أحوال أداء الشهادة
[السُّؤَالُ]
ـ[أراد صديقي أن يستخرج شهادة عدم العمل لأبيه وأمه ويحتاج إلى شاهدين فدعاني أن أكون أحد الشاهدين، فما الحكم في ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يجب عليك أداء الشهادة إذا كنت تعلم صحتها، وهو حرام عليك إذا كنت تعلم أنها كذب، ما لم تلجئ إليها ضرورة أو حاجة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشهادة يجب أداؤها إذا كان المرء عالماً بصحة الخبر المشهود به، لقول الله تعالى: وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ {البقرة:283} ، ما لم يترتب على أدائها ضرر بالشاهد أو كان ممن لا تقبل منه ونحو ذلك، فلا يجب عليه أداؤها لقول الله تعالى: وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ {البقرة:282} ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه ابن ماجه وأحمد.
كما أن أداءها يعتبر فرض كفاية إذا تعدد العالمون بصدق الخبر، وإن كان يعرف كذبها فهي شهادة الزور التي ورد التحذير منها في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور. فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. والحديث متفق عليه.
ويستثنى من هذا ما إذا كان القصد من استخراج شهادة عدم العمل هو التوصل إلى حق مشروع، ولكن صاحبه قد سدت في وجهه السبل الموصلة إلى حقه بدون هذه الشهادة، وهو واقع في ضرورة ملجئة، أو حاجة في معناها أو تقاربها، إن لم يصل إلى حقه هذا، فالظاهر أنها تجوز -حينئذ- والإثم على من ألجأ إليها.
فانظر إلى أي هذه الأحوال تنتمي تلك الشهادة المطلوبة منك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1428(18/94)
القضاء يحكم بالبينات الظاهرة ولن تضيع الحقوق عند الله
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قمت بكتابة شقة باسمي بعد إلحاح من قبل خالتي ولكن هداها الله قد قالت بأني سرقتها رغم أني حتى لا أملك صك الشقة بل هو في حوزتها وقامت هي وزوجها بالشكوى مني للمحكمة لأني امتنعت عن إرجاعها لهم لأنهم اتخذوا من عرضي سبيلاً لهم بالتجريح وقذف زوجتي ووالدتي وحاولت أن أقيم عليهم دعوى بالمحكمة ولكن ليس لدي شهود إلا من العائلة ووالدتي أيضاً وزوجها ورغم وجود أناس آخرين إلا أنها قامت بإغرائهم بالمال.
فأفتوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت الشقة التي سجلتها باسمك قد ملكتها بإحدى طرق الملك كالشراء أو الإرث أو الهبة ونحو ذلك فهي لك، وليس لأحد أن يطالبك بها ما لم تكن هناك بينة قوية تفيد عدم امتلاكك لها، والذي يحدد ذلك هو القاضي، فإن أتى هؤلاء بهذه البينة انتزعت منك ودفعت إليهم، وأمرهم إلى الله تعالى، وليس لك سوى التسليم لأن القضاء يقضي بحسب البينات الظاهرة.
وإن كانت هذه الشقة ليست لك فقد أخطأت بتسجيلها باسمك، وعليك بالتوبة إلى الله تعالى من ذلك، ولا يجوز لك منع أصحابها منها، وإن أساؤوا إليك وطعنوا في عرضك.
وأما قذفهم لأمك ولزوجتك كذبا وبهتانا فهو من كبائر الذنوب لاسيما إذا كان ذلك بالفاحشة.
ونوصيك بالصبر والحلم وتفويض الأمر إلى الله تعالى والتوكل عليه فإن العاقبة للمتقين، وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: وما أعطي أحد عطاءا خيرا وأوسع من الصبر. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1428(18/95)
شهادة الزور من الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخنا الفاضل سؤالي اليوم هو:
لي صديق يعمل في المصنع معي في نهاية الأسبوع ذ هب إلى داره فقام بعمل حتى وقع عليه حادث فتكسرت يده ثم جاء بعد عطلة الأسبوع إلى العمل فطلب مني أن أشهد بأن الحادث الذي وقع له أي تكسرت يده أثناء العمل في المصنع ليستفيد تعويضات فرفضت وقلت له حرام لأن مثل هذه الشهادة شهادة زور.
أفيدونا يا شيخنا الفاضل في أسرع وقت ممكن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطلب زميلك منك أن تشهد له بأن يده انكسرت في العمل وهي قد انكسرت في البيت حرام، وشهادتك له بذلك شهادة زور، وهي من الكبائر والموبقات، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. متفق عليه. فاحذر من الموافقة على هذا الطلب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شعبان 1428(18/96)
ليس كل ضرر يجيز للشاهد كتمان الشهادة إذا تعينت عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[صديق كان شاهدا على اعتداء ابن خاله على آخر، ابن خاله طلب شهادته أمام المحكمة لكنّ صديقي رفض أن يكون شاهد زور. المشكلة أن الطرف الآخر طلب هو أيضا شهادة صديقي.
صديقي الآن في ورطة، إن شهد ستسوء علاقته بخاله، وإن رفض فقد علم أنّ في الآخرة عقاب الله الشديد لمن يرفض الشهادة.
هل بإمكان صديقي رفض الشهادة مع العلم أن كل الحاضرين رفضوا الشهادة، الرجاء دعم ردّكم بالأحاديث والآيات.
جازاكم الله كلّ الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لصديقك الشهادة لابن خاله، ولا يجوز له أن يمتنع من الشهادة لخصمه إذا تعينت عليه وفيه تفصيل.
وإليك بيان ذلك؛ وهو أن الشهادة لابن خاله من شهادة الزور المحرمة- كما هو معلوم- ولعظم تحريمها قرنها الله عز وجل بالرجس من الأوثان فقال تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ {الحج: 30} .
وأما الشهادة لخصمه فإن أهل العلم قالوا إن الشهادة فرض كفاية إن وجد من الشهود ما يزيد على من يثبت به الحق وطلبها صاحبه وكان الشاهد لا يخشى ضررا من أدائها يقول الله تعالى: وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا {البقرة: 282} "، ويقول تعالى: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ {البقرة: 283}
وإن لم يوجد من الشهود إلا من يقوم به الحق وترتب على عدم أدائها ضياعه تعينت على من علم إذا طلبها صاحب الحق ولم يخف الشاهد بأدائها ضررا على نفسه أو أهله أو ماله..
فال الله تعالى: وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ {البقرة: من الآية282} ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار.
وعلى ذلك فيجب على صديقك الشهادة للخصم إذا تعينت عليه وكان لا يخشى ضررا، ويجوز له عدمها إذا لم تتعين عليه أو كان يخشى منها ضررا، لأنه لا يلزمه أي يضر بنفسه لنفع غيره، وما ذكر في السؤال من مجرد الخشية من سوء العلاقة لا يعتبر مسوغا شرعا لكتم الشهادة إذا تعينت.
وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتاوى التالية: 72596، 46672، 40328.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1428(18/97)
حكم إعطاء شهادة وفاة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل تزوج امرأة وأنجب منها ولدا وبنتا وتوفيت الزوجة وأخذ الزوج الأولاد لتربيتهم ثم تزوج وأنجب ولدا وهو يطالب حالياً بشهادة وفاة الزوجة الأولى ليستخرج لها معاشا مع العلم أنها كانت تعمل ولم يكن مؤمنا عليها من قبل صاحب العمل فهل نعطيه الشهادة أم لا؟
وجزاكم الله خيراً]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت الزوجة توفيت فعلا فلا حرج في إعطاء زوجها شهادة تثبت وفاتها إن كان يستخرج بها حقا له، أما إذا كان يحتال بالشهادة لاستخراج حق غير شرعي وكنتم تعلمون ذلك فنرى ألا تعطوه الشهادة لئلا تكونوا مساعدين له على الإثم للآية: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ {المائدة:2}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الثانية 1428(18/98)
حكم شهادة من يقدم على المفسق المختلف فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا تم عقد قراني، كان الشاهدان على العقد عم زوجته مدخن وأنا لا أعرف عنه شيئا من حيث العدالة والصلاة، الشاهد الثاني ابن خالتي وهو يؤدي الفريضة ولكنه مدخن وغير ملتزم، من شروط العقد أن يكون الشاهدان عدلان (لا بد لصحة العقد أن يشهد عليه شاهدان عدلان) ، فما هو الحكم الشرعي في هذا العقد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم في الفتوى رقم: 95589 حكم شهادة الفاسق على عقد النكاح واختلاف أهل العلم فيها، لكن لا يمكننا الحكم على الشاهدين المذكورين بالفسق لمجرد تعاطيهما الدخان أو غيره من مسائل الخلاف، وذلك لأنهما قد يكونان مقلدين لمن يقول بجوازه، أو لم يصل إليهما حكمه، فيكونان معذورين لذلك، فقد جاء عن الإمام الشافعي ما يفيد أن الإقدام على المفسق المختلف فيه لا يقدح في العدالة، فقد جاء في البحر المحيط للزركشي: أن من أقدم على الفسق معتقداً جوازه لشبهة أو تقليد ففيه ثلاثة أقوال، وأن ظاهر كلام الإمام الشافعي أن الإقدام على الفسق المظنون تقليدا أو لشبهة لا يقدح في العدالة لأنه -أي الإمام الشافعي- قال: أقبل شهادة الحنفي إذا شرب النبيذ وأحده.
وفي شرح الكوكب المنير وهو من كتب الحنابلة ما مفاده: أن شرب النبيذ للمتأول لا يقدح في العدالة عند غير الإمام مالك.
وعليه؛ فإذا لم يعلم منهما ما يقدح في عدالتهما من الكذب ونحوه، ولم يعلم أنهما يشربان الدخان انتهاكاً للحرمة واستخفافا بالمعصية فتكون شهادتهما من قبيل شهادة مستور الحال، وهي تكفي في النكاح عند الحنابلة، قال ابن قدامة في المغني: لأن حكمه -يعني مستور الحال- حكم العدل في ... والولاية في النكاح والشهادة فيه. ثم يقول ابن قدامة في موضع آخر معللا ذلك الحكم: لأن النكاح يكون في القرى والبادية وبين عامة الناس ممن لا يعرف حقيقة العدالة، فاعتبار ذلك يشق فاكتفي بظاهر الحال وكون الشاهد مستوراً لم يظهر فسقه.
على أن من اشترطوا عدالة شهود النكاح وجدنا منهم من قيد العدالة واعتبر فيها حالة الزمان والمكان، قال عليش في فتاواه: وصفه العدل الذي تشترط شهادته في زماننا الإسلام مع عدم الاشتهار بالكذب، وقيل: لا بد مع ذلك من الكثرة، وجرى به العمل في المغرب ...
وعليه؛ فإن العقد المذكور صحيح على ما يظهر لنا، ولكن إذا لم يكن اشتهر فينبغي إشهاره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الثانية 1428(18/99)
حكم شهادة الزور للتوصل للحقوق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في شهادة الزور، علماً بأنه لم يضار منها أحد وهي بغرض حصول ابنة أختي على حقوقها من زوجها وفشلت القضية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن شهادة الزور أمر محرم وكبيرة من كبائر الذنوب، وقد ورد بشأنها كثير من النصوص التي ترهب من الوقوع فيها، وراجع بعض هذه النصوص في الفتوى رقم: 21337.
وعليه فلا يجوز المصير إليها ولو لم يكن في ذلك مضارة لأحد، ويمكن عند الحاجة استخدام المعاريض للتوصل إلى الحق، ففي المعاريض مندوحة عن الكذب، وراجع للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 56143، والفتوى رقم: 93246.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1428(18/100)
أحوال أداء الشهادة وكتمانها
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثت جريمة قتل سببها ثأر حيث قام شخصان أقرباء لي بقتل شخص قريب للقاتل الأول الذي قتل أخاهم خلال مشاجرة سابقة، وبعد حصول جريمة الثأر هرب الشخصان أقربائي واسمهم (م) و (ح) خوفاً من الشرطة وجاءوا لبيتي من دون دعوة مني ولحظة دخولهم بيتي سألتهم ما الذي حصل قال الشخص (م) أن ابن عمهم اسمه (ص) قد أخذ بثأر أخيهم وقال انشروا الخبر بأن (ص) هو الذي نفذ الجريمة يبدو أنه كان يريد إبعاد الشبهة عن نفسه ليتملص من جريمته وإلصاقها بالشخص (ص) كون (ص) صبيا صغير السن ولا يسجن طويلاً أما الشخص (ح) أكد بأنه أجهز على المقتول وبعد نصف ساعة جاء أخوهم الكبير واسمه (س) وثلاثة من أخوالهم بعد أن عرفوا أنهم في بيتي ثم جاء أخي الكبير واسمه (ع) فقدمت لهم الشاي ثم طلبت من الشخصين اللذين أظن أنهم القتلة مغادرة بيتي خوفاً من قدوم الشرطة حيث قد شوهدوا من جيراني وبقي في البيت أخوهم (س) والذي تبين أنه لم يكن من الذين نفذوا الجريمة وعنده شهود على ذلك وبقي معه في بيتي أخواله وأولاد عمي وإخوتي فقدمت لهم طعام العشاء ثم انصرفوا، وبعد يومين من الجريمة مسكت الشرطة أخا القاتلين (س) والذي تناول طعام العشاء في بيتي وأثناء إفادته ذكر أنه تناول طعام العشاء في بيت أخي (ع) وليس في بيتي كون بيت أخي ملاصق لبيتي وذكر أنه التقى مع أخواله في بيتنا ليلة الجريمة، ولكنه أخفى لقاءه بإخوته القتلة في بيتي وأنه لا يعرف من نفذ الجريمة من إخوته، فطلب القاضي أخي (ع) للشهادة، وطلب منه أن يقسم على كتاب الله بأن يقول الحقيقة وأثناء شهادته ذكر أخي أن ذلك الشخص بالفعل قد تناول طعام العشاء ليس في بيته وإنما في بيتي ولكنه لم يذكر للقاضي كذلك مرور القاتلين على بيتي لأن هذا الأمر سوف يعرضه للمسؤولية وقد يسجن بسبب ذلك لأنه لم يبلغ الشرطة، وسأله القاضي عن الحديث الذي دار بين ذلك الشخص (س) وأخواله وعن الاتصالات التي أجراها خلال جلوسه في بيتي وما هي أسماء الأشخاص الذين ذكرهم والذين يحتمل أن نفذوا الجريمة فأبلغه أخي بأنه ذكر خلال حديثه واتصالاته أسماء إخوته اللذين نفذا الجريمة واللذين مروا على بيتنا واسم صبيين آخرين من أقربائهم قد ذكروهم، لكنه ليس متأكدا لأنه لم ير الجريمة بعينه، ولتأكيد شهادة أخي طلب القاضي من أخي البقاء في المحكمة ثم الاتصال بي للقدوم للمحكمة وطلب مني القسم على كتاب الله بأن أقول الحقيقة وأنا لا أعلم ما هي شهادة أخي وماهي المعلومات التي أعطاها للقاضي وهددني القاضي إذا تطابقت شهادتي مع شهادة أخي لا بأس علينا، ولكن إذا اختلفت سوف نسجن نحن الاثنان وهذا سوف يضر بنا.. هنا أنا خفت فنحن موظفان وقد نتأذى ونسجن بسبب إخفاء مرور القاتلين على بيتنا، وأنا قدمت للشهادة فقط لتأكيد تناول ذلك الشخص طعام العشاء، وتفاجأت أن القاضي يريد كل معلومة أعرفها، ولكنني توقعت أن أخي لم يذكر مرور القاتلين لأن في ذلك مسؤولية عليه والقاضي لا يعرف هذه المعلومة لأن أخا القتلة (س) لم يذكر ذلك له سابقاً، فذكرت للقاضي أن بالفعل ذلك الشخص تناول العشاء مع أخواله في بيتي وبدأ القاضي يسألني من خلال شهادة أخي عن الأسماء التي ذكرها والتي يحتمل أن يكونوا القتلة وأنا أجاوبه بنعم ومن بين الأسماء التي ذكرتها أسماء هذين الشخصين بعد ذلك سمح القاضي لنا بالمغادرة لبيتنا، وكون لا يوجد شهود شاهدوا الجريمة سوى شاب قريب للمقتول كان راكب معه دراجة نارية وقد طعن ولا يعرف القتلة كونهم كانوا ملثمين وبسبب ضغط الشرطة على أقربائي قاموا بتسليم شخصين للسلطات هما: القاتل (ح) والشخص الآخر صبي ابن أخيهم على أساس أنه ثأر لأبيه حيث سلم نفسه بدل عمه القاتل (م) ، والقاتل (م) لم يذكر أمامي أنه هو الذي قتل لكن يبدو أنه كان يبعد الشبهة عن نفسه، أنا لم أر الجريمة بعيني ولست متأكداً من القتلة بالضبط سوى سماعي كلام هذين الشخصين اللذين قدما لبيتي أظن أنهم هم القتلة بالفعل والقاتل (م) الآن مطلوب للسلطات وهي تطارده للتحقيق معه، وأنا كلما أراه طليقا أحس بالذنب كوني لم أعترف عليه بشكل صريح، ولكنني خفت من الضرر الذي قد يلحق بي وكذلك أنا لم أشاهد الجريمة وهو لم يعترف صراحة بأنه هو القاتل فالكلام الذي سمعته منه هو لصق التهمة بالصبي القريب له، فأفيدوني جزاكم الله خيراً ... هل أعتبر حلفت كاذباً أم شهادتي ناقصة؟ ما هو موقف الشرع من الذي حصل معي؟ وهل علي كفارة ... فأنا تبت وندمت على ذلك التقصير ولكنني خائف وأحس بتأنيب الضمير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسلم مطالب بأداء الشهادة لله تعالى فرضاً إذا طلب منه ذلك، وكان متيقناً لا يخالجه أي شك، ولم يكن هناك من يقوم بالشهادة غيره، ولم يكن يخاف على نفسه أو ماله أو عرضه أو أهله، وذلك لقول الله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ {الطلاق:2} ، ولقوله تعالى: وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ {البقرة:283} ، فلا يجوز للمسلم أن يكتم شهادة الحق، ويتأكد الأمر إذا تعينت عليه أو ترتب على عدم أدائها ضياع دم المسلم أو ماله أو عرضه أو أي حق من حقوقه، إلا إذا خاف الشاهد الضرر -ظلماً- على نفسه أو بدنه أو ماله أو أهله، فلا يلزمه الأداء حينئذ؛ لقول الله تعالى: وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ {البقرة:282} ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك في الموطأ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: قال بعض العلماء: لا يجب أداء الشهادة إذا كان الحاكم غير عدل، قال الإمام أحمد: كيف أشهد عند رجل غير عدل؟ لا أشهد. كما أن أداء الشهادة لا يجب إذا لم يكن المرء متيقناً لما يراد منه الإدلاء به. وقد سبق بيان ذلك بالأدلة وأقوال أهل العلم في الفتوى رقم: 67693.
وأما ما ذكرته من اليمين فإن كنت فعلته اتقاء لحوق الضرر بك ظلماً، فإن ذلك يباح لك، ولا تعد به حانثاً لكونك مكرهاً عليه، قال الشيخ خليل بن إسحاق رحمه الله تعالى يعدد أنواع الإكراه التي يرتفع معها الحنث والإثم: ... بخوف مؤلم من قتل أو ضرب أو سجن أو قيد أو صفع لذي مروءة بملإ أو قتل ولده أو لماله ...
وأما إن كان الحامل عليها هو تخليص شخص أجنبي من ظلم سيلحق به، فإن الحلف حينئذ يندب، ولكن الحالف يطالب بالكفارة، قال خليل بن إسحاق بعد النص السابق: لا أجنبي، وأمر بالحلف ليسلم. قال الدسوقي معلقاً: (قوله وأمر.. إلخ) أي كما إذا قال ظالم لشخص فلان عندك وتعلم مكانه ائتني به أقتله أو آخذ منه كذا، أو إن لم تأتني به قتلت زيداً صاحبك أو أخاك، فقال ليس عندي ولا أعلم مكانه، فأحلفه الظالم على ذلك بالطلاق، (أو بيمين أخرى) والحال أن الحالف يعلم مكانه وقادر على الإتيان به لذلك الظالم، فإن الحالف لا يعذر بذلك ويحنث في يمينه، ولكن لا إثم عليه في الحلف بل أتى بمندوب فيثاب عليه. انتهى.
وهذا كله إذا كان المراد تخليصه مظلوماً، وأما إذا كان ظالماً -كما هو محتمل في هذه القصة- فإنه لا يجوز الستر عليه، ولا كتمان الشهادة، ما لم يكن الشاهد يجهل حقيقة الأمر، وأما إذا كان يجهل حقيقة الأمر فالواجب أن يخبر بما يعرفه، وإنما سمعهم يقولون كذا وكذا ...
وعليه.. فالواجب أن تتوب إلى الله من اليمين التي حلفتها إذا كنت قد جانبت فيها الصواب في خبر أو كتمان شهادة، والأحوط أيضاً أن تخرج كفارة يمين، لأن بعضاً من أهل العلم يرون الكفارة في اليمين ولو كانت غموساً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1428(18/101)
الشهادة الزور لتخليص مسلم من كربة وكيفية التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص مغترب بالسعودية حصل معي حادث سير بأن قام شخص بالرجوع للخلف على سيارتي وكان لدي تأمين شامل والشخص الآخر ليس لديه تأمين، فحسب القانون يسجن الشخص الذي ليس له تأمين حتى يكفله شخص، فأعلمني ذلك الشخص أن صديقه الذي تواجد في الحادث لديه تأمين ويريد أن يكون السائق مكانه فقبلت مساعدته له وخوفي أن يسجن وطلب منا الشخص الثالث أن نغير وضع السيارة حتى لا نأخذ مخالفة مرورية والخوف من أن التأمين لن يدفع بهذه الحالة مع أني كنت أعتقد أن تأميني الشامل يغطي هذا الحادث، فقط كنت أريد مساعدة ذلك الشخص حتى لا يسجن وظني أن ذلك فيه تفريج كربة مؤمن، ثم جاء المرور وقلنا له ما اتفقنا عليه وسجل المرور الحادث ثم قمت بمراجعة التأمين لمطالبتهم بالإصلاح وقامو بإصلاح السيارة وطلبوا مني شرح الحادث فسجلته حسب ما ذكر سابقا فعلمت أن تأميني يطالب تأمين ذلك الشخص بتكاليف الإصلاح لأنه المتسبب بالحادث لذا شعرت بالذنب وأني قد اقترفت خطأ كبير قد يكون غشا وشهادة زور لذا ندمت ورغبت في إصلاح ما حدث حتى لا أحاسب يوم القيامة وقد كان ذلك كله لمساعدة ذلك الشخص ولم أكن أعرف أن ذلك سوف يؤدي لأكل حقوق الناس لذلك قررت أنني أقوم بالذهاب لتأمين ذلك الشخص والذي تبين أنه هو الذي سيدفع تكاليف الاصلاح ودفع مبلغ التصليح بحيث يتم الاشتراك معهم بأكثر من برنامج تأميني بحسب قيمة الإصلاح مع نيتي عدم الاستفادة منه حتى أرجع لهم المبلغ بالكامل من دون إعلامهم بما حصل لما يترتب على ذلك من التبعات علي وعلى الأشخاص الذين قاموا بالحادث وقد يكون السجن لأحدنا وذلك لأنه لم يكن عن قصد مني وجهل بالأحكام فهل تصرفي صحيح وإن لم يكن صحيحا فماذا علي أن أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبه بداية إلى أن التأمين التجاري محرم لقيامه على الميسر والغرر، وإذا أجبر المرء عليه وسعه ما يسع المكره على الفعل أو الترك، وإثمه على من أكرهه، فإذا لم يستطع التخلص منه -ولو بالحيلة- فإن له أن يؤمن على الحد الأدنى المقبول قانوناً، عملاً بقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16} ، فلا يجوز -إذاً- التجاوز إلى التأمين الشامل إلا إذا لم يسمح بغيره، ولك أن تراجع في هذا الفتوى رقم: 7899. كما أن شهادة الزور ذنبها كبير جداً، ولك أن تراجع فيها الفتوى رقم: 1224.
وبما أنك قمت بما قمت به بدافع تخليص مسلم من كربة من كرب الدنيا، كان سيقع فيها وأنك لم تكن تتوقع أن الحال سيكون إلى ما صار عليه من تغريم جهة ليست هي المطالبة بالغرم، فنرجو أن لا يلحقك إثم في أصل المسألة.
وأما موضوع التعويض، فإذا كان في الإمكان تلافيه بطريقة تجعل المتولي للدفع هو الجهة التي كان يلزم أن تدفع، فذلك هو المتعين، وإن لم يمكن ذلك إلا بالكشف عن الحقيقة، وسيكون في ذلك ما ذكرته من الضرر عليكم جميعاً، فالواجب أن تتولوا الدفع من جيوبكم، ارتكاباً لأخف الضرريين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1428(18/102)
هل يترك الشهادة إذا كانت المصلحة تقتضي الستر على المذنب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 28 عاما ومتزوج ولدي أطفال ووظيفة والحمد لله، ولكن قبل فترة بـ 5 سنوات كان ابن ابن عمي يحب فتاة وتحبه وكان يلتقي بها في بيت أهلها ليلاً وأنا على علم بذلك وكنت آنذاك طالبا بالثانوي، ولكن لا أعرف ما يدور ويحصل في لقائهما وبعد فتره تقدم ابن عمي لخطبة الفتاة ووضعه المادي الحمد لله ممتاز فوجئ بالرفض من أهل الفتاة والسبب التعصب القبلي وحاول ابن عمي مراراً، ولكن بدون جدوى المهم تقدم للقاضي الشرعي بخصوص أنه يريد الزواج والبنت راضية به وأهلها رافضون ولما علموا أهل البنت بذلك أقاموا شكوى على ابن عمي ونيتهم أن يفصلوه عن عمله وتم استدعائي للشهادة هل ابن عمي يلتقي بالبنت أم لا في بيتها بصراحه أنكرت الشهادة ولو قلت نعم لكان مصير ابن عمي السجن والفصل من الوظيفة، مع العلم بأنه كان متزوجا ويعيل أسرة الآن يا شيخ ما الحكم في الشهادة التي أنكرتها، فأرجو منكم إفادتي وماذا أفعل لتكفير هذا الذنب، وأرجو الرد منكم ووفقكم الله لما فيه الخير والسداد، ونفع بكم للعلم أن مصير الفتاة إلى الآن لم تتزوج والسبب أهلها ورفضهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن رأي من أخيه المسلم ما يوجب الحد كالزنا مثلاً، أو يوجب التعزيز كأن شاهده وهو يقبل امرأة أو يضمها، فإن الشاهد في هذه الحالة ينظر إن كانت المصلحة في الستر على المذنب، فإن الستر في هذه الحالة هو الأفضل، وإن كانت المصلحة في الشهادة عليه شهد.
والمصلحة في هذا تختلف من شخص إلى شخص، ومن حال إلى حال، فمن الأصل فيه الصلاح فزل فستر حاله أولى، ومن يخشى منه إفساد بنات المسلمين لكونه فاسقاً مصراً على الفحشاء، وقد نُصح ولم ينتصح، وزجر ولم ينزجر، فالشهادة عليه أفضل، ولكن ينبغي أن يُراعى الشاهد إذا كانت المصلحة في الشهادة أن للشهادة نصاباً، فإذا أراد أن يشهد على آخر بأنه فعل كذا، ولم يكن نصاب الشهادة متوفراً فلا ينبغي أن يشهد، لأن الشهادة في هذه الحالة لا مصلحة منها شرعاً، بل قد يقام عليه حد القذف، وعليه فالظاهر في مثل حالك أن ما قمت به من الستر هو الأفضل والأولى، وإليك بعض أقوال أهل العلم الدالة على ما قلنا، قال الإمام المرغيناني الحنفي في الهداية: والشهادة في الحدود يخير فيها الشاهد بين الستر والإظهار. لأنه بين حسبتين إقامة الحد والتوقي عن الهتك (والستر أفضل) لقوله صلى الله عليه وسلم للذي شهد عنده: لو سترته بثوبك لكان خيراً لك. انتهى.
وقال العلامة محمد المواق المالكي في التاج والإكليل: وقال ابن العربي في مسالكه: المشهود به إن كان حقاً لله ولا يستدام فيه التحريم كالزنا وشرب الخمور، زاد أصبغ: والسرقة. فترك الشهادة له جائزة، ولو علم بذلك الإمام فقد قال ابن القاسم: يكتمها ولا يشهد. انتهى.
وقال أيضاً: ولابن عات مؤلف الغرر ابن صاحب الطراز: إذا مشت المرأة مع أهل الفساد ثم تأتي أو تساق لم يسع الإمام أن يكشفها هل زنت ويؤدبها ولا يكشفها عن شيء. البرزلي: لأن قصد الشريعة الستر في هذا كقوله: هلا سترته بردائك. وكقوله: لعلك قبلت لعلك لمست. انتهى.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في أسنى المطالب: وتقبل شهادة الحسبة في حقوق الله تعالى. والأصل في قبولها خبر مسلم السابق (كالحدود والمستحب سترها) أي ستر موجباتها على ما مر في الزنا. انتهى.
وقال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: قوله: (ومن كانت عنده شهادة في حد لله تعالى: أبيح له إقامتها ولم تستحب) هذا المذهب، جزم به في الهداية، والمذهب، والمحرر، والشرح، وغيرهم، وقدمه في الفروع، وغيره. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1428(18/103)
حكم كشف المرأة وجهها عند الشهادة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تكشف عن وجهها أمام القاضي لإصراره على ذلك وإلا فإنه لن ينظر في القضية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كشف المرأة عن وجهها للحاجة كالشهادة عليها ونحو ذلك لا حرج فيه، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 62383، والفتوى رقم: 43298.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1428(18/104)
الشهادة الزور إذا قصد بها التوصل إلى الحق
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرضت لحادث سيارة بين سيارتي وشاحنة نقل أخرى الحمد لله نجوت من الحادث وتعرضت سيارتي لأضرار كبيرة جداً تحطمت تماما والسيارة الأخرى لم يحدث بها إلا أضرار بسيطة نظراً لأنها شاحنة كبيرة الحجم وذهبت إلى المستشفى فاقد الوعي وبعد خروجي من المستشفى ذهبت للبحث عن موقف الحادث فلم أجد أي قضية أو أي إتهام لأي أحد من قبل الشرطة علمت بعد ذلك بمدى نفوذ صاحب السيارة الأخرى ومدى معارفه واتصالاته تم عمل قضية بالحادث وبعد مدة كبيرة من المتابعة للقضية حكمت المحكمة ببراءة الطرفين أي أنا وسائق الشاحنة الأخري علما بأن خسارتي المادية في ثمن السيارة تبلغ 6000 دينار كويتي لأن السيارة كانت بالقسط وتحولت القضية إلي الاستئناف بناء علي طلب الادعاء وهذا الحكم معناه عدم حصولي علي أي تعويض من قبل شركة التأمين وعند ذهابي للمحامي للاستفسار عن موقف القضية بالاستئناف ذلك لتأكدي بأني غير مخطئ بنسبة 100 % بتجاوز الإشارة الضوئية التي وقع بها الحادث فأخبرني بأن المحكمة سوف تقيد الحكم السابق بالبراءة وذلك لعدم وجود أي دليل يثبت بأني غير مخطئ أو أي دليل يدين السائق الآخر، إلا في حالة واحدة وهي وجود شاهد يشهد بأني غير مخطئ في تجاوز الإشارة الضوئية وذلك في مقابل مبلغ مادي.... أفيدوني أفادكم الله عن حكم الشرع في ذلك الأمر ومدي جواز ذلك من عدمه وتوضيح الأمر؟ جزاكم الله خير الجزاء ووفقكم إلى كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يخلف عليك ويعوضك خيراً، إنه ولي ذلك والقادر عليه، واعلم أنه لا يجوز أن تستعين على إثبات أنك غير مخطئ بشاهد يشهد على شيء لم يره ولم يعلمه، لأن هذه شهادة زور، وشهادة الزور لا تجوز ولو توصل بها الإنسان إلى حقه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: شهادة الزور والكذب حرام، وإن قصد بها التوصل إلى حقه.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من شهادة الزور أشد التحذير فعن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئاً فقال: ألا وقول الزور، قال: فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت. متفق عليه. وراجع للأهمية الفتوى رقم: 56143.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1428(18/105)
كتمان الشهادة بين الحرمة والحل
[السُّؤَالُ]
ـ[طلبت مني شهادة أمام قاضي بخصوص جريمة قتل لإثبات وجود شخص عندي بالبيت بعد وقوع الجريمة وتفاجأت أن القاضي بالإضافة لإثبات وجود الشخص يريد كل معلومة أعرفها عن الجريمة وأنا قد سمعت بعض المعلومات لكن بعض المعلومات التي أعرفها قد تحملني المسئولية وقد أسجن بسببها وخوفاً من تعسف الأمن
فد أخفيتها عن القاضي مع العلم أن القاضي لم يوجه لي سؤالا مباشرا عن هذه المعلومات.
فهل علي شيء من ذلك؟ وما كفارته؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنك لم توضح في السؤال نوع المعلومات التي أخفيت، وما إذا كان كتمانها يترتب عليه إلحاق الضرر ظلما بجهة من الجهات، وما إذا كان الضرر الذي سيلحقك أنت سيلحقك ظلما أم أنك قد ارتكبت -فعلا- ما تستحق به ذلك.
وعلى أية حال، فإن كتمان الشهادة أمر عظيم ولا يجوز. قال الله عز وجل في محكم كتابه: وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ {الطلاق:2} . وقال تعالى: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ {البقرة:283} .
ولهذا فلا يجوز للمسلم أن يكتم شهادة الحق، ويتأكد الأمر إذا تعينت عليه أو ترتب على عدم أدائها ضياع دم المسلم أو ماله أو عرضه أو أي حق من حقوقه، إلا إذا خاف الشاهد الضرر -ظلما- على نفسه أو بدنه أو ماله أو أهله؛ فلا يلزمه الأداء حينئذ لقول الله تعالى: وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ {البقرة:282} . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك في الموطأ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: قال بعض العلماء: لا يجب أداء الشهادة إذا كان الحاكم غير عدل. قال الإمام أحمد: كيف أشهد عند رجل غير عدل؟ لا أشهد.
فقد علمت من هذا أنه لا يجب عليك الإدلاء بالتفاصيل التي ذكرت إذا كنت تعلم أنك ستتعرض للظلم بموجبها.
وأما إن كانت التفاصيل لا تجلب عليك إلا ضررا أنت مستحق له، فكان من واجبك أن تدلي بها وإلا كنت ضامنا لما سيضيع من الحقوق. قال الشيخ خليل بن إسحاق –رحمه الله تعالى- مشبها في الضمان: كترك تخليص مستهلك من نفس أو مال بيده أو شهادته أو بإمساك وثيقة أو تقطيعها ... اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 صفر 1428(18/106)
إحضار الشهود الزور لإعادة الطفل الذي انتزع بشهادة الزور
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مطلقة وطليقي أخذ طفلي بإسقاط الحضانة عن طريق إحضار شهود زور بأن الطفل مريض وادعى بأني أعرف رجلاً وأنا أدعو عليه في صلاتي، فهل لي إحضار شهود زور لكي أرجع طفلي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب عن هذا السؤال في الفتوى رقم: 78039.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 رمضان 1427(18/107)
الشهادة من الأمور الخطيرة التي لا يتساهل فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[عائلة زوجتي كانت تمتلك مزرعة خاصة وشقة في أحد الضواحي ووالد زوجتي رجل كبير السن وكان في نيته منذ أن أشترى الشقة أن تكون باسم ابنته الوحيدة (زوجتي) وهى لها أخوان وفى رمضان الماضي اتفقوا على بيع المزرعة وتوزيع ثمنها بين الأخوين على أن يكون نصيب والدة زوجتي هو الشقة التي يقطنونها حالياً ونصيب زوجتي الشقة الأخرى مع الوضع فى الاعتبار أن كل الأملاك تكون باسم الوالد وبالفعل تم بيع المزرعة واشترى كل أخ شقة من نصيبه وكتبت الشقق الجديدة كما هو متفق باسم الوالد وبعد فترة قام الأخ الأكبر ببيع شقته واشترى شقه أخرى واتفق مع أمه بعلم أخيه وأخته أن الشقة الجديدة ستكون باسمه هو على أن يكتب لها فيها الثلث ووافقوا على هذا ولكن حدثت مشاكل تتمثل في أن هذا الأخ يريد الزواج من زوجة جديدة غير زوجته مع العلم أن له ولدا وثلاث بنات منهم ولد وبنت من زوجة سابقة وهذه الزوجة الجديدة لا يوافق عليها أحد لأسباب عديدة ويصر الأخ على الزواج والجميع يرفض هذه الزيجة ويرفضون تواجدها في الشقة الجديدة فأراد الأخ أن يقصى أمه ويبيع الشقة فوقف الجميع في وجهه وأراد شهادة زوجتي أن هذا الثلث الذي كتبه لأمه هوهبة أو هدية منه ومن حقه أن يسترد ما أعطى فرفضت زوجتي وأصرت على أنه حق أمها وذلك ليس لشيء سوى للحفاظ على حقوق أولاده فهو لا يراعى مستقبل أولاده وسؤالي هو هل حقاً هذا الثلث من حقها وهل زوجتي على حق في الدفاع عن أمها أم إنها تكون بذلك قد افترت على أخيها بغض النظر عن المشكلة الرئيسية آسف للإطالة ولكن أرجو الإفادة فلقد قال لها أخوها حسبي الله ونعم الوكيل وأنا أخاف عليها من أن تحمل الذنب إن كان ليس لأمها الحق في هذا الثلث علماً أنه كان قد كتبه بمحض إرادته في حالة بيعه للشقه هل للأم أن تأخذ الثلث على حساب ثمن الشقة الأصلي أم على حساب المبلغ الذي سيبيع به الشقة علماً أنها لم تساهم فى تجهيز الشقة وثمن الشقة الآن تقريباً ضعف ثمنها الأصلي
آسف للإطالة ولكن أردت توضيح جميع الجوانب وأسباب المشكلة. أرجوكم أنا وزوجتي نخشى الله وأخاف عليها من أن تتحمل ذنباً وهى ليس لها أي مصلحة؟
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من أن زوجتك وأخويها قد اتفقوا في رمضان الماضي على بيع المزرعة وتوزيع ثمنها بين الأخوين، على أن يكون نصيب والدة زوجتك هو الشقة التي يقطنونها حاليا، وأن نصيب زوجتك هو الشقة الأخرى، مع أن كل الأملاك تكون باسم الوالد ...
أقول: إن هذا الاتفاق الذي حصل بين الإخوة، أو بينهم وبين أمهم، لم تبين لنا ما إذا كان أبوهم متفقا معهم عليه، أو أنه وقع بعد إذنه لهم فيه، أم لا.
ثم هل هو على سبيل التمليك أم لا؟
فإذا لم يكن الأب مشاركا في هذا الاتفاق أو آذنا فيه فإنه يعتبر لاغيا، لأن التصرف في ملك الغير لا يصح دون رضاه.
وعلى أية حال، فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن أهل العلم قد نصوا على أن من كبرت سنه وتغير عقله يحق لأوليائه أن يحجروا عليه. ولك أن تراجع في هذا فتوانا رقم: 18335.
فإذا كان أبو زوجتك قد بلغ سن الحجر فارفعوا أمره المحكمة الشرعية لتعين شخصا يقوم على أمواله، ولا يصرف منها شيء إلا في مصلحته هو أو في النفقات الواجبة عليه.
وإذا كان لم يبلغ سن الحجر فتصرفاته في ممتلكاته صحيحة وماضية إذا حيزت عنه حيازة شرعية.
ثم على تقدير صحة تصرفاته، فإن تمليكه والدة زوجتك الشقة التي يقطنونها حاليا لا يصح، لأن من تمام الهبة الحيازة وهي لا تصح ما دام الواهب يسكن ما وهبه. قال الشيخ أحمد الدردير: (و) صحت (هبة زوجة دار سكناها لزوجها) (لا العكس) وهو هبة الزوج دار سكناه لزوجته فلا يصح لعدم الحوز; لأن السكنى للرجل لا للمرأة فإنها تبع له. اهـ
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فإذا ثبت أن ذلك الابن قد وهب لأمه ثلث الشقة المذكورة وقبلته منه، وكان هو قد ملكه حسبما ذكرنا سابقا فليس من حقه الرجوع في ذلك. فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العائد في هبته كالكلب يقيء، ثم يعود في قيئه ".
وإذا كان لزوجتك علم بهذا الموضوع فمن واجبها أن تؤدي الشهادة على الوجه الصحيح. ولتعلم أن الشهادة من الأمور الخطيرة التي لا يصح للمسلم أن يتساهل فيها، والكذب فيها من أكبر الكبائر، كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قال: قول الزور أو قال: شهادة الزور. الحديث رواه البخاري ومسلم.
فمن استشهد في أمر له به علم وجب عليه أداء الشهادة على الوجه الصحيح، وخصوصا إذا ترتب على ترك الشهادة إهدار حق أو ارتكاب محرم، وقد نهى الله عن كتمان الشهادة، قال الله تعالى: وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. {البقرة:283} . وإذا تقرر ملك أم زوجتك لثلث تلك الشقة، فإنه باق على ملكها كيفما بلغت قيمة الشقة. وإذا بيعت فمن حقها أن تأخذ ثلث الثمن الذي بيعت به بالغا ما بلغ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1427(18/108)
حكم الشهادة على أمر لم يعاينه الشاهد للضرورة
[السُّؤَالُ]
ـ[مات رجل عراقي في سوريا بحادث سيارة وتم تصديق الوفاة من السفارة العراقية هناك، والآن نريد ترتيب حقوقه التقاعدية لعائلته، وطلب منا القاضي أن نصدق ختم السفارة من وزارة الخارجية والصحة أو أن نحضر شاهدين يقسمان أنهما شاهدا الحادث وما كان معه أحد منا، فهل يحل لنا أن نشهد رجلين على الحادث لم يشهداه، وحال العائلة أن الناس اليوم تتصدق عليها بالمعاش، أفيدونا يرحمكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المعلوم بالضرورة عند كل مسلم أن الكذب حرام وكذلك شهادةالزور، وقد دلت على ذلك نصوص الوحي من الكتاب والسنة، ولكن إذا اضطر المسلم إلى شيء من ذلك وألجأته إليه الضرورة، ومن ذلك إنقاذ المسلم أو ماله فيجوز هنا الكذب بقدر الحاجة ولا يتعداها، كما قال الله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {البقرة: 173} وقد أجاز أهل العلم الكذب إذا كان لمقصود مشروع لا يمكن التوصل إليه إلا بذلك ولم يكن فيه ضرر للغير، قال البهوتي في كشاف القناع وهو حنبلي المذهب: يجوز كذب الإنسان على نفسه وغيره إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه ولم يتضمن ضررا. ونقل ابن مفلح في الآداب الشرعية عن ابن الجوزي: أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب فهو مباح إن كان المقصود مباحا، وإن كان واجبا فهو واجب. ولذلك فإذا كنتم متأكدين بالأدلة والقرائن من حصول الحادث ووفاة الرجل ولم تجدوا وسيلة لإثبات ذلك أو التوصل إلى حق ذي الحق إلا بما ذكرتم وكان يترتب عليه إثبات الحق وتخليصه لأهله فإنه يجوز لكم ذلك، والأولى لمن يشهد بذلك أن يستخدم التورية والمعاريض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1427(18/109)
شهادة المرء بما سمعه ولم يره
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أذهب مع رجل أعرفه جيدا للشهادة في حادثة ما، وأنا لم أرها ولم أسمع بها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من علم بشيء ما عن طريق الرؤية أو السماع حتى ثبت عنده تحقق وقوعه يجوز له أن يشهد به ما لم يكن مصدر العلم هو المشهود له لمظنة التهمة، وراجع لمعرفة التفصيل في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 47234، 60162، 67731، 47021، 18006.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1427(18/110)
الشهادة وتزكية الشهود بدون علم من أكبر الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[أولاً أشكركم على هذا الموقع
أما بعد:
مسألة:
رجلان شهدا في انحصار إرث لشخص وهما يعرفان جيداً أنهما لا يعرفان الشخص المستخرج له انحصار الإرث المذكور , كونه ولد ومات قبل أن يولدا. وأن أحد الشهود حضر إلى المحكمة من سابق عند قاضي المحكمة الشخصي وأدلى بشهادته في نفس الموضوع عندما سأله القاضي عن معرفته بالشخص قال له القاضي: هل تعرف فلان بن فلان قال الشاهد: نعم أعرفه , وسأله القاضي مرة أخرى: هل لفلان أخوات قال الشاهد: لا أعرف. ورفضت شهادته في حينها.
وكنت أنا أحد الحاضرين حينها وكان موجود معنا أحد المحاميين عندما رفضت شهادة الشاهد لعدم معرفته الجيدة بالشخص المستخرج له انحصار الإرث.
وفي تاريخ:22/4/ 2006م قُدّم للمحكمة طلب انحصار إرث لنفس الشخص وشهد الشاهد المذكور التي رفضت شهادته من القاضي السابق أنه يعرف الشخص المستخرج له حصر الوراثة وأنه يعرفه جيداً وأنه خلّف ولدا واحداً وأنه مات سنة 1940م مع أنه في الحقيقة لا يعرفه.
وزكّاه المحامي التي حضر في المرة الأولى التي رفضت فيها شهادته حيث إنه زكاه وهو يعلم كل العلم أن الشاهد لا يعرف الشخص المستخرج له حصر الوراثة المذكور.
مع العلم أنني أعرف أن الشخص المستخرج له حصر الوراثة رجل قديم ولا أحد يعرفه من الموجودين في المدينة حالياً وقد سألت أحد كبار السن الموجودين في المدينة فقال لي أنا عمري فوق التسعين وما أعرفه مع أننا تقريباً جيران كيف عرفوه هؤلاء وهم أصغر مني سناً؟ . وأن أعمار الشهود لا تتجاوز الثمانين عاماً.
ما حكم الشرع في هؤلاء الشهود والمزكي؟ وما حكم الشرع في القاضي التي بيّنت له أنا شخصياً أن هؤلاء الشهود شهدوا وهم لا يعرفون الرجل المستخرج له حصر الإرث وطلبت منه استدعاءهم وتحليفهم أمام المحكمة فرفض القاضي استدعاءهم بحجة أن انحصار الإرث موقع من المحكمة. أفيدونا في حكم هؤلاء شرعاً.
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز للمسلم أن يشهد إلا بما شاهده أو علمه عن يقين، كما قال الله تعالى: وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا {يوسف: 81} وقوله تعالى: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {الزخرف: 86}
وشهادة الرجل بما لا يعلم من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، وكذلك تزكيته لشاهد الزور.
وقد سبق بيان ذلك وأدلته في الفتاوى التالية أرقامها: 35267، 1224، 25427، 44836، نرجو أن تطلع عليها وعلى ما أحيل عليه فيها، وإذا كان الذي حصل هو شهادة زور فعلا، فإن على هؤلاء الذين شهدوا وعلى من زكاهم أو قبل شهادتهم وهو يعلم بذلك أن يتقوا الله تعالى جميعا ويتوبوا إليه التوبة النصوح، ولا يتم ذلك إلا برد ما ترتب على ذلك من الحقوق إلى أهلها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1427(18/111)
كتمان الشهادة إذا ترتب عليه ضياع حقوق الآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد ... السؤال هو: ما حكم من يعلم بشيء ويرفض الاعتراف به مثل مبنى وغيره، مع العلم بأن عدم اعترافه هذا سوف يضيع حقوق أيتام، فأفيدونا أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكتمان الشهادة إذا ترتب عليه ضياع حقوق الآخرين حرام، لقول الله تعالى: وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ {الطلاق:2} ، وفي الحديث: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. رواه البخاري.
هذا ما لم يخف الشاهد ضرراً في نفسه أو أهله أو ماله، لقول الله تعالى: وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ {البقرة:282} ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه ابن ماجه.
ولأنه لا يلزمه أن يضر بنفسه لنفع غيره، وراجع للمزيد من أسباب وجوب الشهادة، الفتوى رقم: 72596.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1427(18/112)
شهادة المرء أمام المحكمة بما لم يتثبت منه
[السُّؤَالُ]
ـ[السادة العلماء، دعاني صاحب لي في العمل أن أذهب معه للإداء بشهادة في إعلام الوراثة حيث تغيب أحد الشهود فذهبت وكانت معرفتي بأفراد أسرته ليست كاملة حيث أعرف أخاه باسمه ورأيت أمه مرة، ولكني لا أعرف اسمها وأظن أن له أختين فذهبت للشهادة وقبل الإدلاء قلت ربما يكون له أبناء آخرون أو زوجة ثانية لا أعرفها أو أقرباء آخرون لا أعرفهم فقلت إن صاحبي لن يغرر بي وتقدمت للإدلاء بالشهادة بعد الحلف بأن هذين الأخوين والأختين وأمهم هم ورثة المتوفي -وكان القاضي يعرض علي أسماءهم وليس أعيانهم- وقال القاضي ولا يوجد غيرهم فقلت ولا يوجد غيرهم، فقال لي القاضي ولم يوص بوصية، فقلت ولم يوص حسب علمي، فهل هذه شهادة زور، وما حكم اليمين الذي حلفته وما الواجب علي فعله الآن للتكفير عن هذا الذئب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشهادة أمرها عظيم في الإسلام نظراً لما يترتب عليها من الحقوق والواجبات، ولذلك حذر الشرع من شهادة الزور وجعلها من أكبر الكبائر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً.... وعد منهن شهادة الزور وقول الزور.. والحديث متفق عليه.
وحث على أداء شهادة الحق، فقال تعالى: وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ {البقرة:283} ، ويجب على الشاهد أن يتحقق ويتثبت، فقد قال الله تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً {الإسراء:36} ، وقال تعالى: إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {الزخرف:86} ، وروى الحاكم والبيهقي وغيرهما عن ابن عباس قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة، فقال للسائل: هل ترى الشمس؟ قال: نعم، قال: على مثلها فاشهد أو دع.
وبناء على ما ذكر، فإنك قد أخطأت خطأ كبيراً بما أدليت به من الشهادة في أمر ليس لك به من العلم ما يكفي للإدلاء بها، ثم هذه اليمين التي حلفتها تعتبر من اليمين الغموس وهي أن يحلف المرء على أمر ماض كاذباً عامداً، أو على أمر ماض شاكاً أو ظاناً ظنا غير قوي كما عند المالكية، قال الدردير: وفسرها بقوله:...... بأن شك الحالف في المحلوف عليه أو ظن ظناً غير قوي، وأولى إن تعمد الكذب.
وهذه اليمين لا تجب فيها الكفارة عند جمهور أهل العلم خلافاً للشافعية، فعليك أن تبادر إلى التوبة مما اقترفته، وشروط التوبة هي الإقلاع عن الفعل والندم على ارتكابه والعزم أن لا يعاد إليه، ولا بأس بأن تكفر عن يمينك هذه مراعاة لمن يقول بوجوب الكفارة فيها، ثم إن عليك أن تخبر القاضي بأن شهادتك لم تكن على المستوى المطلوب من اليقين وذلك خشية من أن يكون ترتب عليها قطع حق لوارث أو موصى له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1427(18/113)
خطورة شهادة الزور
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم شهادة الزور في المحاكم الشرعية بعد الحلف بالله العظيم؟ حيث قام أقرباء زوجتي بالشهاده زورا بأنني أضربها وأسبها وغير أمين عليها ومسكن الزوجيه غير شرعي، علما بأن أقرب شاهد يبعد عن مدينتي ب 70 كم؟ وأحد الشهود مأذون شرعي وإمام مسجد؟
ولكم جزيل الشكر وخير الجزاء من الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن شهادة الزور من أكبر الكبائر, وكذلك الحلف على الكذب وهو اليمين الغموس، ويكفي هذه الجرائم عظما أنها قرنت بالإشراك بالله تعالى وبقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله, وعقوق الوالدين, وكان متكئا فجلس فقال: وشهادة الزور, ألا وقول الزور, فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت. وقال صلى الله عليه وسلم: الكبائر: الإشراك بالله, وعقوق الوالدين, وقتل النفس, واليمين الغموس.
ويكون الأمر أشد إذا كان في الشهادة واليمين الكاذبة اقتطاع حق لمسلم, ولذلك فإن على من تعمد شهادة الزور, وفرق بها بين زوجين أن يبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى, وأن يكذب نفسه أمام من شهد عندهم بذلك, وأن يستسمح من وقع عليه منه ضرر, ولا تتم توبته إلا بذلك. وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1224، 30557، 71900.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الأولى 1427(18/114)
شروط الشهادة
[السُّؤَالُ]
ـ[دعاني صديقي للحضور إلى المحكمة للشهادة على حالة الطلاق لعمته، حيث قال إن عمته مطلقة منذ 1990 ويحتاج إثبات حالة الطلاق لإحدى الدوائر الحكومية، فهل تجوز الشهادة على الحالة علما أني لا أعرف هل هي تزوجت بعد الطلاق أم لا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في الشهادة أن تكون عن مشاهدة وعلم، لقوله تعالى: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {الزُّخرف:86} . وقوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف: وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا {يوسف: 81} . فأخبر سبحانه وتعالى أن الشهادة تكون بالعلم، ولا تصح بغلبة الظن. ويستدل لذلك بحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يشهد بشهادة، فقال لي: يا ابن عباس لا تشهد إلا على ما يضيء لك كضياء هذه الشمس، وأومأ رسول الله بيده إلى الشمس. وهذا يدل على أن الشهادة يجب أن يكون مستندها أقوى أسباب العلم وهي المشاهدة والعلم اليقيني.
قال ابن قدامة: في المغني: وما أدركه من الفعل نظراً أو سمعه تيقناً وإن لم ير المشهود عليه شهد به. وجملة ذلك أن الشهادة لا تجوز إلا بما علمه، بدليل قول الله تعالى: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، وقوله تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً، وتخصيصه لهذه الثلاثة بالسؤال لأن العلم بالفؤاد، وهو يستند إلى السمع والبصر، ولأن مدرك الشهادة الرؤية والسماع، وهما بالبصر والسمع. وروي عن ابن عباس أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهادة؟ قال: هل ترى الشمس؟ قال: نعم، قال: على مثلها فاشهد أو دع. رواه الخلال في الجامع بإسناده انتهى
كما لا يجوز لك أن تشهد على حالتها الآن من كونها مطلقة أوذات زوج استنادا أيضا على خبر صديقك أو إلى حالة سابقة لا يدرى ما حصل بعدها.
وأما الشهادة بالسماع فمن شروطها أن يكون السماع فاشيا مستفيضا. أما السماع من واحد أو نحوه، فلا تجوز الشهادة عليه.
وعليه؛ فلا يجوز لك الشهادة على هذا الطلاق استنادا على ما سمعته من صديقك، ويجب عليك التوبة من هذه الشهادة إن كنت قد شهدت بها.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1427(18/115)
هل يبلغ عمن قام بحرق سيارة غيره إذا علم به
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن لا تحيلوني إلى فتوى أخرى، منذ سنة كنت شاهداً على حادث إحراق شخص لسيارة دكتور في الجامعة، وقد تعاونت مع الشرطة بأكبر شكل ممكن، وفات الموضوع ولم يكشف الشخص، وبالأمس أخبرت صديقا لي عن الحادثة، ولقد أبدى اندهاشه إذ أن أحد أصدقائه أخبره بأنه قام بإحراق سيارة دكتور في الجامعة انتقاماً منه، فإذا تأكدنا أنه نفس الشخص، فهل من واجبنا أن نبلغ عنه الشرطة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشهادة أمرها عظيم في الإسلام نظراً لما يترتب عليها من الحقوق والواجبات، ولذلك حذر الشرع من شهادة الزور وجعلها أكبر الكبائر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً ... وعد منهن شهادة الزور وقول الزور.. والحديث متفق عليه.
وحث على أداء شهادة الحق، فقال تعالى: وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ {البقرة:283} ، ويجب على الشاهد أن يتحقق ويتثبت، فقد قال الله تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً {الإسراء:36} ، وقال تعالى: إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {الزخرف:86} ، وروى الحاكم والبيهقي وغيرهما عن ابن عباس قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة، فقال للسائل: هل ترى الشمس؟ قال: نعم، قال: على مثلها فاشهد أو دع.
ولذلك فإذا كنت تعلم يقيناً أن الشخص الذي ذكر صديقك هو من قام بحرق السيارة فعلاً فلك أن تبلغ عنه الشرطة، ويجب عليك ذلك إذا لم يكن يعلم بالأمر غيرك فيتعين عليك التبليغ والشهادة في هذه الحالة لئلا يضيع حق المظلوم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها. رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً.. رواه البخاري.
أما إذا كنتم غير مستيقنين فلا يجوز لكم توريط شخص بريء بمجرد الظن أو الشك، ونرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 30642، والفتوى رقم: 21038 للمزيد من الفائدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الأول 1427(18/116)
أداء الشهادة بين اللزوم وعدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[عاجل جداً.... شكرا لكم على الإجابة عن الأسئلة وإفادتنا بأمور ديننا، وجعله الله في ميزان حسناتكم، أريد أن أستوضح بعض الأمور بناء على الموضوع المذكور لديكم وأجبتموني عليه ورقم الفتوى (71326) الذي يتعلق بالقتل الشبه عمد فتوصلنا إلى حل للخلاف بين الطرفين عن طريق الشرع، أي كتاب الله وسنته ونرضى بما يطلعه علينا من قرارات ترضي الله ورسوله، ولكن السؤال الذي أريد أن أطرحه هو أن الذي قام في القتل الشبه عمد أكثر من واحد وهم منهم الإخوة وأبناء العم ما يقارب عشرة أشخاص، وحسب علمي أن الشرع سوف يحقق في القضية ويبين من هوالفاعل ومن هو الذي رصاصته قتلت وهنا لا نريد أن تتضح هوية الفاعلين من أجل أن لا نحدد شخصا معينا ويتم الانتقام منه بسهولة، علما بأن الطرف الثاني يريد أن يلجأ إلى الشرع من أجل تبيين القاتل وتحديد الأشخاص وإن كانوا اثنين والانتقام منهم (علما بأن نيه القتل لم تكن موجودة) ونحن مستعدون أن نقص القصة بالتفصيل لكن دون ذكر أسماء أمام اللجنة خوفا من الذي ذكرته وهو الانتقام، سؤالي هو: أريد أن أكرر هل يحق لنا أن نتحفظ على الأسماء، مع العلم بأن نذكر كل شيء بالتفصيل، ولكن دون ذكر أسمائهم، لأن اللجنة بدورها ترفع أيضا الأسماء إلى المحكمة ولن يكون هناك تحفظ من اللجنة على الأسماء؟ بارك الله فيكم، ورجائي الحار كما عودتمونا أن تكون الإجابة سريعة، علما بأننا لم نخرج من بيوتنا ونسأل خوفا منهم ومن انتقامهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن القتل إذا كان عمداً، ولم يعف أولياء الدم أو يرضوا بالدية، فإن المتمالئين على القتل يقتلون جميعاً، ولا يُنظر إلى الذي كانت رصاصته هي القاتلة، فقد روى مالك في الموطأ أن عمر رضي الله عنه: قال في رجل تمالأ عليه جماعة من أهل اليمن: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً.
وهذا ما درج عليه الشيخ خليل في المختصر حيث قال: ويقتل الجمع بواحد والمتمالئون، وإن بسوط سوط، والمتسبب مع المباشر.
ثم إن الأمر إذا رفع إلى محكمة شرعية، فالمعتاد أنها ستحكم بالعدل والإنصاف بين الناس، ولذا لا يجوز إخفاء الحقيقة عنها، فقد قال الله عز وجل في محكم كتابه: وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ {الطلاق:2} ، وقال تعالى: وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ {البقرة:283} .
وأما إذا علم أن المحكمة لا تقضي بالعدل، ولا تقسط بين الناس، فلا يلزم حينئذ أداء الشهادة عندها، جاء في الموسوعة الفقهية: قال بعض العلماء: لا يجب أداء الشهادة إذا كان الحاكم غير عدل، قال الإمام أحمد: كيف أشهد عند رجل غير عدل؟ لا أشهد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1427(18/117)
أسباب وجوب أداء الشهادة
[السُّؤَالُ]
ـ[حدث خلاف بين زوجين وهذان الزوجان أبناء عمي فذهبت إلى الزوج لأتحدث معه أو أستفسر منه سبب الخلاف فتحدثنا كثيراً وكان من ضمن ما قاله أنه حتى وإن أرجع زوجته سيطلقها ولو بعد سنة أو سنتين وسيمللها في حياتها فكتمت هذا الكلام ولكن قلته لأخي وابن عمي فتحدث ابن عمي وقاله للذين يريدون أن يصلحوا بينهما فجاؤوني كي أشهد ضد الزوج، بأنه قال هذا الكلام فقلت نعم وبعد يومين أو أكثر راجعت نفسي فوجدت نفسي أمام ورطة كبيرة وهي إذا شهدت بهذه الشهادة أكون أنا السبب في الطلاق فقلت لا أشهد بهذه الشهادة، لأني سأتسبب في الفرقه بينهما، ما حكم إنكار الشهادة في هذه الحالة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشهادة لا يجب أداؤها إلا في حالتين ذكرهما في الموسوعة الفقهية الكويتية بقوله: سبب أداء الشهادة طلب المدعي الشهادة من الشاهد، أو خوف فوت حق المدعي إذا لم يعلم المدعي كونه شاهداً. انتهى.
قال في درر الحكام شرح مجلة الأحكام: وسبب وجوب الشهادة اثنان:
أولاً- أن يطلب صاحب الحق إيفاء الشهادة من الشاهد، لقوله تعالى: وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ. فلذلك إذا طلب من اثنين منحصرة فيهما الشهادة إيفاء الشهادة وكتما الشهادة يأثمان، لأن كتم الشهادة منهي عنه بالنص وهو قوله تعالى: وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ.
ثانياً- أن يخاف من ضياع حق صاحب الحق فلذلك لو كان أحد شاهداً على حق آخر وخيف على حقه لكونه لا يعلم أن ذلك الشاهد هو شاهد على حقه فللشاهد أن يخبر ذلك الشخص عن كيفية شهادته، وأن يشهد في حضور القاضي إذا طلب منه الشهادة؛ وإلا لا يجب، لأنه يحتمل أن يكون قد ترك حقه. انتهى.
وقال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: ولو كان بيد إنسان شيء لا يستحقه ولا يصل إلى من يستحقه بشهادتهم لم يلزم أداؤها، وإن وصل إلى مستحقه بشهادتهم لزم أداؤها. انتهى كلامه.
فإذا طلب منك صاحب الحق أن تشهد، أو خفت ضياع حق بكتم الشهادة، فيجب عليك أداؤها، أما إذا لم يطلب منك صاحب الحق ولم تخف ضياع الحق فيجوز لك كتمها، بل لو خشيت وقوع ضرر محض بهذه الشهادة فيجب عليك كتمها.
علماً بأن ما ذكرته لا يترتب عليه طلاق لو شهرت به أو أقرَّ به الزوج.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1427(18/118)
الحلف كذبا أمام القاضي من الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[سبق لي أن وجهت لكم سؤالا أجبتم عليه في الفتوى رقم 64584 والآن فقد حلف كل من زوجتي وأبوها كذبا أمام القاضي فما جزاؤهما في الدنيا والآخرة؟ وما الذي يتعين علي فعله؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم هو عليها فاجر لقي ربه وهو عليه غضبان. متفق عليه.
فلا ريب أنه إن صح أن زوجتك وأباها حلفا كذبا ليأخذا حقك أنهما مستحقان لعقوبة الله تعالى, ومتعرضان لغضبه. أما ما هو الذي يتعين عليك فعله فمن جهة القضاء ليس لك إلا التسليم لحكم القاضي فإنما يحكم بما يظهر له, وأمامك وسيلة قد تجدي وهي تذكير من كل من زوجتك وأبيها بعقوبة الله وتخويفهما من سخطه, فإن استجابا للذكر فالحمد لله, وإن لم يتسجيبا فليس أمامك إلا أن تصبر فإن الله لا يضيع أجر الصابرين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1427(18/119)
أداء الشهادة بين الوجوب وعدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب شاهدت جريمة قتل أنا وصديق لي وأعلمنا بها شخصين فقالا لنا لا تعلما بها أحدا كي لا تتورطا فيها, مع العلم أن القاتل رآنا, وكنت أبلغ 14سنة, وذهب ضحيتها 3شبان سجنوا, والآن خرجوا من السجن وإلى الساعة لا يعلم أحد المجرم ولقد هاجر إلى الخارج, أفتوني ماذا افعل ? ولقد تبت إلى الله ; مع العلم أني إذا أبلغت الشرطة الآن فإني سوف أسجن أنا وصديقي والشخصان الآخران وهما متزوجان ولهما أولاد; وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم مطالب بأداء الشهادة لله تعالى فرضا إذا طلب منه ذلك، وكان متيقنا لا يخالجه أي شك، ولم يكن هناك من يقوم بالشهادة غيره, ولم يكن يخاف على نفسه أو ماله أو عرضه أو أهله، وذلك لقول الله تعالى وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ {الطلاق: 2} ولقوله تعالى: وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ {البقرة: 283} .
أما إذا لم يكن متيقنا أو كان يخاف على نفسه أو كان هناك من يعلم بالأمر وتحصل به الكفاية في الشهادة، فإن وجوب الأداء يسقط عنه.
وقد سبق بيان ذلك بالأدلة وأقوال أهل العلم في الفتوى رقم: 67693، وعلى ذلك، فإن طلبت منك الشهادة أو تعينت عليك وكان لا يلحقك ضرر في أدائها فإن الواجب أداؤها، وإلا، فإن الواجب يسقط عنك ويجوز لك بعد ذلك أن تؤديها إن شئت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 صفر 1427(18/120)
المال الموروث بشهادة الزور سحت وحرام لا يحل الانتفاع به
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم وراثة مال ميت بشهادة زور؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشارع الحكيم قد حدد أسباب الميراث وفصلها في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز وراثة مال إلا بسبب من تلك الأسباب، وحكم المال الموروث بشهادة الزور أنه مال حرام لا يجوز لمن أخذه بتلك الشهادة الانتفاع به، ويجب عليه أن يرده إلى أصحابه الشرعيين، فحرمة مال المسلم كحرمة دمه وعرضه فلا يحل شيء من مال المسلم إلا بطيب نفسه ولو كان عوداً من أراك.
ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ... إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا.... وكان ذلك في خطبة حجة الوداع.
وأما شهادة الزور فهي من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، وعلى من قام بها أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى، ففي الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أكبر الكبائر الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور ثلاثاً، أو قول الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت. وللمزيد عن حكم شهادة الزور وكيفية التوبة منها نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 21337.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 صفر 1427(18/121)
التوبة من الشهادة بالباطل
[السُّؤَالُ]
ـ[من مراجعة ذنوب الماضي لي تذكرت ما يلي:
كنت أعمل في إحدى المؤسسات في الرياض وكان من طبيعة الكفيل أنه يمر سنويا على كل الموظفين لجمع توقيعاتهم على أنهم استلموا كافة حقوقهم حتى تاريخه وكان الجميع يضطر للتوقيع من أجل الاستمرار في العمل بمن فيهم أنا نفسي رغم أننا لا نحصل على قيمة الإجازة مدفوعة الراتب ولا مكافأة الخدمة. ولكن من ضمن هؤلاء العمال كان هناك عامل مسكين يعمل لديهم منذ 20 عاما لذلك كانوا يخافون منه ويوقع ويبصم أنه استلم كل مستحقاته ويجمعوا توقيع شاهدين على ذلك. وكنت أنا أحد الشاهدين في إحدى المرات ورغم أنه وقع وبصم أمامي إلا أنني الآن يؤنبني ضميري على التوقيع كشاهد لأنى أعلم رغم توقيعه أنه لا هو ولا أنا ولا أي موظف يحصل على مكافأة نهاية الخدمة أو قيمة الإجازة مدفوعة الراتب حسب العقد وقوانين المملكة وإنما فقط نحصل على مرتباتنا. أرجو من سماحتكم جزاكم الله خيرا أن تنصحوني ماذا أفعل ليتوب الله علي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن من استوفى العمل من الأجير ثم لم يعطه حقه كاملا فإنه ارتكب إثما عظيما وسيكون خصمه يوم القيامة الجبار جل جلاله، لما صح في الحديث القدسي يقول الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: وذكر منهم ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره. رواه البخاري.
فعلى من يستوفون العمل من الأُجَراء ثم لا يوفون لهم أجورهم أن يعدوا للمخاصمة جوابا يوم لا ينفع مال ولا بنون.
وأما قيام الأخ السائل بالشهادة على أن العامل المذكور استوفى حقوقه والواقع أنه لم يستوف شيئا فإنها شهادة بالباطل، والله تعالى يقول: سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ {الزخرف: 19} وطريقة التكفير لهذا الذنب التوبة النصوح عسى الله أن يغفر لك، والعبد إذا تاب تاب الله عليه، وإذا طلب من الشاهد يوما أن يشهد بخلاف ما تقدم من شهادته الباطلة فيلزمه تصحيحا للخطأ وتسببا في رد الحق إلى أهله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو الحجة 1426(18/122)
شهادة الزور لمساعدة القصر الفقراء
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد أقاربى مات فى حادثة سيارة وطلب مني أن أشهد أمام المحكمة أن مرتبه 1300جنيه بدلا من 300جنيه وذلك لكى يحصل أخواته القصر على مبلغ كبير من شركة التأمين وطبعا كان ذلك بهدف أن الأسرة فقيرة وأنها محتاجة إلى هذا المال ولكنني فوجئت أن طلب مني أن أقسم بالله العظيم على هذه الشهادة وطبعا عندها لم أستطع أن أتراجع لأن هذا سوف يؤدي بي إلى الحبس وأنا الآن نادم على هذه الفعلة فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشهادتك أمام المحكمة بأن مرتب ذلك الشخص المتوفى 1300 جنيه وهو في الحقيقة 300 جنيه فقط، يعتبر شهادة زور وهي من أكبر الكبائر، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. متفق عليه
ولا يبيح مثل هذه الشهادة كون أخوات الرجل من القصر، ولا أن الأسرة فقيرة ومحتاجة إلى هذا المال، ويزداد الإثم ويعظم الذنب إذا كنت قد حلفت على شهادتك، فإن من أقسم على أمر وهو يعلم أنه غير صحيح فإن ذلك من اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم أو في نار جهنم.
وعليه فواجبك أن تبادر إلى التوبة فوراً، ومن تمامها أن تغرم لشركة التأمين ما أخذته منها تلك الأسرة بغير حق إلا أن تسامحك تلك الشركة، قال الشيخ خليل: وغرما مالا ودية. قال الشيخ عليش في منح الجليل: وإن رجعا بعده {يعني بعد الحكم} غرما للمشهود عليه مثل ما غرمه للمشهود له إن كان مثلياً وقيمته إن كان مقوماً ... .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1426(18/123)
شهادة المرأة وقوامة الرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من فضيلتكم أن تصبروا على قراءة رسالتي فلربما كانت طويلة فسامحوني.. سمعت أمس على فضائية مناظرة بين دكتورة فقه/ زينب رضوان (لا أعلم في أي جامعة) والشيخ يوسف البدر عن كتاب لها لا أعلم
إن كنتم فضيلتكم قرأتموه أم لا المهم يناقش قضيتين هامتين:
1- قضية شهادة الرجل تعادل امرأتين، وهي تحلل الآية كما يلي أنها (الآية) تطلب من الكاتب للدين أن يكتب بالعدل وأن صاحب الحق أن يمل وعند الشهادة قيل فرجل وإن لم يوجد فامرأتين وأنه في الفقه هناك حروف للوصول إلى علة التشريع ومنها الكاف وأن وهنا توفرت واحدة وهي أن تضل أحداهما فتذكر أحداهما الأخرى وبالتالي الواضح من الآية أن هذه الجلسة كلها كانوا أميين لا يعرفون الكتابة ولا القراءة وبالتالي اعتمدت على الشهادة وفي هذه الحالة فالرجل ذاكرته أقوى لأنه ممارس للعمل والتجارة وما إلى ذلك، ولكن حاليا المرأة تستطيع أن تشهد على أي عقد بأن توقع أسمها مثلها مثل الرجل وبالتالي ليست في حاجة إلى المثول وتذكر الواقعة التي وقعت عليها ولذلك فليس هناك مانع من أن تتساوى شهادتها مع الرجل لعدم وجود العلة وهي الجهل والاعتماد على رواية الحدث الذي شهدت عليه.
2- بالنسبة إلى قوامة الرجل قال تعالى: \"الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا..\" وهي تحليلها كما يلي أن القوامة لها شروط كما يفهم من كلمة \"بما فضل\" وهي تتمثل في العقل والصحة والقوة وما إلى ذلك، إلى جانب الإنفاق فإن عدمت هذه الأشياء من الرجل وتوفرت في المرأة بالتالي تتحول إليها القوامة وهذا موجود فعلا في الطبيعة حاليا، فكم من أخ ضعيف أو مريض تعوله أخته أو أب كبير أيضا وهذا نفهمه من كلمة بعضهم علي بعض فهناك بعض مسكوت عليه وهو المقصود به النساء.
الشيخ يوسف جزاه الله خيراً ولأنه كان في قمة الغضب وبالتالي لم أستطع أن أفهم ردوده على هذه النقاط وأرجو ردكم عليها، هل يجوز الأخذ بما قالت ولا يكون تعطيلا للنص القرآني أم هناك خطأ في تفسيراتها، سامحونا على الإطالة؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا من قبل أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل بالنص الصريح من كلام الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى {البقرة:282} ، وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري ومسلم عن ابن عمر، واللفظ له: أن النبي صلى الله عيله وسلم قال: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن، قالت امرأة: يا رسول الله، وما نقصان العقل والدين، قال: أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل.... الحديث. وهذه النصوص صريحة لا تقبل التأويل، وبالتالي لا يصح العدول عنها.
ثم ما يتعلق بقوامة الرجل، فقد ذكر الله لها سببين، أحدهما ما أشار إليه قوله تعالى: بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ {النساء:34} ، أي بتفضيل الله الرجال على النساء، بأن جعل منهم الأنبياء والخلفاء والسلاطين والحكام والغزاة، وزيادة التعصيب والنصيب في الميراث، وجعل الطلاق بأيديهم، والانتساب إليهم، وغير ذلك مما فضل الله به جنس الرجال على جنس النساء في الجملة، وهذا التفضيل ليس كسبيا، وإنما هو هبة من الله تعالى، فلا يتغير بكون بعض النساء يعلن إخوتهن أو آباءهن....
والثاني في جعل القوامة للرجل على المرأة هو: ما أنفقه عليها، وما دفعه إليها من مهر، وما يتكلفه من نفقة في الجهاد، وما يلزمه في العقل والدية، وغير ذلك مما لم تكن المرأة ملزمة به، وقد أشار إليه في الآية بقوله (وبما أنفقوا من أموالهم) .
وإذا تخلى الرجل عن ميزته التي ميزه الله تعالى بها فلم ينفق على امرأته، ولم يكسها، فإن ذلك يسلبه حق القوامة عليها، ويعطيها هي الحق في القيام بفسخ النكاح بالوسائل المشروعة.
ومما يجب التنبه إليه أن تفضيل الرجال على النساء المذكور في الآية الكريمة المراد منه تفضيل جنس الرجال على جنس النساء، وليس المراد منه تفضيل جميع أفراد الرجال على جميع أفراد النساء، وإلا فكم من امرأة تفضل زوجها في العلم والدين والعمل والرأي وغير ذلك، ولكن هذا لا يعني جعل القوامة للنساء ولأن العبرة بالغالب، ثم إنه مما ثبت علمياً أن ذاكرة المرأة تختلف عن ذاكرة الرجل في أصل نشأتها، ولك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 65255. وعليه فلا يجوز لك الأخذ بما قالته تلك الدكتورة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1426(18/124)
كتمان الشهادة إذا أدى إلى إدانة البريء
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المخلوقين.. أما بعد:
أنا شاب أبلغ 26 سنة، شاهدت جريمة قتل وأنا في سن السادسة عشرة من عمري، ولم أبلِّغ عنها السلطات نظرًا لتعسف السلطات ولسني الصغير. سجن ثلاثة أبرياء بدل المجرم الحقيقي. والآن انتهت مدة سجنهم وخرجوا من السجن، وأنا تبت بعد أن كنت عاصيًا، ولكن كلما فكَّرت في هذه الجريمة أحس بتأنيب الضمير. هل توبتي صحيحة؟ وماذا علي أن أفعل؟ أفتوني في أمري أكاد أجن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله عز وجل في محكم كتابه: وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ {الطلاق:2} . وقال تعالى: وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ {البقرة:283} . ولهذا فلا يجوز للمسلم أن يكتم شهادة الحق، ويتأكد الأمر إذا تعينت عليه أو ترتب على عدم أدائها ضياع دم المسلم أو ماله أو عرضه أو أي حق من حقوقه، إلا إذا خاف الشاهد الضرر على نفسه أو بدنه أو ماله أو أهله؛ فلا يلزمه الأداء حينئذ لقول الله تعالى: وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ {البقرة:282} . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك في الموطأ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: قال بعض العلماء: لا يجب أداء الشهادة إذا كان الحاكم غير عدل. قال الإمام أحمد: كيف أشهد عند رجل غير عدل؟ لا أشهد.
ولذلك فإذا كنت آمنًا على نفسك وأهلك فالواجب عليك أداء شهادة الحق لله تعالى، وخاصة إذا كان القاضي عدلاً، وذلك من تمام توبتك وانقطاعك عن ما مضى في زمن الانحراف.
أما إذا كنت تخاف على نفسك أو كان الحاكم جائرًا لا ينصف المظلومين فإنه لا يجب عليك شرعًا الإدلاء بالشهادة في هذه الحالة.
وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتويين: 21038، 32664.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1426(18/125)
الشهادة.. حكمها.. من أحوال سقوطها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز شهادة الشاهد في المحكمة. مع العلم أن الشاهد لا يستطيع الإدلاء بشهادته نظرا لوضعيته غير القانونية في هذا البلد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشهادة قد تكون فرض عين على الشاهد إذا خيف ضياع حق مسلم، لقول الله تعالى: وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ {الطلاق:2} . ولقوله تعالى: وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة:283] . ولقوله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري من حديث أنس رضي الله عنه -مرفوعا: انصر أخاك ظالما أو مظلوما، فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما، أرأيت إن كان ظالما كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم.
وكون الرجل في وضعية غير قانونية في ذلك البلد، لا يسقط عنه وجوب أداء الشهادة إذا طلبها منه صاحب الحق عند حاكم أو غيره، ما لم يترتب على أدائها ضرر بالشاهد، فلا يجب عليه أداؤها حينئذ لقول الله تعالى: وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ {البقرة:282} . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه ابن ماجه، وأحمد. ولأنه لا يلزمه أن يضر بنفسه لنفع غيره.
وقد تبين لك من الجواب أن حكم أداء الشهادة هو الوجوب إذا توفرت شروطه، وإن كان سؤالك عن جواز الشهادة بالنسبة للشخص المذكور تعني به ما إذا كانت وضعيته غير القانونية تقدح في شهادته، فجوابه أنها لا تقدح في الشهادة إذا لم تتعلق بأمور الفسق والخسة ونحوهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1426(18/126)
شهادة المرء بما سمع
[السُّؤَالُ]
ـ[تم التعاقد على شقة بمبلغ 17 ألف جنيه وتم دفع المبلغ في وجود أختي وزوجها فقط، ثم مطل أصحاب العقار فى التسليم فتم رفع دعوى ضدهم، وطلب زوج أختي شهادتي في المحكمة بدلا منها وقد أقر صاحب العقار أمامي بالمبلغ فى جلسة وعد فيها بتسليم المبلغ، ولكنه لم يف، فما هو، حكم تلك الشهادة وقد تطوعت بها حتى أرجع الحق إلى أصحابه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجوز لك أداء الشهادة بما سمعت من إقرار صاحب العقار بالمبلغ المذكور ما دمت سمعت ذلك منه ولو لم تشاهد وقوع الدفع لأنك تشهد بما علمت وسمعت وهو الإقرار، وربما وجبت عليك الشهادة إذا تعينت وكان فيها إنقاذ لمال مسلم، وقد قال الله تعالى: وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ {البقرة:283} ، ولكن لا يجوز لك بناء على الإقرار أن تشهد بوقوع الدفع أو ما أشبه ذلك مما لم تشاهده وتحضره ... لأن من شروط الشهادة: أن يعاين المشهود عليه بنفسه لا بغيره، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ... لا تشهد إلا على أمر يضيء لك كضياء هذه الشمس. رواه البيهقي، وراجع الفتوى رقم: 47234.
وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 56143، والفتوى رقم: 57364.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1426(18/127)
تحمل الشهادة وأداؤها.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا شاهدت موقفاً فيه ظلم هل تجب عليً الشهادة بالحق حتى وإذا لم يطلب مني أحد وإذا كانت الشهادة تغضب أحد الأشخاص وبالأخص أمي هل السكوت عن هذه الشهادة ظلم والظلم ظلمات يوم القيامة أم ماذا أفعل]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتحمل الشهادة وأداؤها فرض كفاية بحيث لو تحمَّلها من يفي بالغرض سقط الإثم عن الآخرين وإلا أثموا جميعاً، وكذا لو تحمَّلها جماعة وأداها من يفي بالغرض سقط الإثم عن الباقين وإلا أثموا جميعاً؛ إلا إذا طلبها من معينين منهم فإنها تتعين عليهم، فإن أبوا لزم الباقين إذا طلبت منهم، وأما إذا لم تطلب فلا يجب عليهم أن يبادروا بها، قال ابن حجر رحمه الله في التحفة: إذا لم يطلب فلا يلزمه الأداء.
إلا إذا كان صاحب الحق لا يعلم بأن له شهادة عندهم فتندب المبادرة بها قبل الطلب؛ لما رواه مسلم عن زيد بن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يُسألها. وأما إذا كان صاحب الحق يعلم بهم فإنه لا ينبغي لهم أن يبادروا بها قبل أن تطلب منهم؛ لما رواه مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم، والله أعلم أذكر الثالث أم لا، قال: ثم يخلف قوم يحبون السمانة يشهدون قبل أن يستشهدوا.
وعليه.. فإن طلبت منك الشهادة وتعينت عليك وجبت عليك ولا يجوز لك أن تتركها لكره أمك لذلك لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقد قال تعالى: وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا {البقرة: 282} وقال سبحانه
وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ {الطلاق: 2} قال الإمام الشافعي في الأم: والذي أحفظ عن كل من سمعت منه من أهل العلم في هذه الآيات أنه في الشاهد وقد لزمته الشهادة، وأن فرضا عليه أن يقوم بها على والديه وولده والقريب والبعيد وللبغيض القريب والبعيد، ولا يكتم عن أحد، ولا يحابي بها، ولا يمنعها أحداً. ويدل على هذا قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرً {النساء: 135} .
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1426(18/128)
كيف تكفر عن شهادة الزور
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل ضابطا بالقوات المسلحة وحدثت سرقة لموبايل أحد الضباط وقام ضابط الأمن بتعذيب أحد الجنود بحجة أنه يشك فيه وأنا حضرت وشاهدت هذا الموقف وقام هذا الجندي بتقديم شكوى ورفع قضية على هذا الضابط وقاموا بإحضاري لتقديم شهادتي وللأسف شهدت زوراً وقلت إنه لم يقم بذلك حتى يتم تخفيف الحكم على الضابط حيث إنه كان سيفصل من الخدمة والعمل إذا قلت نعم ولكنه أخذ جزاء شديدا على الرغم من شهادتي وأنا كنت أعلم أنه على الأقل سوف يأخذ جزاء ولكني فعلت ذلك حتى لا يطرد من العمل...... والآن أنا في عذاب من مرارة شهادة الزور، أريد أن أعرف كفارة شهادة الزور، وهل يمكن إطعام 60 مسكين بدلا من الصيام لأنني لا أستطيع صيام شهرين، ونعم كيف يكون إطعامهم مجتمعين أم أعطي المبلغ لأحد المحسنين وهو يوزعه؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا حكم شهادة الزور وما يجب فيها في الفتوى رقم: 65719، والفتوى رقم: 35267، والفتوى رقم: 21857.
ومن ذلك الصدقة ... لأنها تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، واسترضاء من شهد عليه وأبطل حقه مع ما بينا في الفتاوى المحال عليها، ولا يلزم في كفارتها إطعام أو صيام ولا غيرهما، وإنما ينبغي الإكثار من فعل الطاعات والقربات والصدقات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1426(18/129)
الشهادة على خلاف الحقيقة شهادة زور
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل رأى حادثا أمامه، حيث إن سيارة كانت نازلة من منحدر بسرعة كبيرة ولم يسيطر عليها فاصدمت بسيارة أخرى، فنتج عن الحادث حالة وفاة وبعض الإصابات، وكان المتسبب في الحادث لا توجد لديه رخصة قيادة (بمعنى أنه صغير في السن) بذلك أنه أي الصبي يتحمل تكاليف ومصاريف التأمين، ويبدو أن أسرته ميسورة الحال ولا تتحمل هذه التكاليف، فطلب أهل الصبي من الشخص الذي رأى الحادث بأن يشهد أمام المحكمة بأن أخا الصبي الأكبر هو الذي كان يقود السيارة (لأنه يملك رخصة القيادة) وبذلك تتحمل الشركة بعض تكاليف التأمين. السؤال هو: إذا شهد الرجل الذي رأى الحادث بأن الأخ الأكبر هو الذي كان يقود السيارة لكي يساعد هذه الأسرة الفقيرة فهل هذه تعتبر من شهادة الزور ومن الكبائر؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشهادة على خلاف الحقيقة هي شهادة زور وهي من كبائر الذنوب ولهذا فلا يجوز لهذا الرجل أن يشهد إلا بالحقيقة التي شاهدها وعلمها.. وللمزيد من التفصيل نرجو الاطلاع على الفتوين: 57364، 1224.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1426(18/130)
كفارة شهادة الزور
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل أنجب من امرأة قبل الزواج فإن أراد أن يحصل على ورقة الزواج فلا بد له من شهود يجب أن يكون حضروا الخطبة، علما بأنه لم تكن خطبة, فهل شهادتهم زور، كيف التكفير عنها إن كانت كذلك، وما حكم قراءة القرآن جماعة في المسجد وهل لها أصل في الشريعة?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشهادة المذكورة شهادة زور لأنها شهادة بالكذب، وشهادة الزور من أكبر الكبائر، وقد نهى الله عنها في كتابه مع نهيه عن الأوثان، فقال الله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ {الحج:30} ، وروى أبو بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال ثلاثاً: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين -وكان متكئاً- فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يقولها حتى قلت: لا يسكت. رواه البخاري، والشهادة المذكورة إضافة إلى كونها شهادة زور، فإنها إعانة على الإثم، وتحليل ما حرم الله.
وكفارة شهادة الزور وغيرها من المعاصي هي التوبة إلى الله عز وجل، وإذا ترتب عليها ضرر في حق آدمي فيجب تحلله منه، قال البيجرمي الشافعي في حاشيته: ويشترط في توبة معصية قولية القول فيقول: قذفي باطل وأنا نادم عليه ولا أعود إليه ويقول في شهادة الزور: شهادتي باطلة وأنا نادم عليها، والمعصية غير القولية يشترط في التوبة منها إقلاع عنها وندم عليها وعزم أن لا يعود لها ورد ظلامة آدمي إن تعلقت به. ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 35267.
أما حكم قراءة القرآن جماعة فسبق بيانه في الفتوى رقم: 7673.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1426(18/131)
قبول شهادة المختبئ على من ينكر الحق علانية
[السُّؤَالُ]
ـ[قمت بإنشاء مدرسة خاصة مع أحد الأشخاص على أساس الشراكة هو برأس المال وأنا بالمجهود ولم أقم بتسجيل هذا الكلام بعقد رسمي لوجود الثقة وبعد انتهاء العام الدراسي قمت بتسليمه جميع الأوراق والمبالغ المالية وبعد تسلمه للأوراق والنقود قام برفع قضية ضدي وأثبت من خلال الأوراق أني لم أقم بتسليمه مبلغا معينا (يبلغ عشرة آلاف دينار ليبي) حيث إنى من حسن النية كنت أسلمه المبالغ من دون توقيعات.
باختصار ليس أمامى إلا الدفع أو الحبس
ماذا أفعل أريد رأي الدين والشرع في مثل هذا الإنسان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الأمر كما ذكرت، فما يفعله هذا الشخص خيانة للأمانة وأكل للمال بالباطل، وكل هذا من الكبائر المحرمة، ولا ريب أنك أخطأت بعدم توثيق العقد والمعاملات التي جرت بينك وبينه، وعلى كل حال، فالذي ننصحك به هو أن تحاول تذكيره بالله تعالى، فإن لم يستجب فحاول أن تستدرجه بطريقة أو بأخرى حتى يقر بحضور شهود ولو مختبئين بأن ما ادعاه باطل حتى يمكنك إبطال هذه الدعوى التي رفعها عليك، وقد أجاز شهادة المختبئ جماعة من أهل العلم، وبوب عليه البخاري بقوله: باب شهادة المختبئ وأجازه عمرو بن حريث قال: وكذلك يفعل بالكاذب الفاجر. ومعنى هذا أنه إذا كان من عليه الحق لا يعترف به ظاهرا فيمكن أن يختلي به صاحب الحق ويقرره وهو لا يعلم أن هناك شهودا، فإذا أقر به سمع الشهود المختبئون إقراره وشهدوا به عليه.
قال ابن قدامة في المغني عند قول الخرقي: وتجوز شهادة المستخفي إذا كان عدلا: المستخفي هو الذي يخفي نفسه عن المشهود عليه ليسمع إقراره ولا يعلم به مثل من يجحد الحق علانية ويقر به سرا فيختبئ شاهدان في موضع لا يعلم بهما ليسمعا إقراره به ثم يشهدان به فشهادتهما مقبولة على الرواية الصحيحة، وبهذا قال عمرو بن حريث وقال كذلك يفعل بالخائن والفاجر وروي مثل ذلك عن شريح وهو قول الشافعي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1426(18/132)
لا يتهم المرء بمجرد الشك والاشتباه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في دولة عربية مع زملاء من بلادي وهم مسلمون وأيضا مع أجانب ليسوا مسلمين ولا أعرف لهم ملة ولي زميل قد اشتبهنا فيه أنه سرق جوالا لأحد الأجانب والذي قال لي هو متأكد فكلمناه ليرجع هذا الشيء لصاحبه أنكر هذا الفعل فماذا علي أن أفعل هل أبلغ المسؤولين وهم كفار أيضا أو أسكت مخافة أن يقولوا ها هم المسلمين سراق أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مجرد الشك أو غلبة الظن لا يبيحان لأحد أن يتهم غيره بالسرقة، بل لا بد لحصول العلم بذلك من الرؤية أو السماع المباشرين، فإذا كان صديقك قد حصل له من العلم بالرؤية أو السماع المباشرين أن زميلكما المذكور قد سرق جوالا من شخص آخر كافرا كان أو مسلما، فالواجب عليه أن يبادر بالإدلاء بشهادته لمن يمكنه رد الحق إلى صاحبه، وإنما قلنا يبادر بها دون طلب من أحد لئلا يضيع حق وهو يقدر على الإعانة على رده، فيكون بذلك معينا على الإثم والعدوان، وقد قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2} ولأن صاحب الجوال لا يعلم بشهادته كما هو الظاهر من السؤال.
قال صاحب الهداية وهو حنفي: إذا علم الشاهد الشهادة ولم يعلم بها المدعي ويعلم الشاهد أنه إن لم يشهد يضيع حقه فإنه يجب عليه الشهادة ولا طلب ثمة. اهـ.
ونقل الشيخ عليش في منح الجليل وهو مالكي عن ابن عرفة الدسوقي قوله: ظاهر قولهم أن الأداء يعني أداء الشهادة فرض عين مطلقا. اهـ.
هذا هو الواجب على صاحبك، أما بالنسبة لك أنت فلا يجب عليك ما وجب على الشاهد الأصلي إلا إذا حملك الشهادة ثم أبى الإدلاء بها أو غاب أو سافر أو مات أو نحو ذلك بشرط أن يكون هذا الشخص متصفا بالعدالة المشترطة في الشهود، وهذا بناء على جواز الشهادة على الشهادة في الأموال.
قال ابن عابدين في رد المحتار نقلا عن بعض أهل المذهب: واعلم أنه تقبل شهادة النساء مع الرجال في القتل الخطأ أو القتل الذي لا يوجب القود، وكذلك الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي لأن موجبها المال. اهـ.
وقال ابن فرحون وهو مالكي في تبصرة الحكام: اعلم أن الشهادة على الشهادة لا تسمع إلا بموت الأصل أو مرضه أو غيبته بمكان لا يلزم الأداء منه لأن النقل إنما أبيح مع الضرورة ولا يباح مع غيرها، ولأن النقل مع حضورهم مشعر بريبة، ويقع الشك في صدقهم ... الخ اهـ.
ونصيحتنا لكما إذا ثبت لديكما أنه هو السارق أن تتلطفا معه أولا في إعادة الجوال إلى صاحبه وترغباه في ذلك وترهباه من عقاب الله تعالى وسخطه، فإن أبى فعلتما ما ذكرناه آنفا.
هذا إذا ثبتت سرقته بالصورة التي ذكرناها، أما إذا كان ذلك من صديقك مجرد ظن أو تخمين أو عمل بالقرائن غير القطعية فلا يجوز لكما اتهامه بحال، وراجع الفتوى رقم: 20632.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1426(18/133)
الشهادة الصحيحة والشهادة الزور
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال ورجائي أن أجد الجواب عليه …
ففي أحد الأيام جاءني أحد معارفي وطلب مني أن أشهد معه على شرائه بيتا من أحد الأشخاص وهذا الشخص أيضا أعرفه… والشهادة كانت أمام كاتب عادي لأن العقد عرفي وهو معترف به في بلدنا وذهبت معهم إلى الكاتب في نفس اللحظة ووقعت على العقد وبصمت عليه وشهدت على الشراء والبيع أنا وشاهد آخر وللعلم أن شهادة شخصين في العقد عندنا هي من شروطه الأساسية لصحته عندنا وإلا كان باطلا …. وتم العقد وانصرفت وسكن الشخص الذي طلب مني أن أشهد له في العقد في البيت الذي اشتراه من ذلك الشخص..ولكن المشكلة الأساسية هي أنني لم أحضر لحظة الاتفاق بينهما ولم أحضر لحظة تسليم المال للبائع فكل شيء تم بالنسبة إلي في لحظات …فدلوني جزاكم الله خيرا..هل يدخل ما فعلته في شهادة الزور وإذا كان ما فعلته خطا فكيف أكفر عنه …وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المشتري أو البائع أبرما العقد أو أقرا أمامك بالبيع جملة وشهدت على ذلك، فلا ضرورة لمعرفة تفاصيل العقد أو حضور تسلم العوضين، إذ المقصود أن تشهد على حصول البيع، وقد حصل، وعليه فشهادتك صحيحة وليست من الزور في شيء، وراجع في معنى شهادة الزور الفتوى رقم: 61864.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1426(18/134)
المقصود بشهادة الزور
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
في فتاوى سابقة لم تشرحوا لي معنى شهادة الزور وأعطيتموني حكمها أريد معناها اصطلاحا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن شهادة الزور معناها تعمد إخبار الشخص وشهادته بما لا يعلم وإن صادف الواقع، فإن شهد شاهد على أن فلانا من الناس عمل كذا والشاهد لا علم له بأن الشخص المشهود له أو عليه عمل ذلك العمل فهذه شهادة زور ولو كان الشخص فعل ذلك الفعل.
قال صاحب الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد المالكي: ومن الفرائض العينية صون اللسان عن شهادة الزور، وهي أن يشهد بما لم يعلم وإن وافق الواقع.
وحكمها كما علمت الحرمة بالكتاب والسنة والإجماع، بل هي من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 21337.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ربيع الأول 1426(18/135)
حكم أخذ الأجرة على تحمل الشهادة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الشهادة في عقد الزواج مقابل مبلغ مالي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف العلماء في أخذ الأجرة على تحمل الشهادة، فمنهم من أباح ذلك ومنهم من منعه، حيث ذهب المالكية إلى جواز ذلك لمن نصب نفسه لذلك، قال في التاج والإكليل: وفي جواز أخذ العوض على التحمل خلاف، واستمر عمل الناس اليوم بإفريقية وغيرها على أخذ الأجرة على تحملها بالكتب فيمن انتصب لها وترك التسبب المعتاد من أجلها، وهو من المصالح العامة، وعلى هذا فتكون الأجرة معلومة مسماة، ويجوز بما اتفقا عليه من قليل أو كثير.
وقال صاحب معني المحتاج وهو شافعي: وله بكل حال أخذ أجرة من المشهود له على التحمل وإن تعين عليه إن دعي له، فإن تحمل بمكانه فلا أجرة له ...
وقال السيوطي الشافعي في كتابه الأشباه والنظائر: قاعدة: لا يجوز أخذ الأجرة على الواجب إلا في صور ثم ذكر منها: من دعي إلى تحمل شهادة تعينت.اهـ.
وذهب الأحناف إلى المنع، قال صاحب تبيين الحقائق الحنفي: وتحمل الشهادة فرض كفاية كأدائها وإلا لضاعت الحقوق وعلى هذا الكاتب إلا أنه يجوز أخذ الأجرة على الكتابة دون الشهادة. اهـ.
وبناء على قول من يجيز أخذ الأجرة على تحمل الشهادة فلا مانع من أخذ الشاهد على النكاح عوضا مقابل شهادته لا سيما إن نصب نفسه لذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1426(18/136)
شهادة الشاهد على أمر لم يره بعينه
[السُّؤَالُ]
ـ[شهدت في القضية الآتية استأجر أحد المزارعين فدانين من جاره ودفع مبلغا قدره 3000 جنيه من أربع آلاف على أن يدفع الباقي بعد الحصاد وأثناء نمو المحصول جاءت شبكة الصرف المغطي وأفسدت جزءا كبيرا من المحصول نتيجة العمل ((علما بأن الشبكة تصرف تعويضا عما تم إتلافه)) وتقاضاه المالك وهو من حق الزارع وعندما طالبه بالتعويض رفض على أن يكون التعويض باقي قيمة الإيجار وهو 1000ج، وقدم شكوى ضده في المحكمة على أنه لم يسدد الإيجار كاملا.فشهدت مع المستأجر في المحكمة على أن المستأجر دفع الإيجار كاملا باعتبار قيمة التعويض فهل هذه شهادة زور مع العلم بأنني لم أر المستأجر وهو يدفع للمالك بعيني.
أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا التعويض من حق المزارع الذي تلف جزء من محصوله، إلا أن يكون الضرر قد لحق أيضا بالأرض، فيوزع هذا التعويض بين المزارع وصاحب الأرض على قدر الضرر الذي أصاب كلا منهما، ولهذا المزارع أن يرفع أمره إلى المحكمة ويطالب بحقه في التعويض، أما شهادتك بأن المزارع دفع الإيجار كاملا، وأنت لم تره وهو يدفع، فذلك لا يجوز، وهي من شهادة الزور، إذ أن معنى شهادة الزور: شهادة الكذب. وراجع للأهمية الفتوى رقم: 56143، 47234.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1426(18/137)
سبب عدم قبول شهادة المرأة في الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا تقبل شهادة المرأة في الزنى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أحكام الشريعة الإسلامية كلها مبنية على الحكم ومصالح العباد في العاجل والآجل، علم ذلك من علمه وجهله من جهله. وعلى المسلم أن يمتثل أمر الله تعالى ويسلم بحكمه سواء علم الحكمة من ورائه أو لم يعلمها؛ كما قال سبحانه وتعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ.. {الأحزاب: 36} . والزنا من أقبح الجرائم، والفضيحة فيه أشنع، ولهذا شدد الإسلام الشهادة عليه صونا للأعراض وطلبا للستر، فلم تقبل فيه إلا شهادة أربعة رجال عدول، يشهدون بصراحة شهادة لا تحتمل غير ارتكاب الجريمة، فإن اضطربت أقوالهم أو بعضهم، أو احتملت غير فعل الجريمة أقيم عليهم حد القذف وأسقطت شهادتهم، كما قال سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {النور:4} . وقال العلامة خليل في المختصر: وللزنا واللواط أربعة بوقت ورؤية اتحدا.
إذن فهذا الأمر يحتاج إلى تثبت وتدقيق وتترتب عليه أمور كبيرة، وطبيعة المرأة الجبلية لا تتحمل -في الغالب- التركيز والتدقيق، وخاصة أمام المشاهد المثيرة والأمور الصعبة. ولعل هذا ـ والله أعلم ـ هو سبب عدم قبول شهادتها في مثل هذه الأمور صونا لكرامتها واعترافا بخصائصها وما هو أنسب لها. وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 48031.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1426(18/138)
هل أجاز معاوية شهادة أم سلمة وحدها
[السُّؤَالُ]
ـ[وقع في مصنف عبد الرازق بأن معاوية رضي الله عنه أجاز شهادة أم سلمة وحدها في ثبوت حق لرجلين على آخر. فما معنى هذا؟ وهل يثبت مثل هذا بشهادة امرأة واحدة وحتى مع عدم وجود اليمين؟ وما قول العلماء في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأثر الذي ذكرت لم نقف على من أخرجه غير عبد الرزاق، فقد روى في مصنفه عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن أبي مليكة أن علقمة بن وقاص أخبره أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ـ شهدت لمحمد بن عبد الله بن زهير وأخويه أن ربيعة بن أبي أمية أعطى أخاه زهير بن أبي أمية نصيبه من ربعه. لم يشهد غيرهاعلى ذلك، فأجاز معاوية شهادتها وحدها وعلقمة حاضر، ذلك من قضاء معاوية.
هذا الخبر لم نجد من صححه، ولو افترضنا صحته، فإن معاوية ر ضي الله عنه قد يكون وجد من القرائن ما أثبت عنده صحة الخبر ولم يذكر الرواي ذلك. وعلى كل حال فإن شهادة الشخص الواحد لا يثبت بها وحدها الحق إلا ما خص الله به خزيمة رضي الله عنه الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته تعدل شهادة رجلين، كما ورد في الأخبار الصحيحة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو القعدة 1425(18/139)
شهادة الزور بقصد التوصل إلى حقه
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل الله العلي العظيم أن ينفع بكم وبعلمكم:
سؤالي وباختصار قدر الإمكان هو: أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: من أحيى أرضاً ميتاً فهي له أو كما قال في الحديث الشريف، ومن المعروف الآن في المحاكم أنه لا بد لمن يريد استخراج حجة استحكام على أرض أحياها لابد أن يكون تاريخ الإحياء قبل عام 1387هـ وبشهادة شاهدين عدلين وإلا فلا يمكن له الاستحكام فما حكم من أُجبر على جلب شاهدين يشهدان بإحيائها قبل التاريخ المطلوب مع علمهما أنه أحياها بعد ذلك التار يخ ولكن لحفظ حقه فيها؟
هذا والله أسأل أن يوفق الجميع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز ذلك، لأن شهادة الزور لا تجوز ولو توصل بها الإنسان إلى حقه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: شهادة الزور والكذب حرام، وإن قصد به التوصل إلى حقه.
وراجعي للأهمية الفتويين رقم: 56143، والفتوى رقم: 50062.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1425(18/140)
الفيديو والشريط الصوتي لا يكفيان للإدانة
[السُّؤَالُ]
ـ[في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن هل يكفي شريط الفيديو أو الصوتي لإدانة شخص مع العلم بأن الغش والتضليل في هذه المسألة سهل جداً، وما حكم من يتهم شخصاً مسلماً في دينه بمجرد مشاهدة شريط فيديو في التليفزيون؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشريط الفيديو والشريط الصوتي لا يكفي أي منهما لإدانة شخص، وذلك لما ذكرته من الغش والتضليل المصاحبين لتسجيل وإعادة إنتاج الأشرطة المرئية والمسموعة، وكنا قد بينا هذا الحكم في فتاوى سابقة، ولك أن تراجعي فيه الفتوى رقم: 51558، والفتوى رقم: 51608.
ولا يجوز اتهام شخص في دينه بمجرد مشاهدة صورته في شريط فيديو أو التلفزيون، وذلك لأن رأس هذا الشخص والملامح التي يعرف بها يمكن أن تركب لجسد آخر غير جسده هو، وقد نهى الله عن الظن السيئ بالمسلمين من غير دليل، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْم ٌ {الحجرات: 12} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث.
وأما لو كان صاحب الصورة المرئية في الفيديو أو في التلفزيون معروفاً بالفسوق ومجاهراً به، فلا حرج في اتهامه، وظن السوء به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1425(18/141)
شهادة المرأة وشهادة الرجل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قبول شهادة امرأة واحدة منفردة في طلاق أو نكاح أو وصية (لمن يجيزون ذلك) إذا كانت عادلة في نفسها ويؤمن عليها من النسيان؟ هناك من يقول ذلك ويقول إن الحكم يجرى مع العلة. والعلة قالت أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى وهل قال ابن تيمية بذلك؟ ولا أعلم إذن لماذا لم يقولوا بقطع يد السارق بشهادة رجل عدل وبرجم الزاني بشهادة اثنين من الرجال إذا كانوا عدولا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلشهادة المرأة أحوال سبق بيانها في الفتوى رقم 3661
وقد اختلف الفقهاء في شهادة المرأة في الأمور التي يطلع عليها الرجال غالبا مما ليس بمال ولا يؤول إلى المال: كالنكاح والطلاق وما في معناهما فذهب الجمهور إلى منع شهادتها في ذلك لقوله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ {الطلاق:2} ولحديث: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل رواه البيهقي بإسناد صحيح، ولقول الزهري: مضت السنة بأنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود، ولا في النكاح والطلاق وقيس عليها ما شاركها في المعنى.
وذهب الحنفية إلى قبول شهادة النساء فيما سوى الحدود والقصاص مطلقا أخذا بعموم الآية. لكن شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل فلابد من امرأتين في الشهادة
قال السرخسي الحنفي في المبسوط: قد ثبت بالنص أن المرأتين شاهد واحد فكانت المرأة الواحدة نصف الشاهد وبنصف الشاهد لا يثبت شيء انتهى كلامه
وعليه فلا تقبل شهادة امرأة منفردة فى طلاق أو نكاح أو وصية على قول الحنفية الذين يجيزون شهادتها في هذه الأمور
وأما كلام ابن تيمية فقد نقله ابن القيم في الطرق الحكمية قال: قال شيخنا ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى {البقرة:282} . فيه دليل على أن استشهاد امرأتين مكان رجل إنما هو لإذكار إحداهما الأخرى إذا ضلت، وهذا إنما يكون فيما يكون فيه الضلال في العادة وهو النسيان وعدم الضبط، وإلى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: وأما نقصان عقلهن فشهادة امرأتين بشهادة رجل، فبين أن شطر شهادتهن إنما هو لضعف العقل لا لضعف الدين، فعلم بذلك أن عدل النساء بمنزلة عدل الرجال، وإنما عقلها ينقص عنه، فما كان من الشهادات لا يخاف فيه الضلال في العادة لم تكن على نصف رجل، وما تقبل فيه شهادتهن منفردات إنما هي أشياء تراها بعينها، أو تلمسها بيدها، أو تسمعها بأذنها من غير توقف على عقل، كالولادة والاستهلال والارتضاع والحيض والعيوب تحت الثياب، فإن مثل هذا لا ينسى في العادة، ولا تحتاج معرفته إلى إعمال عقل، كمعاني الأقوال التي تسمعها من الإقرار بالدين وغيره، فإن هذه معان معقولة ويطول العهد بها في الجملة. انتهى
وكلامه رحمه الله في ما يقبل فيه شهادة النساء منفردات وذلك فيما لا يطلع عليه إلا النساء كالولادة، والاستهلال، والرضاع، والعيوب المستورة. أما في غير ذلك فلا يحتمله كلامه رحمه الله
والله سبحانه وتعالى شرط أربعة شهود في الشهادة على الزنا وشاهدين في الشهادة على السرقة تغليظا على المدعي لأن شهادته يترتب عليها قتل وقطع وعار دائم والله يحب الستر لطفا منه بعباده سبحانه وتعالى
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شوال 1425(18/142)
حكم شهادة الزور بقصد التوصل إلى الحق
[السُّؤَالُ]
ـ[استأجر شخص شقة ودفع الخلو ثم باع صاحب العقار العمارة بكاملها وأبلغ المالك الجديد أن هناك مستاجراً دفع الخلو ويدفع نصف الإيجار فقط، بعد مدة قصيرة قام المالك الجديد بمطالبة هذا المالك بالإيجار كاملا ناكرا الخلو الذي دفعه للمالك القديم، قام هذا الشخص بعمل ورقة مع المالك القديم يعترف فيها المالك القديم بأنه أخذ هذا الخلو من هذا الشخص، طلبت المحكمة أحد شهود هذا العقد ليشهد هل هذه الورقة كتبت قبل أم بعد بيع العقار بالكامل، هل يشهد هذا الشخص بأن هذه الورقة قبل البيع ويكون كاذبا لضمان حق صاحب الشقة أم يقول الحقيقة وتضيع الشقة على صاحبها الحقيقي، نرجو الإفادة سريعا حيث إن الجلسة يوم الثلاثاء 2/11/2004؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجوز للمؤجر بيع الدار أو العمارة المؤجرة كما هو مذهب جمهور العلماء فإذا باعها ملك المشتري الدار مسلوبة المنفعة إلى حين انقضاء الإجارة، جاء في المغني: إذا أجر عينا ثم باعها صح البيع ... إذا ثبت هذا فإن المشتري يملك المبيع مسلوب المنفعة إلى حين انقضاء الإجارة. انتهى.
وعليه فمنفعة الإيجار تكون مستثناة من البيع إلى حين استيفاء مدة العقد كاملة، وبالتالي فهذا الخلو المذكور إن كان يقصد به ما يدفعه المستأجر كجزء من الأجرة فإنه يحسب له ولا يلزمه إلا ما بقي من الأجرة المتفق عليها مع المالك الأول يدفعها للمالك الثاني، ولا يحل للمالك الجديد أن يحتال لإلزام المستأجر بدفع مالا يلزمه، ثم إذا انقضت مدة الإيجار أبرم المستأجر والمالك الجديد عقداً جديداً حسب ما يتفقان عليه، وراجع في مسألة الخلو ما يجوز منه وما لا يجوز في الفتوى رقم: 16289.
وأما مسألة جواز الكذب الصريح في الشهادة فلا يجوز ولو كانت حيلة لأخذ الحق، جاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية:.... كما أن شهادة الزور والكذب حرام وإن قصد به التوصل إلى حقه. انتهى.
وإذا كان الكذب الصريح غير جائز، ففي التورية والتأويل مندوحة عنه لأخذ الحق من جاحده، جاء في كشاف القناع: وإن كان الحالف مظلوماً كالذي يستحلفه ظالم على شيء لو صدقه أي أخبر به على وجه الصدق لظلمه أو ظلم غيره أو نال مسلماً -قلت أو كافراً محترماً- منه ضرر فهنا له تأويله. انتهى، والتأويل هو أن يريد الحالف بلفظه ما يخالف ظاهره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1425(18/143)
هل تبطل الشهادة إذا لم يحلف الشهود
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي قضية في المحكمة فأحضرت الشهود ورفع القاضي الجلسة لتأمل الشهادة وفي الجلسة التالية ذكر القاضي بأن شهادة الشهود موصلة وتم ضبط ذلك في الضبط وبعد جلسات متكررة تفاجأت من القاضي يقول بأن الشهود عليهم ملاحظة وذلك بأنهم لم يذكروا في شهادتهم بأنهم يشهدون بالله العظيم مع العلم بأن الشهادة ضبطت عن طريق الاستحلاف فطلبت من القاضي إعادتها للقاضي الذي ضبط الشهادة لسؤال الشهود هل هم يشهدون بالله العظيم ولم يوافق ماذا أعمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمسألة تحليف الشهود مختلف فيها بين أهل العلم، فيرى جمهور العلماء أن الشهود ليسوا ملزمين بالحلف على ما شهدوا به، وليس حلفهم شرطا في قبول شهادتهم. ومن أهل العلم من قال إن حلف الشاهد على ما شهد به مبطل لشهادته لأنه من الحرص على قبول ما شهد به، وهو يؤدي إلى اتهامه. ومن العلماء من رأى تحليفهم لما صار إليه الزمان من الفساد. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: حكي عن ابن وضاح وقاضي الجماعة بقرطبة وهو محمد بن بشر: أنه حلف شهودا في تركة بالله إن ما شهدوا به لحق. وعن ابن وضاح أنه قال: أرى لفساد الناس أن يحلف الحاكم الشهود. قال ابن القيم: وهذا ليس ببعيد. وراجع في موضوع تحليف الشهود الفتوى رقم: 18944.
وبه تعلم أن حلف الشهود ليس شرطا في قبول شهادتهم عند جمهور العلماء، وإنما هو أمر مختلف في إباحته.
ولو افترضنا أن حلف الشهود شرطا في قبول الشهادة فإنا لم نجد من أهل العلم من قال إنهم إذا لم يحلفوا عند أدائهم الشهادة فإنهم لا يمكنون من الحلف بعد ذلك بل تبطل شهادتهم.
فلعلك أيها الأخ الكريم لم تتمكن جيدا مما قاله القاضي عن شهودك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1425(18/144)
الشهادة التي تجر منفعة.. تعريف ومثال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الشهادة التي تجر منفعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشهادة التي تجر منفعة هي الشهادة التي تجلب للشاهد نفعاً أو تدفع عنه ضراً، فمثال جلب النفع: كأن يشهد على مورثه المحصن بالزنا، فإن شهادته لا تقبل لاتهامه أنه يريد أن يرث ماله إذا قتل.
ومثال دفع الضر: شهادة بعض العاقلة بفسق شهود القتل خطأ، فإنها لا تقبل لأنهم يتهمون بإسقاط الدية عن أنفسهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1425(18/145)
هل يقدح الأكل في الطريق في الشهادة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من أكل (الطعام) في الطرقات العامة (الشارع) وهل لا تقبل شهادته، وهل يعتبر الأكل (الطعام) عوره، وما هي آداب الطعام؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأكل في الطريق مباح لا مانع منه شرعاً، ولكن لا ينبغي فعله لأهل الفضل والمروءة إذا كان مما يعاب أو يزري بالمروءة، وقد عده أهل العلم من قوادح المروءة إذا وقع من شخص في بيئة لا يفعلون ذلك، قال الشيخ ميارة في الإتقان والإحكام -وهو مالكي المذهب- في تعريف العدل: والعدل هو الذي يجتبب الذنوب الكبائر دائماً، كالشرب والسرقة ... ويتقي أيضاً الذنوب الصغائر في غالب أحواله، ويتقي أيضاً الأمر المباح الذي يقدح في المروءة كالأكل في السوق والمشي حافياً ... إذا كان ذلك في بلد لا يفعل أهله ذلك ... وكذلك صغائر الخسة كتطفيف حبة أو سرقة لقمة ...
وعلى هذا؛ فأكل الطعام في الشارع جائز وليس بعورة ولا يقدح في الشهادة؛ إلا إذا فعل في أهل بلد لا يفعلون ذلك فإن صاحبه ترد شهادته.
وأما آداب الطعام فمنها: التسمية في بدايته أو آخره إن لم يسم في أوله، وليقل: بسم الله أوله وآخره، ومنها: غسل اليدين قبله وبعده، والأكل مما يليه، والأكل جالساً، وحمد الله تعالى بعده ... وبإمكانك أن تطلع على المزيد في الفتوى رقم: 34275.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1425(18/146)
حكم شهادة الولد لوالدته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تقبل شهادة الولد لوالدته مع العلم بأن الولد توفي بعد شهادته بفترة ولم تنته القضية التي شهد بها ووالدته على قيد الحياة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن شهادة الولد لوالدته غير مقبولة، لما فيها من التهمة، ففي مواهب الجليل: قال في المدونة ولا تجوز شهادة الأبوين أو أحدهما للولد، ولا الولد لهما، ولا أحد الزوجين لصاحبه ... وراجع الفتوى رقم: 21896.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1425(18/147)
يجب أداء الشهادة على الوجه الصحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[استدعيت للشهادة في قضية سب شخص لآخر وتم سؤالي هل قال فلان كذا، فقلت: لا، لأنه قال نفس الشيء ولكن بلفظ آخر، وكي أسهل سؤالي لقد قال المتهم للآخر هرميك مع الزبالة، والسؤال هنا: هل قال أنت زباله؟ فهل تكون شهادتي صحيحة، اعذروني فالسؤال قد يكون سخيفاً ولكني قد ألقى في النار بسببه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن الشهادة من الأمور الخطيرة التي لا يصح للمسلم أن يتساهل فيها، والكذب فيها من أكبر الكبائر، كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قال: قول الزور أو قال: شهادة الزور. الحديث رواه البخاري ومسلم.
ومن استشهد في أمر له به علم وجب عليه أداء الشهادة على الوجه الصحيح، وقد نهى الله عن كتمان الشهادة، قال الله تعالى: وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ {البقرة:283} .
ثم الواجب على المسلم أن يذب عن عرض أخيه، وإذا لم يفعل فعليه على الأقل أن لا يكتم الشهادة إذا استشهده، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنصر الأخ ظالماً ومظلوماً، قال: انصر أخاك ظالماً أو مظلوما.... رواه البخاري من حديث أنس، ومعنى نصره ظالماً أن يحال بينه وبين الظلم.
وبناء على جميع ما تقدم نقول: إن السائل الكريم قد أخطأ في عدم أداء شهادته ما دام يعرف أن الذي سئل عنه والذي قاله الساب لا يختلفان في المعنى كثيراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1425(18/148)
حكم الإدلاء بالشهادة على الأب
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو هناك اختلاف بين والدي وزوجي بسبب شراكة كانت بينهما وبما أني شاهد أن الحق مع زوجي واحترت في موقفي لا أريد إغضاب والدي ولازوجي أفيدوني برأي لا يغضب الله وليست فيه مخالفة للشرع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى أمر المرأة أن تبر أباها وتطيع زوجها في المعروف، فيجب عليها أن تودي لكل ذى حق حقه، وإن حصل تعارض بسبب وجود خلاف فالواجب حينئذ الحياد حفاظاً على برور الوالد ورضى الزوج، فإن تأكدت أن أحدهما على خطأ وجب عليها نصحه لأن الدين النصيحة كما في حديث مسلم الصحيح.
وأولى الناس بالنصح هم الأقربون هذا إذا ترتبت عليه فائدة، فإن لم تترتب عليه فائدة وحمل النصح منها على الانحياز للطرف الآخر كان الحياد هنا أولى من غيره، لكن إذا كنت تشهدين على حق لزوجك على أبيك ودعيت للشهادة فاشهدي بالحق؛ لقول الله: وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا (البقرة: من الآية282)
وليس في هذا عقوق لأبيك. ولمزيد الفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 9218 والفتوى رقم: 20670
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1425(18/149)
توضيح حول شهادة المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعروف أن المرأة في الشريعة الإسلامية لا تستطيع أن تشهد في حالات الحدود، ألا يسبب هذا فوضى وظلماً كبيراً في المجتمع، فمثلاً إذا رآت امرأة سارقاً يدخل بيتها ويقتل زوجها كيف لا نقبل شهادتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم -هدانا الله وإياك لصراطه المستقيم- أن واضع شريعة الإسلام وسائر الشرائع السماوية هو الله تعالى العليم الخبير، ولا يجوز أن توصف أفعاله بالظلم، تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
وقد جعل الله تعالى للمرأة حقوقاً كثيرة تناسب أنوثتها وطبيعتها، وجعلها في الشهادة على النصف من شهادة الرجل فيما هو مال أو آيل إليه، ولا تشهد في الحدود والقصاص، واختلف العلماء في شهادتها في النكاح والطلاق والنسب ونحو ذلك، أخرج البخاري في صحيحه -باب شهادة النساء- وقول الله تعالى: فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ [البقرة:282] ، قال ابن حجر في فتح الباري: قال ابن المنذر: أجمع العلماء على القول بظاهر الآية، فأجازوا شهادة النساء مع الرجال وخص الجمهور ذلك بالديون والأموال، وقالوا لا تجوز شهادتهن في الحدود والقصاص، واختلفوا في النكاح والطلاق والنسب والولاء، فمنعها الجمهور وأجازها الكوفيون.....، وراجع الفتوى رقم: 33323 للمزيد من الفائدة.
ثم استغرابك أنها إذا رأت سارقاً يدخل بيتها ويقتل زوجها لا تقبل شهادتها هو في غير محله لأنها في هذه الحالة مدعية ولا تقبل شهادة المدعي ولو كان رجلاً، وأما دعواها فمقبولة وعليها أن تثبتها.
واعلم أن شهادة المرأة تقبل في موضوع السرقة، فلو شهدت امرأتان أن شخصاً معينا سرق شيئاً فلصاحب ذلك الشيء أن يحلف معهما ويستحق شيأه من السارق، ولكن حد السرقة لا يثبت بشهادتهما، وليس عليهما في ذلك أي ضرر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1425(18/150)
من شهد على أمر لم يحط خبرا بجميع ملابساته
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل شهد شهادة على أمر دون معرفة كافية به، وبعدما وقع على الشهادة وخرج من ذلك المكان الذي طرأ فيه ذلك الأمر أحس كأنه وقع في كبيرة من الكبائر فيما شهد عليه، وبعد ذلك سأل أخاً ملتزماً بشرع الله يعمل مع العدلين اللذين كتبا تلك الشهادة فقالا له بأن شهادتك صحيحة لأنك شهدت على أمر واقع فعلاً رغم أنك لم تكن على علم كاف به ولكن يجب أن تسأل أهل العلم في هذا الأمر وهل يجب عليك أن تسحب شهادتك من المذكرة التي وقعت فيها مع العلم بأن القانون المعمول به في بلدنا هو كتابة التماس إلى المحكمة بسحب الشهادة من المذكرة مع دفع مبلغ مالي ولكن هذا الرجل لا يقدر على دفع ذلك المبلغ لأن دخله اليومي لا يكفيه هو وأسرته، فما الحكم الشرعي في هذا السؤال الموجه إلى فضيلتكم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الرجل شهد بما لا علم له به فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، يدل على ذلك الحديث المتفق عليه عن أنس رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر؟ قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور.
والواجب عليه التوبة وتتحقق بما يلي:
1- الإقلاع عن الذنب.
2- الندم على فعله.
3- العزم على عدم العودة إلى الذنب مطلقاً.
4- رد الحقوق التي ضاعت على أهلها بسبب هذه الشهادة ولو كلفه ذلك أن يقترض، أو طلب المسامحة منهم.
وإن كان شهد بما علمه من بعض الوجوه المعتبرة فشهادته صحيحة مثال ذلك: أن يشهد أن الدار الفلانية لفلان، ومستند شهادته أنه رآه يتصرف فيها ببناء وهدم وتأجير ودخول وخروج فهذه القرائن تدل على الملك، وإن كان لم يقم عند الشاهد اليقين بأنها أي الدار لمن هي تحت يده، نص على ما ذكرنا شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في أسنى المطالب، وعليه فلا يمكننا أن نحكم بأن هذه الشهادة صحيحة أو باطلة إلا بمعرفة التفاصيل، وانظر الفتوى رقم: 18006، والفتوى رقم: 21337، والفتوى رقم: 21857.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1425(18/151)
البينة فيمن عرف بغنى ثلاثة شهود
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي وأتمنى مساعدتي فيه
هل يوجد في الفقه الإسلامي عقوبة أو أي شيء عن أمور الدنيا يستوجب وجود ((ثلاثة ِشهود)) كحد أدنى
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى مسلم في صحيحه عن قبيصة بن مخارق الهلالي قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها قال ثم قال: يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، أو قال سداد من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال: سداداً من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً. وقد استدل الحنابلة وبعض الشافعية بهذا الحديث على اشتراط ثلاثة شهود في إثبات فقر من عرف من قبل بغنى، قال البهوتي في كشاف القناع: والبينة فيمن عرف بغنى ثلاثة رجال. لما تقدم في حديث قبيصة من قوله صلى الله عليه وسلم: لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة رجل أصابته فاقة حتى يشهد له ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش. رواه مسلم، وقال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث: وأما اشتراط الثلاثة فقال بعض أصحابنا: هو شرط في بينة الإعسار فلا يقبل إلا من ثلاثة لظاهر هذا الحديث، وقال الجمهور: يقبل من عدلين كسائر الشهادات غير الزنا، وحملوا الحديث على الاستحباب، وهذا محمول على من عرف له مال فلا يقبل قوله في تلفه والإعسار إلا ببينة، وأما من لم يعرف له مال فالقول قوله في عدم المال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 صفر 1425(18/152)
شروط الإدلاء بالشهادة وحكم من كتمها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من كتم الشهادة، الرجاء الاستشهاد بالآيات والأحاديث في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب على المسلم أن يؤدي الشهادة لله تعالى إذا كان مستيقنا بها ويخشى ضياع حق الغير إذا لم يقم بأداء الشهادة ولم يخش على نفسه أو أهله أو ماله ... لقول الله تعالى: وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [البقرة:283] ، ولقوله تعالى: وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 صفر 1425(18/153)
شهادة الزور من كبائر الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
قبل حوالي سبع سنوات أمرني مدير إدارة المؤسسة التي أعمل فيها وكنت في أحد فروع المؤسسة، وطلب مني اصطحابه للمحكمة من أجل إفراغ ملكية أرض تخص زوجته يريد بيعها لشخص آخر، وطلب مني عندما يسألني الشيخ (القاضي) عن اسم زوجته وأنها وكلته ببيع الأرض أن أجيب بأني أعرفها وأنها وكلته على ذلك.. تم البيع طبعا كل هذا مساعدة مني دون مقابل لم أكن أريد مكافأة على ذلك..إنما لثقتي بأن المدير متفاهم مع زوجته على ذلك.. بعدها أصبح ضميري يؤنبني على ذلك لماذا فعلت ذلك لأنه يمكن أن يكون المدير لم يستأذن زوجته ببيع الأرض..أنا الآن في حيرة من أمري لأني شهدت شهادة زور..أريد أن أكفر عن غلطتي قبل يوم الحساب..أفيدوني مأجورين؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن شهادة الزور من أعظم الآثام ومن كبائر الذنوب، روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر، أو سئل عن الكبائر، فقال: الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قال: قول الزور، أو قال: شهادة الزور.
وإنك بفعلك هذا قد أقدمت على الشهادة بلا علم بحقيقة الأمر، فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى، وإن ترتب على هذه الشهادة ضرر بزوجة هذا الرجل فالواجب عليك السعي إلى رد الحق إليها وتكذيب نفسك عند من شهدت عنده هذه الشهادة وطلب العفو منها، وراجع في هذا الفتوى رقم: 1224، والفتوى رقم: 2202.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 محرم 1425(18/154)
حكم أخذ الشاهد أجرة على الشهادة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من دفع مالاً لشاهد ليدلي بشهادته في الحق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز أخذ أجرة على أداء الشهادة إذا تعينت عند الجماهير، وحكى بعض أهل العلم الإجماع على ذلك، أما تبعات الشهادة من أجرة تنقل ومركب فأكثر أهل العلم على أن للشاهد أخذ أجرة على ذلك، وهاك بعض كلام أهل العلم الدال على ذلك:
قال الشلبي الحنفي في حاشيته على تبيين الحقائق: يجوز أخذ الأجرة على الكتابة دون الشهادة فيمن تعينت عليه بإجماع الفقهاء، وكذا من لم يتعين عندنا.
وقال الهيتمي في التحفة: وله طلب أجرة للكتابة وحبس الصك وأخذ أجرة للتحمل وإن تعين عليه إن كان عليه كلفة مشي ونحوه لا للإداء إلا إن كان متذكراً له على وجه لا يرد أي: لتقصير في تحمله لا لعقيدة القاضي -مثلا- فيما يظهر وقد دعي له من مسافة العدوى فما فوق فيأخذ أجرة مركوبه وإن مشى ونفقة طريقه، وكذا من دونها، وله كسب عطل عنه فيأخذ قدره، نعم له أن يقول لا أذهب معك إلى فوق مسافة العدوى إلا بكذا وإن كثر.
قال السيوطي في الأشباه والنظائر: الخامس عشر: يجوز أخذ الأجرة على الرواية بخلاف الشهادة إلا إذا احتاج إلى مركوب.
وقال الخرشي المالكي في شرحه لمختصر خليل: (ص) وإن انتفع فجرح إلا ركوبه لعسر مشيه وعدم دابته، (ش) يعني أن الشاهد إذا كان على مسافة بريدين فما دون ذلك وتعين عليه الأداء، فإنه إذا انتفع بشيء من المشهود له على أداء شهادته يكون ذلك رشوة قادحة في عدالته، لأنه أخذ أجراً على أداء واجب عليه فهو بمنزلة من أخذ أجراً على الصلاة، وهو لا يجوز، أما إن لم يمتنع ودفع له المشهود له شيئاً من غير طلب، أو لم تكن له دابة وتعسر عليه المشي إلى محل أداء الشهادة فليس بجرح، ويجوز له في الثانية أن ينتفع من المشهود له بدابة يركبها إلى محل أداء الشهادة، لأنه حينئذ قد سقط عنه أداؤها، ولا يكون ذلك قادحاً في شهادته.
وقال البهوتي الحنبلي في مطالب أولي النهى: (ويحرم أخذ أجرة) على شهادة (وأخذ جعل عليها، ولو لم تتعين عليه) لأنه فرض كفاية، ومن قام به فقد قام بفرض، ولا يجوز أخذ الأجرة، ولا الجعل عليه كصلاة الجنازة، (لكن إن عجز) الشاهد عن المشي إلى محلها (أو تأذى به) ، أي: المشي (فله أخذ أجرة مركوب) من رب الشهادة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1425(18/155)
ما يترتب على موت الشاهد قبل الإدلاء بشهادته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما العمل إذا شهد شاهدان وتوفي أحدهما دون أن يسجل شهادته أو رفض الإدلاء بشهادته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مات الشاهد قبل أن يدلي بشهادته فإما أن يكون أشهد على شهادته شاهدين أو لا.
فإن أشهد فيمكن لمن سمع الشهادة أن يشهد على شهادته، وإن لم يُشهد على شهادته فلم يبق مع المدعي إلا شاهد واحد لا تقوم به الحجة، فإن حلف المدعى عليه (المنكِر) فليس للمدعي إلا اليمين، وإن نكل عن اليمين (أي رفض اليمين) رجع القاضي إلى المدعي فيحلف إضافة إلى الشاهد، وانظر الفتوى رقم: 9908.
وأما الامتناع عن الإدلاء بالشهادة فسبق الكلام عنه في الفتوى رقم: 43087، والفتوى رقم: 21038.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 محرم 1425(18/156)
هل يشهد بما أسره إليه أحد الخصمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك خلاف بين اثنين وجلسنا جلسة عرفية لحل الخلاف، وكل منهما أفضى لي بأسراره ولم نتوصل إلى حل هل يجوز أن أشهد مع أحد الأطراف في المحكمة بما قاله لي الطرف الآخر أم ما قيل يعتبر أمانة مجلس لا يجوز البوح به.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الأمر الذي تعلمه بينهما من حقوق الآدميين فلا يجوز لك أن تشهد حتى تستشهد، فإن كان من له حق الشهادة لا يعلم فيشرع لك إعلامه حتى يدعوك لأداء الشهادة، وشهادتك بما تعلم ليست داخلة في إفشاء السر، ولا تفريطاً في أمانة المجلس.
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى في أسنى المطالب: (تقبل شهادة من اختبأ) في زاوية (ليستمع) ما يشهد به، ولا يحمل على الحرص، لأن الحاجة قد تدعو إليه، كأن يقر من عليه الحق إذا خلا به المستحق، ويجحد إذا حضر غيره، (ويستحب) له (أن يخبر الخصم بأنه اختبأ) وشهد عليه لئلا يبادر إلى تكذيبه إذا شهد فيعزره القاضي، (وإن قالا) أي اثنان لثالث (حاسب بيننا) لنتصادق (ولا تشهد) علينا بما يجري (ففعل، لزمه أن يشهد) بما جرى والشرط فاسد.
وفي الموسوعة الكويتية: إذا كانت الشهادة متعلقة بحقوق العباد وأسبابها أي في محض حق الآدمي، وهو ما له إسقاطه كالدين والقصاص فلا بد من طلب المشهود له لوجوب الأداء، فإذا طلب وجب عليه الأداء، حتى لو امتنع بعد الطلب يأثم، ولا يجوز له أن يشهد قبل طلب المشهود له، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد.
ولأن أداءها حق للمشهود له، فلا يستوفى إلا برضاه، وإذا لم يعلم رب الشهادة بأن الشاهد تحملها، استحب لمن عنده الشهادة إعلام رب الشهادة بها.
وإذا كانت الشهادة متعلقة بحقوق الله تعالى، وفي ما سوى الحدود كالطلاق والعتق وغيرها من أسباب الحرمات فيلزمه الأداء حسبة لله تعالى عند الحاجة إلى الأداء من غير طلب من أحد من العباد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1424(18/157)
حكم الإدلاء بشهادة تضر بالطرف الآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم أن تشهد وتصدق على أمر لمجرد مراعاة وضعك وأنت على علم بأنه يضر بالطرف الآخر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشهادة على أمر معين، أمرها عظيم، فقد تكون واجبة، وقد تكون مستحبة، وقد تكون محرمة وكبيرة من كبائر الذنوب.
فإن كانت شهادتك على هذا الأمر عن علم برؤية وسماع، ولم يوجد غيرك يقوم بهذه الشهادة، ودعيت إليها، وجب عليك الإدلاء بهذه الشهادة، حتى ولو أضرت بالطرف الآخر، قال تعالى: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة: 283] .
قال ابن عباس وغيره: كتمان الشهادة من الكبائر كشهادة الزور.
وقال تعالى: وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا [البقرة: 282] . أي للإدلاء، فإذا دعي لأدائها، فعليه الإجابة إذا تعينت.
ولكنه ينبغي أن يكون القصد من شهادته التقرب إلى الله عز وجل، وليس مراعاة المصلحة الشخصية، لقوله تعالى: وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق: 2] .
قال في "فيض القدير": هذا أمر للشهود بأن يأتوا بما شهدوا به تقربا إلى الله اهـ.
وأما إن كانت شهادتك شهادة زور، وكذب، فلا يجوز الإقدام على ذلك، لأن شهادة الزور من أكبر الذنوب، كما قال صلى الله عليه وسلم: أكبر الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، وشهادة الزور، وشهادة الزور. رواه البخاري من حديث أبي بكرة رضي الله عنه، فعلى من شهد شهادة الزور أن يتوب إلى الله عز وجل ويكثر من الاستغفار، وإذا ترتب على هذه الشهادة ضياعُ حق من الحقوق، وجب ردُّ ذلك الحق بإبلاغ القاضي أو من شهد عنده بأن هذه الشهادة شهادة زور.
وانظر لمزيد من الفائدة حول الشهادة، الفتوى رقم: 18006 على الموقع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ذو القعدة 1424(18/158)
الحجة لا تقوم بشاهد واحد منفردا
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
السؤال: وقعت جريمة قتل, ألقي القبض على متهم بريء هو الآن في السجن بينما القاتل الحقيقي خارج السجن ولا يعلم به إلا الله ثم صديق له. هل على الصديق هذا إثم إذا بلغ به؟ وهل عليه إثم إذا لم يبلغ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالشهادة فرض كفاية إن وجد من الشهود ما يزيد على نصاب الشهادة، وفرض عين إن لم يوجد إلا النصاب، أما إن وجد واحد أو أكثر لا تقوم بهم الشهادة فلا تجب، قال الإمام الرملي في نهاية المحتاج: وإن لم يكن في القضية إلا واحد لزمه الأداء إذا دعي له، إن كان في ما يثبت بشاهد ويمين والقاضي المدعو للأداء عنده يعتقد ذلك، وإلا فلا لعدم حصول المقصود به. انتهى.
وعليه؛ فيجب عليك أن تنصح صاحبك بتسليم نفسه، وأنه سيبوء بإثم المسجون إن لم يفعل، ويجب عليك أن تشهد بما رأيت وأنت مأجور على ذلك، وليس كتم الشهادة من الستر المطلوب، وهذا إن كان سيشهد معك من رأى القتل، أما إن كنت وحدك فلا تجب عليك الشهادة لأن الحجة لا تقوم بشهادتك منفرداً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1424(18/159)
لا تجوز الشهادة على عقد الزواج بين مسلمة ودرزي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز الشهادة على عقد زواج درزي من سنية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا تجوز الشهادة على عقد الزواج بين مسلمة ودرزي، ولا يجوز للمسلمة أن تتزوج درزياً ما دام يعتقد عقيدة الدروز الفاسدة، ولمعرفة حقيقة تلك الفرقة الباطنية أو عقائدها نحيلك إلى الفتوى رقم: 2354.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1424(18/160)
شهادة الكافر على المسلم والكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شهادات الكافر؟ مع التفصيل جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن الأصل في الشاهد أن يكون مسلما عدلا، لقول الله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُم [الطلاق: 2] . ولقوله تعالى: إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: 6] . وفي الحديث: لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا زانٍ ولا زانية. رواه أبو داود وابن ماجه وحسنه الألباني وإذا امتنعت شهادة الفساق، فإنه يمتنع قبول شهادة الكفار الذين هم شر الدواب عند الله تعالى، ولا تقبل إلا عند تعذر غيرها. قال خليل: وقبل للتعذر غير عدول وإن مشركين. وقد استثنى أبو حنيفة وأحمد وشريح وإبراهيم النخعي والأوزاعي شهادة الكافر على وصية المؤمن أثناء السفر إن لم يوجد غيره للضرورة، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ [المائدة: 106] وهذا بناء على أن الآية محكمة غير منسوخة، وهو ما رجحه الطبري في تفسيره، والقرطبي وقد روى ابن جرير أن أبا موسى الأشعري عمل بها، فقد روى بسنده إلى الشعبي أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقاء هذه ولم يجد أحدا من المسلمين يشهده على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب، فقدما الكوفة وأتيا الأشعري -هو أبو موسى- فأخبراه وقدما بتركته ووصيته، فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحلفهما بعد العصر بالله ما خانا ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غيرا، وإنها لوصية الرجل وتركته، فأمضى شهادتهما، هذا في شهادة الكافر على المسلم. وأما شهادة الكافر على الكافر، فقد منعها مالك والشافعي وأحمد وأجازها أبو حنيفة وحجته ما ثبت في الصحيحين من رجم يهوديين بشهادة اليهود عليهما بالزنا. وعمم قبول شهادة الكفار بعضهم على بعض، لأن الكفر ملة واحدة. وأجاز الشعبي وابن أبي ليلى وإسحاق شهادة اليهودي على اليهودي، ومنعوا شهادة اليهودي على النصراني والمجوسي، لأنها ملل شتى. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1424(18/161)
كتابة ما على الشخص من الديون أو ودائع ونحو ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[لي ابنة تعيش في الخارج، أرسلت إلي مبلغا كبيرا من المال لأحفظه لها كأمانة عندي، فوضعته في البنك الإسلامي باسمي، المهم أخاف أن يدركني الموت ويقتسم الورثة المال ولم أوص بالمبلغ لابنتي، لأنه لا وصية لوارث، فما الحل وماذا أفعل؟ جزاكم الله خيرا، أرجوكم هذا السؤال يقلقني فأسرعوا بالإجابة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يمكن أن تتفادى ما يقلقك بقيامك بإشهاد شاهدي عدل على أن المبلغ المذكور ملك لابنتك، ويوثق ذلك. وينبغي أن تشهدهم على أنه في الأصل وديعة استودعتك إياها ابنتك سابقًا، لئلا يتوهم متوهم أنه هبة أو وصية منك لها، ويمكنك كذلك أن تحوِّل المبلغ على اسم البنت في البنك إذا أمكن ذلك، والأحسن مع ذلك إعلام ورثتك بالحقيقة حتى يكونوا على علم بها، علماً بأن هذا النوع من الوصايا وهو كتابة ما على الشخص من الديون أو ودائع ونحو ذلك تجب المبادرة به -إذا تعين طريقا لثبوت الحق- لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده. متفق عليه، واللفظ لمسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1424(18/162)
كيفية التحلل من شهادة الزور
[السُّؤَالُ]
ـ[حلفت بالله أمام المحكمة للشهادة وخلطت في أقوالي بين بعض الأمور، منها الصحيح ومنها غير صحيح، فهل تعتبر شهادة زور؟ وماذا أفعل لأكفر عن هذا الذنب الذي يؤرقني؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن شهادة الزور هي شهادة الإنسان بما لا علم له به. وعليه فمن شهد بأمر لا يعلمه فقد شهد شهادة زور، سواء خلط ذلك بحق أم لم يخلطه به.
وهي من أكبر الكبائر، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري عن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين. وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور. فما زال يقولها حتى قلت: لا يسكت.
يضاف إلى كون شهادة الزور كبيرة من الكبائر كون الشاهد حلف على الزور فيصير بذلك ارتكب كبيرة أخرى، وذلك لأن الحلف على الكذب لإبطال حق المسلم هو ما يسمى بالغموس، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنها من الكبائر؛ فقال: الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس واليمين الغموس. رواه البخاري.
وفسرها صلى الله عليه وسلم في رواية أخرى لما سئل عنها فقال: الذي يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب. رواه البخاري.
إذا علمت هذا أيها السائل فبادر بالتوبة إلى الله تعالى من هذه الكبائر، ولا بد أن تتحلل ممن شهدت ضده بزور، فإذا أخلصت التوبة وأرضيت من ظلمت فالله عز وجل يقبل توبتك ويغفر ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1424(18/163)
ماذا يفعل من ترتب على شهادته الزور ضياع الحقوق
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
أخي أطلب منكم أن ترشدوني جزاكم الله خيراً أنني شهدت الزور على رجل فطردته الشركة عن العمل فماذا أفعل؟
والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن شهادة الزور من أكبر الكبائر كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر. أو سئل عن الكبائر؟ فقال: الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين. فقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قال: قول الزور، أو شهادة الزور. قال شعبة: وأكثر ظني أنه قال: شهادة الزور. متفق عليه.
وبما أن شهادة الزور هذه ترتب عليها تفويت وظيفة هذا العامل عليه، فعليك إذن أن تسعى في إعادة الموظف إلى وظيفته، بتبرئته عند المسؤول عن العمل مما رميته به، وتبذل جهدك في ذلك بما تستطيع من وساطة غيرك، أو سوى ذلك من كل وسيلة مشروعة. فإن عجزت عن ذلك فعليك أن تقوم بإرضائه وتستعين بالله تعالى ثم بأصحاب الحكمة والرأي، بحيث تتوصلون إلى حل يرضيه عن طريق دفع تعويض له، ويجعلك في حِل مما حصل له.
فإن المسلم مطالب أن يتخلص من ظلم غيره في الدنيا قبل الموت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها، فإنه ليس ثَمَّ دينار ولا درهم، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن حسنات أُخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه. رواه البخاري في صحيحه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1424(18/164)
الحكمة من كون شهادة المرأة نصف شهادة الرجل
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
لماذا شهادة المرأة نصف شهادة الرجل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فشهادة المرأة نصف شهادة الرجل بنص قوله تبارك وتعالى: ِوَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى [البقرة:282] .
وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري ومسلم عن ابن عمر، واللفظ له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:..ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن، قالت امرأة: يا رسول الله، وما نقصان العقل والدين، قال: أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين.
وهي غير ملامة في هذا النقص لأنها غير قادرة على دفعه، وقد أشار الله تعالى إلى وجه ضعفها في الشهادة بقوله: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، فقد تنسى عند أداء الشهادة فتذكرها الأخرى، ولذلك لا يحق للقاضي التفريق بينهما عند الشهادة، وقد ذكر الشيخ الزنداني أن العلم الحديث قد اكتشف أن لكل من الرجل والمرأة مركزين، مركزاً للكلام ومركزاً للتذكر، وأن الرجل إذا تكلم عمل واحد وبقي الآخر للتذكر، وأما المرأة فإذا تكلمت عمل المركزان، ولذا لا تستطيع التذكر التام لما تشهد به، فتذكرها أختها لئلا يفوت مقصود الشهادة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1424(18/165)
من تعينت عليه الشهادة وجب عليه أداؤها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من ينكر الشهادة؟ وما حكم من يربي الغراب في بيته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتحمل الشهادة وأداؤها فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخرين الحرج، ولذا فمن تعينت عليه وجب عليه تحملها وأداؤها إذا طلب منه، لقول الله تعالى: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة:283] .
