزان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1424(22/227)
تفنيد شبهات ودفاع عن ابن تيمية رحمه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
كان ابن تيمية يخطب الجمعة في الجامع الأموي، وقال أثناء كلامه إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل من درجة المنبر ...
2- ويقول ابن تيمية: (ولو قد شاء الله لاستقرّ على ظهر بعوضة فاستقلّت به بقدرته ولطف ربوبيته، فكيف على عرش عظيم!!) ، هل هذا صحيح عن شيخ الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ذكر أولاً عن شيخ الإسلام قصة مختلقة ذكرها ابن بطوطة في رحلته المشهورة، حيث زعم أنه شاهد ابن تيمية على منبر الجامع بدمشق يعظ الناس، ويشبه نزول الله إلى السماء الدنيا بنزوله من درجة المنبر، وقد قرر كثير من أهل العلم أن هذه قصة مختلقة لأن دخول ابن بطوطة إلى دمشق كان في التاسع من شهر رمضان عام ست وعشرين وسبعمائة هجرية، وكان سجن ابن تيمية في قلعة دمشق أوائل شعبان من هذا العام إلى أن توفاه الله ليلة الاثنين لعشرين من ذي القعدة عام ثمان وعشرين وسبعمائة هجرية، فكيف رآه ابن بطوطة يعظ على منبر الجامع وسمع منه، ثم إن حادثة مثل هذه الحادثة تحدث على المنبر في مكان مشهور ومن عالم مشهور ومحسود وله أعداء كثر، ويقول ما لا يسع الناس السكوت عنه، ثم ينفرد بنقل هذه الحادثة- التي تتوافر جميع أسباب نقلها وتواترها- شخص واحد كابن بطوطة أمر يدل على عدم صدق هذا النقل.
وقد نبه الحافظ ابن حجر إلى أن ابن بطوطة -رحمه الله- لم يكتب تفصيل رحلته، وإنما الذي كتبها وجمعها أبو عبد الله بن جزي الكلبي وهو من نمَّقها، وكان الإمام البلقيني يتهمه بالكذب والوضع.
أما ما ذكر ثانياً عن شيخ الإسلام، فليس من كلامه رحمه الله، لكنه نقله في نقض التأسيس عن الدارمي -رحمه الله- في رده على بشر المريسي، ولعل من المناسب أن ننقل بعض كلام ابن تيمية الذي قاله -رحمه الله- في نقض التأسيس: قال عثمان بن سعيد الدرامي في نقضه على المريسي وصاحبه: وأعجب من هذا كله قياسك الله بقياس العرش ومقداره ووزنه من صغير أو كبير، وزعمت كالصبيان العميان أن الله أكبر من العرش أو أصغر منه أو مثله، فإن كان الله أصغر فقد صيرتم العرش أعظم منه، وإن كان أكبر من العرش فقد ادعيتم فيه فضلاً عن العرش، وإن كان مثله إذا ضم إلى العرش السموات والأرض كانت أكبر، مع خرافات تكلم بها وترهات يلعب بها وضلالات يضل بها، لو كان من يعمل لله لقطع قشرة لسانه، والخيبة لقوم هذا فقيههم والمنظور إليه مع التمييز كله وهذا النظر وكل هذه الجهالات والضلالات.
فيقال لهذا البقباق النفاج: إن الله أعظم من كل شيء وأكبر من كل خلق، ولم يحمله العرش عظما ولا قوة، ولا حملة العرش حملوه بقوتهم ولا استقلوا بعرشه، ولكنهم حملوه بقدرته، وقد بلغنا أنهم حين حملوا العرش وفوقه الجبار في عزته وبهائه ضعفوا عن حمله واستكانوا وجثوا على ركبهم حتى لقنوا لا حول ولا قوة إلا بالله، فاستقلوا به بقدرة الله وإرادته، ولولا ذلك ما استقل به العرش ولا الحملة ولا السموات ولا الأرض ولا من فيهن، ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته، فكيف على عرش عظيم أكبر من السموات والأرض، وكيف تنكر أيها النفاج أن عرشه يقله والعرش أكبر من السموات السبع والأرضين السبع، ولو كان العرش في السموات والأرضين ما وسعته ولكنه فوق السماء السابعة، فكيف تنكر هذا وأنت تزعم أن الله في الأرض في جميع أمكنتها والأرض دون العرش في العظمة والسعة، فكيف تقله الأرض في دعواك ولا يقله العرش الذي هو أعظم منها وأوسع.
وواضح من هذا النقل أن الدارمي -رحمه الله- أراد من ذلك الكلام أن الله تعالى غير محتاج إلى العرش، ولا غيره، بل هو سبحانه غني عن العالمين وما سواه فقير إليه، وهو سبحانه فوق العرش، كما دل الكتاب والسنة والأثر والإجماع من الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام قبل جهم والمريسي وأضرابهما من أهل البدع والضلال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1424(22/228)
خالد بن الوليد من هدم العزى
[السُّؤَالُ]
ـ[من الذي هدم صنم العزى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن صنم العزى هدمه خالد بن الوليد رضي الله عنه، سيف الله تعالى وفارس الإسلام، وقد ذكر قصته ابن حجر في الإصابة، وابن كثير في البداية والنهاية، وابن القيم في زاد المعاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1424(22/229)
الصحابي الذي هو أول من رمى بسهم في سبيل الله
[السُّؤَالُ]
ـ[من أول من رمى بسهم في سبيل الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأول من رمى بسهم في سبيل الله هو سعد بن مالك (ابن أبي قاص) رضي الله عنه جاء ذلك في صحيح البخاري وغيره.
وسعد رضي الله عنه من السابقين الأولين والمهاجرين المشهورين والعشرة المبشرين، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت السرية التي رمى فيها سعد رضي الله عنه بأول سهم في الإسلام هي سرية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وهي أول سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في السنة الأولى من الهجرة، وكانوا ستين راكباً من المهاجرين خرجوا إلى رابغ ليلقوا عيراً لقريش عائدة من الشام فتراموا بالسهام، ولم تكن بينهم مسايفة (قتال بالسيوف) ، فكان سعد رضي الله عنه هو أول من رمى بسهم في تلك السرية، وفي ذلك يقول سعد رضي الله عنه: ألاهل أتى رسول الله أني ... حميت صحابتي بصدور نبلي.
ويقول صاحب الغروات: أول سهم قد أصاب عاصِ ... سهم رماه ابن أبي وقاص.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1424(22/230)
من مناقب أبي دجانة رضي الله عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[بماذا كان يمتاز الصحابي البطل أبو دجانة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الصحابي الجليل أبا دجانة الأنصاري رضي الله عنه يمتاز بالشجاعة والتضحية وقوة الإيمان، كغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يدل على قوة إيمانه وكمال شجاعته وحبه للنبي صلى الله عليه وسلم، ودفاعه عن هذا الدين العظيم وتضحيته في سبيله، ما رواه الإمام أحمد وأصحاب السير عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفا يوم أحد، فقال: من يأخذ هذا؟ فازدحم الناس لأخذه، فقال: من يأخذه بحقه؟ فأحجم القوم، فقال أبو دجانة: أنا آخذه بحقه يا رسول الله، فدفعه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذه ففلق به هام المشركين.
وفي رواية قتادة بن النعمان أن أبا دجانة أخرج عصابة حمراء فعصب بها رأسه، وهي عصابة الموت، استشهد رضي الله عنه في قتال مسيلمة الكذاب بعد أن شارك في قتله، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 20370.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1424(22/231)
كعب بن زهير صاحب البردة
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو ذو البردة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل المراد بذي البردة كعب بن زهير رضي الله عنه، فقد ذكر ابن حجر في الإصابة، وابن كثير في البداية والنهاية، أنه لما بايع النبي صلى الله عليه وسلم وأنشده قصيدته المشهورة، كساه النبي صلى الله عليه وسلم بردة له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1424(22/232)
تاريخ ولادة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر
[السُّؤَالُ]
ـ[ولدت السيدة عائشة بعد البعثة، هل بـ 4 سنين أم 5 أم 6 سنوات؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي ذكره الحافظ ابن حجر في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة أن عائشة رضي الله عنها ولدت بعد المبعث بأربع سنين أو خمس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1424(22/233)
من الأئمة والأعلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي المفتي (الشيخ عبد الله الفقيه) في الإمام مالك والحنبلي والحنفي والشافعي، وما رأيك في الشيوخ ابن باز وابن عثيمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان المقصود من السؤال ترجمة هؤلاء الأئمة، فقد تقدمت ترجمتهم في الفتوى رقم: 17320، والفتوى رقم: 11168.
باستثناء الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، والشيخ ابن عثيمين من العلماء الأجلاء المحققين، ولد في مدينة عنيزة في عام 1347هـ وتتلمذ على يد العلامة عبد الرحمن السعدي، وتولى التدريس في جامعة محمد بن سعود، وكان أحد أعضاء هيئة كبار العلماء بالمملكة.
وأما إن كان المقصود حكم تقليدهم واتباعهم والتتلمذ على كتبهم، فتنظر بخصوص ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22612، 31408، 32653، 7763، 23432، 21744.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1424(22/234)
سعيد بن المسيب زوج ابنة أبي هريرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد التابعين عاش فى المدينة وتزوج ابنة الصحابى الجليل أبي هريرة، وكان فى مقدوره أن يتزوج بمن يشاء، ورفض أن يزوج ابنته من الوليد بن عبد الملك ولي عهد الخليفة عبد الملك بن مروان، من هو هذا التابعي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المسؤول عنه هو سيد التابعين سعيد بن المسيب، وقصة زواجه لابنته من أحد طلبة العلم عنده مذكورة في كتب التراجم، كسير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1424(22/235)
الشيماء أخت الرسول من الرضاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[من هي أخت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الرضاعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأخت الرسول صلى الله عليه وسلم من الرضاعة هي الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1424(22/236)
حارسة القرآن حفصة بنت عمر
[السُّؤَالُ]
ـ[من هي المرأة الملقبة بحارسة القرآن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن حفصة بنت عمر هي الملقبة حارسة القرآن وهي: حفصة بنت عمر بن الخطاب أخوها عبد الله بن عمر لأبيها، ولدت حفصة وقريش تبني البيت قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنين، تزوجت خنيس بن حذافة السهمي، أسلم وهاجر إلى الحبشة الهجرتين، وهاجرت حفصة معه إلى المدينة فشهدا بدراً، وخرج يوم أحد فأصابته جراحة فمات، ولما رأى عمر أن ابنته تأيمت لقي عثمان بن عفان فعرضها عليه فقال عثمان: مالي في النساء حاجة.
فلقي عمر رضي الله عنه أبا بكر الصديق فعرضها عليه فسكت، فوجد على أبي بكر، فلما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة لقي أبو بكر عمر بن الخطاب فقال له: لا تجد علي في نفسك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذكر حفصة، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها لتزوجتها.
وزواج النبي صلى الله عليه وسلم على حفصة سنة ثلاث من الهجرة، وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة تطليقة، ثم راجعها بأمر جبريل عليه السلام له بذلك، وقال: إنها صوّامة قوّامة وهي زوجتك في الجنة.
وعندما انتقل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وخلفه أبو بكرالصديق، كانت حفصة هي التي اختيرت من أمهات المؤمنين جميعاً لتحفظ أول مصحف خطي للقرآن الكريم، وكان ذلك هو السبب في تلقيبها بحارسة القرآن.
أقامت أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها عاكفة على العبادة قوّامة صوّامة حتى ماتت في عهد معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1424(22/237)
الستة الذين بايعوا بيعة العقبة الأولى
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم الصحابة الذين بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم في البيعة الأولى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالصحابة الذين بايعوا البيعة الأولى عند العقبة فيما ذكر ابن إسحاق ستة نفر من الخزرج هم:
1- أبو أمامة أسعد بن زرارة.
2- عوف بن الحارث بن رفاعة.
3- زريق بن عامر بن زريق.
4- قطبة بن عامر بن حديدة.
5- عقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام.
6- جابر بن عبد الله بن رثاب بن النعمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1424(22/238)
سلمان الفارسي من أشار بحفر الخندق
[السُّؤَالُ]
ـ[من كان صاحب فكرة حفر الخندق في إحدى معارك الرسول صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلما تجمع أصحاب الأحزاب لقتال المسلمين بالمدينة، جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ليستشيرهم في كيفية الدفاع عن المدينة وصد الأعداء، فأشار الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه بحفر الخندق، حيث قال: يا رسول الله: إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خندقنا علينا، فوافق الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام على هذه الخطة الحكيمة التي لم تكن معروفة لدى العرب، فكانت مع الله وبحمد الله تعالى من أسباب صد الأحزاب وفشلهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1424(22/239)
أم إسحاق بن إبراهيم
[السُّؤَالُ]
ـ[من هي أم إسحاق بن إبراهيم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأم إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام هي سارة ابنة عم إبراهيم، وقد كانت في بداية أمرها امرأة عقيما لا تلد، لكن الله تعالى بشرها على لسان ملائكته بإسحاق، حيث قال جل شأنه: وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [هود:71] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1424(22/240)
خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الصحابي الملقب بذي الشهادتين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالصحابي الملقب بذي الشهادتين هو خزيمة بن ثابت رضي الله عنه، وسبب ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين في قصة شهيرة رواها أحمد وأبو داود والنسائي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1424(22/241)
ترجمة أبي يزيد البسطامي
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو أبو يزيد البسطامي، وما قصة مائة سؤال وسؤال التي تروى عنه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ترجم الإمام ابن كثير في كتابه البداية والنهاية لأبي يزيد البسطامي فقال -رحمه الله-: أبو يزيد البسطامي اسمه طيفور بن عيسى بن علي أحد مشايخ الصوفية، وكان جده مجوسياً فأسلم، وكان لأبي يزيد أخوات صالحات عابدات وهو أجلهم، قيل لأبي يزيد: بأي شيء وصلت إلى المعرفة، فقال: ببطن جائع وبدن عار، وكان يقول: دعوت نفسي إلى طاعة الله فلم تجبني فمنعتها الماء سنة، وقال: إذا رأيتم الرجل قد أعطي من الكرامات حتى يرتفع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي، وحفظ الحدود والوقوف عند الشريعة، قال ابن خلكان وله مقامات ومجاهدات مشهورة وكرامات ظاهرة، توفي سنة إحدى وستين ومائتين، قلت: وقد حكي عنه شحطات ناقصات قد تأولها كثير من الفقهاء والصوفية، وحملوها على محامل بعيدة، وقد قال بعضهم إنه قال ذلك في حال الاصطلام والغيبة، ومن العلماء من بدعه وخطأه وجعل ذلك من أكبر البدع، وأنها تدل على اعتقاد فاسد كامن في القلب ظهر في أوقاته. والله أعلم.
وأما قصة مائة سؤال وسؤال التي تروى عنه، فلا علم لنا بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1424(22/242)
من مناقب أنس والزبير رضي الله عنهما
[السُّؤَالُ]
ـ[تعريف الصحابيين أنس بن مالك والزبير بن العوام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ترجم الإمام ابن كثير لأنس بن مالك رضي الله عنه فقال: أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عاصم بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري النجاري أبو حمزة المدني نزيل البصرة، خدم رسول الله مدة مقامه بالمدينة عشر سنين، فما عاتبه على شيء أبداً، ولا قال لشيء فعله لم فعلته ولا لشيء لم يفعله إلا فعلته، وأمه أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام، هي التي أعطته رسول الله فقبله، وسألته أن يدعو له فقال: اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره وأدخله الجنة.
وترجم الإمام ابن حجر للزبير بن العوام رضي الله عنه، فقال: الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي أبو عبد الله حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته، أمه صفية بنت عبد المطلب، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، كانت أمه تكنيه أبا الطاهر بكنية أخيها الزبير بن عبد المطلب، واكتنى هو بابنه عبد الله فغلبت عليه، وأسلم وله اثنتا عشرة سنة وقيل ثماني سنين، وقال الليث حدثني أبو الأسود قال: كان عم الزبير يعلقه في حصير ويدخن عليه ليرجع إلى الكفر، فيقول: لا أكفر أبداً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1424(22/243)
النجاشي أول ملوك العجم إسلاما
[السُّؤَالُ]
ـ[من أول من أسلم من ملوك العجم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأول من أسلم من ملوك العجم هو أصحمة بن أبحر النجاشي أسلم رضي الله عنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
قال في "الإصابة في تمييز الصحابة": أصحمة بن أبحر النجاشي ملك الحبشة، واسمه بالعربية عطية، والنجاشي لقب له، أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يهاجر إليه، وكان ردءا للمسلمين، نافعا، وقصته مشهورة في المغازي، في إحسانه إلى المسلمين الذين هاجروا إليه في صدر الإسلام، وأخرج أصحاب الصحيح قصة صلاته صلى الله عليه وسلم (عليه) صلاة الغائب من طرق. (1/205) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1424(22/244)
لعن الحجاج وذكر مثالبه وعيوبه
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس عندما يتعرض لسيرة الحجاج يسبة ويلعنه، فهل ذلك يصح، علما بأنه كانت له بعض فتوحات إسلامية لأراضٍ غير إسلامية، وهل هو يعتبر من الفئة الباغية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما لعن الحجاج بن يوسف فينبغي تركه بناء على أن الفاسق المعين لا يلعن بخصوصه إما تحريماً أو تنزيها، وإذا قال قائل ألم يك ظالماً؟ ألم يقتل الصحابة فلماذا لا نلعنه؟ نجيبه بما قال شيخ الإسلام ابن تيمية قال: نحن إذا ذكر الظالمون كالحجاج بن يوسف وأمثاله نقول كما قال الله في القرآن "ألا لعنة الله على الظالمين" ولا نحب أن نلعن أحداً بعينه وقد لعنه-أي يزيد بن معاوية - قوم من العلماء، وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد، لكن ذلك القول أحب إلينا وأحسن ... انتهى.
وأما ذكر مثالبه وظلمه وفجوره، فلا مانع من ذكر ذلك وإن كانت له حسنات وفتوحات، وقد ترجم له الذهبي فقال: الحجاج أهلكه الله في رمضان سنة 95 كهلاً، كان ظلوماً جباراً ناصبياً خبيثاً سفاكاً للدماء.... فنسبُّه ولا نحبه بل نبغضه في الله، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان، وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه وأمره إلى الله.... انتهى.
والحجاج لم يك من الفئة الباغية، بل كان حاكماً على العراق والمشرق كله من قبل أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1424(22/245)
من ممرضات الإسلام الأوائل
[السُّؤَالُ]
ـ[من أول ممرضة في الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد كانت رفيدة الأسلمية رضي الله عنها تداوي الجرحى في خيمتها، كما رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني.
وثبت أن أم عطية وأم سليم وحمنة بنت جحش وليلى الغفارية زوجة أبي ذر، وأم أيمن والربيع بنت معوذ، كن يغزون مع النبي صلى الله عليه وسلم، يداوين الجرحى ويقمن على المرضى، ولكن لا نعلم هل كانت قبلهن ممرضة في الإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شعبان 1424(22/246)
نبذة عن الإمام النووي رحمه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل الله تعالى أن يحفظكم من كل السوء، وأن يوفقكم إلى ما يحبه ويرضاه. أريد أن أعرف نبذة عن الإمام النووي رحمه الله فهل بإمكانكم تزويدي بمعلومات وافية عنه، ولكم مني جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإمام النووي رحمه الله هو محيي الدين بن شرف بن حسن بن حسين بن جمعة بن حزام الحازمي، العالم محيي الدين أبو زكريا النووي الدمشقي، الشافعي شيخ المذهب، وكبير الفقهاء في زمانه، ولد بنوى سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وبلده نوى قرية من قرى حوران بالشام، قدم دمشق سنة تسع وأربعين وستمائة، وقد حفظ القرآن، فشرع في قراءة كتاب التنبيه، فيقال إنه قرأه في أربعة أشهر ونصف، وقرأ ربع العبادات من المذهب في بقية السنة، ثم لزم المشايخ تصحيحاً وشرحاً، فكان يقرأ في كل يوم اثني عشر درساً على المشايخ.
ثم اعتنى بالتصنيف، فجمع شيئاً كثيراً، منها ما أكمله ومنها ما لم يكمله، فما كمل شرح مسلم والروضة والمنهاج ورياض الصالحين والأذكار والتبيان وتحرير التنبيه وتصحيحه، وتهذيب الأسماء واللغات وغير ذلك، ومما لم يتممه، ولو كمل لم يكن له نظير في بابه، شرح المهذب الذي سماه المجموع، وصل فيه إلى كتاب الربا، فأبدع فيه وأجاد وأفاد وأحسن الانتقاد، وحرر الفقه فيه في المذهب وغيره، وحرر الحديث على ما ينبغي والغريب واللغة وأشياء مهمة لا توجد إلا فيه.
وقد كان الإمام النووي رحمه الله على جانب من الزهادة والعبادة والورع والتحري، وكان لا يضيع شيئاً من أوقاته، وحج في مدة إقامته بدمشق، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، توفي في ليلة أربع وعشرين من رجب سنة خمس وسبعين وستمائة، هذه جملة مما ذكره الحافظ ابن كثير في ترجمته له في كتاب البداية والنهاية، الجزء الثالث عشر صفحة: 278 فما بعدها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شعبان 1424(22/247)
القرشي الذي خلف معاوية قبل يزيد
[السُّؤَالُ]
ـ[قرشي صلى على معاوية رضي الله عنه وقام بخلافته حتى أتى يزيد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اسم هذا القرشي الضحاك بن قيس الفهري كما أفاده الذهبي في سير أعلام النبلاء، وابن كثير في البداية والنهاية، وابن حجر في الإصابة، وغيرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1424(22/248)
جهاد الشيخ حسن البنا لليهود
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الشيخ حسن البنا وهل جاهد اليهود في فلسطين وهل قتل شهيدا أرجو معرفة تاريخ حياتة إن كان بالإمكان ذلك وهل هو يعتبر ممن خدموا الدين الاسلامي فعلا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن الشيخ حسن البنا وما سأل عنه السائل حول الشيخ، وذلك في الفتوى رقم: 31414 والفتوى رقم: 32061 والفتوى رقم: 12760
وأما عن قتال الشيخ لليهود في فلسطين، فجوابه أن الشيخ رحمه الله قد ذهب إلى فلسطين، وقام بترتيب شؤون المجاهدين من الإخوان ثم عاد إلى مصر، ولم يشارك بنفسه في القتال.
وراجع لذلك كتاب "الإخوان المسلمون في حرب فلسطين" لكامل الشريف.
والشيخ البنا رحمه الله ممن خدموا الدين قطعاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1424(22/249)
الشافعي تلميذ مالك
[السُّؤَالُ]
ـ[الإمام مالك والإمام الشافعي..... أيهما التلميذ وأيهما الأستاذ....؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمالك هو الشيخ، والشافعي هو التلميذ، وقد قال الشافعي رحمه الله: إذا ذكر العلماء فمالك النجم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1424(22/250)
الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يخرج على السلطان
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولماذا له مذهب يسمى به وما هي أفكار مذهبه وهل حقا خرج على الخلافة وكان من أسباب تداعيها، وما هى سيرته إذن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ترجمنا للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب وتكلمنا على دعوته في الفتوى رقم: 5408.
ولم يخرج الشيخ محمد عبد الوهاب على الخلافة العثمانية، هذا كذب محض واختلاق، فمعلوم لكل من قرأ شيئاً من التاريخ أن الأشراف في مكة كانوا هم نواب السلطان العثماني في بلاد الحجاز، وهؤلاء الأشراف ما كادوا يسمعون بدعوة ابن عبد الوهاب في الجزيرة حتى خافوا على أنفسم منها، ورأوا أنها ستسلبهم الإتاوات والسحت الذي يأخذونه من القبور المقامة في بلاد الحجاز، وعلموا أن من دعوة ابن عبد الوهاب هدم القبور وتحريم الذبح لها والصلاة عندها، ولذلك سيروا جيوشهم الجيش تلو الجيش يحارب ابن عبد الوهاب في نجد، ولم يقم الشيخ بأكثر من رد العدوان عن نفسه وعن دعوته.. فأين كان في هذا خارجاً على السلطان!؟ ومع ذلك أرسل الشيخ محمد عبد الوهاب بوفد إلى الشريف أحمد بن سعيد شريف مكة، وكان على رأس هذا الوفد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين، وكان مع هذا الوفد هدايا وتحف كثيرة، وكتب الشيخ ابن عبد الوهاب مع هذا الوفد كتاباً للشريف أحمد قال فيه بالنص: المعروض لديك أدام الله فضل نعمه عليك حضرة الشريف أحمد بن الشريف سعيد أعزه الله في الدارين، وأعز به دين جده سيد الثقلين أن الكتاب لما وصل إلى الخادم "يعني نفسه"، وتأمل ما فيه من الكلام الحسن رفع يديه بالدعاء إلى الله بتأييد الشريف لما كان قصده نصر الشريعة المحمدية ومن تبعها، وعداوة من خرج، وهذا هو الواجب على ولاة الأمور.، ثم يقول في ختام رسالته: فإذا كان الله سبحانه قد أخذ ميثاق الأنبياء إن أدركوا محمداً صلى الله عليه وسلم على الإيمان به ونصرته، فكيف بنا يا أمته؟ فلا بد من الإيمان به، ولا بد من نصرته، لا يكفي أحدهما عن الآخر، وأحق الناس بذلك وأولاهم أهل البيت الذي بعثه الله منهم، وشرفهم على أهل الأرض به، وأحق أهل البيت بذلك من كان من ذريته صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك يعلم الشريف أعزه الله أن غلمانك من جملة الخدام، ثم أنتم في حفظ الله وحسن رعايته. انظر حياة محمد عبد الوهاب ص322، فإذا كان الشيخ يجعل نفسه من جملة خدام الأشراف، فكيف يكون خارجاً على السلطان؟!.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1424(22/251)
عبيد الله
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو عبيد الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
عبيد الله، فهو: عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، من صغار التابعين، توفي سنة 147هـ، يروي عن نافع وخبيب بن عبد الرحمن وثابت بن أسلم، ووهب بن كيسان، ومحمد بن يحيى، وسعيد بن أبي سعيد كيسان، ومحمد بن المنكدر.
وهناك عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، روى له البخاري عن ابن عباس وأبي هريرة، وأم قيس بنت محصن، وزيد بن خالد، وتوفي سنة 98هـ.
وثمة عبيد الله آخر، هو شيخ البخاري وهو عبيد الله بن موسى بن أبي المختار باذام، توفي سنة 213هـ.
وعبيد الله بن عمرو الرقي المتوفي سنة 180هـ، علق عنه البخاري في موضعين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(22/252)
ترجمة أبي الأعلى المودودي
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو أبو الأعلى المودودي وما هو بلده وهل كان من العلماء أم المقاتلين ما هي دعوته ولماذا تنسب له الحركات الإسلامية في العالم اليوم ويقال إنها تأخذ فكره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأبو الأعلى المودودي هو مؤسس الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية، ولد عام 1903م وتوفي عام 1979م، تلقى تعليمه وتربيته الأولى على يد والده السيد أحمد حسن الذي يرجع بنسبه إلى عائلة قطب الدين مودود الشهيرة بتدينها ومكانتها الروحية، بدأ حياته في الصحافة عام: 1918م، وفي عام 1920م كون صحيفة هدفها تبليغ الإسلام، وفي عام 1928 ألف كتاب الجهاد في الإسلام، وكان لهذا الكتاب أثر بالغ ضد الإنجليز والوثنيين وأعداء الإسلام في كل مكان.
وفي عام 1933م أصدر مجلة ترجمان القرآن وكان شعارها: (احملوا أيها المسلمون دعوة القرآن وانهضوا وحلقوا فوق العالم) ، وعبر هذه المجلة انتقلت أفكاره إلى المسلمين في الهند وباكستان، مما مهد له الطريق إلى تأسيس الجماعة الإسلامية.
وفي عام 1937م انتقل إلى لاهور، وأسس في باشانكوت داراً للإسلام يربي فيها الرجال ويؤلف الكتب.
وفي عام 1941م وجه دعوة لعلماء المسلمين وقادتهم لحضور مؤتمر عقد بلاهور بحضور 75 شخصاً يمثلون مختلف بلاد الهند، وتأسست في هذا المؤتمر الجماعة الإسلامية وانتخب المودودي أميراً لها.
تعرض المودودي للاعتقال وحكم عليه بالإعدام من قبل أعداء الإسلام، ثم خفف الحكم بعد ذلك، في عام 1972م أعفي المودودي من منصبه كأمير للجماعة الإسلامية بناء على طلبه، فانصرف إلى البحث والكتابة عاكفاً على إكمال كتابه تفهيم القرآن، وفي عام 1979م انتقل المودودي إلى رحمة ربه إثر عملية جراحية أجريت له في نيويورك، ونقل جثمانه إلى لاهور ودفن هناك، رحمه الله رحمة واسعة، خلف المودودي وراءه دعوة ورجالاً ومكتبة عامرة من تأليفه ترجمت إلى لغات كثيرة وطبعت مرات عديدة، نادى فيها بالإسلام نظاماً شاملاً للبشرية كلها ودعا المسلمين إلى أن يخلصوا دينهم لله، وأن يتخلصوا من الطواغيت المستبدة، وأن ينتزعوا الإمامة الفكرية والعلمية من أيديهم وينقلوها إلى أيدي المؤمنين، ولهذه الأسباب وغيرها ينسب كثير من الناس الحركات الإسلامية إلى المودودي، ولم يعلموا أن الحركات الإسلامية والمودودي يصبان في إناء واحد، وينهلان من منبع واحد هو الإسلام كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1424(22/253)
عدة الأحاديث التي رواها ابن عباس رضي الله عنهما
[السُّؤَالُ]
ـ[كم عدد الأحاديث التي رواها عبد الله بن عباس عن النبي صلىالله عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس من الصحابة المكثرين من رواية الحديث، الذين جمعهم الإمام السيوطي في بيتين من ألفيته في علوم الحديث، حيث يقول:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
قال الشيخ محمد بن الشيخ علي الولوي في شرحه لهذه المنظومة المسمى: إسعاف ذوي الوطر بشرح نظم الدرر في علم الأثر: (والبحر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما المتوفى سنة 68هـ روى 1696 حديثاً) . انتهى.
ولا غرابة إذا كان ابن عباس رضي الله عنهما من المكثرين في رواية الحديث، فقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالفهم والعلم، ففي مسند الإمام أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لابن عباس قائلاً: "اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1424(22/254)
الترمذي.. منزلته.. نشأته.. ووفاته
[السُّؤَالُ]
ـ[التعريف: الترمذي، البخاري، الصحابي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
أما بعد فقد سبق التعريف بالإمام البخاري في الفتوى رقم: 24792.
كما ورد التعريف بالصحابي في الفتوى رقم: 12663.
أما الترمذي فهو أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، نسبة إلى مدينة قديمة على طرف نهر جيحون.
سمع الحديث من مشايخ جمة منهم الإمام البخاري وغيره، وكان إماماً حجة، من الحفاظ أصحاب الزهد والورع، ألف كتاب السنن وكتاب العلل، يقول عن كتابه السنن: عرضت كتابي هذا -أي كتاب السنن المسمى بالجامع- على علماء الحجاز والعراق وخراسان فرضوا به، ومن كان في بيته فكأنما في بيته نبي يتكلم. انتهى.
كانت وفاته بترمذ أواخر رجب سنة 267هـ، وترجمته موجودة في كتب التراجم المعتمدة، كسير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1424(22/255)
الشيخ محمد بن عبد الوهاب منهجه سني
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الاختلاف بين مذهب الوهابيين والسنة وأيهما الأقرب الى ديننا الحنيف]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فراجع في هذا السؤال الفتوى رقم: 7070 والفتوى رقم: 5408، فستجد فيها بيان اتباع محمد بن عبد الوهاب ومن سار على منهجه للسنة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شعبان 1424(22/256)
الحجاج هوالذي رمى الكعبة بالمنجنيق
[السُّؤَالُ]
ـ[من الذى ضرب الكعبة الشريفة بالمنجنيق فى عهد الإسلام، ولماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي ضرب الكعبة بالمنجنيق هو الحجاج وكان السبب هو حصاره لابن الزبير قال الإمام الذهبي في السير 4/343: أهلكه الله في رمضان سنة خمس وتسعين كهلا، وكان ظلوماً جباراً ناصبيا خبيثا سافكا للدماء، وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء، وفصاحة وبلاغة وتعظيم للقرآن، قد سقت من سوء سيرته في تاريخي الكبير، وحصاره لابن الزبير بالكعبة ورميه إياها بالمنجنيق وإذلاله لأهل الحرمين، ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة، وحروب ابن الأشعث له وتأخيره للصلوات إلى أن استأصله الله، فنسبُّه ولا نحبه بل نبغضه في الله فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان، وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه وأمره إلى الله، وله توحيد في الجملة، ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1424(22/257)
نسب علي ومناقبه
[السُّؤَالُ]
ـ[نسب الإمام علي كرم الله وجهه وحياته واستشهاده وإسلامه وولايته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أول من أسلم من الصبيان، وقد ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح، وتزوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومناقب علي رضي الله عنه كثيرة لا يمكن حصرها في هذا الجواب المختصر، ولمعرفة مصادر ترجمته وسيرته راجع الجواب رقم:
32129 ولمعرفة بعض فضائله راجع الفتاوى التالية أرقامها: 7261 31594 8483
ولمعرفة طريقة تنصيب علي خليفة راجع الفتاوى التالية: 8786 / 11151 / 25909 ولمعرفة مقتل علي رضي الله عنه راجع الفتويين التاليتين: 5567 / 21382
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1424(22/258)
مؤلف كتاب "علوم الحديث"
[السُّؤَالُ]
ـ[من الكتب الهامة فى علم الحديث كتاب ((علوم الحديث)) ، من هو مؤلف هذا الكتاب، ومتى توفي؟ وما هو تعريف حديث الآحاد وأقسامه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكتاب علوم الحديث للإمام أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري، الشهير بابن الصلاح ولد سنة 577هـ وتوفي سنة643هـ، وقد اشتهر كتابه هذا بـ"مقدمة ابن الصلاح"، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 36142.
أما عن تعريف حديث الآحاد وأقسامه، فراجع فيه الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8406، 6906، 11828.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1424(22/259)
الطيار جعفر بن أبي طالب
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الطيار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل السائل الكريم يقصد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، الذي لقب بجعفر الطيار أو جعفر ذي الجناحين، ذلك أنه رضي الله عنه أمسك بالراية في معركة مؤتة بعدما استشهد زيد بن حارثة رضي الله عنه، فلما أمسكها بيمينه قطعت يمينه، فأمسكها بشماله فقطعت شماله، فأمسكها بين عضديه إلى أن طعن طعنة قيل إنه شق على إثرها نصفين، ومات شهيداً رضي الله عنه وأرضاه، والله نسأل أن يلحقنا به في الصالحين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1424(22/260)
قصة قتل
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يرجى التفضل بإفادتنا عن تفصيل حادثة اليهودية عصماء بنت مروان التي كانت تعيب الإسلام وتؤذي الرسول صلى الله عليه وسلم والتي تم قتلها على يد عمير بن عدي؟ وجزاكم الله خيراً والسلام عليكم ورحمة الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد ذكر هذه القصة أهل السير والمغازي، واستشهد بها شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول، وابن قيم الجوزيه في زاد المعاد، وغيرهما على قتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه تفاصيل القصة كما حكاها شيخ الإسلام رحمه الله في الصارم المسلول، حيث قال: الحديث السادس قصة العصماء بنت مروان، ما روي عن ابن عباس قال: هجت امرأة من خطمة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من لي بها، فقال رجل من قومها: أنا يارسول الله، فنهض فقتلها، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا ينتطح فيها عنزان.، وقد ذكر بعض أصحاب المغازي وغيرهم قصتها مبسوطة. قال الواقدي حدثني عبد الله بن الحارث بن الفضيل عن أبيه أن عصماء بنت مروان من بني أمية بنت زيد كانت تحت يزيد بن زيد بن حصن الخطمي وكانت تؤذي النبي صلى الله عليه وسلم وتعيب الإسلام وتحرض على النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت شعراً: فباست بني مالك والنبيت ... وعوف وباست بني الخزرج أطعتم أتاوي من غيركم ... فلا من مراد ولا مذحج ترجونه بعد قتل الرؤوس ... كما يرتجى مرق المنضج قال عمير بن عدي الخطمي حين بلغه قولها وتحريضها: اللهم إن لك عليّ نذراً لئن رددت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلىالمدينة لأقتلنّها، ورسول الله يومئذ ببدر، فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من بدر جاءها عمير بن عدي في جوف الليل حتى دخل عليها في بيتها، وحولها نفر من ولدها نيام منهم من ترضعه في صدرها، فجسها بيده فوجد الصبي ترضعه فنحاه عنها، ثم وضع سيفه على صدرها حتى أنفذه من ظهرها، ثم خرج حتى صلى الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى عمير فقال: أقتلت بنت مروان قال: نعم بأبي أنت يارسول الله، وخشي عمير أن يكون أفتات على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلها، فقال: هل علي في ذلك شيء يارسول الله؟ قال: لا ينتطح فيها عنزان، فإن أول ما سمعت هذه الكلمة من النبي صلى الله عليه وسلم، قال عمير: فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى من حوله، قال: إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر الله ورسوله بالغيب، فانظروا إلى عمير بن عدي، فقال عمر بن الخطاب: انظروا إلى هذا الأعمى الذي تسرى في طاعة الله، فقال: لا تقل الأعمى، ولكنه البصير. فلما رجع عمير من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد بنيها في جماعة يدفنونها، فأقبلوا إليه حين رأوه مقبلاً من المدينة، فقالوا: ياعمير أنت قتلتها قال: نعم، فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون، فوالذي نفسي بيده لو قلتم بأجمعكم ما قالت لضربتكم بسيفي هذا حتى أموت أو أقتلكم، فيومئذ ظهر الإسلام في بني خطمة، وكان منهم رجال يستخْفُون بالإسلام خوفاً من قومهم، فقال حسان بن ثابت يمدح عمير بن عدي: قال أنشدنا عبد الله بن الحارث: بني وائل وبني واقف ... وخطمة دون بني الخزرج متى ما دعت أختكم ويحها ... بعولتها والمنايا تجي فهزت فتى ماجدا عرقه ... كريم المداخل والمخرج فضرجها من نجيع الدما ... تخرج قبيل الصباح ولم تخرج فأوردك الله برد الجنا ... ن جذلان في نعمة المولج قال عبد الله بن الحارث عن أبيه، وكان قتلها لخمس ليالي بقين من رمضان مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من بدر. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1424(22/261)
سار من الأندلس إلى بغداد لسماع الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الرجل الذي سار من الأندلس إلى بغداد لسماع حديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الرجل المسؤول عنه هو بقي بن مخلد بن يزيد الأندلسي القرطبي، نشأ ببلاد الأندلس، ثم تاقت نفسه لسماع الحديث من الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، فسافر من بلده حتى وصل إلى بغداد، فوجد الإمام أحمد أثناء محنة القول بخلق القرآن، وقد مُنِع من التحديث، فاجتهد في الوصول إلى أحمد، حتى لقيه، واتفق معه أن يأتيه في صورة سائل، فيدخل ويحدثه بالحديث والحديثين، حتى انفرجت الأزمة، وجلس الإمام أحمد للتدريس، فكان الإمام أحمد يثني على الرجل لما لاحظ من اجتهاده وحرصه على الصبر والتحمل في طلب العلم.
هذه القصة ذكرها الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء، ومن الأوصاف التي أطلقها الذهبي على هذا الإمام قوله: وكان إمامًا مجتهدًا صالحًا ربانيًّا صادقًّا مخلصًا، رأسًا في العلم والعمل، عديم المثل، منقطع القرين، يفتي بالأثر ولا يقلد أحدًا. اهـ.
توفي سنة 276هـ، رحمه الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الثانية 1424(22/262)
صاحب كتاب (الشرح الممتع)
[السُّؤَالُ]
ـ[من هوعلامة عصره وفريد زمانه في الفقه والتفسير الذي يرجع بنسبه الى قبيلة تميم المشهورة ومن مؤلفاته الشرح الممتع وجلس للتدريس وعمره أربعة وعشرون عاما من هو؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالشيخ المسؤول عنه.. إن كان كتابه المذكور هو (الشرح الممتع على زاد المستقنع) ، فهو العلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله.
وننبه السائل الكريم إلى أن هذا النوع من الأسئلة والذي يظهر أنه من أسئلة المسابقات، يضيع على العاملين بقسم الفتوى بالشبكة الإسلامية وقتًا، الأصل أن يقضوه في الإجابة على الأسئلة الشرعية ذات الجدوى بخلاف أسئلة المسابقات التي يمكن للسائلين أن يبحثوا عنها بأنفسهم في مظانها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(22/263)
نكل أمره إلى الله تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا نقول إذا ذكر يزيد بن معاوية؟ فهل نقول رضي الله عنه أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن يزيد بن معاوية ليس من الصحابة قطعًا، وقد وقع في فعل عظائم حكم عليه العلماء بالفسق بسببها، ومع هذا فإن الراجح عند أهل العلم هو التوقف عن لعنه وسبه؛ لأنه من جملة العصاة الذين إن شاء الله عفا عنهم وإن شاء عاقبهم. أما الترضي عنه أو الدعاء له، فالذي نميل إليه هو ترك الدعاء له والترحم عليه والترضي عنه، لما فعل من أمور عظام تقشعر منها جلود المؤمنين، ونكل أمره إلى الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1424(22/264)
سلطان العلماء، وإمام دار الهجرة
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو سلطان العلماء؟ ومن هو امام دار الهجرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فسلطان العلماء هو العزّ بن عبد السلام رحمه الله. وإمام دار الهجرة هو الإمام مالك بن أنس رحمه الله. وننبه الأخ السائل، وكل الداخلين على مركز الفتوى إلى ألا يسألونا عمَّا يرد في المسابقات من الأسئلة، وذلك نظرًا لضيق الوقت لدينا وكثرة الأسئلة الملحة المهمة التي ينتظر أصحابها الإجابة عنها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1424(22/265)
حكم الترحم على يزيد بن معاوية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما حكم من يترحم على يزيد بن معاوية وهو يعلم ما فعل بأهل المدينة؟ يقول: "يزيد رحمه الله للأبد" فأنا اطلعت على كتب العلماء وفهمت أنهم مختلفون في جواز لعنه بالاسم أما أن يترحموا عليه فلم أجد ذلك فأنتظر الرد جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن يزيد بن معاوية من أهل القبلة؛ وإن كان فاسقاً، وفاسق أهل الملة لا يكفر بذنب دون الشرك إلا إذا استحله.
قال حافظ الحكمي رحمه الله:
والفاسق الملي ذو العصيان ... لم ينف عنه مطلق الإيمان
لكن بقدر الفسق والمعاصي ... إيمانه ما زال في انتقاص
ولا نقول إنه في النار ... مخلد بل أمره للباري
تحت مشيئة الإله النافذة ... إن شا عفا عنه وإن شا آخذه
بقدر ذنبه إلى الجنان ... يخرج إن مات على الإيمان
وقد قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: وذكر في رواية أبي طالب سألت أحمد بن حنبل عن من قال: لعن الله يزيد بن معاوية؟ فقال: لا تكلم في هذا، الإمساك أحب إلي. ا. هـ
وقال الرملي الشافعي في الفتاوى: لا يجوز لعن يزيد بن معاوية كما صرَّح به جماعة. ا. هـ
وقال أيضاً قال في الأنوار: لا يجوز لعن يزيد ولا تكفيره، فإنه من جملة المؤمنين، إن شاء الله رحمه، وإن شاء عذبه. ا. هـ
وقال ابن حجر في الزواجر: فالمعيَّن لايجوز لعنه وإن ان فاسقاً كيزيد بن معاوية. ا. هـ
وقال الشيخ محمد بن محمد الشهير بعليش، وهو من المالكية: والأصل إسلامه -يعني يزيداً- فنأخذ بالأصل حتى يثبت عندنا ما يوجب الإخراج عنه. ا. هـ من فتح العلي المالك.
وقال ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة نقلاً عن ابن الصلاح الشافعي: وأما سب يزيد ولعنه، فليس ذلك من شأن المؤمنين. ا. هـ
وقال أيضاً: وصرحوا أيضاً بأنه لا يجوز لعن فاسق مسلم معين، وإذا علمت أنهم صرحوا بذلك علمت بأنهم مصرحون بأنه لا يجوز لعن يزيد، وإن كان فاسقاً خبيثاً. ا. هـ
ومما تقدم يتبين أن لعن يزيد لا يجوز، لأنه لا يجوز لعن المعين من أهل القبلة ولا من غيرهم على الراجح، لأن اللعن هو الطرد من رحمة الله، وذلك لا يُعلم إلا إذا مات الشخص على ما يستوجب لعنه بعينه، كمن يموت على اليهودية أو النصرانية، أما في حالة حياته، فإنه وإن كان فاسقاً أو كافراً، فإننا لا ندري هل يتوب الله عليه أم لا؟ ولا ندري ما يُختم له به؟ ومع هذا، فإننا نقول إن يزيداً لا ينبغي الترحم عليه، ولا الدعاء له بالمغفرة، لأنه فعل أموراً عظاماً.
وراجع الفتاوى التالية: 28064، 3845، 4112.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1424(22/266)
اسم أبي جهل
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو اسم أبي جهل الحقيقي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأبو جهل كنية لعدو الله عمرو بن هشام كناه بها النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن كان يكنى بأبي الحكم. قال ابن القيم - رحمه الله - وهو يتحدث عن الكنية التي كناه بها النبي صلى الله عليه وسلم: وكذلك تكنيته لأبي الحكم بأبي جهل، كنية مطابقة لوصفه ومعناه، وهو أحق الخلق بهذه الكنية. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1424(22/267)
ترجمة الدكتور عبد الله الفقيه حفظه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد ترجمة للدكتور عبد الله الفقيه حفظه الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهو عبد الله بن محمد بن الفقيه الجكني الشنقيطي، ولد بموريتانيا عام 1964م. تعلم مبادئ العلوم العقدية والفقهية واللغوية في بيت والده وهو لا يزال في سن مبكرة. ثم انتقل إلى محظرة أهل يحظيه بن عبد الودود -أكبر وأشهر وأعرق محظرة عرفت في تاريخ محاظر شنقيط- وهناك انقطع لطلب العلم وتفرغ له متعلمًا ومعلمًا، حتى استوعب جميع الفنون التي تدرس في هذه المحظرة، وحاز الشهادة المعروفة هناك بإجازة أهل يحظيه، تلك الشهادة التي لم يحصل عليها إلا أفراد قلة خلال أكثر من ستين سنة، على الرغم من عراقة هذه المحظرة وكثرة من تخرجوا منها من العلماء. وذلك لأن مشايخ هذه المحظرة لا يمنحون تلك الشهادة إلا لمن تميز بذكاء خارق وملكة فائقة، بالإضافة إلى استيعاب كل ما يدرسونه من شتى أنواع العلوم الشرعية، ثم هي عندهم بمثابة التزكية، فمن أوليات شروط استحقاقها الورع والالتزام، ومع هذا كله فقد حازها مترجَمنا بجدارة، ولا غرو، فقد نشأ الشيخ في وسط علمي وبيئة صالحة، فهو من أسرة عرفت بالعلم والصلاح؛ بالإضافة إلى ما خصه الله تعالى به من الاستعداد الفطري والذكاء المفرط، بارك الله فيه وحَفِظه، وأكثر من أمثاله في الأمة الإسلامية.
ثم ذهب إلى السودان ودرس هناك ودرَّس، وحاز على درجة الماجستير والدكتوراه من جامعة القرآن الكريم للعلوم الإسلامية بالسودان، وعمل مدرسًا جامعيًّا في بلده موريتانيا والسودان ما يقارب سبع سنين؛ وهو الآن رئيس فريق الفتوى بالشبكة الإسلامية بدولة قطر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1424(22/268)
نبذة عن مؤلف: جامع الأصول في أحاديث الرسول
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد بسم الله أبعث لكم هذا السؤال وهو
من جمع الصحيحين البخاري ومسلم والستة الأخرى وفي أي سنة كان ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الذي جمع البخاري ومسلم والموطأ وثلاثة من كتب السنن هو مجد الدين المعروف بابن الأثير.
وقد ترجم له الكثير من المؤرخين، ونقتصر في هذا التعريف على ما ذكره ابن خلكان، وياقوت الحموي في معجم البلدان.
فهذا المؤلف هو: المبارك محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري الموصلي، يكنى أبا السعادات، ويلقب بمجد الدين، ويعرف بابن الأثير ولد سنة 544هـ.
يتحدث ابن خلكان عن صفاته قائلاً: كان فقيهًا محدثًا أدِيبًا نحويًّا عالمًا بصنعة الحساب والإنشاء، ورعًا عاقلاً مهيبًا، ذا بر وإحسان. اهـ
وكتابه الذي جمع فيه كُتب الحديث هذه يسمى "جامع الأصول في أحاديث الرسول". يقول عنه ياقوت في معجم البلدان: جمع فيه بين البخاري ومسلم والموطأ وسنن أبي داود والنسائي والترمذي، عمله على حروف المعجم، وشرح غريب الأحاديث ومعانيها وأحكامها، ووصف رجالها، ونبه على جميع ما يحتاج إليه منها، ثم أقطع قطعًا أنه لم يصنَّف مثله قط ولا يصنف. اهـ
ولم نعثر على تاريخ تأليفه لهذا الكتاب، وقد يتعذر لأن الكتاب يكتمل تأليفه في سنين طويلة، الشيء الذي يعسر معه معرفة بدايته. وتوفي رحمه الله تعالى سنة 606هـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الأولى 1424(22/269)
ترجمة إبراهيم بن أدهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة من هو إبراهيم بن أدهم؟ وفي أي وقت كان من الزمان؟ وما هي مواقفه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإبراهيم بن أدهم أحد العلماء الزهاد الفضلاء، من أتباع التابعين، ترجم له الحافظ الذهبي في كتابه العظيم "سير أعلام النبلاء" فقال عنه: القدوة الإمام العارف سيد الزهاد أبو إسحاق العجلي، مولده في حدود المائة. أي أنه ولد سنة مائة من الهجرة تقريبًا.
وقد اشتهر هذا الإمام بالزهد والعبادة، وأثنى عليه كثير من الأئمة الذين عاصروه كسفيان الثوري وغيره. ذكر الذهبي أن سفيان كان يقول: كان إبراهيم بن أدهم يشبه إبراهيم الخليل، ولو كان في الصحابة لكان رجلاً فاضلاً.
وللاستزادة عن حياة إبراهيم بن أدهم تراجع ترجمته في كتب التراجم مثل "سير أعلام النبلاء" للذهبي (7/387) ، "وحلية الأولياء" لأبي نعيم ونحوهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1424(22/270)
فرعون هذه الأمة ... وصورة من كفره
[السُّؤَالُ]
ـ[كان يستهزئ بالنبي صلى الله عليه وسلم بالرغم من أنه يخاف منه وكان يقول: "إن محمداً يزعم أن جنود الله الذين سيعذبونكم في النار تسعة عشر أفيعجز كل مائة رجل منكم عن رجل منهم" من القائل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر القرطبي في تفسيره عن ابن عباس وقتادة والضحاك أنهم قالوا: لما نزل: "عليها تسعة عشر" قال أبو جهل لقريش: ثكلتكم أمهاتكم! أسمع بن أبي كبشة يخبركم أن خزنة جهنم تسعة عشر، وأنتم الدهم - أي العدد - والشجعان، فيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد منهم. اهـ.
ويعني بـ ابن أبي كبشة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونقل القرطبي أيضًا عن السدي أنه قال: فقال أبو الأشد أسيد بن كلدة الجمحي: لا يهولنّكم التسعة عشر، أنا أدفع بمنكبي الأيمن عشرة من الملائكة، وبمنكبي الأيسر التسعة، ثم تمرون إلى الجنة؛ يقولها مستهزئا.
قال القرطبي: في رواية: أن الحارث بن كلدة قال: أنا أكفيكم سبعة عشر، واكفوني أنتم اثنين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1424(22/271)
منزلة الشيخ ابن باز رحمه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[في إحدى الخطب عرّض هذا الأخ بالشيخ ابن باز رحمه الله بأنه شيخ سلطة ويفتي على هوى الحكام مما أثار حفيظة الإمام والذي يرى أن الشيخ وإن أخطأ في فتوى الاستعانة بالقوات الكافرة في تلك الحرب المشؤومة إلا أنه لا ينبغي أن يستغل هذا للتقليل والنيل من الشيخ وهو الذي أفنى عمره لخدمة الإسلام والمسلمين نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله ونسأل الله أن يعلي درجته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنقد العلماء، والنقد بصفة عامة يجوز لمن كان أهلاً لذلك، وهو النقد المبني على الحجة والدليل، على جهة بيان الحق، لا على جهة الوقيعة في ذات الأشخاص، مع العدل والإنصاف ومعرفة حق العلماء والفضلاء.
والشيخ ابن باز رحمه الله لا يخفى على أحد علمه وفضله وجهوده في نشر العقيدة والدعوة إلى الله، وهو بشر يصيب ويخطئ، لكن خطأه مغمور في بحر حسناته، وكما قيل: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث. وكفى بالمرء نبلًا أن تعد معايبه، ولا يجوز الاعتماد على خطأ أو خطأين أو أكثر لنسف حسنات العالم الفاضل فإن هذا صنيع من لا يخاف الله، ولا يعرف قدر العلماء، وهو مسلك الجهلة والمتنطعين من المنتسبين إلى الدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1424(22/272)
سنة وفاة المظفر بيبرس
[السُّؤَالُ]
ـ[متى كانت وفاة بيبرس]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمظفر بيبرس الجاشنكير المنصوري أحد سلاطين المماليك بمصر والشام شركسي الأصل، كانت مدة سلطته عشر سنوات وأربعا وعشرين يوما، توفي سنة 709 هـ.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1424(22/273)
أول خليفة حكم الأندلس.. نبذة يسيرة عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[من أول خليفة أموي بالأندلس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أول خليفة حكم الأندلس هو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الملقب بصقر قريش، ويعرف بالداخل الأموي، ولد بدمشق ونشأ يتيمًا، ولما انقرض ملك الأمويين بالشام وتعقب العباسيون رجالهم بالقتل أفلت عبد الرحمن منهم وهرب إلى المغرب، فأقام بها مدة يكاتب من في الأندلس من الأمويين، وبعث إليهم بدراً مولاه فأجابوه وسيروا له مركباً فيه جماعة من كبرائهم، فأبلغوه طاعتهم وعادوا به إلى الأندلس، وبها أسس دولته، توفي سنة 138هـ، نص على هذا الزركلي في كتابه الأعلام.
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 26203.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1424(22/274)
أروى بنت حرب
[السُّؤَالُ]
ـ[من هي أروى بنت حرب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأروى بنت حرب بن أمية هي أخت أبي سفيان وزوجة أبي لهب، وهي التي قال الله عنها: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [المسد: 4-5] .
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1424(22/275)
صفة (ذو السويقتين)
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أطلعت على فتوى هدم الكعبة ولكن ما لم أفهمه من هو ذو السويقتين الحبشي؟ جزاكم الله ألف خير.
والله المعين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت في صحيح البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة.
قال ابن حجر في فتح الباري: عن علي رضي الله عنه قال: استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه، فكأني برجل من الحبشة أصلع -أو قال- أصمع حمش الساقين قاعد عليها وهي تهدم. رواه الفاكهاني من هذا الوجه وقال: قائماً عليها يهدمها بمسحاته، والأصلع من ذهب شعر مقدم رأسه، والأصمع الصغير الأذنين، وقوله حمش الساقين بحاء مهملة وميم ساكنة ثم معجمة أي دقيق الساقين. انتهى كلامه.
فتبين أن المقصود بذي السويقتين الحبشي هو رجل من الحبشة دقيق الساقين، وهو الذي يباشر هدم الكعبة عندما يحين ذلك الوقت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1424(22/276)
عمرو بن هبيرة.. الأمير الشجاع
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إعطاء تعريف عن تاريخ الاسم التالي سيف بن هبيرة، وهل صحيح أنه من فرسان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم؟ مع جزيل الشكر والتقدير ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الاسم الذي سألت عنه ليس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولعلك تقصد عمرو بن هبيرة الأمير الشجاع الذي يضرب بسيفه المثل حيث يقال: سيف ابن هبيرة إشارة إلى نجدته وشجاعته.
وقد ترجم له الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء بقوله: عمرو بن هبيرة بن معاوية بن سكين الأمير أبو المثنى الفزاري الشامي أمير العراقين ووالد أميرها يزيد، كان ينوب ليزيد بن عبد الملك فعزله هشام، وقد ولي غزو البحر نوبة قسطنطينية، وجمعت له العراق في سنة ثلاث ومائة، ثم عزل بخالد القسري، فقيده وألبسه عباءة وسجنه، فتحيل غلمانه ونقبوا سرباً فأخرجوه منه، فهرب واستجار بالأمير مسلمة بن عبد الملك فأجاره، ثم لم يلبث أن مات سنة سبع ومائة تقريباً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1424(22/277)
شهادة الإمام الذهبي في ابن تيمية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما موقف الإمام الذهبي من ابن تيمية وهل ترجم له؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإمام الذهبي من تلاميذ الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية الذين استفادوا من علمه، وتأثروا بأخلاقه وورعه، وقد ترجم له ترجمة دلت على مكانة شيخ الإسلام عنده ومعرفته بقدره، فقال فيه: وهو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلي، فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني ما رأيت مثله، وأنه ما رأى مثل نفسه.
وقال أيضاً في علمه بالسنة: يصدق أن يقال كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث.
وأما رسالة (زغل العلم) المنسوبة إلى الذهبي والتي تهجم فيها على ابن تيمية، فالصحيح أن نسبتها إلى الذهبي لا تصح، وقد بينَّا ذلك من ثمانية وجوه مذكورة في الفتوى رقم: 30511 فلتراجع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1424(22/278)
ضلالات وكفريات ابن عربي
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أريد رأيكم في ابن عربي، أنا احترت في هذا الرجل كثيراً، هل هو كافر وزنديق مثلما يقول شيخ الإسلام وابن حجر وابن خلدون والسبكي؟ أم هو من المجتهدين مثلما يقول آخرون؟ وهل اعتقاده في وحدة الوجود يكفي لتكفيره؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فابن عربي من أئمة الزيغ والضلال، وله كلمات وعبارات كفرية منها: حكمه بإيمان فرعون، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا القول كفر معلوم فساده بالاضطرار من دين الإسلام، لم يسبق ابن عربي إليه فيما أعلم أحد من أهل القبلة، ولا من اليهود ولا من النصارى بل جميع أهل الملل مطبقون على كفر فرعون، وهذا عند الخاصة والعامة أبين من أن يستدل عليه بدليل، فإنه لم يكفر أحد بالله ويدعي لنفسه الربوبية والإلهية مثل فرعون. انتهى.
وقال ابن دقيق العيد -وهو القائل في آخر عمره: لي أربعون سنة ما تكلمت بكلمة إلا وأعددت لها جواباً بين يدي الله تعالى. قال: سألت شيخنا سلطان العلماء عز الدين أبا محمد عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي عن ابن عربي قال: شيخ سوء كذاب يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجاً.
وقال ابن عبد السلام عن ابن عربي أيضاً: شيخ سوء مقبح كذاب، تذاكرنا يوماً بمسجد الجامع بدمشق التزويج بجواري الجن، فقال: هذا فرض محال لأن الإنس جنس كثيف والجن روح لطيف ولن يعلو الجسم الكثيف الروح اللطيف، ثم بعد قليل رأيته وبه شجة فسألته عن سببها، فقال: تزوجت امرأة من الجن ورزقت منها ثلاثة أولاد، فاتفق أن تفاوضنا فأغضبتها فضربتني بعظم حصلت منه هذه الشجة، فانصرفت فلم أرها بعد هذا. انتهى.
وقال الذهبي: وممن أفتى بأن كتابه الفصوص فيه الكفر الأكبر قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة وقاضي القضاة سعد الدين مسعود الحارثي والعلامة زين الدين عمر بن أبي الحزم الكناني وجماعة سواهم.
وقال ابن هشام الأنصاري النحوي: هذا الذي بضلاله ضلت أوائل مع أواخر، من ظن فيه غير ذا فلينأ عني فهو كافر، هذا كتاب فصوص الظلم ونقيض الحكم وضلال الأمم، كتاب يعجز الذام عن وصفه وقد اكتنفه الباطل من بين يديه ومن خلفه، لقد ضل مؤلفه ضلالاً بعيداً وخسرخسرناً مبيناً، لأنه مخالف لما أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه وفطر عليه خليقته، وذلك أني لما وقفت على هذا الكتاب وجدته قد عقد لكل نبي من الأنبياء فصاً، فوقفت على فص نوح عليه السلام، فقال فيه: لو قال بدل قوله: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً.. إلى آخر كلامه "ادعو ربكم ليكشف لكم الحجاب لأجابوه." انتهى.
وقال الذهبي رحمه الله: ومن أمعن النظر في فصوص الحكم وأنعم التأمل لاح له العجب، فإن الذكي إذا تأمل من ذلك الأقوال والنظائر والأشباه فهو أحد رجلين: إما من الاتحادية في الباطن، وإما من المؤمنين بالله الذين يعدون هذه النحلة من أكفر الكفر، نسأل الله العافية وأن يكتب الإيمان في قلوبنا، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فوالله لأن يعيش المسلم جاهلاً خلف البقر، لا يعرف من العلم شيئاً سوى سور من القرآن يصلي بها الصلوات ويؤمن بالله واليوم الآخر خير له بكثير من هذا العرفان وهذه الحقائق، ولو قرأ مائة كتاب أو عمل مائة خلوة.
وقد ألف ابن جماعة البقاعي مؤلفاً في تكفير ابن عربي سماه "تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي " وابن عربي قائل بوحدة الوجود الكفرية، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 11542.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1424(22/279)
إنصاف العلماء لابن تيمية المفترى عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد صادفني أحد الأشخاص بكتاب لا أتذكر اسمه، لكن مضمونه أنه يتحدث عن شيخ الإسلام ابن تيمية، ويقول عنه إنه زنديق وكافر وفاسق، فأرجو إفادتي برأي أحد العلماء في هذا الكتاب وبماذا يكون الرد على هذا الكتاب؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن السائل لم يذكر لنا اسم الكتاب حتى نستطيع الحصول عليه ومن ثم نقوم بتقييمه، ولكن بما أن الكتاب يتهم شيخ الإسلام ابن تيمية بالكفر والزندقة والفسوق -كما ذكر السائل- فإنه قد جانب الحق والصواب، ووقع في الكذب والظلم، وأما عن الرد على مثل هذه الافتراءات فيمكن للسائل أن يرجع إلى الكتب التي ترجمت لشيخ الإسلام، ولينظر إلى ثناء الأئمة عليه وتعظيمهم له، ومن هذه الكتب "الدرر الكامنة" للحافظ ابن حجر، "الرد الوافر" لابن ناصر الدين، وترجمة مستقلة لابن عبد الهادي، وغيرها كثير، وراجع الفتوى رقم: 7022.
ومع هذا فشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بشر يصيب ويخطئ وليس معصوماً، فيؤخذ من قوله ويرد، كما قال الإمام مالك: كل يؤخذ من قوله ويرد؛ إلا صاحب هذا القبر. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1424(22/280)
الأمير الذي أمر ببناء القبة على الصخرة والأقصى
[السُّؤَالُ]
ـ[- من هو الأمير الأموي الذي أمر ببناء الصخرة المقدسة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فباني القبة على الصخرة والجامع الأقصى هو عبد الله بن مروان. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(22/281)
قبس من حياة الشيخ حسن البنا رحمه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو حسن البنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ولد حسن البنا في المحمودية بمصر بتاريخ 17/10/1906م ونشأ في بيت عريق في العلم والدين، فقد كان والده من علماء الحديث، وله فيه مصنفات عديدة، أهمها ترتيب مسند الإمام أحمد مع مفتاح له يسهل الوصول إلى أحاديثه، وله أيضاً كتاب (بدائع المنن في جمع وترتيب مسند الشافعي،) وقد اشترك حسن البنا منذ وقت مبكر من عمره في بعض الجمعيات الدينية، مثل جماعة السلوك والأخلاق، وجماعة النهي عن المنكر، وتأثر بطريقة صوفية تُعرف بالطريقة الحصافية، حتى صار سكرتيراً للجمعية الحصافية للبر وهو في الثالثة عشرة من عمره.
وفي الرابعة عشرة من عمره التحق بمدرسة المعلمين الأولية في دمنهور، ثم سافر بعدها إلى القاهرة ليلتحق بكلية دار العلوم وهو في السادسة عشرة من عمره، وفي تلك الفترة اتصل البنا بالشيخ محب الدين الخطيب، ورشيد رضا، تخرج البنا من دار العلوم سنة 1927م وعُين مدرساً للغة العربية بإحدى المدارس الابتدائية بالإسماعيلية، وانطلق حسن البنا من الإسماعيلية بدعوة الإخوان المسلمين.
وفي عام 1932م عاد البنا إلى القاهرة مرة أخرى ليزاول عمله كمدرس بمدرسة عباس بالسبتية، وأخذ يؤسس لجماعته تأسيساً واسع النطاق، وينتقل بها من مرحلة إلى مرحلة، توفي البنا رحمه الله في مساء يوم السبت 14 من ربيع الآخر 1368هـ الموافق 12 فبراير 1949م وذلك أمام جمعية الشبان المسلمين بشارع رمسيس بالقاهرة، حيث رمي هناك برصاصات وُجهت إليه حمل على إثرها إلى المستشفى، وترك فيه ينزف حتى مات رحمه الله تعالى.
وحسن البنا كغيره من المصلحين الذين بقي أثرهم، وحسنت سيرتهم، وبارك الله في دعوتهم، ومبدأ الإسلام هو أنه علينا أن نعترف بفضلهم وجهودهم وإثبات السابقة والخير لهم مع الحذر من تقديسهم فكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وراجع الفتوى رقم: 12760.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1424(22/282)
الصحابي الذي القي في النار
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الصحابي الذي ألقي في النار مثل سيدنا إبراهيم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الذي فعل به كما فعل بإبراهيم عليه الصلاة والسلام هو من سادات التابعين لكنه أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه وهو: أبو مسلم عبد الله بن ثوب الخولاني سيد التابعين وزاهد العصر، أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ودخل المدينة في خلافة الصديق.
وكان من أهل اليمن، وقد ظهر فيها حينئذ الأسود العنسي وهو دجال كذاب يدعي النبوة، فبعث إلى أبي مسلم فأوقد ناراً عظيمة وألقاه فيها فلم تضره، فقيل للأسود إن لم تنف هذا عنك أفسد عليك من اتبعك فأمره بالرحيل، فقدم المدينة فأناخ راحلته ودخل المسجد يصلي، فبصر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقام إليه فقال ممن الرجل؟ قال: من اليمن، قال: ما فعل الذي حرقه الكذاب بالنار؟ قال: ذاك عبد الله بن ثوب، قال: نشدتك الله أنت هو؟ قال: اللهم نعم فاعتنقه عمر وبكى، ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين الصديق فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من صنع به كما صُنع بإبراهيم الخليل.
وكان مجاب الدعوة كثير العبادة، توفي بأرض الروم غازياً سنة 62هـ. من سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي، وهذا التعريف أيضاً ذكره ابن عساكر في تاريخه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1424(22/283)
مما كتب في إمام أهل السنة وفي شيخ الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أفضل الكتب التي تتضمّن التراجم حول شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام أحمد رحمهما الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنا لا نكاد نجد كتاباً يتحدث عن التاريخ أو تراجم الرجال كتب بعد حياة الشيخين الجليلين إلا وتحدث عنهما بإسهاب أو اقتضاب، وقد خصهما بعض العلماء بكتب مستقلة وأسفار كاملة، ومن أهم من كتب عنهما في كتب التراجم الإمام الحافظ الذهبي، حيث ترجم للإمام أحمد ترجمة وافية في السير، كما ترجم لشيخ الإسلام في كتابه (تذكرة الحفاظ) وممن خصهما بالتأليف في هذا العصر الشيخ/ أبو زهرة رحمه الله في كتابه (الإمام أحمد بن حنبل) وكتابه (الإمام ابن تيمية) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 صفر 1424(22/284)
نبذة عن تيمور لنك
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي ديانة تيمور لنك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تيمور لنك كان يظهر الإسلام ويحضر الجمعة، ويصلي قائماً رغم عرجه، وتقام شعائر الإسلام بالبلاد التي يحكمها. قال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب: ونزل تيمور بالقصر الأبلق من الميدان، ثم تحول منه إلى دار وهدمه وحرقه وعبر المدينة من باب الصغير حتى صلى الجمعة بجامع بني أمية، وقدم القاضي الحنفي محمود بن الكشك للخطبة والصلاة، ثم جرت مناظرة بين إمامه عبد الجبار وفقهاء دمشق وهو يترجم عن تيمور بأشياء منها وقائع علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع معاوية وما وقع ليزيد بن معاوية مع الحسين....إلخ انتهى.
وقد أفتى جمع من أهل العلم بكفره؛ لأنه كان يحكم بقواعد جنكيس خان ويجعلها أصلاً في كل الأمور، قال ابن العماد في الشذرات أيضاً: وكان يقدم قواعد جنكيس خان ويجعلها أصلاً، ولذلك أفتى جمع جم بكفره مع أن شعائر الإسلام في بلاده ظاهرة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1423(22/285)
نبذة عن الشيخ أبي إسحاق الحويني
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معلومات مفصلة عن الشيخ أبي إسحاق الحويني المصري، وخاصة مصنفاته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس لدينا معلومات مفصلة عن الشيخ أبي إسحاق الحويني المصري ولا عن مصنفاته، وموقعنا يهدف إلى إسعاف المستفتين بإجابة أسئلتهم واستفساراتهم، وليس معنيًّا بتراجم الأشخاص وتقييمهم والحكم على عقائدهم ومناهجهم.
والذي نعرفه عن الشيخ أبي إسحاق هو أنه من المشايخ والدعاة البارزين، وله اهتمام بعلم الحديث وتخريج الأحاديث وتحقيقها، وله في ذلك جمع من الكتب منها:
1- غوث المكدود بتخريج منتقى ابن الجارود.
2- تحقيق سنن ابن ماجه.
3- تحقيق الأربعين الكبرى للبيهقي.
وللشيخ جهود مشهودة في مجال الدعوة، نسأل الله تعالى أن يوفق ويسدد الجميع لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1423(22/286)
نبذة عن الحجاج بن يوسف الثقفي ووالده
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو أبو الحجاج يوسف الثقفي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فظاهر سؤالك أنك تستفسر عن والد الحجاج، وهو يوسف بن الحكم بن أبي عقيل: عمرو بن مسعود بن عامر الثقفي
ولكن لعلك تريد أن تعرف ابنه الذي هو الحجاج بن يوسف الثقفي الأمير المشهور، والكلام عنه طويل، فيمكنك الرجوع - لمعرفة التفاصيل عنه - إلى كتب التاريخ كالبداية والنهاية لـ ابن كثير وتاريخ الطبري والذهبي وابن الأثير، وهناك ترجمة موجزة له في كتاب الأعلام لـ الزركلي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1423(22/287)
نبذة عن مؤلف قصيدة البردة
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو صاحب قصيدة ((البردة)) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مؤلف قصيدة البردة هو: محمد بن سعيد بن حامد بن محسن بن عبد الله الصنهاجي الدلاصي البوصيري ـنسبة إلى بوصرـ شرف الدين أبو عبد الله، صوفي، من أهل الطرق، ناظم، ولد ببولاص، بمصر، من أعمال البهنساوية، من أول شوال سنة 658 هـ وتوفي سنة694 أو 695 هـ / 1311 ـ 1394م بالاسكندرية، ونشأ في أبو بصير.
من أثاره قصيدة الكواكب الدرية في مدح خير البرية، المعروفة بالبردة، وفي مدائحه -خصوصاً البردة منها- غلو شديد في النبي صلى الله عليه وسلم. وراجع الجواب 5211 والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1423(22/288)
قبائح ومناقب يزيد بن معاوية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الطعن في يزيد بن معاوية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن يزيد بن معاوية كانت له قبائح من أعظمها قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته.
قال عنه الذهبي رحمه الله في سير الأعلام والنبلاء: كان قوياً شجاعاً ذا رأي وحزم وفطنة وفصاحة، وله شعر جيد، وكان ناصبياً فظاً غليظاً جلفاً يتناول المسكر، ويفعل المنكر، افتتح دولته بمقتل الحسين، واختتمها بواقعة الحَرّة، فمقته الناس، ولم يبارك في عمره. انتهى.
وما ذكره الذهبي من حسنات يزيد إن كانت له حسنات فهو مغمور في بحور سيئاته. عليه من الله ما يستحق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو الحجة 1423(22/289)
هارون الرشيد ... الخليفة المفترى عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الخليفة الذي كان يغزو عاماً ويحج عاماً وقد استهدف من قبل المستشرقين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالخليفة الذي قيل عنه إنه يحج عاماً ويغزو عاماً هو الخليفة العباسي هارون الرشيد. وقد كان شجاعاً قوياً ورعاً، ذكر عنه أنه يصلي مائة ركعة في الليلة، وكان كثير البكاء من المواعظ.
والعبارة السابقة التي قيلت فيه ليست على سبيل التحديد، فقد تولى أمر المسلمين ثلاثاً وعشرين سنة حج خلالها تسع مرات، وكان يقود الحملات ويسير على رأس الجيش.
وأما ما يذكر عنه من اللهو والمجون والشراب فهذا -وإن ذكر في بعض كتب المؤرخين- فهو من الدسائس التي كان يروج لها بعض المغرضين من خصومه.
وفي العصر الحديث كتب بعضهم عنه بغير تمحيص ولا تثبت، فأوردوا عنه الكذب والأباطيل، واتهمه بعضهم بازدواج الشخصية.
وكتب عنه بعض المستشرقين مثل: فلبي وترجمه من الإنجليزية عبد الفتاح السرنجاوي، وكتب عنه المستشرق بالمر، وقد انصفه المستشرق ل. أ. سيدبو في كتابه (تاريخ العرب العام) حيث وصفه بالتدين والتصدق.
ويكفي أن إماماً كالفضيل بن عياض -كما نقل عنه صاحب كتاب النجوم الزاهره- قال في الرشيد: الناس يكرهون هذا -يعني الرشيد- وما في الأرض أعز علي منه، لو مات لرأيت أموراً عظاماً.
فينبغي للمرء أن يتثبت في الأخبار ولا يأخذ تاريخ الأمة إلا من رجالها الموثوق بهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1423(22/290)
الأدلة على وفاة الخضر وإلياس عليهما السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سيدنا الخضر وإلياس عليهما السلام مازالو أحياء حتى قيام الساعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف الناس في أمر الخضر عليه السلام اختلافاً متبايناً فقد اختلفوا في اسمه ونسبه ونبوته وحياته إلى الآن على أقوال:
-فذهب جماعة من العلماء إلى أنه حي وممن قال بذلك الإمام القرطبي في تفسيره 5/296 والإمام النووي وابن الصلاح، والإمام العراقي في طرح التثريب وغيرهم.
-وذهب آخرون إلى موته، وممن قال بذلك البخاري، واختاره أبو بكر ابن العربي، والإمام ابن الجوزي في كتابه "عجالة المنتظر في شرح حال الخضر"، وابن كثير في تفسيره وفي كتابه البداية والنهاية، والشنقيطي في أضواء البيان وغيرهم.. وقد استدل القائلون بحياة الخضر عليه السلام بأحاديث وآثار عن الصحابة والتابعين لم يصح منها شيء.
قال ابن كثير في البداية: وقد تصدى الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله في كتابه "عجالة المنتظر في شرح حالة الخضر" للأحاديث الواردة في ذلك من المرفوعات فبين أنها موضوعة، ومن الآثار عن الصحابة والتابعين فمن بعدهم فبين ضعف أسانيدها ببيان أحوال وجهالة رجالها. وقد أجاد في ذلك وأحسن الانتقاد. انتهى
وقال ابن كثير في تفسيره 3/135: وذكروا في ذلك -أي القائلون بحياته- حكايات وآثاراً عن السلف وغيرهم، وجاء ذكره في بعض الأحاديث ولا يصح شيء من ذلك.. وأشهرها حديث التعزية وإسناده ضعيف. ورجح آخرون من المحدثين وغيرهم خلاف ذلك واحتجوا بقوله تعالى: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء:34] .
وبقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض.
وبأنه لم ينقل أنه جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حضر عنده ولا قاتل معه، ولو كان حيا لكان من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لأنه عليه السلام كان مبعوثاً إلى جميع الثقلين: الجن والإنس، وقد قال: لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي. وأخبر قبل موته بقليل أنه لا يبقى من هو على وجه الأرض إلى مائة سنة من ليلته تلك عين تطرف.. إلى غير ذلك من الدلائل. انتهى.
وقد عقد محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في كتابه أضواء البيان 2/420 فصلاً: أطال فيه النفس وأثبت بالمنقول والمعقول موت الخضر عليه السلام وهو مبحث نفيس نوصي السائل الكريم بمراجعته.
وأما إلياس عليه السلام فالقول فيه كالقول في الخضر عليه السلام أنه قد مات لعموم الأدلة المتقدمة.
قال ابن كثير في البداية والنهاية: وقد قدمنا قول من ذكر أن إلياس والخضر يجتمعان في كل عام من شهر رمضان ببيت المقدس وأنهما يحجان كل سنة ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى مثلها من العام المقبل، وأوردنا الحديث الذي فيه أنهما يجتمعان بعرفات كل سنة، وبينا أنه لم يصح شيء من ذلك، وأن الذي يقوم عليه الدليل أن الخضر مات، وكذلك إلياس عليهما السلام. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1423(22/291)
فاتح بلاد الأندلس
[السُّؤَالُ]
ـ[من فتح الاندلس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن فتح الأندلس كان على يد القائد الباسل طارق بن زياد حيث تحرك إليها في جيش قوامه سبعة آلاف مقاتل، والتقى مع الغوط في معركة فاصلة في الجزيرة الخضراء.. انتصر المسلمون فيها نصراً عظيماً، وانهزم الغوط شر هزيمة، واستمر هذا القائد المسلم في فتح كل الأندلس مدينة بعد أخرى، ففتح طيلطلة عاصمة الغوط آنذاك في السنة الثالثة والتسعين.
وقد كان موسى بن نصير والي إفريقية من قبل الوليد بن عبد الملك قد استأذن الخليفة في غزو الأندلس، فأذن له الأخير، ولكن أمره أن يستكشف أولاً ويرسل سرايا صغيرة.. فتحركت أول سرية وصلت الأندلس بقيادة طريف بن مالك في رمضان عام واحد وتسعين للهجرة فاستطلعت الأخبار ومهدت بذلك لمقدم القائد العظيم طارق بن زياد.
وقد شارك موسى بن نصير في فتح بعض المدن في وقت لاحق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1424(22/292)
الجهم بن صفوان قتل على الزندقة والإلحاد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر الجهم بن صفوان كافراً؟ فهناك من يقول إنه ربما كانت نيته حسنة في البحث عن ربه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن الجهم بن صفوان قتل على الزندقة والإلحاد، قال شيخ الإسلام: لا يعرف فيمن قتل بسيف الشرع على الزندقة أنه قتل ظلماً وكان ولياً لله، فقد قتل الجهم بن صفوان، والجعد بن درهم، وغيلان القدري، ومحمد بن سعيد المصلوب، وبشار بن برد الأعمى، والسهروردي، وأمثال هؤلاء كثير، ولم يقل أحد من أهل العلم والدين في هؤلاء إنهم قتلوا ظلماً. انتهى
من كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في العقيدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(22/293)
نبذة عن ابن سيرين، ومدى صحة نسبة كتاب (تفسير الأحلام) إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما رأي العلماء الأفاضل في كتاب (تفسير الأحلام) لابن سيرين؟ ونبذة مختصرة عن ابن سيرين.
وجزاكم الله خيرا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كتاب تعبير الرؤيا المتداول بين الناس المنسوب للإمام محمد بن سيرين رحمه الله لم نقف على من نسبه إليه من أهل التحقيق ممن ترجموا له كالإمام الذهبي في السير، والحافظ ابن كثير في البداية والنهاية.
ولو كان هذا الكتاب له لما خفي أمره على هذين الإمامين وأمثالهما، فالغالب على الظن أنه ليس له، ولكنهم جميعًا ذكروا موهبته وبراعته في تعبير الرؤيا، وذكر الذهبي نماذج من ذلك وعقب عليها بقوله: جاء عن ابن سيرين في التعبير عجائب يطول الكتاب بذكرها، وكان له في ذلك تأييد إلهي.
ومما ذكره عنه الإمام الذهبي قال: عن عبد الله بن مسلم المزوي قال: كنت أجالس ابن سيرين فتركته وجالست بعض أهل البدع؛ فرأيت كأني مع قوم يحملون جنازة النبي صلى الله عليه وسلم فأتيت ابن سيرين فذكرته له، فقال: مالك جالست أقوامًا يريدون أن يدفنوا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم!.
ومما ذكره: أن رجلاً قص على ابن سيرين فقال: رأيت كأن بيدي قدحًا من زجاج فيه ماء فانكسر القدح وبقي الماء، فقال له: اتق الله فإنك لم تر شيئًا، فقال: سبحان الله، قال ابن سيرين: فمن كذب فما عليَّ؛ ستلد امرأتك وتموت ويبقى ولدها.
فلما خرج الرجل قال: والله ما رأيت شيئًا! فما لبث أن ولد له وماتت امرأته.
إلى غير ذلك من عجائب ذكرها، وهي موجودة أو أكثرها في الكتاب المنسوب لابن سيرين، ولعل بعض المتأخرين جمعها ونسبها إليه. والله أعلم.
أما الإمام محمد بن سيرين فهو شيخ الإسلام أبو بكر الأنصاري البصري مولى أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد في آخر خلافة عمر، سمع أبا هريرة، وأنسًا، وابن عباس، وابن عمر وغيرهم من الصحابة، وروى عنه خلق كثير من التابعين.
توفي رحمه الله بعد الحسن البصري بمائة يوم، سنة عشر ومائة للهجرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1423(22/294)
ترجمة إسرائيل الوارد في بعض أسانيد البخاري
[السُّؤَالُ]
ـ[نجد في صحيح البخاري في سند بعض الأحاديث مقولة (حدثنا إسرائيل) من هو هذا الرجل الذي اسمه إسرائيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإسرائيل هو: إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني.
المتوفى سنة 160هـ رحمه الله.
والبخاري رحمه الله يروي عن رجل آخر اسمه إسرائيل، وهو: أبو موسى إسرائيل بن موسى البصري رحمه الله، وكلاهما ثقة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رمضان 1423(22/295)
البخاري ... نشأته، حياته، وفاته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تملكون معلومات عن حياة البخاري كنشأته، حياته، وفاته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الذي سألت عن تعريفه ليس نكرة! إنه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه (الزراع) بلغة أهل بخارى. البخاري الجعفي رضي الله عنه المحدث الذي ملأ ذكره الآفاق، وعم صيته، وانتشر علمه، وذاع فضله، ولد ببخارى.
نشأ يتيماً، حفظ القرآن، وثقف العربية وأجادها، طلب الحديث في التاسعة من عمره، فحفظ عشرات الآلاف منه قبل أن يبلغ الحلم.
خرج إلى مكة صحبة أمه وأخيه سنة 210هـ وتخلف للتوسع في الحديث، فرحل إلى معظم الممالك الشرقية، فروى عن علمائها وفقائها، كان قوي العزيمة، رصين القول صادقه، كثير الخوف من الله تعالى، من أبرز مؤلفاته: مؤلفه الشهير بصحيح البخاري، ضمنه تسعة آلاف حديث على ما قاله الحافظ المنذري في كتابه الترغيب والترهيب.
وقد جرى له رحمه الله قبل وفاته محنة مع الحافظ محمد بن يحيى الذهلي في مسألة اللفظ بالقرآن، وكان البخاري رحمه الله يقول: كلام الله غير مخلوق، والقرآن المسطور في المصاحف، المقروء بالألسنة، بألفاظه وحروفه كلام الله غير مخلوق، ولكن أفعال العباد مخلوقة، وألف في ذلك كتابه: خلق أفعال العباد، وما قرره رحمه الله هو مذهب أهل السنة قطعاً.
ثم جرت له محنة مع والي بخارى خالد بن أحمد الذهلي فقد بعث إلى البخاري: أن احمل إليّ كتاب الجامع (صحيح البخاري) والتاريخ وغيرهما، لأسمع منك، فقال لرسوله: أنا لا أذل العلم، ولا أحمله إلى أبواب الناس، فإن كانت لك إلى شيء منه حاجة، فاحضر مسجدي أو في داري، وإن لم يعجبك هذا فإنك سلطان، فامنعني من المجلس، ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة، لأني لا أكتم العلم. فكانت سبب الوحشة بينهما، واستعان الوالي بمن تكلم في البخاري ومذهبه، ونفاه الأمير عن البلد، فدعا عليهم البخاري فلم يأت إلا شهر حتى ورد أمر الطاهرية بأن ينادى على خالد في البلد، فنودي عليه على إتان (أنثى الحمار) ، وابتلي غيره ممن تكلم في البخاري.
وقد خرج البخاري إلى خرتنك قرية من قرى سمرقند ولم يطل مكثه فيها وتوفي ليلة عيد الفطر سنة 256هـ، وعمره 62 عاماً، رحمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1423(22/296)
زوج زينب بنت علي بن أبي طالب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما اسم زوج السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تزوج زينب بنت علي بن أبي طالب ابن عمها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم، وماتت عنده كما ذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1423(22/297)
القصد والاعتدال في الحكم على الرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والصلاة على اشرف الانبياء والمرسلين
اما بعد:ـ سئل أخ عن كتاب التنبيهات المليحة للشيخ العلامة الألباني رحمه الله وجعل الجنة مثواه جمع وترتيب عبد الباسط بن يوسف الغريب فقال عليه مؤاخدات فأرجو من فضيلتكم توضيح هذا الأمر وكذلك كتاب (الثمر المستطاب وكتاب الحاوي) للشيخ الألباني رحمه الله هل تنصحون بقراتهم أم لا؟ وجعله الله في ميزان حسناتكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله من علماء هذه الأمة الذين عرفوا بسلامة العقيدة، والسير على منهج السلف الصالح، وممن كان لهم أعمال جليلة في خدمة الإسلام من خلال الاهتمام بكتب السنة، والدفاع عنها، وتمييز صحيحها من ضعيفها، فحظي بثناء أهل العلم عليه من أمثال الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين وغيرهما رحم الله الجميع.
وما ذكر في هذا السؤال من كتبه فهي كغيرها من كتب أهل العلم، يستفاد منها فيما وافق الدليل من الكتاب والسنة، وفهم سلف هذه الأمة، ويرد ما خالف ذلك.
وقد أبى الله العصمة إلا لكتابه كما قال الإمام الشافعي رحمه الله، فلو تركت كتب أهل العلم لخطأ فيها لما بقي كتاب من كتبهم يؤخذ منه العلم فيحرم الناس بذلك من الخير الكثير. ...
فالواجب على طلبة العلم القصد والاعتدال في الحكم على الرجال، فإن الحق بين الإفراط والتفريط، وقديماً قال القائل:
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد ... كلا طرفي قصد الأمور ذميم
وقد جاء في موقع الشيخ الألباني رحمه الله على الإنترنت WWW.albani.org
ما يلي: وأما كتاب فتاوى الشيخ الألباني لابن عبد الله المنان، وكتاب الحاوي في فتاوى الألباني للمصري أبي همام، قد أنكرهما شيخنا بشديد القول والكلام (الحلبي) . انتهى
ونسأل الله تعالى أن يرحم علماء هذه الأمة، وأن يجزيهم بما قدموا لخدمة هذا الدين خير الجزاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1423(22/298)
هل ورد اسم حواء في القرآن الكريم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كم مرة ذكرت حواء في القرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم يرد ذكر حواء باسمها في كتاب الله، وإنما ورد ذلك في السنة المطهرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1423(22/299)
جبل راسخ في العلم وإمام الحديث في زمانه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم ألله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
ماهو رأيكم بالشيخ ابن تيمية وابن حجر العسقلاني؟ مع الشكر لكم والسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى رقم:
7022.
أما الحافظ ابن حجر فهو إمام الحديث في زمانه وخاتمة الحفاظ صاحب التصانيف العظام، قال الشوكاني عن كتابه "الفتح": "لا هجرة بعد الفتح": وليس مثلنا من يسأل عن رأيه في الحافظ ابن حجر فهو أرفع من ذلك وأرفع، فقد انتشر علمه وعم فضله وانتفع به القاصي والداني.
إلا أننا ننبه إلى أن الحافظ ابن حجر رحمه الله كان عنده شيء من التأويل في صفات الله على طريقة الأشاعرة
فليتنبه لذلك القارئ لكتبه، ولكن ذلك كان عن اجتهاد منه وتأول فهو معذور فيه؛ بل يرجى أن يكون مأجوراً عليه إن شاء الله، فرحمه الله رحمة واسعة، وجمعنا به في جنات النعيم مع النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. آمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1423(22/300)
نعيم بن حماد..الرواة عنه..وأقوال النقاد فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو (نعيم بن حماد) ؟ وماذا عن صحة الروايات التي تروى بسنده عن النبي الكريم (اللهم صل وسلم عليه) ؟ وما صحة نسبة كتاب (الفتن) له؟
جزاكم الله كل خير ... آمين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تراجم الرجال وأخبار الماضين مدرسة ينبغي للمسلم أن يطلع عليها ليأخذ منها الدروس والعظات والعبر، ولهذا قال تعالى بعد ما قص علينا من أخبار الماضين: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [يوسف:111] .
ونعيم بن حماد من رجال العلم وطلاب الحديث الذين طوفوا في الآفاق لطلبه، قال عنه الإمام الذهبي في السير: هو الإمام العلامة الحافظ أبو عبد الله المروزي الخزاعي صاحب التصانيف.
روى عنه البخاري مقرونا بآخر، وأبو داود والترمذي وابن ماجه، بواسطة، ويحيى بن معين، وخلق.
وهو أول من جمع المسند وصنف فيه.
قال أحمد: كان نعيم كاتباً لأبي عصمة نوح بن أبي مريم، وكان شديد الرد على الجهمية وأهل الأهواء، ومنه تعلم نعيم، وكان في بداية أمره جهمياً، فعرف مذهبهم ثم طلب الحديث.
وقد اختلف النقاد والحفاظ فيه، فقال أحمد: كان من الثقات، وقال يحيى بن معين: يروى عن غير الثقات.
وبعد ما ذكر الذهبي كلام المحدثين والنقاد على نعيم عقب على ذلك بقوله: قلت: نعيم من كبار أوعية العلم، لكنه لا تركن النفس إلى رواياته.
ثم ذكر أمثلة من ذلك منها حديث: "تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة ... وحديث أم الطفيل امرأة أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه في صورة كذا ... ثم قال: "فهذا خبر منكر جداً أحسن النسائي حيث قال: ومن مروان بن عثمان حتى يصدق على الله تعالى؟ ثم قال: قلت لا يجوز لأحد أن يحتج به، وقد صنف كتاب الفتن، فأتى فيه بعجائب ومناكير.
ومن أقوال نعيم المشهورة: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه.
توفي نعيم -رحمه الله- سنة ثلاث أو أربع وعشرين ومائتين في السجن بسبب فتنة خلق القرآن، وكان مقيداً فأوصى أن يدفن بقيوده وقال: إني مخاصم.
فهذا هو نعيم بن حماد -رحمه الله-.
وأما روايته، فقال الذهبي: قال ابن عدي بعدما ساق له من المناكير وعامة ما أنكر عليه: هو ما ذكرته، وأرجو أن يكون باقي حديثه مستقيماً.
ومما سبق يتبين لنا أن الحفاظ قد أنكروا عليه بعض الروايات وقبلوا بعضها، ووثقه أكثرهم وضعفه آخرون.
ويكفيه أن البخاري أخذ عنه، ولكن لدقة البخاري لم يرو عنه إلا مقروناً بغيره -كما مر بنا-.
وأما كتاب الفتن له، فقد نسبه إليه كثير من أهل العلم، وقد مرّ بنا قول الذهبي: وصنف كتاب الفتن، فأتى فيه بعجائب ومناكير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1423(22/301)
حسن بن فرحان المالكي..وعيبه على الصحابة والعلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[ظهرمؤخراً مؤلفات للشيخ / حسن بن فرحان المالكي
أود باختصار شديد معرفة رأي علماء أهل السنة في الأفكارالمطروحة مثل القول بأن هناك صحبه شرعية وأخرى عامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الرجل المسمى بـ حسن بن فرحان المالكي رجل ضال مبتدع جاهل له مؤلفات عديدة منها: "الصحابة بين الصحبة اللغوية والصحبة الشرعية"، ومنها "قراءة في كتب العقائد"، ومنها "نقض كشف الشبهات"، وغيره، وقد حوت مؤلفاته تلك جملة من الترهات والأكاذيب والأباطيل، فلم يكد يترك صاحب بدعة وضلال إلا وناصره وأثنى عليه، فهو يدافع عن القرامطة وغلاة المعتزلة والجهمية والفلاسفة وغيرهم من أهل الأهواء، ويثني على الزنادقة من أئمتهم كعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء والجهم بن صفوان والجعد بن درهم، وفي المقابل يطعن في أهل السنة والجماعة المجمع على استقامتهم وورعهم، فهو يطعن في شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ويتهمه بأنه الذي أحيا عقيدة النصب، ويطعن في تلميذه الألمعي النجيب الإمام ابن القيم صاحب التصانيف الرائعة كزاد المعاد، وإغاثة اللهفان، والداء والدواء.. وغيرها كثير، ويتهمه بدائه الذي انسل منه وهو قلة العلم والورع، ويطعن في ابن كثير الذي لا يكاد أحد يجهل تفسيره القيم وكتابه العظيم البداية والنهاية وغيرها، وإن تعجب فعجب ما تذرع به من طعنه في أولئك الأئمة الأفذاذ أنه بذلك يساهم في إنقاذ التاريخ، وذلك في مقالاته المعنون لها "نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي" والأمر متروك لصاحب العقل والإنصاف ليحكم هل هذا الذي حكاه هو إنقاذ التاريخ، أم تشويه له وتدمير؟ وياليت ضلاله توقف عند هذا الحد بل تعداه إلى ما هو أخطر من ذلك وأفظع، حيث تنقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن في إمامتهم، فطعن في إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وشكك في إسلام أبي سفيان رضي الله عنه، ونال من معاوية رضي الله عنه، واتهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بالوهم والنسيان في الحديث إلى غير ذلك، مما نال به من أولئك الأجلة الذين مدحهم رب العالمين في كتابه وزكاهم وعدلهم وأثنى عليهم، وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من إيذائهم وسبهم، هذا فضلاً عن كون ذلك الدعي قد ناصر عباد القبور وتهجم على من كفرهم أو خطأهم، وحوى كتاب "قراءة في كتب العقائد" جملة من العقائد الضالة والمنحرفة عن عقيدة أهل السنة والجماعة، ولهذا كله فقد انبرى كثير من أهل العلم للرد على ضلالاته وجهالاته، ومنهم الشيخ علي بن خضير الخضير حفظه الله، والشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي رحمه الله، وغيرهما.
ونصيحتنا للأخ السائل أن يعرض عن أي شيء كتبه ذاك الرجل، وفيما كتب أهل السنة والجماعة في بيان الحق من أصول الدين وفروعه غنية وكفاية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1423(22/302)
نبذة مختصرة عن أبي الدرداء رضي الله عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[الاسم الصحيح لأبي الدرداء وسيرة حياته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأبو الدرادء رضي الله عنه هو: عويمر بن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي. ويقال له: عويمر بن عامر.
قال الذهبي -رحمه الله- في ترجمته: الإمام القدوة، قاضي دمشق.. حكيم هذه الأمة.. وسيد القراء بدمشق.
وقد أسلم رضي الله عنه يوم بدر، ثم شهد أحدا وأبلى فيه بلاء حسنا.
وكان من الصحابة الذين جمعوا القرآن كله، فعن أنس رضي الله عنه قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. رواه البخاري.
واشتهر بالعبادة، فكان يصوم النهار ويقوم الليل، حتى قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: إن لجسدك عليك حقاً، ولربك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، صم وأفطر، وصل، وائت أهلك، وأعط كل ذي حق حقه. رواه البخاري.
وكان رضي الله عنه فقيها عالما حكيما، ومن مواقفه وكلماته رضي الله عنه:
1- لما فتحت قبرص مر بالسبي على أبي الدرداء، فبكى، فقيل له: تبكي في مثل هذا اليوم الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ قال: بينما هذه الأمة قاهرة ظاهرة إذ عصوا الله فلقوا ما ترى، ما أهون العباد على الله إذا هم عصوه.
2- ومن كلامه: ما لي أرى علماءكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون، تعلموا، فإن العالم والمتعلم شريكان في الأجر.
3- وقال: اعبد الله كأنك تراه، وعد نفسك في الموتى، وإياك ودعوة المظلوم، واعلم أن قليلاً يغنيك خير من كثير يلهيك، وأن البر لا يبلى، وأن الإثم لا ينسى.
4- وقال: من أكثر ذكر الموت قلَّ فرحه، وقل حسده.
وقد توفي رضي الله عنه سنة 32 هـ، وانظر سيرته في سير أعلام النبلاء للذهبي رحمه الله 2/ 335-353.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1423(22/303)
نبذة عن الشيخ: محمد إلياس الكندهلوي
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الشيخ إلياس الكندهلوي وما هي أهم مراحل حياته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ولد الشيخ محمد إلياس -رحمه الله- في الهند سنة 1303هـ في أسرة عريقة في الدين والعلم والدعوة، وقد تتلمذ على يد علماء هذه الأسرة ومنهم أخوه الشيخ محمد يحيى، ثم درس في مدرسة "مظاهر العلوم" بسمارن فور، وارتحل سنة 1326هـ إلى ديوبند وحضر دروس شيخ الهند محمود حسن شيخ الحديث ورئيس هيئة التدريس بدار العلوم بديوبند في جامع الترمذي وصحيح البخاري، وقرأ بقية الكتب الستة وغيرها على يد أخيه الشيخ محمد يحيى، ثم اشتغل مدرساً في مدرسة "مظاهر العلوم" بسهارن فور وهي مدرسة تعتني بتدريس الحديث، وتخريج الدعاة، ومدرسي الحديث، والمفتين، وتأسيس المدارس والكتاتيب.
وكان أبوه محمد إسماعيل وأخوه محمد يحيى قائمين بالدعوة وتعليم الطلاب والأميين في مسجد بجنوب دلهي، وبعد وفاتهما انتقل الشيخ محمد إلياس إلى هذا المركز فكان نقطة تحول في حياته ومنطلقاً لدعوته التي عرفت بحركة الدعوة وجماعة التبليغ.
وقد وافق ذلك حركة الردة بين مسلمي الهند التي تبناها النصارى مع الهنادكة بين المسلمين الجهال، والأميين الذين ترجع أصولهم إلى الهندوك، وقد أفزع ذلك الشيخ، فأقبل على الجولات الدعوية، وإنشاء الكتاتيب، وبثها في القرى، وعين فيها المدرسين، وكان ينفق عليهم من جيبه، ومن إعانة بعض أصدقائه المخلصين، ثم توصل إلى نتيجة، وهي أن الخطب أعظم نفعاً وأوسع، وأن اشتغال أهل تلك البلاد بالفلاحة والزراعة يمنعهم من الانتفاع بالكتاتيب والمدارس، وتفريغ أولادهم الذين يعتمدون عليهم في رعي الماشية.
وكذا لما رأى انبهار الناس في العالم الإسلامي بالحضارة الغربية، واعتمادهم على الماديات، وضعف الجانب الإيماني والروحي فيهم اقتنع بأن الواجب هو أن يبدأ بغرس الإيمان في القلوب، والعمل بتعاليم الإسلام.
ورأى أن الذي يحقق ذلك هو انقطاع الناس المؤقت عن أشغالهم، وعن بيئة الفساد، والعيش في جو إيماني يغير من قدراتهم وسلوكياتهم، وفي ذلك بذل عمره وماله.
وقد مات الشيخ -رحمه الله- في رجب سنة 1363 هـ.
ولمزيد الفائدة عن ترجمته راجع كتاب شخصيات وكتب لأبي الحسن الندوي.
أما جماعة التبليغ التي أسسها الشيخ فقد تقدمت لنا عدة فتاوى حولها فراجع مثلاً الفتاوى ذات الأرقام التالية:
4321
9565
17978.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1423(22/304)
نبذة عن حياة الشيخ (الألباني)
[السُّؤَالُ]
ـ[متى ولد العلامة (محمد ناصر الدين الألباني) عليه رحمة الله وما هو اتجاهه الفكري والديني حفظكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ولد الشيخ الألباني -رحمه الله- في أشقودرة عاصمة ألبانيا سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة وألف للهجرة 1332هـ الموافق لسنة أربعة عشرة وتسعمائة وألف للميلاد 1914م.
وكان الشيخ الألباني -رحمه الله- رجل سنةٍ، قضى حياته في خدمة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، تحقيقاً وتأليفاً وتدريساً، وقد اشتهر بعلم الحديث - رحمه الله - وإن كانت له مشاركات في علوم أخرى.
ومن أراد المزيد عن الشيخ وحياته ومؤلفاته، فيمكنه ذلك عن طريق موقعه على الإنترنت، أو قراءة بعض الكتب التي اعتنت بالترجمة للشيخ - رحمه الله -.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الثانية 1423(22/305)
أبو دجانة ... لقبه.. وبلاؤه في سبيل الله
[السُّؤَالُ]
ـ[لقب الصحابي الجليل سماك بن خرشة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلقب هذا الصحابي الجليل هو: ذو المشَّهرة، كما ذكرها الحافظ ابن حجر في نزهة الألباب في الألقاب، والمشهرة هي: عصابته الحمراء التي كان يلبسها في الحرب، وكنيته هي: أبو دجانة، كما ذكره أهل السير، ومن ألفوا في تراجم الصحابة، كابن حجر العسقلاني في كتابه"الإصابة في تمييز الصحابة".
واسمه: سماك بن خرشة بن لوذان بن عبد ود بن زيد الساعدي الأنصاري.
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: كان يوم أحد عليه عصابة حمراء، يُقال آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عتبة بن غزوان. قال الواقدي: ثبت أبو دجانة يوم أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وبايعه على الموت، وهو ممن شارك في قتل مسيلمة الكذاب، ثم استشهد يومئذ، قال محمد بن سعد: لأبي دجانة عقب بالمدينة وبغداد إلى اليوم. انتهى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1423(22/306)
ترجمة تلميذي نافع: قالون وورش
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرجاء ارسال نبذة عن حياة كل من رواة القرآن الكريم قالون وورش و..... الخ.
مع فائق تقديرنا لكم.
والسلام]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن حق علمائنا علينا أن نعرفهم، وأن نقدر جهودهم، وندعو لهم، فقد قال تعالى عن خير خلف لخير سلف: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا) [الحشر:10] .
ولا خير في أمة لا تعرف شيئاً عن ماضيها، ولا عن رجالها الكبار.
ومن خيرة الرجال الذي حملوا إلينا الدين بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القراء الكبار، ورواتهم من حملة كتاب الله تعالى الذين كرسوا جهودهم، ووهبوا حياتهم لكتاب الله تعالى تعلماً وتعليماً.
ومن هؤلاء: قالون عيسى بن مينا بن وردان أصله من الروم، وهو ربيب نافع بن أبي عبد الرحمن قارئ دار الهجرة، وكان من ألمع أصحابه، وهو الذي لقبه: قالون، ومعناها بلغة الروم: جيد، ويكنى: أبا موسى.
انتهت إليه رئاسة القراءة بعد شيخه نافع، وكان عالماً بالنحو واللغة، كما أخذ القراءة والعلوم الأخرى عن غير نافع من مشايخ المدينة، وروى القراءة عنه أناس لا يحصون كثرة.
وكان أصم لا يسمع، فإذا قرئ عليه القرآن سمع، ويفهم خطأ اللاحن بالشفة، ويرده إلى الصواب، ولد -رحمه الله تعالى- سنة عشرين ومائة في خلافة هشام بن عبد الملك الأموي، وتوفي سنة ستة عشرين ومائتين في خلافة المأمون العباسي، فعاش مائة سنة كرسها لخدمة كتاب الله تعالى وطلبته.
أما ورش: فهو أبو سعيد عثمان بن عبد الله المصري لقبه شيخه نافع بورش لشدة بياضه، وهو الراوي الثاني لنافع، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالديار المصرية في زمانه لا ينازعه فيها منازع مع براعته في العربية وعلومها، وكان حسن الصوت جيد القراءة لا يمله السامع. ولد ورش سنة عشر ومائة بقفط بصعيد مصر، وأصله من القيروان، ورحل إلى الإمام نافع بالمدينة المنورة، فقرأ عليه القرآن، وعرضه عليه عدة عرضات، ثم رجع إلى بلده مصر.
توفي الإمام ورش -رحمه الله- بمصر أيام المأمون العباسي سنة سبع وتسعين ومائة عن سبع وثمانين سنة، وقضى عمره في خدمة كتاب الله تعالى، فهنيئاً له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1423(22/307)
عقبة بن نافع ... قدوة المجاهدين الأفذاذ
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف كل شيء عن عقبة بن نافع أسرته وأولاده وزوجته وكل شيء عنه وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعقبة بن نافع هو: عقبة بن نافع بن عبد القيس الأموي الفهري، من كبار القادة العرب والفاتحين في صدر الإسلام، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم سنة 1قبل الهجرة، ولا صحبة له، شهد مع عمرو بن العاص -ابن خالته- فتح مصر، ثم شارك معه في المعارك التي دارت في أفريقيا، فولاه عمرو برقة بعد فتحها، فقاد منها -بجنوده- حركة الفتح باتجاه الغرب، فظهرت مقدرته الحربية الفائقة وحنكته وشجاعته، وعلا شأنه.
وفي خلافة معاوية بن أبي سفيان ولاه أفريقيا، وبعث إليه عشرة آلاف فارس، فأوغل بهم في بلاد المغرب حتى أتى وادياً يسمى القيروان فأعجب بموقعه، وبنى به مدينته المشهورة، كما بنى به جامعاً لا يزال حتى الآن يعرف باسم جامع عقبة، وفي سنة 55 هجرية عزله معاوية من ولاية أفريقيا، فعاد للمشرق، وبعد وفاة معاوية وفي خلافة ابنه يزيد أعاد عقبة مرة ثانية للولاية سنة 62هجرية، فولاه المغرب، فقصد عقبة القيروان، وخرج منها بجيش كثيف فتح حصوناً ومدنا حتى وصل ساحل المحيط الأطلنطي، وتمكن من طرد البيزنطيين من مناطق واسعة من ساحل أفريقيا الشمالي.
واستشهد عقبة في إحدى حروبه سنة 63هجرية في بلاد المغرب في مكان يعرف حتى الآن باسم سيدي عقبة.
ومن أحفاد عقبة المرموقين يوسف بن عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري القرشي أحد القادة الدهاة.
ومنهم: عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة مرة بن عقبة بن نافع الفهري أمه بربرية أمير من الشجعان الدهاة.
ولمعرفة المزيد عن حياة عقبة بن نافع راجع أسد الغابة في معرفة الصحابة، وسير أعلام النبلاء للذهبي، وليعلم الأخ السائل أن الموقع مشغول ببيان الأحكام الشرعية التي يترتب عليها عمل من فعل طاعة أو اجتناب معصية، مع شكرنا الجزيل لك على الدخول إلى موقعنا متمين لك دوام التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1423(22/308)
الشيخ مقبل الوادعي..نشأته..طلبه للعلم ومدرسته
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الأفاضل:
نأمل منكم إعطاءنا نبذة عن حياة الشيخ / مقبل بن هادي الوادعي.
وجزاكم الله خيرا
والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالشيخ مقبل الوادعي -رحمه الله- أحد علماء الحديث الذين اشتهر ذكرهم في عصرنا هذا، وقد ولد الشيخ رحمه الله في قرية من قرى محافظة صعدة في شمال اليمن ونشأ بها، وحبب الله إلى الشيخ مقبل طلب العلم من وقت مبكر، فطلب العلم لدى علماء بلده صعدة - وكانوا من الزيدية - فدرس عليهم علوم النحو واللغة، ثم انتقل إلى نجران ومكث فيها يواصل الطلب على بعض علمائها، وكانوا من طائفة المكارمة.
ثم رحل بعد ذلك إلى مكة، وهناك حببت إليه السنة وعلومها، ودرس على علماء الحرم، والتحق بدار الحديث، ثم انتقل إلى المدينة، ودرس على علمائها، والتحق بالجامعة الإسلامية، ونال منها درجة الماجستير في علوم الحديث، وكانت الرسالة التي قدمها لنيل هذه الشهادة هي دراسة وتحقيق كتاب: الإلزامات والتتبع للدارقطني.
ثم رجع الشيخ إلى اليمن فعاد إلى قريته، فبدأ يدعو إلى السنة ويعلمها الناس، ولقي في ذلك ما لقي من الأذى، وصبر حتى ذاع صيته وعرفه الناس، ورحل إليه طلاب العلم من داخل اليمن وخارجها، وتأسست مدرسة الحديث في تلك القرية، وسميت بعد ذلك بدار الحديث بدماج، ودماج اسم الوادي الذي فيه قرية الشيخ رحمه الله.
وانتفع الناس بدعوة الشيخ إلى السنة، فانكسرت شوكة المبتدعة في تلك الديار، وتخرج على يد الشيخ العديد من طلبة العلم الذين نفع الله بهم، ولكن مع كبير النفع الذي قدمته هذه المدرسة بقيت عليها مآخذ وملاحظات من حيث اهتمامها بجانب علمي واحد وهو دراسة الحديث سنداً، وإغفالها لدراسة متنه وما يتعلق به من الأحكام، كما أن مدرسة الشيخ رحمه الله مع اهتمامها بعلوم اللغة العربية كالنحو والصرف فرطت في دراسة الفقه والأصول، فلم تول كتب الفقه والأصول أي عناية أو اهتمام، مما أدى بكثير من خريجي هذه المدرسة إلى سلوك مسلك سطحي في التعامل مع النصوص وظاهرية غير مرضية.
وعلى كلٍّ فهناك كتب ترجمت للشيخ مقبل رحمه الله، وكتبت عن مدرسته وآثارها الحميدة، ودونت ما عليها من مآخذ وملاحظات فيحسن الرجوع إليها، ومنها كتاب: الشيخ مقبل الوادعي آراؤه العلمية والدعوية دراسة ونقد- للشيخ محمد العامري البيضان حفظه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الأولى 1423(22/309)
أول من دفن بالبقيع من المهاجرين
[السُّؤَالُ]
ـ[أول من دفن في البقيع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أول من دفن بالبقيع من المهاجرين رضي الله عنهم، هو عثمان بن مظعون رضي الله عنه، قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: توفي بعد شهوده بدراً في السنة الثانية من الهجرة، وهو أو ل من مات بالمدينة من المهاجرين، وأول من دُفِن بالبقيع منهم.
وقد قبله النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت والدموع تسيل على خدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما صح بذلك الحديث الذي رواه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه.، وقال البدوي الشنقيطي في نظم عمود النسب:
من جمح مظعون والد المطيع ... عثمان أول دفين بالبقيع
وإذ توى قبله الرسول ... وهكذا فليكن القبول
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1423(22/310)
الشيخ الشعراوي خدم الإسلام ونافح عن الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
سؤالي عن فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي فهناك عدة أقاويل أو بمنعى آخر إشاعات تدور حول
نزاهة الشيخ وأنهم لا ينصحون به.
تقبلوا منا فائق الاحترام والتقدير وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأدب مع العلماء الذين هم ورثة الأنبياء وحفظ حرمتهم، ومعرفة قدرهم أمر واجب على المسلم، والوقيعة فيهم والنيل من مراتبهم أمر محرم.
ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء عن ابن المبارك -رحمه الله- أنه قال: من استخف بالعلماء ذهبت آخرته.
وإن الشيخ الشعراوي قدم ما قدم لخدمة الإسلام، وكان له دور في الدفاع عن الدين، وما من أحد من البشر إلا ويخطئ ويصيب، ولا عصمة إلا للأنبياء عليهم السلام، فما وافق فيه الحق أخذ به، وما أخطأ فيه فله فيه اجتهاده، ولعل الله تعالى يغفر له، ويكون مأجوراً على هذا الاجتهاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1423(22/311)
سن زيد بن حارثة وزوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[كم كان عمر سيدنا زيد بن حارثة عندما زوجه النبي صلى الله عليه وسلم من مولاته بركة المعروفة بأم أيمن وكم كان عمر زوجته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن معرفة أخبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرهم العطرة مما ينير القلب، ويبعث على حبهم والتأسي بهم، فهم أئمة يقتدى بهم، وأعلام يهتدى بهم.
ومن هؤلاء الأعلام سيدنا زيد بن حارثة قال عنه الذهبي: الأمير الشهيد النبوي المسمى في سورة الأحزاب أبو أسامة الكلبي، ثم المحمدي سيد الموالي وأسبقهم إلى الإسلام، وحِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو حبه، وما أحب صلى الله عليه وسلم إلا طيباً، ولم يسم الله تعالى في كتابه باسمه من الصحابة إلا زيداً.. وعيسى ابن مريم الذي سينزل حكماً مقسطاً.
عاش زيد في بيت النبوة، وكان يدعى زيد بن محمد، فلما نزل قول الله تبارك وتعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ) نسب إلى أبيه فدعي زيد بن حارثة الكلبي، وكان صلى الله عليه وسلم أكبر من زيد بعشر سنين.
وهو أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من الموالي، وهو الذي نزل فيه قوله تعالى: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) [الأحزاب:37] . أنعم الله عليه بالإسلام، وأنعم عليه صلى الله عليه وسلم بالعتق، وزوجه مولاته أم أيمن بركة الحبشية كانت أمة، ورثها صلى الله عليه وسلم من أبيه عبد الله، وكانت تحسن إليه في صغره، وتحضنه في حياة أمة وبعدها، وفي بعض الروايات أنه كان يقول لها: أمي، وقد أعتقها أيام زواجه خديجة، وقد تزوجها قبل زيد.. عبيد بن الحارث، فولدت له أيمن، واستشهد أيمن يوم حنين رضي الله عنه.
وكان زواج زيد منها ليالي بعث النبي صلى الله عليه وسلم، فولدت له أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن حبه.
وعلى هذا، فيكون عُمر زيد أيام زواجه من أم أيمن رضي الله عنها حوالي ثلاثين سنة، لأنه أصغر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر سنين، كما ذكر الذهبي وابن سعد، ومعلوم أن الوحي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة. وسقط زيد شهيداً في مؤتة، وهو أحد الأمراء الثلاثة الذين سقطوا شهداء في ذلك اليوم هو وجعفر وابن رواحة في جمادى الأولى سنة ثمان، وهو ابن خمس وخمسين سنة.
وأما أم أيمن رضي الله عنها، فتوفيت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر، ولم نطلع على من ذكر تاريخ ولادتها، ولا كم تكبر زيداً، ولا كم عاشت، ولكن فارق السن بينها وبين زيد فارق كبير، فقد كانت حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزيد أصغر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر سنوات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1423(22/312)
خبر: آصف بن برخيا كاتب سليمان عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[- أرجو بيان قصة آصف بن برخيا كاتب سيدنا سليمان عليه السلام الحقيقية وليست المكذوبة والتي تقول إنه ساحر والعياذ بالله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه ينبغي على المسلم أن يهتم بمعرفة ما يقربه إلى الله أولاً، ولا يتسنى له ذلك إلا إذا عرف ما يطلب منه فعله وهو الواجب والمندوب، وما يطلب منه تركه وهو الحرام والمكروه، وما سوى ذلك من العلوم يأتي بعد ذلك، لأن أكثرها لا يترتب عليه حكم شرعي يؤثر في القرب من الله تعالى أو البعد عنه.
ولذلك، فإننا ننصح دائماً بأن يهتم المسلم بمعرفة الأحكام الشرعية العملية التي يترتب عليها فعل طاعة أو ترك معصية، وينبغي أن يعرف المسلم كذلك الأمور الأخرى التي تعينه على ذلك، ولا مانع من أن يطلع على الأخبار والقصص التي ورد بها حديث يعتمد عليه أو أثر يعول عليه، وليحذر طالب العلم بهذه الأمور من الأخبار الموضوعة والأحاديث المكذوبة، وما أكثرها في هذا المجال.
ونحن نقول للسائل: إن قصة آصف بن برخيا لم يرد فيها حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم، وإنما ورد فيها كلاماً لابن عباس رضي الله عنهما فيما رواه النسائي في السنن الكبرى أنه قال: كان آصف كاتب سليمان بن داود عليه السلام، وكان يعلم الاسم الأعظم، وكان يكتب كل شيء يأمر به سليمان عليه السلام ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان أخرجته الشياطين فكتبوا بين كل سطر من سحر، وكذب، وكفر، فقالوا: هذا الذي كان يعمل سليمان بها، فأكفره جهال الناس وسفهاؤهم وسبوه، ووقف علماؤهم فلم يزل جهالهم يسبونه حتى أنزل الله عز وجل: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا) [البقرة: 102] 0
وفي سند هذا الحديث المنهال بن عمرو الأسدي، قال عنه ابن حجر في تقريب التهذيب: صدوق، وربما وهم، ومن كان هذا حاله، فإن حديثه قابل للتحسين، لا سيما أن صاحب الصحيح البخاري أخرج له كما أشار إلى ذلك ابن حجر في التقريب برمز (خ) وهذا يبين براءة آصف بن برخيا مما نُسب إليه. وروى الحاكم عن ابن عباس وصححه أنه قال: إن الشياطين كانوا يسترقون السمع، وكان أحدهم يجيء بكلمة حق قد سمعها الناس، فيكذب معها سبعين كذبة، فيشربها في قلوب الناس، فأطلع الله على ذلك سليمان بن داود، فأخذها فدفنها تحت الكرسي، فلما مات سليمان قام شيطان بالطريق، فقال ألا أدلكم على كنز سليمان الذي لا كنز لأحد مثله كنزه الممتنع؟ قالوا: نعم، فأخرجوه، فإذا هو سحر فتناسختها الأمم، فبقاياها يتحدث به أهل العراق، فأنزل الله عذر سليمان، فقال تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) [البقرة:102] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1423(22/313)
شبكتنا ليست معنية بتقييم الأشخاص
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في مصطفى محمود وهل يؤخذ منه العلم وخاصة علم الشريعه]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنحن لا نعرف هذا الرجل ولسنا معنيين بتقييم الأشخاص في هذا الموقع، والعلم الشرعي إنما يؤخذ عن أهله الثقات المعروفين بالورع ورحم الله السلف الصالح فإنهم كانوا يقولون: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم نقل الإمام مسلم في بداية صحيحه 1/84 عن ابن سيرين قوله: لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدعة فلا يؤخذ حديثهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(22/314)
قائد المغول في معركة عين جالوت
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو قائد المغول في معركة عين جالوت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد التقت جحافل التتار تحت قيادة كتبغا نوين وكان تابعاً لقائد التتار العام هولاكو يوم الجمعة 25 من رمضان للسنة 658هـ.
والتقت هذه الجحافل بجيش المسلمين بقيادة سيف الدين قطز واستطاع المسلمون أن ينزلوا بأعدائهم هزيمة منكرة.
وقد قتل قائد التتار في هذه المعركة، ومعه منهم خلائق لا يحصون كثرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1423(22/315)
موقعنا ليس معنيا بتقييم الأشخاص
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف هل ما قيل عن عمرو خالد صحيح بأنه علماني وأنه درس فن التمثيل في أمريكا ولا يفقه في أمور الدين؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليس لدينا معرفة مفصلة بحال الداعية عمرو خالد لكن الذي بلغنا أنه ليس علمانياً، وأنه يدعو إلى الإسلام ويرغب الناس فيه، وهو غير سالم من ملاحظات وانتقادات ظاهرة.
وهذا الموقع يهدف إلى إسعاف المستفتين بإجابة أسئلتهم واستفساراتهم، وليس معنيا بتقييم الأشخاص والحكم على عقائدهم ومناهجهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1423(22/316)
ترجمة الأئمة أصحاب المذاهب الأربعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تراجم الإمام أحمد، والإمام الشافعي والإمام أبو حنيفة والإمام مالك؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
1) الإمام مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله الإمام الفقيه والمحدث الحافظ إمام دار الهجرة وأحد الأئمة الأربعة ينسب إليه المذهب المالكي روى عن كثير من التابعين، وروى عنه خلق كثير من الحفاظ، كان رحمه الله في غاية الدقة والثقة في الحديث معظماً له حتى إنه لا يحُدث في مجلس حديثه إلا بعد أن يتوضأ ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه،
يقول البخاري:أصح الأسانيد: مالك عن نافع عن ابن عمر.
ويقول الشافعي إذا ذكر العلماء فمالك النجم، وقال أيضاً: لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز.
ويقول الذهبي:اتفق لمالك مناقب ما علمتُها لغيره أحدها طول العمر (مات وعمره 85 عاماً) وعلو الرواية، وثانيها: الذهن الثاقب والفهم الواسع، وثالثها: اتفاق الأئمة على أنه حُجة صحيح الرواية، ورابعها: تجمعهم على دينه وعدالته واتباعه السنن، وخامسها: تقدمه في الفقه وصحة قواعده.
توفي رحمه الله سنة 179هـ، انظر لترجمته تذكرة الحفاظ 1/207- 213
2) الإمام الشافعي: هو أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المطلبي المكي.. وُلد سنة 150هـ بغزة، ثم حٌمل إلى مكة ونشأ بها وقرأ القرآن ورحل إلى مالك في المدينة وعرض عليه الموطأ بعد أن حفظه، ثم رجع إلى مكة ورحل إلى اليمن ثم إلى العراق 184هـ ثم عاد إلى مكة ثلاث مرات ثم رحل العراق إلى مصر واستقر بها حتى توفي سنة 204هـ.
أقيل على العلم والفقة فبرع فيه حتى صار إمام المذهب الشافعي الذي ينسب إليه.
3) الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطا التميمي مولاهم الكوفي ولد سنة 80هـ وقيل: إنه رأى من الصحابة أنس بن مالك، حدثًّ عن عطاء ونافع وعبد الرحمن بن هُرمز وغيرهم، وتفقه على يديه زُفر بن الهذيل وصاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن، يقول الشافعي: الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة، ويقول يزيد بن هارون: أبو حنيفة أفقه الناس.
وكان ثقة زاهدا ورعاً، أراده المنصور على القضاء وضُرب عليه فأبى ورعاً، اعتزل الوظائف واشتغل بالتجارة حتى لا يتمندل به أحد، توفي سنة 150 هـ.
4) الإمام أحمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، أبو عبد الله، ولد سنة 164هـ ببغداد وطلب العلم وهو صغير، ورحل إلى سائر الأقطار وأخذ عن علمائها حتى اشتهر بالحفظ والإتقان إلى أن صار إماماً من أئمة الحديث والفقة مع التقى والصلاح والقوة في الحق واتباع السنة، وبلغت شهرته الآفاق خاصة بعد ما وقف وقفته المشهورة فيما عُرف بعد بفتنة القرآن، ينسب إليه المذهب الحنبلي في الفقه، له مؤلفات كثيرة في السنة والتوحيد والفقة والتفسير، ومن أشهر مؤلفاته "المسند" في الحديث توفي يوم الجمعة 241هـ.
يقول عنه هلال بن العلاء: مَنَّ الله على هذه الأمة بأربعة في زمانهم، بالشافعي في الفقة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأحمد ثبت في المحنة.. لولا ذلك لكفر الناس ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1423(22/317)
نبذة مختصرة عن العلامة عبد السلام هارون
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تتكرمون بمساعدتي في الحصول على ترجمة الدكتور عبد السلام هارون.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
العلامة عبد السلام هارون هو من العلماء المعاصرين المصريين، ذكر عنه ابنه نبيل أنه قضى ثلاثاً وستين سنة في تحقيق كتب التراث، وجلاء الكنوز مما رانها. وكان أول أعماله تحقيق كتاب "متن الغاية- للقاضي أبي شجاع الأصفهاني" وذلك في عام 1925م.
وله من المؤلفات والتحقيقات:
1- كتاب مختصر سيرة ابن هشام "تهذيب سيرة ابن هشام".
2- قطوف أدبية حول تحقيق كتب التراث.
3- تحقيق كتاب "الحيوان" للجاحظ.
4- تحقيق كتاب "متن الغاية" للقاضي أبي شجاع.
وغير ذلك من المؤلفات، وقد توفي رحمه الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1423(22/318)
نبذة عن الدكتور: عمر سليمان الأشقر
[السُّؤَالُ]
ـ[السادة / الشبكةالإسلامية المحترمون
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل تتكرمون بمساعدتي في الحصول على ترجمة الدكتور: عمر سليمان الأشقر
هذا / وتقبلوا فائق الاحترام والتقدير.%]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالدكتور عمر سليمان الأشقر عالم فاضل وداعية معروف وكاتب إسلامي، تخرج من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، اشتهر بالتأليف في عدة مجالات، في العقيدة والفكر والدعوة، وغير ذلك.
ومن مؤلفاته:
نظرية الضرورة في الشريعة الإسلامية.
العقيدة في الله.
الإيمان بالملائكة.
الرسل والرسالات.
اليوم الآخر - الجنة والنار.
الشريعة الإلهية لا القوانين الجاهلية
إلى غير ذلك من المؤلفات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية. وهو ما يزال على قيد الحياة -ولله الحمد- وهو مقيم الآن ببلده الأردن نسأل الله جل وعلا أن يحفظه وأن يمد في أيامه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1423(22/319)
القائد الفذ محمد بن القاسم الثقفي
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في التعرف على المزيد من حياة البطل المسلم محمد بن القاسم الثقفي؟ وإذا أمكن إعطائي أسماء المواقع التي كتبت عنه.
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن البطل المسلم محمد بن القاسم الثقفي هو أحد القادة الأربعة الأفذاذ الذين اشتهروا في زمن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك والثلاثة الآخرون هم: قتيبة بن مسلم، وموسى بن نصير، ومسلمة بن عبد الملك.
أما محمد بن القاسم فقد بدت عليه أمارات النجابة والشجاعة وحسن التدبير في الحرب منذ نعومة أظفاره، مما جعل الحجاج بن يوسف الثقفي يعينه أميراً على ثغر السند وهو لم يتجاوز سبعة عشر عاماً، ثم أمده بجيش كبير وعتاد كثير ليفتح إقليم السند - بشبه القارة الهندية - وتحرك محمد بن القاسم بجيشه، وبرزت مواهبه الفذة في القيادة وإدارة المعارك، فحفر الخنادق ورفع الرايات والأعلام ونصب المنجنيقات، ومن بينها منجنيق يقال له: العروس كان يقوم بتشغيله خمسمائة، وقد نجح في مهمته نجاحاً باهراً، واستطاع أن يبسط سلطان الدولة على إقليم السند، وفتح مدينة الديبل التي تبعد 45 ميلاً شرقي جنوب كراتشي في باكستان، وامتدت فتوحاته إلى ملتان في جنوب إقليم البنجاب، وهكذا ظل طوال حياة الوليد بن عبد الملك يحرز للمسلمين الانتصارات تلو الانتصارات إلى أن مات الوليد فتوقف أمره، ولكن بقي ذكره خالداً بين عباقرة الإسلام وأبطاله.
ومن بين المواقع التي ذكرت سيرة البطل محمد بن القاسم الثقفي موقع:
Islamonline.net
Islampedia.com
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1423(22/320)
مصير جثمان فرعون موسى
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء إفادتي عن جثمان فرعون هل هو موجود في مصر أم أن الله خسف به في البحر أم ماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن المعلوم أن الله تعالى قد نجى موسى ومن معه من بني إسرائيل، فجاوزوا البحر سالمين بعد أن فلق الله البحر فلقتين، عندما ضربه موسى بعصاه بأمر من الله تعالى، ثم لما أراد فرعون وجنوده أن يجوزوا أطبق الله عليهم البحر فهلكوا غرقاً أجمعين. قال تعالى: وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ*ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ [الشعراء:65-66] ولكن الله تعالى أراد أن يخرج جسد فرعون بعد موته سليما ليكون دليلا لبني إسرائيل على موته وهلاكه. قال تعالى: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ [يونس:92] ، قال ابن كثير رحمه الله: "قال: ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من السلف: إن بعض بني إسرائيل شكوا في موت فرعون، فأمر الله البحر أن يلقيه بجسده سوياً بلا روح، وعليه درعه المعروفة على نجوة من الأرض- وهو المكان المرتفع - ليتحققوا موته وهلاكه.
والذي يبدو أن تلكم كانت نهاية فرعون ولم يحفظ جسده، بل انشغل من بقي بأرض مصر من الذراري والنساء والصبيان بتحصين ديارهم خوفاً من غزو ملوك الشام والمغرب، وملَّكوا عليهم امرأة يقال لها دلوكة كما أشار إلى ذلك صاحب كتاب النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة، هذا وقد اختلف الباحثون المتأخرون على اختلاف مللهم ونحلهم في فرعون موسى، فمنهم من زعم أنه توت عنخ أمون، ومنهم من ذهب إلى أنه رمسيس الثاني، ومنهم من ذهب إلى غير ذلك، ولكن كلها أقوال ليس عليها أثارة من علم، بل هي ظنون وتخرصات، علماً بأن الآثار المصرية على كثرتها ووفرتها ليس فيها أي إشارة من قريب أو بعيد إلى فرعون موسى وقصته مع بني إسرائيل، أكد ذلك أ. د محمد بيومي مهران أستاذ التاريخ بجامعة الإسكندرية في كتابه "مصر والشرق الأدنى القديم".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1423(22/321)
اسم أم مريم عليها السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو اسم جدة مريم عليها السلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جاءت الإشارة إلى أم مريم في سورة آل عمران عند الآية الخامسة والثلاثين حيث قال تعالى: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [آل عمران:35] .
ولم يصرح القرآن الكريم باسمها كما يبدو من الآية، لكن جاء في أمهات كتب التفسير كتفسير القرطبي والطبري وغيرهما أن اسمها حنة بنت قاعود بن قبيل.
أما بالنسبة لاسم جدة مريم عليها السلام، فلم يرد له ذكر فيما اطلعنا عليه من كتب التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الأولى 1423(22/322)
صحابيات تحمل اسم (الشفاء)
[السُّؤَالُ]
ـ[من هي الشفاء أود أن أعرف المزيد عن هذا الاسم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد حمل هذا الاسم ثلاث صحابيات رضوان الله عليهن، وهن:
- الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس أسلمت قديماً، وهي من المهاجرات الأوائل، وكانت من عقلاء النساء وفضلياتهن.
- الشفاء بنت عبد الرحمن الأنصارية.
- الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث بن زهرة، وهي من المهاجرات أيضاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الأول 1423(22/323)
ترجمة أسماء بنت أبي بكر وأسماء بنت عميس
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن تجيبوا على سؤالي لو سمحتم
فأنا أريد معلومات عن السيدة أسماء رضي الله عنها؟
ولكم شكري واحترامي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا لا ندري عن أي أسماء يريد السائل نبذة، وقد ذكر المترجمون للصحابة ما يقارب العشرين ممن يسمين بأسماء، ولكن أشهر الصحابيات اللاتي يحملن هذا الاسم اثنتان:
الأولى: أسماء بنت أبي بكر الصديق وأمها قتيلة بنت عبد العزى أسلمت أسماء بمكة، وتزوجت بالزبير وهاجرت -وهي حامل بعبد الله-، فوضعته بقباء، وعاشت إلى أن ولي ابنها الخلافة، ثم إلى أن قتل. وماتت بعده بقليل، وكانت تلقب بذات النطاقين، وقد أطلق ذلك عليها النبي صلى الله عليه وسلم. ذكر ذلك ابن عبد البر ورواه بسنده، وسبب جريان هذا اللقب عليها هو أنها شقت نطاقها نصفين لتشد به السفرة للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وذلك يوم الهجرة، وللمزيد عن أسماء بنت أبي بكر تراجع كتب تراجم الصحابة كالإصابة وأسد الغابة.
والثانية: أسماء بنت عميس أسلمت بمكة، وهاجرت مع زوجها جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة، فلما قتل جعفر تزوجها أبو بكر فلما مات أبو بكر تزوجها علي رضي الله عنهم جميعاً. وللمزيد عنها راجع أيضاً المراجع المشار إليها سابقاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1423(22/324)
الشيخ محمد عبده ... بين المادحين والقادحين
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الشيخ أو المفتي محمد عبده؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالشيخ محمد عبده أحد الرجال الذين برزوا في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، درس في الأزهر، وتولى الإفتاء في الديار المصرية كما تولى القضاء.
وقد كتبت عن محمد عبده كتابات كثيرة منها المادح، ومنها القادح. من ذلك ما كتبه الشيخ رشيد رضا في كتابه المعروف بـ (تاريخ الأستاذ الإمام) وقد كال له فيه أنواع المديح.
ولا عجب في ذلك، فقد كان الشيخ/ رضا أحد تلاميذ محمد عبده، في الوقت نفسه كتب آخرون عن محمد عبده، فبينوا علاقاته المشبوهة بالماسونية وبرجال الاستعمار في زمنه مثل: اللورد كرومر، والمستر بلنت من رجال الاستعمار البريطاني في تلك الحقبة من الزمن، ومن هؤلاء الكتاب الدكتور: محمد محمد حسين في كتابه (الإسلام والحضارة الغربية) وهو كتاب جيد في بابه.
وقد عرف الدكتور محمد عبده بآرائه التحررية، وسار على ذلك طلابه من بعده، ومن أشهرهم قاسم أمين حامل راية تحرير المرأة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1423(22/325)
أسماء إخوة يوسف عليه السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم إخوة يوسف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر أسماء إخوة يوسف أهل التفسير، ومنهم الإمام القرطبي فقال: وأسماؤهم روبيل وهو أكبرهم، وشمعون، ولاوى، ويهوذا، وزيالون، ويشجر وأمهم ليا بنت ليان وهي بنت خال يعقوب وولد له من سريتين أربعة نفر: دان، ونفتالي، وجاد، وأشر ثم توفيت ليا فتزوج يعقوب أختها راحيل فولدت له يوسف، وبنيامين فكان بنو يعقوب اثني عشر رجلاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1423(22/326)
اسم زوجة نوح وزوجة لوط عليهما السلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما اسم زوجة سيدنا نوح وزوجة سيدنا لوط؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فزوجة نوح اسمها والهة وقيل واغلة، واسم امرأة لوط والعة وقيل والهة، ولم يثبت دليل على هذه الأسماء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1423(22/327)
نسب خالد رضي الله عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما اسم الصحابي الكامل خالد بن الوليد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فخالد بن الوليد قال عنه الإمام الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء: (خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن كعب، سيف الله تعالى وفارس الإسلام وليث المشاهد السيد الإمام الأمير الكبير قائد المجاهدين أبو سليمان القرشي المخزومي المكي)
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1423(22/328)
فرعون أمة محمد عليه الصلاة والسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو الذي أطلق عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فرعون قومه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففرعون هذه الأمة هو: أبو جهل.
ودليل ذلك ما رواه الإمام أحمد في المسند عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هذا فرعون أمتي".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1423(22/329)
آزر والد إبراهيم عليه السلام عدو لله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل آزر هو والد سيدنا إبراهيم أم عمه؟ وهل صحيح أن الأنبياء يجب أن لا يكون آباؤهم كافرين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن آزر هو اسم والد نبي الله إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام كما سماه الله تعالى في كتابه، وليس اسم صنم كما زعمه النسابون، ولذا قال إمام المفسرين محمد بن جرير الطبري: (فأولى القولين بالصواب منهما عندي قول من قال هو اسم أبيه لأن الله تعالى أخبر أنه أبوه، وهو القول المحفوظ من قول أهل العلم، دون القول الآخر الذي زعم قائله أنه نعت، فإن قال قائل: فإن أهل الأنساب إنما ينسبون إبراهيم إلى تارح فكيف يكون آزر اسما له، والمعروف به من الاسم تارح قيل له: غير محال أن يكون له اسمان، كما لكثير من الناس في دهرنا هذا وكان ذلك فيما مضى لكثير منهم، وجائز أن يكون لقباً. ا. هـ قال ابن كثير: (وهذا الذي قال جيد قوي) .
وعلى كل حال فأبو إبراهيم مات كافراً سواءً كان اسمه آزر أو غيره، كما هو مبين في آيات أخرى، كقوله تعالى: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يلقى إبراهيم أباه -يوم القيامة- فيقول: يا رب إنك وعدتني ألا تخزيني يوم يبعثون، فيقول: إني حرمت الجنة على الكافرين " فدل الحديث على أن أبا إبراهيم مات كافراً، وليس في ذلك نقص ولا خفض لمكانة إبراهيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1423(22/330)
مريم عليها السلام ... حياتها ونشأتها
[السُّؤَالُ]
ـ[حياة مريم العذراء ولادتها ونشأتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فالكلام عن حياة مريم عليها السلام طويل جداً، وقد ذكر الله تعالى قصتها في مواضع من القرآن:
- منها قوله تعالى في سورة آل عمران: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ.. إلى أن قال سبحانه: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران:35-47] .
- ومنها قوله تعالى في سورة مريم: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً) [مريم:16-33] .
ومنها قوله تعالى: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) [التحريم:12] .
ولمزيد فائدة وتفصيل فيما يتعلق بحياة مريم عليها السلام يرجع إلى كتب التفسير عند تفسير الآيات التي ذكرناها، وكذلك كتب التاريخ عند ذكر قصة عيسى عليه السلام، ولا يعتمد عليه من كتب التاريخ في هذا الباب إلا من عرف عن أصحابه البعد عن الأخذ بالإسرائيليات ونحوها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1422(22/331)
ترجمة: المهلب بن أحمد بن أبي صفرة
[السُّؤَالُ]
ـ[كتب ابن حجر في فتح الباري، كتاب الأحكام، باب الْأُمَرَاءُ مِنْ قُرَيْش: "ونقل عن المهلب أنه يجوز أن يكون ملك يغلب على الناس من غير أن يكون خليفة." من هو المهلب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الرجل المسؤول عنه هو: المهلب بن أحمد بن أبي صفرة وهو أحد شراح البخاري، وقد أكثر الإمام ابن حجر النقل عنه في فتح الباري شرح صحيح البخاري. وليس المهلب القائد المشهور الذي قاتل الخوارج طويلاً في الدولة الأموية. أما ما نسبت إليه من قول فلم نجده في باب (الأمراء من قريش) من كتاب الأحكام، والمنقول عنه خلاف ما ذكرت ونصه: قوله (باب) بالتنوين (الأمراء من قريش) كذا للأكثر، وفي رواية نقلها عياض عن ابن أبي صفرة: (الأمر -بسكون الميم-أمر قريش) قال: وهو تصحيف. قلت: ووقع في نسخة عن الكشمهيني مثل ما نقل عن أبن أبي صفرة والأول هو المعروف. انتهى. انظر فتح الباري: (13/142) كتاب الأحكام باب الأمراء من قريش الحديث رقم: 7140. وقد ترجم للمهلب (شارح البخاري) جماعة منهم: الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء، فقال: المهلب بن أحمد بن أبي صفرة، أسيد بن عبد الله الأسدي الأندلسي المريي مصنف (شرح صحيح البخاري) . وكان أحد الأئمة الفصحاء، الموصوفين بالذكاء… توفي في شوال سنة خمس وثلاثين وأربعمائة. (سير أعلام النبلاء:17/579) للذهبي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1422(22/332)
أفضلية الناس أمرها إلى الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم فيمن يقول بأن أفضل إمامين في هذا العصر هما (حسن البنا، والإمام محمد بن عبد الوهاب) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فراجع فيما يتعلق بالشيخ محمد عبد الوهاب الفتوى: 7070 وأما الشيخ حسن البنا فإنه من الدعاة المصلحين الذين قدموا أنفسهم رخيصة في سبيل الله، وقد أحدث نهضة إسلامية، وحركة دعوية كبيرة، ونفع الله به الكثير، ومع ذلك فهو بشر يصيب ويخطئ.
وإطلاق أن فلاناً أو فلاناً أفضل إمام في هذا العصر إطلاق لا ينبغي، فالأفضلية أمرها إلى الله، بل ربما أدى إطلاق مثل هذه العبارات إلى إثارة شحناء بين المسلمين هم في غنى عنها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1422(22/333)
سبب تسمية (ذو القرنين) بهذا الاسم
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا سمي ذو القرنين بهذا الاسم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر المفسرون أن سبب تلقيب ذي القرنين بهذا اللقب هو: أنه بلغ قرن الشمس من مطلعها، وقرنها من مغربها، فسمي لذلك ذا القرنين.
وقيل: لأنه كان له ضفيرتان من شعر، والضفائر تسمى قروناً، وقيل: كان له قرنان تحت عمامته، وقيل غير ذلك.
ولا يخفى أن هذه التفسيرات لم يقم على واحد منها دليل يجب الأخذ به - فيما نعلم - وبالتالي فإن الأمر يظل أمراً غيبياً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1422(22/334)
الشيخ بن باز ... علم وعمل وصلاح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نأخذ بفتوى ابن باز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشيخ بن باز رحمه الله أحد العلماء الربانيين في هذا العصر، وقد شهد له الموافق والمخالف بالعلم والعمل والصلاح والتقوى، والسهر على مصالح المسلمين، وإغاثة المنكوبين، رحمه الله رحمة واسعة.
وقد رئس الشيخ - رحمه الله- هيئة كبار العلماء، واللجنة الدائمة للإفتاء، وقد كان يرجع إليه كبار العلماء في كثير من المسائل المشكلة.
ولا شك أن الشيخ -رحمه الله- من أهل الذكر الذين أمر الله بسؤالهم فقال: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) [النحل:43] وهو كغيره من العلماء والأئمة يصيبون ويخطئون، والواجب قبول الحق بدليله، والأمر كما قال مالك رحمه الله: كل يؤخذ منه ويرد، إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى النبي صلى الله عليه وسلم. هذا لمن كان له أهلية في النظر في الأدلة ومعرفة الراجح من المرجوح، أما العامي فمذهبه مذهب من يفتيه. ولعل الشيخ رحمه الله من أولى من يؤخذ بقوله ويعمل بفتواه في كثير من المسائل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1422(22/335)
أبو طالب مات كافرا
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فضيلة الشيخ:
هل مات أبو طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم كافرا أم مسلما وكيف ذلك؟ علماً أن زوجته فاطمة بنت أسد من أوائل الداخلين في الإسلام وكيف سمح الرسول صلى الله عليه وسلم ببقائها على ذمته لحين وفاته. والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أبا طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم مات كافراً، لا يوجد في ذلك خلاف معتبر بين أهل العلم، وقد روى البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما حضرت وفاة أبي طالب أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا عماه قل لا إله إلا الله، أشهد لك بها يوم القيامة"، فقال: لولا أن تعيرني قريش يقولون: ما حمله عليه إلا جزع الموت، لأقررت بها عينك، ولا أقولها إلا لأقر بها عينك، فأنزل الله عز وجل: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) .
وهكذا قال عبد الله بن عباس وابن عمر ومجاهد والشعبي وقتادة: إنها نزلت في أبي طالب، حين عرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: لا إله إلا الله.
وروى البخاري من حديث عباس بن عبد المطلب أنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ما أغنيت عن عمك، فإنه كان يحوطك ويغضب لك قال: "هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار".
وروى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه فقال: "لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه".
وفي رواية: "تغلي منه أم دماغه".
وروى مسلم من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أهون أهل النار عذاباً أبو طالب، وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه".
وأما سماحه صلى الله عليه وسلم ببقاء فاطمة بنت أسد في عصمة أبي طالب، فإن ذلك كان قبل تحريم بقاء المؤمنات تحت الكفار، لأن أبا طالب مات عام الحزن، وهو قبل الهجرة بثلاث سنين، وتحريم بقاء المؤمنات في عصم الكفار نزل في صلح الحديبية عام ستة من الهجرة.
أخرج الشيخان عن المسور ومروان بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاءت نساء من المؤمنات، فأنزل الله: (يا أيها الذين أمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات ... ) إلى قوله تعالى: ( ... ولا تمسكوا بعصم الكوافر) ، وأخرج الواحدي عن ابن عباس قال: إن مشركي مكة صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم، ومن أتى من أهل مكة من أصحابه فهو لهم، وكتبوا بذلك كتاباً وختموه، فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية بعد الفراغ من الكتاب، والنبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية، فأقبل زوجها وكان كافراً، فقال: يا محمد رد علي امرأتي، فإنك قد شرطت علينا أن ترد علينا من أتاك منا، وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد، فأنزل الله هذه الآية.
فوفاة أبي طالب، ونزول تحريم بقاء المؤمنات في عصم الكفار بينهما تسع سنين. والعلم عند الله تعالى.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1422(22/336)
نبذة عن (أبو حامد الغزالي)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في كتب الإمام الغزلي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأبو حامد الغزالي -رحمه الله- من علماء الإسلام وفقهائه؛ لكنه مع ذلك علم من أعلام الأشاعرة، ورأس من رؤوس الصوفية، وصاحب فلسفة ومنطق رغم تصنفيه في الرد على الفلاسفة وتهافت مذهبهم؛ لكنه كما قال تلميذه أبو بكر بن العربي (شيخنا أبو حامد بلع الفلاسفة وأراد أن يتقيأهم فما استطاع) .
وصنف مصنفات كثيرة حوت على النافع وغيره، واشتملت على الغث والسمين. قال أبو عمر بن الصلاح " ففي تواليفه أشياء لم يرتضها أهل مذهبه من الشذوذ" وقد ذكر الذهبي مصنفاً من مصنفاته فقال: (فيه بلايا لا تطبَّبُ) وقال عن كتابه: إحياء علوم الدين: (أما الإحياء ففيه من الأحاديث الباطلة جملة، وفيه خير كثير، لولا ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء ومنحرفي الصوفية….إلى أن قال في آخر ترجمته: فرحم الله الإمام أبا حامد فأين مثله في علومه وفضائله، ولكن لا ندعي عصمته من الغلط والخطأ ولا تقليد في الأصول) من سير أعلام النبلاء. لكن على المسلم أن يستفيد من كتبه في الفقه والأصول وغيرها، وما جانب فيه الرجل الحق تركناه، والحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1422(22/337)
نبذة عن حياة ذي القرنين
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي بحث في الجامعة وأحاول أن أجد حلا لهذه النقاط. لا أدري إذا كان من الممكن أن تساعدوني في الرد على الشبهات التالية: ...
السؤال الأول: يمدح القرآن الإسكندر الأكبر (ذو القرنين) كعبد صالح يؤمن بالله (87: 18-88) . ولكن جميع مؤرخي الإغريق يجمعون على أنه كان من عبدة الأوثان، فكيف يصح ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فذو القرنين المذكور في سورة الكهف في القرآن الكريم كان ملكاً صالحاً عابداً لله، وهذا ظاهر من خلال سياق القرآن، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " وما أدري ذا القرنين أنبياً كان أم لا" رواه الحاكم وأبو داود والبيهقي.
وهو - والله أعلم - غير الاسكندر المقدوني، وما ورد في حديث مرفوع أن ذا القرنين هو الذي بنى الاسكندرية لا يصح. فقد قال ابن كثير عن هذا الحديث: " وفيه طول ونكارة ورفعه لا يصح وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل، والعجب أن أبازرعة الرازي مع جلالة قدره، ساقه بتمامه في كتابه دلائل النبوة وذلك غريب منه، وفيه من النكارة أنه من الروم وإنما الذي كان من الروم الاسكندر الثاني وهو ابن فيلبس المقدوني الذي تؤرخ به الروم، فأما الأول فقد ذكر الأزرقي وغيره أنه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل عليه السلام أول ما بناه، وآمن به واتبعه، وكان وزيره الخضر عليه السلام، وأما الثاني فهو اسكندر بن فيلبس المقدوني وكان وزيره أرسطاطاليس الفيلسوف المشهور. والله أعلم. وهو الذي تؤرخ من مملكته ملة الروم، وقد كان قبل المسيح عليه السلام بنحو ثلاثمائة سنة، فأما الأول المذكور في القرآن فكان في زمن الخليل عليه السلام، وقرب إلى الله قرباناً، وقد ذكرنا طرفاً صالحاً من أخباره في كتاب البداية والنهاية بما فيه كفاية. ولله الحمد. انتهى من كتاب تفسير ابن كثير لقوله تعالى: (ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكراً) [الكهف:83] .
فالحاصل أن الذي ذكره مؤرخو الإغريق ليس هو الذي تحدث عنه القرآن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1422(22/338)
ترجمة زينب بنت الحارث الإسرائيلية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد: هل أسلمت سامة الرسول صلى الله عليه وسلم (زينب بنت الحارث) وما حكم من سبها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز سب زينب بنت الحارث، حيث قد عدها بعض الحفاظ من الصحابيات. قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: " زينب بنت الحارث بن سلام الإسرائيلية، ذكر معمر عن الزهري بأنها اليهودية التي كانت دست الشاة المسمومة للنبي صلى الله عليه وسلم، فأسلمت، فتركها النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى. وقال غيره: إنه قتلها. وقيل: إنما قتلها قصاصاً لبشر بن البراء، لأنه كان أكل معه من الشاة فمات بعد الحول" انتهى من الإصابة. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1421(22/339)
ترجمة الإمام محمد بن عبد الوهاب وبيان فضله
[السُّؤَالُ]
ـ[محمد بن عبد الوهاب هل هو من أهل الضلال كما يقول البعض، وجزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالشيخ محمد بن عبد الوهاب: أحد العلماء المجددين، والقادة المصلحين، شهد له العلماء المنصفون بالعلم والديانة والاستقامة، بل عده كثير منهم مجدد القرن الثاني عشر الهجري. وفي ذلك يقول الشيخ محمد رشيد رضا (كان الشيخ محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله تعالى مجدداً للإسلام في بلاد نجد، بإرجاع أهله عن الشرك والبدع التي فشت فيهم إلى التوحيد والسنة) .
وقال (ولقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي من هؤلاء العدول المجددين، قام يدعو إلى تجريد التوحيد، وإخلاص العبادة لله وحده، بما شرعه في كتابه، وعلى لسان رسوله خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، وترك البدع والمعاصي، وإقامة شعائر الإسلام المتروكة، وتعظيم حرماته المنتهكة المنهوكة) .
ومن عرف حال نجد والجزيرة، قبل انتشار دعوة الشيخ من انتشار البدع والخرافات، وأنواع الجهالات، أدرك ما لهذه الدعوة من الآثار الحميدة، والخصال الفاضلة، والدور العظيم في إحياء السنة، وإماتة البدعة.
ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب سنة ألف ومائة وخمس عشرة (1115هـ) من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، في بلدة العيينة، في أسرة معروفة بالعلم والصلاح، وتعلم القرآن وحفظه قبل بلوغه عشر سنين، وكان حاد الفهم وقاد الذهن سريع الحفظ، قرأ على أبيه الفقه ورحل إلى ما يليه من الأقطار، فأتى البصرة والإحساء والحجاز وغيرها.
وللشيخ ـ رحمه الله ـ مؤلفات نافعة منها: كتاب التوحيد، ومختصر السيرة، وغيرهما من المؤلفات النافعة التي تدل على علمه وفضله، على عكس ما يدعيه خصومه ومناوئوا دعوته.
ولنذكر هنا طرفا من ثناء العلماء عليه رحمه الله:
قال علامة الشام الشيخ محمد بهجة البيطار في كتابه: حياة شيخ الإسلام ابن تيمية ص 200 (ليس للوهابية ولا للإمام محمد بن عبد الوهاب مذهب خاص، ولكنه رحمه الله كان مجدداً لدعوة الإسلام، ومتبعاً لمذهب أحمد بن محمد بن حنبل) .
وممن أثنى عليه ثناء عاطرا الإمامان الصنعاني والشوكاني من أهل اليمن، ومما قال الصنعاني بين يدي قصيدة يمدح بها الشيخ (لما طارت الأخبار بظهور عالم في نجد يقال له: محمد بن عبد الوهاب ووصل إلينا بعض تلاميذه وأخبرنا عن حقائق أحواله وتشميره في التقوى، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اشتاقت النفس إلى مكاتبته بهذه الأبيات سنة 1163هـ.
وأرسلناها من طريق مكة المشرفة.. وجاء في قصيدته:
محمد الهادي لسنة أحمد ... فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي
ومنها:
... ... ... ... وقد جاءت الأخبار عنه بأنه يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي
وينشر جهراً ما طوى كل جاهل ومبتدع منه فوافق ما عندي
ويعمر أركان الشريعة هادما مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد
ومما قال الشوكاني رحمه الله في كتابه: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع 2/7.
(وفي سنة 1215هـ وصل من صاحب نجد المذكور مجلدان لطيفان أرسل بهما إليّ حضرة مولانا الإمام حفظه الله، أحدهما يشتمل على رسائل لمحمد بن عبد الوهاب كلها في الإرشاد إلى إخلاص التوحيد، والتنفير من الشرك الذي يفعله المعتقدون في القبور، وهي رسائل جيدة مشحونة بأدلة الكتاب والسنة… إلخ) .
وللشوكاني قصيدة بليغة مؤثرة، في رثاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أكثر من مائة بيت ومنها:
إمام الورى علامة العصر قدوتي وشيخ الشيوخ الحبر فرد الفضائل
(محمد) ذو المجد الذي عز دركه ... ... ... ... ... ... ... وجل مقاماً عن لحوقه المطاول
إلى (عبد الوهاب) يعزى وإنه سلالة أنجاب زكي الخصائل
ومنها: لقد أشرقت نجد بنور خبائه وقام مقامات الهدى بالدلائل
وممن أثنى عليه علامة الهند المحدث محمد بشير السهواني، في كتابه: صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان، وفيه (والشيخ رحمه الله لا يعرف له قول انفرد به عن سائر الأمة، ولا عن أهل السنة والجماعة منهم، وجميع أقواله في هذا الباب، أعني ما دعا إليه من توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد العمل والعبادات مجمع عليه عند المسلمين، لا يخالف فيه إلا من خرج عن سبيلهم وعدل عن مناهجهم، كالجهمية والمعتزلة، وغلاة عباد القبور، بل قوله مما اجتمعت عليه الرسل، واتفقت عليه الكتب، كما يعلم ذلك بالضرورة من عرف ما جاء به وتصوره.. ألخ) .
وممن أثنى على أحفاد الشيخ وأتباعه الجبرتي المؤرخ المصري المشهور في كتابه: عجائب الآثار، وكذلك العلامة نعمان خير الدين الأموي، والعلامة محمود شكري الألوسي، والأمير شكيب أرسلان، وغيرهم من أهل الإنصاف الذين طالعوا كتب الشيخ، وكتب أبنائه وأحفاده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1421(22/340)
ترجمة الإمام ابن تيمية وبيان فضله
[السُّؤَالُ]
ـ[ابن تيمية هل هو من أهل الضلال كما يقول البعض، وجزاكم الله خيرا؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من علماء المسلمين، وأئمة أهل السنة والجماعة، وقد اشتهر بالعلم، والديانة، والاستقامة، ولا نزكيه على الله.
وقد قاوم البدع، وحارب التقليد والجمود الذي انتشر وساد المسلمين في عصره في القرن السابع الهجري وأوائل القرن الثامن، وتصدى للرد على الفلاسفة، والرافضة، والباطنية، والصوفية المنحرفة، والمتكلمين المبطلين، وتصدى للمقلدة المتعصبين لشيوخهم المعرضين عن الدليل الواضح من الكتاب والسنة. بل حمل سيفه مجاهداً في سبيل الله في وجه التتر الغازين، ووحد صفوف المسلمين لذلك الغرض، وخاض المعركة بنفسه. وهو في كل ذلك عازف عن الدنيا زاهد فيها لم يكتنز مالاً، ولا بنى داراً، ولم يتخذ عقاراً إلا ابتغاء وجه الله.
وإمام هذا شأنه لا شك أن يكثر أعداؤه وحساده، لا سيما وأن شيخ الإسلام لم يداهن أحداً في قول الحق، بل صدع به حيث كان وفي وجه من كان، ولذلك كثرت ابتلاءاته ومحنه، فلا يخلص من محنة إلا ودخل في أخرى، حتى لقي ربه وهو مبتلى مسجون مظلوم.
ولقد كان هو وتلاميذه من جهابذة أئمة المسلمين الذين خدموا الأمة وأفادوها في كل فرع من فروع الشريعة، كالذهبي وابن كثير والمزي وابن عبد الهادي وابن القيم وغيرهم.
ولهذا قام حساده يتعقبون أقواله، وفتاويه لعلهم يظفرون له بخطيئة، وليس هو بمعصوم، لكنهم إذا وجدوا خطأً ضخموه، وزادوا عليه حتى كفروه بذلك افتراءً وزوراً.
هذا وقد أثنى على شيخ الإسلام ابن تيمية علماء الأمة من كل المذاهب، إلا من كان بينه وبينه نفرة بسبب اعتراض، قال فيه الذهبي الشافعي في معجم شيوخه:.. وهو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلي، فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني ما رأيت مثله، وأنه ما رأى مثل نفسه.
وقال أيضا في علمه بالسنة: يصدق أن يقال كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث.
وقال الحافظ المزي الشافعي فيه: ما رأيت مثله، ولا رأى هو مثل نفسه، وما رأيت أحداً أعلم بكتاب الله وسنة رسوله، ولا أتبع لهما منه.
وقال ابن دقيق العيد الشافعي فيه: لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلاً كل العلوم بين عينيه، يأخذ ما يريد ويدع ما يريده.
وقال فيه ابن عبد الهادي الحنبلي: وكان رحمه الله سيفاً مسلولاً على المخالفين، وشجى في حلوق أهل الأهواء المبتدعين، وإماماً قائماً ببيان الحق ونصرة الدين، وكان بحراً لا تكدره الدلاء، وحبراً يقتدي به الأخيار الأولياء، طنت بذكره الأمصار وضنت بمثله الأعصار. انتهى.
وقال ابن كثير وقد أثنى عليه كثيراً: وأثنى عليه، وعلى علومه وفضائله جماعة من علماء عصره مثل: القاضي الخوبي، وابن دقيق، وابن النحاس، والقاضي الحنفي قاضي قضاة مصر ابن الحريري، وابن الزملكاني وغيرهم ...
وقال فيه الحافظ ابن سيد الناس: فألفيته كاد يستوعب السنن والآثار حفظاً، إن تكلم في التفسير فهو حامل رايته، أو أفتى في الفقه فهو مدرك غايته، أو ذاكر بالحديث فهو صاحب علمه وروايته، أو حاضر بالنحل والملل، لم ير أوسع من نحلته في ذلك، ولا أرفع من رايته، برز في كل فن على أبناء جنسه، ولم تر عين من رآه مثله، ولا رأت عينه مثل نفسه.
وقال فيه الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي في تقريظه لكتاب الرد الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي: وشهرة إمامة الشيخ تقي الدين أشهر من الشمس، وتلقيبه بشيخ الإسلام في عصره باق إلى الآن على الألسنة الزكية، ويستمر غداً كما كان بالأمس، ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقداره، أو تجنب الإنصاف، فما أغلط من تعاطى ذلك وأكثر عثاره ... ومع ذلك فكلهم معترف بسعة علمه، وكثرة ورعه وزهده، ووصفه بالسخاء والشجاعة، وغير ذلك من قيامه في نصر الإسلام، والدعوة إلى الله في السر والعلانية ...
وقال الحافظ السيوطي كما في طبقات الحفاظ: ابن تيمية الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد، الفقيه، المجتهد، المفسر شيخ الإسلام، علم الزهاد، نادرة العصر، تقي الدين أبو العباس ... كان من بحور العلم، ومن الأذكياء المعدودين، والزهاد والأفراد ...
وقال الملا علي قارئ في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح في كتاب اللباس رداً على من طعن في ابن تيمية وابن القيم، وأنهما من أهل التجسيم والتشبيه (صانهما الله عن هذه السمة الشنيعة، والنسبة الفظيعة، ومن طالع شرح منازل السائرين ... تبين له أنهما كانا من أهل السنة والجماعة، بل ومن أولياء هذه الأمة ... وهذا الكلام من شيخ الإسلام يبين مرتبته من السنة، ومقداره في العلم، وأنه برئ مما رماه أعداؤه الجهمية من التشبيه والتمثيل على عادتهم في رمي أهل الحديث والسنة بذلك) .
وغير هؤلاء كثير من العلماء إلى يومنا هذا، وهم يثنون على شيخ الإسلام ابن تيمية، ويسطرون مآثره وعلمه ومناقبه.
فرحمه الله رحمة واسعة. والله اعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1421(22/341)
نبذة عن حياة الشيخ: (صفي الرحمن المباركفوري)
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تعرفون عن الشيخ صفي الرحمن المباركفوري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي توفر لدينا من المعلومات عن الشيخ صفي الرحمن المباركفوري أنه ولد في قرية قريبة من مدينة بنارس بالهند في الأربعينات حسب التاريخ الميلادي، درس على الطريقة النظامية المعروفة في القارة الهندية، وكان أستاذاً في الفقه والحديث لعدة سنوات في الجامعة السلفية ببنارس، شغل منصب رئيس التحرير لمجلة شهرية تصدر من جامعة بنارس اسمها (محدث) ، وعمل باحثا في مركز السنة والسيرة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ولا يزال يشتغل باحثاً في مكتبة دار السلام بالرياض، وله عدة مؤلفات من أهمها: شرح على صحيح مسلم، وتلخيص تفسير ابن كثير، وشرح بلوغ المرام، والرحيق المختوم في السيرة النبوية، وإذا كان في بعض هذه المعلومات قصور وعدم دقة فمرد ذلك إلى أننا لم نعثر على مكتوب محرر يتضمن سيرة الشيخ، وإنما اعتمدنا على ما أملاه علينا بعض تلامذته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1421(22/342)
أبوهريرة رضي الله عنه.
[السُّؤَالُ]
ـ[1-اريد ترجمة عن الصحابي ابي هريرة رضي الله عنه]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأبوهريرة هو: الصحابي الجليل عبد الرحمن بن صخر الدوسي اليماني، أول من أسلم من قبيلة دوس، قدم إلى المدينة مهاجراً سنة ست للهجرة، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم غازياً خيبر فالتحق به هنالك، كانت له هرة وكان يلاعبها فكني بها رضي الله عنه، وكان من حفاظ الصحابة، بل هو أحفظهم على الإطلاق، حتى أتهم بالإكثار من الحديث، فقال مدافعاً عن نفسه مبيناً سبب كثرة حفظه: إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي هريرة؟ وأني إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإخواتي من الأنصار يشغلهم عمل أموالهم، وكنت أمرأً مسكيناً من مساكين الصفة ألزم، رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، فأحضر حين يغيبون، وأعي حين ينسون، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدثه يوماً: إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي جميع مقالتي، ثم يجمع إليه ثوبه إلا وعى ما أقول، فبسطت نمرة علي، حتى إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته جمعتها إلى صدري فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شيء" متفق عليه. هكذا كان حاله رضي الله عنه مع العلم، حريصاً مثابراً في طلبه حتى حصل من العلم ما لم يحصله غيره، توفي النبي صلى الله عليه وسلم، وفتحت على المسلمين الدنيا، وحصل لأبي هريرة خير كثير، ولاه عمر رضي الله عنه البحرين، ثم قدم إلى المدينة، ورفض الولاية، وفي خلافة معاوية كان ينوب في حكم المدينة عن مروان بن الحكم.
دعا رضي الله عنه قائلاً: "اللهم لا تدركني سنة ستين ولا إمارة الغلمان" رواه ابن أبي شيبة، قال الذهبي فتوفي فيها أو قبلها بسنة رضي الله عنه، فقد كانت حياته ملئية بالعلم.
هذه نبذة مختصرة من حياته، وإذا أردت الزيادة فانظر في سير أعلام النبلاء وغيره من كتب التاريخ الموثوقة. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1423(22/343)
عمر المختار رحمه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أود تزويدي بمعلومات عن عمر المختار
ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعمر المختار هو: الشيخ المجاهد عمر بن مختار بن عمر المنفي: ينتمي إلى قبيلة مِنفة. التي تتنقل في بادية برقة، ولد عام 1275هـ في "البطنان" ببرقه، وتعلم في زاوية السنوسيين في "جغبوب" وجعله محمد المهدي الإدريسي شيخاً على زاوية "القصور" بالجبل الأخضر قرب "المرج" وسافر معه إلى السودان، وتسلم مشيخة زاوية "كلك" حتى عام 1321هـ، حيث رجع إلى برقه، وإلى مشيخة زاوية "القصور"، خرج لجهاد الطليان بعد أن احتلوا مدينة "بنغازي" عام 1329هـ، وصمد للعدو صموداً منقطع النظير.
وبينما هو في سرية من رجاله تقدر بخمسين فارساً بناحية "سلنطة" بالجبل الأخضر، يستطلع مواقع العدو فوجئ بقوة من الأعداء أحاطت به، فقاتلها، واستشهد أكثر من كان معه، وأصيب هو بجراح، وعقر جواده، فانقض عليه الطليان، وحملوه أسيراً، وهم لا يعرفونه، وحمل إلى "سوسة"، ثم عرفوه، فنقلوه بطرادٍ إلى بنغازي، وسجن أربعة أيام، ثم حققوا معه، فكان مثال المسلم، وأجاب بصراحة ووضوح، ثم أعدم شنقاً في مركز "سلوق" ببنغازي، وذلك عام 1350هـ، فكان عمره خمسا وسبعين عاماً، ومع ذلك كان يجاهد على جواده، ويقوم بنفسه باستطلاع العدو رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته آمين. عن التاريخ الإسلامي، لمحمود شاكر ج 14 ص 23.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(22/344)
محمد بن عبد الوهاب من بقية السلف الصالح.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمته السؤال: الحركة الوهابية أرجو إعطائي فكرة موجزة عنها جزاكم الله ألف خير وهل المغفور له (ابن باز) أحد أتباعها والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالوهابية لقب أطلق على الحركة الإسلامية التي تزعمها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وهو لقب لم يطلقه على نفسه، ولا أطلقه عليه أحد أتباعه، وإنما جاء من قبل خصومه وأعدائه، والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أحد العلماء المجددين، والقادة المصلحين، شهد له العلماء المنصفون بالعلم والديانة والاستقامة، بل عده كثير منهم مجدد القرن الثاني عشر الهجري. وفي ذلك يقول الشيخ محمد رشد رضا (كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى مجدداً للإسلام في بلاد نجد، بإرجاع أهله عن الشرك والبدع التي فشت فيهم إلى التوحيد والسنة) .
وقال (ولقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي من هؤلاء العدول المجددين، قام يدعو إلى تجريد التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده بما شرعه في كتابه وعلى لسان رسوله خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، وترك البدع والمعاصي، وإقامة شعائر الإسلام المتروكة، وعظيم حرماته المنتهكة المنهوكة) .
ومن عرف حال نجد والجزيرة، قبل انتشار دعوة الشيخ من انتشار البدع والخرافات وأنواع الجهالات، أدرك ما لهذه الدعوة من الآثار الحميدة، والخصال الفاضلة، والدور العظيم في إحياء السنة، وإماتة البدعة.
ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب سنة ألف ومائة وخمس عشرة (1115هـ) من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، في بلدة العيينة، في أسرة معروفة بالعلم والصلاح، وتعلم القرآن وحفظه قبل بلوغه عشر سنين، وكان حاد الفهم وقاد الذهن سريع الحفظ، قرأ على أبيه الفقه ورحل إلى ما يليه من الأقطار، فأتى البصرة والإحساء والحجاز وغيرها.
وللشيخ رحمه الله مؤلفات نافعة منها كتاب التوحيد ومختصر السيرة، وغيرها من المؤلفات النافعة التي تدل على علمه وفضله، على عكس ما يدعيه خصومه ومناوئوا دعوته.
ولنذكر هنا طرفا من ثناء العلماء عليه رحمه الله:
قال علامة الشام الشيخ محمد بهجة البيطار في كتابه: حياة شيخ الإسلام ابن تيمية ص 200 (ليس للوهابية ولا للإمام محمد بن عبد الوهاب مذهب خاص، ولكنه رحمه الله كان مجدداً لدعوة الإسلام، ومتبعاً لمذهب أحمد بن محمد بن حنبل) .
وممن أثنى عليه ثناء عاطرا الإمامان الصنعاني والشوكاني من أهل اليمن، ومما قال الصنعاني بين يدي قصيدة يمدح بها الشيخ (لما طارت الأخبار بظهور عالم في نجد يقال له محمد بن عبد الوهاب ووصل إلينا بعض تلاميذه وأخبرنا عن حقائق أحواله وتشميره في التقوى، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اشتاقت النفس إلى مكاتبته بهذه الأبيات سنة 1163هـ.
ورأسلناها من طريق مكة المشرفة.. وجاء في قصيدته:
محمد الهادي لسنة أحمد ... فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي
ومنها:
... ... ... ... وقد جاءت الأخبار عنه بأنه ... يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي
وينشر جهراً ما طوى كل جاهل ... ومبتدع منه فوافق ما عندي
ويعمر أركان الشريعة هادما ... مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد
ومما قال الشوكاني رحمه الله في كتابه: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع 2/7.
(وفي سنة 1215هـ وصل من صاحب نجد المذكور مجلدان لطيفان أرسل بهما إليّ حضرة مولانا الإمام حفظه الله، أحدهما يشتمل على رسائل لمحمد بن عبد الوهاب كلها في الإرشاد إلى إخلاص التوحيد، والتنفير من الشرك الذي يفعله المعتقدون في القبور، وهي رسائل جيدة مشحونة بأدلة الكتاب والسنة… إلخ) .
وللشوكاني قصيدة بليغة مؤثرة، في رثاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أكثر من مائة بيت ومنها:
إمام الورى علامة العصر قدوتي وشيخ الشيوخ الحبر فرد الفضائل
(محمد) ذو المجد الذي عز دركه وجل مقاماً عن لحوقه المطاول
إلى (عبد الوهاب) يعزى وإنه سلالة أنجاب زكي الخصائل
ومنها: لقد أشرقت نجد بنور خبائه وقام مقامات الهدى بالدلائل
وممن أثنى عليه علامة الهند المحدث محمد بشير السهواني، في كتابه: صيانة الإنسان عن وسوسه الشيخ دحلان، وفيه (والشيخ رحمه الله لا يعرف له قول انفرد به عن سائر الأمة، ولا عن أهل السنة والجماعة منهم، وجميع أقواله في هذا الباب، أعني ما دعا إليه من توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد العمل والعبادات مجمع عليه عند المسلمين، لا يخالف فيه إلا من خرج عن سبيلهم وعدل عن مناهجهم، كالجهمية والمعتزلة، وغلاة عباد القبور، بل قوله مما اجتمعت عليه الرسل، واتفقت عليه الكتب، كما يعلم ذلك بالضرورة من عرف ما جاء به وتصوره.. ألخ) .
وممن أثنى على أحفاد الشيخ وأتباعه الجبرتي المؤرخ المصري المشهور في كتابه: عجائب الآثار، وكذلك العلامة نعمان خير الدين الأموي، والعلامة محمود شكري الألوسي والأمير شكيب أرسلان وغيرهم من أهل الإنصاف الذين طالعوا كتب الشيخ، وكتب أبنائه وأحفاده.
وبهذا يعلم الجواب عن سؤالك الثاني وهو عن الشيخ ابن باز رحمه الله وهل هو من الوهابية؟
فنقول بل هو عالم محق، له جهوده المعلومة في نصرة مذهب السلف، ونشر السنة ومحاربة البدعة، فهو ينهل من المنبع الصافي الذي نهل منه محمد بن عبد الوهاب، ومن سبقه من أهل التوحيد والاتباع، كأحمد ومالك والشافعي وأبي حنيفة وسفيان والليث والأوزاعي ومن في طبقتهم، وكشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والذهبي وابن رجب ومن بعدهم.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1422(22/345)
أسماء بنت يزيد قتلت تسعة من الروم
[السُّؤَالُ]
ـ[من هي الصحابية التي قتلت تسعة من الروم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
الصحابية التي قتلت تسعة من الروم هي أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية قتلتهم بعمود فسطاطها. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(22/346)
الخطأ في الشريعة والقانون
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن نعتبر أن الإنسان مطالب بالتعويض المالي إذا توفرت ثلاثة شروط: الخطأ والضرر والعلاقة السببية بين الخطإ والضرر، بحيث لو اختل شرط منها لا يطالب بالتعويض.
وهل يمكن تعريف الخطإ على النحو الآتي؟ ترك ما يجب فعله، أو فعل ما يجب تركه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا مشروعية التعويض عن الأضرار وأدلته، في الفتوى رقم: 9215.
وأما ما ذكره السائل من شروط التعويض، فذلك هو تعبير القوانين الوضعية المعمول بها في أكثر الدول العربية في شروط استحقاق التعويض، قال د. حمداتي: شبيهنا ماء العينين، في بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي، بعنوان: الشرط الجزائي ومختلف صوره وأحكامه: مصدر الشرط الجزائي القوانين الغربية، أخذه القانون المصري عن القانون الفرنسي وأدخل بعض التعديلات على أحكامه، وتبعت أكثر القوانين العربية القانون المصري.
بين القانون المصري أحكام الشرط الجزائي في المواد: 223، 224، 225، وأهم هذه الأحكام أن الشرط الجزائي لا يستحق إلا إذا تحققت شروط استحقاق التعويض، وهي: وجود ضرر يصيب الدائن، ووجود خطإ من المدين، ووجود علاقة سببية بين الخطأ والضرر، وأعذار المدين. هـ.
وقال د. عبد الله محمد عبد الله عضو اللجنة الاستشارية العليا للعمل على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بالكويت، في بحث مقدم للمجمع أيضا، بعنوان: حوادث السير: أساس مسئولية السائق في حوادث السير في القانون هو الفعل الضار، ويطلق عليه أيضا العمل غير المشروع أو المسؤولية التقصيرية، حيث يعتبر أحد مصادر الالتزام، بل يعد أوسع المصادر القانونية للالتزام، وأركان هذه المسؤولية ثلاثة: الخطأ، والضرر، والعلاقة السببية أو الرابطة السببية. هـ.
وبالنسبة لتعريف الخطإ الوارد في السؤال، فإنه مخالف لما يعنيه الفقهاء بالخطإ، حيث يعتبرون فيه القصد من عدمه، في حين يعتبر القانونيون معنى التقصير والتفريط، ففي التلويح: الخطأ هو فعل يصدر من الإنسان بلا قصد إليه عند مباشرة أمر مقصود سواه. هـ.
وقال ابن الهمام: هو أن يقصد بالفعل غير المحل الذي يقصد به الجناية. هـ.
وهذه الشروط المذكورة في القانون الوضعي تختلف ـ كليا أو جزئيا ـ عما عليه الشريعة الإسلامية، ومثال ذلك: التعويض في الشرع الحنيف ليس ملازما لحصوله، فإن الضرر الخاص بالإتلاف مثلا قد لا يترتب عليه وجوب التعويض ـ الضمان ـ في الشرع وذلك أن الإتلاف مثلا عند الفقهاء، ينقسم إلى: إتلاف مشروع، وإلى إتلاف غير مشروع. أما الإتلاف غير المشروع فيترتب عليه التعويض بلا خلاف، سواء أكان حقا لله، كالصيد حالة الإحرام أو في الحرم، أم حقا للعبد كإتلاف أمواله بغير حق.
وأما الإتلاف المشروع فيترتب عليه التعويض إن ترتب عليه حق للغير في بعض الصور، وإلا فلا.
ومن ذلك أيضا العلاقة السببية بين الضرر والخطإ بمعناه الوارد في السؤال فقد تتحقق هذه العلاقة ولا يجب الضمان، قال النووي: لو فتح باب الحرز فسرق غيره، أو دل سارقا فسرق، أو أمر غاصبا فغصب، أو بنى دارا فألقت الريح فيها ثوبا وضاع، فلا ضمان عليه. هـ.
ففي هذه الأمثلة لم يحصل ضمان رغم حصول السببية.
وكذلك بالنسبة لما تتلفه الدواب من الزروع نهارا فرق الفقهاء بينه وبين ما تتلفه ليلا، فذهب الجمهور إلى أن الإتلاف إذا كان ليلا ضمن صاحب الدواب، لأن فعلها منسوب إليه، وأما إذا وقع الإتلاف نهارا وكانت الدواب وحدها فلا ضمان على صاحبها عند الجمهور، لأن العادة الغالبة حفظ الزرع نهارا من قبل صاحبه، كما في الموسوعة الفقهية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1430(23/1)
أوامر النبي صلى الله عليه وسلم بين الوجوب والاستحباب
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة للأوامر في السُنّة ما الفرق بين الأمر على سبيل الاستحباب والأمر على سبيل الوجوب؟
يعنى مثلاً هل الأصل أن كل الأوامر على سبيل الوجوب إلى أن تأتي قرينة تصرفها عن ذلك أم ماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أمر النبي صلى الله عليه وسلم يحمل على الوجوب ما لم يصرف عنه صارف وهذا هو قول الجمهور ويدل لرجحانه قوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. {النور:63} .وقوله تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا. {النساء:65} . وقوله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ. {الحشر:7} .
وفي حديث البخاري: كل أمتي يدخلون الجنة إلإ من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى.
فالأمر على إطلاقه يحمل على الوجوب، وإذا وجدت قرينة تصرف للاستحباب أو الإباحة فيحمل عليها.
وراجع الفتوى رقم: 56915.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1430(23/2)
بيان قاعدة: الأصل في العبادات التوقيف والأصل في العادات الإباحة
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء توضيح القاعدة الفقهية التي تقول بأن الأصل في العبادات الحظر أو التوقف والأصل في العادات الإباحة. وجدت هذه القاعدة مقررة في فتح الباري وفي شرح زبد ابن رسلان، وفي شرح الزرقاني على الموطأ، كما وجدتها في الآداب الشرعية لابن المفلح، وفي نيل الأوطار للشوكاني إلا أنني قرأت كتاب: القواعد الفقهية وتطبيقها عند المذاهب الأربعة للدكتور محمد مصطفى الزحيلي من جامعة الشارقة وضع هذه القاعدة من ضمن قواعد الحنابلة مع أنني وجدتها في كتب المذاهب الأخرى كما تقدم. ما الصحيح إذن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه القاعدة من حيث المعنى واضحة جدا، وخلاصة معناها أن المكلفين لا يجوز لهم أن يقدموا على عبادة من العبادات حتى يعلموا أن الله قد أذن فيها وشرعها لهم لأن الله تعالى لا يُعبد إلا بما أراد، وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. وفي رواية: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد.
وتقرير أدلة هذه القاعدة وبسط أدلتها مما يطول استقصاؤه، هذا بالنسبة للعبادات.
وأما ما عدا العبادات.. فالأصل فيها الحل، فلا يمتنع المكلف عن مطعوم أو مشروب أو ملبوس أو معاملة من المعاملات إلا أن يقوم دليل شرعي على المنع، وقد بسط العلامة الشنقيطي في مذكرة الأصول هذه القاعدة وبين الخلاف فيها واستدل لهذا القول بقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً. {البقرة:29} . فإنه تعالى امتن على خلقه بما في الأرض جميعا ولا يمتن إلا بمباح، إذ لا منة في محرم. واستدل لإباحتها أيضا بصيغ الحصر في الآيات كقوله: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. {الأعراف:33} . وقوله تعالى: قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. {الأنعام:145} . وقوله تعالى: قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. {الأنعام:151} .
واستدل لذلك أيضا بحديث: الحلال ما أحله الله في كتابه والحرام ما حرمه الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه.
ولمزيد التفصيل ارجع لمذكرة الشيخ ولغيرها من كتب الأصول.
وأما القائلون بقاعدة: إن الأصل في العبادات التوقيف فهم كثير من أهل العلم، ونسبه شيخ الإسلام لأحمد وفقهاء الحديث، ولا شك في أن مالكا والشافعي من كبار فقهاء الحديث.
قال رحمه الله: فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع، وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه والأصل فيه عدم الحظر فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله، والعبادة لا بد أن تكون مأمورا بها فما لم يثبت أنه مأمور به كيف يُحكم عليه بأنه عبادة؟ وما لم يثبت من العادات أنه منهي عنه كيف يحكم عليه أنه محظور؟ ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى وإلا دخلنا في معنى قوله: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ. {الشورى: 21} .
والعادات الأصل فيها العفو فلا يحظر منها إلا ما حرمه وإلا دخلنا في معنى قوله: قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا ... انتهى.
وقد نص على هذه القاعدة الجليلة كثير من أهل العلم، وبنى الشاطبي كتابه المبارك الاعتصام عليها فانظره فإنه نفيس.
قال ابن حجر في الفتح وهو شافعي: الأصل في العبادة التوقف. انتهى.
وقال في موضع آخر، التقرير في العبادة إنما يكون عن توقيف. انتهى.
وقال ابن دقيق العيد وهو مالكي شافعي: الغالب على العبادات التعبد ومأخذها التوقيف. انتهى.
وقال النسفي من الحنفية: ولا مدخل للرأي في معرفة ما هو طاعة الله، ولهذا لا يجوز إثبات أصل العبادة بالرأي. انتهى.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار وليس هو حنبليا: قوله (أمر بلال) هو في معظم الروايات على البناء للمفعول.
وقد اختلف أهل الأصول والحديث في اقتضاء هذه الصيغة للرفع، والمختار عند محققي الطائفتين أنها تقتضيه لأن الظاهر أن المراد بالآمر من له الأمر الشرعي الذي يلزم اتباعه وهو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا سيما في أمور العبادة فإنها إنما تؤخذ عن توقيف. انتهى.
وتتبع هذا المعنى في كلام الأئمة يطول جدا وفيما مر كفاية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1430(23/3)
اجتهد فأصاب.. واجتهد فأخطأ
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني مسلم تونسيّ سنيّ أشعريّ العقيدة مالكيّ المذهب. كما تعلمون، فقد جفت منابعنا بإيقاف التدريس بجامع الزيتونة الأعظم منذ سنة 1958 بالتقويم المسيحيّ. وقد بدأ تدريس العلوم الشرعيّة بالجامعة. ومن يمكن سؤاله عن المسائل الشرعيّة هو عادة أستاذ جامعيّ يعسر عادة الاقتراب منه وسؤاله. وما يزيد الأمر استفحالا هو دخول الجامعة للدراسة طلبة كفار وملحدون وأصحاب شبه وأهواء وملل منكرة ومشبوهة. ولكن يوجد المسلمون المخلصون إلا أنهم قليلون ويعسر التعرف عليهم. وما يغلب على الطلبة والمدرسين هو طلبهم للمال والدنيا مقابل دراستهم وتدريسهم. والكفار عند تخرجهم يحرفون ويغيرون العلوم الشرعيّة عند انتصابهم للتدريس أو الإجابة على أسئلة عامة الناس. فلا ارتياح إليهم. فأصبح عامة الناس يجهلون الكثير عن مسائل الشرع الإسلاميّ وكثر الخلاف والجدال. ومع هذه الصحوة المباركة لوحظ رجوع إلى الإسلام يتزايد يوما بعد يوم. وأصبح البعض يتعلم دينه عن الفضائيّات والكتب والأنترنت والسفر ... حتى رجعت الشيعة إلى تونس.
وقد ظهر في تونس أتباع الشيخ عبد الوهاب. فرحبنا بهم لعلمنا أنّ الشيخ عبد الوهاب رحمه الله تعالى عالم مسلم تقيّ ورع مجتهد. ولكنهم نسوا الأصول التي لا يعارضها أيّ عالم مسلم وراحوا يواجهون سائر المسلمين في تونس بالفروع مشددين عليها وكأنها هي الدين كله ويكادون يكفرون الأشعريّين في العقيدة أو من يتوسل بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، ويشددون النكير على من يحتفل بالمولد النبويّ الشريف وقد أوجبه علماؤنا المالكيّة والأحناف في زمننا الحالي في المغرب العربيّ الكبير وجوبا متأكدا ولكل مكان وزمان ظروفه وخصوصيّاته وما يصلح لبلد أو زمن لا يصلح بالضرورة لبلد أو زمن آخر.
ويدّعون كذلك وحدة الحقائق لعدم العمل بمذاهب أئمة السنة الأربعة. والمعلوم في الفروع أنّ الحقيقة واحدة عند الله تعالى وتتعدد مظاهرها عند المجتهدين من العلماء. والأصلح أن نقول أنّ في مسألة كذا آراء للعلماء وهي 1، 2، 3، ... والأرجح أو الأصح عندنا هو كذا. فهم لا يعترفون إلا برأيهم كمسألة التوسل بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، فإنهم لا يرون فيها إلا الحرميّة كما جاء في فقه الشيخ عبد الوهاب رحمه الله تعالى وهو الذي نقل هذا الرأي عن شيخ الإسلام أحمد بن تيمية وهو رأي شاذ انفرد به دون سواه من العلماء. ويرى غيره الجواز. فمن لا يعترف بالجواز ويعادي غيره في مسألة خلافيّة متعصب مذهبيّ.
وكان حريّا بهم أن يبتعدوا عن المسائل الخلافيّة والتآخي في الإسلام مركزين على الأصول ومتعاونين على تقدم هذه الأمة متجهين نحو ما سبقنا إليه إخواننا الشيعة من القيام بفروض الكفاية.
فإن الله تعالى سائلنا عن تأخرنا. وسبب ذلك هو إهمالنا لفروض الكفاية واشتغالنا بالمندوب والمباح. فالفرض مقدم على المندوب كما هو معلوم للجميع في أصول الفقه. فإنّ الأمة الإسلاميّة آثمة بالكليّة في كل فرع أو اختصاص علميّ تفوّق الكفار فيه علينا. وكذلك لماذا ليس لدينا اكتفاء ذاتيّ زراعي وصناعيّ واقتصاديّ ... ؟ كلنا آثمون من أجل ذلك. من أجل ضعفنا المترتب عن إهمالنا فروض الكفاية يتحكم فينا الغرب ويبتز أموالنا وطاقاتنا وأدمغتنا وخيراتنا. فلكم وددت لو قدمت معتمرا أو حاجا أن أستمع إلى الخطباء يحثوننا على تحقيق الاكتفاء الذاتيّ الزراعيّ مثلا عوضا عن حديثهم عن بدعة الاحتفال بالمولد النبويّ الشريف وهي من المسائل الفرعيّة الخلافيّة والواجبة عندنا والأولى تدخل في مسائل إجماع العلماء حول القيام بفروض الكفاية. فهذا إهدار لطاقات العلماء.
فما رأي فضيلتكم في مقالتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله عز وجل أن يعيد لهذه الأمة مجدها وصدارتها وقيادتها لأمم الأرض، وأن يعيد لدور العلم في بلاد المسلمين نضارتها وسموها وربانيتها.
وليس بوسع أحد أن ينكر الحالة المشينة التي وصلت إليها الأمة، إلا أن علاجها لا يعني ترك الاهتمام بتصحيح العقيدة وبتصفية السنة من شوائب البدع، فأمور العقيدة من الدين بمكان، ويجب بيانها للناس واضحة ناصعة. وكذلك يجب بيان السنة من البدعة، والبدع لا يختلف حكمها باختلاف الزمان والمكان، فالسنة سنة، والبدعة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وعنداختلاف المجتهدين فالحق في قول واحد ومن عداه مخطئ، لكن المخطئ معذور غير آثم، بل له أجر على اجتهاده، وهذا هو القول الحق، خلافاً لمن قال: إن كل مجتهد مصيب.
وفصل النزاع في هذه المسألة ما ثبت في الحديث المتفق على صحته من أن: الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر. فإن الحديث صريح في أن الحق واحد، وأن بعض المجتهدين يوافقه فيقال له: مصيب مأجور أجرين على اجتهاده وإصابته، وبعض المجتهدين يخالفه فيقال له: مخطئ مأجور مرة واحدة على اجتهاده، واستحقاقه الأجر لا يستلزم كونه مصيباً؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل المجتهدين قسمين قسما مصيباً وقسماً مخطئاً، ولو كان كل منهم مصيباَ -كما ذهب إليه من ذهب- لم يكن لهذا التقسيم معنى.
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: والصحيح أن كل مجتهد مصيب من حيث اجتهاده، أما من حيث موافقته للحق فإنه يخطئ ويصيب، ويدل قوله صلى الله عليه وسلم: فاجتهد فأصاب ... واجتهد فأخطا. فهذا واضح في تقسيم المجتهدين إلى مخطئ ومصيب، وظاهر الحديث والنصوص أنه شامل للفروع والأصول حيث دلت تلك النصوص على أن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، لكن الخطأ المخالف لإجماع السلف خطأ ولو كان من المجتهدين، لأنه لا يمكن أن يكون مصيبًا والسلف غير مصيبين، سواء في علم الأصول أو الفروع. مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين.
وإذا ثبت أن الحق واحد لا يتعدد فجدير بالمسلم أن يتحرى الرأي الصائب الموافق للحق، وليست هذه دعوة إلى هجر فقه الأئمة الأعلام ونبذه، كلا وحاشا، وإنما هي دعوة إلى اتباع الدليل والدوران معه حيث دار، دون التعصب لإمام بعينه دون غيره، وهذا ما أوصانا به الأئمة الأعلام.
في اليواقيت والجواهر أنه روي عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه كان يقول: لا ينبغي لمن لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي. وكان رضي الله عنه إذا أفتى يقول: هذا رأي النعمان بن ثابت ـ يعني نفسه ـ وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاء بأحسن منه فهو أولى بالصواب.
وكان الإمام مالك رضي الله عنه يقول: ما من أحد إلا وهو مأخوذ من كلامه ومردود عليه؛ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى الحاكم والبيهقي عن الشافعي رضي الله عنه أنه كان يقول: إذا صح الحديث فهو مذهبي.
وفي رواية: إذا رأيتم كلامي يخالف الحديث فاعملوا بالحديث واضربوا بكلامي الحائط.
وقال يوما للمزني: يا إبراهيم؛ لا تقلدني في كل ما أقول، وانظر في ذلك لنفسك فإنه دين، وكان رضي الله عنه يقول: لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كثروا، ولا في قياس ولا في شيء، وما ثم إلا طاعة الله ورسوله بالتسليم.
وكان الإمام أحمد رضي الله عنه يقول: ليس لأحد مع الله ورسوله كلام. وقال أيضا لرجل: لا تقلدني ولا تقلدن مالكا، ولا الأوزاعي، ولا النخعي، ولا غيرهم، وخذ الأحكام من حيث أخذوا من الكتاب والسنة. الإنصاف للدهلوي.
وختاما نقول: إن اهتمامنا بتصحيح العقيدة وتصفية السنة لا يتعارض مع دعوتنا للمسلمين إلى الأخذ بأسباب القوة والتقدم، ونحن إذ نقرر هذا، فإننا نؤكد على اتباع الأسلوب الحكيم في الدعوة، والبدء بالأهم فالأهم، والحرص على وحدة المسلمين والبعد عن أسباب الفرقة.
وليس هناك تعارض بين التمسك بالسنة والحفاظ على هدي النبي عليه الصلاة والسلام خالصا صافيا من البدع والانحرافات العقدية، وبيان ذلك للناس، وبين الأخذ بأسباب التقدم المادي، ففي الفترة التي كان المسلمون متمسكون فيها بدينهم ومنهجهم سادوا العالم في المجالات الدنيوية، وفي الوقت الذي بعدوا فيه عن منهج الإسلام، صاروا أتباعا ذليلين لغيرهم في المجال المادي.
واعلم أخي الكريم أن أعظم أسباب تقدم المسلمين هو الرجوع إلى منهج الله في الحياة، فلا بد من إعادة تعبيد الناس لربهم، وبدون هذا فلن يستقيم حال الأمة بمجرد محاولة الأخذ بأسباب التقدم المادي بمعزل عن تصحيح العبودية لله جل وعلا وإقامه منهجه في الحياة.
فعن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم. رواه أبو داود وأحمد وصححه الألباني.
والقول بأن منع التوسل بذات النبي عليه الصلاة والسلام رأي شاذ غير مسلم، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 109917، 52015، 17593، 11669.
وبخصوص الاحتفال بالمولد النبوي راجع الفتوى رقم 76353. وما أحيل عليه فيها.
وبشأن الأشاعرة راجع الفتاوى الآتية أرقامها: 101278، 15695، 16542.
وهنا أمر لا بد من التنبيه إليه أيها الأخ الكريم وهو الحذر من المسارعة في تكفير المسلم، فإن الكفر يحتاج إلى توفر شروط وانتفاء موانع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1430(23/4)
سبب حمل بعض النواهي على الكراهة لا التحريم
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يحمل النهي في الآداب ـ مثل آداب الطعام والخلاء إلخ ـ على الكراهة وليس على التحريم؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في النهي أنه للتحريم حتى تأتي قرينة تصرفه عن التحريم إلى الكراهة، قال ابن عبد البر ـ رحمه الله: النهي حكمه إذا ورد أن يتلقى باستعمال ترك ما نهى عنه والامتناع منه، وأن النهي محمول على الحظر والتحريم والمنع حتى يصحبه دليل من فحوى القصة والخطاب، أو دليل من غير ذلك يخرجه من هذا الباب إلى باب الإرشاد والندب. انتهى.
وقد جعل كثير من العلماء كون النهي في باب الأدب قرينة صارفة له من التحريم إلى الكراهة، وذلك لأن كثيرا من النواهي في هذا الباب قد انعقد الإجماع على أنها ليست للتحريم، وكثير منها حمله الجمهورعلى التنزيه، فطرد هذا الفريق من العلماء القاعدة وأجروا النهي في هذا الباب مجرى واحدا فحملوه على الكراهة والتنزيه، وعللوا ذلك بأن ما كان من باب حسن العشرة والمخالقة بالتي هي أحسن، أو من باب التصرف فيما يملكه الإنسان، أو من باب حسن الهيئة ونحو ذلك ممّا ليس حكمه تعبديا محضا يناسب حمله على الكراهة، وممّن رجح هذا القول العلامة ابن عثيمين، فقد قال ـ رحمه الله: سلك بعض العلماء مسلكا جيدا وهو أن الأوامر تنقسم إلى قسمين:
• أوامر تعبدية.
• وأوامر تأديبية، من باب الآداب ومكارم الأخلاق.