ولقوله تعالى: وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ.
قال الإمام الشافعي في الأم: والذي أحفظ عن كل من سمعت منه من أهل العلم في هذه الآيات أنه في الشاهد وقد لزمته الشهادة، وأن فرضاً عليه أن يقوم بها على والديه وولده والقريب والبعيد وللبغيض القريب والبعيد، ولا يكتم عن أحد، ولا يحابي بها ولا يمنعها أحداً.
ويدل على هذا قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً [النساء:135] .
وأما الغراب فهو على قسمين قسم يجوز كسبه وأكله، وقسم يحرم أكله وكسبه، ويندب قتله في الحل والحرم، وقد سبق بيان هذا في الفتوى رقم: 28892.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1424(18/166)
حكم شهادة امرأة بالرضاع
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
هناك شاب مسلم ملتزم تزوج بامرأة قبل عشر سنوات بموجب عقد زواج صحيح ورزق منها ثلاثة أطفال إلا أنه في هذه الأيام جاءت امرأة مسنة وأخبرته بأنها قد أرضعت هذا الشاب في أوائل أيام ولادته قبل ثلاثين سنة لمدة أربعة أيام في كل يوم مرتان علماً بأن هذه الأخيرة المرضعة هي أخت شقيقة لزوجة هذا الشاب وهو يصدقها في دعواها لأنها امرأة ملتزمة وعدلة.
السؤال ... ماهو الحكم الشرعي لهذه المسألة؟ وماذا يجب عليه؟
نرجو من فضيلتكم الإجابة على إختلاف المذاهب مع ذِكر دليل كل مذهب وترجيح القول الراجِح إن إمكن؟ جزاكم الله خير الجزاء ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء في شهادة امرأة واحدة على الرضاع، فجمهور الفقهاء على أن شهادتها لا تقبل، على خلاف بينهم فيما يثبت به الرضاع، فعند الحنفية أن الرضاع يثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين عدول. وعند الشافعية يثبت بشهادة أربع نسوة، وعند المالكية يثبت برجل وامرأة، وبامرأتين إن فشا ذلك قبل عقد النكاح.
وخالف الحنابلة الجمهور، فذهبوا إلى ثبوت الرضاع بشهادة المرأة المرضعة، وهذا القول هو الراجح، ودليله حديث عقبة بن الحارث رضي الله عنه أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب قال: فجاءت أمة سوداء فقالت: قد أرضعتكما، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عني، قال: فتنحيت فذكرت ذلك له، قال: وكيف وقد زعمت أن قد أرضعتكما فنهاه عنها. رواه البخاري وترجم عليه: باب شهادة المرضعة.
وبناء على ما تقدم فإن الواجب على هذا الرجل مفارقة هذه المرأة وفسخ النكاح، وما كان من أولاد فإنه يلحق به لشبهة النكاح، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 1566 - والفتوى رقم: 18149.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1423(18/167)
الشهادة ... أقسامها وحكم كل قسم
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمةالله وبركاته
لقد طلبت مني شهادة من قبل شخص عن شخص آخر
وهي علاقة بين الشخص الأول والثاني وهذه الشهادة تغير علاقة الشخص الثاني بالأول وقد تكون سر هذه الشهادة فقد شهدت بالزور تفاديا للمشاكل التي قد تحدث بينهما وأريد الحكم في ذلك وإن كان علي شيء أرجو أن توضحه لي مع العلم أن الشهادة لم تكن في ظلم أي أحد منهما وشكراً....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالشهادة على قسمين:
الأولى: أن تكون في حق من حقوق العبد الذي له إسقاطه كالدين والقصاص ونحوهما، فيجب على الشاهد أداؤها إذا طلبها منه صاحبها عند حاكم أو غيره، لقول الله تعالى: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة:283] . ما لم يترتب على أدائها ضرر بالشاهد أو كان ممن لا تقبل منه.. ونحو ذلك، فلا يجب عليه أداؤها لقول الله تعالى: وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ [البقرة:282] . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه ابن ماجه، وأحمد. ولأنه لا يلزمه أن يضر نفسه لنفع غيره، ومتى وجبت عليه حرم عليه كتمانها - كما سبق - أو تبديلها بغيرها؛ لأنها تصبح شهادة زور، وهي من كبائر الذنوب.
والثاني: أن تكون الشهادة في حق من حقوق الله تعالى وهي على ضربين:
الأول: أن تكون في أسباب الحدود كالزنا وشرب الخمر، ونحو ذلك، فالستر فيها مندوب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة. متفق عليه.
إلا إذا كان المرتكب للذنب متهتكًا معاندًا، ونحو ذلك، فإنه يشهد عليه ليكف شره عن الناس ولتعريضه المجتمع إلى الهلاك بشرط أن يكون مع الشاهد من الشهود من يثبت به الحكم حتى لا يحد حد القذف.
والثاني: أن تكون الشهادة فيما سوى الحدود كالطلاق والعتاق والرضاع، فيلزم أداؤها لله تعالى من غير طلب من أحد.
ولم يذكر لنا الأخ السائل نوع شهادته ويمكنه معرفة حكمها من خلال ما سبق، وما دام قد شهد بغير ما يعلم فعليه التوبة والاستغفار.
وإذا كان قد ترتب على شهادته بالزور فوات حق فإن عليه أن يقر على نفسه بالكذب أمام القاضي حتى يعاد الحق إلى صاحبه، فإن فاتت إعادته إليه غرم هو الحق إن كان مما يمكن تعويضه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1423(18/168)
يلزم القيام بالشهادة حال تعينها على شخص ما
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد
شهدت واقعة شجار وتم طعن أحد الطرفين بسكين أي أحدهما طعن الآخر وطلب مني أهل المطعون أن أشهد في النيابة ولكني مازلت أفكر وذلك بسبب أن المطعون رجل شرير ولا يخشى الله وسبب الطعن قالوا إنه سرق حذاء ولهذا طعن والمطعون يحلف بالطلاق وأيضا لا يحترم أحدا والله اعلم عدا ذلك وأنا محتارهل أشهد أم لا رغم أنني عندما أتى اهله لم أقل إنني شهدت الوقعة اعينوني اعانكم الله]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة:8) وقال تعالى (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَة) (البقرة: من الآية283)) وقال: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّه) (الطلاق: من الآية2) قال الشافعي رحمه الله: والذي أحفظ عن كل من سمعت منه من أهل العلم في هذه الآيات أنه في الشاهد وقد لزمته الشهادة، وأن فرضاً عليه أن يقوم بها على والديه وولده والقريب والبعيد، وللبغيض القريب والبعيد، ولا يكتم عن أحد ولا يحابي بها ولا يمنعها أحداً.
فإذا تعينت الشهادة على الشخص بأن لا يتحملها من يكفي فيها سواه لزمه القيام بها، إلا أن يعجز عن إقامتها أو يتضرر بها.
وما ذكرته من فسق المشهود له لا يمنع من أداء الشهادة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رمضان 1423(18/169)
التوثيق في المعاملات مطلوب شرعا
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعلوم أننا في عصر التوثيق الذي أنشئت فيه الدوائر المختصة لتوثيق كافة المعاملات وفي كل أمر من أمور الحياة وفي مختلف بقاع الأرض بيعا وشراء وزواجا وطلاقا وأصبح هناك محامون مختصون للرجوع إليهم عند التوثيق لإزالة أي لبس أو غموض ولصيانة حقوق كافة الأطراف المعنية.
لكن أهل الإفتاء والتشريع الإسلامي ما زالوا يصرّون على التعامل، في شؤون الطلاق الخطيرة وتمزيق الأسر وتشريد الأطفال، وكأنهم يعيشون عصر ما قبل التوثيق رغم كل ما يلمسون من إشكاليات ومصائب ومعاناة نتيجة ذلك.
لقد آن الأوان لسن القوانين التي تعاقب أي شخص يوقع الطلاق خارج المحكمة والتي تفرض حصر الطلاق في المحكمة المختصة وأمام القاضي الذي قد يسعى للمصالحة وقد يحيل الأمر لمحكّمين والذي لا يثبت الطلاق إلاّ في الحالات التي يكون فيها الطلاق أقلّ سوءا من استمرار الحياة الزوجية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التوثيق في المعاملات، وخصوصاً مسائل النكاح، والطلاق مطلوب شرعاً، وقد أمر الله ورسوله بالإشهاد على ذلك، إلا أن من طلق من غير إشهاد فقد وقع طلاقه، ولو كان في غير المحكمة.
وللحاكم أن يلزم الناس بالتوثيق، ويعاقب من لم يمتثل لذلك، مع العلم أن الطلاق بيد الزوج وحده، فإذا أوقعه في حالة رشده، واختياره وقع، وليس للحاكم رفع الطلاق، ولا إلغاؤه.
ولا بد أن يعلم السائل أن أهل الإفتاء لا يشرعون من عند أنفسهم، وإنما يذكرون ما يرون أنه حكم الله في المسائل، والدين لا يمكن أن يتغير بتغير الزمان أو المكان، فالأمر لله من قبل ومن بعد، وعلى المسلم أن يقول سمعنا وأطعنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1423(18/170)
شهادة من يربي الحمام بين القبول الرد
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا تقبل شهادة مربي الحمام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن جمهور العلماء يردون شهادة من يربي الحمام على وجه اللعب به، قال السرخسي في المبسوط: ولا تقبل شهادة من يلعب بالحمام يطيرهن لشدة غفلته. انتهى
وقال: والغالب أنه ينظر إلى العوارت في السطوح وغيرها، وذلك فسق. انتهى
أما إذا كان يربي الحمام ليأكل لحمه أو ليتاجر فيه فيبيعه لمن يأكل لحمه أو ليستأنس به دون أن ينشغل بتطييره واللعب به، فالظاهر أنه لا ترد به الشهادة، قال السرخسي في المبسوط: فأما إذا كان يمسك الحمام في بيته يستأنس بها، ولا يطيرها عادة، فهو عدل مقبول الشهادة، لأن إمساك الحمام في البيوت مباح. انتهى
وقال الطرابلسي في معين الحكام: وقيل: من يبيع الحمام ولا يطيرهن تقبل. انتهى
وقال البهوتي في كشاف القناع: وتباح -أي الحمام- للأنس بصوتها ولا ستفراخها وحمل كتب من غير أذى الناس. انتهى.
وليعلم أن خوارم المروءة التي ترد بها الشهادة تختلف من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان، فالأمر فيها يرجع إلى العرف والعادة الجارية، قال ابن عابدين:
والعرف في الشرع له اعتبار ... لذا عليه الحكم قد يدار
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رجب 1423(18/171)
الشهادة على الربا تجمع منكرين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
عندي صديق اقترض مبلغا من المال بفائدة أي طلب منه الشخص الذي أقرضه المال أن يرد له المال بعد شهر زائد نسبة من المال اتفقا عليها كفائدة وأنا كنت أعلم هذا وعندما ذهبنا إلى الموثق لتحرير وثيقة الدين طلبا من الموثق أن يضع في الوثيقة على أن صديقي اقترض مالا دون فائدة أي أنه يرجع المال المقترض فقط وهذا عكس الذي اتفق عليه في الحقيقة.
سؤالي هو هل على شيء عندما شهدت على وثيقة الدين مع أنني كنت أعلم أن القرض بفائدة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعليك بالمبادرة بالتوبة إلى الله عز وجل مما تجرأت عليه من المخالفة الشرعية: فقد ارتكبت بعملك هذا أمرين محرمين:
أولهما: سكوتك على الربا الذي تعامل به صديقك مع غيره وإقرارك له عليه، والله عز وجل لعن في محكم كتابه أمة من الأمم بسبب أنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه.
والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بتغيير المنكر فقال: كما في صحيح مسلم " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان "
ولا شك أن تعاطي الربا من أعظم المنكرات، فكان الواجب على من حضر من يتعامل به أن ينهاه عنه، ويبين له حكمه، فإن لم يمتثل فلا أقل من أنه ينكر عليه بقلبه ولا يساعده عليه.
الأمر الثاني: الشهادة التي أدليت بها، إذ هي من جهة شهادة زور وهي من أكبر الكبائر -وشهادة الزور أن يشهد الشخص على شيء لا يعلمه- وهذا هو ما حصل منك، ومن جهة أخرى عون على إتمام عقد الربا، والله عز وجل قد نهى عن التعاون على الإثم والعدوان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رجب 1423(18/172)
عدم توثيق المعاملات لا يعني بالضرورة ضياع الحقوق
[السُّؤَالُ]
ـ[اشترك ثلاثة إخوة في مشروع أقيم على قطعة أرض ملك أحدهم وتم سداد ثمن هذه القطعه كل حسب نصيبه ولم يتم تحرير أي مستند يثبت شراء هذه الأرض لصالح الشركاء نظرا للثقة التي كانت متوفرة بينهم والآن يقول أصحاب الأرض إنكم لكم عندنا ثمن الأرض بسعرها الآن وليس لكم عندنا أرض استنادا لعدم وجود مستندات تثبت شراء هذه الأرض والشركاء كل يريد نصيبه في الأرض ولا يريد ثمنها فما حكم الدين في ذلك؟ وإذا كان صاحب الأرض قد توفي فما واجب أولاده تجاه هذا الموضوع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله عز وجل قد أمر بتوثيق العقود التي تقع بين الناس حسماً للنزاع، وسداً لباب الخصام، وحفظاً للحقوق، ولا فرق بين ما يقع من العقود بين الإخوان وغيرهم؛ بل إن الإخوان أولى بتوثيق ما يقع بينهم من المعاملات لأن المعاملات بينهم قد تخفى على غيرهم ولا تشيع كما تشيع المعاملات بين غير الإخوان، فقال جل من قائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:282] .
ومع هذا فإن هذا الأمر أمر إرشاد وتوجيه لما فيه المصلحة، وليس أمر إيجاب وإلزام، كما سبق أن ذكرنا في الفتوى رقم:
14532
وعليه فإذا أبرم إنسان مع آخر عقد شركة أو بيع أو غيرهما دون توثيق وكتابة فقد خالفا ما أمرهما الله به، ولكن لا يعني ذلك أن العقد باطل وأن مدعيه كاذب، بل إن هذه الدعوى إذا ثبتت بإقرار المدعى عليه أو ببينة أخرى فإنها يعمل بمقتضاها، ويحكم لصاحبها بما ادعى.
إذا تقرر هذا.. علم أن من يدعي من هؤلاء الشركاء أنه دفع لمالك الأرض ثمن جزء منها، وثبت ذلك بإقرار المالك أو ورثته أو ببينة أخرى فلا يقدح فيها عدم كتابة ما ادعي.
وبالتالي فلا يحق للوارث ولا لغيره أن يمنعه من نصيبه من الأرض، بأي حجة لأن نصيبه من الأرض أصبح ملكاً له يتصرف فيه كما يشاء، ولا يحق لغيره التحجير عليه فيه ولا دفع ثمن له مقابله بغير رضاه.
هذا إذا ثبت أنه اشترى جزءاً من تلك الأرض من مالكها الأصلي.
وأخيراً ننصح السائل بتقديم مشكلته هذه إلى المحاكم الشرعية لأن مسألته هذه من المسائل التي لا يحسم النزاع فيها إلا القضاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1423(18/173)
ماهية التوبة من إضاعة حق بشهادة زور
[السُّؤَالُ]
ـ[عمري35سنة وحين كان عمري23سنة شهدت زورا في المحكمة لصالح صديق مما تسبب في ضياع حقوق مطلقته فكيف أكفر عن ذنبي مع العلم أنني لو عدت لأغير شهادتي لدخلت السجن بتهمة شهاده الزور وتضليل العدالة وضميري يؤنبني منذ عشرة سنوات
أفيدوني كيف أكفر عن ذنبي مع العلم بأنني قطعت علاقتي بهذا الصديق من حينها حيث لم يرغب في منح مطلقته حقوقها المسلوبة بسبب شهادتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن المقرر شرعاً أن شهادة الزور إثم عظيم، وكبيرة من كبائر الذنوب، لاسيما إن ترتب عليها ظلم للآخرين.
إذا ثبت هذا فإن ما قمت به من شهادة الزور يجب عليك التوبة منه، وبما أن الزوج قد رفض دفع هذه الحقوق لمطلقته بسبب شهادتك، وترتب على ذلك ضياع حقها فإنه يلزمك رد هذه الحقوق إليها إن كانت حية، فإن كانت قد ماتت فردها إلى ورثتها، واطلب منها هي العفو عما نالها بسببك من مشقة وأذى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الثانية 1423(18/174)
لا تثبت التهمة بالظن والتخمين
[السُّؤَالُ]
ـ[اكتشفت أن زوجة أخي تسرقنا للأسف وتعددت سرقاتها بشكل واضح وأكثرنا يعرف إلا زوجها بالرغم من تدينه وهي كثيرة الكذب والمشكلة أنه لن يصدقنا حتى والدتي تقول ذلك فماذا نفعل؟ فهل علينا إثم في عدم إخباره؟ وأكاد أجزم أنها لا تصلي لا تنسونا بالدعاء وجزاكم الله خير الجزاء للعلم كان في ضيافتنا قبل شهور قليلة أحد المشايخ الأفاضل من المملكة لصلاح أخي الغافل عن زوجته نسأل الله الفرج.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان ما ذكرت عن زوجة أخيك من السرقة والكذب، مبنياً على يقين جازم، فالواجب عليكم نصحها، وتذكيرها بالله، وتخويفها من عقابه، وكذلك عليكم أن تنبهوا زوجها ليسعى في تربيتها وإصلاحها، فإن لم يصلح حالها فتطلبوا من أخيكم فراقها، فإن لم يفعل فلا تساكنوا هذه المرأة في بيت واحد إذ مثلها لا يؤمن جانبه.
أما إن كان اتهامكم لها مبنياً على مجرد ظن وتخمين فلا يجوز لكم ذلك، فالله يقول: اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12] .
فالأصل في المسلم البراءة من الذنوب والمخالفات حتى يتبين خلاف ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1423(18/175)
حكم شهادة الزور وكيفية التوبة من ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[شهد زوج أختي زوراُ ضدي ولكن ظهر الحق والحمد لله فما حكم شاهد الزور؟ وهل له كفارة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذم الله تعالى قول الزور، وذم أيضاً شهادة الزور، لما تؤدي إليه من تضييع الحقوق، فقال الله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30] .
وقال تعالى في صفات المؤمنين: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً [الفرقان:72] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قال: قول الزور، أو قال: شهادة الزور. رواه البخاري ومسلم.
وراجع في هذا الفتوى رقم:
1224 والفتوى رقم:
3185.
والتوبة من الكبائر عموماً لا تتحقق إلا باستيفاء شروطها، وقد ذكرنا هذه الشروط في الفتوى رقم:
5450 والفتوى رقم:
2527.
فجميع شروط التوبة المذكورة في الفتويين لابد من توفرها في توبة شاهد الزور، وهي الإقلاع عنها، والندم على فعلها، والعزم على عدم العودة إليها أبداً، ورد الحقوق التي ضاعت على أهلها بسبب هذه الشهادة، أو طلب المسامحة منهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1423(18/176)
الشهادة بين وجوب الأداء والامتناع
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته
أشكركم كثيرا على هذه المبادرة القيمة. سؤالي: توفي أحد أقربائنا. وعندما حان وقت تقسيم الإرث سافرت جدتي حتى لا تحضر وتضطر لفضح الزوجة لما ادخرت من مجوهرات. وذلك مخافة من ابن لزوجها. وحرم منه ماذا علي الآن فعله وشكرا جزيلا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المسلم مطالب بأداء الشهادة إذا طلب منه ذلك، قال تعالى: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [البقرة:283] .
وجدتك إن كانت تركت الشهادة بشيء لم تستيقنه فهذا شيء طيب، وهو الأسلم لها لأن الشهادة لا بد فيها من اليقين، فهي مشتقة من المعاينة والمشاهدة أو العلم باليقين.... ولا بد فيها من الضبط..
وكذا إذا كانت تركتها لعلم غيرها من الشهود بهذا الأمر ولا تخشى ضياع حقوق الآخرين لإمكان قيامهم بأداء الشهادة فهذا أيضاَ لا شيء عليها فيه.
أو تركتها لاحتمال أن تكون المجوهرات ملكاً خاصاً لزوجة المتوفى، لأن المجوهرات والحلي..... عادة تكون خاصة بالنساء.
أو للخوف على العرض أو المال، أو النفس أو الأهل، أما مجرد الخوف من فضيحة من منع حق الغير فهذا ليس من المسائل التي تسقط وجوب الشهادة.
فالشهادة تكون فرضاً إذا خاف الشاهد ضياع حقوق الغير لو لم يشهد، لقول الله تعالى: وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق:2] .
ولما في صحيح البخاري عن أنس: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً.... ولقوله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بخير الشهداء، الذين يأتي بشهادته قبل أن يسألها. رواه مسلم عن زيد بن خالد الجهني.
والحاصل أن على هذه الجدة أن تؤدي شهادتها لله تعالى على هذا المال إن كانت مستيقنة لا يخالجها أي شك في ذلك.... ولا تخاف على نفس أو مال أو عرض أو أهل.... ويتأكد ذلك إذا كان يتعلق بهذا المال حقوق القاصرين الأيتام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1423(18/177)
شهادة الزور لمصلحة الآخرين لا تجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أنا طالب بكلية الطب وأود أن أسأل عن الشهادة الطبية.
في كثير من الأحيان يقع الطبيب في مواقف محيرة ولتبيين ذلك سأسوق بعض الأمثلة, أولاً الإرة لا تقبل أي عذر للغياب عن العمل أو الدراسة سوى شهادة طبية توضح علاقة الغياب بحالة مرضية وسبب الغياب لا يتعلق بطبيعة الحال دائما بالمرض. ثانيا في بعض الأحيان يتعلق الأمر بطرد رب أسرة من عمله أو طالب من دراسته ويبقى الحل الوحيد هو الشهادة الطبية. فهل يعتبر الطبيب في هذه الحالة شاهد زور؟ وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه الشهادة الطبية تعني أن هذا الشخص الذي تعطى له الشهادة غير قادر على العمل بسبب المرض، فإذا لم تكن مطابقة للواقع فإنها شهادة زور فلا يجوز أن تعطى لمن لم يكن مريضاً، ولو كان لديه عذر آخر للتخلف عن العمل، وعليه أن يخبر المسؤلين عن المرفق الذي يعمل به بالعذر الصحيح الذي تخلف من أجله فإن قبلوه وهو الذي ينبغي لهم فذلك المراد، وإن أبوا قبوله فلا يكذب ولا يضطر الآخرين لشهادة الزور وليصبر وليحتسب وسيخلف الله عليه بخير: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1423(18/178)
حكم شهادة مربي الحمام
[السُّؤَالُ]
ـ[ماحكم شهادة مربي الحمام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن شهادة مربي الحمام مقبولة، مادام قد اتخذ الحمام لمقاصد صحيحة لا يترتب عليها ضرر على الآخرين، قال ابن قدامة في المغني: وإن اتخذ الحمام لطلب فراخها أو لحمل الكتب، أو للأنس بها من غير أذى يتعدى إلى الناس، لم ترد شهادته.
وأما ما ورد عن بعض الفقهاء من عدم قبول شهادته، فإن ذلك فيما إذا كان على وجه السفه وقلة المروءة، وتضمن أذى للجيران، على دورهم، ورميه إياها بالحجارة.. كما ذكر ذلك ابن قدامة في المغني 14/156-157.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1423(18/179)
هل يلزم الشاهد باليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يتم إلزام الشاهد في المحكمة بأن يؤدي القسم (يحلف) . وجزاكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الشاهد غير ملزم بأن يقسم على شهادته، وخالف قول الجمهور في هذا ابن أبي ليلي ومحمد بن بشير قاضي قرطبة وابن القيم حيث قالوا بلزوم اليمين للشاهد.
ويرى بعض القائلين بعدم لزوم اليمين للشاهد أنه إذا شهد وحلف ردت شهادته، وبهذا قال المالكية.
قال صاحب تبصرة الحكام: وأما الحرص على القبول فهو أن يحلف على صحة شهادته إذا أداها، وذلك قادح فيها لأن اليمين دليل على التعصب وشدة الحرص على نفوذها. قال بعضهم: إلا أن يكون الشاهد من جملة العوام فإنهم يتسامحون في ذلك، فينبغي أن يعذروا ما لم تقم قرينة تدل على التعصب.
وللحنابلة أوجه في الحلف على الشهادة أصحها القبول. قال المرداوي في الإنصاف: ومن حلف مع شهادته لم ترد شهادته في ظاهر كلامهم.
والخلاصة أن الشاهد لا يلزم باليمين عند الجمهور، وإن حلف مع شهادته فلأهل العلم فيها قولان الرد والقبول على ما فصلنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1423(18/180)
توثيق الدين بالكتابة ضمان لصاحبه
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا اشتركت في مشروع تجاري أنا وشخص ما وبعد فترة خسرنا في المشروع بسبي وطالبني شريكي بالمال وأنا لم أنكره ولكني لا أملك المال الآن للدفع واتفقنا على الدفع حين يتيسر لدي المال ولكنه المدة الأخيرة يصر ويضغط علي بأنه يريد المال الآن ولكني لا أستطيع إيفاءه حقه الآن لظروفي المادية وهو يعرفها جيدا وأخيرا عمل لي مشاكل كثيرة وهو يريدني أن أكتب له وصل أمانة بالمبلغ وأنا أريد والله أن أفعل وذلك لتطبيق الشرع ولكنني أخاف أن يستعملها ضدي ويقدمها كسند ضدي ولهذا لم أكتب له هذا السند ولكن أشعر بأنني أخالف الدين بهذا وفي نفس الوقت نيتي سليمة بأن أسدد له ماله كاملا ولكن أخاف منه فقط أفيدوني أفادكم الله ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كانت الخسارة المذكورة حصلت منك بتفريط أو تقصير فالحق لازم لك وعليك دفعه لصاحبك، وليس لك أن تمتنع عن كتابة الوثيقة لأنها وسيلة إثبات لدين صاحبك، ولأنه لا يدري هل تموت فيضيع حقه؟ فتكون قد ضيعت مال مسلم.
وقد ثبت في الحديث المتفق عليه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء أن يوصي فيه إلا وصيته مكتوبة عند رأسه.
وأما بخصوص تخوفك من استعمال الوثيقة ضدك فلا وجه له، ولا يسوغ لك الامتناع من إعطائه وثيقة تثبت له حقه لأنك أنت لا تخلو من واحد من أمرين:
الأول: أن تكون موسراً بما في ذمتك لصاحبك، وهنا يجب عليك أداء حقه له فوراً لأن مطل الغني ظلم.
الأمر الثاني: أن تكون معسراً -كما ذكرت- وهنا لا يحق له هو أن يضايقك، لأن الشرع يمهل المعسر إلى أن ييسر الله له ما يؤدي به دينه، لقوله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280] . والوثيقة في هذه الحالة لا تبرر حبسك ولا مضايقتك، وإنما الفائدة منها هي إثبات الحق في ذمتك إلى أن يفتح الله، ولكي لا تكون عرضة للحبس ظلماً فاجعل الصيغة في الوثيقة صيغة دين تسدده عند القدرة عليه وليست صيغة أمانة عندك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1423(18/181)
توثيق نفقة الأولاد بعد الطلاق لا بأس به
[السُّؤَالُ]
ـ[تم الاتفاق بيني وبين زوجتي على الانفصال لاستحالة العشرة معها وهي تريدني أن أكتب تعهدا موثقا في الشهر العقاري بالتزاماتي تجاه الأولاد حتى لا تقوم بعمل مشاكل لي فما رأيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النفقة على الأولاد حق واجب على الأب بأصل الشرع بالكتاب والسنة والإجماع، فمن الكتاب قوله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) [الطلاق:6] .
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند رضي الله عنها: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" متفق عليه.
وأما الإجماع، فقد حكى ابن المنذر قال: وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم.
أما كتابة العهد بينكما، فهو من باب التوثيق لهذا الواجب، فإن تم اتفاق بينكما على ذلك فلا بأس ضماناً لحق هؤلاء الأولاد.
هذا إذا كان ما يتم التوثق فيه هو نفقة الأولاد وما يتبعها من ملبس ومسكن، إما إذا كان غير ذلك، فنرجو من السائل بيانه حتى تتسنى لنا الإجابة عليه.
وننبه السائل إلى أننا لم نفهم المراد بـ (الشهر العقاري) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الثاني 1423(18/182)
توثيق الدين أولى ضمانا للحقوق
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا أقرض بعض الأصدقاء مبلغاً من المال وأخجل أن أكتب ذلك في أوراق كما نص القرآن الكريم فما رأي الدين في ذلك أرجو النصيحة لي ولمن أقرضه هذا المال.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالله سبحانه قد أرشد عبادة إلى توثيق ديونهم بالكتابة، فقال عز من قائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوه [البقرة:282] .
لكن الأمر في الآية ليس على الوجوب وإنما هو للندب، كما هو مبين في الفتوى رقم:
14532 فإذا كنت تثق من أصدقائك وأمانتهم فلك أن تقرضهم بغير كتابة ولا إشهاد، وإن أردت الاستيثاق لنفسك لخوف تغير في حالهم أو لموت قد يلحق بهم ونحو ذلك من البواعث التي تجعل الإنسان يكتب دينه فلا تجد في نفسك حرجاً من ذلك لأن هذه حقوق والحياة والموت بيد الله، فالأولى أن توثقوها ضماناً للحقوق وقطعاً للنزاع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الثاني 1423(18/183)
الشهادة على ما لم يشاهده الشاهد ... رؤية فقهية
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص طلب من أخ أن يشهد في محكمة بشيء لم يشاهده ولكن هذا الشيء حدث بالفعل. فما الحكم في طالب هذه الشهاده والشاهد0ولكم جزيل الشكر0]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشهادة تطلق على المشاهدة (المعاينة) وعلى الإعلام والتبيين، ولا يحل لمسلم أن يشهد إلا بما علم، والعلم يحصل بعدة أشياء بالرؤية والمشاهدة وبالسماع واستفاضة الخبر.
ولهذا قال الفقهاء: تصح الشهادة بالاستفاضة والسماع في النكاح وتوابعه والموت والولادة والوقف والولاية والعزل..
والشهادة قد تكون فرض عين على الشاهد مثل ما إذا خيف من ضياع حق مسلم، لقول الله تعالى: وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق:2] . ولقوله تعالى: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة:283] .
ولقوله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري من حديث أنس رضي الله عنه -مرفوعاً: انصر أخاك ظالما أو مظلوما، فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما أرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره؟!! قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم.
هذا إذا لم يلحقه ضرر بأدائها في بدنه أو عرضه أو ماله أو أهله، لقوله تعالى: وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ [البقرة:282] .
أما إذا كان الأمر المشهود عليه معروفاً عند الناس وكثر الشهود عليه، فالظاهر أنه يستحب له أن يؤدي الشهادة ولا يلحقه الإثم إذا تخلف عن أدائها لأنه لا يخشى من ضياع الحق لكثرة الشهود.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1423(18/184)
الكتابة والإشهاد في الديون ليسا بواجبين
[السُّؤَالُ]
ـ[1- في الآيات (282 و 283) من سورة البقرة يأمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بكتابة الدين إذا تداينوا.
فهل يأثم من لم يكتب وخاصة إذا كان المدين أحد الأقارب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتندب كتابة الدين والإشهاد على البيع، وليس ذلك بواجب، فلا يأثم من تركه، سواء كان المدين من قرابته أو من غيرهم، لأن الأمر بهما ورد مقروناً بقوله تعالى: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [البقرة: من الآية283]
فثبت بذلك أن الأمر بهما ندب وليس بواجب. قال أبو بكر بن العربي رحمه الله في أحكام القرآن: (ولا خلاف بين فقهاء الأمصار أن الأمر بالكتابة والإشهاد والرهن المذكور جميعه في هذه الآية ندب وإرشاد لنا إلى ما لنا فيه الحفظ والصلاح والاحتياط للدين والدنيا، وأن شيئاً منه غير واجب. وقد نقلت الأمة خلف عن سلف عقود المداينات والأشرية والبياعات في أمصارهم من غير إشهاد، مع علم فقهائهم بذلك من غير نكير منهم عليهم، ولو كان الإشهاد واجباً لما تركوا النكير على من تركوه مع علمهم به، وفي ذلك دليل على أنهم رأوه ندباً، وذلك منقول من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا لو كانت الصحابة والتابعون تشهد على بياعاتها وأشريتها لورد النقل به متواتراً مستفيضاً، ولأنكرت على فاعله ترك الإشهاد، فلما لم ينقل عنهم الإشهاد بالنقل المستفيض، ولا إظهار النكير على تاركه من العامة، ثبت بذلك أن الكتابة والإشهاد في الديون والبياعات غير واجبين) انتهى. وقد ذهب ابن جرير الطبري وبعض السلف إلى وجوب كتابة الدين، لقوله سبحانه وتعالى: (فاكتبوه) والصواب ما عليه عامة الفقهاء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1423(18/185)
لابد في الشهادة أن تكون مطابقة لحال الإنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف صديقاً كان سيئ المعاملة مع عائلته، وقد طلق زوجته عاملته بالحسنى حتى يرجع إلى الله ولكن لم يغير ذلك، الآن هو بعيد عني فلا أعرف عنه إلا ما يخبرني عنه عبر الهاتف، وقد توسط لزواجه صديق لي فمدحته أمام أهل البنت فوافقوا على الزواج إلا أن هذا الصديق اكتشف فيما بعد أنه ليس جيداً فأخبر أهل البنت عن حقيقته، والآن أهل البنت سيتفسرونني عنه فماذا أفعل؟ وأهل البلد لا يعرفون عنه إلا خيراً ولكن هو لم يكن كذلك عندما كان يسكن في بلد آخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن "الدين النصيحة" كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وتتأكد عليك إذا طًلبت منك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في بيان حق المسلم على أخيه: "وإذا استنصحك فانصح له" رواه مسلم.
فالنصيحة متأكدة لاسيما في هذا الأمر العظيم الذي تنبني عليه العشرة، والصلة، والنسب.
فإن كنت عارفاً بحال أخيك، مطّلعاً على أمره اطلاعاً مؤكداً، فيلزمك أن تخبر أهل الفتاة بما تعلم من خير أو شر.
وإن كنت لا تدري عن حاله الآن، وتظن أنه ربما حسن أمره، واستقامت أحواله بعد سفره، أو أن تلك المرحلة التي ساء فيها خلقه كانت مرحلة طارئة لظروف معينة أحاطت به، فهنا ينبغي لك أن تعتذر عن بيان حاله، لعدم علمك بما هو عليه الآن.
وإن سئلت عن حاله أثناء وجوده بالقرب منه، فيسعك أن تقول: إنه كان منه بعض الهنات، ولا أدري حاله الآن، فربما تغير.
وينبغي أن تسألوا عنه من هو حديث عهد بصحبته، ونحو هذا الكلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ذو الحجة 1422(18/186)
ادعاء المحرمية كذبا من أكبر الكبائر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لرجل أن يشهد لامرأة بأنه أخوها من الرضاعة قصد السفر برفقته إلى البقاع المقدسة لتأدية فريضة العمرة مع العلم أن هذا الشخص ليس بأخيها من الرضاعة وإنما قام بذلك قصد تسوية وثائق إدارية؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلاشك أن هذا العمل حرام، وذلك من وجوه:
الأول: أن فيه شهادة زور وكذب، وذلك من كبائر الذنوب.
الثاني: أن فيه تعاوناً على الإثم والعدوان.
الثالث: أن فيه سفراً للمرأة بدون محرم، وبرفقة رجل أجنبي، وقد تحصل الخلوة المحرمة، وراجع الفتوى رقم: 5936.
الرابع: أنه قد يؤدي إلى إثبات أحكام تتعلق بالرضاع استناداً إلى هذه الشهادة التي هي على خلاف الواقع.
والواجب على من وقع منه ذلك المسارعة إلى التوبة والاستغفار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1422(18/187)
التوثيق والإشهاد لا يعني سوء الظن
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب أدرس التجارة عمري 21 عامآ ووالدي شريك مع إخوتة في التجارة وهوالمؤسس لها وهو يقوم بكتابة الشيكات والكمبيالات على نفسه لكي تعمل التجارة وأنا أفكر لو حدث شئ لوالدي سوف يقولون سددوا ديون والدكم مع العلم أنهم مستفيدون من البضاعة والتجارة التى تمشي عن طريق كتابة الكمبيالات التي يكتبها والدي وأنا أخشى أن يحدث شيئ ويقولون والدكم كتب على نفسة ونحن لا نعلم هل نقول الكلام هذا لوالدى أم هذا ليس من حقي حتى لا يفهم شيئا آخر، والشهادة لله أنهم لم يفعلوا شيئا ولكن الخوف بعد حدوث شيئ يفعلونه أرجو الإجابة من سيادتكم مع جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا بأس أن تخبروا والدكم بذلك بطريقة لا تجعله يفهم الأمر على غير وجهه، ونبهوه إلى أن عليه أن يجعل بينه وبين إخوته وثائق تبين الحقوق إذا كانت على خلاف ما هو موجود في الوثائق الظاهرة، ولا يعد هذا من باب إساءة الظن بأحد، ولكن من باب التوثيق، حتى لا يحصل بين هؤلاء الشركاء أو بين أبنائهم خلاف في المستقبل، والتوثيق مطلوب شرعاً، قطعاً للنزاع، خصوصاً فيما يتعلق بأمور الديون، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) [البقرة: 282]
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1422(18/188)
حكم استخراج شهادة إثبات المحرمية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عمل شهادة محرمية تثبت محرمية الرجل على أمّه مثلاً وما دوافع ذلك وفوائده؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن عمل شهادة تثبت محرمية المحرم من الأمور المباحة، إذا كانت مطابقة للواقع، وفي حالة ما إذا ترتب على عمل الشهادة أمر لا يمكن الحصول عليه بدونها، فإن عمل الشهادة يعطي حكم ذلك الأمر المترتب عليه، وأما الرغبة وأما الدافع إلى عمل الشهادة فهو الرغبة في الحصول على الغرض الذي يشترط له إثبات المحرمية.
ومن فوائد الشهادة عدم التعرض إلى المساءلة أو العقوبة التي قد تترتب على عدم إثبات المحرمية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1422(18/189)
حكم العمل في مجال دراسات الجدوى الاقتصادية
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو رأي فضيلتكم في عمل دراسات الجدوى الإقتصادية للمشروعات التي تتقدم للحصول على قروض بالدراسة المعمولة من أجل الغرض نفسه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن طلب منك عمل دارسة الجدوى الاقتصادية لمشروع ما جاز لك ذلك، ولزمك بيان الحق، وكتابة ما تعلم دون محاباة أو مجاملة.
وإذا علمت أو غلب على ظنك أن المشروع المطلوب دراسة الجدوى له من المشاريع المحرمة أو المعينة على الحرام، كدراسة الجدوى الاقتصادية للملاهي الليلية، ودور السينما، والبنوك الربوية ... ونحوها، حرم عليك تقديم الدراسة له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1422(18/190)
الحكمة من اشتراط أربعة شهود في إثبات الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي علم لابأس به في علوم الشريعة وأود توجيه هذا السؤال لكم سادة العلماء اشترط الاسلام وجود اربع شهود على الزنا فهل يمكن تطبيق هذا في هذا العصر او العصور الماضية اعرف مسبقا انكم ستقولون ان الاسلام يتشوف للستر وهذا حق لامرية فيه ان شاء الله ولكن سلوا انفسكم لو واجهتم اجنبيا يغزو عقر داركم ويعمل السوء هل ستظل لتحضر اربعة رجال وتتفق شهادتهم هذا الشرط صعب وسأضرب مثلا صغيرا على ذلك يشبه وجود اربعة شهود كشخص قال لزوجته إذا دخلت في محيط وبقيت خمس ساعات في الماء دون نفس فأنت طالق هذا الشرط لن يقع الا ان يشاء ربي شيئا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم..... وبعد: أعلم أولاً أن هذه المسألة ثابتة بنص من كتابه الله تعالى صريح لا مجال للتشكيك فيه والاعتراض عليه. ومن فعل شيئاً من ذلك فهو مرتد والعياذ بالله. وقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم بمقتضى هذه الآية كما في سنن ابن داود في قصة اليهودي الذي جاءوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم. كما عمل به أصحابه وخلفاؤه من بعده مما يدل على أن الحكم محكم. ثانياً أحكام الله تعالى حكيمة تؤدي الغرض المتوخى منها قطعاً ليست لها أي نتائج عكسية إطلاقا،وهي ممكنة التطبيق في كل الأزمان والأماكن وفي كل الظروف والأحوال. والله سبحانه وتعالى شرط هذه الشروط في الشهادة على الزنا خاصة تغليظاً على المدعي لأن شهادته قد يترتب عليها قتل وعار دائم وسترا على العباد لطفا من الله تعالى والمسألة التي ذكرتها لم يكن سببها التقيد بهذا الحكم فعوذ بالله من اعتقاد ذلك وليس حلها عدم التقيد. بل إن سببها هو التمرد على شرع الله تعالى وعدم التقيد بأحكامه والتقليد لأعداء الله تعالى المنحلين الإباحيين. وحل هذه المشكلات وعلاجها النافع. بإذن الله تعالى هو الرجوع إلى شرع الله تعالى وتحكيمه في كل الميادين وأن يلزم كل أحد وظيفته التي جعله الله تعالى فيها وينصاع لحكم الله تعالى. والله تعالى أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(18/191)
لا إثم عليك في شهادتك إلا أنك ضامن
[السُّؤَالُ]
ـ[ ... ما حكم من يشهد شهادة الزور تحت تأثير السحر، أو التنويم المغناطيسي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: ... إن كان في التنويم المغناطيسي استعانة بالجن والشياطين فلا شك أن هذا أمر محرم، لأنه سيكون والحالة هذه من ضروب الكهانة وهي من أنواع الشرك بالله. وإن كان التنويم المغناطيسي يتم بأمر مشروع لا محذور فيه فإنه يأخذ حكم الغاية التي سيستخدم لأجلها، لأن الوسائل تأخذ حكم الغايات. فما استخدم منه لأخذ معلومات من مجرمين ومفسدين مثلاً فلا حرج فيه إن شاء الله، وإذا شهد الشاهد زورا تحت تأثير السحر أو التنويم المغناطيسي فلا يؤاخذ بهذا إذا كان لا يشعر بما يفعله، لقوله صلى الله عليه وسلم: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" [رواه ابن ماجه] . وأما الضرر الذي يترتب على تلك الشهادة أو الفعل الواقع تحت الإكراه أو تأثير السحر ونحوه فإنه يضمنه إذا عجز عن الشهادة بالحق عند زوال التأثير الواقع عليه ويجب عليه السعي في إزالة الضرر عند إفاقته. وأما الضمان فإنه يستقر في ذمته. وإن رفع الإثم عنه فإنه لا يسقط الضمان، بل الضمان يستقر في ذمته. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1423(18/192)
لايجوز لك أن تشهد أمام القضاء على مالم تر
[السُّؤَالُ]
ـ[الح على من اثق فيه وفى صدقه ان اشهد امام القضاء على امر لم اره لكنه يؤكد حدوثه وهو يحقق مصلحته ولا يضر احدا ... فهل اشهد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم..... وبعد: الشهادة هي حجة شرعية تظهر الحق المدعي به وهي الإخبار بما علمه بلفظ خاص. وأمرها خطير عظيم قال تعالى: "ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه". ولا يجوز لأحد أن يشهد على أنه شاهد أمراً وهو لم يشاهده لدخول هذه الشهادة في عموم شهادة الزور وهي من أعظم الذنوب، نعم لك أن تشهد عند القاضي على أنك لم تجرب عل فلان كذبة قط وأنك واثق من صدق كل ما يقوله فإن نفعته هذه فبها ونعمت وإن لم تنفعه فلا تبع آخرتك بدينا غيرك فتكون أشقى الناس، فإن أشقى الناس من باع آخرته بدنيا غيره. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1422(18/193)
يؤخذ في الرضاع بشهادة المرضعة وإن كانت وحدها.
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك امرأة تقول بأنها أرضعتني وأمي تقول: ما أعلم عن ذلك، والمرأة تقول بأنها أرضعتني مع بنتها فما هو الحل؟ هل أصدق أمي أو هذه المرأة جزاكم الله خيراً؟ والسلام]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالراجح من أقوال أهل العلم ـ إن شاء الله تعالى ـ أنه تقبل شهادة المرضعة وحدها على أنها أرضعت شخصاً، لأنه فعل لا يحصل لها به نفع مقصود ولا يدفع عنها به ضرر معين:
ومما يدل على ذلك ما في صحيح البخاري وغيره عن عقبة بن الحارث أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز فأتته امرأة فقالت: قد أرضعت عقبة والتي تزوج، فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني، ولا أخبرتني، وفيه أن عقبة أرسل إلى أهل البنت يسألهم فقالوا: ما علمنا أنها أرضعت صاحبتنا، فركب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف وقد قيل؟ " ففارقها ونكحت زوجاً غيره. وفي رواية أنه قال له: "دعها عنك" ونقل الحافظ في الفتح عن علي بن سعد قال: سمعت أحمد يسأل عن شهادة المرأة الواحدة في الرضاع، قال: تجوز على حديث عقبة بن الحارث.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(18/194)
يشترط في الشهادة البلوغ وحق الصبي التحمل
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو العمر المفترض في الإدلاء بالشهادة؟ وهل تجوز شهادة الصبي المميز الذي لم يبلغ الحلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم أما بعد:
فالعمر المشترط في الشهادة هو بلوغ الحلم، لأن الله عزّوجل يقول: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) . [البقرة: 282] . والصبي ليس من الرجال. ويقول جل وعلا: (ممن ترضون من الشهداء) [البقرة: 282] . والصبي لا يرضى للشهادة. ويقول جل وعلا: (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) . [البقرة: 283] ، والصبي لا يتجه إليه الإثم. نعم إذا تحمل الصبي الشهادة قبل البلوغ ثم أداها بعد بلوغه فالصحيح – إن شاء الله – أنها تقبل لقول أهل العلم: ... وزمن الأداء لا التحمل ... ... ... صح اعتباره بمقتضى جلي
ومن أهل العلم من قبل شهادة الصبيان فيما جرى بينهم من جراح بشروط مذكورة في أحكام الشهادات يرجع إليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(18/195)
لا يطلب من الشاهد أن يقسم قبل الشهادة
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص يعيش في احدى دول الغرب ووقعت جريمة وكان هو أحد الشهود عليها وعندهم الشاهد يقسم على كتاب مقدس لهم فهل يجوز لهذا الشخص المسلم أن يقسم على كتابهم حتى تقبل شهادته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد: عليك أن تأتي بمصحف وتقسم عليه، وأن تفهمهم إنك مسلم لا يحق لك أن تقسم على كتبهم لأنها كتب دخلها كثير من التحريف فلا يثق المرء بكونها من عند الله. أو تخبره بأن الإسلام لا يشترط في قبول الشهادة أن يقسم الشاهد لا على القرآن ولا على غيره بل لا يشترط فيه أن يقسم أصلا. والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(18/196)
تجب التوبة من شهادة الزور
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الذى يشهد الزور مع العلم بأن الشهادة التى شهدها حررت زوجة من زوجها لظلمه لها، ولكن في المحكمة قال الشاهد أنه رأى الزوج يضرب الزوجة ولكن الحقيقة أنه كان يسمع عن المشاكل التى بينهم، وأنه قام بهذه الشهادة بناء على طلب والدتها التي تتقرب إلى عائلة الشاهد بالود والمعرفة الجيدة. أرجو الإفادة وكيف يتم تكفير هذا الذنب؟
ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يشهد الزور لقول الله تعالى: (والذين لا يشهدون الزور) [الفرقان: 72] ولقوله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الكبائر: "الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين". وقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، قال: "قول الزور أو قال شهادة الزور" رواه البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه. وما ذكرته لا يبيح لك الإقدام على هذه الكبيرة العظيمة، التي هي من أكبر الكبائر. وعليك أن تتوب إلى الله تعالى، وأن تندم على ما فعلت، وأن تعزم على عدم العود. وإن ترتب على هذه الشهادة ضرر بالآخرين أو أخذ حق من حقوقهم، وجب السعي في إعادة هذا الحق، مع طلب العفو منهم. ويلزمه تكذيب نفسه وإعلان زوره عند من سمع شهادته الكاذبة. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(18/197)
لا يؤاخذ من شهد زورا تحت تأثير السحر ولكن يضمن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يشهد شهادة الزور تحت تأثير السحر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فإذا كان هذا الشخص المسحور قد أصيب بسحرٍ قويٍ بحيث يخرجه عن تصرفاته العادية ويجعله يتصرف تصرفات لو كان في حالة إفاقة لأنكرها، فلا شك إن شاء الله أنه غير مؤاخذ بما يقوله فيما بينه وبين الله، ولكن إذا لحق ضرر بشخص أو جهة ما بسبب شهادة هذا المسحور كأن شهد عليه بمال لا يلزمه، فإنه يضمنه إن تعذر رده ممن أخذه، ويكون مسؤولاً عنه. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(18/198)
اللجوء إلى التورية للتخلص من القضية المرفوعة ظلما
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طبيبة بيطرية 33 سنة، آنسة، كنت أعمل فى إحدى شركات الأدوية منذ 3 سنوات، وتركتهم لعدم حصولي على مستحقاتي، وكنت قد كتبت وصل أمانة غير مؤرخ وخانة (من إلى) فارغة، وهذا إجراء تأخذه الشركات ضمن مصوغات التعيين، ولم آخذ هذا الوصل عندما تركتهم، إلا أنني هذا العام فوجئت بأن صاحب الشركة باع الوصل لاثنين من معارفه من بلدته، وقاموا برفع قضية ضدي يريدون أن أرد مبلغ الوصل 20000 جنيه وحجزت القضية لإحضار شهود نفي من ناحيتي ومن ناحيتهم.. وطلب المحامي إحضار اثنين من طرفي يشهدان بأني طبيبة بيطرية، ونفي واقعة التسليم، حيث إنني لا أعرف الأشخاص الذين رفعوا القضية. فهل يعتبر شهودي زور ... وماذا يكون عقاب هؤلاء الأشخاص الذين يدعون بأني استلمت منهم هذا المبلغ، فهل هذا حلال أم حرام علما بأني لا أعرفهم ولا يعرفونني شكلاً أو مضمونا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أساء صاحب الشركة فيما قام به من بيع هذا الوصل، وهو ومن اشتراه منه آثمون بفعلهم هذا المشتمل على أكل المال بالباطل، قال الله تعالى: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:188} ، وذكر ابن كثير في تفسيره عن جماعة من التابعين أنهم قالوا: لا تخاصم وأنت تعلم أنك ظالم، ثم قال: وقد ورد في الصحيحين عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا إنما أنا بشر، وإنما يأتيني الخصم، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من نار، فليحملها أو ليذرها. فدلت هذه الآية الكريمة وهذا الحديث على أن حكم الحاكم لا يغير الشيء في نفس الأمر، فلا يحل في نفس الأمر حراما هو حرام، ولا يحرم حلالا هو حلال، وإنما هو ملزم في الظاهر، فإن طابق في نفس الأمر فذاك، وإلا فللحاكم أجره وعلى المحتال وزره. انتهى.
ولا حرج عليك في أن تستخدمي ما يدفع عنك شرهم، ولكن الأولى اللجوء للتورية والمعاريض، ولا يلجأ لغير ذلك من الكذب إلا عند الاضطرار لذلك، أما الشاهدان فلا يجوز أن يشهدا بأمر لا يعلمانه. وراجعي في بيان جواز الكذب والتزوير إذا تعين ذلك سبيلاً لحفظ الحق الفتاوى ذات الأرقام التالية: 24687، 104433، 112139، 115855.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1430(18/199)
حكم رفع قضية تزوير وهمية للتخلص من الكفالة والدين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم مقيم في السويد من أصل عراقي، من حوالي 4 سنوات, وكنت حينئذ لم أصل, وقعت كفالة لصديق، هذا الصديق طلب سيارة من شركة، وبعد صنعها قالوا له بأن عليه أن يأتي بكفيل حتى يستلم السيارة، وجاء إلي يطلب أن أساعده بشرط أن يحول السيارة من اسمي بعد 6 أشهر، ومضى الوقت ولم يوف بعهده لي. أنا حاولت أن أقنعه مرات لكي يدفع حق البنك, فلم يفعل، والسيارة كانت باسم شركة صديقه وأنا كفيل له، هما أفلسا الشركة وظنا أنهما يستطيعان أن يأكلا حقه، والآن يطلبون مني أن أدفع لهم، صاحب الشركة هرب من الدولة، وصديقي يملك ذلك المال لكنه يقول لي اذهب إلى الشرطة وارفع على الذي هرب قضية تزوير وهكذا سوف أنتهي أنا من الكفالة والدين، والذي هرب من الدولة سيتحمل دين البنك عندما يرجع إلى السويد.
نصحته مرات عديدة لكي يدفع حق البنك, وإن لم يفعل سوف يغضب الله عليه. هو يقول إنه يتحمل ذلك الذنب أمام الله.
والمبلغ المطلوب هو حوالي 60000 دولار، وأنا لا أملك هذا المبلغ، والذي هرب من الدولة يقول لنا أن نفعل هكذا. ماذا أفعل؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت لا تملك المال لتسدد به الكفالة فحكمك حكم المعسر.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: إعسار الكفيل حكمه كحكم إعسار الأصيل في وجوب الإنظار إلى ميسرة، ولا يسقط به حق المطالبة. اهـ.
فعليك أن تنصح صديقك بأداء ما عليه من الدين، ويمكنك أن تهدده برفع الأمر إلى المسؤولين وأنك ستبين لهم احتياله هو وصديقه، وإن لم يستجب لك فيمكنك رفع الأمر إلى المسؤولين فعلاً، ولا يجوز لك أن تحتال بالحيلة المذكورة لأكل أموال الناس بالباطل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رجب 1430(18/200)
مقاضاة المماطل وأخذ بدل عما أنفق على القضية
[السُّؤَالُ]
ـ[قمت بشراكة مع شخص بمعدة نقل عام مناصفة-سعر المعدة 160000ألف درهم- ولكن بعد شراء المعدة مباشرة قبل أن تعمل أو تصب في جيبنا أي درهم تم الاختلاف بعض الشئ، ولكن حاولت تجاوز المشكلة سريعا فتنازلت عن حصتي بالكامل له، وتم الاتفاق على أن يسدد المبلغ الذي دفعته بالتقسيط أو بالكامل في وقت دون تحديد، ولكن بدون ضرر لأي طرف، وكان يعرف بكيفية حصولي على المبلغ وكان المبلغ الذي دفعته بالكامل-81000ألف درهم- قام على إثرها لحفظ الحقوق بكتابة شيك مفتوح التاريخ لي بالمبلغ، ولكن منذ ثمانية شهور لم يسدد لي سوى 3000آلاف درهم. ومنذ ذلك الوقت وأنا في محنة لأن المبلغ الذي دفعته قسط كبير منه ديون مطلوبة مني، والبعض منها يخصم من الراتب مباشرة، وأنا أعيل أسرة وبيتا بهذا الراتب الميسور، وقررت إذا لم يسدد لي المبلغ بالمعروف أن أتجه للقانون لأنني أواجه مشاكل في سداد ديوني وفي بيتي.
سؤالي لفضيلة الشيخ:
أ- هل يجوز لي بعد سداده المبلغ بالكامل عن طريق القانون-81000ألف درهم- الإنتفاع بمبلغ 3000درهم لما سببه لي من ضرر نفسي ومادي مثل:
1- خروجي من العمل لمتابعة المحكمة في قضية الشيك.
2- مطالبة الناس بأموالها التي أخذتها دينا.
3- قمت ببيع ممتلكات لي حتى أسدد بعض الديون.
4- غرامات من البنك.
وغيرها الكثير والكثير
ب- هناك مصاريف لم أحسبها عليه عند شراء المعدة هل يجوز لي أخذها من مبلغ 3000 درهم. وإرجاع المتبقي له لو تم استلام النقود عن طريق القانون؟
آسف للإطالة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان صاحبك معسرا فلا يجوز لك التضييق عليه ورفعه للقضاء إن علمت إعساره لقوله تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ. {البقرة:280} .
وأما إن كان غنيا لكنه يماطل فلك رفعه للقضاء والتضييق عليه بذلك ليقضيك دينك.
وأما سؤالك هل يجوز لك أن تأخذ بدل ما أنفقته في شكايته ومقاضاته فجوابه: أن ذلك جائز على الراجح كما بينا في الفتويين رقم: 97791، 53775.
لكن لا بد من الرجوع إلى القضاء في ذلك لتحديد مقدار الضرر وما يترتب عليه.
وأما جواب الفقرة الثانية وهي احتسابك لما أنفقته في شراء المعدة على شريكك، فينظر إن كنت أنفقت في شرائها شيئا يلزمك بحكم الشركة أو فعلت ذلك تبرعا فليس لك الرجوع على شريكك، وأما إن كنت أنفقت في شرائها ما لا يلزمك بموجب عقد الشركة ناويا الرجوع على شريكك بحصته من هذه التكاليف فلك احتسابها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1430(18/201)
تولي القضاء الشرعي تعتريه أحكام الشرع الخمسة
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ ما حكم إجبار الشباب على تولي القضاء من قبل مجلس القضاء الأعلى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تولي القضاء الشرعي تعتريه أحكام الشرع الخمسة (الفرض، والندب، والحرمة، والكراهة، والإباحة) كما هو مفصل في محله.
والأصل فيه أنه من فروض الكفاية التي يجب على المسلمين توفير من يقوم بها على أكمل وجه وإلا أثموا جميعا.
قال صاحب المراقي في مبحث فرض الكفاية:
فروضه القضا كنهي أمر * رد السلام وجهاد الكفر
وقال عنه ابن عاصم في المرتقى:
يحمله البعض إذا البعض فعل * ... ويأثم الجميع إن هو انهمل
وربما تعين على شخص بعينه وفي هذه الحالة يجب عليه أن يتولاه إن طلب منه بل عليه أن يطلبه، وإذا امتنع فلولي أمر المسلمين أن يجبره عليه.
قال العلامة خليل المالكي في المختصر: وَلَزِمَ الْمُتَعَيِّنَ أَوْ الْخَائِفَ فِتْنَةً - إنْ لَمْ يَتَوَلَّ - أَوْ ضَيَاعَ الْحَقِّ الْقَبُولُ وَالطَّلَبُ، وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلَوْ بِالضَّرْبِ.
وعلى ذلك فإذا توفت شروط القضاء في بعض الشباب ولم توجد في غيره، فإن عليه أن يتولاه وجوبا وإلا فإن لولي الأمر (مجلس القضاء..) أن يجبره عليه ولو بالضرب..
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1430(18/202)
التحاكم إلى المحاكم الوضعية وكون القاضي امرأة متبرجة
[السُّؤَالُ]
ـ[رفعت دعوى قضائية ضد شخص إلا أنني تفاجأت بوجود امرأة قاضي متبرجة متزينة.....الخ فضيلة هل يجوز لي أن أحتكم إليها؟ علما أن القانون يعاقب كل من يرفض الاحتكام لها بسجن لبضعة أشهر أم علي أن أرضى بالحكم وأسكت عن الحق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية يجب أن يعلم السائل أنه لا يجوز التحاكم إلى جهة لا تحكم بشريعة الله تعالى، سواء حكم فيها رجل أو امرأة، إلا في حال الضرورة لكونه في بلد من بلاد الكفار أو بلد مسلم لا يحكم فيه بشرع الله، فله حينئذ ـ على خلاف في ذلك بين أهل العلم ـ أن يستخرج حقه أو يدفع الظلم عن نفسه عن طريق محاكمها الوضعية، مع كراهية قلبه لحكم القوانين الوضعية. وقد سبق ذكر ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 68149، 32485، 38757.
ومن فتاوى اللجنة الدائمة: لا يجوز للمسلم التحاكم إلى المحاكم الوضعية إلا عند الضرورة إذا لم توجد محاكم شرعية، وإذا قضي له بغير حق له فلا يحل له أخذه. انتهى.
وسئل الشيخ عبد الرزاق عفيفي عن حكم التحاكم إلى المحاكم التي تحكم بالقوانين الوضعية؟ فقال - رحمه الله -: بقدر الإمكان لا يتحاكم إليها، أما إذا كان لا يمكن أن يستخلص حقه إلا عن طريقها فلا حرج عليه. انتهى.
أما كون القاضي امرأة ومتبرجة، فليس هذا بأشنع من كونها تحكم بغير ما أنزل الله تعالى، كما هو غالب حال هذه المحاكم فالضرورة المبيحة للتحاكم إلى للقوانين الوضعية هي التي تبيح التحاكم إلى تلك المرأة المتبرجة، مع التحفظ من النظر إليها كبقية المتبرجات.
هذا وننبه السائل الكريم إلى أن ما ذكرنا إنما يكون عند المطالبة بالحق الثابت الذي يقره الشرع، وأما إن كانت المطالبة بحق قانوني لا يقره الشرع فإن التقاضي حينئذ لا يجوز، كما لا يجوز للمرء أخذ أكثر من حقه إذا قضي له به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1429(18/203)
إخبار البنت بمكان أبيها حتى يستوفى منه ما عليه من حقوق
[السُّؤَالُ]
ـ[لو سمحت أنا أبي وأمي منفصلان منذ كان عمري سنتين، وأنا الآن عندي 22 سنة وفي حياتي كلها لم
أر أبي أكثر من خمس مرات تقريبا لأنه رفض أن يكون له صلة بيننا أنا وأختي وهو لا يصرف علينا منذ حوالي عشر سنين تقريبا، مع العلم بأنه كان يعمل في دولة الإمارات كموظف حكومي بدرجة عالية لمدة 23سنة تقريبا ونتيجة لذلك أمي رفعت عليه قضايا بالحبس بالدفع لرفضه الدفع وهو الآن بسبب ذلك مستخف فاضطرت أمي أنها ترسل محضرين إلى منازل عماتي وأعمامي عدة مرات ويفتشوا منازلهم وذلك لإجبارهم على أن يقولوا على مكان أبي كي يدفع ما عليه مما يؤدي إلى حدوث مشاكل كثيرة وقطيعة بيني وبينهم بسبب ذلك وقد علمت فى إحدى زياراتي لعمتي أن لها منزلا آخر غير الذي تسكن فيه وهناك احتمال كبير جداً أن أبي يكون قاعدا هناك وقد فكرت في طريقة أخبر بها أمي عن المكان بدون أن يعلموا أنني من أخبرتها وذلك سوف يحل المشاكل التي بيننا جميعا لأنها حين تجده سيضطر إلى دفع ما عليه وبذلك تنتهي هذه الخلافات، فهل يجوز لي أن أخبرها بمكانه وهل هذا يعتبر فتنة أو خيانة لعمتي حيث إنها لو تعلم أني ساخبر أمي بهذا كان يمكن ألا تذكر أن لها منزلا آخر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى الوالد أن يؤدي ما عليه من واجب تجاه زوجته وبناته، وأن لا يتهرب من ذلك، فإنه مطالب بذلك شرعاً قبل أن يطالب به قضاء، وهو إن تمكن من الهرب في الدنيا فلن يستطيع الهرب يوم القيامة، وإذا كان معسراً فعليه أن يثبت إعساره للقاضي، وللمعسر شأن آخر ... ولا يجوز لأعمامك وعماتك التستر عليه، ومساعدته على الهروب من أداء الحق، ولك ولوالدتك الأخبار بمكان وجود والدك حتى يستوفى منه الحق.
قال ابن تيمية رحمه الله في السياسة الشرعية: ومن آوى.. من وجب عليه حد أو حق لله تعالى أو لآدمي، ومنعه ممن يستوفى منه الواجب بلا عدوان، فهو شريكه في الجرم ... فما وجب حضوره من النفوس والأموال، يعاقب من منع حضورها، ولو كان رجلا يعرف مكان المال المطلوب بحق، أو الرجل المطلوب بحق، وهو الذي يمنعه فإنه يجب عليه الإعلام به والدلالة عليه ولا يجوز كتمانه، فإن هذا من باب التعاون على البر والتقوى، وذلك واجب بخلاف ما لو كان النفس أو المال مطلوباً بباطل، فإنه لا يجب الإعلام به.. فإن امتنع هذا العالم به من الإعلام بمكانه، جازت عقوبته بالحبس وغيره حتى يخبر به، لأنه امتنع من حق واجب عليه، لا تدخله النيابة فعوقب كما تقدم.. وهو يشبه من عنده مال الظالم المماطل من عين أو دين، وقد امتنع من تسليمه لحاكم عادل، يوفي به دينه، أو يؤدي منه النفقة الواجبة عليه لأهله أو أقاربه أو مماليكه أو بهائمه، وكثيراً ما يجب على الرجل حق بسبب غيره، كما تجب عليه النفقة بسبب حاجة قريبه، وكما تجب على عاقلة القاتل. انتهى.
وينبغي إخفاء كونك من أخبر والدتك بذلك، حتى لا يترتب على ذلك قطيعة رحم، فإن علموا وقطعوك فلا حرج عليك ما دمت تصلينهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1429(18/204)
حكم بين اثنين فلم يصطلحا فماذا يفعل
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت أصلح بين اثنين ثم انقلب الصلح حكما، وكل شخص أدلى بما عنده، وفي النهاية كل شخص حلف أنه لم يفعل شيئا مما ذكر خصمه، فماذا أحكم به؟
وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا لم يتحقق الصلح ويتنازل كل طرف عن بعض ما يعتقد أنه حق له فلا مناص في هذه الحالة أن يترافع المتخاصمان للقضاء، فأرشدهما إلى أقرب محكمة شرعية في بلدكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 محرم 1429(18/205)
حكم المحكمة العرفية هل يبيح المال غير المستحق للمحكوم له
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثت مشكلة بين رجلين وانتهت إلى جلسة عرفية وحكمت هذه الجلسة بأن يدفع أحد الطرفين للآخر مبلغ 10000 عشرة آلاف جنيه، مع أن لا حق له فيها، المهم أنه أخذهم وقام بإنفاقهم فى سبيل الله فلمن ثواب هذا المال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المبلغ المحكوم به ليس للمحكوم له في نفس الأمر، وإنما رضي به المحكوم عليه تفادياً للنزاع أو استجابة لطلب الجلسة العرفية، فإن المحكوم له لا يحل له أكل ذلك المبلغ ولا إنفاقه في أي وجه من وجوه الإنفاق، ذلك أن الجلسة العرفية لا تخلو من أن تكون جماعة حكمها الطرفان، أو جماعة أرادت من تلقاء نفسها أن تصلح بين الطرفين، فإن كان الأول فإن المحكم يعتبر بمنزلة القاضي، وحكم القاضي قد صرح أهل العلم بأنه يرتفع به الخلاف، ولكنه لا يُحل للظالم ما حُكم له به، قال الشيخ خليل بن إسحاق رحمه الله تعالى: ورفع الخلاف لا أحل حراماً.
وإن كان الثاني فإن الصلح هو سيد الأحكام، وينقطع به النزاع ولكنه لا يبيح للمصالح ما صولح به إن كان لا يستحقه فيما بينه وبين الله، قال الشيخ خليل بن إسحاق رحمه الله تعالى: ولا يحل للظالم. وقال الخرشي شارحاً: أي لا يحل المصالح به للظالم في الباطن بل ذمته مشغولة للمظلوم فيما بينه وبين الله.. وعليه فثواب هذا المبلغ لا يكون لمن أخذه بغير حق، لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً.
وأما الثاني فإنه مأجور إن شاء الله تعالى، ولكننا لا نستطيع الجزم بأن له أجر هذا الإنفاق، وإنما نعلم أنه إن كان قدم هذا المبلغ ابتغاء مرضاة الله، أو صبر بما حكم عليه به رجاء الأجر من الله، كان مأجوراً عند الله، قال الله تعالى: وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ {الأنفال:60} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها. متفق عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 صفر 1428(18/206)
مقاضاة الجهة المقصرة في الأمن والسلامة
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ: لي صديق مقيم في دولة أجنبية‘ وحدث أنه في أحد الأيام عندما خرج للتنزه مع أسرته في إحدى الحدائق العامة في المدينة‘ فقد ابنته البالغة من العمر 8 سنوات (إنا لله وإنا إليه راجعون) كان الحادث عندما نزلت الصغيرة إلى حمام السباحة وكان عميقا مما نتج عنه غرقها في تلك البركة. تبين فيما بعد أنه لا يوجد في تلك البركة إرشادات السلامة وتحديد عمق البركة مما جعل السلطات في المدينة تتحمل المسؤلية كاملة. السؤال هو: لدى صديقي فرصة في رفع دعوى ضد المدينة وحصوله على مبلغ (كبير) من المال الذي إذا حصل عليه سوف ينفق جزءا كبيرا منه في بناء مسجد ومدرسة إسلامية في المدينة وينتفع مع أسرته في الجزء الباقي‘ هل يجوز لصديقي القيام برفع تلك الدعوى وهل يجوز إنفاق المال فيما ذكر أفيدونا في أسرع وقت؟
جزاكم الله خيرا.
ملاحظة: طبقا لقانون الدولة التي يقيم بها صديقي ‘ لو كان هو سبب وفاة ابنته لرفعت ضده قضية من قبل المدينة وأخذ منه أولاده الآخرون‘ مع العلم أنه أثناء غرق ابنته كان ينقذ طفلا آخر كان سيواجه نفس مصير ابنته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت إدارة هذه المدينة قد قصرت فيما هو متعارف عليه من إجرءات السلامة والأمان في مثل هذه البرك والتي يلزمها القانون أو العرف بتوفيرها فلا حرج على صديقك في أن يرفع عليهم دعوى لمطالبتهم بدية ابنته أو ما تسمح به قوانين المدينة في مثل ذلك، وهذا المال ملك له، له أن يتصرف فيه بما يشاء في حدود المشروع، ولا ريب أن تخصيص جزء منه لعمل الخير من بناء مسجد ومدرسة إسلامية وغير ذلك مما يؤجر عليه ويعد قربة له عند الله.
أما إذا لم تكن قد قصرت حيث لا يوجد عرف أو قانون يلزمها ببيان عمق البركة ونحو ذلك من الإجراءات فلا تتحمل المسؤولية عن وفاة هذه الطفلة، ولا يجوز رفع دعوى عليها، نسأل الله أن يثبت أهلها، وأن يلهمهم الصبر. وراجع الفتوى رقم: 59107.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1427(18/207)
الكذب إذا ترتب عليه تضليل القضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا تسببت في موت أحد أصدقائي بطلقة نارية طائشة وتوفي رحمه الله، وأحيلت القضية للقضاء وحكم علي بالسجن سنة ودفع الدية وصوم شهرين، وقد من الله علي بالهداية والاستقامة.
سؤالي هو: عند مثولي أمام وكيل النيابة لأول مرة في حياتي كنت مرعبا من الحادث، وعندما سألني هل سحبت أقسام السلاح قلت له لا مع العلم أنه قد حدث ولكني كنت خائفا ولم يكن هناك داع للكذب لأن القضية حصلت بالخطأ، وكل شيء واضح.. والآن أعاني من تأنيب الضمير، مع العلم أني لم أتعمد أن أصيبه.
أفيدوني جزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المعلوم عند كل مسلم أن الكذب حرام ولا يجوز، ويكون الذنب أعظم إذا كان بيمين أو يترتب عليه تضييع حق أو تضليل للقضاء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس.رواه البخاري وغيره.
ومادمت قد ندمت على ذلك وتبت منه التوبة النصوح والتزمت بأوامر الله تعالى والاستقامة على دينه فنرجو أن يتوب الله عليك ويتقبل منك ويجعلك من الذين قال فيهم: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:70}
وأما ما يترتب على القتل الخطأ فهو الكفارة والدية وتكون على العاقلة.
وقد رفع الله تعالى الإثم عن المخطئ فقال: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:5}
وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتاوى: 11470، 72329، 58195.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1427(18/208)
خطأ الحاكم ونحوه هل يحل الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا قطعة أرض حوالي 6 أفدنة ونصف تم تسليمها لنا من قبل جمعية زراعية بمحضر استلام فيه أن عدد الأفدنة 5 أفدنة قابلة للزيادة والنقصان وقد التزمنا بحدود الأرض التي تم وضعها من قبل الجمعية الزراعية. منذ سنة تقريباً تبين أن أرض الجار الذي يلينا بقطعتين ناقصة لا أحد يعرف هل هو تلاعب من قبل رئيس الجمعية الزراعية (يعرف بالتلاعب وعدم الالتزام) أم أنه خطأ الجمعية في تقسيم الأراضي فضلاً عن أن هذه القطعه الناقصة تم إنشاء طريق للجيش يمر من خلالها وهذا الطريق يفترض أنه تم اقتطاعه من إجمالي مساحة الأرض الناقصة ولكنه لم يسجل رسمياً , ورثة صاحب الأرض الناقصة أقاموا دعوى على جاره الذي يليه مباشرة بعد اكتشافه أن أرضه ناقصة يتهمه بتبديل قطعة الأرض. مشكورين أفيدونا ماذا نفعل وهل علينا شيء مع العلم أن العرف يقضي أن قطعة الأرض الخمسة أفدنة تسلم حوالي أربعة أفدنة ونصف بغرض إنشاء الطرق بين قطع الأراضي وقمنا بإنشاء مباني وحظائر وكذا زراعة أشجار في عموم الأرض ولم يكن لدينا نية بأخذ حق أحد من الجيران خوفاً من الجبار جل جلاله أفيدونا جزاكم الله خيرا ماذا نفعل في الزيادة الموجودة في أرضنا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن خطأ رئيس الجمعية أو تلاعبه, أوخطأ الحاكم ونحوه لا يحل الحرام كما في الحديث: إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار, فلا يأخذها. رواه البخاري، وعليه فإذا لم يكن لكم حق في هذا الفدان من الأرض فلا يحل لكم الاستيلاء عليه ويجب رده إلى أهله. أما من هم أهله, وهل هو جاركم أم الجمعية, فهذا يفصل فيه الحاكم المطلع على القضية, وبما أن جاركم رفع دعوى فالقول الفصل للقاضي وليس لنا أن نقول شيئا إلا ما تقدم أعلاه، هذا وما زرعتموه في هذه الزيادة من الأرض إذا تيقن أنها ليست حقا لكم فلكم قيمته قائما لأنكم أحدثتموه في هذه الأرض بدون تعد محض وإنما لشبهة الملك، ولعلنا هنا نستأنس بقول المالكية فيمن زرع أوبنى للشبهة قال الدردير: إن غرس ذو الشبهة أو بنى في أرض ثم استحقت قيل للمالك أعطه قيمته قائما وخذ الأرض ببنائها وغراسها. اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1427(18/209)
اللجوء إلى المحاكم الوضعية للحصول على الحق المشروع
[السُّؤَالُ]
ـ[مشايخنا الفضلاء حفظكم الله
أتقدم بسؤالي الهام جدا جدا بالنسبة لي: أنا رجل تعاقدت مع رجل بأن يجهز لي محلا تجاريا قد استأجرته من رجل ثان وتم الاتفاق بيني وبين هذا الرجل بأن يكون التجهيز على ثلاث دفعات أدفع له نصف المبلغ في البداية وربع المبلغ الثاني بعد إتمام نصف العمل ثم دفع الربع المتبقي بعد ما يجهز كل العمل
وقام هذا الرجل بصياغة عقد بيننا وفي العقد أنه سوف يجهز كل العمل في سبعين يوما، وكل يوم يتأخر فيه بعد السبعين يدفع لي مائة ريال على كل يوم تأخير، المهم أنه بعد فترة قال لي إنه جهز نصف العمل ودفعت له أكثر من ربع المبلغ المتبقي بعد إلحاح منه وكان المفروض أني أدفع ربعا ولكنه أصر على أن أدفع أكثر لأنه يريد أن ينهي العمل في أقل من الوقت المتفق عليه، ولكن بعد استلامه للدفعة الثانية بدأ في المماطلة وفي التأخير حتى مر على الموعد النهائي وهو سبعين يوما أكثر من أربعة أشهر، وهو الآن لم يجهز العمل ولم يرد لي المبلغ الذي دفعته له وهو حسب الاتفاق يتحمل مائة ريال عن كل يوم تأخير، وأنا الآن أريد أن أرفع عليه قضية في المحكمة ولكن هنالك مشكلة وهو أني في حالة رفعي للقضية سوف تكون أمام محكمة قانونية وليس محكمة شرعية وهذه في نظري تخالف ما شرع الله، فماذا أفعل هل أترك حقي يضيع مع هذا النصاب المتلكئ أم أرفع القضية أمام محاكم غير شرعية؟ وماذا علي أن أفعل بارك الله فيكم؟
أنا بانتظار فتواكم في هذا الأمر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أنه لا يجوز التحاكم إلى القوانين الوضعية، لما فيها من مخالفة واضحة ومنابذة شديدة لأحكام الله تعالى التي أنزلها في كتابه وعلى لسان رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأوجب التحاكم إليها وراجع في هذا الفتوى رقم: 38757.
لكن إذا لم يتمكن المرء من الحصول على حقه إلا بهذا الطريق فلا مانع من اللجوء إليه بشرط أن لا يزيد على حقه المشروع، وبهذا أفتى بعض العلماء في العصر الحاضر، ومنهم الشيخ ابن العثيمين ـ رحمه الله ـ وبناء على هذا لا ما نع من مطالبة الرجل المذكور بالتعويض بقدر الأضرار الناتجة عن تأخره في تنفيذ العمل الذي تعاقدتما عليه إذا كانت المدة المحددة لإنجاز العمل كافية في العرف لإنجازه، فإن لم يمكن الحصول عليه بطريق المصالحة بينكما أو عن طريق وسطاء، فلا مانع من أن تطلبه عن طريق المحاكم الوضعية إذا تعينت طريقاً لذلك مع مراعاة الشروط التي ذكرناها، وراجع لمعرفة حكم الشرط الجزائي الفتوى رقم: 34491.
ومن خلالها سيتبين لك أن الشرط الجزائي في العقد الذي أبرمته مع هذا الرجل شرط صحيح، ولا مانع من مطالبته بالوفاء به، لكن لا يجوز لك أن تأخذ مما اشترطته عليه من المال إلا بقدر ما أصابك من ضرر بسبب تأخره، فإن لم يصبك ضرر أصلاً فلا يحق لك أخذ شيء منه، كما قرره من أجاز هذا الشرط في الشرع.
وأما إذا كانت المدة المشترطة لتنفيذ العمل المطلوب غير كافية فإن هذا الشرط باطل لما فيه من الغرر كما صرح به علماء المالكية وغيرهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1426(18/210)
التحاكم إلى الطاغوت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى كلمة تحاكم لغة وشرعا، وهل كل فض نزاع عند الطاغوت يدخل في مسمى التحاكم أم يوجد تفصيل؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتحاكم في اللغة هو التقاضي، والتحاكم إلى الطاغوت يعني التقاضي إليه، وكل فض للنزاع عند الطاغوت يدخل في مسمى التحاكم المنهي عنه.
ولكن من قواعد الشرع أن الضرورات تبيح المحظورات، فإذا ألجئ شخص إلى تحكيم جهة غير شرعية، ولم يجد غيرها لنيل حقه وفض النزاع بينه وبين غيره، فلا حرج عليه حيئنذ في التقاضي عند تلك الجهة، ويكون ذلك في حقه من باب دفع الضرر الحاصل من ظلم أحد الطرفين للآخر، ودفع ضرر الفتنة المتوقعة بين المتشاحنين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1426(18/211)
هذه القضية من اختصاصات القضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله والصلاة والسلام على النبي المصطفى وبعد:
لقد توفي والدي وترك خلفه بيتا ورثه أبناؤه وأمه (جدتي) ثم توفيت جدتي وورثها (أعمامي) ولدان وبنتان لم نبع البيت لأننا نسكنه وقمنا بتثمينه وزدنا على الثمن من أجل الاحتياط عمي الأصغر وعمتي الكبرى تنازلوا لنا العم الآخر والعمة الأخرى سلمناهم نصيبهم من إرث والدتهم ولكن لم يسجلوا التنازل في المحكمة ثم توفوا جميعاً طلبنا من أبنائهم أن يكتبوا التنازل لنا إلا أنهم يماطلون بحجج الانشغال رغم علمهم بهذا الموضوع هل يحق لنا أن نصدر صك حصر ورثة لجدتي نثبت فيه أن من يرثها فقط عمي الأصغر وعمتي الكبرى ونلغي الآخرين؟ علما أن بقية الورثة متضررون كثيراً من تأخير هذه المعاملة.
أفتونا مأجورين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الكذب حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار. رواه مسلم.
وينبغي للمسلم أن يحرص على كسب، وقضاء حاجاته بالوسائل المباحة، ويتذكر الحديث: لا يحملنكم استبطاء الرزق أن تأخذوه بمعصية الله، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه البزار، وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
وننصحك بأن تحل مشكلتك بالرجوع إلى المحكمة، لترفع تضرر الورثة من تأخير المعاملة بما تراه مناسباً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1424(18/212)
للمحكمة أن تحكم بما يترجح لديها
[السُّؤَالُ]
ـ[علمت أنه قد قامت محكمة برد زوجة طلقت ثلاث مرات وذلك بمصر وإعلان ذلك بالصحف فما حكم الدين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كانت الطلقات الثلاثة متفرقة بحيث أن كل واحدة منها وقعت في طهر لم تجامع فيه المرأة، فلا خلاف في بينونة المرأة حينئذ، ومنع زواج الزوج منها مرة أخرى حتى تنكح زوجاً غيره، لقوله تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [البقرة:229] .
وإذا وقعت الطلقات الثلاث على ذلك النحو، فما نظن محكمة شرعية ترد الزوجة لزوجها بعدها.
أما إذا كانت الطلقات الثلاث في مجلس واحد، أو في كلمة واحدة، أو نحو ذلك من الطلاق البدعي، فالبينونة حينئذ فيها خلاف بين العلماء، والذي عليه الجمهور وقوعها، ولعل المحكمة في هذا الاحتمال الأخير لم تر طلاق الثلاث في مجلس واحدٍ، وهذا رأي له حظ من النظر.
والمحكمة لها أن تحكم بما تراه راجحاً عندها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 صفر 1423(18/213)
شروط جواز الاتفاق مع شركة غربية تشترط التحاكم لقوانينهم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز توقيع اتفاقية بين شركة عربية أصحابها مسلمون وشركة غربية وذلك لتسويق منتجات الشركة الغربية (الكهربائية) في بلادنا إذا كانت الاتفاقية تنص على أن هذه الاتفاقية تحكم بالقوانين الغربية المعمول بها في بلادهم كمرجعية قانونية في حالة حصول خلاف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا بأس في ذلك بشرطين:
الشرط الأول: ألا يوجد في هذه المنتجات ما هو محرم شرعاً.
الشرط الثاني: ألاّ تكون هذه القوانين المشار إليها متعارضة مع الشريعة الإسلامية.
فإذا اختل شيء من ذلك، فإنه لا يجوز الإقدام على ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 صفر 1423(18/214)
الواجب ما يلزمك به القضاء الشرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[لقدكنت يا شيخ قبل خمس سنوات مسافرا أنا وأهلي كلهم إلى مكة لأداء العمرة وفجأة ونحن في الطريق سقط منا الإطار الاحتياط الخاص بالسيارة مما أدى إلى حادث للسيارة التي خلفنا ومن شدة الخوف لم نقف لنرى ماحدث فماذا يترتب علينا يا شيخ في هذه الحالة علماً بأن هذه الحالة تشغلنا دائما وجزاكم الله خير الجزاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما كان لك أن تترك أخاك المسلم على حالة كهذه تحت أي ظرف من الظروف، ولو لم تكن أنت السبب فيها، ناهيك إذا كنت أنت السبب، بل كان يجب عليك أن لا تعجل حتى تعرف ماذا صار لأخيك المسلم، هل مات من الحادث؟ أو بقي في حالة خطيرة يمكن إنقاذه منها؟ أو انكفأت عليه السيارة، ويحتاج إلى من يرفعها عنه؟ فتواجه كل حالة بما يناسبها.
هذا هو واجبك الديني والإنساني، أما الآن فيجب عليك أن تسافر إلى المنطقة التي حدث فيها الحادث وتتابع الجهات الأمنية والمرورية في تلك المنطقة وما حواليها، وتبين لهم تاريخ الواقعة، ولو تقريباً، ومكانها وسببها، فإنهم سيدلونك عليها وعلى أهلها وما نتج عنها، لأن حوادث المرور غالباً ما تدون عندهم، ثم تبذل قصارى جهدك للوصول إلى ذلك، وتلتزم بكل ما يلزمك به القضاء الشرعي لهم، من ضمان في المال أو في النفس. إلا أن يعفوا عن ذلك. وإذا فعلت ذلك كله وتعذر عليك الوصول إليهم فليس أمامك إلا الاستغفار والدعاء لهم، لعل الله يغفر لك خطيئتك ويرضيهم عنك، وعليك بالإكثار من فعل الخيرات لأنهن يذهبن السيئات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 صفر 1423(18/215)
الصلح هو المتعين لفض نزاع ذوي الأرحام
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو: لنا قطعتا أرض تقعان بجانب ـ بعضهما ـ ولكن واحدة منهما تقع على شارع والأخرى لاتقع على شارع، وهي من نصيب أبي وعمي جمعيهم، ولكن عمي حدد ووضع حجره على الأرض التي علي الشارع بدون أخذ رأي أخيه ولا حتي مشاورته، وأغلب الظن أنه فعلها بعد وفاته وهما الآن متوفيان، هل يجوز لنا أخذها بدون مشورة أولاده؟ للعلم نحن أحق منهم، وإذا كان ذلك لا يجوز فما العمل؟ حيث إنها بدون صكوك أوأي إثبات، وهل يجوز إعادة تحديدها أوعمل قرعة بيننا وبينهم؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يصلح ذات بينكم. أما بخصوص ما سألت عنه، فإن الأصل هو كون الأرض التي قد وضع عمك عليها يده وورثها عنه أبناؤه أنها له، ولا يمكن الانتقال عن ذلك الأصل إلا ببينة أو إقرار من الورثة بكون الأرض مشتركة بين أبيهم وعمهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر. رواه البيهقي وحسنه النووي في الأربعين وقال: وبعضه في الصحيحين.
وبناء عليه، فلا بد أن تأتوا ببينة على صحة دعواكم أو يقر لكم أبناء عمكم بصدق دعواكم، وإلا بقي الأمر على ما هو عليه من إقرار ورثة العم على ملكهم لتلك الأرض.
والذي ننصح به هو الصلح لما فيه من رأب الصدع وسد ذريعة الخلاف والنزاع الذي قد يؤدي إلى قطيعة الأرحام، وكل ما يؤدي إلى قطيعة الرحم يجب سده، فقد حذر المولى من قطع الأرحام، فقال واصفا الكافرين: وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {البقرة:27} . وقال: وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ {الرعد:25} . وقال: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {محمد:22-23} . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة قاطع. رواه البخاري ومسلم.
ويرى بعض العلماء أن الصلح هو الذي يتعين أن يفض به نزاع ذوي الأرحام.
قال ابن عاصم وهو مالكي:
والصلح يستدعي له إن أشكلا * حكم وإن تعين الحق فلا
ما لم يخف بنافذ الأحكام فتنة * أو شحنا أولي الأرحام.
وأما كيفية قسمة العقار، فانظري فيها الفتويين رقم: 100328، 66593.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شعبان 1430(18/216)
قبول شهادة المختبئ على من ينكر الحق علانية
[السُّؤَالُ]
ـ[قمت بإنشاء مدرسة خاصة مع أحد الأشخاص على أساس الشراكة هو برأس المال وأنا بالمجهود ولم أقم بتسجيل هذا الكلام بعقد رسمي لوجود الثقة وبعد انتهاء العام الدراسي قمت بتسليمه جميع الأوراق والمبالغ المالية وبعد تسلمه للأوراق والنقود قام برفع قضية ضدي وأثبت من خلال الأوراق أني لم أقم بتسليمه مبلغا معينا (يبلغ عشرة آلاف دينار ليبي) حيث إنى من حسن النية كنت أسلمه المبالغ من دون توقيعات.
باختصار ليس أمامى إلا الدفع أو الحبس
ماذا أفعل أريد رأي الدين والشرع في مثل هذا الإنسان.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الأمر كما ذكرت، فما يفعله هذا الشخص خيانة للأمانة وأكل للمال بالباطل، وكل هذا من الكبائر المحرمة، ولا ريب أنك أخطأت بعدم توثيق العقد والمعاملات التي جرت بينك وبينه، وعلى كل حال، فالذي ننصحك به هو أن تحاول تذكيره بالله تعالى، فإن لم يستجب فحاول أن تستدرجه بطريقة أو بأخرى حتى يقر بحضور شهود ولو مختبئين بأن ما ادعاه باطل حتى يمكنك إبطال هذه الدعوى التي رفعها عليك، وقد أجاز شهادة المختبئ جماعة من أهل العلم، وبوب عليه البخاري بقوله: باب شهادة المختبئ وأجازه عمرو بن حريث قال: وكذلك يفعل بالكاذب الفاجر. ومعنى هذا أنه إذا كان من عليه الحق لا يعترف به ظاهرا فيمكن أن يختلي به صاحب الحق ويقرره وهو لا يعلم أن هناك شهودا، فإذا أقر به سمع الشهود المختبئون إقراره وشهدوا به عليه.
قال ابن قدامة في المغني عند قول الخرقي: وتجوز شهادة المستخفي إذا كان عدلا: المستخفي هو الذي يخفي نفسه عن المشهود عليه ليسمع إقراره ولا يعلم به مثل من يجحد الحق علانية ويقر به سرا فيختبئ شاهدان في موضع لا يعلم بهما ليسمعا إقراره به ثم يشهدان به فشهادتهما مقبولة على الرواية الصحيحة، وبهذا قال عمرو بن حريث وقال كذلك يفعل بالخائن والفاجر وروي مثل ذلك عن شريح وهو قول الشافعي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1426(18/217)
لا يتهم المرء بمجرد الشك والاشتباه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في دولة عربية مع زملاء من بلادي وهم مسلمون وأيضا مع أجانب ليسوا مسلمين ولا أعرف لهم ملة ولي زميل قد اشتبهنا فيه أنه سرق جوالا لأحد الأجانب والذي قال لي هو متأكد فكلمناه ليرجع هذا الشيء لصاحبه أنكر هذا الفعل فماذا علي أن أفعل هل أبلغ المسؤولين وهم كفار أيضا أو أسكت مخافة أن يقولوا ها هم المسلمين سراق أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مجرد الشك أو غلبة الظن لا يبيحان لأحد أن يتهم غيره بالسرقة، بل لا بد لحصول العلم بذلك من الرؤية أو السماع المباشرين، فإذا كان صديقك قد حصل له من العلم بالرؤية أو السماع المباشرين أن زميلكما المذكور قد سرق جوالا من شخص آخر كافرا كان أو مسلما، فالواجب عليه أن يبادر بالإدلاء بشهادته لمن يمكنه رد الحق إلى صاحبه، وإنما قلنا يبادر بها دون طلب من أحد لئلا يضيع حق وهو يقدر على الإعانة على رده، فيكون بذلك معينا على الإثم والعدوان، وقد قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2} ولأن صاحب الجوال لا يعلم بشهادته كما هو الظاهر من السؤال.
قال صاحب الهداية وهو حنفي: إذا علم الشاهد الشهادة ولم يعلم بها المدعي ويعلم الشاهد أنه إن لم يشهد يضيع حقه فإنه يجب عليه الشهادة ولا طلب ثمة. اهـ.
ونقل الشيخ عليش في منح الجليل وهو مالكي عن ابن عرفة الدسوقي قوله: ظاهر قولهم أن الأداء يعني أداء الشهادة فرض عين مطلقا. اهـ.
هذا هو الواجب على صاحبك، أما بالنسبة لك أنت فلا يجب عليك ما وجب على الشاهد الأصلي إلا إذا حملك الشهادة ثم أبى الإدلاء بها أو غاب أو سافر أو مات أو نحو ذلك بشرط أن يكون هذا الشخص متصفا بالعدالة المشترطة في الشهود، وهذا بناء على جواز الشهادة على الشهادة في الأموال.
قال ابن عابدين في رد المحتار نقلا عن بعض أهل المذهب: واعلم أنه تقبل شهادة النساء مع الرجال في القتل الخطأ أو القتل الذي لا يوجب القود، وكذلك الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي لأن موجبها المال. اهـ.
وقال ابن فرحون وهو مالكي في تبصرة الحكام: اعلم أن الشهادة على الشهادة لا تسمع إلا بموت الأصل أو مرضه أو غيبته بمكان لا يلزم الأداء منه لأن النقل إنما أبيح مع الضرورة ولا يباح مع غيرها، ولأن النقل مع حضورهم مشعر بريبة، ويقع الشك في صدقهم ... الخ اهـ.
ونصيحتنا لكما إذا ثبت لديكما أنه هو السارق أن تتلطفا معه أولا في إعادة الجوال إلى صاحبه وترغباه في ذلك وترهباه من عقاب الله تعالى وسخطه، فإن أبى فعلتما ما ذكرناه آنفا.
هذا إذا ثبتت سرقته بالصورة التي ذكرناها، أما إذا كان ذلك من صديقك مجرد ظن أو تخمين أو عمل بالقرائن غير القطعية فلا يجوز لكما اتهامه بحال، وراجع الفتوى رقم: 20632.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1426(18/218)
ثبوت القتل بالبصمات وعينات الدم.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[في المحاكم الشرعية الإسلامية لو افترضنا أن القاضي يتعرض لحالة قتل.. لو كانت هناك أدلة تدين شخصا معينا ولكن لم يكن هناك شهود.. هل يعاقب هذا الشخص؟ هل يقع عليه الحد؟ هل من الممكن عقابه دون إيقاع الحد نظرا لأن الحد لا أعتقد أنه يقام دون شهود..
أعني بالأدلة أمور مثل البصمات ووجود شهود على أمور أخرى تشير بالاتهام إليه لكن ليس واقعة القتل نفسها.. وجود عينات من دم القاتل في بيت المقتول أو عينات من دم المقتول على القاتل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرت من البصمات وعينات دم القاتل أو المقتول لا يمكن أن تعتبر أدلة يقتص بها من المتهم، أو تستحق منه الدية إلا إذا صاحبها من القرائن ما يفيد غلبة الظن أنه هو القاتل، فحينئذ تكون لوثا يستحق به أولياء الدم القسامة والدية دون القود، أو القود عند من يقول به في القسامة، وهم المالكية.
وقد اختلف في تعريف اللوث، قال الماوردي في الأحكام السلطانية وهو شافعي: واللوث أن يعنوا بالدعوى ما يوقع في النفس صدق المدعي.
وقال صاحب الجوهرة النيرة وهو حنفي: واللوث أن يكون هناك علامة للقتل على واحد بعينه، أو ظاهر يشهد للمدعي من عداوة ظاهرة أوشهادة عدل أوجماعة غير عدول أن أهل المحلة قتلوه.
وقال المرداوي في الإنصاف وهو حنبلي: اللوث وهي العداوة الظاهرة كنحو ما كان بين الأنصار وأهل خيبر، وكما بين القبائل التي يطلب بعضها بعضا بثأر في ظاهر المذهب.
وقال خليل بن إسحاق وهو مالكي: والقسامة سببها قتل الحر المسلم في محل اللوث كأن يقول بالغ حر.. قتلني فلان (يعني قبل موته) .. وكشاهدين بجرح أو ضرب، وكالعدل فقط في معاينة القتل، أو رآه يتشحط في دمه والمتهم قربه وعليه آثاره.
ومن المعلوم أن البصمات ـ وإن كانت تميز الشخص عن جميع من سواه ـ إلا أنها لا تفيد القطع بأنه هو القاتل إلا إذا احتفت بها قرائن أخرى، كأن تكون ثمت عداوة أو موجب آخر للقتل، أو لا يوجد غير المتهم في المكان أو غير ذلك.
وأما فصائل الدم فهي أبعد من البصمات. لأن كل فصيله للدم يشترك فيها ملايين البشر، وهي إنما تنفي ولا تثبت، أي أن فصيلة الدم إذا خالفت دم المتهم كان ذلك دليلا على براءته، وإذا وافقتها فإنها لا تفيد شيئا لجواز كونها لغيره ممن يشترك معه في الفصيلة.
ثم إن الشهود إذا شهدوا بأمور تفيد الاتهام، فإن ذلك من اللوث الذي إن قوي كان موجبا للقسامة.
والقسامة خمسون يمينا يحلفها أولياء الدم، وهي عند الجمهور لا توجب قودا وإنما الدية فقط، وعند المالكية أنها إذا قوي اللوث وجب بها القصاص.
قال صاحب المغرب: وعن مالك في القسامة إذا كان هناك لوثة استحلف الأولياء خمسين يمينا واقتص من المدعى عليه.
وبالنسبة لما إذا كان المتهم الذى لم يثبت عليه القتل يعاقب أم لا؟ فقد فرق العلماء بين المعروف بالفجور وغيره. قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: ومن اتهم بقتل وكان معروفا بالفجور فلولي الأمر عند طائفة من العلماء أن يعاقبه تعزيرا على فجوره وتعزيرا له، وبهذا وأمثاله يحصل مقصود السياسة العادلة.
والخلاصة أن من لم يثبت عليه القتل بالبينة القاطعة لا يقتص منه عند الجمهور؛ خلافا للمالكية إذا قوي اللوث وأدى الأولياء أيمان القسامة، وأما العقوبة فإن كانت مالية كالدية -مثلا- فكلهم يقول بها مع اللوث والقسامة. وإن كانت عقابا جسديا، فإنما تفعل بمن عرف بالفجور.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الأول 1425(18/219)
ليس له منك إلا يمينك
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرّحمن الرّحيم
قال لي أحدهم إنّه أعارني كتابا لم أعده إليه، ولكن أنا لا أذكر أنّ هذا قد حدث مع أنّ ذاكرتي لا تنسى أموراً كهذه والحمد لله كما أنّ الكتاب الذّي تحدّث عنه غير موجود لديّ ولو كنت لم أعد إليه كتابا كما قال لكنت وجدته مع بقيّة كتبي، هل أدفع له ثمن الكتاب في هذه الحالة؟ وما حكم التعويض عموماً؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
هذا الشخص صاحب دعوى، وعليه البينة؛ لحديث: البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه. رواه الترمذي.
فإذا لم يكن له بينه على دعواه هذه فله أن يطلب منك اليمين، كما في الحديث السابق:.... واليمين على المدعى عليه.، فإذا حلفت فليس له شيء إلا يمينك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للمُدعي: ليس لك منه إلا ذلك.... رواه مسلم.
وإذا حلفت وأنت على يقين -فليس عليك أن تعوضه شيئاً على سبيل اللزوم- ولكن إن رأيت أن ذلك قد يسبب شحناء بينكما وخصاماً لا ينتهي وكان بمقدورك أن تعوض له فافعل ذلك من باب الإحسان، والمحافظة على المودة بينكما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1423(18/220)
لا عبرة بما في الأوراق الرسمية إذا خالف الحقيقة الثابتة بالإقرار
[السُّؤَالُ]
ـ[كان هناك رجل وابنته وزوجته. وتوفيت الزوجة وورثت البنت من أمها ومن جدتها وجدها لأمها، وكانت لا تزال صغيرة، وكان والدها رحمه الله هو المتصرف في مال ابنته الذي ورثته، فأخذ قطعة أرض كانت ملكا لابنته وباعها وأخذ النقود واشتري قطعة أرض أخرى، وظل الجميع من الأقارب والجيران يعرفون أن هذه القطعة الذي اشتراها الأب هي لابنته لأنها بمالها هي وحدها. المهم أن الأب بنى على هذه الأرض مبنى سكنيا ومع ذلك أيضا الجميع يعلم أن هذه الأرض ملكا لابنته، وكان قد زوج ابنته، ثم تزوج وأنجب بنتين من زوجته الثانية ووضع لكل بنت من بناته الصغيرتين مبلغا من المال، وتوفي الأب والآن هو قبل وفانه كان قد كتب قطعة الأرض التي هي ملك لابنته والمبني الذي عليها باسمه، ثم بعد ذلك كتب الارض والمبني مشاع بين بناته الثلاثة. مع العلم أن الأرض الجميع يقول ويعلم أنها ملك لابنته الكبرى فقط، وكان قبل وفاته أكد على أن الأرض لبنته الكبرى فقط ليخلي ضميره، وبعد وفاته الجميع ذهب لزوجته وبناته ليؤكدوا لهم أن الأرض للبنت الكبرى. الجميع يذكر هذا من الأقارب والجيران بل ليس هناك من يقول غير ذلك، وأخوه المتوفى أيضا من ضمن الجميع كل ذهب وأكد لهم ليخلص ضميره إلا أن الزوجة تنكر وكذلك بناتها.
السؤال: ما هو الحكم الشرعي في ذلك؟ هل بملكية الأرض للبنت الكبرى أم ماذا؟ وما هو الحكم الشرعي للزوجة الثانية وبناتها مع العلم أنه على الورق ليس هناك ما يثبت من أوراق بالرغم من أن الجميع يعرف الحقيقة، لكن للعلم أنا لست متأكدة أن زوجته تعلم الحقيقة، فهناك من يقول إن زوجها أخبرها ولكنها تقول لم يخبرني أحد، وهذا ليس حقيقة؟
وهل على الزوجة أن تقبل بأن الأرض ملك لبنته الكبرى أخذا برأي الجميع ممن يؤكدون ملكية البنت الكبرى للأرض ومنهم دكاترة جامعيون في الشرع وفي العلوم الدينية وآخرون أصحاب ثقة بل إني لم أسمع أن هناك أحدا قال لم يحدث هذا الأمر سوى أخوات الزوجة الثانية فقط؟
-وإن كانت الزوجة تعلم الحقيقة وتنكرها لأجل المال فما هي الحرمة التي تقع عليها؟
-وهل يعتبر كون البنتين ترثان مع البنت الكبرى في هذه الأرض حراما؟ ويبقي مال الأرض عليهم حراما؟
-وهل على الأب وزر كونه وضع مالا للبنتين الصغيرتين في البنك ولم يضع للكبرى مثل الصغيرتين؟
مع العلم أن ابنته الكبرى الجميع يشهد لها بأنها يستحيل أن تقبل فلوسا حراما، أما إخوة الزوجة الثانية عند البعض فليسوا من ذوات الثقة. ما رأي حضراتكم؟
وسامحوني علي الإطالة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام الأب قد أقر بملكية البنت الكبرى للأرض قبل وفاته ولها على ذلك شهود، فالأرض أرضها ولا عبرة بإنكار أختيها وزوجة أبيها لذلك. وعليهم أن يعرفوا لها حقها في أرضها للبينة القائمة على ذلك، وما في الأوراق الرسمية لا يغير من حكم الواقع شيئا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله، فإنما أقطع له قطعة من النار، فلا يأخذها. رواه البخاري.
وما دامت الأرض ملكا خالصا للبنت فلا تورث عن أبيها، ولاحق فيها لأختيها وإنما هي حق خالص لها. لكن ما بناه الأب من ماله على تلك الأرض يورث عنه، لكل وارث منه بقدر نصيبه المقدر له شرعا. وقد اختلف أهل العلم في حكم من بنى على أرض غيره بإذنه أو بدون إذنه وما يجب له؟ هل له قيمة بنائه قائما أو منقوضا وهل يلزمه قلع وهدم ما بناه أم لا؟ وقد بينا ذلك مفصلا في الفتويين: 65439، 75036.
وأما الأب فإن كان خص بنتيه الصغيرتين بهبة دون ابنته الكبرى فهو آثم إن لم يكن ذلك لمسوغ معتبر كفقرهن وحاجتهن وغنى الكبرى، وعدم حاجتها ونحو ذلك.
وأما إن كان المقصود أنه أودع للبنتين مالا في البنك، وأعطى الكبيرة مالها مباشرة فلا حرج فيه، لأن الكبيرة تتصرف بنفسها في مالها، ويمكنها إيداعه بنفسها أو التصرف فيه بما شاءت.
وننصح بالصلح في معالجة ذلك الأمر حفاظا على روح المودة والأخوة، ولو بتنازل البعض عن حقه، فالصلح خير. فإن لم يحصل رفع الأمر إلى القضاء ليفصل في الخصومة. وانظري الفتاوى الآتية أرقامها: 93154، 73808، 68291، 109375.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1430(18/221)
هل تصدق المرأة إذا ادعت طلاقها بدون إثبات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لكي لا أطيل أتقدم بهذا السؤال طالباً الفتوى.
تعرفت على بنت مسلمة ـ والحمد لله ـ لغرض الزواج، وعرفت أنها قد كتبت كتابها على قريب لها وفسخت هذا العقد غيابيا عن طريق عمها الذي يسكن في البلد الأم ـ في الشرق الأوسط ـ وقريب من الرجل، أو زوجها
لم يتم الزفاف حسب ما تدعي أي لم يدخل بها - ولكن بعض الأمور كشفت لها فتمت المفاوضة على الطلاق وعمها أخذ على عاتقه هذا، وهي الآن بعيدة عنه ولا تملك ورقة قاض، أو طريقة للاتصال بالشهود على الطلاق، فإن أردت زواجها، فماذا علي أن أفعل؟ وهل أطلب الورقة أو الشهود؟ أم يكفي أن يعتبر الهجران لما يزيد عن ثلاثة شهور كافيا لتطليقها في بلد الغربة الذي نسكن فيه من قبل الإمام؟ وبعدها يتم عقدي عليها إن شاء الله - وهل تستوجب أن تعتد بثلاثة أشهر أم لا؟
هل تقبل شهادتها بأنها مطلقة من الذي كتب عليها؟
هل يتم تشهيد أهلها ـ أبيها أوأمها ـ؟
هل يكفي الاتصال بعمها والتأكد منه؟.
هل يكفي أن ترسل نسخة ملف كمبيوتر من ورقة الطلاق إن تمكنت من ذلك؟ أم يجب أن أحصل على الورقة الأصلية وأراها؟.
أفتوني يا شيخنا جزاك الله خيرا في هذا الأمر، لأنني لا أريد ارتكاب معصية بالزواج من متزوجة، وأريد الحل حسب شرع الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وحسب المذاهب الأربعة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمرأة التي ذكرت حالتها اختلف العلماء في تصديقها فيما تدعيه من طلاق زوجها لها، فذهب الحنفية والمالكية إلي تصديقها، وعليه فيجوز العقد عليها من غير أن تحتاج إلى إثبات طلاقها، قال السرخسي في المبسوط وهو حنفي:
وإذا قالت: طلقني زوجي أو مات عني وانقضت عدتي حل لخاطبها أن يتزوجها ويصدقها، لأن الحل والحرمة من حق الشرع، وكل مسلم أمين مقبول القول فيما هو من حق الشرع، إنما لا يقبل قوله في حق الغير إذا أكذبه من له الحق، ولا حق لأحد هنا فيما أخبرت به، فلهذا جاز قبول خبرها في ذلك، والله تعالى أعلم بالصواب. انتهى.
وفى فتاوى عليش المالكي:
ما قولكم: في امرأة حضرت من الفيوم إلى القليوبية وقالت كنت متزوجة في الفيوم، وطلقني زوجي منذ شهرين، ومعها وثيقة متضمنة طلاقها وتاريخه بختم نائب القاضي في البلد الذي كانت فيه، وأرادت التزوج بعد وفاء العدة من تاريخ الوثيقة، فهل تمكن من ذلك؟ أفيدوا الجواب، فأجبت بما نصه: الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله نعم تمكن من ذلك لأنها مصدقة في دعواها الطلاق وانقضاء العدة في الصورة المذكورة خصوصا وقد ترجحت دعواها بوثيقة القاضي هذا مفاد النصوص لكن ينبغي زيادة التثبت في هذا الأمر الآن لما شوهد كثيرا من تخليط النساء وتزويجهن أزواجا معا، نسأل الله السلامة والعافية. انتهى.
والمعتمد عند الشافعية التفصيل، ففي فتاوى الرملي الشافعي: والحاصل أن المعتمد أن المرأة إذا ادعت طلاقا من نكاح معين لا يزوجها الحاكم حتى تثبت، أو غير معين فله اعتماد قولها وقد قيل غير ذلك. انتهى.
ولم نقف على كلام للحنابلة في المسألة. وبناء على ذلك فلك تقليد الحنفية والمالكية والزواج من تلك المرأة من غير أن تحصل على ما يثبت طلاقها من وثيقة أو شهادة عدلين، وإن كان الأولى التحري والتثبت في الأمر ـ خروجا من خلاف أهل العلم ـ حتى تحصل على وثيقة صحيحة تثبت الطلاق أو شهادة عدلين بذلك، فالطلاق لا يثبت إلا بعدلين، قال ابن قدامة في المغني: لأن الطلاق ليس بمال، ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال فلم يقبل فيه إلا عدلان كالحدود والقصاص. انتهي.
أما شهادة أبويها فلا تقبل للتهمة، قال المواق في التاج والإكليل: المازري: لا تجوز شهادة الأب وإن علا لولده وإن سفل، كان جدا من قبل الأب أو الأم. انتهى.
وكذلك عم الزوجة لا تقبل شهادته على طلاقها إذا كان هو سببا في فسخ النكاح، لأنها شهادة على فعل نفسه وهي مردودة للتهمة.
وبالنسبة للعدة فإن لم تحصل خلوة شرعية بغلق الباب على الزوجين منفردين، فلا عدة عليها، وإن حصلت خلوة فلا بد من العدة بعد الطلاق، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 7933.
وعدتها تنتهي بطهرها من الحيضة الثالثة بعد الطلاق، أو وضع الحمل إن كانت حاملا، أو مضي ثلاثة أشهر إن كانت لا تحيض.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شعبان 1430(18/222)
الإقرار تحت الضغط والإكراه لا يعتبر
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي حقوق مالية لدى والدي رحمه الله محفوظة في عقار وطلبت منه بحياته أن يحفظ لي جزءا من العقار لي وأن لا يبيعه لأحد مقابل مبالغ مالية وقد وافق على ذلك، وكل ذلك مدون في رسائل خطية بيني وبينه، وبعد وفاة الوالد ضغطت علي والدتي أن أكتب إقرارا بأني لا أستحق حصة بهذا العقار وإنما دين فقط، فما رأيكم بصحة هذا الإقرار، علما بأنهم استخدموه ضدي في المحكمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود أن والدك قد باع لك جزءا من العقار مقابل مالك عنده من مال فقد ملكت هذا الجزء ... ولا يحق لأحد أن يأخذه إلا بإذنك.
أما بالنسبة لإقرارك بأن مالك عند الوالد هو مجرد دين فقط فلا أثر له ما دمت قد أكرهت عليه إكراهاً شرعياً.. ومن الإكراه الشرعي الإلحاح عند من هو محل للتقدير عند المكره، كما في الفتوى رقم: 97300.
وبناء على هذا فإن إقرارك تحت تأثير الضغط من أمك إقرار غير صحيح، فلا يترتب عليه سقوط حقك في العقار إن أثبته ببينة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 صفر 1430(18/223)
تعرض لظلم لإقراره لرجل بقرابته له
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد وقع علي ظلم جراء إعطائي لشخص إقرارا أنه أخ لأب لابن عمي المتوفى وتبين بالدليل القاطع عدم وجود أخ والمحكمة أخذت بالإقرار على أنه يعطى حقا ماليا، فهل يجوز هذا مع العلم بأن الإقرار هو بالشكل التالي نحن الموقعين أدناه نشهد أن فلان هو أخ لأب للمرحوم فلان وعليه نوقع؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إقرار المرء على نفسه هو أقوى الأدلة عليه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإقرارك بأن الشخص المذكور أخ لأب لابن عمك المتوفى يجعله أولى منك بإرثه، وهذا الإقرار ماض ونافذ عليك إذا كنت قد فعلته في حال رشدك وكمال وعيك، لأن إقرار الشخص على نفسه هو أقوى الأدلة كما ذكر ذلك أهل العلم، جاء في الموسوعة الفقهية: والفقهاء مجمعون على أن الإقرار أقوى الأدلة الشرعية، لانتفاء التهمة فيه غالباً، فقد نص الحنفية على أن الإقرار حجة شرعية فوق الشهادة ... ونص المالكية على أن الإقرار أبلغ من الشهادة، قال أشهب: قول كل أحد على نفسه أوجب من دعواه على غيره. ونص الشافعية على أن الإقرار أولى بالقبول من الشهادة، ونص الحنابلة على أن المدعى عليه إذا اعترف بالحق لا تسمع عليه الشهادة، وإنما تسمع إذا أنكر. انتهى.
وهذا الذي ذكرناه من نفاذ الإقرار إنما هو في حقك أنت، وأما إذا كان ثمت وارث آخر للميت غيرك ولم يكن أقر كما أقررت أنت فإن إقرارك لا يلزمه، ويعتبر في حقه شهادة تبطل بالرجوع عنها قبل الحكم، وأما إذا رجعت عنها بعد الحكم فإنه لا ينقض ويلزمك لصاحب الحق ما تلف بسبب شهادتك، ومن هذا تعلم أن أخذ المحكمة بمقتضى إقرارك هو الصواب في حقك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1429(18/224)
أقوال العلماء في قول الخصم للقاضي: لا أقر ولا أنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب ماجستير أقوم بإعداد رسالة بعنوان (أحكام المتهم في الفقه الإسلامي) قمت بإعداد جزء كبير منها، وتبقى عليَّ بعض الموضوعات التي لم أجد لها تأصيلا شرعيا وهي:
1 - حق المتهم في الصمت أثناء فترة التحقيق.
2- حق المتهم في معاملة إنسانية خاصة.
3- حق المتهم في معرفة التهمة الموجهة إليه.
أرجو الرد على طلبي في أسرع وقت ممكن؟ ودمتم سندا لرسالة العلم.
وشكرا ً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن وظيفة مركز الفتوى هي الرد على الأسئلة والاستفسارات الشرعية، وليس من ذلك المشاركة في إعداد الرسائل والأطروحات الجامعية.
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان للمتهم الحق في الصمت عند التحقيق معه أم أن للقاضي جبره على الإجابة، مع العلم بأن صمته إذا لم يكن لعذر فهو بمثابة الاعتراف بالتهمة الموجهة إليه. قال خليل: وإن لم يجب حبس وأدب ثم حكم بلا يمين.
وقال في المبسوط: وإذا قال الخصم للقاضي: لا أقر ولا أنكر.. فإن أبا حنيفة رحمه الله قال: لا يجبره القاضي على ذلك, ولكن يدعو المدعي بشهوده. وقال ابن أبي ليلى: لا أدعه حتى يقر أو ينكر؛ لأن الجواب مستحق عليه، فإذا امتنع من إيفاء ما هو مستحق عليه مع قدرته على ذلك أجبره القاضي على إيفائه بالحبس.
وفي الموسوعة الفقهية: وقال سحنون وهي رواية عن أشهب: للقاضي حبس المدعى عليه وتأديبه إذا قال في مجلس القضاء: لا أقر ولا أنكر، واستمر على لدده ولا بينة للمدعي, وبنحوه قال الشافعي. اهـ.
وأما حق المتهم في معاملة إنسانية، فقد استفاضت به نصوص الشرع الحنيف. ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه. ثم إنه من حق المتهم أن يعرف التهمة الموجهة إليه، بل وقال كثير من أهل العلم إن له أن يعرف السبب الذي من أجله ترتب الحق. قال المواق في التاج والإكليل: أشهب: لو سأل المدعى عليه طالبه من أي وجه يدعي عليه هذا المال، فقال: تقدمت بيني وبينه مخالطة سئل عن ذلك ولم يقض القاضي على المدعى عليه بشيء حتى يسمي المدعي السبب الذي كان له الحق. ... ... ... ...
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1427(18/225)
يؤخذ بإقرار المضارب
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص أعطيته مبلغاً من المال للتجارة وبعد فترة أخبرني أنه باع البضاعة وكسبنا منها بالتساوي فطلبت المبلغ وأخذ يماطلني حتى أني سافرت وأخبرته أن يرسل لي المبلغ ولم يفعل ذلك لأسباب ثم رجعت وسألته عن الأسباب أخبرني ظروف، ولكن المبلغ موجود أعطاني بعضاً من المبلغ وأخبرني أن الباقي لآخر الشهر فطول علي والآن نسي كم عنده وأنا كذلك نسيت، يقول لي الباقي عنده ألف وخمسمائة (1500) وأنا أقول في نفسي ثمانمائة (800) ، أفيدوني بالحل؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز للمسلم مماطلة حقوق الناس حال قدرته على أدائها ومطالبتهم إياه بها، ومن فعل ذلك فهو ظالم يستحق من العقوبة ما يستحقه الظلمة من أمثاله، وفي الحديث: مطل الغني ظلم يُحِلُّ عرضه وعقوبته. رواه البخاري.
وأما بخصوص هذه المسألة فإنه يعمل فيها بقول المضارب ويؤخذ بإقراره هذا، جاء في المبسوط: ولو أقر المضارب بربح ألف درهم من المال ثم قال: غلطت إنما هو خمسمائة درهم لم يُصدق وهو ضامن لما أقر به من المال.
فإذا كان المضارب يؤاخذ بإقراره الذي أتبعه الجحود، فأولى أن يؤخذ بإقراره الذي لم يتبعه بجحود، وهذا وإذا كان قد أخبرك أصلا أن المبلغ ثمانمائة ثم قال لك إنه نسي قدره، وبعد ذلك قال هو ألف وخمسمائة، فلا شك أن الأكمل لك هو أن تذكره بما قال لك أولاً، وتعمل بما يستقر عليه الإقرار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الثاني 1425(18/226)
الاتهام بالتفريط يحتاج لبينة وتثبت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من باب بر والدتي التي أصيبت بأزمة ربو حادة أن أسعى لإثبات الخطأ الطبي بالمشفى وعدم مبالاة طبيبة الإنعاش بمغادرتها المريضة وعدم استعمال كل الوسائل المتوفرة فقط أعطت توصيات وغادرت بحجة أن لها ولدا معاقا ولا يمكنها البقاء مع أن عملها هو إسعاف مثل هذا النوع من الحالات، وهل علي إثم إن لم أسع بكل جهدي لكي تعاقب حتى تكون عبرة، وهل يعاقبني الله وتغضب علي أمي إن لم أطالبها بدية الميتة، أنا في حيرة شديدة.
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأحسن الله عزاءك في أمك، ونسأله سبحانه أن يتقبلها قبولا حسنا، وأن يغفر لها ويرحمها.
واعلمي أولا أنه لا يجوز لك المبادرة إلى الحكم بأن هذه الطبيبة قد حدث منها تفريط، ما لم تكوني على بينة من ذلك، وغاية ما يمكنكم فعله رفع الأمر إلى الجهات المسؤولة وتقديم ما عندكم مما يدعم دعواكم للتحقيق فيه ليتبين بعد ذلك ما إذا حدث منها تفريط أم لا، ولا يبدو أن هذا الأمر له علاقة ببر الوالدة، كما أنه لا يعتبر تركه عقوقا لها.
وراجعي فيما يمكن أن يبر به الوالدان بعد وفاتهما الفتوى رقم: 10602.
وأما بخصوص الدية- على فرض ثبوتها – فهي حق الأولياء القتيل، فإن شاءوا طالبوا بها، وإن شاءوا عفوا عنها.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1429(18/227)
لا لإثم على من حكم بالبينات في الظاهر فأخطأ في الباطن
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل مدير قسم الجرد في إحدى الشركات من ضمن مسؤوليتي عمل الجرد على المحلات واكتشاف النقص ومحاسبة مسؤول المحل إذا كان النقص حاصلا بسبب السرقة حسب قانون الشركة، نكتشف كثيرا من السرقات ونستدعي مسؤول المحل لنواجهه بالمستندات فإذا فشل في إثبات العكس يتحمل المسؤولية، في بعض الأحيان نعلم أن مسؤول المحل صادق وأنه شخص أمين لكن المستندات والأرقام تثبت العكس وهو كذلك لا يستطيع مساعدة نفسه ويبدأ بالدعاء علينا وعلى عائلاتنا انتقاما منا، فهل دعاؤهم يستجاب علما بأننا نطلب منهم دائما إثبات صدقهم وإثبات عكس أرقام سجلتنا والكميات الفعلية الموجودة في المحلات وبنفس الوقت نحن مسؤولون أمام صاحب الشركة في المحافظة على أموله، فأرجو منكم الإجابة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من حكم بالبينات في الظاهر فأخطأ في الباطن فإنه لا إثم عليه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مقتضى عملكم في هذه الشركة يوجب عليكم الحكم بما تحت أيديكم من البيانات كالمستندات والسجلات وغيرها، وأن لا تعتمدوا على الظنون، فإن كان حكمكم يطابق الواقع فهو المطلوب، وإن كان غير ذلك لم تكونوا مؤاخذين.
جاء في مصنف ابن أبي شيبة: كان شريح مما يقول للخصم: يا عبد الله والله إني لأقضي لك وإني لأظنك ظالماً، ولكني لست أقضي بالظن ولكن أقضي بما أحضرت، وإن قضائي لا يحل لك ما حرم عليك. انتهى.
وجاء في أحكام القرآن لابن العربي: المسألة التاسعة: هذا يدل على أن الحاكم مصيب في حكمه في الظاهر وإن أخطأ الصواب عند الله تعالى في الباطن لأنه سبحانه قال: وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ. بحكمهم "وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" بطلان ذلك، والحاكم في عفو الله وثوابه، والظالم في سخط الله وعقابه. انتهى.
وإذا كان الأمر كذلك فإن دعاء هؤلاء عليكم دعاء بغير وجه حق، وما كان من الدعاء على هذا الوجه فإنه لا يستجاب له.
وبقي أن ننبه إلى أن ما سرق من المحل بغير تفريط من القائم عليه أو تعد منه، لا يجوز أن يضمنه فهو أمين على ما تحت يده، والأمين لا يضمن إلا إذا فرط أو تعدى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1428(18/228)
إنكار حقوق الناس ظلم عظيم
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أعيش مع أخي في منزله لمدة تقارب السنتين ونصف بدعوة منه فهو الذي دعاني لأعيش معه بحكم أننا في بلد أجنبي والإيجار مرتفع وهو لديه مصلحة في بقائي معه حيت كان يذهب إلى بلادنا لمدة تصل أحيانا إلى 5 أشهر وأنا الذي أتكلف له بمراقبة المنزل مع أداء كل ما يلزم من فواتير الماء والكهرباء والغاز أما إيجار المنزل فالدولة هي التي تتكلف به بحكم أنه لا يعمل المهم أنه حين كل الوقت الذي كان يذهب ويأتي كنت أرسل له بعض النقود كسلف مع وعده لي أنه سيردها لي بعد حين ولثقتي المفرطة فيه كنت أفعل حتى آخذ كل ما لدي من مال ولما احتجت مالي وأنا مقبل علي الزواج ان شاء الله أنكر وقال حتى هو لديه مال عندي ووالله ليس له عندي شيء بل أراد أن يجور علي وأن يأكل مالي بظلم والله يا شيخ لقد عانيت الأمرين حتى اكتسبت هذا المال وأنا الآن محتاج له فماذا افعل مع هذا الإنسان فضميري غير مرتاح من جهة صلة الرحم لكن مجرد التفكير فيه أحس بظلمه علي حاولت لكن الأمر مرير فظلم الأقارب أشد من ما يتصور وزد على هذا أنه سيء الأخلاق مع كل العائلة بما فيهم أمي لم يقدم أية مساعدة للعائلة كل حياته بل قدم المشاكل هو وزوجته التي تركته من بعد أن تفننا في جلب التعاسة لنا منذ أن عقلت وأنا أراه كثير الخصومة مع أبي رحمه لله وذلك بسبب عدم عمله سامحوني إن أطلت عليكم فما ذكرته من ظلمه لنا إنما هو القليل القليل أرشدوني ماذا أفعل مع هذا الإنسان الظالم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان بيدك بينة أو شهود على أنك قد أقرضته كذا من المال فيمكنك رفع أمرك إلى القضاء إن امتنع عن أداء حقك، وإلا فليس لك إلا اليمين منه، فإن حلف على إنكارك فلا تظن أن حقك قد ضاع، بل هو مدخر لك في يوم يشيب فيه الولدان، ويتمنى العباد فيه الحسنة الواحدة، وننصح بالعفو والصفح والتجاوز عنه حفظا لعلاقة الأخوة بينكم، ويكفيك قول الله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى: 40} .
وأما سكنك معه في بيته فلا يلزمك أجرة له؛ لأنه لم يكن بينكم اتفاق على هذا.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1426(18/229)
حكم من طلقها القاضي بناء على معلومات خاطئة
[السُّؤَالُ]
ـ[تركني زوجي ورحل عني أنا وأبنائي أثر خلافات بيننا فقمت برفع دعوى طلاق للضرر والغيبة ولكنني لم أثبت العنوان الذي كان يقيم به في عريضة الدعوة، وأثبت بدلاً من ذلك عنواناً وهمياً له وحيث إنه من محافظة أخرى غير التي أقيم بها فقد حصلت على حكم الطلاق بعد سنة من رفع الدعوى لكن تم ذلك كله دون علمه وقد أعلمته بعد مرور فترة طويلة، أود معرفة حكم الدين في ذلك فأنا قانوناً مطلقة منه فما وضعي شرعاً وما كفارة ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان لتحايلك بإعطاء عنوان غير عنوان الزوج الحقيقي أثر في حكم القاضي بالطلاق وهو الظاهر، فقد ارتكبت ذنباً كبيراً يجب عليك التوبة منه لتعمدك الكذب بتقديم معلومات خاطئة للقاضي مما جعله يبني حكمه بإصدار الطلاق.
والآن وقد وقع ما وقع فعليك أن تبادري إلى زوجك وتعودي إلى طاعته وتطلبي منه الصفح، وكون القاضي قد حكم بطلاقك لا يغير من حقيقة الأمر شيئاً وهو أنك مازلت زوجة لمن طلقت منه، وذلك لأن حكم القاضي لا يحل ما حرم الله لما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، إنما أقطع له قطعة من نار.
وقال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: ينقض حكم القاضي الصادر منه في ما باطن الأمر فيه بخلاف ظاهره، فإن ترتبت على أصل كاذب ظاهراً لا باطناً فلا يحل حراما ولا عكسه، فلو حكم بشهادة زور بظاهري العدالة لم يحصل بحكمه الحِلُّ باطناً سواء المال والنكاح.
وقال الشربيني في مغني المحتاج: وإذا حكم القاضي شاهدين فبانا مردودي الشهادة فحكمه يبين بطلانه فتعود المطلقة بشهادتهم زوجة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 صفر 1425(18/230)
الأصل بقاء الملك على أصله حتى توجد بينة
[السُّؤَالُ]
ـ[نعيش في بيت إرث وكثيرا ما حاول أبي إعطاءهم حقهم وأخذ البيت ولكنهم كانوا يرفضون بحجة أن يظل البيت مفتوحا للجميع وقد توفي أبي وماتت عمتي التي كانت تعترض على تخليص البيت فطالب الجميع بحقهم أولاد عمتي وعماتي الذين على قيد الحياة فلما ذهبت للمحامي لكتابة العقد واستخراج أوراق البيت لأنه قديم اكتشفنا أن البيت لا نملك إلا نصفه لأنه كان لجدتي وأختها وقد خلصت جدتي أختها ولكن لا يوجد ورق يثبت ذلك أمام القانون ونصحني المحامي بتخليصهم على نصف البيت لأن حقهم القانوني هو نصف البيت فأردت ذلك ولكنهم اعترضوا بشدة وقالوا بضرورة تخليصهم على البيت كله ومنهم عم متعلم يقف معي وقال فعلا لا يوجد ورق قانوني يدل على أن جدتي خلصت أختها وقد ضحكوا على جدتي بعدما خلصتهم علما أن البيت عندما عرض للبيع المشتري كان سيشتري نصفه مثلي لعدم وجود دليل امتلاك البيت كله فما رأي حضراتكم علما أن أمي متمسكة بالبيت لأنها وأبي عاشا فيه عمرهما وكان أبي متمسكا به جدا قبل مماته فماذا أفعل.
هذا وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي فهمناه من سؤالك هو أن البيت الذي تسكنونه كان مشتركاً بين جدتك وبين أختها، وأن جدتك عوضت لأختها عن نصيبها من البيت فصار البيت ملكاً لجدتك، ولكن هذا التعويض لم يوثق، ولم تشهد به بينة ولم يقر به الورثة.
وعليه؛ فإنه غير معتبر شرعاً، لأن ملك أخت جدتك للبيت كان قد ثبت، والأصل إبقاء ما كان على ما كان حتى يثب ناقل، وننصحك بالرجوع في هذا الأمر إلى المحاكم الشرعية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(18/231)
البينة على المدعي واليمين على من أنكر
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سافرنا إلى بلد عربي حيث زرنا جدتي وكانت مريضة ولا يوثق بكلامها إذا كان صحيحا أم لا فأتت جارتها عندنا وطالبتنا بنقود أعطتها لجدتي وجدتي تقول إنها لم تأخذ مالاً منها وهي متوفاة الآن والجارة تقول أنها بنت البيت بهذه النقود فهل نصدق الجارة في كلامها ونعطيها النقود أم لا ولا يوجد لدينا دليل على صحة كلامها؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمنازعات والخصومات مرجعها في هذا الباب إلى قاعدة: البينة على المدعي واليمين على من أنكر.
فعلى هذه المرأة أن تثبت ما تدعيه فإن لم تكن عندها بينة تثبت بها ذلك، فتحلفون أنتم على عدم العلم بذلك وتذكرون إنكار جدتكم لذلك، هذا هو ما يلزمكم قضاءً إذا كانت جدتكم قد تركت ميراثًا. لكن إذا غلب على ظنكم صدق هذه المرأة وكذب جدتكم فإننا ننصحكم بأن تعطوها حقها من ميراث الجدة، فإن لم يكن لها ميراث وأردتم التبرع بذلك فهو أمر حسن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1424(18/232)
المتهم بريء حتى تثبت إدانته
[السُّؤَالُ]
ـ[شككت في شخص سرقني وقد كنا لوحدنا فقط؟ وشكرا..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعليك أولاً أن تتأكد أين فقدت المال، ولا يجوز لك اتهام هذا الشخص بالسرقة لمجرد الشك إذا كان ممن عرفت عنه سلامة الظاهر من قوادح العدالة.
لأن اتهامه بغير بينة نيل من عرضه وهذا محرم، ففي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.
أما إن كنت جازماً أنه هو الذي سرقك أو كان له سوابق معروفة فلك أن تكلمه أو ترسل له من يقنعه برد ما أخذ، ويخوفه بعقوبة الله على هذا الفعل.
فإن أبى فليس لك أن تأخذ منه شيئاً أو أن ترفع أمره إلى القضاء إلا بيينه شرعية تثبت سرقته منك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ربيع الثاني 1423(18/233)
حكم الشهادة على شخص بأمر عرف عنه دون مشاهدته
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت إلى المحكمة مع العائلة بعد طلاق أختي من ابن عمي، ثم نادى القاضي باسمي وحلفت اليمين من أجل تخصيص نفقة لأختي، حلفت على أن لديه راتبا شهريا، لكونه عسكريا، وأيضا أن له حلالا ـ غنم ـ يبيع ويشتري منها ـ وهو معروف بهذه الصنعة ـ لكنني لم أر الغنم بعيني، فهل علي إثم اليمين الغموس؟ وقلت للقاضي لا يمكنني تحديد دخله الشهري بالتحديد، علما أنني ذهبت إلى المحكمة بدون أن أعرف أنهم سوف يطلبونني للشهادة والحلف.
أرجو الرد.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في الشهادة أن تكون عن مشاهدة وعلم، لقوله تعالى: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {الزخرف: 86} . وقد بينا شروط الشهادة في الفتوى رقم: 74733.
كما بينا أن الحلف على الكذب من أكبر الكبائر لا سيما إن كان أمام القاضي بشهادة زور، أو تترتب عليه حقوق وانظر الفتويين رقم: 9714، 72329.
فإن كنت شهدت بحقيقة علمتها بالمشاهدة أو سمعتها من الناس حتى حصل لك اليقين بها فلا حرج ـ إن شاء الله تعالى ـ كما سبق بيانه في الفتوى المشار إليها.
أما إذا كان ما شهدت به وحلفت عليه كذبا أو مجرد إشاعة أو خبرا لا يصل إلى العلم اليقيني، فإن الشهادة به لا تجوز، والحلف عليه خطأ فاحش، يأثم فاعله، وتجب التوبة النصوح منه إلى الله تعالى، وغرم ما ترتب على الشهادة من مال أو غيره لصاحبه، لأنه من شهادة الزور التي يغرم صاحبها، قال ابن عاصم المالكي في تحفة الحكام: وشاهِدُ الزُّورِ اتِّفاقاً يَغْرِمُهْ في كلّ حالٍ والعِقابُ يَلْزَمُهْ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1430(18/234)
تحاكم الوالدين إلى ولدهما وأمره أحدهما بالحلف
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي وأبي مطلقان ومتخاصمان على قطعة أرض ومنزل، فهل يجوز أن يتحاكما لي (لا توجد محاكم شرعية في بلادنا ولا يريدان أن يقحما شخصا غريبا في الموضوع) لأبين لهما من المخطئ وأعيد الحق لصاحبه بما يرضي الله، وهل أكون عاقا لوالدي عندما أضطر (عند التمسك كل بقوله مثلا) أن أطلب من أحدهما أو كلاهما أن يحلف بالله على ما قاله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من أن تكون حكما بين أبيك وأمك إذا كان لديك من العلم الشرعي والفهم ما يؤهلك لذلك، وحكمت بينهما بما أنزل الله لا بغير ذلك من القوانين الوضعية أو الأعراف أو العادات التي تخالف شرع الله، قال في منار السبيل، وهو من كتب الحنابلة: لو حكم اثنان فأكثر بينهما شخصا صالحا للقضاء نفذ حكمه في كل ما ينفذ فيه حكم من ولاه الإمام أو نائبه لحديث أبي شريح وفيه أنه قال: يا رسول الله إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، قال: ما أحسن هذا. رواه النسائي وتحاكم عمر وأُبَي إلى زيد بن ثابت، وتحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم، ولم يكن أحد منهما قاضياً، ويرفع الخلاف فلا يحل لأحد نقضه حيث أصاب الحق لأن من جاز حكمه لزم كقاضي الإمام. وراجع الفتوى رقم: 43086.
ولا تكون عاقا إذا كلفت أحدهما أن يحلف يميناً يقتضي العدل أن يحلفها بل إن ذلك واجب عليك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1427(18/235)
أقول العلماء في رجوع اليمين على المدعي إذا لم يحلف المدعى عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا رفض المدعى عليه حلف اليمين أمام القاضي فهل في هذه الحال ترجع على المدعي فيلزم بها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن رجوع اليمين على المدعي إذا نكل المدعى عليه ولم يحلفها، فيه خلاف بين العلماء، فمنهم من لا يراه وهو مذهب للإمام أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، لأن نكول المدعى عليه عن اليمين مثل إقراره بالحق المدعى به، ولا حاجة لرد اليمين على المدعي، أما عند مالك والشافعي وأحمد في الرواية الأخرى عنه فنكول المدعي عليه لا يكفي وحده في إثبات الحق لضعفه فتجب تقويته بيمين المدعي على صدقه في دعواه، إلا أن مالكاً قصر هذا الحكم على دعوى المال خاصة. وهنالك قول ثالث ذهب إليه أهل الظاهر وهو أن اليمين لا ترد على المدعي، وأن النكول لا يقضى به في أي شيء، والمدعى عليه إما أن يقر بحق المدعي، وإما أن ينكر ويحلف على براءة ذمته، ورجح الشوكاني هذا الرأي وقال: على القاضي أن يلزم المدعى عليه بعد النكول بأحد أمرين: إما اليمين التي نكل عنها، وإما الإقرار بما ادعاه المدعي، وأيهما وقع كان صالحاً للحكم. فالحاصل أن رجوع اليمين على المدعي إذا نكل المدعى عليه فيه خلاف، والأكثر على رجوعها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الثانية 1422(18/236)
القاضي يحكم على ما يظهر له من إقرار أو بينة أو قرينة ولا يعلم النيات إلا الله
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيرا ما يسول الشيطان لابن آدم بظلم أخيه، بالفعل أو القول، وقد يؤدي النزاع بين اثنين إلى مرحلة التشابك الجسدي وقد يكون أحد الطرفين أو كلاهما في يده ما يضر الآخر فيصيب عند التشابك أخيه والقصد يخفى وإن كانت الواقعة تحتمل كلا القصدين أعني العمد والخطأ معا وقد تحتمل شبه العمد عند من قال به من المذاهب.. وأضرب هنا مثالا: شخص يقر بأنه قد اشتبك مع آخر وقد كان كلاهما متسلح بسكين فبادره ذلك الشخص بطعنة في موضع من جسده، فرد عليه الطعنة بطعنة مثلها إلا أن ذلك الشخص حاول تفاديها ولكونه تحرك فقد أصابته الطعنة في مقتل.. ففي هذا المثال نجد القاتل بادر بالاعتراف بتسببه في مقتل المجني عليه لكنه ينفي تعمد القتل مبينا أنه كان يدافع عن نفسه، وأنه لم يقصد إصابة المقتول في ذلك الموضع وإنما أصابته الطعنة فيه بسبب حركته ...
مثال آخر: اثنان تشابكا وكان في يد أحدهما مسدسا ونتج الاشتباك عن مقتل الآخر، فالأول يقر بأن المسدس كان وقت الاشتباك في يده، لكنه يقول بأنه كان يحمله خوف تعدي المقتول عليه وكان يريد أن يرتدع المقتول عندما يراه، ألا أن المقتول بادر بالاشتباك معه فانطلقت رصاصة من المسدس أدت إلى حدوث القتل، وهو يقول بأنها انطلقت بفعل من المقتول نفسه، وقد يقول أيضا: أردت إطلاقها فوق رأس المقتول لكي أخيفه لكن أخطأت فأصابت رأسه.... وقد يقول: بأن المقتول استطاع انتزاع المسدس من يدي فخشيت أن يبادرني بإطلاق النار وعندما أردت الإمساك بيده ونزعه منه انطلقت رصاصة منه.... الخ
الخلاصة هي أني أسأل عن ما أورده فقهاء المذاهب المختلفة بشأن القتل، وأنه كان من المتيسر في عصرهم معرفة أو الوقوف على قصد الجاني وهل كان يقصد العمد أو الخطأ بالنظر إلى أن الآلات في عصرهم بسيطة وتتطلب عدة حركات في الغالب يستنتج من ثبوتها بالإقرار أو الشهادة أن ذلك القتل كان عمدا أو خطا، إذ من الصعب على القاتل أن يقول قتلته خطأ وفي جسم المقتول عدة طعنات أو ضربات بالسيف يقر بأنها منه ... خلافا لما الحال في عصرنا فيما يتعلق بالأسلحة النارية، وخصوصا حال حدوث اشتباك بين الطرفين.
وعليه فآمل منكم التكرم بالإفادة في هذا الشأن، مع الإحالة بقدر المستطاع ـ وألح بشأن هذا الأمر ـ إلى ما تقفون عليه من أقوال الفقهاء فيما يتعلق بحالات الالتحام أو الاشتباك بين الطرفين وما قد ينتج عنه من جروح أو قتل في حال ثبوت الواقعة بالإقرار أو الشهود مع خفاء القصد أو الدفع بأنه خطأ وليس عمدا،،، وجزاكم الله خير جزائي الدنيا والآخرة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الظلم محرم بالفعل والقول، لما في الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. رواه مسلم. وفي حديث البخاري: الظلم ظلمات يوم القيامة.
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي المسلمين خير فقال: من سلم المسلمون من لسانه ويده. رواه مسلم. وقال النووي في شرحه: معناه: من لم يؤذ مسلما بقول ولا فعل.
ويجوز للمظلوم أن يدافع عن نفسه بقدر مظلمته ولا يجوز له الاعتداء، والأولى له الصفح، لقول الله تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ {الشورى: 40-41} .
ثم إنه إذا أراد الدفاع عن نفسه وحصل منه ما أدى لقتل من ظلمه، فإن أمر القصد والنية يختلف فعلا من شخص إلى شخص، ويختلف كذلك ما يترتب عليه في الدنيا والآخرة.
فإن الله تعالى لا تخفى عليه خافية، ويعلم ما تكن صدور الناس وما يعلنون، يجازي العبد بحسب نيته.
وأما القضاء الشرعي، فإنه يتعامل مع الناس بحسب الإقرار أو البينات، وحسب ما يظهر من القرائن.
وقد فرق الفقهاء بين نية القاتل للقتل وبين عدمها، كما فرقوا بين استخدام وسيلة تؤدي إلى القتل عادة، وبين استخدام ما لا يؤدي للقتل عادة.
وقد بينا تفصيل ذلك وذكرنا الفرق بين القتل العمد، والقتل الخطأ، وشبه العمد في عدة فتاوى، فراجع منها الفتاوى التالية أرقامها: 17038، 17567، 47073، 53535، 43371، 57363.
ويمكنك الاطلاع على بعض كلام الفقهاء حول الموضوع في الاستذكار لابن عبد البر، والمجموع للنووي، والمغني لابن قدامة، والإنصاف للمرداوي، ومغني المحتاج للشربيني، حك وشروح خليل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو الحجة 1425(18/237)
مسائل متعلقة بالقضاء والخلع وفسخ النكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[أما بعد: فبالنسبة إلى مراسلتنا هذه، فإننا في جنوب أفريقيا وخلال وضع قانون الأحوال الشخصية ـ والذي لايصلح للمسلمين ـ من جانب الحكومة الكافرة، وكما تعرفون أننا أقل من مليون مسلم من بين أربعين مليون كافر، نحتاج من فضيلتكم إلى الأجوبة مع الأدلة والإحالات من كتب ساداتنا المالكية للمسائل التي تهمنا في هذا الشأن، ولا يخفى على سماحتكم ما لهذا الأمر من أهمية وأثر على المسلمين، ف أفيضوا علينا متع الله المقتبسين بطول بقائكم. ...
1- هل يجوز للقاضي أو لجماعة المسلمين أن يحددوا عوضاً في الخلع بغير رضا الزوج؟.
2- هل يجوز لجماعة المسلمين أن يحكموا بفسخ نكاح بناءً على رأي أكثر الجماعة؟ وهل تجوز إقامة مسلمَينِ مع قاض كافر وجعل الحكم للأكثرية، ليكون الحكم للمسلم على المسلم في جميع القضايا؟ وهل ينفذ حكم هذا الكافر بما أشار إليه كلاهما أو ما رآه هو مع أحدهما تحقيقاً للأكثرية؟ علما بأن هذه المشكلة نشأت لدينا لقلة القضاة المسلمين على جهالتهم بأحكام الشريعة، وأعني بالقضاة المسلمين الذين درسوا الأحكام العصرية لا الشرعية، ولا يخفى على فضيلتكم أن الحكومة لا تولي العلماء هذا المنصب، لعدم تأهلهم للقضاء العصري.
إذا اعتذر فضيلتكم عن الإجابة فالمرجو منكم أن تقدموها إلى من عليه الاعتماد عندكم في مذهب إمام دار الهجرة ـ رضي الله عنه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل كون الخلع لا يقع إلا برضا الزوج، لأنه طلاق بعوض، والطلاق بيد الزوج لا بيد غيره، وبناء على ذلك، فلا يجوز للقاضي ولا لجماعة المسلمين تعيين عوض في الخلع بغير رضا الزوج، لأنه ركن من أركان عقد الخلع، فلا ينعقد بغير رضاه بحضوره أو بتوكيل منه ـ إن كان بالغا ـ أو برضا وليه إن كان صغيرا، قال المواق المالكي في التاج والإكليل: ابن شاس: أركان الخلع أربعة: العاقدان والعوضان الأول: الموجِب وشرطه أن يكون زوجا مكلفا. انتهى.