فما قصد به التعبد فالأمر فيه للوجوب، والنهي للتحريم، لأن الله خلقنا لعبادته، وما قصد به التأدب فإن الأمر فيها أمرإرشاد لا إلزام، والنهي فيها للكراهة لا للتحريم، إلا إذا ورد ما يدل على الوجوب فهو للوجوب. انتهى.
وقد نص كثير من العلماء على مثل هذا في ثنايا كلامهم ممّا يدل على أن هذه القاعدة مستعملة بكثرة وأنها ممّا قد يتبين به وجه التفريق بين أنواع النواهي، ومن ذلك قول الحافظ في الفتح: في كلامه على باب النهي عن الاستنجاء باليمين، قوله: باب النهي عن الاستنجاء باليمين أي باليد اليمني وعبر بالنهي إشارة إلى أنه لم يظهر له، هل هو للتحريم أو للتنزيه؟ أو أن القرينة الصارفه للنهي عن التحريم لم تظهر له وهي أن ذلك أدب من الآداب، وبكونه للتنزيه قال الجمهور، وذهب أهل الظاهر إلى أنه للتحريم. انتهى.
وقال النووي ـ رحمه الله ـ في كلامه على حكم القران بين التمرتين: واختلفوا فى أن هذا النهى على التحريم أو على الكراهة والأدب، فنقل القاضي عياض عن أهل الظاهر أنه للتحريم، وعن غيرهم أنه للكراهة والأدب، والصواب التفصيل، فإن كان الطعام مشتركا بينهم فالقران حرام إلا برضاهم، وإن كان الطعام لنفسه وقد ضيفهم به، فلا يحرم عليه القران، ثم إن كان فى الطعام قلة فحسن ألا يقرن لتساويهم، وإن كان كثيرا بحيث يفضل عنهم فلا بأس بقرانه، لكن الأدب مطلقا التأدب فى الأكل وترك الشره. انتهى.
وهو واضح جدا في التفريق بين نوعي النهي، وأن ما كان للأدب فإنه يحمل على الكراهة، وأن وجه ذلك ما فيه من حسن العشرة والإحسان إلى الأصحاب، ونرى حافظ المغرب وهو أبو عمر ابن عبد البر ـ والذي قدمنا كلامه في أن النهي ظاهر في التحريم حتى تأتي القرينة ـ يفرق بين ما كان من باب الآداب وغيره، ويبين وجه الفرق، فقال ـ رحمه الله: ونهيه صلى الله عليه وسلم عن المشي في نعل واحدة نهي أدب لا نهي تحريم، والأصل في هذا الباب أن كل ما كان في ملكك فنهيت عن شيء من تصرفه والعمل به فإنما هو نهي أدب، لأنه ملكك تتصرف فيه كيف شئت ولكن التصرف على سنته لا تتعدى، وهذا باب مطرد ما لم يكن ملكك حيوانا، فتنهى عن أذاه، فإن أذى المسلم في غير حقه حرام، وأما النهي عما ليس في ملكك إذا نهيت عن تملكه أواستباحته إلا على صفة ما في نكاح أو بيع أو صيد أو نحو ذلك، فالنهي عنه نهي تحريم فافهم. انتهى.
وإلى هذا المذهب يشير كلام الشافعي ـ رحمه الله ـ وهو واضع علم الأصول، فقد قال في رسالته ما لفظه: ولم يكن أمْرُه أن يأكل مِن بين يديه ولا يأكل من رأس الطعام إذا كان مباحاً له أن يأكل ما بين يديه وجميعَ الطعام: إلاَّ أدَبًا في الأكل من بين يديه، لأنه أجملُ به عند مُوَاكِلِه وأبعَدُ له من قُبْح الطَّعْمَة والنَّهَم وأَمَره ألا يأكل من رأس الطعام، لأن البركة تنزل منه له على النظر له في أن يُبارَك له بَرَكَةً دائِمة يدوم نزولها له وهو يبيحُ له إذا أكل ما حوْلَ رأس الطعام أن يأكل رأسه.
وإذا أباح له المَمَرَّ على ظهر الطريق فالممرُّعليه إذْ كان مُباحاً، لأنه لا مالِكَ له يمنع الممر عليه فيحرُم بمنعه: فإنما نهاه لمعنى يُثْبِت نظراً له فإنه قال: فَإِنَّهَا مَأْوَى الهَوَامِّ وَطُرُقُ الحَيَّاتِ.
على النظر له لا على أن التعريس محرَّم وقد ينهى عنه إذا كانت الطريق مُتَضايقاً مسْلوكا.
وبهذا يتبين لك أن هذا التفريق بين النوعين من النواهي جار في كلام كثير من العلماء وأن وجه هذا التفريق هو ما عرفناك سابقا من المعنى الذي اقتضى حمل كثير من النواهي الواردة في باب الأدب على الكراهة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1430(23/5)
متى تصرف صيغة النهي تصرف إلى الكراهة أو التنزيه
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يكون نهي الرسول صلى الله عليه وسلم نهي تنزيه؟ ومتى يكون نهي تحريم؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن صيغة النهي تدل في الأصل على التحريم عند الجمهور، لقوله تعالى: وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا {الحشر:7} .
ولا تصرف عنه إلى الكراهة أو التنزيه إلا بقرينة تدل على ذلك، فإذا وجدت القرينة الصارفة إلى الكراهة أو التنزيه عمل عليها.
وبمراجعة كتب أصول الفقه وشروح كتب الحديث تجد الكلام مفصلا في هذا الأمر مقرونا بأمثلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1430(23/6)
التحدث مع الأجنبيات لغير حاجة يدخل تحت قاعدة: ما يؤدي إلى حرام فهو حرام.
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت بقاعدة أصولية يقول محتواها: كل ما يؤدي إلى حرام فهو حرام. فنفهم من هذا أن كل شيء نعمله ويؤدي بنا إلى حرام فيقتضي على ذلك الأمر أنه حرام يجب تركه. على سبيل المثال: التحدث مع الأجنبية عبر الهاتف. قيل بأنه حرام لأنه موافق للقاعدة الأصولية. وأعطي مثالا آخر فيه تناقض وهو الآتي: الذهاب إلى المدرسة. قيل إنه جائز. لكن في المدرسة أليس هناك اختلاط؟ ألم يقل عن الاختلاط أنه حرام؟ هنا يبدو لي أن هناك تناقضا كبيرا لم أجد له تفسيرا وهناك أمثلة أخرى كثيرة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوسائل المباحة في الأصل إذا توصل بها إلى حرام فهي حرام سدا للوصول إلى الحرام، ومن هنا قال الإمام مالك ومن وافقه من أهل العلم بهذه القاعدة العظيمة: سد الذرائع. واستدلوا لها بأدلة كثيرة من نصوص الوحي -القرآن والسنة- منها على سبيل المثال: قول الله تعالى: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ. {الأنعام:108} . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه. رواه البخاري ومسلم.
ومنها ما أشرت إليه من منع التحدث مع الأجنبيات لغير حاجة، والخضوع بالقول، والاختلاط المحرم كما في المدارس.
وقد سبق تعريف هذه القاعدة وبيان القائلين بها وأدلتهم عليها وأن ما أفضى إلى الحرام فهو حرام. وذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 12562، 32024، 51407، 56022. فنرجو أن تطلع عليها.
وليس في هذه القاعدة تناقض مع ما ذكرت، فإن الذهاب إلى المدرسة أو إلى غيرها من المباحات لا يلزم منه الاختلاط الممنوع بين البنين والبنات، فيمكن أن يذهب كل من الجنسين إلى الوجهة التي يريد ولا يكون هناك اختلاط ممنوع أو خلوة محرمة.
وإذا ترتب على الذهاب اختلاط محرم لا انفكاك عنه إلا بترك الذهاب كان ترك الذهاب واجبا سدا لذريعة الشر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1430(23/7)
ما ثبت خلاف القياس هل يقاس عليه غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة قاعدة المستثنى من القياس لا يقاس عليه، وهل هي مطردة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه القاعدة يسميها بعض الأصوليين: ما ثبت على خلاف القياس فغيره لا يقاس عليه.
وهذه القاعدة اختلف فيها الفقهاء خلافا كثيرا، فاختلفوا أولا هل ترد الأحكام على خلاف القياس أم لا؟ وهو محل اختلاف بين بعض الحنابلة وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من جهة، وبين جمهور من أهل العلم من جهة أخرى.
ثم اختلفوا هل يقاس على ما خرج عن القياس أم لا؟
وسبب الخلاف كما قال شيخ الإسلام هو: هل ما خرج عن القياس له علة أم لا؟
وينبغي أن نوضح القاعدة أولا ثم نذكر تفصيل الكلام عليها، ففي كتاب المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل لابن بدران:
قول الفقهاء هذا الحكم مستثنى عن قاعدة القياس أو خارج عن القياس، أو ثبت على خلاف القياس، ليس المراد به أنه تجرد عن مراعاة المصلحة حتى خالف القياس، وإنما المراد به أنه عدل به عن نظائره لمصلحة أكمل وأخص من مصالح نظائره على جهة الاستحسان الشرعي، فمن ذلك أن القياس يقتضي عدم بيع المعدوم وجاز ذلك في السلم والإجارة توسعة وتيسيرا على المكلفين، ومنه أن القياس أن كل واحد يضمن جناية نفسه وخولف في دية الخطأ رفقا بالجاني وتخفيفا عنه لكثرة وقوع الخطأ من الجناة.انتهى
وقال الشيخ مصطفى الزرقا في شرح القواعد الفقهية:
قد ثبت على خلاف القياس أحكام كثيرة تفوق الحصر فيقتصر فيها على مورد النص ولا يقاس عليها غيرها
(أ) منها الحدود فقد ورد للسارق القطع فلا يقاس عليه النباش مثلاً.
(ب) ومنها الإجارة فإنها بيع المنافع وهي معدومة وبيع المعدوم باطل، ولكن جوزت للضرورة وهي الحاجة إليها فإن المعتمد في المذهب أن القياس يترك فيما فيه ضرورة فيقتصر فيها على موضع الحاجة ولا يقاس عليها ما لا حاجة فيه، فلا يجوز إيجار متحدي المنفعة مقايضة كسكنى دار أو حانوت بسكنى نظيره لعدم الحاجة إليها.
(ج) ومنها المزارعة والمساقاة فإن القياس عدم جوازهما لأنهما استئجار للمزارع والمساقي ببعض الخارج من عملهما وهو منهي عنه، ولكنهما جوزتا لورود الأثر فيهما، فلا يقاس عليهما غيرهما مما فيه استئجار ببعض الخارج من العمل كعصرالزيتون والسمسم، وغزل القطن بجزء من زيته أو شيرجه أو غزله مثلاً.
(د) ومنها التحالف فإنه ثبت في البيع على خلاف القياس إذا كان المبيع مقبوضاً فلا يقاس عليه النكاح مثلاً، أما قبل قبض المبيع فهو على القياس.
(هـ) ومنها السلم، والاستصناع، والوصية، والتتبع ينفي الحصر. انتهى.
وقال شيخ الاسلام في مجموع الفتاوى:
والأحكام التي يقال إنها على خلاف القياس نوعان: نوع مجمع عليه ونوع متنازع فيه.
فما لا نزاع في حكمه تبين أنه على وفق القياس الصحيح، وينبني على هذا أن مثل هذا هل يقاس عليه أم لا؟ فذهب طائفة من الفقهاء إلى أن ما ثبت على خلاف القياس لا يقاس عليه، ويحكى هذا عن أصحاب أبي حنيفة. والجمهور أنه يقاس عليه وهذا هو الذي ذكره أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما. وقالوا: إنما ينظر إلى شروط القياس فما علمت علته ألحقنا به ما شاركه في العلة سواء قيل إنه على خلاف القياس أو لم يقل، وكذلك ما علم انتفاء الفارق فيه بين الأصل والفرع والجمع بدليل العلة كالجمع بالعلة، وأما إذا لم يقم دليل على أن الفرع كالأصل فهذا لا يجوز فيه القياس سواء قيل إنه على وفق القياس أو خلافه، ولهذا كان الصحيح أن العرايا يلحق بها ما كان في معناها.
وحقيقة الأمر أنه لم يشرع شيء على خلاف القياس الصحيح، بل ما قيل إنه على خلاف القياس فلا بد من اتصافه بوصف امتاز به عن الأمور التي خالفها، واقتضى مفارقته لها في الحكم، وإذا كان كذلك فذلك الوصف إن شاركه غيره فيه فحكمه كحكمه وإلا كان من الأمور المفارقة له. وأما المتنازع فيه فمثل ما يأتي حديث بخلاف أمر فيقول القائلون: هذا بخلاف القياس أو بخلاف قياس الأصول وهذا له أمثلة......
ثم أطال رحمه الله في بيان الأمثلة ومناقشتها فراجع كلامه في الفتاوى، وفي كتاب إعلام الموقعين لابن القيم، وراجع الفتوى رقم: 65301.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1430(23/8)
أحكام المصلحة بالإضافة إلى شهادة الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[أبرمت الشركة التي أعمل بها عقدا مع إحدى المصحات الطبية الخاصة يتم بموجبه علاج العاملين بالشركة في المصحة مقابل قيمة رمزية شهرية يتم خصم جزء منها من المرتب وتدفع الشركة الجزء المتبقي فما رأي الشرع في ذلك علما بأن في ذلك مصلحة عامة للعاملين بالشركة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود أن العامل يدفع مبلغا عند الحصول على الخدمة الطبية وتتحمل الشركة باقي التكلفة فلا حرج في ذلك، أما إذا كانت هذه الخدمة على سبيل التأمين الصحي ففيها تفصيل، فإن كان هذا التأمين تعاونيا بحيث تقتطع الشركة من رواتب جميع الموظفين مبلغا من المال على سبيل التكافل بينهم بحيث من مرض منهم يتم علاجه من هذا المبلغ، إضافة إلى مبلغ آخر تتبرع به للموظفين فهذا جائز.
أما إذا كانت العملية عملية تأمين تجاري بأن كانت الشركة تدفع مبلغا موزعا بينها وبين الموظفين للمصحة على أنها ستعالج من مرض من العمال فهذا تأمين محرم قائم على الغرر والميسر، ولا يجوز الاشتراك فيه إلا لمن أجبر عليه، ولا ينتفع في حالة الإجبار إلا بقدر ما دفعه من مال.
ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها: 104261، 107270، 112999.
وننبهك على أن وجود المصلحة للعاملين في الشركة في هذا النظام في حالة التأمين التجاري لا يجوز أن يكون مسوغاً لإباحته مع ما فيه من الغرر والجهالة، فإن وجود مصلحة في شيء محرم لا عبرة به، وهذه المصلحة من المصالح الملغاة، وهي المصالح التي ألغاها الشارع، فكل ما نهى الله عنه مما قد يظن أن فيه مصلحة لأحد فإن مصلحته ملغاة.
قال الغزالي في المستصفى: المصلحة بالإضافة إلى شهادة الشرع ثلاثة أقسام: قسم شهد الشرع لاعتبارها، وقسم شهد لبطلانها، وقسم لم يشهد الشرع لا لبطلانها ولا لاعتبارها ... القسم الثاني: ما شهد الشرع لبطلانها، مثاله قول بعض العلماء لبعض الملوك لما جامع في نهار رمضان إن عليك صوم شهرين متتابعين فلما أُنكر عليه حيث لم يأمره بإعتاق رقبة مع اتساع ماله، قال: لو أمرته بذلك لسهل عليه واستحقر إعتاق رقبة في جنب قضاء شهوته فكانت المصلحة في إيجاب الصوم لينزجر به، فهذا قول باطل ومخالف لنص الكتاب بالمصلحة، وفتح هذا الباب يؤدي إلى تغيير جميع حدود الشرائع ونصوصها بسبب تغير الأحوال. اهـ.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1430(23/9)
شروط من يريد الاجتهاد في الأحكام الفقهية
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال بإيجاز هو: هل يُسمح لغير العالم أن يجتهد في الأمور الفقهية وينال على ذلك الأجر والثواب أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية لا يجوز ولا يصح إلا من أهله وفي محله كما هو الحال في كل علم، قال ابن عاصم:
وكل علم فله مجتهد * عليه في تقريره يعتمد
وقد قال الله عز وجل: وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً {النساء:83} .
فمن كان من أهل الاستنباط هو الذي ينال الأجر المذكور في الحديث الصحيح، ومن لم يكن من أهله كان عليه الإثم والوزر، لأن ذلك من القول على الله بغير علم وهو من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب كما قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {الأعراف:33}
فلا حظ في الاجتهاد في الشريعة واستنباط الأحكام منها إلا لأهل العلم بها، وبشرط أن يبلغوا رتبته كما سبق بيانه بالتفصيل في الفتويين: 34462، 47858، وما أحيل عليه فيهما.
وكما بين ابن عاصم المالكي في مرتقى الأصول حيث قال:
الاجتهاد بذل وسع المجتهدْ * في النظر المبدي لما الشرع قصدْ
وما به التكليف شرط المجتهد * والفهم والحفظ وعلم ما اعتمد
أوله الكتاب والحفظ لهُ ... ... * أهم ما مِن علمه حصّله
لاسيما ما كان في الأحكام ... * ... فإنه أكمل في الإحكام
وليعرف الناسخ والمنسوخا * وما اقتضى في علمه رسوخا
والحفظ للحديث أولى ما اعتمد * وللأصول فهي للفقه عُمَد
وللمهم من لسان العرب ... * ... ... وللفروع فهي لب المطلب
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1430(23/10)
الفقه وأصوله قرينان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يشترط أن يكون الفقيه أصوليا أم العكس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الفقيه لا يكون فقيها إلا إذا كان أصوليا، والفقه في الأصل هو الفهم، والفقيه في الاصطلاح يطلق على عالم الشريعة الذي تعلمها وفهم مقاصدها، ويطلق أيضاعلى من دونه من طلبة هذا العلم مجازا.
والفقيه بمعنى المجتهد لا بد أن تتوفر فيه شروط ذكرها أهل العلم في محلها، ومن أهمها معرفة الأصول وخاصة باب القياس وما تفرع عنه لأنه به تعرف أكثر المسائل ومعظم النوازل المستجدة.
قال الولاتي في شرح المراقي: والقياس هو ينبوع الفقه ومنه تتشعب الفروع وعلم الخلاف وهو جل العلم كما قال ابن القاسم من روايته عن مالك.
وبمعرفة أصول الفقه وما تعلق به من آيات الأحكام وأحاديثها وناسخها ومنسوخها.. يكون الأصولي فقيها إذا كان صاحب ملكة، والحاصل أن الفقه وأصوله قرينان، ولايوصف بالفقيه حقيقة من لا حظ له من الأصول.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين: 108173، 97985.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1429(23/11)
مدى صحة قاعدة (العقد شريعة المتعاقدين)
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الأفاضل.. جزاكم الله خيراً على ما تقومون به من جهد لإعلاء كلمة الدين وجعل الكلمة الفصل له فيم يعترض الناس من أمور ومشاكل تدعو للخلاف بينهم.. أما بعد:
فبالإشارة إلى الفتوى رقم 114758 فلدي استيضاح وهو: أن هناك قاعده قانونية تقول بأن العقد شريعة المتعاقدين وقد أفدت من قبل رجل محترم يحمل شهادة دكتوراه في علوم الدين بأن هذه أيضا قاعدة شرعية في أحكام المعاملات، فما مدى دقة هذه الإفادة؟ ولا يسعني إلا أن أشكر لكم سعة صدركم واعذروني مرة أخرى إن كنت أتحرى كثيراً في هذا الأمر، ولكن عسى أن يكون في هذا مرضاة لله عز وجل وإحقاقا للحق ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.. وجزاكم الله عنا وعن أمة الإسلام خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعقد شريعة المتعاقدين ما لم يخالف الشرع، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ {المائدة:1} ، ولما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلمون على شروطهم. رواه البخاري تعليقاً وأبو داود وحسن إسناده ابن الملقن في خلاصة البدر المنير.
أما إذا خالف العقد أو الشرط الشرع فلا عبرة به وهو باطل، وإن تراضى الطرفان عليه، فالتراضي لا يحل الحرام، وقد دل على ذلك ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له، وإن اشترط مائة مرة. وفي رواية لمسلم: ما كان من شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل، وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق، ما بال رجال منكم يقول أحدهم: أعتق فلانا والولاء لي، إنما الولاء لمن أعتق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وهذا الحديث الشريف المستفيض الذي اتفق العلماء على تلقيه بالقبول اتفقوا على أنه عام في الشروط في جميع العقود ... بل من اشترط في الوقف أو العتق أو الهبة أو البيع أو النكاح أو الإجارة أو النذر أو غير ذلك شروطاً تخالف ما كتبه الله على عباده بحيث تتضمن تلك الشروط الأمر بما نهى الله عنه أو النهي عما أمر به أو تحليل ما حرمه أو تحريم ما أحله فهذه الشروط باطلة باتفاق المسلمين في جميع العقود الوقف وغيره. انتهى.
فإذا اتفق العاقدان على عقد أو شرط مما لا يجوز العمل به فهو باطل وإن حصل عليه التراضي، ولذا إذا تم الاتفاق في عقد المضاربة على الضمان فهذا شرط باطل، لأن المضارب أمين على المال، والأمين لا يضمن إلا في حالة التعدي، قال ابن قدامة في المغني: متى شرط على المضارب ضمان المال، أو سهماً من الوضيعة فالشرط باطل، لا نعلم فيه خلافاً، والعقد صحيح. نص عليه أحمد وهو قول أبي حنيفة ومالك وروري عن أحمد أن العقد يفسد به، وحكي ذلك عن الشافعي. انتهى ... وللمزيد من الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 32671، 58694، 104050.
نسأل الله تعالى أن يجزيك خيراً على حرصك، وننبهك إلى أننا في مركز الفتوى بالشبكة الإسلامية نرحب بكل الأسئلة والاستفسارات الشرعية في كل ما يحتاجه الناس في عباداتهم ومعاملاتهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1429(23/12)
دليل حجية الإجماع والاستحسان والاجتهاد
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن مصادر التشريع هي: الكتاب، السنة، الإجماع، والاجتهاد، والاستحسان، والقياس....
في حوار لي مع أحد الإخوة أصر على عدم الاعتراف بمصادر التشريع غير القرآن والسنة النبوية المشرفة
كيف يمكنني إقناع نفسي ومن ثم إقناعه بأهمية المصادر الأخرى إذ يتحجج كثيرا بالاختلافات في الفتوى بين العلماء وهذا مما يثبت قوله -برأيه-
هدانا الله وإياكم للحق، جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمصادر التشريع منها ما هو مجمع على حجيته كالكتاب والسنة والإجماع والقياس إلا عند الظاهرية، ومنها ما هو مختلف فيه كباقي المصادر الأخرى، والعلم بأدلة هذه المسائل يحتاج لتعلم أصول الفقه حتى يطلع على كلام أهل العلم واستدلالهم لحجية هذه الأدلة، فقد استدل أهل العلم لحجية الإجماع بقوله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا {النساء:115} كما استدلوا لحجية الاجتهاد بقوله صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر. متفق عليه.
وقد بينا حجية القياس في الفتوى رقم: 75439.
وأما الاستحسان فالراجح في تعريفه كما ذكر الشيخ الشنقيطي في مذكرة الأصول أنه يراد به العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل خاص من كتاب وسنة.
ولا شك أن اتباع الدليل الخاص من الكتاب والسنة هو الصواب ودليله هو قوله تعالى: أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ.
وأما ما أنكره الشافعي من الاستحسان فهو الاستحسان الذي ليس له مستند شرعي. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 103869، 52842، 28730، 6168.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1429(23/13)
الفرق بين خطاب التكليف وخطاب الوضع
[السُّؤَالُ]
ـ[يا فضيلة الشيخ من فضلكم اشرحوا هذه الجمل من كتاب "الوجيز في أصول الفقه"، والمانع من حيث هو مانع: لا يدخل في خطاب التكليف, فليس للشارع قصد في تحصيله ولا في عدم تحصيله, وإنما مقصود الشارع: بيان ارتفاع حكم السبب, أو بطلان المسبب إذا وجد المانع. فلا يطالب المكلف بإيفاء الدين الذي عليه إذا كان عنده نصاب الزكاة لتجب عليه الزكاة, كما أن مالك النصاب غير ممنوع من الاستدانة حتى لا تسقط عنه الزكاة؟ جزاكم الله خيراً كثيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففهم هذا الكلام لا بد له أولاً من فهم الفرق بين خطاب التكليف وخطاب الوضع، وهو يتضح من كلام الشيخ الشنقيطي رحمه الله في مذكرة أصول الفقه: اعلم أنه يفرق بين خطاب التكليف وخطاب الوضع بفارقين ظاهرين، وهما: أن خطاب الوضع علامته أنه إما ألا يكون في قدرة المكلف أصلاً كزوال الشمس والنقاء من الحيض، أو يكون في قدرته ولا يؤمر به كالنصاب للزكاة والاستطاعة للحج وعدم السفر للصوم، وبهذا تعرف أن خطاب التكليف علامته أمران: أن يكون في قدرة المكلف ويؤمر به فعلاً كالوضوء للصلاة، أو تركاً كسائر المنهيات.. انتهى.
فالموانع، كما قال الشاطبي في الموافقات: ليست بمقصودة للشارع، بمعنى أنه لا يقصد تحصيل المكلف لها ولا رفعها. انتهى.
ولذلك قال القرافي في الفروق: اعلم أنه يشترط في خطاب التكليف علم المكلف وقدرته على ذلك الفعل وكونه من كسبه، بخلاف خطاب الوضع لا يشترط ذلك فيه ... فإن معنى خطاب الوضع قول صاحب الشرع: اعلموا أنه متى وجد كذا فقد وجب كذا أو حرم كذا أو ندب أو غير ذلك، هذا في السبب، أو يقول: عدم كذا في وجود المانع أو عند عدم الشرط. انتهى.
وعلى ذلك.. فالمانع كنوع من أنواع خطاب الوضع، لا يراد من المكلف إيجاده أو إعدامه، إذ ليس ذلك بمقصود للشارع، وإنما مقصوده مجرد بيان كون وجود المانع يرتفع معه الحكم، ومثال ذلك: أن من ملك نصاب الزكاة وكان عليه دين فدينه هذا مانع من وجوبها، فلا يطالب حينئذ بسداد دينه حتى تجب عليه الزكاة، وكذلك من ليس عليه دين ممن ملك النصاب لا يُمنع من ابتداء دين لكي لا تسقط عنه الزكاة، وذلك أنه لا يكلف بوجود المانع ولا عدمه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1429(23/14)
كيفية ربط قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) بالمعاملات المالية
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نربط القاعدة الفقهية لا ضرر ولا ضرار بخصائص المعاملات المالية في الإسلام وبالضبط خاصية أن المعاملات الإسلامية مبنية على العدل الكامل مع ذكر مثال على ذلك لتوضيح المفهوم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القاعدة المذكورة أصلها حديث صحيح رواه مالك وغيره، وربما عبر بعضهم عنها بـ: إزالة الضرر، أو الضرر يزال، وهي قاعدة عظيمة تدخل في كثير من فروع الفقه.
وربط هذه القاعدة بالمعاملات المالية في الإسلام يكون بالنظر إلى أن المعاملات المالية وغير المالية في الإسلام قائمة على أساس التراضي وتبادل المنافع بين المتعاملين؛ فلا ضرر على أحد لحساب الآخر؛ فالكل مستفيد، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا {النساء:29} .
وهذه القاعدة العامة التي تندرج تحتها كثير من الجزئيات مطابقة لهذه الخاصية التي ذكرتها الأخت السائلة، فمثلا حرم الإسلام الربا والرشوة والغش والتدليس والغرر وكتم العيب ... لما في ذلك من الضرر على المتعاملين، وبالتالي على المجتمع عموما، وفي هذا تحقيق للعدل التام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1429(23/15)
تقديم الكتاب على السنة والسنة على الإجماع
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن الإجماع من الأدلة المعتبرة في شريعتنا الغراء ولكن سمعت بعض الناس يقولون إن دلالة الإجماع أقوى من دلالة القرآن والسنة على الأحكام، فما مدى صحة هذا القول؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتقديم الإجماع على الكتاب والسنة مذهب بعض علماء الأصول مستدلين بكون الإجماع غير قابل للنسخ بخلاف الكتاب والسنة فيدخلهما النسخ ...
ففى المستصفى للإمام الغزالي متحدثا عن ترتيب الأدلة حسب قوتها وأحقيتها في التقديم:
فنقول: يجب على المجتهد في كل مسألة أن يرد نظره إلى النفي الأصلي قبل ورود الشرع ثم يبحث عن الأدلة السمعية المغيرة فينظر أول شيء في الإجماع فإن وجد في المسألة إجماعا ترك النظر في الكتاب والسنة فإنهما يقبلان النسخ، والإجماع لا يقبله، فالإجماع على خلاف ما في الكتاب والسنة دليل قاطع على النسخ إذ لا تجتمع الأمة على الخطأ، ثم ينظر في الكتاب والسنة المتواترة وهما على رتبة واحدة لأن كل واحد يفيد العلم القاطع ولا يتصور التعارض في القطعيات السمعية إلا بأن يكون أحدهما ناسخا فما وجد فيه نص كتاب أو سنة متواترة أخذ به. انتهى.
وفى إرشاد الفحول لمحمد بن علي الشوكاني: الثاني: أنه يقدم ما كان دليل أصله الإجماع على ما كان دليل أصله النص لأن النص يقبل التخصيص، والتأويل والنسخ والإجماع لا يقبلها، قال إمام الحرمين: ويحتمل تقدم الثابت بالنص على الإجماع لأن الإجماع فرع النص لكونه المثبت له والفرع لا يكون أقوى من الأصل. وبهذا جزم صاحب المنهاج. انتهى.
وقد ردَّ هذا القول الإمام ابن القيم وضعفه وأثبت أن نصوص الوحي الصحيحة مقدمة على الإجماع حيث قال في إعلام الموقعين: فلما انتهت النوبة إلى المتأخرين ساروا عكس هذا السير، وقالوا: إذا نزلت النازلة بالمفتي أو الحاكم فعليه أن ينظر أولا: هل فيها اختلاف أم لا؟ فإن لم يكن فيها اختلاف لم ينظر في كتاب ولا في سنة، بل يفتي ويقضي فيها بالإجماع، وإن كان فيها اختلاف اجتهد في أقرب الأقوال إلى الدليل فأفتى به وحكم به. وهذا خلاف ما دل عليه حديث معاذ وكتاب عمر وأقوال الصحابة. والذي دل عليه الكتاب والسنة وأقوال الصحابة أولى فإنه مقدور مأمور، فإن علم المجتهد بما دل عليه القرآن والسنة أسهل عليه بكثير من علمه باتفاق الناس في شرق الأرض وغربها على الحكم. وهذا إن لم يكن متعذرا فهو أصعب شيء وأشقه إلا فيما هو من لوازم الإسلام، فكيف يحيلنا الله ورسوله على ما لا وصول لنا إليه ويترك الحوالة على كتابه وسنة رسوله اللذين هدانا بهما، ويسرهما لنا، وجعل لنا إلى معرفتهما طريقا سهلة التناول من قرب؟! ثم ما يدريه فلعل الناس اختلفوا وهو لا يعلم، وليس عدم العلم بالنزاع علما بعدمه، فكيف يقدم عدم العلم على أصل العلم كله؟ ثم كيف يسوغ له ترك الحق المعلوم إلى أمر لا علم له به وغايته أن يكون موهوما، وأحسن أحواله أن يكون مشكوكا فيه شكا متساويا أو راجحا؟
ثم كيف يستقيم هذا على رأي من يقول: انقراض عصر المجمعين شرط في صحة الإجماع؟ فما لم ينقرض عصرهم فلمن نشأ في زمنهم أن يخالفهم، فصاحب هذا السلوك لا يمكنه أن يحتج بالإجماع حتى يعلم أن العصر انقرض ولم ينشأ فيه مخالف لأهله؟ وهل أحال الله الأمة في الاهتداء بكتابه وسنة رسوله على ما لا سبيل لهم إليه ولا اطلاع لأفرادهم عليه؟ وترك إحالتهم على ما هو بين أظهرهم حجة عليهم باقية إلى آخر الدهر متمكنون من الاهتداء به ومعرفة الحق منه، وهذا من أمحل المحال، وحين نشأت هذه الطريقة تولد عنها معارضة النصوص بالإجماع المجهول، وانفتح باب دعواه، وصار من لم يعرف الخلاف من المقلدين إذا احتج عليه بالقرآن والسنة قال: هذا خلاف الإجماع. وهذا هو الذي أنكره أئمة الإسلام، وعابوا من كل ناحية على من ارتكبه، وكذبوا من ادعاه، فقال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله: من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا، هذه دعوى بشر المريسي والأصم، ولكن يقول: لا نعلم الناس اختلفوا، أو لم يبلغنا.
وقال في رواية المروذي: كيف يجوز للرجل أن يقول: أجمعوا؟ إذا سمعتهم يقولون: أجمعوا فاتهمهم، لو قال: إني لم أعلم مخالفا كان.
وقال في رواية أبي طالب: هذا كذب، ما علمه أن الناس مجمعون؟ ولكن يقول: ما أعلم فيه اختلافا فهو أحسن من قوله إجماع الناس.
وقال في رواية أبي الحارث: لا ينبغي لأحد أن يدعي الإجماع، لعل الناس اختلفوا.
ولم يزل أئمة الإسلام على تقديم الكتاب على السنة والسنة على الإجماع وجعل الإجماع في المرتبة الثالثة، قال الشافعي: الحجة كتاب الله وسنة رسوله واتفاق الأئمة، وقال في كتاب اختلافه مع مالك: والعلم طبقات، الأولى: الكتاب والسنة الثابتة، ثم الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة، الثالثة: أن يقول الصحابي فلا يعلم له مخالف من الصحابة، الرابعة: اختلاف الصحابة، والخامسة: القياس، فقدم النظر في الكتاب والسنة على الإجماع، ثم أخبر أنه إنما يصار إلى الإجماع فيما لم يعلم فيه كتابا ولا سنة، وهذا هو الحق.
وقال أبو حاتم الرازي: العلم عندنا ما كان عن الله تعالى من كتاب ناطق ناسخ غير منسوخ، وما صحت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا معارض له، وما جاء عن الألباء من الصحابة ما اتفقوا عليه، فإذا اختلفوا لم يخرج من اختلافهم، فإذا خفي ذلك ولم يفهم فعن التابعين، فإذا لم يوجد عن التابعين فعن أئمة الهدي من أتباعهم. انتهى.
وللمزيد راجع الفتوى رقم: 28730.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1429(23/16)
تقييد المطلق وتخصيص العام في الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو التقييد المطلق والتخصيص العام في السنة بالتفصيل، تعاريف وأمثلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمطلق هو ما تناول واحداً غير معين -فيخرج بقولنا-: ما تناول واحداً. ألفاظ الأعداد المتناولة لأكثر من واحد.. ويخرج بقولنا: غير معين المعارف كزيد ونحوه. وذلك مثل قوله تعالى: فتحرير رقبة، وقوله صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي. فكل واحد من لفظ الرقبة والولي يتناول واحداً غير معين من جنس الرقاب والأولياء.
ويقابل المطلق المقيد، وهو: ما تناول معيناً أو موصوفاً بوصف زائد. وتقييد المطلق نحو قوله تعالى: فتحرير رقبة مؤمنة، وقوله: فصيام شهرين متتابعين، وقولنا: هذا الرجل.
أما العام فهو: اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له من غير حصرٍ، مثل: من في العقلاء دون غيرهم، وكقولنا الرجال فإنه مستغرق لجميع ما يصلح له ... ومثال ذلك حديث البخاري: من بدل دينه فأقتلوه. وقوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء.
والخاص هو اللفظ الواحد الذي لا يصلح مدلوله لاشتراك كثيرين فيه كأسماء الاعلام من زيد وعمرو ونحوه، أو هو كل لفظ وضع لمعنى واحد على الانفراد وانقطاع المشاركة، وهو مأخوذ من قولهم اختص فلان بكذا أي انفرد به.. وتخصيص العام هو قصر العام على بعض أفراده.. مثال ذلك قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ. فهذا نص عام الدلالة في كل ميتة وكل دم، مع حديث: أحلت لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان فالجراد والحوت، وأما الدمان فالكبد والطحال. فخصص هذا الحديث عموم الآية.
ومن أراد المزيد في هذا الموضوع فليرجع إلى كتب الأصول.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1429(23/17)
أمثلة على قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف ما المقصود بهذه القاعدة الشرعية " درء المفاسد خير من جلب المصالح " أرجو أن تضربوا لي مثلا عليها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه القاعدة من القواعد العظيمة التي يبنى عليها الفقه، بل أرجع الشيخ عز الدين بن عبد السلام الفقه كله إلى اعتبار جلب المصالح ودرء المفاسد، وقد سبق شرحها في الفتوى رقم: 44900.
ومن الامثلة التي ذكرها العلماء لهذه القاعدة ومنهم الشيخ أحمد محمد الزرقاني في كتابه شرح القواعد الفقهية: أنه ليس للإنسان أن يفتح كوة تشرف على مقر نساء جاره، وكذلك ليس له أن يحدث في ملكه ما يضر بجاره ضررا بينا كاتخاذه بجانب دار جاره طاحونا مثلا يوهن البناء أو معصرة أو فرنا يمنع السكنى بالرائحة والدخان، وكذا لو اتخذ بجانب دار جاره كنيفا أو بالوعة أو ملقى قمامات يضر بالجدار، فلصاحب الجدار أن يكلفه إزالته.
ففي هذه الأمثلة كلها روعي تقديم درء المفسدة على جلب المصلحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1429(23/18)
من صور معاملة المرء بنقيض قصده في الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو تفضلكم بإيضاح ما إذا كان ثم قاعدة فقهية عن أن الباغى يرد عليه قصده بعدم تمكينه مما يطمع فيه من حقوق الآخرين افتراءً وظلماً..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر العلماء هذا المعنى في قاعدة المعارضة بنقيض المقصود، وذكروا من أمثلتها:
1- حرمان القاتل عمدا من الإرث من القتيل وحرمان الوصي من الوصية بقتله للموصي، فإن كلا من القاتل والموصى له قصده تحصيل ميراث المقتول والموصى به، فعاقبهما الله بنقيض قصدهما وحرمهما من ذلك.
2- توريث المطلقة ثلاثا في مرض الموت فإن الزوج قصد بذلك حرمانها من الميراث فترث معاملة له بنقيض قصده.
3- الدعاء على ناشد الضالة في المسجد بعدم الوجدان معاملة له بنقيض قصده ونحو ذلك من الأمثلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1429(23/19)
ضوابط الضرورة المبيحة للمحظور
[السُّؤَالُ]
ـ[. ما حكم مخالفة أمر الوالد بالنسبة لدخول جامعة مختلطة. فأبي يريد مني - وهو غير مصرّ إصرارًا ملحًّا ولكن ينصحني بشدّة - أن أدخل جامعة مختلطة لأدرس موضوعًا علميًا.
وأنا أرفض هذا الطلب لثلاثة أمور:
أ. بسبب الاختلاط في الجامعة مع العلم أنّني أعيش في فلسطين المحتلّة وانا من العرب الحاصلين على الجنسية اليهودية (مع الأسف) أي ما يعرفون بعرب 48 وكل الجامعات هنا هي جامعات لليهود ونجد فيها من الاختلاط والسفور والتكشّف والتعرّي ما لا يعلم به إلا الله سبحانه وتعالى. وأنا بصراحة لا أطيق رؤية اليهود أبدًا.
ب. أنّ دخولي الجامعة ليس بضرورة ملحّة، فكثير من الشباب يتذرعون بدخولهم هذه الجامعات المختلطة بأن (الضرورات تبيح المحظورات) وخصوصًا أنه ليس هنالك جامعات عربية أو إسلاميّة هنا، ويقولون بأنه إذا لم نتعلم في هذه الجامعات اليهودية المختلطة من أين سيكون للعرب منّا أطباء ومثل هذه الحجج الواهية المتماوتة. أرجو منكم أن تردّوا في الفتوى وتوضّحوا معنى هذه القاعدة العظيمة بأنّ الضرورات تبيح المحظورات ولا تدعوها هكذا قاعدة عامّة يأخذها كل إنسان لما يوافق هواه.
. أنا أريد طلب العلم الشرعي وهذا الأمر في قرارة نفسي صراحة وأريد السفر من هذه البلاد والذهاب إلى العلماء، ولكن أبي ينصحني أن أتعلّم موضوعًا عاديًا يعني غير العلوم الشرعية مثل الفيزياء أو الهندسة أو مثل هذه الأمور ومن ثمّ أتوجّه إلى العلم الشرعي. ولكن أنا أرى أن العلم الشرعي يحتاج إلى التفرّغ وإلى الصبر والمصابرة والزمان الكثير حتى يصبح الرجل عالما ربانيا يتقي الله. وخصوصًا أننا هنا في فلسطين المحتلة نعاني وبشدّة من نقص العلماء في بلادنا فلا تكاد تجد عالمًا ربّانيًا واحدًا يركن إليه الناس ويستفتونه في أمورهم ويثقون بعلمه، والدعوة أيضًا متماوتة والتصوّف منتشر. وكما تعلمون أن حاجة الناس للعلماء أشدّ من حاجتهم إلى الطعام والشراب كما قال الإمام أحمد، وليس كما هي حاجتهم إلى الأطبّاء!! فسبحان الله..
أنا صراحة لا أريد أن أضع كلمة والدي في التراب وأنا أعلم أنّه يريد مصلحتي ويريد لي حياة هانئة سعيدة ولا يريد لي أن أكون فقيرًا أطرق الأبواب في المستقبل. وأنا أعلم أن طاعة الوالد تعطي ثمارًا كثيرة. ولكن هذا ليس على حساب ديني.
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما حكم مخالفة الوالد فعلى حسب ما يأمر به، فإن كان يأمر بمعروف من مباح أو مستحب أو واجب فيجب طاعته، وإن كان يأمر بمنكر أو ما يؤدي إليه فلا تجوز طاعته.
وبخصوص دخول الجامعة بما فيها من اختلاط فاحش ومنكرات ظاهرة فلا شك أن الواجب طلب البراءة لدينك وعرضك، خاصة وأن القائمين عليها هم اليهود المحتلون لأرضكم والذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ويحرصون كل الحرص على إفساد أبناء المسلمين وإلحاقهم بركبهم.
وعدم وجود جامعة إسلامية في بلدك لا يسوغ لك تعريض نفسك للفتنة خاصة وأنت تقدر على السفر للعلم الشرعي.
وليس عليك في مخالفة والدك حرج في هذه الحالة لكن عليك بإقناعه بالحسنى والتلطف معه في القول وأن تبين له حاجة المسلمين خاصة في بلدك لمن يعلمهم العلوم الشرعية ويفقههم في الدين.
كما لا يسوغ قول البعض في هذا المقام إن الضرورات تبيح المحظورات هكذا على الإطلاق لتبرير هذه الأوضاع القائمة، وإنما كل حالة تقدر بحسبها والضرورة تقدر بقدرها،
وقد عرَّف العلماء الضرورة بأنها " بلوغ الإنسان حداً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب، كالمضطر للأكل بحيث لو بقي جائعاً لمات أو تلف منه عضو أو فقد جارحة فهذا يبيح له تناول المحرم "، ومن ذلك قوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ. {النحل: 106} والإكراه هنا بالقتل.
وقد وضع العلماء للضرورة ضوابط لا بد من مراعاتها، لئلا تتخذ وسيلة لارتكاب المحرم دون تحققها، ومن أهم هذه الضوابط:
أولاً: أن تكون الضرورة قائمة لا منتظرة، فلا يجوز مثلا الاقتراض بالربا تحسباً لما قد يكون في المستقبل.
ثانياً: ألا يكون لدفع الضرورة وسيلة أخرى إلا مخالفة الأوامر والنواهي الشرعية.
ثالثاً: يجب على المضطر مراعاة قدر الضرورة، لأن ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها، ولذلك قرر الفقهاء أنه لا يجوز للمضطر أن يأكل من الميتة، إلا بما يسد رمقه.
رابعاً: ألا يقدم المضطر على فعل لا يحتمل الرخصة بحال، فلا يجوز له قتل غيره افتداء لنفسه، لأن نفسه ليست أولى من نفس غيره، ونحو هذا لكن ينبغي التنبيه إلى أن بعض المنهيات قد تجوز لما دون الضرورة إي إذا حصلت حاجة شديدة كقرب من الضرورة كالحاجة للتداوي فإنها تبيح كشف العورة. وبالجملة فهذا مبحث طويل لا تتسع الفتوى لاستيفاء أطرافه فيراجع في مظانه من كلام العلماء.
وراجع الفتوى رقم: 15719، 1420.
وأما إذا أمكنك التخلص من هذه المعاصي باعتزال أماكنها، والتحرز منها مع الالتزام بآداب الإسلام، وترك الاختلاط المذموم، فطاعة الوالدين هنا واجبة لعدم تحقق المعصية، ولإمكان الجمع بين خير الدراسة، وطاعة الوالدين مع عدم الوقوع في الإثم، ولْتكن في هذا المجتمع داعية خير للآخرين، وراجع لزاما الفتوى رقم: 33009، وما أحيل عليه من فتاوى فيها، والفتوى رقم: 10988.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1429(23/20)
من يجب عليه الاجتهاد ومن لا يجب عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يكون الاجتهاد واجب أو حراما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا السؤال يعتبر موضوع بحث، ولو أردنا الجواب عليه بما يستحقه من التفصيل لما اتسعت لذلك فتوى كهذه، وهو من جهة أخرى يشبه مواضيع الامتحانات، والإجابة عن أسئلة الامتحانات تفقدها الحكمة المبتغاة منها.
لذا فسنجمل الجواب عليه، فنقول: إن الاجتهاد يكون واجباً على المرء إذا كان فيه أهليته ووصل رتبته بأن بلغ المستوى العلمي الذي يتمكن معه من استنباط الأحكام من النصوص، وإن لم تكن فيه أهلية الاجتهاد لم يكن مباحاً له أن يجتهد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1429(23/21)
الاستحسان في اللغة والاصطلاح
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو الاستحسان فى المذهب المالكى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
الاستحسان لغة: هو اعتبار الشيء حسنا، أو اعتقاده حسنا.
والاستحسان عند أهل الأصول (المالكية وغيرهم ممن يأخذ به) : هو عدول المجتهد عن قياس جلي ضعيف الأثر إلى قياس خفي قوي الأثر.
وقيل هو: العدول عن الحكم إلى العادة لمصلحة الناس.
ومنهم من قال الاستحسان هو: عدول المجتهد عن الحكم الكلي إلى حكم استثنائي لدليل رجَّح لديه هذا العدول.
ومنهم من قال: إنه عبارة عن دليل ينقدح في نفس المجتهد لا يقدر على إظهاره لعدم مساعدة العبارة عنه.
وضعفوا هذا التعريف الأخير؛ لأن من شروط المجتهد أن يكون له من العلم باللغة العربية ما يمكنه من فهم النصوص واستنباط الأحكام منهما ... ويبعد مع هذا المستوى أن يعجز المرء عن التعبير عما انقدح في ذهنه.
ولخص هذا كله صاحب مراقي السعود في قوله:
والأخذ بالذي له رُجحانُ * من الأدلة هو استحسان
أو هو تخصيص بعرف ما يعم * ورعيَ الاستصلاح بعضُهم يؤم
وردُّ كونه دليلا ينقدح * ويقصُر التعبير عنه متضح
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 محرم 1429(23/22)
ايضاح حول صور مستثناة من قاعدة: الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو شرحاً مبسطاً للصور الأربعة المستثناة من قاعدة الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد في الأشباه والنظائر للسيوطى أو تدلونى على شرح مقروء أو مسموع للكتاب ونص هذه القواعد اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْقَاعِدَةِ صُوَرٌ: الْأُولَى: لِلْإِمَامِ الْحِمَى وَلَوْ أَرَادَ مَنْ بَعْدَهُ نَقْضَهُ فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحّ لِأَنَّهُ لِلْمَصْلَحَةِ وَقَدْ تَتَغَيَّرُ وَمَنَعَ الْإِمَامُ الِاسْتِثْنَاءَ وَقَالَ لَيْسَ مَأْخَذُ التَّجْوِيزِ هَذَا وَلَكِنَّ حِمَى الْأَوَّلِ كَانَ لِلْمَصْلَحَةِ وَهِيَ الْمُتَّبَعُ فِي كُلّ عَصْرٍ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ قَسَمَ فِي قِسْمَةِ إجْبَارٍ ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِغَلَطِ الْقَاسِمِ أَوْ حَيْفِهِ نَقَضَتْ مَعَ أَنَّ الْقَاسِمَ قَسَمَ بِاجْتِهَادِهِ فَنَقَضَ الْقِسْمَةَ بِقَوْلِ مِثْلِهِ وَالْمَشْهُود بِهِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ مُشْكِلٌ وَقَدْ اسْتَشْكَلَهُ صَاحِبُ الْمَطْلَبِ لِذَلِكَ.
الثَّالِثَةُ: إذَا قَوَّمَ الْمُقَوِّمُونَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى صِفَةِ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ بَطَل تَقْوِيمُ الْأَوَّل لَكِنَّ هَذَا يُشْبِهُ نَقْضَ الِاجْتِهَادِ بِالنَّصِّ لَا بِالِاجْتِهَادِ.
الرَّابِعَةُ: لَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً وَحُكِمَ لَهُ بِهَا وَصَارَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ ثُمَّ أَقَامَ الدَّاخِلُ بَيِّنَةً حُكِمَ لَهُ بِهَا وَنُقِضَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَضَى لِلْخَارِجِ لِعَدَمِ حُجَّةِ صَاحِبِ الْيَدِ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي الرَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: فِي الْإِشْرَافِ.
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: أَشْكَلَتْ عَلَيَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُنْذُ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، لِمَا فِيهَا مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ، وَتَرَدَّدَ جَوَابِي، ثُمَّ اسْتَقَرَّ رَأْيِي عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقوله: للإمام الحمى ولو أراد من بعده نقضه فله ذلك في الأصح لأنه للمصلحة وقد تتغير ومنع الإمام الاستثناء، وقال: ليس مأخذ التجويز هذا ولكن حمى الأول كان للمصلحة وهي المتبع في كل عصر..
يعني: أن إمام المسلمين له أن يحمي موضعاً من الأرض لمصالح المسلمين العامة، كماشية الصدقة والخيل التي يحمل عليها، ونحو ذلك ... ولو عزل أو توفي وأراد من يأتي بعده نقض ذلك الحمى فله أن يفعل ذلك، ويرى الإمام أن هذا ليس من نقض الاجتهاد بالاجتهاد، وإنما هو عمل بالمصلحة التي يجب المصير معها أينما وجدت.
وقوله: لو قسم في قسمة إجبار ثم قامت بينة بغلط القاسم أو حيفه نقضت، مع أن القاسم قسم باجتهاد، فنقض القسمة بقول مثله -والمشهود به مجتهد فيه- مشكل، وقد استشكله صاحب المطلب لذلك..
يعني: أن القاسم في قسمة الإجبار -وهي قسمة القرعة- إذا قامت بينة بأنه غلط في القسمة أو جار، بأن قوم المسائل المقسومة بقيم مخالفة لقيمها الحقيقية، فإن القسمة تنقض لتصحح، مع أن التقويم الأول كان باجتهاد والتقويم الثاني باجتهاد، وقد استشكل هذا صاحب المطلب.
وقوله: إذا قوم المقومون ثم اطلع على صفة زيادة أو نقص بطل تقويم الأول لكن هذا يشبه نقض الاجتهاد بالنص لا بالاجتهاد..
يعني أنه إذا قُوم شيء ثم اطلع بعد التقويم على صفات يمكن أن تزيد في قيمته أو تنقص منها لو أخذت في الاعتبار، فإن التقويم الأول ينقض، وذكر أن هذا يشبه نقض الاجتهاد بالنص، لا بالاجتهاد.
وقوله: لو أقام الخارج بينة وحكم له بها وصارت الدار في يده، ثم أقام الداخل بينة حكم له بها ونقض الحكم الأول، لأنه إنما قضى للخارج لعدم حجة صاحب اليد هذا هو الأصح في الرافعي. وقال الهروي: في الإشراف: قال القاضي حسين: أشكلت علي هذه المسألة منذ نيف وعشرين سنة، لما فيها من نقض الاجتهاد بالاجتهاد، وتردد جوابي، ثم استقر رأيي على أنه لا ينقض ...
يعني: أنه إذا تنازع اثنان في دار، وكان أحدهما ساكناً لها والآخر مقيماً في غيرها، وأقام المقيم خارجها بينة، وحكم له القاضي بها بمقتضى شهادة بينته، ثم بعد ذلك أقام خصمه بينة على ملكها، فإن الحكم الأول ينقض، ويحكم بها للذي كان يسكنها، لأنه إنما حكم بها أولاً لغيره لأنه هو لم يأت بحجة، وأما إذا جاء ببينة فإن البينتين تتساقطان ويترجح قول الداخل بكون الدار تحت يده، وبين أن هذه المسألة محل خلاف بين الرافعي والقاضي حسين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1429(23/23)
الأمر في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كل ما جاء به القرآن من أحكام هو فريضة على كل مسلم.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقولك: هل كل ما جاء به القرآن من أحكام هو فريضة على كل مسلم؟ إذا كنت تسأل فيه عما إذا كانت الأوامر الواردة في القرآن كلها على الوجوب، فالجواب أن الأصل في الأمر في نصوص الشرع من قرآن أو سنة هو الوجوب في قول جمهور أهل العلم، وقيل إنه للاستحباب، وقيل للإباحة، كما أشار إلى جميع ذلك صاحب مراقي السعود في قوله:
وافعل لدى الأكثر للوجوب وقيل للندب أو المطلوب.
وقيل للوجوب أمر الرب وأمر من أرسله للندب.
وأرجح هذه الأقوال هو القول الأول، ولكن القرائن المحتفة بصيغة الأمر قد تصرفها إلى الاستحباب؛ كما في قول الله تعالى: وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ. {البقرة:282} . وإلى الإباحة؛ كما في قول الله تعالى: وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ. {المائدة:2} . وقوله: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ. {الجمعة:10} .
وأما إن كنت تقصد السؤال عما إذا كان جميع ما ورد في القرآن حقا يجب اتباعه؟ فالجواب أن جميع ما رود في نصوص الوحي من قرآن أو سنة ثابتة فهو حق يجب الإيمان به ويطلب الامتثال بما فيه من أوامر طلبا متفاوتا، فما كان أمر وجوب فعل وجوبا، وما كان أمر سنة أو ندب فعل سنة أو ندبا، كما يطلب اجتناب ما فيه نهي اجتنابا متفاوتا، فما كان نهيه تحريما وجب تركه، وما كان نهيه نهي كراهة ندب اجتنابه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو الحجة 1428(23/24)
مذاهب العلماء في العذر بالجهل والنسيان
[السُّؤَالُ]
ـ[قاعدة: "النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود " هل يصح انطباق هذه القاعدة على " الجهل " فيقال:" الجهل ينزل الموجود.....الخ، "فمثلاً هل يصح أن يقال:
أن من رجع إلى الجلوس للتشهد الأول بعد نسيانه واستتمامه قائماً أن صلاته صحيحة. وكذلك من يصلي الصلاة مزيداً عليها أفعالاً ليست من جنسها جاهلاً بأن صلاتة صحيحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجهل عند بعض أهل العلم كالحنابلة ينزل منزلة النسيان، فعندهم أن كل ما يعذر فيه بالجهل يعذر فيه بالنسيان، قال ابن قدامة في المغني: وما عذر فيه بالجهل عذر فيه بالنسيان.اهـ. وللمزيد راجع الفتوى رقم: 64627.
وعندالمالكية أن الجهل ليس كالنسيان في العبادات فليس يعذر فيها، ففي أنوارالبروق في أنواع الفروق لابن الشاط: الفرق الثالث والتسعون بين قاعدة النسيان في العبادات لا يقدح وقاعدة الجهل يقدح وكلاهما غير عالم بما أقدم عليه, الجهل والنسيان وإن اشتركا في أن المتصف بواحد منهما غير عالم بما أقدم عليه إلا أنه يفرق بينهما من جهتين:
الجهة الأولى: أن النسيان يهجم على العبد قهرا بحيث لا تكون له حيلة في دفعه عنه؛ بخلاف الجهل فإن له حيلة في دفعه بالتعلم.
الجهة الثانية: أن الأمة قد أجمعت على أن النسيان لا إثم فيه من حيث الجملة، ودل قوله عليه السلام: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. على أن الناسي معفو عنه. وأما الجهل فليس كذلك لأن من القاعدة التي حكى الغزالي في إحياء علوم الدين والشافعي في رسالته الإجماع عليها من أن المكلف لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله تعالى فيه, ويدل عليها من جهة القرآن قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام: قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ. إذ معناه: ما ليس لي بجواز سؤاله علم، وذلك أنه عليه السلام لما عوتب على سؤال الله عز وجل لابنه أن يكون معه في السفينة لكونه سأل قبل العلم بحال الولد, وأنه مما ينبغي طلبه أم لا. وأجاب بما ذكر كان كلا العتب والجواب يدل على أنه لا بد من تقديم العلم بما يريد الإنسان أن يشرع فيه, وكذا قوله تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ. حيث نهى الله تعالى نبيه عليه السلام عن اتباع غير المعلوم, فدل على أنه لا يجوز الشروع في شيء حتى يعلم, وكذا قوله عليه السلام: طلب العلم فريضة على كل مسلم. يعلم أن طلب العلم واجب عينا في كل حالة يقدم عليها الإنسان، فمن باع يجب عليه أن يتعلم ما عينه الله وشرعه في البيع, ومن آجر يجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في الإجارة, ومن قارض يجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في القراض، ومن صلى يجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في تلك الصلاة, وهكذا الطهارة وجميع الأقوال والأعمال، فمن تعلم وعمل بمقتضى ما علم فقد أطاع الله تعالى طاعتين, ومن لم يعمل فقد عصى الله معصيتين, ومن علم ولم يعمل بمقتضى علمه فقد أطاع الله تعالى طاعة وعصاه معصية، فمن هنا قال الشافعي رحمه الله تعالى: طلب العلم قسمان؛ فرض عين وفرض كفاية, ففرض العين علمك بحالتك التي أنت فيها، وفرض الكفاية ما عدا ذلك. وقال مالك رحمه الله: إن الجهل في الصلاة كالعمد, والجاهل كالمتعمد لا كالناسي. بل قال العلامة الأمير في شرحه على نظم بهرام فيما لا يعذر فيها بالجهل للقاعدة أن الجاهل في العبادات كالعامد. أهـ. وذلك أنه بتركه الواجب عليه من العلم بما يقدم عليه من نحو الصلاة كان عاصيا كالمتعمد الترك بعد العلم بما وجب عليه.والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ.
وبالنسبة للتشهد الأول.. فمن رجع إليه بعد أن استقل قائما فصلاته صحيحة عند الشافعية إن كان رجوعه نسيانا أو جهلا، وتبطل إن رجع عمدا. وعند المالكية تصح إذا رجع نسيانا، وكذا إن رجع عمدا أو جهلا على المشهور.
ففى شرح الجلال المحلي على المنهاج الشافعي: (ولو نسي التشهد الأول) مع قعوده أو وحده (فذكره بعد انتصابه لم يعد له) لتلبسه بفرض فلا يقطعه لسنة. (فإن عاد) عامدا (عالما بتحريمه بطلت) صلاته لزيادته قعودا عمدا (أو ناسيا) أنه في الصلاة (فلا) تبطل، ويلزمه القيام عند تذكره (ويسجد للسهو أو جاهلا) تحريمه (فكذا) لا تبطل (في الأصح) لأنه مما يخفى على العوام ويسجد , والثاني: تبطل لتقصيره بترك التعلم. هذا كله في المنفرد، وفي معناه الإمام. اهـ.
وفي شرح الخرشي على مختصر خليل المالكي: فإن خالف ما أمر به من التمادي ورجع فإن صلاته لا تبطل إن لم يستقل ولو عمدا اتفاقا، وكذا إن رجع بعد استقلاله سهوا, وأما عمدا فالمشهور الصحة خلافا للفاكهاني مراعاة لمن يرى أن عليه الرجوع والجاهل كالعامد، وظاهره ولو كان عالما بخطأ فعله خلافا لسند. اهـ.
والزيادة في الصلاة من غيرجنسها إذا حصلت جهلا فإن كانت يسيرة فلا شيء فيها، وإن كثرت أبطلت الصلاة. ويرجع في تحديد الكثير واليسير لما تعارف عليه الناس. وراجع الفتوى رقم: 62642.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1428(23/25)
مسائل حول الأحكام التي أنيطت بالعرف
[السُّؤَالُ]
ـ[قال ابن قدامة: في ضرب الرجال بالدف تشبُّه بالنساء، وقد لعن النبي المتشبهين من الرجال بالنساء (المغني 14/159) ، فهل تراعى في الأحكام الشرعية التي لم يجعل الشرع لها حداً بعينها عادة وعرف زمن النبوة أم هي على حسب وعادات كل قوم وأعرافهم، هل يجوز إلزام وتطبيق أحكام شرعية يدخل فيها العرف والعادة على أهل زمان ليس لهم نفس العادات، أم هي تلزم أولئك القوم فقط، نفس الشيء في عادات زمن النبوة هل يلزم بها للغير. إذا عرف في بيئة عدم التفريق في الضرب بين الرجال والنساء وأنه لا يختص النساء به، فهل يجوز للرجال ضرب الدفوف في هذه الحالة، فأ فيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ما كان مناطه العرف والعادة من الأحكام فالعبرة فيه بالعرف الحاضر، لا ما كان في عهده صلى الله عليه وسلم، أو عهد أصحابه الكرام، أو في عرف وعهد المجتهد.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جعل الشارع الحكيم مناط بعض الأحكام الشرعية هو العرف وعادة الناس، وما كان كذلك فهو يتغير بحسب الأعراف والعادات ولا يراعى فيه العرف وقت التشريع، ومن ذلك ما نهي عنه شرعاً من تشبه الرجال بالنساء فيما يخصهن ويغلب كونه من شأنهن، ومن ذلك مثلاً هيأتهن في اللبس والتنعل وترجيل الشعر والتحلي بغير النقدين ووضع الطيب.
وأما الدف فجمهور أهل العلم على جواز ضربه للرجال والنساء وعدم اختصاص ذلك بالنساء، لكن لو غلب اختصاصهن به في عصر ما أو مكان ما فضرب الرجال له حينئذ فيه تشبه بالنساء، وكذا لو تغير الحال فاختص به الرجال فضرب النساء له فيه تشبه بالرجال وهكذا.
ولمعرفة حكم ضرب الرجال للدفوف انظر الفتوى رقم: 43309.
وأما ما لم يكن مناط تحريمه أو إباحته العرف والعادة وإنما حرم أو أبيح بأصل الشرع ونصه للرجال أو للنساء أو لهما معاً فلا تأثير للعرف حينئذ فيه كتحريم الذهب على الرجال وإباحته للنساء مثلاً، فلو حدث عرف عكس ذلك فاستعمل الرجال الذهب فذلك لا يحرمه على النساء ولا يبيحه للرجال.
وفي ذلك يقول محمد مولود اليعقوبي:
وليس بالمفيد جرى العيد * بخلف أمر المبدئ المعيد
فالعرف إن خالف أمر الباري * وجب أن ينبذ بالبراري
ومما يمثل به للأمر المباح بأصل الشرع الفطر في القصر لأن الشارع لم ينطه بالمشقة التي كانت تحصل في عهده صلى الله عليه وسلم بالسفر وإن كانت هي مظنة ذلك التخفيف لكن لم يربط الحكم بها، فلا نقول اليوم لا يجوز الفطر لعدم المشقة وتغير الحال.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 27000، والفتوى رقم: 100074.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1428(23/26)
تعريف: أصول الفقه، وأصول الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تعريفا لعلمي أصول الفقه وأصول الحديث وما مجالهما، و.. (ليس بسؤال مسابقة) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أصول الفقه يعرّف باعتبارين:
الأول: باعتبار مفردَيِهِ أي: باعتبار كلمة أصول، وباعتبار كلمة فقه.
فالأصول: جمع أصل، وهو ما يبنى عليه غيره، ومن ذلك أصل الجدار وهو أساسه، وأصل الشجرة الذي تتفرع منه أغصانها، قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء {إبراهيم:24} .
والفقه لغة: الفهم، ومنه قوله تعالى: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي {طه:27-28} .
واصطلاحاً: معرفة الأحكام الشرعية العملية بأدلتها التفصيلية.
قال السيوطي في الكوكب:
والفقه علم حكم شرع عملي * مكتسب من طرق لم تجمل.
الثاني: باعتبار كونه علماً على هذا الفن المعين، فيعرف بأنه: علم يبحث عن أدلة الفقه الإجمالية وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد.
قال السيوطي في الكوكب:
أدلة الفقه الأصول مجمله * وقيل معرفة ما يدل له.
وطرق استفادة والمستفيد * وعارف بها الأصولي العتيد.
وأما علم أصول الحديث ويسمى علم المصطلح، فهو علم بأصول وقواعد يعرف بها أحوال السند والمتن من حيث القبول والرد، وقد نظمه السيوطي في ألفيته فقال:
علم الحديث ذو قوانين تحد * يدرى بها أحوال متن وسند.
فذانك الموضوع والمقصود * أن يعرف المقبول والمردود.
وبالتعريفين يعرف مجال العلمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1428(23/27)
مفهوم العدد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المراد بمفهوم العدد؟ والقاعدة " بأن العدد لا مفهوم له"]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجواب عن هذا السؤال يتطلب التعريف بمفهوم المخالفة؛ لأن مفهوم العدد فرع من فروعه.
ومفهوم المخالفة هو إثبات نقيض حكم المنطوق به للمسكوت عنه. وهو حجة عند المالكية والشافعية والحنابلة، وخالف الحنفية في حجيته.
وهو عشرة أنواع:
مفهوم العلة: نحو: ما أسكر فهو حرام. فمنطوق هذا اللفظ تحريم المسكر، ومفهومه تحليل غير المسكر.
ومفهوم الصفة: نحو: في سائمة الغنم الزكاة.
ومفهوم الشرط، نحو: من تطهر صحت صلاته.
ومفهوم الاستثناء: نحو: قام القوم إلا زيدا.
ومفهوم الغاية: نحو: أتموا الصيام إلى الليل.
ومفهوم الحصر: نحو: إنما الولاء لمن أعتق.
ومفهوم الزمان: نحو: قم الليل.
ومفهوم المكان: نحو: وأنتم عاكفون في المساجد.
ومفهوم العدد: نحو: فاجلدوهم ثمانين جلدة.
ومفهوم اللقب: وهو تعليق الحكم على مجرد أسماء الذوات، نحو: في الغنم الزكاة.
وقد لخصها صاحب مراقي السعود في قوله:
وهو ظرف علة وعدد * ومنه شرط غاية تعتمد
فالحصر فالصفة مثل ما علم * من غنم سامت وسائم الغنم
إلى قوله:
أضعفها اللقب وهو ما أبي * من دونه نظم الكلام العربي
فالمراد -إذاً- بمفهوم العدد أن يعلق الحكم بعدد مخصوص.
وقد جاء في شرح الكوكب المنير: (والخامس) من أقسام مفهوم المخالفة "العدد" وهو تعليق الحكم بعدد مخصوص (كـ) نحو قوله تعالى: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً {لنور: 4} وبه قال أحمد ومالك وداود, رضي الله تعالى عنهم وبعض الشافعية. قال سليم منهم: وهو دليلنا في نصاب الزكاة, والتحريم بخمس رضعات. ونقله أبو حامد وأبو المعالي والماوردي عن نص الشافعي, قال ابن الرفعة: القول بمفهوم العدد هو العمدة عندنا في تنقيص الحجارة في الاستنجاء من الثلاثة, ونفاه الحنفية والمعتزلة والأشعرية. والقول به أصح; لئلا يعرى التحديد به عن فائدة ... اهـ
فتبين من هذا أن العدد له مفهوم عند جمهور أهل العلم.
مع العلم بأن العدد قد يأتي ولا مفهوم له، كما إذا جاء للمبالغة ونحوها، كما في قول الله تعالى: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ {التوبة:80}
هذا؛ وننبه إلى أن المالكية لم يعتبروا مفهوم الصفة في حديث " في سائمة الغنم الزكاة "فأوجبوها في المعلوفة أيضا لاعتقادهم أن الصفة هنا لم تسق ليعتبر مفهومها، فلما كان الغالب على الغنم وصف السوم خرج الكلام على ما هو غالب، ونظير ذلك عند: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ {النساء:23}
فمن المعلوم تحريم الربيبة ولو لم تكن في الحجر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1428(23/28)
ضابط: ما أبيح سدا للذريعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب حديث الالتزام وأتحرج من الذهاب إلى الدراسات العليا؛ لأن الكليات مختلطة عندنا، والطالبات لا يرتدين اللباس الشرعي، وأنا أعلم أن الاختلاط محرم في الشريعة الإسلامية، وقد كان هذا الاختلاط سببا لانحرافي ووقوعي في المحرمات في أثناء دراستي للبكلوريوس، ولا أريد أن أقع في نفس المستنقع من جديد، ومعلوم أن دراسة العلوم الدنيوية كالهندسة من فروض الكفاية، والبلدان العربية فيها من الكفاية بحيث إن المهندسين لا يجدون فرصا للعمل أصلا، أي أصبح فرض الكفاية بالنسبة لي مستحباً؛ لأنه تحققت الكفاية بغيري من المسلمين، ولا يجوز لي أن أقع في الحرام وهو الاختلاط من أجل مستحب وهو دراسة الهندسة التي تحققت فيها الكفاية، لكن المشكلة هي أنني ذات يوم، وأنا أقرأ في أحد الكتب الشرعية وجدت أنه هناك قاعدة فقهية تقول: (ما حرم سدا للذرية أبيح عند الحاجة) ولم تقل القاعدة عند الضرورة ومن المعلوم أن تحريم الاختلاط هو سداً للذريعة، وأنا مثلاً إذا أردت الدراسة أكيد عندي حاجة، وهي زيادة الدخل مثلاً أو الحصول على مصدر للرزق أو غيره، وعلى هذه القاعدة لن يحرم الاختلاط أبداً؛ لأنه كل من يختلط بالجنس الآخر يقول إن ذلك لحاجة, فكيف أجمع بين هذه الأدلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى فرض أن الاختلاط ليس محرما لذاته وإنما حرم سدا للذريعة -كما تقول- فإن الحاجة المقصودة التي يباح لأجلها ليست كل حاجة، وإنما الحاجة الشديدة التي تكاد تلامس الضرورة لما يترتب على عدمها من الحرج والمشقة، ولذلك فإنها تنزل منزلة الضرورة، أو تكون الحاجة متضمنة لمصلحة راجحة على المفسدة المفضية إليها الوسيلة. قال ابن القيم رحمه الله: وما أبيح سداً للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، كما أبيحت العرايا من ربا الفضل، وكما أبيحت ذوات الأسباب من الصلاة بعد الفجر والعصر، وكما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب ... " (إعلام الموقعين 2/161) ..وانظر الفتوى رقم: 25545.
وما ذكرته من طلب الوظيفة وزيادة الدخل وغيرها ليس ضرورة ولا حاجة تلامسها لإمكان حصول ذلك كله بسبل الحلال دون ولوج الحرام وارتكاب المفاسد.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1428(23/29)
فروق بين العام والخاص والمقيد والمطلق والمجمل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين العام والخاص والمقيد والمطلق والمجمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
بتعريف دلالات هذه الألفاظ عند الأصوليين يعرف الفرق بينها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد عرف علماء الأصول العام بأنه: اللفظ المستغرق لكل ما يصلح له دفعة واحدة، قال صاحب المراقي:
ما استغرق الصالح دفعه بلا * حصر من اللفظ كعشر مثلاً.
وعرفوا الخاص بأنه: اللفظ الدال على مسمى واحد، أو كان متناولاً لبعض الجموع الذي يصلح له لا لكله، أو بعبارة أخرى هو: قصر العام على بعض أفراده، وفيه يقول صاحب المراقي:
قصر الذي عم مع اعتماد * غير على بعض من الأفراد.
وأما المطلق فهو: اسم الجنس الدال على الماهية بلا قيد، وفيه يقول صاحب المراقي:
وما على الذات بلا قيد يدل * فمطلق، وباسم جنس قد عقل.
وأما المقيد فهو: اللفظ الذي زيد معنى على معناه لغير معناه، نحو رقبة مؤمنة، فالإيمان معنى زيد على معنى الرقبة، فالرقبة مقيدة بالإيمان، وفي المقيد يقول صاحب المراقي:
فما على معناه زيد مسجلاً * معنى لغيره اعتقده الأوّلا.
وأما المجمل فهو: ما احتمل معنيين أو أكثر دون رجحان أحدها على الآخر عند السامع، قال صاحب المراقي:
وذو وضوح محكم، والمجملُ * هو الذي المراد منه يُجهلُ.
وبهذا التعريف تعرف الفرق بين هذه الألفاظ إجمالاً، وننصحك بالرجوع إلى كتب الأصول.
هذا وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8101، 75393، 46261، 94986.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1428(23/30)
لا يخلو زمان من مجتهد يقوم لله بالحجة على خلقه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يستطيع أحد في عصرنا أن يصل إلى درجة اجتهاد الأئمة الأربعة أي الاجتهاد المطلق وكيف نفسر مخالفة ابن تيمية للأئمة في بعض المسائل ومخالفة بعض العلماء المعاصرين أيضا أنأخذ برأيهم المخالف للأئمة أم نتركه؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
باب الاجتهاد مفتوح لأهله وفي محله، ويمكن أن يصل إليه من توفرت فيه شروطه في أي زمان ومكان.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاجتهاد في اصطلاح أهل العلم هو: بذل الفقيه وسعه بالنظر في الأدلة ليحصل له الظن أو القطع بأن حكم الله في المسألة الوجوب أو المنع أو الكراهة أو الاستحباب أو الإباحة.. بناء على معطيات الأدلة.
والأصل فيه قول الله تعالى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ {المائدة: من الآية95} ، وقوله: وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ {الأنبياء: 78} . وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأصاب..
وشروطه: إحاطة المجتهد بمدارك الأحكام من الكتاب والسنة، ومعرفة الناسخ منها والمنسوخ، ومعرفة الإجماع والقياس ... والراجح من الأدلة عند ظهور التعارض وتقديم ما يجب تقديمه منها كتقديم النص على القياس، ومعرفة ما يصلح للاحتجاج من الحديث، ومعرفة القدر اللازم لفهم الكلام من النحو واللغة.. وأن يكون حديد الفهم عنده الملكة الطبيعية التي تؤهله لفهم النصوص والمقاصد الشرعية وأحوال الناس..
هذا باختصار مجمل ما عرف به الأصوليون الاجتهاد والمجتهد، وبناء عليه فإنه لا مانع شرعا ولا عقلا أن يصل عالم إلى درجة الاجتهاد المطلق كالأئمة الأربعة وغيرهم، أو يصل إلى رتبة مجتهد المذهب الذي هو دون ذلك، أو الاجتهاد في فرع من فروع الشريعة أو باب من أبوابها، لأن الاجتهاد يتجزأ عند أكثر أهل العلم.
وقد نص أهل العلم على أنه لا يخلو زمان من مجتهد يقوم لله بالحجة على خلقه، وينصر السنة وينكر البدعة.. بناء على الحديث المتفق عليه: لا تزال طائفة من أمتي على الحق. .
قال صاحب المراقي:
والأرض لا عن قائم مجتهدِ * تخلو إلى تزلزل القواعدِ
وهو جائز بحكم العقل * مع احتمال كونه بالنقل.
ومخالفة ابن تيمية أو غيره من العلماء ممن عاصروا الأئمة الأربعة أو ممن جاء بعد ذلك كان بناء على أدلة ذكروها، أو اجتهادات توصلوا إليها بناء على معطيات الاجتهاد والأدلة.. حسب رأيهم.
وأما الأخذ بما خالف فيه بعضهم فإنه يتوقف على معرفة أدلة المتخالفين؛ فإن كان دليل المخالفين أقوى وجب الأخذ به مهما كان قائله، وهو ما كان الأئمة الأربعة- رحمهم الله- يعلمونه لطلابهم، فقد اتفقوا على أن الدليل إذا ثبت وجب اتباعه، كما قال تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ {الأعراف: 3}
وقد اتفق أهل العلم على أن المخطئ في الفروع مع استكماله الشروط معذور في خطئه مأجور باجتهاده؛ كما في الحديث المتفق عليه: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر.
وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتاوى: 2673، 97985، 31408.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رمضان 1428(23/31)
كتاب من أصول المذهب الحنفي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أصول المذهب الحنفي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المقام لا يسمح بسرد وبيان أصول المذهب الحنفي، ومن أراد الإطلاع على ذلك فلينظر كتب الأصول التي ألفت على المذهب الحنفي مثل كتاب (كنز الوصول إلى معرفة الأصول) المعروف بأصول البزدوي، وغيره من أصول المذهب المذكور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1428(23/32)
إيضاح مسألة الترك
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم ونفع بكم الإسلام والمسلمين.... يا شيخنا لقد قرأت في كتاب لبعض المعاصرين.. بعض الآراء التي حيرتني وجعلتني أشك في صحة هذه الآراء الغريبة وهي قوله: يجوز الحلف بالنبي ورأس الحسن وغلاوته بشرط أن تكون نية الحالف الترجي وليس القسم، ومنها أن هذه العبارة صحيحة المعنى وهي لولا محمد صلى الله عليه وسلم ما خلق الله الخلق، ومنها أن الاحتفال بالمولد النبوي من أفضل القربات إلى الله تعالى ومنها أنه يجوز شد الرحال لزيارة قبر النبي والصالحين، ومنها أن الطرق الصوفية لا بد منها لأنها تربي المسلم تربية صحيحة، ومنها الترك ليس مصدرا أي أن الأشياء التي لم يفعلها النبي كالاحتفال بالمولد النبوي ليس دليلا على حرمتها واستدل بحديث بلال وهو أن النبي قال له يا بلال لقد سمعت دفي نعليك في الجنة.......) علق عليه قائلا إن بلال صلى هاتين الركعتين بعد كل وضوء وهو يعلم أن النبي لم يفعل ذلك فلو كان ترك النبي لهما حراما لما فعل ذلك بلال، فنرجو من فضيلتكم أن تطلعوا على هذا الكتاب لكي تعرفوا البلايا التي ذكرها في هذا الكتاب، والمصيبة أن كثيراً من الناس يعتقد أن هذا الكلام صحيحا، يا شيخنا نرجو منكم أن توضحوا لنا الحق؟ بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيمكن إجمال الجواب عن هذه المسائل الواردة بهذا السؤال في النقاط التالية:
النقطة الأولى: أنه لا يجوز الحلف بمخلوق مهما علت درجته فإن الحلف تعظيم والتعظيم لا يكون إلا لله، وتراجع الفتوى رقم: 93416، ولا ندري ما المقصود بالترجي في اليمين، والذي اطلعنا عليه في بعض كتب الحنفية إطلاق هذا اللفظ على يمين اللغو لرفع المؤاخذة بها، فإن كان المقصود أن ما يقع من بعض المسلمين من حلف بغير الله لا يقصدون به القسم وإنما هو لغو فليس بصحيح، بل إن كثيراً منهم يقصدون به القسم، وما يقع منهم ولا يقصد به القسم ورد في مثله حديث النبي صلى الله عليه وسلم: من حلف فقال في حلفه واللات والعزى فليقل لا إله إلا الله. متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
النقطة الثانية: لا يصح القول بأنه لولا محمد ما خلق الله الخلق لعدم ورود دليل صحيح يدل على ذلك، والنصوص التي وردت بهذا الخصوص مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وراجع لبيان ذلك الفتوى رقم: 70409، والفتوى رقم: 9650.
النقطة الثالثة: لا يجوز الاحتفال بالمولد النبوي، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 62785.
وأما مسألة الترك وهل وهو سنة أو لا، فقد حقق هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يتحدث عن الأذان في العيدين حيث قال: فأما ما كان المقتضي لفعله موجوداً لو كان مصلحة وهو مع هذا لم يشرعه فوضعه تغيير لدين الله تعالى ... فمثال هذا القسم: الأذان في العيدين، فإن هذا لما أحدثه بعض الأمراء أنكره المسلمون لأنه بدعة، فلو لم يكن كونه بدعة دليلاً على كراهته وإلا لقيل هذا ذكر الله ودعاء للخلق إلى عبادة الله فيدخل في العمومات؛ كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا. وقوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ. أو يقاس على الأذان في الجمعة، فإن الاستدلال على حسن الأذان في العيدين أقوى من الاستدلال على حسن أكبر البدع، بل يقال: ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم له مع وجود ما يعتقد مقتضياً وزوال المانع سنة كما أن فعله سنة. انتهى.
وهذا متحقق في الاحتفال بالمولد النبوي، وأما حديث بلال رضي الله عنه فإن استحباب صلاة ركعتين بعد الوضوء ثابت بأصل الشرع، ففي صحيح مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يتوضأ رجل مسلم فيحسن الوضوء فيصلي صلاة إلا غفر الله له ما بينه وبين الصلاة التي تليها.
النقطة الرابعة: لا يشرع شد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره من الصالحين، كما هو مبين في الفتوى رقم: 30152.
النقطة الخامسة: أنه لا يصح القول بأن الطرق الصوفية تربي المسلم تربية صحيحة، وذلك لأن المنهج التربوي الصوفي يقوم على كثير من الأخطاء، ولا سيما في مجال العقيدة، وراجع الفتوى رقم: 8500، والفتوى رقم: 29243.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شعبان 1428(23/33)
تعريف مفهوم الموافقة والمخالفة وأمثلة عنهما
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد مثالا عن مفهوم الموافقة من واقع الحياة، ومثال آخر عن مفهوم المخالفة أيضا من واقع الحياة؟ ولكم جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي قبل إعطاء أمثلة على بعض المفاهيم أن نذكر تعريف المفهوم عند الأصوليين، فقد عرفه بعضهم بقوله: المفهوم هو المعنى الذي دل عليه اللفظ لا في محل النطق، كما عرفه بعضهم بقوله: المفهوم أن يدل اللفظ المنطوق به على حكم أمر مسكوت عنه؛ سمي بذلك لأنه يفهم من المنطوق دون أن يصرح به المتكلم.
قال الولاتي في فتحه: والمفهوم عندهم يطلق على الحكم كالتحريم.. كما يطلق على محله كالعقوق.. كما يطلق عليهما معا.. وعلى الحكم أكثر.
ومفهوم الموافقة عرفه صاحب المراقي بقوله:
إعطاء ما للفظة المسكوتا * من باب أولى نفيا أو ثبوتا.
ومن أمثلته ما ذكره الأقدمون- وهي أمثلة تنطبق على واقع حياة الناس اليوم كما كانت في السابق- ومنها قول الله تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ {الإسراء: من الآية23} فإنه يفهم منه من باب أولى النهي عن ضربهم أو شتمهم أو أذيتهم بأي وجه من الوجوه.
ومنه المفهوم المساوي كما في قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً {النساء:10} فالإتلاف بأي وجه مساو لتحريم الأكل لاشتراكهما في العلة التي هي تفويت المنفعة.
وأما مفهوم المخالفة فهو أن يخص المتكلم بالذكر وصفا من أوصاف المحكوم فيه أو حالا من أحواله فيستدل به على انتفاء الحكم عما سواه.
ومن أمثلته قوله صلى الله عليه وسلم: في سائمة الإبل الزكاة. ويفهم منه بالمخالفة أنها إذا لم تكن سائمة فلا زكاة فيها. ومنه قول الله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ {النساء: 23}
وقد اختلف أهل العلم في مفهوم المخالفة فذهب بعضهم إلى أنه حجة، وذهب آخرون إلى أنه غير حجة وأن وصف الغنم بالسائمة ووصف الربيبة بكونها في الحجر إنما جرى مجرى الغالب؛ فأغلب أحوال الماشية أن تكون سائمة، وأغلب أحوال الربيبة أن تكون في حجر زوج أمها؛ وعلى هذا التوجيه فلا يجوز للرجل تزوج ربيبته إذا لم تكن في حجره، كما أن الزكاة لازمة في الماشية إذا بلغت النصاب سواء كانت سائمة أو معلوفة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1428(23/34)
مسألة الخوض في القواعد التي لا ينبني عليها عمل
[السُّؤَالُ]
ـ[التقى الإمام أبو حنيفه بالإمام مالك في موسم الحج فما هي أهم القضايا هل هي الإجماع أو القياس أو العرف، من قال القواعد الشرعية لكل مسأله لا ينبني عليها عمل والخوض فيها من الأمور التي نهانا عنها الشرع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نعثر على قصة اللقاء بين الإمامين أبي حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى، والمعروف في مذهبي الإمامين المذكورين أن الإجماع مقدم على القياس والعرف، وأما القياس فيقدم عليه العرف إن كان صحيحاً،والصحيح ما لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً، وأما العرف الفاسد فلا عبرة به.
وأما مسألة النهي عن الخوض في القواعد التي لا ينبني عليها عمل فلا نعلم أحداً قال بهذا من علماء المذاهب، وقد اشتهر في كتب الأصول بحث بعض المسائل، ثم يذكرون أنه لا ينبني عليها عمل، وقد ذكر العلوي في مراقي السعود عدة مسائل من هذا القبيل ثم يقول:
وذاك لا يبنى عليه فرع ...
وأحياناً يقول: لكنه ليس يفيد فرعاً.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 37558، 4145، 2397، 44126، 45700، 52842، 63261.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1428(23/35)
الحرام لا يحرم الحلال.
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة أود أن أطرحها عليكم وجزاكم الله كل خير. هي أنه إذا فعلت شيئاً حراماً وترتب عليه حلال، هل يكون الوصول إلى الحلال عن طريق الحرام يحرم الحلال، مثلا لو سرقت وتزوجت بهذا المال ثم تبت وأخذت من مال زوجتي لعمل مشروع، هل يكون هذا المال الذي أخذته من زوجتي حراماً لأنني وصلت إليه بمال حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحرام لا يحرم الحلال، فقد روى ابن ماجه عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يحرم الحرام الحلال، وكذلك رواه الدراقطني والبيهقي في معرفة السنن والآثار، قال البيهقي: وحكاه ابن المنذر عن ابن عباس، وسعيد بن المسيب، ويحيى بن يعمر، وعروة، ومجاهد، والحسن البصري، والزهري.
قال القاضي أبو بكر بن العربي: أقام مالك عمره كله يقرأ عليه الموطأ ويقرأه لم يختلف قوله فيه: إن الحرام لا يحرم الحلال، ولا شك في ذلك.
وروى ابن حزم: عن سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، قالا جميعا: الحرام لا يحرم الحلال.
وهذه الآثار وإن أوردها الأئمة في مسألة من زنا بامرأة وأن ذلك لا يحرم عليه أصولها أو فروعها أو أختها؛ إلا أنها خرجت مخرج القاعدة العامة ويتأيد ذلك بالحديث المتقدم وإن كان فيه مقال.
ولهذا قال الإمام السيوطي في الأشباه والنظائر في قاعدة: إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام. خاتمة: لهم قاعدة عكس هذه القاعدة، وهي {الحرام لا يحرم الحلال} ، وهو لفظ حديث أخرجه ابن ماجه والدارقطني عن ابن عمر، مرفوعا.
قال ابن السبكي: وقد عورض به حديث {إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام} ، وليس بمعارض؛ لأن المحكوم به ثم إعطاء الحلال حكم الحرام تغليبا واحتياطا لا صيرورته في نفسه حراما.
ومن فروع ذلك: ما تقدم في خلط الدرهم الحرام بالمباح.
وخلط الحمام المملوك بالمباح غير المحصور.
وكذا المحرم بالأجانب، وغير ذلك.
ومنها: لو ملك أختين فوطئ واحدة، حرمت عليه الأخرى.
فلو وطئ الثانية لم تحرم عليه الأولى، لأن الحرام لا يحرم الحلال.
وأما بالنسبة للمثال المذكور في السؤال فلا يحرم المال الذي أخذته من زوجتك لأنك أخذته بطريقة مشروعة لا محذور فيها.
ونحن وإن كنا نقدر لك اهتمامك بدينك وحرصك على تعلمه ولاسيما وقد سبقت لك عدة أسئلة حول هذا الموضوع فإننا ننصحك بترك الوسوسة في ذلك، فإن هذه الوسوسة من كيد الشيطان ليوقعك في الحيرة والحرج والتبرم من الدين، فإياك ثم إياك أن تنساق خلفها، وراجع لزاما الفتوى رقم: 3086، والفتوى رقم: 10973.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1428(23/36)
القياس.. معناه.. أركانه.. وحجيته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو القياس في الشرع، وما هي أركانه، وما هي حجيته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القياس في اللغة: هو التقدير والتسوية. قال ابن منظور في اللسان: قاس الشيء بغيره وعلى غيره ... إذا قدره على مثاله. اهـ
وعند أهل العلم: طريقة في الاستدلال، فيستدل المجتهد بعلة الحكم الثابت بالنص أو الإجماع على حكم أمر غير معلوم الحكم، فيلحق الأمر المسكوت عنه في الشرع بحكم المنصوص على حكمه إذا اشتركا في علة الحكم. قال صاحب المراقي:
بحمل معلوم على ما قد عُلِمْ * للاستوا في علة الحكم وُسِمْ.
وقال السيوطي في الكوكب:
وحمل معلوم على ذي علم * ساواه في علته والحكم
هو القياس ومريد الشامل * غير صحيح زاد عند الحامل
وأما أركانه فأربعة: الأول: وهو المحل المشبه به أو الشيء المعروف حكمه بالنص أو الإجماع.
الثاني: حكم الأصل من الحرمة أو غيرها.
والثالث: العلة، وهي الوصف أو المعنى الجامع بين الأصل والفرع (المقيس والمقيس عليه) ومن أجلها حكم لهما بحكم واحد.
والرابع: هو الفرع أو الشيء الذي لم يرد نص بحكمه، ونريد أن نثبت له حكماً بالقياس على مماثله.
قال صاحب المراقي:
الأصل، حكمه، وما قد شُبّها * وعلة رابعها فانتبها.
والقياس حجة عند جمهور أهل العلم لأن نصوص الوحي محدودة والحوادث متجددة لا انتهاء لها، وقد استدلوا عليه بقول الله تعالى: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ {الحشر:2} ، وبقوله تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ {النساء:83} ، وهو الأصل الرابع من أصول الاستنباط بعد القرآن والسنة والإجماع، وانظر الفتوى رقم: 75439.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1428(23/37)
العام والمطلق والتخصيص والتقييد
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن الفرق بين التقييد والتخصيص في أصول الفقه؟
أرجو منكم أن تجيبوا عن سؤالي في أقرب وقت وأتمنى أن يكون اليوم وذالك لضرورة الأمر جداً.
وأرجو إعلامي بذالك عند الرد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلمعرفة الفرق بين التخصيص والتقييد في أصول الفقه فإنه يلزم أولا معرفة الفرق بين العام وبين المطلق.
والعام والمطلق مصطلحان من المصطلحات الأصولية، وقد تكلم عنهما الأصوليون في مباحث دلالات الألفاظ.
وقد عرف الأصوليون العام بتعريفات كثيرة، من أجودها أنه: اللفظ الدال على جميع أجزاء ماهية مدلوله. مثل: قوله تعالى: إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ {العصر:2} فالإنسان لفظ عام دال على جميع ما يصدق عليه أنه إنسان، فكل إنسان في خسر إلا من آمن وعمل صالحاً.
أما المطلق فقد عرفه الأصوليون بتعريفات كثيرة، من أجودها أنه: اللفظ الدال على الماهية المجردة عن وصف زائد، مثل قوله تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [النساء: 92] ، فالرقبة هنا مطلقة من حيث الإسلام والكفر، والطول والقصر، والسواد والبياض، والذكورة والأنوثة.
ومن الفروق التي بينها الأصوليون بين العام والمطلق: أن عموم العام شمولي؛ لأنه يشمل جميع الأفراد الداخلة تحته بخلاف عموم المطلق نحو رجل وأسد فإنه بدلي، لأنه لا يشمل جميع الأفراد الداخلة تحته وإنما يكفي واحد منها،.
فإذا علمت هذه الفروق فاعلم أن التخصيص يكون للعام والتقييد يكون للمطلق. فقول الله تعالى: إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، قد خصص بقوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {العصر:3} .
وتحريم الدم في قول الله تعالى: حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير [المائدة: 3] ، جاء مقيدا بقول الله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ {الأنعام: 145} .
ونحسب أن هذا القدر كاف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1428(23/38)
معنى قاعدة (يختار أهون الشرين)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى (يختار أهون الضررين) ، وما هي أهم المصادر التي يمكن الرجوع إليها لفهم هذه القاعدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقرر في الشريعة قاعدة نصها: الضرر يزال، ودليلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه أحمد والبيهقي. ولإزالة الضرر حالتان:
الأولى: أن يزال من غير أن يترتب على إزالته ضرر آخر فيزال.
الثانية: أن يترتب على إزالته ضرر آخر. وهذه الحالة لها ثلاث مراتب:
الأولى: أن يكون الضرر الثاني أكبر من الأول، فلا يزال ضرر بأكبر منه.
الثاني: أن يكون الضرر الثاني مساوياً للأول، فلا يدفع ضرر بمثله.
الثالث: أن يكون الضرر الثاني أخف من الأول فيزال، ويعبر العلماء عن هذه المرتبة بما ذكرته في سؤالك، وبعضهم يعبر بقوله: الأشد يزال بالأخف، وبعضهم يعبر بقوله: يختار أهون الشرين، والمسمى واحد وإن اختلف التعبير.
ومن ذلك أن لا يكون هناك ضرر قد وقع ولكن اضطر الإنسان إلى شيء ما ولا يستطيع تحقيقه إلا بارتكاب ضررين أحدهما أعظم من الثاني فإن عليه أن يرتكب أخفهما ضرراً، وأحسن من تكلم عن ذلك الإمام عز الدين بن عبد السلام في كتابه: قواعد الأحكام في مصالح الأنام، وكتابه الآخر: القواعد الصغرى، والإمام الشاطبي في الموافقات، والقرافي في الفروق وغيرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1428(23/39)
الفهم.. معناه.. ومراتبه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الفهم عن الله ورسوله، وما معنى مراتب الفهم ومناط الفهم؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفهم في لغة العرب معناه: العلم بالشيء ومعرفته.
قال في لسان العرب: الفهم معرفتك الشيء.
وجاء في مختار الصحاح.. فهم الشيء أي علمه.
فالمراد بالفهم عن الله ورسوله أي العلم والمعرفة بمعاني كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. والفقه أخص من الفهم.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: والفقه أخص من الفهم وهو فهم مراد المتكلم من كلامه، وهذا قدر زائد على مجرد فهم وضع اللفظ في اللغة. اهـ من إعلام الموقعين.
والمقصود بمراتب الفهم درجاته، فإن الناس يختلفون في الفهم، فبعضهم أعلى درجة في الفهم من الآخر، فقد يفهم العالم من النص القرآني أو الحديث النبوي معنى لا يفمه عالم آخر.
قال ابن القيم رحمه الله: وتفاوت الأمة في مراتب الفهم عن الله ورسوله لا يحصيه إلا الله، ولو كانت الأفهام متساوية لتساوت أقدام العلماء في العلم، ولما خص سبحانه سليمان بفهم الحكومة في الحرث، وقد أثنى عليه وعلى داود بالعلم والحكمة، وقد قال عمر لأبي موسى في كتابه إليه: الفهم الفهم، فيما أدلي إليك. وقال علي: إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه.. إلخ. وانظر كلامه عن الفهم ومراتبه في كتابه مدارج السالكين. (1/241) الفصل الخامس.. فإنه كلام نفيس.
وأما مناطات الفهم.. فإننا لم نجد من أهل العلم من استخدم هذه العبارة، ولكن على وجه العموم المناط هو ما يعلق عليه الشيء، وفي اللغة: ناط الشيء أي علقه، ويقال -مثلا- العقل مناط التكليف أي أن التكليف معلق بالعقل، فإذا وجد العقل وجد التكليف، وإذا انتفى العقل انتفى التكليف.
وهكذا الفهم الصحيح فإنه معلق على وجود أشياء منها: التمكن من العلوم الشرعية وعلوم الآلة كعلم اللغة وأصول الفقه وأصول التفسير ونحو ذلك. وقبل ذلك وبعده لجوء العبد إلى ربه أن يرزقه الفهم عنه وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يدعو ويقول: اللهم يا مفهم سليمان فهمني..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الأول 1428(23/40)
تنوع دلالات الخبر المنفي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الخبر المنفي يفيد الطلب أم يحتاج إلى قرينة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النهي قد يأتي بلفظ الخبر كالنهي بلفظ الطلب إذا جاء لتقرير الحكم أو جاء بذمه أو ذم فاعله أو البغض والكراهية أو عدم الحب وهو أبلغ في الخطاب من النهي، كما قال الزركشي والزيلعي، لأن النهي يتضمن أن الحكم قد كان قاراً قبل وروده، ومن هذا قوله تعالى: لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ {الواقعة:79} ، وقوله: وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً {النساء:141} ، وقوله تعالى: فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ {البقرة:197} ، وقوله تعالى: إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ {الأنعام:141} ، وقوله تعالى: وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ {الزمر:7} ، وحديث مسلم: لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، ولا يسوم على سوم أخيه، ولا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ صحفتها ولتنكح، فإنما لها ما كتب الله لها. وكقوله: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك وابن ماجه.
قال الزركشي في البحر المحيط: يقع الخبر الموجب به موقع الأمر وبالعكس فمن الأول قوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ. أي ليرضعن، ولا يصح أن يكون خبراً، لأن الرضاع في الواقع قد يكون أقل أو أكثر منه، ومنه قوله: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. ثم قال: يغفر لكم. والمعنى: آمنوا بالله ورسوله يغفر لكم، هكذا جعل النحاة يغفر جوابا ل (تؤمنون) ، لوقوعه موقع آمنوا، ولا يصح أن يكون جوابا لـ (هل أدلكم) على حد قوله: هل تأتيني أكرمك، لأن المغفرة لا تجب بالدلالة، وإنما تجب بالإيمان، وقوله: لا يمسه إلا المطهرون. وقيل: إنه نهي مجزوم، ولكن ضمت السين إتباعا للضمير ...
الثاني قوله تعالى: فليمدد له الرحمن مدا. المعنى: مد. وقولهم في التعجب: أحسن بزيد، كقوله: أسمع بهم وأبصر. أي ما أسمعهم وأبصرهم، وقوله: لا يمسه إلا المطهرون. قيل: إنه خبر منفي واقع موقع النهي، هذا هو المشهور. ومنع القاضي أبو بكر والسهيلي ورود الخبر مراداً به الأمر، وقال: هو باق على خبريته، ولا يلزم الخلف بالنسبة إلى العصاة، فإنه خبر عن حكم الشرع أي أن حكمهن أن يجب أو يشرع رضاعهن أو عليهن الرضاعة والمشهور الأول، بل قيل: إنه أبلغ من الأمر المحض.. انتهى.
وقال الزركشي أيضاً في موضع آخر من البحر: ترد صيغة الخبر للأمر نحو (والوالدات يرضعن) وهو مجاز، والعلاقة فيه ما يشترك كل واحد منها في تحقيق ماتعلق به، وكذا الخبر بمعنى النهي نحو: لا تنكح المرأة المرأة. نعم ها هنا بحث دقيق أشار إليه ابن دقيق العيد في شرح العنوان: وهو أنه إذا ورد الخبر بمعنى الأمر، فهل يترتب عليه ما يترتب على الأمر من الوجوب إذا قلنا: الأمر للوجوب، أو يكون ذلك مخصوصاً بالصيغة المعنية وهي صيغة (افعل) ؟ ولم يرجح شيئاً. وهذا البحث قد دار بين الشيخين ابن تيمية وابن الزملكاني في مسألة الزيارة، فادعى ابن تيمية أنه لا فرق وجعل قوله صلى الله عليه وسلم: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث. في معنى النهي، والنهي للتحريم، كما أن الأمر للوجوب، ونازعه ابن الزملكاني وقال: هذا محمول على الأمر بصيغة (افعل) وعلى النهي بصيغة (لا تفعل) ، إذ هو الذي يصح دعوى الحقيقة فيه، وأما ما كان موضوعاً حقيقة لغير الأمر والنهي، ويفيد معنى أحدهما كالخبر، بمعنى الأمر، والنفي بمعنى النهي فلا يدعى فيه أنه حقيقة في وجوب، ولا تحريم، لأنه يستعمل في غير موضعه إذا أريد به الأمر أو النهي، فدعوى كونه حقيقة في إيجاب أو تحريم، وهو موضوع لغيرهما مكابرة، قال: وهذا موضع يغلط كثير من الفقهاء ويغترون بإطلاق الأصوليين ويدخلون فيه كل ما أفاد نهياً أو أمراً، والمحقق الفاهم يعرف المراد ويضع كل شيء في موضعه. قلت: صرح القفال الشاشي في كتابه بهذه المسألة وألحقه بالأمر ذي الصيغة. قال: ومن الدليل على أن معناه الأمر والنهي دخول النسخ فيه، والأخبار المحضة لا يلحقها النسخ، ولأنه لو كان خبراً لم يوجد خلافه، قال: ومن هذا الباب عند أصحابنا قوله تعالى: لا يمسه إلا المطهرون. وقال بعضهم: لا إذا كانت نافية أبلغ في الخطاب من النهي، لأن النهي يتضمن أن الحكم قد كان قارا قبل وروده، والنفي يتضمن الإخبار عن حالته، وأنها كانت منفيه، فلم تكن ثابتة قبل ذلك، وها هنا فوائد إحداها: في العدول عن صيغة الطلب إلى صيغة الخبر فوائد: منها: أن الحكم المخبر به يؤذن باستقرار الأمر وثبوته على حدوثه وتجدده، فإن الأمر لا يتناول إلا فعلا حادثاً فإذا أمر بالشيء بلفظ الخبر آذن ذلك بأن هذا المطلوب في وجوب فعله ولزومه بمنزلة ما قد حصل وتحقق، فيكون ذلك أدعى إلى الامتثال، ومنها: أن صيغة الأمر وإن دلت على الإيجاب فقد يحتمل الاستحباب. فإذا جيء بصيغة الخبر علم أنه أمر ثابت مستقر وانتفى احتمال الاستحباب.. انتهى.
وقال الشاطبي في الموافقات: وأما الأوامر والنواهي غير الصريحة فضروب. أحدها ما جاء مجيء الأخبار عن تقرير الحكم كقوله تعالى: كتب عليكم الصيام، والوالدات يرضعن أولادهن، ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا.. فكفارته إطعام عشرة مساكين، وأشباه ذلك مما فيه معنى الأمر فهذا ظاهر الحكم وهو جار مجرى الصريح من الأمر والنهي.
والثاني ما جاء مجيء مدحه أو مدح فاعله في الأوامر أو ذمه أو ذم فاعله في النواهي وترتيب الثواب على الفعل في الأوامر وترتيب العقاب في النواهي أو الإخبار بمحبة الله في الأوامر والبغض والكراهية أو عدم الحب في النواهي وأمثلة هذا الضرب ظاهرة كقوله: والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون. وقوله: بل أنتم قوم مسرفون. وقوله: ومن يطع الله ورسوله ندخله جنات. ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده ندخله ناراً. وقوله: والله يحب المحسنين. وقوله: إنه لا يحب المسرفين. ولا يرضى لعباده الكفر. وإن تشكروا يرضه لكم، وما أشبه ذلك فإن هذه الأشياء دالة على طلب الفعل في المحمود وطلب الترك في المذموم من غير إشكال. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1428(23/41)
إيضاح حول قاعدة: إذا اجتمع الحلال والحرام ...
[السُّؤَالُ]
ـ[كم يعلم الله أنني أحب الشبكة الإسلامية كثيرا ولكن لي تعليق حول فتواكم 79697 وأنا لست عالما أو فقيها فقد قلتم أو استندتم في هذه الفتوى " أنه إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام " وهذا هو رأي ابن مسعود عليه رحمة الله وهناك رأي آخر لأمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها وهو رأي ابن عمر أيضا " إذا اجتمع الحلال والحرام فإن الحرام لا يحرم الحلال " وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا فأرجو التوضيح لإتمام قناعتني بالفتوى وقد استخدمت لفظ قناعتي فقط ليطمئن قلبي وعقلي إليها مؤمنا بأنه إذا خالف العقل النقل أخذنا النقل وتركنا العقل وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يبارك فيك، ويزيدك حرصا على العلم، ويحبك كما أحببت الشبكة الإسلامية.
واعلم أنك إذا قرأت بتأن فتوانا التي أشرت إلى رقمها، فسيتبين لك بوضوح أن الذي ذكرناه هو أنه: إذا كانت الأوراق المالية في السوق -التي هي موضوع السؤال- مباحة لا تشتمل على محظور شرعي مثل أسهم الشركات التي تمارس عملا مباحا ولا تتعامل بالربا فالعمل في إدارة هذه السوق مباح، وإذا كانت محرمة تشتمل على محظورات شرعية مثل السندات الربوية أو أسهم الشركات التي تتاجر في المحرمات أو تتعامل بالربا أو كانت مختلطة بين الحلال والحرام فالعمل محرم، اللهم إلا إذا اقتصر فقط على إدارة ما هو مباح.
وهذا ليس معناه أنه إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام، وإنما معناه أن الموظف في إدارة تلك السوق إذا لم يقتصر على إدارة الجانب المباح فإنه سيكون مديرا لعمليات محرمة، وبالتالي يكون متعاونا مع مرتكبي الإثم والعدوان.
ثم اعلم أن ما نسبته لابن مسعود -رضي الله عنه- من أنه "إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام"، ليس صحيح النسبة إليه -رضي الله عنه-، وقد بين ذلك أهل العلم. جاء في المقاصد الحسنة للسخاوي: ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام الحلال. قال البيهقي رواه جابر الجعفي عن الشعبي عن ابن مسعود وفيه ضعف وانقطاع، وقال الزين العراقي في تخريج منهاج الأصول: إنه لا أصل له، وكذا أدرجه ابن مفلح في أول كتابه في الأصول فيما لا أصل له.
كما أن ما نسبته لأمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها وقلت إنه هو رأي ابن عمر أيضا -رضي الله عنهما- من أنه "إذا اجتمع الحلال والحرام فإن الحرام لا يحرم الحلال"، وقلت إن هذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، فهذا صحيح وهو الذي ذهب إليه جمهور أهل العلم من الشافعية والحنابلة وهو المشهور عند المالكية؛ ولكنه ليس من هذا الباب، وإنما هو من باب أن من زنى بامرأة لا تحرم عليه أصولها أو فروعها. روى الدارقطني (3/268) في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل زنى بامرأة فأراد أن يتزوجها أو ابنتها؟ قال: لا يحرم الحرام الحلال، إنما يحرم ما كان بنكاح. وله عن ابن عمر رضي الله عنهما نحوه. اهـ.
ثم ما قرره أهل العلم من أنه إذا اجتمع في الشيء حاظر ومبيح قدم الحاظر؛ وذلك لأن تغليب جانب الحرام أولى بالورع وأحوط للدين. قال الزركشي في المنثور في القواعد: إذا اجتمع الحلال والحرام أو المبيح والمحرم غلب جانب الحرام. ومن هذا قال عثمان رضي الله عنه لما سئل عن أختين بملك اليمين؟ فقال: أحلتهما آية وحرمتهما آية، والتحريم أحب إلينا. قال الأئمة: وإنما كان التحريم أحب لأن فيه ترك مباح لاجتناب محرم. وذلك أولى من عكسه. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1427(23/42)
كتب في أصول الفقه
[السُّؤَالُ]
ـ[الشيخ الفاضل
أود من فضيلتكم التكرم علي بإفادتي في أصول الفقه وذلك بذكر أسماء لكتب الأصوليين المعتبرة في المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي وكذا تبيين ماهو المعتبر عند كل مذهب هل هو المتقدم أم الأوفر علما أو الفائدة أين وجدت؟
وجزاكم الله خيرا ونفع بعلمكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكتب المؤلفة في أصول الفقه كثيرة جدا، منها:
· ... في المذهب الحنفي:
1. أصول السرخسي لمحمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي.
2. ميزان الأصول للسمرقندي.
3. أصول البزدوي.
· ... في المذهب المالكي:
1. الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق الشاطبي.
2. مراقي السعود للعالم الشنقيطي سيد عبد الله ولد الحاج إبراهيم.
· ... في المذهب الشافعي:
1. جمع الجوامع للسبكي (هذا مع أنه أسهب في الأصول عموما وإن كان مركزا على المذهب الشافعي) .
2. الأشباه والنظائر للسيوطي.
· ... في المذهب الحنبلي:
1. روضة الناظر لابن قدامة.
2. شرح الكوكب المنير لابن النجار.
والمعتبر عند كل مذهب هو ما كان أصح وأكثر ارتباطا بقواعد المذهب، سواء كان صاحبه أوفر علما أو أقدم أم لا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 شوال 1427(23/43)
ما يفعل عند تعارض الأدلة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يفعل المسلم إذا ورد عليه حديث من أحاديث المناهي المختصرة يخالف حديثا فيه إباحة لذلك المنهي عنه؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نفهم الذي تقصده بالمناهي المختصرة. وعلى أية حال، فإن من كان أهلا للبحث في أدلة الأحكام إذا تعارضت عنده الأدلة، كأن يتعارض في نظره حديثان صحيحان، أو تتعارض عنده أحاديث صحيحة مع شيء وارد في القرآن، فليرجع في ذلك إلى ما يسمى عند الأصوليين بالتعارض والترجيح، فينظر في إمكان الجمع بين الأدلة أو ترجيح بعضها على بعض أو نسخه له ...
وهذا على تقدير أن الأدلة المتعارضة صحيحة كلها، وأما إذا كان بعضها صحيحا والبعض غير صحيح فلا يخفى أن الذي يعمل به هو الصحيح.
وأما من ليس أهلا للنظر في الأدلة فإن عليه أن يسأل أهل العلم عن ذلك حتى يعرف الحكم فيه.
وإن لم يتيسر له من يسأله فليعمل بالحديث الذي ورد فيه النهي حتى يجد من يسأله؛ لأن ذلك أحوط للدين. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. رواه أحمد والنسائي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1427(23/44)
هل تقدم المصلحة على النص
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو صاحب المقولة التالية: إذا تعارضت المصلحة مع النص روعيت المصلحة لأنها هي الأصل في ورود النص؟ وهل يكون ذلك صحيحا من الناحية الشرعية؟
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على المقولة التي قلت إن مفادها أنه: إذا تعارضت المصلحة مع النص روعيت المصلحة لأنها هي الأصل في ورود النص.
والذي وقفنا عليه من كلام أهل العلم في هذا المعنى هو أنه: ذا تعارضت المصلحة والمفسدة قدم أرجحهما. وأما أن تقدم المصلحة على النص إذا تعارض معها، فالذي تدل عليه نصوص أهل العلم هو خلاف ذلك. فالنص إذا صح وروده عن الشارع وجب العمل به إلا أن يتعارض مع نص آخر، أو يدل الدليل على نسخه. ولا ينظر في ذلك إلى وجود المصلحة أو عدم وجودها؛ ولا يعني ذلك أن قضاءه سبحانه قد يكون خاليا من المصلحة -تعالى عن ذلك علوا كبيرا- ولكنه يعني أننا قد نعلم وجه المصلحة فيه وقد نجهله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1427(23/45)
الواجب عند الأصوليين وأحاديث نبوية حول أهل الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرسل هذه الفتوى من أمريكا، فنرجو أن تردوا علي، أريد تعريف الواجب عند الأصوليين في أصول الفقه
أيضا إكمال الحديث، ومن رواه قال عليه الصلاة والسلام: أهل الجنة.........................................]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عند علماء الأصول هو ما طلب من المكلف على وجه الإلزام كالصلوات المفروضة والزكاة ونحو ذلك. ولك أن تراجع لمزيد الفائدة فيه فتوانا رقم: 33220.
وأما الحديث الذي تسأل عنه فإنك لم تكتب لنا منه قدرا يمكن أن يتميز به عن غيره؛ لأن عبارة أهل الجنة موجودة في أحاديث كثيرة، فمنها:
· عن بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل الجنة عشرون ومائة صف ثمانون منها من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم. رواه الترمذي والدارمي والبيهقي في كتاب البعث والنشور.
· وفي صحيح الترغيب والترهيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل الجنة جرد مرد كحل لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم. رواه الترمذي.
· وفي مشكاة المصابيح عن عياض بن حمار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رفيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال. وأهل النار خمسة الضعيف الذي لا زبر له الذين هم فيكم تبع لا يبغون أهلا ولا مالا، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك، وذكر البخل أو الكذب والشنظير الفحاش. رواه مسلم.
وهذه الأحاديث كلها صحيحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1427(23/46)
التحريم إذا ربط بعلة هل ينتفي بانتفائها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا ذكرت المعصية معللة - أي بأسباب تحريمها ثم انتفت هذه العلل بالنسبة لشخص معين - هل يجوز له فعلها؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التحريم لأمر إذا ربط في الشرع بعلة قطعية فإنه ينتفي التحريم عند تحقق انتفاء العلة التي ربطها ومثال ذلك إطالة الثوب للخيلاء فهو حرام تعمده فإن انسدل الثوب لغير خيلاء أو أطالت المرأة ثوبها للستر فإنه لا يحرم، ويدل لهذا ما في حديث البخاري: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، قال أبو بكر: يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال صلى الله عليه وسلم: لست ممن يصنعه خيلاء. وفي الحديث عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة: فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال: يرخين شبرا، فقالت: إذاً تنكشف أقدامهن قال: فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه. رواه الترمذي وقال حسن صحيح وصححه الألباني. وقال الترمذي: وفي هذا الحديث رخصة للنساء في جر الإزار لأنه يكون أستر لهن.
ومن أمثلة هذا النوع تحريم تناجي اثنين بجنب ثالث خشية إحزانه، فإذا تحقق نفي إحزانه لم يحرم تناجيهما بحضرته، مثل ما إذا كان نائما وتناجيا سرا لئلا يوقظاه ومثل له ابن عثيمين في شرح الأصول من علم الأصول بمن تناجيا عند رجل مشغول بالاتصال بالهاتف أو غير ذلك، ودليل تحريم التناجي من أجل الإحزان ما في حديث مسلم: إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما فإن ذلك يحزنه. وقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {المجادلة: 9 ـ 10} وعلى مثل هذا يحمل قول أهل العلم: الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما، وهو مقيد عندهم بما إذا كانت العلة قطعية بخلاف ما إذا كانت ظنية أو مستنبطة، وأما إذا ثبت التحريم لأمر ما وجاء في الشرع بيان علة له غير مقيد له فإنه لا ينتفي الحكم إذا تصورنا انتفاء العلة فيبقى ما ورد به النص في محله وتكون العلة مؤثرة عند القياس وإلحاق النظير في الحكم، فالخمر مثلا حرمت بنص الشارع وعلل تحريمها بالاسكار وإيقاع العدواة والبغضاء بين الناس فلو تصورنا أن أحد المدمنين عليها لم يعد يسكر عند شربها، وكان يشربها منفردا لا يوجد معه من يتوهم منه أن تقع بينه معه عداوة فإن ذلك لا يرفع تحريمها، وكذلك الربا حرم لما فيه من الغبن لأحد الأطراف فلو أن المغبون رضى بالربا لم يجز الربا، ولو أن المقامر رضي بالغرم والخسران لم يجز القمار؛ لأن مراعاة نهي الشارع مطلوبة كما تطلب مراعاة مصلحة العباد التي شرع من أجلها الحكم. وراجع الفتاوى التالية أرقامها في الموضوع: 14065، 3900، 61264، 3810.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1427(23/47)
واقعة العين والرخصة الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة الأفاضل، أود أن أستفسر عن تعريف مصطلح "واقعة عين" لغة واصطلاحا، وما هي أوجه الشبه والاختلاف بين هذا المصطلح والرخصة الشرعية، كذلك أود أن أطلب من حضراتكم أن تعددوا لي الوقائع والأحاديث النبوية التي تندرج تحت مصطلح "واقعة عين" كحادثة رضاعة الكبير؟ بارك الله فيكم وسدد على الحق والرشاد خطاكم وبمناسبة حلول شهر رمضان المبارك أسأل الله العلي القدير أن يتقبل منا ومنكم الطاعات, صوما مقبولا وذنبا مغفورا وتجارة لن تبور بعون الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلمة (واقعة عين) يعنى بها المسألة التي وقعت في شخص معين، فالواقعة اسم فاعل من الوقوع وهو حصول الشيء، والعين يراد بها ذات معينة، ومسألة واقعة عين بينها تشابه مع الرخصة الحاصلة لشخص معين، وقد ثبت النص بتخصيصه بها مثل ترخيصه صلى الله عليه وسلم لأبي بردة بن دينار في التضحية بجذعة المعز كما في حديث الصحيحين، فهي رخصة له خاصة.
وبينهما اختلاف في الرخصة العامة الحكم مثل رخصة المسح على الخفين والتيمم لمن شرع له، فهي عامة ولم يعتبر فيها شأن من نزل الحكم بسببه، وفي مثل هذا يقول الأصوليون: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وأما التفصيل في الموضوع وتعداد الوقائع والأحاديث النبوية فيه فهو موضوع يحتاج لبحث كبير، ونحن مشغولون بإجابة الناس في نوازلهم واستشكالاتهم الشرعية عنه، بارك الله فيك، وتقبل منا ومنك جميع الأعمال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رمضان 1427(23/48)
جعفر الصادق والقياس
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ تابع السؤال السابق في تحريم جعفر الصادق للقياس بقوله لا تقيسوا فإن أول من قاس إبليس عندما قال خلقتني من نار وخلقته من طين في الإشارة لآدم.
أرجو إجابة شافية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب على هذا السؤال وذلك في الفتوى رقم: 75439
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1427(23/49)
حجية القياس ووجه ذم بعض السلف له
[السُّؤَالُ]
ـ[ما قولكم يا شيخ في ما يقوله الشيعة في الحوار الذي دار بين إمامهم جعفر الصادق وأبي حنيفة وتحريمه للقياس عندما سأل جعفر أبا حنيفة أيهما أنجس البول أم المني، فقال أبو حنيفة البول، فقال جعفر الصادق لما أمر الله بالاغتسال من المني ولم يأمر بالغسل من البول رغم نجاسته، ما قولكم وبقية الحوار، وأرجو إجابة شافية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا حجية القياس في الفتوى رقم: 16732، والفتوى رقم: 59676 وقد ناقشنا فيهما بعض ما دار في هذا الحوار، وقد قاس النبي صلى الله عليه وسلم وقاس الصحابة بعده، وقد ورد ذم القياس عن بعض السلف قبل جعفر الصادق منهم الحسن وابن سيرين كما صححه ابن كثير عنهما، ونقل ابن القيم في إعلام الموقعين كثيراً من كلام السلف في ذلك، ولكن الأصوليين قد حملوا ما ورد عن ذمه عن السلف على ما كان منه فاسداً لمصادمته النص، كما قال صاحب المراقي: وما روي من ذمه فقد عني * به الذي على فساد قد بني.
ومن هذا قياس إبليس لعنه الله فهو مصادم لأمر الله له بالسجود، ويدل لضرورة القياس أن النصوص محدودة فإذا لم يأت في الموضوع آية أو خبر أو أثر، فقد لجأ معظم المجتهدين وأصحاب المذاهب إلى الاستنباط والقياس، وهما ثابتان مقبولان بنص القرآن والسنة، فقد قيل لأبي حنيفة: إنك تقيس، وأول من قاس إبليس. فأجاب بما حاصله: أن إبليس قاس ليعصي رغم وجود الأمر، وإني أقيس لأطيع لعدم وجود النص. وقد تكلم القرطبي والشوكاني والألوسي وابن كثير في تفاسيرهم على قياس إبليس وردوه وبينوا مصادمته للنص والعقل، وقد أطال الشيخ الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان في بيان حجية القياس فقال: اعلم أولا أن إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق به بنفي الفارق بينهما لا يكاد ينكره إلا مكابر، وهو نوع من القياس الجلي، ويسميه الشافعي رحمه الله تعالى (القياس في معنى الأصل) .. ومن أمثلة هذا النوع قوله تعالى: فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ. فإنه لا يشك عاقل في أن النهي عن التأفيف المنطوق به يدل على النهي عن الضرب المسكوت عنه، وقوله تعالى: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ. فإنه لا شك أيضاً في أن التصريح بالمؤاخذة بمثقال الذرة والإثابة عليه المنطوق به يدل على المؤاخذة والإثابة بمثقال الجبل المسكوت عنه، وقوله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ. لا شك في أنه يدل على أن شهادة أربعة عدول مقبولة وإن كانت شهادة الأربعة مسكوتاً عنها، ونهيه صلى الله عليه وسلم عن التضحية بالعوراء يدل على النهي عن التضحية بالعمياء، مع أن ذلك مسكوت عنه، وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى. لا شك في أنه يدل على منع إحراق مال اليتيم وإغراقه، لأن الجميع إتلاف له بغير حق، وقوله صلى الله عليه وسلم: من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل، فأعطي شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق. يدل على أن من أعتق شركا له في أمة فحكمه كذلك لما عرف من استقراء الشرع أن الذكورة والأنوثة بالنسبة إلى العتق وصفان طرديان لا تأثير لهما في أحكام العتق وإن كانا غير طرديين في غير العتق كالشهادة والميراث وغيرهما. انتهى.
وقد ذكر شيخ الإسلام في منهاج السنة أن في الشيعة من يقول بالقياس كالزيدية، فصار النزاع فيه بين الشيعة كما هو بين أهل السنة والجماعة.
هذا وليعلم أن جعفر بن محمد إمام من أهل السنة، وقد روى عنه كبار علمائهم منهم أبو حنيفة ومالك وغيرهم، وكان هو وأبوه يقران إمامه أبي بكر وعمر ويتبرآن ممن تبرأ منهما، فقد نقل الذهبي في سير أعلام النبلاء عن محمد بن فضيل عن سالم بن أبي حفصة قال: سألت أبا جعفر وابنه جعفراً عن أبي بكر وعمر، فقال: يا سالم تولهما وابرأ من عدوهما فإنهما كانا إمامي هدى.
وروى إسحاق الأزرق عن بسام الصيرفي قال: سألت أبا جعفر عن أبي بكر وعمر، فقال: والله إني لأتولهما وأستغفر لهما وما أدركت أحداً من أهل بيتي إلا وهو يتولاهما. انتهى.
وقال الذهبي أيضاً: كتب إلى عبد المنعم بن يحيى الزهري وطائفة قالوا: أنبأنا داود بن أحمد أنبأنا محمد بن عمر القاضي أنبأنا عبد الصمد بن علي أنبأنا أبو الحسن الدارقطني حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمي حدثنا محمد بن الحسين الحنيني حدثنا مخلد بن أبي قريش الطحان حدثنا عبد الجبار بن العباس الهمداني أن جعفر بن محمد أتاهم وهم يريدون أن يرتحلوا من المدينة فقال إنكم إن شاء الله من صالحي أهل مصركم فأبلغوهم عني: من زعم أني إمام معصوم مفترض الطاعة فأنا منه بريء، ومن زعم أني أبرأ من أبي بكر وعمر فأنا منه بريء.
وبه عن الدارقطني حدثنا إسماعيل الصفار حدثنا أبو يحيى جعفر بن محمد الرازي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا حنان بن سدير سمعت جعفر بن محمد وسئل عن أبي بكر وعمر فقال: إنك تسألني عن رجلين قد أكلا من ثمار الجنة.
وبه حدثنا الحسين بن إسماعيل حدثنا محمود بن خداش حدثنا أسباط بن محمد حدثنا عمرو بن قيس الملائي سمعت جعفر بن محمد يقول برئ الله ممن تبرأ من أبي بكر وعمر.
قال الذهبي: قلت هذا القول متواتر عن جعفر الصادق وأشهد بالله إنه لبار في قوله غير منافق لأحد ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1427(23/50)
المجمل والمبين والمطلق والمقيد
[السُّؤَالُ]
ـ[أيها الإخوة الكرام لدي سؤال حول البيان والإجمال، بحثت في بعض كتب الأصول فلم أعثر عليه، وهو: متى يحمل المجمل على المبين، أبحث عن القاعدة التي تحكم هذا الأمر، مثل القاعدة التي تحكم حمل المطلق على المقيد وهو عند اتحاد السبب والحكم ... أفيدوني؟ جزاكم الله عني خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الموضوع الذي تبحث عنه متوفر في جل كتب الأصول وعلوم القرآن -إن لم نقل كلها- وهو مبحوث بالتفصيل والإسهاب في المطولات، وبالاختصار والإجمال في المختصرات، وعلى العموم فلا يكاد يخلو منه كتاب من كتب الفن، ونحن نلخص لك ما تيسر من ذلك، فقد عرف علماء الأصول الكلام المجمل بأنه: ما احتمل معنيين أو أكثر دون رجحان أحدهما عند السامع، قال صاحب المراقي:
وذو وضوح محكم، والمجمل * هو الذي المراد منه يجهل.
والمبين هو الكلام المجمل إذا بين وأصبح واضح المعنى، كما قال صاحب المراقي في تعريفه:
تصيير مشكل من الجلي.... والكلام البين هو الدال على المعنى دون احتمال أو مع احتمال مرجوح.
والمجمل أنواع منها: اللفظ المشترك وهو ما وضع لأكثر من معنى كالقرء للطهر والحيض، وكالعين للباصرة والجارية.... ومنها مرجع الضمير إذا احتمل رجوعه إلى أكثر من معنى كما في قول الله تعالى: فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ. فيحتمل رجوعه إلى الأهل والأولياء، ويحتمل رجوعه إلى الأزواج السابقين، ومن الإجمال ما هو مطلق بطبيعة بعض الكلام مثل الصلاة والزكاة ... قبل بيانها، ومنه ما هو نسبي فيكون مجملاً بالنسبة للبعض دون البعض لذلك أمر أهل العلم ببيان ما يعلمونه لمن لا يعلمون، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبين ما أجمل ويوضح ما أشكل بأقواله وأفعاله.... كما أمره الله تعالى بقوله: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.
وحكم المجمل التوقف عن الاستدلال به حتى يتبين المراد منه أو يترجح أحد معانيه بدليل، وقد يبين المجمل بما يساويه في القوة والدلالة كما يبين بما هو أضعف منه، كما قال صاحب المراقي:
وبين القاصر من حيث السند * أو الدلالة على ما يعتمد.
وأما المطلق: فهو اللفظ الدال على فرد شائع غير محدد شيوعه بقيد لفظي، ومثاله إطلاق كلمة (رقبة) في كفارة الظهار في قول الله تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا. قال صاحب المراقي:
وما على الذات بلا قيد يدل * فمطلق وباسم جنس قد عقل
والمقيد: هو ما زيد معنى على معناه ... كما في (رقبة مؤمنة) فالإيمان معنى زيد على معنى الرقبة، فالرقبة مقيدة بالإيمان.
والمطلق يحمل على المقيد إذا اتحد حكمهما وسببهما، كما في قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ. وقوله تعالى: أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا. قال صاحب المراقي:
وحمل مطلق على ذاك وجب * إن فيهما اتحد حكم والسبب
فالقاعدة أنه كلما ورد نصان من نصوص الوحي أحدهما مطلق والآخر مقيد، وتناولا حكماً واحداً مبنياً على سبب واحد حملنا المطلق منهما على المقيد، قال أهل العلم لأن من أساليب العرب في كلامهم إذا بينوا القول في موضع أن يختصروا إذا أرادوا الحديث عنه مرة أخرى، ويكون الاختصار بترك بعض القيود والتفاصيل التي ذكرت في موضع آخر اكتفاء بذلك الذكر أو البيان.
وفي هذه القاعدة تفصيل واختلاف في بعض الجزئيات، وخاصة إذا اختلف الحكم واتحد السبب، أو اتحد الحكم واختلف السبب، لذلك نرجو أن يرجع إلى تفاصيل ذلك في كتب الأصول وعلوم القرآن، وخاصة مراقي السعود وشرحه نثر الورود للشنقيطي، ومفتاح الأصول للتلمساني، والواضح للأشقر، والإتقان للسيوطي وغيرهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1427(23/51)
رفع الحرج وأدلته الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[رفع الحرج وأدلته في الشريعة الإسلامية]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فان الله تعالى رفع الحرج عن هذه الأمة فلا يكلفون إلا ما يطيقون، قال الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة:286} ، وقال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج:78} ، وقال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ {البقرة:185} ، وقال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16} .
وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة.
وقال ابن كثير في تفسيره عند قوله الله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ: أي ما كلفكم ما لا تطيقون، وما ألزمكم بشيء يشق عليكم إلا جعل الله لكم فرجا ومخرجا، فالصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام بعد الشهادتين تجب في الحضر أربعا، وفي السفر تقصر إلى اثنتين، وفي الخوف يصليها بعض الأئمة ركعة، كما ورد به الحديث، وتصلى رجالا وركبانا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، وكذا في النافلة في السفر إلى القبلة وغيرها، والقيام فيها يسقط لعذر المرض، فيصليها المريض جالسا، فإن لم يستطع فعلى جنبه، إلى غير ذلك من الرخص والتخفيفات في سائر الفرائض والواجبات، ولهذا قال عليه السلام: بعثت بالحنيفية السمحة. وقال لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما أميرين إلى اليمن: بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا، والأحاديث في هذا كثيرة، ولهذا قال ابن عباس في قوله: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، يعني من ضيق اهـ
وفي شرح سنن النسائي للسندي عند شرح يسر هذا الدين: قال السيوطي: سماه يسرا مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله، لأن الله تعالى رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم، ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم، وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم.
وقال الشاطبي في الموافقات: إن الشارع لم يقصد إلى التكليف بالشاق والإعنات فيه، والدليل على ذلك أمور:
أحدها: النصوص الدالة على ذلك؛ كقوله تعالى: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ، وقوله: رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ... الآية، وفى الحديث قال الله تعالى: قد فعلت. وجاء: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا، يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا، مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ... الآية، وفي الحديث: بعثت بالحنيفية السمحة. وما خير بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، وإنما قال: ما لم يكن إثما لأن ترك الإثم لا مشقة فيه من حيث كان مجرد ترك، إلى أشباه ذلك مما في هذا المعنى، ولو كان قاصدا للمشقة لما كان مريدا لليسر ولا للتخفيف، ولكان مريدا للحرج والعسر وذلك باطل.
والثاني: ما ثبت أيضا من مشروعية الرخص وهو أمر مقطوع به، ومما علم من دين الأمة ضرورة كرخص القصر والفطر والجمع وتناول المحرمات في الاضطرار، فإن هذا النمط يدل قطعا على مطلق رفع الحرج والمشقة، وكذلك ما جاء من النهي عن التعمق والتكليف والتسبب في الانقطاع عن دوام الأعمال، ولو كان الشارع قاصدا للمشقة في التكليف لما كان ثم ترخيص ولا تخفيف.
والثالث: الإجماع على عدم وقوعه وجودا في التكليف، وهو يدل على عدم قصد الشارع إليه، ولو كان واقعا لحصل في الشريعة التناقض والاختلاف وذلك منفي عنها، فإنه إذا كان وضع الشريعة على قصد الإعنات والمشقة وقد ثبت أنها موضوعة على قصد الرفق والتيسير كان الجمع بينهما تناقضا واختلافا. وهي منزهة عن ذلك....
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1427(23/52)
معيار الموازنة بين المصلحة والمفسدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أبحث عن التعارض بين المصالح واختلاطها بالمفاسد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه من القواعد المسلَّمة عند أهل العلم أن المصالح إذا اختلطت بالمفاسد ألغيت المصالح لدرء تلك المفاسد، ولهذا يقولون (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) ، ويحتاج الباحث إلى فقه الأولويات وترتيب الموازنات، فالضروريات مقدمة على الحاجيات, وهذه مقدمة على التحسينيات.
فالفقيه من يوازن بين المصلحة والمفسدة، ويعرف خير الخيرين فيقدمه، وشر الشرين فيدرؤه.. كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن الشريعة الإسلامية مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وترجيح خير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا، ودفع شر الشرين إذا لم يمكن أن يندفعا، ومن مقاصد الشريعة الإسلامية المحافظة على الكليات الخمس التي تواترت الرسل على وجوب المحافظة عليها وهي: الدين, والنفس، والعقل، والنسب, والمال.
فإذا علم الباحث هذه الأمور استطاع أن يقدم ما يستحق التقديم عند الاختلاط أو التعارض، ونرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 44900، والفتوى رقم: 52183 وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1427(23/53)
الاستصلاح عند الأصوليين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الاستصلاح (كدليل من أدلة الأحكام) ومن قال به من الأئمة وأرجو ذكر مثال على الاستصلاح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاستصلاح هو مايسميه بعض الأصوليين بالمصالح المرسلة، وقد ذكره جماعة من أهل الأصول في مباحث الاستدلال، ولهذا سماه بعضهم بالاستدلال والجواب، وأطلق إمام الحرمين وابن السمعاني عليه اسم الاستدلال. قال الخوارزمي: والمراد بالمصلحة: المحافظة على مقصود الشرع بدفع المفاسد عن الخلف. وقال الغزالي: هي أن يوجد معنى يشعر بالحكم مناسب عقلا ولا يوجد أصل متفق عليه. وقال ابن برهان: هي ما لا يستند إلى أصل كلي ولا جزئي، وقد اختلفوا في القول بهذا على مذاهب.. .. انتهى من (إرشاد الفحول ج 1 ص 403) . يعني أن الوصف إذا لم يرد الدليل على اعتباره ولا على إلغائه، وهو مع ذلك فيه جلب مصلحة أودفع مفسدة، فذاك هو المسمى عند أهل الأصول بالمصالح المرسلة أو الاستصلاح.
وقد ذكره صاحب مراقي السعود في ألفيته ممثلا له، يقول:
والوصف حيث الاعتبار يجهل * فهو الاستصلاح قل والمرسل
نقبله لعمل الصحابة ... * كالنقط للمصحف والكتابة
تولية الصديق للفاروق ... * وهدم جـ ار مسجد للضيق
وعمل السكة تجديد الندا ... * والسجن تدوين الدواوين بدا
ويظن البعض أن القائل بهذا الأصل هو الإمام مالك وحده، ولكنه قد وردت فتاوى كثيرة عن أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم، اعتبروا فيها العمل بالاستصلاح، قال الزركشي في كتابه " البحر المحيط " وهو في أصول الفقه الشافعي وهو يتحدث عن أقسام المصالح قال: القسم الثالث: ألا يعلم اعتباره ولا إلغاؤه، وهو الذي لا يشهد له أصل معين من أصول الشريعة بالاعتبار، وهو المسمى بـ " المصالح المرسلة " وسيأتي الكلام فيه، والمشهور اختصاص المالكية بها وليس كذلك، فإن العلماء في جميع المذاهب يكتفون بمطلق المناسبة، ولا معنى للمصلحة المرسلة إلا ذلك. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1427(23/54)
الاجتهاد الجماعي.. شروطه..ضوابطه ومجالاته
[السُّؤَالُ]
ـ[الاجتهاد الجماعي، أريد تفصيلا في هذا الموضوع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا حكم الاجتهاد وشروطه وضوابطه في الفتويين: 2673، 34462.
وأما الاجتهاد الجماعي فالمقصود به اجتماع كوكبة من علماء الأمة للنظر في حكم مسألة ما مما يجوز النظر والاجتهاد فيه، والغالب حضور أصحاب الاختصاص معهم في ذلك أيضا، كأن تكون المسألة طبية فيحضر معهم الأطباء الثقات وهكذا، ويمثل هذا الأمر المجامع الفقهية الموجودة في العالم الإسلامي ونحوها.
وهذا النوع من الاجتهاد ليس جديدا على الأمة، بل جمع أبو بكر رضي الله عنه الصحابة للنظر في حكم مانعي الزكاة والمرتدين عن الإسلام، وجمعهم أيضا في حكم الجدات، وهكذا فعل عمر أيضا في كثير من القضايا التي عرضت له كمسألة الطاعون وغيرها. وهو -أي هذا النوع من الاجتهاد- أحرى بالإصابة لتلاقح العقول وإكمال بعضها لبعض، وإذا تزاحمت العقول خرج الصواب -كما يقولون- وإن كان من بين أولئك العلماء من لم يصل مرتبة الاجتهاد ولم تكتمل فيه شروطه، لكن غيره يكمل نقصه ويسد ثلمه.
وللاستزادة عن الاجتهاد الجماعي وشروطه وضوابطه ومجالاته وغيرها، ادخلي على الرابط التالي على موقعنا:
http://www.islamweb.net/ver2/library/ummah_Book.php?lang=A&BookId=262&CatId=201
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1427(23/55)
الفرق بين الأصل والفرع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد في الإسلام أصول وفروع، وإن كان يوجد، فما هي الأصول وما هي الفروع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي الإسلام أصول وفروع، لكن ماذا يقصد بالأصول والفروع؟ الجواب: أن هذا مصطلح روعي فيه المعنى اللغوي للكلمتين، فالأصل هو كل ما ينبني عليه غيره ويندرج تحته سواء أكان حسياً أم معنوياً، والفرع ضده، أي كل ما ينبني على غيره، فالأب أصل والابن فرع، وجذع الشجرة أصل وأغصانها فروع، وهذا المصطلح في كل شيء بحسبه، ويقصد بالأصول في الإسلام الكليات والثوابت والقواعد العامة للدين، وقد بينا طرفاً من ذلك في الفتوى رقم: 15781، والفتوى رقم: 29077، وللفائدة انظر الفتوى رقم: 6787، والفتوى رقم: 19438.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1427(23/56)
شرح قاعدة (الحكم يدور مع علته وجودا وعدما)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله الحكم يدور مع علته في الحكم والحرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى قول أهل العلم الحكم يدور مع علته وجودا وعدما أن الحكم إذا كان شرع لحكمة أو أمر وزال هذا الأمر فإن الحكم يزول بزواله ويمثلون لذلك في باب الطهارة بأن الماء المتنجس الكثير إذا زالت عنه النجاسة التي كانت تغير لونه أو طعمه أو رائحته فيصبح ظاهرا ولو لم يضف إليه غيره.
قال العلامة خليل في المختصر: وإن زال تغير النجس لا بكثرة المطلق فاستحسن الطهورية.
وذلك لأن تنجسه كان بتغيره قد زال والحكم يدور مع علته وجودا وعدما، وكذلك الخمر إذا تحجرت أو خللت وزال عنها الإسكار فإنها تصبح طاهرة لعدم إسكارها فالحكم عليها بالحرمة والنجاسة لأنها مسكرة وقد زال الإسكار فيزول الحكم بزوال علته.
والأمثلة على هذه القاعدة كثيرة في أبواب الفقه، ولكن العلة لا بد أن تكون وصفا ظاهرا منضبطا كما في المثالين اللذين ذكرناهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1427(23/57)
العبادات والمصالح المرسلة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المصلحة المرسلة تشمل العبادات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تمت الإجابة عن هذا السؤال في الفتوى رقم: 71311.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1427(23/58)
المصلحة المرسلة والعبادات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المصلحة المرسلة تشمل العبادات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب عن مثل هذا السؤال في الفتوى رقم: 71311.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1427(23/59)
تعريف حاجيات الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي الفاضل، أرجو من حضرتكم تعريف حاجيات الإنسان وتقسيمها حسب الأهمية وأولوية الإنفاق وكيفيته ... ولكم شكري وامتناني وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان مقصودك بالحاجيات مصطلح التقسيم الأصولي والفقهي للحاجات إلى ضرورية وحاجية وتحسينية فالجواب أن الحاجيات هي ماكان يحصل بفقدها للمرء حرج ومشقة كسخان الماء في زمن البرد الشديد مثلا قال الشاطبي في الموافقات: ودوران الحاجيات على التوسعة والتيسير ورفع الحرج والرفق. وقال الدكتور عودة في كتابه ـ التشريع الجنائي ـ في ضبط الحاجيات: هي مايترتب على فقدها وقوع الأفراد والجماعة في الحرج والعسر وتحميلهم المشاق.
وتتفاوت قوة وضعفا بحسب حاجة المرء وما يلحقه من مشقة وعناء عند فقدها وعدمها، وتسمى بالمصالح، وكل مرتبة تكمل التى فوقها، فأعلاها الضروريات ومكملاتها، ثم الحاجيات ومكملاتها، ثم التحسينيات ومكملاتها. قال الشاطبي: المصالح لا تعدو الثلاثة الأقسام وهى الضروريات ويلحق بها مكملاتها، والحاجيات ويضاف إليها مكملاتها، والتحسينيات ويليها مكملاتها، ولا زائد على هذه الثلاثة المقررة. وبسطها وأمثلتها في كتب المقاصد وكتب قواعد الفقه وأصوله.
وإن كان قصدك مايبدأ به المرء من النفقة على نفسه وعياله فالجواب عنه ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البيهقي والنسائي وابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: عندي دينار قال: أنفقه على نفسك. قال: عندي آخر. قال: أنفقه على زوجتك. قال: عندي آخر. قال: أنفقه على ولدك. قال: عندي آخر. قال: أنفقه على خادمك. قال: عندي آخر. قال: أنت أبصر.
فهذا هو ترتيب نفقة المرء قال القرافي في الأنوار: الْمَعَاشَ كُلَّهُ لِلْإِنْسَانِ ابْتِدَاؤُهُ وَتَمَامُهُ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَمِنْ الْحَاجِيَّاتِ فِي حَقِّ عِيَالِهِ وَمِنْ التَّمَامِيَّاتِ فِي حَقِّ أَقَارِبِهِ.
وأما كيفية ذلك فضابطها كما قال الله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ {الأعراف31} وقال: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا {الفرقان: 67} وقال: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1427(23/60)
المصلحة المرسلة لا تشمل العبادات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المصلحة المرسلة تشمل العبادات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 55679، معنى المصالح المرسلة واعتبارها وأنها لا تدخل في العبادات لأنها توقيفية لا يزاد عليها ولا ينقص لا في قدرها ولا في وقتها ولا في مكانها. قال أحمد رحمه الله: إن الأصل في العبادات التوقيف فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله. وهكذا قال أهل الحديث كما ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية في القواعد النورانية، قال ابن قدامة في الروضة: لو جاز ذلك كان وضعا للشرع بالرأي، ولما احتجنا إلى بعثة الرسل، ولكان العامي يساوي العالم في ذلك، فإن كل أحد يعرف مصلحة نفسه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو الحجة 1426(23/61)
الفرق بين التحريم وعدم الجواز
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كلمة لا يجوز في الإسلام تعني كلمة حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحكم على الشيء بأنه لا يجوز يساوي الحكم عليه بأنه حرام هذا في الغالب، لكن الفقهاء أحيانا يطلقون عدم الجواز على المكروه، قال ابن أمير الحاج في التقرير والتحرير: لا تنافي بين غير الجائز والحرام لأن غير الجائز إما مساوي الحرام أو أعم منه فلا جرم. قال ابن حجر الهيثمي: وينبغي حمل قول من قال لا يجوز ذلك على أن مرادهم نفي الجواز المستوي الطرفين فيصدق بأن ذلك مكروه أو خلاف الأولى. انتهى موضع الشاهد منه، وفي حاشية الخرشي قال: غير جائز أي جوازا مستوي الطرفين إذ فعلهما حينئذ مكروه لا ممنوع. انتهى
كما قد يطلقون عدم الحل على المكروه قال المناوي في فيض القدير: مراده الحل المستوي الطرفين.. فيكره ذلك تنزيها، ومن قال لا يجوز كابن عبد البر أراد نفي الحل المستوي الطرفين كما أشار إليه النووي {ص 343} ونحو هذه الإطلاقات كثيرة في كتبهم، وحمل بعضهم قوله صلى الله عليه وسلم: سبع مواطن لا يجوز فيها الصلاة.. " حمل نفي الجواز على الكراهة فمذهب الشافعي أن الصلاة تكره في هذه المواضع وتصح والحديث مؤول بأن المنفي الجواز المستوي الطرفين.. ويصدق على المكروه أنه غير حلال لكونه غير مستوي الطرفين إذ هو راجح الترك.. ولعله أراد بكونه غير جائز أنه غير مباح مستوي الطرفين بل مكروه. انتهى من فيض القدير بتصرف يسير، فدل هذا على أنهم قد يطلقون عدم الجواز ويقصدون به المكروه لا الحرام فلينتبه لذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1426(23/62)
مسائل بنيت على القياس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك مسألة مبنية على القياس متفق عليها غير مسالة تحريم النبيذ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما النبيذ فأكثر أهل العلم على إثبات حكم تحريمه بالنص لتناول النهي عن المسكر له كما وردت أدلة أخرى تخصه هو كما بينا في الفتوى رقم: 19795، ولم يتفق العلماء على ثبوت حكمه بالقياس على الخمر وإن ذكره بعضهم كما نقل النووي في المجموع.
وأما ما اتفق العلماء على إثبات حكمه بالقياس فهو كثير ومما يمثل به لذلك تحريم ضرب الوالدين قياسا على حرمة التأفف عليهما، وكذا قياس إحراق مال اليتيم على حرمة أكله، وقياس سائر الميتات على الفأرة، وقياس جميع المائعات على السمن وغيرها، فقد اتفق العلماء القائلون بالقياس على إثبات حكم تلك المسائل ونحوها بالقياس. وأما منكرو القياس فإنهم يثبتون حكمها ولكن يقولون نثبته بفحوى الخطاب أو دلالة النص ونحو ذلك من المصطلحات.
وللاستزادة من تلك الأمثلة يمكنك مطالعة كتاب الإبهاج للسبكي، والبرهان للجويني، ودرء معارضة العقل والنقل لابن تيمية، وغيرها من كتب الفقه والأصول.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1426(23/63)
شرح قاعدة (المشغول لا يشغل)
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: قاعدة فقهية (المشغول لا يشغل) اشرح ذلك بالتفصيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معنى تلك القاعدة أن العين إذا كانت مشغولة بحق -مثلاً- فلا يمكن شغلها بغيره (كمن رهن عيناً من إنسان وسلمها إليه ثم رهنها من آخر فإنه لا يصلح الثاني مع بقاء حق الأول وهنا حق الأول باق فمنع ذلك ثبوت حق الثاني في اليد لأن المشغول بشيء لا يحتمل الشغل بغيره) ذكره السرخسي في المبسوط، وقال الزيلعي في تبيين الحقائق: لأن المشغول بالحاجة الأصلية كالمعدوم ولهذا يجوز التيمم مع وجود الماء المستحق بالعطش لأن المشغول بالحاجة الأصلية كالمعدوم شرعاً. اهـ
قال السيوطي في الأشباه والنظائر: المشغول لا يشغل، ومن نظائره لا يجوز الإحرام بالعمرة للعاكف بمنى لاشتغاله بالرمي والمبيت، ومنها: لا يجوز إيراد عقدين على عين في محل واحد. اهـ وهكذا فالعين المشغولة بحق لا يمكن شغلها بغيره لأنها كالمعدومة بالنسبة للحق الثاني، وكذلك الذمة المستغرقة لا يمكن شغلها، وعلى هذا يقاس ليس في الأمور الشرعية فحسب، بل في الأمور العقلية والعادية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1426(23/64)
لكل حكم شرعي علة وحكمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المطعومات والمشروبات يجب أن تعلل أم يكتفي بالمعلل فيها وكيف نعرف أنها ذات علة أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لكل حكم شرعي حكمة وعلة، ولكن قد يخفى علم ذلك عن بعض الناس في بعض العصور، والأصل في المطعومات الإباحة لأن الله خلق لنا ما في الأرض وأنبت النبات متاعاً لنا ولأنعامنا وقد امتن علينا بذلك فقال: خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا {البقرة: 29} وقال سبحانه: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا *مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ {عبس: 24 ــ 32} ويخرج عن هذا الحكم ما كانت فيه علة إضرار أو خبث لحديث الموطأ: لا ضرر ولا ضرار. فيحرم بسبب تلك العلة. ومن ذلك الخمر لما فيها من إزالة العقل، ومن ذلك الخبائث لخبثها قال تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ {الأعراف: 157} ومن ذلك الميتة والخنزير لما في الميتة من خشية التضرر بالمرض الذي ماتت به والضرر المخوف من الدم الذي لم يخرج، ولما في الخنزير من الجراثيم الضارة كالدودة المسماة (تريشن) . وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 26248 // 9791 // 3822.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1426(23/65)
(الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة) علاقتها بمقاصد الشريعة
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة المشايخ الفضلاء في الشبكة الإسلامية أشكركم على هذا الموقع الناجح والمتميز، وسؤالي يتكون من فقرتين هما:
1- قاعدة (الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة) ، ما علاقتها بمقاصد الشريعة؟
2- هل هناك قواعد مندرجة تحت هذه القاعدة، أرجو الرد على سؤالي في أقرب فرصة للضرورة القصوى؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن علاقة هذه القاعدة بمقاصد الشريعة تتجلى في عدة نقاط، منها: أن الولي الخاص في مثل ولاية النكاح أدرى بمصلحة من ولي عليه، وأنه أحنُّ عليه وأرفق به وأدرى بمصلحته، ومثل ذلك الولي الخاص في الوقف، فناظر الوقف أدرى بمصلحته من الناظر العام (الوالي) .
ولم يذكر من تكلموا في القواعد كالسيوطي وابن نجيم والزركشي قواعد تندرج تحت هذه القاعدة؛ إلا أنهم فرعوا عليها أنه لا يتصرف الولي العام مع وجود الولي الخاص، فلا يزوج النساء مع وجود الولي الخاص المؤهل، ولا يعفو عن القصاص والدية، ولا يتدخل في الوقف مع وجود الناظر فمتى وجد للوقف ناظر خاص فليس للحاكم (الناظر العام) حق التصرف في الوقف، حتى لو كان الناظر الخاص معيناً من قبل الحاكم، فيتولى الناظر الخاص كل ما يتعلق بالوقف ما لم يكن لها تعلق بالأمور العامة للمسلمين، لأن الأمور العامة مفوضة إلى الحاكم من جهة الشرع.
وفي الأشباه والنظائر للسيوطي: القاعدة الثانية والثلاثون: الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة: ولهذا لا يتصرف القاضي في وجود الولي الخاص وأهليته ولو أذنت للولي الخاص أن يزوجها بغير كفء ففعل صح، أو للحاكم لم يصح في الأصح، وللولي الخاص استيفاء القصاص والعفو على الدية ومجانا، وليس للإمام العفو مجانا. ولو زوج الإمام لغيبة الولي وزوجها الولي الغائب بآخر في وقت واحد وثبت ذلك بالبينة قُدَّم الولي إن قلنا إن تزويجه بطريق النيابة عن الغائب، وإن قلنا إنه بطريق الولاية فهل يبطل؟ كما لو زوج الوليان معا أو تقدم ولاية الحاكم لقوة ولايته وعمومها، كما لو قال الولي: كنت زوجتها في الغيبة فإن نكاح الحاكم يقدم كما صرحوا به، تردد فيه صاحب الكفاية، والأصح أن تزويجه بالنيابة بدليل عدم الانتقال إلى الأبعد، فعلى هذا يقدم نكاح الولي.
وفي غمز عيون البصائر للحموي الحنفي: القاعدة السادسة عشر: الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة، ولهذا قالوا: إن القاضي لا يزوج اليتيم واليتيمة إلا عند عدم ولي لهما في النكاح، ولو ذا رحم محرم أو أما أو معتقا، وللولي الخاص استيفاء القصاص والصلح والعفو مجانا، والإمام لا يملك العفو.
وفي درر الحكام في شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر الحنفي: لو أجر القاضي عقاراً للوقف بما له من الولاية العامة على الوقف، وأجر متولي الوقف ذلك العقار نفسه، يكون إيجار المتولي صحيحاً ولا يعتبر إيجار القاضي، لأن الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة، ولا يحق لصاحب الولاية العامة أن يتصرف بمال الوقف مع وجود صاحب الولاية الخاصة، وإن كان القاضي هو الذي عين ذلك المتولي، كذلك لا يحق للقاضي عزل المتولي المنصوب من قبل الواقف ما لم تظهر عليه خيانة، لأن ولاية الواقف على الوقف ولاية خاصة، وهي أقوى من ولاية القاضي، كذلك لا يحق للقاضي أن يتصرف بمال اليتيم الذي نصب عليه وصي، ولا أن يزوج اليتيم أو اليتيمة عند وجود الولي، والحاصل أنه إذا وجدت الولاية الخاصة في شيء لا تأثير للولاية العامة ولا عمل لصاحبها، وأن تصرف الولي العام عند وجود الولي الخاص غير نافذ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1426(23/66)
معيار التوسع في سد الذرائع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى التوسع في سد الذرائع وهل يجوز رفع سنة متواترة بحجة سد الذرائع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن قواعد الشرع الحنيف أن الذرائع (الطرق) المفضية إلى الحرام تعتبر محرمة، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، فما كان وسيلة إلى حرام فهو حرام وإن كان في أصله مباحا.
وسد الذرائع أصل من أصول مذهب الإمام مالك رحمه الله، وقال به غيره من العلماء، إلا أنهم لم يعتبروه أساسا تبنى عليه الأحكام كما عند المالكية. قال الشوكاني في إرشاد الفحول: قال القرافي: لم ينفرد بذلك (يعني مالكا) بل كل واحد يقول بها ولا خصوصية للمالكية بها إلا من حيث زيادتهم فيها. قال: فإن من الذرائع ما هو معتبر بالإجماع، كالمنع من حفر الآبار في طريق المسلمين، وإلقاء السم في طعامهم، وسب الأصنام عند من يعلم من حاله أنه يسب الله، ومنها ما هو ملغى إجماعا، كزراعة العنب فإنها لا تمنع خشية الخمر، وإن كانت وسيلة إلى المحرم، ومنها ما هو مختلف فيه كبيوع الآجال، فنحن لا نغتفر الذريعة فيها. وخالفنا غيرنا في أصل القضية أنا قلنا بسد الذرائع أكثر من غيرنا لا أنها خاصة بنا.
ولا يجوز التوسع في سد الذرائع لأن ذلك يؤدي إلى الحرج والمشقة والحرج مرفوع.
وأما رفع السنن بحجة سد الذرائع، فإن كانت تلك السنن توجب حكما في الدين فلا يجوز بحال أن يرفع ذلك الحكم بحجة سد الذريعة.
وإن كانت السنن تفيد إباحة أمر معين أو استحبابه، فإن من أهل العلم من قيد تلك الإباحة أو ذلك الاستحباب سدا لذريعة الوقوع في المحرم. وهذا التقييد ليس خاصا بالسنن المتواترة، بل قد يقيدون نص القرآن بهذا الأصل. فقول الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا {البقرة: 275} ، ظاهر في أن كل بيع مباح ما لم يكن مشتملا على صورة من صور الربا، ولكن المالكية قيدوا هذه الإباحة في بيوع الآجال، فمنعوا جميع الصور التي يكثر قصدها، والتي يمكن فيها التحايل لعقد صفقات ربوية.
ومثل هذا تقييد مالك لما روى أبو ذر رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر: إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة. رواه أحمد والنسائي والترمذي. فكان -رحمه الله- لا يرى صومها لمن يُقتدَى به خشية ظن العوام وجوبها. ومع ذلك فقد روي أنه كان يصومها أحيانا ويحض على صيامها. قال المواق في التاج والإكليل: ... ابن رشد: إنما كره مالك صومها لسرعة أخذ الناس بقوله فيظن الجاهل وجوبها, وقد روي أن مالكا كان يصومها، وحض مالك أيضا الرشيد على صيامها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1426(23/67)
العرف له اعتبار في الأحكام الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تزوجت أختي؛ ويوم زفافها طلبت من أبي أن يأخذ بيدها ويصطحبها حتى تركب السيارة التي ستنقلها إلى بيت زوجها، ولكنه رفض وقال لي إن هذا الصنيع ليس من عاداتنا، إني أسألكم ما هو موقف ديننا الحنيف من هذه المسألة؟ وجزاكم الله عني خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يحصل في الأفراح من عادات يوزن بميزان الشرع، فما كان منها مخالفاً طرحناه ونبذناه، وما كان منها لا يعارض الشرع أو يخالف أحكامه فلا مانع من الأخذ به، ولا نرى في مجرد اصطحاب الأب ابنته إلى السيارة ليلة عرسها ما يشين أو يخالف الشرع في شيء؛ إلا إذا كان ذلك مما يُعير به الأب أو الأسرة حسب عرف بلدكم، ففي هذه الحالة يجوز لوالد الزوجة ألا يفعل ذلك تجنباً لما قد يُشين، فإن العرف له اعتبار في الأحكام وعليه تدور كثير منها، قال ابن عابدين في رسالتة في العرف:
والعرف في الشرع له اعتبار * لذا عليه الحكم قد يُدار
وراجع الفتوى رقم: 51417.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1426(23/68)
بحث في القاعدة الأصولية: الأمر للوجوب إلا أن تصرفه قرينة
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أنه ليس كل أمر من أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم يفيد الوجوب، ولكن الأمر في اللغة العربية له أكثر من 33 معنى، فكيف أعرف الأوامر التي تكون فرضا والتي تكون سنة يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي عليه جمهور أهل العلم هو أن الأمر من الشارع يكون للوجوب إلا أن تصرفه عنه قرينة إلى الاستحباب أو الإباحة، قال الشيخ الشنقيطي في الأضواء عند تفسير قوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور:63} ، قال: وهذه الآية الكريمة قد استدل بها الأصوليون على أن الأمر المجرد عن القرائن يقتضي الوجوب، لأنه جل وعلا توعد المخالفين عن أمره بالفتنة أو العذاب الأليم، وحذرهم من مخالفة الأمر، وكل ذلك يقتضي أن الأمر للوجوب، ما لم يصرف عنه صارف، لأن غير الواجب لا يستوجب تركه الوعيد الشديد والتحذير.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة من اقتضاء الأمر المطلق الوجوب، دلت عليه آيات أخر من كتاب الله، كقوله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ. فإن قوله: ارْكَعُوا. أمر مطلق، وذمه تعالى للذين لم يمتثلوه بقوله: لَا يَرْكَعُونَ. يدل على أن امتثاله واجب.
وكقوله تعالى لإبليس: قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ. فإنكاره تعالى على إبليس موبخاً له بقوله: مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ. يدل على أنه تارك واجباً، وأن امتثال الأمر واجب مع أن الأمر المذكور مطلق، وهو قوله تعالى: اسْجُدُواْ لآدَمَ. وكقوله تعالى عن موسى: أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي. فسمى مخالفة الأمر معصية، وأمره المذكور مطلق، وهو قوله: اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ. وكقوله تعالى: لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ. وإطلاق اسم المعصية على مخالفة الأمر يدل على أن مخالفه عاص، ولا يكون عاصياً إلا بترك واجب، أو ارتكاب محرم، وكقوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ. فإنه يدل على أن أمر الله، وأمر رسوله مانع من الاختيار موجب للامتثال، وذلك يدل على اقتضائه الوجوب، كما ترى، وأشار إلى أن مخالفته معصية بقوله بعده: وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا. انتهى.
ويستوي في هذا الحكم أمر الله وأمر رسوله، ويدل لذلك أن الله تعالى فرض طاعة رسوله في غير آية من كتابه وقرنها بطاعته عز وجل، وقال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا {الحشر:7} ، وقال تعالى: قُلْ أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ {آل عمران:32} ، وقال تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا {النساء:65} ، وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى.
وقال بعض العلماء إن الأمر يكون للاستحباب إلا لقرينة، وقيل للطلب الذي هو أعم من الوجوب والاستحباب والإباحة، وفصل آخرون بين أمر الرب وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن الراجح هو القول الأول للأدلة التي ذكرنا سابقاً، قال الشيخ سيدي عبد الله في مراقي السعود:
وافعل لدى الأكثر للوجوب * وقيل للندب أو المطلوب
وقيل للوجوب أمر الرب * وأمر من أرسله للندب
ثم إنه إن وجدت قرينة تصرف الأمر عن الوجوب حمل على ما دلت عليه القرينة من ندب أو إباحة أو غير ذلك، ومثال ذلك الأمر بالوتر، في قوله صلى الله عليه وسلم: يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر. رواه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه.
فقد ثبتت القرينة المفيدة لصرفه عن الوجوب حيث دل حديث آخر على أن الصلوات لا يجب منها غير الخمس، وذلك في حديث الرجل الذي جاء يسأل عن الإسلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع. متفق عليه.
قال الباجي في المنتقى: وهذا نص في أنه لا يجب من الصلوات غير الصلوات الخمس لا وتر ولا غيره.
والضابط الذي يعرف به الفرق يبن الأمر الذي يفيد الطلب والأمر الذي يراد به غير الطلب كالتهديد ونحوه إنما يعرف بسياق الكلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1426(23/69)
قضاء الفرض بعد فوات وقته لعذر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب في الدراسات العليا في جامعة استانبول قسم أصول العلوم الشرعية- شعبة العقائد وعلم الكلام، السؤال هو: هل يجب على المكلف أن يترك تكليفا من التكاليف الشرعية بسبب يقع بدون فعله ويقضي في زمن آخر، أو هل يجب على مسلم قضاء الفرض الذي يحرم من أدائه في وقته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر أنك تقصد بسؤالك أنه هل يجب على الشخص قضاء واجب لم يقم به بغير اختياره بل منعه من القيام به غيره؟ والجواب هو: أن الواجبات تختلف، فمنها ما يجب قضاؤه كالصلاة سواء تركت سهواً أو عمداً أو إكراهاً، ومنها ما لا يجوز ولا يصح قضاؤه كالصلاة التي فاتت الحائض والنفساء فإنهما ممنوعتان من الصلاة ولا يصح منهما قضاؤها بخلاف الصوم فإنهما ممنوعتان منه ويجب عليهما قضاؤه، وكذلك لو نذرتا صوم يوم معين ولم تصوماه لعذر وجب عليهما قضاؤه، لأن صيام النذر أصبح كالفرض، والفرض إذا منع منه مانع شرعي تجب فيه عدة من أيام أخر، وهذا رأي طائفة من أهل العلم، وهو الراجح وذهب آخرون إلى أن عليه القضاء والكفارة وذهب آخرون إلى أنه لا يلزمه قضاء ولا كفارة، ومن الواجبات ما لا يمكن قضاؤه ولا كفارة فيه إلا التوبة كعدم تغيير منكر تعين عليه تغييره فلم يغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1426(23/70)
المقصود بـ (الأحوط، الوجوب، الجواز)
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي ما هو المقصود بكلمة الأحوط, الوجوب ,الجواز؟
وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلمة الأحوط عند أهل العلم تذكر عند ذكر الخلاف في المسألة فيقولون: الأخذ بهذا القول أحوط يعنون أورع وأبرأ للذمة وأبعد من الشبهة وأسلم للمكلف.
وهي صيغة أفعل التفضيل من الحيطة وهي الأخذ بالثقة، والأمثلة عليه كثيرة في كتب الفقه وشروح الحديث.
وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 1839،
والوجوب هو طلب الفعل طلباً جازماً وهو الحكم الأول من الأحكام التكليفية الخمسة، فالواجب هو ما أمر به الشارع أو طلبه على وجه الحتم والإلزام، فيثاب فاعله ويستحق تاركه العقاب، ويعبر عنه بالفرض، والحتم، واللازم، والمكتوب عند جمهور أهل العلم، قال صاحب المراقي:
والفرض والواجب قد توافقا *كالحتم واللازم، مكتوب ...
وأما الجواز فهو التخيير بين الفعل والترك، ويعبر عنه بالإباحة، وهو القسم الخامس من الأحكام الشرعية التكليفية، قال صاحب المراقي:
لذاك، والإباحة الخطاب * فيه استوى الفعل والاجتناب.
وهي والجواز قد ترادفا في مطلق الإذن لدى من سلفا.
وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 15829.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1426(23/71)
الفرق بين (قياس مع الفارق) و (على خلاف القياس)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تدل عبارة \"قياس مع الفارق\" على نفس المعنى الذي تؤديه عبارة \"على خلاف القياس\"؟ إن كان غير ذلك، فما معنى \"قياس مع الفارق\"؟
وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبين العبارتين فرق وهو أن قولهم" على خلاف القياس" يعنى إثبات حكم لأمر يخالف حكم نظائره في نظر قائل ذلك وغالبا ما يكون ذلك بدليل، وأما قولهم "قياس مع الفارق" فهو فيما جرى فيه القياس ولكن أعل لوجود قادح وهو عدم مساواة الفرع للأصل المقيس عليه، إذ من شروط القياس وجود علة الأصل بتمامها في الفرع كما قال العلوي في مراقيه: وجود جامع به متمما *شرط. ................
فإن وجد بعض العلة فقط فسد القياس لأنه قياس مع الفارق، كما لو قاس الشافعي التفاح على البر بجامع الطعم فيكون ربويا، فيعترض عليه المالكي بأن هذا قياس مع الفارق لأن في البر أوصافا أخرى صالحة للتعليل مثل الاقتيات والادخار وهي لا توجد في التفاح، فيكون قياسا مع الفارق لأن علة الأصل غير موجودة بتمامها في الفرع، فلا يصح القياس هنا لوجود الفارق، وهو من القوادح كما قال العلوي:
والفرق بين الأصل والفرع قدح إبداء مختص بالأصل قد صلح.
إذن فعبارة: قياس مع الفارق" تفيد أن المعترض عليه بها قد أجرى القياس وأعطى الفرع حكم الأصل ولكن لوجود فارق مؤثر بينهما اعترض عليه بذلك فقيل: هذا قياس مع الفارق. وأما عبارة" على خلاف القياس" فإنها تعنى ثبوت حكم لدليل أو سماع يخالف حكم الأصل أوالقاعدة العامة المطردة، وكثيرا ما يستعمله اللغويون فيقولون مثلا هذا جمع على خلاف القياس كما في مقاليد جمع إقليد وراسيات جمع راس، فذلك مسموع عن العرب بل جاء به القرآن وهو على خلاف القياس اللغوى. فقياس الجمع في إقليد (المفتاح) أقاليد وفي راس (الحبل) رواس وهكذا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1426(23/72)
الفكر الأصولي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة دراسات عليا في مرحلة الدكتوراة وأود الاستفسار عن بعض مفردات بحثي مما قد يكون لدى المكتبة علم بها وهذه المفردات هي:
1- الفكر الأصولي (من أصول الفقه) .
2- فقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفكر الأصولي هو ملكة لدى العالم الأصولي يرجح بها الأقوال، ويقدر بها الاستدلال، وذلك يتطلب خبرة واسعة بشتى المجالات، والاطلاع على القرآن الكريم وعلومه، والعلم بفهارس كل ما يرتبط بالنصوص وتحقيقها، وسلامة الرواة، ومعرفة المرجحات، وكذلك الخبرة في علوم اللغة وهيئات المشتقات، وأساليب العرب البلاغية بالإضافة إلى خبرة تاريخية بالظرف الذي وردت فيه النصوص، والقرائن التي تصحب النصوص وغير ذلك.
ويتميز المفكر الأصولي بميزة العمق، لأنه يدرس مسألة حساسة جداً تترك أثرها على مجمل الفقه، مما لا يقدر معه إلا على التعمق وسبر أغوار البحث.
ويمثل الإمام الغزالي قمة الفكر الأصولي، كما يمثل كتابه (المستصفى) أروع الثمار الأصولية خلال قرون عديدة، ويكفي أن نمر بسرعة على محاور هذا الكتاب ليثبت لنا ذلك.
فهو يبدأ ذاكراً: أن علم الأصول يدور حول أقطاب أربعة هي: الحكم، ومنبعه، وسبل الاستثمار والاستدلال، والمستدل المستنبط.
وللمزيد يمكنك أن تراجعي أصول الفقه المقارن للسيد محمد تقي الحكيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1426(23/73)
معنى (على خلاف القياس)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود من قول الفقهاء هذا على خلاف القياس؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول الفقهاء هذا على خلاف القياس، يعني أن حكم المسألة قد ورد على خلاف القواعد الفقهية، وكون الأحكام ترد على خلال القياس أو على وفاقه هو محل اختلاف بين بعض الحنابلة وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من جهة، وبين جمهور أهل العلم من جهة أخرى.
ومثاله: اختلاف الفقهاء في صفة مشروعية الإجارة هل هي مشروعة على وفق القياس أو على خلافه؟
فقال جمهور الفقهاء: إنها شرعت على خلاف القياس، وقال بعض فقهاء الحنابلة: إنها مشروعة على وفق القياس وقد نصر هذا الرأي ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، واستدل جمهور الفقهاء بأن الإجارة شرعت على خلاف القياس بقولهم: إن الإجارة بيع معدوم، وبيع المعدوم لا يجوز، لذا لم تكن الإجارة جائزة في الأصل إلا أنه لما وردت الأدلة الشرعية بجوازها كان هذا الجواز استثناء على خلاف الأصل والقاعدة التي قامت الأدلة الشرعية عليها.
أما أن الإجارة بيع، فلأن البيع مبادلة مال بمال، والإجارة كذلك لأنها مبادلة منفعة بمال هو الأجرة، وأما أن بيع المعدوم باطل فللأدلة الشرعية الكثيرة، ومنها حديث: لا تبع ما ليس عندك.
وأجاب بعض الحنابلة على استدلال جمهور الفقهاء فقالوا بأن الإجارة شرعت على وفق القياس وهي ليست بيعاً، لأن البيع الذي جاءت الأدلة على بطلانه إذا ورد على المعدوم هو الوارد على الأعيان التي يمكن أن توجد عند التعاقد، أما الإجارة فإنها ترد على منافع يتعذر وجودها عند التعاقد.
وردوا على قياسهم الإجارة بالبيع بقولهم: إن أردتم بالبيع الذي قستم عليه الإجارة معناه المطلق الشامل لبيع الأعيان والمنافع فإننا نسلم لكم أن الإجارة نوع منه بهذا المعنى، غير أننا لا نوافقكم على أن البيع بهذا المعنى هو الذي ورد النهي عنه إذا كان محله معدوماً لأن العقد على المنافع حال وجودها لا يتصور عقلاً فكيف يشترطه الشارع، ولهذا كان النهي عن بيع المعدوم واردا على بيع الأعيان التي يمكن تأخير العقد عليها حتى توجد دون ضرر ولا شدة حاجة.
أما المنافع فإنه يمتنع العقد عليها حال وجودها لأنها تكون معدومة عند العقد دائماً فجاز العقد عليها، ويكون هذا الجواز أصلاً في ذاته وليس مستثنى من غيره. ومثال هذا أيضا اختلافهم فيما إذا كان القرض مشروعاً على خلاف القياس أو على وفاقه.
فقال جمهور أهل العلم بالرأي الأول، وهو أن القرض عقد مشروع على خلاف القياس رفقا بالمحاويج وجلبا لمصلحة إسداء المعروف إلى العباد.
ومبنى هذا النظر أن القرض تمليك للشيء برد مثله فساوى البيع، إذ هو تمليك الشيء بثمنه، والمعاوضة في كليهما هي المقصودة، فكان بيعا ربويا بجنسه مع تأخر القبض، وهو محظور، فمن أجل ذلك جرى جوازه على خلاف القياس.
وقال بالرأي الثاني ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من الحنابلة: وهو أن القرض عقد مشروع على وفق القياس، وجاء على سننه، وليس فيه مخالفة لشيء من القواعد الشرعية، إذ هو من جنس التبرع بالمنافع كالعارية، فكأن المقرض أعاره الدراهم ثم استرجعها منه، لكن لم يمكن استرجاع عينها، فاسترجع مثلها ...
وقل مثل هذا في إزالة النجاسة وفي الحجامة والتيمم والحوالة والرهن وحمل العاقلة الدية عن الجاني، وغيرها من أبواب الفقه.
ولك أن تراجع لزيادة في التفصيل كتاب: إعلام الموقعين لابن القيم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1426(23/74)
القياس في العبادات.. رؤية فقهية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل القياس في العبادات جائز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسألة مختلف فيها، والصواب عدم جواز القياس في العبادات التوقيفية التي لم تعلم علتها وجوازه فيما علم علته، وذلك أن من الشرع ما ليس معللاً، وهو من العبادات المحضة التي علينا أن نسلم بها دون السؤال عن العلة، قال تعالى: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23} .
وهذا النوع لا قياس فيه لأن القياس من أركانه العلة، فما لم تعرف علته لا يقاس عليه، ولا يتعدى حكمه موضعه؛ كما هو مبسوط في الموسوعة الفقهية.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في القواعد النورانية: كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله، وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ. انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية عند الكلام على التعليل ما نصه: الأصل في أحكام العبادات عدم التعليل، لأنها قائمة على حكمة عامة، وهي التعبد دون إدراك معنى مناسب لترتيب الحكم عليه، وأما أحكام المعاملات والعادات والجنايات ونحوها، فالأصل فيها: أن تكون معللة، لأن مدارها على مراعاة مصالح العباد، فرتبت الأحكام فيها على معان مناسبة لحقيق تلك المصالح، والأحكام التعبدية لا يقاس عليها لعدم إمكانية تعدية حكمها إلى غيرها.
وفي كتاب البيان المأمول في علم الأصول لفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق يقول المؤلف: الأمور التي لا يجوز القياس فيها قولاً واحداً هي الأمور التعبدية التي لا دخل للعقل في معرفة عللها؛ إلا أن تكون لاختبار طاعة العباد لربهم سبحانه وتعالى، ولذلك كان شؤون القربات جميعاً، وهي ما اصطلح عليه باسم العبادات من الأمور التي لا يجوز القياس عليها كالصلاة، والصيام، ومقادير الزكوات، والحج، والشعائر المخصصة كتعظيم أيام بعينها وأماكن بذاتها، وتخصيصها بشيء من العبادات أو الأذكار، ولاشك أن ذك كله من أمور العبادات المحضة التي لا يجوز أن يقاس عليها قط، والقياس فيها مردود لأنه إحداث في الدين ما ليس منه، قال صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. رواه البخاري 2697 ومسلم 1718 من حديث عائشة، وقال سبحانه وتعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ.
وقد نزل هذا في شأن المشركين الذين بحروا البحائر، وسيبوا السوائب، وجعلوا الحامي والوصيلة، وغير ذلك مما شرعوه هديا للكعبة، وقربى إلى الله بزعمهم مما لم يأذن به الله، ولم يشرعه لهم، ويدخل فيها كل ما ابتدعه جهال المسلمين من عمل الموالد، والمزارات، والأذكار المبتدعة، والمواسم المبتدعة، والمشاعر الخاصة كالخلوة والصيام عن أنواع من الطعام والشراب مخصوصة في أيام مخصوصة، والشاهد أن كل ما يدخل في هذا الباب فإنه باطل محض وإن قيس على أشباهه مما هو موجود بالشريعة شكلاً، ولا شك أنه يخالفه موضوعاً. ثم إنه لا يجوز بتاتاً قياس ما نشرعه بعقولنا في هذا الصدد على ما شرعه الله سبحانه وتعالى، لأن هذا يعد عدواناً على حق الله سبحانه وتعالى، وكأنه لم يبين لنا ما يكفي لنتقرب به إليه، ونحظى بالقرب والمودة منه، والوصول إلى مرضاته وموالاته ... ولاشك أن كل هذا يدخل أيضاً في قوله صلى الله عليه وسلم: فمن رغب عن سنتي فليس مني. رواه البخاري 5063 ومسلم 1401. انتهى.
وأما ما عرفت علته فيجوز القياس فيه، لأن ما أمكن تعليله يجوز القياس عليه، ولهذا نصوا على جواز التعبد بالقياس عقلاً، كما في شرح الكوكب المنير، ولكن ما عرفت علته قليل إذ الأصل في العبادات عدم التعليل كما قدمنا ...
فقد ذكر الفقهاء أن التعليل يكثر في باب العادات والمعاملات، ويقل في باب العبادات، يقول الإمام الشاطبي في الموافقات: إن الشارع غلَّب في باب العبادات جهة التعبد، وفي باب العادات جهة الالتفات إلى المعاني، والعكس في البابين قليل.
وهذا هو رأي جمهور الفقهاء أيضاً، وهو أن الأصل في العبادات عدم التعليل، وخالفهم في ذلك الأحناف الذين يرون أن الأصل التعليل حتى يتعذر.
وبناء على ذلك قال أبو حنيفة - رضي الله عنه - عن نصوص الزكاة التي تبين الواجب إنها معللة بالمالية الصالحة لإقامة حق الفقير، ولذلك أباح إخراج قيمة الزكاة بدلا عن عينها.
وهناك شواهد تثبت أن أهل العلم أجروا القياس فيما عقلت علته أو ظنت من العبادات والتقديرات والحدود وما إليها، فالقياس وإن كان فعلاً يدور على الحوادث التي لا نص فيها، إلا أن مرجعه فهم النص، وبالتالي فقد ترد في العبادات وغيرها ما يمكن أن يناط به في تحديد الحكم على الحوادث الجديدة، وذلك عندما تكون هذه العبادات مفهومة المعنى لينشأ منها القياس، وعلى حد الشاطبي أن كثيراً من العبادات هي كالعوائد: لها معنى مفهوم وهو ضبط وجوه المصالح.
فمن هذه الناحية أجروا القياس في العبادات وما إليها، ومن ذلك ما قدرت به عقوبة شارب الخمر، حيث جاء في أحد الآراء أنه لم يرد هناك حد لتلك العقوبة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولما جاء عمر أراد تحديدها فاستشار الصحابة، فأشار عليه الإمام علي -رضي الله عنه- بثمانين جلدة مستدلاً بدليل هو أنه: إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى. وقد نقل العلماء هذا الحد وقبلوه، وعلى رأسهم مالك في الموطأ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الأولى 1426(23/75)
فتاوى روعيت فيها المصلحة المرسلة في فقه المعاملات والأسرة
[السُّؤَالُ]
ـ[لو سمحتم أريد بعض الفتاوى التي روعيت فيها المصلحة المرسلة في فقه المعاملات وفي فقة الأسرة؟ وجزاكم الله عنا ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فراجع في فقه المعاملات الفتوى رقم: 11074، والفتوى رقم: 51188، والفتوى رقم: 3127، والفتوى رقم: 38801.
وراجع في فقه الأسرة الفتوى رقم: 5995، والفتوى رقم: 6559، والفتوى رقم: 30237.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1426(23/76)
الاستصحاب وصوره
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أولا جزاكم الله خيرا على كل ما تقدموه من مفيد ونافع للمسلمين
ثانيا، سؤالي هو ما هي صور الاستصحاب؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاستصحاب من المصاحبة، فهو استصحاب الحال لأمر وجودي أو عدمي عقلي أو فرعي، كما قال الشوكاني في إرشاد الفحول، ومعناه أنما ثبت في الزمن الماضي فالأصل بقاؤه في المستقبل إلا إذا وجد ما يغيره. وعرفه بعضهم فقال: وحد الاستصحاب أخذ المجتهد بالأصل عن دليل حكم قد فقد فالمفتي يبحث عن الحكم في الكتاب ثم في السنة، ثم في الإجماع، ثم في القياس، فإن لم يجده فيأخذ الحكم من استصحاب الحال في النفي والإثبات، فإن كان التردد في زواله فالأصل بقاؤه وإن كان التردد في ثبوته فالأصل عدم ثبوته.
وأما صوره فقد قال الزركشي للاستصحاب صور:
إحداها: ما دل العقل والشرع على ثبوته ودوامه كالملك عند جريان القول المقتضي له وشغل الذمة عند جريان إتلاف أو التزام ودوام الحل من المنكوحة بعد تقرير النكاح، قال: فهذا لا خلاف في وجوب العمل به إلى أن يثبت معارض.
والثانية: استصحاب العدم الأصلي المعلوم بدليل العقل في الأحكام الشرعية كبراءة الذمة من التكليف حتى يدل دليل شرعي على تغيره كنفي صلاة سادسة
والثالثة: استصحاب الحكم العقلي عند المعتزلة إلى ورود الدليل السمعي، وهذا لا يجوز العمل به عند أهل السنة لأنه لا حكم للعقل في الشرعيات.
والرابعة: استصحاب الدليل مع احتمال المعارض، إما تخصيصا إن كان الدليل ظاهرا أو نسخا إن كان الدليل نصا، وهذا معمول به إجماعا، وهذه الصورة ينازع بعض الأصوليين في تسميتها بالاستصحاب، ومنهم إمام الحرمين في البرهان، والكيا في تعليقه وابن السمعاني في القواطع، قالوا لأن ثبوت الحكم فيه من ناحية اللفظ لا من ناحية الاستصحاب.
والخامسة الحكم الثابت في الإجماع في محل النزاع، وهذا راجع إلى الحكم الشرعي بأن يتفق على حكم في حالة ثم تتغير صفة المجمع عليه فيختلفون فيستدل به ثم يغير الحكم باستصحاب الحال.
فهذه هي صور الاستصحاب كما ذكرها العلماء، مع العلم إلى أنه لا يصار إليها إلا بعد استفراغ الوسع في البحث كما قال العلوي الشنقيطي:
بعد قصارى البحث عن نص فلم * يلف وهذا البحث وفقا منحتم
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1426(23/77)
أنواع الإكراه الفعلي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأموال والأعراض كالزوجة مثلاً داخل في حد الإكراه، وما الدليل على ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل الكريم يقصد هل الإكراه على أخذ أموال الغير وانتهاك عرضه يدخل في الإكراه الذي يسقط الحد والإثم؟ والجواب: أن أهل العلم قسموا الإكراه الفعلي إلى قسمين:
الأول: الإكراه على فعل ما فيه حق للغير، كالإكراه على الاعتداء على نفسه أو زوجته أو ماله.. فإن هذا النوع لا يبيحه الإكراه ولا يسقط الإثم عن فاعله.
وأما النوع الثاني فهو: ما كان الحق فيه متمحضا لله تعالى ولا تعلق له بالعباد، فهذا النوع من الإكراه فيه يسقط الإثم والحد ... على اختلافهم في تفصيل بعض الجزئيات، لأن حق الله تعالى مبني على المسامحة وحقوق العباد مبنية على المشاحة والتضييق، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 52105.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1426(23/78)
العلة في قياس قضاء الحج على قضاء الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي حول قياس قضاء الحج على قضاء الدين..
جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الحج شيخا زمنا لا يستطيع أن يحج، إن حججت عنه أينفعه ذلك؟ قال له: أرأيت لو كان على أبيك دينا فقضيته أكان ينفعه ذلك؟ قال: نعم، قال: فدين الله أحق بالقضاء. رواه النسائي وإسناده حسن. ما العلة المشتركة بين الاثنين، هل هي: التخفيف عن شخص غير قادر على أداء الفرض، أم وجوب القضاء لفرض من الفروض، أم لعلة أخرى؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد توفرت في هذا القياس أركانه الأربعة وهي:
1- الفرع وهو قضاء دين الله عن الغير.
2- الأصل وهو قضاء دين الآدمي.
3- العلة كون كل منهما حق على الغير.
4- الحكم: مشروعية قضاء دين الله قياساً على مشروعية قضاء دين الآدمي.
وقد أشار إلى العلة ابن دقيق العيد رحمه الله في شرح عمدة الأحكام حيث قال: وقد استدل القائلون بالقياس في الشريعة بهذا، من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قاس وجوب أداء حق الله تعالى على وجوب حق العباد، وجعله من طريق الأحق.
فيجوز لغيره القياس لقوله تعالى {واتبعوه} لا سيما وقوله عليه السلام (أرأيت) إرشاد وتنبيه على العلة التي هي كشيء مستقر في نفس المخاطب. انتهى، فالعلة الجامعة هي كون كل منهما حق على الميت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1426(23/79)
حصول الإجماع في عصر الصحابة ومن بعدهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حصل الإجماع في غير عهد الصحابة والتابعين؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإجماع هو اتفاق مجتهدي أمة الإجابة بعد وفاة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في عصر من العصور على أمر من الأمور بتصريح، أو سكوت عند القائلين بالإجماع السكوتي، قال في المراقي:
وهو الاتفاق من مجتهدي * الأمة من بعد وفاة أحمد
وقد حصل الإجماع في عهد الصحابة ومن بعدهم، ومن أمثلة إجماع الصحابة: إجماعهم على وجوب تنصيب خليفة للمسلمين، وإجماعهم على قتال مانعي الزكاة، وهو ما أجمع عليه التابعون، كما أجمعوا على تقديم دين الميت على وصيته من التركة قبل قسمها، وعلى حرمة شحم الخنزير كلحمه ... كما حصل الإجماع على هذه الأمور وغيرها بعد عصر التابعين، وقد ألف بعض أهل العلم في إثبات الإجماع ومسائله، من ذلك مراتب الإجماع لابن حزم، والإجماع لابن المنذر، والإفصاح لابن هبيرة ... وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة والتفصيل وأقوال أهل العلم واختلافهم حول الإجماع في الفتوى رقم: 28730.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1426(23/80)
شرع من قبلنا هل هو شرع لنا
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي حجية شرع من قبلنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في الاحتجاج بشرع من قبلنا، فذهب بعض الأصولين إلى أنه ليس بحجة مستدلين بقول الله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً {المائدة: 48} . وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة. رواه مسلم. وذهب الجمهور إلى أنه حجة، واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى:.. أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ {الأنعام: 90} . وبما في صحيح البخاري وغيره: أن الربيع بنت النضر كسرت ثنية امرأة فطلبوا الأرش وطلبوا العفو فأبوا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهم بالقصاص فقال أنس بن النضر: أتكسر ثنية الربيع يا رسول الله؟ لا، والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فقال: يا أنس كتاب الله القصاص، فرضي القوم وعفوا. . الحديث. والذي في كتاب الله تعالى هو ما كتبه الله تعالى في التوراة على أهل الكتاب من قبلنا في قوله تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ {المائدة: 45} . فهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحكم بشرائع الأنبياء السابقين إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة التي استدلوابها. وذهب بعضهم إلى التفصيل فقال: إن شريعة إبراهيم وما ورد في القرآن والسنة من شرائع الأنبياء على وجه المدح والتقرير والسكوت عليه دون مخالفة فهو حجة يجب الأخذ بها لقول الله تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً {النحل: 123} . وإلى هذا الخلاف أشار ابن عاصم المالكي الأندلسي في مرتقى الأصول بقوله:
وقيل هل في شرع من عنا مضى * شرع لنا في غير ما الشرع اقتضى
بالمنع، والجواز، والتفصيل ... * بمنع غير شرعة الخليل.
والراجح ـ إن شاء الله تعالى ـ هو مذهب الجمهور لكثرة الأدلة ووضوحها وهو أن شرع من قبلنا شرع لنا مالم يكن في شرعنا ما يخالفه، كما قال أهل العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1426(23/81)
سد الذرائع والحيل
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أولا جزاكم الله خيرا على كل ما تقدمونه من مفيد ونافع للمسلمين
ما هو مفهوم سد الذرائع؟ والمقارنة بينه وبين الحيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسد الذرائع معناه عند أهل العلم: منع الأمر المباح في الأصل أو الظاهر لكونه يتوصل به إلى حرام أو يؤول إليه.
وقد أخذ بهذا الأصل الإمام مالك والإمام أحمد ومن وافقهما واستدلوا لذلك بأدلة من القرآن والسنة، منها: قول الله تعالى: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ {الأنعام: 108} .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن من الكبائر شتم الرجل والديه. قيل: وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه. رواه أبو داود.
وكذالك النهي عن إقامة الحد في الغزو، والنهي عن شراء الصدقة، وعن بيع السلاح في الفتنة.. وما أشبه ذلك مما ورد فيه النهي عن المباح في الأصل كالنهي عن القضاء وقت الغضب..
فالوسائل المباحة في الأصل إذا توصل بها إلى محرم فهي حرام سدا للذريعة، ومن هنا قال الإمام مالك ومن وافقه: بمنع الحيل لأنها كفعل أصحاب السبت الذين قص الله تعالى علينا خبرهم في القرآن الكريم.
وذهب بعض أهل العلم من الحنفية والشافعية إلى عدم الأخذ بسد الذرائع، ولهذا أباحوا بيع العنب لمن يتخذه خمرا، كما أباحوا بيع العينة وقالوا: لا يفسد عقد أبدا إلا بالعقد نفسه، ولا تفسد العقود بأن يقال هذا ذريعة، وهذه نية سوء.. انظري الموسوعة الفقهية مبحث سد الذرائع.
واتفق الجميع على سد الذريعة إذا كانت تفضي إلى مفسدة محققة كحفر بئر في طريق الناس العامة وإلقاء السم أو ما يضر في مواردهم.
والقائلون بسد الذريعة متفقون أيضا على عدم التوسع فيها لأن ذلك يؤدي إلى االحرج والمشقة والحرج مرفوع.
ويمثلون لذلك بعدم تحريم زراعة العنب وإن كان ربما يؤدي انتشاره إلى صناعته خمرا، وعدم منع النساء من المساجد، وسكن الرجال والنساء في الدور.
كما أنهم فتحوا الذرائع إلى ارتكاب المحرم إن كان تركه يؤدي إلى ضرر أعظم منه، ويمثلون لذلك بالأموال وغيرها التي تعطى للكفار فدية لأسارى المسلمين، وبالرشوة والكذب لإنقاذ المسلم أو ماله.. ودخول بيوت الناس لإطفاء الحريق ومنع اللصوص..
ويشترطون لذلك أن لا يمكن منع الضرر أو إزالته بجائز.. وأن يكون الضرر أعظم من المحرم المرتكب.
قال العلامة الشيخ سيدي عبد الله الشنقيطي في مراقي السعود:
سد الذرائع على المحرم * حتم كفتحها إلى المنحتم
وقال في نشر البنود.. وكذلك يجب فتح الذريعة إلى الواجب ويندب فتحها إلى المندوب، ويكره إلى المكروه، ويباح إلى المباح كما أشار له بقوله:
وبالكراهة وندب وردا * وألغ إن يك الفساد أبعدا
أو رجح الإصلاح كالأسارى * تفد بما ينفع للنصارى
وانظر تدلي دوالي العنب * في كل مشرق وكل مغرب
وما قاله العلامة الشنقيطي يلخص كلام أهل العلم في هذا الموضوع، ويمنع ارتكاب الحيل كما هو مذهبه الذي يتلخص في القاعدة الفقهية: الوسائل لها حكم المقاصد.
وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 32024.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1426(23/82)
الاستحسان في تعريف الأصوليين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أولا جزاكم الله خيراً على كل ما تقدموه من مفيد ونافع للمسلمين، ما هي تعريفات الأصوليين للاستحسان، والمقارنه بينها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
للإجابة عن هذا السؤال يمكن مراجعة الفتوى رقم: 6168.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1426(23/83)
فتوى الصحابي
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أولا جزاكم الله خيرا على كل ماتقدمونه من مفيد ونافع للمسلمين
ثانيا ما المقصود بفتوى الصحابي؟ ومايتعلق بهذا الموضوع]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمقصود بفتوى الصحابي هو قوله الموقوف عليه ومذهبه وهو لا يخلو من أحد أمرين إما أن يكون مما لا مجال للرأي فيه فيكون في حكم المرفوع كما قرر أهل الحديث ويقدم على القياس ويخص به النص إن لم يعرف صاحبه بالأخذ عن الإسرائيليات، وأما إذا كان مما للرأي فيه مجال فإن انتشر بين الصحابة ولم يظهر له مخالف فهو الإجماع السكوتي وهو حجة عند الأكثرين. وإن علم له مخالف من الصحابة فلا يعمل بقول أحدهم إلا بترجيح بالنظر في الأدلة الأخرى، وإذا لم ينتشر فقيل حجة على التابعي فمن بعده لأن الصحابي حضر التنزيل وعرف التأويل، وقيل ليس بحجة لجواز الخطإ عليه. وقال بعضهم: وروي عن أحمد أن الحجة إنما هي في فتوى الخلفاء الأربعة لحديث: عليكم ب سنتي وسنة الخلفاء ال راشدين. رواه أحمد وأبو دواد والترمذي والحاكم وصححه. وقيل إنما هي في قول أبي بكر وعمر فقط لحديث: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. رواه أحمد والترمذي وحسنه. وهذا مجمل كلام أهل العلم في هذه المسألة كما لخصه الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله في مذكرته الأصولية على روضه الناظر لابن قدامة الحنبلي. وقد جمع العلوي تلك الأقوال في أبيات من مراقيه فقال:
رأي الصحابي على الصحابي لا *يكون حجة بوفق من خلا
في غيره ثالثها إن انتشر * وما مخالف له قط ظهر
ويقتدي من عم بالمجتهد * منهم لدى تحقق المعتمد.
وللاستزادة حول هذا الموضوع نحيل إلى المذكرة للشيخ/ الأمين، والمسودة / لشيخ الإسلام، وإرشاد الفحول / للشوكاني وغيرها من كتب الأصوليين. فقد فصلوا في ذلك تفصيلا وذكروا أقوالا كثيرة يحسن الوقوف عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الثاني 1426(23/84)
مؤلفات ومراجع في أصول الفقه
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسأل عن ماهي مسالك العلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الموضوع الذي تسألين عنه يحتاج إلى إفراده ببحث، ولا يمكن استيفاء الجواب عنه في فتوى يراعى فيها الاختصار والإيجاز. لذا ننصحك ـ أختي الكريمة ـ بالرجوع إلى المصادر التالية، وستجدين بها مطلبك إن شاء الله. وهذه المصادر هي: البحرالمحيط للزركشي (شافعي) ـ المستصفى للغزالي (شافعي) ـ جمع الجوامع للسبكي، بشرح المحلي وحاشية العطار (شافعي) ـ الفصول في الأصول للجصاص (حنفي) ـ كشف الأسرار لعبد العزيز البخاري (حنفي) ـ التوضيح للتفتازاني (شافعي) ـ تبصرة الحكام لابن فرحون (مالكي) ـ التقرير والتحبير لابن أمير الحاج (حنفي) ـ الإنصاف للمرداوي (حنبلي) ـ شرح الكوكب المنير للفتوحي (حنبلي) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1426(23/85)
معنى قول الأصوليين (عام يراد به الخصوص)
[السُّؤَالُ]
ـ[س: ما معنى قول الأصوليين: العموم فيه خرج مخرج العموم المراد به الخصوص؛ مع التوضيح بالمثال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا اللفظ وما في معناه مثل قولهم: عام يراد به الخصوص، فمعناه أن يكون اللفظ من ألفاظ العموم أصلا ولكن معناه الخصوص، ومثال ذلك: أن الاسم المحلى بأل مفردا كان أو جمعا يدل على العموم كالإنسان والرجل والناس والمسلمين..
فقد يكون من هذا النوع ما هو للخصوص، ولكن كونه للعموم هو الأصل، ويشترط لدلالته على العموم أن لا يكون مشارا به إلى شخص أو معين، فإن كان لمعهود أو معين حمل عليه، ولا يكون حينئذ عاما.