وفي منح الجليل لمحمد عليش ممزوجا بمختصر خليل المالكي: وموجبه بضم الميم وكسر الجيم أي موقع طلاق الخلع بعوض، ومثبته زوج أو نائبه من ولي ووكيل مكلف بفتح اللام أي ملزم بما فيه كلفة وهو البالغ العاقل. انتهى.
وهناك صورة يصح فيها الخلع بغير رضا الزوج وهي مخالعة الحكَمين بغير رضاه إذا ظهرت الإساءة من طرف الزوجة وترتبت على ذلك مصلحة، قال الخرشي أيضا:
يعني أن الحَكَمين عليهما أن يصلحا بين الزوجين بكل وجه أمكنهما للألفة وحسن المعاشرة ابن فرحون بأن يخلو كل واحد منهما بقريبه ويسأله عما كره من صاحبه ويقول له: إن كان لك حاجة في صاحبك رددناه إلى ما تختار معه، فإن تعذر عليهما ذلك نظرا، فإن كانت الإساءة من الزوج طلقا عليه بلا شيء يأخذانه منها له من صداق ولا غيره، وإن كانت الإساءة منها ائتمناه عليها بمعنى أنهما يجعلانه أمينا عليها بالعدل وحسن العشرة، وإن رأيا أن يأخذا له منها شيئا ويوقعا الفراق بينهما فعلا إن كان ذلك نظرا وسدادا ولو كان ما أخذاه منها له أكثر من صداقها. انتهي.
والنكاح لا يجوز فسخه إلا لسبب شرعي كعدم النفقة أو لتضرر الزوجة بغياب زوجها، وهذا الفسخ يقوم به القاضي أو جماعة المسلمين عند عدم وجوده إذا كان موافقا للشرع، ففي حاشية الدسوقي المالكي: من جملة أمر الغائب فسخ نكاحه، لعدم النفقة أو لتضرر الزوجة بخلو الفراش، فلا يفسخ نكاحه إلا القاضي ما لم يتعذر الوصول إليه حقيقة أو حكما بأن كان يأخذ دراهم على الفسخ وإلا قام مقامه جماعة المسلمين، كما ذكر ذلك شيخنا العدوي. انتهى.
ولا يجوز فسخ النكاح لغير موجب شرعي ولا فسخه بناء على مجرد رأي أغلبية جماعة المسلمين، والقاضي له شروط معروفة عند أهل العلم ذكرها المواق المالكي في التاج والإكليل قائلا: ابن رشد: للقضاء خصال مشترطة في صحة الولاية وهي: أن يكون ذكرا حرا مسلما بالغا عاقلا واحدا، فهذه ستة خصال لا يصح أن يولى القضاء إلا من اجتمعت فيه، فأولى من لم تجتمع فيه لم تنعقد له الولاية، وإن انخرم شيء منها بعد انعقاد الولاية سقطت الولاية.
ابن رشد: من هذه الشروط أيضا العدالة على المشهور من المذهب. انتهى.
كما يشترط فيه العلم بحيث يكون مجتهدا ـ إن وجد ـ وإلا فأعلم المقلدين، قال المواق أيضا في التاج والإكليل: الباجي: والذي يحتاج إليه من العلم أن يكون مجتهدا. عياض والمازري وابن العربي: يشترط كونه عالما مجتهدا أو مقلدا ـ إن فقد المجتهد ـ كشرط كونه حرا مسلما. انتهى.
وبناءً على ذلك، فالكافر لا تجوز توليته للقضاء ولا تنفذ أحكامه، كما لا تجوز تولية المسلم الجاهل بالأحكام الشرعية، ولا مجال للأكثرية في موضوع القضاء، وإذا احتاج المسلم إلى التقاضي عند من لا يصح توليه لرفع ظلم أو إحقاق حق فلا حرج في ذلك، كما سبق في الفتوى رقم: 7561.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1430(18/238)
توبة المحامي الذي كان يجادل بالباطل
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض المحامين- وهم كثير- يعرفون أن موكلهم سارق، زان، قاتل، بائع للمخدرات. ويريد أن يأكل حقوق الغير بالباطل، وأحيانا يتهموا الخصم بالباطل مما يؤدي به للسجن، ومع ذلك يفندون لموكلهم القانون ليحققوا له ما يريد ويقولون هذه شطارة وهذا شغل، ويقومون بسب وقذف الخصم تحت حماية قانون المحاماة. ما هو الوضع الشرعي لهم؟ هل هم أكالون للسحت شاهدوا زور خائني أمانة، كاتمي الشهادة رامي المحصنين، مضيعوا حقوق الغير وأكلها بالباطل والكثير من الذنوب الأخرى؟ فأرجو ذكرها وكيف يكفر عن هذه الذنوب؟ أرجو الإجابة من القرآن والسنة النبوية الشريفة لسيد الخلق أجمعين سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وتكون الإجابة وافية مستفيضة لعل بعضهم يتوب إلى الله عما يفعل ونكون سببا في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المحاماة وكالة في الدعوى والإجابة، فإذا تحرى صاحبها الحق كانت مباحة لأنها من الوكالة المباحة فهي مثل إنابة صاحب الحق الضعيف لغيره وهي مشروعة بقوله تعالى:.. فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ... {البقرة:282} . وأما إذا جادل بالباطل كانت حراماً لقوله تعالى:.. وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا. {النساء:105} . ولقوله تعالى: وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا. {النساء:107} . وفي حديث البخاري عد المخاصمة بالفجور من شيم النفاق فقد ذكر منها: وإذا خاصم فجر.
وإذا وقع المحامي في شيء من الذنوب المذكورة في السؤال فيجب عليه التوبة إلى الله والتحلل من أصحاب المظالم إذا كان ألحق بهم ضرراً لما في حديث الصحيحين: من كانت له مظلمة من أخيه فليتحلله منه. وفي الحديث: من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله، ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه. ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال. رواه أبو داود وصححه الألباني. وردغة الخبال عصارة أهل النار كما قال الزمخشري.
وراجع للاطلاع على البسط في الموضوع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 40331، 49717، 113490.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1430(18/239)
قاضته طليقته لزيادة نفقة الولد وأجرة الحضانة
[السُّؤَالُ]
ـ[طليقتي لدي منها ولد، أسندت لها المحكمة حضانته وحكمت علي بواجبات وهي:
1- نفقة الابن 500 درهم شهريا.
2- أجرة حضانته 150 درهما شهريا.
3- مبلغ سكنه 400 درهم شهريا. مع العلم أنها تسكن في بيت والدها.
بعد أن صدر هذا الحكم بهذه المبالغ لم أستأنف ضد هذا الحكم، وقلت ليس مشكلا الابن ابني وهذا من باب التوسعة عليه،علما أنني كنت أتقاضى مبلغ 3100 درهم شهريا، أنا حاليا أتقاضى 3600 درهم شهريا، وتزوجت وبالكاد أكمل الشهر، مع العلم أنني أسكن بشقة منحها لي والدي مؤقتا. والآن طليقتي تطالب برفع نفقة الابن إلى 1000 درهم شهريا كواجب الكراء، 800 درهم شهريا نفقة الابن، و 500 درهم شهريا كأجرة حضانتها.
أليس هذا ظلما؟ وكيف يمكنني أن أتفاداه، مع العلم أن المحكمة تستند في حكمها على دلائل مادية.
هل أصرح بأنني أكتري الشقة من عند والدي أم ماذا أفعل؟ وماهو الدعاء الذي يجوز لي أن أدعو به لأنني متيقن أن المحكمة ستحكم لها بالزيادة؟ هذا مع العلم أنها هي أصلا طلبت الطلاق وادعت علي ادعاءات كاذبة حتى حصلت على مبالغ مهمة في النفقة، والمتعة. طلبت الطلاق لأنني لم أرضخ لطلباتها غير المعقولة حيث طلبت مني هي وأهلها وبعد حملها أن أنتقل للسكن بمدينتهم وأن أغير مقر عملي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطلب أهل الزوجة منك أن تنتقل للسكن معهم وأن تغير مقر عملك قد يكون جورا عليك، إذا لم يكن مشروطا عليك في عقد الزواج،وكان من الحكمة أن تتريث في الأمر وتسعى في الإصلاح والتفاهم معهم قبل أن تلجأ إلى الطلاق.
أما وقد حصل ما حصل فالجواب فيما سألت عنه: أنه قد سبق أن بينا أمر نفقة المحضون وسكناه إذا لم يكن للحاضنة مسكن، وبينا هنالك أن ذلك واجب على الأب، فراجع الفتوى رقم: 24435. وبينا أيضا بالفتوى رقم: 75624 خلاف أهل العلم في أجرة الحاضن وذكرنا هنالك أن جمهور أهل العلم على أنها واجبة على الأب.
ويرجع في تحديد مقدار هذه الأمور إلى ما جرى به العرف، وإن كان هذا الحكم قد صدر عن القاضي الشرعي فقد يكون هذا مبنيا على اجتهاده في تلك المسائل، وحكم القاضي رافع للخلاف في المسائل الاجتهادية، وإذا كنت ترى أن هذا الحكم فيه إجحاف في حقك فراجع المحكمة الشرعية، وإذا تعذر ذلك فنرى أن توسط بعض أهل الخير ليسلكوا بينك وبين أهل زوجتك سبيل الإصلاح.
وأما أن تدعي بأنك تكتري تلك الشقة من والدك فلا يجوز، لأن الواقع على خلاف ذلك، وهذا هو عين الكذب، اللهم إلا أن تكون مظلوما في حقيقة الأمر وتكون هذه هي الوسيلة الوحيدة المتاحة لك لدفع الظلم عن نفسك.
وأما الدعاء فلك أن تدعو بما شئت مما يمكن أن يتحقق به مقصودك، ونوصيك هنا على وجه الخصوص بدعاء المكروب والذي رواه الإمام أحمد وأبو داود عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت. ...
والله أعلم.
... ... ... ... ... ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1430(18/240)
هل يأثم القاضي إذا أخطأ في الحكم
[السُّؤَالُ]
ـ[الكل يعرف صعوبة وحساسية مهنة قاض في المحكمة لما فيها من مسؤوليات أمام الله أولاً وحقوق الناس ثانيا، سؤالي في حالة عدم توفيق القاضي في حكمه مثلاً وكان حكمه من وجهة نظره صحيحا وقناعة المحكوم عليه مثلا ولو لجهل مع مصادقة التمييز على الحكم هل القاضي يتحمل شيئاً في ذمته، أرجو توضيح مثل هذا الالتباس لأنه يحصل كثيراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاجتهاد عرضة للخطأ كما هو معلوم، ومن جهة أخرى فإن القاضي يحكم على نحو ما يسمع ولا يعلم الغيب، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها. رواه البخاري ومسلم.
فإذا كان القاضي أهلاً للقضاء مستجمعاً لآلته، واجتهد في إصابة الحق فهو مأجور على أية حال ولو أخطأ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر. رواه البخاري ومسلم.
وبوب عليه البخاري: باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، قال ابن حجر: يشير إلى أنه لا يلزم من رد حكمه أو فتواه إذا اجتهد فأخطأ أن يأثم بذلك، بل إذا بذل وسعه أجر، فإن أصاب ضوعف أجره، لكن لو أقدم فحكم أو أفتى بغير علم لحقه الإثم ... قوله (ثم أخطأ) أي ظن أن الحق في جهة، فصادف أن الذي في نفس الأمر بخلاف ذلك، فالأول له أجران: أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، والآخر له أجر الاجتهاد فقط، وقد تقدمت الإشارة إلى وقوع الخطأ في الاجتهاد في حديث أم سلمة: إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض. انتهى.
وقال النووي: قال العلماء: أجمع المسلمون على أن هذا الحديث في حاكم عالم أهل للحكم، فإن أصاب فله أجران، أجر باجتهاده، وأجر بإصابته، وإن أخطأ فله أجر باجتهاده ... فأما من ليس بأهل للحكم فلا يحل له الحكم، فإن حكم فلا أجر له بل هو آثم، ولا ينفذ حكمه، سواء وافق الحق أم لا، لأن إصابته اتفاقية ليست صادرة عن أصل شرعي فهو عاص في جميع أحكامه، سواء وافق الصواب أم لا، وهي مردودة كلها، ولا يعذر في شيء من ذلك. انتهى.
ومما يدل على أجر المجتهد المخطئ في اجتهاده قوله سبحانه وتعالى: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا {الأنبياء:79} ، قال الحسن البصري: لولا هذه الآية لرأيت الحكام قد هلكوا ولكن الله حمد هذا بصوابه، وأثنى على هذا باجتهاده. انتهى من تفسير البغوي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1430(18/241)
طلب القاضي من المجني عليه قبول تعويض عن الجناية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز شرعا مطالبة القاضي بأخذ تعويض مالي ومعنوي من الجاني في قضية الشروع في القتل بطعنتين في البطن والكتف بأداة (السكين الحادة) علما أن القضاء بأحكام قضائية وضعية وليس بالأحكام الشرعية المنصوص عليها في الكتاب الكريم والسنة المطهرة؟
ولكم الشكر والفضل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتضح لنا قول السائل: "مطالبة القاضي"
فإن كان يقصد: هل يجوز للقاضي مطالبة المجني عليه بأخذ تعويض مالي عن الجناية عليه بدلا من القصاص فإن ذلك لا مانع منه، بل يطلب من القاضي شرعا أن يعرض الصلح على المتنازعين لقول الله تعالى: فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا {الحجرات: 9} وقوله تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ {النساء: 128} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا. رواه أبو داود وغيره. وقال عنه الألباني: حسن صحيح.
وقال صاحب تبيين المسالك وهو مالكي المذهب: يجوز الصلح عن جناية العمد بما قل أو كثر عن الدية. اهـ
ولا يجوز للقاضي أن يجبر المتخاصمين على الصلح أو يلح عليهما إلحاحا يشبه الإلزام.
ويجب عليه أن يمكن المجني عليه عمدا من القصاص لقول الله تعالى:.. وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ {المائدة: 45} إلا إذا خشي في ذلك من موت الجاني فإنه يعدل إلى الدية، قال ابن قدامة الحنبلي في المغني: والجائفة في البدن وهي التي تصل إلى الجوف، ليس فيها قصاص عند أحد من أهل العلم نعلمه.. وروى ابن ماجه في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا قود في المأمومة ولا في الجائفة، ولا في المنقلة. ولأنهما جرحان لا تؤمن الزيادة فيهما فلم يجب فيهما قصاص ككسر العظام. اهـ
وإذا كان القاضي يحكم بالأحكام الوضعية فلا يجوز للمسلمين أن يتحاكموا إليه بحال من الأحوال لقول الله تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً {النساء: 59-60} .
وقد ذهب بعض العلماء المعاصرين إلى جواز اللجوء إلى المحاكم الوضعية لاسترداد الحقوق إذا لم يوجد غيرها بشرطين:
1- أن يتحاكم إليها وهو كاره مضطر إلى ذلك.
2- أن يأخذ حقه فقط ولا يزيد عليه.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى: 100303، 38757، 79060، 54281.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1430(18/242)
حكم القاضي بعلمه في المذاهب الأربعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم قضاء القاضي بعلمه علي المذاهب الاربعه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحكم بعلم القاضي الكلام فيه من أوجه:
الأول: المراد بعلم القاضي ظنه المؤكد الذي يجيز له الشهادة لو كان شاهدا لا مجرد العلم الذي لا يقوم في الشهادة.
الثاني: أجمعوا على أنه لا يحكم بعلمه في الحدود الخالصة لله كالزنى وشرب الخمر لأنها تدرأ بالشبهات والقضاء بالعلم يورث شبهة للاختلاف فيه.
الثالث: اختلفوا في حكمه في حقوق الآدميين، فذهب المالكية والحنابلة وشريح والسبكي وإسحاق وأبو عبيد إلى عدم جواز أن يقضي القاضي بعلمه.
ومما استدلوا به قول عمر لما تداعى عنده اثنان فقال أحدهما أنت شاهدي فقال: إن شئتما شهدت ولم أحكم أو أحكم ولا أشهد، ذكر هذا الاستدلال ابن قدامة في الكافي.
وذهب الشافعية إلى الجواز وهو مذهب صاحبي أبي حنيفة سواء علمه قبل القضاء أو بعده بشرط أن يكون مجتهدا وجوبا عند الشافعية مع ورع وتقوى ندبا، وشرطوا قوله قضيت عليك بعلمي أو حكمت، وقيد أبو حنيفة القضاء بما حصل له من علم زمن القضاء وفي مكانه.
واستدل المجيزون بأن العبرة من البينات حصول العلم، وقد حصل للقاضي بأقوى من البينة، وبقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوحة أبي سفيان لما شكت أنه بخيل فقال: خذي ما يكفيك ولولدك بالمعروف. بدون إقرار ولا شهود لعلمه بذلك صلى الله عليه وسلم كذا قالوا.
والمعتمد عند الحنفية عدم حكم القاضي بعلمه لظهور فساد الزمان.
وما ذهب إليه الحنفية هو ما يمكن القول به في الجملة في زماننا هذا لتغير الزمان وقلة الورع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1429(18/243)
حكم كشف الكذب بواسطة الأجهزة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم كشف الكذب بواسطة الأشعة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلاشك أن الكذب من الذنوب المحرمة والأخلاق المستقبحة.. ففي الصحيحين وغيرهما أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:.. إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا.
ويجوز كشفه بالأجهزة وبكل وسيلة مشروعة إذا كان يترتب على ذلك إحقاق حق أو إبطال باطل أو كشف تزوير..
ولكن لا يحكم الحاكم أو القاضي.. بناء على كشف الأشعة أو غيرها من الأجهزة لأن الأجهزة كشفها ظني، وقد نص أهل العلم على بطلان الحكم بناء على الظن والفراسة والتخمين..
قال ابن فرحون المالكي في تبصرة الحكام.. ومَدَارِكَ الْأَحْكَامِ مَعْلُومَةٌ شَرْعًا مُدْرَكَةٌ قَطْعًا.. وَالْحُكْمُ بِالْفِرَاسَةِ مِثْلُ الْحُكْمِ بِالظَّنِّ وَالْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ، وَذَلِكَ فِسْقٌ وَجَوْرٌ مِنْ الْحَاكِمِ، وَالظَّنُّ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1429(18/244)
هل يحكم بالردة على الشخص بمجرد إقراره
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ حدث في بلادنا ماليزيا قضية ارتداد عن الإسلام وأقرت امرأة بأنها قد خرجت عن هذا الدين الحنيف أمام المحكمة الشرعية، ولكن رد القاضي قبول هذا الإقرار لعدم شاهد على قولها، فهل يجب وجود شاهد على دعوى الردة، فأفيدونا مأجورين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العبد مسؤول عما أقر به أمام القاضي إذا كان عاقلاً عالماً بما قال قاصداً له غير مكره ولا متأول، ولكن لو حكي للقاضي خبر عن شخص ما أنه ارتد فلا بد لإثبات ذلك من شاهدي عدل نظراً لما يترتب على الحكم بارتداده من الأمور، فقد قال صاحب الكفاف فيما يلزم في إثباته شهادة عدلين:
لا بد من عدلين في الرشاد * والنكح والردة والأ ضداد.
وبناء عليه فإن كانت المرأة لا تزال مقتنعة منشرحة الصدر بالكفر ولم تكن متهمة بإنها تريد التملص من ربقة الزوجية فبإقرارها بما يوجب الردة تعتبر مرتدة إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، وعلى القاضي أن يحضها على التوبة والرجوع للإسلام، فإن أصرت على الكفر ولم تقبل الرجوع بعد استتابتها ثلاثاً قتلها السلطان للحديث: من بدل دينه فاقتلوه. رواه البخاري. وراجع الفتاوى ذات الأرقام: 73924، 25357، 33562.
وأما إذا كان القاضي يتهمها بأنها كذبت لأمر ما في حكايتها أنها ارتدت فله أن يتريث حتى يثبت الأمر، وعلينا أن نحسن الظن بعلماء المسلمين وقضاتهم وأن نتبين منهم ما أشكل علينا بطريقة محترمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1428(18/245)
تولي القضاء في المحاكم الوضعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم تولي القضاء في المحاكم الوضعية في بلاد الغرب او حتى في بلاد المسلمين التي تحكم القوانين الوضعية؟ وهل صحيح أن هناك فتوى لشيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله- تجيز للمسلم تولي القضاء في المحاكم الوضعية بغرض دفع الضرر عن المسلمين ما أمكن وما هي تلك الفتوى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أمكن للقاضي أن يحافظ على الحكم بالشرع فيما يتحاكم إليه فيه فالظاهر جواز توليه القضاء في المحاكم الوضعية، وكذلك إن أمكنه تخفيف الشر وكانت قناعته أن الحق في حكم الله ولكنه غلب على أمره في بعض ما لم يستطع فيه تحكيم شرع الله، وفي المسألة خلاف سبق أن بيناه وبسطنا الكلام على المسألة أكثر وذكرنا بعض كلام شيخ الإسلام في عدة فتاوى فراجع منها الفتاوى التالية أرقامها: 18505، 62559، 79251، 5141.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1428(18/246)
وجوب رجوع القاضي للحق لو تبين له خطؤه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحقق في مسألة جرائم القاضي في الفقه الإسلامي أسألکم مساعدتني في هذا التحقيق خصوصا بذكرالمنابع الفقهية عند الجمهور في هذا المطلب؟ شکراً جزيلاً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتضح لنا المراد من السؤال، وعلى العموم فإن كان المقصود بجرائم القاضي: الأخطاء التي تصدر منه عند الحكم مخالفة لشرع الله تعالى، فالواجب عليه أن يرجع عنها إلى الحق إذا تبين له، وكان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يرسل إلى قضاته يحثهم على العدل وتحري الحق والرجوع إليه عند الخطأ، ومما جاء عنه في ذلك رسالته المشهورة إلى أبي موسى الأشعري: ولا يمنعنك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل.
وأما المراجع الفقهية التي تتحدث عن القضاء وما يتعلق به فهي كثيرة ومنها على سبيل المثال: در الحكام في شرح مجلة الأحكام، والطرق الحكمية، وإعلام الموقعين عن رب العالمين كلاهما لابن القيم، ومنها: تبصرة الحكام في الأقضية والأحكام لابن فرحون، وتحفة الحكام لابن عاصم، ومعين الحكام للطرابلسي ... بالإضافة إلى أبواب الأقضية.. في جميع كتب الفقه المعتمدة في كل المذاهب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1428(18/247)
حكم عمل المرأة في القضاء والمحاماة وما يتعلق بهما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في امتهان المرأة لوظيفة القضاء أو المحاماة أو عدل إشهاد أو عدل تنفيذ في بلد يحكمه قانون وضعي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمراة أن تتولى القضاء لا في بلد يحكم بالقوانين الوضعية ولا في بلد يحكم بالشريعة الإسلامية لأن من شروط القاضي الذكورة في قول جمهور أهل العلم، فلا يجوز للمرأة أن تتولى القضاء كما ذكرنا في الفتوى رقم: 32047.
وأما توليها للمحاماة ففيه تفصيل انظره في الفتوى رقم: 79940.
وأما توليها لعدل الإشهاد وعدل التنفيذ فلم يتبين لنا المقصود بهذه المصطلحات القانونية، فإن تولى الأخ السائل بيانها أجبناه عن حكم تولي المرأة لها على ما يظهر لنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شعبان 1428(18/248)
العمل في المحاماة مع الوقوع في المخالفات والشبهات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أبلغ من العمر 24 عاما خريج كلية حقوق جامعة عين شمس عام 2004 لم أختر هذه الكلية بمحض إرادتي، ولكن ليست هذه هي المشكلة.. المشكلة الآن أني قد اشتغلت بمهنة المحاماة بعد تخرجي مباشرة لمدة سنة ولكني لم أحب هذه المهنة لما رأيته من تجاوزات ومخالفات لأمور الشريعة والدين وهذه المخالفات قد حاولت تجنبها مراراً وتكراراًَ، ولكن لا مفر منها فالشبهات كانت تحيط بي من جميع الاتجاهات وقد أمرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن نتجنب الشبهات ونبعد عن كل ما هو حرام فى باطنه أو ظاهره وبالفعل قد تركت هذه المهنة فى أول شهر من عام 2006 لأتجنب هذه الشبهات، ولكن إلى الآن أبحث عن وظيفة ولم أجد أي شيء فكل محاولاتي وبحثي باءت بالفشل، وأنا فى حيرة من أمري هل أرجع لمهنة المحاماة وأغمس نفسي فى الشبهات أم أظل كما أنا أبحث عن وظيفة إلى أن يشاء الله، أرجو الرد أفادكم الله وجعلكم الله منارة لإرشاد السفن التائهة إلى بر الأمان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا أن بينا حكم المحاماة وأن أصلها الجواز إذا كانت مضبوطة بالضوابط الشرعية، وذلك في الفتوى رقم: 1028، والفتوى رقم: 18505 نرجو أن تطلع عليهما.
وبناء على ذلك فما دمت قد شاهدت بنفسك التجاوزات والمخالفات الشرعية ... فقد أصبت عندما تركتها لذلك فالسلامة لا يعدلها شيء، ونسأل الله تعالى إن يبدلك خيراً منها ويعوضك أفضل منها، ولكن عليك أن تصبر فإن الله تعالى لن يضيعك، فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، قال الله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2-3} ، ولذلك فنحن ننصحك بتقوى الله تعالى والبعد عما حرمه الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1428(18/249)
أحوال نقض القضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الفاضل، نعيش أنا وزوجتي فى إحدى الدول الخليجية ولجأنا إلى محاكمها للفصل فى قضية طلاق فأصدرت حكمها طلاقا بينونة كبرى وكذلك الاستئناف والتمييز.. فلجأنا إلى محاكم البلد التي نحن من جنسيتها بعد استشارة مفتى البلد فأجاز اللجوء إلى ذلك كوننا نتبع قانون بلد الأصل.. وعليه أصدرت محكمة بلدنا بالعودة وسقوط الطلقات على اعتبار أنها كانت بغضب وبعد توجيه اليمين من القاضي الشرعي على عكس القاضي فى الدولة الخليجية حيث رفض توجيه اليمين.. شيخنا الفاضل الآن بيدنا حكمان صادران مختلفان ونحن نتحرى الحلال ولا نريد غير ذلك.. فأي الحكمين نتبع وماهو التصرف حيال ذلك؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي نستطيع قوله هنا هو أنه ما دام القاضي قد نظر في المسألة وحكم فيها فلا يجوز تعقبه ولا نقضه ما لم يخالف أصلاً شرعياً، قال القرافي في الفروق مبيناً ما ينقض فيه قضاء القاضي: وهو الحكم الذي خالف أحد أربعة أمور: إذا حكم على خلاف الإجماع ينقض قضاؤه، أو خلاف النص السالم عن المعارض، أو القياس الجلي السالم عن المعارض، أو قاعدة من القواعد السالمة عن المعارض. وقال السبكي في فتاويه: ينقض قضاء القاضي إذا خالف النص أو الإجماع أو القياس الجلي أو القواعد الكلية.
وقال السرخسي في المبسوط: الضرورة توجب القول بلزوم القضاء المبني على الاجتهاد، وأنه لا يجوز نقضه، لأنه لو جاز نقضه يرفعه إلى قاض آخر يرى خلاف رأي الأول فينقضه، ثم يرفعه المدعي إلى قاض آخر يرى خلاف رأي القاضي الثاني فينقض نقضه، ويقضي كما قضى الأول فيؤدي إلى أن لا تندفع الخصومة والمنازعة أبداً، والمنازعة سبب الفساد، وما أدى إلى الفساد فساد ... ولأن المسألة إذا كانت مختلفاً فيها فالقاضي بالقضاء يقطع أحد الاختلافين، ويجعله متفقاً عليه.
فلا يجوز إذاً نقض ما حكم به القضاء الأول ما لم يشتمل على ما يستوجب نقضه مما سبق ذكره، ولا عبرة بكون القضاء في بلد آخر ما دامت المحكمة محكمة شرعية، فإن كنتما ترغبان في الحلال وتخافان من الوقوع في الحرام فابتعدا عن بعض حتى تنكح المرأة زوجاً آخر نكاحاً صحيحاً، ويدخل بها، فإن طلقها فلكما بعدئذ الرجوع إلى بعضكما بعقد جديد. وللفائدة في الموضوع انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5584، 20210، 34484.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1428(18/250)
قضاء القاضي وهو غضبان هل ينفذ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم فتوى القاضي وهو غضبان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيكره للقاضي أن يقضي وللمفتي أن يفتي وهو غضبان، فإذا قضى القاضي في هذه الحالة نفذ قضاؤه، ولا ينقض إلا إذا حكم بخلاف النص أو الإجماع أو القياس الجلي.
قال العلامة الشربيني رحمه الله في مغني المحتاج: (ويكره) له (أن يقضي في حال غضب وجوع وشبع مفرطين، و) في (كل حال يسوء خلقه فيه) كالمرض، ومدافعة الأخبثين، وشدة الحزن، والسرور، وغلبة النعاس لخبر الصحيحين (لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان) رواه ابن ماجه بلفظ (لا يقضي) وفي صحيح أبو عوانة (لا يقضي القاضي وهو غضبان مهموم ولا مصاب، ولا يقضي وهو جائع) ... نعم تنتفي الكراهة إذا دعت الحاجة إلى الحكم في الحال، وقد يتعين الحكم على الفور في صور كثيرة، فإن قضى مع تغير خلقه نفذ قضاؤه لقصة الزبير المشهورة. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 صفر 1427(18/251)
قصة (والله ليمرن به ولو على بطنك)
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا سمح شيخنا المبجل أريد أن تعطيني قصة سيدنا عمر رضي الله عنه عندما جاء إليه مشتك وقال له إن جاره في الأرض لا يريد أن يمرر الماء من أرضه. فقال له امررها ولو على بطنه (بما معناه) .
فما هي القصة وعن من؟ وفي أي مصدر أجدها.
والشكر الجزيل لك]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القصة المشار رواها مالك في الموطأ / باب القضاء في المرفق، كما رواها غيره، ونصها كما في الموطأ بعد ذكر السند قال: ... ساق الضحاك بن خليفة خليجاً له من العريض، فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة فأبى محمد، فقال له الضحاك: لِمَ تمنعني وهو لك منفعة تشرب منه أولا وآخرا ولا يضرك؟ فأبى محمد، فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب، فدعا عمر محمد بن مسلمة فأمره أن يخلي سبيله، فقال محمد: لا، فقال عمر: لِمَ تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع تسقي منه أولا وآخرا وهو لا يضرك؟ فقال محمد: لا والله، فقال عمر: والله ليمرن به ولو على بطنك، فأمره عمر أن يمر به ففعل الضحاك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 صفر 1427(18/252)
وجه عزوف الأئمة الأربعة عن تولي القضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ثبت أن أحدًا من الأئمة الأربعة تولى القضاء؟ ولماذا كانوا يرفضون توليه؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على أن أحدا من الأئمة الأربعة تولى القضاء بل ثبت أنهم كانوا يمنعون من التقرب من الملوك وتولي القضاء.
فقد ذكر الذهبي في السير أن المهدي العباسي طلب من الإمام مالك أن يذهب معه إلى بغداد فامتنع من ذلك وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: المدينه خير لهم لو كانوا يعلمون. وقصة امتناع أبي حنيفة عن القضاء وضرب ابن هبيرة له عليه مشهورة ذكرها غير واحد ومنهم صاحب الدراية في تخريج أحاديث الهداية. هكذا كان الأئمة الكبار كلهم لا يحبون تولي القضاء أو القرب من السلاطين وحاشيتهم.
وذلك لأنهم يعلمون قول النبي صلى الله عليه وسلم: من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين. رواه أحمد والأربعة وصححه ابن خزيمة وابن حبان كما قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام. مع أن كثيرا من أهل العلم والفضل تولى القضاء وخاصة عند ما يتعين عليهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 صفر 1427(18/253)
من رفعت إليه قضايا حدود كان يقترفها قبل أن يتوب
[السُّؤَالُ]
ـ[أولا أرجو معذرتي فأني أحدثكم وأنا في حالة لا يعلمها إلا الله مشكلتي تتلخص في الآتي أنا شاب عمري 22 عاما وللأسف كنت أمارس في الصغر حتى عمر ال18 آسف اللواط ولكني تبت إلى الله منذ ذلك الحين ولكني أعانى من مشكلة وهي الندم كلما تذكرت لدرجة أنني لا أطيق نفسي على الرغم من أننى أتتني علامات معينة تدل على قبول التوبة والله أعلم ولكني أحاول أن أكذب نفسي ولكن المشكلة هي في أنني أحيانا أفكر أن أجهر بالقول حتى أتخلص من هذا الحمل الثقيل وكم وددت لو يطبق علي الحد ليطهرني وأشعر بأنني طبيعي كأي إنسان ولو لم يكن في الدنيا ولكن المشكلة كيف سألقى الله وأنا على هذا الوضع لقد مر على هذا الأمر 4سنوات ولكني لا أستطيع أن أتحمل أكثر من ذلك وأنا أقدم الآن على خطوة انتقالية في حياتي من عمل على مستوى عال من الحساسية حيث قد يطلب مني أن أحكم على شخص قد وقع فيما وقعت فيه فماذا أفعل أغيثوني أغاثكم الله وماذا أفعل بالنسبة لمن يمارسون هذه العادة حتى الآن حيث إنني أعرفهم ولكني وصلت ولله الحمد لدرجة أنني لا أتحدث معهم في أكثر من السلام والتحية لدرجة أننا وإن كنا في أقصى درجات القرب لا نتحدث في ذلك بل والله قد لا أتذكر ذلك إلا على فترات متباعدة
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي من عليك بالتوبة قبل أن يفجأك الموت، فتلك ـ والله ـ نعمة تستحق أن تحمد الله عليها. وأما كونك تعاني من الندم ويحترق قلبك كلما تذكرت تلك المعصية، فإن ذلك من علامات صحة التوبة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: الندم توبة. رواه أحمد وابن ماجه عن عبد الله بن مسعود. ونبشرك بأن الله يقبل توبة من جاءه نادماً، قال تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ {التوبة: 104} . وقال أيضاً: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً {النساء:110} . فالتوبة تجب ما قبلها وتمحو الذنوب السالفة، قال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. بل إن التائب تتبدل سيئاته حسنات، قال تعالى بعد أن توعد مرتكبي الفواحش بالعذاب الأليم ـ قال: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً {الفرقان:70} . فأحسن الظن بربك، وارج رحمته، ووازن بين خوفك منه وطمعك في سعة رحمته، قال تعالى عن المؤمنين إنهم كانوا: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً {السجدة: 16} . وقال سبحانه: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ {الانبياء: 90} . وقال سبحانه: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ {الزمر:9} . وإياك أن تجهر بالمعصية أو تخبر أحداً بأنك ألممت بهذا الذنب من قبل ولا تكشف ستر الله عنك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله جل وعلا. وانظر الفتوى رقم: 1095. وكذلك لا تسع في إقامة الحد عليك، بل اتشح بستر الله، فالتوبة كافية في محو الذنوب كما تقدم.
وإذا استطعت أن تنصح الشباب الواقعين في تلك المعصية فافعل، ولو عن طريق إعطائهم بعض الأشرطة والكتيبات. وكذلك إن استطعت أن تفارق المكان الذي يذكرك بالمعصية فافعل حتى لاترى وجوه العصاة. ولمزيد من التوضيح انظر الفتوى: 12840.
ولم نفهم مقصودك بقولك: قد يطلب مني أن أحكم على شخص ... . فإن كان المقصود أنك وليت القضاء أو ستتولاه وأنت له أهل ثم ترفع إليك قضايا الحدود لتحكم في الأشخاص الذين ابتلوا بما ابتليت به- إذا كان الأمر كذلك -فلا نرى فيه بأساً. فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا في جاهليتهم يقعون في الموبقات وأعظمها الشرك بالله ونحو ذلك، فلما أسلموا أصبحوا يقاتلون الناس على الإسلام!! ويقيمون الحدود على من وقع في أحدها ولم يعيرهم أحد بأنهم كانوا يقعون فيها من قبل، وانظر بعض قصصهم في الفتوى رقم: 53043. فاستعن بالله ولا يستخفنك الشيطان، وانشط في الدعوة إلى الله وأمر بكل معروف، وانه عن كل منكر بقدر المستطاع، فإذا وسوس لك الشيطان بأنك كنت كذلك من قبل فلا تنقطع، وتذكر أن الصحابة كانوا مدمني خمر وفعلوا كل الفواحش، ولكن تابوا وحسنت توبتهم، وأصبحوا حملة مشاعل الهداية لمن يأتي بعدهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1425(18/254)
شروط القاضي، ومدى صلاحيات القضاء في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[صلاحيات القضاء في الإسلام، وشروط القاضي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل أن يكون للقضاء الشرعي الصلاحية في فصل النزاع والحكم في كل ما يقع بين اثنين، ونشر العدل بين الناس، وإيصال الحقوق إلى أهلها ورد المظالم.
ويستوي أمام العدالة الشرعية الكبير والصغير، والأمير والمأمور، والحاكم والمحكوم ...
قال الله تعالى: يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ {صّ: 26} . وقال أبو بكر رضي الله عنه: إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق. فالصلاحية تشمل جيمع الحقوق المادية والمعنوية. ولا مانع شرعا أن يعين ولي أمر المسلمين قاضيا ويعطيه الصلاحية في مجال معين، ويعين قاضيا لمجال آخر لتوزيع المهام وتعيين الاختصاصات وتسهيل القيام بهذه المهمة العظيمة، وهي خلافة الله تعالى في أرضه والحكم بشرعه في خلقه.
والذي لا يجوز شرعا ولا يقبل طبعا هو التناقض والانفصام الشخصي فتكون الصلاحية للقضاء الشرعي في الأحوال الشخصية دون غيرها من مجالات الحياة الأخرى. وتكون الصلاحية للقضاء الوضعي أو القوانين الأجنبية في الحكم في الأموال والدماء.. وقد رفض القرآن الكريم هذا النوع من القضاء وحذر من التحاكم إليه. فقال سبحانه وتعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً*َإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً {النساء:61} . ونفى الإيمان عمن لم يتحاكم إلى القضاء الشرعي، فقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً {النساء:65} .
والحاصل أن صلاحيات القضاء الشرعي في الإسلام تشمل جيمع مجالات الحياة وفي كل ما يقع بين اثنين أفرادا كانوا أو جماعات أو دول..
وأما شروط القاضي فهي: الإسلام، والتكليف، والعدالة، والذكورة، والبلوغ، وأن يكون سليم الحواس.
قال ابن عاصم المالكي الأندلسي في التحفة في مواصفات القاضي وشروطه ...
منفذ بالشرع للأحكام له نيابة عن الإمام
واستحسنت في حقه الجزالهْ وشرطه التكليف والعدالة
وأن يكون ذكراً حراً سلم من فقد رؤية وسمع وكلم
ويستحب العلم فيه والورع مع كونه الأصول للفقه جمع.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1425(18/255)
المقاصد العامة للقضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[السادة الأكارم أحييكم بأجمل تحية، وأجمل السؤال بما يلي:
1- ما هي (بحسب رأيكم) المقاصد العامة للقضاء في الإسلام؟ هل من مؤلفات قديمة أو حديثة تكلمت في صلب الموضوع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المقاصد العامة للقضاء في الإسلام هي رفع الخلاف بين المسلمين بحكم الله وإقامة العدل بين الناس، ولا نعلم مؤلفا خاصا في هذا الموضوع، إلا أنه يمكن الاستفادة من كتب الفقه العامة، فهي تبوب للقضاء غالبا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1425(18/256)
من خاصم في باطل وهو يعلمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا يكون المتهم مرتكباً لهذه الجرائم ويحكم عليه في المحكمة بحكم أشد مما ينص عليه القانون في تلك الدولة دون نظر حكومة هذه الدولة إلى الحد الشرعي، كما في سائر البلاد العربية، ويكون دور المحامي إما تخفيف هذا الحكم أو تبرئة المتهم، ما الحكم في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز الدفاع عن المجرمين لتبرئتهم أو تخفيف الحكم عنهم إلا إذا كان هذا الحكم أشد مما يستحقون من العقوبة الشرعية، والأصل في هذا قول الله تعالى: وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا [النساء:105] ، وقوله تعالى: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [النحل:90] ، وقوله صلى الله عليه وسلم: من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع. رواه أحمد، وراجع للأهمية الفتوى رقم: 1028، والفتوى رقم: 18505.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1425(18/257)
حكم الدفاع عن المجرمين في ظل الأحكام الوضعية
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول لي أحد الأصدقاء والذي يعمل محامياً بأن بعض المتهمين يأتونني ويعترفون لي بأنهم قد ارتكبوا الجرم، ويعرضون علي خدماتهم في تزوير بعض المستندات أو إحضار شهود زور لتخفيف الحكم عليهم أو تبرئتهم، فما حكم ذلك، علما بأن أحد المحامين قد فعل ذلك، وعندما سألته عن ذلك قال إن الأحكام في هذه البلاد وضعية وليست أحكام شرعية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز الدفاع عن المجرمين أو المخاصمة عنهم بحيث يفلتون مما يستحق عليهم من حقوق أو عقاب منضبط بضوابط الشرع الحنيف، لعموم قول الله تعالى: وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا [النساء:105] ، ويعظم الإثم إذا كان ذلك الدفاع أو المخاصمة عن طريق تزوير المستندات أو إحضار شهود زور، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من غش فليس مني. رواه مسلم، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئاً فقال: ألا وقول الزور، قال: فمازال يكررها حتى قلنا ليته سكت. متفق عليه.
وسواء فيما ذكرنا إذا كانت البلاد التي تمارس فيها مهنة المحاماة تطبق فيها أحكام شرعية أو كانت تطبق فيها أحكام وضعية، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 1028، والفتوى رقم: 18505،
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الثاني 1425(18/258)
عطلة القضاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو يوم عطلة القضاة في ديننا الحنيف لأنها مسألة خلافية بين العلماء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان مراد السائل إجازة القضاة من دوامهم الرسمي فإنه لا مانع من استفادتهم من العطل الرسمية في بلدانهم التي يعملون بها.
ثم إنه قد تكلم العلماء قديماً على آداب القاضي في مجلسه فذكروا من تلك الآداب أنه لا ينبغي أن يكثر الجلوس للقضاء مخافة أن يمل ويتعب فيخطئ في الأحكام.
وقد عزا الحطاب للمتيطي أنه لا بأس أن يترك النظر يوم الجمعة، وقد ذكر خليل في المختصر وذكر شراحه أنه لا يجلس في يومي العيد ويوم قدوم الحجاج وخروجهم ويوم نزول المطر أو حدوث سرور عام أو ضرر عام، إلا إذا عرض ما يوجب جلوسه مثل اختلاف الأجراء مع المؤجرين عند قدوم الحجاج أو غير ذلك.
ونرجو من السائل ذكر المراجع التي رأى فيها خلاف العلماء في المسألة، وإيضاح السؤال إن لم يكن المراد ما تكلمنا عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الأول 1425(18/259)
قاضيان في النار وقاض في الجنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أفعل إذا كان القاضي يميل مع خصمي ويدافع عنه ويأخذ ما يقوله خصمي ولا ينظر لما أقوله ولا يكتبه وكل الجلسات مذكور فيه ما يخص خصمي فقط ويرفض البيانات التي أقدمها ويماطل بالمواعيد باستمرار ويتعمد بها القاضي ضدي. ولا أستطيع أن أثبت ذلك بشهادة من أحد؟ أفيدوني جعله الله في موازين حسناتكم ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا ثبت فعلاً ما نسب إلى هذا القاضي وجب عليه أن يتقي الله تعالى ويخاف عقابه، ويبادر إلى الله تعالى بتوبة صادقة؛ لأنه أقدم على ذنب عظيم، وذلك لأن الله تعالى أمر بالعدل في الحكم بين الناس. قال سبحانه مخاطبًا عبده الصالح داود عليه السلام بقوله: يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ [ص:26] ، وقال سبحانه مخاطبًا عباده المؤمنين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً [النساء:135] وقال جل ثناؤه: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاضٍ في الجنة. رجل قضى بغير الحق فعلم ذاك فذاك في النار، وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار، وقاضٍ قضى الحق فذلك في الجنّة. رواه الترمذي.
والذي ننصحك به هنا هو أنه إذا رأيت أن هذا القاضي ماضٍ في جوره، فلا حرج عليك في رفع أمرك إلى من فوقه من المسؤولين، إمَّا بتحويل القضية عنه إلى قاضٍ غيره، أو السماح لك بالاستئناف في حال حكم عليك بما تراه ظلمًا وتحيُّزًا لخصمك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1424(18/260)
حكم العمل في النيابة الإدارية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل في النيابة الإدارية في مصر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد علمنا أن هذه النيابة الإدارية تقوم على أساس مبدأ المحاسبة والفصل في القضايا الإدارية لمؤسسات الدولة، وحكم العمل فيها مقيد بالضوابط الشرعية العامة التي تشترط للعمل في أي مجال، وهذه الضوابط هي:
الأول: أن لا تكون الأحكام التي يتقاضى إليها تخالف أصول الشرع.
الثاني: أن لا يترتب على هذا العمل إعانة على منكر، أو إعانة على ظلم.
الثالث: أن لا يحابي العامل فيها أحدًا لقرابة أو صداقة أو غيرهما، وأن لا يظلم أحدًا لعداوة أو نحوها.
الرابع: أن يجتهد العامل فيها، لإيصال الحقوق لأصحابها، واستخلاص المظالم ممن هي عليه.
بقي أن نذكر أن العلماء قد اختلفوا في حكم العمل في مثل هذه النيابة إذا كانت تقوم على أساس تحكيم القوانين الوضعية. انظر تفاصيل ذلك في الفتوى رقم: 18505.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1424(18/261)
نقض القضاء ونفاذه وجرائم التعزير
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي مسوغات النفاذ في أحكام القضاة؟ وما هي جرائم التعزير والنظريات العقابية الحديثة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد نص الفقهاء - رحمهم الله - في كتاب القضاء على أن حكم القاضي نافذ ما لم يصادم نص كتاب أو سنة، ونقصد بالنص: ما كان لا يقبل إلا قولاً واحدًا. أما ما كان محتملاً لوجوه، ولأهل العلم فيه كلام فلا ينقض حكم القاضي بمخالفته، وكذلك ينقض قضاء القاضي إذا خالف الإجماع، ومعنى الإجماع: هو اتفاق مجتهدي أمة النبي صلى الله عليه وسلم في عصر من الأعصار على مسألة من المسائل، وينقض حكم القاضي أيضاً: إذا خالف القياس الجلي، وما عدا ذلك فحكم الحاكم فيه نافذ. وأما التعزير بالمال، فذهب إلى منعه وحرمته الجماهير من العلماء، ومن أولئك الحنفية والشافعية وأكثر الحنابلة، وذهب المالكية إلى التفصيل قال الدسوقي في حاشيته: قوله: (وتصدق بما غش) أي جوازًا لا وجوباً، خلافاً لعبق - أي عبد الباقي - لما يذكره المصنف آخرًا من قوله، ولو كثر، فإن هذا قول مالك، والتصدق عنده جائز لا واجب، وما ذكره المصنف من التصدق هو المشهور، وقيل: يراق اللبن ونحوه من المائعات وتحرق الملاحف والثياب الرديئة النسج، قاله ابن العطار وأفتى به ابن عتاب. وقيل: إنها تقطع خرقاً خرقاً وتعطى للمساكين، وقيل: لا يحل الأدب بمال امرئ مسلم، فلا يتصدق به عليه ولا يراق اللبن ونحوه، ولا تحرق الثياب ولا تقطع الثياب ويتصدق بها، وإنما يؤدب الغاش بالضرب. حكى هذه الأقوال ابن سهل. قال ابن ناجي: واعلم أن هذا الخلاف إنما هو في نفس المغشوش هل يجوز الأدب فيه أم لا؟ وأما لو زنى مثلاً فلا قائل في ما علمت أنه يؤدب بالمال، وإنما يؤدب بالحد، وما يفعله الولاة من أخذ المال فلا شك في عدم جوازه. وقال الونشريسي: أما العقوبة بالمال فقد نص العلماء على أنها لا تجوز، وفتوى البرزلي بتحليل المغرم لم يزل الشيوخ يعدونها من الخطأ. انتهى كلام الدسوقي. وقال الصاوي في حاشيته: (وتصدق بما غش) أي وأما التعزير بأخذ المال فلا يجوز إجماعاً، وما روي عن الإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة من جواز التعزير للسلطان بأخذ المال، فمعناه كما قال البرادعي - من أئمة الحنيفة - أن يمسك المال عنده مدة لينزجر ثم يعيده إليه لا أنه يأخذ لنفسه أو لبيت المال كما يتوهمه الظلمة. اهـ وفي فتح الجليل: والخلاف في طرح المغشوش والتصدق به وحرق الملاحف الرديئة النسج وشبه ذلك، إنما هو من باب العقوبة في المال لا من العقوبة به. اهـ وذهب إلى جواز التعزير بالمال ابن تيمية وابن القيم واستدل كل فريق بأدلة تراجع في محالها من كتب الفقهاء في باب التعزير. وأما حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، الذي استدل به من قال بالعقوبة بالمال: ومن منعها - أي الزكاة - فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا. رواه أبو داود والدارمي وغيرهما. فأجاب عنه الجماهير بجوابين: الأول: أنه منسوخ. قال الإمام الحافظ الطحاوي الحنفي في كتابه شرح معاني الآثار، بعد أن ذكر هذا الحديث - أعني حديث بهز وغيره من الآثار -: فكانت العقوبات جارية في ما ذكر في هذه الآثار على ما ذكر فيها حتى نسخ ذلك بتحريم الربا، فعاد الأمر إلى أن لا يؤخذ ممن أخذ شيئًا إلا مثل ما أخذ، وإن العقوبات لا تجب في الأموال بانتهاك الحرمات التي هي غير أموال، فحديث سلمة عندنا كان في الوقت الأول، فكان الحكم على من زنا بجارية امرأته مستكرهاً لها عليه أن تعتق عقوبة له في فعله ويغرم مثلها لامرأته ... الجواب الثاني: ضعف الحديث. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود: وهو عندي حجة - أي بهز - لا عند الشافعي، فإن اعتمد من قلد الشافعي على هذا كفاه، ويؤيده إطباق فقهاء الأمصار على ترك العمل به، فدل على أن له معارضًا راجحاً، وقول من قال بمقتضاه يعد في ندرة المخالف. انتهى كلام الحافظ رحمه الله. وننبه هنا إلى أمر، وهو: أن من أجاز التعزير بالمال جعل ذلك من حق السلطان تجاه من منع حقًّا لله أو أخذ حق غيره، فلا يصح أن يتعدى بالتعزير حده ومكانه فيعاقب الأجير مثلاً على تركه عمل يوم بخصم أجرة يومين، فهذا من الظلم وأكل أموال الناس بالباطل. وعموماً فكل العقوبات والتعزيرات الحديثة يجب ردها إلى نصوص الشرع، فما أذن به الشرع قُبِلَ، وإلا فهو باطل. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1424(18/262)
حكم التحاكم لدى اليهود
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا أريد من شخص ديناً بمبلغ 4000 شيقل أي ما يقارب 5000 ريال سعودي وهذا الشخص يعمل بالنصب والاحتيال وعندما أتممت معه البيع لم أكن أعلم بأنه نصاب وصبرت عليه 7 أشهر حتى الآن وأريد حلا معه يرضي الله ورسوله ولا أقع بالإثم مع العلم أنه يوجد عندي حل ولكن أخاف أن يكون مخالفاً للشريعة وأنا من سكان فلسطين المحتلة والحكومة المتسلطة والحاكمة علينا هي إسرائيل والحل الوحيد أمامي هو إسرائيل لأنه رجل نصاب ولكن ضميري لا يطاوعني بأن أذهب لهؤلاء الأنجاس أريد من فضيلتكم حلاً شرعياً لا يخالف شرع الله ورسوله وأرجو منكم أن تعلموني كيف أسأل الله بدعاء لمثل هذه المشاكل التي تحصل والله أعلم بالنيات.
جزاكم الله خير وبارك في جهودكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي ننصحك به هو الصبر والتأني، وإبلاغ من يقدر على نصح هذا الشخص والتأثير عليه، وعدم رفعه للمحاكمة عند اليهود، لأنه تحاكم إلى الطاغوت، وقد قال الله سبحانه: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) [النساء:60] .
وإن لم تتمكن من استرداد مالك بطريقة مشروعة فاحتسبه عند الله، وسيخلف الله عليك خيراً منه عاجلاً أو آجلاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1423(18/263)
هل يجوز نقض حكم القاضي
[السُّؤَالُ]
ـ[طلقت زوجتي مرتين اعتقاداً مني عن جهل بأنها طلقت في السابق وذهبت للمحكمة على هذا الأساس فقمت باستصدار صك للطلاق الثالث ولما شاهدت سماحة المفتي العام يفتي لبعض السائلين لمواقع مشابهة لحالتي الطلاق الأولى والثانية لدي فذهبت لمكتب المفتي العام قاصداً استصدار فتوى لحالتي الطلاق الأولى والثانية فأفادوني بعدم إمكانية ذلك لوجود صك طلاق والآن هل بالإمكان إيجاد فتوى لحالتي الطلاق الأولى والثانية مع وجود صك بالطلاق؟.
أفيدوني أثابكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأصل في حكم القاضي العدل العالم أنه لا يرد إلا إذا كان هنالك مبرر شرعي.
قال في منح الجليل: والخطأ الموجب لرد حكم العدل العالم فسّره اللخمي بما خالف نص آية أو سنة أو إجماع إلى أن قال: وزاد المازري عن الشافعي رضي الله عنه أو قياساً لا يحتمل إلا معنى واحد.
وبهذا تعلم أنه ليس بالإمكان البحث عن فتوى تنقض ما صدر عن المحكمة من وقوع الطلقتين الأولى والثانية.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الأولى 1423(18/264)
مهنة المحاماة والقضاء في ظل القوانين الوضعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز العمل كقضاة أو محامين في دولة مسلمة علما أن القاضي أو المحامي يطبقان شريعة وضعية ويخالفان شرع الله أرجو الاستدلال لأن الأمور اختلطت علينا وأجركم على الله ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل أن المسلم لا يحكم إلا بما أنزل الله تعالى ولا يتحاكم إلا إلى ما أنزل الله تعالى، لقول الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً [النساء:60] .
لكن مسألة اشتغال المسلم بالقضاء والمحاماة في ظل تحكيم القوانين الوضعية من المسائل التي لأهل العلم فيها قولان:
فالقول الأول: المنع بإطلاق، وقد وجه سؤال إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالسعودية، يقول فيه السائل: هل يجوز لمسلم أن يكون قاضياً في بلد يحكم بغير ما أنزل الله من قرآن أو حديث؟ فكان الجواب: لا يجوز (فتاوى اللجنة الدائمة /147)
القول الثاني: يجوز تولي القضاء والمحاماة لأنها من جنس عمل القضاء. ولهذا يسمونها: القضاء الواقف في ظل هذه الأنظمة، تحقيقاً لبعض المصالح أو دفعاً لبعض المفاسد، وإعمالاً لقاعدة الضرورة، واستيفاء للحقوق واستخلاصاً للمظالم عند انعدام البديل الشرعي، وبسط أدلة ذلك في تفسير المنار لمحمد رشيد رضا 406-409.
ومن أهل العلم من فرق بين القضاء الذي لايتعرض فيه القاضي للحكم بغير ما أنزل الله بصورة مباشرة كالمجالات الإدارية والمدنية ونحوها، وبين المجالات التي تقوم مباشرة على مراغمة أحكام الشريعة كالمجالات الجنائية.. فرخص في الأولى ومنع في الثانية، ذكر ذلك الدكتور صلاح الصاوي في كتابه التطرف الديني الرأي الآخر صـ200، ومال الدكتور إلى ترجيح القول الذي يُرخص في هذا العمل اعتباراً للحاجة الملحة وتحقيقاً للمصلحة.
ويخلص إلى أن المبرر الوحيد الذي يجيز للمسلم الاشتغال بهذه المهنة وغيرها في ظل هذه الأنظمة وتلك القوانين، هو العمل على نصرة الدين وإقامة الحجة على المخالفين، وبيان تفاهة قوانينهم، والقيام بمصالح المسلمين ودفع الظلم عنهم أو تخفيفه حسب الإمكان في ذلك كله، فإذا أوصدت في وجهه الأبواب وتقطعت به السبل فحق عليه أن يعتزل؛ وإلا أصبح وجوده مشاركة في الظلم ويتحمل من الإثم بقدر عمله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1423(18/265)
حكم اشتراك المسلم في التحكيم في محاكم الكفار وبين غير المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس حاصل على الماجستير من إحدي الدول الغربية ومقيم بها. منذ أيام أرسلت لي وزارة العدل بتلك الدولة الغربية تبلغني أنه تم اختياري, عن طريق عشوائي للعمل لمدة قصيرة كمحكم (بضم الميم وفتح الحاء) في المحكمة العليا
مهمتي تتمثل في الا ستماع لأطراف القضية, ثم أحكم على المتهم بأنه مذنب أو غير مذنب. هناك عدد من المحلفين بالإضافة إلى القاضي. فهل يجوز لي الاشتراك في هذا أم لا, مع العلم بأنه إجباري إلا أن أعتذر بأن ديني لا يبيح هذا الأمر. أرجو الرد سريعا لأن المدة في الرد عليهم محدودة. وبارك الله فيكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كنت ستحكم بأن الشخص مذنب أو غير مذنب، فلا بد أن يكون حكمك موافقاً للشريعة الإسلامية، ولا يجوز لك أن تحكم بغيرها، ولو كان المحكوم بينهم كفاراً. لقوله تعالى: (فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئاً وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين) [المائدة:42] قال القرطبي في الحكم بين الكفار: فإن حكم بينهم حكم بحكم الإسلام.
وقال ابن تيمية (ليس لأحد أن يحكم بين أحد من خلق الله لا بين المسلمين ولا الكفار….إلا بحكم الله ورسوله، ومن ابتغى غير ذلك تناوله قوله تعالى (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) [المائدة:50] ومن المعلوم أن المحاكم الغربية في قوانين مرافعتها وقضائها، وقوانين التجريم وغيرها، تستند إلى قوانين وضعية، أو أخذت من ديانات محرفة، فهي في جملتها قوانين تخالف الشريعة الإسلامية، ولا شك أنك في حكمك ستخضع لتلك القوانين والنظم في المرافعات والقضاء، بالإضافة إلى اشتراك غيرك معك في الحكم، مما يتعذر معه الحكم وفق الشريعة الإسلامية، كما أنك قد تضطر إلى الحكم فيما بينهم في أمور هي محرمة في دين الإسلام، كالخمر والخنزير وأموال الربا ومؤسساته مثلا. وبناء على ذلك فإنه لا يجوز لك أن تعمل في هذا العمل بملابساته السابقة. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1421(18/266)
المحاكم الشرعية لها منهجية محددة
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ لدينا سؤال قد يكون غريباً ولكن نريد معرفة إجابته منك. وسؤالنا هو التالي: بعد أن عايشنا ساحات المحاكم الشرعية وجدنا أنفسنا في دهاليز الحنفية والشافعية والحنبلية ووجدنا التطبيق في الأحكام الشرعية تطبيقاً متفاوتاً من قاض إلى آخر، وأصبحنا لا نميز إن كان القاضي يحكم بالسنة النبوية، أم على قوانين الحنفية أو الحنبلية أو الشافعية، وأصبحنا في دوامة ليس لها آخر من الاحكام التي يصعب على المرء أن يفهمها، وأصبح التطبيق في الشريعة الإسلامية لدى أغلب القضاة غير دقيق. فمتى يحين الوقت لكي نعرف نحن على أي قانون شرعي نستند إليه في إصدار الأحكام الشرعية، والتي بات من الضروري توضيحها للجميع من خلال وسائل الإعلام وعبر الانترنت، وهل يحق لنا أن نطعن في أي قاض شرعي على تطبيقه للقانون الشرعي على الناس. أرجو إفادتنا بالتوضيح المستفيض لأننا مصابون بخيبة أمل كبيرة من جراء هذه التطبيقات القانونية والإجراءات التي تمارس على الناس بحجة اختلاف العلماء واجتهادهم في الدين الاسلامي. وشكراً جزيلاً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
ما نعلمه عن المحاكم الشرعية أنها تضع منهجية ثابتة، وضوابط محددة في التعامل مع القضايا المختلف فيها بين الفقهاء. والمذاهب الفقهية المعتمدة تبني آراءها وفق الاجتهاد في فهم الكتاب والسنة ومصادر التشريع الأخرى. ولم تزل الأمة على مدار القرون ترجع إلى هذه المذاهب، وتحقق العدل والحمد لله، فلا داعي للتخوف من ذلك، وقد قرر الفقهاء أن حكم القاضي يرفع الخلاف ويلزم أطراف الدعوى. ونخشى أن يكون في هذا الكلام تأثرا بالدعايات الكاذبة التي يراد منها التنفير من القضاء الشرعي. وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضى.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(18/267)
لا حرج في العمل بالقول الأسهل عند المشقة
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخي الفاضل اسمح لي أن أطيل على فضيلتكم ولكن تعودنا على سعة صدركم:
الأمر يبدأ عندما استفتيت على أحد مواقع الانترنت وهي من الثقات بإذن الله عن موضوع أني لم أكن أتوقى النجاسات في بداية الأمر وكنت أعلم الصح من الخطأ ولكن الإهمال، ولكن أكرمني الله وبدأت في معرفة الحق والباطل وما ما يصح من تلك الأمور وما لا يصح فاستفتيت بخصوص هو أن هناك أشياء كثيرة حولي كنت ألمسها بيدي وهى غير طاهرة الكمبيوتر أزرار النور في منزلي..... أشياء كثيرة سيارتي مفاتيحي كل شيء تتخيله تعاملت معه بصفة يومية، وكان سؤالي لذلك الشيخ رفع الله قدره حول موضوع ملامسة يدي وهي مبلولة لتلك الأشياء فلقد أرهقت كثيرا بسبب ذلك الموضوع، فكان الجواب أنه عند المالكية والحنفية ملاقاة الرطب الطاهر للنجس الجاف لا تنجس، وعند الشافعية تنجس، وعند الحنابلة لها رؤية أخرى. المهم فضيلتكم أني فرحت كثيرا لأن الأمر كان فيه يسر ولكن خشيت على نفسي أن أكون ممن يأخذ برخص العلماء وهو يعتبر من الفساق ولكن سألت الشيخ عن حالتي وقال لا بأس أن آخذ برأي المالكية والحنفية ولا حرج في ذلك ففرحت كثيرا وأصبحت حياتي من أفضل ما يكون بل الآن الأمر قد ييسر علي أيضا بعد زواجي عن الفترة السابقة فكنت أحيانا أقوم عن زوجتي ويدي غير طاهرة وأحتاج مثلا لإضاءة النور، فتح الباب غير ذلك فكنت أترك تلك الأشياء تجف وبعد ذلك أتعامل معها بصورة عادية فكانت الحياة من أفضل ما يكون في كل شيء لما كتبه الله لي من التيسير في تلك الفتوى.
ما حدث بعد ذلك أني دخلت على موقع وأيضا عالم من الثقات معروف بعلمه كان الرأي الوحيد له أن اليد في هذه الحالة تتنجس، اغتممت كثيرا وأحسست أن كل ما مضى ذهب هباء من العبادات وغيرها وأصبح هناك وسواس رهيب، بدأ الآن أصبح لي أسبوعان في غم. فكيف أتعامل مع كل ما هو حولي في بيتي وتأخرت في مذاكرتي، أصبحت أصلي وأنا تائه وأخشى على المسجد من النجاسة وأشياء كثيرة، وأيضا دخلت على موقع الفتاوى المباشرة بموقعكم الطيب فقلت للشيخ لو أن يدي عرقت على يد نجس جاف قال تنجس لأنها أصبحت مبلولة، لم أعد قادرا على أن أوفق بين الفتاوى وبأيهم أخذ هل بالأيسر لي حتى لا أدخل في الوساوس أم آخذ برأي الاحوط ولكن الأمر قد يدخلني في وساوس لأنه كلما طهرت شيء وجدت آخر غير طاهر، حقيقي تعبت أعلم أني مخطئ ولكن أريد الرجوع والأوبة.
وقلت لنفسي أنا لو مثلا ذهبت إلى الحج وأجهز نفسي هل كل ما سوف آخذ معي غير طاهر لأني أتعامل بتلك الفتوى من فترة؟ وما العمل في الأشياء التي لمستها خلال عملي بتلك الفتوى هل وجب على غسلها كلها أم ما العمل؟
إذن بفضل الله وحده ثم بما أتاكم من علم بماذا تنصحوني هل أستمر في العمل بالفتوى الأولى وإن كان الجواب لا فما العمل فيما مضى من أشياء هل يجب تكريرها كلها؟ وما العمل فيما مضى من عبادات. أفيدوني بالله عليكم فالأمر ليس فيه وسوسة هذا واقع فعلي وجزاكم الله عنا خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا مذاهب العلماء في انتقال النجاسة من جسم لآخر في الفتويين: 116329، 62420. وبينا حالات انتقال النجاسة من جسم رطب أو مبتل لآخر جاف في الفتوى رقم: 117811 وفيها أشرنا إلى أنه لا حرج في العمل بالقول الأسهل عند المشقة وبخاصة لمن كان مصابا بالوسوسة.
ويظهر من سؤالك أنك مصاب بشيء من الوسوسة، فالذي ننصحك به هو الإعراض عن الوساوس وعدم الالتفات إليها، وخذ بالفتوى المرخصة في هذا ولا حرج عليك، وليس هذا من تتبع الرخص، واتق الله في نفسك، ودع الوساوس ولا تمكن الشيطان ليتلاعب بك، واعلم أن هذا النوع من الاحتياط والورع لا يحبه الله ولا يرضاه والداعي إليه إنما هو الشيطان، وانظر الفتوى رقم: 51601.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1430(18/268)
الرؤية الشرعية في التيسير والأخذ بالأحوط
[السُّؤَالُ]
ـ[صديق قال لي ـ إن موقع: إسلام ويب، لا يسيرعلى نهج السنة ـ وأعطاني مثالا لذلك، فقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا خير بين أمرين اختارأيسرهما ما لم يكن إثما.
وقال لي: إن نهجكم في الفتاوى أن تأخذوا بالأحوط وليس بالأيسر، ومثل لي بعدة أمثلة: مثل كشف وجه المرأة، وحتى حكم بيع القطط.
وقال لي بالرغم أن في هذه المسائل ـ على سبيل المثال القطط ـ قولا لكل المذاهب الأربعة، مع قول حبرالأمة ابن عباس، فهم رموا بكل ذلك عرض الحائط وأخذوا بالمذهب الظاهري التماسا لمبدإ الأحوط وليس الأيسر، فما قولكم في ذلك؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نقول أولا: إنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما. وقد جاء بذلك الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها.
ويحسن أن نذكر بعض ما قال أهل العلم في معناه، قال العيني في كتابه عمدة القاري: قوله: ما خير بين أمرين إلا اختارأيسرهما. يريد في أمر دنياه، لقوله ـ ما لم يكن إثماـ والإثم لا يكون إلا في أمر الآخرة، قال الكرماني: كيف خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين أحدهما إثم؟ ثم أجاب بقوله: التخيير إن كان من الكفار فظاهر، وإن كان من الله تعالى أو من المسلمين فمعناه ما لم يؤد إلى إثم كالتخيير بين المجاهدة في العبادة والاقتصاد فيها، فإن المجاهدة بحيث تنجر إلى الهلاك غير جائزة.
وقال عياض: يحتمل أن يخيره الله تعالى فيما فيه عقوبتان ونحوه، وأما قوله ـ ما لم يكن إثماـ فيتصور إذا خيره الكفار. هـ.
إذن فهذا الحديث لا دلالة فيه على مشروعية الأخذ بالقول الأيسر مطلقا دون نظر إلى مرجحات أحد القولين على الآخر؛ إذ لوكان الأمر كذلك لما كان هناك داع لمعرفة المرجحات، بل يلزم على هذا حذف مباحث الترجيح من أصول الفقة.
ثم من الثابت أن هذا الدين يسر، وأن الشريعة جاءت برفع الحرج وهو مقصد من مقاصد الشريعة وأصل من أصولها وقد بنيت عليه كثير من الأحكام الفقهية، وقد ذكرنا جملة من أدلة التيسير ورفع الحرج في الشرع وذلك بالفتوى رقم 74704.
ولكن ليس المرجع في التيسير هو أهواء الناس، إذ لا يجوز الأخذ بالأيسر إذا جاء مخالفا لأحكام الشرع، ولا يجوز لنا أن نفتي بقول يخالف الدليل ـ وإن قال به بعض العلماء.
وأما قوله: إن نهجكم في موقعكم هو أنكم تأخذون بالأحوط، فنقول فيه: إننا قد بينا بكثير من الفتاوى نهجنا في الإفتاء، ويمكن أن نحيل منها على الفتاوى التالية أرقامها: 69581، 33518، 22543. فنحن لم نقل إن من نهجنا الأخذ بالأحوط دائما، ولو كان هذا من منهجنا لذكرناه والتزمناه في جميع المسائل ولكننا لم نذكره ولم نلتزمه.
ولكن قد نشير للسائل بالأخذ بالأحوط ـ وإن كنا نرى أن الراجح في خلافه ـ من باب الاحتياط للدين، أو يكون الخلاف قويا ولم يتبين لنا الراجح فنذكر للسائل أن الأولى الأخذ بالأحوط خروجا من الخلاف، وقد ذكرالعلماء في القواعد الفقهية أن الخروج من الخلاف مستحب، وممن ذكر ذلك السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر، حيث قال: القاعدة الثانية عشرة: الخروج من الخلاف مستحب وفروعها كثيرة جدا.
تنبيه: لمراعاة الخلاف شروط:
أحدها: أن لا توقع مراعاته في خلاف آخر, ومن ثم كان فصل الوتر أفضل من وصله ولم يراع خلاف أبي حنيفة، لأن من العلماء من لا يجيز الوصل.
الثاني: أن لا يخالف سنة ثابتة، ومن ثم سن رفع اليدين في الصلاة ولم يبال برأي من قال بإبطاله الصلاة من الحنفية، لأنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية نحو خمسين صحابيا.
الثالث: أن يقوى مدركه، بحيث لايعد هفوة، ومن ثم كان الصوم في السفر أفضل لمن قوي عليه ولم يبال بقول داود: إنه لا يصح. هـ.
وأما مسألة بيع الهر والتي ذكرها صديقك فلعله يشير إلى الفتوى رقم: 18327، ولكنه لم يكن دقيقا فيما ذكر، فقد ذكرنا فيها أن القول بتحريم بيعه قول الظاهرية وأنه حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة ومجاهد وجابر بن زيد، وحكاه المنذري عن طاووس فهو ـ إذن ـ ليس قول الظاهرية فقط، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإننا ذكرنا أن القول بالمنع هو الراجح لقوة دليله، لا لكونه الأحوط، فيمكن مراجعة الفتوى المذكورة وكذلك الفتوى رقم: 123911.
وأما بالنسبة لمسألة تغطية الوجه، فإننا نفتي فيها بالوجوب، لقوة أدلة من ذهب إلى ذلك، لا لمجرد كونه الأحوط، ويمكن أن تراجع فتوانا رقم: 4470، وقد نذكر ـ بعد ترجيح الوجوب لقوة أدلته ـ أن الأخذ به هو الأحوط، وانظر الفتوى رقم: 62866.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1430(18/269)
حكم رجوع المفتي عما أفتى به
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمفتي أن يتراجع عن فتواه بالطلاق إذا بين له الزوج بعد سنوات أشياء لم يذكرها الزوج في حينه لجهله؟ حيث قال له نعم تلفظت به والصحيح أنه لا يذكره، بل على كلام زوجته حين المشادة بينهما والصراخ.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمفتي إذا أفتى بحكم بناء على معطيات سمعها من السائل، ثم علم بعد أن الأمر بخلاف ما سمعه، فلا نقول إن الرجوع عما كان قد أفتى به يجوز، وإنما نقول إن الرجوع في هذه الحالة يجب عليه، وفتواه بخلاف ما أفتى به أولا لا يسمى رجوعا، وإنما هو إفتاء عن سؤال جديد، والأولى كانت عن سؤال آخر، ومما ينبغي للمفتي أن لا يتعجل في الفتوى قبل استكمال معطيات السؤال، وقد كان بعض أهل العلم يطلب من المستفتي إعادة السؤال استزادة من الاستيضاح، جاء في أعلام الموقعين: وكان أيوب إذا سأله السائل قال له أعد فإذا أعاد السؤال كما سأله عنه أولا أجابه وإلا لم يجبه، وهذا من فهمه وفطنته ـ رحمه الله ـ وفي ذلك فوائد عديدة: منها: أن المسألة تزداد وضوحا وبيانا بتفهم السؤال, ومنها: أن السائل لعله أهمل فيها أمرا يتغير به الحكم فإذا أعادها ربما بينه له. انتهى
وتجدر الإشارة إلى أن الفتوى إنما هي مجرد إخبار بالحكم الشرعي لا على سبيل الإلزام، وبالتالي فالرجوع عنها لا يترتب عليه شيء، لأنها في الأصل لا يلزم بها شيء، وهذا بخلاف القضاء فإنه الإخبار بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام، ولا يجوز للقاضي الرجوع عما كان قد حكم به أولا إلا في حالات: منها: أن يتبين له خطؤه وراجع الفتوى رقم: 99053.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 شوال 1430(18/270)
العمل بفتوى من يوثق بعلمه ودينه
[السُّؤَالُ]
ـ[وصلنا الرد على الفتوى وما أحلتموه إليها من فتاوى سابقة. نحن نثق فى الله ثم في فضيلتك.
رقم الفتوى: 126889
عنوان الفتوى: هل الخلوة تقرر المهر كله.
تاريخ الفتوى: 17 رمضان 1430 / 07-09-2009
يعنى هذا الموضوع فيه خلاف والرأيان صواب لوجود أدلة شرعية، يوجد سؤالان نرجو من فضلك أن توضحهم لأنه كما تعلم بعض المفتين عندنا ممكن يفتي وهو بغير علم كاف أو ممكن لو سئل وضغطت عليه الزوجة أو أهلها غير القول بمذهب آخر، لذلك نريد أن نكون على علم كاف بهذا الموضوع: هل ما تم وصفه فى رأس سؤال الفتوى رقم 126889ممكن يعتبر دخولا وممكن لا يعتبر دخولا حسب ما يفتى الشيخ، فلو مثلا أفتى شيخ للزوج بأنه ليس دخولا فله دفع نصف المهر فقط، هل لو ذهبت الزوجة لشيخ آخر فأفتاها أنه دخول وطلبت المهر كله طالبها الزوج بالعدة وراجعها طالما هي في العدة هل صحيح ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمذكور في السؤال المشار إليه لا يعتبر دخولاً وإنما هو خلوة، والخلوة كما بينا توجب المهر كله.
قال ابن قدامة في المغني: وإذا خلا بها بعد العقد، فقال: لم أطأها وصدقته، لم يلتفت إلى قولهما، وكان حكمهما حكم الدخول.... روي ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد، وابن عمر، وبه قال علي بن الحسين وعروة، وعطاء، والزهري، والأوزاعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي وهو قديم قولي الشافعي. انتهى.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجب المهر كله بالخلوة وإنما يجب بالدخول، واعلم أن الزوج والزوجة إن استفتيا من يثقان في علمه ودينه من أهل العلم فأفتاهما بشيء وعملا به فلا حرج عليهما، وإن اختلفا فحكم القاضي الشرعي يرفع الخلاف في المسائل المختلف فيها، فإذا حكم القاضي بأن الخلوة كالدخول فإن للزوجة المهر كله وللزوج ارتجاعها ما دامت في العدة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1430(18/271)
استفتاء القلب.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أهلا بهذا الموقع المحبب إلي والذي أفادني كثيرا. أريد أن أستفسر: أنا طالب بكلية الطب، وقرأت ولمدة سنتين في الانترنت والفتاوى والاختلافات وكتب صغيرة. فماذا أفعل كي آخذ فتوى هل آتي بالرأي الحلال والحرام وأوازن بينهما أم آخذ برأي شيخ مثلا ابن عثيمين وهو كما تعلمون ميت وآخذ بآرائه كلها أم ماذا أفعل؟ سؤالي بالتحديد: هل أعتبر عاميا؟ ومتى أعتبر مجتهدا خاصة أني ذو شخصيه قلقة؟ وكيف أستفتي قلبي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فللمستفتي حالتان: الأولى: أن يكون مؤهلا للنظر في الأدلة الشرعية وأقوال أهل العلم واستنباط الأحكام. فهذا يجب عليه الترجيح والموازنة بين أقوال العلماء والنظر في أدلتهم حتى يصل إلى معرفة الحكم الشرعي.
الحالة الثانية: ألا يكون أهلا للنظر والاستدلال، بل يكون عاميا، فهذا إنما عليه أن يستفتي من يثق به ممن هو من أهل العلم والورع، ولا يلزمه الأخذ بجميع آراء إمام بعينه، لكن عليه الحذر من تتبع رخص العلماء. وإن أخذ بالأحوط خروجا من اختلافهم فهو أفضل.
ولا حرج في تقليد عالم ميت على الراجح. جاء في آداب الفتوى للنووي: وفي جواز تقليد الميت وجهان: الصحيح جوازه؛ لأن المذاهب لا تموت بموت أصحابها ولهذا يعتد بها بعدهم في الإجماع والخلاف، ولأن موت الشاهد قبل الحكم لا يمنع الحكم بشهادته بخلاف فسقه. والثاني: لا يجوز لفوات أهليته كالفاسق. وهذا ضعيف، لا سيما في هذه الأعصار. وانظر الفتاوى أرقام: 55029، 62771، 1839.
وأما شروط الاجتهاد والتي يعرف بها الإنسان ما إذا كان مؤهلا لذلك أم لا، فقد سبق بيانها في الفتوى رقم: 117907.
وأما كيفية استفتاء القلب فيقول الشيخ عبد الله بن جبرين في شرح عمد الأحكام: يعني: انظر إلى هذا الشيء؛ هل تجد أن نفسك ترتاح لهذه المعاملة أم تجد أن نفسك تكرهها وتتوقف فيها.
والأمر باستفتاء القلب إنما هو موجه لأصحاب الفطر السليمة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في شرح رياض الصالحين: والنبي عليه الصلاة والسلام إنما يخاطب الناس أو يتكلم على الوجه الذي ليس فيه أمراض أي ليس في قلب صاحبه مرض، فإن البر هو ما أطمأنت إليه نفس صاحب هذا القلب الصحيح، والإثم ما حاك في صدره وكره أن يطلع عليه الناس.
كما أن استفتاء القلب إنما يكون فيما اشتبه على المسلم من أمر الحلال والحرام، أو البر والإثم، مما لم يرد فيه نص، وليس معناه ترك طلب العلم وترك سؤال أهل العلم، اكتفاء بما في القلب دون الاهتداء بنصوص الوحي والاستعانة بأهل العلم. وانظر الفتوى رقم: 38050.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1430(18/272)
الحكم الشرعي لا يبنى على اعتبارات وتقديرات تخالف الواقع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا صاحب السؤال رقم: 2232383 الخاص بإسكان الشباب فى مصر، وأريد أن أناقشكم فى إمكانية اعتبار البنك فى هذه الحالة مثل أى صاحب عقار يقوم بالبناء بتكلفة معينة ثم يبيع العقار بنسبة ربح، فهل يمكن اعتبار البنك كذلك؟ خاصةً أن البنك لا يقوم بإقراض الشخص مباشرة، أنا لا أحاول تحليل الحرام ولكن أريد أن أطمئن قبل أن أنسحب من التقديم على هذه الشقة، خاصة أن هذه الطريقة ربما تكون الوحيدة لمثلي والعديد من الشباب للحصول على شقة فى ظل الارتفاع الجنونى لأسعار الشقق بمصر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في جواب سؤالك المشار إليه أيها السائل الكريم أن شراء الشقق بهذه الصورة المذكورة معاملة ربوية لا يجوز التعامل بها، فحقيقة الأمر أن البنك يدفع مالاً ويسترده بالزيادة، وهذا هو عين القرض الربوي المحرم. أما مسألة اعتبار البنك مثل صاحب عقار، فالجواب أن الحكم الشرعي لا يبنى على اعتبارات وتقديرات تخالف الواقع، وإنما ينبني الحكم على طبيعة التعامل، فإذا كان البنك يقدم قروضا ربوية ويأخذ عليها فوائد فهذا ربا محرم، وإذا كان البنك يقوم ببناء الشقق فعلاً ويبيعها بالقسط ولو بزيادة عن ثمنها الحال فهذه معاملة جائزة إذا تقيدت بالضوابط الشرعية.
فشراء الشقق عن طريق البنك له صورتان:
الأولى: أن يقوم البنك بإقراض العميل المبلغ مباشرة أو يسلمه للبائع -مالك الشقق- ويسترد هذا المبلغ من العميل بزيادة مقسطة فهذا ربا وهو الغالب على مثل هذه المعاملات.
الصورة الثانية: أن يجري البنك مع العميل ما يعرف ببيع المرابحة، حيث يشتري البنك الشقق وتدخل في ملكه ثم يبيعها للعميل بثمن أكثر من ثمنها نقداً أو يقسط عليه الثمن في مدة معلومة، فهذا بيع صحيح، فإذا كان البنك يقوم بشراء الوحدات السكنية ثم يقوم ببيعها بالتقسيط، فيجوز الشراء عن طريق البنك، وراجع في ذلك فتوانا رقم: 115071. وما أحيل عليه فيها. وراجع أيضاً فتوانا رقم: 121442. وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1430(18/273)
ما يفعل المستفتي حين يجهل القول الراجح في المسألة
[السُّؤَالُ]
ـ[سألت أحد الشيوخ في فتوى، وسألت آخر. هل لي أن أختار بين الإجابتين الأيسر لي، وكيف لي أن أعلم أني لا أتبع هواي، وكل منهما لديه دليله وحجته؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الإمام النووي رحمه الله: ليس للمفتي والعامل في مسألة القولين أن يعمل بما شاء منهما بغير نظر، بل عليه العمل بأرجحهما. اهـ.
فالسائل أو المستفتي ينبغي ألا يسأل ابتداء إلا من يثق في علمه وورعه، فإن اختلف عليه جوابان فإنه ليس مخيرا بينهما، أيهما شاء يختار، بل عليه العمل بنوع من الترجيح، من حيث علم المفتي وورعه وتقواه، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 5583.
فعليك ـ أخي الكريم ـ إن لم يكن عندك من العلم ما تميز به الأرجح ـ أن تختار الأوثق في نفسك من أهل العلم فتقلده، بغض النظر عن الأيسر. وإن أردت أن تختار لنفسك الأفضل فعليك بأخذ الأحوط من القولين والخروج من الخلاف ما أمكنك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1430(18/274)
لا حرج في الإفادة من الفتاوى الموجودة في المواقع الموثوقة
[السُّؤَالُ]
ـ[من فضل الله علي القرآن والخطابة، وأنا أدخل على موقعكم المبارك وأقرأ الفتاوى وأحفظ بعضها، وأحيانا يأتي إلي سؤال أكون قد قرأت إجابته فأنقله إلى السائل، وأنا متأكد من الإجابة. فهل يجوز لي ذلك؟ علما بأن السؤال المشكل لا أقحم نفسي فيه وأحيله إلى لجنة الفتوى. أرجو النصيحة بما ترون وأنا أثق فى علماء الموقع والمفتين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا شروط نقل الفتاوى، وأن ذلك من نشر العلم المطلوب شرعا في الفتويين رقم: 110574، 2481.
ولذاك فلا مانع من نقل هذه الفتاوى التي تنشر على المواقع الإلكترونية وغيرها، للاستفادة منها ونفع الآخرين بها، إذا كانت صادرة من جهة موثوقة، والناقل لها أمين.
وبخصوص موقعنا فإننا نتشرف بدخول أمثالكم من طلبة العلم والخطباء إليه، وتصفحهم له، والاستفادة منه ونقل فتاوانا إلى من يستفيد منها فذلك فضل تشكرون عليه وعمل تؤجرون فيه إن شاء الله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1430(18/275)
شروط المفتي المقلد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي شروط المفتي المقلد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان شروط المفتي وما يتعلق بها في عدة فتاوى بإمكانك أن تطلع على بعضها تحت الأرقام التالية: 4022، 5583، 14485..
وقد لخصها صاحب المراقي بقوله:
وذاك مع مجتهد رديف * وما له يحقق التكليف
وهو شديد الفهم طبعاً، واختلف * فيمن بإنكار القياس قد عرف
قد عرف التكليف بالدليل ذي * العقل قبل صارف النقول
والنحو والميزان واللغة مع * علم الأصول وبلاغة جمع ...
وأما المفتي المقلد، فهو الذي يحفظ مذهبه وأقوال إمامه وأقوال أصحابه والمجتهدين في مذهبه، ويرجح بعضها على بعض لمعرفته بعامها وخاصها، فينقلها ويفتي بما استوفى منها واستوعب دون ما لم يستوفه.. وفيه يقول صاحب المراقي:
مجتهد الفتيا الذي يرجح * قولاً على قول وذاك أرجح
لجاهل الأصول أن يفتي بما * نقل مستوفى فقط وأمما
قال الولاتي: يجوز لجاهل علم الأصول أن يفتي بما نقل عن إمامه أو أحد من أصحابه حال كونه مستوفي القيود، بأن يحفظ ما فيه من الروايات والأقوال.. اهـ
ومع ذلك لا بد أن تتوفر فيه مواصفات شخصية المجتهد أو المفتي العام، من التكليف والعدالة والورع وصلاح النية وجودة القريحة.. وأما مجرد الإخبار عن ما في كتب الفقه، فلا يسمى صاحبه مفتياً إلا على سبيل المجاز، لأنه في الحقيقة ناقل أو مخبر، فلا يشترط فيه إلا الصدق والأمانة وفهم ما نقل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1430(18/276)
كيف يفعل من نزلت به نازلة ولم يستطع سؤال أهل العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو إذا أشكلت علي مشكلة ولم يتيسر سؤال أهل العلم فماذا أفعل، هل أستخدم علمي البسيط مع المنطق والقواعد العامة مثل أن الأصل في الشيء أنه حلال، التيسير إلخ أم ماذا أفعل؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها وإذا لم يكن في وسعك سؤال أهل العلم فعليك أن تتحرى الصواب وتجتهد بما تستطيع حتى تجد أهل العلم، ففي صحيح البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي لم يرد منا ذلك. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحداً منهم.
وقال معاذ رضي الله عنه لما بعثه صلى الله عليه وسلم إلى اليمن: أنظر في كتاب الله، فإن لم أجد ففي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم أجد أجتهد رأيي ولا آلوا..
وبناء عليه؛ فإذا نزلت بك نازلة لا تحتمل التأخير ولم تستطع سؤال أهل العلم أو لم تجدهم فما عليك إلا أن تتحرى فيها الصواب وتعمل بمقتضى ذلك؛ إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها..
وأما إذا كنت تجهل حكم المسألة وتستطيع سؤال أهل العلم لكنك تتكاسل عن ذلك فلا يجوز لك أن تعمل بمقتضى رأيك المجرد، لقوله تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {النحل:43} ، وقوله صلى الله عليه وسلم: قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال. رواه أحمد من حديث جابر..
وللفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 99453، 2652، 38050، 45387، 17519.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1430(18/277)
هل يجب على المفتي ذكر الدليل
[السُّؤَالُ]
ـ[وصلت وأستغفر الله إلى حال الجدل مع أخ لي في الله في مسألة فأرجو منكم الإفادة فيما أعرضه.
الخلاصة أني أفهم أنه يجوز لمن استيقن حكماً شرعياً بدليل قاطع أو أدلة وبعد دراسة علمية أن ينقل هذا الحكم لغيره من غير أن يكون ملزماً بذكر الدليل سيان إن كان يحضره الدليل حينها أو غاب عنه لكنه متيقن من الحكم ويبقى لمن يسمع منه الحكم الحق في طلب الدليل.
وصاحبي يقول (ومضطر أن أكتب ما قاله نقلاً عما سجلته من قوله بعلمه) كالتالي:
حال العالم في نقل الحكم من غير دليل يتبع ثلاث حالات: الأولى هي الجواز إذا كان يذكر هذا لمن في حقه التقليد أي لمن أبيح له التقليد لأنه لن يوقعه في حرمة!! الثاني إذا كان الموجودون ممن في حقهم الاتباع فهذا لا يكون متبعاً إلا إذا ميز الدليل فعلى ناقل الحكم أن ينقله بالدليل لكي يبقى المتبع متبعاً فلا يجوز أن يسوغ لمتبع أن يسمع حكماً بدون دليل وذلك إما أن يطلب المتبع الدليل أو أن يبادر العالم بذكره والأمر يتعلق بذمة ناقل الحكم أن يحضر الدليل عاجلاً أم آجلاً والعالم ليس عنده علم الغيب في حال من حضر إن كان مقلداً أم متبعاً أو مجتهداً وبالتالي عليه أن يراعي حال الناس فيقول الحكم بالدليل فيستفيد الكل. ثم يقول الأصل في التقليد الحرمة ويحرم على المتبع والمجتهد أن يقلد. وعذراً لأني قاطعته هنا ولم أستطع الاستمرار في سماع ما يقول فلا أدري ما هي الحال الثالثة. وللعلم فإن هذا النقاش إنما دار لسبب أن صاحبي يرى حرمة أن نعلم الناس ما علمناه يقيناً إلا إذا ذكرنا لهم الدليل فيرى أني لا أعلم مسلماً جديداً فرائض الصلاة حتى وإن كنت أعلمها إلا إذا ذكرت له الدلائل ولا يحق لي أن أجيب من يسألني عن صلاة الظهر أنها أربع ركعات ويقول إذا اضطررت لهذا أقول أنا أصليها أربع ركعات وعليك أي السائل أن تتأكد ولا يجوز لي أن أقول لمن أراد الصيام أن يمسك عند أذان الفجر ويفطر عند أذان المغرب إلا إذا ذكرت له الآيات وغير هذا الكثير يا شيخ مما أفقدني صوابي حتى أني أكتب لكم وأنا أكاد أبكي لهذا الحال الذي قد أكون مخطئا عندما قلت لصاحبي لو أن ما تقول هو الصواب فإني أرى أن هذا يهدم الدين ولا يعمره وليس في هذا من الحرص على الدين في شيء.
أرجو منكم الإفادة والنصح لي ولصاحبي وهو يعلم أني سأعرض المسألة على أهل العلم من أمثالكم ليتبين لنا الحق.
أرجو منكم سرعة الرد إن أمكن. وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز أن يفتي في دين الله تعالى إلا عالم بالشريعة، أما الفتوى بمجرد الرأي دون علم فباب من أبواب الضلالة، فإن أفتى من هو أهل للفتوى وبيَّن دليل فتواه ومستنده فلا شك أن هذا أكمل وأفضل. ولكن لا يلزمه ذلك، فله أن يفتي دون ذكر مستنده في الفتوى، وأظهر دليل على ذلك ما استفاض عن الصحابة والتابعين أنهم كانوا يفتون ويأخذ الناس فتاواهم، وقد لا يذكرون فيها الدليل، وهذا كثير مشهور في الكتب التي تعنى بذكر فتاويهم، كمصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة. وهكذا كان حال الأئمة المتبوعين، كالإمام مالك وهذا ظاهر جدا في موطئه، والإمام أحمد وهذا ظاهر أيضا في مسائله، وراجع في ذلك الفتويين: 47075، 14585.
ثم ينبغي التنبه إلى أن هناك من المسائل ما يخفى دليله فلا يستطيع المستفتي فهمه، ولذلك فصَّل السمعاني فقال: لا يمنع المستفتي من طلب الدليل، وأنه يلزم المفتي أن يذكر له الدليل إن كان مقطوعاً به، ولا يلزمه إن لم يكن مقطوعاً به؛ لافتقاره إلى اجتهاد يقصر فهم العامي عنه. اهـ. ونقل النووي ذلك عنه، وصوَّب خلافه فقال في (آداب الفتوى والمفتي والمستفتي) : ينبغي للعامي أن لا يطالب المفتي بالدليل، ولا يقل: لم قلتَ؟ فإن أحبَّ أن تسكن نفسه لسماع الحجة طلبها في مجلس آخر، أو في ذلك المجلس بعد قبول الفتوى مجردة. اهـ.
أما مسألة التقليد، فالأصل هو اتباع الدليل، فإن كان المستفتي له القدرة على التمييز بين الأدلة ودلالتها، والمقارنة بين أقول الفقهاء، ومعرفة الراجح منها، كان هذا هو الواجب في حقه، وإن لم تكن له هذه الملكة فإنه يجوز له تقليد من يثق به من أهل العلم. وراجع في ذلك الفتويين: 17519، 31408.
وأخيرا ننبه السائل الكريم أن يجادل إن جادل بالتي هي أحسن، وأن يوسع صدره لإخوانه، وأن يكون رائده طلب الحق، ويتجنب المماراة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا. رواه أبو داود وحسنه الألباني، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 107744.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1430(18/278)
الأخذ بفتيا من يوثق به وترك التشديد على النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة للفتوى رقم: 117333: الوعد بالطلاق وحكايته هل يقع بهما الطلاق.
تأخر رد فضيلتك على السؤال، وأهل المرأة أرادوا مني الدخول بها بسرعة، فأعطيت السؤال لعدد من الشيوخ وأساتذة الفقه إلى أن يصلني ردكم إلا أن ما حدث غريب حيث جاء رد فضيلتكم وردهم متوافق في الحالة الأولى بعدم وقوع الطلاق.
أما الحالة الثانية فحدث اختلاف حيث أفتى عدد من الشيوخ وأساتذة في الفقه حوالي أربعة أو أكثر بالإضافة إلى فضيلتكم بعدم وقوع الطلاق، وأفتى اثنان من أساتذة الفقه بخلاف ذلك.
فالمساعدة التي أطلبها من الله ثم من فضيلتك هي الحالة الثانية محل الخلاف، وها هو تفصيل أكثر للحالة الثانية حتى تقول لي ماذا أفعل بعدما وجدت الفتويين مختلفتين في الحالة الثانية:
عندما اتصلت بالشيخ لسؤاله عن كلمة أطلقها أو تتطلق (المذكورة في الحالة الأولى) قال لي إنه يريد أن يصلى العصر لأن وقت المغرب قد قارب فقلت له سوف أتصل بك بعد المغرب إن شاء الله، وكنت قد كتبت السؤال على الكمبيوتر فطبعته وقلت لنفسي لما أردده الأول بنفسي حتى أعرف أقوله للشيخ عندما أتصل به على التلفون المحمول، وفكرت لو قلت له أني قلت أطلقها أو تتطلق سوف يقول لك لم يقع، فقلت لنفسي قول له شيء آخر من باب الاحتياط حتى يعطيك فتوى تطمئنك قل له أنك قلت هي مطلقة أو تكون مطلقة وغالبا (يغلب على ظني) أنى نطقتهما مرة أو أكثر واحتمال ضعيف جدا أنى لم أقلهما أثناء التدريب على ما سأقوله للشيخ. ثم شككت هي مطلقة أو تكون مطلقة جملتان لا تعنيان أي شيء أي لو قلتهما له سوف يقول لا تعنيان أي شيء لذلك استقر بي الرأي على أنت طالق حتى أقولها له ونطقت بها على سبيل أنى سوف أقولها له ثم أدركت أنى بنطقي هذا احتمال يكون الطلاق وقع فعلا (لاحظ فضيلتك لم تكن الزوجة موجودة أبدا) .
عندما اتصلت بالشيخ قال لي ما فعلته في الحالة الثانية هو صريح الطلاق وقبل الذهاب لإعطائها مؤخر الصداق سألت شيخا آخر فقال لي ما فعلته هو حكاية طلاق لا يقع بها طلاق، وإياك من الذهاب لعمل عقد جديد سيقع إذا ذهبت. ...
الآن رأيان مختلفان وفضيلتك تأخذ وقتا للرد على السؤال فحتى يصلني منك رد ذهبت لأساتذة الفقه الموثوق بعلمهم فوجدت اثنان في غرفة أعطيت السؤال الذي أجبت فضيلتك عليه واحد منهم فأعطاه للآخر لأنه قال له أنت درست حكايات الكفر وحكم النطق بألفاظها وقال له هل هذا حكاية طلاق أم لا فقال الحالة الأولى لا يقع طلاق أما الثانية طلاق صريح لا محالة فقلت له أني فعلت ذلك على أساس التدريب على ما سأقوله للشيخ فقال لي إن لم يكن هذا جد فهذا هو المذكور في الحديث وهزلهن جد تجلس بمفردك تردد هذه الألفاظ (هي مطلقة أو تكون مطلقة وفى الآخر تنطق بأنت طالق ولم تكن قد قلتهم أصلا للسيدة التي تتوسط) هذا هزل أوقع الطلاق فرد الأستاذ الدكتور الأول وقال لا بد من عقد جديد ومهر جديد وإلا ستظل حياتك كلها في شك فقلت له أهلها سيرفضون أو هي سترفض العودة فقال لي إذن لا خير فيها.
ثم سألت شيخين آخرين فقالا لي لم يقع طلاق.
بعد ذلك سألت أستاذ دكتور آخر فأدرك أن المشكلة هي الكلمة التي قالها لي الأستاذ الدكتور الكبير في السن والموثوق في علمه أنى سأجلس حياتي كلها في شك فحاول التفكير معي في مخرج شرعي من هذه الورطة فقال لي أحضر المرأة واثنان شهود وقل لها تتزوجينني فتقول لك قبلت فأعطها مبلغا رمزيا للمهر، وامش بها بعد ذلك ماسكا يدها في الشارع فذلك الإشهار. فقلت له هذا هو مذهب أبي حنيفة وهو مشكوك فيه إذا فعلت ذلك مباشرة تطلق المرأة وتزوج بشك أي رفعت شك بشك. ووليها سيعمل مشكلة لأنه ربما لا يقبل بذلك وستحدث مشاكل بسبب الحقوق المالية. سألني هل حدثت خلوة فقلت له لا. فقال لي ليس أمامي إلا أن أقول لك أن الرأيين اجتهاديان خذ برأي إن لم يحدث طلاق.
عندما عدت للمنزل تذكرت أنى جلست معها بمفردنا في الصالون في بيتها وقبلتها ومسكت صدرها إلا أنها رفضت تماما الجماع فقلت لو عملت بالمذهب الذي يقول هذه خلوة راجعتها لكن تذكرت أنى قلت أنت طالق مرة واحدة لكن هي مطلقة أو تكون مطلقة ممكن مرة أو أكثر لو عملت بهذا المذهب ستلحق بها كل هذه الكلمات وبالتالي ستكون محرمة تماما علي. إلا أني قلت راجعتها فعلت ذلك احتياطيا قبل أن تنتهي عدتها إذا كان لها عدة أصلا.
الآن يا شيخ هل يوجد مخرج لهذه الورطة. إن الأستاذ الدكتور الموثوق في علمه قال لي ستعيش حياتك في شك، وأنا منذ ذلك في حزن شديد ولا أقبل بذلك هل يوجد أي مخرج شرعي؟ هل أذهب إليه ثانية أحتج بفتواك حتى يغير كلامه، وإذا رفض أقول له أنت تتحمل إثم فراقها بفتواك وأتركها؟ وإذا تناقشت معه بالألفاظ الصريحة الموجودة في السؤال هل يقع طلاق هذه المرة أو كيف أن أتناقش معه بدون ذكر هذه الألفاظ الصريحة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أيها السائل الكريم – شرح الله صدرك ونوّر قلبك – أنك أتعبت نفسك وأضعت وقتك، وأدخلت الضيق والحرج على نفسك وزوجك وأصهارك، وأنت بفعلك هذا تضاد الشريعة المباركة التي جاءت باليسر والسهولة ورفع الحرج والمشقة عن الناس، قال سبحانه: هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج: 78} . والله عز وجل قد رفع الآصار والأغلال (وهي التكاليف الشاقة العسيرة) التي كانت على الأمم السابقة ببعث النبي صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ {الأعراف: 157} وأنت - عفا الله عنك - تأبى إلا أن تغل نفسك بالأغلال، وتحمل على عاتقك الآصار التي رفعها الله عن هذه الأمة المباركة، أرأيت أيها السائل كيف أنك تسعى في مخالفة الشريعة المباركة ومعارضة مقاصدها الشريفة من حيث تظن أنك تسعى لمتابعتها والتمسك بأوامرها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري وغيره: إن الدين يسر، ولا يشاد الدين أحد إلا غلبه.
جاء في فتح الباري: والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية، ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب، قال ابن المنير: في هذا الحديث علم من أعلام النبوة، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع. انتهى.
وقد علمت فيما قصه الله علينا من نبأ بني إسرائيل حينما قتلوا نفسا وذهبوا لنبي الله موسى ليحكم بينهم، فأمرهم الله سبحانه أن يذبحوا بقرة، ولو أنهم عمدوا من أول الأمر إلى أية بقرة فذبحوها لكان خيرا لهم وأقوم، ولاهتدوا إلى ما خفي عليهم من أمر القاتل بأيسر الوسائل وأسهلها، ولكنهم أبوا إلا التشديد على أنفسهم وكثرة الأسئلة فشدد الله عليهم الأمر.
وأنت – أيها السائل - لو كنت قد أخذت من أول الأمر بما أفتيناك به لكنت أرحت نفسك وزوجك، ولكنك تأبى إلا التشديد على نفسك، فلم تكلفك الشريعة بأن تستفتي المفتي ثم تأخذ فتواه تدور بها على مجالس أهل العلم تلتمس منهم إجماعا عليها، وإنما كلفتك الشريعة بأن تجتهد في البحث عن مفت أو جهة فتوى تثق في علم أصحابها ودينهم ثم تستفتيهم فما أفتوك به تعمل به، وينتهى الأمر عند هذا الحد. ونحن قد أفتيناك بما أفتيناك به. ونرى أن هذا هو الحق والصواب إن شاء الله فخذ به أو اتركه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1430(18/279)
أهمية تجنب الفتاوى التي توقع الفرقة بين المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلنت السعودية عيد الفطر المبارك يوم الثلاثاء بينما أعلنت مصر إكمال عدة رمضان 30 يوما أي أن العيد الأربعاء. وقد أفتى أحد الدعاة بجواز أن يختار المسلمون في مصر بين أن يصوموا يوم 30 رمضان أو يفطروا في هذا اليوم كما أعلنت السعودية. مما أثار الكثير من البلبلة والانقسام بين أفراد الأسرة الواحدة. فما حكم هذا العمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي نراه أن هذا المفتي جانبه الصواب حيث إنه لا ينبغي أن يُفتى الناس فتوى عامة من شأنها أن توقع الفرقة والعداوة وتؤدي إلى حدوث الخصومات. نعم نحنُ لا ننفي وجود الخلاف في المسألة، ولا نمنع من رأى رأياً من أن يعمل به إذا كان للاجتهاد فيه مساغ، فمن كان يرى أن الهلال إذا ظهرَ في بلد لزم جميع الناس الصوم والفطر فعملَ بهذا الرأي فلا حرج عليه في ذلك، شريطة أن يعمل به في نفسه ولا يدعو أحداً إليه ولا يحملُ أحداً عليه سداً لذرائع الفتن وإخماداً لجذوة الشر، فقد أوجب بعض العلماء الفطر سرا على من رأى هلال شوال وحده.
قال ابن مفلح في الفروع متحدثا عن هذه المسألة: قال ابن عقيل: يجب أن يفطر سرا لأنه تيقن يوم العيد وعلل ابن عقيل بما فيه من المفسدة كتركه بناء الكعبة على قواعد إبراهيم.
فالمفسدة الناشئة هنا عن الجهر بالفطر معتبرة، فإن قال قائل: كيف أمتنع من إظهار ما أراه شرع الله وهو مذهب الجمهور؟ فجوابه: هو أن الشرع قائمٌ على تحصيل المصالح وتكميلها، وتقليل المفاسد وتعطيلها، وقد نهى الله عز وجل عن سب آلهة المشركين وسبها حق، لما يجره ذلك من الفساد وهو أنهم يسبون الله عز وجل، قال تعالى: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ. {الأنعام: 108} ، وامتنع النبي صلي الله عليه وسلم من قتل عبد الله بن أبي مع ظهور نفاقه دفعاً لمفسدةٍ أرجح وهي ألا يتحدثُ العرب أن محمداً صلى الله عليه وسلم يقتلُ أصحابه، وامتنع صلى الله عليه وسلم من هدم الكعبة وإعادتها على قواعد إبراهيم لأجل أن الناس حديثُو عهدٍ بكفر، مع أن هدمها وإعادة بنائها حق، وكلُ ذلك ثابتٌ في الصحيحين وغيرهما.
فالفقيه هو الذي يُطابقُ بين الشرع والواقع، لا يُعارضُ بين الشرع والواقع، فهو كالطبيب الماهر يضع الدواء في موضع الداء.
وأما عن تحقيق القول في المسألة، فالمسألة فيها قولانِ معروفان، قولٌ بأن لكلِ أهل بلدٍ رؤيتهم وعليه أكثرُ الشافعية، وهو الذي حكاهُ الترمذي عن أهل العلم، وهو المفتى به عندنا، وانظر الفتوى رقم: 39425.
والقول الثاني: وهو مذهبُ الجمهور وهو أن الهلال إذا ظهر في بلد لزم جميع الناس الصوم والفطر، وظاهر كلام شراح مختصر خليل أن ذلك مقيد بما إذا لم تكن البلاد متباعدة جدا كالأندلس من خرسان، وأطال الشوكاني في تقريره والانتصار له في شرح المنتقى، فعلى من رأى هذا الرأي أن يصومَ ويفطر سراً لما يجره الجهر بذلك من الفتن بين المسلمين، نسألُ الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1429(18/280)
حكم مخالفة الفتاوى الصادرة من الجهات المعتبرة
[السُّؤَالُ]
ـ[لو أمر أصدر مركز الفتوى في السعوديه عليه حرام مثل مسلسل نور وأنا قرأت أنه حرام، وشفته بعد ذلك
ما الحكم فيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا صدرت فتوى من جهة معتبرة كاللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة ونحوها من هذا الجهات فيجب الأخذ بها والمصير إليها، ولا سيما في مثل هذه النوازل كالمسلسل المذكور وغيره، فإذا أفتت بحرمة مشاهدته فلا تجوز مخالفة هذه الفتوى إلا لأمر معتبر شرعا، كأن يتبين لمن له القدرة على النظر في النصوص ودلالاتها أن الراجح في غير ما ذهبت إليه هذه الجهة، وأما العامي فليس له إلا العمل بما أفتى به أهل العلم.
فقد قال تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {الأنبياء:7}
فدلت هذه الآية أن على العامي العمل بمقتضى ما يفتي به أهل العلم.
ولمزيد الفائدة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 11773.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1429(18/281)
شروط نقل ونشر الفتاوى في المواقع
[السُّؤَالُ]
ـ[تقوم بعض مواقع الفتاوى بنشر فتاوى المستفتين والسماح لزوارها بالاطلاع عليها فهل هذا جائز؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن فتاوى المواقع إن كانت مما يستفيد منه الناس يجوز بل يحسن نشرها للناس ليطلعوا عليها وينتفعوا بها لأنها من العلم الشرعي المطلوب بثه وتعليمه للناس، ويشترط لهذا الأمر أن يتم نقل الفتاوى بأمانة وأن تنسب إلى أصحابها، وقد دأب أهل العلم قديما على تدوين الفتاوى ووضعها في الكتب لينتفع بها الناس.
وما دونة الإمام مالك وفتاوى شيخ الإسلام وفتاوى الرملي والسبكي والهيثمي والفتاوى الهندية وفتح العلي المالك لعليش والمعيار للونشريسي، وفتاوى هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة، كل هذه الفتاوى دونت ونشرت ليستفيد منها المسلمون ولا نعلم أحدا من أهل العلم المعتبرين أنكر تدوينها ونشرها.
ثم إننا ننبه السائل إلى أنه إذا كان في السؤال شيء يسوء أو يؤذي المستفتي نشره فيتعين على المواقع مراعاة ذلك وكذا إذا طلب منهم عدم نشر السؤال لمصلحة معتبرة يراها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1429(18/282)
يعمل بفتوى من وجدت فيه صفة العلم بالفتيا مع ورع وعدم تساهل
[السُّؤَالُ]
ـ[بناء على الفتوى رقم 109173.
فإننا لو اقتنعنا بالدليل الشرعي واطمئنت قلوبنا لما قاله العالمان (الألباني أو ابن تيمية) رحمهما الله, وخاصة أن قولهما أيده الكثير من العلماء ودور الأفتاء في زماننا والمواقع الإفتائية المعروفة, ورغم مخالفته لبعض العلماء من الأئمة الأربعة, أو بعض دور الإفتاء وبعض المواقع الأفتائية على الانترنت إذا فلا حرج بأخذ القول في تلك المسألة, وان لم يكن الأشد والأحوط, لأن القناعة الشخصية والطمأنينة موجودة, رغم وساوس الشيطان في داخل النفس, وأقوال أن المسألة شرحها العالمان رحمهما الله واستدلا بالدليل الواضح وإنما مخالفتهما من قبل علماء آخرين كانت نتيجة لطبيعة الخلاف الحاصل في كثير من المسائل الفقهية. وكون أن المسألة تختلف من حالة شخص لآخر.
والحمد لله نحن لا نأخذ بالرخصة دائما ولكن نرى أنه إذا ترتب على عدم الأخذ بها مفاسد كبيرة فالأولى الأخذ بالأيسر بدلا من الأحوط مع توفر قول كبار العلماء ووجود شرح لللإجابة بالدليل من الكتاب والسنة مما يحضر الطمأنينة على النفوس رغم نزغ الشياطين، فما رأيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق وأن أجبناكم عن ذلك في فتوانا المرقومة في صدر سؤالك وخلاصتها إضافة إلى ما ذكرته هنا أنه لا مانع من الأخذ بذلك بشرط نية التدين وعدم تتبع الرخص، والمؤمن إذا اتقى الله ما استطاع واطمأن قلبه لفتوى عالم يتعبد بها ربه فإنه لا حرج عليه شرعا.
وقد قال تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ. {النحل:43} ، فمن وجدت فيه صفة العلم بالفتيا مع ورع وعدم تساهل سئل وعمل بفتواه كائنا من كان. وراجع الفتويين التاليتين: 74704، 4145.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1429(18/283)
ما الذي يختاره من وردته الفتوى من عدة جهات
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا سألت أي شيخ عن طريق النت وأنا في السعودية وهو مثلاً مصري كالقرضاوي وأجاب علي فهل أأثم في ذلك، مع العلم بأنني أرسلت للمشايخ ولم تصل الإجابه فأرسلت للجميع، مع العلم بأن الفتوى متعلقه بالطلاق فهل أأخذ الفتوى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في توجيه سؤالك لأحد العلماء ولو كان في بلد آخر غير البلد الذي تقيمين به، أو من جنسية أخرى غير جنسيتك، ولا حرج أيضاً في توجيه السؤال الواحد إلى عدة جهات إذا كان ذلك لغرض صحيح، كالخوف من تأخر الرد على السؤال ونحو ذلك، وإذا وردت الفتوى من عدة جهات نظرت ما هو أقرب للصواب فاتبعته، فإن لم يكن لك من العلم ما تميزين به أخذت بقول من علمت عنه أنه أوثق في علمه ودينه.
وننبه إلى أنه ينبغي الحذر من كثرة تنقل السائل بين المفتين، لأن هذا قد يحدث عنده شيئاً من الاضطراب، وينبغي الحذر أيضاً من أن يكون الهدف من هذا التنقل تتبع الرخص، وللمزيد من الفائدة راجعي الفتوى رقم: 58470، والفتوى رقم: 5592.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1429(18/284)
حكم الاستفتاء عن الطلاق وغيره عن طريق النت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في إرسال أسئلة مهمة مثل الطلاق عن طريق النت من قبل أي شيخ لأنني أنا في السعودية وأرسل قد يجيب القرضاوي أو أي شيخ مصري فلسطيني حتى إن اختلف المذهب لأن الأساس واحد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في ذلك إذا كانت الجهة التي تستفتى جهة موثوقة سواء أكانت هيئة أو مؤسسة أو عالماً من العلماء، ولو اختلف مذهبه عن مذهب السائل، فالمقلد لا يجب عليه تقليد عالم بعينه أو مذهب بذاته، لكن ننبه إلى أن بعض الأسئلة الشائكة كالتي فيها خصومات ومنازعات أو تشعب وتحتاج إلى استقصاء، ينبغي مشافهة أهل العلم بها مباشرة وعدم الاكتفاء فيها بالسؤال عن بعد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1429(18/285)
ضابط الإفتاء ونقل أقوال أهل العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أخذت بقول من يقول إن الطلاق في الحيض والطهر الذي جامع فيه غير واقع ولا يحتسب طلاقاً. فهل يجوز لي تخويف الزوجة برمي الطلاق عليها في هذه الفترات وأنا أعتقد أنه لا يقع طلاقاً أم لا يجوز، وهل يجوز لي إفتاء من يسألني أو أعلم أنه حصل له ذلك بأنه غير واقع بناء على قول من أخذتُ بقوله من أهل العلم. أم لا بد له هو أن يذهب بنفسه ويسأل العلماء؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فلا ينبغي للزوج أن يتلفظ بطلاق زوجته حال حيضها مثلاً ولو بقصد تهديدها فقط بناء على كونه لا يرى وقوع الطلاق البدعي، فإن هذا ينافي الورع والاحتياط، فجمهور العلماء على وقوع الطلاق البدعي، ولا حرج عليك في نقلك قول من أخذت بقوله إن كنت ضابطاً لهذا القول.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولاً أن الراجح من أقوال أهل العلم وقوع الطلاق في الحيض أو في الطهر الذي جومع فيه، كما بينا في الفتوى رقم: 3677.. وهو المفتى به عندنا، وعلى فرض أن الشخص يرى عدم وقوعه في هذه الحالة فلا ينبغي له أن يتلفظ بطلاق زوجته ولو بقصد تهديدها فقط، فإن هذا ينافي الورع والاحتياط، خاصة وأن من ذهب إلى وقوع الطلاق في الحيض هم جمهور العلماء، والدليل يؤيدهم، وقد نص العلماء على استحباب الخروج من الخلاف، قال السيوطي في الأشباه والنظائر: القاعدة الثانية عشرة "الخروج من الخلاف مستحب". انتهى.
وقد جاء الشرع بوسائل لتأديب الزوجة في حال نشوزها تغني عن مثل هذا الأسلوب، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 1103، على أننا ننبهك إلى أن هذا الطلاق لو رفع إلى القاضي فقد يقضي بالقول الآخر ولا عبرة باعتقادك حينها، وهذا فيما يتعلق بالشق الأول من السؤال.
أما بخصوص الشق الثاني فالذي يظهر -والله أعلم- أنه لا حرج عليك في إخبار هذا الشخص عن فتوى من أخذت بقوله على سبيل الحكاية عنه إن كنت ضابطاً لما قال. قال ابن القيم وهو يتحدث عن فتوى المقلد: قال أبو عمرو -يعني ابن الصلاح- من قال "لا يجوز له أن يفتي بذلك" معناه لا يذكره في صورة ما يقوله من عند نفسه، بل يضيفه إلى غيره، ويحكيه عن إمامه الذي قلده. انتهى.
وقال ابن عابدين نقلاً عن ابن الهمام: قد استقر رأي الأصوليين على أن المفتي هو المجتهد، فأما غير المجتهد ممن يحفظ أقوال المجتهد فليس بمفت، والواجب عليه إذا سئُل أن يذكر قول المجتهد على وجه الحكاية، فعرف أن ما يكون في زماننا من فتوى الموجودين ليس بفتوى، بل هو نقل كلام المفتي ليأخذ به المستفتي. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1429(18/286)
الفتوى تختلف باختلاف الحالة المسئول عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[عند عودتي إلى المنزل في أحد الأيام وجدت زوجتي قد اشترت الكثير من المناظر وهذه عادتها مع إننا اتفقنا أكثر من مرة أن تقلل من شراء هذه المناظر وكل مرة لا تصدق بذلك فعندما دخلت هذه المرة رأيت مناظر جديدة فابتسمت وقلت لها لن تتركي هذه العادة فقالت هي إذا رأيتني اشتريت منظرا جديدا لهذا البيت طلقني فقلت لها طيب ماشي وخرجت هذه العبارة لغوا" وأخذت مباشرة ألومها على ما قالت وقلت لها لا تتحدثي بموضوع الطلاق مرة أخرى وانزعجت كثيرا على ما حدث وخفت أن يكون ما حدث قد ألزمني بشيء والتزمت بعدم الشراء ثم أخبرت أخيها بما حدث فقال لها إن هذا لا يعد شيئا حتى لو اشتريت لأن ذلك وعد فاشترت وسألت الإخوة على موقع الإسلام أون لاين فأجابوني بأن ذلك وعد بالطلاق وليس به شيء حتى لو اشترت ولكنني رأيت فتوى على موقعكم تفيد بأن ذلك يعتمد على نية أو قصد الزوج إذا قال الزوج إن اشتريت أطلقك ولكن لو قال إن اشتريت سوف أطلقك يعد وعدا بالطلاق ولا اعرف ما حدث هنا يعتبر وعدا بالطلاق وليس به شيء أم يحتاج إلى نية القائل وجزاكم الله خيرا.
وأنا من النوع المتوسوس كثيرا في هذه المواضيع ويقلقني كثيرا هذا الموضوع.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما صدر منك هو مجرد وعد، ولا يترتب عليه شيء، حتى لو اشترت ذلك. وأما ما ذكرت في الفتوى التي اطلعت عليها فلعله لكون السائل ذكر لفظا محتملا من ألفاظ الكناية أو أن الموقف والحامل له على ذلك يقتضي ما ذكر في الفتوى وأحوال السائلين مختلفة، ولا يمكن حمل حالة على أخرى هكذا. وما دمت موسوسا فينبغي أن تبتعد عن قراءة الفتاوى في ذلك لئلا تجلب عليك كثيرا من الوساوس والأوهام، وتعتمد في ما تريد السؤال عنه على مشافهة أهل العلم أو السؤال عن حالك خاصة.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6142، 9021، 22499.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1429(18/287)
فتاوانا مبنية على ما يترجح لنا بالدليل
[السُّؤَالُ]
ـ[هنالك موقع ينشر الفتنة إن صح التعبير وهو يقول بأن عيد المولد النبوي ليس ببدعة إلى آخره.. وأن الذين يصدرون الفتوى في موقعكم هم من مذهب الوهابيين وأنه لا يجب الأخذ بفتواكم إلخ، واسم هذا الموقع فروم إسلام بالفرنسية، فما هو ردكم على هذه التهم؟ وشكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا القول الفصل في شأن عيد المولد النبوي وبينا أنه أحدثه العبيديون ضمن بدعهم التي أحدثوها في الموالد، وأنه لو كان خيراً لسبقنا إليه الصحب والسلف الصالح في القرون المفضلة.. واعلم أنا نبني الفتاوى دائماً على ما ترجح لنا بالدليل.
وننصح المسلمين بسؤال الله الهدى للحق في المسائل المختلف فيها، وأن يبحثوا عن الراجح في المسائل، لأن المسلم متعبد بما قام عليه الدليل الشرعي، ومنهي عن التقليد المبني على ما خالف الدليل.
وعليه فما كان في الفتاوى مبنياً على الدليل لا يجوز العدول عنه إلا لمن وجد ما هو أرجح منه من ناحية الأدلة الشرعية.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية للبسط في الموضوع: 38967، 65955، 76353، 8762، 71677، 39218.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1429(18/288)
لا مؤاخذة على من عمل بقول سائغ لدى أهل العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[في مسألة الاختلاف بين الفقهاء بالنسبة لمن تزوج بفتاة قد زنى بأمها قبل العقد عليها أو بعده لو أخذ الرجل بالرأي الشافعي وتبين فيما بعد خطأه بعد الموت فهل يعذب من أكمل حياته الزوجية معها؟ أليس من الأفضل تركها لتفادي الشك مع العلم بوجود أولاد..
أفيدوني جزاكم الله خيرا..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مؤاخذة على من عمل بمقتضى قول كان معتقدا صحته ومقلدا لمن قال به من أهل العلم قبل ذلك، ولا يعذب في قبره عليه لأن عمله به مأذون له فيه شرعا لأن الله أباح لمن لا يعلم سؤال وتقليد من يعلم، بل أمره بذلك لئلا يتبع هواه.
ولكن لا شك أن الأحوط والأولى في هذه المسألة هو الأخذ بالأبرأ للذمة وهو القول بالتحريم، ولكن تجب التوبة من الزنى بأم الزوجة أو بغيرها.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9331، 34278، 5812، 56633.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1429(18/289)
ايضاحات حول فتوى
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً على إجابتي في الفتوى رقم (105659) ، ولكنني لم أفهم: وأما ما سوى ذلك مما أتلفته من هذا المال في غير مصارفه الشرعية فالظاهر -والله أعلم- أنه تقرر في ذمتك، والواجب أن تتخلص مما عندك منه، مع العزم على أنك ستخرجه متى قدرت على ذلك، سؤالي هو: ما هو المقصود في غير مصارفه الشرعية، وما معنى أنه تقرر في ذمتك وماذا تقصد يا شيخي الجليل والواجب أن تتخلص مما عندك منه وفي نفس جواب الفتوى تقول إنه يمكنني الاحتفاظ بما أحتاجه من هذا المال وما المقصود مع العزم على أنك ستخرجه متى استطعت، فهل تقصد أنه في حالة احتفاظي بجزء من هذا المال للحاجة أنه علي رده حال استطاعتي وماذا لو لم أستطع ذلك، وبخصوص النقطة (2) فيما يتعلق بزواجي والذهب الذي اشتريته لزوجتي هل أطلبه منها وأتخلص منه كباقي الأموال والنقطة (3) في الفتوى الأصلية لم تجيبوني عن هذه النقطتين، أسف جداً على الإطالة ولكنني أخ لكم في الاسلام ولست عربيا فلم أفهم المعنى كله في إجابة الفتوى الأصلية؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقولنا "في غير مصارفه الشرعية" معناه ما أنفقته في شيء لم يأذن الشرع في الإنفاق فيه، وقد بينا لك الأمور التي أنفقتها في مصارفها الشرعية، ومعنى ذلك أن غير ما بينا هو الذي أنفق في غير مصارفه الشرعية، ثم قولنا "تقرر في ذمتك" معناه أنه صار ديناً عليك، وقولنا "والواجب أن تتخلص مما عندك منه" لا يتعارض مع قولنا إنه يمكنك الاحتفاظ بما تحتاجه من هذا المال، لأن احتياجك للمال يجعلك مصرفاً من مصارفه، فلك أن تحتفظ بقدر حاجتك منه، وما زاد على حاجتك يجب التخلص منه.
وقولنا "مع العزم على أنك ستخرجه متى استطعت" ليس معناه أنه في حالة احتفاظك بجزء من هذا المال للحاجة أن عليك رده حال استطاعتك، وإنما معناه أن الذي كنت قد صرفته من هذا المال في غير مصرفه، وليس عندك الآن ما تخرجه في مقابله يجب عليك العزم على أنك سترده متى قدرت على ذلك، واعلم أنك لو عدت إلى ما كتبناه لك في الجواب عن سؤالك السابق، وقرأته بتمعن لعرفت أنا لم نترك منه نقطة لم نجب عليها، ذلك أنا ذكرنا فيها أن ما ذكرت أنك صرفت فيه الأموال، منه ما يعد مصرفاً لها، كالذي قلت إنك أعطيته للفقراء والمحتاجين من الأقارب وغير الأقارب، وكمساعدتك الكثيرين في الزواج إذا كانوا محتاجين، وكإنفاقك على عائلتك إذا لم يكن لك مصدر آخر تنفق منه.
وذكرنا أيضاً أن ما أقرضته من هذا المال لمن وصفتهم بأنهم فقراء لا يملكون المال الذي أقرضتهم إياه، يمكن أن تتركه لهم على سبيل التخلص منه، وقلنا إن جميع ما سوى ذلك مما أتلفته من هذا المال فإنه تقرر في ذمتك، وأن الواجب أن تتخلص مما عندك منه، مع العزم على أنك ستخرجه -أي الباقي عليك منه- متى قدرت على ذلك ... وقلنا إن لك أن تنفق منه على عيالك وعلى نفسك بحسب حاجتك.. فهذا القدر يفيد أن ما تزوجت به من هذا المال لا يلزمك التخلص منه لأن تزوجك يعتبر من جملة الإنفاق على نفسك وأهلك وقد ذكرنا أن ذلك يباح لك.
وأما شراء الذهب لزوجتك فإنه لا يعتبر من الضروريات أو الحاجيات التي يباح لك صرف المال فيها، وبالتالي لم نتعرض له، وأبقيناه في جملة ما صرفته في غير مصرفه الشرعي، فعليك التخلص منه، وكذا الحال في النقطة (3) التي قلت إننا لم نجب عنها، فأنت ذكرت فيها أنك قمت بشراء وبيع سيارات متعددة خلال هذه المدة، وحالياً لديك سيارة واحدة فقط أنت بحاجة ماسة إليها، فهذا لا يخرج عما أجبنا عنه، لأن السيارة أو السيارات إما أن تكون الحاجة ماسة إليها، ولا يستطاع الاستغناء عنها، فهي بذلك تكون من جملة الإنفاق الذي بينا إباحته، وإما أن لا تكون كذلك فيكون صرف المال فيها إتلافاً له بغير حق، وبالتالي يلزم التخلص مما جعل فيها من المال، ونرجو أن يكون هذا القدر قد أزال ما استشكلته من جوابنا السابق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الأول 1429(18/290)
معرفة الفتوى الصحيحة من غيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أتقصى صحة الفتاوى والتي أصبحت بكثرة وحتى متضاربة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن معرفة صحة مضمون الفتوى يعرف بالنظر في دليلها، فإن كان بعض الفتاوى له دليل وبعضها لم تطلع على دليله فلا شك أن الأصح حينئذ ما وجد له دليل، وإن كان لكل من الفتاوى دليل فإنه ينظر في الأدلة التي ظاهرها التعارض بما ذكره أهل المصطلح والأصول في مسائل التعارض والترجيح، فقد ذكروا أن الدليلين إذا تعارضا ينظر في إمكان الجمع بينهما، فإن أمكن الجمع بينهما فهو أولى لما فيه من العمل بالدليلين، وذلك بأن يكون أحدهما عاماً والآخر خاصاً فيكون الخاص مخصصاً لعموم العام، أو يكون أحدهما مطلقاً والثاني مقيداً فيحمل المطلق على المقيد، وإن لم يمكن الجمع ينظر في المتأخر منهما والمتقدم، فيكون الأخير ناسخاً للأول، فإن لم يعلم ينظر في الترجيح بينهما وأسباب الترجيح ومعرفة الناسخ بسطها أهل العلم في كتبهم، فراجع فيها كتب الأصول والمصطلح والتفاسير وشروح الحديث وكتب الخلاف وعليك أن تحمل نفسك على التجرد للحق، وأكثر سؤال الله للهدى للحق فيما اختلف فيه، وأحسن الظن بأهل العلم المختلفين، فاختلاف علماء السنة ليس بسبب الهوى، ولا يعرف عنهم خلاف الدليل بعد ما صح لهم. وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6787، 71228، 5592، 51486، 51471، 93432، 101452، 29121، 103867، 69507، 14585، 31408، 62133، 100163.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1429(18/291)
مسائل حول الفتوى والفريق الذي يتولى الإفتاء بالموقع
[السُّؤَالُ]
ـ[اختلفت مع صديق لي في إحدى المسائل الفقهية وعندما أتيت له بالفتوى من مركز الفتوى الخاص بكم قال لي إن فتاوى النت ليست ثقة، فأرجو إفادتي عن أصحاب الفتوى، ولماذا لا نرى رأي ابن عثيمين وابن باز عليهما رحمة الله في الفتاوى؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يجب على المستفتي تحري العلم والورع فيمن يفتيه ما أمكنه ذلك، ولا يجب عليه التقيد بفتوى مذهب أو إمام بعينه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في فتاوى لنا على هذا الموقع أن الفتوى من الأمور الجليلة الخطيرة التي لها منزلة عظيمة في الدين، كما بينا أن من فضل الله وكرمه أن أصول الدين، وقطعيات الإسلام، وما اتفقت عليه الأمة من جليات الشرع، لم تختلف فيها الأمة، ولا يجوز لها ذلك، فليست تلك المسائل محلاً للاجتهاد أصلاً، ولكن شاء الله أن يختلف الناس في أفهامهم ومداركهم، وجعل سبحانه كثيراً من أدلة الشريعة محتملاً أكثر من دلالة، فنتيجة لذلك وقع الخلاف بين علماء المسلمين في المسائل الفرعية الاجتهادية، لكنهم ما تعمدوا خلاف نصوص الشرع، فدين الله في قلوبهم أعظم وأجل من أن يقدموا عليه رأي أحد من الناس، أو يعارضوه برأي، أو قياس.
ومن هنا نقول إن الناس على قسمين:
قسم له القدرة على معرفة الدليل واستخراجه، فهؤلاء عليهم أن يتبعوا الدليل ولا يتقيدوا بما يخالفه.
وقسم ليست لهم أهلية لمعرفة الأدلة الشرعية، فهؤلاء لا حرج عليهم في اتباع مذهب معين، أو إمام من علماء المسلمين المشهود لهم، ولا يجب التزام مذهب معين منها، وإنما الذي يجب أن يلتزم هو الكتاب والسنة وحيث ظهر الدليل فهو المعول، ولا يجوز العدول عنه إلى قول أحد كائناً من كان، فلا يدفع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بقول أحد، ولا عذر لأحد عند الله في اتباع قول يعلم أن الدليل ثابت بخلافه..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول، ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يوجبه ويخبر به، بل واتباع الشخص لمذهب شخص بعينه لعجزه عن معرفة الشرع بغير ذلك الطريق. انتهى
ونحن نوافق القائل أن فتاوى النت ليست كلها مما يوثق به، ولذلك فان الواجب على المستفتي أن يختار الأعلم والأتقى والأورع، وعليه في ذلك أن يسأل ويتحرى ما أمكنه ذلك، وراجع الفتوى رقم: 41163.
وليكن معلوما أن المنهج المعمول به في هذا الموقع هو الإفتاء بمقتضى الكتاب والسنة والإجماع وقياس أهل العلم، وإن كان ثمة تعارض فإننا لا نتخير إلا الراجح في المسألة والأقوى دليلاً، ولا نتتبع رخص المذاهب وسقطات أهل العلم، ولسنا بالخيار نأخذ ما نشاء ونترك ما نشاء، وقد قال الإمام النووي رحمه الله: ليس للمفتي والعامل في مسألة القولين أن يعمل بما شاء منها بغير نظر، بل عليه العمل بأرجحهما. اهـ.
ومما ينبغي أن يعلمه إخوتنا الكرام أن الفتوى في هذا الموقع تخضع لآلية منضبطة في إعدادها ومراجعتها، وفي إجازتها ونشرها كما أن القائمين عليها لهم شروط ومؤهلات علمية عالية وتخصصات دقيقة في مختلف المجالات التي تحتاج إليها الفتاوى، وقد سبق بيان ذلك تفصيلا في الفتوى رقم: 1122، 100108.
ولمزيد فائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها: 62828، 35416، 32653، 31408، 5592.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1429(18/292)
الفرق بين الفتوى الشرعية والفتوى القانونية
[السُّؤَالُ]
ـ[الفرق بين الفتوى الشرعية والقانونية؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفرق بين الفتوى الشرعية والفتوى القانونية هو أن الفتوى الشرعية هي التي تعتمد الشرع الإسلامي مادة ومنطلقاً ومنهجاً، والفتوى القانونية هي التي تعتمد القانون الوضعي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1429(18/293)
مناقشة الفتاوى بين القبول والرفض
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي حول الفتاوى هل يجوز مناقشتها فالكثير من الناس وأنا لا أستثني نفسي، قد أسمع أو أقرأ فتوى فأجد نفسي لا أقتنع بها. فما العمل جزاكم الله خيرا عنا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت مناقشة هذه الفتاوى تتم من قبل بعض طلبة العلم، وعلى هدى وبصيرة، ولغرض صحيح، وفي حدود الأدب مع أهل العلم، فلا حرج في ذلك فما من أحد إلا ومعرض للخطأ كما قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله: كل يؤخذ من قوله ويترك؛ إلا صاحب هذا القبر. يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإما إن وقع هذا الفعل – نعني مناقشة الفتوى المعينة – من قبل بعض من لا علم لهم، أو لغير غرض صحيح، كأن يفعل ذلك لمجرد التشهي وانتقاد أهل العلم أو التنقص من قدرهم، كما قد يفعل ذلك بعض من لا خلاق له، فمثل هذا لا يجوز، بل هو نوع من السفه. وللمزيد راجع الفتوى رقم: 29139.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1428(18/294)
الإفتاء مشافهة أفضل من المراسلة
[السُّؤَالُ]
ـ[السادة الأعزاء بخصوص سؤالي رقم (2159763) فقد أرسلت إميل إلى دار الإفتاء بمصر وأجابوا بأن أمور الطلاق الأفضل فيها الاتصال بأحد المشايخ ليعلم بما الذي قلته بالضبط ويناقشني فيما حدث وقد اتصلت بشيخين بالدعوة والإرشاد في قطر وأجابوني بأنة لاشي علي ولا يقع مني طلاق واتصلت بالشيخين كلا على حدة ليطمئن قلبي ولذا فلا أعلم هل أطلب الفتوى منكم مرة أخرى أم لا أخاف أن يعود الوسواس مرة أخرى لي وأنا أدعو الله أن يكفي شر هذا الوسواس لذا توكلت على الله وأترك الاختيار لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما أجابك به دار الإفتاء بمصر صحيح، ولذلك نحن نحيل في مسائل الطلاق في الغالب إلى المحكمة الشرعية لأن الحكم في هذه المسائل يحتاج إلى معرفة ملابسات ما حصل. وبناء عليه فالمفتي إن كان أهلا للفتوى أفضل من المراسلة لما سبق، وننصحك بأن تصرف الوساوس عن فكرك، ولا تلقي لها بالا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شوال 1428(18/295)
حتى لا يفتى بغير علم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو السبيل في الحد من انتشار الفتاوى بواسطة (من هب ودب) ؟
أرجو إفادتنا عن اللباس الشرعي للمرأة بمرجعية الأئمة الأربعة؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
السبيل الوحيد لمنع الفتوى بغير علم هو نشر العلم وتوعية الناس بخطر القول على الله بغير علم، وتعويد من لا يعلم قول لا أدري. وأما لباس المرأة الشرعي فهو اللباس الساتر الذي لا يثير الفتن ولا تشبه فيه، واختلف هل يجب ستر الوجه أم لا، ويتعين ستره على من تخشى بها الفتنة أو يخشى عليها إن هي كشفت وجهها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلمين يتعين عليهم أن يسعوا في إيجاد نخب من طلبة العلم في كل مكان يستطيعون إسعاف المستفتين وتعليمهم ما يحتاجون له من أمورهم الدينية، ويغنونهم عن استفتاء الجهال، ويحرم على من يجهل الحكم في مسألة ما أن يفتي فيها بغير علم؛ لقول الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ انتهى. {الأعراف:33} وقد قال بعض الحكماء: من كان يهوى أن يرى متصدرا ويكره لا أدري أصيبت مقاتله.
فلا بد للأمة أن تسعى في الاستغناء عن تجاسر الجهال على الإفتاء حتى لا نقع في الضلالة المذكورة في الحديث: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا يتنزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا. متفق عليه. وراجع للمزيد في الموضوع وفي اللباس الشرعي للمرأة الفتاوى التالية أرقامها مع إحالاتها: 45231، 56045، 55984، 37990، 53175، 59623، 14585، 71490، 5583، 6745، 74822، 74264، 65221، 60005.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1428(18/296)
الأدلة على تأثر الفتوى بالظروف المكانية والزمانية
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض العلماء يغير آراءه وفتاويه ويحتج بأن الأئمة لهم أقوال في المسألة ولا غضاضة في الأمر وأعتقد أن الأمر ليس صوابا حيث إن العلماء السابقين لم يكن العلم مبذولا لهم مثل هذه الأيام ويمكث الشهور الطويلة في السير للحصول على حديث واحد ويجتهد في التدقيق في متن وسند وجرح وتعديل الرواة، لذلك يحق له التغيير والرجوع أما الآن فالأمر يختلف يستطيع ابن المتوسطة أن يجمع آراء العلماء والمذاهب الأخرى كذلك في وقت قصير ويختار من أقوالهم ولا يحتاج إلى أن يغير فتواه بعد ذلك لأن العلماء قد ماتوا ولن يغيروا أقوالهم وعلماء اليوم مهما اجتهدوا فهم يجتهدون في الاختيار من أقوال هؤلاء العلماء فقط إذاً القول في المسألة قد حسم من البداية.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس الأمر كما تصورته -أيها الأخ الكريم-، وذلك من منظورين اثنين:
الأول: أن الفتوى تتأثر بالزمان والمكان وغيرهما من الظروف المحيطة بها، وبالتالي فلا يتصور أن ما يفتي به زيد في مسألة معينة سيفتي به بالضرورة عمرو في نفس المسألة.
ولقد تحدث العلماء عن هذا كثيرا وبينوه في كتبهم، وجلبوا له الأدلة والبراهين من السنة وفعل السلف الصالح، ومن هذا ما نقله الزرقاني في شرحه للموطأ من أن عمر بن عبد العزيز كان يقول: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور.
وذكر ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين أمثلة عديدة تدل على تأثر الفتوى بالظروف المكانية والزمانية، نذكر لك منها ما يلي:
المثال الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وقد حكي عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه قال: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم يشربون الخمر فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه وقلت له: إنما ذم الله الخمر؛ لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم.
المثال الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن قطع الأيدي في الغزو. رواه أبو داود. فهذا حد من حدود الله تعالى قد نهى عن إقامته في الغزو خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين حمية وغضبا. ولا يخفى ما في هذا من تأثر الفتوى بالمكان.
المثال الثالث: تغيرها بالزمان في إسقاط عمر بن الخطاب لحد السرقة عام الرمادة، قال ابن القيم - نقلاً عن السعدي -: قال عمر: لا تقطع اليد في عذق ولا عام سنة. قال السعدي: سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث، فقال: العذق النخلة، وعام سنة المجاعة، فقلت لأحمد تقول به؟ فقال: إي لعمري.
والثاني: أن قولك إن ابن المتوسطة يستطيع أن يجمع آراء العلماء والمذاهب الأخرى في وقت قصير ... هو كلام مبالغ فيه إلى حد بعيد.
فصحيح أن العلوم قد دونت وسهلت وسائل البحث فيها، ولكن فهمها وتطبيقها على الواقع، ومعرفة الراجح منها، وغير ذلك من الأمور الكثيرة ليس متاحا لكثير من الناس، وأحرى من هو في المتوسطة.
كما أن تغيير الرأي إذا كان مضبوطا بالضوابط الشرعية، فإنه يدل على ورع صاحبه.
وعلى أية حال، فنحن نقر بأن من واجب المفتي أن يدقق نظره في الأمور حتى لا يخرج للناس إلا ما هو جازم من صحته. ومع ذلك فإن الخطأ يبقى دائما محتملا في كل عمل بشري تصديقا لقول الله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1428(18/297)
خطورة الفتوى وما يجب على الناظر في الفتاوى
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا يوحد العلماء الفتيا خاصة في البلد الواحد ويأخذون أيسر الفتاوى في الأمور التي تخص الفرد ومن ذلك حلق اللحية، عمليات التجميل، تطويل الثوب، النمص وغير ذلك وهي لن تخرج عن أقوال الأئمة الأربعة، أما في الأمور التي لها علاقة بالآخرين فيؤخذ بما ينفع المجتمع من حيث شدة الفتاوى ومن ذلك كشف وجه المرأة الربا والغناء وغير ذلك، ولا عبرة بقول قوة الدليل، والسبب من الذي عنده الحق في تقوية الحديث وتضعيفه إذا كنا نأخذ الحديث سندا ومتنا وجرحا وتعديلا من كتبهم واذا اجتهدنا رجحنا قول أحدهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن الأمر ليس بهذا القدر من السهولة، فالفتوى من الأمور الخطيرة والتي لها منزلة عظيمة في الدين. والمفتي خليفة النبي صلى الله عليه وسلم في أداء وظيفة البيان -نسأل الله العون والصفح عن الزلل-. والمفتي موقع عن الله تعالى، قال ابن المنكدر: العالم موقع بين الله وبين خلقه فلينظر كيف يدخل بينهم.
والذي يجب على الناظر في الفتاوى أن يختاره هو ما شهد له الكتاب والسنة والإجماع، وكان جاريا على قياس أهل العلم، وإن كان ثمة تعارض فإنه لا يأخذ إلا بالراجح في المسألة وهو الأقوى دليلا والأسلم تعليلا.
وليس المفتي بالخيار يأخذ ما يشاء ويترك ما يشاء، وقد قال الإمام النووي رحمه الله: ليس للمفتي والعامل في مسألة القولين أن يعمل بما شاء منهما بغير نظر، بل عليه العمل بأرجحهما.اهـ.
وبذلك تعلم أن أخذ العلماء بأيسر الفتاوى في الأمور التي تخص الفرد، كحلق اللحيه وعمليات التجميل وتطويل الثوب والنمص ... ، وأخذهم بالشدة في نحو كشف وجه المرأة وفي الربا والغناء وغير ذلك ... ، دون النظر إلى ما هو راجح أو مرجوح من ذلك، هو –في الحقيقة- زلل كبير وشطط، لا يحق لمن ينتمي إلى الإسلام أن يراه صوابا.
هذا، وليعلم أن لاختلاف العلماء أسبابا لا يمكن تجاهلها أو رفعها ولا يتصور ذلك إلا من ليس له معرفة بتلك الأسباب وهي ليس فيها طعن في الشرع ولا انتقاص منه، ولمعرفة تلك الأسباب يمكن مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 6787، 26350، 4145.
كما أن موضوع الجرح والتعديل ليس بما تصورته من البساطة والسهولة، فهو موضوع يعنى بالرجال الناقلين لحديث النبي صلى الله عليه وسلم والآثار والأخبار، والنظر في شرائط قبولهم، وأسباب ردهم ...
ولا يخفى ما لهذه الأمور من الصعوبة والخطورة، وهو علم قد تخصص فيه رجال كثيرون من علماء الأمة، فنقحوه ومحصوه وبينوا الزائف منه عن الصحيح.
وليس أمرا عشوائيا يأخذ منه الفرد كيفما شاء، ويجب على المسلم أن يعلم أن شرع الله تعالى ليس ألعوبة يلعب بها كل من هب ودب ويتكلم فيها من شاء بما شاء، وإنما يجب أن يقتصر الكلام في الشرع على أهل العلم المختصين ومن تكلم فيه من غيرهم فيخشى عليه أن يكون ممن يقولون على الله بغير علم وذلك ذنب شنيع وإثم عظيم.