ويمثلون لذلك بقول الله تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ {آل عمران:173} . فالمراد بالناس الثانية قريش أو أبو سفيان على الخصوص.
ومنه قوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ {التوبة: 30} قال القرطبي: هذا اللفظ خرج على العموم ومعناه الخصوص، لأن ليس كل اليهود قالوا ذلك..
ومنه قوله تعالى: فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ {آل عمران: 39} وقال: يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ {النحل: 2} يعني جبريل عليه السلام، كما قال غير واحد من أهل التفسير
وللفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 8101.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ربيع الثاني 1426(23/86)
أهمية القياس ودوره في استنباط الأحكام الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو دور القياس في استنباط الأحكام الشرعية]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن للقياس دورا عظيما في استنباط الأحكام الشرعية، ولهذا كان القياس الأصل الرابع بعد الكتاب والسنة والإجماع.
وقد تضافرت الأدلة الشرعية عل العمل به والاحتجاج؛ كما قال الله تعالى: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ {الحشر: 2}
وقال تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ {النساء: 83} .
وتكمن أهمية القياس أو دوره في استنباط الأحكام الشرعية في أن نصوص الوحي محصورة، وأن الحوادث والنوازل متجددة لا نهاية لها، وكل أفعال المكلفين لها حكم في الشريعة الإسلامية من الأحكام الخمسة، فإذا لم يوجد عليها نص من الشارع أو إجماع استعمل المجتهد أو العالم القياس بضوابطه وشروطه ومقاصد الشريعة الإسلامية، ولهذا قال الشنقيطي في "نشر البنود" شرح مراقي السعود: قال الفهري: القياس من أهم أصول الفقه، إذ هو أصل الرأي وينبوع الفقه، ومنه تتشعب الفروع وعلم الخلاف، وبه تعلم الأحكام والوقائع التي لا نهاية لها، فإن اعتقاد المحققين أنه لا تخلو واقعة من حكم، ومواقع النصوص والإجماع محصورة. روى ابن القاسم عن مالك أنه قال: الاستحسان (القياس) والاجتهاد تسعة أعشار العلم.
وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 16732.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1426(23/87)
درء الحدود بالشبهات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحدود تدرأ بالشبهات؟ فقد علمت أن ابن قدامة نقل الإجماع على ذلك ولكن ابن حزم قال في المحلى بخلافه، وهل يصح أي حديث ورد بهذا المعنى؟ ولو صح فما معنى كون الحد يدرأ بالشبهة؟ فإن الشبهة أمر نسبي قد يرى القاضي مثلا هذا الأمر شبهة ولا يراه كذلك القاضي الآخر.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإجماع يصعب تحققه، إلا أن القول بدفع الحدود بالشبهات نقل الإجماع عليه ابن المنذر، وقد بوب عليه كثير من المحدثين منهم الترمذي والبيهقي والهيثمي وابن ماجة وابن أبي شيبة، ونقلوا فيه بعض الأحاديث التي لا تخلو أسانيدها من كلام ونقلوا فيه آثارا عن السلف، ولم نعلم من السلف الأول من قال بخلافه، وقد ذكر المباركفوري في شرح الترمذي: ما في الباب وإن كان فيه المقال المعروف فإنه يصلح للاحتجاج به على مشروعية درء الحدود بالشبهات المحتملة لا مطلق الشبهات. وراجع للمزيد في تخريج الأحاديث التلخيص لابن حجر ونيل الأوطار للشوكاني، وراجع في بحث كلام أهل العلم في المسألة المغني لابن قدامة، والمحلى لابن حزم، والمجموع للنووي. وأما معنى كونه يدرأ بالشبهة فالمراد أن السلطان والقاضي إذا كان هناك شبهة محتملة تفيد عدم ثبوت الحد أو تؤثر في حال من ثبت عليه الذنب، فإنه يعمل بها ولا يحد المتهم، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة، كما في حديث الترمذي. وأما كون أمر الشبهة نسبيا وأنه قد يرى بعض القضاة ما لا يراه غيره، فإن القاضي الذي لا يرى شبهة في الموضوع يتعين عليه العمل بما ثبت عنده، وأما الذي عنده شبهة فهو الذي يتوجه إليه الكلام بالدرء بها. هذا، وننبه إلى أن أهم ما ينبغي الاعتناء به في هذا المجال أن يكثر العبد الدعاء ويبذل ما أمكنه في إقامة حدود الله في أرض الله على عباد الله. ففي الحديث: إقامة حد في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين ليلة. رواه النسائي وصححه الألباني. وعليه قبل ذلك وبعده أن يبذل ما أمكنه في تقوية إيمان العباد حتى يحجزهم إيمانهم عن الوقوع فيما يوجب الحدود. فإن السعي في هذين الأمرين أنفع للأمة من إثارة الأقوال ونقاشها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1426(23/88)
هل يقدح في الإجماع مخالفة عالم أو اثنين
[السُّؤَالُ]
ـ[الإجماع الواضح دليل يجب العمل به وغالبا يحصر الإجماع في طبقة التابعين (أو يتعين تحديده لكثرة الرواية عنهم في المسائل الفقهية وطبقة الصحابة معظم إجماعهم يؤخذ من اتفاق عدد منهم ولو كان اثنين ثم يقال لم يعلم لهم مخالف.) وعلمنا من إجماع التابعين أنهم ما كان لهم أن يجتمعوا على حكم إلا بنص وصلهم وسمعوه من الصحابة رضي الله عنهم
والسؤال
هل إذا اجتمعت طبقة التابعين على حكم ما بلا خلاف بينهم وشذ عن هذا الرأي واحد أو اثنان وصرحا بأن خلافهما عن الجماعة رأي رأوه مثل أن يقول (رأيا مني) هل هذا يقدح إجماع طبقتهم على هذا الحكم؟ علما بأن الآخرين المجتمعين لم يوضحوا مصدر حجتهم (علما أيضا أن معظم المواضيع التي يأخذ فيها بدليل الإجماع ليس فيها مصدر حجتهم وإلا لو كان هناك نص لما احتجنا للإجماع كدليل ولعلمنا يقينا أنه محال أن يتفقوا علي شيء لم يسمعوا فيه من الصحابة)
ولما اتفق المجتمعون من هذه الطبقة على حكم وصرح مخالفوهم الاثنان بأن هذه المخالفة محض رأي
سألنا هل ينقض إجماع التابعين محض رأي أحدهم علما بأن المجتمعين لم يقولوا هو رأي رأيناه (كمعظم الإجماعات.فتوى فيجيبون) أما المخالفون فخالفوا وقالوا هو رأي من عندنا. أفيدونا رحمكم الله وأفيضوا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل الكريم يسأل: هل يضر الإجماع أو يقدح فيه إذا خالفه عالم واحد أو اثنان؟
فجمهور أهل العلم يرى أن الإجماع الذي يحتج به لا بد أن يكون باتفاق جميع العلماء المجتهدين، ولذلك عرفوه بأنه اتفاق جميع مجتهدي الملة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في عصر من العصور على أمر ديني باللفظ أو السكوت مع العلم، على اختلافهم في التعريف.
قال الشيخ سيدي الشنقيطي في المراقي معرفا للإجماع:
وهو الاتفاق من مجتهدي * الأمة من بعد وفاة أحمد
وعلى هذا، فإن الإجماع لا ينعقد إلا إذا اتفق عليه الجميع، وهذا قول مالك والجمهور، كما قال في شرح المراقي، وذهب بعضهم إلى أن الإجماع ينعقد دون الواحد والاثنين، وإلى ذلك أشار صاحب المراقي بقوله:
والكل واجب وقيل لا يضر * الاثنان دون من عليهما كثر
وقال في شرحه: يعني أن أصحاب مالك والجمهور قالوا: لا بد في الإجماع من اتفاق جميع المجتهدين، فلا ينعقد الإجماع مع مخالفة مجتهد واحد، كما يدل عليه إضافة مجتهد للأمة، إذ هي تفيد العموم.. ثم قال: وقال ابن خويزمنداد: لا تضر مخالفة الواحد والاثنين دون الثلاثة.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 4325.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1425(23/89)
تعريفات أصولية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تشرحون لي ما هو الفرق بين: الجائز، غير الجائز، المباح، السنة، المستحب، المكروه، المحرم، الواجب، الفرض، الركن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجائز: هو مستوي الطرفين، أالفعل والترك، ويسمى المباح، والحلال، والحل، والمطلق أي من قيد الفعل أو الترك، فالمكلف مخير بين فعله وتركه، ولا يترتب على فعله ثواب ولا إثم، وهذا هو الفرق بينه وبين الأحكام الأخرى. يقول الشيخ سيدي عبد الله الشنقيطي في المراقي لألفية الأصول:
... والإباحة الخطاب * فيه استوى الفعل والاجتناب.
وأما السنة: فهي الأمر بالفعل لا على سبيل الالزام، أو هي ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعله وأظهره، قال في المراقي:
وسنة ما أحمد قد واظبا * عليه والظهور فيه وجبا.
ويسميها بعضهم بالمستحب، والنفل، والفضيلة، والتطوع، والندب، والرغيبة، ويعرفها بعضهم بقوله: ما يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه. وأما المكروه: فهو ما يطلب تركه لا على سبيل الحتم والإلزام.. وهو يقابل السنة، فيثاب تاركه ولا يعقاب فاعله، وربما عبر عنه بعضهم بخلاف الأولى. وأما المحرم: فهو ما نهى عنه الشارع نهيا جازما فيثاب تاركه، ويعاقب فاعله أو يستحق ذلك. وأما الواجب فهو ما أمر به الشارع أمرا جازما فيترتب على فعله الثواب وعلى تركه العقاب، ويسمى فرضا، ولا زما، وحتما، ومكتوبا.. قال في المراقي:
ثم الخطاب المقتضي للفعل * جزما فإيجاب لدى ذي النقل
وغيره الندب وما الترك طلب * جزما فتحريم له الإثم انتسب
أولى مع الخصوص أولى فع ذا * خلاف الأولى وكراهة خذا
لذاك والإباحة الخطاب * فيه استوى الفعل والاجتناب.
وأما الركن فهو الدعيمة والأساس من الشيء، وأركان العبادة فرائضها، كالفاتحة في الصلاة قال في المراقي:
والركن جزء الذات والشرط خرج * وصيغة دليلها في المنتهج.
وعرفه بعضهم بأنه: ما يتم به الشيء وهو داخل فيه. وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 58013، 57867.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو الحجة 1425(23/90)
تصح العبادة ممن يؤديها بدون خلل وإن لم يميز بين الركن والشرط والواجب والمستحب
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرح بفضله صدور المرشدين للعباد وقيض لحمل الشريعة السمحاء ورثة الأنبياء، قرأت في كتاب شرح خطط السداد والرشد على نظم مقدمة ابن رشد للعلامة التتائي المالكي رحمه الله ما نصه (قال العوفي: قال العلماء من دخل في الصلاة وأتى بالهيئة كما أمر الله تعالى من الركوع والسجود والقيام والقعود ولم يترك منها شيئاً فلما فرغ سئل عن فروضها وسننها وحكمها، فلم يعرف من ذلك شيئاً بل قال أفعل كما رأيت الناس يفعلون فصلاته باطلة وكذا الوضوء والغسل.... بل هو في جميع ما فعله آثم عاص لله ورسوله، وليس في ذلك بين أهل العلم خلاف وكذلك الحج وسائر العبادات) أنا لا أشك فيما يتفق عليه العلماء لكني أود أن أعرف الأدلة، وما يجب على المسلم أن يتعلمه من أمر دينه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكره التتائي نقلا عن العوفي حمله بعض أهل العلم على ما إذا حصل خلل في تلك الصلاة أو نحوها من العبادات، أما إذا تعلم صفتها الصحيحة وأداها من غير خلل، فهي صحيحة، ومثلها غيرها من العبادات التي ذكرت.
قال الدسوقي المالكي في حاشيته معلقاً على ما ذكره الدردير من بطلان صلاة من اعتقد أن جميع أجزاء الصلاة فروض: قوله: وكذا اعتقاد أن كل جزء منها فرض: البطلان في هذه الصورة ذكره العوفي قائلاً من غير خلاف ونقله تت (يقصد التتائي) في فرائض الوضوء، لكن قال شيخنا العدوي: وكلام العوفي مفروض فيما إذا حصل خلل وإلا فلا بطلان، والحاصل أنه إذا أخذ صفتها من عالم، ولم يميز الفرض من غيره، فإن صلاته صحيحة إذا سلمت من الخل، سواء علم أن فيها فرائض وسننا، أو اعتقد فرضية جميعها على الإجمال أو اعتقد أن جميع أجزائها سنن، أو اعتقد أن الفرض سنة أو العكس، أو أنها فضيلة، أو اعتقد أن كل جزء منها فرض. وإن لم تسلم صلاته من الخلل فهي باطلة في الجميع هذا هو المعتمد كما قرره شيخنا، ويدل له قوله عليه الصلاة والسلام: صلوا كما رأيتموني أصلي. فلم يأمرهم إلا بفعل ما رأوا، وأهل العلم نوابه عليه الصلاة والسلام فهم مثله في الاقتداء بكل، فكأنه قال: صلوا كما رأيتموني أصلي، أورأيتم نوابي يصلون. انتهى.
ومثل الصلاة في هذا الأمر أيضاً الوضوء والغسل والحج، فتصح إذا تعلم الشخص صفتها ولم يحصل فيها خلل، بدليل وضوئه صلى الله عليه وسلم أمام أصحابه ثم قال: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه. متفق عليه.
وبالنسبة للحج فقد أمرهم باتباعه في فعله حيث قال صلى الله عليه وسلم: لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه. وكذلك الغسل فقد نقلت صفة الغسل الكامل عنه صلى الله عليه وسلم من طرف بعض أزواجه وهي ميمونة رضي الله عنها، كما في الفتوى رقم: 6133.
والواجب على المسلم تعلمه هو كل ما أوجب الله عليه عينا، مثلما يحتاج إليه من تصحيح عقيدته وأحكام صلاته وصيامه ونحو ذلك. قال الخادمي الحنفي في بريقة محمودية ممزوجاً بكتاب طريقة محمدية: حاصله أن العلم تابع للمتبوع، فإن كان المعلوم فرضا أو حراماً ففرض أي فالعلم به فرض للامتثال في الأول، والاجتناب في الثاني. وإن كان واجباً أو مكروها فواجب أي فتعلمه واجب للإقدام في الأول والكف عن الثاني، هذا مبنى ما قرر في الأصول من أن وجوب الشيء يدل على حرمة تركه، وحرمة الشيء تدل على وجوب تركه. انتهى، وللمزيد عن هذا الموضوع راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11280، 22256، 42710.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو الحجة 1425(23/91)
الفرض والمستحب والسنة المؤكدة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
إذا كان كل ما جاء بصيغة الأمر عن الرسول صلى الله عليه وسلم فرضا فكيف وأن بعض السنن جاءت بالأمر
وما الفرق بين السنة والسنة المؤكدة والواجب والفرض وأين اللحية والنقاب منها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما جاء بصيغة الأمر على وجه التأكيد والإلزام، فهو الفرض والواجب، ويعبر عنه في الفقه وأصوله بالحتم واللازم والمكتوب قال في المراقي: ... والفرض والواجب قد توافقا كالحتم واللازم مكتوب ...
فيثاب فاعله ويأثم تاركه ويستحق العقاب.
وما جاء منه لاعلى وجه الإلزام والتأكيد فهو المندوب، ويسمى فضيلة ومستحباً ...
قال في المراقي: فضيلة والندب والذي استحب ترادفت ...
وهذا مذهب طائفة، وذهبت طائفة أخرى إلى عدم الترادف، وهذا مذهب بعض الشافعية، قال السيوطي في الكوكب: والندب والسنة والتطوع والمستحب بعضنا قد نوعوا
يعني بعض الشافعية.
وعلى كل، فإن ما عدا الفرض مما هو مطلوب شرعاً يلتقي عند نقطة واحدة وهي أنه يثاب عليه.
والفرق بين المستحب والسنة المؤكدة- عند جمع من أهل العلم -هو أن المستحب ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يواظب عليه ولم يظهره أمام الملأ.
وأما السنة أو المؤكد منها فهي ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وداوم عليه أو أظهره في ملأ، ودل الدليل على أنه ليس بواجب، وبعض أهل العلم لا يفرق بين السنة والمستحب ...
قال في المرافي: وسنة ما أحمد قد واظبا عليه، والظهور فيه واجباً.
وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 57867.
وأما تصنيف توفير اللحية من هذه الأقسام فهو الوجوب على الراجح من أقوال أهل العلم لاستناده على الأدلة، ولتفاصيل تلك الأدلة وأقوال أهل العلم نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 14055.
وإذا كان قصدك بالنقاب ستر الوجه والكفين، فقد قال بعض أهل العلم إنه واجب، وصنفه بعضهم في المباح أو المندوب إلا إذا خشي من كشفهما الفتنة فيجب الستر، وقد سبقت الإجابة على حكمه في الفتوى رقم: 4470.
فنرجو الاطلاع عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1425(23/92)
مظان وجود القواعد التي بنى عليها أهل العلم مذاهبهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرشدونا رحمكم الله أبحث عن أصول المذاهب فهي سبب الخلاف فأريد أن أعرف ما اختلفوا فيه من قواعد الاستنباط (إجماع أهل المدينة القياس ... ) أفتونا جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القياس هو أحد الأصول التي اعتبرها أهل العلم مصادر لاستنباط الأحكام الفقهية بعد الكتاب والسنة والإجماع، وخالف الظاهرية في اعتباره أصلاً من أصول التشريع.
وأما إجاع أهل المدينة، فإنه إحدى القواعد التي بنى عليها الإمام مالك مذهبه، وراجع في الكلام عنه فتوانا رقم: 40534.
ولمعرفة المزيد عن الأصول والقواعد التي بنى عليها أهل العلم مذاهبهم فلك أن تراجع كتاب: المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية للدكتور عبد الكريم زيدان.
وتاريخ التشريع الإسلامي لمناع خليل القطان، وغيرهما من الكتب المعاصرة التي تناولت هذا الموضوع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1425(23/93)
كيفية البحث عن مسائل وأوجه الاستدلال في الشريعة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكون البحث عن المسألة وعن الدليل وهذا على وجه الاستدلال في الشريعة الإسلامية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كيفية البحث في مسألة معينة يبدأ من النظر في متون الفقه في باب المسألة المطلوبة، فإن وجد فيها نصا للمتقدمين مع دليله، فهذا هو المطلوب، وإن لم يوجد نظر في متون الحديث وشروحها وآيات الأحكام وتفسيرها، وإن لم توجد فيها نظر في مقاصد الشريعة وقواعدها العامة وفتاوى العلماء الكبار المبينة على هذه القواعد التي تراعي جلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها، وترجيح خير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا، ودفع شر الشرين إذا لم يمكن أن يندفعا.
فيخرج الباحث مسألته على ذلك أو الحكم على الحادثة التي لا يوجد فيها نص، وهذا يحتاج إلى طالب علم متقدم وباحث متمرس، لأنه نوع من القياس الذي هو أهم أصول الفقه، فلابد من معرفة شروطه وأركانه ومسالك علته وقوادحه ... مع الملكة الفقهية والموهبة الفطرية التي يختص الله تعالى بها بعض عباده.
وينبغي للباحث في هذه المراحل كلها أن يستعين بالعلماء وطلبة العلم، فالخطأ وارد والغلط محتمل ... وكل ابن آدم خطاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1425(23/94)
عمل أهل المدينة وتطبيفه في مذهب الإمام مالك
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أرجو أن تفيدوني بمعني
عمل أهل المدينة
أمثلة عن تطبيق الإمام مالك لهذا المبدأ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان مدى اعتبار عمل أهل المدينة دليلا شرعيا، وذلك في الفتوى رقم: 40534.
ولمعرفة بعض التطبيقات على هذا الأصل راجع الفتوى رقم: 34214 والفتوى رقم: 31445.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1425(23/95)
سد الذرائع في مذهب الإمام مالك
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أرجو أن تفيدوني بمعني
-1 مبدأ سد الذرائع
أمثلة عن تطبيق الإمام مالك لهذا المبدأ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسد الذرائع من الأصول الأصيلة في مذهب الإمام مالك رحمه الله، ومعنى سد الذرائع في اللغة والشرع متقارب، فهو لغة: الوسيلة المفضية إلى الشيء، وفي الاصطلاح: ما يتوصل به إلى الشيء.
وقد أكد علماء المذهب المالكي اعتبار الإمام مالك هذا الأصل وعدوه علامة على احتياط الإمام وورعه، قال الحطاب في "مواهب الجليل": ومذهبه رضي الله عنه مبني على سد الذرائع واتقاء الشبهات، فهو أبعد المذاهب عن الشبه. اهـ.
وإذا تتبعنا كتب المالكية وجدنا لهذا الأصل كثيرا من التطبيقات في سائر الكتب الفقهية بأبوابها المختلفة، قال العدوي الدردير المعروف بمالك الصغير في أقرب المسالك إلى مذهب مالك: ي حرم على المكلف ذكرا كان أو أنثى اتخاذ إناء من ذهب أو فضة ولو لم يستعمله بالفعل، لأنه ذريعة للاستعمال، ومعلوم أن سد الذرائع واجب عند الإمام. اهـ.
وقال أيضا: اعلم أن قاعدة المذهب سد الذرائع، فالفضل المتوهم كالمحقق، فتوهم الربا كتحققه. اهـ.
وقال الحطاب في مواهب الجليل: وذكر القرطبي والأبي في أوائل شرح مسلم في منع بيع العنب لمن يعصرها خمرا قولين، قال الأبي: والمذهب في هذا سد الذرائع، كما يحرم بيع السلاح لمن يعلم أنه يريد قطع الطريق على المسلمين أو إثارة فتنة بينهم. اهـ. وراجع الفتوى رقم: 32024، ورقم: 12514.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1425(23/96)
مقاصد الشريعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى مقاصد الشريعة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مقاصد الشريعة هي الأهداف التي يرمي إليها الشارع الحكيم، أو هي المقصود بالتكاليف الشرعية.
فالله سبحانه وتعالى لم يخلق هذا الكون عبثا ولم يتركه سدى، بل خلق الإنسان لعبادته وحده لا شريك له.. وسخر هذا الكون لأداء وتسهيل هذه المهمة العظيمة فقال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات: 56} . وقال: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الجاثية: 13} .
وهذا من مظاهر تكريم الله تعالى للإنسان، كما قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا {الإسراء: 70} .
وشرع له الشرائع التي تهدف إلى مصلحته الدنيوية والأخروية وتسهل عليه القيام بأداء المهمة التي من أجلها خلق. يقول الإمام الشاطبي في "الموافقات": إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معا.. والمحافظة على الضروريات والحاجيات والتحسينيات.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وترجيح خير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا، ودفع شر الشرين إذا لم يمكن أن يندفعا. ومن مقاصد الشريعة الإسلامية المحافظة على الكليات الخمس التي تواترت رسل الله تعالى على وجوب المحافظة عليها، وهي الدين، والنفس، والعقل، والنسب، والمال، والعرض، ومنها اليسر ورفع الحرج والمشقة.
ويقول أبو بكر بن عاصم الغرناطي المالكي في نظمه البديع في أصول الفقه: "مرتقى الأصول":
مقاصد الشرع ثلاث تعتبر * وأصلها ما بالضرورة اشتهر
واتفقت في شأنها الشرائع * إن كان أصلا وسواه تابع
وهو الذي برعيه استقرا * صلاح دنيا وصلاح الأخرى
وذاك حفظ الدين ثم العقل * والنفس والمال معا والنسل
من جهة الوجود والثبات * كالأكل والنكاح والصلاة
وتارة بالدرء للفساد * كالحد والقصاص والجهاد
وبعده الحاجي وهو ما افتقر * له مكلف بأمر معتبر
من جهة التوسيع فيما ينتهج * أو رفع تضييق مؤد للحرج
وثالث قسم المحسنات * ما كان من مسائل العادات
وفي الضروري وفي الحاجي * ما هو من تتمة الأصلي
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1425(23/97)
المصلحة المرسلة وشروطها
[السُّؤَالُ]
ـ[تعريف المصلحة وشروط الاحتجاج بها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمصلحة المعتبرة عند أهل العلم واعتد بها بعضهم أصلاً لاستنباط الأحكام هي المصلحة المرسلة من القيود أي لم تقيد من طرف الشارع باعتبار ولا إلغاء.. وعرفها بعضهم بالاستصلاح، لاشتمالها على المصلحة، وبالمصلحة المرسلة لعدم التنصيص عليها لا بالاعتبار ولا بالإلغاء، وهي حجة عند الإمام مالك ومن وافقه من أهل العلم لأخذ الخلفاء الراشدين والسلف الصالح بها، فقد جمع الخلفاء الراشدون القرآن الكريم عملا بالمصلحة المرسلة، وعهد أبو بكر بالخلافة لعمر وسن عثمان الأذان الأول للجمعة عندما كثر الناس وتوسعت المدينة ودعت المصلحة لذلك وهكذا، فالمصلحة المرسلة معمول بها في الضروريات والحاجيات والتحسينيات على ما تقتضيه مقاصد الشريعة الإسلامية.
ومن شروط المصلحة المرسلة ألا يخالف الحكم المثبت بها نصا شرعياً، ومنها: عدم إضافة عبادة جديدة أو ركن أو شرط ... أو زيادة أو نقص في مقدر شرعي، ومنها: أن يكون حصول المصلحة بالحكم مقطوعا به أو غالبا على الظن ... وأن يكون الحكم المبني على المصلحة المرسلة عاما للأمة فإذا كان لمصلحة فئة دون أخرى فإنه يعتبر باطلا.
وفي تعريف المصلحة المرسلة والأمثلة عليها يقول العلامة الشنقيطي في المراقي (ألفية الأصول) :
والوصف حيث الاعتبار يجهل * فهو الاستصلاح قل والمرسل
نقبله لعمل الصحابة * كالنقط للمصحف والكتابه
تولية الصديق للفاروق * وهدم جار مسجد للضيق
وعمل السكة تجديد الندا * والسجن تدوين الدواوين بدا
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1425(23/98)
مصادر التلقي والتشريع
[السُّؤَالُ]
ـ[أردت السؤال عن مصادر التلقي والتشريع هل هناك فارق بينهما , وما هو؟
وما هي مصادر التلقي عند أهل السنة؟
وما هي مصادر التشريع عند أهل السنة؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مصادر التشريع هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، فالثلاثة الأولى متفق على الاحتجاج بها، وخالف داود وابن حزم في الاحتجاج بالقياس، وهناك مصادر أخرى مختلف فيها كالاستحسان، والمصالح المرسلة، وفعل الصحابي، والاستصحاب، والعرف، وعمل أهل المدينة، والمفهوم إلى غير ذلك، ولا فارق بين كلمة التلقي وكلمة التشريع في الاصطلاح إلا أن التلقي أكثر استعمالا عند المتأخرين ويعنون بها التشريع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1425(23/99)
هل يلزم وجود دليل لكل مكروه ومسنون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة شيخنا حفظك الله لدي سؤالان أريد أن تتكرموا بالإجابة عليهما مشكورين:
السؤال الاول: بماذا تثبت به السنية وكذا الكراهة، هل يلزم أن يكون لكل مسنون أو مكروه دليل خاص أم، أحيانا أرى أن أهل العلم يقولون هذا مسنون أو هذا مكروه بينما لم يرد في ذلك أي نص خاص؟
السؤال الثاني: القياس في العبادات لاحظت أن بعض العلماء يثبتون أشياء كثيرة في أبواب الطهارة والصلاة والصوم يثبتونها بالقياس بينما آخرون يتمسكون بما ورد به الدليل فما هو القول الفاصل وإن ذكرتم بعض المصادر فهو المفضل حيت إني طويلب يريد أن يتعمق قدر الإمكان، الرجاء حصول الإجابة على البريد المذكور أعلاه وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسنة هي عبارة عن مطلق الطريق. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له أجر من عمل به ا. الحديث رواه مسلم وغيره.
فيقال سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء والصالحين أي طريقتهم.
وحد السنة في الاصطلاح هو: ما واظب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتركه إلا لعذر. انظر ميزان الأصول للسمرقندي ص 34.
وأما المكروه فقد حده الفقهاء بأنه: ما يكون تركه أولى من تحصيله. أو: ما الأولى أن لا يفعل.
وبهذين التعريفين يتبين أن المكروه ليس هو المقابل للسنة، وإنما يقابل المكروه المندوب، ومن أهل الأصول من يجعل السنة والمندوب والمستحب والتطوع شيئاً واحداً. قال السيوطي في نظمه لجمع الجوامع:
والندب والسنة والتطوع * والمستحب بعضنا قد نوعوا
ومن أهل العلم من فرق بين هذه المصطلحات، قال الشيخ زكريا الأنصاري: والنفل والسنة والتطوع والمندوب والمستحب والمرغب فيه والحسن بمعنى. وقال القاضي وغيره: غير الفرض ثلاثة: سنة وهو ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم ومستحب وهو ما فعله أحياناً أو أمر به ولم يفعله، وتطوع، وهو ما لم يرد فيه نقل بخصوصه، بل ينشئه الإنسان باخيتاره من الأوراد.
فلعلك إذا تسأل عما إذا كان يتحتم وجود دليل من الكتاب أو السنة على كل أمر مندوب أو مكروه. والجواب عن هذا: أنه لا يتحتم، بل لا يصح لأن النصوص محصورة والحوادث غير متناهية، فلابد من إلحاق أحكام الأصول بالفروع التي وجدت فيها العلة التي هي سبب الحكم، وهذا هو عين القياس، فقد عرف القياس بأنه: تعدية حكم الأصل بعلته إلى فرع هو نظيره. وقيل: هو إبانة مثل حكم أحد المذكورين بمثل علته في الآخر، والقياس معتبر ومأخوذ به عند جماهير أهل العلم، ولم يخالف في الأخذ به إلا الظاهرية والمعتزلة، وراجع في هذا الفتوى رقم: 16732.
ولك أن ترجع في هذا إلى كتب الأصول وهي كثيرة جداً، منها:
- البرهان في أصول الفقه لإمام الحرمين.
- الموافقات للإمام الشاطبي.
- المستصفي للإمام الغزالي.
- ميزان الأصول للسمرقندي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1425(23/100)
ثمار الإجماع على مسألة فيها نص قطعي الدلالة والثبوت
[السُّؤَالُ]
ـ[نجد كثيراً إجماعا لأهل العلم على مسألة فيها نص صريح الدلالة والثبوت فعلى ما يكون الإجماع في هذه الحالة؟
جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإجماع كما ورد تعريفه في جمع الجوامع هو: اتفاق مجتهدي الأمة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في عصر على أي أمر كان....
وقد دل على اعتبار الإجماع نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، منها قول الله تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء:115] ، ووجه الاستدلال به أن الله تعالى توعد على متابعة غير سبيل المؤمنين، ولو لم يكن ذلك محرماً لما توعد عليه، ومنها قوله تعالى: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59] .
ووجه الدلالة منها أن الله تعالى شرط لوجوب الرد إلى الكتاب والسنة وجود التنازع، فدل ذلك على أنهم إن لم يتنازعوا لم يجب الرد، ووردت أن أحاديث كثيرة تحث على لزوم الجماعة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه.
ومن فوائد الإجماع أن الحكم إذا كان دليله غير قطعي الورود أو غير قطعي الدلالة، فإن الإجماع يرفع رتبته ليصير قطعياً، وإذا كان الحكم قطعياً كما هو الحال في كثير من الأحكام كتحريم الزنا والخمر، ووجوب نحو الصلاة والزكاة، فإن الإجماع -وإن كان لا يرفع رتبة الحكم، لأنها في أعلى ما يكون- إلا أنه يعطي الثقة التامة بهذا الدين، ويؤلف قلوب المسلمين، ويبعد خطر من يريدون شق العصا وتفريق الكلمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1425(23/101)
سد الذرائع في الكتاب والسنة ومذاهب الأئمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في معرفة نشأة باب سد الذرائع والأجواء السياسية التي كانت محيطة بنشأة هذا الباب في الفقه الإسلامي وإن كانت هنالك كتب عن نشأته، فأتمنى تزويدي بها.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسد الذرائع هو واحد من الأصول المختلف فيها من بين أهل السنة، وقد أخذ به الإمام مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل في رواية عنه، ومنعه الشافعي وأبو حنيفة، ويرى أهل التحقيق أن الأحناف والشافعية لم يسلم مذهباهما من الأخذ بسد الذرائع في واقع الحال عند تنزيل الأحكام على الأحوال.
فهم وإن كانوا منعوا منه تقعيدا وتأصيلا، قد حكموا بمقتضاه تفريغا وتفصيلا.
قال الشوكاني في إرشاد الفحول: قال القرافي لم ينفرد بذلك (يعني مالكا)
بل كل واحد يقول بها ولا خصوصية للمالكية بها إلا من حيث زيادتهم فيها. قال: فإن من الذرائع ما هو معتبر بالإجماع، كالمنع من حفر الآبار في طريق المسلمين وإلقاء السم في طعامهم وسب الأصنام عند من يعلم من حاله أنه يسب الله، ومنها ما هو ملغى إجماعا، كزراعة العنب فإنها لا تمنع خشية الخمر، وإن كانت وسيلة إلى المحرم، ومنها ماهو مختلف فيه كبيوع الآجال، فنحن لا نغتفر الذريعة فيها.
وخالفنا غيرنا في أصل القضية أنا قلنا بسد الذرائع أكثر من غيرنا لا أنها خاصة بنا.. (1/412) .
والذريعة هي أمر غير ممنوع في نفسه، ولكن يخاف في ارتكابه الوقوع في ممنوع.
وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على اعتبار الذرائع، قال الله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} (الأنعام: 108)
فمنع من سب آلهتهم مخافة مقابلتهم بمثل ذلك.. ومن السنة نهيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن تصوير من مات من الصالحين وبناء المساجد عليهم خشية أن يعبدوا.
روى الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فيمن يفعل ذلك: "إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصورا فيه تلك الصور، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة ".
وباب سد الذريعة لا تعرف له ظروف أو أجواء سياسية، وإنما نشأ من الكتاب والسنة، كما هو الحال في سائر الأصول الأخرى.
ولم نقف على كتب تحدد نشأة هذا الأصل، والمعروف أن اعتباره أصلا من أصول الفقه نشأ مع نشأة مذهب الإمام مالك، وهو في الحقيقة أقدم من ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1425(23/102)
شرح قاعدة \"الوسائل لها أحكام المقاصد\"
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في كتاب الشرح الممتع على زاد المستنقع لابن عثيمين رحمه الله جملة (الوسائل لها أحكام المقاصد) فما معنى هذه القاعدة. وهل من معناها أن الغاية تبرر الوسيلة بحيث إذا حل مقصدي فوسيلتي إليه حلال مهما كانت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى أن الوسائل لها أحكام المقاصد هو: أن المقصد إذا كان سيئا فإن الوسيلة تكون ممنوعة، والمقاصد إذا كانت حسنة فلا يجوز أن يتوصل إليها إلا بوسائل مباحة، والذي يوصل إلى الحرام يكون حراما مثله، فبيع العنب مباح في الأصل لكن عندما يعلم أن المشتري إنما يريده ليعصره خمرا فإن بيعه له يحرم، وكذا الحال في بيع السلاح فإنه مباح في الأصل، ولكن لا يجوز أن يباع لمن يستخدمه في قطع الطريق، وهكذا...... وقال الله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [سورة المائدة: 2] .
وأما القاعدة التي تقول: إن الغاية تبرر الوسيلة، بحيث إن المقصد إذا كان حسنا فلا مانع من الوصول إليه ولو بطرق محرمة، فهذا أبعد ما يكون عن الصواب، وهي قاعدة تنافي الإسلام في الصميم وفي المنهج.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1425(23/103)
معنى القرآن قطعي الثبوت قطعي الدلالة
[السُّؤَالُ]
ـ[القرآن قطعي الثبوت قطعي الدلالة ما معنى ذلك؟
وبالتالي إن آيات الأحكام تكون قطعية الثبوت والدلالة هل للمفتي مثلا أن يحدث تغييرا في حكم من الأحكام نظرا لتجدد الواقع وتغييره اعتبارا بفعل عمر رضي الله عنه عندما منع المال عن المؤلفة قلوبهم ورفع حد السرقة عام الرمادة.
حقيقة هذا جزء من حوار مع أخ ألماني مسلم يدرس في العلوم الشرعية وترك لي هذه الأسئلة التي أردت أن أجيبه عليها من حضراتكم مع مراعاتكم للطرح العقلي واستيعاب الواقع الأوربي إذ لا وجود لعادات وأعراف وتقاليد لها بالدين الإسلامي علاقة كما في عالمنا العربي ومراعاة أن الأحكام الشرعية بعضها يحتاج لسلطة قاض وهنا للأسف غير موجود إذ غير معترف بالدين الإسلامي ونحن أبناء الإسلام نقول إن الإسلام صالح لكل زمان ومكان بل نؤمن بهذا وندعو له فلابد إذن من فقه إسلامي صميم ينطلق برؤية واقعية للمتغيرات على الساحة الأوربية وتكون من علماء على معرفة بالواقع ترفع الحرج عن الناس وتحفظ لهم دينهم
عذرا للإطالة ولكم مني ألف تحية وسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقرآن قطعي الثبوت، ولكنه ليس كله قطعي الدلالة.
ومعنى كونه قطعي الثبوت أن آياته رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتواتر، ورواها التابعون عن الصحابة بالتواتر، وعن أولئك رواها تابعو التابعين بالتواتر إلى أن وصلتنا متواترة، ومعنى التواتر: أن يرويها في كل طبقة عدد من الناس يستحيل تواطؤه على الكذب، وهذا مفيد لليقين، أي أن القرآن مقطوع بصحة سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ومعنى قطعي الدلالة أن دلالة ألفاظه لا تحتمل أكثر من تفسير واحد.
والقرآن فيه أماكن قطعية الدلالة، وأخرى ليست كذلك، فقول الله تعالى: [لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ] (النساء: 11) وقوله: [حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ..] (النساء: 23) وقوله: [مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ] (الفتح: 29) وقوله: [وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً] (النحل: 78) وقوله: [وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ] (المطففين:3) ، كلها نصوص لا تحتمل أكثر من تفسير واحد فهي إذا قطعية الدلالة.
وأما قوله تعالى: [وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ] (البقرة: 228) وقوله: [فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً] (النساء: 43) ونحوهما من الآيات التي تحتمل أكثر من معنى، فإنها ليست قطعية الدلالة، ولذا فسر بعض العلماء القرء بأنه الطهر، وآخرون بأنه الحيض. وفسروا الصعيد الطيب بأنه الطاهر، وفسره آخرون بأنه المنبت، وأمثلة ذلك أكثر من أن تحصى.
وعن سؤالك عما إذا كان للمفتي أن يغير حكما من الأحكام الشرعية؛ كما فعل عمر في مسألة منع الزكاة عن المؤلفة قلوبهم وترك القطع في السرقة في عام الرمادة، فنقول فيه إن الأحكام على نوعين: نوع ثابت لا يتغير بالزمان ولا بالمكان نحو العبادات التي أوجبها الله، والمحرمات، وما حده الشرع من حدود ونحو ذلك. والنوع الثاني: هو ما كان وجه العلة والمصلحة فيه باديا، فلا مانع من تغيره تبعا لتغير علته، أو مراعاة للمصلحة فيه.
قال ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان: الأح كام نوعان: نوع لا يتغير عن حال واحدة هو عليها لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب تحريم المحرمات والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه.
النوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانا ومكانا وحالا، كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها، فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة.
ولم يزل العلماء رحمهم الله ـ يراعون في فتاواهم الظروف الزمانية والمكانية للسائلين فيما يمكن فيه اعتبار الزمان والمكان، وراجع في هذا الفتوى رقم: 25069.
واعلم أن منع عمر رضي الله عنه المؤلفة قلوبهم من الزكاة وترك القطع عام الرمادة، ليس تعطيلا لأحكام الله ـ حاشاه من ذلك ـ ولكن عمل بالفقه في المسألتين، فالمؤلفة قلوبهم صنف من الأصناف المستحقة للزكاة، ولا يلزم أن تعمم الزكاة على سائر الأصناف، وترك القطع عام الرمادة هو لأن المرء إذا اضطره الجوع إلى أخذ مال الغير جاز له، وليس عليه فيه قطع، بل القطع إنما يكون بشروط من بينها أن لا يكون الآخذ مضطرا إلى ما أخذه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1425(23/104)
الكليات الخمس بيانها وترتيبها
[السُّؤَالُ]
ـ[يقال إن هناك كليات خمس (أو مسمى آخر) في الفقه فما هو هذه الكليات وما هي ترتيبها وما هي المصادر من الكتاب والسنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أما بعد: فلعل السائل الكريم يقصد بسؤاله الضروريات الخمس والتي يسميها بعض أهل العلم بالكليات
وهذه الضروريات هي: الدين، والنفس، والعقل، والنسب، والمال،
وجعلها بعضهم ستة فزاد على الخمسة المذكورة، العرض، وأدلتها واضحة من القرآن والسنة ولا يتسع المقام لتتبعها
وهذه الكليات هي التي اتفقت الأديان السماوية وأصحاب العقول السليمة على احترامها وصيانتها
وقد أجمع أنبياء الله تعالى ورسله من عهد آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم على وجوب حفظها
ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية بمجموعة من التشريعات تصون هذه الضروريات وتحميها وهي:
1ـ شرعت لحفظ الدين إقامة سلطان المسلمين حد الردة على المرتد بالشروط المبينة في محلها.
2ـ ولحفظ النفس شرعت القصاص على القاتل عمدا عدوانا.
3ـ ولحفظ العقل شرعت حد الشرب على من تناول مسكرا.
4ـ ولحفظ النسب شرعت حد الزنا على من ارتكب تلك الفاحشة.
5ـ ولحفظ المال شرعت حد السرقة على من أخذ قدرا معينا من المال خفية من حرز.
6ـ ولحفظ العرض شرعت حد القذف على من انتهك عرض محترم مصون العرض بالقذف.
هذا بالإضافة إلى الآداب والتشريعات والتعاليم الأخرى التي تصب كلها في صيانة هذه الضروريات وحفظها.
وأما ترتيبها فهو كما جاء في المرافي في أصول الفقه للعلامة الشنقيطي حيث قال:
دين فنفس، ثم عقل، نسب مال إلى ضرورة تنتسب
ورتبن، ولتعطفى مساويا ... وعرضا على المال تكن موافيا
فحفظها حتم على الإنسان في كل شرعة من الأديان..
فكل واحد منها دون ماقبله في الرتبة فيقدم عليه عند التعارض إلا المال والعرض، فإنهما في مرتبة واحدة، ولهذا قال: (ورتبن) (ولتعطفن مساويا عرضا على المال)) .
وأما إن كان قصد السائل الكريم القواعد الفقهية الخمسة التي يرجع إليها جل فروع الفقه باتفاق جمهور أهل العلم
فهي: 1ـ اليقين لا يرفع بالشك
2ـ وجوب إزلة الضرر، أو الضرر يزال
3ـ المشقة تجلب التسير
4ـ العادة محكمة، أو اعتبار العرف
5ـ الأمور تتبع المقاصد.
ولتفاصيل هذه القواعد وأدلتها وأقوال العلماء حولها نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 27000.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1425(23/105)
الإجماع.. تعريفه.. وشروطه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يعني قول أجمعت الأمة على شيء ما وهل نعني بذلك القول إجماع أهل السنة والجماعة فقط أم بعض الفرق الأخرى كالخوارج مثلا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإجماع عرفه أهل الأصول بأنه اتفاق مجتهدي الأمة أي علمائها المجتهدين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في حكم ما في أي عصر من العصور.
وبهذا يعلم أنه لا بد من اتفاق جميع المجتهدين، وخرج من التعريف المقلدون لأنهم غير مجتهدين، كما خرج الكفار لأنهم ليسوا من الأمة، ويلحق بالكفار من عنده بدعة مكفرة.
وأما من لم تكن عنده بدعة مكفرة فإنه لا يخرج.
قال السيوطي في نظم جمع الجوامع معرفا للإجماع:
وهو اتفاق جاء من مجتهدي أمتنا بعد وفاة أحمد
في أيما عصر وأمر كانا ... ذلك حد فائق اتقانا
فعلم اختصاصه بالمسلمين فخرج الكفار والمقلدين
وقال صاحب مراقي السعود في الإجماع أيضا:
وهو الاتفاق من مجتهدي الأمة من بعد وفاة أحمد
وأطلقن في العصر والمتفق عليه فالإلغا لمن عم انتقى
وكل من ببدعة يكفر ... من أهل الأهواء فلا يعتبر
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1425(23/106)
إيضاحات حول حمل المطلق على المقيد
[السُّؤَالُ]
ـ[سلام عليكم يا شيخ الآن كما هو معلوم لديكم أن نحمل المطلق على المقيد ففي القرآن ورد حرمة الدم وفي أية حرمة الدم المسفوح فإذا يكون التحريم على الدم المسفوح لا غيره للقاعدة الأصولية بأن نحمل المطلق على المقيد وفق الحكم والسؤال هل لنا أن نعمل فقط بالمطلق ولا نقيده وإذا عملنا به فكيف نرد على من يقول هذا لا يجوز وذلك لأننا نحمل المطلق على المقيد ولا نعمل بالمطلق؟ وشكرا كثيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحمل المطلق على المقيد هو واحد من الأصول المتبعة في استنباط الأحكام الشرعية، لكن منه ما كان محل اتفاق ومنه ما كان فيه اختلاف، وذلك على النحو التالي:
1- ... ... أن يتحد المطلق والمقيد في الحكم والسبب، فهذا يجب فيه حمل المطلق على المقيد، ومثال ذلك قوله تعالى: [فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ] (النساء: 44) .
وقال تعالى في سورة المائدة: [فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ] (المائدة: 6) ، فيجب هنا حمل المطلق على المقيد، وبمسح الوجه واليدين بالصعيد الطيب.
ومن هذا النوع الحكم المسؤول عنه، فيجب حمل الدم في الآيات الوارد فيها إطلاقه على ما ورد التقييد به في سورة الأنعام من قوله تعالى: [إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا] (الأنعام:145) .
2- ... ... أن يختلف الحكم والسبب، نحو قوله تعالى: [وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا] (المائدة: 38) مع قوله تعالى: [فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ] (المائدة: 6) .
فالحكم مختلف، فهو قطع وغسل، والسبب مختلف فهو سرقة، وحصول حدث مع إرادة الصلاة، فلا يحمل المطلق على المقيد هنا.
3 أن يختلف الحكم ويتحد السبب، مثاله قوله تعالى: [فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ] (المائدة: 6) . مع قوله تعالى: [فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ] (المائدة: 6) فالحكم مختلف، فهو غسل في الوضوء ومسح في التيمم، والسبب متحد، وهو الحدث وإرادة الصلاة، فالجمهور على أن المطلق في هذه الحالة لا يحمل على المقيد.
4-أن يتحد الحكم ويختلف السبب، مثاله: قوله تعالى: [فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا] (المجادلة: 3) . كما في كفارة الظهار، وقال في كفارة القتل: [فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ] (النساء: 92) فالحكم متحد في الآيتين وهو التحرير، والسبب مختلف، فهو في الظهار إرادة العودة إلى الاستمتاع بالزوجة، وفي القتل خطأ، فهذه الصورة مختلف فيها، فالجمهور على حمل المطلق فيها على المقيد، وقال الأحناف: إنه لا يحمل، وعليه، فواجبنا أن نحمل المطلق على المقيد حيث اتفق الحكم والسبب وأن لا نحمله إذا اختلفا وإن اتفق أحدهما واختلف الآخر، فنعمل بما عليه الجمهور بعدم الحمل في اختلاف الحكم، وبالحمل في اتحاده.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1425(23/107)
شرح قاعدة (جلب المصالح ودرء المفاسد)
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدوني حول ما يتعلق ب \"جلب المصالح ودرء المفاسد \".]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجلب المصالح ودرء المفاسد هو مبنى الشرع الحكيم، فإن تعارضت المصلحة والمفسدة، فالقاعدة أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، قال صاحب "مراقي السعود":
درء المفاسد مقدم على ... جلب المصالح فخذ ما نقل ا
فإن كان الموضوع مشتملا على مصلحة ومفسدة، وكان جانب الفساد فيها بعيدا أو رجحت عليه المصلحة، فالعمل حينئذ بالمصلحة.
قال سيد عبد ال له في كتابه "المراقي":
.................................. وألغ إن يك الفساد أبعدا
أو رجح الإصلاح كالأسارى تفدى بما ينفع للنصارى
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1425(23/108)
المصالح التحسينية.. تعريفها.. وحكمها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المصالح التحسينية مباحة أو محرمة أو مندوبة؟ رجل أراد أن يتزوج وتعارضت عنده قدراته المالية من حيث قدرته على المهر وعدم قدرته على حفلة الزواج \\\"الولائم\\\". ماذا عليه أن يفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمصالح كما عرفها الغزالي في "المستصفى": " هي عبارة في الأصل عن جلب منفعة أو دفع مضرة ... " والتحسينات من المصالح هي المصالح التي يقصد بها الأخذ بمحاسن العادات، ومكارم الأخلاق، مثل الطهارات بالنسبة للصلوات، وأخذ الزينة من اللباس، ومحاسن الهيئات، والطيب، وتحريم الخبائث من المطعومات، والرفق، والإحسان، وما أشبه ذلك.
"والمصالح التحسينية هي التي لا تكون في محل الضرورة والحاجة، بل هي تقرير الناس على مكارم الأخلاق والشيم".
فهذه المصالح –إذاً- إما أن تكون جلب منافع، فتكون من باب الأمر، والأمر يكون للوجوب وللاستحباب، وإما أن تكون دفع مضار، فتكون من باب النهي، والنهي يكون للتحريم وللتنزيه.
ثم ما ذكرته من التعارض بين المهر والوليمة فلا وجه له، فالمهر حق واجب للمرأة، قال تعالى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً (النساء: 4) .
وأما الوليمة فإنها سنة مؤكدة عند جمهور العلماء، وليس يلزم أن تذبح فيها الذبائح.
ففي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم: "أولم على بعض نسائه بمدين من شعير" وفي الصحيحين عن أنس قال: ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء من نسائه ما أولم على زينب، أولم بشاة. فعليك أن تعطي المهر وتفعل من الوليمة قدر المستطاع ولو بمدين من شعير.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1425(23/109)
معنى قاعدة "الدفع أقوى من الرفع"
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حديث ابن عمر رضي الله عنهما:"الماء المستعمل إن بلغ قلتين لا ينجس "صحيح؟ وما معنى بناء على قاعدة الدفع أقوى من الرفع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعن ابن عمر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء. أخرجه ابن ماجه بهذا اللفظ، ورواه الترمذي والنسائي وأبو داود بلفظ: إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث. والحديث المذكور صحيح، كما قال الألباني في "السلسلة الصحيحة".
أما بخصوص معنى قاعدة "الدفع أقوى من الرفع"، فهو أن دفع الشيء قبل حصوله أسهل من إلغائه بعد وقوعه.
وقد اندرجت تحت هذه القاعدة فروع كثيرة شملت أبوابا عديدة من الفقه ومسائله كالطهارة والصلاة والصوم والحج والنكاح وغيرها، ومن أمثلتها في الطهارة ما ذكره الزركشي في قواعده بعد أن ذكر القاعدة: وهذا المستعمل إذا بلغ قلتين هل يعود طهورا؟ به وجهان، ولو استعمل القلتين ابتداء لم يصر مستعملا بلا خلاف، والفرق أن الماء إذا استعمل وهو قلتان كان دافعا للاستعمال، وإذا جمع كان رافعا، والدفع أقوى من الرفع. اهـ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(23/110)
القول بالوجوب يحتاج لقرينة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم وحمة الله وبركاته
لماذا لا ترجحون وجوب جلسة الاستراحة في الصلاة مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول "صلوا كما رأيتموني أصلي"؟ فهذا أمر منه -صلى الله عليه وسلم- بأن نتبعه؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجلسة الاستراحة في الركعات الوترية من الصلاة، مختلف فيها بين العلماء، ما بين مستحب لها، وغير مستحب، ولكل فريق منهم دليله، وقد بينا ذلك مفصلا في الفتوى رقم: 10649.
وننبه الأخ السائل إلى أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة لا تحمل جميعها على الوجوب، بل منها ما هو واجب، ومنها ما هو ركن، ومنها ما هو سنة، ومثل هذا يقال في الحج أيضا، ولا يتعارض ذلك مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: صلوا كما رأيتموني أصلي. رواه البخاري، ولا مع قوله صلى الله عليه وسلم في الحج: خذوا عني مناسككم. وغاية ما يدل عليه الحديثان هو مشروعية الأفعال التي أتى بها واستحباب الاقتداء به في ذلك، لكن لا يصار إلى القول بالوجوب إلا بقرينة، قال الأستاذ الأشقر في كتابه "أفعال الرسول ودلالتها على التكليف": فأقصى ما يدل عليه الحديث، أنه يدل على مشروعية أفعاله صلى الله عليه وسلم في الحج، أما التفريق بين واجبها ومندوبها، فلا بد من المصير إلى وجه آخر في الدلالة على ذلك، وحكم أفعاله من هذه الناحية حكم سائر أفعاله المجردة. اهـ.
وقد دلت القرائن هنا على عدم وجوب هذه الجلسة، وذلك لعدم ورودها في كثير من الروايات التي وصفت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كما بيناه في الجواب المشار إليه أعلاه.
وإننا لنوصي الأخ السائل بطلب العلم على من هو أهل لتعليمه، وأن يهتم بتحصيل أصول العلم، وصدق من قال: ما منعهم من الوصول إلا تضييق الأصول.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1424(23/111)
المصلحة العامة تقدم على المصلحة الخاصة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
قرأت في كتاب القاعدة التالية: "إذا تعارضت مصلحة خاصة ومصلحة عامة، فتقدم المصلحة الخاصة"
فهل هذه القاعدة صحيحة؟ وإن كانت صحيحة، فهل هي مطلقة أم لها شواذ؟ وهل لفظ "مصلحة عامة" يمكن أن يشمل العائلة أو المجموعة؟ أو إنه خاص فقط بالإمام؟ وما العمل في هذه الحالة: رب عائلة عنده من المال ما يكفيه دون عائلته، فهو مضطر إلى السرقة لكي يطعمها؟ جزاكم الله خيراً.
السلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي يدل عليه كلام أهل العلم وما يتماشى مع التشريع الإسلامي الحكيم، هو خلاف ما وقفت عليه في الكتاب المذكور، لأن المصلحة العامة أقوى تأثيراً من المصلحة الخاصة، وهذا الشرع الكريم جاء لتحقيق مصالح العباد في دنياهم وأخراهم، وعليه؛ فإن القاعدة المطردة عند أهل العلم هي أنه عند تعارض المصلحة العامة والمصلحة الخاصة ولم يمكن الجمع بينهما ترجح العامة على الخاصة، قال الإمام بدر الدين الزركشي في كتابه المنثور في القواعد: قاعدة: تعارض المفسدتين، قال ابن عبد السلام: أجمعوا على دفع العظمى في ارتكاب الدنيا، وقال ابن دقيق العيد: من القواعد الكلية أن تدرأ أعظم المفسدتين باحتمال أيسرهما، إذا تعين وقوع إحداهما، بدليل حديث بول الأعرابي في المسجد لما نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن زجره.
وأن يحصل أعظم المصلحتين بترك أخفهما إذا تعين عدم إحداهما، قال: وأعني أن ذلك في الجملة، لا أنه عام مطلقاً حيث كان ووجد، وقال الشيخ عز الدين: إذا تعارض مصلحتان حصلت العليا منهما بتفويت الدنيا. انتهى.
أما الحالة التي سألت عنها، فعلى صاحب العائلة المذكورة أن يتقي الله تعالى، فإن من اتقى الله تعالى جعل له من كل ضيق فرجاً ومن كل هم مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب.
ثم يقوم بالبحث عن وسيلة كسب بعيدة عن كل مخالفة شرعية، ولا تحمله شدة الحاجة على سلوك سبيل الوسائل المحرمة كالسرقة مثلاً، لأن ما عند الله تعالى لا ينال إلا بطاعته، وما كتبه الله تعالى من رزق للعبد سيصل إليه لا محالة.
فعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نفث روح القدس في روعي أن نفساً لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته.
هذا إضافة إلى أن السارق ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده. متفق عليه.
وقد لا يحصل السارق على ما كان يؤمله من منفعة، فربما يتم القبض عليه ويتعرض لمختلف أنواع العقوبات القاسية، إضافة إلى فساد عرضه ودينه، وعليه فلا يجوز لهذا الشخص اللجوء إلى السرقة لسد حاجة عائلته؛ بل ينبغي له سلوك الطريق المشروعة لكسب المال والاستقامة على شرع الله تعالى، فإن الله تعالى سيفرج همه وينفس كربته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1424(23/112)
معنى السبر والتقسيم، وأمثلة عن ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى السبر والتقسيم في علم أصول الفقه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمراد بالسبر والتقسيم عند الأصوليين: "حصر الأوصاف التي تحتمل أن يُعَلَّلَ بها حكم الأصل في عدد معين، ثم إبطال ما لا يصلح بدليل، فيتيقن أن يكون الباقي علة"، مثال ذلك أن يقول المجتهد: تحريم الربا في "البُرِّ" ثبت لعلة، والعلة هذه هي إما كونه مكيلاً، وإما لكونه مطعوماً، وإما لكونه قوتاً، وإما لكونه مُدَّخراً، وإما لكونه موزوناً، وإما لكونه مالاً.
فهذا يسمى "التقسيم".
ثم يبدأ بسبر هذه العلل -والسبر هو الاختبار- فيختبرها ويُسقط ما لا يراه صحيحاً، وما لا يصلح أن يكون علة.
مثال آخر: يقول المجتهد -مثلاً- في ولاية الإجبار على النكاح: هذا الحكم أي الإجبار على النكاح بالنسبة للولي، إما أن يكون للصغر، وإما أن يكون لأجل البكارة، وهذا يسمى التقسيم، ثم يبدأ بسبر العلل، فيقول: التعليل بالصغر باطل، لأنه لو كان صحيحاً لثبتت ولاية الإجبار على الثيب الصغيرة، نظراً لوجود نفس العلة وهي الصغر.
وهذا مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: "الثيب أحق بنفسها". وهو عام في كل ثيب صغيرة أو كبيرة.
فلم تبق إلا العلة الثانية وهي البكارة.
وهذا يسمى السبر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1424(23/113)
الفرق بين الفقه وأصول الفقه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الفقه والأصول الفقهية (الرجاء إرفاق اسم المرجع) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلمعرفة الفرق بين الفقه وأصول الفقه لا بد من ذكر تعريف كلِّ منهما، فالفقه عرفه الأصوليون بأنه: العلم بالأحكام الشرعية المكتسبة من الأدلة التفصيلية.
وأما أصول الفقه فقد عرفه الأصوليون من الحنفية والمالكية والحنابلة بأنه: القواعد التي يوصل البحث فيها إلى استنباط الأحكام من أدلتها التفصيلية، أو هو العلم بهذه القواعد.
فالفقه معرفة الحكم الشرعي من حرام وواجب ومستحب ومكروه ومباح, وهذه الأحكام تؤخذ من الأدلة التفصيلية من الكتاب والسنة.
وأصول الفقه هو مجموعة القواعد التي تبين للفقيه المسلك الذي يجب عليه أن يلتزمه في استخراج الأحكام من أدلتها.
والكتب التي ألفت في أصول الفقه كثيرة، منها ما كان على مذهب الأحناف، ومنها ما ألف على مذهب المالكية وهكذا الشافعية والحنابلة.
ولمعرفة المزيد عن الفرق بين الفقه وأصول الفقه ننصح السائل بالرجوع إلى كتاب "المهذب في علم أصول الفقه المقارن" للدكتور عبد الكريم النملة، وفيه إحالات على مصادر أخرى متقدمة ومتأخرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1424(23/114)
العرف.. معناه.. أقسامه.. وشروط اعتباره
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو العرف وهل يؤخذ به في الناحية الدينية وما هو ترتيبه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العرف في اصطلاح الأصوليين: "هو ما اعتاده الناس وساروا عليه من كل فعل شاع بينهم أو لفظ تعارفوا على إطلاقه لمعنى خاص لا يتبادر غيره عند سماعه، وهذا يشمل العرف العملي والعرف القولي ... والعرف العملي، مثل: اعتياد الناس بيع المعاطاة من غير وجود صيغة لفظية، وتعارفهم قسمة المهر في الزواج إلى مقدم ومؤخر ...
والعرف القولي مثل: تعارف الناس إطلاق الولد على الذكر دون الأنثى، وعدم إطلاق لفظ اللحم على السمك، وإطلاق لفظ الدابة على الفرس.." انظر أصول الفقه الإسلامي، د. وهبة الزحيلي (2/829)
وعن سؤالك الثاني، فإن العرف يؤخذ به في الناحية الشرعية إن كان صحيحاً لا إن كان فاسداً، قال د. وهبة الزحيلي: والعرف ينقسم باعتباره شرعاً إلى صحيح وفاسد، والعرف الصحيح هو ما اعتاده الناس دون أن يصادم الشرع، فلا يحرم حلالاً ولا يحل حراماً ... والعرف الفاسد هو ما اعتاده الناس ولكنه يحل حراماً أو يحرم حلالاً، كتعارفهم على بعض العقود الربوية ونحو ذلك.
وقد اتفق الفقهاء على أن العرف دليل أو مصدر من مصادر التشريع الإسلامي، وتوسع الحنفية والمالكية في العمل به أكثر من غيرهم، واعتمدوه مستنداً في كثير من الأحكام العملية، وفي فهم النصوص الشرعية، بتقييد إطلاقها وفي تبيان أحكام الفقه المختلفة في دائرة العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية والتعزيرات الجزائية ... [2/835] .
وعن سؤالك الثالث، فإن كنت تعني بترتيبه شروط اعتباره، فإن له أربعة شروط لا يمكن اعتباره إلا إذا توفرت، وهي:
1-أن يكون مطرداً أو غالباً.
2-أن يكون قائماً عند إنشاء التصرف المراد تحكيم العرف فيه.
3-أن لا يعارض العرف تصريح بخلافه: (أي لم يوجد من المتعاقدين تصريح بخلاف مضمونه) .
4-أن لا يكون مخالفاً لنص شرعي أو أصل قطعي. (انظر المصدر السابق) .
وإن كنت تعني رتبته في الاحتجاج فإنه يقدم عليه النص الصحيح بالاتفاق، وكذا الإجماع، وأما القياس فإنه يقدم عليه العرف إذا تعارضا، قال في المصدر السابق: إذا وقع تعارض بين القياس والعرف يترك بالاتفاق الحكم القياسي للعرف، ولو كان عرفاً حادثاً، وإن عرفاً عاماً، لأن العرف حينئذ -غالباً- دليل الحاجة، فهو أقوى من القياس، ورعايته هي المصلحة. [856/2] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1424(23/115)
لا تعارض بين قاعدة "اليقين لا يزول بالشك" والحديثين المذكورين
[السُّؤَالُ]
ـ[من القواعد التي أصلها الفقهاء أن اليقين لا يزول بالشك، لكن الحديث الذي رواه الخمسة والذي ينهى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم المستيقظ من النوم من غمس يده في الإناء قبل غسلها لاحتمال نجاسة اليد، وكذلك الحديث الذي رواه أحمد وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ يعارضان هذه القاعدة العظيمة، فقد نهى الأول من غمس اليد قبل غسلها، وأمر الثاني بالوضوء، أرجو بيان ذلك وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذان الحديثان لا يعارضان هذه القاعدة، وقد تكلم شراح الحديث عن ذلك، وبينوا وجه عدم مخالفتها للقاعدة المذكورة.
أما عن الحديث الأول: فقد قال النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم وهو يعدد فوائد هذا الحديث، قال: ومنها: استحباب الغسل ثلاثا في المتوهمة، ومنها: استحباب الأخذ بالاحتياط في العبادات وغيرها، ما لم يخرج عن حد الاحتياط إلى حد الوسوسة. إلى أن قال رحمه الله:
هذه فوائد الحديث غير الفائدة المقصودة هنا، وهي النهي عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها، وهذا مجمع عليه، لكن الجماهير من العلماء المتقدمين والمتأخرين على أنه تنزيه لا تحريم، فلو خالف وغمس لم يفسد الماء ولم يأثم الغامس.. إلى أن قال: فإن الأصل في الماء واليد الطهارة، فلا ينجس بالشك، وقواعد الشرع متظاهرة على هذا، ولا يمكن أن يقال الظاهر في اليد النجاسة، وأما الحديث فمحمول على التنزيه. اهـ.
وأما الحديث الثاني: فقد اختلف العلماء اختلافا واسعا في النوم هل ينقض الوضوء أم لا؟ وعلى القول بالنقض هل هو ناقض بنفسه أم أنه مظنة الحدث؟ وأرجح هذه الأقوال قول الشافعي ومن وافقه أن نوم الجالس الممكن مقعدته من الأرض لا ينقض. يقول صاحب عون المعبود: فإذا نام غير ممكن للمقعدة غلب على الظن خروج الريح، فجعل الشارع هذا الغالب كالمحقق، وأما إذا كان ممكنا فلا يغلب على الظن الخروج، والأصل بقاء الطهارة. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1424(23/116)
شرح قاعدة (ألا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال)
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله وبعد
شيخنا الفاضل.. هلا شرحتم لنا القاعد الأصولية في باب الحاجيات التي تقول {ألا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال} أرجو تبسيط القول مع ذكر الأمثله لذلك.
وصلى الله على نبينا محمد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر الأصوليون أن العلة قد تخصص أصلها الذي استنبطت منه وقد تعممه، ولكنها لا يمكن أن تعود على أصلها بالإبطال. قال صاحب المراقي:
وقد تخصص وقد تعمم ... لأصلها لكنها لا تخرم
ولا تخرم أي لا تفسد أصلها ولا تعود عليه بالإبطال، ومعنى اشتراط عدم عودها على الأصل بالإبطال: أنه لا يمكن اعتبار تعليل يبطل أصلها الذي استنبطت منه؛ لأن إبطال أصل العلة الذي هو منشؤها إبطال للعلة نفسها.
وراجع الفتوى رقم: 5438، فإن فيها شيئًا من بسط هذه المسألة والتمثيل لها. وراجع أيضًا الفتوى رقم: 7086.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1424(23/117)
فتاوى حول إمكانية الاجتهاد في الفقه في العصر الراهن
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي أسباب تحريم الربا ومدى انطباقها على البنوك؟ وهل يجوز الاجتهاد الآن في الفقه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحول الاجتهاد الآن في الفقه راجع الفتاوى التالية: 2673، 17519، 1408، 34462.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(23/118)
حكم العمل بالأثر الموقوف
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا لم يكن هناك حديث مرفوع في مسألة معينة ووجد أثر موقوف، فهل يجوز العمل بهذا الأثر؟ فمثلا في رفع اليدين في صلاة العيدين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأثر الموقوف نوعان:
الأول: ما كان للرأي فيه مجال، أي يمكن أن يقوله الصحابي عن اجتهاد، فهذا ليس بحجة إلا إذا وافقه الصحابة عليه.
والثاني: ما لا مجال فيه للرأي، وهذا له حكم المرفوع. قال صاحب أصول الحديث: وليس للموقوف حكم الحديث المرفوع عند جمهور أهل العلم. أما إذا وجدت قرينة تدل على رفع الموقوف فله حينئذ حكم المرفوع. كأن يقول الصحابي: كنا نقول أو نفعل كذا وكذا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. ونحوه ... (ص250) .
وقال الغزالي في المستصفى: من الأصول الموهومة قول الصحابي، وقد ذهب قوم إلى أن مذهب الصحابي حجة مطلقًا، وقوم إلى أنه حجة إن خالف القياس.. والكل باطل عندنا، فإن من يجوز عليه الغلط والسهو ولم تثبت عصمته عنه فلا حجة في قوله ... (ص168) .
ثم إن رفع اليدين في صلاة العيدين معمول به عند جمهور العلماء. قال ابن قدامة في المغني: ... وقال مالك والثوري: لا يرفعهما فيما عدا تكبيرة الإحرام؛ لأنها تكبيرات في أثناء الصلاة، فأشبهت تكبيرات السجود، ولنا ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير. قال أحمد: أما أنا فأرى أن هذا الحديث يدخل فيه هذا كله. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1424(23/119)
الأصل بناء الأحكام على الغالب.
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذه المقولة فعلا صحيحة أن الشيخ ابن تيمية قال: الشاذ لا حكم فيه؟ وما معنى ذلك مع التوضيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم يتيسر لنا العثور على هذه العبارة في شيء من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، إلا أن من المعلوم عند الفقهاء أن الأحكام إنما تبنى على الغالب، قال الحافظ ابن حجر في الفتح تعليقًا على حديث أبي بردة عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: على كل مسلم صدقة.
وفي الحديث أن الأحكام تجري على الغالب؛ لأن في المسلمين من يأخذ الصدقة المأمور بصرفها، وقد قال: على كل مسلم صدقة. اهـ. والحديث رواه البخاري ومسلم.
وقال ابن القيم: في "زاد المعاد": ووجود الشبه بين الأجانب وانتفاؤه بين الأقارب وإن كان واقعًا فهو أندر شيء، والأحكام إنما هي للغالب الكثير، والنادر في حكم المعدوم. اهـ
ومن أمثلة استعمالات هذه القاعدة عند الفقهاء ما قاله السرخسي في المبسوط من قوله: والحكم ينبني على العام الغالب دون الشاذ النادر، ألا ترى أن نوم المضطجع جعل حدثًا على الغالب ممن حاله أن يخرج منه لزوال الاستمساك، وسكوت البكر رضاً لأجل الحياء بناء على الغالب من حال البكر، والشاذ يلحق بالعام الغالب. اهـ
وننبه هنا إلى أن الأحكام قد تبنى على الشاذ النادر أحيانًا، ذكر ذلك القرافي في فروقه، حيث قال: وقد يلغي الشرع الغالب رحمة بالعباد، وتقديمه قسمان: قسم يعتبر في النادر، وقسم يلغيان فيه معًا. اهـ
وقد ذكر لكل قسم أمثلة فليراجعها من شاء لمزيد الفائدة، وذلك عند كلامه عن الفرق التاسع والثلاثين والمائتين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1424(23/120)
الاجتهاد.. شروطه وضوابطه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله خيراً على هذا الموقع وبعد:
فما هي شروط الاجتهاد وأرجوالفتوى بدليل؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فللاجتهاد شروط لا يجوز لمن لم تتوافر فيه أن يجتهد، وقد ذكر أهل الأصول شروط المجتهد، فأطالوا الكلام بذلك، ولكننا نذكرها هنا مختصرة لضيق المقام:
الشرط الأول: الإسلام، وهو واضح.
الشرط الثاني: العقل، وهو واضح أيضًا.
الشرط الثالث: البلوغ؛ لأن الصبي لا يعتمد على خبره وشهادته، فمن باب أولى اجتهاده.
الشرط الرابع: إشرافه على نصوص القرآن، أي ما يتعلق منها بالأحكام، وقد ذكر بعض أهل الأصول أنها خمسمائة آية، ومنهم من قال: إن ذلك إنما يعني الآيات الدالة على الأحكام، بدلالة المطابقة فحسب، لا ما دل على الأحكام بالتضمن والالتزام.
الشرط الخامس: معرفة ما يحتاج إليه من السنن المتعلقة بالأحكام.
الشرط السادس: معرفة مواقع الإجماع والخلاف، حتى لا يفتي بما يخالف الإجماع أو يدعي الإجماع على ما ليس بإجماع، أو يحدث قولاً جديدًا لم يسبق إليه.
الشرط السابع: معرفة القياس، فإنه مناط الاجتهاد وأصل الرأي ومنه يتشعب الفقه، فمن لا يعرفه لا يمكنه استنباط الأحكام.
الشرط الثامن: أن يكون عارفًا بلسان العرب وموضوع خطابهم، وذلك حتى يميز بين الأحكام التي مرجعها إلى اللغة، كصريح الكلام وظاهره ومجمله ومبينه وعامه وخاصه، وحقيقته ومجازه. وغير ذلك.
الشرط التاسع: معرفة الناسح والمنسوخ، حتى لا يفتي بالحكم المنسوخ، قال علي رضي الله عنه لأحد القضاة: أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت.
الشرط العاشر: معرفة حال الرواة في القوة والضعف، وتمييز الصحيح من الفاسد، والمقبول من المردود.
الشرط الحادي عشر: أن يكون ذا ملكة يستطيع أن يستنبط بها الأحكام، ولا تتأتى هذه الملكة إلا بالدربة في فروع الأحكام.
الشرط الثاني عشر: العدالة، فلا يقبل اجتهاد الفاسق، ويجوز أن يعمل هو باجتهاده.
واشترط بعضهم: العلم بالمنطق والكلام، ولم يشترط ذلك الأكثرون. ولا يلزم في هذه الشروط أن يبلغ فيها الشخص المنتهى والغاية، بل يكفيه أن يكون ضابطًا لكل فن منها، وهو ما يعبرون عنه بذي الدرجة الوسطى في هذه العلوم.
ومن أراد الاستزادة في تفاصيل شروط الاجتهاد فليرجع إلى كتب الأصول، ومن الكتب التي اعتمدنا عليها في هذه الفتوى الكتب التالية:
- البحر المحيط للزركشي (شافعي) .
- المستصطفى للغزالي (شافعي) .
- جمع الجوامع للسبكي، بشرح المحلى وحاشية العطار (شافعي) .
- الفصول في الأصول للجصاص. (حنفي) .
- كشف الأسرار لعبد العزيز البخاري (حنفي) .
- التوضيح للتفتازاني (شافعي)
- تبصرة الحكام لابن فرحون (مالكي) .
- التقرير والتحبير لابن أمير الحاج (حنفي)
- الإنصاف للمرداوي (حنبلي) .
- شرح الكوكب المنير للفتوحي (حنبلي) .
ولمزيد من الفائدة راجع الفتاوى التالية: 2673، 17519، 20023.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1424(23/121)
العلة المنصوصة والعلة المستنبطة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بالعلة الشرعية والعلة العقلية في التحريم مثال (العلة في تحريم الخمر) هل لأنها خمر أم لأنها مسكرة؟ وجزاكم الله كل خير عنا وعن المسلمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كنت تسأل عن العلة المنصوصة والعلة المستنبطة، فإن الأولى هي العلة الثابتة بالنص: أي ما نص الشارع عليها نصاً صريحاً؛ كقوله تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ [البقرة:150] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الاستئذان من أجل البصر. أو ما نص الشارع عليها نصا غير صريح؛ فكقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات.
والعلة المستنبطة هي: ما ثبت باجتهاد المجتهدين؛ كتعليل تحريم الخمر بالإسكار، وتعليل وجوب القصاص على القاتل بالمحدد بالقتل العمد العدوان.. وهكذا. انظر المهذب في علم أصول الفقه المقارن 5/2020، وإن كنت تسأل عن غير ذلك فوضحه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الثاني 1424(23/122)
المراد بالمصالح المرسلة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو المقصود بتعبير المصالح المرسلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المصالح المرسلة ذكرها جماعة من أهل الأصول في مباحث الاستدلال، ولهذا سماها بعضهم بالاستدلال والجواب، وأطلق إمام الحرمين وابن السمعاني عليها اسم الاستدلال.
قال الخوارزمي: والمراد بالمصلحة: المحافظة على مقصود الشرع بدفع المفاسد عن الخلف.
وقال الغزالي: هي أن يوجد معنى يشعر بالحكم مناسب عقلاً، ولا يوجد أصل متفق عليه.
وقال ابن برهان: هي ما لا يستند إلى أصل كلي ولا جزئي، وقد اختلفوا في القول بهذا على مذاهب ... (إرشاد الفحول ج1 ص 403) .
يعني أن الوصف إذا لم يرد الدليل على اعتباره ولا على إلغائه، وهو مع ذلك فيه جلب مصلحة أو دفع مفسدة، فذاك هو المسمى عند أهل الأصول بالمصالح المرسلة.
وقد ذكره صاحب مراقي السعود في ألفيته ممثلا له، يقول:
والوصف حيث الاعتبار يجهل ... فهو الاستصلاح قل والمرسل
نقله لعمل الصحابة ... كالنقط للمصحف والكتابة
تولية الصديق للفاروق ... وهدم جار مسجد للضيق
وعمل السكة تجديد الندا ... والسجن تدوين الدواوين بدا
ثم بين أن المصلحة المرسلة تلغى إذا ترتبت عليها مفسدة أرجح منها أو مساوية لها، يقول:
اخرم مناسباً بمفسد لزم ... للحكم وهو غير مرجوح علم
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1424(23/123)
معنى المصالح المرسلة وسد الذرائع
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الإفادة عن معنى تعبير المصالح المرسله وتعبير سد الذرائع مع جزيل شكرنا لكم دائما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحتى يتضح معنى المصالح المرسلة اعلم أن المصلحة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: المصلحة المعتبرة، وهي المصالح التي اعتبرها الشارع، وهذه لا حصر لها، لأن الدين برمته جاء لجلب المصالح ودفع المضار.
الثاني: المصالح الملغاة، وهي المصالح التي ألغاها الشارع، وهذه كذلك لا حصر لها، لأن كل ما نهى الله عنه مما قد يكون فيه مصلحة لأحد فإن مصلحته ملغاة.
الثالث: المصلحة المرسلة، وهي المصلحة التي أرسلها الشارع، أي أطلقها فلم يعتبرها ولم يلغها، والحكم في هذه المصالح راجع إلى القواعد الشرعية العامة، فما كان داخلاً في قواعد المصلحة المعتبرة ألحق بها، وما كان داخلاً في قواعد المصلحة الملغاة أُلحق بها.
لعل الصورة الآن قد اتضحت حول معنى المصالح المرسلة.
أما سد الذرائع، فالمراد به أن من قواعد الشرع الحنيف أن الذرائع (الطرق) المفضية إلى الحرام تعتبر محرمة، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، فما كان وسيلة إلى حرام فهو حرام وإن كان في أصله مباحاً.
والكلام طويل جداً حول خلاف العلماء في هذين الدليلين (المصالح المرسلة- وسد الذرائع) وأدلة كل فريق في اعتبار هذا أو ذاك أو عدم اعتباره، فمن أراد البسط فليرجع إلى كتب الأصول.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1424(23/124)
الإجماع.. معناه.. منزلته.. وإمكانية تطبيقه حاليا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الإجماع وما مكانته في الإسلام؟ وكيف يمكن أن يطبق في هذا العصر؟ وماهي طرق الإستدلال في حالة تعارض الأدلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مما فضل الله به هذه الأمة وميزها به على سائر الأمم: أن إجماع علمائها على أمر من أمور دينها معصومٌ من الزلل والخطأ؛ ليحفظ الله سبحانه، بسبب إجماعهم الشريعة من كيد الكائدين، وتحريف الضالين، قال الزركشي في البحر المحيط 4/449: والسرّ في اختصاص هذه الأمة بالصواب في الإجماع أنهم الجماعة بالحقيقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث إلى الكافة، والأنبياء قبله إنما بُعث النبي لقومه، وهم بعض من كل، فيصدق على كل أمة أن المؤمنين غير منحصرين فيهم في عصر واحد، وأما هذه الأمة فالمؤمنون منحصرون فيهم، ويد الله مع الجماعة، فلهذا - والله أعلم - خصّها بالصواب.. انتهى
وإذا عرفت هذا، فالإجماع لغة: لفظٌ مشترك يطلق على معنيين في اللغة:
الأول: العزم على الشيء، يقال: أجمع فلان على السفر، إذا عزم عليه، ومنه قوله تعالى: فأجمعوا أمركم وشركاءكم [يونس:71] .
الثاني: الاتفاق، يقال: أجمع القوم على كذا: أي اتفقوا عليه.
وكلا المعنيين مأخوذ من الجمع؛ فإن العزم فيه جمعُ الخواطر، والاتفاق فيه جمعُ الآراء. انظر شرح مسلم الثبوت 2/211، وانظر في المعنى اللغوي في الصحاح 3/1198، ومعجم مقاييس اللغة 1/479.
واختلف الأصوليون في تعريف الإجماع اصطلاحاً تبعاً لاختلافهم في كثير من مسائل الإجماع المتعلقة بأركانه وشروطه وأحكامه.
والتعريف المختار أن الإجماع هو: اتفاق مجتهدي الأمة، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في عصر على أي أمر كان.. انظر جمع الجوامع 1/176 مطبوع مع حاشية البناني. وقد اختاره كثيرون.
ولكي يتضح هذا التعريف فلا بد من شرحه وذكر محترزاته:
فاتفاق معناه: الاشتراك في الرأي أو الاعتقاد، سواء دلّ عليه الجميع بأقوالهم جميعاً، أم بأفعالهم جميعاً، أم بقول بعضهم وفعل بعض، وهذا كله يسمى بالإجماع الصريح، أم بقول بعض أو فعله مع سكوت بعض آخر، وهذا يسمى بالإجماع السكوتي، وبهذا يكون التعريف شاملاً لقسمي الإجماع: الصريح والسكوتي.
أما مجتهدو الأمة: فالمجتهد: هو الذي يبذل وُسعه في طلب الظن بحكم شرعي على وجه يُحس معه بالعجز عن المزيد عليه.
والأمة: هي الطائفة من الناس تجمعها رابطة، والمراد بها: أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أي: أتباعه المؤمنون به في أي زمان، وهم أمة الإجابة لا أمة الدعوة.
وقد خرج باتفاق مجتهدي الأمة:
1- اتفاق المقلدين والعوامّ؛ فإنه لا يعد إجماعاً شرعيّاً.
2- اتفاق بعض المجتهدين؛ فإنه لا يعد إجماعاً.
3- اتفاق مجتهدي غير هذه الأمة.
أما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فيخرج به اتفاقهم في حياته، فإنه لا عبرة به، قال الآمدي: وإجماع الموجودين في زمن الوحي ليس بحجة في زمن الوحي بالإجماع، وإنما يكون حجة بعد النبي صلى الله عليه وسلم. الإحكام للآمدي 1/109.
وأما في عصر: فالمراد به الاتفاق في أي عصر كان، فدخل بهذا القيد: اتفاق المجتهدين في أي زمان كان، سواء كان في زمن الصحابة أم من بعدهم.
وفي هذا دفعُ توهّم أن الإجماع لا يتحقق إلا باتفاق المجتهدين في جميع العصور، وهو محال. انظر الإحكام للآمدي 1/196، وحاشية البناني على المحلى 1/176.
وعلى أي أمر كان: المراد به الحكم الذي اتفق عليه المجتهدون، ويشمل:
1- الأمر الديني: كأحكام الصلاة، وتفسير آية أو حديث.
2- الأمر الدنيوي: كترتيب الجيوش والحروب، وتدبير أمور الرعية.
3- الأمر العقلي: كحدوث العالم.
4- الأمر اللغوي: ككون الفاء للترتيب والتعقيب.
وفي بعض التعريفات خُصّ الأمر المتفق عليه: بالأمر الديني، ويمكن التوفيق بين من عمم ومن خصص بأن يقال: إن المُعمم قصد بالأحكام الدنيوية أو اللغوية أو العقلية: الأحكام التي يتعلق بها حكم شرعي، فيكون الإجماع حينئذ ليس مقصوداً لذاتها، بل لما يلزم منه..
وأما من خصص فمراده من الأمور الدينية ما هو أعم من الأحكام الشرعية يشملها هي وما تستلزمه.
وأما مكانة الإجماع: فالإجماع حق مقطوع به في دين الله عز وجل، وأصل عظيم من أصول الدين، ومصدر من مصادر الشريعة، مستمد من كتاب الله الكريم، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتالٍ لهما في المنزلة.
قال القاضي أبو يعلى رحمه الله: الإجماع حجة مقطوع عليها، يجب المصير إليها، وتحرم مخالفته، ولا يجوز أن تجتمع الأمة على الخطأ. انظر العُدة 4/1058.
ولذلك كان حتماً على الطالب للحق المتبع لسبيل جماعة المؤمنين، المبتعد عن مشاقة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يعرف ما أجمع المسلمون عليه من مسائل الشريعة العلمية والعملية، ليستنَّ بسلفه الصالح، ويسلك سبيلهم، ولئلا يقع في عداد من اتبع غير سبيل المؤمنين، فيحق عليه الوعيد المحكم في قوله جل ذكره: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً [النساء: 115] .
قال ابن حزم رحمه الله: ومن خالفه - أي الإجماع - بعد علمه به، أو قيام الحجة عليه بذلك فقد استحق الوعيد المذكور في الآية. انظر مراتب الإجماع لابن حزم، ص7.
ومرتبة الإجماع بين الأدلة الشرعية تلي مرتبة الكتاب والسنة، وهذا هو مذهب السلف الصالح؛ كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مستدلاً على ذلك بما ثبت عنهم من الآثار، ومن ذلك:
- ما جاء في كتاب عمر رضي الله عنه إلى شريح رحمه الله حيث قال له: اقضِ بما في كتاب الله، فإن لم تجد فبما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم تجد فبما قضى به الصالحون قبلك.، وفي رواية: فبما أجمع عليه الناس. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 7/240، والبيهقي 10/115، والنسائي 8/231.
وقد نعى شيخ الإسلام على بعض المتأخرين الذين قالوا: يبدأ المجتهد بأن ينظر أولاً في الإجماع، فإن وجده لم يلتفت إلى غيره، وإن وجد نصاً خالفه اعتقد أنه منسوخ بنص لم يبلغه، كما نعى - أيضاً على الذين يقولون: إن الإجماع نفسه ينسخ النص، وخطّأ هذا الرأي، واختار طريقة السلف؛ لأنها الصواب. انظر الفتاوى 9/200، 201.
يقول شيخ الإسلام: فلما انتهت النوبة إلى المتأخرين ساروا عكس هذا السير، وقالوا: إذا نزلت النازلة بالمفتي أو الحاكم فعليه أن ينظر أولاً: هل فيها اختلاف أم لا؟ فإن لم يكن فيها اختلاف لم ينظر في كتاب ولا سنة، بل يفتي ويقضي فيها بالإجماع، وإن كان فيها اختلاف اجتهد في أقرب الأقوال إلى الدليل فأفتى به، وحكم به، وهذا خلاف ما دل عليه حديث معاذ رضي الله عنه (رواه أحمد: 5/230، 242) ، وكتاب عمر وأقوال الصحابة. انتهى
وبين رحمه الله أن معرفة النصوص والاطلاع عليها أسهل بكثير من معرفة الإجماع؛ فلعل الناس اختلفوا وهو لا يعلم، وعدم العلم بالنزاع ليس علماً بعدمه، وإذا كان الأمر كذلك فكيف نحالُ على شيء شاق، ولدينا ما هو أيسر منه وأدل على الحق؟
كما بين أيضاً أنه: حين نشأت هذه الطريقة تولد عنها معارضة النصوص بالإجماع المجهول، وانفتح باب دعواه، وصار من لم يعرف الخلاف من المقلدين إذا احتُج عليه بالقرآن والسنة، قال: هذا خلاف الإجماع، وهذا هو الذي أنكره أئمة الإسلام، وعابوا من كل ناحية على من ارتكبه، وكذبوا من ادعاه. نقل عنه ذلك كله ابن القيم في إعلام الموقعين 2/237.
والإجماع على قسمين:
قال شيخ الإسلام:. الإجماع نوعان:
قطعي: فهذا لا سبيل إلى أن يُعلم إجماع قطعي على خلاف النص.
وأما الظني: فهو الإجماع الإقراري والاستقرائي، بأن يستقرئ أقوال العلماء فلا يجد في ذلك خلافاً، أو يشتهر القول ولا يعلم أحداً النصوصُ به؛ لأن هذا حجة ظنية لا يجزم الإنسان بصحتها، فإنه لا يجزم بانتفاء المخالف، وحيث قطع بانتفاء المخالف فالإجماع قطعي، وأما إذا كان يظن عدمَه ولا يقطع به، فهو حجة ظنية، والظني لا يُدفع به النص المعلوم، لكن يُحتج به، ويُقدم على ما هو دونه بالظن، ويُقدم عليه الظن الذي هو أقوى منه، فمتى كان ظنه لدلالة النص أقوى من ظنه بثبوت الإجماع قدّم دلالة النص، ومتى كان ظنه للإجماع أقوى قدم هذا. والمصيب في نفس الأمر واحد.
وبعد هذا التقرير لمكانة الإجماع في الدين، يحسن أن أذكر أهم فوائد الإجماع التي ذكرها أهل العلم، وكان من دواعي ذكر هذه الفوئد:
الإجابة عن تساؤل ينقدح في الذهن عن مدى فائدة الإجماع والجديد فيه، مع القول بأن من شروط الإجماع أنه لا بد أن يستند الإجماع إلى دليل من الكتاب والسنة، وأنه لا يمكن أن تجتمع الأمة على خلاف النصوص، كما أنه لا يمكن أن يكون الإجماع ناسخاً لنص؟
وقد أجاب العلماء على هذا فذكروا أهم فوائد الإجماع. انظر كتاب نظرة في الإجماع الأصولي، ص73، وما بعده، وهذا ملخص ما سطروه:
الفائدة الأولى: الإجماع على المعلوم من الدين بالضرورة يُظهر حجم الأمور التي اتفقت فيها الأمة؛ بحيث لا يستطيع أهل الزيغ والضلال إفساد دين المسلمين، ومن طالع حال الأمم السابقة من أهل الكتاب وغيرهم، في اختلافهم في أصول دينهم العلمية والعملية علم النعمة العظيمة التي اختُصت بها هذه الأمة؛ حيث أجمع أئمة الدين على مئات من الأصول بله الفروع، بحيث لا يخالف فيها أحد من المسلمين، وممن خالف بعد العلم حُكِم عليه بما يقتضيه حاله من كفر أو ضلال وفسق.
الفائدة الثانية: العلمُ بالقضايا المجمع عليها من الأمة يعطي الثقة التامة بهذا الدين، ويؤلف قلوب المسلمين، ويسدّ الباب على المتقولين الذين يزعمون أن الأمة قد اختلفت في كل شيء؛ فيكف يجمعها أو يربطها رابط؟!
الفائدة الثالثة: أن السند الذي يقوم عليه الإجماع قد يكون ظنياً فيكون الإجماع عليه سبباً لرفع رتبة النص الظنية والحكم المستنبط منه إلى رتبة القطع؛ لأنه قد دلّ الإجماع على أنه لا خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالف ما أجمعوا عليه.
وقد دلت عدة أدلة على حجية الإجماع نذكر منها:
الدليل الأول: قوله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً [النساء: 115] ، وأول من استدل بهذه الآية الشافعي رحمه الله ثم تبعه الناس على الاستدلال بها.
وجه الاستدلال من الآية: أن معنى مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم منازعته ومخالفته فيما جاء به عن ربه، ومعنى سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ما اختاروه لأنفسهم من قول أو فعل أو اعتقاد؛ لأن سبيل المؤمنين مفرد مضاف فيعم هذه كلها، وقد جعل الله كلاً من المشاقة واتباع غير سبيل المؤمنين موجباً للعقاب؛ لأنه عطف بعضها على بعض بالواو المفيدة للتشريك في الحكم، فيلزم أن يكون اتباع غير سبيل المؤمنين محرماً، كما حرمت مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم.
الدليل الثاني: قوله جل ذكره: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة:143] .
وجه الاستدلال بهذه الآية: أن الله تبارك وتعالى عدلهم بقبول شهادتهم، ولما كان قول الشاهد حجة يجب العمل بمقتضاه، إذ لا معنى لقبول شهادته إلا كون قوله حجة، فيدل هذا على أن إجماع الأمة حجة يجب العمل بمقتضاه وهو المطلوب.
الدليل الثالث: قوله جلا وعلا: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران: 110] .
وجه الدلالة: أن الألف واللام إذا دخلت على اسم جنس دل على العموم، وعلى ذلك تكون الآية إخباراً من الله سبحانه عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم يأمرون بكل معروف، وينهون عن كل منكر، وصِدْقُ خبر الله تعالى يستلزم أنهم إن نهوا عن شيء علمنا أنه منكر، وإذا أمروا بشيء علمنا أنه معروف، فكان نهيهم وأمرهم حجة يجب اتباعه.
الدليل الرابع: قوله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59] .
وجه الدلالة: أن الله سبحانه شرط لوجوب الرد إلى الكتاب والسنة وجود التنازع، فدل ذلك على أنهم إذا لم يتنازعوا لم يجب الرد، وأن الاتفاق منهم كافٍ حينئذٍ عن الرد إلى الكتاب والسنة، ولا معنى لكون الإجماع حجة إلا هذا. وهذا الدليل لا يسنجم مع كلام شيخ الإسلام وقد تقدم.
الدليل الخامس: جملة الأحاديث الدالة على لزوم الجماعة، وتعظيم شأنها، والإخبار بعصمتها عن الخطأ ومنها:
1- قوله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون. رواه البخاري 13/293.
2- قوله صلى الله عليه وسلم: من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه. رواه أحمد.
3- وقوله صلى الله عليه وسلم: من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية. متفق عليه.
ووجه الاستدلال بهذه الأحاديث وغيرها: أن هذه الأحاديث ونحوها، وإن لم يتواتر كلّ واحدٍ منها لفظاً إلا أن القدر المشترك بينها -وهو عصمة الأمة- متواتر فيها؛ لوجوده في كل منها، وإذا ثبتت عصمة الأمة تواتراً كان ذلك دليلاً على حجية الإجماع.
ومباحث الإجماع طويلة الذيول لا يمكن أن نأتي عليها في هذه الفتوى فلتراجع في أماكنها من كتب الأصول، لكننا سنقف مع مسألة لها علاقة بالنقطة الثالثة في السؤال، هذه المسألة: هي هل يمكن تحقق وقوع الإجماع على النحو الذي أشرنا إليه؟
لا خلاف بين العلماء في وقوع الإجماع على الأحكام التي تعلم من الدين بالضرورة، ولكن وقع الخلاف في وقوع الإجماع في الأحكام الظنية، على مذهبين:
المذهب الأول: إمكان وقوع الإجماع فيها، وإلى هذا ذهب الجمهور، وهو الصحيح، وليس أدل على ذلك من الوقوع، وأمثلة وقوع الإجماع كثيرة، مثل الإجماع على تقديم الدَّيْن على الوصية، وحرمة شحم الخنزير كلحمه، والإجماع على أن الماء إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة: لونه أو طعمه أو رائحته بنجاسة، لا يجوز الوضوء منه.
المذهب الثاني: أن هذا الإجماع مستحيل الوقوع, وذهب إليه النظام المعتزلي، وإمام الحرمين، وكثير من المعاصرين، واستدل لأصحاب هذا المذهب على ذلك بأن أهل الإجماع قد انتشروا في مشارق الأرض ومغاربها، وهذا الانتشار يمنع نقل الحكم، منهم وإليهم عادة، وإذا امتنع نقل الحكم امتنع الاتفاق منهم على حكم معين، ويجاب عن ذلك بأن أهل الإجماع عدد قليل معروفون بأعيانهم، وهم المجتهدون، وعليه فيمكن أن تنقل الواقعة إلى جميعهم، ويستطلع رأيهم فيها.
أما ما نقل عن الإمام أحمد من مقولته المشهورة: من ادعى الإجماع فهو كاذب.
فليس مراده بها نفي وقوع الإجماع أو حجيته قطعاً؛ لكون الإمام يحتج به، ويستدل به في كثير من الأحيان، وقد حملها العلماء على عدة أوجه، ومن أحسنها: أنه قال ذلك على سبيل الورع، لجواز أن يكون هناك خلاف لم يبلغه، أو أنه قال ذلك في حق من ليس له من معرفة بخلاف السلف، ويدل لذلك تتمة كلامه السابق حيث يقول: من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا، هذه دعوى بشر المريسي والأصم، ولكن يقول: لا نعلم الناس اختلفوا، إذا هو لم يبلغه.. أي إذا لم يبلغه في المسألة خلاف.
قال ابن القيم: وليس مراده -أي الإمام أحمد - استبعاد وجود الإجماع، ولكن أحمد وأئمة الحديث بُلوا بمن كان يرد عليهم السنة الصحيحة بإجماع الناس على خلافها. انظر المسودة، ص: 316، ومجموع الفتاوى 19/271، 20/247، ومختصر الصواعق، ص: 506.
وإذا تقرر هذا.. فالإجماع يمكن انعقاده في هذا العصر إذا تولت أمره الجهات العلمية في البلاد الإسلامية بأن تستطلع رأي مجتهديها في الواقعة، فإذا اتفقت آراء المجتهدين جميعهم على حكم واحد في هذه الواقعة، كان هذا إجماعاً، وكان الحكم المجمع عليه حكماً شرعيّاً واجب الاتباع على المسلمين، ولكن من المعلوم أن تولي هذه الجهات استطلاع آراء المجتهدين في ظل عدم اهتمام كثير من الحكومات بتطبيق الشريعة، يكاد يكون مستحيلاً.
أما كيفية الاستدلال حالة تعارض الأدلة، فقد وضع أئمة العلم قواعد علمية لدرء التعارض، وهي:
1- الجمع بين النصوص بطريقة من طرق الجمع المعتد بها عند علماء الأصول، مثل:
- ردّ العام على الخاص.
- ردّ المطلق على المقيد.
- رد المجمل على المبين.
- رد المتشابه إلى المحكم.
- معرفة الناسخ والمنسوخ.. ونحو ذلك من الطرق.
2- الترجيح بين النصوص بطريقة من طرق الترجيح التي ذكرها علماء الأصول، ويلجأ إلى هذه الحالة عند تعذر الجمع بينها.
3- وإذا لم يستطع الدارس الجمع أو الترجيح فإنه يتوقف حتى يتبين له الأمر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو الحجة 1423(23/125)
معنى (الضرورات تبيح المحظورات)
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو توضيح القاعدة الفقهية التالية: الضرورات تبيح المحظورات والحاجيات ... الخ.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فـ (الضرورات تبيح المحظورات) .
قاعدة أصولية مأخوذة من النص، وهو قوله تعالى: (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) [الأنعام:119] .
والاضطرار: الحاجة الشديدة، والمحظور: المنهي عن فعله، ومعنى القاعدة: أن الممنوع شرعاً يباح عند الضرورة، وقد مثل الفقهاء لهذه القاعدة بأمثلة منها:
1- إباحة أكل الميتة عند المخمصة، أي المجاعة.
2- إساغة اللقمة بالخمر لمن غص، ولم يجد غيرها.
3- إباحة كلمة الكفر للمكره عليها بقتل أو تعذيب شديد.
وهذه القاعدة فرع عن قاعدة كلية سماها العلماء (الضرر يزال) وقد سبق بيان الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة في الفتوى رقم: 25545 فراجعها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1423(23/126)
القواعد الخمس التي اتفق عليها علماء الفقه والأصول وفروعها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي القواعد الفقهية الخمس الكبرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القواعد الفقهية -كما عرفها العلماء- هي أصول ومبادئ كلية في نصوص موجزة تتضمن أحكاماً تشريعية عامة في الحوادث التي تدخل تحت موضوعها.
وقد صاغ الفقهاء قواعد كثيرة بعبارات موجزة تدخل تحتها فروع كثيرة من أبواب مختلفة من الفقه، وألفوا فيها كتباً كثيرة ومن هذه القواعد خمس قواعد متفق عليها، وقصرها بعضهم على أربعة فقط، وهي الأربع الأولى التي سنذكرها -إن شاء الله تعالى، وهذه القواعد هي:
القاعدة الأولى: اليقين لا يزول بالشك.
قال المقري في قواعده: المعتبر في الأسباب والبراءة وكل ما تترتب عليه الأحكام: العلم اليقين، ولما تعذر في أكثر الصور أقيم الظن مقامه لقربه منه وبقي الشك ملغى على الأصل. ومن فروع هذه القاعدة: لزوم البناء على اليقين لمن شك أصلى ثلاثا أو أربعا؟ لأن الأربعة وجبت بيقين ولا تبرأ الذمة إلا بيقين، ولهذا قلنا: اليقين لا يرفع بالشك. ومن فروعها: لزوم البينة على المدعي....
والأصل في هذه القاعدة ما جاء في الصحيحين وغيرهما من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ قال: لا، حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً.
قال الولاتي: وهذه القاعدة تشتمل على قاعدة العمل باستصحاب الأصل، وتندرج تحتها قاعدة: إلغاء الشك في المانع، واعتباره في المقتضي الشرط.
القاعدة الثانية: إزالة الضرر، أو الضرر يزال.
أي وجوب إزالة الضرر عمن نزل به، والأصل في هذه القاعدة ما رواه مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ضرر ولا ضرار.
قال الولاتي: لأن الشريعة مبنية على جلب المصالح ودفع المفاسد، وتندرج تحت هذه القاعدة، قاعدة: ارتكاب أخف الضررين.
ومن فروعها: شرع الزواجر من الحدود، والضمان، ورد المغصوب، أو ضمانه بالتلف، والتطليق بالإضرار، وبالإعسار..
القاعدة الثالثة: المشقة تجلب التيسير.
أي كلما وقعت المشقة حساً جاء التيسير شرعا.
والأصل في هذه القاعدة قوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78] .
ومن فروعها: الأخذ بالأخف والرخص كجواز القصر والجمع والفطر في السفر....
قال الولاتي: والمشقة قسمان: قسم لا تنفك عنه العبادة فلا يوجب تخفيفاً لأن العبادة قررت معه، كالوضوء في البرد والصوم في الحر ...
وقسم تنفك عنه وهو ثلاثة أقسام: فإن كان في مرتبة الضروريات عفي عنه إجماعاً كما إذا كان فيه هلاك نفس أو تلف عضو.....
وإن كان في مرتبة التتميمات "التحسينات" لم يعف عنه إجماعاً كما إذا كان فيه مجرد جهد فقط، وإن كان في مرتبة الحاجيات: فمحل خلاف، كما إذا كان فيه مرض خفيف....
القاعدة الرابعة: العادة محكمة، أو العادة معتبرة.
قال الولاتي: إن كان ما تدخل فيه العادة أي عادة العوام القولية والفعلية من الأحكام الشرعية فهي عاملة فيه أي محكمة فيه: تخصصه إن كان عاماً، وتقيده إن كان مطلقاً، وتبينه إن كان مجملاً. والذي يدخل فيه عادة العوام القولية وتحكم فيه هو ألفاظ الناس في الأيمان والمعاملات من العقود والفسوخ، والاقرارات، والشهادات، والدعاوى؛ وهي في غلبة استعمال اللفظ في معنى غير معناه الأصلي، سواء كان جزئي معناه الأصلي أم لا حتى يصير هو المتبادر إلى الذهن منه عند الإطلاق، ويصير المعنى الأصلي كالمهجور، مثال تخصيص العرف للعام: حمل يمين من حلف ألا يركب دابة على ذوات الأربع فلا يحنث بركوب غيرها من كل ما يدب على وجه الأرض، فلفظ الدابة لغة يشمل كلما يدب على وجه الأرض، لكن العادة القولية خصصته بذوات الأربع.. وهكذا العادة الفعلية.
والأصل في هذه العادة قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199] .
وقوله صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة: خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف. والحديث في الصحيحين.
ومن فروعها: تقدير النفقات الواجبة للزوجات والأقارب.... وما هو الأنسب من متاع البيت للرجال، وما هو الأنسب للنساء عند النزاع في ذلك.....
القاعدة الخامسة: الأمور تتبع المقاصد، أو الأمور بمقاصدها.
يعني أن الأمور تتبع المقاصد فإن كان حسنا كان حسنا، وإن كان قبيحاً كان قبيحاً، والأصل في هذه القاعدة: قوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى. رواه البخاري ومسلم.
ومن فروعها: تمييز العبادات من العادات بالقصد، وتمييز مراتب العبادات بالقصد لأن القصد "النية" شرط صحة في العبادات المحضة، وشرط لحصول الثواب في جميع الأعمال.
وتندرج تحت هذه القاعدة قاعده: سد الذرائع إلى الفساد: وقيل: إن قاعدة تبع الأمور للمقاصد، ترجع إلى قاعدة: اليقين لا يرفع بالشك، لأن الشيء إذا لم يقصد فنحن على يقين من عدم حصوله.
قال الولاتي رحمه الله: وهذه القواعد ذكرها القاضي حسين وقال: إن فروع الفقه كلها آيلة إليها، وبحث بعضهم في ذلك فقال: إن في رجوع جميع الفقه إليها تعسفاً، لأن أصوله منتشرة تتضح بالتفصيل، ثم قال: وهذه القواعد الخمس لا خلاف بين العلماء في كونها أصولاً تبنى عليها فروع الشريعة، وإنما الخلاف بينهم في تفصيل ذلك.... ثم قال: وقال الشيخ عز الدين: أحكام الشرع كلها تعود إلى جلب المصالح، ودرء المفاسد. وقال الشيخ الشنقيطي في نشر البنود: ورجوع فروع الفقه إلى هذه الأصول فيه تكلف.... فلو زيدت الأصول التي ترجع إليها فروع الفقه مع وضوح الدلالة لزادت على المائتين.
والحاصل أن القواعد الخمس التي اتفق عليها علماء الفقه والأصول والتي لا خلاف بينهم في كونها أصولاً تبنى عليها الفروع هي:
1- اليقين لا يرفع بالشك.
2- وجوب إزالة الضرر.
3- المشقة تجلب التيسير.
4- العادة محكمة، أو العرف معتبر.
5- الأمور تتبع المقاصد.
وما نقلناه عن العلامة الولاتي هو من كتابه "شرح أصول المذهب"، وقد نظم ابن أبي قفة هذه القواعد بقوله:
وهذه خمس قواعد ذكره ... أن فروع الفقه فيها تنحصر
هي اليقين حكمه لا يرفع ... بالشك، بل حكم اليقين يتبع
وضرر يزال والتيسير مع ... مشقة يدور حيثما تقع
وكل ما العادة فيه تدخل ... من الأمور فهي فيه تعمل
وللمقاصد الأمور تتبع ... وقيل ذي إلى اليقين ترجع
وقيل للعرف، وذي القواعد ... خمستها لا خلف فيها وارد
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1423(23/127)
مصادر القواعد الفقهية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركانه
من المعلوم أن هناك قواعد فقهية أساسيه كـ (لا ضرر ولا ضرار) و (درء المضار مقدم على جلب المنافع) أرجو تبيان لي أي الكتب التي تتناول هذه القواعد بشكل مفصل حيث أني كنت قد سمعت أنه مثلا أبو حنيفة وضع أكثر من أربعين قاعدة فقهية يستند عليها في أحكامه الفقهية؟
أرجو الإجابه وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القواعد هي الأسس التي يقوم عليها البناء، ولهذا عرّف الفقهاء القواعد الفقهية بأنها أصول ومبادئ كلية في نصوص موجزة تتضمن أحكاماً تشريعية عامة في الحوادث التي تدخل تحت موضوعها.
ومصادر القواعد الفقهية هي: الكتاب والسنة بألفاظهما، أو معانيهما، ومقاصدهما العامة يصوغ الفقيه قاعدة تدخل تحتها فروع كثيرة من أبواب الفقه المختلفة.
مثال على ذلك:
- "إنما الأعمال بالنيات".
- "لا ضرر ولا ضرار".
- "المسلمون على شروطهم".
- "كل مسكر حرام".
هذه كلها أحاديث، ومن أقوال الفقهاء: (المشقة تجلب التيسير) ، (لا اجتهاد مع النص) ، (ولا قياس مع الفارق) .
وقد بدأ تدوين قواعد الفقه متأخراً بعدما استقرت المذاهب بعد عصور التدوين، وقل الاجتهاد، وظهر التعصب للمذاهب، وأصبح أصحاب كل مذهب يخرجون الفروع على أصول إمام مذهبهم.
وأول من سبق إلى ذلك هم الأحناف، وذكر أصحاب القواعد أن الإمام الدباس الحنفي قد جمع أهم قواعد أبي حنيفة في سبع عشرة قاعدة كلية، وكان يكررها كل ليلة، ثم تتابع العلماء بعد ذلك في تأليف القواعد في كل مذهب وجمعوها، وإن كانت قبل ذلك متفرقة في الكتب، وفي أبواب مختلفة.
ومن أشهر كتب الأحناف في القواعد: أصول الكرخي للكرخي المتوفى سنة 340هـ، وأصول الفتيا للخُشني المتوفي سنة 361هـ.
وللمالكية: الفروق للقرافي المتوفى سنة 684هـ، والمنهج المنتخب للتجيبي المتوفى سنة 912هـ.
وللشافعية: قواعد الأحكام لابن عبد السلام المتوفى سنة 660هـ.
وللحنابلة: القواعد النورانية لابن تيمية المتوفى سنة 728هـ.
ومن الكتب الحديثة المهمة في هذا الموضوع: موسوعة القواعد الفقهية للدكتور محمد صدقي البورنو.
وأما أبو حنيفة فلم نطلع على قواعده، ولكن الدباس اختصرها، وهي أساس قواعد الأحناف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الأولى 1423(23/128)
العام والخاص.. معناهما.. وأقسامهما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى العام والخاص في علوم القرآن لغة واصطلاحاً مع ذكر أقسامهما وذكر أمثلة على أقسامهما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذه المسائل مذكورة ومفصلة في كتب أصول الفقه، وفيها اختلاف كثير، وسنذكر لك شيئاً موجزاً في ذلك، وبالله التوفيق:
أولاً: العام وهو في اللغة: الشامل، من عمّ يعم عموماً وعاماً. يقال: عمهم بالعطية. أي: شملهم. انظر لسان العرب 12/426.
واصطلاحاً: عرفه إمام الحرمين الجويني بقوله: هو ما عمّ شيئين فصاعداً. وكذا عرفه الغزالي في المستصفى، وابن قدامة في روضة الناظر بهذا التعريف.
وعرفه ابن قدامة بتعريف آخر فقال: كلام مستغرق لجميع ما يصلح له. واعترض على التعريفين: فالأول ليس بمانع، فلفظة: شفع - مثلاً - تدل على اثنين، ولم يقل أحد إنها صيغة عموم. وأما الثاني فقال عنه الأمين الشنقيطي: وهذا التعريف جيد؛ إلا أنه ينبغي أن يزاد عليه ثلاث كلمات: الأولى: بحسب الوضع. والثانية: دفعة. والثالثة: بلا حصر من اللفظ، فيكون تعريفاً تاماً جامعاً مانعاً.
ولعل التعريف المختار هو كما قال صاحب مراقي السعود: ما استغرق الصالح دفعة بلا حصر من اللفظ، كعشر مثلاً.
بقي أن نشير إلى ألفاظ العموم وهي خمسة أقسام:
الأول: اسم عرف بالألف واللام لغير العهد، وهو ثلاثة أنواع: 1- ألفاظ الجموع: كالمسلمين، والمشركين، والذين. 2- أسماء الأجناس، وهو مالا واحد له من لفظه، كالناس، والحيوان، والماء، والتراب. 3- لفظ الواحد، كالسارق والسارقة، والزاني والزانية. قال الأمين الشنقيطي: معنى كلامه ظاهر إلا أن إدخال: الذين، والسارق، والزاني، والمشركين - مثلاً - من المعرف "بأل" فيه نظر لأن "أل" في الذين زائدة لزوماً على الصحيح وهو اسم موصول معرف …. ولأن "أل" في السارق والزاني، والمشركين اسم موصول أيضاً.
لقسم الثاني: أدوات الشرط: كـ (من) فيمن يعقل، و (ما) فيما لا يعقل.
القسم الثالث من ألفاظ العموم: ما أضيف من هذه الأنواع الثلاثة إلى معرفة مثل: عبيد زيد، ومال عمرو.
القسم الرابع: كل، وجميع، مثل: قوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت) [آل عمران: 185] .
القسم الخامس: النكرة في سياق النفي: مثل قوله تعالى: (ولم تكن له صاحبة) [الأنعام: 101] ، وقوله تعالى: (ولا يحيطون بشيء من علمه) [البقرة: 255] .
قال الأمين الشنقيطي في تعليقه على كلام ابن قدامة: واعلم أن الحق أن صيغ العموم الخمس التي ذكرها المؤلف التي هي: 1- المعرف بأل غير العهدية. 2- والمضاف إلى معرفة. 3- وأدوات الشرط. 4- كل وجميع. 5- والنكرة في سياق النفي تفيد العموم، وخلاف من خالف في كلها أو بعضها كله ضعيف لا يعوّل عليه. والدليل على إفادتها العموم إجماع الصحابة على ذلك، لأنهم كانوا يأخذون بعمومات الكتاب والسنة، ولا يطلبون دليل العموم، بل دليل الخصوص … انظر في هذه المسألة: المستصفى للغزالي (2/35-36) ، إحكام الفصول للباجي ص 231، وشرح تنقيح الفصول للقرافي ص 179-185، شرح الكوكب المنير لابن النجار 3/119 روضة الناظر لابن قدامة، ومذكرة أصول الفقه على روضة الناظر لمحمد الأمين الشنقيطي ص 358-365 …. الخ.
أما الخاص فهو: في اللغة ما يقابل العام. والتخصيص لغة: الإفراد. واصطلاحاً، هو ما لا يتناول شيئين فصاعداً على رأي إمام الحرمين ومن تبعه. والتخصيص في الاصطلاح: (تمييز بعض الجملة) كذا عرفه الجويني، والشيرازي… أي: بالإخراج من العام. وقوله (بعض) احتراز عن النسخ، فإنه للكل، وعرفه ابن الحاجب بقوله: قصر العام على بعض مسمياته. بيان المختصر (2/235) . مثل: أكرمت المسلمين إلا زيداً، فزيد مستثنى من العموم، والاستثناء تخصيص.
وقد اختلف الأصوليون في المخصص، هل هو إرادة المتكلم، أو الدليل على الإرادة على قولين: قال الزركشي ٍ بعد ذكره القولين: والحق أن المخصص حقيقة هو: المتكلم، لكن لما كان المتكلم يخصص بالإرادة أسند التخصيص إلى إرادته، فجعلت الإرادة مخصصة، ثم جعل ما دلّ على إرادته وهو الدليل اللفظي، أو غيره مخصصاً في الاصطلاح. والمراد هنا إنما هو الدليل. انظر البحر المحيط للزركشي (2/273) ، والمحصول للرازي (1/3/8)
أقسام المخصص: الأول: المخصص المتصل، وهو مالا يستقل بنفسه بل يكون مذكوراً مع العام. وهذا المخصص المتصل على ما ذكره إمام الحرمين الجويني ثلاثة أنواع: أحدها: الاستثناء. نحو: جاء الفقهاء إلا زيداً. وثانيها: الشرط. نحو: أكرم العلماء إن صلحوا. وثالثهما: التقييد بالصفة. نحو: أحسن إلى الفقراء المتعففين.
القسم الثاني: المخصص المنفصل، وهو ما يستقل بنفسه، ولا يكون مذكوراً مع العام، بل منفرداً. انظر: التحقيقات في شرح الورقات للحسين الكيلاني المعروف بابن قاوان ص (259-279) .
قال في شرح الكوكب المنير: ومن القسم المنفصل: الحس، نحو قوله تعالى: (تدمر كل شيء بأمر ربها) وقوله تعالى: (يجبى إليه ثمرات كل شيء) …. والمراد بالحسِّ: المشاهدة، ونحن نشاهد أشياء كانت الريح لم تدمرها، ولم تجعلها كالرميم، كالجبال ونحوها، ونعلم أن ما في أقصى المشرق والمغرب لم تجب إليه ثمراته ….. ومن التخصيص بالمنفصل أيضاً: العقل ضرورياً كان، أو نظرياً، فمثال الضروري: قوله تعالى: (الله خالق كل شيء) ، فإن العقل قاضٍ بالضرورة أنه لم يخلق نفسه تعالى وتقدس. ومثال النظري: نحو قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) ، فإن العقل بنظره اقتضى عدم دخول الطفل والمجنون بالتكليف بالحج لعدم فهمهما، بل هما من جملة الغافلين الذين هم غير مخاطبين بخطاب التكليف … شرح الكوكب المنير (3/277-279) .
هذا شيء يسير مما ذكر في هذه المسائل وهي مبسوطة في كتب أصول الفقه، فراجعها إن شئت. وفقك الله لما يحب ويرضاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1422(23/129)
الإجماع أحد مصادر التشريع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تعريف الإجماع في الفقه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإجماع عرفه العلماء بعدة تعاريف وفيها اختلاف يسير ولعل من أخصرها وأشملها أنه: اتفاق جميع العلماء المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في أي عصر من العصور على أمر ديني.
فخرج بإضافة الاتفاق إلى جميع العلماء المجتهدين المتعلم الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد فضلا عن العامي ومن في حكمه، فلا عبرة بخلافهم ولا بوفاقهم، كما خرج أيضاً الاتفاق الحاصل من بعض المجتهدين دون بعض. والمراد بالتقييد بما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بيان بدء الوقت الذي يوجد فيه الإجماع، أما زمن حياته فلا يعتد فيه بالإجماع لأنه زمن نزول الوحي، فالمرد في الإحكام فيه إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم، والمراد بقول المعرف: في أي عصر من العصور التنبيه إلى اعتبار الإجماع في أي عصر وجد بعد زمن النبوة سواء في ذلك عصر الصحابة وغيرهم خلافاً لمن خصه بعصر الصحابة كداود الظاهري ومن وافقه.
وهو حجة عند الجمهور، وخالف في ذلك الشيعة والخوارج والنظام. وينقسم إلى قسمين:
1/ إجماع قولي فعلي.
2/ إجماع سكوتي.
فالأول: أن يصرح كل فرد بقوله في الحكم المجمع عليه، أو يفعله فيدل فعله إياه على جوازه عنده، وهذا النوع من الإجماع لا خلاف في حجيته عند القائلين بثبوت الإجماع.
الثاني من قسمي الإجماع: أن يحصل القول والفعل من البعض وينتشر ذلك عنهم، ويسكت الباقون عن القول به ولا ينكروا على من حصل منه، ومن أمثلته العول فقد حكم به عمر رضي الله عنه بمشورة بعض الصحابة وسكت باقيهم.
وهذا القسم مختلف فيه، فقال قوم: إنه إجماع لا يسوغ العدول عنه، وقال قوم: إنه ليس بإجماع ولا حجة، وقال آخرون: إنه حجة وليس بإجماع. ولكل منهم دليل على ما قال. ثم إن الجمهور من العلماء قالوا بانعقاد الإجماع من وقت حصوله، ولا يشترط عندهم انقراض عصر المجمعين، فلا يسوغ لأحد الرجوع عن رأيه الموافق للإجماع، على قول الجمهور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(23/130)
الاجتهاد موجود ومعتبر بضوابطه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تم قفل باب الاجتهاد أم لا؟ وماذا عن الاجتهاد؟]ـ
[الفَتْوَى]
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: ...
فمن المعلوم أن الله جل وعلا قد بعث رسوله ـ صلوات الله وسلامه عليه بدين الإسلام، وجعله صلى الله عليه وسلم ـ خاتم الرسل، وجعل ملته ناسخة لجميع الملل، وكتابه مهيمنا على كافة الكتب قال تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه) . [المائدة:48] . ... وكان من تمام النعمة على العباد، أن أكمل الله ـ جل وعلا ـ لهم هذا الدين، وكفاهم به عن غيره، فانتظمت بذلك مصالحهم واستقامت أمورهم على وجه التمام والكمال. كما قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) . [المائدة: 3] . ومن المعلوم أيضا ـ بالضرورة ـ أن مقتضى كمال الدين وتمام النعمة صلاحيته لكل زمان ومكان، على اختلاف الأعصار وتنائي الأمصار. وذلك لأن كمال الملة إنما كان لتحقق وصفين اثنين: ... الأول: كونها تفي بمقاصد التشريع العامة. ... والثاني: كونها صالحة لكل زمان ومكان. ... إذا عُلم هذا فَليعْلم أن حاجات الخلق تختلف وتتغير بحسب ظروف المكان والأوان، وتحصل للناس أقضية بحسبهم، ووقائعهم تتلوَّن بحسب واقعهم، فمن المعلوم بداهة أن هذه الوقائع لا تتناهى والنصوص الشرعية ليست كذلك، فاقتضى ذلك تشريع الاجتهاد في هذه الملة المباركة لتفي بحاجات الخلق ومصالحهم المتجددة المتغيرة. ... وهذا الذي قررناه هو من جنس المعلوم بالضرورة من دين المسلمين، وباتفاق جميع المسلمين. ... وكذلك أصل الاجتهاد في الشرع ـ إذا توفرت شرائطه ـ مشروع باتفاق الأمة وبإجماع الأئمة ـ رحمهم الله تعالى ـ ... وأيضا فقد أجمع العلماء على وقوع الاجتهاد في صدر هذه الأمة وتسويغه لأهله في ذلك الحين. ... لكن تكلمت طائفة من متأخري أهل العلم بالأصول والفقه في ذلك فحكمت بسدّ باب الاجتهاد بعد استقرار المذاهب الأربعة وتدوينها، وقيده بعضهم بالقرن الثامن للهجرة بعد انقراض مذهب الظاهرية. ... وبالغ بعض هؤلاء فادعى الإجماع على تحريم الاجتهاد في هذه الأعصار المتأخرة، وعلى حرمة الخروج على المذاهب الأربعة المتبعة إلى زمن خروج المهدي ـ رضي الله عنه ـ. ... وعقد لهذا المعنى في مراقي السعود فقال: ... "والمجمع اليوم عليه الأربعة ... وقفو غيرها الجميع منعه ... حتى يجيئ الفاطمي المجدد ... ... ... دين الهدى لأنه مجتهد ... والصحيح المعتمد أن الاجتهاد إن صدر من مؤهل بأن توفرت شرائطه المعتبرة شرعاً، أن ذلك مشروع لا غبار عليه بل إن التحقيق أن من قال بسَدِّ باب الاجتهاد مطلقاً أنه ما قال ذلك إلا سدّاً للذريعة لما رأى جرأة الجهال على دين الله. فالذين منعوا الاجتهاد. اجتهدوا في منعه عند التحقيق. وأما دعوى الإجماع فهي منقوضة، وقد تضافرت دلائل الكتاب والسنة على استمرار الاجتهاد في هذه الامة وبقائه فيها، ... فمن الكتاب مثلا، ما قدمناه أولا، ومن السنة ما استفاض عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إلى قيام الساعة" وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما من وجوه عديدة، وقد احتج به الإمام أحمد رحمه الله على بقاء الاجتهاد في هذه الأمة. إلا أننا نود الإشارة إلى جملة أمور: الأول: أن الاجتهاد وإن كان مشروعا في نفسه إلا أن له شرائطه المعتبرة التي لا يسوغ تجاوزها وتعديها. ... الثاني: أننا وإن قلنا بمشروعية الاجتهاد بشروطه، فإن ذلك لا يعني عدم الالتفات لأقاويل أهل العلم واعتبارها، بل يجب أن تعطى حقها، وتنال القدر اللائق بها. ... الثالث: أنه لا يجوز إحداث قول جديد في مسألة اختلف فيها أهل العلم قديما واقتصروا فيها على أقوال معينة، بل يتخير من أقاويلهم ويعتمد الأصح منها. وهذا القول الصحيح في هذه المسألة. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1424(23/131)
المقصود بفقه النوازل
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو فقه النوازل، مع ذكر إحدى مسائله بالتفصيل؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن فقه النوازل هو: علم يهتم ببيان أحكام الوقائع والمسائل الحادثة والمستجدة التي تحتاج إلى حكم شرعي، ومن مسائله التلقيح الصناعي، وقد تكلمنا عليه في فتاوى سابقة فراجع منها الفتوى رقم: 36557.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1430(24/1)
كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق من الكتب الجيدة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد كتاب معاصر لتعليم الفقه ويكون موسعا جدا، يعني يتعرض لتفصيل المسألة وذكر أدلة كل مذهب فيها ثم الراجح من الأقوال، ومثال ذلك الأسلوب الرائع الذي تتبعونه في إجاباتكم على الفتاوى.
وأرجو أن يكون الكتاب على النت لاني أعيش في بلد يمنع فيه بيع الكتب الإسلامية ويستحيل أن أجده في المكتبات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول ابتداء -حياك الله وبياك- ومعنى بياك أضحكك، وقيل عجل لك ما تحب، وقيل أصله بوأك مهموزا فخفف وقلب أي أسكنك منزلا في الجنة، وهيأك له.
وأما ما سألت عنه من وجود كتاب فقهي معاصر فإن كتب الفقه المعاصرة كثيرة، ولكن يندر أن تجد بينها كتابا شاملا لأبواب الفقه وموسعا جدا، يذكر كل مسألة فقهية بالتفصيل مع ذكر كل مذهب وأدلته، والترجيح بين الأقوال، ثم إن مثل هذا الكتاب لو وجد فإنه لا ينصح طالب العلم المبتدئ بأن يبدأ به مسيرته في الطلب، والكتاب الذي ننصح به أخانا السائل هو كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق رحمه الله.
وانظر الفتوى رقم: 16986، والفتوى رقم: 4378.
ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يولي عليهم خيارهم وينزع عنهم شرارهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1429(24/2)
من كتب الفقه المقارن
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم إرشادي أي الكتاب أفضل لدراسة الفقه المقارن (كتاب الفقه الإسلامي وأدلته) لكن هذا بدون أدلة على اعتقادي أم (كتاب توضيح الأحكام من بلوغ المرام للبسام) وجزاكم الله خير الجزاء وأسكنكم فسيح جناته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكل من الكتابين له مزية في جانب، فكتاب الفقه الإسلامي وأدلته توسعه وكثرة الفروع التي تطرق لها أفضل من هذه الناحية، وكتاب توضيح الأحكام مزيته أنه كتاب حديث في الأصل فالأحكام الموجودة فيه مقرونة بأدلتها إضافة إلى كونه مختصرا يصلح للمبتدئين من طلاب العلم، وهنالك كتب أخرى تعد من كتب الفقه المقارن كل له مزيته نذكر منها على سبيل المثال: كتاب المغني لابن قدامة، وكتاب المجموع للنووي، وكتاب بدائع الصنائع للكاساني، وكتاب الاستذكار والتمهيد لابن عبد البر، وكتاب السيل الجرار للشوكاني، والدراري المضيئة كذلك هو مختصر، وكتاب ضوء النهار للعلامة الجلال، وحاشية ابن الامير الصنعاني، وكتاب البيان للعمراني، وكتاب الحاوي للماوردي، وكتاب فقه السنة للسيد سابق، وكتاب بداية المجتهد لابن رشد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1429(24/3)
من مزايا التشريع الإسلامي
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الإجابة على هذه الأسئلة في أقرب وقت لأنه لدي امتحان
1-ماهي مزايا التشريع الإسلامي إجمالا مع تفصيل الكلام في واحدة منها؟
2-ما هي أقسام التشريع الإسلامي؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن موقعنا لا يجيب في العادة عن أسئلة الامتحانات؛ لكثرة ما يرد علينا من الأسئلة التي فيها نفع كبير للقراء، ولأن الإجابة عن تلك الأسئلة تفقدها الحكمة المبتغاة منها.
ثم إن هذا الذي سألت عنه هو موضوع بحث وليس مجرد سؤال، ولذا فسوف نوجز فيما نقوم به من الإجابة، فنقول: إن أهم مزية للتشريع الإسلامي هي:
1. أنه يحقق السعادة في الدارين لمن آمن به وعمل بمقتضاه.
2. أنه شامل لجميع شؤون الحياة.
3. أنه عادل في مضمونه وفي منهجه.
4. أنه رحيم بمن يعتمده.
5. أنه ميسر.
6. أنه حكيم.
7. أنه صالح للإنسان في كل زمان ومكان.
8. أنه يعنى بالدنيا والآخرة.
وثمت مزايا أخرى كثيرة، قد يطول الكلام لو أردنا استقصاءها أو التفصيل في شيء منها.
وأما أقسام التشريع الإسلامي فإنها كثيرة، فمنها العبادات، والأحوال الشخصية، والمعاملات، والفرائض، والجنايات، والحدود، وغير ذلك مما يطول ذكره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1429(24/4)
الفرق بين فقه السيرة وفقه السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف ما هو الفرق بين فقه السنة وفقه السيرة، وهل هناك أنواع أخرى من الفقه؟ وجزاكم الله خيراً عنا.. ووفقنا وإياكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسيرة النبي صلى الله عليه وسلم من سنته، وقد سمى الإمام البخاري رحمه الله تعالى كتابه الصحيح الذي هو أصح كتب السنة سماه (الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه) ، وضمنه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومغازيه، ولكن صنف بعض العلماء كتباً في السيرة وسموها (فقه السيرة) ككتاب (فقه السيرة) للغزالي وهو كتاب يسرد أحداث السيرة العطرة ثم يأخذ منها العبر والدروس حتى تكون مرجعاً في فقه الدعوة إلى الله، وكذا كتاب (فقه السيرة) لمحمد سعيد البوطي، كتاب يستعرض أهم أحداث السيرة النبوية، ليستنبط منها الأحكام الفقهية المتعلقة بالتشريع، والدروس المستفادة منها بعد كل حدث.
والخلاصة أن كتب فقه السيرة تتناول السيرة النبوية على صاحبها أتم الصلاة والسلام، وتأخذ منها العبر والدروس وقد تتطرق لبعض الأحكام الفقهية، وأما كتب فقه السنة فهي تتناول المسائل الفقهية وأحاديثها وليست مختصة بالسيرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1428(24/5)
فقه التجارة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو فقه التجارة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففقه التجارة هو تلك الأحكام الشرعية المتعلقة بالبيوع ولا يمكن عرضها في فتوى وإنما تطلب من كتب الفقه التي تعرض هذه الأحكام بالتفصيل مثل المغني لابن قدامة والمجموع للنووي وكشاف القناع للبهوتي وبدائع الصنائع للكاساني وبداية المجتهد لابن رشد ونحو ذلك من المصادر، وراجع للفائدة في ذلك الفتوى رقم: 18410.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1428(24/6)
الأخذ بالأقوال الشاذة وتتبع الرخص
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الأخذ بالأقوال الشاذة مع الأدلة، وما حكم تتبع الرخص مع الأدلة، و (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) ، ما الذي لا يعني المسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشذوذ في اللغة هو مخالفة ما عليه الجمهور، قال في لسان العرب: شذ عنه يشذ ويشُذ شذوذاً: انفرد عن الجمهور وندر، فهو شاذ ... ابن سيده: شذ الشيء يشِذ ويشُذ شذا وشذوذا: ندر عن جمهوره ...
والشذوذ عند أهل الحديث هو مخالفة الثقة من هو أرجح منه، وسواء اعتبرنا المعنى اللغوي للكلمة أو المعنى الذي اصطلح عليه أهل الحديث، فالذي يجب الأخذ به من المسائل الفقهية هو ما شهد له الكتاب أو السنة أو الإجماع أو كان جارياً على قياس أهل العلم.
وإذا وجد تعارض فالواجب أن يؤخذ به هو الراجح والأقوى دليلاً والأسلم تعليلاً، وهو الذي تجب به الفتوى، سواء وافق ذلك مذهب الجمهور أو لم يوافقه، وليس المرء بالخيار يأخذ ما يشاء ويترك ما يشاء، وقد قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ليس للمفتي والعامل في مسألة القولين أن يعمل بما شاء منهما بغير نظر، بل عليه العمل بأرجحهما. انتهى.
وتتبع الرخص كنا قد بينا الحكم فيه من قبل، ولك أن تراجع فيه الفتوى رقم: 4145.
كما يمكنك أن تراجع في سؤالك الأخير الفتوى رقم: 63644.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1428(24/7)
من أحسن المراجع التي فصلت في أحكام المجنون
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أهم المصادر التي يمكن الرجوع إليها لمعرفة أحكام المجنون في الفقه الإسلامي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أحسن المراجع التي فصلت في أحكام المجنون مجتمعة الموسوعة الفقهية المعروفة بالموسوعة الكويتية، كما أن أحكامه ذكرها الفقهاء في كتبهم متفرقة في أبواب الفقه، فيذكرون العقل شرط من شروط الصحة والتكليف في العبادات، كما يشترطون في كثير من أمور المعاملات، وينصون عليه في أبواب النكاح والحجر وغيرها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الأول 1428(24/8)
من شروح موطأ الإمام مالك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أحسن كتاب يشرح الموطأ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكتاب الموطأ للإمام مالك له عدة شروح منها: الاستذكار والتمهيد كلاهما لابن عبد البر، ومنها: المنتقى لأبي الوليد الباجي، ومنها: تنوير الحوالك للسيوطي، ومنها: شرح الزرقاني.
وأما أفضلها؟ فالذي يظهر أن لكل من هذه الشروح ميزة تجعله مقدما في جانب دون آخر، فأفضل هذه الشروح للمبتدئين شرح الزرقاني ثم تنوير الحوالك، وأفضلها للمتقدمين المنتقى والتمهيد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1427(24/9)
كتب مختصصة في أحكام النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الكتب التي تبين خاصة فقه النساء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كل كتب الفقه في المذاهب الفقهية تبين الأحكام المتعلقة بالنساء.
وهناك بعض الكتب المختصصة في أحكام النساء منها قديما كتاب: أحكام النساء للحافظ عبد الرحمن بن الجوزي المتوفى سنة 597.
ومنها حديثا: كتاب المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلامية تأليف الأستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان حفظه الله وهو موسوعة في هذا المجال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1427(24/10)
نبذة عن كتاب الروضة الندية شرح الدرر البهية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تنصحون بقراءة كتاب الروضة الندية شرح الدرر البهية، لمؤلفه محمد صديق حسن خان القنوجي البخاري، وما هو تعليقكم على الكتاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كتاب الروضة الندية شرح الدرر البهية واحد من الكتب الكثيرة التي صنفها العلامة محمد صديق حسن خان، والعلامة محمد صديق من العلماء المحققين الذين كان لهم موهبة عجيبه في التأليف حتى قيل إنه كان يكتب عشرات الصفحات في يوم واحد، ويكمل كتابا ضخما في أيام قليلة حتى بلغت مؤلفاته حوالي 222 كتابا في التفسير والحديث والعقيدة والفقه والبلاغة والمنطق وغير ذلك من العلوم، ومن الكتب التي صنفها في الفقه كتاب الروضة الندية وهو شرح لمتن الدرر البهية للعلامة المجتهد محمد بن علي الشوكاني، والذي كان محمد صديق حسن خان قد تتلمذ على يد تلميذه العلامة عبد الحق الهندي عندما رحل محمد صديق إلى مكة لطلب العلم فيها، والكتاب نافع في بابه لمن أراد أن يتعلم الفقه الذي رام أصحابه كمحمد صديق وقبله الشوكاني وغيرهما كثير أن يستنبطوا الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية دون التزام مذهب معين من المذاهب المعروفة المشهورة، وهؤلاء بين مصيب له أجران، ومخطئ له أجر واحد.
وأما مسألة هل ننصح بقراءة هذا الكتاب أو غيره ممن على نفس المنهج المتقدم؟ فننصح به للمتقدمين في الفقه، أما المبتدئ فأولى له أن يقرأ كتابا مختصرا من كتب المذاهب الأربعة المشهورة فيضبطه ويفهمه، ثم ينتقل إلى أكبر منه في نفس المذهب وهكذا حتى تتحصل عنده ملكة النظر والاستدلال, فيطالع في كتب الفقه المقارن.. ذلك أن المنهج الذي سار عليه صاحب الروضة الندية يُحدِث عند المبتدئ تزاحما في الأدلة والعلوم قد لا يتسع فهمه لها في هذه المرحلة. وقديما قيل من أخذ العلم جملة ذهب جملة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1427(24/11)
نشأة فقه الأقليات وعلاقته بسائر فروع الفقه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد فقه خاص بالأقليات؟ مثلا أقلية مسلمة تعيش في أكثرية غير مسلمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففقه الأقليات مصطلح حديث لم يكن معروفاً في القديم، وقد نشأ في القرن الماضي وتأكد في مطلع القرن الخامس عشر الهجري مع قيام الهيئات الإسلامية المهتمة بأوضاع الجاليات المسلمة والمجتمعات المسلمة في بلاد الغرب.
وإضافة الفقه للأقليات لا تعنى إنشاء فقه خارج الفقه الإسلامي وأدلته المعروفة، وإنما تعنى أن هذه الفئة لها أحكام خاصة بها نظراً لظروف الضرورات والحاجيات كما تقول فقه السفر أو فقه النساء ونحو ذلك.
وفقه الأقليات كسائر فروع الفقه يرجع إلى مصدري الشريعة: الكتاب والسنة، إلا أنه عند التفصيل يرجع أولا إلى كليات الشريعة القاضية برفع الحرج، وتنزيل أحكام الحاجات على أحكام الضرورات، واعتبار عموم البلوى في العبادات والمعاملات، وتنزيل حكم تغير المكان على حكم تغير الزمان، ودرء المفاسد وارتكاب أخف الضررين وأضعف الشرين، مما يسميه البعض فقه الموازنات والمصالح المعتبرة والمرسلة دون الملغاة. (فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد.) كما يقول ابن القيم في إعلام الموقعين. وهي كليات شهدت الشريعة باعتبار جنسها فيما لا يحصر ولا يحصى من النصوص.
ويمكنك أن تراجع لمزيد الفائدة كتبا صدرت بهذا العنوان: فقه الأقليات المسلمة، لعلماء معاصرين، مثل الشيخ د. سلمان بن فهد العودة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1427(24/12)
مراجع في الاجتهاد والقضاء في المذهب المالكي
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكننا أن نعرف الاجتهاد والقضاء في المذهب المالكي؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاجتهاد والقضاء كلاهما موضوع واسع، لا يتصور التعريف به في فتوى كهذه، ويمكن للسائل الكريم أن يراجع كتاب: مراقي السعود للعالم الشنقيطي سيد عبد الله ولد الحاج إبراهيم، الذي ألفه في ألف بيت، ولخص فيه الاجتهاد في المذهب المالكي. كما يمكنه مراجعة مختصر الشيخ خليل وشروحه عند باب القضاء، ليعرف القضاء في المذهب المالكي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1426(24/13)
مصدر التشريع في الأحكام
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي: هل كانت توجد مساحة للتشريع ممنوحة من قبل الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وآله وصحبه الكرام؟
وإذا وجدت هذه المساحة ففي أي مجال كانت وأي مجال لم تكن؟
والدليل على وجودها وعدمها من القرآن؟
وهل سبق الكلام في ذلك من قبل الصحابة أو السلف الصالح؟
وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح.
الواسطي موسكو.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى يقول في النبي صلى الله عليه وسلم: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {النجم: 3-4} فمصدر التشريع في الأحكام من الله تعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم يأخذ من الأحكام الربانية بواسطة الوحي، سواء كان بواسطة نزول الملك أو الإلهام الرباني أو الرؤيا.
وأحيانا يجتهد في حكم ما فيفتي فيه حسبما يظهر له انطلاقا مما علمه من الوحي سابقا أو من البراءة الأصلية، فإن أقره الله على ذلك كان تقريرا ربانيا، وإن لم يقره عليه وجب عليه وعلى غيره الرجوع للحكم الرباني وراجع الفتوى رقم: 3217 والفتوى رقم: 24142 والفتوى رقم: 4588.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1426(24/14)
طرائق التصنيف في العصور المختلفة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
كتب الفقه القديمة يذكر فيها الحكم من غير دليل وبخاصة كتب المالكية، فهل هذه الكتب عارية عن الدليل أم أن المؤلف عرف الدليل ولم يذكره اختصاراً وتسهيلاً، أفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أكثر القدامى من سلف الأمة كانوا ينتهجون في مؤلفاتهم ذكر المسائل ثم يذكرون أدلتها وهذا هو الذي عمله مالك في الموطأ، وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما، والبخاري وأبو داود والترمذي، ثم جاءت عصور بعد ذلك جمع فيها المؤلفون المسائل الفقهية فذكر بعضهم الدليل كما عمل ابن عبد البر في الاستذكار، وابن رشد في البداية، وابن قدامة في المغني، والنووي في المجموع.
وقد يقتصر بعضهم على ذكر المسائل دون أدلتها كما عمل ابن جزى في القوانين، وخليل في المختصر، وابن عبد البر في الكافي، والنووي في الروضة، وابن قدامة في الكافي، فقد تركوا الأدلة في هذه المختصرات اختصاراً منهم للكتب، ويدل لذلك ما ترى من اهتمامهم بالأدلة في الكتب الموسعة، كالتوضيح لخليل، والمجموع للنووي، والمغني لابن قدامة، والاستذكار لابن عبد البر، والتسهيل لابن جزى في التفسير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1426(24/15)
شروح عمدة الفقه لابن قدامة المقدسي
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ ماهو أيسر شرح لكتاب عمدة الفقة للمقدسي لأني لا أقرأ على شيخ لعدم توفر العلماء في بلادنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكتاب عمدة الفقه لابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى ليس له فيما نعلم شروح كثيرة حتى يتخير منها الطالب أيسرها، والذي نعلمه أن له شرحين مطبوعين.
الأول: كتاب العدة في شرح العمدة للعلامة بهاء الدين المقدسي رحمه الله.
الثاني: شرح لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ولم يُكْمِلْهُ.
وكأن الأول مناسب -والله أعلم- للمبتدئين، ومن المناسب أن نحيلك أخي السائل إلى بعض الفتاوى المهمة لطالب العلم وهي برقم: 2410، 4131، 20215، 20885، 22774، وكل هذه فتاوى ننصح السائل بالاطلاع عليها لأهميتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1425(24/16)
مظان وجود الفقه الافتراضي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المصادر والمراجع التي تتحدث عن الفقه الأفتراضي؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأكثر ما يوجد الفقه الافتراضي في كتب المذهب الحنفي، مثل البحر الرائق والمبسوط وفتح القدير ونحو ذلك، وراجع الفتوى رقم: 36424.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1425(24/17)
ماهية الفقه الافتراضي
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال: ما المقصود بالفقه الافتراضي..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المقصود بالفقه الافتراضي، البحث في مسائل لم تقع فعلاً، فيقدر وقوعها، وقد اشتهرت بهذا النوع من الفقه مدرسة العراق، لذا فإنه يكثر في الفقه الحنفي، وقد كان الفقهاء أمام هذا الفقه على قسمين:
القسم الأول: من كره الاشتغال به والبحث فيه.
والقسم الثاني: من ذهب إلى جواز ذلك، وقالوا: إنما نُعِدُّ لكل حادثة حكمها، حتى إذا وقعت لم نتحير في أمرها.
ولكل من الرأيين ما استند عليه، وليس المقام مقام المقارنة بين الرأيين. لكن نقول: إن الإسراف في ذلك بافتراض مسائل مستحيلة الوقوع أمر لا يجدي، بل هو نوع من العبث وإضاعة الوقت. وأما البحث في مسائل ممكنة الوقوع فنرجو أن لا بأس بذلك، ما لم يشغل عمَّا هو أهم منه، فقد وجد في كتب الأقدمين الحديث عن مسائل مفترضة، وقد وقعت في زماننا، فاستفاد المعاصرون من فقههم فيها، كتحويل الجنس، والتلقيح الصناعي، ونقل الأعضاء، إلى غير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1424(24/18)
ما ألف في المسائل التي رجع الشافعي عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك مؤلف يفرد المسائل التي رجع عنها الشافعي حين انتقل إلى مصر؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبالنسبة لسؤالك: هل هناك مؤلف يفرد المسائل التي رجع عنها الشافعي لما استقر بمصر؟
فالجواب: أن كتاب الأم المشهور للشافعي -رحمه الله- هو آخر ما توصل إليه رأيه في آخر حياته وفيه تجد المسائل التي رجع عنها إلا نحواً من ثلاثه وثلاثين مسألة بقي فيها على القديم.
ويمكنك الرجوع إلى كتاب (المعتمد) للدكتور المسعودي فقد ذكر فيه المسائل التي رجع عنها الشافعي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(24/19)
من أحسن الكتب الفقهية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد كتاب مطبوع يعرض كافة المسائل الفقهية في جميع أبواب الفقه بأسلوب سهل ويكون مبنيا على منهج التأصيل الشرعي مع ذكر الدليل الصحيح والترجيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من أحسن ما ألف في هذا المجال هو كتاب المغني لـ ابن قدامة، والمجموع لـ لنووي، وبداية المجتهد لـ ابن رشد. فقد تعرض أصحابها لجميع المسائل الفقهية أو أكثرها مع ذكر أدلتها والترجيح لما تعارض منها وسبب الاختلاف فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1423(24/20)
أهم الكتب الفقهية الرئيسية في المذاهب الأربعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أهم الكتب الفقهية الرئيسية في كل من المذاهب الأربعة، والتي لا يستغني عنها كل مجتهد في مذهب من هذه المذاهب، مع إضافة أسماء الكتب الفقهية التي وضعها إمام المذهب كذلك. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمصنفات الفقهية كثيرة.. منها ما خص بذكر فروع مذهب من المذاهب إما مع ذكر الدليل وإما بدون ذكره، ومنها ما جمع أقوال العلماء في المسألة الواحدة مع ذكر أدلة كل قول.
ونحن نذكر بعض ما اشتهر من كتب الفروع على المذاهب الأربعة.
أولاً: مذهب الحنفية:
ومن أشهر كتبهم التي يرجع إليها في نقل مذهبهم كتاب: رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين رحمه الله، وكتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع لأبي بكر مسعود بن أحمد الكاسائي، وكتاب فتح القدير لكمال الدين بن عبد الواحد بن الهمام.
ثانياً: مذهب المالكية:
ومن أهم كتب المذهب المدونة لسحنون، وفيه روى أقوال الإمام مالك رحمه الله بواسطة عبد الرحمن بن القاسم.
وأهم كتب المالكية التي يرجع إليها لنقل مذهبهم: مختصر خليل.. وعليه شروح عديدة منها: الشرح الكبير لأبي البركات الدردير وعليه حاشية لابن عرفة الدسوقي. ومن شروحه: التاج والإكليل لمحمد بن يوسف العبدري المواق.
ومنها: حاشية مواهب الجليل في شرح مختصر خليل للحطاب.
ثالثاً: مذهب الشافعي:
ومن كتبهم الأم للإمام الشافعي رحمه الله.
وأهم الكتب التي يرجع إليها لنقل مذهب الشافعية الشروح التي كتبها المتأخرون منهم، كمنهاج الطالبين للإمام النووي رحمه الله. وأهم هذه الشروح شرحان:
الأول: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للعلامة محمد بن شهاب الدين الرملي.
الثاني: تحفة المحتاج في شرح المنهاج للعلامة أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي.
رابعا: مذهب الحنابلة:
ومن أهم كتبهم الإنصاف للمرداوي رحمه الله، فقد اعتنى بذكر الروايات عن الإمام والترجيح.
ومن كتبهم المشهورة المعتمدة الفروع لابن مفلح رحمه الله، ومن كتب المتأخرين: كشاف القناع عن متن الإقناع لمنصور بن يونس البهوتي.
والمقام لا يتسع لسرد كتب كل مذهب وما يقدم منها وما يؤخر، ولكن قد كتبت في ذلك مؤلفات خاصة تعنى بذكر مصطلحات المذهب وكتبه مثل: المدخل للشيخ بكر أبو زيد وهو خاص بمذهب الحنابلة. ومثل: الفوائد المكية فيما يحتاجه الطلبة الشافعية للسقاف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رجب 1423(24/21)
مصادر الفقه الإسلامي
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي مصادر الفقه الإسلامي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمصادر الفقه الإسلامي هي: الكتاب والسنة والإجماع والقياس وغيرها من الأدلة الإجمالية المبينة في كتب أصول الفقه، وكل مصادر التشريع مرجعها إلى مصدر واحد، وهو الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ولمعرفة تقاسيم الفقه الإسلامي والمراحل والأطوار التي مر بها يمكنك الرجوع إلى الكتب التي تناولت ذلك مثل: المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية للدكتور عبد الكريم زيدان.
وتاريخ التشريع الإسلامي لمناع خليل القطان وغيرها من الكتب المعاصرة التي تناولت هذا الموضوع، وراجع الفتوى رقم:
2397.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1423(24/22)
كتب مبسطة في الفقه الإسلامي
[السُّؤَالُ]
ـ[أسهل كتب الفقه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا أردت المعرفة العامة للأحكام الفقهية، فمن أفضل الكتب السهلة في ذلك- والله أعلم- كتاب (فقه السنة) للشيخ الفاضل السيد سابق -رحمه الله- فهو كتاب يذكر الحكم الفقهي مشفوعاً بالدليل مع ذكر الخلاف أحياناً؛ إن كان في ذكره فائدة، أما إذا أردت دراسة مذهب معين، فلكل مذهب طريقته في تدريس الفقه، حيث إنهم يبدأون بالمختصرات ثم يرتقون إلى المتوسطات ثم يرتقون إلى المطولات، فمثلاً في المذهب الحنبلي يبدأ الدارس بقراءة ودراسة كتاب العمدة لابن قدامة المقدسي ثم المقنع له أيضاً ويتبعه بالكافي ثم المغني لنفس المؤلف، وإن أردت المزيد من البيان، فاكتب لنا ما تريد الاستفسار عنه في سؤال آخر، وراجع الفتاوى التالية أرقامها:
2410 4378 4131 7763.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1423(24/23)
حكم مخالفة العامي مذهب بلده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أستطيع مخالفة مذهب بلدنا أو أنني آخذ قليلا من مذهب وقليلا من مذهب آخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجب على المسلم أن يلتزم بمذهب أهل بلده، ولا يجب عليه أن يلتزم بمذهب معين كما بيناه في الفتوى رقم: 5812، وإن كان يقلد مذهبا معينا ثم ظهر له في مسألة ما أن الحق في غيره من المذاهب الفقهية، فالواجب عليه إتباعه وترك ما خالفه، وكذا إن كان مقلدا لمذهب معين وسأل من يثق بدينه وعلمه فأفتاه بخلاف مذهبه فإنه لا حرج عليه في الأخذ بما أفتاه به، ولو كان على خلاف المذهب، وإنما الممنوع هو أن ينتقل المسلم من مذهب لآخر لمجرد التشهي وتتبع الرخص، وليس لظهور الحق أو سؤال أهل العلم.
قال النووي في روضة الطالبين: وليس له التمذهب بمجرد التشهي، ولا بما وجد عليه أباه. هذا كلام الأصحاب. والذي يقتضيه الدليل أنه ـ أي العامي ـ لا يلزمه التمذهب بمذهب، بل يستفتي من يشاء، أو من اتفق، لكن من غير تلقط للرخص اهـ. وانظري الفتاوى رقم: 60059، 128126، 107317.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1430(24/24)
العلاقة بين المذاهب الفقهية الأربعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أتقدم لكم بسؤالي هذا بعد أن تعذر علي إيجاد الجواب في بحثي عبر مختلف المواقع الإلكترونية وفي مختلف المراجع.
السؤال الأول: هل توجد علاقة بين المذاهب الأربعة؟
السؤال الثاني: في أيّ حالة يجوز استفادة مذهب من آخر؟
في انتظار إجابتكم، أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هناك علاقة كبيرة بين المذاهب الأربعة لاجتماعها في كثير من الأصول التي ترجع إليها فهم يحتجون بالكتاب والسنة والإجماع والقياس وغير ذلك مما مذكور في كتب الأصول.
وكانت هناك علاقات شخصية بين الأئمة فالإمام الشافعي قرأ على الإمام مالك وكان يجله ويقول: إذا ذكر العلماء فمالك النجم.
والإمام أحمد قرأ على الإمام الشافعي وقرأ كذلك محمد بن الحسن الشيباني على الإمام مالك، وأخذ عنه الموطأ وقد التقى به أيضا أبو يوسف رحم الله الجميع.
ويجوز لأي مسلم قلد مذهبا من المذاهب الأربعة أن يأخذ بقول غير إمامه في المسائل الاجتهادية من دون اتباع للرخص.
وقد ذكر القرافي في الذخيرة أن الصحابة أجمعوا على أن من استفتى أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أو قلدهما فله أن يستفتي أبا هريرة ومعاذ بن جبل ويعمل بقولهما من غير نكير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1430(24/25)
رفض تقليد المذاهب الأربعة بحجة التشجيع على الاجتهاد
[السُّؤَالُ]
ـ[يرفض بعض الناس تقليد مذاهب الأربعة المقلدة من الأول. وهم يشجعون الاجتهاد في جميع الأمور كما اجتهد الأئمة.أرجو من سعادتكم جوابا كافيا?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب على المسلم هو طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والعلماء العاملين بالكتاب والسنة، فإذا نزلت به نازلة فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله من أي مذهب كان، ولا يجب عليه التزام مذهب معين، كما سبق تفصيله في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 5812، 65669، 94485، 71362.
والناس من حيث الجملة على قسمين: قسم له القدرة على معرفة الدليل واستخراجه، فهذا عليه أن يتبع الدليل ولا يتقيد بما يخالفه. وقسم ليست له أهلية لمعرفة الأدلة الشرعية، فهذا لا حرج عليه في اتباع مذهب معين، كما يجوز له أن لا يقلد مذهباً معينا، وما أشكل عليه سأل عنه من يثق في علمه وورعه، كما سبق بيانه في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 32653، 54510، 17519.
وقد سبق لنا بيان حكم تقليد المذاهب الأربعة على وجه الخصوص في الفتوى رقم: 31408.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1430(24/26)
مخالفة المذهب الفقهي لأهل البلد.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن اسأل عن الاختلاف الوارد لدى الأئمة الأربعة. فهل يجوز لنا أن نأخذ الحكم مرة عن إمام ومرة عن إمام آخر أم نتبع إماما واحداً فقط، فنحن مثلا في تونس يقولون إننا مالكيون فكيف حصل هذا الانتساب؟ وهل لنا أن نتبع في بعض الأمور إماما آخر أم هذا يعد اختلافا عن الجماعة وإثارة الفوضى في البلاد للوقوع في الفتن؟ وجزاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المسلم هو طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والعلماء العاملين بالكتاب والسنة، فإذا نزلت به نازلة فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله من أي مذهب كان، ولا يجب عليه التزام مذهب معين، كما سبق تفصيله في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 5812، 65669، 94485، 71362.
والناس من حيث الجملة على قسمين: قسم له القدرة على معرفة الدليل واستخراجه فهذا عليه أن يتبع الدليل ولا يتقيد بما يخالفه، وقسم ليست له أهلية لمعرفة الأدلة الشرعية، فهذا لا حرج عليه في اتباع مذهب معين، كما يجوز له أن لا يقلد مذهباً معيناً وما أشكل عليه سأل عنه من يثق في علمه وورعه، كما سبق بيان ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 32653، 54510، 17519.
وأما التلفيق بين المذاهب لمن يجوز له التقليد فإن منه الجائز والممنوع، وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتويين: 37716، 107754. وما أحيل عليه فيهما. وراجع لتمام الفائدة في ذلك الفتوى رقم: 4145.
وأما نسبة أهل تونس وغيرها من بلاد المغرب للمذهب المالكي فقديمة جداً، فقد وصل إليهم في القرن الثاني الهجري، وكان من أجل من نشره الإمام يحيى بن يحيى الليثي الذي سماه الإمام مالك عاقل الأندلس، وكان الأمير عرض القضاء عليه فامتنع، وكان الأمير لا يولي أحداً القضاء بمدائن الأندلس إلا من يشير به يحيى بن يحيى فكثر لذلك تلامذة يحيى بن يحيى وأقبلوا على فقه مالك، وقد شارك في نشره بالمغرب أئمة آخرون من الذين وصلوا إلى المشرق وأخذوا عن أصحاب مالك كبقي بن مخلد، وأسد بن الفرات، وسحنون، وأصبغ، كما سبق ذكر ذلك في الفتوى رقم: 96700.
ومن يقيم في هذه البلاد ويتبع غير المذهب المالكي لا يعد بذلك خارجاً على الجماعة، فإن الجماعة الواجب الاعتصام بها هي جماعة أهل السنة، والمراد أن يلتزم المسلم أصول أهل السنة والجماعة في العقيدة وأصول الدين، وأما الفقه والفروع فيسوغ للمسلم الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد أن يقلد أحد مذاهب أهل السنة والجماعة المتبوعة، وإن كان الأولى أن ينشغل المرء أولاً بدراسة المذهب الذي يعمل به في قطره ويقضى به في محاكمه الشرعية حتى لا يشذ عن قومه، ولكن عليه أن لا يتعصب للمذهب الذي يقلده، ويظن أن غيره من المذاهب باطل، وراجعي في ذلك للأهمية الفتويين: 56633، 62387. وللمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتويين: 32075، 45283.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1430(24/27)
أمهات كتب الفقه في المذاهب الفقهية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أمهات كتب الفقه في كل مذهب (الموسعة) أرجو التفصيل؟ فقد قرأت كل الفتاوى السابقة ولم أجد بغيتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأمهات كتب الفقه المذهبي كثيرة، فمنها في المذهب الحنفي: بدائع الصناع في ترتيب الشرائع للكاساني، رد المحتار على الدر المختار حاشية ابن عابدين، فتح القدير للكمال ابن الهمام.
وفي المذهب المالكي: مواهب الجليل في شرح مختصر خليل للحطاب، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير.
وفي المذهب الشافعي: المجموع للنووي، الأم للإمام الشافعي، تحفة المحتاج في شرح المنهاج للهيتمي.
وفي المذهب الحنبلي: المغني لموفق الدين ابن قدامة، الإنصاف لعلاء الدين المرداوي.
وفي فقه الظاهرية كتاب المحلى لابن حزم.
وما ذكرناه إنما هو على سبيل التمثيل لا الحصر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1430(24/28)
مذهب مالك ليس بالضرورة أن يكون كل ما فيه قويا
[السُّؤَالُ]
ـ[فى الفتوى رقم الفتوى: 97095 عنوان الفتوى: قدر الدرهم من حيث المساحة المعفو عنها في النجاسة، فى آخر سطر قرأت: (ونقل المخالف عن مذهبنا في ذلك قولاً منكراً عندنا) ، الإمام مالك مذهبه أن السلس إذا زاد أو قارب نصف الوقت لا ينقض الوضوء ويعفى عن الاستنجاء وتطهير الملابس. كيف يقال عن رأى مالك المخالف منكراً؟ لماذا يذم كلام الإمام مالك؟ لماذا لم يكتفى بذكر مخالف؟ كما تعلم مذهب مالك قوي ودول بأكملها هو المذهب المعتمد عندهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر السائل الكريم على مطالعة فتاوانا ونؤكد له أننا على استعداد لسماع ملاحظاته وأخذها بعين الاعتبار. وبخصوص ما ذكره في السؤال فلعله لم يستوعب ما نقلناه عن الحطاب في الفتوى المشار إليها من قول الأبي في الإكمال.. ونقل المخالف عن مذهبنا في ذلك قولاً منكراً عندنا.
وقصده -والله أعلم- أن المخالف لمذهب مالك نقل عنه قولاً آخر في المذهب غير ما ذكره هو من الأقوال، وهذا القول الذي ذكره المخالف قول منكر -حسب ما نقل الحطاب عن صاحب الإكمال- وقصده بالمنكر أنه لا يعرف في المذهب ... وليس المقصود بالقول المنكر هنا ذم كلام الإمام مالك أو مذهبه، وإنما مقصود صاحب الإكمال هو الدفاع عن مذهب مالك وأن ما ذكره المخالف من وجود هذا القول في مذهبه لا اعتبار له لأنه قول منكر أو شاذ أو ضعيف.
كما ننبه السائل الكريم إلى أن مذهب الإمام مالك على قوته وجلالة إمامه وإحكام أصوله وقواعده ... فهو كغيره من المذاهب الفقهية فيه الصحيح والضعيف.. ووجود قول ضعيف في المذهب ليس فيه ذم له كما يتضح ذلك من كلام صاحب الإكمال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1430(24/29)
كتب مفيدة في الفقه المقارن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أفضل وأصح كتب الفقه المقارن من بين هذه الكتب؟ الكتاب الأول اسمه: الفقه على المذاهب الأربعة للإمام الجزيري. الكتاب الثاني اسمه: مختصر اختلاف العلماء للإمام الطحاوي. والكتاب الأخير اسمه: الفقه على المذاهب الخمسة للإمام مغنية. هل في هذه الكتب استفادة؟ وإن لم يكن فدلني على الكتاب المفيد للفقه المقارن؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكر الله لك حرصك على طلب العلم، ونحنُ نجيب على سؤالك أولاً، ثم ننصحك بما فيه الخير لك إن شاء الله.
فأما الكتب المذكورة فمنها ما لا يُعول عليه، ولا يُلتفت إليه ككتاب الفقه على المذاهب الخمسة، فإن مؤلفه مشهورٌ بالبدعة، وليس كتابه من الكتب المعتبرة عند أهل السنة، فلا ينبغي لك اقتناؤه ولا النظر فيه.
وأما كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري رحمه الله، فهو كتابٌ جيد، وفيه محاولةٌ لتقريب أقوال الأئمة، وعرض مذاهبهم، ولكن وقعت لمؤلفه أوهام ليست بالقليلة، وخطأ كثيرٌ في عزو الأقوال ونسبتها إلى المذاهب، مما لا ينبغي معه الاكتفاء بالاعتماد عليه في نسبة المذاهب إلى أصحابها، وأيضاً فإن المؤلف لم يولِ الأدلة الشرعية العناية اللائقة بها، فلم يذكر في الغالب أدلة المذاهب، ولا مآخذ أصحابها، مما يُقلل شيئاً ما من شأن الكتاب، وإن كنا لا نُنكر جهد مؤلفه في جمعه وترتيبه.
وأما كتاب مختصر اختلاف العلماء لأبي جعفر الطحاوي رحمه الله، فمؤلفه إمامٌ كبير من أرفع أئمة الحنفية قدراً، وسائر تصانيفه فيها نفع، ومنها كتابه هذا، فإنه جيدٌ جدا، ومفيدٌ لطالب العلم، وبخاصة إذا كان متقدماً في الطلب، وفيه شيءٌ من ذكر الأدلة، وإيراد الحجج والانتصار في الغالب لقول أبي حنيفة.
ولكن ثمّ كتبٌ في الفقه المقارن، قد تكون أنفع لطالب العلم من كتاب الطحاوي رحمه الله من جهة عنايتها بذكر الأدلة، وجودة ترتيبها وتبويبها، واستيعابها للأقوال، وإكثارها من ذكر الفروع التي يُحتاج إليها، ومن هذه الكتب:
1- كتاب المغني لابن قدامة المقدسي، المتوفى سنة عشرين وستمائة، وهو سفرٌ نفيس أبدع فيه مؤلفه في سرد المذاهب وإيراد الحجج، وقد قال عز الدين ابن عبد السلام رحمه الله أحد أئمة الشافعية: ما طابت نفسي بالفتوى حتى اقتنيت المغني والمحلى. انتهى.
2- كتاب المجموع شرح المهذب لأبي زكريا النووي، المتوفى سنة ست وسبعين وستمائة، والجزء الذي كتبه النووي منه من أحسن وأنفع ما كُتب في الفقه، قال ابن كثير رحمه الله: ومما لم يتممه ولو كمل لم يكن له نظير في بابه: شرح المهذب الذي سماه المجموع، وصل فيه إلى كتاب الربا، فأبدع فيه وأجاد وأفاد، وأحسن الانتقاد، وحرر الفقه فيه في المذهب وغيره، وحرر الحديث على ما ينبغي، والغريب واللغة وأشياء مهمة لا توجد إلا فيه، وقد جعله نخبة على ما عن له ولا أعرف في كتب الفقه أحسن منه. انتهى.
3- كتاب المحلى بالآثار لأبي محمد ابن حزم الظاهري المتوفى سنة ست وخمسين وأربعمائة، وهو كتاب نفيس نافع، وتقدمت فيه مقولة ابن عبد السلام، وفيه ذكر الأدلة ومذاهب الصحابة والتابعين، ولكن ينبغي لقارئه أن يحذر شدته على أهل العلم.
4- ومن كتب الفقه المقارن النافعة، التمهيد لابن عبد البر، قال الذهبي في السير: وعندي لولا ابن عبد البر لما ذهب ابن حزم وما جاء في إسناد مذاهب التابعين ومن بعدهم. فابن عبد البر هو صاحب الفضل وهو صاحب الإسناد. انتهى. وانظر الفتوى رقم: 53776.
5- والموسوعة الفقهية الكويتية قد بُذل فيها جهد كبير حتى استحقت أن تكون مرجعا لنقل الخلاف وعزو الأقوال.
ولكننا مع هذا ننصحك إن كنت من المبتدئين في طلب العلم، ألا تخوض لُجة الفقه المقارن حتى تدرس مذهباً معيناً من المذاهب المعتبرة على شيخ متقن، وتعرف أدلته، وتحرر مسائله لئلا تكون قراءتك في هذه الكتب مدعاة إلى تشوش فكرك، وانقطاعك عن الطلب والتحصيل، وعليك بقراءة كتب علماء أهل السنة المعاصرين الذين عرفوا بالرسوخ في العلم، وسهولة الأسلوب، وحسن عرض المسائل ككتب وفتاوى العلامتين ابن باز، وابن عثيمين.
وفقنا الله وإياك للعلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1430(24/30)
اختلاف العلماء هل هو رحمة وما موقف المسلم منه
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخوة القائمين على الشبكة الإسلامية بارك الله فيكم،وأعانكم على نشر الإسلام في كل أنحاء الأرض، فأنتم ورثة الأنبياء، وسيظل الخير في أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة إن شاء الله تعالى.
بداية أحب معرفة هل اختلاف العلماء رحمة وما الدليل على ذلك؟ وهل اختلاف العلماء يدخل في دائرة الشبهة التي أمرنا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم باجتنابها؟ والسؤال يقول: زنا رجل بامرأة متزوجة عدة مرات ثم أراد أن يتزوج بابنتها الشرعية من رجل آخر. فهل يجوز له ذلك؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعبارة: اختلاف العلماء رحمة. لم ترد في حديث وقد جاء لفظ: اختلاف أمتي رحمة. في حديث ضعفه أهل العلم، كما تقدم بيان ذلك في الفتوى رقم: 7158.
واختلاف العلماء رحمة قد وردت في كلام بعض أهل العلم.
قال ابن قدامة في المغني: وجعل في سلف هذه الأمة أئمة من الأعلام، مهد بهم قواعد الإسلام، وأوضح بهم مشكلات الأحكام، اتفاقهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة. انتهى.
ومما يدل على كون اختلافهم رحمة ما يترتب عليه من السهولة واليسر كالأخذ بفتوى عالم معين في مسألة معينة مراعاة لمصلحة شرعية، وتتحقق بذلك التوسعة على الأمة، كما هو واقع الآن من الأخذ بفتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد، حيث إن المفتى به والمعمول به في كثير من بلاد المسلمين من كون ذلك طلقة واحدة خلافا للجمهور ومنهم الأئمة الأربعة.
وقال ابن العربي في أحكام القرآن: والذي يسقط لعدم بيان الله سبحانه فيه وسكوته عنه هو باب التكليف، فإنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم تختلف العلماء فيه، فيحرم عالم ويحل آخر، ويوجب مجتهد، ويسقط آخر، واختلاف العلماء رحمة للخلق، وفسحة في الحق، وطريق مهيع إلى الرفق. انتهى.
وراجع للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 33577
والخروج من خلاف أهل العلم مستحب وهو من الشبهات المأمور باجتنابها كما تقدم تفصيله في الفتويين رقم: 70082، 108173.
ومن زنا بامرأة فقد اختلف أهل العلم هل تحرم عليه ابنتها أم لا؟ والراجح أنها لا تحرم عليه، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 50722.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 جمادي الثانية 1430(24/31)
مجرد اتباع المذاهب الفقهية ليس فيه مخالفة للدين
[السُّؤَالُ]
ـ[حياكم الله وبارك الله بكم على جهودكم في خدمة الإسلام والمسلمين.
أعرف أن سؤالي طويل لكن الغاية هي معرفة الحق والوصول إلى القول الفصل.
قرأت كتابا بعنوان "هداية السلطان لبلاد اليابان" ووجدت فيه بعض التساؤلات وأتمنى أن أجد جوابها لديكم.
الكاتب يريد إثبات أن المذاهب هي بدعة وأن متبعي المذاهب الأربعة ضالون، ولكن للأسف الشديد كل من استشهد كاتب المقال بهم قالوا على أن التعصب المذهبي هو المذموم ولم يرد عن قول واحد منهم أنه قال إن المذاهب هي بدعة بحد ذاتها وسأعرض بعض الأقوال هنا وأريد رأيكم الجميل ((مابين أقواس هو مقتبس من كلام صاحب المقال
1- يستشهد الكاتب بمقولة الأئمة الأربعة ((وقالوا أيضا إذا قلت قولا فاعرضوه على كتاب الله وسنة رسول الله فان وافقهما فاقبلوه وما خالفهما فردوه واضربوا بقولي عرض الحائط))
السؤال
هل خالف الأئمة الأربعة كتاب الله تعالى؟؟ أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم؟؟؟ أي هل سمعوا بآية أو بحديث ثم قالوا بخلافه؟؟؟
2-أيضا يستشهد بالحديث ((أخبر به الرسول الصادق الأمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ((ستفترق أمتي ثلاثا وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ,قيل من هم يا رسول الله؟ قال الذين على ما أنا عليه وأصحابي))
السؤال
فهل متبع أحد المذاهب الأربعة هو خارج عن الفرقة الناجية؟؟؟ وهو في النار؟؟؟ مع أني قرأت فتاوى من علماء أجلاء أن متبع أحد المذاهب لا يدخل ضمن الفرق الضالة وبالتالي نستنتج من كلام كاتب المقال بأن الأئمة الأربعة على غير الطريق الصحيح فهل يجوز ذلك؟؟
3- يقول الكاتب ((وهذه المذاهب أمور مبتدعة حدثت بعد القرون الثلاثة))
السؤال
أليست القرون الأولى كانت على بصيرة بحديث النبي وأحكام الإسلام وبعدها بدأت تقل المعرفة بالحديث وجهل الناس بالأحكام فاجتمعت الأمة على اتباع الأئمة لأنهم جمعوا الأحكام وبسطوها للعامة؟؟
وهل كل الناس قادرون على استنباط الأحكام من الكتاب والسنة؟؟ أو قادرون على الاجتهاد بأمور أخرى؟؟
4- يقول الكاتب ((إن الإنسان إذا مات هل يسأل في قبره أو يوم الحساب لم لم يتمذهب بمذهب فلان؟ أو لم لم تدخل في طريقة فلان؟ والله انك لا تسال عن ذلك أصلا ,بل تسأل لم التزمت المذهب الفلاني؟! أو سلكت الطريقة الفلانية؟))
السؤال
والمعروف أن أسئلة القبر كما ورد في الحديث الصحيح من ربك؟ ما دينك؟ ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ ما عملك؟
والسؤال الذي يطرح نفسه هل باتباع أحد المذاهب أمر بعبادة غير الله؟؟؟ أو اتباع لغير دين الإسلام؟؟ أو اتباع لغير منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؟ أو العمل بغير ما شرعه الله لنا ورسوله؟؟
5- يقول الكاتب ((فيا أيها المسلم ارجع إلى دينك! وهو العمل بظاهر القرآن والسنة ,وما أجمع عليه سلف الأمة ,والأئمة الصالحون فإن فيها نجاتك وبه سعادتك.))
السؤال
متبع أحد المذاهب هو خارج من الدين أيعقل ذاك؟؟
وبكلامه قوله ((وما أجمع عليه السلف والأئمة الصالحون)) أليس أئمة المذاهب من السلف الصالح؟؟
6-يقول ((اعلم أن المذهب الحق الواجب الذهاب إليه والاتباع له إنما هو مذهب سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الإمام الأعظم الواجب الاتباع ,ثم مذهب خلفائه الراشدين رضي الله عنهم))
السؤال
من وجهة نظري هذه العبارة طامة كبرى نحن نقول مذهب الإمام الفلاني والإمام الفلاني يعني هناك اختلاف بين الإمام الفلاني والإمام الآخر فلو كانا صورة طبق الأصل لما سميا مذهبين مختلفين أليس ذلك صحيحا؟؟
إذا كيف يقال مذهب النبي صلى الله عليه وسلم ومذهب أصحابه؟؟ هل هناك فرق بين ما جاء به النبي وصحابته الطاهرين؟؟
فالنبي قال عليكم سنتي وسنة الخلفاء المهديين بعدي أو بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم وسار السلف على ذلك وجاء الأئمة الأربعة وكانوا على ذلك واختلفت الآراء ببعض الأحكام كما ذكر ولكن هذه الأحكام لم تكن خارجة عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه أليس كذلك؟؟
7- ثم بمعرض حديثه عن التابعين للمذاهب الأربعة يقول ((وهذا هو طبق ما رواه الترمذي وغيره عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقرأ ((اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ)) فقلت:يا رسول الله إنهم ما كانوا يعبدونهم ,فقال صلى الله عليه وسلم:إنهم إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه ,وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه فذلك عبادتهم!!))
والسؤال
سبحان الله يشبه الأئمة الأربعة بالأحبار والرهبان وأنهم يحللون ويحرمون على هواهم فهل ذلك جائز؟؟؟
جزاكم الله الفردوس الأعلى.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نشكرك على اهتمامك، ونفيدك أن الكتاب المذكور ألفه عالم من علماء أهل السنة، ولكن سبب تأليفه أثر على أسلوبه حسب الظاهر، فقد كان بعض اليابانيين رغبوا في الدخول في الإسلام، فطالبهم بعض المنتمين للمذاهب أن يتمذهبوا بمذهب إمامهم، وطالبهم آخرون بمذهب إمام آخر، فجاء سؤال الشيخ محمد سلطان المعصومي عن وجوب اتباع المذاهب، فألف هذه الرسالة، وبين فيها أنه لا يلزم اتباع مذهب معين، ونقل كلام أهل العلم في ذلك.
وأما تزكية الأئمة الأربعة وحرصهم على اتباع السنة فهذا لا يمكن أن ينكره أحد من أهل العلم.
وقد ذكر شيخ الإسلام في رفع الملام أنه لا يعرف عن أحد من الأئمة أنه خالف حديثا بعد أن صح عنده وفهم دلالته، ثم إنه ليس في مجرد اتباع المذاهب مخالفة للدين إن لم يخالف المتبع سنة صحيحة في ذلك بسبب التعصب المذهب، فإن المتبع يستفيد من فهم إمامه للنصوص واجتهاده فيما لا نص فيه جوازا عند اهل العلم، ولا يجوز له أن يتابعه في اجتهاد يخالف فيه النصوص الثابتة، ويتعين احترام سلف الأمة من الأئمة وغيرهم وحسن الظن بهم جميعا، والحرص على اتباع الحق عند خلافهم وسؤال الهدي لما هو الحق، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 95769، 94485، 37186، 16387، 22612، 103867.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1430(24/32)
إذا اختلفت الفتوى على العامي فبقول من يأخذ
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسان مسلم، هل يجوز لي أن أختار من المذاهب الأربعة ما يكون أيسر لي في أمور العبادة، وخاصة أني لا أتبع مذهبا معينا من الأربعة، فمثلا النحنحة في الصلاة عند أحمد لا تبطلها وكان يعمل بها، وهذا النص من فقه السنة للسيد أحمد سابق جزاه الله خيرا، ومالك لا يجيز وتبطل عنده، فأنا صليت وتنحنحت وأخذت بالكلام الموجود عند السيد سابق. فهل أعيد الصلاة أم لا؟ أم أمشي مع ما هو أيسر لي؟ وشكرا. أم هل يجوز لي أن أختار من المذاهب الأربعة ما يوافقني خاصة أني نشأت في عائلة مسلمة ولا تتبع أي مذهب محدد، ونحن من السنة. والحمد لله وجزاكم الله خيرا. وأشكركم على إجابة أسئلتي من قبل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على المسلم في الأصل أن يتبع ما دل عليه الكتاب أو السنة، سواء في ذلك العبادات وغيرها لقول الله تعالى: اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ {الأعراف:3} .
أما المقلد الذي لا قدرة له على فهم الأدلة والموازنة بينها ففرضه سؤال من يثق في علمه ودينه من العلماء، لقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {النحل:43} ، فإن اختلف عليه قول المفتين فقد تعددت أقوال العلماء فيما يصنع.
جاء في الموسوعة الفقهية: ذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْعَامِّيَّ إِذَا اخْتَلَف َ عَلَيْهِ فَتْوَى عُلَمَاءِ عَصْرِهِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ يَأْخُذُ بِأَيِّهَا شَاءَ. قَال الشَّوْكَانِيُّ: وَاسْتَدَلُّوا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى عَدَمِ إِنْكَارِ الْعَمَل بِقَوْل الْمَفْضُول مَعَ وُجُودِ الأَْفْضَل.
وَقِيل: لَيْسَ هُوَ عَلَى التَّخْيِيرِ، بَل لاَ بُدَّ مِنْ مُرَجِّحٍ. وَبِهِ قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ. ثُمَّ قَدْ قِيل: يَأْخُذُ بِالأَْغْلَظِ، وَقِيل: بِالأَْخَفِّ، وَقِيل: بِقَوْل الأَْعْلَمِ. وَقَال الْغَزَالِيُّ: يَأْخُذُ بِقَوْل أَفْضَلِهِم ْ عِنْدَهُ وَأَغْلَبِهِمْ صَوَابًا فِي قَلْبِهِ.
وَقَدْ أَيَّدَ الشَّاطِبِيُّ الْقَوْل الثَّانِيَ مِنْ أَنَّ الْمُقَلِّدَ لَيْسَ عَلَى التَّخْيِيرِ. قَال: لَيْسَ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَتَخَيَّرَ فِي الْخِلاَفِ؛ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنَ الْمُفْتِينَ مُتَّبِعٌ لِدَلِيلٍ عِنْدَهُ يَقْتَضِي ضِدَّ مَا يَقْتَضِيهِ دَلِيل صَاحِبِهِ، فَهُمَا صَاحِبَا دَلِيلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ. فَاتِّبَاعُ أَحَدِهِمَا بِالْهَوَى اتِّبَاعٌ لِلْهَوَى. فَلَيْسَ إِلاَّ التَّرْجِيحُ بِالأَْعْلَمِيَّةِ وَنَحْوِهَا. فَكَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ التَّرْجِيحُ، أَوِ التَّوَقُّفُ، فَكَذَلِكَ الْمُقَلِّدُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى تَتَبُّعِ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إِلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ انتهى.
والمفتى به عندنا أنه يعمل بنوع من الترجيح من حيث علم المفتى وورعه وتقواه.
وعلى هذا فليس لك أن تتبع الأيسر لمجرد كونه أيسر، وانظر التفصيل في الفتوى رقم: 107744.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1430(24/33)
محل جواز التخير من مذاهب العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسان مسلم. هل يجوز لي أن أختار من المذاهب الأربعة ما يكون أيسر لي في أمور العبادة؟ خاصة أني لا أتبع مذهبا معينا من الأربعة، فمثلا النحنحة في الصلاة عند أحمد لا تبطلها، وكان يعمل بها، وهذا النص من فقه السنة للسيد أحمد سابق جزاه الله خيرا، ومالك لا يجيز وتبطل عنده، فأنا صليت وتنحنحت وأخذت بالكلام الموجود عند السيد سابق. فهل أعيد الصلاة أم لا؟ أم أمشي مع ما هو أيسر لي؟ وشكرا. أم هل يجوز لي أن أختار من المذاهب الأربعة ما يوافقني خاصة أني نشأت في عائلة مسلمة ولا تتبع أي مذهب محدد، ونحن من السنه والحمد لله. وجزاكم الله خيرا، وأشكركم على إجابة أسئلتي من قبل، وتقبل الله منا ومنكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اختلاف العلماء رحمة واسعة، وإجماعهم حجة قاطعة، ولا يجب على العامي من المسلمين أن يقلد واحدا بعينه من أهل العلم، ولكن مذهبه مذهب من يفتيه من أهل العلم، وليعلم أن أئمة أهل السنة أبا حنيفة ومالكا والشافعي وأحمد كلهم على هدى من ربهم ورحمة، كما قال القائل،
ومالك وأحمد والشافعي * أبو حنيفة الإمام التابعي
على هدى من ربهم ورحمة * والاختلاف رحمة للأمة
وبخصوص التنحنح في الصلاة فإن كثيرا من أهل العلم على أنه لا حرج فيه إذا كان لحاجة أو غلبة أو ضر. وإذا كان القصد منه التفهيم فقد كرهه المالكية دون أن يكون مبطلا، ومذهب الحنابلة فيه ليس أخف من مذهب المالكية. وانظر تفاصيل أقوال أهل العلم فيه في الفتوى رقم: 78183.
ولذلك فلا حرج عليك في الأخذ بمذهب الإمام أحمد أو بمذهب غيره في هذه المسألة، أو في غيرها ما لم يكن قصدك تتبع الرخص وانتقاؤها من كل مذهب. ولمعرفة حكم تتبع الرخص وضوابط جواز التلفيق بين المذاهب وما يتعلق بهذا الموضوع نرجو أن تطلع على الفتاوى: 5592، 62771، 111533، 4145، 107754. وما أحيل عليها فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1430(24/34)
مظان وجود الأقوال الراجحة في مذهب الإمام أحمد
[السُّؤَالُ]
ـ[في أي كتاب أجد القول الراجح في مذهب الإمام أحمد؟ فإن لم يوجد فكيف أعرف أن هذا القول هو الراجح؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمذهب الإمام أحمد كغيره من المذاهب المعتبرة، فيه الروايات عن الإمام، والأوجه للأصحاب، والتخريجات على الروايات. ومعرفة الراجح من الروايتين أو الوجهين تحتاج من طالب العلم المعني بتحرير المذهب إلى كثرة المطالعة وإدمان النظر في كتب المذهب. وأحسن ما يعين على معرفة أرجح الأقوال في مذهب الإمام أحمد –رحمه الله- كتاب العلامة المرداوي المعروف بالإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف. فإنه استقصى غاية الاستقصاء وبالغ في التحرير ما أمكنه حتى صار كتابه عمدة في معرفة الصحيح والضعيف من المذهب عند الحنابلة.
فإن شق عليك مطالعة الكتاب ووجدت فيه نوع صعوبة، فيمكنك أن تطالع أحد المختصرات في المذهب، والتي اقتصر محرروها على الرواية الراجحة المنصورة عند الأصحاب. ومن أحسن هذه المختصرات زاد المستقنع في اختصار المقنع للحجاوي، وأصله المقنع للموفق ابن قدامة. وقد ألفت على الزاد حواشٍ وشروح كثيرة حلت ألفاظه وقربته للطلاب. ومن هذه المختصرات النافعة أيضا والتي اقتصر مؤلفها على ذكر القول الراجح في المذهب متن الدليل للعلامة مرعي بن يوسف الكرمي أو غيرها من المختصرات النافعة، مع العناية بكتب الموفق ابن قدامة فإنه من أكثر الأصحاب خدمة لمذهب الإمام أحمد رحمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الثاني 1430(24/35)
الحج على مذهب مالك لكونه أيسر المذاهب في الطهارة
[السُّؤَالُ]
ـ[قال لى شخص ذهب للحج: إذا أردت أن تحج فحج على مذهب الإمام مالك حيث إنه في مذهب الشافعية من لمس امرأة ولو خطأ في الحج بطل حجه. وحيث إن مذهب مالك هو أيسر المذاهب فى الطهارة فلو تذكر الشخص موضوع النساء أودلك أعضاءه أثناء الوضوء أو نظر أو ... خرج منه المذي، وفى مذهب مالك لو حدث ذلك مرة واحدة فى اليوم يقال مستنكح وبالتالي لا يجب تطهير النجاسة، ولك أن تتوضأ مرة واحدة بعد دخول الوقت تصلى الفريضة، وتطوف وهذا يسير. بينما في المذاهب الأخرى يجب الاستنجاء، وتطهير محل النجاسة فى الملابس وتكرار ذلك كلما حدث، حيث إنه لم يستمر وقت الفريضة كلها، وبالتالي يجب إزالة النجاسة والوضوء أكثر من مرة للفريضة، والطواف سيكون مشكلة يجب قطعه وإزالة النجاسة والوضوء ثم استكماله أو إعادته من الأول. وهذه النقطة محل خلاف لكن في مذهب مالك لا تطهير للنجاسة، ووضوء واحد فقط بعد دخول الوقت، تصلى الفريضة ولا يتم الطواف بوضوء واحد مهما خرج منك مذي أو أي حدث.
ما مدى صحة هذا الكلام؟
وهل ننصح من نعرفه ويريد الحج بهذا درءا للمشقة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجبُ على كل مسلم أن يحرص على اتباع السنة وتحري الدليل، وألا يجعل خلاف العلماء تكأة يعتمدُ عليها في أخذ ما يشاء وترك ما يشاء، فإن التعبد بخلاف العلماء بدعة مذمومة.
قال الحافظ ابن عبد البر: الخلاف لا يكون حجة في الشريعة. انتهى.
وقال أبو محمد ابن حزم في ذم من يسلك هذا المسلك: وطبقة أخرى، وهم قوم بلغت بهم رقة الدين وقلة التقوى إلى طلب ما وافق أهواءهم في قول كل قائل، فهم يأخذون ما كان رخصة في قول كل عالم. انتهى.
ومالك والشافعي من أئمة الهدى ومصابيح الدجى بلا شك، ولكن لا يجوزُ للمسلم أن يختار بالتشهي هذا المذهب أو ذاك لكونه أسهل وأيسر، بل يتحرى ما وافق السنة والدليل، فإن أشكل عليه أمر ولم يعرف أرجح القولين، سأل أهل العلم حتى يبصروه، لقوله تعالى: فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون {النحل:34}
وأما الكلام على ما ورد في سؤالك ففيه ملاحظات:
الأولى: القول بأن من لمس امرأة في الحج ولو خطأ بطل حجه، من أقبح الغلط على مذهب الشافعي، فلا قائل بهذا من أهل العلم أصلاً،ولعل مقصد هذا القائل أن من لمس امرأة أثناء الطواف انتقض وضوؤه، وهذا هو مذهب الشافعي، وبين القولين فرقٌ كبير، وهذه مسألة من مسائل الاجتهاد، فمذهبُ الشافعي أن لمس المرأة ينقض الوضوء مطلقا، ومالكٌ وأحمد يقيدان ذلك بالشهوة، وأبو حنيفة لا يرى اللمس ناقضا، والراجح عندنا أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء إن لم يكن مع شهوة.
الثانية: ما ذكره لك عن المستنكح في مذهب مالك غيرُ دقيق، ونحنُ نسوق لك كلام المالكية في المستنكح، وحكمه من حيث الطهارة، قال في مواهب الجليل: (المستنكح) هو: الذي يشك في كل وضوء وصلاة، أو يطرأ له ذلك في اليوم مرة أو مرتين، وإن لم يطرأ له ذلك إلا بعد يومين أو ثلاثة فليس بمستنكح كما سيأتي نقله عند قوله أو استنكحه الشك. انتهى.
وقال الدردير في الشرح الكبير: (وعفي عما يعسر) الاحتراز عنه من النجاسات وهذه قاعدة كلية (كحدث) بولا أو مذيا أو غيرهما (مستنكح) بكسر الكاف أي ملازم كثيرا بأن يأتي كل يوم ولو مرة فيعفى عما أصاب منه، ويباح دخول المسجد به مالم يخش تلطخه فيمنع. انتهى بتصرف قليل.
وقال الدسوقي معلقا: وأما كونه ينقض الوضوء أو لا فشيء آخر له محل يخصه يأتي في نواقض الوضوء. وحاصله أنه إن لازم كل الزمن أو جله أو نصفه فلا ينقض، وإن لازم أقل الزمن نقض مع العفو عما أصاب منه، وإنما عفي عما أصاب من الحدث اللازم مطلقا، وفصل في نقضه الوضوء لأن ما هنا من باب الأخباث وذاك من باب الأحداث والأخباث أسهل من الأحداث. انتهى.
وبه تعلم أن المالكية وإن كانوا يعفون عن النجاسة الني تصيب ثياب المستنكح، لكنهم يوجبون عليه الوضوء، لكونه ليس صاحب سلس.
الثالثة: مذهب الجمهور في صاحب سلس البول أو المذي أنه يتوضأ بعد دخول الوقت، ويتحفظ ويصلي الفرض وما شاء من النوافل، وله أن يطوف بوضوئه ذاك، والمالكية لا يوجبون على صاحب السلس الوضوء بعد دخول الوقت، والراجح قول الجمهور، ففي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم: أمر فاطمة بنت أبي حُبيش وكانت تُستحاض بالوضوء لكل صلاة.
وعلى هذا فلا توجد مشكلةٌ كبيرة في الطواف كما ذكرت، فإن الطائف بالبيت إن كان صاحب سلس، فإنه يفعل ما ذكرنا من الوضوء بعد دخول الوقت والتحفظ، وهذا يسيرٌ لا مشقة فيه، وإن لم يكن صاحب سلس فإذا انتقض وضوؤه وجبت عليه إعادته عند المالكيةِ وغيرهم كما سبق في كلام الدسوقي.
وأما ترك التحفظ لمن سماه المالكية بالمستنكح فقد بينا حكم العمل به في الفتوى رقم: 114820.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1430(24/36)
التلفيق الممنوع
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في كتاب شرح الياقوت النفيس -طباعة دار الحاوي- الجزء الأول (غسل الثياب في الغسالات) ، والغسالات نوعان:
1- النوع الأول المسمى بالأوتوماتيكي: يرد إليها الماء ثم ينصرف, فيرد ماء جديد، ثم يتكرر إيراد الماء عدة مرات, فهذا لا خلاف فيه في طهارة الملابس.
2- النوع الثاني "العادي": وذلك بوضع الماء فيها, وهو دون القلتين وتغسل به الملابس الطاهرة والنجسة, ثم يصرفونه فيبقى شيء منه في الغسالة والثياب مبللة منه، فيصبون عليه ماء آخر, فوق الباقي المتنجس, ثم يكتفون بالغسلتين, فهؤلاء يحملهم قول الذين لا يشترطون ورود الماء مع القول في مذهب مالك انتهى.
السؤال: إذا كان على سبيل المثال شخص حنفي وأخذ بطريقة الغسل أعلاه في الغسالات العادية وترك الدلك أثناء الضوء فهل يحمله قول مالك، وهل هذا من التلفيق، وهل يجوز أخذ مسائل الطهارة من مذهب ومسائل الوضوء من مذهب آخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحكم المسألة سبق بحثه في عدة فتاوى منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 59775، 4122، 102798، 97136.
والصورة المذكورة في السؤال من التلفيق الممنوع عند جماهير العلماء لأنها في عبادة واحدة، وقد سبق تعريف التلفيق الممنوع بأنه هو أخذ صحة الفعل من مذهبين معاً بعد الحكم ببطلانه على كل واحد منهما بمفرده، كما في الفتوى رقم: 37716.
وقد جاء في الدر المختار: أن الحكم الملفق باطل بالإجماع. انتهى.. إلا أن من العلماء من ذهب إلى جواز التلفيق إذا لم يكن بقصد تتبع ذلك، كما قاله الشيخ مرعي الكرمي من الحنابلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو القعدة 1429(24/37)
المجامع الفقهية ما هي وما أشهرها
[السُّؤَالُ]
ـ[أردت أن أعرف عن المجامع الفقهية ومقارها وكذلك بعض المؤلفات الفقهية من التراث الفقهي، شاكرة لكم مساعدتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمجامع الفقهية هي مؤسسات علمية شرعية تضم مجموعة من العلماء من البلدان الإسلامية وتعنى ببحث المسائل الفقهية المعاصرة، وقد أثرت المجامع الفقهية إثراء واسعا بكثرة الأبحاث التي تطرحها لإيجاد حلول شرعية وأحكام فقهية للمسائل المستجدة وكذا في بعض الموضوعات القديمة التي اختلفت فيها وجهات نظر الفقهاء وتباينت آراؤهم، وأهم هذه المجامع:
أولا: مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر: وأنشئ بالقانون رقم: 103 لسنة 1961.
ثانيا: مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي وتقرر تأسيسه في المؤتمر الإسلامي المنعقد بمبنى الرابطة في ذي الحجة سنة 1384هجريا.
ثالثا: مجمع الفقه المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، وقد عقد المؤتمر التأسيسي للمجمع في شعبان 1403، هجريا ويوليو 1983.
فهذه هي أشهر المجامع الفقهية المختصة في بحث المشكلات الفقهية المعاصرة، وأما عن المؤلفات الفقهية فالمؤلفات الفقهية القديمة كثيرة يصعب حصرها، ومنها المؤلفات في فقه الحنفية والشافعية والحنابلة والمالكية، ومؤلفات فقه الظاهرية ولكل صنف من هذه المؤلفات أنواع، فمنها المختصرات ومنها المطولات. وانظري لها الفتوى رقم: 16986.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1429(24/38)
أسباب قلة الاجتهاد في القرون الأخيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أسباب ضعف الاجتهاد المطلق ما بين القرنين السابع والثالث عشر للهجرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لضعف الاجتهاد عند علماء المسلمين في الفترة المذكورة أسبابا من أبرزها الحالة السياسية وانقسام الدولة الإسلامية وانشغال الناس بالحروب ...
ومنها: تدوين المذاهب المتبوعة واستقرارها وثقة الناس بها واكتفاؤهم بما دون فيها، وتبني بعض السياسيين لها وقصر الوظائف على أصحابها في بعض الأحيان.
ومنها: التعصب للمذاهب وقول بعض أصحابها بسد باب الاجتهاد، والتضييق على أصحاب الاجتهاد.
ولم يقتصر هذا الركود في هذه الفترة على المجال الشرعي فقط، ولكنه انعكس على كثير من جوانب الحياة عند المسلمين، ويرى بعض المؤرخين للتشريع الإسلامي أن الركود الفكري والتقليد الفقهي بدأ من منتصف القرن الرابع الهجري إلى نهاية القرن الثالث عشر، ومع ذلك فإن مما لاشك فيه أنه يوجد في كل عصر من هذه الفترة أئمة أعلام وعلماء ربانيون وفقهاء مجتهدون.. مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. رواه البيهقي وصححه الشيخ الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 ذو القعدة 1429(24/39)
أنواع الجدل وأهمية التمسك بالسنة ونبذ التعصب للرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ أنا دخلت في جدال مع صديق لي حول الحركة الوهابية يقول بأنهم يأخذون كثيراً بأقوال الشيخ أحمد بن حنبل رحمه الله أكثر من غيره ويقول أيضا بأن الاختلاف في آراء العلماء شيء طبيعي وأنني أستطيع أن آخذ بأي رأي شئت إن كانت الآراء كلها قوية بأدلة قوية وضرب لي مثال تحريم وتحليل الدف، فأفيدونا جزاكم الله خيراً في مسألة هل الجدال جيد أم سيئ لأني قد سمعت حديثا يذمه، وهل الحركة الوهابية تأخذ بأقوال الشيخ ابن حنبل أكثر من أي شيخ آخر، وهل أستطيع أن آخذ بأي رأي شئت أو اطمأننت له إن كانت الأدلة قوية في كل الآراء، وقد رأيت أنكم لا تجيبون إلا على سؤال واحد فاختاروا أهمها وأجيبوا وإن كنتم كما أظن بكم علماء كرماء فستجيبون عليها جميعها؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجدل المراد منه التعصب لترويج المذاهب الكاسدة والعقائد الزائفة يعتبر جدلاً مذموماً شرعاً، كما قال تعالى: وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ {الزخرف:58} ، وفي هذا النوع من الجدل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ. رواه الترمذي.