ونسأل الله أن يهدينا إلى صراطه المستقيم، وأن يجنبنا زلل القول وخطَل الرأي، إنه نعم المولى ونعم النصير.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1428(18/298)
الفتوى تكون على قدر سؤال السائل
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيراً على ما تفيدون به الناس وجعله في ميزان حسناتكم إن شاء الله، عندي مشكلة سأرسلها فى سؤال آخر بداية عندما يعرض أي فرد من الناس شكواه ينظر لها من منظوره الخاص وعندما يشكو قد يكون متجنيا على الطرف الآخر فعلى سبيل المثال جاء فرض بشكوى هذا ضربني وسبني فما حكم هذا فأعتقد يا سماحة الشيخ أنه يجب الاستماع إلى الطرف الآخر فنقول لماذا ضربك فيقول الآخر لقد سبني بداية فجاء الخطأ على الطرف الأول الشاكي فكيف تكون الفتوى باستماع إلى طرف واحد ويوجد بعض الأفراد من الممكن أن يزيدوا فى الكلام ويدوروا لكى يصل إلى كلمة يبني عليها فيما بعد قرارات قد يكون متخذها من قبل، السؤال (لينفق ذو سعة من سعته) زوجتى تقول هذا وأقول لها يجب الادخار حيث إن دخلنا غير ثابت اليوم أعمل غداً لا أعمل وأن نترك أولادنا أغنياء خير من أن نتركهم فقراء سأسترسل بالسؤال فيما بعد في سؤال آخر أو مثال آخر زوجة تشتكي من قلة الإنفاق من زوجها يجب أن يُسأل زوجها لماذا إذا كان دخله بسيطا انتفى عنه التقتير، اقترح أن يكون باب فتاوى الأسرة من شقين الزوج والزوجة فيتم السؤال وكل منهم يكتب ما يتراءى له ويحكم بينهم المفتي يقول كل منهم مشكلته واسمة مثال اسم الزوج اسم الزوجة شكوى الزوج وشكوى الزوجة في سؤال واحد هكذا؟ ووفقكم الله لما فيه خير للمسلمين ورفعة الأمة والله الموفق.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر للسائل اقتراحه، لكن نفيدك بأننا نجيب كل سائل على قدر سؤاله، وحسبما عرض، ولذلك نأتي في أحيان كثيرة بعبارة تدل على أن جوابنا هو حسبما عرض السائل وعلى افتراض صحته فنقول مثلاً "إن كان واقع الحال ما ذكر...." ونحاول أن نستقصي كافة الاحتمالات التي يشتمل عليها سؤاله، ويبقى بعد ذلك جوابنا ليس ملزماً للطرف الثاني إن وجد، بل ليس ملزماً للسائل نفسه، هذا فضلاً عن أن المفتي ليس مطلوباً منه أن يأتي بالطرف الآخر لأنه ليس حاكماً ولا قاضياً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1428(18/299)
حكم الأخذ بقول من خالف جمهور العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الأخذ برأي عالم خالف الجمهور كبعض أقوال الشيخ الألباني رحمه الله والتي خالف فيها جميع العلماء كالذهب المحلق مثلا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعبرة في الترجيح بين الأقوال هي موافقة الدليل واتباع ما هو أقرب إلى الصواب وأوفق لمقاصد الشرع، فإذا خالف أحد العلماء قول جمهور العلماء وتبين أن الدليل مع هذا القول الذي اختاره فيؤخذ بهذا القول لموافقته للدليل، وانظر الفتوى رقم: 29396.
وأما بخصوص مسألة لبس النساء الذهب المحلق فالراجح جوازه لأدلة ذكرناها في الفتوى رقم: 1488.
وأما إذا كان في المسألة إجماع فلا تجوز مخالفته، ولكن قد يتعذر في الغالب إثبات دعوى الإجماع بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم، ولذا فليس كل مسألة يُدَّعى فيها الإجماع تكون فيها هذه الدعوى صحيحة، وراجع الفتوى رقم: 28730.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1428(18/300)
هل تتغير الأحكام والفتاوى بتغير المكان والزمان والأحوال
[السُّؤَالُ]
ـ[أساتذتي الأفاضل المفتين مع احترامي وتقديري لكم إلا أن الإجابات على السؤال رقم 2155310 غير مقنعة ولا تماشي العصر.....فلو أتينا لموضوع أنها تخدع الخاطب، فهي ليست خداع وإنما زينة حثنا الله علينا، فهل يعقل أن يأتي الخاطب دون أن تسرح شعرها أو على الأقل تمشطه؟؟؟!!!! وكذلك الحاجب.
وكما ذكرت سابقا أن الشافعي غير منهجه بالفتوى نظرا لاختلاف الأعراف والثقافات والعادات عند الناس....فكم أتمنى أن يرجع المفتون إلى الواقع وإلى أنفسهم ويراجعو أحاديث الرسول عليه أزكى الصلاة والتسليم ليفسروها هم كما اجتهد غيرهم وفسرها ... لا إلى ما حفظوه في دراساتهم الجامعية.
ولكم جزيل الشكر والتقدير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتاوى السابقة الأدلة وكلام أهل العلم في الموضوع المطروح، والذي نريد أن ننبه عليه هنا هو ما يتعلق بسؤالك الجديد فنقول:
النصوص الثابتة من القرآن والسنة لا تتغير ولا تتبدل ولا ينظر فيها إلى تغيرات العصر، وإلا صار الخمر والزنا ونحوهما حلالا في هذا العصر لأن ذلك اشتهر وصار من مقتضيات الحرية الشخصية وتطورات العصر عند كثيرين.؟
وأما تغيير الإمام الشافعي رحمه الله لمذهبه وتغيير غيره من أهل العلم لبعض آرائهم فليس في مثل هذه المسائل أبدا، وإنما هو في مسائل ظنية اجتهادية اختلفوا فيها مع غيرهم، واختلف فيها من قبلهم، فتغير رأي الشافعي فيها لعلمه بأدلة أخرى ووجهات نظر عند آخرين من أهل العلم الذين التقى بهم، وليس لمجرد اختلاف العصر أو المكان.
وليس لمتأخري الأمة أن ينقضوا دعائم الدين وثوابته التي قررها من قبلهم من الصحابة والتابعين وسائر الأمة المشهود لهم بالعلم والورع والديانة والعمق في فهم مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من النصوص المدونة فيهما، وقد جاءت الشريعة بضوابط للفهم واستخراج الأحكام، وليس الأمر متروكا للأهواء والأذواق والتشهي.
وقد أصبحت الشريعة في هذه الأزمان حمى مستباحا يتكلم في فهمها وتفسيرها الجهلة الذين لا يحسنون الطهارة والصلاة، ولا نجد هذه الجرأة للكلام في الطب ونحوه، وما ذلك إلا تصديقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بموت العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا. رواه البخاري ومسلم.
والحاصل أنه لا بد من الرجوع إلى أهل الاختصاص في كل فن، فهم أدرى به وبأصوله ومتغيراته، ولا يحتاجون إلى وصاية غيرهم ممن بهرتهم الحضارة الزائفة والترويجات المغرضة، وطريق الهداية واضحة في القرآن والسنة لمن أراد الله به الخير، ونسأل الله تعالى أن يمن عليك بذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1428(18/301)
هل ابن تيمية مجتهد مطلق وبيان أنواع الاجتهاد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ابن تيمية مجتهد مطلق، وأرجو تفصيل أحوال الفقهاء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشيخ الإسلام ابن تيمية معروف بسعة علمه واطلاعه وقد جعله بعض أهل العلم مجتهداً مطلقاً.
وإن كان المقصود بقولك أحوال الفقهاء أنواع المجتهدين فهم أربعة أنواع: مجتهد مطلق ومجتهد في مذهب إمامه أو في مذهب غير إمامه، ومجتهد في نوع من العلم، ومجتهد في مسألة أو مسائل، وإليك التفصيل، قال المرداوي في الإنصاف: واعلم أن المجتهد ينقسم إلى أربعة أقسام: مجتهد مطلق، ومجتهد في مذهب إمامه، أو في مذهب إمام غيره، ومجتهد في نوع من العلم، ومجتهد في مسألة أو مسائل ذكرها في (آداب المفتي والمستفتي) فقال: القسم الأول: المجتهد المطلق: وهو الذي اجتمعت فيه شروط الاجتهاد التي ذكرها المصنف في آخر "كتاب القضاء" على ما تقدم هناك إذا استقل بإدراك الأحكام الشرعية، من الأدلة الشرعية العامة والخاصة، وأحكام الحوادث منها، ولا يتقيد بمذهب أحد، وقيل: يشترط أن يعرف أكثر الفقه، قدمه في "آداب المفتي والمستفتي" قال أبو محمد الجوزي: من حصل أصوله وفروعه فمجتهد، وتقدم هذا وغيره في آخر "كتاب القضاء" قال في آداب المفتي والمستفتي: ومن زمن طويل عدم المجتهد المطلق مع أنه الآن أيسر منه في الزمن الأول، لأن الحديث والفقه قد دونا، وكذا ما يتعلق بالاجتهاد من الآيات، والآثار، وأصول الفقه، والعربية وغير ذلك، لكن الهمم قاصرة، والرغبات فاترة، وهو فرض كفاية، قد أهملوه وملوه، ولم يعقلوه ليفعلوه. انتهى. قلت: قد ألحق طائفة من الأصحاب المتأخرين بأصحاب هذا القسم: الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله عليه، وتصرفاته في فتاويه وتصانيفه تدل على ذلك، وقيل: المفتي من تمكن من معرفة أحكام الوقائع على يسر، من غير تعلم آخر ... إلى آخر كلامه في بقية المجتهدين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رجب 1428(18/302)
ضابط عام فيما يعترض المسلم من مسائل الخلاف الفقهي.
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الشيخان ابن باز وصالح الفوزان إن كل المسابقات محرمة وهي من القمار وأكل أموال الناس بالباطل حتى لو كانت الجوائز أو الهدايا من طرف ثالث استناداً على حديث: لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر. أما الشيخان الألباني وتلاميذه وابن عثيمين يقولون إنها ليست من الميسر والقمار ما دامت الجائزة مقدمة من طرف ثالث غير المتسابقين مع أنهم أقنعوني أكثر من الشيخ ابن باز والفوزان، فهل نأخذ بفتوي الشيخ ابن باز مع عدم الاقتناع أم نأخذ بفتوى الشيخين الألباني وابن عثيمين وكافة العلماء مع الإقناع والحجة، علما بأنهم استندوا كذلك على نفس الحديث، فأفتوني سريعا جزاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسلم إذا وقف على خلاف لأهل العلم في مسألة من المسائل، وكان من طلبة العلم وله ملكة يستطيع بها المقارنة بين أقوال العلماء والنظر في أدلتهم ووجوه استدلالهم والترجيح بينها فعليه أن يختار من أقوالهم ما يظهر له أنه أقرب إلى الصواب فيتعبد الله تعالى به.
وأما إن كان عامياً ولا يستطيع النظر في الأدلة والترجيح بين الأقوال فعليه أن يقلد من يرى أنه أكثر علماً وورعاً، وهذا ضابط عام يسير عليه المسلم في كل ما يعترضه من مسائل الخلاف الفقهي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1428(18/303)
مقولة من قال لا أدري فقد أفتى
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن أعرف مدى صحة هذا الحديث أو هذه الكلمات وهي (من قال لا أعلم أو لا أدري فقد أفتى) ، وإن لم تكن هذه الكلمات حديثا شريفا فأرجو تأكيد معناها ومفهموها وأنها تطابق تعاليم الإسلام ومنهجه حتى وإن لم تكن حديثا شريفا وأنها من نهج الأولين والصحابة والتابعين وكبار الأئمة حيث إنني اعتقدت أولاً أنها حديث شريف وقلت ذلك لأحد الأجانب الذين أوضح لهم الإسلام وحيث إنني لم أجد هذا الحديث، فأرجو تأكيد المعنى حتى يعلموا ماهية الإسلام، وأرجو أن يكون الرد باللغة الإنجليزية وأن يتم إرساله على إيميلي؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القول المذكور ليس حديثاً نبوياً وإنما هو من كلام الحكماء وأهل العلم، وقصدهم أن السائل يعلم أن المسؤول لا يملك المعلومة التي يسأل عنها فيسأل غيره، ولذلك فهذه الجملة مطابقة لمنهج الإسلام ونصوصه ... فلا يجوز للمسلم أن يقول في دين الله ما لا علم له به، فقد قال الله عز وجل: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ {النحل:116} ، وقال صلى الله عليه وسلم: ... ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. متفق عليه، وقال علي رضي الله عنه: ولا يستحي من يعلم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول الله أعلم. وقال مالك: من فقه العالم أن يقول لا أعلم. وقال الشعبي: لا أدري نصف العلم. إلى غير ذلك من النصوص التي ذكرها أهل العلم في محلها وخاصة ابن القيم في كتابه الرائع إعلام الموقعين عن رب العالمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1428(18/304)
وجوب تجديد النظر فيما حكم به الحاكم من قبل
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الرسول: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر. علام يدل استحقاق المجتهد الأجر سواء أصاب أو أخطأ، وهل يغني اجتهاد الحاكم في المسألة عن تجديد الاجتهاد في المسائل المشابهة ولماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث رواه البخاري ومسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، وهو دال على أن المجتهد مأجور على كل حال أصاب أو أخطأ، كما هو واضح. وفي هذا بيان أن كل مجتهد مأجور، وأن من بذل وسعه في الاجتهاد، وكان من أهله أجر، وأنه ليس كل مجتهد مصيباً، بل المصيب واحد على ما ذهب إليه المحققون من أهل العلم، والمسألة محل خلاف.
واجتهاد المجتهد في مسألة لا يغني عن اجتهاده هو أو غيره من المجتهدين في المسألة نفسها أو في مسائل مشابهة، بل يجب عليه إعادة النظر والبحث فيها، فقد يظهر له فيها ما لم يظهر له من قبل، ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرحه لهذا الحديث الوارد بالسؤال عن القرطبي أنه نقل عن أهل الأصول أنهم قالوا: يجب على المجتهد أن يجدد النظر عند وقوع النازلة ولا يعتمد على ما تقدم له لإمكان أن يظهر له خلاف غيره. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 جمادي الأولى 1428(18/305)
موقعنا في منصب الفتوى لا في منصب القضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[بالإشارة إلى ما تفضلتم به في الفتوى الخاصة بما قدمناه بشأن البستان المتنازع عليها
1 هناك عرف عشائري متعارف عليه ومعمول به في المنطقة التي نسكنها حيث إن كل قطعه أرض بور أو مشاعة يتم الوضع اليد عليها من قبل أي شخص من أبناء المنطقة وبحضور شهود لا يمكن المطالبة بها من قبل أي شخص
2 قبل أكثر من 20 سنه قمنا بوضع اليد على قطعة الأرض المشار إليها وتم تعديلها وإصلاحها وتشجيرها من قبلنا وفي نفس الوقت قام شقيق المذكور بوضع اليد على قطعه بمنطقتنا وتم تشجيرها من قبله ومدينتنا تبعد 300 كم عن بغداد
3 نحن إخوة أربعة قسمت علينا ثلاثة منهم بنوا دورا وسكنوا فيها وبقت الرابعة صاحبها وهو شقيقنا استشهد في حرب ايران1987 وبقت أرضه بستانا، ترعاها والدته، وتعتبرها سبيلا، تعارضنا في بنائها لكون شقيقنا ليس له أولاد وهي المشكله عليها.
4 في عام 2001 قام المدعو س باستغلال منصبه وتسجيلها باسمه ولدينا شهود وكتب رسمية تؤكد ذلك
5 في عام 2002 قدمت والدته شكوى بالمحكمة وكشف القاضي على البستان وثبت عدد الأشجار والنخيل وعمرها إ لا أنه استغل منصبه وقرار مكرمة القائد وحصل على أمر وزير الداخلية بقلع الأشجار خلافا لأمر القاضي بإيقاف التنفيذ.
6 قبل الاحتلال بعدة شهور ةنتيجه المشاكل التي أثيرت حول القطعة وكونه مسؤولا خصصت له قطعة في بغداد بدلا عنها، وأكد لنا أمام شهود أنه رفضها واستلم مكانها في بغداد.
7 بعد دخول قوات الاحتلال سمعنا أن المدعو أحمد الجلبي قام بالاستيلاء على القطعة ل كونها تعود له، وقام أهل الشخص س بمطالبتنا بالأرض لكونه لم يستلمها وبقت بأيدينا وفيها بعض الأشجار.
8 طلبت من وكلائه وأهله الحضور والاحتكام إلى جهة شرعية فرفضوا.
9 اتفقنا مرتين وتنصلوا من الاتفاق.
10 عندما تناثرت الأشجار والنخيل دمعت أعين الأطفال والنساء وباتوا بدون عشاء.
سبحان الله حسبنا لله ونعم الوكيل.
جزاكم الله خيرا لإيضاح أمور تهم المسلمين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نعتذر للأخ الكريم عن الحكم في هذه القضية لأننا هنا في هذا الموقع في منصب الفتوى ولسنا في منصب القضاء، ولا يخفى على السائل أن القضاء يحتاج إلى بينات وإلى السماع من الأطراف جميعا والشهود وغير ذلك من إجراءات القضاء.
وموقعنا في الشبكة الإسلامية مجاله في الرد الفقهي، وبيان الأحكام الشرعية، وقد سبق في الفتوى السابقة أن أشرنا إلى مسألة وضع اليد وأنها من المرجحات لصاحب اليد مع يمينه في حال لم تك هناك بينة لأحد الطرفين، فإذا تحقق مناط هذا الحكم في الأرض المتنازع عليها فهي ملك لصاحب اليد ولورثته من بعده، وليس لأحد منازعته فيها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ربيع الثاني 1428(18/306)
الإفتاء في مسائل المناكرة والخصام يحتاج لمعرفه كاملة بالواقعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة من قريب لي بعد زواجنا اكتشفت أن زوجي يتعاطى المخدرات لم أخبر أهلي ذلك حرصا على زواجي وأخذت في نصحه وأنه هو الذي أخبرني بتعاطيه وأن معظم من حوله في العمل يتعاطى, ولكن بعد مدة أخذتني الشكوك بأنه لوطي يفعل ويفعل به، وكان يطلب مني فعل ذلك معي وكنت أمتنع وأنصحة وكان يتذمر، ولا يأتيني إلا متذمراً وأنه لا رغبة، ولكن يفعله مكرها لأجلي وكنت أقول له إن كنت لا ترغب فأنا لا أرغب عندها يبتعد وكان يقول سوف أكسر عينك ويضربني.. بعد سنة من زواجنا وأنا في آخر فترة حملي زادت الشكوك فأخبرت أخي الأكبر اكتشفنا أن تهديده لي بكسر عيني بأنه كان يمارس اللواط مع أخي الأصغر فثارت ثائرة إخوتي الكبار وتم ضربه وتسليمه للشرطة لاعتدائه على أخي، وطلب الطلاق إلا أنه أنكر وادعى بأنها كيدية لطلب الطلاق ولوجود معارف لوالده تم إطلاق سراحة والضغط علينا بأنه لا توجد بينة، ولكم لدرء الفضيحة لكم ما طلبتم سيتم الطلاق بعد التنازل عن القضية تم التنازل بعد الاتفاق بين والدي ووالده، ثم نقض الاتفاق، والآن هم يطالبون بعودتي وأنه تاب، الآن لديه طفلة، ولا أرغب بعودتي إليه وأهلي كذلك، ساعدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن تعاطي المخدرات وارتكاب فاحشة اللواط من كبائر الذنوب والآثام، وللمرأة الحق في طلب الطلاق من الزوج المقارف لهذه المعاصي. وسبق بيانه في الفتوى رقم: 67124، والفتوى رقم: 70723.
أما الصيغة التي تم بها التنازل عن الحق وإطلاق سراح الزوج السجين مقابل الطلاق، فلم توضح السائلة ما إذا كانت من طرف الزوج أو وكيله أو من طرف شخص لم يوكله الزوج، كما أنها لم توضح ما إذا كانت على سبيل الالتزام أو لا.
وعلى كل حال فنحن نعتذر عن الإجابة عنها بما أنها قد تكون فيها مناكرة وخصام، والإفتاء فيها على وجه الدقة لا يتأتى إلا بعد معرفه كاملة بالواقع، ولكنا ننصح بمراجعة المحاكم الشرعية فهي صاحبة الاختصاص في مثل هذه المسألة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1428(18/307)
المعيار الذي ينظر إليه عند الأخذ بالفتوى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أخذ الفتوى من علماء معروفين كشيخ الأزهر ومفتي مصر إذا كان ظاهر الفتوى يبدو مخالفاً لما اعتاد عليه الناس مثل المقصود بالنمص والتعامل مع البنوك التجارية وغير ذلك، فهل يحاسب المسلم إذا أخذ بهذه الفتاوى على سبيل التخفيف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى أن كثيرين من شيوخ الأزهر والمفتين في مصر قد أفتوا بحرمة أخذ الفائدة والتعامل مع البنوك الربوية، ولك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 39555.
كما نريد أن ننبهك إلى أن الذي يجب أن ينظر إليه في الفتوى هو مدى موافقتها أو مخالفتها للشريعة الإسلامية، لا مخالفتها أو موافقتها لما اعتاد عليه الناس، فما اعتاد عليه الناس ليس بالضرورة موافقاً للشرع، وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فاعلم أن الذي ينجي المؤمن عند الله هو الأخذ بما قام عليه الدليل، وقد قام الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على حرمة التعامل بالفوائد الربوية لمن لم يضطر إلى ذلك اضطرارا حقيقياً، وتحريم النمص، ولك أن تراجع في الأول الفتوى رقم: 73994، وفي معنى النمص وحكمه الفتوى رقم: 38441.
والحاصل أنه لا يجوز أخذ الفتوى من أي أحد إذا كانت مخالفة لما عليه الدليل، سواء تعلق ذلك بالربا أو النمص أو غيرهما، وسواء كان صاحب الفتوى مشهوراً بين الناس أو لم يكن كذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1428(18/308)
هل تتأثر الفتوى بتغير أحوال الناس وعاداتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت لأحد العلماء في كتاب يتحدث فيه عن أحكام الاختلاط قوله أن لا عبرة بفساد الناس، فهل هذه قاعدة مقبوله ومطردة؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من سعة شريعة الإسلام ومرونتها وكمالها وملاءمتها للفطرة والعدالة وصلاحيتها لكل زمان ومكان مراعاتها لأحوال الناس وعاداتهم وللزمان والمكان، وقد ذكر أهل العلم تغير الفتوى وتأثرها بهذه الأمور، ولذلك فإن صلاح الناس وفسادهم له اعتبار في الحكم والفتوى.
فقد كان الخليفة عمر بن عبد العزيز -وهو من أهل العلم والاجتهاد- يقول: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور. كما في شرح الزرقاني لموطأ الإمام مالك، وفي تبصرة الحكام لابن فرحون: أن قضاة بلادهم (المغرب) لا يحكمون باليمين والشاهد ولا يقضون به ... لما ظهر من فساد الناس وقلة المراعات في الشهادات. ولذلك استحسن بعض أهل العلم الإكثار من الشهود عند فساد الناس وقلة العدالة.
وهذا كله يدل على أن فساد الناس له اعتبار في الحكم والقضاء، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 25069 نرجو أن تطلع عليه، كما نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 3539 عن الاختلاط المحرم وما أدى إليه من الفساد في هذا العصر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1428(18/309)
الأخذ بالأحوط في الأحكام الشرعية مستحب عند أهل العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الأحوط فقهيا في حالة إذا ما اختلف العلماء على قضية ما؟ فانا أريد أن أعيش على الأحوط ولكني في بعض الأوقات لا يمكني فهم الأحوط في بعض القضايا.
فهل لو سألنا بعض العلماء عن مسألة ما وحدث أن أجاب 5 مثلا بأنها مباحة وأجاب 1 و 2 بأنها محرمة أو على الأقل مكروهة. فهل الأحوط هنا أن نأخذ برأي هذا العالم (إذا كانوا متساوين في العلم أو لديهم فروق بسيطة في درجة العلم) .
وهل المفروض أني أتعامل مع شيخ أو عالم واحد فقط وآخذ منه كل الفتاوى كما قيل لي ولكن في بعض الأحيان يكون هناك صعوبة في الوصول للعلماء الثقات، ولذا يتم السؤال مع أكثر من شخص أو أوصى أكثر من أحد للسؤال مع بعض الثقات ثم يحدث أن تأتيني الإجابات في فترة واحدة فيحدث تجمع أكثر من فتوى.
ثم هل إذا أرغمت زوجتي على أن تتعامل بالأحوط أكون آثما لذلك؟ أنا أحاول أن أتعامل برفق ولكني أسأل عن المبدأ، هل لي أن أحدد النمط الذي نسير عليه كجزء من قوامتي أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأخذ بالأحوط في الأحكام الشرعية هو ما يسميه العلماء: الخروج من الخلاف، وهو مستحب عند أهل العلم، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان بن بشير المتفق على صحته، قال: إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، وحمى الله محارمه. وهذا لفظ مسلم.
ويكون الخروج من الخلاف بفعل ما اختلف في وجوبه، وترك ما اختلف في تحريمه.
فإذا اختلف العلماء في صحة ذكاة مذبوح معين فالأحوط هو عدم الأكل منه ولو كان القول بعدم حليته مرجوحا.
ولو اختلفوا في وجوب عبادة معينة كان الأحوط التزام تلك العبادة ولو كان القول بعدم وجوبها راجحا.
وأحيانا قد لا يوجد قول أحوط في مسألة معينة، وفي تلك الحالة يلزم الأخذ بالقول الراجح.
فمثلا لو افترضنا أن عدلا واحدا رأى هلال رمضان، فإن الصوم يجب عند جمهور أهل العلم من الحنفية والشافعية والحنابلة، ولا يجب عند المالكية. فإذا كمل ثلاثون يوما من يوم رؤية ذلك العدل ولم ير الهلال، فإن الفطر يجب عند من أوجبوا الصوم برؤية العدل الواحد وهم الجمهور، ولا يجوز الفطر عند المالكية.
وهنا لا يوجد أحوط في المسألة، لأن من صام يكون قد صام يوم العيد في مذهب الجمهور وذاك محرم، ومن أفطر يكون قد أفطر في يوم من رمضان في مذهب المالكية، وذاك محرم أيضا.
فالواجب في مثل هذه الحالة هو العمل بالراجح وهو هنا مذهب الجمهور.
وهذا الجواب فيه رد على أكثر أسئلتك.
واعلم أنه ليس من المفروض أن تتعامل مع عالم واحد فقط، بل لك أن تسأل من تثق بعلمه ودينه من أهل العلم ما دمت لست أهلا للنظر في الأقوال والترجيح بينها.
وأما سؤالك عما إذا كان إرغامك لزوجتك على أن تتعامل بالأحوط يكون عليك فيه إثم أم لا؟ فالظاهر أنه ليس من حقك أن ترغمها على أن تتعامل بالأحوط، لأنها إما أن تكون عالمة فتتعبد الله بما ترجح عندها، وإما أن تكون مقلدة فتقلد الموثوق في علمه ودينه عندها.
وإذا ثبت أنه ليس من حقك إرغامها على هذا الأمر، فلا شك أنك ستكون آثما إذا أرغمتها على أمر ليس لك الحق فيه.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رمضان 1427(18/310)
تباين الإجابات في الفتاوى لمراعاة الحيثيات التي يثيرها السائل
[السُّؤَالُ]
ـ[لم أعد أفهم الموقف الشرعي من دراسة المرأة في الجامعات المختلطة في بلد لا يوجد فيه إلا جامعات مختلطة، بين التحريم في الفتاوى 37325 و 5310 و 2523 وما شابهها بالموقع كثير، وذلك لاشتمالها على محرم (وهو الاختلاط) ، فهي محرمة ... وبين الإباحة بضوابط في فتاوى مثل 48805 و 57136 و 8890، برغم وجود الاختلاط، وبدون الإشارة إلى حاجة ماسة لهذه الدراسة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن نشكرك على عنايتك المتزايدة بموقعنا، وعلى هذه الملاحظات التي لا شك ستثري مادة البحث عندنا، وتجعل فتاوانا أكثر دقة وانسجاماً، ومع هذا الشكر نطلب منك أن تعيد النظر وتزيد من التحري فيما تقرؤه لنا.
ونحسب أنك إذا فعلت، فلا يبعد أن يتضح لك عدم التعارض بين كتاباتنا، ومع ذلك فإننا لا نستطيع تبرئة أنفسنا من الخطأ، لأن العمل البشري لا يخلو من ذلك أبداً، فالله تعالى يقول: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا {النساء:82} ، وإليك الرد على ما استفسرت عنه:
* أول فتوى أشرت إلى رقمها يقول السائل فيها: لماذا يحرم تعليم الفتاة؟ فأجنباه: بأن طلب العلم ليس حراماً على الفتاة، بل إن الفتاة فيه كالرجل إلا ما خصه الدليل، وقلنا له: إن مما اشتمل على الحرام أن يكون التعليم في المدارس المختلطة، كما هو حال كثير من الجامعات والمدارس اليوم، وما كان حراماً من العلوم إما لذاته أو لاشتماله على حرام، فإن الرجل والمرأة فيه سواء.
* ثم الفتوى التي أوردتها بعد هذه يسأل السائل فيها عن حكم الاختلاط في الجامعات؟ فأجبناه: بأن الاختلاط الموجود في المجتمعات المعاصرة يعتبر شراً مستطيراً أحدق بالمسلمين حتى استمرؤوه، حيث يفضي إلى محرمات عظيمة ومفاسد كبيرة أقلها ذهاب حياء المرأة.
وقلنا له: إن ضرر الاختلاط لا يقتصر على جنس دون آخر، فشره يعم الرجال والنساء، وأنه إذا اضطر الرجل أو المرأة إلى مثل ذلك، فليقتصر كل منهما في الحضور على المحاضرات، وإذا انتهت الحاجة اليومية من الجامعة خرج لتوه من هذا المكان المختلط، وقلنا: إن المراد بالاضطرار في حق المرأة هنا أن تكون بحاجة إلى عمل تنفق منه على نفسها لعدم وجود من ينفق عليها، وعدم إحسانها لصنعة تعملها كخياطة ونحوها، وإذا كان عملها يتوقف على شهادة دراسية، جاز لها حينئذ أن تدرس في هذا المكان المختلط الذي لا تجد غيره، إن تحققت مجموعة من الشروط بيناها في الفتوى.
* ثم السائل في الفتوى التي رقمها (2523) يسأل عن حكم الدراسة في الجامعات المختلطة، فأحلناه إلى الشروط التي تبيح الدراسة في المؤسسات المختلطة، وقلنا له: إن من تحققت فيه شروط جواز هذه الدراسة فعليه بالتحفظ والاعتزال وغض البصر وحفظ الفرج وعدم القرب من النساء قدر المستطاع، وعليه أن يسعى في تقليل المنكر ما وجد إلى ذلك سبيلاً، وأن يختار رفقة صالحة تعينه على غض البصر وحفظ الفرج، هذه هي الفتاوى التي ذكرت أنها جاءت بتحريم التعليم المختلط على المرأة.
وأما الفتاوى التي ذكرت أنها تبيح تعليم المرأة في المدارس المختلطة، فنرد عليها كالتالي:
* الفتوى رقم: 48805 لم يكن موضوع الاختلاط هو المشكلة المطروحة فيها، لأن السائلة صرحت بقولها: أنا لا أخالط أحداً من الزملاء ولا أتعامل معهم ولا حتى أبدؤهم بالتحية إلا إذا حياني أحدهم أرد بما يرضي الله، فموضوع الاختلاط لم يكن يشكل مشكلة كبيرة، فأنا كما ذكرت لا أخالط أحداً من الشباب ... إلى آخر ما ذكرته، وكان سؤالها هو ما إذا كان يجوز لها العودة إلى الدراسة بعد عهد قطعته على نفسها؟ فأجبناها: بأننا لا نرى مانعاً من عودتها إلى الدراسة، إذا كانت محتاجة إليها، بشرط أن لا تخل بشيء من الواجبات الشرعية، وأن تحافظ على أداء الصلوات في أوقاتها، وأنه ليس في عودتها إخلاف لوعد الله وعهده، لأن ما ذكرته في السؤال لا يعدو قولها (تضيع الدراسة ولا تضيع الصلاة) ، وهذا عهد كل مسلم وواجبه.
* وأما الفتوى التي بعد هذه فالسائل فيها يسأل عما إذا كان وجود البنت مع الولد في هذه الجامعات المختلطة حلالاً أصلاً حتى ولو كانت تلبس النقاب ... إلى آخر سؤاله.. فأجبناه: بأن الأصل في تعلم المرأة هو الإباحة، وكذا تواجدها مع الذكر في مكان واحد، ولكن الظروف التي تحيط بكل ذلك وما يمكن أن ينجر عن الاختلاط هو الذي يترتب عليه التحريم أو الحلية.
وأنه إذا التزمت البنت والولد بالضوابط التي ذكرناها في الفتوى التي أشار إلى رقمها فإن تواجدهما حينئذ في نفس الجامعات لا يعد حراماً، وأما إذا كانت هذه الضوابط لا يتصور تحصيلها في الجامعات وكان الاختلاط يؤدي حتما إلى حصول الفتنة والفساد فإن تواجد الجنسين في نفس المؤسسة يكون ممنوعاً لذلك، لأن ما لا يتم ترك الحرام إلا بتركه فإن تركه واجب -كما بين السائل- لا لأنه محرم في الأصل.
* أما الفتوى الأخيرة فالسؤال فيها هو: ما حكم الشرع في الآتي:
1) طالب يقف مع زميلة تصغره في ساحة الكلية يعطيها مذكرات وكتباً دراسية ويوضح لها بعض النقاط الخاصة بالمذاكرة والامتحان.
2) آخر يقف مع زميلته بحجة أنهما سوف يرتبطان وقد يرتبطان بعد فترة قصرت أو طالت وقد لا يرتبطان، وفي حالة ارتباطهما فما الحكم في ما سلف خاصة أن بعض الشباب يسلك نفس الطريق؟
3) آخر يقف مع زميلته وهما مرتبطان.
فكان الجواب أن ثمت جملة من الشروط إذا تحققت جاز الأمر حسبما وصفنا، ولكننا على علم أكيد أن ما يجري في ساحات الجامعات من اللقاءات بين الفتيان والفتيات لا تراعى فيه تلك الشروط غالباً، بل إنه تعقد هناك لقاءات، وتنشأ صداقات وارتباطات يحصل فيها ما الله به عليم مما لا يرضيه، لذلك كان الواجب على المسلم والمسلمة اللذين يخافان ربهما ويغاران على أعراضهما، أن يلزما الحذر، ويبتعدا عن مواطن الريبة ومظان الفتن.
فإذا قرأت بتأمل هذه الفتاوى والأسئلة التي هي موجبها، عرفت أنه ليس ثمت إباحة مطلقة ولا تحريم مطلق، وإنما يكون الجواب مراعياً للحيثيات التي بينها السائل، مع الضوابط والقيود التي يباح أو يحرم لها الاختلاط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1427(18/311)
الأخذ بفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية وسائر العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا في موقعكم تهتمون بفتاوى ابن تيمية دون غيره من العلماء ولماذا، أليس في الإسلام كله من أفتى غيره، أين باقي علماء الإسلام، ولماذا نحاصر أنفسنا بإمام واحد لماذا؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الناظر في فتاوى الشبكة يلاحظ أن الفتاوى يرجع فيها إلى أئمة المذاهب وإلى فتاوى كبار المفتين قديماً وحديثاً من فقهاء المذاهب، ففيها العز والفتاوى الهندية وفتاوى الهيثمي والسبكي، وفيها نقل كلام فحول العلماء كابن عبد البر والطحاوي وابن حجر والنووي وابن قدامة وابن دقيق العيد وغيرهم.
وليعلم أن ابن تيمية رحمه الله تعالى إمام من الأئمة له باع طويل في العلم، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 7022.
فلا غضاضة في الاهتمام بفتاواه، ولكن ذلك لا يعني غمط غيره من العلماء الذين سبقوه أو تأخروا عنه فكلهم يستفاد من علمه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 1122.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1427(18/312)
آثار الفتوى على المفتي والمستفتي والمجتمع
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أبحث في موضوع عن الفتوى، وأثرها على المفتي والمستفتي والمجتمع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا شروط الفتوى وضوابطها ومواصفات المفتي والمستفتي وما يتعلق بذلك من أحكام في الفتاوى التالية أرقامها: 12347، 16518، 14585، 25069، 29646، 37990، نرجو الاطلاع عليها وما أحيل عليه فيها.
والفتوى وسيلة من وسائل تعليم دين الله تعالى والدعوة إليه، ومن آثارها على المفتي الإحساس بهذه المسؤولية العظيمة والأمانة الثقيلة التي يتحملها، فالمفتي ينبغي أن يستشعر أنه نائب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى دينه وبيان أحكام شريعته، وأنه موقع عن الله رب العالمين، فهذا تكليف عظيم إذا استحضره المفتي حمله على مضاعفة جهده للاستزادة من العلم وطلبه، والاطلاع على واقع الناس وأحوالهم، والبحث عن فتاوى القدماء في النوازل واستنباطهم للأحكام، وهذا التكليف العظيم يقابله تشريف عظيم وهو أن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير كما جاء في جامع الترمذي وغيره مرفوعا وصححه الألباني.
فإذا استشعر المفتي هذه المعاني ضاعف من جهده وسأل الله تعالى القبول فيما وفق فيه والمغفرة والعفو عما زل فيه أو أخطأ.
ومن آثار الفتوى على المستفتي أنها تبصره بأمر دينه وترشده إلى ما ينفعه في دنياه فتنير الطريق أمامه في هذه الحياة فيعرف ما يأتي وما يدع.
ومن آثارها على المجتمع أنها توثق الصلات بين أفراده بتبصير الجميع بمعرفة ما عليهم من واجبات اتجاه ربهم واتجاه مجتمعهم، وما لهم على المجتمع من حقوق فيعيش الجميع في وئام وترابط وتعاون وتراحم وهذا ما يهدف إليه الإسلام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ربيع الأول 1427(18/313)
الفتوى لا يتولاها إلا من هو أهل لها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم متدين وأريد أن أفتي، لكن لا أحب ذلك، لكي لا أقول إجابة غير صحيحة، فأريد منكم أن أعرف ما هو الواجب دراسته لكي أكون على قدر هذه المهمة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد وأثابك خيراً على حرصك على الخير وتحرزك من القول على الله بلا علم، كما أمرك ربك بذلك في قوله تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ {الإسراء:36} ، وقوله تعالى: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ {النحل:116} ، وقوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {الأعراف:33} .
قال العلماء بدأ الآية بأهون المحرمات وختمها بأعظمها لأن القول على الله بلا علم خطير فهو توقيع عن رب العالمين، كما قال العلامة ابن القيم في كتابه الممتع القيم إعلام الموقعين عن رب العالمين وهو كتاب مفيد لا يستغني عنه طالب العلم سيما في هذا الباب فننصحك بقراءته، وأما ما يجب على المتصدي لهذا المقام الخطير معرفته فهو التضلع من العلوم الشرعية.
قال المناوي في فيض القدير: (فأفتوا بغير علم) وفي رواية برأيهم أي استكباراً وأنفة عن أن يقولوا لا نعلم (فضلوا) في أنفسهم (وأضلوا) من أفتوه وفي رواية وضلوا عن سواء السبيل. وهذا تحذير من ترئيس الجهلة وأن الفتوى هي الرئاسة الحقيقية وذم من يقدم عليها بلا علم.... ولما ترشح قوم للزعامة في العلم بغير استحقاق وأحدثوا بجهلهم بدعا استغنوا بها عامة واستجلبوا بها منفعة ورياسة فوجدوا من العامة مساعدة بمشاركتهم لهم وقرب جوهرهم منهم وفتحوا بذلك طرقا منسدة ورفعوا به ستورا مسبلة وطلبوا منزلة الخاصة فوصلوها بالوقاحة وبما فيهم من الشره فبدعوا العلماء وجهلوهم اغتصاباً لسلطانهم ومنازعة لمكانهم فأغروا بهم أتباعهم حتى وطئوهم بأظلافهم وأخفافهم فتولد بذلك البوار والجور العام والعار.
فمنصب الفتوى خطير جداً لا يقوم به إلا أهله، ومن ضوابطه وشروطه ما بيناه في الفتوى رقم: 5583، والفتوى رقم: 14485، والفتوى رقم: 14585 وللاستزادة راجع كتاب ابن القيم إعلام الموقعين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1427(18/314)
توضيخ حول موقف ابن تيمية من (الكيمياء)
[السُّؤَالُ]
ـ[استلمت مؤخراً في بريدي الإلكتروني فتوى نسبت إلى شيخ الإسلام ابن تيميه تفيد بتحريم العمل في الكيمياء وذلك لأسباب كثيرة يصعب ذكرها هنا، يرجى التكرم بالإفادة إن كانت هذه الفتوى صحيحة أو من عمل أعداء الأمة؟ جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن شيخ الإسلام رحمه الله قد أفتى فعلاً بتحريم الكيمياء وصرح بأنها من أعمال أهل الكفر والفسوق، فراجع فتاواه في ذلك، ولكن الكيمياء التي يعنيها القدامى نوع من أنواع السحر، وليست الكيمياء المعروفة الآن في المواد الدراسية في المدارس العصرية، فلا ينبغي أن يستغرب من عالم أفتى بفتوى في مسألة حسب اصطلاح عصره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1426(18/315)
الرؤية الشرعية عند اختلاف الفتوى في قضية واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا اشتركت في صندوق الرائد في البنك السعودي الأمريكي بعد أن عرفت أنه شرعي حيث قام بالفتوى كل من الشيخ عبد الله المنيع والشيخ القرني والشيخ المصلح وبعدها علمت أن الشيخ محمد العصيميي قام بتحريمه وما زال كل من المشايخ الثلاثة مقرين بتحليله فماذا أفعل وكيف؟ أفتونا جزاكم الله خيرا، هل أواصل أو لا؟ وإذا كان لا ماذا أفعل بالمكسب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا علم لنا بحقيقة الصندوق المذكور حتى نفتي فيه بالمنع أو الإباحة، وإذا كان الأخ السائل اعتمد في عمله هذا على فتوى صادرة من أهل العلم الثقات، فإنه لا حرج عليه في الاستمرار بهذا العمل ولو صدرت فتوى أخرى من أهل علم آخرين تحرمه إذا لم يرجع القائلون بالإباحة إلى قول من يحرم، ذلك أن مذهب العامي هو ما يفتيه به العالم الثقة، وإذا اختلف عليه أهل العلم أخذ برأي من يثق في علمه ودينه، ولا يجب عليه تلقيد شخص بعينه لقول ابن تيمية: ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول، ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يوجبه ويخبر به. اهـ
ويقول ابن عبد البر: لم يبلغنا عن أحد من الأئمة أنه أمر أصحابه بالتزام مذهب معين لا يرى صحة خلافه، بل المنقول عنهم تقريرهم الناس على العمل بفتوى بعضهم بعضاً. اهـ
هذا من حيث الجواز، ولكن الورع هو البعد عن كل أمر شك في حليته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1426(18/316)
لا يمكن للمفتي الفصل في قضايا المنازعات بدقة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تنازلت عن قطعة أرض لأخي رغما عني في حياة والدي رغم أنني لم أستلم الأرض لأتنازل عنها مقابل مبلغ من المال دفع نصفه أخي والباقي من والدي وذلك في سنة 1992 وقد توفي والدي في عام 1996 وقد طالبت إخوتي بحصتي من الميراث فأجابوني بالإنكار دائما وهم يدعون أنني أخذت حصتي في تنازلي عن قطعة الأرض مما ترك والدي وما زالت القطعة التي تنازلت عنها لأخي باسم والدي ... ماذا يحق لي من تركة والدي في الميراث بما في ذلك من القطعة التي تنازلت عنها رغما عني خوفا من غضب والدي وحيائي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم تتضح دعوى الإخوة أنك أخذت حصتك من الميراث، وعلى العموم فإن هذه القضية من المسائل التي لا تفيد الفتوى بها كثيراً، وذلك لأنها مسألة فيها نزاع ومناكرات، ولا يمكن للمفتي أن يقضي فيها حكماً على وجه الدقة إذ لا يدري ما حقيقة الأمر الواقع، فلا بد من رفعها إلى المحاكم الشرعية لتستجلي حقيقة ما فيها من غموض وتقف على حقيقة الدعاوى والبينات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1426(18/317)
لا تؤخذ الفتوى عن النبهاني
[السُّؤَالُ]
ـ[من هو تقي الدين النباهاني، هل هو مجتهد ويجوز أخذ الفتوى منه، ومن هو أبو إياس وما قولكم فيهما]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتقي الدين بن إبراهيم النبهاني، هو مؤسس حزب التحرير، وقد ولد بقرية إجزم بقضاء حيفا بفلسطين سنة 1327هـ ـ 1909. وغادر بلاده بعد نكبة 1948، ودرس في الأزهر، وعمل قاضيا ثم انتقل إلى الأردن، وعمل بها مدرسا في الكلية الإسلامية. ثم استقر ببيروت، وأنشأ عام 1952 حزب التحرير الذي دعا بزعمه لقيام الدولة الإسلامية التي يراها هو، وأخذ يبث دعوته وأفكاره المنحرفة، متنقلاً بين الأردن وسورية ولبنان، فانخدع به من لا علم عنده فتابعوه على سوء معتقده وآرائه التي شذ بها عن سائر الأمة.
وقد كان يميل إلى المدرسة العقلية القديمة، وهي المعتزلة، وأثنى على أئمتهم. ففي كتابه "الشخصية الإسلامية" عند ذكره لواصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وأبي هذيل العلاف والنظام يقول: لم يحصل منهم أي انحراف في العقائد على اختلاف معتقداتهم، فكلهم مسلمون مدافعون عن الإسلام.
وقد حرم حزبه على أتباعه الاعتقاد بعذاب القبر ونعيمه، وظهور المسيح الدجال.
وأمضى أواخر حياته في بيروت وبها توفي عام 1400هـ 1979.
ومؤلفاته التي دوّن فيها أفكاره تدل على أنه لم يكن على منهج أهل السنة والجماعة.
ولا يخفى بعد هذه الترجمة أن من كانت هذه حاله لا تؤخذ منه الفتوى.
وأما الذي عرفته بأبي إياس، فإننا لم نتبين من تقصده، لأن كثيرا من الأشخاص قد تكنوا بهذه الكنية. فالرجاء أن تكتب لنا الاسم الكامل له، لعلنا نجد في ذلك ما نتمكن به من معرفته، فنجيبك عما سألت عنه من أمره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 جمادي الأولى 1426(18/318)
الفتوى الصحيحة والباطلة وكتمان المفتي العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن أن نعرف إذا كان المفتي الذي يفتينا يأتي بالفتوى الصحيحة فإنه ربما نسأله عن أمر الجهاد أو شيء آخر فتضغط عليه الدولة لكي يقول ويفتي ما يوافق مصالحها فهل يستطيع المفتي أن يكتم العلم أو أن يفتي لمصلحة الدولة إن كانت تشدد عليه الخناق. ما حكم هذا وهل من الأفضل أن نسمع من مفتي نكون متأكدين من أنه لا يكتم العلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز للمفتي أن يفتي بما يخالف الشرع، وبإمكانكم أن تعرفوا صحة الفتوى من بطلانها بعرضها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو سؤال أهل العلم إذا لم تعلموا.
ولا يجوز للمفتي أن يكتم العلم الواجب تعلمه وجوبا عينيا كأن يسأله المستفتي عن أحكام الطهارة والصلاة وقد حضر الوقت، أو يسأله عن أمر من الحلال والحرام يحتاج إلى معرفة حكمه.
ففي مثل هذه الأمور يجب على المفتي بيان حكم الشرع فيما سئل عنه، وإلا عرض نفسه للوعيد الشديد، وكان من الذين قال الله تعالى فيهم: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {البقرة: 159} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة. رواه أحمد وأصحاب السنن.
قال أهل العلم: وهو العلم الذي يحتاج إليه السائل في أمر دينه، وليس الأمر كذلك في نوافل العلم.
ولا يجوز للمفتي بحال من الأحوال أن يفتي بخلاف ما يعلم رغبة أو رهبة، لما في ذلك من كتمان العلم والقول على الله بغير حق الذي قرنه الله بالشرك وأكبر الكبائر، كما في قوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {الأعراف: 33}
ومن علم منه أنه يفتي بخلاف الشرع لا يجوز استفتاؤه ولا الاستماع إلى فتاويه.
وللمزيد عن كتمان العلم والقول على الله بغير علم نرجو الاطلاع على الفتويين: 21298، 52569.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1426(18/319)
لا بأس من قراءة الرجل فتاوى تتعلق بأحكام النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مشتركة في منتدى جامعي وبهذا المنتدى جزء مخصص للفتيات ... علمت أن من بيننا فتيات كثر لا يفقهن كثيرا من الأمور الفقهية التي تتعلق بالحيض والاغتسال والمذي والودي وما إلى ذلك من معلومات فقهية هامة جدا لكونها تؤثر على مدى طهارة الفتاة كما تعلمون ... فحاولت مساعدتهن ولكن كما تعلمون أن الفتيات في مجتمعاتنا تخجلن من السؤال في تلك الأمور فافتعلت عضوية ونشرت كلمة المرور الخاصة بها واقترحت عليهن إن أرادت إحداهن أن تسأل سؤالا إن كان متعلقا بتلك الأمور أو إن كان اجتماعيا فلتطرحه وسأتولى البحث عن الإجابة إما في الفتاوى المخصصة بموقعكم أو أي فتوى معتمدة من العلماء الموثوق فيهم وان كان السؤال يتعلق بأمر نفسي فأيضا ألجأ للفتاوى للحالات المماثلة إلى جانب البحث في المشكلات المشابهة في مواقع الأطباء النفسيين ولا أكتب كلمة من نفسي فقط كل ما أقوم بعمله هو البحث والقص واللصق ... حتى هنا الأمر كان يسير بفضل الله دخلت فتيات كثيرات وعرضن مشكلاتهن وأسئلتهن والتي أصبحت الآن 27 سؤالا بين فقه وعاطفة واجتماعيات ... ولكن جاءتني المشكلة وهي أن ذاك الموضوع برغم أنه مخصص للفتيات وفى منتدى الفتيات إلا أنه يستطيع الشباب التجول فيه وقراءة كل ما به ... وكان هذا اعتراض على الموضوع ... ولكني لا أرى أن هذا يستحق غلق الموضوع فهذا خائن لأمانته أو لا، وثانيا لا يضر حتى وإن قرأ المكتوب في الموضوع فأصحاب الأسئلة مجهولات والإجابات كلها مقتبسة من أفواه العلماء ... واستخرت الله ... وجاء وقت الاستشارة ... أفيدوني أعزكم الله وأكرمكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت فيما قمت به وتقومين به من إفادة الفتيات في أمر دينهن، وهذا واجبك كمسلمة، فلا تملي من هذا الخير والدعوة إليه.
ثم اعلمي أنه لا ضرر فيما ذكرت من شأن هؤلاء الذين يقرؤون تلك الفتاوى الخاصة بالفتيات. ذلك أن صاحبات الأسئلة مجهولات كما ذكرت، والشخص الذي يقرأ الفتاوى سيستفيد منها ولو كان رجلا، وقد يفيد بها من تحتاج لذلك من نسائه. ورغم ذلك، فإذا كنت ترين أن هذا سيجعل الفتيات يخجلن من طرح الأسئلة من جديد، فلا بأس بأن تغيري كلمة المرور، وتوصي الفتيات بعدم نشرها.
واعلمي كذلك أن أجرك يزداد ويعظم بازدياد الصعوبات التي تجدينها.
ونرجو الله أن يعينك ويهدي بك، إنه نعم المولى ونعم النصير. ولكن يجب أن تتنبهي إلى خطورة الفتوى وأنها إن لم تكن على علم فإنها تدخل في القول على الله بغير علم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الثاني 1426(18/320)
من أجابه عالم يثق بعلمه وتقواه فليعمل بما أفتاه به
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أسأل بعض المشايخ وخاصة كبار العلماء عن فتوى فيقول لي واحد منه يجوز والآخر يقول لا يجوز ما العمل بذلك مع العلم أن الذي يقول يجوز عنده علم بسؤالي وخاصة أمور البنوك وأمور الأسهم هل آخذ بالفتوى وهل على شيء إذا قلت أنا سألت الشيخ الفلاني وأفتاني أنها حلال هل على شيء عند رب العالمين وشكرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم الذي ليس لديه علم بشرع الله تعالى أن يسأل من يثق فيه من أهل العلم والتقوى والورع عما أشكل عليه من أمور الشريعة؛ كما أمره الله تعالى بقوله: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
فإن أجابه عالم يثق بعلمه وتقواه فليعمل بما أفتاه به وتبرأ ذمته بذلك، وليس مطالبا شرعا بأن يسأل عالما ثانيا وثالثا..
وبإمكانك أن تسأل من أفتاك من أهل العلم عن دليله الذي أخذ منه الجواز أو عدمه في المسألة المسؤول عنها ليطمئن قبلك وتتثبت لأمرك، وعلى المفتي أن يخبرك بدليله إذا لم يكن لديه عذر.
قال سيد عبد الله الشنقيطي في المراقي:
ولك أن تسأل للتثبت * عن مأخذ المسؤول لا التعنت
ثم عليه غاية البيان * إن لم يكن عذر بالاكتنان
وإذا صدقت النية في الحرص على اتباع شرع الله تعالى فإن ما اطمأن إليه القلب بعد التحري هو الحق إن شاء الله تعالى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك. رواه الإمام أحمد في المسند.
وعلى هذا، فإن كنت تثق في علم وورع من أفتاك فلا إثم عليك ولا حرج في الأخذ بإجابته، ولا مانع من القول بأن هذا العمل بناء على فتوى الجهة الفلانية أو الشيخ الفلاني ...
وللمزيد من الفائدة والتفصيل عن الفتوى واختلاف أهل العلم في المسائل الفرعية نرجو الاطلاع على الفتويين: 6787، 23703.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ربيع الثاني 1426(18/321)
حكم مخالفة الإجماع بدعوى اتباع القرآن والسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نحذر من عالم يقول إن العلم يؤخذ من القرآن والأحاديث فلا تعتبر عنده فتاوى العلماء الأولون ولا أقوالهم بل ويعتبر من يأخذ بأقوالهم مقلدا مخالفا لسنة رسول الله، فيأتي بفتاوى كثيرة مخالفة لما عليه إجماع العلماء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن يتبع المسلم ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا بد أن يعتبر بأقوال أهل العلم الأولين وخاصة الأئمة الكبار، فإنهم لم يتعمدوا مخالفة الدليل. وعلى العامي أن يقلدهم في ذلك لأن أكثر المسائل الفرعية غير منصوصة في القرآن الكريم، أو في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا بد من الرجوع فيما لم يرد فيه نص من نصوص الوحي إلى الإجماع أو القياس، ولا يعرف ذلك إلا باقوال أهل العلم. وإجماع الأئمة حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة.. فلا يجوز للمسلم أن يخالف الإجماع المتفق على أنه إجماع.
وأما من ثبتت عنده سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح أو في آية محكمة فلا يجوز له العدول عنها أو الأخذ بقول أحد كائنا من كان من العلماء الكبار أو من غيرهم، فقد نص على ذلك العلماء، ونقل عن كبار الأئمة بألفاظ مختلفة وهو مقتضى قول الله تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ {الأعراف: 3} . فلا يجوز للمقلد وأحرى غيره أن يخالف أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولم يذكر السائل أنموذجا من الفتاوى التي خالف فيها العالم المذكور إجماع العلماء لنعرف أي نوع من الإجماع يقصد السائل الكريم. وللمزيد من الفائدة والتفصيل وأقوال أهل العلم نرجو الاطلاع على الفتويين: 4145، 6787.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1426(18/322)
القول على الله تعالى بغير علم من أعظم الذنوب
[السُّؤَالُ]
ـ[كان بعض الناس يتحدثون عن قضية النقاب, ويقولون إن المرأة تثاب على النقاب, فتدخلت بحماسة-ودون علم بالدين-وقلت أنها لا تثاب على النقاب, ثم أحسست بعد ذلك بخطئي الفادح لهذه الفتوى بدون علم ضميري يؤنبني بشدة على ذلك فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى، ويكون ذلك بالندم على ما بدر منك، والنية الجازمة على ألا تعود إلى القول في دين الله تعالى بغير علم. فإن القول على الله تعالى بغير علم من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ {الأعراف:33} . والتوبة الخالصة تمحو ما قبلها ولو كان شركا، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً*إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً {الفرقان:68ـ70} . فالتائب من الذنب يبدل الله تعالى سيئاته حسنات. وللتعرف على حكم النقاب راجع الفتاوى التالية أرقامها: 5224، 42، 8287.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 محرم 1426(18/323)
النهي عن تتبع الرخص والأخذ بالأقوال الضعيفة
[السُّؤَالُ]
ـ[أتابع قناتي (اقرأ والمجد) ، وأجد علماء الأزهر يقولون والوجه والكفان ليسا عورة، ويأتي علماء السعودية بالعكس إنهما جميعها عورة، يأتي د/ وجدي غنيم بأن المرأة لا تلمس حاجبيها مطلقاً فهو محرم وتأتي أستاذة بجامعة الأزهر تقول لا الزوائد من الحواجب أمر عادي بل مطلوب لتزين المرأة لزوجها، والكثير من الاختلاف كموضوع الموسيقى، ففي الأزهر يقولون الموسيقى التي لا تخدش الحياء لا حرج فيها، وفي السعودية يحرمونها مطلقاً وكل من الفريقين في كل قضية له دليل وإثبات والآخر يقول لا هذا دليل ضعيف ونحن تائهون لا نعرف من الذي على الحق ولا نعرف كيف نتبع أي فريق وأي أدلته أصح، أرجو الإفادة، وأعتذر عن طول السؤال؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فوجوب ستر الوجه والكفين من المرأة هو المعتمد من أقوال أهل العلم، وخاصة عند خوف الفتنة لما ثبت له من الأدلة، وكنا قد بينا ذلك من قبل في الفتوى رقم: 5224.
ومما جاء الشرع الحنيف بالنهي عنه نمص الحاجبين لأنه من تغيير خلق الله، إلا أن يكون الحامل عليه أحد أمرين:
1- أن يكون الفعل لضرورة العلاج الذي لا يتم إلا بالأخذ منها، فإن من القواعد الشرعية أن الضرورات تبيح المحظورات.
2- أن يكون شعر الحاجبين زائداً عن المعتاد زيادة مشينة للخلقة، بحيث تصل إلى حد التشويه، وراجع في هذا الفتوى رقم: 51123.
ولك أيضاً أن تراجع في أنواع الغناء وحكم كل نوع منها الفتوى رقم: 987، والفتوى رقم: 54439، والفتوى رقم: 54316.
واعلم أن المرء مأمور بالبحث عن أحكام الشرع وبمعرفة الراجح إذا اختلفت أقوال أهل العلم، فإنه لا يحل لامرئ أن يعمل عملا حتى يعلم حكم الله فيه، وقد نهى العلماء عن تتبع الرخص والأخذ بالأقوال الضعيفة، روى كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني لأخاف على أمتي من بعدي من أعمال ثلاثة، قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: أخاف عليهم من زلة العالم، ومن حكم جائر، ومن هوى متبع. رواه الطبراني في الكبير، وقال الهيثمي في المجمع: فيه كثير بن عبد الله المزني وهو ضعيف وبقية رجاله ثقات.
وقال عمر: هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ يهدم الإسلام زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين. رواه الدارمي، وقال الشيخ حسين أسد: إسناده صحيح.
وقال الإمام أحمد: لو أن رجلا عمل بقول أهل الكوفة في النبيذ، وأهل المدينة في السماع، وأهل مكة في المتعة كان فاسقاً.
وقال الأوزاعي: من أخذ بنوادر العلماء خرج عن الإسلام.
والنقول في هذا الباب كثيرة جداً لا تكاد تحصى، والعلماء متفقون على مضمونها وإن اختلفت عباراتهم، فالواجب عليك أيها الأخ الكريم أن لا تقلد من هذه الأقوال إلا ما تطمئن نفسك إلى كونه صواباً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1425(18/324)
موقف المستفتي من خطأ المفتي
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن العالم يخطئ ويصيب وهو في كلتا الحالتين له أجر فإن اتبعنا ذلك العالم وقد أخطأ في فتواه ونحن نثق في ذلك العالم فهل نأثم لفعلنا لشيء خاطئ وماذا يجب علينا فعله لتجنب هذه المواقف فبعض الفتاوى الخاطئة أدت إلى فتن وهو ما حصل فعلا في بلادنا. وما نصيحتكم لنا خاصة ونحن ليس لدينا عالم أو حتى مجرد طالب علم ولانكاد نتحصل على العلماء ولدينا أسئلة كثيرة لا نجد كيف نجيب عليها وكلها أسئلة هامة ومستعجلة؟
جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلتعلم السائلة الكريمة أن طلب العلم فرض من فرائض هذا الشرع، روى ابن ماجه والطبراني وصححه السيوطي لغيره من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: طلب العلم فريضة على كل مسلم. وعليه فأول ما ننصحكم به هو الاجتهاد في طلب العلم. فإن العلم منه ما هو متعين معرفته بالنسبة لكل إنسان، كأحكام الصلاة والزكاة والصوم والحج ونحوها مما يخاطب به كل فرد على حدة. ومنه ما هو مطلوب أن يعرف، في الجملة، وإذا عرفه البعض سقط وجوبه عن البقية، وإذا تركه الجميع أثم الكل بتركه. فالواجب على المجتمع الذي أنت فيه أن يستجلب علماء يعلمون الناس أمر دينهم. ثم إن العامى إذا سأل أحد العلماء عن مسألة وهو يثق في علم ذلك العالم وورعه، فإذا تبين أن الذي أفتاه به غير صواب فلا شيء على المستفتي في ذلك لأنه فعل ما أمر به من السؤال، قال الله تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ {النحل: 43} . ولكن واجبه بعد ذلك أن لا يستمر على الخطأ بعد أن عرف الصواب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو القعدة 1425(18/325)
تفنيد بعض الفتاوى الصادرة عن برنامج (صناع الحياة)
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ فترة وأنا أتابع برنامج الأستاذ عمرو خالد يسمي ب\"صناع الحياه\". الفكرة الأساسية لهذا البرنامج هو دعوة الشباب خاصة إلى التفكير بمستقبل الأمة والتحرك بإيجابية نحو التغيير للأفضل من خلال استغلال الطاقات والمشاركة الفعالة في المجتمع. ولكننا فوجئنا بتحول من الأستاذ عمرو (الذي كان يصر دائماً أنه ليس أهلاً للفتوى) في إحدى الحلقات التي أسماها \"ظلم المرأة\" وأدرج في هذه الحلقة ما يرى من وجهة نظره أنه ظلم للمرأة وأدرج تحتها: الختان، التعدد بدون سبب، لزوم السفر بمحرم، وعدم مشاركتها في الحياة السياسيه. وكان من رأيه أنه يجب على صاحب العمل أن يرجح المرأة على الرجل إذا تقدم الإثنان لشغل وظيفه معينة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد يكون قال حديث (النساء ناقصات عقل ودين ... ) على سبيل الدعابة!!!!. وفي حلقة أخرى تسمي الثقافه والفن أطلق الفتوي بأن الموسيقى (المعازف) حلال ويجب أن نستغلها في الدعوة إلى الله وقدم للجمهور مطربا جديدا الذي فيما بعد أقام عدة حفلات وأقبل عليها الشباب بشكل كبير ظناً منهم أنه من المساهمة في نهضة الدين. وفي حديث له في إحدى المجلات المحلية انتقد الفنانات المعتزلات لتركهم الوسط الفني وناشدهم بالرجوع إلى عملهم وأن يساهموا في النهضة بأعمال هادفة بدلاً من أن يتركوا الوسط الفني للأعمال الهابطة!!!!!! يرجى الدخول إلى هذا الرابط لسماع المحاضرة كاملةhttp://www.amrkhaled.net/multimedia/multimedia495.html. وقد نتج عن ذلك أن منتدى عمرو خالد دوت نت أصبح يواجه فتنة رهيبة بين من يدافع عن الحق بالأدلة الشرعية وبين من يرى أن الأستاذ عمرو على حق دائماً ولا يلتفت إلى الأدلة الشرعية. بفضل الله قام الكثير من الإخوة بالرد على بعض الشبهات السابقة ولكننا نريد من حضرتكم الإفادة فيما إذا كان متابعة هذه الحلقات فيها أي مخالفة شرعية؟ وما إذا كان الأستاذ عمرو معه أي دليل على ما عرضه علينا ولو بحجة النهضة أو فقه الأولويات كما يسميه..وبماذا تنصح من يسلم بكل ما يقوله الأستاذ عمرو دون تمييز. ونسألكم سرعة الإجابه لأهمية الأمر
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع العلماء على تحريم سفر المرأة بلا محرم، وإن اختلفوا بعذ ذلك في بعض المسائل كسفرها للحج والعمرة والهجرة من دار الشرك، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم. رواه مسلم. وأصله في الصحيحين، وانظر الفتوى رقم: 6693. وعلى ذلك، فإن من ادعى أن اشتراط المحرم لسفر المرأة ظلم لها، فقد رد حكم الله، وقد يصل ذلك بصاحبه إلى الكفر بالله العظيم، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ {الأحزاب: 36} . وقال أيضاً: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً {النساء:65} . وكذلك الزعم بأن ختان المرأة فيه ظلم لها ـ جهل بالشريعة، لأن نبينا صلى لله عليه وسلم قد شرعه لنا، فقد قال للمرأة التي كانت تختن الإناث: إذا خفضت فأشمي ولا تنهكي. رواه الطبراني في المعجم الأوسط، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة. وانظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4487، 17741، 31783. والشأن في المسلم أن ينقاد ويستسلم لأمر الله، قال سبحانه: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون َ {النور:51} . بينما بين سبحانه وتعالى أن من صفات المنافقين أنهم: َإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ {النور:48} . هذا، وإن الذي يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن النساء إنهن: ناقصات عقل ودين. على سبيل الدعابة ولم يرد إثبات النقص حقيقة ـ فقد افترى على رسول الله الكذب، لأن نبينا صلى الله عليه وسلم قد بين نقصان عقلها ودينها في الحديث، وانظر الفتاوى: 7520، 15621، 33323، 16032. وكذلك الزعم بأن تعدد الزوجات بدون سبب فيه ظلم للمرأة رد لحكم الله تعالى، وذلك لأن الله أباح للرجال أن ينكحوا ماطاب لهم من النساء مثنى وثلاث ورباع، والذي يقيد حكم الله، ويجعل الإباحة لأسباب فقد رد حكم الله، وأتى بحكم يوافق هواه،: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ {القصص: 50} . وانظر الفتاوى: 310، 1660، 2286، 3002، 10298.هذا، ولا ندري لماذا يحرص البعض على أن تتولى النساء شؤونهم وأن يدبرن أمورهم!! وانظر حكم تولي المرأة الولايات العامة في الفتوى رقم: 3935. ولمعرفة ضوابط عمل المرأة انظر الفتاوى: 7550، 522، 648، 1665. ولبيان حكم الإسلام في المعازف، انظر الفتويين: 987، 5555.هذا، وإن من علامات الساعة أن يتصدر من لم يتأهل، وأن يلتمس العلم عند الأصاغر، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالماً ـ اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا. رواه البخاري ومسلم. وعلى المستفتي أن لا يأخذ دينه إلا ممن يوثق بعلمه وأمانته واتباعه للحق، فقد قال بعض السلف: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم. وأما أخذ الفتوى من الجاهل الذي يفتي بغير علم، فهو سبب للضلال، وافتراء على الله، وإن الفتيا بغير علم من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، ولقد جعل الله ذلك قرين الشرك به، فقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ {لأعراف:33} . وقال سبحانه أيضاً: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ {النحل:116} . وانظر الفتوى رقم: 14585. فإن فيها مزيد بيان. هذا، وإن خطر الفتوى بغير علم لا يقتصر على صاحبه، بل ربما يتعداه إلى باقي المجتمع فيفسده ويضله عن دين الله تعالى، وهنا يكون الخطر الأعظم والإثم الأكبر، لأن المعصية المتعدية أعظم من المعصية القاصرة، وإن من أفتى بغير علم، فإن كل ما يترتب على فتواه من مخالفة الشرع، فإنه يتحمل وزرها، لقوله صلى الله عليه وسلم: من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه. رواه أبو داود والحاكم، وحسنه الألباني. ولقد كان سلفنا الصالح رضي الله تعالى عنهم يتحرجون من الفتوى ويتدافعونها ـ مع كثرة علمهم وحرصهم على إفادة الناس وإيصال النفع لهم ـ ولكن لخطورة شأن الفتوى كان بعضهم يحيلها إلى بعض، وربما عادت إلى الأول. وإن ما صدر منهم من فتاوى، كان الحامل عليهم هو خوفهم من كتمان العلم الذي حذر منه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رمضان 1425(18/326)
واجب المفتي والمستفتي
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا وعند قراءة إحدى الفتاوى الدينية نجد أن هناك من يؤيد هذه الفتوى وهناك من يعارض ذلك وبما أن معظمنا ليس متخصصا في الأمور الدينية يختلط علينا الأمر هل نتبع هذا الرأي أو ذاك مما يضعنا في موقف لا نحسد عليه هل نأخذ بالأمر الأيسر أم نأخذ بالأمر الأصعب مثال على ذلك:
إن جماع الزوجة في حالة عدم الإنزال لا يوجب الغسل وهناك حديث آخر أنه إذا التقى الختانان وجب الغسل.
والأمثلة على ذلك كثيرة فما العمل؟ هل نستفتي قلبنا؟ فمثلا في المثال السابق إذا لم نغتسل عملنا بالحديث الذي لا يوجب الغسل ونكون في نفس الوقت قد خالفنا الحديث الذي يوجب الغسل فما العمل في مثل هذه الأمور؟ أفتونا ما العمل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول لك أولاً: إن المسلم لا يجوز أن يهمل تعلم أمور دينه، وطلب العلم فريضة على كل مسلم، كما صح في الحديث الشريف الذي رواه الطبراني عن ابن معسود، وصححه الشيخ الألباني، وبين النبي صلى الله عليه وسلم فضل أهل العلم بقوله: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم. رواه الترمذي.
ومن لم يكن من أهل العلم فواجبه أن يسأل العلماء المتخصصين الذين عُرفوا بالعلم والحرص على الأخذ بالسنة مع الورع، والخشية لله تعالى، فؤلاء هم الذين تطمئن النفس إلى أن ما يفتون به هو الصحيح، قال تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {النحل: 43} .
وواجب المفتي إذا استفتي أن يفتي بما تشهد له النصوص، أو ما هو جار على قياس معتبر، أو على القواعد الفقهية.
وإذا أخذ المرء بما هو أشق عليه من الأقوال باعتبار كونه هو الراجح دليلاً كان ذلك دليلاً على ورعه، وراجع في هذا الفتوى رقم: 50675.
وما ذكرته من الاختلاف فيما إذا كان وطء الزوجة دون إنزال موجب للغسل أو غير موجب له غير صحيح، فإن أهل العلم قد بينوا أن الحديث الذي أوجب الغسل من الإنزال فقط، ونصه: إنما الماء من الماء. قد نسخ بحديث آخر يوجب الغسل من مجرد تغييب الحشفة، وراجع في مسألة النسخ هذه الفتوى رقم: 20245.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1425(18/327)
الاحتياط في الفتوى أليق
[السُّؤَالُ]
ـ[فقد سبق وسألناكم في الفتوى التي أعطيتموها رقم 41812 عن حكم من ينزل منه المني قهريا عندما يتغوط أو بعد الانتهاء من التبول مباشرة ولقد كان جوابكم بكل أسف أن هذا النازل يأخذ حكم النازل باختيار، فبربكم كيف أفتيتم بهذا وكان واضحاً من سياق سؤالي وقتها أنه ينزل عند قضاء الحاجة وعن غير قصد، فإنني لأعجب من فتواكم الغريبة هذه فكيف لكم أن تفتوا بما أفتيتم به في تلك الفتوى وأنتم تعلمون أنها ليست الحق بتاتاً ثم تفتون في فتاوى أخرى تجيبون فيها عن نفس السؤال بنقيض ما أفتيتم به لي فهل تحكمون وترون بمنظارين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله جل وعلا أن يعفو عنا وعنك ويرزقنا وإياك العلم النافع والعمل الصالح والخلق الحسن، وأما ما يتعلق بجواب سؤالك فقد ذكرنا لك فيه كلام أهل العلم رحمهم الله تعالى، وأفتيناك بما فيه احتياط لدينك؛ ولكن لا حرج عليك في أن تأخذ بالقول الآخر دفعا للمشقة التي تلحق بك ما دامت المسألة محل خلاف بين أهل العلم، فذلك من رحمة الله ويسر هذه الشريعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شعبان 1425(18/328)
لا تتحرج من قول لا أدري
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إمام مسجد في أوكرانيا وأنا أهاب من الفتوى بشكل كبير، وبنفس الوقت المسجد بحاجة إلي فعندي مهارة عالية والحمد لله في الوعظ، ولكني أبداً لا أحب الفتوى والإفتاء، فقررت أن أترك المسجد، ولكن إذا تركته سيقع الإخوة في مشكلة ومن الصعب أن يحضروا رجلاً آخر لصعوبة الفيزا عندنا فماذا أختار؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن منصب الفتوى منصب خطير، لا يقوم به إلا أهله، وقد كان السلف رحمهم الله يتهيبون إفتاء الناس ويذمون أنفسهم ويرون أنهم ليسوا أهلاً لذلك، قال إبراهيم النخعي: إن زماناً أكون فيه فقيه أهل الكوفة لزمان سوء.
وكانوا لا يتحرجون من قول لا أدري، ويقولون: من أخطأ لا أدري أصيبت مقاتله!!.
ويحكى عنهم في ذلك حكايات مشهورة، وانظر الفتوى رقم: 16518 فإن فيها وما يرتبط بها من الفتاوى مزيد بيان، وراجع للفائدة الفتاوى: 3984، 32711، 51199.
فليكن همك تخليص نفسك أمام الله لا تخليص الناس، وتذكر أنك موقوف بين يدي الله، قال تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ* عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الحجر:92-93} ، وقال: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ {الصافات:24} ، هذا ولا تترك إمامة المسجد ووعظ الناس إن كنت تحسنه، فأنت على ثغر، وقد لا يسده غيرك.
وإذا سئلت عن مسألة فأحل على العلماء، وبإمكانك الانتفاع بفتاوى بعض العلماء المعاصرين، كفتاوى اللجنة الدائمة، وفتاوى العلامة ابن باز، والعلامة ابن عثيمين، وكلها مطبوعة وبعضها موجود على شبكة الإنترنت أو منسوخ في أسطوانات مدمجة، فيمكنك البحث فيها ونقل أقوال المفتين في المسائل المتطابقة مع ما قد يعرض عليك، ولكن حذار أن تتكلف ما ليس لك به علم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رجب 1425(18/329)
لا يتبع المجتهد إذا أخطأ وإن كان معذورا مأجورا
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أود أن أسألكم جزاكم الله خيرا عن سؤال حار فيه الكثير من الشباب المسلم هذه الأيام وإن هذا السؤال يتعلق حقيقة بقضية إصدار بعض العلماء لفتاوى قد تبلغ درجة الشّذوذ ويحار أي مسلم من أهل السنة والجماعة في قبولها أو رفضهاوهي (فتاوى الشيخ القرضاوي) ومثل هذه الفتاوى قد تتناقض أشد التناقض مع كثير من الفتاوى كبار العلماء والمفتين للجنة الإفتاء في السعودية فمثلا نجد القرضاوي يجيز المصافحة مع الكراهة ويجيز أيضا الغناء ولكن وفق ضوابط ... ونرى في الطرف المقابل علماء من أكابر العلماء في السعودية يسردون ويدندنون دائما حول الآيات والأحاديث ويقول الكثير منهم بإجماع الأمة على تحريم المعازف والمصافحة مثلا ويعتبرون أن مخالفة القرضاوي لذلك (على الرغم من استدلاله بالتحليل من بعض أقوال السلف في هذا الأمر) لا يلتفت إليها ولا تنقض الإجماع على هذا التحريم.... آسف للإطالة وأتمنى أن تفتونا في هذا الأمر المهم جدا مأجورين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أوجب الله على المسلمين عند الاختلاف مسلكا واحدا وهو رد الأمر إلى الله ورسوله، قال الله تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ {الشورى: 10} وكلمة "شيء" نكرة في سياق الشرط فتعم، يعني أي شيء كبيرا أو صغيرا، وقال تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا {النساء: 59} وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية: وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، فالواجب على كل مسلم قادر على فهم الأدلة عند اختلاف أهل العلم أن ينظر الدليل الصحيح بفهم السلف ويتبعه. قال الإمام الشافعي: واتفقوا أنه لا يحل لأحد قد استبانت له سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم أن يتركها لقول أحد كائنا من كان.
أما عوام المسلمين فالواجب عليهم عند اختلاف العلماء أن يتبعوا الأعلم والأورع، وهذا معلوم نص عليه علماء الأصول في مباحث التقليد، ولا يعني هذا تأثيم العالم المخالف إذا بذل وسعه في الوصول إلى الصواب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر. متفق عليه عن عمرو بن العاص. ولكن كونه معذورا مأجورا عند الله لا يعني اتباعه فيما أخطأ فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الثانية 1425(18/330)
توجيه التعارض الحاصل في كلام العالم في المسألة الواحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في عمل مشروع خاص مع صديق ولا أمتلك حالياً ما يكفي لذلك ولم أجد سوى أهلي لآخذ منهم ما أحتاج من مال ولكن أحد والدي يعمل في بنك ربوي ويضعوا كامل أموالهم به للحصول على فوائده فهل يحل لي الأستفادة من هذا المال ولو على سبيل القرض؟ ولكن أهلي غير مقتنعين بردي المال لهم فهم يعتبرونه مالي ومال إخوتي وأنهم يعملون ويأتون بهذا المال من أجلنا فهم لن يقبلوا رد المال أبدا والمشكلة أنهم غير مقتنعين بحرمة مالهم- إن كان كله حراما-والسؤال الآن:
1- ما حكم هذا المال راتب البنك والفوائد عليه؟
2- كيف أحسب ما أدخله أهلي عندي من مال إن كانوا هم لا يستطيعون حسابه؟
3- كيف لي أن أرد لهم هذا المال –إن وجب الرد- إن كانوا هم رافضين أخذه؟ وهل يجوز لي أن أصر على الرفض؟
4- ما الذي يجوز لي من مال أهلي؟ وهل يجوز لي أن أرث هذا المال؟
الرجاء الرد بالتفصيل لأهمية ذلك.
وما صحة هذه الفتاوى:
ومال أبيك الذي اكتسبه عن طريق هذا العمل المحرّم يسمّيه العلماء مالاً محرّماً لكسبه، أي أنه اكتسبه بطريق محرّم، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن هذا المال يكون حراماً على مكتسبه فقط، وأما من أخذه منه بطريق مباح فلا يحرم عليه كما لو أعطاك والدك هدية أو نفقة وما أشبه ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين:
قال بعض العلماء: ما كان محرما لكسبه، فإنما إثمه على الكاسب لا على من أخذه بطريق مباح من الكاسب، بخلاف ما كان محرما لعينه كالخمر والمغصوب ونحوهما وهذا القول وجيه قوي بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما لأهله وأكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية بخيبر، وأجاب دعوة اليهودي، ومن المعلوم أن اليهود معظمهم يأخذون الربا ويأكلون السحت، وربما يقوي هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به على بريرة: هو لها صدقة ولنا منها هدية. القول المفيد على كتاب التوحيد 3 / 112
وقال الشيخ ابن عثيمين: وأما الخبيث لكسبه فمثل المأخوذ عن طريق الغش أو عن طريق الربا أو عن طريق الكذب وما أشبه ذلك وهذا محرم على مكتسبه وليس محرما على غيره إذا اكتسبه منه بطريق مباح ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم كانوا يأكلون السحت ويأخذون الربا فدل ذلك على أنه لا يحرم على غير الكاسب. تفسير سورة البقرة 1/198
وفى فتوى أخرى:
ليس على أولاد المرابي إثم إذا أكلوا من ماله الربوي السحت أو لبسوا منه أو سافروا به إذا لم يوجد لهم طريق آخر يتكسبون منه، وعليهم نصح والدهم بالطريق التي يغلب على ظنهم نفعها، فإذا تيسرت طرق أخرى للكسب أو لم يحتاجوا إلى هذا المال في ضروريات حياتها: وجب عليهم الاستغناء عنه.
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
إذا كان مكسب الوالد حراماً، فإن الواجب نصحه، فإما أن تقوموا بنصحه بأنفسكم إن استطعتم إلى ذلك سبيلاً، أو تستعينوا بأهل العلم ممن يمكنهم إقناعه أو بأصحابه لعلهم يقنعونه حتى يتجنب هذا الكسب الحرام، فإذا لم يتيسر ذلك فلكم أن تأكلوا بقدر الحاجة ولا إثم عليكم في هذه الحالة، لكن لا ينبغي أن تأخذوا أكثر من حاجتكم للشبهة في جواز الأكل ممن كسبه حرام. (فتاوى إسلامية 3/452) .
وإذا مات الوالد المرابي وجب على ورثته التخلص من المال الربوي بإرجاعه إلى أهله إن عرفوهم وإلا فعليهم التخلص منه بتوزيعه في المصارف العامة والخاصة، فإن تعسر عليهم تحديد المبلغ الربوي في مال والدهم: قسموه نصفين فيأخذون النصف ويوزعون النصف الآخر.
فكيف يكون هذا التناقض لابن عثيمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمال الحرام الذي تعلق به حق الغير يحرم على مكتسبه وحائزه، ويجب رده إلى أصحابه إن عُلموا، فإن لم يستطع حائزه رده إليهم صرفه في مصالح المسلمين العامة، أما إذا كان هذا المال الحرام لم يتعلق به حق الغير، فإنه يجب على مكتسبه التخلص منه أيضاً كسابقه، أما من أخذه من مكتسبه وحازه بطريق مشروع كالهبة والأجرة ونحوهما، فالراجح أنه يحل له أخذه والانتفاع به، وهذا هو ما أفتى به فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله كما نقلته في السؤال، وراجع في هذا الفتاوى ذات الأرقام التالية: 24030، 10398، 6880، 38776، 49655، 18124.
أما عن التعارض الحاصل في كلام الشيخ -رحمه الله- فأمر وارد عن جميع العلماء، حيث كانت تتعدد أقوالهم في المسألة الواحدة، لما يظهر لهم من أوجه الترجيح، واختلاف الأحوال والقرائن، فكم من المسائل ورد للإمام أحمد فيها روايتان، وللشافعي قول يعرف بالقديم وقول يعرف بالجديد في مسائل كثيرة وكذا بقية الأئمة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1425(18/331)
تحقيق المقال في عبارة \"من أفتى بغير علم فقد كفر\"
[السُّؤَالُ]
ـ[النص التالي \"من أفتى بدون علم فقد كفر\" يتردد على أسماعي كثيرا.. هل هو حديث نبوي شريف..
إذا لم يكن كذلك فمن القائل.. وما المناسبة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على النص المذكور فيما اطلعنا عليه من المراجع، ولم نقف فيما اطلعنا عليه من أقوال أهل العلم أو الأحاديث على قول أو حديث يقول بكفر من أفتى بغير علم كفرا أكبر مخرجا من الملة.
ولا شك أن الفتيا في دين الله تعالى بغير علم من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب لأنها من القول على الله بغير علم الذي نظمه القرآن الكريم في سلك الكبائر وقرنه بالشرك بالله تعالى، قال الله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النحل: 116 ـ 117)
وخطر الفتوى بغير علم لا يقتصر على صاحبه بل ربما يتعداه إلى المجتمع فيفسده ويضله عن دين الله تعالى، وهنا يكون الخطر أعظم والإثم أكبر لأن المعصية المتعدية أعظم من المعصية القاصرة.
فقد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لايقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بموت العلماء حتى إذا لم يُبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.
والمفتى بغير علم إذا أخطأ يكون إثمه على من أفتاه على من أفتاه لقوله صلى الله عليه وسلم: من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه. رواه أبوداود وابن ماجه وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
وهذا ما استوعبه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح رضوان الله عليهم ـ فكانوا يتحرجون من الفتوى ويتهربون منها مع كثرة علمهم وحرصهم على تعليم الناس وحب الخير لهم والحرص على إيصال النفع للعباد، ولكن لخطورة الفتوى كان بعضهم يحيلها إلى بعض وربما عادت إلى الأول وكان أكثر ما يحملهم على الفتوى هو الخوف من كتمان العلم.. المذموم في كتاب الله وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم..
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 14585.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1425(18/332)
ما يفتي به المفتي عند عدم تبين الراجح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأولى الإفتاء بالورع أم الإفتاء بالأيسر؟ بمعنى آخر إذا كان أمام المفتي رأيان رأي فيه تيسير على السائل في ظروف معينة ورأي آخر فيه احتياط فما الأولى في الإفتاء؟ هل الاخذ بالأحوط يختلف عن الإفتاء به؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فواجب المفتي إذا سئل عن حكم مسألة أن يفتي بما تشهد له نصوص الكتاب أوالسنة أو إجماع الأمة أو كان جاريا على قياس معتبر عند أهل العلم.
وإن كان فيها اختلاف أو تعارض بين الأدلة فإنه لا يفتي إلا بما هو راجح في المسألة وهو الأقوى دليلا والأسلم تعليلا.
وإن تساوت الأدلة في نظره فقد اختلف في الذي عليه أن يفعل، والصواب أن يتوقف حتى يتبين له القول الراجح، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: إذا اعتدل عند المفتي قولان، ولم يترجح له أحدهما على الآخر، فقال القاضي أبو يعلى: له أن يفتي بأيهما شاء، كما يجوز له أن يعمل بأيهما شاء، وقيل: بل يخير المستفتي فيقول له: أنت مخير بينهما لأنه إنما يفتي بما يراه والذي يراه هو التخيير، وقيل: بل يفتيه بالأحوط من القولين. قلت: الأظهر، أنه يتوقف ولا يفتيه بشيء حتى يتبين له الراجح منهما، لأن أحدهما خطأ فليس له أن يفتيه بما لا يعلم أنه صواب.ا. هـ.
وإذا لم يجد وسيلة للترجيح بين القولين فليفت بالقول الأشهر منهما لأن زيادة شهرته تزيد في رجحانه. قال الحطاب: والذي يفتى به هو المشهور والراجح ولا تجوز الفتوى ولا الحكم بغير المشهور ولا بغير الراجح.
وأما أخذ المرء بالقول الأحوط في خاصة نفسه فهو من الورع، ولكن ليس له أن يفتي بالقول الأحوط إن لم يكن راجحا. وراجع الفتوى رقم: 32738.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الأولى 1425(18/333)
نقل الثقة لفتوى المفتي كاف في ثبوتها عن صاحبها
[السُّؤَالُ]
ـ[قالت لي إحدى صديقاتي نص فتوى سمعتها من الشيخ \"الفلاني\" وقد أكدت لي أخرى نفس الفتوى في مجلس آخر وهما أهل للثقة ما الحكم إذا أخذت بكلامها وطبقت ما تنص عليه الفتوى التي نقلاها لي والفتوى لم تكن في أصول الدين بل في إحدى الأمور المختلف عليها من المعاملات؟
جزيتم خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى أمر عباده أن يسألوا أهل العلم والاختصاص إن كانوا لا يعلمون فقال جل وعلا: [فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ] (النحل: 43)
وعلى ذلك فإن كان الشيخ المذكور من أهل هذا الشأن علما ودينا وورعا ومعرفة بالواقع وملابسات القضية التي أفتى فيها فإن لك أن تأخذي بفتواه إذا لم تعارضها فتوى من هو أوثق منه وأورع وأعلم.
أما إذا كان الشيخ المذكور لا يتمتع بمواصفات المفتي التي أشرنا إلى بعضها فلا يجوز لك الأخذ بقوله.
قال في مراقي السعود في أصول الفقه: وليس في فتواه مفت يتبع ... إن لم يضف للدين والعلم الورع.
وقالوا: لايحل للمكلف أن يفعل فعلا حتى يعلم حكم الله فيه ويسأل العلماء ويقتدي بالمتبعين خاصة.
وأما نقل الفتوى إليك فيكفي التوثق من صحتها ونسبتها إلى صاحبها، ويصح ذلك بنقل عدل الرواية وهو المسلم المكلف السالم من الفسق وخوارم المروءة سواء كان ذكرا أو انثى.
وعليه فإن كانت صديقتك التي نقلت الفتوى ثقة فهذا يكفي لثبوت الرواية وخاصة أنها أكدت برواية ثقة أخرى.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 11773، 33577.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1425(18/334)
المفتي مبين لحكم الله حسب الدليل؛ لا الهوى أو الرأي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أن يقول \"انتقم الله من العالم فلان فلم تات المصائب إلا من وراء فتواه\" والقائل ملم بالأمور الشرعية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز مثل هذا القول في حق مفت شرعي لأن الفتوى إعلام للمستفتي بحكم الشرع في النازلة المسؤول عنها، بحسب ظن المفتي إن كانت من مسائل الاجتهاد.
فالمفتي إنما هو مبين لحكم الله في المسألة مستنداً إلى دليل شرعي من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس، وليس بهواه أو برأيه، وهو ليس معصوماً، إلا أنه يتعين على المستفتي أن لا يأخذ دينه إلا ممن يوثق بعلمه وأمانته واتباعه للدليل، فقد قال بعض السلف: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
وعليه؛ فهذا القائل قد أخطأ في قوله هذا، وعليه الاستغفار من هذا القول والتوبة إلى الله، وعليه أن يعرف للعلماء حقهم ويقدر لهم قدرهم، فلا شك أن منزلة العلماء في الإسلام عظيمة، فهم ورثة الأنبياء، وحملة الدين للناس، وهم الذين استشهدهم الله تعالى على وحدانيته، وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، فقال الله تعالى: شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18] .
وقال ابن عساكر: إن لحوم العلماء مسمومة، وسنة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، فمن أطلق لسانه في العلماء بالانتقاص والثلب، ابتلاه الله عز وجل قبل موته بموت القلب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1425(18/335)
الاحتياط والورع الأخذ بالأثقل ولو كان مرجوحا
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي الفاضل موضوع رسالتي هو موضوع منتشر وسائد وشغل شاغل لكثير من أبناء ديننا الحنيف وهو المرجعية الحقة في الفتوى، فكثيراً ما نرى هذا الشيخ يفتي بفتوى وذاك يخالفه، وقد كنت كما يعتقد الكثير بأن هذا الاختلاف رحمة، ولكنني عندما حكّمت عقلي وجدت أنه لا رحمة في الفرقة وإنما أظنها فتنة واسترعى انتباهي الحديث الشريف (الحلال بيّن والحرام بيّن...............................) ، وقد قادني فهمي المتواضع للحديث إلى أنه إذا اختلف العلماء في أمر ما مثلا أحدهم يقول إن النقاب فرض والآخر يقول أحسن فعلى المرأة أن تتنقب وإذا اختلف عالمان على إن الأغاني حرام أو مكروهة فعلينا تركها، فهل ما فهمت صحيح، وقد سمعت إن آية من القرآن نزلت في الأغاني وعلّق عليها عبد الله بن مسعود فما هي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يتعلق باختلاف العلماء فيمكنك أن تراجع فيه الفتوى رقم: 40173، وما فهمته من الحديث صحيح وهو الورع المأمور به في أحاديث كثيرة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أتيت بأوله: فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام. رواه الشيخان، وروى الترمذي والنسائي وأحمد والدارمي من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
ولكن هذا يمكن أن يأخذ به المرء في خاصة نفسه، ولا يمكن أن يحمل عليه جميع الناس، بل الواجب في حق المسلم أن لا يعمل بالأخف إن كان مرجوحاً، وأما إذا كان هو الراجح فله أن يعمل به، والاحتياط والورع أن يأخذ بالأثقل ولو كان هو المرجوح كما فهمت.
والآية التي تسأل عنها هي في سورة لقمان ورقمها (6) ، وراجع فيها الفتوى رقم: 11769.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1425(18/336)
لا ينبغي لمن اعتقد صحة أحد القولين أن يثرب على الآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
جزى الله هذه الشبكة الإسلامية خير الجزاء، ذهبت إلى صلاة الجمعة والإمام على المنبر، فصليت ركعتين خفيفتين قبل أن أجلس، فإذا بالإمام ينهال علي بسيل من اللوم الخفي واللا خفي، إذ فهم جميع الجالسين كلامه وشعرت وقتها بإحراج شديد وقلت لبعض الأصدقاء إن الإشارة على المنبر لخطأ ما لا تكون إلا للضرورة وبحيث لا تحط من قدر الناس، وقلت أيضاً إن صلاة ركعتين خفيفتين قبل الصلاة سنة، فهل كلامي صحيح، وماذا تقول لهذا الخطيب، ملحوظة: لم يكن كلام الخطيب مبهما أو تلميحاً بل كان بالتصريح، أرجو الإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا أقوال الفقهاء في المسألة في الفتوى رقم: 34204، وحجة كل قول، وعموماً فلا ينبغي لمن اعتقد أحد القولين أن يثرب على الآخر، والذي نراه أن الإمام لا ينبغي أن ينكر على المخالف في مثل هذه المسألة لقوة قول الجمهور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 محرم 1425(18/337)
طريقة الفتوى بالموفع
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال الخامس (أريد أن أعرف من الذي يجيب على هذه الأسئلة وجزاكم الله كل خير) محمد بن ناجي بن صالح المنتصر اليمن]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أما عن الإجابة على سؤالك المتعلق بمعرفة من يجيب على هذه الأسئلة، فراجع الفتوى رقم: 1122.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 محرم 1425(18/338)
آلية الفتوى بمركز الفتوى
[السُّؤَالُ]
ـ[تحية طيبة وبعد:
فجزاكم الله كل خير وجعله في ميزان أعمالكم يوم لا ينفع مال ولا بنون، أجد في نهاية كل فتوى هذه المقولة ... (مركز الفتوى بإشراف د. عبد الله الفقيه) ، لماذا حفظكم الله لا تضعون الشيخ الذي أفتى حتى إذا سألنا لا نقول مركز الفتوى.. لأن ذكر الشيخ المفتي, دلالة واضحة على حجتنا وصدقنا عندما نقول لهمإأنها فتوي الشيخ الفلاني حفظه الله، أرجو الإجابه على تسائلي.. ويحفظكم الله على طاعته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الفتوى في الشبكة الإسلامية تعتبر فتوى جماعية من جهة الإعداد والتحضير.
ومن جهة المراجعة والاعتماد يشرف عليها الدكتور عبد الله الفقيه –حفظه الله-، وبالتالي فعزوها له مباشرة أو لمركز الفتوى الذي يشرف عليه، كافٍ في الخروج من عهدتها ...
ولمزيد من المعلومات عن الدكتور الفقيه تراجع الفتوى رقم: 35374، وعن آلية الفتوى عندنا يراجع ما كتبناه في صفحة مركز الفتوى تحت العنوان "عن الفتوى".
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو القعدة 1424(18/339)
المرجع في المسائل الاجتهادية والنوازل
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
سؤالي هو إن شاء الله ماذا يلزم علينا أن نفعل عند حلول نازلة من النوازل والمرجعية إلى من؟ بارك الله فيكم. مثلا.... قول المجمل والمفصل وعدم أخذ بخبر الآحاد وغيرها أفيدونا بارك الله فيكم والسلام عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المسائل الاجتهادية والنوازل يرجع فيها إلى أهل العلم الراسخين، الذين عرفوا بالتقوى والورع والرسوخ في العلم، وعدم التسرع في إطلاق الأحكام، هؤلاء هم الذي يرجع إليهم في النوازل والحوادث.
قال تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ [النحل: 43-44] ولا يرجع إلى أنصاف المتعلمين أو الذين عرفوا أو اشتهروا بالتسرع والعجلة في إصدار الأحكام، وهذا عام في كل الأحكام والمسائل الشرعية، سواء في مسألة خبر الآحاد أو المجمل والمفصل أو غيرها، فيرجع فيها إلى العلماء الراسخين من أهل السنة والجماعة.
وللفائدة، نحيل السائل إلى الفتاوى التالية: 8406، 14050، 6787.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1424(18/340)
الفتاوى في القنوات الفضائية
[السُّؤَالُ]
ـ[رجاء أريد معلومات حول الفتاوى في القنوات الفضائية العربية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى المسلم أن يختار لدينه العلماء الموثوق بهم، لئلا تتشعب به الأهواء، أو يضل السبيل، وقد قال محمد بن سيرين: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم. ذكره مسلم في مقدمة صحيحه.
وقال بعضهم: إن من فضل الله على الحدث أن يوفق إلى صاحب سنة.
وإن القنوات الفضائية قد كثرت في هذه الأيام، ولا يمكننا الحكم عليها جملة، ولكن على المرء أن يسأل العلماء الموثوق بهم عن أمر دينه، والغالب على هذه القنوات يوجب على المسلم الحذر منها، والتوقي في أخذ العلم عمن يظهرون فيها، إلا من شُهد لهم بالعلم والرسوخ في أمر الفتوى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1424(18/341)
أعضاء فريق الفتوى
[السُّؤَالُ]
ـ[من هم طاقم الفتوى عندكم (غير الدكتور الفقيه طبعاً) ، وهل ضمن الطاقم علماء من المذاهب الأخرى كالإمامية والزيدية وغيرهم أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فكل من يعمل لدينا في قسم الفتوى على مذهب أهل السنة، ولا يوجد بين أعضاء الفريق أحد من المذاهب المخالفة لمنهجهم أو عقيدتهم، ولمعرفة المزيد عن طبيعة العمل في الموقع راجع الفتوى رقم: 1122.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1424(18/342)
الفتوى في الشبكة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[إني أحبكم في الله وأحب هذا الموقع الإسلامي، وحريص على متابعة هذا الموقع، أرجو تعريفي على مشرفي الموقع والمفتي لهذا الموقع، نبذة مختصرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأحبك الله الذي أحببتنا فيه، وأما هذا الموقع فهو تحت إشراف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر.
وتقوم على الفتوى لجنة متخصصة من الباحثين الشرعيين بإشراف الدكتور عبد الله الفقيه، وقد سبق ذكر نبذة تعريفية به في الرقم: 35374، وانظر الفتوى رقم: 1122.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1424(18/343)
موقعنا مخصص للفتوى
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لم تكتبوا عن جميع الخلفاء الراشدين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فموقعنا ليس متخصصاً في سير الأعلام وتراجمهم، وإنما هو مخصص للفتوى، فلا يكتب في قسم الفتوى إلا ما ورد به سؤال، ومع ذلك فلو زرت الصفحة الرئيسية للشكبة الإسلامية، واخترت "بحث متقدم"، وكتبت أسماء الخلفاء الراشدين الأربعة واحداً بعد واحد، فستجد لهم ذكراً كثيراً في صفحات متنوعة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شعبان 1424(18/344)
ضوابط الفتوى الشرعية الصحيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وأصحابه وأهله ومن اتبعهم.... وبعد:
كيف يمكننا أن نفرق بين الفتاوى الصحيحة والفتاوى الكاذبة لتجنب الأخطاء، وهذا خاصة إذا أراد المؤمن أن يعمق معرفته بواسطة المواقع المتفرقة لشبكة الإنترنت؟
والسلام عليكم ورحمة الله، وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالفتوى منصب خطير لا يقوم به إلا أهله، وله ضوابط وشروط بيناها في الفتوى رقم: 5583، والفتوى رقم: 14485، والفتوى رقم: 4022.
فإذا كانت الفتوى قد توافرت فيها هذه الضوابط والشروط، فهي فتوى شرعية يجب على المستفتي قبولها والعمل بمقتضاها، وعدم ردها لمجرد عدم موافقتها هواه.
وإذا كانت الفتوى لا تتوافر فيها هذه الضوابط والشروط، فليست فتوى شرعية ولا يحل طلبها أو العمل بها، ومفتيها متقول على الله بغير علم، وداخل في الوعيد المذكور في قوله تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ [النحل:116] .
وراجع للأهمية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1122، 22543، 12347، 36742.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1424(18/345)
لا يفتي إلا من كان أهلا للفتوى
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا (باعتقادي) أن الداعية يفتقر إلى الجرأة على الفتوى؟
صحيح أن الفتوى صعبة، ولكن يجب أن يكون هناك من يتجرأ على تقديم الفتوى، وإلا من لنا في هذه الأيام من أحد يحرم التدخين تحريما قطعيا.
شكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز أن يقدم على إفتاء الناس إلا من تأهل وكان من العلماء الراسخين، أو يكون ناقلا لكلام عالم، ويشترط في الناقل التحري والدقة في النقل، والفهم لما ينقل.
أما من تصدى للدعوة ولم يكن لديه علم بالمسائل الشرعية، فلا يجوز له الإفتاء والقول على الله بغير علم، وانظر الفتوى رقم: 16518، والفتوى رقم: 17519، والفتوى رقم: 3984.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 رجب 1424(18/346)
حكم استفتاء من هو على مذهب الأشاعرة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة..... وبعد:
سؤالي هو: هل يجوز لي الأخذ بفتوى شيخ من شيوخ الأشاعرة؟ مع العلم بأنني سني على المذهب الحنفي؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كانت الفتوى تتعلق بالعبادات أو المعاملات أو الأخلاق، وكان الشيخ المذكور أهلاً لأن يفتي في ما ذكر، أي عنده الكفاءة العلمية والورع المطلوب، فإنه لا مانع من استفتائه والأخذ بأقواله.
ولم يزل العلماء ينقلون هذه العلوم عن كثير ممن كانوا على المذهب الأشعري.
أما ما يتعلق بمسائل الاعتقاد فلا تستفت فيها إلا من عرف عنه الالتزام بمذهب السلف الصالح، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وسفيان والليث والأوزاعي وابن المبارك والبخاري والترمذي، وغيرهم من أهل العلم والفضل، ومعلوم أن الأشاعرة مخالفون للسلف في جملة من مسائل الاعتقاد، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 5719.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1424(18/347)
الطرق التي يعرف بها أهل الإفتاء
[السُّؤَالُ]
ـ[واجهتني مشكله طلاق معقدة جداً ذهبت للمسجد بالمدينة التي أعيش فيها، حيث يوجد شاب إمام المسجد وخطيبه متخرج من إحدى كليات الشريعة العليا سردت المشكلة بكل تفاصيلها أمامه وأمام شهود وأمام زوجتي أيضا أفتى بعدم وقوع الطلاق استنادا إلى الحالة التي كنت أعيشها لحظة وقوع الطلاق، فهل يعتبر حكم شخص بالمواصفات التي ذكرتها كافياً والسلام.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى أمر من لا يعلم بالرجوع إلى أهل العلم واستفتائهم فيما نزل به، فقال سبحانه: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] .
والواجب سؤال من عرف بالعلم والدين، وقد ذكر علماء أصول الفقه الطرق التي يعرف بها العامي المجتهد الذي يجوز له أن يقلده، ومن هذه الطرق انتصابه للفتيا بمشهد من أعيان العلماء دون أن ينكروا عليه. أو أخذ الناس عنه واجتماعهم على سؤاله، والعمل بما يقول دون منكر، ومن ذلك أن يخبر العامي عدلٌ ثقة عنده، بأن هذا عالم عدل، فإذا حصل شيءٌ من ذلك غلب على الظن أن هذا هو الذي ينبغي أن يُقلَّد. أما إذا غلب على ظن السائل أن المسؤول ليس من أهل الاجتهاد أو أنه جاهل بالشريعة فلا يجوز له أن يقلده.
وينبغي التنبه إلى أنه ليس كل متخرج من كليات الشريعة أهلاً لأن يستفتى، فأغلب هؤلاء دون درجة المفتي بمراحل كثيرة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 رجب 1424(18/348)
الفرق بين الفتوى والاستشارات الدينية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله:
ما هو الفرق بين الفتوى والاستشارات الدينية؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالفرق بين الفتوى والاستشارة الدينية هو:
أن الفتوى معنية ببيان الأحكام الشرعية، والاستشارة معنية بالنصائح والتوجيهات والإرشادات.
مع أنهما قد تتداخلان أحياناً، فيكون في الاستشارة بيان لبعض الأحكام، ويكون في الفتوى شيء من النصائح والإرشادات والتوجيهات.
وبالمناسبة فإننا نقول للداخلين على الموقع: ضعوا كل طلب في الموضع المناسب له، فطلب الفتوى في مركز الفتوى، وطلب الاستشارة في قسم الاستشارات، وذلك لأن كثيراً من زوار الموقع يرسلون استشاراتهم إلى مركز الفتوى، فلزم التنبيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1424(18/349)
ماهية الأنترنت.. يوجه لأهل الشأن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الإنترنت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالموقع ليس معنيًّا بالإجابة على مثل هذا السؤال، لانشغاله ببيان الأحكام الشرعية العملية، التي تعين السائل وغيره على عبادة الله عز وجل. أما الأسئلة المتعلقة بالأمور الأخرى، فالسؤال عنها يوجه لأهل الاختصاص بها. قال تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] . وأهل كل علم هم أهل الذكر بالنسبة له.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الثانية 1424(18/350)
فتاوى شرعية تخص النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
توجد فتاة لا تفهم اللغة العربية وتريد أن تعرف أمور الدين فأنا أود مساعدتها وأطلب منكم أيضا مساعدتي ومساعدتها أريد من فضلكم فتاوى نسائية خاصة بالصلاة والصوم وكل ما يتعلق بالأمور الدينية ولكن بالعربية ثم مترجمة باللغة الإنجليزية.
جزاكم الله خير الجزاء]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالفتاوى الشرعية التي تخص النساء في العبادة كالصلاة والصوم كثيرة، ويمكنك الوصول إليها بالدخول على الصفحة الرئيسية في موقعنا، ثم اختيار "عرض موضوعي"، وستجد بغيتك إن شاء الله في الجهة العربية، وكذا في الجهة الإنجليزية أيضًا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1424(18/351)
الموقع لا يجيب على تفسير الرؤى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ظهور صورة النائم في المرايا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كنت تسأل عن رؤيا منامية، فالموقع لا يجيب على تفسير الرؤى، إذ ليس ذلك من مجالات تخصصه، وإن كنت تسأل عن أمر آخر، فالرجاء منك توضيحه أكثر من ذلك، ليتسنى لنا الجواب عنه بصورة صحيحة، ونشكرك على متابعة موقعنا، ونتمنى لك مزيدًا من التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1424(18/352)
مركز الفتوى ليس متخصصا في كتابة البحوث أوالتعاون مع من يكتبونها
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
تحية عطره أزفها إليكم حاملة لكم كل الود والحب والاحترام لما تقومون به من إنجازات وإبداعات عظيمة لخدمة هذا الجيل ولنشر الاستفادة للجميع، وكم أنا سعيد في الدخول إلى هذا الموقع العظيم! وكم استفدت منه كثيراً! فتحية لكم ولجهودكم العظيمة....
أما بعد ,,,,
أنا أبحث عن موضوع مهم بالنسبة لي وهو الأنانية عند الطفل، وما أريده منكم هو منحي المساعدة في توفيقي لإنجاح بحثي، وعندها أكون عاجزاً عن الشكر وممتنا لكم وهذا ما التمسته من هذا الموقع. ..ما أريده هو: كيف يكون تعريف الأنانية عند الطفل؟ وكيف أحيل هذه الأنانية إلى فردية تعمل لصالح الجماعة؟ وإذا كانت هناك حالات تفسر هذا التحول أكون شاكراً لكم، وبصدق أتمنى منكم المساعدة..أتمنى لكم مزيداً من التقدم والازدهار.
وأشكركم على حسن تعاونكم معنا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنشكر الأخ السائل على متابعته لموقعنا، ونرجو له مزيداً من التوفيق والسداد، لكننا نعتذر للأخ السائل لأن موقعنا مشغول ببيان الأحكام الشرعية العملية، وليس متخصصاً في كتابة البحوث أوالتعاون مع من يكتبونها، لكن تمكنك مراسلة قسم الاستشارات في الشبكة، لأنه يُعنى بهذه المشاكل النفسية عن طريق أساتذة متخصصين.
وجزاك الله خيراً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الثانية 1424(18/353)
عجز عن الترجيح بين فتويين فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا أقع بين فتويين في مسألة ما، وكل بالأدلة القوية، وأحتار بين العمل بالفتوى الأولى أم الثانية، فماذا أفعل؟ وهل أنا مأجور على العمل بأي منهما؟ أفيدونا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن لم تكن لديك ملكة تستطيع بها النظر في أقوال الفقهاء وأدلتهم والترجيح بينها، فيجوز في حقك التقليد، مع مراعاة عدم التعصب أو التشهي في الاختيار طلبًا للرخصة، كما سبق أن بينا في الفتوى رقم: 6787.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1424(18/354)
حكم العمل بفتوى المفتي إذا لم تطمئن النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا نفعل حين يختلف العلماء في إصدار فتوى في موضوع، إلى أي رأي نذهب ولو أضلنا أحد العلماء؟ فهل علينا إثم، أنا في حيرة من أمري، مثل بعضهم يجيز إيداع الأموال في البنوك العادية، كالشعراوي، وبعضهم يقول لا يجوز، بل توضع في البنوك الإسلامية، وبعضهم يقول: إن في مصر لا يوجد بنوك تسير على الطريقة الصحيحة آسف على الإطالة عليك]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا اختلف العلماء في موضوع معين فإنه لا يكفي المرء أن يأخذ بأي المذاهب شاء، بل لا بد أن ينظر بين أقوالهم ويحاول الترجيح بحسب ما يستطيع، فقد روى الإمام أحمد والدارمي من حديث وابصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: استفت قلبك (ثلاث مرات) البر ما اطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك.
وقال ابن القيم في أعلام الموقعين: لا يجوز العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه وحاك في صدره من قبوله وتردد فيها.. فإن كان عدم الثقة والطمأنينة، لأجل المفتي يسأل ثانيًا وثالثًا، حتى تحصل له الطمأنينة، فإذا لم يجد فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها. والواجب تقوى الله بحسب الاستطاعة. (4/195) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1424(18/355)
موقع فتاوى ابن باز وابن عثيمين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد ...
سؤالي: أنا شخص أبحث على فتاوى الشيخ بن باز ومحمد العثيمين عن الصلاة والطهارة، لكن لم أجدها، وأرجو من سادتكم أن تعطوني ما تستطيعون من فعله، ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيمكنك الوقوف على فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله في الصلاة والطهارة وبقية العبادات والمعاملات وغير ذلك، من خلال موقعه تحت هذا الرابط: www.bibaz.org.sai
كما يمكنك تحميل 20 مجلدًا من فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مشتملة على العقيدة، والطهارة، والصلاة، وغير ذلك من خلال موقعه: www.binothaimeen.com.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الأولى 1424(18/356)
الأجوبة العامة يقتضيها الحال
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أجبتموني على سؤالي رقم 76070، ورقم 76061، ولقد تخلصت من الأسهم وأنا الآن أغلق حسابي في البنك الربوي، ولكن في حالة الشركات الأجنبية التي تنتج مواد حلالا ولكنها لا تودع في البنك الإسلامي ولا يهمها موضوع الربا أصلا، فهل أتاجر بأسهمها عن طريق مضارب إسلامي على أن أقوم أنا بالتخلص من نسبة الربا في الربح؟ أرجوكم أرجوكم أفتوني بنعم أو بلا، لقد تعبت من الإجابات العامة، جزاكم الله خيرا على جهدكم وسعة صدركم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يزيدك حرصاً على الخير وأن يثبت قلبك على الحق. وأما بخصوص سؤالك فإن هذه الشركة ما دامت على الحال الذي ذكرت من تعاملها بالربا بإيداعها لأموالها في البنوك الربوية، فلا يجوز لك، والحالة هذه المساهمة فيها، لما في ذلك من تعاملك بالربا ورضاك به وإقرارك له. ومعلوم ما في الربا من المحاربة لله ورسوله، واستحقاق صاحبه اللعن والطرد من رحمة الله تعالى. وراجع الفتوى رقم: 1120.
ولتعلم - أخانا الكريم - أن كون أصل تعامل هذه الشركة في الحلال، أو عزمك على التخلص من هذه الفوائد أو غير ذلك، ليس مبرراً لمساهمتك في هذه الشركة، ولتسع إلى البحث عن وجوه الكسب المباح الذي تستثمر فيه أموالك بلا شبهة تلحقك به.
وأما بخصوص ما ذكرت من الأجوبة العامة، فإنها قد يقتضيها الحال أو المقام أحيانًا، لا سيما إن كان السؤال غير واضح، فتذكر للسائل الضوابط الشرعية العامة لينزل المستفتي عليها واقع حاله، فاطلب لنا العذر، أعظم الله لنا ولك الأجر، وحط عنا وعنك الوزر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1424(18/357)
منهج الإفتاء في الشبكة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[اسمح لي بأن أتجرأ وأسأل سؤالا وهو: لماذا المفتي لا يعطي الدليل على كل ما يتفضل به إن كان صغيراً أو كبيراً فمثلا عندما يقول المفتي بأن تكبيرة الإحرام إلى المنكبين او إلى الأذنين لا يقول من أين أتى بهذا وقوة دليله، هنا في فرنسا تعلمنا التدقيق الشديد كما كان يفعل بعض علماء المسلمين؟
والسلام عليكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المفتي في الشبكة الإسلامية في الغالب لا يعطي جواباً خالياً من الدليل، وليس يلزم أن يكون الدليل آية أو حديثاً، لأن القرآن والحديث نصان متناهيان، والأمور التي تحدث ليست متناهية، فقد يكون الدليل إجماعاً قولياً أو سكوتياً، وقد يكون إلحاق فرع بأصل أو بفرع آخر، وقد يكون فتوى لأحد العلماء وغير ذلك.
فمثلاً إذا سئل عن رفع اليدين في تكبيرة الإحرام أمكن أن يستدل بحديث الشيخين من رواية سالم عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه.....
ولكنه لو سئل عن حق مجهول قدره لكفى أن يستدل بما جاء في المغني لابن قدامة: ويصح الصلح عن المجهول سواء كان عيناً أو ديناً.... انتهى 4/317.
ولوسئل عن جواز استعمال بعض الأطعمة الحديثة لكان كافياً أن يستدل بجواز استعماله إذا كان خالياً مما يسكر ومن اللحوم المحرمة، وهكذا....
ونحن نشكرك على هذا النقد الذي قد يزيد من فعالية العمل في الشبكة ويحسن منهج الفتوى، ولكن اعلم أن الفتوى تختلف عن البحوث والتآليف، ذلك أن المستفتي في الغالب يكون عامياً وإذا أطلت عليه بالتدقيق في الأدلة ربما كان ذلك معيقاً له عن فهم الموضوع الذي يسأل عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الثاني 1424(18/358)
تفسير القرآن والفتوى بدون علم خطورة وأي خطورة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته
سيدى الفاضل مشكلتي تتمثل باختصار في أن خالي رجل لم يتجاوز الـ 45 يعيب لكل شيء لا شيء يعجبه ويفتي في الدين بصورة بشعة ويظن أنه يحسن في هذا الأمر وكذلك في السياسة ومع الجميع، ويتأذى منه الجميع بسبب فتواه في كل شيء ولكن له حجج، فأرجو أن تجيبوا علي لأدحض له حججه،
1- فهو لا يصلي في المسجد بحجة أن المصلين الآن في عصرنا هذا من المنافقين، فهو لا يحرم ولكن هذه حجته ولا حتى صلاة الجمعة؟
2- أنه يفتي فى الدين ويفسر القرآن بطريقة غبية تسبب غيرتي الشديدة لحبي لديني، مما يجعلني أتعصب عليه وأعيب عليه فأقع في مالا يرضاه الله، وحجته أن كل من يقرأ القرآن يمن الله عليه بالقدرة على التفسير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعليك أن تحرص على هداية هذا الرجل، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم، وعليك أن تبين له خطورة تفسير القرآن بغير علم وخطورة الإفتاء بغير علم، ففي الحديث: من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار. رواه أحمد والنسائي في الكبرى، والترمذي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وروي عن أبي بكر الصديق أنه قال: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟ وراجع مقدمة ابن كثير في تحرج السلف عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به.
ومما يدل لخطورة الإفتاء بغير علم كونه افتراء على الله، وهو مانع للفلاح مسبب للعذاب، قال الله تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل:116-117] .
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي، أو حلل شيئا مما حرم الله، أو حرم شيئا مما أباح الله بمجرد رأيه وتشهِّيه، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في حفظ اللسان فقال: من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة. رواه البخاري ومسلم.
وقال: من كان يومن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت. رواه البخاري ومسلم، وقال: إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم. رواه البخاري، وراجع في خطورة التخلف عن الجماعة والجمعة الفتوى رقم: 5153، والفتوى رقم: 28664، والفتوى رقم: 1798، والفتوى رقم: 8688، والفتوى رقم: 31502.
واعلم أن نفاق المصلين إن صح ليس عذرا في التخلف عن الصلاة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي المسجد الحرام ويصلي عنده قبل الهجرة ولا يمنعه من ذلك وجود الأصنام ولا حضور المشركين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1424(18/359)
لا يجوز وصف عالم بالفسق لمجرد رأي فقهي خلافي
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
هل يجوز القول عن عالم ما يصدر فتوى بتحليل ما أحرم الله مثل كشف الوجه وتحليل الغناء بأنه فاسق أم يعتبر هذا من اجتهاده وماذا يجب علينا تجاه فتواه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن تحريم ما أحل الله تعالى أو تحليل ما حرم أمر منكر، ومن كبائر الذنوب التي حذرنا الله تعالى منها، حيث يقول جل وعلا: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ (النحل: من الآية116) فمن حرم حلالاً أو أحل حراماً مقطوعاً بتحريمه أو بتحليله فقد ارتكب إثماً عظيماً وشرع للناس ما لم يأذن به الله، واستحق أن يوصف بالفسق والظلم والكفر..
ولهذا كان السلف الصالح -رضوان الله عليهم- يتوقفون طويلاً عندما يصل الأمر إلى التحريم والتحليل، وكانوا يتحرجون ويحذرون من كلمة حرام أو حلال، إلا ما ورد فيه نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة.
وكثيراً ما نجد في تعبيرهم عن الأمور الاجتهادية: لا ينبغي أو لا أحب أو أكره..
ومن هذا الباب المسائل الفرعية التي تحتمل الإباحة والحرمة والكراهة.
ولهذا فلا يجوز وصف عالم بالفسق لمجرد رأي فقهي في مسألة فرعية يرى أن الصواب فيها كذا بناء على معطيات شرعية معتبرة، وخاصة إذا كانت هذه المسألة من المسائل الخلافية التي كثرت فيها الأقوال وتباينت حولها الآراء قديما وحديثاً مثل: كشف الوجه واليدين..
فقد نُقل الاختلاف عن السلف الصالح من الصحابة والتابعية والأئمة الكبار في مثل هذه المسائل، ولم يتهم أحد منهم الآخر، ولم يفسقه، لأن هذا النوع من الاختلاف هو من الاختلاف السائغ الذي له حظ من النظر.
وقد حذر العلماء من الوقوع في أعراض الناس عموماً وفي أعراض العلماء خصوصاً، وذلك لما جاء في كتاب الله تعالى وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التنفير من الوقوع في أعراض الناس، فقد نقل النووي عن ابن عساكر قوله: اعلم وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة، وسنة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (النور:63) .
والذي ينبغي أن تكون عليه في مثل هذه المسائل أن تتحرى الراجح فتأخذ به، وتدع المرجوح ولا تذم القائل به، ولا تتهمه أو تقع في عرضه، وكِلْ نيته إلى الله تعالى الذي يعلم السر وأخفى.
وبإمكانك -أخي الكريم- أن تطلع على التحقيق في المسائل التي أشرت إليها مدعوماً بالأدلة وأقوال العلماء وترجيح الصواب إن شاء الله تعالى على موقعنا هذا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1424(18/360)
المجتهد لا يقلد غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله خيرا على هذ الموقع وبعد فهل فتوى عالمين دون إظهارهما الدليل تعتبر كافية لمن يستطيع أن يجتهد؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التقليد هو أخذ قول غير المعصوم من غير دليل، وقد نص أهل العلم على أن من كان أهلاً للاجتهاد لا يقلد غيره، قال في مراقي السعود:
والتابعي في الرأي لا يقلد ... له من أهل الاجتهاد أحد
وعلى طلاب العلم ألا يهملوا ما يؤدي إليه اجتهاد الأقدمين إلا إذا تأكدوا من وجود دليل يخالفه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 صفر 1424(18/361)
الفتوى لا بد أن تكون مستندة إلى دليل.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وجزاكم الله خيراً على هذا الموقع وبعد:
فماذا على من كان يعتقد أن الدليل شرط فى الفتوى وكان يقول عن من يأخذون الفتوى بغير دليل أنهم ممن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله أعني هل فى هذا تكفير مع أنه لم يكفر أولئك المسلمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالفتوى إعلام للمستفتي بحكم الشرع في النازلة المسؤول عنها، وعليه فلا يمكن أن تكون هناك فتوى غير مستندة إلى دليل شرعي من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس، إلا أن الأئمة والعلماء قد يتفاوتون ويختلفون في إثبات الحكم من الأدلة نتيجة لاختلافهم في إثبات صحة الدليل أو في صحة الاستدلال به كما هو مبين في الفتوى رقم: 6787.
لكن لا يعلم إمام معتبر قصد بفتواه مخالفة الدليل وإن وجد له مثل ذلك فهو من غير قصد وله في ذلك عذره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولاً عاماً يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقاً يقينياً على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلا بد له من عذر في تركه وجميع الأعذار ثلاثة أصناف:
أحدهما: عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.
والثاني: عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول.
والثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ.
وهذا الأصناف الثلاثة تتفرع إلى أسباب متعددة. انتهى.
ثم ذكر أسباب ذلك في رسالته المشهورة رفع الملام عن الأئمة الأعلام.
فمتى ظهر الدليل وجب الأخذ به ولا يجوز العدول عنه، ولا عذر لأحد عند الله في اتباع قول يعلم أن الدليل ثابت بخلافه ومن فعل ذلك لحقه نصيب من الذم المذكور في قوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّه [التوبة:31] ،وقد لا يكفر بذلك لوجود مانع أو فوات شرط، قال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقاً على الآية: فمن أطاع أحداً في دين لم يأذن الله به من تحليل أو تحريم أو استحباب أو إيجاب فقد لحقه من هذا الذم نصيب كما يلحق الآمر الناهي، ثم قد يكون كل منهما معفواً عنه فيتخلف الذم لفوات شرطه أو وجود مانعه وإن كان المقتضي له قائماً، ويلحق الذم من تبين له الحق فتركه أو قصر في طلبه فلم يتبين له أو أعرض عن طلبه لهوى أو كسل ونحو ذلك. انتهى.
لكن لا يلزم المفتي أن يظهر الدليل للمستفتي، وإن فعل ذلك فهو الأولى إذا كان الدليل مما يدركه عقل المستفتي.
والله أعلم. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 محرم 1424(18/362)
لو سألت عما تنتفع به في دينك أجبتك
[السُّؤَالُ]
ـ[لو خلا رجل بمرأة في جزيرة مثلا وليس في الجزيرة أي إنس ولا يستطيع العودة إلى بلاده ولا يعرف حتى متى سيخرج من هذه الجزيرة فأراد أن يتزوج تلك المرأة فكيف يتزوجها؟ شكراً لكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما ذكره السائل أمر افتراضي يصعب وقوعه لا سيما في هذه الأيام التي تطورت فيها وسائل الاتصال والرصد، وتنوعت وسائل النقل والاستكشاف، وقد كان السلف رضوان الله عليهم إذا سئلوا عن مثل هذا قالوا: دعوه حتى يقع، وقد ذكر الخطيب البغدادي في كتابه الفقيه والمتفقه: أن رجلاً جاء إلى مالك فسأله عن مسألة فلم يجبه، فقال له: يا أبا عبد الله، ألا تجيبني عمَّا أسالك عنه؟ فقال له مالك: لو سألت عمَّا تنتفع به -أو قال تحتاج إليه- في دينك أجبتك. انتهى.
وللاطلاع على شروط الزواج الصحيح انظر الفتوى رقم:
1766.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 ذو الحجة 1423(18/363)
الحرام لا يصير مباحا بفتوى
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله
ماهوالحكم الشرعي في فتوى علماء الأزهر في إباحة الفوائد من البنوك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله عز وجل حرم الربا في نصوص شرعية كثيرة قطعية الثبوت قطعية الدلالة لا مجال للتشكيك فيها ولا الشك فيها.
فتحريم الربا من المعلوم في الدين بالضرورة لا يشك في ذلك مسلم، ولكن لما كثر الجهل بالدين وانتشرت بنوك الربا التي جاء بها الاستعمار وأعوانه، التبس الأمر على بعض العوام، ولكن الأغلبية من عموم المسلمين تعرف الحقيقة وتعلم أن الربا محرم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والصحيح أن علماء الأزهر الشريف قديماً وحديثًا أفتو بتحريم الربا، فقد أصدرت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف فتوى بتاريخ 20/2/1989م بتحريم فوائد البنوك، وكذلك أصدر كثير من علماء الأزهر على انفرادهم فتاوى بتحريم فوائد البنوك.
ولعل السائل الكريم يقصد الفتوى التي أصدرها شيخ الأزهر ورد عليه كثير من علماء المسلمين من داخل الأزهر نفسه ومن خارجه.
والحاصل أن فتوى أي عالم مهما كانت منزلته لا يمكن أن تحل ما حرم الله تعالى من فوائد البنوك الربوية التي حرمها الله تعالى في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم:
26870.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1424(18/364)
بيان خطأ العالم لا يعني القدح والذم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو حكم فوائد الشهادات فى البنوك الغير إسلامية، وماهو رأيكم فيما ذهبت إليه أراء أصحاب الفضيلة أعضاء مجمع البحوث الإسلامية فى هذا الشأن؟ جزاكم الله خيراً.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت لنا عدة فتاوى في بيان حكم الفوائد المكتسبة من شهادات الاستثمار أو الادخار في البنوك الربوية فراجع منها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 1220 -
6013 -
23078.
ومما لا شك فيه أنك إذا طالعت الفتاوى المشار إليها فسيمكنك بإذن الله أن تعرف حكم الشرع في المسألة.
واعلم أننا إنما نعني ببيان الأحكام الشرعية على ضوء الكتاب والسنة وأقوال العلماء، ولسنا نعني بالحكم على الأشخاص والهيئات أو تقييمهم؛ إلا أننا نضطر إليه اضطراراً إذا اقتضى الحال والمقام ذلك.
وعلى أي حال فقد أبى الله العصمة إلا لرسوله صلى الله عليه وسلم، فكل إنسان يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمنهج الصحيح الذي ينبغي أن يسير عليه كل مسلم بصير بالأدلة الشرعية وأوجه دلالتها هو أن يقدم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على آراء الرجال ما لم يخرق بذلك إجماعاً ثابتاً، لأن الأمة لا تجتمع على خلاف السنه، قال الإمام الشافعي رحمه الله: أجمع الناس على أنه من استبانت له سنة رسول الله لم يكن له أن يدعها لقول أحد.
واعلم أن العلماء إن أخطاؤا فخطؤهم مغمور في بحور فضائلهم، ولا يكون ذلك مدعاة لتنقصهم ولا الطعن فيهم لما وجب لهم من الاحترام والأدب والتوقير.
وأما العامي ومن في حكمه ممن لم ترسخ أقدامهم في العلم فلا يسعهم إلا إتباع أئمة الهدى دون تعصب.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 5583 -
26480 -
11967.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو الحجة 1423(18/365)
الاختلاف في المسائل الفقهية اختلاف تنوع لا تضاد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المسائل التي يختلف فيها العلماء تعتبر شبهة يجب تجنبها أم الأفضل الأخذ بالفتوى التي يستريح لها قلبك وعقلك، أرجو الإجابة على ضوء حديث الرسول صلى الله عليه وسلم اتقوا الشبهات.... مثل الغناء والكحول في العطر وغيرها من المسائل وشكرا جزيلا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنقول للأخ السائل: إذا رأيت أقوالاً مختلفة في مسألة واحدة فليس لك أن تختار بنفسك ما تريد، فعليك في هذه الحالة أن تبحث عن دليل كل عالم بما أفتى به، فإن ظهرت لك قوة الدليل في مسألة من المسائل فعليك بالأخذ بما ظهر لك من الدليل الصحيح، ولا تتبع الظنون والاحتمالات، وأما إن كنت غير قادر على التمييز فاسأل أهل الذكر ليميزوا لك الحكم، ولكن لا تبحث عن الشبهات والرخص، ولا تتعصب لعالمٍ معين لأن التعصب يضعف الأمة ويوقد نار العداوة، وقد قال الله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103] .
فمن علم حكماً شرعياً صحيحاً قد ثبت دليله، ولم يعلم له مخصصاً ولاناسخاً ولا معارضاً فليس له عذر في ترك اتباعه، واختلاف المجتهدين الذين بذلوا جهدهم دون تعصب للوصول إلى الحق غير مذموم؛ بل هم معذورون. فالمصيب له أجران، والمخطئ له أجر.
ولقد قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله وتعزب عنه وقال: أجمع الناس على أنه من استبانت له سنة رسول الله لم يكن له أن يدعها لقول أحد. وقال: إذا صح الحديث فهو مذهبي. وقال: كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله عند أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد مماتي.
ولا يصح أن يقال إن مسائل الدين فرقت المسلمين، وإنما الفرقة ناتجة عن الجهل واتباع الهوى والإعراض عن الحق.
ولمعرفة الحكم الصحيح في مسألة الغناء واستعمال العطور الكحولية، انظر الفتوى رقم:
987 - والفتوى رقم: 4588 - والفتوى رقم: 7248 - والفتوى رقم: 254.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شوال 1423(18/366)
الفرق بين معنى الفتوى والقضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو معنى الفتوى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالفتوى هي: الإخبار بالحكم الشرعي من جهة لا تسطيع أن تلزم من أخبرته بسلطة القانون، ويقابلها القضاء وهو: الإخبار بالحكم الشرعي على وجه الإلزام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1423(18/367)
الاختلاف في الأحكام الشرعية ... حكمته..وأسبابه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تعريف كلمة مذهب؟ ولماذا اختلفت المذاهب ولقد حرم البعض ما لم يحرم الآخر؟ أليست سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام واحدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمذهب لغة: مكان الذهاب. واصطلاحاً: ما اختص به المجتهد من الأحكام الشرعية الفرعية الاجتهادية المستفادة من الأدلة الظنية. ذكر ذلك جمع من العلماء منهم: الحموي في شرحه على الأشباه والنظائر لابن نجيم. وقال الهيثمي في تحفة المحتاج: وأصله مكان الذهاب، ثم استعير لما يذهب إليه من الأحكام تشبيها للمعقول بالمحسوس. انتهى
واعلم أخي أن اختلاف الأئمة المجتهدين رحمة من الله تعالى، قال العلامة بدر الدين الزركشي في البحر المحيط 8/120: اعلم أن الله تعالى لم ينصب على جميع الأحكام الشرعية أدلة قاطعة؛ بل جعلها ظنية قصداً للتوسيع على المكلفين لئلا ينحصروا في مذهب واحد لقيام الدليل عليه. انتهى
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله عن اختلاف الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين: اتفاقهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة.
وقد سبق أن أشرنا إلى ذلك في الفتوى رقم: 4145، والفتوى رقم: 16387، ونزيد الأمر وضوحاً هنا ونقول إن الخلاف ينتج عن أسباب كثيرة منها:
1- عدم بلوغ الحديث إلى بعض المجتهدين وبلوغه البعض الآخر. قال الإمام ابن القيم في الصواعق المرسلة 2/542: فإن مجموع سنة رسول الله من أقواله وأفعاله وإقراره لا يوجد عند رجل واحد أبداً، ولو كان أعلم أهل الأرض، فإن قيل: فالسنة قد دونت وجمعت وضبطت وصار ما تفرق منها عند الفئة الكثيرة مجموعاً عند واحد، قيل: هذه الدواوين المشهورة في السنن إنما جمعت بعد انقراض عصر الأئمة المتبوعين، ومع هذا فلا يجوز أن يدعى انحصار سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في دواوين معينة، ثم لو فرض انحصار السنة في هذه الدواوين فليس كل ما فيها يعلمه العالم، ولا يكاد يحصل ذلك لأحد أبداً؛ بل قد يكون عند الرجل الدواوين الكثيرة وهو لا يحيط علماً بما فيها، بل الذين كانوا قبل جمع هذه الدواوين كانوا أعلم بالسنة من المتأخرين بكثير لأن كثيراً مما بلغهم وصح عندهم قد لا يبلغنا إلا عن مجهول أو بإسناد منقطع أو لا يبلغنا بالكلية، وكانت دواوينهم صدورهم التي تحوي أضعاف ما في الدواوين. انتهى.
ومثل ذلك تماماً قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 20/293.
2- ومنها: أن الحديث قد يبلغ الأئمة ولكنهم يختلفون بعد ذلك في صحته لأمور، منها: الاختلاف في بعض الرواة توثيقاً وتضعيفاً، أو الاختلاف في شروط الصحة، وهل يعتبر المرسل حجة أم لا؟ وهل يعمل بالضعيف أم لا؟ وقد يبلغ بعضهم الحديث بسند صحيح ويبلغ الآخر بسند ضعيف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 20/240 وهو يتكلم عن أسباب الخلاف: السبب الثالث: اعتقاد ضعف الحديث باجتهاد قد خالفه فيه غيره. انتهى
وقال ابن القيم في الصواعق المرسلة 2/556: فقد يعتقد أحد المجتهدين ضعف رجل ويعتقد الآخر ثقته وقوته، وقد يكون الصواب مع المضعف لاطلاعه على سبب خفي على الموثق، وقد يكون الصواب مع الآخر لعلمه بأن ذلك السبب غير قادح في روايته وعدالته..... انتهى
3- ثم إن بلغ الجميع واتفقوا على صحته فقد يختلفون في فهمه أو ضبطه من حيث اللغة. ز فكم من الأحكام تختلف بناء على رفع كلمة أو خفضها، وهل ذلك الحديث أو تلك الآية منسوخة أم محكمة؟ وهل دلالة الآية أو الحديث عامة باقية على عمومها أم هي مخصوصة؟ وهل هي مطلقة أم مقيدة؟ وهل المراد بها الحقيقة أو المجاز؟ أو يكون اللفظ في عرف الشرع له معنيان فيحمله عالم على معنى، ويحمله الآخر على المعنى الآخر.
ومن أسباب الاختلاف: اشتراط بعضهم في خبر الواحد شروطاً لا يشترطها غيره. قال الإمام ابن القيم في الصواعق المرسلة 2/559: السبب الرابع: اشتراط بعضهم في خبر الواحد العدل شروطاً يخالفه فيها غيره، كاشتراط بعضهم أن يكون فقيها إذا خالف ما رواه القياس، واشتراط بعضهم انتشار الحديث وظهوره إذا كان مما تعم به البلوى ... انتهى
وللإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رسالة لطيفة بعنوان: (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) وضح فيها هذه المسألة خير توضيح.. فمن أراد الوقوف على الأمر على وجه التفصيل فليرجع إليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 شوال 1423(18/368)
أخذ الأجرة على الإفتاء بين المجيزين والمانعين
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخ صالح بمدينتنا ضاق الحال به أصبح يطلب أجرة على الفتوى حين تطلب منه-- علما بأن هذا مستغرب جدا في بلادنا--والعلماء المؤهلون مثله قلة جداً نأمل معرفة حكم الشرع علنا ننصحه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في جواز أخذ الأجرة على الفتوى.. فذهب بعضهم إلى منعها مطلقاً، ومن هؤلاء أبو عبد الله الدكالي المالكي المغربي، وذهب آخرون إلى جواز أخذ الأجرة ما لم تتعين عليه الفتوى أو تكون الأجرة من أعيان المستفتين.
وفصل آخرون فقالوا: إن كانت الأجرة من بيت المال أو كان متفرغاً لها جاز أخذ الأجرة.
وننقل لك هنا ما جاء في الموسوعة الفقهية لأنه لخص وجمع ما تفرق في كتب الفقه من أقوال العلماء في هذا الموضوع: الأولى للمفتي أن يكون متبرعاً بعمله ولا يأخذ عليه شيئاً، وإن تفرغ للإفتاء فله أن يأخذ عليه رزقاً من بيت المال على الصحيح عند الشافعية ومذهب الحنابلة، واشترط الفريقان لجواز ذلك شرطين:
1- ألا تكون له كفاية.
2- ألا تتعين عليه الفتوى.
وقال ابن القيم: إن لم يكن محتاجاً ففيه وجهان: لتردده بين القياس على عامل الزكاة أو العامل في مال اليتيم.
وألحق الخطيب البغدادي والصيمري: أن يحتاج أهل بلد إلى من يتفرغ لفتاويهم، ويجعلوا له رزقاً من أموالهم فيجوز، ولا يصلح ذلك إن كان له رزق من بيت المال، قال الخطيب: وعلى الإمام أن يفرض لمن نصب نفسه للفتوى في الأحكام ما يغنيه عن الاحتراف، ويكون ذلك من بيت المال، ثم روى بإسناده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أعطى كل رجل ممن هذه صفته مائة دينار في السنة.
وأما الأجرة فلا يجوز أخذها من أعيان المستفتين على الأصح عند الشافعية، وهو مذهب الحنفية والحنابلة، قال الحنابلة: لأن الفتوى عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة، ولأنه منصب تبليغ عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلا تجوز المعاوضة عليه، كما لو قال: لا أعلمك الإسلام أو الوضوء أو الصلاة إلا بأجرة، قالوا: فهذا حرام قطعاً، وعليه رد العوض ولا يملكه، ويلزمه الإجابة مجاناً لله بلفظه أو خطه إن طلب المستفتي الجواب كتابة؛ لكن لا يلزمه الورق والحبر.
وأجاز الحنفيه وبعض الشافعية أخذ المفتي الأجرة على الكتابة لأنه كالنسخ، وقال المالكية: يجوز للمفتي أخذ الأجرة على الفتوى ما لم تتعين عليه.
وحاصل ما تقدم: أن هذا الشيخ إذا كانت الفتوى تعينت عليه بأن لم يوجد في مدينتكم من يقوم بفتوى الناس في دينهم غيره فلا يجوز له أخذ الأجرة عليها اتفاقاً من الأفراد المستفتين.
ويجوز له أخذها من بيت المال اتفاقاً، وألحق الخطيب البغدادي بذلك أن يحتاج أهل بلد إلى من يتفرغ لفتاويهم ويخصصوا له راتباً من أموالهم الخاصة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شوال 1423(18/369)
الفتوى ومدى علاقتها بالزمان والمكان
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت هذا الكلام (العلماء أجمعوا على أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال لذلك يجب الاستفادة من المتغيرات) لكني غير مقتنع به فهل هذا الكلام صحيح. أرجو الإجابة مع الاستدلال بالأدلة الشرعية والسنة؟ وجزاكم الله خيراً.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن رحمة الله تعالى أنه جعل هذه الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، وذلك مراعاة لمصالح العباد في المعاش والمعاد، فهي عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه، فبها يصلح حال الناس، وتستقيم بها أمورهم، وبانعدامها تسوء أحوالهم وتضطرب.
وعليه فلا غرابة - أخي الكريم - في مراعاة الشريعة السمحة لحال الزمان والمكان والعادات، وهذا -بحمد الله- ما يدركه كل من درس مقاصدها.
ولقد تحدث العلماء عند هذا كثيراً وبينوه في كتبهم، وجلبوا له الأدلة والبراهين من السنة وفعل السلف الصالح، ومن هذا ما نقله الزرقاني في شرحه للموطأ من أن عمر بن عبد العزيز كان يقول: تحدث للناس أقضية يقدر ما أحدثوا من الفجور.
ولقد ذكر ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين أمثلة عديدة تدل على تأثر الفتوى بالأمور المشار إليها نذكر لك منها ما يلي:
المثال الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وقد حكى عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه قال: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم يشربون الخمر فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه وقلت له: إنما ذم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم.
المثال الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن قطع الأيدي في الغزو. رواه أبو داود.
فهذا حد من حدود الله تعالى قد نهى عن إقامته في الغزو خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين حمية وغضبًا، ولا يخفى ما في هذا من تأثر الفتوى بالمكان.
أما مثال الثالث: تغيرها بالزمان فهو إسقاط عمر بن الخطاب لحد السرقة عام الرمادة، قال ابن القيم: نقلاً عن السعدي قال عمر: لا تقطع اليد في عزق ولا عام سنة.
قال السعدي: سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث، فقال: العزق النخلة، وعام سنة المجاعة، فقلت لـ أحمد تقول به؟ فقال: إي لعمري.
ومما قدمناه يتضح للسائل صحة تلك المقولة التي ذكرها، ويجب التنبه إلى أن التأثر بالزمان والمكان الذي ذكره العلماء ليس هو الذي يروج له المنهزمون وسماسرتهم ممن ينتسبون إلى العلم والتمسك به زوراً وبهتاناً، وهم يهدمون أركانه كل حين، وينقضون عراه عروة حتى أصبحت المسلَّمات محل نقاش والثوابت محل نزاع، فطلع علينا من يبيح الربا وقد حرمه الله في محكم كتابه، ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم -في الحديث المتفق عليه- آكله وموكله وكاتبه وشاهديه. وأجمعت الأمة على أن من زعم حله فقد كفر كفرًا مخرجًا من الملة؛ لأنه أنكر ما علم من الدين بالضرورة وهو حرمة الربا، ورد نصوص الكتاب والسنة.
ومن هؤلاء من ينكر عذاب القبر، ومنهم من يزعم عدم وجود يأجوج ومأجوج الآن، وهذا رد صريح لنصوص الشرع لا يجتمع مع الإيمان بالله ورسوله والتصديق بما جاء عنهما بحال.
وقد كثر هذا الصنف من الناس كثرة تجعل المفكر في الرد على كل نزوة من نزوات هؤلاء يتذكر قول القائل:
لو كل عاوٍ عوى ألقمته حجراً ... لأصبح الصخر مثقالاً بدينار
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1423(18/370)
لا يجب على الأمة تقليد رجل بعينه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
أود أن اسأل عن أخذ الفتوى من شيخ أثق في علمه، وهل فتوى مفتي المملكة واجب علي أن آخذ بها إذا كان هناك فتوى من شيخ أثق من علمه ويشهدله العلماء من المملكة ولكن الفتوى غير موافقة لفتوى المفتي للمملكة وخاصة إذا كان لديه الأدلة]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن كان لديه من العلم وسعة الاطلاع وقوة الإدراك ما يمكنه من النظر في الأدلة واستنباط الأحكام منها، وجب عليه ذلك، ولم يجز له أن يقلد غيره فيه.
وما عجز عن معرفة دليله أو أشكل عليه فهم دليله سأل عنه أهل العلم، كما أمر الله (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (الأنبياء:7)
وكذلك العامي، ومن لا قدرة له على النظر في المسائل وعلم الدلائل، فهذا شأنه أن يقلد غيره من أهل العلم الموثوقين، ولا يجب على الأمة تقليد رجل بعينه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل من احتاج إلى معرفة شيء من أمر الدين ولم يمكنه التوصل بنفسه إلى معرفته سأل غيره من أهل العلم.
ومن هذا يعلم أنه لا يجب عليك تقليد مفتي المملكة، وأنه لا حرج عليك في سؤال غيره من أهل العلم الأمناء الثقات المشهود لهم بالفضل والخير؛ وإن خالفت فتياهم قول المفتي العام أو رئيس الإفتاء.
هذا مع معرفة قدر العلماء وحفظ مكانتهم، والظن بهم أنهم حريصون على الوصول إلى الحق، يفتون بما يرونه صواباً حسبما أداهم إليه اجتهادهم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رجب 1423(18/371)
منهج الفتوى في الشبكة الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأسس التي تصدر بها فتاوى حلق اللحية؟ وكيف أقبل إحدى هذه الفتاوى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المنهجية التي نسير عليها في الفتاوى كلها هي بذل الوسع في الرجوع إلى الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة، ومن تتبع الفتاوى في مركزنا علم ذلك إن شاء الله.
وأما بشأن حلق اللحية فانظر الفتاوى التالية برقم 21149 ورقم 17807 ورقم 20178 ورقم 14055
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رجب 1423(18/372)
فتوى ظاهرة البطلان
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد بعض أصحاب الأمراض المزمنة مثل الربو وأمراض القلب ممن بلغ عمره 60 أو ما فوق يأتي إلى الطوارئ بحالة مرضية سيئة مما يؤدي إلى حاجته إلى التنفس الصناعي (إدخال انبوب من الفم إلى الرئة وتوصيله بجهاز) بعض المرضى يكون مازال في وعيه. فما رأيكم في قول أن ندع المريض دون استخدام هذا الجهاز بحجة أن يموت موتة طبيعيه معتمدا القائل على أن هناك فتوى بذلك قائمه على الحديث بما معناه أن أعمار أمتي بين الستين والسبعين وإن كانت فتوى صحيحة فمن هو الطبيب المؤهل لإصدار هذ القرار؟ وشكرا....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه الفتوى ظاهرة البطلان، والعجب من استدلالهم بالحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك.
فإن فيه إخبارا عن أغلب أعمار أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وليس فيه لا من قريب، ولا من بعيد أنه يجوز قتل أو التسبب في قتل من تجاوز الستين أو السبعين.!!!!
أما بالنسبة لترك المريض بدون الأجهزة التي تدفع عنه الموت بإذن الله، فإنه حرام، وتسبب في قتل النفس التي حرم الله بغير حق، فلا يجوز منعها، ولا رفعها عنه ما دام ذلك بالإمكان، وراجع الفتوى رقم: 1683 والفتوى رقم: 2727.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الثانية 1423(18/373)
إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو عقاب الذي يعلم بحكم ويتعمد الخطأ فيه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على الإنسان إذا سئل عن مسألة شرعية وهو يعلم حكمها أن يبينها ولا يكتمها وإلا تعرض للعن، وهو الطرد من رحمة الله، قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة:159] .
قال المفسرون هذه الآية عامة في كل من كتم علما من دين الله يحتاج إلى بثه، قال القرطبي في تفسيره: والتحقيق في هذا: أن العالم إذا قصد كتمان العلم عصى، وإذا لم يقصده لم يلزمه التبليغ إذا عرف أنه مع غيره، وأما أن سئل فقد وجب عليه التبليغ.
ولا شك أن الذي يعلم، ويفتي بخلاف ذلك أنه أشد إثماً لأمرين:
أحدهما: أنه كتم ما سئل عنه.
وثانيهما: لافترائه على الله الكذب، حيث قال ما لم ينزل الله به سلطاناً، قال سبحانه: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ [النحل:116] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 جمادي الثانية 1423(18/374)
الافتاء عند عدم وجود نص ... رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
- هل يجوز من العلماء الفتوى من غير حديث وآية مثل الاجتهاد وما الدليل على ذلك؟
وشكرا لكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ثبت بنص شرعي من كتاب أو سنة غير محتمل الدلالة، أو ثبت بإجماع صريح، فإنه لا يجوز لأحد مخالفته والاجتهاد معه، ولا يُظَن بعالم من علماء المسلمين أن يجرؤ على ذلك. إذ القاعد الشرعية تقول: لا اجتهاد مع نص.
أما إذا انعدم النص في المسألة أو وجد، ولكن كان له أكثر من مدلول، فإن العلماء يجتهدون في الوصول إلى الصواب في المسألة، فالاجتهاد ليس دليلاً، وإنما هو عمل المجتهد، ونظره في الأدلة الشرعية لاستنباط حكم معين لنازلة معينة.
والاجتهاد ليس متاحاً لكل أحد، بل لابد للمجتهد من أن يعرف العلوم التي ترتبط بها أصول وقواعد الاستدلال لئلا يقول على الله بغير علم فيضل ويضل.
وشروط الاجتهاد مبينة في كتب أصول الفقه، فليرجع إليها في مظانها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الأولى 1423(18/375)
النوازل لا تنقطع وجهابذة العلماء يستنبطون الأحكام لها
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
هل يجوزالاجتهاد من العلماء في شيء لم يسبق حدوثه؟ وما الدليل على ذلك من غير آيه ولا حديث؟
وجزكم الله خيرا]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجوز لمن بلغ رتبة الاجتهاد من العلماء أن يجتهد في أي نازلة لم يسبق حدوثها، ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فاخطأ فله أجر. رواه البخاري ومسلم.
ولا بد أن يستند المجتهد في فتواه على القرآن أو السنة أو القواعد العامة المأخوذة منهما.
ولمزيد فائدة راجع الفتوى رقم:
14585 والفتوى رقم: 5583.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1423(18/376)
التقليد الفقهي بين الجواز وعدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تقليد أحد المذاهب الفقهية بكل ما فيه حتى وإن كان المقلد ليس مقتنعا ببعض الأشياء التي فيه أي التقليد الأعمى؟ أم يجب عليه أن يأخذ من كل مذهب وما يقتنع به؟ وما الفرق بين ما ذكرت والاجتهاد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الإنسان من أهل الاجتهاد مستوفياً لشروطه التي ذكرها العلماء، فهذا لا يجوز له التقليد، وإنما يعمل بما ترجح عنده بالدليل الشرعي، وإن كان ممن يستطيع الوقوف على أدلة كل مذهب في المسألة والترجيح بينها، فهذا يلزمه العمل بما تظهر له قوته من دليل في أي مذهب كان، وهذه المرتبة مرتبة وسطى بين الاجتهاد والتقليد يسميها بعض العلماء بالتبصر، ويسميها آخرون بالاتباع، قال تعالى: (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر:17-18] . [النحل:43]
وأما من كان من العوام، فإنه يجوز له تقليد مذهب معين والعمل بما فيه، كما يجوز له أن لا يقلد مذهباً، وما أشكل عليه سأل عنه من يثق في علمه وورعه، ولا يشترط معرفة الدليل في حقه، قال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) .
مع أن الأولى له أن يسأل العالم عن دليل المسألة، وعلى العالم أن يبينه له إلا إذا كان مأخذه خفياً يعسر على العامي فهمه، قال صاحب المراقي:
ولك أن تسأل للتثبت عن مأخذ المسؤول لا التعنت
ثم عليه غاية البيان إن لم يكن عذر بالاكتنان
والتقليد الذي ذمه الله تعالى في كتابه هو التقليد في الباطل، فكثيراً ما يُبين للإنسان خطأ ما هو عليه من علم أو عمل فيصر على خطئه تقليداً لمذهبه أو شيخه، وهذا حاله كحال من قال الله فيهم: (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) [الزخرف:22] .
وراجع الفتوى رقم: 16616، 6787، 5812، 7763.
والله اعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1423(18/377)
منصب الفتوى خطير لا يقوم به إلا أهله
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد:
هناك بعض الأئمة غفر الله لهم ولنا في ديار المهجر يدعون العلم وقد تجدهم حافظين لكتاب الله عز وجل ولهم إلمام ببعض الكتب الدينية المتواضعة وإذا عرض لهم أمر في الدين سرعان ما تجدهم يفتون في المسألة دون علم ولا يعرفون سبيلاً إلى كلمة (الله أعلم) مما يتمخض عنه بعض الخلافات والنزاعات في صفوف المسلمين. إذن من خلال ما سبق ما هي الشروط التي ينبغي أن تتوفر في المفتي؟ وما هي النصيحة التي توجهونها لهؤلاء الأئمة الذين أصبحوا علماء بين عشية وضحاها؟
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى من يؤم الناس في صلاتهم أن يستكمل تحصيله العلمي على أيدي المشايخ وأهل العلم، ولا يفتي الناس إلا بعلم أو بنقل صحيح عن أهل العلم، وإن سئل عن ما لا يدري فليقل: لا أدري، لأن جوابه للمستفتي عن غير علم قد تترتب عليه آثار سيئة وعواقب وخيمة، فقد يحلل به ما حرم الله أو يحرم به ما أحل الله، فليتق الله كل أحد، وليعلم أن الفتيا توقيع عن الله رب العالمين، وأن منصب الفتوى خطير لا يقوم به إلا أهله، وله ضوابطه وشروطه المبين بعضها في الفتوى رقم: 5583، الفتوى رقم: 14485.
وليعلم أيضاً أن القول على الله بغير علم من أعظم المنكرات، كما هو مبين في الجواب رقم: 14585.
وإذا كان عند الشخص علم في مسألة معينة قد سمعها من بعض أهل العلم المعروفين، فليفت على وفق ما سمع به، مع التزام التحري والدقة في النقل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الأول 1423(18/378)
من أفتي بغير علم فإثمه على من أفتاه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الفوائد البنكية وما يشابهها؟ وإذا كانت حراماً فما حكم من أخذها اتباعا لفتاوى حللتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالفائدة الربوية محرمة، سواء كانت من بنك أو غيره، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 5773، والفتوى رقم: 15310.
والقول بجوازها شاذ باطل، ومن أخذها اعتماداً على فتوى لبعض من ينتسب إلى العلم، فإن كانت لا تزال باقية، فالواجب عليه التخلص منها يصرفها في وجوه الخير، كحفر بئر، أو شق طريق، أو إعانة مسكين، ونحو ذلك ...
وإن كان قد أنفقها، فلا شيء عليه، وإثمه على من أفتاه، لما رواه أبو داود وصححه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه".
وروى ابن ماجه وصححه الألباني أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أفتي بفتيا غير ثبت، فإنما إثمه على من أفتاه".
ونؤكد هنا أن محل كون الإثم على المفتي دون المستفتي (السائل) هو فيما إذا لم يتبين الحكم الشرعي للمستفي (السائل) فمتى ما تبين له وأعرض عنه كان داخلاً فيمن شملهم قول الله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) [النساء:115] .
وقوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63] .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1423(18/379)
الفتوى لا تؤخذ إلا من أهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[1- ما حكم أن تأخذ من الإمام في المسجد فتاوى صح أو خطأ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالفتوى لا تؤخذ إلا عمن كان أهلاً لها بأن يكون ذا علم، ورعاً تقياً ويخشى الله ويتقيه فيما يقول، ويستحضر أن الفتوى توقيع عن الله، أما من كان جاهلاً أو كان صاحب هوى يفتي بما يشتهي المستفتي فلا يحل أخذ الفتوى عنه، ومن أخذ عنه -وهو يعلم حاله- فهو آثم إثما عظيما.
وبناء على ما تقدم، فإذا كان إمام المسجد عالماً تقياً فلا حرج في استفتائه، وإلا حرم عليك أن تسفتيه، وإن استفتيته فيحرم عليك الأخذ بمضمون فتواه، إلا إذا تأكدت من مصدر شرعي مستوفي الشروط أن مضمونها حق، كما يحرم عليه هو أن يقدم على فتواك أصلاً.
ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم:
5592
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1422(18/380)
العامي ليس أهلا للنظر في الأحكام الشرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[1-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
إذا أفتى المفتي فتوى ما وأعتقد أن هذه الفتوى غير سليمة بسؤال أهل الدين (حضراتكم مثلا) . ما حكم الشرع في ذلك وما المفروض عمله بالنسبة لي تجاه ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا استفتى العامي العالم فأفتاه، وجب عليه قبول فتواه، والعمل بمقتضاها، وعدم ردها أو معارضتها لمجرد عدم موافقتها لهواه أو عادته ونحو ذلك، قال الله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) [النحل:43] وليس العامي أهلاً للنظر في الأحكام الشرعية حتى يصحح فتاوى العلماء أو يخطئها، أو يتخير منها ما يشاء، ومن فعل ذلك فهو على خطر عظيم، وقد قيل: (من تتبع رخص العلماء تزندق) فالواجب على العامي هو اختيار عالم موثوق بعلمه وورعه، أو جهة موثوقة علماً وورعاً، وعليه أن يلتزم بما يصدر عن ذلك العالم، أو تلك الجهة، ولا يجوز له الخورج عنه إلا إذا وجد جهة أخرى أكثر علما وورعاً، وأفتته بخلاف ما أفتاه به الأولون، وانظر الفتوى رقم:
11311
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1422(18/381)
الحذر من الفتاوى المغرضة
[السُّؤَالُ]
ـ[1- سرت في الوسط الديني فتوى تحرم أكل السلطة لأن بها خلطاً فهل هذا صحيح
2- يقول الله تعالى: فما استمتعتم بهن فآتوهن أجورهن" (بمعنى الآية) ، ما هو تفسير الآية، قال لي أحد الرافضية أنها تحلل زواج المتعة، فما رأي سماحتكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فما ذكرته من هذه الفتوى المشئومة، لم يقل به أحد من علماء المسلمين، وأغلب الظن أنها من إشاعات المرجفين والمنافقين الذين يسعون لتشويه صورة الإسلام عند أهله، فليحذر المسلم منهم ومن إشاعاتهم وإرجافهم، فإن على الحق نوراً يعرف به.
وأغلب الظن أن مبعث القول بها الكلام الخاطئ اطلاع من قال به على حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى فيه عن الخليطين، فعن أبى سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التمر والزبيب أن يخلط بينهما، وعن التمر والبس أن يخلط بينهما. رواه مسلم.
والخلط المنهي عنه هو طرح التمر والزبيب أو التمر والبسر، أو نحو ذلك في الماء وتركه مدة حتى يحلو.
قال القرطبي: النهي الخليطين ظاهر من التحريم، وهو قول جمهور فقهاء الأمصار، فإن كان الانتباذ في الماء لكل من التمر والزبيب تفرداً فلا كراهة ولا تحريم.
وعلة النهي عن خلط ما ذكر في الحديث أن الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط هذا قبل أن يتغير، فيظن الشارب انه ليس بمسكر، ويكون مسكراً، وليست هذه العلة قطعاً موجودة فيما يعرف بالسلطة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1422(18/382)
وجود المذاهب الأربعة ليس من الابتداع في الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت بأن بعض أهل السنة والجماعة يعتبرون المذاهب بدعة لعدم وجودها في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين.
ماهو الحكم الشرعي حول التمذهب؟ فبعض الناس يتعصب لمذهب معين ويرفض الدليل حتى وإن كان قطعياً إذا ما تعارض مع مسألة ما في مذهبه. ألا ترون أنه أصح إسلامياً أن تلغى هذه المذاهب ويتحد المسلمون تحت اسم أهل السنة والجماعة، الفئة الناجية الوحيدة. ويقفون مع الحق لا يضرهم من خالفهم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمذاهب الأربعة المشهورة هي محصلة آراء واجتهادات الأئمة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد. وهؤلاء الأئمة من أعلام أهل السنة والجماعة، ووجودهم امتداد لما كان عليه الصحابة من الاجتهاد في العلم والتدريس له. وقد كان بين الصحابة مجتهدون وعلماء، وكان بينهم من الخلاف في مسائل الاجتهاد كما بين أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد.
والأئمة الأربعة المذكورون لم يلزموا غيرهم بتقليدهم في كل مسألة، وإنما ذكروا اختيارهم وترجيحهم، ودعوا الناس إلى الأخذ بالحق متى وجد في غير أقوالهم. وصدرت عنهم المقولة المشهورة: إذا صح الحديث فهو مذهبي. وإذا رأيتم قولاً للنبي صلى الله عليه وسلم يخالف قولي فاضربوا بقولي عرض الحائط.
وقد كان في عصر هؤلاء الأئمة فقهاء ومجتهدون لا يقلون منزلة عنهم: كالليث والأوزاعي وسفيان، وغيرهم، ولكن الله تعالى كتب الانتشار والبقاء لمذاهب هؤلاء الأربعة بما هيأه - سبحانه- من وجود التلاميذ الذين دونوا مسائلهم، وسجلوا آراءهم.
وطالب العلم لا يستغني عن الرجوع إلى ما كتبه هؤلاء الأئمة وغيرهم من أهل الاجتهاد والسبق، بل هذا هو الطريق الصحيح لمعرفة الفقه، أن يتعلمه الدارس وفق ما دونه أهل مذهب من هذه المذاهب، دون تعصب لها، ولا اعتقاد أنه ملزم باتباعها في كل مسألة، فإنه لا أحد يتعين على الناس اتباعه في كل ما يقول غير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ومن هنا يعلم أن الدعوة إلى إلغاء هذه المذاهب خطأ واضح، وكذلك التعصب لها بالباطل، وتقديم آرائها على الدليل الصحيح المعتبر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1422(18/383)
الإخبار بالمعصية مكروه إلا ما كان على وجه الاستفتاء والنصح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يكون فضح المعاصي والمنكرات حراما لطلب الاستفتاء من علماء الدين الإسلامى؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المسلم إن ألم بذنب أن يتوب منه، وأن يستتر بستر الله عز وجل فلا يفضح نفسه، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول يافلان: عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه" رواه البخاري. غير أن العلماء نصوا على جواز أن يُعْلِمَ الإنسان غيره من أهل العلم بما فعل طلباً للنصيحة وللاستفتاء. قال الإمام النووي: فيكره على من ابتلي بمعصية أن يخبر غيره بها، بل يقلع ويندم ويعزم على أن لا يعود، فإن أخبر بها شيخه أو نحوه ممن يرجو بإخباره أن يعلمه مخرجاً منها، أو ما يَسْلَمْ به من الوقوع في السبب الذي أوقعه فيها، أو يدعو له، أو نحو ذلك فهو حسن، وإنما يكره لانتفاء المصلحة. وقال الغزالي: الكشف المذموم إذا وقع على وجه المجاهرة والاستهزاء، لا على السؤال والاستفتاء" انتهى من فيض القدير للمناوي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 محرم 1422(18/384)
يختلف الحكم على من أفتى بجواز الربا باختلاف الحالة المستفتى عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم الشرعى فى من يجيز الربا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الربا من أكبر الكبائر وأبشع الجرائم. فهو حرام بنص القرآن، وسنة الرسول الله صلى الله عليه، وسلم وإجماع الأمة، فمن أجازه فقد كَّذب الله تعالى، وكذب رسوله، وأنكر ما أجمعت عليه الأمة.
ولاشك أن تكذيب الله تعالى، وتكذيب رسوله، وإنكار ما أجمع عليه مخرج عن الإسلام، ولا يتناول هذا من أفتى بجوازه في المسائل الاختلافية، أو في الحالات الاضطرارية، لأنه إذا أفتى بجوازه في حالة الاضطرار فقد أفتى بالحكم الشرعي، لقوله تعالى (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) [الأنعام:119] . لكن لا يجوز الإفتاء في المسائل المختلف فيها - سواء كانت في الربا أو في غيره - إلا بالقول الأرجح. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ذو القعدة 1421(18/385)
اختلاف أقوال العلماء في المسائل الفرعية عن فقه وعلم لا عن جهل وهوى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا دائم القراءة للكتب الاسلامية. ولكن تواجهني أثناء القراءة أراء الأئمة الأربعة: الشافعي وابن حنبل ومالك وأبي حنيفة. فأي الآراء أتبع؟ وإذا كانوا متفقين في الآراء فلماذا هذا العرض في الكتب لآراء هؤلاء الأئمة الأربعة رحمهم الله؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن فضل الله وكرمه أن أصول الدين، وقطعيات الإسلام، وما اتفقت عليه الأمة من جليات الشرع، لم تختلف فيها الأمة، ولا يجوز لها ذلك، فليست تلك المسائل محلاً للاجتهاد أصلاً، ولكن شاء الله أن يختلف الناس في أفهامهم ومداركهم، وجعل سبحانه كثيراً من أدلة الشريعة محتملاً أكثر من دلالة وذلك لحكمة بالغة.
فنتيجة لذلك وقع الخلاف بين علماء المسلمين في المسائل الفرعية الاجتهادية، بل إن الصحابة رضوان الله عليهم مع علو مكانتهم، وقربهم من فترة الوحي، اختلفوا في المسائل الاجتهادية الفقهية. فغيرهم أولى بالوقوع في الاختلاف، لكنهم ومن بعدهم من أئمة المسلمين ما تعمدوا خلاف نصوص الشرع، فدين الله في قلوبهم أعظم وأجل من أن يقدموا عليه رأي أحد من الناس، أو يعارضوه برأي، أو قياس.
قال ابن تيمية: (وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولاً عاماً يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته، دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقاً يقينياً على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى أن كل واحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه، فلابد ِمْن عذر له في تركه) انتهى.
فهم رضي الله عنهم إن وجد لهم مسائل جانبوا فيها الصواب، فإنهم ما قصدوا مخالفة الدليل، وإنما نتج ذلك عن اجتهاد منهم، وتحروا الحق، وركضوا وراءه، فأصابوا وأخطأوا، كل بحسب اجتهاده، فهم يترددون بين الأجر والأجرين، للمخطئ منهم أجر واحد، وللمصيب منهم أجران.
ويرجع السبب في اختلاف علماء المسلمين إلى أمور كثيرة منها:
أن لا يكون الدليل قد بلغ أحدهم، أو بلغه ولم يثبت عنده، أو ثبت عنده لكنه لا يراه يدل على المقصود، أو أنه منسوخ، أو أن له معارضاً أرجح منه.. إلى غير ذلك من الأسباب التي تسوّغ الخلاف بين العلماء.
فنحن لا ينبغي أن تضيق صدورنا باختلاف المجتهدين، ولا نحسبه تجزئة في الدين، وإنما نراه من مظاهر نشاط فقهاء المسلمين.
وعرض اختلافهم في أمهات الكتب له فوائد عظيمة منها:
1- أنه يتيح التعرف على جميع الاحتمالات التي يمكن أن يكون الدليل رمى إليها بوجه من وجوه الدلالة.
2- أن هذا الاختلاف المنضبط بضوابط الشريعة فيه تنمية للملكة الفقهية، ورياضة للأذهان، وتلاقح للآراء، وفتح مجالات التفكير للوصول إلى سائر الافتراضات التي تستطيع العقول المختلفة الوصول إليها.
3- تعدد الحلول أمام الفقيه في الوقائع النازلة ليهتدي بذلك الفقه إلى الحل المناسب لها وإلى أي الأدلة أقيس بها.
وعند اختلاف العلماء على المسلم إن كان له نظر في الأدلة أن يتبع من أقوالهم ما كان أظهر صواباً وأرجح دليلاً، مع ترك التعصب للأئمة وتقديم أقوالهم على نصوص الشرع، مع إنزالهم منزلتهم اللائقة بهم، والاستفادة من اجتهاداتهم في فهم نصوص الشرع، مع الحذر من تتبع رخص الأقوال والترجيح بالتشهي بما يناسب هوى المستفتي بحجة أن في المسألة أقوالاً، فمجرد الخلاف ليس دليلاً.
أما إن كان عامياً ـ أي غير متخصص في علوم الشريعة، ولا له نظر في الأدلة ـ فإنه لا يلزمه التمذهب بمذهب، بل يستفتي من اتفق له ممن هو من أهل العلم والورع من غير ترخص.
قال الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه: (فإن قال قائل فكيف في المستفتى من العامة إذا أفتاه الرجلان واختلفا، فهل له التقليد؟ قيل: إن كان العامي يتسع عقله، ويكمل فهمه إذا عقِّل أن يعقل، وإذا فُهِّم أن يفهم، فعليه أن يسأل المختلفين عن مذاهبهم، وعن حججهم فيأخذ بأرجحها عنده، فإن كان له عقل يقصر عن هذا، وفهمه لا يكمل له، وسعه التقليد لأفضلهما عنده" انتهى.
وقال النووي في روضة الطالبين: (وليس له التمذهب بمجرد التشهي، ولا بما وجد عليه أباه. هذا كلام الأصحاب. والذي يقتضيه الدليل أنه ـ أي العامي ـ لا يلزمه التمذهب بمذهب، بل يستفتي من يشاء، أو من اتفق، لكن من غير تلقط للرخص) والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1421(18/386)
معنى قولهم: ((من قال لاأدري فقد أفتى))
[السُّؤَالُ]
ـ[في البداية أحب أن أشكركم على هذا الموقع الرائع في العلوم الإسلامية والذي لم أجد حتى الآن من يقدم مثل هذه المعلومات مثلكم على الانترنت، وسؤالي هو: هل صحيح هذا القول "من قال لاأعرف فقد أفتى" أم "من قال لا فقد أفتى" وكيف ولماذا قيلت هذه الجملة؟ وشكراً لجهودكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله خيراً أخي على هذه التزكية التي نعتز بها، ونسأل الله أن يعيننا جميعاً على نيل رضاه أما عبارة: من قال لا أدري أو لا أعلم فقد أفتى. فهي عبارة صحيحه. والمقصود منها أنها تعلم السائل بأن المسئول لا يعلم حكم المسألة فليسأل غيره من أهل العلم. لا أن من قال ذلك فقد أفتى السائل في جواب مسألته. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 شوال 1421(18/387)
حكم عدم التزام بمذهب معين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عدم الالتزام بمذهب واحد (مثل الحنفية أو الشافعية) ..أي أسير مع الشيخ الذي أطمئن إليه؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي يجب على المسلم هو طاعة الله جل وعلا وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والعلماء العاملين بالكتاب والسنة، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [النساء: 59] .
وإذا نزلت بالمسلم نازلة فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله من أي مذهب كان، ولا يجب عليه التزام مذهب معين لأن كل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم.
واتباع الشخص لمذهب معين لعجزه عن معرفة الشرع من جهته هو مما يسوغ، وليس مما يجب على كل أحد إذا أمكنه معرفة الشرع بغير ذلك الطريق.
قال صاحب الإنصاف: وأما لزوم التمذهب بمذهب وامتناع الانتقال إلى غيره في مسألة: ففيه وجهان: وفاقاً لمالك والشافعي رحمها الله، وعدمه أشهر. إ. هـ. قال في إعلام الموقعين: وهو الصواب المقطوع به. وقال ابن مفلح في أصوله: عدم اللزوم قول جمهور العلماء. وقد رجحه ابن برهان والنووي، واستُدل لذلك بأن الصحابة لم ينكروا على العامة تقليد بعضهم في بعض المسائل وبعضهم في البعض الآخر، وليس معنى ذلك أن ينتقل بين المذاهب أو لا يتقيد بمذهب بغية الترخص والتلاعب فإن هذا مذموم. قال أحمد رحمه الله: لو أن رجلا عمل بقول أهل الكوفة في النبيذ، وأهل المدينة في السماع، وأهل مكة في المتعة كان فاسقاً. وفي السنن للبيهقي عن الأوزاعي أنه قال: من أخذ بنوادر العلماء خرج عن الإسلام.
وليكن قصده من ذلك تحري الصواب والوصول إلى الحق. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 محرم 1422(18/388)
يختار المفتي والمستفتي ماوافق الكتاب والسنة وسلم من الهوى والتأويل الفاسد
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان هناك عالمان من العلماء كلاهما ثقة في دينه وعلمه وتقواه وأفتيا بقولين مختلفين في مسألة واحدة. وأحد العالمين مشهور بالتيسير (طبعا التيسير الشرعي الذي له دليله وحجته وليس التساهل والتفريط) والعالم الآخر مشهور بالتشديد في الفتوى غالبا والأخذ بالعزائم أحيانا فبأي قول يأخذ المسلم العامي إذا كان يثق بكلا العالمين؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن الفتوى من الأمور الخطيرة والتي لها منزلة عظيمة في الدين، قال تعالى: (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن ... ) . [النساء: 127] وقال تعالى: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ... ) [النساء: 176] ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتولى هذا الأمر في حياته، وكان ذلك من مقتضى رسالته، وكلفه ربه بذلك قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) [النحل:44] . والمفتي خليفة النبي صلى الله عليه وسلم في أداء وظيفة البيان - نسأل الله العون والصفح عن الزلل - بل هو موقع عن الله تعالى، قال ابن المنكدر: "العالم موقع بين الله وبين خلقه فلينظر كيف يدخل بينهم". والذي يجب على الناظر في الفتاوى أن يختار ما شهد له الكتاب والسنة والإجماع، وكان جارياً على قياس أهل العلم، وإن كان ثمة تعارض فإنه لا يأخذ إلا بالراجح في المسألة وهو الأقوى دليلاً والأسلم تعليلاً، وليس المفتي بالخيار يأخذ ما يشاء ويترك ما يشاء، وقد قال الإمام النووي رحمه الله: "ليس للمفتي والعامل في مسألة القولين أن يعمل بما شاء منهما بغير نظر، بل عليه العمل بأرجحهما".اهـ.
ولا شك أن الفتوى قد تختلف من مفت إلى آخر حسب الحظ من العلم والبلوغ فيه، ولكن لا يجوز للمستفتي أن يتتبع رخص المذاهب وسقطات أهل العلم، حيث عد بعض أهل العلم- منهم أبو إسحاق المروزي وابن القيم - من يفعل ذلك فاسقاً، وقد خطأ العلماء من يسلك هذا الطريق وهو: تتبع الرخص والسقطات، لأن الراجح في نظر المفتي هو مظنة حكم الله تعالى عنده، فتركه والأخذ بغيره لمجرد اليسر والسهولة استهانة بالدين.
والسائل أو المستفتي يسأل من يثق في علمه وورعه، وإن اختلف عليه جوابان فإنه ليس مخيرا بينهما، أيهما شاء يختار، بل عليه العمل بنوع من الترجيح، من حيث علم المفتي وورعه وتقواه، قال الشاطبي رحمه الله: "لا يتخير، لأن في التخير إسقاط التكليف، ومتى خيرنا المقلدين في اتباع مذاهب العلماء لم يبق لهم مرجع إلا اتباع الشهوات والهوى في الاختيار، ولأن مبنى الشريعة على قول واحد، وهو حكم الله في ذلك الأمر، وذلك قياساً على المفتي، فإنه لا يحل له أن يأخذ بأي رأيين مختلفين دون النظر في الترجيح إجماعاً، وترجيحه يكون كما تقدم، وذهب بعضهم إلى أن الترجيح يكون بالأشد احتياطاً". ...
وليعلم المستفتي أنه لا تعذره فتوى المفتي من الله إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه قضاء القاضي بذلك، لحديث أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله، فإنما أقطع له قطعة من النار، فلا يأخذها" رواه البخاري.
والاختلاف واقع في الاجتهادات الفقهية، ولكن لا يظن المستفتي أن مجرد فتوى فقيه تبيح له ما سأل عنه، سواء تردد أو حاك في صدره، لعلمه بالحال في الباطن، أو لشكه فيه، أو لجهله به، أو لعلمه بجهل المفتي، أو بمحاباته له في فتواه، أو لأن المفتي معروف بالحيل والرخص المخالفة للسنة أو غير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه، وسكون النفس إليها، فليتق الله السائل أيضاً.
والاختلافات الفقهية منها ما هو سائغ ومنها ما هو غير سائغ، فما كان سائغاً فيسع الجميع، وغيره لا يسع أحداً أن يعمل به. والله نسأل أن يوفق المسلمين وأن يعينهم على أمور دينهم ودنياهم وأن يعفو عنا ويصفح عن زللنا، والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1422(18/389)
يختار المفتي والمستفتي ما وافق الكتاب والسنة والإجماع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الأخذ بالفتوى التي تناسب في حالة اختلاف الفتوى بين المذاهب أو من بلد إلى بلد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن الفتوى من الأمور الخطيرة والتي لها منزلة عظيمة في الدين، قال تعالى: (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن ... ) . [النساء: 127] وقال تعالى: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ... ) [النساء: 176] ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتولى هذا الأمر في حياته، وكان ذلك من مقتضى رسالته، وكلفه ربه بذلك قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) [النحل:44] . والمفتي خليفة النبي صلى الله عليه وسلم في أداء وظيفة البيان - نسأل الله العون والصفح عن الزلل - والمفتي موقع عن الله تعالى، قال ابن المنكدر: "العالم موقع بين الله وبين خلقه فلينظر كيف يدخل بينهم". والذي يجب على الناظر في الفتاوى أن يختار ما شهد له الكتاب والسنة والإجماع، وكان جارياً على قياس أهل العلم، وإن كان ثمة تعارض فإنه لا يأخذ إلا بالراجح في المسألة وهو الأقوى دليلاً والأسلم تعليلاً، وليس المفتي بالخيار يأخذ ما يشاء ويترك ما يشاء، وقد قال الإمام النووي رحمه الله: "ليس للمفتي والعامل في مسألة القولين أن يعمل بما شاء منهما بغير نظر، بل عليه العمل بأرجحهما".اهـ.
ولا شك أن الفتوى قد تختلف من مفت إلى آخر حسب الحظ من العلم والبلوغ فيه، ولكن لا يجوز له أن يتتبع رخص المذاهب وسقطات أهل العلم، حيث عد بعض أهل العلم- منهم أبو إسحاق المروزي وابن القيم - من يفعل ذلك فاسقاً، وقد خطأ العلماء من يسلك هذا الطريق وهو: تتبع الرخص والسقطات، لأن الراجح في نظر المفتي هو ظنه حكم الله تعالى، فتركه والأخذ بغيره لمجرد اليسر والسهولة استهانة بالدين.
والسائل أو المستفتي يسأل من يثق في علمه وورعه، وإن اختلف عليه جوابان فإنه ليس مخيرا بينهما، أيهما شاء يختار، بل عليه العمل بنوع من الترجيح، من حيث علم المفتي وورعه وتقواه، قال الشاطبي رحمه الله: "لا يتخير، لأن في التخير إسقاط التكليف، ومتى خيرنا المقلدين في اتباع مذاهب العلماء لم يبق لهم مرجع إلا اتباع الشهوات والهوى في الاختيار، ولأن مبنى الشريعة على قول واحد، وهو حكم الله في ذلك الأمر، وذلك قياساً على المفتي، فإنه لا يحل له أن يأخذ بأي رأيين مختلفين دون النظر في الترجيح إجماعاً، وترجيحه يكون كما تقدم، وذهب بعضهم إلى أن الترجيح يكون بالأشد احتياطاً". ...
مع علم المستفتي أنه لا تعذره فتوى المفتي من الله إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه قضاء القاضي بذلك، لحديث أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله، فإنما أقطع له قطعة من النار، فلا يأخذها" رواه البخاري.
والاختلاف واقع في الاجتهادات الفقهية، ولكن لا يظن المستفتي أن مجرد فتوى فقيه تبيح له ما سأل عنه، سواء تردد أو حاك في صدره، لعلمه بالحال في الباطن، أو لشكه فيه، أو لجهله به، أو لعلمه بجهل المفتي، أو بمحاباته له في فتواه، أو لأن المفتي معروف بالحيل والرخص المخالفة للسنة أو غير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه، وسكون النفس إليها، فليتق الله السائل أيضاً. والاختلافات الفقهية منها ما هو سائغ ومنها ما هو غير سائغ، فما كان سائغاً فيسع الجميع، وغيره لا يسع أحداً أن يعمل به. والله نسأل أن يوفق المسلمين وأن يعينهم على أمور دينهم ودنياهم وأن يعفو عنا ويصفح عن زللنا، والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1422(18/390)
رخص المذاهب وحكم تتبعها، واختلاف الأئمة.
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل يستطيع المسلم تتبع الرخص في المذاهب؟ ولماذا الاختلاف بين الأئمة أصلا؟ وهل يختلفون في مصادر التشريع الأساسية؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالرخص الشرعية الثابتة بالكتاب أو السنة لا باس بتتبعها والأخذ بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب أن توتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه" كما في صحيح ابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنه. وفي المسند عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته"، وهذه الرخص مثل القصر والفطر للمسافر، والمسح على الخفين والجبائر.
ومن الرخص الشرعية ما يجب الأخذ به كالأكل من لحم الميتة عند الضرورة وخوف الهلاك.
أما تتبع رخص المذاهب الاجتهادية والجري وراءها دون سبب من الأسباب المعتبرة فإنه يعد هروباً من التكاليف وهدماً لبنيان الدين، ونقضا لمقاصد الشرع المرعية في الأوامر والنواهي الشرعية. وقد اعتبر العلماء هذا العمل فسقاً لا يحل ارتكابه.
وحكى ابن حزم الإجماع على ذلك، وقال في الإحكام نقلاً عن سليمان التيمي: لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله.
ونقل ابن تيمية عن ابن عبد البر أنه قال: (هذا إجماع لا أعلم فيه خلافاً) وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى ما ينبغي تأمله، فروى كثير بن عبد الله بن عمر وابن عوف المزنى عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إني لأخاف على أمتي من بعدي من أعمال ثلاثة، قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: أخاف عليهم من زلة العالم، ومن حكم جائر، ومن هوى متبع".
وقال عمر: هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ يهدم الإسلام زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المعتلين.
وقال الإمام أحمد: لو أن رجلاً عمل بقول أهل الكوفة في النبيذ وأهل المدينة في السماع وأهل مكة في المتعة كان فاسقاً.
وقال الأوزاعي: من أخذ بنوادر العلماء خرج عن الإسلام.
والنقول في هذا الباب كثيرة جداً لا تكاد تحصى، والعلماء متفقون على مضمونها وإن اختلفت عباراتهم، وعلة ذلك عندهم أنه ما من عالم إلا وله زلة في مسألة لم يبلغه فيها الدليل أو أخطأ فهمه فيها الصواب. فمن تبع ذلك وأخذ به تملص من التكاليف الشرعية وزاغ عن جادة الحق وهو لا يدري.
فالعالم معذور مأجور، ومتبعه في ذلك بعدما يتبين له الحق مذموم مأزور. قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعدما نقل كلاماً لابن المبارك في هذا المعنى: وهذا الذي ذكره ابن المبارك متفق عليه بين العلماء، فإنه ما من أحد من أعيان الأمة من السابقين الأولين ومن بعدهم إلاّ لهم أقوال خفيت عليهم فيها السنة، وهذا باب واسع لا يحصى، مع أن ذلك لا يحط من أقدارهم ولا يسوغ اتباعهم فيها. انتهى كلامه.
أما قول السائل: لماذا الاختلاف بين الأئمة أصلاً؟ وهل يختلفون في مصادر التشريع الأساسية؟ فالجواب أن الأئمة متفقون على أن مصادر التشريع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والإجماع والقياس، على خلاف بينهم في بعض أقسام هذا الأخير.
وأما الاختلاف الواقع بينهم في مسائل الفروع فهو طبيعي جداً ومن اطلع على مدارك الخلاف بينهم علم أنهم ما اختلفوا عن هوى، وإنما كان سبب اختلافهم أحد أمرين أساسين:
1- اختلاف فهمهم لمدلول النص الشرعي، وهذا طبيعي جداً لاختلاف فهوم الناس وما جبلهم الله سبحانه وتعالى عليه من التفاوت في المدارك والعقول.
2- التنازع في ثبوت النص وصلاحيته للاحتجاج إن لم يكن قرآناً أوحديثا متواترا ولله سبحانه في وقوع هذا النوع من الاختلاف حكم بالغة، ولولا ذلك لما حصل.
وعلى كل حالٍ فقد قرر أهل العلم أن اتفاق الأئمة حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1422(18/391)
شروط المفتي
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهي الشروط الواجب توفرها في المفتي العام للدولة؟ وهل تمنع الإعاقة الجسدية (مثال: عدم القدرة على التحرك - السمع - البصر) - من قيام الشخص بالفتوى بالرغم من قدرته الدينية في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
يشترط في المفتي العام للدولة أن يكون ذا علم واسع، وأن يكون ذا ورع شديد، مع التقوى والصيانة والتحلي بمكارم الأخلاق وخصال المروءة. وفقد البصر لا يمنع من تولى الإفتاء. أما فقد السمع فإنه يخل بهذا المنصب إلا إن أمكن كتابة الفتوى له، وكان قد مضى عليه زمن متمكنا من السماع حصل فيه العلم المشترط لذلك. وعدم القدرة على التحرك البدني لا يمنع الإفتاء.
... ... ... والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(18/392)
الإقدام على الفتيا بغير علم حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[من أفتى في شيء وهو شاك هل له كفارة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
لا يجوز لأحد أن يفتي بشيء إلا وهو متيقن منه، لأن الفتوى يترتب عليها آثار عظيمة، فقد يحلل بها حراماً أو يحرم بها حلالا، فليتق الله كل أحد، وليعلم أن الفتيا توقيع عن رب العالمين، لكن إن كان عند الشخص علم في مسألة معينة وهو واثق منه فليفت به، وليقل: الله أعلم، رفعاَ لاحتمال الوهم منه. أما أن يقدم على الفتيا بغير علم فهذا لا شك في منعه وتحريمه. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(18/393)
لاحرج في نقل الفتوى ونشرها بضوابطها.
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل قد أعطاني الله بعض العلم بل القليل من العلم ولكن في بعض الاحيان نجتمع والأصدقاء ونخوض في بعض الأمور المتعلقة بالدين وأقوم أنا بالاجابة على بعض المسائل الفقهية التي تكون معلومة لدي من أحد الشيوخ الكبار ولكن بدون أدلة شرعية فقط الحكم الشرعي للمسألة فهل هذا العمل يدخل في باب الفتوى بغير علم وهل هو جائز أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فلا حرج عليك في نقل فتاوى أهل العلم الموثوق بهم، ونشرها بين الناس، إذا كنت متأكداً من صحة نسبتها إليهم، وكان نقلك لها لا يغير مضمونها، ولا يخل بشيء من ضوابطها.
ولا يدخل هذا في الفتوى بغير علم.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(18/394)
تقوم على الفتوى لجنة شرعية متخصصة
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ حبذا لو شرحتم لنا كيفية الرد على هذا الكم الهائل من الأسئلة: الشرعية والدينية والقانونية، فهل تتم الفتوى حسب اجتهادكم وعلمكم الوفير أم إن اجتهادكم مأخوذ من الأئمة أم من السنة أم من القرآن الكريم. وهل هناك تفاوت في الفتوى بين شيخ وآخر وما موقف الشريعة الإسلامية القانونية في اختلاف الفتوى بين شيخ وآخر ونتيجة هذا الاختلاف ماذا يفعل السائل إذا سئل سؤالاً واختلف عليه المشايخ في الرد مثال ذلك أن يفتي شيخ على نظام الأئمة الأربعة وبطبيعة الحال هناك اختلاف بينهم في الاجتهادات العلمية الدينية وجزاكم الله كل خير؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن الفتوى من الأمور الجليلة الخطيرة، التي لها منزلة عظيمة في الدين، قال تعالى: (ويستفتونك فى النساء قل الله يفتيكم فيهن ... ) . [النساء: 127] وقال تعالى: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ... ) [النساء: 176] ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتولى هذا الأمر في حياته، وكان ذلك من مقتضى رسالته، وكلفه ربه بذلك قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) [النحل:44] . والمفتي خليفة النبي صلى الله عليه وسلم في أداء وظيفة البيان - نسأل الله العون والصفح عن الزلل - والمفتي موقع عن الله تعالى، قال ابن المنكدر: "العالم موقع بين الله وبين خلقه فلينظر كيف يدخل بينهم". والمعمول به في هذا الموقع هو الإفتاء بمقتضى الكتاب والسنة والإجماع وقياس أهل العلم، وإن كان ثمة تعارض فإننا لا نتخير إلا الراجح في المسألة والأقوى دليلاً، ولسنا بالخيار نأخذ ما نشاء ونترك ما نشاء، وقد قال الإمام النووي رحمه الله: ليس للمفتي والعامل في مسألة القولين أن يعمل بما شاء منها بغير نظر، بل عليه العمل بأرجحهما. اهـ.
ولا شك أن الفتوى قد تختلف من مفت إلى آخر حسب الحظ من العلم والبلوغ فيه، وكذلك لا نتتبع رخص المذاهب وسقطات أهل العلم، حيث عد بعض أهل العلم، منهم أبو اسحاق المروزي وابن القيم - من يفعل ذلك فاسقاً، وقد خطأ العلماء من يسلك هذا الطريق وهو تتبع الرخص والسقطات، لأن الراجح في نظر المفتي هو ظنه حكم الله تعالى، فتركه والأخذ بغيره لمجرد اليسر والسهولة استهانة بالدين. والسائل أو المستفتي يسأل من يثق في علمه وورعه، وإن اختلف عليه جوابان فإنه ليس مخيرا بينهما، أيهما شاء يختار، بل عليه العمل بنوع من الترجيح، من حيث علمُ المفتي وورعُه وتقواه، قال الشاطبي رحمه الله: "لا يتخير، لأن في التخير إسقاط التكليف، ومتى خيرنا المقلدين في اتباع مذاهب العلماء لم يبق لهم مرجع إلا اتباع الشهوات والهوى في الاختيار، ولأن مبنى الشريعة على قول واحد، وهو حكم الله في ذلك الأمر، وذلك قياساً على المفتي، فإنه لا يحل له أن يأخذ بأي رأيين مختلفين دون النظر في الترجيح إجماعاً، وترجيحه يكون كما تقدم، وذهب بعضهم أن الترجيح يكون بالأشد احتياطاً". ...
مع علم المستفتي أنه لا تخلصه فتوى المفتي من الله إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه قضاء القاضي بذلك، لحديث أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله، فإنما أقطع له قطعة من النار، فلا يأخذها" رواه البخاري.
والاختلاف واقع في الاجتهادات الفقهية، ولكن لا يظن المستفتي أن مجرد فتوى فقيه تبيح له ما سأل عنه، سواء تردد أو حاك في صدره، لعلمه بالحال في الباطن، أو لشكه فيه، أو لجهله به، أو لعلمه بجهل المفتي، أو بمحاباته له في فتواه، أو لأن المفتي معروف بالحيل والرخص المخالفة للسنة أو غير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه، وسكون النفس إليها، فليتق الله السائل أيضاً. والاختلافات الفقهية منها ما هو سائغ ومنها ما هو غير سائغ، فما كان سائغاً فيسع الجميع، وغيره لا يسع أحداً أن يعمل به.
ومما ينبغي أن يعلمه إخوتنا الكرام أن الفتوى في هذا الموقع تخضع لآلية منضبطة في إعدادها ومراجعتها، وفي إجازتها ونشرها، فهي تبدأ بتحرير الفتوى من أحد الشيوخ في اللجنة، كل حسب اختصاصه والمجال المعني به ـ ثم تحال إلى رئيس اللجنة لمراجعتها، وفي حال تطابقت وجهتا النظر في الفتوى فإنها تأخذ طريقها إلى الطباعة، ثم تحال بعد ذلك إلى المدقق الذي يقوم بمراجعتها ثانية..ثم تحال إلى الآذن بالنشر الذي يتولى المراجعة النهائية، في جانبيها؛ الشرعي والأسلوبي، ومن ثم تأخذ طريقها للنشر على الموقع. وفي حال الاختلاف في مسألة معينة من المسائل الاجتهادية التي قد تختلف فيها أنظار أهل العلم، فإن اللجنة تجتمع وتناقش هذه المسألة من جوانبها حتى يتم الوصول إلى ما يترجح، بعد مناقشة الأدلة وأقوال أهل العلم فيها. ولجنة الفتوى ذات شخصية مستقلة، وهي مؤلفة من كوكبة من طلاب العلم من حملة الشهادات الشرعية، ممن تمرس في الفتيا والبحث العلمي. ويشرف على اللجنة ويرأسها الدكتور عبد الله الفقيه، وهذه اللجنة بكامل أعضائها تتبنى وتعتمد منهج أهل السنة والجماعة في النظر والاستدلال، وفي التعامل مع المخالف، من غير تعصب لمذهب أو بلد أو طائفة. فهي فتاوى محكمة بحمد الله، وليست فتاوى شخصية. نسعى فيها إلى الوصول إلى الحق جهدنا، مراعين سلامة الاستدلال وملابسات الواقع وتغير الحال، قدر الإمكان، ولا نزكي على الله أحداً، والله نسأل أن يوفقنا وجميع المسلمين لأرشد أمورنا، وأن يعيننا على أمور ديننا ودنيانا، وأن يعفو عنا ويصفح عن زللنا. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1421(18/395)
كيف يفعل من عليه أيمان لم يكفرها ونذور لم يوف بها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص على أيمان كثيرة، ونذور أغلبها لم أتمها، ولم أوفها، بل حلفت وكذبت، أو أقسمت وكذبت
أو نذرت وكذبت، وهي كثيرة لا أحصي عددها. كيف لي أن أكفرها وأمحو عني أوزارها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم أن يفي بنذره ويحفظ يمينه كما أمره الله- سبحانه وتعالى- حيث يقول: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ. {الحج:29} . ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: من نذر أن يطيع الله فليطعه ... الحديث رواه البخاري وغيره، ويقول تعالى عن اليمين: وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ. {المائدة:89} . وذم سبحانه وتعالى المكثرين من الحلف فقال تعالى: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ. {القلم:10} .
ومما تقدم تعلم أن عليك أن تجتهد في الوفاء بكل ما نذرت، وتخرج كفارة عن كل يمين حنثت فيها إلا إذا كانت على شيء واحد لتوكيد اليمين، فتلزمك كفارة واحدة كما سبق بيانه بالتفصيل في الفتاوى التالية أرقامها: 10595، 11229، 119599.
وعليك أن تحتاط وتخرج من الكفارات ما يغلب على ظنك أنه لا يقل عن عدد الأيمان التي حنثت فيها، فبذلك تبرأ ذمتك، كما أن عليك أن تحتاط أيضا في جانب النذور فتفعل منها ما يغلب على ظنك أن ذمتك تبرأ به، وعليك أن تبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى مما وقع من الكذب والحلف عليه، فإن الحلف على الكذب هو اليمين الغموس الذي يغمس صاحبه في الإثم أو في النار- والعياذ بالله- فهو من كبائر الذنوب نسأل الله تعالى العافية. والأحوط أن تخرج كفارة عنها خروجاً من خلاف من أوجبها، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 50626. وبذلك نرجو أن يمحى عنك ما ترتب على هذه المخالفات من أوزار إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1430(19/1)
أحكام متعلقة بكفارة اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كفارة اليمين للمغترب؟ أنا في قرية وما أعتقد أن فيها مسلمين فقراء، فماذا أفعل؟ هل أقدر أن أؤجلها؟ وإذا كان علي أن أصوم، فهل أصوم بعد رمضان؟ وما حكم من عقد الحلف في قلبه من دون التلفظ به؟ وهل عليه كفارة؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كفارة اليمين لا يختلف حكمها بين الناس، ومن لم يجد فقراء مسلمين في البلد الذي هو به فيمكن أن يرسل الكفارة لبلد آخر يوجد به مسلمون، كما يمكن أن تؤجلها بناء على قول الجمهور بعدم وجوب إخراج الكفارة على الفور، وأما الصوم فإنه لا يشرع إلا بعد العجز عن العتق، أو الإطعام، أو الكسوة، فإذا عجزت عنها فأكمل صوم رمضان ثم صم بعده، وأما مجرد عقد القلب من دون تلفظ فلا كفارة فيه، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها للاطلاع على البسط فيما ذكرنا: 98092، 113851، 117031.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رمضان 1430(19/2)
التراجع عن اليمين يصح إذا كان بالاستثناء
[السُّؤَالُ]
ـ[عليّ أكثر من كفارة يمين لم أقضها، وقد تبت. فهل أقضيها أم أن التوبة تكفي؟ وما حكم من حلف يمين وتراجع بعدها مباشرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، ويثبتك على طريق الحق، والواجب عليك أن تكفر عن أيمانك التي حنثت فيها، ولا تكفي عنها التوبة. وإن كان عليك أكثر من كفارة فإن الواجب عليك إخراجه إذا علمت عدده، فإن لم تعلم عدده أخرجت ما ترى أنه محتاط به، وبذلك تبرأ ذمتك لأن الكفارة حق مترتب في الذمة لا يسقط بالتوبة ولا بغيرها، ولا تسقط إلا بالأداء ولو مات الشخص وعليه كفارة فإنها تؤخذ من تركته، أوصى بها أو لم يوص على اختلاف بين العلماء في ذلك. وأما التوبة فهي كفارة للذنب كما سبق بيانه بتفصيل أكثر في عدة فتاوى بإمكانك أن تطلع على بعضها تحت الأرقام التالية: 9302، 10109، 45889، 56146.
وأما التراجع عن اليمين فإنه يصح إذا كان بالاستثناء كأن يقول: إن شاء الله، سواء كانت يمين بر أو حنث، وأما إذا لم يحصل استثناء أو حصل بعد طول وقت أو فصل بكلام أجنبي. فإن التراجع لا يصح. وسبق بيان شروط الاستثناء ومتى يصح بالتفصيل وأقوال أهل العلم في الفتويين: 64013، 65900.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رجب 1430(19/3)
حكم الحلف ب (تالله)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الحلف ب (تالله) ?]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا خلاف بين الأئمة في جواز الحلف بـ (تالله) وقد ورد الحلف به في القرآن في تسعة مواضع. قال ابن قدامة في المغني: حُرُوفُ الْقَسَمِ ثَلَاثَةٌ ; الْبَاءُ، وَهِيَ الْأَصْلُ ... وَالْوَاوُ، وَهِيَ بَدَلٌ مِنْ الْبَاءِ ... وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنْ الْوَاوِ، وَتَخْتَصُّ بَاسِمٍ وَاحِدٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَهُوَ اللَّهُ، وَلَا تَدْخُلُ عَلَى غَيْرِهِ فَيُقَالُ: تَاللَّهِ. وَلَوْ قَالَ: تَالرَّحْمَنِ، أَوْ تَالرَّحِيمِ. لَمْ يَكُنْ قَسَمًا. فَإِذَا أَقْسَمَ بِأَحَدِ هَذِهِ الْحُرُوفِ الثَّلَاثَةِ فِي مَوْضِعِهِ، كَانَ قَسَمًا صَحِيحًا ; لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ.
وفي حاشيتي قليوبي وعميرة: حُرُوفُ الْقَسَمِ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ ثَلَاثَةٌ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَوَاوٌ وَتَاءٌ فَوْقَانِيَّةٌ كَبِاللَّهِ وَوَاللَّهِ وَتَاللَّهِ.
وقال ابن نجيم في البحر الرائق: حُرُوفُهُ الْبَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ ... كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ ; لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَعْهُودٌ فِي الْأَيْمَانِ وَمَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ تَعَالَى: "فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إنَّهُ لَحَقٌّ"، وَقَالَ تَعَالَى: "تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا".
انظر للاستزادة أسنى المطالب لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري ومنح الجليل شرح مختصر خليل لعليش.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 شعبان 1429(19/4)
هل تلزم الكفارة لمن أدى اليمين على السمع والطاعة لجماعة ما ثم تركهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب في الثلاثين من العمر, وقبل هذا بأكثر من عشر سنوات, كنت طالباً في إحدى الجامعات وتعرفت على بعض الشباب الصالحين, ونصحوني بالانضمام إليهم وحضور الحلقات التربوية، واستمرت هذه الحالة عدة أشهر, وبعدها طلب مني أداء اليمين على السمع والطاعة ... إلخ، فأديت اليمين وبعد فترة من الزمن بدأت أتساهل إلى أن تركت الحضور معهم، فماذ يجب علي الآن لكي أكفر عن ذلك اليمين الذي لم أكن أعلم عنه شيئاً، فأفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنك لم تبين لنا ماذا حلفت عليه، وما المراد بالسمع والطاعة، وعلى كل حال فإن كان المراد بذلك السمع والطاعة لهؤلاء بالحضور معهم والامتثال لأوامرهم ثم توقفت عن ذلك فإنك تحنث وعليك كفارة يمين، ثم إن كان ما حلفت عليه يتضمن ما لا يوافق شرع الله تعالى فإن الحنث متعين، وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10515، 5900، 96924، 2053.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 شعبان 1428(19/5)
اليمين على نية الحالف
[السُّؤَالُ]
ـ[قلت لزوجتي في ساعة غضب أنت محرمة علي ولم أقصد معنى الظهار، ولم أكن أقصد طلاقا وإنما التأديب وبعد مرور 7 أيام جامعتها، هل بذلك أكون مذنبا وهل علي كفارة أفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تحريم الزوجة يكون طلاقاً إذا نوى الزوج الطلاق، ويكون ظهاراً إذا نوى به الظهار، ويكون يميناً إذا قصد به اليمين، أو قصد به الحث على فعل شيء أو تركه، فما دمت لم تقصد به طلاقاً ولا ظهاراً وإنما قصدت التأديب والزجر فهو يمين، تجب فيها الكفارة وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام، وتراجع الفتوى رقم: 2182.
ونوصيك بعدم التسرع في مثل هذه الألفاظ التي تتسبب أحياناً في هدم الكثير من البيوت، وننصح بمراجعة المحكمة الشرعية في بلدك لأنهم أهل الاختصاص.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رجب 1426(19/6)
إذا مات الأب قبل أن يفي بما حلف عليه فما موقف أبنائه من ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي توفي رحمه الله قبل ثلاثة أسابيع وكان قد حلف أنه سوف يبني بيتا لأولاده الصغار منزلا مستقلا عن إخوانهم الكبار ولكن الأب مات قبل أن يفي بيمينه فهل على الورثة أو أبنائه عمل شيء حيال ذلك؟ وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوالد يعتبر حانثا في اليمين التي حلفها إذا كان لم يقيد التنفيذ بوقت ووجد الوقت الكافي لبناء البيت، لأنه توفي قبل البر بها. قال خليل المالكي في المختصر: وحنث إن لم تكن له نية ولا بساط بفوت ما حلف عليه. قال الخرشي في شرحه: يعني إذا تعذر فعل المحلوف عليه، فإن كان الفعل غير مؤقت وفرط حتى تعذر حنث اتفاقا، وسبقه إلى ذكر الاتفاق في ذلك خليل في "التوضيح"، والحطاب في "مواهب الجليل" وأما إذا كان قيد بوقت وتوفي قبله فإنه لا يحنث، كما لا يحنث إذا كان قيد الفعل بالقدرة عليه، كما ذكر الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير، وذكر القرافي في الفروق أن من حلف ليفعلن كذا وتعذر الفعل عقلا لم يحنث إذا لم يمكنه الفعل قبل ذلك، فإن أمكنه ثم تعذر حنث. وقال محمد بن قاسم الرصاع في شرح حدود ابن عرفة: ما حلف على فعله غير مؤجل وتعذر بانعدام محله بعد الحلف وبعد إمكانه يوجب الحنث، ومثل لذلك يمن حلف على ضرب فلان فأمكنه الضرب ثم مات، فإنه يحنث، ثم إنه لا يلزم الأولاد أن يبنوا البيت من ماله، لأنه تحول بالوفاة من ملك الأب إلى ملك الورثة، كما لا يلزم أن يبنوا عنه البيت، وإنما الواجب إخراج الكفارة عن اليمين التي حنث فيها من ماله قبل قسمة الميراث ليقضوا عنه حق الله تعالى، لما في حديث الصحيحين: فدين الله أحق أن يقضى. فقد نص ابن قدامة والنووي على ذلك، وذهب الأحناف إلى سقوط الكفارة بالموت، وينبغي للكبار أن يحرصوا على الإحسان إلى إخوانهم الصغار، فإن ذلك من بر الأب بعد موته.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 10109، 6159، 40380، 10602، 17141، 43728، 21998.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رمضان 1425(19/7)
من قال لزوجته: حرام علي الفراش معك.يقع على حسب نيته
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الاجابة على أسئلتي وجزاكم الله خيراً
ماحكم قول الرجل لزوجته والله حرام علي الفراش معك..ولم ينو الطلاق..ولاتحريم المعاشرة..بل نوى فقط الاستلقاء على الفراش معها
وهل يقع الطلاق إذا قال الرجل لزوجته أنت طالق في طهر جامعها فيه]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول الرجل لزوجته والله حرام علي الفراش معك لا يقع الطلاق به إلا إذا نواه وحيث لم ينو الطلاق فلا يقع، ولا يكون إيلاء لأنه لم ينو تحريم الجماع ولو نوى تحريم الجماع لكان مولياً وانظر الفتوى رقم 32116. لمعرفة معنى الإيلاء.
وإنما هو من باب تحريم الحلال ومن حرم على نفسه شيئاً من الحلال فإنه يصير في حقه محرماً وعليه أن يكفر كفارة يمين إن حنث، وهذا مذهب أبي حنيفة، وهو الراجح لقول الله تعالى (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم) {التحريم:1-2} .
فسمى الله التحريم للحلال يميناً، وذهب أكثر أهل العلم إلى أن تحريم الحلال لغو لا يترتب عليه شيء، وانظر ذلك في الفتوى رقم 24416.
ويجب التنبه إلى عدم جواز تحريم الحلال، لقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) {المائدة:87} ولقوله تعالى: (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم) {التحريم:1} .
وأما طلاق الرجل امرأته وهي في طهر جامعها فيه فهو من الطلاق البدعي، وجماهير أهل العلم قديماً وحديثاً يقولون بوقوع الطلاق البدعي، وهو الذي نراه صواباً لقوة أدلته وكثرة القائلين به، وهو الأحوط، وانظر الفتوى رقم 24444. لمزيد من الفائدة حول موضوع الطلاق البدعي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رمضان 1425(19/8)
الحلف بالله كذبا من أعظم المحرمات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كثيراً ما كنت أحلف بالكذب ولا أعرف هل توبتي مقبولة أم لا؟ أخاف من عقاب ربي ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه مما لا شك فيه أن الحلف بالله تعالى كذباً من أعظم المحرمات التي يجب على المسلم تجنبها، وأشدها إثماً إن كان قد اقتطع الإنسان بتلك اليمين حقاً لأخيه المسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس.
وقوله أيضاً: من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم هو عليها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ولكن إذا تاب العبد توبة نصوحاً فإن الله تعالى بمنه وكرمه يتجاوز عنه لقوله تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم [الزمر: 53]
وعلى هذا فنقول للسائل عليك بالتوبة والاستقامة على الدين ثم بالإكثار من الطاعات لقول الله تعالى: إن الحسنات يذهبن السيئات [هود: 114] ولقوله صلى الله عليه وسلم: وأتبع السيئة الحسنة تمحها رواه أحمد وغيره.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
7228
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1424(19/9)
الحلف بالطلاق والحرام من أيمان الفساق
[السُّؤَالُ]
ـ[في حالة غضب قلت لأحد أبنائي >فهل إذا ذهب إلى ذاك المكان تعتبر طلقة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ينبغي للمسلم أن يحلف بالحرام ولا بالطلاق ولا بغير ذلك مما لا يجوز الحلف به، وإذا أراد أن يحلف فليحلف بالله تعالى أو ليترك، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت.
وجاء ذم كثرة الحلف في القرآن الكريم قال تعالى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ [القلم:10] . والحلف بالطلاق والحرام من أيمان الفسّاق، وقد قال بعض أهل العلم: إن من كثر حلفه بالطلاق والحرام ترد شهادته ويحكم بفسقه.
ولهذا ننصح السائل الكريم بالابتعاد عن الحلف بطلاق زوجته أو تحريمها، وإذا ضطر للحلف فليحلف بالله أو ليصمت.
وقد اختلف أهل العلم في حكم من حلف بالحرام، وقد رجح بعضهم أن عليه كفارة الظهار إذا حنث، وكفارة الظهار هي الواردة في قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينا [المجادلة:4] ، وذهب آخرون إلى أنه طلاق بائن.
ولعل الراجح من أقوالهم -إن شاء الله تعالى- هو القول الأول، وأن حكمه حكم المظاهر للمشابهة بينهما، ولمزيد من الفائدة والتفصيل نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 7438.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1424(19/10)
هل يجوز الحلف على كتمان السر
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة من 9 أفراد لدينا جمعية ثقافية إسلامية في هولندا المشكلة هي أنه تتسرب منا الأسرار إلى الخارج ولا ندري من أين؟ ونريد أن نحلف على المصحف بأن لا نسرب الأسرار وأن نخدم الجماعة بكل صدق وأمانة فما موقف الشرع في ذلك؟
أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن استؤمن على سر، فإنه لا يجوز له إفشاؤه، فقد روى أبو داود أن النبي صلى الله قال: "إذا حدّت الرجل بالحديث ثم التفت، فهي أمانة" وقال الحسن البصري: إن من الخيانة أن تحدّث بسر أخيك.
وما دام حفظ السر مطلوباً شرعاً طلباً شديداً، فلا حرج في أن يحلف كل واحد منكم على المصحف على ألا يفشي سركم، وهذا يزيد حفظ السر تأكيدا، وكذلك الحلف على خدمة الجماعة.
والمهم أن تكون جمعيتكم خالية من المحاذير الشرعية، وأن يكون نفس السر المطلوب كتمانه ليس فيه، ولا في كتمانه محذور شرعي.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1423(19/11)
تعريف اليمين الغموس
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو الحلف الغموس؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اليمين الغموس هي اليمين الكاذبة التي تهضم بها الحقوق، أو التي يقصد بها الفسق والخيانة، وقد سبق وأن ذكرنا سبب تسميتها بالغموس، وحكمها، وما يترتب عليها، برقم: 7258
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 رجب 1422(19/12)
الوعد بين الإنسان وربه لا يأخذ حكم اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم قلت يوما يارب إني قررت أن لا أفعل كذاوكذا ثم عدت إلى فعل هذا الشيئ وتكرر الفعل عدة مرات. هل يعتبر هذا القول يمينا؟ وإن كذلك فما هي طريقة التكفير؟ أفيدونا بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقولك يا رب إني قررت أن لا أفعل كذا وكذا، ليس يميناً، وإنما هو وعد لكن إن كان هذا الفعل معصية فالواجب عليك التوبة منه والإقلاع عنه، والوفاء بوعدك لله تعالى فإن عدم الوفاء بالوعد أياً كان يعد من علامات النفاق فقد قال صلى الله عليه وسلم "آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان". متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولا شك أن الوفاء بالوعد لله أولى بأن يراعى من الوفاء بالوعد لغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ربيع الأول 1422(19/13)
علق طلاق زوجته على تدخين ابنه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنذرت ابني بعدم التدخين في البيت، علما أن البيت إيجار وإلا طلقت أمه، وحصل أن دخن بعد ذلك في البيت الذي تم استئجاره بخلاف البيت الأول. أفيدونا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت قد حذرت ابنك من التدخين، وإلا فإنك ستطلق أمه، فهذا من قبيل الوعد ولا يلزم به طلاق إذا لم تنفذه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 123837.
وإن علقت الطلاق على تدخينه في البيت حيث قلت مثلا [إذا قمت بالتدخين في البيت فأمك طالق] أو نحو ذلك فهو طلاق معلق، لكن إن قصدت ذلك البيت بعينه ولم يدخن فيه بل فى غيره فلا شيء عليك لأن مبنى اليمين على نية الحالف.
قال ابن قدامة فى المغني: وجملة ذلك أن مبنى اليمين على نية الحالف, فإذا نوى بيمينه ما يحتمله, انصرفت يمينه إليه , سواء كان ما نواه موافقا لظاهر اللفظ , أو مخالفا له. انتهى.
وإن علقت الطلاق على تدخينه في بيتكم مطلقا ولم تقصد البيت الأول من غيره فقد وقع الطلاق عند جمهور أهل العلم بمن فيهم المذاهب الأربعة وهو القول الراجح الذي نفتي به، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية تلزمك كفارة يمين إذا لم تقصد طلاقا وإنما قصدت تهديد ابنك أو منعه من التدخين فى البيت مثلا، وراجع فى ذلك الفتوى رقم: 19162.
وكل ما ذكر هو على تقدير أنه لم يكن لك سبب هو الحامل لك على منع الابن من التدخين في البيت الأول وقد زال هذا السبب في البيت الثاني، وأما لو كان الحال كذلك بأن كان لك سبب وقد زال فإنك لا تحنث بوقوع المحلوف عنه بعد زوال السبب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1430(19/14)
صور متعددة لإخراج كفارة اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف كم كلغرام أدفعه لكفارة اليمين؟ وما هو المطلوب معه من الزيت. تفصيل عملي جزاكم الله خيرا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان أنواع الكفارة ومقدارها في عدة فتاوى بإمكانك أن تطلع على بعضها تحت الأرقام التالية: 204، 2654، 2053، 2022.
فيجزئ في الكفارة إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعم أنت وأهلك، وكيفية الإطعام لها عدة صور: منها أن تعطي كل واحد منهم كيلو ونصف من الأرز أو الدقيق..مع إدامه أي ما يصلحه من الزيت واللحم أو الدجاج، ومقدار المصلحات يعرفه أهل الاختصاص. ومنها أن تغديهم أو تعشيهم كذلك، ومنها أن تدفع لهم قيمة الطعام نقودا إن كان ذلك أصلح للفقراء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شعبان 1430(19/15)
المرجع في الأيمان إلى النيات والقصود
[السُّؤَالُ]
ـ[دخلت بيت الزوجية في 18ـ 8 ـ 1999 وكان ذلك في بيت أهل الزوج ـ بيت والده ـ ونظرا لوجود مشاكل عديدة سببها عدم ارتياحي فيه ومشاكل أخرى، خرجت منه إلى بيت أهلي وتفاقمت المشاكل بيني وبين زوجي حتى وصلت المحكمة، وهناك طلبت الرجوع ولكن ببيت مستقل – علما أنني عاملة وزوجي كذلك – وبالفعل حكم القاضي بذلك، وعندها أخبرني زوجي أنه قد أقسم غيابيا بأنني إذا لم أرجع إلى بيت والده فإني مطلقة، ولم أكن أعرف الفتوى الشرعية في ذلك فطلبت منه أن أدخل بيت والده، ثم نخرج إلى البيت المستأجر، ولكنه أخبرني بأنه استفتى –إماما – فأفتاه أنها طلقة واحدة، وأنه بإمكاني الرجوع إلى البيت المستأجر فرجعت.
وبعد رجوعي لم يتفق زوجي يوما مع أخي الكبير الذي تجاوز السبعين سنة –علما أن والدي متوفى – فأقسم قائلا ـ والله إن دخلت بيت أخيك فأنت طالق ـ وفعلا لم أدخل بيت أخي الكبير إلى يومنا هذا، ومن حوالي 9 سنوات لم أزر أخي في بيته لا في أعياد ولا في مناسبات.
وفي سنة 2002 تخاصمنا وكنت حاملا في الأشهر الأولى من الحمل ـ فى فترةالوحم ـ ولما اشتد غضبه قال أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، ولكنه ندم كثيرا وبكى وقال والله لا أعلم كيف قلتها وكيف نطقتها، وخرج مسرعا ليستفتي نظارة الشؤون الدينية في مدينتنا –تبسه – فأفتوه: أنها طلقة ثانية، ولا أدري لماذا؟
واليوم أعيش مع زوجي على أحسن حال، وقد رزقنا الله ثلاثة أولاد، ولا أريد أن أيتم أولادي ولا التخلي عن زوجي، وفي الوقت نفسه أخي الكبيرـ الذي يعوض أبي ـ بين الحياة والموت، وأتمنى أن أراه وأطمئن عليه وأستسمحه.
كما أنني لا أريدأن يأخذ زوجي وزر قطع الرحم مثلما لا يريد هو ذلك.
أرجوكم أريد حلا وفتوى لرؤية أخي من فضلكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لزوجك أن يمنعك من زيارة أخيك وصلته لمجرد خلاف معه، فهذا من اتباع الهوى بغير هدى من الله، والله سبحانه يقول: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {القصص: 50} .
وأما عن حلفه بالطلاق على ذلك فينظر فيه لنيته وقصده، فإن كان حلفه على مجرد دخول البيت فحينئذ يجوز لك أن تقابلي أخاك خارج بيته، ولك أيضا أن تحدثيه بالهاتف ونحوه، ولا يقع الطلاق بذلك. أما إن كان قصد الزوج قطع العلاقة معه مطلقا فلا بد حينئذ من العمل بقصده لتفادي وقوع الطلاق.
وكما يرجع إلى قصده في ذلك فإنه يرجع إليه أيضا في تحديد أمد المدة التي حلف عليها، فإن كان يقصد عدم دخول بيته مطلقا فهنا يعمل بإطلاقه، ويقع الطلاق بمجرد دخولك بيته ولو بعد زمان طويل. أما إن كان قصده بالحلف منعك من الدخول فترة معينة فحينئذ يجوز لك دخول بيته بعد انتهاء هذه المدة، وإن لم يكن له قصد في ذلك لا بالتحديد ولا بالتأبيد، فحينئذ يرجع إلى ما حمله على اليمين وهيجه عليها وقد ذكرت أن حلفه كان بسبب خلافه معه، فإذا زال هذا الخلاف، فقد انحلت اليمين، ولا حرج عليك حينئذ في زيارته.
وإنما أرجعنا الأمر في ذلك كله لنيته وقصده لأن المرجع في أمر الأيمان إلى النيات والقصود، كما بيناه في الفتاوى التالية أرقامها: 112838، 35891، 80610.
فأعرضي على زوجك هذه الفتوى ولا تستعجلي أنت ولا هو باتخاذ قرار قبل إمعان النظر فيها، وما أشكل عليكم في شيء منها فأعرضوه على أهل الاختصاص ليبينوه لكم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رجب 1430(19/16)
اشترى أرضا ثم ادعى غيره ملكيته لجزء منها
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتريت قطعة أرض قصد بناء منزل. الأرض على الشياع وليست مقسمة، وليست محل نزاع بين الورثة المالكين. إلا أنه بعد مدة زمنية ادعى من هو جاري في حدود الأرض ملكيته لبعض منها. وقام بشكوى قضائية ضدي. هل أعتبر غاصبا حق هذا الرجل حتى وإن حكم القضاء ببطلان دعواه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال صلى الله عليه وسلم: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة على المدعى، واليمين على من أنكر. رواه البيهقي وحسنه النووي في الأربعين وقال: وبعضه في الصحيحين.
وبناء عليه، فإن أثبت جارك دعواه ملك بعض أرضك ببينة فله ما أثبته، وأنت ترجع على من باعك الأرض بقيمة النقص، أو ترد عليه أرضه إن شئت، لأن ذلك عيب كسائر العيوب.
جاء في فتاوى ابن تيمية: ومن قبض مغصوبا من غاصبه ولم يعلم فهو بمنزلته في جواز تضمينه لكن يرجع إذا غرم على غاصبه. اهـ
وأما إن لم تكن له بينة على دعواه فالأرض أرضك، ولا تكون غاصبا لأنك قد اشتريت الأرض من مالكها. والأصل ثبوت ملكك لها كلها إلا أن تكون تعلم صدق دعواه، فلا يجوز لك والحالة هذه أن تظلمه فيه، ويلزمك أن تخلي بينه وبينه، وإن كنت لا تعلم صدقه ولا بينة لديه فلا حرج عليك.
وهذا كله على تقدير أنك لم تبن شيئا على الأرض، أو بنيت ولم تتناول الدعوى ما كان مبنيا، وأما لو كنت بنيت وكانت الدعوى تتناول الجزء المبني من الأرض، فإن أثبت المدعي دعواه فإنه يكون من حقه أن يعطيك قيمة البناء قائما، لأنك بنيته بشبهة، فإن امتنع من ذلك كان من حقك أن تعوض له عن قيمة الأرض، فإن امتنعت أنت كنتما شريكين في الأرضع والبناء كل منكما بحسب قيمة ملكه.
جاء في مختصر خليل المالكي: وإن غرس أو بنى- يعني صاحب الشبهة- قيل للمالك أعطه قيمته قائما، فإن أبى فله دفع قيمة الأرض، فإن أبى فشريكان بالقيمة يوم الحكم.
وعلى كل حال فإنك أنت ترجع على البائع كما تقدم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1430(19/17)
إطلاق لفظ التحريم بغير نية وقصد لا يستلزم كفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[تستخدم كلمة-حرمت- كثيرا عندنا على ألسنة الناس، فمثلا من أكل طعاما ساخنا آذى فمه قال: حرمت أكل كذا هو يقصد امتنعت أو تضررت، لكن يعود فيأكل، ومثلا من سافر لبلد فوجد مشقة فيقول حرمت الذهاب لهذه البلد هو يقصد أنه تعب ويعود للسفر وغير ذلك من الأمثلة. هل كلمة حرمت كلمة صريحة إذا نطقت يقع تحريم الشيء بها؟ أم أنها مثل يمين اللغو ليس فيها شيء لأنها مجرد تعبير عن الحال؟ وماذا يجب على أشخاص كثيرين يقولونها على سبيل الكلام، وليس القصد منها تحريم أي شيء ماذا عليهم فيما مضى من قول هذه الكلمة على أكل أو شرب أو غير ذلك؟ علما بأن هذا السؤال يهم كثيرين لأنها كلمة دارجة تجري على الألسنة كثيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم فيما يترتب على تحريم الحلال، فذهب بعضهم إلى أن تحريم الحلال لا يترتب عليه شيء، فهو لغو، إلا في تحريم الزوجة. وذهب بعضهم إلى أن تحريم الحلال تترتب عليه كفارة يمين. والراجح وجوب الكفارة، لأن الله تعالى سمى التحريم يمينا، كما سبق بيانه في الفتويين: 24416، 54951. هذا إذا كان التحريم على بابه وصاحبه يعنيه.
وأما هذه الكلمة المسؤول عنها فصاحبها لا يعني معناها المقصود هنا، حتى إن من يستعمل هذا التعبير في لغته الدارجة قد يخرجه جوابا لإنسان، فمثلا، إذا قال الأب أو المدرس للمخطئ: هل ستفعل هذا مرة أخرى؟ فيكون الجواب: حرمت. بمعني لن أعود إليه أبدا.
وقد سبق أن بينا أن المرجع في الأيمان إلى النية، وأن الآثار تترتب على اليمين بحسبها، في الفتويين: 35891، 8452.
فالنية تخصص الأيمان وتقيدها، وكذلك السبب الحامل عليها، وهو ما يعرف عند المالكية ببساط اليمين، وعند الحنابلة بالسبب المهيج لليمين، ويعبر عنه الحنفية بيمين الفور، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 53009، 53220، 70928.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1430(19/18)
مفهوم اليمين البرة
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتريت بعض مساحيق التجميل لزوجتي قبل زواجي بفترة بسيطة (خلال فترة التمليك - العقد) كهديةٍ مني لها فرحاً بقدومها وتقديراً مني لمكانتها، وقد كلفتني مبالغ طائلة (نصف راتبي الشهري تقريباً، وخلال ذلك تهكَّم عليّ بعض أقاربي - هداهم الله - بكلمات نزلت عليّ كالصاعقة أثارت نزعتي الرجولية، فغضبت لها غضباً شديداً، ولم أتمالك نفسي وقتها، فخبّأت ما اشتريت، وحلفت وأقسمت بالله العظيم ألاّ تستخدم مما اشتريت منه شيئاً، وأنا - والحمد لله - لم أحنث بحلفي إلى الآن، وقد مرّ على زواجي قرابة الستة أشهر، علماً بأنني مازلت أحتفظ بالمشتريات، وقد أخبرت زوجتي بالواقعة كما حدثت.
ولكنني بين حينٍ وآخر تراودني فكرة - وقد تكون وساوس الشيطان - إهدائه لزوجتي مرة أخرى لِمَا أجد في نفسها من وَجدٍ لما اشتريت، وما أجد في نفسي أيضاً توقاً للتعبير عن حبي لها.
سؤالي: من أي أنواع الحلف يُعد حلفي؟ وفي حال وجود كفارة، ماهي؟ وفي حال عدم وجود كفارة، ماذا عليّ أن أفعل بما اشتريت (هل أهديها لشخصٍ آخر) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه اليمين منعقدة وهي يمين برة، وسميت كذلك لأن الحالف باق على بر حتى يفعل المحلوف عنه.
فإن من حلف على يمين ثم تبين له بعد ذلك الخطأ في هذه اليمين، أو أراد الرجوع عنها، فله أن يتحلل منها بكفارة يمين ويفعل ما حلف عليه، وذلك لما روى مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها، فليكفر عن يمينه وليفعل. وقال صلى الله عليه وسلم: وإني والله - إن شاء الله - لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها. رواه البخاري ومسلم.
وعلى ذلك فإن بإمكانك أن تدفع المشتريات لزوجتك، وتكفر عن يمينك بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو تحرير رقبة مؤمنة، فإن لم تجد ذلك صمت ثلاثة أيام.
وللمزيد انظر الفتوى رقم: 96924.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو الحجة 1429(19/19)
مذاهب العلماء في اليمين الغموس
[السُّؤَالُ]
ـ[حلفت يمين غموس ولكن رددت المال لأصحابه. فما الحكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
اليمين الغموس هي اليمين الكاذبة عمدا، وسميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في الإثم، ومِنْ ثَمَّ في النار، والإتيان باليمين الغموس حرام، ومن الكبائر؛ لما فيه من الجرأة العظيمة على الله.
قال ابن حجر اله يتمي في كتابه: الزواجر عن اقتراف الكبائر: كتاب الأيمان: الكبيرة التاسعة والعاشرة والحادية عشرة بعد الأربعمائة: اليمين الغموس واليمين الكاذبة.. انتهى
وهذه اليمين الكاذبة ثبت فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في ذمها وبيان أنها من الكبائر والترهيب من الإقدام عليها، فعن عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ عَلَيْهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {آل عمران:77} فَجَاءَ الْأَشْعَثُ فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فِيَّ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابْنِ عَمٍّ لِي فَقَالَ لِي: شُهُودَكَ. قُلْتُ: مَا لِي شُهُودٌ. قَالَ: فَيَمِينُهُ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذًا يَحْلِفَ، فَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْحَدِيثَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ تَصْدِيقًا لَهُ. رواه البخاري ومسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وَلِهَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ غَمُوسًا كَانَتْ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّارِ, كَمَا قَالَ تَعَالَى: إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. وَذَكَرَهَا النَّبِيُّ فِي عَدِّ الْكَبَائِرِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَعَمَّدَ أَنْ يَعْقِدَ بِاَللَّهِ مَا لَيْسَ مُنْعَقِدًا بِهِ فَقَدْ نَقَصَ الصِّلَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ اللَّهِ بِمَا هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ أَوْ تَبَرَّأَ مِنْ اللَّهِ. انتهى.
وهذه اليمين الغموس لا كفارة فيها عند جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة سوى التوبة، وردّ الحقوق والمظالم لأهلها.
فأما الأحناف فقد قال الكاساني في بدائع الصنائع: فَصْلٌ: وَأَمَّا حُكْمُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْيَمِينِ، أَمَّا يَمِينُ الْغَمُوسِ فَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ لَكِنْ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ لِأَنَّهَا جُرْأَةٌ عَظِيمَةٌ. انتهى.
وقال السرخسي في المبسوط: وَاَلَّتِي لَا تُكَفَّرُ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ, وَهِيَ الْمَعْقُودَةُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمَاضِي أَوْ الْحَالِ كَاذِبَةً يَتَعَمَّدُ صَاحِبُهَا ذَلِكَ.
وأما المالكية ففي التهذيب في اختصار المدونة لأبي سعيد خلف بن أبي القاسم القيرواني البراذعي قال: قال مالك رحمه الله: والأيمان بالله أربعة: يمين غموس، ولغو يمين، فلا كفارة في هذين، ويمين الرجل والله لأفعلن، ووالله لا فعلت: ففي هذين كفارة، فإن رأى الحنث أفضل أحنث نفسه. والغموس: الحلف على تعمد الكذب، أو على غير يقين، وهي أعظم من أن تكفّر. انتهى.
وقال ابن عبد البر في التمهيد: لا كفارة فيها لعظم إثمها.
وكذا في الشرح الكبير للدردير: ولهم بعض التفصيل بناء على قول الإمام مالك السابق في تعريف اليمين الغموس. وهو باختصار – كما في شرح مختصر خليل للخرشي: قَوْلُهُ: لَا كَفَّارَةَ فِيهَا أَيْ إنْ تَعَلَّقَتْ بِالْمَاضِي، فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالْمُسْتَقْبَلِ أَوْ بِالْحَالِ فَإِنَّهَا تُكَفَّرُ. انتهى.
وأما الحنابلة ففي المغني لابن قدامة: مسألة: قال: ومن حلف على شيء وهو يعلم أنه كاذب فلا كفارة عليه لأن الذي أتى به أعظم من أن تكون فيه الكفارة. هذا ظاهر المذهب نقله الجماعة عن أحمد وهو قول أكثر أهل العلم منهم ابن مسعود وسعيد بن المسيب والحسن والأوزاعي والثوري والليث وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي من أهل الكوفة. وهذه اليمين تسمى يمين الغموس لأنها تغمس صاحبها في الإثم. قال ابن مسعود: كنا نعد من اليمين التي لا كفارة لها اليمين الغموس، وعن سعيد بن المسيب قال: هي من الكبائر وهي أعظم من أن تكفر. انتهى.
وذهب الحنابلة في رواية كما في مجموع الفتاوى لابن تيمية والشافعية كما في الحاوي الكبير للماوردي، وأسنى المطالب، وتحفة المحتاج: إلى وجوب الكفارة فيها.
والراجح ما ذهب إليه جمهور العلماء فهي أعظم من أن تكفر؛ وإنما تمحى بالتوبة الصحيحة، وما دمت قد رددت المال لأصحابه كما ذكرت، فعليك أن تستغفر وتتوب إلى الله، وتكثر من العمل الصالح؛ لعل الله أن يتوب عليك، وإن أردت إخراج الكفارة عن يمينك من باب الاحتياط فلا بأس، وهو عمل صالح لن يضيع، ونسأل الله أن يوفقك للتوبة وعدم العود إلى مثل هذه الأفعال الموبقة.
فتاوى ذات صلة:
1- ضابط اليمين اللغو، رقم الفتوى: 6644.
2- الحلف كاذبا يمين غموس كفارتها التوبة النصوح، رقم الفتوى: 29633.
3- الفرق بين الحلف وعدم تنفيذه..وأنواع اليمين، رقم الفتوى: 20864.
4- اليمين الغموس لا كفارة فيها، رقم الفتوى: 33977.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رجب 1429(19/20)
لا بأس بتوكيل جمعية خيرية في صرف كفارة اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي أنني أحنث كثيراً باليمين فقد حلفت أني لن أعمل أي شيء أثناء عملي لكن دائما لا أستطيع أن أنفذ هذا الحلف وأحنث كثيرا حتى الآن (علما بأن الأشياء التي أقوم بها لا تستغرق سوى دقائق مثل فتح إيميلي مثلا أو إرسال فتوى على سبيل الراحة من العمل كما أن المدير يعرف أننا لا نشتغل طوال الوقت ونأخذ راحة بسيطة) ، فهل علي كفارة واحدة أم أكثر وقيامي كل مرة بأشياء أخرى لا تستغرق سوى دقائق كفتح إيميلي مثلا يعد إثما لأنه انتهاك للحلف، وهل يمكن دفع مبلغ الكفارة لأنه من الصعب الإطعام وما قيمتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنوصيك أولاً بحفظ الأيمان وعدم المسارعة فيها، فقد قال الله تعالى: وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ {المائدة:89} ، وفيما يخص موضوع سؤالك فإنك إذا حلفت على ترك فعل معين أثناء العمل، كفتح الإيميل أو إرسال فتوى ونحو ذلك.. ولم تكن لك نية في تحديد القدر الذي حلفت عليه من الوقت، فإنك تحنثين بمجرد ممارسة الفعل الذي حلفت على تركه.
وإذا حنثت فإنه تلزمك كفارة واحدة وتنحل اليمين، إلا أن تحلفي يميناً أخرى بعد حنثك في اليمين الأولى فتلزمك كفارة أخرى وهكذا ... وكفارة اليمين مخير فيها، فإن شاء صاحبها أطعم عشرة مساكين وإن شاء كساهم، وإن شاء أعتق رقبة، فأي ذلك فعل أجزأه، فمن لم يجد وجب عليه صيام ثلاثة أيام، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، والأصل فيه قول الله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89} ، والإطعام نصف صاع من الطعام لكل مسكين، وقدره كيلو ونصف تقريباً، وقيل قدر الإطعام مد ويساوي سبعمائة وخمسين جراماً، والأول أحوط، ومن لم يجد مساكين في البلد الذي هو فيه فله أن يوكل إحدى الجمعيات الخيرية لتقوم عنه بذلك، ولك أن تراجعي في هذا الفتوى رقم: 204.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو الحجة 1428(19/21)
إذا لم يفعل الحالف ما استحلف عليه لم يحنث
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي عرف بأني أتكلم مع البنات وأرسل لهم رسائل عبر الجوال فأتى بالمصحف (القرآن الكريم) وأمرني أن أضع يدي على المصحف وأحلف أن لا أتصل بأحد ولا أبعث رسالة إلى أحد إلا لخدمة الإسلام والمسلمين، هذا وقد فعلت ما أمرني به فهل لي كفارة عن يميني وماذا أفعل يعني شيخنا الفاضل أتصل بشكل عادي وأبعث رسائل لكن لا أرسل إلى البنات أبدا إلا ما يرضي الله فهل علي كفارة.
أفتوني مأجورين يرحمكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن الغرض من اليمين هو المنع من الاتصالات أو الرسائل المحرمة أو المفضية إلى الوقوع في الحرام، وعليه فإنك لا تحنث إذا اتصلت أو أرسلت الرسائل العادية التي ليست من ذلك القبيل، أما إذا عاودت الاتصال أو الرسائل التي استحلفك الوالد على تركها فإنك تأثم وتحنث، هذا كله إذا كنت بالغا،
وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 21582. 10024. 204.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو الحجة 1428(19/22)
وجوب التوبة من الحلف كذبا على المصحف
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن تفتوني في واحد عمره 22 سنة والده يعامله بقسوة وبخيل عليه ولا يعطيه مصروفا وهو يعيش مع والده وعمتة وجدته أم والده وخالته زوجة والده وأمه مطلقة وله أختان من أمه وله أختان وأخ صغير من خالته زوجة والده وذات يوم هذا الولد سرق على والده فلوسا وسأله الأب عنها فأنكر وحلفه والده على المصحف فحلف أنه لم يأخذ الفلوس على كتاب الله والأب كان متأكدا أنه أخذها ومرت الأيام والولد أحس بالذنب لأنه حلف على كتاب الله فذهب إلى عمته التي تعاملهم بحنان وحب كأنها أمهم فقال لها وهو يبكي ونادم أنا أخذت الفلوس وأشعر بضيق وتأنيب ضمير ماذا أفعل فقالت له اذهب واعترف لوالدك أنك اخذتها فذهب وقعد مع والده جلسة حكى له عن طريقة معاملته له وأنه لا يعطيه فلوسا واعترف أنه أخذ الفلوس واعتذر وحلف أنه لن يكررها أبداً، فالأب لم يقبل إعتذاره ولم يأخذ الفلوس وقال أنا غير مسامحك إلى يوم الدين، والآن الولد يعيش في حالة تأنيب ضمير وصار انطوائيا ويحس أن الله غير راض عنه، فماذا يفعل أفيدونا أكرمكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حرص الولد على إرضاء والده واجب، فقد فرض الله بر الأبوين ولو كانا كافرين أو كانا لا يؤديان حق الأولاد، وأما الحلف كذباً فتجب التوبة إلى الله تعالى منه، وإذا ثبت أن الوالد لا ينفق على ولده الذي تجب عليه نفقته وهو الصغير الفقير أو العاجز عن التكسب الفقير أيضاً، فإنه يسوغ للولد شرعاً أن يحتال حتى يأخذ حاجته من مال الوالد، كما يدل له حديث الصحيحين أن هنداً قالت: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدى إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال عليه الصلاة والسلام: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف.
وبناء على هذا فإنه لا يلزم أن يرد له المال الذي أخذه منه، وعليه أن يكثر من الإحسان إلى الوالد ويخدمه ويسعى في استعطافه دائماً حتى يرضى عنه، ويستعين بالله تعالى ثم بوساطة من يمكنهم التأثير عليه، وراجع للاطلاع على البسط في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 64199، 96270، 25339، 21859، 71771، 56667، 31157، 67411.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1428(19/23)
لا بأس بالحلف أو دفع الرشوة للتخلص من الوقوع في الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عراقي وما أكثر المأساة التي عشناها منذ سنين طويلة ولحد الآن. سؤالي يتعلق بموضوع قد مضى عليه عشر سنوات في سنة 1998 دخلت إلى الجيش العراقي لأداء الخدمة الإلزامية بعد تخرجي من كلية التربية وبفضل الله سبحانه وتعإلى ونعمه علي وبمعونة أبي وأخي دفعت البدل النقدي لكي أخرج من هذا الجيش ومأساته وبعد إكمال معاملة التسريح ذهبت لاستلامها لكي أدفعها إلى الحاسبة ومن هناك أستلم كتاب التسريح وبعد عناء دام ستة أشهر فوجئت والله ولم أكن أعلم أنه هناك قسم على القرآن للجندي المسرح بأنه لم يدفع المال لإكمال معاملة تسريحه وقد دافعت ولم أدفع المعاملة حتى لا أقسم خاصة وأنه هناك كفيل والكفيل يجب أن يكون ضابطا أو نائب ضابط لمن يدفع البدل النقدي وهذا الكفيل لا يكفلك إلا بدفع المال له وقد دفعت المال لأغلبية نواب الضباط ممن أعانني على إكمال معاملة التسريح وبعد كل الجهود اضطررت إلى أن أقسم، وأرجع وأكرر اضطررت لأنني إذا لم أقسم قد أدخل في سين وجيم وقد لا أسرح، ومنذ ذلك الوقت وأنا لست مرتاحا وأفكر هل أنا مذنب أم لا، وإذا كنت مذنبا فما العمل؟، والحمد لله أنني أصلي الأوقات الخمس وأصوم وأقرأ القرآن، أرشدوني إلى الطريق الصحيح لكي أفوز برضى الله سبحانه وتعالى، وجزاكم الله خير الجزاء في الدنيا والآخرة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان يترتب على قيامك بالخدمة في الجيش ارتكاب محرم شرعي فلا حرج عليك فيما أقدمت عليه من الحلف ودفع الرشوة للتخلص من المحرمات التي تترتب على دخولك إذا لم يكن هناك وسيلة للتخلص من هذه المحرمات إلا ذلك.
وإن كان لا يترتب على ذلك محرم شرعي فلا يجوز لك ذلك، وعليك بالتوبة منه والاستغفار ولا تلزمك كفارة عند أكثر أهل العلم لأن هذه يمين غموس لا تكفرها إلا التوبة.
ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 7432.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 رجب 1428(19/24)
شروط صحة القسم
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في إحدى فتاويكم قول فاطمة رضي الله عنها
وَا بأبي شبه النبي ... * ليس شبيها بعلي
ألا يعتبر هذا القول قسما بأبيها، وهل يجوز القسم بغير الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا القول لا يعتبر قسما لأن القسم يكون بالواو المجردة عن الألف، ويكون المقسم به بعد الواو مباشرة كما تقول: والله، وأما المراد بوا هنا في هذا البيت فهو التعجب كما ذهب ابن هشام في مغني اللبيب، والزبيدي في تاج العروس، ومثّلا له بقول الشاعر:
وا بأبي أنت وفوك الأشنب * كأنما ذر عليه الزرنب
وعليك أن تعلم أن من المصادر من ينسب هذا البيت لأبي بكر رضي الله عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الثاني 1428(19/25)
اليمين المؤقت واليمين المطلق ومتى يحنث الحالف في كل منهما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت لصديقتي وطلبت مني أن أجلس معها فترة طويلة فقلت لها والله العظيم سوف أحضر لزيارتك في يوم آخر ولم أتمكن من زيارتها مرة أخرى حتى سافرت خارج البلد هل علي صوم كفارة للحلف.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت قد حلفت على زيارة صديقتك مع تحديد فترة معينة باللفظ أو النية أو قرينة الحال، ولم تقومي بالزيارة حتى فات وقتها المحدد فقد حنثت ووجبت عليك كفارة يمين. وإذا كانت الزيارة غير محددة بوقت معين فلا تحنثين ما دامت الزيارة ممكنة، فإن تعذرت حيث حصل يقين أوغلبة ظن بعدم إمكان تلك الزيارة فقد حصل الحنث حينئذ. قال ابن قدامة في المغني: وإن كانت على فعل شيء فلم يفعله وكانت يمينه مؤقتة بلفظه أو نيته أو قرينة حاله ففات الوقت حنث وكفر. وإن كانت مطلقة لم يحنث إلا بفوات وقت الإمكان لأنه مادام في الوقت والفعل ممكن فيحتمل أن يفعل فلا يحنث ولهذا قال عمرُ للنبي صلى الله عليه وسلم: ألم تخبرنا أنا نأتي البيت ونطوف به قال: فأخبرتك أنك تأتيه العام، قال لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به، وقد قال الله تعالى: قل بلى وربى لتبعثن، وهو حق ولم يأت بعد. انتهى. والصوم عن كفارة اليمين لا يجزئ إلا بعد العجز عن إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة مؤمنة، وراجعي الفتوى رقم: 18070.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1426(19/26)
أقسم على ترك معصية ثم عاد إليها فما الكفارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني الكرام: لقد أقسمت بيني وبين الله عزوجل ألا أقوم بمشاهدة المنكرات على التلفاز وعدم عمل العادة السرية، وفعلاً وبحمد الله توقفت لفترة من الزمن عنهما الإثنين ولكني من فترة لفترة تقع عيني على الحرام، فكيف سيكون حال قسمي مع الله من ذلك؟؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت لم تتكلم بقسمك أي يمينك، وإنما كان الذي جرى منك هو مجرد حديث نفس فلا كفارة عليك في رؤية ما أقسمت في نفسك على عدم رؤيته، ولذلك طالع الفتوى رقم: 12854. وإن كنت قد نطقت باليمين فطالع لما يلزمك الفتوى رقم: 12551.
واعلم أن ما حلفت على تركه أو عزمت عليه يجب عليك أصلا تركه ويجب عليك تجنبه لأنه معصية لله تعالى ولو لم تحلف أو تعزم على تركه.
والخلاصة أنه يجب عليك الكف عما ذكرت من مشاهدة المنكرات وممارسة العادة السرية، والتوبة مما بدر من ذلك، كما أنه تجب عليك كفارة إذا كنت أقسمت على ترك ذلك باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1425(19/27)
اليمين اللغو واليمين المنعقدة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي استفسار حول اليمين فأنا حلفت على ألا أقوم بفعل ولكني اضطررت لأن أقوم به فالبعض قال لي إنها يمين لغو وليس عليها كفار ولكنني أراها اليمين التي إذا نقضتها فإنها توجب الكفار فأنا لا أحلف إلا نادراً - والحمد لله - وعندما أحلف يكون ذلك من أعماق قلبي وينتابني الشعور بعظمة من أحلف به وبنفس الوقت
أكسب حلفي القوة في أنني لن أقوم بذلك الفعل حتى يحقق الهدف من حلفي ولكن للأسف أضطر لنقض اليمين لذلك أنا أراها توجب الكفارة، بينما من قالي لي إنها يمين لغو فهم لا يعرفون ما كان في قلبي وربما لا يعرفون أيضاً أنني لا أحلف إلا إذا رأيت أن هذا الحلف سيزيل عني ما كان في قلبي وحيث أنني ولله الحمد في هذا العام لم أحلف إلا ثلاث مرات ولكنني للأسف نقضت يميني المعلقة وها أنا أذكر لكم حادثتين لكي تبينوا لي ما إذا كانت يمين لغو حقاً وأرتاح من أقوال من يصرون على أنها يمين لغو:
1- كان أخي الصغير يأمرني أن ألعب له البلاي ستيشن حتى أفوز في إحدى الألعاب وأصل إلى المرحلة الأخيرة حيث أنني هجرت البلاي ستيشن ومع ذلك أنا قادرة على أن أفوز في جميع المراحل ولكن ذلك
يحتاج من الوقت والجهد والتفرغ الكثير الكثير ولكنني لا أملك من ذلك إلا القليل، كما أنه ينتابه الشعور عندما ألعب له كأنه يلعب مكاني وأخذ كل يوم يستفزني تعالي والعبي لي تعالي والعبي لي ويقطعني من الأعمال المنزلية أو حتى التحدث مع إخوتي لكي ألعب له وكأنني كنت شغالته التي تلبي له كل ما يتمناه من الفوز، فطلبت منه أن يطلبني بأدب وأرشدته إلى ذلك، ولكنه أخذ يزداد بطلباته بأن ألعب له ولكنني كنت أعتذر
منه على عدم تفرغي له كل الوقت فأخذ يستفزني ويقول لي أنت مخادعة لأنك طلبت مني أن أطلب منك بأدب ولكنكِ لم تنفذي ما طلبت، وأنه الآن أصبح حراً في أن يطلب مني متى يشاء وبطريقته كيفما شاء، فضقت ذرعاً بما فعل وصبري على أسلوبه العنيد، فقلت لا بد أن أوقفه عند حده فحلفت بالله العظيم بأن لا ألعب له حتى يعتذر لي عما سلف ويطلب مني ذلك بأدب وبالمعقول لا بالجنون،علماً بأنني عندما حلفت شعرت بأن هذا سيصده عن فعل ذلك، وذلك لأنني من النادر جداً جداً أن أقسم فبذلك أكسبت قسمي القوة،
كما شعرت براحة في قلبي بعدما أقسمت، ولكن للأسف نقضت القسم، لأنه أخذ بالبكاء عند رأس أمي فقالت لي أمي: الله يرضى عليك نفذي ما يرغب، فاضطررت وقلبي جُرح مرة أخرى بسيف أشدَ حدةً من الذي قبله بأن ألعب له البلاي ستيشن - الله يحطمه ويأخذه -.
2- أنا في المنزل أنظف البيت -بدون المطبخ- أسبوع بأسبوع وفي إحدى المرات قمت بتنظيف المنزل
من رأسه لرجله - كما يقال - حتى انكسر ظهري وأصابني التعب والإرهاق، وما غفوت إلا ساعتين
حتى أصبح البيت رأساً على عقب وكأني لم أقم بذلك الجهد والتنظيف فقلت لإخواتي وأمي كيف سمحتم
لأخوي الصغيرين بالعبث بالمنزل وتخريب كل ما أمامهم وأنتن ساكتات ألم تقدرن التعب الذي تعبته، فأقسمت
ألا أنظف البيت في الثلاثة الأيام التي تبقت من ذاك الأسبوع وذلك حتى يشعروا بنعمة النظافة وبإهمال الولدين الصغيرين - أحدهما في الصف الرابع والآخر في الصف الأول الابتدائي فليسا صغيرين بمعنى أنهم لا يفهمون-، فلك أن تتصور بأنك تبني بناء عاليا شاهقا كرست له كل الجهد، ثم يأتي أحد العابثين في غضون ساعتين بهدم ما بنيت والذي يزيدك غيظاً أن سكان هذا البناء أخذ يشاهدون عملية الهدم وهم ساكتون ينظرون وكأنك ستأتي مرة أخرى لتعوضهم ببناء أعلى من الذي قبله وعن كل ماضاع عليهم، والذي يزديك غيظاً أكثر هو أن عملية البناء هذه الكرة ستكون أشد من التي قبلها لأنك ستزيل آثار الهدم والخراب والدمار ثم ستبني لهم من جديد بناء أعلى وأعلى من السابق
أتمنى أن تكون الصورة قد وصلت لكي تعلموا مقدار الغيظ الذي في قلبي والذي دفعني للقسم،
ولكنه في اليوم التالي أخبروني أن هناك ضيفة ستزورنا في ذلك اليوم وأن علي أن أقوم بعملي
ولكني قلت لهم لقد أقسمت، قالوا نحن نعلم ولكن ما باليد حيلة فطلبت من أختي التي تمسك المطبخ
بأن أخذ عملها اليوم فيه وهي تأخذ عملي في البيت وهكذا أعمل ولا أنقض القسم وبالتالي يصبح البيت نظيفاً جاهزاً لاستقبال الضيفة وستساعدك أختي الأخرى في البيت - لأن التخريب الذي فعلوه ليس بقليل فلا تكفي واحدة - وللأسف رفضت أن تمسك البيت مع أنها كانت تريدني أن أجرب عمل المطبخ ولو ليوم واحد حتى تريني أنه أشد تعبا من العمل في البيت ورفضها هذا للأسف يدل على شيء أطلب الله بأن ينزعه من قلبها وهي للأسف فاتها خير كثير فمن كان في عون أخيه كان الله في عونه،أخبرتها بذلك ولكنها رفضت ولقد كان الحل الوحيد لكي أبقى محافظة على قسمي ولكن حصل ما حصل حيث نقضت القسم وعملت في البيت وأنا أشد غيظاً من تصرف أختي.
في كلتا الحادثتين رويتها بالتفصيل مع علمي بضيق وقتكم ولكن لثقتي بكم أعلموني هل تجب كفارة أم هي يمين لغو
وإذا كانت توجب الكفارة، هل كفارات اليمين هذه تصبح واحدة فأكفر عنهما جميعا كفارة واحدة
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ولكم جزيل شكري وأسأل الله التوفيق لكم وأن يجعله في ميزان حسناتكم]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن يمين اللغو هي أن يحلف المرء على شيء دون أن يقصد اليمين، كقوله: لا والله، وبلى والله. أو أن يحلف على شيء يظنه كما حلف، فيتبين أن الأمر على خلاف ما يعتقده، وواضح من هذا أن اليمين التي تلفظت بها في كلتا الحالتين ليست يمين لغو، وإنما هي يمين منعقدة.
واليمين المنعقدة هي أن يحلف المرء أن يفعل شيئا فلا يفعله، أو أن لا يفعل شيئا فيفعله، فعليه حينئذ الكفارة.
قال ابن قدامة في "المغني": لا خلاف في هذا عند فقهاء الأمصار.
وبهذا يتبين لك أنه تلزمك كفارة عن كل يمين منعقدة حنثت فيها، وكفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، ويجزئ في الإطعام دفع كيلو ونصف من الأرز أو غيره إلى كل مسكين، أو تقديم وجبة غداء أو عشاء لكل مسكين، ويجزئ في الكسوة ثوب تصح فيه الصلاة، ويقي من الحر أو البرد.
وننبه في ختام هذا الجواب إلى ما يلي:
الأمر الأول: عدم الاستعجال إلى التلفظ باليمين، لما يترتب عليه من الوقوع في الحرج، ولقوله تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُم ْ (المائدة: 89) .
الأمر الثاني: أن اللعب بمثل هذه الألعاب قلما يخلو من المنكرات من استماع للموسقى ونحو ذلك، فالواجب التخلص منها وشغل وقت هؤلاء الأبناء بما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وتراجع الفتوى رقم: 12491. ...
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1425(19/28)
ينعقد الحلف إذا حلف بالله أو بصفة من صفاته تعالى
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة حلفت فقالت في حلفها ((حلفت إني ما أذهب للمكان الفلاني)) ثم ذهبت لذلك المكان فهل عليها كفارة يمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اشترط الفقهاء أن يكون الحلف بالله تعالى أو بصفة من صفاته، فإن حلف الشخص بهذه الصفة ناوياً فقد انعقد حلفه، فإن حنث في يمينه لزمته الكفارة، كما هو مبين في الفتوى رقم: 2053، والفتوى رقم: 30162.
وهذه العبارة المذكورة في السؤال ليست حلفاً لا بالله ولا باسم من أسمائه وبالتالي فلا تترتب عليها كفارة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 رمضان 1424(19/29)
حكم الحلف بوجه النبي
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم
ما حكم من أقسم عليك بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يعد قسما؟ وما الواجب نحوه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا حلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق بيان حكمه في الفتوى رقم: 9245.
وهذا اليمين غير منعقد على الصحيح من أقوال أهل العلم، ولا كفارة على من حنث فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1424(19/30)
الأيمان وكفاراتها
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
(لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوأسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون) .
(1) إذا كان النص يتحدث عن الحلف بالله سبحانه وتعالى، فمتى يجزيء الحلف بالله كفارة؟ مامعنى اللغو؟ وما معنى كفارة؟ وما معنى عقدتم الأيمان؟
(2) في حالة الحلف بالله كذبا، أيخير الفاعل بين إطعام المساكين وبين الصيام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقوله تعالى: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:89] . فيه نوعان من اليمين وبيان حكمهما:
النوع الأول: يمين اللغو: وهي ما لم تنعقد عليها النية، أو بعبارة أخرى: هي التي يسبق اللسان إلى لفظها بلا قصد معناها، أو يريد اليمين على شيء فيسبق لسانه إلى غيره. مثالها: قول الرجل: لا والله، وبلى والله. في عرض حديثه. ويدخل فيها أيضًا الحلف على شيء يعتقد أنه كما حلف، ثم يتبين له أن الأمر على خلافه. وهذه اليمين ليست عليها كفارة باتفاق العلماء.
والكفارة: عبارة عن الفعلة والخصلة التي تكفر الخطيئة أي تسترها وتمحوها.
النوع الثاني: اليمين المنعقدة أو المؤكدة، وهي: الحلف على أمر في المستقبل أن يفعله أو الحلف على أن لا يفعله، ويقصد بحلفه التأكيد والتوثيق عليه، وهو المراد بقوله: عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ أي نويتم عقدها بقلوبكم والعزم على الفعل أو الترك.
وهذه اليمين حكمها وجوب الكفارة عند الحنث، وقد جاءت الكفارة في الآية على التخيير والترتيب، أما التخيير: فبين خصال ثلاثة، وهي: العتق، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوة عشرة مساكين؛ يخير في هذه الأمور، فإن لم يقدر على واحدة منها فإنه يصوم ثلاثة أيام.
وهناك يمين ثالثة، وهي: اليمين الغموس، وهي: الحلف كذبًا على أمر ماضٍ، أو في الحال، نافيًّا لعدم وقوعه، أو مثبتًا له، مثل قول الحالف: والله لقد ذهبت إلى عمرو وهو يعلم أنه لم يذهب إليه. أو قوله: والله ما حضر عمرو اليوم. وهو يعلم أنه حضر، فهي يمين مكر وخديعة وكذب.
فهذه اليمين يأثم صاحبها، وإذا كانت في شهادة أمام القاضي وأدت إلى ضياع حق كان الذنب أعظم، وسميت غموسًا لأنها تغمس صاحبها في النار أو في الإثم. وهذه اليمين أعظم من أن تكون فيها كفارة، فلا ترفع الكفارة إثمها، وإنما تجب فيها التوبة النصوح.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: كنا نعد الذنب الذي لا كفارة له: اليمين الغموس. أخرجه الحاكم وغيره بسند صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1424(19/31)
ما يلزم من التوبة من اليمين الغموس
[السُّؤَالُ]
ـ[سرقت مالاً من أناس فشكَّوا فيّ ثم أتوني بمصحف وطلبوا مني أن أحلف أنني لم آخذ ذلك المال ففعلت والآن ندمت على فعلتي وأريد رأيكم عما يجب فعله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى وأن ترجع ما سرقت إلى أصحابه، ولا يشترط أن يعلموا بسرقتك له، فإن أخذ أموال الناس بغير حق يعتبر إثمًا عظيمًا وذنبًا جسيماً، ويجب على من فعل ذلك أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً، ومن شروط التوبة: رد الحقوق إلى أهلها، وعليه فلابد أن ترد ما أخذته منهم ولو بطريقة غير مباشرة، وعليك أن تبذل في سبيل ذلك كل ما أتيح لك من وسائل، فابحث عن أصحاب هذه الأموال إن كانوا أحياء، فإن ماتوا فابحث عن ورثتهم الشرعيين، فإن تعذر عليك الوصول إليهم فتصدق بتلك الأموال في وجوه الخير، وإن كنت لا تعلم مقدار ما أخذت فاعمل بغلبة الظن مع الاحتياط، فإن كنت شاكًا هل أخذت ألفاً أم أخذت ألفاً ومائة؟ فاجعلها ألفاً ومائة احتياطاً.
واعلم أن الحلف على المصحف مما يزيد اليمين تأكيدًا وتعظيمًا، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الحلف بالله كذبًا من الكبائر، وسمى هذه اليمين باليمين الغموس، وهي التي تغمس صاحبها في النار والعياذ بالله، أو تغمسه في الإثم، فسارع إلى التوبة والاستغفار، فمن تاب تاب الله عليه، وإن أخرجت مع التوبة كفارة يمين فهو أحوط.
وراجع للأهمية الفتاوى التالية أرقامها: 29925، 21014، 30557.
ولمعرفة كيف تتوب إلى الله راجع الفتاوى التالية أرقامها: 28748، 20888، 26411.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1424(19/32)
ما يجب على التائب من اليمين الغموس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة حلفت يمين زور في محكمة شرعية من أجل الحصول على نفقة من زوجي علماً بأنه كان غير مقصر في الإنفاق علي وعلى أولادي -- والآن تم الإصلاح بيننا ورجعت إلى بيتي وانتهت المشكلة، لكنني لم أزل أحمل وزر هذا اليمين -- أرجو منكم التكرم بمساعدتي وتبيان ما يجب علي فعله -- وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
لا شك أنك قد أتيت إثما عظيما بهذه اليمين الكاذبة التي سماها الشرع بالغموس، لأنها تغمس صاحبها في النار، ففي البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: الإشراك بالله. قال: ثم ماذا؟ قال: ثم عقوق الوالدين. قال: ثم ماذا؟ قال: اليمين الغموس. قلت: ما اليمين الغموس؟ قال: الذي يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب.
وعلى هذا، فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى والاستغفار، وليس عليك كفارة عند جمهور أهل العلم في هذه اليمين.
وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 7258،.
وبخصوص المال الذي أخذته من زوجك بسبب هذه اليمين، فيجب عليك إرجاعه إليه بعينه إن كان موجودا، أو قيمته إن لم يكن موجودا، إلا إذا طلبت منه العفو وقبل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1424(19/33)
لا مؤاخذة ولا كفارة في يمين اللغو
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أقسمت أنني قد وضعت شيئا في مكان ما ثم تذكرت بعدما أقسمت أنني قد وضعته في مكان آخر فهل أكون آثمة؟ وماذا علي أن أفعل لأكفر عن هذا الذنب؟ وإذا تكرر ذلك أكثر من مرة لا أذكر عددها فكيف أكفر عن ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا حلفت على شيء ظانة أو معتقدة أنه على ما حلفت عليه ثم تبين لك أنه على خلاف ما حلفت، فهذه يمين لغو ولا كفارة عليك فيها ولا إثم ولو تكررت، قال الله تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ [البقرة:225] .
قال ابن قدامة في المغني: ومن حلف على شيء يظنه كما حلف فلم يكن فلا كفارة عليه، لأن هذا من لغو اليمين، وأكثر أهل العلم على أن هذه اليمين لا كفارة فيها.... انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ربيع الأول 1424(19/34)
الفرق بين الحلف وعدم تنفيذه..وأنواع اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفرق بين الحلف وعدم تنفيذه والحلف على شيء كذب؟ وهل تجوز الكفارة على النوع الثاني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فسؤالك غير واضح ومع ذلك نقول: إن اليمين تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: يمين لغو: وهي كقول الرجل: لا والله، وبلى والله من غير أن يقصد اليمين، أو أن يحلف على شيء يظنه كما حلف، فتبين أن الأمر على خلاف ما يعتقده، فهذه اليمين لا كفارة فيها عند أكثر أهل العلم كما في المغني لابن قدامة.
الثاني: يمين منعقدة: وهي أن يحلف أن يفعل شيئاً فلم يفعله، أو لا يفعل شيئاً ففعله، فعليه الكفارة، قال ابن قدامة في المغني: لا خلاف في هذا عند فقهاء الأمصار.
الثالث: اليمين الغموس: وهي أن يحلف على شيء وهو يعلم أنه كاذب، فهذه لا كفارة فيها عند جمهور العلماء. أخرج البيهقي في السنن تحت: باب في اليمين الغموس.. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نَعُدُّ من اليمين التي لا كفارة لها: اليمين الغموس.
وذهب الشافعي إلى وجوب الكفارة فيها، والراجح قول الجمهور.
وإذا علمت هذا.. فاعلم أن الفرق بين الأمرين المذكورين هو أن الإقدام على اليمين المنعقدة جائز ابتداء ولكن قد أمر الله عز وجل بحفظها، وعدم الحنث فيها.. لكن إذا حنث الشخص فيها بغير اختياره أو رأى أن غيرها خير منها فحنَّث نفسه فإنه تجب عليه الكفارة، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، بخلاف الحلف على شيء كذباً فإنه يمين غموس حرام ابتداء لا تكفرها إلا التوبة، ولا تجب فيها الكفارة في مذهب الجمهور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1423(19/35)
هذه الصيغة تحتمل النذر أو اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[حلفت بالصيام شهراً متصلاً إذا فعلت العادة السرية مع العلم أني حلفت حتى أجبر نفسي علي أن لا أعود لفعل العادة السرية ولكن إبليس أعاذنا الله منه لم يتركني وفعلت العادة السرية فما الحكم هل أصوم؟
وجزاكم الله خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كانت الصيغة التي أراد السائل أن يمنع بها نفسه من المعاودة إلى ذلك العمل المحرم هي قوله بالله، أو نحو ذلك لأصومن شهراً إن عدت، فهذه صيغة يمين بالله تعالى منعقدة، فيلزمه برها، وهو صيام شهر إن فعل ما حلف على تركه، فإن لم يصم لزمته كفارة يمين.
أما إذا كان السائل لم يحلف بالله تعالى، وإنما ألزم نفسه صيام شهر إن عاود إلى فعل العادة السرية بقصد منعها، فهذا يعتبر من نذر اللجاج، وهو ما يقصد به الناذر منع نفسه من شيء ما، وحكمه أنه إذا وُجِدَ الشرط - وهو هنا المعاودة - يخير بين ما التزم وهو صيام شهر متتابع، وبين كفارة يمين بالله تعالى. مع أن المسألة فيها خلاف، ولكن ما ذكرناه هو الذي نراه صواباً، وهو مشهور مذهب الإمام أحمد، ثم إننا ننبه السائل إلى أن أفضل طريقة إلى منع النفس من هواها وكبحها عن ارتكاب المحرم من شهواتها هو: المراقبة لله تعالى، واستحضار كونه مطلعاً على ما يسر وما يعلن، وأن هناك حفظة موكلين به لا يغادرون صغيرة ولا كبيرة إلا سجلوها عليه، ومن أفضل طرق الوقاية من هذا العمل الزواج أو الصوم، فقد أرشد إليهما رسول الله صلى الله عليه بقوله: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وانظر الجواب رقم: 7170.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1422(19/36)
حكم من حلف بلفظ اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهو حكم من حلف بلفظ كلمة باليمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا قال الإنسان: باليمين لأفعلن كذا، أو قال: يمين لأفعلن كذا، أو قال: وأيم الله لأفعلن كذا، ونحو ذلك، فإن نوى الحلف بصفة الله عز وجل التي هي يد الله، انعقدت يمينه، لأنه أقسم بصفة من صفات الله سبحانه وتعالى، والقسم بها جائز، ووقع عند جماهير أهل العلم، والدليل هو قوله تعالى: (فبعزتك لأغوينهم أجمعين) وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي يغمس في الجنة فيقال له: هل رأيت بؤساً قط؟ فيقول: لا؛ وعزتك وجلالك" إلى غير ذلك من الأدلة.
وإذا أطلق، فقال الشافعية: لا تنعقد يميناً إلا بالنية، لأن هذه الألفاظ وأمثالها ليست صريحة في القسم، فلا تنصرف إليه إلا بالنية. قال الإمام النووي في الروضة: (إذا قال: وأيم الله، أو وأيمن الله لأفعلن كذا، فإن نوى اليمين فيمين، وإن أطلق فليس بيمين على الأصح، لأنه وإن كان مشهوراً في اللغة فلا يعرفه إلا خواص الناس) وذهب جمهور أهل العلم إلى انعقادها، لأنه اشتهر استعمالها في القسم بصفة الله لغة وشرعاً وعرفاً، فعند الإطلاق ينصرف إلى القسم بصفة الله سبحانه وتعالى فلا يحتاج إلى النية، وهذا هو الراجح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رمضان 1422(19/37)
(حاشا لله) ليست يمينا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحشى يعتبر بألف يمين مثل ما يقول المرء حشى لله عن شي معين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كلمة حاش لله أو حاشا - بألف أو بغيرها - كلمة معناها تنزيه لله عز وجل، وليست من صيغ الأيمان لأن اليمين لا تكون إلا باسم من أسماء الله تعالى، أو صفة من صفاته الذاتية أو الفعلية، وهذه الكلمة ليست في شيء من ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1422(19/38)
معنى (الحنث) وأقسام اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[مرة من فترة سألت سؤالا وكان ردكم فيه الجملة التالية (أما من حلف تحقيقاً بأن أتى بصيغة اليمين المكفرة ثم حنث فإن الكفارة تلزمه بلا خلاف) فما معنى هذه الجملة وما معنى كلمة حنث بالتحديد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله خيراً على حرصك على الاستفادة والعلم، وأما معنى التحقيق في اليمين فهو الجزم بفعل أو ترك أمر في المستقبل دون تقييده باستثناء فيه.
ومعنى الحنث: هو إخلاف اليمين بفعل خلاف مضمونها، وسمي اليمين يميناً لأنهم كانوا في الجاهلية إذا تحالفوا أخذ كل واحدٍ بيد صاحبه اليمين، وقيل: لأن الحلف يتقوى بقسمه، كما أن اليد اليمنى أقوى من اليسرى.
وأما تعريف اليمين في الاصطلاح: فهو توكيد حكم بذكر اسم الله تعالى أو صفته، وما يلحق بذلك على وجه مخصوص.
ولمزيد فائدة نذكر أقسام اليمين باختصار، فنقول أقسامها ثلاثة:
الأول: اليمين المحققة (المنعقدة) وهي: أن يحلف على أمر في المستقبل أن يفعله أو لا يفعله، فإذا حنث وجبت عليه الكفارة، والحنث هو: فعل ما حلف ألا يفعله، أو ترك ما حلف أن يفعله.
الثاني: يمين اللغو، ولا تجب في هذا النوع كفارة، وفي تفسيرها أقوال:
1/ مذهب الحنابلة، وبه قال ابن تيمية وابن القيم وابن حزم: أنها ما جمعت أمرين: ما يجري على لسان المتكلم بلا قصد، واليمين التي يحلفها يظن صدق نفسه، فتبين الأمر في الواقع على غير ما كان يظن، وسواء كان في الماضي أو الحال أو المستقبل.
2/ مذهب الشافعية: أنها اليمين التي تجري على لسان المتكلم بلا قصد، سواء في ذلك الماضي أو الحال أو المستقبل.
3/ مذهب الحنفية والمالكية: أن يمين اللغو ما يحلفه بناء على ظنه، فيتبين بخلافه، كأن يقول: والله ما كلمت زيداً بناء على ظنه، فتبين الأمر بخلافه، وسواء في ذلك الماضي أو الحال عند الحنفية، وأما المستقبل ففيه الكفارة، وعند المالكية: إذا كانت في الحال أو المستقبل ففيها الكفارة.
4/ مذهب الشعبي ومسروق: أنها اليمين على فعل المعاصي.
5/ مذهب سعيد بن جبير: أنها اليمين التي يحرم بها الإنسان على نفسه ما أحله الله له.
والراجح - والله أعلم - هو القول الأول.
القسم الثالث: اليمين الغموس: وسميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الإثم، وتعريفها عند جمهور العلماء أنها اليمين التي يحلفها على أمر ما كاذباً عالماً. وفي وجوب الكفارة في هذا النوع خلاف: فذهب جمهور العلماء إلى عدم وجوب الكفارة، وإنما عليه التوبة والاستغفار، وذهب الشافعي إلى وجوب الكفارة وهو رواية عن أحمد، وبه قال ابن حزم.
ولمزيد فائدة تراجع الفتوى رقم: 6644، والفتوى رقم: 7258.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1424(19/39)
يمين اللغو لا كفارة فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا حلف شخص على شيء، وهو يظن الأمر كما حلف، ثم تبين غير ذلك، مثلا إذا حلف أن غدا رمضان وهو يظن الأمر كذلك، ثم ظهر أن غدا ليس رمضان، أو أن يقول: شيء سوف يحدث في المستقبل ويحلف عليه هل يجب أن يدفع كفارة أم لا حيث إنه في نيته أن يحلف حلفا صحيحا ولا يقصد أن يحلف حلفا كاذبا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا حلف شخص على شيء يظنه صحيحاً، فتبين غير ذلك فالراجح من أقوال أهل العلم أنه لغو يمين لا كفارة فيه، كما قال تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) [البقرة:225] .
وروى البيهقي في السنن الكبرى وعبد الرزاق في المصنف عن عائشة رضي الله عنها قالت: أيمان اللغو ما كان في المراء والمزاحة والهزل، والحديث الذي لا يعقد عليه القلب ...
قال ابن قدامة في المغني: (مسألة: ومن حلف على شيء يظنه كما حلف، فلم يكن، فلا كفارة عليه، لأن هذا من لغو اليمين.
وأكثر أهل العلم على أن هذه اليمين لا كفارة فيها، قاله ابن المنذر ... )
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1422(19/40)
الحلف بالمصحف كالحلف بالله
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد سبق وأن أرسلت لكم مشكلتى ولكن لم يصلنى الرد عليها وهى:
فى لحظة الغضب أحلف دائماً بالله أو المصحف الشريف سامحني الله بمعنى أنني أقول والله أو والمصحف الشريف لن أفعل كذا، ولكن بعد مرور فترة من الزمن أندم على ذلك وأقول ياليتني لم أحلف على هذا الشيء.
أرجو منكم الرد السريع لأنني في حيرة من أمري فإذا كان علي الصوم فيجب أن أسرع فيه لأن الأعمار بيد الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن حلف بالله انعقدت يمينه، يستوي في ذلك من حلف وهوغضبان، ومن حلف وهو غير غضبان، ومن حلف بالمصحف كمن حلف بالله، لأن القرآن كلام الله الذي هو صفة من صفاته. قال ابن قدامة في المغني: (وكان قتادة يحلف بالمصحف، ولم يكره ذلك إمامنا، أي أحمد بن حنبل- وإسحاق، لأن الحالف بالمصحف إنما قصد الحلف بالمكتوب فيه وهو القرآن، فإنه بين دفتي المصحف بإجماع المسلمين) .
وأما حكم من حنث في يمينه وما يلزمه فينظر في ذلك الفتوى رقم. 6869
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1422(19/41)
الحلف بهذه الأشياء ما أنزل الله به من سلطان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول: وحق النبي، وحق هذا الرمضان وما شابه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحلف بحق النبي صلى الله عليه وسلم، وحق هذا الرمضان، وما شابه ذلك ليس يميناً، لأنه حلف بغير الله؛ إذ حق النبي صلى الله عليه وسلم التعظيم والتوقير والطاعة والنصرة، وحق رمضان صومه. وفي تحفة المحتاج من كتب الشافعية (فلا تنعقد بالمخلوقات، كـ (وحق النبي، وجبريل والكعبة) .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1422(19/42)
حكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الحلف بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان حالفاً فليحلف بالله، أو ليصمت".
وقال بعض الحنابلة: إن الحلف به صلى الله عليه وسلم يمين منعقدة توجب الكفارة عند الحنث.
وهذا القول ضعيف مخالف لعموم الأدلة الدالة على المنع من الحلف بغير الله تعالى، قال ابن قدامة: (ولأنه حلف بغير الله، فلم يوجب الكفارة، كسائر الأنبياء، ولأنه مخلوق، فلم تجب الكفارة بالحلف به، كإبراهيم عليه السلام، ولأنه ليس بمنصوص عليه، ولا في معنى المنصوص، ولا يصح قياس اسم غير الله على اسمه، لعدم الشبه، وانتفاء المماثلة) . انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1422(19/43)
الحلف بالقرآن يمين منعقدة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الحلف بالقرآن الكريم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحلف بالقرآن الكريم يمين منعقدة عند جمهور العلماء، لأن القرآن كلام الله، فالحلف به حلف بصفة من صفات الله عز وجل.
والمشهور عند الحنفية أنه ليس بيمين، لأنه لم يُعهد الحلف به، لكن قال ابن الهمام في فتح القدير (ثم لا يخفى أن الحلف بالقرآن الآن متعارف، فيكون يميناً كما هو قول الأئمة الثلاثة) انتهى.
والحق جواز الحلف بكل اسم من أسماء الله، أو صفة من صفاته، ولو لم يكن الحلف بها متعارفاً عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1422(19/44)
الحلف الكاذب ... حكمه ... وأحواله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي عقوبة من حلف على كذب وهل هناك كفارة عن ذلك بمعنى ما الذي يمكن للإنسان أن يفعله لكي يكفر عن اليمين الكاذبة وهل هناك حالات يمكن للإنسان أن يحلف فيها كاذباً لإنقاذ موقف معين دون أن يكون عاصياً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحلف على الكذب حرام، وهو من الكبائر بلا خلاف، لما فيه من الجرأة على الله تعالى.
ولا كفارة على متعمد الحلف على الكذب، فكل ما يجب إنما هو التوبة، ورد الحقوق إلى أهلها إن كانت هناك حقوق، وقد يخرج الحلف على الكذب عن الحرمة، إذا عرض له ما يخرجه عن ذلك، كالإكراه ونحوه لقوله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) [النحل:106] .
فإذا كان الإكراه يبيح كلمة الكفر، فإباحته للحلف على الكذب أولى.
وقد يجب الحلف على الكذب في بعض المواقف، يقول ابن قدامة: (من الأيمان ما هي واجبة، وهي التي يُنجي بها إنساناً معصوماً من هلكة، كما روي عن سويد بن حنظلة قال، خرجنا نريد النبي صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدو له فتحرج القوم أن يحلفوا فحلفت أنا أنه أخي، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "صدقت، والمسلم أخو المسلم" رواه أبو داود، فهذا ومثله واجب، لأن انجاء المعصوم واجب، وقد تعين في اليمين فيجب) .
وللمزيد في الموضوع ينظر الجواب رقم: 5220.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1422(19/45)
سر تسمية اليمين الغموس بذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا سمي اليمين الغموس بذلك هل لانغماس صاحبه غمسة في النار أم غمسة في الإثم وما كفارته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عد اليمين الغموس من كبائر الذنوب، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي فقال يا رسول الله ما الكبائر فذكر الحديث وفيه: اليمين الغموس ... أخرجه البخاري.
وذكر العلماء أنها إنما سميت غموساً لأنها تغمس صاحبها في النار أو في الإثم، عبروا مرة بالانغماس في النار، ومرة بالانغماس في الإثم، ولا منافاة ولا تعارض بين العبارتين، لأن الانغماس في الإثم سبب في الانغماس في النار، قال صاحب لسان العرب: واليمين الغموس: التي تغمس صاحبها في الإثم، ثم في النار.
وأما بالنسبة لما يترتب عليها من كفارة فمذهب الجمهور أنها لا كفارة فيها لأنها من الكبائر، وهي أعظم إثماً من أن تكفرها كفارة يمين، وقالوا: إنها يمين مكر وخديعة وكذب وغير منعقدة، فلا كفارة فيها، وإنما الواجب فيها التوبة لله تعالى، ورد ما اقتطع بها من حق للغير.
وذهب الإمام الشافعي إلى وجوب الكفارة فيها، وهو رواية عن الإمام أحمد، وبه قال ابن حزم، ولعل الجمع بين التوبة من هذه اليمين الفاجرة وبين تكفيرها أسلم، إعمالاً لأدلة كل من الفريقين، وخروجاً من خلاف من أوجبها، ولأنها داخلة في عموم اليمين.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1421(19/46)
الجمع بين التوبة والكفارة في اليمين الغموس أحوط
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هى عقوبه من يحلف بالله كذبا وكيف يمكن أن اكفر عن هذا الذنب ما الذى أفعله ليتقبل الله توبتي ويغفر ذنبي وهل هناك حالة يجوز فيها للإنسان أن يحلف بالله كذبا لينقذ موقفا معينا أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحلف على الكذب من صفات المنافقين واليهود الذين يعتاضون ويستبدلون بعهد الله تعالى، وبأيمانهم الكاذبة الفاجرة أعراض الحياة الدنيا.
الأمر الذي يحرمهم من النصيب في الآخرة، ومن لطفه تعالى ورحمته في ذلك اليوم العظيم، ويحول بينهم وبين التطهير من الذنوب والأدران.
فمن اتصف بصفاتهم، وتخلق بأخلاقهم، وسلك مسلكهم، فقد عرض نفسه لما سيحل بهم من عقابه تعالى وغضبه، وإعراضه عز وجل عنهم.
وقد أمر الله تعالى بحفظ الأيمان، وعدم المسارعة إليها، فقال: (واحفظوا أيمانكم) [المائدة: 89] .
وقال: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) [البقرة: 224] .
أي لا تجعلوه معرضا لأيمانكم فتبتذلونه بكثرة الحلف به.
كما أنه تعالى ذم المكثرين من الحلف فقال: (ولا تطع كل حلاف مهين) [القلم: 10] .
ثم إن من حلف بالله كاذبا متعمداً، فقد ذهب الجمهور إلى أنه لا كفارة عليه، إذ أنه أتى بذنب أعظم من أن تمحو أثره كفارة يمين، وإنما الواجب عليه أن يتوب لله تعالى مما ارتكبه وتجرأ عليه، وإذا كان اقتطع بها مال امرئ بغير حق، فلابد أن يتحلل منه، فإن تاب فالتوبة تَجُبُّ ما قبلها.
وذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى وجوب الكفارة عليه، لعموم قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم للأيمان) [المائدة: 89] .
ولعل الجمع بين التوبة والكفارة أسلم، إعمالاً للنصوص كلها، وخروجاً من خلاف أهل العلم، ولأن موجب التوبة والكفارة قائم، فلا يغني أحدهما عن الآخر. والله أعلم.
أما بالنسبة للحلف على الكذب فقد رخص فيه فيما إذا ترتبت عليه مصلحة شرعية من جلب نفع، أو دفع ضر، لا تتحقق بدون الكذب، بل إنه في بعض الحالات قد يجب، نظراً لأهمية الأمر المقصود منه، فإذا كان المقصود منه أمر واجباً: كحماية نفس المسلم أو ماله وجب، وإن كان المقصود منه الوصول إلى حق مباح كان مباحاً، حيث لم يمكن الوصول إليه إلا به.
مثال ذلك: ما لو اختفى بريء من ظالم يريد قتله أو أخذ ماله، وسأل الظالم عن المظلوم، أو عن ماله، ففي هذه الحالة يجب الكذب المؤدي إلى إخفاء المظلوم، وتضليل الظالم عن مكانه، أو مكان ماله … ولكن الأحوط أن يستعمل الإنسان في الحالات التي يشرع فيها الكذب ما يسمى بالتورية، وهي أن يقصد بعبارته معنى صحيحاً ليس المتكلم كاذباً بالنسبة إلى ذلك المعنى، وإن كان كاذباً بالنسبة لظاهر اللفظ ولفهم المخاطب، ولا يلجأ إلى الكذب مع إمكانها، والدليل على جواز الكذب في هذه الحال حديث أم كلثوم رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً، أو يقول خيراً" متفق عليه.
وزاد مسلم قالت أم كلثوم: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ذو الحجة 1421(19/47)
حكم من حلف يمينا كاذبة لإصلاح العلاقة مع زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم. لقد كان لي علاقات محرمة مع فتيات قبل أن أتزوج. وقد تبت وتركت كل تلك الافعال ولله الحمد. ولكن إحدى الفتيات فى إحدى المناسبات كانت هناك فتاه قد عرفتها من قبل فأخبرت زوجتى أنها كانت تراسلني وبالعكس فجن جنون زوجتي فسألتني كي تتحقق من الخبر فأنكرت كل شئ وطلبت منى أن أحلف لها فحلفت لأنه إن لم أحلف سنضطر إلى الفراق إلى الأبد. وماذا أفعل مع تلك المرأة التي تحاول زرع المشاكل بيني وبين زوجي مع العلم أنها متزوجة أحد أبناء عمي ولها منه أربعة أولاد. فما الحكم فى الحلف لزوجتى لتخمد نار المشاكل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي ينبغي عليك أن تفعله في هذا المقام أن تحسن العلاقة بينك وبين زوجتك، وتجعلها خيراً مما كانت، وأن تشعرها بمكانتها عندك، ومنزلتها في قلبك، وتظهر لها من جميل الأخلاق، وحميد الصفات فوق ما كانت تعهد منك، مما ينسيها هذا الموقف من تلك المرأة.
وعليك أن تتجاهل هذه الفتاة تجاهلاً تاماً من غير أن تخبر زوجها، أو أحداً آخر بما كان بينكما، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حيي ستير يحب الحياء والستر".
وقال ابن عباس: (إن الله حليم رحيم بالمؤمنين يحب الستر) . رواهما أبو داود.
ولأنه ربما أدى معرفتهم بما كان بينكما، وما تقوم به الآن، أو ما فعلته الآن، ربما أدى ذلك إلى قطيعة الرحم بينك وبين أبناء عمومتك، أو إلى فراقها من زوجها.
واجتهد في تذكيرها بالستر على ما ارتكبه العبد من معاص، والتحذير من الوقيعة بين المسلمين، لاسيما بين الزوجة وزوجها، ويكون ذلك بطريق غير مباشر عن طريق إهداء زوجها شريطاً، أو رسالة دعوية تحمل المعاني السابقة.
وأما كذبك على زوجتك وإنكارك لما قالته الفتاة فلا شيء فيه، وهو من الكذب المرخص فيه. قال النووي رحمه الله: (الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصد محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إذا كان تحصيل المقصود مباحاً كان الكذب مباحاً، وإن كان واجبا كان الكذب واجباً) . أ. هـ.
والمقصود هو دوام حسن العشرة بينك وبين زوجتك، وهذا أمر قصد إليه الشرع، وحث عليه. وقد روى البخاري ومسلم عن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً، أو يقول خيراً".
وفي رواية لمسلم: "لم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ذلك، تعني: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها".
وأما حلفك على ذلك لها، فكان الواجب عليك ألا تحلف، وتدفع ذلك عنك، وتقنعها بما استطعت من حجج غير الحلف، ولو اضطررت إلى ذلك اضطراراً كان لك في التعريض مندوحة عن الحلف الكاذب، وهو اليمين الغموس، وحيث وقع الحلف منك، فعليك التوبة والاستغفار، وقال الشافعي بوجوب الكفارة في اليمين الغموس، لدخوله في عموم الأيمان. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1421(19/48)
ضابط اليمين اللغو
[السُّؤَالُ]
ـ[طلبت من أحد الأصدقاء أن يعطيني تليفون والده لأبارك عليه العيد وأثناء الاتصال أكد لي بأن الرقم صحيح وحلف بكلمة والله إنه صحيح واتضح بعد ذلك بأنه هاتف زوج أختي ... السؤال
هل يعتبر هذا يميناً ويجب الكفارة عليه علما بأنه يقول إنه لغو حديث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاختلف أهل العلم في اليمين اللغو ما هي؟ فذهب الحنفية والمالكية إلى أنها: ما يحلفه بناءً على ظنه فتبين بخلافه إلا أن تكون في المستقبل عند الحنفية، أو في الحال أو المستقبل عند المالكية فليست بلغو، وتلزم الكفارة في حنثها.
وذهب الشافعية إلى أنها ما يجري على لسان المتكلم بلا قصد، كلا والله وبلى والله.
وذهب الحنابلة إلى أنها نوعان:
الأول: أن يحلف على الشيء يظنه كما حلف، فيتبين خلافه.
والثاني: ما جرى على لسان المتكلم بلا قصد.
وبهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم وابن حزم الظاهري، وهو الراجح لقوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) [البقرة: 225] واليمين المكسوبة هي: المقصودة، أما ما يجري على اللسان فليس مقصوداً، ولما أخرجه أبو داود وغيره عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " هو ـ أي يمين اللغو ـ كلام الرجل في بيته لا والله وبلى والله" وصححه الألباني مرفوعاً في إرواء الغليل.
ومثله رواه البخاري موقوفاً عن عائشة رضي الله عنها، ولكنه في حكم المرفوع، إذ نص العلماء على أن تفسير الصحابي إذا كانت به علاقة بسبب النزول كان في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والحاصل أنه إذا كان وقت حلفه يظن أن الرقم الذي أعطاك هو رقم والده، ولكن ظنه خالف الواقع فإنه لا كفارة عليه ولا إثم، لأن اليمين حينئذ لغو. فإن كان حلف كاذبا فاليمين يمين غموس، وهي أعظم عند الله من أن تكفر، فيجب على صاحبها أن يكثر من الأعمال الصاحة، وأن يتوب إلى الله توبة نصوحا. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1421(19/49)
الكفارة واجبة في اليمين المنعقدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إنسانة أحلف كثيرا حتى وصل إلى درجة الحلف الغموس أي أكذب لكني نادمة وأحاول أن لا أحلف ولكن في رصيدي من الحلف بعض الأيمان التي خرجت مني فمثلا حلفت ذات مرة أن لا أكلم أمي ليوم ولكني كلمتها وحلفت مرة أن أنتقم من شقيقتي بأن أفضحها (على المنتدى) لكني لم أفعل فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله تعالى أمر بحفظ الأيمان وعدم المسارعة فيها، فقال جل من قائل: (واحفظوا أيمانكم) [المائدة:89] وقد قسم العلماء المحلوف عليه في حال انعقاد اليمين إلى خمسة أقسام فقالوا: المحلوف عليه إما أن يكون معلوم الصدق، أو معلوم الكذب، أو مظنون الصدق أو مظنون الكذب، أو مشكوكاً فيه، ولا يشرع الحلف في واحد من هذه الأقسام ما عدا معلوم الصدق فاليمين على معلوم الصدق، هي اليمين البرة، وهي التي وقعت في كلام الله تعالى، نحو قوله: (فورب السماء والأرض إنه لحق) [الذاريات: 23] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر منها لما تضمنه من تعظيم الله تعالى. لذا فإنا ننصح الأخت السائلة أن لا تحلف إلا على أمر محقق، وأن تستمر على ندمها وتوبتها من الأيمان الكاذبة، ثم إن حلفها على أن لا تكلم أمها وأن تفضح أختها من الأيمان التي لا يجوز الإقدام عليها، ولا الوفاء بها إذا وقعت، لما في يمينها الأولى من العقوق، وفي الثانية من أذية المسلمين. وقد روى الإمام أحمد من حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم ولا تطلبوا عوراتهم" إلى آخره. وكونها لم تفعل ما حلفت عليه من عدم مكالمة أمها وفضح أختها هو المشروع، وتلزمها الكفارة عن كل من اليمينين لقوله صلى الله عليه وسلم "إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير" الحديث متفق عليه، وفي رواية للبخاري" فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك" وكفارة اليمين هي: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فمن لم يجد شيئا من ذلك فليصم ثلاثة أيام عن كل يمين حنث فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1422(19/50)
لا مؤاخذة في يمين اللغو والكفارة على من عقد اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم القسم بالله العظيم ساعة الغضب الشديد وما حكم من خالف قسمه بعد الغضب؟ أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
إذا كنت لم تقصد الحلف حال غضبك، ولكن جرى على لسانك دون أن تعقد اليمين باختيارك فلا كفارة عليك، لأنه من لغو اليمين.