وأما الجدل والمناظرة لإظهار الحق واستكشاف الحال واستعلام ما ليس معلوماً عنده أو تعليم غيره ما عنده فهذا جدل محمود شرعاً، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ... وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ... {النحل:125} ، وانظر لذلك الفتوى رقم: 66789.
وأما هل الوهابية تأخذ بأقوال الإمام أحمد أكثر من غيره ... إلخ، فمن المهم أولاً أخي السائل أن تنظر حقيقة التسمية بالوهابية في الفتوى رقم: 38579، والفتوى رقم: 7070 ...
ثم اعلم بعد ذلك أن المذهب الفقهي السائد في الجزيرة العربية التي انطلقت منها دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هو مذهب الإمام أحمد، ولأجل ذلك كان الشيخ رحمه الله وكذا أتباع دعوة الشيخ على مذهب أحمد في الفروع، فيأخذون بأقواله الفقهية أكثر من غيره، والذي علم منهم أنهم لا يتعصبون لأقوال الإمام أحمد إذا خالفت الدليل وهذا من بركة دعوة التوحيد التي يدعون إليها فهم يوحدون النبي صلى الله عليه وسلم في الاتباع المطلق كما يوحدون الله تعالى في العبادة.
وأما أتباع دعوة الشيخ في غير جزيرة العرب فمنهم من هو شافعي المذهب ومنهم المالكي ومنهم الحنفي، وهم كذلك يدورون مع ما دل عليه الكتاب والسنة من غير تعصب امتثالاً لقول الله تعالى: اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ {الأعراف:3} .
وأما الأخذ بأي رأي عند تعارض الأدلة وقوتها فمن كان من أهل العلم فإنه لا يسعه أن يأخذ بأي رأي شاء بل عليه أن يتحرى الحق والصواب، وينظر في المرجحات التي ترجح أحد الأقوال ويعمل بما ظهر له واطمأنت إليه نفسه، فإن لم يترجح له شيء فالأخذ بالأحوط أليق بأهل العلم والورع، وهم أولى الناس بلزوم الورع وترك الشبهات، وأما من لم يكن من أهل العلم فإنه يسأل من يثق بعلمه ودينه وأمانته ويعمل بما يفتيه به عملاً بقول الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {النحل:43} ، وأما اختيار أحد الأقوال بناء على ما تشتهيه النفس فهذا من صنيع أهل الأهواء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1429(24/40)
مذاهب الأئمة الأربعة كلها على صواب
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال أي المذاهب الأربعة السنية أفضل؟ ولكم جزيل الشكر ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمذاهب الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد كلها على صواب ولله الحمد، وللمسلم تقليد ما شاء منها شريطة أن لا يكون لمجرد التشهي واتباع الهوى، وفضل كل منها يتحقق بمدى قربه من الأدلة الصحيحة من كتاب وسنة.
وارجع التفصيل في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 39465، 18248، 37186.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1429(24/41)
سبب انتشار المذهب المالكي في الجزائر
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف لماذا تتبع الجزائر المذهب المالكي دون المذاهب الأخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى كان سائدا منذ عدة قرون في بلاد الأندلس والمغرب الأقصى، فقد انتشر هناك بواسطة يحيى بن يحيى الليثي تلميذ الإمام مالك الذي روى عنه كتاب الموطأ قال عنه الذهبي في كتابه: العبر في خبر من غبر عن سنة 234 هجرية: انتهت إليه رياسة الفتوى ببلده، وخرج له عدة أصحاب وبه انتشر مذهب مالك بناحيته، وكان إماماً كثير العلم، كبير القدر وافر الحرمة، كامل العقل كثير العبادة والفضل. انتهى.
وقال القاضي عياض في ترتيب المدارك وتقريب المسالك متحدثاً عن المذاهب الفقهية: وسرت جميع هذه المذاهب في الآفاق فغلب مذهب مالك على الحجاز والبصرة ومصر وما والاها من بلاد أفريقية والأندلس وصقلية والمغرب الأقصى إلى بلاد من أسلم من السودان إلى وقتنا هذا. انتهى ... فتبين مما سبق أن مذهب الإمام مالك كان هو السائد في الأندلس والمغرب الأقصى فلا عجب أن ينتشر في الجزائر ويتبعه الناس فيها دون غيره من المذاهب الأخرى التي لم تنتشر هناك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1429(24/42)
الاعتماد على اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية والألباني
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن كأسرة نعمل برأي وقول شيخ الإسلام ابن تيمية والألباني رحمهما الله في كثير من الآراء الفقهية والأحكام حول مسائل خالفت رأي الجمهور وبعض الأئمة الأربعة وحتى كثيرا من العلماء المعاصرين.
لأن القول المأخوذ في تلك المسائل أيسر وذو سعة, فما رأيكم في المذكور أعلاه؟ جزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشيخ الإسلام ابن تيمية إمام من الأئمة المجتهدين، ومن أخذ برأيه من العوام فلا لوم عليه، والمحدث الألباني من كبار علماء العصر وله اجتهادات قائمة على الدليل رأى الحق فيها عنده، فمن قلده في ذلك فلا بأس عليه، أما كون القول المأخوذ في ذلك فيه يسر وسعة فإن الصحيح أن الإنسان يأخذ من أقوال العلماء ما يدين لله به وتطمئن له نفسه بدون تتبع للرخص وتوسع في تتبعها لذم العلماء ذلك، قال الأوزاعي في سنن البيهقي: من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام. وقال أحمد بفسق من تتبع الرخص، وراجع فتوانا رقم: 42735، وما يتفرع عنها.
والحاصل أن عملك بقول الشيخين إن كان بقصد تتبع الرخص بحيث تأخذ بقولهما في الرخص وتنتقل عنه إلى غيره إذا كان في قول الغير رخصة فهو مذموم، وإن كان لما عرف عنهما من التحقيق وتتبع الدليل مع ما في أقوالهما من السعة والتيسير فلك ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1429(24/43)
أئمة المذهب الشافعي المعول عليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم أبرز مخالفي الإمام النووي في ترجيحاته في المذهب الشافعي؟ وفي أي كتب وردت هذه المخالفات؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
اعلم أن الإمام النووي هو إمام المذهب المعول عليه في حفظه والإحاطة بنصوصه، يليه الإمام الرافعي صاحب المحرر، فإن اتفقا على حكم فهو المعتمد مذهبا.
فإن اختلفا فيقدم الإمام النووي على الرافعي، فإن لم يوجد للنووي في المسألة ترجيح اعتمد ترجيح الرافعي.
ثم اعلم أن كتب النووي قد تختلف فيما بينها في تقرير المذهب، ولذا يقدمون بعضها على بعض عند التعارض، فيقدم ما في التحقيق على غيره، ثم المجموع، ثم التنقيح، ثم الروضة، ثم المنهاج ونحو فتاواه، فشرح مسلم، فتصحيح التنبيه، وهذا تقريب لمن لا يستطيع البحث، وإلا فالواجب في الحقيقة عند تعارض هذه الكتب مراجعة كلام معتمدي المتأخرين واتباع ما رجحوه مثل: الشيخين ابن حجر الهيتمي صاحب التحفة وهو المرجح عند أهل اليمن، أو الرملي صاحب النهاية وهو المرجح عند أهل مصر، فإن تعارض كلامهما رجح بحسب البلد كما قدمناه، وإلا اختير ما شاء، وينظر فيما حققه واعتمده أصحاب الحواشي كابن قاسم وعميرة وقليوبي والشبراملسي وقبلهم زكريا الأنصاري والمحلى وصاحب المغني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1429(24/44)
ضوابط جواز التلفيق بين المذاهب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا قرأت من كتاب الفقه الإسلامي مصطلحات المذهب المالكي. ص 60-61 هـ - في التلفيق في العبادة من مذهبين طريقان: المنع: وهو طريقة المصرية والجواز: وهو طريق المغاربة، ورجحت، وقال الدسوقي ناقلا عن مشايخه: إن الصحيح جوازه، وهو فسحة. فبناء عليه هل يجوز التلفيق بين المذهبين على التقليد بالصحيح للمالكي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن يتبع المسلم الدليل من الكتاب والسنة فيما علم دليله، وأن يقلد من ترجح عنده صحة اجتهاده فيما لا دليل عليه، ولا يجب عليه اتباع مذهب معين أو تقليد شخص بعينه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول، ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين، وكل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك؛ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ
ولا عذر لأحد عند الله تعالى في اتباع قول يعلم أن الدليل ثابت بخلافه، وهذا ما نص عليه أهل العلم وأوصى به الأئمة الأربعة وغيرهم.
والتلفيق بين مذهبين من المذاهب الأربعة أو غيرهم في مسائل الاجتهاد لا مانع منه إذا لم يكن في مسألة واحدة في حادثة واحدة، أو لم يقصد منه تتبع الرخص بدون دليل شرعي، فقد نص أهل العلم على أن من تتبع رخصة كل عالم اجتمع فيه الشر كله.
وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل والأمثلة وأقوال أهل العلم من المالكية وغيرهم في الفتويين: 37716، 106617.
فنرجو أن تطلع عليهما وعلى ما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الثاني 1429(24/45)
محل جواز أخذ المقلد مسألة من مذهب وأخذ مسألة ثانية من مذهب آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أتبنى حكما شرعيا من أحد المذاهب إذا كانوا على اختلاف في مسألة معينة , وهل يجب أن أتبنى حكم الراجح من مذهب الجمهور, وهل يمكن أن أتبنى حكما شرعيا في عدة مسائل ولكن كل مسألة لمذهب آخر
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب اتباع القول الراجح من الخلاف لمن تبين له رجحانه. وأما أخذ المقلد للعلماء مسألة من مذهب وأخذ حكم مسألة ثانية من مذهب آخر فهو جائز ما لم يكن الداعي له مجرد اتباع القول الأسهل والأرخص دائما. ويدل للجواز إجماع أهل العلم في عهد الصحابة على جواز استفتاء أي واحد من علماء الصحابة.
ويدل على المنع من اتباع الرخص ما نقله ابن عبد البر وابن حزم وشيخ الإسلام من الإجماع على منع اتباع الرخص للتشهي.
وراجعي للبسط في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 4145، 51990، 71104، 71228، 69343.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1429(24/46)
هل كان أبوحنيفة يدرس بمصر ويفتي بها
[السُّؤَالُ]
ـ[أفتى الإمام أبو حنيفة فتوى معينة في العراق ثم ذهب إلى مصر فأفتى بغير ما أفتى به في العراق، حين سئًُل عن السبب قال إن ذلك كان للعراق وهذا لمصر، أين يمكنني قراءة تلك الفتوى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعرف عن أبي حنيفة أنه كان يعلم بمصر أو يفتي بها، وإنما يروى عن الشافعي أنه أفتى ببعض المسائل بالعراق ومصر مختلفة، وسببها أنه اختلف نظره في المسائل فأفتى في كل بما ظهر له، وبمطالعة كتب الفقه الشافعي تجد أهل العلم كثيراً ما يبينون مذهب الشافعي رحمه الله تعالى القديم والحديث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1429(24/47)
اتباع السنة ومخالفة المذهب السائد
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن سكان المغرب العربي وكما تعلمون يتبعون مذهب الإمام مالك. ففي بعض الأحيان وخصوصا في صلاة الجماعة يتبع بعض الأشخاص فتوى مذاهب أخرى وتجدهم مختلفين في تطبيق بعض الأمور المتعلقة بالصلاة عن معظم الجماعة فهل يجوز ترك الأمور التي ليست بواجبة في مذهب الإمام مالك أو التي يوجد بها خلاف وذلك تفاديا لمخالفة الجماعة وشد الانتباه له. لا أقصد الأمور البدعية ولكن أقصد الأمور المباحه والتي فيها خلاف أرجو أن تكونوا قد فهمتم سؤالي ولكم مني جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان هؤلاء الأشخاص الذين يخالفون معظم الجماعة يخالفون في المسائل التي يكون الدليل فيها على خلاف المذهب السائد هناك فلا لوم عليهم في ذلك، بل اللوم على من انتقدهم؛ لأن الحق ضالة المسلم حيثما وجده تمسك به. وقد كان الأئمة رحمهم الله يحذرون من التعصب لأقوالهم إذا خالفت السنة، مثال ذلك وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة ورفع اليدين عند القيام من اثنتين والجهر بالتأمين في الجهرية فهذه سنن صحيحة ثابتة، لا ينبغي تركها خشية لفت الاتنباه أو مخالفة الجماعة، لكن تركها لا يؤثر على صحة الصلاة لأنها ليست واجبة، سواء كان من يتركها إماما أو مأموما، وتركها أو الإتيان بها في حق المأموم ليس مخلاً بالمتابعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1429(24/48)
ما يفعل المسلم إذا عرضت له مسائل فقهية مختلف فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هذا ليس عن المسائل الفقهية المختلف فيها بناء على اختلاف الفهم للنصوص أو عدم بلوغ النص للمخالفين لمن بلغهم النص من العلماء وإنما هو عن المسائل التي لم يوجد فيها نص شرعي ولا خلاف بين الصحابة.
ما الموقف الصحيح من أخذ الفتاوى والأحكام الشرعية والفروع الفقهية - التي لا يوجد لها نص شرعي في محل النزاع منها بين العلماء - من كتب الفقه وشروح السنة والتفاسير , مثل رد شهادة العبد ومثل مسألة الطلاق المعلق ومذهب ابن حزم في عدم وقوعه مثلاً هل يكون كلامه حجة لمن يفتي الناس بعدم وقوعه ويقول أنا أتبع إماما من أئمة الإسلام في مسألة لا يوجد فيها نص شرعي ملزم, وكذلك غيرها من مسائل الخلاف التي لا يقوم الخلاف فيها على نص بل على اجتهاد العلماء فقط مثل التقديم فى إمامة الصلاة بالنسب ومثل بيع الدين بالدين.
يعني هذه المسائل التي لا يوجد فيها نص شرعي ثابت , والتي تكون حدثت بعد انقراض عصر الصحابة كالطلاق المعلق , هل يأخذ الإنسان بأخف الأقوال بناءا على أن الدين يسر أو أشدها بناء على أن الأسلم هو الاحتياط والتشدد؟
ولو فعل إنسان ذلك ووجد كلاماً لأحد المتقدمين يطابق مسألته التي يريد حكم الله فيها فعمل بفتوى أو قول ذلك العالم بعد أن علم أن المسألة ليس فيها نص شرعي , فهل يؤاخذ أمام الله لأنه اختار الأسهل والأرفق به.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
كل ما أوردته من الأمثلة كان الخلاف فيه مبنيا على فهم النصوص أو اختلاف بين الصحابة. ومن لم يجد نصا في مسألة معينة فليس له أن يتخير فيما يأخذ به فيها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أنك ذكرت أنك لا تسأل عن المسائل الفقهية المختلف فيها بناء على اختلاف الفهم للنصوص أو عدم بلوغ النص للمخالفين لمن بلغهم النص من العلماء وإنما هو عن المسائل التي لم يوجد فيها نص شرعي ولا خلاف بين الصحابة ... مع أن جميع ما مثلت به من الأمثلة كان الخلاف فيه مبنيا على اختلاف في فهم النصوص أو اختلاف بين الصحابة، كما نبينه على النحو التالي:
1. شهادة العبد قد رفضها كثير من أهل العلم بحجة أن الله تعالى قال في شأن الشهود: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} وإنما يرتضى الأحرار. مع أن البخاري قد ترجم فقال: باب شهادة الإماء والعبيد وقال أنس شهادة العبد جائزة إذا كان عدلا وأجازه شريح وزرارة بن أوفى ... وأورد فيه الحديث عن عقبة بن الحارث: أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب قال فجاءت أمة سوداء فقالت قد أرضعتكما فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عني قال فتنحيت فذكرت ذلك له قال وكيف وقد زعمت أن قد أرضعتكما فنهاه عنها.
2. حول الطلاق المعلق، جاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية قوله: ... فإن الطلاق المعلق بالصفة روي وقوع الطلاق فيه عن غير واحد من الصحابة كعلي وابن مسعود وأبي ذر وابن عمر ومعاوية وكثير من التابعين ومن بعدهم. وحكى الإجماع على ذلك غير واحد، وما علمت أحدا نقل عن أحد من السلف أن الطلاق بالصفة لا يقع, وإنما علم النزاع فيه عن بعض الشيعة وعن ابن حزم من الظاهرية ... اهـ
3. التقديم فى إمامة الصلاة بالنسب قد احتج من قال به بقول النبي -صلى الله عليه وسلم -: قدموا قريشا ولا تقدموها ولولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله. أخرجه البزار عن علي. وصححه الشيخ الألباني.
4. بيع الدين بالدين: جاء في الموطأ وغيره عن نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ. وهذا الحديث –رغم تضعيف أهل العلم له- فإن الأمة تلقته بالقبول وعليه العمل إجماعا. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن بيع الدين بالدين لا يجوز.
وفيما يخص موضوع سؤالك، فواجب المسلم هو أن يبحث عن الراجح في المسائل الفقهية، ولا يعمل بالأقوال المرجوحة إلا عند عدم إمكان العمل بالراجح.
والراجح لا يلزم أن يكون دائما مستندا إلى نص، بل يحصل الترجيح بين الأقيسة والحدود ...
ومن لم يجد نصا في مسألة فليس له أن يتخير فيما يأخذ به فيها أو أن يأخذ بالأخف فيها، بل إن كان مجتهدا وجب عليه أن يعرضها على قواعد الاجتهاد ويستنبط حكمها من ذلك. وإن لم يكن مجتهدا عرضها على أهل العلم وأخذ بما ترجح عندهم فيها.
ونحسب أن في هذا جوابا عن جميع ما أوردته في سؤالك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1429(24/49)
انتشار المذهب الحنبلي في المملكة العربية السعودية
[السُّؤَالُ]
ـ[لم السعودية تسير على المذهب الحنبلي دون غيره من المذاهب الأخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأولا ينبغي أن تعلم أن السعودية ينتشر فيها تدريس المذاهب الفقهية الأربعة وليس الأمر قاصرا على المذهب الحنبلي.
وأما كون المذهب الحنبلي هو المفتى به في الجهات الرسمية في الدولة فلعل ذلك لوجود علماء كثر درسوا هذا المذهب وتبنوا نشره وتدريسه فذاع وانتشر العمل به وربما يكون ذلك بسبب اختيار الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله له وهو ما تزامن مع نشأة الدولة السعودية فانتشر بعد ذلك في الناس من أتباعه وغيرهم.
على أنه إن كان غير المذهب الحنبلي هو الذي انتشر فسيطرح السؤال ذاته لم انتشر هذا المذهب دون غيره، ولذا نرى أنه ليس في الأمر كبير فائدة، والمهم أن تعلم أن كل هذه المذاهب متفقة في أصول الدين وفي الرجوع إلى الكتاب والسنة والإجماع والقياس لاستنباط الأحكام وتقريرها ثم إن حصل خلاف بينها فهو في مسائل الفروع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1429(24/50)
اختلاف العلماء في الأحكام بدون تعصب رحمة واسعة
[السُّؤَالُ]
ـ[عامة المسلمين يعانون من اختلاف الفتوى من مذهب إلى آخر الأمر الذي أدى إلى حدوث صعوبة في اختيار الفتوى من مذهب إلى آخر بالنسبة لعامة الناس فنجد بعض الأمور من السنة فعلها وتثاب عليها من الله عند فعلها ونجد مذهب آخر يحرمها ويشدد على تركها وكل له أدلة على صحة ما يقول. فياليت علماء المسلمين يعقدون مؤتمرا لتوحيد الفتوى ويتنازل من لديه أدله أضعف على فتواه لمن له أدلة أقوى وأوضح فإن لم يتفق علماء المسلمين في أمورهم وهم القدوة في كل شيء فكيف نلوم عامة الناس على عدم الاتفاق. نأمل التوضيح وما هذا الاستفسار إلا لشدة حرصي على تقوية المجتمع المسلم ورقيه وأعتقد أن كثيرا من المسلمين يشاطرونني الرأي. جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا لوم على أهل العلم فيما حصل بينهم من الاختلاف، وهو رحمة للأمة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن اختلاف الأئمة المجتهدين رحمة من الله تعالى، قال العلامة بدر الدين الزركشي في البحر المحيط 8/120: اعلم أن الله تعالى لم ينصب على جميع الأحكام الشرعية أدلة قاطعة؛ بل جعلها ظنية قصدا للتوسيع على المكلفين لئلا ينحصروا في مذهب واحد لقيام الدليل عليه. انتهى
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله عن اختلاف الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين: اتفاقهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة.
وقد سبق أن أشرنا إلى شيء من هذا، ولك أن تراجع فيه الفتوى رقم: 4145.
واعلم أن المجتهد إذا أداه اجتهاده إلى حكم في مسألة معينة فلا يجوز له أن يترك اجتهاده ويقلد غيره فيها. يقول صاحب مراقي السعود عن التقليد:
وهو للمجتهدين ممتنع * لنظر قد رُزقوه مُتَّسع.
ومن هذا يتبين لك أنه لا لوم على أهل العلم فيما حصل بينهم من اختلاف في فروع الفقه.
ولك أن تراجع لمزيد الفائدة رسالة لطيفة بعنوان: (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الأول 1429(24/51)
السلفية والمذاهب الأربعة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي بعض الأسئلة حول السلفية أرجو بإذن الله أن تجيبوني عليها؟
ما موقف السلفية من المذاهب الأربعة (المالكية ... ) ؟ وما الفرق بينهم؟
هل من يتبع المذاهب الأربعة يعتبر سلفيا؟
من هم السلف الصالح (بالأسماء والتاريخ) ؟
جزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
السلفية منهج يقصد منه اتباع المنهج الحق وهو منهج الصحابة وما تلاهم من القرون المفضلة، وهم غير محصورين بأسماء أو أشخاص أو طوائف، ويدخل فيهم أتباع المذاهب الفقهية ما داموا ملتزمين بمنهج السلف الصالح من العمل بالكتاب والسنة واجماع الصحابة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسلفية يقصد بها اتباع السلف الصالح فيما كانوا عليه من نهج إسلامي صحيح، والسلف الصالح يقصد بهم الصحابة الكرام وتابعوهم ومن تبعهم بإحسان، وأتباع هؤلاء هم الفرقة الناجية إن شاء الله تعالى.
وليس مجرد الانتساب إليهم أو انتحال اسم بعينه كالسلفية أو السلف ونحوها من الدعاوى كاف في تحقق هذا الفضل، فالعبرة بحقائق الأشياء لا بأسمائها، والمعيار في ذلك موافقة الكتاب والسنة.
والمذاهب الأربعة مذاهب سنية سلفية، إذ إن أئمة هذه المذاهب من أئمة السلف الكبار، فقد كانوا على منهج الحق واتباع الصحابة وتعظيم الكتاب والسنة، وهي مذاهب فقهية اتفقت في النهج ولكنها اختلفت في الفروع، والمنتسب إلى هذه المذاهب يعتبر سلفيا وهو على سبيل نجاة مادام موافقا لمعتقد هؤلاء الأئمة ولم ينحرف عن معتقد أهل السنة والجماعة، وينتمي إلى مناهج الفرق الهالكة كالروافض والخوارج والجهمية..وغيرهم
ويفهم مما سبق ويتلخص ما يلي:
أولا: أنه لا يمكن الإحاطة بأسماء هؤلاء السلفيين لأنهم من لدن الصحابة حتى قيام الساعة فلا يتصور أصلا عدهم أو حصرهم أو تحديد تاريخهم.
ثانيا: أنه لا يصح السؤال: ما موقف السلفية من المذاهب الاربعة؟ وما الفرق بينهم؟ إذ إن هؤلاء من أولئك والعكس.
ثالثا: من يتبع المذاهب الأربعة الأصل فيه أن يكون سلفيا لو صحت منه متابعة إمام المذهب ولم يتأثر بما شاب بعض الأتباع من انحرافات في العقيدة كما تأثر بعض أتباع المذاهب بعقيدة الماتريدية أو بعقيدة الأشاعرة أو المعتزلة.
والضابط الذي يحكم به على منهج فرقةٍ ما هو: متابعتها أو خروجها عن منهج السلف الصالح في الأصول والعقائد.
يقول الشاطبي رحمه الله في الاعتصام: وذلك أن هذه الفرق إنما تصير فرقا بخلافها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة، لا في جزء من الجزئيات، إذ الجزء والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعا، وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية"
ثم قال: "مجرى القاعدة الكلية كثرة الجزئيات، فإن المبتدع إذا أكثر من إنشاء الفروع المخترعة عاد ذلك على كثير من الشريعة بالمعارضة…." الخ.
ومن تأمل حال الفرق المنحرفة وجدها تخالف أهل السنة في معنى أو عدة معان كلية، واعتبر ذلك بحال الخوارج والمرجئة والمعتزلة، والرافضة وغلاة المتصوفة وغيرهم من الانحراف، فالقول بكفر مرتكب الكبيرة، أو أن العمل ليس من الإيمان، أو حصر الكفر في التكذيب والجحود، أو نفي الصفات، أو الطعن في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أو تسويغ عبادة المقبورين، أو القول بوحدة الوجود، كل ذلك يعد من الأصول والمعاني الكلية المخالفة لمنهج الفرقة الناجية. هدانا الله وإياك إلى صراطه المستقيم.اهـ
ويمكن لمزيد فائدة مراجعة الفتاوى التالية: 5608، 39218، 101557، 77988، 97237.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1429(24/52)
موقف الشافعية من تقليد المذاهب الفقهية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب علينا تقليد المذاهب الفقهية عند الشافعية مع الدليل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نص فقهاء الشافعية على أنه يجوز للعامي أن يقلد مذهباً من المذاهب الفقهية الأربعة أو غيرها مما تم تدوينه وخدمته، كما هو الحال في المذاهب الأربعة، قال الشيخ الشربيني في تحفة المحتاج: حاصل المعتمد من ذلك أنه يجوز تقليد كل من الأئمة الأربعة، وكذا من عداهم ممن حفظ مذهبه في تلك المسألة ودون حتى عرفت شروطه وسائر معتبراته. انتهى.
وقال الشيخ زكريا الأنصاري: يجوز لغير المجتهد تقليد من شاء من المجتهدين إن دونت المذاهب كاليوم، فله أن يقلد كلا في مسائل، لأن الصحابة كانوا يسألون تارة من هذا وتارة من هذا من غير نكير. وله الانتقال من مذهبه إلى مذهب آخر سواء قلنا يلزمه الاجتهاد في طلب الأعلم أم خيرناه، كما يجوز له أن يقلد في القبلة هذا أياماً، وهذا أياماً. انتهى.
وبهذا يتبين أنه يجوز تقليد مذهب من المذاهب الأربعة ولا يجب، وهذا في حق من يسوغ له التقليد، وللمزيد من الفائدة يمكنك مراجعة الفتوى رقم: 17519، والفتوى رقم: 31408.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1429(24/53)
مسألة حول اختلاف المذاهب
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك بعض من الناس يعتبر أن الخلاف بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم هو خلاف فكري لا ديني.
لأن النصوص واضحة لا خلاف ولا تحريف فيها.
أفيدونا بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النصوص الثابتة يختلف أهل العلم في دلالتها على المراد، لأنها ليست كلها واضحة الدلالة في معناها بل كثيرا ما يختلف في فهمها، فالنصوص التي هي نص لا تحتمل إلا معنى واحدا ليست كثيرة.
ومن أسباب الخلاف كذلك أن يبلغ الدليل بعضهم، ولا يبلغ الآخر ولا يصح عنده.
ومن المعلوم أن المسلم إذا حصل الخلاف يرجع إلى الكتاب والسنة، لمعرفة الحق في المسألة، ويسأل الله أن يهديه للحق فيما اختلف فيه.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها للاطلاع على المزيد في حكمة اختلاف أهل العلم في الفروع، ولبيان خلاف أهل الفرق المذموم وما يلزم أن يفعله عند الخلاف: 6787، 26350، 98454، 16387، 40050، 51519، 55029، 70609، 95871.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1429(24/54)
هل يجمع الناس على مذهب فقهي واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لأمير المؤمنين أن يفرض على الرعية المذهب الفقهي الذي يذهب إليه هو وعلى الرعية طاعته في ذلك المذهب وإن كانوا يرون خلافه من المذاهب وأن ذلك من طاعة الأمير وجمع كلمة المسلمين التي هي أحد أسباب الإمارة، كما هو الحال عندما صلى بعض الصحابة رضوان الله عليهم خلف عثمان رضي الله عنه متمين وهم يرون القصر أي خلاف ما يذهبون إليه من أجل أن الخلاف شر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس لأمير المؤمنين أن يفرض على الرعية المذهب الفقهي الذي يذهب إليه هو، وذلك لأن الحكمة في الاختلاف بين أهل العلم جلية واضحة لكل ذي بصيرة، وهي أنه لا مذهب في المذاهب ولا إمام في الأئمة قد حاز على الصواب في كل ما قال به من أقوال، فمن أقواله ما هو صواب، ومنها ما هو غير صواب، وما كان من أقواله غير صواب يرجع فيه إلى الصواب من أقوال غيره، ولو أراد الله أن تكون نصوص الكتاب والسنة لا تحتمل إلا وجهاً واحداً لا اختلاف فيها ما أعجزه ذلك، ولكنه أراد من ذلك الخلاف حكماً يعلمها سبحانه.
وإتمام الصحابة صلاتهم في منى خلف عثمان رضي الله عنهم جميعاً ليس لأنه هو أمير المؤمنين، وإنما هو لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه. كما في الصحيحين وغيرهما. فوجوب الإتمام في هذه الحالة هو الواجب، ولك أن تراجع فيه الفتوى رقم: 8684، ولو أراد الإمام فرض مذهب واحد على جميع رعيته لم تجب عليهم طاعته في ذلك، لأن الطاعة إنما تجب في المعروف، وهذا ليس من المعروف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1428(24/55)
أوجه الاتفاق والاختلاف بين المذاهب الفقهية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أهم وأبرز الفروق بين المذاهب الأربعة؟؟
وهل من الممكن معرفة اسم كتاب مفيد يشمل شرح المذاهب الأربعة؟؟
وهل صحيح أن لكل دولة إسلامية مذهب خاص بها أم أنه يمكن أن يكون هنالك أكثر من مذهب في دولة? واحدة الرجاء تزويدنا بالأدلة والأمثلة كذلك؟؟
وشكرا على حسن تعاونكم.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إن المذاهب الأربعة متفقة في الجملة في اعتبار الكتاب والسنة والإجماع والقياس أصولا لاستنباط الأحكام، ولا يمكن حصر الفروق بين هذه المذاهب في فتوى، ومن كتب الفقة المقارن المغني لابن قدامة المقدسي، والمجموع شرح المهذب للنووي، ومن كتب المعاصرين الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري والفقه الإسلامي وأدلته لوهبة الزحيلي.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المذاهب الأربعة متفقة في الجملة في اعتبار الكتاب والسنة والإجماع والقياس أصولا لاسننباط الأحكام، وتختلف هذه المذاهب في بعض التفاصيل، ولا يمكن حصر الفروق بين هذه المذاهب في فتوى، فعلى من يريد معرفة هذه الفروق أن يخصص جزءا من وقته لدراسة أصول هذه المذاهب وقواعدها.
وبخصوص الكتب التي تقارن بين المذاهب الأربعة فقد ذكرنا جملة منها بالفتوى رقم: 53776.
ومما نود التنبيه عليه هنا أنه ينبغي لطالب العلم أن يهتم أولا بدراسة متن فقهي في مذهب معين بحيث يستطيع ضبط المسائل وتصورها فإن هذا مما يعينه في استيعاب الخلاف عند رجوعه إلى كتب الفقه المقارن.
وأما كون كل دولة إسلامية لها مذهب معين ترجع إليه فإن كان المقصود على مستوى الشعوب فمن الدول ما يكون شعبها على مذهب معين، ومنها ما تتعدد فيها المذاهب، ولا حرج في ذلك إن لم يترتب عليه محظور شرعي كالتعصب المقيت ونحوه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1428(24/56)
القول الصحيح في تقليد شخص بعينه من العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك اختلاف بين المذهب الشافعي والمذاهب الأخرى من ناحية الصلاة والسنن والفرائض وغيرها من العبادات، أنا أتبع المذهب الشافعي ولكني أجهل بما كان يقوم به أي أني أطبق السنن والفرائض بطريقة عادية فهل يعتبر ما أقوم به صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمذهب الشافعي -رحمه الله تعالى- هو واحد من مذاهب السنة الصحيحة المتبعة، وقد اختلف عن غيره في كثير من المسائل المتعلقة بالعبادات والمعاملات والأخلاق ونحو ذلك، وقد بينا من قبل سبب اختلاف المذاهب الفقهية، ويمكنك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 26350.
وفيما يخص الشق الثاني من سؤالك، فإن من له القدرة على معرفة الدليل واستخراجه، فعليه أن يتبع الدليل ولا يتقيد بما يخالفه، ومن ليست له أهلية لمعرفة الأدلة الشرعية فلا حرج عليه في اتباع مذهب معين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: وأما القادر على الاستدلال فقيل يحرم عليه التقليد مطلقاً، وقيل يجوز مطلقاً، وقيل يجوز عند الحاجة.
وقال في موضع آخر من الفتاوى: ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول، ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يوجبه ويخبر به، بل واتباع شخص لمذهب شخص بعينه لعجزه عن معرفة الشرع من غير جهته إنما هو مما يسوغ له.. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1428(24/57)
سبب كون أصول مذهب الإمام أحمد أصح من غيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأولى لي أن أتبع المذهب المالكي الذي هو المذهب المتبع والسائد في البلاد دون تعصب له، وما معنى قول شيخ الإسلام أصح الأصول أصول مالك وأصح الفروع فروع أحمد قد نجد خلافا في أصول الفقه فكيف يمكنني الترجيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من كانت لديه قدرة على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها فلا ينبغي له التقليد، ومن عجز عن ذلك فعليه التقليد، والأولى تقليد الشخص للمذهب السائد في بلده.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن كانت لديه قدرة على معرفة الأدلة الشرعية واستخراج الأحكام منها فعليه اتباع الدليل وعدم تقليد مذهب بعينه، وإن عجز عن ذلك فعليه التقليد حينئذ والأولى -في هذه الحالة- تقليد المذهب السائد في بلده من غير تعصب، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 56633، والفتوى رقم: 32653.
والمقالة التي نسبتها لشيخ الإسلام ابن تيمية لم نقف عليها؛ بل وقفنا على عكسها حيث قال: إن مذهب الإمام أحمد هو أصح المذاهب الأربعة أصولا، ومذهب الإمام مالك أصحها فروعاً، كما في الفتوى رقم: 39465.
وأصول المذهب هي قواعده التي بني عليها، وفروعه هي الجزيئات التي استنبطها المجتهد من الأدلة الشرعية، وإنما كانت أصول مذهب الإمام أحمد أصح من غيرها لمعرفته أكثر بالأدلة الشرعية كما قال شيخ الإسلام أيضاً في الفتاوى الكبرى: ومن كان خبيراً بأصول أحمد ونصوصه عرف الراجح في مذهبه في عامة المسائل، وإن كان له بصر بالأدلة الشرعية عرف الراجح في الشرع، وأحمد كان أعلم من غيره بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولهذا لا يكاد يوجد له قول يخالف نصاً كما يوجد لغيره، ولا يوجد له قول ضعيف في الغالب إلا وفي مذهبه قول يوافق القول الأقوى. انتهى.
وأخيراً ننبه السائل الكريم إلى أن الترجيح بين الأدلة المتعارضة تتطلب نصيباً من الإلمام بفنون مختلفة، فلذا ننصح بصرف الهمة إلى طلب العلم بغية الوصول إلى هذه المرتبة العلمية الرفيعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1428(24/58)
من قال كل آية أو حديث تخالف قول أصحابنا فهي مؤولة أو منسوخة
[السُّؤَالُ]
ـ[معنى قول أحد العلماء: كل آية أو حديث تخالف قول أصحابنا فهي مؤولة أو منسوخة. أو كما قال. ومن صاحب هذا القول.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أصل هذا الكلام منقول عن أبي الحسن عبيد الله بن الحسين الكرخي أحد أجلاء العلماء وأعلام المذهب الحنفي وصفه من ترجم له بأنه انتهت إليه رئاسة الحنفية بعد القاضي أبي حازم القاضي أبي سعيد البردعي وكان من طبقة عالية بين أصحاب أبي حنيفة معدودا من المجتهدين القادرين على حل المسائل حسب أصوله ومقتضى قواعده ففي كنز الوصول إلى معرفة الأصول للمؤلف علي بن محمد البزدوي الحنفي وهو يذكر الأصول التي عليها مدار كتب الأحناف من طريق أبي الحسن الكرخي والتي ذكر أمثلتها ونظائرها وشواهدها أبو حفص عمر بن احمد النسفي صاحب تفسير التيسير ما نصه: الأصل أن كل آية تخالف قول أصحابنا فإنها تحمل على النسخ أو على الترجيح والأولى أن تحمل على التأويل من جهة التوفيق. انتهى.
وقد ذكر البزدوي أمثلة تبين المعنى المراد من هذا الكلام ونص كلامه كما في كتابه الأصول:
(قال من مسائله (يعني النسفي) أن من تحرى عند الاشتباه واستدبر الكعبة جاز عندنا لأن تأويل قوله تعالى (فولوا وجوهكم شطره) إذا علمتم به وإلى حيث وقع تحريكم عند الاشتباه، أو يحمل على النسخ كقوله تعالى (ولرسوله ولذي القربى) في الآية ثبوت سهم ذوي القربى في الغنيمة، ونحن نقول انتسخ ذلك بإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم أو على الترجيح كقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً) {البقرة: من الآية234} ظاهره يقتضي أن الحامل المتوفى عنها زوجها لا تنقضي عدتها بوضع الحمل قبل مضي أربعة أشهر وعشرة أيام لأن الآية عامة في كل متوفى عنها زوجها حاملا أو غيرها، وقوله تعالى: (وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) {الطلاق: 4} يقتضي انقضاء العدة بوضع الحمل قبل مضي الأشهر لأنها عامة في المتوفى عنها زوجها وغيرها لكنا رجحنا هذه الآية بقول ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت بعد نزول تلك الآية فنسختها، وعلي رضي الله عنه جمع بين الأجلين احتياطا لاشتباه التاريخ. الأصل أن كل خبر يجيء بخلاف قول أصحابنا فإنه يحمل على النسخ أو دليل آخر أو ترجيح فيه بما يحتج به أصحابنا من وجوه الترجيح أو يحمل على التوفيق، وإنما يفعل ذلك على حسب قيام الدليل، فإن قامت دلالة النسخ يحمل عليه وإن قامت الدلالة على غيره صرنا إليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1428(24/59)
هل يؤخذ بكلام الأئمة الأربعة دون غيرهم
[السُّؤَالُ]
ـ[الفقرة الأخيرة في الفتوى رقم 97960 مقتضبة وغير واضحة ((الخاصة بأن المذاهب الأربعة قيض الله تعالى لائمتها من حمل علمهم باستفاضة بينما لم يحدث ذلك لمن سواهم كالليث والأوزاعي والسفيانين)) ممكن يا شيخ توضحها لي عن طريق الإجابة على هذه الأسئلة:
1-هل معنى ذلك أنه يمكن الأخذ بأقوال أي فقيه مخالف للمذاهب الأربعة؟ مثلا إذا وجد رأي عند الأوزاعى أو الليث مخالف لأحمد ومالك والشافعي وأبي حنيفة هل يصح الأخذ به أم هذا مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة. هل عند أهل السنة والجماعة (الفرقة الناجية من الثلاث والسبعين) يجب عدم الخروج عن المذاهب الأربعة. مثلا ابن تيمية قال بوجوب الإشهاد في الطلاق وهو مخالف للمذاهب الأربعة لأنهم حملوا الآية على الاستحباب بينما يتفق مع قول الشيعة الإمامية البعض هنا يطالب بتغيير قانون الأحوال الشخصية حتى لا يتلاعب بعض الرجال في الطلاق يجب الإشهاد وأن القانون يجب أن يأخذ بقول ابن تيمية البعض رفض وقال رأي شاذ مخالف للمذاهب الأربعة لا يمكن الأخذ به ما هو الصح بالنسبة لأهل السنة؟
2-هل المذاهب الأربعة إذا اتفقوا وخالف قولهم مثلا الليث لا يؤخذ برأيه لأنه خالف الإجماع الآية (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير.....) لو اتفقت المذاهب الأربعة على شيء وخالفهم قول أي فقيه يعتبر خروج عن الإجماع؟
3-ابن تيمية قال إذا استيقظ شخص متأخرا والباقي من الوقت لا يسع الطهارة والصلاة يتيمم ويصلى وليس عليه إعادة الصلاة بينما المذاهب الأربعة تأخذ بالحديث إذا استغرق شخص في النوم عن صلاة فوقتها أول ما يستيقظ وبالتالي يجب الوضوء أو الغسل (إذا كان جنبا) قبل الصلاة حتى لو خرج الوقت هل إذا أخذ شخص برأي ابن تيمية يعتبر مرتدا لأنه مخالف للمذاهب الأربعة.
4-أبو حنيفة صاحباه (محمد ويوسف) خالفاه في ثلثي المذهب هل عند أهل السنة والجماعة يجب الأخذ برأي أبي حنيفة ويترك صاحباه أم يصح الأخذ بقول محمد بن الحسن مثلا قال أبو حنيفة صاحب السلس إذا خرج وقت الصبح بطل الوضوء بينما إذا توضأ قبل الظهر ودخل الوقت لا يبطل بينما صاحبه قال العكس. هل عند أهل السنة القول المعتد هو قول أبي حنيفة نفسه ويرد قول صاحبه؟
5-سورة الروم تكرر فيها كثيرا (ومن آياته ... ) هل هذه هي السبب في أن بعض الأشخاص الذين يتبعون بعض المذاهب يطلقون اسم آية الله فلان لأن الإنسان خلق الله ومن علامات خلق الله هل هذا صحيح عند أهل السنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الذي يجب اتباعه هو الدليل من الكتاب والسنة وإجماع الأمة ونحو ذلك.. وآيات الله معجزاته وأدلة ربوبيته ووحدانيته وقدرته.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنك أردت أن تبني جميع أسئلتك على الفقرة الأخيرة من الفتوى التي أشرت إلى رقهما، والتي جاء فيها أن سبب اتشار المذاهب الأربعة المذكورة دون سواها هو أن الله تعالى قيض لأئمتها من حمل علمهم باستفاضة وتلقت الأمة ذلك بالقبول، ولم يحصل ذلك لمن سواهم ممن كان في عصرهم أو بعده من الأئمة كالليث والأوزاعي والسفيانين وغيرهم ... وهذه الفقرة كانت جوابا على فقرة من السؤال، وهي أن المذاهب الفقهية كثيرة وليست فقط مذاهب الأئمة: (مالك والشافعى وأحمد وأبي حنيفة) التي قدر لها الانتشار.
وأما هذه الأسئلة الكثيرة التي أردت تفريعها على هذه الفقرة من الإجابة فإننا سنجمل الكلام عليها في شيء واحد يشملها كلها، وهو أن الأصل هو اتباع الدليل من الكتاب والسنة، فما كان موافقا للدليل من أقوال العلماء هو الأولى في الأخذ به بغض النظر عن قائله، وهذا ما أوصى به الأئمة الأربعة وغيرهم.
وذلك لأن الواجب على المسلم هو طاعة الله جل وعلا وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والعلماء العاملين بالكتاب والسنة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ {النساء: 59} .
وإذا نزلت بالمسلم نازلة فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله من أي مذهب كان، ولا يجب عليه التزام مذهب معين؛ لأن كل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثم هذا الذي أردت أن تستنبطه من تكرر عبارة: (ومن آياته ... ) في سورة الروم فإنه ليس على ما تصورته، فالآية في اللغة هي العلامة، وآيات الله عجائبه وأدلة ربوبيته. جاء في اللسان لابن منظور: الآية: العلامة.. قال أبو بكر: سميت الآية من القرآن آية لأنها علامة لانقطاع كلام من كلام. ويقال: سميت الآية آية لأنها جماعة من حروف القرآن. وآيات الله: عجائبه. وقال ابن حمزة: الآية من القرآن كأنها العلامة التي يفضى منها إلى غيرها كأعلام الطريق المنصوبة للهداية كما قال: إذا مضى علم منها بدا علم والآية: العلامة..
وفي تفسير القرطبي: قوله تعالى: ومن آياته أن خلقكم من تراب. أي من علامات ربوبيته ووحدانيته أن خلقكم من تراب، أي خلق أباكم منه والفرع كالأصل ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1428(24/60)
أيسر المذاهب في فقه المعاملات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أيسر وأوسع المذاهب في فقه المعاملات من هؤلاء الثلاثة (المالكي، الشافعي، الحنبلي) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المذاهب تختلف في بعض العقود والشروط في باب المعاملات، فبعضها يكون أكثر توسعاً في إباحة بعضها من البعض الآخر، كل حسب دليله واجتهاده، وعليه.. فإن من غير السهل الحكم على مذهب بعينه أنه أيسر المذاهب وأوسعها على الإطلاق في هذا المجال، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ما يدل على أن مذهب مالك أحسن من غيره في بعض العقود والمعاملات، ويليه في ذلك مذهب الإمام أحمد، فقال بعد أن ذكر بعض مذاهب الأئمة في العقود والشروط وما يحل من ذلك وما لا يحل: وأما مالك فمذهبه أحسن المذاهب في هذا فيجوز بيع هذه الأشياء وجميع ما تدعو إليه الحاجة أو يقل غرره بحيث يحتمل في العقود؛ حتى يجوز بيع المقاثي جملة وبيع المغيبات في الأرض كالجزر والفجل ونحو ذلك، وأحمد قريب منه في ذلك فإنه يجوز هذه الأشياء. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 شعبان 1428(24/61)
الخلاف المعتبر وغير المعتبر
[السُّؤَالُ]
ـ[أود من السادة أصحاب الفضيلة الإجابة عن هذا السؤال والله الموفق المعين.
كثيرا ما يقع خلاف بين العلماء في مسألة ما وكل له أدلته، فترى البعض يقول هذا خلاف غير معتبر رغم أن القول المخالف مبني على أدلة كذلك وإن كان مؤيدوه قلة.
فما هو المعيار المتخذ لمعرفة إن كان الخلاف معتبرا أم لا؟
أهو الدليل أم الأغلبية والكثرة أم....
أرجو إجابة شافية إن شاء الله.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
العبرة عند الاختلاف هي الدليل الشرعي من نصوص الوحي كتابا أو سنة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المرجعية العليا في هذا الدين هي كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ {لأعراف: 3} .. الآية
ولله در القائل: دعوا كل قول عند قول محمد * فما آمن في دينه كمخاطر.
ومصادر التشريع عند المسلمين هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، ولا يكون الإجماع والقياس إلا على أساس من الكتاب والسنة.
ولذلك فكل خلاف مستند على أصل من هذه الأصول فهو خلاف معتبر، وإن كان يوجد ما هو أرجح منه لقوة دليله؛ فالعبرة إذا بقوة الدليل وهو ما يسمى بالراجح وليس بكثرة القائلين وهو ما يسمى في بعض المذاهب بالمشهور إذا كان دليله ضعيفا.
ولمعرفة أسباب اختلاف أهل العلم وحكمته.. وما ما ينبغي للمسلم أن يتعامل به مع ذلك نرجو أن تطلع على الفتاوى التالية أرقامها: 1839، 5592، 26350، 62828، 29646.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شعبان 1428(24/62)
يجوز العمل بأي مذهب من مذاهب أهل السنة المعتبرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن لأي مسلم أن يمارس المذاهب الأربعة دون التشبث بالمذهب الممارس في بلده ولا أقصد أمور الزواج أو الطلاق أو أمور القضاء (أمور قضاء الصوم، النية قبل الصوم أيام رمضان، قضاء الصلاة النذر إلخ ... فهم يختلفون في هذه الأمور.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز للمسلم أن يعمل بمذهب من مذاهب أهل السنة المعتبرة ولو لم يكن هو المذهب السائد ببلده لأنه يجوز للعامل أن يعمل بفتوى من شاء من العلماء المعتبرين، ويعمل وقتا آخر بفتوى عالم آخر، ولا يلزم الالتزام بمذهب معين على الراجح من أقوال أهل العلم، وراجع الفتوى رقم: 69343، والفتوى رقم: 32653.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1428(24/63)
الذين لهم فضل في نشر مذهب مالك بالمغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[على يد من وصل المذهب المالكي إلى المغرب الأقصى وفي أي عهد]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مذهب الإمام مالك وصل للمغرب الأقصى في القرن الثاني الهجري، وكان من أجل من نشره الإمام يحى بن يحيى الليثي الذي سماه الإمام مالك عاقل الأندلس، وكان الأمير عرض القضاء عليه فامتنع، وكان الأمير لا يولي أحدا القضاء بمدائن الأندلس إلا من يشير به يحيى بن يحيى، فكثر لذلك تلامذة يحيى بن يحيى وأقبلوا على فقه مالك، كذا قال الذهبي في السير، وقد شارك في نشر مذهب مالك بالمغرب بعض فطاحلة المذهب الذين وصلوا إلى المشرق وأخذوا عن أصحاب مالك منهم: بقي بن مخلد، وأسد بن الفرات، وسحنون، وأصبغ وغيرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1428(24/64)
التناصح في مسائل الخلاف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أنه لا ينهى عن المنكر ويأمر بالمعروف في المسائل الخلافية بين المذاهب الأربعة؟
وجازاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من واجب المسلمن التناصح فيما بينهم والتواصي بالحق والصبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما علم بالدليل الشرعي أنه منكر يجب النهي عنه، ولا يجوز تقليد من قلد فيه قولا مخالفا للدليل الشرعي، مع أنه يحسن الظن بمن قلد إماما من الأئمة ولا يفسق قبل إيضاح الدليل له، وأما ما اختلف فيه الفقهاء ولم يكن فيه نص واضح يحسم الخلاف فيحسن الإرشاد إلى ما هو أورع وأحوط، ويعذر من قلد أحد الأقوال فيه.
وأما المعروف الذي اختلف فيه بين الوجوب وعدمه فإنه يؤمر به على كلٍ؛ لأن ممتثله فاعل خير سواء قلنا بالوجوب أم بالاستحباب، وراجع للبسط في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 40173، 70609، 21843، 30268، 64653، 16829، 77657.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1428(24/65)
الانتقال من مذهب إلى غيره هل يؤثر على الزوجية
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد حولت مذهبي من مذهب سني إلى آخر، أردت الالتزام بالمذهب الجديد لأني رأيت أنه الأقرب للنبوة، لم أشك بأركان الإيمان أبداً، لكن لا أذكر إذا (خلال يومين) شككت بمذهبي الأول أم لا، أنا متزوج، وأخاف (ربما وسوسة) أن يكون هذا أثر على عقد زواجي، فما الحل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم المتعلم الذي يستطيع التعرف على أدلة المذاهب ويعرف أقربها إلى السنة يتعين عليه اتباع الدليل ومتابعة الهدي النبوي، ويتعين عليه أن يستعين بكلام أهل العلم في معرفة صحة الدليل ووجه دلالته، ويستفيد من ترجيحات من سبقه من أهل العلم، ولا ينبغي أن يقتصر على فهمه الخاص، ولا على فهم علماء المذهب الذي انتقل إليه، بل يتعين أن يستفيد من علماء أهل السنة جميعاً إن أمكن الاطلاع على مذاهبهم، ويسأل الله الهدى للحق فيما اختلف فيه.
وأما التزام مذهب معين فليس هناك دليل شرعي يفيد وجوبه، بل نقل القرافي الإجماع على جواز التنقل من مذهب إلى مذهب، وبناء عليه فإنه لا تأثير للانتقال من مذهب إلى مذهب على العصمة الزوجية، وأما الشك في المذهب السابق فلم نفهمه فهما كاملاً فإنه لا يعقل أن يرى المسلم أن جميع ما في المذهب السني باطل كله، وإنما قد يرى البعض بطلان قول أهل المذهب في مسألة ما لمعارضة الدليل بها. وراجع في عدم وجوب التزام مذهب معين، وفي أهمية اتباع الدليل الفتاوى ذات الأرقام التالية: 79163، 69343، 56633، 31408، 45283، 17519، 64974، 62133، 71362، 56777، 44156، 37186، 32075.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1428(24/66)
أول مجمع فقهي إسلامي
[السُّؤَالُ]
ـ[من أول من طرح فكرة إقامة مجمع فقهي إسلامي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تعني بسؤالك شخصاً معيناً فلا علم لنا بأول من طرح فكرة إقامة مجمع فقهي إسلامي، ولكن الذي نعلمه أن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر هو أول مجمع فقهي إسلامي بالمعنى المعاصر لهذه المجامع، والذي يعني وجود جهة تتبنى الاجتهاد الجماعي في الأحكام الشرعية الاجتهادية ولا سيما المعاصرة منها.
وقد كان إنشاؤه في بداية الستينيات من القرن العشرين، ثم تبعته مجامع وهيئات أخر كمجمع الفقه الإسلامي التابع للرابطة، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وهيئة كبار العلماء بالسعودية وغيرها، وللمزيد من الفائدة نرجو مراجعة كتاب (تاريخ الفقه الإسلامي) للدكتور عمر سليمان الأشقر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الأول 1428(24/67)
حكم اتباع الدليل وعدم الالتزام بمذهب واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو مذهب الدول الآتية: السعودية، مصر، الأردن، فلسطين، اليمن، الإمارات، الكويت.. وجزاكم الله خيراً، هل يأثم المرء إذا لم يلتزم في حياته بمذهب واحد والاكتفاء باتباع الدليل، فهل اتباع الدليل يتطلب أن أكون عالمة، وإذا لم أكن عالمة فقط أنا طالبة علم، فهل يجوز لي الاقتصار على اتباع الدليل، فأفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السعودية ومصر فيهما جميع المذاهب الأربعة إلا أن المذهب الرسمي في السعودية هو المذهب الحنبلي، وأما اليمن ففيها الشافعية والزيدية، وأما الإمارات والكويت ففيهما المالكية والحنابلة، وأما الأردن وفلسطين ففيهما الشافعية والحنفية، ويمكنك الدخول على مواقع بعض علماء هذه البلاد للمزيد حول الموضوع، وأما العمل بما يدل عليه الدليل الشرعي من الكتاب والسنة والإجماع فهو الأصل، لأن العبد مكلف بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبالعمل بما أجمعت عليه الأمة.
ولا يشترط أن يكون عالماً بل إذا وجد بيان أحد العلماء للحكم الشرعي في مسالة ما مصحوباً بدليله فإنه يتعين عليه العمل به وعدم العدول عنه، ولا إثم عليه في عدم الاكتفاء بمذهب واحد، لأن التزام مذهب معين ليس واجباً شرعياً حتى يؤثم بتركه، وراجعي للمزيد من الفائدة في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5812، 32653، 37186، 54510، 37716، 4145، 69343.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1428(24/68)
توضيح حول الإمام جعفر الصادق ومذهبه
[السُّؤَالُ]
ـ[لدى دراستي المذاهب الفقهية وأسباب انتشارها تبادر إلى ذهني السؤال التالي والذي أتمنى أن تجيبني عليه يا معلمي بشيء من الاستفاضة جزاك الله خيرا:
السؤال: لماذا يوجد فقط عند أهل السنة أربع مذاهب فقهية ولم يعدوا مذهب الإمام جعفر الصادق مذهباً فقهياً لأهل السنة مع العلم كما تعرف يا معلمي الإمام أبو حنيفة صاحب المذهب الحنفي- المذهب الأكثر انتشارا عند أهل السنة- قد تتلمذ على يدي الإمام جعفر الصادق وكما أن الإمام جعفر الصادق كان يحب ويوقر سيدنا أبا بكر وعمر؟
فلماذا لا نتبع (نحن أهل السنة) المذهب الفقهي الجعفري والذي جمع العلم النافع والنسب الطاهر؟
ولماذا لم يعد مذهبه الفقهي من مذاهب أهل السنة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين كان إماما من أئمة أهل السنة، وقد أخذ عنه أبو حنيفة ومالك وغيرهما، وكان قوله معتبرا عند أهل السنة قديما وحديثا، فمن طالع كتب المحدثين والفقهاء يجد النقل والرواية عنه وعن أبيه الإمام الباقر كثيرا، كما يجد الاعتراف بإمامته في كتب الفقهاء والمؤرخين، فقد وصفه الذهبي في السير بأنه شيخ المدينة، ونقل عن أبي حنيفة أنه قال فيه: ما رأيت أحدا أفقه من جعفر بن محمد.
وأما عدم انتشار مذهبه بين أهل السنة فليس بسبب عدم اعتباره إماما من أئمة اهل السنة، ولكن الله تعالى رزق الأئمة الأربعة من درس عليهم ونشر مذاهبهم وألف فيها وأتى بأدلتها.
وهناك كثير من الأئمة لم يحظوا بهذا، بل إن الصحابة رضوان الله عليهم، وكثيرا من التابعين وتابعيهم لم يشتهر لهم أتباع ولم تدون أقوالهم في مؤلفات منفردة كما حصل للأئمة الأربعة، فصغار الصحابة ومكثروهم والفقهاء السبعة وأئمة المحدثين ليس لهم مذاهب معروفة الآن، ولا يدل هذا على عدم الاعتناء بهم.
فما ثبت بنقل الثقات عن الإمام جعفر رحمه الله معتبر عند أهل العلم جميعا، وأما ما يزعم المبتدعة أنه من كلامه فمردود لعدم نقل الثقات له ولمصادمة كثير منه للنصوص الشرعية. ومن المعلوم أنه كان من أشد الناس اتباعا لهذه النصوص.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 75439، 32075، 44156، 79618.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1428(24/69)
الائتمام بمن يفعل ما يبطل الوضوء على مذهب المأموم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب في السنة الأولى في كلية الشريعة أقوم بعمل بحث حول الصلاة وراء من خالف في المذهب وذلك من نظرة المذهب الشافعي فوجدت أن الفقهاء قسموا المذاهب والفرق إلى 3 أقسام منها ما هو ضمن أهل السنة والجماعة مثل الشافعية والحنفية والمالكية والحنبلية، ومنها ما هو ضمن الإسلام ولكن ليسوا من أهل السنة والجماعة ومنهم من خرج من ملة الإسلام كالبهائية، وبدأت في الصنف الأول ووجدت أن صلاة المأموم باطلة إذا كانت صلاة الإمام كذلك وعليه فصلاة الشافعي خلف حنفي لمس امرأة غير صحيحة لأن صلاة الإمام باطلة باعتقاد المأموم وهذا وجدته في كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي (ج2ص1199) ، وفي عدة مراجع أخرى مثل البيان في مذهب الإمام الشافعي للإمام العمراني (ج2ص391) ، فأن كانت الصلاة خلف المخالف من أهل السنة والجماعة كالحنفية والمالكية تكره أو لا تصح فالأولى أنها لا تصح خلف من خالفوا أهل السنة والجماعة بكثير عما خالف الحنفية الشافعية ومثلهم ... ورد في حديث النبي صلى الله عليه: عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة. [أخرجه الترمذي] ، وقوله صلى الله عليه وسلم: من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية [رواه البخاري ومسلم] ، كيف نوفق في تطبيق سنة النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة الجماعات وما ذكرته سابقاً من الاختلاف، وجدت أني إذا تابعت البحث بهذه الطريقة فسأصل إلى نتيجة أن كل مذهب يصلي خلف إمام من مذهبه فقط وهذا سبب للفرقة والخلاف، فأفيدوني أفادكم الله هل ما وصلت إليه هو الصواب، وأرجو ذكر المراجع لأذكرها في بحثي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي سؤالك مسألتان: الأولى: الصلاة خلف إمام علم المأموم أنه ارتكب ما يبطل الوضوء في اعتقاده، والإمام لا يرى أنه مبطل له كالحنفي لو مس امرأته وتقدم للصلاة فهل للشافعي الذي يرى أن مس المرأة ينقض الوضوء أن يصلي خلفه أم لا؟ وفي هذه المسألة خلاف بين أهل العلم، ومبناها على أصل وهو هل العبرة في الحالة المذكورة باعتقاد الإمام أو باعتقاد المأموم، والراجح فيها أن العبرة باعتقاد الإمام، وأن للمأموم أن يصلي خلفه. وقد سئل عن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ففصل فيها وأورد كلام أهل العلم فقال: نعم تجوز صلاة بعضهم خلف بعض كما كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان ومن بعدهم من الأئمة الأربعة يصلي بعضهم خلف بعض مع تنازعهم في هذه المسائل المذكورة وغيرها. ولم يقل أحد من السلف إنه لا يصلي بعضهم خلف بعض، ومن أنكر ذلك فهو مبتدع ضال مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها، وقد كان الصحابة والتابعون ومن بعدهم: منهم من يقرأ البسملة ومنهم من لا يقرؤها، ومنهم من يجهر بها ومنهم من لا يجهر بها، وكان منهم من يقنت في الفجر ومنهم من لا يقنت، ومنهم من يتوضأ من الحجامة والرعاف والقيء ... ومنهم من لا يتوضأ من ذلك، ومنهم من يتوضأ من مس الذكر ومس النساء بشهوة ومنهم من لا يتوضأ من ذلك، ومنهم من يتوضأ من القهقهة في صلاته ومنهم من لا يتوضأ من ذلك. ومنهم من يتوضأ من أكل لحم الإبل ومنهم من لا يتوضأ من ذلك، ومع هذا فكان بعضهم يصلي خلف بعض: مثل ما كان أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وغيرهم يصلون خلف أئمة أهل المدينة من المالكية وإن كانوا لا يقرءون البسملة لا سراً ولا جهراً، وصلى أبو يوسف خلف الرشيد وقد احتجم وأفتاه مالك بأنه لا يتوضأ فصلى خلفه أبو يوسف ولم يعد.
وكان أحمد بن حنبل يرى الوضوء من الحجامة والرعاف فقيل له: فإن كان الإمام قد خرج منه الدم ولم يتوضأ. تصلي خلفه؟ فقال: كيف لا أصلي خلف سعيد بن المسيب ومالك.
وبالجملة فهذه المسائل لها صورتان:
إحداهما: أن لا يعرف المأموم أن إمامه فعل ما يبطل الصلاة فهنا يصلي المأموم خلفه باتفاق السلف والأئمة الأربعة وغيرهم، وليس في هذا خلاف متقدم، وإنما خالف بعض المتعصبين من المتأخرين: فزعم أن الصلاة خلف الحنفي لا تصح وإن أتى بالواجبات، لأنه أداها وهو لا يعتقد وجوبها وقائل هذا القول إلى أن يستتاب كما يستتاب أهل البدع أحوج منه إلى أن يعتد بخلافه، فإنه ما زال المسلمون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد خلفائه يصلي بعضهم ببعض وأكثر الأئمة لا يميزون بين المفروض والمسنون بل يصلون الصلاة الشرعية ولو كان العلم بهذا واجباً لبطلت صلوات أكثر المسلمين، ولم يمكن الاحتياط فإن كثيراً من ذلك فيه نزاع وأدلة ذلك خفية وأكثر ما يمكن المتدين أن يحتاط من الخلاف وهو لا يجزم بأحد القولين، فإن كان الجزم بأحدهما واجباً فأكثر الخلق لا يمكنهم الجزم بذلك، وهذا القائل نفسه ليس معه إلا تقليد بعض الفقهاء ولو طولب بأدلة شرعية تدل على صحة قول إمامه دون غيره لعجز عن ذلك، ولهذا لا يعتد بخلاف مثل هذا فإنه ليس من أهل الاجتهاد.
الصورة الثانية: أن يتيقن المأموم أن الإمام فعل ما لا يسوغ عنده: مثل أن يمس ذكره أو النساء لشهوة أو يحتجم أو يفتصد أو يتقيأ. ثم يصلي بلا وضوء فهذه الصورة فيها نزاع مشهور.
فأحد القولين: لا تصح صلاة المأموم، لأنه يعتقد بطلان صلاة إمامه. كما قال ذلك من قاله من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد.
والقول الثاني: تصح صلاة المأموم، وهو قول جمهور السلف وهو مذهب مالك وهو القول الآخر في مذهب الشافعي وأحمد، بل وأبي حنيفة وأكثر نصوص أحمد على هذا، وهذا هو الصواب، لما ثبت في الصحيح وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم. فقد بين صلى الله عليه وسلم أن خطأ الإمام لا يتعدى إلى المأموم ولأن المأموم يعتقد أن ما فعله الإمام سائغ له، وأنه لا إثم عليه فيما فعل، فإنه مجتهد أو مقلد مجتهد، وهو يعلم أن هذا قد غفر الله له خطأه فهو يعتقد صحة صلاته وأنه لا يأثم إذا لم يعدها بل لو حكم بمثل هذا لم يجز له نقض حكمه بل كان ينفذه. وإذا كان الإمام قد فعل باجتهاده فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والمأموم قد فعل ما وجب عليه كانت صلاة كل منهما صحيحة، وكان كل منهما قد أدى ما يجب عليه، وقد حصلت موافقة الإمام في الأفعال الظاهرة، وقول القائل: إن المأموم يعتقد بطلان صلاة الإمام خطأ منه فإن المأموم يعتقد أن الإمام فعل ما وجب عليه وأن الله قد غفر له ما أخطأ فيه، وأن لا تبطل صلاته لأجل ذلك، ولو أخطأ الإمام والمأموم فسلم الإمام خطأ واعتقد المأموم جواز متابعته فسلم كما سلم المسلمون خلف النبي صلى الله عليه وسلم لما سلم من اثنتين سهواً مع علمهم بأنه إنما صلى ركعتين، وكما لو صلى خمسا سهواً فصلوا خلفه خمساً كما صلى الصحابة خلف النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم خمسا فتابعوه مع علمهم بأنه صلى خمساً، لاعتقادهم جواز ذلك فإنه تصح صلاة المأموم في هذه الحال، فكيف إذا كان المخطئ هو الإمام وحده. وقد اتفقوا كلهم على أن الإمام لو سلم خطأ لم تبطل صلاة المأموم إذا لم يتابعه ولو صلى خمساً لم تبطل صلاة المأموم إذا لم يتابعه فدل ذلك على أن ما فعله الإمام خطأ لا يلزم فيه بطلان صلاة المأموم.
المسألة الثانية: الصلاة خلف المبتدع غير الكافر كالخارجي أو المرجئ، فتصح الصلاة عند أهل السنة والجماعة خلف المسلم العاصي ببدعة أو معصية إذا لم تمكن مع غيره أو كان في تركها فتنة وشقاق، لما في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله قال: يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم.
وفي صحيح البخاري أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف الثقفي، وكذا أنس بن مالك وكان الحجاج فاسقاً ظالماً.
وقال الإمام الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم. وقال ابن أبي العز رحمه الله في شرحها: ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر، فهو مبتدع عند أكثر العلماء، والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار ولا يعيدون، كما كان عبد الله بن عمر يصلي خلف الحجاج بن يوسف، وكذلك أنس رضي الله عنه كما تقدم وكذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وكان يشرب الخمر، حتى إنه صلى بهم الصبح مرة أربعاً، ثم قال: أزيدكم؟ فقال له ابن مسعود: ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة! وفي الصحيح: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لما حصر صلى بالناس شخص، فسأل سائل عثمان: إنك إمام عامة، وهذا الذي صلى بالناس إمام فتنة؟ فقال: يا ابن أخي إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم.
والفاسق والمبتدع صلاته في نفسها صحيحة، فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته، لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، ومن ذلك: أن من أظهر بدعة وفجوراً لا يرتب إماماً للمسلمين، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب، فإذا أمكن هجره حتى يتوب كان حسناً، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره أثر ذلك في إنكار المنكر حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه، فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان في ذلك مصلحة شرعية، ولم تفت المأموم الجمعة ولا الجماعة.
فأحاديث الحث على الجماعة التي ذكرتها يعمل بها ولا تترك الجمعة والجماعة خلف أئمة الجور والمبتدعة الذين لا يزالون في حوزة الإسلام ومن هنا تبين أنه لا تعارض ولا فرقة ولله الحمد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1428(24/70)
هل يصح التخريج على قول إمام المذهب
[السُّؤَالُ]
ـ[التخريج على قول الإمام هل يصح أم لا، وإذا سمحتم أعطوني أمثلة على ذلك؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نقول أولاً: إن لفظ (التخريج) يستعمله كل من الفقهاء والأصوليين وهو نوع من الاستنباط ومعناه عندهم استخراج الحكم بالتفريع على نص الإمام في صورة مشابهة، أو على أصول إمام المذهب ... وقال السقاف من الشافعية ما حاصله إن التخريج أن ينقل فقهاء المذهب الحكم من نص إمامهم في صورة إلى صورة مشابهةٍ.. انتهى ملخصاً من الموسوعة الفقهية.
وما زال الفقهاء قديما وحديثاً يخرجون المسائل الحادثة على أقوال الأئمة المتقدمين وهذا صحيح ولا حرج فيه، ومن أمثلة التخريج إذا أذن شخصان أحدهما له ولاية الإقامة لكونه راتباً فأقام غيره هل يعتد بإقامته؟ قال الخراسانيون من الشافعية: لا يعتد، تخريجاً على قول الشافعي أنه لا يجوز أن يخطب واحد ويصلي آخر، والمذهب عند الشافعية يعتد بإقامته، والأمثلة على ذلك كثيرة في كتب الفقه، وانظر الفتوى رقم: 54663، والفتوى رقم: 48252، والفتوى رقم: 71812 وفيها بعض التخريجات الفقهية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1428(24/71)
الأمة بعثت ميسرة لا معسرة في الفقه وأمور الحياة
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاوى الصحابة في التيسير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان المقصود هو أن السائل يريد بعض الفتاوى التي صدرت عن الصحابة وفيها تيسير على العباد فهذا كثير جدا، وقد خاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: يسروا ولا تعسروا. رواه البخاري ومسلم وقال أيضا: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين. رواه البخاري.
وما من باب من أبواب الفقه إلا وتجد فيه فتاوى للصحابة رضوان الله عليهم، وفيها تيسير على المكلفين.
ولكن ينبغي أن يعلم أن التيسير الذي كان عليه الصحابة وتلقوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس معناه التفلت من التكاليف الشرعية كما يظنه كثير من الناس. وانظر الفتوى رقم: 21148، في بيان معنى التيسير المطلوب شرعا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1427(24/72)
الأقوال المختلفة في المذهب الواحد
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قصدت بسؤالي حول المذاهب أني في بعض الأحيان أجد في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري أن أحد المذاهب يقول رأيا وفي الكتب الأخرى نفس المذهب يقول رأيا آخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجبنا عن سؤالك السابق بأنه لا غرابة في أن تختلف المذاهب لاختلاف الأدلة التي استند إليها أصحابها أو اختلاف طرقهم في الاستدلال، مع أنهم كلهم مستندون في فتاواهم على القرآن والسنة أو القواعد العامة المأخوذة منهما، وهذا الذي أفتيناك به من قبل يصلح لأن نفتيك به الآن أيضا، لأن الأقوال في المذهب الواحد قد تختلف اختلافا كبيرا فتجد عند المالكية قولا لابن القاسم يخالفه قول لسحنون، وعند الحنفية قولا لأبي يوسف يخالفه قول لمحمد بن الحسن، وعند الشافعية قولا في الأم يخالفه قول في المجموع، وعند الحنابلة قولا في الفروع يخالفه قول في كشف القناع وهكذا.
ولا مانع من أن يترجح عند مؤلف كتاب المذاهب الأربعة هذا القول أو ذاك فيثبت ما ترجح عنده، ويترجح غيره عند مؤلف آخر، وهذا لا يطعن في صحة أي من الكتابين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1427(24/73)
اختلاف المذاهب الفقهية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مدى صحة ما في كتاب المذاهب الأربعة؟ ففي بعض الأحيان أجد مذهبا يقول رأيا وفي كتب الفقه الأخرى رأيا آخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نفهم ما تعنيه بكتاب المذاهب الأربعة؛ لأنه توجد كتب كثيرة في الفقه المقارن أو الفقه على المذاهب الأربعة، مثل كتاب: الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري، وكتاب: الفقه الإسلامي وأدلته لوهبة الزحيلي، وغيرهما ...
وعلى أية حال، فلا غرابة في أن تختلف المذاهب لاختلاف الأدلة التي استند إليها أصحابها، أو اختلاف طرقهم في الاستدلال. مع أنهم كلهم مستندون في فتاواهم على القرآن والسنة أو القواعد العامة المأخوذة منهما.
وكل واحد منهم مأجور -إن شاء الله- لبذله الوسع، والمصيب منهم له أجران، والمخطئ له أجر. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر. رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1427(24/74)
حكم التعامل مع النصوص مباشرة دون المذاهب
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا نتعامل مباشرة مع الأحاديث النبوية الصحيحة دون اللجوء إلى المذهب كذا قال كذا، وما الهدف الديني من اللجوء والأخذ بالمذاهب، سؤالي هذا ليس اعتراضا ولكن للتفقه في الدين؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أن الأدلة من نصوص الكتاب والسنة لا يُستغنَى عن أهل العلم في الدلالة على فقهها وفهمها الفهم الصحيح، فهؤلاء العلماء منارات يهتدى بها في فهم هذه النصوص، فما وجد من فقه في المذاهب الأربعة أو غيرها من فقه الأئمة المجتهدين لا يخرج في الغالب عن هذه النصوص ومحاولة استنباط الأحكام منها.
ثم إن من النصوص ما يكون منسوخاً فلا يعمل بما دل عليه من حكم منسوخ، ومنها ما تكون دلالته على الحكم المعين ليست صريحة وإنما تفهم من النص بدلالة المفهوم أو الإشارة أو غيرها من الدلالات التي ذكرها علماء أصول الفقه، وإنما يدرك ذلك عن طريق هؤلاء العلماء.
ومن هنا نص أهل العلم على أن لا بد لطالب العلم من شيخ يتلقى عنه العلم، ولا يعتمد على أخذ ذلك من الكتاب مباشرة، ولذا قالوا: من كان شيخه الكتاب فخطؤه أكثر من الصواب، وذكروا في آداب الطلب أن يتفقه طالب العلم -أولاً- على أحد المذاهب. وهذا لا يعني التعصب للمذهب إذا تبينت مخالفته الدليل، وراجعي للمزيد من الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 57232، 65561، 26056.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1427(24/75)
نظم مختصر العلامة خليل بن إسحاق المالكي
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي من فضلكم هو: أين أجد فقه خليل بن إسحاق المالكي المبني على الأبيات الشعرية (مثل ابن عاشر) . وجزاكم الله عني أحسن الجزاء. وتقبل الله صيامنا وصيامكم آمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبإمكانك الحصول على نظم مختصر العلامة خليل بن إسحاق المالكي في موريتانيا أو المغرب.... فقد نظمه عدد من العلماء الشناقطة وطبع بعض هذه الأنظام في المغرب وهو موجود في المكتبات الموريتانية.
ولم نطلع عليه خارجها، ولا في المواقع الإلكترونية في شبكة المعلومات الدولية الإنترنت.
وممن نظمه العلامة محمد المامي بن البخاري. كما نظمه العلامة محمد سالم بن عبد الودود نظماً سماه التسهيل والتكميل لفقه متن خليل، وتوجد مقدمته في العقيدة مطبوعة ومتداولة بشرح الشيخ محمد الحسن بن الدودو، وكما يوجد على موقع شذرات شنقيطية على الإنترنت مع بعض المتون.
وللعلامة محمد مولود نظم سماه (رحمة ربي) جمع فيه بين مختصر خليل ورسالة ابن أبي زيد القيرواني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1427(24/76)
المرجع في الأحكام الفقهية
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديقة أهلها شيعة ولكن هي تقول لي إنها تمشي مع السنيين لأننا مثل الشيء الواحد لا فرق بيننا، وتسألني هل أنتم لا بد أن تتبعوا المذهب الحنبلي أو الشافعي أو غيره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقولي لزميلتك أن الذي يجب على المسلم هو طاعة الله جل وعلا وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والعلماء العاملين بالكتاب والسنة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ {النساء: 59} .
ومرجع الأحكام -في الحقيقة- إنما هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وإذا نزلت بالمسلم نازلة لم يجد لها دليلا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإنه يستفتي فيها من يعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله من أي مذهب من مذاهب السنة التي انعقد إجماع المسلمين على صحتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1427(24/77)
اجتهادات القدامى واجتهادات المعاصرين
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أستفسر عن شخص له جماعة ولهم موقع على النت أهل القرآن وهم يأخذون بالكتاب والسنة فقط وينكرون كل الفقه والتفسير ولا يعترفون بالسلف فما حكم هؤلاء الجماعة؟ وكيف يناقشون؟ http://ahlulquran.com/ أرجو الإفاده؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن التمسك بالوحيين وعدم مخالفتهما واجب شرعي, ولكنه يتعين على أهل العصر الاستفادة من كلام أهل العلم إذا أجمعوا على حكم, وكذا إذا استنبط أحدهم حكما, أو اجتهد فيه ولم يصادم نصوص الوحي, وذلك أن النصوص محصورة، والنوازل تتجدد دائما, وقد يحدث منها ما لم ينص عليه, فأخذ اجتهاد القدامى -الذين لم يكونوا يأكلون الربا وكانوا قريبين من عصر النبوة, وبعضهم كان في قرون التزكية, وكانوا أهل خبرة بدلالات الألفاظ- أولى بلا شك من اجتهادات المعاصرين في عهد العولمة والفتن وأكل الحرام، وبهذا يعلم خطأ من أضرب عن النظر في كلام العلماء بتاتا.
وعلى من يريد إصلاح الخطأ أن يسعى هو نفسه في تعلم علوم الشرع ويجعل هؤلاء أمام الواقع في الأمور التي لم ينص عليها, فيقول لهم هل الأفضل نظرنا في المسألة أم نظر واجتهاد القدامى؟ ولا يغتر بقولهم باستصحاب حكم البراءةالأصلية دائما، فإنه تأتي كثير من النوازل لا بد لها من حكم خاص, فلو اختلف زوجان في بقاء العصمة فماذا يقال للمرأة؟ فلا بد لها من واحد من حكمين: إما إيجاب البعد عن النشوز على زوجها إن كان الحكم الشرعي إبقاءها في عصمته, وإما إيجاب البعد عن الزوج إن كان الحكم الشرعي هو التفريق بينهما, فهنا لا بد لها من حكم، ولا يكتفي بالبراءة فيما لم ينص عليه. وللمزيد في الموضوع راجع الفتاوى التالية أرقامها: 56278، 58853، 71228، 6787، 4145، 26350، 2397، وراجع أضواء البيان في حجية الاجتهاد عند تفسير قوله تعالى: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ {الأنبياء: 79} وعند تفسير قوله تعالى: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ {الأسراء: 23} وراجع كلامه في ذم التقليد لأقوال العلماء المصادمة للوحي عند تفسير قوله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ {محمد:24} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1427(24/78)
ترك التقليد والتعصب لآراء الرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب سلفي مصري ذهبت إلى الكويت لأبحث عن عمل وكنت أصلي بالمسجد ووجدت بعض الإخوة السلفيين، ووجدت بعض الإخوة التبليغيين ووجدت نوعاً آخر من الإخوة لم أألف طريقة تفكيرهم من قبل، ولكن وجدتهم على علمٍ كبير في الفقه، ومنهم من يدرس فقه في دار القرآن وهو متخصص في الفقه المقارن، ووجدت من يدرس الفقه الشافعي ويعلمه للشباب، ووجدت أفكارا لم أكن أعرفها من قبل، وهي أن شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيميه والشيخ ابن عثيمين والشيخ الفوزان ومعظم مشايخ السلفيين هم تبع المذهب الحنبلي والأدلة على ذلك كثيرة ويمكنك أن تتأكد من ذلك بنفسك من موقع www.islamweb.net ستجد أن مجموع الفتاوى لابن تيمية مصنف تحت المذهب الحنبلي والأدلة أيضاً على ذلك كثيرة، وكما أن المذهب الحنبلي نحسبه على خير كما أن جميع المذاهب أيضاً نحسبها كذلك على خير، ولا أفضل أحد الأئمة على أحد ولكن ما قاله الشيخ ابن عثيمين وشيخ الإسلام ابن تيميه في تكريه الناس في بقية المذاهب وقالوا أيضا أن أكثر تلك المذاهب والمدارس قد اتبعوا في اعتقادهم أهل البدع والضلال, فأصبح الكثير من الشافعية والمالكية من الأشاعرة , وأصبح الكثير من الحنفية من الماتريدية ويقولون إن الحنابلة فقط هم الذين سلموا من هذه الفتن هو ما أستغرب له لماذا العلماء المعاصرون الحنابلة سموا المذهب الحنبلي باسم أهل السنة والجماعة أو باسم السلفيين رغم أن جميع المذاهب هم سلفيون وأهل سنة وجماعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم عن شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ ابن عثيمين والشيخ الفوزان أنهم يكرهون الناس في المذاهب الأخرى, والمعروف عنهم عدم التقليد واتباع ما اتضح لهم أنه الحق ولو خالف المذهب الحنبلي، ومن قرأ كتب شيخ الإسلام وكتب الشيخ ابن عثيمين فسيجد كثيرا من الأمثلة على ذلك. ومن المعروف عنهم كذلك اعتبار الأئمة الأربعة من أعلام أئمة السلف رحمهم الله تعالى والترحم عليهم وإنصافهم والاعتراف بفضلهم والأخذ بما وافق الدليل من أقوالهم. وقد خرجوا كثيرا عن المذهب الحنبلي إلى غيره لما قام عندهم من الدليل على ذلك.
واعلم أن على المسلم أن يتعلم الوحي الإلهي ويبحث عن الحق ويعمل به ويستعين بالله تعالى ويسأله الهداية للحق فيما اختلف فيه، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 5608، 65507، 70032، 39218، 41710، 38987.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الثاني 1427(24/79)
المذهب الفقهي في تونس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو المذهب السائد في تونس، وإذا كان من غير المذاهب الأربعة، فهل تجوز الصلاة خلف إمامهم الراتب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمذهب السائد في دولة تونس هو المذهب المالكي وهو من مذاهب أهل السنة الأربعة المعتمدة، وعليه فإذا كان الإمام ملتزماً بهذا المذهب فالصلاة خلفه صحيحة لا غبار عليها إذا لم يكن هنالك مانع آخر، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 32931، والفتوى رقم: 9642.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1427(24/80)
ضابط المحرمات في الشريعة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي المحرمات في الإسلام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المحرمات في الإسلام كثيرة يعسر حصرها وذكرها في هذه الفتوى، ولكن نقول باختصار: لقد حرم الإسلام كل خبيث قال الله تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ {الأعراف: 175}
وحرم أنواعا من الأطعمة هي من الخبائث، قال سبحانه وتعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة:3}
وحرم الإسلام أصنافاً من النساء، وذلك في قوله: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً {النساء:23} ، ويمكنك أخي مراجعة الفتاوى التالية لمعرفة بعض المحرمات، ومن ذلك الفتوى رقم: 4669، والفتوى رقم: 55745، والفتوى رقم: 9441، والفتوى رقم: 47650، والفتوى رقم: 47725، والفتوى رقم: 59777.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1427(24/81)
آداب المناظرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل عن أدب الاختلاف في المسائل الفقهية]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن اختلاف أهل العلم في المسائل الفقهية هو رحمة من الله تعالى للأمة. قال العلامة بدر الدين الزركشي في البحر المحيط 8/120: اعلم أن الله تعالى لم ينصب على جميع الأحكام الشرعية أدلة قاطعة؛ بل جعلها ظنية قصداً للتوسيع على المكلفين لئلا ينحصروا في مذهب واحد لقيام الدليل عليه. انتهى
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله عن اختلاف الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين: اتفاقهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة.
لهذا فمن أدب من يناظر خصمه في المسائل الفقهيه أن يتحلى بجملة من الآداب.
منها: الابتعاد عن اللَّجاج والمكابرة والرياء والمفاخرة، ومنها: التفطن لما يقوله الخصم وعدم تسفيه رأيه، ومنها: التأني والانضباط ونحو ذلك.
وقد لخص الإمام الشافعي –رحمه الله تعالى- آداب المناظرة في أبيات قال فيها:
إذا ما كنت ذا فضل وعلم *بما اختلف الأوائل والأواخرْ
فناظر من تناظر في سكونٍ *حليما لا تلجَّ ولا تكابرْ
يفيدك ما استفاد بلا امتنانٍ *من النكت اللطيفة والنوادرْ
وإياك اللجوح ومن يرائي *بأني قد غلبت ومن يفاخرْ
فإن الشر في جنبات هذا *يمني بالتقاطع والتدابرْ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 صفر 1427(24/82)
الخلاف في المذاهب الفقهية رحمة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تهنا نحن المسلمين في اختلاف المذاهب فهذا يقول صل كذا والآخر يقول لا تصل مثل فلان سيدي العزيز ممكن أن ترشدنا فقد قرأت من الكتب العديد ولم أستفد إلا منها إلا يسيرا نحن مجموعةالشباب نرجو منك أن تكون لنا معلما ولك الأجر والثواب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فخلاف العلماء رحمة واسعة، واتفاقهم حجة قاطعة. والخلاف قديم وليس بحادث. فقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم في مسائل كثيرة وكلهم على خير، وهكذا الأئمة من بعدهم من التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يومنا، وسيبقى الخلاف إلى يوم القيامة، والعامي يأخذ بأحد أقوالهم لأن الله أمره بذلك فقال: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل: 43} ولايلزمه التزام مذهب واحد من مذاهب أهل العلم، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 56633، فارجع إليها ففيها ما يفيدك إن شاء الله، وننصحكم أن تذهبوا إلى شيخ موثوق يعلمكم الفقه في الدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1427(24/83)
لا حرج في أن يتبع الشخص أكثر من مذهب فقهي
[السُّؤَالُ]
ـ[الآباء والإخوة الأعزاء جزاكم الله عنا خير الجزاء.
حقيقة أنا أريد أن أسأل عن موضوع اتباع المذاهب، حيث إني طالب في بلد شرق آسيوي وهم يتبعون المذهب الشافعي، وحقيقة إن أحد زملائي من هذا البلد سألني وقال لي أنا ما هو المذهب الذي أتبعه؟ أنا رددت عليه وقلت إني أتبع السنة وربما أميل إلى الشافعي ... لكن في الحقيقه أنا غير مقتنع بكلامي ومتخوف..فما هو رأيكم بكلامي؟..لأنني حسب علمي أعرف أن هناك نهي ومنع في أن يتبع الشخص أكثر من مذهب.. أيضا أنا شرحت لزميلي وقلت له إن الأئمه كلهم بشر مثلنا وأنهم قالوا إذا لم نجد من كلامهم ما يطابق القرآن والسنه لا نتبعه ونرميه إلى الحائط ... المهم أنا في الحقيقه أريد أن أسأل ... هل على زميلي هذا أن يتبع كل ما هو موجود في المذهب الشافعي فقط؟ أو أنه ممكن أن يأخذ من السنه مباشرة وبالتالي يكون وقع في الخلط مع مذاهب أخرى؟ أيضا أريد أن أعرف ما هي شروط وضوابط ونظم اتباع مذهب معين؟ وأيضا ما هي الكتب التي يمكن أن أبدأ بها مع زميلي للأخذ من الكتاب والسنة مباشرة؟ وأيضا زميلي يسألني دائما هل أتبع ما علمنيه آبائي من المذهب الشافعي أو أتبع السنة؟
جزاكم الله خير الجزاء
أرجو الرد سريعا إلى بريدي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يجب على المسلم هو طاعة الله جل وعلا وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والعلماء العاملين بالكتاب والسنة. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ {النساء: 59}
واتباع الشخص لمذهب معين لعجزه عن معرفة الشرع من جهة أخرى هو مما يسوغ وليس مما يجب، قال صاحب الإنصاف: وأما لزوم التمذهب بمذهب وامتناع الانتقال إلى غيره في مسألة ففيه وجهان: وفاقا لمالك والشافعي رحمهما الله، وعدمه أشهر. اهـ قال في إعلام الموقعين: وهو الصواب المقطوع به.
وقال ابن مفلح في أصوله: عدم اللزوم قول جمهور العلماء، وقد رجحه ابن برهان والنووي، واستدل لذلك بأن الصحابة لم ينكروا على العامة تقليد بعضهم في بعض المسائل، وبعضهم في البعض الآخر.
وانطلاقا مما ذكر يتبين لك أنه ليس هناك نهي أو منع من أن يتبع الشخص أكثر من مذهب، وأن زميلك ليس ملزما بأن يتبع كل ما هو موجود في المذهب الشافعي، وأن المأمور باتباعه حقا هو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا غيرها، وليس معنى ما ذكرناه أن يظل المرء ينتقل بين المذاهب بغية الترخص والتلاعب فإن ذلك مذموم قطعا، ولكن معناه أن يأخذ الشخص بالقول الأقوى دليلا، سواء كان من هذا المذهب أو ذاك، ولك أن تراجع الفتوى رقم: 66727، لمعرفة الكتب المعتمدة في كل مذهب، والمنهج المناسب لطالب العلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 محرم 1427(24/84)
مسائل فقهية متنوعة
[السُّؤَالُ]
ـ[الشيخ الدكتور عبد الله الفقيه جزاكم الله خيرا على ردكم على الفتوى رقم (66016) بعنوان جواز الجمع لصاحب السلس بالتفصيل.لكن ورد فى ردكم بعض النقاط التى أريد من فضيلتكم أن توضحها لى وأسأل الله أن يجعل الوقت الذى تستغرقه فى الرد فى ميزان حسناتكم أرجو من فضيلتكم عدم تحويلها إلى فتاوى أخرى وأن تجيب بالتفصيل جزاكم الله خيرا:
1-هل يشترط لأصحاب الأعذار عند الجمع الصورى للصلاة بوضوء واحد أن يكون العصر مباشرة بعد الظهر. أنا أصلي الظهر في آخر وقته لكن لا تقام صلاة العصر في المسجد إلا بعد ربع ساعة تقريبا من الأذان فانتظر الإقامة وأصلي مع الجماعة. السؤال: هل يصح عند من يوافق مذهبه على الجمع الصوري لأصحاب الأعذار صلاة نافلة أو انتظار بعض الدقائق ثم صلاة الفريضة الثانية أم أن شرط الجمع الصوري أنه بمجرد التسليم من الفريضة الأولى يكبر مباشرة للفريضة الثانية بنفس الوضوء (العصر مثلا) ؟
2-هل يشترط الاستنجاء لصاحب سلس البول أم يكفي الوضوء عند دخول الوقت فقط؟ وهل يصح الاستنجاء قبل دخول الوقت والوضوء بعد دخول الوقت لإدراك الجماعة؟
3-إذا كان السلس دائما فالوضوء مرة واحدة بعد دخول الوقت السؤال: لكن هل إذا كان السلس غير منضبط يجب على صاحبه أن يختار وقتا يكون خاليا من الحدث ليتوضأ ويصلي إذا شرع في الوضوء والصلاة وخرج منه أى شىء هل عليه أن يستأنف الوضوء والصلاة من الأول طالما وقت الصلاة لم يخرج وإذا كان وقت الصلاة متسع مثل العشاء إذا وجد الحدث توقف ثم شرع في الوضوء والصلاة وخرج منه أى شىء هل عليه كل مرة أن يستأنف الوضوء والصلاة من الأول ويكرر ذلك الى أن يصلى بدون حدث أو أن يقترب وقت الصلاة من الخروج فيتم على ما هو عليه؟ أم يكفى لمن به سلس غير دائم أن يتوضأ مرة واحدة بعد دخول الوقت ويصلى حتى إذا خرج منه أي شىء مثل حالة دائم السلس وهل له أيضا أن يجمع صوريا وحقيقيا الصلاة؟
4- ذكرتم عند ردكم الآتى \" وحكى إمام الحرمين وجهاً أنها لو شرعت في الوضوء قبل الوقت بحيث أطبق آخره على أول الوقت صح وضوؤها وصلت به فريضة الوقت وقال أبو حنيفة يجوز وضوؤها قبل الوقت \" السؤال هل إمام الحرمين مذهب فقهى يؤخذ برأيه؟ قرأت أن أبا حنيفة لم يرخص أبدا لأصحاب الأعذار بالوضوء قبل الوقت إلا للظهر لأنه ليس قبله وقت فريضة فأرجو أن تضيف إلا للظهر أو تصحح لي إذا كنت أنا مخطئا.
5- ذكرتم أن الجمع الصوري موضع خلاف لكن ثبت أنه عليه الصلاة والسلام قال للمستحاضة بالنص \"وإن قويت على أن تؤخرى الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين\" معنى ذلك أن الرسول أجاز الجمع الصورى، فكيف يكون بعد ذلك أنه موضع خلاف أريد أن أعرف لماذا عند وجود حديث واضح يكون بعد ذلك خلاف.
6- ذكرت فى بداية ردكم أن السلس عند المالكية يعتبر ناقضاً إلا إذا كان يلازم كل الوقت أو جله أو نصفه بشرط أن لا يقدر المصاب به على علاجه، هذا هو المشهورمن مذهب مالك لكن أيضا يوجد رأي بأن السلس غير ناقض إطلاقا ويندب الوضوء منه إذا كان يلازم أقل من نصف الوقت (كتاب الفقه على المذاهب الأربعة) . هنا أود أن أسأل أليس اختلاف المذاهب رحمة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهديتم فالمذاهب أخذت بالكتاب وبما روي عن الرسول وبالتالي الأخذ برأي أي واحد منهم صحيح لماذا تقول في معظم الفتاوى (خروج من الخلاف) ؟ أنا من أصحاب الأعذار أجمع الظهر والعصر صوريا والمغرب والعشاء صوريا منذ سنوات طويلة وحتى الآن لأني كنت في مسجد وسمعت الشيخ سيد سابق مؤلف كتاب فقه السنة رحمه الله عندما سئل عن الإمام لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في الفاتحة لا سرا ولا جهرا ماذا يفعل المأموم الذى مذهبه أن البسملة آية من الفاتحة قال يوجد مذهب أن البسملة ليست آية وكل المذاهب صحيحة لأن الاختلاف رحمة حتى يسع الإسلام ناسا كثيرين. لماذا تقول خروجا من الخلاف هل إذا لم يقرأ الإمام البسملة على المأموم إعادة الصلاة وكذلك إذا كان الإمام عند الوضوء لا يمسح إلا ربع الرأس ويصر على ذلك لأنه يتبع مذهب أبي حنيفة معنى ذلك أن المأموم لا يصلي خلفه أو يعيد الصلاة. هل الصح في الفقه الأخذ بما يناسب المسلم من المذاهب أم الأخذ بالأحوط؟ هل إذا أخذت برأى المالكية في أن السلس غير ناقض (ولم أتوضأ منه في الحالتين سواء لازم أكثر من نصف الوقت أو أقل من النصف) من باب أنه أيسر المذاهب ومن شدد شدد الله عليه أكون مخطئا وأن الصلاة باطلة وأعتبر مرتدا وأن الأساس في الشرع هو الخروج من الخلاف؟ لو كان كما تقول لكان الرسول عندما قال لاتصلوا العصر إلا في بني قريظة اختلف الصحابة البعض صلاها قبل الغروب والآخر صلاها بعد الغروب في بني قريظة لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم خروجا من الخلاف كان يجب صلاة العصر مرتين للأحوط مرة قبل الغروب والأخرى في بني قريظة.
من فضلكم إذا لم ترغب في وضع السؤال على موقعكم لأنه طويل، لو تكرمت أرسل لي الرد بالتفصيل على عنواني (البريد الاكتروني) وأسأل الله أن يجعل الوقت الذي تستغرقه في الرد في ميزان حسناتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يشترط في الجمع الصوري بين الصلاتين أن يصل أخراهما بالأولى مباشرة، ويدل لهذا ما في الصحيحين عن أسامة بن زيد أنه قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال ثم توضأ ولم يسبغ الوضوء، فقلت له: الصلاة، قال: الصلاة أمامك، فركب فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت العشاء فصلاها ولم يصل بينهما شيئا، وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود أنه فصل بين العشائين في المزدلفة بتناول العشاء. وقد رجح هذا القول شيخ الاسلام. وهناك قول بوجوب الموالاة بين الصلاتين المجموعتين، وإذا قلنا إنه لا يجب وصلهما فلا مانع من التنفل بينهما خاصة في الجمع الصوري لأن كلا من الصلاتين صليت في وقتها. إلا أن مثل حالة السائل إنما جمع صاحبها ليجمع الصلاتين بطهارة واحدة فإن علم أنه لا ينتقض طهره قبل صلاة الجماعة فلا بأس بانتظاره لها والتنفل قبل إقامة الثانية، وإن خشي خروج الحدث فالأولى أن يبادر بالعصر قبل حصول الحدث لأن الصلاة بالطهارة أولى من الصلاة في الجماعة.