... وأما إن كنت قد قصدت اليمين وعقدته ثم حنثت في يمينك فتلزمك الكفارة وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن عجزت عن واحد من الثلاثة فتصوم ثلاثة أيام والأولى أن تكون متتابعة، لقوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أوكسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون) [المائدة: 89] . والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 ربيع الأول 1422(19/51)
لا يعد الحلف بالبراءة من الإسلام يمينا ولكن إثم صاحبه عظيم
[السُّؤَالُ]
ـ[أقسمت عليّ والدتى أن تكون بريئة من دين محمد ومني إذا أحضرت أي هدايا لإنسانة هى لاتحبها ولكننى أعطيت هذه الإنسانة هدية مثل بقية إخوانها حتى لا أفرق بينهم فما حكم الإسلام فى هذا القسم أفيدونى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فمن قال والعياذ بالله تعالى: هو يهودي أو نصراني أو بريء من دين الإسلام إذا حصل كذا أو فعل كذا. فمذهب جماهير العلماء أن هذا ليس يميناً ولا يلزم قائل هذا القول كفارة يمين إذا حصل ذلك الأمر. لكن يجب عليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى توبة نصوحاً ويكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة. فإنه قد تفوه بقول يحسبه هينا وهو عند الله عظيم. وقد نص بعض أهل العلم أن هذا القول مخرج من ملة الإسلام يحكم على قائله بالردة مستدلين بما في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بملة غير الإسلام كاذبا متعمداً فهو كما قال..) . وهذا لفظ البخاري فبين لوالدتك الحكم الشرعي في هذه المسألة وأوضح لها خطورة مثل هذا القول. وحاول أن تصلح بينها وبين هذه المرأة التي كانت سبب المشكلة كل ذلك يكون بحكمة ومراعاة الأدب مع أمك وبرها ولا تغلظ لها في القول. فإن برها وطاعتها في غير معصية الله تعالى من آكد الواجبات وحق أمك عليك من أعظم الحقوق.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(19/52)
يمين اللغو لا كفارة فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا حلف شخص بالله كاذباً، لكن قسمه كان لغواً من غير قصد عقده فهل في ذلك كفارة وما يفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم أما بعد:
إذا حلف الشخص بالله كاذباً على أمر قد مضى فإن هذا يعد يميناً غموساً ولا حول ولا قوة إلا بالله، وليس فيه كفارة إنما عليه التوبة والاستغفار، وإن كان قد اقتطع به حقاً أو ضر بيمينه أحداً فعليه أن يرد الحق إلى صاحبه إن أمكن وإلا فليتحلل منه. هذا إذا كان الشخص متعمد الحلف على الكذب، أما إذا حلف غير متعمد كما يفهم من سؤالك فإن هذا داخل في عموم لغو اليمين، وهو معفو عنه قال تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) [المائدة: 89] . فلا إثم في يمين اللغو، ولا تجب فيها كفارة. والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 صفر 1420(19/53)
الكفارة في اليمين المؤكدة لا في اللغو من الأيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة وعمري سنة18 مشكلتي أني أحلف بالله كثيراً فهل علي كفارة عن هذا الحلف. وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد: ... الأخت الكريمة اعلمي وفقك الله أن هذا الأمر وهو كثرة الحلف بالله. إن كان المقصود منه هو ما يعتاده كثير من الناس ويجري على ألسنتهم من غير تعقيد لليمين ولا تأكيد لها كأن يقول الرجل مثلاً: لا والله. ونعم والله. فهذا أمر لا يعاقب الله صاحبه عليه. ولا يترتب عليه أحكام اليمين. لقول الله تعالى: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان". وإن كان المقصود من كثرة الحلف الأيمان المؤكدة فهذا تترتب عليه أحكام اليمين ألا وهي الكفارة المعروفة. فإن كانت أيمانك من النوع الأول فلا كفارة عليك وإن كانت من النوع الثاني فإن عليك الكفارة. إلا أنه ينبغي التنبيه على أن كثرة الحلف لا تليق بالمسلم لأنها دليل ضعف إيمان وعدم توقير لذي الجلال والإكرام. فالله سبحانه وتعالى عظيم كريم ينبغي أن يصان اسمه قال تعالى (ولا تجعل الله عرضة لأيمانكم) [النساء:224] . وقال تعالى: (ولا تطع كل حلاف مهين) . [القلم: 10] ، فاتقي الله وجاهدي نفسك على التخلص من هذا الفعل والله الموفق. والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1422(19/54)
كفارة اليمين الغموس التوبة النصوح ويجب رد المظالم إلى أهلها
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما كان عمري 17 عاماً حدثت مشكلة في بيتنا، وأخذت مالا يخص زوجة أبي، وقد أجبرني والدي أن أقسم على المصحف ارضاء لزوجته الثانية، وخوفا منه أقسمت بأنني لم آخذ شيئا، وأنا كاذب بالفعل، إذ حدثت الأمور بسرعة، رغم أنني كنت أنوي إعادة المبلغ، ومنذ ذلك الوقت لا يمضي يوم إلا وأشعر فيه بالندم إلا أنني كنت سأطرد من المنزل ـ يومها ـ إن لم أحلف، فما هي كفارتي؟ وهل سيغفر لي ربي؟ وهل يجوز لوالدي أن يجبرني على حلف اليمين بهذه الطريقة وأنا في هذه السن؟ علما أنه لم يعلمني حرفا واحدا من المصحف الذي جعلني أحلف عليه ـ سامحه الله.
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ارتكبت ـ أيها السائل ـ إثما عظيما بأخذك هذا المال من زوجة أبيك، لأن هذا من السرقة، والسرقة من كبائر الذنوب، كما بيناه في الفتويين رقم: 104244، 95974. فالواجب عليك أن تتوب إلى الله سبحانه مما كان منك، وأن ترد هذا المال لزوجة أبيك ـ ولو بطريق غير مباشر ـ على ما بيناه في الفتوى رقم: 126243.
وما كان منك من الحلف كذبا على عدم الأخذ هو كبيرة أخرى، لأن هذه اليمين يمين فاجرة غموس توجب غضب الله ولعنته. قال صلى الله عليه وسلم: الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس.
وقال أيضاً: من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم هو عليها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان. متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه.
وقد سبق أن بينا ما يلزم في مثل هذه اليمين في الفتوى رقم: 29925.
أما إجبار أبيك لك على الحلف فهو غير جائز، نعم يجوز له أن يطلب منك الحلف لتبريء ساحتك وتنفي عن نفسك التهمة، فإن امتنعت فلا يجوز له أن يجبرك، ولكن لصاحب الحق أن يرفع أمرك للقضاء، لأن التحليف حق للقاضي.
جاء في تكملة حاشية رد المحتار: لأن التحليف للحاكم أي هو حق الحاكم، حتى لو حلفه المدعي، ولو عند الحاكم لا يعتبر. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1430(19/55)
حكم دخول الرجل إلى منتدى نسائي والقسم كذبا على أنه امرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ: أنا أمتلك منتدى نسائيا: ولكنني أعاني من اقتحام الرجال بالتسجيل، ومن الطرق التي استحدثت لمنع الرجال من التسجيل بالمنتدى: كتابة كلمة: أقسم بالله العظيم أنني امرأة ـ ويجب التأشير بجانبها على علامة صح حتى تتابع التسجيل وإلا لن يتم التسجيل، فهل الرجال الذين يتجاوزون هذا القسم عليهم إثم؟ أم أن هذا القسم لا قيمة له؟ مع أن المسجل يعلم يقيناً أن المنتدى للنساء فقط وأنه غير مسموح له بالتسجيل، وأريد من فضيلتك بيان حكم أصحاب المنتديات النسائية الذين يسمحون بتسجيل الرجال وتعتبر كلمة للنساء فقط جذب للبنات والسيدات، إلا أن المنتدى مختلط.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنْ سجل رجلٌ في منتداكِ وأشار ـ بالنقرـ على القَسَم بالله أنه امرأة، فإنه يأثم وتكون يمينه غموسًا، وهذه اليمين من كبائر الذنوب، لأنها سبب لأن يغمس صاحبها في النار، وقد سبقت لنا فتاوى تفيد أن الإشارة للقَسَم واختيار النقر عليه يكون بمثابة العبارة بلفظ اليمين، وانظري على سبيل المثال الفتويين رقم: 8766، ورقم: 13169.
وأما من يسمح بالاختلاط في منتداه، وكان هذا الاختلاط مؤديًا لارتكاب ما حرم الله فإنه يكون آثمًا، لأن هذا المنتدى سيكون من التعاون على الإثم والعدوان.
والذي ننصحك به أن تشرفي على منتداكِ وأن تراقبيه، وإذا تأكدتِ من اشتراك أحد الرجال فقومي بإلغاء اشتراكه.
وانظري بعض ضوابط إنشاء المنتديات وما يلزم للإشراف عليها في الفتويين رقم: 65753، ورقم: 113688.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1430(19/56)
حلف ألا يفعل معصية معينة وتسول له نفسه أن يقترف أكبر منها
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ سؤالي: حلفت يمينا أن لا أفعل معصية محددة، ولكن في الوقت الحالي لم أفعل المعصية هذه وسأفعل معصية أكبر منها بكثير، فهل لي أن أرجع في يميني الأول؟.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يحبب إليك الإيمان ويزينه في قلبك، وأن يكره إليك الكفر والفسوق والعصيان، ثم اعلم أن ترك المعاصي واجب وبالتالي، فإنه لا يجوز لك الحنث في اليمين المذكور، والرجوع فيه يكون محرما، فاحذر من الوقوع في أي من المعصيتين ما استطعت، واستعن بالله ولا تعجز، واطلب منه المدد والمعونة بأن يفرغ عليك صبرا، ويعيذك من الوقوع في أي منهما، ولا شك أن كبرى المفسدتين تدفع بأدناهما، فإن ضاق الأمر وكان لا بد لك من فعل إحدى المعصيتين، فادفع الكبرى بالصغرى، وحينئذ تجب عليك كفارة يمين، والأصل فيها قوله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1430(19/57)
حلف على ابنته ألا تلبس البنطال ودعا عليها ثم ندم فما كفارته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخت حلف الوالد ـ حفظه الله ـ بأن لا تلبس البنطال، ودعا عليها بالموت وهو غاضب إن لبسته دون علمه، ولكنه الآن نادم، سؤالي: هل يجوز لبس البنطال بعد الحلف والدعاء؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوالد تجب طاعته في المعروف، والمعروف هنا ما ليس منهيا عنه شرعا، ولم يكن في فعله من طرف الولد مشقة زائدة عليه، ويعود عليه أو على الوالدين بالنفع عاجلا أو آجلا، ويتأكد الأمر إذا أقسم الوالد وكان الأمر يسبب غضبه، فإن رضي الوالد سبب لرضى الله، وغضبه سبب لغضب الله.
ففي الحديث: رضى الله في رضى الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين. رواه الحاكم، وصححه ووافقه الذهبي
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: أن إبرار المقسم من حق المسلم على أخيه وأمر بذلك، فقال البراء بن عازب: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع: بعيادة المريض وابتاع الجنائز وتشميت العاطس ورد السلام وإجابة الدعوة وإبرار المقسم ونصر المظلوم. متفق عليه.
وبناء عليه، فتجب على البنت طاعة الوالد في الترك لما حلف على تركه.
وأما إذا ندم وأراد السماح لها بما نهاها عنه، وكانت البنت ملتزمة بالضوابط الشرعية في لباس البنطال فيمكن أن يكفر عن يمينه ويسمح لها بذلك، ففي الحديث: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها، فليكفر عن يمينه. رواه مسلم.
وإنما يحنث وتلزمه الكفارة إن كان حلف أن لا تلبسه دون شرط، أما إن كان حلف على أن لا تلبسه دون علمه فقط، فإنه لا كفارة عليه إذا لبسته بعد علمه بلبسها له، وراجع الفتويين رقم: 5521، 3884.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ذو القعدة 1430(19/58)
من حلف بعدد ما في السموات والأرض هل ينعقد يمينه
[السُّؤَالُ]
ـ[لو أن شخصا أقسم سراً، ولكنه حرك لسانه وأقسم قائلاً: أقسم بعدد ما في السموات والأرض أن لا أفعل كذاـ ثم بعد مدة فعله، فهل عليه كفارة اليمين؟ وما هي؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اليمين لا تنعقد إلا باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته، ففي الحديث المتفق عليه: من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت.
ولذلك، فإن ما ذكر لا يعتبر يميناً ولا كفارة فيه، وعلى قائله أن يستغفر الله تعالى ولا يحلف بغير الله، وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى التالية أرقامها: 39699، 62337، 117031.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1430(19/59)
حكم التأويل في اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مشكلة ولا أعرف التعامل معها وهي: أنني حلفت أنا وأخي على القرآن بيمين، ولكن قبل أن نحلف اتفقنا على أنه إذا حنث أحدنا في يمينه فعليه كفارة، وأن الآخر حر في أن يكمل يمينه، وإن حنث، فعليه كفارة، ولم نشترط أنه إذا حنث أحدنا في يمينه يكون الآخر في حل من يمينه ولا شيء عليه، واليمين هو: أقسم بالله العظيم أن لا أطق عند إخوتي المتزوجين أكثر من أربع طقات ـ ومعنى كلمة طقة: العزيمة أي أن لا أفطرـ ونحن في رمضان ـ عند إخوتي المتزوجين الذين يعيشون في بيوتهم أكثر من أربع مرات، فأخي مسك المصحف بيده ثم حلف بالنص الذي ذكرته وكان يقصد بالطقة: العزيمة، يعني أن لا يفطرعند إخوتي أكثر من أربع مرات، أما أنا فعندما حلفت أردت بالطقة: القرع بالأصبع، ولم أقصد العزيمة، ولكنني حلفت بالنص أمامه، كما حلف هو، مع أنني أخفي في نفسي المقصد والنية من كلمة طقة وهو القرع بالأصبع وليس العزيمة وهو يظن أنني أقصد بها العزيمة، والآن وبعد الانتهاء من الحلف قلت له إنني لم أقصد بالطقة العزيمة، وإنما قصدت أن لا أقرع بأصبعي أكثر من أربعة مرات، وهو كان يقصد العزيمة، ملاحظه: هو كان يظن أنني أقصد بالطقة العزيمة، لكنني عندما حلفت لم أكن أقصد العزيمة، والسؤال هو: عندما سألت أخي الكبيرعن الموضوع قال لي لا يجوز أن تغير نيتك عند الحلف، وأنني عندما حلفت أمام أخي لا يجوز أن تكون نيتي غير ما يقصده أخي الآخر أي أنني ضحكت عليه فحلفت له بنية العزيمة، وعندما حلفت كانت نيتي القرع بالأصبع، وأن الحلف يكون بنية المحلوف له، فهل إذا أفطرت عند إخوتي المتزوجين أكثر من 4 مرات أكون قد حنثت في يميني؟ وعندما قلت لأخي عن نيتي بعدما حلفنا قال لي نحن لم نتفق على ذلك وقال إذا أفطرت أنت أكثر من 4 مرات عند إخوتي فأنا أعتبر نفسي في حل من اليمين الذي حلفته، لأننا حلفنا على شرط، فقلت له نحن لم نحلف يمينا مشروطة، وإنما مجرد اتفاق أن لا تفطر أنت أكثر من أربع مرات، وأن لا أفطر أنا أكثر من أربع مرات أيضا, وقلت له كما ذكرت سابقا، أليس هذا نفي لأن يكون بيننا شرط؟ إذ اليمين بيننا لم يكن مشروطا، لأننا لم نشترط إذا أخل أحدنا بالإتفاق، فإن الآخر لا شيء عليه ويخرج من يمينه، وما يؤكد ذلك قولي له إذا حنث أحد الطرفين في يمينه فلا علاقة للطرف الآخر ويكون في حل من يمينه وعليه أن يتم يمينه إن أراد، وإن حنث فعليه الكفارة ووافق على هذا الكلام، والآن وأنا نادم على حلفي أصلاً، لأنه لا يجوز الحلف على أشياء تافهة كهذه المواضيع، وأنا أعرف أنني ربطت أخي باليمين يا شيخ: فهل لو أفطرت أكثر من أربع مرات علي كفارة يمين أم لا؟ والسؤال الآخر: أنا أعرف أن اليمين تكون حسب النية والمقصد بغض النظر عن النص المقروء، ولا أدري إذا حلف اثنان هل يكون الحلف على نية الحالف أو المحلوف له؟ وهل هذا الكلام صحيح: أن علي كفارة يمين إذا حنثت؟ مع العلم أنني لا أعلم أن الحلف على نية المحلوف له.
وأعتذر للإطالة والتكرار، ولكن الموضوع مهم وأريد أن أعرف، هل أنا ملزم باليمين على قصد أخي؟ أم بما كنت أقصده أنا؟ وهل اليمين بيننا مشروطة؟ مع العلم أنني ذكرت لك جميع ما اتفقنا عليه قبل الحلف.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عدم جواز التأويل في الحلف وعدم اعتباره، شرط فيه بعض أهل العلم شروطاً منها: أن يكون الحالف ظالماً، أو منكراً حقاً للمحلوف وأن يحلفه الحاكم، وبناء عليه فيصح أن تتأول في حلفك، لأنه ليس له حق في الموضوع، بل إن الأولى بكما أن لا تحلفا على عدم الإفطار عند إخوتكم، فمن حق المسلم على المسلم أن يجيبه إذا دعاه، كما في الحديث: حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس. متفق عليه.
ولا ينبغي للمسلم أن يجعل اليمين مانعاً له من إجابة الدعوة وغيرها من أعمال البر، فقد قال الله تعالى: وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ {البقرة:224} .
وقال الرحيباني في شرح غاية المنتهى ـ وهو حنبلي: ولا ينفع تأويل في حلف ظالماً بحلفه، لحديث: يمينك على ما يصدقك به صاحبك.
وحديث: اليمين على نية المستحلف. رواهما مسلم.
فمن عنده حق وأنكره فاستحلفه الحاكم عليه فتأول، انصرفت يمينه إلى ظاهر الذي عناه المستحلف ولم ينفع الحالف تأويله، لئلا يفوت المعنى المقصود بالتحليف ويصير التأويل وسيلة إلى جحد الحقوق وأكلها بالباطل. ويباح التأويل لغيره أي غير الظالم، روى أن مهنا والمروذي كانا عند الإمام أحمد هما وجماعة معهما، فجاء رجل يطلب المروذي ولم يرد المروذي أن يكلمه، فوضع مهنا أصبعه في كفه وقال: ليس المروذي ههنا، وما يصنع المروذي ههنا. ولم ينكره أحمد. انتهى.
ومن هذا تعلم أنه لا حرج عليك في الإفطار عند إخوتك أكثر من أربع مرات ولا كفارة عليك، وأما ما تسميه بالشرط فلم يتضح لنا المراد منه، ولكن من حلف على أمر ما تنعقد يمينه ولا ينفعه إلا الاستثناء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1430(19/60)
لا يطعم مسكين مرتين في كفارة اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي كفارة يمين وهي إطعام 10 مساكين، وعندنا في البيت عمال يشتغلون في الملحق. فهل إطعامهم يعتبر جزءا من الكفارة، وعددهم يتراوح مرة 6 ومرات 7؟ وهل لو أطعمت اليوم الأول 4 واليوم الثاني 6 وقد يتكرر نفس الشخص هل هذا صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان العمال الذين عندكم في ملحق البيت فقراء، ولا تلزمكم نفقتهم، فيجوز لك إطعام سبعة منهم، وتكملين بقية العشرة من غيرهم لأنه لا بد من إكمال العدد عشرة لقول الله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ. {المائدة:89} ، ولا حرج عليك في إطعام ما تيسر إطعامه في يوم وإطعام بقية العشرة في يوم آخر، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 35169.
ولكن لا يصح أن تطعمي مسكيناً واحد مرتين، بل لا بد من عشرة أفراد. أما إذا لم يكونوا فقراء أو كانت نفقتهم عليكم فإنه لا يجزئ دفع الكفارة لهم، كما سبق أن بينا ذلك في الفتوى رقم: 107344.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1430(19/61)
حنثت في يمينك إذا لم تكن لك نية تخصص ظاهر لفظك
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهب أخي لأداء مناسك العمرة برمضان, وساعدته في حفظ أولاده, ولرفع الحرج أقسمت بالله عز وجل لزوجته أن لا تشتري لي هدية وكذلك لابنتي وقصدت بهذا اليمين أخي كذلك، لكن بعد العودة أعطاني أخي هدية لابنتي وقالت زوجته إنها هدية نجاحها في الدراسة لا غير, لأنها أتممت دراستها الجامعية وكان ينوي شراء الهدية من مكة المكرمة من قبل, ولم أستطع أن أرفض الهدية. فهل لي من كفارة يمين أم لا? شكراً.. وجزاكم الله خيراً. ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أنك قد حنثت في يمينك إذا لم تكن لك نية تخصص ظاهر لفظك وذلك فيما إذا كنت تنوين بالهدية الهدية بمناسبة القدوم من السفر فقط ويكون أخوك أهدى لابنتك بمناسبة نجاحها، ففي هذه الحالة لا كفارة عليك لأنك لم تحنثي، أما في حالة عدم نية التخصيص فيقع الحنث وعليك الكفارة وهي كما قال الله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ. {المائدة:89} .
والذي ننصحك به بعد تقوى الله تعالى هو قبول الهدية وإخراج الكفارة عن يمينك لما في ذلك من تطيب الخواطر وتأليف القلوب.. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه. رواه مسلم وغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شوال 1430(19/62)
اليمين يرجع فيها لنية صاحبها
[السُّؤَالُ]
ـ[حلف زوجي علي بقطع صداقتي لإحدى صديقاتي ثم منعني من صديقاتي كلهن وعندما شكوت لأهلي وأهله من ذلك ومن أشياء أخرى قال لا مانع أن تتزاور مع صديقاتها دون تحديد، فهل إذا تحدثت مع صديقتي هذه في المناسبات أو في العمل يقع حلفه؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 49225، أن اليمين يرجع فيها لنية صاحبها وتأسيسا على ذلك، فإن كانت نية زوجك في الحلف على هجر هذه المرأة هي التأبيد فحينئذ يعمل بنيته، فإن وصلتِ هذه المرأة في وقت من الأوقات وقع الحنث، أما إن كانت نيته في اليمين مقيدة بوصلها دون إذنه فحينئذ لا يقع الحنث إذا أذن لك.
فعليك ـ إذن ـ أن تراجعي زوجك في نيته من اليمين، وهل إذنه الأخير لك بصلة صديقاتك تدخل فيه صديقتك هذه أم لا؟.
كما ننبه إلى أن زوجك إذا كان ليمينه سبب هو الذي حمله على اليمين، فإن هذا السبب إذا زال فإن يمينه تنحل وهذا هو مايسميه بعض أهل العلم ببساط اليمين، وراجعي فيه فتوانا رقم: 35705.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1430(19/63)
وجوب الكفارة عند الحنث في اليمين المنعقدة والفرق بين اليمين والنذر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حلفت مرة من المرات أن لا أفعل فعلاً ما (أقسم بالله أن لا أفعل هذا الشيء في هذه المدة أو إلى المدة الفلانية) ولكن لم أوف بحلفي وفعلت الشيء الذي أقسمت أن لا أفعله. فماذا علي؟ وما الفرق بين ذلك وبين النذر؟ وهل يجب علي كفارة أو ما شابه ... أفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما قلت يعتبر يمينا منعقدة، والواجب عليك فيها عند الحنث هو كفارة يمين وهي: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة، فإذا لم تجد فعليك صيام ثلاثة أيام. انظر مزيدا من التفصيل والفائدة في الفتويين: 49694، 2053.
والفرق بين اليمين والنذر هو: أن اليمين تأكيد وتثبيت أمر غير واجب الوقوع عقلا أو عادة ولا ينعقد إلا باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته كقولك أقسم بالله.. انظر للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 62337 وما أحيل عليه فيها.
وأما النذر فهو التزام المسلم المكلف قربة من القرب كأن يقول لله علي كذا من الصلاة أو الصدقة ويجب الوفاء به. وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 102449.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1430(19/64)
عاهد الله على أمر ويشق عليه الالتزام به بشكل مستمر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عانيت من الوسواس في أمور شتى ومنها الغسل، ومن بين ما حاولت به إنهاء ذلك أني عاهدت الله في خلوة لي، أن لا أتجاوز طاس ونصف في الغسل، الحمد لله اليوم لم أعد بذاك الإسراف والهوس، لكن يشق علي أن ألتزم بعهدي كل مرة، لاستعمال الحنفية وأحيانا الصابون، فهل من سبيل لرفع ذلك وكيف إن كان عهداً قطعته لوالدتي في أن أغسل كل ما أغتسل بالصابون أيا كان نوع الغسل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان هذا العهد المذكور مجرد حديث نفس لم يصحبه تلفظ باللسان فلا يترتب عليه شيء لأن الله تجاوز عن هذه الأمة ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم كما ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم، وانظر لذلك الفتوى رقم: 49573.
وأما إذا كنت قد تلفظت بلفظ العهد فحكم ذلك حكم النذر وهذا من نذر اللجاج الذي لا تقصد به القربة، وإنما تقصد به منع النفس من شيء معين أو حملها عليه وحكمه حكم اليمين فيخير المكلف بين الوفاء به وبين كفارة اليمين، وانظر الفتوى رقم: 75629.
ولكن إذا كان هذا العهد قد وقع منك تحت تأثير الوسوسة فلا شيء عليك لأنك في معنى المكره، وانظر الفتوى رقم: 122589. وقد بينا حكم العهد ومتى يكون حكمه حكم النذر ومتى يكون حكمه حكم اليمين في الفتوى رقم: 29746. وأما العهد الذي عاهدته لأمك فلا يلزمك الوفاء به وإن كان ينبغي لك ذلك، وانظر لذلك الفتوى رقم: 44575.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1430(19/65)
حكم من حرم على نفسه مالا ثم أخذه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أحد قال هذه فلوس محرمة علي وبعدها تراجع وأخذها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم فيما يترتب على تحريم الحلال، فذهب بعضهم إلى أن تحريم الحلال لغو لا يترتب عليه شيء، إلا في تحريم الزوجة، وذهب بعضهم إلى أن تحريم الحلال تترتب عليه كفارة يمين، وهي: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن لم توجد فصيام ثلاثة أيام، وهذا هو الراجح إن شاء الله تعالى كما سبق بيانه بالتفصيل في الفتويين: 39376، 54951.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 شوال 1430(19/66)
من استطاع الإطعام في كفارة اليمين فلا يجوز له التكفير بالصوم
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي مع خطيبي أن شخصيتي قوية، ودائماً أحلف، وحلفي غالبا ما يسقط، وأتمنى أن أعرف كفارة الحلف الساقط؟ وأنا حلفت مرة وأنا صائمة وأحب أن أعرف حكمه لو سقط، مع العلم بأني علي شهر ونصف حلفان ساقط، وشكراً. أرجو الرد السريع لأني حلفت أني لن أعرفه مرة أخرى لو لم يفعل ما طلبته منه، وهو رفض وحلف أنه لن يسقط حلفه. ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا السؤال غير واضح ... وعلى كل حال فإننا ننبه السائلة الكريمة إلى أن كثرة الحلف مذمومة شرعاً ومكروهة طبعاً، فقد قال الله تعالى: وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ. {المائدة:89} . وقال تعالى: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ. {القلم:10} . وحتى يكون المسلم معظماً لله تعالى ومجلا لأسمائه وصفاته، فإنه لا ينبغي له الإكثار من الحلف بالله عز وجل، ولو كان آمناً من الحنث، فإن كثرة الحلف بالله تعالى تتنافى مع تعظيمه وصيانة أسمائه عن الابتذال. ولذلك ننصحك بالبعد عن الإكثار من الحلف لغير ضرورة. وبخصوص حلفك أثناء الصوم والحنث فيه فإنه لا تأثير له على الصوم.
ولتعلمي أن كفارة اليمين وهي: أولاً: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، ولا ينتقل الحانث إلى الكفارة بالصوم إلا إذا كان لا يجد الإطعام أو الكسوة أو الرقبة، كما قال الله تعالى:.. فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. {المائدة:89} .
ولذلك لا يجوز لك أن تكفري عن أيمانك بالصوم إذا كنت تجدين الإطعام، وما حلفت عليه ورفضه خطيبك فإن عليك فيه الكفارة المذكورة أيضاً، وللمزيد من الفائدة انظري الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 10595، 95841، 6869.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1430(19/67)
هل يجزئ إفطار الصائم عن كفارة اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ياشيخ: كثيرة الحلف وموسوسة ـ على حد تقديري ـ وكفارتي تصل إلى 250 دينارا ويوجد إفطار صائم بنصف دينار أي نصف المبلغ، وقد دفعت 15 دينارا عن إطعام 30 شخصا، فهل يجزئ إفطارالصائم كفارة عن اليمين أم لا؟ ولوكان يجزئ عن الكفارة، فهل يصبح الباقي من كفارتي 220 أو 235 أو أدفع الباقي؟ وهل أتجه إلى لجنة وأقول لهم هذا إطعام عشرة مساكين؟ أو أبحث أنا عنهم ـ وهذ صعب جدا ـ وماذا أفعل إذا صرفته اللجنة في أمور دينية أخرى كبناء مسجد؟ وهل إذا وجدت فقيرا محتاجا في الطريق أعطيه دينارا وأحسبه من الكفارة؟.
أرجوك أفتني ياشيخ.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإطعام في كفارة اليمين خاص بالمساكين، كما قال تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون {المائدة:89} .
فإذا كان إفطار الصائم الذي دفعت هو للفقراء والمساكين فإن ذلك يعتبر مجزئا عنك وتعدينه مما عليك من الكفارات، أما إذا كان لغيرهم من الأغنياء فإنه لا يجزئ، كما أنه لا يجزئ إذا كنت دفعتيه بغير نية الكفارة ولتحديد قدرالإطعام تراجع الفتوى رقم: 95847.
ولذلك فنحن ننصحك بالاتصال بجمعية خيرية موثوقة وتدفعين لهم كل ما تيسر لك مما عليك من الكفارات حتى تنهي ما عليك منها وتخبريهم أنها خاصة بكفارة اليمين حتى يصرفوها في وجهها الصحيح ولا يصرفوها في غير ذلك من وجوه البر الأخرى التي لا تجزئ عنها، والعاملون في الجمعية يعلمون مقدار وقيمة ما يطعم المسكين، فهذا يوفرلك الوقت ويعفيك من صعوبة البحث عن الفقراء ودفع دينار أو دينارين لمحتاج أو فقير، وبه تبرأ ذمتك ـ إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1430(19/68)
هل يستدين لدفع كفارة اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كفارة اليمين تجب في الحال؟ أم بعد توفر المال للطعام، أو الكسوة، أوعتق الرقبة؟ وهل يأخذ دينا من أجل ذلك؟ أم يصوم؟.
جزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم وسدد خطاكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في وجوب أداء الكفارة، هل هو على الفور أم على التراخي؟ كما سبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى رقم: 96808، والراجح أنها على الفور عند القدرة، كما ذهب إليه الحنابلة، قال في كشاف القناع: تجب كفارة يمين ونذر على الفور إذا حنث، لأنه الأصل في الأمر المطلق.
وقد روى مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليفعل. وفي رواية: فليكفر يمينه وليفعل الذي هو خير.
ومن ليس عنده ما يطعم به المساكين أو يكسوهم وليست عنده رقبة يعتقها لا يلزمه تحمل الدين لأداء الكفارة وإنما عليه أن ينتقل مباشرة إلى صيام ثلاثة أيام، كما قال الله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89} .
وإذا أخذ الدين وأدى به الكفارة أجزأه ذلك ولا حرج عليه ـ إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رمضان 1430(19/69)
حلفت يمينا في نهار رمضان وحنثت فما كفارتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أقسمت في نهار رمضان أني لن أذهب إلى مكان ما، وبعد ذلك ذهبت. فما حكم ذلك؟ هل صيامي بعد رمضان ثلاث أيام مكفر لحلفي أم ماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على من حنث في قسمه بالله تعالى كفارة يمين وهي المذكورة في قول الله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. {المائدة:89} .
ولذلك فإن الواجب عليك الآن بعد الحنث هو: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإذا لم تجدي شيئاً من ذلك فعليك صيام ثلاثة أيام بعد عيد الفطر، وبذلك تحصل الكفارة عن يمينك، ولا يجزئ صيام ثلاثة أيام لمن يستطيع الإطعام أو الكسوة أو العتق.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1430(19/70)
حلف يمينا ليستأثر بمال غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم الشرعية في هذه المسألة: أعطى سالم لأمجد مالا مسروقا يقدر بألف دولار حتى لا يكشف أمره عن السرقة، وبعد فترة ادعى سالم أن له مالا عند أمجد، ولكن أمجد أنكر ذلك وانتهى الأمر بأن على أمجد اليمين، فحلف اليمين بأن سالما ليس له شيء عنده، والآن وبعد مرور أكثر من سبع سنوات ندم أمجد، ولا يدري ماذا يصنع؟ ولا يدري أين صاحب المال المسروق منه؟ لأنه في بلاد غير بلاده، فما الحكم الشرعي في اليمين؟ وما هي كفارته؟ وما الحكم الشرعي في المال؟ وما هي كفارته؟.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن المال المسروق لا يحل إمساكه ولا الانتفاع به، والسبيل الصحيحة للتخلص منه بعد التوبة النصوح هي إرجاعه إلى صاحبه أو لورثته ـ ولو بالحيلة ـ إن عُرفوا، فإن عجز عن إيصاله إليهم بعد بذل الطاقة والوسع تصدق به باسم صاحبه إن كان موجوداً أو بقيمته إن لم يكن موجوداً، بحيث إن طالب أصحاب الحقوق بحقوقهم يوم القيامة، كان ثواب تلك الصدقة كافياً لقضاء حقوقهم، فإن الله حكم عدل، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 3051، 6022، 3519.
وإن كان حصل استثمار لهذا المال الحرام وحصلت منه أرباح، فالراجح - وهذا قول المالكية والشافعية - أن الربح تبع للجهد المبذول لا لرأس المال، ومن ثم يكون لمن استثمره وليس لرب المال، كما سبق بيان ذلك في الفتويين رقم: 68956، ورقم: 50478.
أما بالنسبة لليمين، فإن كان أمجد عنى أن سالماً الذي دفع إليه هذا المال المسروق لا يستحقه، وبالتالي فليس له حق في المطالبة به، فحلف أنه ليس لسالم عنده شيء، يعني هذا المعنى، فهذا مقصد صحيح، وإن كان أمجد هو الآخر لا يستحقه، وإنما هو حق للمسروق منه، وأما إن كان أمجد يعتقد أن لسالم حقاً في المطالبة بهذا المال باعتباره هو الذي دفعه إليه، ولكنه حلف ليستأثر بالمال، فهذا ـ والعياذ بالله ـ يمين غموس، وهي من أكبر الكبائر وأعظم من أن تكفرها كفارة اليمين، والواجب فيها التوبة النصوح، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 9714، 8997، 113739، 50626، 39929، 33977، 117616.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 رمضان 1430(19/71)
حلف ألا يدخل على اليوتيوب فهل يحنث بمشاهدة ما نقل منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أقسمت يمينا على أن لا أدخل إلى موقع ـ اليوتيوب ـ الشهير والخاص بمقاطع الفيديو، وذلك لسببين أنا متحقق منهما وسبب ثالث غير متأكد منه.
أما السببان المتحقق منهما فهما: 1ـ خوف الفتنة من مقاطع الفيديو الإباحية الموجودة على الموقع.
2ـ عدم مشاهدة المقاطع المفزعة والتي تبعث القلق في النفس مثل مقاطع التعذيب وغيرها.
أما السبب الثالث الذي لست متأكدا منه فهو عدم دخول هذا الموقع لعدم تضييع الوقت فأنا أشك في هذا السبب هل كنت أريده وقت اليمين مع السببين السابقين أم لا؟.
والسؤال هو: هناك مواقع كثيرة على شبكة الإنترنت خاصة بمقاطع الفيديو أيضا وعندما أدخل عليها أجد أن بها مقاطع فيديو كثيرة جدا منقولة من موقع ـ اليوتيوب ـ فهل إذا شاهدت هذه المقاطع أكون حانثا في يميني؟ لأنها منقولة من الموقع الذي حلفت عليه أم لا؟ لأنها مواقع لم أحلف عليها، وإنما حلفت على موقع
ـ اليوتيوب ـ فقط، علما بأنني لا أريد أن أشاهد على هذه المواقع إلا مقاطع الفيديو الإسلامية وليس مشاهدة المقاطع الإباحية أو مقاطع التعذيب والتي كانت سببا في قسمي على عدم دخول موقع ـ اليو تيوب ـ وإذا كنت لم أحنث في هذا اليمين، لأن السببين اللذين كانا وراء قسمي على عدم دخول موقع ـ اليوتيوب ـ غير موجودين فالآن بالنسبة للمواقع الأخرى، فهل السبب الثالث الذي أشك فيه له دخل في حنث اليمين أم لا؟.
أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحقيقة هذه اليمين أنك قد حلفت على عدم الدخول إلى هذا الموقع سدا لذريعة مشاهدة أفلام الفتنة أوأفلام تثير الرعب، وعلى هذا فلا يجوز لك الدخول إلى هذا الموقع ما دام على هذا الحال، فإذا دخلت عليه حنثت ووجبت عليك الكفارة.
ولو قدر أن انتفى وجود هذه الأفلام في هذا الموقع جاز لك الدخول فيه ولا تحنث بذلك، لأن الحالف لا يحنث إذا زال السبب المحلوف عليه، وهذا الذي يسميه الفقهاء بساط اليمين، وراجع فيه الفتوى رقم: 53941.
وأما بالنسبة للسبب الثالث والذي تشك فيه فهو غير معتبر أصلا، لأن الأصل عدم وجوده ما لم يثبت أو يغلب على الظن وجوده.
ويجوز لك الدخول في مواقع أخرى لمشاهدة شيء من مقاطع الفيديو المباحة ولا تحنث بهذا الدخول ولو كان هذا المقطع الذي شاهدته مأخوذا من موقع اليوتيوب، لأنك لم تكن قاصدا دخول هذه الصورة فيما كنت حالفا عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1430(19/72)
من قال لامرأته علي اليمين ألا أكلمك لمدة شهر فكلمها في نفس اليوم
[السُّؤَالُ]
ـ[أقسمت على زوجتي قائلا: علي اليمين، في الهاتف في لحظة غضب بأنني لن أكلمها هاتفياً لمدة شهر، حيث إنني أعيش ببلد وهي تعيش ببلد آخر، ولكنني كلمتها في نفس اليوم وتراضينا عما كان بيننا، فما حكم اليمين الذي أقسمته؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقولك: عليَّ اليمين ـ إن قصدت به لزوم يمين إذا كلمت زوجتك قبل مضي شهر وحنثت، فقد لزمتك كفارة يمين عند الجمهور، وعند الشافعية لا يلزمك شيء، وإليك بعض كلام أهل العلم في المسألة، ففي الإنصاف للمرداوي الحنبلي: قوله: وإن قال ـ عليَّ نذر, أو يمين إن فعلت كذا ـ وفعله، فقال أصحابنا، عليه كفارة يمين، وهو المذهب، وعليه أكثر الأصحاب. انتهي.
وفى شرح الخرشي لمختصر خليل المالكي: وكذلك تلزم الكفارة في هاتين الصيغتين إذا قال إن فعلت كذا فعلي يمين، أو إن فعلت كذا فعلي كفارة، فإذا فعل المحلوف على تركه لزمه كفارة يمين. انتهي.
وفي تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي الحنفي: وكذا لو قال علي يمين يجب عليه كفارة، لأن معناه علي موجب اليمين. انتهي.
وفى الغرر البهية شرح البهجة الوردية لزكريا الأنصاري الشافعي: كقوله إن فعلت كذا أو إن لم أفعله فعلي يمين فإنه ليس يمينا، لأنه لم يأت بنذر ولا بصيغة يمين وليس اليمين مما يلتزم في الذمة. انتهي.
وإن قصدت به وقوع الطلاق فلا يلزمك شيء، لأن الطلاق لا يقع إلا بلفظ صريح أو كناية ـ وهي ما يدل على الفرقة ـ مع النية، وراجع فى ذلك الفتويين رقم: 24121، ورقم: 78889.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1430(19/73)
اليمين المنعقدة لا رجوع عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من حلف يمينا وتراجع بعدها مباشرة؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن انعقدت يمينه، لم يتأت له الرجوع عنها ـ سواء أراد الرجوع بعدها مباشرة، أم بعد طول زمان؟ طالما أنها قد انعقدت.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1430(19/74)
مذاهب العلماء في كفارة اليمين إذا تكررت على شيء واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[سألنا فضيلتك عن القول الراجح في من حلف على شيء ألا يفعله عدة مرات وفى أيام مختلفة. فقلتم أن القول الراجح هو كفارة يمين واحدة طالما كان نفس الشيء، لكن شاهدنا برنامجا في التلفزيون سئُل فيه شيخ عن نفس المسألة فأفتى قائلاً طالما مجالس مختلفة يلزم عن كل مجلس كفارة مستقلة لكن لا يلزم كفارة مستقلة عن كل يمين فى المجلس الواحد. ما مدى صحة هذا الرأى بالنسبة لفتواكم وبأيهما نعمل خصوصا عند الجهل بعدد المجالس التي حدثت فيها أيمان على نفس الشيء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليعلم السائل الكريم أن مذاهب العلماء في باب الأيمان والنذور متشعبة، ولذلك فنحن نذكر منها ما تيسر واشتهر. ونرجح منها ما ظهر لنا بعد التحري والنظر في الأدلة أنه الراجح -حسب نظرناً- وبناء على ذلك قلنا: إن اليمين إذا تكررت على شيء واحد فإن فيها كفارة واحدة وهو مشهور مذهب الإمام مالك والإمام أحمد.
قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة: وليس على من وكد اليمين فكررها في شيء واحد غير كفارة واحدة.
قال النفراوي في شرح الرسالة: ومقتضى كلامه أنه لو قصد التأسيس أوْ لا قصد له تتعدد عليه الكفارة وليس كذلك، بل المعتمد أنه لا تتعدد عليه ولو قصد التأسيس والإنشاء، وأولى إن لم يقصد شيئاً. وسواء كانت الأيمان في مجلس أو في مجالس.
وقال المقدسي في شرح العمدة وهو حنبلي المذهب: وإذا حلف بالله وصفاته كلها، أو كرر اليمين على شيء واحد مثل قوله عليه السلام: والله لأغزون قريشاً والله لأغزون قريشاً.. ثم حنث فليس عليه إلا كفارة واحدة.
فإذا أخذت بهذا المذهب واقتصرت على كفارة واحدة -كما بينا ذلك في الفتويين: 37122، 119599 وما أحيل عليه فيهما فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى.
وإذا كفرت عن كل يمين بناء على المذهب الآخر ترجيحاً أو خروجاً من الخلاف. فإن ذلك أحوط وأورع.
وفي حالة الجهل بعدد المجالس فإن عليك أن تحتاط وتخرج من الكفارات ما يغلب على ظنك أنه لا يقل عن عدد الأيمان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 رمضان 1430(19/75)
حلف إلا يدخل ولده البيت إذا أجر سيارة للسفر فأجرها وتعطلت
[السُّؤَالُ]
ـ[حلفت على ابني بعدم دخول البيت إذا قام بتأجير سيارة للذهاب بها إلى مدينة أخرى، فقام بتأجيرها، وعند الانتقال بها حدث عطل فيها وذلك في الثلث الأول من الطريق وعاد وتركها، فهل علي كفارة يمين؟ ـ مع العلم أن عمري يناهز الستين عاما.
وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالظاهر أنك تحنث بدخول ابنك للبيت لأنك حلفت عليه بعدم دخول البيت إذا قام بتأجير سيارة، وقد قام بتأجيرها بالفعل، وتعطلها في أثناء الطريق لا علاقة له باليمين، لأنك لم تشترط الوصول بها إلى عين المكان، وإنما حلفت على عدم تأجير السيارة والذهاب بها إلى ذلك المكان، وقد وقع فعلا، فإذا دخل ابنك البيت فقد حنثت وعليك كفارة يمين، وهي المذكورة في قول الله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة: 89} .
وإذا لم يكن ابنك قد دخل البيت فإنك لم تحنث ما دام لم يدخله، ولكن الأفضل لك أن تتركه يدخل البيت وتكفر عن يمينك، لما في ذلك من العون له على برك وطاعته لك، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: وإذا حلفت على يمين، فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك، وائت الذي هو خير. الحديث متفق عليه.
وانظر الفتوى: 9148، وما أشرت إليه من عمرك لا تأثير له في اليمين نسأل الله تعالى أن يطيل عمرك في طاعته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رمضان 1430(19/76)
ترك الحلف بالله تعالى على كل حال تعظيما له
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإمام الشافعي قال: إنه لم يقسم طيلة حياته بالله صادقاً أو كاذباً تعظيماً لله؟ كيف ذلك؟ بينما الرسول صلى الله عليه وسلم حلف، وقال: احلفوا بالله، فهل خالف الشافعي السنة؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يحلف بالله تعالى، وصح عنه أنه قال: من كان حالفاً فليحلف بالله، لا تحلفوا بآبائكم. رواه البخاري ومسلم.
ومعنى الحديث ـ والله أعلم ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أراد أحدكم الحلف فلا يحلف بأبيه أو أمه ولا يحلف بغير الله تعالى، أما من لم يكن يريد الحلف فلا يتناوله الخطاب.
والإمام الشافعي ـ رضي الله عنه ـ لا يريد الحلف أصلاً حتى لا يعرض اسم الله تعالى للاستهانة به، وذلك امتثالاً لقول الله تعالى: وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ {البقرة:224} .
قال أهل التفسير: معناه: لا تكثروا الحلف بالله، وإن كنتم بارين مصلحين، فإن كثرة الحلف بالله تعالى ضرب من الجرأة عليه سبحانه وتعالى.
وما ذكرت عن الإمام الشافعي من عدم الحلف أورده عنه كثير من أهل العلم في مناقبه، فقد روى أبو نعيم الأصبهاني بسنده في حلية الأولياء عن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: ما حلفت بالله لا صادقاً ولا كاذباً قط.
وهذا من ورعه وفقهه وتعظيمه لله تعالى، وهو لا يعني أنه يمنع اليمين بالله تعالى أو أنه إذا احتاج إلى أن يحلف بالله تعالى لم يحلف به، ولكنه ترك الحلف بالله تعالى على كل حال تعظيماً له ولعدم حاجته إلى اليمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1430(19/77)
نية الحالف هي المرجع
[السُّؤَالُ]
ـ[أقسمت بالله العظيم أن لا أرى المناظر المحرمة في النت وذلك من أجل الله، وذات مرة راودتني وساوس أني لست عذراء مع أن ربي يعلم أني لست كذلك، ولكن هذه الوساوس أتعبتني فبحثت في النت عن موضوع غشاء البكارة لأخفف عن نفسي قليلا من هذه الوساوس، وبحثت بدافع العلم فقط ويعلم الله أنه ليس بدافع الشهوة وأستوقفني في نفس الموقع موضوع يتحدث عن عورة الرجل وفيه صور لكنها صور علمية لا تجلب الشهوهةأبدا، فدخلته بدافع العلم لأني لا أعلم عن ذلك الأمر شيئا، وبدافع الفضول والله شهيد ليس بدافع الشهوة، مع العلم أني كنت في ذلك اليوم صائمة الخميس سنة وهذا يعني أنه ليس شهوة؟ مالحكم؟ وهل علي كفارة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن يرجع في الأيمان إلى نية الحالف وقصده، فإن كانت نيتك ألا تدخلي إلى هذه المواقع مطلقا فقد حنثت بفعلك هذا في يمينك ووجبت عليك الكفارة، وإن كانت نيتك ألا تدخلي إليها دخولا مصحوبا بالشهوة فلا حنث حينئذ. وبالتالي فلا تجب الكفارة، فإن لم تكن لك نية في يمينك فإنه يرجع إلى ما حملك على اليمين وهيجك عليها فتتعلق به اليمين دون غيره، وقد بينا ذلك في الفتاوى التالية: 35891، 81068، 60448.
هذا وننبهك أيتها السائلة إلى التفطن إلى مكر الشيطان وكيده، فإنه إذا رأى منك صدق التوبة والعزم على الإقلاع عن المعاصي فسيحتال ليوقعك فيها كما وسوس إليك بأمر البكارة حتى وقعت في النظر إلى هذه الصور، فكوني على يقظة من أمر عدوك، واسألي الله سبحانه أن يكفيك شره وكيده، واستعيني على ذلك بكثرة الذكر والصلاة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شعبان 1430(19/78)
شرط جواز كون اليمين على نية الحالف
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي مريض بمرض ـ الفصام ـ وطبيعة مرضه تدور بشكوكه حولي بأنني أسرب معلومات خاصة به ـ كيفية صلاته وطهارته أو غيرها من عاداته الخاصة به إلى الخارج، بهدف الضغط عليه ـ وقد طلب مني أن أحلف على الكتاب العظيم: ألا أحدث أحدا أو أخبره بشيء مما يدور في البيت، وأنا أقوم بالتنفيس عن همومي إلى أخته، علما أنني لا أحدثهم عن عاداته الخاصة، فهل يعتبر هذا حنثا للحلف؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله عز وجل أن يشفي زوجك ويعافيه.
وإذا كان استحلاف زوجك لك لا يتعلق به حق، فالمرجع في اليمين هو نيتك لا نيته، فإذا حلفت له اليمين المذكور في السؤال إرضاء له وتسكينا لوساوسه، ونويت باليمين عدم التحدث بعاداته الخاصة دون غيرها من شئون البيت، فلا حنث عليك في اليمين، أما إذا نويت العموم وأنك لا تتحدثين بشيء من أمور البيت إلى أحد من النساء فإنك بحديثك مع أخته تحنثين في يمينك، قال خليل في مختصره: أو استحلف مطلقا في وثيقة حق.
قال الدردير في الشرح: يعني وكذلك لا تنفعه نيته إذا كان مستحلفا في وثيقة حق، لأن اليمين في ذلك على نية المحلوف له، وأفهم قوله في وثيقة حق أنها على نية الحالف في غيرها. الشرح الكبير للدردير.
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: والظالم لا تنفعه تأويله بالاتفاق، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: يمينك على ما يصدقك به صاحبك. وإذا كان الإنسان لا ظالماً ولا مظلوماً وتأول، قال شيخ الإسلام: لا يجوز، لأنه ربما يعثر على كذبه فيما بعد، ويكون ذلك قادحاً في صدقه، وما دام أنه غير محتاج فلا يعرض نفسه للقدح والذم، أما إن احتاج كشخص يسألك عن شيء محرج لا ينبغي أن يسأل عنه، لأنه ما يعنيه، وأنت لا تود أن تعلمه به، فهنا لا بأس أن تتأول، ويقال لهذا الرجل: لماذا سألت عن شيء لا يعنيك؟ لكن إذا أصرَّ وقال: احلف أنك ما تأولت، يقول: والله ما تأولت، ويعني ما تأولت في آيات الصفات، أنا أجريها على ظاهرها، أو ما تأولت في الكتاب الفلاني، أو ما أشبه ذلك. الشرح الممتع على زاد المستقنع.
لكن بالنسبة لحديثك عنه، ينظر: إن كان فيه مصلحة ترجى فلا بأس به، وإلا فإنه يكون حينئذ مضيعة للوقت ولا يفيد، بل قد يؤدي إلى زيادة ارتيابه منك ونشوء مشكلات، كما أن كثرة الكلام عنه قد توقعك في اغتيابه، فإن الغيبة كما عرفها الرسول عليه الصلاة والسلام: ذكرك أخاك بما يكره. رواه مسلم.
فكل ما يسيء إليه داخل في الغيبة المحرمة، وما ابتلي به من مرض الفصام لا يبيح لك اغتيابه والسخرية منه.
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: لو وصفت اليوم امرأة زوجها بما يكرهه وهو معروف عند السامعين كان غيبة محرمة.
وانظري الأعذار المبيحة للغيبة في الفتوى رقم: 6082.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1430(19/79)
من أقسم بالله على فعل شيء ولم يفعله
[السُّؤَالُ]
ـ[تحية طيبة لكم وجزاكم الله خيراً.
لدي سؤال من فضلكم: فلقد أقسمت بالله العظيم وكتبتها في ورقة أن أفعل شيئاً ما لمدة معينة، وفعلا التزمت بذلك لكنني لم أكمل المدة التي أقسمت بالله أن التزم بها، وبالتالي، ماذا يجب علي فعله للتكفيرعن ذنبي؟ فأرجو الإجابة من فضلكم.
جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أقسم بالله على فعل شيء يجب عليه القيام بما حلف عليه وإن لم يفعل وجبت عليه كفارة اليمين، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام، فقد قال الله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89} .
وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 65503، 10577، 38214.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1430(19/80)
لا يحنث بعد انقضاء المدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد قطع الشك في موضوع دائما أسأل فيه هو أن زوجي حلف يمين طلاق أن لا يذوق أكلي على الغداء لمدة أسبوع. ماحكم ذلك مع العلم أني لم أحضره لمدة أسبوع لكن هل عندما ينتهي الأسبوع يعتبر عادي يمكن يأكل مني لأن التهديد لمدة معينة وانتهت؟ ماحكم ذلك أفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان زوجك قد حلف بالطلاق ألا يأكل من الغذاء المذكور مدة أسبوع، فبإمكانه أن يأكل منه بعد انقضاء تلك المدة ولا حنث عليه، لأنه قصد زمنا محددا وقد انقضى فلا يحنث بعده.
قال ابن قدامة في المغني: فإن قال إن كلمتني إلى أن يقدم زيد، أو حتى يقدم زيد فأنت طالق، فكلمته قبل قدومه حنث لأنه مد المنع إلى غاية هي قدوم زيد فلا يحنث بعدها. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شعبان 1430(19/81)
حلف يمين تحريم على خطيبته لو كلمت زملاءها في العمل فيما لا يخص العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مخطوبة، لكن خطيبي غيور جداً لدرجة أنه يعمل معي مشاكل دائما على شغلى، وتشاجرنا مرة، وحلف علي بأني أكون حراما عليه عندما نتزوج لو تكلمت في أي شيء خارج الشغل. فما حكم هذا الكلام؟ أنا بعد ذلك لم أعد أفتح حوارا مع أي حد، لكن يتصادف أن أحدا يكلمني في موضوع فلا أرد عليه، لكني أيضا قلقة لأني في بعض الأحيان أضطر للرد عليهم، وأتجنب أي حوار خارج الشغل. أرجو الإفادة سريعا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألك عنه نريد أولا أن ننبهك إلى أن المخطوبة، والخطيب أجنبيان قبل العقد، ولا تجوز بينهما الخلوة ولا غيرها مما هو محرم بين الأجانب.
وفي خصوص السؤال، فالظاهر مما ذكرته أنك مخطوبة فقط ولم يتم عقد النكاح الشرعي، وقد علق خطيبك التحريم على كلامك في موضوع لا يخص العمل، فإن لم تقومي بذلك فلا يلزمه شيء، وإن تكلمت بما لا يتعلق بمجال العمل سواء كان ذلك الإجابة على سؤال أو الخوض بموضوع آخر فقد حنث، وينظر حينئذ في نيته بالتحريم فإن قصد به الوعد بالطلاق فلا شيء عليه إذا لم ينفذ وعده، وإن قصد تنجيز الطلاق بعد العقد فلا يقع أيضا عند كثير من أهل العلم القائلين بعدم وقوع الطلاق قبل النكاح، وهذا القول هو الراجح كما تقدم في الفتويين: 14974، 103069.
وإن قصد الظهار لزمه وعليه إخراج كفارة بعد الزواج وقبل الجماع.
قال ابن قدامة في المغني: وجملته أن الظهار من الأجنبية يصح، سواء قال ذلك لامرأة بعينها، أو قال: كل النساء علي كظهر أمي. وسواء أوقعه مطلقا، أو علقه على التزويج، فقال: كل امرأة أتزوجها، فهي علي كظهر أمي. ومتى تزوج التي ظاهر منها، لم يطأها حتى يكفر. يروى نحو هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وبه قال سعيد بن المسيب وعروة وعطاء والحسن ومالك وإسحاق. انتهى.
وأنواع كفارة الظهار تقدم بيانها فى الفتوى رقم: 192
وإن قصد اليمين بالله تعالى أو لم يقصد شيئا فتلزمه ـ حال حنثه ـ كفارة يمين، وأنواعها تقدمت في الفتوى رقم: 107238
مع التنبيه على أن عمل المرأة في مكان مختلط بالرجال لا يجوز إلا مع الحاجة إليه، والبُعد عن الخلوة بأجنبي أو مصافحته، والاقتصار في الكلام على قدر الحاجة من غير خضوع بالقول ريبة، مع ارتداء الحجاب الكامل. وراجعي المزيد في الفتوى رقم: 19233.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 شعبان 1430(19/82)
كيف يكفر من جهل عدد الأيمان التي حنث فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخنا الفاضل: أنا فتاة كثيرة الحلف في كثير من الأمور، كأن أقول والله إن كان الامتحان سهلا سأصلي سنة وما صليت السنة إلا بعد سنين عدة من حلفي، والآن أنا أصلي السنة وهذا مثال واحد فقط.
لكن يا شيخنا كيف أوفي حلفي كله وأنا لا أتذكره كله.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا أن المرء إذا اجتهد في معرفة عدد الأيمان التي حنث فيها، ثم لم يستطع تحديدها فإنه يجب عليه أن يكفرعن أكبرعدد يغلب على الظن أنه احتياطي في قدرها، فعليك أن تحتاطي في عدد الأيمان التي حنثت فيها، وراجعي في تفصيل ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 56146، 22725، 6869، 22807.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1430(19/83)
حكم من شك هل أقسم على عدم فعل شيء أم لا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من شك في أنه أقسم على عدم فعل شيء ما؟ علما أنه لم يقسم على عدم فعل الشيء نفسه، ولكن أقسم للآخرين ليبرهن لهم على أنه لن يفعل ذلك الشيء أبدا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من شك هل أقسم أم لم يقسم فالأصل عدم القسم ولا يلزمه شيء كما سبق بسطه في الفتوى رقم: 117031.
ولكن ينبغي أن تراجع بعض أهل العلم ليسمع منك ما حصل فقد ذكرت في السؤال الشك في القسم ثم ذكرت القسم للآخرين للبرهنة على عدم فعل ذلك الشيء أبدا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شعبان 1430(19/84)
يختلف حكم التحلل من اليمين باختلاف المحلوف عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا حلفت بالله ثم تراجعت عن الحلف، وأريد أن أصوم ثلاثة أيام، هل يصح الصوم على أيام متفاوتة أم يجب الصيام ثلاثة أيام متتالية، ولو سأدفع فلوسا فكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه نريد أولا أن ننبهك إلى حكم الرجوع عن اليمين، وأنه ينبني على حكم الأمر المحلوف عليه أو عنه.
فإن كانت اليمين على ترك محرم أو فعل واجب، فحنثك فيها محرم، وإن كانت على مكروهٍ أو مستحب فحنثك فيها مكروه، وإن كانت على شيء مباح فالحنثُ فيها مباح، وإن كانت على فعل مكروه أو ترك مستحب فالحنثُ فيها مستحب، وإن كانت على فعل حرام أو ترك واجب فحنثك فيها واجب، قال ابن قدامة في المغني:
ومتى كانت اليمين على فعل واجب أو ترك محرم كان حلها محرما؛ لأن حلها بفعل المحرم وهو محرم، وإن كانت على فعل مندوب أو ترك مكروه فحلها مكروه. وإن كانت على فعل مباح فحلها مباح، وإن كانت على فعل مكروه أو ترك مندوب فحلها مندوب إليه. فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني والله إن شاء لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها. وإن كانت اليمين على فعل محرم أو ترك واجب فحلها واجب؛ لأن حلها بفعل الواجب وفعل الواجب. انتهى بتصرف.
والحنثُ في اليمين إذا رأيت غيرها خيرا منها لا بأس به كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 96924.
فإذا حنثت في هذه اليمين، فالواجب عليك الكفارة، وهي على التخيير بين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من طعام أو كسوتهم، فإن عجزت عن هذه الثلاثة انتقلت إلى الصيام، ولا يجزئك الصيام مع قدرتك على أحدها لقوله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89}
ولا يجوزُ لك دفع القيمة في كفارة اليمين عند الجمهور، بل لا بد من فعل ما نص الله عليه من الإطعام أو الكسوة، وانظر الفتوى رقم: 102924.
وإذا كفرت بالصيام، حيثُ جاز التكفير به، فهل من شرطه التتابع أو لا، في ذلك خلاف بين أهل العلم، فذهب الشافعية والمالكية إلى عدم اشتراط التتابع، واشترطه الأحناف والحنابلة لقراءة ابن مسعود: {فصيام ثلاثة أيام متتابعات} وهي وإن كانت قراءة شاذة، فإنه يُحتجُ بها في الأحكام، وتكون بمنزلة حديث الآحاد.
ومن لم يجز الاحتجاج بالقراءة الشاذة أصلا لم ير اشتراط التتابع، ولا شك في أن كونها متتابعة أحوط، وانظر الفتوى رقم: 50926.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رجب 1430(19/85)
الحنث مع الكفارة أفضل من بر هذه اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حلفت على أختي الصغرى أن تأتي لي بغرض ولكنها أبت وقلت لها إن لم تجلبي لي ما أريد والله لن أعطيك أي شيء تطلبينه مني ولن أصوم ثلاثة أيام من أجلك ـ قلت ذلك وأنا غاضبة ـ وهي لم تطعني ومن الغد أصبحت تطيعني ونسيت أنا الأمر وأعطيتها ما تريد. هل علي إثم؟ وهل أصوم؟.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت قد حلفت بالله تعالى أو بصفة من صفاته.. فإنك قد حنثت في هذا الحلف بامتناع أختك عن الإتيان بالغرض المطلوب وإعطائك لها ما تريد، وعليك كفارة يمين، ولا دخل لطاعتها لك بعد ذلك في اليمين لانتهائه بحصول الحنث، ولا إثم عليك ولا حرج- إن شاء الله تعالى- إذا أديت الكفارة، وهي المذكورة في قول الله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89} بل إن الحنث مع الكفارة أفضل لك من بر هذه اليمين وقطع أختك.
وللمزيد من الفائدة انظري الفتويين رقم: 32580، 11096.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رجب 1430(19/86)
جواز الحلف فيما يظنه الإنسان.
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي: أنا رجل أعمل هنا وزوجتى ليست معي، وقد أقسمت على الله أن ييسر لي استقدامها عاجلا لكن ذلك لم يحصل إلى الآن. فماذا يجب علي؟
أنا انطلقت من حديث: لو أقسم على الله لأبره. وقلت في نفسي: والله لتيسرن لى استقدام زوجتى عاجلا. دون أن أفكر بأن ذلك قد ينطبق عليه ما ينطبق على اليمين العادى، ثم استدركت فى نفس الوقت وندمت على يميني. أفتونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكان ينبغي لك أن تكثر من دعاء الله تعالى بصدق وإخلاص حتى لا يكون في قسمك على الله تعالى تزكية نفس.
والحديث الذي أشرت إليه جاء في الصحيحين وغيرهما مرفوعا ولفظه: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره. في رواية لمسلم: رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره. وفي رواية لغيره: منهم البراء بن مالك. وهذا ليس لكل عباد الله وإنما هو لبعضهم كما هو واضح من قوله صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله. وهذا لعظم منزلة هذا النوع من عباد الله عند الله تعالى.
كما قال النووي: لو حلف على وقوع شيئ أوقعه الله إكراما له بإجابة سؤاله، وصيانته من الحنث في يمينه، وهذا لعظم منزلته عند الله تعالى وإن كان حقيرا عند الناس، وقيل معنى القسم هنا الدعاء، وإبراره إجابته. وفيه جواز الحلف فيما يظنه الإنسان.
والظاهر -والله أعلم- أن هذا النوع من القسم أشبه ما يكون بالقسم على الغير ليفعلن كذا وقد تقدم الكلام عليه في الفتوى رقم: 110864.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 رجب 1430(19/87)
كلمة (وربي) هي للحلف.
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر في المواقع والمنتديات والشات كلمة: وربي. للحلف فلا أدري ما حكم قول هذه الكلمة؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كلمة ربي إذا أدخل عليها الحالف واو القسم أصبحت قسما، لأن الرب هو الله تعالى وهو ربنا ورب كل شيء، والحلف ينعقد بكل أسماء الله تعالى وصفاته، وعلى ذلك فكلمة: وربي. هي للحلف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 رجب 1430(19/88)
اليمين على نية الحالف
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد أسرفت في المكالمات الهاتفية في الفترة السابقة وخاصة الدولية منها حيث إنني مغترب وأتحدث إلى زوجتي التي لم أبن بها بعد.
وأثناء حديثي معها يحدث بعض الإطالة بلا داع، حتى إنها قد تصمت ولا تنهي المكالمة فقط لأنها لا تريد أن تشعر أنني بعيد عنها، وأنا أقدر هذا، وكلمتها بهدوء أكثر من مرة بأن هذا يضيع المال هباء وقد يدخل تحت التبذير، وحدث في مرة أن أقسمت وأنا أكلمها ألا أعيد شحن رصيد الجوال مرة أخرى لحين عودتي لبلادي
وقصدت بهذا الحد من الإسراف في المكالمات، وكان في ذهني وقت القسم أن وقت عودتي هو بداية شهر جمادى الثاني حيث إنه كان الميعاد المقرر للبناء، ولكن تغير ت الأمور وتغير الميعاد، ومر التاريخ الذي كنت أحسبه. فهل مازال القسم قائما؟
بارك الله فيك يا شيخنا ونفع بكم وأعتذر عن الإطالة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في عدة فتاوى أن مبنى يمين الحالف على نيته وقصده، انظر الفتويين: 63808، 80610.
ولذلك فإذا كان قصدك هو الحد من الإسراف المذموم شرعا وهو ما يظهر من بساط اليمين -السبب الداعي إلى القسم- فإنك لا تحنث إذا أعدت تزويد رصيد الجوال بما لا يصل إلى حد الإسراف لكونك قد مددت فترة إقامتك بما لم يكن داخلا في ما حلفت عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1430(19/89)
النطق باليمين ركن من أركان انعقادها
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه من أجل خدمة هذا الدين وجعله في ميزان حسناتكم.
عندي سؤال وهو بخصوص الحلف بالله أو اليمين فإني كنت قد حلفت لكن في عقلي (دون نطق)
يعني لم يعلم أحد إلا الله وأنا.. ثم نقضت العهد ولم أتمم.. فهل على كفاره؟ ..
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا لم يحصل منك نطق باليمين فلا شيء عليك لما في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به نفسها ما لم تتكلم به أو تعمل. والنطق باليمين ركن من أركان انعقادها، ولا يشترط أن يكون ذلك بعلم أحد أو حضرته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1430(19/90)
من له حق لا يستطيع تحصيله إلا باليمين الكاذبة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن ورثة، بعضنا أخذ حقه كاملا قبل عشرين عاما، وقد سجلت إحدى الأراضي باسمي لأنه لا يمكن باسم جميع الورثة، وإنني لست ناكرا أي وريث له حق فيها، ولكن أحد الورثة اشتكى في المحكمة وطلب حلف اليمين بايعاز من الورثة الذين أخذوا حقهم من قبل، رافضا الصلح أو أي تفاهم. المشكلة إذا لم أحلف سوف يدخل جميع الورثة في القسمة حتى من أخذ حقه قبل عشرين عاما، ويضيع حق باقي الورثة، وسوف يدخل الشهود السجن وهم ليس لهم ذنب سوى مساعدتنا، وإذا حلفت سوف أحفظ حق الورثة وأجنب الشهود السجن، علما بأنني لست ناكرا حق أي وريث له فيها حق وسوف أعطيه حقه، والجميع يعلم هذا، ولكن من اشتكى لا يريد أن يفهم علما بأنني حافظت على الأرض من الغير وصرفت عليها من حسابي الخاص مدة العشرين عاما. فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يحل لأحد أن يمنع وارثا من حقه في الإرث؛ فقد قال الله تعالى بعد أن بيَّن أنصبة المواريث: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ. {النساء:14،13} .
قال السعدي: أي تلك التفاصيل التي ذكرها في المواريث حدود الله التي يجب الوقوف معها وعدم مجاوزتها، ولا القصور عنها. اهـ.
فيجب على السائل الكريم أن يبادر بإيصال الحق لباقي الورثة الذين لم يأخذوا حقوقهم إلى الآن؛ تفاديا لهذه الخصومات.
وبالنسبة للشهود المذكورين في السؤال، فالظاهر أنهم شهدوا زورا لمصلحة الورثة، فإن كان كذلك فشهادة الزور من أكبر الكبائر ويجب عليهم حينئذ أن يتوبوا إلى الله بالندم عليها، والعزم على عدم العود. وإن ترتب على هذه الشهادة ضرر بالآخرين أو أخذ حق من حقوقهم، وجب السعي في إعادة هذا الحق، مع طلب العفو من أصحابه، ويلزمه تكذيب نفسه وإعلان زوره عند من سمع شهادته الكاذبة، وقد سبق بيان المقصود بشهادة الزور وحكمها إذا كانت بقصد التوصل إلى الحق أو لمصلحة الآخرين وكيفية التوبة منها، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 61864، 56143، 20787، 34892، 1224.
وبالنسبة لليمين الكاذبة التي يريدها السائل، فهي أيضا من أكبر الكبائر، خاصة أنها في خصومة عند القاضي. فإن كان للسائل حق لا يستطيع أخذه، أو وقعت عليه مظلمة لا يستطيع دفعها، إلا باليمين الكاذبة فله أن يحلف بشرط أن يقصد بيمينه التورية لا الحقيقة، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب، ومن هذه المظالم التي يجوز رفعها بالتورية في اليمين دخول من أخذ حقه في التركة في القسمة من جديد وضياع حق باقي الورثة. وقد سبق تفصيل ذلك في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 106688، 52123، 27641، 7432.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 جمادي الثانية 1430(19/91)
عاهد ربه على ترك المحرم ودفع كفارة واستمر في فعل المحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا عاهد المرء ُ الله على ترك محرم، ثم فعل ذلك المحرم، ثم قام بدفع كفارة يمين عن ذلك العهد، فإذا استمر بعد ذلك في فعل المحرم فهل يكون عليه إثم المعصية فقط أم إثم المعصية وإخلاف العهد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان العهد بصيغة الدوام والاستمرار كأن يقول أو ينوي: كلما فعلت.. فإن عليه الإثم والكفارة كلما فعل المحرم، أما إذا لم يكن بصيغة الاستمرار فعليه إثم المعصية دون الكفارة.
وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 8533، 16646، 7375.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 جمادي الثانية 1430(19/92)
حنث في أيمان كثيرة لا يدري ما عددها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندما كنت صغيراً، كنت كثير الحلف بالله لغواً، وفي بعض الأحيان أحلف من غير ما أكون متأكدا من شيء أو عاقد الحلف على شيء معين، ثم أخالفه أو أنسى وأخالفه، ولا اعرف عدد ذلك. وعندما بلغت كنت في مرات أفعل ذلك، ولكن لا أعرف عددها. فما كفارة ذلك؟ علماً بأنني ليس لدي الإمكانية المادية للتكفير عن عدد مرات كثيرة لا أعرف عددها. وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا شيء عليك فيما صدر منك قبل البلوغ، وأما ما صدر بعد التكليف فما كان منه من غير عقد النية على اليمين لا كفارة فيه. وما عقدت فيه النية تجب فيه الكفارة إذا حصل حنث، يقول تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة: 89} وإذا كنت لا تعرف قدر الأيمان المحلوف عليها مما عقدت فيه اليمين وحصل الحنث، فيتعين الاحتياط حتى تبرئ ذمتك، فإن عجزت عن الكفارة المالية، فكفر بالصوم عملا بقول الله تعالى في الآية السابقة: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 34211، 6644، 2780، 1638.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1430(19/93)
حكم دفع كفارة اليمين إلى طالبات من أسر فقيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي أنه يلزمني دفع كفارات أيمان بما يعادل إطعام 30 مسكينا وقد علمت أنه في مدرسة معينة يوجد طالبات من أسر فقيرة
,لا يملكن حتى مصروف الغداء في المدرسة فهل يمكن أن أكفر عن أيماني بشراء وجبة طعام مكونه من (سندويتش+عصير+شبس أو بسكوت) لكل طالبة مسكينة؟؟
مع العلم أن الوجبة مشبعة وكافية....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان عليك ثلاث كفارات أيمان فلا مانع أن تطعمي ثلاثين مسكينا من الطعام المذكور إذا كان من أوسط ما يطعمه أهل بلدكم، ولكن الإطعام يكون غداء وعشاء لكل مسكين أو وجبتين منفصلتين بغض النظر عن وقتهما كما سبق بيانه في الفتوى: 99940.
ولذلك فلا مانع أن تطعمي هؤلاء الطالبات وجبتين وجبتين- حسبما ذكرنا- حتى تكملي ما عليك من الكفارات وما نظن أن السندويتش تعد وجبة ولوضم إليها ما ذكر في السؤال.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الثانية 1430(19/94)
من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب في الـ 16 من عمري، وقبل حوالي عامين كنت أشاهد مجموعة من صور الأطفال على النت،
ولكني فوجئت بوجود صور بنات غير لائقة، فأقسمت بالله ووعدت من يومها، ألا أفتح أي شيء على النت يخص البنات، وأظنني قد تسرعت، فليس كل المواقع تحتوي على صور غير لائقة، ثم إني في بعض الأحيان أحتاج إلى الدخول إلى مواقع وصفحات تخص البنات، وسؤالي كالتالي: هل هناك طريقة لرفع القسم عني، وهل أعتبر مذنبا اذا فتحت مواقع تخص البنات ولكنها لا تحوي على أشياء محرمة؟ وهل أستطيع الدخول إلى صفحات أو أسئلة دينية متعلقة بالبنات سواء كبارا أو صغارا؟
أفيدوني جزاكم الله خيراً، وأتمنى الإجابة بشيء من التفصيل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم النظر إلى النساء ما يجوز منه وما لا يجوز في الفتوى: 5776.
وبخصوص اليمين الذي حلفت فإن المسلم إذا حلف على يمين ورأى أن غيرها خير منها، فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه. ففي الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني والله- إن شاء الله- لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها.
ولذلك فإن لك أن تدخل على مواقع شبكة المعلومات الدولية المفيدة (النت) وعليك إذا أردت ذلك أن تكفر عن يمينك، وكفارة اليمين هي المذكورة في قول الله تعالى فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 جمادي الثانية 1430(19/95)
الحلف على المصحف كاذبا ذنب يستوجب التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي الفاضل: أرجو الإجابة على سؤالي لأني ليس عندي حل لهذه لمشكلة، والموضوع عبارة عن أني وشخص ثان وقع بينا اختلاف على شيء، وأصبح يذلني كثيرا لأقصى حد، وبعد ذلك أتتني فرصة لأنتقم منه، وفعلت ما أريد، لكن حلفني بالله على مصحف وحلفت كذبا، وأنا نادم على هذا الخطأ، وأحب أن أكفر عنه وأتوب لربنا، لأني أشعر أن الله غضبان علي، وأتمنى أن أتوب إلى الله، حتى الصلاة لا أستطيع أن أقرب منها، لست قادرا على الوقوف أمام ربي. أرجو الرد علي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن أذنب في حق الله تعالى أو حق خلقه، يجب عليه التوبة من ذنبه توبة نصوحا، وهي تحصل بالندم، والإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم العود لمثله، ورد الحقوق إلى أهلها.
ولا ريب أن الحلف على المصحف كاذبا ذنب يستوجب التوبة، وهي يمين منعقدة، وهل على من حلف كاذبا متعمدا كفارة؟ في ذلك خلاف عند أهل العلم، والأحوط الجمع بين التوبة والكفارة كما بيناه في الفتوى رقم: 7228.
واعلم أيها السائل أن من أمرك بترك الكذب هو من أمرك بالصلاة، فالواجب عليك هو المحافظة على الصلوات في كل وقت وحال، ولا يجوز للمسلم أن يفرط في شيء من هذه الصلاة أبدا، واعلم أن تركك للصلاة بسبب فعل بعض الذنوب إنما هو من إغواء الشيطان وكيده لك، فيجمع عليك ترك الواجب وفعل المحرم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1430(19/96)
لغو اليمين لا كفارة فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أتى لي صديقي وقلت له (أنت باين عليك زعلان والله) ، فقال لي لست زعلانا وأخبرني أنه يجب علي كفارة يمين، فالرجاء من حضراتكم توضيح الأمر. وإذا وجب علي كفارة فما هي؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن ما قلته لصديقك هو من لغو اليمين الذي لا كفارة فيه، لأنك حلفت على ما يظهر لك أو ما تظن.... وقد قال الله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ.. {المائدة:89} ، ولغو اليمين -كما عرفه أهل العلم- هو ما يجري على لسان المتكلم بلا قصد، أو اليمين التي يحلفها يظن صدق نفسه، فيتبين الأمر في الواقع على غير ما كان يظن، وللمزيد من الفائدة والتفصيل في ذلك انظر الفتوى رقم: 11096.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1430(19/97)
لا كفارة عليك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حلفت يا شيخ أن لا أدخل على المواقع الإباحية، ولا أشاهد الأفلام الإباحية، لكن عندما أردت تنزيل برنامج لمنع هذه المواقع وعلى سبيل التجربة أردت أن أدخل لبعض المواقع لتجريب هذا البرنامح وفاعليته، لكن هناك موقع دخلت عليه فلم يؤثر فيه البرنامج، في مدخله أي عندما تقر بأنك فوق الـ 18 أو شيء من هذا القبيل -أي أني دخلت عليه فعليا- فهل هذا حنثا في اليمين وتجب به كفارة؟ أفيدوني؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أن ما جرى لك من رؤية بعض المواقع عند تجربة عمل البرنامج المذكور على حجبها لم يحصل به حنث، لأنك لم تكن تريد مشاهدة الموقع وإنما تريد تجربة عمل البرنامج هل حجب هذا الموقع أم لا؟
وقد نص أهل العلم على أن نية الحالف تخصص يمينه وتقيدها، وكذلك العرف، وبساط اليمين وهو سببه الحامل عليه، والظاهر أن هذه الأمور مجتمعة في يمينك، ولذلك لا كفارة عليك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الثانية 1430(19/98)
هل يحنث من حلف ألا يتحدث عن أمر ما فسئل عنه فقال: إن يسر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[حلفت على أن لا أقول على موضوع، ثم بعد مدة سألني أحدهم على الموضوع نفسه بصيغة الإجابة بنعم أو لا. والمشكلة هو أني لو أجبت بنعم فسوف أحنث مؤكدا، وإن قلت لا سأكذب، ففكرت قليلا وقتها ثم قلت "إن يسر الله لي ذلك" فهل حنثت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السؤال غير واضح بالنسبة لنا، وما فهمناه من معطياته أن السائلة كانت تريد مثلا شراء بيت أو سيارة أو تتزوج من فلان، ثم حلفت على ألا تتحدث في هذا الموضوع، فسألها شخص: هل سوف تشترين أو تتزوجين.. وهي تريد الشراء أو الزواج فعلا.
فإذا كان الأمر كذلك، فإنها إذا قالت للشخص السائل: إن يسر الله لي ذلك جوابا له على سؤاله، فقد حنثت، لأن هذا يعتبر حديثا عن الموضوع الذي حلفت على عدم الحديث عنه، فكأنها قالت للسائل إن يسر الله لي الموضوع الذي سألت عنه فسأمضي فيه، وأنفذه وإن تعسر علي فلن أفعله.
وكان الأولى بها والأسلم لها من الحنث أن تقول للسائل إنها حلفت ألا تتحدث في هذا الموضوع.
وعلى ذلك فإن عليها كفارة يمين، وهي المذكورة في قول الله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الثانية 1430(19/99)
أقسم ألا يأخذ مالا من صديقه فأعطاه له من الغد فهل عليه كفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مشترك مع صديق لي في اشتراك للإنترنت، وفي أحد الأشهر كان يعطيني الاشتراك فحلفت عليه ألا آخذ الاشتراك هذا الشهر، وكنت أعني ذلك فاستجاب لذلك، وفي اليوم التالي أعطاني الاشتراك وقال لي لقد حلفت في اليوم أما الآن فيجب أن أخذه فأخذته، فهل علي كفارة، وإذا كان علي كفارة هل يقضي اليمين أن ألا آخذ منه الاشتراك الشهر القادم؟ ولكم مني جزيل الشكر]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت قد قصدت بيمينك هذا ألا تأخذ اشتراك هذا الشهر أبدا لا في يومك هذا ولا بعده، ثم أخذته فقد حنثت في يمينك ووجبت عليك الكفارة، وهذا هو الظاهر من حال السائل الكريم؛ حيث يقول عن نفسه: (وكنت أعني ذلك) .
وإن كنت قصدت يومك هذا خاصة ثم أخذته في اليوم التالي فلم تحنث وليس عليك كفارة.
هذا إذا كان قسمك على سبيل الالتزام لا على سبيل الإكرام لصاحبك، أما إذا كان قصدك مجرد إظهار الإكرام دون أن تنوي الالتزام بذلك ففي وجوب الكفارة حينئذ خلاف، والراجح عدم وجوبها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: لا حنث عليه إذا حلف على غيره ليفعلنه فخالفه، إذا قصد إكرامه لا إلزامه به؛ لأنه كالأمر إذا فهم منه الإكرام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر بالوقوف في الصف ولم يقف. اهـ.
ونقله عنه ابن مفلح في الفروع والمرداوي في الإنصاف والبهوتي في كشاف القناع والرحيباني في مطالب أولي النهى. وقد سبق التنبيه على ذلك في الفتويين: 114705، 44587.
ثم ننبه السائل على أنه لا ينبغي الاستهانة بشأن اليمين، فقد ذكر الخادمي في آفات اللسان كثرة الحلف ولو على الصدق وقال: لاستهانته بالله تعالى وانتهاك حرمة القسم واعتياد لسانه على ذلك، ولذا قال الشافعي: ما حلفت لا صادقا ولا كاذبا. قال الله تعالى: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً - جنة ومحلا- لِأَيْمَانِكُمْ ومعنى الآية.. لا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم فتبذلوه بكثرة الحلف لأن هذا ليس من تعظيم الله، فلا ينبغي للعاقل أن يلعب باسم ربه في محل اللعب ولا في محل ليس محلا للتعظيم. ولا تطع كل حلاف كثير الحلف في الحق والباطل مهين حقير الرأي من المهانة وهي الحقارة. اهـ من بريقة محمودية باختصار.
وقال ابن زيد في تفسير قوله تعالى: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً: معناها لا تكثروا الحلف بالله، وإن كنتم بارّين مصلحين، فان كثرة الحلف بالله ضرب من الجرأة عليه. نقله ابن الجوزي في زاد المسير.
ومع ذلك فقد كان المستحب لزميلك أن يبر قسمك، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 113691.
هذا واعلم أنك لا يكفيك بدل التكفير عن اليمين أن تمتنع عن أخذ الاشتراك من صديقك لشهر قادم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 جمادي الأولى 1430(19/100)
أحوال جواز اليمين الكاذبة
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي رجل وكان عليه دين لي، وحضر إلي أحد أقاربه بعد وفاته لسداد الدين، ولكني سامحته في الدين منذ أن علمت بوفاته، وعند حضور إخوته إلي لسداد دينه حلفت لهم أنه قام بسداده. فما حكم الحلف الذي قمت به هل يكون ذنبا علي؟ أرجو الرد بسرعة للإفادة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكر الله لك ما فعلته من إسقاط الدين عن ذلك الميت فهذا من مكارم الأخلاق.
أما بالنسبة للأيمان الكاذبة فالأصل فيها المنع إلا إذا كانت لدفع مضرة معتبرة ولم يمكن الدفع بغير ذلك. قال الدردير في أقرب المسالك وشرحه: وندب الحلف بالطلاق أو غيره ليسلم الغير من القتل بحلفه، وإن حنث هو وذلك فيما إذا قال ظالم: إن لم تطلق زوجتك، أو إن لم تحلف بالطلاق قتلت فلاناً، قال ابن رشد: إن لم يحلف لم يكن عليه حرج. أي لا إثم عليه ولا ضمان.
وقال النووي في كتاب الأذكار نقلاً عن أبي حامد الغزالي: لو كان عنده أو عند غيره وديعة وسأل عنها ظالم يريد أخذها وجب عليه الكذب بإخفائها، حتى لو أخبره بوديعة عنده فأخذها الظالم قهراً وجب ضمانها على المودع المخبر، ولو استحلفه عليها لزمه أن يحلف ويوري في يمينه، فإن حلف ولم يور حنث على الأصح، وقيل: لا يحنث.
وقال ابن قدامة في المغني عند كلامه على اليمين الواجبة: وهي التي ينجي بها إنساناً معصوماً من هلكة، كما روي عن سويد بن حنظلة قال: خرجنا نريد النبي صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر، فأخذه عدو له، فتحرج القوم أن يحلفوا، فحلفت أنا: أنه أخي، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقت. المسلم أخو المسلم. فهذا ومثله واجب، لأن إنجاء المعصوم واجب، وقد تعين في اليمين فيجب، وكذلك إنجاء نفسه، مثل: أن تتوجه عليه أيمان القسامة في دعوى القتل عليه وهو بريء.
أما بالنسبة لسؤالك فلا يظهر لنا وجه لجوئك إلى ما فعلت، حيث إنه لا ضرر عليك ولا على غيرك في أخذ دينك، وقد كان يمكنك أن تستعمل المعاريض والتورية بدلاً من الحلف كاذباً، قال عمر بن الخطاب: أما في المعاريض ما يكفي الرجل عن الكذب؟ رواه البخاري في الأدب المفرد، والبيهقي في شعب الإيمان.
فعليك التوبة والاستغفار من ذلك، وهذه اليمين لا كفارة فيها عند جمهور العلماء لأنها يمين غموس تعلقت بالماضي، وقال الشافعي: إن يمين الغموس تلزم فيها الكفارة، وهذا القول أحوط.
وراجع للمزيد في ذلك الفتويين رقم: 1126، 7228.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 جمادي الأولى 1430(19/101)
حكم قول والله مع إشباع الكسرة حتى تتولد منها ياء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحلفان بـ واللهي حلال أم حرام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحلف باسم الله تعالى وبغيره من أسمائه وصفاته مشروع، ولا يجوز الحلف بغير الله تعالى من مخلوقاته ولو كانت معظمة شرعا؛ وذلك لما جاء في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت.
ولذلك يجوز الحلف بقول الحالف: والله بتغليظ اللام وكسر الهاء لعامل الجر (واو القسم) ، ولكن لا يجوز الحلف به إذا كان بترقيق اللام وإشباع الكسرة حتى تتولد منها ياء، فإذا كان الهاء ممدودا؛ فلا يجوز الحلف به؛ لأن اللفظ تغير والمعنى كذلك؛ فلم يعد هذا اللفظ اسما من أسماء الله، ولا صفة من صفاته التي قلنا إنه لا يجوز الحلف بغيرها.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين: 6869، 39030.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 جمادي الأولى 1430(19/102)
اليمين على نية حالفها
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدنا الشيخ، أنا فتاة خطبت حديثا وتم عقد القران، وخطيبي رجل غيور جدا لدرجة أنه يمنعني من رد السلام في العمل على زملائي حيث إني أعمل ببيئة مختلطة وهو يعمل معي بنفس المكان، وعند ما تجادلنا بأمر زيارة زميلة لي في مديرية أخرى نهاني عن ذلك وحلف بأني طالق بالثلاثة إن زرتها أو عملت أمرا نبهني عليه، وبالصدفة قمت برد السلام على زميل لي، وعندما قلت له هذا، قال لي إن نيته كانت هي عدم زيارة زميلتي في ذلك المكان فقط وليس عدم رد السلام، بالرغم من أن رد السلام على زملائي أو إجابة زميل على استفسار كان من الأمور التي نبهني عليها، وقال إنه من الأمور التي لم تكن بنيته عند حلف اليمين. فما الحكم وكم طلقة تعتبر إن تم حدوث الطلاق أرجو الرد بالسرعة القصوى؟ وهل إن قمت بالذهاب إلى تلك المديرية بقصد العمل دون زيارة زميلتي ينفذ الطلاق وأن اليمين كان على ذلك المكان والزيارة لصديقتي بذلك المكان؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قرر الفقهاء – رحمهم الله - أن النية لها مدخل في الأيمان فقد تخصصها أو تعممها على حسب نية الحالف , قال ابن قدامة في المغني: ويرجع في الأيمان إلى النية وجملة ذلك أن مبنى اليمين على نية الحالف، فإذا نوى بيمينه ما يحتمله انصرفت يمينه إليه، سواء كان ما نواه موافقًا لظاهر اللفظ أو مخالفًا له، فالموافق للظاهر أن ينوي باللفظ موضوعه الأصلي قبل أن ينوي باللفظ العام العموم، وبالمطلق الإطلاق، وبسائر الألفاظ ما يتبادر إلى الأفهام منها، والمخالف يتنوع أنواعاً: أحدها أن ينوي بالعام الخاص. ومنها أن يحلف على فعل شيء أو تركه مطلقًا وينوي فعله أو تركه في وقت بعينه، ومنها أن ينوي بيمينه غير ما يفهمه السامع منه - كما ذكرنا في المعاريض - ومنها أن يريد بالخاص العام ... اهـ
وعليه؛ فما دام زوجك قد أخبرك أنه لم يكن يقصد في يمينه أمر رد السلام فإنه يصدّق في ذلك وأمره إلى من يعلم السر وأخفى.
وعلى ذلك فإن الطلاق لا يقع أصلا لعدم حصول المعلق عليه.
علما بأن وقوع الزوجة في المحلوف عليه ناسية ذلك لا يحنث زوجها، وتراجع الفتوى رقم: 99333.
وأما بخصوص المكان الذي تسكنه صديقتك فلا حرج عليك في الذهاب إليه بقصد العمل، لأن الظاهر أن قصد زوجك في يمينه منع الزيارة لا مجرد الذهاب لذلك المكان.
وفي النهاية ننبهك على أنه لا يجوز سفر المرأة دون محرم لها كما بيناه في الفتوى رقم: 120008.
ولا يجوز لها العمل خارج البيت إلا بشروط سبق بيانها في الفتويين رقم: 28006 , 24827.
وراجعي حكم العمل في الأماكن المختلطة في الفتوى رقم: 1734.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1430(19/103)
حلف ألا تزور زوجته أخته ثم تراجع فما حكمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من الله تعالى أن تكون حضرتك في أفضل صحة وأحسن حال.
حدثت مشادة في الحديث بين أمي وخالي أسفرت عن أن خالي أقسم بالله العظيم ألا تزورنا زوجته في منزلنا أبدًا مرة أخرى. ولكن بعد أن هدأت الأحوال وتصافت النفوس بين خالي وأمي، ذكر خالي أنه لم يكن يقصد هذا وأنه حلف في لحظة غضب وأنه لا يستطيع منع نفسه أو منع زوجته من زيارتنا، فهم يحبوننا ولا يحملون لنا في نفوسهم إلا كل خير. فهل إذا زارتنا زوجته فعلا سيكون على خالي كفارة الحلف أم ليس عليه شيء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من حلف على ترك معروف يتعين عليه أن يتراجع عن ذلك ويفعل المعروف، ولا يجعل القسم مانعا من عمل البر والإصلاح، ويدل لهذا قول الله تعالى: وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. {البقرة:224} .
وفي حديث مسلم: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه.
وفي هذا الحديث دليل على أن الحالف على عدم فعل البر إذا تراجع عما حلف عليه تجب عليه الكفارة.
وبهذا يعلم أنه قد أحسن الأخ في تراجعه عن منع زوجته من زيارة أخته وعليه أن يكفر كفارة يمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1430(19/104)
مسائل حول الحلف بالله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الدعاء بمثل: اللهم إني أسألك بألوهيتك وربوبيتك. أو أتوسل إليك بألوهيتك وربوبيتك. أو أستحلفك بألوهيتك وربوبيتك. أو أسالك بذاتك العظيمة. أو أتوسل إليك بذاتك العظيمة، وأستحلفك بذاتك العظيمة. أو أسألك بأسمائك وصفاتك الحسنى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسؤال الله بأسمائه وصفاته الحسنى مشروع. قال تعالى: وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا. {الأعراف:180} . وكذلك سؤال الله والتوسل إليه بألوهيته وربوبيته، كل ذلك مشروع؛ فإن الألوهية والربوبية كليهما من صفات الله سبحانه وتعالى فهو الرب وهو الإله.
وكذلك سؤال الله تعالى والتوسل إليه بذاته العظيمة، مشروع؛ فإن الذات الإلهية متصفة بجميع صفات الكمال. وعن بريدة رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول: اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب. رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني.
فقد تضمن الحديث سؤال الله بذاته المتصفة بصفات الكمال من الوحدانية والصمدية وغيرها.
أما قول السائل: أستحلفك بألوهيتك وربوبيتك، أو أستحلفك بذاتك العظيمة فليس بصواب، فالصواب أن يقول: أقسم عليك بألوهيتك وربوبيتك، أو أقسم عليك بذاتك العظيمة.
أما الاستحلاف والتحليف والإحلاف فمعناه طلب الحلف، ويبعد أن يكون هذا مقصود السائل، وإنما الغالب أن مقصوده الإقسام على الله، وهو جائز إذا لم يشتمل على محظور. يقول عليه الصلاة والسلام: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره. متفق عليه. وراجع لمزيد الفائدة فتوانا رقم: 16690.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1430(19/105)
الحلف على الكذب قبل البلوغ وبعده
[السُّؤَالُ]
ـ[حلفت بالمصحف أني لم أفعل هذا وأن ينقلب الحلف على عيني إذا كنت كاذبة، ولكن بالفعل أنا فعلت هذا الشيء، كنت صغيرة لم أدر معناه الآن أحس أني أفقد عيني ما كفارة ذلك؟ وهل إذا قمت به رد إلي بصري؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب محرم وكبيرة من كبائر الذنوب، وإذا أكد بالحلف على المصحف كان أعظم إثماً وأشد قبحاً، ولذلك فالواجب على المسلم اجتناب الكذب إذ لا يجوز اللجوء إليه إلا لضرورة أو حاجة تنزل منزلتها، وبشرط ألا يترتب عليه ضرر على آخرين، فلا يجوز لأحد أن يرفع عن نفسه ضرراً بضرر يوقع غيره فيه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار.
وإذا كان ما جرى لك من الحلف على المصحف بعد بلوغك، فإن عليك أن تبادري بالتوبة النصوح إلى الله تعالى، وتكثري من أعمال الخير، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.. وإذا أخرجت كفارة يمين عن هذه اليمين -خروجاً من الخلاف في وجوب الكفارة في يمين الغموس- فإن ذلك أحوط فقد ذهب بعض أهل العلم إلى وجوب كفارة فيها، وانظري لذلك الفتوى رقم: 50626 وما أحيل عليه فيها.
أما إذا كنت في ذلك الوقت صغيرة ولم تبلغي سن التكليف، فإن القلم مرفوع عنك ولا يلزمك شيء؛ لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: رفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المصاب حتى يكشف عنه. رواه أحمد وغيره.. وإذا استطعت أن تعملي شيئاً من أعمال البر والخير فلا شك أن ذلك أفضل، هذا ونسأل الله تعالى أن يتوب علينا جميعاً، وأن يرد عليك بصرك؛ إنه سميع مجيب.
هذا ومما يجدر التنبه له أنه إذا كان حلفك قد ترتب عليه ضرر بالغير بدنياً كان أو مالياً فإن عليك أن تستحلي من ترتب عليه الضرر أو تردي إليه قيمة ضرره، إن كان مالياً، ولو قدر أنه مات فادفعي المال إلى ورثته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1430(19/106)
حلف عدة أيمان ألا يعود لفعل ما مع زوجته ثم عاد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا كنت أمارس ما يعرف بالجنس الفموي من قبل زوجتي عندما كانت حائضا وأحيانا أخرى أيضا، ولكن عندما علمت أنه مكروه جدا حلفت عدة أيمان أن لا أعود إليه مرة أخرى، وأيضا بعد عدة أيام حلفت مرة أخرى أن لا أعود إليه، ولكن بعد عدة أشهر وبسبب طول مدة الحيض عند زوجتي رجعت لنفس هذه الممارسة الخاطئة. أرجوكم ما حكم هذه الأيمان التي حلفتها، وهل لها كفارة، وماذا لو بالمستقبل مارست هذا الشيء مع زوجتي عندما تكون حائضا مع الأخذ بعين الاعتبار أنني حلفت هذه الأيمان قبل أشهر؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما عن حكم الاستمتاع بين الزوجين بهذه الطريقة فقد سبق بيانه بالتفصيل مع ما يجوز وما لا يجوز من الاستمتاع في الفتويين التاليتين أرقامها: 2146، 19732 فراجعهما.
وأما عن الأيمان التي حلفتها فكل يمين من الأيمان الماضية التي حلفتها ثم عدت بعده إلى هذا الفعل مع زوجتك فعليك عنه كفارة يمين، وإذا كنت حلفت ألا تفعل هذا مستقبلا ثم لم تفعل إلى الآن فلا شيء عليك، وإذا فعلت مستقبلا فتكفر عن يمينك، ويبقى جواز ممارسة هذا الفعل مستقبلا أو عدم جوازه تابعا للضوابط المذكورة في الفتاوى التي سبق ذكر أرقامها في صدر الفتوى.
وكفارة اليمين هي المذكورة في قوله تعالى: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ {المائدة:89} وراجعها مفصلة في الفتوى رقم: 2053.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1430(19/107)
أقسم أن يفعل كذا إن فعل فلان كذا ونسي ما أقسم عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[قلت مرة لشخص إذا فعلت هذا الأمر-لا أتذكر الفعل- فأقسم بالله أن أفعل هذا الفعل -لا أتذكره-، سؤالي هو: لا أتذكر هل التزمت بالقسم أم لا؟
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي فهمناه من سؤالك أنك أقسمت بالله تعالى لشخص أنه إذا فعل كذا فسوف تفعل أنت كذا..
وعلى ذلك، فإذا فعل الشخص ما ذكر فيجب عليك أن تفعل ما أقسمت عليه، وإلا فإنك تعتبر حانثاً في قسمك، وتجب عليك الكفارة.
وعلى كل حال، فإن من أقسم بالله تعالى على فعل شيء ولم يفعله فقد وجبت عليه الكفارة، ولو لم يتذكر عين هذا الشيء الذي حلف على فعله، فالمهم أن يعلم أنه أقسم على فعل ما ولم يبر قسمه. والكفارة هي المذكورة في قول الله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. {المائدة:89} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 جمادي الأولى 1430(19/108)
عاهد الله على ترك أمر ثم تبين أنه مختلف فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص عاهد الله على ترك محرم، ثم تبين له بعد ذلك أنه أمر مختلف فيه بين الفقهاء فهل ينفسخ عهده؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى: 7375. أن العهد يلزم منه ما يلزم من اليمين، وعلى ذلك؛ فإذا تبين أن ما عاهد عليه الشخص أو حلف، بخلاف ما بنى عليه يمينه أو عهده، فإنه لا يلزمه الوفاء به، وانظر الفتويين: 20149، 10447.
وعليه، فإذا كان هذا الشخص يعتقد حرمة الشيء الذي بنى عليه عهده ثم تبين له أنه مباح؛ فهذا لا إشكال فيه.
أما إذا تبين أن فيه خلافا معتبرا لأهل العلم- لأن بعض الخلاف لا اعتبارله- ففي هذه الحالة ينظر لأرجح القولين وأقواهما دليلا فيلحق به؛ فإن كان القول بالحرمة أقوى دليلا فإن العهد على حاله كما هو في وجوب الوفاء به، وإن كان القول بالإباحة أرجح سقط وجوب الوفاء به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1430(19/109)
حكم من حنث في يمينه أو نذره عامدا
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعلم أن من حلف على فعل شيء مباح ثم حنث ناسيا أن عليه كفارة يمين ولا يلزمه فعل ذلك الشىء. ولكن هل العمد والنذر لهما نفس الحكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا حكم من حنث في يمينه أو نذره ناسيا، واختلاف أهل العلم في ذلك في الفتويين رقم: 2526، 35495.
ولزوم الكفارة فيهما في حالة العمد فيهما من باب أحرى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 جمادي الأولى 1430(19/110)
حكم من عاهد الله على ترك محرم ثم فعله ناسيا
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص عاهد الله على ترك محرم ثم بعد مدة ٍ فعَلُه ناسيا، ثم تذكر العهد بعد ذلك. فهل يسقط عنه العهد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عهد الله تعالى يجب الوفاء به، ونقضه تجب منه التوبة والكفارة، وسبق بيان ذلك بالأدلة وأقوال أهل العلم في الفتوى رقم: 7375.
ولا يسقط العهد على ترك محرم بفعله نسيانا. والكفارة عنه كفارة يمين؛ فالمحرم محرم أصلا وتركه واجب ولا يزيده العهد إلا توكيدا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 جمادي الأولى 1430(19/111)
حنثت في أيمان كثيرة فصامت مع قدرتها على الإطعام
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدوني في هذه المسألة: ولله الحمد تبت من شيء محرم، ولكن كنت أحلف أني ما أرجع لهذا المحرم، ومع هذا أضعف وأرجع مرة ثانية، وكنت أصوم على كل حلف، ولكن كنت على جهل في مسالة الحلف، فأصوم ولا أطعم عشرة مساكين..هل علي أن أطعم على كل حلف؟ ولكن لا أتذكر عدد المرات التي حلفت فيها. أفيدوني، وأسأل الله الثبات والغفران لي، وادعوا لي بالثبات والمغفرة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يتوب عليك، ويثبتك على طريق الحق.
ولتعلمي أن من حلف أن لا يفعل شيئا ثم فعله، فإنه يكون قد حنث وتلزمه الكفارة، فإن كفر عنها ثم عاد فحلف أن لا يفعله ثم فعله حنث، وعليه كفارة أخرى باتفاق العلماء.
كما سبق بيانه في الفتاوى التالية أرقامها: 60148، 27058، 2476، 10595، 55615.
ولذلك فالواجب عليك بعد الاستغفار والتوبة من الوقوع في المحرم والحنث في اليمين، هو الكفارةعن كل يمين، والكفارة هي المذكورة في قول الله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89} ، وهي على التخيير في الثلاثة الأولى (الإطعام، الكسوة، تحريرالرقبة) ولا يجوز الانتقال إلى الصوم لمن يجد إحدى الثلاث، ومن عجز عنها جميعا هو الذي ينتقل إلى الصوم كما تلاحظين في الآية الكريمة، ولذلك لا يجزئك الصوم إذا كنت تجدين الإطعام أو الكسوة.. وعليك أن تخرجي الكفارة إطعاما أو كسوة عن كل يمين حنثت فيها، حتى تتيقني أن ذمتك برئت.
وما فعلته من صوم فلن يضيع إن شاء الله قال تعالى: وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ {آل عمران:115} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ربيع الثاني 1430(19/112)
حد الحلف المحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحلف المحرم بحرف الغين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحلف المحرم هو ما كان بغير أسماء الله تعالى أو صفاته، فيحرم على المسلم الحلف بغير الله تعالى من المخلوقين.
ففي الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت.
وإذا لم يكن هذا قصد السائل فنرجو منه توضيح سؤاله.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ربيع الثاني 1430(19/113)
الواجب في اليمين الغموس
[السُّؤَالُ]
ـ[تشاجرت مع شخص وغضبت عليه وقمت بإحراق سيارته، فذهب واشتكاني للشرطة وكانت كل أقوالي لا، لم أعرف بيتهم، هذا كذاب. وقالت الشرطه لابد أن نحولكم للشيخ لتحلف عنده، طبعأ الوالد قال فعلت هذا فحلفت بالله لم أفعل، فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه يمين غموس لأنك حلفت على كذب متعمداً، وسميت غموساً لأنها تغمس صاحبها في الإثم والعياذ بالله، وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم اليمين الغموس من الكبائر حيث قال: الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس. أخرجه البخاري وغيره من حديث عبد الله بن عمرو.
واختلف هل تجب فيها كفارة مع التوبة أم لا، والأحوط هو الجمع بين التوبة والكفارة، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 7228.. وننبهك إلى أنك ضامن لما أتلفته من سيارة ذلك الرجل إلا أن يسامحك ويبرئك منه، وإلا فعليك ضمانه، وأداؤه عاجلاً في هذه الدنيا، أو ستؤديه آجلا يوم القيامة حيث لا درهم ولا دينار وإنما هي حسنات وسيئات، وانظر لذلك الفتوى رقم: 3944.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1430(19/114)
الاستثناء في اليمين بين الاعتبار وعدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل عدة أيام تشاجرت مع أخي شجارا كبيرا وأقسمت أن لا أفعل شيئا معينا طوال حياتي.
ثم بعد عدة ثواني من ذلك قلت: لا، أنا أقصد لعدة أشهر فقط. فما الحكم في ذلك؟
هل يلزمني الالتزام بما أقسمت عليه؟ أم هناك كفارة لهذا القسم؟ لأنه يصعب علي جدا الالتزام به- للأسف- وأنا لم أقسم على ذلك إلا لأنني كنت شديدة الغضب ولم أستطع التحكم في أعصابي، علما بأن الشيء الذي أقسمت عليه ليس واجبا علي فعله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلم أن لا يكثر من الحلف بالله سبحانه وتعالى؛ لما يوقع فيه ذلك من الحرج والحنث. ولما يشعر به من عدم تعظيمه لله تعالى، كما أن فيه نوع جرأة عليه سبحانه وتعالى، والله يقول: وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ. {البقرة:224} ويقول: واحفظوا أيمانكم.
وبخصوص القسم المذكور؛ فإنه يعتبر يمين بر لا كفارة فيه ما لم تفعلي ما أقسمت عليه‘ وإذا كان فيه إثم، أو قطيعة رحم، أو كان غيره خيرا منه؛ فإن عليك أن تتحللي منه بكفارة يمين وتفعلي ما أقسمت على تركه. وذلك لما جاء في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك. وللمزيد انظري الفتوى: 26267.
والكفارة هي المذكورة في قول الله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. {المائدة:89}
وأما قولك: ثم بعد عدة ثوان. فلا يعتبر استثناء، ولا ينحل به القسم، لأنه مجرد تغيير للنية، ولا يترتب عليه شيء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الثاني 1430(19/115)
ما يشترط لصحة تخصيص اليمين بالاستثناء
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل يومين تشاجرت مع أخي وكنت شديدة الغضب، ولم أستطع تمالك أعصابي وحلفت على أن أمتنع عن فعل شيء ما طوال حياتي، ثم بعد عدة ثواني عدت وقلت: ليس كل حياتي وإنما عدة أشهر فقط.
ما الحكم في هذه الحالة، خاصة أنه يصعب علي الالتزام به؟
فهل توجد كفارة وما هي، علما بأني لم أمتنع عن شيء واجب فعله لكن يستحب كما أعتقد، فأ رجو منكم إفادتي؟
وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجمهور على أن تخصيص اليمين بالاستثناء ونحوه، يشترط له الاتصال، أما إذا كان الحالف لا يقصد الاستثناء عند اليمين ثم بدا له بعد تمامه أن يستثني منه، فذلك لا ينفعه، وانظري لذلك الفتوى رقم: 64013.
وعلى ذلك، فما دمت قد قصدت في يمينك الامتناع عن فعل هذا الشيء طيلة حياتك، فلا ينفعك تخصيصك هذا الأمر بعد ذلك بعدة ثوان فقط، لكن إذا كان فعل هذا الشيء خيراً من تركه، فلك أن تفعليه وتكفري كفارة يمين، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأتها وليكفر عن يمينه. رواه مسلم.
والكفارة هي: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم تجدي ذلك فصيام ثلاثة أيام، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 459.
وننبه السائلة إلى أهمية التحلي بالحلم واجتناب الغضب، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال: لا تغضب، فردد مراراً، قال: لا تغضب. صحيح البخاري.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الثاني 1430(19/116)
حلف ألا يحمل صاحبه الحقيبة فحملها بعد حين
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أحمل حقيبة وبجواري صديق لي، فأراد أن يضع كشكوله في الحقيبة وأن يحملها فوضع الكشكول، وحلفت أن لا يحملها من أجل أنه كان متعبا، وبعد أن سرنا فى طريقنا بعض الوقت أخذ الحقيبة من على كتفي
وقال لي: أنا حلفت أيضا.
فهل على كفارة بسبب الحلف؟
وشكرا جزيلا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان قصدك بالحلف على صديقك بعدم حمل الحقيبة إكرامه لتعبه، أو ما أشبه ذلك دون إلزامه، وحنثت في ذلك؛ فقد اختلف أهل العلم في وجوب الكفارة.
ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية عدم الكفارة، كما أنه إذا كان الحامل لك على الحلف هو التعب الذي كان معه ولم تعطه الحقيبة إلا بعد أن استراح فإنك لا تكون حانثا لأن المسبب الصحيح لليمين قد زال.
وسبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى: 114705، وما أحيل عليه فيها.
ومع هذا فلو أخرجت كفارة من باب الاحتياط والخروج من الخلاف لكان ذلك أفضل.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1430(19/117)
حلف ألا ترجع زوجته إلى البيت، فرجعت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا قال الإنسان وهو في حالة غضب في اتصال هاتفي: والله لو انطبقت السماء على الأرض فإن زوجته لن ترجع إلى البيت، وبعد فترة عادت؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر من السؤال أن الزوج حلف على زوجته أنها لن تعود إلى بيته وقد رجعت، فيحنث في يمينه وتلزمه كفارة يمين، وهي المبينة في قوله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ {المائدة:89} .
وأما غضبه فلا يمنع انعقاد اليمين ما لم يكن وصل به إلى درجة فقد الوعي والإدراك كالجنون والإغماء. وللفائدة انظر الفتوى رقم: 23946، والفتوى رقم: 26163.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ربيع الثاني 1430(19/118)
تكرار اليمين والحلف على عدم تكفيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي حلفت أن الشغالة لا تدخل البيت وكررت اليمين بعدد غير معروف، وفي كل وقت نحاول إقناعها تكرر الحلف، وأيضا حلفت أنها لا تكفر عن أيمانها، ونظراً لحاجتنا الماسة لها اقتنعت الآن وجاءت الشغالة.
فماذا يجب على أمي في أيمانها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد صح عن نبينا- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه. رواه مسلم وغيره.
فإذا كان تكرار أمك لليمين بقصد التوكيد على اليمين الأولى فقط، فإن عليها أن تكفر كفارة واحدة عن الأيمان التي كررت.
قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة: وليس على من وكد اليمين فكررها في شيء واحد غير كفارة واحدة.
وعليها كفارة أخرى أيضا في حلفها أنها لا تكفر لأنها يمين أخرى مستقلة.
أما لو كان قصدها بتكرار اليمين الإنشاء والتأسيس ونية الكفارة عن كل يمين، فعليها حينئذ الكفارة عن كل يمين قال العلامة خليل المالكي: وَتَكَرَّرَتْ إنْ قَصَدَ تَكَرُّرَ الْحِنْثِ. قال شراحه: يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا فَفَعَلَهُ فَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَصَدَ تَكَرُّرَ الْحِنْثِ كُلَّمَا فَعَلَهُ فَيَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ الْحِنْثُ.
وفي هذه الحالة؛ فما دامت لا تعرف عدد الأيمان فإن عليها أن تحتاط وتخرج من الكفارات ما يغلب على ظنها أنه لا يقل عن عدد الأيمان فبذلك تبرأ ذمتها.
وللمزيد من الفائدة انظري الفتويين رقم: 29460، 114497،وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ربيع الثاني 1430(19/119)
حلف أن يرسل مبلغا من المال لصديقه ولم يرسله
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني، أنا أعمل في دولة خليجية ولم أتزوج بعد وبلغت سن الواحد والثلاثين، ولكني عازم على الزواج قبل شهر رمضان -إن شاء الله- ونويت أن أرسل مبلغا من المال إلى أحد أًصدقائي ليبدأ في تهيئة بيتي في أواخر فبراير الماضي، وكنت عازما على ذلك فعلاً،وجاءني أحد الزملاء في العمل يطلب مني مبلغاً من المال كسلفة فأقسمت له أني محتاج للمال في هذا الوقت، وسوف أرسل مالاً لصديقي لإتمام تجهيز منزل الزوجية، وللأسف مر عليّ آخر الشهر ولم أرسل المال لصديقي بالرغم من أني كنت ناوياً بالفعل إرسال المال.
فهل هذا حنث في اليمين الذي أقسمته لزميل العمل عندما قصدني في السلفة، وهل عليَّ كفارة يمين. أفتونا مأجورين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر من معطيات السؤال أنه لا كفارة في اليمين المذكور، لأنك أقسمت أنك محتاج للمال لإكمال بيتك، فإذا كنت محتاجا بالفعل فلا شيء عليك، وإن كنت غير محتاج للمال فهذا يمين غموس وهو من كبائر الذنوب، والواجب فيه التوبة، ولا كفارة فيه عند جمهور أهل العلم، وذهب الشافعية إلى وجوب الكفارة فيه.
أما إذا كان القسم على أنك سوف ترسل المال، وكانت تلك نيتك فعلا، وتظن أنك سوف ترسله في آخر الشهر، ولكنك لم تتمكن من إرساله، فهذا من لغو يمين المتعلق بالمستقبل، وقد اختلف فيه أهل العلم، فأكثرهم على أن فيه الكفارة، وذهب بعضهم إلى أنه لا كفارة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 70643.
وعلى ذلك، فإن كانت يمينك على الاحتمال الثاني وأنك ترسل المال ولم ترسله، فالأحوط أن تخرج كفارة يمين، وهو ما ننصح به.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1430(19/120)
حكم من عليه كفارات أيمان ونسي عددها
[السُّؤَالُ]
ـ[لي عدة أيام لصيام الكفارات حلف يمين مثلا: والله لن أزور شخصا بعد شهر أو أكثر أزوره، ومن هذه الأشياء، لن أكلم ذلك الشخص مثلا فأكلمه بعد أيام بعد هدوء ثورة الغضب عندي. المهم أحصيتها مرة فوجدتها صيام لكل يمين 40 يوما أو أكثر، وبعد شهور لم أصمها ونسيت بعضها وتذكرت قليلها فقط ثلاث أيمانات أو أقل المهم كيف العمل هل أصوم الأيام كلها دون معرفه ما أصوم من أجله لأني نسيت معظم الأيمان أفيدوني رحمكم الله إني في حيرة من أمري.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسؤال يكتنفه شيء من الغموض، ولكننا نقول: من حلف إيمانا متكررة على أشياء مختلفة فإنه يلزمه التكفير عن كل يمين حنث فيها، ومن حلف إيمانا متكررة على شيء واحد ولم يكفر فإنه تلزمه كفارة واحدة لكل الأيمان، لا كفارة عن كل يمين؛ كما بيناه في الفتوى رقم: 22807،
وكفارة اليمين ليست الصيام ابتداء، بل إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام، ومن عليه كفارات ونسي عددها فإنه يكفر بعدد الأيمان التي يتيقن أنها لزمته، أما إن شك في عددها فإنه يكفر بما يغلب على ظنه براءة ذمته به، قال ابن قدامة فيمن لزمته صلوات فوائت ولم يعلم قدرها: فإن لم يعلم قدر ما عليه فإنه يعيد حتى يتيقن براءة ذمته. قال أحمد في رواية صالح في الرجل يضيع الصلاة: يعيد حتى لا يشك أنه قد جاء بما قد ضيع. انتهى.
وكذا نقول في من لزمته أيمان ولم يعلم قدرها يكفر حتى لا يشك أنه قد كفر عن أيمانه التي لزمته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1430(19/121)
حكم توكيل الحالف غيره في فعل ما حلف ألا يفعله
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد حلفت أن لا أشترى بضاعة معينة، لكنى غيرت موقفي وأردت أن اشتري تلك البضاعة بالذات. وهروبا من الذنب وكلت شخصا ليشتري تلك البضاعة.
ما هو رأيكم في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبهكَ أولاً إلى أن الحنث في اليمين ليسَ ذنباً طالما كفر الحانثُ عن هذه اليمين، بل هذا هو ما ندب إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه.أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وأما عن مسألتك فالذي يظهرُ أن عليكَ كفارة يمين، لأن الظاهر من حالك أنك كنت تنوي عدم دخول هذه البضاعة في ملكك، وأما إن كنت نويت ألا تباشر الشراء بنفسك دون وكيلك فلا كفارة عليك.
قال الخرقي: ولو حلف أن لا يشتري فلانا، أو لا يضربه، فوكل في الشراء والضرب، حنث.
قال ابن قدامة معلقاً: وجملته أن من حلف أن لا يفعل شيئا، فوكل من فعله، حنث، إلا أن ينوي مباشرته بنفسه. ونحو هذا قول مالك، وأبي ثور. وقال الشافعي: لا يحنث، إلا أن ينوي بيمينه أن لا يستنيب في فعله، أو يكون ممن لم تجر عادته بمباشرته; لأن إطلاق إضافة الفعل يقتضي مباشرته; بدليل أنه لو وكله في البيع لم يجز للوكيل توكيل غيره. انتهى.
وعليه فالواجبُ عليكَ فيما يظهر كفارة يمين، وأنت مخير بين إطعام عشرة مساكين لكل مسكينٍ مُدٍ من طعام، أو كسوتهم، أو عتق رقبة. فإن عجزت عن جميع ذلك فالواجبُ عليكَ صيام ثلاثة أيام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الأول 1430(19/122)
الترهيب من الحلف على خلاف العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يقسم على المصحف الشريف لإظهار حقه في مسألة.
القصة:
لي أخت تقول امرأة عمها إنها أرضعتها، فتقدم ابنها للزواج بها، فقالت له: إنها أرضعتها مرة أو اثنتين من المغرب إلى الصبح.
فلم توافق أختي على هذا الزواج، لكن أباه توجه -على حد قوله- إلى أئمة للإفتاء في أمر الرضاعة، فقالوا له أنه يجوز الزواج. فتمت الخطبة ونسينا أمر الرضاعة، وبعد 10 سنوات خطبة بعد إكمال دراسته الثانوية والجامعية تزوجت أختي من ابن عمها، وبعد عام من الزواج تم إعادة مسألة الرضاعة.
فتوجه السيد إلى مفتي الديار التونسية برسالة، فأجابه: أنه في المذهب المالكي يحرم الزواج.
فقلت له توجه إلى القضاء لرفع قضية في الطلاق ولكل فرد أن يأخذ حقه.
فقال لي إنه ليس لها حق النفقة في أي شيء، ويجب أن نطلق بالتراضي، فلم نرض، وبعد محكمة طويلة أنصف القانون أختي بما أنها تم الدخول بها يجب أن تأخذ كل حقوقها المدنية والشرعية، إلا أنه ما راعنا إلا أن طلب القسم على أختي بما أنها تعرف مسألة الرضاعة قبل الزواج ليطلقها من غير فلس على حد قوله.
لكن سيدي أختي تعرف مسألة الرضاعة، ولكن لا تعرف أنه أخوها من الرضاعة،ولا تعرف هل ستتزوج به.
سيدي هل يجوز أن تحلف بأنها لا تعرف مسألة الرضاعة لإظهار حقها؟
وإذا أمكن أن تجيبوني بأسرع وقت ممكن، لأنه سيتم القسم يوم 11/03/2009.
سيدي إنها قصة طويلة وإن شاء الله تفهموني.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجمهور من العلماء على أن شهادة المرضعة وحدها على الرضاع لا تكفي في إثبات التحريم، ومن اعتبر أن شهادتها كافية في إثبات التحريم فقد اشترط أن تكون على يقين من أمر الرضاع، وأن لا تكون متهمة في شهادتها، وقد سبق ذلك في الفتوى رقم: 28816، والفتوى رقم: 50661.
وكذا فقد وقع خلاف بين العلماء في عدد الرضعات المحرمة سبق ذكره وذكر ما نرجحه في الفتوى رقم: 4496، والفتوى رقم: 64100، والفصل في القضايا الخلافية مرجعه القضاء، فما دمتم قد احتكمتم إلى القضاء الشرعي فلا مجال للفتوى الآن.
أما بخصوص الحلف فما دامت أختك كانت على علم بأمر الرضاعة قبل الزواج فلا يجوز لها أن تقسم على المصحف أنها لم تكن تعلم، فإن فعلت فيمينها يمين غموس وهي من كبائر الذنوب، ففي البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس.
واليمين الفاجرة يعجل لصاحبها العقوبة الشنيعة في الدنيا قبل الآخرة، ففي الحديث الذي رواه البيهقي وصححه الألباني: ليس شيء أطيع الله تعالى فيه أعجل ثوابا من صلة الرحم، وليس شيء أعجل عقابا من البغي وقطيعة الرحم، واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع.
جاء في شرح السنة للإمام البغوي معناه: أن الله سبحانه وتعالى يفرق شمل الحالف، ويغير عليه ما أولاه من نعمه، وقيل: يفتقر ويذهب ما في بيته من المال. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الأول 1430(19/123)
اليمين تقع على نية قريبتك
[السُّؤَالُ]
ـ[لجأت إلي قريبتي لتستشيرني في موضوع شخصي، وقد استحلفتني بالله ألا أخبرأحدا، لكنني تكلمت مع عاملة اجتماعية تعرف قريبتي لترشدني وتنصحني لكي أقوم أنا بنصح قريبتي، وأنا على ثقة أن العاملة الاجتماعية لن تخبر أحد فهي مصدر ثقة، هل يتوجب علي الكفارة عن الحنث في يميني؟
وبارك الله لكم وفيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإفشاء السرّ أمر محرم منافِ للأمانة، فعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة. رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
أما عن سؤالك، فإذا كانت قريبتك قد سألتك عدم إخبار أحد بما حدثتك به، وكنت قد حلفت على ذلك، فاليمين تقع على ما نوت قريبتك، فإن كانت نيتها عدم الإخبار عن الموضوع ذاته، فقد حنثت بإخبارك به، وعليك كفارة يمين، وأما إذا كانت نيتها عدم الإخبار عن شخصها، فإذا كنت قد صرّحت لها باسم قريبتك، أو فهمت هي بالوصف أو القرائن فقد حنثت في يمينك، أما إذا كان كلامك معها مجرد استشارة لموضوع عام لا يفهم منه من قريب أو بعيد تعلقه بقريبتك، فحينئذ لا حنث عليك في اليمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1430(19/124)
حلف بالله ألا تزور زوجته أهلها إلا كل خمسة عشر يوما
[السُّؤَالُ]
ـ[حلفت على زوجتي ألا تذهب إلى بيت أبيها إلا كل 15 يوما، هل أكون قاطعا رحمها بهذا، وهل هي فترة طويلة؟ وما حكم فدية اليمين، ليس طلاقا، الحلف كان بالله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس في منعها من زيارة أهلها تلك المدة قطع للرحم، سيما إن كان ذلك لغرض صحيح كبعد أهلها أو الخشية من تأثيرهم عليها تأثيراً سيئاً، أو الحاجة لمكثها ببيتها لرعاية زوجها أو تربية أبنائها ونحو ذلك، لكنها قد تحتاج إلى زيارة أبويها لمرض أحدهم ونحوه في أقل من تلك المدة، فلا ينبغي منعها من زيارته وعيادته.
والأولى هو التكفير عن تلك اليمين، والإذن للزوجة في زيارة أبويها متى ما احتاجت إلى ذلك، ما لم يترتب عليه ضرر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين، فرأى غيرها خيراً منها، فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه. رواه مسلم.
والكفارة إطعام عشرة مساكين من أوسط الطعام أو كسوتهم أو تحرير رقبة، ومن لم يجد شيئاً من ذلك صام ثلاثة أيام، لقوله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89} ، ويجزئ في الإطعام دفع كيلو ونصف من القمح أو الأرز أو نحوهما إلى كل مسكين من العشرة، أو إطعامهم في الغداء أو العشاء، ويكفي في الكسوة ثوب يجزئ في الصلاة ويقي الحر أو البرد.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ربيع الأول 1430(19/125)
حلف أن لا ترى ابنته زميلها في الجامعة فتقدم لخطبتها
[السُّؤَالُ]
ـ[حلفت بالطلاق على أن لا ترى ابنتي شابا زميلا لها في الجامعة، ولم أضع مدة محددة، وبعد فترة تقدم هذا الشاب لطلب الزواج من ابنتي، فماذا أفعل لكي أزوج هذا الشاب لابنتي من دون أن يقع طلاق زوجتي، ماهو رأيكم؟ أفيدوني سريعا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم تحدد لنا أيها السائل ماذا كان قصدك من حلفك هذا، وما الذي دعاك إليه وهيجك عليه, فكل ذلك مؤثر في الفتوى، لأن الأصل في اليمين أن يرجع فيها لنية الحالف وقصده.
ولكنا نقول: إن كنت قد حلفت عليها ألا تراه ونيتك ألا تلتقي به ولا تحدثه حفاظا عليها من مخالطة الأجانب كما هو الظاهر في مثل هذه الأحوال, فلا حرج عليك إن أنت زوجتها منه ولا يقع بذلك الطلاق, لأن نيتك حينئذ ألا تجتمع به ولا تراه على وجه محظور غير مشروع, والزواج بخلاف ذلك، وتقدمه للخطبة أيضا بخلاف ذلك, فينبغي حمل يمينك على هذا المعنى حتى وإن كان اللفظ عاما، وفي ذلك يقول ابن الماجشون المالكي: ينبغي صرف اللفظ إلى معنى مخارجه وإلا بطلت الأمور. انتهى.
وفي التاج والإكليل: لأن الأيمان تحمل على بساطها. انتهى.
ولابن رشد في نوازله: أن ابنة ابن تاشفين حلفت بصوم، وبغيره، أنها لا ترجع إذا مات زوجها الأمير إلى دار الإمارة أبدا، ثم تزوجها الأمير بعد ذلك، فقال: ترجع ولا حنث عليها، لأن ظاهر أمرها إنما كرهت الرجوع إليها على غير الحال التي كانت عليها.
وجاء في المغني: وإن حلف يمينا عامة لسبب خاص وله نية حمل عليها، ويقبل قوله في الحكم، لأن السبب دليل على صدقه وإن لم ينو شيئا، فقد روي عن أحمد ما يدل على أن يمينه تختص بما وجد فيه السبب، وذكره الخرقي فقال: فإن لم يكن له نية رجع سبب اليمين وما هيجها، فظاهر هذا أن يمينه مقصورة على محل السبب، وهذا قول أصحاب أبي حنيفة. انتهى.
ولكنا نوصيك بمراجعة أهل العلم في بلدك لتشرح لهم الأمر، وتبين لهم ما كان من نيتك وقصدك ليفتوك على بينة من الأمر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ربيع الأول 1430(19/126)
ما يجب من اليمين الغموس لدفع ضرر
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي أنه في يوم كنت أتحدث مع زوجي عن الإنترنت وذكرت له أني أعرف فتاة تحدث شابا في الإنترنت قبل أن تتزوج فأصر زوجي إصرارا شديدا على أن يعرف من هي فأخبرته أنها زوجة أخيه فغضب غضبا شديدا وأصر أن يخبر أخاه حتى يطلقها لأنها لا تستحق أن تكون زوجة وأمًا، عندها خفت أن أكون السبب في خراب بيتها فحلفت لزوجي أنها ليست المقصودة بكلامي وإنما هي واحدة أخرى، سؤالي هو: كيف أكفر عن يميني وهل تعتبر يمين غموس.
سؤالي الثاني: كنت في ما مضي أحلف كثيراً وأحيانا لا أوفي بحلفي ولا أعرف عدد الأيمان التي حلفتها فكيف أكفر عنها وهل يمكن أن أتصدق حتى أكفر عن يميني؟ ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخطأت حين ذكرت لزوجك ما كان من هذه المرأة، بدون مصلحة تقتضي ذلك، كما أخطأ زوجك بسؤالك عن هذه المرأة، لأن ذلك من تتبع عورات المسلمين، وما كان لك أن تخبريه عنها، وكان عليك أن تنصحيها وتخوفيها من عذاب الله وعقابه الآجل والعاجل.. وعليك أن تستري عليها، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة. رواه مسلم في صحيحه.
أما عن يمينك فقد كان عليك أن تستعملي التورية والتعريض دون الكذب الصريح، وانظري في ذلك الفتوى رقم: 7228.
وهذه اليمين تعتبر غموساً لكن إذا كانت قد تعينت لدفع ضرر عن مسلمة فقد ذهب كثير من العلماء إلى عدم وقوع الإثم بها، وانظري لذلك الفتوى رقم: 47655، والفتوى رقم: 41794.
وأما عن الكفارة فالجمهور على أن اليمين الغموس لا كفارة فيها، وذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه إلى وجوب الكفارة فيها وذلك أحوط ...
أما عن المرات الماضية التي حلفت فيها وحنثت ولم تكفري فما عرفت عدده منها فلا بد من إخراج الكفارة، وأما ما لم تذكري عدده من الأيمان فعليك أن تخرجي كفارات بقدر ما يغلب على ظنك أنك قد أتيت على عدد الأيمان التي حلفتها.. وعليك أن تتوبي إلى الله مما سبق وتتجنبي كثرة الحلف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 ربيع الأول 1430(19/127)
هل تلزم الكفارة لمن حنث في يمينه ناسيا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من نسي أنه أقسم إذا فعل شيئا صام شهراً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف العلماء فيمن حنث في يمينه ناسياً هل تلزمه الكفارة أم لا، والصحيح أنها لا تلزمه لعموم قوله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {البقرة:286} ، وقال الله في جوابها: قد فعلت أخرجه مسلم.
قال الشيخ العثيمين: قوله (ذاكراً) وضده الناسي، مثل قوله: والله لا أطالع في هذا الكتاب اليوم ثم نسي وطالع فيه، فليس عليه شيء لأنه ناس. انتهى.
فإذا فعل ما حلف على تركه متذكراً ليمينه فلا بد له من أحد أمرين: إما صيام الشهر، وإما أن يكفر كفارة يمين.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 صفر 1430(19/128)
علمت أن أخاها كاذب ومع ذلك حلفته بالله فحلف
[السُّؤَالُ]
ـ[حادثة حصلت مع أخي وأنا مصابة بتأنيب ضمير شديد حيالها, باختصار تجادلنا أنا وهو في موضوع ونحن الاثنان كلانا كاذب, فلما أصر قلت له احلف فحلف, هل هذه يمين غموس؟ وهل علي شيء؟ وكيف أكفر عن ذنبي؟
جزاكم الله عنا كل خير في الدنيا والآخرة, آمين..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الحلف على الكذب هو اليمين الغموس، وإذا كانت السائلة تعلم أن أخاها كان كاذبا، ومع ذلك طلبت منه اليمين على كذبه، فلا يخلو حالها من ثلاثة أحوال:
فإما أنها كانت تعلم أن أخاها سيردعه طلب اليمين عن كذبه، فيصدق أو يسكت على الأقل. وهي في هذه الحالة ليست بمسيئة؛ لأن غرضها كان ردعه أو استخراج الصدق منه.
وإما أنها كانت تعلم أنه سيصر على كذبه ويتهاون بشأن اليمين. وهي في هذه الحال مسيئة، وتُعد متسببة في هذا الذنب الكبير، ومعينة على الإثم والعدوان، وعليها أن تتوب إلى الله توبة نصوحا، ويمكنك مطالعة شروط التوبة المقبولة في الفتويين: 5450، 29785.
وإما أنها كانت تجهل رد فعله، فلا تدري ما إذا كان سيصر أم سيرجع. وهي في هذه الحال ليست بمسيئة، وإن كانت قد خالفت الأولى بتعريض أخيها لتحمل هذا الوزر.
هذا كله إن كان موضوع الكلام من الأهمية بحيث يطلب عليه اليمين، وأما إن كان موضوع الكلام لا طائل تحته ولا فائدة من ورائه، فهي مسيئة على أية حال، لأنه لا ينبغي الاستهانة باسم الله فضلا عن القسم به، وقد ذكر الخادمي في آفات اللسان كثرة الحلف ولو على الصدق، وقال: ... لاستهانته بالله تعالى وانتهاك حرمة القسم واعتياد لسانه على ذلك، ولذا قال الشافعي: ما حلفت لا صادقا ولا كاذبا. قال الله تعالى: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً، {عرضة} جنة ومحلا {لِ أَيْمَانِكُمْ} ومعنى الآية.. لا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم فتبذلوه بكثرة الحلف لأن هذا ليس من تعظيم الله، فلا ينبغي للعاقل أن يلعب باسم ربه في محل اللعب ولا في محل ليس محلا للتعظيم. وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ كثير الحلف في الحق والباطل مَهِينٍ حقير الرأي من المهانة وهي الحقارة. بريقة محمودية 5 /130 باختصار.
وقال ابن زيد في زاد المسير عند تفسير قوله تعالى: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً: معناها لا تكثروا الحلف بالله، وإن كنتم بارّين مصلحين، فان كثرة الحلف بالله ضرب من الجرأة عليه.
ويجب عليك أن تبذلي النصح لأخيك بأسلوب يناسبه أن يدع الكذب كله جادا أو مازحا، فضلا عن اليمين الغموس.
وراجعي للفائدة عن اليمين الغموس وحكمه وكونه أعظم من أن تكفره كفارة اليمين الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9714، 8997، 113739، 50626.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1430(19/129)
أقسم بالله وعاهده ألا يفعل أمرا لكنه يريد أن يفعله
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أفعل إذا أقسمت بالله ووعدته ألا أفعل شيئاً ولكني أريد فعله؟ وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان هذا الشيء الذي أقسمت على تركه ووعدت الله بذلك محرماً، فإنه مع وجوب تركه لحرمته يلزمك تركه أيضاً لتبر بقسمك وتفي بوعدك، فإن فعلته -عافاك الله وعصمك- فقد تعديت حداً من حدود الله، وارتكبت إثماً، وعرضت نفسك للعقوبة في الدارين، ويلزمك حينئذ كفارة يمين مع التوبة النصوح، وإن كان هذا الشيء مكروهاً أو مباحاً، فينبغي تركه لتبر بقسمك وتفي بوعدك، فإن فعلته لزمتك كفارة يمين.
وأما إن كان هذا الشيء مستحباً أو فيه مصلحة ظاهرة، فكفر كفارة يمين، وائت الذي هو خير، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها، فليأتها، وليكفر عن يمينه. رواه مسلم. وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: إني والله - إن شاء الله - لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها، إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير. متفق عليه. وراجع لزيادة الفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6938، 68610، 15049.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 صفر 1430(19/130)
هل يجزئ الصوم في كفارة اليمين وإن كان يرجى حصول المال
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا علي كفارة يمين وكنت في ذلك الوقت لا أملك النقود للإطعام أو الكسوة فقمت بصيام ثلاثة أيام وبعد مدة حصلت على 600ريال من خالي مقابل دروس خصوصية كنت أعطيها لبناته فهل كان علي أن أستلف وأقوم بالإطعام ثم أقضي الدين من 600 التي أعطانيها خالي لأني كنت أعلم أني سوف آخذها ولكنها أتت متأخرة فماذا يلزمني الآن هل أعيد الكفارة أم يجزئ الصيام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكفارة تجب على الفور، قال في حاشية الروض: لأنه الأصل في الأمر المطلق.
وعلى هذا فمن وجبت عليه الكفارة وليس عنده ما يطعم به أو يكسو المساكين العشرة فليس عليه أن يقترض ليكفر بالإطعام أو الكسوة فإن قوله تعالى: فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ {المائدة:89} يشمله بعمومه وإن كان يرجو حصول مال مستقبلا، فإن العبرة بوقت وجوب الكفارة وفعلها، فإذا كان يصدق عليه في هذا الوقت أنه غير واجد لما يكفر به فإنه ينتقل إلى الصيام كما أمر الله عز وجل، وقد فعل ما أمر به كما أمر، فإذا أيسر بعد فراغه من التكفير بالصوم لم يكن عليه إعادة الكفارة بلا خلاف، وإن أيسر أثناء الصوم فله المضي فيه في قول الجمهور خلافا لأبي حنيفة رحمه، وبهذا تعلمين أن صيامك وقع مجزئا
وسقطت به عنك الكفارة، وللمزيد راجعي الفتوى رقم: 2053.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 صفر 1430(19/131)
متى لا تكون اليمين الغموس حراما
[السُّؤَالُ]
ـ[طليقي بدد قائمة منقولاتي، وعرض الفروشات مستبدلة وتالفة وغيرها، واعتمد على الحيلة والتزوير في أنني استلمت جميع منقولاتي، ومضى باسمي ورفع قضية لتحليفي اليمين بأن الذهب معي مع العلم بأن الذهب معي، ولكن المحامى يقول بأنني لو ذكرت بأنه معي ستضيع القضية كلها، ويجبرني على أخذ الفروشات التالفة مع العلم بأنني لم ولن آخذه مرة أخرى، أنا لا أقبل الحرام لكنني في هذا المأزق سيضيع حقي بالكامل، ماذا أفعل أحلف اليمين أم يعتبر يمين غموس يدخلني جهنم والعياذ بالله. أرجو الرد بالإفادة بالشرح الواضح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب قد تواترات النصوص بتحريمه، وأفحش أنواع الكذب ما يكون في القسم وهو اليمين الغموس الذي ورد الشرع بتحريمها وعدها من الكبائر، ففي الحديث الشريف: الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس. متفق عليه.
هذا هو الأصل، وقد يحصل من الأحوال ما يكون موجبا للخروج عنه، كما جاء في الموسوعة الفقهية: إن حرمة اليمين الغموس هي الأصل فإذا عرض ما يخرجها عن الحرمة لم تكن حراما. انتهى.
ومن هذه الأحوال أن يقع على المرء ضرر ومظلمة بغير حق توقعه في الحرج والمشقة، فلا حرج عندئذ أن يكذب في يمينه لدفع الظلم والأذى عن نفسه، بشرط ألا يكون هناك من الوسائل ما يتحقق به ذلك، وعليه حينئذ أن يلجأ إلى التعريض ما أمكن، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 110634، 41794، 27641. ومع ذلك فالورع في مثل هذه الأحوال هو الأفضل والأبرأ للذمة.
وننبه الأخت السائلة على أنها إن أخذت بالرخصة وأقسمت هذه اليمين فلا بد من حفظ حقوق الزوج بحيث لا يؤخذ منه إلا ما هو حق عليه. فإن ترتب على هذا اليمين ظلم أو تعد على حقوق الزوج فإن السائلة حينئذ تجمع بين اليمين الغموس وبين الظلم والبغي، والظلم ظلمات يوم القيامة، وما من ذنب أجدر أن تعجل عقوبته في الدنيا من البغي، وقطيعة الرحم، فلا بد أن تتحرى السائلة وتجتهد في السؤال حتى تعلم يقينا أنها لن تأخذ إلا حقها، وما جاءها فوق ذلك ردته إلى صاحبه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 صفر 1430(19/132)
ما يلزم من حنث في يمينه
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت ألعب كرة قدم فحدثت مشادة كلامية بيننا فحلفت وأنا غاضب ألا ألعب مع أولئك الأشخاص فماذا علي؟ وإذا كانت علي كفارة يمين فهل يكفي في إطعام عشرة مساكين تسليم قيمة الطعام للجمعية الخيرية؟
أفيدوني جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغضب لا يمنع وقوع الحنث وانعقاد اليمين ما لم يصل بصاحبه إلى درجة فقدان الوعي والإدراك، وبناء عليه فإن حنثت في يمينك ولعبت مع من حلفت ألا تلعب معه فإنه يلزمك كفارة يمين وهي كما قال تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89} ،
ويجزئك أن تسلمها بنفسك مباشرة أو تنيب إحدى الجمعيات الخيرية الموثوق بها ونحوها.
وللفائدة انظر الفتوى رقم: 2022، والفتوى رقم: 102811.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1430(19/133)
سأله بالله أن يدع عملا محرما فلم يستجب له
[السُّؤَالُ]
ـ[فقد سألني شخص ما بالله أن أدع عملاً من الأعمال المحرمة، ولكني لم أستجب لذلك ولكن الله تاب علي من هذا العمل فماذا علي أن أفعله الآن؟ وجزيتم خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأول ما ينبغي عليك أن تحقق شروط التوبة النصوح مما ارتكبته من أمور محرمة، وقد سبق بيان هذه الشروط في الفتوى رقم: 29785، والفتوى رقم: 5450..
وعليك أن تجتهد في إتباع السيئات بالحسنات لتمحوها، فإن الحسنات يذهبن السيئات.. وكذلك ينبغي أن تندم على عدم إجابة من سألك بالله تعالى، لا سيما وأنه لم يسألك إلا ما وجب عليك في الأصل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من سألكم بالله فأعطوه. رواه أحمد وأبو داود والنسائي. وصححه الألباني..
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائلاً لم يسأل هجراً. رواه الطبراني وحسنه العراقي والألباني.
وقد اختلف أهل العلم في حكم إجابة السائل بالله، هل تجب أو تستحب، وظاهر الحديثين السابقين الوجوب، قال ابن عثيمين: هذا دليل على جواز السؤال بالله، إذ لو لم يكن السؤال بالله جائزاً لم يكن إعطاء السائل واجباً.. على أن بعض العلماء قال: من سألكم بالله أي: من سألكم سؤالاً بمقتضى شريعة الله فأعطوه، وليس المعنى من قال: اسألك بالله. انتهى.
وقال في موضع آخر: المسؤول إذا كان في إجابته ضرر لا تلزمه الإجابة. انتهى.
وقال الصنعاني في سبل السلام: الحديث دليل على أنه يجب إعطاء من سأله بالله، وإن كان قد ورد أنه لا يسأل بالله إلا الجنة، فمن سأل من المخلوقين بالله شيئاً وجب إعطاؤه إلا أن يكون منهياً عن إعطائه ... لكن العلماء حملوا هذا الحديث على الكراهة، ويحتمل أن يراد به المضطر، ويكون ذكره هنا أن منعه مع سؤاله بالله أقبح وأفظع. انتهى.
ومن هؤلاء العلماء الذين حملوا الحديث على الكراهة ابن قدامة حيث قال في المغني: يستحب إجابة من سأل بالله.
وصرح الشافعية بأن السؤال بالله أو بوجه الله مكروه، كما يكره رد السائل بذلك.
وأما بالنسبة لصاحبك فالظاهر من السؤال أنه قال لك بالله عليك أو أسألك بالله ونحو ذلك، فإن كان كذلك فلا كفارة عليه، لأن هذا ليس يميناً..
وأما إن كان صرح باليمين فقال مثلاً، والله لتفعلن كذا، فحينئذ تجب عليه كفارة يمين، وقد سبق أن ذكرنا ذلك في الفتوى رقم: 80696.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: الإقسام بالله على الغير أن يحلف المقسم على غيره ليفعلن كذا، فإن حنثه ولم يبر قسمه فالكفارة على الحالف لا على المحلوف عليه عند عامة الفقهاء ... وأما قوله: سألتك بالله أن تفعل كذا. فهذا سؤال وليس بقسم، وفي الحديث: من سألكم بالله فأعطوه. ولا كفارة على هذا إذا لم يجب سؤاله.
وقد سبق أن ذكرنا الكلام على إبرار القسم في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17528، 111214، 23136، والكلام على من سئل بالله في الفتوى رقم: 71077، والفتوى رقم: 14141.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1430(19/134)
حكم الحلف كذبا للحصول على إقامة في بلد أجنبي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب فلسطيني أعيش في كندا قد هداني الله إلى نور الإسلام ولهذا عاهدت الله تعالى وحبيبي المصطفى عليه أشرف الصلاة والتسليم أن لا أقع في معصية قط ما استطعت فلقد تبت توبة نصوحا ان شاء الله ولك فيها بإذن الله الأجر والثواب جزاك الله كل خير وجمعنا ان شاء الله في الآخرة وجعلنا من أصحاب اليمين أما بعد:
لي قضية أستحلفك بالله أن تفتيني فيها ما استطعت بما آتاك الله من علم حيث لي محكمة هنا من أجل الإقامة فانا لاجئ في كندا وفي هذه المحكمة قالوا لي إني سأحلف على كتاب الله عز وجل اليمين وبالطبع قصتي كلها كذب مثل أغلب الشباب هنا وهناك، فهل يجوز اليمين أو أن الله سيعاقبني، أو يجوز كما قال لي شخص أن أحلف وأضمر شيئا في نفسي أحلف عليه فقد عاهدت الله إن كان سيحسب يمينا كذبا عنده أني لا أريد كندا ولن أحلف، أستحلفك بالله أن تصدقني القول جزاك الله كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت بتوبتك إلى الله تعالى فنسأله سبحانه أن يجزيك خيرا وأن يثبتك على الاستقامة في طريق الحق.
واعلم أنه لا يجوز للمسلم الإقدام على الحلف كذبا لغير ضرورة، وأما إن كنت مضطرا للإقامة في ذلك البلد وتعين الحلف كذبا لحصولك على الإقامة فإنه يجوز لك الحلف، ولكن لا يجوزلك أن تأخذ ما قد يترتب على الإقامة من منح وامتيازات لا تستحقها إلا أن تكون مضطرا لأخذ شيء منها كأن لا تجد عملا وليس عندك من المال ما تنفقه على نفسك فتأخذ بقدر الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، فإذا استغنيت استعففت.
وننبه إلى أنه يجب على المسلم اجتناب المعاصي ولو لم يعاهد الله تعالى على ذلك، وهذا العهد يتأكد به أمر اجتنابها.
وأما معاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكون في حياته، وأما بعد مماته فلا نعلم دليلا أو أثراعن سلف هذه الأمة يفيد جوازها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1430(19/135)
حكم من حلف برحمة أمه
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في مشادة مع زوجتي يوم الجمعة وكلمت حماتي وقلت لها (لو زوجتى معملتشى كذا ورحمة امى مش حيعدى يوم السبت وهى على ذمتى) وكان فى نيتى التهديد فقط والله أعلم طبعا بالنية، المهم أني عرفت أني مخطئ ولم تفعل فهل هذا يعتبر يمينا مثل علي الطلاق ولو كان فما كفارته؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر والله تعالى أعلم أن هذا يعتبر وعدا مؤكد منك بأنك سوف تطلق زوجتك إذا لم تعمل ذلك الشيء، وعليه فإذا لم تفعله ولم تنجز أنت ما وعدت به من طلاق فلا يقع الطلاق، لأن مجرد الوعد لا يقع به الطلاق؛ كما سبق في الفتوى رقم: 32142.
ثم إننا ننبه على أن الحلف برحمة أمك له ثلاثة أحوال:
الأول: أن تقصد الحلف برحمة الله لأمك حال الحياة الدنيا فهذا قسم مشروع, سواء كانت الأم حية أو ميتة؛ لأن الرحمة من صفات الله سبحانه، ورحمة الله سبحانه قد عمت جميع الخلائق.