وإن كان صاحب السلس يخرج منه النجس باستمرار ويشق عليه التحرز منه لاتصال خروجه أو كثرته، فعليه أن يغسل المحل جيدا ويعصب عليه بخرقة ونحوها ويصلي. قال ابن قدامة في المغني: من به سلس البول واستمر عليه الحدث ولا يمكنه حفظ طهارته عليه الوضوء لكل صلاة بعد غسل محل الحدث وشده والتحرز من خروج الحدث بما يمكنه، ودليله حديث أم سلمة في شأن المرأة المستحاضة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل. رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
وأما إن كان الحدث الخارج من المحل ينقطع لفترة تتسع للطهارة والصلاة، فعليك أن تؤخر الصلاة والطهارة لهذه الفترة وإن فاتتك الصلاة في جماعة، كما يتعين صلاة كل من المشتركتين في وقتها إن أمكن، وأما الاستنجاء قبيل دخول الوقت والوضوء بعد دخوله فلا حرج فيه.
أما الملابس التي يصيبها النجس فإن أمكن وقايتها بعصابة ونحوها أو كان الإفراز متقطعا بحيث يمكن استبدال الملابس للصلاة، وكان ذلك لا يشق عليك فيجب استبدالها.
وأما إمام الحرمين فهو فقيه من كبار فقهاء الشافعية وليس صاحب مذهب مستقل.
وأما ما جاء في الفتوى عن أبي حنيفة رحمه الله فهو بقية كلام النووي كما في المجموع، والمسألة فيها خلاف عند الأحناف والكلام عليها مبسوط في العناية شرح الهداية للبابرتي وفي شرح تبيين الحقائق للزيلعي فراجعهما للاطلاع على بحث الموضوع.
وأما كون المعذور كالمستحاضة وصاحب السلس يجوز له أن يجمع بين كل صلاتي جمع بطهر واحد فقد دل عليه ما رواه الترمذي وصححه وأبو داود واللفظ له عن حمنة بنت جحش، قالت: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش، فقلت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها قد منعتني الصلاة والصوم، فقال: أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم، قالت هو أكثر من ذلك، قال: فاتخذي ثوبا، فقالت هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر وإن قويت عليهما فأنت أعلم، قال: لها إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي ثلاثا وعشرين ليلة أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزيك، وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهن، وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي وتغتسلين مع الفجر فافعلي وصومي إن قدرت على ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذا أعجب الأمرين إليَّ. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وحسنه الألباني رحمه الله.
وأما استشكال مخالفة إمام من الأئمة لما دل عليه الحديث فنحن نوقن أن هذا الإمام لم يتعمد خلاف الوحي، وإنما يعتذر عنه بواحد من الأعذار التي ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى في رسالته المعروفة بـ (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) حيث قال:
وليعلم أنه ليس لأحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولا عاما أن يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقا يقينيا على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلا بد له من عذر في تركه، وجميع الأعذار ثلاثة أصناف:
أحدها: عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.
والثاني: عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول.
والثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ.
وهذه الأصناف الثلاثة تتفرع إلى أسباب متعددة. انتهى
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا: من ظن أن أبا حنيفة وغيره من أئمة المسلمين أنهم يتعمدون مخالفة الحديث الصحيح لقياس أو غيره فقد أخطأ عليهم، وتكلم إما بظن وإما بهوى.
وبناء عليه؛ فالواجب علي المعاصرين احترام الأئمة وعدم تتبع أخطائهم التي لا يسلم منها غير المعصوم، ومتى ظهر الدليل وجب الأخذ به ولا يجوز العدول عنه، ولا عذر لأحد عند الله في اتباع قول يعلم أن الدليل ثابت بخلافه، ومن فعل ذلك لحقه نصيب من الذم المذكور في قوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّه {التوبة:31} قال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقا على الآية: فمن أطاع أحدا في دين لم يأذن الله به من تحليل أو تحريم أو استحباب أو إيجاب فقد لحقه من هذا الذم نصيب كما يلحق الآمر الناهي، ثم قد يكون كل منهما معفوا عنه فيتخلف الذم لفوات شرطه أو وجود مانعه وإن كان المقتضي له قائما، ويلحق الذم من تبين له الحق فتركه أو قصر في طلبه فلم يتبين له، أو أعرض عن طلبه لهوى أو كسل ونحو ذلك. انتهى.
وأما كون اختلاف العلماء رحمة فمستنده حديث: اختلاف أمتي رحمة. وهو حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الألباني في السلسلة الضعيفة في حديث رقم 57: لا أصل له، وقد جهد المحدثون في أن يقفوا له على سند، فلم يوفقوا حتى قال السيوطي في الجامع الصغير: ولعله خرج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا. وهذا بعيد عندي إذ يلزم منه أنه ضاع على الأمة بعض أحاديثه صلى الله عليه وسلم، وهذا مما لا يليق بمسلم اعتقاده. ونقل المناوي عن السبكي أنه قال: ليس بمعروف عند المحدثين، ولم أقف له على سند صحيح، ولا ضعيف، ولا موضوع. وأقره الشيخ زكريا الأنصاري في تعليقه على تفسير البيضاوي. انتهى.
وقال فيه ابن حزم: باطل مكذوب.
وأما حديث: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. فإنه لا يصح، وقد حكم عليه العلماء بالضعف الشديد، بل حكى بعضهم وضعه. وممن ضعفه الإمام أحمد بن حنبل قال: لا يصح هذا الحديث، وكذلك الإمام ابن عبد البر قال: هذا إسناد لا تقوم به حجة. والإمام ابن حزم قال: هذه رواية ساقطة. وقال الشيخ الألباني: موضوع.
وبناء عليه فليس للمسلم تتبع رخص المذاهب الاجتهادية والجري وراءها دون سبب من الأسباب المعتبرة فإن ذلك يعد هروبا من التكاليف وهدماً لبنيان الدين، وقد اعتبر العلماء هذا العمل فسقا لا يحل ارتكابه.
وحكى ابن حزم الإجماع على ذلك، وقال في الإحكام نقلا عن سليمان التيمي: لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله.
ونقل ابن تيمية عن ابن عبد البر أنه قال: هذا إجماع لا أعلم فيه خلافا وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى ما ينبغي تأمله، فروى كثير بن عبد الله بن عمر وابن عوف المزني عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني لأخاف على أمتي من بعدي من أعمال ثلاثة، قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: أخاف عليهم من زلة العالم، ومن حكم جائر، ومن هوى متبع.
وقال عمر: هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ يهدم الإسلام زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المعتلين.
وقال الإمام أحمد: لو أن رجلا عمل بقول أهل الكوفة في النبيذ وأهل المدينة في السماع وأهل مكة في المتعة كان فاسقا.
وقال الأوزاعي: من أخذ بنوادر العلماء خرج عن الإسلام.
والنقول في هذا الباب كثيرة جدا لا تكاد تحصى، والعلماء متفقون على مضمونها وإن اختلفت عباراتهم، وعلة ذلك عندهم أنه ما من عالم إلا وله زلة في مسألة لم يبلغه فيها الدليل أو أخطأ فهمه فيها الصواب. فمن تبع ذلك وأخذ به تملص من التكاليف الشرعية وزاغ عن جادة الحق وهو لا يدري، فالعالم معذور مأجور، ومتبعه في ذلك بعدما يتبين له الحق مذموم مأزور. قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعدما نقل كلاما لابن المبارك في هذا المعنى: وهذا الذي ذكره ابن المبارك متفق عليه بين العلماء، فإنه ما من أحد من أعيان الأمة من السابقين الأولين ومن بعدهم إلا لهم أقوال خفيت عليهم فيها السنة، وهذا باب واسع لا يحصى، مع أن ذلك لا يحط من أقدارهم ولا يسوغ اتباعهم فيها. انتهى كلامه.
ثم إن الأئمة متفقون على أن مصادر التشريع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والإجماع والقياس، على خلاف بينهم في بعض أقسام هذا الأخير.
وأما الاختلاف الواقع بينهم في مسائل الفروع فهو طبيعي جدا، ومن اطلع على مدارك الخلاف بينهم علم أنهم ما اختلفوا عن هوى، وإنما كان سبب اختلافهم أحد أمرين أساسين:
1- اختلاف فهمهم لمدلول النص الشرعي، وهذا طبيعي جدا لاختلاف فهوم الناس وما جبلهم الله سبحانه وتعالى عليه من التفاوت في المدارك والعقول.
2- التنازع في ثبوت النص وصلاحيته للاحتجاج إن لم يكن قرآنا أوحديثا متواترا، ولله سبحانه في وقوع هذا النوع من الاختلاف حكم بالغة، ولولا ذلك لما حصل.
فإذا رأيت أقوالا مختلفة في مسألة واحدة فليس لك أن تختار بنفسك ما تريد، بل عليك في هذه الحالة أن تبحث عن دليل كل عالم فيما أفتى به، فإن ظهرت لك قوة الدليل في مسألة من المسائل فعليك بالأخذ بما ظهر لك من الدليل الصحيح، ولا تتبع الظنون والاحتمالات، وأما إن كنت غير قادر على التمييز فاسأل أهل الذكر ليميزوا لك الحكم، ولكن لا تبحث عن الشبهات والرخص، ولا تتعصب لعالم معين لأن التعصب يضعف الأمة ويوقد نار العداوة، وقد قال الله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا {آل عمران:103}
فمن علم حكما شرعيا صحيحا قد ثبت دليله، ولم يعلم له مخصصا ولاناسخا ولا معارضا فليس له عذر في ترك اتباعه، واختلاف المجتهدين الذين بذلوا جهدهم دون تعصب للوصول إلى الحق غير مذموم؛ بل هم معذورون. فالمصيب له أجران، والمخطئ له أجر.
ولقد قال الإمام الشافعي: ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله وتعزب عنه. وقال: أجمع الناس على أنه من استبانت له سنة رسول الله لم يكن له أن يدعها لقول أحد. وقال: إذا صح الحديث فهو مذهبي. وقال: كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله عند أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد مماتي.
ثم إن الخروج من الخلاف بالأخذ بالأحوط في الأحكام الشرعية مستحب، ويكون الخروج من الخلاف بفعل ما اختلف في وجوبه، وترك ما اختلف في تحريمه، وذلك اتقاء للشبهة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان بن بشير المتفق على صحته، قال: إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي حول الحمى يوشك إن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، وحمى الله محارمه. هذا لفظ رواية مسلم، ولفظ رواية البخاري: الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهة فمن ترك ما شبه عليه كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه من المأثم أوشك أن يواقع ما استبان.
فلا شك أن صلاة اتفق الأئمة على صحتها أولى من صلاة قال الجمهور ببطلانها، فتجديد صاحب السلس للوضوء عند كل صلاة مستحب عند المالكية كما قال صاحب الرسالة، وهو واجب عند غيرهم إلا في حال الجمع فالأولى الخروج من الخلاف بالأخذ بالأحوط في هذا وهو تجديد الوضوء
واعلم بأن التشدد في الدين مذموم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا. رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظ البخاري، وفي رواية أخرى: إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة.
ومعنى التشدد المذموم المنهي عنه في الحديث هو الإفراط المؤدي إلى الملال، أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل، وليس معناه ترك الأخذ بالرخصة عند الحاجة إليها ولا اتباع الأيسر عملا بالقاعدة " المشقة تجلب التيسير " و " إذا" ضاق الأمر اتسع ".
قال ابن حجر في شرح هذا الحديث مبينا له: وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة، فإنه من الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال، أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل. انتهى. وقال أيضا: وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية، فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع، كمن ترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضي به استعماله إلى حصول الضرر. انتهى.
فعلم بذلك أن التشدد هو: المبالغة في تنفيذ الأمر بما يشق على النفس، ويكون سببا في نفورها ومللها، وعلم كذلك أن التيسير هو: الأخذ بالرخصة عند الحاجة إليها، وتنفيذ الأوامر الشرعية بأسهل الطرق المشروعة، وليس معناه التفريط أو التساهل في أداء التكاليف الشرعية،
وأما الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عمر قال: قال النبي صلي الله عليه وسلم يوم الأحزاب: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي لم يرد منا ذلك، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم. فإن الأصوب في هذا الخلاف فعل من جمع بين الصلاة في الوقت مع الإسراع، ولم يعب على الآخر لاستناده لظاهر النص ولا وجه لأمر واحد منهما بالإعادة؛ لأن من صلى في الوقت وافق الصواب، ومن صلاها ببني قريظة يعتبر قاضيا لها فلا وجه للأمر بقضائها مرة أخرى، قال الحافظ في الفتح: قال السهيلي: وغيره في هذا الحديث من الفقه أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية، ولا على من استنبط من النص معنى يخصصه.
وقال ابن القيم في الهدي ما حاصله: كل من الفريقين مأجور بقصده إلا أن من صلى حاز الفضيلتين امتثال الأمر في الإسراع وامتثال الأمر في المحافظة على الوقت، ولا سيما ما في هذه الصلاة بعينها من الحث على المحافظة عليها وأن من فاتته حبط عمله، وإنما لم يعنف الذين أخروها لقيام عذرهم في التمسك بظاهر الأمر ولأنهم اجتهدوا فأخروا لامتثالهم الأمر لكنهم لم يصلوا إلى أن يكون اجتهادهم أصوب من اجتهاد الطائفة الأخرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو الحجة 1426(24/85)
أمثلة من الفقه الافتراضي
[السُّؤَالُ]
ـ[فلقد أجبتم مشكورين إجابة موجزة مختصرة في الفتوى المرقمة 64785 وأرجو تبيين الأمثلة لما تمثلت إجابتكم في افتراض الأقدمين لمسائل من خلالها استفاد المحدثون منها في مسائل مغايرة لها كتحويل الجنس من التلقيح الصناعي، فما هي هذه المسائل؟ ولكم الثواب من الله هو خير ثوابا وأقرب رحما.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الذي تسأل عنه -أيها الأخ الكريم- هو ما يعرف بالفقه الافتراضي، وقد عرفه العلماء بأنه البحث في مسائل لم تقع فعلاً، ولكن يقدر وقوعها، وقد بينا لك من قبل أنه قد اشتهرت به مدرسة العراق، وأنه يكثر في الفقه الحنفي، فراجع فيه كتبهم مثل البحر الرائق، والمبسوط، وفتح القدير وغيرها إذا كنت تريد الاطلاع عليه.
ويمكن أن نذكر من أمثلته أن تجلس امرأة على مني رجل في حمام -مثلاً- فيشرب فرجها مني الرجل، فما الحكم إذا حملت من ذلك الماء وولدت؟ وهل ينسب الولد إلى زوجها إن كانت ذات زوج؟ وهل تحد إذا لم تكن متزوجة؟ وهل يلزمها الغسل من الجنابة؟ ونحو ذلك ...
كما يمكن أن يمثل لهذا النوع من الفقه أيضاً بتخيل امرأة حامل سقط منها جنينها حياً فالتقطته سيدة أخرى ووضعته في رحمها، فلأيهما ينسب هذا الجنين؟ إلى غير ذلك مما ستجده إذا عدت إلى المصادر التي بينا لك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رمضان 1426(24/86)
كتب فقهية على المذاهب الأربعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أفضل الكتب التي تشرح المذاهب الإسلامية الأربعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأولى أن تأخذ أقوال كل مذهب من كتبه المعتمدة فيه فعلماؤه ومؤلفوه هم أعلم الناس به وأدق في نقل أقواله وأدلته، ومن الكتب المعتمدة في تلك المذاهب ما يلي:
ففي المذهب الحنفي يمكن الرجوع إلى المبسوط للشيباني أو بدائع الصنائع للكاساني أو البحر الرائق لابن نجيم وغيرها من كتب الحنفية.
وفي المذهب المالكي يمكن الرجوع إلى المدونة الكبرى لمالك أو الاستذكار لابن عبد البر أو مختصر خليل وشروحه وحواشيه.
وفي المذهب الشافعي يمكن الرجوع إلى كتاب الأم للشافعي أو المجموع للنووي أو منهاج الطالبين له أيضاً وما عليه من شروح وحواش.
وفي المذهب الحنبلي يمكن الرجوع إلى المغني لابن قدامة أو كشاف القناع للبهوتي أو المحرر في الفقه لشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرها.
وأما الكتب التي حاولت أن تجمع المذاهب الأربع وتذكر أقوالها وأدلتها فهي كثيرة، ومنها كتاب الإفصاح لابن هبيره وبداية المجتهد لابن رشد والاشراف لابن المنذر والفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي وموسوعة الفقه الإسلامي وغيرها، فقد حاولت جمع المذاهب كلها وذكر أقوالها وأدلتها، ولكن يبقى المرجع الأساس لأي مذهب هي كتبه وكتب علمائه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1426(24/87)
المذاهب الفقهية المعتبرة
[السُّؤَالُ]
ـ[كم المذاهب الإسلامية وهل كلها تصدق؟
وجزا كم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مذاهب أهل الإسلام الفقهية كثيرة ويصعب حصرها، ومن أهم ما دون منها المذاهب السنية الأربعة، وكلها مذاهب صحيحة مستمدة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهدي صحابته ومن تبعهم بإحسان، وهذه المذاهب هي: المذهب الحنفي، والمذهب المالكي، والمذهب الشافعي، والمذهب الحنبلي.
ومن اتبع أحد هذه المذاهب فقد سلك طريق الحق، وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة عن المذاهب في الفتاوى التالية أرقامها: 28457، 44156، 54510 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1426(24/88)
أتباع المذاهب الفقهية المعتبرة كلهم إخوة في الله
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا الحنفي لا يجوز أن يصافح الشافعي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي كلهم يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويتبعونه، وتلك إنما هي مدارس فقهيه لاستنباط الأحكام من الأدلة وغايتها واحدة وهدفها واحد.
وإن وُجِدَ بعض المتعصبين لأحد المذاهب يصل به الغلو والجهل إلى معاداة من يتبع غير مذهبه فلا يصلي خلفه أو لا يسلم عليه ونحو ذلك، فإنه ينسب للجهل والغلو والتعصب المذموم، ولا ينسب إلى مذهب الشافعي ولا أبي حنيفة، وإلا فالمذاهب الفقهية كلها مذاهب صحيحة معتبرة، وأتباعها كلهم إخوة لا فرق بينهم في شيء، يصلون خلف إمام واحد وإلى قبلة واحدة، ويستمدون من مشرب واحد ألا وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن اعتقد غير ذلك أو فهمه فهو جاهل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1426(24/89)
الكتب المعتمدة في المذاهب الأربعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الكتب الصحيحة المحققة في الفقه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان المقصود من السؤال الكتب المحققة التي تحكي المعتمد في كل مذهب من مذاهب أهل السنة الأربعة المتبوعة، فإنها كالتالي:
في مذهب الحنفية: المعتمد عندهم: كنز الدقائق للنسفي، ثم المختار للموصلي، ومتن القدوري المعروف بـ الكتاب.
وفي مذهب المالكية: الرسالة لابن أبي زيد، والكافي لابن عبد البر، ومختصر خليل ومن شروحه المعتمدة: الشرح الكبير للدردير، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ومن أوسع شروحه: مواهب الجليل للحطاب، ومعتمد المغاربة في الفتيا: تقريرات الرهوني على حاشية البناني على شرح الزرقاني على مختصر خليل.
والمعتمد في مذهب الشافعية نهاية المحتاج للرملي وتحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي
والمعتمد في التدريس في المعاهد العلمية ونحوها: متن أبي شجاع. وشروحه.
وفي مذهب الحنابلة: الإنصاف للمرداوي. والإقناع للحجاوي وشرحه كشف القناع للبهوتي، ومنتهى الإرادات لابن النجار وشرحه للبهوتي.
والمعتمد في التدريس في المعاهد العلمية ونحوها: زاد المستقنع للحجاوي، وشرحه الروض المربع للبهوتي.
وللفائدة: انظر برنامجاً علمياً للمبتدئين في طلب العلم في الفتويين: 57232، 59868.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 شعبان 1426(24/90)
لا يجب على العامي التزام مذهب معين
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني منذ فترة من الوسوسة وقد وجدت بموقعكم هذا العديد من الإجابات التي أرى أنها تريحني من هذه الوساوس غير أنني قرأت فتوى على موقع آخر تقول إن التلفيق للتقليد في مسألة واحدة باطل. صراحة لم أفهم الفتوى لكن لدي بعض الاستفسارات أرجو أن تجيبوني عنها
أولا هل الدلك يستوجب إمرار باطن الكف على كامل العضو لأنني أقضي وقتا طويلا في الوضوء حتى أتحقق ذلك.
ثانيا هل علي الالتزام بالدلك أثناء الوضوء والغسل واتباع المذهب المالكي المتبع عندنا أم أستطيع العمل بقول جمهور أهل العلم في هذه النقطة. كذلك بالنسبة للشك الحاصل في الصلاة هل علي العمل بما قاله لي الفقهاء المالكيون أم أستطيع اتباع غيرهم ممن يرون رأيا آخر أرى أنه أفضل لي وبصفة عامة إذا تعلقت فتوى على هذا الموقع أو غيره بجزئية محددة من مسألة ما هل أعمل بها أم أرى ما يقول الفقهاء المالكيون]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدلك في الوضوء والغسل واجب على القول المشهور عند المالكية، ويكون بباطن الكف أو بظاهرها أو ما يقوم مقامها، ووجوبه عندهم شامل لجميع العضو المغسول، وراجعي التفصيل في الفتوى رقم: 65334.
ومذهب جمهور العلماء عدم وجوب الدلك كما تقدم في الفتوى رقم: 51428 ولا مانع من اتباع مذهب جمهورأهل العلم في هذه المسألة، كما يجوز لك العمل بفتوى صادرة ممن يوثق بعلمه ولو كانت مخالفة للمذهب المالكي سواء تعلقت بمسألة الشك في الصلاة أو غيرها، لأن العامي لا يجب عليه التزام مذهب معين، وراجعي التفصيل في الفتوى رقم: 56633 والفتوى رقم: 32653.
وللتعرف على حكم التلفيق بين المذاهب راجعي الفتوى رقم: 37716 مع الفتاوى المربوطة بها.
وعلاج الوسوسة في الطهارة وغيرها سبق تفصيله الفتوى رقم: 7578 والفتوى رقم: 51601.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1426(24/91)
فروق في أحكام الصلاة بين مذهبي الحنابلة والمالكية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين صلاة المالكي والحنبلي]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصلاة جملة محل اتفاق بين المسلمين، إلا أن العلماء أئمة المذاهب المشهورة وغيرهم من أئمة الاجتهاد اختلفوا في بعض أحكامها، وسبب الخلاف هو اختلافهم في فهم النصوص الواردة في ذلك، فكل يستدل لما ذهب إليه بما صح عنده أو أداه إليه اجتهاده، والاختلاف في مسائل الفقه بدأ منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم فكانوا ربما يختلفون في المسألة الواحدة ولا يعيب أحد على أحد ولا يخطئه.
ولبيان أحكام الصلاة في المذهبين المذكورين تراجع كتب الفريقين في باب الصلاة، ولا تسع ذلك فتوى، علما بأن الفريقين يتفقان في سائر أركان الصلاة ماعدا التشهد الأخير والجلوس والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، فهذه من أركان الصلاة عند الحنابلة ومن سننها عند المالكية ماعدا قدر السلام من التشهد الأخير فإنه واجب عندهم لوجوب السلام والجلوس له.
ويمكن تلخيص معظم الفروق بينهما في الأقوال والأفعال في غير الأركان فيما يلي:
1- ... رفع اليدين عند الركوع والرفع منه وعند القيام من الثانية لا يطالب به في المذهب المالكي في الرواية المشهورة عندهم، وهي التي مشى عليها خليل، وهو من السنن عند الحنالبة.
2- ... دعاء الاستفتاح بعد تكبيرة الإحرام غير مستحب عند المالكية، وهو من السنن عند الحنابلة.
3- ... التعوذ والبسملة غير مشروعين عند المالكية في الفرض، ومن سنن الصلاة عند الحنابلة.
4- ... وضع اليد اليمنى على اليسرى في القيام في الصلاة من سنن الصلاة عند الحنابلة، ولا يستحب عند المالكية في الفرض على الرواية المشهورة عندهم، وهي رواية ابن القاسم.
5- ... الجهر بالتأمين في الصلاة الجهرية من السنن عند الحنابلة، وعند المالكية يستحب الإسرار لكل من يطلب منه التأمين، وهو عندهم الفذ مطلقا، والإمام في حالة السر فقط، والمأموم في حالة السر وفي حالة الجهر إن سمع قراءة الإمام، وإلا فلا يطالب به على الراجح.
6- ... الجلوس في الصلاة فعند الحنابلة يفترش المصلي إلا في جلسة التسليمة من غير الثنائية، فيتورك، وعند المالكية يتورك في جميع الجلوس في الصلاة.
7- ... السلام عند الحنابلة يسلم مرتين وجوبا وعند المالكية مرة واحدة.
8- ... يستحب عند المالكية تقديم اليدين على الركبتين في حال الهوي للسجود، وعند الحنابلة العكس.
هذا معظم الفروق في هيئة الصلاة على المذهبين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1426(24/92)
لا ينكر في مسائل الخلاف المعتبر
[السُّؤَالُ]
ـ[أخ مسلم نصحته عدة مرات بأنه لا يُحسن الوضوء لأنه يمسح رأسه ثلاث مرات بكثير من الماء وكذلك أذنيه ولكنه أصر على عناده بأنه لن يغير طريقة وضوئه، ثم بعد ذلك ادعى أنني أصطنع معه المشاكل مع أنني أنصح الإخوة لوجه الله تعالى، هل عدم اتباع السُنة في الوضوء (مثل هذه الحالة) يبطل الوضوء وبالتالي يبطل الصلاة، وهل يجوز أن يكون هذا الأخ إماماً لنا في بعض الصلوات مثل صلاة الجمعة حيث إننا مجموعة صغيرة في بلد أجنبي للدراسة، وبم تنصحوني في كيفية نصح المسلمين وتصحيح أخطائهم (على ما أعتقد) حيث إننا في زمن الكل يصر على الخطأ ولو كان في حق من حقوق الله ولا يقبل النصيحة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مسح الرأس واجب وهو من فرائض الوضوء المذكورة في القرآن الكريم، ولا تستحب الزيادة على مسحة واحدة يقبل فيها ويدبر، وقد تقدم في الفتوى رقم: 11540، أن هذا قول أكثر أهل العلم، وأن الشافعي رحمه الله تعالى يستحب عنده أن يمسح مرة ثانية وثالثة إلا أن قول الأكثر أرجح، لكن من فعل ذلك لا يبطل وضوؤه ولا صلاته، ويصح أن يكون إماماً إن صلح لذلك من النواحي الأخرى، ولا ينكر عليه إن كان يفعل ذلك تقليداً لمن ذكرنا من أهل العلم، ولبيان بعض آداب النصيحة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 13288.
لكن ينبغي للمرء أن لا يتعجل في إنكار كل ما يراه مخالفاً لما يعلم من أمور العبادات وغيرها خصوصاً المسائل التي قد يتطرق إليها خلاف العلماء، إذ قد يكون ذلك الشخص على مذهب فقهي أنت لا تعرف عنه شيئاً، وبالتالي فهو ليس مخطئاً لأنه يتبع قول بعض الأئمة في مسائل الفقه، فإذا سارع أحد إلى الإنكار عليه وقع الخلاف والتشاجر وهذا غير محمود، وقد ذكر أهل العلم أن من شروط إنكار المنكر أن يكون الشخص المتصدي لذلك عارفاً بحكم ما ينكر، وما يأمر به، وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 31086.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 جمادي الثانية 1426(24/93)
من أسباب اختلاف الفقهاء في بعض المسائل الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[مشايخنا الأفاضل لدي سؤال يخص مسألة السنة والبدعة
لماذا اختلاف العلماء في بعض الأمور أهي سنة ام بدعة، فيوجد من العلماء من قال لا حرج في قراءة القرآن جماعة جهرا وهذا أحد الأمثلة فقط ومما يثيرني كذلك الاختلاف المهول بين العلماء في مسائل لا أظن أن الاختلاف فيها محمودا مثلا قضية الإسبال يوجد فيها قولان لماذا الاختلاف فيها وهي تتعلق بمصير العبد يوم القيامة فهل من أخذ بالقول الذي يبيح ذلك ومات عليه سيعاقب بالنار لماذا لا يجتمع العلماء ويجتمعون في مسائل الخلاف الكثيرة.
أرجو منكم الإجابة هذا وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاختلاف بين أهل العلم في بعض الأمور واقع فعلاً، ومن أسبابه خلافهم في فهم النصوص، أو اطلاع بعضهم على أدلة صحت عنده ولم تبلغ الآخر، أولم تصح عنده، ومن ذلك خلافهم في بعض الأشياء هل هو سنة أو بدعة، ثم إن الإسبال ثبت النهي عنه والوعيد عليه بالنار في السنة الصحيحة كما في حديث البخاري: ما أسفل من الكعبين في النار.
وقد سبقت لنا فتاوى في تحريمه وفي القراءة الجماعية، وتوضيح البدعة وأسباب خلاف العلماء، فراجع منها الفتاوى التالية أرقامها: 631، 27933، 53515، 1633، 31463.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1426(24/94)
الفروق بين المذاهب الفقهية المعتبرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن اطرح سؤالا أفيدوني يفيدكم الله ... ما الفرق بين المذهب الشافعي والحنفي؟!]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمذهبا الإمام الشافعي والإمام أبي حنيفة هما من مذاهب السنة التي هي مناهج لفهم الشريعة الإسلامية، وأساليب في تفسير نصوصها، وطرق في استنباط الأحكام من مصادرها: الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
ولا يمكن حصر الفرق بين هذين المذهبين في فتوى ولو بلغت أقصى ما يمكنها أن تبلغه من الطول.
فعلى من يريد هذا الفرق أن يخصص جزءا لا بأس به من وقته لدراسة أصول هذين المذهبين وقواعدهما، وسيتعرف بعد ذلك على الفروق بينهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1426(24/95)
التفرق في الدين واختلاف المذاهب الفقهية
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ما رأيكم في قول النبي عليه الصلاة والسلام: لا أحزاب في الدين؟ وما المقصود بالمذاهب الأربعة: (الحنبلي, الشافعي, المالكي، والحنفي وما الفرق بينهم) ؟
وجزاكم الله كل خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نطلع بعد البحث على حديث بهذا اللفظ إلا أنه قد ثبت ذم الشارع لمن فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ {الأنعام: 159} .
وقال تعالى: وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ {الروم: 31-32} .
وهذا التفرق المذموم هو التفرق الذي يحصل به مفارقة الدين كليا أو جزئيا كما حصل لأهل البدع والأهواء والضلال، وراجع تفسير ابن كثير في ذلك.
وأما المذاهب الأربعة، فليست في هذا الباب، وإنما كان خلافهم في بعض الأمور الفرعية، وقد عرف عن الأئمة الحض على التمسك بالسنة إذا خالفت آراءهم.
وراجع في التعرف بها، والكلام عليها الفتاوى التالية أرقامها: 2397، 62771، 16829، 8675.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1426(24/96)
لا يعدل عن الكتاب والسنة لقول أحد من الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في بلد إسلامي يتبع المذهب الحنفي، مع العلم بأننا في بلدنا نتبع المذهب الحنبلي، ولذلك نجد إختلافا كثيرا في العبادات كالصلاة مثلا، كعدم قول آمين جهراً والدعاء الجماعي بعد كل صلاة وجعل الإقامة كالأذان، مع العلم بوجود الكثير من الشركيات والبدع كالاحتفال بالموالد واستخدام مكبرات الصوت بين الصلوات المفروضة في قراءة القرآن والأناشيد والتراتيل، مع العلم بقلة علمنا بمذهبنا وجهلنا التام بالمذهب الآخر وعدم قدرتنا على الحصول على مراجع دينية تفيدنا لأنها بلد غير عربي، أفيدونا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم -أخي الكريم- أن هذه المذاهب المتبعة اليوم، والتي من بينها المذهب الحنبلي والمذهب الحنفي، منسوبة لأئمة عظام كان لهم بالغ الأثر في ازدهار الفقه ونمائه وتقدمه، وقد أسسوا مدارس فقهية انضوى تحت لوائها فقهاء كبار.
ورغم ما لهذه المذاهب وأصحابها من الفضل، فإنه لا يجب التزام مذهب معين منها، وإنما الذي يجب أن يلتزم هو الكتاب والسنة، وحيث ظهر الدليل فهو المعول عليه، ولا يجوز العدول عنه إلى قول أحد كائناً من كان، فلا يدفع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بقول أحد، ولا عذر لأحد عند الله في اتباع قول يعلم أن الدليل ثابت بخلافه.
والاختلاف بين المذاهب مبني على الاجتهاد والنظر في المسائل التي تقبل ذلك مما لا نص فيه ولا إجماع، ولا يصح أن تكون فيها شركيات أو بدع، فالشركيات والبدع هي من إحداث العوام والفساق، وليست من المذهب الحنفي ولا غيره من مذاهب السنة.
وهذه الأمور التي نسبتها إلى أولئك الذين وصفتهم بأنهم أتباع المذهب الحنفي، ليست كلها بدعا، وقد تقدم الكلام على أحكامها في فتاوانا السابقة، فلك أن تراجع في حكم الجهر أو الإسرار بالتأمين الفتوى رقم: 12241.
وراجع في حكم الدعاء الجماعي بعد كل صلاة فتوانا رقم: 26399.
وراجع في الأذان والإقامة عند أهل السنة فتوانا رقم: 6251.
وراجع في استخدام مكبرات الصوت بين الصلوات بقراءة القرآن فتوانا رقم: 11511.
وراجع في حكم الاحتفال بالموالد الفتوى رقم: 1563.
وراجع في حكم الأناشيد في المسجد الفتوى رقم: 20136.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1426(24/97)
المذهب الذي يتبعه العامي وطالب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم, سؤالي باختصار:
أولا: هل يجب على كل مسلم اتباع مذهب معين من المذاهب الأربعة، إذا كان الجواب نعم, فكيف يختار، إذا كان الجواب لا, كيف يختار الأحكام، رأي الجمهور؟ أم الرأي الذي تميل وترتاح له النفس؟ أم الرأي الذي تهواه النفس (كيف نحدد إذا كان ارتياحا أو اتباع هوى) ؟ هل صحيح أن بعض الأحاديث لم يكن يعلمها الأئمة الأربعة؟ وهذه الأحاديث لها دور في الأحكام والآراء؟
ثانيا: هل صحيح أن كتاب فقه السنة به أحاديث ضعيفة؟ وهل هناك نسخه جديدة بالتصحيحات؟ وما رأيكم في كتاب \"الفقه في المذاهب الأربعة\" والْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ، لا أدري من أين أبدأ, وكثيرا ما أجد كتبا لكن أجد أيضا كتبا للرد عليها. أرشدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب على المسلم طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ {النساء:59} ، وقال تعالى: اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ {الأعراف:3} ، وإذا أشكل عليه أمر من دينه سأل من يثق بعلمه وورعه من أهل العلم، ومذهبه مذهب من يفتيه إن كان عامياً فالعامي لا مذهب له.
أما إذا كان من طلبة العلم المتبصرين الذين حصلوا من علوم الدليل وعلوم الآلة ما يجعلهم يستطيعون به الوقوف على الأدلة في المسألة والترجيح بينها، فمن وصل إلى هذه المرحلة يلزمه الأخذ بما ترجح عنده من الأدلة بغض النظر عن المذهب الذي يتبعه، وهذه المرحلة يسميها بعض أهل العلم بالتبصر أو الاتباع، وفوقها مرحلة الاجتهاد، فمن وصل إليها واستوفى شروطها لا يجوز له التقليد وإنما يعمل بما ترجح عنده بالدليل، وأما كيفية اختيار المذهب فإن العامي لا مذهب له -كما أشرنا إليه- وإنما مذهبه مذهب من يفتيه، ولكن عليه أن يختار الأعلم والأتقى والأورع حسب وسعه، وكيفية الاختيار لما يذهب إليه طالب العلم -الذي درس أصول الفقه، وعلوم الحديث، وعلوم اللغة..- يجب أن تكون بناء على ما ترجح عنده بالدليل دون اتباع للهوى.
وأما كون بعض الأئمة الكبار فاتتهم بعض الأحاديث فهذا لا مانع منه ولا يقدح فيهم ولا يقلل من شأنهم، ولكنه إذا فات بعضهم لا يمكن أن يفوتهم جميعاً، وبإمكانك أن تطلع على رسالة صغيرة في هذا الموضوع لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعنوان (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) بين فيها أسباب الاختلاف بين الأئمة.
وأما كتاب فقه السنة على أهميته لطالب العلم -فليس كتاب حديث يلتزم بصحة الأحاديث- وإنما هو كتاب فقه يستدل بالأحاديث وغيرها ويذكر أماكنها في كتب السنة لهذا لا مانع أن تكون فيه أحاديث ضعيفة، وقد ألف المحدث الألباني كتاب تمام المنة في تخريج أحاديث فقه السنة، بإمكانك الرجوع إليه لمعرفة ما فيه من الأحاديث الضعيفة.
وأما كتاب الفقه في المذاهب الأربعة للجزيري فهو كتاب جيد على العموم ويمكن لطالب العلم أن يستفيد منه، وأما كتاب المغني فهو كتاب غني عن التعريف ومهم جداً لطالب العلم الذي يهتم بالفقه المقارن وأدلته ... وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة والتفصيل وأقوال أهل العلم في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5812، 17519، 20876، 26350 وما أحيل إليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الأولى 1426(24/98)
موقف المسلم من اختلاف العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو كالتالي قد نجد في بعض المسائل الفقهية رأي جمهور العلماء ثم نجد رأي بعض الشيوخ أمثال ابن تيمية مخالفا في هذه الحالة،إن أخذ المسلم برأي الشيخ ابن تيمية فهل هذا يجوز شرعا وجزاكم الله عنا خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا اختلف العلماء، فإن على المسلم إن كان له نظر في الأدلة أن يتبع من أقوالهم ما كان أظهر صوابا وأرجح دليلا، مع ترك التعصب للأئمة والحذر من تقديم أقوالهم على نصوص الشرع، مع إنزالهم منزلتهم اللائقة بهم، والاستفادة من اجتهاداتهم في فهم نصوص الشرع، والحذر من تتبع رخص الأقوال والترجيح بالتشهي بما يناسب هوى المستفتي.
أما إن كان عاميا ـ أي غير متخصص في علوم الشريعة، ولا له نظر في الأدلة ـ فعليه أن يستفتي من هو من أهل العلم والورع من غير ترخص.
واعلم أن المأخوذ به هو سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أينما وجدت، سواء كانت مخالفة لمذهب الجمهور أو موافقة له.
قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله وتعزب عنه وقال: أجمع الناس على أنه من استبانت له سنة رسول الله لم يكن له أن يدعها لقول أحد. وقال: إذا صح الحديث فهو مذهبي. وقال: كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله عند أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد مماتي. ومثل هذا الكلام عند جميع الأئمة.
واعلم كذلك أن شيخ الإسلام ابن تيمية هو أحد علماء هذه الأمة الراسخين المجتهدين، وهو كغيره من أهل العلم، يؤخذ من قوله ويرد. فمن كان من أهل النظر في الأدلة فليس له أن يحيد عن الدليل، ومن كان بخلاف ذلك فلا مانع من أن يأخذ بقول أي واحد من أهل العلم تطمئن نفسه إلى علمه وورعه، وبالتالي فله أن يأخذ في هذه الحال بقول شيخ الإسلام ابن تيمية، سواء كان موافقا لمذهب الجمهور أو مخالفا له. لأن مقارنة رأي الجمهور بآراء العلماء الآخرين ليس في وسع سائر الناس، وإنما هو لأصحاب النظر والاستدلال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1426(24/99)
اتباع المذاهب الفقهية
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت عن عملكم في هذه الشبكة وفي قسم الفتاوى وجدت فيه أنكم تأخذون من الكتاب والسنة لا تعصبا لعالم ولا لمذهب، هذا جميل جدا ولكن الذي وجدته في الفتوى برقم27788 تحت عنوان (كتب ينصح بقراءتها للمبتدئين في طلب العلم) وفي السطر الثالث عشر ما يلي: وأما في الفقه، فالأمر متوقف على معرفة البلد لتحديد المذهب فيها....... إلخ. هل معنى هذا أنهم عامية ويجب عليهم الاقتداء بالمذهب الذي في بلادهم فإن كان مذهبهم صوفيا أو طرقيا أو غيرها من المذاهب التي تخالف الكتاب والسنة علما أن هذه المذاهب تدعي السنة فما مفهوم هذه العبارة في فتواكم تحت هذا الرقم المذكور أعلاه.
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا من قبل أن الإنسان إذا كان من أهل الاجتهاد مستوفيا لشروطه التي ذكرها العلماء، فهذا لا يجوز له التقليد، وإنما يعمل بما ترجح عنده بالدليل الشرعي، وإن كان ممن يستطيع الوقوف على أدلة كل مذهب في المسألة والترجيح بينها، فهذا يلزمه العمل بما تظهر له قوته من دليل في أي مذهب كان. وأما من كان من العوام وهم الأكثر فإنه يجب عليه أن يسأل فيما أشكل عليه من يثق في علمه وورعه. كما قال تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ {النحل: 43} . وقولنا في الفتوى التي أشرت إليها: وأما في الفقه، فالأمر متوقف على معرفة البلد لتحديد المذهب فيها. لا نعني به أن الإنسان ملزم باتباع مذهب معين، وأنه لا يجوز له الخروج عنه، وإنما نعني فقط أن الإنسان يميل في الغالب إلى ماهو معروف في بلده، وأنه يثق أكثر في العلماء الذين عرفهم، واطمأن إلى ورعهم. والغالب أن علماء كل بلد أدرى بالمذهب المنتشر في ذلك البلد. ونحن نرى أنه من غير المناسب أن ينصح أو يوجه طالب مبتدئ يريد أن يقرأ مقدمة في الفقه وهو من أهل الجزيرة العربية مقيم فيها بقراءة مقدمة عبد الرحمن الأخصرى في الفقه المالكي، أو ينصح مبتدئ في الفقه في المغرب العربي بمقدمة في الفقه الحنفي أو الشافعي. ثم إن موضوع الصوفية والطرقية لا تدخل في كلامنا، لأن العبارة التي أشرت إليها تعني الفقه، وهذه ليست مذاهب فقهية. وإذا كان أصحاب الطرقية والصوفية يدعون أن صوفيتهم وطرقيتهم سنية، فليس فيهم من يدعي أنها مذاهب فقهية. وينبغي لطالب العلم أن يميز بين ما تعنيه كلمة الفقه في الاصطلاح الشائع عند طلبة العلم وبين موضوع العقيدة وما يتعلق بها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1426(24/100)
هل من قلد عالما لقي الله سالما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة القول من قلد عالما أتى الله سالما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان قصدك بصحة هذا القول صحة نسبته إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال الألباني في الضعيفة إنه لا أصل له.
وإن كان القصد صحة معناه في الشرع وأن من قلد عالما في مسألة أو مذهب فقد برئت ذمته فإن ذلك ليس على إطلاقه.
قال الشيخ سيدي عبد الله الشنقيطي في المراقي:
وقول من قلد عالما لقي * الله سالما فغير مطلق
ثم قال في الشرح: إنما يسلم إذا كان قول العالم راجحا، أو ضعيفا عمل به للضرورة مع حصول شروط العمل بالضعيف، أو لترجيحه عند ذلك العالم إن كان من أهل الترجيح.
وقد نقلت هذه العبارة عن عدد من علماء المذاهب الفقهية.
ففي كتاب الإتقان والإحكام على تحفة الحكام لميارة المالكي أن يحيى السراج سئل فقيل له: ما تقول فيمن قلد الأبهري الذي يقول لا شيء في هذه اليمين سوى الاستغفار (الأيمان اللازمة) ؟ أو قول ابن عبد البر الذي يقول إن عليه كفارة يمين؟
قال ابن السراج: فمن قلد ذلك فهو مخلص فإن من قلد عالم لقي الله سالما.
وكذلك نقلت هذه العبارة عن أصحاب المذاهب الأخرى، ففي كتاب رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين الحنفي قال: من جعل أبا حنيفة بينه وبين الله رجوت أن لا يخاف لأنه قلد إماما عالما صحيح الاجتهاد سالم الاعتقاد، ومن قلد عالما لقي الله سالما.
وعلى ذلك، فهذا القول صحيح النسبة لكثير من أهل العلم، ولكنه ليس على إطلاقه كما تقدم.
قال الإمام ابن عبد البر: أما من قلد فيما ينزل به من أحكام شريعته عالما يتفق له على علمه فيصدر في ذلك عما يخبره فمعذور، لأنه قد أدى ما عليه وأدى ما لزمه فيما نزل به لجهله، ولا بد له من تقليد عالم فيما جهله لإجماع المسلمين أن المكفوف يقلد من يثق بخبره في القبلة لأنه لا يقدر على أكثر من ذلك.
وراجع للأهمية الفتاوى التالية: 6787، 35416، 17519.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1426(24/101)
مخالفة العامي المذهب في مسألة ما
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعيش في أوروبا ولمعرفة أوقات الصلاة أستخدم هذا البرنامج http://www.islamicfinder.org/athanDownload.php?lang=english
البرنامج لديه طريقتان لحساب وقت صلاة العصر الأولى لأبي حنيفة رحمه الله والثانية للشافعي ومالك وأحمد رحمهم الله، أنا أتبع مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله، ولكن هذا يسبب مشكلة لأن الجامع في مدينتي يتبع الطريقة الأخرى، فماذا علي أن أفعل؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في فتاوى سابقة أن العامي لا يلزمه التزام مذهب معين بل له أن يتنقل من مذهب إلى غيره شريطة أن لا يكون ذلك للتشهي، وعليه فلا حرج عليك أن تعمل بغير مذهب أبي حنيفة في هذه المسألة لا سيما وصاحبا أبي حنيفة وهما أبو يوسف ومحمد بن الحسن ذهبا إلى ما ذهب إليه الجمهور كما في تبيين الحقائق للزيلعي، بل هناك رواية عن أبي حنيفة رحمه الله موافقة لقول الجمهور، والمذاهب كلها على خير، وقد نقل عن أبي يوسف أنه صلى الجمعة مغتسلا من الحمام ثم أخبر بفأرة ميتة في بئر الحمام فقال نأخذ بقول إخواننا من أهل المدينة: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1426(24/102)
الشيخ أحمد شاكر والمحلى والإحكام
[السُّؤَالُ]
ـ[علمت أن العلامة أحمد محمد شاكر له عمل على كتاب المحلى لابن حزم والإحكام في أصول الأحكام. فما هو هذا العمل هل هو مناقشة أم مجرد مقدمة أم حكم على الأحاديث المحتج بها؟ وأرجو أن ترشدوني إلى أعظم وأجل الكتب في الرد على أهل الظاهر عامة وابن حزم خاصة والتي ترونها وافية كافية ذات حجة بالغة خلا أعلام الموقعين.بارك الله فيكم ورحمكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اطلعنا على نسخة المحلى التي طبعتها دار الفكر ـ بيروت، وهي مصورة عن المطبعة المنيرية، لصاحبها محمد منير الدمشقي، وهي بدون مقدمة الشيخ أحمد شاكر، ولا ندري هل حذفوها أو لم يكتب مقدمة يشرح فيها منهجه في العمل. وباستقراء عمل الشيخ في الكتاب وجدنا أنه رحمه الله قد قابل بين نسخ الكتاب المخطوط وصححه وأثبت الفروق بين النسخ، وضبط أحاديث الكتاب التي يرويها ابن حزم بإسناده وراجعها على كتب الأصول، وخرج بعض الأحاديث وناقش بعضها وحكم على بعض الأسانيد. كما أن الشيخ شرح بعض الغامض وضبط بعض الأسماء، وله بعض الاختيارات الفقهية والتوجيهات، كما أنه ناقش ابن حزم في بعض المسائل. ثم إن الشيخ قد صنع فهرساً لمسائل الكتاب في نهاية كل جزء. هذا، وليعلم أن إخراج الشيخ للمحلى كان في بداية إنتاج الشيخ العلمي، وأهمية عمله الأساسية كانت في إخراج الكتاب محققاً في صورة قشيبة وليس في التعليق والتحشية عليه. وأما عمله في إحكام الأحكام فلم يتيسر لنا الاطلاع عليه. وأما الرد على ابن حزم فتجده في ثنايا الكتب التي ترجمت له، ومن أهمها وأوسعها كتاب: ابن حزم وفقهه وآرؤه. للشيخ محمد أبو زهرة، كما يمكنك الاستماع لمحاضرة بعنوان: وقفة مع الإمام ابن حزم. للشيخ عبد الرحيم الطحان ضمن شرحه لجامع الإمام الترمذي. رحمه الله. هذا، وإن من أحسن ما ألف عن فقه الظاهرية كتاب: الدليل عند الظاهرية للدكتور نور الدين الخادمي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1426(24/103)
ابن حزم ومذهب الظاهرية
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت عن الإمام ابن حزم وأنه صاحب مذهب الظاهرية فلماذا لم ينتشر هذا المذهب مثل باقي المذاهب وحينما أقرأ أحيانا بكتب الفقه ويذكر رأيه يقال غالبا (وتطرف ابن حزم في رأيه فقال......) فلماذا يعد رأيه تطرفا هل هو مخالف للاجماع؟ وكنت قد قرأت أن الأئمة الأربعة أبا حنيفة ومالكا والشافعي وابن حنبل كلا منهم كان إمام أهل السنة والجماعة في زمنه فهل ابن حزم كان كذلك أيضا أم لا؟ وإن كان لا فلماذا؟ فهل كان عليه مخالفات لإجماع أهل السنة والجماعة مثلا؟ وقرأت انتقادات لكتاب له اسمه طوق الحمامة فما هو موضوع هذا الكتاب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلمذهب الظاهرية إمامان، الأول: داود بن علي الأصبهاني وهو منشيء المذهب. الثاني: أبو محمد ابن حزم الأندلسي وهو المجدد للمذهب الظاهري، وقد كان له الفصل في بيان المذهب وبسطه، ولمعرفة مكانة ابن حزم العلمية وأقوال العلماء فيه وما وجه إليه من نقد، راجع الفتوى رقم: 58463.
أما عدم شيوع مذهب الظاهرية فله عدة أسباب من أهمها قلة علماء المذهب وقلة كتبه فلم يشتهر منها إلا كتب أبي محمد ابن حزم، إلا أنه كان شديد العبارة على بعض العلماء، فكان ذلك سبباً لإعراض بعض العلماء عن كتبه وطعن بعضهم فيه فكان لذلك أكبر الأثر في خمول المذهب.
قال في الموسوعة: والحق أن بقاء مذهب ما أو انتشاره يعتمد على ثقة الناس بصاحب المذهب واطمئنانهم إليه، وعلى قوة أصحابه ودأبهم على نشره. اهـ
هذا بالإضافة إلى أنه حكيت أقوال كثيرة مكذوبة عليه، وعلى داود بن علي أدت إلى نفرة العوام والخواص عن المذهب.
أما قول بعض أهل العلم تطرف ابن حزم في رأيه وما شابه فسببه إفراطه بالقول بالظاهر مع نفيه لفحوى الخطاب والقياس الجلي والقياس مع عدم الفارق مما أوقعه في غرائب في بعض الأحيان جعلت العلماء يعجبون منها لما يعلمونه من فرط ذكائه ومعرفته بالسنة حتى قال ابن تيمية: فالمسألة التي يكون فيها حديث يكون جانبه فيها ظاهر الترجيح. اهـ
وقد كان رحمه الله موافقاً لأهل السنة معظماً للسلف، لكنه خلط بين أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل الصفات، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 58463 مما جعله مخالفاً لأئمة أهل السنة في بعض المسائل، ولعل هذا من أسباب عدم كونه إماماً لأهل السنة كباقي الأئمة إلا أنه رأس في علوم الإسلام، ولم يخالف أبو محمد الإجماع إلا نادراً وفي مسائل محصورة، والسبب في ذلك أن ابن حزم لا يقول بحجة الإجماع الذي لا يستند إلى دليل، فكان إذا وجد إجماعاً لا دليل عليه لم يقل به وإلا فهو يقول بإجماع كل عصر خلافاً لداود بن علي، ولكن يشترط وجود الدليل، قال في الإحكام: الأصول التي لا يعرف شيء من الشارع إلا منها هي: نص القرآن ونص كلام الرسول صلى الله عليه وسلم مما صح عنه ونقله الثقات أو التواتر وإجماع جميع العلماء. اهـ
وقد رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى بما حاصله أن العلماء يكتفون في بعض الأحيان بذكر الإجماع عن ذكر الدليل.
أما كتابه طوق الحمامة فهو من كتب الأدب، وقد طالته يد التغيير كما سبق في الفتوى رقم: 37128.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1426(24/104)
الحكم الشرعي بين الفقيه والمحدث
[السُّؤَالُ]
ـ[ممن يؤخذ الحكم الشرعي إذا تعارض الرأيان، من الفقيه أم من المحدث؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المقدم منهما من كان معه الدليل الشرعي من الكتاب أو السنة ... ولا بأس أن يسأل المستفتي المفتي عن دليله ليطمئن قلبه ويتثبت من قول المفتي، قال في المراقي (ألفية الأصول) :
ولك أن تسأل للتثبت * عن مأخذ المسؤول لا التعنت
ثم عليه غاية البيان * إن لم يكن عذر بالاكتنان
فإذا لم يكن في المسألة دليل من نص أو إجماع أو قياس جلي أو قول لإمام من أهل العلم الكبار، فإنه يقدم الفقيه إذا لم يكن المحدث فقيهاً، لأن الفقيه يكون غالبا أدرى بأصول الفقه وقواعده ومقاصد الشريعة وكيفية الاستنباط، وكذا يقدم الأورع والأتقى منهما إن استويا في المعرفة، قال في المراقي:
وزائد في العلم بعض قدما * وقدم الأورع كل القدما
هذا وينبغي للمحدث أن يتفقه وألا يكتفي بسرد الأحاديث وصحتها وضعفها دون فهم لفقهها، كما ينبغي للفقيه أن يكون معه الدليل دون الاكتفاء بحفظ متون الفقهاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1425(24/105)
للمرء اقتفاء آثار أي من مذاهب أهل السنة الأربعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من أهل السنة حنفي مسلم والزوجة في المستقبل هي من أهل السنة مالكية مسلمة، فأين نعيش بعد الزواج لذلك أنا باكستاني وهي جزائرية، ماذا سيكون مذهب أطفالنا، الحنفي أم المالكي، هل من الممكن أن ابني يتبع المذهب الحنفي وابنتي تتبع المذهب المالكي، أريد الجواب بالتفصيل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من أن يكون الأبناء على مذهب غير مذهب أبيهم، أو على مذهب غير مذهب أمهم، ولا مانع من أن يكون ابنك على مذهب، وبنتك على مذهب آخر، ما دام الأمر في نطاق مذاهب أهل السنة الأربعة، لأن هذه المذاهب حق. قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه المبارك (المغني) 1/29: فإن الله تعالى برحمته وطَوله، وقوته وحوله، ضمن بقاء طائفة من هذه الأمة على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، وجعل السبب في بقائهم بقاء علمائهم، واقتداءهم بأئمتهم وفقهائهم، وجعل هذه الأمة مع علمائها، كالأمم الخالية مع أنبيائها، وأظهر في كل طبقة من فقهائها أئمة يقتدى بها، وينتهى إلى رأيها، وجعل في سلف هذه الأمة أئمة من الأعلام، مهد بهم قواعد الإسلام، وأوضح بهم مشكلات الأحكام، اتفاقهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة، تحيا القلوب بأخبارهم، وتحصل السعادة باقتفاء آثارهم، ثم اختص منهم نفراً أعلى أقدارهم ومناصبهم، وأبقى ذكرهم ومذاهبهم، فعلى أقوالهم مدار الأحكام، وبمذاهبهم يفتي فقهاء الإسلام. انتهى، وانظر الفتوى رقم: 31408، والفتوى رقم: 22612.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو القعدة 1425(24/106)
إلزام المقلد العمل بمذهب معين فيه حرج ومشقة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أرسل إليكم وأسألكم دائما فيما يستعصي علي من أمور الدين.. ولكن مؤخرا قال لي الأصدقاء إنني باعتمادي وأخذي بفتاوى أهل المشرق, أكون خارجا على الجماعة هنا ... وقال إن أهل المشرق يأخذون بمذهب الشافعية والحنابلة بينما يتبع هنا المذهب المالكي. هل صحيح أنني خارج على الجماعة هكذا ?
وجزاك الله خيرًا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجماعة الواجب الاعتصام بها هي جماعة أهل السنة، والمراد أن يلتزم المسلم أصول أهل السنة والجماعة في العقيدة وأصول الدين.
وأما الفقه والفروع فيسوغ للمسلم الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد أن يقلد أحد مذاهب أهل السنة والجماعة المتبوعة، وهي المذاهب الأربعة، الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي. وانظر الفتوى رقم: 6787.
والأولى بطالب العلم أن ينشغل بدراسة المذهب الذي يعمل به في قطره ويقضى به في محاكمه الشرعية حتى لا يشذ عن قومه، ولكن عليه أن لا يتعصب للمذهب الذي يقلده، ويظن أن غيره من المذاهب باطل..
هذا، ولقد اختلف العلماء في المقلد هل يجب عليه أن يلتزم مذهبا معينا في كل حادثة يريد أن يعرف حكم الشرع فيها أو لا يجب عليه ذلك؟ ولقد رجح الإمام النووي وغيره عدم وجوب تقليد إمام معين في كل المسائل والحوادث التي تعرض له، بل يجوز له أن يقلد أي مجتهد شاء، فلو التزم مذهبا معينا كمذهب الإمام الشافعي رحمه الله لا يجب عليه الاستمرار في تقليده، بل يجوز له أن ينتقل منه إلى مذهب آخر. قال ابن عبد البر رحمه الله: لم يبلغنا عن أحد من الأئمة أنه أمر أصحابه بالتزام مذهب معين لا يرى صحة خلافه، بل المنقول عنهم تقريرهم الناس على العمل بفتوى بعضهم بعضا، لأنهم كانوا على هدى من ربهم، ولم يبلغنا في حديث صحيح ولا ضعيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من الأمة بالتزام مذهب معين لا يرى خلافه. اهـ.
والدليل على ذلك:
أولا: أن الشرع لا يوجد فيه ما يوجب على غير المجتهد أن يتتبع إماما معينا أو يلتزم مذهبا بعينه، وإنما أوجب عليه أن يتتبع أهل العلم ويسألهم من غير تخصيص بعالم دون عالم.
ومادام الأمر كذلك، فلا يجب على المقلد الالتزام بمذهب معين، لأنه لا واجب إلا ما أوجبه الله تعالى.
ثانيا: أن غير المجتهدين في عصر الصحابة ومن بعدهم كانوا يسألون أي واحد من العلماء عما يحتاجون إليه من غير التقيد بعالم أو مذهب بعينه، ولم ينكر عليهم أحد في أي عصر من العصور، فكان ذلك إجماعا منهم على أن غير المجتهد لا يجب عليه أن يحصر نفسه في مذهب معين أو يقلد إماما معينا في كل ما يعرض له من حوادث ووقائع.
ثالثا: أنه يترتب على القول بتقيد المقلد بمذهب معين الحرج والشدة، والله تعالى يقول: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج: 78} .
فاختلاف المجتهدين في الأحكام العملية رحمة من الله وتوسعة، ومن ثم، فإن إلزام المقلد العمل بقول مذهب معين فيه حرج ومشقة.
ولهذا لما ألف الإمام مالك رحمه الله كتاب الموطأ أعجب به الخليفة العباسي واستأذنه أن يفرقه على الأمصار، ويحمل الناس على العمل به وترك ما خالفه من الفتاوى ولو بالسيف رفض الإمام مالك رحمه الله وقال: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإن الصحابة تفرقوا في الآفاق ورووا أحاديث غير أحاديث أهل الحجاز التي اعتمدتها، وأخذ الناس بذلك، فدعهم وما هم عليه من الأخذ بما وصل إليهم من علمائهم، وإن الله عز وجل قد جعل اختلاف علماء هذه الأمة في الفروع رحمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1425(24/107)
من أسباب الخلاف بين أهل العلم في الفروع الفقهية
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الإمام الألباني بوجوب عدة أمور في الصلاة مثل التعوّذ من الأربع بعد الصلوات الإبراهيمية والصلوات الإبراهيمية نفسها وكذلك التشهد والجلوس له حتى كيفية الجلسة وكذلك كيفية الرّكوع بأدقّ تفاصيلها وقول سمع الله لمن حمده وقول ربنا لك الحمد وتكبيرات الانتقال وكيفية السّجود واتخاذ السترة والدّنوّ منها ودفع المارّ بين الذي اِتخذ سترة وكل ذلك واجب عنده وذلك لثبوت الأمر بذلك من الكتاب والسنّة
غير أنّ أغلب هذه الأمور عند كثير من العلماء الآخرين هي مستحبة أو سنّة
فهل أصل الاختلاف في هذه المسألة هو اختلاف في الأصول وإن كان كذلك فما هو هذا الاختلاف؟ وما هو القول الرّاجح؟ ولماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخلاف بين أهل العلم في هذه الفروع الفقهية قديم، والألباني أخذ بأحد أقوالهم أو ملفق بينها باجتهاد منه رحمه الله تعالى، ونحن في الحقيقة لم نقف على أقواله في كل المسائل المطروحة، وعلى سبيل المثال التعوذ من عذاب القبر ومن عذاب جهنم.. بعد التشهد الثاني، قال بوجوبه طاووس والظاهرية، وقال ابن حزم بوجوبه حتى في التشهد الأول، وأما جماهير أهل العلم ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة المحفوظة المشهورة فيرون عدم وجوبه، وهو الذي نأخذ به.
وتفصيل كلام العلماء في كل الفروع التي طرحتها يطول، ولكن نذكر لك مذهبا واحدا في هذه المسائل، وهو مذهب الشافعية رحمهم الله، وهو من المذاهب السائدة في بلادكم الأردن، والعمل به صحيح لغير المتأهل من العلماء للنظر في الأدلة والترجيح بينها، وقد ذهبوا إلى سنية الصلاة على آل محمد وإبراهيم وآله في التشهد الثاني دون الأول، وقيل تجب في الثاني، كما في "مغني المحتاج" للشربيني.
وأما التشهد الأول والجلوس له فهما من أبعاض الصلاة، ويعني ذلك عندهم أنه دون الواجب وفوق السنة، ويجبر تركه بسجود السهو، سواء ترك عمدا أو سهوا، وأما التشهد الثاني والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والجلوس لهما ففروض لا تصح الصلاة إلا بها، وأما الجلوس للتشهد فلا تجب له جلسة معينة، وإن كانت السنة أن ينصب القدم اليمنى ويفرش اليسرى ويجلس عليها في التشهد الأول، وأما في الثاني فيتورك، وصفته: أن ينصب المصلي رجله اليمنى ويضع بطون أطراف أصابعه على الأرض ورؤوسها للقبلة، ويخرج يسراه من جهة يمينه ويلصق وركه بالأرض، وكذا إليته اليسرى.
وأما الركوع فحقيقته أن ينحني المصلي بحيث يمكنه وضع بطن كفيه على ركبتيه، وأما قول سمع الله لمن حمده وهكذا سائر تكبيرات الانتقال فسنة، وكذا قول ربنا لك الحمد للإمام والمأموم والمنفرد.
وأما كيفية السجود فهي أن يكون على سبعة أعظم: الجبهة، والأنف، واليدان، والركبتان، وبطون القدمين.
وأما السترة والدنو منها ودفع المار فمستحبات، وأما سبب الاختلاف فيها، فراجع إلى اختلاف أفهام العلماء فيما يقتضيه الدليل، كالأمر -مثلا- هل هو للوجوب أو للندب، ونحو ذلك، وكيفية إعمال القواعد الفقهية والأصولية ونحو ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شوال 1425(24/108)
الاختلاف الفقهي سنة من سنن الله في خلقه
[السُّؤَالُ]
ـ[كل عام وأنتم بخير بمناسبة الشهر الفضيل سؤالي لكم: ما هي الحكمة من اختلاف الأئمة الأربعة في اجتهاداتهم؟ هل يجوز اتباع أكثر من رأي لهؤلاء الأئمة العظام في مسألة معينة؟ وما هي منزلة شيخ الإسلام ابن تيمية من هؤلاء الأئمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالاختلاف الفقهي سنة من سنن الله تعالى في خلقه، وقد اختلف الأنبياء هذا النوع من الاختلاف، وهم أفضل الخلق، كما حكى الله عن داود وسليمان في شأن الغنم التي أكلت حرث القوم، قال تعالى: وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا {الأنبياء: 78-79} .
واختلف الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في أمور كثيرة، والاختلاف إما أن يكون سببه أن هذا العالم لم يطلع على النص الذي استدل به غيره أو أنه رأى غيره أرجح منه أو أنه فهم منه ما لم يفهم الآخر أو أنه علم بنسخه أو تخصيصه أو تقييده أو غير ذلك مما هو معروف في علم الأصول.
والاختلاف إنما يكون في الفروع الاجتهادية، وأما أصول الدين والفروع المعلومة من الدين ضرورة، فإنه لا يجوز الاختلاف فيها، ولم يختلف فيها أحد من أهل السنة.
ومن كان له القدرة على معرفة الأدلة واستخراج الأحكام منها، فواجبه أن يتبع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخبر متواتراً كان أو غير متواتر، ومن لم يكن له أهلية لذلك، فلا حرج عليه في أن يتبع أي هذه المذاهب تيسر له، وراجع في هذا فتوانا رقم: 32653.
ولمعرفة المنزلة العلمية لشيخ الإسلام ابن تيمية يمكنك أن تراجع فتوانا رقم: 7022.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1425(24/109)
مسألة حول اتباع المذاهب الفقهية
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يعرف الشخص مذهبه (شافعي، حنبلي.....) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كيفية معرفة الشخص لمذهبه الذي يريد أن يتعبد الله تعالى عليه، ويتعامل وفق ما جاء فيه من المعاملات يتطلب منه ذلك أن يتعلم قواعده التي بني عليها، وكيفية الاستنباط والتعامل مع نصوص الوحي التي قعدها أهل كل مذهب، وهي موجودة في متونهم الفرعية، وفي كتب الأصول التي دونوها، ولا يفيد تعلم القواعد إلا بعد التفقه في الفرعيات.
وننبه السائل الكريم إلى أن هذه المذاهب إنما هي مدارس اجتهد أهلها في دراسة القرآن والسنة، ومقاصد الشريعة الإسلامية واستنبطوا من ذلك القواعد والأصول التي يستخرجون منها الأحكام الشرعية للنوازل والأحداث المتجددة، لأن نصوص الوحي محدودة وحوادث الحياة متجددة، وكل فعل من أفعال المكلفين له حكم في الشرع يعرف ذلك أهل العلم.
فكل مدرسة من هذه المدارس لها قواعدها وأصولها التي من خلالها تستنبط الأحكام، وإن كانت متفقة على المرجعية العليا التي هي القرآن والسنة ومقاصد الشريعة، وإنما يكون اختلافها في المسائل الفرعية، وأئمة هذه المذاهب من أعلام أهل السنة، فمن اتبع أحدهم فهو على خير ما دام في مرحلة التقليد.
أما من وصل إلى رتبة الاجتهاد فليس له أن يقلد، كما ننبه السائل الكريم إلى أنه لا يلزمه اتباع مذهب معين، ولكن له أن يختار المذهب الذي يطمئن إليه، أو يتوفر علماؤه في بيئته التي يعيش فيها.
والاتباع لهذه المذاهب إنما هو اتباع لكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ {الأعراف:3} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1425(24/110)
كتب قديمة وحديثة في الفقه المقارن
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد لو سمحتم وتكرمتم أن تذكروا لي أهم كتب الفقه المقارن القديم والحديث جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كتب الفقه المقارن هي الكتب التي تذكر الخلاف العالي بين أصحاب المذاهب المدونة وأقوال الفقهاء الذين لم تدوّن مذاهبهم مع ذكر أدلة كل منهم، والخلاف العالي مذكور في كتب العلماء في كتب الفقه وكتب التفسير وكتب الحديث، فمن كتب الفقه: (المغني) للإمام ابن قدامة المقدسي، و (المجموع شرح المهذب) للإمام النووي، و (المحلى بالآثار) للإمام ابن حزم. ومن كتب تفسير آيات الأحكام: آيات الأحكام لابن العربي وآيات الأحكام للجصاص والجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي. ومن كتب شروح أحاديث الأحكام: و (الاستذكار) للإمام ابن عبد البر، و، و (إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام) للإمام ابن دقيق، العيد و (طرح التثريب) للحافظ العراقي، و (سبل السلام) للأمير الضعاني، و (نيل الأوطار) للشوكاني. ومن كتب المعاصرين: (الفقه على المذاهب الأربعة، للجزيري، و (الفقه الإسلامي وأدلته، لوهبة الزحيلي. ومما ينبغي أن ننبه له أن تحرير المعتمد عند أهل كل مذهب لا يؤخذ من كتب الخلاف والفقه المقارن، بل ينبغي أن يؤخذ من كتب المذاهب، لأنها أكثر تحريراً واعتناء بأقوال أئمتها، وهم الأعلم بأقوال الإمام والرواية المعتمدة عنه وغير ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1425(24/111)
لا تترك السنة لأجل الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أخالف بلدي من حيث المذهب حيث إن القضاء يحكم بمذهب الإمام مالك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وقول السائل هل يجوز لي أن أخالف بلدي من حيث المذهب ... الخ.
فقد تقدم قول الإمام الشافعي رحمه الله في عدم ترك السنة من أجل الناس، وقد كان الأئمة جميعاً رحمهم الله ينهون أتباعهم عن مخالفة السنة الثابتة لأجل أقوالهم.
وانظر الفتوى: 6787، 26480، 22612.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1425(24/112)
من القتاوى حول المذاهب الأربعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف معلومات عن المذاهب الأربعة؟
وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الموضوع يحتاج لبحث طويل، وقد سبقت لنا فتاوى متعلقة بالموضوع، فراجع الفتوى رقم: 2397، والفتوى رقم: 44156 وإحالاتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1425(24/113)
الحق ما وافق الدليل وإن قل القائلون به
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قول جمهور الفقهاء حجة (للأحاديث النبوية التي تحثنا على التمسك بالجماعة وعدم مفارقتها وكذلك السواد الأعظم..) ؟؟!! أرجو من سيادتكم الرد على هذه الشبهة بتحقيق علمي مسهب كما هو عهدنا بكم دائما, وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وردت نصوص كثيرة في الحث على الجماعة ونبذ الفرقة نحو قوله صلى الله عليه وسلم يد الله مع الجماعة. رواه الترمذي عن ابن عباس، وعنه أيضا من خطبة لعمر رضي الله عنه قال: عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد.
وورد الأمر باتباع الجمهور إذا وقع اختلاف. روى ابن ماجه من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فإذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الأعظم. قال السندي في شرحه نقلا عن السيوطي: والحديث يدل على أنه ينبغي العمل بقول الجمهور ولا شك أن اجتماع الأئمة الأربعة يقدح في القلب إنسا بقولهم.
ومع هذا، فقول الجمهور ليس دائما هو الصواب، بل الصواب ما قوي دليله وإن قل القائلون به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1425(24/114)
مذهب العلامة ابن باز رحمه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: بأي المذاهب كان العلامة عبد العزيز ابن باز يقتدي؟ مشكورين وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعلامة ابن باز رحمه الله تخرج ودرس الفقه على المذهب الحنبلي، وهو المذهب السائد في بلده، ولكنه رحمه الله كان يقول بما دل عليه الدليل وما صح به الحديث، وإن خالف مذهب الحنابلة، ولم يكن متقيداً رحمه الله بمذهب معين، بل كان مذهبه الدليل من الكتاب والسنة وإن خالف مذهبه الذي درسه وتخرج عليه، وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 11168.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1425(24/115)
وجه عمل الإمام مالك ببعض الضعيف
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيرا ما أسمع عبارة نحو \"القول الراجح هو خلاف ما ذهب إليه مالك لأنه استدل بحديث ضعيف\"، والسؤال لماذا لم يكن الإمام مالك رحمه الله يتأكد من صحة الحديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإمام مالك رحمه الله تعالى غني عن التعريف، لما كان يتميز به من الورع وسعة العلم ورجاحة العقل، ودقة التعليل وحسن الاستنباط وصحة الإسناد.. ولا نزكي على الله أحدا.
وله مذهب كسائر أهل المذاهب الآخرين، بناه على أصول مأخوذة كلها من مقاصد الشرع الحنيف، نحو سد الذرائع، والمصالح المرسلة، والاستحسان، وتحكيم العرف والعادة حيث يجوز ذلك، والعمل بمذهب الصحابي حيث ذلك سائغ، وشرع من قبلنا، والاستصحاب، وعمل أهل المدينة..
وهذا بالطبع إضافة إلى الأصول المتفق عليها كالكتاب والسنة والإجماع والقياس.
وهو دقيق في تصحيح الحديث وتخريجه، ومع ذلك، فلا تنسب إليه العصمة بحال من الأحوال، وعمله بالحديث الضعيف قد يكون من باب الخطأ، وقد يكون مبنى المسألة عنده بعض الأصول التي قدمنا وليس الحديث الضعيف، مع أن الحديث الضعيف يجوز العمل به بشروط هي:
1- ... ... أن يكون الحديث في فضائل الأعمال.
2- ... ... أن يكون ضعفه غير شديد.
3- ... ... أن يندرج تحت أصل معمول به.
4- ... ... أن لا يعتقد ثبوته عند العمل به، بل يعتقد الاحتياط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(24/116)
معنى شروط الصحة وشروط الوجوب
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو الفرق بين شروط الوجوب وشروط الصحة على الفقه الحنبلي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشروط الصحة هي الأمور التي يتوقف عليها صحة الفعل شرعاً، كشرط الطهارة للصلاة، وشرط خطبتين لصحة الجمعة.
أما شروط الوجوب فهي الأمور التي يتوقف عليها وجوب العبادة على المكلف، كاشتراط الإسلام والحرية، وامتلاك نصاب من المال الزكوي، ومرور الحول في ما يشترط له الحول، لوجوب الزكاة، فإذا اختل شرط من هذه الشروط لم تجب الزكاة، ومما يجدر التنبه له أنه لا فرق في ذلك بين المذهب الحنبلي وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1425(24/117)
الأئمة الأربعة كانوا يعلمون صحيح الحديث من ضعيفه
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول أحدهم \"كيف يعقل أن الأئمة الأربعة الذين هم من أعظم أئمة الإسلام كانوا لا يعلمون صحيح الحديث من ضعيفه ... ، بل إنهم كانوا يضعفون ويصححون بغير طريقة هؤلاء الذين أبطلوا المذاهب الفقهية من أجل سلفية مزعومة\"
أرجو -بارك الله فيكم- ردا على هذه الشبهة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة الإسلام كالأوزاعي والسفيانين والحمادين والليث بن سعد وغيرهم كانوا يعلمون صحيح الحديث من ضعيفه، إلا أنهم كانوا يتفاوتون في ذلك، ويختلفون في صحة بعض الأحاديث وضعفها نظراً لاختلافهم في راوٍ معين، هل هو مقبول أم لا، أو لقيام شاهد للحديث الضعيف سنداً في نظر بعضهم دون بعض، أو اختلافهم في قبول المرسل أو رده، واختلافهم في قبول الحديث الذي خف ضعفه إذا لم يكن في الباب غيره ونحو ذلك مما هو معروف لدى المشتغلين بهذا الفن، وأما الذين جاءوا من بعدهم من المحققين كالحافظ ابن عبد البر والحافظ المزي والحافظ ابن حجر والذهبي والسبكي وغيرهم، فإنهم ساروا على منهجهم ورجحوا بين أقوالهم حسب ما رأوه صواباً عندهم، وهكذا من جاء بعد هؤلاء كالسيوطي والمناوي والهيتمي وهكذا إلى يومنا هذا، إذا تبين هذا فمن سلك منهج هؤلاء فلا تثريب عليه، وأما من خالفه وانتهج منهجاً آخر ينقض به منهجهم وقواعدهم ويخالفهم في أحكامهم على الأحاديث فهو مبطل أيا كان، وفي أي زمن وجد، وهذا لا نعلمه في أحد من علماء الدعوة السلفية، والحكم على شخص معين أو طائفة معينة بأنهم خالفوا منهج السلف يحتاج إلى دراسة وتثبت من قبل المشتغلين، ثم الحكم عليهم بعد ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1425(24/118)
المذهب المالكي.. والتقيد به
[السُّؤَالُ]
ـ[مارأيكم في المذهب المالكي والتقيد به]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمذهب المالكي مذهب معروف معتبر له رجاله وكتبه، وهو كغيره من المذاهب الأخرى المحفوظة، وهي الحنفي والشافعي والحنبلي، وكلها سبيل لفهم كلام الله ورسوله، فالمتبع لواحد منها على هدى وخير، ولكن لا يجب على أحد التزام واحد منها بعينه، بل للمؤهل أن يختار من غير مذهبه كالإمام النووي -رحمه الله- فقد كان شافعياً لكن له اختيارات، وكشيخ الإسلام ابن تيمية فقد كان حنبلياً وله اختيارات، وغيرهما كثير، وكذا المقلد له أن يقلد مذهباً وينتقل منه إلى غيره، وقد أشرنا إلى هذا الموضوع مفصلاً في الفتوى رقم: 31408، وفي الفتاوى المحال عليها فيها فلتراجع. وراجع الفتوى رقم: 5592.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1425(24/119)
المذاهب الأربعة لقيت من العناية ما لم يلق غيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا توجد هناك أربعة مذاهب؟
هل يمكنكم أن تعطوني بعض الأسماء لكتب تحكي قصة الخلفاء الراشدين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمذاهب الفقهية الإسلامية لا تنحصر في أربعة مذاهب، فهناك مذاهب أخرى غيرها كمذهب الإمام الثوري، ومذهب الإمام الأوزاعي، ومذهب الإمام الطبري، ومذهب الإمام الليث بن سعد، وغير ذلك من مذاهب الأئمة، ولكن المذاهب الأربعة المشهورة نالت قدراً عظيماً من التحقيق والعناية، وتواترت جماهير علماء الأمة على تنقيحها ودراستها، بخلاف غيرها من المذاهب التي لم تلق هذه العناية، وهذه المذاهب الأربعة وغيرها هي مذاهب اجتهادية في مسائل الشريعة الفرعية، وهي جميعها لا تختلف في أصول الدين، وإنما الخلاف بينها محصور في دائرة الأدلة الظنية، التي تخلتف فيها أنظار العلماء، ولذلك حِكَمٌ عظيمة، قد ذكرنا طرفاً منها في الفتوى 16387، والفتوى رقم: 26350، وراجع أيضاً للأهمية الفتوى رقم: 7763، والفتوى رقم: 40050.
وأما الكتب التي تتحدث عن سير الخلفاء الراشدين فهي كثيرة، نذكر منها مقدمة سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، صفة الصفوة لابن الجوزي، وغيرها كثير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1424(24/120)
سبب تسمية أهل الرأي بهذا الاسم
[السُّؤَالُ]
ـ[ ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1 ـ امرأة حامل في الشهر الثامن، طلّقها زوجها طلاقاً رجعيّا، وبعد شهر من الطّلاق مات الزّوج.
... ماهي العدّة التي تعتدّها الزّوجة؟
2 ـ لماذا اختصّ أهل العراق بما يسمّى بمدرسة الرّأي، وأهل الحجاز بمدرسة الحديث؟
وتفضّلوا سيدي الشيخ بقبول فائق الاحترام والتقدير]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتعتد بوضع حملها لا بعدة الوفاة، وانظر الفتوى رقم: 5267 فقد ذكرنا فيها دليل ذلك، وعلى هذا الحكم الذي ذكرنا اتفق الفقهاء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم.
وذهب علي بن أبي طالب وابن عباس في إحدى الروايتين عنه وابن إبي ليلى وسحنون إلى أن الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد بأبعد الأجلين، وهذا القول بعيد عن الصواب، وقد نقل اتفاق الفقهاء بعد ذلك، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: وقد كان بين السلف نزاع في المتوفى عنها أنها تتربص أبعد الأجلين، ثم حصل الاتفاق على انقضائها بوضع الحمل.
ونقل الإمام ابن المنذر الإجماع على ذلك.
وأما سؤالك لماذا سمي أهل الرأي بذلك فسبب ذلكهو أنهم اشتهروا بإعمال القياس أكثر من غيرهم، واعلم أن الرأي قد عمل به كل الأئمة، وليس العمل بالرأي عيباً، فهذا أعلم الأمة بالحلال والحرام معاذ بن جبل يقول عند سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم له كيف تقضي إذا عرض لك قضاء، قال: أقضي بكتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في كتاب الله، قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله. رواه أبو داود والترمذي، قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير: رواه أبو داود والترمذي بإسناد ضعيف، قال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل، وقال البخاري مرسل، وقال ابن حزم لا يصح، وقال عبد الحق لا يسند ولا يوجد من وجه صحيح. ا. هـ
وذهب الخطيب البغدادي وابن القيم إلى تقوية الحديث، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: فهذا حديث وإن كان عن غير مسمين فهم أصحاب معاذ فلا يضره ذلك، لأنه يدل على شهرة الحديث، وأن الذي حدث به الحارث بن عمرو عن جماعة من أصحاب معاذ لا واحد منهم، وهذا أبلغ في الشهرة من أن يكون عن واحد منهم لو سمي، كيف وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى؟ ولا يعرف في أصحابه متهم ولا كذاب ولا مجروح، بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم، لا يشك أهل العلم بالنقل في ذلك، كيف وشعبة حامل لواء هذا الحديث؟ وقد قال بعض أئمة الحديث: إذا رأيت شعبة في إسناد حديث فاشدد يديك به، قال أبو بكر الخطيب: وقد قيل إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ، وهذا إسناد متصل، ورجاله معروفون بالثقة، على أن أهل العلم قد نقلوه واحتجوا به، فوقفنا بذلك على صحته عندهم، كما وقفنا على صحة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا وصية لوارث، وقوله في البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته، وقوله: إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحلفا وترادا البيع، وقوله: الدية على العاقلة وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد، ولكن لما تلقتها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها، فكذلك حديث معاذ لما احتجوا به جميعاً غنوا عن طلب الإسناد له، انتهى كلامه.
والرأي المذموم هو الرأي الصادر عن هوى، وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى رضي الله عنه: الفهم في ما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب والسنة، اعرف الأشباه والأمثال ثم قس الأمور عند ذلك، فاعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق. رواه الدارقطني والبيهقي.
إلا أن الحنفية توسعوا في الرأي والقياس وذلك لأمور:
منها: تشددهم في التثبت حيث اشترطوا شروطاً لقبول الحديث لم يشترطها غيرهم من فقه الراوي عند التعارض وغير ذلك، فقلت الأحاديث بأيديهم فتوجهوا إلى قياس ما نزل بهم من النوازل على ما ثبت عندهم من نصوص وفق الشروط التي وضعوها واشترطوها.
ومنها: أنهم لا يعملون بالحديث إذا خالف الأصول الشرعية التي ثبتت.
ومنها: أنهم لا يعملون بخبر الآحاد في ما تعم به البلوى إلى غير ذلك مما هو معروف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو الحجة 1424(24/121)
مسألة تشريك النية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن القيام بعملين يحملان نفس النية، وماهو رأي المالكية في الأمر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالمسألة المسؤول عنها تعرف بمسألة التشريك، ولمعرفة التفصيل فيها راجع الجوابين التاليين: 6579 / 7273 ومذهب المالكية في هذه المسألة هو جواز الجمع بين عبادتين في نية واحدة في ما يلي: 1-إذا كانت العبادتان متداخلتين مع اتحادهما في الحكم ككونهما واجبتين، فالمرأة التي انقطع حيضها وعليها جنابة قبل ذلك يجزئها غسل واحد إذا نوت الاغتسال من الأمرين أو أحدهما ناسية للآخر، قال خليل في المختصر: وإن نوت الحيض والجنابة أو أحدهما ناسية للآخر حصلا. انتهى. 2-أن تكون العبادتان متداخلتين إحداهما واجبة والأخرى سنة، كمن عليه جنابة مع إرادة غسل الجمعة فيجزئه غسل واحد عنهما إذا نواهما معاً، أو نوى كون غسل الجنابة نائباً عن غسل الجمعة، قال خليل في مختصره أيضاً: أو نوى الجنابة والجمعة أو نيابة عن الجمعة حصلا. 3-أن تكون العبادتان إحداهما غير مقصودة بذاتها كتحية المسجد مع ركعتي الفجر فتنوب الثانية عن الأولى، قال خليل في شأن رغيبة الفجر: ونابت عن التحية. انتهى. وقال الشيخ الخرشي في شرحه لمختصر خليل: ويستحب أيضاً إيقاعها في المسجد لأنها تنوب عن التحية في إشغال البقعة، ففعلها في المسجد محصل للتحية بخلاف فعلها في البيت فإنه مخل بذلك. انتهى. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(24/122)
المذاهب الأربعة وسبب اختلافها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أريد أن أسأل في مسألة المذاهب الأربعة (المالكية الشافعية الحنبلية ... ) :
هل أستطيع أن أتبع مذهبا في مسألة معينة، ثم أتبع مذهبا آخر في مسألة أخرى؟
ولماذا توجد بعض الاختلافات بين المذاهب (مثلا مسألة بلع البلغم عمدا في شهر رمضان) ماذا اتبع؟
شكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن المذاهب الأربعة والتمذهب والتزام مذهب معين وسبب اختلاف المذاهب، وذلك في الفتاوى التالية: 17519، 5812، 26350.
وأما عن مسألة بلع البلغم للصائم، فقد تقدم الكلام عنها في الفتوى رقم: 24697.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو القعدة 1424(24/123)
الطريق الصحيح في التفقه للعامي وطالب العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[في هذا الموقع وجدت العديد من الفتاوى وعلى رأي المذاهب الأربعة ولكنني محتار، أي هذه المذاهب يمكنني الاختيار، هل أختار كما أحب، هل يجب علي أن أتبع المذهب المعمول به في بلدي (وإن لم أرد أن أتبع المذهب المعمول به في بلدي واتباع مذهب آخر من المذاهب الأربعة فهل يجوز ذلك) ، هل أستطيع أن أتبع مذهباً معيناً في مسألة معينة ثم أتبع مذهباً آخر في مسألة أخرى (هل يصح ذلك) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعامي لا مذهب له بل مذهبه مذهب من يفتيه، وأما طالب العلم فله أن يتفقه على أحد المذاهب المتبوعة، ويعمل بما تبين له أنه أقرب إلى الحق والصواب لظهور دليله وقوته وعدم المعارض، ولا يتعصب للمذهب الذي ينتمي إليه ويعمل به مع ظهور ضعف دليله ومستنده، لأن المذاهب هي سبيل ووسيلة لفهم كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، اللذين أمرنا الله باتباعهما والعمل بما فيهما، قال الله تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف:3] .
وقال الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] .
وعليه أن يحذر من تتبع الرخص والزلات التي في المذاهب وأقاويل السلف، فإن ذلك فسق وزندقة كما قاله جماعة من أهل العلم، بل يكون التنقل في المذاهب وفق الدليل والقواعد الشرعية، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 7763.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ذو القعدة 1424(24/124)
الاختلاف رحمة في المسائل التي يمكن فيها الاجتهاد
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يكون الاختلاف بين العلماء رحمة ومتى يكون غير ذلك، وفى ماذا يكون الاختلاف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عبارة (الاختلاف بين العلماء رحمة) ترد كثيراً في كلام أهل العلم، وقد حملها بعض أهل العلم على الاختلاف في المسائل التي يمكن فيها الاجتهاد، لعدم ورود نص فيها أو غموض في الأدلة الواردة فيها، وبالتالي تحصل توسعة على المقلدين في اتباع أحد طرفي الخلاف الواقع بين أهل العلم.
قال الزركشي في البحر المحيط: وأما التي يسوغ فيها الاجتهاد فهي المختلف فيها، كوجوب الزكاة في مال الصبي ونفي وجوب الوتر، وغيره مما عدمت فيها النصوص في الفروع وغمضت فيها الأدلة ويرجع فيها إلى الاجتهاد، فليس بآثم -أي المخطئ-، قال ابن السمعاني: ويشبه أن يكون سبب غموضها امتحاناً من الله لعباده ليتفاضل بينهم في درجات العلم ومراتب الكرامة، كما قال الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة:11] ، وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [يوسف:76] .
وعلى هذا يتأول ما ورد في بعض الأخبار اختلاف أمتي رحمة، فعلى هذا النوع يحمل هذا اللفظ. انتهى. أما الاختلاف المذموم فهو مفصل في الفتوى رقم: 7158، والفتوى رقم: 8675.
أما ما يسوغ فيه الاختلاف فيرجع فيه إلى الفتوى رقم: 16829.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1424(24/125)
التلفيق الجائز والممنوع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى التلفيق في المذاهب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتلفيق أنواع فمن صور التلفيق أخذ صحة الفعل من مذهبين معاً بعد الحكم ببطلانه على كل واحد منهما بمفرده، ومثاله: متوضئ لمس امرأة أجنبية بلا حائل وخرجت منه نجاسة كدم من غير السبيلين، فإن هذا الوضوء باطل باللمس عن الشافعية، وباطل بخروج الدم من غير السبيلين عند الحنفية، ولا ينتقض بخروج تلك النجاسة من غير السبيلين عند الشافعية، ولا ينتقض أيضاً باللمس عند الحنفية، فإذا صلى بهذا الوضوء، فإن صحة صلاته ملفقة من المذهبين معاً، وقد جاء في الدر المختار "أن الحكم الملفق باطل بالإجماع. انتهى.
ولكننا نقول إن دعوى الإجماع على منع هذا النوع من التلفيق فيها نظر، بل ذهب بعض العلماء إلى جواز التلفيق إذا بُني على اتباع الدليل، ولا يتأتى هذا للعامي لعدم معرفته بالدليل، فيبقى على المنع من التلفيق بالصورة المذكورة.
وهناك أنواع أخرى من التلفيق لم يمنع منها الفقهاء لعدم ترتب المحظور المذكور عليها، مثل أن يُقلد مذهباً في مسألة معينة، فإذا تكررت معه نفس المسألة أخذ فيها برأي مذهب آخر ومثل أن يُقلد مذهباً في مسألة ما، ويقلد مذهباً آخر في مسألة أو مسائل أخرى غيرها، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يفتون من يسألهم دون تنبيهه على عدم تقليد غيره، فكان الواحد منهم، يسأل عن المسألة الواحدة أكثر من واحد منهم أو يسأل من شاء من الصحابة عما شاء.
علماً بأن التلفيق ممنوع في كل حال إذا كان القصد منه التلهي والتشهي بتتبع الرخص، وقد بينا هذا أجلى بيان في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17519، 5812، 32653، 2397، 29396.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1424(24/126)
المذاهب الفقهية مستندها الكتاب والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنتم تتبعون (الشافعي الحنبلي الحنفي المالكي الوهابي) فلماذا لم يضعوهم في القرآن لماذا لم يذكرهم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأقوال أهل العلم - ومنهم أئمة المذاهب الأربعة وأتباعهم - سبيل إلى فهم كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي مرجع عامة الناس لمعرفة الأحكام الشرعية، لأنه ليس كل إنسان يستطيع فهم كلام الله، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخراج الأحكام منهما، والواقع أكبر شاهد على ذلك، وقد دل الشرع على ذلك، قال الله تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا سألوا إذا لم يعلموا!! فإنما شفاء العي السؤال. رواه أبو داود وغيره، واتفق أهل العلم أنه على من لا يعلم أن يسأل من يعلم في ما يحتاج إليه من أمور دينه، ولذا فالمسلمون يتبعون المذاهب الأربعة على هذا الوجه، لا على أنها حق في ذاتها كالقرآن والسنة أو على أن كل ما فيها حق، ولكن يتبعونها على سبيل أنها تستند إلى الوحي، فإذا ما تبين لهم خطؤها في شيء من ذلك أخذوا بالوحي وتركوها وعذروا أصحابها لأنهم بشر يخطئون ويصيبون، وقد صرح كل واحد من أئمة المذاهب بما ملخصه: إذا وجدتم قولي يخالف الحق فخذوا بالحق وارموا بقولي عرض الحائط. وهكذا أتباعهم من بعدهم.
وأما ما سماه الأخ السائل "الوهابي" فليس مذهباً، بل الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان حنبلياً، ولكن قام رحمه الله تعالى بحركة دعوية تجديدية في بعض المجالات في العقيدة والتوحيد، وقمع أهل الشرك والبدع، وتابعه على ذلك أناس كثيرون فنسبوا إليه، أو نسبهم إليه بعض الناس الذين لا يرتضون كثيراً مما قاموا به من دعوة وعمل، وقد أظهر الله بهذه الدعوة المباركة الحق والتوحيد وأمات بها الشرك والباطل، فرحم الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
والواجب على كل مسلم أن يجرد نفسه لقبول الحق والأخذ به والدفاع عنه وعدم الصد عنه لمجرد التسميات أو الانتماءات، فالحق أغلى من كل شيء، وبهذه النية يوفق الإنسان للحق بإذن الله بعد بذله وسعه، ويعذر إن لم يصبه، بل يثاب على اجتهاده، وبهذا تبين عدم صحة الإيراد الذي طرحه الأخ السائل، هدانا الله وإياه، وراجع الفتوى رقم: 7763، والفتوى رقم: 2397، والفتوى رقم: 5408.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رجب 1424(24/127)
توضيح وبيان لمقولة اختلاف علماء الأمة رحمة
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت مقولة قبل أيام تقول بأن اختلاف علماء الأمة رحمة، فإذا كان اختلافهم رحمة فاتفاقهم ماذا، وهل يكون الأصح أن نقول: اختلاف اجتهاد العلماء رحمة؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه العبارة المذكورة هي لفظ حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تكلم العلماء في إسناده راجع ذلك في الفتوى رقم:
7158.
وأما من حيث المعنى فإنما عبرت عنه بقولك الأصح هو المقصود، وتفسير ذلك الأخذ بفتوى عالم معين في مسألة معينة مراعاة لمصلحة شرعية وتتحقق بذلك التوسعة على الأمة، كما هو واقع الآن من الأخذ بفتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد، حيث إن المفتى به والمعمول به في كثير من بلاد المسلمين من كون ذلك طلقة واحدة خلاف للجمهور ومنهم الأئمة الأربعة، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم:
16387.
وننبه إلى أن هذا لا يعني تتبع رخص العلماء لمجرد الأهواء دون اعتبار للمصالح الشرعية، لأن تتبع الرخص بهذا المعنى منهي عنه، كما سبق ذلك في الفتوى رقم: 4145.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1424(24/128)
من علم القول الراجح في مسألة فعليه أن يفتي به
[السُّؤَالُ]
ـ[ما قولكم في من ليس بأهل للترجيح ثم يسأل عن أشياء يعرف ما فيها من أقوال لكن لا يمكنه أن يرجح إلا نادرا بأي قول منها يجيب؟ وهل يجوز له في هذه الحالة أن يجيب على مذهب إمام معين كالشافعي لكون أهل منطقته شافعيون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم -جعلني الله وإياك من الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه- أن من عرف القول الراجح في مسألة معينة، فليس له أن يفتي بخلافه، سواء كان المخالف للراجح مذهب إمامه أو إمام الشخص المستفتي، إلا أن يكون المستفتي يسأل عن مذهب إمام معين كالشافعي مثلا، قال ابن القيم: فإن سئل عن مذهب ذلك الإمام، لم يكن له أن يخبره بغيره إلا على وجه الإضافة إليه، وإن سئل عن حكم الله من غير أن يقصد السائل قول فقيه معين، فههنا يجب عليه الإفتاء بما هو راجح عنده وأقرب إلى الكتاب والسنة من مذهب إمامه أو مذهب من خالفه، لا يسعه غير ذلك. إعلام الموقعين عن رب العالمين، ج 4 ص 182
وأما لو سئل عن مسألة يعرف أقوال العلماء فيها ولكنه لا يستطيع الترجيح بينها، فإن له أن يذكر للسائل تلك الأقوال دون ترجيح، قال في المصدر السابق وهو إعلام الموقعين: فإن كان يعرف في المسألة ما قاله الناس ولم يتبين له الصواب من أقوالهم فله أن يذكر له ذلك فيقول: فيها اختلاف بين العلماء، ويحكيه إن أمكنه للسائل. ج 4 ص 120
وانظر الفتوى رقم:
5583
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1424(24/129)
هل يجب التقيد بمذهب بعينه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في حالة اختلاف المذاهب (أوالأئمة) في أمر من الأمور هل يجوز اتباع أيهم؟ أم يفضل مذهب معين؟ وعلى أي أساس يمكن الاختيار إذا كان هناك اختيار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه من المعلوم أن أئمة المذاهب الأربعة المتبعة اليوم كلهم أئمة هدى، وما نراه من اختلاف بينهم في بعض المسائل يرجع إلى ما ترجح لكل واحد منهم من أدلة.
ومن هنا نقول إن الناس على قسمين: قسم له القدرة على معرفة الدليل واستخراجه، فهؤلاء عليهم أن يتبعوا الدليل ولا يتقيدوا بما يخالفه، وقسم ليست لهم أهلية لمعرفة الأدلة الشرعية، فهؤلاء لا حرج عليهم في اتباع مذهب معين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: وأما القادر على الاستدلال فقيل يحرم عليه التقليد مطلقاً وقيل يجوز مطلقاً وقيل يجوز عند الحاجة.
وقال في موضع آخر من الفتاوى: ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول، ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يوجبه ويخبر به، بل واتباع الشخص لمذهب شخص بعينه لعجزه عن معرفة الشرع بغير ذلك الطريق. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1424(24/130)