الثاني: أن تكون الأم ميتة وقصدت الحلف برحمة الله لأمك في الحياة البرزخية، فهذا لا يجوز لأن هذا من الرجم بالغيب، فإنا لا ندري من المرحوم ومن المعذب.
الثالث: أن يكون قصدك برحمة أمك أي برحمة المخلوق، فهو قسم بمخلوق فهو غير جائز, لأن الحلف لا يكون إلا بالله، فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت. متفق عليه.
مع ملاحظة أنك في قولك "ورحمة أمي" إن كنت تقصد رحمة الله فهنا تكون يمينا معتبرة شرعا تلزمك الكفارة إن حدث الحنث, ولمعرفة مقدار كفارة اليمين راجع الجواب رقم: 204.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 72216، 79336، 26937.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 محرم 1430(19/136)
هل تنعقد اليمين بإنشاء كلام النفس وحده
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد ما أصبت بالحساسية من أحد أنواع الأكل، أصبحت أخاف من الأكل ومجرد ما آكل من أي شي أحس أني مخنوقة أو أشعر بكتمة من الأكل.
السؤال أني أي أكل أشعر بذلك بعد يكون في داخل نفسي أني لا آكل هذا الأكل، مما يجعلني أشك أني حلفت على أني لا آكله أم لا، أهلي أحيانا عندما يطلبون أن آكل مع الكلام أحلف وتكون النية لن آكل هل يحتاج إلى كفارة يمين لكل نوع؛ آكل مثلا الجبن ثم بعدها البيض. أم لا فقط كفارة واحدة علما أني كفرت عن بعضها ... وأحيانا أحلف داخل نفسي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن شك هل حلف أم لا، فالأصل أنه لم يحلف حتى يتيقن أنه حلف، وعليه فلا كفارة عليه عندئذ، جاء في الموسوعة الفقهية: الشك في أصل اليمين هل وقعت أو لا، كشكه في وقوع الحلف أو الحلف والحنث، فلا شيء على الشاك في هذه الصورة؛ لأن الأصل براءة الذمة واليقين لا يزول بالشك اهـ. وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 31532.
ثم إنه يشترط عند أكثر أهل العلم في اليمين المنعقدة الموجبة للكفارة: (التلفظ باليمين) فلا يكفي كلام النفس عند الجمهور خلافا لبعض المالكية، حيث حكى القاضي عياض من المالكية عن بعض المتأخرين منهم الخلاف في ذلك، قال ابن حجر في فتح الباري: ذكر عياض أن بعض المتأخرين منهم خرج من قول مالك: أن اليمين تنعقد بالنية. أن الاستثناء يجزئ بالنية.
وحكى القرافي المالكي الخلاف في ذلك فقال في الفروق: وقع الخلاف في انعقاد الطلاق بإنشاء كلام النفس وحده أو لا بد من اللفظ، كذلك وقع الخلاف في اليمين.
وقال في موضع آخر: وكذلك اليمين أيضا وقع الخلاف فيها هل تنعقد بإنشاء كلام النفس وحده أو لا بد من اللفظ.
وذكر ذلك الخلاف من المالكية أيضا الحطاب في مواهب الجليل.
جاء في الموسوعة الفقهية: في ذكر الشرط الرابع من الشرائط التي ترجع إلى الحالف في اليمين المنعقد: التلفظ باليمين، فلا يكفي كلام النفس عند الجمهور خلافا لبعض المالكية. لا بد من إظهار الصوت بحيث يسمع نفسه إن كان صحيح السمع، ولم يكن هناك مانع من السماع كلغط وسد أذن. واشتراط الإسماع ولو تقديرا هو رأي الجمهور، الذين يرون أن قراءة الفاتحة في الصلاة يشترط في صحتها ذلك. وقال المالكية والكرخي من الحنفية: لا يشترط الإسماع، وإنما يشترط أن يأتي بالحروف مع تحريك اللسان ولو لم يسمعها هو ولا من يضع أذنه بقرب فمه مع اعتدال السمع وعدم الموانع اهـ.
وعليه، فحديث النفس باليمين لا حنث فيه، ولا يوجب الكفارة.
ومن حلف أن لا يأكل في ظرف أو حال معينة، فالظاهر أنه حلف على مطلق الأكل، لا على أنواعه المختلفة، وعليه فلا يلزمه عند الحنث إلا كفارة واحدة.
والظاهر أن السائلة الكريمة تعاني من شيء من الوسوسة، وهي مرض يعتري بعض الناس وله علاج نافع، قد سبق أن بيناه بالتفصيل في الفتوى رقم: 51601، وننصحك بعدم اللجوء إلى الحلف على مثل هذه الأمور، فإن الله تعالى قال: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة: 89} .
ولمزيد من الفائدة يرجى الاطلاع على الفتويين رقم: 78979، 93559.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1430(19/137)
حكم الحلف على تحريم أمر محرم في الأصل
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قلت في أحد الأيام (يحرم علي أن أعود إلى التدخين مرة أخرى كحرمة أمي علي) وقد رجعت إلى تلك المعصية، ما هي الكفارة لهذا الحلفان؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عليك أن تتقي الله تعالى وتتوب إليه، وتبتعد عن التدخين، فإن حرام مضر، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 1671.
وإذا كان قصدك بما قلت الحلف على ترك التدخين، فإن اليمين لا تنعقد إلا بأسماء الله تعالى وصفاته، ومن المعلوم عند أهل العلم أن الحلف بغير الله تعالى حرام لا يجوز بحال من الأحوال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت. متفق عليه. وفي وراية للإمام أحمد وغيره: من حلف بشيء دون الله فقد أشرك. صححه الأرناؤوط.
لكن هذا الذي حلفت به إنما هو تحريم أمر كان محرماً في الأصل، وبالتالي فإنه لا يترتب شيء على حصول الحنث فيه.. وعليه فالذي يلزمك هنا هو المبادرة بالتوبة النصوح إلى الله تعالى، والإقلاع عن تناول الدخان، لأنه من الخبائث المحرمة كما قدمنا في عدة فتاوى، وأن تبتعد عن الحلف بغير الله، وليست عليك كفارة محددة، وإنما ينبغي أن تزيد من النوافل وما استطعت من أعمال الخير زيادة في الطاعة وتكفيراً عما أقدمت عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 محرم 1430(19/138)
طلب منه صديقه مبلغا معينا فقال له (والله ما عندي) وبحوزته مال أقل مما طلب
[السُّؤَالُ]
ـ[طلب مني صديقي أن أعطيه مبلغا من المال فقلت له لا والله ما عندي وأنا كان عندي مال لكن أقل من المبلغ الذي طلبه، أنا قلتها ولا أدري أهي من اللغو في اليمين أم يجب علي صيام ثلاثة أيام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من المعلوم بالضرورة عند كل مسلم أن الكذب حرام، ويتأكد تحريمه ويعظم إثمه إذا حلف عليه الشخص، ولا يرخص في الكذب إلا في حالة الضرورة أو ما أشبهها، وسبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتويين رقم: 77924، 7228، فنرجو أن تطلع عليهما.
ويمكن للشخص تجنب الكذب باستعمال المعاريض والتورية، ففي الأثر: إن في المعاريض مندوحة عن الكذب.
والتوريةهي أن يتلفظ الشخص بكلام يحتمل معنيين؛ أحدهما قريب غير مقصود، والآخر بعيد هو المقصود.
وعلى ذلك فإن كان السائل يقصد بقوله (والله ما عندي) التورية يعني ما عندي المبلغ كاملا أو ما أشبهه فنرجو ألا يكون عليه في ذلك إثم ولا كفارة.
أما إذا لم يكن يقصد تورية وحلف على الكذب فهي يمين غموس، قال العلماء: سميت بالغموس لأنها تغمس صاحبها في الإثم، وقيل في النار، والعياذ بالله تعالى.
وكفارتها في هذه الحالة التوبة النصوح إلى الله تعالى، وعقد العزم على ألا يعود إليها فيما بقي من عمره، ويكثر من النوافل، وما استطاع من أعمال الخير.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن فيها كفارة يمين، وهذا أحوط.
والكفارة هي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإذا عجز عن جميع ذلك صام ثلاثة أيام، ولا ينتقل إلى الصوم إلا بعد العجز عن الإطعام والكسوة والرقبة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 محرم 1430(19/139)
لا يحلف الشخص إلا على ما يتيقنه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يكون يميني أمام قاضى محكمة صحيحاً على تاريخ أو فترة مسجلة بالتقريب لا توجد مستندات عليها (فمثلاً مجموع ساعات عمل إضافية أنا مطالب بحقها، وأنا قدرتها تقديراً من الذاكرة نسبة لعدم وجود مستندات علبها وأنا مقاض لتلك الشركة وقد يكون الرقم أكبر من المقدر، وأيضا تاريخ بدء الخدمة بالشركة لدي مستند عليه التاريخ مكتوب تقديراً نسبة لعدم وجود سجلات صحيحة، فهل يميني يكون صحيحا على أشياء لست متأكدا منها، فأرجو الإفادة حتى لا أقع في ذنب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس لك أن تحلف إلا على ما تتيقن أنه حق لك فإذا كنت جازماً بأن ما تحلف عليه هو حقك أو كان أقل من حقك فلك الحلف في هذه الحال، وأما إذا لم تكن جازماً بأنه حق لك فليس لك الحلف ولو غلب على ظنك أنه حقك لأن الأصل براءة ذمة الشركة من المال المدعى عليها وهذا يقين فلا يزول إلا بيقين مثله ولا يكفي في إزالته غلبة الظن.
جاء في حاشية الشرواني على تحفة المحتاج في باب الدعوى في صدد الحديث عما يأخذه الغريم من مال غريمه قال عند عدم البينة ووجود غرماء آخرين يطلبون هذا الغريم، قال عن هذا الغريم الذي ليس له بينة: فيأخذ ما يتيقن أنه لا يزيد على ما يخصه. أي عند مشاركته لسائر الغرماء، والشاهد أن له أن يأخذ لكن عليه الاحتياط فلا يأخذ فوق نصيبه.
وبين ابن قدامة في المغني أن الأيمان كلها في باب الدعاوى على البت فإذا لم تكن جازماً بحقك وحلفت على البت كنت كاذباً.
قال ابن قدامة: وجملة الأمر أن الأيمان كلها على البت والقطع، إلا على نفي فعل الغير فإنها على نفي العلم، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك والشافعي.. إلى أن قال:.. إذا ثبت هذا فإنه يحلف فيما عليه على البت نفياً كان أو إثباتاً، وأما ما يتعلق بفعل غيره فإن كان إثباتاً مثل أن يدعي أنه أقر أو باع ويقيم شاهداً بذلك فإنه يحلف مع شاهده على البت والقطع. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 محرم 1430(19/140)
أقسمت على القرآن ألا تحادث أحدا على النت
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد هددني شخص بأنه سوف يدمر بيتي وأولادي إن لم أفصل النت من البيت لأني كنت أستعمله بطريقة خاطئة ووقتها حلفت على القرآن أن لا أحدث أحدا على النت وأن لا أتكلم مع أحد أو أفتح النت إلا بوجوده وهو ليس قريبا لي ولا يصلني بصلة ولكنه يحبني ويريدني له وأنا لا أريد أي علاقة معه فأنا أريد أن أستعمل النت بشيء صالح ولا أريد الخطأ مرة أخرى ولكن حلفي على القرآن يخيفني فماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسؤال فيه غموض، وعلى كل فإننا نقول: إن استعمال السائلة الكريمة للنت حتى ولو في الأشياء المفيدة، محفوف بالمخاطر، وقد تترتب عليه مفاسد باعتبار التجربة السابقة، وعليه فينبغي ألا تخوض التجربة مرة أخرى، خاصة وأن كثيراً من فوائد النت يمكن تحصيلها من وسائل أخرى، وقد سبق لنا بيان مخاطر الدخول على شبكة الإنترنت، ومخاطر الخطاب بين الجنسين فيه، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 21288، 20415، 46454، 10570.
والحلف بالله تعالى مع وضع اليد على المصحف أو فتحه أمام الحالف أو نحو ذلك مما يؤكد اليمين غير أنه لا يغلظ الكفارة ولا يزيد فيها، وقد كرهه بعض أهل العلم، وانظري الفتوى رقم: 36839.
وأما الحلف بالمصحف فهو كالحلف بالله فهو يمين منعقدة تلزم الكفارة بالحنث فيها، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 9573، والفتوى رقم: 32303، وسبق كذلك بيان كيفية الكفارة أو قيمتها في الفتوى رقم: 204.
وعلى أية حال فيجب عليك كفارة يمين إن حنثت، ونوصيك بتقوى الله تعالى ومراقبته في السر والعلن، وتجنب أبواب الفساد، وسد ذرائع الفتنة فالسلامة لا يعدلها شيء، وما أعطي أحد بعد اليقين خيراً من المعافاة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 محرم 1430(19/141)
حكم دفع كفارة اليمين في عمارة المسجد وصيانته
[السُّؤَالُ]
ـ[دفع رجل كفارة يمينه نقوداً لمسجد، ولما علم أنه لا تصح الكفارة للمساجد أراد أن يسترجع ما دفعه ويدفعه للفقراء والمساكين، فما هو رأيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نص الله عز وجل في محكم كتابه على أن الكفارة من حق المساكين. وعليه، فإذا كان الرجل المذكور دفع الكفارة لأجل عمارة المسجد أو صيانته أو ما أشبه ذلك فإنها لا تجزئه، وله أن يسترجعها إن كانت قائمة، قال المواق: ومن دفع كفارة أو زكاة لمن لا يستحقها فإنه يرجع في عين ذلك، ولا رجوع له إن تلف. انتهى.
أما إذا كان قصدك أنه دفعها لأهل المسجد وهو يعتقد أنهم من مستحقيها أو يدفعونها لمستحقيها، فإنها تجزئ عنه إن شاء الله تعالى، ولا داعي لاسترجاعها، ولو شك بعد ذلك فيمن دفعها له، لأن الشك في العبادة بعد فعلها لا يؤثر عليها، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 114612، وعلى ذلك فلا داعي لاسترجاعها كما أشرنا إلا إذا كان ذلك من باب الاحتياط. وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 96130.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1430(19/142)
حكم من شرع في يمين ثم لم يكملها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعاني من وسواس وكلما رغبت في التغلب عليه أحلف بأن لا أكرر هذا الشيء وأصبحت عادة وحلفت مرة ولكني لم أكمل حلفي، مثل عند الوضوء أرغب في الحلف بأن لا أكرره فقلت والله إنها آخر....... ولم أكمل ولا أدري هل هذا لغو أم هو يمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد للفقهاء كلاما في حكم من شرع في اليمين ولم يكملها هل تعتبر يمينه منعقده أم لا؟ والذي نراه أن من شرع في الحلف ولم يتم حلفه أنه لا يلزمه شيء ولا تنعقد يمينه لأنه لم يكملها.
فإذا كان في نية الأخ السائل ابتداء أن يقول في تمام يمينه (آخر مرة أتوضأ) مثلا ولم يكمل فلا شيء عليه ولم تنعقد يمينه.
وأما إذا كان في نيته ابتداء أن يحلف ويقف على قوله (آخر) مكتفيا بهذه الكلمة عما بعدها فإنه يكون قد أتم اليمين وصارت منعقدة وتلزمه الكفارة إذا حنث.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 78979.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 محرم 1430(19/143)
هل تخرج الطالبة كفارة اليمين من مصروفها أم لها أن تصوم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة في المرحلة الجامعية ليس لي مرتب ثابت وآخذ مصروفي من الوالد، فهل يجوز لي الصيام كفارة يمين أم يتوجب علي تجميع المبلغ من مصروفي الشهري، وما هو المبلغ المطلوب للكفارة، وأرجو عدم إحالتي لفتوى أخرى دون الرد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمبلغ المطلوب للكفارة سبق في الفتوى رقم: 41190، فعند العجز عنه ينتقل إلى التكفير بصوم ثلاثة أيام، فمن لا يملك مالاً يكفر به فلا يجب عليه أن يسعى لتحصيله، والعبرة بالعجز حال وجوب الكفارة، والكفارة تجب بالحنث، فمن كان وقت الحنث عاجزاً فله الانتقال إلى الصوم. واختلف العلماء في ضبط العاجز، فقال الشافعية: من لا يجد زائداً عن كفايته لعمره الغالب. وقال الأكثرون بأنه من لا يجد ما يكفر به زائدا عن نفقة يومه وليلته.. وبناء عليه، فلا يجب عليك أن تجمعي المبلغ من مصروفك، ولك الانتقال إلى الصيام، إن كان ما معك لا يكفي للكفارة ولنفقة يوم وليلة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 محرم 1430(19/144)
أقسم عليها ألا تفعل شيئا ففعلته بدون قصد منها
[السُّؤَالُ]
ـ[خطيبى أقسم بالله بأنني لو مشيت وتركته ونحن في الشارع سيكون آخر يوم بنا0 وأنا قلت له تعالى نمشي ومشيت بجانبه على أساس أنه مشى ورائي وبعد ذلك لم أجده وهو يقول: (انة كدة الحلفان لازم يمشى ونسيب بعض اعمل اية) ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبهك إلى أن المخطوبة أجنبية عن خطيبها لا يجوز له أن يخرج معها ولا أن يجلس معها بدون محرم، بل كل ما هنالك أن الشرع قد أباح له النظر إليها والحديث معها بدون شهوة مرة أو مرتين حتى يتعرف عليها, فإذا تعرف عليها وتعرفت عليه وركن كل منهما لصاحبه فهو بالنسبة إليها كالأجنبي حتى يتم العقد.
أما ما كان منك من وقوع المحلوف عليه دون قصد منك فالراجح فيه من أقوال العلماء هو عدم وقوع الحنث وبالتالي فلا مانع من إتمام عقد النكاح ولا كفارة, لأنك لم تقصدي إيقاع المحلوف عليه.
وتراجع الفتوى رقم: 99894.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1429(19/145)
قالت لابنتها تحرم علي صلاتي وصيامي إن ذهبت للعرس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة عمري 46 سنة أرملة ولي أطفال، السؤال حلفت يمينا قلت لابنتي إن ذهبت إلى العرس عند أحد أقاربي تحرم علي صلاتي وصيامي، فأفيدوني؟ جزاكم الله خيراً وأنا أرجو منكم الإجابة وشكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت لم تحلفي يميناً وإنما علقت تحريم الصلاة والصيام على ذهاب ابنتك إلى مكان معين فلا تلزمك كفارة يمين سواء ذهبت ابنتك إلى ذلك المكان أم لم تذهب، ولا يجوز لك ترك الصلاة والصيام، ولا يحرمان عليك على كل حال، بل الواجب المحافظة عليهما.
لكن عليك أن تحفظي لسانك عن التلفظ بمثل هذه العبارات، مع المبادرة بالتوبة إلى الله تعالى بعد كل مخالفة شرعية من قول أو فعل، إضافة إلى الحرص على شغل اللسان بكل مفيد نافع كذكر الله تعالى من تلاوة القرآن أو الاستغفار أو نحوهما من أنواع الذكر..
وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 57865.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو الحجة 1429(19/146)
هل حنتث بهذه اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[استأمنتني صديقة لي على سر لها وأقسمت لها على أن يظل بيننا، كان عبارة عن مشكلة تعاني منها ... أحببت أن أساعدها فاستشرت إنسانة ذات خبرة وذلك بأن قصصت لها محتوى سر صديقتي دون أن أخبرها باسمها -اسم الصديقة- ولكن بُحت بمعلومات -كالوظيفة والحالة الاجتماعية - عنها ظننت أنها قد تساعد في حل المشكلة، الآن أشعر بأن ضميري يؤنبني ذلك أني بُحت بالسر وخالفت اليمين..لا أدري ماذا أفعل؟ هل ما فعلته صحيح أم أنني قد أذنبت؟ أنا لم أجهر باسم صديقتي فهل فعلي ذلك يعتبر كجهري باسمها وخيانتي للأمانة؟ كما أني لم أخبر صديقتي بما فعلت وأوصلت لها نصيحة من استشرتُها..أشعر بالحيرة أرجو إفادتي ماذا عليّ أن أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في أسرار الناس أن تكتم فلا يجوز أن تنشر وخاصة إن طلب صاحبها كتمانها، ولكن إن كنت لم تذكري اسم صاحبة الأمر ولا ما تُعرَف به فنرجو أن لا حرج عليك في ذلك إن شاء الله، لا سيما وأنه للمصلحة وراجعي الفتوى رقم: 7634.
وأما هذه اليمين فيلزمك تكفيرها فيما يبدو لأنك قد حنثت فيها بإخبارك بهذا السر إن لم تكن النية عند اليمين هي الامتناع عن البوح بالمشكلة وصاحبتها، أما إن كانت النية هي هذه فإنك لم تخالفي اليمين لعدم بوحك بصاحبة المشكلة أو ما تعرف به.
وكفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد شيئا من ذلك صام ثلاثة أيام لقوله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89}
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو الحجة 1429(19/147)
حكم إخراج الخضراوات والفاكهة في كفارة اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز شراء الخضراوات والفاكهة مثل الطماطم والبطاطس والتفاح والموز.. إلخ، وأعطيها ل 10 مساكين في كفارة اليمين، وذلك يكون بقيمة كيلو ونصف من الأرز؟ جزاكم الله خيراً، وأرجو منكم الجواب في الإيميل.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب في كفارة اليمين هو ما نص الله عز وجل عليه في كتابه في قوله: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89} ، والصحيح أنه لو غدى عشرة مساكين أو عشاهم حتى أشبعهم أجزأه ذلك، واشترط الجمهور أن يملك المساكين العشرة الطعام وهو عند الشافعي مُد، وعند أحمد مد من البر أو نصف صاع من غيره، وشرط الطعام كما قال الله أن يكون من أوسط ما يطعمه الإنسان أهله كالبر ونحوه، والأرز من أوسط ما يأكله الناس في زماننا، وليست الخضروات والفواكه من أقوات الناس، ولذا فلا يجوز دفعها في كفارة اليمين، نعم لو بذل الكفارة الواجبة ودفع معها شيئاً من الخضروات أو الفواكة توسعة على الفقراء كان ذلك حسناً، وأما الاقتصار عليها فلا يجوز.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1429(19/148)
حول الحلف بالحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إجابتي حيث إنني متزوج وكلما ذهبت أنا وزوجتي إلى بيت أهلي حصل بيني وبينها خلاف ولما استمر ذلك واحتد بيننا الخلاف بعد زيارة معينة: قلت لها بالحرام منك ما بتروحي على بيت أهلي إلا يوما واحدا بالأسبوع. ولما كان من غير الممكن إلا أن أذهب أنا وإياها أكثر من مرة واحدة في الأسبوع مستقبلا قمت بدفع ما يساوي إطعام عشرة مساكين على أساس أنها يمين, ولكن لما قرأت في فتاوى الشيوخ أن الأمر يعتمد على النية صرت في حيرة من أمري بأني لا أدري أو لا أتذكر ما كانت نيتي وأصبحت الأفكار تتجاذبني أكنت أريد طلاقا أم ظهارا, إلا أنني كل ما أذكره كان عزمي على عدم ذهاب زوجتي بأكثر من مرة في الأسبوع عن أهلي لمنع المشاكل, ولكن ما أود سؤاله حيرتي في نيتي ماذا تعني أتعني أنه لم تكن عندي نية معنية وما مؤدى وحكم ذلك , أرجو المساعدة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحلف بالحرام من الزوجة يحتمل الطلاق والظهار واليمين، وهو مما ترتب عليه نزاع بين أهل العلم سلفا وخلفا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاواه: في هذه المسألة نزاع مشهور بين السلف والخلف لكن القول الراجح إن هذه يمين لا يلزمه بها طلاق ولو قصد بذلك الحلف بالطلاق.
وما دمت قد كفرت عما حلفت به كفارة يمين فنرجو أن يجزئك ذلك، لكن يلزمك الحذر كل الحذر من التلاعب بألفاظ الطلاق والحرام وما يؤدي إلى هدم عصمة الزوجية والوقوع في الحرج والندم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو الحجة 1429(19/149)
حلف ألا يستمني ثلاثا فحنث فهل يلزمه كفارة واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خير الجزاء على هذا الموقع الذي أفادني وأفاد كثيرا من الناس, جعله الله في موازين حسناتكم
جزاكم الله خيرا.
عندي سؤال.. أنا حلفت في رمضان أن لا أفعل العادة السرية لمدة ثلاثة أيام ولكنني فعلتها في الثلاثة أيام وأنا صائم والحمد الله تبت وأسأل الله أن يتقبل توبتي ويثبتني عليها.
فسؤالي هو: هل علي كفارة واحدة أو ثلاث كفارات, وأنا فعلت هذا الشيء في منتصف رمضان تقريباَ وفي ذالك الوقت كتبت سؤالي في الموقع لكنني أضعت رقم الفتوى وبحثت عنها لكن لم أجدها فهل علي كفارة التأخير
وما هي كفارة التأخير؟ , وأنا لا أتذكر بالضبط حلفت بأي يوم لكن أتذكر أنه كان تقريباً في منتصف رمضان أو قبل..
أفيدوني جزاكم الله خير الجزاء.. ولا تنسوني من دعائكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يتوب علينا وعليك، والاستمناء أمرٌ مذموم شرعاً وقد بينا حكمه في فتاوى كثيرة، وانظر الفتوى رقم: 102376، والفتوى رقم: 102009.
وبينا كذلك أن الاستمناء من المفطرات فيجبُ عليك قضاء تلك الأيام التي فعلت فيها هذا الفعل القبيح إذا كان المني قد خرج منك، وانظر الفتوى رقم: 113612، وتلزمك كفارة يمين لأنك خالفت ما حلفت عليه، وقد لزمتك الكفارة بمجرد حنثك في اليمين بفعل العادة السرية أول مرة، وإنما تلزمكَ كفارة واحدة ولا يجوزُ لك تأخيرها بل يجبُ عليك إخراجها على الفور في قول كثيرٍ من العلماء، وقد بينا حكم تأخير كفارة اليمين ومقدارها في الفتوى رقم: 51640، ولا تلزمك كفارة لتأخير إخراج كفارة اليمين، وإنما يلزمك التوبة والاستغفار.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو الحجة 1429(19/150)
هل يباح الحلف على الكذب في بعض الحالات
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم حلف يمين كاذبة على القرآن في المحكمة في عمر13 عاما من أجل كف البلاء والشر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقولك (من أجل كف البلاء والشر) لم نفهم المراد منه، فإذا كنت تقصد أن الحالف قد اضطر إلى الحلف المذكور لتفادي ضرر كان سيلحق به أو بغيره ظلما فإنه لا إثم عليه في الكذب والحلف عليه إذا تعين ذلك طريقا لتفادي الظلم لأن الكذب يجوز في مثل هذه الحال.
وأما إن كان المقصود غير ذلك فإنه من المعلوم بالضرورة عند كل مسلم أن الكذب حرام، وكذا من أكبر الكبائر الحلف عليه، ويسمى اليمين الغموس؛ فقد جاء في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس.
وتتأكد حرمته ويعظم إثمه إذا أكده صاحبه بالقرآن العظيم، فإذا كانت اليمين المذكورة صادرة من مكلف فإنه يجب عليه المبادرة إلى التوبة النصوح إلى الله تعالى، ومن التوبة أداء حقوق العباد إن كانت هناك مظالم، ولو كفر صاحبه عنه كفارة يمين لكان ذلك أحوط؛ فقد ذهب بعض أهل العلم إلى وجوب الكفارة فيه.
أما إذا كان لم يكن مكلفا (لم يبلغ مبلغ الرجال) في تلك الفترة فلا إثم عليه؛ لأن الله تعالى رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ، فقد روى الإمام أحمد وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ وعن الطفل حتى يحتلم وعن المجنون حتى يبرأ أو يعقل.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 7228.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 ذو القعدة 1429(19/151)
تبرئة المسلم نفسه مما اتهم به بالحلف أمام المصلين
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل اتهم بسرقة وأراد أن يبرئ نفسه فقام عقب صلاة الجمعة أمام أهل البلدة وأمسك بالمصحف وحلف على هذه السرقة وكان ذلك في المسجد. فهل هناك حرمة في حلفه داخل المسجد وما العقوبة إذا كان كاذبا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا اتهم المسلم بمنكر لم يفعله فلا مانع أن يبرئ نفسه في المسجد أمام المصلين أو في أي مكان من مجامع الناس حتى يرفع عن نفسه التهمة لئلا تبقى معرة تلاحقه طول حياته، سواء كان ذلك باليمين المجردة أو المغلظة بالحلف على المصحف يوم الجمعة في المسجد؛ فكل ذلك لا مانع منه ما دام صادقا وبريئا مما نسب إليه، وليس هذا من اللغط أو رفع الصوت المنهي عنه في المسجد، لأنه لمقصد مشروع، وهو تبرئة المسلم البريء.
أما إذا كان الحلف على كذب؛ فإنه يكون أوقع نفسه في إثم عظيم ومعصية كبيرة لحلفه يمين غموس مؤكدة بوقوعها على المصحف وفي المسجد يوم الجمعة، وسميت يمين الغموس؛ لأنها تغمس صاحبها في النار أو في الإثم- والعياذ بالله- إذا لم يبادر بالتوبة النصوح منها، وعلى من فعل ذلك أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى؛ فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وللمزيد من الفائدة والتفصيل عن يمين الغموس وعقوبة صاحبها وما يترتب عليها من الكفارة، نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 7228.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 ذو القعدة 1429(19/152)
إذا ترتب على البر باليمين مفسدة أعظم فليحنث وليكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد حلفت على القرآن أنه عندما أرى زوجي يدخن المروانه أن أقول لأخيه عنه، وأن هذا اليمين لا تحله أي كفارة سوى أن أقول لأخيه. ولقد عاد زوجي لما هو عليه ولم أستطع القول لأخيه. ماذا أفعل خوفا من حصول مشاكل بين الإخوة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحلف على المصحف أو في الأماكن المقدسة.. يؤكد اليمين ويجعله أشد وأغلظ، ولذلك ينبغي للمسلم إذا حلف أن يحترم يمينه ويبره إذا لم يكن في بره إثم أو قطيعة رحم.
أما إذا كان يترتب على بر يمينه مفسدة أعظم فإن عليه أن يحنث فيها ويكفر عنها بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن لم يجد فليصم ثلاثة أيام، وذلك لما رواه مسلم وغيره أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه.
وعلى ذلك؛ فإن كان إخبار أخي زوجك بما فعل أخوه يترب عليه مشاكل أو مفاسد أكبر؛ فإن عليك ألا تخبري الأخ، وعليك أن تنصحي زوجك بالكف عن هذا الفعل الخبيث الحرام، كما هو مبين في الفتويين: 1994، 1671.
كما أن عليك أن تكفري عن يمينك بما ذكرنا، أما إذا لم يكن يترتب على إخبار الأخ مفسدة ويمكن أن يكون فيه إقلاع زوجك عن هذا الفعل الحرام؛ فإنه ينبغي أن تبري يمينك وتخبري الأخ بفعل أخيه حتى يمنعه، فإن لم تفعلي لزمتك كفارة يمين.
وللمزيد انظري الفتوى رقم: 2654.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 ذو القعدة 1429(19/153)
بجاه ربي هل هو يمين يستلزم الكفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود إخوتي الكرام أن أسال عن اليمين والبر بها: كنت ذات ليلة جالسا أمام التلفاز متابعا لأحد البرامج الدينية كانت بالقرب مني زوجتي تداعب وتلاعب ولدنا الذي كان يضحك بصوت مرتفع مما منعي متابعة البرنامج فقلت للزوجة "بجَاهِ ربي" (وهو لفظ رائج في بلدنا يُستعمل كلفظ "استحلفكِ بالله" وغيره من ألفاظ القسم على الغير بفعل او بعدم فعل شيْ ما ... ) كفي فعل ذلك، غير أنها لم تستجب في الحين وواوصلت اللعب معه ولم تتوقف عنه إلا بعد أن ألقيتها بنظرة غاضبة، والسؤال: هل أن لفظ "بجاه ربي" يعد من باب اليمين الموجب للبرّ لمن وجهه إليه، وإذا تم اعتباره يمينا، هل يعتبر عدم استجابة الزوجة في الحين عدم برّ بذلك اليمين يوجب كفارة اليمين لمن تلفظ به، فأرجو لكم التوفيق والسداد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعبارة (بجاه ربي) إذا كان معناها عندكم أستحلفك بالله تعالى فلا ينعقد بها يمين، وبالتالي فلا كفارة في عدم امتثال زوجتك لأمرك، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 53209.
ومن المستحب إبرار قسم المسلم إذا طلب من غيره فعل أمر مندوب أو مباح أو ترك أمر مكروه أو مباح، كما تقدم ذلك في الفتوى رقم: 113691.
وجاه الله تعالى بمعناه الأصلي الذي هو العظمة تنعقد به اليمين لأنها صفة الله تعالى، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 59934.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ذو القعدة 1429(19/154)
حكم من حلف على غيره ليفعل أمرا فخالفه
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتريت بعض الأغراض لصديق لي وأقسمت بالله أن لا آخذ مالا منه، ولما أقسم هو أن آخذ المال أخذته منه، فما حكم قسمي هذا، ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنك قد حنثت في يمينك هذه عندما أخذت المال الذي حلفت على ألا تأخذه؛ فإن كان قصدك إكرام صاحبك دون إلزامه ففي وجوب الكفارة خلاف، والراجح -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى- عدم وجوب الكفارة؛ لأن القصد الإكرام وقد حصل.
فقال رحمه الله: لا حنث عليه إذا حلف على غيره ليفعلنه فخالفه إذا قصد إكرامه لا إلزامه به لأنه كالأمر إذا فهم منه الإكرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر بالوقوف في الصف ولم يقف.
أما إذا كان قصدك إلزامه بأخذ المال فتلزمك كفارة يمين. كما هو مبين في الفتوى: 23136.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 ذو القعدة 1429(19/155)
تلزمك كفارة اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني وبحمد الله مقاطعة لإسرائيل والدانمارك ولكنني مريضة بالتهاب الحلق شديد وكتب لي الطبيب دواء فرنسيا وكنت قد أقسمت بالله لن أضع شيئا في فمي من منتجات أعداء الله ولكنني أخذت الدواء للعلاج فهل لا بد من صيام 3 أيام كفارة للحلفان علما بأنني مازلت مقاطعة أرجو الإفادة؟ ... ... ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان واقع الحال ما ذكرت من أنك حلفت على مقاطعة منتجات أعداء الله، ثم شربت الدواء الذي صنعته الدولة المشار إليها فنرى أنك قد حنثت في يمينك وتلزمك كفارة يمينك، وكفارة اليمين لا تكون ابتداء بصيام ثلاثة أيام، وإنما بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن عجزت عن ذلك فصومي ثلاثة أيام، وانظري الفتوى رقم: 2053 عن كفارة اليمين والفتوى رقم: 71469، والفتوى رقم: 71423.
وهذا الذي أفتيناك به هو في حال ما إذا لم تكن لك نية في اليمين، وأما إن كان قصدك بأعداء الله هو إسرائيل والدنمارك فإنك لا تحنثين باستعمال منتجات غيرهما من الدول.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 ذو القعدة 1429(19/156)
استفزاز الزوجة لزوجها لا يسوغ اليمين الكاذبة
[السُّؤَالُ]
ـ[تريد زوجتي أن تجعلني أكره إخوتي ومع استفزازها لي أقسمت لها بأنني أكره إخوتي بسببها حتى أجعلها تتراجع من محاولة أن تجعلني أكرههم، مع العلم بأنني أحبهم جدا، ما حكم القسم الذي أقسمته كاذبا؟ ولكم الشكر والثناء.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يليق بالرجل أن يكون ضعيفاً أمام زوجته إلى هذا الحد، بل عليه أن يكون قواماً كما جعله الله تعالى، وأن يزجرها إذا أرادت تخطي حدودها من غير أن يظلمها، أما وقد حصل ما حصل فالواجب عليك أن تبادر إلى التوبة إلى الله تعالى عما أقدمت عليه من الحلف الكاذب، وما ذكرته من أمور ليست بعذر شرعي للإقدام على تلك المعصية، وكان بإمكانك اللجوء إلى التعريض وتحاشي الحلف كذباً، وهذه اليمين لا كفارة لها عند الجمهور بل على صاحبها التوبة الصادقة، وقال الشافعية بوجوب كفارة اليمين، وعليه فالاحتياط إخراج كفارة يمين خروجاً من الخلاف، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 113739، 9714، 100705، 50626.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 ذو القعدة 1429(19/157)
أحوال كفارة اليمين مع تكرار الأيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أن تكرار اليمين على شيء واحد تلزم منه الكفارة مرة واحدة ولكن في حالة أني كنت أريد أن أقلع عن ذنب وكي أمنع نفسي من الوقوع به كنت أحلف أني لن أفعله إلا بعد أن أقرأ سورة من القرآن (الفرقان مثلاً) لعلي أرجع عنه، ولكني كنت أفعله دون قراءة السورة، فأخرج الكفارة، فهل لو تكرر حلفي ولكن بأن أقرأ سورة من القرآن أخرى غير الأولى (الحديد مثلاً) وللأسف فعلت الذنب دون قراءتها فهل يعتبر هذا قسما جديد تلزم منه كفارة جديدة؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الإجابة على سؤال الأخ الكريم نريد أن ننبه إلى أن كثرة الحلف مذمومة شرعاً، وتكرار الأيمان ليس هو الوسيلة لترك المعصية، فالذي يريد أن يترك المعصية حقيق عليه أن يصدق نفسه ويصدق مع الله تعالى ويبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى ويعقد العزم الجازم على ألا يعود إليها فيما بقي من عمره، وليتذكر غضب الله تعالى وعقابه لأهل المعاصي، ولا يحتاج ذلك إلى حلف.
وبالنسبة للسؤال فإن من حلف على شيء أكثر من مرة وحنث في اليمين الأولى قبل الحلف بالثانية فإن عليه بكل واحدة حنث فيها كفارة، ولذلك فإن عليك بكل يمين حنثت فيها قبل أن تقرأ السورة المعينة كفارة مستقلة، وانظر تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 22027.
ولا تأثير لكون المحلوف عليها سورة واحدة أو كان الحلف على سور مختلفة، ومنه يتبين لك أن تكرار الحلف ليس حكمه كما ذكرت إلا أن يكون التكرار قبل حصول الحنث، ففي هذه الحالة فقط تلزم فيه كفارة واحدة، لأن المقصود هو تأكيد اليمين، علماً بأن الحلف عن الإقلاع عن الذنب لا يجوز لصاحبه أن يحنث في يمينه، لأن الإقلاع عنه واجب بأصل الشرع، والحالف أكد هذا الوجوب بيمينه، فإذا وقع فيه بعد حلفه عنه، فإنه يقع في الإثم مرتين: الأولى بارتكابه لما حرم الله تعالى والثانية الحنث.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1429(19/158)
هل يلزم الموسوس أن يكفر عن أيمانه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي لقد تعبت كثيراً من الوسواس لقد حلفت يمينا فى السابق وبدأ الشيطان يوسوس لي حتى جعلني لا أتحدث ولا أنام وكنت أحلف أيمانا كثيرة وأحنث بسبب الوسواس غصبا عني فهل علي كفارة أنا مغلوب؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يذهب عنك مرض الوسواس، فإن الوسواس مرض وله أسباب وعلاج، وقد بينا ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 51601، 4814، 5734، 10355، 3086، 15409.
والوسوسة الشديدة ذكرها أهل العلم في أسباب التخفيف، والموسوس هو من يشك في العبادة ويكثر منه الشك فيها حتى يشك أنه لم يفعل الشيء وهو قد فعله، والشك في الأصل موجب للعود لما شك في تركه ... لكن إن كان موسوساً فلا يلتفت للوسواس لأنه يقع في الحرج، والحرج منفي في الشريعة، بل يمضي على ما غلب في نفسه، تخفيفاً عنه وقطعاً للوسواس.
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان: قال شيخنا -يعني ابن تيمية -: والاحتياط حسن ما لم يفض بصاحبه إلى مخالفة فإذا أفضى إلى ذلك فالاحتياط ترك هذه الاحتياط.
وعليه فاليمين التي تعقدها دون إرادة منك بل تحت تأثير الوسوسة من غير قصد ولا إرادة ولا رغبة في الحلف، فلا يلزمك فيها كفارة، لأن هذا خارج عن قدرتك، والله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، والواجب عليك الابتعاد عن التلفظ باليمين ما أمكنك ذلك، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 74989.
وأما اليمين التي يجب عليك كفارتها فهي التي تعقدها وتقصدها وتتيقنها كما سبق ذكره في الفتوى رقم: 48055، والفتوى رقم: 48423.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1429(19/159)
حكم من أفطر في صيام الكفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[أثناء صيام كفارة يمين أفطرت نهاراً وأنا صائم فما هو الحكم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم تبين إن كنت أفطرت ناسياً أو متعمداً، فإن كنت أفطرت ناسياً فلا شيء عليك إن كنت أمسكت بقية النهار، لقوله صلى الله عليه وسلم: من أكل أو شرب وهو صائم فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه. متفق عليه.
وأما إن كنت متعمداً -كما هو الظاهر- فقد أثمت بإبطالك الصوم الواجب، فإن من شرع في صوم واجبٍ -ومنه صيام الكفارة- لم يجز له أن يبطله، لقول الله تعالى: وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ {محمد:33} ، والواجب عليك مع التوبة قضاء هذا اليوم عند من لا يشترط التتابع في كفارة اليمين وهو مذهب مالك والشافعي، وأما من يشترط التتابع في صيام كفارة اليمين وهو قول أبي حنيفة وأحمد، فيوجب عليك صيام ثلاثة أيام متتابعة، وفطرك هذا يقطع التتابع ويوجب عليك استئناف الأيام الثلاثة، والقول باشتراط التتابع أحوط؛ لما ثبت في قراءة عبد الله بن مسعود {فصيام ثلاثة أيام متتابعات} ، وهي وإن كانت قراءة شاذة لكن لها حكم الحديث المرفوع.
قال ابن قدامة في المغني: ولنا أن في قراءة أبي وعبد الله بن مسعود "فصيام ثلاثة أيام متتابعات" كذلك ذكره الإمام أحمد في التفسير عن جماعة، وهذا إن كان قرآنا فهو حجة، لأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإن لم يكن قرآناً فهو رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذ يحتمل أن يكونا سمعاه من النبي صلى الله عليه وسلم تفسيراً فظناه قرآناً، فثبتت له رتبة الخبر، ولا ينقص عن درجة تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للآية، وعلى كلا التقديرين فهو حجة يصار إليه، ولأنه صيام في كفارة فوجب فيه التتابع ككفارة القتل والظهار، والمطلق يحمل على المقيد على ما قررناه فيما مضى. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 ذو القعدة 1429(19/160)
عدم التتابع في صيام كفارة اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أثناء صيام كفارة يمين أفطرت نهارا وأنا صائم فما الحكم؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول ابتداء إن الصوم في كفارة اليمين لا يجزئ إلا بعد العجز عن إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن عجز عن هذه الثلاث انتقل إلى الصوم، وهل يلزم التتابع في الصوم أم يجوز تفريق الصيام قولان لأهل العلم، كما جاء في الموسوعة الفقهية: واختلف الفقهاء في التتابع فذهب الحنفية وهو الأصح عند الحنابلة وهو قول للشافعية إلى وجوب التتابع للقراءة الشاذة لابن مسعود فصيام ثلاثة أيام متتابعات، وذهب المالكية وهو قول للشافعية إلى جواز صومها متتابعة أو متفرقة.. انتهى. ولا شك أن الأحوط والأبرأ للذمة أن يصومها الإنسان متتابعة خروجا من الخلاف، فإن فرقها فالأحوط أن يعيدها متتابعة وإن أخذ بقول من لا يوجب التتابع فله ذلك ويكمل بقية الأيام التي عليه. وانظر الفتوى رقم: 50940.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1429(19/161)
حلف لا يذهب إلى مكان معين ثم خرج يريده ولم يصله
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي متزوج ويعمل في جدة وأهل امرأته في الجنوب في يوم من الأيام ذهب إلى أهل امرأته ليوصلها إليهم ثم عاد إلى مقر عمله وبعد أيام قرر الذهاب إلى امرأته فقالت له والدتي لم تترك زوجتك هنا عندنا ثم تذهبون في الإجازة مرة واحدة أفضل من أن تذهب وتعود وتذهب وتعود وبعد نقاش حلف أن لا يذهب إليهم ولا يوصلهم وبعد ثلاثة أو أربعة أيام قرر الذهاب وذهب وفي الطريق توفي بحادث سيارة.هل هذا اليمين فيه شيء علما أنه لم يصلهم بعد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول ابتداء: إن الذهاب في لغة العرب هو السير والمرور؛ كما في لسان العرب, والذي يظهر من كلام الفقهاء أن من حلف أن لا يذهب إلى مكان معين ثم خرج يريده ولم يصله. الذي يظهر أن في حنثه خلافا بينهم, فمنهم من قال يحنث بخروجه إلى ذلك المكان ولو لم يصل, ومنهم من قال لم يحنث لأنه لم يصل.
قال الزيلعي الحنفي في نصب الراية: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ يُرِيدُهَا ثُمَّ رَجَعَ حَنِثَ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ عَلَى قَصْدِ مَكَّةَ وَهُوَ الشَّرْطُ إذْ الْخُرُوجُ هُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ الدَّاخِلِ إلَى الْخَارِجِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْتِيهَا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَدْخُلَهَا.... َلَوْ حَلَفَ لَا يَذْهَبُ إلَيْهَا قِيلَ هُوَ كَالْإِتْيَانِ، وَقِيلَ هُوَ كَالْخُرُوجِ وَهُوَ الْأَصَحّ.... انتهى.
وهذا يعني أنه يحنث في الأصح بذهابه ولو لم يصل.
وقال ابن الهمام في فتح القدير:..... ثُمَّ فِي الْخُرُوجِ وَالذَّهَابِ إلَيْهِ يُشْتَرَطُ لِلْحِنْثِ الْخُرُوجُ عَنْ قَصْدٍ.. انتهى.
ومثله عند صاحب درر الحكام حيث قال: ... إذَا حَلَفَ لَا يَرُوحُ إلَى كَذَا فَهُوَ بِمَعْنَى لَا يَذْهَبُ وَهُوَ بِمَعْنَى الْخُرُوجِ يَحْنَثُ بِالْخُرُوجِ عَنْ قَصْدٍ وَصَلَ أَوْ لَا. .. انتهى.
وعند بعض الحنفية لا يحنث حتى يصل, قال في فتح القدير:. .. َلَوْ حَلَفَ لَا يَذْهَبُ إلَيْهَا قِيلَ هُوَ كَالْإِتْيَانِ فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى يَدْخُلَهَا وَهُوَ قَوْلُ نُصَيْرٍ. قَالَ تَعَالَى {اذْهَبَا إلَى فِرْعَوْنَ} وَالْمُرَادُ الْوُصُولُ إلَيْهِ وَتَبْلِيغُهُ الرِّسَالَةَ.... انتهى.
والذي نراه أقرب إلى الصواب أنه لا يحنث ما دام لم يصل لدلالة الآية السابقة, فإن موسى وهارون عليهما السلام لو توجها إلى فرعون ثم عدلا عن الذهاب في أثناء الطريق لم يكونا ممتثلين للأمر، ولا يصح أن يقال إنهما ذهبا.
وبناء عليه؛ فلا تلزم أخاك كفارة اليمين لا سيما أن الذي يظهر من قوله (لا يذهب إليهم) أنه يعني الوصول لأنه قال ولا يوصلهم فالذي يظهر أنه لم يقصد إلا الوصول إليهم ثم إيصالهم , وهو لم يفعل فلم تثبت الكفارة في ذمته , ولو أخرجتم كفارة عن يمينه من تركته أو من مال أحدكم كان أحوط وأبرأ لذمته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو القعدة 1429(19/162)
التكفير عن اليمين بالصوم ممن لم يجد المال
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من فضيلتكم الإجابة على هذا السؤال وهو بخصوص كفارة اليمين, أنا أعلم أن شروط الكفارة هي:
إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة. ثم إذا عجزت فصيام ثلاثة أيام.
وأنا طالب جامعي وآخذ مصروفي من والدي وهذا المصروف يكفي مصاريفي في دراستي فهل يجب علي أن أطعم عشرة مساكين أم أصوم ثلاثة أيام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المال الذي يعطيكه أبوك يفضلُ عن كفايتك في نفقات دراستك بقدرِ ما تطعم عشرة مساكين، لكل مسكينٍ مُدٌ من طعام أرزٍ أو نحوه فلا يجوز لك التكفير بالصيام، وإنما يلزمك الإطعام أو الكسوة، وأما إذا كان ما يعطيكه أبوك لا يفضلُ عن هذه الكفاية جاز لك التكفيرُ بالصوم لقوله تعالى: فمن لم يجد فصيامُ ثلاثة أيام. {المائدة: 89} .
ولا يجبُ على أبيك أن يخرجَ عنك كفارة اليمين فليس هذا من النفقة الواجبة لكن لو تبرع بذلك كان حسناً، ولا يلزمك أن تدخر من مصروفك ما إذا اجتمع أمكنك أن تكفر به بالإطعام أو الكسوة فإن العبرة في المقدرة على الكفارة إنما هي وقت وجوبها.
ففي المغني: ويكفّر بالصوم من لم يفضل عن قوته وقوت عياله , يومه وليلته , مقدارُ ما يكفر به. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1429(19/163)
عاهد الله على ترك أكل العنب
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أتبع حمية ضد مرض السكري لعدة سنوات فعاهدت الله ألا آكل العنب أبداً لأنه يرفع لي نسبة السكر في الدم، إلا أنه في أحد الأيام أصبت بنوبة حادة قمت على إثرها بفحوصات جديدة فأمرني الأطباء أن آكل كل الأطعمة بما فيها الحلوة وأنا الآن آكل كل شيء إلا العنب لأني عاهدت الله ألا آكله من قبل، فما حكم الشرع أن أحرم حلالاً؟ جزاكم الله عنا خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن عاهد الله على ترك أمر تركه ليس بقربة فعهده بمنزلة يمين لا نذر، وصاحبه يحنث إن خالف ما عاهد الله عليه، وتجب عليه كفارة يمين على الراجح من أقوال أهل العلم، فإن الوفاء بعهد الله واجب، لقول الله تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {النحل:91} ، وقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ {المائدة:1} ، والعقود هي: العهود.. وقد سبق بيان ذلك في عدة فتاوى منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7375، 29746، 29057، 43612.
ولكن يبقى النظر في نيته وفي السبب الحامل له على هذا العهد، فالظاهر من السؤال أن سبب هذا العهد قد زال بأمر الأطباء له بأكل كل الأطعمة، وهذا يعني أن الضرر الذي حصل بسببه هذا العهد قد زال، والراجح أن النية تخصص اليمين وتقيده، وكذلك السبب الحامل عليها، وعليه فهو في الحقيقة إن أكل من العنب لم ينقض عهده، ولكن العهد نفسه قد سقط بزوال السبب الذي من أجله كان.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 شوال 1429(19/164)
حكم اليمين الكاذبة وهل لها كفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[لا حياء في الدين ما حكم من حلف باليمين الكاذب لدفع الضرر، كنت مع أصدقائي فجاءني وقت وأطلقت الريح ثم كانت الرائحة مزعجة ثم سألني صديقي أن أحلف أنه ليس أنا فحلفت لأنه إذا لم أفعل ذلك لقالوا لجميع أصدقائي فما حكم ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك أن تبادر بالتوبة إلى الله تعالى عما أقدمت عليه من الحلف الكاذب، وما ذكرته من أمور ليست بعذر شرعي للإقدام على تلك المعصية، وكان بإمكانك اللجوء إلى التعريض وتحاشي الحلف كذبا، وهذه اليمين لا كفارة لها عند الجمهور بل تكفي صاحبها التوبة الصادقة، وقال الشافعية بوجوب كفارة يمين، وعليه فالاحتياط إخراج كفارة يمين خروجا من خلاف أهل العلم.
وراجع الفتوى رقم: 100705، والفتوى رقم: 50626.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 شوال 1429(19/165)
حكم الحلف على المصحف لتبرئة رجل لا يصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الحلف على المصحف لتبرئة إنسان من فعل فاحشة بالرغم من أنه لا يصلي وكيف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحلف بوضع اليد على المصحف يعتبر أمرا مستحدثا كما ذكرنا ذلك في الفتوى رقم: 36839، وينبغي للمسلم اجتناب الحلف عموما ما أمكنه ذلك، وإذا احتاج المسلم لأن يحلف فليفعل، وإذا استحلف وطلب منه وضع اليد على المصحف ففعل فنرجو أن لا حرج في ذلك، فمن العلماء من رخص في الحلف بوضع اليد على المصحف كما في الفتوى المشار إليها آنفا.
وإن كان الضمير في الفعل لا يصلي عائدا على الحالف فإن كان تاركا للصلاة بالكلية فلا يجوز تمكينه من مس المصحف لأن من العلماء من ذهب إلى أن تارك الصلاة كافر كفرا مخرجا من الملة، والكافر لا يجوز له مس المصحف، وإن كان الضمير يرجع إلى من اتهم بفعل الفاحشة فكونه لا يصلي ليس بمانع شرعا من تبرئته من ذلك إن كان بريئا حقا، ومن أراد مس المصحف من المسلمين فلا يجوز له مسه إلا وهو على وضوء على الراجح كما بينا بالفتوى رقم: 36555.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1429(19/166)
حكم من قال (أشهد الله أني لن أقوم بهذا العمل) وفعله
[السُّؤَالُ]
ـ[ارتكبت ذنبا عظيما وهو أني قلت أشهد الله أني لن أقوم بهذا العمل وغلبني الشيطان وفعلته فما هي كفارتي؟ وهل يغفر الله لي؟ أرشدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان ما عزمت على تركه محرما فتجب التوبة الصادقة من وقوعك فيه كما يجب العزم على عدم العود إليه مستقبلا، ومن تاب مخلصا تاب الله عليه؛ كما قال تعالى: وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَّحِيمًا {النساء:110} .
وأما قولك (أشهد الله أني لن أقوم بكذا) فإن كنت نويت به القسم على البعد عن هذا الشيء فيجب عليك أن تكفري عن القسم الذي حنثت، وإن لم تكوني نويت القسم فلا كفارة عليك. قال الشبراملسي في حاشية شرح المنهاج معلقا على قول الرملي: ولو قال: أشهد بالله ولعمر الله فليس بيمين إلا بنية. قال الشبراملسي: ومثله: الله شهيد علي أو يشهد الله علي. انتهى.
وراجعي في كفارة اليمين الفتوى رقم: 2022.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1429(19/167)
حنثت في يمينها وتزوجت
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي متدين ومتشدد جدا بل وقاس ومنعنا من الكثير من الأشياء حتى السلام عليه ولهذا حلفت يمينا بأن لا أتزوج أبدا رجلا متدينا ولكنني تزوجت رجلا متدينا وملتزما وليس متشددا في الدين وأنجبت منه أولادا وأنا سعيدة جدا معه، وكنت كثيرا ما أفكر بأنه عليّ صيام ثلاثة أيام غير أنني كنت أتردد في كل مرة، هل عليّ الصيام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتجب عليك كفارة يمين وهي إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم المرء أهله أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن عجزت عن ذلك فعليك صوم ثلاثة أيام، وقد أحسنت بالحنث في يمينك والزواج من ملتزم لأن ذلك خير لك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه. رواه مسلم.
وللفائدة انظري الفتوى رقم: 2654.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 شوال 1429(19/168)
متى يستحب للشخص أن يبر قسم أخيه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أقسم شخص على آخر بفعل أمر ما بعيدا عن أمور الدين أي أن المقسم لم يقسم على الآخر بدافع نهيه عن منكر أو أمر حرام أو دفعه لعمل خير بل بدافع العقاب أو السلطة عليه أو ليسيطر عليه نحو أن يقول: والله لن تفعل كذا حتى تنفذ ما أمرك به. أو سأحرمك من كذا حتى وقت معين حتى تنفذ أمري. وهو يمين واقع وليس لغواً أي هو يقصد أن يحلف عليه حتى لا يعصيه.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسؤال مشتمل على بعض الغموض إذ لم يتميز المحلوف عليه في قول السائل سأحرمك من كذا حتى.. وعلى أية حال، فإن من حق المسلم إذا حلف على أخيه المسلم بفعل أمر ليس بواجب أو ترك أمر ليس بحرام أن يبر قسمه، وذلك على جهة الاستحباب والندب.
جاء في الموسوعة الفقهية: ومن حلف على غيره أن يفعل مندوبا أو مباحا، أو يترك مكروها أو مباحا فهذا يطلب إبراره على سبيل الاستحباب، وهو المقصود بحديث الأمر بإبرار القسم الذي رواه الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، وإبرار القسم، أو المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام. انتهى.
ولذلك فيستحب للشخص المذكور أن يبر قسم أخيه على هذا الأمر الذي ليس بواجب ولا حرام إذا لم يكن يترتب عليه في ذلك ضرر أو حرج ‘ وإلا فإن الحرج مرفوع والضرر مزال وفي حال عدم بره وتنفيذ أمره؛ فإن على الحالف أن يكفر عن يمينه، وليس على المحلوف عليه شيء؛ لأن الأمر بإبرار القسم للاستحباب كما أشرنا.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 95211، 111214، 102942.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 شوال 1429(19/169)
حلف على ترك الدخان فشرب النرجيلة ثم أخرج الكفارة ثم شرب السجائر
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل أقسم بالله على ترك الدخان ثم شرب النرجيلة وظن أنه قد حنث بيمينه فأخرج الكفارة، ثم شرب السجائر ولم يدر هل يخرج الكفارة مرة أخرى لأنه إنما أقسم على الدخان وليس على النرجيلة، فهو محتار بين أن يعتبر النرجيلة من الدخان وداخلة في القسم وبالتالي تجزئه الكفارة التي أخرجها، وأن يعتبر النرجيلة ليست من الدخان فتكون كفارته التي أخرجها صدقة وتلزمه كفارة أخرى، فماذا يفعل بارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتدخين بكل أنواعه من الخبائث المحرمة التي يجب التنزه والابتعاد عنها، وقد سبق بيان هذا في فتاوى كثيرة منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1671، 1819، 3822.
والنرجيلة تأخذ حكم الدخان الذي حلفت بالامتناع عنه، واليمين تنحل بمجرد حصول الحنث والكفارة، وعليه فالكفارة التي أخرجتها تكفي مع وجوب التوبة وترك التدخين بكل أنواعه سواء حلفت على ذلك أم لا..
وقد سبق ذكر أقوال العلماء فيمن حلف على ترك المعصية ثم عاد إليها وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9302، 26864، 59680 فراجعها، ونسأل الله أن يتوب عليك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شوال 1429(19/170)
حكم حلف المحامي يمينا كاذبة ليحصل على حق موكله
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل محام وعرضت علي قضية وهي شخص يزرع أرضا صحراوية منذ ست سنوات وهو قام بشرائها من آخر مقابل مبلغ من المال وأراد أن يأخذ حكما من المحكمة بتمليكه الأرض وتوجه إلي وطلب مني رفع الدعوى؛ لكني لم أكن على علم بإجراءاتها فتوجهت إلى زميل لي ليساعدني فيها فأخبرني بسهولتها وشرعيتها وعدم معارضتها للشرع وأخذت مبلغا من المال للسير في إجراءاتها وبعد ذلك قال لى زميلى إن الدعوى قد تحال إلى التحقيق ومن ثم يجب حلف اليمين بأن الأرض مزروعة منذ حوالي ثلاثين عاما وهو زرعها بالفعل منذ ستة سنوات مع العلم أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم قال: من أحيا أرضا موات فهي له. فهل حلف اليمين يعد يمين غموس وهل أنا أكو ن آثما؟. أرجو الإفادة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اشتغال المسلم بالمحاماة في ظل تحكيم القوانين الوضعية من المسائل التي لأهل العلم فيها قولان: فالقول الأول: المنع بإطلاق، القول الثاني: يجوز تولي المحاماة تحقيقاً لبعض المصالح أو دفعاً لبعض المفاسد، وإعمالاً لقاعدة الضرورة، واستيفاء للحقوق واستخلاصاً للمظالم عند انعدام البديل الشرعي، وإن اضطر الموكل إلى الترافع إلى محكمة وضعية، كأن تقام ضده الدعوى، أو لا يوجد غيرها في بلده، جاز للمحامي الدخول معه، مع مراعاة ما يلي:
1ـ أن يراعي حكم الشرع ابتداءً في أصل القضية، فلا يترافع إلا إذا علم مشروعية الدعوى ومضمونها.
2ـ لا يجوز له الدفاع عن موكله في أمر يعلم بطلانه.
3ـ لا يجوز له المطالبة عنه بحق ليس له.
4ـ يجب عليه أن يبين الحق وأن يقول الصدق.
أما حكم إحياء الأرض الموات الوارد في الحديث الذي أشرت إليه فما كان من الأرض مواتاً لم يُعلم تقدم ملكٍ لأحد عليه، فهو لمن أحياه بالسقي أو الزرع أو الغرس، ولا يحق للسلطان نزعها منه بعد ذلك.
وعلى هذا إن كان المدعي له الحق في تملك الأرض فلا بأس أن تقوم برفع الدعوى عن هذا الشخص بالضوابط المذكورة، ومن أهمها أن لا تفعل محرماً من الكذب أو الحلف الكاذب فلا يجوز لك أن تحلف يميناً كاذباً أو تشهد شهادة زور، ويمكنك استخدام المعاريض والتورية في حال الاضطرار.
وننبهك إلى أن موكلك يجوز له أن يحلف يميناً كاذباً إذا تعين ذلك لاستخلاص حقه لأنه مضطر لذلك، أما أنت فلا ضرورة في حقك، كما أن التوكيل في حلف اليمين لا يجوز لأن الأيمان لا تدخلها النيابة.
قال ابن قدامة في المغني: ولا يصح التوكيل في الشهادة ... ولا يصح في الأيمان والنذور لأنها تتعلق بعين الحالف والناذر، فأشبهت العبادات البدنية والحدود. اهـ.
وقال الخرشي في شرح مختصر خليل: الوكالة تصح في قابل النيابة كما مر لا في الأيمان لأنها أعمال بدنية اهـ.
ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها: 1028، 12468، 18505، 28225، 50062، 100903. 111440.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1429(19/171)
نية الحالف وحكم اليمين إذا لم ينو شيئا
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
جزاكم الله خيراً على المجهود الذي تبذلونه، وبعد
السؤال: أخ أهدى زوجته شقته التي يسكن فيها في بيت والده هدية (هبة) بعد فترة دخل في مشروع وتذبذب فيه فلينهي الأمر قال علي الطلاق لأخرج من المشروع في خلال مدة معينة والحمد لله خرج ولم يقع الطلاق المعلق، لكن زوجته وابنها وعن طريقه شكوه وهو كبير قوم إلى أخ فاضل بأنه تسرع وأدخل الطلاق في الموضوع، فعزت عليه نفسه فقال علي الطلاق ما أنا داخل شقتك ولا شقة أمك (الشقة واحدة والابن لم يتزوج ولكنه أحدث تعديلات معمارية في الشقة) ، والحمد لله الزوج لم يدخل إلى الآن بيت زوجته، قال له البعض تبيع زوجتك الشقة وتقرضك المال لشراء شقة أخرى، وقال له البعض اشتر منها الشقة، وما دمت لا تملك مالاً يمكن أن تقايضها بنصيب في أرض لك أو في نصيبك من البيت شراء حقيقيا، والسؤال يكمن في:
1- أنه يرى أن هذا تحايل وهو ملتزم جدًا وهي كذلك.
2- موضوع أنه طبعاً في حالة الرجوع إليه يقول أنا لم أتصور التحايل فبالتالي قولي على الشقة بعينها التي تملكها زوجتي.
3- عطفه وإدخاله ابنه في قوله علي الطلاق، هو يخاف من هذا.
4- أنه وهب الشقة وفي علمه صدقة سيدنا عمر بن الخطاب ورفض النبي أن يشتري ما وهب من قبل أو كما حدث وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمذهب جماهير العلماء أن نية الحالف إذا لم يكن مستحلقاً تخصص العام وتقيد المطلق إذا كان اللفظ صالحاً لذلك، وبعضهم يخص هذا بالعام المذكور، قال صاحب المبسوط من الحنفية: ولو حلف لا يأكل طعاماً ينوي طعاماً بعينه أو حلف لا يأكل لحماً ينوي لحماً بعينه فأكل غير ذلك لم يحنث. انتهى.
وقال خليل بن إسحاق المالكي في مختصره: وخصصت نية الحالف وقيدت إن نافت وساوت، قال شارحه صاحب مواهب الجليل: يعني أن النية تخصص العام وتقيد المطلق إذا صلح اللفظ لها.
وقال صاحب كشاف القناع الحنبلي: وإذا حلف ليفعلن شيئاً ونوى وقتاً بعينه كيوم أو شهر أو سنة تقيد به لأن النية تصرف ظاهر اللفظ إلى غير ظاهره. انتهى.
وعلى ذلك فإن الأمر في هذه اليمين يرجع إلى نية الحالف، فإن كان قد نوى في يمينه ألا يدخل هذه الشقة بخصوصها ولا مانع من دخول شقة أخرى لهما فإن الأمر يكون على ما نواه، وحينئذ يمكن لزوجته أن تبيع هذه الشقة، وتشتري شقة جديدة ليعيش معها زوجها فيها أو تقرضه المال -إن شاءت- ليشتري هو الشقة وهذا ليس من التحايل المذموم.
وأما إن كانت نيته ألا يدخل لها شقة أبداً وقصد كل شقة، ولم يخصص هذه الشقة بعينها فإنه لا ينفعهم حينئذ بيع هذه الشقة وشراء غيرها، فإنه ما دامت الشقة ملكاً لها فإنه يحنث بدخولها، وأما إن كان قد حلف هكذا وأطلق ولم تكن له نية، فإن الأمر حينئذ يرجع إلى سبب اليمين وما هيجها.
جاء في المغني لابن قدامة قال: فإن لم ينو شيئاً رجع إلى سبب اليمين وما هيجها. وجملته أنه إذا عدمت النية، نظرنا في سبب اليمين، وما أثارها لدلالته على النية، فإذا حلف لا يأوي مع امرأته في هذه الدار نظرنا، فإن كان سبب يمينه غيظاً من جهة الدار لضرر لحقه منها أو منة عليه بها، اختصت بيمينه بها وإن كان لغيظ لحقه من المرأة يقتضي جفاءها ولا أثر للدار فيه تعلق ذلك بإيوائه معها في كل دار. انتهى.
وبناء على ذلك فإذا لم تكن هناك نية للحالف فإنه يقع يمينه بدخول أي سكن لهما، وأما قوله (علي الطلاق) فهذا حلف بالطلاق وقد مر الحديث عليه في الفتوى رقم: 11592.
وأما حديث عمر المذكور فهو في شراء الصدقة لا الهبة، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه. وقد حمل النووي رحمه الله النهي في هذه الحالة (شراء الصدقة) على كراهة التنزيه، فقال: واتفق أصحابنا على أنه لو ارتكب المكروه واشتراها من المدفوع إليه صح الشراء وملكها، لأنها كراهة تنزيه، ولا يتعلق النهي بعين المبيع.
وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 32580، والفتوى رقم: 111912.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1429(19/172)
حكم الحلف بالحرام ناسيا
[السُّؤَالُ]
ـ[كنا في حديث أنا وأشخاص وقالوا إن أحدا روى عني أني سببت أحد الناس وأنا أنكرت أنني قلت مثل هذا الكلام وقلت لهم علي الحرام أنا ما قلت هذا الكلام وقد كنت ناسيا ثم تذكرت أنني كنت قد أصدرت مثل هذه الجملة، فما هي الفتوى في هذا اليمين أفادكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يحلف بغير الله وذلك لما جاء في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت. ولما رواه أبو داود وغيره: من حلف بغير الله فقد أشرك.
والحلف بالحرام إذا لم تكن لصاحبه نية فالمرجع عندنا أنه يترتب عليه لزوم كفارة الظهار على من كانت له زوجة، وعلى من لم تكن له زوجة كفارة يمين، كما سبق بيانه بالتفصيل في الفتوى رقم: 50961 وما أحيل عليه فيها.
وأما كونك حلفت ناسيا فالظاهر أنه لا كفارة عليك في قول جمهور أهل العلم، وإنما تلزمك التوبة إلى الله والاستغفار من الحلف بغير الله تعالى، وذلك لما رواه ابن ماجه وغيره عن أبي ذر الغفاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. صححه الألباني.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 شوال 1429(19/173)
حلف أن يحفظ القرآن فلم يستطع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي خالي مرة أب وحلفت بالله أنوي إذا تزوجت أحفظ القرآن وإذا ما حفظته الله يعاقبني ويقلل رزق زوجي وما عم اقدر أحفظه شو سوي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السؤال غير واضح، والذي فهمناه منه أن السائلة حلفت بالله على أنها إذا تزوجت سوف تحفظ القرآن، وأنها ما استطاعت حفظه فماذا عليها؟
فإذا كان الأمر كذلك فنقول لها: إن حفظ كتاب الله تعالى أمر محمود شرعا ومرغوب طبعا، وينبغي لكل مسلم أن يحرص على حفظه أو ما استطاع منه ويسأل الله أن يعينه على ذلك.
وإن كان حلف الأخت المذكور معلقا بزواجها -كما فهمنا- وحصل الزواج بالفعل فإن الواجب عليها هو أحد أمرين: أن تحاول حفظ القرآن الكريم بكل وسيلة مستطاعة، فإذا لم تحفظه فإن عليها أن تخرج كفارة يمين لعدم برها بيمينها.
والكفارة هي المذكورة في قوله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة: 89} . وراجعي للمزيد فتوانا رقم: 204.
وأما قولها: وإذا ما حفظته.. فإذا كانت تقصد به الدعاء على نفسها وزوجها إذا لم تحفظ القرآن فما كان ينبغي لها أن تقوله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجاب لكم. أخرجه أبو داود. فينبغي لها أن تسأل الله العافية في الدين والدنيا، والسعة في الرزق، والإعانة على حفظ القرآن الكريم.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1429(19/174)
حلفت كذبا أنها غير غضبى من صديقتها حياء منها
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مغضبة من إحدى الصديقات ولما كلمتني غضبت عليها فلاحظت أني مغضبة منها فقالت لي هل أنت مغضبة مني ساعتها شعرت أني كنت مخطئة وقلت لا لكنها قالت لي قولي والله فقلت والله رغم أني كنت مغضبة منها إلا أنها لما كلمتني شعرت براحة وإحراج منها واستحييت منها وحلفت لها. فهل يجب علي صيام ثلاثة أيام رغم أني لم أكن متعمدة أن أحلف؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقولك:.. رغم أني لم أكن متعمدة أن أحلف إذا كنت تقصدين منه أنك حلفت دون قصد الحلف فإن هذا يعتبر من لغو اليمين عند كثير من أهل العلم ولا كفارة فيه، وتراجع فيه فتونا رقم: 95841، وإن كنت قد قصدت الحلف حقيقة بسبب إحراج الصديقة لك فإنك بذلك قد أخطأت، وما كان ينبغي لك أن تتعمدي الحلف على أمر هو خلاف الواقع، فإن حلف الشخص بالله كاذبا متعمدا على أمر قد مضى يعد يمينا غموسا، وهو من كبائر الذنوب والعياذ بالله تعالى، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس. وسمي بالغموس لأنه يغمس صاحبه في الإثم أو في النار أجارنا الله منها، وهذا النوع لا كفارة فيه بل تجب منه التوبة والاستغفار، وذهب بعض أهل العلم إلى أن فيه كفارة يمين، ولهذا فإن حلفك على أنك غير غضبي من صديقتك حلف على الكذب لا يجوز إن كنت متعمدة، وعليك التوبة والاستغفار، ولا كفارة عليك في رأي الجمهور وإن كان الأحوط أن تكفري كفارة يمين، على رأي بعض أهل العلم كما أشرنا، والكفارة هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن لم تجدي شيئا من ذلك فعليك صيام ثلاثة أيام، وللمزيد انظري الفتويين: 1910، 32314.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
06 شوال 1429(19/175)
أقسم أنه يملك طفاية الحريق وهو لا يملكها
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم علماءنا الأفاضل أن تجيبوني عن سؤالي هذا بداية كنت في المرور لإجراء ترخيص السيارة ولإتمام ترخيص السيارة يتوجب أن تكون في السيارة طفاية حريق وكان من قبل لي زميل لديه طفايتان فأخذت منه واحدة على أن أدخل بها الفحص المروري وكان في نيتي الداخلية أنهم إذا سمحوا لي بها سأشتريها منه وإلا فسأشتري واحدة جديدة ولما ذهبت في اليوم التالي للمرور أقسمت للرجل أنها خاصة بي وكان في نيتي قبل القسم أنني سأشتريها فأقسمت على أنها ملكي بحكم ما سيكون فهل هذا اليمين غموس مع العلم أنني كنت متخيلا أنني استخدمت المعاريض أفيدوني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من المعلوم بالضرورة عند كل مسلم أن الكذب حرام لا يجوز للمسلم تعمده ويكون إثمه أكبر إذا حلف عليه؛ فإن ذلك من أكبر الكبائر، فقد روى البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الكبائر الإشراك بالله واليمين الغموس وعقوق الوالدين أو قال وقتل النفس.
وما أشرت إليه من استخدام المعاريض أمر مشروع في الجملة إذا كان الغرض منه مشروعا، والظاهر أنه هنا ليس بمشروع؛ لما فيه من التحايل على المصلحة ونظام الترخيص والمرور الذي يقصد به الحفاظ على الأنفس والممتلكات.. وهذا من المقاصد الشرعية المتفق عليها.
ثم إن اليمين على نية المستحلِف إذا تعلق بها حق الغير. قال الإمام مسلم في صحيحه: باب يمين الحالف على نية المستحلف ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك.
وعلى ذلك فإن عليك أن تبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى من هذه اليمين الكاذبة وتتقرب إلى الله تعالى بما استطعت من النوافل وأعمال الخير. وقد ذهب الشافعية إلى أن يمين الغموس تلزم منها كفارة اليمين، فلو كفرت عنها لكان أحوط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شوال 1429(19/176)
الأيمان المتعددة على أشياء مختلفة
[السُّؤَالُ]
ـ[هذه هي المرة الرابعة التي أرسل لكم هذا السؤال ففي كل مرة تحيلوني إلى فتاوى لا أجد فيها الجواب السؤال: أقسمت 3مرات بالله العظيم في مرات مختلفة، الأولى أقسمت أن لا أصلي وراء إمام المسجد القريب من بيتنا وبعد حوالي شهرين أقسمت أن لا أجادل شخصا وجادلته والثالثة كفارة نذر لم أستطع الوفاء به ويقع عليَّ 3 كفارات ونحن في سورية ندفع للكفارة 500 ليرة وأنا عليَّ3 يعني بقيمة 1500ليرة فهل يجوز دفع 500 ليرة فقط عن الكفارات الثلاث أم عن كل واحدة 500 ليرة مع العلم أني لا أعمل وتحت رعاية والدي وإن كان يجوز فهل يجوز دفع واحدة عن 4 وجزاكم الله خيرا في المرات السابقة أحلتموني إلى فتوى 8186 - 6869 - 56426 - 25415 وكلها تدور حول الحالف على شيء عدة مرات ,أنا حلفت على أشياء متعددة في مرات متعددة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من حلف أيمانا متعددة على أشياء مختلفة مثل ما ذكر السائل فإن الكفارة تتعدد عليه- على الراجح من أقوال أهل العلم- بتعدد المحلوف عليه والحنث في كل واحد منها.
قال ابن قدامة في المغني: وإن حلف أيمانا على أجناس فقال، والله لا أكلت، والله لا شربت، والله لا لبست فحنث في واحدة منها فعليه كفارة، فإن أخرجها ثم حنث في يمين أخرى لزمته كفارة أخرى، لا نعلم في هذا أيضا خلافا، لأن الحنث في الثانية تجب به الكفارة بعد أن كفر عن الأولى فأشبه ما لو وطئ في رمضان فكفر ثم وطئ مرة أخرى، وإن حنث في الجميع قبل التكفير فعليه في كل يمين كفارة. انتهى.
وراجع الفتوى رقم: 22807.
وعلى ذلك فالواجب عليك إذا حنثت هو الكفارة عن كل واحدة من اليمينين لأنهما مختلفتان زمانا ومكانا ومحلا.
وأما النذر الذي عجزت عن الوفاء به فإن عليك فيه كفارة يمين أخرى إذا كان العجز دائما لا يرجى زواله، وذلك لما رواه أبو داود وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نذر نذراً ولم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً لم يطقه فكفارته كفارة يمين. زاد ابن ماجه في روايته: ومن نذر نذراً أطاقه فليف به.
وكفارة اليمين هي المذكورة في قول الله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. {المائدة:89} .
والأصل في الكفارة أن الإطعام أن تكون من الطعام كما يدل عليه لفظ الآية الكريمة وجمهور أهل العلم أنه لا يجزيء عنها دفع القيمة، وذهب إلى إجزاء ذلك طائفة من أهل العلم، وراجع الفتوى رقم: 102924.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 شوال 1429(19/177)
عاهدت الله ألا تغتاب أحدا وأن تتصدق إذا فعلت
[السُّؤَالُ]
ـ[عاهدت الله أن لا أغتاب, وإذا ما اغتبت أحداً أتصدق بدرهمين, لكني كثيراً ما أجد نفسي أذكر أحداً ما أو أشتكي من تصرف آخر, لكني حين أتذكر عهدي أتوقف وأتصدق بدرهمين, لكنه تكرر معي أني اغتبت وتذكرت أني أغتاب وعلمت بأني حنثت بعهدي مع ذلك واصلت, كما أن المال الذي يجب أن أتصدق به أصبح كبيراً، فهل يمكنني أن أحنث بهذا العهد كاملا وأكفر، والمرات التي سبق وأن حنثت عهدي فيها هل أكفر عن كل مرة، لأنني لم أجدد عهدي منذ أن حنثت بالعهد في المرة الأولى, كما أني لم أكفر بعد عن الحنث لأني لم أدخر المال المطلوب للكفارة, وهل كفارة العهد ككفارة اليمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
يمين العهد تنتهي بالحنث فيها والكفارة عنها، وكذلك النذر إذا لم يكن القصد منه العموم والتكرار.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الغيبة من أكبر الذنوب وأقبحها ... وقد حذر الله عز وجل منها في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {الحجرات:12} ، ومن عاهد الله تعالى على تركها يكون الأمر أشد في حقه ويجب عليه الوفاء بعهده، فإن عاد إليها فقد نقض ما عاهد الله عليه، والواجب عليه حينئذ المبادرة إلى التوبة وكفارة يمين لأن عهد الله على شيء بمنزلة اليمين عليه، وكفارته كفارة يمين كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 7375.
والمرات المتعددة التي حنثت فيها ولم تكفري عنها تلزمك فيها كفارة واحدة لأن اليمين تنحل بحصول الحنث ما لم تكوني قد نويت تكرار الكفارة بتكرر الحنث، وأما التزام التصدق بدرهمين عند حصول الغيبة، فالظاهر أنه نذر لأن النذر كما عرفه أهل العلم هو التزام المسلم المكلف قربة لله عز وجل غير واجبة عليه أصلاً، وهو هنا نذر لجاج يقصد منه الامتناع من الوقوع في الغيبة، وأكثر أهل العلم يقولون: إذا قال الرجل إن فعلت كذا فعلي أن أتصدق بكذا أو أصوم شهراً أو أحج أو ما شابه ذلك، يقولون: إن هذا هو نذر اللجاج فإذا حنث -أي فعل ذلك الأمر- فعليه كفارة يمين واستدلوا لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: كفارة النذر كفارة يمين. رواه مسلم. وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 13381.
وعلى ذلك فإن سؤالك -حسبما فهمنا- مشتمل على يمين وهو عهد الله، وعلى نذر لجاج وهو التزامك بالتصدق بدرهمين عند ما تحصل منك الغيبة، وتنحل اليمين بمجرد الحنث وتلزم فيها الكفارة.. وأما النذر فإذا كان قصدك به التكرار وأنك كلما حصلت منك غيبة لزمك كذا ... فإنه لا يمكن التخلص منه، فكلما اغتبت شخصاَ لزمتك كفارة يمين -على الراجح- أو التصدق بما ذكر إلا إذا عجزت عجزاً لا يرجى زواله فإن عليك عند العجز الدائم كفارة يمين، كما سبق تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 28918.
وإن لم تقصدي التكرار وإنما كان قصدك أنك إذا اغتبت شخصاً تصدقت ... فهنا تلزمك الكفارة أو الصدقة في المرة الأولى فقط، وأما ما بعدها فتجب فيه التوبة بشروطها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1429(19/178)
الناسي ليمينه لا يحنث
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
ذهبت للمحكمة للإدلاء بشهادتي بقضية، وحلفت على القرآن الكريم، وقلت: أقسم بالله العظيم أن أقول الحق بلا زيادة أو نقصان، وأثناء الإدلاء بالشهادة تذكرت شيئا معينا ولم أقله، ولكنني كنت قد نسيت نص اليمين (بلا زيادة أو نقصان) ، فكان همي فقط عدم الكذب، ولو تذكرت نص اليمين أثناء الشهادة، فأنا على يقين أني سأقول هذا الشيء؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت ناسياً لليمين الذي حلفت فإنه لا إثم عليك ولا كفارة إن شاء الله تعالى، فقد نص أهل العلم على أن الناسي ليمينه لا يحنث، وهذا هو مذهب جمهور أهل العلم.
جاء في كتاب أسنى المطالب لزكريا الأنصاري الشافعي: لا يحنث ناس ليمينه ... بأن ما أتى به هو المحلوف عليه..
ومن أدلة ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه وغيره. قال الشيخ الألباني صحيح.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 رمضان 1429(19/179)
استغفار الحالف بعد اليمين هل يعفيه من الكفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يعطي شخص لشخص آخر مبلغا من المال ويحلف بأن يأخذ المعطى له هذا المبلغ ولكن المعطى له حلف أيضاً، فقام المعطي بالاستغفار من لحظته بعد الحلف واستعاد المبلغ، فهل يلزمه شيء بكونه حلف ولم يتم ما حلف عليه ثم استغفر من لحظته؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المعطي يقصد بيمينه إلزام المحلوف عليه ولم يسثن وامتنع المعطى له من الأخذ، فإن على المعطي الكفارة لحنثه في يمينه، ومجرد الاستغفار ليس من ألفاظ الاستثناء.
أما إذا كان قصده إكرام الشخص وامتنع هذا الشخص من الإكرام، فإن قصده هذا معتبر ولا شيء عليه عند طائفة من أهل العلم، قال شيخ الإسلام في الفتاوى: ... وكذا لا حنث عليه إذا حلف على غيره ليفعلنه فخالفه إذا قصد إكرامه لا إلزامه به لأنه كالأمر إذا فهم منه الإكرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر بالوقوف في الصف ولم يقف.
وذهب بعض أهل العلم إلى حنث الحالف، قال خليل: وإن حلف صانع طعام على غيره لا بد أن تدخل فحلف الآخر لا دخلت حنث الأول.. فالأولى إخراج الكفارة خروجاً من الخلاف.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 64013، والفتوى رقم: 44587.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 رمضان 1429(19/180)
النية تقيد الأيمان وتخصصها
[السُّؤَالُ]
ـ[حلفت يمين على زوجتي وقلت لها: (والله إن لم تفعلي كذا سوف لن تنامي هذا اليوم في البيت)) ولكنها ركبت رأسها ولم تفعل فقمت بإخراج زوجتي من بيتي إلى بيت أهلي الذي بجواري في حوالي الساعه23.00 وبقيت في الخارج حتى الساعة الواحدة والنصف صباحا، فهل يجب أن أدفع كفارة اليمين؟..
وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلفظ يمين السائل على النوم لا على البقاء في البيت، ولكن ظاهر السؤال أنه كان ينوى أن لا تبقى امرأته في البيت حتى ولو لم تنم فيه، فإن كان كذلك، فينظر إلى نيته في مدة البيات خارج البيت، فإن نوى الليل كله فرجعت امرأته إلى البيت قبل انتهاء الليلة بطلوع الفجر، فقد حنث ووجبت عليه الكفارة، وإن كان نوى إخراجها مدة معينة كأكثر الليل أو بعضه، فله ما نوى؛ فإن النية تخصص الأيمان وتقيدها، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 35891.
وأما كفارة اليمين فهي على التخيير بين ثلاث خصال: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم تجد صمت ثلاثة أيام، لقول الله تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة: 89} . وقد سبقت بعض الفتاوى في بيان كفارة اليمين كالفتويين: 61678، 26595.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1429(19/181)
حكم اليمين الكاذبة وهل فيها كفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[قام شخص بالتلفظ على أبي فقمت أنا بالاتصال عليه وتهديده مثل والله لا آخذ نفسك سوف أقتلك فقام هو بتقديم شكوى للقاضي فطلب مني القاضي صحة ما يقول الشخص فأنكرت ذلك، فطلب مني اليمين فحلفته كذباً، ما حكم اليمين كذباً وما كفارة اليمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحلف على الكذب يسمى اليمين الغموس، وسميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الإثم أو في النار والعياذ بالله، وذهب أكثر أهل العلم إلى أنها لا كفارة لها إلا التوبة والاستغفار، وذهب الشافعية إلى أن فيها مع ذلك كفارة اليمين المعروفة، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
وعلى ذلك فلو كفرت عن هذه اليمين خروجا من الخلاف لكان ذلك أفضل وأحوط.
ثم لتعلم أنه لا يجوز لك أن تهدد الشخص المذكور بالقتل لمجرد أنه تلاسن مع أبيك، والطريق الصحيح أن تشكوه إلى ولي الأمر ليأخذ لأبيك حقه إذا كان قد تعدى عليه، والأولى له أن يعفو ويسامح لقول الله تعالى: وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى {البقرة:237} . ولقوله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40} .
ولتعلم أن الحلف على الكذب لم يرُخص فيه إلا في حال الضرورة وتعينه للوصول إلى حق أو لدفع ضرر معتبر يصيب المرء من غير حق شرعي.
وللمزيد انظر الفتويين: 100256، 33977.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 رمضان 1429(19/182)
حكم حلف المرء ألا ينسى أمه دقيقة
[السُّؤَالُ]
ـ[من حلف باليمين لأمه أنه لا ينساها دقيقة واحدة مراضاة لها ما هو حكمه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الخلاصة:
لا حرج على من حلف بمثل هذه اليمين على سبيل المبالغة والتوكيد.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أنه لا حرج على من حلف لأمه بمثل هذه اليمين بقصد إرضائها وتطييب خاطرها ولا يعتبر حانثا لأن هذا يجري على ألسنة الناس في العادة على سبيل المبالغة والتوكيد على أمر معين.. وليس القصد منه معناه الحرفي عادة، وقد وردت المبالغة في نصوص الشرع مثل قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: الحج عرفة. وقوله: الدين النصيحة.
وقول أبي بكر - رضي الله عنه- في مانع الزكاة: والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه. وهذه الأحاديث صحيحة
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1429(19/183)
قالت لابن أختها حد الله بيني وبين فلوسك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا قالت الخالة لابن أختها حد الله بيننا وبين فلوسك وأرادت أن ترجع عن كلامها فما هي الكفارة وهل هذا يطبق على أبنائها أيضا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر والله أعلم أن هذا القول لا يترتب عليه شيء فيمكنها أن ترجع في كلامها وأن تأخذ من مال ابن أختها إن كان هذا الأخذ من وجه مشروع، ولا كفارة عليها في ذلك لأن هذه الصيغة ليست بيمين.
ولا ندري ما تقصد بقولها وهل هذا يطبق على أبنائها فإن كان المقصود في أخذها من أموال أبنائها أو أخذ أبنائها من أموال ابن الخالة هذه فالجواب أنه لا حرج في ذلك إن كان على وجه مشروع كما ذكرنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 رمضان 1429(19/184)
حكم توكيل إمام المسجد في إخراج كفارة اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 34 سنة كنت قد حلفت أيمانا في أوقات سابقة وعرفت أن مبلغ الكفارة يجب أن يوزع على 10 مساكين عن كل يمين لكنني لا أعرف هذا العدد من المساكين فطلبت إلى إمام أحد المساجد أن أعطيه المبلغ على أن يوزعه بطريقته لأنه يعرف عددا كبيرا من المساكين، فهل هذا صحيح ام خطأ؟
وجزاكم الله كل خير ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الإمام المشار إليه ثقة مأمونا وعالما بكيفية إخراج الكفارة فلا حرج عليك في توكيله في إخراجها ونرجو أن تبرأ ذمتك بذلك، وننبهك إلى أمرين:
الأول: أن دفع القيمة بدل الإطعام في الكفارة أمر مختلف فيه من حيث الإجزاء عند العلماء، ولذا فإن الأفضل لك والأبرأ لذمتك أن تطعميهم لا أن تدفعي لهم نقودا، وانظري الفتوى رقم: 102924.
ثانيا: من حلف عدة مرات ثم حنث قبل التكفير فإنه تلزمه كفارة واحدة هذا مذهب الحنابلة، وانظري الفتوى رقم: 8226، والفتوى رقم: 12993.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 رمضان 1429(19/185)
حكم الحلف على المصحف كذبا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في شخص اضطر مجبراً أن يحلف على المصحف الكريم حانث (عندما أقول مجبراً أعني خوفاً من أنه لو قال الصدق لخرب بيته وأسرته) ، قامت الزوجة بتحليف زوجها على المصحف ما إذا كان متزوجاعليها والجواب الصادق هو نعم لكنه إذا قال الصدق فإن الزوجة سوف تطلب الطلاق (إذا تزوج عليها فلن تبقى معه ولا دقيقة حسب نقاشات سابقة حصلت بينهما) ، علماً بأن لديهما أربعة أبناء والزوجة لا تعاني من أي مرض ولكن هذا ما حصل؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب محرم وكبيرة من كبائر الذنوب، وإذا أكد بالحلف ووضع اليد على المصحف كان أشد إثماً وقبحاً، ولذا فالواجب على المسلم اجتناب ذلك ما أمكن، إذ لا يجوز اللجوء للكذب الصريح إلا لضرورة أو حاجة، وحيث لا توجد وسيلة أخرى مشروعة تحقق الغرض، ومن الوسائل المشروعة التي تحقق الغرض دون وقوع في الكذب ما يسمى بالمعاريض ففيها مندوحة عن الكذب، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 39551.
والذي يظهر -والله أعلم- أنه لم يكن هنالك ما يسوغ لهذا الزوج الكذب الصريح فضلاً عن أن يصحب ذلك حلف أو توثيقه بوضع اليد على المصحف، إذ كان من الممكن استخدام المعاريض لدفع ما كان يتوقع من مفسدة، فالواجب عليه التوبة وعدم العودة لمثل ذلك، وللمزيد من الفائدة راجع في ذلك الفتوى رقم: 110634.
وننبه إلى أنه لا ينبغي للمرأة الاعتراض على زوجها إن كان قد تزوج عليها من أخرى، فإن الله تعالى قد أباح للزوج الزواج من أربع نسوة، كما أنها لا يجوز لها أن تطلب منه الطلاق لأجل ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 رمضان 1429(19/186)
الحلف بسورة من القرآن والمقصود بيمبن الصبر
[السُّؤَالُ]
ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف بسورة من القرآن فعليه بكل آية كفارة يمين صبر، فمن شاء بر ومن شاء فجر، ف هل من يحلف بسورة تجب عليه بكل آية كفارة، إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة أو صيام ثلاثة أيام، وفي الحديث: فعليه بكل آية كفارة يمين صبر، ما هو يمين الصبر؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن مجاهد، وعن الحسن مرسلاً، وكذا رواه البيهقي عن الحسن مرسلاً، والمرسل نوع من أنواع الضعيف لانقطاعه، ورواه إسحاق بن راهويه وعند الطبراني في مسند الشاميين: أخبرنا كلثوم بن محمد بن أبي سدرة أخبرنا عطاء بن أبي مسلم الخراساني عن أبي هريرة، فذكره مرفوعاً. وإسناده ضعيف، عطاء الخراساني صدوق، يهم كثيراً ويرسل ويدلس، كما في التقريب.. وكلثوم بن محمد بن أبي سدرة قال أبو حاتم: يتكلمون فيه، وقال ابن عدي: يحدث عن عطاء الخراساني بمراسيل وعن غيره مما لا يتابع عليه، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يعتبر حديثه إذا روى عن غير عطاء الخراساني (اللسان) . ورواه الطبراني من طريق ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن صفوان بن سليم عن مكحول عن أبي هريرة مرفوعاً.
وإسناده ضعيف لحال ابن لهيعة، ومنقطع فإن مكحولاً لم يسمع من أبي هريرة كما نص عليه البزار، وقد صح هذا المعنى من كلام ابن مسعود رضي الله عنه (كتاب التحجيل في تخريج ما لم يخرج في إرواء الغليل) ، ومن المعلوم أن الأحكام الشرعية لا تثبت بالحديث الضعيف، فالراجح أن من حلف بالقرآن أو بسورة منه، أنه لا تلزمه إلا كفارة واحدة، قال ابن قدامة: من حلف بحق القرآن لزمته بكل آية كفارة يمين، نص على هذا أحمد، وهو قول ابن مسعود والحسن. وعنه -أي أحمد- أن الواجب كفارة واحدة، وهو قياس مذهب الشافعي وأبي عبيد، لأن الحلف بصفات الله كلها وتكرر اليمين بالله سبحانه لا يوجب أكثر من كفارة واحدة، فالحلف بصفة واحدة من صفاته أولى أن تجزئه كفارة واحدة ... ويحتمل أن كلام أحمد في كل آية كفارة على الاستحباب لمن قدر عليه.. وكلام ابن مسعود أيضاً يحمل على الاختيار والاحتياط لكلام الله والمبالغة في تعظيمه ... ولا يجب أكثر من كفارة لقول الله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ. وهذه يمين فتدخل في عموم الإيمان المنعقدة، ولأنها يمين واحدة فلم توجب كفارات كسائر الأيمان، ولأن إيجاب كفارات بعدد الآيات يفضي إلى المنع من البر والتقوى والإصلاح بين الناس، لأن من علم أنه بحنثه تلزمه هذه الكفارات كلها ترك المحلوف عليه كائناً ما كان، وقد يكون براً وتقوى وإصلاحاً فتمنعه منه، وقد نهى الله تعالى عنه بقوله: ولا تجعلوا الله عرضه لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس. وإن قلنا بوجوب كفارات بعدد الآيات فلم يطق أجزأته كفارة واحدة نص عليه أحمد. انتهى.
وأما معنى يمين الصبر فقال ابن حجر: يمين الصبر هي التي تلزم ويجبر عليها حالفها، يقال: أصبره اليمين أحلفه بها في مقاطع الحق. انتهى. وقال ابن الأثير: أي ألزم بها وحُبس عليها وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم. انتهى. وقال السيوطي: هي التي ألزم بها الحالف عند الحاكم ونحوه، وأصل الصبر الحبس والإمساك. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 شعبان 1429(19/187)
صديقتها كثيرة الحلف وكثيرة الغيبة والنميمة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديقة عزيزة ولكن عيبها أنها تحلف يمينا كثيرا وطبعا تخلف بالحلفان ولا تكفر وأنصحها ولا فائدة,
وأنا أحب أن أعرف ما هي عقوبة حلفان اليمين وخاصة الذي لا يعمل بالكفارة؟ وخاصة إذا كان المواضيع كلها نميمة وقيل وقال وتوصيل كلام وتحلفني اليمين بعدم إخبار فلان وتنم على فلانة أخرى وهي صديقتها, وأنا صراحة بدأت أتضايق من هذا الخبر, علماً بأنها تكن المودة للصديقة الأخرى ولكني لا أثق فيها, بما أنني أسمعها تنم عليها..]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كثرة الحلف والنميمة والقيل والقال كلها أوصاف ذميمة، يجب على المسلم أن يحذر منها، فقد قال الله تعالى: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ {القلم: 10-13}
وكثرة الحلف بالله تعالى تدل على عدم تعظيمه ورهبته، ولذلك فإن على المسلم أن يحذر منها؛ فقد قال الله تعالى: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ {البقرة: 224} وقال تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ {المائدة: 89}
ويكون الإثم أعظم والحرمة أشد إذا كان مع ذلك نميمة أو يمينا على الكذب، فقد روى الترمذي وصححه عن حذيفة - رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة قتات. قال العلماء: والقتات النمام، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال.
ولهذا فينبغي لك أن تكرري النصيحة دائما لصديقتك وتبيني حرمة ما تقوم به لعل الله تعلى أن يهديها ويصلح حالها على يديك فتناليين بذلك الخير الكثير والثواب الجزيل عند الله تعالى.
كما أن عليك أن تبيني لها أن عليها الكفارة فيما حنثت فيه من أيمان, كما هو مبين في الفتاوى التالية أرقامها: 6869، 108444، 58639، 40863، 8997.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 شعبان 1429(19/188)
حكم الحلف كذبا لتجنب وقوع القطيعة بينها وبين أهل زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر ثلاثين عاما ولقد حلفت بهذه الصورة كذبا، فقلت: وحياة هذا المصحف إني لم أفعل كذا.... وكنت واضعة يدي على المصحف, علمًا بأنني لو لم أفعل لحدثت قطيعة بينني وبين أهل زوجي. فما عقوبتي، وماذا أفعل للتكفير عن ذنبي ... ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحلف بالمصحف يمين منعقدة عند جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة، بل إن ابن عبد البر في التمهيد، والوزير ابن هبيرة في الإفصاح قد ذهبا إلى أن جواز الحلف بالمصحف محل إجماع بين علماء المسلمين، وقد خالف في ذلك أبو حنيفة وابن حزم وذهبا إلى أنه لا يجوز الحلف بالمصحف، والصحيح هو القول الأول لأن القرآن كلام الله، والكلام صفة من صفاته سبحانه وتعالى, واليمين المنعقدة تكون باسم من أسماء الله أو صفة من صفاته سبحانه وتعالى, وعلى ذلك فإن الحلف بالمصحف كذباً هذا يسمى اليمين الغموس وهو كبيرة من الكبائر، وليس فيه كفارة بل الواجب فيه هو التوبة من هذا اليمين، وهذا مذهب أكثر أهل العلم كما في المغني لابن قدامة.
إلا أن أهل العلم قد أجازوا الكذب لأجل تحصيل مقصود شرعي لا يمكن تحقيقه إلا بالكذب، فإذا كنت قد حلفت كذبا لأجل المحافظة على العلاقة مع أهل زوجك ولم توجد وسيلة لذلك إلا عن طريق الكذب فلا حرج عليك فيما فعلت إن شاء الله.
وتراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 73004،، 59523، 34426، 39152.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1429(19/189)
ترك المعصية واجب بأصل الشرع
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أرسلت إليكم في الأسبوع الماضي سؤالا حول حنث العهد مع الله في واجب من الواجبات, وعلمت أنه من الأحوط أن أكفر عن الحنث وأنه يكفي أن أكفر مرة واحده عن تكرار الحنث ما لم أجدد العهد ثم أحنث به مرة أخرى, بقي لدي أمر أود أن أستوضحه, إذا كفرت عن الحنث بالعهد ولم أجدد عهدي أكون ملزمة بعهدي الذي حنثت به ثم كفرت؟ علما بأن العهد في واجب وبه شرط, فقد عاهدت الله أن لا أغتاب واشترطت أني إ ذا ما اغتبت شخصا فسأتصدق بدرهمين, وكنت إذا ما اغتبت ناسية أتوقف عن الغيبة وأتصدق بدرهمين إلا في 4 مرات أكملت حديثي مع أني تذكرت بأن هذه غيبة وأني أحنث بعهدي؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ترك المعصية واجب بأصل الشرع ويتأكد أكثر إذا حلف عليه الشخص أو نذره فلا يجوز الحنث فيه أو التراجع عنه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليزمك الوفاء بالعهد وخاصة أنه في واجب يجب الالتزام به أصلا.
والكفارة إنما هي عن الحنث فقد نص أهل العلم على أن من قال: علي عهد الله لا أفعل كذا ثم فعله، فعليه كفارة يمين، وسبق بيانها في الفتويين: 23946، 26163.
وأما ما اشترطت من التصدق إن اغتبت أحدا فالظاهر فيه أنه نذر لجاج وهو الذي يقصد به صاحبه الردع والامتناع من فعل ذلك الشيء، وأكثر أهل العلم على أنه فيه كفارة يمين، وسبق ذلك في الفتوى رقم: 54432، والفتوى رقم: 13381. وما أحيل عليه فيها.
وفي خصوص سؤالك عما إذا كفرت عن الحنث بالعهد ولم تجددي عهدا فهل تبقى اليمين منعقدة عليك دائما أم لا، فجوابه أن اليمين تنحل بمجرد حصول الحنث والكفارة، ولا يستثنى من هذا إلا اليمين التي قصد صاحبها تكرار الحنث بأن قال مثلا: علي عهد الله كلما فعلت كذا أن أخرج فإنه الحالف في هذه الحالة يتكرر عليه الحنث كلما فعل المحلوف عنه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
24 شعبان 1429(19/190)
عاهد الله بأيمان وشق عليه العهد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب كان يعاني في عباداته من الوسوسة، كإسراف الماء في الوضوء، والغسل والوسواس في ما يخص سلس البول ... ولما كنت أحاول التخلص من هذا، من بين الوسائل التي استعملت، وسيلة تشق علي الآن، فقد عاهدت الله بأيمان على أن لا أتجاوز في الغسل كأس ماء ونصف لكل شق، لكن هذا أصبح يشق علي خاصة عند استعمال الصابون والشامبو ... فهل يبقى علي العهد إن شق علي لا سيما أني أصبحت أتثاقل عن الغسل لوجود العهد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت لم تتلفظ بلسانك بهذا العهد وتلك الأيمان، وإنما كان شيئاً بينك وبين نفسك فلا يلزمك شيء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم. متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وهذا هو قول الجمهور خلافاً لمالك في أحد قوليه، وأما إذا كنت قد تلفظت بهذه الأيمان فعليك كفارة يمين إذا شق عليك الوفاء بهذا العهد، لقوله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون َ {المائدة:89} ، ويمكنك أن تكفر قبل الحنث أو بعده.
لكن نصيحتنا لك أن تجتهد في اتباع السنة وأن تبتعد عن الإسراف في الوضوء والغسل، فإنه مذموم على كل حال، وأكثر الناس نظافة صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع، وأحسن الهدي هديه صلى الله عليه وسلم، واجتهد في ألا تفتح على نفسك باب الوسوسة مرة أخرى.
على أننا ننبهك إلى أن الغسل الذي يرفع الحدث لا يطلب فيه استعمال شيء من المنظفات كالصابون ونحوه؛ بل جريان الماء على الجسد كاف.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 شعبان 1429(19/191)
تصديق الكاذب لا يجوز
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا حلف الشخص لي وهو كذاب وأنا أعرف هذا الشيء، هل أصدقه أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
تصديق الكاذب لا يجوز.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتصديق الكاذب لا يجوز ما دمت تعلمين أنه كاذب حقيقة ولو حلف على ذلك بكل يمين، فقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من أن نحدث بكل ما سمعنا مما لا نعلم صدقه، فقال صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع. فما بالك بتصديق ما علم يقينا أنه كذب.
ومن المعلوم عند كل مسلم أن الكذب حرام، وأنه يكون أشد تحريماً وأعظم إثماً إذا حلف عليه صاحبه، وهو ما يسمى باليمين الغموس، وقد سبق بيان أنها من الكبائر في الفتوى رقم: 110773.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شعبان 1429(19/192)
يجوز إعطاؤك المال لجدتك كي تطعم عشرة مساكين بدلا عنك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أعطي جدتي مال الكفارة وأكلفها بأن تطعم عني العشرة مساكين الموجودين في قريتي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكفارة اليمين عبادة مالية، وهذا النوع من العبادات تجزئ فيه النيابة، وبناء على ذلك فلا مانع من إعطاء جدتك ثمن ما يكفي لكفارة اليمين وتنوب عنك في إخراجها، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 30717.
كما أن نقل هذه الكفارة وإخراجها في بلد غير البلد الذي يقيم فيه من وجبت عليه جائز كما تقدم في الفتوى رقم: 76267.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 شعبان 1429(19/193)
محل استحباب إبرار المقسم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن حالة معينة فى القَسَم "أقسمت عليّ قريبة لى بألا أفعل شيئا ما، ووجدت الفائدة في عمله فماذا يكون موقفي من القسم الذي هي أقسمته عليّ.. فقد أقسمت عليّ قريبتي على ألا أعطي ابني دواء خوفا من أنه قد تكون له آثار جانبية، وأن نعتمد على الأشياء الطبيعية، وأنا أرى ألا خوفا عليه من تلك الآثار لأنه دواء شائع فهو كالسيوم عادي ... وأوقفت الدواء بسبب هذا القسم ... فما العمل لو أردت الرجوع لهذا الدواء مرة أخرى؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلم ألا يكثر من الحلف ولا يعود نفسه على ذلك، امتثالاً لقول الله تعالى: وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ {البقرة:224} ، وإذا حصل من مسلم يمين وكانت قسماً على الغير، فيستحب للمقسم عليه أن يبر قسم أخيه، لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه المتفق عليه، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع وذكر منها. ..وإبرار المقسم. إلا إذا كانت المصلحة في ترك ذلك.
قال في روضة الطالبين: يسن إبرار المقسم كما ذكر للحديث الصحيح فيه، وهذا إذا لم يكن في الإبرار مفسدة بأن تضمن ارتكاب محرم أو مكروه. انتهى..
وجاء في شرح النووي على حديث مسلم في تركه صلى الله عليه وسلم إخبار أبي بكر بخطئه في تأويل الرؤيا وقد أقسم عليه: قوله: (ف والله يا رسول الله لتحدثني ما الذي أخطأت قال: لا تقسم) هذا الحديث دليل لما قاله العلماء أن إبرار المقسم المِأمور به في الأحاديث الصحيحة إنما هو إذا لم تكن في الإبرار مفسدة ولا مشقة ظاهرة، فإن كان لم يؤمر بالإبرار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبر قسم أبي بكر لما رأى في إبراره من المفسدة، ولعل المفسدة ما علمه من سبب انقطاع السبب مع عثمان، وهو قتله، وتلك الحروب والفتن المترتبة عليه، فكره ذكرها مخافة من شيوعها.. انتهى.
لكن حلف قريبتك هذه عليك له احتمالان.. إما أن يكون بمعنى السؤال والشفاعة كقولها: بالله (أو أسألك بالله) إلا ما فعلت كذا، وإما أن يكون بيمين صريح بأن تقول: والله لا تفعلين كذا، فإبرارك قسمها مندوب في الحالين، ولا يتعلق بك كفارة في حالة ترك إبرارها وإنما يجب عليها هي في الحالة الثانية فقط، ولذلك يتأكد عليك إبرار قسمها في هذه الحالة لعدم الإضرار بها، وهذا كله مع عدم المعارض الشرعي كما سبق، فإن وجد معارض عمل بمقتضاه. كما في مواهب الجليل.
وقال ابن قدامة في المغني: فإن قال: والله ليفعلن فلان كذا، أو لا يفعل أو حلف على حاضر، فقال: والله لتفعلن كذا فأحنثه، ولم يفعل فالكفارة على الحالف. كذا قال ابن عمر، وأهل المدينة وعطاء، وقتادة والأوزاعي وأهل العراق والشافعي لأن الحالف هو الحانث، فكانت الكفارة عليه. انتهى.
وعلى ما سبق.. فإن رأيت أن الدواء نافع وابنك محتاج إليه فلا حرج عليك في ترك الإبرار بقسم قريبتك، وإن كان غير هذا الدواء يسد مسده فالأولى لك أن تبري قسمها، ووجوب الكفارة على قريبتك أو عدمه على ما فصلنا، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 23136.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 شعبان 1429(19/194)
حلف ألا يأكل من طعام معين فأكل منه
[السُّؤَالُ]
ـ[في يوم من الأيام، أقسمت بالله العظيم على أنني لن أتناول النقانق أبدا أبدا.
وبعد ذلك بفترة قصيرة سمعت أحد الشيوخ على إحدى القنوات الإسلامية، أنه من يقسم بالله على امتناعه لأكل نوع ما من الطعام فهذا القسم لا يجلب لصاحبه أي ذنب، ويجوز له أكله متى يريده ومتى يشتهيه. وفجأة اشتهيت النقانق وأكلتها.
هل بعد القسم والأكل يصبح علي إثم أو ذنب، ويجب علي الصوم ثلاثة أيام بسبب هذا القسم؟
فما حكم القسم على الامتناع من طعام ما؟ وكيف علي التخلص من هذا الذنب؟
لأنني في فترات أشعر بنفسي أنني خالفت الله عز وجل بأكلي هذه النقانق، حاشا لله.
وجزاكم الله خيرا في الدنيا والآخرة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحلف على اجتناب المباح جائز لا إثم فيه، ولكن إذا عدت للأكل فعليك كفارة حنث اليمين كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أعتم رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله فوجد الصبية قد ناموا، فأتاه أهله بطعامه، فحلف لا يأكل من أجل صبيته، ثم بدا له فأكل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، فليأتها وليكفِّر عن يمينه. أخرجه مسلم.
والكفارة هي ما ذكره الله سبحانه في قوله: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ {المائدة:89} .
ولا إثم في الحلف على اجتناب طعام ما من باب الحلف على ما استوى طرفاه كمن حلف لا أتغدى اليوم فقال الشافعية: البر أفضل ما لم يتأذ أحد. وقال الحنابلة: يخير بين البر والحنث. ولا إثم عليه في ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1429(19/195)
على الحالف هنا كفارة يمين لفوات المحلوف عليه بمانع عادي بعد اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[دخلت إحدى المواضيع في أحد المنتديات وفي نهاية الموضوع كتب صاحب هذا الموضوع: والله لأرد على هذا الموضوع قبل لا أطلع، وجيت لأرد على الموضوع الكمبيوتر اختلط وخرج من الصفحة, فل علي كفارة أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن حلف أنه سيفعل كذا ثم فات الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِمَانِعٍ عادي حادث بعد اليمين ـ كما هو الحال في هذا السؤال ـ حَنِثَ الحالف ولزمته الكفارة، خِلاَفًا لأَِشْهَبَ من المالكية، حَيْثُ قَال بِعَدَمِ الْحِنْثِ. ومن أمثلة ذَلِكَ: أَنْ يَحْلِفَ لَيَذْبَحَنَّ هَذَا الْكَبْشَ، أَوْ لَيَلْبَسَنَّ هَذَا الثَّوْبَ، أَوْ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الطَّعَامَ، فَسُرِقَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَوْ غُصِبَ، أَوْ مُنِعَ الْحَالِفُ مِنَ الْفِعْل بِالإِْكْرَاهِ. انظر الموسوعة الكويتية.
قال القرافي في الفروق: التَّعَذُّرُ الْعَادِيُّ أَوْ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يَكُونُ الْفِعْلُ مَعَهُ مُمْكِنًا عَادَةً فَهَذَا مُنْدَرِجٌ فِي الْيَمِينِ؛ عَمَلًا بِظَاهِرِ اللَّفْظِ، فَإِنَّ الْحَلِفَ اقْتَضَى الْفِعْلَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إخْرَاجِهِ ...
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ: إنْ حَلَفَ لَيَرْكَبَنَّ الدَّابَّةَ، فَتُسْرَقُ، يَحْنَثُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مُمْكِنٌ عَادَةً وَإِنَّمَا مَنَعَهُ السَّارِقُ ... وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ بِسَبَبِ السَّرِقَةِ.
وقال ابن مفلح في الفروع: إِنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَن شَيْئًا وَعَيَّنَ وَقْتًا أَوْ أَطْلَقَ، فَتَلِفَ أَوْ مَاتَ الْحَالِفُ قَبْلَ مُضِيِّ وَقْتٍ يَفْعَلُهُ فِيهِ حَنِثَ ... وَفِي الْمُغْنِي: إنْ تَرَكَهُ لِمَرَضٍ وَعَدَمِ نَفَقَةٍ وَهَرَبَ وَنَحْوُهُ حَنِثَ.
والكفارة إنما تجب على الحالف لا على المحنث، فإن كان مراد السائل أن كاتب الموضوع هو الذي حلف عليه أن يردَّ قبل خروجه، فالكفارة عندئذ على الحالف لا عليه. وإن كان هو الذي حلف أن يرد قبل خروجه، فالكفارة عليه هو.
وقد سبقت بعض الفتاوى في بيان أن الكفارة على الحالف لا على المحنث، وأن إبرار القسم يكون في المستطاع فقط، انظر منها الفتوى رقم: 8973، والفتوى رقم: 53209.
وكفارة اليمين هي على التخيير بين ثلاث خصال: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام، لقول الله تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89} وقد سبقت بعض الفتاوى في بيان كفارة اليمين انظر منها الفتوى رقم: 61678، والفتوى رقم: 26595.
ثم ننبه على أن مثل هذه الأمور والأحوال ينبغي أن نتجنب الحلف عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 شعبان 1429(19/196)
عندها قطع ذهبية للزينة فهل تبيع منها لتكفر عن يمينها أم تصوم
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تريد أن تكفر عن يمينها بإطعام مساكين, ولكن زوجها مديون وهي معها عدة قطع من الذهب للزينة, فقالت لزوجها: إنها تريد أن تبيع قسما منها حتى تطعم المساكين (كفارة) , ولكن زوجها رفض هذه الفكرة كليا على أن لا تبيع من ذهبها أبدا؛ لأنها باعت من قبل وساعدته, فبعد ذلك بدأت بصيام ثلاثة أيام هل ما فعلته صحيح؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله – عز وجل – مبيناً كفارة اليمين: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ {المائدة: 89} ، فدلت الآية بوضوح على أنه لا يجوزُ أن يُعدل إلى الصيام مع القدرة على الإطعام، وبما أن هذه المرأة تملك قطعاً ذهبيةً فاضلةً عن كفايتها فيجب عليها أن تطعم عشرة مساكين كما أمر الله – عز وجل – أو تكسوهم إذا كان في هذا الحلي ما هو زائد عن حاجتها للتزين بحسب ما يليق بها، ولا يجوز لزوجها أن يمنعها من ذلك؛ لأنها تكفر من مالها ولا حق له في منعها من التصرف فيه، وخاصةً فيما وجب عليها، وإنما اختلف العلماء في تصرف المرأة في مالها بغير إذن زوجها إذا كان على جهة الصدقة والعطية والجمهور على جوازه، وهذا الذي قلناه من وجوب تكفيرها بالإطعام أو الكسوة إنما هو إذا كان الذهب المذكور ملكا لها وكان زائدا عن حاجتها، أما إذا لم يكن ملكا لها بل كان ملكا للزوج وإنما يعطيها لتتزين به أو كان ملكا لها وكان بقدر حاجتها اللائقة بها للتزين فإنه لا يلزمها التكفير بالإطعام أو الكسوة بل لها أن تعدل إلى الصيام.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 رجب 1429(19/197)
حلف أن يكلم شخصا في يوم معين فلم يأت فيه فهل تلزمه كفارة يمين
[السُّؤَالُ]
ـ[حلفت أن أكلم شخصا في يوم معين ولم يأت ذلك الشخص في ذلك اليوم, فهل تلزمني كفارة اليمين، وإذا كانت تلزمني فما قيمتها؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المحلوف عليه في يمين الحنث إذا فات بمانع عادى، وحدث هذا المانع بعد اليمين -كما هو الحال في هذا السؤال- حنث الحالف مطلقاً ولزمته الكفارة خلافاً لأشهب من المالكية، حيث قال بعدم الحنث.. ومن أمثلة ذلك: أن يحلف ليذبحن هذا الكبش، أو ليلبسن هذا الثوب، أو ليأكلن هذا الطعام، فسرق المحلوف عليه أو غصب، أو منع الحالف من الفعل بالإكراه. الموسوعة الفقهية الكويتية.
وقد فصل الدردير مسألة فوات المحلوف عليه بمانع فقال: المانع الشرعي يحنث به ... وأما العادي والعقلي فإن تقدما على اليمين فلا حنث مطلقاً أقت أم لا فرط أم لا، وأما إن تأخر فالعادي يحنث فيه مطلقاً والعقلي يحنث فيه إن لم يؤقت وفرط لا إن بادر أو أقت. انتهى..
وقال ابن مفلح: إن حلف ليفعلن شيئاً وعين وقتاً أو أطلق فتلف أو مات الحالف قبل مضي وقت يفعله فيه حنث ... وفي المغني: إن تركه لمرض وعدم نفقة وهرب ونحوه حنث. انتهى.
وعليه فتلزمك الكفارة إلا إن كنت نويت وقت اليمين أن تكلمه إذا جاءك، ففي هذه الحالة إذا لم يأتك لم تلزمك كفارة، لأن النية تخصص العام وتقيد المطلق، وكفارة اليمين على التخيير بين ثلاث خصال: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن لم تجد صمت ثلاثة أيام، لقول الله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89} ، وقد سبقت بعض الفتاوى في بيان كفارة اليمين فانظر فيها الفتوى رقم: 61678، والفتوى رقم: 26595.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
23 رجب 1429(19/198)
ضوابط الحلف كاذبا لتحقيق مصلحة راجحة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الحلف بالله وبكتابه كاذبا مضطراً لإصلاح سيدة تمشي فى طريق الفساد فأرجو الرد للأهمية القصوى حيث إني لا أنام بسبب هذا الموضوع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن الحلف على الكذب هو اليمين الغموس الذي ورد الشرع بتحريمها وعدها من الكبائر، ففي الحديث الشريف: الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس. كما أن الكذب قد تواترت النصوص بتحريمه، لكن هذا الأصل قد يخرج عنه لموجب، فقد جاء في الموسوعة الفقهية: إن حرمة اليمين الغموس هي الأصل، فإذا عرض ما يخرجها عن الحرمة لم تكن حراماً، ويدل على هذا:
* أولاً: قوله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. فإذا كان الإكراه يبيح كلمة الكفر فإباحته لليمين الغموس أولى.
* ثانياً: آيات الاضطرار إلى أكل الميتة وما شاكلها، كقوله تعالى: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. فإذا أباحت الضرورة تناول المحرمات أباحت النطق بما هو محرم. الموسوعة الفقهية.
وقال ابن الجوزي: الكذب ليس حراماً لعينه، بل لما فيه من الضرر، والكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن أن يتوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح إذا كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً، وواجب إذا كان المقصود واجباً ... إلا أنه ينبغي أن يتحرز عنه ويوري بالمعاريض مهما أمكن.. وإنما قلنا هذا لأن المحذور الذي يحصل بالصدق أشد وقعاً في الشرع من الكذب، وإن كان المقصود أهون من مقصود الصدق وجب الصدق، وقد يتقابل الأمران فالميل حينئذ إلى الصدق أولى، لأن الكذب إنما أبيح لضرورة أو حاجة مهمة، فإذا شك في كونها مهمة فالأصل التحريم، ولغموض إدراك مراتب المقاصد وجب الاحتراز من الكذب مهما أمكن. (كشف المشكل.4/459)
وقال النووي: الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً كان الكذب مباحاً، وإن كان واجباً كان الكذب واجبا ً. رياض الصالحين.
وعليه، فإذا كان قصد السائل أنه قد تعين عليه الكذب أو مع الحلف عليه لتحقيق مصلحة معتبرة ولم يجد في المعاريض أو غيرها ما يمكن أن يتحقق الغرض به، فلا حرج عليه في ذلك، وليراجع في ذلك الفتوى رقم: 41794.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رجب 1429(19/199)
أقسم على وعده ثم أخلف وحنث
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي هو أن ابنت خالتي حكت لي موضوعا وقالت لي لا تخبري أحدا بهذا الموضوع وحلفت لها بالله أن لا أخبر أحدا، وبعد فترة جاءت عندي أختي وفاتحتني في نفس الموضوع الذي قالته لي ابنت خالتي وبدأت في التحدث مع أختي في الموضوع وأخبرتها بأشياء لم تكن هي تعرفها في ذلك الموضوع أطلعتني عليها ابن خالتي فهل أنا بذلك حانثة وعلي أن أصوم الكفارة وكذلك أخبرتها أن ابنت خالتي هي من أخبرتني بهذا الموضوع بعد. أرجو أن تجيبني فأنا في حيرة من أمري.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأخت السائلة قد أساءت بإفشائها سر ابنة خالتها، لا سيما وقد أقسمت أن لا تخبر أحدا؛ فإذا كان مجرد إخلاف الوعد خصلة من خصال النفاق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان. رواه البخاري ومسلم. فكيف بمن أقسم على وعده ثم أخلف وحنث.
والواجب عليك ـ أختي الكريمة ـ التوبة النصوح إلى الله، ثم إن إخبارك لأختك بما استكتمتك عليه بنت خالك يعتبر حنثا منك في اليمين التي حلفتها وبالتالي فعليك كفارة يمين، وهي على التخيير بين ثلاث خصال: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم تجدي صمت ثلاثة أيام، لقول الله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ (المائدة:89) .
وقد سبقت بعض الفتاوى في بيان كفارة اليمين، انظر منها الفتوى رقم: 61678، والفتوى رقم: 26595.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رجب 1429(19/200)
حكم الحلف كذبا لاستخلاص حق مشروع
[السُّؤَالُ]
ـ[الأسباب التي دعتني لأن أحلف قسما كاذبا هي أني أردت أن أستخرج وثيقة سفر ومشكلتي هي أني لا أعرف أي شخص من أقاربى أو أهل أبي، أبي طلق والدتي ولا أعرف عنه أي شيء منذ تلك الفترة، وأنا أعلم أن القسم شيء كبير وعظيم، ولكن والله استفتيت إخوانا لي أعلم مني في أمور الدين وأجازوا لي أن أستخرج هذه الوثيقة طالما أنا في أمس الحاجة إليها، هل ذنبي هو أن أبي تركني وذهب من غير أن يعرفني بنسبي وحسبي، وإخوتي بالله عليكم أخبروني ماذا أفعل؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
سبق أن عرفت أن الحلف على الكذب من أكبر الكبائر، وبخصوص حالتك فإن كنت مضطرا أو محتاجا لإخراج الوثيقة فالظاهر أن لك الكذب وينتفي عنك الإثم ما دمت لا تجد غيره.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد عرفت في الإجابة السابقة أن يمين الغموس -الحلف على الكذب- من كبائر الذنوب وحكم الكذب، وأنه حرام على العموم، ولا يجوز إلا في حالة الضرورة، كما قال الله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {البقرة: 173} .
وسبق بيان ذلك بالتفصيل والأدلة وأقوال أهل العلم فيه في الفتاوى ذات الأرقم التالية: 35822، 8997، 74967، وبإمكانك أن تطلع عليها.
وفي ما يخص حالتك فإن من حقك الحصول على وثيقة السفر وغيرها من الحقوق المشروعة، والتي قد تدعو الحاجة إليها، فإذا لم تستطع الحصول على حقك بالوسائل المشروعة، ولم يكن أمامك إلا الكذب والحلف عليه جاز لك ذلك وانتفى عنك الإثم.. من باب أن الضرورات تبيح المحظورات؛ كما سبق بيانه والأدلة عليه في الفتاوى المشار إليها، ولكن لا يجوز لك الحلف على الكذب ما دام يمكنك أن توري في يمينك، وتراجع الفتوى رقم: 67765، والفتوى رقم: 100903.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 رجب 1429(19/201)
حكم من كفر عن يمينه بالخبز واللحم
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد علمت أن كفارة الحنث تكون كيلو ونصف من قوت البلد ولكن أنا كان عندي بعض المال فاشتريت به لحما وخبزا لخمسة من حفظة القرآن الكريم وكذلك اشتريت لعائلة أخرى لحما وخبزا حتى أتممت العشرة السؤال هو أن هذا الطعام قد لا يحقق القاعدة التي تقول إن لكل مسكين كيلو نصف وهل الكفارة صحيحة مع العلم أني لدي كثير من الكفارات التي سأحاول إن شاء الله أداءها.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت أطعمت الأشخاص المذكورين وجبة واحدة فقط فكفارتك غير مجزئة؛ بل لابد من إطعام الأشخاص التي أطعمتهم أوَّلاً وجبة أخرى بشرط أن يكونوا مساكين كلهم بما في ذلك حفظة القرآن، أو تخرج كفارة مستقلة إن شئت، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 95847.
وإن كان المقصود أنك دفعت لكل مسكين خبزا ولحما فإن كان ما دفعته إلى الواحد يساوي رطلين -وهو ما يماثل المد وهو بالجرامات 815 جراما كما في معجم لغة الفقهاء- فكفارتك مجزئة بشرط كون الجميع مساكين.
قال ابن قدامة في المغنى: إذا تقرر هذا، فإنه إن أعطى المسكين رطلي خبز بالعراقي، أجزأه ; لأنه لا يكون من أقل من مد، وقدر ذلك بالرطل الدمشقي الذي هو ستمائة درهم، خمس أواق وسبع أوقية، وإن طحن مدا، وخبزه، أجزأه. نص عليه أحمد. وكذلك إذا دفع دقيق المد إلى المسكين، أجزأه. انتهى.
وفي منح الجليل ممزوجا بمختصر خليل عطفا على ما يجزئ في كفارة اليمين: أو رطلان بغداديان خبزا تمييز لرطلين بأدم يكفي الرطلين عادة وهو مستحب على المعتمد، وكذا المد بإدام ندبا وظاهره أي إدام فيشمل اللحم واللبن والزيت والبقل والقطنية والتمر. انتهى.
وإخراج كيلو ونصف من الطعام مجزئ في حالة دفع الطعام للفقراء غير مطبوخ. وأنواع كفارة اليمين تقدم تفصيلها في الفتوى رقم: 204.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1429(19/202)
من حلف ثم حنث وأخرج الكفارة ثم حلف على نفس الشيء هل تلزمه كفارة ثانية
[السُّؤَالُ]
ـ[حلفت على عدم فعل أمر ففعلت, فدفعت كفارة لرجل ليوصلها لمسكين ولكن لم يوصلها حتى أوشكت زوجته على الولادة، بعد أيام وقبل إيصال الكفارة حلفت يمينا كالسابق ثم خالفت, فهل تجب عليَ كفارة أخرى؟ أفيدوني بسرعة, وماذا يقول الشافعي في ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
عليك كفارة أخرى، ولا تجزئ الكفارة التي أخرجت عن اليمين اللاحقة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من حلف ثم حنث وأخرج الكفارة ثم حلف على نفس الشيء مرة أخرى وحنث تلزمه كفارة ثانية؛ لأن اليمين الثانية يمين مستأنفة فتلزم بها كفارة ثانية عند أكثر أهل العلم خلافا لمذهب الحنابلة.
وراجع للمزيد في هذا الفتوى رقم: 56462.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 رجب 1429(19/203)
الأخذ من مال الزوجة لأداء كفارة اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أقسمت بالله أن لا أسافر وسافرت وأنا لا أملك إطعام مساكين ولكن زوجتي تملك فهل أصوم 3 أيام وهل هي متتالية أم متفرقة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89}
وبهذا يعلم أن الواجب على من حنث في يمينه عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فيختار واحدة من هذه الثلاثة، فإذا لم يجد انتقل بعد ذلك إلى صيام ثلاثة أيام، وإذا كانت زوجتك تملك الإطعام فلا يلزمك أن تأخذ منها لتطعم.
وعلى هذا فالواجب عليك صيام ثلاثة أيام، ولا يضرك أن تكون هذه الأيام متتابعة أو متفرقة، وهذا مذهب جمهور العلماء. وراجع الفتوى رقم: 50926.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1429(19/204)
مذاهب العلماء فيمن قال أعاهد الله على كذا فحنث
[السُّؤَالُ]
ـ[سبق وأن تزوجت ابنتي زواجا عرفيا من رجل لا يصلي وغير ملتزم وكان زواجها عرفيا ثم اضطررت إلى تسجيل عقد الزواج بالمحكمة بعد أن رفع علي دعوى بالشرطة وكنت قد حلفت بالآتي، عهد علي مع الله بأن لا أساعده في هذا الزواج لا الآن ولا بالمستقبل، وبعد فترة تغير زوجها فهو الآن يصلي وبدأ يتعلم الشريعة الإسلامية ولكنه لاقى رفضا شديدا من أهله الذين يسكن معهم فما كان منهم إلا أن طردوه من الدار مع زوجته وسلبوا منهما كلما يملكون وكلما اشتروه لهما فباتا بلا سكن ولا مال ولا أي شيء، ولا أحد يساعدهم على العيش فبادرت إلى إعطائهم مبلغا من المال يساعدهم على استئجار شقة ومحل ليكون معينا لهم في العيش وأعطيتهم مبلغا من المال ليتبضعوا به، فما حكم الله علي هل أدفع كفارة يمين وهل يغفر لي الله علما أنني أعطيتهم ما أعطيتهم لأشجعهم على التمسك بدين الله ولأحمي ابنتي من الزلل ولكي تتمسك بالدين الحق الإسلام. أرجو الإجابة فالأمر بات يقلقني ويقض مضجعي، وجزاكم الله عني كل الخير وجعله في ميزان حسناتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فابتداء نحن نحمد الله سبحانه أن أخذ بناصية زوج ابنتك إلى الهدى والرشاد, وهداه إلى إقامة الصلاة وتعلم شريعة رب العالمين ونسأل الله أن يديمه على ذلك.
أما ما ذكرته من أمر تسجيل عقد الزواج العرفي، فإنه مصلحة ولا شك, خصوصا بعد أن تاب الله على زوج ابنتك ووفقه للاستقامة، إذ المقصود من تسجيل الزواج في المحكمة صيانة الحقوق لكلا الزوجين وتوثيقها، وثبوت النسب وغير ذلك من المصالح.
وأما ما كان منك من أمر العهد مع ربك ألا تساعده في هذا الزواج لا حاضراً ولا مستقبلاً وقد حنثت في عهدك فقد اختلف أهل العلم في صيغة: أعاهد الله على كذا، وأقرب الأقوال أنها في غير الطاعات يمين تلزم بها كفارة؛ كما هو حال الأخ السائل فعليه أن يكفر كفارة يمين.
وأما تفصيل كلام أهل العلم في المسائل فنقول: ذهبت الحنفية إلى أنها من الأيمان، لأن اليمين هي معاهدة الله على تحقيق شيء أونفيه، قال الله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا {النحل:91} . فجعل العهد يميناً، ووافقهم على ذلك الحنابلة.
قال ابن قدامة: في المغني: إذا حلف بالعهد أو قال عهد الله وكفالته، فذلك يمين يجب تكفيرها إذا حنث فيها.
وللمالكية قولان: جاء في مختصر خليل: وفي أعاهد الله: قولان.
وقال الدردير في شرحه: أظهرهما ليس بيمين.
وأما الشافعية فذهبوا إلى أنها لا تكون يميناً إلا بالنية كما في تحفة المحتاج وغيره، والراجح: أنها تارة تكون يميناً ونذراً, وتارة يميناً فقط، فإن التزم بها قربة وطاعة فهي نذر ويمين، كما لو قال: أعاهد الله أن أحج هذا العام.
وكما في قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ {التوبة:75} .
وإن التزم بها ما ليس بقربة فهي يمين لا نذر، كما لو قال: أعاهد الله ألا أكلم فلاناً. وإلى هذا التفصيل ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية فقد قال رحمه الله في الفتاوى: فإذا قال: أعاهدُ الله أني أحج العام فهو نذر وعهد ويمين، وإن قال لا أكلم زيداً فيمين وعهد لا نذر.
وثمرة هذا التفصيل: أن ما كان نذراً وكان الناذر متمكنا من فعله؛ فإنه يلزمه ذلك ولا تجزئه كفارة يمين، أما ما كان يميناً فهو مخير بين أن يمضي -إن كان في غير معصية- أو يكفر كفارة يمين.
وبناء على ذلك أخي السائل فإن الواجب عليك الآن هو كفارة يمين حيث إنك قد حنثت في عهدك, وينبغي أيضا مع ذلك أن تكثر من القربات والطاعات لله سبحانه لأن أمر العهد عند الله عظيم، فإن عائشة رضي الله عنها أعتقت أربعين رقبة، عندما عاهدت الله ألا تكلم ابن الزبير ثم رجعت وكفرت, وكانت بعد ذلك تبكي حتى تبل خمارها وتقول: واعهداه.
وللفائدة تراجع الفتاوى رقم: 7375 , 69381، 5962 , 29442.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 رجب 1429(19/205)
هل الأفضل على من حلف على أمر أن يقيم على يمينه أم يحنث
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مشكلة تؤرقني كثيراً، أنا أعمل في بنك إسلامي، ولكن اتصلو بي من شركة تمويل إسلامية تابعة لبنك ربوي فتراجعت ولكني بعد فترة ندمت وعاودت الاتصال بهم وحلفت لهم أني لن أفاوض بنكي وأني سوف ألتحق بهم، بعد إكمال كافة الإجراءات بما فيها توقيع العرض معهم كلمت البنك الذي أعمل فيه أني سوف أستقيل وبعد أن قلت لهم هذا نصحني بعض الأصدقاء أن هذه االشركة صغيرة وأموالها مختلطة فترددت كثيراً، مديري في العمل قال لي أن أحضر العرض حتى يستطيعوا تعديل وضعي بناء على العرض قدمت له العرض، ولكني لم أفاوضه ولكن بعد يومين قررت أن لا ألتحق بالشركة وأخبرتهم بذلك ولذلك لم يتم تعديل وضعي في البنك، بعض الناس قال لي لما لم تفاوضي قلت لقد حلفت للشركة بأن لا أفاوض لذلك لم أفاوض هل تصرفي هذا خاطئ أم أنه كان يجب علي التفاوض حتى ولو حلفت، فأرجوكم أرشدوني من الناحية الشرعية، هل أنا تشددت في ديني وغاليت أم ماذا، وخصوصا أني قرأت قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) ، وأنا الآن مكتئبة جداً لأني لم أفاوض ولم يتم تعديل وضعي في البنك وخصوصا أني مظلومة جداً في البنك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من حلف على أمر مباح فهو مخير بين البقاء على يمينه وعدم التكفير، وفعل ما حلف عنه مع التكفير، وإن كان الأفضل عند الجمهور البقاء على اليمين، وإذا كان فعل المحلوف عليه أفضل من تركه استحب الحنث، فإن حنث نفسه وجبت عليه الكفارة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير، أو أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني. رواه البخاري.
وفي مجموع فتاوى ابن باز رحمه الله تعالى: إذا حلف الإنسان قال: والله ما أزور فلاناً، والله ما أدخل بيت فلان، والله ما أكلم فلاناً، والله ما آكل طعام فلان، وأشباه ذلك، ثم رأى من المصلحة أنه يترك يمينه فلا بأس، وعليه كفارة يمين.
وفي الموسوعة الفقهية: وإن حلف على مباح كدخول دار، ولبس ثوب أو تركهما فله أن يقيم على اليمين وله أن يحنث، والأفضل عند الجمهور -وفي الصحيح عند الشافعية- الإقامة على اليمين، لقوله تعالى: وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا. وفي الجملة إذا حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها استحب له الحنث والتكفير.
وبناء على هذا فلا حرج عليك في تركك مفاوضة البنك الذي تعملين فيه محافظة على يمينك، ولا يعد ذلك منك مغالاة ولا تشدداً، وإن رأيت أن التفاوض مع البنك خير من تركه ففاوضيه وكفري عن يمينك عملاً بمقتضى الحديث السابق، ولا يدخل أخذك بما هو خير لك في الآية التي ذكرت لثبوته في القرآن والسنة الصحيحة، فقد قال الله تعالى: وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {البقرة:224} ، وأما السنة الصحيحة فالحديث المذكور أعلاه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 رجب 1429(19/206)
مبنى الأيمان على النية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا سئل شخص عن شيء كان يفعله وانتهى عنه فأجاب أنه لا يفعله، وكان في نيته الوقت الحالي وحلف فما هي الكفارة أو تكفي التوبة فقط، أجيبوني فأنا في حيرة، وشكرا.....]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام الحال على ما ذكرت فلا كفارة ولا ذنب يستلزم توبة، وذلك لأن النية تخصص العام وتقيد المطلق.
قال ابن قدامة في المغني: ويرجع في الأيمان إلى النية، وجملة ذلك أن مبنى اليمين على نية الحالف، فإذا نوى بيمينه ما يحتمله انصرفت يمينه إليه، سواء كان ما نواه موافقًا لظاهر اللفظ أو مخالفًا له، فالموافق للظاهر أن ينوي باللفظ موضوعه الأصلي قبل أن ينوي باللفظ العام العموم، وبالمطلق الإطلاق، وبسائر الألفاظ ما يتبادر إلى الأفهام منها، والمخالف يتنوع أنواعاً: أحدها أن ينوي بالعام الخاص.. ومنها: أن يحلف على فعل شيء أو تركه مطلقًا وينوي فعله أو تركه في وقت بعينه، ومنها: أن ينوي بيمينه غير ما يفهمه السامع منه - كما ذكرنا في المعاريض - ومنها: أن يريد بالخاص العام ... اهـ.
ولم يرد في السؤال أن الشخص المذكور قد حنث في يمينه وبالتالي فلا شيء عليه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 رجب 1429(19/207)
نية الحالف إحدى مخصصات اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد استعملت سيارتي الخاصة لتوصيل الركاب أي تاكسي خاص بالتقاط الزبائن من الشارع وتوصيلهم مقابل أجر أتفق عليه في وقتها، وهو ممنوع قانونا في دبي، وفي أحد المرات أوقفني ضابط شرطة لمخالفتي على ذلك فأقسمت له وواعدته ألا أفعل ذلك مرة أخرى كي لا يخالفني، وأخيرا وافق ألا يخالفني بعد أن أقسمت له مرارا وواعدته على ذلك. والحمد لله لم أحنث في قسمي ولا وعدي منذ ذلك الوقت. ولكنني مؤخرا اشتريت سيارة جديدة بالتقسيط وأود أن أشغلها لتساهم معي في تسديد الأقساط، ولكن هذه المرة بالاتفاق مع أشخاص محددين لتوصيلهم يوميا مقابل أجر شهري ثابت (مثلا 500 درهم في الشهر) ، فهل لو فعلت ذلك أكون حنثت في يميني الذي أقسمته للشرطي، علما بأن نية حلفي وقتها كانت ألا أوصل الناس من الشارع كما كنت أفعل، أما الآن فأن لا ألتقطهم من الشارع وإنما أذهب إليهم يوميا لآخذهم وأوصلهم إلى وجهتهم مقابل الأجر الشهري كما أوضحت. أخشى أن يكون ذلك حنث ليميني، مع العلم أنني بذلك أساهم في حل مشكلة عدم توافر التاكسي فضلا عن الأجر الأرخص. أفيدوني هل لو فعلت أكون آثما بحنثي في اليمين، وهل يمكنني إخراج كفارة يمين لأبرئ ذمتي من هذا القسم وهذا الوعد وأكون غير آثم لو فعلت ذلك.
أفيدوني وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت نيتك - كما ذكرت - أن لا توصل الناس من الشارع عند حلفك لم تحنث إذا حملتهم من منازلهم لأن نية الحالف هي إحدى مخصصات اليمين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: واتفقوا على أنه يرجع في اليمين إلى نية الحالف إذا احتملها لفظه ولم يخالف الظاهر، أو خالفه وكان مظلوما.
قال خليل بن إسحاق المالكي في مختصره: وخصصت نية الحالف، وقيدت إن نافت وساوت في الله وغيرها. وانظر الفتوى رقم: 7100.
وبناء على هذا؛ فلست مطالبا بالتكفير عن يمينك السابقة إذا حملت الناس من بيوتهم مثلا، ولم تحملهم من الشارع الذي نويت عند الحلف، لكن إن كانت الدولة تمنع من ذلك لمصالح معتبرة شرعا فإنه يلزم طاعتها فيه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1429(19/208)
حكم صرف كفارة اليمين على طعام العرس
[السُّؤَالُ]
ـ[كفارة حلف اليمين هل يجوز أن تكون إطعام الناس في الأعراس.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كفارة اليمين حق للفقراء والمساكين ولا يجوز صرفها في إطعام الجموع في الأعراس لأن فيهم الفقير وغيره، ويتعذر جمع عشرة مساكين فقط على طعام الكفارة في مثل هذه المجامع، ولو أمكن ذلك كأن يأتي بعشرة مساكين ويعشيهم أو يغديهم بنية الكفارة أجزأ ذلك، وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 10577، والفتوى رقم: 95847.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 رجب 1429(19/209)
هذه يمين غموس
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي حلفت يمينا على المصحف على كلام وجه إلي بمشكلة كبيرة وموضوع متشابك وهو باختصار، أخت زوجي قالت لي بالحرف (انا طلبت من فلانة دعوة فلانةالى عندك) ولم تزد.
انا حلفت على المصحف قائلة (والله لم تقل لي "أنا من دعوت فلانة" لأنها فعلا لم تقم هي بالدعوة بل عن طريق صديقتها لكني في الواقع فهمت قصدها أنها من أراد الدعوة) أحدهم أفتاني اليمين صحيح، لكن الإثم هو معرفة قصدها ونكرانه فهو إثم الكذب، فهل يميني صحيح مع العلم بأنها كانت مشكلة كبيرة كدنا نصل للطلاق بسبب الكلام ولولا ذلك ما حلفت، فقصتي أشبه بقصة شخصين وقفا على طرف بستان أحدهم حمل الآخر ليقطف التفاح فالذي قطف التفاح، أقسم أنه لم يدخل الحقل لأنه كان وصديقه خارج البستان وصديقه الذي كان يحمله أقسم أنه لم يقطف التفاح، لكنهما من أخذ التفاح فكل منهم أقسم بحرفية ما سئل عنه، فأفتوني جزاكم الله، وماذا أفعل للتوبة من الذنب إذا وجد؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الحلف على المصحف كان مطلوباً منك من طرف الزوج أو غيره لإثبات حق فقد حنثت في يمينك، ويمينك هذه يمين غموس تجب منها التوبة إلى الله لأن اليمين على نية المستحلف، ولا ينفعك نية كون أخت زوجتك لم تدع تلك المرأة مباشرة بل بواسطة صديقتها والأحوط أن تكفري عنها كفارة يمين، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 9957، والفتوى رقم: 204، والفتوى رقم: 50626.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 رجب 1429(19/210)
يكفر عن يمينه إذا لم ترجع زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم من حلف يمينا على زوجته، ما نصه: والله إذا لم ترجع للبيت من اليوم إلى يوم الأحد فسوف أذهب إلى المحكمة لأطلقها، وكان نيته هو إرجاعها لبيتها وذلك لأنها ذهبت لبيت أختها المتزوجة بموافقته بعد مشكلة وعند الطلب منها الرجوع للبيت رفضت علما أنهم في غربة وليس لدى الزوج مانع لو كان في بيت أبيها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا يكفر عن يمينه إذا لم ترجع زوجته لأنه حلف أنه سيطلقها وهي يمين محضة بلا خلاف فيطعم عشرة مساكين أو من أوسط طعام أهله أي لا من النوع المرتفع ولا الرديء، أو يكسوهم، فإن لم يستطع واحدة من هذه الأمور صام ثلاثة أيام متتابعة أو غير متتابعة كله جائز.
وتراجع الفتوى رقم: 56163.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الثانية 1429(19/211)
من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها
[السُّؤَالُ]
ـ[فلت لزوجتي بعد جدال إن لم تأتي لحضني يشهد الله علي لن أجعلك تنامي في أحضاني مرة ثانية وحلفت 3 إيمان بالله على ذلك، أرجو أن أعرف ما الحل هكذا حدث؟ بارك الله فيكم.
... ... ... ... ... ... ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت زوجتك لم تمتثل لأمرك ولم تأت إليك فإنك تحنث إذا نامت في حضنك بعد ذلك، وإذا أردت تحنيث نفسك فتلزمك كفارة يمين واحدة عند جمهور أهل العلم لأن أيمانك الثلاثة كانت على شيء واحد، كما هو الظاهر، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 37122.
ومن الأفضل في حق المسلم تحنيث نفسه بعد الحلف إذا تبين أن الخير في الحنث؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة: وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك. مع التنبيه على أن الزوجة تجب عليها طاعة زوجها في غير معصية الله تعالى، كما تقدم في الفتوى رقم: 52900، والفتوى رقم: 8083.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 جمادي الثانية 1429(19/212)
حكم يمين الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك رجل كافر يريد الدخول في الإسلام وعليه كفارات كثيرة من حلف بالله، فهل نلزمه بدفع الكفارة أم لا نلزمه؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاليمين تنعقد من الكافر عند بعض أهل العلم كالحنابلة والشافعية وتلزمه الكفارة إذا حنث سواء كان حنثه حال كفره أو إسلامه خلافاً للحنفية وأصحاب الرأي القائلين بعدم انعقاد يمينه أصلاً، قال ابن قدامة في المغني: وتصح اليمين من الكافر، وتلزمه الكفارة بالحنث، سواء حنث في كفره أو بعد إسلامه. وبه قال الشافعي، وأبو ثور، وابن المنذر إذا حنث بعد إسلامه، وقال الثوري وأصحاب الرأي: لا ينعقد يمينه، لأنه ليس بمكلف. ولنا (أن عمر رضي الله عنه نذر في الجاهلية أن يعتكف في المسجد الحرام، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بنذره) ، ولأنه من أهل القسم، بدليل قوله تعالى: فيقسمان بالله. ولا نسلم أنه غير مكلف، وإنما تسقط عنه العبادات بإسلامه، لأن الإسلام يجب ما قبله، فأما ما يلزمه بنذره أو يمينه فينبغي أن يبقى حكمه في حقه، لأنه من جهته. انتهى.
وقال الكاساني في بدائع الصنائع متحدثاً عن شروط اليمين: ومنها: أن يكون مسلماً فلا يصح يمين الكفار وهذا عندنا، وعند الشافعي ليس بشرط حتى لو حلف الكافر على يمين ثم أسلم فحنث فلا كفارة عليه عندنا، وعنده تجب الكفارة إلا أنه إذا حنث في حال الكفر لا تجب عليه الكفارة بالصوم بل بالمال. انتهى.
وكفارة اليمين من الكافر حال كفره لا تجزئ إلا بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، ولا يجزئ بالصيام ولا بالإعتاق إلا إذا أسلم له عبد أو ورث عبداً مسلماً، وإذا أسلم وعليه كفارات كثيرة عن الأيمان بالله تعالى فلا تسقط تلك الكفارات عند من قال بانعقاد يمينه لكن يجزئه -بعد إسلامه- أن يكفر بالعتق مطلقاً، أو بالصيام عند العجز عن جميع أنواع الكفارة الثلاثة وهي: العتق والإطعام والكسوة ...
قال ابن قدامة في المغني أيضاً: والكفارة في حق العبد والحر، والرجل والمرأة والمسلم والكافر سواء لأن الله تعالى ذكر الكفارة بلفظ عام في جميع المخاطبين فدخل الكل في عمومه؛ إلا أن الكافر لا يصح منه التكفير بالصيام، لأنه عبادة وليس هو من أهلها، ولا بالإعتاق، لأن من شرطه الإيمان في الرقبة، ولا يجوز لكافر شراء مسلم إلا أن يتفق إسلامه في يديه، أو يرث مسلماً فيعتقه فيصح إعتاقه، وإن لم يتفق ذلك فتكفيره بالإطعام أو الكسوة، فإذا كفر به ثم أسلم لم يلزمه إعادة التكفير، وإن أسلم قبل التكفير، كفر بما يجب عليه في تلك الحال، من إعتاق أو إطعام أو كسوة أو صيام، ويحتمل على قول الخرقي ألا يجزئه الصيام، لأنه إنما يكفر بما وجب عليه حين الحنث، ولم يكن الصيام مما وجب عليه. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1429(19/213)
الحنث في يمنيك أو عدمه على حسب نيتك
[السُّؤَالُ]
ـ[طلبت زوجتي غير مرة أن نشتري طقم جلوس جديدا لكني رفضت لأننا في الغربة وسوف يتلف دون استعمال وليس لأنني لا أريد دفع الثمن وقد حلفت أكثر من مرة وكان يشتد النقاش لدرجة كبيرة , لكني تفاجأت أن زوجتي اشترته لأنها هي الآن في الوطن بسبب ظروف معينة من العمل والثمن كان مشتركا جزء منها وجزء مني دون إخباري بالموضوع. سؤالي هل على زوجتي شيء بسبب مخالفتها وعدم برها لي بيميني وهل على أنا شيء؟
أفيدونا مأجورين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحنث في يمنيك أو عدمه يعتمد على نيتك منه، فإن كانت نيتك عدم شراء الطقم مطلقا، أو ما دمتم في الغربة، فقد حصل الحنث في اليمين ويلزمك كفارته، وانظر الفتوى رقم: 2053.
وإن كان لك نية أخرى فبحسب نيتك، مثل عدم شرائك بنفسك، أو بإذنك أو بمالك ونحوها فلا تكون حانثا حينئذ، ولا يلزمك شيء.
وأما زوجتك فقد أخطأت بمخالفتك، وبالتصرف في مالك بغير إذن وعليها التوبة من ذلك، وننصحك بالعفو عنها ومسامحتها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 جمادي الثانية 1429(19/214)
حرم على نفسه الزواج في بيت العائلة فهل له أن يتزوج فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[بسم الله الرحمن الرحيم
كنت قبل سنة من الآن حرمت على نفسي الزواج في بيت العائلة، هل لي أن أتزوج الآن في البيت، وهل توجد كفارة أو شيء آخر.
أرجو الرد ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز لك أن تتزوج في بيت عائلتك ولو كنت حرمت ذلك على نفسك سابقا لأن تحريم المرء على نفسه ما أباحه الله له لا يصير الحلال حراما، ولكن الأحوط أن تكفر كفارة يمين لأن تحريم المرء على نفسه الحلال يعتبر يمينا عند كثير من العلماء، فإن حنث فيه لزمته كفارة يمين، وانظر التفصيل في الفتوى رقم: 28811، والفتوى رقم: 24778.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 جمادي الثانية 1429(19/215)
الأيمان الكثيرة التي لم تكفر وحكم بقائها في الذمة إلى الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي عقوبة من كان له عدة كفارات يمين ولم يقم بتكفيرها عندما يموت وتلك الكفارات كانت قبل التزامه وهي كثيرة جداً حتى أنه لا يحصيها، فهل يمكن أن يغفرها له الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن ترتبت عليه كفارات يمين كثيرة ولو قبل التزامه فعليه إخراجها حسب استطاعته، وإن جهل قدرها فعليه الاحتياط في ذلك بحيث يخرج من الكفارات حتى يغلب على ظنه براءة ذمته، وإذا مات قبل إخراجها فإنها تخرج من تركته قبل قسمها ولا تسقط بموته. وراجع الفتوى رقم: 58005 فقد اشتملت على بعض كلام أهل العلم في المسألة.
وإذا لم تخرج من تركته أو لم يترك وفاء لها فأمره إلى الله تعالى إن شاء غفر له وإن شاء عاقبه، ولا يمكن الجزم بأن الله تعالى سيغفر له أو يعاقبه، كما لا يمكن تحديد العقوبة إن حصلت فهذا كله من الأمور الغيبية التي لا يمكن الاطلاع عليها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 جمادي الثانية 1429(19/216)
الانتقال إلى الصوم في كفارة اليمين عند عدم المال
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أوضحتم في الفتوى رقم 107925 أنه يجب علي أن أخرج الكفارة من المال إذا كان كافيا لذلك وأنا أقول إن هذا المال أدخره كل شهر يعني كل شهر يكون عندي بعض المال يكفي لإخراج كفارتين لكن هذا المال أنا أدخره لحاجتي إليه فأنا أستعمله في المواصلات وفي شراء الكتب ومستلزمات الكمبيوتر ولو استعملته في إخراج الكفارة لم يبق لي شيء لأنه المال الوحيد الذي أملكه.
أرجو توضيح المسألة لأنني لا أعمل لأني طلب في الجامعة وهذا المال أحصل عليه من والدي؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان حنثك في الأيمان المذكورة لم تترتب عليه معصية فلا يجب عليك إخراج تلك الكفارات فورا عند بعض أهل العلم كالشافعية خصوصا مع الحاجة إلى المال المدخر في شؤون الدراسة والمواصلات ونحوها، وبالتالي ففي هذه الحالة لا مانع من تأخير إخراج الكفارات حتى تتوفر لديك الاستطاعة.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 96808، والفتوى رقم: 42979.
وإذا أردت أن تكفر الآن بالصيام فإن لك ذلك ما دمت لا تجد غير هذا المال الذي تحتاجه في النفقة لأنك فقير، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في أسنى المطالب: ومن عجز عن الخصال الثلاث صام ثلاثة أيام وإن تفرقت والعاجز من له أخذ الزكاة والكفارة من فقير ومسكين فيكفر بالصوم لأنه فقير في الأخذ فكذلك في الإعطاء. انتهى.
وكنا قد بينا في فتاوى سابقة جواز أخذ الطالب من أموال الزكاة إذا كان فقيرا ويشتغل بالطلب عن الكسب.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 58739.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 جمادي الأولى 1429(19/217)
عاهد ربه ألا يفعل أمرا فلم يف بعهده
[السُّؤَالُ]
ـ[عاهدت الله على عدم الدخول على مواقع قبيحة لكني لم أقسم على ذلك وحدث أن دخلت على إحدى هذه المواقع لأقل من دقيقة ثم خرجت فهل علي كفارة أم ماذا؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يجوز للمسلم دخول المواقع التي يطلع فيها على ما لا يحل النظر له إليه، فإن فعل ذلك فليتب من ذنبه وإن عاهد ربه على عدم دخول تلك المواقع ثم لم يف بعهده فعليه التوبة أيضا، وإذا كانت صيغة عهده علي عهد الله أو وعهد الله فعليه كفارة يمين إذا قصد اليمين أو أطلق، وإن قال أعاهد الله على ألا أفعل كذا فمن أهل العلم من يرى أنه لا كفارة في هذه الصيغة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز للمسلم دخول المواقع التي يطلع فيها على ما لا يحل النظر له إليه، فإن فعل ذلك فقد عصى الله تعالى، وعليه أن يتوب من ذنبه، وحيث إن السائل عاهد ربه على عدم دخول تلك المواقع ثم لم يف بعهده فعليه التوبة أيضا من عدم الوفاء بعهده مع الله تعالى لأن الوفاء بالعهد واجب، وإذا كانت صيغة عهده علي عهد الله أو وعهد الله فعليه كفارة يمين إذا قصد اليمين أو أطلق: وإن كان قال: أعاهد الله فمن أهل العلم من يرى أنه لا كفارة في هذه الصيغة.
ففي الموسوعة الفقهية: قال الحنفية إذا قيل: علي عهد الله أو ذمة الله أو ميثاق الله لا أفعل كذا مثلا , فهذه الصيغ من الأيمان، لأن اليمين بالله تعالى هي عهد الله على تحقيق الشيء أو نفيه، قال تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ، فجعل العهد يمينا, والذمة هي العهد ,...... وقال المالكية والحنابلة: من صيغ اليمين الصريحة: علي عهد الله لا أفعل, أو لأفعلن كذا مثلا فتجب بالحنث كفارة إذا نوى اليمين, أو أطلق, فإن لم ينو اليمين بل أريد بالعهد التكاليف التي عهد بها الله تعالى إلى العباد لم تكن يمينا. وزاد المالكية: أن قول القائل: أعاهد الله ليس بيمين على الأصح لأن المعاهدة من صفات الإنسان لا من صفات الله, وكذا قوله: لك علي عهد, أو أعطيك عهدا. وقال الشافعية: من كنايات اليمين: علي عهد الله أو ميثاقه أو ذمته أو أمانته أو كفالته لأفعلن كذا أو لا أفعل كذا , فلا تكون يمينا إلا بالنية، لأنها تحتمل غير اليمين احتمالا ظاهرا.
وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 25974، والفتوى رقم: 69381.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
28 جمادي الأولى 1429(19/218)
ما يلزم من خالف عهدا عاهد عليه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[عاهدت الله أن لا أدخل صالة الأفراح، ولكن عندي في هذه الأيام فرح ابن أختي في الصالة، وسألتني بالله أن أحضر هذا الفرح، فما الحكم إن ذهبت إلى هذه الصالة علما بأن الأفراح في بلدته تقام في المنزل أو في الصالة الخاصة بالأفراح ولا يوجد به إن شاء الله اختلاط ... ]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا بالفتوى رقم: 7375، أن المسلم إذا عاهد الله عهدا وجب عليه الوفاء به، وأنه إذا خالف ونقض هذا العهد تجب عليه التوبة وكفارة اليمين، فراجعي الفتوى المذكورة، وإذا كان هذا الحفل مشتملا على منكر من غناء محرم ونحوه فلا يجوز لك الذهاب إليه أصلا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 جمادي الأولى 1429(19/219)
حكم الحلف لعلاج الكسل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة كسولة أؤدي واجباتي بتضايق وكره وهذا في كل ميادين الحياة الأعمال المنزلية، الدراسة، العلاقات ... جربت كل الوسائل لتغيير نفسي فما فلحت، وأخيراً وجدت وسيلة الحِلْف كأن أقول مثلا: والله والله والله سأنقطع عن تصفح الإنترنت لمدة أسبوع (لأني عادة أمكث ساعات أمام شاشة الكمبيوتر لساعات) ، فنفعت معي هذه الطريقة، فهل يجوز أن أستخدمها كدواء لكسلي وعدم التزامي؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا مانع من أن تحلف السائلة على ما يباح الحلف عليه من غير أن تكثر من ذلك، أما ما يترتب على كثرة الحلف وتعدد الأيمان فإن حلفت وحنثت لزمتها الكفارة، وإذا كان المحلوف عليه شيئاً واحداً وتكررت الأيمان قبل الحنث فتلزم كفارة واحدة عنها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحلف بالله تعالى جائز لكن الإكثار منه مكروه، وعلى هذا فلا مانع من أن تحلف السائلة على ما يباح الحلف عليه من غير أن تكثر من ذلك، أما ما يترتب على كثرة الحلف وتعدد الأيمان فإن حلفت وحنثت لزمتها الكفارة، فإذا كان المحلوف عليه شيئاً واحداً وتكررت الأيمان قبل الحنث فتلزم كفارة واحدة عنها.
قال ابن قدامة في المغني: ويكره الإفراط في الحلف بالله تعالى، لقول الله تعالى: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ. وهذا ذم له يقتضي كراهة فعله. فإن لم يخرج إلى حد الإفراط فليس بمكروه، إلا أن يقترن به ما يوجب كراهته، ومن الناس من قال: الأيمان كلها مكروهة، لقوله تعالى: وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ. ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحلف كثيراً، وقد كان يحلف في الحديث الواحد أيماناً كثيرة، وربما كرر اليمين الواحدة ثلاثاً، فإنه قال في خطبة الكسوف: والله يا أمة محمد ما أحد أغير من الله أن يزني عبده، أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً. ولقيته امرأة من الأنصار معها أولادها، فقال: والذي نفسي بيده، إنكم لأحب الناس إلي، ثلاث مرات. وقال: والله لأغزون قريشاً، والله لأغزون قريشاً، والله لأغزون قريشاً. ولو كان هذا مكروهاً لكان النبي صلى الله عليه وسلم أبعد الناس منه، ولأن الحلف بالله تعظيم له. انتهى ...
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 21014، 26864، 22807، 10943، 51414.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 جمادي الأولى 1429(19/220)
أقسم ألا يلعب الرياضة فهل له أن يحنث في يمينه
[السُّؤَالُ]
ـ[أقسمت على ألا ألعب الرياضة وأنا في حالة ما بين السهو واليقظة وأنا في حيرة هل أعود للعب أم لا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت اليمين قد صدرت عن قصد منك وأنت تعي ما تقول فتجب عليك الكفارة عند الحنث فيها بفعل ما حلفت على ألا تفعله، وإن كانت الرياضة التي ستمارسها جائزة فالحنث هنا جائز بلا كراهة، والكفارة قد بيناها في الفتوى رقم: 23614.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 جمادي الأولى 1429(19/221)
زوجته تكثر الأيمان وتحلف على أشياء لا تجزم بصحتها
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي دائما تحلف بالله على أتفه الأشياء فمثلاً (والله ما أنا ماكلة) ثم تأكل (والله ما أنه مش صحيح) وهي لا تعرف إن كان صحيحا أم لا.. وكثير مثل هذه الأشياء.. فأنا لا أعرف ماذا أفعل هل على كل يمين كفارة؟ ودائما أنصحها ولكن دون جدوى.. أفيدوني جزاكم الله خيرا فأنا كرهت كل أفعال زوجتي ولكن أتحملها وأكتم ما في نفسي لعل حالها يتغير في يوم من الأيام.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ما ذكرته عن زوجتك من كثرة الحلف، وخصوصا الحلف على ما لا تعلم صدقه، هو أمر خطير، وعليها أن تتوب إلى الله منه. وعليك أن لا تتوانى في نصحها، وأن لا تيأس من ذلك. وأما أكلها بعد حلفها ألا تأكل فإنها تحنث به وتلزمها كفارة يمين بالله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي للمسلم أن يكثر من الأيمان، ودليل ذلك قوله تعالى: وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. [البقرة: 224] . وقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الحلف حنث أو ندم. رواه ابن حبان في صحيحه، ولأنه ربما يعجز عن الوفاء بما حلف عليه.
وما ذكرته عن زوجتك من الحلف على أشياء لا تعرف إن كانت صحيحة أم لا، هو أمر خطير جدا؛ لأن هذه يمين غموس. قال الشيخ خليل بن إسحاق –رحمه الله تعالى-: وغموس بأن شك أو ظن وحلف بلا تبين صدق ... اهـ
واليمين الغموس من الكبائر، كما قال صلى الله عليه وسلم: "الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس" رواه البخاري.
وذكر العلماء أنها إنما سميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في النار أو في الإثم، عبروا مرة بالانغماس في النار، ومرة بالانغماس في الإثم، ولا منافاة ولا تعارض بين العبارتين، لأن الانغماس في الإثم سبب في الانغماس في النار.
واليمين الغموس لا كفارة لها عند جمهور أهل العلم غير التوبة والاستغفار.
فعلى زوجتك أن تتوب إلى الله وتبتعد عن الحلف عموما وعن هذا النوع من الحلف.
وعليك أن لا تيأس من نصحها ودعوتها إلى تجنب الحلف، وتلزمها كفارة إذا حلفت أن لا تأكل ثم أكلت بعد ذلك.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 جمادي الأولى 1429(19/222)
حلفت ألا تزور بيت عمها فزارته صلة لرحمها
[السُّؤَالُ]
ـ[سيدي الفاضل قد سبق مني حلف يمين في عدم زيارة بيت عمي لإيذائهم لي بشكل كبير, إلا أني عدت وزرتهم في عيد الأضحى لكي لا تقطع صلة الرحم بيننا خوفا من معصية الله ورسوله، وقد سبق لي أيضا أن قطعت وعداً لله في مسألة شخصية ولم أنفذها, وبعد مدة نفذتها، سيدي هل علي إخراج كفارتين أم أخرج كفارة واحدة عنهما الاثنتين؟ وجزاكم الله خيراً.. وجعل عملكم في ميزان حسناتكم.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يجزي السائلة خيراً على صبرها وتحملها لما يصدر من بعض أقربائها، ولقد أصابت عندما اختارت الحنث والتكفير عن اليمين بدلاً عن الاستمرار في مقاطعة أقربائها، فإن هذا هو الموافق لما أمر الله به من كظم الغيظ والعفو عن الناس ولما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من التكفير عن اليمين إذا كان الحنث خيراً من عدمه، والواجب في الحنث في اليمين كفارة واحدة.
أما قطع الوعد فقد كان ينبغي أن تذكر الصيغة والأمر الذي وعدت به لنتمكن من إجابة السؤال تحديداً، وعلى كل حال فإن كان مجرد وعد من غير أن يقتضي نذراً فهذا لا يترتب على عدم الوفاء به شيء ويستحب الوفاء به، وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى ذات الأقام التالية: 96924، 99603، 79204.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1429(19/223)
من عاهد الله على أمر وعجز عن الوفاء
[السُّؤَالُ]
ـ[عاهدت الله سبحانه وتعالى أن أصلي صلاة الفجر يومياً في وقتها وإن لم أستطع ذلك أن أدفع 5000 دينار عراقي لأحد المحتاجين عن اليوم لا أصليه في الوقت المحدد عقوبة لنفسي كي أحثها للمواظبة على صلاة الفجر في وقتها، ولكن الذي حدث أنه لا أستطيع ذلك في أيام الشتاء ولا أستطيعها في أيام الصيف لقصر فترة الليل ولأسباب أخرى لا أعلم إن كانت مقبولة أم لا، فسؤالي: هل أستطيع أن أحل نفسي من هذا العهد الذي قطعته على نفسي مع الله سبحانه وتعالى أم لا، وكيف ذلك دون أن أأثم، وهل أن المال الذي أدفعه (عقوبة لنفسي) أُُثاب عليه أم لا، فأجيبوني يرحمكم الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
بإمكانك أن تتحلل من يمينك بالكفارة عنه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حث الله عز وجل على الوفاء بالعهد في آيات كثيرة من محكم كتابه، فقال الله تعالى: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً {الإسراء:34} ، وقال تعالى: الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {البقرة:27} ، وقد نص أهل العلم على أن من عاهد الله على شيء فهي يمين تلزم منها عند عدم الوفاء كفارة اليمين، جاء في المدونة الكبرى: وإذا قال: علي عهد الله. فهي يمين.
وعلى ذلك فإن ما قلت يعتبر يمين لجاج، فإذا لم تدفع المبلغ المذكور فإن عليك أن تستحل منه بكفارة يمين، وهي المذكورة في قوله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89} ، وأما المال الذي تدفعه براً بيمينك ففيه الثواب إن شاء الله تعالى ما دام الفعل بنية الامتثال والطاعة لله تعالى، وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 66773، والفتوى رقم: 13381 وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 جمادي الأولى 1429(19/224)
حكم قول الحالف إن شاء الله ما فعلت كذا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الحلف بقول إن شاء الله بدلاً من والله يعني مثلا أنا دائما أقول إن شاء الله ما فعلت كذا وإن شاء الله قلت كذا بنية الحلف بدلاً من قول والله ما فعلت كذا، فما حكم ذلك؟ وهل هذا تنعقد به اليمين خاصة أني أستعمل هذا في كلامي كل يوم؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
ليست هذه الصيغة من صيغ اليمين، لأن اليمين لا تنعقد إلا بالقسم بالله تعالى أو بصفة من صفاته وهذا غير موجود في قول القائل إن شاء الله ما فعلت كذا أو قلت كذا، ثم إنه لا يصح تعليق المشيئة على الأمور التي وقعت بالفعل؛ لأن الاستثناء إنما يتعلق بالمستقبل لا بالماضي، لذا فإن على الأخ السائل أن يتجنب تعليق الأمور الماضية بالمشيئة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الصيغة ليست من صيغ اليمين لأن اليمين لا تنعقد إلا بالقسم بالله تعالى أو بصفة من صفاته، وهذا غير موجود في قول القائل إن شاء الله تعالى ما فعلت كذا أو قلت كذا، ثم إنه لا يصح تعليق المشيئة على الأمور التي وقعت بالفعل؛ لأن الاستثناء إنما يتعلق بالمستقبل لا بالماضي؛ لذا فإن على الأخ السائل أن يتجنب تعليق الأمور الماضية بمشيئة الله تعالى، ففي حاشيتي قليوبي وعميرة في الفقه الشافعي عند الكلام على الاستثناء ما نصه: ويمنع في الماضي أيضاً على المعتمد في قوله في شيء فعله، والله ما فعلته إن شاء الله. انتهى.
وفي الأشباه والنظائر للسيوطي: قاعدة الشرط: إنما يتعلق بالأمور المستقبلة: أما الماضية، فلا مدخل له فيها، ولهذا -لا يصح تعليق الإقرار بالشرط- لأنه خبر عن ماضي، ولو قال: يا زانية، إن شاء الله، فهو قاذف لأنه خبر عن ماضي فلا يصح تعليقه بالمشيئة ولو فعل شيئاً، ثم قال: والله ما فعلته إن شاء الله. حنث كما قال: الزركشي في قواعده، وخطأ البارزي في فتواه بعدم الحنث. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1429(19/225)
اليمين المنعقدة هل تلغى بطول الوقت
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد حلفت بالله لزوجتي بأنها إذا لم تنظف الحذاء يوميا بعد عودتي من العمل سوف أنظفه بقميص من عندها ويكون نظيفا وحتى الآن هي ملتزمة بذلك،،، ولكن أريد أن أعرف إذا أخلت في يوم من الأيام بهذا الشرط ماذا علي أن أفعل هل طول الفترة يلغى الحلف أم علي كفارة إذا لم ألتزم بما أقسمت عليه (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) وهل هو لغو؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت عازما على تنفيذ ما حلفت عليه فهذه يمين منعقدة، وليست لغو يمين ولا تلغى مع طول الوقت.
وحيث إن الأمر الذي حلفت عليه غير جائز، لما فيه من تعد على ملك الغير وتصرف فيه بغير إذنه، فيجب عليك التكفير عن يمينك مع أنك تحنث إن لم تفعل ما حلفت عليه عند سببه. أما مادامت قائمة به فأنت غير حانث في يمينك. وكفارة اليمين سبق بيانها في الفتوى رقم: 2053.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 جمادي الأولى 1429(19/226)
الصيام عند العجز عن الكسوة والإطعام في كفارة اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد راسلتكم من قبل ولم أحصل على جواب وسؤالي هو: أنا طالب علم والحمد لله ولقد التزمت مؤخراً ولكن قبل أن ألتزم كنت كثير الحنث بالحلف ولقد قدرت عدد الكفارات وعلي 60 كفارة وأنا أدخر المال في نهاية الشهر -بحكم أنني أدرس في الجامعة وأبي يصرف علي- لشراء كتب طلب العلم وهذا المال هو مصروفي وليس لي مال غيره، فهل يجوز في هذه الحالة الصيام لإخراج الكفارة أم يجب علي إفطار 10 مساكين بذلك المال وفي حالة وجوب الصيام هل يمكن أن لا أتابع أيام الصيام فهو يشق علي، وهل يمكن أن أصوم الخميس والإثنين لإخراج الكفارة وإذا قدر الله وأنني مت قبل إتمام صيام الكفارات فما مصيري عند الله؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يجوز الانتقال إلى الصوم في التكفير عن اليمين في حال استطاعة الإطعام أو الكسوة أو العتق، ومن عجز انتقل إلى الصيام، ويجوز فيه التفريق لكن التتابع أفضل.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تستطيع إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم عن كل يمين حنثت فيها فلا يجوز لك الانتقال إلى الصيام؛ لأن كفارة اليمين على الترتيب من هذه الناحية، فإن عجزت عن التكفير بغير الصيام في جميع الأيمان أو بعضها جاز لك أن تنتقل إلى الصيام فيما عجزت عنه، ولا يجب تتابع صيام الأيام الثلاثة كما رجحه كثير من الفقهاء، ولكنه أفضل عند البعض منهم ويجب، لكن على القول بوجوب التتابع لا يجب تتابع صيام أكثر من كفارة، أي أن للأخ السائل أن يصوم ثلاثة أيام كفارة عن يمين واحدة، وبعد يوم أو يومين يصوم مثل ذلك.. وله أن يجعل يومي الإثنين والخميس ضمن صيام الكفارة لكن بنية الوجوب وليس بنية السنة والاستحباب.
قال ابن قدامة في المغني: فإن لم يجد من هذه الثلاثة واحداً، أجزأه صيام ثلاثة أيام متتابعة. يعني إن لم يجد إطعاماً ولا كسوة ولا عتقاً انتقل إلى صيام ثلاثة أيام، لقول الله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ. وهذا لا خلاف فيه. انتهى.
وقد ذكر الفقهاء أن من ملك ما يكفر به زائداً على قوته وقوت من تلزمه نفقته يومه وليلته لم يجز له الانتقال إلى الصيام بدل الإطعام وما في حكمه، قال ابن قدامة في المغني: ويكفر بالصوم من لم يفضل عن قوته وقوت عياله، يومه وليلته، مقدار ما يكفر به. إلى أن قال: ويعتبر أن لا يجد فاضلاً عن قوته وقوت عياله، يومه وليلته، قدراً يكفر به. وهذا قول إسحاق ونحوه قال أبو عبيد، وابن المنذر، وقال الشافعي: من جاز له الأخذ من الزكاة لحاجته وفقره، أجزأه الصيام، لأنه فقير. انتهى.
وقال ابن قدامة أيضاً وهو يذكر اشتراط التتابع في صيام كفارة اليمين: وظاهر المذهب اشتراطه كذلك قال إبراهيم النخعي.. وأصحاب الرأي ... وحكى ابن أبي موسى عن أحمد رواية أخرى أنه يجوز تفريقها، وبه قال مالك والشافعي في أحد قوليه، لأن الأمر بالصوم مطلق، فلا يجوز تقييده إلا بدليل، ولأنه صام الأيام الثلاثة، فلم يجب التتابع فيه، كصيام المتمتع ثلاثة أيام في الحج. انتهى.
وقال القرطبي في أحكام القرآن: قوله تعالى: فصيام ثلاثة أيام قرأها ابن مسعود متتابعات فيقيد بها المطلق وبه قال أبو حنيفة والثوري، وهو أحد قولي الشافعي واختاره المزني قياساً على الصوم في كفارة الظهار واعتباراً بقراءة عبد الله وقال مالك والشافعي في قوله الآخر: يجزئه التفريق. انتهى.
وننبه هنا إلى أن المراد بإطعام عشرة مساكين أن يعطي كل واحد منهم مدا من غالب القوت، ومنها أن تدفع لهم قيمة الطعام إن كان ذلك أصلح للفقراء، بناء على قول شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه في مسألة دفع القيمة في الكفارة والزكاة، وللمزيد من الفائدة والتفصيل في موضوع السؤال يرجى الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2053، 10567.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
12 جمادي الأولى 1429(19/227)
عليه كفارات يمين كثيرة فكيف يقضيها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد كنت كثير الحلف وبعد التزامي تذكرت ذلك وعددت الكفارات وتقريبا هي 50 كفارة، وأنا لا أستطيع أن أصوم كل يوم فهل يمكن أن أصوم كل خميس حتى أكمل الكفارات، وأيضا أنا أدخر المال من أجل طلب العلم وشراء الكتب، مع العلم بأنني أدرس في الجامعة ووالدي ينفق علي، فهل يجب علي في هذه الحالة أن أفطر عشر مساكين فأرجو منكم أن تجيبوا علي بالتفصيل لأنني خائف كثيراً وأشعر أنني بعيد عن الله واعلموا أنني أثق فيكم كثيراً وكنت دائما أحاول الاتصال بكم وأعجز بسبب كثرة الأسئلة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكفارة اليمين تكون بواحد من ثلاثة أشياء على التخيير وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، ثم بعد العجز عن جميع تلك الأنواع يجزئ صيام ثلاثة أيام، وعليه فإذا كان المال الذي تدخر يكفي لإخراج الكفارات التي عليك إطعاماً أو كسوة أو عتقاً فأخرجها منه ولا يجزئك الصيام، وراجع الفتوى رقم: 51326.
فإن لم يكف المال لجميع الكفارات اللازمة فلك أن تكفر عما بقي بالصيام وكفارة اليمين -في حال القدرة- يجب إخرجها فوراً عند بعض أهل العلم، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 42979.
والصيام في كفارة اليمين -حال مشروعيته- يجزئ متفرقاً ومتتابعاً وتتابعه أفضل، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 10567، والفتوى رقم: 28911 ...
وعليه فيجزئ في هذه الحالة صيام كل يوم خميس حتى تكتمل أيام الصيام، وراجع ذلك في الفتوى رقم: 48055.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
04 جمادي الأولى 1429(19/228)
تقديم الطعام المطبوخ إلى المساكين في كفارة اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ما يطبخ مع أكل المساكين مثل حلفت بالله وأردت أن أكفر عن يميني وذلك بطعام عشرة مساكين وطبخت لهم أرزا ولحما فما الحكم فيما يطبخ بها الأرز واللحم مثل المرق والكوشنه والطماطم او الصلصة والبصل وغيرها هل تدخل في الإطعام لان بعض المساكين يطلبها فهل يجوز إعطاؤهم إياها وهل تدخل في باب الإطعام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود أنك قد أعطيت كل واحد من المساكين العشرة مدا من الأرز وهو ما يساوى سبعمائة وخمسين جراما لكل واحد إضافة إلى اللحم فهذا مجزئ؛ لأن إعطاءهم الأرز وحده يكفى. ومن أهل العلم من يرى أن الواجب في الكفارة إن كان من غير البر فهو إخراج مدين لكل مسكين أي كيلو ونصف الكيلو من الأرز وهذا أحوط. وبالتالي فلا يلزمك إعطاء الأشياء التي يطلبونها.
ففى الأم للإمام الشافعى: قال الشافعي رحمه الله تعالى: ويجزئ في كفارة اليمين مُد بمد النبي صلى الله عليه وسلم من حنطة ولا يجزئ أن يكون دقيقا ولا سويقا، وإن كان أهل بلد يقتاتون الذرة , أو الأرز , أو التمر أو الزبيب أجزأ من كل جنس واحد من هذا مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم انتهى
وفى المنتقى للباجى: وقوله أعطوا مُدا من حنطة نص منه على تجويز إخراج الحنطة في ذلك، ولا خلاف فيه والذي يخرج في ذلك من الطعام ما يقتاته الناس غالبا ولا يستعمل غالبا إلا على وجه القوت كالقمح والشعير والسلت والدخن والأرز والذرة. انتهى
وقال الكاسانى بدائع الصنائع: وسواء كان الطعام مأدوما أو غير مأدوم، حتى لو غداهم وعشاهم خبزا بلا إدام أجزأه لقول الله تبارك وتعالى: {فكفارته إطعام عشرة مساكين} مطلقا من غير فصل بين المأدوم وغيره وقد أطعم، ولأن الله - عز شأنه - عرف الإطعام على وجه الإباحة بإطعام الأهل. وذلك قد يكون مأدوما وقد يكون غير مأدوم فكذا هذا، وكذلك لو أطعم خبز الشعير أو سويقا أو تمرا أجزأه؛ لأن ذلك قد يؤكل وحده في طعام الأهل. انتهى
وإذا أردت أن تكفرعن يمينك بإطعام عشرة مساكين عن طريق تقديم الطعام مطبوخا فلايجزئك إلا أن تقدم لكل مسكين وجبة غداء وعشاء ولايجزئ غداء فقط أوعشاء فقط. وإذا أعطيت كل مسكين وجبة غداء وعشاء من الأرز واللحم مثلا فهذا مجزئ.
وراجع فى ذلك الفتوى رقم: 95847، والفتوى رقم: 204.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 جمادي الأولى 1429(19/229)
حلف أن لا يشتري شيئا فاشترته زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حلفت أن لا أشتري طقم جلوس جديد بعد نقاش مع زوجتي حيث هي تريد وأنا لا أريد شراءه الآن لأننا في الغربة وسوف لن نستعمله فحلفت يمينا أكثر من مرة وقلت إننا سنشتري عندما نعود إلى البلاد ولم أحدد طقما بعينه، ولكن فوجئت أن زوجتي اشترته دون علمي, سؤالي ماذا علي من اليمين الذي حلفت وما على زوجتي من عدم برها بيميني؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر لنا من السؤال أن الزوجة اشترت الطقم من مالها، وأنك إنما حلفت لمنع نفسك من الشراء من مالك، فإذا كنت قد حلفت على أنك لن تشتري الطقم المذكور فلا تحنث بشراء الزوجة له من مالها بدون علمك، ولا حرج عليها في الإقدام على هذا الشراء إذا كان من مالها الخاص بها، وراجع الفتوى رقم: 1693.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1429(19/230)
حكم الحلف على الكذب في اليمين طول اليوم
[السُّؤَالُ]
ـ[حلف أن لا يقول يمين صدق في يومه، وجعل طول يومه يحلف وإذا قال له أحد الناس حرام عليك قال إني حلفت أن لا أقول يمين صدق؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما أقدم عليه الشخص المذكور من الحلف على الكذب في يمينه طيلة اليوم معصية شنيعة، وكان الواجب عليه أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى وأن يحنث في يمينه تلك ويخرج كفارة يمين لأن براليمين هنا حرام لما يترتب عليه من انتهاك لحرمات الله تعالى، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 61336.
وفي حال بره ليمينه بمواصلته للحلف الكاذب في يمينه طيلة اليوم فهو آثم ولا كفارة عليه في يمينه الأولى، وبخصوص الحلف الكاذب الذي صدر منه فجمهور أهل العلم على عدم لزوم الكفارة فيه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 50626.
مع التنبيه على ضرورة نصح الشخص المذكور وتنبيهه على حرمة ما أقدم عليه وضرورة اجتنابه مستقبلاً.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ربيع الثاني 1429(19/231)
حلف ألا يذهب إلى قباء مشيا قاصدا محلا معينا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حلفت أن لا أذهب إلى قباء مشياً مرة ثانية وكنت أقصد أني لا أذهب إلى محل محدد في قباء فهل علي كفارة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان السائل يقصد أنه حلف ألا يذهب إلى قباء مرة ثانية مشياً وكان يقصد مكاناً معيناً فإنه لا يحنث إلا بفعل ما كان يقصد بنيته أنه لن يفعله وهو الذهاب إلى المكان المحدد من قباء لأن اليمين على نية الحالف، فنية الحالف تخصص اللفظ العام، فإذا ذهب لغير المكان الذي نواه بالحلف لم يحنث ولا يطالب بكفارة.
لكن ننبه إلى أنه إن كان نوى في يمينه ألا يذهب إلى مسجد قباء فإن الحنث ودفع الكفارة أولى وأفضل من عدم الحنث، لأن المشي إلى مسجد قباء مما ثبت الترغيب فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 63808، 71452، 56163.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ربيع الثاني 1429(19/232)
حكم من حرم على نفسه الخروج مع زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل قال لزوجته يحرم علي أطلع معك في أي زيارة بعد اليوم، هل يعتبر هذا يمينا يستوجب الكفارة؟ وما هو حكم هذا القول، علماً بأنه قال ذلك غضباً منها لأنها عاندته في الزيارة التي كانا معاً فيها فلما عاد إلى المنزل قال لها ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الظاهر من السؤال أن ما ذكر لغو لا يترتب عليه شيء، لأن السائل إنما حرم الخروج مع زوجته وهو مباح، وتحريم المباح لغو.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصح السائل الكريم بتقوى الله تعالى والبعد عن الألفاظ التي قد يترتب عليها ما يوقع في الحرج، وعن السؤال فالظاهر -والله أعلم- أن اللفظ المذكور لا يترتب عليه شيء، لأنه لم يحرم الزوجة، وإنما حرم الخروج معها في الزيارات، والخروج معها من الأمور المباحة شرعاً، وقد نص أهل العلم على أن تحريم المباح غير الزوجة لغو. وسبق بيان ذلك وأقوال أهل العلم فيه في الفتوى رقم: 39376.
أما إذا كان يقصد بما ذكر تحريم زوجته إذا حصل المعلق عليه، فقد اختلف العلماء فيما يترتب على ذلك، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 22979.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الثاني 1429(19/233)
دفع الكفارة لأسرة واحدة أو للعمال المغتربين
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي حوالي 30 كفارة يمين ونحن من ليبيا والدولة توفر لنا السلع التموينية مثل الأرز المكرونة الدقيق فكيف يتم توزيع الكفارات علما بأن معظم العائلات الليبية تمتلك منزلا وسيارة وأقل شيء شخص واحد من العائلة يتقاضى راتبا فهل يجوز إعطاء الكفارة لهم؟ ويوجد أيضا مغتربون فهل تعطى لهم الكفارة علما بأنهم يعملون ويتقاضون راتبا؟ وماهي مواصفات الشخص الذي يستحق أن تعطى له الكفارة؟ وهل يجب أن تكون عينية أم يجوز أن تعطى نقدية وكم المبلغ لكل كفارة, علما بأننا لا نملك جمعيات خيرية وخاصة أننا نعيش في قرية بعيدة عن العاصمة وهل تعد العائلة التي يتقاضى الزوج والزوجة راتبا وقبل نهاية الشهر أوخلاله ينفذ الراتب والعائلة قد تتكون من خمسة أو أكثر أو أقل هل تعتبر عائلة فقيرة وتعطى لهم الكفارة؟ الراتب غالبا يكون 150 إلى 200دينارليبي؟ وهل الثمر يجزي وكم المقدار.
السؤال الثاني: نسينا أن نعطي زكاة الفطر وأثناء الخطبة تذكر زوجي وجاء إلى المنزل وأعطاها لجيراننا وهي عائلة محتاجة قليلا ما الحكم في ذلك؟ أرجو الإفادة.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ف من عليه كفارات أخرجها جميعا للفقراء المساكين، والمسكين هو الذي له مؤونة لا تكفيه حاجته أو له راتب لا يسد مسد حاجته، والفقير أشد منه حاجة على قول الشافعي.
والخلاصة أن من ذكر السائل -من الأسرة التي تتقاضى راتبا ولا يكفيها- تعد ممن يصدق عليهم وصف الفقر ويجوز إخراج الكفارة لهم ولأمثالهم بحيث يتم العدد لكل كفارة عشرة مساكين، سواء كانوا في أسرة واحدة أو أسرتين أو أكثر، وأما المغتربون فيجوز إعطاؤهم الكفارة إن كانوا فقراء لا تكفيهم دخولهم (رواتبهم) لمؤونة الشهر.
وأما هل تكون الكفارة عينية فالنص أنها عينية إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من طعام من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم، فإن تعذر إخراجها عينا أعطيت قيمتها نقدا ليشترى بها ذلك، وأما قدر تلك القيمة في بلدكم فهذا يرجع فيه إلى علماء البلد لاختلافه زمانا ومكانا.
وأما نسيان زوجك لزكاة الفطر وتذكره حال الخطبة فرجع إلى المنزل وأخرجها فلا حرج عليه في ذلك وإن كان الأولى أن يتم سماع الخطبة ثم يخرجها بعد ذلك ولا حرج عليه لنسيانه وتجزئ عن زكاة الفطر.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الثاني 1429(19/234)
من حلف على أمر يظنه حقا فتبين خلافه
[السُّؤَالُ]
ـ[رأيت جدتي جالسة وبالقرب منها بعض الماء بدا لي كأنها قد بالت فأسرعت لأخبر ابن خالتي، ولكي يصدقني حلفت له بذلك، ثم رجعت لأتاكد من أنها قد تبولت فعلا إلا أنني اكتشفت أنها لم تفعل ذلك بل بصقت ماء من فمها، فماحكم حلفي هذا؟ وجزاكم الله عني كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيمينك على الأمر المذكور لا تعد يمين غموس لأنك تظن صدق نفسك، بل هي من لغو اليمين، وقد قال تعالى: لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ {البقرة:225}
قال ابن قدامة في المغني: وفي الجملة لا كفارة في يمين على ماض لأنها تنقسم ثلاثة أقسام: ما هو صادق فيه فلا كفارة فيه إجماعا، وما تعمد الكذب فيه فهو يمين الغموس لا كفارة فيها لأنها أعظم من أن تكون فيها كفارة وما يظنه حقا فيتبين بخلافه، فلا كفارة فيه لأنه من لغو اليمين. انتهى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1429(19/235)
هل تنعقد اليمين إذا نواها بقلبه بغير تلفظ
[السُّؤَالُ]
ـ[أقسمت على فعل شيء ولم أفعله، مع العلم أنني لم أتلفظ بالقسم وكان فى نيتي فقط (كأن أقول: أقسم بالله أن أفعل كذا) ، بالنية فقط مع عدم النطق بهذا القسم فهل علي كفارة يمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت لم تتلفظ بصيغة اليمين، وإنما نويت ذلك في قلبك فيمينك غير منعقدة، وبالتالي فلا تلزمك كفارة إذا فعلت الشيء المذكور الذي حلفت على فعله. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 10716.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ربيع الثاني 1429(19/236)
التخيير والترتيب في كفارة اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي يتعلق بكفارة اليمين وهو: مسلمة تريد أن تكفّرعن يمينها وهي لا تشتغل أي ليس لها مصدر دخل مادي ولديها بعض المال أتاها هدية فماذا يجب في حقها لتكفّرعن يمينها هل الإطعام أم الصيام؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الصيام لا يجزيء في كفارة اليمين إلا بعد العجز عن إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة مؤمنة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكفارة اليمين ثلاثة أنواع على التخيير وهي إطعام عشرة أو كسوتهم أو عتق رقبة مؤمنة، وفي حالة العجز عن جميع تلك الأنواع الثلاثة فيجزيء صيام ثلاثة أيام، وعليه فإذا كانت المرأة المذكورة قادرة على الإطعام أو الكسوة أو العتق لوجود بعض المال لديها فلا يجزئها صيام ثلاثة أيام لأن الصيام إنما يكفر به عند العجز، وإذا كانت هذه المرأة فقيرة أو مسكينة وليس لها من ينفق عليها وجوبا من زوج أو والد وكان هذا المال لا يزيد عن نفقتها فإنها تكفر بالصيام لأنها عاجزة عن المال.
قال العلامة الخطيب الشربيني في مغني المحتاج بشرح المنهاج: المراد بالعجز أن لا يقدر على المال الذي يصرفه في الكفارة كمن يجد كفايته وكفاية من تلزمه مؤنته فقط ولا يجد ما يفضل عن ذلك. انتهى.
وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 51326، والفتوى رقم: 26595.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1429(19/237)
حكم دفع قيمة كفارة اليمين لفقير واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[مسلم عراقي يعمل سائق شاحنة متوسطة الحجم وقف عن العمل بسبب عطل في شاحنته ويحتاج إلى وقت لإصلاح الشاحنة وهي مصدر قوته وقوت عائلته هو مقيم في السعودية وعائلته في الأردن، السؤال هو أنا علي كفارة يمين ولقد تبرعت له بمائتي ريال مع الناس فهل يجوز هذا التبرع من كفارة اليمين وإن كان لا فهل هو من المساكين أن أعطيه المال كله؟ شكراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان هذا السائق فقيراً محتاجاً جاز أن يدفع له نصيب مسكين واحد في كفارة اليمين طعاماً كان أو كسوة أو قيمة ذلك إذا كان ذلك أنفع له كما هو مذهب الحنفية، ورواية عن أحمد، وراجع في التفصيل الفتاوى ذات الأرقام التالية: 40617، 50669، 6602، 55355.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1429(19/238)
الحلف بالله كذبا لاستخلاص حق.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[قريبتي مطلقة من شخص من أرباب السوابق أخذ أطفالها منها ومنعهم من الذهاب إلى مدارسهم ولم يعتن بهم وماله حرام وعرفت بالصدفة عن اشتراكه في جريمة يسجن عليها وكم أبلغت عنه عن طريق أحد المعارف وتم إلقاء القبض عليه وسجن وعندما أرادت الذهاب لأخذ أطفالها قامت والدته بمنعها إلا إذا حلفت على القران الكريم أنها لم تكن السبب في سجن ابنها وللعلم فقد اعترف بالجريمة التي اقترفها فما حكم هذا اليمين؟ وما كفارته؟ أفيدوني بالله عليكم.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يجوز الحلف بالله كذبا ولو لاستخلاص حق، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبالنسبة للحلف على الكذب أو حتى الكذب بدون حلف فالأصل أنه محرم ولا يجوز على أي حال إلا ما استثني كما سيأتي.
جاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية: كما أن شهادة الزور والكذب حرام وإن قصد به التوصل إلى حقه. اهـ
وإذا كان الكذب الصريح غير جائز ففي التورية والتأويل مندوحة عنه لأخذ الحق من جاحده.
جاء في كشاف القناع: وإن كان الحالف مظلوما كالذي يستحلفه ظالم على شيء لو صدقه أي أخبر به على وجه الصدق لظلمه أو ظلم غيره أو نال مسلما -قلت أو كافرا محترما- منه ضرر فهنا له تأويله. انتهى.
والتأويل هو أن يريد الحالف بلفظه ما يخالف ظاهره، فيمكن لقريبتك إن لم تستطع أخذ أولادها إلا بهذا الطريق أن تحلف ناوية أنها ليست السبب الأصلي أو الأول أو الأوحد لسجنه، وإنما سجن بما اقترفت يداه وما ارتكب من جرائم.
هذا، وقد رخص في الكذب -فيما إذا ترتبت عليه مصلحة شرعية من جلب نفع أو دفع ضر لا تتحقق بدون الكذب- بعض أهل العلم بل قالوا إنه قد يجب في بعض الحالات، وذلك على حسب أهمية الأمر المقصود منه.
قال ابن حزم في كتاب الإجماع: اتفقوا على تحريم الكذب إلا في الحرب ومداراة الرجل امرأته وإصلاح ذات البين ودفع مظلمة مرادة بين اثنين مسلمين أو مسلم وكافر. اهـ
لكن هذا الحكم مع غير الحلف كما هو ظاهر، وقد يختلف الحال مع الحلف لما في الكذب عندئذ من الاستهانة بالله عز وجل وعدم تعظيم اسمه.
لذا فالذي ينبغي أن يستعمل الإنسان في هذه الحالات التورية -كما بينا- وهي أن يقصد بعبارته معنى صحيحا ليس المتكلم كاذبا بالنسبة إلى ذلك المعنى، وإن كان كاذبا بالنسبة لظاهر اللفظ ولفهم المخاطب، ولا يلجأ إلى الكذب مع إمكانها.
فإن كان هذا الحلف قد وقع فعلا فنرجو أن يكون لا حرج عليها لجهلها بالحكم أو لشبهة الاضطرار، وعليها بالاستغفار. وأما الكفارة فإنه لا كفارة فيه لأن الكفارة إنما تجب على اليمين المنعقدة على أمر يفعله أو لا يفعله في المستقبل لا غير، كما هو مذهب جماهير العلماء.
وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 50157، 78039.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ربيع الأول 1429(19/239)
قول الحالف والاه العزيم بدلا من والله العظيم
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يقولون والاه العزيم بدل من والله العظيم فما حكم الشرع بهذا القول؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الواجب تعظيم الله سبحانه، ولا يجوز تعمد تحريف التلفظ بأسمائه الحسنى؛ فذلك من الإلحاد فيها وهو باب من أبواب الكفر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الحالف بهذه الكيفية لا يتمكن من الإتيان بالحروف فلا حرج في ذلك، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وإن كان يستطيع ذلك لكنه يتعمد أن يتلفظ بهذه الكلمة على هذا النحو لعبا واستهزاءا، كما هو حال بعض الناس الذين يقولون هذا من باب الفكاهة والهزل والتضاحك. فلا شك أن هذا منكر عظيم ولا يجوز؛ لأن فيه تهاونا بأسماء الله عز وجل وتركا لتعظيمه سبحانه، كما أن في ذلك إلحادا في أسمائه الحسنى بتحريفها عن معناها؛ وهو من أسباب كفر المشركين السابقين كما في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي – في تفسير قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (الأعراف:180}
وقال ابن القيم: الإلحاد في أسمائه العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت، وهو أنواع:
(أحدها) أن يسمي الأصنام بها كتسمية اللات من الإله.
(الثانية) تسميته بما لا يليق بجلاله، كتسمية النصارى له أبا والفلاسفة له موجبا بذاته أو علة فاعلة.
(الثالثة) وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص، كقول اليهود: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ} ، وقولهم: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}
(الرابع) تعطيل الأسماء الحسنى عن معانيها، وجحد حقائقها، كقول الجهمية. اهـ
فاجتمع في قول القائل والاه العزيم- عدة محظورات:
الأول: الإلحاد في أسمائه الحسنى.
الثاني: الحلف بغيره تعالى.
الثالث: ترك التعظيم الواجب له عز وجل والاجتراء عليه.
وعليه، فالواجب على من سمع مثل ذلك أن يبين الحكم لقائله، وينكر عليه هذا المنكر، ولا يصح أن يعتذر القائل بأنه ما يريد إلا الضحك والهزر؛ فقد قال سبحانه في نحو ذلك: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ. {التوبة:65-66} .
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 ربيع الأول 1429(19/240)
فعل المحلوف على تركه نسيانا أو عمدا
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص يسأل عن حكم الحلف بالكفارة على أن لا يفعل أمراً ما ثم فعل ذلك الأمر سهواً أو تعمداً فما حكم ذلك، مع العلم بأنه كثيراً ما يشعر بالندم لفعله هذا؟ وشكراً وجزاكم الله كل الخير.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فعل المحلوف عليه عن نسيان لا يعتبر حنثاً في قول الجمهور إلا في الطلاق والعتاق، وقال بعض العلماء هو حنث في اليمين ويترتب عليه الكفارة، وهذا القول أحوط وأبرأ للذمة، وأما فعله عمداً مع العلم ومن غير إكراه فهو حنث في اليمين قولاً واحدا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى فيمن حلف أن لا يفعل شيئاً ثم فعل المحلوف على تركه ناسيا هل حنث في يمينه ويلزمه ما يترتب على الحنث من كفارة أو غيرها، أو لم يحنث؟ على قولين هما روايتان في مذهب الحنابلة، فذهب الجمهور على أن من فعل المحلوف عليه ناسياً لم يحنث إلا في الطلاق والعتاق، جاء في الموسوعة الفقهية: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الحالف إن فعل المحلوف عليه ناسياً فلا حنث، إذا كانت اليمين بغير الطلاق، والعتاق، ... وذهب الشافعية في الأظهر إلى أنه إذا وجد القول، أو الفعل المحلوف عليه على وجه الإكراه أو النسيان، أو الجهل فلا يحنث سواء أكانت اليمين بالله، أم بالطلاق لخبر (تجاوز الله عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه) .... وذهب الحنفية إلى أنه يحنث بالمخالفة مع النسيان ولو مع الإكراه، أو الإغماء، أو الجنون ونحوها، وذهب المالكية إلى أنه يحنث بالمخالفة مع النسيان ... انتهى مختصراً.
ولا شك أن الأخذ بالقول بالحنث وفعل ما يترتب عليه هو الأحوط والأبرأ للذمة، وأما فعل المحلوف عليه عمداً مع العلم ومن غير إكراه فهو حنث في اليمين بلا خلاف بين أهل العلم ويترتب عليه كفارة يمين -في غير الطلاق والعتاق- وانظر الفتوى رقم: 459.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
19 ربيع الأول 1429(19/241)
حلف على ابنه أن يتم طعامه فعجز
[السُّؤَالُ]
ـ[لي ابن يغلبني كثيراً في الأكل, حدث يوم غضبت وقلت له والله لن تقوم حتى تنهي صحنك, وبالفعل حاول أن ينهي ولكنه استفرغ ولم يستطع أن ينهيه فما حكم اليمين وهل تجب الكفارة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي للمسلم الإكثار من الحلف، فقد قال الله تعالى: وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ {البقرة:224} ، وقال تعالى: وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ {المائدة:89} ، وإذا كنت قد حلفت على ابنك ليأكل جميع ما في الصحن فعجز عن ذلك فقد لزمتك كفارة يمين، وهذه الكفارة تقدم تفصيلها في الفتوى رقم: 102924.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1429(19/242)
فعل أمرا محرما يشك أنه أقسم على تركه
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب حلف ألا يشرب السجائر ولا يشاهد الأفلام الإباحية ولا يكلم البنات وأشياء أخرى أيضا حلف عليها ألا يفعلها.... وبعد شهر تقريبا سمع أغاني، ولكنه ناس تماما هل سماع الأغاني من الأشياء التى حلف عليها ألا يفعلها أم لا ... والسؤال هو هل عليه كفارة يمين أم لا، فأرجو الإجابة من الشيخ مباشرة ولا تحيلوني لإجابات أخرى حتى يتضح لي الأمر تماما؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من حلف ألا يستعمل السجائر أو غيرها من المحرمات وفعلها أثم ولزمته الكفارة، أما ما لم يتحقق أنه حلف على تركه فلا كفارة عليه بفعله، لكنه يأثم بفعل المحرم وعليه التوبة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جميع هذه الأشياء التي حلف الشاب المذكور ألا يقربها محرمة يلزمه تركها سواء حلف على تركها أم لا، ولو فعلها أو فعل بعضها أثم ولزمته الكفارة، ومن المحرمات أيضاً سماع الأغاني فيجب تجنبها والتوبة إلى الله تعالى من سماعها، علماً بأن التوبة هي التوقف عن الفعل المحرم والندم على صدوره منه، والعزم على عدم العود إليه لكن لا تجب عليه كفارة بسماعها إلا إذا تيقن أنه أقسم ألا يسمعها لأن الأصل براءة الذمة من الحلف. وللفائدة تراجع في ذلك الفتوى رقم: 31532.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
15 ربيع الأول 1429(19/243)
حلف اليمين المشترطة لمزاولة مهنة المحاماة
[السُّؤَالُ]
ـ[من فضلكم ما حكم أن أقسم القسم الذي يشترط لمزاولة مهنة المحاماة مع العلم أنه يتضمن احترام القوانين وأن القانون في بلادنا يتضمن كثيرا من الأحكام الوضعية لكن يتضمن أيضا كثيرا من الأحكام الشرعية الإسلامية فجاءتني فكرة أن أقسم وأنا أنوي احترام القوانين الموافقة للشرع فقط فهل هذا جائز؟
والله أعلم بحسن نيتي في إرادة مزاولة هذه المهنة؟
وشكرا.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا حرج عليك في حلف اليمين المشترطة لمزاولة مهنة المحاماة، طالما أن نيتك هي إحقاق الحق ودفع الباطل.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى حكم المحاماة في ظل القوانين الوضعية، ولك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 1028، وفتوانا رقم: 18505، وفتوانا رقم: 95441.
وفيما يخص موضوع سؤالك، فالظاهر –والله أعلم- أنه لا حرج عليك في أن تحلف اليمين المشترطة لمزاولة مهنة المحاماة، وتكون نيتك من هذه المهنة هي احترام القوانين الموافقة للشرع، وذلك لدليلين:
الأول: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: " يمينك على ما يصدقك به صاحبك "، وفي رواية: " اليمين على نية المستحلف " أخرجهما مسلم، هو فيمن استحلف بحق، أي استحلفه شخص على حق له عليه، وأما من استحلف على باطل فإن له بل وعليه أن يصرف نيته عن ذلك الباطل.
والثاني: أن أهل العلم قد رخصوا بل ورغبوا في اليمين الغموس إذا كانت لمقصد حسن. قال ابن فرحون في تبصرته: وإذا استخفى الرجل عند الرجل من السلطان الجائر الذي يريد دمه أو ماله أو عقوبته في بدنه, فسأله السلطان عنه فستر عليه وجحد أن يكون عنده, فقال له: احلف أنه ليس عندك, فيحلف له أنه ليس عندي, ليدفع عن نفسه ودمه أو ما دون ذلك من ماله فلا شيء عليه إن كان خائفا على نفسه إن لم يحلف. وإن كان آمنا على نفسه وإنما أراد أن يقيه بيمينه, فقد أجر فيما فعل ولزمه الحنث فيما حلف به. اهـ
وجاء في الموسوعة الكويتية: قال النووي: الكذب واجب إن كان المقصود واجبا, فإذا اختفى مسلم من ظالم, وسأل عنه وجب الكذب بإخفائه, وكذا لو كان عنده أو عند غيره وديعة, وسأل عنها ظالم يريد أخذها وجب عليه الكذب بإخفائها, حتى لو أخبره بوديعة عنده فأخذها الظالم قهرا وجب ضمانها على المودع المخبر, ولو استحلفه عليها لزمه أن يحلف, ويوري في يمينه, فإن حلف ولم يور حنث على الأصل، وقيل لا يحنث. وقال موفق الدين بن قدامة: من الأيمان ما هي واجبة, وهي التي ينجي بها إنسانا معصوما من هلكة ... اهـ
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ربيع الأول 1429(19/244)
الأصل عدم الحلف حتى يثبت بيقين
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا على هذا الموقع الممتاز.. أنا صاحب السؤال رقم 2174975 الذي أجبتم عليه فضيلتكم بحمد الله ولي سؤال آخر (وهو مثل السؤال السابق) وهو أنني مساء يوم 12 صفر أقسمت أني لن أصوم (بكرة وبعده وبعده) أى أيام البيض 13،14،15 وسؤالي لا أدري إن كان هذا القسم بالله أو الطلاق علما بأني أقسمت أكثر من مرة في وقت قصير للتأكيد وأنا متأكد من أن القسم الثاني كان بالله وكذلك لا أدرى إن كان هذا القسم يشمل كل الأيام البيض القادمة أم لا فقلت الأحوط لن أصومهم فتذكرت أن شهر رمضان به أيام بيض فهل أحنث عند صيام أيام 13،14،15 رمضان علما بأني عند القسم لم يرد شهر رمضان على ذهني تماما وقد كنت سألت دار الإفتاء المصرية في ذلك فقالوا على كفارة يمين بالله وقد سمعت رأى للشيخ عطية صقر يقول إذا حلف الرجل على زوجته ونسي هل حلف بالله أم الطلاق فإذا كانت الأولى أو الثانية تحسب واحدة وإن كانت الثالثة فالشك لا يزيل اليقين. فأنا أريد أن يطمئن قلبي.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 56416، بيان حكم شك الحالف في يمينه هل هي بالطلاق أم بالله تعالى، وقد ذكرنا أن القول الراجح عندنا هو لزوم كفارة يمين فقط في حال حنثه، وإذا تحققت من كون اليمين بالله تعالى صدرت منك مكررة للتأكيد على شيء واحد فعند الجمهور -في حال الحنث- لزوم كفارة يمين واحدة؛ كما تقدم في الفتوى رقم: 11229، وإذا كانت صيغة يمينك {لا أصوم بكرة وبعده وبعده} تقصد الأيام البيض المحددة ولم تتحقق من الحلف عن صيامها مستقبلا فلا تحنث إذا صمت تلك الأيام في رمضان أو غيره؛ لأن الأصل عدم الحلف حتى يثبت بيقين.
وننصحك بالحذر من الاسترسال في الشكوك والوساوس فإن عاقبة ذلك سيئة.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 ربيع الأول 1429(19/245)
من حلف ألا يذهب للتدليك ثم رغب بذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي حفظك الله أنني فعلت معصية وهي أنني في يوم من الأيام عملت حماما شاميا في الرياض وكان الذي يعمل الحمام من العمالة الفلبينية ولقد تماديت في خلع جميع ملابسي وأصبحت عارياً من الملابس وبعد أن نظفني وحممني وغسلني لبست ملابسي ولكن ندمت أنني فعلت هذا وكشفت عن عورتي وحلفت ودعوت أنني إن فعلت هذا مرة آخرى أن الله يأخذ عمري ويميتني وحتى الآن والحمد لله لم أذهب مرة أخرى إلى ذلك من خمس سنوات، ولكن يأتي في بعض الأحوال أنني أرغب في التدليك الطبي المساج وليس الحمام الشامي لأنه ولله الحمد تزوجت ولقيت من يحممني وينظفني أحسن من ذلك، ولكن يبقى المساج والتدليك الطبي، فهل علي كفارة أو أي شيء من ذلك، فأرجو من فضيلتكم التكرم والجواب على سؤالي؟ والله يحفظكم ويرعاكم.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فما فعلته من إظهار عورتك عند هذا الرجل لا شك أنه منكر، فالواجب عليك التوبة، وإن كنت تقصد بحلفك عدم فعل التدليك الذي يتضمن بعض المنكرات فلا تلزمك كفارة إن مارست التدليك المنضبط بالضوابط الشرعية، وننبهك إلى أنه لا يجوز للمسلم أن يدعو على نفسه بالموت.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما فعلته من إظهار عورتك عند هذا الرجل لا شك أنه منكر، وقد أحسنت بندمك على ما فعلت، واجعل من هذا الندم توبة نصوحاً مستوفية شروطها، وراجع شروط التوبة في الفتوى رقم: 9694.
وأما الكفارة على تلك اليمين في حال رجوعك إلى التدليك، فالظاهر من حالك أنك إنما قصدت منع نفسك من التدليك المشتمل على تلك المنكرات، فإذا كان الأمر كذلك فليس عليك كفارة إن مارست التدليك بالضوابط الشرعية.
وأما عمل التدليك في الأماكن العامة فإن لم يكن بالمكان شيء من المنكرات من كشف للعورات ونحو ذلك فلا حرج في الذهاب إليها، والأولى بالمسلم اجتناب الذهاب إلى مثل هذه الأماكن التي قد لا تخلو من شيء من المنكرات، ومن كانت له حاجة في التدليك فليفعل ذلك مع أهله، وللمزيد من الفائدة راجع في ذلك الفتوى رقم: 52595، واعلم أنه لا يجوز للمسلم أن يدعو على نفسه بالموت والهلاك، فإن هذا منهي عنه شرعاً، كما هو مبين في الفتوى رقم: 10859.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ربيع الأول 1429(19/246)
حلف أنه سيفوز فلم يفز فهل عليه كفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[في مرة من المرات كنت ألعب في لعبة سيارات عبر البلايستيشن وحلفت وأنا ألعب أني سأفوز بالسباق ولم أفز، فهل علي صوم في ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من حلف على أنه سيفوز في لعبة بناء على ظنه فلم يفز فعليه كفارة يمين عند أكثر أهل العلم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحلفك على الفوز في تلك اللعبة هو من باب من حلف على أمر ممكن في المستقبل بناء على ظنه فتبين خلاف ذلك، وهذا فيه كفارة يمين عند أكثر أهل العلم، كما تقدم بيان ذلك في الفتوى رقم: 70643.
وأنواع كفارة اليمين تقدم بيانها في الفتوى رقم: 2654.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
05 ربيع الأول 1429(19/247)
حكم التألي على الله وهل له كفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كفارة التألي على الله كأن يقول شخص عن شخص آخر إن الله لن يهديه أبدا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم أن يحذر من التألي على الله والحكم عليه والتقنيط من رحمته فإن الله تعالى: فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {البقرة284} ويقول تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ {الأعراف156} ويقول تعالى: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الحجر49} .
وليس للتألي على الله تعالى كفارة معينة، ونظرا لخطورته وأنه من أسباب حبوط العمل فإن على من صدر منه ذلك أن يبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى ويستغفره، ويكثر من النوافل والطاعات وأعمال الخير.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين: 57512، 104849.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ربيع الأول 1429(19/248)
إخراج كفارة اليمين من مال الزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن المرأة المتزوجة التي ينفق عليها زوجها وليس لها مصدر دخل كيف تكفر عن يمينها؟
هل تطعم عشرة مساكين من مال زوجها أم تصوم هي ثلاثة أيام؟ وإذا كانت تملك ذهبا للزينة هل يجب عليها بيعه لتدفع الكفارة أم ماذا تفعل؟
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز للمرأة أن تخرج كفارة اليمين من مال زوجها إلا إذا أذن لها في ذلك، فإن لم يأذن لها واستطاعت الإطعام أو الكسوة ولو ببيع بعض ذهبها فالظاهر أن عليها أن تببيع ما تخرج به الكفارة؛ لأن عندها ما تستطيع أن تخرج منه الكفارة، لاسيما وإن قيمة الكفارة قد لا تزيد على ثمن الجرام الواحد.
ثم إن كل مسلم لزمته كفارة يمين ولم يستطع إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فعليه أن يصوم ثلاثة أيام كفارة عن يمينه سواء كان رجلا أو امرأة ينفق عليه أم لا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
20 صفر 1429(19/249)
حلف على ترك العادة السرية فحك ذكره بغير قصد فخرج المني
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص حلف بالمصحف أن لا يمارس العادة السرية. ثم أتته الشهوة فلجأ إلى حك قضيبه بنية أن لا يخرج المني ثم خرج منه من غير قصد. فهل يعتبر هذا حنثا وما هي كفارته إن كان؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصةالفتوى:
من حلف على ترك العادة السرية ثم قام بحك ذكره حتى خرج المني لزمته كفارة يمين ولو لم يقصد إخراجه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحلف بالمصحف كالحلف بالله تعالى أو بعض صفاته، وبالتالي فينعقد به اليمين، ولجوء الشخص إلى حك ذكره من مقدمات العادة السرية، ولا يحتاج إلى وجود نية خروج المني.
وعليه فتجب كفارة يمين على الشخص المذكور، وهذه الكفارة سبق بيانها في الفتوى رقم: 204، وراجع الفتوى رقم: 9573، والفتوى رقم: 20874
وللفائدة أيضا راجع الفتوى رقم: 7170.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
13 صفر 1429(19/250)
الحلف اعتمادا على الظن بين الجواز والحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مستلفا لمبلغ من شخص قبل خمسة أشهر وتوفي رحمه الله، وهو لي به صلة قرابة بأنه عمي زوج خالتي ولا أذكر بالضبط كم المبلغ الذي استلفته منه، وقد رحل وكان كاتبا لورقه عليها جميع ديونه عند الناس وأنا من ضمن الناس المستلفين منه، والمبلغ زائد قليلا، أذكر أني استلفت 6000 ريال قطري ورجعت منها حوالي 3500 ريال، ولا أذكر أني استلفت مبلغا آخر، والمبلغ المذكور في الورقة 10000 ريال، ماذا أفعل؟.
وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الفَتْوَى]
الخلاصة:
يجوز الإقدام على الحلف اعتمادا على ظن قوي أو قرينة تفيد قوة الظن، ويحرم الإقدام على الحلف اعتمادا على قرينة ضعيفة كالشك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا أقر المدين للدائن بالدين واختلفا في القدر، فمعنى ذلك أن ذمة المدين أصبحت مشغولة بأصل الدين، ولما كانت البراءة خلاف الأصل، فالقول في هذه الحالة قول الدائن مع يمينه، واليمين متعذر هنا لموت الدائن، ولا توجد بينة على قدر الدين إلا مجرد ورقة كتب فيها الدائن ديونه، فينقل حق الحلف إلى ورثته فيحلفون ويستحقون الدين.
فإن قيل: كيف يحلف الورثة على شيء لم يشهدوه ولم يحضروه؟ قلنا: وجود الورق في بيت والدهم بخطه المعروف لهم قرينة قوية تجيز الإقدام على الحلف.
جاء في التاج والإكليل: واعتمد البات على ظن قوي كخطه أو خط أبيه.. قال ابن الحاجب: ما يحلف فيه بتاً يكتفى فيه بظن قوي كخطه أو خط أبيه.
وعليه، فإذا حلف الورثة على ما في الورقة لزم المدين دفع الدين المكتوب في الورقة، فإن لم يحلفوا ولم يصطلحوا مع المدين على شيء حلف المدين أن ما عليه للدائن إلا كذا، وليعلم أن الحلف على ظن ضعيف كالشك لا يجوز الاعتماد عليه؛ بل اليمين فيه غموس.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 صفر 1429(19/251)
حلفت بالله ألا يأتي خطيبها للمكتب فلم يبر يمينها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حلفت بالله على أن لا يأتي خطيبي للمكتب، لكنه فعل وقرر إخراج مبلغ مالي على الحلف فما الحكم في ذلك أفتوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت قد حلفت بالله تعالى على ألا يفعل الشخص المذكور كذا ثم فعله فقد حصل الحنث، وعليك كفارة يمين ولو تولى غيرك إخراجها بإذنك أجزأ ذلك، ثم إنه يستحب للمسلم إبرار يمين أخيه المسلم إذا لم يكن في ذلك حرج أو مشقة، فإن كان فيه شيء من ذلك لم يستحب له إبرار يمينه.
وننبه السائلة على أن الخطيب قبل أن يتم العقد يعتبر أجنبياً مثل غيره من الرجال الأجانب لا يجوز لها الاختلاء به ولا السفور أمامه ولا الكلام معه لغير حاجة، ولبيان كفارة اليمين يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 23946، وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 102942، والفتوى رقم: 54536.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 محرم 1429(19/252)
حلفت ألا تذهب ولاتتصل بفلانة فما يلزمها إن حنثت
[السُّؤَالُ]
ـ[أقمت اليمين على ألا أذهب وأن لا أتصل بصديقة لي ذلك جراء سوء تعاملها مؤخراً، وتم ذلك متفرقا أي ليس في نفس اليوم أقمت اليمين على ألا أذهب في يوم وأن لا أتصل في يوم آخر، فهل يجب علي كفارة يمينين أم واحد لتعلقه بالشخص نفسه؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على السائلة أن تخرج كفارتين إذا ذهبت إلى صديقتها واتصلت بها، وإذا كان الشخص واحداً فإن اليمين ليست واحدة والمحلوف عليه ليس واحداً، فإن حنثت في إحداهما لزمتها كفارة، وكفارة اليمين مبينة في الفتوى رقم: 204، وللفائدة انظري الفتوى رقم: 79783.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 محرم 1429(19/253)
حلف ألا يدخله الله الجنة إن حنث في يمينه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماهى كفارة الحلف بالمصحف؟ شخص حلف بالمصحف ألا يفعل كذا وكذا وشرط فى الحلف أن لا يدخله الله الجنة إن حنث بالحلف؟ فهل يتحقق الشرط إن حنث الحلف 1:إن كان سهوا 2:إن كان متعمدا؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما حلف هذا الشخص بالمصحف فهو يمين منعقد، وإن حنث فعليه كفارة يمين كسائر الأيمان المشروعة وراجع الفتوى رقم: 6869.
وأما شرطه في حلفه أن لا يدخله الله الجنة إن حنث فهو لغو ولا يترتب عليه شيء، غير أنه لا يجوز له ذلك لأن فيه دعاء على نفسه فأقل أحواله الكراهة.
قال السرخسي في المبسوط في الفقه الحنفي: ولو قال عليه لعنة الله أو غضب الله أو أمانة الله أو عذبه الله في النار أو حرم عليه الجنة إن فعل، فشيء من هذا لا يكون يمينا إنما هو دعاء على نفسه. قال تعالى: وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً. {الإسراء11}
وتحقق هذا - أي دخول الجنة أو عدمه - غير مترتب على هذا القول بل دخول الجنة مترتب على الإيمان والعمل الصالح بعد رحمة الله وعفوه وفضله.
على إننا ننبه السائل إلى خطورة ذلك ونحذره من التساهل فيه إذ إنه قد يوحي بإعراضه عن الجنة واستغنائه عنها، ومن العلماء من جعل مثل هذا الكلام يكفر به المسلم.
جاء في تحفة المحتاج في شرح المنهاج (فقه شافعي) في كلامه عن أسباب الردة: ولا إن قال لو أعطاني الله الجنة ما دخلتها أي لا يرتد بذلك صرح بذلك كله في الروضة وقال صاحب الأنوار في الأخيرة: أنه يكفر والأولى كما قال الأذرعي أنه قال ذلك استخفافا أو استغناء كفر وإن أطلق فلا.
وأما قولك إن كان سهوا أو إن كان عمدا فان كان مقصودك أنه حنث سهوا أو عمدا فإن الحكم لا يختلف إلا من جهة لزوم الكفارة فتلزم مع الحنث عمدا لا سهوا على القول الراجح من أقوال أهل العلم.
قال ابن حزم: ومن حلف أن لا يفعل أمرا كذا ففعله ناسيا أو مكرها أو غلب بأمر حيل بينه وبينه به فلا كفارة على الحالف في شيء من كل ذلك ولا إثم. انتهى. ثم ذكر أدلة متكاثرة على ذلك. وراجع أيضا الفتوى رقم: 9094.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 محرم 1429(19/254)
حلف بالمصحف ثم حنث فماذا عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص حلف بالمصحف ألا يفعل كذا وكذا وقد ألحق مع الحلف أن لا يدخله الله الجنة إن حنث وسبب فعله ذلك حتى يبتعد عن هذه المعصية فلا يعود ليفعلها.
1:فهل يتحقق الشرط إذا حنث متعمدا أو ساهيا؟
وما هي كفارة هذا الحلف؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
من حلف بالمصحف وحنث فعليه إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم يجد فعليه صيام ثلاثة أيام.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من حلف بالمصحف ثم حنث فعليه كفارة يمين لأن ما في المصحف كلام الله تعالى وكلامه صفة من صفاته سبحانه وتعالى ينعقد بها اليمين كما ينعقد بأسمائه.
والكفارة هي المذكورة في قول الله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ {المائدة: 89}
ولا ينبغي توكيد اليمين أو تغليظه بما ذكر من عدم دخول الجنة أو ما أشبهه، فالذي يريد أن يترك المعصية ينبغي له أن يبادر بالتوبة منها أولا ويعقد العزم الجاد على ألا يعود إليها فيما بقي من حياته، وسبق بيان شروط صحة التوبة في الفتوى: 36458، وما أحيل عليه فيها، وعلى المسلم أن يستعين بالله تعالى في كل أحواله ولا يتكلف مثل هذه الأمور التي لا أصل لها في الشرع.
وأما مصيره إذا حنث فإن كان ساهيا فلا إثم عليه لأن الله تعالى رفع عن هذه الأمة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه كما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم.
وإن كان متعمدا فأمره إلى الله تعالى. وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين: 6938، 26864.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 محرم 1429(19/255)
حلف أن البضاعة بكذا خلافا للواقع بغير قصد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في متجر أحذية فكان يساومني رجل على ثمن حذاء فألح علي كثيرا بسعر وأنا لا أبيع بذلك الثمن فقلت والله إن رأس ماله أكثر مما دفعت ورأس ماله مثل ما دفع تماما وأنا لم ألتفت لنفسي إلا وأنا أقول والله فهل يعتبر هذا يمينا كاذبا ويحتاج إلى كفارة، وما الكفارة إن كان نعم.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فإن إخبار الشخص المذكرور بأن الثمن الذي عرض أقل من رأس مال الحذاء مع أن الواقع ليس كذلك يعتبر كذبا تجب منه التوبة إلى الله تعالى، أما الحلف بالله تعالى تأكيدا لذلك فإن كان عن قصد فهو معصية على معصية لأن الحلف على الكذب ذنب عظيم وإثم كبير، ومن حلف بالله كاذباً متعمداً فقد ذهب الجمهور إلى أنه لا كفارة عليه، إذ أنه أتى بذنب أعظم من أن تمحو أثره كفارة يمين، وإنما الواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى مما ارتكبه وتجرأ عليه، ولو كفر عن يمينه خروجا من الخلاف فذلك أولى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إخبار الشخص المذكور بأن الثمن الذي عرض أقل من رأس مال الحذاء مع أن الواقع ليس كذلك يعتبر كذبا تجب منه التوبة إلى الله تعالى، أما الحلف بالله تعالى تأكيدا لذلك فإن كان عن قصد فهو معصية على معصية لأن الحلف على الكذب ذنب عظيم وإثم كبير، ومن حلف بالله كاذباً متعمداً فقد ذهب الجمهور إلى أنه لا كفارة عليه، إذ أنه أتى بذنب أعظم من أن تمحو أثره كفارة يمين، وإنما الواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى مما ارتكبه وتجرأ عليه. وذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى وجوب الكفارة عليه، لعموم قوله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ {المائدة:89} .
ولعل الجمع بين التوبة والكفارة أسلم، إعمالاً للنصوص كلها، وخروجاً من خلاف أهل العلم.
أما إذا كان الحلف قد جرى على اللسان من غير قصد ولا شعور فالظاهر أن هذا من لغو اليمين، ولغو اليمين لا كفارة فيه، قال ابن قدامة في المغني: وَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا تَلْزَمُ مَنْ حَلَفَ يُرِيدُ عَقْدَ الْيَمِينِ، وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي تَمُرُّ عَلَى لِسَانِهِ فِي عَرَضِ حَدِيثِهِ، مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهَا، لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ; لِأَنَّهَا مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ. نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: اللَّغْوُ عِنْدِي أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْيَمِينِ، يَرَى أَنَّهَا كَذَلِكَ، وَالرَّجُلُ يَحْلِفُ فَلَا يَعْقِدُ قَلْبَهُ عَلَى شَيْءٍ. انتهى.
وليعلم الأخ السائل أن الحلف في البيع مكروه إن كان صادقا، وإن كان كاذبا فهو من كبائر الذنوب، ولينظر الفتوى رقم: 67745، والفتوى رقم: 9714.
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1429(19/256)
هل تلزم الكفارة من قال يمين لأفعل كذا ثم لم يفعل
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل قال يمين ودين لا آكل من هذا الشيء غداً وجاء من الغد ووجد الأكل قد انتهى، فهل يجب عليه الكفارة، وهل الكفارة لا بد أن تكون لعشرة أشخاص أم أعطيها عائلة فيها عدد من الأشخاص قد يقلون عن عشرة أو يزيدون؟ وبارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إذا كان السائل يقصد أنه قال علي يمين أنني سوف آكل من هذا الطعام غداً، ثم جاء من الغد ولم يجد شيئاً من ذاك الطعام فالصحيح أنه لا يمين عليه لأن هذا ليس حلفاً باسم من أسماء الله تعالى ولا بصفة من صفاته ولو أراد أن يخرج الكفارة احتياطاً وخروجاً من الخلاف فإن الكفارة هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم سواء كانوا من أسرة واحدة أو متفرقين، ولا يجوز دفعها كلها لأسرة ينقص أفرادها عن عشرة إلا أن يدفع لهم مقابل عددهم ثم تكمل العشرة من غيرهم، أما دفعها للأسرة التي يزيد عدد أفرادها على عشرة فلا مانع منه إذا كان القصد دفعها لعشرة منهم فقط.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان هذا الرجل قد قال إنه عليه يمين ليأكل من هذا الطعام غداً ... فلا شيء عليه على الصحيح عند الشافعية وهي رواية عند الحنابلة اختارها ابن قدامة في المغني حيث قال: ولو قال: علي يمين ... ونوى القسم، فقال أبو الخطاب: هي يمين. وهو قول أصحاب الرأي وقال الشافعي: ليس بيمين، لأنه لم يأت باسم الله -تعالى- المعظم، ولا صفته، فلم يكن يميناً، كما لو قال: حلفت. وهذا أصح إن شاء الله، فإن هذه ليست صيغة اليمين والقسم، وإنما هي صيغة الخبر، فلا يكون بها حالفاً، وإن قدر ثبوت حكمها لزمه أقل ما يتناوله الاسم، وهو يمين ما، وليست كل يمين موجبة للكفارة، فلا يلزمه شيء، ووجه الأول أنه كناية عن اليمين وقد نوى بها اليمين، فتكون يميناً كالصريح. انتهى.
وقال النووي في المجموع: ولو قال: إن فعلت كذا فعلي كفارة يمين، فعليه كفارة يمين على الأقوال كلها، ولو قال: فعلي يمين أو فلله علي يمين فوجهان (الصحيح) أنه لغو، وبه قطع الأكثرون، لأنه لم يأت بنذر ولا صيغة يمين، وليست اليمين مما ثبت في الذمة (والثاني) يلزمه كفارة يمين إذا فعله. حكاه إمام الحرمين وغيره، قال الإمام: وعلى هذا فالوجه أن يجعل كناية ويرجع إلى نيته. انتهى، وللفائدة يراجع في ذلك الفتوى رقم: 34211.
وحيث لزمت الكفارة فهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم سواء كانوا من أسرة واحدة أو متفرقين، ولا يجوز دفعها كلها لأسرة ينقص أفرادها عن عشرة إلا أن يدفع لهم مقابل عددهم، ثم تكمل العشرة من غيرهم. أما دفعها للأسرة التي يزيد عدد أفرادها على عشرة فلا مانع منه إذا كان القصد دفعها لعشرة منهم فقط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 محرم 1429(19/257)
حكم من حلف على المصحف وهو غير طاهر
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة وأرجو التفضل بمساعدتي: عرف والدي بأني أرسل رسائل غرامية لبنت، وعلما بأنني أحببتها من كل قلبي فبعد أن عرف والدي بأني أتكلم معها عن طريق المسجات بالجوال أمرني بأن أحلف يمينا على المصحف، علما بأني كنت جنبا فهل يبطل اليمين, وهل لحلف هذا اليمين كفارة لإبطال اليمين, أنا لا أستطيع السيطرة على نفسي وأنا شاب ومعرض لشيء من هذا القبيل، فأفتوني مأجورين؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إن كنت حلفت بالمصحف على أنك لن تعود إلى مراسلة تلك الفتاة أو غيرها فيمينك منعقدة ويجب عليك البر بها، وإن كنت لمست المصحف أثناء الحلف فأنت آثم لكونك لست على طهارة، ولا يمس المصحف إلا طاهر، فتب إلى الله واستغفره، وإن حنثت في يمينك وعدت إلى فعل تلك الأمور المحرمة فأنت آثم وعليك كفارة يمين للحنث.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي فهمناه من سؤالك أن والدك قد أمرك بالحلف على المصحف ألا تعود إلى مثل ما أنت عليه من مراسلة تلك البنت أو غيرها، وإذا كان كذلك فنقول لك: إنه يجب عليك شرعاً قطع تلك العلاقة الآثمة مهما كان غرضها ووسائلها، ولتتجنب الوقوع في ذلك افعل ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: يا معشر الشباب؛ من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. أي وقاية وعلاج لدفع الشهوة، وللفائدة انظر الفتوى رقم: 54149.
وأما يمينك على المصحف فهي يمين صحيحة منعقدة، وإذا حنثت فيها وفعلت ما حلفت على تركه فعليك كفارة يمين مع الإثم حيث لا يجوز لك إقامة علاقة محرمة كما ذكرنا، وانظر تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 59689، والفتوى رقم: 9573.
وإن كنت لمست المصحف أثناء حلفك فأنت آثم أيضاً لكونك لست على طهارة ولا يمس المصحف إلا طاهر، وأما إن كنت لم تمسه وإنما حلفت به بمجرد القول فلا حرج، والحلف بالمصحف يزيد اليمين تأكيداً، فعليك أن تطيع والدك وتبر بيمينك فيما حلفت عليه من عدم العودة إلى تلك الأمور المحرمة شرعاً، وتأخذ بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه من الزواج أو كثرة الصيام لكسر حدة الشهوة وكبح جماحها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
08 محرم 1429(19/258)
هل يجب إبرار قسم من أقسم بحق لا إله إلا الله وبحق محمد
[السُّؤَالُ]
ـ[ (هل يجب أن أبر قسمه؟) بدعوة أنه يريد مساعدتي وتقديم خدمة لي -لا أدري بالضبط ما هي نو ع الخدمة- أقسم علي بأن أُعطيه رقم هاتفي، وكانت الصيغة كالتالي: بحق لا إله إلا الله وبحق محمد رسول الله إذا أحسستي بأن لا ألعب عليك أعطني رقم هاتفك، أنا لم أعطه وليست لي نيه في ذلك فإن هاتفي يكون في أغلب الأحيان مع أهلي وإن أعطيته سأتسبب في مشاكل لنفسي، ما يهمني في الأمر هو القسم -فهل إن لم أبره عليّ شيء- ف أرجو أن تفتوني في سؤالي وتوضحوا لي وجوب إبرار القسم في مثل هذه الحالات، ويسعدني أن تفتوني في الموقف أيضا؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فإن إبرار المقسم مستحب إذا لم يكن فيه حرج على المقسم عليه أو مشقة، وإذا ترتب عليه محرم صار محرماً، ولا كفارة على من لم يقم بذلك المستحب، ولكن هل الحلف بحق لا إله إلا الله أو بحق محمد صلى الله عليه وسلم يعتبر يميناً تلزم فيه الكفارة أم لا، في ذلك خلاف بين أهل العلم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإبرار المقسم حق من حقوق المسلم على أخيه المسلم، وقد سبق أن ذكرنا حكمه وتفصيل ذلك في الفتوى رقم: 102942.
لكن هل كلمة (بحق لا إله إلا الله) وكذلك (بحق محمد صلى الله عليه وسلم) يمين أم لا، في ذلك خلاف بين أهل العلم فمنهم من يقول إن من حلف بلا إله إلا الله قاصداً بذلك اليمين وحنث لزمته كفارة يمين، جاء في بدائع الصنائع في الفقه الحنفي: وروى المعلى عن محمد: إذا قال لا إله إلا الله لا أفعل كذا وكذا لا يكون يميناً إلا أن ينوي يميناً ... إلى أن يقول: فلا يكون يميناً إلا بأن نوى اليمين فكأنه حذف حرف القسم فيكون حالفاً.
وجاء في البحر الرائق شرح كنز الدقائق وهو أيضاً من كتب الأحناف: وفي فتاوى النسفي بحرمة شهد الله، وبحرمة لا إله إلا الله ليس بيمين ... وجاء فيه أيضاً: وأشار المصنف إلى أنه لو قال: بحق الرسول أو بحق الإيمان.. لا يكون يميناً.
وجاء في المغني لابن قدامة: وقال أصحابنا: الحلف برسول الله صلى الله عليه وسلم يمين موجبه للكفارة. وروى عن أحمد أنه قال: إذا حلف بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنث فعليه الكفارة. قال أصحابنا: لأنه أحد شرطي الشهادة، فالحلف به موجب للكفارة كالحالف باسم الله تعالى.. ووجه الأول: -إشارة إلى ما قدمه من أن الحلف بالمخلوق لا يكون يميناً- قول النبي صلى الله عليه وسلم: من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت. ولأنه حلف بغير الله عليه يوجب الكفارة كسائر الأنبياء، ولأنه مخلوق فلم تجب الكفارة بالحلف به كإبراهيم ... إلى آخر كلامه.
فالحاصل أن السائل لا يجب عليه إبرار قسم من أقسم عليه بحق لا إله إلا الله وبحق محمد صلى الله عليه وسلم؛ بل لا ينبغي له إن كان سيترتب عليه حدوث مشكلة له أو لغيره.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 محرم 1429(19/259)
حلفت كذبا خوف الطلاق وترك البنات
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي متزوج ثلاث نساء وأمي الأولى، ووالدي غني ولكنه شحيح ونساؤه يأخذن دون علمه وأخذت أمي 200ريال ولكنه افتقدها فجاء بالمصحف وجعلهن يحلفن فحلفت أمي مكرهة خوفا منه وخوف طلاقها وترك بناتها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دامت أمك مضطرة إلى الحلف له خوفا من ضرر محقق يلحقها منه كطلاق ونحوه فنرجو ألا يكون عليها إثم في ذلك، ولتستغفر الله تعالى على كل حال. وأما أخذها وأخذ زوجاته من ماله فلا يجوز إلا إذا كان شحيحا لا يعطيهن ما يكفيهن ويكفي أولادهن، فيأخذن من ذلك بالمعروف.
وللفائدة انظر الفتويين رقم: 22917، 43279.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو الحجة 1428(19/260)
من فعل ما حلف على تركه تلزمه الكفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[فى البداية أنا أشكر ربنا على وجود هذا الموقع فهو ما شاء الله لا قوة إلا بالله جميل جداً وأود منك أن تدعو لي بإتمام زواجي على خير إن شاء الله بفضل دعاء الغيب، وسؤالي هو أني حلفت أني لا أكلم حماتي فى التليفون لأنها تضايقني جدا، ولكن حتى لا يغضب خطيبي كنت أجعل أحدا من عندنا يطلب الرقم وبعد ذلك أكلمها، فهل بذلك أكون علي كفارة أم عندما أجعل أحدا غيري يطلب وبعدها أتكلم لا يلزمني شيء؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على ثقتك بموقعنا، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا في خدمة دينه، ونسأله أن يتم لك زواجك على خير ... وبخصوص هذه اليمين فإنك إن فعلت ما أقسمت على تركه وهو تكليمك حماتك فقد حنثت في يمينك فتلزمك الكفارة، وكونك تأمرين أحداً بطلب الرقم ليس بمانع من لزوم الكفارة؛ لأن تكليمك حماتك قد حصل، وهو المحلوف على تركه، ولكن ههنا أمر وهو أن حماتك إذا تركت مضايقتك، فقد زال السبب الباعث على اليمين فلا تلزمك كفارة إن وقع الحنث بعد زوال السبب. وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 53941.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
27 ذو الحجة 1428(19/261)
لا تلزم الكفارة إذا تحقق المقصود من اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[بارك الله فيكم ونفعكم ونفع بكم:
أنا شاب متزوج حديثاً وزوجتي في الشهر الثاني من الحمل، وكنت أعاني من صداع شديد فطلب مني الطبيب عمل أشعة على المخ ونظراً لغلاء ثمن الأشعة رفضت عملها فقالت لي زوجتي إن لم تعمل الأشعة والله لن أعمل التحاليل والأشعة التي طلبتها مني الطبيبة ودعت على نفسها إن لم أعمل الأشعة، وأنا الآن ليس معي ثمن الأشعة وفي نفس الوقت عافاني الله من الألم تماماً والحمد لله، والآن ضروري أن تعمل زوجتي التحاليل والأشعة المطلوبة منها ولاتستطيع أن تصوم 3 أيام كفارة عن اليمين، وأنا لست في حاجة لعمل الأشعة المطلوبة مني، نرجو من فضيلتكم أن تبينوا لنا المخرج من هذا اليمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الباعث على هذه اليمين حرص زوجتك على تشخيص المرض وبالتالي التداوي منه وقد يسر الله لك الشفاء فقد تحقق المقصود فلا تلزمها كفارة بقيامها بهذه التحاليل، وراجع الفتوى رقم: 53941.
وينبغي للمسلم أن يحفظ يمينه فلا يعجل إلى الحلف، قال تعالى: وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. {سورة المائد: ة89} ولا يجوز للمسلم أن يدعو على نفسه.
ولمزيد الفائدة يمكن مراجعة الفتوى رقم: 98603.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو الحجة 1428(19/262)
من حلف على غيره أن يفعل معصية أو يترك واجبا
[السُّؤَالُ]
ـ[حلفت أمي إن ماتت ألا يمشي إخوانها في دفنها فما الحكم؟ وإذا تصالحت معهم ولم ترجع عن يمينها أو تكفر عنه فما الحكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا ينبغي لأمك أن تحلف على إخوانها ألا يحضروا جنازتها إذا هي ماتت لما في ذلك من القطيعة، وعليها أن تكفر عن تلك اليمين، وليس على إخوانها إبرار قسمها إذا لم تكفر عنها لأن مقتضى يمينها إما أن يكون حراما، وإما أن يكون مكروها، فإن ماتت ولم تكفر وحضروا جنازتها لم يحصل حنث لأن الحالف وقت الحنث ليس من أهل التكليف.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا ينبغي لأمك أن تحلف على إخوانها ألا يحضروا جنازتها إذا ماتت لما في ذلك من قطيعة الرحم وترك اتباع جنازة المسلم، وعليها أن تكفر عن يمينها امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل. رواه مسلم.
وليس عليهم إبرار قسمها إذا هي ماتت لأن في إبرار قسمها قطيعة.
قال الشوكاني في نيل الأوطار عند شرح حديث البراء الثابت في الصحيحين الذي فيه الأمر بإبرار المقسم: وإبرار المقسم ظاهر الأمر الوجوب، واقترانه ببعض ما هو متفق على عدم وجوبه كإفشاء السلام قرينة صارفة عن الوجوب، وعدم إبراره صلى الله عليه وسلم لقسم أبي بكر وإن كان خلاف الأحسن؛ لكنه صلى الله عليه وسلم فعله لبيان عدم الوجوب.اهـ.
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية: فمن حلف على غيره أن يفعل واجبا أو يترك معصية وجب إبراره، لأن الإبرار في هذه الحالة إنما هو قيام بما أوجبه الله، أو انتهاء عما حرمه الله عليه. ومن حلف على غيره أن يفعل معصية أو يترك واجبا لم يجز إبراره، بل يجب تحنيثه لحديث: لا طاعة لأحد في معصية الله تبارك وتعالى. ومن حلف على غيره أن يفعل مكروها أو يترك مندوبا فلا يبره، بل يحنثه ندبا، لأن طاعة الله مقدمة على طاعة المخلوق، ومن حلف على غيره أن يعفل مندوبا أو مباحا، أو يترك مكروها أو مباحا فهذا يطلب إبراره على سبيل الاستحباب، وهو المقصود بحديث الأمر بإبرار القسم الذي رواه الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، وإبرار القسم، أو المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام. وظاهر الأمر الوجوب، لكن اقترانه بما هو متفق على عدم وجوبه -كإفشاء السلام- قرينة صارفة عن الوجوب.اهـ.
وإذا لم تكفر هذه المرأة عن يمينها ثم ماتت وحضر إخوتها جنازتها فلا تعتبر حانثة، ولا يجب إخراج الكفارة من مالها، لأن الحنث حصل بعد سقوط التكليف عنها بالموت.
قال ابن قدامة في المغني عند قول الخرقي: ولو حلف أن يضرب عبده في غد فمات الحالف من يومه فلا حنث، وإن مات العبد حنث، وأما إذا مات الحالف من يومه فلا حنث عليه لأن الحنث إنما يحصل بفوات المحلوف عليه في وقته وهو الغد، والحالف قد خرج عن أن يكون من أهل التكليف قبل الغد فلا يمكن حنثه. اهـ،.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1428(19/263)
حكم إخراج القيمة بدلا من الطعام في كفارة اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[حلفت بالله وحنثت تجب علي كفارة اليمين، فماهي كفارة اليمين، وهل يمكن تأديتها على شكل مبلغ من المال إلى أحد الجمعيات الخيرية، لتوزيعها على الفقراء، وإذا كان كذلك فهل من الضروري إخبارهم بأن هذا المبلغ المالي كفارة يمين علما أن علي أيمانا كثيرة وأخجل من ذكر هذا الذنب، ولكن الحمد لله أنا تبت وأريد التكفير عن أيماني؟
كما أريد أن أعرف قيمة كفارة اليمين نقدا بالدرهم المغربي.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
كفارة اليمين هي أحد أمور ثلاثة: إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم الحانث هو وأهله، ومن صور ذلك أن يعطي كل مسكين مدا من غالب قوت البلد. الأمر الثاني - كسوة عشرة مساكين. للرجل ثوب يصلح للصلاة وللمرأة درع وخمار. الأمر الثالث- عتق رقبة مؤمنة، وهذه الأمور الثلاثة على التخيير، يفعل الحانث أيها شاء فإن عجز عنها جميعاً انتقل إلى الأمر الرابع وهو: صيام ثلاثة أيام، والمقدار الذي يجب دفعه للمسكين الواحد هو مد من أمداد النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما يقدر بالوزن الحالي ب:750 جراما وقيل كيلو ونصف، والواجب عند جمهور أهل العلم في حالة الكفارة بالإطعام هو إطعام المسكين أو دفع الطعام له لا دفع قيمة الطعام، وقد ذهب أبو حنيفة إلى جواز إخراج القيمة في الكفارات والزكاة، ووافقه شيخ الإسلام ابن تيمية إذا كان في إخراج القيمة حاجة ومصلحة للمساكين، ومنعها في حال عدم وجود ذلك وكيفية معرفة قيمة الإطعام هي أن ترجع إلى سعر الكيلو من الطعام الغالب اقتياته في البلد ثم تخرج من الدرهم مثلا قيمة 750 جراما طعاما مضروبة في عشرة بالنسبة للكفارة الواحدة وهكذا، ويجوز دفع كفارة اليمين على حال إلى جهة موثوق بها كالجمعيات الخيرية لتوزعها على المساكين لكن لا بد من الإخبار بأن هذا المبلغ كفارة يمين مثلا ليتم توزيعها وفقا للمطلوب شرعا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كفارة الحنث في اليمين -هي أحد أمور ثلاثة: إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم الحانث هو وأهله ولذلك عدة صور -منها أن يعطي كل مسكين مدا من غالب القوت. الأمر الثاني: كسوة عشرة مساكين.
الأمر الثالث- عتق رقبة مؤمنة، وهذه الأمور الثلاثة على التخيير، يفعل الحانث أيها شاء فإن عجز عنها جميعاً انتقل إلى الأمر الرابع وهو:
صيام ثلاثة أيام، وقد سبق في الفتوى رقم: 72069 بيان القدر الذي يجب دفعه للفقير في حال الإطعام، ثم إن الواجب في هذه الحالة عند جمهور أهل العلم هو إطعام الفقير أو دفع الطعام له لا دفع قيمة الطعام، وقد ذهب أبو حنيفة إلى جواز إخراج القيمة في الكفارات والزكاة، ووافقه شيخ الإسلام ابن تيمية إذا كان في إخراج القيمة حاجة ومصلحة للمساكين، ومنعها في حال عدم وجود ذلك، فقال في الفتاوى: وأما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك فالمعروف من مذهب مالك والشافعي أنه لا يجوز، وعند أبي حنيفة يجوز، وأحمد رحمه الله قد منع القيمة في مواضع وجوزها في مواضع، فمن أصحابه من أقر النص ومنهم من جعلها على روايتين، والأظهر في هذا أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه، ولهذا قدر النبي صلى الله عليه وسلم الجبران بشاتين أو عشرين درهما ولم يعدل إلى القيمة، ولأنه متى جوز إخراج القيمة مطلقاً فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئة. إلى أن قال: وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به. انتهى.
وعلى هذا، فلا يجوزإخراج كفارة اليمين نقودا أي قيمة عند الجمهور بل يجب إخراجها طعاما على نحو ما قدمنا، أما على القول الآخر وهوقول أبي حنيفة الذي يرى جواز إخراج القيمة مطلقا، وقول شيخ الإسلام الذي يرى جواز دفع القيمة إن كان في ذلك حاجة ومصلحة للفقراء فلا مانع من أن تخرج السائلة مقابل هذه الكفارة قيمة أي تخرجها دراهم، ويجوز لها أن تدفع الكفارة سواء كانت طعاما أو دراهم لإحدى الجمعيات الخيرية الموثوق بها، لكن لا بد من الإخبار بأن هذه كفارة أيمان لأن القائمين على الجمعية إذا لم يعلموا أن هذا المبلغ كفارة يمين ربما دفعوا المبلغ كله لفقير واحد أو فقيرين، وربما وزعوه على مائة فقير مثلا، وهذا لا يصح في الكفارة؛ لأن الكفارة الواحدة لا بد أن توزع على عشرة لا أقل من ذلك ولا أكثر، وكيفية معرفة قيمة الإطعام هي أن ترجع إلى سعر الكيلو من الطعام الغالب اقتياته في البلد ثم تخرج من الدرهم قيمة 750 جراما طعاما مضروبة في عشرة بالنسبة للكفارة الواحدة وهكذا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 ذو الحجة 1428(19/264)
مسائل في الحلف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الحلف على المصحف مع تغيير في نفس الحالف عن ما يريده الذي يرغب اليمين في سبيل الستر وخصوصا أن الذي يريد اليمين ليس قاضيا وإنما شخص عادي وطرف في المشكلة قد يسبب ضررا على المحلوف عنه ضررا جسيما؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحلف بوضع اليد على المصحف يعتبر بدعة؛ كما ذكرنا ذلك في الفتوى رقم: 36839، والحلف يكون على نية المستحلف لا على نية الحالف، إذا كان الحلف يتعلق بحق الغير حتى ولو كان المستحلف غير القاضي على ما هو المفتى به عندنا. وانظر التفصيل في الفتوى رقم: 9957، والفتوى رقم: 7100. ولكن لو اضطر الحالف إلى الكذب في حلفه لإزالة الظلم عنه أو ستر نفسه ولم يترتب على ذلك ضياع حق الغير فلا بأس بأن يحلف، وانظر الفتوى رقم: 100903. في حكم الحلف الكاذب للضرورة.
والله تعالى أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
03 ذو الحجة 1428(19/265)
توكيل من لزمته الكفارة لصاحب مطعم بإطعام مساكين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من له نذور كثيرة وحلف بالله يمكن أن يتجاوز الشهر، فهل أستطيع أن أعطي مثلا لصاحب مطعم وأقول له أطعم المساكين (من أوسط ما أطعم أنا وأهلي) ؟ وبارك الله فيكم.. آمين.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن كان عليه كفارة يمين أو نذر إطعام مساكين فيجوز له أن يدفع لصاحب مطعم ويوكله بإطعام المساكين الذين لزمه إطعامهم بالنذر أو الكفارة، هذا إذا كان المقصود من قول السائل (نذور كثيرة) أي نذر بإطعام مساكين، وأما إن كان النذر بغير ذلك كنذر صيام أو صلاة فلا بد من فعل الشيء المنذور بعينه ولا يجزئ الإطعام حينئذ، هذا هو الأصل، ويختلف الحكم باختلاف نوع النذر، لأن من النذور ما يخير صاحبه بين الوفاء به وبين أن يكفر كفارة يمين، وانظر الفتوى رقم: 23614، حول كيفية الإطعام في كفارة اليمين، والفتوى رقم: 1125 حول أنواع النذر وكفارته.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
01 ذو الحجة 1428(19/266)
من أحكام الحلف كذبا
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أنا ووالدتي قبل سنتين ذاهبين إلى العمرة، طبعا والدتي كانت قد أتت من سوريا إلى السعودية بتأشيرة عمرة وهي غير مخالفة، وعندما ذهبنا من الرياض إلى المدينة وفي الطريق أوقفتنا دورية شرطة وقالوا لي من هذه معك قلت لهم خالتي وصار هنا بيني وبينهم كلام وقال العسكري قل والله بأن هذه خالتك فقلت لهم والله العظيم إنها خالتي طبعا هنا ارتبكت ولم أعد أعلم كيف حصل هذا.
أرجوكم أفيدوني وجزاكم الله كل خير؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
إن ما حصل منك هو الكذب بعينه، ولكن إن كان لك عذر كخوف ضرر ونحو ذلك فنرجو أن لا حرج عليك، وإن لم يكن لك عذر فالواجب عليك التوبة، ولو كفرت عن هذه اليمين فهو أحوط.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما وقع منك إخبار بخلاف الواقع، وهذه هي حقيقة الكذب، ولكن إن كان لك عذر في ذلك كأن تكون قد خشيت على نفسك ضررا بإخبارهم بالواقع فنرجو أن لا إثم عليك، وإن لم يكن في ذلك عذر فالواجب عليك أن تتوب إلى الله مما وقعت فيه من الكذب اليمين الغموس، ولو كفرت عن هذه اليمين لكان أحوط، فمن أهل العلم من ذهب إلى وجوب الكفارة في اليمين الغموس.
ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 100256.
وننبه إلى أن في المعاريض مخرج عن الوقوع في الكذب، فيمكن المصير إليها عند الحاجة بدلا من الوقوع في الكذب. وراجع الفتوى رقم: 7758.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
30 ذو القعدة 1428(19/267)
أقسم ألا يطلق امرأته ويريد أن يطلقها
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إفادتي جزاكم الله خيرا لقد حلفت على القرآن عندما تزوجت لزوجتي بأن لا أخونها وأن أكون نعم الزوج المتقي لحدود الله معها وأن لا أتزوج عليها بأخرى وأن لا أطلقها وأن لا أتراجع عن حلفي هذا ولكن الحاصل بأن الحياه مع زوجتي أخذت مجرى آخر وأصبحت الحياه بيننا لا تطاق وإني أُشهد الله على سريرة روحي قد أعطيتها الفرص وتحملتها وإني أريد الآن أن أطلقها لاستحالة الحياة بيننا أفيدوني في حلفي ما كفارته وفي وضعي مع زوجتي ماذا، إني لا أريد أن أبغض الله مني بارك الله فيكم؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا ابتداء ننصح الأخ السائل بعدم التعجل في الطلاق، وليسع إلى الإصلاح ما استطاع، فإن تعذرت الحياة مع زوجته بعد ذلك فله أن يطلقها، وعليه كفارة يمين لحنثه في يمينه بأنه لا يطلقها، وتلك اليمين لا تحرم عليه الطلاق، وإنما تلزمه بها كفارة يمين إذا وقع الطلاق، وقوله بأنه حلف أيضا أن لا يتراجع عن حلفه إن كان مقصوده به أنه حلف أن لا يحنث في يمينه فإنه تلزمه كفارتان لليمين حينئذ، الأولى لحنثه بالطلاق، والثانية لحنثه بحنثه في اليمين، ولكن هل تتداخل الكفارتان إن لم يكفر عن أحدهما بعد فتكفي كفارة واحدة لأن موجبهما واحد وهو اليمين بالله، أم تلزمه كفارتان ولا تتداخلان في ذلك خلاف بين الفقهاء، جاء في الموسوعة الفقهية: (اختلف الفقهاء فيما يجب بالحنث في الحلف بأيمان متعددة على أمور شتى، نحو أن يقول: والله لا أدخل دار فلان، والله لا أكلم فلانا ففعل ذلك كله على قولين:
القول الأول: أنه يجب على الحالف لكل يمين كفارة، وإليه ذهب الحنفية والمالكية والشافعية، وهو ظاهر كلام الخرقي، ورواية عن أحمد.
القول الثاني: أنه يجب على الحالف كفارة واحدة، وبه قال أحمد في رواية ابن منصور، قال القاضي: وهي الصحيحة وهو قول محمدٍ من الحنفية. اه ـ
وعلى قول الجمهور فإنه يلزم الأخ السائل كفارتا يمين إحداهما على حنثه في الطلاق، والثانية على حنثه في يمينه أنه لن يحنث وهذا القول هو الذي نرى رجحانه فالأخذ به أولى وأحوط.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
29 ذو القعدة 1428(19/268)
لا يلزم ممن حلف على عدم فعل أمر ففعله أن يكون متعمدا الكذب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع فى مؤذن يحفظ القرآن كاملا ويؤم المصلين أنكر فعلا ما وهو يحلف بالله وأنا شاهدته يفعله (يمين غموس والمعروف أنه من الكبائر) ، ولم يقبل التوبة أمام نفس الشهود على اليمين أو غيرهم، فهل يجب تنحيته عن الإمامة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 18067 والفتوى رقم: 68836 حكم الصلاة خلف الفاسق والكذاب، وما ينبغي أن يفعل مع الإمام الكذاب، ونضيف هنا أنه لا يلزم من حلفه على عدم فعل أمر فعله أن يكون متعمداً الكذب، وأن تكون يمينه يمين غموس لإمكان نسيانه لما قام به، كما لا يشترط في صحة التوبة أن تكون أمام الشهود، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 4603.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 ذو القعدة 1428(19/269)
حلف كذبا ليخلص أخته من ظلم كانت ستقع فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كنت أشتغل بشركة طبية أنا وأختي وكنا نعمل بكل أمانة وأتى واحد واشترى الشركة وكنت أعمل بتوصيل البضاعة إلى المستشفيات وفي يوم من الأيام قمت بنقل ثلاثه طلبيات إلى 3 مستشفيات حيث إني وصلت اثنتين والثالثة لم يقبلوا استلامها إلا بعد فتره من الزمن 20 يوما حيث إنني قمت بوضع البضاعة عندي بالبيت لحين استلامها وبعدها مباشرة قمت بالسفر إلى بلد آخر ونسيت موضوع البضاعة، وبعدها قام مدير الشركة الجديد بالتحري فوجد أن البضائع لم تصل إلى المستشفى حيث قام بالفور بإبلاغ الجهات الأمنية واتهامي أنا وأختي بسرقة البضاعة، وفي حينها قام أخي وأرسل البضاعة إلى المستشفى، المهم أنا تنازل عني وبقيت الشكوى قائمه على أختي ليضرها لأنه باعتقاده أنها هي التي باعت الشركة وضحكت عليه بما أنها نائبة المدير السابق، وبعد ذلك أنا رجعت من السفر وطلبوني للشهادة في المحكمة حيث إنني حلفت على القرآن أنني أنا الذي استلمت وأنا سلمت البضاعة لكي أبعد أي تهمه عنها، وهذه قصتي يا شيخنا لا أعرف ما هي الكفارة لها؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فملخص ما فهمناه من السؤال هو أنك تعمل في توصيل البضاعة إلى المستشفيات، وأنك في أحد الأيام كان عندك ثلاث طلبات، أوصلت منها اثنتين ولم توصل الثالثة، لأنهم لم يقبلوا منك استلامها إلا بعد أن تمضي عشرون يوماً، ثم قمت بوضع تلك البضاعة في البيت في انتظار الوقت الذي يحين فيه استلامها، وفي أثناء ذلك سافرت ونسيت الموضوع، ولما اطلع المدير على أن البضاعة لم تصل، رفع شكوى إلى الجهات الأمنية ضدك وضد أختك يتهمكما فيها بالسرقة، ثم أوصل أخوك البضاعة إلى المستشفى وعفا المدير عنك دون أختك، فأردت أنت تخليص أختك من ذلك فحلفت على المصحف أمام المحكمة أنك أنت الذي استلمت البضاعة، وأنك سلمتها إلى الجهة المراد توصيلها إليها.
فإن كان هذا هو الذي أردت كتابته في السؤال، فإن ما حلفت عليه لم يختلف عن واقع المسألة إلا في أنك أنت الذي أوصلت البضاعة، والصحيح أن أخاك هو الذي أوصلها، وكان في الإمكان أن تذكر القصة بحقيقتها، لأن تأخير الإيصال كان بسبب الجهة المرسل إليها، ولأنك أنت سافرت فلم تعد مسؤولاً عن الإيصال قبل أن تعود، وعلى أية حال فإن الحلف على الكذب ذنب عظيم وإثم كبير، ولا سيما إذا كان مغلظاً بإحضار المصحف والحلف عليه، ومن حلف بالله كاذباً متعمداً فقد ذهب الجمهور إلى أنه لا كفارة عليه، إذ أنه أتى بذنب أعظم من أن تمحو أثره مجرد كفارة يمين، وإنما الواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى مما ارتكبه وتجرأ عليه.
وذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى وجوب الكفارة عليه، لعموم قوله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ {المائدة:89} ، ولعل الجمع بين التوبة والكفارة أسلم، إعمالاً للنصوص كلها، وخروجاً من خلاف أهل العلم ولأن موجب كل من التوبة والكفارة قائم فلا يغني أحدهما عن الآخر.
أما بالنسبة للحلف على الكذب فقد رُخص فيه فيما إذا تعين للوصول إلى حق أو لدفع ضر بحيث لا يتحقق ذلك بدون الكذب، والدليل على جواز الكذب في هذه الحال حديث أم كلثوم رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً، أو يقول خيراً. متفق عليه.
وبما أنك ذكرت أن الحامل لك على الحلف هو رجاء تخليص أختك من ظلم كانت ستقع فيه، فنرجو أن لا يكون عليك من حرج في هذه اليمين، وعليك أن تكفر عن اليمين احتياطاً كما قدمنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 ذو القعدة 1428(19/270)
الحلف كذبا إذا كان لضرورة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا الآن حكيت للشباب كلاما، والشباب نقلوا الكلام للناس المعنيين، وأنا قلت للشباب لم أحك الكلام ووصل الأمر أني أريد أن أحلف يمينا بأني لم أحك للشباب الكلام، وهذا كلام يمس أمورا خطيرة في العسكرية، فهل يجوز أن أحلف بأني لم أحك؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الأصل حرمة الحلف كذباً فالواجب الابتعاد عنه ما أمكن، وإذا كان ترك هذا الحلف يترتب عليه الفصل من وظيفة أنت محتاج إليها بشدة أو يترتب عليه سجن أو ضرب يشق تحملهما ولا سبيل للتخلص من ذلك بتورية أو نحوها جاز الإقدام على الحلف الكاذب للضرورة بشرط أن لا يترتب على ذلك إلحاق ضرر بشخص آخر بريء، ولا تلزم كفارة فيه عند أكثر العلماء، والاحتياط إخراج كفارة يمين خروجاً من خلاف أهل العلم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما أقدم عليه الشباب المذكورون من نقل كلامك إلى المعنيِّ به يعتبر من قبيل النميمة، وهي محرمة ومن كبائر الذنوب كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 98686.
والأصل حرمة الحلف الكاذب فالواجب الابتعاد عنه ما أمكن ذلك، وإذا كان عدمه سيترتب عليه مفسدة ظاهرة كالفصل من وظيفة أنت في شدة الحاجة إليها أوسيترتب عليه سجن أو ضرب يشق تحملهما ولا يمكن التخلص من تلك الورطة بحيلة أو تورية أو نحو ذلك جاز لك حينئذ الإقدام على الحلف كذباً للضرورة بشرط أن لا يترتب على ذلك إلحاق ضرر بشخص آخر بريء، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 100903.
ولا كفارة عليك في هذه الحالة عند أكثر العلماء، والاحتياط إخراج كفارة يمين خروجاً من خلاف أهل العلم، كما سبق في الفتوى رقم: 7258.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 ذو القعدة 1428(19/271)
هل يجزئ وضع الكفارة في صندوق المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[حلفت يمينا على شيء معين ثم حصل ظرف وأخلفت اليمين، أعلم أن الكفارة هي إطعام عشرة مساكين، لكن لا أعرف بيوت فقراء بالمنطقة، هل يجوز وضع الكفارة في صندوق المسجد؟]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
الظاهر أن وضع كفارة اليمين في صندوق المسجد غير مجزئ إلا إذا كان الصندوق خاصا بجمع الكفارات ونحوها مما لا يصرف إلا للفقراء، وكان القائمون عليه محل ثقة وعلى علم بذلك أيضا، مع التنبيه على أن القيمة في كفارة اليمين غير مجزئة عند الجمهور بل لا بد من الطعام أو الكسوة، وعند أبي حنيفة لا مانع من ذلك ومثله في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية إذا كان في إخراجها قيمة مصلحة للفقير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الظاهر أن وضع الكفارة في صندوق المسجد لا يجزئ وذلك لأنها لم تدفع للفقراء أنفسهم، ولا إلى ثقة يوصلها لهم، اللهم إلا إذا كان الصندوق خاصا بجمع الكفارات ونحوها مما لا يجوز صرفه إلا للفقراء وكان القائمون عليه محل ثقة وعلى علم بذلك، فلا مانع من ذلك، لكن الأحوط هو أن يدفعها الشخص بنفسه للفقراء، أو يوكل ثقة بذلك، مع التنبيه على أن كفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم المكفر أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. ويكفي في إطعام المسكين إعطاؤه كيلو ونصف من الطعام أرزا أو غيره، ولو أطعمت كل مسكين من العشرة مرتين غداء وعشاء كفى ذلك عند بعض أهل العلم، وتفعل هذا للمساكين العشرة، ويكفي في الكسوة ثوب تصح فيه الصلاة.
هذا؛ وإذا لم يجد السائل مساكين يدفع إليهم ذلك، جاز له أن يوكل إحدى الجمعيات الخيرية لتقوم نيابة عنه بالإطعام أو الكسوة، ولا ينبغي إخراج الكفارة قيمة لأن ذلك غير مجزئ عند جمهور الفقهاء كما سبق أن أوضحنا في الفتوى رقم: 11100، وإذا دعت الحاجة إلى إخراجها فلوساً بأن كان ذلك أنفع للفقير أو لم يوجد من يأخذها طعاماً جاز إخراج قيمتها عند أبي حنيفة وشيخ الإسلام ابن تيمية إذا كان في ذلك مصلحة للفقراء.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
10 ذو القعدة 1428(19/272)
مذاهب العلماء في إخراج كفارة اليمين أو الفدية دقيقا أو قمحا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجزئ إخراج كفارة اليمين دقيقا أو قمحا ما يعادل نصف صاع عن كل مسكين ما يقارب 15 كيلو، والذي أفطر في رمضان لكبر سنه هل يستطيع إخراج 45 كيلو من دقيق أو قمح فدية لفطره؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكفارة اليمين تخرج من غالب طعام أهل البلد، ويجزئ فيها نصف صاع من القمح، أما إخراجه دقيقاً فلا يجزئ عند المالكية والشافعية خلافاً للحنفية والصحيح عند الحنابلة، ففي المدونة للإمام مالك: قال مالك: لا يجزئ السويق ولا الدقيق في صدقة الفطر، ولا أرى أن يجزئ الدقيق والسويق في شيء من الكفارات. انتهى.
وفي كتاب الأم للإمام الشافعي: (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ويجزئ في كفارة اليمين مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم من حنطة، ولا يجزئ أن يكون دقيقاً ولا سويقاً. انتهى.
وفي الإنصاف للمرداوي الحنبلي: قوله (ودقيقهما وسويقهما) يعني دقيق البر والشعير وسويقهما، فيجزئ إخراج أحدهما، هذا الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب. انتهى.
وفي المبسوط للسرخسي الحنفي: وإن اختار التمليك أعطى كل مسكين نصف صاع من بر، أو دقيق، أو سويق، أو صاعاً من تمر، أو صاعا من شعير، لا يجزئه دون ذلك عندنا. انتهى.
وعليه؛ فإجزاء إخراج الدقيق هنا محل خلاف بين أهل العلم، وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام كيلا، أما تقديره بالوزن فيختلف باختلاف الطعام الموزون، ونصفُ صاع من القمح يقدرونه بكيلو ونصف كما أفتت بذلك اللجنة الدائمة للإفتاء، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 11715 وبناء على ذلك يجزئ في كفارة اليمين إخراج خمسة عشر كيلو من القمح.
والعاجز عن صيام رمضان لكبر سن تلزمه فدية، وقدرها مدُّ من طعام قدره ملء اليدين المتوسطتين لا مقبوضتين ولا مبسوطتين، وهذا المد هو ربُع الصاع النبوي، وبناء على الفتوى السابقة للجنة الدائمة للإفتاء فإن مقدار هذه الفدية من القمح وزناً يقدر بـ 750 جراماً تقريباً تخرج عن كل يوم من أيام الصيام، وبالتالي فإن 45 كيلو من القمح أكثر من الفدية اللازمة، فيجزئ عن الواجب، والزيادة فيها أجر الصدقة إن شاء الله تعالى، وللمزيد من ذلك راجع الفتوى رقم: 26376.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 ذو القعدة 1428(19/273)
حكم إخراج المصحف من البيت بقصد الحلف عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة منذ أيام جاءتت فتاة إلي تطلب مني المشاركة في مسابقة وتقول إن الربح فيها مضمون فطلبت منها أن تحلف على المصحف فأخرجته من المنزل وسمعت أني أنا التي ستحاسب لأني أخرجت المصحف من البيت، فهل هذا صحيح؟ وجزاكم الله ألف خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا أن هناك ضوابط شرعية لازمة لجواز المسابقات، فإذا توفرت هذه الضوابط جاز الاشتراك في المسابقة وإن لم تتوفر فالاشتراك فيها لا يجوز، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 26712، والفتوى رقم: 46497، والفتوى رقم: 32493.
ولا حرج في إخراج المصحف من المنزل لغرض الحلف عليه أو لغير ذلك من الأغراض المباحة، ولا إثم في ذلك عليك ولا على صديقتك، وننبه إلى أن الحلف بوضع اليد على المصحف لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، فالأولى تركه، كما لا ينبغي للمسلم أن يعتاد كثرة الحلف ولا سيما في غير الأمور الهامة، وراجعي في تفصيل ذلك الفتوى رقم: 36839، والفتوى رقم: 31103.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
07 ذو القعدة 1428(19/274)
تلزمك كفارة اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي استفسار جزاكم الله خيراً ... يتعلق بالعادة القبيحة، عندما كنت في 15من عمري قمت بها وكل ما قمت بها أندم عليها وأعزم على عدم المعاودة ولكن سرعان ما أعود، لكن تفاديتها في رمضان ذلك العام، وفي إحدى المرات فعلتها، وقلت لن أتخلص منها إلا بجهد، فأقسمت وقلت "لن أعاودها" ولم أفعلها للآن، والحمد لله، فما حكم الحلف وفي إحدى المرات استلقيت على بطني فخرج بسبب الاحتكاك، فما هو الحكم، أفيدوني؟ بارك الله فيكم.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فالعادة السرية محرمة، ويلزمك البعد عنها بأصل الشرع وباليمين الذي حلفته، وما ذكرته من الاستلقاء والاحتكاك إن كنت قد فعلته بعد اليمين فتلزمك كفارة اليمين، ونسأل الله أن يتوب عليك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعادة السرية محرمة كما ذكرنا ذلك في الفتوى رقم: 7170، ومن حلف على تركها فإن يمينه يمين منعقدة ويلزمه برها بترك العادة السرية وعدم فعلها، والمسلم إذا حلف على ترك محرم فقد أضاف إلى الواجب بأصل الشرع ما أوجبه على نفسه من البعد عنها، لأنه يجب عليه البر في يمينه.
وما دام الأخ السائل لم يعد لتلك العادة السيئة بعد يمينه فإنه لا تلزمه كفارة، فإن فعلها لزمته التوبة والكفارة المذكورة في الفتوى رقم: 58227.
وما ذكره السائل من استلقائه ... إلخ فهذا يعتبر من العادة السرية وإن لم يستعمل يده لأنه استمناء محرم، وعلى هذا فإن كان هذا وقع منه بعد اليمين فقد حنث في يمينه وتلزمه الكفارة المذكورة في الفتوى المشار إليها، وما دام قد عزم على عدم العودة وندم على تلك الذنوب فنرجو من الله أن يغفرها له، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الندم توبة. رواه أحمد وابن ماجه.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
02 ذو القعدة 1428(19/275)
الحلف الكاذب للضرورة.. رؤية شرعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل مندوب مبيعات وعندما طلبت الإجازة من المدير (مع العلم أن إجازتي مستحقة منذ شهرين حسب العقد الموقع بيننا الذي انتهى منذ شهرين أيضا) طلب مني أن أحلف على القرآن الكريم أني سوف أعود للعمل عنده بعد العودة من الإجازة وإن لم أحلف لا يعطيني كامل حقوقي المالية ليضمن عودتي إليه بعد الإجازه وأنا قد نويت من قبل عدم العودة إليه لأن العمل عنده سيئ جدا بالنسبة للرواتب والعمولة والمعاملة أيضا
فهل أنا عندما أحلف له يمينا على القرآن أني سأعود ولم أعد فهل أنا آثم وعلّي كفارة مع العلم أني لم أحلف اليمين بعد وماذا علّي أن أفعل؟
وجزاكم الله عنا كل خير.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان العقد الذي بينك وبين جهة العمل قد انتهى، ومنعك هذا المدير مما تستحقه من الإجازة والمستحقات المالية، ولم تجد وسيلة لدفع ظلمه عن نفسك إلا بأن تحلف على العودة إلى العمل -كما طلب- فلك أن تحلف وتوري في يمينك؛ كأن تنوي بالعودة إلى العمل بعد الإجازة العودة إلى استئناف الجد والنشاط أو نحو ذلك مما يسميه العلماء معاريض، ويقولون: في المعاريض مندوحة عن الكذب، علما بأنك لو اضطررت للحلف بدون تورية لاستخلاص مالك جاز ذلك إن شاء الله.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية تحت عنوان: الترخيص في اليمين الغموس للضرورة:
إن حرمة اليمين الغموس هي الأصل، فإذا عرض ما يخرجها عن الحرمة لم تكن حراما، ويدل على هذا.
(أولا) قوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النحل:106}
فإذا كان الإكراه يبيح كلمة الكفر فإباحته لليمين الغموس أولى.
(ثانيا) آيات الاضطرار إلى أكل الميتة وما شاكلها، كقوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {البقرة: 173} .
فإذا أباحت الضرورة تناول المحرمات أباحت النطق بما هو محرم ...
وقال الشيخ ابن باز: لو دعت الضرورة أو المصلحة الراجحة إلى الحلف الكاذب فلا حرج في ذلك لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي المعيط رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم - قال: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيرا أو ينمي خيرا، قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث: الإصلاح بين الناس، والحرب، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها. رواه مسلم في الصحيح.
وراجع الفتوى رقم: 7432، والفتوى رقم: 67765.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 شوال 1428(19/276)
جواب شبهة حول حل اليمين الكاذبة عند الضرورة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت فى فتواكم رقم 97510 أن "ولا يتعمد الإقدام على الحلف كذباً، فإن عجز عن ذلك وكان عدم حلفه يترتب عليه ضرر يشق تحمله كسجن مثلاً فيباح له الحلف الكاذب حينئذ للضرورة" ألا يعتبر هذا الحلف يمين غموس، وإذا كان لا يعتبر فهل يمكن إعطائي مثالا على الضرورة المبيحة للحلف كذبا؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاليمين الغموس هي اليمين الكاذبة التي تهضم بها الحقوق، أو التي يقصد بها الفسق والخيانة، وقد ذكر العلماء أنها إنما سميت غموساً لأنها تغمس صاحبها في النار أو في الإثم، عبروا مرة بالانغماس في النار، ومرة بالانغماس في الإثم، ولا منافاة ولا تعارض بين العبارتين، لأن الانغماس في الإثم سبب في الانغماس في النار.
ومن هذا التعريف والتعليل يتبين لك أن من كان عدم حلفه يترتب عليه ضرر يشق تحمله كسجن مثلاً، فإنه يباح له الحلف الكاذب للضرورة، وأن هذا لا يعتبر يميناً غموساً، لأن اليمين الغموس هي ما كان لهضم الحقوق أو ما قصد بها الفسق والخيانة، وليس هذا منها، وأما الضرورة المبيحة للحلف كذباً فإن أمثلتها كثيرة، ويمكن أن تعتبر منها ما ورد في الفتوى التي أشرت إلى رقمها، أي أن من عرف أنه إن صدق في حديثه فإنه سيظلم ويفعل به من العقوبة ما يشق عليه تحمله فإن له أن لا يصدق في حديثه، وإن استُحلف على ذلك جاز له أن يحلف، وقد بينا من قبل أن الأفضل له هو استعمال المعاريض، لأنها مندوحة عن الكذب.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 شوال 1428(19/277)
حكم الحلف كذبا عند القاضي للحصول على الحق
[السُّؤَالُ]
ـ[شاركت أحد الأشخاص بمحل تجاري ووضعت قواعد للمحاسبة بفواتير للشراء والبيع وكتبت عليه سند سحب وبنهاية العام رجعت إلى البلد (مع العلم أني مغترب) ووجدته لم يسجل أي وصولات للشراء أو للبيع أو ربما أخفاها ولم يسجل إلا في دفتر البيع ما أراد حتى أظهر أنه قد خسر في تجارته مع العلم أنه في السنة الماضية ربح المحل مبلغا كبيرا وسألت جيران المحل فأكّد الجميع أنهم قد ربحوا أكّد المحاسب تلاعب هذا الرجل فاعتمدت معه مبدأ الحيلة كي أستطيع الحصول على ما أستطيع من حقي وجاء لي برجل من طرفه كان قد شاركه في الخفاء واشترى مني المحل بأقل من ثمنه ورضيت لأني لن أستطيع أن أبيع إلا برضا الشريك والرأسمال كان 400ألف وأظهر أنه خسر 300 ألف والباقي من رأسمالي سيعطيني إياه ولكنه عاد وقال إنه سيبيعهه لشريكه ويعطيني ثمنه على دفعات وسندات ورضيت تحت الأمر الواقع ولكني الآن رفعت عليه قضية في المحكمة بالسند الذي أعطاني إياه وحجزت على المحل لدفع المبلغ وهو 400ألف واعتبرت السندات التي أعطاني إياها بمثابة أقل ربح يمكن أن أحصل عليه مع العلم أن السنة الماضية كنت قدربحت ضعف هذا المبلغ فهل أنا على حق وهل يجوز لي أن أقسم أمام المحكمة أني لم آخذ منه شيئا لو اضطررت لأحصل على حقي وبغير هذه الطريقة لن أستطيع الحصول على حقي قانونيا.
جزاكم الله خيرا وأرجو الإفادة.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
فلا يجوز لك الحلف كذبا عند القاضي ولو صح ما ذكرت من خيانة شريكك وقصدت بذلك التوصل إلى حقك، بل ولا تنفعك التورية أو التأويل في مثل ذلك باتفاق الفقهاء.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك الحلف كذبا عند القاضي ولو صح ما ذكرت من خيانة شريكك وقصدت بذلك التوصل إلى حقك بل ولا تنفعك التورية أو التأويل في مثل ذلك، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمينك على ما يصدقك به صاحبك - وفي رواية: اليمين على نية المستحلف.
قال الإمام النووي: اليمين على نية الحالف في جميع الأحوال إلا إذا استحلفه القاضي أو نائبه في دعوى توجهت عليه فتكون اليمين على نية المستحلف وهو مراد الحديث أما إذا حلف بغير استحلاف القاضي أو نائبه في دعوى توجهت عليه فتكون اليمين على نية الحالف.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: إذا استحلفه الحاكم لفصل الخصومة، فإن يمينك على ما يصدقك به صاحبك، والنية للمستحلف في مثل هذا باتفاق المسلمين ولا ينفعه التأويل وفاقا.
وقال فضيلة الشيخ وهبة الزحيلي في الفقه الإسلامي وأدلته: أما في حال التحليف فقد اتفق الفقهاء على أن اليمين في الدعاوى تكون بحسب نية المستحلف.
وقال في التعليل لذلك: يلاحظ أن العبرة في الحلف بنية القاضي المستحلف للخصم، لقوله صلى الله عليه وسلم: «اليمين على نية المستحلف» ، وقد حمل هذا الحديث على الحاكم؛ لأنه الذي له ولاية الاستحلاف، فلو أخذ بنية الحالف، لبطلت فائدة الأيمان وضاعت الحقوق؛ إذ كل أحد يحلف على ما يقصد، فلو ورى الحالف في يمينه، بأن قصد خلاف ظاهر اللفظ عند تحليف القاضي، أو تأول أي اعتقد خلاف نية القاضي، أو استثنى الحالف، كقوله عقب يمينه: «إن شاء الله» ، ووصل باللفظ شرطا، مثل: إن دخلت الدار، بحيث لا يسمع القاضي كلامه، لم يدفع ما ذكر إثم اليمين الفاجرة، وإلا ضاع المقصود من اليمين وهو حصول الهيبة من الإقدام عليها.
وراجع للأهمية الفتوى رقم: 80833،، والفتوى رقم: 8168، والفتوى رقم: 50829.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
17 شوال 1428(19/278)
حكم من حلف على أمر يظنه كما حلف فلم يكن
[السُّؤَالُ]
ـ[أعطاني أحد الزملاء شيئاً فقلت له شكراً والله معي مثله في جيبي ومددت يدي في جيبي فلم أجده واكتشفت أني نسيته بالمنزل، فهل هذا قسم يوجب الكفارة أم هو من قبيل لغو اليمين؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من حلف على شيء يظنه كما حلف فلم يكن فلا كفارة عليه، لأن هذا من لغو اليمين، قال الله تعالى: لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ {البقرة:225} ، ولذلك فإنه لا كفارة عليك، ولا إثم فيما ذكرت إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 شوال 1428(19/279)
حكم من حلف كذبا لدفع ضرر
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي غاضب من أخي وقد طرده من البيت منذ فترة وفي يوم غضب مني ومن أخي الأكبر مني لأنه عتقد بأننا كنا مع أخينا المطرود وكان أبي بحالة نفسية سيئة وغاضب جدا منا وهو أصلاً عنده القلب وارتفاع الضغط والسكر وفي ذلك اليوم سألنا إن كنا مع أخينا أو لا فأنكرنا ذلك، ولكنه لم يقتنع فأحضر المصحف وطلب منا وضع أيدينا على المصحف وأن نحلف بأننا لم نره ففعلنا خوفاً منا عليه، ونحن نادمون على ما فعلنا ويعلم الله أننا ما فعلنا ذلك إلا اتقاء لغضبه، فماذا نفعل؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من شك في أن الحلف على الكذب ذنب عظيم وإثم كبير، ولا سيما إذا كان مغلظاً بإحضار المصحف والحلف عليه، ومن حلف بالله كاذباً متعمداً فقد ذهب الجمهور إلى أنه لا كفارة عليه، إذ أنه أتى بذنب أعظم من أن تمحو أثره كفارة يمين، وإنما الواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى مما ارتكبه وتجرأ عليه.
وذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى وجوب الكفارة عليه، لعموم قوله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ {المائدة:89} ، ولعل الجمع بين التوبة والكفارة أسلم، إعمالاً للنصوص كلها، وخروجاً من خلاف أهل العلم، ولأن موجب التوبة والكفارة قائم، فلا يغني أحدهما عن الآخر، والله آعلم.
أما بالنسبة للحلف على الكذب فقد رُخص فيه فيما إذا تعين للوصول إلى حق أو لدفع ضر بحيث لا يتحقق ذلك بدون الكذب، والدليل على جواز الكذب في هذه الحال حديث أم كلثوم رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً، أو يقول خيراً. متفق عليه.
وبما أنك ذكرت أن أباك كان في حالة نفسية سيئة، وأنه في الأصل مصاب بمرض القلب وارتفاع الضغط والسكري، وأنكما ما حلفتما إلا خوفاً عليه من تفاقم أزمته ... فليس من شك في أن هذه مصلحة تلزم مراعاتها من الأب، وبالتالي فلا نرى عليكما ذنباً فيما صدر منكما من اليمين، وكان عليكما أن تستعملا التورية في اليمين بأن تتلفظا بكلام يحتمل أكثر من وجه، فتقصدون شيئاً ويفهم السامع شيئاً آخر، وفي هذا المقام لو قلتم: ما رأيناه تقصدون لم نصب رئته بضرب ونحوه فهذا من التورية، وعليكما الآن أن تكفرا عن يمينكما احتياطاً كما قدمنا.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
11 شوال 1428(19/280)
يجب قطع العلاقة المحرمة والتكفير عن اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ولقد أحببت فتاة ولكن لا أستطيع التقدم لخطبتها بسبب ظروفي ولقد حرم الإسلام العلاقة إذا لم يكن هناك رابط شرعي بين الرجل والمرأة، ولي سؤال وهو أني أريد ترك هذه العلاقة بسبب هذا التحريم ولكن أنا قمت بحلف اليمين ووضعت يدي على القرأن وقلت إني لن أتركها هل إذا تركت هذا الأمر يقع علي إثم.
ساعدوني أثابكم الله وجزاكم كل خير وأرجو الرد علي بأسرع وقت ممكن.]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن حلف بالمصحف كمن حلف بالله، لأن القرآن كلام الله الذي هو صفة من صفاته وانظر الفتوى رقم: 9573.
وقد سبق حكم الحب قبل الزواج في الفتوى رقم: 4220، وإذا علمت أن بقاءك على علاقة مع هذه الفتاة لا يجوز فإن عليك ترك هذه العلاقة والحنث في اليمين والتكفير عنها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه. رواه البخاري. وقال: لا نذر في معصية الله. رواه أحمد ومسلم.
وراجع الفتوى رقم: 61336. وانظر كفارة اليمين في الفتوى رقم: 2053
والله أعلم
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
25 رمضان 1428(19/281)
قيمة الوجبة في كفارة اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت فى الفتوى رقم 204 أنه يجوز في كفارة اليمين تقديم وجبة غداء أو عشاء لكل مسكين، فهل يجب أن تكون الوجبة قيمتها مساوية لقيمة نصف الصاع من الأرز أو يجوز أن تكون القيمة أقل من ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المكفر عن يمينه إذا اختار أن يطعم عشرة مساكين فالمطلوب منه أن يشبعهم مرتين، نص على ذلك بعض أهل العلم كالأحناف والمالكية، بقطع النظر هل قيمة ذلك مساوية لنصف صاع من الأرز أو أكثر أو أقل.
وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 42090.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
26 رمضان 1428(19/282)
حلف على غيره ألا يفعل أمرا ففعله جاهلا بيمينه
[السُّؤَالُ]
ـ[حلفت يمينا لشخص أن لا يفعل كذا ففعل ولم يسمع أني حلفت اليمين، فما حكم ذلك؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان القصد من اليمين منع الشخص المذكور من فعل ذلك الأمر وقصد إعلامه بذلك وكان المحلوف عليه ممن يبالي بيمين الحالف كزوجته أو صديقه مثلاً ولم يعلم باليمين فلا يقع الحنث بفعل المحلوف عليه، لأنه فعل ذلك جاهلاً يمين الحالف.
وإن لم يقصد إعلامه ولا منعه من ذلك أو كان ممن لا يبالي بيمين الحالف فإن الحنث يقع على كل حال. جاء في متن المنهاج في الفقه الشافعي: ولو علقه بفعله ففعله ناسياً للتعليق أو مكرهاً لم تطلق على الأظهر أو (علقه) بفعل غيره ممن يبالي بتعليقه وعلم به فكذلك وإلا فيقع قطعاً.
قال في تحفة المحتاج عند شرح هذا المتن نقلاً عن السبكي: ويستثنى من المنهاج ما إذا قصد إعلام المبالي، ولم يعلم فلا يحنث كما اقتضاه كلام الروضة وأصلها أي ونقله الزركشي عن الجمهور. انتهى.
هذه المسألة في يمين الطلاق لكن الذي يظهر أن اليمين بالله تعالى مثلها.
وفي الكافي في الفقه الحنبلي: ومن حلف على غيره ألا يفعل وكان المحلوف عليه ممن يمتنع بيمينه فهو في الجهل والنسيان كالحالف، وإن كان ممن لا يمتنع بيمينه كالسلطان والحاج استوى في الحنث العلم والجهل والنسيان لأنه مما لا يؤثر اليمين في امتناعه فأشبه تعليق الطلاق بطلوع الشمس. انتهى.
وفي دقائق أولي النهى بعد أن ذكر أن من حلف على غيره ممن يمتنع بيمينه أنه يتنزل منزلته في الحنث وعدمه قال: فمن حلف على نحو زوجته لا تدخل داراً فدخلتها ناسية أو جاهلة بيمينه فعلى ما سبق يحنث في طلاق وعتق فقط. انتهى..
ولبيان كفارة اليمين تراجع في الفتوى رقم: 2053.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
22 رمضان 1428(19/283)
حلف ألا يفعل العادة السرية فمس ذكره فهل يحنث
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ أنا حلفت بالله العظيم أني لن أمارس العادة السرية بنهار رمضان, واليوم نسيت ولمست ذكري بشهوة بدون أن أمارس العادة السرية, فما الحكم هل علي كفارة وهل ارتكبت ذنبا عظيم، فأرجو الإجابه على سؤالي بارك الله فيكم لأني قلق جداً؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمجرد لمس الذكر من غير عبث به لا يعتبر ممارسة للعادة السرية فيما نرى، ولا تحنث به يمين من حلف على عدم فعلها، وعلى الأخ السائل أن يتقي الله تعالى وأن يحذر من اتباع خطوات الشيطان التي قد يستدرجه بها إلى الوقوع في المحرم وإفساد الصوم والحنث في اليمين، وانظر لذلك الفتوى رقم: 1087 في بيان تحريم العادة السرية وكيفية الخلاص منها.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
18 رمضان 1428(19/284)
الحلف على ما لا يجوز وحكم الحنث فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[اجتمعت أنا وثلاثة من زملاء العمل على ألا يفشي أحدنا أسرار العمل لأحد آخر وقد أقسمنا على المصحف،
علما بأن هذه الأسرار تتعلق بمخالفات مالية يقوم بها أحد الأشخاص الثلاثة الذين أقسموا معي ولخوفهم من قيامي بالإبلاغ عن تلك المخالفات فقد أجبروني على القسم معهم ولاعتقادى بأن هذا القسم هو تعاون على الإثم وتستر على هذه المخالفات فقد نويت على الحنث بهذا القسم وقمت بإطعام عشرة مساكين للتحلل من هذا القسم، فهل ما فعلته خطأ أم صواب، فأفيدوني؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الفَتْوَى]
خلاصة الفتوى:
لا يجوز للمسلم أن يشارك في أمر يتعلق بالخيانة والاحتيال ولا أن يشارك في الاتفاق والحلف على الاستمرار في التستر على هذه الخيانة، وإن حصل منه حلف على ذلك فإن كان مكرهاً على اليمين لم تنعقد يمينه أصلاً، وإن لم يكن مكرهاً فيجب عليه أن يحنث ويكفر كفارة يمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول للأخ السائل ما كان يحق لك أن تشارك في هذا الاتفاق والحلف عليه ما دمت تعلم أنه مبني على الخيانة والتحايل على حقوق الغير، لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه في كتابه الكريم، وحيث إنك شاركت فيه وحلفت، فإن عليك أن تتوب إلى الله تعالى ويجب عليك أن تحنث وتكفر عن يمينك هذا إذا كنت لو خالفتهم ولم تحلف معهم لا يصل إليك منهم ضرر كبير مثل الضرب ونحوه، وإلا فإنك في حكم المكره ويمين المكره غير منعقدة كما سبق أن أوضحنا في الفتوى رقم: 19185.
ولبيان حد الإكراه المعتبر تراجع الفتوى رقم: 24683.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
14 رمضان 1428(19/285)